قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ فَقَالَ آنْتَ أبَا جَهْلٍ، قَالَ ابنُ عُلَيَّةَ قَالَ سُلَيْمَانُ هاكذَا قالَهَا أنَسٌ قَالَ أنْتَ أبَا جَهْلٍ قَالَ وهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قتَلْتُمُوهُ. قَالَ سُلَيْمَانُ أوْ قَالَ قتَلَهُ قَوْمُهُ. قَالَ وَقَالَ أبُو مِجْلَزٍ قَالَ أبُو جَهْلٍ فلَوْ غَيْرُ أكَّارٍ قتَلَنِي. (انْظُر الحَدِيث 3962 وطرفه) .
ذكره هُنَا مَعَ كَونه تقدم فِي أَوَائِل هَذِه الْغَزْوَة لأجل قَوْله: قد ضربه بِنَا عفراء، لِأَنَّهُ يدل قطعا أَنَّهُمَا شَهدا بَدْرًا، وهما: معَاذ ومعوَّذ الأنصاريان، وَقد مر عَن قريب، وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن كثير الدَّوْرَقِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَابْن علية هُوَ إِسْمَاعِيل ابْن إِبْرَاهِيم، وَعليَّة أمه، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَسليمَان هُوَ ابْن طرخان أَبُو الْمُعْتَمِر التَّيْمِيّ الْبَصْرِيّ.
قَوْله: (حَتَّى برد) ، أَي: مَاتَ. قَوْله: (أَنْت أَبَا جهل؟) بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام على سَبِيل التقريع، وَنصب: أَبَا جهل، على طَريقَة النداء أَو على لُغَة من جوز ذَلِك. قَوْله: (وَهل فَوق رجل قَتَلْتُمُوهُ؟) أَي: لَيْسَ فعلكم زَائِدا على قتل رجل.
قَوْله: (أَبُو مجلز) هُوَ: لَاحق بن حميد. قَوْله: (فَلَو غير أكَّار قتلني؟) أَي: لَو قتلني غير أكار، لِأَن: لَو، يَأْتِي بعْدهَا إلاَّ الْفِعْل، والأكار، بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْكَاف: الزراع والفلاح، وَكَانَ الَّذين قَتَلُوهُ من الْأَنْصَار وهم أهل الزِّرَاعَة، يُرِيد بذلك استخفافهم.
4021 - حدَّثنا مُوسَى حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ حدَّثنا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عبْدِ الله حدَّثني ابنُ عبَّاسٍ عنْ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُم لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلْتُ لأبِي بَكْرٍ انْطَلِقْ بنَا إِلَى إخْوَانِنَا منَ الأنْصَارِ فلَقِينَا مِنْهُمْ رَجُلاَنِ صالِحَانِ شَهِدَا بَدْرَاً فحَدَّثْتُ بِهِ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ فقالَ هُمَا عُوَيْمُ بنُ سَاعِدَةَ ومَعْنُ بنُ عَدِيٍّ. .
ذكره هُنَا لأجل قَوْله: (رجلَانِ صالحان شَهدا بَدْرًا) ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل الْمنْقري، وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد الْعَبْدي الْبَصْرِيّ، وَهَذَا قِطْعَة من حَدِيث السَّقِيفَة قد مر مطولا فِي الْمَظَالِم وَفِي الْهِجْرَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: (فلقينا) ، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف: فعل ومفعول (ورجلان) فَاعله. قَوْله: (عويم) ، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره مِيم: ابْن سَاعِدَة بن عائش بن قيس بن النُّعْمَان بن زيد بن أُميَّة، شهد العقبتين جَمِيعًا فِي قَول الْوَاقِدِيّ وَغَيره، وَشهد بَدْرًا وأحداً وَالْخَنْدَق، وَمَات فِي حَيَاة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل: بل مَاتَ فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ ابْن خمس أَو سِتّ وَسِتِّينَ. قَوْله: (ومعهن) ، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين وَفِي آخِره نون: ابْن عدي بن الْجد بن عجلَان بن ضبيعة البلوي، من يَلِي بن عَمْرو بن الحاف بن قضاعة، حَلِيف بن عَمْرو بن عَوْف الْأنْصَارِيّ، شهد الْعقبَة وبدراً وأحداً وَالْخَنْدَق وَسَائِر الْمشَاهد مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقتل يَوْم الْيَمَامَة شَهِيدا فِي خلَافَة أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
4022 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ سَمِعَ مُحَمَّدَ بنَ فُضَيْلٍ عنْ إسْمَاعِيلَ عنْ قَيْسٍ كانَ عَطَاءُ البَدْرِيِّينَ خَمْسَةَ آلاَفٍ خَمْسَةَ آلافٍ. وَقَالَ عُمَرُ: لأُفَضِّلَنَّهُمْ علَى مَنْ بَعْدَهُمْ.
وَجه ذكره هُنَا ظَاهر، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وَمُحَمّد بن فُضَيْل مصغر فضل بالضاد الْمُعْجَمَة ابْن غَزوَان الْكُوفِي، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم. قَوْله: (كَانَ عَطاء الْبَدْرِيِّينَ) أَي: المَال الَّذِي يعْطى كل وَاحِد مِنْهُم فِي كل سنة خَمْسَة آلَاف فِي عهد عمر وَمن بعده. قَوْله: (لأفضلنهم) من التَّفْضِيل يَعْنِي: فِي زِيَادَة الْعَطاء، وَفِيه: فضل ظَاهر للبدريين.
69 - (حَدثنِي إِسْحَاق بن مَنْصُور حَدثنَا عبد الرَّزَّاق أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه قَالَ سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقْرَأ فِي الْمغرب بِالطورِ وَذَلِكَ أول مَا وقر(17/118)
الْإِيمَان فِي الْقلب وَعَن الزُّهْرِيّ عَن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي أُسَارَى بدر لَو كَانَ مطعم بن عدي حَيا ثمَّ كلمني فِي هَؤُلَاءِ النتنى لتركتهم لَهُ) . قيل وَجه إِيرَاده هُنَا مَا تقدم فِي الْجِهَاد إِنَّه كَانَ قدم فِي سَار بدر أَي فِي طلب فداوءهم (قلت) هَذَا الْوَجْه غير ظَاهر على مَا لَا يخفى وَإِسْحَاق بن مَنْصُور بن بهْرَام الْمروزِي وَقد مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي بَاب الْجَهْر فِي الْمغرب حَدِيث جُبَير بن مطعم أَنه قَالَ سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَرَأَ فِي الْمغرب بِالطورِ قَوْله وَذَلِكَ أول مَا وقر الْإِيمَان فِي قلبِي أَي أول مَا حصل وقور الْإِيمَان فِي قلبِي إِي ثباته ووقوره وَإِن قلت تقدم بِالْجِهَادِ فِي بَاب فدَاء الْمُشْركين أَن جبيراً حِين سمع قِرَاءَته بالمغرب بِالطورِ كَانَ كَافِرًا وَقد جَاءَ إِلَى الْمَدِينَة فِي اسارى بدر وَإِنَّمَا أسلم بعد ذَلِك يَوْم الْفَتْح قلت التَّصْرِيح بِالْكَلِمَةِ والتزام أَحْكَام الْإِسْلَام كَانَ عِنْد الْفَتْح وَإِمَّا حُصُول وقور الْإِيمَان فِي صَدره فَكَانَ فِي ذَلِك الْيَوْم قَوْله " وَعَن الزُّهْرِيّ " مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الأول قَوْله " النتنى " بنونين مفتوحين بَينهمَا تَاء مثناه من فَوق وَهُوَ جمع نَتن بِفَتْح النُّون وَكسر التَّاء كزمن يجمع على زمني سمى أُسَارَى بدر الدّين قتلوا وصاروا جيفاً بالنتنى لكفرهم كَقَوْلِه تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْركين نجس} قَوْله لتركتهم أَي بِغَيْر فدَاء وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لليداتى كَانَت للمطعم وَهِي قِيَامه فِي نقض الصَّحِيفَة الَّتِي كتبتها قُرَيْش على بني هَاشم وَمن مَعَهم من الْمُسلمين حَتَّى حصروهم فِي الشّعب وَدخُول رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي جواره حِين رَجَعَ من الطَّائِف وَمَات الْمطعم قبل وقْعَة الْبَدْر وَله بضع وَتسْعُونَ سنة (وَقَالَ اللَّيْث عَن يحيى بن سعيد عَن سعيد بن الْمسيب وَقعت الْفِتْنَة الأولى يَعْنِي مقتل عُثْمَان فَلم تبقى من أَصْحَاب بدر أحد ثمَّ وَقعت الْفِتْنَة الثَّانِيَة يَعْنِي الْحرَّة فَلم تبقى من أَصْحَاب الْحُدَيْبِيَة أحد ثمَّ وَقعت الثَّالِثَة فَلم ترْتَفع وَلِلنَّاسِ طباخ) . تَعْلِيق اللَّيْث بن سعد هَذَا الَّذِي رَوَاهُ عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَصله أَبُو نعيم فِي الْمُسْتَخْرج من طَرِيق أَحْمد بن حَنْبَل عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ نَحوه قَوْله يَعْنِي مقتل عُثْمَان تَفْسِير لقَوْله الْفِتْنَة الأولى وَكَانَ مقتل عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ يَوْم الْجُمُعَة لثمان لَيَال خلت من ذِي الْحجَّة يَوْم التَّرويَة سنة خَمْسَة وَثَلَاثُونَ قَالَه الْوَاقِدِيّ وَعنهُ أَيْضا أَنه قتل يَوْم الْجُمُعَة لليلتين بَقِيَتَا من ذِي الْحجَّة وحاصروه تسع وَأَرْبَعين يَوْمًا وَقَالَ الزبير حاصروه شَهْرَيْن وَعشْرين يَوْمًا قَوْله " فَلم تبْق " بِضَم التَّاء من الْإِبْقَاء قيل هَذَا غلط لِأَن عليا وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَآخَرُونَ من الْبَدْرِيِّينَ عاشوا بعد عُثْمَان زَمَانا وَكَيف يُقَال فَلم تبْق الأولى من أَصْحَاب بدر أحدا واجيب بِأَنَّهُ ظن أَنهم قتلوا عِنْد مقتل عُثْمَان وَلَيْسَ ذَلِك مرَادا وَفِيه نظر لَا يخفى وَقَالَ الْكرْمَانِي المُرَاد عُثْمَان صَار سَببا لهلاك كثير من الْبَدْرِيِّينَ كَمَا فِي الْقِتَال الَّذِي بَين عَليّ وَمُعَاوِيَة وَنَحْوه ثمَّ قَالَ أحد نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي فَيُفِيد الْعُمُوم ثمَّ أجَاب بقوله مَا من عَام إِلَّا وَقد خص إِلَّا قَوْله تَعَالَى {وَالله بِكُل شَيْء عليم} مَعَ أَن لفظ الْعَام الَّذِي قصد بِهِ الْمُبَالغَة اخْتلفُوا فِيهِ هَل مَعْنَاهُ الْعُمُوم أم لَا وَقَالَ الدَّاودِيّ الْفِتْنَة الأولى مقتل الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قيل هَذَا خطأ لِأَن فِي زمن مقتل الْحُسَيْن لم يكن أحد من الْبَدْرِيِّينَ مَوْجُودا قَوْله " يَعْنِي الْحرَّة " تَفْسِير للفتنة الثَّانِيَة يَعْنِي الْفِتْنَة الثَّانِيَة هِيَ وقْعَة الْحرَّة أَي حرَّة الْمَدِينَة وَهِي خَارِجهَا وَهُوَ مَوضِع الَّذِي قَاتل عَسْكَر يزِيد بن مُعَاوِيَة فِيهِ أهل الْمَدِينَة فِي سنة اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ الْأَصَح أَنَّهَا كَانَت فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَكَانَ رَأس عَسْكَر يزِيد مُسلم بن عقبَة قَالَ الْمَدَائِنِي كَانَ فِي سَبْعَة وَعشْرين ألفا اثنى عشر ألف فَارس وَخَمْسَة عشر ألف راجل وَكَانُوا نزلُوا شَرْقي الْمَدِينَة فِي الْحرَّة وَهِي أَرض ذَات حِجَارَة سود وَلما وَقع الْقِتَال انتصر مُسلم بن عقبَة وَقتل سَبْعمِائة من وُجُوه النَّاس من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَن أهل الْمَدِينَة خلعوا يزِيد وولوا على قُرَيْش عبد الله بن مُطِيع وعَلى الْأَنْصَار عبد الله بن حَنْظَلَة بن أبي عَامر وأخرجوا عَامل يزِيد من بَين أظهرهم وَهُوَ عُثْمَان بن(17/119)
مُحَمَّد بن أبي سُفْيَان بن عَم يزِيد واجتمعوا على اجلاء بني أُميَّة من الْمَدِينَة فَاجْتمعُوا وهم قريب من الف رجل فِي دَار مَرْوَان بن الحكم والقصة فِي ذَلِك طَوِيلَة بسطناها فِي تاريخنا الْكَبِير قَوْله " ثمَّ وَقعت الْفِتْنَة الثَّالِثَة " كَذَا وَقع فِي الْأُصُول وَلم بَينهَا وَزعم الدَّاودِيّ أَنَّهَا فتْنَة الازارقة قيل فِيهِ نظر وَلم بَين وَجهه وَقَالَ ابْن التِّين يحْتَمل أَن يكون يَوْم خرج بِالْمَدِينَةِ أَبُو حَمْزَة الْخَارِجِي وَبِه جزم مُحَمَّد بن عبد الحكم وَكَانَ ذَلِك فِي خلَافَة مَرْوَان بن مُحَمَّد بن مَرْوَان الحكم سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَة وَكَانَ مَجِيئه من حَضرمَوْت من عِنْد عبد الله بن يحيى بن زيد مظهر خلاف مَرْوَان فِي سَبْعمِائة فَارس وَكَانَ حُضُوره فِي الْمَوْسِم وَكَانَ على مَكَّة وَالْمَدينَة والطائف عبد الْوَاحِد بن سُلَيْمَان بن عبد الْملك بن مَرْوَان فَوَقع بَينهمَا الإتفاق إِلَى أَن ينفر النَّاس النفير الْأَخير ووقعوا بِعَرَفَة وَدفع بِالنَّاسِ عبد الْوَاحِد ثمَّ مضى إِلَى الْمَدِينَة وخلى مَكَّة لأبي حَمْزَة فَدَخلَهَا من غير قتال وَلما بلغ الْخَبَر مَرْوَان انتخب من عسكره أَرْبَعَة آلَاف وَاسْتعْمل عَلَيْهِم عبد الْملك بن مُحَمَّد بن عَطِيَّة السَّعْدِيّ وَلما تلاقيا اقْتَتَلُوا فَقتل أَبُو حَمْزَة وَعَسْكَره وَالله أعلم قَوْله " وَلِلنَّاسِ طباخ " بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْخَفِيفَة وَفِي آخِره خاء مُعْجمَة أَي قُوَّة وَشدَّة وَقَالَ الْخَلِيل أصل الطباخ السّمن وَالْقُوَّة وَيسْتَعْمل فِي الْفِعْل وَالْخَيْر وَقَالَ حسان
(المَال يغشى رجَالًا لَا طباخ لَهُم ... كالسيل يغشى أصُول الدندن الْبَالِي)
والدندن بِكَسْر الدالين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون النُّون بَينهمَا هُوَ الَّذِي يسود من النَّبَات لقدمه ويروى وبالناس ويروى وَفِي النَّاس
70 - (حَدثنَا حجاج بن منهال حَدثنَا عبد الله بن عمر النميري حَدثنَا يُونُس بن يزِيد قَالَ سَمِعت عُرْوَة بن الزبير وَسَعِيد بن الْمسيب وعلقمة بن وَقاص وَعبيد الله بن عبد الله عَن حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كل حَدثنِي طَائِفَة من الحَدِيث قَالَت فَأَقْبَلت أَنا وَأم مسطح فَعَثَرَتْ أم مسطح فِي مرْطهَا فَقَالَت تعس مسطح فَقلت بئس مَا قلت تسبين رجلا شهد بَدْرًا فَذكر حَدِيث الْإِفْك) ذكره هُنَا لأجل شَهَادَة عَائِشَة لمسطح أَنه من أهل بدر وَهُوَ مسطح بِكَسْر الْمِيم ابْن أَثَاثَة بِضَم الْهمزَة وَتَخْفِيف الثائين المثلثتين ابْن عباد بن الْمطلب بن عبد منَاف بن قصي الْقرشِي المطلبي وَأمه سلمى بنت صَخْر بن عَامر بن كَعْب بن سعد ابْن تَمِيم بن مرّة وَهِي ابْنة خَالَة أبي بكر الصّديق وَيُقَال مسطح لقب واسْمه عَوْف ابْن أَثَاثَة توفّي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابْن سِتّ وَخمسين سنة وَقيل شهد مسطح صفّين وَتُوفِّي فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وحجاج بن منهال بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون ويروى الْمنْهَال بِالْألف وَاللَّام وَعبد الله بن عمر بن غَانِم النمير بِضَم النُّون وَفتح الْمِيم وَقيل النمر أَيْضا بِدُونِ التصغير الرعيني قَاضِي إفريقيا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ وَهُوَ مُسْتَقِيم الحَدِيث مَاتَ سنة تسعين وَمِائَة وَولد سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة قَالَه الدمياطي وَهُوَ الَّذِي كَانَ يكْتب للْإِمَام مَالك بن أنس فِي الْمسَائِل وَلَيْسَ لَهُ عِنْد البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث وَهَذَا طرف من حَدِيث الْإِفْك وَقد مضى فِي الشَّهَادَات فِي بَاب تَعْدِيل النِّسَاء بَعضهنَّ بَعْضًا مطولا وَمضى الْكَلَام فِيهِ مشروحاً
4026 - حدَّثنا إبرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ فُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ عنْ مُوساى بنِ عُقْبَةَ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ هَذِهِ مَغَازِي رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فذَكَرَ الحَدِيثَ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْو يُلَقِّيهِمْ هَلْ وجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقَّاً. قَالَ مُوساى قَالَ نافِعٌ قَالَ عَبْدُ الله قَالَ ناسٌ مِنْ أصْحَابِهِ يَا رسُولَ الله تُنَادِي نَاسا أمْوَاتَاً قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أنْتُمْ بأسْمَعَ لِمَا قُلْتُ مِنْهُمْ. (انْظُر الحَدِيث 1371 وطرفه) .(17/120)
ذكر هَذَا هُنَا لبَيَان مَا حمله مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب من أُمُور غَزْوَة بدر. قَوْله: (هَذِه مغازي) أَي: قَالَ ابْن شهَاب بعد أَن ذكر غزوات رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذِه الْمَذْكُورَات فِي مغازي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (فَذكر الحَدِيث) ، أَي: حَدِيث بدر. قَوْله: (وَهُوَ يُلقيهِمْ) ، بتَشْديد الْقَاف الْمَكْسُورَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: بِسُكُون اللَّام وَتَخْفِيف الْقَاف من الْإِلْقَاء، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَهُوَ يلعنهم من اللَّعْن، وَكَذَا هُوَ فِي (مغازي مُوسَى بن عقبَة) . قَوْله: (قَالَ مُوسَى) ، هُوَ ابْن عقبَة الْمَذْكُور، وَقَالَ نَافِع مولى ابْن عمر: قَالَ عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَوْله: (قَالَ نَاس من أَصْحَابه) ، قد مضى مِنْهُم هَؤُلَاءِ، وَمِنْهُم: عمر بن الْخطاب. قَوْله: (مَا أَنْتُم بأسمع لما قلت مِنْهُم) فِيهِ: دَلِيل على جَوَاز الْفَصْل بَين أفعل التَّفْضِيل وَكلمَة: من، فَافْهَم.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرَاً مِنْ قُرَيْشٍ مِمَّنْ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ أحَدٌ وثَمَانُونَ رَجُلاً وكانَ عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ يَقُولُ قَالَ الزُّبَيْرُ قُسِمَتْ سُهْمَانُهُمْ فَكانُوا مائَةً وَالله أعْلَمُ
أبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، فعلى هَذَا يكون قَوْله: (فَجَمِيع من شهد بَدْرًا) من مقوله وَلَيْسَ فِي كثير من النّسخ ذَلِك، فعلى هَذَا قَوْله: (فَجَمِيع من شهد بَدْرًا) من مقول مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب، وَبِه قَالَ الْكرْمَانِي. قَوْله: (مِمَّن ضرب لَهُ بسهمه) ، أَي: أعطَاهُ نَصِيبا من الْغَنِيمَة وَإِن لم يشهدها لعذر لَهُ، فصيره كمن شَهِدَهَا. قَوْله: (وَكَانَ عُرْوَة بن الزبير) إِلَى آخِره، إِمَّا من بَقِيَّة كَلَام البُخَارِيّ، وَإِمَّا من بَقِيَّة كَلَام مُوسَى بن عقبَة، على مَا ذكر من النسختين. قَوْله: (فَكَانُوا مائَة) أَي: من شهد بَدْرًا من قُرَيْش مائَة رجل.
4027 - حدَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ مُوساى أخبرَنَا هِشَامٌ عنْ مَعْمَرٍ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنِ الزُّبَيْرِ قَالَ ضُرِبَتْ يَوْمَ بَدْرٍ لِلْمُهَاجِرِينَ بِمائَةِ سَهْمٍ.
هِشَام الَّذِي يروي عَن معمر هُوَ هِشَام بن يُوسُف أَبُو عبد الرَّحْمَن الصَّنْعَانِيّ الْيَمَانِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، فَإِن قلت: يُعَارض هَذَا حَدِيث الْبَراء الَّذِي مضى فِي أَوَائِل هَذِه الْقِصَّة، وَهِي قَوْله: إِن الْمُهَاجِرين كَانُوا زِيَادَة على سِتِّينَ. قلت: يجمع بَينهمَا بِأَن حَدِيث الْبَراء ورد فِيمَن شَهِدَهَا حسا، وَهَذَا الحَدِيث فِيمَن شَهِدَهَا حسا وَحكما، وَيكون المُرَاد بِالْمِائَةِ فِي قَول الزبير الْأَحْرَار وَمن انْضَمَّ إِلَيْهِم من مواليهم وأتباعهم.
13 - (بابُ تَسْمِيَةِ مَنْ سُمِّيَ مِنْ أهْلِ بَدْرٍ فِي الجَامِعِ الَّذِي وضَعَهُ أبُو عَبْدِ الله علَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَسْمِيَة من سمي: أَي من جَاءَ ذكره من أهل بدر فِي (الْجَامِع) أَي: فِي هَذَا الصَّحِيح الَّذِي هُوَ جَامع لأقوال رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وأفعاله وأحواله وأيامه، وَالْمَقْصُود مِنْهُ تَسْمِيَة من علم فِي هَذَا الْكتاب أَنه من أهل بدر على الْخُصُوص لَا تَسْمِيَة الْمَذْكُورين مِنْهُم فِيهِ إطلاقاً، إِذْ كثير مِنْهُم مِمَّن لم يخْتَلف فِي شُهُوده بَدْرًا: كَأبي عُبَيْدَة بن الْجراح، لم يذكرهُ هَهُنَا، وَلَا تَسْمِيَة من روى حَدِيثا، فَإِن كثيرا من الْمَذْكُورين هَهُنَا لم يرووا حَدِيثا فِيهِ نَحْو حَارِثَة وَغَيره.
النبِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله الهَاشِمِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: أحد من سمي مِنْهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا، بَدَأَ بِهِ تيمناً وتبركاً بِهِ، وإلاَّ فكونه من أهل بدر مَقْطُوع بِهِ.
أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ عَبْدُ الله بنُ عُثْمَانَ القُرَشِيُّ. ثُمَّ عُمَرَ بنُ الخَطَّابِ العَدَوِيُّ ثُمَّ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ خَلَّفَهُ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى ابْنَتِهِ فضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ. ثُمَّ عَلِيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ الهَاشِمِيُّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم
أَي: مِنْهُم أَبُو بكر الصّديق، واسْمه: عبد الله، وَاسم أَبِيه: عُثْمَان وَهُوَ المكنى بِأبي قُحَافَة، ثمَّ عمر وَعلي، لَا خلاف فِي شهودهما بَدْرًا وَأما عُثْمَان بن عَفَّان بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة أَبُو عَمْرو، وَيُقَال: أَبُو عبد الله، وَيُقَال: أَبُو ليلى الْأمَوِي، فَإِنَّهُ لم يشْهد بَدْرًا لتخلفه على(17/121)
تمريض زَوجته رقية وَكَانَت عليلة، وَلَكِن لما ضرب لَهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسهمه وأجره عد فِي الْبَدْرِيِّينَ لذَلِك، فَلذَلِك ذكره البُخَارِيّ مَعَ أبي بكر وَعمر وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَقَدَّمَهُمْ على غَيرهم من الصَّحَابَة لشرفهم، وَفِي بعض النّسخ: قدم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَط، وَذكر البَاقِينَ بالترتيب، وَالدَّلِيل على كَون أبي بكر مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر أَخذه بيد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَوله: حَسبك، لما قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أللهم إِنِّي أنْشدك ... وَقد تقدم بَيَانه، وعَلى كَون عمر مَعَه قَوْله: يَا رَسُول الله! مَا تكلم من أجساد لَا أَرْوَاح لَهَا، وَذَلِكَ حِين قَالَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا؟ وعَلى كَون عَليّ مَعَه، قَوْله: كَانَ لي شَارف من الْمغنم يَوْم بدر، وَقد تقدم بَيَانه.
ثُمَّ إيَاسُ بنُ البُكَيْرِ
شرع فِي ذكره من سمي من أهل بدر بترتيب حُرُوف الهجاء، فَذكر فِي حرف الْألف: إِيَاس، بِكَسْر الْهمزَة وَفتحهَا وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة: ابْن البكير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة مصغر بكر وَقيل: ابْن أبي البكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غبرة بن سعد بن لَيْث اللَّيْثِيّ، خَليفَة بني عدي، شهد بَدْرًا وأحداً وَالْخَنْدَق والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يذكر فِي الْهمزَة إلاَّ إِيَاس بن البكير، وَقد شهد بَدْرًا إِيَاس آخر وَهُوَ إِيَاس بن ورقة الْأنْصَارِيّ، وَقتل يَوْم الْيَمَامَة شَهِيدا.
بِلاَلُ بنُ رَبَاحٍ مَوْلَى أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ القُرَشِيِّ
لم يذكر فِي الْبَاء إلاَّ بِلَال بن رَبَاح، بتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقد مر فِي كتاب الْوكَالَة إِذْ قَالَ بِلَال: يَوْم لَا نجوت إِن نجا أُمية بن خلف.
حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ
ذكره فِي حرف الْحَاء الْمُهْملَة جمَاعَة مِنْهُم: حَمْزَة بن عبد الْمطلب عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ الَّذِي قتل شيبَة بن ربيعَة يَوْم بدر وَقتل آخَرين أَيْضا.
حاطِبُ بنُ أبِي بَلْتَعَةَ حَلِيفٌ لِقُرَيْشٍ
من الْمَذْكُورين فِي حرف الْحَاء: حَاطِب بن أبي بلتعة، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون اللَّام وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبالعين الْمُهْملَة، واسْمه: عَمْرو اللَّخْمِيّ حَلِيف قُرَيْش وَقد ذكر فِيمَا تقدم أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَرَادَ قَتله فَقَالَ لَهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّه قد شهد بَدْرًا.
أبُو حُذَيْفَةَ بنُ عُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ القُرَشِيُّ
أَبُو حُذَيْفَة اسْمه: هَاشم، وَيُقَال: هشيم، وَيُقَال: مهشم بن عتبَة بن ربيعَة بن عبد شمس بن عبد منَاف الْقرشِي العبشمي، كَانَ من فضلاء الصَّحَابَة، شهد بَدْرًا وأحداً وَالْخَنْدَق وَالْحُدَيْبِيَة وَسَائِر الْمشَاهد مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقتل يَوْم الْيَمَامَة شَهِيدا، وَقد ذكر فِي: بَاب شُهُود الْمَلَائِكَة. قَالَ: وَكَانَ مِمَّن شهد بَدْرًا.
حارِثَةُ بنُ الرَّبِيعِ الأنْصَارِيُّ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وهْوَ حارِثَةُ بنُ سُرَاقَةَ كانَ فِي النَّظَّارَةِ
هَذَا أَيْضا فِي الْحَاء الْمُهْملَة، وَالربيع، بِضَم الرَّاء مصغر الرّبيع وَهُوَ اسْم أمه، وَاسم أَبِيه: سراقَة، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء: ابْن الْحَارِث بن عدي بن مَالك بن عدي بن عَامر بن غنم بن عدي بن النجار، وَأمه أم حَارِثَة عمَّة أنس بن مَالك، قتل يَوْم بدر، قَتله حبَان بن العرقة، وَهُوَ أول قَتِيل قتل يَوْم بدر من الْأَنْصَار، وَقد مر فِي: بَاب فضل من شهد بَدْرًا، قَوْله: كَانَ فِي النظارة، بتَشْديد الظَّاء الْمُعْجَمَة وهم الْقَوْم ينظرُونَ إِلَى شَيْء. وَكَانَ حَارِثَة ينظر مَاء بدر، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: مَا خرج لقِتَال.
خُبَيْبُ بنُ عَدِيٍّ الأنْصَارِيُّ
هَذَا فِي الْخَاء الْمُعْجَمَة، وخبيب، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عدي الْأنْصَارِيّ الأوسي من بني جحجبى بن كلفة بن عَمْرو بن عَوْف، وَقد مر فِي: بَاب فضل من شهد بَدْرًا، قَالَ: كَانَ خبيب قتل الْحَارِث بن عَامر يَوْم بدر.
خُنَيْس، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَفِي آخِره سين مُهْملَة: ابْن حذافة، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة(17/122)
وَتَخْفِيف الذَّال الْمُعْجَمَة وبالفاء: ابْن قيس بن عدي بن سعد بن سهم الْقرشِي السَّهْمِي، وَقد مر فِي الْبَاب الْمُجَرّد بعد: بَاب شُهُود الْمَلَائِكَة بَدْرًا، وَقَالَ: إِن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حِين تأيمت حَفْصَة بنت عمر من خُنَيْس بن حذافة، وَكَانَ من أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد شهد بَدْرًا، توفّي بِالْمَدِينَةِ.
رِفاعَةُ بنُ رافِعٍ الأنْصَارِيُّ
رِفَاعَة، بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْفَاء: ابْن رَافع ضد الْخَافِض ابْن العجلان بن عَمْرو بن عَامر بن زُرَيْق الْأنْصَارِيّ الزرقي، وَقد مر فِي: بَاب فضل من شهد بَدْرًا.
رفاعَةُ بنُ عَبْدِ المُنْذِرِ. أبُو لُبابَةَ الأنْصَارِيُّ
رِفَاعَة، مثل الْمَذْكُور: ابْن عبد الْمُنْذر، بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من الْإِنْذَار ضد الإبشار، أَبُو لبَابَة، بِضَم اللَّام وَتَخْفِيف الباءين الموحدتين بَينهمَا ألف: الْأنْصَارِيّ من بني عَمْرو بن عَوْف، وَتقدم فِي الْبَاب الْمُتَقَدّم آنِفا، قَالَ: حَدثهُ أَبُو لبَابَة البدري، وَقَالَ الدمياطي: إِنَّمَا هُوَ أَخُو أبي لبَابَة وَلَيْسَ بِأبي لبَابَة، وَاسم أبي لبَابَة: بشير بن عبد الْمُنْذر.
الزُّبَيْرُ بنُ العَوَّامِ القُرَشِيُّ
تقدم الزبير فِي عدَّة أَحَادِيث.
زَيْدُ بنُ سَهْلٍ أبُو طَلْحَةَ الأنْصَارِيُّ
مر فِيمَا تقدم، قَالَ: وَكَانَ بَدْرِيًّا، وَهُوَ زوج أم أنس بن مَالك وَهُوَ مَشْهُور بكنيته، مَاتَ فِي سنة إِحْدَى وَخمسين.
أَبُو زَيْدٍ الأنْصَارِيُّ
اسْمه: قيس بن السكن الْأنْصَارِيّ البُخَارِيّ، تقدم فِي حَدِيث أنس، وَكَانَ بَدْرِيًّا.
سَعْدُ بنُ مالِكٍ الزُّهْرِيُّ
هُوَ ابْن أبي وَقاص، وَلَا خلاف فِي كَونه بَدْرِيًّا، وَفِي بعض النّسخ لَيْسَ بمذكور.
سعْدُ بنُ خَوْلَةَ القُرَشِيُّ
تقدم فِي: بَاب الْفضل، قَالَ: وَكَانَ بَدْرِيًّا.
وسَعِيدُ بنُ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ القُرَشِيُّ
تقدم فِي: بَاب الْفضل، قَالَ: وَكَانَ بَدْرِيًّا.
سَهْلُ بنُ حُنَيْفٍ الأنْصَارِيُّ
حنيف مصغر حنف بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالنُّون وَالْفَاء، تقدم عَن قريب فِي حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه كبر عَلَيْهِ خمْسا، فَقَالَ: إِنَّه شهد بَدْرًا، وَفِيه كَلَام قد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
ظُهَيْرُ بنُ رَافِعٍ الأنْصَارِيُّ وأخُوهُ
ظهير، بِضَم الظَّاء الْمُعْجَمَة، وَقد تقدم فِي حَدِيث رَافع بن خديج، وَأَنه عَمه. قَوْله: (وَأَخُوهُ) أَي: أَخُو ظهير، وَلم يسمه البُخَارِيّ، واسْمه مظهر بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من الْإِظْهَار، وَقد تقدم أَنَّهُمَا شَهدا بَدْرًا.
عبْدُ الله بنُ مَسْعُودِ الهُذَلِي
بِضَم الْهَاء وَفتح الذَّال الْمُعْجَمَة، وَقد تقدم فِي أول الْمَغَازِي بِلَفْظ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر: من ينظر مَا فعل أَبُو جهل؟ فَانْطَلق ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
عُتْبَةُ بنُ مَسْعُودٍ الهُذْلِيُّ
هُوَ أَخُو عبد الله بن مَسْعُود، وَهُوَ بِضَم الْعين وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَلم يتَقَدَّم لَهُ ذكر فِيمَا مضى، قيل: وَلَا ذكره أحد مِمَّن صنف فِي الْمَغَازِي فِي الْبَدْرِيِّينَ، وَقد سقط ذكره من رِوَايَة النَّسَفِيّ وَلم يذكرهُ الْكرْمَانِي، وَقَالَ أَيْضا فِي شَرحه فِي الْعدَد. وَقَالَ أَبُو عمر: عتبَة بن مَسْعُود الْهُذلِيّ، حَلِيف بني زهرَة، أَخُو عبد الله بن مَسْعُود شقيقه، وَقيل: أَخُوهُ من أَبِيه وَالْأول أصح، شهد أحدا وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد، وَمَات بِالْمَدِينَةِ وَصلى عَلَيْهِ عمر بن الْخطاب، وَكَانَت وَفَاته قبل وَفَاة أَخِيه عبد الله.
عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ
تقدم فِي قتل أبي جهل وَغَيره، وَفِي: بَاب الْفضل، قَالَ: إِنِّي لفي الصَّفّ يَوْم بدر.(17/123)
عُبَيْدَةُ بنُ الحَارِثِ القُرَشِيُّ
عُبَيْدَة بِضَم الْعين بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب بن عبد منَاف بن قصي الْقرشِي المطلبي، وَكَانَ أسن من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعشر سِنِين، وَكَانَ لَهُ قدر ومنزلة عِنْد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَاتَ بالصفراء على لَيْلَة من بدر، وَكَانَ عتبَة بن ربيعَة قطع رجله يَوْمئِذٍ.
عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ الأنْصَارِيُّ
بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْمُوَحدَة، ذكر فِي: بَاب، بعد: بَاب شُهُود الْمَلَائِكَة بَدْرًا، بِلَفْظ: وَكَانَ شهد بَدْرًا.
عَمْرُو بنُ عَوْفٍ حَلِيفُ بَنِي عامِرِ بنِ لُؤَيٍّ
قَالَ أَبُو عمر: شهد بَدْرًا وَسكن الْمَدِينَة، وَلَا عقب لَهُ.
عُقْبَةُ بنُ عَمْرٍ والأنْصَارِيُّ
هُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ: أَبُو مَسْعُود البدري، تقدم ذكره فِي ثَلَاثَة أَحَادِيث.
عامِرُ بنُ رَبِيعَةَ العَنَزِيُّ
بِفَتْح الْعين وَالنُّون وبالزاي، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: الْعَدوي، وَكِلَاهُمَا صَوَاب، لِأَنَّهُ عنزي الأَصْل عدوى الْحلف، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى: عَامر بن الربيعة الْعَدوي، حَلِيف عمر بن الْخطاب، كَانَ بَدْرِيًّا، مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ.
عاصِمُ بنُ ثابِتٍ الأنْصَارِيُّ
تقدم فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب قتل الْأَسير، قَالَ: كَانَ قتل رجلا من عظمائهم يَوْم بدر.
عُوَيْمُ بنُ سَاعِدَةَ الأنْصَارِيُّ
عويم مصغر الْعَام، تقدم فِي حَدِيث السَّقِيفَة.
عِتْبَانُ بنُ مَالِكٍ الأنْصَارِيُّ
عتْبَان، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبالباء الْمُوَحدَة، تقدم فِيمَا بعد شُهُود الْمَلَائِكَة بَدْرًا.
قُدَامَةُ بنُ مَظْعُونٍ
قدامَة، بِضَم الْقَاف وَتَخْفِيف الدَّال: ومظعون، بالظاء الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة، وَتقدم فِي الْبَاب الْمَذْكُور.
قَتَادَةُ بنُ النُّعْمَانِ الأنْصَارِيُّ
تقدم فِي أَوَائِل الْبَاب فِي حَدِيث أبي سعيد.
مُعاذُ بنُ عَمْرِو بنِ الجَمُوحِ
معَاذ، بِضَم الْمِيم وبالعين الْمُهْملَة وبالذال الْمُعْجَمَة: ابْن عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن الجموح، بِفَتْح الْجِيم، وَقد تقدم فِي: بَاب من لم يُخَمّس الأسلاب، حَيْثُ قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سلبه أَي: سلب أبي جهل لِمعَاذ بن عَمْرو.
مُعَوِّذُ بنُ عَفْرَاءَ وأخُوهُ
معوذ، بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين وَتَشْديد الْوَاو الْمَكْسُورَة وَبِفَتْحِهَا على الْأَشْهر، وَجزم الوقشي أَنه بِالْكَسْرِ: ابْن عفراء، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْفَاء وبالراء وَالْمدّ، وَقد ذكرنَا أَن عفراء اسْم أمه، وَهُوَ معوذ بن الْحَارِث بن رِفَاعَة، قَالَ أَبُو عمر: معوذ بن عفراء هُوَ الَّذِي قتل أَبَا جهل يَوْم بدر، ثمَّ قَاتل حَتَّى قتل يَوْمئِذٍ ببدر شَهِيدا، قَتله أَبُو مسافع. قَوْله: (وَأَخُوهُ) ، واسْمه: عَوْف ابْن الْحَارِث، تقدم ذكرهمَا.
مالِكُ بنُ رَبِيعَةَ أبُو أُسَيْدٍ الأنْصَارِيُّ
مَالك بن ربيعَة بن الْبدن بن عَامر بن عَوْف بن عَمْرو بن الْخَزْرَج بن سَاعِدَة أَبُو أسيد، بِضَم الْهَمْز وَفتح السِّين: الْأنْصَارِيّ السَّاعِدِيّ، وَقَالَ أَبُو عمر: صَحَّ عَن إِبْنِ إِسْحَاق: الْبدن، بِالْبَاء المنقوطة وبالنون، شهد بَدْرًا وَغَيرهَا، وَمَات بِالْمَدِينَةِ سنة سِتِّينَ، وَقد يتَوَهَّم من لَا معرفَة لَهُ بِهَذَا الْفَنّ أَن مَالك بن ربيعَة هُوَ عطف بَيَان من قَوْله: وَأَخُوهُ، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل قَوْله: مَالك بن ربيعَة كَلَام مُسْتَأْنف، وَلَكِن لَو قَالَ بواو الْعَطف لَكَانَ أولى وَأبْعد من الْوَهم الْمَذْكُور، على أَن فِي بعض النّسخ قد وَقع(17/124)
بواو الْعَطف عِنْد بعض الروَاة.
مُرَارَةُ بنُ الرَّبِيِعِ الأنْصَارِيُّ
مرَارَة، بِضَم الْمِيم: ابْن الرّبيع، وَيُقَال: ابْن ربيعَة الْأنْصَارِيّ، من بني عَمْرو بن عَوْف، شهد بَدْرًا وَهُوَ أحد الثَّلَاثَة الَّذين تخلفوا عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك، وَلم يذكرهُ بَعضهم بِنَاء على مَا قيل: إِنَّه لَيْسَ ببدري، وَذكر فِي: بَاب الْفضل، قَالَ: ذكرُوا مرَارَة وهلالاً رجلَيْنِ صالحين شَهدا بَدْرًا.
مَعْنُ بنُ عَدِيُ الأنْصَارِيُّ
تقدم مَعَ ذكر عويم بن سَاعِدَة.
مِسْطَحُ بنُ أُثاثَةَ بنِ عَبَّادِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ مَنافٍ
مسطح، بِكَسْر الْمِيم: ابْن أَثَاثَة، بِضَم الْهمزَة والثاءين المثلثتين، وَقد تقدم عَن قريب.
مِقْدَادُ بنُ عَمْرٍ والكِنْدِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ
مقداد بِكَسْر الْمِيم، وَقد تقدم ذكره قَرِيبا.
هِلالُ بنُ أُمَيَّةَ الأنْصَارِيُّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمْ
ذكره فِي قصَّة كَعْب مَعَ مرَارَة فَجَمِيع مَا ذكره البُخَارِيّ هُنَا: أَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
14 - (بابُ حَدِيثِ بَنِي النَّضِيرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَدِيث بني النَّضِير، بِفَتْح النُّون وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة، وهم قَبيلَة من يهود الْمَدِينَة، وَكَانَ بَينهم وَبَين رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عقد موادعة، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: قُرَيْظَة وَالنضير والنحام وعمو هم أصُول بني الْخَزْرَج بن الصَّرِيح بن التومان ابْن السمط بن أليسع بن سعد بن لاوي بن خير بن النحام بن تخوم بن عازر بن عزراء بن هَارُون بن عمرَان بن يصهر بن فاهث ابْن لاوي بن يَعْقُوب وَهُوَ إِسْرَائِيل بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
ومَخْرَجِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَيْهِمْ فِي دِيَّةِ الرَّجُلَيْنِ ومَا أرَادُوا مِنَ الغَدْرِ بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ومخرج، بِالْجَرِّ عطف على، حَدِيث بني النَّضِير، أَي: وَفِي بَيَان خُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ مصدر ميمي. قَوْله: إِلَيْهِم، أَي: إِلَى بني النَّضِير، قَوْله: (فِي دِيَة الرجلَيْن) كلمة: فِي هُنَا للتَّعْلِيل أَي: كَانَ خُرُوجه إِلَيْهِم بِسَبَب دِيَة الرجلَيْن، وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَذَلِك الَّذِي لمتنني فِيهِ} (يُوسُف: 32) . وَفِي الحَدِيث: امْرَأَة دخلت النَّار فِي هرة، وَكَانَ الرّجلَانِ الْمَذْكُورَان من بني عَامر، قَالَه ابْن إِسْحَاق، وَقَالَ ابْن هِشَام: من بني كلاب، وَذكر أَبُو عمر أَنَّهُمَا من سليم، فَخَرَجَا من الْمَدِينَة وَنزلا فِي ظلّ فِيهِ عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي، وَكَانَ مَعَهُمَا عقد وعهد من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجوَار، وَلم يعلم بِهِ عَمْرو، وَقد سَأَلَهُمَا حِين نزلا: مِمَّن أَنْتُمَا؟ فَقَالَا: من بني عَامر، فأمهلهما حَتَّى إِذا نَامَا عدا عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا، وَلما قدم عَمْرو على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخْبرهُ، قَالَ: لقد قتلت قَتِيلين لأودينَّهما، فَخرج رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بني النَّضِير مستعيناً بهم فِي دِيَة الْقَتِيلين، قَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: وَكَانَ بَين بني النَّضِير وَبني عَامر حلف وَعقد، فَقَالُوا: نعم يَا أَبَا الْقَاسِم نعينك، ثمَّ خلا بَعضهم بِبَعْض، فَقَالُوا: إِنَّكُم لن تَجدوا الرجل على مثل حَاله هَذِه، وَرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جنب جِدَار من بُيُوتهم قَاعد، فَمن رجل يَعْلُو على هَذَا الْبَيْت فيلقي عَلَيْهِ صَخْرَة فَيُرِيحنَا مِنْهُ؟ فَانْتدبَ لذَلِك عَمْرو بن جحاش، بِكَسْر الْجِيم وَتَخْفِيف الْحَاء الْمُهْملَة وبالشين الْمُعْجَمَة: ابْن كَعْب أحدهم، فَقَالَ: أَنا لذَلِك، فَصَعدَ ليلقي عَلَيْهِ صَخْرَة، وَكَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نفر فيهم أَبُو بكر وَعمر وَعلي، وَزَاد أَبُو نعيم: الزبير وَطَلْحَة وَسعد بن معَاذ وَأسيد بن حضير وَسعد بن عبَادَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، قَالَ ابْن إِسْحَاق: فَأتى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخَبَر من السَّمَاء بِمَا أَرَادَ الْقَوْم، فَقَامَ وَخرج رَاجعا إِلَى الْمَدِينَة، وَهَذَا معنى قَوْله: (وَمَا أَرَادوا) أَي: وَفِي بَيَان مَا أَرَادَ بَنو النَّضِير من الْغدر برَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ ابْن سعد: خرج إِلَيْهِم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَسْتَعِينهُمْ يَوْم السبت فِي شهر ربيع الأول على رَأس سَبْعَة وَثَلَاثِينَ شهرا من الْهِجْرَة بعد غَزْوَة الرجيع، وَأَن ابْن جحاش لما همَّ بِما هَمَّ بِهِ، قَالَ سَلام بن مشْكم: لَا تَفعلُوا، وَالله ليخبرن بِمَا هممتم وَإنَّهُ لينقض الْعَهْد بَيْننَا وَبَينه، وَبعث إِلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحَمَّد بن مسلمة: أَن أخرجُوا من بلدي لَا تساكنوني بهَا، وَقد(17/125)
هممتم بِمَا هممتم بِهِ من الْغدر، وَقد أجَّلتكم عشرا، فَمن رئي بعد ذَلِك فقد ضربت عُنُقه، فَمَكَثُوا أَيَّامًا يَتَجَهَّزُونَ، فَأرْسل إِلَيْهِم ابْن أبي فَثَبَّطَهُمْ، فأرسلوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّا لَا نخرج فَاصْنَعْ مَا بدا لَك، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الله أكبر حَارَبت يهود، فَخرج إِلَيْهِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاعتزلتهم قُرَيْظَة، فَلم تعنهم وخذلهم ابْن أبي وحلفاؤهم من غطفان فَحَاصَرَهُمْ خَمْسَة عشر يَوْمًا، وَقَالَ ابْن الطلاع: ثَلَاثَة وَعشْرين يَوْمًا، وَعَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: خَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا، وَقَالَ ابْن سعد: ثمَّ أجلاهم فَتَحملُوا على سِتّمائَة بعير وَكَانَت صفياً لَهُ حبسا لنوائبه، وَلم يخمسها وَلم يُسهم مِنْهَا لأحد إلاَّ لأبي بكر وَعمر وَابْن عَوْف وصهيب بن سِنَان وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَأبي سَلمَة بن عبد الْأسد وَأبي دُجَانَة، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: فاحتملوا إِلَى خَيْبَر وَإِلَى الشَّام، وَقَالَ: فَحَدثني عبد الله بن أبي بكر أَنهم خلوا الْأَمْوَال من الْخَيل والمزارع لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة، وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: لم يسلم مِنْهُم إلاَّ يَامِين بن عُمَيْر، وَأَبُو سعيد ابْن وهب، فأحرزا أموالهما.
قَالَ الزُّهْرِيُّ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ كانَتْ عَلَى رأسِ سِتَّةِ أشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ قَبْلَ أحُدٍ أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام: كَانَت غَزْوَة بني النَّضِير على رَأس سِتَّة أشهر من وقْعَة غَزْوَة بدر قبل غَزْوَة أحد، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْحَاكِم عَن أبي عبد الله الْأَصْبَهَانِيّ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن جهم حَدثنَا مُوسَى بن الْمسَاوِر حَدثنَا عبد الله بن معَاذ عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ بِهِ.
وقَوْلِ الله تعَالى {هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أهْلِ الكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأِوَّلِ الحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أنْ يَخْرُجُوا} (الْحَشْر: 2) .
وَقَول الله، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: ومخرج رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَذِه الْآيَة من سُورَة الْحَشْر، قَالَ أَبُو إِسْحَاق: أنزل الله تَعَالَى هَذِه السُّورَة بكمالها فِي بني النَّضِير، فِيهَا مَا أَصَابَهُم بِهِ من نقمة وَمَا سلط عَلَيْهِم رَسُوله وَمَا عمل بِهِ فيهم. قَوْله: (لأوّل الْحَشْر) أَي: الْجلاء، وَذَلِكَ أَن بني النَّضِير أول من أخرج من دِيَارهمْ، وروى ابْن مرْدَوَيْه قصَّة بني النَّضِير بِإِسْنَاد صَحِيح مُطَوَّلَة، وَفِيه: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاتلهم حَتَّى نزلُوا على الْجلاء، وَكَانَ جلاؤهم ذَلِك أول حشر النَّاس إِلَى الشَّام، وَكَذَا رَوَاهُ عبد بن حميد فِي (تَفْسِيره) : عَن عبد الرَّزَّاق، وَفِيه رد على ابْن التِّين حَيْثُ زعم أَنه لَيْسَ فِي هَذِه الْقِصَّة حَدِيث بِإِسْنَاد.
وجعَلَهُ ابنُ إسْحَاقَ بَعْد بِئرِ مَعُونَةَ وأُحُدٍ
أَي: جعل مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب (الْمَغَازِي) قتال بني النَّضِير بعد بِئْر مَعُونَة، فَكَانَت فِي صفر من سنة أَربع من الْهِجْرَة، وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: أَقَامَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد أحد بَقِيَّة شَوَّال وَذَا الْقعدَة وَذَا الْحجَّة وَالْمحرم، ثمَّ بعث بأصحاب بِئْر مَعُونَة فِي صفر على رَأس أَرْبَعَة أشهر من أحد، وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة: كَانَ أَمِير الْقَوْم الْمُنْذر بن عَمْرو، وَيُقَال: مرْثَد بن أبي مرْثَد، وَوَقع فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ: وَجعله إِسْحَاق، قَالَ عِيَاض: وَهُوَ وهم، وَالصَّوَاب ابْن إِسْحَاق، وَهُوَ: مُحَمَّد بن إِسْحَاق ابْن يسَار، وَقَالَ الْكرْمَانِي: مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن نصر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْمُهْملَة، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَالصَّوَاب: ابْن يسَار، وَهُوَ مَشْهُور لَيْسَ فِيهِ خَفَاء.
4028 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ نَصْرٍ حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أخْبرَنَا ابنُ جُرَيْجٍ عنْ مُوساى بنِ عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ حارَبَتِ النَّضِيرُ وقُرَيْظَةُ فأجْلى بَنِي النَّضِيرِ وأقَرَّ قُرَيْظَةَ ومَنَّ علَيْهِمْ حتَّى حارَبَتْ قُرَيْظَةُ فقَتَلَ رِجالَهُمْ وقَسَمَ نِساءَهُمْ وأوْلاَدَهُمْ وأمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلاَّ بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأمَّنَهُمْ وأسْلَمُوا وأجْلَى يَهُودَ المَدِينَةِ كلَّهُمْ بَني قَيْنُقَاعَ وهُمْ رَهْطُ عَبْدِ الله بنِ سَلامٍ ويَهُودَ بَنِي حارِثَةَ وكُلَّ يَهُودٍ بالمَدِينَةِ.(17/126)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق بن نصر هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر السَّعْدِيّ البُخَارِيّ، وَالْبُخَارِيّ يروي عَنهُ، فَتَارَة ينْسبهُ إِلَى أَبِيه، وَتارَة إِلَى جده، وَعبد الرَّزَّاق بن همام الْيَمَانِيّ، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج الْمَكِّيّ، ومُوسَى بن عقبَة بن أبي عَيَّاش الْأَسدي الْمدنِي.
قَوْله: (حَارَبت النَّضِير) فعل وفاعل. قَوْله: (وَقُرَيْظَة) بِالرَّفْع عطف على: النَّضِير، وَهُوَ مصغر: الْقرظ، بِالْقَافِ وَالرَّاء والظاء، وهم أَيْضا قَبيلَة من يهود الْمَدِينَة، وَالْمَفْعُول مَحْذُوف تَقْدِيره: حَارَبت هَاتَانِ القبيلتان رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَأجلى) ، أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالضَّمِير الَّذِي فِيهِ هُوَ الْفَاعِل. قَوْله: (وَبني النَّضِير) ، بِالنّصب مَفْعُوله، يُقَال: جلا من الوطن يجلو جلاء، وَأجلى يجلي إجلاء: إِذا خرج مفارقاً، وجلوته أَنا وأجليته، وَكِلَاهُمَا لَازم ومتعد. قَوْله: (وَأقر قُرَيْظَة) ، أَي: فِي مَنَازِلهمْ (وَمن عَلَيْهِم) وَلم يَأْخُذ مِنْهُم شَيْئا. قَوْله: (حَتَّى حَارَبت قُرَيْظَة) ، يَعْنِي: إِقْرَاره، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ومنَّه عَلَيْهِم إِلَى أَن حَاربُوا. قَوْله: (فَقتل رِجَالهمْ) ، يَعْنِي: لما حَاربُوا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَاصَرَهُمْ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا حَتَّى جهدهمْ الْحصار، وَقذف الله فِي قُلُوبهم الرعب فنزلوا على حكم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فَقتل رِجَالهمْ وَقسم نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادهمْ وَأَمْوَالهمْ بَين الْمُسلمين) بَعْدَمَا أخرج الْخمس، فَأعْطى للفارس ثَلَاثَة أسْهم: سَهْمَيْنِ للْفرس، وَسَهْما لفارسه، وَسَهْما للراجل، وَكَانَت الْخَيل: سِتَّة وَثَلَاثِينَ. قَوْله: (إلاَّ بَعضهم) أَي: إلاَّ بعض قُرَيْظَة. قَوْله: (فَأَمنَهُمْ) أَي: جعلهم أمنين. قَوْله: (بني قينقاع) بِالنّصب على أَنه بدل من قَوْله: يهود بِالْمَدِينَةِ، وَنون قينقاع مُثَلّثَة. قَوْله: (وكل يهود) أَي: وَأجلى كل يهود بِالْمَدِينَةِ، ويروى: كل يهود الْمَدِينَة.
4029 - حدَّثني الحَسَنُ بنُ مُدْرِكٍ حدَّثنا يَحْيَى بنُ حَمَّادٍ أخبرَنَا أبُو عَوَانَةَ عنْ أبِي بِشْرٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ سُورَةُ الحَشْرِ قَالَ قُلْ سُورَةُ النَّضِيرِ. .
الْحسن بن مدرك، على لفظ اسْم الْفَاعِل من الْإِدْرَاك، أَبُو عَليّ الطَّحَّان، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَيحيى بن حَمَّاد الشَّيْبَانِيّ الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَأَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي الوَاسِطِيّ، وَأَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: جَعْفَر بن أبي وحشية إِيَاس الْيَشْكُرِي الوَاسِطِيّ. قَوْله: (قل سُورَة النَّضِير) لِأَنَّهَا نزلت فيهم، وَقَالَ الدَّاودِيّ: كَأَن ابْن عَسَاكِر كره تَسْمِيَتهَا سُورَة الْحَشْر لِئَلَّا يظنّ أَن المُرَاد بالحشر يَوْم الْقِيَامَة.
تابَعَهُ هُشَيْمٌ عنْ أبِي بِشْرٍ
أَي: تَابع أَبَا عوَانَة هشيمُ بنُ بشير الوَاسِطِيّ فِي رِوَايَته عَن أبي بشر، وَوصل البُخَارِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة فِي التَّفْسِير كَمَا سَيَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
4030 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ أبِي الأسْودِ حدَّثنا مُعْتَمَرٌ عنْ أبِيهِ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ للنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّخَلاتِ حتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ والنَّضِيرَ فَكانَ بَعْدَ ذالِكَ يَرُدُّ علَيْهِمْ. مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبد الله بن أبي الْأسود، واسْمه: حميد بن الْأسود أَبُو بكر الْبَصْرِيّ الْحَافِظ، وَهُوَ من أَفْرَاده، ومعتمر بن سُلَيْمَان يروي عَن أَبِيه سُلَيْمَان بن طرخان الْبَصْرِيّ، والْحَدِيث بِعَيْنِه سنداً ومتناً مضى فِي الْخمس فِي: بَاب كَيفَ قسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قُرَيْظَة وَالنضير، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
76 - (حَدثنَا آدم حَدثنَا اللَّيْث عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ حرق رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نخل بني النَّضِير وَقطع وَهِي البويرة فَنزلت {مَا قطعْتُمْ من لينَة أَو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَة على أُصُولهَا فبإذن الله} )(17/127)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن يحيى بن يحيى وقتيبة وَمُحَمّد بن رمح وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن مُحَمَّد بن رمح وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ جَمِيعًا فِي السّير وَفِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة بِهِ وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْجِهَاد عَن مُحَمَّد بن رمح وَلما روى التِّرْمِذِيّ هَذَا الحَدِيث قَالَ وَقد ذهب قوم من أهل الْعلم إِلَى هَذَا وَلم يرَوا بَأْسا بِقطع الْأَشْجَار وتخريب الْحُصُون وَكره بَعضهم ذَلِك وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَنهى أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن يقطع شَجرا مثمرا وَيخرب عَامِرًا وَعمل بذلك الْمُسلمُونَ بعده وَقَالَ الشَّافِعِي لَا بَأْس بالتحريق فِي أَرض الْعَدو وَقطع الْأَشْجَار وَالثِّمَار وَقَالَ أَحْمد قد يكون فِي مَوَاضِع لَا يَجدونَ مِنْهُ بدا فَأَما بالعبث فَلَا يحرق وَقَالَ إِسْحَق التحريق سنة إِذا كَانَ لكَافِر فِيهَا انْتهى قلت مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن الشَّافِعِي من أَنه لَا بَأْس بالتحريق وَقطع الْأَشْجَار حَكَاهُ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم عَن الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَالْجُمْهُور وَالْمَعْرُوف ذَلِك قَوْله " نخل بني النَّضِير " هَذِه رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره نخل النَّضِير قَوْله وَهِي البويرة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة مصغر البورة وَهُوَ مَوضِع بِقرب الْمَدِينَة ونخل كَانَ لبني النَّضِير وَقَالَ الْجَوْهَرِي البؤرة بِالْهَمْزَةِ الحفرة قَوْله من لينَة اخْتلفُوا فِي تَفْسِيرهَا فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى اللينة من الألوان وَهِي مَا لم تكن برنية وَلَا عَجْوَة وَقَالَ ابْن إِسْحَق اللينة مَا خَالف الْعَجْوَة من النخيل وَهُوَ قَول عِكْرِمَة وَيزِيد بن رُومَان وَقَتَادَة وروى عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا وَهُوَ الَّذِي رَجحه النَّوَوِيّ وَيُقَال اللينة أَنْوَاع التَّمْر كلهَا إِلَّا الْعَجْوَة وَقيل كرام النّخل وَقيل كل النّخل وَقيل كل الْأَشْجَار للينها وَقيل هِيَ النَّخْلَة الْقَرِيبَة من الأَرْض وَقيل اللينة الْعَجْوَة والعتيق والنخيل رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي التَّفْسِير عَن جَابر بن عبد الله قَوْله " فبإذن الله " قيل يحْتَمل أَن يُرَاد بِالْعلمِ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {فأذنوا بِحَرب} أَي فاعلموا وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِالْإِذْنِ إِبَاحَة الْفِعْل وَهُوَ الْأَظْهر وَقَالَ ابْن إِسْحَق فبأمر الله وعَلى هَذَا فَهَل اسْتمرّ الْأَمْرَانِ بعد ذَلِك أَنهم يخيرون بَين قطع النخيل وَتَحْرِيقهَا وَبَين إبقائها أَو أَن ذَلِك كَانَ على التَّرْتِيب فَكَانَ الْإِذْن أَولا فِي الْقطع ثمَّ فِي التّرْك آخرا أما على سَبِيل الْوُجُوب والاستحباب فَيكون الْقطع وَالتَّحْرِيق مَنْسُوخا قيل يدل عَلَيْهِ حَدِيث جَابر رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره من رِوَايَة سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ رخص لَهُم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي قطع النّخل ثمَّ شدد عَلَيْهِم فَأتوا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ يَا رَسُول الله علينا إِثْم فِيمَا قَطعنَا أَو وزر فِيمَا تركنَا فَأنْزل الله تَعَالَى {مَا قطعْتُمْ من لينَة} الْآيَة فَدلَّ ذَلِك على أَنه نَهَاهُم عَن الْقطع فَيكون محمل الْآيَة مَا قطعْتُمْ من لينَة أَولا بِالْإِذْنِ فِي الْقطع أَو تَرَكْتُمُوهَا آخرا بِالنَّهْي عَن ذَلِك فبإذن الله فِي الْحَالَتَيْنِ مَعًا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رخص أَولا ثمَّ نَهَاهُم آخرا قلت حَدِيث جَابر ضَعِيف وَسليمَان بن مُوسَى الْأَشْدَق عِنْده مَنَاكِير قَالَه البُخَارِيّ وَفِيه أَيْضا سُفْيَان بن وَكِيع مُتَكَلم فِيهِ وَقَالَ أَبُو زرْعَة يتهم بِالْكَذِبِ فَحَدِيث جَابر لَا يَصح -
4032 - حدَّثني إسْحَاقُ أخبَرَنَا حَبَّانُ أخْبَرَنَا جُوَيْرِيَةُ بنُ أسْمَاءَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ قَالَ ولَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بنُ ثَابِتٍ
(وَهَانَ علَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ حرِيقٌ بالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ)
قَالَ فأجَابَهُ أبُو سُفْيَانَ بنُ الحَارِثِ
(أدَامَ الله ذالِكَ مِنْ صَنِيعٍ ... وحَرَّقَ فِي نَوَاحِيهَا السَّعِيرُ)
(سَتَعْلَمُ أيُّنَا مِنْهَا بِنُزْهٍ ... وتَعْلَمُ أيَّ أرْضَيْنَا تَضِيرُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَإِسْحَاق هُوَ ابْن مَنْصُور الْمروزِي، وَقيل: إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَالْأول أشهر، وحبان، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن هِلَال الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الْمُزَارعَة فِي: بَاب قطع الشّجر وَالنَّخْل، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَنَذْكُر بعض شَيْء لبعد المدى.
قَوْله: (وَهَان) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لهان، بِاللَّامِ بدل الْوَاو، وَفِي رِوَايَة(17/128)
الْإِسْمَاعِيلِيّ: هان، بِلَا لَام وَلَا وَاو. قَوْله: (على سراة) سراة الْقَوْم ساداتهم. قَوْله: (بني لؤَي) ، بِضَم اللَّام وَفتح الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء، وَالْمرَاد بهم صَنَادِيد قُرَيْش وأكابرهم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي: رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وأقاربه، وَفِي (التَّوْضِيح) : لِأَن قُريْشًا هم الَّذين حملُوا كَعْب بن أَسد الْقرظِيّ، صَاحب عقد بني قُرَيْظَة، على نقض الْعَهْد بَينه وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى خرج مَعَهم إِلَى الخَنْدَق. قَوْله: (مستطير) ، أَي: منتشر مشتعل. قَوْله: (فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَان) ، هُوَ ابْن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَهُوَ ابْن عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ حِينَئِذٍ لم يسلم وَقد أسلم بعد فِي الْفَتْح، وَثَبت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بحنين. قَوْله: (أدام الله) ، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ قَالَ: أدام الله ذَلِك، أَي: تحريق الْمُسلمين أَرض الْكَافرين، وَهُوَ كَانَ كَافِرًا لَا يَدْعُو لَهُم؟ قلت: غَرَضه: أدام الله تحريق تِلْكَ الأَرْض بِحَيْثُ يتَّصل بنواحيها، وَهِي الْمَدِينَة وَسَائِر مَوَاضِع أهل الْإِسْلَام، فَيكون دُعَاء عَلَيْهِم لَا لَهُم. قَوْله: (مِنْهَا) ، أَي: من البويرة، أَي: جِهَتهَا وإحراقها، ويروى: مِنْهُم، أَي: من بني النَّضِير. قَوْله: (بنزه) ، بِضَم النُّون وَسُكُون الزَّاي أَي: ببعد، وزنا وَمعنى، وَهُوَ فِي الأَصْل من النزاتهة وَهِي الْبعد من السوء، وَجَاء فِيهِ فتح النُّون. قَوْله: (أَي أرضينا) ، بالتثنية أَي: الْمَدِينَة الَّتِي هِيَ دَار الْإِيمَان، وَمَكَّة الَّتِي كَانَت بهَا الْكفَّار. قَوْله: (تضير) ، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة من: ضار يضير ضيراً، وَهُوَ الضّر. قَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بَعْضهَا: نضير، بالنُّون من النضارة على وزن: فعيل، وَقد وَقع فِي (عُيُون الْأَثر) لأبي الْفَتْح بن سيد النَّاس: عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ أَن الَّذِي قَالَ:
هان على سراة بني لؤَي
هُوَ أَبُو سُفْيَان ابْن الْحَارِث، وَأَنه قَالَ: عز، بدل: هان، وَأَن الَّذِي أجَاب بقوله:
أدام الله ذَلِك من صَنِيع
الْبَيْتَيْنِ هُوَ حسان، قَالَ: وَهُوَ من أشبه من الرِّوَايَة الَّتِي وَقعت فِي البُخَارِيّ انْتهى. قيل: لم يذكر مُسْتَند التَّرْجِيح، وَالَّذِي يظْهر أَن الَّذِي فِي (الصَّحِيح) أصح. انْتهى. قلت: يصلح للترجيح قَول أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ لأنى أَدْرِي بذلك من غَيره، على مَا لَا يخفى على أحد.
4033 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ أخبَرَنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبَرَنِي مالِكُ بنُ أوْسِ بنِ الحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ دعَاهُ إذْ جاءَهُ حاجِبُهُ يَرْفا فَقَالَ هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ والزُّبَيْرِ وسَعْدٍ يَسْتأذِنُونَ فَقَالَ نَعَمْ فأدْخِلْهُمْ فلَبِثَ قَلِيلاً ثُمَّ جاءَ فقَالَ هَلْ لَكَ فِي عَبَّاسٍ وعَلِيٍّ يَسْتَأذِنَانِ قَالَ نَعَمْ فلَمَّا دَخَلاَ قَالَ عَبَّاسٌ يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وبَيْنَ هاذَا وهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِي الَّذِي أفَاءَ الله علَى رسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ مَالِ بَنِي النَّضِيرِ فاسْتَبَّ علِيٌّ وعَبَّاسٌ فَقَالَ الرَّهْطُ يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ اقْضِ بيْنَهُمَا وأرِحْ أحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ فَقَالَ عُمَرُ إتِّئِدُوا أنْشُدُكُمْ بِاللَّه الَّذِي بإذْنِهِ تَقُومُ السَّماءُ والأرْضُ هَلْ تَعْلَمونَ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ نُورِثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ نَفْسَهُ قالُوا قدْ قَالَ ذالِكَ فأقْبَلَ عُمَرُ علَى عَبَّاسٍ وعَلِي فَقَالَ أنْشُدُكُمَا بِاللَّه هَلْ تَعْلَمَانِ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ قالَ ذَلِكَ قالاَ نَعَمْ قَالَ فإنِّي أُحَدِّثُكُمْ عنْ هَذَا الأمْرِ إنَّ الله سُبْحَانَهُ كانَ خَصَّ رسُولَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أحَدَاً غيْرَهُ فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ {ومَا أفَاءَ الله علَى رسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أوْجَفْتُمْ علَيْهِ مِنْ خَيْلٍ ولاَ رِكَابٍ} (الْحَشْر: 6) . إِلَى قَوْلِهِ: {قَدِيرٌ} (الْحَشْر: 6) . فَكَانَتْ هاذِهِ خالِصَةً لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ وَالله مَا احْتَازَها دُونَكُمْ ولاَ اسْتَأثَرَهَا عَلَيْكُمْ لَقَدْ أعْطَاكُمُوها وقَسَمَها فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ هاذَا المَالُ مِنْهَا فَكانَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُنْفِقُ علَى أهْلِهِ نَفَقَته سَنَتِهِمْ مِنْ هاذَا المالِ ثُمَّ يأخُذُ مَا بَقِيَ فيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مالِ الله فعَمِلِ ذالِكَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَياتَهُ ثُمَّ تُوُفِيَّ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَ أبُو بَكْرٍ فأنَا وليُّ(17/129)
رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقَبَضَهُ أبُو بَكْرٍ فعَمِلَ فِيهِ بِمَا عَمِلَ بِهِ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأنْتُمْ حِينَئِذَ فأقْبَلَ علَى عَلِيٍّ وعَبَّاسٍ وَقَالَ تَذْكُرَانِ أنَّ أبَا بَكْرٍ فيهِ كَما تَقُولانِ وَالله يَعْلَمُ إنَّهُ فيهِ لَصَادِقٌ بارٌّ رَاشِدٌ تابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ تَوَفَّى الله أبَا بَكْرٍ فقُلْتُ أنَا وَلِيُّ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بَكْرٍ فقَبَضْتُهُ سَنَتَيْنِ من إمَارَتي أعْمَلُ فِيهِ بِمَا عَمِلَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو بَكْرٍ وَالله يَعْلَمُ أنِّي فِيهِ صادِقٌ بارٌّ رَاشِدٌ تابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ جِئْتُمَانِي كِلاَكُمَا وكَلِمَتُكُمَا واحِدَةٌ وأمْرُكُمَا جَمِيعٌ فَجِئْتَنِي يَعْنِي عَبَّاسَاً فَقُلْتُ لَكُمَا إنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ نُورِثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ فلَمَّا بَدَا لِي أنْ أدْفَعَهُ إلَيْكُمَا قُلْتُ إنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهُ إلَيْكُمَا عَلَى أنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ الله ومِيثَاقَهُ لَتَعْمَلانِّ فِيهِ بِمَا عَمِلَ فيهِ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو بَكْرٍ ومَا عَمِلْتُ فِيهِ مُذْ وَلِيتُ وإلاَّ فَلاَ تُكَلِّمَانِي فقُلْتُمَا ادْفَعْهُ إلَيْنَا بِذَلِكَ فدَفَعْتُهُ إلَيْكُمَا أفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضاءً غَيْرَ ذالِكَ فوَالله الَّذِي بإذْنِهِ تَقُومُ السَّماءُ والأرْضُ لاَ أقْضِي فِيهِ بِقَضاءِ غَيْرِ ذالِكَ حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فإنَّ عَجزْتُمَا عنْهُ فادْفَعَا إلَيَّ فأنَا أكْفِيكُمَاهُ. قالَ فَحَدَّثْتُ هَذَا الحَدِيثَ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ فقالَ صَدَقَ مالِكُ بنُ أوْسٍ أنَا سَمِعْتُ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَقُولُ أرْسَلَ أزْوَاجَ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُثْمَانَ إلَى أبِي بَكْرٍ يَسْألْنَهُ ثمُنَهُنَّ مِمَّا أفَاءَ الله علَى رسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكُنْتُ أنَا أرُدُّهُنَّ فَقُلْتُ لَهُنَّ ألاَ تتَّقِينَ الله ألَمْ تَعْلَمْنَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَقُولُ لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقةٌ يُرِيدُ بِذالِكَ نَفْسَهُ إنَّمَا يأكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هاذَا المَالِ فانْتَهاى إلَى أزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَا أخْبَرْتُهُنَّ قَالَ فكانَتْ هاذِهِ الصَّدَقَةُ بِيَدِ عَلِيٍّ مَنَعَهَا عَلِيٌّ عَبَّاساً فغَلَبَهُ علَيْهَا ثُمَّ كَانَ بِيَدِ حسَنِ بنِ عَليٍّ ثُمَّ بِيَدِ حُسَيْنِ ابنِ علِيِّ بن حُسَيْنٍ وحَسنِ بنِ حَسَنَ كِلاَهُمَا كَانَا يتَدَاوَلانِهَا ثُمَّ بِيَدِ زَيْدِ بنِ حَسَنٍ وهْيَ صدَقَةُ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَقَّاً.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وهما يختصمان فِي الَّذِي أَفَاء الله على رَسُوله من بني النَّضِير) . وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع. وَهَذَا الْإِسْنَاد قد تكَرر ذكره. والْحَدِيث مر فِي الْخمس فِي: بَاب فرض الْخمس فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق بن مُحَمَّد الْفَروِي عَن مَالك بن أنس عَن ابْن شهَاب عَن مَالك بن أَوْس مطولا إِلَى قَوْله: (فَإِنِّي أكفيكما) . وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: (يرفأ) بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الرَّاء وبالفاء مهموزاً وَغير مَهْمُوز، وَقد تدخل عَلَيْهِ الللام فَيُقَال: اليرفاء، وَهُوَ حَاجِب من حجاب عمر. قَوْله: (فاستب) ، لم يكن هَذَا السب من قبيل الْقَذْف وَلَا من نوع الْمُحرمَات، وَلَعَلَّ عليا ذكر تخلف عَبَّاس عَن الْهِجْرَة وَنَحْو ذَلِك. قَوْله: (اتئدوا) ، أَي: لَا تستعجلوا، وَهِي من التؤدة وَهِي التأني والمهلة. قَوْله: (أنْشدكُمْ) ، بِضَم الشين. قَوْله: (لَا نورث) ، بِفَتْح الرَّاء، وَالْمعْنَى على الْكسر أَيْضا صَحِيح، وَيُرِيد بِهِ الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، وعورض بقوله: {وَورث سُلَيْمَان دَاوُد} (النَّمْل: 16) . وَقَوله فِي زَكَرِيَّا: {يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب} (مَرْيَم: 6) . وَأجِيب: بِأَن المُرَاد إِرْث الْعلم والنبوة، وَلَو كَانَ المُرَاد المَال كَانَ زَكَرِيَّا، عَلَيْهِ السَّلَام، أَحَق بِالْمِيرَاثِ من آل يَعْقُوب. قَوْله: (قد قَالَ) ذَلِك، أَي: قَوْله: لَا نورث. قَوْله: (احتازها) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة من الاحتياز وَهُوَ الْجمع. قَوْله: (وَلَا استأثرها) ، من الاستئثار، وَهُوَ الاستبداد والاستقلال. قَوْله: (وَأَنْتُم) ، جمع (وتذكران) مثنى فَلَا مُطَابقَة بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، لَكِن هُوَ على مَذْهَب من قَالَ: أقل الْجمع اثْنَان، أَو يكون لفظ: (حِينَئِذٍ) ، خَبره (وتذكران) ابْتِدَاء كَلَام الْكرْمَانِي: ويروى: (أَنْتُمَا) .(17/130)
قَوْله: (فجئتني) ، قَالَ أَولا جئتما، ثمَّ قَالَ بِالْإِفْرَادِ لِأَنَّهُ لعلهما جاآ بالِاتِّفَاقِ أَولا ثمَّ جَاءَ عَبَّاس وَحده. قَوْله: (وبدا لي) أَي: ظهر لي.
قَوْله: (قَالَ: فَحدثت) ، أَي: قَالَ الزُّهْرِيّ. قَوْله: (فغلبه عَلَيْهَا) ، أَي: بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا وَتَحْصِيل غلاتها لَا بتخصيص الْحَاصِل بِنَفسِهِ. قَوْله: (يتداولانها) أَي: عَليّ بن حُسَيْن وَحسن بن حسن مكبران ابْن عَليّ، وكل مِنْهُمَا ابْن عمر الآخر يتناوبان فِي تصرفهما، وَزيد بن الْحسن بن عَليّ أَخُو الْحسن الْمَذْكُور.
4033 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ أخبَرَنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبَرَنِي مالِكُ بنُ أوْسِ بنِ الحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ دعَاهُ إذْ جاءَهُ حاجِبُهُ يَرْفا فَقَالَ هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ والزُّبَيْرِ وسَعْدٍ يَسْتأذِنُونَ فَقَالَ نَعَمْ فأدْخِلْهُمْ فلَبِثَ قَلِيلاً ثُمَّ جاءَ فقَالَ هَلْ لَكَ فِي عَبَّاسٍ وعَلِيٍّ يَسْتَأذِنَانِ قَالَ نَعَمْ فلَمَّا دَخَلاَ قَالَ عَبَّاسٌ يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وبَيْنَ هاذَا وهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِي الَّذِي أفَاءَ الله علَى رسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ مَالِ بَنِي النَّضِيرِ فاسْتَبَّ علِيٌّ وعَبَّاسٌ فَقَالَ الرَّهْطُ يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ اقْضِ بيْنَهُمَا وأرِحْ أحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ فَقَالَ عُمَرُ إتِّئِدُوا أنْشُدُكُمْ بِاللَّه الَّذِي بإذْنِهِ تَقُومُ السَّماءُ والأرْضُ هَلْ تَعْلَمونَ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ نُورِثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ نَفْسَهُ قالُوا قدْ قَالَ ذالِكَ فأقْبَلَ عُمَرُ علَى عَبَّاسٍ وعَلِي فَقَالَ أنْشُدُكُمَا بِاللَّه هَلْ تَعْلَمَانِ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ قالَ ذَلِكَ قالاَ نَعَمْ قَالَ فإنِّي أُحَدِّثُكُمْ عنْ هَذَا الأمْرِ إنَّ الله سُبْحَانَهُ كانَ خَصَّ رسُولَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أحَدَاً غيْرَهُ فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ {ومَا أفَاءَ الله علَى رسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أوْجَفْتُمْ علَيْهِ مِنْ خَيْلٍ ولاَ رِكَابٍ} (الْحَشْر: 6) . إِلَى قَوْلِهِ: {قَدِيرٌ} (الْحَشْر: 6) . فَكَانَتْ هاذِهِ خالِصَةً لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ وَالله مَا احْتَازَها دُونَكُمْ ولاَ اسْتَأثَرَهَا عَلَيْكُمْ لَقَدْ أعْطَاكُمُوها وقَسَمَها فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ هاذَا المَالُ مِنْهَا فَكانَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُنْفِقُ علَى أهْلِهِ نَفَقَته سَنَتِهِمْ مِنْ هاذَا المالِ ثُمَّ يأخُذُ مَا بَقِيَ فيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مالِ الله فعَمِلِ ذالِكَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَياتَهُ ثُمَّ تُوُفِيَّ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَ أبُو بَكْرٍ فأنَا وليُّ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقَبَضَهُ أبُو بَكْرٍ فعَمِلَ فِيهِ بِمَا عَمِلَ بِهِ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأنْتُمْ حِينَئِذَ فأقْبَلَ علَى عَلِيٍّ وعَبَّاسٍ وَقَالَ تَذْكُرَانِ أنَّ أبَا بَكْرٍ فيهِ كَما تَقُولانِ وَالله يَعْلَمُ إنَّهُ فيهِ لَصَادِقٌ بارٌّ رَاشِدٌ تابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ تَوَفَّى الله أبَا بَكْرٍ فقُلْتُ أنَا وَلِيُّ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بَكْرٍ فقَبَضْتُهُ سَنَتَيْنِ من إمَارَتي أعْمَلُ فِيهِ بِمَا عَمِلَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو بَكْرٍ وَالله يَعْلَمُ أنِّي فِيهِ صادِقٌ بارٌّ رَاشِدٌ تابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ جِئْتُمَانِي كِلاَكُمَا وكَلِمَتُكُمَا واحِدَةٌ وأمْرُكُمَا جَمِيعٌ فَجِئْتَنِي يَعْنِي عَبَّاسَاً فَقُلْتُ لَكُمَا إنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ نُورِثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ فلَمَّا بَدَا لِي أنْ أدْفَعَهُ إلَيْكُمَا قُلْتُ إنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهُ إلَيْكُمَا عَلَى أنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ الله ومِيثَاقَهُ لَتَعْمَلانِّ فِيهِ بِمَا عَمِلَ فيهِ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو بَكْرٍ ومَا عَمِلْتُ فِيهِ مُذْ وَلِيتُ وإلاَّ فَلاَ تُكَلِّمَانِي فقُلْتُمَا ادْفَعْهُ إلَيْنَا بِذَلِكَ فدَفَعْتُهُ إلَيْكُمَا أفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضاءً غَيْرَ ذالِكَ فوَالله الَّذِي بإذْنِهِ تَقُومُ السَّماءُ والأرْضُ لاَ أقْضِي فِيهِ بِقَضاءِ غَيْرِ ذالِكَ حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فإنَّ عَجزْتُمَا عنْهُ فادْفَعَا إلَيَّ فأنَا أكْفِيكُمَاهُ. قالَ فَحَدَّثْتُ هَذَا الحَدِيثَ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ فقالَ صَدَقَ مالِكُ بنُ أوْسٍ أنَا سَمِعْتُ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَقُولُ أرْسَلَ أزْوَاجَ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُثْمَانَ إلَى أبِي بَكْرٍ يَسْألْنَهُ ثمُنَهُنَّ مِمَّا أفَاءَ الله علَى رسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكُنْتُ أنَا أرُدُّهُنَّ فَقُلْتُ لَهُنَّ ألاَ تتَّقِينَ الله ألَمْ تَعْلَمْنَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَقُولُ لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقةٌ يُرِيدُ بِذالِكَ نَفْسَهُ إنَّمَا يأكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هاذَا المَالِ فانْتَهاى إلَى أزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَا أخْبَرْتُهُنَّ قَالَ فكانَتْ هاذِهِ الصَّدَقَةُ بِيَدِ عَلِيٍّ مَنَعَهَا عَلِيٌّ عَبَّاساً فغَلَبَهُ علَيْهَا ثُمَّ كَانَ بِيَدِ حسَنِ بنِ عَليٍّ ثُمَّ بِيَدِ حُسَيْنِ ابنِ علِيِّ بن حُسَيْنٍ وحَسنِ بنِ حَسَنَ كِلاَهُمَا كَانَا يتَدَاوَلانِهَا ثُمَّ بِيَدِ زَيْدِ بنِ حَسَنٍ وهْيَ صدَقَةُ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَقَّاً.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وهما يختصمان فِي الَّذِي أَفَاء الله على رَسُوله من بني النَّضِير) . وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع. وَهَذَا الْإِسْنَاد قد تكَرر ذكره. والْحَدِيث مر فِي الْخمس فِي: بَاب فرض الْخمس فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق بن مُحَمَّد الْفَروِي عَن مَالك بن أنس عَن ابْن شهَاب عَن مَالك بن أَوْس مطولا إِلَى قَوْله: (فَإِنِّي أكفيكما) . وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: (يرفأ) بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الرَّاء وبالفاء مهموزاً وَغير مَهْمُوز، وَقد تدخل عَلَيْهِ الللام فَيُقَال: اليرفاء، وَهُوَ حَاجِب من حجاب عمر. قَوْله: (فاستب) ، لم يكن هَذَا السب من قبيل الْقَذْف وَلَا من نوع الْمُحرمَات، وَلَعَلَّ عليا ذكر تخلف عَبَّاس عَن الْهِجْرَة وَنَحْو ذَلِك. قَوْله: (اتئدوا) ، أَي: لَا تستعجلوا، وَهِي من التؤدة وَهِي التأني والمهلة. قَوْله: (أنْشدكُمْ) ، بِضَم الشين. قَوْله: (لَا نورث) ، بِفَتْح الرَّاء، وَالْمعْنَى على الْكسر أَيْضا صَحِيح، وَيُرِيد بِهِ الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، وعورض بقوله: {وَورث سُلَيْمَان دَاوُد} (النَّمْل: 16) . وَقَوله فِي زَكَرِيَّا: {يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب} (مَرْيَم: 6) . وَأجِيب: بِأَن المُرَاد إِرْث الْعلم والنبوة، وَلَو كَانَ المُرَاد المَال كَانَ زَكَرِيَّا، عَلَيْهِ السَّلَام، أَحَق بِالْمِيرَاثِ من آل يَعْقُوب. قَوْله: (قد قَالَ) ذَلِك، أَي: قَوْله: لَا نورث. قَوْله: (احتازها) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة من الاحتياز وَهُوَ الْجمع. قَوْله: (وَلَا استأثرها) ، من الاستئثار، وَهُوَ الاستبداد والاستقلال. قَوْله: (وَأَنْتُم) ، جمع (وتذكران) مثنى فَلَا مُطَابقَة بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، لَكِن هُوَ على مَذْهَب من قَالَ: أقل الْجمع اثْنَان، أَو يكون لفظ: (حِينَئِذٍ) ، خَبره (وتذكران) ابْتِدَاء كَلَام الْكرْمَانِي: ويروى: (أَنْتُمَا) . قَوْله: (فجئتني) ، قَالَ أَولا جئتما، ثمَّ قَالَ بِالْإِفْرَادِ لِأَنَّهُ لعلهما جاآ بالِاتِّفَاقِ أَولا ثمَّ جَاءَ عَبَّاس وَحده. قَوْله: (وبدا لي) أَي: ظهر لي.
قَوْله: (قَالَ: فَحدثت) ، أَي: قَالَ الزُّهْرِيّ. قَوْله: (فغلبه عَلَيْهَا) ، أَي: بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا وَتَحْصِيل غلاتها لَا بتخصيص الْحَاصِل بِنَفسِهِ. قَوْله: (يتداولانها) أَي: عَليّ بن حُسَيْن وَحسن بن حسن مكبران ابْن عَليّ، وكل مِنْهُمَا ابْن عمر الآخر يتناوبان فِي تصرفهما، وَزيد بن الْحسن بن عَليّ أَخُو الْحسن الْمَذْكُور.
4035 - حدَّثنا أبْرَاهِيمُ بنُ مُوساى أخبرَنا هِشامٌ أخبرَنا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ أنَّ فاطِمَةَ علَيْهَا السَّلامُ والعَبَّاسَ أتَيَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا أرْضَهُ مِنْ فَدَكٍ وسَهْمَهُ مِنْ خَيْبَرَ. فَقَالَ أبُو بَكْرٍ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إنَّمَا يأكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ فِي هاذَا المَالِ وَالله لَقَرَابَةُ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحَبُّ إلَيَّ أنْ أصِلَ مِنْ قَرَابَتِي. .
هَذَا الحَدِيث مُطَابق للْحَدِيث السَّابِق، والمطابق للمطابق للشَّيْء مُطَابق لذَلِك الشَّيْء، وَهَذَا السَّنَد بهؤلاء الرِّجَال قد مر غير مرّة، وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ. والْحَدِيث مر فِي فرض الْخمس وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فِي هَذَا المَال) أَي: فِي جملَة من يَأْكُل من هَذَا المَال لَا أَنه لَهُم بِخُصُوصِهِ، حَاصله أَنهم يُعْطون مِنْهُ مَا يكفيهم لَيْسَ على وَجه الْمِيرَاث. قَوْله: (لقرابة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الخ، اعتذار من أبي بكر عَن مَنعه الْقِسْمَة، وَلَا يلْزم من ذَلِك أَن لَا يصلهم ببره من جِهَة أُخْرَى.
15 - (بابُ قَتْلِ كَعْبِ بنِ الأشْرَفِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة قتل كَعْب بن الْأَشْرَف الْيَهُودِيّ الْقرظِيّ الشَّاعِر، كَانَ يهجو النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْمُسْلِمين ويظاهر عَلَيْهِم الْكفَّار، وَلما أصَاب الْمُشْركين يَوْم بدر مَا أَصَابَهُم اشْتَدَّ عَلَيْهِ وَكَانَ يبكي على قَتْلَى بدر وينشد الْأَشْعَار، فَمن ذَلِك مَا حَكَاهُ الْوَاقِدِيّ.
(طحنت رحى بدر مهالك أَهله ... ولمثل بدر تستهل وتدمع)
(قتلت سراة النَّاس حول حياضهم [/ علا تبعدوا، إِن الْمُلُوك تصرّع.)
إِلَى أَبْيَات كَثِيرَة، فَأَجَابَهُ حسان بن ثَابت:
(أبكاه كَعْب ثمَّ عل بعبرة ... مِنْهُ وعاش مجدعاً لَا يسمع)
إِلَى أَبْيَات، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: كَانَ كَعْب من بني نَبهَان وهم بطن من طيىء، وَكَانَ قَتله فِي رَمَضَان سنة ثَلَاث، وَقيل: فِي ربيع الأول وَالْأول أشهر.
4037 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌ وسَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما يَقُولُ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ لِكَعْبِ بنِ الأشْرَفِ فإنَّهُ قَدْ آذَى الله ورَسُولَهُ فقامَ مُحَمَّدُ ابنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ يَا رسُولَ الله أتُحِبُّ أنْ أقْتُلَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فأذَنْ لِي أنْ أقُولَ شَيْئاً قَالَ قُلْ فأتَاهُ مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ فقالَ إنَّ هاذَا الرَّجُلَ قَدْ سألْنَاهُ صَدَقَةً وإنَّهُ قَدْ عَنانَا وإنِّي قَدْ أتَيْتُكَ أسْتَسْلِفُكَ قَالَ وَأَيْضًا وَللَّه لَتَمَلَّنَّهُ قَالَ وإنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ فَلاَ نُحِبُّ أنْ نَدَعَهُ حتَّى نَنْظُرَ إلَى أيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ شأنُهُ وقَدْ أرَدْنَا أنْ تُسْلِفَنَا وسْقَاً أوْ وَسْقَيْنِ. وحدَّثنا عَمْرٌ وغَيْرَ مَرَّةٍ فلَمْ يَذْكُرْ وَسْقَاً أوْ وَسْقَيْنِ فقُلْتُ لَهُ فِيهِ وسْقَاً أوْ وَسْقَيْنِ فَقَالَ أُرَى فِيهِ وَسْقَاً أوْ وَسْقَيْنِ فَقَالَ نَعَمْ ارْهَنُونِي قالُوا أيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ قَالَ ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ قالُوا كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِساءَنا وأنْتَ أجْمَلُ العرَبِ قَالَ فارْهَنُونِي أبْنَاءَكُمْ قَالُوا كَيْفَ نَرْهَنُكَ(17/131)
أبْنَاءَنَا فيُسَبُّ أحَدُهُمْ فَيُقَالُ رُهِنَ بِوَسَقٍ أوْ وَسْقَيْنِ هاذَا عارٌ عَلَيْنَا ولَكِنَّا نَرْهَنُكَ الَّلأمَةَ قالَ سُفْيَانُ يَعْنِي السِّلاَحَ فَوَاعَدَهُ أنْ يأتِيَهُ فَجاءَهُ لَيْلاً ومَعَهُ أبُو نائِلَةَ وهْوَ أخُو كَعْبٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ فدَعَاهُمْ إِلَى الحِصْنِ فنَزَلَ إلَيْهِمْ فقالَتْ لَهُ امْرَأتُهُ أيْنَ تَخْرُجُ هاذِهِ السَّاعَةَ فَقَالَ إنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ ابنُ مَسْلَمَةَ وأخِي أبُو نائِلَةَ. وقالَ غَيْرُ عَمْرٍ وقالَتْ أسْمَعُ صَوْتاً كأنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ قَالَ إنَّمَا هُوَ أخِي مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةٍ ورَضِيعِي أبُو نائِلَةَ إنَّ الكَرِيمَ لوْ دُعِيَ إلَى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لأجَابَ قَالَ ويُدْخِلُ مُحَمَّدُ ابنُ مَسْلَمَةَ مَعَهُ رَجُلَيْنِ قِيلَ لِسُفْيَانَ سَمَّاهُمْ عَمْرٌ ووقالَ سَمَّى بَعْضَهُمْ قالَ عَمْرٌ وجاءَ معَهُ بِرَجُلَيْنِ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍ وأبُو عَبْسِ بنُ جَبْرٍ والحَارِثُ بنُ أوْسٍ وعَبَّادُ بنُ بِشْرٍ قَالَ عَمْرٌ ووجاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ فقَالَ إذَا مَا جاءَ فإنِّي قائِلٌ بِشَعَرِهِ فأشُمُّهُ فإذَا رَأيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رأسِهِ فدُونَكُمْ فاضْرِبُوهُ وَقَالَ مَرَّةً ثُمَّ أُشِمُّكُمْ فَنَزَلَ إلَيْهِمْ مُتَوَشِّحَاً وهْوَ يَنْفَحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ فَقَالَ مَا رأيْتُ كالْيَوْمِ رِيحاً أَي أطيَبَ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍ وَقَالَ عِنْدِي أعْطَرُ نِساءِ العَرَبِ وأكْمَلُ العَرَبِ قَالَ عَمْرٌ وفقال أتأذَنَ لِي أنْ أشُمَّ رأسَكَ قَالَ نَعَمْ فشَمَّهُ ثُمَّ أشَمَّ أصْحَابَهُ ثُمَّ قَالَ أتأذَنُ لِي قَالَ نعَمْ فلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ قَالَ دُونَكُمْ فقَتَلُوهُ ثُمَّ أتَوْا النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخْبَرُوهُ. .
فِيهِ كَيْفيَّة قتل كَعْب، وَهِي الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث، وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار. والْحَدِيث مضى مُخْتَصرا بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي: بَاب رهن السِّلَاح.
قَوْله: (حَدثنَا سُفْيَان قَالَ عمر) وَفِي رِوَايَة قُتَيْبَة عَن سُفْيَان فِي الْجِهَاد: عَن سُفْيَان حَدثنَا عَمْرو. قَوْله: (من لكعب بن الْأَشْرَف) أَي: من يستعد لقَتله، وَمن الَّذِي ينتدب إِلَيْهِ. قَوْله: (فَإِنَّهُ قد آذَى الله وَرَسُوله) هَذِه كِنَايَة عَن مُخَالفَة الله تَعَالَى وَمُخَالفَة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَقَامَ مُحَمَّد بن مسلمة) بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام ابْن سَلمَة بن خَالِد بن عدي ابْن مجدعة بن حَارِثَة بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج بن عَمْرو بن مَالك بن أَوْس حَلِيف لبني عبد الْأَشْهَل، شهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا وَمَات بِالْمَدِينَةِ فِي صفر سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين، وَقيل: سِتّ وَأَرْبَعين، وَقيل: سنة سبع وَأَرْبَعين وَهُوَ ابْن سبع وَسبعين سنة، وَصلى عَلَيْهِ مَرْوَان بن الحكم وَهُوَ كَانَ يَوْمئِذٍ أَمِير الْمَدِينَة، وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة، واستخلفه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمَدِينَة فِي بعض غَزَوَاته، وَقيل: إِنَّه اسْتَخْلَفَهُ فِي غَزْوَة قرقرة الكدر، وَقيل: إِنَّه اسْتَخْلَفَهُ عَام تَبُوك، وَاعْتَزل الْفِتْنَة وَاتخذ سَيْفا من خشب وَجعله فِي سفن، وَذكر أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أمره بذلك وَلم يشْهد الْجمل وَلَا صفّين، وَأقَام بالربذة. قَوْله: (أَتُحِبُّ؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار. قَوْله: (فَأذن لي أَن أَقُول شَيْئا) يَعْنِي مِمَّا يسر كَعْبًا. قَوْله: (قَالَ: قل) أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لمُحَمد بن مسلمة: قل، وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن إِسْحَاق: فَقَالَ: يَا رَسُول الله! لَا بُد لنا أَن نقُول، فَقَالَ: قُولُوا مَا بدا لكم، فَأنْتم فِي حل من ذَلِك. قَوْله: (فَأَتَاهُ) أَي: أَتَى كَعْبًا مُحَمَّد بن مسلمة. قَوْله: (إِن هَذَا الرجل) يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (قد سَأَلنَا) بِفَتْح الْهمزَة وَاللَّام فعل وفاعل ومفعول، وَصدقَة بِالنّصب مفعول ثَان، وَفِي رِوَايَة الْوَاقِدِيّ: سَأَلنَا الصَّدَقَة وَنحن لَا نجد مَا نَأْكُل. قَوْله: (وَإنَّهُ) أَي: وَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قد عنَّانا) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد النُّون أَي: أتعبنا وكلفنا الْمَشَقَّة. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: عني بِالْكَسْرِ يَعْنِي عناء أَي تَعب وَنصب، وعنيته أَنا تعنية وتعنيته أَنا فتعنى. قَوْله: (قَالَ: وَأَيْضًا) أَي: قَالَ كَعْب وَزِيَادَة على ذَلِك. قَوْله: (لتملنه) بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد اللَّام وَالنُّون من الملالة، وَمَعْنَاهُ: ليزيدن ملالتكم وضجركم عَنهُ، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: قَالَ: كَانَ قدوم هَذَا الرجل علينا بلَاء من الْبلَاء، عادتنا الْعَرَب ورمتنا عَن قَوس وَاحِدَة وَقطعت عَنَّا السبل حَتَّى جَاع الْعِيَال وجهدت الْأَنْفس وأصبحنا قد جهدنا وَجهد عيالنا، فَقَالَ كَعْب بن الْأَشْرَف: أما وَالله لقد أَخْبَرتكُم أَن الْأَمر سيصير إِلَى هَذَا. قَوْله: (أَن ندعه) أَي: نتركه. قَوْله: (شَأْنه) ، أَي: حَاله وَأمره. قَوْله: (وسق) الوسق وقر بعير وَهُوَ سِتُّونَ صَاعا بِصَاع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (أَو وسقين) شكّ من الرَّاوِي،(17/132)
وَفِي رِوَايَة عُرْوَة: وَأحب أَن تسلفنا طَعَاما، قَالَ: أَيْن طَعَامكُمْ؟ قَالَ: أنفقناه على هَذَا الرجل وَأَصْحَابه، قَالَ: ألم يَأن لكم أَن تعرفوا مَا أَنْتُم عَلَيْهِ من الْبَاطِل؟
قَوْله: (وَحدثنَا عَمْرو غير مرّة) ، قيل: قَائِل هَذَا عَليّ بن الْمَدِينِيّ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي قَالَ سُفْيَان: حَدثنَا عَمْرو غير مرّة أَي مرَارًا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر. قَوْله: (أرى فِيهِ) أَي: أَظن فِي الحَدِيث. قَوْله: (أرهنوني) أَي: إدفعوا إِلَيّ شَيْئا يكون رهنا على التَّمْر الَّذِي تريدونه. قَوْله: (وَأَنت أجمل الْعَرَب) أَي: صُورَة، وَالنِّسَاء يملن إِلَى الصُّور الحسان، وَفِي رِوَايَة ابْن سعد من مُرْسل عِكْرِمَة: ولأنا مِنْك، وَأي امْرَأَة تمنع مِنْك لجمالك، وَقَالَ بَعضهم: قَالُوا ذَلِك تهكماً. قلت: مُرْسل عِكْرِمَة يرد هَذَا، قَوْله: (فيسب أحدهم) بِضَم الْيَاء على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (اللامة) بتَشْديد اللَّام، وَقد فَسرهَا سُفْيَان بِأَنَّهَا السِّلَاح، وَقَالَ غَيره من أهل اللُّغَة: اللامة الدرْع، فعلى هَذَا إِطْلَاق السِّلَاح عَلَيْهَا من إِطْلَاق اسْم الْكل على الْبَعْض، وَفِي مُرْسل عِكْرِمَة. وَلَكنَّا نرهنك سِلَاحنَا مَعَ علمك بحاجتنا إِلَيْهِ، قَالَ: نعم. قَوْله: (فَجَاءَهُ لَيْلًا) ، أَي: فجَاء مُحَمَّد بن مسلمة كَعْبًا فِي اللَّيْل، وَالْحَال أَن مَعَه أَبُو نائلة، بنُون وَبعد الْألف يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة، وَقيل: بِالْهَمْزَةِ بعد الْألف، واسْمه: سلكان، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام: ابْن سَلامَة ابْن وقش بن رَغْبَة بن زعور بن عبد الْأَشْهَل الْأنْصَارِيّ الأشْهَلِي، وَيُقَال: سلكان لقب واسْمه: سعد، شهد أحدا وَكَانَ من الرُّمَاة الْمَذْكُورين من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ شَاعِرًا: قَوْله: (وَكَانَ أَخَاهُ من الرضَاعَة) أَي: كَانَ أَبُو نائلة أَخا كَعْب من الرضَاعَة، وَذكر الْوَاقِدِيّ أَن مُحَمَّد بن مسلمة أَيْضا كَانَ أَخَاهُ من الرضَاعَة، وَزَاد الْحميدِي فِي رِوَايَته، وَكَانُوا أَرْبَعَة، سمى عَمْرو مِنْهُم اثْنَيْنِ، والاثنان الْآخرَانِ: عباد بن بشر والْحَارث بن أَوْس. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: فَاجْتمع فِي قَتله: مُحَمَّد بن مسلمة، وسلكان بن سَلامَة بن وقش وَهُوَ أَبُو نائلة الأشْهَلِي، وَعباد بن بشر بن وقش الأشْهَلِي، وَأَبُو عبس بن جبر أَخُو بني حَارِثَة، والْحَارث بن أَوْس، فَهَؤُلَاءِ خَمْسَة.
قَوْله: (وَقَالَ غير عَمْرو) ، أَي: قَالَ سُفْيَان: قَالَ غير عَمْرو بن دِينَار الْمَذْكُور، وَبَين الْحميدِي فِي رِوَايَته عَن سُفْيَان أَن الْغَيْر الَّذِي أبهمه سُفْيَان فِي هَذِه الْقِصَّة هُوَ الْعَبْسِي. قَوْله: وَأَنه حَدثهُ بذلك عَن عِكْرِمَة مُرْسلا: (كَأَنَّهُ يقطر مِنْهُ الدَّم) كِنَايَة عَن صَوت طَالب شَرّ وخراب، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: لما انْتهى هَؤُلَاءِ إِلَى حصن كَعْب هتف بِهِ أَبُو نائلة، وَكَانَ حَدِيث عهد بعرس، فَوَثَبَ فِي ملحفة لَهُ فَأخذت امْرَأَته بناحيتها وَقَالَت: إِلَى أَيْن فِي مثل هَذِه السَّاعَة؟ فَقَالَ: إِنَّه أَبُو نائلة، لَو وجدني نَائِما أيقظني. فَقَالَت: وَالله إِنِّي لأعرف فِي صَوته الشَّرّ، فَقَالَ لَهَا كَعْب: لَو دعِي الْفَتى إِلَى طعنة لأجاب، ثمَّ نزل. قَوْله: (فَقَالَ: إِذا مَا جَاءَ) أَي: فَقَالَ مُحَمَّد بن مسلمة: إِذا مَا جَاءَ كَعْب. قَوْله: (فَإِنِّي قَائِل بِشعرِهِ) أَي: فَإِنِّي جاذب بِشعرِهِ، وَقد اسْتعْملت الْعَرَب لفظ: القَوْل، فِي مَوضِع غَيره من الْمعَانِي وأطلقوه على غير الْكَلَام وَاللِّسَان، فَيَقُول: قَالَ بِيَدِهِ، أَي: أَخذ، وَقَالَ بِرجلِهِ أَي: مَشى، وَقَالَ بِالْمَاءِ على يَده أَي: قلب، وَقَالَ بِثَوْبِهِ أَي: رَفعه، وكل ذَلِك على الْمجَاز والاتساع. قَوْله: (ثمَّ أشمكم) بِضَم الْهمزَة من الإشمام أَي: أمكنكم من الشم. قَوْله: (متوشحاً) نصب على الْحَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: نزل، أَي: متلبساً بِثَوْبِهِ وسلاحه. قَوْله: (وَهُوَ ينفح مِنْهُ ريح الطّيب) جملَة حَالية، و: ينفح، بِالْحَاء الْمُهْملَة مَعْنَاهُ: يفوح، وريح الطّيب بِالرَّفْع فَاعل: ينفح. قَوْله: (مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ ريحًا) أَي: مَا رَأَيْت ريحًا أطيب فِي يَوْم مثل هَذَا الْيَوْم. قَوْله: (قَالَ غير عَمْرو) أَي: قَالَ سُفْيَان: قَالَ غير عَمْرو بن دِينَار (عِنْدِي أعطر نسَاء الْعَرَب) وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: عِنْد أعطر سيد الْعَرَب، وَكَانَ لفظ سيد تصحيفاً من نسَاء، فَإِن كَانَت مَحْفُوظَة فَالْمَعْنى أعطر نسَاء سيد الْعَرَب على الْحَذف، أَو المُرَاد شخص أَو مصاحب أعطر من سيدهم. قَوْله: (وأكمل الْعَرَب) وَفِي رِوَايَة الإصيلي: أجمل، بِالْجِيم بدل الْكَاف وَهَذَا أشبه. قَوْله: (دونكم) أَي: خذوه بأسيافكم. قَوْله: (فَقَتَلُوهُ) وَفِي رِوَايَة عُرْوَة: وضربه مُحَمَّد بن مسلمة فَقتله وَأصَاب ذُبَاب السَّيْف الْحَارِث بن أَوْس وَأَقْبلُوا حَتَّى إِذا كَانُوا بجرف بُعَاث تخلف الْحَارِث ونزف، فَلَمَّا افتقده أَصْحَابه رجعُوا فاحتملوه ثمَّ أَقبلُوا سرَاعًا حَتَّى دخلُوا الْمَدِينَة. وَفِي رِوَايَة الْوَاقِدِيّ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تفل على جرح الْحَارِث بن أَوْس فَلم يؤذه، وَفِي رِوَايَة ابْن الْكَلْبِيّ: فضربوه حَتَّى برد، وَصَاح عِنْد أول ضَرْبَة وَاجْتمعت الْيَهُود، فَأخذُوا على غير طَرِيق أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ففاتوهم. وَفِي مُرْسل عِكْرِمَة: فَأَصْبَحت الْيَهُود مذعورين فَأتوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: قتل سيدنَا غيلَة، فَذكر لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَنِيعه وَمَا كَانَ يحرض عَلَيْهِ ويؤذي الْمُسلمين. وَقَالَ ابْن سعد: فخافوا وَلم ينطقوا، وَذكر فِي (كتاب شرف الْمُصْطَفى) أَن الَّذين قتلوا كَعْب بن الْأَشْرَف حملُوا رَأسه فِي مخلاة إِلَى(17/133)
الْمَدِينَة، فَقيل: إِنَّه أول رَأس حمل فِي الْإِسْلَام، وَقيل: أول رَأس حمل رَأس عَمْرو بن الْحمق، وَقيل: رَأس أبي عزة الجُمَحِي الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يلْدغ الْمُؤمن من جُحر مرَّتَيْنِ.
16 - (بابُ قَتْلِ أبِي رافِع)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قتل أبي رَافع الْيَهُودِيّ.
عَبْدِ الله بنِ أبِي الحُقَيْقِ
عبد الله، مجرور لِأَنَّهُ عطف بَيَان لِأَنَّهُ اسْم أبي رَافع، وَأَبوهُ: الْحقيق، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْقَاف الأولى وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَاسم أبي رَافع: عبد الله عِنْد الْهَيْثَم، وَقيل: الَّذِي سَمَّاهُ عبد الله هُوَ عبد الله بن أنيس، وَذَلِكَ فِيمَا أخرجه الْحَاكِم فِي (الإكليل) من حَدِيثه مطولا، وأوله: أَن الرَّهْط الَّذين بَعثهمْ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى عبد الله بن أبي الْحقيق ليقتلوه هم عبد الله بن عتِيك وَعبد الله بن أنيس وَأَبُو قَتَادَة وحليف لَهُم رجل من الْأَنْصَار، قدمُوا خَيْبَر لَيْلًا ... فَذكر الحَدِيث.
يُقَالُ سَلاَّمُ بنُ أبِي الحُقَيْقِ
أَي: يُقَال: إسم أبي رَافع سَلام، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام، وَالْقَائِل بِهَذَا هُوَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب (الْمَغَازِي) .
كانَ بِخَيْبَرَ
أَي: كَانَ أَبُو رَافع يسكن بِخَيْبَر بلد عنزة فِي جِهَة الشمَال والشرق من الْمَدِينَة على نَحْو سِتّ مراحل، وخيبر بلغَة الْيَهُود: حصن، وَكَانَ فِي صدر الْإِسْلَام دَار بني قُرَيْظَة وَالنضير.
ويُقَالُ: فِي حِصْنٍ لَهُ بِأرْضِ الْحجاز
أَي: يُقَال: كَانَ أَبُو رَافع فِي حصن كَانَ لَهُ بِأَرْض الْحجاز، قَالَ الْوَاقِدِيّ: الْحجاز من الْمَدِينَة إِلَى تَبُوك، وَمن الْمَدِينَة إِلَى طَرِيق الْكُوفَة، وَمن وَرَاء ذَلِك إِلَى أَن يشارف أَرض الْبَصْرَة فَهُوَ نجد، وَمَا بَين الْعرَاق وَبَين وجرة وغمرة الطَّائِف نجد، وَمَا كَانَ من وَرَاء وجرة إِلَى الْبَحْر فَهُوَ تهَامَة، وَمَا كَانَ بَين تهَامَة ونجد فَهُوَ حجاز، وَقَالَ الْمَدَائِنِي: الْحجاز جبل يقبل من الْيمن حَتَّى يتَّصل بِالشَّام وَفِيه الْمَدِينَة وعمان، وَإِنَّمَا سمي حجازاً لِأَنَّهُ يحجز بَين نجد وتهامة، وَمن الْمَدِينَة إِلَى طَرِيق مَكَّة إِلَى أَن يبلغ مهبط العرج حجاز أَيْضا، وَمَا وَرَاء ذَلِك إِلَى مَكَّة وَجدّة فَهُوَ تهَامَة، وَمَا كَانَ بَين تهَامَة ونجد فَهُوَ حجاز.
وقَالَ الزُّهْرِيُّ هُوَ بَعْدَ كعْبِ بنِ الأشْرَفِ
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ: قتل أبي رَافع كَانَ بعد قتل كَعْب بن الْأَشْرَف، وَقد ذكرنَا أَن قتل كَعْب بن الْأَشْرَف كَانَ فِي رَمَضَان سنة ثَلَاث. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَت قصَّة أبي رَافع فِي سنة سِتّ، وَهُوَ وهم، وَقيل: فِي سنة خمس فِي ذِي الْحجَّة، وَقيل: فِي سنة أَربع، وَقيل: فِي رَجَب سنة ثَلَاث، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله يَعْقُوب بن سُفْيَان فِي (تَارِيخه) عَن حجاج بن أبي منيع عَن جده عَن الزُّهْرِيّ.
4038 - حدَّثني إسْحَاقُ بنُ نَصْر حدَّثنا يَحْيَى بنُ آدَمَ حدَّثنا ابنُ أبِي زَائِدَةَ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنِ الْبَرَاءِ بنِ عَازِب رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ بَعَثَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَهْطَاً إِلَى أبِي رَافِعٍ فدَخَلَ علَيْهِ عبْدُ الله بن عَتِيكٍ بَيْتَهُ لَيْلاً وهْوَ نائِمٌ فقَتَلَهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق بن نصر هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر السَّعْدِيّ البُخَارِيّ، وَيحيى بن آدم بن سُلَيْمَان الْكُوفِي، صَاحب الثَّوْريّ، رَحمَه الله، وَابْن أبي زَائِدَة واسْمه مَيْمُون، وَيُقَال: خَالِد الْهَمدَانِي الْكُوفِي القَاضِي، وَهُوَ يروي عَن أَبِيه زَكَرِيَّا، وَهُوَ يروي عَن أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي الْكُوفِي.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب قتل النَّائِم(17/134)
الْمُشرك، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن مُسلم عَن يحيى بن زَكَرِيَّا ... إِلَخ، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ولنذكر هُنَا أَيْضا مَا يحْتَاج إِلَيْهِ.
قَوْله: (رَهْط) ، الرَّهْط من الرِّجَال مَا دون الْعشْرَة، وَقيل: إِلَى الْأَرْبَعين، وَلَا يكون فيهم امْرَأَة، وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَيجمع على أرهط وأرهاط وأراهط جمع الْجمع، وَقد ذكرنَا عَن الْحَاكِم آنِفا، أَنهم كَانُوا أَرْبَعَة مِنْهُم: عبد الله بن عتِيك، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالكاف: ابْن مَالك بن الْأَوْس، وَيُقَال: عتِيك بن الْحَارِث بن قيس بن هيشة بن الْحَارِث بن أُميَّة بن زيد بن مُعَاوِيَة بن مَالك بن عَوْف بن عَمْرو بن عَوْف بن مَالك بن الْأَوْس الْأنْصَارِيّ، اسْتشْهد عبد الله هَذَا يَوْم الْيَمَامَة، قَالَ أَبُو عمر: وَأَظنهُ وأخاه جَابر بن عتِيك شَهدا بَدْرًا، وَلم يخْتَلف أَن عبد الله شهد أحدا، وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ وَأَبوهُ: أَنه شهد صفّين مَعَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ أَبُو عمر: فَإِن كَانَ فَلم يقتل يَوْم الْيَمَامَة، وَالله أعلم. قَوْله: (بَيته) ، بِفَتْح الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء أَي: بَيت أبي رَافع، وَهُوَ مَنْصُوب على المفعولية، هَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: ببيته، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، فعل مَاض من التثبيت، وَالْجُمْلَة حَالية بِتَقْدِير: قد، وَالتَّقْدِير: دخل على أبي رَافع عبد الله ابْن عتِيك قد بَيت الدُّخُول لَيْلًا أَي: فِي اللَّيْل. قَوْله: (وَهُوَ) ، أَي: وَالْحَال أَن أَبَا رَافع نَائِم فَقتله.
4039 - حدَّثنا يُوسُفُ بنُ مُوساى حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوساى عنْ إسْرَائِيل عنْ أبِي إسْحَاقَ عنِ البَرَاءِ بنِ عازِبٍ قَالَ بَعَثَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَى أبي رَافِعٍ اليَهُودِيِّ رِجَالاً مِنَ الأنْصَارِ فأمَّرَ علَيْهِمْ عَبْدَ الله بنَ عَتِيكٍ وكانَ أبُو رَافِعٍ يُؤذِي رسولَ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويُعِينُ علَيْهِ وكانَ فِي حُصْنٍ لَهُ بِأرْضِ الحِجَازِ فلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ وقَدْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ ورَاحَ النَّاسُ بِسَرْحِهِمْ فَقَالَ عَبْدُ الله لأصْحَابِهِ اجْلِسُوا مَكَانَكُمْ فإنِّي مُنْطَلِقٌ ومُتَلَطِّفٌ لِلْبَوَّابِ لَعَلِّي أنْ أدْخُلَ فأقْبَلَ حتَّى دَنا مِنَ البَابِ ثُمَّ تقَنَّعَ بِثَوْبِهِ كأنَّهُ يَقْضِي حاجَةً وقَدْ دَخَلَ النَّاسُ فهَتَفَ بِهِ البَوَّابُ يَا عَبْدُ الله إنْ كُنْتَ تُرِيدُ أنْ تَدْخُلَ فادْخُلْ فإنِّي أُرِيدُ أنْ أغْلِقَ البابَ فدَخَلْتُ فكَمَنْتُ فلَمَّا دخَلَ النَّاسُ اغْلقَ البَابَ ثُمَّ علَّقَ الأغَالِيقَ علَى وَتَدٍ قَالَ فقُمْتُ إِلَى الأقالِيدِ فأخَذْتُهَا ففَتَحْتُ الْبَابَ وكانَ أبُو رَافِعٍ يُسْمَرُ عِنْدَهُ وكانَ فِي عَلاَلِيَّ لَهُ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ أهْلُ سَمَرِهِ صَعِدْتُ إلَيْهِ فجَعَلْتُ كُلَّمَا فتَحْتُ بَابا أغْلَقْتُ عَلَيَّ مِنْ دَاخِلٍ قُلْتُ إنَّ القَوْمَ نَذِرُوا بِي لَمْ يَخْلُصُوا إلَيَّ حتَّى أقْتُلَهُ فانْتَهَيْتُ إلَيْهِ فإذَا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وسْطَ عِيَالِهِ لَا أدْرِي أيْنَ هُوَ مِنَ البَيْتِ فَقُلْتُ يَا أبَا رَافِعٍ قَالَ مَنْ هاذَا فأهْوَيْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فأضْرِبُهُ ضَرْبَةً بالسَّيْفِ وأنَا دَهِشٌ مِمَّا أغْنَيْتُ شَيْئَاً وصاحَ فخَرَجْتُ مِنَ البَيْتِ فأمْكُثُ غيْرَ بعِيدٍ ثُمَّ دَخَلْتُ إلَيْهِ فقُلْتُ مَا هاذا الصَّوّتُ يَا أبَا رَافِعٍ فَقال لأُمِّكَ الوَيْلُ إنَّ رَجُلاً فِي الْبَيْتِ ضَرَبَنِي قَبْلُ بالسَّيْفِ قَالَ فأضْرِبُهُ ضَرْبَةً أثْخَنَتْهُ ولَمْ أقْتُلْهُ ثُمَّ وَضَعْتُ ظُبَةَ السَّيْفِ فِي بَطْنِهِ حتَّى أخَذَ فِي ظَهْرِهِ فعَرَفْتُ أنِّي قتَلْتُهُ فجَعَلْتُ أفْتَحُ الأبْوَابَ بَابا بَابا حتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى دَرَجَةٍ لَهُ فَوَضَعْتُ رِجْلِي وأنَا أُرَي أنِّي قدِ انْتَهَيْتُ إِلَى الأرْضِ فوَقَعْتُ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ فانْكَسَرَتْ ساقِي فعَصَبْتُهَا بِعِمَامَةٍ ثُمَّ انْطَلَقْتُ حتَّى جَلَسْتُ علَى البَابِ فقُلْتُ لَا أخْرُجُ اللَّيْلَةَ حتَّى أعْلَمَ أقَتَلْتُهُ فلَمَّا صاحَ الدِّيكُ قامَ النَّاعِي علَى السُّورِ فَقال أنْعَى أبَا رَافِعٍ تاجِرَ أهْلِ الحِجَازِ فانْطَلَقْتُ إِلَى أصْحَابِي فقُلْتُ النَّجَاءَ(17/135)
فقَدْ قَتَلَ الله أبَا رَافِعٍ فانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فحَدَّثْتُهُ فَقال لِي ابْسُطْ رِجْلَكَ فبَسَطْتُ رِجْلِي فمَسَحَها فكَأنَّهَا لَمْ أشْتَكِهَا قَطُّ. .
هَذَا طَرِيق آخر أخرجه مطولا، وَفِيه بَيَان قصَّة أبي رَافع. ويوسف بن مُوسَى بن رَافع. ويوسف بن مُوسَى بن رَاشد بن بِلَال الْقطَّان الْكُوفِي، سكن بَغْدَاد وَمَات بهَا سنة اثْنَيْنِ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَعبيد الله بن مُوسَى بن باذام أَبُو مُحَمَّد الْعَبْسِي الْكُوفِي، وَهُوَ أَيْضا شيخ البُخَارِيّ روى عَنهُ هُنَا بالواسطة، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، يروي عَن جده أبي إِسْحَاق.
قَوْله: (رجَالًا من الْأَنْصَار) قد سمى مِنْهُم فِي هَذَا الْبَاب: عبد الله بن عتِيك ومسعود بن سِنَان وَعبد الله بن أنيس وَأَبا قَتَادَة وخزاعى ابْن أسود. وَإِن كَانَ عبد الله بن عتبَة مَحْفُوظًا فَكَانُوا سِتَّة، وَقد ترجمنا عبد الله بن عتِيك، وَأما مَسْعُود بن سِنَان فَهُوَ ابْن سِنَان ابْن الْأسود حَلِيف لبني غنم بن سَلمَة من الْأَنْصَار، شهد أحدا وَقتل يَوْم الْيَمَامَة شَهِيدا، وَعبد الله بن أنيس، بِضَم الْهمزَة وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالسين الْمُهْملَة: ابْن أسعد بن حرَام بن حبيب بن غنم بن كَعْب بن غنم بن تفاثة بن أياس بن يَرْبُوع بن فالبرك بن وبرة أخي كلب بن وبرة، البرك بن وبرة دخل فِي جُهَيْنَة، وَقَالَ أَبُو عمر: عبد الله بن أنيس الْجُهَنِيّ، ثمَّ الْأنْصَارِيّ حَلِيف بني سَلمَة، وَقيل: هُوَ من جُهَيْنَة حَلِيف للْأَنْصَار، وَقيل: هُوَ من الْأَنْصَار، توفّي سنة أَربع وَخمسين شهد أحدا وَمَا بعْدهَا، وَأَبُو قَتَادَة الْأنْصَارِيّ فَارس رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اخْتلف فِي اسْمه، فَقيل: الْحَارِث بن ربعي بن بلدهة، وَقيل: بلدمة بن خناس بن سِنَان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كَعْب بن سَلمَة الْأنْصَارِيّ السّلمِيّ، وَقيل: النُّعْمَان الربعِي، وَقيل: عَمْرو بن ربعي. وَاخْتلف فِي شُهُوده بَدْرًا، فَقَالَ بَعضهم: كَانَ بَدْرِيًّا وَلم يذكرهُ ابْن عقبَة وَلَا ابْن إِسْحَاق فِي الْبَدْرِيِّينَ وَشهد أحدا وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد كلهَا، وَعَن الشّعبِيّ أَن عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كبر على أبي قَتَادَة سِتا، وَكَانَ بَدْرِيًّا وَعنهُ أَنه كبر عَلَيْهِ سبعا، وَكَانَ بَدْرِيًّا. وَقَالَ الْحسن بن عُثْمَان: مَاتَ أَبُو قَتَادَة سنة أَرْبَعِينَ وَشهد مَعَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مشاهده كلهَا فِي خِلَافَته، وَمَات بِالْكُوفَةِ وَهُوَ ابْن سبعين سنة، وخزاعي، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الزَّاي وبالعين الْمُهْملَة: ابْن أسود بن خزاعي، الْأَسْلَمِيّ حَلِيف الْأَنْصَار، ذكره الذَّهَبِيّ فِي تَجْرِيد أَسمَاء الصَّحَابَة وَقَالَ: قيل: لَهُ صُحْبَة، وَلم يذكرهُ أَبُو عمر فِي الصَّحَابَة، وَقيل بِالْقَلْبِ: أسود بن خزاعي، وَقيل: أسود بن حرَام، ذكره فِي (الإكليل) فِي حَدِيث عبد الله بن أنيس، وَكَذَا ذكره مُوسَى بن عقبَة فِي (الْمَغَازِي) وَذكر فِي (دَلَائِل الْبَيْهَقِيّ) من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة على الشَّك: هَل هُوَ أسود بن خزاعي أَو أسود بن حرَام؟ وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي تَجْرِيد الصَّحَابَة) : الْأسود بن خزاعي، وَقيل: خزاعي بن أسود أحد من قتل ابْن أبي الْحقيق، ذكره ابْن إِسْحَاق وَهُوَ أسلمي من حلفاء بني سَلمَة الأنصاريين، وَقَالَ الذَّهَبِيّ أَيْضا: الْأسود بن أَبيض، استدركه أَبُو مُوسَى، قيل: هُوَ أحد من بَيت ابْن أبي الْحقيق، وَأما عبد الله بن عتبَة، فبالعين المضمومة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقَالَ أَبُو عمر، عبد الله بن عتبَة أَبُو قيس الذكواني، مدنِي. وَقَالَ الذَّهَبِيّ: قيل: لَهُ صُحْبَة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي (جَامع الْأُصُول) : إِنَّه ابْن عنبة، بِكَسْر الْعين وَفتح النُّون، وغلطه بَعضهم بِأَنَّهُ خولاني لَا أَنْصَارِي، ومتأخر الْإِسْلَام، وَهَذِه الْقِصَّة مُتَقَدّمَة. وَقَالَ الذَّهَبِيّ: عبد الله بن عتبَة، أَبُو عتبَة الْخَولَانِيّ، نزل مصر، وَقَالَ بكر بن زرْعَة: لَهُ صُحْبَة وَقد صلى الْقبْلَتَيْنِ وَسمع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فأمَّر عَلَيْهِم) ، بتَشْديد الْمِيم من التأمير. قَوْله: (وَكَانَ أَبُو رَافع يُؤْذِي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) لِأَنَّهُ مِمَّن أعَان غطفان وَغَيرهم من مُشْركي الْعَرَب بِالْمَالِ الْكثير على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَرَاح النَّاس بسرحهم) ، أَي: رجعُوا بمواشيهم الَّتِي ترعى، والسرح، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة: وَهِي السَّائِمَة من إبل وبقر وغنم. قَوْله: (ثمَّ تقنع بِثَوْبِهِ) ، أَي: تغطى بِهِ ليخفي شخصه لِئَلَّا يعرف. قَوْله: (فَهَتَفَ بِهِ البواب) ، أَي: ناداه، وَفِي رِوَايَة فَنَادَى صَاحب الْبَاب. فَإِن قلت: كَيفَ قَالَ البواب: يَا عبد الله؟ فَهَذَا يدل على أَنه عرفه؟ فَلَو عرفه لما مكنه من الدُّخُول مَعَ أَنه كَانَ مستخفياً مِنْهُ. قلت: لم يرد بِهِ اسْمه الْعلم، بل الظَّاهِر أَنه أَرَادَ بِهِ الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ، لِأَن الْكل عبيد الله. قَوْله: (فَكَمَنْت) ، أَي: اخْتَبَأْت،(17/136)
وَفِي رِوَايَة يُوسُف، ثمَّ اخْتَبَأْت فِي مربط حمَار عِنْد بَاب الْحصن. قَوْله: (ثمَّ غلق الأغاليق) ، وَهُوَ بالغين الْمُعْجَمَة جمع غلق بِفَتْح أَوله، وَهُوَ مَا يغلق بِهِ الْبَاب، وَالْمرَاد بهَا المفاتيح كَأَنَّهُ كَانَ يغلق بهَا وَيفتح بهَا، كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: بِالْعينِ الْمُهْملَة، وَفِي (التَّوْضِيح) : هُوَ جمع إغليق، وَهُوَ الْمِفْتَاح. قَوْله: (على وتد) ويروى: على ود، وَهُوَ مدغم الوتد، قَالَه الْكرْمَانِي: يَعْنِي قلبت التَّاء دَالا وأدغمت الدَّال فِي الدَّال، وَقَالَ: هِيَ مسمرة على الْبَاب، فَكيف تعلق على الوتد؟ قلت: يُرَاد بهَا الأقاليد، والإقليد كَمَا يفتح بِهِ يغلق أَيْضا بِهِ. قَوْله: (يسمر عِنْده) على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمُضَارع، أَي: يتحدثون عِنْده بعد الْعشَاء وَهُوَ من السمر وَهُوَ الاقتصاص بِاللَّيْلِ. قَوْله: (فِي علالي) جمع علية، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَكسر اللَّام وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهِي الغرفة وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: وَكَانَ فِي علية لَهُ عجلة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالْجِيم، قَالَ بَعضهم: هِيَ سلم من الْخشب، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: العجلة من نخل ينقر الْجذع وَيحمل فِيهِ شبه الدرج. قَوْله: (نذروا) بِكَسْر الذَّال أَي: علمُوا، وَأَصله من الْإِنْذَار وَهُوَ الْإِعْلَام بالشَّيْء الَّذِي يحذر مِنْهُ، وَذكر ابْن سعد أَن عبد الله بن عتِيك كَانَ يرطن باليهودية فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالَت لَهُ امْرَأَة أبي رَافع: من أَنْت؟ قَالَ: جِئْت أَبَا رَافع بهديه، ففتحت لَهُ. قَوْله: (فَأَهْوَيْت نَحْو الصَّوْت) ، أَي: قصدت نَحْو صَاحب الصَّوْت، وَفِي رِوَايَة يُوسُف: فعمدت نَحْو الصَّوْت. قَوْله: (وَأَنا دهش) جملَة إسمية وَقعت حَالا، ودهش أَي: تحير وَهُوَ بِفَتْح الدَّال وَكسر الْهَاء، وَفِي آخِره شين مُعْجمَة. قَوْله: (فَمَا أغنيت شَيْئا) يُقَال: مَا يُغني عَنْك، أَي: مَا يجدي عَنْك وَمَا ينفعك، حَاصِل الْمَعْنى: لم أَقتلهُ. قَوْله: (لأمك الويل) دُعَاء عَلَيْهِ، وَالْوَيْل مُبْتَدأ، و: لأمك، مقدما خَبره. قَوْله: (أثخنته) أَي: أثخنت الضَّرْبَة أَبَا رَافع، وَالْحَال أَنِّي لم أَقتلهُ أَيْضا. قَوْله: (ظبه السَّيْف) وَهُوَ حرف حد السَّيْف، وَيجمع على: ظبات وظبين، وَأما الضبيب بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى على وزن: رغيف، فَلَا أَدْرِي لَهُ معنى يَصح فِي هَذَا، وَإِنَّمَا هُوَ سيلان الدَّم من الْفَم، يُقَال: ضبت لثته ضبيباً، وَقَالَ الْخطابِيّ: هَكَذَا يرْوى، وَمَا أرَاهُ مَحْفُوظًا، وَقَالَ عِيَاض: روى بَعضهم الصبيب بِالْمُهْمَلَةِ، قَالَ: وأظن أَنه الطّرف. قلت: هُوَ رِوَايَة أبي ذَر، وَكَذَا ذكره الْحَرْبِيّ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَو كَانَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة مصغر ذُبَاب السَّيْف وَهُوَ طرفه لَكَانَ ظَاهرا، وَفِي رِوَايَة يُوسُف: فأضع السَّيْف فِي بَطْنه ثمَّ انكفىء عَلَيْهِ حَتَّى أسمع صَوت الْعظم. قَوْله: (وَأَنا أرى) بِضَم الْهمزَة أَي: أَظن، وَذكر ابْن إِسْحَاق فِي رِوَايَته أَنه كَانَ سيء الْبَصَر، قَوْله: فَانْكَسَرت ساقي فَوَثَبت يَده، قيل: هُوَ وهم وَالصَّوَاب رجله. قَوْله: (قَامَ الناعي) بالنُّون وَالْعين الْمُهْملَة من النعي، وَهُوَ خبر الْمَوْت، وَالِاسْم الناعي. قَوْله: (أنعي أَبَا رَافع) كَذَا ثَبت فِي الرِّوَايَات بِفَتْح الْعين، قَالَ ابْن التِّين: هِيَ لُغَة، وَالْمَعْرُوف: أنعوا، قَوْله: (النَّجَاء) بِالنّصب أَي: أَسْرعُوا. قَوْله: (فَكَأَنَّهَا) أَي: فَكَأَن رجْلي لم أشتكها، من الشكاية.
4040 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ حدَّثَنَا شُرَيْحٌ هُوَ ابنُ مَسْلَمَةَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ يُوسُفَ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ بعَثَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَى أبِي رَافِعٍ عَبْدَ الله بنَ عَتِيكٍ وعَبْدَ الله بنَ عُتْبَةَ فِي ناسٍ مَعَهُمْ فانْطَلَقُوا حَتَّى دَنَوْا مِنَ الحِصْنِ فَقالَ لَهُمْ عَبْدُ الله بنُ عَتِيكٍ امْكُثُوا أنْتُمْ حتَّى أنْطَلِقَ أنَا فأنْظُرَ قالَ فتَلَطَّفْتُ أنْ أدْخُلَ الحِصْنَ ففَقَدُوا حِمارَاً لَهُمْ قَالَ فخَرَجُوا بِقَبَسٍ يَطْلُبُونَهُ قَالَ فَخَشِيتُ أنْ أُعْرَفَ قَالَ فَغَطَّيْتُ رأسِي ورِجْلِي كأنِّي أقْضِي حاجَةً ثُمَّ نادَى صاحِبُ الْبابِ مَنْ أرَادَ أنْ يَدْخُلَ فلْيَدْخُلْ قَبْلَ أنْ أُغْلِقَهُ فدَخَلْتُ ثُمَّ اخْتَبأتُ فِي مَرْبِطِ حِمَارٍ عِنْدَ بابِ الحَصْنِ عِنْدَ أبِي رَافِعٍ وتَحَدَّثُوا حتَّى ذَهَبَتْ ساعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ رَجَعُوا إلَى بُيُوتِهِمْ فلَمَّا هدَأتِ الأصْوَاتُ وَلَا أسْمَعُ حَرَكةً خرَجْتُ قَالَ ورَأيْتُ صاحِبَ الْبابِ حيْثُ وَضَعَ مِفْتَاحَ الحِصْنِ فِي كَوَّةٍ فأخَذْتُهُ ففَتَحْتُ بِهِ بابَ الحِصْنِ قَالَ قُلْتُ إنْ نَذِرَ بِي القَوْمُ انْطَلَقْتُ علَى مَهْلٍ ثُمَّ عَمَدْتُ إلَى أبْوَابِ بيُوتِهِمْ فغَلَّقْتُهَا علَيْهِمْ مِنْ ظَاهِرٍ ثُمَّ(17/137)
صَعِدْتُ إلَى أبِي رافِعٍ فِي سُلَّمٍ فإذَا البَيْتُ مُظْلِمٌ قدْ طُفِىءَ سِرَاجُهُ فلَمْ أدْرِ أيْنَ الرَّجُلُ فقُلْتُ يَا أبَا رَافعٍ قَالَ مَنْ هاذَا قَالَ فعَمَدْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فأضْرِبُهُ وصَاحَ فلَمْ تُغْنِ شَيْئاً قَالَ ثُمَّ جِئْتُ كأنِّي أُغِيثُهُ فقُلْتُ مالَكَ يَا أبَا رَافِعٍ وغيَّرْتُ صَوْتي فَقال ألاَ أُعْجِبَكَ لاُِمِّكَ الوَيْلُ دخَلَ علَيَّ رَجُلٌ فضَرَبَنِي بالسَّيْفِ قَالَ فَعَمَدْتُ لَهُ أَيْضا فأضْرِبُهُ أخْرَى فلَمْ تُغْنِ شَيْئاً فَصاحَ وقامَ أهْلُهُ قَالَ ثُمَّ جِئْتُ وغيَّرْتُ صَوْتِي كَهَيْئَةِ الْمُغِيثِ فإذَا هُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ فأضَعُ السَّيْفَ فِي بَطْنِهِ ثُمَّ أنْكَفِىءُ علَيْهِ حتَّى سَمِعْتُ صَوْتَ العَظْمِ ثُمَّ خَرَجْتُ دَهِشَاً حتَّى أتَيْتُ السُّلَّمَ أُرِيدُ أنْ أنْزِلَ فأسْقُطُ مِنْهُ فانْخَلَعَتْ رِجْلِي فعَصَبْتُهَا ثُمَّ أتَيْتُ أصْحَابي أحْجُلُ فقُلْتُ لَهُمْ انْطَلِقُوا فبَشِّرُوا رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فإنِّي لاَ أبْرَحُ حتَّى أسْمَعَ النَّاعِيَةَ فلَمَّا كانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ صَعِدَ النَّاعِيَةُ فَقال أنْعَى أبَا رَافعٍ قَالَ فقُمْتُ أمْشِي مَا بِي قَلَبَةٌ فأدْرَكْتُ أصْحَابِي قبْلَ أنْ يَأتُوا النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فبَشَّرْتُهُمْ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث الْبَراء، أخرجه عَن أَحْمد بن عُثْمَان بن حَكِيم أَبُو عبد الله الْكُوفِي عَن شُرَيْح، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة ابْن مسلمة الْكُوفِي عَن إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن إِسْحَاق بن أبي إِسْحَاق وَإِبْرَاهِيم هَذَا يروي عَن أَبِيه يُوسُف، ويوسف يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو السبيعِي عَن الْبَراء بن عَازِب، وَرِجَال هَذَا الأسناد كلهم كوفيون.
قَوْله: (وَعبد الله بن عتبَة) بِضَم الْعين وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب. قَوْله: (بقبس) ، أَي: شعلة من النَّار. قَوْله: (فَلَمَّا هدأت الْأَصْوَات) كَذَا هُوَ بِالْهَمْزَةِ، وَذكر ابْن التِّين بِغَيْر همز، ثمَّ قَالَ: وَصَوَابه الْهَمْز، أَي: سكنت ونام النَّاس. قَوْله: (فأضربه) ، ذكر بِلَفْظ الْمُضَارع مُبَالغَة لاستحضار صُورَة الْحَال وَإِن كَانَ ذَلِك قد مضى. قَوْله: (فَلم تغنِ) أَي: لم تَنْفَع شَيْئا. قَوْله: (أغيثه) ، بِضَم الْهمزَة من الإغاثة. قَوْله: (وَقَامَ أَهله) ، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: فصاحت امْرَأَته فنوهت بِنَا فَجعلنَا نرفع السَّيْف عَلَيْهَا، ثمَّ نذْكر نهي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن قتل النِّسَاء فنكف عَنْهَا. قَوْله: (ثمَّ أنكفىء) أَي: أنقلب عَلَيْهِ. قَوْله: (فانخلعت رجْلي) وَفِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة: فَانْكَسَرت، والتلفيق بَينهمَا بِأَن يُقَال: إنَّهُمَا وَقعا، أَو أَرَادَ من كل مِنْهُمَا مُجَرّد اختلال الرجل. قَوْله: (أحجل) بِالْحَاء الْمُهْملَة ثمَّ الْجِيم: من الحجلان، وَهُوَ مشي الْمُقَيد كَمَا يحجل الْبَعِير على ثَلَاث، والغلام على رجل وَاحِدَة. قَوْله: (مَا بِي قلبة) بِفَتْح الْقَاف وَاللَّام أَي: تقلب، واضطرب من جِهَة الرجل. فَإِن قلت: سبق أَنه قَالَ: فمسحها، فَكَأَنَّهَا لم أشتكها. قلت: لَا مُنَافَاة بَينهمَا، إِذْ لَا يلْزم من عدم التقلب عودهَا إِلَى حالتها الأولى وَعدم بَقَاء الْأَثر فِيهَا.
17 - (بابُ غَزْوَةِ أُحُدٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة أحد، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي ذَر لَفْظَة: بَاب، وَكَانَت غَزْوَة أحد فِي شَوَّال سنة ثَلَاث يَوْم السبت لإحدى عشرَة لَيْلَة خلت مِنْهُ عِنْد ابْن عَائِذ، وَعند ابْن سعد: لسبع لَيَال خلون مِنْهُ على رَأس اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ شهرا من الْهِجْرَة، وَقَالَ إِسْحَاق: لِلنِّصْفِ مِنْهُ، وَعند الْبَيْهَقِيّ عَن مَالك: كَانَت بدر لسنة وَنصف من الْهِجْرَة، وَأحد بعْدهَا بِسنة، وَفِي رِوَايَة: كَانَت على أحد وَثَلَاثِينَ شهرا، وَأحد جبل من جبال الْمَدِينَة على أثل من فَرسَخ مِنْهَا، سمي أحد لتوحده وانقطاعه عَن جبال أخر هُنَاكَ، وَقَالَ السُّهيْلي: وَفِيه قبر هَارُون بن عمرَان، وَبِه قبض. وَكَانَ هُوَ وَأَخُوهُ مُوسَى، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، مرا بِهِ حاجين أَو معتمرين، وَفِي الْآثَار المسندة: أَنه يَوْم الْقِيَامَة عِنْد بَاب الْجنَّة من داخلها، وَفِي بَعْضهَا: أَنه ركن لبابها، ذكره ابْن سَلام فِي (تَفْسِيره) وَفِي (الْمسند) من حَدِيث أبي عِيسَى بن جُبَير مَرْفُوعا: أحد جبل يحبنا ونحبه، وَكَانَ على بَاب الْجنَّة، وَقَالَ السُّهيْلي: وَيُقَال لأحد ذُو عينين، وعينان تَثْنِيَة عين، جبل بِأحد وَهُوَ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ إِبْلِيس، عَلَيْهِ اللَّعْنَة، وَيَوْم أحد، وَقَالَ: إِن سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد قتل، وَبِه أَقَامَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرُّمَاة يَوْم أحد.(17/138)
وقَوْلِ الله عزَّ وجَلَّ {وإذْ غَدَوْتَ مِنْ أهْلِكَ تُبَوِّىءُ المُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتَالِ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (آل عمرَان: 121) . وقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَلاَ تَهِنُوا ولاَ تَحْزَنُوا وأنْتُمُ الأعْلُونَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ولِيَعْلَمَ الله الَّذِينَ آمَنُوا ويَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَالله لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ولِيُمَحِّصَ الله الَّذِينَ آمَنُوا ويَمْحَقَ الكَافِرِينَ أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمَّا يَعْلَمَ الله الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ ويَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ولَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِنْ قَبْلِ أنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأيْتُمُوهُ وأنْتُمْ تَنْظُرُونَ} (آل عمرَان: 139، 143) . وقَوْلِهِ {ولَقَدْ صدَقَكُمُ الله وعْدَهُ إذْ تَحُسُّونَهُمْ تَسْتَأصِلُونَهُمْ قَتْلاً بإذْنِهِ حَتَّى إذَا فَشِلْتُمْ وتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا ومِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ولَقَدْ عفَا عَنْكُمْ وَالله ذُو فَضْلٍ علَى الْمُؤْمِنينَ} (آل عمرَان: 152) . وقَوْلِهِ تعَالَى {ولاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أمْوَاتَاً} (169) . الْآيَة.
هَذِه الْآيَات كلهَا فِي سُورَة آل عمرَان، وَكلهَا تتَعَلَّق بوقعة أحد، وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: أنزل الله فِي شَأْن أحد سِتِّينَ آي من آل عمرَان، وروى ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْمسور بن مخرمَة، قَالَ: قلت لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف، أَخْبرنِي عَن قصتكم يَوْم أحد قَالَ: إقرأ الْعشْرين وَمِائَة من آل عمرَان تجدها: {وَإِذا غَدَوْت من أهلك تبوىء الْمُؤمنِينَ مقاعد لِلْقِتَالِ} (آل عمرَان: 121) . إِلَى قَوْله: {أَمَنَة نعاساً} (آل عمرَان: 154) .
قَوْله: (وَقَول الله عز وَجل) ، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: غَزْوَة أحد. قَوْله: (وَإِذ غَدَوْت) تَقْدِيره: أذكر يَا مُحَمَّد حِين غَدَوْت، أَي حِين خرجت أول النَّهَار من حجرَة عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَاخْتلف فِي هَذَا الْيَوْم الَّذِي عَنى الله بِهِ؟ فَعِنْدَ الْجُمْهُور: المُرَاد بِهِ يَوْم أحد، قَالَه ابْن عَبَّاس وَالْحسن وَقَتَادَة وَالسُّديّ وَغير وَاحِد، وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ: المُرَاد بذلك يَوْم الْأَحْزَاب، رَوَاهُ ابْن جرير وَهُوَ غَرِيب لَا يعول عَلَيْهِ، وَقيل: يَوْم بدر، وَهُوَ أَيْضا لَا يعول عَلَيْهِ، وَكَانَت وقْعَة أحد يَوْم السبت من شَوَّال سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة، وَقَالَ قَتَادَة: لإحدى عشرَة لَيْلَة خلت من شَوَّال، وَقَالَ عِكْرِمَة: يَوْم السبت النّصْف من شَوَّال، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: وَكَانَت إِقَامَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد قدومه من غَزْوَة الْفَرْع من نَجْرَان جُمَادَى الْآخِرَة ورجباً وَشَعْبَان وَشهر رَمَضَان، وغزوة قُرَيْش وغزوة أحد فِي شَوَّال سنة ثَلَاث، وَقَالَ البلاذري: لتسْع خلون من شَوَّال، وَقَالَ مَالك: كَانَت الْوَقْعَة أول النَّهَار وَهِي الَّتِي أنزل الله فِيهَا: {وَإِذ غَدَوْت من أهلك تبوىء الْمُؤمنِينَ مقاعد لِلْقِتَالِ} (آل عمرَان: 121) . الْآيَات. قَوْله: (تبوىء الْمُؤمنِينَ) أَي: تنزلهم (مقاعد) أَي: منَازِل، وتجعلهم ميمنة وميسرة. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: مقاعد أَي مَوَاطِن ومواقف، وقرىء: مقاعداً، بِالتَّنْوِينِ. قَوْله: (لِلْقِتَالِ) أَي: لأجل الْقِتَال مَعَ الْمُشْركين من قُرَيْش وَغَيرهم، وَكَانُوا قَرِيبا من ثَلَاثَة آلَاف ونزلوا قَرِيبا من أحد تِلْقَاء الْمَدِينَة، وَكَانَ قائدهم أَبَا سُفْيَان وَمَعَهُ زَوجته هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة، وَكَانَ خَالِد بن الْوَلِيد على ميمنة خيلهم، وَعِكْرِمَة بن أبي جهل على ميسرتهم، وَقَالَ ابْن سعد: وَجعلُوا على الْخَيل صَفْوَان بن أُميَّة، وَقيل: عَمْرو بن الْعَاصِ، وعَلى الرُّمَاة عبد الله بن أبي ربيعَة، وَكَانُوا مائَة وَفِيهِمْ سَبْعمِائة ذِرَاع، والظعن خَمْسَة عشر، وَقَالَ ابْن هِشَام: لما خرج رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمسلمون يَوْم أحد اسْتعْمل على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم على الصَّلَاة بِالنَّاسِ، وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة: كَانُوا ألف رجل، فَلَمَّا نزل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأحد رَجَعَ عَنهُ عبد الله بن أبي بن سلول فِي ثَلَاثمِائَة، فَبَقيَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَبْعمِائة، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُور عِنْد أهل الْمَغَازِي قَالَ وَالْمَشْهُور عَن الزُّهْرِيّ أَنهم بقوا فِي أَرْبَعمِائَة مقَاتل وَلم يكن مَعَهم فرس وَاحِد، وَكَانَ مَعَ الْمُشْركين مائَة فرس. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: وَكَانَ مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرسَان: فرس لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفرس لأبي بردة، وأمَّر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الرُّمَاة عبد الله بن جُبَير أَخا بني عَمْرو بن عَوْف، وهم خَمْسُونَ رجلا، وَقَالَ: لَا يقاتلن أحد حَتَّى نأمره بِالْقِتَالِ، ثمَّ جرى مَا ذكره أهل السّير. قَوْله: (وَالله سميع عليم) أَي: سميع بِمَا تَقولُونَ، عليم بضمائركم. قَوْله: (وَقَوله جلّ ذكره) ، بِالْجَرِّ أَيْضا عطفا على: قَول الله عز وَجل، قَوْله: (وَلَا تهنوا) أَي:(17/139)
لَا تضعفوا بِسَبَب مَا جرى، وَهَذَا تَسْلِيَة من الله لرَسُوله وَلِلْمُؤْمنِينَ عَمَّا أَصَابَهُم يَوْم أحد، وأصل: لَا تهنوا: توهنوا، حذفت الْوَاو طرداً للباب لِأَنَّهَا حذفت فِي: يهن، أَصله يوهن، لوُقُوع الْوَاو بَين الْيَاء والكسرة، والوهن الضعْف، يُقَال: وَهن يهن، بِالْكَسْرِ فِي الْمُضَارع، وَيسْتَعْمل: وَهن لَازِما ومتعدياً، قَالَ تَعَالَى: {وَهن الْعظم مني} (مَرْيَم: 4) . وَفِي الحَدِيث: (وهنتهم حمى يثرب) ، وَقَالَ الْفراء: يُقَال: وهنه الله وأوهنه، زَاد غَيره: ووهنه. قَوْله: (وَلَا تحزنوا) أَي: على ظُهُور أعدائكم وَمَا فاتكم من الْغَنِيمَة، وَكَانَ قد قتل يَوْمئِذٍ خَمْسَة من الْمُهَاجِرين، وهم: حَمْزَة، وَمصْعَب بن عُمَيْر صَاحب راية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعبد الله بن جحش ابْن عمَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعُثْمَان بن شماس، وَسعد مولى ابْن عتبَة، وَمن الْأَنْصَار سَبْعُونَ رجلا. قَوْله: (وَأَنْتُم الأعلون) وَهُوَ جمع: أَعلَى، أَي: بِالْحجَّةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَلكم الْغَلَبَة فِيمَا بعد. قَوْله: (إِن كُنْتُم مُؤمنين) أَي: إِذا كُنْتُم، وَقيل: إِذْ دمتم، على الْإِيمَان فِي الْمُسْتَقْبل. قَوْله: (إِن يمسكم قرح) الْآيَة، قَالَ رَاشد بن سعد: انْصَرف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم أحد كئيباً، وَجعلت الْمَرْأَة تجىء بابنها وأبيها وَزوجهَا مقتولين، فَقَالَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أهكذا تفعل برسولك؟ فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، وَيُقَال: أقبل عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَوْمئِذٍ وَفِيه نَيف وَسِتُّونَ جِرَاحَة من طعنة وضربة ورمية، فَجعل، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يمسحها بِيَدِهِ وَهِي تلتئم بِإِذن الله كَأَن لم تكن. قَوْله: (إِن يمسسكم) ، من الْمس وَهُوَ الْإِصَابَة، والقرح بِالْفَتْح: الْجراح، واحدتها: قرحَة، وبالضم اسْم الْجراح، وبفتح الرَّاء مصدر: قرح يقرح، وَقَالَ الْكسَائي: الْقرح، بِالْفَتْح وَالضَّم وَاحِد، أَي: الْجراح، وَقَالَ الْفراء: هُوَ بِالْفَتْح مصدر قُرْحَته فَهُوَ نفس الْجراح، وبالضم الْأَلَم، وَقَالَ أَبُو الْبَقَاء، بِضَم الْقَاف وَالرَّاء على الِاتِّبَاع، وَالْمعْنَى وَالله أعلم: لَا تحزنوا إِن أَصَابَكُم جرح يَوْم أحد، فقد أصَاب الْمُشْركين مثله يَوْم بدر، وَمَعَ هَذَا إِن قَتْلَاكُمْ فِي الْجنَّة وقتلاهم فِي النَّار. قَوْله: (وَتلك الْأَيَّام) ، تِلْكَ مُبْتَدأ، وَالْأَيَّام خَبره، ونداولها فِي مَوضِع الْحَال، وَالْعَامِل فِيهَا معنى الْإِشَارَة، وَيجوز أَن يكون الْأَيَّام بَدَلا أَو عطف بَيَان، ونداولها الْخَبَر، وَالْمعْنَى: لَا تهنوا فالحرب سِجَال، وَأَنا أداول الْأَيَّام بَين النَّاس، فأديل الْكَافِر من الْمُؤمن تَغْلِيظًا للمحنة والابتلاء، وَلَو كَانَت الْغَلَبَة للْمُؤْمِنين لصاروا كالمضطرين، وَيُقَال: نديل عَلَيْكُم الْأَعْدَاء تَارَة وَإِن كَانَت الْعَاقِبَة لكم لما لنا فِي ذَلِك من الحكم، وَلِهَذَا قَالَ: {وليعلم الله الَّذين آمنُوا} (آل عمرَان: 140) . قَالَ ابْن عَبَّاس فِي مثل هَذَا: لنرى من يصبر على مناجزة الْأَعْدَاء. قَوْله: (ويتخذ مِنْكُم) ، أَي: وليتخذ مِنْكُم شُهَدَاء، يَعْنِي: نكرم نَاسا مِنْكُم بِالشَّهَادَةِ، يَعْنِي المستشهدين يَوْم أحد، وليتخذ مِنْكُم من يصلح للشَّهَادَة على الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة، وَقَالَ ابْن جريج: كَانَ الْمُسلمُونَ يَقُولُونَ: رَبنَا أرنا يَوْمًا كَيَوْم بدر نلتمس فِيهِ الشَّهَادَة، فَاتخذ الله مِنْهُم شُهَدَاء يَوْم أحد. قَوْله: (وَالله لَا يحب الظَّالِمين) ، أَي: الْمُشْركين. قَوْله: (وليمحص الله الَّذين آمنُوا) ، مَعْطُوف على قَوْله: (وليعلم الله) والتمحيص الطهير والتصفية، وَقيل: التمحيص الِابْتِلَاء والاختبار، وَالْمعْنَى: ليكفِّر الله عَن الْمُؤمنِينَ ذنوبهم إِن كَانَت لَهُم ذنُوب، وليرفع لَهُم دَرَجَات بِحَسب مَا أصيبوا بِهِ. قَوْله: (ويمحق الْكَافرين) ، أَي: يُهْلِكهُمْ، وَقيل: ينقصهم ويقللهم، يُقَال: محق الله الشَّيْء وامتحق وانمحق. قَوْله: (أم حسبتم) كلمة: أم، مُنْقَطِعَة، وَمعنى الْهمزَة فِيهَا الْإِنْكَار، وَالْمعْنَى: أحسبتم أَن تدْخلُوا الْجنَّة وَلم تبتلوا بِالْقِتَالِ والشدائد كَمَا دخل الَّذين قتلوا وثبتوا على ألم الْجراح؟ قَوْله: (وَلما يعلم الله) ، كلمة: لما، بِمَعْنى: لم إلاَّ أَن فِيهِ ضربا من التوقع، فَدلَّ على نفي الْجِهَاد فِيمَا مضى، وعَلى توقعه فِيمَا يسْتَقْبل. قَوْله: (وَيعلم الصابرين) ، قَالَ الزّجاج: الْوَاو، هُنَا بِمَعْنى: حَتَّى، أَي: حَتَّى يعلم صبرهم. وَقَرَأَ الْحسن بِكَسْر الْمِيم عطفا على الأول، وَمِنْهُم من قَرَأَ بِالضَّمِّ على تَقْدِير: وَهُوَ يعلم، وَحَاصِل الْمَعْنى: لَا يحصل لكم دُخُول الْجنَّة حَتَّى تبتلوا وَيرى الله مِنْكُم الْمُجَاهدين فِي سَبيله وَالصَّابِرِينَ على مقارعة الْأَعْدَاء. قَوْله: (وَلَقَد كُنْتُم تمنون الْمَوْت) ، قَالَ ابْن عَبَّاس: لما أخبر الله تَعَالَى، على لِسَان نبيه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَا فعل بشهدائهم يَوْم بدر من الْكَرَامَة رَغِبُوا فِي ذَلِك، فَأَرَاهُم يَوْم أحد فَلم يَلْبَثُوا أَن انْهَزمُوا، فَنزلت هَذِه الْآيَة أَي: {وَلَقَد كُنْتُم تمنون الْمَوْت} (آل عمرَان: 143) . أَي: الْقِتَال من قبل أَن تلقوهُ يَوْم أحد فقد رَأَيْتُمُوهُ يَوْمئِذٍ وَأَنْتُم تنْظرُون، يَعْنِي الْمَوْت فِي لمعان السيوف وحد الأسنة واشتباك الرماح وصفوف الرِّجَال لِلْقِتَالِ فَكيف انْهَزَمْتُمْ؟ فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ تمني الشَّهَادَة وَفِيه غَلَبَة الْكفَّار على الْمُسلمين؟ قلت: لِأَن غَرَض المتمني لَيْسَ إلاّ(17/140)
َ حُصُول الشَّهَادَة مَعَ قطع النّظر عَن غَلَبَة الْكفَّار، وَإِن كَانَ متضمناً لَهَا. قَوْله: (وَلَقَد صدقكُم الله وعده) ، قَالَ مُحَمَّد بن كَعْب: لما رَجَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه من أحد إِلَى الْمَدِينَة، قَالَ قوم مِنْهُم: من أَيْن أَصَابَنَا هَذَا وَقد وعدنا الله النَّصْر؟ فَنزلت هَذِه الْآيَة. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: وعدهم الله النَّصْر بِأحد فَلَمَّا طلبُوا الْغَنِيمَة هزموا. قَوْله: (إِذْ تحسونهم بِإِذْنِهِ) ، أَي: حِين تقتلونهم قتلا ذريعاً بِإِذْنِهِ، أَي: بأَمْره وتيسيره، وَيُقَال: سنة حسوس إِذا أَتَت على كل شَيْء، وجراد محسوس إِذا قَتله الْبرد. قَوْله: (حَتَّى إِذا فشلتم) أَي: جبنتم وضعفتم، يُقَال: فشل الرجل يفشل فَهُوَ فشيل، وَفِيه تَقْدِيم وَتَأْخِير أَي: حَتَّى إِذا تنازعتم وعصيتم فشلتم، وَقيل: حَتَّى بِمَعْنى إِلَى، وَحِينَئِذٍ لَا جَوَاب، أَي: صدقكُم الله وعده إِلَى أَن فشلتم وتنازعتم، أَي: اختلفتم وَكَانَ ذَلِك فِي أول الْأَمر لما انهزم الْمُشْركُونَ، قَالَ بعض الرمات الَّذين كَانُوا عِنْد المركز: مَا مقامنا هُنَا؟ قد انهزم الْقَوْم. وَقَالَ بَعضهم: لَا تجاوزوا أَمر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَثَبت عبد الله بن جُبَير أَمِير الرُّمَاة فِي نفر يسير دون الْعشْرَة، وَانْطَلق الْبَاقُونَ ينتهبون، فَلَمَّا نظر خَالِد بن الْوَلِيد وَعِكْرِمَة ابْن أبي جهل ذَلِك، حملُوا على الرُّمَاة فَقتلُوا عبد الله وَأَصْحَابه، وَأَقْبلُوا على الْمُسلمين. قَوْله: (عصيتم) أَي: بترك المركز. قَوْله: (من بعد مَا أَرَاكُم مَا تحبون) من النَّصْر وَالظفر بهم. قَوْله: (مِنْكُم من يُرِيد الدُّنْيَا) أَي: الْغَنِيمَة، ومنكم من يُرِيد الْآخِرَة، وهم الَّذين ثبتوا فِي المركز. قَوْله: (ثمَّ صرفكم عَنْهُم) أَي: ردكم عَن الْمُشْركين بهزيمتكم، وردهم عَلَيْكُم ليختبركم ويمنحكم. قَوْله: (وَلَقَد عَفا عَنْكُم) أَي: عَن ذنبكم بعصيان رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والانهزام، وَقَالَ ابْن جريج: وَلَقَد عَفا عَنْكُم بِأَن لم يستأصلكم، وَكَذَا قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق، رَوَاهُ ابْن جرير. قَوْله: (وَالله ذُو فضل على الْمُؤمنِينَ) قيل: إِذا عَفا عَنْهُم، وَقيل: إِذا لم يقتلُوا جَمِيعًا. قَوْله: (وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا) الْآيَة نزلت فِي شُهَدَاء أحد، وروى مُسلم من طَرِيق مَسْرُوق، قَالَ: سَأَلنَا عبد الله بن مَسْعُود عَن هَؤُلَاءِ الْآيَات، قَالَ: إِنَّا قد سَأَلنَا عَنْهَا، فَقيل لنا: إِنَّه لما أُصِيب إخْوَانكُمْ بِأحد جعل الله أَرْوَاحهم فِي أَجْوَاف طير خضر ترد أَنهَار الْجنَّة وتأكل من ثمارها ... الحَدِيث، وَعَن ابْن عَبَّاس فِيمَا رَوَاهُ أَحْمد أَنه قَالَ: لما أُصِيب إِخْوَاننَا بِأحد جعل الله أَرْوَاحهم فِي أَجْوَاف طير خضر ترد أَنهَار الْجنَّة وتأكل من ثمارها وتأوي إِلَى قناديل من ذهب معلقَة فِي ظلّ الْعَرْش، فَلَمَّا وجدوا طيب مَأْكَلهمْ وَمَشْرَبهمْ وَمَقِيلهمْ، قَالُوا: من يبلغ إِخْوَاننَا عَنَّا أَنا فِي الْجنَّة نرْزق، لِئَلَّا يَزْهَدُوا عَن الْقِتَال؟ فَقَالَ الله تَعَالَى: أَنا أبلغهم عَنْكُم، فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة. وَقيل: نزلت فِي شُهَدَاء بدر، وَقيل: فِي شُهَدَاء بِئْر مَعُونَة، وَقيل غير ذَلِك، وروى أَحْمد من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الشُّهَدَاء على بارق نهر بِبَاب الْجنَّة فِي قبَّة خضراء، يخرج عَلَيْهِم رزقهم من الْجنَّة بكرَة وعشياً. وَقَالَ ابْن كثير فِي (تَفْسِيره) : وَكَانَ الشُّهَدَاء أَقسَام، مِنْهُم من تسرح أَرْوَاحهم فِي الْجنَّة، وَمِنْهُم من يكون على هَذَا النَّهر بِبَاب الْجنَّة، وَقد يحْتَمل أَن يَنْتَهِي سيرهم إِلَى هَذَا النَّهر فيجتمعون هُنَالك ويُغدى عَلَيْهِم رزقهم هُنَاكَ وَيرَاح، وَالله أعلم.
4041 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوساى أخبرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ حدَّثنا خالِدٌ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ أُحُدٍ هاذا جبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأسِ فرَسِهِ علَيْهِ أدَاةُ الحَرْبِ. (انْظُر الحَدِيث 3995) .
هَذَا الحَدِيث غير وَاقع فِي مَحَله هُنَا لِأَنَّهُ تقدم فِي: بَاب شُهُود الْمَلَائِكَة بَدْرًا بِسَنَدِهِ وَمَتنه، وَفِيه قَالَ: وَلِهَذَا لم يذكرهُ هُنَا أَبُو ذَر وَلَا غَيره من متقني رُوَاة البُخَارِيّ، وَلَا استخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ وَلَا أَبُو نعيم، وَلم يَقع هَذَا إلاَّ فِي رِوَايَة أبي الْوَقْت والأصيلي وَهُوَ وهم، وَعبد الْوَهَّاب هُوَ الثَّقَفِيّ، وخَالِد هُوَ الْحذاء.
4042 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أخْبَرَنا زَكَرِيَّاءُ بنُ عَدِيٍّ أخبرَنا بنُ المُبارَكِ عنْ حَيْوَةَ عنْ يَزِيدَ بنَ أبِي حَبيبٍ عنْ أبِي الخَيْرِ عنْ عُقْبَةَ بنِ عامِرٍ قَالَ صَلَّى رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمانِ سِنينَ كالمُوَدِّعِ لِلأَحْيَاءِ والأمْوَاتِ ثُمَّ طَلَعَ المِنْبَرَ فَقَالَ إنِّي بَيْنَ(17/141)
أيْدِيكُمْ فَرَطٌ وَأَنا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ وإنَّ مَوْعِدَكُمُ الحَوْضُ وإنِّي لأنْظُرُ إلَيْهِ مِنْ مَقامِي هذَا وإنِّي لَسْتُ أخْشَى عَلَيْكُمْ أنْ تُشْرِكُوا ولاكِنِّي أخْشَى علَيْكُمُ الدُّنْيَا أنْ تَنافَسُوها قَالَ فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظَرْتها إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ من جملَة أُمُور غَزْوَة أحد، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحِيم أَبُو يحيى كَانَ يُقَال لَهُ: صَاعِقَة، وزَكَرِيا بن عدي أَبُو يحيى الْكُوفِي، وَابْن الْمُبَارك هُوَ عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي، وحيوة هُوَ ابْن شُرَيْح الْحَضْرَمِيّ الْكِنْدِيّ الْمصْرِيّ أَبُو زرْعَة، مَاتَ سنة تسع خمسين وَمِائَة، وَيزِيد بن أبي حبيب واسْمه سُوَيْد، ويكنى يزِيد بِأبي رَجَاء الْمصْرِيّ، وَأَبُو الْخَيْر اسْمه مرْثَد بن عبد الله.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب الصَّلَاة على الشَّهِيد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب ... إِلَى آخِره وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: فَمَا قَول الشَّافِعِيَّة حَيْثُ لَا يصلونَ عَلَيْهِ؟ أَي: على الشَّهِيد؟ قلت: تقدم أَيْضا ثمَّة أَنه لم يصلّ على أهل أحد، فَلَا بُد من التَّوْفِيق بَينهمَا بِأَن تحمل الصَّلَاة على الْمَعْنى اللّغَوِيّ أَي: دَعَا لَهُم بِدُعَاء الْمَيِّت. انْتهى. قلت: حفظ شَيْئا وَغَابَتْ عَنهُ أَشْيَاء، فَكيف تحمل الصَّلَاة على الْمَعْنى اللّغَوِيّ وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ وَمُسلم فِي حَدِيث عقبَة بن عَامر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج يَوْمًا فصلى على شُهَدَاء أحد صلَاته على الْمَيِّت، ثمَّ انْصَرف؟ وَيَقُول الْحَنَفِيَّة: جَاءَ عَن ابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَعقبَة بن عَامر وَعِكْرِمَة وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَمَكْحُول وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ والمزني وَأحمد فِي رِوَايَة، واختارها الْخلال.
4043 - حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوساى عنْ إسرائِيلَ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنِ البَرَاءِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ لَقينا المُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ وأجْلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَيْشَاً مِنَ الرُّمَاةِ وأمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ الله وَقَالَ لاَ تَبْرَحُوا إنْ رأيْتُمونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلاَ تَبْرَحُوا وإنِ رَأيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا علَيْنَا فَلاَ تُعِينُونَا فلَمَّا لَقِينا هَرَبُوا حتَّى رأيْتُ النِّساءَ يَشْتَدِدْنَ فِي الجَبَلِ رفَعْنَ عنْ سُوقِهِنَّ قدْ بَدَتْ خَلاَخِلُهُنَّ فأخَذُوا يَقُولُونَ الْغَنِيمَةَ الغَنِيمَةَ فَقالَ عَبْدُ الله بنُ جُبَيْرٍ عَهِدَ إليَّ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ لاَ تَبْرَحُوا فأبَوْا فلَمَّا أبَوْا صُرِفَ وُجُوهُهُمْ فأصِيبَ سَبْعُونَ قَتِيلاً وأشْرَفَ أبُو سُفْيَانَ فَقال أفِي القَوْمِ مُحَمَّدٌ فَقال لاَ تُجِيبُوهُ فَقَالَ أفِي القَوْمِ ابنُ أبِي قُحَافَةَ قَالَ لاَ تُجِيبُوهُ فَقَالَ أفِي القَوْمِ ابنُ الخَطَّابِ فَقَالَ إنَّ هؤُلاءِ قُتِلُوا فلَوْ كانُوا أحْيَاءً لأجَابُوا فلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ الله أبْقَى الله عَلَيْكَ مَا يُحْزِنُكَ: قَالَ أبُو سُفْيَانَ أُعْلُ هُبَلْ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أجِيبُوهُ قالُوا قالُوا مَا نَقُولُ؟ قَالَ قوُلُوا الله أعلَى وأجَلَّ. قالَ أبُو سُفْيانُ: لَنَا العزَّى ولاَ عُزَّىَ لَكُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أجِيبُوهُ قالُوا مَا نقُولُ قَالَ قُولُوا الله مَوْلانَا ولاَ مَوْلَى لَكُمْ. قَالَ أبُو سُفيانَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ والحَرْبُ سِجالٌ وتَجِدُونَ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا ولَمْ تَسُؤنِي. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبيد الله بن مُوسَى بن باذام أَبُو مُحَمَّد الْكُوفِي، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق، يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (يَوْمئِذٍ) أَي: يَوْم أحد. قَوْله: (من الرُّمَاة) بِضَم الرَّاء جمع رامٍ. وَفِي حَدِيث زُهَيْر: وَكَانُوا خمسين رجلا. قَوْله: (وَأمر) ، بتَشْديد الْمِيم من التأمير. قَوْله: (عبد الله) ، هُوَ ابْن جُبَير، بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن النُّعْمَان بن أُميَّة بن امرىء الْقَيْس، اسْمه البرك بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن عَوْف الْأنْصَارِيّ، شهد الْعقبَة ثمَّ شهد بَدْرًا، وَقتل يَوْم أحد شَهِيدا، قَالَ أَبُو عمر: لَا أعلم لَهُ رِوَايَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ(17/142)
أَخُو خَوات بن جُبَير بن النُّعْمَان لِأَبِيهِ وَأمه. قَوْله: (إِن ظهرنا) أَي: غلبناهم. قَوْله: (وَإِن رأيتموهم ظَهَرُوا علينا) وَفِي رِوَايَة زُهَيْر: وَإِن رَأَيْتُمُونَا تخطفنا الطير، وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أقامهم فِي مَوضِع، ثمَّ قَالَ لَهُم: إحموا ظُهُورنَا، فَإِن رَأَيْتُمُونَا نقْتل فَلَا تنصرونا، وَإِن رَأَيْتُمُونَا قد غنمنا فَلَا تشركونا. قَوْله: (يشتددن) ، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، بِفَتْح أَوله وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَبعدهَا دَال مَكْسُورَة ثمَّ أُخْرَى سَاكِنة أَي: يسرعن الْمَشْي، يُقَال: اشْتَدَّ فِي مَشْيه إِذا أسْرع، وَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة زُهَيْر: وَله رِوَايَة أُخْرَى هُنَا: يسندن، بِضَم أَوله وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة بعْدهَا نون مَكْسُورَة ودال مُهْملَة، أَي: يصعدن، يُقَال: أسْند فِي الْجَبَل يسند إِذا صعد، وَفِي رِوَايَة البَاقِينَ: يشددن، بِفَتْح أَوله وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَضم الدَّال الأولى وَسُكُون الثَّانِيَة، وَقَالَ عِيَاض: وَقع للقابسي فِي الْجِهَاد: يسندن، وَكَذَا لِابْنِ السكن فِيهِ، وَفِي الْفَضَائِل وَعند الْأصيلِيّ والنسفي: يشدن بِمُعْجَمَة ودال وَاحِدَة، وَفِي أبي دَاوُد: يصعدن. قَوْله: (رفعن عَن سوقهن) ويروى: يرفعن، والسوق جمع: سَاق، وَذَلِكَ ليعينهن ذَلِك على سرعَة الهروب. قَوْله: (قد بَدَت) أَي: ظَهرت (خلاخلهن) وَهُوَ جمع خلخال، كَمَا أَن الخلاخيل جمع خلخال وهما بِمَعْنى وَاحِد. قَوْله: (الْغَنِيمَة) بِالنّصب أَي: خُذُوا الْغَنِيمَة، وَقد ظهر أصحابكم فَمَا تنتظرون؟ وَفِي رِوَايَة زُهَيْر: فَقَالَ عبد الله: أنسيتم مَا قَالَ لكم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالُوا: وَالله لنأتين النَّاس فلنصيبن من الْغَنِيمَة. قَوْله: (فَلَمَّا أَبَوا صرف وُجُوههم) أَي: تحيروا فَلم يدروا أَن يذهبون وَأَيْنَ يتوجهون. قَوْله: (فأصيب سَبْعُونَ قَتِيلا) وَلم يكن فِي عَهده، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ملحمة هِيَ أَشد وَلَا أَكثر قَتْلَى من أحد. قَوْله: (وأشرف أَبُو سُفْيَان) أَي: اطلع أَبُو سُفْيَان بن حَرْب رَئِيس الْمُشْركين يَوْمئِذٍ. قَوْله: (أَفِي الْقَوْم) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام للاستعلام. قَوْله: (أبقى الله عَلَيْك مَا يحزنك) بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي وَالنُّون: من الْحزن ويروى: مَا يخزيك، بِضَم الْيَاء وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الزَّاي من: الخزي. قَوْله: (أعل هُبل) أعل أَمر من علا يَعْلُو، و: هُبل، بِضَم الْهَاء وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة: اسْم صنم كَانَ فِي الْكَعْبَة وَهُوَ منادًى حذف مِنْهُ حرف النداء أَي: يَا هُبل، قَالَ ابْن إِسْحَاق: مَعْنَاهُ ظهر دينك، وَقَالَ السُّهيْلي: مَعْنَاهُ زد علوا، وَفِي (التَّوْضِيح) : أَي: ليرتفع أَمرك ويعز دينك فقد غلبت. قلت: كل هَذَا لَيْسَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ، وَلَكِن فِي الْوَاقِع يرجع مَعْنَاهُ إِلَى مَعْنَاهُ إِلَى هَذِه الْمعَانِي، قَالَ الْكرْمَانِي: مَا معنى أعل وَلَا علو فِي هُبل، ثمَّ أجَاب بقوله: هُوَ بِمَعْنى العلى، أَو المُرَاد أَعلَى من كل شَيْء. انْتهى. قلت: ظن أَنه أَعلَى هُبل، على وزن أفعل التَّفْضِيل، فَلذَلِك سَأَلَ بِمَا سَأَلَ وَأجَاب بِمَا أجَاب وَهُوَ واهم فِي هَذَا، وَالصَّوَاب مَا ذَكرْنَاهُ. قَوْله: (الْعُزَّى) وَهُوَ تَأْنِيث الْأَعَز بالزاي، وَهُوَ اسْم صنم لقريش، وَيُقَال: الْعُزَّى سَمُرَة كَانَت غطفان يعبدونها وبنوا عَلَيْهَا بَيْتا وَأَقَامُوا لَهَا سدنة، فَبعث إِلَيْهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فهدم الْبَيْت وأحرق السمرَة، وَهُوَ يَقُول:
(يَا عزى كُفْرَانك لَا سُبْحَانَكَ ... إِنِّي رَأَيْت الله قد أَهَانَك)
قَوْله: (الله مَوْلَانَا وَلَا مولى لكم) أَي: الله ناصرنا وَلَا نَاصِر لكم. قَوْله: (يَوْم بِيَوْم بدر) أَي: هَذَا يَوْم بِمُقَابلَة يَوْم بدر، لِأَن فِي بدر قتل مِنْهُم سَبْعُونَ، وَفِي أحد قتلوا سبعين من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قَوْله: (وَالْحَرب سِجَال) يَعْنِي: ساجلة يَعْنِي: متداولة يَوْم لنا وَيَوْم علينا. قَوْله: (وتجدون) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وستجدون. قَوْله: (مثلَة) بِضَم الْمِيم على وزن: فعلة، من مثل إِذا قطع وجذع كَمَا فعلوا بِحَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: حَدثنِي صَالح بن كيسَان، قَالَ: خرجت هِنْد والنسوة مَعهَا يمثلن بالقتلى يجذعن الآذان والأنوف حَتَّى اتَّخذت هِنْد من ذَلِك خدماً وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها أَي: اللَّاتِي كن عَلَيْهَا لوحشي جَزَاء لَهُ على قتل حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وبقرت عَن كبد حَمْزَة، فلاكتها فَلم تستطع أَن تسيغها، فلفظتها. قَوْله: (لم آمُر بهَا) أَي: بالمثلة، وَفِي رِوَايَة إِبْنِ إِسْحَاق! وَالله مَا رضيت وَمَا سخطت وَمَا نهيت وَمَا أمرت، وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: وَلم يكن ذَلِك عَن رَأس سراتتا، ثمَّ أَدْرَكته حمية الْجَاهِلِيَّة، أما أَنه إِذْ كَانَ لم يكرههُ. قَوْله: (وَلم تسؤني) أَي: وَالْحَال أَن الْمثلَة الَّتِي فَعَلُوهَا لم تسؤني، وَإِن كنت مَا أمرت.
4044 - أخْبَرَنِي عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ عَمْرٍ وعَنْ جابِرٍ قَالَ اصْطَبَحَ الخَمْرَ يَوْمَ أُحُدٍ(17/143)
ناسٌ ثُمَّ قُتِلُوا شُهدَاءَ. (انْظُر الحَدِيث 2815 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار. والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد عَن عَليّ بن عبد الله فِي: بَاب فضل قَول الله تَعَالَى: {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا} (آل عمرَان: 169) . قَوْله: (اصطبح الْخمر) أَي: شربه صَبُوحًا. والْحَدِيث دلّ على أَن تَحْرِيم الْخمر إِنَّمَا كَانَ بعد أحد.
4045 - حدَّثنا عَبْدَانُ حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ أخْبرَنَا شُعْبَةُ عنْ سَعْدِ بنِ إبْرَاهِيمَ عنْ أبِيهِ إبْرَاهِيمَ أنَّ عَبْدَ الرَّحمانِ بنَ عَوْفٍ أتِيَ بِطَعامٍ وكانَ صَائِمَاً فَقَالَ قُتِلَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ وهْوَ خَيْرٌ مِنِّي كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إنْ غُطِّيَ رأسُهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ وإنْ غُطِّيَ رِجْلاَهُ بَدَتْ رأسُهُ وأُرَاهُ قَالَ وقُتِلَ حَمْزَةُ وهْوَ خَيْرٌ مِنِّي ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ أوْ قالَ أُعْطِينا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا وقَدْ خَشِينَا أَن تَكُونَ حسَناتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ثُمَّ جعَلَ يَبْكِي حتَّى تَرَكَ الطَّعامَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (قتل مُصعب بن عُمَيْر) . وَفِي قَوْله: (وَقتل حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) . وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَسعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب إِذا لم يُوجد إلاَّ ثوب وَاحِد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن عبد الله ... إِلَخ. وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (بِطَعَام) وَفِي رِوَايَة نَوْفَل بن إِيَاس: كَانَ خبْزًا وَلَحْمًا، أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل. قَوْله: (وَهُوَ صَائِم) وَذكر أَبُو عمر أَن ذَلِك كَانَ فِي مرض مَوته. قَوْله: (وَهُوَ خير مني) لَعَلَّه قَالَ ذَلِك تواضعاً، وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك قبل اسْتِقْرَار الْأَمر من تَفْضِيل الْعشْرَة على غَيرهم. قَوْله: (ثمَّ بسط لنا) أَشَارَ بذلك إِلَى مَا حصل من الفتوحات والغنائم. قَوْله: (حَتَّى ترك الطَّعَام) وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن غنْدر عَن شُعْبَة، وَأَحْسبهُ لم يَأْكُلهُ.
4036 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا سُفْيانُ عَنْ عَمْرٍ وسَمِعَ جابِرَ بنَ عبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ أُحُدٍ أرَأيْتَ إنْ قُتِلْتُ فأيْنَ أنَا قَالَ فِي الجَنَّةِ فألْقَى تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ ثُمَّ قاتَلَ حتَّى قُتِلَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْجِهَاد عَن سعيد بن عَمْرو وسُويد بن سعيد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور.
قَوْله: (قَالَ رجل) زعم ابْن بشكوال أَنه عُمَيْر بن الْحمام، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم، قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) أَيْضا: إِنَّه عُمَيْر بن الْحمام بن الجموح بن زيد الْأنْصَارِيّ، وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة عُمَيْر بن الْحمام سَوَاء، وَهُوَ قد تبع فِي ذَلِك صَاحب (التَّلْوِيح) ، وَقيل: وَقع التَّصْرِيح فِي حَدِيث أنس بِأَن ذَلِك كَانَ يَوْم بدر، وَهنا التَّصْرِيح بِأَنَّهُ يَوْم أحد، فَالظَّاهِر أَنَّهُمَا قضيتان وقعتا لِرجلَيْنِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب.
4047 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ حدَّثنا زُهَيْرٌ حدَّثنا الأعْمَشُ عنْ شَقِيقٍ عنْ خَبَّابٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ هاجَرْنَا معَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبْتغِي وجْهَ الله فوَجَبَ أجْرُنَا علَى الله ومِنَّا مَنْ مَضَى أوْ ذَهَبَ لَمْ يأكُلْ مِنْ أجْرِهِ شَيْئَاً كانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ لَمْ يَتْرُكَ إلاَّ نَمِرَةً كُنَّا إذَا غَطَّيْنَا بِهَا رأسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ وإذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْلاَهُ خَرَجَ رَأسُهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَطوا بِهَا رأسَهُ واجْعَلوا علَى رِجْلِهِ الإذْخِرَ أوْ قالَ ألْقُوا علَى رِجْلهِ الإذْخِرَ ومِنَّا مَنْ قَدْ(17/144)
أيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ يَهْدِبُهَا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كَانَ مِنْهُم مُصعب بن عُمَيْر) الخ، وَزُهَيْر هُوَ ابْن مُعَاوِيَة، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وشقيق هُوَ ابْن سَلمَة وخباب هُوَ ابْن الْأَرَت، والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب إِذا لم يجد كفناً، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه عَن الْأَعْمَش ... إِلَخ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (يهدبها) من هدب الثَّمَرَة إِذا اجتناها واخترف مِنْهَا.
4048 - أخْبَرَنَا حَسَّانُ بنُ حَسَّانَ حدَّثنَا مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ حدَّثنَا حُمَيْدٌ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ عَمَّهُ غابَ عنْ بَدْرٍ فَقَالَ غِبْتُ عنْ أوَّلِ قِتَالِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَئِنْ أشْهَدَنِي الله معَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيَرَيَنَّ الله مَا آجِدُّ فلَقِيَ يَوْمَ أُحُدٍ فهُزِمَ النَّاسُ فَقال اللَّهُمَّ إنِّي أعْتَذِرُ إلَيْكَ مِمَّا صنَعَ هؤُلاءِ يَعْنِي المُسْلِمِينَ وأبْرَأُ إلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ المُشْرِكُونَ فتَقَدَّمَ بِسَيْفِهِ فَلَقِيَ سَعْدَ بنَ مُعَاذٍ فَقال أيْنَ يَا سَعْدُ إنِّي أجِدُ رِيحَ الجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ فمَضَى فَقُتِلَ فَمَا عُرِفَ حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِشامَةٍ أوْ بِبنَانِهِ وبِهِ بِضْعٌ وثَمَانُونَ مَنْ طَعْنَةٍ وضَرْبَةٍ ورَمْيَةٍ بِسَهْمٍ. (انْظُر الحَدِيث 2805 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَحسان بن حسان، وَيُقَال لَهُ: حسان بن أبي عباد أَو عَليّ الْبَصْرِيّ سكن مَكَّة وَهُوَ من شُيُوخ البُخَارِيّ القدماء، روى عَنهُ هُنَا وَفِي الْعمرَة، وَمَات سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَمُحَمّد بن طَلْحَة بن مصرف على وزن اسْم الْفَاعِل من التصريف الْهَمدَانِي اليامي، وَحميد هُوَ الطَّوِيل.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى: {من الْمُؤمنِينَ رجال} (الْأَحْزَاب: 23) . فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ من طَرِيقين بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (أَن عَمه) وَهُوَ أنس بن النَّضر بِسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة، قَوْله: (عَن بدر) أَي: عَن غَزْوَة بدر. قَوْله: (عَن أول قتال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَرَادَ بِهِ: أول القتالات الْعَظِيمَة وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ أول الْغَزَوَات. قَوْله: (ليرين الله) بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالرَّاء وَالْيَاء أَيْضا وَتَشْديد النُّون، وَهُوَ فعل مضارع مُؤَكد بِاللَّامِ وَالنُّون الثَّقِيلَة، وَلَفْظَة: الله، بِالرَّفْع فَاعله. قَوْله: (مَا أجد) بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْجِيم وَتَشْديد الدَّال. قَالَ بَعضهم: هُوَ من الرباعي، يُقَال: أجد فِي الشَّيْء يجد إِذا بَالغ فِيهِ. قلت: قَوْله: من الرباعي، لَيْسَ باصطلاح أهل الصّرْف، بل هُوَ مضاعف من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ، وَهُوَ هَكَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَقَالَ ابْن التِّين: صَوَابه بِفَتْح الْهمزَة وَضم الْجِيم، يُقَال: جد يجد إِذا اجْتهد فِي الْأَمر، وَأما أجد، فَإِنَّمَا يُقَال لمن سَار فِي أَرض مستوية، وَلَا معنى لَهُ هَهُنَا. قَالَ: وَضَبطه بَعضهم بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْجِيم وَتَخْفِيف الدَّال من: الوجد، أَي: مَا ألْقى من الشدَّة فِي الْقِتَال. قَوْله: (فَهزمَ النَّاس) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (فَقَالَ: أَيْن يَا سعد) ويروى: أَي سعد، يَعْنِي: يَا سعد. قَوْله: (إِنِّي أجد ريح الْجنَّة) كِنَايَة عَن شدَّة قِتَاله فِي ذَلِك الْيَوْم الْمُؤَدِّي إِلَى استشهاده الْمُؤَدِّي إِلَى الْجنَّة. وَقيل: يحْتَمل أَن يكون ذَلِك على الْحَقِيقَة بِأَن يكون شم رَائِحَة طيبَة زَائِدَة عَمَّا كَانَ يعهده، فَعرف أَنَّهَا ريح الْجنَّة، وَفِيه نظر لَا يخفى. قَوْله: (دون أحد) أَي: عِنْد أحد. قَوْله: (فَمضى) قيل: فِيهِ حدف أَي: فَمضى إِلَى الْقِتَال وَقَاتل قتالاً شَدِيدا. قَوْله: (بشامة) وَهِي الْخَال. قَوْله: (أَو ببنانه) شكّ من الرَّاوِي وَهُوَ بنان الْأصْبع وَهُوَ الْمَشْهُور، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة ثَابت عَن أنس عِنْد مُسلم. قَوْله: (وَبِه) أَي: وبأنس بن النَّضر، والواوان فِي: وضربته ورميته، للتنويع والتقسيم يدل عَلَيْهِ رِوَايَة عبد الْأَعْلَى بِلَفْظ: ضَرْبَة بِالسَّيْفِ أَو طعنة بِالرُّمْحِ أَو رمية بِالسَّهْمِ، وَلَيْسَت كلمة: أَو، للشَّكّ.
4049 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنَا إبْرَاهِيمُ بنُ سعْدٍ حدَّثنا ابنُ شِهابٍ أخْبرَنِي خارِجَةُ بنُ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ أنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يقُولُ فقَدْتُ آيَةً مِنَ الأحْزَابِ حِينَ نسَخْنَا الْمُصْحَفَ كُنْتُ أسْمَعُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقْرَأُ بِهَا فالْتَمَسْنَاهَا فوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بنِ ثابِتٍ الأنْصَارِيِّ: {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا(17/145)
الله علَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} (الْأَحْزَاب: 23) . فألْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي المُصْحَفِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن فِي هَذِه الْآيَة: {وَمِنْهُم من قضى نحبه} (الْأَحْزَاب: 23) 0 إِنَّمَا قضوه فِي أحد مِنْهُم أنس بن النَّضر الْمَذْكُور فِي الحَدِيث السَّابِق، ونزولها فِي أنس بن النَّضر ونظائره من شُهَدَاء أحد، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
وَإِبْرَاهِيم بن سعد ابْن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَابْن شها هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وخارجة ضد الدَّاخِلَة ابْن زيد بن ثَابت بن الضَّحَّاك النجاري الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى: {من الْمُؤمنِينَ رجال} (الْأَحْزَاب: 23) . فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ من طَرِيقين، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فالتمسناها) ، أَي: طلبناها. قَوْله: (مَعَ خُزَيْمَة) ، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الزَّاي. قَوْله: (مَا عَاهَدُوا الله) ، المعاهدة كَانَت لَيْلَة الْعقبَة على الْإِسْلَام والنصرة، وَقيل: على أَن لَا يَفروا، لأَنهم كَانُوا لم يشْهدُوا بَدْرًا. قَوْله: (نحبه) النحب الْحَاجة، أَي: سهم من قضى عَهده وَحَاجته (وَمِنْهُم من ينْتَظر) أَن يَقْضِيه بِقِتَال وَصدق لِقَاء، وَقيل: من مضى نَذره، وأصل النحب النّذر فاستعير مَكَان الْأَجَل، لِأَنَّهُ وَقع بالنحب، وَكَانَ هُوَ سَببا لَهُ وَكَانَ رجال حلفوا بعد بدر: لَئِن لقوا الْعَدو ليقاتلن حَتَّى يستشهدوا، فَفَعَلُوا فَقتل بَعضهم وَبَعْضهمْ ينْتَظر ذَلِك، وَآخر الْآيَة: {وَمَا بدلُوا تبديلاً} (الْأَحْزَاب: 23) . أَي: مَا غيروا الْعَهْد الَّذِي عَاهَدُوا رَبهم عَلَيْهِ من الصَّبْر وَعدم الْفِرَار. قَوْله: (فألحقناها فِي سورتها) أَي: فألحقنا الْآيَة الْمَذْكُورَة فِي سورتها وَهِي الْأَحْزَاب. قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ إِلْحَاق الْآيَة بالمصحف بقول وَاحِد أَو اثْنَيْنِ، وَشرط كَونه قُرْآنًا التَّوَاتُر؟ قلت: كَانَ متواتراً عِنْدهم، وَإِنَّمَا فقدوا مكتوبيتها فَمَا وجدهَا مَكْتُوبَة إلاَّ عِنْده، وَفِيه أَن الْآيَات كَانَ لَهَا فِي حَيَاة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مقامات مَخْصُوصَة من السُّور.
4050 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ عَدِيِّ بنِ ثابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ عنْ زَيْدِ بنِ ثابِتٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أُحُدٍ رجَعَ نَاسٌ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَهُ وكانَ أصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةً تَقُولُ نُقَاتِلُهُمْ وفِرْقَةً تَقُولُ لاَ نُقَاتِلُهُمْ فنَزَلَتْ: {فَما لَكُمْ فِي المُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَالله أرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} (النِّسَاء: 88) . وَقَالَ إنَّهَا طَيْبَةُ تَنْفِي الذُّنُوبَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبثَ الفِضِّةِ. (انْظُر الحَدِيث 1884 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك، وَعبد الله بن يزِيد من الزِّيَادَة هُوَ الخطمي، صَحَابِيّ صَغِير. والْحَدِيث مر فِي فضل الْمَدِينَة فِي: بَاب الْمَدِينَة تَنْفِي الْخبث، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة ... إِلَخ.
قَوْله: (رَجَعَ نَاس) أَرَادَ بِهِ عبد الله بن أبي بن سلول، وَمن مَعَه فَإِنَّهُ رَجَعَ بِثلث النَّاس، وَقد مر بَيَانه هُنَاكَ وَعَن قريب أَيْضا. قَوْله: (وَكَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فرْقَتَيْن) يَعْنِي: فِي الحكم فِيمَن انْصَرف مَعَ عبد الله بن أبي. قَوْله: (فَنزلت) أَي: هَذِه الْآيَة: {فَمَا لكم فِي الْمُنَافِقين} الْآيَة، هَذَا هُوَ الْأَصَح فِي سَبَب نُزُولهَا، وَقيل: سَبَب نُزُولهَا فِي الَّذين تشاتموا حِين قَالَ عبد الله بن أبي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،: لَا تؤذينا برائحة حِمَارك، وَقَالَ زيد بن أسلم عَن ابْن أسعد بن معَاذ أَنَّهَا نزلت فِي، تَقول الْأَوْس والخزرج فِي شَأْن عبد الله بن أبي حِين استعذر مِنْهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على الْمِنْبَر فِي قَضِيَّة الْإِفْك، وَهَذَا غَرِيب. قَوْله: (وَالله أركسهم) أَي: ردهم وأوقعهم فِي الْخَطَأ، قَالَ ابْن عَبَّاس: أركسهم أَي: أوقعهم، وَقَالَ قَتَادَة: أهلكهم. قَوْله: (بِمَا كسبوا) أَي: بِسَبَب عصيانهم ومخالفتهم الرَّسُول وأتباعهم الْبَاطِل. قَوْله: (إِنَّهَا) ، أَي: الْمَدِينَة، وَهُوَ حَدِيث آخر جَمعهمَا الرَّاوِي، وَقد مر فِي الْحَج قَوْله: (تَنْفِي) المُرَاد من النَّفْي الْإِظْهَار والتمييز، من الذُّنُوب أَصْحَابهَا. قَوْله: (خبث الْفضة) الْخبث بِفتْحَتَيْنِ: مَا تلقيه النَّار من وسخ الْفضة والنحاس وَغَيرهمَا إِذا أذيبت.
18 - (بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب، وَقد مر غير مرّة أَن لَفْظَة: بَاب، إِذا ذكر مُجَردا عَن التَّرْجَمَة يكون كالفعل لما قبله، وَهَهُنَا غير مُجَرّد لِأَنَّهُ أضيف إِلَى قَوْله: إِذا هَمت فَتكون الْآيَة تَرْجَمَة، فَافْهَم.(17/146)
إذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أنْ تَفْشَلاَ وَالله ولِيُّهُمَا وعَلى الله فلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ} (آل عمرَان: 122) .
إِذْ هَمت بدل من: إِذْ غَدَوْت، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: أَو عمل فِيهِ معنى سميع عليم، والطائفتان حَيَّان من الْأَنْصَار: بَنو سَلمَة، بِفَتْح السِّين وَكسر اللَّام من الْخَزْرَج، و: بَنو حَارِثَة من الْأَوْس، وهما الجناحان، وَقد ذكرنَا أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج يَوْم أحد فِي ألف، وَقيل: فِي تسعماية وَخمسين وَالْمُشْرِكُونَ فِي ثَلَاثَة آلَاف، وَوَعدهمْ الْفَتْح إِن صَبَرُوا، فانخذل عبد الله بن أبي بِثلث النَّاس ثمَّ هَاتَانِ الطائفتان همتا أَن تَفْشَلَا أَي: يتجنبا ويتخلفا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويذهبا مَعَ عبد الله بن أبي، وَلَكِن الله عصمهما فَلم ينصرفوا ومضوا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكرهمْ الله تَعَالَى نعْمَته بعصمته. فَقَالَ: {إِذْ هَمت طَائِفَتَانِ} (آل عمرَان: 122) . وألهم تعلق الخاطر بِمَالِه قدر، والفشل الْجُبْن والخور، وَلَكِن لم يكن همهما عزماً، فَلذَلِك قَالَ الله: {وَالله وليهما} (آل عمرَان: 122) . أَي: ناصرهما، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: الله ناصرهما ومتولى أَمرهمَا، فَمَا لَهما يفشلان وَلَا يتوكلان على الله؟
4051 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ عنِ ابنِ عُيَيْنَةَ عنْ عَمْرٍ وعنْ جابِرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيةُ فِينَا {إذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أنْ تَفْشَلاَ} (آل عمرَان: 122) . بَني سَلِمَةَ وبَنِي حَارِثَةَ وَمَا أُحِبُّ أنَّهَا لَمْ تَنْزلْ وَالله يَقُولُ {وَالله ولِيُّهُمَا} (آل عمرَان: 122) . (الحَدِيث 4051 طرفه فِي: 4558) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار. والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن عَليّ بن عبد الله. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَأحمد بن عَبدة.
قَوْله: (بني سَلمَة) ، بِالْجَرِّ على أَنه بدل من قَوْله: (فِينَا) وَبني حَارِثَة عطف عَلَيْهِ. قَوْله: (وَمَا أحب أَنَّهَا) أَي: أَن الْآيَة (لم تنزل) وَالْحَال أَن الله تَعَالَى يَقُول: {وَالله وليهما} (آل عمرَان: 122) . وَحَاصِل المعني: أَن ذَلِك فرط الاستبشار بِمَا حصل لَهُم من الشّرف بثناء الله وإنزاله فيهم آيَة ناطقة بِصِحَّة الْولَايَة، وَأَن ذَلِك ألهم غير الْمَأْخُوذ بِهِ، لِأَنَّهُ لم يكن عَن عزم وتصميم.
4052 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثنا سُفْيَانُ أخْبرَنَا عَمْرٌ وعنْ جابِرٍ قَالَ قَالَ لِي رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَلْ نَكَحْتَ يَا جابِرُ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ مَاذَا أبِكْراٌ أمْ ثَيِّباً قُلْتُ لاَ بَلْ ثَيِّبَاً قَالَ فهَلاَّ جارِيَةً تُلاَعِبُكَ قُلْتُ يَا رسُولَ الله إنَّ أبِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وتَرَكَ تِسْعَ بَناتٍ كُنَّ لِي تِسْعَ أخَوَاتٍ فكَرِهْتُ أنْ أجْمَعَ إلَيْهِنَّ جارِيَةً خَرْقَاءَ مِثْلَهُنَّ ولَكِنِ امْرَأةً تَمْشُطُهُنَّ وتَقُومُ عَلَيْهِنَّ قَالَ أصَبْتَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِن أبي قتل يَوْم أحد) وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار.
والْحَدِيث أخرجه فِي النِّكَاح عَن قُتَيْبَة بِهِ.
قَوْله: (مَاذَا؟) أَي: مَا كَانَ نكاحك؟ أنكحت بكرا أم ثَيِّبًا؟ والهمزة فِي: أبكراً؟ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار. قَوْله: (لَا) أَي: قلت: لَا نكحت بكرا، بل نكحت ثَيِّبًا. قَوْله: (فَهَلا جَارِيَة) يَعْنِي بكرا تلاعبك، وَهَذِه الْجُمْلَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا صفة لقَوْله: جَارِيَة. قَوْله: (إِن أبي) ، هُوَ عبد الله بن عَمْرو بن حرَام الْأنْصَارِيّ. قَوْله: (تسع بَنَات) ، وَفِي رِوَايَة الشّعبِيّ: (سِتّ بَنَات) ، فَكَانَ ثَلَاث بَنَات مِنْهُنَّ متزوجات أَو بِالْعَكْسِ، وَفِي: بَاب اسْتِئْذَان الرجل الإِمَام: (ولي أَخَوَات صغَار) ، فَلم يعيّن عددهن، وَفِي (السِّيرَة) عِنْد الْخُرُوج إِلَى حَمْرَاء الْأسد: أَن أبي خلفني على أَخَوَات سبع، بِتَقْدِيم السِّين على الْبَاء، وَلَا إِشْكَال فِيهِ لِأَن ذكر الْقَلِيل لَا يُنَافِي ذكر الْكثير. قَوْله: (خرقاء) تَأْنِيث الأخرق وَهِي الحمقاء الجاهلة، والخرق، بِالضَّمِّ الْجَهْل والحمق، وَقد خرق يخرق خرقاً بِالْفَتْح، وَهُوَ الْمصدر، وبالضم الإسم، وَقيل: الخرقاء الْمَرْأَة الَّتِي لَا رفق بهَا وَلَا سياسة. قَوْله: (تمشطهن) ، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة من: مشطتها الماشطة إِذا سرحت شعرهَا بالمشط، بِضَم الْمِيم وبالفتح، مصدر. قَوْله: (أصبت) ، يدل على أَن الثّيّب فِي هَذِه الْحَالة أولى من الْبكر الصَّغِيرَة، وَهَذَا هُوَ المُرَاد من قَول الْفُقَهَاء: الْبكر أولى إِذا لم يكن عذر فِيمَا يظْهر.
94 - (حَدثنِي أَحْمد بن أبي سُرَيج أخبرنَا عبيد الله بن مُوسَى حَدثنَا شَيبَان عَن فراس عَن(17/147)
الشّعبِيّ قَالَ حَدثنِي جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا أَن أَبَاهُ اسْتشْهد يَوْم أحد وَترك عَلَيْهِ دينا وَترك سِتّ بَنَات فَلَمَّا حضر جذاذ النّخل قَالَ أتيت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقلت قد علمت أَن وَالِدي قد اسْتشْهد يَوْم أحد وَترك دينا كثيرا وَإِنِّي أحب أَن يراك الْغُرَمَاء فَقَالَ اذْهَبْ فبيدر كل تمر على نَاحيَة ففلت ثمَّ دَعوته فَلَمَّا نظرُوا إِلَيْهِ كَأَنَّهُمْ اغروا بِي تِلْكَ السَّاعَة فَلَمَّا رأى مَا يصنعون أطاف حول أعظمها بيدرا ثَلَاث مَرَّات ثمَّ جلس عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ ادْع لَك أَصْحَابك فَمَا زَالَ يَكِيل لَهُم حَتَّى أدّى الله عَن وَالِدي أَمَانَته وَأَنا أرْضى أَن يُؤَدِّي الله أَمَانَة وَالِدي وَلَا أرجع إِلَى أخواتي بتمرة فَسلم الله البيادر كلهَا حَتَّى إِنِّي أنظر إِلَى البيدر الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَأَنَّهَا لم تنقص تَمْرَة وَاحِدَة) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله أَن أَبَاهُ اسْتشْهد يَوْم أحد وَشَيخ البُخَارِيّ أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن أبي سُرَيج بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره جِيم واسْمه الصَّباح النَّهْشَلِي بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْهَاء وبالشين الْمُعْجَمَة الرَّازِيّ وَهُوَ من أَفْرَاده وَعبيد الله بن مُوسَى بن باذام أَبُو مُحَمَّد الْكُوفِي وشيبان هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ سكن الْكُوفَة أَصله من الْبَصْرَة وفراس بِكَسْر الْفَاء وَتَخْفِيف الرَّاء وبسين مُهْملَة هُوَ ابْن يحيى مر فِي كتاب الزَّكَاة وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل أَبُو عَمْرو الْكُوفِي والْحَدِيث مر مرَارًا مطولا ومختصرا فِي الصُّلْح وَالْقَرْض وَغَيرهمَا قَوْله " جذاذ النّخل " بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا أَي قطعه ويروى " جدَاد النّخل " بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا أَيْضا وَهُوَ الْقطع أَيْضا قَوْله " فبيدر " أَمر من بيدر إِذا جمع الطَّعَام فِي مَوضِع يُسمى بيدرا قَوْله " اغروا " أَي هيجوا قَوْله " أطاف بِهِ " أَي ألم بِهِ وقاربه قَوْله " حَتَّى كَأَنِّي " الخ ادّعى الدَّاودِيّ أَن هَذَا لَيْسَ فِي أَكثر الرِّوَايَات -
4054 - حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عبْدِ الله حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ أبِيهِ عنْ جَدِّهِ عنْ سَعْدِ بنِ أبِي وقَّاصٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ رأيْتُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ أُحُدٍ ومَعَهُ رَجُلاَنِ يُقَاتِلاَنِ عَنْهُ علَيْهِمَا ثِيابٌ بِيضٌ كأشَدِّ القِتَالِ مَا رأيْتُهُمَا قَبْلُ ولاَ بَعْدُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى الأوسي الْمدنِي، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ الْقرشِي الْمدنِي، كَانَ على قَضَاء بَغْدَاد. قَوْله: (وَمَعَهُ رجلَانِ) وَفِي كتاب مُسلم: أَنَّهُمَا جِبْرِيل وَمِيكَائِيل، عَلَيْهِمَا السَّلَام. قَوْله: (وكأشد الْقِتَال) ، الْكَاف فِيهِ زَائِدَة، قَالَه الْكرْمَانِي: قلت: بل للتشبيه، أَي: كأشد قتال بني آدم.
96 - (حَدثنِي عبد الله بن مُحَمَّد حَدثنَا مَرْوَان بن مُعَاوِيَة حَدثنَا هَاشم بن هَاشم السَّعْدِيّ قَالَ سَمِعت سعيد بن الْمسيب يَقُول سَمِعت سعد بن أبي وَقاص يَقُول نثل لي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كِنَانَته يَوْم أحد فَقَالَ ارْمِ فدَاك أبي وَأمي) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وهَاشِم بن هَاشم بن عتبَة بن أبي وَقاص السَّعْدِيّ ابْن أخي سعد بن أبي وَقاص وَإِنَّمَا قيل لَهُ السَّعْدِيّ لِأَنَّهُ مَنْسُوب إِلَى عَم أَبِيه سعد وَهُوَ جده من قبل الْأُم قَوْله " نثل " بالنُّون وبالثاء الْمُثَلَّثَة يُقَال نثلت كِنَانَتِي إِذا استخرجت مَا فِيهَا من النبل وَكَذَلِكَ إِذا نفضت مَا فِي الجراب من الزَّاد وَفِي التَّوْضِيح وضبطها بَعضهم بمثناة أَي قدمهَا إِلَيْهِ يُقَال استنتل فلَان من الصَّفّ إِذا تقدم على أَصْحَابه والكنانة التركاش الَّذِي يجمع فِيهِ النبل قَوْله " فدَاك أبي وَأمي " هَذِه كلمة تَقُولهَا الْعَرَب على الترحيب أَي لَو كَانَ لي إِلَى الْفِدَاء سَبِيل لفديتك بأبوي اللَّذين هما عزيزان عِنْدِي وَالْمرَاد من التفدية لازمها وَهُوَ الرِّضَا أَي ارْمِ مرضيا وَقد مر الْكَلَام فِيهِ غير مرّة -(17/148)
4056 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيَى عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بنَ المُسَيَّبِ قَالَ سَمِعْتُ سَعْدَاً يَقُولُ جمَعَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيحيى الأول: هُوَ يحيى بن سعيد الْقطَّان. وَيحيى الثَّانِي: هُوَ ابْن سعيد الْأنْصَارِيّ.
4057 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثنا لَ يْثٌ عنْ يَحْيَى عنِ ابنِ المُسَيَّبِ أنَّهُ قالَ قَالَ سَعْدُ بنُ أبِي وقَّاصٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ لَقَدْ جَمَعَ لِي رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ أُحُد أبَوَيْهِ كِلَيْهِمَا يُرِيدُ حِينَ قَالَ فِدَاكَ أبِي وأُمِّي وهْوَ يُقاتِلُ.
قد مر هَذَا فِي مَنَاقِب سعد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن عبد الْوَهَّاب عَن يحيى بن سعيد عَن ابْن الْمسيب، وَهنا أخرجه عَن مُسَدّد عَن لَيْسَ بن سعد عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن سعيد بن الْمسيب، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (كليهمَا) كَذَا وَقع فِي البُخَارِيّ على الصَّوَاب، وَقَالَ ابْن التِّين: إِنَّه وَقع فِيهِ: كِلَاهُمَا. وَهُوَ غير صَوَاب.
4058 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا مِسْعَرٌ عنْ سَعْدٍ عنِ ابنِ شَدَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ عَليَّاً رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يقُولُ مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَجْمَعُ أبَوَيْهِ لأِحَدٍ غَيْرَ سَعْدٍ.
هَذَا مُنَاسِب للْحَدِيث السَّابِق، فَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة تقع الْمُطَابقَة، وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، ومسعر، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة وبالراء: هُوَ ابْن كدام الْكُوفِي، وَهُوَ من أَصْحَاب أبي حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَسعد هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَابْن شَدَّاد، بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الدَّال الأولى: هُوَ عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد اللَّيْثِيّ الْكُوفِي.
قَوْله: (غير سعد) ، أَي: سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعدم سَماع عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِجمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَوَيْهِ لغير سعد لَا يُنَافِي سَماع غَيره فِي غَيره.
4059 - حدَّثنا يَسَرَةُ بنُ صَفْوَانَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ عنْ أبِيهِ عنْ عَبْدِ الله بنِ شَدَّادٍ عنْ عَلِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَمَعَ أبَوَيْهِ لأحَدٍ إلاَّ لِسَعْدِ بنِ مالِكٍ فإنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُد يَا سَعْدُ ارْمِ فِدَاكَ أبِي وأُمِّي.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. أخرجه عَن يسرة، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالسِّين الْمُهْملَة وَالرَّاء: ابْن صَفْوَان اللَّخْمِيّ الدِّمَشْقِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، يرْوى عَن إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
قَوْله: (إِلَّا لسعد بن مَالك) ، وَهُوَ سعد بن أبي وَقاص، وَاسم أبي وَقاص مَالك، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني غير سعد بن مَالك. قَوْله: (يَا سعد إرم) ، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: (إرمِ أَيهَا الْغُلَام الحذور) ، وَقَالَ الزُّهْرِيّ: رمى سعد يَوْمئِذٍ ألف سهم.
101 - (حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن مُعْتَمر عَن أَبِيه قَالَ زعم أَبُو عُثْمَان أَنه لم يبْق مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي بعض تِلْكَ الْأَيَّام الَّتِي يُقَاتل فِيهِنَّ غير طَلْحَة وَسعد عَن حَدِيثهمَا) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله فِي بعض تِلْكَ الْأَيَّام لِأَن المُرَاد بِهِ يَوْم أحد ومعتمر هُوَ ابْن سُلَيْمَان بن طرخان التَّيْمِيّ قَوْله " زعم " أَي قَالَ أَبُو عُثْمَان وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ سَمِعت أَبَا عُثْمَان قَوْله " فِي بعض تِلْكَ الْأَيَّام " هُوَ رِوَايَة أبي ذَر وَفِي رِوَايَة غَيره لم يبْق مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي تِلْكَ الْأَيَّام بِدُونِ لفظ بعض وَرِوَايَة أبي ذَر أبين وأوضح للمراد قَوْله الَّتِي يُقَاتل هُوَ رِوَايَة أبي ذَر وَفِي رِوَايَة غَيره الَّذِي فالتذكير بِالنّظرِ إِلَى لفظ الْبَعْض والتأنيث بِالنّظرِ إِلَى قَوْله تِلْكَ الْأَيَّام قَوْله طَلْحَة أَي ابْن عبيد الله أحد الْعشْرَة المبشرة بِالْجنَّةِ قَوْله وَسعد هُوَ ابْن أبي وَقاص فَإِن قلت قد تقدم عَن قريب أَن الْمِقْدَاد كَانَ مِمَّن(17/149)
بَقِي مَعَه قلت يحْتَمل أَنه حضر بعد تِلْكَ الجولة وَيحْتَمل أَن يكون انفرادهما مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي بعض المقامات وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بتخصيص الِاثْنَيْنِ الْمَذْكُورين من الْمُهَاجِرين كَأَنَّهُ قَالَ لم يبْق مَعَه من الْمُهَاجِرين غير هذَيْن وَأَيْضًا كَانَ فِيهِ اخْتِلَاف الْأَحْوَال فَإِنَّهُم تفَرقُوا فِي الْقِتَال قَوْله " عَن حَدِيثهمَا " أَي روى أَبُو عُثْمَان هَذَا عَن حَدِيثي طَلْحَة وَسعد يَعْنِي هما حَدثا أَبَا عُثْمَان بذلك -
4062 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ أبِي الأسْوَدِ حدَّثنَا حاتِمُ بنُ إسْمَاعِيلَ عنْ مُحَمَّدِ بنِ يُوسُفَ قَالَ سَمِعْتُ السَّائِبَ بنَ يَزِيدَ قَالَ صَحِبْتُ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ عَوْفٍ وطَلْحَةَ بنَ عُبَيْدِ الله والْمِقْدَادَ وسَعْدَاً رَضِي الله تَعَالَى عنهُم فَمَا سَمِعْتُ أحَدَاً مِنْهُمْ يُحَدِّثُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ أنِّي سَمِعْتُ طَلْحَةَ يُحَدِّثُ عنْ يَوْمِ أُحُدٍ. (انْظُر الحَدِيث 2824) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يحدث عَن يَوْم أحد) . وَعبد الله بن أبي الْأسود هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي الْأسود، واسْمه حميد ابْن الْأسود الْبَصْرِيّ الْحَافِظ، وَهُوَ من أَفْرَاده، مَاتَ سنة ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وحاتم بن إِسْمَاعِيل أَبُو إِسْمَاعِيل الْكُوفِي، سكن الْمَدِينَة، وَمُحَمّد بن يُوسُف بن عبد الله بن يزِيد ابْن أُخْت نمر، وَأمه إبنة السَّائِب بن يزِيد، سمع جده لأمه السَّائِب بن يزِيد ابْن سعيد بن ثُمَامَة بن الْأسود ابْن أُخْت النمر، وَهُوَ من صغَار الصَّحَابَة، وَقَالَ السَّائِب: حج بِي أبي مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا ابْن سبع سِنِين، هَذِه رِوَايَة مُحَمَّد بن يُوسُف عَنهُ وَقَالَ أَبُو عمر: ولد فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة، فَهُوَ ترب ابْن الزبير والنعمان ابْن بشير فِي قَول من قَالَ ذَلِك، كَانَ عَاملا لعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على سوق الْمَدِينَة مَعَ عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود، وَمَات فِي سنة ثَمَانِينَ، وَقيل: فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ، وَقيل: فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَهُوَ ابْن أَربع وَتِسْعين، وَسبب مَا فِيهِ أَن هَؤُلَاءِ خشو السَّهْو فحذروا أَن يقعوا فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النارد، وَفِي قَول طَلْحَة ذكر الْمَرْء بِعَمَلِهِ الصَّالح ليؤدي مَا علم مِمَّا يعلم غَيره، لِأَنَّهُ انْفَرد برَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَئِذٍ.
4063 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ أبِي شَيْبَةَ حدَّثنا وكِيعٌ عنْ إسْمَاعِيلَ عنْ قَيْسٍ قَالَ رأيْتُ يَدَ طَلْحَةَ شُلاَّءَ وَقَى بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ أُحُدٍ. (انْظُر الحَدِيث 2724) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد الأحمسي البَجلِيّ الْكُوفِي، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم البَجلِيّ، وَطَلْحَة هُوَ ابْن عبيد الله. رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (شلاء) ، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام وبالمد، وَهِي الَّتِي أَصَابَهَا الشلل، وَهُوَ مَا يبطل عمل الْأَصَابِع كلهَا أَو بَعْضهَا. قَوْله: (وقى) ، أَي: حفظ (بهَا) أَي: بِيَدِهِ، وَقد أوضح ذَلِك الْحَاكِم فِي (الإكليل) من طَرِيق مُوسَى بن طَلْحَة: أَن طَلْحَة جرح يَوْم أحد تسعا وَثَلَاثِينَ أَو خمْسا وَثَلَاثِينَ، وشلت أُصْبُعه أَي: السبابَة، وَالَّتِي تَلِيهَا، وَجَاء فِي رِوَايَة: أَن أُصْبُعه قطعت، فَقَالَ: حس، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو ذكرت الله لَرَفَعَتْك الْمَلَائِكَة وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْك.
104 - (حَدثنَا أَبُو معمر حَدثنَا عبد الْوَارِث حَدثنَا عبد الْعَزِيز عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما كَانَ يَوْم أحد انهزم النَّاس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبُو طَلْحَة بَين يَدي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مجوب عَلَيْهِ بحجفة لَهُ وَكَانَ أَبُو طَلْحَة رجلا راميا شَدِيد النزع كسر يَوْمئِذٍ قوسين أَو ثَلَاثًا وَكَانَ الرجل يمر مَعَه بجعبة من النبل فَيَقُول انثرها لأبي طَلْحَة قَالَ ويشرف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ينظر إِلَى الْقَوْم فَيَقُول أَبُو طَلْحَة بِأبي أَنْت وَأمي لَا تشرف يصيبك سهم من سِهَام الْقَوْم نحري دون نحرك(17/150)
وَلَقَد رَأَيْت عَائِشَة بنت أبي بكر وَأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقزان الْقرب على متونهما تفرغانه فِي أَفْوَاه الْقَوْم ثمَّ تَرْجِعَانِ فتملآنها ثمَّ تجيآن فتفرغانه فِي أَفْوَاه الْقَوْم وَلَقَد وَقع السَّيْف من يَدي أبي طَلْحَة إِمَّا مرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلَاثًا) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين اسْمه عبد الله بن عَمْرو بن الْحجَّاج الْمنْقري المعقد وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا وَعبد الْوَارِث بن سعيد وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب وكل هَؤُلَاءِ قد ذكرُوا غيرَة مرّة والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي بَاب غَزْوَة النِّسَاء وقتالهن مَعَ الرِّجَال وَمضى فِي مَنَاقِب أبي طَلْحَة مثل مَا أخرجه هُنَا عَن أبي معمر عَن عبد الْوَارِث إِلَى آخِره نَحوه قَوْله وَأَبُو طَلْحَة اسْمه زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ وَهُوَ زوج وَالِدَة أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَأنس حمل هَذَا الحَدِيث عَنهُ قَوْله مجوب بِضَم الْمِيم وَفتح الْجِيم وَتَشْديد الْوَاو الْمَكْسُورَة وَمَعْنَاهُ مترس من الجوبة وَهِي الترس والحجفة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم وَالْفَاء الترس الَّذِي يتَّخذ من الْجلد وَيُسمى بالبدرقة قَوْله شَدِيد النزع بِفَتْح النُّون وَسُكُون الزَّاي وبالعين الْمُهْملَة أَي فِي رمي السهْم وَتقدم فِي الْجِهَاد من وَجه آخر بِلَفْظ كَانَ أَبُو طَلْحَة حسن الرَّمْي وَكَانَ يتترس مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بترس وَاحِد قَوْله بجعبة بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي الكنانة الَّتِي يَجْعَل فِيهَا السِّهَام وَضَبطه بَعضهم بِضَم الْجِيم وَمَا أرَاهُ إِلَّا غَلطا قَوْله فَيَقُول انثرها أَي فَيَقُول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - انثر الجعبة الَّتِي فِيهَا النبل لأجل أبي طَلْحَة وانثر بِضَم الْهمزَة أَمر من نثر بالنُّون والثاء الْمُثَلَّثَة ينثر نثرا من بَاب نصر ينصر قَوْله " ويشرف " بِضَم الْيَاء من الإشراف وَهُوَ الِاطِّلَاع إِلَى الشَّيْء ويروى وتشرف على وزن تفعل قَوْله " ينظر " جملَة حَالية قَوْله " لَا تشرف " من الإشراف أَيْضا وَفِي رِوَايَة أبي الْوَقْت لَا تشرف بِفَتْح التَّاء والشين وَتَشْديد الرَّاء الْمَفْتُوحَة وَأَصله لَا تتشرف بتاءين فحذفت إِحْدَاهمَا قَوْله " يصيبك " بِالرَّفْع والجزم أما الْجَزْم فَلِأَنَّهُ جَوَاب النَّهْي وَأما الرّفْع فعلى تَقْدِير فَهُوَ يصيبك وَرِوَايَة أبي ذَر الْجَزْم على الأَصْل قَوْله " نحري دون نحرك " أَي يُصِيب السهْم نحري وَلَا يُصِيب نحرك وَحَاصِله أفديك بنفسي وَعَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأم سليم وَالِدَة أنس بن مَالك وَفِي اسْمهَا اخْتِلَاف قد ذَكرْنَاهُ فِي الْجِهَاد قَوْله " خدم سوقهما " بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالدَّال الْمُهْملَة جمع خدمَة وَهِي الخلاخيل والسوق بِالضَّمِّ جمع سَاق قَوْله " تنقزان الْقرب " أَي تحملانها وتنقزان بهَا وثبا يُقَال نقز وأنقز إِذا وثب وَقَالَ ابْن الْأَثِير وَفِي نصب الْقرب بعد لِأَن ينقز غير مُتَعَدٍّ وأوله بَعضهم بِعَدَمِ الْجَار وَرَوَاهُ بَعضهم بِضَم التَّاء من أنقز فعداه بِالْهَمْزَةِ يُرِيد تَحْرِيك الْقرب ووثوبها بِشدَّة الْعَدو والوثب وَرُوِيَ بِرَفْع الْقرب على الِابْتِدَاء وَالْجُمْلَة فِي مَوضِع الْحَال وَقيل مَعْنَاهُ تنقلان وَقَالَ الدَّاودِيّ هُوَ مثل تنقلان وَالَّذِي ذكره أهل اللُّغَة أَن النقز بالنُّون وَالْقَاف وَالزَّاي الوثب فلعلهما كَانَتَا تنهضان بِالْحملِ وتنقزان وَأنْكرهُ الْخطابِيّ وَقَالَ إِنَّمَا هُوَ تنقزان أَي تحملان قَوْله " فِي أَفْوَاه الْقَوْم " قَالَ الدَّاودِيّ الأفواه جمع فِي والفم لَا جمع لَهُ من لَفظه (قلت) الَّذِي ذكره أهل اللُّغَة أَن أصل الْفَم فوه فأبدل من الْوَاو مِيم وَالْجمع يرد الشَّيْء إِلَى أَصله كَمَا أَن إِمَاء أَصله موه فَلذَلِك قَالُوا فِي جمعه أمواه قَوْله " من يَدي أبي طَلْحَة " وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ من يَد أبي طَلْحَة بِالْإِفْرَادِ وَوُقُوع السَّيْف كَانَ لأجل النعاس الَّذِي ألْقى الله عَلَيْهِم أَمَنَة مِنْهُ وَوَقع فِي رِوَايَة أبي معمر شيخ البُخَارِيّ عِنْد مُسلم من النعاس صرح بِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِذْ يغشيكم النعاس أَمَنَة} -
4065 - حدَّثني عُبَيْدُ الله بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا أبُو أُسَامَةَ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتْ لَمَّا كانَ يَوْمُ أُحُدٍ هُزِمَ المُشْرِكُونَ فصَرَخَ إبْلِيسُ لعَنَةُ الله علَيْهِ أيْ عِبَادَ الله أُخْرَاكُمْ فرَجَعَتْ أُولاهُم فاجْتَلَدَتْ هِيَ وأُخْرَاهُمّ فَبَصُرَ حُذَيْفَةَ فإذَا هُوَ بأبِيهِ اليَمَانِ فَقالَ أيْ عِبَادَ الله أبي أبي قَالَ قالَت فَوَالله مَا احْتَجَزُوا حتَّى قتَلُوهُ فقالَ حُذَيْفَةُ يَغْفِرُ الله لَكُمْ قَالَ عُرْوَةُ(17/151)
فَوَالله مَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ بَقِيَّةُ خَيْرٍ حتَّى لَحِقَ بِاللَّه. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبيد الله بن سعيد بن يحيى أَبُو قدامَة الْيَشْكُرِي السَّرخسِيّ، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة.
والْحَدِيث مر فِي: بَاب صفة إِبْلِيس وَجُنُوده، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن زَكَرِيَّا بن يحيى عَن أبي أُسَامَة ... الخ نَحوه، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَلَكِن نتكلم هُنَا أَيْضا بِمَا فِيهِ لبعد الْعَهْد مِنْهُ.
قَوْله: (أخراكم) أَي: احترزوا من جِهَة أخراكم، وَهِي كلمة تقال لمن يخْشَى أَن يُؤْتى عِنْد الْقِتَال من وَرَائه، وَكَانَ ذَلِك لما ترك الرُّمَاة مكانهم ودخلوا ينتهبون عَسْكَر الْمُشْركين. قَوْله: (فاجتلدت هِيَ) أَي: أولاهم نفرت مَعَ أخراهم. قَوْله: (فَبَصر حُذَيْفَة) أَي: نظر إِلَى أَبِيه وَرَآهُ. وَقَالَ: يَا عباد الله أبي أبي أَي: هَذَا أبي فَلَا تتعرضوا لَهُ واحفظوه، وَإِنَّمَا قَالَ: أبي أبي، بالتكرار حَتَّى لَا يظنّ أَنه: أبي، بِضَم الْهمزَة وَفتح الْبَاء وَتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (قَالَ: قَالَت) أَي: قَالَ عُرْوَة، قَالَت عَائِشَة: فوَاللَّه مَا احتجزوا أَي: مَا امْتَنعُوا من قَتله حَتَّى قَتَلُوهُ أَي: الْيَمَان وَالِد حُذَيْفَة، وَذكر ابْن إِسْحَاق، قَالَ: حَدثنِي عَاصِم ابْن عمر عَن مَحْمُود بن لبيد، قَالَ: كَانَ الْيَمَان وَالِد حُذَيْفَة وثابت بن وقش شيخين كبيرين فَتَركهُمَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ النِّسَاء وَالصبيان فرغبا فِي الشَّهَادَة فأخذا سيفيهما ولحقا بِالْمُسْلِمين بعد الْهَزِيمَة، فَلم يعرفوا بهما، فَأَما ثَابت فَقتله الْمُشْركُونَ، وَأما الْيَمَان فاختلفت عَلَيْهِ أسياف الْمُسلمين فَقَتَلُوهُ وَلَا يعرفونه، وَقَالَ ابْن سعد: إِن الَّذِي قتل الْيَمَان خطأ عتبَة بن مَسْعُود أَخُو عبد الله بن مَسْعُود، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، قَالَ حُذَيْفَة: قتلتم أبي قَالُوا: وَالله مَا عَرفْنَاهُ وَصَدقُوا، فَقَالَ حُذَيْفَة: يغْفر الله لكم فَأَرَادَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَدَيْهِ فَتصدق حُذَيْفَة بديته على الْمُسلمين فزاده ذَلِك عِنْد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيرا، وَالْعجب من ابْن التِّين حَيْثُ يَقُول: وَلم يذكر فِي الحَدِيث الدِّيَة فِي قتل الْيَمَان وَالْكَفَّارَة، فَأَما لم تفرض حِينَئِذٍ أَو اكْتفى بِعلم السَّامع، وَلَو اطلع على مَا ذكرنَا لما أغرب فِي كَلَامه.
بَصَرْتُ عَلِمْتُ مِنَ البَصِيرَةِ فِي الأمْرِ وأبْصَرْتُ مِنْ بَصَرِ العَيْنِ ويُقالُ بَصُرْتُ وأبْصَرْتُ واحِدٌ
لما كَانَ فِي الحَدِيث الْمَذْكُور لفظ: بصر، بِفَتْح الْبَاء وَضم الصَّاد، أَشَارَ إِلَى مَعْنَاهُ وَإِلَى الْفرق بَين بصر وَأبْصر، فَقَالَ: معنى بصر علم مَأْخُوذ من البصيرة فِي الْأَمر، فَيكون من الْمعَانِي القلبية، وَقَالَ: أبْصر بِزِيَادَة الْهمزَة فِي أَوله يَعْنِي: نظر لِأَنَّهُ من بصر الْعين، وبصر الْعين حاستها وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْبَصَر الْعلم وبصرت بالشَّيْء عَلمته، وَقَالَ تَعَالَى: {بصرت لما لم يبصروا بِهِ} (طه: 96) . قَوْله: وَيُقَال: بصرت وأبصرت وَاحِد، يَعْنِي: كِلَاهُمَا سَوَاء، كسرعت وأسرعت.
19 - (بابُ قَوْلِ الله تعَالَى {إنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعَانِ إنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ولَقَدْ عفَا الله عنْهُمْ إنَّ الله غَفُورٌ حَلِيمٌ} (آل عمرَان: 155) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله تَعَالَى: {إِن الَّذين توَلّوا مِنْكُم} (آل عمرَان: 155) . الْآيَة. وَاتفقَ أهل الْعلم بِالنَّقْلِ على أَن المُرَاد بِهَذِهِ الْآيَة مَا وَقع فِي أحد، وَقَول من قَالَ: إِنَّهَا فِي يَوْم بدر، غير صَحِيح، لِأَنَّهُ لم يول أحد من الْمُسلمين يَوْم بدر. قَوْله: {إِن الَّذين توَلّوا مِنْكُم} (آل عمرَان: 155) . أَي: إِن الَّذين فروا مِنْكُم يَا معشر الْمُسلمين. قَوْله: (يَوْم التقى الْجَمْعَانِ) ، أَي: جمع الْمُسلمين وَجمع الْكفَّار. قَوْله: (إِنَّمَا استزلهم الشَّيْطَان) أَي: حملهمْ على الزلل. قَوْله: (بِبَعْض مَا كسبوا) ، أَي: بِبَعْض ذنوبهم السالفة، وَهُوَ تَركهم الْمُشْركين. قَوْله: (وَلَقَد عَفا الله عَنْهُم) ، أَي: حلم عَلَيْهِم إِذْ لم يعاجلهم بالعقوبة، وَقيل: غفر لَهُم الْخَطِيئَة، وَرُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة قَالَ لأَصْحَابه: هَذِه وقْعَة تشاع فِي الْعَرَب فأطلبوهم حَتَّى يسمعوا أَنا قد طلبناهم، فَخَرجُوا فَلم يدركوا الْقَوْم. قَوْله: (إِن الله غَفُور حَلِيم) ، أَي: يغْفر الذُّنُوب ويحلم على خلقه ويتجاوز عَنْهُم.
106 - (حَدثنَا عَبْدَانِ أخبرنَا أَبُو حَمْزَة عَن عُثْمَان بن موهب قَالَ جَاءَ رجل حج الْبَيْت فَرَأى قوما جُلُوسًا فَقَالَ من هَؤُلَاءِ الْقعُود قَالُوا هَؤُلَاءِ قُرَيْش قَالَ من الشَّيْخ قَالُوا ابْن عمر فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنِّي سَائِلك عَن شَيْء أتحدثني قَالَ أنْشدك بِحرْمَة هَذَا الْبَيْت أتعلم أَن عُثْمَان بن(17/152)
عَفَّان فر يَوْم أحد قَالَ نعم قَالَ فتعلمه تغيب عَن بدر فَلم يشهدها قَالَ نعم قَالَ فتعلم أَنه تخلف عَن بيعَة الرضْوَان فَلم يشهدها قَالَ نعم قَالَ فَكبر قَالَ ابْن عمر تعال لأخبرك ولأبين لَك عَمَّا سَأَلتنِي عَنهُ أما فراره يَوْم أحد فَأشْهد أَن الله عَفا عَنهُ وَأما تغيبه عَن بدر فَإِنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ بنت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَانَت مَرِيضَة فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِن لَك أجر رجل مِمَّن شهد بَدْرًا وسهمه وَأما تغيبه عَن بيعَة الرضْوَان فَإِنَّهُ لَو كَانَ أحد أعز بِبَطن مَكَّة من عُثْمَان بن عَفَّان لبعثه مَكَانَهُ فَبعث عُثْمَان وَكَانَت بيعَة الرضْوَان بَعْدَمَا ذهب عُثْمَان إِلَى مَكَّة فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِيَدِهِ الْيُمْنَى هَذِه يَد عُثْمَان فَضرب بهَا على يَده فَقَالَ هَذِه لعُثْمَان اذْهَبْ بِهَذَا الْآن مَعَك) مطابقته للتَّرْجَمَة تظهر من حَيْثُ الْمَعْنى وعبدان لقب عبد الله وَأَبُو حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي مُحَمَّد بن مَيْمُون السكرِي وَعُثْمَان بن موهب بِفَتْح الْمِيم وَالْهَاء الْأَعْرَج الطلحي التَّيْمِيّ الْقرشِي والْحَدِيث مضى بِطُولِهِ فِي مَنَاقِب عُثْمَان وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن أبي عوَانَة عَن عُثْمَان بن موهب إِلَى آخِره قَوْله " أتحدثني " الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستعلام وَبعده فِي رِوَايَة أبي نعيم قَالَ " نعم " -
20 - (بابٌ {إذْ تُصْعِدُونَ ولاَ تَلْوُونَ علَى أحَدٍ والرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فأثَابَكُمْ غَمَّاً بِغَمٍّ لِكَيْلاَ تَحْزَنُوا علَى مَا فَاتَكُمْ ولاَ مَا أصَابَكُمْ وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (آل عمرَان: 153) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَوْله تَعَالَى: {إِذْ تصعدون} . قَوْله: (إِذْ) ، نصب بقوله: {ثمَّ صرفكم عَنْهُم} (آل عمرَان: 152) . أَو بقوله: {ليبتليكم} (آل عمرَان: 152) . أَو بإضمار: إذكر يَا مُحَمَّد {إِذْ تصعدون} وَهُوَ من الإصعاد، وَهُوَ الذّهاب فِي الأَرْض والإبعاد فِيهِ، يُقَال: صعد فِي الْجَبَل وأصعد فِي الأَرْض، يُقَال: أصعدنا من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة، وَقَرَأَ الْحسن: {تصعدون} بِفَتْح التَّاء يَعْنِي: فِي الْجَبَل، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وتعضد الْقِرَاءَة الأولى قِرَاءَة أبي: {تصعدون} بِفَتْح التَّاء وَتَشْديد الْعين من تصعد فِي السّلم، وَقَالَ الْمفضل: صعد وأصعد بِمَعْنى. قَوْله: (وَلَا تلوون) أَي: وَلَا تعرجون وَلَا تقيمون، أَي: لَا يلْتَفت بَعْضكُم على بعض هرباً، وَأَصله من لي الْعُنُق فِي الِالْتِفَات، ثمَّ اسْتعْمل فِي ترك التَّصْرِيح، وقر الْحسن: تلون، بواو وَاحِدَة، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وقرىء: يصعدون ويلوون، بِالْيَاءِ يَعْنِي: فيهمَا. وَقَوله: (على أحد) قَالَ الْكَلْبِيّ: يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقِرَاءَة عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. على أحد بِضَم الْهمزَة والحاء يَعْنِي: الْجَبَل. قَوْله: (وَالرَّسُول) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (يدعوكم) كَأَنَّهُ يَقُول: إِلَيّ عباد الله إِلَيّ عباد الله، أَنا رَسُول الله من يُكرمهُ فَلهُ الْجنَّة. قَوْله: (فِي أخراكم) أَي: من خلفكم، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: فِي ساقتكم وجماعتكم الْأُخْرَى، وَهِي الْجَمَاعَة الْمُتَأَخِّرَة. قَوْله: (فأثابكم) عطف على قَوْله: (ثمَّ صرفكم) أَي: فجازاكم الله غما حِين صرفكم عَنْهُم وابتلاكم بِسَبَب غم أذقتموه رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعصيانكم لَهُ أَو غماً مضاعفاً بعد غم مُتَّصِلا بغم، من الاغتمام بِمَا أرجف بِهِ من قتل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْجرْح وَالْقَتْل وظفر الْمُشْركين وفوت الْغَنِيمَة والنصر، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: الْغم الأول: بِسَبَب الْهَزِيمَة، وَحين قيل: قتل مُحَمَّد، وَالثَّانِي: حِين علاهم الْمُشْركُونَ فَوق الْجَبَل، رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه. وروى ابْن أبي حَاتِم: عَن قَتَادَة نَحْو ذَلِك، وَقَالَ السّديّ: الْغم الأول: بِسَبَب مَا فاتهم من الْغَنِيمَة وَالْفَتْح، وَالثَّانِي: بإشراف الْعَدو عَلَيْهِم، وَقيل غير ذَلِك. قَوْله: (لكيلا تحزنوا على مَا فاتكم) مُتَّصِل بقوله: (وَلَقَد عَفا عَنْكُم لكيلا تحزنوا على مَا فاتكم من الْغَنِيمَة وَلَا مَا أَصَابَكُم من الْقَتْل وَالْجرْح، لِأَن عَفوه يذهب ذَلِك كُله، وَقيل: صلَة، فَيكون الْمَعْنى: لكيلا تحزنوا على مَا فاتكم وَلَا مَا أَصَابَكُم عُقُوبَة لكم فِي خلافكم، وَالله خَبِير بعملكم كُله.
4067 - حدَّثني عَمْرُو بنُ خالِدٍ حدَّثنا زُهَيْرٌ حدَّثنا أَبُو إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ بنَ(17/153)
عازِبٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ جعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ عبْدَ الله بنَ جُبَيْرٍ وأقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ إذْ يَدْعُوهُمْ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة لِلْآيَةِ ظَاهِرَة، وَعَمْرو بن خَالِد بن فروخ الْحَرَّانِي الْجَزرِي سكن مصر، روى عَن زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي، وَقد مر الحَدِيث فِي أَوَائِل بَاب غَزْوَة أحد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بأتم مِنْهُ عَن عبيد الله بن مُوسَى عَن إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء ... إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
4067 - حدَّثني عَمْرُو بنُ خالِدٍ حدَّثنا زُهَيْرٌ حدَّثنا أَبُو إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ بنَ عازِبٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ جعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ عبْدَ الله بنَ جُبَيْرٍ وأقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ إذْ يَدْعُوهُمْ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة لِلْآيَةِ ظَاهِرَة، وَعَمْرو بن خَالِد بن فروخ الْحَرَّانِي الْجَزرِي سكن مصر، روى عَن زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي، وَقد مر الحَدِيث فِي أَوَائِل بَاب غَزْوَة أحد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بأتم مِنْهُ عَن عبيد الله بن مُوسَى عَن إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء ... إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
4067 - حدَّثني عَمْرُو بنُ خالِدٍ حدَّثنا زُهَيْرٌ حدَّثنا أَبُو إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ بنَ عازِبٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ جعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ عبْدَ الله بنَ جُبَيْرٍ وأقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ إذْ يَدْعُوهُمْ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة لِلْآيَةِ ظَاهِرَة، وَعَمْرو بن خَالِد بن فروخ الْحَرَّانِي الْجَزرِي سكن مصر، روى عَن زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي، وَقد مر الحَدِيث فِي أَوَائِل بَاب غَزْوَة أحد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بأتم مِنْهُ عَن عبيد الله بن مُوسَى عَن إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء ... إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
21 - (بابُ قَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أمَنَةً نُعَاسَاً يَغْشَى طائِفَةً مِنْكُمْ وطائِفَةٌ قَدْ أهَمَّتهُمْ أنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّه غَيْرَ الحَقِّ ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لله يُخْفُونَ فِي أنْفُسِهِمْ مَا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ القَتْلُ إلَى مَضَاجِعِهِمْ ولِيَبْتَلِيَ الله مَا فِي صُدُورِكُمْ ولِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَالله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (آل عمرَان: 154) .)
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لما انْصَرف الْمُشْركُونَ يَوْم أحد كَانُوا يتوعدون الْمُسلمين بِالرُّجُوعِ وَلم يَأْمَن الْمُسلمُونَ كرتهم، وَكَانُوا تَحت الحجفة متأهبين لِلْقِتَالِ، فَأنْزل الله عَلَيْهِم دون الْمُنَافِقين أَمَنَة فَأَخذهُم النعاس، وَإِنَّمَا يَنْعس من أَمن والخائف لَا ينَام، وروى الإِمَام أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم بِإِسْنَادِهِ عَن عبد الله بن مَسْعُود، قَالَ: النعاس فِي الْقِتَال أَمن من الله، وَفِي الصَّلَاة وَسْوَسَة من الشَّيْطَان.
قَوْله: (من بعد الْغم) أَرَادَ بِهِ الْغم الَّذِي حصل لَهُم عِنْد الانهزام. قَوْله: (أَمَنَة) ، مصدر كالأمن، وقرىء: أَمنه، بِسُكُون الْمِيم كَأَنَّهَا الْمرة من الْأَمْن. قَوْله: (نعاساً) نصب على أَنه بدل من: أَمَنَة، وَيجوز أَن يكون عطف بَيَان، وَيجوز أَن يكون نعاساً مَفْعُولا لقَوْله: (أنزل الله) ، وأمنة حَالا مِنْهُ مُقَدّمَة عَلَيْهِ كَقَوْلِه: رَأَيْت رَاكِبًا رجلا، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: يجوز أَن يكون: أَمَنَة، مَفْعُولا لَهُ بِمَعْنى: نعستم أَمَنَة، وَيجوز أَن يكون حَالا من المخاطبين، يَعْنِي: ذَوي أَمَنَة أَو على أَنه جمع آمن كبار وبررة. قَوْله: (يغشى) قرىء بِالْيَاءِ وَالتَّاء على إِرَادَة النعاس أَو الأمنة. قَوْله: (طَائِفَة مِنْكُم) هم أهل الصدْق وَالْيَقِين. قَوْله: (وَطَائِفَة) هم المُنَافِقُونَ. قَوْله: (قد أهمتهم أنفسهم) ، يَعْنِي: لَا يَغْشَاهُم النعاس من القلق والجزع وَالْخَوْف. قَوْله: (يظنون بِاللَّه غير الْحق) ، وَهُوَ قَوْلهم: لَا ينصر مُحَمَّد وَأَصْحَابه، أَو أَنه قتل، أَو أَن أمره مضمحل. قَوْله: (ظن الْجَاهِلِيَّة) ، أَي: كظن الْجَاهِلِيَّة، وَهِي زمن الفترة، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: يظنون بِاللَّه غير الظَّن الْحق الَّذِي يجب أَن يظنّ بِهِ، وَظن الْجَاهِلِيَّة بدل مِنْهُ، وَيجوز أَن يُرَاد: لَا يظنّ مثل ذَلِك الظَّن إلاَّ أهل الشّرك الجاهلون بِاللَّه. قَوْله: (يَقُولُونَ هَل لنا من الْأَمر من شَيْء) ، يَعْنِي: يَقُولُونَ لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يسْأَلُون: هَل لنا من الْأَمر من شَيْء؟ مَعْنَاهُ: هَل لنا معاشر الْمُسلمين من أَمر الله نصيب قطّ؟ يعنون: النَّصْر والإظهار على الْعَدو، وَقَالَ الله تَعَالَى: قل يَا مُحَمَّد (إِن الْأَمر كُله لله) ولأوليائه الْمُؤمنِينَ وَهُوَ النَّصْر وَالْغَلَبَة. قَوْله: (يخفون فِي أنفسهم مَا لَا يبدون لَك) أَي: مَا لَا يظهرون لَك يَا مُحَمَّد، يَعْنِي: يَقُولُونَ لَك فِيمَا يظهرون: هَل لنا من الْأَمر من شَيْء؟ سُؤال الْمُؤمنِينَ المسترشدين، وهم فِيمَا يظنون على النِّفَاق، يَقُولُونَ فِي أنفسهم أَو بَعضهم لبَعض منكرين لِقَوْلِك لَهُم: إِن الْأَمر كُله لله، هَكَذَا فسره الزَّمَخْشَرِيّ، وَقَالَ غَيره: وَالَّذِي أخفوه قَوْلهم: لَو كُنَّا فِي بُيُوتنَا مَا قتلنَا هَهُنَا، وَقيل: الَّذِي أخفوه إسرارهم الْكفْر وَالشَّكّ فِي أَمر الله تَعَالَى، وَقيل: هُوَ النَّدَم على حضورهم مَعَ الْمُسلمين بِأحد، وَالَّذِي قَالَ ذَلِك معتب ابْن قُشَيْر، فَرد الله ذَلِك عَلَيْهِم بقوله: {قل لَو كُنْتُم فِي بُيُوتكُمْ} يَعْنِي: قل يَا مُحَمَّد: أَيهَا المُنَافِقُونَ! لَو كُنْتُم فِي بُيُوتكُمْ وَلم تخْرجُوا إِلَى أحد {لبرز الَّذين كتب عَلَيْهِم الْقَتْل إِلَى مضاجعهم} يَعْنِي: لَو تخلفتم لخرج مِنْكُم الَّذين كتب عَلَيْهِ الْقَتْل، وَالْمرَاد: من مضاجعهم: مصَارِعهمْ، وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: حَدثنِي يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عَن أَبِيه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: قَالَ الزبير: لقد رَأَيْتنِي مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين اشْتَدَّ الْخَوْف علينا، أرسل الله علينا النّوم فَمَا منا من رجل إلاَّ ذقنه فِي صَدره، قَالَ: فوَاللَّه إِنِّي لأسْمع قَول معتب بن قُشَيْر مَا أسمعهُ إلاَّ كَالْحلمِ: لَو كَانَ لنا من الْأَمر شَيْء مَا قتلنَا هَهُنَا، فحفظنا مِنْهُ، فَأنْزل الله تَعَالَى: {يَقُولُونَ لَو ككان لنا(17/154)
من الْأَمر من شَيْء مَا قتلنَا هَهُنَا} كَقَوْل معتب، قَوْله: (وليبتلي الله) أَي: ليختبر الله بأعمالكم. {وليمحص مَا فِي قُلُوبكُمْ} أَي: ليطهر من الشَّك بِمَا يريكم من عجائب صنعه من الأمنة وَإِظْهَار إسرار الْمُنَافِقين، وَهَذَا التمحيص خَاص بِالْمُؤْمِنِينَ. قَوْله: (وَالله عليم بِذَات الصُّدُور) أَي: الْأَسْرَار الَّتِي فِي الصُّدُور من خير وَشر.
4068 - وقَالَ لِي خَلِيفَةُ حدَّثنَا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ حدَّثنا سَعِيدٌ عنْ قَتَادَةَ عنْ أنَسٍ عنْ أبِي طَلْحَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كُنْتُ فِيمَنْ تَغَشَّاهُ النُّعَاسُ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى سَقَطَ سَيْفِي مِنْ يَدِي مِرَارَاً يَسْقُطُ وآخُذُهُ ويَسْقُطُ فآخُذُهُ. (الحَدِيث 4068 طرفه فِي: 4562) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي عرُوبَة، وَإِنَّمَا قَالَ البُخَارِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى: قَالَ لي خَليفَة، وَلم يقل: حَدثنَا وَنَحْوه، لِأَنَّهُ لم يقلهُ على طَرِيق التحديث والتحميل، بل على سَبِيل المذاكرة، وَقد تقدم فِي حَدِيث الْبَراء عَن قريب مَا رَوَاهُ أنس عَن أبي طَلْحَة، وَهُوَ زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ.
22 - (بابٌ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أوْ يُعَذِّبَهُمْ فإنَّهُمْ ظالِمُونَ} (آل عمرَان: 128) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء ... } الْآيَة وَبَيَان سَبَب نُزُولهَا، اخْتلفُوا فِيهِ، فَقيل: هُوَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كسرت رباعيته يَوْم أحد وشج جَبينه حَتَّى سَالَ الدَّم على وَجهه، قَالَ: كَيفَ يفلح قوم فعلوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى رَبهم؟ أخرجه مُسلم فِي أَفْرَاده، من حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقيل: سَبَب نُزُولهَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لعن قوما من الْمُنَافِقين، وَقيل: إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هم بِسَبَب الَّذين انْهَزمُوا يَوْم أحد، وَكَانَ فيهم عُثْمَان بن عَفَّان، فَنزلت هَذِه الْآيَة، فَكف عَنْهُم، وَقيل: إِن أَصْحَاب الصّفة خَرجُوا إِلَى قبيلتين من بني سليم: عصية وذكوان، فَقتلُوا فَدَعَا عَلَيْهِم أَرْبَعِينَ صباحاً وَقيل: لما رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَمْزَة ممثلاً قَالَ: لَأُمَثِّلَن بِكَذَا كَذَا، فَنزلت هَذِه الْآيَة. قَوْله: (لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء) أَي: لَيْسَ إِلَيْك من إصلاحهم وَلَا من عَذَابهمْ شَيْء، وَقيل: لَيْسَ إِلَيْك من النَّصْر والهزيمة شَيْء وَاللَّام بِمَعْنى: إِلَى قَوْله: (أَو يَتُوب عَلَيْهِم) أَي: حَتَّى يَتُوب عَلَيْهِم مِمَّا هم فِيهِ من الْكفْر (أَو يعذبهم) فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة على كفرهم وذنوبهم، وَلِهَذَا قَالَ: (فَإِنَّهُم ظَالِمُونَ) أَي: يسْتَحقُّونَ ذَلِك.
قَالَ حُمَيْدٌ وثابِتٌ عنْ أنَسٍ شُجَّ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ فنَزَلَتْ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ.
تَعْلِيق حميد الطَّوِيل وَصله أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق حميد بِهِ، وَتَعْلِيق ثَابت الْبنانِيّ وَصله مُسلم، وَقد ذَكرْنَاهُ الْآن، وَذكر ابْن هِشَام فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن عتبَة بن أبي وَقاص، هُوَ الَّذِي كسر ربَاعِية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السُّفْلى، وجرح شفته السُّفْلى وَأَن عبد الله بن شهَاب الزُّهْرِيّ هُوَ الَّذِي شجه فِي جَبهته وَأَن عبد الله بن قمنة جرحه فِي وجنته فَدخلت حلقتان من حلق المغفر فِي وجنته، وَإِن مَالك بن سِنَان مص الدَّم من وجنته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ ازْدَردهُ، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من مس دمي دَمه لم تصبه النَّار.
4069 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الله السُّلَمِيُّ أخْبَرَنا عَبْدُ الله أخْبرَنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ حدَّثني سالِمٌ عنْ أبِيهِ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا رفَعَ رأسَهُ منَ الرُّكُوعِ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الفَجْرِ يُقالُ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلانَاً وفُلانَاً وفُلانَاً بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا ولَكَ الحَمْدُ فأنْزَلَ الله عَزَّ وجَلَّ لَيْسَ لكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ إِلَى قَوْلِهِ فإنَّهُمْ ظالِمُونَ. .(17/155)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيحيى بن عبد الله بن زِيَاد السّلمِيّ الْبَلْخِي سكن مرو وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ روى عَنهُ هُنَا وَفِي تَفْسِير الْأَنْفَال وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك يروي عَن معمر بن رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن حبَان وَفِي الِاعْتِصَام عَن أَحْمد بن مُحَمَّد وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة وَفِي التَّفْسِير عَن عَمْرو بن يحيى بن الْحَارِث قَوْله فلَانا وَفُلَانًا وَفُلَانًا وَسَمَّاهُمْ فِي الرِّوَايَة الَّتِي بعْدهَا قَوْله رَبنَا وَلَك الْحَمد هَذَا بِالْوَاو فِي إِحْدَى الرِّوَايَات الثَّابِتَة قَوْله فَأنْزل الله تَعَالَى بَيَان سَبَب نزُول الْآيَة الْمَذْكُورَة فَذكر البُخَارِيّ هَذَا وَآخر كَمَا يَأْتِي وروى الْمحَامِلِي بِإِسْنَادِهِ إِلَى نَافِع عَن ابْن عمرَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَدْعُو على أَرْبَعَة نفر فَأنْزل الله عز وَجل (لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء) قَالَ ثمَّ هدَاهُم الله إِلَى الْإِسْلَام وَقيل اسْتَأْذن بِأَن يَدْعُو باستئصالهم فَنزلت فَعلم أَن مِنْهُم من سيسلم.
4070 - وعَنْ حَنْظَلَةَ بنَ أبِي سُفْيانَ قَالَ سَمِعْتُ سالِمَ بنَ عَبْدِ الله يقُولُ كانَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدْعُو على صَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ وسُهَيْلِ بنِ عَمْرِو والحَارِثِ بنِ هِشامٍ فنَزَلَتْ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ إلَى قَوْلِهِ فإنَّهُمْ ظالِمُونَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَهُوَ بَيَان الْوَجْه الآخر فِي سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة وَقد ذكرنَا فِيهِ وُجُوهًا عَن قريب. قَوْله: سَمِعت سَالم بن عبد الله يَقُول كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو إِلَخ مُرْسل قَوْله: وَعَن حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان قَالَ بَعضهم وَهُوَ مَعْطُوف على قَوْله أخبرنَا معمر والراوي لَهُ عَن حَنْظَلَة هُوَ عبد الله بن الْمُبَارك وَوهم من زعم أَنه مُعَلّق قلت فِيهِ نظر لِأَن احْتِمَاله التَّعْلِيق أقوى مِمَّا قَالَه وَلِهَذَا لما ذكر الْمزي الحَدِيث السَّابِق قَالَ وَقَالَ عقيب حَدِيث يحيى وَعَن حَنْظَلَة عَن سَالم وَلم يزدْ على هَذَا شَيْئا فَلَو كَانَ مَوْصُولا لَكَانَ أَشَارَ إِلَيْهِ وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة المذكورون فِيهِ قد أَسْلمُوا. أما صَفْوَان بن أُميَّة بن خلف الجُمَحِي الْقرشِي فَإِنَّهُ هرب يَوْم الْفَتْح ثمَّ رَجَعَ إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَشهد مَعَه حنيناً والطائف وَهُوَ كَافِر ثمَّ أسلم بعد ذَلِك وَمَات بِمَكَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين فِي أول خلَافَة مُعَاوِيَة وَأما سُهَيْل بن عَمْرو بن عبد شمس الْقرشِي العامري فَإِنَّهُ كَانَ أحد الْأَشْرَاف من قُرَيْش وساداتهم فِي الْجَاهِلِيَّة وَأسر يَوْم بدر كَافِرًا ثمَّ أسلم وَحسن إِسْلَامه وَكَانَ كثير الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالصَّدَََقَة وَخرج إِلَى الشَّام مُجَاهدًا وَمَات هُنَاكَ. وَأما الْحَرْث بن هِشَام بن الْمُغيرَة الْقرشِي المَخْزُومِي فَإِنَّهُ شهد بَدْرًا كَافِرًا مَعَ أَخِيه شقيقه أبي جهل وفر حِينَئِذٍ وَقتل أَخُوهُ ثمَّ غزا أحدا مَعَ الْمُشْركين أَيْضا ثمَّ أسلم يَوْم الْفَتْح وَحسن إِسْلَامه وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة وخيارهم ثمَّ خرج إِلَى الشَّام مُجَاهدًا وَلم يزل فِي الْجِهَاد حَتَّى مَاتَ فِي طاعون عمواس سنة ثَمَان عشرَة.
23 - (بابُ ذِكْرِ أُمِّ سَلِيطٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذكر أم سليط بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر اللَّام وَهِي امْرَأَة من المبايعات حضرت مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد.
4071 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهَابٍ: وَقَالَ ثَعْلَبَةُ بنُ أبِي مالِكٍ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَسَمَ مُرُوطاً بَيْنَ نِساءٍ مِنْ أهْلِ المَدِينَةِ فبَقِيَ مِنْهَا مِرْطٌ جيِّدٌ فَقال لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أعْطِ هاذَا بِنْتَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي عِنْدَكَ يُرِيدُونَ أُمَّ كَلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ فَقالَ عُمَرُ أُمُّ سَلِيطٍ أحَقُّ بِهِ مِنْهَا وأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِساءِ الأنْصَارِ مِمَّنْ بايَعَ رَسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عُمَرُ فإنَّهَا كانَتْ تُزْفِرُ لَنَا الْقِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ. (انْظُر الحَدِيث 2881) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي بَاب حمل النِّسَاء الْقرب إِلَى النَّاس فِي الْغَزْو فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ(17/156)
عَن عَبْدَانِ عَن عبد الله عَن يُونُس الخ نَحوه وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَوْله: مروطاً جمع مرط وَهُوَ كسَاء من صوف أَو خَز يؤتزر بِهِ وَرُبمَا تلقيه الْمَرْأَة على رَأسهَا وتتلفع بِهِ قَوْله تزفر بالزاي وَالْفَاء وَالرَّاء قَالَ البُخَارِيّ تخيط وَقَالَ الْخطابِيّ تحمل وَقَالَ عِيَاض تحمل الْقرْبَة ملأى على ظهرهَا فتسقى النَّاس مِنْهَا والزفر الْحمل على الظّهْر والزفر الْقرْبَة أَيْضا وَقَالَ كِلَاهُمَا بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْفَاء يُقَال مِنْهُ زفر وأزفر.
24 - (بابُ قَتْلِ حَمْزَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قتل حَمْزَة عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي رِوَايَة أبي ذَر قتل حَمْزَة بِدُونِ لَفْظَة بَاب وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ قتل حَمْزَة سيد الشُّهَدَاء ووردت هَذِه اللَّفْظَة فِي حَدِيث مَرْفُوع أخرجه الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق أصبغ بن بنانة عَن عَليّ قَالَ قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سيد الشُّهَدَاء حَمْزَة بن عبد الْمطلب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
4072 - حدَّثني أبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا حُجَيْنُ بنُ الْمُثَنَّى حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله بنِ أبِي سلَمَةَ عنْ عَبْدِ الله بنِ الْفَضْلِ عنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسارٍ عنْ جَعفَرِ بنِ عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ خرَجْتُ مَعَ عُبَيْدِ الله بنِ عَدِيِّ بنِ الخِيارِ فلَمَّا قَدِمْنَا حِمْصَ قَالَ لِي عُبَيْدُ الله بنُ عَدِيٍّ هلْ لَكَ فِي وَحْشِيٍّ نَسْألُهُ عنْ قَتْلِ حَمْزَةَ قُلْتُ نَعَمْ وكانَ وَحْشِيٌّ يَسْكُنْ حِمْصَ فسَألْنَا عنْهُ فَقيلَ لَنَا هُوَ ذَاكَ فِي ظِلِّ قَصْرِهِ كأنَّهُ حَمِيتٌ قَالَ فَجِئْنَا حتَّى وقَفْنَا علَيْهِ بِيَسيرٍ فسَلَّمْنَا فَرَدَّ السَّلاَمَ قَالَ وَعُبَيْدُ الله مُعْتَجِرٌ بِعَمَامَتِهِ مَا يَرَى وَحْشِيٌّ إلاَّ عَيْنَيْهِ ورِجْلَيْهِ فَقَالَ عُبَيْدُ الله يَا وَحْشِيُّ أتَعْرِفُنِي قَالَ فنَظَرَ إلَيْهِ ثُمَّ قالَ لاَ وَالله إلاَّ أنِّي لاَ أعْلَمُ أنَّ عَدِيَّ بنَ الخِيَارِ تَزَوَّجَ امْرَأةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ قِتَالٍ بِنْتُ أبي العِيصِ فوَلَدَتْ لَهُ غُلامَاً بِمَكَّةَ فَكُنْتُ أسْتَرْضِعُ لَهُ فَحَمَلْتُ ذَلِكَ الْغُلاَمَ مَعَ أُمِّهِ فَنَاوَلْتُهَا إيَّاهُ فَلَكأنِّي نَظَرْتُ إلَى قَدَمَيْكَ قَالَ فكَشَفَ عُبَيْدُ الله عنْ وَجْهِه ثُمَّ قَالَ ألاَ تُخْبِرَنا بِقَتْلِ حَمْزَةَ قَالَ نَعَمْ إنَّ حَمْزَةَ قتَلَ طُعَيْمَةَ بنَ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ بِبَدْرٍ فَقَالَ لي مَوْلاَيَ جُبَيْرُ بنُ مُطْعِمٍ إنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ بِعَمِّي فأنْتَ حُرٌّ قَالَ فلَمَّا أنْ خَرَجَ النَّاسُ عامَ عَيْنَيْنِ وعَيْنَيْنِ جَبَلٌ بِحِيال أُحُدٍ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ وادٍ خَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ إلَى القِتَالِ فلَمَّا أنْ اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ خرَجَ سِباغٌ فَقال هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ قَالَ فخَرَجَ إلَيْهِ حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ فقالَ يَا سِباغُ يَا ابنَ أُمِّ أنْمَارٍ مُقَطِّعَةِ البُظُورِ أتُحَادُّ الله ورَسُولَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثُمَّ شَدَّ علَيْهِ فَكانَ كأمْسِ الذَّاهبِ قَالَ وكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ فَلَمَّا دَنَا مِنِّي رَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فأضَعُهَا فِي ثُنَّتِهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ وِرْكَيْهِ قَالَ فَكانَ ذَاكَ العَهْدَ بِهِ فلَمَّا رَجَعَ النَّاسُ رَجَعْتُ مَعَهُمْ فأقَمْتُ بِمَكَّةَ حَتَّى فَشَا فِيهَا الإسْلاَمُ ثُمَّ خَرَجْتُ إلَى الطَّائِفِ فأرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَسُولاً فَقِيلَ لِي إنَّهُ لاَ يَهِيجُ رَسُولاً قَالَ فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلَمَّا رآنِي قَالَ أنْتَ وَحْشِي قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ قُلْتُ قَدْ كانَ مِنَ الأمْر مَا قَدْ بَلَغَكَ قَالَ فهَلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي قَالَ فَخَرَجْتُ فلَمَّا قُبِضَ رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخَرَجَ مُسَيْلَمَةُ الكَذَّابُ قُلْتُ لأخْرُجَنَّ إلَى مُسَيْلَمَةَ لَعَلِّي أَقْتُلُهُ فأُكَافِيءَ بِهِ حَمْزَةَ قَالَ فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ فكانَ(17/157)
مِنْ أمْرِهِ مَا كانَ قَالَ فإذَا رَجُلٌ قائِمٌ فِي ثَلْمَةِ جِدَارٍ كأنَّهُ جَمَلٌ أوْرَقُ ثَائِرُ الرَّأسِ قَالَ فرَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فأضَعُهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ قَالَ وَوثَبَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِي فضَرَبَهُ بالسَّيْفِ على هامَتِهِ قَالَ قَالَ عَبْدُ الله بنُ الفَضْلِ فأخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بنُ يَسارٍ أنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ يَقُولُ فَقالَتْ جارِيَةٌ علَى ظَهْرِ بَيْتٍ وأمِيرَ المُؤْمِنِينَ قتَلَهُ العَبْدُ الأسْوَدُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمُبَارك المخرمي، بِضَم الْمِيم وَفتح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء الْبَغْدَادِيّ، ونسبته إِلَى محلّة من محَال بَغْدَاد، وَهُوَ من أَفْرَاده، وروى عَنهُ هُنَا وَفِي الطَّلَاق، وحجين، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره نون: ابْن الْمثنى، أَصله من الْيَمَامَة وَسكن بَغْدَاد وَولي قَضَاء خُرَاسَان وَلَيْسَ لَهُ عِنْد البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الْموضع، وَعبد الله بن الْفضل بن عَبَّاس بن ربيعَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب الْهَاشِمِي الْمدنِي من صغَار التَّابِعين، وَسليمَان بن يسَار ضد الْيَمين أَخُو عَطاء التَّابِعِيّ، وجعفر بن عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم وبالراء: نِسْبَة إِلَى ضَمرَة بن بكر بن عبد منَاف بن كنَانَة، وَعَمْرو بن أُميَّة هُوَ الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعبيد الله بن عدي، بِفَتْح الْمُهْملَة الأولى: ابْن الْخِيَار ضد الأشرار ابْن عدي بن نَوْفَل بن عبد منَاف، وَقد مضى ذكره فِي مَنَاقِب عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (حمص) ، بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون الْمِيم: مَدِينَة مَشْهُورَة قديمَة إِحْدَى قَوَاعِد الشَّام ذَات بساتين، مشربها من نهر العَاصِي، سميت بحمص بن الْمهْر بن ألحاف بن مكتف من العماليق، وَهِي بَين حماة ودمشق، وَقَالَ الْبكْرِيّ: لَا يجوز فِيهَا الصّرْف كَمَا يجوز فِي هِنْد لِأَنَّهُ اسْم أعجمي. قلت: يجوز صرفهَا مثل: هود ونوح، لِأَن سُكُون وَسطهَا يُؤثر فِي منع إِحْدَى العلتين فَيبقى على عِلّة وَاحِدَة. قَوْله: (فِي وَحشِي) ، بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن حَرْب ضد الصُّلْح كَانَ من سودان مَكَّة، قَالَ أَبُو عمر: مولى لطعيمة بن عدي، وَيُقَال: مولى جُبَير بن مطعم بن عدي، كَذَا قَالَ ابْن إِسْحَاق، وَكَانَ يكنى أَبَا رسمة، وَكَانَ يَرْمِي بِحَرْبَة فَلَا يكَاد يخطىء، وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة: مَاتَ وَحشِي بن حَرْب فِي الْخمر وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة من سمي باسمه غَيره. قَوْله: (نَسْأَلهُ عَن قتل حَمْزَة) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: نَسْأَلهُ عَن قَتله حَمْزَة. قَوْله: (فسألنا عَنهُ فَقيل لنا) وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: قَالَ لنا رجل وَنحن نسْأَل عَنهُ: إِنَّه غلبت عَلَيْهِ الْخمر، فَإِن تجداه صَاحِيًا تجداه عَرَبيا يحدثكما بِمَا شئتما، وَإِن تجداه على غير ذَلِك، فانصرفا عَنهُ، وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيّ نَحوه، وَقَالَ فِيهِ: وَإِن أدركتماه شارباً فَلَا تسألاه. قَوْله: (كَأَنَّهُ حميت) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره تَاء مثناة من فَوق، وَهُوَ الزق الَّذِي لَا شعر عَلَيْهِ، وَهُوَ للسمن، وَيجمع على: حمت، قَالَ ابْن الْأَثِير: وَهُوَ النحي والزق الَّذِي يكون فِيهِ السّمن أَو الزَّيْت وَنَحْوهمَا، والنحي يجمع على أنحاء، وَقيل: أَكثر مَا يُقَال: الحميت، فِي أوعية السّمن وَالزَّيْت، وَقيل: هُوَ الزق مُطلقًا، وَقَالَ أَبُو عبيد: أما الزق الَّذِي يَجْعَل فِيهِ اللَّبن فَهُوَ الوطب، وَجمعه أوطاب، وَمَا كَانَ للشراب فَهُوَ الزق، وَاسم الزق يجمع ذَلِك كُله، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَيُشبه الرجل السمين الجسيم بالحميت. قَوْله: (معتجر) ، من الاعتجار وَهُوَ لف الْعِمَامَة على الرَّأْس من غير تحنيك. قَوْله: (أم قتال) ، بِكَسْر الْقَاف وَتَخْفِيف التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (أم قبال) ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَالْأول أصح، وَهِي عمَّة عتاب بن أسيد بن أبي الْعيص بن أُميَّة. قَوْله: (بنت أبي الْعيص) ، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره صَاد مُهْملَة: ابْن أُميَّة بن عبد شمس، أم عبيد الله الْمَذْكُور آنِفا. قَوْله: أسترضع لَهُ) أَي: اطلب لَهُ من يرضعه، وَزَاد فِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: وَالله مَا رَأَيْتُك مُنْذُ ناولتك أمك السعدية الَّتِي أَرْضَعتك بِذِي طوى، فَإِنِّي ناولتكها وَهِي على بَعِيرهَا فأخذتك، فلمعت لي قدمك حِين رفعتك، فَمَا هُوَ إلاَّ أَن وقفت عَليّ فعرفتهما، وَهَذَا يُوضح قَوْله فِي حَدِيث الْبَاب: فلكأني نظرت إِلَى قَدَمَيْك، يَعْنِي أَنه شبه قَدَمَيْهِ بقدمي الْغُلَام الَّذِي حمله، وَكَانَ هُوَ هُوَ، وَبَين الرِّوَايَتَيْنِ قريب من خمسين سنة، فَدلَّ ذَلِك على ذكاء مفرط وَمَعْرِفَة تَامَّة بالقيافة. قَوْله: (طعيمة) ، مصغر: طعمة، قَوْله: (جُبَير) ، بِضَم الْجِيم مصغر: جبر ضد الْكسر(17/158)
ابْن مطعم، بِضَم الْمِيم على وزن اسْم فَاعل من الْإِطْعَام: ابْن عدي بن نَوْفَل بن عبد منَاف بن قصي الْقرشِي النَّوْفَلِي، أسلم جُبَير يَوْم الْفَتْح، وَقيل: عَام خَيْبَر، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة سبع وَخمسين فِي خلَافَة مُعَاوِيَة، وَكَانَت وَفَاة الْمطعم بن عدي فِي صفر سنة ثِنْتَيْنِ من الْهِجْرَة قبل بدر بِنَحْوِ سَبْعَة أشهر. قَوْله: (عدي بن الْخِيَار) ، قَالَ الدمياطي: صَوَابه عدي بن نَوْفَل، كَمَا ذَكرْنَاهُ، والمطعم وَالْخيَار ابْنا عدي. قَوْله: (فَلَمَّا أَن خرج النَّاس) ، ويروى: (فَلَمَّا خرج النَّاس) ، بِدُونِ لَفْظَة: إِن وَالْمرَاد بِالنَّاسِ: قُرَيْش وَمن مَعَهم. قَوْله: (عَام عينين) أَي: عَام أحد، ثمَّ فسر الْعَينَيْنِ بقوله: وعينين: جبل بحيال إحد أَي من نَاحيَة أحد، يُقَال: فلَان بحيال كَذَا، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: أَي بمقابله، وَهَذَا تَفْسِير من بعض الروَاة، وَإِنَّمَا قَالَ: عَام عينين دون عَام أحد لِأَن قُريْشًا كَانُوا نزلُوا عِنْده، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: نزلُوا بعينين جبل بِبَطن السبخة من قناة على شَفير الْوَادي مُقَابل الْمَدِينَة. قلت: عينين، تَثْنِيَة عين، قَالَ الْكرْمَانِي ضد الْمثنى ويروى بِلَفْظ الْجمع، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ النُّون تعتقب الْإِعْرَاب منصرفاً وَغير منصرف. قَوْله: (خرجت) جَوَاب: لما. قَوْله: (خرج سِبَاع) بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ اسْم لِابْنِ عبد الْعُزَّى الْخُزَاعِيّ. قَوْله: (يَا ابْن أم أَنْمَار) بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون النُّون، وَهِي أمة كَانَت مولاة لشريق بن عَمْرو الثَّقَفِيّ وَالِد الْأَخْنَس. قَوْله: (مقطعَة البظور) بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة والظاء الْمُعْجَمَة: جمع بظر، وَهُوَ هنة فِي الْفرج وَهِي اللحمة الكائنة بَين شفري الْفرج تقطع عِنْد الْخِتَان، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: كَانَت أمه ختانة بِمَكَّة تختن النِّسَاء. انْتهى. وَالْعرْف تطلق هَذَا اللَّفْظ فِي معرض الذَّم والشتم، وإلاَّ قَالُوا: ختانة. قَوْله: (أتحاد الله) بِفَتْح همزَة الِاسْتِفْهَام وَضم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة وَتَشْديد الدَّال، وَأَصله: تحادد، من المحادة وَهِي أَن يكون ذَا فِي حد وَذَا فِي حد، ثمَّ اسْتعْمل فِي المعاندة والمعاداة. قَوْله: (ثمَّ شدّ عَلَيْهِ) ، أَي: ثمَّ شدّ حَمْزَة على سِبَاع. قَوْله: (فَكَانَ كالأمس الذَّاهِب) ، وَهَذَا كِنَايَة عَن إعدامه إِيَّاه بِالْقَتْلِ فِي الْحَال. قَوْله: (الذَّاهِب) صفة لَازِمَة مُؤَكدَة. قَوْله: (قَالَ: وكمنت) أَي: قَالَ وَحشِي: وكمنت، بِفَتْح الْمِيم أَي: اختفيت، وَفِي رِوَايَة ابْن عَائِذ: عِنْد شَجَرَة، وروى ابْن أبي شيبَة من مُرْسل عَمْرو بن إِسْحَاق: أَن حَمْزَة عثر فانكشف الدرْع عَن بَطْنه فَأَبْصَرَهُ العَبْد الحبشي فَرَمَاهُ بالحربة. قَوْله: (فِي ثنته) بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَشْديد النُّون وَهِي: الْعَانَة وَقيل مَا بَين السُّرَّة والعانة، وَيُقَال: الثَّاء مُثَلّثَة، وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيّ: (فَجعلت ألوذ من حَمْزَة بشجرة وَمَعِي حربتي إِذا اسْتَمْكَنت مِنْهُ هززت الحربة حَتَّى رضيت مِنْهَا ثمَّ أرسلتها فَوَقَعت بَين ثندوتيه، وَذهب يقوم فَلم يسْتَطع، والثندوة بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون النُّون وَضم الدَّال الْمُهْملَة وبالواو الْخَفِيفَة: وَهِي من الرجل مَوضِع الثدي من الْمَرْأَة. قَوْله: (فَكَانَ ذَلِك الْعَهْد بِهِ) كِنَايَة عَن مَوته. قَوْله: (فَلَمَّا رَجَعَ النَّاس) ، أَي: قُرَيْش إِلَى مَكَّة. قَوْله: (حَتَّى فشى فِيهَا الْإِسْلَام) أَي: أَقمت بِمَكَّة إِلَى أَن ظهر فِيهَا الْإِسْلَام، ثمَّ خرجت مِنْهَا، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: فَلَمَّا افْتتح رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَكَّة هربت مِنْهَا إِلَى الطَّائِف. قَوْله: (رَسُولا) ، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر وَأبي الْوَقْت، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: رسلًا، بِالْجمعِ. قَوْله: (فَقيل لي إِنَّه لَا يهيج الرُّسُل) أَي: لَا ينالهم مِنْهُ إزعاج. قَوْله: (مَا قد بلغك) ، يَعْنِي: من أَمر حَمْزَة وَقَتله، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (فَهَل تَسْتَطِيع أَن تغيب وَجهك عني) وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيّ: غيب وَجهك عني فَلَا أَرَاك. قَوْله: (فأكافيء بِهِ) بِالْهَمْزَةِ أَي: فأساوي بقتل مُسَيْلمَة قتل حَمْزَة. قَوْله: (فِي ثلمة جِدَار) أَي: فِي خلله. قَوْله: (جمل أَوْرَق) أَي: لَونه مثل الرماد، وَكَانَ ذَلِك من غُبَار الْحَرْب، قَالَه بَعضهم قلت: بل كَانَ ذَلِك من سَواد كفره وإنهماكه فِي الْبَاطِل، قَوْله: (ثَائِر الرَّأْس) أَي: منتشر شعر رَأسه. قَوْله: (فأضعها بَين ثديبه) هَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فَوَضَعتهَا. قَوْله: (رجل من الْأَنْصَار) هُوَ عبد الله بن زيد بن عَاصِم الْمَازِني، وَجزم بِهِ الْوَاقِدِيّ وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَالْحَاكِم، وَقيل: هُوَ عدي بن سهل، وَجزم بِهِ سيف فِي (كتاب الرِّدَّة) وَقيل: أَبُو دُجَانَة، وَأغْرب وثيمة فِي (كتاب الرِّدَّة) فَزعم أَنه شن، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد النُّون: ابْن عبد الله، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: إِن الَّذِي قَتله خلاس بن بشير بن الْأَصَم.
قَوْله: (قَالَ: قَالَ عبد الله بن الْفضل) هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور أَولا، وفاعل: قَالَ، الأول عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن سَلمَة الْمَذْكُور، أَي: قَالَ عبد الله بن الْفضل: أَخْبرنِي سُلَيْمَان بن يسَار الْمَذْكُور فِيهِ أَنه سمع عبد الله بن عمر يَقُول ... إِلَى آخِره. قَوْله: (وأمير الْمُؤمنِينَ) مَنْدُوب. قَوْله: (قَتله العَبْد الْأسود) وأرادت بِهِ الوحشي، وَقَالَ بَعضهم فِي قَول الْجَارِيَة أَمِير الْمُؤمنِينَ، نظر لِأَن مُسَيْلمَة كَانَ يَدعِي أَنه نَبِي مُرْسل من الله، فَكَانُوا يَقُولُونَ لَهُ: رَسُول الله وَنَبِي الله. والتلقيب(17/159)
بأمير الْمُؤمنِينَ حدث بعد ذَلِك، وَأول من لقب بِهِ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَذَلِكَ بعد قتل مُسَيْلمَة بِمدَّة. انْتهى. قلت: قَالَ ابْن التِّين: كَانَ مُسَيْلمَة يُسمى تَارَة بِالنَّبِيِّ وَتارَة بأمير الْمُؤمنِينَ، ورد عَلَيْهِ هَذَا الْقَائِل بقوله: فَإِن كَانَ يَعْنِي ابْن التِّين أَخذه من هَذَا الحَدِيث فَلَيْسَ بجيد، وإلاَّ فَيحْتَاج إِلَى نقل بذلك. انْتهى. قلت: قَوْله: لَيْسَ بجيد، غير جيد، لِأَن فِي الحَدِيث التَّصْرِيح بذلك، لِأَنَّهَا إِنَّمَا قَالَت بذلك لما رَأَتْ أَن أُمُور أَصْحَابه كلهَا كَانَت إِلَيْهِ، فَلذَلِك أطلقت عَلَيْهِ الإمرة، وَأما نسبتها إِلَى الْمُؤمنِينَ فباعتبار أَنهم كَانُوا آمنُوا بِهِ فِي زعمهم الْبَاطِل، وَقَوله: أول من لقب بِهِ عمر، لَا يُنَافِي ذَلِك، لِأَن هَذِه الأولية بِالنّظرِ إِلَى أبي بكر حَيْثُ لم يطلقوا عَلَيْهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ، اكْتِفَاء بِلَفْظ الْخلَافَة، وَمَعَ هَذَا كَانَ هُوَ أَيْضا أَمِير الْمُؤمنِينَ.
25 - (بابُ مَا أصابَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنَ الجِرَاح يَوْمَ أحُدٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا أصَاب ... إِلَى آخِره.
4073 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ نَصْرٍ حدَّثنا عبْدُ الرَّزَّاقِ عنْ مَعْمَرٍ عنْ هَمَّامٍ سَمِعَ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشْتَدَّ غَضَبُ الله علَى قَوْمٍ فعَلُوا بِنَبِيِّهِ يُشِيرُ إلَى رَباعِيَتِهِ اشْتَدَّ غَضَبُ الله علَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَبِيلِ الله. (الحَدِيث 4074 طرفه فِي: 4076) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تَأتي من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما جرح يَوْم أحد وشج فِي وَجهه وَكلمت شفته وَكسرت رباعيته وَأَقْبل ابي ابْن خلف الجُمَحِي، وَقد حلق ليقْتلن مُحَمَّدًا، فَقَالَ: بل أَنا أَقتلهُ، فَقَالَ: يَا كَذَّاب! أَيْن تَفِر؟ فَحمل عَلَيْهِ فطعنه فِي جيب الدرْع فَوَقع يخور خوار الثور، فاحتملوه فَلم يلبث إلاَّ بعض يَوْم حَتَّى راحت روحه إِلَى الهاوية، قَالَ فِي ذَلِك الْوَقْت: اشْتَدَّ غضب الله على رجل يقْتله رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا الحَدِيث من مَرَاسِيل الصَّحَابَة. وَأخرجه أَيْضا مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن مُحَمَّد بن رَافع.
وَإِسْحَاق بن نصر هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر البُخَارِيّ، كَانَ ينزل بِالْمَدِينَةِ بِبَاب سعد فَقيل لَهُ: السَّعْدِيّ، يروي عَن عبد الرَّزَّاق بن همام الْيَمَانِيّ عَن معمر بن رَاشد عَن همام، بتَشْديد الْمِيم: ابْن مُنَبّه.
قَوْله: (وَاشْتَدَّ غضب الله) ، مَعْنَاهُ أَن ذَلِك من أعظم السَّيِّئَات عِنْده، ويجازى عَلَيْهِ وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ الْغَضَب الَّذِي هُوَ عرض، لِأَن الْقَدِيم لَا تحله الْأَعْرَاض لِأَنَّهَا حوادث، فيستحيل وجودهَا فِيهِ. قَوْله: (بِنَبِيِّهِ) أَي: بِنَبِي الله، عز وَجل. قَوْله: (رباعيته) ، بِفَتْح الرَّاء وبتخفيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهِي السن الَّتِي تلِي الثَّنية من كل جَانب، وللإنسان أَربع رباعيات.
4074 - حدَّثني مَخْلَدُ بنُ مالِكٍ حدَّثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ الأمَوِيُّ حدَّثنا ابنُ جُرَيْجٍ عنْ عَمْرِو بنِ دِينارٍ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ اشْتَدَّ غَضَبُ الله علَى مَنْ قتَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَبِيلِ الله اشْتَدَّ غَضَبُ الله على قَوْمٍ دَمَّوْا وجْهَ نَبِيِّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، ومخلد، بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة بَينهمَا: ابْن مَالك أَبُو جَعْفَر الْحمال النَّيْسَابُورِي، أَصله رازي وَهُوَ من أَفْرَاده، وَوهم الْحَاكِم حَيْثُ قَالَ: روى عَنهُ مُسلم، لِأَن أحدا لم يذكرهُ فِي رِجَاله، وَيحيى بن سعيد ابْن أبان الْأمَوِي، بِضَم الْهمزَة وَفتح الْمِيم، يروي عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، والْحَدِيث مثل الَّذِي قبله من مَرَاسِيل الصَّحَابَة، لِأَن ابْن عَبَّاس لم يشْهد الْوَقْعَة وَلَا أَبُو هُرَيْرَة، فكأنهما حملاه عَمَّن شَهِدَهَا أَو سمعاه من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد ذَلِك.
قَوْله: (فِي سَبِيل الله) : احْتِرَاز مِمَّن يقْتله فِي حد أَو قصاص، فَإِن من يقْتله فِي سَبِيل الله كَانَ قَاصِدا لقتل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (دموا) بتَشْديد الْمِيم أَي: جرحوه حَتَّى خرج مِنْهُ الدَّم، فأصله: دميوا، حذفت الْيَاء بعد نقل حركتها إِلَى مَا قبلهَا وَلَا يُقَال: دموا، بِالتَّخْفِيفِ لِأَنَّهُ غير مُتَعَدٍّ، يُقَال: دمّى وَجهه.
(بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب وَهُوَ كالفصل لما قبله، وَلَيْسَ فِي كثير من النّسخ لفظ: بَاب.
4074 - حدَّثني مَخْلَدُ بنُ مالِكٍ حدَّثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ الأمَوِيُّ حدَّثنا ابنُ جُرَيْجٍ عنْ عَمْرِو بنِ دِينارٍ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ اشْتَدَّ غَضَبُ الله علَى مَنْ قتَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَبِيلِ الله اشْتَدَّ غَضَبُ الله على قَوْمٍ دَمَّوْا وجْهَ نَبِيِّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، ومخلد، بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة بَينهمَا: ابْن مَالك أَبُو جَعْفَر الْحمال النَّيْسَابُورِي، أَصله رازي وَهُوَ من أَفْرَاده، وَوهم الْحَاكِم حَيْثُ قَالَ: روى عَنهُ مُسلم، لِأَن أحدا لم يذكرهُ فِي رِجَاله، وَيحيى بن سعيد ابْن أبان الْأمَوِي، بِضَم الْهمزَة وَفتح الْمِيم، يروي عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، والْحَدِيث مثل الَّذِي قبله من مَرَاسِيل الصَّحَابَة، لِأَن ابْن عَبَّاس لم يشْهد الْوَقْعَة وَلَا أَبُو هُرَيْرَة، فكأنهما حملاه عَمَّن شَهِدَهَا أَو سمعاه من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد ذَلِك.
قَوْله: (فِي سَبِيل الله) : احْتِرَاز مِمَّن يقْتله فِي حد أَو قصاص، فَإِن من يقْتله فِي سَبِيل الله كَانَ قَاصِدا لقتل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (دموا) بتَشْديد الْمِيم أَي: جرحوه حَتَّى خرج مِنْهُ الدَّم، فأصله: دميوا، حذفت الْيَاء بعد نقل حركتها إِلَى مَا قبلهَا وَلَا يُقَال: دموا، بِالتَّخْفِيفِ لِأَنَّهُ غير مُتَعَدٍّ، يُقَال: دمّى وَجهه.(17/160)
(بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب وَهُوَ كالفصل لما قبله، وَلَيْسَ فِي كثير من النّسخ لفظ: بَاب.
4076 - حدَّثني عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ حدَّثنا أبُو عاصِمٍ حدَّثنا ابنُ جُرَيْجٍ عنْ عَمْرِو بنِ دِينارٍ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاس قَالَ اشْتَدَّ غَضَبُ الله علَى مَنْ قتَلَهُ نَبِيٌّ واشْتَدَّ غَضَبُ الله علَى مَنْ دَمَّى وجْهَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. (انْظُر الحَدِيث 4074) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور آنِفا أخرجه عَن عَمْرو بن عَليّ بن بَحر بن أبي حَفْص الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي، وروى مُسلم عَنهُ أَيْضا، وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد الْمَعْرُوف بالنبيل، وَابْن جريج قد مر الْآن، وَالله أعلم.
26 - (بابٌ {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لله والرَّسُولِ} (آل عمرَان: 173) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَوْله تَعَالَى: {الَّذين اسْتَجَابُوا لله وَالرَّسُول} (آل عمرَان: 173) . وَفِي بَيَان سَبَب نُزُولهَا لِأَنَّهَا تتَعَلَّق بغزوة أحد.
4077 - حدَّثنا مُحَمَّدٌ حدَّثنا أبُو مُعاوِيَةَ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لله والرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أصَابَهُمُ القَرْحُ لِلَّذِينَ أحْسَنُوا مِنْهُمْ واتَّقُوا أجْرٌ عَظِيمٌ} (آل عمرَان: 173) . قالَتْ لِعُرْوَةَ يَا ابْنَ أُخْتِي كانَ أبُوكَ مِنْهُمْ الزُّبَيْرُ وأبُو بَكْرٍ لَمَّا أصَابَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ وانْصَرَفَ عَنْهُ المُشْرِكُونَ خافَ أنْ يَرْجِعُوا قَالَ مَنْ يَذْهَبُ فِي إثْرِهِمْ فانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً قَالَ كانَ فِيهِمْ أبُو بَكْرٍ والزُّبَيْرُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام، قَالَ أَبُو نعيم فِي (مستخرجه) : أرَاهُ ابْن سَلام، وَأَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن حَازِم التَّمِيمِي السَّعْدِيّ الضَّرِير، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام يروي عَن أَبِيه عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (الَّذين) مُبْتَدأ وَخَبره. قَوْله: (للَّذين أَحْسنُوا) وَيجوز أَن يكون صفة للْمُؤْمِنين الَّذين قبله {وَأَن الله لَا يضيع أجر الْمُؤمنِينَ} (آل عمرَان: 171) . وَيجوز أَن يكون نصبا على الْمَدْح، والاستجابة الْإِجَابَة وَالطَّاعَة، والقرح الْجرْح. قَوْله: (يَا ابْن أُخْتِي) وَذَلِكَ لِأَن عُرْوَة بن أَسمَاء(17/161)
أُخْت عَائِشَة، وَالزُّبَيْر أَبوهُ، وَأَبُو بكر عطف على أَبوك، ويروى: أَبَوَاك، فَأَبُو بكر عطف على الزبير، وَأطلق الْأَب على أبي بكر وَهُوَ جده مجَازًا. قَوْله: (انتدب) يُقَال: نَدبه لأمر فَانْتدبَ أَي: دَعَاهُ لَهُ فَأجَاب. قَوْله: (سَبْعُونَ رجلا) مِنْهُم أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وعمار بن يَاسر وَطَلْحَة وَسعد بن أبي وَقاص وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَذكر عبد الرَّزَّاق من مُرْسل عُرْوَة عبد الله بن مَسْعُود، وَفِي حَدِيث الْبَاب: الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَقَالَ ابْن جرير: حَدثنِي مُحَمَّد بن سعد حَدثنِي أبي حَدثنِي عمي حَدثنِي أبي عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: إِن الله قذف فِي قلب أبي سُفْيَان الرعب يَوْم أحد بعد الَّذِي كَانَ مِنْهُ، مَا كَانَ فَرجع إِلَى مَكَّة، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن أَبَا سُفْيَان قد أصَاب مِنْكُم طرفا وَقد رَجَعَ وَقذف الله فِي قلبه الرعب، وَكَانَت وقْعَة أحد فِي شَوَّال وَكَانَ التُّجَّار يقدمُونَ الْمَدِينَة فِي ذِي الْقعدَة فينزلون ببدر الصُّغْرَى فِي كل سنة مرّة وَأَنَّهُمْ قدمُوا بعد وقْعَة أحد وَكَانَ أصَاب الْمُؤمنِينَ الْقرح واشتكوا ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِم الَّذِي أَصَابَهُم، وَأَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ندب النَّاس لِيَنْطَلِقُوا مَعَه ويتبعوا مَا كَانُوا متبعين، وَقَالَ: إِنَّمَا يرتحلون الْآن فَيَأْتُونَ الْحَج وَلَا يقدرُونَ على مثلهَا حَتَّى عَام مقبل، فجَاء الشَّيْطَان فخوف أولياءه فَقَالَ: {إِن النَّاس قد جمعُوا لكم} (آل عمرَان: 173) . فَأبى عَلَيْهِ النَّاس أَن يتبعوه فَقَالَ: إِنِّي ذَاهِب، وَإِن لم يَتبعني أحد لأحضض، فَانْتدبَ مَعَه أَبُو بكر فذُكر من ذَكَرْنَاهُمْ الْآن وَفِيهِمْ زِيَادَة: حُذَيْفَة بن الْيَمَان وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح فِي سبعين رجلا، فَسَارُوا فِي طلب أبي سُفْيَان فطلبوه حَتَّى بلغُوا الصَّفْرَاء فَأنْزل الله {الَّذين اسْتَجَابُوا لله وَالرَّسُول} (آل عمرَان: 173) . الْآيَة.
27 - (بَاب من قُتِلَ مِنَ المُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْهُمْ حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ واليَمَانُ وأنَسُ بنُ النَّضْرِ ومُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من قتل من الْمُسلمين يَوْم غَزْوَة أحد، مِنْهُم: حَمْزَة بن عبد الْمطلب عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد مر بَيَانه فِي بَاب مُفْرد، وَمِنْهُم: الْيَمَان، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف الْمِيم وَبعد الْألف نون وَالِد حُذَيْفَة وَهُوَ لقبه، واسْمه حسل، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفِي آخِره لَام، وَقد تقدم فِي آخر: بَاب {إِذْ هَمت طَائِفَتَانِ} (آل عمرَان: 122) . وَمِنْهُم أنس بن النَّضر، وَقد تقدم فِي أَوَائِل الْغَزْوَة وَفِي رِوَايَة أبي ذَر النَّضر بن أنس، وَكَذَا وَقع عِنْد النَّسَائِيّ وَهُوَ خطأ، وَالصَّوَاب: أنس بن النَّضر وَأما النَّضر بن أنس فَهُوَ وَلَده، وَكَانَ إِذْ ذَاك صَغِيرا، وعاش بعد ذَلِك زَمَانا، وَمِنْهُم مُصعب بن عُمَيْر بن هَاشم بن عبد منَاف وَقد تقدم أَيْضا.
4078 - حدَّثني عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ حدَّثنا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ قَالَ حدَّثني أبي عنْ قَتَادَةَ قَالَ مَا نَعْلَمُ حَيَّاً مِنْ أحْيَاءِ العَرَبِ أكْثَرَ شَهِيدَاً أعَزَّ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الأنْصَارِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ، وَعَمْرو بن عَليّ بن بَحر أَبُو حَفْص الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي، ومعاذ، بِضَم الْمِيم: ابْن هِشَام بن أبي عبد الله الدستوَائي الْبَصْرِيّ سكن نَاحيَة الْيمن، يروي عَن أَبِيه عبد الله واسْمه سُفْيَان، قَالَ عَمْرو بن عَليّ: مَاتَ سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَة. قَوْله: (أعز) ، بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالزَّاي من الْعِزَّة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (أغر) ، بالغين الْمُعْجَمَة وَالرَّاء، وانتصابه على أَنه صفة أَو بدل أَو عطف بَيَان، وَقَالَ الْكرْمَانِي: جَازَ حذف حرف الْعَطف كَمَا فِي: التَّحِيَّات المباركات وَفِيه نظر.
قَالَ قَتَادَةُ وحدَّثنا أنَسُ بنُ مَالِكٍ أنَّهُ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحدٍ سَبْعُونَ ويَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ ويَوْمَ اليَمَامَةِ سَبْعُونَ قالَ وكانَ بِئْرُ مَعُونَةَ علَى عَهْدِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويَوْمُ اليَمَامَةِ علَى عَهْدِ أبِي بَكْرٍ يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابِ(17/162)
هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَأَرَادَ قَتَادَة بذلك اعتضاد كَلَامه الأول.
قَوْله: (قتل مِنْهُم) أَي: من الْأَنْصَار، هَذَا ظَاهر الْكَلَام إلاَّ أَن الَّذِي قتل من الْمُهَاجِرين قَلِيل، وهم: حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَعبد الله بن جحش وشمسا بن عُثْمَان وَمصْعَب بن عُمَيْر، وَهَؤُلَاء ذكرهم ابْن إِسْحَاق لِأَنَّهُ ذكر من اسْتشْهد من الْمُسلمين بِأحد فبلغوا خَمْسَة وَسِتِّينَ مِنْهُم أَرْبَعَة من الْمُهَاجِرين وهم الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ، وروى ابْن مَنْدَه من حَدِيث أبي بن كَعْب، قَالَ: قتل من الْأَنْصَار يَوْم أحد أَرْبَعَة وَسِتُّونَ وَمن الْمُهَاجِرين سِتَّة، وَصَححهُ ابْن حبَان، وَقد ذكر مُوسَى بن عقبَة سَعْدا مولى حَاطِب وَالسَّادِس ثَقِيف بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ حَلِيف بني عبد شمس. قَوْله: (وَيَوْم بِئْر مَعُونَة) ، أَي: قتل يَوْم بِئْر مَعُونَة، بِفَتْح الْمِيم وَضم الْعين الْمُهْملَة وبالنون، وَهُوَ مَاء لبني سليم وَهُوَ بَين أَرض بني عَامر وَأَرْض بني سليم، وَذكر الْكِنْدِيّ أَن بِئْر مَعُونَة من جبال ليلى فِي طَرِيق المصعد من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة، وَقَالَ ابْن دحْيَة: هِيَ بِئْر بَين مَكَّة وَعُسْفَان وَأَرْض هُذَيْل، وَجزم ابْن التِّين: بِأَنَّهَا على أَربع مراحل من الْمَدِينَة، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: أَقَامَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي بعد أحد بَقِيَّة شَوَّال وَذَا الْقعدَة وَذَا الْحجَّة وَالْمحرم ثمَّ بعث أَصْحَاب بِئْر مَعُونَة فِي صفر على رَأس أَرْبَعَة أشهر من أحد، وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة: وَكَانَ أَمِير الْقَوْم الْمُنْذر بن عَمْرو، وَيُقَال: مرْثَد بن أبي مرْثَد، وَأغْرب مَكْحُول حَيْثُ قَالَ: إِنَّهَا كَانَت بعد الخَنْدَق، وَسَيَأْتِي أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرسل سبعين رجلا لِحَاجَتِهِ يُقَال لَهُم: الْقُرَّاء، فتعرض لَهُم حيَّان من بني سليم: رعل وذكوان عِنْد بِئْر مَعُونَة فَقَتَلُوهُمْ، فَدَعَا عَلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، شهرا فِي صَلَاة الْغَدَاء، وَذَاكَ بَدْء الْقُنُوت. قَوْله: (وَيَوْم الْيَمَامَة) ، أَي: قتل يَوْم الْيَمَامَة سَبْعُونَ، واليمامة مَدِينَة من الْيمن على مرحلَتَيْنِ من الطَّائِف، وَلما تولى أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْخلَافَة بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أرسل جَيْشًا إِلَى قتال مُسَيْلمَة الْكذَّاب الَّذِي ادّعى النُّبُوَّة، وَجعل خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَمِيرا عَلَيْهِم، وقصته طَوِيلَة، وملخصها أَن خَالِدا لما قرب من مُسَيْلمَة وتواجه الْفَرِيقَانِ وَقع حَرْب عَظِيم وصبر الْمُسلمُونَ صبرا لم يعْهَد مثله حَتَّى فتح الله عَلَيْهِم، وَولى الْكفَّار الأدبار وَدخل أَكْثَرهم الحديقة وأحاط بهم الصَّحَابَة، ثمَّ دخلوها من حيطانها وأبوابها فَقتلُوا من فِيهَا من الْمُرْتَدَّة من أهل الْيَمَامَة حَتَّى خلصوا إِلَى مُسَيْلمَة لَعنه الله فَتقدم إِلَيْهِ وَحشِي بن حَرْب قَاتل حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَرَمَاهُ بِحَرْبَة فأصابته وَخرجت من الْجَانِب الآخر، وسارع إِلَيْهِ أَبُو دُجَانَة سماك بن حَرْب فَضَربهُ بِالسَّيْفِ فَسقط، وَكَانَ جملَة من قتلوا فِي الحديقة وَفِي المعركة قَرِيبا من عشرَة آلَاف مقَاتل، وَقيل: أحد وَعِشْرُونَ ألفا، وَقتل من الْمُسلمين سِتّمائَة، وَقيل: خَمْسمِائَة، وَالله أعلم. وَفِيهِمْ من الصَّحَابَة سَبْعُونَ رجلا، وَيُقَال: كَانَ عمر مُسَيْلمَة يَوْم قتل مائَة وَأَرْبَعين سنة.
4079 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيد حدَّثنا اللَّيْثُ عنِ ابنِ شِهاب عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ كَعْبِ بنِ مالِكٍ أنَّ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أخبرَهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ واحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ أيُّهُمْ أكْثَرُ أخْذَاً لِلْقُرْآنِ فإذَا أُشِيرَ لَهُ إلَى أحَدٍ قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ أنَا شَهِيدٌ علَى هاؤُلاءِ يَوْمَ القِيَامَةِ وأمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ ولَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ ولَمْ يُغَسَّلُوا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (كَانَ يجمع بَين الرجلَيْن من قَتْلَى أحد) . والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب من يقدم فِي اللَّحْد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن ابْن مقَاتل عَن عبد الله عَن لَيْث بن سعد عَن ابْن شهَاب ... إِلَخ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
4080 - وقَالَ أبُو الوَلِيدِ عنْ شُعْبَةَ عنِ ابنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جابِرَاً قَالَ لَمَّا قُتِلَ أبِي جَعَلْتُ أبْكِي وأكْشِفُ الثَّوْبَ عنْ وَجْهِهِ فجَعَلَ أصْحَابُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَنْهَوْنِي والنَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمْ يَنْهَ وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاَ تَبْكِيهِ أوْ مَا تَبْكِيهِ مَا زَالَتِ المَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بأجْنِحَتِهَا حتَّى رُفِعَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، فَإِن وَالِد جَابر هُوَ عبد الله مِمَّن قتل بِأحد، وَأَبُو الْوَلِيد هُوَ هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وَابْن الْمُنْكَدر(17/163)
هُوَ مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر بن عبد الله الْقرشِي التَّيْمِيّ الْمدنِي، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ: حَدثنَا أَبُو خَليفَة حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد ... إِلَخ، والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب مَا يكره من النِّيَاحَة على الْمَيِّت بأتم مِنْهُ، أخرجه عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان عَن ابْن الْمُنْكَدر.
قَوْله: (ينهوني) بِحَذْف نون الْجمع على لُغَة، ويروى: يلهونني، على الأَصْل. قَوْله: (لم ينْه) أَي: لم ينْه جَابِرا، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينهاني. قَوْله: (لَا تبكيه) ظَاهره يَقْتَضِي أَن النَّهْي لجَابِر، وَبِه صرح الْكرْمَانِي، وَلِأَن قَوْله: لَا تبكيه، خطاب بِصِيغَة الْمُذكر فَيكون النَّهْي لجَابِر. قَوْله: (أَو مَا تبكيه؟) شكّ من الرَّاوِي، قَالَ الْكرْمَانِي: كلمة: مَا، للاستفهام يَعْنِي: لم تبكيه، وَقَالَ بَعضهم: ظَاهره أَن النَّهْي لجَابِر وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا النَّهْي لفاطمة بنت عَمْرو وعمة جَابر، وَقد أخرجه مُسلم من طَرِيق غنْدر عَن شُعْبَة بِلَفْظ: قتل أبي فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: وَجعلت بنت عَمْرو عَمَّتي تبكيه، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تبكيه، وَكَذَا تقدم عِنْد المُصَنّف فِي الْجَنَائِز نَحْو هَذَا. انْتهى. قلت: الَّذِي تقدم عِنْد المُصَنّف فِي الْجَنَائِز لَيْسَ كَذَلِك، لِأَن لَفظه هُنَاكَ: فَذَهَبت أُرِيد أَن أكشف عَنهُ فنهاني قومِي، ثمَّ ذهبت أُرِيد أَن أكشف عَنهُ فنهاني قومِي، فَأمر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرفع فَسمع صَوت صائحة، فَقَالَ: من هَذِه؟ فَقَالُوا: بنت عَمْرو، أَو أُخْت عَمْرو، قَالَ: فَلم تبْكي أَو لَا تبْكي ... الحَدِيث، وَكَيف يتْرك صَرِيح النَّهْي لجَابِر وَيُقَال: النَّهْي هُنَا لفاطمة بنت عَمْرو وَلَيْسَ لَهَا هُنَا ذكر؟ وَهَذَا تصرف عَجِيب، وَإِن كَانَ أصل الحَدِيث وَاحِدًا، فَلَا يمْنَع أَن يكون النَّهْي هُنَا لجَابِر وَهُنَاكَ لفاطمة، وَبِهَذَا قَالَ الْكرْمَانِي، وَمر هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب مَا يكره من النِّيَاحَة، لَكِن ثمَّة رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ لعمة عبد الله: لم تبْكي أَو لَا تبْكي، وَهَهُنَا قَالَه لجَابِر.
4081 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ حدَّثنا أبُو أُسَامَةَ عنْ بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي بُرْدَةَ عنْ جَدِّهِ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبِي مُوساى رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أرَى عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رأيْتُ فِي رُؤْيَايَ أنِّي هَزَزْتُ سَيْفَاً فانْقَطَعَ صَدْرُهُ فإذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَي فَعادَ أحْسَنَ مَا كانَ فإذَا هُوَ مَا جاءَ بِهِ الله مِنَ الفَتْحِ واجْتِمَاعِ المُؤْمِنِينَ ورَأيْتُ فِيهَا بَقَرَاً خَيْرٌ فإذَا هُمُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَإِذا هُوَ مَا أُصِيب من الْمُؤمنِينَ يَوْم أحد) وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وبريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَأَبُو بردة، بِضَم الْبَاء أَيْضا: اسْمه عَامر، وَقيل: غير ذَلِك، وَقد مر غير مرّة، وبريد هَذَا يروي عَن جده أبي بردة وَأَبُو بردة يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ مقطعاً فِي غير مَوضِع فِي الْمَغَازِي وعلامات النُّبُوَّة وَالتَّعْبِير.
قَوْله: (أرى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) كَذَا وَقع فِي الْأُصُول، وَهُوَ بِضَم الْهمزَة بِمَعْنى: أَظن. قَالَ بَعضهم: الْقَائِل ذَلِك هُوَ البُخَارِيّ. فَكَأَنَّهُ شكّ هَل سمع من شَيْخه صِيغَة الرّفْع أم لَا؟ قلت: يحْتَمل أَن يكون قَائِله شَيْخه مُحَمَّد بن الْعَلَاء. قَوْله: (رَأَيْت) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أريت، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (سَيْفا) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: سَيفي، وَقد تقدم فِي أول الْغَزْوَة أَنه ذُو الفقار. قَوْله: (فَانْقَطع صَدره) وَعند ابْن إِسْحَاق: وأريت فِي ذُبَاب سَيفي ثلمًا، وَعند أبي الْأسود فِي الْمَغَازِي عَن عُرْوَة: رَأَيْت سَيفي ذَا الفقار قد انقصم من عِنْد ظبته، وَكَذَا عِنْد ابْن سعد. قَوْله: (بقرًا) بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْقَاف وَفِي رِوَايَة أبي الْأسود عَن عُرْوَة: بقرًا تذبح، وَكَذَا فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد أبي يعلى. قَوْله: (وَالله خير) كَذَا بِالرَّفْع فيهمَا على أَنه مُبْتَدأ وَخبر وَفِيه حذف تَقْدِيره: وثواب الله خير، أَو صنع الله بالمقتولين خير لَهُم من بقائهم فِي الدُّنْيَا، وَقَالَ السُّهيْلي: مَعْنَاهُ رَأَيْت بقرًا تنحر وَالله عِنْده خير، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: إِنِّي رَأَيْت وَالله خيرا، رَأَيْت بقرًا، قَالَ النَّوَوِيّ: جَاءَ فِي رِوَايَة: رَأَيْت بقرًا تنحر، وبهذه الزِّيَادَة يتم تَأْوِيل الرُّؤْيَا: إِذْ نحر الْبَقر هُوَ قتل الصَّحَابَة بِأحد.
119 - (حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس حَدثنَا زُهَيْر حَدثنَا الْأَعْمَش عَن شَقِيق عَن خباب رَضِي(17/164)
الله عَنهُ قَالَ هاجرنا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَنحن نبتغي وَجه الله فَوَجَبَ أجرنا على الله فمنا من مضى أَو ذهب لم يَأْكُل من أجره شَيْئا كَانَ مِنْهُم مُصعب بن عُمَيْر قتل يَوْم أحد فَلم يتْرك إِلَّا نمرة كُنَّا إِذا غطينا بهَا رَأسه خرجت رِجْلَاهُ وَإِذا غطي بهَا رجلَيْهِ خرج رَأسه فَقَالَ لنا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غطوا بهَا رَأسه وَاجْعَلُوا على رجلَيْهِ الْإِذْخر أَو قَالَ ألقوا على رجلَيْهِ من الْإِذْخر وَمنا من أينعت لَهُ ثَمَرَته فَهُوَ يهد بهَا) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله فمنا من مضى الخ وَزُهَيْر هُوَ ابْن مُعَاوِيَة وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان وشقيق هُوَ ابْن سَلمَة والْحَدِيث مضى فِي أَوَائِل بَاب غَزْوَة أحد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن وَمثل هَذَا يُطلق عَلَيْهِ حَقِيقَة التّكْرَار فَافْهَم
(بَاب أحد يحبنا ونحبه)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أحد يحبنا يَعْنِي جبل أحد يحبنا وَفِي بعض النّسخ بَاب جبل أحد يحبنا قَالَ الْكرْمَانِي أَي يحبنا أَهله وهم أهل الْمَدِينَة وَيجوز أَن تسند الْمحبَّة إِلَى نفس أحد حَقِيقَة بِأَن يخلقها الله فِيهِ وَالله على كل شَيْء قدير
(قَالَه عَبَّاس بن سهل عَن أبي حميد عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) عَبَّاس بن سهل بن سعد بن مَالك السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ الْمَدِينِيّ. وَأَبُو حميد السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ اسْمه عبد الرَّحْمَن وَقيل الْمُنْذر وَقيل غير ذَلِك وَهُوَ عَم سهل بن سعد وَهَذَا تَعْلِيق قَالَ صَاحب التَّلْوِيح أخرجه البُخَارِيّ مُسْندًا فِي كتاب الْحَج حَدثنَا خَالِد بن مخلد حَدثنَا سُلَيْمَان بن بِلَال عَن عَمْرو بن يحيى عَن عَبَّاس بن سهل بِهِ قلت لَيْسَ فِيهِ أحد يحبنا وَإِنَّمَا لَفظه عَن أبي حميد أَقبلنَا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من تَبُوك حَتَّى أَشْرَفنَا على الْمَدِينَة فَقَالَ هَذِه طابة أخرجه فِي أَوَاخِر الْحَج فِي بَاب الْمَدِينَة طابة وَإِنَّمَا هَذَا طرف من حَدِيث وَصله الْبَزَّار
120 - (حَدثنِي نصر بن عَليّ قَالَ أَخْبرنِي أبي عَن قُرَّة بن خَالِد عَن قَتَادَة سَمِعت أنسا رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ هَذَا جبل يحبنا ونحبه) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَنصر بن عَليّ بن نصر بن عَليّ الْجَهْضَمِي الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا يروي عَن أَبِيه وَأَبوهُ يروي عَن قُرَّة بن خَالِد أَبُو مُحَمَّد السدُوسِي الْبَصْرِيّ والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْمَنَاسِك عَن عبيد الله بن معَاذ عَن القواريري
121 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف أخبرنَا مَالك عَن عَمْرو مولى الْمطلب عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طلع لَهُ أحد فَقَالَ هَذَا جبل يحبنا ونحبه اللَّهُمَّ إِن إِبْرَاهِيم حرم مَكَّة وَإِنِّي حرمت الْمَدِينَة مَا بَين لابتيها) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي بَاب فضل الْخدمَة فِي الْغَزْو بأتم مِنْهُ وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَوْله لابتيها تَثْنِيَة لابة بتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي الْحرَّة
122 - (حَدثنِي عَمْرو بن خَالِد حَدثنَا اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن أبي الْخَيْر عَن عقبَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خرج يَوْمًا فصلى على أهل أحد صلَاته على الْمَيِّت ثمَّ انْصَرف إِلَى -
4081 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ حدَّثنا أبُو أُسَامَةَ عنْ بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي بُرْدَةَ عنْ جَدِّهِ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبِي مُوساى رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أرَى عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رأيْتُ فِي رُؤْيَايَ أنِّي هَزَزْتُ سَيْفَاً فانْقَطَعَ صَدْرُهُ فإذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَي فَعادَ أحْسَنَ مَا كانَ فإذَا هُوَ مَا جاءَ بِهِ الله مِنَ الفَتْحِ واجْتِمَاعِ المُؤْمِنِينَ ورَأيْتُ فِيهَا بَقَرَاً خَيْرٌ فإذَا هُمُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَإِذا هُوَ مَا أُصِيب من الْمُؤمنِينَ يَوْم أحد) وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وبريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَأَبُو بردة، بِضَم الْبَاء أَيْضا: اسْمه عَامر، وَقيل: غير ذَلِك، وَقد مر غير مرّة، وبريد هَذَا يروي عَن جده أبي بردة وَأَبُو بردة يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ مقطعاً فِي غير مَوضِع فِي الْمَغَازِي وعلامات النُّبُوَّة وَالتَّعْبِير.
قَوْله: (أرى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) كَذَا وَقع فِي الْأُصُول، وَهُوَ بِضَم الْهمزَة بِمَعْنى: أَظن. قَالَ بَعضهم: الْقَائِل ذَلِك هُوَ البُخَارِيّ. فَكَأَنَّهُ شكّ هَل سمع من شَيْخه صِيغَة الرّفْع أم لَا؟ قلت: يحْتَمل أَن يكون قَائِله شَيْخه مُحَمَّد بن الْعَلَاء. قَوْله: (رَأَيْت) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أريت، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (سَيْفا) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: سَيفي، وَقد تقدم فِي أول الْغَزْوَة أَنه ذُو الفقار. قَوْله: (فَانْقَطع صَدره) وَعند ابْن إِسْحَاق: وأريت فِي ذُبَاب سَيفي ثلمًا، وَعند أبي الْأسود فِي الْمَغَازِي عَن عُرْوَة: رَأَيْت سَيفي ذَا الفقار قد انقصم من عِنْد ظبته، وَكَذَا عِنْد ابْن سعد. قَوْله: (بقرًا) بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْقَاف وَفِي رِوَايَة أبي الْأسود عَن عُرْوَة: بقرًا تذبح، وَكَذَا فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد أبي يعلى. قَوْله: (وَالله خير) كَذَا بِالرَّفْع فيهمَا على أَنه مُبْتَدأ وَخبر وَفِيه حذف تَقْدِيره: وثواب الله خير، أَو صنع الله بالمقتولين خير لَهُم من بقائهم فِي الدُّنْيَا، وَقَالَ السُّهيْلي: مَعْنَاهُ رَأَيْت بقرًا تنحر وَالله عِنْده خير، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: إِنِّي رَأَيْت وَالله خيرا، رَأَيْت بقرًا، قَالَ النَّوَوِيّ: جَاءَ فِي رِوَايَة: رَأَيْت بقرًا تنحر، وبهذه الزِّيَادَة يتم تَأْوِيل الرُّؤْيَا: إِذْ نحر الْبَقر هُوَ قتل الصَّحَابَة بِأحد.
28 - (بابٌ أحُدٌ يُحِبُّنَا ونُحِبُّهُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: أحد يحبنا يَعْنِي: جبل أحد يحبنا، وَفِي بعض النّسخ: بَاب جبل أحد يحبنا، قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: يحبنا أَهله، وهم أهل الْمَدِينَة، وَيجوز أَن تسند الْمحبَّة إِلَى نفس أحد حَقِيقَة بِأَن يخلقها الله فِيهِ، وَالله على كل شَيْء قدير.
قالَهُ عَبَّاسُ بنُ سَهْلٍ عنْ أبِي حُمَيْدٍ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عَبَّاس بن سهل بن سعد بن مَالك السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ الْمَدِينِيّ. وَأَبُو حميد السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ اسْمه عبد الرَّحْمَن، وَقيل: الْمُنْذر، وَقيل: غير ذَلِك، وَهُوَ عَم سهل بن سعد، وَهَذَا تَعْلِيق قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : أخرجه البُخَارِيّ مُسْندًا فِي كتاب الْحَج: حَدثنَا خَالِد بن مخلد حَدثنَا سُلَيْمَان بن بِلَال عَن عَمْرو بن يحيى عَن عَبَّاس بن سهل بِهِ. قلت: لَيْسَ فِيهِ: أحد يحبنا، وَإِنَّمَا لَفظه: عَن أبي حميد: أَقبلنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تَبُوك حَتَّى أَشْرَفنَا على الْمَدِينَة، فَقَالَ: هَذِه طابة، أخرجه فِي أَوَاخِر الْحَج فِي: بَاب الْمَدِينَة طابة، وَإِنَّمَا هَذَا طرف من حَدِيث وَصله الْبَزَّار.
4083 - حدَّثني نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ قَالَ أخبرَني أبي عنْ قُرَّةَ بنِ خالِدٍ عنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أنَسَاً رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا ونُحِبُّهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَنصر بن عَليّ بن نصر بن عَليّ الْجَهْضَمِي الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا. يروي عَن أَبِيه، وَأَبوهُ يروي عَن قُرَّة بن خَالِد أَبُو مُحَمَّد السدُوسِي الْبَصْرِيّ، والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْمَنَاسِك عَن عبيد الله ابْن معَاذ عَن القواريري.
4084 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخْبَرَنَا مالِكٌ عنْ عَمْرو مَوْلَى المُطَّلِبِ عنْ أنَسِ بنِ مالِك رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ هاذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا ونُحِبُّهُ أللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وإنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب فضل الْخدمَة فِي الْغَزْو بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (لابتيها) تَثْنِيَة: لابة، بتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهِي الْحرَّة.
4085 - حدَّثني عَمْرُو بنُ خَالِدٍ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ يَزِيدَ بنِ أبِي حَبِيبٍ عنْ أبِي الخَيْرِ عنْ عُقْبَةَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرَجَ يَوْماً فَصَلَّى علَى أهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ علَى المَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ(17/165)
إلَى المِنْبَرِ فَقَالَ إنِّي فَرَطٌ لَكُمْ وأنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ وإنِّي عَلَيْكُمْ وإنِّي لأنْظُرُ إلَى حَوْضِي الآنَ وإنِّي أُعْطِيتُ مَفاتِيحَ خَزَائِنَ الأرْضَ أوْ مَفاتِيحَ الأَرْضِ وإنِّي وَالله مَا أخافُ عَلَيْكُمْ أنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي ولاكِنِّي أخافُ عَلَيْكُمْ أنْ تَنَافَسُوا فِيهَا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة لَا تَأتي إلاَّ من حَيْثُ إِن أحدا مَذْكُور فِيهِ، وَأَبُو الْخَيْر اسْمه مرْثَد بن عبد الله الْيَزنِي الْمصْرِيّ، وَعقبَة بِالْقَافِ هُوَ عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ، والْحَدِيث قد مضى فِي أول: بَاب غَزْوَة أحد، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
29 - (بابُ غَزْوَةِ الرَّجِيعِ ورِعْلٍ وذَكْوَانَ وبِئْرِ مَعُونَةَ وحَدِيثِ عَضَلٍ والقارَة وعاصِمِ بنِ ثَابِتٍ وخُبَيْبٍ وأصْحَابِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة الرجيع ... إِلَخ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي ذَر وَلَفظ: بَاب، والرجيع، بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره عين مُهْملَة، وَهُوَ اسْم مَوضِع من بِلَاد هُذَيْل، وَكَانَت الْوَقْعَة بِالْقربِ مِنْهُ فسميت بِهِ، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: الرجيع على ثَمَانِيَة أَمْيَال من عسفان وَكَانَت فِي صفر من سنة أَربع، وَجزم ابْن التِّين بِأَن غَزْوَة الرجيع فِي آخر سنة ثَلَاث، وغزوة بِئْر مَعُونَة سنة أَربع، وغزوة بني لحيان سنة خمس.
قَوْله: (ورعل) أَي: وغزوة رعل، بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وباللام، وَهُوَ بطن من بني سليم ينسبون إِلَى رعل بن عَوْف بن مَالك بن امرىء الْقَيْس بن بهثة بن سليم. قَوْله: (وذكوان) ، بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَهُوَ أَيْضا بطن من بني سليم، ينسبون إِلَى ذكْوَان بن ثَعْلَبَة بن بهثة بن سليم، فنسبت الْغَزْوَة إِلَيْهَا. قَوْله: (وبئر مَعُونَة) بِفَتْح الْمِيم وَضم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وبالنون: وَهُوَ مَوضِع فِي بِلَاد هُذَيْل بَين مَكَّة وَعُسْفَان. قَوْله: (وَحَدِيث عضل والقارة) أَي: وَفِي بَيَان حَدِيثهمَا، أما عضل، فبالعين الْمُهْملَة وَالضَّاد الْمُعْجَمَة المفتوحتين وَهُوَ بطن من بني الْهون بن خُزَيْمَة ابْن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر ينتسبون إِلَى عضل بن الديش بن محلم بن غَالب بن عائذة بن يشيع بن مليح بن الْهون بن خُزَيْمَة، قَالَ الرشاطي: يُقَال لَهُم: القارة وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: الديش هم لقارة، وَأما القارة، فبالقاف وَتَخْفِيف الرَّاء: وَهُوَ بطن من الْهون ينتسبون إِلَى الديش الْمَذْكُور، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: القارة أكمة سَوْدَاء فِيهَا حِجَارَة كَأَنَّهُمْ نزلُوا عِنْدهَا فسموا بهَا. قَوْله: (وَعَاصِم بن ثَابت) أَي: وَحَدِيث عَاصِم بن ثَابت بن أبي الأقلح، بِالْقَافِ والحاء الْمُهْملَة الْأنْصَارِيّ، وخبيب أَي: وَحَدِيث خبيب، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقد مر غير مرّة. قَوْله: وَأَصْحَابه أَي: أَصْحَاب خبيب، وهم الْعشْرَة. وَأعلم أَن غَزْوَة الرجيع وبئر مَعُونَة شَيْء وَاحِد على سِيَاق هَذِه التَّرْجَمَة، وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن غَزْوَة الرجيع، كَانَت سَرِيَّة عَاصِم وخبيب فِي عشرَة أنفس وَهِي مَعَ عضل، والقارة، وبئر مَعُونَة كَانَت سَرِيَّة الْقُرَّاء السّبْعين، وَهِي مَعَ رعل وذكوان، وَأعلم أَيْضا أَنه لم يَقع ذكر عضل والقارة عِنْد البُخَارِيّ صَرِيحًا، وَإِنَّمَا وَقع ذَلِك عِنْد ابْن إِسْحَاق.
قَالَ ابنُ إسْحَاقَ حدَّثنا عاصِمُ بنُ عُمَرَ أنَّهَا بَعْدَ أُحُدٍ
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب (الْمَغَازِي) : حَدثنَا عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة بن النُّعْمَان الظفري الْأنْصَارِيّ الأوسي، كَانَ عَلامَة بالمغازي. قَوْله: (أَنَّهَا) أَي: أَن غَزْوَة الرجيع كَانَت بعد غَزْوَة أحد، فَإِنَّهُ لما استوفى قصَّة أحد ذكر يَوْم الرجيع: حَدثنِي عَاصِم ابْن عمر قَالَ: قدم على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد أحد رَهْط من عضل والقارة، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله! إِن فِينَا إسلاماً فَابْعَثْ مَعنا نَفرا من أَصْحَابك يفقهوننا، فَبعث مَعَهم سِتَّة من أَصْحَابه وهم: مرْثَد بن أبي مرْثَد الغنوي حَلِيف حَمْزَة بن عبد الْمطلب، وَهُوَ أَمِير الْقَوْم، وخَالِد بن بكير اللَّيْثِيّ حَلِيف بني عدي أَخُو بني جحجبي، وثات بن أبي الْأَفْلَح، وخبيب بن عدي، وَزيد بن الدثنة، وَعبد الله بن طَارق، فَذكر الْقِصَّة.
4086 - حدَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى أخْبَرَنَا هِشَامُ بنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عَمْرِو ابنِ أبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَرِيَّةً عَيْنَاً(17/166)
وأمَّرَ عَلَيْهِمْ عاصِمَ بنَ ثَابِتٍ وَهْوَ جَدُّ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فانْطَلَقُوا حَتَّى إذَا كانَ بَيْنَ عُسْفَانَ ومَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ فتَبِعُوهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مَائَةِ رَامٍ فاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى أتَوْا مَنْزِلاً نَزَلُوهُ فوَجَدُوا فِيهِ نَوَي تَمْرٍ تَزَوَّدُوهُ مِنَ المَدِينَةِ فقالُوا هاذا تَمْرُ يَثْرِبَ فتَبِعُوا آثَارَهُمْ حتَّى لَحِقُوهُمْ فلَمَّا انْتَهَى عاصِمٌ وأصْحَابَهُ لَجؤُا إِلَى فَدْفَدٍ وجاءَ القَوْمُ فأحَاطُوا بِهِمْ فَقالُوا لَكُمُ العَهْدُ والمِيثَاقُ إنْ نَزَلْتُمْ إلَيْنَا أنْ لاَ نَقْتُلَ مِنْكُمْ رَجُلاً فَقَالَ عاصِمٌ أمَّا أنَا فَلا أنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كافِرٍ أللَّهُمَّ أخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ فَقاتَلُوهُمْ حتَّى قَتَلُوا عاصِمَاً فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ بالنَّبْلِ وبَقِيَ خُبَيْبٌ وزَيْدٌ ورَجُلٌ آخَرُ فأعْطُوهُمُ العَهْدَ والمِيثَاقَ فلَمَّا أعْطَوْهُمُ العَهْدَ والمِيثَاقَ نَزَلُوا إلَيْهِمْ فلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ حَلوا أوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فرَبَطُوهُمْ بِهَا فقَالَ الرُّجُلُ الثَّالِثُ الَّذِي مَعَهُمَا هاذَا أوَّلُ الغَدْرِ فأبَى أنْ يَصْحَبَهُمْ فجَرَّرُوهُ وعالَجُوهُ علَى أنْ يَصْحَبَهُمْ فلَمْ يَفْعَلْ فقَتَلُوهُ وانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وزَيْدٍ حتَّى باعُوهُما بِمَكَّةَ فاشْتَرَى خُبَيْبَاً بَنُو الحَارِثِ بنِ عامِرِ بنِ نَوْفَلٍ وكانَ خُبَيْبٌ هُوَ قتَلَ الحَارِثَ يَوْمَ بَدْرٍ فمَكَثَ عِنْدَهُمْ أسِيرَاً حتَّى إذَا أجْمَعُوا قَتْلَهُ اسْتعارَ مُوساى مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الحَارِثِ لِيَسْتَحِدَّ بِهَا فأعَارَتْهُ قالَتْ فغَفَلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لِي فدَرَجَ إلَيْهِ حتَّى أتَاهُ فوَضَعَهُ علَى فَخِذِهِ فلَمَّا رأيْتُهُ فزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَ ذااكَ مِنِّي وَفِي يَدِهِ المُوساى فَقَالَ أتَخْشَيْنَ أنْ أقْتُلَهُ مَا كُنْتُ لاَِفْعَلَ ذالِكَ إنْ شَاءَ الله وكانَتْ تقُولُ مَا رأيْتُ أسِيرَاً قَط خَيْرَاً مِنْ خُبَيْبٍ لَقَدْ رأيْتُهُ يأكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ ثَمَرَةٌ وإنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الحَدِيدِ وَمَا كانَ إلاَّ رِزْقٌ رزَقَهُ الله فخَرَجُوا بِهِ مِنَ الحَرَمَ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ دَعُونِي أصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انصَرَفَ إلَيْهِمْ فَقَالَ لَوْلا أنْ تَرَوْا أنَّ مَا بِي جَزَعٌ مِنَ المَوْتِ لَزِدْتُ فَكانَ أوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ القَتْلِ هُوَ ثُمَّ قَالَ أللَّهُمَّ أحْصِهِمْ عَدَدَاً ثُمَّ قالَ:
(مَا أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمَاً ... علَى أيِّ شِقٍّ كانَ لله مَصْرَعِي)
(وذَلِكَ فِي ذَاتِ الإلاهِ وإنْ يَشَأ ... يُبَارِكْ علَى أوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ)
ثُمَّ قامَ إلَيْهِ عُقْبَةُ بنُ الحَارِثِ فقَتَلَهُ وبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إلَى عاصِمٍ لِيُؤْتُوا بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ وَكَانَ عاصِمٌ قتَلَ عَظِيمَاً مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْر فبَعَثَ الله علَيْهِ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ فلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهُ علَى شَيْءٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَهَذَا الحَدِيث قد مر فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب هَل يستأسر الرجل؟ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ الخ، ثمَّ أخرجه أَيْضا فِي أثْنَاء أَبْوَاب غَزْوَة بدر عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن إِبْرَاهِيم عَن ابْن شهَاب ... إِلَخ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ولنتكلم على بعض شَيْء أَيْضا.
قَوْله: (عَن عَمْرو بن سُفْيَان) عَمْرو، بِفَتْح الْعين، هَكَذَا تقدم فِي الْجِهَاد: عَمْرو بن أبي سُفْيَان بن أسيد بن جَارِيَة الثَّقَفِيّ، وَهُوَ حَلِيف لبني زهرَة، وَكَانَ من أَصْحَاب أبي هُرَيْرَة، وَإِبْرَاهِيم ابْن سعد يَقُول: عَن الزُّهْرِيّ عَن عمر، بِضَم الْعين، وَاخْتلفُوا فِيهِ فَقَالَ البُخَارِيّ فِي (تَارِيخه) : عَمْرو أصح. قَوْله: (سَرِيَّة) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بسرية، بِزِيَادَة بَاء مُوَحدَة فِي أَوله، وَقد مضى فِيمَا تقدم فِي غَزْوَة بدر: بعث عشرَة عينا أَي: يتجسسون لَهُ، وَفِي رِوَايَة(17/167)
أبي الْأسود عَن عُرْوَة بَعثهمْ عيُونا إِلَى مَكَّة ليأتوه بِخَبَر قُرَيْش. قَوْله: (وأمَّرَ) بتَشْديد الْمِيم. قَوْله: (عَاصِم بن ثَابت) وَفِي السّير: أَمر عَلَيْهِم مرْثَد بن أبي مرْثَد. قَوْله: (وَهُوَ جد عَاصِم بن عمر) وَقد ذكرنَا فِيمَا تقدم أَنه خَال عَاصِم لَا جده، وَقَالَ الْكرْمَانِي: جد عَاصِم عِنْد بَعضهم، وَأما الْأَكْثَرُونَ فَيَقُولُونَ: هُوَ خَاله لَا جده. قَوْله: (عسفان) بِضَم الْعين وَسُكُون السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ: وَهِي قَرْيَة على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة، وَقد مر غير مرّة. قَوْله: (ذكرُوا) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (بَنو لحيان) بِكَسْر اللاَّم، وَقيل بِفَتْحِهَا، ولحيان هُوَ ابْن هُذَيْل نَفسه، وهذيل هُوَ ابْن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر، وَزعم الْهَمدَانِي النسابة أَن أصل بني لحيان من بقايا جرهم دخلُوا فِي هُذَيْل فنسبوا إِلَيْهِم، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: إِن سَبَب خُرُوج بني لحيان عَلَيْهِم قتل سُفْيَان بن نتيج الْهُذلِيّ، وَكَانَ قتل سُفْيَان هَذَا على يَد عبد الله بن أنيس، وَذكر أَبُو دَاوُد قصَّته بِإِسْنَاد حسن. قَوْله: (فَاقْتَصُّوا آثَارهم) أَي: اتبعوها شَيْئا فَشَيْئًا، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَت لأخته قصيه} (الْقَصَص: 11) أَي: اتبعي أَثَره، وَيجوز بِالسِّين. قَوْله: (إِلَى فدفد) ، بِفَتْح الفاءين وَسُكُون الْمُهْملَة الأولى، وَهُوَ الرابية المشرفة، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: إِلَى قردد، بقاف وَرَاء ودالين، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: هُوَ الْموضع الْمُرْتَفع، وَقيل: الأَرْض المستوية، وَالْأول أصح. قَوْله: (أللهم أخبر نبيك) ، ويروي: (أللهم أخبر عَنَّا رَسُولك) ، وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيّ: عَن إِبْرَاهِيم بن سعد: فَاسْتَجَاب الله لعاصم، فَأخْبر رَسُوله خَبره فَأخْبر أَصْحَابه بذلك يَوْم أصيبوا. قَوْله: (فِي سَبْعَة) ، أَي: فِي جملَة سَبْعَة. قَوْله: (وَبَقِي خبيب) ، هُوَ ابْن عدي. قَوْله: (وَزيد) ، هُوَ ابْن الدثنة، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَكسر الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح النُّون. قَوْله: (وَرجل آخر) ، هُوَ عبد الله بن طَارق الظفري، بَين ذَلِك ابْن إِسْحَاق فِي رِوَايَته حَيْثُ قَالَ: فَأَما خبيب بن عدي وَزيد بن الدثنة وَعبد الله بن طَارق فاستأسروا. قَوْله: (فَقَالَ الرجل الثَّالِث) هُوَ عبد الله بن طَارق. قَوْله: (حَتَّى باعوهما) أَي: خبيباً وزيداً، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: فَأَما زيد فابتاعه صَفْوَان بن أُميَّة فَقتله بِأَبِيهِ، وَقَالَ ابْن سعد: الَّذِي تولى قَتله نسطاس مولى صَفْوَان. قَوْله: (فَاشْترى خبيباً بَنو الْحَارِث) ، بيّن ابْن إِسْحَاق أَن الَّذِي اشْتَرَاهُ جحير بن أبي أهاب التَّمِيمِي حَلِيف بني نَوْفَل، وَكَانَ أَخا الْحَارِث بن عَامر لأمه، وَفِي رِوَايَة بُرَيْدَة بن سُفْيَان بِأَنَّهُم اشْتَروا خبيباً بِأمة سَوْدَاء، وَقَالَ ابْن هِشَام: باعوهما بأسيرين من هُذَيْل كَانَا بِمَكَّة، وَلَا مُنَافَاة بَينهمَا لِإِمْكَان الْجمع. قَوْله: (وَكَانَ خبيب هُوَ الَّذِي قتل الْحَارِث يَوْم بدر) هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة البُخَارِيّ، فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة، فَذكر خبيب بن عدي فِيمَن شهد بَدْرًا، وَقَالَ الْحَافِظ الدمياطي، لم يذكر أحد من أهل الْمَغَازِي أَن خبيب بن عدي شهد بَدْرًا وَلَا قتل الْحَارِث بن عَامر، وَإِنَّمَا ذكرُوا أَن الَّذِي قتل الْحَارِث بن عَامر ببدر خبيب ابْن أساف، وَهُوَ غير خبيب بن عدي وَهُوَ خزرجي، وخبيب بن عدي أوسي. قَوْله: (من بعض بَنَات الْحَارِث) ذكر فِي (الْأَطْرَاف) لخلف: أَن اسْمهَا زَيْنَب بنت الْحَارِث، وَهِي أُخْت عقبَة بن الْحَارِث الَّذِي قتل خبيباً، وَقيل: امْرَأَته. قَوْله: (وَكَانَت تَقول) ، الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى بعض بِنَا الْحَارِث وَهُوَ زَيْنَب، كَمَا ذكرنَا، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: عَن عبد الله بن أبي نجيح، قَالَ: حدثت عَن ماوية مولاة جحير، بالراء فِي آخِره: ابْن أبي إهَاب، وَكَانَت قد أسلمت، قَالَت: حبس خبيب فِي بَيْتِي وَلَقَد أطلعت عَلَيْهِ يَوْمًا وَإِن فِي يَده لقطفاً من عِنَب مثل رَأس الْحَبل يَأْكُل مِنْهُ قيل أَن كَانَ هَذَا مَحْفُوظًا احْتمل أَن يكون كل من ماوية وَزَيْنَب رَأَتْ القطف فِي يَده يَأْكُلهُ وَإِن الَّتِي حبس فِي بَيتهَا ماوية، وَالَّتِي كَانَت تحرسه زَيْنَب، جمعا بَين الرِّوَايَتَيْنِ، وَذكر ابْن بطال: أَن اسْم الْمَرْأَة جوَيْرِية، قَالَ بَعضهم: فَيحْتَمل أَن يكون لما رأى قَول ابْن إِسْحَاق، إِنَّهَا مولاة جحير بن أبي إهَاب أطلق عَلَيْهَا جوَيْرِية لكَونهَا أمته، أَو يكون وَقعت لَهُ رِوَايَة فِيهَا أَن اسْمهَا جويرة؟ قلت: الِاحْتِمَال الثَّانِي لَهُ وَجه، وَالْأول بعيد. قَوْله: (عَن صبي لي) ، ذكر الزبير بن بكار أَن هَذَا الصَّبِي هُوَ أَبُو حُسَيْن بن الْحَارِث بن عدي بن نَوْفَل بن عبد منَاف، وَهُوَ جد عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي حُسَيْن الْمَكِّيّ الْمُحدث، وَهُوَ من أَقْرَان الزُّهْرِيّ. قَوْله: (من قطف عِنَب) بِكَسْر الْقَاف: وَهُوَ العنقود. قَوْله: (لموثق) ، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة أَي: مُقَيّد بالحديد. قَوْله: (فَخَرجُوا بِهِ من الْحرم) ، قَالَ ابْن إِسْحَاق: أَخْرجُوهُ إِلَى التَّنْعِيم. قَوْله: (دَعونِي أُصَلِّي) بِالْيَاءِ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أصلِّ، بِغَيْر يَاء. وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة: إِنَّه صلى رَكْعَتَيْنِ فِي مَوضِع مَسْجِد التَّنْعِيم. قَوْله: (أللهم إحصهم عددا) دُعَاء عَلَيْهِم بالاستئصال والهلاك بِحَيْثُ لَا يبْقى مِنْهُم أحد، وَزَاد فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن سعد: (واقتلهم بدداً) . أَي: مُتَفَرّقين (وَلَا تبْق مِنْهُم أحدا) ويروى أَنه لما رفع على الْخَشَبَة اسْتقْبل الدُّعَاء، فلبد رجل بِالْأَرْضِ خوفًا من(17/168)
دُعَائِهِ، وَأَنه لم يحل الْحول وَمِنْهُم أحد غير ذَلِك الرجل الَّذِي لبد بِالْأَرْضِ. قَوْله: (قتل عَظِيما من عظمائهم يَوْم بدر) ، قيل: لَعَلَّ الْعَظِيم الْمَذْكُور عقبَة بن أبي معيط، فَإِن عَاصِمًا قَتله صبرا بِأَمْر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد أَن انصرفوا من بدر. قَوْله: (مثل الظلة) ، بِضَم الظَّاء الْمُعْجَمَة وَهِي السحابة. قَوْله: (من الدبر) بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي: الزنابير، وَقيل: ذُكُور النَّحْل، وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه. قَوْله: (فحمته) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْمِيم: أَي: منعته مِنْهُم فَلم يقدروا مِنْهُ على شَيْء، وَفِي رِوَايَة شُعَيْب: فَلم يقدروا أَن يقطعوا من لَحْمه شَيْئا، وَفِي رِوَايَة أبي الْأسود عَن عُرْوَة: فَبعث الله عَلَيْهِم الدبر يطير فِي وُجُوههم ويلدغهم فحالت بَينهم وَبَين أَن يقطعوا.
4087 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ عَمْرٍ وسَمِعَ جابِرَاً يقُولُ الَّذِي قَتَلَ خُبَيْبَاً هُوَ أبُو سِرْوَعَةَ.
سُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار وَجَابِر هُوَ ابْن عبد الله، وَأَبُو سروعة، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْوَاو وَالْعين الْمُهْملَة: كنية عقبَة بن الْحَارِث.
4088 - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعِينَ رَجُلاً لِحَاجَةٍ يُقالُ لَهُمْ القُرَّاءُ فعَرَضَ لَهُمْ حَيَّانِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ رِعْلٌ وذَكْوَانُ عِنْدَ بِئْرٍ يُقالُ لَهَا بِئْرُ مَعُونَةَ فَقَالَ القَوْمُ وَالله مَا إيَّاكُمْ أرَدْنَا إنَّمَا نَحْنُ مُجْتَازُونَ فِي حَاجَةٍ لِلْنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقَتَلُوهُمْ فدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَيْهِمْ شَهْرَاً فِي صَلاَةِ الغَدَاةِ وذَلِكَ بَدْءُ القُنُوتِ وَمَا كُنَّا نَقْنُتُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو معمر، بِفَتْح الميمين: عبد الله بن عَمْرو الْمنْقري المقعد، وَعبد الْوَارِث هُوَ ابْن سعيد، وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن صُهَيْب. قَوْله: (لحَاجَة) ، فسر قَتَادَة الْحَاجة فِي الحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ، بقوله: عَن أنس أَن رعلاً وذكوان وَبني لحيان استمدوا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على عَدو فَأَمَدَّهُمْ بسبعين من الْأَنْصَار. قَوْله: (يُقَال لَهُم الْقُرَّاء) وَفِي الحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ: (كُنَّا نسميهم الْقُرَّاء فِي زمانهم) . قَوْله: (حَيَّان) ، تَثْنِيَة حَيّ. قَوْله: (من بني سليم) ، بِضَم السِّين. قَوْله: (رعل) أَي: أَحدهمَا رعل وَالْآخر ذكْوَان. قَوْله: (وَذَلِكَ بَدْء الْقُنُوت) ، أَي: ابْتِدَاء الْقُنُوت فِي الصَّلَاة، وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ فِي الصَّلَاة. قَوْله: (وَمَا كُنَّا نقنت) ، أَي: قبل ذَلِك.
قَالَ عَبْدُ العَزِيزِ وسألَ رَجُلٌ أنَسَاً عَنِ القُنُوتِ أبَعْدَ الرُّكُوعِ أوْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ القِرَاءَةِ قَالَ لاَ بَلْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ القِرَاءَةِ
عبد الْعَزِيز هُوَ ابْن صُهَيْب الْمَذْكُور، وَقَول أنس هَذَا صَرِيح فِي أَن قِرَاءَة الْقُنُوت قبل الرُّكُوع.
4088 - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعِينَ رَجُلاً لِحَاجَةٍ يُقالُ لَهُمْ القُرَّاءُ فعَرَضَ لَهُمْ حَيَّانِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ رِعْلٌ وذَكْوَانُ عِنْدَ بِئْرٍ يُقالُ لَهَا بِئْرُ مَعُونَةَ فَقَالَ القَوْمُ وَالله مَا إيَّاكُمْ أرَدْنَا إنَّمَا نَحْنُ مُجْتَازُونَ فِي حَاجَةٍ لِلْنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقَتَلُوهُمْ فدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَيْهِمْ شَهْرَاً فِي صَلاَةِ الغَدَاةِ وذَلِكَ بَدْءُ القُنُوتِ وَمَا كُنَّا نَقْنُتُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو معمر، بِفَتْح الميمين: عبد الله بن عَمْرو الْمنْقري المقعد، وَعبد الْوَارِث هُوَ ابْن سعيد، وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن صُهَيْب. قَوْله: (لحَاجَة) ، فسر قَتَادَة الْحَاجة فِي الحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ، بقوله: عَن أنس أَن رعلاً وذكوان وَبني لحيان استمدوا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على عَدو فَأَمَدَّهُمْ بسبعين من الْأَنْصَار. قَوْله: (يُقَال لَهُم الْقُرَّاء) وَفِي الحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ: (كُنَّا نسميهم الْقُرَّاء فِي زمانهم) . قَوْله: (حَيَّان) ، تَثْنِيَة حَيّ. قَوْله: (من بني سليم) ، بِضَم السِّين. قَوْله: (رعل) أَي: أَحدهمَا رعل وَالْآخر ذكْوَان. قَوْله: (وَذَلِكَ بَدْء الْقُنُوت) ، أَي: ابْتِدَاء الْقُنُوت فِي الصَّلَاة، وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ فِي الصَّلَاة. قَوْله: (وَمَا كُنَّا نقنت) ، أَي: قبل ذَلِك.
قَالَ عَبْدُ العَزِيزِ وسألَ رَجُلٌ أنَسَاً عَنِ القُنُوتِ أبَعْدَ الرُّكُوعِ أوْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ القِرَاءَةِ قَالَ لاَ بَلْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ القِرَاءَةِ
عبد الْعَزِيز هُوَ ابْن صُهَيْب الْمَذْكُور، وَقَول أنس هَذَا صَرِيح فِي أَن قِرَاءَة الْقُنُوت قبل الرُّكُوع.
4090 - حدَّثني عَبْدُ الأعْلَى بنُ حَمَّادٍ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ حدَّثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رِعْلاً وذَكْوَانَ وعُصَيَّةَ وبَنِي لِحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رسُولَ الله صلى(17/169)
الله عَلَيْهِ وَسلم علَى عَدُوٍّ فأمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الأنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمِ القُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ كانُوا يَحْتَطِبُونَ بالنَّهَارِ ويُصَلُّونَ باللَّيْلِ حتَّى كانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قتَلُوهُمْ وغَدَرُوا بِهِمْ فبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذالِكَ فقَنَتَ شَهْرَاً يَدْعُو فِي الصُّبْحِ علَى أحْيَاءٍ مِنْ أحْيَاءِ العَرَبِ علَى رِعْلٍ وذَكْوَانَ وعُصَيَّةَ وبَنِي لَحْيَانَ قَالَ أنَسٌ فقَرَأنَا فِيهِمْ قُرْآنَاً ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ رُفِعَ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وأرْضَانَا. .
هَذَا الحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب العون بالمدد، من وَجه آخر أخرجه عَن مُحَمَّد بن بشار عَن ابْن أبي عدي وَسَهل بن يُوسُف عَن سعيد عَن قَتَادَة عَن أنس إِلَى آخِره، وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي عرُوبَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى، وَعصيَّة، بِضَم الْغَيْن: مصغر عَصا. قَوْله: (وَبني لحيان) ، قيل: ذكر بني لحيان فِي هَذِه الْقِصَّة وهمٌ وَإِنَّمَا كَانَ بَنو لحيان فِي قصَّة خبيب فِي قصَّة الرجيع الَّتِي تقدّمت. قَوْله: (قُرْآنًا) ، أَرَادَ بِهِ تَفْسِير الْقُرْآن بِالْكتاب، وَلذَلِك قَالَ فِي الرِّوَايَة الَّتِي تَأتي الْآن: قُرْآنًا كتابا. قَوْله: (ثمَّ إِن ذَلِك رفع) ، أَرَادَ بِهِ نسخ، وَرَوَاهُ أَحْمد عَن غنْدر عَن شُعْبَة بِلَفْظ: (ثمَّ نسخ ذَلِك بلغُوا عَنَّا) ، إِلَى آخِره بَيَان قَوْله: (قُرْآنًا) .
وعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ حدَّثَهُ أنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَنَتَ شَهْرَاً فِي صَلاةِ الصُّبْحِ يَدْعُو علَى أحْيَاءٍ مِنْ أحْيَاءِ العَرَبِ علَى رِعْلٍ وذَكْوَانَ وعُصَيَّةَ وبَنِي لِحْيَانَ
هَذِه رِوَايَة أُخْرَى عَن قَتَادَة عَن أنس ... إِلَى آخِره.
زَادَ خَلِيفَةُ حدَّثنا ابنُ زُرَيْعٍ حدَّثنا سَعِيدٌ عنْ قَتَادَةَ حدَّثنا أنَسٌ أنَّ أُولَئِكَ السَّبْعِينَ مِنَ الأنْصَارِ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ
هَذِه رِوَايَة أُخْرَى عَن قَتَادَة، وَالْحَاصِل أَنه روى عَن أنس ثَلَاث رِوَايَات. الأولى: رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب عَن أنس. وَالثَّانيَِة: رِوَايَة سعيد عَن قَتَادَة عَن أنس. وَالثَّالِثَة: عَن قَتَادَة أَيْضا عَن أنس، زَاد فِيهَا خَليفَة بن خياط أحد شُيُوخ البُخَارِيّ: عَن يزِيد بن زُرَيْع عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة ... إِلَى آخِره.
قُرْآنَاً كِتَابَاً نَحْوَهُ
غَرَضه تَفْسِير الْقُرْآن بِالْكتاب كَمَا ذَكرْنَاهُ. قَوْله: (نَحوه) ، أَي: نَحْو رِوَايَة عبد الْأَعْلَى بن حَمَّاد عَن يزِيد ابْن زُرَيْع ... إِلَى آخِره.
4091 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا هَمَّامٌ عنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ قَالَ حدَّثني أنَسٌ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعَثَ خالَهُ أخٌ لامِّ سُلَيْمٍ فِي سَبْعِينَ راكِبَاً وكانَ رَئِيسَ المُشْرِكِينَ عَامِرُ بنُ الطُّفَيْلِ خَيَّرَ بَيْنَ ثَلاثِ خِصَالٍ فَقال يَكُونُ لَكَ أهْلُ السَّهْلِ ولِي أهْلُ المَدَر أوْ أكُونُ خَلِيفَتَكَ أوْ أغْزُوكَ بأهْلِ غَطَفَانَ بألْف وألْفٍ فَطُعِنَ عامِرٌ فِي بَيْتِ أُمِّ فُلانٍ فَقال غُدَّةٌ كغدةِ البَكْرِ فِي بَيْتِ امْرَأةٍ مِنْ آلِ فُلانٍ ائْتُونِي بِفَرَسِي فَمَاتَ علَى ظَهْرِ فرَسِهِ فانْطَلَقَ حَرَامٌ أخُو أُمِّ سُلَيْم وهْوَ رَجُلٌ أعْرَجٌ ورَجُلٌ مِنْ بَنِي فُلانٍ قَالَ كُونَا قَرِيبَاً حتَّى آتِيَهُمْ فإنْ آمَنُونِي كُنْتُمْ(17/170)
قرِيبَاً وَإِن قتَلُونِي أتَيْتُمْ أصْحَابَكُمْ فَقال أتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغْ رِسالَةَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ وأوْمَؤا إِلَى رَجُلٍ فأتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فطَعَنَهُ قَالَ هَمَّامٌ أحْسُبُهُ حتَّى أنْفَذَهُ بالرُّمْحِ قَالَ الله أكْبَرُ فُزْتُ ورَبِّ الكَعْبَةِ فلُحِقَ الرَّجُلُ فقُتِلُوا كُلُّهُمْ غيْرَ الأعْرَجِ كانَ فِي رأسِ جَبَلٍ فأنْزَلَ الله تعَالَى علَيْنَا ثُمَّ كَانِ مِنَ المَنْسُوخِ إنَا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فرَضِيَ عَنَّا وأرْضَانَا فدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَيْهِمْ ثَلاثِينَ صَبَاحاً علَى رِعْلٍ وذَكْوَانَ وبَنِي لَحْيَانَ وعُصَيَّةَ الَّذِينَ عصَوُوا الله ورَسُولَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، وَهَمَّام: بتَشْديد الْمِيم: هُوَ ابْن يحيى بن دِينَار الْبَصْرِيّ، والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب من ينكب فِي سَبِيل الله فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن حَفْص بن عمر عَن همام عَن إِسْحَاق وَفِيهِمَا من الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان.
قَوْله: (بعث خَاله) أَي: خَال أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ واسْمه حرَام ضد حَلَال ابْن ملْحَان، وَاسم ملْحَان مَالك بن خَالِد بن زيد بن حرَام بن جُنْدُب بن عَامر بن غنم بن مَالك النجار الْأنْصَارِيّ، شهد بَدْرًا مَعَ أَخِيه سليم بن ملْحَان، وشهداً أحدا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: (خَاله) الضَّمِير لأنس أَو للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَنَّهُ كَانَ خَاله إِمَّا من جِهَة الرضَاعَة وَإِمَّا من جِهَة النّسَب، وَإِن كَانَ بَعيدا. قَوْله: (أَخ لأم سليم) أَي: هُوَ أَخ لأم سليم فَيكون ارتفاعه على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، ويروى: (أَخا لأم سليم) ، بِالنّصب على أَنه بدل من قَوْله: خَاله، الَّذِي هُوَ مفعول: بعث، وَأم سليم، بِضَم السِّين بنت ملْحَان كَانَت تَحت مَالك بن النَّضر أَبُو أنس بن مَالك فِي الْجَاهِلِيَّة، فَولدت لَهُ أنس بن مَالك، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام أسلمت مَعَ قَومهَا وَعرضت الْإِسْلَام على زَوجهَا فَغَضب عَلَيْهَا وَخرج إِلَى الشَّام فَهَلَك هُنَاكَ، ثمَّ خلف عَلَيْهَا بعده أَبُو طَلْحَة الْأنْصَارِيّ، وَقَالَ أَبُو عمر: اخْتلف فِي إسم أم سليم: فَقيل: سهلة، وَقيل: رميلة، وَقيل: رمية، وَقيل: مليكَة، وَيُقَال: الغميصاء والرميصاء. قَوْله: (فِي سبعين رَاكِبًا) يتَعَلَّق بقوله: بعث. قَوْله: (عَامر بن الطُّفَيْل) ، بِضَم الطَّاء مصغر الطِّفْل ابْن مَالك بن جَعْفَر بن كلاب وَهُوَ ابْن أخي برَاء عَامر بن مَالك. قَوْله: (خير) ، على صِيغَة الْمَعْلُوم، وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى عَامر وَالْمَفْعُول مَحْذُوف أَي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَعَالَى عَلَيْهِ السّلم وروى الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من رِوَايَة عُثْمَان بن سعيد عَن مُوسَى بن اسماعيل شيخ البُخَارِيّ وَلَفظه وَكَانَ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ لَهُ: أخيرك بَين ثَلَاث خِصَال، فَذكر الحَدِيث. قَوْله: (أهل السهل) ، أَي: الْبَوَادِي، وَأهل الْمدر أهل الْبِلَاد. قَوْله: (بِأَهْل غطفان) ، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة والطاء الْمُهْملَة وَالْفَاء، قَالَ الرشاطي: غطفان فِي قيس غيلَان غطفان بن سعد بن قيس، وَفِي حذام غطفان بن سعد إِبْنِ إِيَاس بن حرَام بن حذام، وَفِي جُهَيْنَة غطفان بن قيس بن جُهَيْنَة، قَالَ ابْن دُرَيْد: غطفان فعلان من الغطف وَهُوَ قلَّة هدب الْعَينَيْنِ. قَوْله: (بِأَلف وَألف) ، وَفِي رِوَايَة عُثْمَان بن سعيد بِأَلف أشقر وَألف شقراء. قَوْله: (فطعن عَامر) ، بِضَم الطَّاء الْمُهْملَة وَكسر الْعين أَي: أَصَابَهُ الطَّاعُون وطلع لَهُ فِي أصل أُذُنه غُدَّة عَظِيمَة كالغدة الَّتِي تطلع على الْبكر. قَوْله: (غده) ، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الدَّال، قَالَ الْأَصْمَعِي: من أدواء الْإِبِل الغدة، يُقَال: أغد الْبَعِير فَهُوَ مغد، وناقة مغد بِغَيْر هَاء، وَيُقَال: جمل مغدود وناقة مغدودة، وكل قِطْعَة صلبة بَين القصبة والسلعة يركبهَا الشَّحْم فَهِيَ غُدَّة، تكون فِي الْعُنُق وَفِي سَائِر الْجَسَد. قَوْله: (الْبكر) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْكَاف: وَهُوَ الْفَتى من الْإِبِل بِمَنْزِلَة الْغُلَام من النَّاس، وَالْأُنْثَى بكرَة، وَقد يستعار للنَّاس. قَوْله: (فِي بَيت امْرَأَة من آل فلَان) ، وَقد بيّنت هِيَ فِي حَدِيث سهل بن سعد أخرجه الطَّبَرَانِيّ، فَقَالَ: امْرَأَة من آل سلول، وَفِي حَدِيث أَيْضا: وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، دَعَا عَلَيْهِ أَي: على عَامر، فَقَالَ: أللهم إكفني عَامِرًا، قَالَ: فجَاء إِلَى بَيت امْرَأَة من آل سلول، قلت: سلول هِيَ بنت ذهل بن شَيبَان وَزوجهَا مرّة بن صعصعة أَخُو عَامر بن صعصعة فنسب بنوه إِلَيْهَا. قَوْله: (فَانْطَلق حرَام) ، وَهُوَ خَال أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (وَهُوَ رجل أعرج) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال على حسب مَا وَقع هُنَا على أَن الْأَعْرَج صفة حرَام وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الْأَعْرَج غَيره لِأَن حَرَامًا لم يكن أعرج، والأعرج غَيره، وَحرَام قتل والأعرج لم يقتل وَالصَّوَاب: فَانْطَلق حرَام هُوَ وَرجل أعرج، فَكَانَ الْكَاتِب قدم الْوَاو سَهوا، وَاسم الْأَعْرَج: كَعْب بن زيد من بني دِينَار بن النجار.(17/171)
قَالَ الذَّهَبِيّ: بَدْرِي قتل مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم الخَنْدَق، وَوَقع فِي رِوَايَة عُثْمَان بن سعيد: فَانْطَلق حرَام ورجلان مَعَه: رجل أعرج وَرجل من بني فلَان، وَبَين ابْن هِشَام أَن اسْم الرجل الَّذِي من بني فلَان: الْمُنْذر بن مُحَمَّد بن عقبَة بن أحيحة ابْن الجلاح الخزرجي. قَوْله: (كونا) ، أَي: قَالَ حرَام للرجل الْأَعْرَج وللرجل الَّذِي من بني فلَان، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: كونُوا، بِاعْتِبَار أَن أقل الْجمع اثْنَان. قَوْله: (كُنْتُم) ، أَي: ثبتمْ، و: كَانَ، تَامَّة فَلَا تحْتَاج إِلَى خبر. وَقَالَ بَعضهم: فَإِن آمنوني كُنْتُم، وَقع هَذَا بطرِيق الِاكْتِفَاء. قلت: إِن أَرَادَ اكْتِفَاء كَانَ عَن الْخَبَر فَلَا يجوز إلاَّ إِذا كَانَ: كَانَ، تَامَّة، وَوَقع فِي رِوَايَة عُثْمَان بن سعيد: فَإِن آمنوني كُنْتُم كَذَا، وَوَقع لأبي نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) : فَإِن آمنوني كُنْتُم قَرِيبا مني. قلت: كَانَ، نَاقِصَة على هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ على مَا لَا يخفى. قَوْله: (فَقَالَ: أتومنوني؟) أَي: فَقَالَ حرَام: أتعطوني الأمَان؟ والهمزة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستعلام، ويروى: أتومنونني؟ على الأَصْل. قَوْله: (أبلغ) بِالْجَزْمِ لِأَنَّهُ جَوَاب الِاسْتِفْهَام. قَوْله: (فَجعل يُحَدِّثهُمْ) أَي: جعل حرَام يحدث الْمُشْركين الَّذين أَتَى إِلَيْهِم، و: جعل من أَفعَال المقاربة وَهُوَ من الْقسم الثَّالِث مِنْهَا وَهُوَ مَا وضع لدنو الْخَبَر على وَجه الشُّرُوع فِيهِ وَالْأَخْذ فِي فعله. قَوْله: (وأومؤا) أَي: أشاروا. قَوْله: (قَالَ همام) ، هُوَ الْمَذْكُور فِي السَّنَد. قَوْله: (أَحْسبهُ) ، أَي: أَظن الطعْن أنفذه من جَانب إِلَى جَانب. قَوْله: (بِالرُّمْحِ) ، يتَعَلَّق بقوله: فطعنه، قَوْله: (قَالَ: الله أكبر فزت وَرب الْكَعْبَة) الْقَائِل بِهَذَا هُوَ حرَام، وَقد صرح بِهِ فِي الحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ على مَا يَأْتِي وَمعنى. قَوْله: (فزت) يَعْنِي بِالشَّهَادَةِ. قَوْله: (فلحق الرجل) ، فِي ضَبطه مَعَ مَعْنَاهُ ثَلَاثَة أوجه: الأول: أَن يكون: لحق، على صِيغَة الْمَعْلُوم وَالرجل فَاعله، وَالْمرَاد بِهِ الرجل الَّذِي كَانَ رَفِيق حرَام، وَيكون فِيهِ حذف تَقْدِيره: فلحق الرجل بِالْمُسْلِمين. الثَّانِي: أَن يكون: لحق، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالتَّقْدِير: لحق الرجل الَّذِي هُوَ رَفِيق حرَام، يَعْنِي: صَار ملحوقاً فَلم يقدر أَن يبلغ الْمُسلمين قبل بُلُوغ الْمُشْركين إِلَيْهِم. الثَّالِث: أَن يكون لفظ: الرجل، بِسُكُون الْجِيم وَفتح اللاَّم وَيكون جمع: الراجل، وَيكون الْمَعْنى: فلحق الرِّجَال الْمُشْركُونَ بِالْمُسْلِمين فقاتلوهم وَقتل الْمُسلمُونَ كلهم، أَي: قتل السبعون الَّذين أرسلهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، غير الْأَعْرَج، فَإِنَّهُ كَانَ فِي رَأس جبل، وَفِي رِوَايَة حَفْص بن عمر عَن همام، تقدم فِي الْجِهَاد: فَقَتَلُوهُمْ إلاَّ رجلا أعرج صعد الْجَبَل، قَالَ همام: وَآخر مَعَه. قَوْله: (فَأنْزل الله علينا) ، الْمنزل هُوَ قَوْله: (إِنَّا قد لَقينَا رَبنَا فَرضِي عَنَّا وأرضانا) وَقَوله: (ثمَّ كَانَ من الْمَنْسُوخ) جملَة مُعْتَرضَة أَي: مِمَّا نسخت تِلَاوَته. وَقَالَ ابْن التِّين: إِمَّا أَن يكون كَانَ يُتْلَى ثمَّ نسخ رسمه، أَو كَانَ النَّاس يكثرون ذكره وَهُوَ من الْوَحْي ثمَّ تقادم حَتَّى صَار لَا يذكر إلاَّ خَبرا. قَوْله: (ثَلَاثِينَ صباحاً) يَعْنِي: فِي صَلَاة الْفجْر، وَفِي (شرف الْمُصْطَفى) : لما أُصِيب أهل بِئْر مَعُونَة جَاءَت الْحمى إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إذهبي إِلَى رعل وذكوان وَعصيَّة عَصَتْ الله وَرَسُوله، فَاتَتْهُمْ فقتلت مِنْهُم سَبْعمِائة رجل لكل رجل من الْمُسلمين عشرَة.
4092 - حدَّثني حِبَّانُ أخْبرَنَا عَبْدُ الله أخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ حدَّثنِي ثُمَامَةُ بنُ عَبْدِ الله بنِ أنَسٍ أنَّهُ سَمِعَ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ لَمَّا طُعِنَ حَرَامُ بنُ مِلْحَانَ وكانَ خالَهُ يَوْمَ بِئْرِ معُونَةَ قَالَ بالدَّمِ هاكَذَا فنَضَحَهُ علَى وجْهِهِ ورَأسِهِ ثُمَّ قَالَ فُزْتُ ورَبِّ الكَعْبَةِ. .
هَذَا من تَعْلِيق الحَدِيث السَّابِق أخرجه عَن حبَان، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن مُوسَى الْمروزِي عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي عَن معمر بن رَاشد عَن ثُمَامَة، بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم: ابْن عبد الله قَاضِي الْبَصْرَة، يروي عَن جده أنس بن مَالك. وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي المناقب عَن مُحَمَّد بن حَاتِم بن نعيم عَن حبَان بن مُوسَى بِهِ.
قَوْله: (كَانَ خَاله) أَي: وَكَانَ حرَام بن ملْحَان خَال أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (يَوْم) ظرف لقَوْله: طعن. قَوْله: (قَالَ بِالدَّمِ) ، هَكَذَا هَذَا من إِطْلَاق القَوْل على الْفِعْل فَمَعْنَاه: أَخذ الدَّم من مَوضِع الطعْن فنضحه أَي: رشه على وَجهه وَرَأسه.
4093 - حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنَا أبُو أُسَامَةَ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله(17/172)
تَعَالَى عنهَا قالَتِ اسْتَأذَنَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبُو بَكْرٍ فِي الخُرُوجِ حِينَ اشْتَدَّ علَيْهِ الأذَى فَقال لَهُ أقِمْ فَقالَ يَا رَسُولَ الله أتَطْمَعُ أنْ يُؤْذَنَ لَكَ فَكانَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ إنِّي لأرْجُو ذالِكَ قَالَتْ فانْتَظَرَهُ أبُو بَكْرٍ فأتَاهُ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاتَ يَوْمٍ ظُهْرَا فَنَادَاهُ فَقَالَ أخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ فَقالَ أبُو بَكْرٍ إنَّمَا هُمَا ابْنَتَايَ فَقالَ أشَعَرْتَ أنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ فقَالَ يَا رسُولَ الله الصُّحْبَةُ فقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصُّحْبَةُ قَالَ يَا رسُولَ الله عِنْدِي ناقَتَانِ قَدْ كُنْتُ أعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ فأعْطَى النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إحْدَاهُمَا وهْيَ الجَدْعَاءُ فرَجُ إلَيْهِمَا ثُمَّ يَسْرَحُ فَلاَ يَفْطُنُ بِهِ أحَدٌ مِنَ الرِّعَاءِ فلَمَّا خَرَجَا خَرَجَ مَعَهُمَا يُعْقِبَانِهِ حتَّى قَدِمَا المَدِينَةَ فَقُتِلَ عامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَقتل عَامر بن فهَيْرَة يَوْم بِئْر مَعُونَة) . وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير يروي عَن أَبِيه عَن أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
قَوْله: (فِي الْخُرُوج) يَعْنِي: فِي الْهِجْرَة من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة. قَوْله: (الْأَذَى) يَعْنِي من كفار مَكَّة. قَوْله: (أتطمع؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستعلام. قَوْله: (أَن يُؤذن) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (ظهرا) يَعْنِي: فِي وَقت الظّهْر. قَوْله: (فَقَالَ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أخرج) بِفَتْح الْهمزَة من الْإِخْرَاج (وَمن عنْدك) فِي مَحل النصب على المفعولية. قَوْله: (إِنَّمَا هما ابنتاي) أَرَادَ بهما: أَسمَاء وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَوْله: (أشعرت؟) مَعْنَاهُ إعلم، لِأَن الْهمزَة هُنَا خرجت عَن الِاسْتِفْهَام الْحَقِيقِيّ، وَمثله قَوْله تَعَالَى: {ألم نشرح لَك صدرك} (الشَّرْح: 1) . أَي: شرحنا، وَلِهَذَا عطف عَلَيْهِ: ووضعنا. قَوْله: (قد أذن لي) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (الصُّحْبَة) مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف أَي: أَتُرِيدُ الصُّحْبَة، أَي: المرافقة فِي الْهِجْرَة، وَالتَّقْدِير فِي الصُّحْبَة الثَّانِيَة؟ نعم أُرِيد الصُّحْبَة. قَوْله: (هِيَ الجدعاء) أَي: النَّاقة الَّتِي أَعْطَاهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِيَ الَّتِي تسمى بالجدعاء، وَهِي المقطوعة الْأذن، وَمِنْه: خطب على نَاقَته الجدعاء، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: قيل: لم تكن نَاقَته مَقْطُوعَة الْأَذَان، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا اسْما لَهَا. قَوْله: (بثور) بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة، وَهُوَ جبل مَعْرُوف بِمَكَّة مُسَمّى باسم الْحَيَوَان الْمَشْهُور. قَوْله: (فتواريا) أَي: اختفيا فِيهِ، من التواري. قَوْله: (عَامر بن فهَيْرَة) ، هُوَ أَبُو عَمْرو كَانَ مَمْلُوكا للطفيل بن عبد الله بن سَخْبَرَة فَاشْتَرَاهُ أَبُو بكر فَأعْتقهُ، وَأسلم قبل أَن يدْخل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَار الأرقم وَكَانَ حسن الْإِسْلَام وَكَانَ مولداً من مولدِي الأزد أسود اللَّوْن، شهد بَدْرًا وأحداً. والآن نذْكر وَفَاته. قَوْله: (لعبد الله بن طفيل) كَذَا وَقع هُنَا، وَقَالَ الدمياطي: صَوَابه: الطُّفَيْل بن عبد الله بن سَخْبَرَة بن جرثومة بن عائذة بن مرّة بن جشم بن الْأَوْس بن عَامر بن حَفْص بن النمر بن عُثْمَان بن نصر بن زُهَيْر ابْن أخي دهمان بن نصر بن زهران بن كَعْب بن الْحَارِث بن كَعْب بن عبد الله بن مَالك بن نصر بن الأزد، وَقَالَ أَبُو عمر: الطُّفَيْل بن عبد الله بن سَخْبَرَة الْقرشِي، قَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: لَا أَدْرِي من أَي قُرَيْش هُوَ؟ قَالَ: وَهُوَ أَخُو عَائِشَة لأمها. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: وَكَانَت أم رُومَان أم عَائِشَة تَحت عبد الله بن الْحَارِث بن سَخْبَرَة الْأَزْدِيّ، وَكَانَ قدم بهَا مَكَّة فحالف أَبَا بكر قبل الْإِسْلَام وَتُوفِّي عَن أم رُومَان وَقد ولدت لَهُ الطُّفَيْل، ثمَّ خلف عَلَيْهَا أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَولدت لَهُ عبد الرَّحْمَن وَعَائِشَة، فهما أخوا الطُّفَيْل هَذَا لأمه. قَوْله: (أَخُو عَائِشَة لأمها) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أخي عَائِشَة، وَجه الأول على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ أَخُو عَائِشَة، وَوجه الثَّانِي على أَنه بدل من قَوْله: عبد الله بن الطُّفَيْل. منحة بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون؛ وَهِي نَاقَة يدر مِنْهَا اللَّبن. قَوْله: (يروح بهَا وَيَغْدُو) أَي: يروح عَامر بالمنحة الْمَذْكُورَة، وَيروح من الرواح وَهُوَ الذّهاب والمجيء بعد الزَّوَال، وَيَغْدُو بالغين الْمُعْجَمَة خلاف الرواح، وَقد غَدا يَغْدُو غدواً. قَوْله: (فيدلج) من الإدلاج من بَاب الافتعال، أَي: يسير من آخر اللَّيْل، يُقَال: أدْلج، بِالتَّخْفِيفِ إِذا سَار من أول اللَّيْل، وادَّلج بِالتَّشْدِيدِ إِذا سَار من آخِره، وَالِاسْم(17/173)
مِنْهُ: دلجة، بِالضَّمِّ وَالْفَتْح، وَمِنْهُم من يَجْعَل الإدلاج السّير فِي اللَّيْل كُله. قَوْله: (ثمَّ يسرح) أَي: ثمَّ يذهب بهَا إِلَى المرعى، يُقَال: سرحت الْمَاشِيَة تسرح فَهِيَ سارحة، وسرحتها أَنا لَازِما ومتعدياً. قَوْله: (فَلَا يفْطن بِهِ) أَي: فَلَا يدْرِي بِهِ (أحد من الرعاء) وَهُوَ جمع راعٍ. قَوْله: (فَلَمَّا خرجا) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (خرج مَعَهُمَا) أَي: خرج عَامر بن فهَيْرَة مَعَهُمَا إِلَى الْمَدِينَة. قَوْله: (يعقبانه) بِضَم الْيَاء، وَقَالَ بَعضهم، يعقبانه، وَفِيه: يركبانه عقبَة، وَهُوَ أَن ينزل الرَّاكِب ويركب رَفِيقه ثمَّ ينزل الآخر ويركب الْمَاشِي. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي يردفانه بالنوبة، يَعْنِي: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يردف عَامِرًا نوبَة وَأَبُو بكر يردفه نوبَة. قلت: الَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي أولى وأوجه، لِأَن الَّذِي قَالَه الْبَعْض يسْتَلْزم أَن يمشي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ويركب عَامر. وَهَذَا لَا شكّ أَن عَامِرًا كَانَ لَا يرضى بذلك وَلَا أَبُو بكر وَلَا هُوَ من الْأَدَب والمروءة، وَيُؤَيّد مَا قَالَه الْكرْمَانِي مَا قَالَه ابْن إِسْحَاق: لما ركب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبُو بكر أرْدف أَبُو بكر عَامِرًا مَوْلَاهُ خلقه ليخدمهما فِي الطَّرِيق. قلت: هَذَا لَا يُنَافِي إِلَّا عِقَاب. قَوْله: (فَقتل عَامر بن فهَيْرَة يَوْم بِئْر مَعُونَة) وَكَانَ يَوْم بِئْر مَعُونَة فِي صفر سنة أَربع، وَقد مر بَيَانه.
وعَنْ أبِي أُسَامَةَ قَالَ قَالَ لي هِشامُ بنُ عُرْوَةَ فَأَخْبرنِي أبي قَالَ لَمَّا قُتِلَ الَّذِينَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ وأُسِرَ عَمْرُو بنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ قَالَ لَهُ عامِرُ بنُ الطُّفَيْلِ مَنْ هاذَا فأشَارَ إلَى قَتيلٍ فَقال لَهُ عَمْرُو بنُ أُمَيَّةَ هاذا عامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ فَقال لَقَدْ رأيْتُهُ بعدَ مَا قُتِلَ رُفِعَ إِلَى السَّماءِ حتَّى إنِّي لأنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ بيْنَهُ وبَيْنَ الأرْضِ ثُمَّ وُضِعَ فأتَى النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبرُهُمْ فنَعَاهُمْ فَقال إنَّ أصْحَابَكُمْ قَدْ أُصِيبُوا وإنَّهُمْ قدْ سألُوا ربَّهُمْ فَقَالُوا ربَّنَا أخْبِرْ عَنَّا إخْوَانَنَا بِمَا رَضِينَا عَنْكَ ورَضيتَ عَنَّا فأخْبَرَهُمْ عَنْهُمْ وأُصِيبَ يَوْمَئِذٍ فيهِمْ عُرْوَةُ بنُ أسْمَاءَ بنِ الصَّلْتِ فسُمِّيَ عُرْوَةُ بِهِ ومُنْذِرُ بنُ عَمْرٍ ووسُمِّيَ بِه مُنْذِراً
وَعَن أبي أُسَامَة، مَعْطُوف على قَوْله: حَدثنَا عبيد الله بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا أَبُو أُسَامَة وَإِنَّمَا فَصله ليميز الْمَوْصُول من الْمُرْسل، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قصَّة بِئْر مَعُونَة ذكر عَائِشَة، بِخِلَاف قصَّة الْهِجْرَة. فَإِن فِيهَا ذكر عَائِشَة، كَمَا مضى الْآن قبل هَذَا. قَوْله: (لما قتل الَّذين ببئر مَعُونَة) ، وهم الْقُرَّاء الَّذين سبق ذكرهم. قَوْله: (وَأسر عَمْرو بن أُميَّة) ، بَين ذَلِك عُرْوَة فِي (الْمَغَازِي) من رِوَايَة الْأسود عَنهُ، بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمُنْذر بن عَمْرو السَّاعِدِيّ إِلَى بِئْر مَعُونَة وَبعث مَعَه الْمطلب السّلمِيّ ليدلهم على الطَّرِيق، فَقتل الْمُنْذر ابْن عَمْرو وَأَصْحَابه إِلَّا عَمْرو بن أُميَّة، فَإِنَّهُم أسروه واستحيوه، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق فِي (الْمَغَازِي) : أَن عَامر بن الطُّفَيْل اجتز ناصيته وَأعْتقهُ عَن رَقَبَة كَانَت على أمه، وَعند العسكري: بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُنْذر بن عمروا اميرا على أَرْبَعِينَ من الْأَنْصَار لَيْسَ فيهم غَيرهم الأعمر بن أُميَّة وَذَلِكَ ان أَبَا برَاء بعث ابْن أَخِيه إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عِلّة وجدهَا فَدَعَا لَهُ بالشفاء وَبَارك فِيمَا أنفذه إِلَيْهِ، فبرىء، فَبعث إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن إبعث إِلَى أهل نجد من شِئْت فَإِنِّي جارٍ لَهُم، وَفِي (الْمَغَازِي) لأبي معشر: كَانَ أَبُو برَاء كتب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إبعث إِلَيّ رجَالًا يعلمُونَ الْقُرْآن وهم فِي ذِمَّتِي وجواري، فَبعث إِلَيْهِ الْمُنْذر بن عَمْرو وَفِي أَرْبَعَة عشر رجلا من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، فَلَمَّا سَارُوا إِلَيْهِم بَلغهُمْ أَن أَبَا برَاء مَاتَ، فَبعث الْمُنْذر إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستمد فأمده بِأَرْبَعِينَ نَفرا أَمِيرهمْ عَمْرو بن أُميَّة، وَقَالَ: إِذا اجْتمع الْقَوْم كَانَ عَلَيْهِم الْمُنْذر، فَلَمَّا وصلوا بِئْر مَعُونَة كتبُوا إِلَى ربيعَة بن أبي الْبَراء: نَحن فِي ذِمَّتك وَذمَّة أَبِيك، فنقدم عَلَيْك أم لَا؟ قَالَ: أَنْتُم فِي ذِمَّتِي فاقدموا. وَفِي آخِره: قدم عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبر بِئْر مَعُونَة وَأَصْحَاب الرجيع، وَبعث مُحَمَّد بن مسلمة فِي لَيْلَة وَاحِدَة، وَقَالَ ابْن سعد: كَانَت سَرِيَّة الْمُنْذر بن عَمْرو السَّاعِدِيّ الْمُعْتق للْمَوْت إِلَى بشر مَعُونَة فِي صفر على رَأس سِتَّة وَثَلَاثِينَ شهرا من الْهِجْرَة، قَالُوا: قدم عَامر بن مَالك بن جَعْفَر أَبُو برَاء ملاعب الأسنة الْكلابِي على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهْدى لَهُ فَلم يقبل مِنْهُ، وَعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام فَلم يسلم وَلم يبعد، وَقَالَ: لَو بعثت معي نَفرا من أَصْحَابك إِلَى قومِي لرجوت أَن يجيبوا دعوتك، فَقَالَ: إِنِّي أَخَاف عَلَيْهِم أهل نجد، قَالَ: أَنا لَهُم جارٍ، فَبعث مَعَه سبعين من الْأَنْصَار شبيبة يسمون الْقُرَّاء وأمَّر عَلَيْهِم الْمُنْذر، فَلَمَّا نزلُوا بِئْر مَعُونَة قدمُوا حرَام بن ملْحَان بِكِتَاب سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عَامر(17/174)
ابْن الطُّفَيْل فَقتل حَرَامًا واستصرخ عَلَيْهِم بَنو عَامر فَأَبَوا، وَقَالُوا: لَا تخفر أَبَا برَاء، فاستصرخ عَلَيْهِم قبائل من بني سليم: عصية ورعل وذكوان ورعب والقارة ولحيان، فنفروا مَعَه فَقتل الصَّحَابَة كلهم، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، إلاَّ عَمْرو بن أُميَّة فَأخْبرهُ جِبْرِيل وَمِنْهَا: بخبرهم وَخبر مصاب خبيب ومرثد تِلْكَ اللَّيْلَة. قلت: الْمُنْذر بن عَمْرو بن خُنَيْس بن حَارِثَة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثَعْلَبَة بن الْخَزْرَج الْأنْصَارِيّ السَّاعِدِيّ، وَهُوَ الْمَعْرُوف: بالمعتق للْمَوْت، شهد الْعقبَة وبدراً وأحداً وَكَانَ أحد السّبْعين الَّذين بَايعُوا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْعقبَة، وَأحد النُّقَبَاء الإثني عشر، وَكَانَ يكْتب فِي الْجَاهِلِيَّة بِالْعَرَبِيَّةِ، وَقَالَ أَبُو عمر: وَكَانَ على الميسرة يَوْم أحد، وَقتل بعد أحد بأَرْبعَة أشهر وَنَحْوهَا، وَذَلِكَ سنة أَربع فِي أَولهَا يَوْم بِئْر مَعُونَة شَهِيدا. قَوْله: (قَالَ لَهُ عَامر بن الطُّفَيْل) ، أَي: قَالَ لعَمْرو بن أُميَّة عَامر بن الطُّفَيْل: (من هَذَا) كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى قَتِيل، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن عُرْوَة: إِن عَامر بن الطُّفَيْل قَالَ لعَمْرو بن أُميَّة: هَل تعرف أَصْحَابك؟ قَالَ: نعم، فَطَافَ فِي الْقَتْلَى فَجعل يسْأَله عَن أنسابهم. قَوْله: (فَقَالَ: لقد رَأَيْته) أَي: فَقَالَ عَامر بن الطُّفَيْل: لقد رَأَيْت عَامر بن فهَيْرَة بَعْدَمَا قتل. إِلَى قَوْله: (ثمَّ وضع) والفائدة من الرّفْع والوضع تَعْظِيم عَامر بن فهَيْرَة وَبَيَان قدره وتخويف الْكفَّار وترهيبهم، قَالَ أَبُو عمر: ويروى عَن عَامر بن الطُّفَيْل أَنه قَالَ: رَأَيْت أول طعنة طعنت عَامر بن فهَيْرَة نورا خرج مِنْهَا، وَذكر ابْن إِسْحَاق عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه، قَالَ: لما قدم عَامر بن الطُّفَيْل على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: من الرجل الَّذِي لما قتل رَأَيْته رفع بَين السَّمَاء وَالْأَرْض حَتَّى رَأَيْت السَّمَاء دونه ثمَّ وضع؟ فَقَالَ لَهُ: عَامر بن فهَيْرَة، وَذكر ابْن الْمُبَارك وَعبد الرَّزَّاق جَمِيعًا عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة، قَالَ: طلب عَامر بن فهَيْرَة يومئذٍ فِي الْقَتْلَى فَلم يُوجد، قَالَ عُرْوَة: فيرون أَن الْمَلَائِكَة دَفَنته أَو رفعته. قَوْله: (فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبرُهم) وَبَين فِي حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن الله أخبرهُ بذلك على لِسَان جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: (فنعاهم) من نعى الْمَيِّت ينعاه نعياً ونعياً إِذا أذاع مَوته وَأخْبر بِهِ، وَإِذا أندبه. قَوْله: (وَأُصِيب يَوْمئِذٍ فيهم عُرْوَة بن أَسمَاء) ، على وزن حَمْرَاء ابْن الصَّلْت بن حبيب بن حَارِثَة السّلمِيّ حَلِيف بني عَمْرو بن عَوْف، وَذكره الْوَاقِدِيّ فِي أَصْحَاب بِئْر مَعُونَة، وَقَالَ: حَدثنِي مُصعب بن ثَابت عَن أبي الْأسود عَن عُرْوَة قَالَ: حرص الْمُشْركُونَ يَوْم بِئْر مَعُونَة لعروة بن الصَّلْت أَن يؤمنوه فَأبى، وَكَانَ دَاخِلَة لعامر بن الطُّفَيْل مَعَ أَن قومه بني سليم حرصوا على ذَلِك فَأبى، وَقَالَ: لَا أقبل لَهُم أَمَانًا وَلَا أَرغب بنفسي عَن مصرعهم، ثمَّ تقدم فقاتل حَتَّى قتل شَهِيدا. قَوْله: (فَسُمي عُرْوَة بِهِ) ، أَي: فَسمى عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام باسم عُرْوَة بن أَسمَاء الْمَذْكُور، يَعْنِي: أَن الزبير بن الْعَوام لما ولد لَهُ عُرْوَة سَمَّاهُ باسم عُرْوَة بن أَسمَاء، وَكَانَ بَين قتل عُرْوَة بن أَسمَاء ومولد عُرْوَة ابْن الزبير بضع عشرَة سنة. قَوْله: (وَمُنْذِر بن عَمْرو) أَي: وَأُصِيب أَيْضا فيهم مُنْذر بن عَمْرو بن خُنَيْس الَّذِي ذَكرْنَاهُ عَن قريب. قَوْله: (سمي بِهِ) أَي: الْمُنْذر بن عَمْرو الْمَذْكُور مُنْذر بن الزبير بن الْعَوام أَخُو عُرْوَة. قَوْله: (منذراً) كَذَا هُوَ بِالنّصب فِي النّسخ، وَالصَّوَاب: مُنْذر، بِالرَّفْع على مَا لَا يخفى، وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن تكون الرِّوَايَة بِفَتْح السِّين على الْبناء للْفَاعِل وَالْفَاعِل مَحْذُوف، وَالْمرَاد بِهِ الزبير. قلت: لَا يعْمل بِهَذَا الِاحْتِمَال فِي إِثْبَات الرِّوَايَة، وَفِيه أَيْضا إِضْمَار قبل الذّكر فَافْهَم، وَحَاصِله: أَن الزبير سمى ابْنه هَذَا منذراً باسم الْمُنْذر بن عَمْرو هَذَا، وَوجه التَّسْمِيَة فيهمَا بِعُرْوَة وَمُنْذِر للتفاءل باسم من رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَرَضوا عَنهُ، وَأعلم أَن أَسمَاء من الْأَعْلَام الْمُشْتَركَة فَهِيَ اسْم أم عُرْوَة بن الزبير، وَاسم أبي عُرْوَة السّلمِيّ الْمَذْكُور.
4094 - حدَّثنا مُحَمَّدٌ أخْبَرَنَا عَبْدُ الله أخبرنَا سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عنْ أبِي مِجْلَز عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَنَتَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرَاً يَدْعُو علَى رِعْلٍ وذَكْوَانَ ويَقُولُ عُصَيَّةُ عَصَتِ الله ورَسُولَهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمُحَمّد هُوَ ابْن مقَاتل الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَسليمَان هُوَ ابْن طرخان التَّيْمِيّ، وَأَبُو مجلز، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْجِيم وَفتح الَّلام وَفِي آخِره زَاي: واسْمه لَاحق بن حميد، وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ، والْحَدِيث قد مر فِي الْوتر عَن أَحْمد بن يُونُس عَن زَائِدَة.(17/175)
4095 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنَا مالِك عنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ قَالَ دعَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى الَّذِينَ قتَلُوا يَعْنِي أصْحَابَهُ بِبِئْرِ مَعُونَةَ ثَلاثِينَ صَبَاحاً حِينَ يَدْعُو علَى رِعْلٍ ولِحْيَانَ وعُصَيَّةَ عَصَتِ الله وَرَسُولَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أنَسٌ فأنْزَلَ الله تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الَّذِينَ قُتِلُوا أصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآناً قَرَأنَاهُ حَتَّى نُسِخَ بَعْدُ بَلِّغُوا قَوْمَنَا فَقَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا ورَضِينَا عَنْهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب فضل قَول الله تَعَالَى: {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا} (آل عمرَان: 169) . فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله عَن مَالك إِلَى آخِره نَحوه وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ حِين يَدْعُو يرْوى حَتَّى يَدْعُو.
4096 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنَا عبْدُ الوَاحِدِ حدَّثنا عاصِمٌ الأحْوَلُ قَالَ سألْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ القُنُوتِ فِي الصَّلاةِ فَقَالَ نعَمْ فقُلْتُ كانَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أوْ بَعْدَهُ قَالَ قَبْلَهُ قُلْتُ فإنَّ فُلاَنَاً أخبرَنِي عَنْكَ أنَّكَ قُلْتَ بَعْدَهُ قَالَ كذَبَ إنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرَاً أنَّهُ بَعَثَ نَاسا يُقالُ لَهُمُ القُرَّاءُ وهُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً إلَى نَاسٍ مِنَ المُشْرِكِينَ وبَيْنَهُمْ وبَيْنَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَهْدٌ قِبَلَهُمْ فظَهَرَ هَؤلاَءِ الَّذِينَ كانَ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَهْدٌ فقَنَتَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرَاً يَدْعُو علَيْهِمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد، والْحَدِيث مضى فِي الْوتر فِي: بَاب الْقُنُوت قبل الرُّكُوع وَبعده، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن عبد الْوَاحِد ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (كذب) أَي: أَخطَأ. قَوْله: (عهد) عهد وميثاق، والعهد يَجِيء لمعان كَثِيرَة بِمَعْنى: الْيَمين والأمان والذمة وَالْحِفْظ ورعاية الْحُرْمَة وَالْوَصِيَّة، وَيسْتَعْمل كل معنى فِي مَحل يَقْتَضِي ذَلِك الْمَعْنى، قيل: كَيفَ جَازَ بعث الْجَيْش إِلَى المعاهدين؟ وَأجِيب: بِأَن قَوْله: (بَينهم وَبَين رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد) جملَة ظرفية حَالية، وَتَقْدِير الْكَلَام: بعث إِلَى نَاس من الْمُشْركين غير المعاهدين، وَالْحَال أَن بَين نَاس مِنْهُم هم مُقَابل الْمَبْعُوث عَلَيْهِم وَبَين رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد، فغلب المعاهدون وغدروا فَقتلُوا الْقُرَّاء المبعوثين لإمدادهم على عدوهم، وَذكر مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب أَسمَاء الطَّائِفَتَيْنِ، وَأَن أَصْحَاب الْعَهْد هم بَنو عَامر ورأسهم أَبُو برَاء عَامر بن مَالك بن جَعْفَر، وَقد مر ذكره عَن قريب، وَأَن الطَّائِفَة الْأُخْرَى من بني سليم وهم رعل وذكوان وَعصيَّة. قَوْله: (قبلهم) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، أَي: قبل الْمَبْعُوث عَلَيْهِم كَمَا ذكرنَا أَي: من جهتهم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: قبلهم ضد بعدهمْ، وَلم يذكر غَيره هَذَا إلاَّ ابْن التِّين. قَوْله: (فَظهر) ، أَي: غلب.
30 - (بابُ غَزْوَةِ الخَنْدَقِ وهْيَ الأحْزَابُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة الخَنْدَق، وَفِي بعض النّسخ: بَاب غَزْوَة الخَنْدَق، وَالْخَنْدَق مُعرب: كِنْدَة، أَي: جورة محفورة، وَكَانَ سَبَب حفر الخَنْدَق مَا قَالَه ابْن سعد، رَحمَه الله: لما أجلى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني النَّضِير سَارُوا إِلَى خَيْبَر فَخرج نفر من أَشْرَافهم إِلَى مَكَّة شرفها الله تَعَالَى فألبوا قُريْشًا ودعوهم إِلَى الْخُرُوج على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعاهدوهم على قِتَاله، ثمَّ أَتَوا غطفان وسليماً فوافقوهم على مثل ذَلِك، فتجمعت قُرَيْش بِمن تَبِعَهُمْ فَكَانُوا أَرْبَعَة آلَاف يقودهم أَبُو سُفْيَان، وَوَافَقَهُمْ بَنو سليم بمر الظهْرَان فِي سَبْعمِائة يقودهم سُفْيَان بن عبد شمس، وَمَعَهُمْ بَنو أَسد يقودهم طَلْحَة بن خويلد، وَخرجت فَزَارَة يَقُودهَا عُيَيْنَة على ألف بعير،(17/176)
وَخرجت أَشْجَع فِي أَرْبَعمِائَة يَقُودهَا مَسْعُود بن رجيلة، وَخرجت بَنو مرّة فِي أَرْبَعمِائَة يَقُودهَا الْحَارِث بن عَوْف، فَكَانَ جَمِيع الْقَوْم الَّذين وافوا الخَنْدَق عشرَة آلَاف، وَكَانُوا ثَلَاثَة عَسَاكِر، وعناج الْأَمر إِلَى أبي سُفْيَان، يَعْنِي: أَنه كَانَ صَاحبهمْ ومدبر أَمرهم والقائم بشؤونهم، وَقَالَ قَتَادَة فِيمَا ذكره الْبَيْهَقِيّ: كَانَ الْمُشْركُونَ أَرْبَعَة آلَاف أَو مَا شَاءَ الله من ذَلِك، وَالصَّحَابَة فِيمَا بلغنَا ألف، وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: فَلَمَّا سمع بهم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضرب الخَنْدَق على الْمَدِينَة، وَقَالَ ابْن هِشَام: يُقَال: إِن الَّذِي أَشَارَ بِهِ سلمَان الْفَارِسِي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ الطَّبَرِيّ والسهيلي: أول من حفر الخَنْدَق بَنو جهر بن أيرج وَكَانَ فِي زمن مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: فَعمل فِيهِ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ترغيباً للْمُسلمين فِي الْأجر وَعمل مَعَه الْمُسلمُونَ. قَوْله: (وَهِي الْأَحْزَاب) أَي: غَزْوَة الخَنْدَق هِيَ الْأَحْزَاب، أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن لَهَا اسْمَيْنِ، والأحزاب جمع حزب، سميت بذلك لِاجْتِمَاع طوائف من الْمُشْركين على حَرْب الْمُسلمين، وَقد أنزل الله تَعَالَى فِي هَذِه الْقِصَّة صدر سُورَة الْأَحْزَاب.
قَالَ مُوساى بنُ عُقْبَةَ كانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أرْبَعٍ
مُوسَى بن عقبَة بن أبي عَيَّاش الْأَسدي الْمَدِينِيّ، صَاحب الْمَغَازِي، مَاتَ فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَة. قَوْله: كَانَت، أَي: غَزْوَة الخَنْدَق فِي شهر شَوَّال سنة أَربع من الْهِجْرَة، وَتَابعه على ذَلِك مَالك، أخرجه أَحْمد عَن مُوسَى بن دَاوُد عَنهُ، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: سنة خمس، وَقَالَ ابْن سعد: كَانَت فِي ذِي الْقعدَة يَوْم الْإِثْنَيْنِ لثمان لَيَال مضين مِنْهَا سنة خمس، وَاعْلَم أَنه كَانَ بعد أحد: حَمْرَاء الْأسد، ثمَّ سَرِيَّة أبي سَلمَة، ثمَّ سَرِيَّة عبد الله بن أنيس، وَبعث الرجيع، وقصة بِئْر مَعُونَة، ثمَّ غَزْوَة بني النَّضِير، ثمَّ غَزْوَة ذَات الرّقاع، ثمَّ غَزْوَة بدة الْآخِرَة، ثمَّ غَزْوَة دومة الجندل، ثمَّ الخَنْدَق. وَأقَام الْمُشْركُونَ على الخَنْدَق سبعا وَعشْرين لَيْلَة. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: أَرْبعا وَعشْرين يَوْمًا، وَقَالَ الغنوي: بضع عشرَة لَيْلَة، وَقَالَ مُوسَى: قَرِيبا من عشْرين لَيْلَة، وَلم يكن فِيهِ قتال إلاَّ سَاعَة كَانَ بَينهم مراماة بالنبال فأصيب أكحل سعد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على مَا سَيَجِيءُ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
4097 - حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ عُبَيْدِ الله قَالَ أخْبَرَنِي نافِعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهْوَ ابنُ أرْبَعَ عَشْرَةَ فَلَمْ يَجِزْهُ وعرَضَهُ يَوْمَ الخَنْدَقِ وهْوَ ابنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فأجَازَهُ. (انْظُر الحَدِيث 2664) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وَعبيد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب الْعمريّ.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجراح وَفِي الْحُدُود عَن أَحْمد بن حَنْبَل. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّلَاق عَن أبي قدامَة.
قَوْله: (عرضه) مِنْ: عرض الْجَيْش إِذا اختبر أَحْوَالهم قبل مُبَاشرَة الْقِتَال للنَّظَر فِي هيئتهم وترتيب مَنَازِلهمْ وَغير ذَلِك، وَفِي رِوَايَة مُسلم: عرضني يَوْم أحد فِي الْقِتَال وَأَنا ابْن أَربع عشرَة سنة. قَوْله: (فَلم يجزه) أَي: فَلم يمضه وَلم يَأْذَن لَهُ فِي الْقِتَال، وَمعنى: أجَازه: أَمْضَاهُ وَأذن لَهُ، وَقَالَ بَعضهم: قَالَ الْكرْمَانِي: أجَازه من الْإِجَازَة وَهِي الْأَنْفَال، أَي: أسْهم لَهُ، وَيرد ذَلِك أَنه لم يكن فِي غَزْوَة الخَنْدَق غنيمَة يحصل مِنْهَا نفل. قلت: رَأَيْت فِي شرح (الْكرْمَانِي) : وَلم يجزه من الْإِجَازَة وَهِي الإنفاذ، وَكَانَ الْمُعْتَرض ظن أَن قَوْله: الإنفاد الْأَنْفَال، بِاللَّامِ فِي آخِره، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ الإنفاذ، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة.
4098 - حدَّثني قُتَيْبَةُ حدَّثنَا عَبْدُ العَزِيزِ عنْ أبِي حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الخَنْدَقِ وَهُمْ يَحْفِرُونَ وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ علَى أكْتَادِنَا فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(أللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إلاَّ عَيْشُ الآخِرَهْ ... فاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ والأنْصَارِ)(17/177)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن أبي حَازِم يروي عَن أَبِيه أبي حَازِم، واسْمه سَلمَة بن دِينَار. والْحَدِيث مر فِي مَنَاقِب الْأَنْصَار فِي دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أصلح الْأَنْصَار والمهاجره. قَوْله: (على أكتادنا) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق: جمع الكتد، وَهُوَ مَا بَين الْكَاهِل إِلَى الظّهْر، ويروى: بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَذكره ابْن التِّين بِلَفْظ: وهم ينقلون التُّرَاب على متونهم، ثمَّ قَالَ: الْمَتْن مكتنف الصلب من العصب وَاللَّحم، وَوهم فِي ذَلِك، وَهَذِه اللَّفْظَة سلفت فِي الْجِهَاد فِي: بَاب حفر الخَنْدَق، لَكِن من حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
4098 - حدَّثني قُتَيْبَةُ حدَّثنَا عَبْدُ العَزِيزِ عنْ أبِي حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الخَنْدَقِ وَهُمْ يَحْفِرُونَ وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ علَى أكْتَادِنَا فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(أللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إلاَّ عَيْشُ الآخِرَهْ ... فاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ والأنْصَارِ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن أبي حَازِم يروي عَن أَبِيه أبي حَازِم، واسْمه سَلمَة بن دِينَار. والْحَدِيث مر فِي مَنَاقِب الْأَنْصَار فِي دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أصلح الْأَنْصَار والمهاجره. قَوْله: (على أكتادنا) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق: جمع الكتد، وَهُوَ مَا بَين الْكَاهِل إِلَى الظّهْر، ويروى: بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَذكره ابْن التِّين بِلَفْظ: وهم ينقلون التُّرَاب على متونهم، ثمَّ قَالَ: الْمَتْن مكتنف الصلب من العصب وَاللَّحم، وَوهم فِي ذَلِك، وَهَذِه اللَّفْظَة سلفت فِي الْجِهَاد فِي: بَاب حفر الخَنْدَق، لَكِن من حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
4099 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ عَمْرٍ وحدَّثنا أبُو إسْحَاقَ عنْ حُمَيْدٍ سَمِعْتُ أنَسَاً رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ خَرَجَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الخَنْدَقِ فإذَا المُهَاجِرُونَ والأنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بارِدَةٍ فلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذالِكَ لَهُمْ فلَمَّا رَأي مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ والجُوعِ قَالَ:
(اللَّهُمَّ إنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَهْ ... فاغْفِرْ لِلأنْصَارِ والمُهَاجِرَهْ)
فقَالُوا مُجِيِبينَ لَهُ:
(نَحْنُ الَّذِينَ بايَعُوا مُحَمَّدَاً ... علَى الجِهَادِ مَا بَقِينَا أبَدَاً) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله بن مُحَمَّد المسندي، وَمُعَاوِيَة بن عَمْرو بن الْمُهلب الْأَزْدِيّ الْبَغْدَادِيّ، أَصله من الْكُوفَة روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي الْجُمُعَة، وروى عَنهُ هُنَا بالواسطة، وَأَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن الْحَارِث الْفَزارِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَائِل الْجِهَاد فِي: بَاب التحريض على الْقِتَال بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (مجيبين لَهُ) أَي: لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ومجيبين نصب على الْحَال. قَوْله: (بَايعُوا) أصلة: الَّذين فباعتباره ذكر بِصِيغَة الْمَاضِي للْجمع الغائبين، وَلَو كَانَ بِاعْتِبَار لفظ: نَحن، لقيل: بَايعنَا، وَقَالَ بَعضهم: الَّذين بَايعُوا، هُوَ صفة: الَّذين، لَا صفة: نَحن. قلت: هَذَا تصرف عَجِيب، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَالصَّوَاب مَا قُلْنَاهُ، وَفِيه: إنشاد الشّعْر تنشيطاً فِي الْعَمَل، وَبِذَلِك جرت عَادَتهم فِي الحروب، وَأكْثر مَا يستعملون فِي ذَلِك الرجز.
4100 - حدَّثنا أبُو مَعْمَر حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ عنْ عَبْدِ العَزِيزِ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ جعَلَ المُهَاجِرُونَ والأنْصَارُ يَحْفُرُونَ الخَنْدَقَ حَوْلَ المَدِينَةِ ويَنْقُلُونَ التُّرَابَ على مُتُونِهِمْ وهُمْ يَقُولُونَ:
(نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَاً ... عَلَى الإسْلاَمِ مَا بَقِينَا أبَدَاً)
قَالَ يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ يُجِيبُهُمْ:
(أللَّهُمَّ إنَّهُ لاَ خَيْرَ إلاَّ خَيْرُ الآخِرَهْفَبَارِكْ فِي الأنْصَارِ والمُهَاجِرَهْ)
قالَ يُؤْتُونَ بِمِلْءِ كَفَّي منَ الشَّعِيرِ فَيُصْنَعُ لَهُمْ بإهَالَةٍ سَنِخَة تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ القَوْمِ والْقَوْمُ جِيَاعٌ وهْيَ بَشِعَةٌ فِي الحَلْقِ ولَهَا رِيحٌ مُنْتِنٌ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس أخرجه عَن أبي معمر، بِفَتْح الميمين: عبد الله بن عَمْرو المقعد عَن عبد الْوَارِث بن سعيد عَن عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب، وَفِيه زِيَادَة وَهِي قَوْله: (يُؤْتونَ) إِلَى آخِره، وَهُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (كفى) أَصله: بملء كفين لي، فَلَمَّا أضيف الْكَفَّيْنِ إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم وَسَقَطت النُّون أبقيت الْفَاء على الفتحة، ويروى: كفي، بإفراد الْكَفّ الْمُضَاف إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم وَكسر الْفَاء، ويروى: بملء كفٍ، بِالْإِفْرَادِ بِدُونِ الْإِضَافَة. قَوْله: (فيصنع) أَي: يطْبخ. قَوْله: (إهالة) بِكَسْر الْهمزَة وَهِي: الودك. قَوْله: (سنخة) ، بِالسِّين الْمُهْملَة وَالنُّون وَالْخَاء الْمُعْجَمَة: أَي متغيرة الرّيح فَاسِدَة الطّعْم. قَوْله: (وَالْقَوْم جِيَاع) جملَة حَالية، والجياع جمع جَائِع. قَوْله:(17/178)
(بشعة) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة والشين الْمُعْجَمَة: أَي كريهة الطّعْم تَأْخُذ الْحلق، كَذَا ضَبطه الدمياطي بِخَطِّهِ، وَعَلِيهِ مَشى ابْن التِّين وَضَبطه بَعضهم بالنُّون والشين والغين المعجمتين بِمَعْنى: أَنهم يحصل لَهُم مِنْهَا شبه الغشي عِنْد إزدرادها، لِأَن النشغ فِي الأَصْل الشهيق حَتَّى يكَاد يبلغ بِهِ الغشي. قَوْله: (منتن) قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : صَوَابه مُنْتِنَة، لِأَن الرّيح مُؤَنّثَة. قلت: الرّيح تذكر وتؤنث فَلَا يُقَال الصَّوَاب: تأنيثه.
4101 - حدَّثنا خَلاَّدُ بنُ يَحْيَى حدَّثنَا عبْدُ الوَاحِدِ بنُ أيْمَنَ عنْ أبِيهِ قَالَ أتَيْتُ جابِرَاً رَضِي الله تَعَالَى عنهُ فقَالَ إنَّا يَوْمَ الخَنْدَقِ نَحْفِرُ فعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ فجَاؤُا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا هاذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الخَنْدَقِ فَقال أنَا نَازِلٌ ثُمَّ قامَ وبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ ولَبِثْنَا ثلاَثَةَ أيَّامٍ لاَ نَذُوقُ ذَوَاقَاً فأخذَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المِعْوَلَ فَضربَ فَعادَ كَئِيبَاً أهْيَلَ أوْ أهْيَمَ فقُلْتُ يَا رسُولَ الله إئْذَنْ لِي إِلَى البَيْتِ فقُلْتُ لاِمْرَأتِي رأيْتُ بالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئَاً مَا كانَ فِي ذالِكَ صَبْرٌ فعِنْدَكِ شَيْءٌ قَالَتْ عِنْدِي شَعِيرٌ وعَناقٌ فذَبَحْتُ العَناقَ وطَحَنْتِ الشَّعِيرَ حتَّى جعَلْنَا اللَّحْمَ فِي البُرْمَةِ ثُمَّ جِئْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والعَجِينُ قدِ انْكسَرَ والْبُرْمَةُ بَيْنَ الأثَافِيِّ قَدْ كادَتْ أنْ تَنْضَجَ فقُلْتُ طُعَيِّمٌ لي فَقُمْ أنْتَ يَا رَسُولَ الله ورَجُلٌ أوْ رَجُلاَنِ قَالَ كَمْ هُوَ فذَكَرْتُ لَهُ قَالَ كَثِيرٌ طَيِّبٌ قَالَ قُلْ لَهَا لاَ تَنْزِعُ البُرْمَةَ وَلَا الخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حتَّى آتِيَ فَقَالَ قُومُوا فَقامَ المُهَاجِرُونَ والأنْصَارُ فلَمَّا دَخَلَ علَى امْرَأتِهِ قَالَ ويْحَكِ جاءَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمُهَاجِرِينَ والأنْصَارِ ومَنْ مَعَهُمْ قالَتْ هَلْ سألَكَ قُلْتُ نَعَمْ فَقالَ ادْخُلُوا ولاَ تَضَاغَطُوا فجَعَلَ يَكْسِرُ الخُبْزَ ويَجْعَلُ عليْهِ اللَّحْمَ ويُخَمِّرُ البُرْمَةَ والتَّنُّورَ إذَا أخَذَ مِنْهُ ويُقَرِّبُ إلَى أصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزِعُ فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الخُبْزَ ويَغْرِفُ حَتَّى شَبِعُوا وبَقِيَ بِقِيَّةٌ قَالَ كُلِي هاذَا وأهْدِي فإنَّ النَّاسَ أصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يَوْم الخَنْدَق) . وخلاد، على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ: ابْن يحيى بن صَفْوَان أَبُو مُحَمَّد السّلمِيّ الْكُوفِي، مَاتَ بِمَكَّة قَرِيبا من سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَعبد الْوَاحِد بن أَيمن الْأَيْسَر يروي عَن أَبِيه أَيمن الحبشي مولى ابْن أبي عمر المَخْزُومِي الْقرشِي الْمَكِّيّ من أَفْرَاد البُخَارِيّ. والْحَدِيث أَيْضا من أَفْرَاده.
قَوْله: (يَوْم الخَنْدَق) نصب على الظّرْف. قَوْله: (يحْفر) خبر: إِن. قَوْله: (كدية) بِضَم الْكَاف وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وبالياء آخر الْحُرُوف: وَهِي الْقطعَة الصلبة من الأَرْض لَا يُؤثر فِيهَا الْمعول، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: كبدة، بِفَتْح الْكَاف وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة قبل الدَّال، وَقَالَ عِيَاض: كَانَ المُرَاد أَنَّهَا وَاحِدَة الكبد وَهُوَ الْجَبَل، وَقَالَ الْخطابِيّ: كبدة، بِالْبَاء الْمُوَحدَة إِن كَانَت مَحْفُوظَة فَهِيَ الْقطعَة من الأَرْض الصلبة، وَأَرْض كبداء وقوس كبداء أَي: شَدِيدَة، وَوَقع فِي رِوَايَة الاصيلي عَن الْجِرْجَانِيّ: كِنْدَة، بنُون، وَعند ابْن السكن: كتدة، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقَالَ عِيَاض: لَا أعرف لَهَا معنى، وَفِي رِوَايَة: كذانة بذال مُعْجمَة وَنون، وَهِي الْقطعَة من الْجَبَل، وَعند ابْن إِسْحَاق: صَخْرَة، وَفِي رِوَايَة عبلة: وَهِي الصَّخْرَة الصماء وَجَمعهَا: عبلات، وَيُقَال لَهَا: العبلاء، والأعبل وَكلهَا الصَّخْرَة. قَوْله: (وبطنه معصوب بِحجر) ، زَاد يُونُس فِي رِوَايَته: من الْجُوع، وَفِي رِوَايَة أَحْمد: أَصَابَهُم جهد شَدِيد حَتَّى ربط النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على بَطْنه حجرا من الْجُوع. فَإِن قلت: مَا كَانَ فَائِدَة ربط الْحجر؟ فَهَل ذَلِك يدْفع الْجُوع أم لَا؟ قلت: قيل: إِن الْبَطن يضمر من الْجُوع فيربط الْحجر على الْبَطن ليدفع انحناء الصلب، لِأَن الجائع ينحني صلبه إِذا اشْتَدَّ بِهِ الْجُوع. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَائِدَته تسكين حرارة الْجُوع ببرودة الْحجر، أَو ليعتدل قَائِما، أَو لِأَنَّهَا حِجَارَة رقاق(17/179)
تشد الْعُرُوق والأمعاء فَلَا ينْحل مِمَّا فِي الْبَطن فَلَا يحصل ضعف زَائِد بِسَبَب التَّحَلُّل. وَقَالَ ابْن حبَان: الصَّوَاب الحجز، بالزاي إِذْ لَا معنى لشد الْحجر على الْبَطن من الْجُوع، ورد عَلَيْهِ بِمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَة الَّتِي تَأتي: رَأَيْت بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خمصاً شَدِيدا، والخمص: الْجُوع. قلت: فِيهِ نظر لَا يخفى. قَوْله: (ذواقاً) بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الذواق الْمَأْكُول والمشروب، فعَّال بِمَعْنى مفعول من الذَّوْق، وَيَقَع على الْمصدر وَالِاسْم، يُقَال: ذقت الشَّيْء أذوقه ذوقاً وذواقاً، وَمَا ذقت ذواقاً أَي: شَيْئا. قَوْله: (الْمعول) ، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو وَفِي آخِره لَام: وَهُوَ الفأس الَّذِي يكسر بِهِ الْحجر. وَقَالَ بَعضهم: الْمعول المسحاة. قلت: هَذَا التَّفْسِير غير صَحِيح، والمعول الفأس كَمَا ذكرنَا، وَالْمِيم فِيهِ زَائِدَة، والمسحاة المجرفة من الْحَدِيد، وَالْمِيم فِيهَا أَيْضا زَائِدَة لِأَنَّهَا من السحو وَهُوَ الْكَشْف والإزالة، وَمن الدَّلِيل على الْمُغَايرَة رِوَايَة أَحْمد، رَحمَه الله: فَأخذ الْمعول أَو المسحاة، بِالشَّكِّ. قَوْله: (فَضرب) ، أَي: الكدية، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: ثمَّ سمى ثَلَاثًا ثمَّ ضرب، وَعند الْحَارِث ابْن أبي أُسَامَة من طَرِيق سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن أبي عُثْمَان، قَالَ: ضرب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الخَنْدَق ثمَّ قَالَ:
(بِسم الله وَبِه بدينا ... وَلَو عَبدنَا غَيره شقينا)
حبذا رَبًّا وحبذا دينا
قَوْله: (كثيباً) ، بِفَتْح الْكَاف وَكسر الثَّاء الْمُثَلَّثَة: هُوَ الرمل، قَالَ الله تَعَالَى: {كثيباً مهيلاً} (المزمل: 14) . أَي: تفتت حَتَّى صَار كالرمل يسيل وَلَا يتماسك. قَوْله: (أهيل) ، الأهيل هُوَ أَن ينهال فيسيل من لينه ويتساقط من جوانبه، وَفِي رِوَايَة أَحْمد: كثيباً يهال. قَوْله: (أَو أهيم) ، شكّ من الرَّاوِي أَي: أَو عَاد كثيباً أهيم، وَهُوَ بِمَعْنى الأهيل، والهيام من الرمل مَا كَانَ دقاقاً يَابسا، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: أهيل، بِغَيْر شكّ، وَكَذَا فِي رِوَايَة يُونُس، وَقَالَ عِيَاض: ضَبطهَا بَعضهم: أهثم، بالثاء الْمُثَلَّثَة، وَبَعْضهمْ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وفسرها بِأَنَّهَا تَكَسَّرَتْ، وَالْمَعْرُوف بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف، قَوْله: (إئذن لي إِلَى الْبَيْت) أَي: إئذن لي حَتَّى آتِي بَيْتِي. قَوْله: (فَقلت لامرأتي) وَفِيمَا قبله حذف تَقْدِيره: فَأذن لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِأَن يَأْتِي إِلَى بَيته، فَقَالَ مَا ذكرنَا هُنَا، وَهُوَ قَوْله: (فَقلت لامرأتي: رَأَيْت بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، شَيْئا) يَعْنِي: من الْجُوع، وَاسم الْمَرْأَة، سهيلة بنت مَسْعُود بن أَوْس الظفرية الْأَنْصَارِيَّة بَايَعت. قَوْله: (عِنْدِي شعير) ، بَين يُونُس ابْن بكير فِي رِوَايَته أَنه صَاع. قَوْله: (عنَاق) ، بِفَتْح الْعين: الْأُنْثَى من أَوْلَاد الْمعز. قَوْله: (فذبحت) ، الذَّابِح هُوَ جَابر يخبر عَن نَفسه بذلك. قَوْله: (وطحنت) أَي: امْرَأَته، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن سعيد، فَأمرت امْرَأَتي فَطحنت وصنعت لنا خبْزًا. قَوْله: (حَتَّى جعلنَا) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: حَتَّى جعلت. قَوْله: (فِي البرمة) بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء: وَهِي الْقدر مُطلقًا، وَهِي فِي الأَصْل المتخذة من الْحجر الْمَعْرُوف بالحجاز واليمن. قَوْله: (والعجين قد انْكَسَرَ) يَعْنِي: لَان وَتمكن فِيهِ الخمير. قَوْله: (الأثافي) بِفَتْح الْهمزَة جمع الأثفية بِضَم الْهمزَة وَقد تخفف الْيَاء فِي الْجمع: وَهِي الْحِجَارَة الَّتِي تنصب وتوضع الْقدر عَلَيْهَا، يُقَال: أثفيت الْقدر، إِذا جعلت لَهَا الأثافي، وثفيتها إِذا وَضَعتهَا عَلَيْهَا، والهمزة فِيهِ زَائِدَة. قَوْله: (طعيم) مصغر طَعَام صغره لأجل قلَّته، وَقَالَ ابْن التِّين: ضَبطه بَعضهم بتَخْفِيف الْيَاء وَهُوَ غلط. قلت: لِأَن: طعيم، بتَخْفِيف الْيَاء تَصْغِير طعم لَا تَصْغِير الطَّعَام. قَوْله: (لي صفة طعيم) أَي: مَصْنُوع لأجلي. قَوْله: (فَقُمْ أَنْت يَا رَسُول الله وَرجل) قَوْله: (أَو رجلَانِ) شكّ من الرَّاوِي، وَفِي رِوَايَة يُونُس: ورجلان، بِلَا شكّ. قَوْله: (فَقَالَ: كم هُوَ؟) أَي: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كم طَعَامك؟ قَوْله: (فَذكرت لَهُ) ، أَي: لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وبينت لَهُ الطَّعَام. قَوْله: (فَقَالَ: كثير طيب) أَي: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: طَعَام كثير طيب. قَوْله: (لَا تنْزع البرمة) أَي: من فَوق الأثافي. قَوْله: (وَلَا الْخبز) وَلَا تنْزع الْخبز من التَّنور. قَوْله: (حَتَّى آتِي) أَي: إِلَى أَن آتِي بَيتكُمْ. أَي: أجيء. قَوْله: (فَقَالَ: قومُوا) أَي: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمن كَانَ عِنْده من الصَّحَابَة: قومُوا إِلَى أكل جَابر. قَوْله: (قَالَت: هَل سَأَلَك) أَي: قَالَت امْرَأَة جَابر لَهُ: هَل سَأَلَك رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن حَال الطَّعَام؟ وَفِي رِوَايَة يُونُس: فَقَالَت: الله وَرَسُوله أعلم، نَحن قد أخبرنَا بِمَا عندنَا، وَفِي رِوَايَة أبي الزبير عَن جَابر: أَنَّهَا قَالَت لجَابِر، فَارْجِع إِلَيْهِ فَبين لَهُ، فَأَتَيْته فَقلت: يَا رَسُول الله إِنَّمَا هُوَ عنَاق وَصَاع من شعير، قَالَ: فَارْجِع وَلَا تحركن شَيْئا من التَّنور وَلَا من الْقدر حَتَّى آتيها واستعر صحافاً. قَوْله: (فَقَالَ: ادخُلُوا) أَي: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمن مَعَه من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار: ادخُلُوا الدَّار. قَوْله: (لَا تضاغطوا) أَي: وَلَا تزدحموا، ومادته ضاد وغين معجمتان وطاء مُهْملَة: من الضغطة. قَوْله: (فَجعل) أَي: رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَأهْدى) بِهَمْزَة قطع من الإهداء لَا من الْهَدِيَّة، كَمَا قَالَ بَعضهم. قَوْله: (فَإِن النَّاس) إِلَى آخِره، بَيَان سَبَب(17/180)
الإهداء، وَفِي رِوَايَة يُونُس: كلي واهدي، فَلم نزل نَأْكُل ونهدي يَوْمنَا أجمع، وَفِي رِوَايَة أبي الزبير عَن جَابر: فأكلنا وأهدينا لجيراننا، وَهَذَا كُله من عَلَامَات النُّبُوَّة.
4102 - حدَّثني عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ حدَّثنا أبُو عاصِمٍ أخبرَنا حَنْظَلَةُ بنُ أبِي سُفْيَانَ أخْبرَنَا سَعِيدُ ابنُ مِينَاءَ قَالَ سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ لَمَّا حُفِرَ الخَنْدَقُ رأيْتُ بالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمَصَاً شَدِيدَاً افانْكَفَأتُ إِلَى امْرَأتِي فقُلْتُ هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ فإنِّي رأيْتُ بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمَصَاً شَدِيدَاً فأخْرَجتُ إلَيَّ جِرَابَاً فِيهِ صاعٌ مِنْ شَعِيرٍ ولَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ فذَبَحْتُهَا وطَحَنَتِ الشَّعِيرَ ففَرَغَتْ إلَى فَرَاغِي وقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا ثُمَّ وَلَّيْتُ إلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ لاَ تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبِمَنْ معَهُ فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ فَقُلْتُ يَا رسُولَ الله ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وطَحنَّا صَاعا مِنْ شَعِيرٍ كانَ عِنْدَنَا فتَعَالَ أنْتَ ونفَرٌ مَعَكَ فَصاحَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا أهل الخَنْدَق إِن جَابر قد صنع سورا فحيَّ هلا بكم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاَ تُنْزِلُنَّ بِرُمَتَكُمْ ولاَ تُخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ حَتَّى أجِىءَ فَجِئْتُ وجَاءَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقْدُمُ النَّاسَ حَتَّى جِئْتُ امْرَأتِي فقالَتْ بِكَ وبِكَ فقُلْتُ قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قلْتِ فأخْرَجَتْ لَهُ عَجِينَاً فبَصَقَ فِيهِ وبارَكَ ثُمَّ عَمَدَ إلَى بُرْمَتَيْنَا فبَصَقَ وبارَكَ ثُمَّ قَالَ ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعَكِ واقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلاَ تُنْزِلُوهَا وهُمْ ألْفٌ فأُقُسِمُ بِاللَّه لَقَدْ أكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وانْحَرَفُوا وإنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كمَا هِيَ وإنَّ عَجِينَنَا لَيُخبَزُ كَما هُوَ. .
حَتَّى ص 181
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث جَابر الْمَذْكُور أخرجه عَن عَمْرو بن عَليّ بن بَحر الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي عَن أبي عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد وَهُوَ شيخ البُخَارِيّ أَيْضا، روى عَنهُ هُنَا بالواسطة، وَسَعِيد بن ميناء، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون مَقْصُورا وممدوداً.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد مُخْتَصرا بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد فِي: بَاب من تكلم بِالْفَارِسِيَّةِ والرطانة.
قَوْله: (خمصاً) بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْمِيم وَقد تسكن وبالصاد الْمُهْملَة: وَهُوَ الْجُوع. قَوْله: (فَانْكَفَأت) أَي: انقلبت وَأَصله بِالْهَمْزَةِ وَفِي بعض النّسخ، فانكفيت، بِدُونِ الْهمزَة. قَوْله: (بَهِيمَة) بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة تَصْغِير بهمة وَهِي الصَّغِيرَة من أَوْلَاد الْغنم. قَوْله: (دَاجِن) بِكَسْر الْجِيم: وَهُوَ من أَوْلَاد الْغنم يربى فِي الْبيُوت وَلَا يخرج إِلَى المرعى، واشتقاقه من الدجن وَهُوَ الْإِقَامَة بِالْمَكَانِ، وَلم تدخل التَّاء فِيهِ لِأَنَّهُ صَار إسماً للشاة. قَوْله: (وطحنت) أَي: امْرَأَة جَابر. قَوْله: (ففرغت إِلَى فراغي) أَي: فرغت امْرَأَتي من طحن الشّعير مَعَ فراغي من ذبح الْبَهِيمَة، والفراغ بِفَتْح الْفَاء مصدر فرغت من الشّغل فروغاً وفراغاً، قَوْله: (ثمَّ وليت) أَي: رجعت. قَوْله: (فَقَالَت) أَي: عقيب رجوعي إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَت امْرَأَتي: لَا تفضحني. قَوْله: (فساررته) أَي: قلت لَهُ سرا. قَوْله: (فتعال) بِفَتْح اللَّام: أَمر من تَعَالَى يتعالى تعالياً، وَهُوَ الِارْتفَاع. قَوْله: (سوراً) بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو بِغَيْر همز وَمَعْنَاهُ: الصَّنِيع، بالحبشية، وَقيل: مَعْنَاهُ الْعرس بِالْفَارِسِيَّةِ، وَيُطلق أَيْضا على الْبناء الَّذِي يُحِيط بِالْمَدِينَةِ، وَأما السؤر بِالْهَمْزَةِ وَهُوَ الْبَقِيَّة وَالَّذِي يحفظ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِمَّا تكلم بِهِ الأعجمية هَذِه اللَّفْظَة. وَقَوله لِلْحسنِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: كخ، ولعَبْد الرَّحْمَن: مَهيم، أَي: مَا هَذَا ولأم خَالِد: سنا سنا، يَعْنِي: حسنه، وَذكر ابْن فَارس أَن معنى: معِين. مَا حالك وَمَا شَأْنك؟ وَلم يذكر أَنَّهَا أَعْجَمِيَّة، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: إِنَّهَا كلمة يَمَانِية. قَوْله: (فحي هلا بكم) هِيَ كلمة استدعاء فِيهَا حث. أَي: هلموا مُسْرِعين، وَمِنْه: حَيّ على الصَّلَاة، بِمَعْنى: هلموا، وفيهَا لُغَات. يُقَال: حيهل بفلان، وحيهلا بِزِيَادَة الْألف، وحيهلا(17/181)
بِالتَّنْوِينِ للتنكير، وحيهلا بتَخْفِيف الْيَاء وروى: حيهل بِالتَّشْدِيدِ وَسُكُون الْهَاء. قَوْله: (يقدم النَّاس) بِضَم الدَّال. قَوْله: (فَقَالَت: بك وَبِك) الْبَاء فِيهِ تتَعَلَّق بِمَحْذُوف تَقْدِيره: فعل الله بك كَذَا وَكَذَا حَيْثُ أتيت بناس كثير وَالطَّعَام قَلِيل. وَذَلِكَ مُوجب للخجلة. قَوْله: (فبصق) وَجَاء فِيهِ: بزق وبسق بِالسِّين وَالزَّاي. قَوْله: (ثمَّ عمد) بِكَسْر الْمِيم أَي: قصد. قَوْله: (وَبَارك) أَي: دَعَا بِالْبركَةِ. قَوْله: (واقدحي) أَي: اغرفي، يُقَال: قدح الْقدر إِذا غرف مَا فِيهَا، والقدحة الغرفة. قَوْله: (وهم ألف) أَي: وَالْحَال أَن الْقَوْم ألف، وَفِي رِوَايَة أبي نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) : إِنَّهُم كَانُوا سَبْعمِائة أَو ثَمَانمِائَة، وَالْحكم للزائد لزِيَادَة عمله. قَوْله: (وانحرفوا) أَي: مالوا عَن الطَّعَام. قَوْله: (لتغط) بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الطَّاء الْمُهْملَة أَي: تغلي وتفور من الامتلاء فَيسمع غطيطها، وَهُوَ من معجزات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
139 - (حَدثنِي عُثْمَان بن أبي شيبَة حَدثنَا عَبدة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا {إِذْ جاؤكم من فَوْقكُم وَمن أَسْفَل مِنْكُم وَإِذ زاغت الْأَبْصَار وَبَلغت الْقُلُوب الْحَنَاجِر} قَالَت ذَاك يَوْم الخَنْدَق) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْلهَا قَالَت ذَاك يَوْم الخَنْدَق وَعَبدَة بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن سُلَيْمَان الْكلابِي الْكُوفِي وَكَانَ اسْمه عبد الرَّحْمَن ولقبه عَبدة فغلب عَلَيْهِ يروي عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن هرون بن إِسْحَق وَهَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي سُورَة الْأَحْزَاب وَتَمَامه {وَبَلغت الْقُلُوب الْحَنَاجِر وتظنون بِاللَّه الظنونا هُنَالك ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وزلزلوا زلزالا شَدِيدا} قَوْله {إِذْ جاؤكم} بدل من قَوْله إِذْ جاءتكم جنود فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا وجنودا الْآيَة وَأَرَادَ بالجنود الْأَحْزَاب قُرَيْش وغَطَفَان ويهود قُرَيْظَة وَالنضير وَأَرَادَ بِالرِّيحِ الصِّبَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نصرت بالصبا قَوْله {من فَوْقكُم} أَي من فَوق الْوَادي من قبل الْمشرق عَلَيْهِم مَالك بن عَوْف النضري وعيينة بن حصن الْفَزارِيّ فِي ألف من غطفان وَمَعَهُمْ طَلْحَة بن خويلد الْأَسدي وحيي بن أَخطب فِي يهود بني قُرَيْظَة قَوْله {وَمن أَسْفَل مِنْكُم} يَعْنِي من الْوَادي من قبل الْمغرب وَهُوَ أَبُو سُفْيَان بن حَرْب فِي قُرَيْش وَمن مَعَه وَأَبُو الْأَعْوَر السّلمِيّ من قبل الخَنْدَق وَكَانَ سَبَب غَزْوَة الخَنْدَق فِيمَا قيل إجلاء رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بني النَّضر عَن دِيَارهمْ وَقَالَ ابْن إِسْحَق نزلت قُرَيْش بمجتمع السُّيُول فِي عشرَة آلَاف من أحابيشهم وَمن تَبِعَهُمْ من بني كنَانَة وتهامة وَنزل عُيَيْنَة فِي غطفان وَمن مَعَهم من أهل نجد إِلَى جَانب أحد بِبَاب نعْمَان وَخرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والمسلمون حَتَّى جعلُوا ظُهُورهمْ إِلَى سلع فِي ثَلَاثَة ألف وَالْخَنْدَق بَينه وَبَين الْقَوْم وَجعل النِّسَاء والذراري فِي الأطام وَقَالَ ابْن إِسْحَق وَلم يَقع بَينهم حَرْب إِلَّا مرماة بِالنَّبلِ لَكِن كَانَ عَمْرو بن عبدود العامري اقتحم هُوَ وَنَفر مَعَه خيولهم من نَاحيَة ضيقَة من الخَنْدَق حَتَّى صَارُوا بالسبخة فبارزه عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقتله وبرز نَوْفَل بن عبد الله بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي فبارزه الزبير رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقتله وَيُقَال قَتله عَليّ وَرجعت بَقِيَّة الْخُيُول منهزمة وَأقَام الْمُشْركُونَ فِيهِ بضعا وَعشْرين لَيْلَة قَرِيبا من شهر والقصة طَوِيلَة وَآخر الْأَمر بعث الله الرّيح فِي ليَالِي شَاتِيَة شَدِيدَة الْبرد حَتَّى انصرفوا قَوْله {وَإِذ زاغت الْأَبْصَار} عطف على قَوْله {إِذْ جاؤكم} من فَوْقكُم وَالتَّقْدِير وَاذْكُر حِين زاغت الْأَبْصَار أَي حَالَتْ عَن سننها ومستوى نظرها حيرة وشخوصا وَقيل عدلت عَن كل شَيْء فَلم تلْتَفت إِلَّا إِلَى عدوها لشدَّة الروع قَوْله {وَبَلغت الْقُلُوب الْحَنَاجِر} هَذَا مَوْجُود فِي بعض النّسخ أَي زَالَت عَن أماكنها حَتَّى بلغت الحلوق قَالُوا إِذا انتفخت الرئة من شدَّة الْفَزع أَو الْغَضَب أَو الْغم الشَّديد ربت وارتفع الْقلب بارتفاعها إِلَى رَأس الحنجرة وَمن ثمَّة قيل للجبان انتفخ منحره قَوْله {وتظنون بِاللَّه الظنونا} قَالَ الْحسن ظنونا مُخْتَلفَة ظن المُنَافِقُونَ أَن مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه يستأصلون وَظن الْمُؤْمِنُونَ أَنهم يبتلون قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم الظنونا بِالْألف فِي الْوَصْل وَالْوَقْف لِأَن ألفها ثَابِتَة فِي مصحف عُثْمَان وَسَائِر مصاحف أهل الْبلدَانِ وَعَلِيهِ تَعْدِيل رُؤْس الْآي وَقَرَأَ حَمْزَة بِغَيْر ألف فِي الْحَالين الْوَصْل وَالْوَقْف(17/182)
وَالْبَاقُونَ بِالْألف فِي الْوَقْف دون الْوَصْل لِأَن الْعَرَب تفعل ذَلِك فِي قوافي أشعارهم ومصاريعها فتلحق الْألف فِي مَوضِع الْفَتْح عِنْد الْوَقْف وَلَا تفعل ذَلِك فِي حَشْو الأبيات فَحسن إِثْبَات الْألف فِي هَذَا الْحَرْف لِأَنَّهَا رَأس الْآيَة تمثيلا لَهَا بالبواقي وَكَذَلِكَ الرسولا والسبيلا قَوْله " قَالَت ذَاك " أَي قَالَت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا ذَاك إِشَارَة إِلَى مَا ذكر من مَجِيء الْكفَّار من فَوق وَمن أَسْفَل وزيغ الْأَبْصَار وبلوغ الْقُلُوب الْحَنَاجِر ويروى ذَلِك بِزِيَادَة اللَّام -
4104 - حدَّثنا مُسْلمُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ أبِي إسْحَاقَ عنِ البَرَاءِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَ الخَنْدَقِ حَتَّى غَمَّرَ بَطْنَهُ أوِ اغْبَرَّ بَطْنُهُ يَقُولُ:
(وَالله لَوْلاَ الله مَا اهْتَدَيْنَا ... ولاَ تصَدَّقْنَا ولاَ صَلَّيْنَا)
(فأنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وثَبِّتِ الأقْدَامَ إنْ لاَقَيْنَا)
(إنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا علَيْنَا ... إذَا أرَادُوا فِتْنَةً أبَيْنَا)
ورَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ أبَيْنَا أبَيْنَا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي الْكُوفِي، والبراء بن عَازِب.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب حفر الخَنْدَق فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق مُخْتَصرا وَعَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة إِلَى آخِره، وَلَفظه: (ينْقل التُّرَاب وَقد وارى التُّرَاب بَيَاض بَطْنه وَهُوَ يَقُول:
لَوْلَا أَنْت مَا اهتدينا
إِلَى قَوْله: فتْنَة أَبينَا فَقَط، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (حَتَّى غمر بَطْنه أَو أغبر بَطْنه) ، كَذَا وَقع بِالشَّكِّ، أما لفظ: غمر، فبالغين الْمُعْجَمَة وَفتح الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء، قَالَ الْخطابِيّ: إِن كَانَت هَذِه اللَّفْظَة مَحْفُوظَة فَالْمَعْنى: وارى التُّرَاب جلد بَطْنه، وَمِنْه اغمر النَّاس وَهُوَ جمعهم إِذا تكاثف وَدخل بَعضهم فِي بعض، قَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض الرِّوَايَات: غمر، من الإغمار، وَأما: أغبر، فَكَذَلِك بالغين الْمُعْجَمَة وَلكنه بِالْبَاء الْمُوَحدَة: من الْغُبَار، وَقَالَ الْخطابِيّ: وَرُوِيَ: حَتَّى اعفر، بِعَين مُهْملَة وَفَاء من العفر بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ التُّرَاب، وَقَالَ عِيَاض: وَقع للْأَكْثَر بِمُهْملَة وَفَاء ومعجمة وموحدة، فَمنهمْ من ضَبطه بِنصب بَطْنه، وَمِنْهُم من ضَبطه بِرَفْعِهِ، وَعند النَّسَفِيّ: حَتَّى غبر بَطْنه أَو أغبر، بِمُعْجَمَة فيهمَا وموحدة، وَلأبي ذَر وَأبي زيد: حَتَّى أغمر، قَالَ: وَلَا وَجه لَهَا إلاَّ أَن يكون بمعني: ستر، كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: حَتَّى وارى التُّرَاب بَطْنه، قَالَ: وأوجه الرِّوَايَات: أغبر، بِمُعْجَمَة وموحدة، وَرفع: بَطْنه. قَوْله:
إِن الالى قد بغوا علينا
قد وَقع فِي أَكثر الرِّوَايَات:
أَن الأولى بغوا علينا
بِدُونِ لَفْظَة: قد، وَهُوَ غير مَوْزُون، فَلذَلِك قدر فِيهِ لَفْظَة: قد. وَقَالَ ابْن التِّين: إِن الْمَحْذُوف لفظ: قدوهم وَالْأَصْل:
إِن الأولى هم قد بغوا علينا، وَذكر فِي بعض الرِّوَايَات فِي مُسلم: أَبَوا، بدل: بغوا، وَمَعْنَاهُ صَحِيح أَي: أَبَوا أَن يدخلُوا فِي ديننَا. قَوْله: (أَبينَا أَبينَا) من الإباء، كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر وَأبي الْوَقْت وكريمة: أَتَيْنَا، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق بدل الْمُوَحدَة، وَقَالَ عِيَاض: كِلَاهُمَا صَحِيح، فَمَعْنَى الأول: أَبينَا الْفِرَار عِنْد فزع أَو حَادث، وَمعنى الثَّانِي: أَتَيْنَا وَقدمنَا على عدونا.
4105 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ شُعْبَةَ قَالَ حدَّثني الحَكَم عنْ مُجَاهِدٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نُصِرْتُ بالصَّبَا وأُهْلِكَتْ عادٌ بالدُّبُّورِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الله تَعَالَى نصر نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة الخَنْدَق بالصبا حَيْثُ ضرب وُجُوههم بِالرِّيحِ فَهَزَمَهُمْ، قَالَ الله تَعَالَى: {فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا وجنوداً لم تَرَوْهَا} (الْأَحْزَاب: 9) . وَقَالَ مُجَاهِد: سلط الله عَلَيْهِم الرّيح فكفأت قدورهم ونزعت خيامهم حَتَّى أظعنتهم، وَالصبَا مَقْصُورا: الرّيح الشرقية، وَالدبور، بِفَتْح الدَّال: الغربية، وَقيل: الصِّبَا الَّتِي تَجِيء من ظهرك إِذا اسْتقْبلت الْقبْلَة، وَالدبور عكسها، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الصباريح مهبها للمستوى مَوضِع مطلع الشَّمْس إِذا اسْتَوَى اللَّيْل وَالنَّهَار(17/183)
وَالدبور مَا يقابلها، والْحَدِيث مضى فِي الاسْتِسْقَاء فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نصرت بالصبا، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسلم عَن شُعْبَة عَن الحكم ... إِلَى آخِره نَحوه، وَالْحكم بِفتْحَتَيْنِ: هُوَ ابْن عتيبة تَصْغِير عتبَة الْبَاب.
4106 - حدَّثني أحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ حدَّثنَا شُرَيْحُ بنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بنُ يُوسُفَ قَالَ حدَّثَنِي أبِي عنْ أبي إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ يُحَدِّثُ قَالَ لَمَّا كانَ يَوْمُ الأحْزَابِ وَخَنْدَقَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأيْتُهُ يَنْقُلُ مِنْ تُرَابِ الخَنْدَقِ حَتَّى وَارَى عَنِّي الغُبَارُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ وكانَ كَثِيرَ الشعَرِ فسَمِعْتُهُ يَرْتَجِزُ بِكَلِمَاتِ ابنِ رَوَاحَةَ وهْوَ يَنْقُلُ مِنَ التُّرَابِ يَقُولُ:
(أللَّهُمَّ لَوْلاَ أنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... ولاَ تَصَدَّقْنَا ولاَ صَلَّيْنَا)
(فأنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وثَبِّتِ الأقْدَامَ إنْ لاَقَيْنَا)
(إنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا علَيْنَا ... وإنْ أرَادُوا فِتْنَةً أبَيْنَا)
قَالَ ثُمَّ يَمُدُّ صَوْتَهُ بِآخِرِهَا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن عُثْمَان بن حَكِيم أَبُو عبد الله الْأَزْدِيّ الْكُوفِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَشُرَيْح، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة: ابْن مسلمة، بِفَتْح الميمين: الْكُوفِي، وَإِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن إِسْحَاق بن أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله الْكُوفِي السبيعِي، يروي عَن جده أبي إِسْحَاق، وَأَبُو إِسْحَاق يُصَرح بِسَمَاعِهِ عَن الْبَراء بن عَازِب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَحَدِيث الْبَراء هَذَا قد تقدم قبل الحَدِيث الَّذِي قبله، وَلَكِن بَينهمَا بعض اخْتِلَاف، وَهُوَ أَن فِي ذَلِك الحَدِيث: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ينْقل التُّرَاب يَوْم الخَنْدَق حَتَّى غمر بَطْنه، وَهَهُنَا (رَأَيْته ينْقل. .) إِلَى قَوْله: (وَكَانَ كثير الشّعْر) وَظَاهر هَذَا يدل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثير شعر الصَّدْر، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن فِي صفته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ دَقِيق المسربة، أَي: الشّعْر الَّذِي فِي الصَّدْر إِلَى الْبَطن، قيل: يُمكن أَن يجمع بِأَنَّهُ كَانَ مَعَ دقته كثيرا أَي: لم يكن منتشراً بل كَانَ مستطيلاً. وَفِي هَذَا الحَدِيث نسب الْبَراء الرجز الْمَذْكُور إِلَى ابْن رَوَاحَة، وَهُوَ عبد الله بن رَوَاحَة الْأنْصَارِيّ أحد الْأُمَرَاء فِي غَزْوَة مُؤْتَة، وَفِي ذَلِك الحَدِيث نسبه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
4107 - حدَّثني عَبْدَةُ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا عَبْدُ الصَّمَدِ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ هُوَ ابنُ عَبْدِ الله بنِ دِينَارٍ عنْ أبِيهِ أنَّ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ أوَّلُ يَوْمٍ شَهِدْتُهُ هُوَ يَوْمُ الخَنْدَقِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعَبدَة، بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عبد الله بن عَبدة أَبُو سهل الصفار الْخُزَاعِيّ الْبَصْرِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَعبد الصم هُوَ ابْن عبد الْوَارِث بن سعيد. قَوْله: (أول يَوْم) مُبْتَدأ وَخَبره هُوَ قَوْله: (يَوْم الخَنْدَق) وَالْمعْنَى: أول يَوْم باشرت فِيهِ الْقِتَال يَوْم غَزْوَة الخَنْدَق، وَتقدم أَنه لم يشْهد أحدا وَعرض فِيهَا وَهُوَ ابْن أَربع عشرَة وَلم يجزه، وَكَذَلِكَ فِي غَزْوَة بدر.
4108 - حدَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ مُوساى أخبرَنا هِشامٌ عنْ مَعْمَرٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ سَالِمٍ عنِ ابنِ عُمرَ. قَالَ وأخبَرَنِي ابنُ طَاوُسٍ عنْ عِكْرِمَةَ بنِ خَالِدٍ عنِ ابنِ عُمَرَ دَخَلْتُ علَى حَفْصَةَ ونَسْوَاتُهَا تَنْطُفُ قُلْتُ قَدْ كانَ مِنْ أمْرِ النَّاسِ مَا تَرَيْنَ فلَمْ يُجْعَلْ لِي مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ فقَالَتْ إلْحَقْ فإنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ وأخْشَى أنْ يَكُونَ فِي احْتِبَاسِكَ عَنْهُمْ فُرْقَةٌ فلَمْ تَدَعْهُ حَتَّى ذَهَبَ فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ(17/184)
خَطَبَ مُعَاوِيَةُ قالَ مَنْ كانَ يُرِيدُ أنْ يَتَكَلَّمَ فِي هاذَا الأمْرِ فلْيُطْلِعَ لَنَا قَرْنَهُ فلَنَحْنُ أحَقُّ بِهِ مِنْهُ ومِنْ أبِيهِ قَالَ حَبِيبُ بنُ مَسْلَمَةَ فَهَلاَّ أجَبْتَهُ قَالَ عَبْدُ الله فَحَلَلْتُ حُبْوَتِي وهَمَمْتُ أنْ أقُولَ أحَقُّ بِهَذَا الأمْرِ مِنْكَ مَنْ قاتَلَكَ وأبَاكَ علَى الإسْلاَمِ فَخَشَيْتُ أنْ أقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ الجَمْعِ وتَسْفِكُ الدَّمَ ويُحْمَلُ عَنِّي غَيْرُ ذَلِكَ فذَكَرْتُ مَا أعَدَّ الله فِي الجِنَانِ قَالَ حَبِيبٌ حُفِظْتَ وعُصِيتَ. قَالَ مَحْمُودٌ عنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ونَوْسَاتُهَا.
لَا وَجه لذكر هَذَا الحَدِيث هُنَا إلاَّ أَن يُقَال: ذكر اسْتِطْرَادًا لما قبله، لِأَن كلا مِنْهُمَا يتَعَلَّق بِابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
وَأخرجه من طَرِيقين:؛ الأول: عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد الْفراء أبي إِسْحَاق الرَّازِيّ عَن هِشَام بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ عَن معمر بن رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن سَالم بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه عبد الله بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الثَّانِي: عَن إِبْرَاهِيم عَن هِشَام عَن معمر عَن ابْن طَاوُوس وَهُوَ عبد الله عَن عِكْرِمَة بن خَالِد عَن ابْن عمر. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (حَفْصَة) ، هِيَ بنت عمر بن الْخطاب، وَأُخْت عبد الله. قَوْله: (ونسواتها) ، بِفَتْح النُّون وَالسِّين الْمُهْملَة، وَالْوَاو، قَالَ الْخطابِيّ: نسواتها، لَيْسَ بِشَيْء إِنَّمَا هُوَ نوساتها يَعْنِي: بِتَقْدِيم الْوَاو على السِّين أَي: ذوائبها (تنظف) بِضَم الطَّاء وَكسرهَا أَي: تقطر كَأَنَّهَا كَانَت قد اغْتَسَلت، وَيُقَال: النوسات جمع نوسة واشتقاقها من النوس وَهُوَ الِاضْطِرَاب، وَكَانَ ذؤابها كَانَت تنوس أَي: تتحرك وكل شَيْء تحرّك فقد نَاس، وَقَالَ ابْن التِّين. قَوْله: (نوساتها) ، بِسُكُون الْوَاو وَضبط بِفَتْحِهَا، وَأما: نسواتها، فَكَأَنَّهُ على الْقلب. قَوْله: (قد كَانَ من أَمر النَّاس مَا تَرين) ، أَرَادَ بِهِ مَا وَقع بَين عَليّ وَمُعَاوِيَة من الْقِتَال فِي صفّين واجتماع النَّاس على الْحُكُومَة بَينهم فِيمَا اخْتلفُوا فِيهِ، فراسلوا بقايا الصَّحَابَة من الْحَرَمَيْنِ وَغَيرهمَا وتواعدوا على الِاجْتِمَاع لينظروا فِي ذَلِك، فَشَاور ابْن عمر أُخْته حَفْصَة فِي التَّوَجُّه إِلَيْهِم أَو عَدمه فَأَشَارَتْ عَلَيْهِ باللحوق بهم خشيَة أَن ينشأ من غيبته اخْتِلَاف يُفْضِي إِلَى اسْتِمْرَار الْفِتْنَة. قَوْله: (فَلم يَجْعَل لي) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَأَرَادَ بِالْأَمر الْإِمَارَة وَالْملك. قَوْله: (فَقَالَت) أَي: قَالَت حَفْصَة لَهُ: (الْحق) الْقَوْم وَهُوَ بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْقَاف أَمر من: ألحق يلْحق. قَوْله: (فَإِنَّهُم) أَي: فَإِن الْقَوْم. قَوْله: (فرقة) ، أَي: افْتِرَاق بَين الْجَمَاعَة وَمُخَالفَة بَينهم. قَوْله: (فَلم تَدعه) ، أَي: فَلم تدع حَفْصَة، أَي: فَلم تتْرك حَفْصَة عبد الله حَتَّى ذهب إِلَى الْقَوْم وَحضر مَا وَقع بَينهم. قَوْله: (فَلَمَّا تفرق النَّاس. .) ، أَي: بعد أَن اخْتلف الحكمان وهما أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَكَانَ حكما من جِهَة عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعَمْرو بن الْعَاصِ وَكَانَ حكما من جِهَة مُعَاوِيَة، وقصة التَّحْكِيم طَوِيلَة بيناها فِي (تاريخنا الْكَبِير) وَالْحَاصِل أَن الْقَوْم اتَّفقُوا على الْحكمَيْنِ الْمَذْكُورين، ثمَّ قَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ لأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ: قُم فَأعْلم النَّاس بِمَا اتفقنا عَلَيْهِ، فَخَطب أَبُو مُوسَى النَّاس ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس! إِنَّا قد نَظرنَا فِي هَذِه الْأمة فَلم نر أمرا أصلح لَهَا وَلَا ألمَّ لشعثها من رأى اتّفقت أَنا وَعَمْرو عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنا نخلع عليا وَمُعَاوِيَة ونترك الْأَمر شُورَى ونستقبل للْأمة هَذَا الْأَمر فيولوا عَلَيْهِم من أحبوه، وَإِنِّي قد خلعت عليا وَمُعَاوِيَة، ثمَّ تنحى وَجَاء عَمْرو فَقَامَ مقَامه، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا قد قَالَ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَنه قد خلع صَاحبه، وَإِنِّي قد خلعته كَمَا خلعه، وَأثبت صَاحِبي مُعَاوِيَة، فَإِنَّهُ ولي عُثْمَان بن عَفَّان والمطالب بدمه وَهُوَ أَحَق النَّاس، فَلَمَّا انْفَصل الْأَمر على هَذَا خطب مُعَاوِيَة إِلَخ. قَوْله: (قرنه) ، بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الرَّاء، أَي: رَأسه، وَهَذَا تَعْرِيض مِنْهُ بِابْن عمر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ بدعته، كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَر الآخر: كلما نجم قرن، أَي: كلما طلع. قلت: فِي حَدِيث خباب هَذَا قرن قد طلع، أَرَادَ قوما أحداثاً بغوا بعد أَن لم يَكُونُوا، يَعْنِي: الْقصاص، وَقيل: أَرَادَ بِدعَة حدثت لم تكن فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ ابْن التِّين: وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى: فليبد لنا صفحة وَجهه، والقرن من شَأْنه أَن يكون فِي الْوَجْه، وَالْمعْنَى: فليظهر لنا نَفسه وَلَا يخفيها. قَوْله: (أَحَق بِهِ) أَي: بِأَمْر الْخلَافَة. قَوْله: (مِنْهُ) أَي: من عبد الله (وَمن أَبِيه) أَي: وَمن أَب عبد الله وَهُوَ عمر بن الْخطاب. قَوْله: (قَالَ حبيب ابْن مسلمة) بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام: ابْن مَالك الْأَكْبَر ابْن وهب بن ثَعْلَبَة بن وَاثِلَة بن شَيبَان بن محَارب بن فهر بن مَالك الْقرشِي الفِهري، يكنى أَبَا عبد الرَّحْمَن، يُقَال لَهُ: حبيب الرّوم، لِكَثْرَة دُخُوله إِلَيْهِم ونيله مِنْهُم، وولاه عمر الجزيرة إِذْ عزل(17/185)
عَنْهَا عِيَاض بن غنم، وَقَالَ سعيد بن عبد الْعَزِيز: كَانَ حبيب بن مسلمة فَاضلا مجاب الدعْوَة، مَاتَ بالأرمينية سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين لَهُ ولأبيه صُحْبَة. قَوْله: (فَهَلا أَجَبْته؟) أَي: لِمَ مَا أجبْت مُعَاوِيَة؟ . قَوْله: (حبوتي) ، بِضَم الْحَاء وَكسرهَا: اسْم منِ احتبى الرجل إِذا جمع الرجل ظَهره وساقيه بعمامته. قَوْله: (من قَاتلك) ، يُخَاطب بِهِ مُعَاوِيَة. قَوْله: (وأباك) أَرَادَ بِهِ أَبَا سُفْيَان وَالِد مُعَاوِيَة، فَإِن عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَاتل مُعَاوِيَة ووالده أَبَا سُفْيَان يَوْم أحد وَيَوْم الخَنْدَق وهما كَانَا كَافِرين فِي ذَلِك الْوَقْت، وَإِنَّمَا أسلما يَوْم الْفَتْح. قَوْله: (وَيحمل عني غير ذَلِك) ، أَي: على غير مَا أردْت. قَوْله: (فَذكرت مَا أعد الله فِي الْجنان) يَعْنِي: لمن صَبر وَاخْتَارَ الْآخِرَة على الدُّنْيَا. (قَالَ حبيب) هُوَ ابْن مسلمة الْمَذْكُور. قَوْله: (حفظت وعصمت) ، كِلَاهُمَا على صِيغَة الْمَجْهُول، واستصوب حبيب رَأْيه على أَنه كَانَ من أَصْحَاب مُعَاوِيَة.
(قَالَ مَحْمُود عَن عبد الرَّزَّاق) أَي: قَالَ مَحْمُود بن غيلَان أَبُو أَحْمد الْعَدوي الْمروزِي أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ وَمُسلم، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله مُحَمَّد بن قدامَة الْجَوْهَرِي فِي كتاب (أَخْبَار الْخَوَارِج) لَهُ، قَالَ: حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان الْمروزِي أخبرنَا عبد الرَّزَّاق عَن معمر، فَذكره بالإسنادين مَعًا، وسَاق الْمَتْن بِتَمَامِهِ، وأوله: دخلت على حَفْصَة ونوساتها تنطف، وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
4109 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنْ سُلَيْمَانَ بنِ صُرَدٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ الأحْزَابِ نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَنَا. (الحَدِيث 4109 طرفه فِي: 4110) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي، وَسليمَان بن صرد، بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وبالدال الْمُهْملَة: ابْن الجون، بِفَتْح الْجِيم الْخُزَاعِيّ صَحَابِيّ مَشْهُور، وَيُقَال: كَانَ اسْمه يسَار فَغَيره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث وَآخر تقدم فِي صفة إِبْلِيس، وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي تَأتي صرح بِسَمَاع أبي إِسْحَاق عَن سُلَيْمَان بن صرد، وَكَانَ سُلَيْمَان أسن من خرج من أهل الْكُوفَة فِي طلب ثار الْحُسَيْن بن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فَقتل هُوَ وَأَصْحَابه بِعَين الوردة فِي سنة خمس وَسِتِّينَ.
قَوْله: (يَوْم الْأَحْزَاب) أَي: قَالَ يَوْم الخَنْدَق: (تغزوهم) أَي: نغزوا قُريْشًا (وهم لَا يغزوننا) قَالَ ذَلِك بعد أَن انصرفت قُرَيْش عَن قَضِيَّة الخَنْدَق وَذَلِكَ لسبع بَقينَ من ذِي الْقعدَة سنة خمس فِي قَول ابْن إِسْحَاق وَآخَرين، وَعَن الزُّهْرِيّ: سنة أَربع فِي شَوَّال، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: لما انْصَرف أهل الخَنْدَق، قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لن نغزوكم قُرَيْش بعد عامكم هَذَا، وَلَكِنَّكُمْ تغزونهم. قَالَ: فَلم تعد قُرَيْش بعد ذَلِك، وَكَانَ يغزوهم بعد ذَلِك حَتَّى فتح الله عَلَيْهِ مَكَّة. وَفِيه: معْجزَة عَظِيمَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَيْثُ أخبر عَن أَمر سَيكون، وَقد وَقع مثل مَا قَالَ. قَوْله: (وَلَا يغزوننا) ، ويروى: لَا يغزونا، بِإِسْقَاط نون الْجمع بِدُونِ ناصب وَلَا جازم، وَهِي لُغَة فَاشِية عَن الْعَرَب.
4110 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا يَحْيَى بنُ آدَمُ حدَّثنا إسْرَائِيلُ سَمِعْتُ أبَا إسْحَاقَ يَقُولُ سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بنَ صُرَدٍ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ حينَ أُجْلِيَ الأحْزَابُ عَنْهُ الآنَ نَغْزُوهُمْ ولاَ يَغْزُونَنَا نَحْنُ نَسِيرُ إلَيْهِمْ. (انْظُر الحَدِيث 4109) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث سُلَيْمَان بن صرد أخرجه عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله الْجعْفِيّ البُخَارِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي عَن يحيى بن آدم بن سُلَيْمَان صَاحب الثَّوْريّ عَن إِسْرَائِيل بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، يروي إِسْرَائِيل عَن جده أبي إِسْحَاق الْمَذْكُور.
قَوْله: (أَجلي) بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الْجِيم وَكسر اللَّام: من الإجلاء، يُقَال أجلى يجلي إجلاء، وجلا يجلو جلاءً إِذا خرج عَن الوطن هَارِبا، وجلوته أَنا وأجليته وَكِلَاهُمَا لَازم ومتعد، وَحَاصِل الْمَعْنى أَنهم رجعُوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَنهم رجعُوا بِغَيْر اختيارهم، بل بصنيع الله تَعَالَى لرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (نَحن نسير إِلَيْهِم) وَهَكَذَا وَقع، سَار إِلَيْهِم وَفتح مَكَّة.(17/186)
4111 - حدَّثنا إسْحَاقُ حدَّثنا رَوْحٌ حدَّثنا هِشَامٌ عنْ مُحَمَّدٍ عنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ قَالَ يَوْمَ الخَنْدَقِ مَلأَ الله علَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وقُبُورَهُمْ نارَاً كَمَا شَغَلُونَا عنْ صَلاَةِ الوُسْطَى حَتَّى غابَتِ الشَّمْسُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق هُوَ ابْن مَنْصُور أَبُو يَعْقُوب الْمروزِي، وروح هُوَ ابْن عبَادَة، وَهِشَام هُوَ ابْن حسان الفردوسي وَلَيْسَ هُوَ هِشَام الدستوَائي كَمَا قَالَ بَعضهم، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين، وَعبيدَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة أَبُو عَمْرو السَّلمَانِي الْكُوفِي، أسلم قبل وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِسنتَيْنِ وَلم يُهَاجر إِلَيْهِ وَلم يره.
والْحَدِيث قد مر فِي الْجِهَاد فِي: بَاب الدُّعَاء على الْمُشْركين بالهزيمة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى عَن عِيسَى عَن هِشَام عَن مُحَمَّد عَن عُبَيْدَة عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى آخِره، نَحوه.
4112 - حدَّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثَنَا هِشَامٌ عنْ يَحْيَى عنْ أبِي سلَمَةَ عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ جَاءَ يَوْمَ الخَنْدَق بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ جعَلَ يَسُب كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَقَالَ يَا رسُولَ الله مَا كِدْتُ أنْ أُصَلِّيَ حتَّى كادَتِ الشَّمْسُ أنْ تَغْرُبَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا صَلَّيْتُهَا فنَزَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بُطْحَانَ فتَوَضَّأَ لِلْصَّلاَةِ وتَوَضَّأْنَا لَهَا فَصَلَّى العَصْرَ بَعْدَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا المَغْرِبَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عبد الله الدستوَائي، وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر أَبْوَاب الْمَوَاقِيت فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ فِي: بَاب قَضَاء الصَّلَاة الأولى، فَالْأولى عَن مُسَدّد عَن يحيى ... إِلَى آخِره نَحوه، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (جعل) عمر، ويروى: جَاءَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (بطحان) بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة غير منصرف، وَهُوَ اسْم وَادي الْمَدِينَة.
4113 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخْبَرَنَا سُفْيانُ عنِ ابنِ المُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جابِرَاً يَقُولُ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ الأحْزَابِ مَنْ يأتِينا بِخَبَرِ القَوْمِ فَقَالَ الزُّبَيْرُ أنَا ثُمَّ قَالَ مَنْ يأتِينَا بِخَبَرِ القَوْمِ فَقَالَ الزُّبَيْرُ أنَا ثُمَّ قَالَ مَنْ يأتِينَا بِخَبَرِ القَوْمِ فَقَالَ الزُّبَيْرُ أنَا ثُمَّ قَالَ إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيّاً وحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يَوْم الْأَحْزَاب) لِأَنَّهُ يَوْم الخَنْدَق. وَمُحَمّد بن كثير ضد الْقَلِيل وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، يروي عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب هَل يبْعَث الطليعة وَحده؟ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن صَدَقَة عَن ابْن عُيَيْنَة عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر إِلَى آخِره.
قَوْله: (بِخَبَر الْقَوْم) قَالَ الْوَاقِدِيّ: المُرَاد بالقوم بَنو قُرَيْظَة. قَوْله: (حوارياً) أَي: ناصراً. قَوْله: (وحواري) بِالْإِضَافَة إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم وتخفيفها، والاكتفاء بالكسرة وَبِفَتْحِهَا.
4114 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ سَعِيدِ بنِ أبِي سَعِيد عنْ أبِيهِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَقُولُ لاَ إلاهَ إلاَّ الله وحْدَهُ أعَزَّ جُنْدَهُ ونَصَرَ عَبْدَهُ وغلَبَ الأحْزَابَ وحْدَهُ فَلاَ شَيْءَ بَعْدَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَغلب الْأَحْزَاب وَحده) قَوْله: (عَن أَبِيه) هُوَ أَبُو سعيد المَقْبُري واسْمه كيسَان مولى بني لَيْث. قَوْله: (وَحده) مَنْصُوب على تَقْدِير: أوحد وَحده. قَوْله: (أعز) أَي: أعز الله جنده وَنصر عَبده النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،(17/187)
وَغلب الْأَحْزَاب الَّذين جاؤا من أهل مَكَّة وَغَيرهم يَوْم الخَنْدَق. قَوْله: (فَلَا شَيْء بعده) أَي: جَمِيع الْأَشْيَاء بِالنِّسْبَةِ إِلَى وجوده كَالْعدمِ، أَو بِمَعْنى: كل شَيْء يفنى وَهُوَ الْبَاقِي بعد كل شَيْء فَلَا شَيْء بعد. قَالَ تَعَالَى: {كل شَيْء هَالك إلاَّ وَجهه} (الْقَصَص: 88) . فَإِن قلت: هَذَا سجع وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذمّ السجع حَيْثُ قَالَ مُنكر: أسجع كسجع الْكُهَّان؟ قلت: الْمُنكر والمذموم السجع الَّذِي يَأْتِي بالتكلف وبالتزام مَا لَا يلْزم، وسجعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من السجع الْمَحْمُود لِأَنَّهُ جَاءَ بانسجام واتفاق على مُقْتَضى السجية، وَكَذَلِكَ وَقع مِنْهُ فِي أدعية كَثِيرَة من غير قصد لذَلِك وَلَا اعْتِمَاد إِلَى وُقُوعه مَوْزُونا مقفًى بِقَصْدِهِ إِلَى القافية.
4115 - حدَّثنا مُحَمَّدٌ أخبرنَا الفَزَارِي وعَبْدَةُ عنْ إسْمَاعِيلَ بنِ أبِي خالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ أبِي أوْفَى رَضِي الله تَعَالَى عنهُما يَقُولُ دَعَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى الأحْزَابِ فَقَالَ أللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ سَرِيعَ الحِسَابِ اهزِمِ الأحْزَابَ اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وزَلْزِلْهُمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام البيكندي البُخَارِيّ، والفزاري، بِفَتْح الْفَاء وبالزاي وَكسر الرَّاء: هُوَ مَرْوَان ابْن مُعَاوِيَة بن الْحَارِث الْكُوفِي، سكن مَكَّة، وَعَبدَة هُوَ ابْن سُلَيْمَان، مر عَن قريب.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب الدُّعَاء على الْمُشْركين بالهزيمة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أَحْمد بن مُحَمَّد عَن عبد الله عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد نَحوه.
قَوْله: (سريع الْحساب) أَي: سريع فِي الْحساب، أَو سريع حسابه قريب زَمَانه.
4116 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقَاتِلٍ أخبرَنَا عَبْدُ الله أخبرَنَا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عنْ سَالِمٍ ونافِعٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ إذَاقفَلَ مِنَ الغَزْوِ أوِ الحَجِّ أوِ العُمْرَةِ يبْدَأُ فَيُكَبِّرُ ثَلاثَ مِرَارٍ ثُمَّ يَقُولُ لاَ إلاهَ إلاَّ الله وحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ وهْوَ علَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تائِبُونَ عابِدُونَ ساجِدُونَ لِرَبِّنَا حامِدُونَ صدَقَ الله وعْدَهُ ونصَرَ عَبْدَهُ وهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك، وَنَافِع بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: عَن سَالم، وَالْمعْنَى: أَن مُوسَى بن عتبَة روى هَذَا الحَدِيث عَن كل وَاحِد من سَالم بن عبد الله بن عمر وَنَافِع مولى ابْن عمر، وكل مِنْهُمَا يرويهِ عَن عبد الله بن عمر.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب التَّكْبِير إِذا علا شرفاً، وَفِي: بَاب مَا يَقُول إِذا رَجَعَ من الْغَزْو.
قَوْله: (إِذا قفل) أَي: إِذا رَجَعَ، وَكلمَة: أَو، فِي الْمَوْضِعَيْنِ للتنويع لَا للشَّكّ. قَوْله: (لربنا) ، يحْتَمل أَن يتَعَلَّق بِمَا قبله وَبِمَا قبله، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
31 - (بابُ مَرْجِعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنَ الأحْزَابِ ومَخْرَجهِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ومُحَاصَرَتِهِ وإيَّاهُمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مرجع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والمرجع والمخرج بِفَتْح الْمِيم فيهمَا مصدران ميميان بِمَعْنى الرُّجُوع وَالْخُرُوج، وَالْمعْنَى، رُجُوع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الْموضع الَّذِي كَانَ يُقَاتل فِيهِ الْأَحْزَاب إِلَى منزله بِالْمَدِينَةِ وَخُرُوجه مِنْهُ إِلَى بني قُرَيْظَة ومحاصرته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إيَّاهُم، وَكَانَ توجهه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَيْهِم لسبع بَقينَ من ذِي الْقعدَة من سنة خمس، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: فِي بَقِيَّة ذِي الْقعدَة وَأول ذِي الْحجَّة، وَقَالَ ابْن سعد: خرج إِلَيْهِم يَوْم الْأَرْبَعَاء لسبع بَقينَ من ذِي الْقعدَة فِي ثَلَاثَة آلَاف رجل وَالْخَيْل سِتَّة وَثَلَاثُونَ فرسا، فَحَاصَرَهُمْ بضعاً وَعشْرين لَيْلَة، وَقيل: خمْسا وَعشْرين لَيْلَة، وَقيل: خمس عشرَة لَيْلَة، وَقَالَ ابْن سعد: وَانْصَرف رَاجعا يَوْم الْخَمِيس لثمان خلون من ذِي الْحجَّة، وَالله أعلم.(17/188)
4117 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ أبِي شَيْبَةَ حدَّثنا ابنُ نُمَيْرٍ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتْ لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنَ الخَنْدَقِ ووضَعَ السِّلاَحَ واغْتَسَلَ أتَاهُ جِبْرِيلُ علَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ قَدْ وضَعْتَ السِّلاَحَ وَالله مَا وضَعْنَاهُ فاخْرُجْ إلَيْهِمْ قَالَ فَإلَى أيْنَ قَالَ هَهُنَا وأشَارَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَيْهِمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَابْن نمير تَصْغِير نمر الْحَيَوَان الْمَشْهُور وَهُوَ عبد الله بن نمير، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، والْحَدِيث قد مر فِي الْجِهَاد فِي: بَاب الْغسْل بعد الْحَرْب وَالْغُبَار.
4119 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدِ بنِ أسْمَاءَ حدَّثنا جُوَيْرِيَةُ بنُ أسْمَاءَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ الأحْزَابِ لاَ يُصَلِّيَنَّ أحَدٌ العَصْرَ إلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فأدْرَكَ بَعْضُهُمْ العَصْرَ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا نُصَلِّي حَتَّى نأتِيهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ فَذُكِرَ ذالِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلَمْ يُعَنِّفْ واحِدَاً مِنْهُمْ. (انْظُر الحَدِيث 946) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إلاَّ فِي بني قُرَيْظَة) وَجُوَيْرِية مصغر جَارِيَة بِالْجِيم، وهم عَم عبد الله الرَّاوِي عَنهُ، والْحَدِيث مر فِي صَلَاة الْخَوْف فِي: بَاب صَلَاة الطَّالِب وَالْمَطْلُوب بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (الْعَصْر) كَذَا وَقع فِي جمع نسخ البُخَارِيّ، وَوَقع فِي جَمِيع النّسخ عِنْد مُسلم: الظّهْر، مَعَ اتِّفَاق البُخَارِيّ وَمُسلم على رِوَايَته عَن شيخ وَاحِد بِإِسْنَاد وَاحِد، وَوَافَقَ مُسلما أَبُو يعلى وَآخَرُونَ، وَكَذَلِكَ أخرجه ابْن سعد عَن أبي غَسَّان مَالك بن إِسْمَاعِيل عَن جوَيْرِية بِلَفْظ: الظّهْر، وَابْن حبَان من طَرِيق أبي غَسَّان كَذَلِك، وَأَصْحَاب الْمَغَازِي كلهم مَا ذكرُوا إلاَّ الْعَصْر، وَكَذَلِكَ أخرجه أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق أبي حَفْص السّلمِيّ عَن جوَيْرِية، فَقَالَ: الْعَصْر، وَجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِوُجُوه:
الأول: بِاحْتِمَال أَن يكون قبل الْأَمر كَانَ صلى الظّهْر وَبَعْضهمْ لم يصلها، فَقَالَ لمن لم يصلها، لَا يصلين أحد الظّهْر، وَلمن صلاهَا: لَا يصلين أحد الْعَصْر.(17/189)
الثَّانِي: بِاحْتِمَال أَن تكون طَائِفَة مِنْهُم راحت بعد طَائِفَة، فَقَالَ للطائفة الأولى: الظّهْر، وللطائفة الَّتِي بعْدهَا: الْعَصْر.
الثَّالِث: أَن يكون الِاخْتِلَاف من حفظ بعض الروَاة.
4120 - حدَّثنا ابنُ أبِي الأسْوَدِ حدَّثنَا مُعْتَمِرٌ وحدَّثنِي خَلِيفَةُ حدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ سَمِعْتُ أبِي عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّخَلاَتِ حتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ والنَّضِيرَ وأنَّ أهْلِي أمَرُونِي أنْ آتِي النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأسْألْهُ الَّذِي كانُوا أعْطُوهُ أوْ بَعْضَهُ وكانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ أعْطَاهُ أُمَّ أيْمَنَ فَجَاءَتْ أُمُّ أيْمَنَ فَجَعَلَتِ الثَّوْبَ فِي عُنُقِي تَقُولُ كَلاَّ والَّذِي لاَ إلاهَ إلاَّ هُوَ لاَ يُعْطِيكَهُمْ وقَدْ أعْطَانِيهَا أوْ كَمَا قالَتْ والنَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ لَكِ كذَا وتَقُولُ كَلاَّ وَالله حتَّى أعْطَاهَا حَسِبْتُ أنَّهُ قَالَ عَشْرَةَ أمْثَالِهِ أوْ كَمَا قَالَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (حَتَّى افْتتح قُرَيْظَة وَالنضير) وَابْن أبي الْأسود هُوَ عبد الله، وَأَبُو الْأسود جد عبد الله، وَاسم أَبِيه: مُحَمَّد، وَاسم أبي الْأسود، حميد بن أبي الْأسود، ومعتمر هُوَ ابْن سُلَيْمَان بن طرخان التَّيْمِيّ، وَخَلِيفَة هُوَ ابْن خياط.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْخمس مُخْتَصرا فِي: بَاب كَيفَ قسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُرَيْظَة وَالنضير، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن ابْن أبي الْأسود أَيْضا إِلَى آخِره نَحوه.
قَوْله: (حَتَّى افْتتح) ، أَي: إِلَى أَن افْتتح، وَلما افتتحها ردهَا إِلَيْهِم. قَوْله: (الَّذِي كَانُوا أَعْطوهُ) ، أَي: النّخل الَّذِي كَانَ الْأَنْصَار أعْطوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (أَو بعضه) ، أَي: أَو اسْأَل بعض مَا أَعْطوهُ. قَوْله: (وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أعطَاهُ أم أَيمن) أَي: وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أعْطى الَّذِي أعطي لَهُ من النخلات لأم أَيمن، وَهِي حاضنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاسْمهَا بركَة، وَقد تقدم ذكرهَا مرَارًا. قَوْله: (فَجعلت الثَّوْب فِي عنقِي) ، أَي: قَالَ أنس: لما سَأَلَ أم أَيمن جعلت أم أَيمن الثَّوْب فِي عنقِي، وَالْحَال أَنَّهَا تَقول: كلا، أَي: ارتدع عَن هَذَا فَإِنَّهُ لَا يعطيكهم، وَالْحَال أَنه قد أعطانيها، أَي: النخلات. قَوْله: (أَو كَمَا قَالَت) ، شكّ من الرَّاوِي أَي: أَو كَمَا قَالَت أم أَيمن، وَإِنَّمَا امْتنعت من ردهَا ظنا أَنَّهَا ملكت رَقَبَة النخلات، وَلَا ظَنّهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ قَالَ لَهَا أنس: (وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَك كَذَا) إِلَى آخِره، وَذَلِكَ لما كَانَ لَهَا عَلَيْهِ من حق الْحَضَانَة، وَالْوَاو فِي: وَالنَّبِيّ، للْحَال، وَكَانَ مُقْتَضى الْحَال أَن يَقُول: لَهَا مَكَان، وَلَكِن كلمة: لَهَا، مقدرَة تَقْدِيره: وَالنَّبِيّ يَقُول لَهَا لَك كَذَا، وَهِي (تَقول: كلا) ، كَذَا كِنَايَة عَن الْقدر الَّذِي ذكره لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمَا زَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يزيدها فِي عرض النخلات حَتَّى رضيت. قَوْله: (وَالله حَتَّى أَعْطَاهَا) أَي: قَالَ أنس: وَالله أَعْطَاهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرَة أَمْثَاله: أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: (حسبت أَنه قَالَ عشرَة أَمْثَاله) وَهُوَ قَول سُلَيْمَان بن طرخان الرَّاوِي عَن أنس، كَأَنَّهُ شكّ فِي قَول أنس: عشرَة أَمْثَاله، (أَو كَمَا قَالَ) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: أَعْطَاهَا عشرَة أَمْثَاله أَو قَرِيبا من عشرَة أَمْثَاله.
وَفِي الحَدِيث: مَشْرُوعِيَّة هبة الْمَنْفَعَة دون الرَّقَبَة، وفرط جود النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَثْرَة حلمه وبره، وَفِيه: منزلَة أم أَيمن، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
4121 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عنْ سَعْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أبَا أُمَامَةَ قَالَ سَمِعْتُ أبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ نَزَلَ أهْلُ قُرَيْظَةَ على حُكْمِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ فأرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى سَعْدٍ فأتَى علَى حِمَارٍ فلَمَّا دَنَا مِنَ المَسْجِدِ قَالَ لِلْأَنْصَارِ قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ أوْ خَيْرِكُمْ فَقالَ هاؤلاءِ نَزَلُوا على حُكْمِكَ فَقال تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ وتَسْبِي ذَرَارِيَّهُمْ قَالَ قَضَيْتَ بِحُكْمِ الله ورُبَّمَا قَالَ بِحُكْمِ المَلِكِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تفهم من معنى الحَدِيث، وغندر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَقد مر غير مرّة، وَسعد هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَأَبُو أُمَامَة أسعد بن سهل بن حنيف الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ سعد بن(17/190)
مَالك الْأنْصَارِيّ، وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
والْحَدِيث تقدم فِي الْجِهَاد فِي: بَاب إِذا نزل الْعَدو على حكم رجل، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (نزل أهل قُرَيْظَة على حكم سعد) ، سَيَأْتِي بَيَان ذَلِك فِي الحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ، وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن صَالح بن دِينَار التمار الْمدنِي: حكم أَن يقتل مِنْهُم كل من جرت عَلَيْهِ الموسى. قَوْله: (فَلَمَّا دنا) أَي: قرب (من الْمَسْجِد) قيل: المُرَاد بِهِ الْمَسْجِد الَّذِي كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعده للصَّلَاة فِيهِ فِي ديار بني قُرَيْظَة أَيَّام حصارهم، وَفِي كَلَام ابْن إِسْحَاق مَا يدل أَنه كَانَ مُقيما فِي مَسْجِد الْمَدِينَة حَتَّى بعث إِلَيْهِ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليحكم فِي بني قُرَيْظَة، وَفِيه: فَلَمَّا خرج إِلَى بني قُرَيْظَة كَانَ سعد فِي مَسْجِد الْمَدِينَة، وَالْقَوْل الأول أصح. قَوْله: (إِلَى سيدكم) أَرَادَ أفضلكم رجلا وَسيد الْقَوْم هُوَ رئيسهم والقائم بأمرهم، وَفِي (مُسْند أَحْمد) ، من حَدِيث عَائِشَة: فَلَمَّا طلع، يَعْنِي: سَعْدا، قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قومُوا إِلَى سيدكم فأنزلوه، فَقَالَ عمر: السَّيِّد الله، مَعْنَاهُ هُوَ الَّذِي تحق لَهُ السِّيَادَة، كَأَنَّهُ كره أَن يحمد فِي وَجهه، وَأحب التَّوَاضُع. قَوْله: (أَو خَيركُمْ) ، شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (وَرُبمَا قَالَ بِحكم الْملك) بِكَسْر اللَّام، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وبفتح اللَّام جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، الَّذِي ينزل بِالْأَحْكَامِ وَالشَّكّ فِيهِ من أحد الروَاة أَي: اللفظتين، قَالَ: وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن صَالح الْمَذْكُور آنِفا: لقد حكمت الْيَوْم فيهم بِحكم الله الَّذِي حكم بِهِ من فَوق سبع سموات، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق من مُرْسل عَلْقَمَة بن وَقاص: لقد حكمت فيهم بِحكم الله من فَوق سَبْعَة أَرقعَة، والأرقعة بِالْقَافِ جمع رقيع، وَهُوَ من أَسمَاء السَّمَاء، قيل: سميت بذلك لِأَنَّهَا رقعت بالنجوم.
158 - (حَدثنَا زَكَرِيَّاء بن يحيى حَدثنَا عبد الله بن نمير حَدثنَا هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت أُصِيب سعد يَوْم الخَنْدَق رَمَاه رجل من قُرَيْش يُقَال لَهُ حبَان بن العرقة رَمَاه فِي الأكحل فَضرب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خيمة فِي الْمَسْجِد ليعوده من قريب فَلَمَّا رَجَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الخَنْدَق وضع السِّلَاح واغتسل فَأَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ ينفض رَأسه من الْغُبَار فَقَالَ قد وضعت السِّلَاح وَالله مَا وَضعته اخْرُج إِلَيْهِم قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَيْنَ فَأَشَارَ إِلَى بني قُرَيْظَة فَأَتَاهُم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فنزلوا على حكمه فَرد الحكم إِلَى سعد قَالَ فَإِنِّي أحكم فيهم أَن تقتل الْمُقَاتلَة وَأَن تسبى النِّسَاء والذرية وَأَن تقسم أَمْوَالهم قَالَ هِشَام فَأَخْبرنِي أبي عَن عَائِشَة أَن سَعْدا قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم أَنه لَيْسَ أحد أحب إِلَيّ أَن أجاهدهم فِيك من قوم كذبُوا رَسُولك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأخرجوه اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظن أَنَّك قد وضعت الْحَرْب بَيْننَا وَبينهمْ فَإِن كَانَ بَقِي من حَرْب قُرَيْش شَيْء فأبقني لَهُ حَتَّى أجاهدهم فِيك وَإِن كنت وضعت الْحَرْب فافجرها وَاجعَل موتتي فِيهَا فانفجرت من لبته فَلم يرعهم وَفِي الْمَسْجِد خيمة من بني غفار إِلَّا الدَّم يسيل إِلَيْهِم فَقَالُوا يَا أهل الْخَيْمَة مَا هَذَا الَّذِي يأتينا من قبلكُمْ فَإِذا سعد يغذو جرحه دَمًا فَمَاتَ مِنْهَا رَضِي الله عَنهُ) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وزَكَرِيا بن يحيى بن صَالح الْبَلْخِي الْحَافِظ الْفَقِيه وَهُوَ من أَفْرَاده وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام والْحَدِيث مر فِي الصَّلَاة فِي بَاب الْخَيْمَة فِي الْمَسْجِد للمرضى فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بأخصر مِنْهُ بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد عَن زَكَرِيَّا بن يحيى إِلَى آخِره قَوْله " أُصِيب سعد " وَهُوَ سعد بن معَاذ بن النُّعْمَان الْأنْصَارِيّ الأوسي الأشْهَلِي قَوْله " حبَان " بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن العرقة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وبالقاف والعرقة أمه وَهِي بنت سعيد بن سعد بن سهم وَأَبوهُ قيس من بني معيص بن عَامر بن لؤَي وَفِي بعض النّسخ وَهُوَ حبَان بن قيس(17/191)
من بني معيص بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَيُقَال حبَان بن أبي قيس بن عَلْقَمَة بن عبد منَاف قَوْله " فِي الأكحل " بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْكَاف وباللام وَهُوَ عرق فِي وسط الذِّرَاع قَالَ الْخَلِيل هُوَ عرق الْحَيَاة يُقَال أَن فِي كل عُضْو مِنْهُ شُعْبَة فَهُوَ فِي الْيَد أكحل وَفِي الظّهْر أثير وَفِي الْفَخْذ النسا إِذا قطع لم يرقا الدَّم قَوْله " فَلَمَّا رَجَعَ " قَالَ الْقُرْطُبِيّ الْفَاء فِيهِ زَائِدَة وَفِي الحَدِيث الَّذِي فِي الْجِهَاد وَلما رَجَعَ بِالْوَاو قَوْله " وضع السِّلَاح " جَوَاب لما قَوْله " وَهُوَ ينفض " الْوَاو فِيهِ للْحَال وروى الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة قَالَت سلم علينا رجل وَنحن فِي الْبَيْت فَقَامَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَزعًا فَقُمْت فِي أَثَره فَإِذا بِدِحْيَةَ الْكَلْبِيّ فَقَالَ هَذَا جِبْرِيل يَأْمُرنِي أَن أذهب إِلَى بني قُرَيْظَة وَذَلِكَ لما رَجَعَ من الخَنْدَق قَالَت فَكَأَنِّي برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يمسح الْغُبَار عَن وَجه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وروى أَحْمد من حَدِيث عَلْقَمَة بن وَقاص عَن عَائِشَة فَجَاءَهُ جِبْرِيل وَإِن على ثناياه لنقع الْغُبَار وَفِي مُرْسل يزِيد بن الْأَصَم عِنْد ابْن سعد فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل عَفا الله عَنْك وضعت السِّلَاح وَلم تضعه مَلَائِكَة الله قَوْله " اخْرُج " بِضَم الْهمزَة أَمر من الْخُرُوج قَوْله " فَأَتَاهُم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَي فَحَاصَرَهُمْ وروى الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي الْأسود عَن عُرْوَة وَبعث عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على الْمُقدمَة وَرفع إِلَيْهِ اللِّوَاء وَخرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على أَثَره وَكَذَا فِي رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة وَزَاد " وحاصرهم بضع عشرَة لَيْلَة " وَعند ابْن سعد " خمس عشرَة لَيْلَة " وَفِي حَدِيث عَلْقَمَة بن وَقاص " خمْسا وَعشْرين " قَوْله " فَرد الحكم إِلَى سعد " أَي فَرد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الحكم فيهم إِلَى سعد بن معَاذ وَوجه الرَّد إِلَيْهِ سُؤال الْأَوْس ذَلِك مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " فَإِنِّي أحكم فيهم " أَي فِي بني قُرَيْظَة وَهَذَا هَكَذَا رِوَايَة النَّسَفِيّ وَفِي رِوَايَة غَيره " أحكم فِيهِ " أَي فِي هَذَا الْأَمر قَوْله " أَن تقتل الْمُقَاتلَة " ذكر ابْن إِسْحَاق أَنهم جعلُوا فِي دَار بنت الْحَارِث وَفِي رِوَايَة أبي الْأسود عَن عُرْوَة فِي دَار أُسَامَة بن زيد وَيجمع بَينهمَا بِأَنَّهُم جعلُوا فِي بَيْتَيْنِ وَوَقع فِي حَدِيث جَابر عِنْد ابْن عَائِذ التَّصْرِيح بِأَنَّهُم جعلُوا فِي بَيْتَيْنِ وَقَالَ ابْن إِسْحَاق " فخندقوا لَهُم خنادق فَضربت أَعْنَاقهم فَجرى الدَّم فِي الخَنْدَق وَقسم نِسَاءَهُمْ وأبناءهم على الْمُسلمين " وَاخْتلف فِي عدتهمْ فَعِنْدَ ابْن إِسْحَق " كَانُوا سِتّمائَة " وَعند ابْن عَائِذ من مُرْسل قَتَادَة " كَانُوا سَبْعمِائة " وَفِي حَدِيث جَابر عِنْد التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان بِإِسْنَاد صَحِيح " أَنهم كَانُوا أَرْبَعمِائَة مقَاتل " فَيحْتَمل فِي طَرِيق الْجمع أَن يُقَال أَن البَاقِينَ كَانُوا أتباعا وَقد حكى ابْن إِسْحَق وَقيل أَنهم كَانُوا تِسْعمائَة قَوْله " والذرية " بِضَم الذَّال وَفِي التَّوْضِيح قَالَ عبد الْملك بِنصب الذُّرِّيَّة وَقَالَ ابْن الْأَثِير الذُّرِّيَّة اسْم جمع نسل الْإِنْسَان من ذكر وَأُنْثَى وَأَصله الْهمزَة لكِنهمْ حذفوها فَلم يستعملوها إِلَّا غير مَهْمُوزَة وَتجمع على ذريات وذراري مشددا وَقيل أَصْلهَا من الذَّر بِمَعْنى التَّفْرِيق لِأَن الله ذرهم فِي الأَرْض انْتهى وَاخْتلف فِي وَزنهَا هَل هُوَ فعلية أَو فعلولة قَوْله " قَالَ هِشَام فَأَخْبرنِي أبي " أَي عُرْوَة وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور أَولا قَوْله " فأبقني لَهُ " أَي للحرب وَفِي رِوَايَة الْكشميهني لَهُم قَوْله " فافجرها " بوصل الْهمزَة وَالْجِيم ثلاثي من فجر يفجر مُتَعَدٍّ وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى الْجراحَة قيل كَيفَ استدعى الْمَوْت وَهُوَ غير جَائِز وَأجِيب بِأَن غَرَضه كَانَ أَن يَمُوت على الشَّهَادَة فَكَأَنَّهُ قَالَ إِن كَانَ بعد هَذَا قتال مَعَهم فَذَاك وَإِلَّا فَلَا تحرمني من ثَوَاب هَذِه الشَّهَادَة قَوْله " من لبته " بِفَتْح اللَّام وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة مَوضِع القلادة من الصَّدْر وَهِي رِوَايَة مُسلم والإسماعيلي وَفِي رِوَايَة الْكشميهني من ليلته وَفِي مُسْند حميد بن هِلَال عَن ابْن سعيد أَنه مرت بِهِ عنز وَهُوَ مُضْطَجع فَأصَاب ظلفها مَوضِع الْجرْح فانفجر حَتَّى مَاتَ قَوْله " فَلم يرعهم " من الروع وَهُوَ الْخَوْف قَالَ الْكرْمَانِي مرجع الضَّمِير بَنو غفار والسياق يدل عَلَيْهِ وَقيل الضَّمِير يرجع إِلَى أهل الْمَسْجِد قَوْله " وَفِي الْمَسْجِد خيمة من بني غفار " الْوَاو فِيهِ للْحَال قيل الْخَيْمَة لبني غفار لَا من بني غفار وَأجِيب بِأَن الْمُضَاف فِيهِ مَحْذُوف أَي خيمة من خيام بني غفار فَإِن قلت ذكر ابْن إِسْحَق أَن الْخَيْمَة كَانَت لرفيدة الأسْلَمِيَّة (قلت) يحْتَمل أَن يكون لَهَا زوج من بني غفار وغفار بن مليلة بن ضَمرَة بن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة وغفار بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء وبالراء وَقَالَ ابْن دُرَيْد من غفر إِذا ستر قَوْله فَإِذا سعد كلمة إِذا للمفاجأة قَوْله يغذو بغين وذال معجمتين أَي يسيل يُقَال غذا الْعرق إِذا سَالَ دَمًا قَوْله فَمَاتَ مِنْهَا أَي من تِلْكَ الْجراحَة(17/192)
وَفِي السّير وَلما مَاتَ أَتَى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام معتجرا بعمامة من استبرق فَقَالَ يَا مُحَمَّد من هَذَا الَّذِي فتحت لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء واهتز لَهُ الْعَرْش فَقَامَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَرِيعا يجر ثَوْبه إِلَيْهِ فَوَجَدَهُ قد مَاتَ وَلما حملُوا نعشه وجدوا لَهُ خفَّة فَقَالَ إِن لَهُ حَملَة غَيْركُمْ وَقَالَ ابْن عَائِذ لقد نزل سَبْعُونَ ألف ملك شهدُوا سَعْدا مَا وطئوا الأَرْض إِلَّا يومهم هَذَا -
4123 - حدَّثنا الحَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ أخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ أخْبَرَنِي عَدِيٌّ أنَّهُ سَمِعَ البَرَاءَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِحَسَّانَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ اهْجُهُمْ أوْ هَاجِهِمْ وجِبْرِيلُ مَعَكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن هجو حسان بِأَمْر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ للْمُشْرِكين يَوْم بني قُرَيْظَة، تدل عَلَيْهِ رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن طهْمَان الَّتِي تَأتي الْآن، وعدي هُوَ ابْن ثَابت الْأنْصَارِيّ الْكُوفِي، والْحَدِيث مضى فِي كتاب بَدْء الْخلق فِي: بَاب ذكر الْمَلَائِكَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة إِلَخ.
قَوْله: (أهجهم) أَمر من الهجو، وَهُوَ خلاف الْمَدْح، يُقَال: هجوته هجواً وهجاءً وتهجاءً. قَوْله: (أوهاجهم) ، شكّ من الرَّاوِي، وَهُوَ أَمر من المهاجاة من بَاب المفاعلة الدَّال على الِاشْتِرَاك فِي الهجو، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى الْمُشْركين بِدلَالَة الْقَرِينَة، وَالْوَاو فِي (جِبْرِيل) للْحَال، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
4124 - وَزَادَ إبْرَاهِيمُ بنُ طَهْمَانَ عَنِ الشِّيْبانِيِّ عنْ عدِيِّ بنِ ثابِتٍ عنِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ قُرَيْظَةَ لِحَسَّانَ بنَ ثَابِتٍ اهْجُ المُشْرِكِينَ فإنَّ جِبْرِيلَ مَعَكَ.
أَي: زَاد إِبْرَاهِيم بن طهْمَان الْهَرَوِيّ أَبُو سعيد فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن أبي إِسْحَاق بن سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ عَن عدي بن ثَابت. . الخ، وَقد وصل هَذِه الزِّيَادَة النَّسَائِيّ عَن حميد بن مسْعدَة عَن سُفْيَان بن حبيب عَن شُعْبَة عَن عدي بن ثَابت، وَالزِّيَادَة هِيَ تَعْيِينه أَن الْأَمر لحسان بذلك وَقع يَوْم قُرَيْظَة.
32 - (بابُ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة ذَات الرّقاع، بِكَسْر الرَّاء وبالقاف وبالعين الْمُهْملَة: سميت بذلك لأَنهم رقعوا فِيهَا راياتهم، وَقيل: لِأَن أَقْدَامهم نقبت فَكَانُوا يلقون الْخرق، وَقيل: كَانُوا يلقون الْخرق فِي الخر وَقيل: سميت بذلك لشَجَرَة هُنَاكَ تسمى: ذَات الرّقاع، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: سميت بذلك لجبل فِيهِ بقع حمر وبيض وسود، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: ثمَّ أَقَامَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ بعد غَزْوَة بني النَّضِير شَهْري ربيع وَبَعض جُمَادَى، ثمَّ غزا نجداً يُرِيد بني محَارب وَبني ثَعْلَبَة من غطفان، وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة أَبَا ذَر، وَقَالَ ابْن هِشَام: وَيُقَال: عُثْمَان بن عَفَّان، ثمَّ سَار حَتَّى نزل نجداً وَهِي غَزْوَة ذَات الرّقاع، فلقي بهَا جمعا من غطفان فتقارب النَّاس وَلم يكن بَينهم حَرْب، وَقد أَخَاف الله النَّاس بَعضهم بَعْضًا حَتَّى صلى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْخَوْف، وَالْحَاصِل أَن غَزْوَة ذَات الرّقاع عِنْد ابْن إِسْحَاق كَانَت بعد بني النَّضِير وَقبل الخَنْدَق سنة أَربع، وَعند ابْن سعد وَابْن حبَان: أَنَّهَا كَانَت فِي الْمحرم سنة خمس، وَمَال البُخَارِيّ إِلَى أَنَّهَا كَانَت بعد خَيْبَر على مَا سَيَأْتِي، وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِأَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ شَهِدَهَا، وقدومه إِنَّمَا كَانَ ليَالِي خَيْبَر صُحْبَة جَعْفَر وَأَصْحَابه، وَمَعَ هَذَا ذكرهَا البُخَارِيّ قبل خَيْبَر، وَالظَّاهِر أَن ذَلِك من الروَاة، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: خرج إِلَيْهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة السبت لعشر خلون من الْمحرم فِي أَرْبَعمِائَة، وَقيل: سَبْعمِائة، وَعند الْبَيْهَقِيّ: ثَمَانمِائَة، وَقَالَ ابْن سعد: على رَأس تِسْعَة وَأَرْبَعين شهرا من الْهِجْرَة وَغَابَ خمس عشرَة لَيْلَة، وَفِي (المعجم الْأَوْسَط) للطبراني: عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر قَالَ مُحَمَّد ابْن طَلْحَة: كَانَت غَزْوَة ذَات الرّقاع تسمى غَزْوَة الْأَعَاجِيب.
وهْيَ غَزْوَةُ مُحَارِبِ خَصَفَةَ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِنْ غَطَفَانَ فنَزَلَ نَخْلاً
أَي: غَزْوَة ذَات الرّقاع هِيَ غَزْوَة محَارب. قَوْله: (محَارب خصفة) بِإِضَافَة محَارب إِلَى خصفة للتمييز، لِأَن محَارب فِي الْعَرَب جمَاعَة، ومحارب هَذَا هُوَ ابْن خصفة، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْملَة وَالْفَاء المفتوحات، وَهُوَ ابْن قيس بن غيلَان بن إلْيَاس بن مُضر. قَوْله: (من بني ثَعْلَبَة) ، ذكره بِكَلِمَة: من، يَقْتَضِي أَن ثَعْلَبَة جد لمحارب، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَالصَّوَاب مَا وَقع عِنْد ابْن إِسْحَاق وَغَيره(17/193)
محَارب خصفة. وَبني ثَعْلَبَة بواو الْعَطف فَإِن غطفان هُوَ ابْن سعد بن قيس بن غيلَان، فمحارب وغَطَفَان ابْنا عَم، فَكيف يكون الْأَعْلَى مَنْسُوبا إِلَى الْأَدْنَى؟ وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ: خصفة بني ثَعْلَبَة، وَقَالَ الجياني: كِلَاهُمَا وهم، وَالصَّوَاب: محَارب خصفة وَبني ثَعْلَبَة، بواو الْعَطف كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: محَارب قَبيلَة من فهر. قلت: لَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْمُحَاربين هُنَا لَا ينتسبون إِلَى فهر بل ينتسبون إِلَى خصفة، وَلم يحرر هَذَا الْموضع كَمَا يَنْبَغِي. قَوْله: (فَنزل) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (نخلا) ، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة: وَهُوَ مَوضِع من الْمَدِينَة على يَوْمَيْنِ وَهُوَ بواد يُقَال لَهُ: شدخ، بالشين الْمُعْجَمَة وَالدَّال الْمُهْملَة وَالْخَاء الْمُعْجَمَة، وَفِيه طوائف من قيس من بني فَزَارَة وَأَشْجَع وأنمار.
وهْيَ بَعْدَ خَيْبَرَ لأنَّ أبَا مُوساى جاءَ بَعْدَ خَيْبَرَ
أَي: غَزْوَة ذَات الرّقاع، إِنَّمَا وَقعت بعد غَزْوَة خَيْبَر، وَاسْتدلَّ على ذَلِك بقوله: لِأَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ جَاءَ بعد خَيْبَر، وَثَبت أَن أَبَا مُوسَى شهد غَزْوَة ذَات الرّقاع فَلَزِمَ من ذَلِك وُقُوع غَزْوَة ذَات الرّقاع بعد غَزْوَة خَيْبَر.
4125 - قالَ أبُو عَبْدِ الله وقالَ لِي عَبْدُ الله بنُ رَجَاءٍ أخْبَرَنَا عِمْرَانُ العَطَّارُ عنْ يَحْيَى بنُ أبِي كَثِيرٍ عنْ أبِي سلَمَةَ عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأصْحَابِهِ فِي الْخَوفِ فِي غَزْوَةِ السَّابِعَةِ غَزْوَةِ ذاتِ الرِّقَاعِ. .
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ، قَالَ أَبُو عبد الله: وَإِنَّمَا الْمَذْكُور فِي أَكثر النّسخ، وَقَالَ عبد الله بن رَجَاء: على أَن لَفْظَة: لي، فِي رِوَايَة أبي ذَر فَقَط، وَعبد الله بن رَجَاء ضد الْخَوْف الفداني الْبَصْرِيّ سمع مِنْهُ البُخَارِيّ، وَأما عبد الله بن رَجَاء الْمَكِّيّ فَلم يُدْرِكهُ البُخَارِيّ وَعمْرَان هُوَ ابْن دَاوُد الْقطَّان وَفِي آخِره نون: الْبَصْرِيّ، وَلم يحْتَج بِهِ البُخَارِيّ إلاَّ اسْتِشْهَادًا، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله أَبُو الْعَبَّاس السراج فِي مُسْنده المبوب، فَقَالَ: حَدثنَا جَعْفَر بن هَاشم حَدثنَا عبد الله بن عبد الرَّحْمَن عَن يحيى بن حسان عَن مُعَاوِيَة بن سَلام ثَلَاثَتهمْ عَن يحيى عَنهُ بِهِ، وَأَعَادَهُ عَن أبي بكر فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (صلى بِأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْف) ، أَي: فِي حَالَة الْخَوْف، وَفِي رِوَايَة السراج: أَربع رَكْعَات، صلى بهم رَكْعَتَيْنِ ثمَّ ذَهَبُوا، ثمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فصلى بهم رَكْعَتَيْنِ. قَوْله: (فِي غَزْوَة السَّابِعَة) ، قَالَ بَعضهم: هُوَ من أضافة الشَّيْء إِلَى نَفسه على رَأْي. قلت: كَانَ يَنْبَغِي أَن يُقَال: هُوَ من إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه بِتَأْوِيل، وَهُوَ أَن يُقَال: غَزْوَة السفرة السَّابِعَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي وَغَيره: تَقْدِيره غَزْوَة السّنة السَّابِعَة من الْهِجْرَة، وَهَذَا التَّقْدِير غير صَحِيح، لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ أَن تكون غَزْوَة الرّقاع بعد خَيْبَر، وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا ذكرنَا مَعَ أَنه قَالَ فِي الْغَزْوَة السَّابِعَة بِالْألف وَاللَّام فِي الْغَزْوَة، ثمَّ قَالَ: ويروى غَزْوَة السَّابِعَة، ثمَّ فَسرهَا بِمَا ذكرنَا عَنهُ الْآن، والغزوات الَّتِي وَقع فِيهَا الْقِتَال: بدر وَأحد وَالْخَنْدَق وَقُرَيْظَة والمريسيع وخيبر، فعلى مَا ذكره يلْزم أَن تكون ذَات الرّقاع بعد خَيْبَر للتنصيص على أَنَّهَا السَّابِعَة. قَوْله: (غَزْوَة ذَات الرّقاع) ، بِالْجَرِّ على أَنه عطف بَيَان أَو بدل.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ صلَّى النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الخَوْفَ بذِي قَرَدٍ
أَي: قَالَ عبد الله بن عَبَّاس، صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْخَوْف بِذِي قرد، بِفَتْح الْقَاف وَالرَّاء، وَهُوَ مَوضِع على نَحْو يَوْم من الْمَدِينَة مِمَّا يَلِي بِلَاد غطفان، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله النَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق أبي بكر بن أبي الجهم عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بِذِي قرد صَلَاة الْخَوْف، وَقد مر فِي أَبْوَاب صَلَاة الْخَوْف عَن ابْن عَبَّاس صُورَة صَلَاة الْخَوْف، وَلَكِن لم يذكر فِيهِ: بِذِي قرد.
4126 - وقَالَ بكْرُ بنُ سَوَادَةَ حدَّثني زِيادُ بنُ نافِعٍ عنْ أبِي مُوساى أنَّ جابِرَاً حدَّثَهُمْ صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِمْ يَوْمَ مُحَارِبٍ وثَعْلَبَةَ. .(17/194)
بكر بن سوَادَة، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو وبالدال الْمُهْملَة: الجذامي، بِضَم الْجِيم وبالذال الْمُعْجَمَة، يكنى أَبَا ثُمَامَة، عداده فِي أهل مصر، وَكَانَ أحد الْفُقَهَاء بهَا وأرسله عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى أفريقية ليفقههم فَمَاتَ بهَا سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَالنَّسَائِيّ، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع الْمُعَلق، وَزِيَاد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن نَافِع النجيبي الْمصْرِيّ، من التَّابِعين الصغار، وَلَيْسَ لَهُ أَيْضا فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع، وَأَبُو مُوسَى ذكره أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي وَغَيره أَنه عَليّ بن رَبَاح اللَّخْمِيّ، وَقيل: إِنَّه أَبُو مُوسَى الغافقي، واسْمه مَالك بن عبَادَة، وَله صُحْبَة، وَقَالَ أَبُو عمر: مَالك بن عبَادَة الْهَمدَانِي، قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَفد هَمدَان مَعَ مَالك بن عمْرَة وَعقبَة بن نمر فأسلموا وَيُقَال: إِنَّه مصري وَلَا يعرف اسْمه، وَالْأول أولى، كَمَا نبه عَلَيْهِ الْحَافِظ الْمزي، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ أَيْضا سوى هَذَا الْموضع.
قَوْله: (بهم) أَي: بالصحابة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قَوْله: (يَوْم محَارب وثعلبة) هُوَ يَوْم غَزْوَة ذَات الرّقاع، وَقد مر فِي أول الْبَاب وَهُوَ قَوْله: وَهِي غَزْوَة محَارب خصفة. فَإِن قلت: ذكر هُنَا محَارب خصفة من بني ثَعْلَبَة، وَهنا يَقُول: وثعلبة، بعطفها على محَارب؟ قلت: كَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن قَوْلهم: من بني ثَعْلَبَة، وهم وَقد ذَكرْنَاهُ مستقصًى.
4127 - وقَالَ ابنُ إسْحَاقَ سَمِعْتُ وهْبَ بنَ كَيْسَانَ سَمِعْتُ جابِرَاً خرَجَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ فَلَقِيَ جَمْعَاً مِنْ غَطْفَانَ فلَمْ يَكُنْ قِتَالٌ وأخافَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً فصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيِّ الخَوْفِ. .
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب (الْمَغَازِي) ، وَقد مر فِي أول الْبَاب مَا ذكره ابْن إِسْحَاق، وَقَالَ بَعضهم: لم أر هَذَا الَّذِي سَاقه عَن ابْن إِسْحَاق هَكَذَا فِي شَيْء من كتب الْمَغَازِي وَلَا غَيرهَا. قلت: لَا يلْزم من عدم رُؤْيَته فِي مَوضِع من الْمَوَاضِع عدم رُؤْيَة البُخَارِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ذَلِك فِي مَوضِع لم يطلع عَلَيْهِ هَذَا الْقَائِل، لِأَن اطِّلَاعه لَا يُقَارب أدنى اطلَاع البُخَارِيّ وَلَا إِلَى شَيْء من ذَلِك.
وَقَالَ يَزِيدُ عنْ سَلَمَةَ غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ القَرَدِ
يزِيد هَذَا من الزِّيَادَة ابْن أبي عبيد مولى سَلمَة بن الْأَكْوَع يروي عَن سَلمَة هَذَا، وَمضى مَوْصُولا مطولا قبل غَزْوَة خَيْبَر، وَترْجم لَهُ البُخَارِيّ: غَزْوَة ذِي قرد، وَهِي الْغَزْوَة الَّتِي أَغَارُوا فِيهَا على لقاح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ فِيهَا ذكر لصَلَاة الْخَوْف أصلا. فَإِن قلت: فعلى هَذَا مَا فَائِدَة ذكر حَدِيث سَلمَة هَهُنَا؟ قلت: لَعَلَّه ذكره من أجل حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور. قيل إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى صَلَاة الْخَوْف بِذِي قرد، وَلَا يلْزم من ذكر: ذِي قرد، فِي الْحَدِيثين أَن تتحد الْقِصَّة، كَمَا لَا يلْزم من كَونه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى صَلَاة الْخَوْف فِي مَكَان أَن لَا يكون صلاهَا فِي مَكَان آخر.
4128 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ حدَّثنا أبُو أُسَامَةَ عنْ بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبِي مُوساى رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ خرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزَاةِ ونَحْنُ فِي سِتَّةِ نفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ فنَقِبَتْ أقْدَامُنَا ونَقِبَتْ قدَمَايَ وسَقَطَتْ أظْفَارِي وكُنَّا نَلُفُّ علَى أرجُلِنَا الخِرَقَ فسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاَعِ لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنَ الخِرَقِ علَى أرْجُلِنَا وحَدَّثَ أبُو مُوساى بِهاذَا الحَدِيثِ ثُمَّ كَرِهَ ذَاك قَالَ مَا كُنْتُ أصْنَعُ بأنْ أذْكُرَهُ كأنَّهُ كَرِهَ أنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ أفْشَاهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمُحَمّد بن الْعَلَاء أَبُو كريب الْهَمدَانِي الْكُوفِي، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وبريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن عبد الله بن أبي بردة بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، يروي عَن جده أبي بردة عَن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن عبد الله بن براد(17/195)
وَأبي كريب كِلَاهُمَا عَن أبي أُسَامَة عَنهُ.
قَوْله: (وَنحن فِي سِتَّة نفر) الظَّاهِر أَنهم كَانُوا من الْأَشْعَرِيين. قَوْله: (نعتقبه) أَي: نركبه عقبَة وَهِي أَن يتناوبوا فِي الرّكُوب بِأَن يركب أحدهم قَلِيلا ثمَّ ينزل فيركب الآخر حَتَّى يَأْتِي إِلَى آخِرهم. قَوْله: (فنقبت) ، بِفَتْح النُّون وَكسر الْقَاف، يُقَال: نقب الْبَعِير إِذا رقت أخفافه، ونقب الْخُف إِذا تخرق، وَذَلِكَ لمشيهم حُفَاة قد نقبت أَقْدَامهم وَسَقَطت أظفارهم. قَوْله: (لما كَانَ) ، أَي: لأجل مَا فَعَلْنَاهُ من ذَلِك. قَوْله: (وَحدث أَبُو مُوسَى بذلك) هَذَا مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَهُوَ مقول أبي بردة عَن أبي مُوسَى. قَوْله: (ثمَّ كره ذَلِك) أَي: أَبُو مُوسَى مَا حَدثهُ من ذَلِك لما فِيهِ من تَزْكِيَة نَفسه. قَوْله: (كَأَنَّهُ كره) إِلَخ. وَذَلِكَ لِأَن كتمان الْعَمَل الصَّالح أفضل من إِظْهَاره إلاَّ لوُجُود مصلحَة تَقْتَضِي ذَلِك. قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِن تخفوها وتؤتوها الْفُقَرَاء فَهُوَ خير لكم} (الْبَقَرَة: 271) .
4129 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ عنْ مَالِكٍ عنْ يَزِيدَ بنِ رُومَانَ عنْ صَالِحِ بنِ خَوَّاتٍ عمَّنْ شَهِدَ مَعَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صلَّى صَلاَةَ الخَوْفِ أنَّ طَائِفَةً صَفَتْ معَهُ وطَائِفَةٌ وُجَاهَ العَدُوِّ فصَلَّى بالَّتِي معَهُ رَكْعَةٌ ثُمَّ ثَبَتَ قائمَاً وأتَمُّوا لأنْفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجَاهَ العَدُوِّ وَجاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ منْ صَلاَتِهِ ثُمَّ ثَبَتَ جالِساً وأتَمُّوا لأنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن رُومَان، بِضَم الرَّاء: مولى الزبير بن الْعَوام، وَصَالح بن خَوات، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْوَاو وَفِي آخِره تَاء مثناة من فَوق: ابْن جُبَير، بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن النُّعْمَان الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة كلهم فِي الصَّلَاة، فَمُسلم عَن يحيى بن يحيى وَغَيره، وَأَبُو دَاوُد عَن القعْنبِي، وَالتِّرْمِذِيّ عَن بنْدَار، وَالنَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة، وَابْن مَاجَه عَن بنْدَار بِهِ.
قَوْله: (عَمَّن شهده مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ويروى: عَمَّن شهد مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قيل: اسْم هَذَا الْمُبْهم: سهل بن أبي حثْمَة، قَالَ الْمزي: هُوَ سهل بن عبد الله بن أبي حثْمَة، وَاسم أبي حثْمَة: عَامر بن سَاعِدَة الْأنْصَارِيّ، وَقَالَ بَعضهم: الرَّاجِح أَنه أَبُو صَالح الْمَذْكُور، وَهُوَ خَوات بن جُبَير، وَاحْتج على ذَلِك بِأَن أَبَا أويس روى هَذَا الحَدِيث عَن يزِيد بن رُومَان شيخ مَالك فِيهِ، فَقَالَ: عَن صَالح بن خَوات عَن أَبِيه أخرجه ابْن مَنْدَه فِي (معرفَة الصَّحَابَة) من طَرِيقه. انْتهى. قلت: الَّذِي يظْهر أَن صَالحا سَمعه من أَبِيه وَمن سهل بن أبي حثْمَة، فَلذَلِك كَانَ يبهمه تَارَة كَمَا فِي الطَّرِيق الْمَذْكُور، ويفسره أُخْرَى كَمَا فِي الطَّرِيق الَّذِي يَأْتِي الْآن، وَلَا يُقَال: هَذِه رِوَايَة عَن مَجْهُول، لِأَن الصَّحَابَة كلهم عدُول فَلَا يضر ذَلِك. قَوْله: (مَعَه) أَي: مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَجَاء الْعَدو) ، أَي: محاذيهم ومواجههم، والوجاه، بِضَم الْوَاو وَكسرهَا.
قَالَ مالِكٌ وذَلِكَ أحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي صَلاَةِ الخَوْفِ
هَذَا مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، ثمَّ كَلَام مَالك هَذَا يَقْتَضِي أَنه سمع فِي كَيْفيَّة صَلَاة الْخَوْف صِفَات مُتعَدِّدَة وَاخْتَارَ مِنْهَا فِي الْعَمَل حَدِيث صَالح بن خَوات الْمَذْكُور، أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: (وَذَلِكَ أحسن مَا سَمِعت) وَوَافَقَهُ على ذَلِك الشَّافِعِي وَأحمد وَأَبُو دَاوُد، ثمَّ إِن بعض الْعلمَاء حملُوا اخْتِلَاف الصِّفَات فِي صَلَاة الْخَوْف على اخْتِلَاف الْأَحْوَال، وَبَعْضهمْ حملوها على التَّوَسُّع والتخيير، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصًى فِي أَبْوَاب صَلَاة الْخَوْف.
4130 - وقَالَ مُعاذٌ حدَّثنا هِشَامٌ عنْ أبِي الزُّبَيْرِ عنْ جَابِرِ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَخْلٍ فذَكَرَ صَلاَةَ الخَوْفِ. .
كَذَا وَقع، معَاذ، بِغَيْر نِسْبَة عِنْد الْأَكْثَرين، وَوَقع عِنْد النَّسَفِيّ: قَالَ معَاذ بن هِشَام أخبرنَا هِشَام، وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ رد على أبي نعيم وَمن تبعه فِي الْجَزْم بِأَن معَاذًا هَذَا هُوَ ابْن فضَالة شيخ البُخَارِيّ. قلت: وُقُوع معَاذ بِغَيْر نِسْبَة يحْتَمل الْوَجْهَيْنِ على مَا لَا يخفى، وَقَول أبي نعيم مترجح حَيْثُ قَالَ: أخبرنَا هِشَام، وَلم يقل: أخبرنَا أبي، وكل من معَاذ وَهِشَام ذكر مُجَردا، أما معَاذ بن هِشَام على قَول النَّسَفِيّ فَهُوَ ثِقَة صَاحب غرائب، وَأما هِشَام الَّذِي روى عَنهُ معَاذ فَهُوَ هِشَام بن أبي عبد الله الدستوَائي الْبَصْرِيّ، وَاسم(17/196)
ابْن عبد الله سنبر، روى عَنهُ ابْنه معَاذ وَيحيى الْقطَّان فِي آخَرين، وَقَالَ عَمْرو بن عَليّ: مَاتَ سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَة، وَأَبُو الزبير مُحَمَّد بن مُسلم بن تدرس بِلَفْظ مُخَاطب الْمُضَارع من الدراسة.
قَوْله: (بِنَخْل) مر تَفْسِيره عَن قريب عِنْد قَوْله: فَنزل نخلا، وَفَائِدَة إِيرَاد البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث مُخْتَصرا مُعَلّقا هِيَ مَا قيل: إِنَّه أَشَارَ إِلَى أَن رِوَايَات جَابر متفقة على أَن الْغَزْوَة الَّتِي وَقعت فِيهَا صَلَاة الْخَوْف هِيَ غَزْوَة ذَات الرّقاع، وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ نظر، لِأَن سِيَاق رِوَايَة هِشَام عَن أبي الزبير هَذِه تدل على أَنه حَدِيث آخر فِي غَزْوَة أُخْرَى. قلت: لَا نسلم ذَلِك لِأَنَّهُ ذكر فِيمَا مضى عَن قريب عَن جَابر: خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ذَات الرّقاع من نخل فلقي جمعا من غطفان ... إِلَى آخِره.
تابَعَهُ اللَّيْثُ عنْ هِشَامٍ عنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ أنَّ القَاسِمَ بنَ مُحَمَّدٍ حدَّثَهُ صلَّى النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَةِ بَنِي أنْمَارٍ
الظَّاهِر أَن مُتَابعَة اللَّيْث لِمعَاذ الْمَذْكُور. فَإِن قلت: كَيفَ وَجه هَذِه الْمُتَابَعَة لِأَن حَدِيث معَاذ فِي غَزْوَة محَارب وثعلبة وَحَدِيث اللَّيْث فِي أَنْمَار؟ قلت: ديار بني أَنْمَار تقرب من ديار بني ثَعْلَبَة، فَبِهَذَا الْوَجْه يحْتَمل الِاتِّحَاد، وَهِشَام الَّذِي روى عَنهُ اللَّيْث هُوَ هِشَام بن سعد الْمدنِي أَبُو سعيد الْقرشِي مَوْلَاهُم، يُقَال لَهُ: يَتِيم زيد بن أسلم، روى عَن زيد بن أسلم فَأكْثر، وروى عَنهُ اللَّيْث ابْن سعد وَآخَرُونَ وَعَن ابْن معِين: هُوَ ضَعِيف، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا يحْتَج بِهِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: هُوَ أثبت النَّاس فِي زيد بن أسلم، قيل: إِنَّه مَاتَ سنة سِتِّينَ وَمِائَة، وَهُوَ يروي عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر، وَقد وصل البُخَارِيّ فِي (تَارِيخه) هَذَا الْمُعَلق، قَالَ: قَالَ لي يحيى ابْن عبد الله بن بكير: أخبرنَا اللَّيْث عَن هِشَام بن سعد عَن زيد بن أسلم سمع الْقَاسِم بن مُحَمَّد: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي غَزْوَة بني أَنْمَار، وَذكر الْوَاقِدِيّ أَن سَبَب غَزْوَة ذَات الرّقاع هُوَ أَن أَعْرَابِيًا قدم من حلب إِلَى الْمَدِينَة، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت نَاسا من بني ثَعْلَبَة وَمن بني أَنْمَار قد جمعُوا لكم جموعاً فَأنْتم فِي غَفلَة عَنْهُم، فَخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَرْبَعمِائَة، وَيُقَال: سَبْعمِائة، فعلى هَذَا غَزْوَة بني أَنْمَار متحدة مَعَ غَزْوَة بني محَارب وثعلبة، وَهِي غَزْوَة ذَات الرّقاع، وأنمار، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون النُّون وبالراء: قَبيلَة من بجيلة، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْجِيم.
4131 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيَى بنُ سَعيدٍ القَطَّانُ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ الأنْصَارِيِّ عنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّد عنْ صَالِحِ بنِ خَوَّاتٍ عنْ سَهْلِ بنِ أبِي حَثْمَةَ قَالَ يَقُومُ الإمامُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ وطائِفَةٌ مِنْهُمْ معَهُ وطائِفَةٌ مِنْ قِبَلِ العَدُوِّ وُجُوهُهُمْ إِلَى العَدُوِّ فَيُصَلِّي بالَّذِينَ معَهُ رَكْعَةً ثُمَّ يَقُومُونَ فَيَرْكَعُونَ لأِنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ويَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ فِي مَكانِهِمْ ثُمَّ يَذْهَبُ هاؤلاءِ إلَى مَقامِ أُولائِكَ فَيَجِيء فيَرْكَعُ بِهِمْ رَكْعَةً فلَهُ ثِنْتَانِ ثُمَّ يَرْكَعُونَ ويَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث صَالح بن خَوات الَّذِي مضى عَن قريب، وَقد صرح فِيهِ أَن صَالحا رَوَاهُ عَن سهل بن أبي حثْمَة، وَهُنَاكَ قَالَ: عَمَّن شهد مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. وَأخرج هَذَا الطَّرِيق عَن مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي هَذَا الْإِسْنَاد ثَلَاثَة من التَّابِعين الْمَدَنِيين على نسق وَاحِد، وهم: يحيى الْأنْصَارِيّ، وَالقَاسِم وَصَالح، وَقد ترجمنا سهلاً هُنَاكَ، وَاخْتلف فِي شَأْن سهل، فَقَالَت جمَاعَة: إِنَّه كَانَ صَغِيرا فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمَاتَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين، وَمِمَّنْ جزم بذلك الطَّبَرِيّ وَابْن حبَان وَابْن السكن، فعلى هَذَا تكون رِوَايَته لقصة صَلَاة الْخَوْف مُرْسلَة، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم عَن رجل من ولد سهل: أَنه حَدثهُ أَنه بَايع تَحت الشَّجَرَة وَشهد الْمشَاهد إلاَّ بَدْرًا، وَكَانَ الدَّلِيل لَيْلَة أحد، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: قبض رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين وَلكنه حفظ عَنهُ فروى وأتقن، وَقَالَ أَبُو عمر: هُوَ مَعْدُود فِي أهل(17/197)
الْمَدِينَة وَبهَا كَانَت وَفَاته.
قَوْله: (يقوم الإِمَام) هَكَذَا ذكره مَوْقُوفا، وَهَكَذَا أخرجه البُخَارِيّ بعد حَدِيث من طَرِيق ابْن أبي حَازِم عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَأوردهُ من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه مَرْفُوعا. قَوْله: (من قبل الْعَدو) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهُوَ الْجِهَة الْقَابِلَة.
حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيَى عنْ شُعْبَةَ عنْ عَبْدِ الرَّحْمَّنِ بنِ القَاسِمِ عنْ أبِيهِ عنْ صالِحِ بنِ خَوَّاتٍ عنْ سَهْلِ بنِ أبِي حَثْمَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ
هَذَا طَرِيق آخر مَرْفُوع أخرجه عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان عَن شُعْبَة عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه الْقَاسِم ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر ... إِلَى آخِره.
حدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ الله قَالَ حدَّثنِي ابنُ أبِي حازِمٍ عنْ يَحْيَى سَمِعَ القاسِمَ أخبَرَنِي صالِحُ بنُ خَوَّاتٍ عنْ سَهْلٍ حدَّثَهُ قَوْلَهُ
هَذَا طَرِيق مَوْقُوف أخرجه عَن مُحَمَّد بن عبيد الله بن مُحَمَّد مولى عُثْمَان بن عَفَّان الْقرشِي الْأمَوِي الْمدنِي عَن عبد الْعَزِيز ابْن أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر ... إِلَخ.
4132 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ أخبرَنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبرَنِي سالِمٌ أنَّ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ غَزَوْتُ مَعَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قِبَلَ نَجْدٍ فَوَازَيْنَا العَدُوَّ فَصافَفْنَا لَهُمْ. .
هَذَا الحَدِيث بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد مر فِي أَبْوَاب صَلَاة الْخَوْف أتم مِنْهُ وأكمل، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (فوازينا) . من الموازاة وَهِي الْمُقَابلَة. قَوْله: (فصاففنا لَهُم) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فصاففناهم، وَكَذَا فِي رِوَايَة أَحْمد عَن أبي الْيَمَان شيخ البُخَارِيّ الحكم بن نَافِع.
4133 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَزيدُ بنُ زُرَيْعٍ حدَّثنا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ سَالِمِ بنِ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ عنْ أبِيهِ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَّى بإحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ والطَّائِفَةُ الأخْرَى مُوَاجِهَةُ العَدُوِّ ثُمَّ انْصَرَفُوا فقامُوا فِي مَقامِ أصْحَابِهِمْ فَجاءَ أُولائِكَ فصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قامَ هاؤلاَءِ فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ وقامَ هَؤْلاَءِ فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عبد الله بن عمر أخرجه عَن مُسَدّد عَن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن زُرَيْع، بِضَم الزَّاي وَفتح الرَّاء، عَن معمر بن رَاشد. . إِلَخ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد أَيْضا ... إِلَخ نَحوه. قَوْله: (والطائفة الْأُخْرَى) ، مُبْتَدأ، (ومواجهة) خَبره، وَالْجُمْلَة حَالية. قَوْله: (فقضوا) ، من الْقَضَاء الَّذِي بِمَعْنى الْأَدَاء، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا قضيت الصَّلَاة} (الْجُمُعَة: 100) . أَي: أدّيت، لَا بِمَعْنى الْقَضَاء الاصطلاحي.
4135 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني أخي عنْ سُلَيْمَانَ عنْ مُحَمَّدِ بنِ أبِي عَتِيقٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ سِنَانِ بنِ أبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ عنْ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أخبَرَهُ أنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قِبَلَ نَجْدٍ فلَمَّا قفَلَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قفَلَ معَهُ فأدْرَكَتْهُمُ القَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ فنَزَلَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي العِضَاهِ يَسْتَظِلّونَ بالشَّجَرِ ونَزَلَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَحتَ سَمُرَةٍ فعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ(17/198)
قَالَ جَابِرٌ فَنِمْنَا نَوْمَةً ثُمَّ إذَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُونَا فَجِئْنَاهُ فإذَا عِنْدَهُ أعْرَابِيٌّ جالِسٌ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ هاذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي وأنَا نَائِمٌ فاسْتَيْقَظْتُ وهْوَ فِي يَدِهِ صَلْتاً فَقَالَ لي مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي قُلْتُ لَهُ الله فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن غزوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قبل نجد هِيَ غَزْوَة ذَات الرّقاع، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن فِي رِوَايَة يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة: كُنَّا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِذَات الرّقاع.
وَهَذَا الحَدِيث بطريقيه قد مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب تفرق النَّاس عَن الإِمَام عِنْد القائلة، وَأخرجه هُنَا أَيْضا نَحوه. الأول: عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن سِنَان وَأبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن جَابر، وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه هُنَاكَ. الثَّانِي: عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن أَخِيه عبد الحميد عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن مُحَمَّد بن أبي عَتيق وَهُوَ مُحَمَّد ابْن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق، نسب إِلَى جده، عَن ابْن شهَاب عَن سِنَان بن أبي سِنَان وَاسم أبي سِنَان يزِيد ابْن أُميَّة، وَمَاله فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث. وَأخرجه من رِوَايَته عَن أبي هُرَيْرَة فِي الطِّبّ، وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا هُنَاكَ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن ابْن شهَاب عَن سِنَان عَن جَابر وَلَيْسَ فِيهِ ذكر أبي سَلمَة.
قَوْله: (قبل نجد) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: أَي: جِهَته، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: النجد مَا ارْتَفع من الأَرْض وَهُوَ اسْم خَاص لما دون الْحجاز مِمَّا يَلِي الْعرَاق، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: نجد من بِلَاد الْعَرَب وَهُوَ خلاف الْغَوْر، والغور هُوَ تهَامَة وكل مَا ارْتَفع من تهَامَة إِلَى أَرض الْعرَاق فَهُوَ نجد، وَهُوَ مَذْكُور، وَالْحَاصِل أَن غَزْوَة ذَات الرّقاع كَانَت بِنَجْد.
قَوْله: (الدؤَلِي) بِضَم الدَّال وَفتح الْهمزَة، قَالَ الْكرْمَانِي: ويروى بِكَسْر الدَّال وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف. قلت: الأول: نِسْبَة إِلَى الدؤل بن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة، وَهُوَ بِكَسْر الْهمزَة وَلكنهَا فتحت فِي النِّسْبَة. وَالثَّانِي: نِسْبَة إِلَى الدؤل بن حفيفة بن لحيم، وَإِلَى غير ذَلِك. قَوْله: (فَلَمَّا قفل) أَي: رَجَعَ. قَوْله: (القائلة) أَي: شدَّة الْحر وسط النَّهَار. قَوْله: (العضاه) بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الضَّاد الْمُعْجَمَة وبالهاء: كل شجر عَظِيم لَهُ شوك كالطلح والعوسج، الْوَاحِدَة عضه، الْهَاء أَصْلِيَّة، وَقيل: عضهة، وَقيل: عضاهة، فحذفت الْهَاء الْأَصْلِيَّة كَمَا حذفت فِي الشّفة ثمَّ ردَّتْ فِي العضاه كَمَا ردَّتْ فِي الشفاه. قَوْله: (تَحت شَجَرَة) أَي: شَجَرَة كَثِيرَة الْوَرق. قَوْله: (قَالَ جَابر) هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَسقط ذَلِك من رِوَايَة معمر. قَوْله: (فَإِذا) كلمة: إِذا، فِي الْمَوْضِعَيْنِ للمفاجأة. قَوْله: (أَعْرَابِي جَالس) وَفِي رِوَايَة معمر: فَإِذا أَعْرَابِي قَاعد بَين يَدَيْهِ، واسْمه غورث كَمَا سَيَأْتِي. قَوْله: (اخْتَرَطَ سَيفي) أَي: سَله. قَوْله: (صَلتا) بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام وَفِي آخِره تَاء مثناة من فَوق: أَي مُجَردا من الغمد بِمَعْنى مصلوتاً، وانتصابه على الْحَال. قَوْله: (وَالله) ، أَي: الله يَمْنعنِي. قَوْله: (فها هُوَ ذَا جَالس) ، كلمة: هَا، للتّنْبِيه و: هُوَ ضمير الشَّأْن وَكلمَة، ذَا، للْإِشَارَة إِلَى الْحَاضِر مُبْتَدأ، و: جَالس، خَبره وَالْجُمْلَة خبر لقَوْله: هُوَ، فَلَا تحْتَاج إِلَى رابط كَمَا عرف فِي مَوْضِعه. قَوْله: (ثمَّ لم يُعَاقِبهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَذَلِكَ لشدَّة رغبته فِي استئلاف الْكفَّار ليدخلوا فِي الْإِسْلَام لم يؤاخذه بِمَا صنع، بل عَفا عَنهُ. وَذكر الْوَاقِدِيّ: أَنه أسلم وَأَنه رَجَعَ إِلَى قومه فاهتدى بِهِ خلق كثير.
(وَقَالَ أبان حَدثنَا يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن جَابر قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِذَات الرّقاع فَإِذا أَتَيْنَا على شَجَرَة ظليلة تركناها للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فجَاء رجل من الْمُشْركين وَسيف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُعَلّق بِالشَّجَرَةِ فاخترطه فَقَالَ لَهُ تخافني قَالَ لَا قَالَ فَمن يمنعك مني قَالَ الله فتهدده أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأقيمت الصَّلَاة فصلى بطَائفَة رَكْعَتَيْنِ ثمَّ تَأَخَّرُوا وَصلى بالطائفة الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَربع وَلِلْقَوْمِ ركعتاه) هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث جَابر وَهُوَ مُعَلّق أخرجه عَن أبان بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن يزِيد الْعَطَّار الْبَصْرِيّ وَوَصله مُسلم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن عَفَّان عَن أبان بِتَمَامِهِ قَوْله ظليلة أَي مظللة أَي ذَات ظلّ كثيف قَوْله(17/199)
فجَاء رجل هُوَ غورث على مَا يَأْتِي بَيَانه الْآن قَوْله وَسيف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْوَاو فِيهِ للْحَال قَوْله وأقيمت الصَّلَاة الخ وَاسْتشْكل ابْن التِّين هَذِه الرِّوَايَة عَن جَابر لأَنهم كَانُوا فِي سفر فَكيف يُصَلِّي بِكُل طَائِفَة رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ يُصَلِّي أَكثر من الْمَأْمُومين وَأجِيب بِأَنَّهُ لَا إِشْكَال هُنَا لأَنهم صلوا مَعَه رَكْعَتَيْنِ ثمَّ كملوا يدل عَلَيْهِ قَوْله ثمَّ تَأَخَّرُوا فَإِن قلت قَوْله وَكَانَ للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَربع وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ يُنَافِي هَذَا الْجَواب قلت معنى قَوْله وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ مَعَ الإِمَام وَرَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ منفردين وأولوه كَذَا كَمَا أولُوا حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فرض الله عز وَجل الصَّلَاة على لِسَان نَبِيكُم فِي الْحَضَر أَرْبعا وَفِي السّفر رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْف رَكْعَة حَيْثُ قَالُوا أَن المُرَاد رَكْعَة مَعَ الإِمَام وركعة أُخْرَى يَأْتِي بهَا مُنْفَردا كَمَا جَاءَت الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة فِي صَلَاة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه فِي الْخَوْف وَقَالَ النَّوَوِيّ لَا بُد من هَذَا التَّأْوِيل جمعا بَين الْأَدِلَّة
(وَقَالَ مُسَدّد عَن أبي عوَانَة عَن أبي بشر اسْم الرجل غورث بن الْحَارِث وَقَاتل فِيهَا محَارب خصفة) أَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين هُوَ الوضاح الْيَشْكُرِي الْبَصْرِيّ وَأَبُو بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة هُوَ جَعْفَر بن أبي وحشية وَهَذَا التَّعْلِيق أخرجه سعيد بن مَنْصُور عَن أبي عوَانَة عَن أبي بشر عَن سُلَيْمَان بن قيس يَعْنِي الْيَشْكُرِي الثِّقَة عَن جَابر قَوْله اسْم الرجل أَرَادَ الرجل الَّذِي فِي قَوْله فجَاء رجل من الْمُشْركين قَوْله غورث بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو وَفتح الرَّاء وبالثاء الْمُثَلَّثَة وَقيل بِضَم أَوله مَأْخُوذ من الغرث وَهُوَ الْجُوع وَحكى الْخطابِيّ فِيهِ غويرث بِالتَّصْغِيرِ قَوْله " وَقَاتل فِيهَا " أَي فِي تِلْكَ الْغَزْوَة قَوْله " محَارب خصفة " مفعول قَاتل ومحارب مُضَاف إِلَى خصفة وَقد ذكرنَا أَن محَارب قبائل كَثِيرَة فَذكر خصفة للتمييز وروى الْبَيْهَقِيّ من طَرِيقين عَن أبي عوَانَة عَن أبي بشر عَن سُلَيْمَان بن قيس عَن جَابر قَالَ قَاتل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - محَارب خصفة فَرَأَوْا من الْمُسلمين غرَّة فجَاء رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ غورث بن الْحَارِث حَتَّى قَامَ على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ من يمنعك الحَدِيث
(وَقَالَ أَبُو الزبير عَن جَابر كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِنَخْل فصلى الْخَوْف) أَبُو الزبير مُحَمَّد بن مُسلم بن تدرس علقه عَنهُ البُخَارِيّ وَتقدم الْكَلَام فِي رِوَايَة أبي الزبير عَن جَابر عَن قريب قَوْله " فصلى الْخَوْف أَي فصلى صَلَاة الْخَوْف
(وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة صليت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي غَزْوَة نجد صَلَاة الْخَوْف وَإِنَّمَا جَاءَ أَبُو هُرَيْرَة إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَيَّام خَيْبَر) هَذَا التَّعْلِيق وَصله أَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن حبَان من طَرِيق أبي الْأسود أَنه سمع عُرْوَة يحدث عَن مَرْوَان بن الحكم أَنه سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَة هَل صليت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة الْخَوْف وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة نعم قَالَ مَرْوَان مَتى قَالَ عَام غَزْوَة نجد قَوْله " وَإِنَّمَا جَاءَ أَبُو هُرَيْرَة إِلَى آخِره " ذكر البُخَارِيّ هَذَا تَأْكِيدًا لقَوْله أَن غَزْوَة ذَات الرّقاع كَانَت بعد خَيْبَر وَذَلِكَ لِأَن أَبَا هُرَيْرَة مَا جَاءَ إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا فِي أَيَّام خَيْبَر وَفِيه نظر لَا يخفى لِأَنَّهُ لَا يلْزم من قَوْله صليت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي غَزْوَة نجد صَلَاة الْخَوْف أَن يكون هَذَا فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غزا غزوات عديدة فِي جِهَة نجد
(بَاب غَزْوَة بني المصطلق من خُزَاعَة وَهِي غَزْوَة الْمُريْسِيع)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة بني المصطلق بِضَم الْمِيم وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة وَكسر اللَّام وَفِي آخِره قَاف -
33 - (بابُ غَزْوِةِ بَنِي المُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ وهْيَ غَزْوَةُ المَرَيْسِيعِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة بني المصطلق، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة وَكسر اللَّام وَفِي آخِره قَاف،(17/200)
وَهُوَ لقب من الصلق، وَهُوَ رفع الصَّوْت، وَأَصله: مصتلق، فأبدلت الطَّاء من التَّاء لأجل الصَّاد، واسْمه جذيمة بن سعد بن عَمْرو بن ربيعَة بن حَارِثَة بطن من بني خُزَاعَة، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الزَّاي وَفتح الْعين الْمُهْملَة، وخزاعة هُوَ ربيعَة، وَرَبِيعَة هُوَ لحي بن حَارِثَة بن عَمْرو مزيقيا بن عَامر مَاء السَّمَاء بن حَارِثَة الغطريف بن امريء الْقَيْس بن ثَعْلَبَة بن مَازِن بن الأزد، وَقيل لَهُم: خُزَاعَة لأَنهم تخزعوا من بني مَازِن بن الأزد فِي إقبالهم مَعَهم من الْيمن أَي: انْقَطَعُوا عَنْهُم. قَوْله: (وَهِي غَزْوَة بني المصطلق) هِيَ: غَزْوَة الْمُريْسِيع، بِضَم الْمِيم وَفتح الرَّاء وَسُكُون اليائين التحتانيتين بَينهمَا سين مُهْملَة مَكْسُورَة وَفِي آخِره عين مُهْملَة، وَهُوَ اسْم مَاء لَهُم من نَاحيَة قديد مِمَّا يَلِي السَّاحِل، بَينه وَبَين الْفَرْع نَحْو يَوْمَيْنِ، وَبَين الْفَرْع وَالْمَدينَة ثَمَانِيَة برد، من قَوْلهم: رسعت عين الرجل إِذا دَمَعَتْ من فَسَاد، وَقَالَ أَبُو نصر: الرسع فَسَاد فِي الأجفان.
قَالَ ابنُ إسحَاقَ وذالِكَ سَنَةَ سِتٍّ
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب (الْمَغَازِي) : وَذَلِكَ، أَي: غَزْو رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي سنة سِتّ من الْهِجْرَة، وَقَالَ فِي (السِّيرَة) بَعْدَمَا أورد قصَّة ذِي قرد: فَأَقَامَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالْمَدِينَةِ بعض جُمَادَى الْآخِرَة ورجباً ثمَّ غزا بني المصطلق من خُزَاعَة فِي شعْبَان سنة سِتّ، وَقَالَ ابْن هِشَام: وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة أَبَا ذَر الْغِفَارِيّ، وَيُقَال: نميلَة بن عبد الله اللَّيْثِيّ، وَقَالَ ابْن سعد: ندب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس إِلَيْهِم فَأَسْرعُوا الْخُرُوج وقادوا الْخَيل وَهِي ثَلَاثُونَ فرسا فِي الْمُهَاجِرين مِنْهَا عشرَة وَفِي الْأَنْصَار عشرُون، واستخلف على الْمَدِينَة زيد بن حَارِثَة، وَكَانَ مَعَه، أَي: مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرسَان: لزاز والظراب، وَقَالَ الصغاني: كَانَ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حَامِل راية الْمُهَاجِرين، وَسعد بن عبَادَة حَامِل راية الْأَنْصَار، فَقتلُوا مِنْهُم عشرَة وأسروا سَائِرهمْ.
وَقَالَ مُوساى بنُ عُقْبَةَ سَنةَ أرْبَعٍ
قيل: سنة أَربع، سبق قلم من الْكَاتِب فِي نسخ البُخَارِيّ، وَالَّذِي فِي (مغازي مُوسَى بن عقبَة) من عدَّة طرق أخرجهَا الْحَاكِم وَأَبُو سعيد النَّيْسَابُورِي وَالْبَيْهَقِيّ فِي (الدَّلَائِل) وَغَيرهم: سنة خمس، وَلَفظه عَن مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب، ثمَّ قَاتل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني المصطلق وَبني لحيان فِي شعْبَان سنة خمس، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ، كَانَت لَيْلَتَيْنِ من شعْبَان سنة خمس فِي سَبْعمِائة من أَصْحَابه وَسبي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جوَيْرِية بنت الْحَارِث فَأعْتقهَا وَتَزَوجهَا، وَكَانَت الأسرى أَكثر من سَبْعمِائة.
وقَالَ النُّعْمَانُ بنُ رَاشِدٍ عنِ الزُّهْرِيِّ كانَ حَدِيثُ الإفْكِ فِي غَزْوَةِ المُرَيْسِيعِ
النُّعْمَان بن رَاشد الْجَزرِي أَخُو إِسْحَاق الْأمَوِي مَوْلَاهُم الْحَرَّانِي، وروى تَعْلِيقه الجوزقي وَالْبَيْهَقِيّ فِي (الدَّلَائِل) من طَرِيق حَمَّاد بن زيد عَن النُّعْمَان بن رَاشد، وَمعمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، فَذكر قصَّة الْإِفْك فِي غَزْوَة الْمُريْسِيع، وَبِهَذَا قَالَ ابْن إِسْحَاق وَغير وَاحِد من أهل الْمَغَازِي: إِن قصَّة الْإِفْك كَانَت فِي رجوعهم من غَزْوَة الْمُريْسِيع.
4138 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ أخبرَنَا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ رَبِيعَةَ بنِ أبِي عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بن حَبَّانَ عنِ ابنِ مُحَيْرِيزٍ أنَّهُ قَالَ دخَلْتُ المَسْجِدَ فرَأيْتُ أبَا سَعِيدٍ الخُدْرِي فَجَلَسْتُ إلَيْهِ فسَألْتُهُ عنِ العَزْلِ: قَالَ أبُو سَعِيدٍ خرَجْنَا مَعَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَةِ بَنِي المُصْطَلَقِ فأصَبْنَا سَبْياً مِنْ سَبْيِ العَرَبِ فاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ واشْتَدَّتْ عَلَيْنَا العُزْبَةُ وأحْبَبْنَا العَزْلَ فأرَدْنَا أنْ نَعْزِلَ وقُلْنَا نَعْزِلُ ورَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ أظْهُرِنَا قبْلَ أنْ نَسْألَهُ فسَألْنَاهُ عنْ ذالِكَ فَقَالَ مَا عَلَيْكُمْ أنْ لَا تَفْعَلُوا مَا مِنْ نَسَمَةٍ كائِنَةٍ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ إلاَّ وهْيَ كائِنَةٌ. .(17/201)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فِي غَزْوَة بني المصطلق) وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر بن كثير الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، سكن بَغْدَاد وَرَبِيعَة ابْن أبي عبد الرَّحْمَن هُوَ الْمَشْهُور بربيعة الرَّأْي، وَمُحَمّد بن يحيى بن حبَان، بِفَتْح الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة، وَابْن محيريز هُوَ عبد الله بن محيريز، بِضَم الْمِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الرَّاء وَسُكُون الْيَاء وَفِي آخِره زَاي: الْقرشِي التَّابِعِيّ.
والْحَدِيث مر فِي الْبيُوع فِي: بَاب بيع الرَّقِيق فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن محيريز ... إِلَخ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (الْعَزْل) وَهُوَ نزع الذّكر من الْفرج عِنْد الْإِنْزَال. قَوْله: (مَا عَلَيْكُم أَن لَا تَفعلُوا) أَي: لَا بَأْس عَلَيْكُم أَن لَا تَفعلُوا، و: لَا، زَائِدَة. قَوْله: (مَا من نسمَة) أَي: مَا من نفس كائنة فِي علم الله تَعَالَى (إلاَّ وَهِي كائنة) فِي الْخَارِج أَي: مَا قدر الله كَونهَا لَا بُد من مجيئها من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود، وَقَالَ شمر: النَّسمَة كل دَابَّة فِيهَا روح، والنسيم الرّيح، وَقَالَ الْقَزاز: كل إِنْسَان نسمَة، وَنَفسه نسمَة.
33 - (بابُ غَزْوَةِ أنْمَارٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر غَزْوَة أَنْمَار، وَقد يُقَال غَزْوَة بني أَنْمَار، وَإِنَّمَا قَدرنَا هَكَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذكر قصَّة أَنْمَار، وَإِنَّمَا فِيهِ ذكر لفظ: غَزْوَة أَنْمَار، وَلَا معنى لذكر هَذَا الْبَاب هُنَا، وَكَانَ مَحَله قبل غَزْوَة بني المصطلق، وأنمار، بِفَتْح الْهمزَة: قَبيلَة وَقد ذَكرنَاهَا.
4140 - حدَّثنا آدَمُ حدَّثنَا ابنُ أبِي ذِئْبٍ حدَّثنَا عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ الله بنِ سُرَاقَةَ عنْ جَابِرِ ابنِ عَبْدِ الله الأنْصَارِيِّ قَالَ رأيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غزْوَةِ أنْمَارٍ يُصَلِّي علَى رَاحِلَتِهِ مُتَوَجِّهَاً قِبَلَ المَشْرِقِ مُتَطَوِّعَاً.
هَذَا الحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب صَلَاة التَّطَوُّع على الدَّوَابّ، وَفِي: بَاب ينزل للمكتوبة، وَأخرجه هُنَا عَن آدم بن أبي إِيَاس عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذِئْب، بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور، عَن عُثْمَان بن عبد الله بن سراقَة، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء وبالقاف: الْعَدوي، كَانَ وَالِي مَكَّة سنة ثَمَان وَعشرَة وَمِائَة.
قَوْله: (قبل) ، بِكَسْر الْقَاف، قَوْله: (مُتَطَوعا) ، نصب على الْحَال من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.(17/202)
35 - (بابُ حَدِيثِ الإفْكِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَدِيث الْإِفْك، وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ: بَاب، بل هَكَذَا: حَدِيث الْإِفْك، أَي: هَذَا حَدِيث الْإِفْك وَلما كَانَ حَدِيث الْإِفْك فِي غَزْوَة بني المصطلق وَهِي غَزْوَة الْمُريْسِيع ذكره هُنَا.
الإفْكِ والأفَكِ بِمَنْزِلَةِ النِّجْسِ والنَّجَسِ
أَشَارَ بهما إِلَى أَنَّهُمَا لُغَتَانِ الأولى: الأفك، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْفَاء: كالنجس، بِكَسْر النُّون وَسُكُون الْجِيم، وَالثَّانيَِة: الأفك، بِفَتْح الْهمزَة وَالْفَاء مَعًا: كالنجس، بِفتْحَتَيْنِ، وَالْأولَى هِيَ اللُّغَة الْمَشْهُورَة. قَوْله: (بِمَنْزِلَة النَّجس) أَي: بنظير النَّجس وَالنَّجس فِي الضَّبْط، وَفِي كَونهمَا لغتين، ثمَّ الْإِفْك مصدر أفك الرجل يأفك من بَاب ضرب يضْرب إِذا كذب، والإفك، بِضَم الْهمزَة جمع أفوك، وَهُوَ الْكثير الْكَذِب، ذكره ابْن عديس فِي الْكتاب (الباهر) .
يقَالُ إفْكُهُمْ وأفَكَهُمْ وأفَّكَهُمْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {بل ضلوا عَنْهُم وَذَلِكَ إفكهم وَمَا كَانُوا يفترون} (الْأَحْقَاف: 28) . قرىء فِي الْمَشْهُور: إفكهم، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْفَاء، وارتفاعه على أَنه خبر لقَوْله: وَذَلِكَ، وقرىء فِي الشاذ: أفكهم، بِفَتْح الْهمزَة وَالْفَاء وَالْكَاف جَمِيعًا على أَنه فعل ماضٍ، وقرىء أَيْضا: وأفكهم، بتَشْديد الْفَاء للْمُبَالَغَة، وآفكهم، بِمد الْهمزَة وَفتح الْفَاء أَي: جعلهم آفكين وآفكهم بِالْمدِّ وَكسر الْفَاء، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: أَي قَوْلهم الْكَذِب كَمَا تَقول: قَول كَاذِب.
فَمَنْ قَالَ أفَكَهُمْ
يَعْنِي من جعله فعلا مَاضِيا.
يَقُولُ صرَفَهُمْ عنِ الإيمَانِ وكذَبَهُمْ كَمَا قَالَ يُؤْفَكُ عنْهُ مِنْ أُفِكَ يُصْرَفُ عنْهُ مِنْ صُرِفَ
يؤفك، بِضَم الْيَاء صِيغَة الْمَجْهُول، وَفِي الحَدِيث: لقد أفك قوم كَذبُوك، وظاهروا عَلَيْك، أَي صرفُوا عَن الْحق وَمنعُوا مِنْهُ، يُقَال: أفكه يأفكه أفكاً إِذا صرفه عَن الشَّيْء وَقَلبه، وأفك فَهُوَ مأفوك.
4141 - حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنَا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ صالِحٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ حدَّثَنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ وسَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ وعَلْقَمَةُ بنُ وَقَّاصٍ وعُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ بن مَسْعُودٍ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ قَالَ لَهَا أهْلُ الإفْكِ مَا قَالُوا وكلُّهُمْ حدَّثَنِي طائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا وبَعْضُهُمْ كانَ أوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ وأثْبَتَ لَهُ اقْتِصَاصَاً وقَدْ وَعيْتُ عنْ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ الحَدِيثَ الَّذِي حدَّثَنِي عنْ عَائِشة وبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدَّقُ بَعْضَاً وإنْ كانَ بَعْضُهُمْ أوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ قالُوا قالَتْ عائِشَةُ كانَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا أرَادَ سفَرَاً أقْرَعَ بَيْنَ أزْوَاجِهِ فأيُّهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خرَجَ بِهَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَهُ قالَتْ عائِشَةُ فأقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي فخَرَجْتُ معَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الحِجَابُ فَكُنْتُ أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وأُنْزَلُ فِيهِ فَسِرْنَا حتَّى إذَا فَرَغَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وقَفَلَ دَنَوْنَا مِنَ المَدِينَةِ قافِلِينَ آذَنَ لَيْلَةً بالرَّحِيلِ فقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حتَّى جَاوَزْتُ الجَيْشَ فلَمَّا قَضَيْتُ شأنِي أقْبَلْتُ إلَى(17/203)
رَحْلِي فلَمَسْتُ صَدْرِي فإذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَار قَدِ انْقَطَعَ فرَجَعْتُ فالْتَمَسْتُ عِقْدِي فحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ قالَتْ وأقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كانُوا يُرَحِّلُونِي فاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ علَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أرْكَبُ عَلَيْهِ وهُمْ يَحْسِبُونَ أنِّي فِيهِ وكانَ النِّسَاءُ إذْ ذَاكَ خِفَافَاً لَمْ يَهْبُلْنَ ولَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ إنَّمَا يأكُلْنَ العُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ فلَمْ يَسْتَنْكِرِ القَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وحَمَلُوهُ وكُنْتُ جارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ فبَعَثُوا الجَمَلَ فسَارُوا وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الجَيْشُ فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ ولَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ دَاعٍ وَلاَ مُجِيبٌ فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ وظَنَنْتُ أنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إلَيَّ فَبَيْنَا أنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ وكانَ صَفْوَانُ بنُ المُعَطَّلِ السَّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الجَيْشِ فأصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فرَأى سَوَادَ إنْسَانٍ نَائِمٍ فَعَرَفَنِي حِينَ رآنِي وكَانَ رَآنِي قَبْلَ الْحِجَابِ فاسْتَيْقَظْتُ باسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي وَوالله مَا تَكَلَّمْنَا بِكَلِمَةٍ ولاَ سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ وهَوَي حَتَّى أنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِيءَ علَى يَدِهَا فقُمْتُ إلَيْهَا فرَكِبْتُهَا فانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حتَّى أتَيْنَا الجَيْشَ مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ وهُمْ نُزُولٌ قالَتْ فهَلَكَ فِيَّ مَنْ هَلَكَ وكانَ الَّذِي تَوَلَّي كِبْرَ الإفْكِ عَبْدُ الله بنُ أُبَيٍّ ابنُ سَلُولَ قَالَ عُرْوَةُ أُخْبِرْتُ أنَّهُ كانَ يُشَاعُ ويُتَحَدَّثُ بِهِ عِنْدَهُ فَيُقِرُّهُ ويَسْتَمِعُهُ ويَسْتَوْشِيهِ وَقَالَ عُرْوَةُ أَيْضا لَمْ يُسَمَّ مِنْ أهْلِ الإفْكِ أَيْضا إلاَّ حَسَّانُ بنُ ثابِتٍ ومِسْطَحُ بنُ أُثَاثَةَ وحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ فِي ناسٍ آخَرِينَ لاَ عِلْمَ لِي بِهِمْ غَيْرَ أنَّهُمْ عُصْبَةٌ كَمَا قَالَ الله تعالَى وإنَّ كُبْرَ ذالِكَ يُقَالُ عَبْدُ الله بنُ أُبَيٍّ ابنُ سَلُولَ قَالَ عُرْوَةُ كَانَتْ عائِشَةُ تَكْرَهُ أنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ وتَقُولُ إنَّهُ الَّذِي قَالَ:
(فَإنَّ أبي وَوَالِدَهُ وعِرْضِي ... لِعِرْض مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ)
قَالَتْ عَائِشَةُ فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ فاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرَاً والنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أصْحَابِ الإفْكِ لَا أشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وهْوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أنِّي لاَ أعْرِفُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أرَى مِنْهُ حِينَ أشْتَكى إنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيُّ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ كَيْفَ تِيكُمْ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَذالِكَ يَرِيبُنِي ولاَ أشْعُرُ بالشَّرِّ حتَّى خَرَجْتُ حِينَ نقَهْتُ فخَرَجْتُ معَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَنَاصِعِ وكانُ مُتَبَرَّزَنَا وكُنَّا لاَ نَخْرُجُ إلاَّ لَيْلاً إِلَى لَيْلٍ وذالِكَ قَبْلَ أنْ نَتَّخِذَ الكُنُفَ قَرِيبَاً مِنْ بُيُوتِنَا قالَتْ وأمْرُنَا أمْرُ العَرَبِ الأُوَلِ فِي البَرِيَّةِ قِبَلَ الغَائِطِ وكُنَّا نَتَأذَّى بالكُنُفِ أنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا قالَتْ فانْطَلَقْتُ أنَا وأُمُّ مِسْطَحٍ وهْيَ ابْنَةُ أبِي رُهْمِ بنِ المُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ مَنافٍ وأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بنِ عَامِرٍ خالَةُ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وابْنُهَا مِسْطَحُ بنُ أُثَاثَةَ بنِ عَبَّادٍ ابنِ المُطَّلِبِ فأقْبَلْتُ أنَا وأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شأنِنَا فعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ فقُلْتُ لَهَا بِئْسَ مَا قُلْتِ أتَسُبِّينَ رَجُلاً شَهِدَ بَدْرَاً فقَالَتْ أيْ هَنْتَاهُ ولَمْ(17/204)
تَسْمَعِي مَا قَالَ قالَتْ وقُلْتُ مَا قَالَ فأخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أهْلِ الإفْكِ قالَتْ فازْدَدْتُ مَرَضاً علَى مَرَضِي فلَمَّا رَجَعْتُ إلَى بَيْتِي دخَلَ علَيَّ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ كَيْفَ تِيكُمْ فقُلْتُ لَهُ أتَأذَنُ لِي أنْ آتِي أبَوَيَّ قالَتْ وأُرِيدُ أنْ أسْتَيْقِنَ الخَبرَ مِنْ قِبَلِهِمَا قالتْ فأذِنَ لي رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقُلْتُ لأُمِّي يَا أُمَّتَاهُ ماذَا يتَحَدَّثُ النَّاسُ قالتْ يَا بُنَيَّةُ هَوِّني علَيْكِ فَوَالله لقَلَّمَا كانَتِ امْرَأةٌ قَطُّ وضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرَ إلاَّ كَثَّرْنَ علَيْهَا قالَتْ فقُلْتُ سُبْحَانَ الله أوَلَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهاذَا قالتْ فبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أصْبَحْتُ لاَ يَرْقأ لِي دَمْعٌ ولاَ أكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ثُمَّ أصْبَحْتُ أبْكِي قالَتْ ودَعَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علِيَّ بنَ أبِي طالِبٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ وأُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلبَثَ الوَحْيُ يَسْألُهُمَا ويَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أهْلِهِ قالَتْ فأمَّا أُسَامَةُ فأشَارَ علَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أهْلِهِ وبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ أُسَامَةُ أهْلَكَ وَلَا نَعْلَمُ إلاَّ خَيْرَاً وأمَّا عليٌّ فقَالَ يَا رسُولَ الله لَمْ يُضَيِّقِ الله عَلَيْكَ والنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ وَسَلِ الجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ قالَتْ فدَعَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَرِيرَةَ فَقال أيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ قالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ والَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ مَا رأيْتُ علَيْهَا أمْرَاً قَطُّ أغْمِصُهُ غيْرَ أنَّهَا جَارِيَةٌ حدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عنْ عَجِينِ أهْلِهَا فتَأتِي الدَّاجِنُ فتَأكُلُهُ قالتْ فَقامَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ يَوْمِهِ فاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ الله بنِ أُبَيٍّ وَهْوَ علَى المِنْبَرِ فَقال يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قدْ بَلَغَنِي عنْهُ أذَاهُ فِي أهْلِي وَالله مَا عَلِمْتُ علَى أهْلِي إلاَّ خَيْرَاً ولَقَدْ ذكَرُوا رَجُلاً مَا عَلِمْتُ علَيْهِ إلاَّ خَيْرَاً وَمَا يَدْخُلُ علَى أهْلِي إلاَّ مَعِي قالَتْ فقامَ سَعدُ بنُ مُعاذٍ أخُو بَنِي عَبْدِ الأشْهَلِ فَقال أنَا يَا رسُولَ الله أعْذِرُكَ فإنْ كانَ مِنَ الأوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ وإنْ كانَ مِنْ إخْوَانِنَا مِنَ الخَزْرَجِ أمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أمْرَكَ قالَتْ فقَامَ رَجُلٌ مِنَ الخَزْرَجِ وكانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ فَخْذِهِ وهْوَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ وهْوَ سَيِّدُ الخَزْرَجِ قالَتْ وكانَ قَبْلَ ذالِكَ رجُلاً صالِحَاً ولاكِنْ احْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّةُ فقَالَ لِسَعْدٍ كَذَبْت لَعَمْرُ الله لاَ تَقْتُلْهُ ولاَ تَقْدِرْ عَلَى قَتْلِهِ ولَوْ كانَ مِنْ رَهْطِكَ مَا أحْبَبْتَ أنْ يُقْتَلَ فقامَ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ وهْوَ ابنُ عَمِّ سَعْدٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بنِ عُبَادَةَ كَذَبْتَ لَعَمْرُ الله لنَقْتُلَنَّهُ فإنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عنِ المُنَافِقِينَ قالَتْ فَثارَ الْحَيَّانِ الأوْسُ والخَزْرَجُ حتَّى هَمُّوا أنْ يَقْتَتِلُوا ورسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قائِمٌ علَى المِنْبَرِ قالَتْ فلَمْ يَزَلْ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُخَفِّضُهُمْ حتَّى سَكَتُوا وسَكَتَ قالَتْ فبَكَيْتُ يَوْمِي ذالِكَ كُلَّهُ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ ولاَ أكْتَحِلُ بِنَوْمٍ قالَتْ وأصْبَحَ أبَوَايَ عِنْدِي وقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ ويَوْماً لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ ولاَ أكْتَحِلُ بِنَوْمٍ حتَّى إنِّي لأَظُنُّ أنَّ البُكَاءَ فالِقٌ كَبِدِي فبَيْنَا أبَوَايَ جالِسَانِ عِنْدِي وأنَا أبْكِي فاسْتأذَنَتْ علَيَّ امْرَأةٌ مِنَ الأنْصَارِ فأذِنْتُ لَهَا فجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي قالَتْ فَبَيْنَا نَحْنُ علَى ذالِكَ دَخَلَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ(17/205)
وَسلم عَلَيْنَا فسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ قالَتْ ولَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا وقَدْ لَبِثَ شَهْرَاً لاَ يُوحَى إلَيْهِ فِي شأني بِشَيْءٍ قالَتْ فتَشَهَّدَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قالَ أمَّا بَعْدُ يَا عائِشَةُ إنَّهُ بلَغَنِي عَنْكِ كذَا وكَذَا فإنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فسَيُبَرِّئُكِ الله وإنْ كُنْتِ ألْمَمْتِ بِذَنْبٍ فاسْتَغْفِرِي الله وتُوبِي إلَيْهِ فإنَّ العَبْدَ إذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تابَ الله علَيْهِ قالَتْ فلَمَّا قَضَى رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً فَقُلْتُ لأِبِي أجِبْ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنِّي فِيمَا قَالَ فَقَالَ أبي وَالله مَا أدْرِي مَا أقُولُ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْتُ لاُِمِّي أجِيبِي رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا قالَ قالَتْ أُمِّي مَا أدْرِي مَا أقُولُ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقُلْتُ وأنَا جَارِيَةٌ حدِيثَةُ السِّنِّ لَا أقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ كَثِيرَاً إنِّي وَالله لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هاذَا الحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أنْفُسِكُمْ وصَدَّقْتُمْ بِهِ فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إنِّي بَرِيئَةٌ لاَ تُصَدِّقُونِي ولَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بأمْرٍ وَالله يَعْلَمُ أنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِي فَوَالله لاَ أجِدُ لِي ولَكُمْ مَثَلاً إلاَّ أبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَالله المُسْتَعانُ علَى مَا تَصِفُونَ ثُمَّ تَحَوَّلْتُ واضْطَجَعْتُ علَى فِرَاشِي وَالله يَعْلَمُ أنِّي حِينَئِذٍ بَرِيئَةٌ وأنَّ الله مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي ولَكِنْ وَالله مَا كُنْتُ أظُنُّ أنَّ الله مُنْزِلٌ فِي شأنِي وَحْيَاً يُتْلَى لِشأنِي فِي نَفْسِي كانَ أحْقَرَ مِنْ أنْ يَتَكَلَّمَ الله فِيَّ بأمْر ولَكِنْ كُنْتُ أرْجُو أنْ يَرَى رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي الله بِهَا فَوالله مَا رَامَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَجْلِسَهُ وَلاَ خَرَجَ أحَدٌ مِنْ أهْلِ البَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ علَيْهِ فأخَذَهُ مَا كَانَ يأخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ حَتَّى إنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِنَ العَرَقِ مِثْلُ الجُمَانِ وهْوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ مِنْ ثِقَلِ القَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ قالَتْ فَسُرِّيَ عنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ يَضْحَكُ فكَانَتْ أوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أنْ قَالَ يَا عَائِشَةُ أمَّا الله فقَدْ بَرَّأكِ قالَتْ فقالَتْ لِي أُمِّي قُوُمِي إلَيْهِ فقُلْتُ لاَ وَالله لاَ أقُومُ إلَيْهِ فإنِّي لَا أحْمَدُ إلاَّ الله عَزَّ وَجَلَّ قالَتْ وأنْزَلَ الله تعَالى: {إنَّ الَّذِينَ جَاؤُا بالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} (النُّور: 11) . العَشَرَ الآياتِ ثُمَّ أنْزَلَ الله تعَالى هاذَا فِي بَرَاءَتِي قَالَ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وكانَ يُنْفِقُ علَى مِسْطَحِ بنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وفَقْرِهِ وَالله لاَ أُنْفِقُ علَى مِسْطَحٍ شَيْئَاً أبَداً بعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ فأنْزَلَ الله تعالَى: {وَلاَ يأتَلِ أُولُوا الفَضْلِ مِنْكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} (النُّور: 22) . قالَ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بلَى وَالله إنِّي لأحِبُّ أنْ يَغْفِرَ الله لِي فرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كانَ يُنْفِقُ علَيْهِ وَقَالَ وَالله لَا أنْزِعُهَا مِنْهُ أبَدَاً قالَتْ عائِشَةُ وكانَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سألَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عنْ أمْرِي فَقال لِزَيْنَبَ ماذَا عَلِمْتِ أوْ رَأيْتِ فقالَتْ يَا رسُولَ الله أحْمِي سَمْعِي وبَصَرِي وَالله مَا عَلِمْتُ إلاَّ خَيْرَاً قالَتْ عائِشَةُ وهْيَ الَّتِي كانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعَصَمَهَا الله بالوَرَعِ قالَتْ وطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا فهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ. قَالَ ابنُ شِهَابٍ فهاذَا الَّذِي بلَغَنِي مِنْ(17/206)
حَدِيثَ هاؤُلاءِ الرَّهْطِ ثُمَّ قالَ عُرْوَةُ قالَتْ عائِشَةُ وَالله إنَّ الرَّجُلَ الَّذِي قِيلَ لَهُ مَا قِيلَ لِيَقُولَ سُبْحَانَ الله فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا كشَفْتُ مِنْ كَنَفِ أُنْثَى قَطُّ قالَتْ ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذالِكَ فِي سَبِيلِ الله. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث مضى فِي الشَّهَادَات فِي أول: بَاب تَعْدِيل النِّسَاء بَعضهنَّ بَعْضًا، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الرّبيع سُلَيْمَان بن دَاوُد ... إِلَى آخِره، وَأخرجه هُنَاكَ عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي الْمدنِي عَن إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن صَالح بن كيسَان ... إِلَى آخِره، وليعتبر النَّاظر التَّفَاوُت بَينهمَا من حَدِيث الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى، ولنتكلم هُنَا بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ مِنْهُ.
فَقَوله: (وَأثبت لَهُ اقتصاصاً) أَي: أحفظ وَأحسن إيراداً وسرداً للْحَدِيث، وَهَذَا الَّذِي فعله الزُّهْرِيّ من جمع الحَدِيث عَنْهُم جَائِز لَا كَرَاهَة فِيهِ، لِأَن هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة أَئِمَّة حفاظ ثقاة من عُظَمَاء التَّابِعين، فالحجة قَائِمَة بقول أَي كَانَ مِنْهُم. قَوْله: (فِي غَزْوَة غَزَاهَا) ، أرادة الْغَزْوَة الْمُصْطَلِقِيَّة. قَوْله: (سهمي) ، السهْم فِي الأَصْل وَاحِد السِّهَام الَّتِي يضْرب بهَا فِي الميسر، وَهِي القداح، ثمَّ سمى بهَا مَا يفوز بِهِ الفالح سَهْمه، ثمَّ كثر حَتَّى سمي كل نصيب سَهْما، وَالْمرَاد من السهْم هُنَا الْقدح الَّذِي يقترع بِهِ. قَوْله: (أحمل) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (فِي هودجي) ، الهودج مركب من مراكب النِّسَاء مقتب وَغَيره مقتب. قَوْله: (من جزع ظفار) ، الْجزع بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الزَّاي وبالعين الْمُهْملَة: خرز، وَهُوَ مُضَاف إِلَى: ظفار، بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء وبالراء مَبْنِيَّة على الْكسر وَهُوَ اسْم قَرْيَة بِالْيمن. قَوْله: (ابتغاؤه) ، أَي: طلبه. قَوْله: (لم يهبلن) ، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: من الهبل وَهُوَ كَثْرَة اللَّحْم والشحم. ويروى على صِيغَة الْمَجْهُول من الإهبال، ويروى لم يهبلهن اللَّحْم أَي: لم يكثر عَلَيْهِنَّ، يُقَال: هبله اللَّحْم إِذا كثر عَلَيْهِ وَركب بعضه بَعْضًا. قَوْله: (الْعلقَة) ، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَهِي الْقَلِيل من الْأكل. قَوْله: (فَلم يستنكر الْقَوْم خفَّة الهودج) ، وَقد تقدم فِي كتاب الشَّهَادَات: وَلم يستنكر الْقَوْم ثقل الهودج، والتوفيق بَينهمَا أَن الخفة والثقل من الْأُمُور الإضافية فيتفاوتان بِالنِّسْبَةِ. قَوْله: (فَتَيَمَّمت) ، أَي: قصدت. قَوْله: (وَكَانَ صَفْوَان ابْن الْمُعَطل) ، بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين والطاء الْمُهْمَلَتَيْنِ: ابْن ربيضة بن خزاعي بن محَارب بن مرّة بن فالح بن ثَعْلَبَة بن بهثة بن سليم السّلمِيّ بِالضَّمِّ ثمَّ الذكواني، يكنى أَبَا عَمْرو، وَيُقَال: إِنَّه أسلم قبل الْمُريْسِيع وَشهد الْمُريْسِيع وَمَا بعْدهَا، قَالَ أَبُو عمر: وَكَانَ يكون على ساقة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَن ابْن إِسْحَاق: أَنه قتل فِي غزَاة أرمينية شَهِيدا وأميرهم يَوْمئِذٍ عُثْمَان بن العَاصِي سنة تسع عشرَة فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقيل: مَاتَ بالجزيرة فِي نَاحيَة سميساط وَدفن هُنَاكَ، وَقيل: غير ذَلِك. قَوْله: (باسترجاعه) ، أَي: بقوله: {إِنَّا لله وإنَّا إِلَيْهِ راجعُونَ} (الْبَقَرَة: 156) . قَوْله: (فحمرت) أَي: غطيت من التخمير، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة: وَهِي التغطية. قَوْله: (وَهوى) ، أَي: اسرع حَتَّى أَنَاخَ أَي: برك رَاحِلَته، وَيُقَال: هوى يهوي هوياً من بَاب ضرب يضْرب إِذا أسْرع فِي السّير، وَهوى يهوي من بَاب علم يعلم هوياً إِذا أحب وَهوى يهوى هوياً بِالضَّمِّ: إِذا صعد، وبالفتح إِذا هَبَط، وَفِي رِوَايَة: وأهوى، بِالْهَمْزَةِ فِي أَوله من أَهْوى إِلَيْهِ إِذا مَال وَأَخذه. قَوْله: (فوطىء على يَدهَا) ، أَي: وطىء صَفْوَان على يَد الرَّاحِلَة ليسهل ركُوبهَا وَلَا يحْتَاج إِلَى مساعدته. قَوْله: (موغرين) ، يجوز أَن يكون صِيغَة تَثْنِيَة وَأَن يكون صِيغَة جمع نصبا على الْحَال، أَي: داخلين فِي الوغرة، بالغين الْمُعْجَمَة، وَيُقَال: أوغر الرجل أَي: دخل فِي شدَّة الْحر، كَمَا يُقَال: أظهر إِذا دخل فِي وَقت الظّهْر، ووغرت الهاجرة وغراً، إِذا اشتدت فِي وَقت توَسط الشَّمْس السَّمَاء، ووغر الصَّدْر بتحريك الْغَيْن الْمُعْجَمَة الغل والحرارة، ويروى: موعرين، بِالْعينِ الْمُهْملَة من الوعر. قَوْله: (فِي نحر الظهيرة) أَي: فِي صدر الظّهْر. قَوْله: (وهم نزُول) أَي: وَالْحَال أَن الْجَيْش نازلون. قَوْله: (فَقَالَت) أَي: عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. قَوْله: (فَهَلَك فِي) ، بِكَسْر الْفَاء وَتَشْديد الْيَاء، أَرَادَت مَا قَالُوا فِيهَا من الْكَذِب والبهتان والافتراء الَّذِي هُوَ سَبَب لهلاك الْقَائِلين، أَي: لخزيهم وَسَوَاد وُجُوههم عِنْد الله وَعند النَّاس. قَوْله: (وَالَّذِي تولى كبر الْإِفْك) بِكَسْر الْكَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، أَي: الَّذِي بَاشر مُعظم الْإِفْك وَأَكْثَره (عبد الله بن أبي) بِضَم الْهمزَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء: ابْن سلول، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَضم اللاَّم الأولى، وَهِي امْرَأَة من خُزَاعَة وَهِي أم أبي بن مَالك بن الْحَارِث بن عبيد بن مَالك بن سَالم بن غنم بن الْخَزْرَج، وَكَانَ عبد الله هَذَا رَأس الْمُنَافِقين وَابْنه عبد الله من فضلاء الصَّحَابَة وخيارهم. قَوْله: (قَالَ عُرْوَة) أَي: ابْن الزبير بن الْعَوام أحد الروَاة(17/207)
الْمَذْكُورين أول الحَدِيث، وَهُوَ مُتَّصِل بالسند الأول. قَوْله: (أخْبرت) على صِيغَة الْمَجْهُول وَهُوَ مقول عُرْوَة. قَوْله: (أَنه كَانَ يشاع ويتحدث بِهِ عِنْده) أَي: أَن الْإِفْك كَانَ يشاع عِنْد عبد الله بن أبي وكل من يشاع ويتحدث على صِيغَة الْمَجْهُول من بَاب تنَازع العاملين فِي قَوْله: عِنْده. قَوْله: (فيقره) بِضَم الْيَاء أَي: فَيقر عبد الله حَدِيث الْإِفْك وينكره وَلَا ينْهَى من يَقُول بِهِ. قَوْله: (ويستوشيه) أَي: يَسْتَخْرِجهُ بالبحث وَالْمَسْأَلَة ثمَّ يفشيه وَلَا يَدعه ينخمد، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: يستوشيه أَي يطْلب مَا عِنْده ليزيده. قَوْله: (لم يسم) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (مسطح) بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْمُهْملَة الأولى وَفتح الثَّانِيَة: ابْن أَثَاثَة، بِضَم الْهمزَة وَتَخْفِيف الثَّاء الْمُثَلَّثَة الأولى: ابْن عباد بن الْمطلب بن عبد منَاف بن قصي الْقرشِي المطلبي، يكنى أَبَا عبَادَة، وَأمه سلمى بنت صَخْر بن عَامر بن كَعْب بن سعد بن تيم بن مرّة، وَهِي ابْنة خَالَة أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَقيل: أم مسطح بن عَامر خَالَة أبي بكر، شهد بَدْرًا ثمَّ خَاضَ فِي الْإِفْك فجلده رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَن جلد، وَيُقَال: مسطح، لقب واسْمه: عَوْف، مَاتَ سنة أَربع وَثَلَاثِينَ، وَقيل: شهد مسطح صفّين وَتُوفِّي سنة سبع وَثَلَاثِينَ. قَوْله: (وَحمْنَة) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وبالنون: بنت جحش، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وبالشين الْمُعْجَمَة: ابْن رياب الأَسدِية، من بني أَسد بن خُزَيْمَة، أُخْت زَيْنَب بنت جحش، كَانَت عِنْد مُصعب بن عُمَيْر فَقتل عَنْهَا يَوْم أحد فَتَزَوجهَا طَلْحَة بن عبيد الله وَكَانَت جلدت مَعَ من جلد فِي الْإِفْك. قَوْله: (فِي نَاس آخَرين) أَي: حَال كَون الْمَذْكُورين فِي جمَاعَة آخَرين فِي الْإِفْك. قَالَ عُرْوَة: (وَلَا علم لي بهم) أَي: بأساميهم، غير أَنهم كَانُوا عصبَة. قَالَ ابْن فَارس: الْعصبَة الْعشْرَة، وَقَالَ الدَّاودِيّ: مَا فَوق الْعشْرَة إِلَى الْأَرْبَعين، وَقيل: الْعصبَة الْجَمَاعَة. قَوْله: كَمَا قَالَ الله تَعَالَى فِي قَوْله: {إِن الَّذين جاؤا بالإفك عصبَة مِنْكُم} (النُّور: 11) . أَي: جمَاعَة متعصبون مِنْكُم أَي: من الْمُسلمين. قَوْله: (وَأَن كبر ذَلِك) بِضَم الْكَاف وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: وَأَن مُتَوَلِّي مُعظم الْإِفْك يُقَال لَهُ عبد الله بن أبي. قَوْله: (أَن يسب) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (وَتقول: إِنَّه) أَي: تَقول عَائِشَة: إِن حسان قَالَ: فَإِن أبي ووالده ... إِلَى آخِره. قَوْله: (فَإِن أبي) أَرَادَ بِهِ حسان أَبَاهُ ثَابتا، وَأَرَادَ بقوله: (ووالده) أَي: وَالِد أَبِيه وَهُوَ مُنْذر، وَأَبُو جده: حرَام، لِأَن حسان هُوَ ابْن ثَابت بن الْمُنْذر بن حرَام بن عَمْرو بن زيد مَنَاة بن عدي بن مَالك بن النجار النجاري الْأنْصَارِيّ، وَحرَام ضد الْحَلَال وعاش كل وَاحِد من حسان وَأَبِيهِ وجده وجد أَبِيه مائَة وَعشْرين سنة، وَهَذَا من الغرائب. قَوْله: (وعرضي) بِالْكَسْرِ: هُوَ مَوضِع الْمَدْح والذم من الْإِنْسَان سَوَاء كَانَ فِي نَفسه أَو فِي سلفه أَو من يلْزمه أمره، وَقيل: هُوَ جَانِبه الَّذِي يصونه من نَفسه وحسبه ويحامي عَنهُ أَن ينتقص ويثلب. قَوْله: (وقاء) بِكَسْر الْوَاو، قَالَ الْجَوْهَرِي: الوقاء والوقاء مَا وقيت بِهِ شَيْئا. قَوْله: (فاشتكيت) أَي: مَرضت. قَوْله: (وَالنَّاس يفيضون) ، بِضَم الْيَاء أَي: يَخُوضُونَ. قَوْله: (وَهُوَ يريبني) ، بِفَتْح الْيَاء وَضمّهَا يُقَال: رابه وأرابه إِذا أَوْهَمهُ وشككه. قَوْله: (اللطف) ، بِضَم اللَّام وَسُكُون الطَّاء وَبِفَتْحِهَا جَمِيعًا: الْبر والرفق. قَوْله: (كَيفَ تيكم؟) إعلم أَن: تأوته: ته، اسْم يشار بِهِ إِلَى الْمُؤَنَّث، فَإِن خاطبت جِئْت بِالْكَاف، فَقلت: تيك وتيكما وتيكم، وَمَا قبل الْكَاف لمن تُشِير إِلَيْهِ فِي التَّذْكِير والتأنيث والثنية وَالْجمع. قَوْله: (حِين نقهت) ، بِفَتْح الْقَاف وَكسرهَا أَي: حِين أَفَقْت من الْمَرَض، يُقَال: نقه نقهاً ونقوها: إِذا صَحَّ عقيب علته، وأنقهه الله فَهُوَ ناقه. قَوْله: (قبل المناصع) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، والمناصع بالنُّون وَالصَّاد وَالْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ على وزن الْمَسَاجِد: مَوَاضِع خَارج الْمَدِينَة كَانُوا يتبرزون فِيهَا، قَالَه الْأَزْهَرِي. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: هِيَ الْمَوَاضِع الَّتِي يتخلى فِيهَا لقَضَاء الْحَاجة، وَاحِدهَا منصع لِأَنَّهُ يبرز إِلَيْهَا وَيظْهر، من نصع الشَّيْء ينصع إِذا وضح وَبَان. قَوْله: (متبرزنا) ، بتَشْديد الرَّاء الْمَفْتُوحَة بعْدهَا الزَّاي الْمَفْتُوحَة: وَهُوَ مَوضِع البرَاز. قَوْله: (الكنف) ، بِضَمَّتَيْنِ جمع: كنيف، وَهُوَ كل مَا ستر من بِنَاء أَو حَظِيرَة. قَوْله: (الأول) بِضَم الْهمزَة وَفتح الْوَاو المخففة، ويروى بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْوَاو. قَوْله: (وَهِي ابْنة أبي رهم) ، بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْهَاء واسْمه: أنيس، بِفَتْح الْهمزَة وَكسر النُّون: ابْن الْمطلب بن عبد منَاف، ذكره الزبير وَضَبطه ابْن مَاكُولَا هَكَذَا، وَيُقَال اسْمه صَخْر بن عَامر بن كَعْب بن سعد بن تيم بن مرّة. قَوْله: (تعس) ، بِكَسْر الْعين، قَالَه الْجَوْهَرِي، وَبِفَتْحِهَا قَالَه القَاضِي. قَوْله: (أَي: هنتاه) يَعْنِي: يَا هنتاه، بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون النُّون وَفتحهَا، وَأما الْهَاء الْأَخِيرَة فتضم وتسكن وَهَذِه اللَّفْظَة تخْتَص بالنداء، وَمَعْنَاهُ: يَا هَذِه، وَقيل: يَا بلهاء كَأَنَّهَا نسبت إِلَى قلَّة الْمعرفَة بمكائد النَّاس وشرورهم. قَوْله: (وضيئة) ، أَي: حَسَنَة جميلَة، من الْوَضَاءَة وَهِي الْحسن. قَوْله: (إلاَّ كثرن) ، بتَشْديد الثَّاء الْمُثَلَّثَة، ويروى: أكثرن، من(17/208)
الْإِكْثَار، أَي: كثرن القَوْل الرَّدِيء عَلَيْهَا. قَوْله: (لَا يرقأ) بِالْقَافِ والهمزة، أَي: لَا يَنْقَطِع يُقَال رقا الدمع وَالدَّم والعرق يرقأ رقوء بِالضَّمِّ: إِذا سكن وَانْقطع. قَوْله: (أهلك) ، قَالَ الْكرْمَانِي: بِالرَّفْع وَالنّصب. قلت: وَجه الرّفْع على أَنه مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير: هِيَ أهلك مَا بهَا شَيْء، وَوجه النصب على تَقْدِير: إلزم أهلك. قَوْله: (لم يضيق الله عَلَيْك) قَول عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هَذَا لم يكن عَدَاوَة وَلَا بغضاً، وَلَكِن لما رأى انزعاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا الْأَمر وتقلقه بِهِ أَرَادَ إراحة خاطره وتسهيل الْأَمر عَلَيْهِ. قَوْله: (أَي بَرِيرَة) يَعْنِي: يَا بَرِيرَة، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الرَّاء الأولى، وَهِي مولاة عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَوْله: (أغمصه) جملَة وَقعت صفة لقَوْله: أمرا، وَمَعْنَاهُ: أعيبها بِهِ وأطع بِهِ عَلَيْهَا، ومادته: غين مُعْجمَة وَمِيم وصاد مُهْملَة. قَوْله: (الدَّاجِن) ، بِكَسْر الْجِيم وَهِي: الشَّاة الَّتِي تقتنى فِي الْبَيْت وتعلف، وَقد تطلق على غير الشَّاة من كل مَا يألف الْبيُوت من الطير وَغَيره. قَوْله: (فاستعذر من عبد الله بن أبي) ، أَي: قَالَ من يعذرني فِيمَن أذاني فِي أَهلِي؟ وَمعنى: من يعذرني؟ وَمن يقوم بعذري إِن كافأته على قبح فعله؟ وَقيل: مَعْنَاهُ: من ينصرني؟ والعذير النَّاصِر. قَوْله: (فَقَامَ سعد بن معَاذ) ، فَإِن قلت: حَدِيث الْإِفْك كَانَ فِي الْمُريْسِيع، وَسعد قد مَاتَ قبله؟ قلت: ذكر ابْن مَنْدَه أَن سَعْدا مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة خمس، وغزوة الْمُريْسِيع كَانَت فِي شعْبَان سنة خمس، فَكَأَن سَعْدا مَاتَ بعد شعْبَان من هَذِه السّنة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: يشبه أَن سَعْدا لم ينفجر جرحه إلاَّ بعد الْمُريْسِيع. قَوْله: (قلص دمعي) ، أَي: انْقَطع، قَوْله: (من البرحاء) ، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَتَخْفِيف الْحَاء الْمُهْملَة وبالمد، وبرحاء الْحمى وَغَيرهَا: شدَّة الْأَذَى. قَوْله: (الجمان) ، بِضَم الْجِيم وَتَخْفِيف الْمِيم وَهُوَ: اللُّؤْلُؤ الصغار، وَقيل: حب يتَّخذ من الْفضة أَمْثَال اللُّؤْلُؤ. قَوْله: (من ثقل القَوْل) ، وَضَبطه ابْن التِّين بِكَسْر الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْقَاف. قَوْله: {وَلَا يَأْتَلِ أولو الْفضل مِنْكُم} (النُّور: 22) . أَي: لَا يحلف. قَوْله: (أحمى سَمْعِي وبصري) هُوَ مَأْخُوذ من الْحمى، تَقول: أحميه من المآثم إِن رَأَيْت مَا قيل، وَبَقِيَّة الْكَلَام قد مرت فِي كتاب الشَّهَادَات مستوفاة.
4142 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّد قَالَ أمْلَى عَلَيَّ هِشَامُ بنُ يُوسُفَ مِنْ حِفْظِهِ قَالَ أخبرَنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ قَالَ لي الولِيدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ أبْلَغَكَ أنَّ عَلِيَّاً كانَ فِيمَنْ قَذَفَ عائِشَةَ قُلْتُ لاَ وَلاكِنْ قَدْ أخْبَرَنِي رَجُلاَنِ مِنْ قَوْمِكَ أبُو سلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ وأبُو بَكْرِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ الحَارِثِ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتْ لَهُمَا كانَ عَلِيٌّ مُسَلِّمَاً فِي شَأنِهَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يتَعَلَّق بِالْحَدِيثِ السَّابِق الطَّوِيل، وَعبد الله بن مُحَمَّد أَبُو جَعْفَر الْجعْفِيّ البُخَارِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي، وَهِشَام بن يُوسُف أَبُو عبد الرَّحْمَن الصَّنْعَانِيّ، والوليد بن عبد الْملك بن مَرْوَان الْأمَوِي.
قَوْله: (أمْلى عَليّ) ، من الْإِمْلَاء. قَوْله: (من حفظه) ، فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن الْإِمْلَاء قد يَقع من الْكتاب. قَوْله: (قَالَ لي الْوَلِيد) ، وَفِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق عَن معمر: كنت عِنْد الْوَلِيد بن عبد الْملك ... أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ. قَوْله: (أبلغك؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار. قَوْله: (قلت: لَا) ، الْقَائِل هُوَ الزُّهْرِيّ، أَي: لَا، كَانَ فِيمَن قذف عَائِشَة لِأَن عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، منزه عَن أَن يَقُول مثل مقَالَة أهل الْإِفْك. قَوْله: (أَبُو سَلمَة) ، مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَأَبُو بكر، عطف عَلَيْهِ تَقْدِيره: هما أَبُو سَلمَة وَأَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن، وَالْأولَى أَن يكون أَبُو سَلمَة عطف بَيَان، وَأَبُو بكر عطف عَلَيْهِ، وَأَرَادَ من قَوْله: (من قَوْمك) قُريْشًا، لِأَن أَبَا بكر بن عبد الرَّحْمَن مخزومي وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف زهري يجمعهما مَعَ بني أُميَّة رَهْط الْوَلِيد مرّة بن كَعْب ابْن لؤَي بن غَالب. قَوْله: (قَالَت لَهما) ، أَي: قَالَت عَائِشَة لأبي سَلمَة وَأبي بكر. قَوْله: (مُسلما) بِكَسْر اللَّام الْمُشَدّدَة، كَذَا فِي نسخ البُخَارِيّ وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ: مُسلما، بِفَتْح اللاَّم، فَالرِّوَايَة الأولى من التَّسْلِيم بِمَعْنى تَسْلِيم الْأَمر بِمَعْنى السُّكُوت، وَالثَّانيَِة من السَّلامَة من الْخَوْض فِيهِ، وَقَالَ ابْن التِّين: ويروى: مسيئاً، يَعْنِي من الْإِسَاءَة، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : فِيهِ بعد، ورد عَلَيْهِ بِأَن عياضاً ذكر أَنه النَّسَفِيّ رَوَاهُ عَن البُخَارِيّ بِلَفْظ مسيئاً وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عَليّ بن السكن عَن الْفربرِي. قلت: الظَّاهِر أَن نِسْبَة هَذِه اللَّفْظَة إِلَى عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من حَيْثُ إِنَّه لم يقل مثل مَا قَالَ أُسَامَة بن زيد: أهلك، وَلَا نعلم إلاَّ خيرا، بل قَالَ: لم يضيق الله عَلَيْك وَالنِّسَاء(17/209)
سواهَا كثير، وَمن هَذَا أَن بعض الغلاة من الناصبية تقربُوا إِلَى بني أُميَّة بِهَذِهِ اللَّفْظَة، فجزى الله تَعَالَى الزُّهْرِيّ خيرا حَيْثُ بَين للوليد بن عبد الْملك مَا فِي الحَدِيث الْمَذْكُور.
فَرَاجَعُوهُ فلَمْ يَرْجِعْ وَقَالَ مُسَلِّمَاً بِلاَ شَكَّ فِيهِ وعَلَيْهِ كانَ فِي أصلِ العَتِيقِ كذَلِكَ
أَي: فراجعوا الزُّهْرِيّ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَلم يرجع، أَي: فَلم يجب بِغَيْر ذَلِك. وَقَالَ معمر: قَالَ الزُّهْرِيّ: مُسلما بِلَا شكّ فِي هَذَا اللَّفْظ، وَزَاد أَيْضا لفظ: عَلَيْهِ، أَي: على الْوَلِيد. قَوْله: (وَقَالَ: مُسلما) أَي: قَالَ الزُّهْرِيّ: قَالَت عَائِشَة: قَالَ عَليّ بِلَفْظ مُسلما، لَا بِلَفْظ: مسيئاً، وَقَالَ بَعضهم: الْمُرَاجَعَة فِي ذَلِك وَقعت مَعَ هِشَام بن يُوسُف فِيمَا أَحسب، وَذَلِكَ أَن عبد الرَّزَّاق رَوَاهُ عَن معمر فخالفه، فَرَوَاهُ بِلَفْظ: مسيئاً. قلت: الَّذِي فسره الْكرْمَانِي هُوَ الصَّوَاب، أَلا يرى أَن الْأصيلِيّ لما رَوَاهُ بِلَفْظ: مُسلما، قَالَ: كَذَا قرأناه؟ وَالله أعلم.
173 - (حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن حُصَيْن عَن أبي وَائِل قَالَ حَدثنِي مَسْرُوق بن الأجدع قَالَ حَدَّثتنِي أم رُومَان وَهِي أم عَائِشَة رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَت بَينا أَنا قَاعِدَة أَنا وَعَائِشَة إِذْ ولجت امْرَأَة من الْأَنْصَار فَقَالَت فعل الله بفلان وَفعل بفلان فَقَالَت أم رُومَان وَمَا ذَاك قَالَت ابْني فِيمَن حدث الحَدِيث قَالَت وَمَا ذَاك قَالَت كَذَا وَكَذَا قَالَت عَائِشَة سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَت نعم قَالَت وَأَبُو بكر قَالَت نعم فخرت مغشيا عَلَيْهَا فَمَا أفاقت إِلَّا وَعَلَيْهَا حمى بنافض فطرحت عَلَيْهَا ثِيَابهَا فغطيتها فجَاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ مَا شَأْن هَذِه قلت يَا رَسُول الله أَخَذتهَا الْحمى بنافض قَالَ فَلَعَلَّ فِي حَدِيث تحدث بِهِ قَالَت نعم فَقَعَدت عَائِشَة فَقَالَت وَالله وَلَئِن حَلَفت لَا تصدقوني وَلَئِن قلت لَا تعذروني مثلي ومثلكم كيعقوب وبنيه وَالله الْمُسْتَعَان على مَا تصفون قَالَت وَانْصَرف وَلم يقل شَيْئا فَأنْزل الله عذرها قَالَت بِحَمْد الله لَا بِحَمْد أَحْمد وَلَا بحَمْدك) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن لَهُ تعلقا بِالْحَدِيثِ الطَّوِيل السَّابِق وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي وحصين بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ ابْن عبد الرَّحْمَن الوَاسِطِيّ وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة الْأَزْدِيّ وَأم رُومَان بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْوَاو تقدم ذكرهَا غير مرّة والْحَدِيث مر فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء فِي بَاب قَوْله تَعَالَى {لقد كَانَ فِي يُوسُف وَإِخْوَته آيَات للسائلين} فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن ابْن فُضَيْل عَن حُصَيْن إِلَى آخِره وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ ولنذكر هُنَا بعض شَيْء فَقَوله حَدَّثتنِي أم رُومَان فِيهِ إِشْكَال استشكله الْخَطِيب وَآخَرُونَ لِأَن أم رُومَان مَاتَت فِي زمن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومسروق لَيست لَهُ صُحْبَة لِأَنَّهُ لم يقدم من الْيمن إِلَّا بعد موت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي خلَافَة أبي بكر أَو عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَقَالَ الْخَطِيب أَيْضا كَانَ مَسْرُوق يُرْسل هَذَا الحَدِيث عَن أم رُومَان وَيَقُول سُئِلت أم رُومَان فَوَهم حُصَيْن فِيهِ حَيْثُ جعل السَّائِل لَهَا مسروقا أَو يكون بعض النقلَة كتب سُئِلت بِالْألف فَصَارَت سَأَلت فَقَرَأت بِفتْحَتَيْنِ قَالَ عَليّ أَن بعض الروَاة قد رَوَاهُ عَن حُصَيْن على الصَّوَاب يَعْنِي بالعنعنة قَالَ وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث بِنَاء على ظَاهر الِاتِّصَال وَلم تظهر لَهُ علته انْتهى ورد على الْخَطِيب وَمن تبعه بِوَجْهَيْنِ الأول أَن مستندهم فِي تَارِيخ وَفَاة أم رُومَان عَن الْوَاقِدِيّ فَلَا يضر ذَلِك الْإِسْنَاد الصَّحِيح (الثَّانِي) ذكر أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ أَن أم رُومَان عاشت بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَيُؤَيّد هَذَا مَا تقدم فِي عَلَامَات النُّبُوَّة من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر فِي قصَّة أضياف أبي بكر قَالَ عبد الرَّحْمَن وَإِنَّمَا هُوَ أَنا وَأبي وَأمي(17/210)
وامرأتي وخادم وَفِي كتاب الْأَدَب عِنْد البُخَارِيّ فَلَمَّا جَاءَ أَبُو بكر قَالَت لَهُ أُمِّي احْتبست عَن أضيافك الحَدِيث فَهَذَا يدل على أَن وَفَاة أم رُومَان تَأَخَّرت إِلَى زمن بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله إِذْ ولجت أَي إِذْ دخلت وَكلمَة إِذْ جَوَاب قَوْله بَينا قَوْله " حمى بنافض " النافض من الْحمى ذَات الرعدة قَوْله " فِي حَدِيث تحدث " بِضَم التَّاء على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله " لَئِن حَلَفت " أَي على براءتي قَوْله " لَا تصدقوني " ويروى لَا تصدقونني قَوْله لَا تعذروني أَي لَا تقبلُوا مني الْعذر قَوْله " وَانْصَرف " أَي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
4144 - حدَّثني يَحْيَى حدَّثنا وَكِيعٌ عنْ نَافِعِ بنِ عُمَرَ عنِ ابنِ أبِي مُلَيْكَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا كانَتْ تَقْرَأُ {إذْ تلِقُونَهُ بألْسِنَتِكُمْ} (النُّور: 15) . وتقُولُ الوَلْقُ الكَذِبُ.
قَالَ ابنُ أبِي مُلَيْكَةَ وكانَتْ أعْلَمَ مِنْ غَيْرِهَا بِذَلِكَ لأِنَّهُ نَزَلَ فِيهَا. (الحَدِيث 4144 طرفه فِي: 4752) .
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة الَّذِي قبله. وَيحيى هُوَ ابْن جَعْفَر بن أعين أَبُو زَكَرِيَّا البُخَارِيّ البيكندي، ووكيع ابْن الْجراح، وَنَافِع بن عمر بن عبد الله الجُمَحِي الْقرشِي من أهل مَكَّة، يروي عَن عبد الله بن أبي مليكَة بِضَم الْمِيم.
قَوْله: (إِذْ تلقونه) يَعْنِي: تقْرَأ بِكَسْر اللَّام وَضم الْقَاف المخففة، وفسرته بقولِهَا: من الولق وَهُوَ: الْكَذِب، وَقَالَ الْخطابِيّ: هُوَ الْإِسْرَاع فِي الْكَذِب، وَقيل: هُوَ الِاسْتِمْرَار فِيهِ، وأصل: تلقونه، تولقونه، حذفت الْوَاو لوقوعها بَين الكسرة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف فِي فعل الْغَائِب، وحذفت فِي فعل الْمُخَاطب وَغَيره طرداً للباب. قَوْله: (وَكَانَت أعلم من غَيرهَا) أَي: وَكَانَت عَائِشَة أعلم بِهَذِهِ الْقِرَاءَة من غَيرهَا، وَقِرَاءَة الْعَامَّة: إِذْ تلقونه، بِفَتْح اللَّام وَتَشْديد الْقَاف من التلقي، وَأَصله: إِذْ تتلقونه، فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ.
4145 - حدَّثنا عُثْمَانُ بنُ أبِي شَيْبَةَ حدَّثنَا عَبْدَةُ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ قَالَ ذَهَبْتُ أسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عائِشَةَ فقالَتْ لَا تَسُبَّهُ فإنَّهُ كانَ يُنافِحُ عَنْ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وقالَتْ عائِشَةُ اسْتَأذَنَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هِجَاءِ المُشْرِكِينَ قالَ كَيْفَ بِنَسَبي قالَ لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ العَجِينِ. (انْظُر الحَدِيث 3531 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن حسانا مَذْكُور فِي حَدِيث الْبَاب، وَعَبدَة بِسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن سُلَيْمَان الْكلابِي، وَكَانَ اسْمه عبد الرَّحْمَن فغلب عَلَيْهِ لقبه عَبدة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن عَبدة وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة.
قَوْله: (ينافح) بِالْحَاء الْمُهْملَة، يُقَال: نافحت عَن فلَان إِذا خَاصَمت عَنهُ. قَوْله: (كَيفَ بنسبي؟) أَي: تعْمل فِي أَمر نسبي، إِذا هجوت قُريْشًا من الْمُشْركين؟
وَقَالَ مُحَمَّدٌ بنُ عُقْبَةَ وحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ فَرْقَدٍ سَمِعْتُ هِشَاماً عنْ أبِيهِ قَالَ سَبَبْتُ حَسَّانَ وكانَ مِمَّنْ كَثَّرَ عَلَيْهَا
مُحَمَّد بن عقبَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف وبالباء الْمُوَحدَة: أَبُو جَعْفَر الطَّحَّان الْكُوفِي أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ، علق عَنهُ، وَوَقع فِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي: حَدثنَا مُحَمَّد بِغَيْر نِسْبَة، وَعرف نسبه من الرِّوَايَة الْأُخْرَى، وَعُثْمَان بن فرقد، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْقَاف وبالدال الْمُهْملَة: الْبَصْرِيّ، وَله حَدِيث آخر تقدم فِي أَوَاخِر الْبيُوع. قَوْله: (وَكَانَ مِمَّن كثر) بتَشْديد الثَّاء الْمُثَلَّثَة من التكثير (عَلَيْهَا) ، أَي: على عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فِي ذكر قَضِيَّة الْإِفْك، فَلذَلِك كَانَ عُرْوَة يسبه.
176 - (حَدثنِي بشر بن خَالِد أخبرنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة عَن سُلَيْمَان عَن أبي الضُّحَى عَن مَسْرُوق قَالَ دَخَلنَا على عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَعِنْدهَا حسان بن ثَابت ينشدها شعرًا يشبب بِأَبْيَات لَهُ وَقَالَ
(حصان رزان مَا تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لُحُوم الغوافل)(17/211)
فَقَالَت لَهُ عَائِشَة لكنك لست كَذَلِك قَالَ مَسْرُوق فَقلت لَهَا لم تَأْذَنِي لَهُ أَن يدْخل عَلَيْك وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَالَّذِي تولى كبره مِنْهُم لَهُ عَذَاب عَظِيم} فَقَالَت وَأي عَذَاب أَشد من الْعَمى قَالَت لَهُ إِنَّه كَانَ ينافح أَو يهاجي عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا فِي الحَدِيث الْمَاضِي وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة ابْن خَالِد أَبُو مُحَمَّد العسكري الْفَرَائِضِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا وَمُحَمّد بن جَعْفَر وَهُوَ الملقب بغندر وَسليمَان هُوَ الْأَعْمَش وَأَبُو الضُّحَى بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة اسْمه مُسلم بن صبيح الْكُوفِي والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن بشار وَعَن مُحَمَّد بن يُوسُف وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن بشر بن خَالِد وَعَن مُحَمَّد بن مثنى قَوْله يشبب بالشين الْمُعْجَمَة من التشبيب وَهُوَ ذكر الشَّاعِر مَا يتَعَلَّق بالغزل وَنَحْوه قَوْله حصان إِلَى آخِره وَهُوَ من قصيدة من الطَّوِيل وحصان بِفَتْح الْحَاء أَي عفيفة تمْتَنع من الرِّجَال قَوْله رزان بِفَتْح الرَّاء وَتَخْفِيف الزَّاي أَي صَاحِبَة الْوَقار وَقيل يُقَال امْرَأَة رزان إِذا كَانَت رزينة فِي مجلسها والرزان والثقال بِمَعْنى وَاحِد وَهِي قَليلَة الْحَرَكَة وَكِلَاهُمَا على وزن فعال بِفَتْح الْفَاء وَهُوَ يكثر فِي أَوْصَاف الْمُؤَنَّث وَفِي الْأَعْلَام قَوْله " مَا تزن " بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح الزَّاي وَتَشْديد النُّون أَي مَا تتهم بريبة يُقَال أزننت الرجل إِذا اتهمته بريبة والريبة بِكَسْر الرَّاء التُّهْمَة قَوْله " غرثى " بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء وبالثاء الْمُثَلَّثَة أَي جائعة يَعْنِي لَا تغتاب النَّاس إِذْ لَو كَانَت مغتابة لكَانَتْ آكِلَة من لحم أَخِيهَا فَتكون شبعانة لَا جوعانة وَيُقَال رجل غرثان وَامْرَأَة غرثى وَيُقَال وتصبح غرثى أَي خميصة الْبَطن من لُحُوم الغوافل وَهن العفيفات قَالَ تَعَالَى {إِن الَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات} جَعلهنَّ الله غافلات لِأَن الَّذِي رمين بِهِ من الشَّرّ لم يهمن بِهِ قطّ وَلَا خطر على قلوبهن فهن فِي غَفلَة عَنهُ وَهَذَا أبلغ مَا يكون من الْوَصْف بالعفاف قَوْله لكنك لست كَذَلِك الْخطاب لحسان فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنه اغتاب عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا حِين وَقعت قصَّة الْإِفْك وَقد عمي فِي آخر عمره قَوْله فَقلت لَهَا أَي لعَائِشَة لم تَأْذَنِي لَهُ أَي لحسان قَوْله أَن يدْخل أَي بِأَن يدْخل وَكلمَة أَن مَصْدَرِيَّة قَوْله أَنه كَانَ ينافح أَي أَن حسان كَانَ يذب عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالشعر ويخاصم عَنهُ -
36 - (بابُ غَزْوَةِ الحُدَيْبِيَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بَاب عمْرَة الْحُدَيْبِيَة بدل غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة وَهِي بِضَم الْحَاء وَفتح الدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة قَالَ الْأَصْمَعِي هِيَ مُخَفّفَة الْيَاء الْأَخِيرَة وَزعم صَاحب تثقيف اللِّسَان أَن تشديدها لحن، وَقَالَ أَبُو الْخطاب خفف ياءها المتقنون وَعَامة الْمُحدثين وَالْفُقَهَاء يشد دونهَا وَهِي قَرْيَة لَيست بالكبيرة سميت ببئر هُنَاكَ عِنْد مَسْجِد الشَّجَرَة بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة تسع مراحل ومرحلة إِلَى مَكَّة شرفها الله تَعَالَى والشجرة سَمُرَة بَايع الصَّحَابَة تحتهَا قَالَ مَالك هِيَ من الْحرم وَقَالَ ابْن الْقصار بَعْضهَا من الْحل وَبَعضهَا من الْحرم وَكَانَ يضارب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحل وَمُصَلَّاهُ فِي الْحرم وَقَالَ الْخطابِيّ: أهل الحَدِيث يشددونها وَكَذَلِكَ رَاء الْجِعِرَّانَة وَأهل الْعَرَبيَّة يخففونها وَقَالَ الْبكْرِيّ أهل الْعرَاق يشددون الْيَاء وَأهل الْحجاز يخففونها وَقَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس سَأَلت كل من لَقيته مِمَّن أَثِق بِعِلْمِهِ عَن الْحُدَيْبِيَة فَلم يَخْتَلِفُوا على أَنَّهَا بِالتَّخْفِيفِ وَقيل سميت الْحُدَيْبِيَة بشجرة هُنَاكَ حدباء فصغرت.
وقوْلِ الله تعَالى لَقَدْ رضِيَ الله عنِ المُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على قَوْله غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة وَأَرَادَ بِذكر هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة الْإِشَارَة إِلَى أَنَّهَا نزلت فِي قصَّة الْحُدَيْبِيَة وَقد مر بَيَان قصَّة الْحُدَيْبِيَة فِي كتاب الصُّلْح فِي أَبْوَاب مُتَفَرِّقَة وَكَانَت فِي هِلَال ذِي الْقعدَة يَوْم الِاثْنَيْنِ سنة سِتّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَإِلَيْهِ ذهب الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة وَابْن عقبَة وَابْن إِسْحَاق وَغَيرهم وَاخْتلف فِيهِ على عُرْوَة فَقيل مثل الْجَمَاعَة وَقيل فِي رَمَضَان فروى عَنهُ خرج رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَمَضَان وَكَانَت الْعمرَة فِي شَوَّال وَقَالَ ابْن سعد وَلم يخرج(17/212)
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَه بسلاح إِلَّا السيوف فِي الْقرب وسَاق سبعين بَدَنَة فِيهَا جمل أبي جهل الَّذِي غنمه يَوْم بدر وَمَعَهُ من الْمُسلمين ألف وسِتمِائَة وَيُقَال ألف وَأَرْبَعمِائَة وَيُقَال خَمْسمِائَة وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ رجلا وَمَعَهُ أم سَلمَة قَالَ الْحَاكِم وَالْقلب أميل إِلَى رِوَايَة من روى الْفَا وَخَمْسمِائة لاشتهاره ولمتابعة الْمسيب بن حزن لَهُ فِيهِ قَالَ وَرِوَايَة مُوسَى بن عقبَة كَانُوا ألفا وسِتمِائَة وَلم يُتَابع عَلَيْهَا. قلت: قَالَه أَبُو معشر وَأَبُو سعيد النَّيْسَابُورِي قَالَ وروى عَن عبد الله بن أبي أوفى أَنهم كَانُوا ألفا وثلاثمائة وَسَيَأْتِي فِي رِوَايَة الْبَراء أَنهم كَانُوا ألفا وَأَرْبَعمِائَة. فَإِن قلت: مَا وَجه التَّوْفِيق بَين هَذِه الرِّوَايَات؟ قلت: الْوَجْه فِيهِ أَن بَعضهم ضم إِلَيْهِم النِّسَاء والاتباع وَبَعْضهمْ حذف وَقَالَ ابْن دحْيَة اخْتِلَاف الرِّوَايَات لِأَن ذَلِك من بَاب الْحِرْز والتخمين لَا من بَاب التَّحْدِيد.
4147 - حدَّثني خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ حدَّثنَا سُلَيْمَانُ بنُ بِلالٍ قَالَ حدَّثنِي صالِحُ بنُ كَيْسَانَ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله عنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عامَ الحُدَيْبِيَةِ فأصَابَنَا مَطَرٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ فصَلَّى لَنَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصُّبْحَ ثُمَّ أقْبَلَ علَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقال أتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قُلْنَا الله ورسُولُهُ أعْلَمُ فَقال قَالَ الله أصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤمِنٌ بِي وكَافِرٌ بِي فأمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ الله وبِرِزْقِ الله وبِفَضْلِ الله فهْوَ مُؤْمِنٌ بِي كافِرٌ بالْكَوْكَبِ وأمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا فَهْوَ مُؤْمِنٌ بالْكَوْكَبِ كافِرٌ بِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله خرجنَا عَام الْحُدَيْبِيَة وخَالِد بن مخلد بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام البَجلِيّ الْكُوفِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا والْحَدِيث مر فِي كتاب الصَّلَاة فِي بَاب يسْتَقْبل الإِمَام النَّاس إِذا سلم.
4148 - حدَّثنا هُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ حدَّثنا هَمَّامٌ عَنْ قَتادَةَ أنَّ أنَسَاً رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أخْبَرَهُ قالَ اعْتَمَرَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرْبَعَ عُمَر كُلُّهُنَّ فِي ذِي القَعْدَةِ إلاَّ الَّتِي كانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ عُمْرَةً مِنَ الحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ وعُمْرَةً مِنَ العَامِ المُقْبِلِ فِي ذِي القَعْدَةِ وعُمْرَةً مِنَ الجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي القَعْدَةِ وعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله من الْحُدَيْبِيَة وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم الأولى ابْن يحيى الْبَصْرِيّ. والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْحَج فِي بَاب كم اعْتَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن حسان بن حسان عَن همام عَن قَتَادَة إِلَى آخِره قَوْله: (عمْرَة من الْحُدَيْبِيَة) مُرَاده أَن عمْرَة الْحصْر عَن الطّواف محسوبة بِعُمْرَة وان لم يتم مناسكها قَوْله (من الْجِعِرَّانَة) بِكَسْر الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء، وَقد تشدد كَمَا مر هُنَاكَ فَإِن قلت: ذكر فِي الْجِهَاد فِي بَاب مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعْطى الْمُؤَلّفَة، قَالَ نَافِع وَلم يعْتَمر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْجِعِرَّانَة وَلَو اعْتَمر لم يخف على عبد الله بن عمر قلت: الْمُلَازمَة مَمْنُوعَة لاحْتِمَال غيبته فِي ذَلِك الْوَقْت أَو نسيانه.
4149 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ الرُّبِيعِ حدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ المُبَارَكِ عنْ يَحْيَى عنْ عَبْدِ الله بنِ أبِي قتَادَةَ أنَّ أبَاهُ حدَّثَهُ قَالَ انْطَلَقْنَا معَ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عامَ الحُدَيْبِيَةِ فأحْرَمَ أصْحَابُهُ ولَمْ أُحْرِمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَسَعِيد بن الرّبيع بِفَتْح الرَّاء العامري وعَلى بن الْمُبَارك الْهَبَّاري الْبَصْرِيّ وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير اليمامي الطَّائِي وَعبد الله بن أبي قَتَادَة يروي عَن أَبِيه أبي قَتَادَة وَفِي اسْمه أَقْوَال وَالْأَشْهر الْحَرْث بن ربعي الْأنْصَارِيّ الخزرجي والْحَدِيث قد مضى مطولا فِي كتاب الْحَج فِي بَاب إِذا صَاد الْحَلَال فأهدى للْمحرمِ الصَّيْد أكله.
//(17/213)
180 - (حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى عَن إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء رَضِي الله عَنهُ قَالَ تَعدونَ أَنْتُم الْفَتْح فتح مَكَّة وَقد كَانَ فتح مَكَّة فتحا وَنحن نعد الْفَتْح بيعَة الرضْوَان يَوْم الْحُدَيْبِيَة كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَربع عشرَة مائَة وَالْحُدَيْبِيَة بِئْر فنزحناها فَلم نَتْرُك فِيهَا قَطْرَة فَبلغ ذَلِك النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَتَاهَا فَجَلَسَ على شفيرها ثمَّ دَعَا بِإِنَاء من مَاء فَتَوَضَّأ ثمَّ مضمض ودعا ثمَّ صبه فِيهَا فتركناها غير بعيد ثمَّ إِنَّهَا أصدرتنا مَا شِئْنَا نَحن وركابنا) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله يَوْم الْحُدَيْبِيَة وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء بن عَازِب قَوْله " تَعدونَ أَنْتُم الْفَتْح فتح مَكَّة " أَي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} وَقد كَانَ فتحا وَلَكِن بيعَة الرضْوَان هِيَ الْفَتْح الْعَظِيم لِأَنَّهَا كَانَت مُقَدّمَة لفتح مَكَّة وسببا لرضوان الله تَعَالَى وَذكر ابْن إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ قَالَ لم يكن فِي الْإِسْلَام فتح قبل فتح الْحُدَيْبِيَة أعظم مِنْهُ قَوْله " أَربع عشرَة مائَة " وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال ألفا وَأَرْبَعمِائَة لَكِن الْغَرَض مِنْهُ الْإِشْعَار بِأَن الْجَيْش كَانَ منقسما إِلَى المآت وَكَانَت كل مائَة ممتازة عَن الْأُخْرَى وَقد مر الْكَلَام عَن قريب فِي اخْتِلَاف الرِّوَايَات فِي الْعدَد قَوْله " وَالْحُدَيْبِيَة بِئْر " أَي اسْم بِئْر ثمَّ عرف الْمَكَان كُله بذلك قَوْله " فنزحناها " كَذَا فِي الْأُصُول وَذكره ابْن التِّين بِلَفْظ " فنزفناها " ثمَّ قَالَ النزف والنزح وَاحِد وَهُوَ أَخذ المَاء شَيْئا فَشَيْئًا قَوْله " فتركناها غير بعيد " أَرَادَ أَنهم تركوها قدر سَاعَة يدل عَلَيْهِ رِوَايَة زُهَيْر فَدَعَا ثمَّ قَالَ دَعُوهَا سَاعَة قَوْله " أصدرتنا " من الإصدار يُقَال أصدرته فصدر أَي أرجعته فَرجع قَوْله " مَا شِئْنَا " أَي الْقدر الَّذِي أردنَا شربه والركاب بِكَسْر الرَّاء الْإِبِل الَّتِي يسَار عَلَيْهَا -
4151 - حدَّثني فَضْلُ بنُ يَعْقُوبَ حدَّثنَا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أعْيُنَ أبُو عَلِيٍّ الحَرَّانِيُّ حدَّثنَا زُهَيْرٌ حدَّثَنَا أبُو إسْحَاقَ قَالَ أنْبَأنَا البَرَاءُ بنُ عَازِبٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّهُمْ كانُوا مَعَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ ألْفَاً وأرْبَعَمِائَةٍ أوْ أكْثَرَ فنَزَلُوا علَى بِئْرٍ فنَزَحُوهَا فأتَوْا رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأتَى البِئْرَ وقَعَدَ علَى شَفِيرِهَا ثُمَّ قَال ائْتُونِي بِدَلوٍ مِنْ مَائِها فأُتِيَ بِهِ فبَصَقَ فدَعَا ثُمَّ قَالَ دَعُوهَا سَاعَة فأرْوَوْا أنْفُسَهُمْ ورِكابَهُمْ حتَّى ارْتَحَلُوا. (انْظُر الحَدِيث 3577 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث الْبَراء أخرجه عَن فضل، بالضاد الْمُعْجَمَة: ابْن يَعْقُوب الرخامي الْبَغْدَادِيّ، وَزُهَيْر هُوَ ابْن مُعَاوِيَة، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي. قَوْله: (فبصق) ، وَيُقَال فِيهِ: بسق وبزق.
4152 - حدَّثنا يُوسُفُ بنُ عِيسَى حدَّثنا ابنُ فُضَيْلٍ حدَّثَنَا حُصَيْنٌ عنْ سالِمٍ عنْ جابِرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الحُدَيْبِيَّةِ ورسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فتَوَضَّأَ مِنْهَا ثُمَّ أقْبَلَ النَّاسُ نَحْوَهُ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا لَكُمْ قالُوا يَا رسُولَ الله لَيْسَ عِنْدَنَا ماءٌ نَتَوَضَّأُ بِهِ ولاَ نَشْرَبُ إلاَّ مَا فِي رَكْوَتِكَ قَالَ فوَضَعَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ فجَعَلَ المَاءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أصَابِعِهِ كأمْثَالِ الْعُيُونِ قَالَ فشَرِبْنَا وتَوَضَّأنَا فقُلْتُ لِجَابِرٍ كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ قَالَ لَوْ كُنَّا مِائَةَ ألْفٍ لَكَفَانَا كُنَّا خَمْسَ عَشَرَةَ مِائَةً. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يَوْم الْحُدَيْبِيَة) ، ويوسف بن عِيسَى أَبُو يَعْقُوب الْمروزِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا يروي عَن مُحَمَّد بن(17/214)
فُضَيْل مصغر فضل، بِالْمُعْجَمَةِ عَن حُصَيْن، بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ: أبي عبد الرَّحْمَن عَن سَالم بن أبي الْجَعْد عَن جَابر بن عبد الله.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب عَلَامَات النُّبُوَّة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن عبد الْعَزِيز بن مُسلم عَن حُصَيْن ... إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، فَإِن قلت: حَدِيث جَابر هَذَا مُغَاير لحَدِيث الْبَراء الْمُتَقَدّم على مَا لَا يخفى. قلت: وَقع ذَلِك فِي وَقْتَيْنِ، وَذكر فِي الْأَشْرِبَة أَن حَدِيث جَابر فِي نبع المَاء كَانَ حِين حضرت صَلَاة الْعَصْر عِنْد إِرَادَة الْوضُوء، وَحَدِيث الْبَراء كَانَ لإِرَادَة مَا هُوَ أَعم من ذَلِك، وَقيل: يحْتَمل أَنهم لما توضؤا من المَاء الَّذِي نبع من بَين أَصَابِعه وَيَده فِي الركوة صب المَاء الَّذِي بَقِي مِنْهَا فِي الْبِئْر ففار المَاء فِيهَا وَكثر.
4153 - حدَّثنا الصَّلْتُ بنُ مُحَمَّد حدَّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ عنْ سَعِيدٍ عنْ قَتَادَةَ قُلْتُ لِ سَعِيدِ ابنِ المُسَيَّبِ بلَغَنِي أنَّ جَابِرَ بنَ عَبْد الله كانَ يَقُولُ كانُوا أرْبَعَةَ عشْرَةَ مِائَةً فقَال لي سَعِيدٌ حدَّثنِي جابرٌ كانُوا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةَ الَّذِينَ بايَعُوا النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ الحُدَيْبِيَّةِ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث جَابر أخرجه عَن الصَّلْت بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الخاركي الْبَصْرِيّ عَن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن زُرَيْع مصغر الزَّرْع عَن سعيد بن أبي عرُوبَة ... إِلَى آخِره، وَلَا اخْتِلَاف فِيهِ بَين الرِّوَايَتَيْنِ لِأَن كلا يَحْكِي على مَا ظَنّه، وَلَعَلَّ بَعضهم اعْتبر الأكابر وَبَعْضهمْ الأوساط وَبَعْضهمْ الأصاغر، على أَن التَّخْصِيص بِالْعدَدِ لَا يدل على نفي الزَّائِد. قَوْله: (فَقَالَ لي سعيد) مقول قَتَادَة، أَي: قَالَ لي سعيد بن الْمسيب: حَدثنِي جَابر ... إِلَى آخِره.
تابَعَهُ أبُو دَاوُدَ حدَّثنَا قُرَّةُ عنْ قَتَادَةَ
أَي: تَابع الصَّلْت شيخ البُخَارِيّ فِي رِوَايَته أَبُو دَاوُد سُلَيْمَان بن دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن قُرَّة بن خَالِد عَن قَتَادَة، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق عَمْرو بن عَليّ الفلاس عَن أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن قُرَّة عَن قَتَادَة، قَالَ: سَأَلت سعيد بن الْمسيب: كم كَانُوا فِي بيعَة الرضْوَان؟ فَذكر الحَدِيث، وَقَالَ فِيهِ أوهم يرحمه الله هُوَ حَدثنِي أَنهم كَانُوا ألفا وَخَمْسمِائة. وَقَالَ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي: حَدِيث أبي دَاوُد مَشْهُور عَنهُ، وَأما حَدِيث سعيد هُوَ ابْن أبي عرُوبَة فَإِن الْعَبَّاس بن الْوَلِيد رَوَاهُ عَن يزِيد بن زُرَيْع، وَقَالَ فِيهِ: نسي جَابر، كَانُوا خمس عشرَة مائَة، وَلم يقل فِيهِ: حَدثنِي، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو مُوسَى وَبُنْدَار عَن ابْن أبي عدي عَن سعيد كَرِوَايَة الْعَبَّاس.
4154 - حدَّثنا أبُو دَاوُدَ حدَّثَنَا شُعْبَةُ. حدَّثَنَا عَلِيٌّ حدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌ وسَمِعْتُ جَابِرَ ابنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ لنا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ الحُدَيْبِيَّةِ أنْتُمْ خَيْرُ أهْلِ الأرْضِ وكُنَّا ألْفَاً وأرْبَعَمِائَةٍ ولَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ الْيَوْمَ لَأَرَيْتُكُمْ مَكانَ الشَّجَرَةِ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث جَابر أخرجه عَن عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر بن عبد الله ... إِلَى آخِره.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن سعيد بن عَمْرو وَآخَرين، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور.
قَوْله: (أَنْتُم خير أهل الأَرْض) ، هَذَا يدل صَرِيحًا على فضل أهل الشَّجَرَة، وهم الَّذين بَايعُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تحتهَا، وهم أهل بيعَة الرضْوَان. وَقَالَ الدَّاودِيّ: وَلم يرد دُخُول نَفسه فيهم، وَاحْتج بِهِ بعض الشِّيعَة فِي تَفْضِيل عَليّ على عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، لِأَن عليا كَانَ حَاضرا وَعُثْمَان كَانَ غَائِبا بِمَكَّة، ورد بِأَن عُثْمَان كَانَ فِي حكم من دخل تَحت الْخطاب لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ بَايع عَنهُ وَهُوَ غَائِب، فَدخل عُثْمَان فيهم، وَلم يقْصد فِي الحَدِيث تَفْضِيل بَعضهم على بعض، وَاحْتج بِهِ بَعضهم على أَن الْخضر، عَلَيْهِ السَّلَام، لَيْسَ بِنَبِي، لِأَنَّهُ لَو كَانَ حَيا مَعَ ثُبُوت كَونه نَبيا للَزِمَ تَفْضِيل غير النَّبِي على النَّبِي، وَهَذَا بَاطِل، فَدلَّ على أَنه لَيْسَ بحي حِينَئِذٍ، وَأجَاب من زعم أَنه نَبِي وَأَنه حَيّ بِثُبُوت الْأَدِلَّة الْوَاضِحَة على نبوته، وَأَنه كَانَ حَاضرا مَعَهم، وَلم يقْصد تَفْضِيل بعض على بعض، وَأجَاب بَعضهم بِأَنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ فِي الْبَحْر، وَقَالَ بَعضهم: هَذَا جَوَاب سَاقِط. قلت: لَا نسلم سُقُوطه لعدم الْمَانِع من ذَلِك، وَادّعى ابْن التِّين أَنه حَيّ وَبنى عَلَيْهِ أَنه لَيْسَ بِنَبِي(17/215)
لدُخُوله فِي عُمُوم من فضل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل الشَّجَرَة عَلَيْهِم، ورد عَلَيْهِ بِأَن إِنْكَاره نبوة خضر غير صَحِيح لما ذكرنَا، وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ فِي (تاريخنا الْكَبِير) . وَزعم ابْن التِّين أَيْضا أَن إلْيَاس، عَلَيْهِ السَّلَام، لَيْسَ بِنَبِي، وَبِنَاء على قَول من زعم أَنه حَيّ. قلت: لم يَصح أَنه كَانَ حَيا حِينَئِذٍ، وَلَئِن سلمنَا حَيَاته حِينَئِذٍ فَالْجَوَاب مَا ذَكرْنَاهُ الْآن فِي حق الْخضر، وَأما نفي نبوته فَبَاطِل لِأَن الْقُرْآن نطق بِأَنَّهُ {كَانَ من الْمُرْسلين} فَلَا يُمكن أَن يكون مُرْسلا وَهُوَ غير نَبِي. قَوْله: (وَلَو كنت أبْصر الْيَوْم) ، إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ عمي فِي آخر عمره. قَوْله: (لَأَرَيْتُكُمْ) ، من الإراءة. قَوْله: (مَكَان الشَّجَرَة) ، وَهِي شَجَرَة سمة الَّتِي بَايَعت الصَّحَابَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تحتهَا.
تابَعَهُ الأعْمَشُ سَمِعَ سالِمَاً سَمِعَ جابِراً ألْفَاً وأرْبَعَمِائَةٍ
أَي: تَابع سُفْيَان بن عُيَيْنَة سُلَيْمَان الْأَعْمَش فِي رِوَايَته: ألفا وَأَرْبَعمِائَة، لِأَنَّهُ سمع سَالم بن أبي الْجَعْد أَنه سمع جَابِرا يَقُول: ألفا وَأَرْبَعمِائَة، وَهَذِه الْمُتَابَعَة وَصلهَا البُخَارِيّ فِي آخر كتاب الْأَشْرِبَة، بأتم مِنْهُ.
4155 - وَقَالَ عُبَيْدُ الله بنُ مُعَاذٍ حدَّثنَا أبِي حدَّثَنَا شُعْبَةُ عنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ حدَّثَنِي عَبْدُ الله بنُ أبِي أوْفَى رَضِي الله تَعَالَى عنهُما كانَ أصْحَابُ الشَّجَرَةِ ألْفَاً وثَلاَثَمِائَةٍ وكانَتْ أسْلَمُ ثُمُنَ المُهَاجِرِينَ.
هَذَا التَّعْلِيق مَوْقُوف أخرجه عَن عبيد الله بن معَاذ، بِضَم الْمِيم وبالعين الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة، عَن أَبِيه معَاذ بن معَاذ بن نصر التَّمِيمِي الْعَنْبَري قَاضِي الْبَصْرَة عَن شُعْبَة عَن عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن مرّة، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء: عَن عبد الله بن أبي أوفى الصَّحَابِيّ وَأَبُو أوفى اسْمه عَلْقَمَة الْأَسْلَمِيّ.
وَأخرجه مُسلم، فَقَالَ: حَدثنَا عبيد الله بن معَاذ ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (أسلم) ، بِلَفْظ الْمَاضِي: قَبيلَة، وَقَالَ الرشاطي، هَذَا فِي خُزَاعَة وَفِي مذْحج وَفِي بجيلة. قَوْله: (ثمن الْمُهَاجِرين) ، بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْمِيم وَبِضَمِّهَا، قَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة من أسلم مائَة رجل، فعلى هَذَا كَانَ الْمُهَاجِرُونَ ثَمَانمِائَة، وَالله أعلم.
تابَعَهُ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثَنا أبُو داوُدَ حدَّثَنَا شُعْبَةُ
أَي: تَابع عبيد الله بن معَاذ بن مُحَمَّد بن بشار الملقب ببندار عَن أبي سُلَيْمَان بن دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن شُعْبَة، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن أبي عبد الْكَرِيم عَن بنْدَار بِهِ. وَأخرجه مُسلم عَن أبي مُوسَى مُحَمَّد بن الْمثنى عَن أبي دَاوُد بِهِ.
185 - (حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى أخبرنَا عِيسَى عَن إِسْمَاعِيل عَن قيس أَنه سمع مرداسا الْأَسْلَمِيّ يَقُول وَكَانَ من أَصْحَاب الشَّجَرَة يقبض الصالحون الأول فَالْأول وَتبقى حفالة كحفالة التَّمْر وَالشعِير لَا يعبأ الله بهم شَيْئا) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله وَكَانَ من أَصْحَاب الشَّجَرَة وَعِيسَى هُوَ ابْن يُونُس وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم ومرداس بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ ابْن مَالك الْأَسْلَمِيّ الْكُوفِي وَحَدِيثه هَذَا مَوْقُوف وَأوردهُ البُخَارِيّ فِي الرقَاق من طَرِيق بَيَان عَن قيس مَرْفُوعا وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الحَدِيث وَلَا يعرف أَنه روى عَنهُ إِلَّا قيس بن أبي حَازِم قَالَه بَعضهم وَقَالَ أَبُو عمر لَيْسَ لَهُ حَدِيث عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا هَذَا الحَدِيث قَوْله " الأول فَالْأول " قَالَ الْكرْمَانِي أَي الْأَصْلَح فالأصلح (قلت) الأول مَرْفُوع بِفعل مَحْذُوف تَقْدِيره يذهب الأول وَقَوله فَالْأول عطف عَلَيْهِ وَحَاصِل الْمَعْنى يذهب الصالحون من وَجه الأَرْض أَولا فأولا قَوْله " وَتبقى حفالة " بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وبالفاء المخففة أَي تبقى على وَجه الأَرْض بعد ذهَاب الصَّالِحين رذالة من النَّاس كرديء التَّمْر ونفايته وَهُوَ مثل الحثالة بالثاء الْمُثَلَّثَة مَوضِع الْفَاء قَالَ ابْن الْأَثِير الحثالة الرَّدِيء من كل شَيْء وَمِنْه حثالة الشّعير والأرز وَالتَّمْر وكل ذِي قشر وَيُقَال هُوَ من حفالتهم وَمن حثالتهم أَي مِمَّن لَا خير فِيهِ مِنْهُم وَقيل هُوَ الرذال من كل شَيْء وَالْفَاء والثاء كثيرا يتعاقبان نَحْو ثوم وفوم وَفِي التَّوْضِيح وَفِي غير البُخَارِيّ حثالة بالثاء الْمُثَلَّثَة وَهِي أشهر(17/216)
كَمَا قَالَ الْخطابِيّ وَالْجَمَاعَة على أَنَّهُمَا بِمَعْنى قَوْله " لَا يعبأ الله بهم شَيْئا " أَي لَا يبال بهم أَي لَيْسَ لَهُم منزلَة عِنْده وَقَالَ الْجَوْهَرِي مَا عبأت بفلان عبأ أَي مَا باليت بِهِ
4158 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عبْدِ الله حدَّثنا سُفْيانُ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عَنْ مَرْوَانَ والمِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةً قالاَ خرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عامَ الحُدَيْبِيَّةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أصْحَابِهِ فَلَمَّا كانَ بِذِي الحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وأشْعَرَ وأحْرَمَ مِنْهَا لاَ أُحْصِي كَمْ سَمِعْتُهُ مِنْ سُفْيَانَ حتَّى سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَا أحْفَظُ مِنَ الزُّهْرِيِّ الإشْعَارَ والتَّقْلِيدَ فَلاَ أدْرِي يَعْنِي مَوْضِعَ الإشْعَارِ والتَّقْلِيدِ أوِ الحَدِيثَ كُلَّهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (عَام الْحُدَيْبِيَة) . وعَلى بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، ومروان هُوَ ابْن الحكم، والمسور، بِكَسْر الْمِيم: ابْن مخرمَة، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْحَج فِي: بَاب من أشعر وقلد بِذِي الحليفة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أَحْمد بن مُحَمَّد عَن عبد الله ... إِلَى آخِره، وَسَيَأْتِي بأتم مِنْهُ فِي هَذَا الْبَاب.
قَوْله: (قلد الْهَدْي) ، من التَّقْلِيد وَهُوَ أَن يُقَلّد فِي عنق الْبَدنَة شَيْء ليعلم أَنه هدي. قَوْله: (وأشعر) ، من الْإِشْعَار. وَهُوَ أَن يضْرب صفحة سَنَام الْبَدنَة الْيُمْنَى بحديدة فيلطخها بِالدَّمِ ليشعر بِهِ أَنَّهَا هدي. قَوْله: (لَا أحصي) إِلَى آخِره، من كَلَام عَليّ بن عبد الله شيخ البُخَارِيّ. قَوْله: (حَتَّى سمعته) أَي: حَتَّى سَمِعت سُفْيَان يَقُول: لَا أحفظ إِنَّمَا كَرَّرَه للتَّأْكِيد. قَوْله: (من الزُّهْرِيّ) ، وَهُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الرَّاوِي. قَوْله: (الْإِشْعَار) ، بِالنّصب لِأَنَّهُ مفعول: لَا أحفظ (والتقليد) بِالنّصب أَيْضا عطف عَلَيْهِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ: لَا أحصي كم مرّة سَمِعت الحَدِيث من سُفْيَان، وَيحْتَمل أَن يُرِيد: لَا أحصي كم عددا سمعته أخمسمائة أم أَرْبَعمِائَة أم ثَلَاثمِائَة! وَتعقب عَلَيْهِ بَعضهم بِأَن حَدِيث سُفْيَان هَذَا لَيْسَ فِيهِ تعرض للتردد فِي عَددهمْ، بل الطّرق كلهَا جازمة بِأَن الزُّهْرِيّ قَالَ فِي رِوَايَته: كَانُوا بضع عشرَة مائَة، وَكَذَلِكَ كل من رَوَاهُ عَن سُفْيَان، وَإِنَّمَا وَقع الِاخْتِلَاف فِي ذَلِك فِي حَدِيث جَابر والبراء. انْتهى. قلت: تعقبه ظَاهر، وَلَكِن الِاحْتِمَال غير مَدْفُوع لعدم الْجَزْم بِهِ.
4159 - حدَّثنا الحَسَنُ بنُ خَلَفٍ قَالَ حدَّثَنا إسْحَاقُ بنُ يُوسُفَ عنْ أبِي بِشْرٍ ورْقَاءَ عَنِ ابنِ أبِي نَجِيحٍ عنْ مُجَاهِدٍ قَالَ حدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ أبِي لَيْلَى عنْ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رآهُ وقَمْلُهُ يَسْقُطُ علَى وَجْهِهِ فَقَالَ أيُؤذِيكَ هَوَامُكَ قَالَ نَعَمْ فأمَرَهُ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يَحْلِقَ وهْوَ بالحُدَيْبِيَّةِ ولَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ أنَّهُمْ يحِلُّونَ بِهَا وهُمْ على طَمَعٍ أنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ فأنْزَلَ الله الفِدْيَةَ فأمَرَهُ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يُطْعِمَ فَرَقاً بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ أوْ يُهْدِيَ شَاةً أوْ يَصُومَ ثَلاثَةَ أيَّامٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَهُوَ بِالْحُدَيْبِية) وَالْحسن بن خلف، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَاللَّام: أَبُو عَليّ الوَاسِطِيّ مَاتَ سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من صغَار شُيُوخ البُخَارِيّ ثِقَة وَمَا لَهُ عَنهُ فِي (الصَّحِيح) سوى هَذَا الْموضع، وَإِسْحَاق بن يُوسُف ابْن يَعْقُوب الْأَزْرَق الوَاسِطِيّ، وَأَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: اسْمه وَرْقَاء، بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الرَّاء وبالقاف، وَالْمدّ: ابْن عمر بن كُلَيْب الْيَشْكُرِي، وَيُقَال الشَّيْبَانِيّ، وَأَصله من خوارزم، وَيُقَال: من الْكُوفَة، سكن الْمَدَائِن، يروي عَن عبد الله بن أبي نجيح، بِفَتْح النُّون وَكسر الْجِيم وَفِي آخِره حاء مُهْملَة، واسْمه: يسَار ضد الْيَمين.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْحَج فِي: بَاب النّسك بِشَاة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فرقا) ، بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء وَقد تسكن، وَهُوَ مكيال يسع سِتَّة عشر رطلا.
188 - (حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عبد الله قَالَ حَدثنِي مَالك عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه قَالَ(17/217)
خرجت مَعَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إِلَى السُّوق فلحقت عمر امْرَأَة شَابة فَقَالَت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هلك زَوجي وَترك صبية صغَارًا وَالله مَا ينضجون كُرَاعًا وَلَا لَهُم زرع وَلَا ضرع وخشيت أَن تأكلهم الضبع وَأَنا بنت خفاف بن إِيمَاء الْغِفَارِيّ وَقد شهد أبي الْحُدَيْبِيَة مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَوقف مَعهَا عمر وَلم يمض ثمَّ قَالَ مرْحَبًا بِنسَب قريب ثمَّ انْصَرف إِلَى بعير ظهير كَانَ مربوطا فِي الدَّار فَحمل عَلَيْهِ غرارتين ملأهما طَعَاما وَحمل بَينهمَا نَفَقَة وثيابا ثمَّ ناولها بخطامه ثمَّ قَالَ اقتاديه فَلَنْ يفنى حَتَّى يأتيكم الله بِخَير فَقَالَ رجل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أكثرت لَهَا قَالَ عمر ثكلتك أمك وَالله إِنِّي لأرى أَبَا هَذِه وأخاها قد حاصرا حصنا زَمَانا فافتتحاه ثمَّ أَصْبَحْنَا نستفيء سهمانهما فِيهِ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله وَقد شهد أبي الْحُدَيْبِيَة وَأسلم وَالِد زيد مولى عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَ من سبي الْيمن وَيُقَال من سبي عين التَّمْر ابتاعه عمر بِمَكَّة سنة إِحْدَى عشرَة قَوْله " فلحقت عمر امْرَأَة شَابة " وَفِي رِوَايَة معن عَن مَالك عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ فلقينا امْرَأَة فتشبثت بثيابه وَفِي طَرِيق سعيد بن دَاوُد عَن مَالك فتعلقت بثيابه وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ إِنِّي امْرَأَة مؤتمة قَوْله " صبية " بِكَسْر الصَّاد وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة جمع صبي قَوْله " مَا ينضجون كُرَاعًا " بِضَم الْيَاء وَسُكُون النُّون وَكسر الصَّاد الْمُعْجَمَة بعْدهَا جِيم يَعْنِي لَا كرَاع لَهُم حَتَّى ينضجونه أَو لَا كِفَايَة لَهُم فِي تَرْتِيب مَا يَأْكُلُونَهُ أَو لَا يقدرُونَ على الإنضاج يَعْنِي أَنهم لَو حاولوا نضج كرَاع مَا قدرُوا لصغرهم والكراع من الدَّوَابّ مَا دون الكعب وَمن الْإِنْسَان مَا دون الرّكْبَة قَوْله " وَلَا لَهُم زرع " أَي نَبَات قَوْله وَلَا ضرع كِنَايَة عَن النعم قَوْله " أَن تأكلهم الضبع " بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة وبالعين الْمُهْملَة السّنة المجدبة الشَّدِيدَة وَأَيْضًا الْحَيَوَان الْمَشْهُور وَقَالَ الدَّاودِيّ سميت بذلك لِأَنَّهُ يكثر الْمَوْتَى فِيهَا حَتَّى لَا يقبر أحدهم فتأكله الضبع وَغَيرهَا قيل فِيهِ نظر قَوْله " وَأَنا بنت خفاف " بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء الأولى ابْن إِيمَاء بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالمد وَقيل أَيّمَا بِالْفَتْح وَالْقصر وَهُوَ منصرف ابْن رحضة بِالْحَاء الْمُهْملَة ابْن خُزَيْمَة بن خلان بن الْحَارِث بن غفار الْغِفَارِيّ بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء وبالراء وَقَالَ أَبُو عمر يُقَال لخفاف وَأَبِيهِ وجده صُحْبَة وَكَانُوا ينزلون غيقة بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وقاف من بِلَاد غفار ويأتون الْمَدِينَة كثيرا وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ خفاف بن إِيمَاء من المعذرين من الْأَعْرَاب وَقَالَ الْوَاقِدِيّ كَانَ فِيمَن جَاءَ من الْأَعْرَاب من بني غفار إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يُرِيد تَبُوك يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ فِي التَّخَلُّف عَنهُ فَلم يعذرهم الله ولخفاف هَذَا حَدِيث مَوْصُول عِنْد مُسلم قَوْله " شهد أبي الْحُدَيْبِيَة " ذكر الْوَاقِدِيّ من حَدِيث أبي رهم الْغِفَارِيّ قَالَ لما نزل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالأبواء أهْدى لَهُ إِيمَاء بن رحضة مائَة شَاة وبعيرين يحْملَانِ لَبَنًا وَبعث بهَا مَعَ ابْنه خفاف فَقبل هديته وَفرق الْغنم فِي أَصْحَابه ودعا بِالْبركَةِ قَوْله مرْحَبًا مَعْنَاهُ أتيت سَعَة ورحبا قَوْله بِنسَب قريب يحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ قرب نسب غفار من قُرَيْش لِأَن كنَانَة تجمعهم وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ أَنَّهَا انتسبت إِلَى شخص وَاحِد مَعْرُوف قَوْله ظهير أَي قوي الظّهْر معد للْحَاجة وَقَالَ الْجَوْهَرِي بعير ظهير بَين الظهارة إِذا كَانَ قَوِيا وناقة ظهيرة قَوْله غرارتين تَثْنِيَة غرارة بالغين الْمُعْجَمَة وَهِي الَّتِي تتَّخذ للتبن وَغَيره وَقيل هِيَ معربة قَوْله بخطامه أَي بِخِطَام الْبَعِير وَهُوَ الْحَبل الَّذِي يُقَاد بِهِ سمي بذلك لِأَنَّهُ يَقع على الخطم وَهُوَ الْأنف قَوْله اقتاديه أَمر من الاقتياد وَفِي رِوَايَة سعيد بن دَاوُد قودي هَذَا الْبَعِير قَوْله بِخَير وَفِي رِوَايَة سعيد بن دَاوُد بالرزق قَوْله ثكلتك أمك هِيَ كلمة تَقُولهَا الْعَرَب للإنكار وَلَا يُرِيدُونَ حَقِيقَتهَا كَقَوْلِهِم تربت يداك وقاتلك الله وَمَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ فقدتك أمك وَهُوَ الدُّعَاء بِالْمَوْتِ من الثكل بِضَم الثَّاء وَسُكُون الْكَاف وَهُوَ فقد الْوَلَد(17/218)
وَيُقَال امْرَأَة ثاكل وثكلى وَرجل ثاكل وثكلان قَوْله أَبَا هَذِه أَي أَبَا هَذِه الْمَرْأَة وَهُوَ خفاف وأخوها لم يدر اسْمه وَكَانَ لخفاف ابْنَانِ الْحَارِث ومخلد وهما تابعيان والْحَارث روى عَن أَبِيه ومخلد يروي عَن عُرْوَة وروى عَنهُ ابْن أبي ذِئْب حَدِيث الْخراج من الضَّمَان أخرج لَهُ الْأَرْبَعَة وَأما مخلد الْغِفَارِيّ فَلهُ صُحْبَة ذكره البُخَارِيّ فِي الصَّحَابَة وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ لَيْسَ لَهُ صُحْبَة وَقَول أبي عمرَان لخفاف وَأَبِيهِ وجده صُحْبَة يدل على أَن يكون هَؤُلَاءِ أَرْبَعَة فِي نسق لَهُ صُحْبَة وهم بنت خفاف وخفاف وَأَبوهُ إِيمَاء وجده رحضة وَفِيه رد على من زعم أَنه لم يُوجد أَرْبَعَة فِي نسق لَهُم صُحْبَة سوى بنت أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله حصنا أَي حصنا من الْحُصُون فافتتحاها وَكَانَ ذَلِك فِي غَزْوَة لم يدر أَي غَزْوَة كَانَت قيل يحْتَمل أَن تكون خَيْبَر لِأَنَّهَا كَانَت بعد الْحُدَيْبِيَة وَلها حصون قد حوصرت قَوْله نستفيء بِفَتْح النُّون وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبالفاء وبالهمزة فِي آخِره من استفأت هَذَا المَال أَي أَخَذته فَيْئا أَي نطلب الْفَيْء من سهمانهما وَسمي فَيْئا لِأَنَّهُ مَال استرجعه الْمُسلمُونَ من يَد الْكفَّار وَمِنْه تتفيأ ظلاله أَي ترجع على كل شَيْء من حوله وَمِنْه فَإِن فاؤا أَي رجعُوا والسهمان بِضَم السِّين وَهُوَ جمع سهم وَهُوَ النَّصِيب وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ نستقي بِالْقَافِ وَبِدُون الْهمزَة
189 - (حَدثنِي مُحَمَّد بن رَافع حَدثنَا شَبابَة بن سوار أَبُو عَمْرو الْفَزارِيّ حَدثنَا شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن أَبِيه قَالَ لقد رَأَيْت الشَّجَرَة ثمَّ أتيتها بعد فَلم أعرفهَا) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله لقد رَأَيْت الشَّجَرَة لِأَنَّهَا كَانَت هِيَ الْحُدَيْبِيَة وَكَانَت شَجَرَة جدباء فصغرت وَمُحَمّد بن رَافع النَّيْسَابُورِي مر فِي الصُّلْح وشبابة بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الباءين الموحدتين ابْن سوار بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْوَاو وبالراء الْفَزارِيّ بِفَتْح الْفَاء وبالزاي قَوْله الشَّجَرَة وَهِي الشَّجَرَة الَّتِي كَانَت بيعَة الرضْوَان تحتهَا قَوْله بعد بِضَم الدَّال أَي بعد ذَلِك
(قَالَ أَبُو عبد الله قَالَ مَحْمُود ثمَّ أنسيتها بعد) أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ وَلَيْسَ فِي أَكثر النّسخ هَذَا قَوْله قَالَ مَحْمُود هُوَ ابْن غيلَان أَبُو أَحْمد الْمروزِي شيخ البُخَارِيّ وَمُسلم قَوْله أنسيتها على صِيغَة الْمَجْهُول
190 - (حَدثنَا مَحْمُود حَدثنَا عبيد الله عَن إِسْرَائِيل عَن طَارق بن عبد الرَّحْمَن قَالَ انْطَلَقت حَاجا فمررت بِقوم يصلونَ قلت مَا هَذَا الْمَسْجِد قَالُوا هَذِه الشَّجَرَة حَيْثُ بَايع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بيعَة الرضْوَان فَأتيت سعيد بن الْمسيب فَأَخْبَرته فَقَالَ سعيد حَدثنِي أبي أَنه كَانَ فِيمَن بَايع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَحت الشَّجَرَة قَالَ فَلَمَّا خرجنَا من الْعَام الْمقبل نسيناها فَلم نقدر عَلَيْهَا فَقَالَ سعيد إِن أَصْحَاب مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يعلموها وعلمتموها أَنْتُم فَأنْتم أعلم) مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة مَا قبله ومحمود قد ذكر الْآن وَعبيد الله هُوَ ابْن مُوسَى وَهُوَ أَيْضا من شُيُوخ البُخَارِيّ وَحدث عَنهُ بِوَاسِطَة وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَق السبيعِي وطارق بن عبد الرَّحْمَن البَجلِيّ الْكُوفِي قَوْله مَا هَذَا الْمَسْجِد أُرِيد بِهِ مَسْجِد الشَّجَرَة وَذَلِكَ لأَنهم جعلُوا تحتهَا مَسْجِدا يصلونَ فِيهِ قَوْله هَذِه الشَّجَرَة أَرَادَ بهَا الشَّجَرَة الَّتِي وَقعت الْمُبَايعَة تحتهَا كَمَا ذكرنَا الْآن قَوْله نسيناها أَي الشَّجَرَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني وَالْمُسْتَمْلِي أنسيناها بِضَم الْهمزَة وَسُكُون النُّون على صِيغَة الْمَجْهُول أَي أنسينا موضعهَا بِدَلِيل قَوْله " فَلم نقدر عَلَيْهِ " قَوْله " فَقَالَ سعيد " أَي سعيد بن الْمسيب إِنَّمَا قَالَ سعيد مَا قَالَه هُنَا مُنْكرا عَلَيْهِم قَوْله " فَأنْتم أعلم " لَيْسَ على حَقِيقَته وَإِنَّمَا هُوَ تهكم وَفِي رِوَايَة قيس بن الرّبيع أَن أقاويل النَّاس كَثِيرَة -(17/219)
4164 - حدَّثنا مُوسى حدَّثَنَا أبُو عَوَانَةَ حدَّثَنا طَارِقٌ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عنْ أبِيهِ أنَّهُ كانَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَرَجَعْنَا إلَيْهَا العامَ الْمُقْبِلَ فَعَمِيَتْ عَلَيْنَا.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث سعيد بن الْمسيب أخرجه عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي عَن أبي عوَانَة الوضاح الْيَشْكُرِي عَن طَارق بن عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور آنِفا.
قَوْله: (فعميت) ، أَي: استترت وخفيت، وَكَانَ سَبَب خفائها أَن لَا يفتتن النَّاس بهَا لما جرى تحتهَا من الْخَيْر ونزول الرضْوَان فَلَو بقيت ظَاهِرَة مَعْلُومَة لخيف تَعْظِيم الْجُهَّال إِيَّاهَا وعبادتهم لَهَا، فإخفاؤها رَحْمَة من الله تَعَالَى.
4166 - حدَّثنا آدَمُ بنُ أبِي إياسٍ حدَّثنَا شُعْبَةُ عنْ عمْرِو بن مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ أبِي أوْفَى وكانَ مِنْ أصْحَابِ الشَّجَرَةِ قَالَ كانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا أتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَةٍ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ علَيْهِمْ فأتَاهُ أبِي بِصَدَقَتِهِ فَقالَ أللَّهُمَّ صلِّ علَى آلِ أبِي أوْفَى.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَكَانَ من أَصْحَاب الشَّجَرَة) والْحَدِيث مضى فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بَاب صَلَاة الإِمَام، ودعائه لصَاحب الصَّدَقَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة ... إِلَخ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
4167 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ عنْ أخِيهِ عنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عَمْرِو بنِ يَحْيَى عنْ عَبَّادِ بنِ تَمِيمٍ قَالَ لَمَّا كانَ يَوْمُ الحَرَّةِ والنَّاسُ يُبايِعُونَ لِعَبْدِ الله بنِ حَنْظَلَةَ فَقال ابنُ زَيْدٍ علَى مَا يُبَايِعُ ابنُ حَنْظَلَةَ النَّاسَ قِيلَ لَهُ علَى المَوْتِ قَالَ لاَ أُبَايِعُ علَى ذالِكَ أحَدَاً بعْدَ رسُولِ الله وكانَ شَهِدَ مَعَهُ الحُدَيْبِيَةَ. (انْظُر الحَدِيث 2959) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَكَانَ شهد مَعَه الْحُدَيْبِيَة) وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، يروي عَن أَخِيه عبد الحميد عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن عَمْرو بن يحيى الْمَازِني عَن عباد، بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة، ابْن تَمِيم بن زيد بن عَاصِم الْمَازِني، وَهَؤُلَاء كلهم مدنيون.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب الْبيعَة فِي الْحَرْب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن وهيب عَن عَمْرو بن يحيى ... إِلَى آخِره، وَمضى بعض الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ولنذكر بعض شَيْء أَيْضا.
فَقَوله: (يَوْم الْحرَّة) ، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء: وَهِي حرَّة الْمَدِينَة، ويومها هُوَ يَوْم الْوَقْعَة الَّتِي وَقعت بَين عَسْكَر يزِيد وَأهل الْمَدِينَة وَكَانَت فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ، وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك خلع أهل الْمَدِينَة يزِيد بن مُعَاوِيَة، وَلما بلغ ذَلِك يزِيد أرسل جَيْشًا إِلَى الْمَدِينَة وعيَّن عَلَيْهِم مُسلم بن عقبَة، قيل: فِي عشرَة آلَاف فَارس، وَقيل: فِي إثني عشر ألفا، وَقَالَ الْمَدَائِنِي، وَيُقَال: فِي سَبْعَة وَعشْرين ألفا، إثني عشر ألف فَارس وَخَمْسَة عشر ألف راجل، وَجعل أهل الْمَدِينَة جيشهم أَرْبَعَة أَربَاع على كل ربع أَمِير، أَو جعلُوا أجل الأرباع عبد الله بن حَنْظَلَة الغسيل، وقصتهم طَوِيلَة، وملخصها: أَنه لما وَقع الْقِتَال بَينهم كسر عَسْكَر يزِيد عَسْكَر أهل الْمَدِينَة وَقتل عبد الله بن حَنْظَلَة وَأَوْلَاده وَجَمَاعَة آخَرُونَ، وَسُئِلَ الزُّهْرِيّ:(17/220)
كم كَانَ الْقَتْلَى يَوْم الْحرَّة؟ قَالَ: سَبْعمِائة من وُجُوه النَّاس من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، ووجوه الموَالِي وَمِمَّنْ لَا يعرف من حر وَعبد وَغَيرهم عشرَة آلَاف، وَقَالَ الْمَدَائِنِي: أَبَاحَ مُسلم بن عقبَة الْمَدِينَة ثَلَاثَة أَيَّام يقتلُون النَّاس وَيَأْخُذُونَ الْأَمْوَال ووقعوا على النِّسَاء حَتَّى قيل: إِنَّه حبلت ألف امْرَأَة فِي تِلْكَ الْأَيَّام. وَعَن هِشَام بن حسان: ولدت ألف امْرَأَة من أهل الْمَدِينَة من غير زوج. قَوْله: (وَالنَّاس يبايعون لعبد الله بن حَنْظَلَة) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون والظاء الْمُعْجَمَة وَفتح اللَّام: ابْن أبي عَامر الراهب، وَيُقَال لَهُ: ابْن الغسيل، لِأَن أَبَاهُ حَنْظَلَة غسلته الْمَلَائِكَة، وَقد مر بَيَانه غير مرّة، وَعبد الله هَذَا ولد على عهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَتُوفِّي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ ابْن سبع سِنِين وَرَآهُ وروى عَنهُ وَقتل يَوْم الْحرَّة، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن، وَمعنى: يبايعون لعبد الله، أَي: على الطَّاعَة لَهُ وخلع يزِيد بن مُعَاوِيَة، وَقَالَ بَعضهم: وَعكس الْكرْمَانِي فَزعم أَنه كَانَ يُبَايع النَّاس ليزِيد بن مُعَاوِيَة وَهُوَ غلط كَبِير، انْتهى. قلت: رجعت إِلَى (شرح الْكرْمَانِي) فَوجدت عِبَارَته: كَانَ يَأْخُذ الْبيعَة من النَّاس ليزِيد بن مُعَاوِيَة، وَالظَّاهِر أَن هَذَا من النَّاسِخ الْجَاهِل، فَذكر اللاَّم مَوضِع: على، وَكَانَ الَّذِي كتبه: على يزِيد بن مُعَاوِيَة. قَوْله: (قَالَ ابْن زيد) هُوَ عبد الله بن زيد ابْن عَاصِم عَم عباد بن تَمِيم الْأنْصَارِيّ الْمَازِني البُخَارِيّ الَّذِي قتل مُسَيْلمَة وَقتل هُوَ يَوْم الْحرَّة، وَهُوَ صَاحب حَدِيث الْوضُوء، وَغلط ابْن عُيَيْنَة فَقَالَ: هُوَ الَّذِي أرِي الْأَذَان. قَوْله: (قيل: لَهُ على الْمَوْت) كَذَا وَقع هُنَا، وَقيل: على أَن لَا يَفروا وَقَالَ الدَّاودِيّ: يحمل على أَن لَا يَفروا حَتَّى يموتوا، فَسقط ذَلِك من بعض الروَاة. قَوْله: (قَالَ: لَا أبايع على ذَلِك أحدا) أَي: قَالَ ابْن زيد: لَا أبايع على الْمَوْت أحدا بعد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِيه إِشْعَار بِأَنَّهُ بَايع رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على الْمَوْت.
4168 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ يَعْلَى المُحَارِبِيُّ قَالَ حدَّثَنِي أبِي حدَّثنَا إياسُ بنُ سلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ قَالَ حدَّثنِي أبي وكانَ مِنْ أصْحَابِ الشَّجَرَةِ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ ولَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌ نَسْتَظِلٌ فِيهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَكَانَ من أَصْحَاب الشَّجَرَة) وَيحيى بن يعلى، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وبالقصر: الْمحَاربي، بِضَم الْمِيم وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وبالباء الْمُوَحدَة: الْكُوفِي الثِّقَة من قدماء شُيُوخ البُخَارِيّ، مَاتَ سنة سِتّ عشرَة وَمِائَتَيْنِ، يروي عَن أَبِيه يعلى بن الْحَارِث الْمحَاربي، ثِقَة أَيْضا مَاتَ سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَمِائَة، وَمَا لَهما فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث، وَإيَاس، بِكَسْر الْهمزَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن سَلمَة بن الْأَكْوَع.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى وَغَيره، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن شُعَيْب بن يُوسُف، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن بنْدَار.
قَوْله: (نستظل فِيهِ) ويروى: بِهِ، وَاحْتج بِهَذَا الحَدِيث من جوز صَلَاة الْجُمُعَة قبل الزَّوَال لِأَن الشَّمْس إِذا زَالَت ظَهرت الظلال. وَأجِيب: بِأَن النَّفْي إِنَّمَا تسلط على وجود ظلّ يستظل بِهِ لَا على وجود الظل مُطلقًا، والظل الَّذِي يستظل بِهِ لَا يتهيأ إلاَّ بعد الزَّوَال بعد أَن يخْتَلف فِي الشتَاء والصيف.(17/221)
4170 - حدَّثني أحْمَدُ بنُ إشْكَابٍ حدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ عنِ العَلاَءِ بنِ المُسَيَّبِ عنْ أبِيهِ قَالَ لَ قِيتُ البَرَاءَ بنَ عَازِبٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما فقُلْتُ طُوبَى لَكَ صَحِبْتَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبايَعْتَهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَقال يَا ابْنَ أخِي إنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أحْدَثْنَا بَعْدَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (تَحت الشَّجَرَة) وَأحمد بن إشكاب، بِكَسْر الْهمزَة وَفتحهَا وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: أَبُو عبد الله الصفار الْكُوفِي ثمَّ الْبَصْرِيّ، وَمُحَمّد بن فُضَيْل مصغر الْفضل بِالْمُعْجَمَةِ، والْعَلَاء بِالْمدِّ ابْن الْمسيب يروي عَن أَبِيه الْمسيب بن رَافع التغلبي، بِفَتْح الفوقانية وَسُكُون الْمُعْجَمَة وَكسر اللَّام وبالباء الْمُوَحدَة الْكَاهِلِي.
قَوْله: (طُوبَى لَك) مثل: هَنِيئًا لَك، أَي: طيب الْعَيْش لَك، وَقيل: طُوبَى شَجَرَة فِي الْجنَّة. قَوْله: (يَا ابْن أخي) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يَا ابْن أخٍ، بِلَا إِضَافَة وَهُوَ على عَادَة الْعَرَب فِي المخاطبة، أَو أَرَادَ أخوة الْإِسْلَام. قَوْله: (إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أحدثنا بعده) ، أَي: بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ ذَلِك إِمَّا هضماً لنَفسِهِ وتواضعاً، وَإِمَّا نظرا إِلَى مَا وَقع من الْفِتَن بَينهم.
4171 - حدَّثنا إسْحَاقُ حدَّثنَا يَحْيَى بنُ صالِحٍ قَالَ حدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ هُوَ ابنُ سَلاَّمٍ عنْ يَحْيَى عنْ أبِي قِلاَبَةَ أنَّ ثابِتَ بنَ الضَّحَّاكِ أخْبَرَهُ أنَّهُ بايَعَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَحْتَ الشَّجَرَةِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (تَحت الشَّجَرَة) وَإِسْحَاق هُوَ ابْن مَنْصُور بن بهْرَام الكوسج الْمروزِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَيحيى ابْن صَالح هُوَ الرحاظي الْحِمصِي وَهُوَ شيخ البُخَارِيّ أَيْضا. وَقد يحدث عَنهُ بِوَاسِطَة، وَمُعَاوِيَة بن سَلام، بتَشْديد اللَّام وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن السكن: عَن زيد بن سَلام، بدل: يحيى بن أبي كثير، قَالَ أَبُو عَليّ الجياني: وَلم يُتَابع على ذَلِك، وَأَبُو قلَابَة، بِكَسْر الْقَاف: عبد الله بن زيد الْجرْمِي، وثابت بن الضَّحَّاك بن خَليفَة بن ثَعْلَبَة بن عدي بن كَعْب بن عبد الْأَشْهَل، ولد سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة وَسكن الشَّام ثمَّ انْتقل إِلَى الْبَصْرَة وَمَات بهَا سنة خمس وَأَرْبَعين، وَقيل: إِنَّه مَاتَ فِي فتْنَة ابْن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
وَهَذَا الحَدِيث أوردهُ هَكَذَا مُخْتَصرا، وَأخرج مُسلم بَقِيَّته عَن يحيى بن يحيى عَن مُعَاوِيَة بِهَذَا الْإِسْنَاد.
4172 - حدَّثني أحْمَدُ بنُ إسْحَاقَ حدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ أخبَرَنَا شُعْبَةُ عنْ قَتَادَةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ {إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحَاً مُبِيناً} (الْفَتْح: 1) . قَالَ الحُدَيْبِيَةُ قَالَ أصْحَابُهُ هَنِيئاً مَرِيئَاً فَما لَنَا فأنْزَلَ الله {ليُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ} (الْفَتْح: 5) . قَالَ شُعْبَةُ فقَدِمْتُ الكُوفَةَ فَحَدَّثْتُ بِهاذَا كُلِّهِ عنْ قَتَادَةَ ثُمَّ رَجَعْتُ فذَكَرْتُ لَهُ فَقالَ أمَّا إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَعَنْ أنَسٍ وأمَّا هَنِيئَاً مَرِيئَاً فعَنْ عِكْرِمَةَ. (الحَدِيث 4172 طرفه فِي: 4834) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (قَالَ: الْحُدَيْبِيَة) وَأحمد بن إِسْحَاق بن الْحصين أَبُو إِسْحَاق السّلمِيّ السرماري، وسرمار قَرْيَة من قرى بُخَارى، مَاتَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، وَعُثْمَان بن عمر بن فَارس الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن بنْدَار. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن عَمْرو بن عَليّ.
قَوْله: (قَالَ: الْحُدَيْبِيَة) ، أَي: قَالَ أنس: الْفَتْح فِي قَوْله تَعَالَى: {إنَّا فَتَحْنَا لَكَ} (الْفَتْح: 1) . هُوَ فِي الْحُدَيْبِيَة. قَوْله: (قَالَ أَصْحَابه) أَي: أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (هَنِيئًا) أَي: لَا إِثْم فِيهِ. قَوْله: (مريئاً) أَي: لَا دَاء فِيهِ. يُقَال: هنأني الطَّعَام ومرأني. وَإِذا لم يذكر هنأني يَقُول: امرأني، بِالْهَمْزَةِ. قَالَه أَبُو عبيد الْهَرَوِيّ، وَقَالَ ابْن فَارس: يُقَال مرأني الطَّعَام وأمرأني أَي: انهضم، وَذكر ابْن الْأَعرَابِي أَنه لَا يُقَال: مرأني. قَوْله: (فَمَا لنا) ، من قَول الصَّحَابَة أَيْضا. قَوْله: (قَالَ شُعْبَة: فَقدمت الْكُوفَة) إِلَى آخِره، إِشَارَة إِلَى أَن بعض الحَدِيث عِنْد قَتَادَة عَن أنس، وَبَعضه عِنْده عَن عِكْرِمَة،(17/222)
وَقد أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق حجاج بن مُحَمَّد عَن شُعْبَة، وَجمع فِي الحَدِيث بَين أنس وَعِكْرِمَة وَسَاقه مساقاً وَاحِدًا.
4173 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثَنا أبُو عامِرٍ حدَّثَنا إسْرَائِيلُ عنْ مَجْزَأةَ بنِ زَاهِرٍ الأسْلَمِيِّ عنْ أبِيهِ وكانَ مِمَّنْ شَهِدَ الشَّجَرَةَ قَالَ إنِّي أوقِدُ تَحْتَ القِدْرِ بِلُحُومِ الْحُمُرِ إذْ نادَى مُنَادِي رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَنْهَاكُمْ عنْ لُحُومِ الحُمُرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَكَانَ مِمَّن شهد الشَّجَرَة) . وَأَبُو عَامر هُوَ عبد الْملك بن عَمْرو الْعَقدي، بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالْقَاف المفتوحتين، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن السكن: حَدثنَا عُثْمَان بن عمر، بدل: أبي عَامر، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس، وَإِسْرَائِيل هَذَا وَقع فِي الْأُصُول وَلَا بُد مِنْهُ، وَقَالَ بَعضهم: وَحكى بعض الشُّرَّاح أَنه وَقع فِي بعض النّسخ بإسقاطه، وَأنكر عَلَيْهِ. قلت: أَرَادَ بِبَعْض الشُّرَّاح: صَاحب (التَّوْضِيح) ، وَهُوَ من مشايخه، ومجزأة، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْجِيم وبالزاي والهمزة قبل الْهَاء، وَقَالَ أَبُو عَليّ الجياني: المحدثون يسهلون الْهمزَة وَلَا يتلفظون بهَا، وَقد يكسرون الْمِيم، وَهُوَ يروي عَن أَبِيه زَاهِر بن الْأسود بن حجاج ابْن قيس بن عبد بن دعبل بن أنس بن خُزَيْمَة بن مَالك بن سلامان بن سلم بن أفْضى الْأَسْلَمِيّ. وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث وَالَّذِي بعده.
قَوْله: (عَن أَبِيه) ، كَذَا وَقع للْجَمِيع، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: عَن أبي زيد الْمروزِي عَن أنس، بدل قَوْله: عَن أَبِيه. قَالَ أَبُو عَليّ الجياني: هُوَ تَصْحِيف. قَوْله: (قَالَ: إِنِّي لأوقد تحد الْقدر) إِلَى آخِره، حِكَايَة عَمَّا كَانَ يَوْم خَيْبَر من النَّهْي الْمَذْكُور، وَلَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على أَنه كَانَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة، وَإِنَّمَا أورد البُخَارِيّ الحَدِيث لأجل قَوْله فِيهِ: (وَكَانَ مِمَّن شهد الشَّجَرَة) وَقد اعْترض الدَّاودِيّ هُنَا، وَقَالَ: مَا وَقع هُنَا وهم، فَإِن النَّهْي عَن لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة لم يكن بِالْحُدَيْبِية. قلت: الْجَواب مَا ذكرته، فَلَا حَاجَة إِلَى النِّسْبَة إِلَى الْوَهم.
4175 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثَنا ابنُ أبِي عَدِيٍّ عنْ شُعْبَةَ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عنْ بُشَيْرِ بنِ يَسارٍ عنْ سُوَيْدِ بنِ النُّعْمَانِ وكانَ مِنْ أصْحَابِ الشَّجَرَةِ قَالَ كانَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْحَابُهُ أُوتُوا بِسَوِيقٍ فَلاكُوهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَكَانَ من أَصْحَاب الشَّجَرَة) وَابْن أبي عدي هُوَ مُحَمَّد، وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَبشير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة: ابْن يسَار ضد الْيَمين الْأنْصَارِيّ، وسُويد، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو: ابْن النُّعْمَان بن مَالك بن عَائِذ بن مجدعة بن جشم بن حَارِثَة الْأنْصَارِيّ، يعد فِي أهل الْمَدِينَة. والْحَدِيث مضى فِي كتاب الطَّهَارَة(17/223)
فِي: بَاب من مضمض من السويق وَلم يتَوَضَّأ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فلاكوه) من اللوك وَهُوَ مضغ الشَّيْء وإدارته فِي الْفَم.
تابَعَهُ مُعاذٌ عنْ شُعْبَةَ
أَي: تَابع ابْن أبي عدي معَاذ بن معَاذ قَاضِي الْبَصْرَة عَن شُعْبَة بن الْحجَّاج، وق وصل هَذِه الْمُتَابَعَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن يحيى بن مُحَمَّد عَن عبيد الله بن معَاذ عَن أَبِيه مُخْتَصرا.
4176 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ حاتِمِ بنِ بَزِيعٍ حدَّثَنَا شَاذَانُ عنْ شُعْبَةَ عنْ أبِي جَمْرَةَ قَالَ سألْتُ عائِذَ بنَ عَمْرو رَضِي الله تَعَالَى عنهُ وكانَ مِنْ أصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ أصْحَابِ الشَّجَرَةِ هَلْ يُنْقَضُ الوِتْرُ قَالَ إذَا أوْتَرْتَ مِنْ أوَّلِهِ فَلاَ تُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (من أَصْحَاب الشَّجَرَة) وَمُحَمّد بن حَاتِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة: ابْن بزيع، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الزَّاي وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالعين الْمُهْملَة، وشاذان، بالشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الذَّال الْمُعْجَمَة: هُوَ الْأسود بن عَامر الشَّامي ثمَّ الْبَغْدَادِيّ، وَلَفظ: شَاذان مُعرب، وَمَعْنَاهُ: فرحين بِالْفَاءِ، وَأَبُو جَمْرَة، بِالْجِيم وَالرَّاء: واسْمه نصر بن عمرَان الضبيعي، وَقَالَ أَبُو عَليّ الجياني، وَقع فِي نُسْخَة أبي ذَر: عَن أبي الْهَيْثَم، بِالْحَاء وَالزَّاي، وَهُوَ وهم مِنْهُ، وَالصَّوَاب: بِالْجِيم وَالرَّاء، وعائذ، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة: ابْن عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن هِلَال الْمُزنِيّ، يكنى أَبَا عُبَيْدَة، وَكَانَ من صالحي الصَّحَابَة سكن الْبَصْرَة وابتنى بهَا دَارا فِي إمرة عبد الله ابْن زِيَاد أَيَّام يزِيد بن مُعَاوِيَة، وَمَا لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث ذكره مَوْقُوفا.
قَوْله: (هَل ينْقض؟) على صِيغَة الْمَجْهُول (وَالْوتر) مَرْفُوع بِهِ يَعْنِي: إِذا صلى مثلا ثَلَاث رَكْعَات ونام، فَهَل يُصَلِّي بعد النّوم شَيْئا آخر مِنْهُ مُضَافا إِلَى الأول، مُحَافظَة على قَوْله: (إجعلوا آخر صَلَاتكُمْ بِاللَّيْلِ وترا؟) وَإِذا صلاهَا مرّة فَهَل يُصليهَا مرّة أُخْرَى بعد النّوم؟ فَأجَاب بِاخْتِيَار الصّفة الثَّانِيَة (فَقَالَ: إِذا أوترت) إِلَى آخِره، وَقد اخْتلف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، فَكَانَ أَبُو عمر مِمَّن يرى نقض الْوتر، وَالصَّحِيح عِنْد الشَّافِعِيَّة أَنه لَا ينْقض وَهُوَ قَول مَالك أَيْضا. قلت: وَهُوَ قَول أَصْحَابنَا أَيْضا، وَعَلِيهِ الْجُمْهُور، وَالله أعلم.
203 - (حَدثنِي عبد الله بن يُوسُف أخبرنَا مَالك عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يسير فِي بعض أَسْفَاره وَكَانَ عمر بن الْخطاب يسير مَعَه لَيْلًا فَسَأَلَهُ عمر بن الْخطاب عَن شَيْء فَلم يجبهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ سَأَلَهُ فَلم يجبهُ ثمَّ سَأَلَهُ فَلم يجبهُ وَقَالَ عمر بن الْخطاب ثكلتك أمك يَا عمر نزرت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثَلَاث مَرَّات كل ذَلِك لَا يجيبك قَالَ عمر فحركت بَعِيري ثمَّ تقدّمت أَمَام الْمُسلمين وخشيت أَن ينزل فِي قُرْآن فَمَا نشبت أَن سَمِعت صَارِخًا يصْرخ بِي قَالَ فَقلت لقد خشيت أَن يكون نزل فِي قُرْآن وَجئْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسلمت عَلَيْهِ فَقَالَ لقد أنزلت عَليّ اللَّيْلَة سُورَة لهي أحب إِلَيّ مِمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس ثمَّ قَرَأَ إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا) مطابقته للتَّرْجَمَة إِنَّمَا تتأتى على قَول من يَقُول المُرَاد بِالْفَتْح صلح الْحُدَيْبِيَة وَقد اخْتلفُوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا فَقيل المُرَاد فتح الْإِسْلَام بِالسَّيْفِ والسنان وَقيل الحكم وَقيل فتح مَكَّة قيل هُوَ الْمُخْتَار وَقيل فتح الْإِسْلَام بِالْآيَةِ وَالْبَيَان وَالْحجّة والبرهان وَفِي تَفْسِير النَّسَفِيّ وَالْأَكْثَرُونَ على أَن الْفَتْح كَانَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة وَقَالَ الْبَراء بن عَازِب نَحن نعد الْفَتْح بيعَة الرضْوَان وَقَالَ الشّعبِيّ هُوَ فتح الْحُدَيْبِيَة وَقَالَ الزُّهْرِيّ لم يكن فتح أعظم من صلح الْحُدَيْبِيَة وَيُقَال الْفَتْح فِي اللُّغَة فتح المغلق وَالصُّلْح الَّذِي(17/224)
جعل بَين الْمُشْركين بِالْحُدَيْبِية كَانَ مشدودا متعذرا حَتَّى فَتحه الله وَزيد بن أسلم مولى عمر بن الْخطاب يروي عَن أَبِيه أسلم عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَظَاهره أَنه مُرْسل وَلَكِن قَول عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فحركت بَعِيري إِلَى آخِره يدل على أَنه عَن عمر والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن القعْنبِي وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن إِسْمَاعِيل وَالْكل عَن مَالك وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن ابْن بشار وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الله المَخْزُومِي قَوْله " فِي بعض أَسْفَاره " الظَّاهِر أَنه كَانَ فِي سفر الْحُدَيْبِيَة قَوْله " أَن ينزل " على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله " فِي " بِكَسْر الْفَاء وَتَشْديد الْيَاء وَكَذَلِكَ فِي بعد قَوْله قد نزل قَوْله " قد نزرت " بِفَتْح النُّون وَتَشْديد الزَّاي أَي ألححت وضيقت عَلَيْهِ حَتَّى أحرجته وَقيل الْمَعْرُوف بتَخْفِيف الزَّاي من النزر وَهُوَ الْقلَّة وَمِنْه الْبِئْر النزور أَي قَليلَة المَاء فَقيل ذَلِك لمن كثر عَلَيْهِ السُّؤَال حَتَّى انْقَطع جَوَابه وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي النزر الإلحاح فِي السُّؤَال وَعَن الْأَصْمَعِي نزر فلَان فلَانا إِذا استخرج مَا عِنْده قَلِيلا قَلِيلا قَوْله " فَمَا نشبت " أَي فَمَا لَبِثت من نشب ينشب من بَاب علم يعلم يُقَال لم ينشب أَن فعل كَذَا أَي لم يلبث وَحَقِيقَته لم يتَعَلَّق بِشَيْء غَيره وَلَا اشْتغل بسواه قَوْله " إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا " قد مر تَفْسِير الْفَتْح آنِفا وَاخْتلف فِي الْموضع الَّذِي نزلت فِيهِ سُورَة الْفَتْح فَعِنْدَ أبي معشر بِالْجُحْفَةِ وَفِي الإكليل عَن مجمع بن حَارِثَة بكراع الغميم -
4179 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثَنا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ حِينَ حَدَّثَ هذَا الحَدِيثَ حَفِظْتُ بَعْضَهُ وثَبَّتَنِي مَعْمَرٌ عنْ عرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ عنِ المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ ومَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ يَزِيدُ أحَدُهُمَا علَى صاحِبِهِ قالاَ خرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عامَ الحُدَيْبِيَّةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أصْحَابِهِ فلَمَّا أتَي ذَا الحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وأشْعَرَهُ وأحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ وبعَثَ عَيْنَاً لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ وسارَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى كانَ بِغَدِيرِ الأشْظَاظِ أتَاهُ عَيْنُهُ قَالَ إنَّ قُرَيْشَاً جَمَعُوا لَكَ جموعا وَقد جمعو لَك الأحَابِيشَ وهُمْ مُقَاتِلُوكَ وصادُّوكَ عنِ البَيْتِ ومانِعُوكَ فَقال أشِيرُوا أيُّهَا النَّاسُ عَلَيَّ أتَرَوْنَ أنْ أمِيلَ إلَى عِيَالِهِمْ وذَرَارِيِّ هاؤُلاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أنْ يَصُدُّونَا عنِ البَيْتِ فإنْ يأتُونَا كانَ الله عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَطَعَ عَيْنَاً مِنَ المُشْرِكِينَ وإلاَّ تَرَكْنَاهُمْ مَحْرُوبِينَ قَالَ أبُو بَكْرٍ يَا رسُولَ الله خَرَجْتَ عامِدَاً لِهاذَا البَيْتِ لاَ تُرِيدُ قَتْلَ أحَدٍ ولاَ حَرْبَ أحَدٍ فتَوَجَّهْ لَه فَمَنْ صَدَّنَا عنْهُ قاتَلْناهُ قَالَ امْضُوا علَى اسمِ الله. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ الْمَعْرُوف بالمسندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، والمسور، بِكَسْر الْمِيم، ومخرمة بِفَتْحِهَا، وَقد ذكر هَؤُلَاءِ غير مرّة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الشُّرُوط فِي: بَاب الشُّرُوط فِي الْجِهَاد، مطولا جدا، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ولنذكر هُنَا مَا لم يذكر هُنَاكَ.
قَوْله: (هَذَا الحَدِيث) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى الحَدِيث الَّذِي ذكره هُنَا. قَوْله: (حفظت بعضه) ، الْقَائِل هُوَ سُفْيَان أَي: سَمِعت بعض الحَدِيث عَن الزُّهْرِيّ. قَوْله: (وثبتني معمر) ، أَي: جعلني معمر بن رَاشد ثَابتا فِيمَا سمعته من الزُّهْرِيّ هَهُنَا. قَوْله: (عَام الْحُدَيْبِيَة) ، وَهُوَ عَام سِتّ من الْهِجْرَة، وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ فِي أول الْبَاب، وَكَذَلِكَ مر الْكَلَام فِي قَوْله: (بضع عشرَة مائَة) قَوْله: (فَلَمَّا أَتَى ذَا الحليفة) أَي: فَلَمَّا جَاءَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَكَان الَّذِي يُسمى ذَا الحليفة، وَهُوَ مِيقَات أهل الْمَدِينَة وَهِي الَّتِي تسمى: أبار على، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (وَأَشْعرهُ) من الْإِشْعَار، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب. قَوْله: (بعث عينا) ، أَي: جاسوساً. قَوْله: (من خُزَاعَة) ، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الزَّاي، وَهِي فِي الأزد وَفِي قضاعة، وَالَّتِي فِي الأزد تنْسب إِلَى خُزَاعَة وَهُوَ عَمْرو بن ربيعَة، وَالَّتِي فِي قضاعة بطن وَهُوَ خُزَاعَة ابْن مَالك، وَاسم هَذَا الْعين: بسر بن سُفْيَان بن عَمْرو بن عُوَيْمِر الْخُزَاعِيّ، قَالَ أَبُو عمر: أسلم سنة سِتّ من الْهِجْرَة وَشهد الْحُدَيْبِيَة،(17/225)
وَبسر، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة. قَوْله: (بغدير الأشظاظ) بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وبالظاءين المعجمتين، وَقَالَ الْكرْمَانِي: بالمهملتين، وَقيل: بالمعجمتين، مَوضِع تِلْقَاء الْحُدَيْبِيَة، وَضَبطه الْبكْرِيّ أَيْضا بالمهملتين، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: هُوَ بملتقى الطَّرِيقَيْنِ من عسفان للْخَارِج إِلَى مَكَّة على يَمِينك بِمِقْدَار ميلين، وَرُبمَا اجْتمع فِيهِ المَاء وَلَيْسَ ثمَّة غَدِير غَيره، والغدير مُجْتَمع المَاء. قَوْله: (الْأَحَابِيش) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالباء الْمُوَحدَة والشين الْمُعْجَمَة على وزن المصابيح الْجَمَاعَة من النَّاس لَيْسُوا من قَبيلَة وَاحِدَة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: هم أَحيَاء من القارة انضموا إِلَى بني لَيْث فِي محاربتهم قُريْشًا، والتحبش التجمع، وَقيل: حالفوا قُريْشًا تَحت جبل يُسمى حبيشاً فسموا بذلك. قَوْله: (من الْمُشْركين) يتَعَلَّق بقوله: (قطع) أَي: إِن يَأْتُونَا كَانَ الله تَعَالَى قد قطع مِنْهُم جاسوساً، يَعْنِي الَّذِي بَعثه رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَي: غَايَته أَنا كُنَّا كمن لم يبْعَث الجاسوس وَلم يعبر الطَّرِيق، وواجههم بِالْقِتَالِ، وَإِن لم يَأْتُونَا نهبنا عِيَالهمْ وَأَمْوَالهمْ وتركناهم محروبين، بِالْحَاء الْمُهْملَة الرَّاء، أَي: مسلوبين منهوبين، يُقَال: حربه إِذا أَخذ مَاله وَتَركه بِلَا شَيْء، وَقد حَرْب مَاله، أَي: سلبه فَهُوَ محروب، وَقَالَ الْخطابِيّ: الْمَحْفُوظ مِنْهُ كَانَ الله قد قطع عنقًا بِالْقَافِ أَي: جمَاعَة من أهل الْكفْر فيقل عَددهمْ وتهن بذلك قوتهم، قَالَ الْخَلِيل: جَاءَ الْقَوْم عنقًا أَي: طوائف، والأعناق الرؤساء، قَوْله: (فَتوجه) أَمر من توجه يتَوَجَّه. قَوْله: (لَهُ) أَي: الْبَيْت. قَوْله: (وَمن صدنَا عَنهُ) ، أَي: وَمن منعنَا من الْبَيْت.
4182 - قَالَ ابنُ شِهَابٍ وأخبرَنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ إنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هاجَرَ مِنَ المُؤْمِنَاتِ بِهاذِهِ الْآيَة {يَا أيُّهَا النَّبِيُّ إذَا جاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} (الممتحنة: 12) . وعَنْ عَمِّهِ قالَ بلَغَنَا حِينَ أَمَرَ الله رسُولَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يَرُدَّ إِلَى المُشْرِكِينَ مَا أنْفَقُوا علَى مَنْ هَاجَرَ مِنْ أزْوَاجِهِمْ وبَلَغَنا أنَّ أبَا بَصِيرٍ فذَكَرَهُ بِطُولِهِ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور. وَإِسْحَاق هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وَيَعْقُوب هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم بن سعد وَابْن أخي ابْن شهَاب اسْمه مُحَمَّد بن عبد الله بن مُسلم بن شهَاب وَعَمه مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
قَوْله: (على قَضِيَّة الْمدَّة) ، أَي: الْمُصَالحَة فِي الْمدَّة الْمعينَة. قَوْله: (أَن يقاضي) ، أَي: يُصَالح ويحاكم. قَوْله: (وامعضوا) ، بتَشْديد الْمِيم وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَضم الضَّاد الْمُعْجَمَة، وَأَصله: انمعضوا، بالنُّون قبل الْمِيم فأدغمت النُّون فِي الْمِيم، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: امتعضوا، بِالتَّاءِ المثناء من: الامتعاض،(17/226)
يُقَال: إنمعض من شَيْء سَمعه وامتعض إِذا غضب وشق عَلَيْهِ، وَفِي (الْمطَالع) للأصيلي والهمداني: امتعظوا بِمَعْنى كَرهُوا، وَهُوَ غير صَحِيح فِي الْخط والهجاء، وَإِنَّمَا يَصح: امتعضوا، بضاد غير مشالة كَمَا عِنْد أبي ذَر وعبدوس بِمَعْنى: كَرهُوا وأنفوا، وَوَقع عِنْد الْقَابِسِيّ: امعظوا، بتَشْديد الْمِيم وظاء مُعْجمَة، وَعند بَعضهم: اتغظوا، من الغيظ، وَعند بَعضهم عَن النَّسَفِيّ: وانغضوا، بغين مُعْجمَة وضاد مُعْجم غير مشالة من الإنغاص وَهُوَ الِاضْطِرَاب، قَالَ: وكل هَذِه الرِّوَايَات إحالات وتعبيرات وَلَا وَجه لشَيْء من ذَلِك إِلَّا: امتعضوا. قَوْله: (مهاجرات) ، حَال من الْمُؤْمِنَات. قَوْله: (أم كُلْثُوم بنت عقبَة) ، بِضَم الْعين وَسُكُون الْقَاف: ابْن أبي معيط واسْمه أبان بن أبي عَمْرو، وَاسم أبي عَمْرو ذكْوَان بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف، وَقَالَ أَبُو عمر: أسلمت أم كُلْثُوم بِمَكَّة قبل أَن تَأْخُذ النِّسَاء فِي الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِينَة ثمَّ هَاجَرت وبايعت فَهِيَ من الْمُهَاجِرَات المبايعات، وَقيل: هِيَ أول من هَاجر من النِّسَاء، وَكَانَت هجرتهَا سنة سبع فِي الْهُدْنَة الَّتِي كَانَت بَين رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين الْمُشْركين من قُرَيْش، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: هَاجَرت أم كُلْثُوم بنت عقبَة بن أبي معيط فِي هدنة الْحُدَيْبِيَة فَخرج أَخَوَاهَا عمَارَة والوليد ابْنا عقبَة حَتَّى قدما على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسألانه أَن يردهَا عَلَيْهِمَا بالعهد الَّذِي كَانَ بَينه وَبَين قُرَيْش فِي الْحُدَيْبِيَة، فَلم يفعل، وَقَالَ: أَبى الله ذَلِك. قَالَ أَبُو عمر: يَقُولُونَ إِنَّهَا مشت على قدميها من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة، فَلَمَّا قدمت الْمَدِينَة تزَوجهَا زيد بن حَارِثَة فَقتل عَنْهَا يَوْم مُؤْتَة، فَتَزَوجهَا الزبير بن الْعَوام فَولدت لَهُ زَيْنَب ثمَّ طَلقهَا، فَتَزَوجهَا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَولدت لَهُ إِبْرَاهِيم وعوفاً، وَمَات عَنْهَا فَتَزَوجهَا عَمْرو بن الْعَاصِ، فَمَكثت عِنْده شهرا وَمَاتَتْ، وَهِي أُخْت عُثْمَان لأمه، وَأمّهَا أورى بنت كريز بن ربيعَة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد منَاف. قَوْله: (وَهِي عاتق) أَي: شَابة، وَقيل: من أشرفت على الْبلُوغ، وَقيل: من لم تتَزَوَّج.
قَوْله: (قَالَ ابْن شهَاب: وَأَخْبرنِي عُرْوَة) هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَقد وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن أبي يعلى عَن أبي خَيْثَمَة عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بِهِ. قَوْله: (كَانَ يمْتَحن) ، من الامتحان وَهُوَ الِابْتِلَاء، أَي: كَانَ يمتحنهن بِالْحلف وَالنَّظَر فِي الأمارات ليغلب على ظَنّه صدق إيمانهن، وَعَن ابْن عَبَّاس: معنى: امتحانهن: أَن يستحلفن من خرجن من بغض زوج، وَمَا خرجن رَغْبَة عَن أَرض إِلَى أَرض، وَمَا خرجن التمَاس دنيا، وَمَا خرجن إلاَّ حبا لله وَرَسُوله. قَوْله: (بِهَذِهِ الْآيَة) وَهِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك على أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا وَلَا يَسْرِقن} (الممتحنة: 12) . الْآيَة، وَسبب نزُول هَذِه الْآيَة مَا ذكره الْمُفَسِّرُونَ: أَن الله تَعَالَى لما نصر رَسُوله وَفتح مَكَّة وَفرغ من بيعَة الرِّجَال جَاءَت النِّسَاء يبايعنه، فَنزلت هَذِه الْآيَة، وَهُوَ على الصَّفَا وَعمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَسْفَل مِنْهُ وَهُوَ يُبَايع النِّسَاء بِأَمْر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ويبلغهن عَنهُ. قَوْله: (وَعَن عَمه) ، هُوَ عطف على قَوْله: (حَدثنِي ابْن أخي ابْن شهَاب عَن عَمه) ، وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله: (قَالَ بلغنَا) إِلَى آخِره، مُرْسل وَهُوَ مَوْصُول من رِوَايَة معمر. قَوْله: (مَا أَنْفقُوا) ، أَي: أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، برد مَا أنْفق الْمُشْركُونَ على نِسَائِهِم الْمُهَاجِرَات إِلَيْهِم، وَقَالَ أَبُو زيد من أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة: هُوَ عِنْد أهل الْعلم مَخْصُوص بنساء أهل الْعَهْد وَالصُّلْح، وَكَانَ الامتحان أَن تستحلف المهاجرة أَنَّهَا مَا خرجت نَاشِزَة وَلَا هَاجَرت إلاَّ لله وَلِرَسُولِهِ، فَإِذا حَلَفت لم ترد ورد صَدَاقهَا إِلَى بَعْلهَا، وَإِن كَانَت من غَيْرِي أهل الْعَهْد لم تستحلف وَلم يرد صَدَاقهَا. قَوْله: (وبلغنا أَن أَبَا بَصِير ... فَذكره مطولا) أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا مضى من قصَّة أبي بَصِير فِي كتاب الشُّرُوط مطولا، وَاخْتَصَرَهُ هَهُنَا، وَأَبُو بَصِير، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الصَّاد الْمُهْملَة، وَقد اخْتلف فِي اسْمه وَنسبه، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الشُّرُوط.
4183 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ عنْ مالِكٍ عنْ نافِعٍ أنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما خرَجَ مُعْتَمِرَاً فِي الْفِتْنَةِ فَقَالَ إنْ صُدِدْتُ عنِ البَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أجْلِ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ أهَلَّ بِعُمْرَةٍ عامَ الحُدَيْبِيَةِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (عَام الْحُدَيْبِيَة) والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْحَج فِي: بَاب إِذا أحْصر الْمُعْتَمِر، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك إِلَى آخِره. قَوْله: (فِي الْفِتْنَة) أَي: فِي أَيَّام الْفِتْنَة. قَوْله: (إِن صددت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: إِن منعت.(17/227)
207 - حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا يحيى عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَنه أهل وَقَالَ إِن حيل بيني وَبَينه لفَعَلت كَمَا فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين حَالَتْ كفار قُرَيْش بَينه وتلا {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة} .
وَهَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن عبيد الله بن عمر الْعمريّ عَن نَافِع وَهَذَا أَيْضا مضى فِي الْحَج فِي الْبَاب الْمَذْكُور مطولا
قَوْله (وَبَينه) أَي وَبَين الْبَيْت
4185 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدِ بنِ أسْمَاءَ حدَّثَنا جُوَيْرِيَةُ عنْ نافِعٍ أنَّ عُبَيْدَ الله بنَ عَبْدِ الله وسالِمَ بنَ عَبْدِ الله أخْبرَاهُ أنَّهُمَا كلَّمَا عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ (ح) .
وحدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا جُوَيْرِيَةُ عنْ نافِعٍ أنَّ بَعْضَ بَني عَبْدِ الله قَالَ لَهُ لَوْ أقَمْتَ العامَ فإنِّي أخَافُ أنْ لَا تَصِلَ إِلَى البَيْتِ قَالَ خَرَجْنَا معَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دونَ البَيْتِ فَنَحَرَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هدَايَاهُ وحَلَقَ وقَصَّرَ أصْحَابُهُ وَقَالَ أشْهِدُكُمْ أنِّي أوْجَبْتُ عُمْرَةً فإنْ خُلِّيَ بَيْنِي وبَيْنَ البَيْتِ طُفْتُ وإنْ حِيلَ بَيْنِي وبَيْنَ البَيْتِ صنَعْتُ كَمَا صنَعَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسارَ ساعَةً ثُمَّ قالَ مَا أُرَى شأنُهُمَا إلاَّ واجِدَاً أشهِدُكُمْ أنِّي قدْ أوْجَبْتُ حَجَّةً معَ عُمْرَتِي فَطَافَ طَوَافَاً واحِدَاً وسَعْيَاً واحِدَاً حتَّى حَلَّ مِنْهُمَا جَمِيعَاً. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عمر أخرجه عَن عبد الله بن مُحَمَّد ... إِلَى آخِره، وَقد مضى فِي كتاب الْحَج فِي الْبَاب الْمَذْكُور بأتم مِنْهُ، وَجُوَيْرِية مصغر الْجَارِيَة ابْن أَسمَاء بن عبيد الله الْبَصْرِيّ.
قَوْله: (أَن بعض بني عبد الله) يَعْنِي: عبد الله بن عمر، وَالْمَذْكُور فِي الْحَج عَن نَافِع: أَن عبيد الله بن عبد الله وَسَالم بن عبد الله أخبراه أَنَّهُمَا كلما عبد الله بن عمر ليَالِي نزل الْجَيْش بِابْن الزبير، فَقَالَا: لَا يَضرك أَن لَا تحج الْعَام ... الحَدِيث، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى هُنَاكَ.
4186 - حدَّثني شُجَاعُ بنُ الوَلِيدِ سمِعَ النضْرَ بنَ مُحَمَّدٍ حدَّثَنَا صَخْرٌ عنْ نافِعٍ قَالَ إنَّ النَّاسَ يتَحَدَّثُونَ أنَّ ابنَ عُمَرَ أسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ ولَيْسَ كذَلِكَ ولاكِنْ عُمَرُ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ أرْسَلَ عبد الله إِلَى فرَسٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ يأتِي بِهِ لِيُقاتِلَ عَلَيْهِ ورسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُبَايِعُ عِنْدَ الشَّجَرَةِ وعُمَرُ لاَ يَدْرِي بِذالِكَ فبَايَعَهُ عَبْدُ الله ثُمَّ ذَهَبَ إلَى الفَرَس فجَاءَ بهِ إلَى عُمَرَ وعُمَرُ يَسْتَلْئِمُ لِلْقِتَالِ فأخْبَرَهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُبَايِعُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ قَالَ فانْطَلَقَ فذَهَبَ معَهُ حتَّى بايَعَ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهْيَ الَّتِي يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أنَّ ابنَ عُمَرَ أسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ. (انْظُر الحَدِيث 3916 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وشجاع بن الْوَلِيد أَبُو اللَّيْث البُخَارِيّ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة، مؤدب الْحسن بن الْعَلَاء السَّعْدِيّ الْأَمِير، وَهُوَ من أَقْرَان البُخَارِيّ، وَسمع مِنْهُ قَلِيلا وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الْموضع، وَقَالَ الْحَافِظ الْمزي، وَقع فِي عَامَّة النّسخ من (الصَّحِيح) أخبرنَا شُجَاع بن الْوَلِيد، وَفِي بَعْضهَا: حَدثنِي، وَزعم أَبُو مَسْعُود أَنه فِي كتاب البُخَارِيّ: شُجَاع بن الْوَلِيد، وَلم يقل: حَدثنَا وَلَا أخبرنَا، وَالنضْر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن مُحَمَّد الجرشِي، بِضَم الْجِيم وَفتح الرَّاء بعْدهَا شين مُعْجمَة: الْيَمَانِيّ أَبُو مُحَمَّد، وروى عَنهُ مُسلم أَيْضا، وَمَاله فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث، وصخر، بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة: ابْن جوَيْرِية النميري، يعد فِي الْبَصرِيين.
وَظَاهر هَذَا الطَّرِيق الْإِرْسَال وَلَكِن الطَّرِيق الَّتِي بعْدهَا(17/228)
توضح أَن نَافِعًا حمله عَن ابْن عمر.
قَوْله: (وَعمر يستلئم) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَمعنى: يستلئم، أَي: يلبس لأمته بِالْهَمْز وَهِي السِّلَاح، يَعْنِي: الدرْع.
(وَقَالَ هِشَام بن عمار حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم حَدثنَا عمر بن مُحَمَّد الْعمريّ أَخْبرنِي نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّاس كَانُوا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الْحُدَيْبِيَة تفَرقُوا فِي ظلال الشّجر فَإِذا النَّاس محدقون بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ يَا عبد الله انْظُر مَا شَأْن النَّاس قد أَحدقُوا برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَوَجَدَهُمْ يبايعون فَبَايع ثمَّ رَجَعَ إِلَى عمر فَخرج فَبَايع) هَكَذَا وَقع فِي كثير من النّسخ بِصُورَة التَّعْلِيق وَفِي بعض النّسخ وَقَالَ لي وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ مَوْصُولا عَن الْحسن بن سُفْيَان عَن دُحَيْم بِضَم الدَّال وَفتح الْحَاء الْمُهْمَلَتَيْنِ واسْمه عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم عَن الْوَلِيد بن مُسلم بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور قَوْله " محدقون بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَي محيطون بِهِ ناظرون إِلَيْهِ وَمِنْه الحديقة سميت بهَا لإحاطة الْبناء بهَا من الْبَسَاتِين وَغَيرهَا قَوْله " فَقَالَ يَا عبد الله " الْقَائِل هُوَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله " قد أَحدقُوا " كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَغَيره وَهُوَ الصَّوَاب وَوَقع للمستملي قَالَ أَحدقُوا فَجعل قَالَ مَوضِع قد قَالَ وَهَذَا تَحْرِيف (فَإِن قلت) السَّبَب الَّذِي هُنَا فِي أَن ابْن عمر بَايع قبل أَبِيه غير السَّبَب الَّذِي قبله قلت هَذَا السُّؤَال فِيهِ تعسف فَلَا يرد أصلا وَذَلِكَ أَن ابْن عمر تَكَرَّرت مِنْهُ الْمُبَايعَة هُنَا وتوحدت فِي الحَدِيث السَّابِق وَقد تكلّف الشارحون هَهُنَا بِمَا لَيْسَ بطائل
4188 - حدَّثنا ابنُ نُمَيْرٍ حدَّثَنا يَعْلَى حدَّثَنا إسْمَاعِيلُ قالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ أبِي أوْفَى رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ اعْتَمَرَ فَطافَ معَهُ وصَلَّى وصَلَّيْنَا مَعَهُ وسَعَى بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ فَكُنَّا نَسْتُرُهُ منْ أهْلِ مَكَّةَ لاَ يُصِيبُهُ أحَدٌ بِشَيْءٍ.
إِنَّمَا ذكر هَذَا الحَدِيث هُنَا لكَون عبد الله بن أبي أوفى مِمَّن بَايع تَحت الشَّجَرَة، وَهِي فِي عمْرَة الْحُدَيْبِيَة، وَكَانَ أَيْضا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي عمْرَة الْقَضَاء.
وَقد مر الحَدِيث فِي الْحَج فِي: بَاب مَتى يحل الْمُعْتَمِر، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق ابْن إِبْرَاهِيم عَن جرير عَن إِسْمَاعِيل عَن عبد الله بن أبي أوفى ... إِلَى آخِره بأتم مِنْهُ، وَهنا أخرجه عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير بِضَم النُّون، مصغر النمر عَن يعلى، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام: ابْن عبيد بن أبي أُميَّة أبي يُوسُف الطنافسي الْحَنَفِيّ الْإِيَادِي الْكُوفِي عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد الأحمسي البَجلِيّ الْكُوفِي، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، فَافْهَم.
211 - (حَدثنَا الْحسن بن إِسْحَاق حَدثنَا مُحَمَّد بن سَابق حَدثنَا مَالك بن مغول قَالَ سَمِعت أَبَا حُصَيْن قَالَ قَالَ أَبُو وَائِل لما قدم سهل بن حنيف من صفّين أتيناه نستخبره فَقَالَ اتهموا الرَّأْي فَلَقَد رَأَيْتنِي يَوْم أبي جندل وَلَو أَسْتَطِيع أَن أرد على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمره لرددت وَالله وَرَسُوله أعلم وَمَا وَضعنَا أسيافنا على عواتقنا لأمر يفظعنا إِلَّا أسهلن بِنَا إِلَيّ أَمر نعرفه قبل هَذَا الْأَمر مَا نسد مِنْهَا خصما إِلَّا انفجر علينا خصم مَا نَدْرِي كَيفَ نأتي لَهُ) مطابقته للتَّرْجَمَة تَأتي من حَيْثُ أَن فِيهِ ذكر أبي جندل الَّذِي كَانَت قَضيته يَوْم الْحُدَيْبِيَة وَذَلِكَ أَنه لما أَتَى إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الْحُدَيْبِيَة رده إِلَى أَبِيه لما جَاءَ فِي طلبه وَهُوَ بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره لَام وَقد مر بَيَانه فِيمَا مضى وَالْحسن بن إِسْحَق بن زِيَاد مولى بني اللَّيْث الْمروزِي الْمَعْرُوف بحسنويه يكنى أَبَا عَليّ وَثَّقَهُ(17/229)
النَّسَائِيّ وَقَالَ أَبُو حَاتِم مَجْهُول وَقَالَ ابْن حبَان فِي الثِّقَات وَكَانَ من أَصْحَاب ابْن الْمُبَارك وَمَات سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين ومأتين وَمَا لَهُ فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الحَدِيث وَمُحَمّد بن سَابق أَبُو جَعْفَر التَّمِيمِي الْبَغْدَادِيّ الْبَزَّار وَأَصله فَارسي كَانَ بِالْكُوفَةِ وَمَات سنة ثَلَاث عشرَة ومأتين وَهُوَ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ وروى عَنهُ هُنَا بالواسطة وَمَالك بن مغول بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَفتح الْوَاو البَجلِيّ بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْجِيم المفتوحتين مَاتَ سنة سبع وَخمسين وَمِائَة وَأَبُو حُصَيْن بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الصَّاد الْمُهْملَة عُثْمَان بن عَاصِم الْأَسدي الْكُوفِي مَاتَ سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة الْكُوفِي أدْرك النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلم يسمع مِنْهُ شَيْئا وَسَهل بن حنيف بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره فَاء الْأنْصَارِيّ الأوسي الصَّحَابِيّ قَوْله " من صفّين " يَعْنِي من وقْعَة صفّين الَّتِي كَانَت بَين عَليّ وَمُعَاوِيَة وصفين بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وَتَشْديد الْفَاء مَوضِع بَين الْعرَاق وَالشَّام قَوْله " اتهموا الرَّأْي " أَي اتهموا رَأْيكُمْ وَذَلِكَ أَن سهلا كَانَ يتهم بالتقصير فِي الْقِتَال فَقَالَ اتهموا رَأْيكُمْ فَإِنِّي لَا أقصر وَمَا كنت مقصرا وَقت الْحَاجة كَمَا فِي يَوْم الْحُدَيْبِيَة فَإِنِّي رَأَيْت نَفسِي يَوْمئِذٍ بِحَيْثُ لَو قدرت على مُخَالفَة حكم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لقاتلت قتالا لَا مزِيد عَلَيْهِ لَكِن أتوقف عَنهُ الْيَوْم لمصْلحَة الْمُسلمين قَوْله " فَلَقَد رَأَيْتنِي " أَي فَلَقَد رَأَيْت نَفسِي قَوْله " يَوْم أبي جندل " أَرَادَ بِهِ يَوْم الْحُدَيْبِيَة وأضيف إِلَيْهِ إِذْ فِي ذَلِك الْيَوْم رده رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن قَوْله " وَلَو أَسْتَطِيع أَن أرد على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمره لرددت " أَرَادَ بِهَذَا الْكَلَام أَنه مَا توقف يَوْم الْحُدَيْبِيَة عَن الْقِتَال إِلَّا لأمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالكف عَن الْقِتَال لَا من جِهَة التَّقْصِير فِيهِ ثمَّ أكد كَلَامه بقوله وَالله وَرَسُوله أعلم بِمَا أقوله وَبِمَا كنت فِي يَوْم الْحُدَيْبِيَة قَوْله " وَمَا وَضعنَا أسيافنا " على عواتقنا يُرِيد بِهِ الْبَأْس وَالْقُوَّة والعواتق جمع عاتق وَهُوَ مَا بَين منْكب الرجل إِلَى عُنُقه قَوْله " يفظعنا " جملَة وَقعت صفة لقَوْله لأمر بِضَم الْيَاء وَسُكُون الْفَاء وَكسر الظَّاء الْمُعْجَمَة من أفظع الْأَمر إِذا اشْتَدَّ وَقَالَ ابْن فَارس يُقَال أفظع الْأَمر وفظع إِذا اشْتَدَّ ذكره فِي بَاب الْفَاء مَعَ الظَّاء الْمُعْجَمَة وَذكره ابْن التِّين بالضاد ثمَّ قَالَ هُوَ أَمر مهول وَقَالَ أَيْضا رُوِيَ بِفَتْح الْيَاء قلت حِينَئِذٍ يكون ثلاثيا مُجَردا وعَلى رِوَايَة الضَّم يكون ثلاثيا مزيدا فِيهِ وَفِي الْمطَالع قَوْله " لأمر يفظعنا " أَي يفزعنا ويعظم أمره ويشتد علينا ذكره فِي بَاب الْفَاء مَعَ الظَّاء الْمُعْجَمَة قَوْله قبل هَذَا الْأَمر لفظ قبل ظرف لقَوْله وَضعنَا وَأَرَادَ بِهَذَا الْأَمر مقاتلة عَليّ وَمُعَاوِيَة قَوْله " مِنْهَا " ويروى مِنْهُ أَي من هَذَا الْأَمر قَوْله " إِلَّا أسهلن بِنَا " أَي إِلَّا استمرت بِنَا إِلَى أَمر نعرفه قبل هَذَا الْأَمر وَقيل مَعْنَاهُ أفضت بِنَا إِلَى سهولة قَوْله خصما بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وَهُوَ الْجَانِب الَّذِي فِيهِ العروة وَقيل جَانب كل شَيْء خَصمه وَيجمع على أخصام وَمِنْه قيل لِلْخَصْمَيْنِ خصمان لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يَأْخُذ بالناحية من الدَّعْوَى غير نَاحيَة صَاحبه وَأَصله خصم الْقرْبَة وَلِهَذَا استعاره هُنَا مَعَ ذكر الانفجار كَمَا ينفجر المَاء من نواحي الْقرْبَة وَكَانَ قَول سهل بن حنيف هَذَا يَوْم صفّين لما حكم الحكمان وَقيل الْخصم الْحَبل الَّذِي تشد بِهِ الْأَحْمَال أَي مَا نلفق مِنْهُ حبلا إِلَّا انْقَطع آخر والْحَدِيث مضى فِي آخر الْجِهَاد مُخْتَصرا -
4190 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ مُجَاهِدٍ عنِ ابنِ أبِي لَيْلَى عنْ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أتَى علَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَمَنَ الحُدَيْبِيَّةِ والقَمْلُ يَتَنَاثَرُ علَى وجْهِي فقالَ أيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رأسِكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فاحْلِقْ وصُمْ ثَلاثَةَ أيَّامٍ أوْ أطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أوِ انْسُك نَسِيكَةً قَالَ أيُّوبُ لَا أدْرِي بأيِّ هاذَا بَدَأَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (زمن الْحُدَيْبِيَة) وَابْن أبي ليلى هُوَ عبد الرَّحْمَن، والْحَدِيث مضى فِي الْحَج فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى: {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه} (الْبَقَرَة: 196) . وَتقدم الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (الْهَوَام) ، جمع هَامة بتَشْديد الْمِيم وَالْمرَاد بهَا هُنَا: الْقمل، والنسيكة: الذَّبِيحَة.(17/230)
4191 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ هِشَامٍ أبُو عَبْدِ الله حدَّثَنا هُشَيْمٌ عنْ أبِي بِشْرٍ عنْ مُجَاهِدٍ عنْ عبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبِي لَيْلَى عنْ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالْحُدَيْبِيَةِ ونَحْنُ مُحْرِمُونَ وقَدْ حَصَرْنَا المُشْرِكُونَ قَالَ وكانَتْ لِي وفْرَةٌ فجَعَلَتِ الهَوَامُّ تَسَاقَط علَى وَجْهِي فمَرَّ بِي النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أيُؤْذِيكِ هَوَامُّ رَأسِكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ وأُنْزِلَتْ هاذِهِ الآيَةُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضَاً أوْ بِهِ أذَىً مِنْ رأسِهِ ففَدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أوْ صَدَقَةٍ أوْ نُسُكٍ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن مُحَمَّد عَن هِشَام بن أبي عبد الله الْمروزِي، سكن بَغْدَاد وَهُوَ من أَفْرَاده عَن هشيم، بِضَم الْهَاء وَفتح الشين الْمُعْجَمَة: ابْن بشير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: الوَاسِطِيّ أَصله من بَلخ، عَن أبي بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة واسْمه جَعْفَر بن أبي وحشية، واسْمه إِيَاس الوَاسِطِيّ، وَيُقَال: الْبَصْرِيّ. قَوْله: (وَنحن محرمون) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (وَقد حصرنا) بِفَتْح الرَّاء، (وَالْمُشْرِكُونَ) فَاعله قَوْله: (وفرة) بِسُكُون الْفَاء وَهِي الشّعْر إِلَى شحمة الْأذن. قَوْله: (تساقط) أَصله: تتساقط، فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ.
37 - (بابُ قِصَّةِ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قصَّة عكل، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْكَاف، و: عرينة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح النُّون، وهما قبيلتان، وَقد مر تفسيرهما فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بَاب أَبْوَال الْإِبِل.
4192 - حدَّثني عَبْدُ الأعْلَى بنُ حَمَّادٍ حدَّثَنَا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ حدَّثَنَا سَعِيدٌ عنْ قَتَادَةَ أنَّ أنَسَاً رَضِي الله تَعَالَى عنهُ حدَّثَهُمْ أنَّ نَاسَاً مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا المَدِينَةَ علَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتَكَلَّمُوا بالإسْلاَمِ فقالُوا يَا نَبِيَّ الله إنَّا كُنَّا أهْلَ ضرْعٍ ولَمْ نَكُنْ أهْلَ رِيفٍ واسْتَوْخَمُوا المَدِينَةَ فأمَرَهُمْ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذَوْدٍ ورَاعٍ وأمَرَهُمْ أنْ يَخْرُجُوا فِيهِ فيَشْرَبُوا مِنْ ألْبَانِهَا وأبْوَالِهَا فانْطَلَقُوا حتَّى إِذَا كانوُا ناحِيَةَ الحَرَّةِ كَفَرُوا بَعْدَ إسْلاَمِهِمْ وقَتَلُوا رَاعِيَ النِّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واسْتَاقُوا الذَّوْدَ فبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ فأمَرَ بِهِمْ فسَمَرُوا أعْيُنَهُمْ وقَطعُوا أيْدِيَهُمْ وتُرِكُوا فِي ناحِيَةِ الحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا علَى حالِهِمْ قَالَ قَتادَةُ بلَغَنَا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَ ذَلِكَ كانَ يَحُثُّ علَى الصَّدَقَةِ ويَنْهَى عنِ المُثْلَةِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي ربيعَة، والْحَدِيث مضى فِي الطَّهَارَة فِي: بَاب أَبْوَال الْإِبِل، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (وَتَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ) أَي: تلفظوا بِالْكَلِمَةِ وأظهروا الْإِسْلَام. قَوْله: (ضرع) بِسُكُون الرَّاء وَهِي الْمَاشِيَة من كل ذِي ظلف وخف. قَوْله: (ريف) بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: أَرض فِيهَا زرع وخصب. قَوْله: (واستوخموا الْمَدِينَة) من قَوْلهم: أَرض وخيمة: إِذا لم توَافق ساكنها. قَوْله: (الذود) بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة من الْإِبِل مَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْرَة. قَوْله: (الطّلب) بِفَتْح اللَّام جمع الطَّالِب. قَوْله: (فسمروا أَعينهم) أَي: حموا المسامير ففقؤا بهَا أَعينهم. قَوْله: (وَتركُوا) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (قَالَ قَتَادَة) ، هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله: (بلغنَا) إِلَى آخِره، قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا من مُرْسل قَتَادَة. قلت: هَذَا الْبَلَاغ هُوَ الَّذِي بلغه بروايته من حَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب أخرجه أَبُو دَاوُد من طَرِيق معَاذ بن هِشَام عَن أَبِيه عَن قَتَادَة عَن الْحسن عَن هياج بن عمرَان عَن سَمُرَة: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يحثنا على الصَّدَقَة وينهانا عَن الْمثلَة، وَهياج، بِفَتْح الْهَاء وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَفِي آخِره جِيم، وَثَّقَهُ ابْن سعد وَابْن حبَان، والمثلة بِضَم الْمِيم الإسم، يُقَال: مثلت بِالْحَيَوَانِ أمثل بِهِ مثلا إِذا قطعت أَطْرَافه وشوهت بِهِ، ومثلت بالقتيل إِذا جدعت أَنفه أَو أُذُنه أَو مذاكيره أَو شَيْئا من أَطْرَافه، وَأما: مثل، بِالتَّشْدِيدِ فَهُوَ للْمُبَالَغَة.(17/231)
قَالَ أبُو عَبْدِ الله وَقَالَ شُعْبَةُ وأبَانُ وحَمَّادٌ عَنْ قَتادَةَ مِنْ عُرَيْنَةَ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَلَيْسَ فِي كثير من النّسخ هَذَا، أَعنِي قَوْله: قَالَ أَبُو عبد الله، قَوْله: (قَالَ شُعْبَة) إِلَى آخِره، وَقع عِنْد أبي ذَر بَين غَزْوَة ذِي قرد وَبَين غَزْوَة خَيْبَر، وَعند البَاقِينَ وَقع هُنَا، وَهُوَ الْمُنَاسب، ثمَّ إِنَّه أَرَادَ أَن هَؤُلَاءِ رووا هَذَا الحَدِيث عَن قَتَادَة عَن أنس فاقتصروا على ذكر عرينة وَلم يذكرُوا لفظ عكل، أما رِوَايَة شُعْبَة عَن قَتَادَة فرواها البُخَارِيّ مَوْصُولَة فِي كتاب الزَّكَاة، وَأما رِوَايَة أبان، بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن يزِيد الْعَطَّار فوصلها ابْن أبي شيبَة، وَأما رِوَايَة حَمَّاد وَهُوَ ابْن سلم فرواها مَوْصُولَة أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ أبِي كَثَيرٍ وأيُّوبَ عنْ أبِي قِلاَبَةَ عنْ أنَسٍ قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن يحيى وَأَيوب رويا الحَدِيث الْمَذْكُور عَن أبي قلَابَة، بِكَسْر الْقَاف: عبد الله بن زيد الْجرْمِي عَن أنس فاقتصرا على ذكر لفظ: عكل، وَلم يذكرَا لفظ: عرينة، أما رِوَايَة يحيى فوصلها البُخَارِيّ فِي كتاب الْمُحَاربين، وَأما رِوَايَة أَيُّوب فوصلها البُخَارِيّ أَيْضا فِي كتاب الطَّهَارَة.
4193 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ أبُو عُمَرَ الحَوْضِيُّ حدَّثَنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ حدَّثَنَا أيُّوبُ والحَجَّاجُ الصَّوَّافُ قالاَ حدَّثَنِي أبُو رَجَاءٍ مَوْلَى أبِي قِلابَةَ وكانَ مَعَهُ بالشَّامِ أنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيزِ اسْتَشَارَ النَّاسَ يَوْمَاً قَالَ مَا تَقُولُونَ فِي هَذِهِ القَسَامَةِ فقالُوا حَقٌّ قَضَ بِهَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقَضَتْ بهَا الخلَفاءُ قَبْلَكَ قَالَ وأبُو قِلاَبَةَ خَلْفَ سَرِيرِهِ فَقَالَ عَنْبَسَةُ بنُ سَعِيدٍ فأيْنَ حَدِيثُ أنَسٍ فِي العُرَنِيِّينَ قَالَ أبُو قِلابَةَ إيَّايَ حدَّثَهُ أنَسُ بنُ مالِكٍ قَالَ عَبْدُ العَزِيزِ بنُ صُهَيْبٍ عنْ أنَسٍ مِنْ عُرَيْنَةَ: وَقَالَ أبُو قِلابَةَ عنْ أنَسٍ مِنْ عُكْلٍ فذَكَرَ القِصَّةَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحِيم الْحَافِظ الْمَشْهُور بصاعقة الْبَزَّار أَبُو يحيى. وَحَفْص بن عمر من مَشَايِخ البُخَارِيّ أَيْضا، روى عَنهُ بالواسطة، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَالْحجاج الصَّواف هُوَ ابْن أبي عُثْمَان ميسرَة الْبَصْرِيّ، وَأَبُو رَجَاء ضد الْخَوْف سُلَيْمَان مولى أبي قلَابَة الْمَذْكُور.
قَوْله: (حَدثنِي أَبُو رَجَاء) كَذَا وَقع فِي النّسخ الْمُعْتَمدَة: حَدثنِي، بِالْإِفْرَادِ مَعَ أَن الْمَذْكُور قبله إثنان، وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: حدثاني بضمير التَّثْنِيَة، وَلَكِن قيل: المُرَاد الْحجَّاج لِأَن أَيُّوب قد اخْتلف عَلَيْهِ: هَل هُوَ عِنْده عَن أبي قلَابَة بِغَيْر وَاسِطَة أَو بِوَاسِطَة؟ وَلم يخْتَلف على الْحجَّاج أَنه رَوَاهُ بِوَاسِطَة أبي رَجَاء عَن أبي قلَابَة، فَلذَلِك ذكر: حَدثنِي، بِالْإِفْرَادِ فَافْهَم. قَوْله: (فِي هَذِه الْقسَامَة) هِيَ قسْمَة الْإِيمَان على الْأَوْلِيَاء فِي الدَّم عِنْد اللوث، أَي: الْقَرَائِن المغلبة على الظَّن، وَقَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ يدْفع حَدِيث العرنيين أَي: الْمَنْسُوب إِلَى عرينة الْقسَامَة؟ قلت: قتلوا الرَّاعِي وَكَانَ ثمَّة لوث، وَلم يحكم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحكم الْقسَامَة: بل اقْتصّ مِنْهُم. قَوْله: (عَنْبَسَة بن سعيد) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون. وَفتح السِّين الْمُهْملَة: ابْن سعيد الْقرشِي الْأمَوِي. قَوْله: (قَالَ عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن عبد الْعَزِيز هَذَا روى الحَدِيث عَن أنس من عرينة، يَعْنِي لم يذكر عكلاً، وَرَوَاهُ أَبُو قلَابَة عَن من عكل، وَلم يذكر: عرينة، وَالله أعلم.
38 - (بابُ غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة ذِي قرد، بِالْقَافِ وَالرَّاء المفتوحتين وبالدال الْمُهْملَة، وَحكى ضم أَوله وَفتح ثَانِيه، قَالَ الْحَازِمِي: الأول: ضبط أَصْحَاب الحَدِيث. وَالثَّانِي: عَن أهل اللُّغَة، وَقَالَ البلاذري: الصَّوَاب الأول، وَهُوَ مَاء على نَحْو بريد مِمَّا يَلِي بِلَاد غطفان، وَيُقَال: على مسيرَة لَيْلَتَيْنِ من الْمَدِينَة بَينهَا وَبَين خَيْبَر على طَرِيق الشَّام، والقرد فِي اللُّغَة: الصُّوف الرَّدِيء خَاصَّة، وَتسَمى: غَزْوَة الغابة، وَكَانَت فِي ربيع الأول سنة سِتّ، قَالَه ابْن سعد والواقدي، وَادّعى الْقُرْطُبِيّ أَنَّهَا فِي جُمَادَى الأولى.(17/232)
وهْيَ الغَزْوَةُ الَّتِي أغَارُوا علَى لِقَاحِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَبْلَ خَيْبَرَ بِثَلاثٍ
أَي: غَزْوَة ذِي قرد هِيَ الْغَزْوَة الَّتِي أَغَارُوا على لقاح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، واللقاح، بِكَسْر اللَّام: جمع لقحة بِالْكَسْرِ أَيْضا، وَهِي النَّاقة الَّتِي لَهَا لبن، وَقَالَ ابْن السّكيت، واحدتها لقوح ولقحة، وَقَالَ ابْن سعد: كَانَت لقاح رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالْغَابَةِ عشْرين لقحة وَكَانَ ابْن أبي ذَر فِيهَا وَامْرَأَته، فَأَغَارَ عَلَيْهِم عبد الرَّحْمَن بن عُيَيْنَة بن حُصَيْن فَقتلُوا الرجل وأسروا الْمَرْأَة، وَقد مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب من رأى الْعَدو فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته: يَا صَبَاحَاه، فَذكر الْقِصَّة بِطُولِهَا، وَفِي (التَّوْضِيح) : قَوْله: (قبل خَيْبَر بِثَلَاث) مِمَّا غلط فِيهِ وَأَنَّهَا قبلهَا بِسنة، فَإِن غَزْوَة خَيْبَر فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع، نعم فِي (صَحِيح مُسلم) من حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع لما ذكر غَزْوَة ذِي قرد: فَلَمَّا لبثنا بِالْمَدِينَةِ إلاَّ ثَلَاث لَيَال حَتَّى خرجنَا إِلَى خَيْبَر، وَقَالَ بَعضهم: مُسْتَند البُخَارِيّ فِي ذَلِك حَدِيث إِيَاس بن سَلمَة بن الْأَكْوَع عَن أَبِيه، ثمَّ ذكر مَا رَوَاهُ مُسلم. قلت: لَا يَصح أَن يكون هَذَا مُسْتَندا، لِأَن الْقُرْطُبِيّ قَالَ: لَا يخْتَلف أهل السّير أَن غَزْوَة ذِي قرد كَانَت قبل الْحُدَيْبِيَة، فَيكون مَا وَقع فِي حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع من وهم بعض الروَاة.
4194 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنَا حاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بنِ أبِي عُبَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ سلَمَةَ بنَ الأكْوَعِ يَقُولُ خَرَجْتُ قَبْلَ أنْ يُّؤَذَّنَ بالأوُلَى وكانَتْ لِقَاحُ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَرْعَى بِذي قَرَدٍ قَالَ فَلَقِيَنِي غُلامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَوْف فقَالَ أُخِذَتْ لِقاحُ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلْتُ مَنْ أخَذَهَا قَالَ غَطْفَانُ قَالَ فَصَرَخْتُ ثَلاثَ صَرَخَاتٍ يَا صَباحاهْ قَالَ فأسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيِ المَدِينَةِ ثُمَّ انْدَفَعْتُ علَى وَجْهِي حَتَّى أدْرَكْتُهُمْ وقَدْ أخَذُوا يَسْتَقُونَ مِنَ المَاءِ فجَعَلْتُ أرْمِيهِمْ بِنَبْلِي وكُنْتُ رَامِيَاً وأقُولُ.
(أنَا ابنُ الأكْوَعْ ... اليَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ)
وأرْتَجِزُ حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللقاحَ مِنْهُمْ واسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلاثِينَ بُرْدَةً قَالَ وجاءَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والنَّاسُ فقُلْتُ يَا نَبِيَّ الله قَدْ حَمَيْتُ القَوْمَ المَاء وهُمْ عِطاشٌ فابْعَثْ إلَيْهِمْ السَّاعَةَ فَقَالَ يَا ابنَ الأكْوَعِ مَلَكْتَ فأسْجِحْ قَالَ ثُم رَجَعْنَا ويَرْدِفُنِي رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى نَاقَتِهِ حَتَّى دَخَلْنَا المَدِينَةَ. (انْظُر الحَدِيث 3041) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وحاتم بِالْحَاء الْمُهْملَة هُوَ إِبْنِ إِسْمَاعِيل، وَيزِيد بن أبي عبيد هُوَ مولى سَلمَة بن الْأَكْوَع، والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب من رأى الْعَدو فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته: يَا صَبَاحَاه، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عليا عَن مكي بن إِبْرَاهِيم عَن يزِيد بن أبي عبيد عَن سَلمَة، وَهُوَ من ثلاثيات البُخَارِيّ وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (قبل أَن يُؤذن بِالْأولَى) يَعْنِي: صَلَاة الصُّبْح. قَوْله: (غطفان) بالغين الْمُعْجَمَة والطاء الْمُهْملَة وبالفاء المفتوحات، وَفِي رِوَايَة مكي بن إِبْرَاهِيم: غطفان وفزارة، وَهُوَ من عطف الْخَاص على الْعَام، لِأَن فَزَارَة من غطفان. قَوْله: (فصرخت ثَلَاث صرخات) وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: بِثَلَاث صرخات، بِزِيَادَة الْمُوَحدَة، قَوْله: (يَا صَاحِبَاه) كلمة تقال عِنْد الْغَارة. قَوْله: (مَا بَين لابتي المدية) اللابتان الحرتان تَثْنِيَة لابة، والحرة، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء: أَرض بِظَاهِر الْمَدِينَة فِيهَا حِجَارَة سود كَثِيرَة. قَوْله: (ثمَّ اندفعت على وَجْهي) يَعْنِي: لم ألتفت يَمِينا وَلَا شمالاً، بل أسرعت الجري، وَكَانَ شَدِيد الجري. قَوْله: (الرضع) ، بِضَم الرَّاء وَتَشْديد الضَّاد الْمُعْجَمَة جمع: الراضع، أَي: اللَّئِيم، وَأَصله أَن رجلا كَانَ يرضع إبِله أَو غنمة وَلَا يحلبها لِئَلَّا يسمع صَوت الحلبة الْفَقِير فيطمع فِيهِ، أَي: الْيَوْم يَوْم اللئام، أَي: يَوْم هَلَاك اللئام. قَوْله: (وَقد حميت الْقَوْم المَاء) أَي: منعتهم من الشّرْب. قَوْله: (فأسجع) بِهَمْزَة الْقطع، أَمر من الإسجاع بِالسِّين الْمُهْملَة وبالجيم وَفِي آخِره حاء مُهْملَة، وَهُوَ تسهيل الْأَمر، والسجاحة السهولة. قَوْله: (على نَاقَته) وَهِي: العضباء.
39 - (بابُ غَزْوَةِ خَيْبَرَ)(17/233)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة خَيْبَر، وَهِي مَدِينَة كَبِيرَة ذَات حصون ومزارع على ثَمَانِيَة برد من الْمَدِينَة إِلَى جِهَة الشَّام، وَذكر الْبكْرِيّ أَنَّهَا سميت باسم رجل من العماليق نزلها.
4195 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عنْ بُشَيْرِ بنِ يَسارٍ أنَّ سُوَيْدَ بنَ النُّعْمَانِ أخْبَرَهُ أنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عامَ خَيْبَرَ حتَّى إذَا كُنَّا بالصَّهْبَاءِ وهْيَ مِنْ أدْنَى خَيْبَرَ صلَّى العَصْرَ ثُمَّ دَعَا بالأزْوَادِ فلَمْ يُؤْتَ إلاَّ بالسَّوِيقِ فأمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ فأكَلَ وأكَلْنَا ثُمَّ قامَ إلَى المَغْرِبِ فمَضْمَضَ ومَضْمَضْنَا ثُمَّ صَلَّى ولَمْ يَتَوَضَّأ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ، وَبشير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن يسَار ضد الْيَمين وَمضى الحَدِيث فِي كتاب الْوضُوء فِي: بَاب من مضمض من السويق.
قَوْله: (إِنَّه خرج مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَكَانَ خُرُوجهمْ إِلَى خَيْبَر فِي جمادي الأولى سنة سبع، وَأبْعد من قَالَ: إِنَّهَا فِي سنة سِتّ، وَقَالَ مُوسَى ابْن عقبَة: لما رَجَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الْحُدَيْبِيَة مكث بِالْمَدِينَةِ عشْرين يَوْمًا أَو قَرِيبا من ذَلِك. ثمَّ خرج إِلَى خَيْبَر وَهِي الَّتِي وعده الله إِيَّاهَا، وَحكى مُوسَى عَن الزُّهْرِيّ أَن افْتِتَاح خَيْبَر فِي سنة سِتّ، وَالصَّحِيح أَن ذَلِك فِي أول سنة سبع، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: ثمَّ أَقَامَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ حِين رَجَعَ من الْحُدَيْبِيَة ذَا الْحجَّة وَبَعض الْمحرم ثمَّ خرج فِي بَقِيَّة الْمحرم إِلَى خَيْبَر. قَوْله: (بالصهباء) هُوَ مَوضِع على رَوْحَة من خَيْبَر. قَوْله: (فثري) على صِيغَة الْمَجْهُول من ثريت السويق، إِذا بللته.
218 - (حَدثنَا عبد الله بن مسلمة حَدثنَا حَاتِم بن إِسْمَاعِيل عَن يزِيد بن أبي عبيد عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع رَضِي الله عَنهُ قَالَ خرجنَا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى خَيْبَر فسرنا لَيْلًا فَقَالَ رجل من الْقَوْم لعامر يَا عَامر أَلا تسمعنا من هنياتك وَكَانَ عَامر رجلا شَاعِرًا فَنزل يَحْدُو بالقوم يَقُول
(اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْت مَا اهتدينا ... وَلَا تصدقنا وَلَا صلينَا)
(فَاغْفِر فدَاء لَك مَا أبقينا ... وَثَبت الْأَقْدَام إِن لاقينا)
(وألقين سكينَة علينا ... إِنَّا إِذا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا)
(وبالصياح عولوا علينا ... )
فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من هَذَا السَّائِق قَالُوا عَامر بن الْأَكْوَع قَالَ يرحمه الله قَالَ رجل من الْقَوْم وَجَبت يَا نَبِي الله لَوْلَا أمتعتنا بِهِ فأتينا خَيْبَر فحاصرناهم حَتَّى أصابتنا مَخْمَصَة شَدِيدَة ثمَّ إِن الله تَعَالَى فتحهَا عَلَيْهِم فَلَمَّا أَمْسَى النَّاس مسَاء الْيَوْم الَّذِي فتحت عَلَيْهِم أوقدوا نيرانا كَثِيرَة فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا هَذِه النيرَان على أَي شَيْء توقدون قَالُوا على لحم قَالَ عَليّ أَي لحم قَالَ لحم حمر الإنسية قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أهريقوها واكسروها فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله أونهريقها ونغسلها قَالَ أَو ذَاك فَلَمَّا تصاف الْقَوْم كَانَ سيف عَامر قَصِيرا فَتَنَاول بِهِ سَاق يَهُودِيّ ليضربه وَيرجع ذُبَاب سَيْفه فَأصَاب عين ركبة عَامر فَمَاتَ مِنْهُ قَالَ فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلمَة رَآنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ(17/234)
آخذ بيَدي قَالَ مَالك قلت لَهُ فدَاك أبي وَأمي زَعَمُوا أَن عَامِرًا حَبط عمله قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كذب من قَالَه إِن لَهُ لأجرين وَجمع بَين أصبعيه إِنَّه لجاهد مُجَاهِد قل عَرَبِيّ مشي بهَا مثله) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعبد الله بن مسلمة بِفَتْح الميمين هُوَ القعْنبِي شيخ مُسلم أَيْضا وحاتم بِالْحَاء الْمُهْملَة مر عَن قريب وَمضى الحَدِيث مُخْتَصرا فِي الْمَظَالِم فِي بَاب هَل تكسر الدنان الَّتِي فِيهَا الْخمر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي عَاصِم عَن يزِيد بن أبي عبيد عَن سَلمَة قَوْله " فَقَامَ رجل من الْقَوْم " لم يعرف اسْم الرجل قَوْله " لعامر " هُوَ عَم سَلمَة بن الْأَكْوَع وَاسم الْأَكْوَع سِنَان وَهُوَ اسْم جد سَلمَة وَأَبُو سَلمَة هُوَ عَمْرو وَهُوَ سَلمَة بن عَمْرو بن الْأَكْوَع وعامر هُوَ ابْن الْأَكْوَع اسْتشْهد يَوْم خَيْبَر على مَا ذكر فِي الحَدِيث قَوْله " من هنياتك " بِضَم الْهَاء وَفتح النُّون وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق الْمَكْسُورَة هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره " هنيهاتك " بِضَم الْهَاء وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا هَاء أُخْرَى جمع هنيهة وَهُوَ مصغر هنة كَمَا قَالُوا فِي مصغر سنة سنيهة وأصل هنة هنو كَمَا أَن أصل سنة سنو مصغره هنيَّة وَقد تبدل من الْيَاء الثَّانِيَة هَاء فَيُقَال هنيهة وَالْجمع هنيهاة وَجمع الأول هنيات وَوَقع فِي الدَّعْوَات من وَجه آخر عَن يزِيد بن أبي عبيد لَو أسمعتنا من هناتك بِفَتْح الْهَاء وَالنُّون وَبعد الْألف تَاء مثناة من فَوق فَيكون جمع هنة وَقَالَ الْكرْمَانِي أما هن على وزن أَخ فكلمة كِنَايَة عَن الشَّيْء وَأَصله هنو وَتقول للمؤنث هنة وتصغيرها هنيَّة وَالْمرَاد بالهنيات الأراجيز جمع الأرجوزة وَقَالَ السُّهيْلي الهنة كِنَايَة عَن كل شَيْء لَا يعرف اسْمه أَو تعرفه فتكنى عَنهُ وَقَالَ الْهَرَوِيّ كِنَايَة عَن شَيْء لَا تذكره باسمه وَلَا تخص جِنْسا من غَيره وَقَالَ الْأَخْفَش كَمَا تَقول هَذَا فلَان بن فلَان تَقول هَذَا هن بن هن وَهَذِه هنة بنت هنة وَهُوَ نَص بِأَن يكنى بهَا عَن الْأَعْلَام وَقَالَ ابْن عُصْفُور وَهُوَ الصَّحِيح قَوْله " يَحْدُو بالقوم " من الحدو وَهُوَ سوق الْإِبِل والغناء لَهَا يُقَال حدوت الْإِبِل حدوا وحداء وَيُقَال للشمال حدواء لِأَنَّهَا تحدو السَّحَاب وَالْإِبِل تحب الحداء وَلَا يكون الحداء إِلَّا شعرًا أَو رجزا وَأول من سنّ حداء الْإِبِل مُضر بن نزار لما سقط عَن بعيره فَكسرت يَده فَبَقيَ يَقُول وايداه وايداه قَوْله " اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْت مَا اهتدينا " إِلَى آخِره رجز وَأَكْثَره تقدم فِي الْجِهَاد وَاخْتلف فِي الرجز أَنه شعر أم لَا فَقيل أَنه شعر وَإِن لم يكن قريضا وَقد قيل أَن هَذَا لَيْسَ بِشعر وَإِنَّمَا هُوَ أشطار أَبْيَات وَإِنَّمَا الرجز الَّذِي هُوَ شعر هُوَ سداسي الْأَجْزَاء أَو رباعي الْأَجْزَاء قَوْله " فدَاء لَك " بِكَسْر الْفَاء وبالمد وَحكى ابْن التِّين فدى لَك بِفَتْح الْفَاء مَعَ الْقصر وَزعم أَنه هُنَا بِكَسْر الْفَاء مَعَ الْقصر لضَرُورَة الْوَزْن وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَإِنَّهُ لَا يتزن إِلَّا بِالْمدِّ على مَا لَا يخفى وَقَالَ الْمَازرِيّ لَا يُقَال لله فدى لَك لِأَنَّهُ إِنَّمَا يسْتَعْمل فِي مَكْرُوه يتَوَقَّع حُلُوله بالشخص فيختار شخص آخر أَن يحل ذَلِك بِهِ ويفديه مِنْهُ فَهُوَ إِمَّا مجَاز عَن الرِّضَا كَأَنَّهُ قَالَ نَفسِي مبذولة لرضاك أَو هَذِه الْكَلِمَة وَقعت فِي الْبَيْت خطابا لسامع الْكَلَام وَقيل هَذِه لَا يُرَاد ظَاهرهَا بل المُرَاد بهَا الْمحبَّة والتعظيم مَعَ قطع النّظر عَن ظَاهر اللَّفْظ وَقيل الْمُخَاطب بِهَذَا الشّعْر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْمعْنَى لَا تُؤَاخِذنَا بتقصيرنا فِي حَقك ونصرك وَقَوله اللَّهُمَّ لم يقْصد بهَا الدُّعَاء وَإِنَّمَا افْتتح بهَا الْكَلَام والمخاطب بقوله لَوْلَا أَنْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى آخِره (قلت) فِي هذَيْن الجوابين نظر لَا يخفى خُصُوصا فِي الْجَواب الثَّانِي فَإِن قَوْله
(فأنزلن سكينَة علينا ... وَثَبت الْأَقْدَام إِن لاقينا)
يرد هَذَا وينقضه وَالَّذِي قَالَه الْمَازرِيّ أقرب إِلَى التَّوْجِيه قَوْله " مَا أبقينا " فِي مَحل النصب على أَنه مفعول لقَوْله فَاغْفِر وَقَوله " فدَاء لَك " جملَة مُعْتَرضَة وَلَفظ أبقينا بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْقَاف هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ والنسفي وَمَعْنَاهُ مَا خلفنا وَرَاءَنَا مِمَّا اكتسبناه من الآثام وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين مَا اتقينا من الاتقاء بتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبالقاف وَمَعْنَاهُ مَا تَرَكْنَاهُ من الْأَوَامِر وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ " مَا لَقينَا " بِفَتْح اللَّام وَكسر الْقَاف من اللِّقَاء وَمَعْنَاهُ مَا وجدنَا من المناهي وَوَقع فِي رِوَايَة قُتَيْبَة عَن حَاتِم بن إِسْمَاعِيل كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَدَب مَا اقتفينا من الاقتفاء بِالْقَافِ وَالْفَاء أَي مَا تبعنا من الْخَطَايَا من قَفَوْت أَثَره إِذا تَبعته وَكَذَا وَقع لمُسلم عَن قُتَيْبَة وَهِي أشهر الرِّوَايَات فِي هَذَا الرجز قَوْله " وألقين " أَمر مُؤَكد بالنُّون الْخَفِيفَة وسكينة(17/235)
مَفْعُوله وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ " وألق السكينَة " بِحَذْف النُّون وبالألف وَاللَّام فِي السكينَة قَوْله " إِنَّا إِذا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا " من الْإِتْيَان أَي إِذا دعينا لِلْقِتَالِ أَو إِلَى الْحق جِئْنَا وَقَالَ الْكرْمَانِي " أَبينَا " فِي بعض الرِّوَايَات من الإباء وَمَعْنَاهُ إِذا دعينا إِلَى غير الْحق أَبينَا أَي امتنعنا عَنهُ قيل هَذِه رِوَايَة النَّسَفِيّ قَوْله " وبالصياح " عولوا علينا أَي وبالصوت العالي قصدونا واستغاثوا يُقَال عولت على فلَان وعولت بفلان أَي استعنت بِهِ وَوَقع عِنْد أَحْمد من الزِّيَادَة فِي هَذَا الرجز فِي حَدِيث إِيَاس بن سَلمَة عَن أَبِيه وَهُوَ قَوْله
(إِن الَّذين قد بغوا علينا ... إِذا أَرَادوا فتْنَة أَبينَا)
(وَنحن عَن فضل الله مَا استغنينا ... )
قَوْله " من هَذَا السَّائِق " أَي من هَذَا الَّذِي يَسُوق الْإِبِل ويحدو قَالُوا عَامر بن الْأَكْوَع يَعْنِي عَم سَلمَة فَإِن قيل قد مضى فِي الْجِهَاد أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هُوَ الَّذِي كَانَ يَقُولهَا فِي حفر الخَنْدَق وَأَنَّهَا من أراجيز عبد الله بن رَوَاحَة وَأجِيب بِعَدَمِ الْمُنَافَاة بَينهمَا لاحْتِمَال التوارد قَوْله " قَالَ يرحمه الله " أَي قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يرحم الله عَامِرًا وَفِي رِوَايَة إِيَاس بن سَلمَة فَقَالَ غفر لَك رَبك قَالَ وَمَا اسْتغْفر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لإِنْسَان يَخُصُّهُ إِلَّا اسْتشْهد قَوْله " قَالَ رجل من الْقَوْم " هَذَا الرجل هُوَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سَمَّاهُ مُسلم فِي رِوَايَة إِيَاس بن سَلمَة وَلَفظه فَنَادَى عمر بن الْخطاب وَهُوَ على جمل يَا نَبِي الله لَوْلَا متعتنا بعامر قَوْله " وَجَبت " أَي وَجَبت الْجنَّة لَهُ ببركة دعائك لَهُ وَقيل وَجَبت لَهُ الشَّهَادَة بدعائك قَوْله " لَوْلَا أمتعتنا بِهِ " أَي هلا أبقيته لنا لنتمتع بعامر يَعْنِي بشجاعته ويروى لَوْلَا متعتنا بِهِ من التَّمَتُّع وَهُوَ الترفه إِلَى مُدَّة وَمِنْه فِي الدُّعَاء يُقَال متعني الله بك قَوْله " فحصرناهم " أَي حصرنا أهل خَيْبَر ويروى فحاصرناهم وَقَالَ ابْن إِسْحَق أول حصون خَيْبَر فتحا حصن ناعم وَعِنْده قتل مَحْمُود بن سَلمَة ألقيت عَلَيْهِ رحى مِنْهُ فَقتلته قَوْله " مَخْمَصَة " بِفَتْح الْمِيم أَي مجاعَة قَوْله " على لحم " أَي توقد النيرَان على لحم قَوْله " على أَي لحم " أَي على أَي لحم من أَنْوَاع اللحوم توقدونها قَوْله " قَالُوا لحم حمر " يجوز فِي لفظ لحم الرّفْع وَالنّصب فالرفع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره هُوَ لحم حمر وَالنّصب بِنَزْع الْخَافِض وَالتَّقْدِير على لحم حمر والحمر بِضَمَّتَيْنِ جمع حمَار قَوْله " الإنسية " بِالْجَرِّ صفة حمر وَهُوَ بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون النُّون وَكسر السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف نِسْبَة الْحمر إِلَى الْإِنْس وَمَعْنَاهُ الْحمر الْأَهْلِيَّة وَفِي الْمطَالع الأنسية بِفَتْح الْهمزَة وَفتح النُّون كَذَا ذكره البُخَارِيّ عَن ابْن أبي أويس وَكَذَا قيدناه عَن الشَّيْخ أبي بَحر فِي مُسلم وَكَذَا قَيده الْأصيلِيّ وَابْن السكن وَأَبُو ذَر وَأكْثر رِوَايَات الشُّيُوخ فِيهِ بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون النُّون وَكِلَاهُمَا صَحِيح وَأما الْأنس بِفَتْح الْهمزَة وَالنُّون فهم النَّاس وَكَذَلِكَ الْإِنْس قَوْله " أهريقوها " أَي أريقوها وَالْهَاء فِيهِ زَائِدَة ويروى بِدُونِ الْهمزَة هريقوها قَوْله " واكسروها " وَقد تقدم فِي الْمَظَالِم قَالَ اكسروها واهريقوها قَوْله أَو نهريقها ونغسلها وَفِي الْمَظَالِم قَالُوا أَلا نهريقها ونغسلها قَالَ اغسلوها وَهنا قَالَ أَو ذَاك أَي أَو الْغسْل وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَوْله سيف عَامر وَهُوَ عَامر بن الْأَكْوَع الْمَذْكُور فِيهِ وَفِي رِوَايَة إِيَاس بن سَلمَة قَالَ فَلَمَّا قدمنَا خَيْبَر خرج ملكهم مرْحَبًا يخْطر بِسَيْفِهِ يَقُول
(قد علمت خَيْبَر أَنِّي مرحب ... شاكي السِّلَاح بَطل مجرب)
(إِذا الحروب أَقبلت تلهب ... )
قَالَ فبرز لَهُ عَامر فَقَالَ
(قد علمت خَيْبَر أَنِّي عَامر ... شاكي السِّلَاح بَطل مغامر)
قَالَ فاختلفنا ضربتين فَوَقع سيف مرحب فِي ترس عَامر فَذهب عَامر يسفل لَهُ أَي يضْربهُ من أَسْفَل فَرجع سَيْفه على نَفسه قَوْله ذُبَاب سَيْفه وَهُوَ طرفه الَّذِي يضْرب بِهِ وَقيل ذُبَاب السَّيْف حَده قَوْله عين ركبة عَامر أَي رَأس ركبته فَمَاتَ مِنْهُ قَوْله فَلَمَّا قَفَلُوا أَي رجعُوا من خَيْبَر قَوْله وَهُوَ آخذ بيَدي هَكَذَا هُوَ رِوَايَة الْكشميهني بيَدي بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي رِوَايَة غَيره يَدي بِدُونِ الْبَاء قَوْله حَبط عمله أَي عمل عَامر لِأَنَّهُ قتل نَفسه قَوْله أَن لَهُ لأجرين وهما أجر الْجهد فِي الطَّاعَة وَأجر المجاهدة فِي سَبِيل الله وَاللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد وَهُوَ رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره أَجْرَيْنِ بِدُونِ اللَّام قَوْله لجاهد مُجَاهِد اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد وجاهد اسْم فَاعل من جهد وَمُجاهد اسْم فَاعل أَيْضا من جَاهد وروى أَبُو ذَر عَن الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي لجاهد وجاهد بِلَفْظ الْمَاضِي(17/236)
قَوْله " قل عَرَبِيّ مَشى بهَا مثله " حَاصِل الْمَعْنى من الْعَرَب قَلِيل مَشى فِي الدُّنْيَا بِهَذِهِ الْخصْلَة الحميدة الَّتِي هِيَ الْجِهَاد مَعَ الْجهد أَي الْجد وَكَذَا وَقع فِي هَذِه الرِّوَايَة مَشى بِلَفْظ الْمَاضِي من الْمَشْي قَوْله " بهَا " أَي بِالْأَرْضِ أَو الْمَدِينَة أَو الْحَرْب أَو الْخصْلَة قَوْله " مثله " أَي مثل عَامر
(حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا حَاتِم قَالَ نَشأ بهَا) أَي حَدثهُ قُتَيْبَة بن سعيد عَن حَاتِم بِالْحَاء الْمُهْملَة ابْن إِسْمَاعِيل الْكُوفِي نَشأ بالنُّون وبالهمزة فِي آخِره أَي شب وَكبر وَحكى السُّهيْلي أَنه وَقع فِي رِوَايَة مشابها بِضَم الْمِيم اسْم فَاعل من المشابهة وَحَاصِل مَعْنَاهُ لَيْسَ لَهُ مشابه فِي صفة الْكَمَال فِي الْقِتَال وانتصابه يكون على الْحَال أَو بِفعل مَحْذُوف وَالتَّقْدِير قل عَرَبِيّ رَأَيْته مشابها قَالَ السُّهيْلي وروى قل عَرَبيا نَشأ بهَا مثله وَالْفَاعِل مثله وعربيا مَنْصُوب على التَّمْيِيز لِأَن فِي الْكَلَام معنى الْمَدْح فَهُوَ على حد قَوْلهم عظم زيد رجلا وَقتل زيد أدبا
219 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف أخبرنَا مَالك عَن حميد الطَّوِيل عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله أَتَى خَيْبَر لَيْلًا وَكَانَ إِذا أَتَى قوما بلَيْل لم يغر بهم حَتَّى يصبح فَلَمَّا أصبح خرجت الْيَهُود بِمساحِيهِمْ وَمَكَاتِلهمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا مُحَمَّد وَالله مُحَمَّد وَالْخَمِيس فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خربَتْ خَيْبَر إِنَّا إِذا نزلنَا بِسَاحَة قوم فسَاء صباح الْمُنْذرين) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي بَاب دُعَاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى الْإِسْلَام فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك إِلَى آخِره قَوْله عَن أنس وَفِي رِوَايَة أبي إِسْحَاق الْفَزارِيّ عَن حميد سَمِعت أنسا كَمَا تقدم فِي الْجِهَاد قَوْله أَتَى خَيْبَر لَيْلًا أَي فِي اللَّيْل وَمَعْنَاهُ قرب مِنْهَا وَقَالَ ابْن إِسْحَاق أَنه نزل بواد يُقَال لَهُ الرجيع بَينهم وَبَين غطفان لَيْلًا يمدوهم وَكَانُوا حلفاءهم قَالَ فبلغني أَن غطفان تجهزوا وقصدوا خَيْبَر فَسَمِعُوا حسا خَلفهم فظنوا أَن الْمُسلمين خلفوهم فِي ذَرَارِيهمْ فَرَجَعُوا فأقاموا وخذلوا أهل خَيْبَر قَوْله لم يغر بهم بِضَم الْيَاء وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة من الإغارة هَكَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي لم يقربهُمْ بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون الْقَاف من الْقرب وَتقدم فِي الْجِهَاد بِلَفْظ لَا يُغير عَلَيْهِم وَفِي الْأَذَان من وَجه آخر عَن حميد بِلَفْظ كَانَ إِذا غزا لم يغز بِنَا حَتَّى نصبح وَنَنْظُر فَإِن سمع أذانا كف عَنْهُم وَإِلَّا أغار قَوْله خرجت الْيَهُود بِمساحِيهِمْ يَعْنِي طَالِبين زرعهم وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا يخرجُون فِي كل يَوْم متسلحين مستعدين فَلَا يرَوْنَ أحدا حَتَّى إِذا كَانَت اللَّيْلَة الَّتِي قدم فِيهَا الْمُسلمُونَ نَامُوا فَلم تتحرك لَهُم دَابَّة وَلم يَصح لَهُم ديك وَخَرجُوا بِالْمَسَاحِي طَالِبين مَزَارِعهمْ فوجدوا الْمُسلمين وَفِي رِوَايَة أَحْمد خرجت يهود بِمساحِيهِمْ إِلَى زرعهم والمساحي جمع مسحاة وَهِي آلَة الْحَرْث والمكاتل جمع مكتل وَهِي القفة الْكَبِيرَة الَّتِي يحول فِيهَا التُّرَاب وَغَيره قَوْله مُحَمَّد أَي هَذَا مُحَمَّد قَوْله وَالْخَمِيس أَي الْجَيْش سمي خميسا لِأَنَّهُ خَمْسَة أَقسَام الميمنة والميسرة وَالْقلب والمقدمة والساقة وَيجوز فِي الْخَمِيس الرّفْع وَالنّصب فالرفع على الْعَطف وَالنّصب على أَنه مفعول مَعَه قَوْله بِسَاحَة قوم الساحة الفضاء وَأَصلهَا الفضاء بَين الْمنَازل قَوْله فسَاء من أَفعَال الذَّم والمنذرين بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة فَإِن قلت كَيفَ قَالَ خربَتْ خَيْبَر قبل وُقُوعه قلت هَذَا من جملَة معجزاته علم بطرِيق الْوَحْي أَنَّهَا تخرب وَقيل أَخذه من لفظ المسحاة لِأَنَّهُ من سحوت إِذا قشرت وَفِيه أَخذ التفاؤل من حَيْثُ الِاشْتِقَاق
220 - (أخبرنَا صَدَقَة بن الْفضل أخبرنَا ابْن عُيَيْنَة حَدثنَا أَيُّوب عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ صبحنا خَيْبَر بكرَة فَخرج أَهلهَا بِالْمَسَاحِي فَلَمَّا بصروا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالُوا مُحَمَّد وَالله مُحَمَّد وَالْخَمِيس فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الله أكبر خربَتْ خَيْبَر إِنَّا إِذا نزلنَا بِسَاحَة قوم فسَاء صباح الْمُنْذرين فأصبنا من لُحُوم الْحمر -
4197 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخْبَرَنَا مالِكٌ عنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتَى خَيْبَرَ لَيْلاً وكانَ إذَا أتَى قوْمَاً بِلَيْلٍ لَمْ يُغْرِبِهِمْ حتَّى يُصْبِحَ فلَمَّا أصْبَحَ خَرَجَتِ اليَهُودِ بِمَساحِيهِمْ ومَكاتِلِهِمْ فلَمَّا رَأوْه قالُوا مُحَمَّدٌ وَالله محَمَّدٌ والخَمِيسُ فَقال النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرِبَتْ خَيْبَرُ إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قوْمٍ فَساءَ صَباحُ المُنْذِرِينَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى الْإِسْلَام، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك إِلَى آخِره.
قَوْله: (عَن أنس) وَفِي رِوَايَة أبي إِسْحَاق الْفَزارِيّ: عَن حميد سَمِعت أنسا، كَمَا تقدم فِي الْجِهَاد. قَوْله: (أَتَى خَيْبَر لَيْلًا) أَي: فِي اللَّيْل، وَمَعْنَاهُ: قرب مِنْهَا. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: إِنَّه نزل بواد يُقَال لَهُ الرجيع بَينهم وَبَين غطفان لَيْلًا يمدوهم وَكَانُوا حلفاءهم، قَالَ: فبلغني أَن غطفان تجهزوا وقصدوا خَيْبَر فَسَمِعُوا حسا خَلفهم، فظنوا أَن الْمُسلمين خلفوهم فِي ذَرَارِيهمْ فَرَجَعُوا فأقاموا وخذلوا أهل خَيْبَر. قَوْله: (لم يغر بهم) بِضَم الْيَاء وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة: من الإغارة، هَكَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي: لم يقربهُمْ، بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون الْقَاف، من الْقرب، وَتقدم فِي الْجِهَاد بِلَفْظ، لَا يُغير عَلَيْهِم، وَفِي الآذان من وَجه آخر، عَن حميد بِلَفْظ: كَانَ إِذا غزا لم يغز بِنَا حَتَّى نصبح وَنَنْظُر فَإِن سمع أذانا كف عَنْهُم وإلاَّ أغار، قَوْله: (خرجت الْيَهُود بِمساحِيهِمْ) ، يَعْنِي: طَالِبين زرعهم، وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا يخرجُون فِي كل يَوْم متسلحين مستعدين فَلَا يرَوْنَ أحدا حَتَّى إِذا كَانَت اللَّيْلَة الَّتِي قدم فِيهَا الْمُسلمُونَ نَامُوا فَلم تتحرك لَهُم دَابَّة وَلم يَصح لَهُم ديك، وَخَرجُوا بِالْمَسَاحِي طَالِبين مَزَارِعهمْ فوجدوا الْمُسلمين، وَفِي رِوَايَة أَحْمد: خرجت يهود بِمساحِيهِمْ إِلَى زرعهم، والمساحي جمع مسحاة وَهِي آلَة الْحَرْث، والمكاتل جمع مكتل وَهِي القفة الْكَبِيرَة الَّتِي يحول فِيهَا التُّرَاب وَغَيره. قَوْله: (مُحَمَّد) أَي: هَذَا مُحَمَّد. قَوْله: (وَالْخَمِيس) أَي: الْجَيْش، سمى خميساً لِأَنَّهُ خَمْسَة أَقسَام: الميمنة والميسرة وَالْقلب والمقدمة والساقة، وَيجوز فِي الْخَمِيس الرّفْع وَالنّصب، فالرفع على الْعَطف، وَالنّصب على أَنه مفعول مَعَه. قَوْله: (بِسَاحَة قوم) الساحة الفضاء، وَأَصلهَا الفضاء بَين الْمنَازل. قَوْله: (فسَاء) من أَفعَال الذَّم (والمنذرين) بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة. فَإِن قلت: كَيفَ قَالَ: خربَتْ خَيْبَر قبل وُقُوعه؟ قلت: هَذَا من جملَة معجزاته، علم بطرِيق الْوَحْي أَنَّهَا تخرب، وَقيل: أَخذه من لفظ المسحاة، لِأَنَّهُ من سحوت إِذا قشرت، وَفِيه أَخذ التفاؤل من حَيْثُ الِاشْتِقَاق.
4198 - أخْبَرَنَا صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ أخبرَنَا عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا أيُّوبُ عنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرينَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ صَبَّحْنَا خَيْبَرَ بُكْرَةً فخَرَجَ أهْلُهَا بالمَساحِي فلَمَّا بَصُرُوا بالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالُوا مُحَمَّدٌ وَالله مُحَمَّدٌ والخَمِيسُ فَقال النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الله أكْبرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فسَاءَ صَبَاحُ المُنْذِرِينَ فأصَبْنَا مِنْ لُحُومِ الحُمْرِ(17/237)
فَنَادَي مُنَادي النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ الله ورَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عنْ لُحُومِ الْحُمْرِ فإنَّهَا رِجْسٌ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس الْمَذْكُور أخرجه عَن صَدَقَة بن الْفضل الْمروزِي عَن صَدَقَة عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ.
قَوْله: (الله أكبر) هَذِه اللَّفْظَة مَوْجُودَة فِي أَكثر الطّرق. قَوْله: (صبحنا) بتَشْديد الْبَاء. قَوْله: (ينهيانكم) فِيهِ دَلِيل على جَوَاز جمع اسْم الله مَعَ غَيره فِي ضمير وَاحِد، فَيرد بِهِ على من منع ذَلِك، قيل: فِي رِوَايَة سُفْيَان للْأَكْثَر: يَنْهَاكُم بِالْإِفْرَادِ، وَفِي رِوَايَة عبد الْوَهَّاب، بالتثنية، قَوْله: (فَإِنَّهَا) أَي: قَالَ: فَإِن لُحُوم الْحمر (رِجْس) أَي: قذر ونتن، وَقيل: الرجس الْعَذَاب، فَيحْتَمل أَن يُرِيد: أَنَّهَا تُؤَدِّيه إِلَى الْعَذَاب، وَالنَّهْي عَن لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة للتَّحْرِيم عِنْد الْجُمْهُور.
4199 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الوهَّابِ حدَّثَنَا عَبْدُ الوهَّابِ حدَّثَنا أيُّوبُ عنْ مُحَمَّدٍ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جاءَهُ جاءٍ فَقال أُكِلَتِ الحُمُرُ فسَكَتَ ثُمَّ أتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقالَ أُكِلَتِ الحُمُرُ فسَكَتَ ثُمَّ أتَاهُ الثَّالِصَةَ فَقَالَ أفْنِيَتِ الْحُمُرُ فأمَرَ مُنَادِيَاً فَنادَى فِي النَّاسِ إنَّ الله ورَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ فأُكْفِئَتِ القُدُورِ وإنَّهَا لتَفُورُ باللَّحْمِ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب أبي مُحَمَّد الحَجبي الْبَصْرِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده، عَن عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين.
قَوْله: (فأكفئت) ، قَالَ ابْن التِّين: صَوَابه، فكفئت، قَالَ الْأَصْمَعِي: كفأت الْإِنَاء: قلبته، وَلَا يُقَال: أكفأته، قيل: يحْتَمل أَن يُرِيد: أمالوها حَتَّى أزالوا مَا فِيهَا، فَيكون: (أكفئت) صَحِيحا لِأَن الْكسَائي قَالَ: أكفأت الْإِنَاء أملته. قَوْله: (لتفور) ، من فارت الْقدر إِذا اشْتَدَّ غليانها.
4200 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثَنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ ثَابِتٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصُّبْحَ قَرِيبَاً مِنْ خَيْبَرَ بِغَلسٍ ثُمَّ قالَ الله أكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَساءَ صَبَاحُ الْمُنْذِرِينَ فخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ فقَتَلَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المُقَاتِلَةَ وسَبَى الذُّرِّيَّةَ وكانَ فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ فَصارَتْ إلَى دِحْيَةَ الكَلْبِيِّ ثُمَّ صارَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فَقال عَبْدُ العَزِيزِ بنُ صُهَيْبٍ لِثَابِتٍ يَا أبَا مُحَمَّدٍ آنْتَ قُلْتَ لأِنَسٍ مَا أصْدَقَهَا فَحَرَّكَ ثابِتٌ رَأسَهُ تَصْدِيقَاً لَهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مر فِي صَلَاة الْخَوْف فِي: بَاب التَّكْبِير والغلس بالصبح، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن حَمَّاد بن زيد عَن عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب، وثابت الْبنانِيّ عَن أنس ... إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
قَوْله: (فَقتل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، فِيهِ حذف لَا بُد مِنْهُ، لِأَن ظَاهر الْعبارَة يُوهم أَن ذَلِك وَقع عقيب الدُّعَاء عَلَيْهِم، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن ابْن إِسْحَاق قد ذكر أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَقَامَ على محاصرتهم بضع عشرَة لَيْلَة، وَقيل: أَكثر من ذَلِك، وَيُؤَيّد ذَلِك مَا وَقع فِي الحَدِيث الْمَاضِي: (أَصَابَتْهُم مَخْمَصَة شَدِيدَة) ، فَإِنَّهُ يدل على طول مُدَّة الْحصار، إِذْ لَو وَقع الْفَتْح من يومهم لم يَقع لَهُم ذَلِك.
4201 - حدَّثنا آدَمُ حدَّثَنا شُعْبَةُ عنْ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يقُولُ سَبَى النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَفِيَّةَ فأعْتَقَهَا وتَزَوَّجَهَا فَقال ثابِتٌ لأِنَسٍ مَا أصْدَقَهَا قَالَ أصْدَقَهَا نَفْسَها فأعْتَقَهَا. . [/ نه
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (سبى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صَفِيَّة) ، فَإِن سبيهَا كَانَ فِي غَزْوَة خَيْبَر،(17/238)
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (فَأعْتقهَا وَتَزَوجهَا) ، ظَاهِرَة أَن العتنق تقدم النِّكَاح، وَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَن الْوَاو لَا تدل على التَّرْتِيب، على أَن فِي الحَدِيث الآخر: (وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا) ، وَمِنْهُم من جعل ذَلِك من خَصَائِصه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمِنْهُم من أجَازه.
4202 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثَنا يَعْقُوبُ عنْ أبِي حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْتَقَى هُوَ والمُشْرِكُونَ فاقْتَتَلُوا فلَمَّا مالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَى عَسْكَرِهِ ومالَ الآخَرُونَ إلَى عَسْكَرِهِم وَفِي أصْحَابِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَهُمْ شاذَّةً ولاَ فاذَّةً إلاَّ اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ فَقِيلَ مَا أجْزَأ مِنَّا اليَوْمَ أحَدٌ كَما أجْزأ فُلانٌ فَقال رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمَا إنَّهُ مِنْ أهْلِ النَّارِ فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ أنَا صاحِبُهُ قَالَ فخَرَجَ معَهُ كُلَّمَا وقَفَ وقَفَ مَعَهُ وإذَا أسْرَعَ أسْرَعَ معَهُ قَالَ فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحَاً شَدِيدَاً فاسْتَعْجَلَ المَوْتَ فوَضَعَ سَيْفَهُ بالأرْضِ وذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ علَى سَيْفِهِ فقَتَلَ نَفْسَهُ فخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أشْهَدُ أنَّكَ رسُولُ الله قَالَ وَمَا ذَاكَ قالَ الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفَاً أنَّهُ مِنْ أهْلِ النَّارِ فأعْظَمَ النَّاسُ ذالِكَ فقُلْتُ أنَا لَكُمْ بِهِ فخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ ثُمَّ جُرِحَ جُرْحَاً شَدِيدَاً فاسْتَعْجَلَ المَوْتَ فوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الأرْضِ وذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ علَيْهِ فقَتَلَ نَفْسَهُ فَقالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدَ ذَلِكَ إنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أهْلِ الجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وهْوَ مِنْ أهْلِ النَّارِ وإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عمَلَ أهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وهْوَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ. .
لَا وَجه لذكر هَذَا الحَدِيث هُنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تعلق مَا بغزوة خَيْبَر ظَاهرا، وَقد تعسف بَعضهم، فَقَالَ: يتحد هَذَا الحَدِيث بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي يَلِيهِ فِي الْقِصَّة، وَصرح فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن ذَلِك كَانَ بِخَيْبَر، فبينهما بون بعيد فِي أَلْفَاظ الْمَتْن، يعرف ذَلِك من يقف عَلَيْهِمَا.
وَيَعْقُوب هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن الإسكَنْدَرَانِي، وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب لَا تَقول فلَان شَهِيد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ نَحْو هَذَا سنداً ومتناً، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فَلَمَّا مَال رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: فَلَمَّا رَجَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد فرَاغ الْقِتَال فِي ذَلِك الْيَوْم. قَوْله: (وَفِي أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رجل) قَالُوا: إِن اسْمه قزمان، بِضَم الْقَاف وَسُكُون الزَّاي: الظفري، بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَالْفَاء: نِسْبَة إِلَى بني ظفر، بطن من الْأَنْصَار، وَكَانَ يكنى: أَبَا الغيداق، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة وَفِي آخِره قَاف. قَوْله: (لَا يدع) ، أَي: لَا يتْرك. قَوْله: (شَاذَّة) ، بالشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الذَّال الْمُعْجَمَة، وَهِي الَّذِي ينْفَرد عَن الْجَمَاعَة. قَوْله: (وَلَا فاذة) ، بِالْفَاءِ مثله، وَهُوَ الَّذِي لَا يخْتَلط بهم، وهما صفتان لمَحْذُوف أَي: لَا يدع نسمَة شَاذَّة وَلَا نسمَة فاذة، وَيجوز أَن تكون التَّاء فيهمَا للْمُبَالَغَة، كَمَا فِي: علاَّمة ونسَّابة، وَقيل: المُرَاد مَا كبر وَصغر، وَقيل: الشاذ الْخَارِج، والفاذ الْمُنْفَرد. وَقَالَ بَعضهم: وَالثَّانِي اتِّبَاع. قلت: فِيهِ نظر لَا يخفى. قَوْله: (فَقيل: مَا أَجْزَأَ) ويروى: فَقَالَ، وَقَالُوا: وفقلت. قَوْله: (فَقَالَ رجل من الْقَوْم) قيل: هُوَ أَكْثَم بن أبي الجون. قَوْله: (وذبابه) ، بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة أَي: طرفه الْحَد.
4203 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ أخبرَنا شُعَيْبٌ عنُ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخْبرَنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ شَهِدْنَا خَيْبَرَ فَقالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِرَجُلٍ مِمَّنْ معَهُ يَدَّعِي الإسلامَ(17/239)
هاذَا منْ أهْلِ النَّارِ فلَمَّا حَضَرَ القِتَالُ قاتَلَ الرَّجُلُ أشَدَّ القِتَالِ حتَّى كَثُرَتْ بهِ الجِرَاحَةُ فَكادَ بَعْضُ النَّاسِ يَرْتَابُ فوَجَدَ الرَّجُلَ ألَمَ الجِرَاحَةِ فأهْوَى بِيَدِهِ إلَى كِنانَتِهِ فاسْتَخْرَجَ مِنْهَا أسْهُمَاً فنَحَرَ بِهَا نَفْسَهُ فَاشْتَدَّ رِجالٌ مِنَ المُسْلِمِينَ فَقالُوا يَا رسُولَ الله صَدَقَ الله حَدِيثَكَ انْتَحَرَ فُلاَنٌ فقَتَلَ نَفْسَهُ فَقالَ قُمْ يَا فُلاَنُ فأذِّنْ أنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ إلاَّ مُؤْمِنٌ إنَّ الله يُؤَيِّدُ الدِّينَ بالرَّجُلِ الفَاجِرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة. والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب إِن الله يُؤَيّد الدّين بِالرجلِ الْفَاجِر، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بأتم مِنْهُ من طَرِيقين.
قَوْله: (لرجل) اللَّام فِيهِ بِمَعْنى، عَن. كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذين كفرُوا للَّذين آمنُوا} (مَرْيَم: 73) . وَيجوز أَن يكون بِمَعْنى: فِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة} (الْأَنْبِيَاء: 47، العنكبوت: 12، يس: 47، الْأَحْقَاف: 11) . وَالْمعْنَى: قَالَ فِي شَأْنه. قَوْله: (فَاشْتَدَّ) أَي: أسْرع فِي الجري قَوْله: (انتحر) أَي: نحر نَفسه. قَوْله: (يرتاب) ، أَي: يشك فِي صدق الرَّسُول وَحَقِيقَة الْإِسْلَام، وَفِي رِوَايَة معمر فِي الْجِهَاد: أَن يرتاب، وَدخُول: أَن، على خبر: كَاد، جَائِز مَعَ قلَّة. قَوْله: (قُم يَا فلَان) هُوَ بِلَال، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَمَا وَقع صَرِيحًا فِي الْجِهَاد. قَوْله: (يُؤَيّد) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ليؤيد. قَوْله: (بِالرجلِ الْفَاجِر) ، يحْتَمل أَن يكون: اللَّام للْجِنْس فَيعم كل فَاجر أيد الدّين وساعده بِوَجْه من الْوُجُوه، وَيحْتَمل أَن تكون للْعهد عَن ذَلِك الشَّخْص الْمعِين، وَهُوَ قزمان الْمَذْكُور فِي الحَدِيث السَّابِق، وَلكنه إِنَّمَا يكون للْعهد إِذا كَانَ الحديثان متحدين فِي الأَصْل، وَالظَّاهِر التَّعَدُّد، وَالله أعلم.
تابَعَهُ مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ
أَي: تَابع شعيباً معمر بن رَاشد عَن الزُّهْرِيّ فِي هَذَا الْإِسْنَاد، وَقد مرت هَذِه الْمُتَابَعَة مَوْصُولَة فِي الْجِهَاد فِي الْبَاب الَّذِي ذَكرْنَاهُ.
4204 - وقَالَ شَبِيبٌ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهَابٍ أخْبَرَنِي ابنُ المُسَيَّلِ وعَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَبْدِ الله بنِ كَعْبٍ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ قَالَ شَهِدْنَا مَعَ النِّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَرَ.
شبيب بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى: ابْن سعيد، مر فِي الاستقراض، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله النَّسَائِيّ عَن عبد الْملك بن عبد الحميد الْمَيْمُونِيّ عَن مُحَمَّد بن شبيب عَن أَبِيه عَن يُونُس، فَذكره.
وَقَالَ ابنُ المُبَارَكِ عنْ يُونُسَ عنْ الزُّهْرِيِّ عنْ سَعِيدٍ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ابْن الْمُبَارك هُوَ عبد الله الْمروزِي، هَذَا تَعْلِيق ومرسل أَرَادَ بِهَذَا أَن ابْن الْمُبَارك وَافق شبيباً فِي لفظ حنين، وَخَالفهُ فِي الْإِسْنَاد فَأرْسلهُ، وَقد مر طَرِيق ابْن الْمُبَارك فِي الْجِهَاد، وَلَيْسَ فِيهِ تعْيين الْغَزْوَة.
تابَعَهُ صالِحٌ عنِ الزُّهْرِيِّ
أَي: تَابع ابْن الْمُبَارك صَالح بن كيسَان عَن الزُّهْرِيّ، وَقد روى البُخَارِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة فِي (تَارِيخه) ، قَالَ: قَالَ لي عبد الْعَزِيز الأويسي عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن صَالح بن كيسَان عَن ابْن شهَاب: أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن عبيد الله بن كَعْب بن مَالك أَن بعض من شهد مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ لرجل مَعَه: (هَذَا من أهل النَّار) الحَدِيث، قَالَ بَعضهم: فَظهر من هَذَا أَن المُرَاد بالمتابعة فِي ترك ذكر اسْم الْغَزْوَة لَيْسَ إلاَّ. قلت: لَا نسلم ذَلِك، لِأَن ابْن الْمُبَارك تَابع شبيباً فِي لفظ: حنين، وَصَالح بن كيسَان تَابع ابْن الْمُبَارك، وَالظَّاهِر أَن الْمُتَابَعَة أَعم من أَن تكون فِي لفظ: حنين، وَفِي غَيره من الْمَتْن والإسناد، وَلَا يلْزم من عدم ذكر لفظ: حنين، فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي (تَارِيخه) أَن لَا يكون المُرَاد من قَوْله: مِمَّن شهد مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، شُهُوده فِي حنين لاحْتِمَال طي بعض الروَاة ذكره.(17/240)
وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ أخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ أنَّ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ كَعْبٍ أخْبَرَهُ أنَّ عُبَيْدَ الله بنَ كَعْبٍ قَالَ أخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ معَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَرَ
الزبيدِيّ، بِضَم الزَّاي وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة: وَهُوَ مُحَمَّد بن الْوَلِيد أَبُو الْهُذيْل الشَّامي الْحِمصِي، وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن عبيد الله بن كَعْب، وَأما عبيد الله فمصغر عبد الله ويروى: عبد الله، مكبراً ابْن عبد الله بن عمر بن الْخطاب، فَحَدِيثه مُرْسل لِأَنَّهُ تَابِعِيّ بِالتَّكْبِيرِ والتصغير، قَالَ الغساني: وَأما عبيد الله فَلَا أَدْرِي من هُوَ؟ وَلَعَلَّه وهم، وَالصَّحِيح عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب، وَطَرِيق الزبيدِيّ هَذَا مُعَلّق مُخْتَصر.
قَالَ الزُّهْرِيُّ وأخْبَرَنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله وسَعِيدٌ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
هَذَا أَيْضا مُعَلّق مُرْسل يرويهِ الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بِالتَّصْغِيرِ ابْن عبد الله بِالتَّكْبِيرِ عَن سعيد بن الْمسيب، وَرَوَاهُ الذهلي عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن عبد الله، وَهَذَا أصوب من: عبيد الله بن عبد الله، نبه عَلَيْهِ أَبُو عَليّ الجياني، وَهَذِه رِوَايَات مُخْتَلفَة فِيهَا كَلَام كثير.
4205 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدِّثَنا عَبْدُ الوَاحِدِ عنْ عاصِمٍ عنْ أبي عُثْمَانَ عنْ أبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ لَمَّا غَزَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبرَ أوْ قالَ لَمَّا تَوَجَّهَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وادٍ فرَفَعُوا أصْوَاتَهُمْ بالتَّكْبِيرِ الله أكْبَرُ الله أكْبَرُ لَا إلاه إلاَّ الله فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارْبَعُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ إنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أصَمَّ وَلاَ غائِبَاً إنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعاً قَرِيبَاً وَهْوَ مَعَكُمْ وأنَا خَلْفَ دَابَّةِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسَمِعَنِي وأنَا أقُولُ لاَ حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّه فَقَالَ لي يَا عَبْدَ الله بنَ قَيْسٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رسُولُ الله قَالَ ألاَ أدُلَّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى يَا رسُولَ الله فِدَاكَ أبِي وأُمِّي قَالَ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّه. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد، وَعَاصِم هُوَ ابْن سُلَيْمَان الْأَحول، وَأَبُو عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ. بالنُّون وَهَؤُلَاء كلهم بصريون، وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب مَا يكره من رفع الصَّوْت بِالتَّكْبِيرِ.
قَوْله: (أَو قَالَ: لما توجه) ، شكّ من الرَّاوِي، قَوْله: (أشرف النَّاس على وَاد) ، ظَاهر هَذَا يُوهم أَن ذَلِك وَقع وهم ذاهبون إِلَى خَيْبَر، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل إِنَّمَا وَقع ذَلِك حَال رجوعهم لِأَن أَبَا مُوسَى إِنَّمَا قدم بعد فتح خَيْبَر مَعَ جَعْفَر، فَحِينَئِذٍ يحْتَاج إِلَى تَقْدِير ليَصِح الْكَلَام، تَقْدِيره: لما توجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى خَيْبَر فحاصرها فَفَتحهَا ففرغ، فَرجع فَأَشْرَف النَّاس ... إِلَى آخِره. قَوْله: (إربعوا) بِكَسْر الْهمزَة مَعْنَاهُ: إرفقوا، يُقَال: ربع عَلَيْهِ يربع ربعا إِذا كف عَنهُ، وَأَرْبع على نَفسه: كف عَنْهَا وأرفق بهَا. قَوْله: (لبيْك رَسُول الله) يَعْنِي: يَا رَسُول الله، وَحذف حرف النداء كثير. قَوْله: (من كنز من كنوز الْجنَّة) ، كلمة: من، الأولى للتبيين، وَالثَّانيَِة للتَّبْعِيض.
4206 - حدَّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثَنَا يَزِيدُ بنُ أبِي عُبَيْدٍ قالَ رأيْتُ أثَرَ ضَرْبَةٍ فِي سَاق سلَمَةَ فقُلْتُ يَا أبَا مُسْلِمٍ مَا هَذِه الضَّرْبَةُ فَقَالَ هَذِهِ ضَرْبَةٌ أصَابَتْنِي يَوْمَ خَيْبَرَ فقالَ النَّاسُ أُصِيبَ سلَمَةُ فأتَيْتُ النِّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنَفَثَ فِيهِ ثَلاَثَ نفَثَاتٍ فَمَا اشْتَكَيْتُهَا حَتَّى السَّاعَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يَوْم خَيْبَر) والمكي هُوَ علم وَلَيْسَ بِنِسْبَة إِلَى مَكَّة، وَقد وهم فِيهِ الْكرْمَانِي، فَقَالَ: الْمَكِّيّ، مَنْسُوب إِلَى مَكَّة، وَسَلَمَة هُوَ ابْن الْأَكْوَع وَهَذَا الحَدِيث من ثلاثيات البُخَارِيّ وَهُوَ الرَّابِع عشر مِنْهَا.
قَوْله: (يَا أَبَا مُسلم) ، كنية سَلمَة(17/241)
ابْن الْأَكْوَع. قَوْله: (فنفث فِيهِ) ، أَي: فِي مَوضِع الضَّرْبَة، والنفثات جمع نفثة وَهِي فَوق النفخ وَدون التفل، وَقد يكون بِغَيْر ريق بِخِلَاف التفل، وَقد يكون بريق خَفِيف بِخِلَاف النفخ. قَوْله: (حَتَّى السَّاعَة) ، بِالنّصب نَحْو: أكلت السَّمَكَة حَتَّى رَأسهَا بِالنّصب، هَكَذَا قَالَه الْكرْمَانِي قلت: تمثيله لَا يَتَأَتَّى إلاَّ فِي حَالَة النصب، لِأَن فِيهِ يجوز الْأَوْجه الثَّلَاثَة: الرّفْع وَالنّصب والجر، بِخِلَاف حَتَّى السَّاعَة، فَإِنَّهُ لَا يجوز فِيهِ الرّفْع وَهُوَ ظَاهر، أما وَجه النصب فَلَا بُد فِيهِ من تَقْدِير زمَان تَقْدِيره: فَمَا اشتكيتها زَمَانا حَتَّى السَّاعَة، وَأما الْجَرّ فلكون حَتَّى للْعَطْف، والمعطوف دَاخل فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ، فَافْهَم.
4207 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ حدَّثَنا ابنُ أبِي حازِمٍ عنْ أبِيهِ عنْ سَهْلٍ قَالَ الْتَقَى النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمُشْرِكُونَ فِي بَعْضِ مغَازِيهِ فاقْتَتَلُوا فَمالَ كلُّ قَوْمٍ إلَى عسْكَرِهِمْ وَفِي المُسْلِمِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ مِنَ المُشْرِكِينَ شاذَّةً ولاَ فاذَّةً إلاَّ اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ فَقِيلَ يَا رسُولَ الله مَا أجْزَأ أحَدُهُمْ مَا أجْزأ فُلانٌ فقَالَ إنَّهُ مِنْ أهْلِ النَّارِ فَقَالُوا أيُّنَا مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ إنْ كانَ هاذَا مِنْ أهْلِ النَّارِ فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ لأتَّبِعَنَّهُ فإذَا أسْرَعَ وأبْطأ كُنْتُ مَعَهُ حَتَّى جُرِحَ فاسْتَعْجَلَ المَوْتَ فوَضَعَ نِصَابَ سَيْفِهِ بالأرْضِ وذبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ علَيْهِ فقَتَلَ نَفْسَهُ فَجَاءَ الرَّجُلُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقالَ أشْهَدُ أنَّكَ رسُولُ الله فَقال ومَا ذاكَ فأخْبَرَهُ فَقالَ إنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وإنَّهُ مِنْ أهْلِ النَّارِ ويَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وهْوَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ. .
هَذَا طَرِيق آخر لحَدِيث سهل بن سعد الَّذِي مضى فِي هَذَا الْبَاب عَن قريب، وَكَانَ من التَّرْتِيب أَن يذكرهُ عَقِيبه، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى، وَابْن أبي حَازِم هُوَ عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم يروي عَن أَبِيه أبي حَازِم، واسْمه: سَلمَة بن دِينَار، يروي عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَوْله: (يضْربهَا) ، ويروى: (فضربها) . قَوْله: (أحدهم) ، ويروى: أحد. قَوْله: (نِصَاب سَيْفه) ، وَهُوَ مقبضه. قَوْله: (بِالْأَرْضِ) ، أَي: ملتصقاً بهَا، أَو تكون الْبَاء بِمَعْنى: فِي.
4208 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سَعِيدٍ الخُزَاعِيُّ حدَّثَنَا زِيادُ بنُ الرَّبِيعِ عنْ أبِي عِمْرانَ قالَ نظَرَ أنَسٌ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الجُمُعَةِ فرَأى طَيَالِسَةً فَقَالَ كأنَّهُمُ السَّاعَةَ يَهُودُ خَيْبَرَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يهود خَيْبَر) وَمُحَمّد بن سعيد بن الْوَلِيد أَبُو بكر الْخُزَاعِيّ الْبَصْرِيّ، وروى عَنهُ البُخَارِيّ هُنَا مُفردا، وَفِي الْجِهَاد مَقْرُونا، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ. وَهُوَ ثِقَة من أَفْرَاد أَحْمد. وَزِيَاد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن الرّبيع أَبُو خِدَاش بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره شين: اليحمدي الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ، وَثَّقَهُ أَحْمد وَغَيره، وَنقل ابْن عدي عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: فِيهِ نظر، وَقَالَ ابْن عدي: وَمَا أرى بِرِوَايَاتِهِ بَأْسا، وَأَبُو عمرَان هُوَ عبد الْملك بن حبيب الْجونِي، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْوَاو وبالنون: نِسْبَة إِلَى بني الجون، بطن من الأزد.
قَوْله: (فَرَأى طيالسة) أَي: عَلَيْهِم، وَهُوَ جمع طيلسان، بِفَتْح اللَّام وَالْهَاء فِي الْجمع للعجمة، لِأَنَّهُ فَارسي مُعرب، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: والعامة تَقول بِكَسْر اللَّام. قَوْله: (كَأَنَّهُمْ) ، أَي: كَانَ هَؤُلَاءِ النَّاس الَّذين رأى عَلَيْهِم الطيالسة يهود خَيْبَر، وَهَذَا إِنْكَار عَلَيْهِم لِأَن التَّشَبُّه بهم مَمْنُوع، وَأدنى الدَّرَجَات فِيهِ الْكَرَاهَة، وَقد روى ابْن خُزَيْمَة وَأَبُو نعيم: أَن أنسا قَالَ: مَا شبهت النَّاس الْيَوْم فِي الْمَسْجِد وَكَثْرَة الطيالسة إلاَّ يهود خَيْبَر، وَقَالَ بَعضهم: وَلَا يلْزم من هَذَا كَرَاهِيَة لبس الطيالسة. قلت: لَا نسلم ذَلِك، لِأَنَّهُ إِذا لم يفهم مِنْهُ الْكَرَاهَة فَمَا فَائِدَة تشبيهه إيَّاهُم باليهود فِي استعمالهم الطيالسة؟ وَقَالَ أَيْضا: وَقيل: إِنَّمَا أنكر ألوانها. قلت: وَمن هُوَ قَائِل هَذَا من الْعلمَاء حَتَّى يعْتَمد عَلَيْهِ؟ وَمن قَالَ: إِن الْيَهُود فِي ذَلِك الزَّمن كَانُوا يستعملون الصفر من الطيالسة أَو غَيرهَا؟ وَلَئِن سلمنَا أَنَّهَا(17/242)
كَانَت صفراء، فَلم يكن تَشْبِيه أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لأجل اللَّوْن، وَقد روى الطَّبَرَانِيّ عَن أنس قَالَ: كَانَت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ملحفة مصبوغة بالورس والزعفران يَدُور بهَا على نِسَائِهِ، فَإِن كَانَت لَيْلَة هَذِه رشها بِالْمَاءِ، وَإِن كَانَت لَيْلَة هَذِه رشها بِالْمَاءِ، وَقد روى الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيث أم سَلمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: رُبمَا صبغ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رِدَاءَهُ أَو إزَاره بزعفران أَو ورس ثمَّ يخرج فيهمَا.
4209 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ حدَّثَنَا حاتِمٌ عنْ يَزِيدَ بنِ أبِي عُبَيْدٍ عنْ سَلَمَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كانَ عَلِيٌّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ تخَلَّفَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خَيْبَرَ وكانَ رَمِدَاً فَقال أنَا أتَخَلَّفُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلَحِقَ بِهِ فلَمَّا بِتْنَا الَّلَيْلَةَ الَّتِي فُتِحَتْ قَالَ لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غدَاً أوْ ليَأخُذَنَّ الرَّايَةَ غدَاً رَجُلٌ يُحِبُّهُ الله ورَسُولُهُ يُفْتَحُ عَلَيْهِ فنَحْنُ نَرْجُوهَا فَقِيلَ هاذَا علِيٌّ فأعْطَاهُ فَفُتِحَ علَيْهِ. (انْظُر الحَدِيث 2975 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد تكَرر ذكر رِجَاله، والْحَدِيث مر فِي الْجِهَاد فِي: بَاب مَا قيل فِي لِوَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (وَكَانَ رمداً) بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْمِيم، وَفِي رِوَايَة ابْن أبي شيبَة: أرمد، وَفِي رِوَايَة جَابر عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الصَّغِير) : أرمد، بتَشْديد الدَّال، وَفِي حَدِيث ابْن عمر عِنْد أبي نعيم فِي (الدَّلَائِل) : أرمد لَا يبصر. قَوْله: (فَقَالَ: أَنا أَتَخَلَّف؟) كَأَنَّهُ أنكر على نَفسه تَأَخره عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فلحق بِهِ) أَي: بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَيحْتَمل أَن يكون لحق بِهِ فِي الطَّرِيق، وَيحْتَمل أَن يكون بعد الْوُصُول إِلَى خَيْبَر. قَوْله: (أَو ليأخذن الرَّايَة) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (رجل) فَاعل: ليأخذن. قَوْله: (يُحِبهُ الله وَرَسُوله) صفة الرجل، والراية: الْعلم الَّذِي يحمل فِي الْحَرْب بِهِ مَوضِع صَاحب الْجَيْش، وَقد يحملهُ أَمِير الْجَيْش، وَرُبمَا يَدْفَعهُ إِلَى مقدم الْعَسْكَر، وَقد صرح جمَاعَة من أهل اللُّغَة بِأَن الرَّايَة وَالْعلم مُتَرَادِفَانِ، لَكِن روى أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس: كَانَت راية رَسُول الله، وَمثله عِنْد الطَّبَرَانِيّ عَن بُرَيْدَة، وَعند ابْن أبي عدي عَن أبي هُرَيْرَة، وَزَاد: مَكْتُوب فِيهِ: لَا إلاه إلاَّ الله مُحَمَّد رَسُول الله، قَوْله: (فَنحْن نرجوها) أَي: نرجو الرَّايَة أَن تدفع إِلَيْنَا أَرَادَ أَن كل وَاحِد مِنْهُم كَانَ يَرْجُو ذَلِك. قَوْله: (فَقيل: هَذَا عَليّ) أَي: قد حضر. قَوْله: (فَفتح عَلَيْهِ) فِيهِ اخْتِصَار، أَي: فَلَمَّا حضر أعطَاهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّايَة فَتقدم بهَا وَقَاتل فَفتح الله على يَدَيْهِ.
4210 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سعِيدٍ حدَّثَنَا يَعْقُوبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبِي حازِمٍ قَالَ أخْبَرَنِي سَهْلُ بنُ سَعْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ لأُعْطِيَنَّ هاذِهِ الرَّايَةَ غَدَاً رَجُلاٌ يَفْتَحُ الله علَى يَدَيْهِ يُحِبُّ الله ورَسُولَهُ ويُحِبُّهُ الله ورسُولُه قَالَ فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أيُّهُمْ يُعْطَاهَا فلَمَّا أصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا علَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كُلُّهُمْ يَرْجُو أنْ يُعْطَاهَا فَقَالَ أيْنَ عَلِيُّ بنُ أبِي طَالِب فَقِيلَ هُوَ يَا رَسُولَ الله يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ قَالَ فأرْسَلُوا إلَيْهِ فأُتِيَ بِهِ فبَصَقَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عَيْنَيْهِ ودَعَا لَهُ فبَرَأ حتَّى كأنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وجَعٌ فأعْطَاهُ الرَّايَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ يَا رسُولَ الله أُقَاتِلُهُمْ حتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْفُذْ علَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإسْلاَمِ وأخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ الله فِيهِ فَوَالله لِأَن يَهْدِيَ الله بِكَ رَجُلاً واحِدَاً خَيْرٌ مِنْ أنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار. والْحَدِيث قد مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب فضل من أسلم على يَدَيْهِ رجل، بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن، وَهنا بعض زِيَادَة، وَهِي قَوْله: (يدوكون ليلتهم) بِضَم الدَّال الْمُهْملَة: من الدوك، وَهُوَ الِاخْتِلَاط أَي: باتوا فِي(17/243)
اخْتِلَاط وَاخْتِلَاف. قَوْله: (كلهم يَرْجُو) ويروى: يرجون. قَوْله: (فَأتى بِهِ) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (ودعا لَهُ) فَقَالَ أللهم أذهب عَنهُ الْحر والقر، قَالَ: فَمَا اشتكيتهما حَتَّى يومي هَذَا، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَنهُ. قَوْله: (فبرأ) بِفَتْح الرَّاء والهمزة على وزن: ضرب، قيل: وَيجوز بِكَسْر الرَّاء على وزن: علم، وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عَليّ: فَمَا رمدت وَلَا صدعت مُنْذُ دفع إِلَيّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّايَة يَوْم خَيْبَر. قَوْله: (أقاتلهم) حذف مِنْهُ همزَة الاستفهمام، قَوْله: (حَتَّى يَكُونُوا مثلنَا) حَتَّى يَكُونُوا مُسلمين مثلنَا. قَوْله: (أنفذ) بِضَم الْفَاء وبالذال الْمُعْجَمَة. قَوْله: (فِيهِ) أَي: فِي الْإِسْلَام. قَوْله: (حمر النعم) بِسُكُون الْمِيم وبفتح النُّون فِي النعم وَالْعين الْمُهْملَة وَهُوَ من ألوان الْإِبِل المحمودة، وَكَانَت الْعَرَب تفتخر بهَا.
4211 - حدَّثنا عَبْدُ الغَفَّارِ بنُ دَاوُدَ حدَّثَنا يَعْقُوبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ ح وحدَّثنِي أحْمَدُ بنُ عِيسَى حدَّثنا ابنُ وَهْبٍ قَالَ أخْبرنِي يَعْقُوبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ الزُّهْرِيُّ عنْ عَمْرٍ ومَوْلَى المُطَّلِبِ عنْ أنَسٍ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَدِمْنَا خَيْبَرَ فلَمَّا فتَحَ الله علَيْهِ الحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ ابنِ أخْطَبَ وقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وكانَتْ عَرُوسَاً فاصْطَفَاهَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِنَفْسِهِ فخَرَجَ بِهَا حَتَّى بلَغَ بِهَا سُدَّ الصَهْبَاءِ حَلَّتْ فبَنَى بِهَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ صنَعَ حَيْسَاً فِي نِطعٍ صَغِيرٍ ثُمَّ قالَ لي آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ فَكانَتْ تِلْكَ ولِيمَتَهُ علَى صَفِيَّةَ ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى المَدِينَةِ فرَأيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُحَوِّي لَهَا ورَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ وتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا علَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأخرجه من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن عبد الْغفار بن دَاوُد أبي صَالح الْحَرَّانِي سكن مصر وَهُوَ من أَفْرَاده وَقد أخرج عَنهُ هُنَا وَفِي الْبيُوع خَاصَّة هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد. وَالْآخر: عَن أَحْمد بن عِيسَى فِي رِوَايَة كَرِيمَة، ولعلي بن شبويه عَن الْفربرِي أَحْمد بن صَالح الْمصْرِيّ وَبِه جزم أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) ، وَعَمْرو بِفَتْح الْعين مولى الْمطلب، بتَشْديد الطَّاء وَكسر اللَّام، وَفِي رِوَايَة عبد الْغفار بن أبي عَمْرو وَاسم أبي عَمْرو ميسرَة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب هَل يُسَافر بالجارية قبل أَن يَسْتَبْرِئهَا.
قَوْله: (الْحصن) ، اسْمه القموص، قَوْله: (صَفِيَّة بنت حييّ) ، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف الأولى وَتَشْديد الثَّانِيَة: (ابْن أَخطب) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وبالطاء الْمُهْملَة. قَوْله: (زَوجهَا) ، واسْمه: كنَانَة بن الرّبيع بن أبي الْحقيق، بِضَم الْحَاء. قَوْله: (فاصطفاها) أَي: اخْتَارَهَا لنَفسِهِ، وَذَلِكَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَهُ سهم يدعى الصفي، إِن شَاءَ عبدا أَو أمة أَو فرسا يختاره من الْخمس، فَاخْتَارَ صَفِيَّة هُنَا، قَوْله: (سد الصَّهْبَاء) ، السد، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَضمّهَا، والصهباء مَوضِع بِأَسْفَل خَيْبَر، وَقد تقدم ذكرهَا عَن قريب، وَوَقع فِي رِوَايَة عبد الْغفار هُنَا: سد الروحاء، وَالْأول أصوب، قَالَه بَعضهم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَقَالَ بَعضهم: الصَّوَاب سد الروحاء، والروحاء بالراء مَكَان قريب من الْمَدِينَة بَينهمَا نَيف وَثَلَاثُونَ ميلًا من جِهَة مَكَّة. قَوْله: (حلت) ، أَي: صَارَت حَلَالا لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالطَّهَارَةِ من الْحيض وَنَحْوه. قَوْله: (فَبنى بهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: فَدخل عَلَيْهَا. قَوْله: (حَيْسًا) ، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالسين الْمُهْملَة: هُوَ تمر يخلط بِسمن وأقط. قَوْله: (يحوِّي لَهَا) بِضَم الْيَاء وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْوَاو الْمَكْسُورَة أَي: يَجْعَل لَهَا حوية، وَهِي كسَاء محشو يدار حول الرَّاكِب.
4212 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني أخي عنْ سُلَيْمَانَ عنْ يَحْيَى عنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ سَمِعَ أنَسَ ابنَ مَالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقامَ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيُ بِطَرِيقِ خَيْبَرَ ثَلاثَةَ أيَّامٍ حتَّى أعْرَسَ بِهَا وكانَتْ فِيمَنْ ضُرِبَ علَيْهَا الحِجَابُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَقَامَ على صَفِيَّة بنت حييّ بطرِيق خَيْبَر) ، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَأَخُوهُ أَبُو بكر بن عبد الحميد، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَرِوَايَته عَن حميد من رِوَايَة الأقران. والْحَدِيث أخرجه(17/244)
النَّسَائِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح وَفِي الْوَلِيمَة عَن مُحَمَّد بن نصر هُوَ الْفراء عَن أَيُّوب بن سُلَيْمَان عَن أبي بكر بن أبي أويس بِهِ.
قَوْله: (ثَلَاثَة أَيَّام) ، أَرَادَ أَنه أَقَامَ فِي الْمنزلَة الَّتِي أعرس بهَا فِيهَا ثَلَاثَة أَيَّام. لَا أَنه سَار ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ أعرس، وأعرس من الإعراس، وَلَا يُقَال: عرس بِالتَّشْدِيدِ من التَّعْرِيس، يُقَال: أعرس الرجل فَهُوَ معرس إِذا دخل بامرأته عِنْد بنائها. قَوْله: (وَكَانَت) أَي: صَفِيَّة (فِيمَن ضرب عَلَيْهَا الْحجاب) أَي: كَانَت من أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ، لِأَن ضرب الْحجاب إِنَّمَا هُوَ على الْحَرَائِر لَا على ملك الْيَمين.
4213 - حدَّثنا سعِيدُ بنُ أبِي مَرْيَمَ أخبرَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ أبي كَثِيرٍ قَالَ أخْبرَنِي حُمَيْدٌ أنَّهُ سَمِعَ أنَسَاً رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يقُولُ أقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ خَيْبَرَ والمَدِينَةِ ثَلاثَ لَيالٍ يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ فدَعَوْتُ المُسْلِمِينَ إلَى ولِيمَتِهِ وَمَا كانَ فِيهَا منْ خُبْز ولاَ لَحْمٍ وَمَا كانَ فِيهَا إلاَّ أنْ أمَرَ بِلالاً بالأنْطَاعِ فبُسِطَتْ فألْقَى علَيْهَا التَّمْرَ والأقِطَ والسَّمْنَ فَقالَ المُسْلِمُونَ إحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ أوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهِ قالُوا إنْ حَجَبَهَا فَهْيَ إحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ وإنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهْيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فلَمَّا ارْتَحَلَ وطَّألَهَا خَلْفَهُ ومَدَّ الحِجَابَ. .
هَذَا طَرِيق آخر لحَدِيث أنس الْمَذْكُور. قَوْله: (أَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن السَّرخسِيّ: قَامَ، وَالْأول أوجه، قَوْله: (إِحْدَى أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ) بِأَن صَارَت حرَّة مثل الْحَرَائِر. قَوْله: (وطأ لَهَا) ، من التوطئة، وَهُوَ إصْلَاح مَا تحتهَا للرُّكُوب.
4214 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدَّثنا شُعْبَةُ ح وحدَّثَنِي عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثَنا وهْبٌ حدَّثنَا شُعْبَةُ عنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ مُغَفَّلٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كُنَّا مُحَاصِرِي خَيْبَرَ فرَمَى إنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ فَنَزَوتُ لآِخُذَهُ فالْتَفَتُّ فإذَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاسْتَحْيَيْتُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأخرجه من طَرِيقين: الأول: عَن أبي الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ عَن شُعْبَة عَن حميد ابْن هِلَال عَن عبد الله بن مُغفل، بِضَم الْمِيم وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْفَاء: الْمُزنِيّ الْبَصْرِيّ. وَالثَّانِي: عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي عَن وهب بن جرير بن حَازِم عَن شُعْبَة ... إِلَى آخِره.
والْحَدِيث مضى فِي الْخمس فِي: بَاب مَا يُصِيب من الطَّعَام فِي أَرض الْحَرْب، أخرجه من طَرِيق أبي الْوَلِيد ... إِلَى آخِره نَحوه.
قَوْله: (فنزوت) أَي: وَثَبت من: النزو، بالنُّون وَالزَّاي وَهُوَ الْوُثُوب. قَوْله: (فَاسْتَحْيَيْت) ، أَي: من اطِّلَاعه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على حرصي عَلَيْهِ.
4215 - حدَّثني عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ عنْ أبِي أُسَامَةَ عنْ عُبَيْدِ الله عَن نافِعَ وسالِمٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمَا أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عنْ أكْلِ الثَّوْمِ وعنْ لُحُومِ الحُمْرِ الأهْلِيَّةِ. نهَى عنْ أكْلِ الثَّوْمِ هُوَ عنْ نافِعٍ وحْدَهُ ولُحُومِ الحُمْرِ الأهْلِيَّةِ عنْ سَالِمٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يَوْم خَيْبَر) وَعبيد، بِضَم الْعين وَفِي بعض نسخ البُخَارِيّ: عبد الله، وَقَالَ الجياني: هُوَ عبد الله فغلب عَلَيْهِ عبيد حَتَّى صَار كاللقب، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَعبيد الله الْعمريّ، وَنَافِع مولى ابْن عمر، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله بن عمر، وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (نهى عَن أكل الثوم) ظَاهره التَّحْرِيم وَلَكِن فِي مُسلم من حَدِيث أبي أَيُّوب: أحرام هُوَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أكرهه من أجل رِيحه، وَقد صرح بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحرَام، وَلكنه مَكْرُوه، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَأْكُلهُ لأجل الْملك. قَوْله: (عَن نَافِع وَحده) أَي: النَّهْي عَن أكل الثوم وَرُوِيَ عَن نَافِع وَحده وَلم يرو عَن سَالم، وَإِنَّمَا الَّذِي رُوِيَ عَن سَالم هُوَ النَّهْي عَن لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة، قَالَ بَعضهم: وَفِيه جَوَاز اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي حَقِيقَته ومجازه، لِأَن أكل لحم الْحمر حرَام، وَأكل الثوم مَكْرُوه، وَقد جمع بَينهمَا بِلَفْظ: النَّهْي، فَاسْتَعْملهُ فِي حَقِيقَته وَهُوَ التَّحْرِيم، وَفِي مجازه وَهُوَ الْكَرَاهَة. انْتهى. قلت: هَذَا لَيْسَ بِجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَعْمل فِي عُمُوم الْمجَاز.(17/245)
4216 - حدَّثني يَحْيَى بنُ قَزَعَةَ حدَّثَنا مَالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عَبْدِ الله والحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بنِ علِيٍّ عنْ أبِيهِمَا عنْ عَلِيِّ بنِ أبِي طالِبٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَى عنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ وعنْ أكْلِ الحُمُرِ الإنْسِيَّةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يَوْم خَيْبَر) والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الذَّبَائِح عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك وَفِي النِّكَاح عَن مَالك بن إِسْمَاعِيل عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَفِي ترك الْحِيَل عَن مُسَدّد. وَأخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن يحيى بن يحيى وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي النِّكَاح عَن ابْن أبي عَمْرو غَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّيْد عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور والْحَارث بن مِسْكين وَغَيرهمَا. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي النِّكَاح عَن مُحَمَّد بن يحيى.
قَوْله: (نهى عَن مُتْعَة النِّسَاء) نِكَاح الْمُتْعَة هُوَ النِّكَاح الَّذِي بِلَفْظ التَّمَتُّع إِلَى وَقت معِين، نَحْو أَن يَقُول لامْرَأَة: أتمتع بك كَذَا مُدَّة بِكَذَا من المَال، وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي (التَّمْهِيد) : أَجمعُوا على أَن الْمُتْعَة نِكَاح لَا إِشْهَاد فِيهِ، وَأَنه نِكَاح إِلَى أجل تقع فِيهِ الْفرْقَة بِلَا طَلَاق وَلَا مِيرَاث بَينهمَا، قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ حكم الزَّوْجَات فِي كتاب الله وَلَا سنة رَسُوله. انْتهى. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض فِي (الْإِكْمَال) : اتّفق الْعلمَاء على أَن هَذِه الْمُتْعَة كَانَت نِكَاحا إِلَى أجل لَا مِيرَاث فِيهِ وفراقها يحصل بِانْقِضَاء الْأَجَل من غير طَلَاق، وَإِذا تقرر أَن نِكَاح الْمُتْعَة هُوَ الموقت فَلَو أقته بِمدَّة تعلم بِمُقْتَضى الْعَادة أَنَّهُمَا لَا يعيشان إِلَى انْقِضَاء أجلهَا كمائتي سنة وَنَحْوهَا فَهَل يبطل لوُجُود التَّأْقِيت، أَو يَصح لِأَنَّهُ زَالَ مَا كَانَ يخْشَى من انْقِطَاع النِّكَاح بِغَيْر طَلَاق، وَمن عدم الْمِيرَاث بَين الزَّوْجَيْنِ أطلق الْجُمْهُور عدم الصِّحَّة، فَإِن قلت: هَل ذهب أحد إِلَى جَوَازهَا؟ قلت: ادّعى فِيهِ غير وَاحِد من الْعلمَاء الْإِجْمَاع، وَقَالَ الْخطابِيّ فِي (المعالم) : كَانَ ذَلِك مُبَاحا فِي صدر الْإِسْلَام ثمَّ حرم، فَلم يبْق الْيَوْم فِيهِ خلاف بَين الْأَئِمَّة إلاَّ شَيْئا ذهب إِلَيْهِ بعض الروافض، قَالَ: وَكَانَ ابْن عَبَّاس يتَأَوَّل فِي إِبَاحَته للْمُضْطَر بطول الغربة وَقلة الْيَسَار وَالْجدّة، ثمَّ توقف عَنهُ وَأمْسك عَن الْفَتْوَى بِهِ. وَقَالَ أَبُو بكر الْحَازِمِي: يرْوى عَن ابْن جريج جَوَازه، وَقَالَ الْمَازرِيّ فِي (الْمعلم) : تقرر الْإِجْمَاع على مَنعه وَلم يُخَالف فِيهِ إلاَّ طَائِفَة من المبتدعة، وَقَالَ صَاحب (الْمُفْهم) : أجمع السّلف وَالْخلف على تَحْرِيمهَا إلاَّ مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس، وَرُوِيَ عَنهُ أَنه رَجَعَ، وإلاَّ الرافضة، وَحكى أَبُو عمر الْخلاف الْقَدِيم فِيهِ، فَقَالَ: وَأما الصَّحَابَة فَإِنَّهُم اخْتلفُوا فِي نِكَاح الْمُتْعَة، فَذهب ابْن عَبَّاس إِلَى إجازتها وتحليلها لَا خلاف عَنهُ فِي ذَلِك، وَعَلِيهِ أَكثر أَصْحَابه مِنْهُم: عَطاء بن أبي رَبَاح وَسَعِيد بن جُبَير وطاووس، قَالَ: وَرُوِيَ أَيْضا تحليلها وإجازتها عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَجَابِر بن عبد الله، قَالَا: تَمَتعنَا إِلَى نصف من خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حَتَّى نهى عمرُ النَّاسَ عنهَا فِي شَأْن عَمْرو بن حُرَيْث، وَنِكَاح الْمُتْعَة قبل التَّحْرِيم هَل كَانَ مُطلقًا أَو مُقَيّدا بِالْحَاجةِ وبالأسفار؟ قَالَ الطَّحَاوِيّ: كل هَؤُلَاءِ الَّذين رووا عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِطْلَاقهَا أخبروا أَنَّهَا كَانَت فِي سفر، وَلَيْسَ أحد مِنْهُم أخبر أَنَّهَا كَانَت فِي حضر، وَذكر حَدِيث ابْن مَسْعُود أَنه أَبَاحَهَا لَهُم فِي الْغَزْو. وَقَالَ الْحَازِمِي: وَلم يبلغنَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَبَاحَهَا لَهُم وهم فِي بُيُوتهم، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: قد ذكر فِي حَدِيث ابْن عمر: أَنَّهَا كَانَت رخصَة فِي أول الْإِسْلَام لمن اضْطر إِلَيْهَا: كالميتة، وَإِذا تقرر أَن نِكَاح الْمُتْعَة غير صَحِيح فَهَل يحد من وطىء فِي نِكَاح مُتْعَة؟ فَأكْثر أَصْحَاب مَالك قَالُوا: لَا يحد لشُبْهَة العقد، وللخلاف الْمُتَقَدّم فِيهِ، وَأَنه لَيْسَ من تَحْرِيم الْقُرْآن، وَلكنه يُعَاقب عُقُوبَة شَدِيدَة. وَقَالَ صَاحب (الْإِكْمَال) : هَذَا هُوَ الْمَرْوِيّ عَن مَالك، وأصل هَذَا عِنْد بعض شُيُوخنَا التَّفْرِيق فِي الْحَد بَين مَا حرمته السّنة أَو حرمه الْقُرْآن، وَأَيْضًا فَالْخِلَاف بَين الْأُصُولِيِّينَ: هَل يَصح الْإِجْمَاع على أحد الْقَوْلَيْنِ بعد الْخلاف أَو لَا ينْعَقد؟ وَحكم الْخلاف باقٍ. قَالَ: وَهَذَا مَذْهَب القَاضِي أبي بكر، وَقَالَ الرَّافِعِيّ مَا ملخصه: إِن صَحَّ رُجُوع ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَجب الْحَد لحُصُول الْإِجْمَاع، وَإِن لم يَصح رُجُوعه فيبنى على أَنه لَو اخْتلف أهل عصر فِي مَسْأَلَة ثمَّ اتّفق مَن بَعدهم على أحد القولي فِيهَا، هَل يصير ذَلِك مجمعا عَلَيْهَا؟ فِيهِ وَجْهَان أصوليان، إِن قُلْنَا: نعم، وَجب الْحَد، وإلاَّ فَلَا، كَالْوَطْءِ فِي سَائِر الْأَنْكِحَة الْمُخْتَلف فِيهَا. قَالَ: وَهُوَ الْأَصَح، وَكَذَا صَححهُ النَّوَوِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى. قَوْله: (يَوْم خَيْبَر) وَفِي لفظ التِّرْمِذِيّ: زمن خَيْبَر، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: وَذكر(17/246)
النَّهْي عَن الْمُتْعَة يَوْم خَيْبَر غلط، وَقَالَ السُّهيْلي: النَّهْي عَن الْمُتْعَة يَوْم خَيْبَر لَا يعرفهُ أحد من أهل السّير ورواة الْأَثر، وَقد روى الشَّافِعِي عَن مَالك بِإِسْنَادِهِ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهى يَوْم خَيْبَر عَن أكل لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة، لم يزدْ على ذَلِك، وَسكت عَن قصَّة الْمُتْعَة لما علم فِيهَا من الِاخْتِلَاف. قلت: قد اخْتلف فِي وَقت النَّهْي عَن نِكَاح الْمُتْعَة: هَل كَانَ زمن خَيْبَر؟ أَو فِي زمن الْفَتْح؟ أَو فِي غَزْوَة أَوْطَاس؟ وَهِي فِي عَام الْفَتْح، أَو فِي غَزْوَة تَبُوك؟ أَو فِي حجَّة الْوَدَاع؟ أَو فِي عمْرَة الْقَضَاء؟ فَفِي رِوَايَة مَالك وَمن تَابعه فِي حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن ذَلِك زمن خَيْبَر، كَمَا فِي حَدِيث الْبَاب، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث ابْن عمر، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة ابْن شهَاب، قَالَ: أَخْبرنِي سَالم بن عبد الله أَن رجلا سَأَلَ عبد الله بن عمر عَن الْمُتْعَة، فَقَالَ: حرَام. قَالَ: إِن فلَانا يَقُول بهَا: فَقَالَ: وَالله لقد علم أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حرمهَا يَوْم خَيْبَر، وَمَا كُنَّا مسافحين، وَفِي حَدِيث سُبْرَة بن معبد الْجُهَنِيّ عِنْد مُسلم: أَنه أذن فِيهَا فِي فتح مَكَّة، وَفِيه: فَلم أخرج حَتَّى حرمهَا، وَفِي حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع عِنْد مُسلم أَيْضا، أَنه رخص فِيهَا عَام أَوْطَاس ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ نهى عَنْهَا، وَفِي حَدِيث سُبْرَة عِنْد أبي دَاوُد: أَنه نهى عَنْهَا فِي حجَّة الْوَدَاع، وَفِي بعض طرق حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن ذَلِك كَانَ فِي غَزْوَة تَبُوك، ذكره ابْن عبد الْبر، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: أَن ذَلِك كَانَ فِي غَزْوَة تَبُوك، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَالْبَيْهَقِيّ، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث جَابر رَوَاهُ الْحَازِمِي فِي كتاب (النَّاسِخ والمنسوخ) وَفِيه يَقُول جَابر بن عبد الله: خرجنَا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى غَزْوَة تَبُوك، حَتَّى إِذا كُنَّا عِنْد الْعقبَة مِمَّا يَلِي الشَّام، جئن نسْوَة فَذَكرنَا تَمَتعنَا وَهن يجلن فِي رحالنا، أَو قَالَ: يطفن فِي رحالنا، فجاءنا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنظر إلَيْهِنَّ، فَقَالَ: من هَؤُلَاءِ النسْوَة؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله نتمتع مِنْهُنَّ. قَالَ: فَغَضب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى احْمَرَّتْ وجنتاه وتمعر لَونه وَاشْتَدَّ غَضَبه، فَقَامَ فِينَا خَطِيبًا، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ نهى عَن الْمُتْعَة، فتوادعنا يَوْمئِذٍ الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَلم نعد وَلَا نعود لَهَا أبدا فِيهَا، فسميت يَوْمئِذٍ: تَثْنِيَة الْوَدَاع، وَذكر عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الْحسن، قَالَ: مَا حلت الْمُتْعَة قطّ إلاَّ ثَلَاثًا فِي عمْرَة الْقَضَاء، مَا حلت قبلهَا وَلَا بعْدهَا.
وَقَالَ ابْن عبد الْبر: وَهَذَا الْبَاب فِيهِ اخْتِلَاف شَدِيد، وَفِيه أَحَادِيث كَثِيرَة لم نكتبها. قلت: الْجمع بَين هَذِه الْأَحَادِيث وترجيح بَعْضهَا عِنْد عدم إِمْكَان الْجمع على وُجُوه ذكرهَا الْعلمَاء. فَقَالَ الْمَازرِيّ: لَيْسَ هَذَا تناقضاً لِأَنَّهُ يَصح أَن ينْهَى عَنْهَا فِي زمن ثمَّ ينْهَى عَنْهَا فِي زمن آخر توكيداً، أَو ليشتهر النَّهْي ويسمعه من لم يكن سَمعه أَولا، فَسمع بعض الروَاة النَّهْي فِي زمن، وسَمعه آخَرُونَ فِي زمن آخر، فَنقل كل مِنْهُم مَا سَمعه وأضافه إِلَى زمن سَمَاعه. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: يحْتَمل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَاحَهَا لَهُم للضَّرُورَة بعد التَّحْرِيم ثمَّ حرمهَا تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا، فَيكون أَنه حرمهَا يَوْم خَيْبَر وَفِي عمْرَة الْقَضَاء، ثمَّ أَبَاحَهَا يَوْم الْفَتْح للضَّرُورَة، ثمَّ حرمهَا يَوْم الْفَتْح أَيْضا تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا، وَقَالَ النَّوَوِيّ: الصَّوَاب الْمُخْتَار أَن التَّحْرِيم وَالْإِبَاحَة كَانَا مرَّتَيْنِ، وَكَانَت حَلَالا قبل خَيْبَر ثمَّ حرمت يَوْم خَيْبَر، ثمَّ أبيحت يَوْم فتح مَكَّة وَهُوَ يَوْم أَوْطَاس لاتصالهما، ثمَّ حرمت يَوْمئِذٍ بعد ثَلَاثَة أَيَّام تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَذكر بَعضهم أَنه لَا يعرف شَيْء نسخ مرَّتَيْنِ إلاَّ نِكَاح الْمُتْعَة. قلت: زَاد بَعضهم عَلَيْهِ أَمر تَحْويل الصَّلَاة أَنه وَقع مرَّتَيْنِ، وَزَاد أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ ثَالِثا فَقَالَ: نسخ الله الْقبْلَة مرَّتَيْنِ، وَنسخ نِكَاح الْمُتْعَة مرَّتَيْنِ، وأباح أكل لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة مرَّتَيْنِ، وَزَاد أَبُو الْعَبَّاس الْعَوْفِيّ رَابِعا، وَهُوَ الْوضُوء مِمَّا مسته النَّار، على مَا قَالَه ابْن شهَاب، وروى مثله عَن عَائِشَة، وَزَاد بَعضهم: الْكَلَام فِي الصَّلَاة نسخ مرَّتَيْنِ، حَكَاهُ القَاضِي عِيَاض فِي (الْإِكْمَال) وَكَذَلِكَ المخابرة على قَول ابْن الْأَعرَابِي، وَفِي (التَّوْضِيح) : هَذَا أغرب مَا وَقع فِي الشَّرِيعَة، أُبِيح ثمَّ نهى عَنهُ يَوْم خَيْبَر، ثمَّ أُبِيح فِي عمْرَة الْقَضَاء وأوائل الْفَتْح، ثمَّ نهى عَنهُ، ثمَّ أُبِيح، ثمَّ نهى عَنْهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
4217 - حدَّثنا مُحَأدُ بنُ مُقَاتِلٍ أخْبَرَنَا عَبْدُ الله حدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بنُ عُمَرَ عنْ نَافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ. .
هَذَا طَرِيق آخر لحَدِيث عبد الله بن عمر الْمَذْكُور عَن قريب أخرجه عَن مُحَمَّد بن مقَاتل الْمروزِي عَن عبد الله بن الْمُبَارك(17/247)
الْمروزِي عَن عبيد الله بن عمر ... إِلَى آخِره، وَاقْتصر فِي هَذِه الرِّوَايَة على ذكر الْحمر الْأَهْلِيَّة.
4218 - حدَّثني إسْحاقُ بنُ نَصْرٍ حدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ حدَّثَنا عُبَيْدُ الله عنْ نافِعٍ وسالِمٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ أكْلِ لُحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ. .
هَذَا طَرِيق آخر لحَدِيث ابْن عمر أخرجه عَن إِسْحَاق بن نصر، وَهُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر السَّعْدِيّ البُخَارِيّ، وَكَانَ ينزل الْمَدِينَة بِبَاب بني سعد عَن مُحَمَّد بن عبيد، بِضَم الْعين: الطَّيَالِسِيّ عَن عبيد الله بن عمر الْعمريّ ... إِلَى آخِره، وَهنا أَيْضا اقْتصر على ذكر الْحمر الْأَهْلِيَّة، وَلكنه هُنَا زَاد: سالما، فَذكره مَعَ نَافِع كِلَاهُمَا عَن عبد الله بن عمر.
4219 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ عَمْرٍ وعنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ نَهَى رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ ورَخَّصَ فِي الخَيْلِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعَمْرو، بِفَتْح الْعين هُوَ ابْن دِينَار، وَمُحَمّد بن عَليّ بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، هُوَ أَبُو جَعْفَر الباقر.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الذَّبَائِح عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَفِي الذَّبَائِح أَيْضا عَن مُسَدّد. وَأخرجه مُسلم فِي الذَّبَائِح عَن يحيَى بن يحيى وَأبي الرّبيع وقتيبة. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَطْعِمَة عَن سُلَيْمَان بن حَرْب بِهِ وَعَن إِبْرَاهِيم بن الْحسن المصِّيصِي. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّيْد وَفِي الْوَلِيمَة عَن قُتَيْبَة وَأحمد بن عَبدة الضَّبِّيّ كِلَاهُمَا عَن حَمَّاد بن زيد.
قَوْله: (الْأَهْلِيَّة) ، فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة غَيره إلاَّ لفظ: الْحمر، وَاحْتج بِهَذَا الحَدِيث من جوز أكل لحم الْخَيل، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأبي ثَوْر وَاللَّيْث وَابْن الْمُبَارك، وَإِلَيْهِ ذهب ابْن سِيرِين وَالْحسن وَعَطَاء وَالْأسود بن يزِيد وَسَعِيد بن جُبَير، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يُؤْكَل لحم الْخَيل، وَبِه قَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو عبيد، وَاسْتَدَلُّوا على ذَلِك بقوله تَعَالَى: {وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير لتركبوها وزينة} (النَّحْل: 8) . خرج مخرج الامتنان، وَالْأكل من أَعلَى مَنَافِعهَا، والحكيم لَا يتْرك الامتنان بِأَعْلَى النعم ويمتن بأدناها، وَلما روى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: نهى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن لُحُوم الْخَيل وَالْبِغَال والحمر، فيعارض حَدِيث جَابر، وَالتَّرْجِيح للْمحرمِ. فَإِن قلت: حَدِيث جَابر صَحِيح، وَحَدِيث خَالِد مُتَكَلم فِيهِ اسناداً ومتناً، والاعتماد على أَحَادِيث الْإِبَاحَة لصحتها وَكَثْرَة رِوَايَتهَا. قلت: سَنَد حَدِيث خَالِد جيد، وَلِهَذَا لما أخرجه أَبُو دَاوُد سكت عَنهُ، فَهُوَ حسن عِنْده، وَقَالَ النَّسَائِيّ: أخبرنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم أَخْبرنِي بَقِيَّة حَدثنِي ثَوْر بن يزِيد عَن صَالح ... فَذكره بِسَنَدِهِ، وَقد صرح فِيهِ بَقِيَّة بِالتَّحْدِيثِ عَن ثَوْر، وثور حمصي أخرج لَهُ البُخَارِيّ وَغَيره، وَبَقِيَّة إِذا صرح بِالتَّحْدِيثِ كَانَ السَّنَد حجَّة، قَالَه ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهم، خُصُوصا إِذا كَانَ الَّذِي حدث عَنهُ بَقِيَّة شامياً، وَقَالَ ابْن عدي: إِذا روى بَقِيَّة عَن أهل الشَّام فَهُوَ ثَبت، وَصَالح وَثَّقَهُ ابْن حبَان، وَأَبوهُ يحيى ذكره الذَّهَبِيّ، قَالَ: وثق، وَأَبوهُ مِقْدَام بن معدي كرب صَحَابِيّ، فَإِذا كَانَ كَذَلِك صحت الْمُعَارضَة، فَإِذا تَعَارضا يرجح الْمحرم، فَإِن قلت: ادّعى بَعضهم أَن حَدِيث خَالِد مَنْسُوخ بِحَدِيث جَابر، لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَأذن، وَفِي لفظ: وَرخّص، قلت: لَا يَصح الِاسْتِدْلَال على النّسخ بقوله: أذن، أَو رخص، لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون إِذْنه فِي حَالَة المخمصة. إذهي أغلب أَحْوَال الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَفِي (الصَّحِيح) : أَنهم مَا وصلوا إِلَى خَيْبَر إلاَّ وهم جِيَاع، فَلَا يدل على الْإِطْلَاق. فَإِن قلت: لَو كَانَت الْإِبَاحَة للمخمصة لما اخْتصّت بِالْخَيْلِ. قلت: يُمكن أَن يكون فِي زمن الْإِبَاحَة بالفرس مَا أَصَابُوا البغال وَالْحمير. فَإِن قلت: قَالَ ابْن حزم: فِي حَدِيث خَالِد دَلِيل الْوَضع لِأَن فِيهِ عَن خَالِد: غزوت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خَيْبَر، وَهَذَا بَاطِل، لِأَنَّهُ لم يسلم خَالِد إلاَّ بعد خَيْبَر بِلَا خلاف، قلت: لَيْسَ كَمَا قَالَ، بل فِيهِ خلاف، فَقيل: هَاجر بعد الْحُدَيْبِيَة، وَقيل: بل كَانَ إِسْلَامه بَين الْحُدَيْبِيَة وخيبر، وَقيل: أسلم سنة خمس بعد فرَاغ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من بني قُرَيْظَة، وَكَانَت الْحُدَيْبِيَة فِي ذِي الْقعدَة(17/248)
سنة سِتّ، وخيبر بعْدهَا سنة سبع، وَلَو سلم أَنه أسلم بعد خَيْبَر فغاية مَا فِيهِ أَنه أرسل الحَدِيث، ومراسيل الصَّحَابَة فِي حكم الْمَوْصُول الْمسند، قَالَه ابْن الصّلاح وَغَيره.
4220 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ سُلَيْمانَ حدَّثَنا عَبَّادٌ عنِ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ أبِي أوْفَى رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أصَابَتْنَا مَجاعَةٌ يَوْمَ خَيْبَرَ فإنَّ القُدُورَ لَتَغْلي قَالَ وبَعْضُهَا نَضَجَتْ فَجاءَ مُنَادِي النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاَ تأكُلُوا مِنْ لُحُومِ الحُمُرِ شَيْئَاً وأهْرِيقُوهَا قَالَ ابنُ أبِي أوْفَى فتَحَدَّثُنَا أنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْهَا لأنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ وقَالَ بَعْضُهُمْ نَهَى عَنْهَا البَتَّةَ لأنَّهَا كانَتْ تأكُلُ العَذِرَةَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَسَعِيد بن سُلَيْمَان الوَاسِطِيّ سكن بَغْدَاد يلقب بسعدويه، ويكنى أَبَا عُثْمَان، وَعباد، بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن الْعَوام بن عمر الوَاسِطِيّ، مَاتَ سنة خمس وَثَمَانِينَ وَمِائَة، والشيباني هُوَ أَبُو إِسْحَاق سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان، واسْمه: فَيْرُوز الْكُوفِي، يروي عَن عبد الله بن أبي أوفى واسْمه عَلْقَمَة بن خَالِد الْأَسْلَمِيّ.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْخمس عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن عبد الْوَاحِد.
قَوْله: (لتغلي) ، من الغليان، وَاللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد. قَوْله: (فجَاء مُنَادِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَهُوَ أَبُو طَلْحَة. قَوْله: (وأهريقوها) أَصله: أريقوها من الإراقة. قَوْله: (إِنَّه) أَي: الشَّأْن. قَوْله: (عَنْهَا) أَي: عَن لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة. قَوْله: (لم تخمس) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، من التخميس أَي: لِأَنَّهُ لم يُؤْخَذ مِنْهَا الْخمس. قَوْله: (قَالَ بَعضهم) أَي: بعض الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، قَوْله: (الْبَتَّةَ) أَي: قطعا من الْبَتّ وَهُوَ الْقطع يُقَال: لَا أَفعلهُ الْبَتَّةَ، لكل أَمر لَا رَجْعَة فِيهِ، وانتصابها على المصدرية تَقْدِيره: أَبَت الْبَتَّةَ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وألفها ألف قطع على غير الْقيَاس، وَقَالَ بَعضهم ألفها ألف وصل وَلم أر أحدا من أهل اللُّغَة قَالَ ذَلِك. قلت: عدم رُؤْيَته لَا يَنْفِي ذَلِك، لِأَنَّهُ لم يُحِط بِجَمِيعِ مَا قَالَه أهل اللُّغَة، وَجَهل شخص بِشَيْء لَا يُنَافِي علم غَيره. قَوْله: (الْعذرَة) ، أَي: النَّجَاسَة، قَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي التعليلين مناقشة، لِأَن التبسط قبل الْقِسْمَة فِي المأكولات قدر الْكِفَايَة حَلَال، وَأكل الْعذرَة مُوجب للكراهة لَا للتَّحْرِيم، وَقَالَ النَّوَوِيّ: السَّبَب فِي الْأَمر بالإراقة أَنَّهَا نَجِسَة، وَقيل: نهى عَنْهَا للْحَاجة، وَقيل: لِأَنَّهَا أخذوها قبل الْقِسْمَة، وَهَذَانِ التأويلان لأَصْحَاب مَالك الْقَائِلين بِإِبَاحَة لَحمهَا، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: إِن عدَّة الْحمر الَّتِي ذبحوها كَانَت عشْرين أَو ثَلَاثِينَ، كَذَا رَوَاهُ بِالشَّكِّ.
4222 - حدَّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهَال حدَّثَنا شُعْبَةُ قَالَ أخبرَنِي عَدِيُّ بنُ ثابِتٍ عنِ البَرَاءِ وعَبْدِ الله بنِ أبِي أوْفَى رَضِي الله تَعَالَى عنهُمْ أنَّهُمْ كانُوا معَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأصَابُوا حُمُرَاً فَطَبَخُوهَا فَنَادَى مُنَادِي النِّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكْفِئُوا القُدُورَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أَنهم كَانُوا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: فِي غَزْوَة خَيْبَر. وَأخرجه عَن الْبَراء مَقْرُونا بِعَبْد الله بن أبي أوفى. والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الذَّبَائِح عَن عبد الله بن معَاذ عَن أَبِيه عَن شُعْبَة عَن عدي بن ثَابت عَن الْبَراء، وَابْن أبي أوفى بِهِ، وَفِي حَدِيث مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن الْبَراء وَحده. قَوْله: (إكفؤا الْقُدُور) من الإكفاء، وَهُوَ الْقلب، وَجَاء الثلاثي أَيْضا بِمَعْنَاهُ، وَحَاصِل الْمَعْنى: أميلوها ليراق مَا فِيهَا.
4224 - حدَّثني إسْحَاقُ حدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمدِ حدَّثنا شُعْبَةُ حدَّثَنَا عَدِيُّ بنُ ثَابتٍ قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ وابنَ أبِي أوْفَى رَضِي الله تَعَالَى عنهُم يحَدِّثَانِ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ قالَ يَوْمَ خَيْبَرَ وقَدْ نَصَبُوا القُدُورَ أكْفِؤُا القُدُورَ ...
هَذَا طَرِيق آخر أخرجه عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور عَن عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث إِلَى آخِره.(17/249)
244 - (حَدثنَا مُسلم حَدثنَا شُعْبَة عَن عدي بن ثَابت عَن الْبَراء قَالَ غزونا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَحوه) هَذَا طَرِيق آخر أخرجه عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم إِلَى آخِره وَلِهَذَا الحَدِيث ثَلَاث طرق كَمَا رَأَيْتهَا اثْنَان عاليان وَوَاحِد نَازل فَذكره بَين العاليين لِأَن فِيهِ التَّصْرِيح بِسَمَاع التَّابِعِيّ لَهُ من الصحابيين دوهما فَإِنَّهُمَا بالعنعنة -
4226 - حدَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ مُوساى أخْبرنَا ابنُ أبِي زَائِدَةَ أخبرَنَا عاصِمٌ عنْ عامِرٍ عنِ البَرَاءِ بنِ عازِبٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ أمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ أنْ نُلْقَيَ الْحُمُرَ الأهْلِيَّةَ نِيئةً ونَضِيجَةً ثُمَّ لَمْ يأمُرْنَا بأكْلِهِ بَعْدُ. .
هَذَا وَجه آخر أخرجه عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى عَن يحيى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن عَاصِم الْأَحول عَن عَامر الشّعبِيّ عَن الْبَراء ... إِلَى آخِره. وَأخرجه مُسلم فِي الذَّبَائِح عَن زُهَيْر بن حَرْب وَعَن أبي سعيد الْأَشَج. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّيْد عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الذَّبَائِح عَن سُوَيْد بن سعيد.
قَوْله: (أَن نلقي) بِضَم النُّون وَسُكُون اللَّام وَكسر الْقَاف، من الْإِلْقَاء، وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة التَّقْدِير: أمرنَا بِأَن نلقي أَي: بإلقاء الْحمر الْأَهْلِيَّة مُطلقًا، يَعْنِي نيئة ونضيجة، فَقَوله: نيئة، بِكَسْر النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْهمزَة وبالتاء، وَذكره ابْن الْأَثِير فِي: بَاب: نيء، أَعنِي فِي بَاب: النُّون بعْدهَا الْيَاء ثمَّ الْهمزَة، وَذكره الْجَوْهَرِي فِي بَاب: نوء، بِالْوَاو مَوضِع الْيَاء، قَالَ: وأناء اللَّحْم ينيئه إناءة: إِذا لم ينضجه، وَقد ناء اللَّحْم ينئي نيئاً فَهُوَ لحم نئي بِالْكَسْرِ مثل: بِالْكَسْرِ مثل: نيع: بيَّن النيوء والنيوءة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَقد تقلب الْهمزَة يَاء فَيُقَال: نياً بِالتَّشْدِيدِ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: نيئة ونضيحة، بِالتَّنْوِينِ وَالْإِضَافَة، يَعْنِي: يجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ أَحدهمَا نيئة ونضيجة بِالتَّاءِ فِي آخرهما، وَالْآخر: نيئها ونضيجها، بِالْإِضَافَة إِلَى الضَّمِير الَّذِي يرجع إِلَى اللحوم، فَفِي الْإِضَافَة تحذف التَّاء، وَلم أر أحدا من الشُّرَّاح حقق هَذَا الْموضع كَمَا يَنْبَغِي. قَوْله: (بعد) ، بِضَم الدَّال أَي: بعد أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بإلقاء الْحمر الْأَهْلِيَّة. وَفِيه إِشَارَة إِلَى اسْتِمْرَار تَحْرِيمهَا.
4227 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ أبِي الحُسَيْنِ حدَّثَنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حدَّثَنا أبِي عنْ عاصِمٍ عنْ عامِرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ لاَ أدْرِي أنَهَى عنْهُ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ أجْلِ أنَّهُ كانَ حَمُولَةَ النَّاسِ فَكَرِهَ أنْ تَذْهَبَ حَمُولَتُهُمْ أوْ حَرَّمَهُ يَوْمَ خَيْبَرَ لَحْمَ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن أبي الْحُسَيْن جَعْفَر السماني الْحَافِظ، وَكَانَ من أَقْرَان البُخَارِيّ، وعاش بعده خمس سِنِين، وَقد ذكر الكلاباذي وَمن تبعه أَن البُخَارِيّ مَا روى عَنهُ غير هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ بَعضهم: تقدم فِي الْعِيدَيْنِ حَدِيث آخر، قَالَ البُخَارِيّ فِيهِ: حَدثنَا مُحَمَّد حَدثنَا عمر بن حَفْص، فَالَّذِي يظْهر أَنه هَذَا قلت: يحْتَمل أَن يكون غَيره، وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث بن طلق بن مُعَاوِيَة أَبُو حَفْص النَّخعِيّ الْكُوفِي، وَهُوَ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ، روى عَنهُ هُنَا بالواسطة، وَعَاصِم هُوَ ابْن سُلَيْمَان الْأَحول، وعامر هُوَ ابْن شرَاحِيل الشّعبِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الذَّبَائِح عَن أَحْمد بن يُوسُف السّلمِيّ عَن عمر بن حَفْص.
قَوْله: (أنهى عَنهُ؟) أَي: عَن لحم الْحمر الْأَهْلِيَّة، والهمزة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار. قَوْله: (حمولة النَّاس) ، بِفَتْح الْحَاء، وَهِي الَّتِي يحمل عَلَيْهَا النَّاس من الدَّوَابّ سَوَاء كَانَت عَلَيْهَا الْأَحْمَال أَو لم تكن، كالركوبة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الحمولة كل مَا احْتمل عَلَيْهِ الْحَيّ من حمَار وَغَيره. قَوْله: (أَو حرمه يَوْم خَيْبَر؟) يَعْنِي تَحْرِيمًا مُطلقًا مُؤَبَّدًا. قَوْله: (لحم الْحمر الْأَهْلِيَّة) ، بَيَان للضمير الَّذِي فِي: عَنهُ، وَفِي: حرمه، وَيجوز فِيهِ النصب على تَقْدِير: أَعنِي لحم الْحمر الْأَهْلِيَّة، وَالرَّفْع على تَقْدِير: هُوَ لحم الْحمر الْأَهْلِيَّة، فالنصب على المفعولية، وَالرَّفْع على أَنه خبر لمبتدأ مَحْذُوف.(17/250)
4228 - حدَّثنا الحَسَنُ بنُ إسْحَاقَ حدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنِ سابِقٍ حدَّثَنا زَائِدَةُ عنْ عُبَيْدِ الله ابنِ عُمَرَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ قَسَمَ رسُولَ الله ت يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَس سَهْمَيْنِ ولِلرَّاجِلِ سَهْماً قَالَ فسَّرَهُ نافِعٌ فَقَالَ إذَا كانَ معَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فلَهُ ثَلاثَةُ أسْهُم وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ فلَهُ سَهْمٌ. (انْظُر الحَدِيث 2863) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يَوْم خَيْبَر) وَالْحسن بن إِسْحَاق بن زِيَاد الْمروزِي يلقب بحسنويه الشَّاعِر الثِّقَة، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَمُحَمّد بن سَابق الْكُوفِي الْبَزَّار أَصله فَارسي كَانَ بِالْكُوفَةِ، مَاتَ سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من شُيُوخ البُخَارِيّ حدث عَنهُ بالواسطة، وزائدة هُوَ ابْن قدامَة أَبُو الصَّلْت الْكُوفِي، وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ.
قَوْله: (فسره نَافِع) ، أَي: قَالَ عبيد الله ابْن عمر الرَّاوِي عَن نَافِع، وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور.
4229 - حدَّثنا يَحْيى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثَنَا اللَّيْثُ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ أنَّ جُبَيْرَ بنَ مُطْعِمٍ أخْبَرَهُ قَالَ مَشَيْتُ أنَا وعُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَا أعْطَيْتَ بَنِي المُطَّلِب مِنْ خُمْسِ خَيْبَرَ وتَرَكْتَنا ونحَنُ بِمَنْزِلَةٍ واحِدَةٍ مِنْكَ فقَالَ إنَّمَا بَنُو هاشِمٍ وبَنُو المُطَّلِبِ شَيْءٌ واحِدٌ قَالَ جُبَيْرٌ ولَمْ يَقْسِمِ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئَاً (انْظُر الحَدِيث 3140 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (من خمس خَيْبَر) والْحَدِيث قد مر فِي الْخمس فِي: بَاب وَمن الدَّلِيل على أَن الْخمس للْإِمَام، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب ... إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (بني الْمطلب) ، وَهُوَ الْمطلب بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب. قَوْله: (مِنْك) ، لأَنهم كلهم بَنو أعمام رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ عُثْمَان عبشمياً، وَجبير بن مطعم كَانَ نوفلياً. قَوْله: (شَيْء وَاحِد) ، لِأَن أَحدهمَا لم يُفَارق الآخر لَا فِي الْجَاهِلِيَّة وَلَا فِي الْإِسْلَام فَكَانَا مَحْصُورين مَعًا فِي خيف بني كنَانَة. وَقَوله: (شَيْء) بالشين الْمُعْجَمَة وبالهمزة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رواي الْمُسْتَمْلِي: سي، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: (شَيْء وَاحِد) هَكَذَا رَوَاهُ يحيى بن معِين أَي: مثل سَوَاء، يُقَال: هما سيان أَي: مثلان، وَالرِّوَايَة الْمَشْهُورَة: شَيْء وَاحِد بالشين الْمُعْجَمَة. قَوْله: (قَالَ جُبَير بن مطعم) وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله: (لبني عبد شمس) هُوَ: ابْن عبد منَاف بن قصي بن كلاب.
4230 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ حدَّثنا أبُو أُسامَةَ حدَّثنا بُرَيْدُ بنُ عَبْدِ الله عَن أبِي بُرْدَةَ عنْ أبِي مُوساى رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونَحْنُ بالْيَمَنِ فخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إلَيْهِ أنَا وأخَوَانِ لِي أنَا أصْغَرُهُمْ أحَدُهُمَا أبُو بُرْدَةَ والآخَرُ أبُو رُهْمٍ إمَّا قَالَ فِي بِضْعٍ وإمَّا قَالَ فِي ثَلاَثَةٍ وخَمْسِينَ أوْ إثْنَيْنِ وخَمْسِينَ رَجُلاً مِنْ قَوْمَي فرَكِبْنَا سَفِينَةً فألْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إلَى النَّجَاشِيِّ بالحَبَشَةِ فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بنَ أبِي طالِبٍ فأقَمْنَا معَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعاً فوَافَقْنَا النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ وكانَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ يَقُولُونَ لَنا يَعْنِي لأِهْلِ السَّفِينَةِ سَبَقْنَاكُمْ بالهِجْرَةِ. ودَخَلَتْ أسْماءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ وهْيَ مِمَّنْ قَدِمَ معَنَا علَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَائِرَةً وقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إلَى النَّجَاشِيِّ فِيمَنْ هَاجَرْنَ فَدَخَلَ عُمَرُ علَى حَفْصَةَ وأسْمَاءُ عِنْدَها فَقال عُمَرُ حِينَ رأى أسْمَاءَ مَنْ هاذِهِ قالَتْ أسْمَاءُ بنْتُ عُمَيْسٍ قَالَ عُمَرُ الحَبَشِيَّةُ هاذِهِ البَحْرِيَّةُ هاذِهِ قالَتْ أسْمَاءُ نَعَمْ قَالَ سَبَقْنَاكُمْ(17/251)
بِالْهِجْرَةِ فنَحْنُ أحَقُّ بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْكُمْ فَغَضِبَتْ وقالَتْ كَلاَّ وَالله كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُطْعِمُ جائِعَكُمْ ويَعِظُ جاهِلَكُمْ وكُنَّا فِي دَارِ أوْ فِي أرْضِ البُعَدَاءِ البَغَضَاءِ بالحَبَشَةِ وذالِكَ فِي الله وَفِي رسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وايْمُ الله لَا أطعَمُ طَعَامَاً وَلَا أشْرَبُ شَرَابَاً حتَّى أذُكُرَ مَا قُلْتُ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونَحْنُ كُنَّا نُؤْذِي ونخافُ وسأذْكُرُ ذالِكَ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأسألُهُ وَالله لَا أكْذِبُ ولاَ أزِيغُ ولاَ أزِيدُ عَلَيْهِ. فَلَمَّا جاءَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ يَا نَبِيَّ الله أنَّ عُمَرَ قَالَ كَذَا وكَذَا قَالَ فَمَا قُلْتِ لَهُ قالَتْ قُلْتُ لهُ كَذَا وكَذَا قَالَ لَيْسَ بأحَقَّ بِي مِنْكُمْ ولَهُ ولأِصْحَابِهِ هِجْرَةٌ واحِدَة ولَكُمْ أنْتُمْ أهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ قالَتْ فَلَقَدْ رأيْتُ أبَا مُوساى وأصْحابَ السَّفِينَةِ يأتُونِي أرْسَالاً يَسْألُونِي عَنْ هاذَا الحَدِيأ مَا مِنَ الدُّنيا شَيْءٌ همْ بِهِ أفْرَحُ وَلَا أعْظَمُ فِي أنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أبُو بُرْدَةَ قالَتْ أسْمَاءُ فَلَقَدْ رأيْتُ أبَا مُوساى وإنَّهُ لَيَسْتَعِيدُ هاذَا الحَدِيثَ مِنِّي.
قالَ أبُو بُرْدَةَ عنْ أبِي مُوسَى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنِّي لأعْرِفُ أصْوَاتَ رُفْقَةِ الأشْعَرِيِّينَ بالْقُرْآنِ حِينَ يَدْخُلُونَ باللَّيْلِ وأعْرِفُ مَنازِلَهُمْ مِنْ أصْوَاتِهِمْ بالْقُرْآنِ باللَّيْلِ وإنْ كُنْتُ لَمْ أرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بالنَّهَارِ ومِنْهُمْ حَكِيمٌ إِذا لَقِيَ الْخَيْلَ أوْ قَالَ العَدُوُّ قالَ لَهُمْ إنَّ أصْحَابِي يأمُرُونَكُمْ أنْ تَنْتَظِرُوهُمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (حِين افْتتح خَيْبَر) وَمُحَمّد بن الْعَلَاء أَبُو كريب الْهَمدَانِي وَهُوَ شيخ مُسلم، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وبريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن عبد الله بن أبي بردة واسْمه عَامر بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، سمع جده أَبَا مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، والْحَدِيث مضى مقطعاً فِي الْخمس وَفِي هِجْرَة الْحَبَشَة.
قَوْله: (مخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، بِفَتْح الْمِيم: إِمَّا مصدر ميمي بِمَعْنى: خُرُوجه، أَو اسْم زمَان بِمَعْنى: وَقت خُرُوجه، وَالْوَاو فِي (وَنحن بِالْيمن) للْحَال. قَوْله: (أَبُو بردة) بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء، واسْمه عَامر بن قيس (وَأَبُو رهم) بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْهَاء: ابْن قيس الْأَشْعَرِيّ، وَقَالَ أَبُو عمر: وَكَانَ لأبي مُوسَى ثَلَاثَة أخوة وَأَبُو بردة عَامر وَأَبُو رهم ومجدي بَنو قيس بن سليم، وَقيل: اسْم أبي رهم مجدي، ومجدي، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْجِيم وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَجزم ابْن حبَان فِي (الصَّحَابَة) بِأَن اسْمه مُحَمَّد، وَذكر ابْن قَانِع أَن اسْمه) : مجيلة، بِكَسْر الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وباللام ثمَّ الْهَاء. قَوْله: (أما قَالَ فِي بضع) بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَقد تفتح الْبَاء، وَهُوَ مَا بَين الثَّلَاث إِلَى التسع، وَقيل: مَا بَين الْوَاحِد إِلَى الْعشْرَة لِأَنَّهُ قِطْعَة من الْعدَد. فَإِن قلت: فِي: بضع، يتَعَلَّق بِمَاذَا؟ وَمَا مَحَله من الْإِعْرَاب؟ قلت: يتَعَلَّق بقوله: فخرجنا، وَمحله النصب على الْحَال. قَوْله: (من قومِي) ، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: (من قومه) . قَوْله: (سَفِينَتنَا) ، بِالرَّفْع لِأَنَّهُ فَاعل ألقتنا. قَوْله: (إِلَى النَّجَاشِيّ) بِفَتْح النُّون وَتَشْديد الْيَاء وتخفيفها، وَهُوَ اسْم من ملك الْحَبَشَة. قَوْله: (فَوَافَقنَا جَعْفَر بن أبي طَالب) ، يَعْنِي: صادفناه بِأَرْض الْحَبَشَة. قَوْله: (حَتَّى قدمنَا جَمِيعًا) ذكر ابْن إِسْحَاق أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي إِلَى النَّجَاشِيّ أَن يُجهز إِلَيْهِ جَعْفَر بن أبي طَالب، وَمن مَعَه، فجهزهم وَأكْرمهمْ وَقدم بهم عَمْرو بن أُميَّة وَهُوَ بِخَيْبَر، وسمى ابْن إِسْحَاق من قدم مَعَ جَعْفَر، وهم سِتَّة عشر رجلا، فيهم امْرَأَته أَسمَاء بنت عُمَيْس، وخَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ وَامْرَأَته وَأَخُوهُ عَمْرو بن سعيد، ومعيقيب بن أبي فَاطِمَة. قَوْله: (اسماء بنت عُمَيْس) مصغر: العمس بالمهملتين ابْن سعد بن الْحَارِث بن تيم بن كَعْب الخثعمية، وَأمّهَا هِنْد بنت عَوْف وَهِي أُخْت مَيْمُونَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأُخْت لبَابَة أم الْفضل زَوْجَة الْعَبَّاس، وَزوج أَسمَاء جَعْفَر بن أبي طَالب وَلما قتل جَعْفَر تزَوجهَا أَبُو بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَولدت لَهُ مُحَمَّد بن أبي بكر ثمَّ مَاتَ عَنْهَا فَتَزَوجهَا عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَولدت لَهُ يحيى ابْن عَليّ بن أبي طَالب. قَوْله: (وَكَانَ أنَاس) ، سمى مِنْهُم: عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (وَهِي مِمَّن قدم مَعنا) هُوَ كَلَام أبي مُوسَى. قَوْله:(17/252)
(على حَفْصَة) ، زَاد أَبُو يعلى: زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (زائرة) ، نصب على الْحَال. قَوْله: (ألحبشية هَذِه؟) بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام، نَسَبهَا إِلَى الْحَبَشَة لسكناها فيهم. قَوْله: (البحرية؟) ، بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام أَيْضا، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: (البحيرية) ، بِالتَّصْغِيرِ: نَسَبهَا إِلَى الْبَحْر لركوبها الْبَحْر. قَوْله: (فِي دَار) بِلَا تَنْوِين لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى (الْبعدَاء) . قَوْله: (أَو فِي أَرض) شكّ من الرَّاوِي، و: الْبعدَاء، بِضَم الْبَاء وَفتح الْعين: جمع بعيد، أَي: الْبعدَاء عَن الدّين. قَوْله: (الْبغضَاء) بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وبالمعجمتين المفتوحتين جمع بغيض، يَعْنِي الْبغضَاء للدّين، وَفِي رِوَايَة أبي يعلى: الْبعدَاء أَو الْبغضَاء، بِالشَّكِّ، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: الْبعد، بِضَمَّتَيْنِ، وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ: الْبعد الْبعدَاء الْبغضَاء، جمع بَينهمَا، وَالظَّاهِر أَنه فسر الأولى بِالثَّانِيَةِ، وَفِي رِوَايَة ابْن سعد: وَكُنَّا الْبعدَاء والطرداء. قَوْله: (وَذَلِكَ فِي الله وَرَسُوله) أَي: لأجل الله وَطلب رِضَاهُ، وَلأَجل رَسُوله. قَوْله: (وَايْم الله) همزته همزَة وصل، وَقيل: همزَة قطع، بِفَتْح الْهمزَة، وَقيل: بِكَسْرِهَا. يُقَال: أيم الله، وأيمن الله وَمن الله، وَقيل: أَيمن جمع يَمِين، وَلما كثر فِي كَلَامهم حذفوا النُّون كَمَا قَالُوا فِي: لم يكن لم يَك. قَوْله: (نؤذي ونخاف) كِلَاهُمَا على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (أهل السَّفِينَة) بِنصب أهل على الِاخْتِصَاص، أَو على حذف حرف النداء. قَوْله: (هجرتان) إِحْدَاهمَا إِلَى النَّجَاشِيّ، وَالْأُخْرَى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (يأتوني) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يأْتونَ. قَوْله: (إرْسَالًا) بِفَتْح الْهمزَة. أَي: أَفْوَاجًا يتبع بَعضهم بَعْضًا، وَالْوَاحد: رسل، بِفتْحَتَيْنِ.
قَوْله: (قَالَ أَبُو بردة عَن أبي مُوسَى) هُوَ الرَّاوِي عَنهُ لَا أَخُو أبي مُوسَى، لِأَنَّهُ لَهُ أَخا يُسمى أَبَا بردة أَيْضا، وَقد ذَكرْنَاهُ. قَوْله: (رفْقَة الْأَشْعَرِيين) الرّفْقَة، بِضَم الرَّاء وَكسرهَا: الْجَمَاعَة ترافقهم فِي سفرك، والأشعريين، نِسْبَة إِلَى أشعر أَبُو قَبيلَة من الْيمن، وَتقول الْعَرَب: جَاءَك الأشعرون، بِحَذْف يَاء النِّسْبَة. قَوْله: (حِين يدْخلُونَ بِاللَّيْلِ) ، قَالَ الدمياطي: صَوَابه يرحلون، بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَكَذَا حَكَاهُ عِيَاض عَن بعض رُوَاة مُسلم أَنه اخْتَارَهُ، وَقَالَ النَّوَوِيّ: الأول أصح وَالْمرَاد: يدْخلُونَ مَنَازِلهمْ إِذا خَرجُوا إِلَى الْمَسَاجِد. قَوْله: (مِنْهُم حَكِيم) قَالَ عِيَاض: قَالَ أَبُو عَليّ الصَّدَفِي: هُوَ صفة لرجل مِنْهُم، وَقَالَ أَبُو عَليّ الجياني: هُوَ اسْم علم على رجل من الْأَشْعَرِيين. قَوْله: (أَو قَالَ الْعَدو) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (أَن تنتظروهم) ، كَذَا هُوَ فِي الْأُصُول من: الِانْتِظَار، وَذكره ابْن التِّين بِلَفْظ: تنظروهم، مثل: {انظرونا نقتبس من نوركم} (الْحَدِيد: 13) . وَمعنى كَلَامه: أَن أَصْحَابه يحبونَ الْقِتَال فِي سَبِيل الله وَلَا يبالون مَا يصيبهم من ذَلِك، وَيُقَال: مَعْنَاهُ أَن هَذَا الْحَكِيم لفرد شجاعته كَانَ لَا يفر من الْعَدو بل يواجههم، وَيَقُول لَهُم: إِذا أَرَادوا الِانْصِرَاف مثلا انتظروا الفرسان حَتَّى يأتوكم ليبعثهم على الْقِتَال، هَذَا بِالنّظرِ إِلَى قَوْله: (أَو قَالَ: الْعَدو) بِالنّصب، أَي: أَو قَالَ الْحَكِيم: إِذا لَقِي الْعَدو، وَأما بِالنّظرِ إِلَى قَوْله: (إِذا لَقِي الْخَيل) ، فَيحْتَمل أَن يُرِيد خيل الْمُسلمين، وَيُشِير بذلك إِلَى أَن أَصْحَابه كَانُوا رجالة، فَكَانَ هُوَ يَأْمر الفرسان أَن ينتظروهم ليسيروا إِلَى الْعَدو جَمِيعًا.
4233 - حدَّثني إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ سَمِعَ حَفْصَ بنَ غِيَاثٍ حدَّثَنَا بُرَيْدُ بنُ عَبْدِ الله عنْ أبِي بُرْدَةَ عَنْ أبِي مُوساى قَالَ قَدِمْنَا علَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَ أنِ افْتَتَحَ خَيْبَرَ فقَسَمَ لَنَا ولَمْ يَقْسِمْ لأحَدٍ لَمْ يَشْهَدِ الفَتْحَ غَيْرَنا.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بعد أَن افْتتح خَيْبَر) . وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وبريد، بِضَم الْبَاء: هُوَ عبد الله بن أبي بردة الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي السّير عَن أبي سعيد الْأَشَج عَن حَفْص بن غياث.
قَوْله: (سمع حَفْص بن غياث) أَي: أَنه سمع حَفْص بن غياث. قَوْله: (قدمنَا) يَعْنِي: هُوَ وَأَصْحَابه مَعَ جَعْفَر وَمن مَعَه. قَوْله: (غَيرنَا) يَعْنِي: الْأَشْعَرِيين وَمن مَعَهم وجعفر وَمن مَعَه، وَاحْتج أَصْحَابنَا بِهَذَا الحَدِيث على أَن الَّذين يلحقون الْغَنِيمَة قبل إحرازها بدار الْإِسْلَام يشاركونهم فِيهَا، خلافًا للشَّافِعِيَّة، فَإِنَّهُم احْتَجُّوا بقوله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْغَنِيمَة لمن شهد الْوَقْعَة. قلت: هَذَا مَوْقُوف على عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَرَفعه غَرِيب! فَإِن قلت: قَالَ بعض الشَّافِعِيَّة: حَدِيث أبي مُوسَى مَحْمُول على أَنهم شهدُوا قبل حوز الْغَنَائِم. قلت: يحْتَاج ذَلِك إِلَى بَيَان، وَقَالَ(17/253)
ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) : إِنَّمَا أَعْطَاهُم من خمس خمسه ليستميل بِهِ قُلُوبهم وَلم يعطهم من الْغَنِيمَة، لأَنهم لم يشْهدُوا فتح خَيْبَر. قلت: الْجَواب مَا ذَكرْنَاهُ.
4234 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ عَمْرٍ وحدَّثَنا أبُو إسْحَالقَ عنْ مالِكِ بنِ أنَسٍ قَالَ حدَّثَنِي ثَوْرٌ قَالَ حدَّثَنِي سالِمٌ مَوْلَى ابنِ مُطِيعٍ أنَّهُ سَمِعَ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ ولَمْ نَغْنَمْ ذَهَباً ولاَ فِضَّةً إنَّمَا غَنِمْنَا البَقَرَ والإبِلَ والمَتَاعَ والحَوَائِطَ ثُمَّ انْصَرَفْنَا معَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَى وادِي القُرَى ومَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ أهْدَاهُ لَهُ أحَدُ بَنِي الضِّبَابِ فبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذْ جاءَهُ سَهْمٌ عائِرٌ حتَّى أصَابَ ذَلِكَ العَبْدَ فَقَالَ النَّاسُ هَنِيئَاً لَهُ الشَّهَادَةُ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَلْ والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا المَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نارَاً فَجاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشِرَاكٍ أوْ بِشِرَاكَيْنِ فَقَالَ هاذَا شَيْءٌ كُنْتُ أصَبْتُهُ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شِرَاكٌ أوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ. (الحَدِيث 4234 طرفه فِي: 6707) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي وَمُعَاوِيَة بن عَمْرو بن الْمُهلب الْأَزْدِيّ الْبَغْدَادِيّ وَأَصله كُوفِي، وَهُوَ من مَشَايِخ البُخَارِيّ، روى عَنهُ بالواسطة وروى عَنهُ فِي الْجُمُعَة بِلَا وَاسِطَة، وَأَبُو إِسْحَاق هُوَ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْفَزارِيّ، وثور بِلَفْظ الْحَيَوَان المشور ابْن زيد أَبُو خَالِد الكلَاعِي السَّامِي، حمصي مَا بِبَيْت الْمُقَدّس سنة خمس وَخمسين وَمِائَة، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَسَالم أَبُو الْغَيْث مولى عبد الله بن مُطِيع بن الْأسود الْقرشِي الْعَدوي الْمدنِي، روى عَن أبي هُرَيْرَة حَدِيثا وَاحِدًا.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله عَن مَالك، وَهَهُنَا بَينه وَبَين مَالك ثَلَاثَة أنفس، وَنزل فِي هَذَا الحَدِيث دَرَجَتَيْنِ، لِأَن البُخَارِيّ لَهُ حرص شَدِيد على الْإِتْيَان بالطرق المصرحة بِالتَّحْدِيثِ. وَأخرجه مُسلم أَيْضا عَن القعْنبِي وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن القعْنبِي بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير عَن مُحَمَّد بن سَلمَة والْحَارث بن مِسْكين.
قَوْله: (افتتحنا خَيْبَر) وَفِي رِوَايَة عبيد الله بن يحيى عَن يحيى عَن أَبِيه فِي (الْمُوَطَّأ) : حنين، بدل: خَيْبَر، وَخَالفهُ مُحَمَّد ابْن وَضاع عَن يحيى بن يحيى فَقَالَ: خَيْبَر، مثل الْجَمَاعَة وَحكى الدَّارَقُطْنِيّ عَن مُوسَى بن هَارُون أَنه قَالَ: وهم ثَوْر فِي هَذَا الحَدِيث، لِأَن أَبَا هُرَيْرَة لم يخرج مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى خَيْبَر، وَإِنَّمَا قدم بعد خُرُوجهمْ وَقدم عَلَيْهِم خَيْبَر بعد أَن فتحت. قَالَ أَبُو مَسْعُود: وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث عَنْبَسَة بن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَيْبَر بَعْدَمَا افتتحوها، وَلما روى مُحَمَّد بن إِسْحَاق هَذَا الحَدِيث لم يذكر هَذِه اللَّفْظَة، لِأَنَّهُ استشعر توهم ثَوْر بن زيد. وَأخرجه ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَابْن مَنْدَه من طَرِيقه بِلَفْظ: انصرفنا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى وَادي الْقرى، وَقَالَ بَعضهم: إِذا حمل: افتتحنا، على: افْتتح الْمُسلمُونَ، لَا يلْزم شَيْء من ذَلِك. قلت: هَذَا بعيد بِهَذَا الْوَجْه. قَوْله: (وَلم نغنم ذَهَبا) إِلَى قَوْله: (والحوائط) وَهُوَ جمع حَائِط وَهُوَ الْبُسْتَان من النّخل، وَفِي رِوَايَة مُسلم: غنمنا الْمَتَاع وَالطَّعَام وَالثيَاب، وَفِي رِوَايَة (الْمُوَطَّأ) : إلاَّ الْأَمْوَال وَالْمَتَاع وَالثيَاب. قَوْله: (إِلَى وَادي الْقرى) جمع قَرْيَة، مَوضِع بِقرب الْمَدِينَة وَهُوَ من أَعمالهَا. قَوْله: (وَمَعَهُ عبد الله) وَفِي رِوَايَة (الْمُوَطَّأ) : عبد أسود، قَوْله: (مدعم) ، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الدَّال وَفتح الْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ. قَوْله: (أهداه لَهُ) أَي: أهْدى العَبْد للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحدُ بني الضباب، كَذَا فِي رِوَايَة أبي إِسْحَاق، بِكَسْر الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى بِلَفْظ جمع: الضَّب، وَفِي رِوَايَة مُسلم: أهداه لَهُ رِفَاعَة بن زيد أحد بني الضبيب، بِضَم الضَّاد بِصِيغَة التصغير، وَفِي رِوَايَة إِبْنِ إِسْحَاق: رِفَاعَة بن زيد الجذامي ثمَّ الضبيني، بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا نون، وَقيل: بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَكسر الْمُوَحدَة: بطن من جذام، وَضَبطه الْكرْمَانِي بِضَم الْمُعْجَمَة وَفتح الْمُوَحدَة الأولى(17/254)
وَسُكُون التَّحْتَانِيَّة بَينهمَا. وَقَالَ الرشاطي: الضبيبي فِي جذام، وَضَبطه بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى وَكسر الثَّانِيَة بَينهمَا يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة، ثمَّ قَالَ ابْن حبيب: فِي جذام الضبيب، وَلم يرد شَيْئا، وَذكر أَبُو عمر: رِفَاعَة بن زيد بن وهب الجذامي ثمَّ الضبيبي من بني الضبيب، قَالَ: هَكَذَا يَقُول بعض أهل الحَدِيث، وَأما أهل النّسَب فَيَقُولُونَ: الضبيني، يَعْنِي بالنُّون فِي آخِره، يَعْنِي: من بني الضبين من جذام، قَالَ: وَلم أر هَذَا القَوْل لأحد. وَقَالَ أَبُو يعلى العالي
: صَوَابه الضبيبي، يَعْنِي بِفَتْح الضَّاد وَالْبَاء الْمُوَحدَة وبالنون من بني ضبينة من جذام. قلت: النِّسْبَة إِلَى لفظ فعيلة: فعلى، مثل الْحَنَفِيّ نِسْبَة إِلَى أبي حنيفَة، وَكَذَلِكَ الضبيني، فَافْهَم فَإِنَّهُ مَوضِع التباس، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: قدم على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رِفَاعَة بن زيد بن وهب الجذامي ثمَّ الضبيني فِي هدنة الْحُدَيْبِيَة، قبل خَيْبَر فِي جمَاعَة من قومه فأسلموا وَعقد لَهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على قومه وَهُوَ الَّذِي أهْدى لَهُ عبدا. قَوْله: (إِذْ جَاءَهُ سهم عائر) ، كلمة: إِذْ، للمفاجأة جَوَاب قَوْله: (فَبَيْنَمَا) ، والعائر بِالْعينِ الْمُهْملَة والهمزة بعد الْألف أَي: حائد عَن قَصده، وَقيل: هُوَ سهم لَا يدْرِي أَيْن أَتَى. قَوْله: (بل وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بلَى، وَهُوَ تَصْحِيف، وَفِي رِوَايَة مُسلم: كلا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، وَهُوَ رِوَايَة (الْمُوَطَّأ) قَوْله: (إِن الشملة) هِيَ كسَاء يشْتَمل بِهِ الرجل وَيجمع على الشمَال. قَوْله: (لتشتعل) خبر: إِن، وَاللَّام الْمَفْتُوحَة فِيهِ للتَّأْكِيد، وَيحْتَمل أَن يكون اشتعال النَّار حَقِيقَة بِأَن تصير الشملة بِعَينهَا نَارا فيعذب بهَا، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد أَنَّهَا سَبَب لعذاب النَّار، وَكَذَا القَوْل فِي: الشرَاك الَّذِي يَأْتِي. قَوْله: (بِشِرَاك) بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الرَّاء، وَهُوَ سير النَّعْل على ظهر الْقدَم. قَوْله: (أَو بِشِرَاكَيْنِ) شكّ من الرَّاوِي.
4235 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبِي مَرْيَمَ أخْبرَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ قَالَ أخْبَرَنِي زَيْدٌ عنْ أبِيهِ أنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يقُولُ أمَّا والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلاَ أنْ أتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّانَاً لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ مَا فُتِحَتْ علَيَّ قَرْيَةٌ إلاَّ قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَرَ ولاكِنِّي أتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كَمَا قسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خَيْبَر) . وَمُحَمّد بن جَعْفَر ابْن أبي كثير وَزيد هُوَ ابْن أسلم مولى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (بباناً) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى وَتَشْديد الثَّانِيَة وبالنون، مَعْنَاهُ: شَيْئا وَاحِدًا، وَقَالَ الْخطابِيّ: وَلَا أَحسب هَذِه اللَّفْظَة عَرَبِيَّة وَلم أسمعها فِي غير هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ الْأَزْهَرِي: بل هِيَ لُغَة صَحِيحَة لَكِنَّهَا غير فَاشِية، وَقَالَ صَاحب (الْعين) : يُقَال: هم على ببان وَاحِد، أَي: على طَريقَة وَاحِدَة، وَقَالَ ابْن فَارس: هم على ببان وَاحِد أَي: شَيْء وَاحِد، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: هُوَ فعلان، وَقَالَ أَبُو سعيد الضَّرِير: لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب: ببان، وَإِنَّمَا هُوَ: ببان، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْبَاء آخر الْحُرُوف. قَالَ ابْن الْأَثِير: ببائين موحدتين وَهُوَ الصَّحِيح، وَقَالَ الطَّبَرِيّ: الْمَعْنى: لَوْلَا أَن أتركهم فُقَرَاء معدمين لَا شَيْء لَهُم، أَي: متساويين فِي الْفقر، وَيُقَال: مَعْنَاهُ لَوْلَا أترك الَّذين هم من بَعدنَا فُقَرَاء مستويين فِي الْفقر لقسمت أَرَاضِي الْقرى الْمَفْتُوحَة بَين الْغَانِمين، لكني مَا قسمتهَا بل جَعلتهَا وَقفا مُؤَبَّدًا تركتهَا كالخزانة لَهُم يقتسمونها كل وَقت إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. وغرضه أَنِّي لَا أقسمها على الْغَانِمين كَمَا قسم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نظرا إِلَى الْمصلحَة الْعَامَّة للْمُسلمين، وَذَلِكَ كَانَ بعد استرضائه لَهُم، كَمَا فعل عمر بن الْخطاب بِأَرْض الْعرَاق وَقَالَ ابْن الْأَثِير: مَعْنَاهُ: لأسويَّنَّ بينِم فِي الْعَطاء حَتَّى يَكُونُوا وَاحِدًا لَا فضل لأحد على غَيره. قَوْله: (خزانَة يقتسمونها) أَي: يقتسمون خراجها.
253 - (حَدثنِي مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا ابْن مهْدي عَن مَالك بن أنس عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَوْلَا آخر الْمُسلمين مَا فتحت عَلَيْهِم قَرْيَة إِلَّا قسمتهَا كَمَا قسم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَيْبَر) هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عمر عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن مَالك إِلَى آخِره وَقد مضى هَذَا فِي(17/255)
الْجِهَاد فِي أَبْوَاب الْخمس فِي بَاب الْغَنِيمَة لمن شهد الْوَقْعَة وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَالُوا وَقد غنم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غَنَائِم وأراضي وَلم ينْقل عَنهُ أَنه قسم فِيهَا إِلَّا خَيْبَر وَذكر أَنه إِجْمَاع السّلف فَإِن رأى الإِمَام فِي وَقت من الْأَوْقَات قسمتهَا رَأيا لم يمْتَنع ذَلِك فِيمَا يَفْتَحهُ
254 - (حَدثنَا عَليّ بن عبد الله حَدثنَا سُفْيَان قَالَ سَمِعت الزُّهْرِيّ وَسَأَلَهُ إِسْمَاعِيل بن أُميَّة قَالَ أَخْبرنِي عَنْبَسَة بن سعيد أَن أَبَا هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَتَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَأَلَهُ قَالَ لَهُ بعض بني سعيد بن الْعَاصِ لَا تعطه يَا رَسُول الله فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة هَذَا قَاتل ابْن قوقل فَقَالَ وَاعجَبا لوبر تدلى من قدوم الضان) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله أَن أَبَا هُرَيْرَة أَتَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِأَن إِتْيَانه كَانَ بِخَيْبَر بعد فتحهَا لِأَن هَذَا الحَدِيث قد مضى فِي الْجِهَاد فِي بَاب الْكَافِر يقتل الْمُسلم وَفِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أتيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ بِخَيْبَر بَعْدَمَا افتتحوها فَقلت يَا رَسُول الله اسهم لي الحَدِيث وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وإسمعيل بن أُميَّة بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ الْأمَوِي وعنبسة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالسِّين الْمُهْملَة ابْن سعيد بن الْعَاصِ وَهُوَ وَالِد إِسْمَعِيل بن أُميَّة قَوْله أَن أَبَا هُرَيْرَة أَتَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَذَا مُرْسل وَقد تقدم من وَجه آخر مُتَّصِلا فِي أَوَائِل الْجِهَاد قَوْله " فَسَأَلَهُ أَي فَسَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يُعْطِيهِ من غَنَائِم خَيْبَر قَوْله " قَالَ لَهُ " أَي للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعض بني سعيد وَهُوَ أبان بن سعيد قَوْله ابْن قوقل هُوَ النُّعْمَان بن قوقل بِفَتْح القافين وَسُكُون الْوَاو وباللام وَيُقَال النُّعْمَان بن ثَعْلَبَة وثعلبة يدعى قوقل الْأنْصَارِيّ شهد بَدْرًا وَقتل يَوْم أحد شَهِيدا قَتله أبان بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف الْقرشِي الْأمَوِي وَقَالَ الزبير تَأَخّر إِسْلَامه بعد إِسْلَام أَخَوَيْهِ خَالِد وَعَمْرو ثمَّ أسلم أبان وَحسن إِسْلَامه وَهُوَ الَّذِي أَجَارَ عُثْمَان بن عَفَّان حِين بَعثه رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى قُرَيْش عَام الْحُدَيْبِيَة وَحمله على فرس حَتَّى دخل مَكَّة وَاسْتَعْملهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الْبَحْرين برهَا وبحرها إِذْ عزل الْعَلَاء الْحَضْرَمِيّ عَنْهَا فَلم يزل عَلَيْهَا إِلَى أَن مَاتَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقتل أبان يَوْم أجنادين فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث عشرَة فِي خلَافَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله وَاعجَبا هُوَ اسْم فعل بِمَعْنى أعجب وَأَصله واعجبي فأبدلت الكسرة فَتْحة كَمَا فِي قَوْله واأسفا وَكلمَة وَا تسْتَعْمل على وَجْهَيْن (أَحدهمَا) أَن تكون حرف نِدَاء مُخْتَصًّا بِبَاب الندبة نَحْو وازيداه وَالثَّانِي أَن تكون اسْما لأعجب وَقد يُقَال واها قَوْله لوبر بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره رَاء هُوَ دويبة تشبه النُّور وَقيل أَصْغَر من السنور لَا ذَنْب لَهَا لَا يدجن فِي الْبيُوت قَالَ الْخطابِيّ وأحسب أَنَّهَا تُؤْكَل لوُجُوب الْفِدْيَة فِيهَا عَن بعض السّلف وَكَأَنَّهُ حقر أَبَا هُرَيْرَة وَنسبه إِلَى قلَّة الْقُدْرَة على الْقِتَال قَوْله تدلى أَي نزل قَوْله من قدوم الضان بِفَتْح الْقَاف وَتَخْفِيف الدَّال الْمُهْملَة والضان بالنُّون غير مَهْمُوز اسْم جبل لدوس وَقيل الضَّأْن الْغنم والقدوم بِفَتْح الْقَاف الطّرف كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ بِضَم الْقَاف وَقد مر تَحْقِيقه فِي الْجِهَاد فِي بَاب يقتل الْمُسلم
(وَيذكر عَن الزبيدِيّ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ أَخْبرنِي عَنْبَسَة بن سعيد أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يخبر سعيد بن العَاصِي قَالَ بعث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أبان على سَرِيَّة من الْمَدِينَة قبل نجد قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فَقدم أبان وَأَصْحَابه على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِخَيْبَر بعد مَا افتتحها وَإِن حزم خيلهم لليف قَالَ أَبُو هُرَيْرَة قلت يَا رَسُول الله لَا تقسم لَهُم قَالَ أبان وَأَنت بِهَذَا يَا وبر تحدر من رَأس ضال فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَا أبان اجْلِسْ فَلم يقسم لَهُم) -
4237 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ وسألَهُ إسْمَاعِيلُ بنُ أمَيَّةَ قَالَ أَخْبرنِي عَنْبَسَةُ بنُ سَعِيد أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسَألَهُ قالَ لَهُ بَعْضُ بَني سَعِيدِ بنِ العَاصِ لاَ تُعْطِهِ يَا رَسُولَ الله فقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ هاذَا قاتِلُ ابنِ قَوْقَلِ فَقالَ واعَجَبَا لِوَبْرٍ تَدَلَّى مِنْ قَدُومِ الضَّانِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (إِن أَبَا هُرَيْرَة أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) لِأَن إِتْيَانه كَانَ بِخَيْبَر بعد فتحهَا، لِأَن هَذَا الحَدِيث قد مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب الْكَافِر يقتل الْمُسلم، وَفِيه: عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِخَيْبَر بعد مَا افتتحوها، فَقلت: يَا رَسُول الله! أسْهم لي ... الحَدِيث.
وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَإِسْمَاعِيل بن أُميَّة بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ الْأمَوِي، وعنبسة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالسِّين الْمُهْملَة: ابْن سعيد بن الْعَاصِ وَهُوَ وَالِد إِسْمَاعِيل ابْن أُميَّة.
قَوْله: (أَن أَبَا هُرَيْرَة أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) هَذَا مُرْسل، وَقد تقدم من وَجه آخر مُتَّصِلا فِي أَوَائِل الْجِهَاد. قَوْله: (فَسَأَلَهُ) أَي: فَسَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُعْطِيهِ من غَنَائِم خَيْبَر. قَوْله: (قَالَ لَهُ) أَي: للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بعض بني سعيد) وَهُوَ أبان بن سعيد. قَوْله: (ابْن قوقل) هُوَ النُّعْمَان بن قوقل، بِفَتْح القافين وَسُكُون الْوَاو وباللام، وَيُقَال: النُّعْمَان بن ثَعْلَبَة، وثعلبة يدعى قوقل الْأنْصَارِيّ شهد بَدْرًا وَقتل يَوْم أحد شَهِيدا، قَتله أبان بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف الْقرشِي الْأمَوِي، وَقَالَ الزبير: تَأَخّر إِسْلَامه بعد إِسْلَام أَخَوَيْهِ خَالِد وَعَمْرو ثمَّ أسلم أبان وَحسن إِسْلَامه، وَهُوَ الَّذِي أَجَارَ عُثْمَان بن عَفَّان حِين بَعثه رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى قُرَيْش عَام الْحُدَيْبِيَة وَحمله على فرس حَتَّى دخل مَكَّة، وَاسْتَعْملهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على الْبَحْرين برهَا وبحرها إِذْ عزل الْعَلَاء الْحَضْرَمِيّ عَنْهَا، فَلم يزل عَلَيْهَا إِلَى أَن مَاتَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقتل أبان يَوْم أجنادين فِي جمادي الأولى سنة ثَلَاث عشرَة فِي خلَافَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (وَاعجَبا) هُوَ اسْم فعل بِمَعْنى: أعجب، وَأَصله: واعجبي، فأبدلت الكسرة فَتْحة، كَمَا فِي قَوْله: واأسفاه. وَكلمَة: وَا تسْتَعْمل على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن تكون حرف نِدَاء مُخْتَصًّا بِبَاب الندبة نَحْو: وَا زيداه. وَالثَّانِي: أَن تكون إسماً لأعجب، وَقد يُقَال: واها. قَوْله: (لوبر) بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره رَاء. هُوَ دويبة تشبه السنور، وَقيل: أَصْغَر من السنور لَا ذَنْب لَهَا لَا يدجن فِي الْبيُوت، قَالَ الْخطابِيّ: وأحسب أَنَّهَا تُؤْكَل لوُجُوب الْفِدْيَة فِيهَا عَن بعض السّلف، وَكَأَنَّهُ حقر أَبَا هُرَيْرَة وَنسبه إِلَى قلَّة الْقُدْرَة على الْقِتَال. قَوْله: (تدلى) أَي: نزل. قَوْله: (من قدوم الضَّأْن) بِفَتْح الْقَاف وَتَخْفِيف الدَّال الْمُهْملَة، والضان بالنُّون، غير مَهْمُوز: اسْم جبل لدوس، وَقيل: الضَّأْن الْغنم، و: الْقدوم، بِفَتْح الْقَاف: الطّرف كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ بِضَم الْقَاف، وَقد مر تَحْقِيقه فِي الْجِهَاد فِي: بَاب يقتل الْمُسلم.
4238 - ويُذْكَرُ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخْبَرَنِي عَنْبَسَةُ بنُ سَعِيدٍ أنَّهُ سَمِعَ أبَا هُرَيْرَةَ يُخْبِرُ سَعِيدَ بنَ الْعَاصِ قالَ بَعَثَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبانَ عَلَى سَرِيَّةٍ مِنَ المَدِينَةِ قِبَلَ نَجْدٍ قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ فقَدِمَ أبَانُ وأصْحَابُهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَيْبَرَ بَعْدَ مَا افْتَتَحَهَا وإنَّ حُزْمَ خَيْلِهِمْ لَلِيفٌ قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ قُلْتُ يَا رَسُولَ الله لَا تَقْسِمْ لَهُمْ قَالَ أبَانُ وأنْتَ بِهاذَا يَا وَبْرُ تَحَدَّرَ مِنْ رأسِ ضالٍ فَقال النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أبان اجْلِسْ فلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ.(17/256)
هَذَا وَجه آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور. ذكر بِصِيغَة التمريض عَن مُحَمَّد بن الْوَلِيد الزبيدِيّ، بِضَم الزَّاي وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره، وَوصل هَذَا أَبُو دَاوُد من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن عَبَّاس عَنهُ.
قَوْله: (أبان) هُوَ أبان بن سعيد الْمَذْكُور الْآن. قَوْله: (قبل نجد) ، بِكَسْر الْقَاف أَي: نَاحيَة نجد. قَوْله: (بِخَيْبَر) فِي مَحل النصب على الْحَال، أَي: حَال كَون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي خَيْبَر. قَوْله: (وَإِن حزم) بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: جمع حزَام. قَوْله: (الليف) مَرْفُوع لِأَنَّهُ خبر: إِن، وَاللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد. قَوْله: وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: الليف بِدُونِ لَام التَّأْكِيد. قَوْله: (قلت: يَا رَسُول الله) الْقَائِل أَبُو هُرَيْرَة يَقُول: لَا تسهم لأَبَان وَأَصْحَابه، من الإسهام يَعْنِي: لَا تعطهم سَهْما من الْغَنِيمَة. فَإِن قلت: فِي الحَدِيث الْمَاضِي الْقَائِل بقوله: لَا تسهم، هُوَ أبان بن سعيد، وَهنا الْقَائِل بذلك أَبُو هُرَيْرَة، فَمَا التَّوْفِيق بَينهمَا؟ قلت: لَا مُنَافَاة بَينهمَا وَلَا امْتنَاع، لِأَن أَبَا هُرَيْرَة أحتج على أبان بِأَنَّهُ قَاتل ابْن قَول، وَأَبَان احْتج على أبي هُرَيْرَة بِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّن لَهُ فِي الْحَرْب شَيْء يسْتَحق بِهِ النَّفْل. قَوْله: (قَالَ أبان: وَأَنت بِهَذَا؟) يُخَاطب بِهِ أَبَا هُرَيْرَة، أَي: أَنْت ملتبس بِهَذَا القَوْل؟ وَقَائِل بِهَذَا. قَوْله: (يَا وبر) ، فِيهِ تَعْرِيض لتحقيره، وَأَشَارَ إِلَى كنيته وَأَنه لَيْسَ فِي قدر من يُشِير بعطاء وَلَا منع. قَوْله: (تحدر) فِيهِ الْتِفَات من الْخطاب إِلَى الْغَيْبَة، لِأَن تحدر فعل مَاض، أَي: نزل، وَفِي الرِّوَايَة السَّابِقَة: تدلى، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي تَأتي الْآن: تدأدأ، بدالين مهملتين بَينهمَا همزَة سَاكِنة، وَقيل: أَصله تدهده، فأبدلت الْهَاء همزَة. قَالَ ابْن الْأَثِير: مَعْنَاهُ: أقبل علينا مسرعاً، وَهُوَ من داد الْبَعِير وتدأدأ: إِذا اشْتَدَّ عدوه، وَمعنى: تدهده تدحرج وَسقط علينا، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: تدارأ، برَاء بدل الدَّال الثَّانِيَة بِمَعْنى: سقط وهجم علينا، وَفِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي: تردى، من التردي وَهُوَ السُّقُوط من مَكَان عَال. قَوْله: (من رَأس ضال) بِاللَّامِ فِي هَذِه الرِّوَايَة، وَفِي الرِّوَايَة السَّابِقَة: ضان، بالنُّون، والضال، بتَخْفِيف اللَّام: السدر الْبري.
4239 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثَنا عَمْرُو بن يَحْيَء بنِ سَعِيدٍ قَالَ أخْبَرَني جَدِّي أنَّ أبانَ بنَ سَعِيدٍ أقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ يَا رَسُولَ الله هذَا قاتِلُ ابنِ قَوْقَلٍ وَقَالَ أبَانُ لأِبِي هُرَيْرَةَ واعَجَبَاً لَكَ وبْرٌ تَدأدأ مِنْ قَدُومِ ضأنٍ يَنْعَي علَيَّ امرَءًا أكْرَمَهُ الله بِيَدِي ومنَعَهُ أنْ يُهِينَنِي بِيَدِهِ.
هَذَا وَجه آخر للْحَدِيث السَّابِق أخرجه عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل أبي سَلمَة الْمنْقري التَّبُوذَكِي عَن عَمْرو بن يحيى بن سعيد عَن جده سعيد بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ.
قَوْله: (هَذَا) أَشَارَ بِهِ أَبُو هُرَيْرَة إِلَى أبان بن سعيد، وَقَالَ: هَذَا قَاتل نعْمَان بن قوقل، وَقد ذكرنَا أَنه قَتله يَوْم أحد. قَوْله: (وَاعجَبا) قد مر تَفْسِيره عَن قريب وَزَاد هُنَا لفظ: لَك. قَوْله: (وبر) مُبْتَدأ وتخصص بِالصّفةِ، وَهِي قَوْله: (تدأدأ) وَقَوله: (ينعى) بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون النُّون وَفتح الْعين الْمُهْملَة: أَي: يعيب عَليّ، يُقَال: نعى فلَان على فلَان أمرا إِذا عابه بِهِ، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن حَامِد بن يحيى عَن سُفْيَان يعيرني. قَوْله: (أمرا) أَرَادَ بِهِ النُّعْمَان بن قوقل. قَوْله: (أكْرمه الله) حَيْثُ صَار شَهِيدا على يَدي. قَوْله: (وَمنعه) أَي: وَمنع هَذَا الْمَرْء، وَهُوَ النُّعْمَان. قَوْله: (أَن يهينني) أَي: بالإهانة بِيَدِهِ، فَإِن النُّعْمَان لَو قتل أبان بن سعيد كَانَ لَهُ خزي وإهانة فِي الدَّاريْنِ لِأَنَّهُ يَوْم أحد لم يكن مُسلما، ويروى: فَلم يهني، بِضَم الْيَاء وَكسر الْهَاء وَتَشْديد النُّون، وَأَصله يهينني، فأدغمت إِحْدَى النونين فِي الْأُخْرَى.
4241 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ أنَّ فاطِمَةَ علَيْهَا السَّلامُ بِنْتَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرْسَلَتْ إِلَى أبِي بَكْرٍ تَسْألُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا أفَاءَ الله عَلَيْهِ بالمَدِينَةِ وفَدَكٍ وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ. فَقالَ أبُو بَكْرٍ إنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إنَّمَا يأكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(17/257)
فِي هَذَا المَالِ وإنِّي وَالله لاَ أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ حالِهَا الَّتِي كانَ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأبَى أبُو بَكْرٍ أنْ يَدْفَعَ إلَى فاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئاً فوَجَدَتْ فاطِمَةُ علَى أبِي بَكْرٍ فِي ذالِكَ فهَجَرَتْهُ فلَمْ تُكَلِّمْهُ حتَّى تُوُفِّيَتْ وعاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتَّةَ أشْهُرٍ فلَمَّا تُوُفِّيَتْ دفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلاً ولَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أبَا بَكْرٍ وصَلَّى عَلَيْهَا وكانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ وَجْهٌ حَياةَ فاطِمَةَ فلَمَّا تُوُفِّيَتِ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ فالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أبِي بَكْرٍ ومُبَايَعَتَهُ ولَمْ يَكُنْ يُبَايِعُ تِلْكَ الأشْهُرَ فأرْسَلَ إلَى أبِي بَكْرٍ أنِ ائْتِنَا وَلَا يأتِنَا أحَدٌ مَعَكَ كَرَاهِيَةً لِمَحْضَرِ عُمَرَ فَقالَ عُمَرُ لاَ وَالله لَا تَدْخُلُ علَيْهِمْ وَحْدَكَ فَقال أبُو بَكْرٍ وَمَا عَسِيَتْهُمْ أنْ يَفْعَلُوا بِي وَالله لآتِيَنَّهُمْ فدَخَلَ علَيْهِمْ أبُو بَكْرٍ فتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَقال إنَّا قدْ عَرَفْنَا فَضْلَكَ وَمَا أعْطَاكَ الله ولَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرَاً ساقَهُ الله إلَيْكَ ولاكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بالأمْرِ وكُنَّا نَرَى لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَصِيبَاً حتَّى فاضَتْ عَيْنَا أبِي بَكْرٍ فلَمَّا تَكَلَّمَ أبُو بَكْرٍ قَالَ والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحَبُّ إلَيَّ أنْ أصِلَ مِنْ قَرَابَتِي وأمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي مِنْ هاذِهِ الأمْوَالِ فلَمْ آلُ فِيهَا عنِ الخَمْرِ ولَمْ أتْرُكْ أمْرَاً رأيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَصْنَعُهُ فِيهَا إلاَّ صَنعْتُهُ فقالَ عَلِيٌّ لأِبِي بَكْرٍ مَوْعِدُكَ العَشِيَّةَ لِلْبَيْعَةِ فلَمَّا صَلَّى أبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَقِيَ عَلَى المِنْبَرِ فتَشَهَّدَ وذَكَرَ شأنَ عَلِيٍّ وتَخلُّفَهُ عنِ البَيْعَةِ وعَذَرَهُ بالَّذِي اعْتَذَرَ إلَيْهِ ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فعَظَّمَ حَقَّ أبِي بَكْرٍ وحَدَّثَ أنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ علَى الَّذِي صنَعَ نَفاسَةً علَى أبِي بَكْر وَلَا إنْكَارَاً لِلَّذِي فَضَّلَهُ الله بِهِ ولَكِنَّا كُنَّا نَرَى لَنَا فِي هاذَا الأمْرِ نَصِيبَاً فاسْتَبَدَّ علَيْنَا فوَجَدْنَا أنْفُسِنَا فَسُرَّ بِذَلِكَ المُسْلِمُونَ وقالُوا أصَبْتَ وكانَ المُسْلِمُونَ إلَى عَلِيٍّ قَرِيبَاً حِينَ رَاجَعَ الأمْرَ بالمَعْرُوفَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة لَا يبعد أَن تُؤْخَذ من قَوْله: (من خمس خَيْبَر) . وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَعقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد الْأَيْلِي، والْحَدِيث مضى فِي: بَاب فرض الْخمس، وَلَكِن بَينهمَا تفَاوت فِي الْمَتْن بِزِيَادَة ونقصان.
قَوْله: (مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْهِ) أَي: مِمَّا أعطَاهُ الله من أَمْوَال الْكفَّار من غير حَرْب وَلَا جِهَاد، وَأَصله من الْفَيْء وَهُوَ الرُّجُوع، يُقَال: فَاء يفِيء فيئة وفيوء، كَأَنَّهُ كَانَ فِي الأَصْل لَهُم فَرجع إِلَيْهِم، وأفاء، ثلاثي مزِيد فِيهِ. قَوْله: (بِالْمَدِينَةِ) ، وَذَلِكَ من نَحْو أَرض بني النَّضِير حِين أجلاهم، وَمِمَّا صَالح أهل فدك على نصف أرْضهَا وَكَانَ النّصْف لَهُ، وَمَا كَانَ لَهُ أَيْضا من أَرض خَيْبَر لكنه مَا اسْتَأْثر بهَا، بل كَانَ ينفقها على أَهله وَالْمُسْلِمين فَصَارَت بعده صَدَقَة حرم التَّمَلُّك فِيهَا. قَوْله: (فَأبى أَبُو بكر) ، أَي: امْتنع. قَوْله: (فَوجدت) ، أَي: غضِبت، من الموجدة. وَهُوَ الْغَضَب، وَكَانَ ذَلِك أمرا حصل على مُقْتَضى البشرية ثمَّ سكن بعد ذَلِك. والْحَدِيث كَانَ مؤولاً عِنْدهَا بِمَا فضل عَن ضرورات معاش الْوَرَثَة. قَوْله: (فَهجرَته) ، أَي: هجرت فَاطِمَة أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَمعنى هجرانها انقباضها عَن لِقَائِه وَعدم الانبساط لَا الهجران الْمحرم من ترك السَّلَام. وَنَحْوه. قَوْله: (وَعَاشَتْ) ، أَي: فَاطِمَة (بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سِتَّة أشهر) ، هَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَقيل: عاشت بعده سبعين يَوْمًا، وَقيل: ثَلَاثَة ؤشهر، وَقيل: شَهْرَيْن، وَقيل: ثَمَانِي أشهر، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ. قَوْله: (وَعَاشَتْ) إِلَى آخِره، مدرج، وَذَلِكَ أَنه وَقع عِنْد مُسلم من طَرِيق أُخْرَى عَن الزُّهْرِيّ،(17/258)
فَذكر الحَدِيث وَقَالَ فِي آخِره: قلت لِلزهْرِيِّ: كم عاشت فَاطِمَة بعده؟ قَالَ: سِتَّة أشهر. قَوْله: (لَيْلًا) أَي: فِي اللَّيْل، وَذَلِكَ بِوَصِيَّة مِنْهَا لإِرَادَة الزِّيَادَة فِي التستر. فَإِن قلت: روى مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث جَابر فِي النَّهْي عَن الدّفن لَيْلًا. قلت: هَذَا مَحْمُول على حَال الِاخْتِيَار لِأَن فِي بعضه: إلاَّ أَن يضْطَر إِنْسَان إِلَى ذَلِك. قَوْله: (وَلم يُؤذن بهَا أَبَا بكر) أَي: وَلم يعلم بوفاتها أَبَا بكر. قَوْله: (وَصلى عَلَيْهَا) أَي: صلى عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على فَاطِمَة، وروى ابْن سعد من طَرِيق عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن: أَن الْعَبَّاس صلى عَلَيْهَا. قَوْله: (حَيَاة فَاطِمَة) ، لأَنهم كَانُوا يعذرونه عَن ترك الْمُبَايعَة لاشتغاله بهَا وتسلية خاطرها من قرب عهد مُفَارقَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (تِلْكَ الْأَشْهر) ، وَهِي الْأَشْهر السِّتَّة، وَقَالَ المارزي: الْعذر لعَلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي تخلفه مَعَ مَا اعتذر هُوَ بِهِ أَنه يَكْفِي فِي بيعَة الإِمَام أَن يَقع من آحَاد أهل الْحل وَالْعقد، وَلَا يجب الِاسْتِيعَاب، وَلَا يلْزم كل أحد أَن يحضر عندده وَيَضَع يَده فِي يَده، بل يَكْفِي الْتِزَام طَاعَته والانقياد لَهُ بِأَن لَا يُخَالِفهُ وَلَا يشق الْعَصَا عَلَيْهِ، وَهَذَا كَانَ حَال عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلم يَقع مِنْهُ إلاَّ التَّأَخُّر عَن الْحُضُور عِنْد أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (كَرَاهِيَة لمحضر عمر) أَي: لأجل الْكَرَاهَة لحضور عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، و: الْمحْضر، مصدر ميمي بِمَعْنى الْحُضُور، ويروى: كَرَاهِيَة ليحضر عمر، أَي: لِأَن يحضر، وَذَلِكَ لِأَن حُضُوره كَانَ يُوجب كَثْرَة المعاتبة والمعادلة، فقصدوا التَّخْفِيف لِئَلَّا يُفْضِي إِلَى خلاف مَا قصدوه من المصافاة. قَوْله: (فَقَالَ عمر: لَا وَالله لَا تدخل عَلَيْهِم وَحدك) لِأَنَّهُ توهم أَنهم لَا يعظمونه حق التَّعْظِيم، وَأما توهمه مَا لَا يَلِيق بهم فحاشاه وحاشاهم من ذَلِك. قَوْله: (وَمَا عسيتهم أَن يَفْعَلُوا؟) بِكَسْر السِّين وَفتحهَا أَي: مَا رجوتهم أَن يَفْعَلُوا، وَكلمَة: مَا، استفهامية، وَعَسَى اسْتعْمل اسْتِعْمَال الرَّجَاء، فَلهَذَا اتَّصل بِهِ ضمير الْمَفْعُول، وَالْغَرَض أَنهم لَا يَفْعَلُونَ شَيْئا لَا يَلِيق بهم. وَقَالَ ابْن مَالك: اسْتعْمل عَسى اسْتِعْمَال حسب وَكَانَ حَقه أَن يكون عَارِيا من أَن وَلَكِن جِيءَ بِهِ لِئَلَّا تخرج عَسى بِالْكُلِّيَّةِ عَن مقتضاها، وَلِأَن: أَن، قد تسد بصلتها مسد مفعوليه فَلَا يستبعد مجيئها بعد الْمَفْعُول الأول سادة مسد ثَانِي المفعولين. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض الرِّوَايَات: وَمَا عساهم أَن يَفْعَلُوا بِي؟ قَوْله: (وَلم ننفس) بِفَتْح النُّون الأولى وَسُكُون الثَّانِيَة وَفتح الْفَاء، أَي: لم نحسدك على الْخلَافَة، يُقَال: نفست، بِكَسْر الْفَاء أنفس بِفَتْحِهَا نفاسة. قَوْله: (استبددت) من الاستبداد وَهُوَ الِاسْتِقْلَال بالشَّيْء، ويروى: استبدت، بدال وَاحِدَة وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَهَذَا مثل قَوْله: فظلتم تفكهون، أَي: فظللتم. قَوْله: (بِالْأَمر) أَي: بِأَمْر الْخلَافَة (وَكُنَّا نرى) بِضَم النُّون وَفتحهَا. قَوْله: (لقرابتنا من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: لأجل قرابتنا من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (شجر) أَي: وَقع من الِاخْتِلَاف والتنازع. قَوْله: (فَلم آل) بِمد الْهمزَة وَضم اللَّام، أَي: فَلم أقصر. قَوْله: (العشية) يجوز فِيهِ النصب على الظَّرْفِيَّة، وَالرَّفْع على أَنه خبر الْمُبْتَدَأ، وَهُوَ قَوْله: (موعدك) . والعشية: بعد الزَّوَال. قَوْله: (رقي) بِكَسْر الْقَاف أَي: علا. قَوْله: (وعذره) أَي: قبل عذره، وَهُوَ فعل مَاض، هَذَا رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: وعذره، بِضَم الْعين وَسُكُون الذَّال وَبِالنَّصبِ عطفا على قَوْله: (وتخلفه) أَي: وَذكر عذره أَيْضا. قَوْله: (فِي هَذَا الْأَمر) أَي: الْخلَافَة. قَوْله: (الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ) أَي: مُوَافقَة سَائِر الصَّحَابَة بالمبايعة للخلافة.
4242 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّار حدَّثَنَا حَرَمِيٌّ حدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أخْبرني عُمَارَةُ عنْ عِكْرِمَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتْ لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قُلْنَا الآنَ نَشْبَعُ مِنَ التَّمْرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وحرمي، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء وَكسر الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهُوَ اسْم بِلَفْظ النّسَب: ابْن عمَارَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم وبالراء: ابْن أبي حَفْص الْعَتكِي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَشعْبَة وَاسِطَة فِي الْإِسْنَاد بَين الْوَلَد وَهُوَ: حرمي، وَالْوَالِد: عمَارَة، وَعِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس، وَلَيْسَ لَهُ عَن عَائِشَة فِي البُخَارِيّ إلاَّ ثَلَاثَة أَحَادِيث: هَذَا وَالثَّانِي: سبق فِي الطَّهَارَة وَالثَّالِث: سَيَأْتِي فِي اللبَاس. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (قُلْنَا: الْآن نشبع من التَّمْر) فِيهِ شَيْئَانِ الأول: فِيهِ دلَالَة على كَثْرَة التَّمْر والنخيل فِي خَيْبَر، وَالثَّانِي: فِيهِ دلَالَة على أَنهم كَانُوا فِي قلَّة عَيْش قبل فتح خَيْبَر.
4243 - حدَّثنا الحَسَنُ حَدَّثنا قُرَّةُ بنُ حَبِيبٍ حدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَبْدِ الله بنِ دِينَارٍ(17/259)
عَن أبِيهِ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ مَا شَبِعْنَا حتَّى فتَحْنَا خَيْبَرَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَالْحسن هُوَ ابْن مُحَمَّد بن الصَّباح الزَّعْفَرَانِي، وَوَقع مَنْسُوبا فِي رِوَايَة أبي عَليّ بن السكن عَن الْفربرِي، وَقَالَ الكلاباذي: يُقَال إِنَّه الزَّعْفَرَانِي، وَقَالَ الْحَاكِم: هُوَ الْحسن بن شُجَاع الْبَلْخِي أحد الْحفاظ، وَهُوَ من أَقْرَان البُخَارِيّ، وَمَات قبله باثنتي عشرَة سنة وَهُوَ شَاب، وَوَقع فِي تَفْسِير سُورَة النُّور حَدِيث آخر عَن الْحسن غير مَنْسُوب، فَقيل أَيْضا: إِنَّه هُوَ، وقرة، بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الرَّاء: ابْن حبيب ضد الْعَدو الْقشيرِي الْبَصْرِيّ الرماحي صَاحب القنا، وَيُقَال لَهُ: القنوي أَيْضا. نِسْبَة إِلَى بيع القنا، وَأَصله من نيسابور، وَقد لقِيه البُخَارِيّ وَحدث عَنهُ فِي (الْأَدَب الْمُفْرد) : وَلَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيح سوى هَذَا الْموضع وَمَات سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
40 - (بابُ اسْتِعْمَالِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى أهْلِ خَيْبَرَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِعْمَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا على أهل خَيْبَر بُد فتحهَا لقسمة الثِّمَار.
حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثَنِي مالِكٌ عنْ عَبْدِ المَجِيدِ بنِ سُهَيْلٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وأبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلاً علَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلُّ تَمْرِ خَيْبرَ هكَذَا فقالَ لاَ وَالله يَا رسُولَ الله إنَّا لَنَأخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بالصَّاعَيْنِ بالثَّلاَثَةِ فَقَالَ لاَ تَفْعَلْ بِعِ الجَمْعَ بالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بالدَّرَاهِمِ جَنِيباً. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَإِسْمَاعِيل بن أبي أويس، وَعبد الْمجِيد بن سُهَيْل بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ الْمدنِي. والْحَدِيث مر فِي الْبيُوع فِي: بَاب إِذا أَرَادَ بيع تمر بِتَمْر خير مِنْهُ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة عَن مَالك ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (رجلا) هُوَ سَواد بن غزيَّة من بني عدي بن النجار الْأنْصَارِيّ. قَوْله: (جنيب) بِفَتْح الْجِيم وَكسر النُّون، وَهُوَ نوع من التَّمْر الْغَرِيب، وَهُوَ أَجود تمورهم. قَوْله: (بِالثَّلَاثَةِ) بدل من الصاعين. قَوْله: (بِعْ الْجمع) وَهُوَ نوع رَدِيء من التَّمْر، وَقيل: هُوَ الأخلاط مِنْهَا. قَوْله: (ثمَّ ابتع) أَي: ثمَّ اشْتَرِ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى هُنَالك.
40 - (بابُ اسْتِعْمَالِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى أهْلِ خَيْبَرَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِعْمَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا على أهل خَيْبَر بُد فتحهَا لقسمة الثِّمَار.
حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثَنِي مالِكٌ عنْ عَبْدِ المَجِيدِ بنِ سُهَيْلٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وأبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلاً علَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلُّ تَمْرِ خَيْبرَ هكَذَا فقالَ لاَ وَالله يَا رسُولَ الله إنَّا لَنَأخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بالصَّاعَيْنِ بالثَّلاَثَةِ فَقَالَ لاَ تَفْعَلْ بِعِ الجَمْعَ بالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بالدَّرَاهِمِ جَنِيباً. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَإِسْمَاعِيل بن أبي أويس، وَعبد الْمجِيد بن سُهَيْل بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ الْمدنِي. والْحَدِيث مر فِي الْبيُوع فِي: بَاب إِذا أَرَادَ بيع تمر بِتَمْر خير مِنْهُ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة عَن مَالك ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (رجلا) هُوَ سَواد بن غزيَّة من بني عدي بن النجار الْأنْصَارِيّ. قَوْله: (جنيب) بِفَتْح الْجِيم وَكسر النُّون، وَهُوَ نوع من التَّمْر الْغَرِيب، وَهُوَ أَجود تمورهم. قَوْله: (بِالثَّلَاثَةِ) بدل من الصاعين. قَوْله: (بِعْ الْجمع) وَهُوَ نوع رَدِيء من التَّمْر، وَقيل: هُوَ الأخلاط مِنْهَا. قَوْله: (ثمَّ ابتع) أَي: ثمَّ اشْتَرِ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى هُنَالك.
4247 - وقَالَ عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُحَمَّدٍ عنْ عَبْدِ المَجِيدِ عنْ سَعِيدٍ وأبَا هُرَيْرَةَ حدَّثَاهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعَثَ أخَا بَنِي عَدِيٍّ مِنَ الأنْصَارِ إلَى خَيْبرَ فأمَّرَهُ علَيْهَا. .
عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد هُوَ الدَّرَاورْدِي، وَعبد الْمجِيد هُوَ ابْن سُهَيْل شيخ مَالك، وَسَعِيد هُوَ ابْن الْمسيب، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله أَبُو عوَانَة وَالدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق الدَّرَاورْدِي. قَوْله: (بعث أَخا بني عدي) هُوَ سَواد بن غزيَّة الْمَذْكُور. قَوْله: (فَأمره) بتَشْديد الْمِيم، أَي: جعله أَمِيرا عَلَيْهَا.
وعنْ عَبْدِ المَجِيدِ عنْ أبِي صالِحٍ السَّمَّانِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ وأبِي سَعيدٍ مِثْلَهُ
هَذَا مَعْطُوف على الَّذِي قبله وَهُوَ عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي عَن عبد الْمجِيد، فِيهِ شَيْخَانِ: أَحدهمَا: سعيد بن الْمسيب، وَالْآخر: أَبُو صَالح السمان، واسْمه ذكْوَان.
41 - (بابُ مُعَامَلَةِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهْلَ خَيْبَرَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مُعَاملَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل خَيْبَر الْيَهُود بِأَن أَعْطَاهَا لَهُم أَن يزرعوها مشاطرة.
4248 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيل حدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ أعْطَى(17/260)
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَرَ اليَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوها ويَزْرَعُوها ولَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْها. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَجُوَيْرِية بن أَسمَاء الضبعِي. والْحَدِيث مضى فِي الْمُزَارعَة بأتم مِنْهُ، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. (والشطر) بِالْفَتْح: النَّصِيب، وَقد يُطلق على الْبَعْض.
41 - (بابُ الشَّاةِ الَّتي سُمَّتْ لِلنَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بخَيْبَرَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال الشَّاة الَّتِي سَموهَا لأجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَال كَون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَيْبَر.
رَوَاهُ عُرْوَةُ عنْ عائِشَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: روى حَدِيث السم عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حَدثنَا اللَّيْثُ حدَّثني سَعيدٌ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنهُ قَالَ لمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أهدَيْتْ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شاةٌ فِيها سُمٌّ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي سعيد المَقْبُري. والْحَدِيث قد مر فِي الْجِزْيَة فِي: بَاب إِذا غدر الْمُشْركُونَ بِالْمُسْلِمين، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بِهَذَا الْإِسْنَاد بأتم مِنْهُ، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.)
41 - (بابُ الشَّاةِ الَّتي سُمَّتْ لِلنَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بخَيْبَرَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال الشَّاة الَّتِي سَموهَا لأجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَال كَون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَيْبَر.
رَوَاهُ عُرْوَةُ عنْ عائِشَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: روى حَدِيث السم عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حَدثنَا اللَّيْثُ حدَّثني سَعيدٌ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنهُ قَالَ لمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أهدَيْتْ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شاةٌ فِيها سُمٌّ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي سعيد المَقْبُري. والْحَدِيث قد مر فِي الْجِزْيَة فِي: بَاب إِذا غدر الْمُشْركُونَ بِالْمُسْلِمين، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بِهَذَا الْإِسْنَاد بأتم مِنْهُ، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.)
42 - (بابُ غَزْوَةِ زَيْدِ بنِ حارِثَةَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة زيد بن حَارِثَة، بِالْحَاء الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة: مولى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووالد أُسَامَة بن زيد.
4250 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْيَى بنُ سَعيدٍ حَدثنَا سُفْيانُ بنُ سَعيدٍ حَدثنَا عبدُ الله ابنُ دِينارٍ عَن ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ أمَّرَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُسَامَةَ عَلَى قَوْمٍ فَطَعَنُوا فِي إمارَتِهِ فَقَالَ إنْ تَطْعُنُوا فِي إمارَتِهِ فقدْ طعَنْتُمْ فِي إمارَةِ أبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ وايْمُ الله لَقَدْ كانَ خَلِيقاً لِلإمَارَةِ وإنْ كانَ مِنْ أحَبَّ الناسِ إليَّ وإنَّ هذَا لِمَنْ أحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ بَعْدَهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أُسامة على قوم) والْحَدِيث مضى فِي المناقب فِي: بَاب مَنَاقِب زيد بن حَارِثَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن خَالِد بن مخلد عَن سُلَيْمَان عَن عبد الله بن دِينَار إِلَى آخِره، وكيفيته تَأتي فِي أَوَاخِر الْمَغَازِي. وَقَالَ بَعضهم: وَالْغَرَض مِنْهُ قَوْله: (فقد طعنتم فِي إِمَارَة أَبِيه) قلت: لَيْسَ هَذَا غَرَضه إِذْ لَو كَانَ غَرَضه ذَلِك لترجم بِبَاب يُنَاسِبه، وَبَين التَّرْجَمَة وَبَين مَا ذكره بون جدا لَا يخفى على من يتأمله، وَيحيى بن سعيد هُوَ الْقطَّان وسُفْيَان بن سعيد هُوَ الثَّوْريّ الْكُوفِي.
قَوْله: (أمّر) بتَشْديد الْمِيم، وروى أَبُو مُسلم الْكَجِّي عَن أبي عَاصِم عَن يزِيد بن أبي عبيد عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ: غزوت مَعَ زيد بن حَارِثَة سبع غزوات يؤمره علينا. قلت: (أَولهَا) : فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس قبل نجد فِي مائَة رَاكب (وَالثَّانيَِة) : فِي ربيع الآخر سنة سِتّ إِلَى بني سليم. (وَالثَّالِثَة) : فِي جُمَادَى الأولى مِنْهَا فِي مائَة وَسبعين فلقى عيرًا لقريش وأسروا أَبَا الْعَاصِ بن الرّبيع. (وَالرَّابِعَة) : فِي جُمَادَى الْآخِرَة مِنْهَا إِلَى بني ثَعْلَبَة. (وَالْخَامِسَة) : إِلَى حسمى، بِضَم الْحَاء وَسُكُون السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ مَقْصُورا، كَذَا قَالَه بَعضهم، وَقَالَ ابْن الْأَثِير والبكري، بِكَسْر الْحَاء، مَوضِع فِي أَرض جذام، وَكَانُوا فِي خَمْسمِائَة إِلَى نَاس من بني جذام، بطرِيق الشَّام، كَانُوا قطعُوا الطَّرِيق على دحْيَة وَهُوَ رَاجع من عِنْد هِرقل. (وَالسَّادِسَة) : إِلَى وَادي الْقرى. (وَالسَّابِعَة) : إِلَى نَاس من بني فَزَارَة، وَكَانَ خرج قبلهَا فِي التِّجَارَة فَخرج عَلَيْهِ نَاس من بني فَزَارَة فَأخذُوا مَا مَعَه وضربوه فجهزه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَيْهِم فأوقع وَقتل أم قرفة، بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا فَاء، وَهِي: فَاطِمَة بنت ربيعَة بن بدر زوج مَالك بن حُذَيْفَة بن بدر، عَم عُيَيْنَة بن حصن بن حُذَيْفَة، وَكَانَت معظمة فيهم، فَيُقَال: ربطها فِي ذَنْب فرسين وأجراهما فتقطعت وَأسر بنتهَا وَكَانَت جميلَة.(17/261)
43 - (بابُ عُمْرَةِ الْقَضاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان عمْرَة الْقَضَاء، كَذَا هوف فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده بَاب غَزْوَة الْقَضَاء، وَسميت بِالْقضَاءِ اشتقاقاً مِمَّا كتبُوا فِي كتاب الصُّلْح يَوْم الْحُدَيْبِيَة: هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ، لأمن الْقَضَاء الإصطلاحي، إِذْ لم تكن الْعمرَة الَّتِي اعتمروا بهَا فِي السّنة الْقَابِلَة قَضَاء للَّتِي تحللوا مِنْهَا يَوْم الصُّلْح، قَالَه الْكرْمَانِي وَفِي (الاكليل) : قَالَ الْحَاكِم: قد تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار عَن أَئِمَّة الْمَغَازِي أَنه لما دخل هِلَال ذِي الْقعدَة من سنة سبع من الْهِجْرَة أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَصْحَابه أَن يعتمروا قَضَاء عمرتهم، وَأَن لَا يتَخَلَّف مِنْهُم أحد مِمَّن شهد الْحُدَيْبِيَة، وَخرج مَعَه أَيْضا قوم من الْمُسلمين مِمَّن لم يشْهدُوا وَالْحُدَيْبِيَة عماراً. وَكَانَ الْمُسلمُونَ فِي هَذِه الْعمرَة أَلفَيْنِ سوى النِّسَاء وَالصبيان. انْتهى. قلت: وَفِيه رد على مَا قَالَه الْكرْمَانِي، وَإِنَّمَا ذكر الْعمرَة فِي كتاب الْمَغَازِي للخصومة الَّتِي جرت بَينهم وَبَين الْكفَّار فِي سنة التَّحَلُّل وَالسّنة الْقَابِلَة أَيْضا وَإِن لم تكن بالمسايفة إِذْ لَا يلْزم من إِطْلَاق الْغَزْوَة الْمُقَاتلَة بِالسُّيُوفِ، وَتسَمى: عمْرَة الْقَضِيَّة. وَعمرَة الْقصاص، وَعمرَة الصُّلْح. قَالَ السُّهيْلي: تَسْمِيَتهَا: عمْرَة الْقصاص، أُولى لقَوْله تَعَالَى: {الشَّهْر الْحَرَام بالشهر الْحَرَام والحرمات قصاص} (الْبَقَرَة: 194) . وَكَذَا رَوَاهُ ابْن جرير بِإِسْنَاد صَحِيح عَن مُجَاهِد، وَبِه جزم سُلَيْمَان التَّيْمِيّ فِي (مغازيه) .
ذَكَرَهُ أنَسٌ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: ذكر حَدِيث عمْرَة الْقَضَاء أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس، قَالَ: لما دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة فِي عمْرَة الْقَضَاء مَشى عبد الله بن رَوَاحَة بَين بديه، وَهُوَ يَقُول:
(خلوا بني الْكفَّار عَن سَبيله ... قد أنزل الرَّحْمَن فِي تَنْزِيله
(
(بِأَن خير الْقَتْل فِي سَبيله ... نَحن قتلناكم على تَأْوِيله)
وَأخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) بِزِيَادَة وَهِي:
(وَيذْهل الْخَلِيل عَن خَلِيله ... يَا رب إِنِّي مُؤمن بقيله)
فَقَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَا ابْن رَوَاحَة: أَتَقول الشّعْر بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دَعه يَا عمر: لهَذَا أَشد عَلَيْهِم من وَقع النبل.
4251 - حدَّثني عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عنْ إسْرَائِيل عنْ أبي إسْحاقَ عنِ البَرَاءِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ لمَّا اعْتَمَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذِي القَعْدَةِ بأبَى أهْلُ مَكَّةَ أنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قاضاهمْ عَلَى أنْ يُقيمَ بهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا كَتَبُوا الكِتابَ كَتَبُوا هذَا مَا قاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رسُولُ الله قالُوا لَا نُقِرُّ بهَذا لوْ نَعْلَمُ أنَّكَ رسُولُ الله مَا مَنَعْناكَ شَيْئاً ولَكِنْ أنْتَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الله فَقَالَ أَنا رسُولُ الله وَأَنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله ثُمَّ قَالَ لِعَلِيّ امْخُ رسُولَ الله قَالَ عَلِيٌّ لاَ وَالله لَا أمْحوكَ أبَداً فأخَذَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الكِتابَ ولَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ فَكَتَبَ هَذَا مَا قَاضَى مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله لاَ يُدْخلُ مَكَّةَ السِّلاَحَ إلاَّ السَّيْفَ فِي القِرَابِ وَأَن لَا يَخْرجَ منْ أهْلِها بأحدٍ إنْ أرادَ أنْ يَتْبَعَهُ وأنْ لَا يمْنَعَ منْ أصْحابِهِ إنْ أرادَ أنْ يُقِيمَ بهَا فَلمّا دَخَلَهَا ومَضيَ الأجَلُ أتوْا عَلِيًّا فَقالُوا قُلْ لِصاحِبِكَ اخْرُجْ عَنَّا فقَدْ مَضي الأجَلُ فَخَرَجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتَبعَتْهُ ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنادِي يَا عَمِّ يَا عَمِّ فَتَناوَلَها عليٌّ فأخَذَ بيَدِها وقالَ لِفاطِمَةَ عَلَيْها السَّلاَمُ(17/262)
دُونَك ابْنَةَ عَمِّكِ حَمَلتْها فاخْتَصَمَ فِيها علِيٌّ وزَيْدٌ وجَعْفَرٌ. قَالَ عليٌّ أَنا أخذْتُها وهْيَ بنْتُ عَمِّي وَقَالَ جعْفَرٌ ابْنَةُ عَمِّي وخالتُها تَحْتى وَقَالَ زَيْدٌ ابْنَةُ أخِي فقَضَى بِها النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِخَالتِها وَقَالَ الخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأمِّ. وَقَالَ لِعَلِيّ أنْتَ مِنِّي وَأَنا مِنْكَ وَقَالَ لِجَعْفَرٍ أشْبَهْتَ خَلْقي وخُلُقِي وَقَالَ لِزَيْد أنْتَ أخُونا ومَوْلاَنا وَقَالَ عليٌّ أَلا تَتَزَوَّجُ بنْتَ حَمْزَةَ قَالَ إنّها ابْنَةُ أخِي منَ الرَّضاعَةِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبيد الله بن مُوسَى بن باذام الْكُوفِي، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق، يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي الْكُوفِي.
والْحَدِيث قد مضى فِي الصُّلْح فِي: بَاب كَيفَ يكْتب: هَذَا مَا صَالح فلَان بن فلَان، بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن، وَقَالَ الْحَافِظ الْمزي: قيل: مر الحَدِيث فِي الْحَج، وَلم أَجِدهُ فِيهِ.
قَوْله: (فِي ذِي الْقعدَة) أَي: من سنة سِتّ. قَوْله: (فَأبى) من الإباء وَهُوَ الِامْتِنَاع. قَوْله: (أَن يَدعُوهُ) بِفَتْح الدَّال أَي: أَن يَتْرُكُوهُ. قَوْله: (حَتَّى قاضاهم) أَي: صَالحهمْ وفاصلهم. قَوْله: (على أَن يُقيم بهَا) أَي: بِمَكَّة (ثَلَاثَة أَيَّام) من الْعَام الْمقبل. وَصرح بِهِ فِي حَدِيث ابْن عمر الَّذِي بعده. قَوْله: (فَلَمَّا كتبُوا) هَكَذَا هُوَ بِصِيغَة الْجمع عِنْد الْأَكْثَرين، ويروى: (فَلَمَّا كتب الْكتاب) ، بِصِيغَة الْمَجْهُول من الْفِعْل الْمَاضِي الْمُفْرد. قَوْله: (هَذَا) إِشَارَة إِلَى مَا تصور فِي الذِّهْن. قَوْله: (مَا قاضى) فِي مَحل الرّفْع على أَنه خبر لقَوْله: هَذَا، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: (هَذَا مَا قاضا) ، قيل: هَذَا غلط لِأَنَّهُ لما رأى قَوْله: كتبُوا ظن أَن المُرَاد كتب قُرَيْش، وَلَيْسَ كَذَلِك بل الْمُسلمُونَ هم الَّذين كتبُوا (فَإِن قلت) الْكَاتِب كَانَ وَاحِدًا فَمَا وَجه صِيغَة الْجمع؟ (قلت) : لما كَانَت الْكِتَابَة برأيهم أسندت إِلَيْهِم مجَازًا. قَوْله: (لَا نقرلك بِهَذَا الْأَمر الَّذِي تدعيه) ، وَهُوَ النُّبُوَّة وَقد تقدم فِي الصُّلْح بِلَفْظ: (فَقَالُوا إِلَّا نقربها) أَي: بِالنُّبُوَّةِ. قَوْله: (لَو نعلم أَنَّك رَسُول الله مَا منعناك شَيْئا) ، وَزَاد فِي رِوَايَة يُوسُف: (ولبايعناك) ، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان عَن عبيد الله بن مُوسَى شيخ البُخَارِيّ فِيهِ: (مَا منعناك بَيته) ، وَفِي رِوَايَة شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق: (لَو كنت رَسُول الله لم نقاتلك) ، وَفِي حَدِيث أنس: لاتبعناك، وَفِي حَدِيث الْمسور: (فَقَالَ سُهَيْل بن عمر: وَالله لَو كُنَّا نعلم أَنَّك رَسُول الله مَا صَدَدْنَاك عَن الْبَيْت وَلَا قَاتَلْنَاك) ، وَفِي رِوَايَة أبي الْأسود عَن عُرْوَة فِي الْمَغَازِي: (فَقَالَ سُهَيْل: ظَلَمْنَاك إِن أقرر نالك بهَا ومنعناك) ، وَفِي رِوَايَة عبد الله ابْن مُغفل: (لقد ظَلَمْنَاك إِن كنت رَسُولا) . قَوْله: (امح) بِضَم الْمِيم من محا يمحو قَوْله (رَسُول الله) بِالنّصب لِأَنَّهُ مفعول امح وَلَكِن تَقْدِيره امح لفظ رَسُول الله قَوْله (قَالَ عَليّ: لَا وَالله لَا أمحوك أبدا) ، أَي: لَا أمحو إسمك أبدا، وَإِنَّمَا لم يمتثل الْأَمر لِأَنَّهُ علم بالقرائن أَن أمره، عَلَيْهِ السَّلَام، لم يكن متحتماً. قَوْله: (وَلَيْسَ يحسن يكْتب) ، أَي: وَالْحَال أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ يحسن الْكِتَابَة (هَذَا مَا قاضى) (فَإِن قلت) قَالَ الله تَعَالَى: {الرَّسُول النَّبِي الْأُمِّي} (الْأَعْرَاف: 157) والأمي لَا يحسن الْكِتَابَة، فَكيف كتب؟ (قلت) : فِيهِ أجوبة. (الأول) : أَن الْأُمِّي من لَا يحسن الْكِتَابَة لَا من لَا يكْتب. (الثَّانِي) : أَن الْإِسْنَاد فِيهِ مجازي، إِذْ هُوَ الْآمِر بهَا. وَقَالَ السُّهيْلي: وَالْحق أَن قَوْله: فَكتب، أَي: أَمر عليا أَن يكْتب. قلت: هُوَ بِعَيْنِه الْجَواب الثَّانِي. (الثَّالِث) : أَنه كتب بِنَفسِهِ خرقاً للْعَادَة على سَبِيل المعجزة، وَأنكر بعض الْمُتَأَخِّرين على أبي مَسْعُود نِسْبَة هَذِه اللَّفْظَة أَعنِي قَوْله: (لَيْسَ يحسن يكْتب) إِلَى تَخْرِيج البُخَارِيّ، وَقَالَ: لَيست هَذِه اللَّفْظَة فِي البُخَارِيّ وَلَا فِي مُسلم، وَهُوَ كَمَا قَالَ: لَيْسَ فِي مُسلم هَذَا، وَلَكِن ثبتَتْ هَذِه اللَّفْظَة فِي البُخَارِيّ، وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان عَن عبيد الله بن مُوسَى مثل مَا هِيَ هُنَا سَوَاء، وَكَذَا أخرجهَا أَحْمد عَن يحيى بن الْمثنى عَن إِسْرَائِيل. وَلَفظه: (فَأخذ الْكتاب) ، وَلَيْسَ يحسن أَن يكْتب فَكتب مَكَان رَسُول الله: هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله. قَوْله: (لَا يدْخل) بِضَم الْيَاء: من الإدخال، وَالسِّلَاح مَنْصُوب بِهِ. قَوْله: (وَأَن لَا يخرج) ، على صِيغَة الْمَعْلُوم. قَوْله: (فِي القراب) ، وقراب السَّيْف جفْنه وَهُوَ وعَاء يكون فِيهِ السَّيْف بغمده. قَوْله: فَلَمَّا دَخلهَا) ، أَي: فِي الْعَام الْمقبل. قَوْله: (وَمضى الْأَجَل) ، أَي: ثَلَاثَة أَيَّام. قَوْله: (قل لصاحبك: أخرج عَنَّا) ، أَرَادَ بِصَاحِب عليٍّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،(17/263)
وَفِي رِوَايَة يُوسُف: (مر صَاحبك فليرتحل) . قَوْله: (فتبعته ابْنة حَمْزَة) هَكَذَا رَوَاهُ الْبَارِي مَعْطُوفًا على إِسْنَاد الْقِصَّة الَّتِي قبله، وَكَذَا أخرجه النَّسَائِيّ عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان عَن عبيد الله بن مُوسَى، وَكَذَا أخرجه الْحَاكِم فِي (الإكليل) وَادّعى الْبَيْهَقِيّ أَن فِيهِ إدراجاً لِأَن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة رَوَاهُ عَن أبي إِسْحَاق مفصلا فَأخْرج مُسلم والإسماعيلي الْقِصَّة الأولى من طَرِيقه عَن أبي إِسْحَاق حَدِيث الْبَراء فَقَط، وَأخرج الْبَيْهَقِيّ قصَّة بنت حَمْزَة من طَرِيقه عَن ابي اسحاق من حَدِيث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ واخرج ابو دَاوُد من طَرِيق اسماعيل بن جَعْفَر عَن إِسْرَائِيل قصَّة بنت حَمْزَة خَاصَّة من حَدِيث عَليّ بِلَفْظ: لما خرجنَا من مَكَّة تبعتنا بنت حَمْزَة الحَدِيث قيل: لَا إدراج فِيهِ لِأَن الحَدِيث كَانَ عِنْد إِسْرَائِيل وَكَذَا عِنْد عبيد الله بن مُوسَى عَنهُ بالإسنادين جَمِيعًا، لكنه فِي الْقِصَّة الأولى من حَدِيث الْبَراء أتم، وبالقصة الثَّانِيَة من حَدِيث عَليّ أتم، وَاسم ابْنة حَمْزَة: عمَارَة، وفيل: فَاطِمَة، وَقيل: أُمَامَة، وَقيل: أمة الله، وَقيل: سلمى، وَالْأول أشهر. قَوْله: (تنادي يَا عَم) إِنَّمَا خاطبت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بذلك إجلالاً لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ ابْن عَمها. أَو بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَون حَمْزَة أَخَاهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الرضَاعَة. قَوْله: (دُونك) من أَسمَاء الْأَفْعَال مَعْنَاهُ: خذيها، وَهِي كلمة تسْتَعْمل فِي الإغراء بالشَّيْء. قَوْله: (جُمْلَتهَا) بِصِيغَة الْفِعْل الْمَاضِي بتَخْفِيف الْمِيم. قيل: أَصله: فحملتها بِالْفَاءِ وَكَأَنَّهَا سَقَطت، وَكَذَا بِالْفَاءِ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد. وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن السَّرخسِيّ والكشميني: حمليها بتَشْديد الْمِيم بِصُورَة الْأَمر من التحميل، وَقد مر فِي الصُّلْح فِي هَذَا الْموضع للكشميهني: إحمليها أكر من الإحمال، وروى الْحَاكِم من مُرْسل الْحسن، فَقَالَ عَليّ لفاطمة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَهِي فِي هودجها: إمسكيها عنْدك، وَعند ابْن سعد من مُرْسل مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن الباقر بِإِسْنَاد صَحِيح إِلَيْهِ: فَبَيْنَمَا بنت حَمْزَة تَطوف فِي الرّحال إِذْ أَخذ عَليّ بِيَدِهَا فألقاها إِلَى فَاطِمَة فِي هودجها. قَوْله: (فاختصم فِيهَا) أَي: فِي بنت حَمْزَة عَليّ بن أبي طَالب، وَزيد بن حَارِثَة، وجعفر أَخُو عَليّ، أَرَادَ أَن كلاَّ مِنْهُم أَرَادَ أَن تكون ابْنة حَمْزَة عِنْده، وَكَانَت الْخُصُومَة فِيهَا بعد قدومهم الْمَدِينَة، وَثَبت ذَلِك فِي حَدِيث عَليّ عِنْد أَحْمد وَالْحَاكِم. فَإِن قلت: زيد بن حَارِثَة لَيْسَ أَخا لِحَمْزَة لَا نسبا وَلَا رضَاعًا، فَكيف اخْتصم؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: آخى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَينه وَبَين حَمْزَة. انْتهى. قلت: ذكر الْحَاكِم فِي (الإكليل) وَأَبُو سعيد فِي (شرف الْمُصْطَفى) من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِسَنَد صَحِيح أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ آخى بَين حَمْزَة وَزيد بن حَارِثَة، وَأَن عمَارَة بنت حَمْزَة كَانَت مَعَ أمهَا بِمَكَّة. قلت اسْم أمهَا سلمى بنت عُمَيْس وَهِي مَعْدُودَة فِي الصَّحَابَة. فَإِن قلت: كَيفَ تركت عِنْد أمهَا فِي دَار الْحَرْب؟ قلت: أما أَن أمهَا لم تكن أسلمت إلاَّ بعد هَذِه الْقَضِيَّة، وَأما أَنَّهَا قد مَاتَت، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَن عليا قَالَ لَهُ: كَيفَ تتْرك إبنة عمك مُقِيمَة بَين ظهراني الْمُشْركين؟ فَإِن قلت: كَيفَ أخذوها وَفِيه مُخَالفَة لكتاب الْعَهْد؟ قلت: قد تقدم فِي كتاب الشُّرُوط: أَن النِّسَاء الْمُؤْمِنَات لم يدخلن فِي الْعَهْد، وَلَئِن سلمنَا كَون الشَّرْط عَاما وَلَكِن لَا نسلم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أخرجهَا وَوَقع فِي (مغازي سُلَيْمَان التَّيْمِيّ) أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما رَجَعَ إِلَى أَهله وجد بنت حَمْزَة، فَقَالَ لَهَا: مَا أخرجك؟ قَالَت: رجل من أهلك، وَلم يكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَمر بإخراجها. وَفِي حَدِيث عَليّ عِنْد أبي دَاوُد: أَن زيد بن حَارِثَة أخرجهَا من مَكَّة. قَوْله: (وخالتها تحتي) أَي: زَوْجَتي، وَاسْمهَا: أَسمَاء بنت عُمَيْس. قَوْله: (وَالْخَالَة بِمَنْزِلَة الْأُم) أَي فِي الحنو والشفقة وَإِقَامَة حث الصَّغِير، وَقَالَ بَعضهم: لَا حجَّة فِيهِ لمن زعم أَن الْخَالَة تَرث لِأَن الْأُم تَرث. قلت: هِيَ من ذَوي الْأَرْحَام، قَالَ الله تَعَالَى: {وألو الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض فِي كتاب الله} (الْأَنْفَال: 75) وعَلى هَذَا كَانَت الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، حَتَّى روى أَن عمر، رَضِي الله عَنهُ، قضى فِي عَم لأم وَخَالَة، أعْطى الْعم الثُّلثَيْنِ وَالْخَالَة الثُّلُث، والْحَدِيث لَا يُنَافِي تَوْرِيث الْخَالَة، بل ظَاهره يدل عَلَيْهِ من حَيْثُ الْعُمُوم. قَوْله: (وَقَالَ لعَلي) أَي: وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لعَلي بن أبي طَالب: أَنْت مني وَأَنا مِنْك. أَي: فِي النّسَب والصهر والسابقة والمحبة وَغير ذَلِك، وَلم يرد مَحْض الْقَرَابَة، وإلاَّ فجعفر شَرِيكه فِيهَا. قَوْله: (وَقَالَ لجَعْفَر: أشبهت خلقي وَخلقِي) . بِفَتْح الْخَاء فِي الأول وَضمّهَا فِي الثَّانِي (أما الأول) : فَالْمُرَاد بِهِ الصُّورَة، فقد شَاركهُ فِيهَا جمَاعَة مِمَّن رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قيل: هم عشرَة أنفس غير فَاطِمَة، وَقيل: أَكثر من عشرَة مِنْهُم: إِبْرَاهِيم ولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعبد الله وَعون ولدا جَعْفَر، وَإِبْرَاهِيم بن الْحسن بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب، وَيحيى بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ، وَالقَاسِم بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل بن أبي(17/264)
طَالب، وَمِنْهُم: عَليّ بن عباد بن رِفَاعَة الرِّفَاعِي، شيخ بصرى من أَتبَاع التَّابِعين. (وَأما الثَّانِي) أَعنِي شبهه فِي الْخلق فمخصوص بِجَعْفَر، وَهَذِه منقبة عَظِيمَة لَهُ قَالَ الله تَعَالَى: {وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم} (الْقَلَم: 4) . قَوْله: (وَقَالَ لزيد: أَنْت أخونا) يَعْنِي فِي الْإِيمَان، (ومولانا) يَعْنِي من جِهَة أَنه أعْتقهُ، وَهُوَ الْمولى الْأَسْفَل، وَقد طيب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خواطر الْجَمِيع لكل أحد بِمَا يُنَاسِبه. قَوْله: (وَقَالَ عَليّ) رَضِي الله عَنهُ. وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور أَولا. قَوْله: (إِنَّهَا) أَي: بنت حَمْزَة (إبنة أخي من الرضَاعَة) وَذَلِكَ أَن ثوبية، بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح الْوَاو وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: مولاة أبي لَهب، أرضعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي (تَجْرِيد الصَّحَابَة) إِن ثويبة أسلمت.
4252 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ حَدثنَا سُرَيْجٌ حَدثنَا فُلَيْحٌ ح قَالَ وحدَّثَني مُحَمَّدُ بنُ الحسَيْنِ بنِ إبرَاهِيمَ قَالَ حدَّثني أبي حدَّثنا فُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ عَن نافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عنهُما أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرَجَ مُعْتَمِراً فَحالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وبَيْنَ البَيْتِ فنَحَرَ هَدْيه وحَلَقَ رأسَهُ بالحُدَيْبِيةِ وقاضاهُمْ عَلَى أنْ يَعْتَمِرَ العامَ المُقْبِلَ ولاَ يَحْمِلَ سِلاَحاً عَلَيْهِمْ إلاَّ سُيُوفاً وَلَا يُقِيمَ بِها إلاَّ مَا أحَبُّوا فاعتَمَرَ منَ العامِ المُقْبِلِ فدَخَلَهَا كمَا كانَ صالَحَهُمْ فَلَمَّا أنْ أقامَ بهَا ثَلاثاً أمَرُوهُ أَنْ يَخْرُج فَخَرَجَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ فِي عمْرَة الْقَضَاء. وَأخرجه من طَرِيقين: (الأول) : عَن مُحَمَّد بن رَافع بن أبي زيد النَّيْسَابُورِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ عَن البُخَارِيّ مُحَمَّد بن رَافع، وَوَقع لبَعض رُوَاة الْفربرِي: حَدثنِي مُحَمَّد هُوَ ابْن رَافع، وَهُوَ يروي عَن سُرَيج، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفِي آخِره جِيم: ابْن النُّعْمَان أبي الْحُسَيْن الْبَغْدَادِيّ الْجَوْهَرِي، وَهُوَ شيخ البُخَارِيّ أَيْضا روى عَنهُ بِوَاسِطَة، وروى عَن مُحَمَّد غير مَنْسُوب فِي الْحَج، مَاتَ سنة سبع عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ يروي عَن فليح، بِضَم الْفَاء وَفتح اللَّام وَفِي آخِره حاء مُهْملَة ابْن سُلَيْمَان بن أبي الْمُغيرَة، وَكَانَ اسْمه عبد الْملك ولقبه فليح فغلب على اسْمه، وَهُوَ يروي عَن نَافِع مولى ابْن عمر عَن عبد الله بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَهَذَا الطَّرِيق بِعَيْنِه سنداً ومتناً مضى فِي كتاب الصُّلْح فِي: بَاب الصُّلْح مَعَ الْمُشْركين. (الطَّرِيق الثَّانِي) عَن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن أشكاب الْبَغْدَادِيّ، يروي عَن أَبِيه الْحُسَيْن بن إِبْرَاهِيم الْخُرَاسَانِي، سكن بَغْدَاد وَطلب الحَدِيث وَلزِمَ أَبَا يُوسُف وَقد أدْركهُ البُخَارِيّ، فَإِنَّهُ مَاتَ سنة سِتّ عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِأَبِيهِ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع. وَهُوَ يرْوى عَن فليح عَن نَافِع عَن ابْن عمر.
قَوْله: (خرج مُعْتَمِرًا) يَعْنِي: بِالْحُدَيْبِية. قَوْله: (إِلَّا سيوفاً) يَعْنِي: فِي قرابها. قَوْله: (إِلَّا مَا أَحبُّوا) هُوَ مُجمل بيّنه فِي حَدِيث الْبَراء أَنهم اتَّفقُوا على ثَلَاثَة أَيَّام. قَوْله: (فَلَمَّا أَن أَقَامَ بهَا) أَي:: فَلَمَّا أَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة ثَلَاثًا أَي: ثَلَاثَة أَيَّام. وَقَالَ ابْن التِّين. قَوْله: (ثَلَاثًا) يُخَالف قَوْله: إلاَّ مَا أَحبُّوا ورد عَلَيْهِ بِأَن محبتهم لما كَانَت ثَلَاثَة أَيَّام أفْصح بهَا الرَّاوِي بقوله: ثَلَاثًا، مَعَ الْبَيَان فِي حَدِيث الْبَراء كَمَا ذكرنَا.
4253 - حدَّثني عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ حدَّثنا جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ عنْ مجاهِدٍ قَالَ دَخلْتُ أَنا وعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ المَسْجِدَ فإذَا عبْدُ الله بنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا جالِسٌ إِلَى حُجْرةِ عائِشَةَ ثُمَّ قَالَ كَمِ اعْتَمَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أرْبَعاً إحْدَاهُمَّ فِي رَجَبٍ. . ثمَّ سَمِعْنا اسْتَنانَ عائِشَةَ قَالَ عرْوَةُ يَا أمَّ المُؤمنينَ ألاَ تَسْمَعِينَ مَا يقُولُ أبُو عبْدِ الرَّحْمانِ إنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتَمَرَ أرْبَعَ عُمَرٍ إحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ فَقَالَتْ مَا اعْتَمَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُمْرَةً إلاَّ وهْوَ شاهِدُهُ وَمَا اعْتَمَرَ فِي رجَبٍ قَطُّ. .(17/265)
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أَرْبعا) لِأَن إِحْدَاهُنَّ عمْرَة الْقَضَاء والْحَدِيث مضى بأتم مِنْهُ فِي الْحَج فِي: بَاب كم اعْتَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن جرير بن عبد الحميد عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن مُجَاهِد إِلَى آخِره.
قَوْله: (استنان عَائِشَة) من اسْتنَّ الرجل إِذا استاك. قَوْله: (أَلا تسمعين؟) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ألم تسمعي؟ قَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: ألم تسمعين؟ وَهُوَ على لُغَة من لَا يُوجب الْجَزْم بأدواته. قَوْله: (أَبُو عبد الرَّحْمَن) هُوَ كنية عبد الله بن عمر. قَوْله: (ألاَّ وَهُوَ شَاهده) أَي: إلاَّ وَالْحَال أَن عبد الله بن عمر شَاهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. أَي: حَاضر عِنْده. قَوْله: (وَمَا اعْتَمر فِي رَجَب قطّ) هَذَا رد لقَوْل ابْن عمر لما قَالَه فِي هَذَا الحَدِيث: أَربع إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَب أَي: أَربع عمر إِحْدَاهُنَّ فِي شهر رَجَب، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي: بَاب كم اعْتَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
4255 - حدَّثنا عليُّ بنُ عبْدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ عنْ إسْماعِيلَ بنِ أبي خالِدٍ سَمِعَ ابنَ أبي أوْفَى يقُولُ لمَّا اعْتَمَرَ رَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَتَرْناهُ منْ غِلْمانِ المُشْرِكِينَ ومِنْهُمْ أنْ يُؤْذُوا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: لما اعْتَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن المُرَاد مِنْهُ عمْرَة الْقَضَاء، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَابْن أبي أوفى هُوَ عبد الله بن أبي أوفى.
والْحَدِيث مضى فِي غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن ابْن نمير عَن يعلى عَن إِسْمَاعِيل عَن عبد الله بن أبي أوفى، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (عَن إِسْمَاعِيل) وَفِي رِوَايَة الْحميدِي: حَدثنَا إِسْمَاعِيل قَوْله: (وَمِنْهُم) أَي: وَمن الْمُشْركين. قَوْله: (أَن يؤذوا) أَي: خشيَة أَن يؤذوه. وَقَالَ ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان بِلَفْظ: لما قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة وَطَاف بِالْبَيْتِ فِي عمْرَة الْقَضِيَّة كُنَّا نستره من السُّفَهَاء وَالصبيان مَخَافَة أَن يؤذوه. وَفِي لفظ الْإِسْمَاعِيلِيّ: كُنَّا نستره من صبيان أهل مَكَّة لَا يؤذونه.
4256 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا حَمَّادٌ هُوَ ابنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْحابُهُ فَقَال المُشْرِكونَ إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَفْدٌ وهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ وأمَرَهُمُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يَرْمُلُوا الأشْواطَ الثَّلاَثَةَ وأنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ ولَمْ يَمْنَعْهُ أنْ يأمُرَهُمْ أنْ يَرْمُلُوا الأشْوَاطَ كُلَّها إلاَّ الإبْقاءُ عَلَيْهِمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه) أَي: مَكَّة لأجل عمْرَة الْقَضَاء. والْحَدِيث قد مر فِي الْحَج فِي: بَاب كَيفَ كَانَ بَدْء الرمل، بِعَيْنِه سنداً ومتناً. وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (وَفد) ، بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْفَاء أَي: ثوم، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن السكن. وَقد بِالْقَافِ، فالواو للْعَطْف وَقد بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الدَّال للتحقيق، وَقَالَ بَعضهم: إِنَّه خطأ وَلم يبين وَجه الْخَطَأ: هَل هُوَ من حَيْثُ الرِّوَايَة أَو من حَيْثُ الْمَعْنى؟ وَلَا خطأ أصلا من حَيْثُ الْمَعْنى، فَإِن قَالَ: الْخَطَأ من حَيْثُ الرِّوَايَة فَعَلَيهِ الْبَيَان. قَوْله: (وهنهم) ، أَي: أضعفهم، ويروى: وهنتهم بتأنيث الْفِعْل، ويروي: أوهنتهم، بِزِيَادَة الْألف فِي أَوله. قَوْله: (يقرب) هُوَ إسم الْمَدِينَة، كانف ي الْجَاهِلِيَّة. قَالَ ابْن عَبَّاس: ذكرهَا بِاعْتِبَار مَا كَانَ. قَوْله: (إلاَّ الْإِبْقَاء) ، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالقاف، أَي: الرِّفْق بهم والشفقة عَلَيْهِم، وَالْمعْنَى: لم يمنعهُ أَن يَأْمُرهُم بالرمل فِي جَمِيع الأطواق إلاَّ الرِّفْق بهم. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يجوز الْإِبْقَاء بِالرَّفْع على أَنه فَاعل، لم يمنعهُ، أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبِالنَّصبِ على وَجه التَّعْلِيل أَي: لأجل الْإِبْقَاء. وَالْمعْنَى: لم يمْنَع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من أمره إيَّاهُم بالرمل فِي كل الطوفات إلاَّ الْأَجَل إبقائهم فِي الرِّفْق شَفَقَة عَلَيْهِم، وَقَالَ بَعضهم فِي وَجه النصب: يكون فِي: يمنعهُ، ضمير عَائِد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ فَاعله. قلت: هَذَا لَيْسَ بِصَحِيح، وَلَيْسَ فِي: يمنعهُ، ضمير مستتر، وَإِنَّمَا الضَّمِير البارز فِيهِ يرجع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وفاعل يمْنَع هُوَ قَوْله: (أَن يَأْمُرهُم) أَي: بِأَن يَأْمُرهُم. وَكلمَة أَن، مَصْدَرِيَّة. وَالتَّقْدِير: هُوَ الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن.
وزَادَ ابنُ سُلَمَة عنْ أَيُّوبَ عنْ سَعِيد بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ قَالَ لمَّا قَدِمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ(17/266)
وَسلم لعامِهِ الذِي اسْتَأْمنَ قَالَ ارْمُلُوا لِيَرَى المُشْرِكُونَ قُوَّتَهُمْ والمُشْرِكُونَ منْ قِبَلِ قُعَيْقعانَ.
هَذَا تَعْلِيق، وَابْن سَلمَة هُوَ حَمَّاد بن سَلمَة وَقد شَارك حَمَّاد بن زيد فِي رِوَايَته لَهُ عَن أَيُّوب، وَزَاد عَلَيْهِ تعْيين مَكَان الْمُشْركين وَهُوَ جبل قعيقعان، مُقَابل لأبي قبيس، وَهُوَ بِضَم الْقَاف الأولى وَكسر الثَّانِيَة وَفتح الْعَينَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق الْإِسْمَاعِيلِيّ نَحوه، وَزَاد فِي آخِره: فَلَمَّا رملوا قَالَ الْمُشْركُونَ: مَا وهنتهم. قَوْله: (لعامه الَّذِي استأمن) وَهُوَ عَام الْحُدَيْبِيَة. قَوْله: (ليرى الْمُشْركُونَ) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل، ويروى ليرى الْمُشْركين. بِضَم الْيَاء أَي ليرى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قُوَّة الْمُسلمين. قَوْله: (من قبل) أَي: من جِهَة جبل قعيقعان، وَكَانُوا مشرفين من عَلَيْهِ.
4257 - حدَّثني مُحَمَّدٌ عنْ سُفْيانَ بن عُيَيْنَةَ عنْ عَمْروٍ عنْ عَطاءٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ إنَّما سعَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالْبَيْتِ وبَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ لِيُرِيَ المُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ. .
هَذَا وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس أخرجه عَن مُحَمَّد هُوَ ابْن سَلام عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دين ار عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس قَوْله: (إِنَّمَا سعى) أَي: رمل وَمَعْنَاهُ: هرول. قَوْله: (ليرى) ، أَي: لِأَن يرى من الإراءة أَي: لأجل إراءتَه إيَّاهُم قوته يَعْنِي: بِأَنَّهُ قوي لم يُؤثر فِيهِ الْحمى وَلَا غَيرهَا.
4258 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْماعِيل حدّثنا وُهَيْبٌ حَدثنَا أيُّوبُ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ تَزَوَّجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَيْمُونَةَ وهْوَ مُحَرّمٌ وبَنى بِها وهوَ حَلاَلٌ وماقتْ بِسَرِفَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن تزَوجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَيْمُونَة كَانَ فِي عمْرَة الْقُضَاة، ووهيب مصغر وهبَ ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ والْحَدِيث قد مر فِي الْحَج فِي: بَاب ترويج الْمحرم، من غير الطَّرِيق الْمَذْكُور فَإِنَّهُ أخرجه عَن أبي الْمُغيرَة عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تزوج مَيْمُونَة وَهُوَ محرم، وَلَيْسَ فِيهِ، وَبنى بهَا إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. (وسرف) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وبالفاء، قَالَ الْكرْمَانِي: مَوضِع بَين الْحَرَمَيْنِ. قلت: على سِتَّة أَمْيَال من مَكَّة.
4259 - قَالَ أبُو عبْدِ الله وزَادَ بنُ إسْحاقَ حدّثني ابنُ أبي نَجِيحٍ وأبانُ بنُ صالحٍ عنْ عَطاءٍ ومُجاهِدٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ تَزَوَّج النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَيْمُونَةَ فِي عمْرَةِ القَضاءِ. .
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَلَيْسَ هَذَا فِي كثير من النّسخ، وَابْن إِسْحَاق هُوَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب (السِّيرَة) وَابْن أبي نجيح هُوَ عبد الله بن أبي نجيح، بِفَتْح النُّون وَكسر الْجِيم وَفِي آخِره حاء مُهْملَة واسْمه: يسَار. وَهَذَا تَعْلِيق وَصله ابْن إِسْحَاق فِي (السِّيرَة) ومَيْمُونَة هِيَ بنت الْحَارِث، وَكَانَ الَّذِي زوجه إِيَّاهَا الْعَبَّاس، وَكَانَت قبله تَحت أبي رهم بن عبد الْعزي، وَقيل: تَحت أَخِيه حويطب، وَقيل: سَخْبَرَة بن أبي رهم، وَأمّهَا هِنْد بنت عَوْف الْهِلَالِيَّة.
4258 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْماعِيل حدّثنا وُهَيْبٌ حَدثنَا أيُّوبُ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ تَزَوَّجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَيْمُونَةَ وهْوَ مُحَرّمٌ وبَنى بِها وهوَ حَلاَلٌ وماقتْ بِسَرِفَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن تزَوجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَيْمُونَة كَانَ فِي عمْرَة الْقُضَاة، ووهيب مصغر وهبَ ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ والْحَدِيث قد مر فِي الْحَج فِي: بَاب ترويج الْمحرم، من غير الطَّرِيق الْمَذْكُور فَإِنَّهُ أخرجه عَن أبي الْمُغيرَة عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تزوج مَيْمُونَة وَهُوَ محرم، وَلَيْسَ فِيهِ، وَبنى بهَا إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. (وسرف) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وبالفاء، قَالَ الْكرْمَانِي: مَوضِع بَين الْحَرَمَيْنِ. قلت: على سِتَّة أَمْيَال من مَكَّة.
4259 - قَالَ أبُو عبْدِ الله وزَادَ بنُ إسْحاقَ حدّثني ابنُ أبي نَجِيحٍ وأبانُ بنُ صالحٍ عنْ عَطاءٍ ومُجاهِدٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ تَزَوَّج النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَيْمُونَةَ فِي عمْرَةِ القَضاءِ. .
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَلَيْسَ هَذَا فِي كثير من النّسخ، وَابْن إِسْحَاق هُوَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب (السِّيرَة) وَابْن أبي نجيح هُوَ عبد الله بن أبي نجيح، بِفَتْح النُّون وَكسر الْجِيم وَفِي آخِره حاء مُهْملَة واسْمه: يسَار. وَهَذَا تَعْلِيق وَصله ابْن إِسْحَاق فِي (السِّيرَة) ومَيْمُونَة هِيَ بنت الْحَارِث، وَكَانَ الَّذِي زوجه إِيَّاهَا الْعَبَّاس، وَكَانَت قبله تَحت أبي رهم بن عبد الْعزي، وَقيل: تَحت أَخِيه حويطب، وَقيل: سَخْبَرَة بن أبي رهم، وَأمّهَا هِنْد بنت عَوْف الْهِلَالِيَّة.
44 - (بابُ غَزْوَةِ مُوتةَ مِنْ أرْضِ الشَّامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة موتَة بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْوَاو بِغَيْر همزَة عِنْد أَكثر الروَاة، وَبِه قَالَ الْمبرد، وَقَالَ ثَعْلَب، والجوهري وَابْن فَارس. بِالْهَمْزَةِ الساكنة بعد الْمِيم، وَحكى صَاحب (الواعي) الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ: أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يزِيد، لَا يهمز مَوته. قَوْله: (بِأَرْض الشَّام) . صفة لمَوْته. أَي: كائنة بِأَرْض الشَّام، قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَهِي بِالْقربِ من أَرض البلقاء، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هِيَ على مرحلَتَيْنِ من بَيت الْمُقَدّس، وَالسَّبَب فِيهَا أَن شُرَحْبِيل بن عَمْرو الغساني، وَهُوَ من أُمَرَاء قَيْصر على الشَّام، قتل رَسُولا أرْسلهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى صَاحب بصرى، وإسم الرَّسُول: الْحَارِث بن عُمَيْر، وَلم يقتل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَسُول غَيره، فَجهز لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عسكراً فِي ثَلَاثَة آلَاف وَأمر عَلَيْهِم زيد بن حَارِثَة، فَقَالَ: إِن أُصِيب فجعفر، وَإِن أُصِيب فعبد الله(17/267)
ابْن رَوَاحَة فتجهزوا وعسكروا بالجرف، وأوصاهم أَن يَأْتُوا مقتل الْحَارِث بن عُمَيْر، وَأَن يَدعُوهُم من هُنَاكَ إِلَى الْإِسْلَام فَإِن أجابوا وَإِلَّا فقاتلوهم، وَخرج مشيعاً لَهُم حَتَّى بلغ ثنية الْوَدَاع، وَلما بلغ الْعَدو مَسِيرهمْ جمعُوا لَهُم أَكثر من مائَة ألف، وبلغهم أَن هِرقل قد نزل مآب من أَرض البلقاء فِي مائَة ألف من بهرا، وَوَائِل وَبكر ولخم وجذام. فَقَاتلهُمْ الْمُسلمُونَ وَقَاتل الْأُمَرَاء على أَرجُلهم، فَقتل زيد طَعنا بِالرِّمَاحِ، ثمَّ أَخذ اللِّوَاء جَعْفَر فَنزل عَن فرس لَهُ شقراء فعرقبها فَكَانَت أول فرس عرقب فِي الْإِسْلَام، فقاتل حَتَّى قتل، ضربه رجل من الرّوم فَقَطعه نِصْفَيْنِ، فَوجدَ فِي أحد نصفه بضعَة وَثَلَاثُونَ جرحا، ثمَّ أَخذه عبد الله فقاتل حَتَّى قتل، فَاصْطَلَحَ النَّاس على خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأخذ اللِّوَاء وانكشف النَّاس، فَكَانَت الْهَزِيمَة على الْمُسلمين، وتبعهم الْمُشْركُونَ، فَقتل من قتل من الْمُسلمين وَرفعت الأَرْض لسيدنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا أَخذ خَالِد اللِّوَاء قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْآن حمي الْوَطِيس، وَجعل خَالِد مقدمته ساقة وساقته مُقَدّمَة وميمنته ميسرَة وميسرته ميمنة، فَأنْكر الرّوم ذَلِك، وَقَالُوا: قد جَاءَهُم مدد فرعبوا وانكشفوا منهزمين، فَقتلُوا مِنْهُم مقتلة لم يَقْتُلهَا قوم، وغنم الْمُسلمُونَ بعض أَمْتعَة الْمُشْركين وَفِي (الدَّلَائِل) للبيهقي وَلما أَخذ خَالِد للواء قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه سيف من سيوفك، فَأَنت تنصره، فَمن يومئذٍ سمي خَالِد سيف الله وَذكر فِي (مغازي) أبي الْأسود عَن عُرْوَة بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجَيْش إِلَى مُؤْتَة فِي جُمَادَى من سنة ثَمَان، وَكَذَا قَالَ ابْن إِسْحَاق ومُوسَى بن عقبَة وَغَيرهمَا من أهل الْمَغَازِي، لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِك إلاَّ مَا ذكر خَليفَة فِي (تَارِيخه) أَنَّهَا كَانَت سنة سبع.
4261 - أخْبرنا أَحْمَدُ بنُ أبي بَكْرٍ حدّثنا مُغِيرَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ عبْدِ اللهبنِ سَعْدٍ عنْ نافِعٍ عنْ عبْدِ الله بن عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ أمَّرَ رَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوةِ مَوتَةَ زَيْدَ بنَ حارِثَةَ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنْ قُتِلَ زَيْدٌ فجَعْفَرٌ وَإِن قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ الله بنُ رَوَاحَةَ قَالَ عبْدُ الله كُنْتُ فِيهِمْ فِي تِلْكَ الغَزْوَةِ فالْتَمَسْنا جَعْفَرَ بنَ أبي طالِبٍ فَوَجَدْناهُ فِي القَتْلى وَوَجَدْنا مافي جَسَدِهِ بِضْعاً وتِسْعِينَ منْ طَعْنَةٍ ورَمْيَةٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن أبي بكر اسْمه الْقَاسِم أَبُو حَفْص الْقرشِي الزُّهْرِيّ وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا. مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين سنة. ومغيرة، بِضَم الْمِيم وَكسرهَا وبالألف وَاللَّام وبدونهما ابْن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي، وَهُوَ فِي طبقَة مُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن الخزامي، وَهُوَ أوثق من المَخْزُومِي. وَلَيْسَ للمخزومي فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، وَكَانَ فَقِيه أهل الْمَدِينَة بعد مَالك وَهُوَ صَدُوق، وَعبد الله بن سعد بن أبي هِنْد الْمدنِي، وَفِي رِوَايَة مُصعب: عبد الله(17/268)
ابْن سعيد، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف.
قَوْله: (أمّر) ، بتَشْديد الْمِيم من التأمير. قَوْله: (فجعفر) ، أَي: فالأمير جَعْفَر. قَوْله: (قَالَ عبد الله) أَي: ابْن عمر، وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله: (فالتمسنا جَعْفَر بن أبي طَالب) أَي: بعد قَتله. قَوْله: (فِي الْقَتْلَى) أَي: بَين الْقَتْلَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فادخلي فِي عبَادي} (الْفجْر: 29) أَي: بَين عبَادي. قَوْله: (بضعاً وَتِسْعين) ، وَفِي الرِّوَايَة الْمَاضِيَة: (خمسين) وَلَا تنَافِي بَينهمَا لِأَن الْخمسين كَانَت فِي ظَهره وَهَذَا فِي جَمِيع جسده، وَكَانَ ذَلِك من الطعنات والضربات، وَهَذَا من الطعنات والرميات، وَالْفرق بَينهمَا أَن الطعنة بِالرُّمْحِ والضربة بِالسَّيْفِ والرمية بِالسَّهْمِ مَعَ أَن التَّخْصِيص بِالْعدَدِ لَا يدل على نفي الزَّائِد.
4262 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ واقِدٍ حَدَّثَنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ عنْ أنَسٍ رض الله عَنهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَعَى زَيْداً وجَعْفَراً وابنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أنْ يأتِيهُمْ خَبَرُهُمْ فَقال أخَذَ الرَّايَة زَيْدٌ فأصِيبَ ثُمَّ أخَذَ جَعْفَرٌ فأصيبَ ثُمَّ أخَذَ ابنُ رَوَاحَةَ فأُصِيبَ وَعَيْناهُ تَذْرِفانِ حتَّى أخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ منْ سُيُوفِ الله حتَّى فَتَحَ الله عَلَيْهِمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأحمد بن وَاقد هُوَ أَحْمد بن عبد الْملك بن وَاقد، بِالْقَافِ وَالدَّال الْمُهْملَة: أَبُو يحيى الْحَرَّانِي، وَقد نسبه البُخَارِيّ هُنَا إِلَى جده وَهُوَ من أَفْرَاده، وَحميد بن هُبَيْرَة الْعَدوي الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز عَن أبي معمر وَفِي الْجِهَاد عَن يُوسُف بن يَعْقُوب الصفار وَفِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَفِي فضل خَالِد عَن أَحْمد بن وَاقد أَيْضا.
قَوْله: (نعى زيدا) أَي: أخبر بقتْله. قَوْله: (ثمَّ أَخذ جَعْفَر) أَي: الرَّايَة. قَوْله: (ثمَّ أَخذ ابْن رَوَاحَة) وَهُوَ عبد الله ابْن رَوَاحَة. قَوْله: (وَعَيناهُ) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (تَذْرِفَانِ) ، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَالرَّاء الْمَكْسُورَة أَي: تدفعان الدُّمُوع. قَوْله: (سيف من سيوف الله) أَرَادَ بِهِ خَالِد بن الْوَلِيد، فَمن يومئذٍ سمي خَالِد: سيف الله.
وَفِيه: جَوَاز الْإِعْلَام بِمَوْت الْمَيِّت، وَلَا يكون ذَلِك من النعي الْمنْهِي عَنهُ. وَفِيه: جَوَاز تَعْلِيق الْإِمَارَة بِشَرْط، وَجَوَاز تَوْلِيَة عدَّة أُمَرَاء بالترتيب، وَاخْتلفُوا: أهل تَنْعَقِد تَوْلِيَة الثَّانِي فِي الْحَال أم لَا؟ وَفِيه: جَوَاز التأمير بِغَيْر مؤمر، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: هَذَا أصل يُؤْخَذ مِنْهُ أَن على الْمُسلمين أَن يقدموا رجلا إِذا غَابَ الإِمَام يقوم مقَامه إِلَى أَن يحضر. وَفِيه: جَوَاز الِاجْتِهَاد فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِيه: علم ظَاهر من أَعْلَام النُّبُوَّة. وَفِيه: فَضِيلَة تَامَّة لخَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
273 - (حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا عبد الْوَهَّاب قَالَ سَمِعت يحيى بن سعيد قَالَ أَخْبَرتنِي عمْرَة قَالَت سَمِعت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا تَقول لما جَاءَ قتل ابْن حَارِثَة وجعفر بن أبي طَالب وَعبد الله بن رَوَاحَة رَضِي الله عَنْهُم جلس رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يعرف فِيهِ الْحزن قَالَت عَائِشَة وَأَنا أطلع من صائر الْبَاب تَعْنِي من شقّ الْبَاب فَأَتَاهُ رجل فَقَالَ أَي رَسُول الله إِن نسَاء جَعْفَر قَالَ وَذكر بكاءهن فَأمره أَن ينهاهن قَالَ فَذهب الرجل ثمَّ أَتَى فَقَالَ قد نَهَيْتُهُنَّ وَذكر أَنه لم يطعنه قَالَ فَأمر أَيْضا فَذهب ثمَّ أَتَى فَقَالَ وَالله لقد غلبننا فَزَعَمت أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فاحث فِي أفواههن من التُّرَاب قَالَت عَائِشَة فَقلت أرْغم الله أَنْفك فوَاللَّه مَا أَنْت تفعل وَمَا تركت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من العناء) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعبد الْوَهَّاب هُوَ ابْن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَعمرَة بنت عبد الرَّحْمَن بن سعد والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز فِي بَاب من جلس عِنْد الْمُصِيبَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن عبد الْوَهَّاب إِلَى آخِره قَوْله " لما جَاءَ قتل زيد " أَي خبر قَتله يحْتَمل أَن يكون ذَلِك على لِسَان قَاصد جَاءَ من الْجَيْش وَيحْتَمل أَن يكون على لِسَان جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا دلّ عَلَيْهِ حَدِيث أنس الَّذِي قبله قَوْله " جلس رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَي فِي الْمَسْجِد وَكَذَا فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق(17/269)
الْمقدمِي عَن عبد الْوَهَّاب قَوْله " يعرف فِيهِ الْحزن للرحمة الَّتِي فِي قلبه " وَلَا يُنَافِي ذَلِك الرِّضَا بِالْقضَاءِ قَوْله " من صائر الْبَاب " بالصَّاد الْمُهْملَة والهمزة بعد الْألف وَقد فسره بقوله تَعْنِي من شقّ الْبَاب وَهَذَا التَّفْسِير إِنَّمَا وَقع فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ فَيكون من الرَّاوِي وَذكر ابْن التِّين وَغَيره أَن الصَّوَاب ضير الْبَاب بِكَسْر الضَّاد وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء وَقَالَ الْجَوْهَرِي الضير شقّ الْبَاب قَوْله أَن نسَاء جَعْفَر ظَاهره يدل على أَنه كَانَت لَهُ نسَاء وَلَكِن لم يعرف لَهُ إِلَّا امْرَأَة وَاحِدَة وَهِي أَسمَاء بنت عُمَيْس فعلى هَذَا يكون مُرَاد الرجل امْرَأَته وَمن انتسب إِلَيْهِ من النِّسَاء وَقَوله أَن نسَاء جَعْفَر خَبره مَحْذُوف تَقْدِيره يبْكين كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي قلت فعلى هَذَا قَوْله قَالَ وَذكر بكائهن سد مسد الْخَبَر ويروى قَالَت يَعْنِي عَائِشَة وَالضَّمِير فِي ذكر يرجع إِلَى الرجل وعَلى رِوَايَة قَالَ بالتذكير يكون فِيهِ إدراج من الرَّاوِي قَوْله أَن ينهاهن قيل وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر أَن يأتيهن من الْإِتْيَان وَالظَّاهِر أَنه محرف قَوْله " وَذكر أَنه لم يطعنه " وَفِي رِوَايَة الْكشميهني وَذكر أَنَّهُنَّ لم يطعنه بِضَم الْيَاء من الإطاعة قَوْله لقد غلبننا أَي فِي عدم الإطاعة قَوْله فاحث أَمر من حثا يحثو وحثى يحثي إِذا رمى فعلى هَذَا يجوز فِي الثَّاء فِي ثاء فاحث الضَّم وَالْكَسْر قَوْله أرْغم الله أَنْفك أَي ألصقه بالرغام وَهُوَ التُّرَاب وَهَذَا يسْتَعْمل فِي الْعَجز عَن الانتصاف والانقياد على كره قَوْله فوَاللَّه مَا أَنْت تفعل أَرَادَت لقصورك مَا تفعل مَا أمرت بِهِ وَلَا تخبر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لقصورك عَن ذَلِك حَتَّى يُرْسل غَيْرك قَوْله " وَمَا تركت " رَسُول الله من العناء بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالنُّون وبالمد وَهُوَ التَّعَب وَوَقع فِي رِوَايَة العذري عِنْد مُسلم من الغي بالغين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ مثله وَلَكِن بِالْعينِ الْمُهْملَة
274 - (حَدثنِي مُحَمَّد بن أبي بكر حَدثنَا عمر بن عَليّ عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن عَامر قَالَ كَانَ ابْن عمر إِذا حَيا ابْن جَعْفَر قَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا ابْن ذِي الجناحين) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه يتَعَلَّق بِجَعْفَر الَّذِي اسْتشْهد بمؤتة وَمُحَمّد بن أبي بكر هُوَ الْمقدمِي وَعمر بن عَليّ عَمه وعامر هُوَ الشّعبِيّ قَوْله إِذا حَيا أَي إِذا سلم على ابْن جَعْفَر وَهُوَ عبد الله وَإِنَّمَا لقب بذلك لِأَنَّهُ لما قطعت يَدَاهُ يَوْم مُؤْتَة جعل الله لَهُ جناحين يطير بهما فِي الْجنَّة وَعَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَأَيْت جعفرا يطير فِي الْجنَّة مَعَ الْمَلَائِكَة ولقب بالطيار أَيْضا وروى الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من مُرْسل عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة أَن جناحي جَعْفَر من ياقوت وَقَالَ السُّهيْلي جَنَاحَانِ ليسَا كَمَا يسْبق إِلَى الْوَهم كجناحي الطَّائِر وريشه لِأَن الصُّورَة الْآدَمِيَّة أشرف الصُّور وأكملها وَالْمرَاد بالجناحين صفة ملكية وَقُوَّة روحانية أعطيها جَعْفَر وَقد عبر الْقُرْآن عَن الْعَضُد بالجناح توسعا فِي قَوْله تَعَالَى {واضمم يدك إِلَى جناحك} قلت إِذا لم يثبت خبر فِي بَيَان كيفيتهما فنؤمن بِهِ من غير بحث عَن حقيقتهما وَالله أعلم -
4265 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا سُفْيانُ عنْ إسْماعيلَ عنْ قَيْس بنِ أبي حازِمِ قَالَ سَمِعْتُ خالِدَ بنَ الوَلِيدِ يَقولُ لَقَدِ انْقَطَعَتْ فِي يَدِي يَوْمَ مُوتَةَ تِسْعَةُ أسْيافٍ فَما بَقِيَ فِي يَدِي إلاَّ ضَعِيفَةٌ يَمانِيَّةٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد الأحمسي البَجلِيّ، وَقيس بن أبي حَازِم البَجلِيّ، وَهَؤُلَاء كلهم كوفيون. قَوْله: (صعيفة يَمَانِية) الصعيفة: السَّيْف العريض، واليمانية: بتَخْفِيف الْيَاء على الْأَصَح وَأَصله أَن يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّهَا يَاء النِّسْبَة إلاّ أَنهم خففوها. فَقَالُوا سيف يمَان، وَأَصله يماني.
4266 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدّثنا يَحْيَى عَنْ إسْمَاعيِلَ قَالَ حدّثني قَيْسٌ سَمِعْتُ خالِدٍ ابنَ الوَلِيدِ يَقُولُ لَقَدْ دُقَّ فِي يَدِي يَوْمَ مُوتَةَ تِسْعَةُ أسْيَافٍ وَصَبَرَتْ فِي يَدي صَعِيفَةٌ لِي يَمَانِيَّةٌ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث خَالِد. وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان. قَوْله: (دق) على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: تكسر قطعا قطعا. قَوْله: (وَصَبَرت) أَي: لم تَنْقَطِع وَلم تندق.(17/270)
4267 - حدَّثني عِمْرَانُ بنُ مَيْسَرَةَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ عنْ حُصَيْنٍ عنْ عامِرٍ عنِ النُّعْمانِ إِن بَشِيرٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ اغْمِيَ عَلَى عَبْدِ الله بنِ رَوَاحَةَ فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكي واجبَلاَهْ واكَذَا واكَذَا تُعَدَّدُ عَلَيْهِ فقالَ حِينَ أفاقَ مَا قُلْتِ شَيْئاً إلاَّ قِيلَ لي آنْتَ كَذَلِكَ.
قيل: لَا مُطَابقَة للتَّرْجَمَة فِي ذكر هَذَا الحَدِيث هُنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يدل على أَنه كَانَ فِي غَزْوَة موتَة. قلت: يُمكن أَن يُوَجه ذكره هُنَا بِشَيْء وَإِن كَانَ فِيهِ نوع تعسف، وَهُوَ أَن الْمَذْكُور فِيهِ من جملَة مَا جرى على عبد الله بن رَوَاحَة الْمَذْكُور فِي الْبَاب وَهُوَ الْمَوْت فِيمَا مضى وَالْمَرَض هُنَا.
وحصين، بِضَم الْحَاء هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن، وعامر هُوَ الشّعبِيّ كَمَا مر الْآن.
قَوْله: (أُخْته عمْرَة) هِيَ: وَالِدَة النُّعْمَان بن بشير رَاوِي الحَدِيث، وَوَقع فِي رِوَايَة هشيم عِنْد أبي نعيم، وَفِي مُرْسل أبي عمر أَن الْجونِي عِنْد ابْن سعد: أَنَّهَا أم عبد الله بن رَوَاحَة، قيل: هَذَا خطأ فَاحش، وَاسم أمه كَبْشَة بنت وَاقد قَوْله: (أغمى على عبد الله) يَعْنِي: مرض وَحصل لَهُ الْإِغْمَاء فِي مَرضه: فَلَمَّا رَأَتْ أُخْته عمْرَة هَذِه الْحَالة بَكت وندبت، وَقَالَت نادبة بقولِهَا (واجبلاه) بِالْجِيم وَاللَّام وَالْوَاو فِيهِ للندبة وَهُوَ حرف نِدَاء، وَلكنه يخْتَص بالندبة وَالْهَاء فِيهِ للسكن، وَفِي رِوَايَة هشيم عَن حُصَيْن عِنْد أبي نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) واعضداه، وَفِي مُرْسل الْحسن عِنْد ابْن سعد: واجبلاه واعزاه، وَفِي مُرْسل أبي عمرَان الْجونِي عِنْده واظهراه. قَوْله: (تعدد عَلَيْهِ) أَي: على عبد الله بن رَوَاحَة، وتعدد، بِضَم التَّاء من التعديد، وَهُوَ ذكر أَوْصَاف الْمَيِّت ومحاسنه فِي أثْنَاء الْبكاء. قَوْله: (فَقَالَ) أَي: عبد الله (حِين أَفَاق) من إغمائه مُخَاطبا لأخته عمْرَة: (مَا قلت شَيْئا إلاَّ قيل: أَنْت كَذَلِك؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الْإِنْكَار. أَي: قيل لي هَذَا الْكَلَام على سَبِيل الْإِيذَاء والإهانة، وَفِي مُرْسل أبي عمرَان الْجونِي: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ عَاده، يَعْنِي: عبد الله، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن كَانَ أَجله قد حضر فيسر عَلَيْهِ وإلاَّ فاشفه. قَالَ: فَوجدَ خفَّة، فَقَالَ: كَانَ قد رفع مرزبة من حَدِيد، يَقُول: أَنْت كَذَا؟ فَلَو قلت: نعم لقمعني بهَا.
4268 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدّثنا عَبْثَرٌ عَنْ حُصَيْنٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عنِ النُّعْمانِ بنِ بَشِيرٍ قَالَ أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ الله بنِ رَوَاحَةَ بِهَذَا فَلَمَّا ماتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث النُّعْمَان بن بشير أخرجه عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن عَبْثَر، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وبالراء فِي آخِره ابْن الْقَاسِم الْكُوفِي عَن حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن عَن عَامر الشّعبِيّ. قَوْله: (بِهَذَا) أَي: بِمَا ذكر فِي الحَدِيث الْمَاضِي من قَوْله: فَجعلت أُخْته تبْكي إِلَى آخِره. قَوْله: (فَلَمَّا مَاتَ) أَي: عبد الله فِي غَزْوَة موتَة بلغَهَا الْخَبَر لم تبْكي عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد نهاها عَن الْبكاء فامتثلت أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
4546 - بابُ بَعْثِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ إِلَى الحُرَقاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة مولى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (الحرقات) بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وبالقاف وَهِي قَبيلَة من جُهَيْنَة، وَالظَّاهِر أَنه جمع حرقة، واسْمه: جهيش بن عَامر بن ثَعْلَبَة بن مودعة بن جُهَيْنَة سمي: الحرفة لِأَنَّهُ حرق قوما بِالنَّبلِ فَبَالغ فِي ذَلِك، ذكره ابْن الْكَلْبِيّ، وجهينة بن زيد ابْن لَيْث بن سود بن أسلم بِضَم اللَّام ابْن الحاف بن قضاعة، قَالَ ابْن دُرَيْد الجهن الغلظ فِي الْوَجْه وَفِي الْجِسْم، وَبِه سمي جُهَيْنَة وقضاعة ولد معد بن عدنان، وَقيل: هُوَ فِي الْيمن وَهُوَ ابْن مَالك بن حمير، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: هُوَ من انْقَطع الرجل من أَهله إِذا انْقَطع مِنْهُم وبُعد.
4269 - حدَّثني عَمْرُو بنُ مُحَمَّدٍ حدّثنا هُشَيْنٌ أخبرنَا حصَيْنٌ أخْبَرَنا أبُو ظَبْيَانَ قَالَ سَمعْتُ أسامَةَ بنَ زَيْدٍ رَضِي الله عَنْهُمَا يَقُول بعَثَنا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الحُرَقَةِ فَصَبَّحْنا القَوْمَ(17/271)
فَهَزَمْنَاهُمْ ولَحِقْتُ أَنا ورَجُلٌ منَ الأنْصارِ رجُلاً منْهُمْ فلَمّا غَشَيْنَاهُ قَالَ لَا إل هـ إلاَّ الله فكَفَّ الأنْصَارِيُّ فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حتَّى قتَلْتُهُ فلَمّا قَدِمْنَا بلغَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقال يَا أسامَةُ أقَتَلْتَهُ بَعْدَ أنْ قَالَ لَا إِلَه إلاَّ الله قُلْتُ كَانَ مُتَعَوِّذاً فَما زَالَ يُكَرِّرُها حتَّى تَمَنَّيْتُ أنِّي لَمْ أَكُنْ أسْلَمْتُ قَبْلَ ذالِكَ اليَوْمِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بعثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَلَكِن لَيْسَ فِي هَذَا وَلَا فِي التَّرْجَمَة مَا يدل على أَن أُسَامَة كَانَ أَمِير الْقَوْم، وَهَذِه الْغَزْوَة مَشْهُورَة عِنْد أَصْحَاب الْمَغَازِي بغزوة غَالب اللَّيْثِيّ الْكَلْبِيّ، قَالُوا وَفِيه نزلت: {وَلَا تقولوالمن ألْقى إِلَيْكُم السَّلَام لست مُؤمنا} (النِّسَاء: 94) وَذكر ابْن سعد أَنه كَانَ فِي رَمَضَان سنة سبع وَأَن الْأَمِير كَانَ غَالب بن عبد الله اللَّيْثِيّ، أرْسلهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى بني عَوَالٍ وَبني عبد بن ثَعْلَبَة وهم بالميفعة وَرَاء بطن نخل بِنَاحِيَة نجد، وَبَينهَا وَبَين الْمَدِينَة ثَمَانِيَة برد. فِي مائَة وَثَلَاثِينَ رجلا وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) فَينْظر فِي هَذَا، هَل الْمرجع إِلَى مَا قَالَه البُخَارِيّ أَو إِلَى مَا ذكره أهل التَّارِيخ؟
وَعَمْرو بن مُحَمَّد بن بكير بن سَابُور النَّاقِد الْبَغْدَادِيّ وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وهشيم مصغر هشم إِبْنِ بشير الوَاسِطِيّ، وحصين مصغر حصن. ابْن عبد الرَّحْمَن الْكُوفِي، وَأَبُو ظبْيَان، بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَكسرهَا وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالياء آخر الْحُرُوف. قَالَ النَّوَوِيّ: أهل اللُّغَة يفتحون الظَّاء ويلحنون من يكسرها، وَأهل الحَدِيث يكسرونها، وَكَذَا قَيده ابْن مَاكُولَا وَغَيره، واسْمه حُصَيْن بن جُنْدُب بن عَمْرو، كُوفِي توفّي سنة تسعين.
والْحَدِيث أَخّرهُ البُخَارِيّ أَيْضا فِي الدِّيات عَن عَمْرو بن زُرَارَة النَّيْسَابُورِي عَن هشيم. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَيْمَان: حَدثنَا يَعْقُوب الدَّوْرَقِي، قَالَ: حَدثنَا هشيم، قَالَ: أخبرنَا حُصَيْن قَالَ: حَدثنَا أَبُو ظبْيَان قَالَ: سَمِعت أُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة يحدث، قَالَ: بعثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى الحرقة من جُهَيْنَة فصبحنا الْقَوْم إِلَى آخِره وَنَحْوه وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن الْحسن بن عَليّ وَعُثْمَان بن أبي شيبَة وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير عَن مُحَمَّد بن آدم وَعَن عَمْرو بن عَليّ.
قَوْله: (رجلا) هُوَ ومرداس، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وبالمهملتين: ابْن نهيك، بِفَتْح النُّون وَكسر الْهَاء وبالكاف: الْفَزارِيّ، كَانَ يرْعَى غنما لَهُ. قَوْله: (أقتلته؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الْإِنْكَار. قَوْله: (مُتَعَوِّذًا) أَي: من الْقَتْل قَالَ الْخطابِيّ: وَيُشبه أَن أُسَامَة أول قَوْله تَعَالَى: {فَلم يَك يَنْفَعهُمْ إِيمَانهم لما رَأَوْا بأسنا} (غَافِر: 85) ، فَلذَلِك عزره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلم يلْزمه دِيَة وَنَحْوهَا. قَوْله: (فَمَا زَالَ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يكررها أَي: كلمة (أقتلته) بعد أَن قَالَ لَا إل هـ إلاَّ الله؟ . قَوْله: (حَتَّى تمنيت) إِلَى آخِره، وَهُوَ للْمُبَالَغَة لَا على الْحَقِيقَة، وَيُقَال: مَعْنَاهُ أَنه كَانَ يتَمَنَّى إسلاماً لَا ذَنْب فِي.
280 - (حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا حَاتِم عَن يزِيد بن أبي عبيد قَالَ سَمِعت سَلمَة بن الْأَكْوَع يَقُول غزوت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سبع غزوات وَخرجت فِيمَا يبْعَث من الْبعُوث تسع غزوات مرّة علينا أَبُو بكر وَمرَّة علينا أُسَامَة) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله وَمرَّة علينا أُسَامَة وحاتم بِالْحَاء الْمُهْملَة ابْن إِسْمَاعِيل قد مر عَن قريب وَكَذَلِكَ يزِيد بن أبي عبيد مولى سَلمَة بن الْأَكْوَع وَأخرجه مُسلم أَيْضا عَن قُتَيْبَة فِي الْمَغَازِي قَوْله سبع غزوات وَهِي غزوته مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي عمْرَة الْحُدَيْبِيَة وخيبر وَالْحُدَيْبِيَة وَيَوْم حنين وَيَوْم القرد وغزوة الْفَتْح وغزوة الطَّائِف وغزوة تَبُوك وَهِي آخر الْغَزَوَات النَّبَوِيَّة قَوْله وَخرجت فِيمَا يبْعَث من الْبعُوث وَهُوَ جمع بعث وَهُوَ الْجَيْش سمي بِهِ لِأَنَّهُ يبْعَث ثمَّ يجمع وَأَصله من الْبَعْث الَّذِي بِمَعْنى الْإِرْسَال قَوْله تسع غزوات مِنْهَا سَرِيَّة أبي بكر الصّديق إِلَى بني فَزَارَة ذكره مُسلم وسريته أَيْضا إِلَى بني كلاب ذكره ابْن سعد وَبَعثه إِلَى الْحَج سنة تسع وَمِنْهَا سَرِيَّة أُسَامَة الَّتِي وَقع ذكرهَا فِي الْبَاب وسريته إِلَى ابْني بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ نون مَقْصُورا وَهِي من نواحي(17/272)
البلقاء وَذَلِكَ فِي صفر فَهَذِهِ الْخمس الَّتِي ذكرهَا أَصْحَاب الْمَغَازِي وَلم يذكرُوا غَيرهَا على أَن فِي بعض الرِّوَايَات لم يذكر عدد فِي الْبعُوث قَوْله أُسَامَة هُوَ ابْن زيد بن حَارِثَة
(وَقَالَ عمر بن حَفْص بن غياث حَدثنَا أبي عَن يزِيد بن أبي عبيد قَالَ سَمِعت سَلمَة يَقُول غزوت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سبع غزوات وَخرجت فِيمَا يبْعَث من الْبَعْث تسع غزوات علينا مرّة أَبُو بكر وَمرَّة أُسَامَة) عمر بن حَفْص من شُيُوخ البُخَارِيّ وَرُبمَا يرْوى عَنهُ بِوَاسِطَة وَهنا ذكره مُعَلّقا وَوَصله أَبُو نعيم فِي الْمُسْتَخْرج من طَرِيق أبي بشر إِسْمَاعِيل بن عبد الله عَن عمر بن حَفْص بِهِ -
4272 - حدَّثنا أبُو عاصمٍ الضَّحّاكُ بنُ مَخْلَدٍ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ أبي عُبَيْدٍ عنْ سَلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ غَزٍ وْتُ معَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبْعَ غَزَوَاتٍ وغَزَوْتُ معَ ابنِ حارِثَةَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَيْنَا. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع. وَهَذَا هُوَ الْخَامِس عشر من ثلاثيات البُخَارِيّ. قَوْله: (اسْتَعْملهُ) أَي: جعله أَمِيرا علينا هَكَذَا رَوَاهُ البُخَارِيّ مُبْهما عَن شَيْخه، وَلَعَلَّ وَجه الْإِبْهَام لمُخَالفَته بَقِيَّة رِوَايَات الْبَاب فِي تعْيين أُسَامَة.
4273 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا حَمّادُ بنُ مَسْعَدَةَ عنْ يَزِيدَ بنِ أبي عُبَيْدٍ عنْ سلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ قَالَ غَزَوْتُ معَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبْعَ غَزَوَاتٍ فَذَكَرَ خَيْبَرَ والحُدَيْبِيّةَ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ وَيَوْمَ القَرَدِ قَالَ يَزِيدُ ونَسِيتُ بَقِيَّتَهُمْ. .
هَذَا طَرِيق آخر أخرجه عَن مُحَمَّد بن عبد الله قَالَ الكلاباذي وَالْبرْقَانِي: هُوَ الذهلي، نسبه إِلَى جده، وَهُوَ مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خَالِد بن فَارس، وَكَانَ أَبُو دَاوُد إِذا حدث عَنهُ نسب أَبَاهُ يحيى إِلَى جده فَارس، وَلَا يذكر خَالِدا. وَقيل: إِن مُحَمَّد بن عبد الله هَذَا هُوَ المَخْزُومِي الْبَغْدَادِيّ الْحَافِظ، وَحَمَّاد بن مسْعدَة، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَالدَّال التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ. قَوْله: (وَيَوْم القرد) بِفَتْح الْقَاف وَالرَّاء وبالدال الْمُهْملَة، وَهُوَ مَاء على نَحْو يَوْم من الْمَدِينَة. قَوْله: (ونسيت بَقِيَّتهمْ) كَذَا وَقع فِي النّسَب بِالْمِيم فِي ضمير جمع الْغَزَوَات، وَالْأَصْل فِيهِ التَّأْنِيث، وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ كَذَلِك بِالْمِيم، وَقَالَ الْكرْمَانِي، ونسيت بقيتها، أَي: الثَّلَاثَة الْأُخْرَى. وَهَذَا على الصَّوَاب.
47 - (بابُ غَزْوَةِ الفَتْحِ)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة فتح مَكَّة شرفها الله، وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن قُريْشًا نقضوا الْعَهْد الَّذِي وَقع بِالْحُدَيْبِية، فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فغزاهم.
وَمَا بَعَثَ بِهِ حاطِبُ بنُ أبي بَلْتَعَةَ إِلَى أهْلِ مَكَّةَ يُخبِرُهُمْ بِغَزْوِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
هَذَا عطف على قَوْله: غَزْوَة الْفَتْح، وَالتَّقْدِير: وَفِي بَيَان مَا بعث بِهِ حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى أهل مَكَّة يُخْبِرهُمْ بغزوة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والمبعوث مِنْهُ الْكتاب، وَصورته: أما بعد: يَا معشر قُرَيْش، فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جَاءَكُم بِجَيْش كالليل، يسير كالسيل، فوَاللَّه لَو جَاءَكُم وَحده نَصره الله عَلَيْكُم، وأنجز لَهُ وعده، فانظروا لأنفسكم وَالسَّلَام.
4274 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ عَمْروِ بن دِينارٍ قَالَ أَخْبرنِي الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ ألَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ الله بنَ أبي رافِعٍ يقُولُ سمِعْتُ علِيًّا رَضِي الله عنهُ يقُولُ بَعَثَني رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(17/273)
أَنا والزُّبَيْرَ والمِقْدَادَ فَقال انْطلِقُوا حتَّى تأتُوا رَوْضَةَ خاخِ فإنَّ بِها ظَعِنَةً مَعَها كِتابٌ فَخُذُوا مِنْها قَالَ فانطَلَقْنا تَعادَي بِناخَيْلُنا حتَّى أتَينَا الرَّوْضَةَ فإذَا نَحْنُ بالظَّعِينَةِ قُلْنَا لَها أخْرِجِي الكِتَابَ قالَتْ مَا مَعِى كِتابٌ فَقُلْنا لتخْرِجِنَّ الكِتابَ أوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيابَ قَالَ فأخْرَجَتْهُ منْ عِقَاصِهَا فأتَيْنا بِهِ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فإِذَا فِيه منْ حاطِبِ بنِ أبي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاس بِمَكَّةَ منَ المُشْرِكِينَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أمْرِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا حاطِبُ مَا هَذَا قَالَ يَا رسولَ الله لَا تَعْجَلْ عَليَّ إنِّي كُنْتُ امْرَءً مُلْصَقاً فِي قُرَيْشٍ يَقُولُ كنْتُ حَلِيناً ولَمْ أكُنْ مِنْ أنفُسِها وكانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهاجِرِينَ مَنْ لَهُمْ قَرَاباتٌ يَحْمُونَ أهْلِيهِمْ وأمْوَالَهُمْ فأحْبَبتُ إذْ فاتَنِي ذلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أنْ أتَّخِذَ عنْدَهُمْ يَداً يَحْمُونَ قَرَابَتِي ولَمْ أفْعَلْهُ ارْتِدَاداً عنْ دِينِي ولاَ رِضاً بالْكُفْرِ بَعْدَ الإسْلاَمِ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما إنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ فَقَالَ عُمَرُ يَا رسُولَ الله دَعْنِي أضْرِبْ عُنُقَ هاذَا المُنافِقِ فَقَالَ إنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْراً وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الله اطَّلَعَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بَدْراً قَالَ اعْمَلُوا مَا شئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ فأنْزَلَ الله السُّورَةَ {يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمَوَدَّةِ وقدْ كَفَرُوا بِمَا جاءَكُمْ مِنَ الحَقِّ} (الممتحنة: 1) إِلَى قَوْله: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} (الممتحنة: 1) . .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالْحسن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، يعرف أَبوهُ بِابْن الْحَنَفِيَّة قَالَ الْوَاقِدِيّ: توفّي زمن عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعبيد الله بن أبي رَافع مولى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبُو رَافع اسْمه أسلم.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب الجاسوس، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (وَالزُّبَيْر) بِالنّصب عطف على الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي: بَعَثَنِي، وَهُوَ الزبير بن الْعَوام. قَوْله: (والمقداد) ، بِالنّصب أَيْضا عطفا على: وَالزُّبَيْر، وأكد الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي بَعَثَنِي بِلَفْظ: أَنا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أَن ترن أَنا أقل مِنْك مَالا وَولدا} (الْكَهْف: 39) (فَإِن قلت) : فِي رِوَايَة أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: بَعَثَنِي وَأَبا مرْثَد الغنوي وَالزُّبَيْر بن الْعَوام، كَمَا تقدم فِي فضل من شهد بَدْرًا، قلت: يحْتَمل أَن يكون هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة مَعَ عَليّ، فَذكر أحد الراويين عَنهُ مَا لم يذكر الآخر، وَذكر ابْن إِسْحَاق الزبير مَعَ عَليّ لَيْسَ إِلَّا وسَاق الْخَبَر بالتثنية، قَالَ: فَخَرَجَا حَتَّى أَدْركَاهَا فَاسْتَنْزَلَاهَا إِلَى آخِره. قَوْله: (رَوْضَة خَاخ) بخاءين معجمتين: مَوضِع بَين مَكَّة وَالْمَدينَة. قَوْله: (ظَعِينَة) أَي: امْرَأَة وَاسْمهَا سارة، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كنُود، وَفِي رِوَايَة: أم سارة، وَجعل لَهَا حَاطِب عشرَة دَنَانِير على ذَلِك، وَقيل: دِينَارا وَاحِدًا، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بقتلها يَوْم الْفَتْح مَعَ هِنْد بنت عتبَة ثمَّ استؤمن لَهَا فَأَمَّنَهَا، ثمَّ بقيت حَتَّى أَوْطَأَهَا رجل من النَّاس فرسا فِي زمن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَتلهَا وَكَانَت مولاة لبني عبد الْمطلب. قَوْله: (تعادي بِنَا خَيْلنَا) أَي: أسرعت بِنَا وتعدت عَن مشيها الْمُعْتَاد. قَوْله: (أَو لتلْقين) بِكَسْر الْيَاء وَفتحهَا. قَوْله: (من عقاصها) ، بِكَسْر الْعين وبالقاف، وَهِي الشُّعُور المظفورة (فَإِن قلت) تقدم فِي: بَاب، إِذا اضْطر الرجل إِلَى النّظر، أَنَّهَا أخرجته من الحجزة؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: لَعَلَّهَا أخرجته من الحجزة فأخفته فِي العقيصة، ثمَّ أخرجته مِنْهَا قلت: لَا يَخْلُو هَذَا من نظر، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي الْجِهَاد. قَوْله: (يَقُول: كنت حليفاً) تَفْسِير قَوْله: (وَكنت امْرأ مُلْصقًا فِي قُرَيْش) ، وَقَالَ السُّهيْلي: كَانَ حَاطِب حليفاً لعبد الله بن حميد بن زُهَيْر بن أَسد بن عبد الْعزي. قَوْله: (يدا) أَي: منَّة وَحقا. قَوْله: (فَقَالَ: إِنَّه) أَي: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن حَاطِبًا (شهد بَدْرًا) ، أَي: غَزْوَة بدر، وحاطب، بالمهملتين: ابْن أبي بلتعة، واسْمه: عُمَيْر بن سَلمَة بن صَعب بن عتِيك(17/274)
وَقَالَ أَبُو عمر: حَاطِب بن أبي بلتعة اللَّخْمِيّ من ولد لخم بن عدي فِي قَول بَعضهم، وَقيل: كَانَ عبدا لعبد الله بن حميد الْمَذْكُور آنِفا بِالْكِتَابَةِ، فَأدى كتابتة يَوْم الْفَتْح، مَاتَ سنة ثَلَاثِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة، وَصلى عَلَيْهِ عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِكِتَاب إِلَى الْمُقَوْقس صَاحب مصر والإسكندرية فِي محرم سنة سِتّ بعد الْحُدَيْبِيَة، فَأَقَامَ عِنْده خَمْسَة أَيَّام وَرجع بهدية مِنْهَا مَارِيَة أم إِبْرَاهِيم وَأُخْتهَا سِيرِين، فَوَهَبَهَا لحسان بن ثَابت، وَبغلته دُلْدُل وَحِمَاره عفير وَعسل وَثيَاب وَغير ذَلِك من الظّرْف، وَقَالَ أَبُو عمر: أهْدى الْمُقَوْقس لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثَلَاث جوارٍ مِنْهُنَّ: أم إِبْرَاهِيم ابْن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأُخْرَى وَهبهَا لأبي جهم بن حُذَيْفَة الْعَدوي، وَأُخْرَى وَهبهَا لحسان بن ثَابت، ثمَّ بَعثه الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَيْضا إِلَى الْمُقَوْقس فَصَالحهُمْ، فَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى دَخلهَا عَمْرو بن الْعَاصِ فنقض الصُّلْح وَقَاتلهمْ وافتتح مصر، وَذَلِكَ فِي سنة عشْرين، وَكَانَ حَاطِب تَاجِرًا يَبِيع الطَّعَام، وَترك يَوْم مَاتَ أَرْبَعَة آلَاف دِينَار ودراهم وَغير ذَلِك، وروى حَاطِب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ: من رَآنِي بعد موتِي فَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي حَياتِي، وَمن مَاتَ فِي أحد الْحَرَمَيْنِ يبْعَث فِي الْآمنينَ يَوْم الْقِيَامَة. وَقَالَ أَبُو عمر: لَا أعلم لَهُ غير هَذَا الحَدِيث، وَفِي الصَّحَابَة: حَاطِب، أَرْبَعَة سواهُ. قَالَه صَاحب (التَّوْضِيح) وَلم يذكر أَبُو عمر إلاَّ أَرْبَعَة مِنْهُم: خَاطب بن عَمْرو بن عتِيك شهد بَدْرًا وَلم يذكرهُ ابْن إِسْحَاق فِي الْبَدْرِيِّينَ، وحاطب بن عَمْرو بن عبد شمس، وحاطب بن الْحَارِث مَاتَ بِأَرْض الْحَبَشَة مُهَاجرا، وحاطب بن أبي بلتعة. قَوْله: (فَأنْزل الله السُّورَة) إِلَى آخِره، قَالَ أَبُو عمر: قد شهد الله لحاطب بن أبي بلتعة بِالْإِيمَان فِي قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء} (الممتحنة: 1) قَالَ مُجَاهِد: هَذَا صَرِيح فِي نزُول الْآيَة فِيهِ وَفِي قوم مَعَه كتبُوا إِلَى أهل مَكَّة يخبرونهم. قَوْله: (تلقونَ إِلَيْهِم بالمودة) أَي: تلقونَ إِلَيْهِم النَّصِيحَة بالمودة. قَوْله: (وَقد كفرُوا) أَي: وَالْحَال أَن أهل مَكَّة الْمُشْركين قد كفرُوا بِمَا جَاءَكُم الرَّسُول من الْحق وَهُوَ الْقُرْآن وَأمره. قَوْله: (يخرجُون الرَّسُول) أَي: من مَكَّة، وَهُوَ اسْتِئْنَاف كالتفسير لكفرهم، وَقيل: حَال من كفرُوا، أَي: يخرجُون الرَّسُول وَإِيَّاكُم من مَكَّة لأجل إيمَانكُمْ. قَوْله: (إِن كُنْتُم خَرجْتُمْ) الْمَعْنى: إِن كُنْتُم خَرجْتُمْ للْجِهَاد ولطلب مرضاة الله (فَلَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعدكُم أَوْلِيَاء) قَوْله: (تسرون) بدل من: تلقونَ، وَقيل: اسْتِئْنَاف. قَوْله: (وَأَنا أعلم بِمَا أخفيتم) فَكيف يخفى عَليّ تحذيركم الْكفَّار؟ قَوْله: (وَمن يَفْعَله مِنْكُم) أَي: وَمن يفعل الْإِسْرَار فِي هَذَا فقد ضل أَي: فقد أَخطَأ سَوَاء السَّبِيل أَي: طَرِيق الْحق.
48 - (بابُ غَزْوَةِ الفَتْحِ فِي رَمَضَانَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن غَزْوَة يَوْم فتح مَكَّة كَانَت فِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَان من الْهِجْرَة، وَكَانَ خُرُوجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمَدِينَة يَوْم الْأَرْبَعَاء لعشر لَيَال خلون من رَمَضَان، وروى ابْن إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتعْمل على الْمَدِينَة أبارهم الْغِفَارِيّ.
4275 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حدَّثنا اللَّيْثُ قَالَ حدّثني عُقَيْلٌ عنِ ابْن شِهابٍ قَالَ أَخْبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ عبْدِ الله بنِ عُتْبَةً أنَّ عَبَّاسٍ أخْبَرَهُ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَزَا غَزْوَةَ الفَتْ فِي رَمَضَانَ قَالَ وسَمِعْتُ ابنَ المُسَيَّبِ يَقُولُ مِثْلَ ذالِكَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى فِي الصّيام وَغَيره. قَوْله: (قَالَ: وَسمعت ابْن الْمسيب) وَالْقَائِل هُوَ الزُّهْرِيّ، وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور.
وعَنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله أخبرَهُ أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ صامَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إذَا بَلَغَ الكَدِيدَ الماءَ الَّذِي قُدَيْدٍ وعُسفانَ أفْطَرَ فَلَمْ يَزَلْ مُفْطِراً حتَّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ.(17/275)
هَذَا مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَقد تقدم فِي كتاب الصَّوْم فِي: بَاب إِذا صَامَ أَيَّامًا من رَمَضَان ثمَّ سَافر، وَأخرجه عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله: (الكديد) ، بِفَتْح الْكَاف وَكسر الْمُهْملَة الأولى. قَوْله: (المَاء الَّذِي بَين قديد وَعُسْفَان) بِالنّصب عطف بَيَان أَو بدل من الكديد، وقديد، بِضَم الْقَاف مصغر القدو قَالَ الْبكْرِيّ: قديد قَرْيَة جَامِعَة كَثِيرَة الْمِيَاه والبساتين وَبَين قديد والكديد سِتَّة عشر ميلًا، والكديد أقرب إِلَى مَكَّة، وَعُسْفَان، بِضَم الْعين وَسُكُون السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ بِالْفَاءِ هُوَ مَوضِع على أَربع بُرد من مَكَّة.
4276 - حدَّثني مَحْمُودٌ أخبرنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرنَا مَعْمَرٌ قَالَ أَخْبرنِي الزُّهْريُّ عنْ عُبَيْدِ الله ابنِ عَبْدِ الله عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرَجَ فِي رَمَضَان مِنَ المَدِينَةِ ومَعَهُ عَشَرَةُ آلاَفٍ وَذالِكَ عَلَى رأسِ ثَمانِ سِنِين ونِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِهِ المَدِينَةَ فَسَارَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ إِلَى مَكَّةَ يَصُومُ وَيَصُومُونَ حَتَّى بَلَغَ الكَدِيدَ وَهْوَ ماءٌ بَيْنَ عُسفان وقُدَيْدٍ أفْطَرَ وأفْطَرُوا قَالَ الزُّهْرِيُّ وإنَّما يُؤْخَذُ مِنْ أمْرِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الآخِرُ فالآخِرُ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس. وَهُوَ من مراسيله لِأَنَّهُ كَانَ من الْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّة. قَالَه ابْن التِّين، ومحمود هُوَ ابْن غيلَان أَبُو أَحْمد الْمروزِي شيخ مُسلم أَيْضا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّوْم عَن يحيى بن يحيى وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (وَمَعَهُ عشرَة آلَاف) أَي: من سَائِر الْقَبَائِل. وَعند ابْن إِسْحَاق: ثمَّ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي اثْنَي عشر ألفا من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، وَأسلم وغفار وَمُزَيْنَة وجهينة وسليم، ووالتوفيق بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَن الْعشْرَة آلَاف من نفس الْمَدِينَة ثمَّ تلاحق بِهِ الألفان قَوْله: وَذَلِكَ أَي: خُرُوجه على رَأس ثَمَان سِنِين، قيل: هَذَا وهم، وَالصَّوَاب على رَأس سبع سِنِين وَنصف، وَإِنَّمَا وَقع الْوَهم من كَون غَزْوَة الْفَتْح كَانَت فِي سنة ثَمَان وَمن أثْنَاء ربيع الأول إِلَى أثْنَاء رَمَضَان نصف سنة سَوَاء، فالتحرير أَنَّهَا سبع سِنِين وَنصف، وَقَالَ أَبُو نعيم، الْحداد فِي (جمعه بَين الصَّحِيحَيْنِ) كَانَ الْفَتْح بعد السّنة الثَّامِنَة، وَقَالَ مَالك: كَانَ الْفَتْح فِي تِسْعَة عشر يَوْمًا من رَمَضَان على ثَمَان سِنِين، وَحَقِيقَة الْحساب على مَا ذكره الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي (مُخْتَصره) : أَنَّهَا سبع سِنِين وَتِسْعَة أشهر، لِأَن الْفَتْح فِي الثَّامِنَة من رَمَضَان، وَكَانَ مقدمه الْمَدِينَة فِي ربيع الأول يدل عَلَيْهِ أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَقَمْنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تِسْعَة عشر يَوْمًا يقصر الصَّلَاة، وَهُوَ لم يحضر الْفَتْح لِأَنَّهُ كَانَ من الْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّة. قَوْله: (يَصُوم) حَال، أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (أفطر) ، أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، (وأفطروا) أَي: الْمُسلمُونَ الَّذين كَانُوا مَعَه. قَوْله: (قَالَ الزُّهْرِيّ: وَإِنَّمَا يُؤْخَذ) أَي يَجْعَل الآخر اللَّاحِق نَاسِخا للْأولِ السَّابِق، وَالصَّوْم فِي السّفر كَانَ أَولا والإفطار آخرا. وَفِي الحَدِيث رد على جمَاعَة مِنْهُم عُبَيْدَة السَّلمَانِي فِي قَوْله: لَيْسَ لَهُ الْفطر إِذا شهد أول رَمَضَان فِي الْحَضَر، مستدلاً بقوله تَعَالَى: {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} (الْبَقَرَة: 185) وَهُوَ عِنْد الْجَمَاعَة مَحْمُول على من شهده كُله إِذْ لَا يُقَال لمن شهد بعض الشَّهْر: شهده كُله.
4277 - حدَّثني عَيَّاشُ بنُ الوَلِيدِ حدّثنا عبدُ الأعْلَى حدّثنا خالِدٌ الحَذَّاءُ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَمَضَانَ إِلَى حُنَيْنٍ والنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فَصائِمٌ ومُفْطِرٌ فَلَمَّا اسْتَوَى على رَاحِلَتِهِ دَعا بإِناءٍ مِنْ لَبَنٍ أوْ ماءٍ فَوَضَعَهُ عَلَى رَاحَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ المُفْطِرُونَ لِلصُّوَّامِ أفْطِرُوا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن خُرُوجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى حنين عقيب الْفَتْح، وَعَيَّاش، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة: ابْن الْوَلِيد الرقام الْقطَّان الْبَصْرِيّ. مَاتَ سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَعبد الْأَعْلَى الشَّامي الْبَصْرِيّ، وخَالِد هُوَ(17/276)
ابْن مهْرَان الْحذاء الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ وَلَكِن فِيهِ إِشْكَال نبه عَلَيْهِ الدمياطي، وَهُوَ أَن قَوْله: (خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَمَضَان إِلَى حنين) وَقع كَذَا، وَلم تكن غَزْوَة حنين فِي رَمَضَان، وَإِنَّمَا كَانَت فِي شَوَّال سنة ثَمَان، وَقَالَ ابْن التِّين: لَعَلَّه يُرِيد آخر رَمَضَان لِأَن حنيناً كَانَت عَام ثَمَان إِثْر فتح مَكَّة، وَفِيه نظر لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج من الْمَدِينَة فِي عَاشر رَمَضَان فَقدم مَكَّة فِي وَسطه وَأقَام بهَا تِسْعَة عشر يَوْمًا كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس، فَيكون خُرُوجه إِلَى حنين فِي شَوَّال. وَأجِيب: بِأَن مُرَاده أَن ذَلِك فِي غير زمن الْفَتْح، وَكَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع أَو غَيرهَا، وَفِيه نظر، لِأَن الْمَعْرُوف أَن حنيناً فِي شَوَّال عقيب الْفَتْح. وَقَالَ الدَّاودِيّ: صَوَابه إِلَى خَيْبَر أَو مَكَّة، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَصدهَا فِي هَذَا الشَّهْر، فَأَما حنين فَكَانَت بعد الْفَتْح بِأَرْبَعِينَ لَيْلَة وَكَانَ قصد مَكَّة أَيْضا فِي هَذَا الشَّهْر، ورد عَلَيْهِ قَوْله: إِلَى خَيْبَر، لِأَن الْخُرُوج إِلَيْهَا لم يكن فِي رَمَضَان، وَأجَاب الْمُحب الطَّبَرِيّ عَن الْإِشْكَال الْمَذْكُور: بِأَن يكون المُرَاد من قَوْله: (خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَمَضَان إِلَى حنين) أَنه قصد الْخُرُوج إِلَيْهَا وَهُوَ فِي رَمَضَان، فَذكر الْخُرُوج وَأَرَادَ الْقَصْد بِالْخرُوجِ وَمثل هَذَا شَائِع ذائع فِي الْكَلَام.
(وحنين) بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَنون أُخْرَى: وادٍ بِمَكَّة بَينه وَبَين مَكَّة بضعَة عشر ميلًا، وَسبب حنين أَنه لما اجْتمع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْخُرُوج من مَكَّة لنصرة خُزَاعَة أَتَى الْخَبَر إِلَى هوَازن أَنه يريدهم فَاسْتَعدوا للحرب حَتَّى أَتَوا سوق ذِي الْمجَاز، فَسَار صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أشرف على وَادي حنين مسَاء لَيْلَة الْأَحَد، ثمَّ صَالحهمْ يَوْم الْأَحَد النّصْف من شَوَّال. قَوْله: (وَالنَّاس مُخْتَلفُونَ) يحْتَمل اخْتلَافهمْ فِي كَون بَعضهم صَائِمين وَبَعْضهمْ مفطرين، وَيحْتَمل اخْتلَافهمْ فِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصائم أَو مفطر؟ قَوْله: فصائم أَي: بَعضهم صَائِم، وَبَعْضهمْ مفطر. قَوْله: (بِإِنَاء من لبن أَو مَاء) شكّ من الرَّاوِي، قَالَ الدَّاودِيّ: يحْتَمل أَن يكون دَعَا بِهَذَا مرّة وَبِهَذَا مرّة، ورد عَلَيْهِ بِأَن الحَدِيث وَاحِد والقصة وَاحِدَة فَلَا دَلِيل على التَّعَدُّد. قلت: ابْن التِّين قَالَ: إِنَّه كَانَت قضيتان: إِحْدَاهمَا فِي الْفَتْح وَالْأُخْرَى فِي حنين، وَالصَّوَاب: أَن الرَّاوِي قد شكّ فِيهِ، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة طَاوس عَن ابْن عَبَّاس فِي آخر الْبَاب: دَعَا بِإِنَاء من مَاء فَشرب نَهَارا. قَوْله: (فَوَضعه على رَاحَته) ويروى: على رَاحِلَته. قَوْله: (للصوام) بِضَم الصَّاد وَتَشْديد الْوَاو جمع صَائِم وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: للصَّوْم، بِدُونِ الْألف، وَهُوَ أَيْضا جمع صَائِم، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ فِي (تهذيبه) : فَقَالَ المفطرون للصوام: أفطروا يَا عصاة.
وَقَالَ عَبْدُ الرَزَّاقِ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنْ أيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا خَرَجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عامَ الفَتْحِ. .
أخرجه هَكَذَا مُعَلّقا مُخْتَصرا، وَوَصله أَحْمد عَن بعد الرَّزَّاق، وبقيته: خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفَتْح فِي شهر رَمَضَان فصَام حَتَّى مر بغدير فِي الطَّرِيق الحَدِيث.
وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عبَّاسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
هَذَا أَيْضا مُعَلّق، وَهَكَذَا وَقع فِي بعض نسخ أبي ذَر عَن ابْن عَبَّاس، وَفِي رِوَايَة غَيره لَيْسَ فِيهِ عَن ابْن عَبَّاس، وَبِه جزم الدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) وَكَذَلِكَ وَصله الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق سُلَيْمَان بن حَرْب أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة، فَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ فِي فتح مَكَّة، ثمَّ قَالَ فِي آخِره، لم يُجَاوز بِهِ أَيُّوب عَن عِكْرِمَة.
4279 - حدَّثنا عَليُّ بن عَبْدِ الله حدّثنا جَرِيرٌ عنْ مَنْصورٍ عنْ مُجاهِدٍ عنْ طاوُسٍ عنِ ابْن عَبَّاسٍ قَالَ سافَر رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رمضانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفانَ ثُمَّ دَعا بإِناءٍ مِنْ ماءٍ فَشَرِبَ نَهَاراً لِيُرِيَهُ النَّاسَ فَأفْطَرَ حَتَّى قَدقم مَكَّةَ قَالَ وكانَ ابنُ عبَّاسٍ يَقُولُ صامَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السَّفَرِ وأفْطَرَ فَمَنْ شَاءَ صامَ ومَنْ شَاءَ أفْطَرَ. .(17/277)
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن سَفَره فِي رَمَضَان كَانَ فِي سنة الْفَتْح والْحَدِيث أخرجه فِي كتاب الصَّوْم فِي: بَاب من أفطر فِي السّفر ليراه النَّاس، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن أبي عوَانَة عَن مَنْصُور إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (ليريه) بِضَم الْيَاء من الإراءة، (وَالنَّاس) بِالنّصب مفعولة.
49 - (بابٌ أيْنَ رَكَزَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّايَةَ يَوْمَ الفَتْحِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ فِي أَي مَكَان ركز النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رايته أَي: نصبها يَوْم فتح مَكَّة.
288 - (حَدثنَا عبيد بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن هِشَام عَن أَبِيه قَالَ لما صَار رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَام الْفَتْح فَبلغ ذَلِك قُريْشًا خرج أَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَحَكِيم بن حزَام وَبُدَيْل بن وَرْقَاء يَلْتَمِسُونَ الْخَبَر عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَقْبَلُوا يَسِيرُونَ حَتَّى أَتَوا مر الظهْرَان فَإِذا هم بنيران كَأَنَّهَا نيران عَرَفَة فَقَالَ أَبُو سُفْيَان مَا هَذِه لكأنها نيران عَرَفَة فَقَالَ بديل بن وَرْقَاء نيران بني عَمْرو فَقَالَ أَبُو سُفْيَان عمر أقل من ذَلِك فَرَآهُمْ نَاس من حرس رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فأدركوهم فَأَخَذُوهُمْ فَأتوا بهم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأسلم أَبُو سُفْيَان فَلَمَّا سَار قَالَ للْعَبَّاس احْبِسْ أَبَا سُفْيَان عِنْد حطم الْخَيل حَتَّى ينظر إِلَى الْمُسلمين فحبسه الْعَبَّاس فَجعلت الْقَبَائِل تمر مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تمر كَتِيبَة كَتِيبَة على أبي سُفْيَان فمرت كَتِيبَة قَالَ يَا عَبَّاس من هَذِه قَالَ هَذِه غفار قَالَ مَالِي وَلِغفار ثمَّ مرت جُهَيْنَة قَالَ مثل ذَلِك ثمَّ مرت سعد بن هذيم فَقَالَ مثل ذَلِك وَمَرَّتْ سليم فَقَالَ مثل ذَلِك حَتَّى أَقبلت كَتِيبَة لم ير مثلهَا قَالَ من هَذِه قَالَ هَؤُلَاءِ الْأَنْصَار عَلَيْهِم سعد بن عبَادَة مَعَه الرَّايَة فَقَالَ سعد بن عبَادَة يَا أَبَا سُفْيَان الْيَوْم يَوْم الملحمة الْيَوْم تستحل الْكَعْبَة فَقَالَ أَبُو سُفْيَان يَا عَبَّاس حبذا يَوْم الذمار ثمَّ جَاءَت كَتِيبَة وَهِي أقل الْكَتَائِب فيهم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه وَرَايَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَعَ الزبير بن الْعَوام فَلَمَّا مر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِأبي سُفْيَان قَالَ ألم تعلم مَا قَالَ سعد بن عبَادَة قَالَ مَا قَالَ قَالَ قَالَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ كذب سعد وَلَكِن هَذَا يَوْم يعظم الله فِيهِ الْكَعْبَة وَيَوْم تكتسي فِيهِ الْكَعْبَة قَالَ وَأمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن تركز رايته بالحجون قَالَ عُرْوَة وَأَخْبرنِي نَافِع بن جُبَير بن مطعم قَالَ سَمِعت الْعَبَّاس يَقُول للزبير بن الْعَوام يَا أَبَا عبد الله هَهُنَا أَمرك رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن تركز الرَّايَة قَالَ وَأمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْمئِذٍ خَالِد بن الْوَلِيد أَن يدْخل من أَعلَى مَكَّة من كداء وَدخل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من كدى فَقتل من خيل خَالِد يَوْمئِذٍ رجلَانِ حُبَيْش بن الْأَشْعر وكرز بن جَابر الفِهري) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله وَأمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن تركز رايته بالحجون وَعبيد بن إِسْمَاعِيل أَبُو مُحَمَّد الْقرشِي الْكُوفِي وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة وَهِشَام بن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام وَهَذَا الحَدِيث من مَرَاسِيل التَّابِعِيّ قَوْله فَبلغ ذَلِك أَي سير النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " أَبُو سُفْيَان " اسْمه صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة بن عبد(17/278)
شمس الْأمَوِي الْقرشِي غلبت عَلَيْهِ كنيته وَقيل كَانَت لَهُ كنية أُخْرَى أَبُو حَنْظَلَة كني بِابْن لَهُ يُسمى حَنْظَلَة قَتله عَليّ بن أبي طَالب يَوْم بدر كَافِرًا وَتُوفِّي أَبُو سُفْيَان بِالْمَدِينَةِ سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابْن ثَمَان وَثَمَانِينَ سنة وَحَكِيم بن حزَام بن خويلد ابْن أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي الْقرشِي الْأَسدي يكنى أَبَا خَالِد وَهُوَ ابْن أخي خَدِيجَة بنت خويلد زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَتُوفِّي بِالْمَدِينَةِ فِي خلَافَة مُعَاوِيَة سنة أَربع وَخمسين وَهُوَ ابْن مائَة وَعشْرين سنة وَبُدَيْل بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره لَام ابْن وَرْقَاء مؤنث الأورق ابْن عبد الْعُزَّى بن ربيعَة الْخُزَاعِيّ من خُزَاعَة أسلم يَوْم فتح مَكَّة وَابْنه عبد الله بن بديل قَوْله مر الظهْرَان بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء والعامة يسكون الرَّاء وَزِيَادَة وَاو والظهران بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْهَاء بِلَفْظ تَثْنِيَة ظهر وَهُوَ مَوضِع بِقرب مَكَّة وَقَالَ الْبكْرِيّ بَينه وَبَين مَكَّة سِتَّة عشر ميلًا قَوْله فَإِذا هم كلمة إِذا مفاجأة وهم يرجع إِلَى أبي سُفْيَان وَحَكِيم وَبُدَيْل قَوْله كَأَنَّهَا نيران عَرَفَة أَي كَأَن هَذِه النيرَان مثل النيرَان الَّتِي كَانُوا يوقدونها وَكَانَت عَادَتهم أَنهم يشعلون نيرانا كَثِيرَة فِي عَرَفَة وَقَالَ ابْن سعد أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما نزل مر الظهْرَان أَمر أَصْحَابه فأوقدوا عشرَة آلَاف نَار وَلما بلغ قُريْشًا مسيره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهم مغتمون لما يخَافُونَ من غَزوه إيَّاهُم بعثوا أَبَا سُفْيَان يتجسس الْأَخْبَار وَقَالُوا إِن لقِيت مُحَمَّدًا فَخذ لنا مِنْهُ أَمَانًا فَخرج وَمَعَهُ حَكِيم بن حزَام وَبُدَيْل فَلَمَّا رَأَوْا الْعَسْكَر أفزعهم وعَلى الحرس تِلْكَ اللَّيْلَة عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَسمع الْعَبَّاس صَوت أبي سُفْيَان فَقَالَ أَبَا حَنْظَلَة فَقَالَ لبيْك قَالَ هَذَا رَسُول الله فِي عشرَة آلَاف فَأسلم ثكلتك أمك وَقَالَ ابْن اسحق إِن أَبَا سُفْيَان ركب مَعَ الْعَبَّاس وَرجع حَكِيم وَبُدَيْل وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة ذَهَبُوا كلهم مَعَ الْعَبَّاس إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فأسلموا وَقَالَ أَبُو معشر إِن الحرس جاؤا بِأبي سُفْيَان إِلَى عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ احبسوهم حَتَّى أسأَل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَمَّا أخبرهُ الْخَبَر جَاءَ الْعَبَّاس إِلَى أبي سُفْيَان فأردفه فجَاء بِهِ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وجاؤا بالآخرين وَقَالَ الطَّبَرِيّ أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَجه حَكِيم بن حزَام مَعَ أبي سُفْيَان بعد إسلامهما إِلَى مَكَّة وَقَالَ من دخل دَار حَكِيم فَهُوَ آمن وَهِي بِأَسْفَل مَكَّة وَمن دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن وَهِي بِأَعْلَى مَكَّة فَكَانَ هَذَا أَمَانًا مِنْهُ لكل من لم يُقَاتل من أهل مَكَّة وَلِهَذَا قَالَ جمَاعَة من أهل الْعلم مِنْهُم الشَّافِعِي أَن مَكَّة مُؤمنَة وَلَيْسَت عنْوَة والأمان كالصلح وَرَأى أَن أَهلهَا مالكون رباعهم قَوْله " مَا هَذِه "؟ وَكَأَنَّهُ جَوَاب قسم مَحْذُوف أَي وَالله لكأنها نيران لَيْلَة عَرَفَة قَوْله " نيران بني عَمْرو " يَعْنِي خُزَاعَة وَعَمْرو هُوَ ابْن لحي قَوْله " من حرس رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَهُوَ جمع حرسى وَقَالَ ابْن الْأَثِير الحرس خدم السُّلْطَان المرتبون لحفظه وحراسته وَفِي مَرَاسِيل أبي سَلمَة وَكَانَ حرس رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَفرا من الْأَنْصَار وَكَانَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَلَيْهِم تِلْكَ اللَّيْلَة فجاؤا بِهِ إِلَيْهِ فَقَالُوا جئْنَاك بِنَفر أَخَذْنَاهُم من أهل مَكَّة فَقَالَ عمر وَالله لَو جئتموني بِأبي سُفْيَان مَا زدتم قَالُوا قد أَتَيْنَاك بِأبي سُفْيَان قَوْله " عِنْد حطم " الْخَيل قَالَ ابْن الْأَثِير فِي بَاب الْحَاء الْمُهْملَة وَفِي حَدِيث الْفَتْح قَالَ للْعَبَّاس احْبِسْ أَبَا سُفْيَان عِنْد حطم الْخَيل هَكَذَا جَاءَت فِي كتاب أبي مُوسَى وَقَالَ حطم الْخَيل الْموضع الَّذِي حطم مِنْهُ أَي ثلم مِنْهُ فَبَقيَ متقطعا قَالَ وَيحْتَمل أَن يُرِيد عِنْد مضيق الْخَيل حَيْثُ يزحم بَعضهم بَعْضًا وَرَوَاهُ أَبُو نصر الْحميدِي فِي كِتَابه بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وفسرها فِي غَرِيبه فَقَالَ الخطم والخطمة رغن الْجَبَل وَهُوَ الْأنف البارز مِنْهُ وَالَّذِي جَاءَ فِي كتاب البُخَارِيّ وَهُوَ أخرج الحَدِيث فِي مَا قرأناه ورويناه فِي نسخ كِتَابه عِنْد حطم الْخَيل هَكَذَا مضبوطا يَعْنِي بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف فَإِن صحت الرِّوَايَة بِهِ وَلم تكن تحريفا من الكتبة فَيكون مَعْنَاهُ وَالله أعلم أَن يحْبسهُ فِي الْموضع المتضايق الَّذِي يتحطم فِيهِ الْخَيل أَي يدوس بَعْضهَا بَعْضًا فيراها جَمِيعًا وتكثر فِي عينه بمرورها فِي ذَلِك الْموضع وَكَذَلِكَ أَرَادَ بحبسه عِنْد حطم الْجَبَل يَعْنِي بِالْجِيم على مَا شَرحه الْحميدِي فَإِن الْأنف البارز من الْجَبَل يضيق الْموضع الَّذِي يخرج مِنْهُ وَقَالَ الْخطابِيّ خطم الْجَبَل بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَهُوَ مَا خطم مِنْهُ أَي ثلم من عرضه فَبَقيَ متقطعا وَكَذَا قَالَه ابْن التِّين وَقَالَ الْكرْمَانِي الخطم المتكسر المنخرق والجبل بِالْجِيم قلت وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ والنسفي الخطم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة والجبل بِالْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي رِوَايَة ابْن اسحق وَغَيره من أهل الْمَغَازِي وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِفَتْح الْخَاء من الخطم وبالخاء الْمُعْجَمَة من الْخَيل قَوْله كَتِيبَة بِفَتْح الْكَاف وَكسر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَهِي الْقطعَة المجتمعة من الْجَيْش وَأَصله من الْكتب(17/279)
وَهُوَ الْجمع قَوْله " هَذِه " أَي هَذِه الكتيبة غفار بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء وبالراء وَهُوَ ابْن مليل بن ضَمرَة بن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة قَوْله مَالِي وَلِغفار يَعْنِي مَا كَانَ بيني وَبينهمْ حَرْب قَوْله " جُهَيْنَة " بِضَم الْجِيم وَفتح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح النُّون وَهُوَ ابْن زيد بن لَيْث بن سود بن أسلم بِضَم اللَّام ابْن الحاف بن قضاعة قَوْله سعد بن هذيم بِضَم الْهَاء وَفتح الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره مِيم وَالْمَعْرُوف فِيهَا سعد هذيم بِالْإِضَافَة وَسعد بن هذيم على الْمجَاز وَسعد بن هذيم طوائف من الْعَرَب وهذيم الَّذِي نسب إِلَيْهِ سعد عبد كَانَ رباه فنسب إِلَيْهِ قَوْله وَمَرَّتْ سلم بِضَم السِّين وَفتح اللَّام وَهُوَ ابْن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن حَفْصَة بن قيس غيلَان قَوْله مَعَه الرَّايَة أَي راية الْأَنْصَار وَكَانَت راية الْمُهَاجِرين مَعَ الزبير بن الْعَوام قَوْله يَوْم الملحمة بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي يَوْم حَرْب لَا يُوجد فِيهِ مخلص وَقيل يَوْم الْقَتْل يُقَال لحم فلَان فلَانا إِذا قَتله قَوْله حبذا يَوْم الذمار بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْمِيم أَي يَوْم الْهَلَاك وَقَالَ الْخطابِيّ تمنى أَبُو سُفْيَان أَن يكون لَهُ يَد فيحمي قومه وَيدْفَع عَنْهُم وَقيل المُرَاد هَذَا يَوْم الْغَضَب للحريم والأهل والانتصار لَهُم لمن قدر عَلَيْهِ وَقيل المُرَاد هَذَا يَوْم يلزمك فِيهِ حفظي وحمايتي من أَن ينالني مَكْرُوه وَقَالَ ابْن اسحق زعم بعض أهل الْعلم أَن سَعْدا لما قَالَ الْيَوْم يَوْم الملحمة الْيَوْم تستحل الْكَعْبَة فَسَمعَهَا رجل من الْمُهَاجِرين فَقَالَ يَا رَسُول الله مَا آمن أَن يكون لسعد فِي قُرَيْش فَقَالَ لعَلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أدْركهُ فَخذ الرَّايَة مِنْهُ فَكُن أَنْت تدخل بهَا وَقَالَ ابْن هِشَام الرجل الْمَذْكُور هُوَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَذكر الْأمَوِي فِي الْمَغَازِي أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أرسل إِلَى سعد فَأخذ الرَّايَة مِنْهُ فَدَفعهَا إِلَى ابْنه قيس وَجزم مُوسَى بن عقبَة فِي الْمَغَازِي عَن الزُّهْرِيّ أَنه دَفعهَا إِلَى الزبير بن الْعَوام فَإِن قلت هَذِه ثَلَاثَة أَقْوَال فَمَا التَّوْفِيق بَينهَا قلت الْجمع فِيهَا أَن عليا أرسل بنزعها وَأَن يدْخل بهَا ثمَّ خشى تغير خاطر سعد فَدَفعهَا لِابْنِهِ قيس ثمَّ أَن سَعْدا خشِي أَن يَقع من ابْنه شَيْء يُنكره النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يَأْخُذهَا مِنْهُ فَحِينَئِذٍ أَخذهَا الزبير قَوْله " وَهِي أقل الْكَتَائِب " أَي أقلهَا عددا قَالَ عِيَاض وَقع للْجَمِيع بِالْقَافِ وَوَقع للحميدي بِالْجِيم أَي أجلهَا قَوْله " فَقَالَ كذب سعد " أَي قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كذب أَي أَخطَأ سعد قَوْله قَالَ وَأمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْقَائِل بذلك هُوَ عُرْوَة وَهُوَ من بَقِيَّة الْخَبَر وَهُوَ ظَاهر الْإِرْسَال فِي الْجَمِيع إِلَّا فِي الْقدر الَّذِي صرح عُرْوَة بِسَمَاعِهِ لَهُ من نَافِع بن جُبَير وَأما بَاقِيه فَيحْتَمل أَن يكون عُرْوَة تَلقاهُ عَن أَبِيه أَو عَن الْعَبَّاس فَإِنَّهُ أدْركهُ وَهُوَ صَغِير قَوْله الْحجُون بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَضم الْجِيم الْخَفِيفَة هُوَ مَكَان مَعْرُوف بِالْقربِ من مَقْبرَة مَكَّة شرفها الله تَعَالَى قَوْله قَالَ عُرْوَة وَأَخْبرنِي نَافِع بن جُبَير بن مطعم إِلَى قَوْله وَأمر هَذَا السِّيَاق يُوهم أَن نَافِعًا أحضر الْمقَالة الْمَذْكُورَة يَوْم فتح مَكَّة وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ لَا صُحْبَة لَهُ وَلكنه مَحْمُول على أَنه سمع الْعَبَّاس يَقُول للزبير ذَلِك بعد ذَلِك فِي حجَّة اجْتَمعُوا فِيهَا إِمَّا فِي خلَافَة عمر أَو فِي خلَافَة عُثْمَان قَوْله وَأمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى قَوْله من كداء بِفَتْح الْكَاف وَتَخْفِيف الدَّال وبالمد وَهُوَ أَعلَى مَكَّة وكدى بِضَم الْكَاف وَالْقصر والتنوين قيل هَذَا مُخَالف للأحاديث الصَّحِيحَة الْآتِيَة أَن خَالِدا دخل من أَسْفَل مَكَّة وَدخل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من أَعْلَاهَا وَضربت لَهُ هُنَاكَ قبَّة قَوْله حُبَيْش بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالشين وَعند ابْن اسحق خُنَيْس بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح النُّون وبالسين الْمُهْملَة وَكِلَاهُمَا مصغر ابْن الْأَشْعر وَهُوَ لقب واسْمه خَالِد بن سعد بن مُنْقد بن ربيعَة بن حزم الْخُزَاعِيّ وَهُوَ أَخُو أم معبد الَّتِي مر بهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُهَاجرا وَاسْمهَا عَاتِكَة قَوْله وكرز بِضَم الْكَاف وَسُكُون الرَّاء وَفِي آخِره زَاي ابْن جَابر بن حسل بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ ابْن الأحب بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة ابْن حبيب الفِهري وَكَانَ من رُؤَسَاء الْمُشْركين وَهُوَ الَّذِي أغار على سرح النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي غَزْوَة بدر الأولى ثمَّ أسلم قَدِيما وَبَعثه النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي طلب العرنيين وَذكر ابْن اسحق أَن هذَيْن الرجلَيْن سلكا طَرِيقا فشذا عَن عَسْكَر خَالِد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَتَلَهُمَا الْمُشْركُونَ يَوْمئِذٍ -(17/280)
4281 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ مُعاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ قالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ مُغفَّلٍ يقُولُ رأيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ عَلَى ناقَتِهِ وهْوَ يَقْرَأ سُورَةَ الفَتْحِ يُرَجِّعُ وَقَالَ لوْلاَ أنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ حَوْلِي لرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك، هَكَذَا وَقع فِي الْأُصُول، وَزعم خلف أَنه وَقع بذله: سُلَيْمَان بن حَرْب.
وَهَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن حجاج بن منهال وَعَن آدم بن أبي إِيَاس وَفِي التَّوْحِيد عَن أَحْمد بن أبي سُرَيج، وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار عَن يحيى بن حبيب وَعَن عبيد الله بن معَاذ وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن حَفْص بن عمر. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن مَحْمُود بن غيلَان. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن أبي قدامَة وَغَيره.
قَوْله: (يرجع) بتَشْديد الْجِيم، من الترجيع، وَهُوَ ترديد القاريء الْحَرْف فِي الْحلق. قَوْله: (وَقَالَ) ، الْقَائِل هُوَ مُعَاوِيَة بن قُرَّة رَاوِي الحَدِيث. قَوْله: (كَمَا رَجَعَ) أَي: ابْن مُغفل، وَلَفظ مُسلم عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، قَالَ: سَمِعت عبد الله بن مُغفل هُوَ الْمُزنِيّ، قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم فتح مَكَّة على نَاقَته يقْرَأ سُورَة الْفَتْح، قَالَ: فَقَرَأَ ابْن مُغفل وَرجع فِي قِرَاءَته، فَقَالَ مُعَاوِيَة: لَوْلَا النَّاس لأخبرتكم ذَلِك الَّذِي ذكره ابْن مُغفل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
4282 - حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ حَدثنَا سعْدَانُ بنُ يَحْيَى حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ أبي حفْصَةَ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عَليِّ بنِ حُسَيْنٍ عنْ عَمْروِ بنِ عُثْمَانَ عنْ أُسامةَ بن زَيْدٍ أنَّهُ قَالَ زَمَنَ الفَتْحِ يَا رسولَ الله أيْنَ تَنزِلُ غَذاً قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهَلْ تَرَكَ لَنا عَقِيلٌ منْ مَنْزِلٍ. ثُمَّ قَالَ لَا يَرِثُ المُؤْمِنُ الكافِرَ ولاَ يَرِثُ الْكافِرُ الْمُؤْمِنَ قِيلَ لِلزُّهْرِيِّ ومَنْ وَرِثَ أَبَا طالِبٍ قَالَ وَرِثهُ عَقِيلٌ وطالِبٌ قَالَ مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ أيْنَ تَنْزِلُ غَداً فِي حَجَّتِهِ ولَمْ يَقُلْ يُونُسُ حَجَّتِهِ ولاَ زَمَنَ الفَتْحِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (زمن الْفَتْح) وَهَذَا إِسْنَاد نَازل لَا يَخْلُو عَن نظر.
وَرِجَاله سَبْعَة: الأول: سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف بِابْن ابْنة شُرَحْبِيل بن أَيُّوب الدِّمَشْقِي، مَاتَ سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: سَعْدَان بن يحيى بن صَالح، يُقَال: اسْمه سعيد وسعدان لقبه أَبُو يحيى اللَّخْمِيّ الْكُوفِي، سكن دمشق ليّنه الدَّارَقُطْنِيّ، وَمَاله فِي البُخَارِيّ إلاّ هَذَا الْموضع. الثَّالِث: مُحَمَّد بن أبي حَفْصَة، وإسم أبي حَفْصَة: ميسرَة، بَصرِي يكنى أَبَا سَلمَة صَدُوق ضعفه النَّسَائِيّ وَمَاله فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، وَآخر فِي الْحَج قرنه فِيهِ بِغَيْرِهِ. الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. الْخَامِس: عَليّ بن حُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب، مَاتَ سنة أَربع وَتِسْعين. السَّادِس: عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان الْقرشِي الْأمَوِي. السَّابِع: أُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة مولى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقد مضى الحَدِيث فِي كتاب الْحَج فِي: بَاب تَوْرِيث دور مَكَّة وَبَيْعهَا وشرائها، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن اصبغ عَن ابْن وهب عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن عَليّ بن حُسَيْن إِلَى آخِره، وَقد مضى فِي الْجِهَاد أَيْضا عَن مَحْمُود عَن بعد الرَّزَّاق عَن الزُّهْرِيّ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
قَوْله: (عقيل) بِفَتْح الْعين هُوَ ابْن أبي طَالب. قَوْله: (وَقَالَ معمر عَن الزُّهْرِيّ) هُوَ مُتَّصِل بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَطَرِيق معمر بن رَاشد تقدم مَوْصُولا فِي الْجِهَاد. قَوْله: (وَلم يقل يُونُس) هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، يَعْنِي: لم يقل فِي رِوَايَته لفظ: حجَّته، وَلَا لفظ: زمن الْفَتْح، يَعْنِي سكت عَن ذَلِك وَبَقِي الِاخْتِلَاف بَين ابْن أبي حَفْصَة وَمعمر، وَمعمر أوثق وأتقن من مُحَمَّد بن أبي حَفْصَة.
4284 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ حدَّثنا شُعَيْبٌ حدَّثنا أبُو الزِّنادِ عنْ عبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ(17/281)
رَضِي الله عنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْزِلُنا إنْ شاءَ الله إذَا فَتَحَ الله الخَيْفُ حَيْثُ تَقاسَمُوا عَلَى الكُفْرِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة. وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون واسْمه عبد الله بن ذكْوَان، وَعبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج.
قَوْله: (منزلنا) مُبْتَدأ و (الْخيف) خَبره وَعكس بَعضهم فِيهِ، والخيف، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالفاء: مَا ارْتَفع عَن غلظ الْجَبَل وارتفع عَن مسيل المَاء. قَوْله: (حَيْثُ تقاسموا) أَي: تحالفوا وَذَلِكَ أَنهم تحالفوا على إِخْرَاج الرَّسُول وَبني هَاشم وَالْمطلب من مَكَّة إِلَى الْخيف، وَكَتَبُوا بَينهم الصَّحِيفَة الْمَشْهُورَة.
4285 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْماعِيلَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ أخْبَرَنا ابنُ شِهابٍ عنْ أبي سَلَمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ أرَادَ حُنَيْناً مَنْزِلُنا غَداً إنْ شاءَ الله بِخَيْفِ بَنِي كِنَانةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الكُفْرِ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمَعْرُوف بالتبوذكي عَن إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن إِلَى آخِره.
قَوْله: (حِين أَرَادَ حنيناً) يَعْنِي: فِي غَزْوَة الْفَتْح، وَإِنَّمَا اراد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النُّزُول فِي ذَلِك الْموضع ليتذكر مَا كَانُوا فِيهِ فيشكر الله تَعَالَى على مَا أنعم بِهِ عَلَيْهِ يَوْم الْفَتْح الْعَظِيم وتمكنهم من دُخُول مَكَّة ظَاهرا على رغم من سعى فِي إِخْرَاجه مِنْهَا، ومبالغة فِي الصفح عَن الَّذين أساؤوا ومقابلتهم بالمن وَالْإِحْسَان.
4286 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ قَزَعَةَ حدَّثنا مالِك عنِ ابنِ شهَاب عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله عنهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَخَلَ مَكَّة يَوْمَ الفَتْحِ وَعَلَى رأسِهِ المِغْفرُ فَلَمَّا نَزَعَهُ جاءَ رجُلٌ فَقَالَ ابنُ خطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بأسْتارِ الكَعْبَةِ فَقَالَ اقْتُلْهُ قَالَ مالِكٌ ولمْ يَكُنِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيما نُرَى وَالله أعْلَمُ يَوْمَئِذٍ مُحْرِماً. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن قزعة، بِفَتْح الْقَاف وَالزَّاي وَالْعين الْمُهْملَة. الْحِجَازِي من أَفْرَاده. والْحَدِيث قد مر فِي الْحَج عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك فِي: بَاب دُخُول الْحرم وَمَكَّة بِغَيْر إِحْرَام، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (المغفر) ، بِكَسْر الْمِيم: زرد ينسج من الدروع على مِقْدَار القلنسوة يلبس تَحت القلنسوة، وَفِي رِوَايَة يحيى بن بكير عَن مَالك: (مغفر من حَدِيد) . قَوْله: (ابْن خطل) ، هُوَ عبد الله بن خطل، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة والطاء الْمُهْملَة، كَانَ أسلم وارتد وَقتل قَتِيلا بِغَيْر حق، وَكَانَت لَهُ قينتان تُغنيَانِ بهجو النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَقَالَ: اقتله) أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لذَلِك الرجل (اقْتُل ابْن خطل) ، وَفِي الحَدِيث الَّذِي مضى فِي الْحَج فَقَالَ: (اقْتُلُوهُ) ، بخطاب الْجمع، وروى الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة شَبابَة بن سوار عَن مَالك فِي هَذَا الحَدِيث: (من رأى مِنْكُم ابْن خطل فليقتله) ، وَاخْتلف فِي قَاتله، وَجزم ابْن إِسْحَاق بِأَن سعيد بن حُرَيْث وَأَبا بَرزَة الْأَسْلَمِيّ اشْتَركَا فِي قَتله. وَعَن الْوَاقِدِيّ: أَن قَاتله شريك بن عَبدة الْعجْلَاني، وَرجح أَنه أَبُو بَرزَة. وَفِي (التَّوْضِيح) وَفِيه دلَالَة على أَن الْحرم لَا يعْصم من الْقَتْل الْوَاجِب. قلت: إِنَّمَا وَقع قتل ابْن خطل فِي السَّاعَة الَّتِي أحل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا الْقِتَال بِمَكَّة، وَقد صرح بِأَن حرمتهَا عَادَتْ كَمَا كَانَت فَلم يَصح الِاسْتِدْلَال بِهِ لما ذكره، وروى أَحْمد من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: أَن تِلْكَ السَّاعَة استمرت من صَبِيحَة يَوْم الْفَتْح إِلَى الْعَصْر. قَوْله: (قَالَ مَالك) . إِلَى آخِره وَهُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ لم يرو أحد أَنه تحلل يومئذٍ من إِحْرَام، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون محرما إلاَّ أَنه لبس المغفر للضَّرُورَة، أَو أَنه من خواصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (فِيمَا نرى) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: فِيمَا نظن. قَوْله: (محرما) نصب لِأَنَّهُ خبر: لم يكن.(17/282)
4287 - حدَّثنا صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ أخبَرَنا ابنُ عُيَيْنَةَ عنِ ابنِ أبي نَجِيحٍ عنْ مُجاهِدٍ عنْ أبي مَعْمَرٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عنهُ قَالَ دَخَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّةَ يَوْمَ الفَتْحِ وحَوْلَ البَيْتِ سِتُّونَ وثَلاَثُمَائَةِ نُصُبٍ فَجَعَلَ يَطْعُنُها بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ جاءَ الحَقُّ وزَهَقَ الباطلُ جاءَ الحقُّ وَمَا يُبْدِىءُ الباطِلُ وَمَا يُعِيدُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَصدقَة بن الْفضل الْمروزِي وَابْن عُيَيْنَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَابْن أبي نجيح، بِفَتْح النُّون: عبد الله وَاسم أبي نجيح يسَار، وَأَبُو معمر، بِفَتْح الميمين عبد الله بن سَخْبَرَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي كتاب الْمَظَالِم فِي: بَاب هَل يكسر الدنان؟ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان عَن ابْن أبي نجيح إِلَى آخِره.
قَوْله: (نصب) ، بِضَم النُّون وَالصَّاد الْمُهْملَة: وَهُوَ مَا ينصب لِلْعِبَادَةِ من دون الله تَعَالَى، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عُيَيْنَة (صنماً) ، بدل نصب، وَيُطلق النصب وَيُرَاد بِهِ الْحِجَارَة الَّتِي كَانُوا يذبحون عَلَيْهَا للأصنام، والأنصاب الْأَعْلَام الَّتِي تجْعَل فِي الطَّرِيق. قَوْله: (يطعنها) بِضَم الْعين وَفتحهَا، وَالْأول أشهر، وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ: (فَلم يبقَ وَثمّ استقبله إلاَّ سقط على قَفاهُ) ، مَعَ أَنَّهَا كَانَت ثَابِتَة بِالْأَرْضِ قد شدّ لَهُم إِبْلِيس أَقْدَامهَا بالرصاص. قَوْله: (وزهق الْبَاطِل) أَي: اضمحل وتلاشى، يُقَال: زهقت نَفسه زهوقاً، أَي: خرجت روحه، والزهوق بِالضَّمِّ مصدر، وبالفتح الإسم.
4288 - حدَّثني إسْحاقُ حَدثنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ حدّثني أبي حَدثنَا أيُّوبُ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أبي أنْ يَدْخُلَ البَيْتَ وفيهِ الآلِهَةُ فأمَرَ بِها فأُخرِجَتْ فأُخْرِجَ صُورَةُ إبْرَاهِيمَ وإسْمَاعِيلَ فِي أيْدِيهِما مِنَ الأزْلاَمِ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاتَلَهُمُ الله لَقَدْ عَلِمُوا مَا اسْتَقْسَما بِها قَط ثُمَّ دَخَلَ البَيْتَ فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِي البَيْتِ وخَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن قدومه هَذَا مَكَّة كَانَ فِي سنة الْفَتْح. وَإِسْحَاق هُوَ ابْن مَنْصُور، وَعبد الصَّمد هُوَ ابْن عبد الْوَارِث ابْن سعيد، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: لَيْسَ فِيهِ: حَدثنِي أبي، بعد قَوْله عبد الصَّمد، قيل: لَا بُد مِنْهُ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى: {وَاتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا} (النِّسَاء: 125) فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى عَن هِشَام عَن معمر عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة إِلَى آخِره.
قَوْله: (أَبى) أَي: امْتنع. قَوْله: (الْآلهَة) أَي: الْأَصْنَام الَّتِي سَمَّاهَا الْمُشْركُونَ بالآلهة. قَوْله: (فَأمر بهَا فأخرجت) . فَإِن قلت: من كَانَ الَّذِي أخرجهَا؟ قلت: روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ بالبطحاء أَن يَأْتِي الْكَعْبَة فَيَمْحُو كل صُورَة فِيهَا، فَلم يدخلهَا حَتَّى نحيت الصُّور، وَكَانَ عمر هُوَ الَّذِي أخرجهَا. قيل: إِنَّه محا مَا كَانَ من الصُّور مدهوناً، وَأخرج مَا كَانَ مخروطاً. فَإِن قلت: قد تقدم فِي الْحَج من حَدِيث أُسَامَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل الْكَعْبَة فَرَأى صُورَة فَدَعَا بِمَاء فَجعل يمحوها قلت: هُوَ مَحْمُول على محو بَقِيَّة بقيت مِنْهَا. قَوْله: الأزلام جمع: زلم، وَهِي السِّهَام الَّتِي كَانُوا يستقسمون بهَا الْخَيْر وَالشَّر، وَتسَمى: القداح الْمَكْتُوب عَلَيْهَا الْأَمر وَالنَّهْي: إفعل وَلَا تفعل، كَانَ الرجل مِنْهُم يَضَعهَا فِي وعَاء لَهُ، وَإِذا أَرَادَ سفرا أَو زواجاً أَو أمرا مهما أَدخل يَده فَأخْرج مِنْهَا زلماً فَإِن خرج الْأَمر مضى لشأنه، وَإِن خرج النَّهْي كف عَنهُ وَلم يَفْعَله. قَوْله: (وَلم يستقسما بهَا) أَي: مَا استقسم إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل، عَلَيْهِمَا السَّلَام، بالأزلام قطّ، وَهُوَ من الاستسقام، وَهُوَ طلب الْقسم الَّذِي قسم لَهُ وَقدر، وَهُوَ استفعال مِنْهُ كَانُوا يَفْعَلُونَ بالأزلام مثل مَا ذكرنَا وَقَالَ ابْن الْأَثِير: كَانَ على بَعْضهَا مَكْتُوب: أَمرنِي رَبِّي، وعَلى الآخر: نهاني رَبِّي، وعَلى الآخر: غفل، فَإِن خرج: أَمرنِي رَبِّي، مضى لشأنه، وَإِن خرج: نهاني أمسك، وَإِن خرج الغفل أعَاد حَالهَا وَضرب بهَا أُخْرَى إِلَى أَن يخرج الْأَمر أَو النَّهْي(17/283)
قلت: الغفل، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْفَاء وباللام: وَهُوَ الَّذِي لَا يُرْجَى خَيره وَلَا شَره. قَوْله: (وَلم يصلِّ فِيهِ) أَي: فِي الْبَيْت، وَفِي الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي: صلى فِيهِ، وَقد علم أَن رِوَايَة الْمُثبت مُقَدّمَة على رِوَايَة النَّافِي.
تابَعَهُ مَعْمَرٌ عنْ أيُّوبَ
أَي: تَابع عبدَ الصَّمد عَن أَبِيه معمرُ بن رَاشد عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة أَحْمد عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن أَيُّوب.
وَقَالَ وُهيْبٌ حدَّثنا أيُّوب عنْ عِكْرِمَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
هَذَا تَعْلِيق، ووهيب مصغر وهبَ ابْن خَالِد الْعجْلَاني عَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنه رَوَاهُ مُرْسلا، وَالرِّوَايَة الموصولة مرجحة لِاتِّفَاق عبد الرَّزَّاق وَمعمر على ذَلِك عَن أَيُّوب، فَافْهَم.
49 - (بابُ دُخُول النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ أعْلَى مَكَّةَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان دُخُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة حِين قدمهَا يَوْم الْفَتْح، وَعَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة يَوْم الْفَتْح وذقنه على رَحْله متخشعاً رَوَاهُ الْحَاكِم.
4289 - وَقَالَ اللَّيْثُ حدَّثني يُونُسُ قَالَ أخْبَرَني نافِعٌ عنْ عبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقْبَلَ يَوْمَ الفَتْحِ مِنْ أعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفاً أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ وَمَعَهُ بِلاَلٌ ومَعَهُ عُثْمانُ بنُ طَلْحَةَ مِنَ الحَجَبَةِ حَتَّى أناخَ فِي المَسْجِدِ فأمَرَهُ أنْ يأتِيَ بِمِفْتَاحِ البَيْتِ فَدَخَلَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ أسامَةُ بنُ زَيْدٍ وبِلاَلٌ وعُثْمانُ بنُ طَلْحَةَ فَمَكَثَ فِيهِ نَهَاراً طَوِيلاً ثُمَّ خَرَجَ فاسْتَبَقَ النَّاسُ فَكانَ عبْدُ الله بنُ عُمَرَ أوَّلَ مَنْ دَخَلَ فَوَجَدَ بِلاَلاً وراءَ الْبابِ قائِماً فَسألَهُ أيْنَ صَلَّى رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأشَارَ لهُ إِلَى المَكانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ قَالَ عبْدُ الله فَنَسِيتُ أنْ أسْألَهُ كَمْ صَلَّى مِنْ سَجْدَةٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَهَذَا تَعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد فِي: بَاب الردف على الْحمار، أخرجه هُنَاكَ عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (من الحجبة) ، جمع حَاجِب. قَوْله: (من سَجْدَة) ، أَي: من رَكْعَة.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة هَذَا تَعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد فِي بَاب الردف على الْحمار فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي إِلَى آخِره وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَوْله " من الحجبة " جمع حَاجِب قَوْله " من سَجْدَة " أَي من رَكْعَة
297 - (حَدثنَا الْهَيْثَم بن خَارِجَة حَدثنَا حَفْص بن ميسرَة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أخْبرته أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دخل عَام الْفَتْح من كداء الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّة) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والهيثم بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة ابْن خَارِجَة ضد الدَّاخِلَة أَبُو أَحْمد الْخُرَاسَانِي الْمروزِي سكن بَغْدَاد وَمَات بهَا سنة سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَحَفْص بن ميسرَة ضد الميمنة الصَّنْعَانِيّ وَلَيْسَ لَهُ حَدِيث مَوْصُول فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الْموضع قَوْله " من كداء " بِفَتْح الْكَاف وَتَخْفِيف الدَّال الْمُهْملَة وبالمد
(تَابعه أَبُو أُسَامَة ووهيب فِي كداء) أَي تَابع حَفْص بن ميسرَة أَبُو أُسَامَة وَهُوَ حَمَّاد بن أُسَامَة ووهيب بن خَالِد فِي روايتهما عَن هِشَام بن عُرْوَة بِهَذَا الْإِسْنَاد وَقَالا فِي روايتهما دخل من كداء بِالْمدِّ وَطَرِيق أُسَامَة وَصلهَا البُخَارِيّ فِي الْحَج فِي بَاب من أَيْن يخرج من مَكَّة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن(17/284)
مَحْمُود بن غيلَان عَن أبي أُسَامَة عَن هِشَام بن عُرْوَة إِلَى آخِره وَطَرِيق وهيب وَصله البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْبَاب الْمَذْكُور عَن مُوسَى عَن وهيب عَن هِشَام بن عُرْوَة إِلَى آخِره
298 - (حَدثنَا عبيد بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن هِشَام عَن أَبِيه دخل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَام الْفَتْح من أَعلَى مَكَّة من كداء) هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة وَلَكِن لم يذكر فِيهِ عَائِشَة فَهُوَ مُرْسل لِأَن عُرْوَة تَابِعِيّ -
51 - (بابُ مَنْزلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ الفَتْحِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان منزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم فتح مَكَّة.
52 - (بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب، كَذَا وَقع فِي الْأُصُول بِلَا تَرْجَمَة وَهُوَ كالفصل لما قبله.
4293 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حَدثنَا شعْبَةُ عنْ مَنْصورٍ عنْ أبي الضُّحاى عنْ مَسْروقٍ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقُولُ فِي رُكُوعِهِ وسُجُودِهِ سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ ربّنَا وبِحِمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي. .
وَجه دُخُول هَذَا الحَدِيث هُنَا من حَيْثُ إِنَّه أوردهُ مُخْتَصرا، وَسَيَأْتِي فِي التَّفْسِير بِلَفْظ: (مَا صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صَلَاة بعد أَن نزلت عَلَيْهِ: {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} (الْفَتْح: 1) لَا يَقُول فِيهَا، فَذكر الحَدِيث.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب الدُّعَاء فِي الرُّكُوع فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة عَن مَنْصُور إِلَى آخِره. (وغندر) بِضَم الْغَيْن وَسُكُون النُّون، وَقد تكَرر ذكره، وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَأَبُو الضُّحَى مُسلم بن صبيح الْكُوفِي.
قَوْله: (وَبِحَمْدِك) أَي: نسبحك، وَالْحَال أَنا متلبسون بحَمْدك، أَو هَذَا تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} (الْفَتْح: 3) .
4293 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حَدثنَا شعْبَةُ عنْ مَنْصورٍ عنْ أبي الضُّحاى عنْ مَسْروقٍ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقُولُ فِي رُكُوعِهِ وسُجُودِهِ سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ ربّنَا وبِحِمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي. .
وَجه دُخُول هَذَا الحَدِيث هُنَا من حَيْثُ إِنَّه أوردهُ مُخْتَصرا، وَسَيَأْتِي فِي التَّفْسِير بِلَفْظ: (مَا صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صَلَاة بعد أَن نزلت عَلَيْهِ: {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} (الْفَتْح: 1) لَا يَقُول فِيهَا، فَذكر الحَدِيث.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب الدُّعَاء فِي الرُّكُوع فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة عَن مَنْصُور إِلَى آخِره. (وغندر) بِضَم الْغَيْن وَسُكُون النُّون، وَقد تكَرر ذكره، وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَأَبُو الضُّحَى مُسلم بن صبيح الْكُوفِي.
قَوْله: (وَبِحَمْدِك) أَي: نسبحك، وَالْحَال أَنا متلبسون بحَمْدك، أَو هَذَا تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} (الْفَتْح: 3) .(17/285)
4294 - حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ أبي بِشْرٍ عنْ سعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَن ابْن عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كانَ عُمَرُ يُدْخِلُني معَ أشْياخِ بَدْرٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِمَ تدْخِلُ هاذَا الفَتَى مَعَنَا ولَنا أبْناءٌ مِثْلهُ فَقال إنَّهُ مِمَّنْ قدْ عَلِمْتُمْ قَالَ فَدَعاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ ودَاعاني مَعَهُمْ قَالَ وَمَا رُئِيتُهُ دَعاني يَوْمَئِذٍ إلاَّ لِيُرِيَهُمْ مِنِّي فَقال مَا تَقُولونَ: {إذَا جاءَ نَصْرُ الله والفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ} (الْفَتْح: 1 2) حَتى خَتَمَ السُّورَةَ فَقال بَعْضُهُمْ أمِرْنا أنْ نَحْمَدَ الله ونسْتَغْفِرَهُ إذَا نُصِرْنا وفُتِحَ عَلَيْنَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا ندْرِي وَلَمْ يَقُلْ بَعَضُهُمْ شَيْئاً فَقَالَ لي يَا ابنَ عَبَّاسٍ أكَذَاكَ تَقُولُ قُلْتُ لَا قَالَ فَما تَقُولُ فُلْتُ هُوَ أجَلُ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْلَمَهُ الله لهُ إذَا جاءَ نَصْرُ الله والفَتْحُ فَتْحُ مَكَّة فَذَاكَ عَلاَمَةُ أجَلِكَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كانَ تَوَّاباً قَالَ عُمرُ مَا أعْلمُ مِنْها إلاَّ مَا تَعْلَمُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ قَوْله: بَاب غَزْوَة الْفَتْح، لِأَن فِيهِ ذكر الْفَتْح وَهُوَ فتح مَكَّة، والأبواب الَّتِي بعده تَابِعَة لَهُ، فَافْهَم بالتيقظ.
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي، وَأَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: الوضاح الْيَشْكُرِي، وَأَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: واسْمه جَعْفَر بن أبي وحشية واسْمه إِيَاس الْيَشْكُرِي.
والْحَدِيث مضى مُخْتَصرا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن عرْعرة عَن شُعْبَة عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير إِلَى آخِره.
قَوْله: (يدخلني) بِضَم الْيَاء من الإدخال. قَوْله: (مَعَ أَشْيَاخ بدر) الْأَشْيَاخ جمع شيخ، وَأَرَادَ بهم الَّذين حَضَرُوا غَزْوَة بدر. قَوْله: (قَالَ بَعضهم) أَرَادَ بِهِ: عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَلم يقل ذَلِك حسداً، وَلكنه أَرَادَ أَن يكون أَبنَاء لَهُ مثله. قَوْله: (لم تدخل؟) بِكَسْر اللَّام وَأَصله: لما، وَتدْخل من الإدخال، وَأَرَادَ بالفتى ابْن عَبَّاس. قَوْله: (وَمَا رئيته) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى عمر. قَوْله: (إلاَّ لِيُرِيَهُمْ) أَي: إلاَّ لِأَن يُرِيهم، بِضَم الْيَاء من الإراءة، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى أَشْيَاخ بدر. قَوْله: (مني) أَي: بعض فضيلتي. قَوْله: (أَو لم يقل) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (فَقَالَ لي: يَا ابْن عَبَّاس) أَي: قَالَ عمر بن الْخطاب، هَذَا بِحرف النداء فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره. ابْن عَبَّاس، بِدُونِ حرف النداء. قَوْله: (أكذاك) . الْهمزَة فِيهِ للاستفهام أَي: أمثل مَا قَالُوا تَقول أَنْت أَيْضا. قَوْله: (قلت: لَا أَي:) لَا أَقُول مثل مَا قَالُوا. قَوْله: (قَالَ: فَمَا تَقول) . أَي: قَالَ: فَمَا تَقول أَنْت يَا ابْن عَبَّاس؟ قَوْله: (مَا أعلم مِنْهَا) ، أَي: من هَذِه السُّورَة (إِلَّا مَا تعلم) أَنْت يَا ابْن عَبَّاس، وَفِيه فَضِيلَة بَيِّنَة لعبد الله بن عَبَّاس.
4295 - حدَّثنا سعِيدُ بنُ شُرحَبِيلَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنِ المَقْبِرِيِّ عنْ أبي شُرَيْح العَدَوِيِّ أنَّهُ قَالَ لِ عَمْرو بنِ سعِيدٍ وهْوَ يَبْعَثُ البُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ ائْذَنْ لي أيُّها الأمِيرُ أحَدِّثكَ قَوْلاً قامَ بِهِ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الغَدَ مِنْ يَوْمِ الفَتْحِ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعاهُ قَلْبِيَ وأبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ إنَّهُ حَمِدَ الله وأثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَها الله ولَمْ يُحَرِّمْها النَّاسُ لَا يَحِلُّ لامْرِىءٍ يُؤْمِنُ بِاللَّه وَلَا بالْيَوْمِ الآخِرِ أنْ يَسْفِكَ بهَا دَماً ولاَ يَعْضِدَ بِها شَجَراً فَإنْ أحَدٌ تَرَخَّصَ لقِتالِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيها فَقُولُوا لهُ إِن الله أذِن لِرَسُولِهِ ولَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وإنَّما أذِنَ لِي فِيها ساعَةً مِنْ نَهارٍ وَقَدْ عادَتْ حُرْمتُها اليَوْمَ كَحُرْمَتِها بالأمْسِ وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ فَقِيلَ لأبي شُرَيْحٍ ماذَا قَالَ لَكَ عَمْروٌ قَالَ قَالَ أَنا أعْلَمُ بِذالِكَ مِنْكَ يَا با شُرَيْحٍ إنَّ الحَرَمَ لَا يُعِيذُ عاصِياً وَلَا فارًّا بِدَمٍ وَلَا فارًّا بِخَرْبَةٍ. .(17/286)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يَوْم الْفَتْح) وَسَعِيد بن شُرَحْبِيل، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره لَام: الْكِنْدِيّ، من قدماء شُيُوخ البُخَارِيّ، وَلَيْسَ لَهُ عَنهُ فِي (الصَّحِيح) سوى هَذَا الْموضع وَآخر فِي عَلَامَات النُّبُوَّة، وكل مِنْهُمَا عِنْده لَهُ متابع عَن اللَّيْث بن سعد، والمقبري، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْقَاف وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة. هُوَ سعيد بن أبي سعيد، وَاسم أبي سعيد كيسَان، وَكَانَ يسكن مَقْبرَة فنسب إِلَيْهَا، وَأَبُو شُرَيْح، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره حاء مُهْملَة: واسْمه خويلد مصغر خَالِد الْعَدوي، بِفَتْح الْمُهْمَلَتَيْنِ وبالواو، قَالَ أَبُو عمر فِي كِتَابه (الِاسْتِيعَاب) أَبُو شُرَيْح الكعبي الْخُزَاعِيّ اسْمه خويلد بن عَمْرو، وَقيل: ابْن خويلد، وَقيل: كَعْب بن عَمْرو، وَقيل: هانىء بن عَمْرو، وَالْأول أصح، أسلم قبل فتح مَكَّة وَكَانَ يحمل ألوية بني كَعْب يَوْم فتح مَكَّة، توفّي بِالْمَدِينَةِ سنة ثَمَان وَسِتِّينَ، عداده فِي أهل الْحجاز.
وَقد مر الحَدِيث فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب ليبلغ الْعلم الشَّاهِد الْغَائِب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث عَن سعيد بن أبي سعيد عَن أبي شُرَيْح إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصى، وَلَكِن نذْكر بعض شَيْء لبعد الْمسَافَة.
قَوْله: (لعَمْرو بن سعيد) أَي: ابْن الْعَاصِ بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة الْقرشِي الْأمَوِي، يعرف بالأشدق وَلَيْسَت لَهُ صُحْبَة وَلَا من التَّابِعين بِإِحْسَان، ووالده مُخْتَلف فِي صحبته، وَكَانَ أَمِير الْمَدِينَة، وغزا ابْن الزبير ثمَّ قَتله عبد الْملك بن مَرْوَان بعد أَن أَمنه وَكَانَ قَتله فِي سنة سبعين من الْهِجْرَة. قَوْله: (وَهُوَ يبْعَث الْبعُوث) وَهُوَ جمع بعث وَهُوَ الْجَيْش. قَوْله: (الْغَد) بِالنّصب على الظَّرْفِيَّة، وَهُوَ الْيَوْم الثَّانِي من فتح مَكَّة. قَوْله: (سمعته أذناي) تَأْكِيد، وَكَذَا قَوْله: (ووعاه قلبِي) أَي: حفظه، وَكَذَا قَوْله: (وأبصرته عَيْنَايَ) . قَوْله: (حمد الله) بَيَان لقَوْله: تكلم. قَوْله: (وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر) كلمة: لَا زَائِدَة لتأكيد النَّفْي. قَوْله: (وَلَا يعضد) من عضدت الشَّجَرَة بِالنّصب أعضدها بِالْكَسْرِ أَي: قطعتها. قَوْله: (فَإِن أحد ترخص) أحد مُفَسّر لقَوْله: ترخص. قَوْله: (لقِتَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: لأجل قِتَاله. قَوْله: (وليبلغ) يجوز بِكَسْر اللَّام وتسكينها. قَوْله: (يَا شُرَيْح) أَصله: يَا أبي شُرَيْح، حذفت الْهمزَة للتَّخْفِيف. قَوْله: (لَا يعيذ) بِضَم الْيَاء من الإعاذة بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، أَي: لَا يعْصم العَاصِي عَن إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ. قَوْله: (وَلَا فَارًّا) بتَشْديد الرَّاء أَي: ملتجئاً إِلَى الْحرم خوفًا من إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ فِي الأَصْل: الهارب (وَلَا فَارًّا بخربة) بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا بَاء مُوَحدَة، وَهِي السّرقَة، كَذَا ثَبت تَفْسِيرهَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: (وَلَا فَارًّا بخربة) يَعْنِي: السّرقَة، وَقَالَ ابْن بطال: الخربة، بِالضَّمِّ: الْفساد، وبالفتح: السّرقَة. وَقَالَ القاضيّ وَقد رَوَاهُ جَمِيع رُوَاة البُخَارِيّ غير الْأصيلِيّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة.
4296 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدّثنا اللَّيْثُ عنْ يَزِيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ عنْ عَطَاءِ بنِ أبي رباحِ عنْ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنْهُمَا أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ عامَ الفَتْحِ وهْوَ بِمَكَّةَ إنَّ الله ورسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَبَعض الحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر الْبيُوع مُعَلّقا، وَهُوَ: وَقَالَ جَابر: حرم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيع الْخمر، ثمَّ ذكره فِي: بَاب بيع الْميتَة والأصنام مطولا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور بِعَيْنِه، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
53 - (بابُ مُقامِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّةَ زَمَنَ الفَتْحِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مقَام، بِضَم الْمِيم، أَي: إِقَامَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.(17/287)
4298 - حدَّثنا عَبْدَانُ أخبَرَنا عَبْدُ الله أخبرَنا عاصِمٌ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ أقامَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْماً يُصَلِّي ركْعَتَيْنِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة الْمروزِي، وَعَاصِم هُوَ الْأَحول. والْحَدِيث مضى فِي قصر الصَّلَاة فِي أول الْبَاب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن أبي عوَانَة عَن عَاصِم وحصين عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، والتوفيق بَين حَدِيثي أنس وَابْن عَبَّاس هُوَ أَن حَدِيث أنس إِنَّمَا هُوَ فِي حجَّة الْوَدَاع، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس فِي الْفَتْح، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي: بَاب الْقصر.
4299 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ حدّثنا أبُو شِهابٍ عنْ عاصِمٍ عنْ عِكْرِمَةَ عَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ أقَمْنا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَفَرٍ تِسْعَ عَشْرَةَ نَقْصُرُ الصَّلاَةَ وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ ونَحْنُ نَقْصُرُ مَا بَيْنَنَا وبَيْنَ تِسْعَ عَشْرَةَ فإذَا زِدْنا أتْمَمْنا. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَلم يذكر فِيهِ الْمَكَان، وَأحمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس التَّمِيمِي الْكُوفِي وَأَبُو شهَاب هُوَ عبد ربه بن نَافِع الْمَدَائِنِي الحناط، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالنون، وَعَاصِم هُوَ الْأَحول. قَوْله: (وَقَالَ ابْن عَبَّاس) ، هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور.
54 - (بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب كَذَا وَقع فِي الْأُصُول بِغَيْر تَرْجَمَة وَلَيْسَ بموجود فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَقد ذكرنَا غير مرّة أَن لفظ: بَاب إِذا وَقع بِغَيْر تَرْجَمَة يكون كالفصل لما قبله.
وَقَالَ اللَّيْثُ حدَّثني يُونُسُ عنِ ابْن شِهابٍ أَخْبرنِي عَبْدُ الله بنُ ثَعْلَبَةَ بنِ صُعَيْرٍ وكانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ مَسَحَ وَجْهَهُ عامَ الْفَتْحِ.
هَذَا تَعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي (التَّارِيخ الصَّغِير) قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن صَالح حَدثنَا اللَّيْث فَذكره، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَعبد الله بن ثَعْلَبَة بن صعير، بِضَم الصَّاد وَفتح الْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ، وثعلبة هَذَا يُقَال لَهُ ابْن أبي صعير أَيْضا ابْن عَمْرو بن زيد بن سِنَان العذري، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وبالراء: حَلِيف بني زهرَة روى عَنهُ ابْنه عبد الله وهما صحابيان ويكنى عبد الله أَبَا مُحَمَّد، ولد قبل الْهِجْرَة بِأَرْبَع سِنِين وَتُوفِّي فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَتِسْعين سنة، وَقيل: إِنَّه ولد بعد الْهِجْرَة وَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفّي وَهُوَ ابْن أَربع سِنِين، وَإنَّهُ أَتَى بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمسح على رَأسه وَوَجهه زمن الْفَتْح، وَأَبوهُ ثَعْلَبَة روى عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك وَابْنه عبد الله، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لِثَعْلَبَةَ هَذَا ولابنه عبد الله صُحْبَة، روى عَنْهُمَا جَمِيعًا الزُّهْرِيّ. فَإِن قلت: أَيْن مقول قَول اللَّيْث؟ قلت: غير مَذْكُور لِأَن مَقْصُود من ذكر عبد الله بن ثَعْلَبَة بَيَان وَصفه بِالْمَسْحِ عَام الْفَتْح، وَقد ذكرنَا الْآن أَنه أَتَى بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمسح على رَأسه وَوَجهه، وَهُوَ معنى قَوْله: (وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد مسح وَجهه عَام الْفَتْح) وَقَالَ ابْن التِّين: عبد الله هَذَا إِن كَانَ عقل ذَلِك أَو عقل عَنهُ كلمة كَانَت لَهُ صُحْبَة، وَإِن لم يعقل عَنهُ شَيْئا كَانَت لَهُ تِلْكَ فَضِيلَة، وَهُوَ من الطَّبَقَة الأولى من التَّابِعين. قلت: أغرب ابْن التِّين فِي هَذَا، وَقد ذكرُوا أَن لَهُ ولأبيه صُحْبَة.
4301 - حدَّثني إبْرَاهيمُ بنُ مُوسَى أخبرنَا هِشامٌ عنْ مَعْمِرٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ سُنَيْنٍ أبي جَمِيلَةَ قَالَ أخبرنَا ونَحْنُ مَعَ ابنِ المُسَيَّبِ قَالَ وزَعَمَ أبُو جَمِيلَةَ أنَّهُ أدْرَكَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخَرَجَ مَعَهُ عامَ الْفَتْحِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ قَوْله: بَاب غَزْوَة الْفَتْح، فِي قَوْله: (عَام الْفَتْح) وَإِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد الْفراء، وَأَبُو إِسْحَاق الرَّازِيّ(17/288)
يعرف بالصغير وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَهِشَام وَهُوَ ابْن يُوسُف أَبُو عبد الرَّحْمَن الصَّنْعَانِيّ الْيَمَانِيّ قاضيها، وَمعمر، بِفَتْح الميمين: ابْن رَاشد، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم، وسنين، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره نون، وَقيل: بتَشْديد الْيَاء، ويكنى بِأبي جميلَة، بِفَتْح الْجِيم الضمرِي، وَيُقَال: السّلمِيّ، ذكره ابْن مَنْدَه وَابْن حبَان وَغَيرهمَا فِي الصَّحَابَة، وَقَالَ أَبُو عمر فِي (الِاسْتِيعَاب) : قَالَ مَالك بن شهَاب: أَخْبرنِي سِنِين أَبُو جميلَة أَنه أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفَتْح، وَقَالَ غَيره: وَحج مَعَه حجَّة الْوَدَاع، وَيرد بِهَذَا قَول ابْن الْمُنْذر: أَبُو جميلَة رجل مَجْهُول، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد قَالَه الشَّافِعِي أَيْضا وَقَالَ بَعضهم بعد قَوْله: عَن سِنِين، تقدم ذكره فِي الشَّهَادَات بِمَا يُغني عَن إِعَادَته. قلت: لم يغن ذكره فِي الشَّهَادَات عَن إِعَادَته هُنَا أصلا، لِأَن الْمَذْكُور فِي الشَّهَادَات فِي: بَاب إِذا زكى رجل رجلا كَفاهُ، وَقَالَ أَبُو جميلَة: وجدت مَنْبُوذًا فَلَمَّا رأى عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: عَسى الغوير بؤساً، كَأَنَّهُ يتهمني، فَقَالَ: عريفي أَنه رجل صَالح، قَالَ: كَذَاك إذهب وعلينا نَفَقَته. انْتهى، فَمن أَيْن حَال أبي جميلَة من هَذَا حَتَّى يكون ذكره هُنَاكَ مغنياً عَن ذكره هَهُنَا؟
قَوْله: (قَالَ: أخبرنَا وَنحن مَعَ ابْن الْمسيب) أَي: قَالَ الزُّهْرِيّ: أخبرنَا أَبُو جميلَة وَالْحَال نَحن مَعَ ابْن الْمسيب، والمخبر بِهِ غير مَذْكُور. قَوْله: (قَالَ: وَزعم) أَي: قَالَ الزُّهْرِيّ: وَزعم، أَي: قَالَ أَبُو جميلَة إِنَّه إِلَى آخِره، وَجُمْهُور الْأُصُولِيِّينَ أَن الْعدْل المعاصر للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَالَ: أَنا صَحَابِيّ، يصدق فِيهِ ظَاهرا.
4302 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ أبي قلاَبَةَ عنْ عَمْرو بنِ سَلَمَةَ قَالَ قَالَ لي أبُو قِلاَبَةَ ألاَ تَلْقَاهُ فتَسألَهُ قَالَ فلَقِيتُهُ فسألْتُهُ فَقال كنَّا بِما مَمَرِّ النّاسِ كانَ يَمُرُّ بِنا الرُّكْبانُ فنَسألُهُمْ مَا لِلنّاسِ مَا هاذا الرجُلُ فيَقُولونَ يَزْعمُ أنَّ الله أرْسَلَهُ أوْحَى إلَيْهِ أوْ أوْحَى الله بكَذَا فكُنْتُ أحْفَظُ ذَلِكَ الكَلاَمَ وكأنَّما يُغَرَّى فِي صَدْرِي وكانَتِ العَرَبُ تَلومُ بإسْلاَمِهِمِ الفَتْحَ فَيَقُولُونَ اتْرُكُوهُ وقَوْمَهُ فإنَّهُ إنْ ظَهَرَ عَلَيْهِم فَهْوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ فَلَمّا كانَتْ وقْعَةُ أهْلِ الفَتْحِ بادَرَ كلُّ قومٍ بإسْلاَمِهِمْ وَبَدَرَ أبي قَوْمِي بإسْلاَمِهِمْ فَلَمّا قَدِمَ قَالَ جِئْتُكُمْ وَالله مِنْ عِنْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حقًّا فَقال صَلُّوا صَلاَةَ كَذا وَصَلُّوا كَذا فِي حِينِ كَذا فإذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فلْيُؤَذِّنْ أحَدُكُمْ ولْيَؤُّمَّكُمْ أكْثَرُكُمْ قُرْآناً فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أحَدٌ أكْثَرَ قُرْآيناً مِنِّي لِمَا كُنْتُ أتَلَقَّى منَ الرُّكْبانِ فَقَدمُوني بَيْنَ أيْدِيهِمْ وَأَنا ابْنُ سِتِّ أوْ سبْعِ سِنِينَ وكانَتْ عَليَّ بُرْدَةٌ كُنْتُ إِذا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي فَقَالَتِ امْرَأةٌ منَ الحَيِّ أَلا تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قارِئِكُمْ فاشتَرَوْا فَقَطَعُوا قَمِيصاً فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ فرَحِي بذالِكَ القَمِيص.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله (بِإِسْلَامِهِمْ الْفَتْح) وَفِي قَوْله: (وقْعَة أهل الْفَتْح) وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ وَأَبُو قلَابَة، بِكَسْر الْقَاف: اسْمه عبد الله بن زيد الْجرْمِي، وَعَمْرو بن سَلمَة، بِكَسْر اللَّام ابْن قيس الْجرْمِي، يكنى أَبَا يزِيد، قَالَ أَبُو عمر: أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ يؤم قومه على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد قيل: إِنَّه قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَعَ أَبِيه. وَلم يخْتَلف فِي قدوم أَبِيه على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نزل عَمْرو بن سَلمَة الْبَصْرَة، وَيُقَال: مُخْتَلف فِي صُحْبَة عَمْرو وَمَاله فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، وَكَذَا أَبوهُ لَكِن وَقع ذكر عَمْرو بن سَلمَة فِي حَدِيث مَالك بن الْحُوَيْرِث فِي صفة الصَّلَاة.
قَوْله: (قَالَ لي أَبُو قلَابَة) أَي: قَالَ أَيُّوب: قَالَ لي أَبُو قلَابَة: (لَا تَلقاهُ) أَي: لَا تلقى عَمْرو بن سَلمَة؟ قَوْله: (فَقَالَ:) أَي: عَمْرو ابْن سَلمَة. (كُنَّا بِمَاء) أَرَادَ بِهِ الْمنزل الَّذِي ينزل عَلَيْهِ النَّاس. قَوْله: (ممر النَّاس) بِالْجَرِّ صفة. لماء، وَهُوَ بتَشْديد الرَّاء إسم مَوضِع الْمُرُور، وَيجوز فِيهِ الرّفْع على تَقْدِير: هُوَ ممر النَّاس. قَوْله: (الركْبَان) جمع رَاكب الْإِبِل خَاصَّة، ثمَّ اتَّسع فِيهِ فَأطلق على من ركب دَابَّة. قَوْله: (مَا للنَّاس؟ مَا للنَّاس؟) كَذَا هُوَ مُكَرر مرَّتَيْنِ. قَوْله: (مَا هَذَا الرجل؟) أَي: يسْأَلُون عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَن حَال الْعَرَب(17/289)
مَعَه. قَوْله: (أَو أوحى الله بِكَذَا) شكّ من الروي، يُرِيد بِهِ حِكَايَة مَا كَانُوا يخبرونهم بِهِ مِمَّا سَمِعُوهُ من الْقُرْآن. وَفِي (الْمُسْتَخْرج) لأبي نعيم: فَيَقُولُونَ نَبِي يزْعم أَن الله أرْسلهُ، وَأَن الله أوحى إِلَيْهِ كَذَا وَكَذَا، فَجعلت أحفظ ذَلِك الْكَلَام، وَرِوَايَة أبي دَاوُد: وَكنت غُلَاما حَافِظًا فَحفِظت من ذَلِك قُرْآنًا كثيرا. قَوْله: (ذَلِك الْكَلَام) ويروي: ذَاك الْكَلَام. قَوْله: (فَكَأَنَّمَا) ويروى: وكأنما. قَوْله: (يغري) ، بِضَم الْيَاء وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء: من التغرية وَهُوَ الإلصاق بالغراء، وَرجح القَاضِي عِيَاض هَذِه الرِّوَايَة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يقر، بِضَم الْيَاء وَفتح الْقَاف وَتَشْديد الرَّاء: من الْقُرَّاء، وَفِي رِوَايَة عَنهُ بِزِيَادَة ألف مَقْصُورا من التقرية، أَي: يجمع، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: يقْرَأ بِالْهَمْزَةِ: من الْقِرَاءَة. قَوْله: (تلوم) بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح اللَّام وَتَشْديد الْوَاو: وَأَصله تتلوم، فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَمَعْنَاهُ: تنْتَظر قَوْله: (الْفَتْح) أَي: فتح مَكَّة. قَوْله: (وَقَومه) ، مَنْصُوب على الْمَعِيَّة. قَوْله: (بَادر) ، أَي: أسْرع، وَكَذَا قَوْله: (بدر) ، يُقَال: بدرت إِلَى شَيْء وبادرت أَي: أسرعت. قَوْله: (فَلَمَّا قدم) أَي: أَبوهُ من عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَوله هَذَا يشْعر بِأَنَّهُ مَا وَفد مَعَ أَبِيه، وَلَكِن لَا يمْنَع أَن يكون وَفد بعد ذَلِك. قَوْله: فنظروا أَي: إِلَى من كَانَ أَكثر قُرْآنًا. قَوْله: (بردة) وَهِي الشملة المخططة، وَقيل: كسَاء أسود مربع فِيهِ صفر تلبسه الْأَعْرَاب، وَجَمعهَا: برد. قَوْله: (تقلصت) أَي: انجمعت وانضمت، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: تكشفت عني، وَفِي رِوَايَة لَهُ: فَكنت أؤمهم فِي بردة مَوْصُولَة فِيهَا فتق، فَكنت إِذا سجدت خرجت أستي. قَوْله: (لَا تغطوا) بِحَذْف النُّون، كَذَا قَالَ ابْن التِّين، وَفِي الأَصْل: لَا تغطون، لعدم الْمُوجب لحذف النُّون، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: فَقَالَت امْرَأَة من النِّسَاء: داروا عَنَّا عَورَة قارئكم. قَوْله: (فاشتروا) مفعولة مَحْذُوف أَي: فاشتروا ثوبا، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: فاشتروا لي قَمِيصًا عمانياً، وَهُوَ بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم، نِسْبَة إِلَى عمان من الْبَحْرين.
4303 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مالِكٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ اللَّيْثُ حدّثني يُونُسُ عنِ ابنِ شِهابٍ أخْبَرَنِي عُرْوَةُ ابنُ الزُّبَيْرِ أنَّ عائِشَةَ قَالَتْ كانَ عُتْبَةُ بنُ أبي وقَّاسٍ عَهِدَ إِلَى أخِيهِ سَعْدٍ أنْ يَقْبِضَ ابنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ وَقَالَ عُتْبَةُ إنَّهُ ابْنِي فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّةَ فِي الفَتْحِ أخَذَ سَعْدُ بنُ أبي وَقَّاصٍ ابنَ وليدَةِ زَمْعَةَ فأقْبَلَ بِهِ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأقْبَلَ مَعَهُ عَبْدُ بنُ زَمْعَةَ فَقَالَ سَعْدُ بنُ أبي وقَّاصٍ هاذَا ابنُ أخِي عَهِدَ إلَيَّ أنَّهُ ابْنُهُ قَالَ عَبْدُ بنُ زَمْعَةَ رَسُولَ الله هاذَا أخِي هاذَا ابنُ ولِيدَةِ زَمْعَةَ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَنَظَرَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ابْن ولِيدَةِ زَمْعَةَ فإذَا أشْبَهُ النَّاس بِعُتْبَةَ بنِ أبي وقَّاصٍ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ لَكَ هُوَ أخُوكَ يَا عَبْدُ بنَ زَمْعَةَ مِنْ أجْلِ أنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ لِما رَأى مِنْ شَبَهِ عُتْبَةَ بنِ أبي وَقَّاصٍ. قَالَ ابنُ شِهابٍ قالتْ عائِشَةُ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الوَلَدُ لِلْفِرَاش وللْعاهِرِ الحَجَرُ وَقَالَ ابنُ شهابٍ وَكَانَ أبُو هُرَيْرَةَ يَصِيحُ بِذالِكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَلَمَّا قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة فِي الْفَتْح) والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع فِي: بَاب تَفْسِير الشُّبُهَات، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يحيى بن قزعة عَن مَالك، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (عتبَة) بِضَم الْعين وَسُكُون التَّاء من فَوق. قَوْله: (وليدة زَمعَة) الوليدة: الْأمة، وَزَمعَة بالزاي وَالْمِيم وَالْعين الْمُهْملَة المفتوحات، وَقيل بِسُكُون الْمِيم. قَوْله: (للعاهر الْحجر) أَي: وللزاني الخيبة والحرمان من الْوَلَد. قَوْله: (ابْن شهَاب. قَالَت عَائِشَة) مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله: (يصبح بذلك) أَي: بقوله: (الْوَلَد للْفراش وللعاهر وَالْحجر) وَرِوَايَة ابْن شهَاب عَن أبي هُرَيْرَة مُرْسلَة، وروى مُسلم من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر.(17/290)
4304 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا يُونُسُ عنِ الزُّهِرِيِّ قَالَ أخْبرَني عُروةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّ امْرَأةً سَرَقَتْ فِي عَهِدِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَةِ الفَتْحِ فَفَزِعَ قَوْمُها إِلَى أُسامَةَ بنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَهُ قَالَ عُرْوَةُ فَلَمَّا كَلَّمَه أُسَامَةُ فِيها تَلَوَّنَ وجْهُ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَال أتُكَلِّمُني فِي حَدّ منْ حُدُودِ الله قَالَ أُسَامَةُ اسْتَغْفِرْ لي يَا رسولَ الله فَلعا كانَ العَشِيُّ قامَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَطِيباً فأثْنَى عَلَى الله بِما هُوَ أهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أمَّا بَعْدُ فإنَّمَا أهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ أنَّهُمْ كانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمِ الشريفُ تَرَكُوهُ وإذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أقامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لوْ أنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ثُمَّ أمَرَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِتِلْكَ المَرْأَةِ فَقُطِعَتْ يَدُها فَحَسُنَتْ تَوْبَتُها بَعْدَ ذالِكَ وَتَزَوَّجَتْ قَالَتْ عائِشَةُ فَكانَتْ تَأتي بعْدَ ذَلِكَ فأرْفَعُ حاجتَها إلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فِي غَزْوَة الْفَتْح) وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك. والْحَدِيث قد مضى فِي الشَّهَادَات فِي: بَاب شَهَادَة الْقَاذِف فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْمَاعِيل إِلَى آخِره.
قَوْله: (أَن امْرَأَة) هِيَ فَاطِمَة المخزومية. قَوْله: (فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: فِي زَمَانه، هَذِه صُورَة الْإِرْسَال، وَلَكِن فِي آخِره مَا يَقْتَضِي أَنه عَن عَائِشَة، وَهُوَ قَوْله فِي آخِره: قَالَت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. قَوْله: (فَفَزعَ) أَي: التجأ قَومهَا إِلَى أُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة مولى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُقَال: فزعت إِلَيْهِ، بِكَسْر الزَّاي فأفزعني: أَي لجأت إِلَيْهِ فأغاثني، وفزعت عَنهُ أَي: كشفت عَنهُ الْفَزع، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم} (سبإ: 23) .
4305 - حدَّثنا عَمْرُو بن خالِدٍ حدَّثنا زُهَيْرٌ حدَّثنا عاصِمٌ عنْ أبي عُثْمانَ قَالَ حَدثنِي مُجاشِعٌ قَالَ أتَيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأخي بعْدَ الفَتْحِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله جِئْتُكَ بأخِي لِتُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ قَالَ ذَهبَ أهْلُ الْهِجْرَةِ بِمَا فِيها فقُلْتُ عَلى أيِّ شَيْءٍ تُبايِعُهُ قَالَ أبايِعُهُ عَلَى الإسْلاَمِ والأيمانِ والجِهادِ فلَقِيتُ مَعْبَداً بَعْدُ وكانَ أكْبَرَهُما فَسَألْتُهُ فَقال صَدَقَ مُجاشِعٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بعد الْفَتْح) وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن هَذِه الْقِصَّة وَقعت بعد الْفَتْح وَزُهَيْر هُوَ ابْن مُعَاوِيَة، وَعَاصِم هُوَ ابْن سُلَيْمَان، وَأَبُو عُثْمَان هُوَ عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ، بِفَتْح النُّون، ومجاشع، بِضَم الْمِيم وبالجيم والشين الْمُعْجَمَة الْمَكْسُورَة وَفِي آخِره عين مُهْملَة: هُوَ ابْن مَسْعُود بن ثَعْلَبَة بن وهب السّلمِيّ، بِضَم السِّين، قتل يَوْم الْجمل قبل الِاجْتِمَاع الْأَكْبَر.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب الْبيعَة فِي الْحَرْب أَن لَا يَفروا، مُخْتَصرا.
قَوْله: (بأخي) هُوَ مجَالد بِوَزْن أَخِيه مجاشع، وَله صُحْبَة قَالَ أَبُو عمر: لَا أعلم لَهُ رِوَايَة وَكَانَ إِسْلَامه بعد إِسْلَام أَخِيه بعد الْفَتْح، وَهُوَ أَيْضا قتل يو الْجمل وكنيته أَبُو معبد كَمَا يذكرهُ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة، وَفِي هَذَا قَالَ: فَلَقِيت معبدًا، هَكَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَلَقِيت أَبَا معبد، كَمَا فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة، وَهُوَ الصَّوَاب. قَوْله: (ذهب أهل الْهِجْرَة بِمَا فِيهَا) يَعْنِي: أَن الْهِجْرَة قد مَضَت لأَهْلهَا، وَالْهجْرَة الممدوحة الفاضلة الَّتِي لأصحابها المزية الظَّاهِرَة إِنَّمَا كَانَت قبل الْفَتْح، فقد مَضَت لأَهْلهَا يَعْنِي: حصلت لمن وفْق لَهَا قبل الْفَتْح. قَوْله: (قَالَ: أُبَايِعهُ) أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُبَايِعهُ على أَن يفعل هَذِه الْأَشْيَاء وَهِي: (الْإِسْلَام وَالْإِيمَان وَالْجهَاد) . قَوْله: (فَلَقِيت معبدًا) قد ذكرنَا الْآن اخْتِلَاف الرِّوَايَة فِيهِ. وفاعل: لقِيت، أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ رَاوِي الحَدِيث، وَقد صرح بذلك مُسلم حَيْثُ قَالَ: مَضَت الْهِجْرَة لأَهْلهَا. قلت: فَبِأَي شَيْء تبايعه؟ قَالَ: على الْإِسْلَام وَالْجهَاد وَالْخَيْر. قَالَ أَبُو عُثْمَان: فَلَقِيت أَبَا معبد فَأَخْبَرته بقول مجاشع، قَالَ: وَفِي رِوَايَة لَهُ: فَلَقِيت أَخَاهُ، فَقَالَ: صدق مجاشع. قَوْله: (بعد) بِضَم الدَّال أَي: بعد سَمَاعي الحَدِيث من مجاشع. قَوْله: (وَكَانَ أكبرهما) أَي: وَكَانَ أَبُو معبد أكبر الْأَخَوَيْنِ. قَوْله:(17/291)
(فَسَأَلته) أَي: أَبَا معبد، والسائل هُوَ أَبُو عُثْمَان أَيْضا، وَكَانَ سُؤَاله عَن حَدِيث مجاشع الَّذِي سَمعه مِنْهُ، فَقَالَ أَبُو معبد: صدق مجاشع، وَهَذَا يدل على أَن أَبَا عُثْمَان روى عَن الْأَخَوَيْنِ كليهمَا.
4308 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكْرٍ حَدثنَا الْفُضَيْلُ بنُ سُلَيْمانَ حدّثنا عاصِمٌ عنْ أبي عُثْمانَ النَّهْدِيِّ عنْ مُجاشِع بن مَسْعُودٍ انْطَلَقْتُ بِأبي مَعْبَدٍ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِيُبَايِعَهُ عَلَى الهِجْرَةِ قَالَ مَضَتِ الهِجْرَةُ لأهْلِها أُبَايِعُهُ عَلَى الإسْلامِ والجِهَادِ فَلَقِيتُ أَبَا مَعْبَدٍ فَسألْتُهُ فَقال صَدَقَ مُجاشِعٌ وقالَ خالِدٌ عنْ أبي عُثْمَانَ عنْ مُجاشِعٍ أنَّهُ جاءَ بأخِيهِ مُجالِدٍ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن مُحَمَّد بن أبي بكر بن عَليّ بن عَطاء بن مقدم أَبُو عبد الله الْمَعْرُوف بالمقدمي، وَهُوَ شيخ مسلمأيضاً يروي عَن الفضيل، بِضَم الْفَاء: ابْن سُلَيْمَان النميري الْبَصْرِيّ عَن عَاصِم بن سُلَيْمَان عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ.
قَوْله: (انْطَلَقت بِأبي معبد) هُوَ مجَالد أَخُو مجاشع، وَقد ذكر هُنَا بالكنية، وَمُسلم أَيْضا مَا ذكره إلاَّ بالكنية، وَهُوَ الصَّوَاب. قَوْله: (وَقَالَ خَالِد) هُوَ الْحذاء، هَذَا تَعْلِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ من جِهَة خَالِد بن عبد الله الطَّحَّان عَن خَالِد الْحذاء عَن أبي عُثْمَان عَن مجاشع بن مَسْعُود: أَنه جَاءَ بأَخيه مجَالد بن مَسْعُود، فَقَالَ: هَذَا مجَالد يَا رَسُول الله، فَبَايعهُ على الْهِجْرَة الحَدِيث.
4309 - حدَّثني محَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ أبي بِشْرٍ عنْ مُجاهِدٍ لابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا إنِّي أُرِيدُ أنْ أهاجِرَ إلَى الشَّامِ قَالَ لَا هِجْرَةَ ولَكنْ جِهادٌ فانْطَلِقْ فاعْرِضْ نَفْسَكَ فإنْ وَجَدْتَ شَيْئاً رَجَعْتَ.
هَذَا ذكره هُنَا اسْتِطْرَادًا، وَقد مضى فِي أَوَائِل الْهِجْرَة سنداً ومتناً. وغندر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون: لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَأَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: واسْمه جَعْفَر بن أبي وحشية واسْمه إِيَاس. قَوْله: (فَإِن وجدت شَيْئا) أَي: من الْجِهَاد أَو من الْقُدْرَة عَلَيْهِ، فَذَاك هُوَ الْمَطْلُوب. قَوْله: (وإلاَّ أَي:) وَإِن لم تَجِد شَيْئا من ذَلِك (رجعت) .
4310 - وَقَالَ النَّضرُ أخبرَنا شُعْبَة أخْبرَنا أبُو بِشْرٍ سَمِعْتُ مُجاهِداً قُلْتُ لابنِ عُمَرَ فَقال لَا هِجْرَةَ اليَوْمَ أوْ بعدَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ.
هَذَا تَعْلِيق النَّضر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: ابْن شُمَيْل، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة مصغر الشمل وَوَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق أَحْمد بن مَنْصُور، وَزَاد فِي آخِره: وَلَكِن جِهَاد، فاعرض نَفسك فَإِن أصبت شَيْئا وإلاَّ فَارْجِع. قَوْله: (أَو بعد) شكّ من الرَّاوِي، قَوْله: (مثله) أَي: مثل الحَدِيث الْمَذْكُور.(17/292)
4312 - حدَّثنا إسْحاقِ بنُ يَزِيدَ حدَّثنا يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ قَالَ حدَّثني الأوْزَاعِيُّ عنْ عَطاءِ ابْن أبي رَباحٍ قَالَ زُرْتُ عائِشَةَ مَعَ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ فَسَألَها عنِ الْهِجْرَةِ فَقَالَتْ لَا هِجْرَةَ اليَوْمَ كانَ المُؤْمِنُ يَقِرُّ أحَدَهُمْ بِدِينِهِ إِلَى الله وَإِلَى رسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مخافَة أنْ يُفْتَنَ عَلَيْهِ فأمَّا اليَوْمَ فَقَدْ أظْهَرَ الله الإسْلاَمَ فالمُؤْمِنُ يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شاءَ ولَكِنْ جِهادٌ ونِيَّةٌ. (انْظُر الحَدِيث 3080 وطرفه) .
هَذَا الحَدِيث مثل الحَدِيث الْمَذْكُور فِي السَّنَد، غير أَن هُنَاكَ الْأَوْزَاعِيّ عَن عَبدة عَن مُجَاهِد، وَهنا عَن عَطاء وَفِي قَوْله: (لَا هِجْرَة) غير أَن هُنَاكَ: بعد الْفَتْح، وَهنا: لَا هِجْرَة الْيَوْم، ومعناهما يؤول إِلَى معنى وَاحِد. قَول: (يفر بِدِينِهِ) أَي: بِسَبَب حفظ دينه. قَوْله: (مَخَافَة) نصب على التَّعْلِيل. قَوْله: (وَلَكِن جِهَاد) أَي: وَلَكِن الْهِجْرَة الْيَوْم جِهَاد فِي سَبِيل الله. قَوْله: (وَنِيَّة) أَي: ثَوَاب النِّيَّة فِي الْهِجْرَة.
4313 - حدَّثنا إسْحاقُ حدَّثنا أبُو عاصِمٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ أخْبَرَني حَسَنُ بنُ مُسْلِمٍ عنْ مُجاهِدٍ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قامَ يَوْمَ الفَتْحِ فَقَالَ إنَّ الله حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّماوَاتِ والأرْضَ فَهِيَ حَرَامٌ بِحَرَامِ الله إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ لَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لأحَدٍ بَعْدِي ولَمْ تَحْلِلْ لِي ساعَةَ مِنَ الدَّهْرِ لَا يَنَفَّرُ صَيْدُها ولاَ يُعْضَدُ شَوْكُها ولاَ يُخْتَلَى خَلاَها ولاَ تَحِلُّ لُقَطَتُها إلاَّ لِمُنْشِدٍ فَقَالَ العبَّاسُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ إلاَّ الإذْخِرَ يَا رَسُولَ الله فإنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْهُ لِلْقَيْن والْبُيُوتِ فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ إِلَّا الإذْخِرَ فإنَّهُ حَلاَلٌ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يَوْم الْفَتْح) وَهُوَ مُرْسل، وَقد مضى فِي الْحَج وَالْجهَاد وَغَيرهمَا مَوْصُولا. وَإِسْحَاق هُوَ ابْن مَنْصُور وَبِه جزم أَبُو عَليّ الجياني، وَقَالَ الْحَاكِم: هُوَ إِسْحَاق بن نصر، وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد النَّبِيل، وَهُوَ من شُيُوخ البُخَارِيّ روى عَنهُ هُنَا بالواسطة ابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز الْمَكِّيّ، وَحسن بن مُسلم بن يناق الْمَكِّيّ.
وعنِ ابنِ جُرَيْجٍ أخبَرَنِي عَبْدُ الكَرِيمِ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِ هَذَا أوْ نَحْوِ هاذَا رَواهُ أبُو هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (وَعَن ابْن جريج) مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الَّذِي قبله، أَي: رَوَاهُ أَبُو عَاصِم عَن ابْن جريج عَن عبد الْكَرِيم بن مَالك الْجَزرِي عَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس عَن عبد الله بن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد مضى فِي الْحَج فِي: بَاب لَا يحل الْقِتَال بِمَكَّة، عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من طَرِيق مُجَاهِد عَن طَاوس عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله بِمثل هَذَا أَي: بِمثل هَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور. قَوْله: (أَو نَحْو هَذَا) شكّ من الرَّاوِي، وَالْفرق بَين: الْمثل والنحو، أَن الْمثل مُتحد فِي الْحَقِيقَة، والنحو أَعم. وَقيل: هما مُتَرَادِفَانِ. قَوْله: (رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَقد مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب كِتَابَة الْعلم، عَن أبي نعيم عَن شبيبان عَن يحيى عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة: أَن خُزَاعَة قتلوا رجلا الحَدِيث بِطُولِهِ، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصًى.
55 - (بابُ قَوْلِ الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وضاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ ولَّيْتُمْ مُدْبِرِين ثُمَّ أنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ إِلَى قَوْلِهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (التَّوْبَة: 25)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله عز وَجل: {وَيَوْم حنين} إِلَى آخِره، هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَوَقع فِي رِوَايَة غَيره إِلَى قَوْله: {ثمَّ أنزل الله سكينته} ثمَّ قَالَ: {إِلَّا غَفُور رَحِيم} وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: بَاب غَزْوَة حنين، وَقَول الله تَعَالَى: {وَيَوْم حنين إِذا أَعجبتكُم كثرتكم فَلم تغن عَنْكُم شَيْئا وَضَاقَتْ عَلَيْكُم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ} إِلَى قَوْله: {غَفُور رَحِيم} قَوْله: {وَيَوْم حنين} إِلَى آخِره وَأول(17/293)
الْآيَة: {لقد نصركم الله فِي مَوَاطِن كَثِيرَة} (التَّوْبَة: 25) وَأَرَادَ بالمواطن الْكَثِيرَة وقعات: بدر وَقُرَيْظَة وَالنضير وَالْحُدَيْبِيَة وخيبر وَفتح مَكَّة وَقَوله: {وَيَوْم حنين} ، عطف على المواطن. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: فَإِن قلت: كَيفَ عطف الزَّمَان على الْمَكَان وَهُوَ يَوْم حنين على المواطن؟ قلت: مَعْنَاهُ: وموطن يَوْم حنين، أَو فِي أَيَّام مَوَاطِن كَثِيرَة وَيَوْم حنين، وحنين وادٍ بَين مَكَّة والطائف، وَقَالَ الْبكْرِيّ: هُوَ وادٍ قريب من الطَّائِف بَينه وَبَين مَكَّة بضعَة عشر ميلًا. والأغلب عَلَيْهِ التَّذْكِير. لِأَنَّهُ اسْم مَاء، وَقيل: إِنَّه سمي بحنين بن قانية بن مهلاييل. قَوْله: (إِذْ أَعجبتكُم كثرتكم) إِمَّا بدل من: يَوْم حنين، وَالتَّقْدِير: أذكر إِذا أَعجبتكُم عِنْد الملاقاة مَعَ الْكفَّار كثرتكم فَلم تغن الْكَثْرَة عَنْكُم شَيْئا وَضَاقَتْ عَلَيْكُم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ وَكلمَة: مَا مصدرته وَالْبَاء، بِمَعْنى: أَي: مَعَ رحبها، أَي: وسعهَا ثمَّ: (وليتم مُدبرين) أَي: منهزمين، وَقَالَ ابْن جريج عَن مُجَاهِد: هَذِه أول آيَة نزلت من سُورَة بَرَاءَة يذكر الله للْمُؤْمِنين فَضله عَلَيْهِم فِي نَصره إيَّاهُم فِي مَوَاطِن كَثِيرَة أَن ذَلِك من عِنْده لَا يعددهم وَلَا عَددهمْ ونبههم على أَن النَّصْر من عِنْده سَوَاء قل الْجمع أَو كثر، فَإِن يَوْم حنين أعجبتهم كثرتهم وَمَعَ هَذَا مَا أجدى ذَلِك عَنْهُم شَيْئا. قَوْله: (مُدبرين) إِلَّا الْقَلِيل مِنْهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أنزل نَصره وتأييده على رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ الَّذين كَانُوا مَعَه، كَمَا سَيَجِيءُ بَيَانه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَاعْلَم أَن وقْعَة حنين كَانَت بعد فتح مَكَّة فِي شَوَّال سنة ثَمَان من الْهِجْرَة، وَذَلِكَ لما فرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فتح مَكَّة وتمهدت لَهُ أمورها وَأسلم عَامَّة أَهلهَا وأطلعهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بلغَة أَن هوَازن قد جمعُوا لَهُ ليقاتلوه وأميرهم مَالك بن عون النضري، وَمَعَهُ ثَقِيف بكمالها وَبَنُو جشم وَبَنُو سعد بن بكر وأوزاع من بني هِلَال، وهم قَلِيل، وناس من بني عَمْرو بن عَامر وَعون ابْن عَامر، وَأَقْبلُوا وَمَعَهُمْ النِّسَاء والولدان وَالشَّاء وَالنعَم، وجاؤوا بقضهم وقضيضهم، فَخرج إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حبيشه الَّذين جاؤوا مَعَه لِلْفَتْحِ، وَهُوَ: عشرَة آلَاف من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، وقبائل الْعَرَب وَمَعَهُ الَّذين أَسْلمُوا من أهل مَكَّة وهم الطُّلَقَاء فِي أَلفَيْنِ، فَسَار بهم إِلَى الْعَدو فَالْتَقوا بوادٍ بَين مَكَّة والطائف يُقَال لَهُ: حنين، فَكَانَت فِيهِ الْوَقْعَة من أول النَّهَار فِي غلس الصُّبْح وانحدروا فِي الْوَادي وَقد كمنت فِيهِ هوَازن، فَلَمَّا توجهوا لم يشْعر الْمُسلمُونَ إلاَّ بهم قد ساوروهم ورشقوا بالنبال واصلتوا السيوف وحملوا حَملَة رجل وَاحِد، كَمَا أَمرهم ملكهم، فَعِنْدَ ذَلِك ولَّى الْمُسلمُونَ مُدبرين، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى، وَثَبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يومئذٍ على بغلته الشَّهْبَاء يَسُوقهَا إِلَى نَحْو الْعَدو، وَالْعَبَّاس آخذ بركابه الْأَيْمن، وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب آخذ بركابه الْأَيْسَر يثقلانه لِئَلَّا يسْرع السّير وَهُوَ يُنَوّه باسمه وَيَدْعُو الْمُسلمين إِلَى الرّجْعَة، وَيَقُول: أَي عباد الله إِلَى أَنا رَسُول الله، وَيَقُول فِي تِلْكَ الْحَال.
((أَنا النَّبِي لَا كذب ... أَنا ابْن عبد الْمطلب))
وَثَبت مَعَه من أَصْحَابه قريب من مائَة، وَقيل: ثَمَانُون، مِنْهُم: أَبُو بكر وَعمر وَالْعَبَّاس وَعلي وَالْفضل بن عَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث وأيمن ابْن أم أَيمن وَأُسَامَة بن زيد وَغَيرهم رَضِي الله عَنْهُم، ثمَّ أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَمه الْعَبَّاس، وَكَانَ جهير الصَّوْت، بِأَن يُنَادي بِأَعْلَى صَوته: يَا أَصْحَاب الشَّجَرَة، يَعْنِي: شَجَرَة بيعَة الرضْوَان، يَا أَصْحَاب سُورَة الْبَقَرَة فَجعلُوا يَقُولُونَ لبيْك يَا لبيْك، فتراجع شرذمة من النَّاس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَمرهمْ أَن يصدقُوا الحملة، وَأخذ قَبْضَة من التُّرَاب بعد مَا دَعَا ربه واستنصره، وَقَالَ: أللهم أنْجز لي مَا وَعَدتنِي ثمَّ رمى الْقَوْم بهَا فَمَا بقى إِنْسَان مِنْهُم إِلَّا أَصَابَهُ مِنْهَا فِي عينه وفمه مَا يشْغلهُ عَن الْقِتَال، ثمَّ انْهَزمُوا وَاتبع الْمُسلمُونَ أقفيتهم يأسرون وَيقْتلُونَ، وَمَا تراجع بَقِيَّة النَّاس إِلَّا وَالْأسَارَى مجدلة، أَي: ملقاة بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَفِي (مُسْند أَحْمد) من حَدِيث يعلى بن عَطاء، قَالَ: فَحَدثني أبناؤهم عَن آبَائِهِم أَنهم قَالُوا: لم يبقَ منا أحد إِلَّا امْتَلَأت عَيناهُ وفمه تُرَابا، وَسَمعنَا صلصلة بَين السَّمَاء وَالْأَرْض كإمرار الْحَدِيد على الطست الْجَدِيد. وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: حَدثنِي وَالِدي إِسْحَاق بن بشار عَمَّن حَدثهُ عَن جُبَير بن مطعم قَالَ: إِنَّا لمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم حنين وَالنَّاس يقتلُون إِذْ نظرت إِلَى مثل النجاد الْأسود يهوي من السَّمَاء حَتَّى وَقع بَيْننَا وَبَين الْقَوْم، فَإِذا نمل منثور قد مَلأ الْوَادي، فَلم يكن إلاَّ هزيمَة الْقَوْم، فَمَا نشك أَنَّهَا الْمَلَائِكَة. وَقَالَ أَبُو معشر: ثَبت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يومئذٍ مائَة رجل: بضعَة وَثَلَاثُونَ من الْمُهَاجِرين وسائرهم من الْأَنْصَار، وسل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَيْفه ثمَّ طرح غمده، وَقَالَ(17/294)
الرجز الْمَذْكُور، وَقَالَ لأبي سُفْيَان بن الْحَارِث: ناولني تُرَابا فَنَاوَلَهُ، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على بغلته الْبَيْضَاء الَّتِي أهداها لَهُ فَرْوَة بن نفاثة، وَقَالَ ابْن هِشَام: قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حِينَئِذٍ لبغلته الشَّهْبَاء الْبَدِيِّ، فَوضعت بَطنهَا على الأَرْض فَأخذ حفْنَة فَضرب بهَا وُجُوه هوَازن وَعند ابْن سعد: هَذِه البغلة هِيَ دُلْدُل، وَفِي مُسلم: بغلته الشَّهْبَاء يَعْنِي: دُلْدُل الَّتِي أهداها لَهُ الْمُقَوْقس، وَيجوز أَن يكون ركبهما يومئذٍ مَعًا، وَالله أعلم.
قَوْله: (ثمَّ أنزل الله سكينته) أَي: الأمنة والطمأنينة بعد الْهَزِيمَة. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: رَحمته الَّتِي سكنوا بهَا وآمنوا. قَوْله: (وَانْزِلْ جُنُودا لم تَرَ) قَالَ ابْن عَبَّاس: يَعْنِي الْمَلَائِكَة، وَكَانُوا ثَمَانِيَة آلَاف، وَقيل: خَمْسَة آلَاف، وَقيل: سِتَّة عشر ألفا، وَكَانَ سِيمَاهُمْ عمائم حمراً قد أرخوها بَين أكتافهم. قَوْله: (وعذب الَّذين كفرُوا) أَي: بِالْقَتْلِ والهزيمة، وَقيل: بالخوف، وَقيل: بالأسر وَسبي الْأَوْلَاد، وَسبي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِنْهُم سِتَّة آلَاف رَأس، وَمن الْإِبِل أَرْبَعَة وَعشْرين ألف بعير، وَمن الْغنم أَكثر من أَرْبَعِينَ ألفا، وَمن الْفضة أَرْبَعَة آلَاف أُوقِيَّة. قَوْله: (وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافرين) أَي: مَا ذكر من الْقَتْل والأسر جَزَاء الْكَافرين. قَوْله: (ثمَّ يَتُوب الله من بعد ذَلِك على من يَشَاء فيهديه إِلَى الْإِسْلَام وَلَا يؤاخذه بِمَا سلف مِنْهُ وَالله غَفُور رَحِيم) وَقد تَابَ الله على بَقِيَّة هوَازن وَأَسْلمُوا وَقدمُوا مُسلمين وَلَحِقُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد قَارب مَكَّة عِنْد الْجِعِرَّانَة، وَذَلِكَ بعد الْوَقْعَة بقريب من عشْرين يَوْمًا، فَعِنْدَ ذَلِك خيّرهم بَين سَبْيهمْ وَأَمْوَالهمْ، فَاخْتَارُوا سَبْيهمْ وَقسم أَمْوَالهم بَين الْغَانِمين، وَنفل نَاسا من الطُّلَقَاء لتتألف قُلُوبهم على الْإِسْلَام فَأَعْطَاهُمْ: مائَة مائَة من الْإِبِل، وَكَانَ من جملَة من أعْطى مائَة مَالك بن عَوْف النضري فَاسْتَعْملهُ على قومه، كَمَا كَانَ، وَقَالَ أَبُو عمر: مَالك بن عَوْف بن سعد بن ربيعَة بن يَرْبُوع بن وَاثِلَة بن دهمان بن نضر بن بكر بن هوَازن النضري، انهزم يَوْم حنين كَافِرًا وَلحق بِالطَّائِف، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو أَتَانِي مُسلما لرددت إِلَيْهِ أَهله وَمَاله، فَبَلغهُ ذَلِك فلحق برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد خرج من الْجِعِرَّانَة فَأسلم وَأَعْطَاهُ من الْإِبِل كَمَا أعْطى سَائِر الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم وَهُوَ أحدهم، وَحسن إِسْلَامه فامتدحه بقصيدته الَّتِي يَقُول فِيهَا.
(مَا إِن رَأَيْت وَلَا سَمِعت بِمثلِهِ ... فِي النَّاس كلهم بِمثل مُحَمَّد)
(أوفى وَأعْطى للجزيل إِذا إحتدى ... وَمَتى يَشَاء يُخْبِرك عَمَّا فِي غَد)
(وَإِذا الكتيبة غردت أنيابها ... بالسمهري وَضرب كل مهند)
(فَكَأَنَّهُ لَيْث على أشباله ... وسط الْمِيَاه جاذر فِي مرصد)
4315 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ حَدثنَا سُفْيَانُ عنْ أبي إسْحاق قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ رَضِي الله(17/295)
عَنهُ وجاءَهُ رجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا عُمارَةَ أتَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ أمَّا أَنا أشْهَدُ عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنهُ لَمْ يُوَلِّ ولَكِنْ عَجِلَ سَرعَانُ القَوْمِ فَرَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ وَأَبُو سُفْيَانَ بنُ الحارِثِ آخِذ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ يَقُولُ.
أَنا النبيُّ لَا كَذِبْ أَنا ابنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أتوليت يَوْم حنين) وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو إِسْحَاق هُوَ عَمْرو بن عبد الله السبيعِي الْكُوفِي، وَقد مضى الحَدِيث فِي الْجِهَاد فِي: بَاب بغلة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْبَيْضَاء.
قَوْله: (يَا أَبَا عمَارَة) هِيَ كنية الْبَراء. قَوْله: (أتوليت؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار. أَي: أنهزمت؟ قَوْله: (أما أَنا) إِلَى آخِره، فِيهِ جَوَاب بديع يبين فِيهِ أَولا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يولِّ أَيْضا لِأَن إخْبَاره بقوله: (وَلَكِن عجل سرعَان الْقَوْم) إِلَى آخِره يدل على أَنه ثَبت. لِأَن الْمولى لَا يقدر على إِخْبَار مَا شَاهده الْبَراء فِي هَذِه الْقَضِيَّة على هَذِه الصُّورَة فَإِن قلت: جَوَابه لَا يُطَابق سُؤال الرجل، لِأَنَّهُ سَأَلَ عَنهُ هَل توليت أم لَا؟ وَلم يسْأَل عَن حَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قلت: لِأَنَّهُ فهم بِقَرِينَة الْحَال أَنه سَأَلَ عَن فرار الْكل، فَيدْخل فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي الطَّرِيق الَّذِي يَأْتِي عَقِيبه: أوليتم مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ وَأجَاب بقوله: (أشهد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لم يول) قَوْله: (سرعَان الْقَوْم) بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وَيجوز بالتسكين أَيْضا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وسرعان، بِضَم الْمُهْملَة وَكسرهَا جمع: السَّرِيع، حكى هَذَا عَن بَعضهم، وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن جمَاعَة مِنْهُم: ابْن الْأَثِير وَغَيره قد ضبطوه مثل مَا ضبطناه، وَقَالَ: سرعَان الْقَوْم أوائلهم الَّذين يُسَارِعُونَ إِلَى شَيْء ويقبلون عَلَيْهِ بِسُرْعَة، وَقَالَ الْخطابِيّ: بَعضهم يَقُول بِكَسْر السِّين، وَهُوَ خطأ. قَوْله: (فرشقتهم) ، من الرشق بالشين الْمُعْجَمَة وَالْقَاف، وَهُوَ الرَّمْي، وهوازن قَبيلَة كَبِيرَة من الْعَرَب، فِيهَا عدَّة بطُون ينسبون إِلَى هوَازن بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن خصفة، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْملَة وبالفاء كلهَا مَفْتُوحَة: ابْن قيس غيلَان ابْن الياس بن مُضر، وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث هُوَ ابْن عبد الْمطلب بن عبد الْمطلب بن هَاشم، وَهُوَ ابْن عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (آخذ) ، على وزن: فَاعل. قَوْله: (يَقُول) ، جملَة وَقعت حَالا.
4316 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدّثنا شُعْبَةُ عَنْ أبي إسْحاقَ قِيلَ لِ لْبَرَاءِ وَأَنا أسْمَعُ أوَلَّيْتُمْ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ أمَّا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلاَ كانُوا رُماةً فَقَالَ:
أَنا النَّبِي لاَ كَذِبْ أَنا ابنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن أبي الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي عَن الْبَراء بن عَازِب.
قَوْله: (كَانُوا) أَي هوَازن. قَوْله: (رُمَاة) . جمع رام وَفِيه حذف تَقْدِيره: كَانُوا رُمَاة فرشقوهم رشقاً فَانْهَزَمُوا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
(أَنا النَّبِي لَا كذب)
فَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن صفة النُّبُوَّة تنَافِي الْكَذِب، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنا النَّبِي وَالنَّبِيّ لَا يكذب فلست بكاذب فِيمَا أَقُول حَتَّى انْهَزمُوا، وَأَنا مُتَيَقن بنصر الله عز وَجل، وَأما انتسابه إِلَى عبد الْمطلب دون أَبِيه عبد الله فلشهرة عبد الْمطلب بَين النَّاس، بِخِلَاف عبد الله فَإِنَّهُ مَاتَ شَابًّا، وَبَقِيَّة الْكَلَام قد مرت فِي الْجِهَاد فِي الْبَاب الَّذِي ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
4317 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدّثَنَا غُنْدَرٌ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ أبي إسْحاقَ سَمِعَ البَرَاءَ وسألَهُ رجُلٌ مِنْ قَيْسٍ أفَرَرْتُمْ عنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ لَكِنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمْ يَفِرَّ كانَتْ هَوَازِنُ رُماةً وإنَّا لمَّا حَمَلْنا عَلَيْهِمْ انْكَشَفُوا فأكْبَبْنَا عَلَى الغَنَائِمِ فاسْتُقْبِلْنا بالسِّهامِ وَلَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى بَغْلَتِهِ البَيْضَاءِ وإنَّ أَبَا سُفْيَانَ آخِذٌ بِزِمامِها وهْوَ يَقُولُ:
(أَنا النبيُّ لَا كَذِبْ) .
هَذَا طَرِيق آخر قد مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب من قاد دَابَّة غَيره فِي الْحَرْب، وَأخرجه هُنَا عَن مُحَمَّد بن بشار، بِالْبَاء الْمُوَحدَة(17/296)
وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة: عَن غنْدر، بالغين الْمُعْجَمَة، وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر.
قَوْله: (لم يفر) يجوز فِي الْقِرَاءَة الْفَتْح وَالْكَسْر وَيجوز فِيهِ لَك الْإِدْغَام. قَوْله: (وَإِنَّا بِكَسْر الْهمزَة) . قَوْله: (انكشفوا) أَي: انْهَزمُوا. قَوْله: (فاكببنا) أَي: وقعنا على الْغَنَائِم وَهُوَ فعل لَازم يُقَال: كببته فأكب، وأكب الرجل يكب على عمل يعمله إِذا لزمَه، وَجَاء أكببنا بفك الْإِدْغَام لتعذره. قَوْله: (فَاسْتقْبلنَا) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (أَنا النَّبِي لَا كذب) .
هَذَا الْمِقْدَار قد ذكر فِي هَذِه الرِّوَايَة، وَفِي رِوَايَة ذكر الشّطْر الثَّانِي:
(أَنا ابْن عبد الْمطلب)
كَمَا فِي الرِّوَايَة السَّابِقَة.
قَالَ إسْرَائِيلُ وَزُهَيْرٌ نَزَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ بَغْلَتِهِ
قَوْله: إِسْرَائِيل، هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، وَزُهَيْر هُوَ ابْن مُعَاوِيَة الْجعْفِيّ، وَهَذَا تَعْلِيق مَعْنَاهُ: رويا هَذَا الحَدِيث عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء، فَقَالَا فِي آخِره: نزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بغلته، أما تَعْلِيق إِسْرَائِيل فقد وَصله البُخَارِيّ فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب من قَالَ: خُذْهَا وَأَنا ابْن فلَان، وَأما تَعْلِيق زُهَيْر فوصله أَيْضا فِي: بَاب من صف أَصْحَابه عِنْد الْهَزِيمَة وركوب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم البغلة فِي الْحَرْب يدل على غَايَة الثَّبَات، ونزوله أثبت من ذَلِك.
4319 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ حدّثني لَ يْثٌ حدّثني عُقَيْل عَن ابْن شِهابٍ حَ وحدَّثني عُقَيْل عَن ابْن شِهابٍ حَ وحدَّثني إسْحاقُ حدّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ حَدثنَا ابنُ أخي ابْن شِهابٍ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ شِهابٍ وزَعَمَ عُرْوَةُ بنُ الزّبَيْرِ أنَّ مَرْوَان والمسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ أخبَرَاهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قامَ حِينَ جاءَهُ وفْدُ هَوَازِن مُسْلِمِينَ فَسألوهُ أنْ يَرُدَّ إلَيْهِمْ أمْوَالَهُمْ وسَبْيَهُمْ فَقَال لَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعِي مَنْ تَرَوْنَ وأحَبُّ الحَدِيثِ إليَّ أصْدَقُهُ فاخْتارُوا إحْدَى الطَّائفَتَيْنِ إمَّا السَّبْيَ وإمّا المَالَ وقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِكُمْ وكانَ أنْظَرَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ منَ الطَّائِفِ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَيْرُ رَادّ إلَيْهِمْ إلاَّ إحْدَى الطائِفَتَيْنِ قالُوا فإنَّا نَخْتارُ سَبْيَنا فَقام رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي المُسْلِمِينَ فأثْنَى عَلَى الله بِما هُوَ أهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أمَّا بعْدُ فإِنَّ إخْوَانَكُمْ قَدْ جاؤُونا تائِبِينَ وإنِّي قَدْ رَأيْتُ أنْ أرُدَّ إلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ فَمنْ أحَبَّ مِنْكُمْ أنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ ومَنْ أحَبَّ مِنْكُمْ أنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيهُ إيَّاهُ مِنْ أوَّل مَا يُفِيءُ الله عَلَيْنا فَلْيَفْعَلْ فَقال النَّاسُ قَدْ طَيَّبْنا ذَلِكَ يَا رسُولَ الله فَقال رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّا لَا نَدْري مَنْ أذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يأذَنْ فارْجعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إلَيْنا عُرَفاؤُكُمْ أمْرَكُمْ فرَجَعَ النَّاسُ فَكلَّمَهُمْ عُرَفاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخبَرُوهُ أنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وأذِنُوا هاذَا الَّذِي بَلَغَنِي عنْ سَبْيِ هَوازِنَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن مَجِيء وَفد هوَازن إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي إِثْر غَزْوَة حنين.
وَأخرجه من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن سعيد بن عفير، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء وبالراء: عَن لَيْث بن سعد وَيجوز فِيهِ الْألف وَاللَّام وتركهما عَن عقيل، بِضَم الْعين: ابْن خَالِد الْأَيْلِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب. وَالْآخر: عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور الْمروزِي عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم ابْن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن أخي الزُّهْرِيّ الخ.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْخمس فِي: بَاب وَمن الدَّلِيل على أَن الْخمس لنوائب الْمُسلمين، بِعَيْنِه سنداً أَو متْنا مثل الطَّرِيق الأولى، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ومضي فِي أول الشُّرُوط فِي صلح الْحُدَيْبِيَة أَن الزُّهْرِيّ رَوَاهُ عَن عُرْوَة عَن الْمسور، ومروان عَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدلَّ على أَنه(17/297)
فِي بَقِيَّة الْمَوَاضِع حَيْثُ لَا يذكر عَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه مُرْسل لِأَن الْمسور يصغر عَن إِدْرَاك الْقَضِيَّة، ومروان أَصْغَر مِنْهُ.
قَوْله: (قَالَ مُحَمَّد بن شهَاب) ، هُوَ الزُّهْرِيّ. قَوْله: (وَزعم عُرْوَة) ، قيل: هَذَا مَعْطُوف على قصَّة صلح الْحُدَيْبِيَة، فَلْينْظر فِيهِ. قَوْله: (حِين جَاءَهُ وَفد هوَازن) فِيهِ اخْتِصَار بَينه مُوسَى بن عقبَة فِي (الْمَغَازِي) مطولا، وَلَفظه: (ثمَّ انْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الطَّائِف فِي شَوَّال إِلَى الْجِعِرَّانَة، وَبهَا سبي هوَازن، وقدمت عَلَيْهِ وُفُود هوَازن مُسلمين فهم تِسْعَة عشر نَفرا من أَشْرَافهم، فأسلموا وَبَايَعُوا ثمَّ من بعده، يَعْنِي: مَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ. وَهُوَ قَوْله: (فَسَأَلُوهُ أَن يرد إِلَيْهِم) إِلَخ. قَوْله: (وَمعنى من ترَوْنَ) يَعْنِي: من الصَّحَابَة قَوْله: (أجدى الطَّائِفَتَيْنِ) ، الطَّائِفَة الْقطعَة من الشَّيْء، وَالْمرَاد: أحد الْأَمريْنِ. قَوْله: (وَقد كنت اسْتَأْنَيْت بكم) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: اسْتَأْنَيْت لكم، أَي: انتظرت، أَي: أخرت قسم السَّبي لتحضروا، وَقد أبطأتم وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترك السَّبي بِغَيْر قسْمَة وَتوجه إِلَى الطَّائِف فحاصرها، كَمَا سَيَأْتِي، ثمَّ رَجَعَ عَنْهَا إِلَى الْجِعِرَّانَة، ثمَّ قسم الْغَنَائِم هُنَاكَ، فجَاء وَفد هوَازن بعد ذَلِك. قَوْله: (وَكَانَ أنظرهم) أَي: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انتظرهم بضع عشرَة لَيْلَة. قَوْله: (حِين قفل) أَي: رَجَعَ. قَوْله: (أَن يطيب) بِضَم الْيَاء من التطييب، أَي: يُعْطِيهِ عَن طيب نفس مِنْهُ بِغَيْر عوض. قَوْله: (على حَظه) أَي: على نصِيبه. قَوْله: (حَتَّى نُعْطِيه) ، بنُون الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر، قَوْله: (أول مَا يفِيء الله) ، أَي: من أول مَا يحصل لنا من الْفَيْء. قَوْله: (عُرَفَاؤُكُمْ) جمع عريف وَهُوَ النَّقِيب. قَوْله: (هَذَا الَّذِي بَلغنِي قَول الزُّهْرِيّ) ، يَعْنِي هَذَا الَّذِي بَلغنِي عَن سبي هوَازن.
322 - (حَدثنَا أَبُو النُّعْمَان حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن نَافِع أَن عمر قَالَ يَا رَسُول الله ح وحَدثني مُحَمَّد بن مقَاتل أخبرنَا عبد الله أخبرنَا معمر عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لما قَفَلْنَا من حنين سَأَلَ عمر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن نذر كَانَ نَذره فِي الْجَاهِلِيَّة اعْتِكَاف فَأمره النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بوفائه) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله لما قَفَلْنَا من حنين وَأخرجه من طَرِيقين ورجالهما قد ذكرُوا غير مرّة وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك وَالطَّرِيق الأول مُرْسل مُخْتَصر وَقد سَاق بَقِيَّته فِي فرض الْخمس بِلَفْظ أَن عمر قَالَ لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّه كَانَ على اعْتِكَاف يَوْم فِي الْجَاهِلِيَّة فَأمره أَن يَفِي بِهِ وَالثَّانِي مضى فِي الِاعْتِكَاف فِي بَاب من لم ير عَلَيْهِ صوما إِذا اعْتكف وَفِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ وَقيل قد عَابَ الْإِسْمَاعِيلِيّ على البُخَارِيّ جَمعهمَا لِأَن قَوْله لما قَفَلْنَا من حنين لم يَقع فِي رِوَايَة حَمَّاد بن زيد يَعْنِي فِي الرِّوَايَة الْمُرْسلَة وَأجِيب بِأَن البُخَارِيّ نظر إِلَى أصل الحَدِيث لَا إِلَى أصل النَّقْص وَالزِّيَادَة فِي أَلْفَاظ الروَاة وَإِنَّمَا أورد طَرِيق حَمَّاد بن زيد الْمُرْسل للْإِشَارَة إِلَى أَن رِوَايَة حَمَّاد بن زيد مرجوحة لِأَن جمَاعَة من أَصْحَاب شَيْخه أَيُّوب خالفوه فِيهِ فوصلوه بل بعض أَصْحَاب حَمَّاد بن زيد رَوَاهُ عَنهُ مَوْصُولا
(وَقَالَ بَعضهم حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر) أَرَادَ بِالْبَعْضِ أَحْمد بن عَبدة الضَّبِّيّ وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد لِأَن حَمَّاد بن سَلمَة يذكر عَقِيبه بِمَا يُخَالف سِيَاقه وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ فَقَالَ أَخْبرنِي الْقَاسِم هُوَ ابْن زَكَرِيَّا حَدثنَا أَحْمد بن عَبدة حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ نذر اعْتِكَاف لَيْلَة فِي الْجَاهِلِيَّة فَسَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأمره أَن يَفِي بِهِ
(وَرَوَاهُ جرير بن حَازِم وَحَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) أَي روى الحَدِيث الْمَذْكُور جرير بن حَازِم الخ يَعْنِي رَوَاهُ هَؤُلَاءِ مَوْصُولا أما تَعْلِيق جرير فوصله مُسلم وَغَيره من رِوَايَة ابْن وهب عَن جرير بن حَازِم أَن أَيُّوب حَدثهُ أَن نَافِعًا حَدثهُ أَن عبد الله بن عمر حَدثهُ أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ بالجعرانة بعد أَن رَجَعَ من الطَّائِف فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي نذرت فِي الْجَاهِلِيَّة أَن أعتكف يَوْمًا فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فَكيف ترى قَالَ اذْهَبْ فاعتكف وَأما تَعْلِيق حَمَّاد بن(17/298)
سَلمَة فوصله مُسلم أَيْضا من طَرِيق حجاج بن منهال حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب مَقْرُونا بِرِوَايَة مُحَمَّد بن إِسْحَق كِلَاهُمَا عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
4321 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسفَ أخبرَنا مالِكٌ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عنْ عُمَرَ بنِ كَثيرِ بنِ أفْلحَ عنْ أبي مُحَمَّدٍ مَوْلَى قَتَادَةَ عنْ أبي قَتادَةَ قَالَ خَرَجْنا معَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عامَ حُنَيْنٍ فلَمَّا الْتقَيْنا كانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جوْلَةٌ فَرَأيْتُ رجُلاً منَ المُشْرِكِينَ قَدْ عَلاَ رجُلاً مِنَ المُسْلِمِينَ فَضَرَبْتُهُ مِنْ ورَائِهِ عَلَى جَبْلِ عاتِقِهِ بالسَّيْفِ فقَطَعْتُ الدِّرْعَ وأقْبَلَ عَلَيَّ فضَمَّني ضَمَّةً وجَدْتُ مِنْها رِيحَ المَوْتِ ثُمَّ أدْرَكَهُ المَوْتُ فأرْسَلَني فَلَحِقْتُ عُمَرَ فقُلْتُ مَا بالُ النَّاسِ قَالَ أمْرُ الله عَزَّ وجَلَّ ثُمَّ رجَعُوا وجَلَسَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهدُ ثُمَّ جلَسْتُ قَالَ ثُمَّ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ فَقُمْتُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لي ثُمَّ جَلَسْتُ قَالَ ثُمَّ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ فقُمْتُ فَقَالَ مَا لَكَ يَا أَبَا قَتادَةَ فأخْبَرْتُهُ فَقَالَ رجُلٌ صَدقَ وسَلبُهُ عِنْدِي فأرْضِهِ مِنِّي فَقَالَ أبُو بَكْرٍ لاَ هَا الله إِذا لاَ يَعْمِدُ إِلَى أسَدٍ مِنْ أُسْدِ الله يُقاتِلُ عَن الله ورسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدْقَ فأعْطِهِ فأعْطانِيهِ فابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفاً فِي بَني سَلِمَةَ فإنَّهُ لأوَّلُ مالٍ تأثَّلْتُهُ فِي الإسْلاَمِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ قَاضِي الْمَدِينَة، وَعمر بن كثير ضد الْقَلِيل ابْن أَفْلح الْمدنِي مولى أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَغَيره من التَّابِعين الصغار، وَلَكِن ذكره ابْن حبَان فِي أَتبَاع التَّابِعين وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد، وحرف يحيى بن يحيى الأندلسي فِي رِوَايَته فَقَالَ: عَمْرو بن كثير، بِفَتْح الْعين وَالصَّوَاب: عمر، بِضَم الْعين، وَأَبُو مُحَمَّد اسْمه نَافِع بن عَبَّاس مَعْرُوف باسمه وكنيته وَهُوَ مولى أبي قَتَادَة، وَيُقَال: مولى عقيلة بنت طلق، وَيُقَال: عبلة بنت طلق، وَأَبُو قَتَادَة اسْمه الْحَارِث بن ربعي، وَقيل: غَيره.
والْحَدِيث مضى فِي الْخمس فِي: بَاب من لم يُخَمّس الأسلاب فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (جَوْلَة) ، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْوَاو، أَي: تقدم وَتَأَخر، وَفِي الْعبارَة لطف حَيْثُ لم يقل: هزيمَة، وَهَذِه الجولة كَانَت فِي بعض الْمُسلمين لَا فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن حواليه. قَوْله: (قد علا رجلا) أَي: ظهر على قَتله. قَوْله: (على حَبل عَاتِقه) . العاتق: مَوضِع الرِّدَاء من الْمنْكب، وَالْحَبل العصب. قَوْله: (بِالسَّيْفِ) ، ويروى بِسيف، بِدُونِ الْألف وَاللَّام. قَوْله: (فَقطعت الدرْع) أَي: اللّبْس الَّذِي كَانَ لابسه. قَوْله: (وجدت مِنْهَا) أَي: من تِلْكَ الضمة (ريح الْمَوْت) أَي: من شدتها. قَوْله: (فأرسلني) ، أَي: أطلقني. قَوْله: (فلحقت عمر رَضِي الله عَنهُ) ، فِيهِ حذف تَقْدِيره: فَانْهَزَمَ الْمُسلمُونَ وانهزمت مَعَهم، فلحقت عمر. قَوْله: (مَا بَال النَّاس؟) أَي: مَا حَالهم؟ قَوْله: (قَالَ أَمر الله) ، أَي: قَالَ عمر: حكم الله تَعَالَى وَمَا قضا بِهِ، وارتفاعه على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: مَحْذُوف، أَي: هَذَا الَّذِي أَصَابَهُم أَمر الله. قَوْله: (ثمَّ رجعُوا) أَي: ثمَّ تراجعوا، وَهَكَذَا فِي الرِّوَايَة الْآتِيَة، وَكَيْفِيَّة رجوعهم قد تقدّمت عَن قريب قَوْله: (من قتل قَتِيلا) أَي: مشرفاً على الْقَتْل، فَهُوَ مجَاز بِاعْتِبَار المَال قَالَ الْكرْمَانِي: وَيحْتَمل أَن يكون حَقِيقَة بِأَن يُرَاد بالقتيل الْقَتِيل بِهَذَا الْقَتْل لَا بقتل سَابق، كَمَا قَالَ المتكلمون فِي جَوَاب المغالطة الْمَشْهُورَة، وَهُوَ أَن إِيجَاد الْمَعْدُوم محَال لِأَن الإيجاد إِمَّا حَال الْعَدَم، فَهُوَ جمع بَين النقيضين، وَإِمَّا حَال الْوُجُود. وَهُوَ تَحْصِيل للحاصل أَن إِيجَاد الْمَوْجُود بِهَذَا الْوُجُود لَا بِوُجُود مُتَقَدم. قَوْله: (فأرضه مني) هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره. فأرضه مِنْهُ. قَوْله: (فَقَالَ أَبُو بكر) أَي: الصّديق، رَضِي الله عَنهُ قَوْله: (لَا هَا الله) كلمة: هَا، للتّنْبِيه، وَقد يقسم(17/299)
بهَا يُقَال: لَا هَا الله مَا فعلت أَي: لَا وَالله، وَقَالَ ابْن مَالك: فِيهِ شَاهد على جَوَاز الِاسْتِغْنَاء عَن وَاو الْقسم بِحرف التَّنْبِيه. قَالَ: وَلَا يكون ذَلِك إلاَّ مَعَ الله، أَي: لم يسمع: لَا هَا الرَّحْمَن، كَمَا سمع لَا والرحمن وَحكى ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ أَنه روى رفع: الله، وَالْمعْنَى: يَأْبَى الله، وَقيل: إِن ثبتَتْ الرِّوَايَة بِالرَّفْع فَيكون هَا، للتّنْبِيه وَالله، مُبْتَدأ. وَقَوله: (لَا يعمد) خَبره، وَفِيه تَأمل. قَوْله: (إِذا) ، بِكَسْر الْهمزَة وبالذال الْمُعْجَمَة المنونة، وَقَالَ الْخطابِيّ: هَكَذَا نرويه، وَإِنَّمَا هُوَ فِي كَلَامهم أَي: العربَ لَا هَا الله، يَعْنِي بِدُونِ الْهمزَة فِي أَوله، وَالْهَاء فِيهِ بِمَنْزِلَة الْوَاو، وَالْمعْنَى: لَا وَالله لَا يكون ذَا وَقَالَ عِيَاض فِي (الْمَشَارِق) : عَن إِسْمَاعِيل القَاضِي أَن الْمَازِني قَالَ: قَول الروَاة: لَا هَا الله إِذا، خطأ، وَالصَّوَاب: لَا هَا الله ذَا يَمِيني وقسمي، وَقَالَ أَبُو زيد لَيْسَ فِي كَلَامهم: لَا هَا الله إِذا، وَإِنَّمَا هُوَ: لَا هَا الله ذَا، وَذَا صلَة فِي الْكَلَام، والمعني: لَا وَالله هَذَا مَا أقسم بِهِ وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: ثَبت فِي الرِّوَايَة: لَا هَا الله إِذا، فَحَمله بعض النَّحْوِيين على أَنه من تَعْبِير بعض الروَاة لِأَن الْعَرَب لَا تسْتَعْمل: لَا هَا الله، بِدُونِ ذَا، وَإِن سلم اسْتِعْمَاله بِدُونِ ذَا فَلَيْسَ هَذَا مَوضِع إِذا لِأَنَّهَا حرف جَزَاء، وَمُقْتَضى الْجَزَاء أَن لَا يذكر إِلَّا فِي قَوْله: (لَا يعمد) ، بل كَانَ يَقُول: إِذا يعمد إِلَى أَسد ليَصِح جَوَابا لطَالب السَّلب انْتهى وَقد أَطَالَ بَعضهم الْكَلَام فِي هَذَا جدا، مختلطاً بعضه بِبَعْض من غير تَرْتِيب، فالناظر فِيهِ إِن كَانَ لَهُ يَد يشمئز خاطره من ذَلِك وإلاَّ فَلَا يفهم شَيْئا أصلا، وَالَّذِي يُقَال بِمَا يجدي النَّاظر أَنه إِن كَانَ إِذا، على مَا هُوَ الْمَوْجُود فِي الْأُصُول يكون مَعْنَاهُ حينئذٍ وَإِن كَانَ ذَا بِدُونِ الْهمزَة، فوجهه مَا تقدم فَلَا يحْتَاج إِلَى الإطالة الْغَيْر الطائلة قَوْله: (لَا يعمد) ، أَي: لَا يقْصد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى رجل كَأَنَّهُ أَسد فِي الشجَاعَة يُقَاتل عَن دين الله وَرَسُوله، فَيَأْخُذ حَظه ويعطيكه بِغَيْر طيبَة من نَفسه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويعمد، بالغيبة والتكلم وَوَقع فِي (مُسْند أَحْمد) أَن الَّذِي خَاطب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بذلك عمر، وَلَفظه فِيهِ: فَقَالَ عمر: وَالله لَا يفيئها الله على أَسد ويعطيكها، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق عمر. قلت: صَاحب الْقِصَّة أَبُو قَتَادَة فَهُوَ اتقن لما وَقع فِيهَا من غَيره، وَقيل: يحْتَمل الْجمع بِأَن يكون عمر أَيْضا قَالَ ذَلِك تَقْوِيَة لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ. قَوْله: (فابتعت بِهِ) ، أَي: اشْتريت بذلك السَّلب وَقَالَ الْوَاقِدِيّ بَاعه الحاطب بن أبي بلتعة بِسبع أَوَاقٍ. قَوْله: (مخرفاً) ، بِفَتْح الْمِيم وَالرَّاء بَينهمَا خاء مُعْجمَة، قيل: يجوز فِيهِ كسر الْخَاء وَهُوَ الْبُسْتَان، وَسمي بذلك لِأَنَّهُ يخْتَرف مِنْهُ التَّمْر أَي: يجني، وَذكر الْوَاقِدِيّ أَن هَذَا الْبُسْتَان كَانَ يُقَال لَهُ: الودنيين، والمخرف، بِكَسْر الْمِيم إسم الْآلَة الَّتِي يجتني بهَا. قَوْله: (فِي بني سَلمَة) بِكَسْر اللَّام: بطن من الْأَنْصَار وهم ثوم أبي قَتَادَة. قَوْله: (تأثلته) ، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح الْهمزَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَضم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق أَي: اتخذته أصل المَال واقتنيته، وأثلة كل شَيْء: أَصله.
4322 - وَقَالَ اللَّيْثُ حدَّثني يحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ عُمَرَ بن كَثِيرِ بن أفْلَحَ عنْ أبي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أبي قتَادَةَ أنَّ أَبَا قتادَةَ قَالَ لمَّا كانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ نَظَرْتُ إِلَى رجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ يُقاتِلُ رَجُلاً مِنَ المُشْرِكِينَ وآخَرُ مِنَ المُشْرِكِينَ يَخْتِلُهُ مِنْ ورَائِهِ مِنْ ورَائِهِ لِيَقْتُلَهُ فأسْرَعْتُ إِلَى الَّذِي يَخْتِلُهُ فرَفَعَ يَدهُ لِيَضْرِبَنِي وأضْرِبُ يدَهُ فقَطَعْتُها ثُمَّ أخَذَنِي فَضَمَّني ضَمًّا شَدِيداً حَتَّى تَخَوَّفْتُ ثُمَّ تَرَكَ فَتَحَلَّلَ ودَفَعْتُهُ ثُمَّ قتَلْتُهُ وانْهَزَمَ المُسْلِمُونَ وانهَزَمْتُ معَهُمْ فإِذَا بِعُمَرَ بن الخَطَّابِ فِي النَّاسِ فقُلْتُ لَهُ مَا شأنُ النَّاسِ قَالَ أمْرُ الله ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقال رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منْ أقامَ بيِّنَةً عَلَى قَتِيلٍ قَتَلَهُ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْتُ لألْتَمِسَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلي فَلَمْ أرَ أَحَداً يَشْهَدُ لي فَجَلَسْتُ ثُمَّ بَدَا لِي فَذَكَرْتُ أمْرَهُ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقال رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ سِلاَحُ هَذَا القَتِيلِ الَّذِي يَذْكُرُ عِنْدِي فأرْضِهِ منهُ فَقال أبُو بَكْرٍ كَلاَّ لَا يُعْطِهِ أُصَيْبِغَ منْ قُرَيْشٍ وَيَدَعَ أسَداً مِنْ أُسْدِ الله يُقاتِلَ عنِ الله ورسولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَقامَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأدَّاهُ إليَّ فاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرَافاً فَكانَ أوَّلَ مالٍ تَاثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَمِ. .(17/300)
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور وَهُوَ مُعَلّق وَصله البُخَارِيّ فِي الْأَحْكَام عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث وَيحيى بن سعد هُوَ الْأنْصَارِيّ.
قَوْله: (يختله) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: أَي يخدعه. قَوْله: (حَتَّى تخوفت) أَي: الْهَلَاك، وَهُوَ مفعول قد حذف. قَوْله: (بدالي) أَي: ظهر لي قَوْله: (الَّذِي يذكر) ، أَي: أَبُو قَتَادَة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: الَّذِي ذكره. قَوْله: (كلا) كلمة ردع. قَوْله: (لَا يُعْطه) ، أَي: لَا يُعْطي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلَاح الرجل الَّذِي هُوَ سلبه. قَوْله: (أصيبغ) بِضَم الْهمزَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا الْغَيْن الْمُعْجَمَة: وَهُوَ نوع من الطير ضَعِيف شبهه بِهِ لعَجزه وَهُوَ أَنه، وَقيل: شبهه بالصبغاء، وَهُوَ نبت مَعْرُوف، وَقيل: نبت ضَعِيف كالثمام إِذا طلع من الأَرْض يكون أول مَا يَلِي الشَّمْس مِنْهُ أصفر، هَذَا الضَّبْط رِوَايَة الْقَابِسِيّ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة، وعَلى رِوَايَته هُوَ تَصْغِير: الضبع، على غير قِيَاس، كَأَنَّهُ لما عظم أَبَا قَتَادَة بِأَنَّهُ أَسد صغر خَصمه وَشبهه بالضبع لضعف افتراسه وَمَا يُوصف بِهِ من الْعَجز، وَقَالَ ابْن مَالك: أضيبع، بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة تَصْغِير: أضبع ويكنى بِهِ عَن الضَّعِيف. قَوْله: (ويدع) ، أَي: يتْرك وَهُوَ بِالنّصب، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويدع، بِالرَّفْع والجر نَحْو: لَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللَّبن.
(بَاب غَزْوَة أَوْطَاس)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة أَوْطَاس قَالَ عِيَاض هُوَ وَاد فِي ديار هوَازن وَهُوَ مَوضِع حَرْب حنين وَهُوَ من وطست الشَّيْء وطسا إِذا كددته وأثرت فِيهِ والوطيس نقرة فِي حجر توقد حوله النَّار فيطبخ بِهِ اللَّحْم والوطيس التَّنور
324 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن الْعَلَاء حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن بريد بن عبد الله عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما فرغ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من حنين بعث أَبَا عَامر على جَيش إِلَى أَوْطَاس فلقي دُرَيْد بن الصمَّة فَقتل دُرَيْد وَهزمَ الله أَصْحَابه قَالَ أَبُو مُوسَى وبعثني مَعَ أبي عَامر فَرمي أَبُو عَامر فِي ركبته رَمَاه جشمي بِسَهْم فأثبته فِي ركبته فانتهيت إِلَيْهِ فَقلت يَا عَم من رماك فَأَشَارَ إِلَى أبي مُوسَى فَقَالَ ذَاك قاتلي الَّذِي رماني فقصدت لَهُ فلحقته فَلَمَّا رَآنِي ولى فاتبعته وَجعلت أَقُول لَهُ أَلا تَسْتَحي أَلا تثبت فَكف فاختلفنا ضربتين بِالسَّيْفِ فَقتلته ثمَّ قلت لأبي عَامر قتل الله صَاحبك قَالَ فانزع هَذَا السهْم فنزعته فنزا مِنْهُ المَاء قَالَ يَا ابْن أخي أقرىء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - السَّلَام وَقل لَهُ اسْتغْفر لي واستخلفني أَبُو عَامر على النَّاس فَمَكثَ يَسِيرا ثمَّ مَاتَ فَرَجَعت فَدخلت على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي بَيته على سَرِير مرمل وَعَلِيهِ فرَاش قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه فَأَخْبَرته بخبرنا وَخبر أبي عَامر وَقَالَ قل لَهُ اسْتغْفر لي فَدَعَا بِمَاء فَتَوَضَّأ ثمَّ رفع يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لِعبيد أبي عَامر وَرَأَيْت بَيَاض إبطَيْهِ ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْم الْقِيَامَة فَوق كثير من خلقك من النَّاس فَقلت ولي فَاسْتَغْفر فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لعبد الله بن قيس ذَنبه وَأدْخلهُ يَوْم الْقِيَامَة مدخلًا كَرِيمًا قَالَ أَبُو بردة إِحْدَاهمَا لأبي عَامر وَالْأُخْرَى لأبي مُوسَى) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة وبريد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَكَذَا أَبُو بردة واسْمه عَامر وَأَبُو مُوسَى اسْمه عبد الله بن قيس وبريد هُنَا يروي عَن جده أبي بردة وَهُوَ يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد مقطعا وَفِي الدَّعْوَات يَأْتِي وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل قَوْله بعث أَبَا عَامر واسْمه عبيد بن سليم بن حضار الْأَشْعَرِيّ وَهُوَ(17/301)
عَم أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَقَالَ ابْن إِسْحَاق هُوَ ابْن عَمه وَالْأول أشهر قَوْله على جَيش أَي أَمِيرا عَلَيْهِم وَذَلِكَ أَن هوَازن بعد الْهَزِيمَة اجْتمع بَعضهم فِي أَوْطَاس فَأَرَادَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - استئصالهم فَبَعثه إِلَيْهِم قَوْله " فلقي دُرَيْد بن الصمَّة " دُرَيْد بِضَم الدَّال مصغر الدرد بالمهملتين وَالرَّاء والصمة بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم ابْن بكر بن عَلْقَمَة وَيُقَال ابْن الْحَارِث بن عَلْقَمَة الْجُشَمِي بِضَم الْجِيم وَفتح الشين الْمُعْجَمَة من بني جشم بن مُعَاوِيَة بن بكر بن هوَازن والصمة لقب لِأَبِيهِ واسْمه الْحَارِث ودريد شَاعِر مَشْهُور قَوْله " فَقتل دُرَيْد " على صِيغَة الْمَجْهُول وَاخْتلف فِي قَاتله فَعَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَتله ربيعَة بن رفيع بِضَم الرَّاء وَفتح الْفَاء وبالعين الْمُهْملَة ابْن وهبان بن ثَعْلَبَة بن ربيعَة السّلمِيّ وَكَانَ يُقَال لَهُ ابْن الذعنة بِمُعْجَمَة ومهملة وَيُقَال بِالْعَكْسِ وَهِي أمه وَقَالَ ابْن هِشَام يُقَال اسْمه عبد بن قبيع بن أهبان وَيُقَال لَهُ أَيْضا ابْن الدغنة وَلَيْسَ هُوَ ابْن الدغنة الْمَذْكُور فِي قصَّة أبي بكر فِي الْهِجْرَة وروى الْبَزَّار فِي مُسْند أنس بِإِسْنَاد حسن مَا يشْعر بِأَن قَاتل دُرَيْد بن الصمَّة هُوَ الزبير بن الْعَوام وَلَفظه لما انهزم الْمُشْركُونَ انحاز دُرَيْد بن الصمَّة فِي سِتّمائَة نفس على أكمة فَرَأَوْا كَتِيبَة فَقَالَ خلوهم فخلوهم فَقَالَ هَذِه قضاعة وَلَا بَأْس عَلَيْكُم ثمَّ رَأَوْا كَتِيبَة مثل ذَلِك فَقَالُوا هَذِه سليم ثمَّ رَأَوْا فَارِسًا وَحده فَقَالَ خلوه لي فَقَالُوا معتجر بعمامة سَوْدَاء فَقَالَ هَذَا الزبير بن الْعَوام وَهُوَ قاتلكم ومخرجكم من مَكَانكُمْ هَذَا قَالَ فَالْتَفت الزبير فَقَالَ علام هَؤُلَاءِ هَهُنَا فَمضى إِلَيْهِم وَتَبعهُ جمَاعَة فَقتلُوا مِنْهُم ثَلَاثمِائَة وحز رَأس دُرَيْد بن الصمَّة فَجعله بَين يَدَيْهِ وَكَانَ دُرَيْد لما قتل ابْن عشْرين وَيُقَال ابْن سِتِّينَ وَمِائَة قَوْله قَالَ أَبُو مُوسَى وبعثني أَي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَعَ أبي عَامر أَي إِلَى من التجأ إِلَى أَوْطَاس قَوْله " فَرمي " على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله " جشمي " أَي رجل جشمي يَعْنِي من بني جشم بِضَم الْجِيم وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَاخْتلف فِي اسْم هَذَا الْجُشَمِي فَقَالَ ابْن إِسْحَق زَعَمُوا أَن سَلمَة بن دُرَيْد بن الصمَّة هُوَ الَّذِي رمى أَبَا عَامر بِسَهْم فَأصَاب ركبته فَقتله وَأخذ الرَّايَة أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فَقَاتلهُمْ فَفتح الله عَلَيْهِ وَقَالَ ابْن هِشَام حَدثنِي من أَثِق بِهِ أَن الَّذِي رمى أَبَا عَامر أَخَوان من بني جشم وهما أوفى والْعَلَاء ابْنا الْحَارِث فَأصَاب أَحدهمَا ركبته وقتلهما أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وروى الطَّبَرِيّ فِي الْأَوْسَط من وَجه آخر عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ بِإِسْنَاد حسن لما هزم الله الْمُشْركين يَوْم حنين بعث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على خيل الْمطلب أَبَا عَامر الْأَشْعَرِيّ وَأَنا مَعَه فَقتل ابْن دُرَيْد أَبَا عَامر فعدلت إِلَيْهِ فَقتلته وَأخذت اللِّوَاء الحَدِيث فَهَذَا يُؤَيّد مَا ذكره ابْن إِسْحَق قَوْله " ولى " أَي أدبر قَوْله " فَأَتْبَعته " ضبط بِقطع الْألف وَصَوَابه بوصلها وَتَشْديد التَّاء لِأَن مَعْنَاهُ سرت فِي أَثَره وَمعنى أتبعته بِقطع الْألف لحقته وَالْمرَاد هُنَا سرت فِي أَثَره قَوْله فَكف أَي توقف وكف نَفسه يتَعَدَّى وَلَا يتَعَدَّى قَوْله " فنزا مِنْهُ المَاء " أَي انصب من مَوضِع السهْم وَقَالَ الْكرْمَانِي فنزا أَي وثب قلت لَيْسَ كَذَلِك وَالصَّوَاب مَا ذَكرْنَاهُ قَوْله يَا ابْن أخي هَذَا يرد قَول ابْن إِسْحَق أَنه ابْن عَمه قَوْله مرمل بِضَم الْمِيم وَفتح الرَّاء وَتَشْديد الْمِيم أَي مَعْمُول بالرمال وَهِي حبال الْحَصِير الَّتِي يظفر بهَا الأسرة قَوْله وَعَلِيهِ فرَاش قَالَ ابْن التِّين وَأنْكرهُ الشَّيْخ أَبُو الْحسن وَقَالَ الصَّوَاب مَا عَلَيْهِ فرَاش فَسَقَطت مَا قيل لَا يلْزم من كَونه رقد على غير فرَاش أَن لَا يكون على سَرِيره دَائِما فرَاش قَوْله فَوق كثير من خلقك أَي فِي الْمرتبَة وَفِي رِوَايَة ابْن عَائِذ فِي الْأَكْثَرين يَوْم الْقِيَامَة من النَّاس قَالَ الْكرْمَانِي تَعْمِيم بعد تَخْصِيص قلت بَيَان لقَوْله " من خلقك " لِأَن الْخلق أَعم من أَن يكون من النَّاس وَغَيرهم قَوْله " قَالَ أَبُو بردة " مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور قَوْله " إِحْدَاهمَا " أَي الدعوتين -
4321 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسفَ أخبرَنا مالِكٌ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عنْ عُمَرَ بنِ كَثيرِ بنِ أفْلحَ عنْ أبي مُحَمَّدٍ مَوْلَى قَتَادَةَ عنْ أبي قَتادَةَ قَالَ خَرَجْنا معَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عامَ حُنَيْنٍ فلَمَّا الْتقَيْنا كانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جوْلَةٌ فَرَأيْتُ رجُلاً منَ المُشْرِكِينَ قَدْ عَلاَ رجُلاً مِنَ المُسْلِمِينَ فَضَرَبْتُهُ مِنْ ورَائِهِ عَلَى جَبْلِ عاتِقِهِ بالسَّيْفِ فقَطَعْتُ الدِّرْعَ وأقْبَلَ عَلَيَّ فضَمَّني ضَمَّةً وجَدْتُ مِنْها رِيحَ المَوْتِ ثُمَّ أدْرَكَهُ المَوْتُ فأرْسَلَني فَلَحِقْتُ عُمَرَ فقُلْتُ مَا بالُ النَّاسِ قَالَ أمْرُ الله عَزَّ وجَلَّ ثُمَّ رجَعُوا وجَلَسَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهدُ ثُمَّ جلَسْتُ قَالَ ثُمَّ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ فَقُمْتُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لي ثُمَّ جَلَسْتُ قَالَ ثُمَّ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ فقُمْتُ فَقَالَ مَا لَكَ يَا أَبَا قَتادَةَ فأخْبَرْتُهُ فَقَالَ رجُلٌ صَدقَ وسَلبُهُ عِنْدِي فأرْضِهِ مِنِّي فَقَالَ أبُو بَكْرٍ لاَ هَا الله إِذا لاَ يَعْمِدُ إِلَى أسَدٍ مِنْ أُسْدِ الله يُقاتِلُ عَن الله ورسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدْقَ فأعْطِهِ فأعْطانِيهِ فابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفاً فِي بَني سَلِمَةَ فإنَّهُ لأوَّلُ مالٍ تأثَّلْتُهُ فِي الإسْلاَمِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ قَاضِي الْمَدِينَة، وَعمر بن كثير ضد الْقَلِيل ابْن أَفْلح الْمدنِي مولى أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَغَيره من التَّابِعين الصغار، وَلَكِن ذكره ابْن حبَان فِي أَتبَاع التَّابِعين وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد، وحرف يحيى بن يحيى الأندلسي فِي رِوَايَته فَقَالَ: عَمْرو بن كثير، بِفَتْح الْعين وَالصَّوَاب: عمر، بِضَم الْعين، وَأَبُو مُحَمَّد اسْمه نَافِع بن عَبَّاس مَعْرُوف باسمه وكنيته وَهُوَ مولى أبي قَتَادَة، وَيُقَال: مولى عقيلة بنت طلق، وَيُقَال: عبلة بنت طلق، وَأَبُو قَتَادَة اسْمه الْحَارِث بن ربعي، وَقيل: غَيره.
والْحَدِيث مضى فِي الْخمس فِي: بَاب من لم يُخَمّس الأسلاب فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (جَوْلَة) ، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْوَاو، أَي: تقدم وَتَأَخر، وَفِي الْعبارَة لطف حَيْثُ لم يقل: هزيمَة، وَهَذِه الجولة كَانَت فِي بعض الْمُسلمين لَا فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن حواليه. قَوْله: (قد علا رجلا) أَي: ظهر على قَتله. قَوْله: (على حَبل عَاتِقه) . العاتق: مَوضِع الرِّدَاء من الْمنْكب، وَالْحَبل العصب. قَوْله: (بِالسَّيْفِ) ، ويروى بِسيف، بِدُونِ الْألف وَاللَّام. قَوْله: (فَقطعت الدرْع) أَي: اللّبْس الَّذِي كَانَ لابسه. قَوْله: (وجدت مِنْهَا) أَي: من تِلْكَ الضمة (ريح الْمَوْت) أَي: من شدتها. قَوْله: (فأرسلني) ، أَي: أطلقني. قَوْله: (فلحقت عمر رَضِي الله عَنهُ) ، فِيهِ حذف تَقْدِيره: فَانْهَزَمَ الْمُسلمُونَ وانهزمت مَعَهم، فلحقت عمر. قَوْله: (مَا بَال النَّاس؟) أَي: مَا حَالهم؟ قَوْله: (قَالَ أَمر الله) ، أَي: قَالَ عمر: حكم الله تَعَالَى وَمَا قضا بِهِ، وارتفاعه على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: مَحْذُوف، أَي: هَذَا الَّذِي أَصَابَهُم أَمر الله. قَوْله: (ثمَّ رجعُوا) أَي: ثمَّ تراجعوا، وَهَكَذَا فِي الرِّوَايَة الْآتِيَة، وَكَيْفِيَّة رجوعهم قد تقدّمت عَن قريب قَوْله: (من قتل قَتِيلا) أَي: مشرفاً على الْقَتْل، فَهُوَ مجَاز بِاعْتِبَار المَال قَالَ الْكرْمَانِي: وَيحْتَمل أَن يكون حَقِيقَة بِأَن يُرَاد بالقتيل الْقَتِيل بِهَذَا الْقَتْل لَا بقتل سَابق، كَمَا قَالَ المتكلمون فِي جَوَاب المغالطة الْمَشْهُورَة، وَهُوَ أَن إِيجَاد الْمَعْدُوم محَال لِأَن الإيجاد إِمَّا حَال الْعَدَم، فَهُوَ جمع بَين النقيضين، وَإِمَّا حَال الْوُجُود. وَهُوَ تَحْصِيل للحاصل أَن إِيجَاد الْمَوْجُود بِهَذَا الْوُجُود لَا بِوُجُود مُتَقَدم. قَوْله: (فأرضه مني) هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره. فأرضه مِنْهُ. قَوْله: (فَقَالَ أَبُو بكر) أَي: الصّديق، رَضِي الله عَنهُ قَوْله: (لَا هَا الله) كلمة: هَا، للتّنْبِيه، وَقد يقسم بهَا يُقَال: لَا هَا الله مَا فعلت أَي: لَا وَالله، وَقَالَ ابْن مَالك: فِيهِ شَاهد على جَوَاز الِاسْتِغْنَاء عَن وَاو الْقسم بِحرف التَّنْبِيه. قَالَ: وَلَا يكون ذَلِك إلاَّ مَعَ الله، أَي: لم يسمع: لَا هَا الرَّحْمَن، كَمَا سمع لَا والرحمن وَحكى ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ أَنه روى رفع: الله، وَالْمعْنَى: يَأْبَى الله، وَقيل: إِن ثبتَتْ الرِّوَايَة بِالرَّفْع فَيكون هَا، للتّنْبِيه وَالله، مُبْتَدأ. وَقَوله: (لَا يعمد) خَبره، وَفِيه تَأمل. قَوْله: (إِذا) ، بِكَسْر الْهمزَة وبالذال الْمُعْجَمَة المنونة، وَقَالَ الْخطابِيّ: هَكَذَا نرويه، وَإِنَّمَا هُوَ فِي كَلَامهم أَي: العربَ لَا هَا الله، يَعْنِي بِدُونِ الْهمزَة فِي أَوله، وَالْهَاء فِيهِ بِمَنْزِلَة الْوَاو، وَالْمعْنَى: لَا وَالله لَا يكون ذَا وَقَالَ عِيَاض فِي (الْمَشَارِق) : عَن إِسْمَاعِيل القَاضِي أَن الْمَازِني قَالَ: قَول الروَاة: لَا هَا الله إِذا، خطأ، وَالصَّوَاب: لَا هَا الله ذَا يَمِيني وقسمي، وَقَالَ أَبُو زيد لَيْسَ فِي كَلَامهم: لَا هَا الله إِذا، وَإِنَّمَا هُوَ: لَا هَا الله ذَا، وَذَا صلَة فِي الْكَلَام، والمعني: لَا وَالله هَذَا مَا أقسم بِهِ وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: ثَبت فِي الرِّوَايَة: لَا هَا الله إِذا، فَحَمله بعض النَّحْوِيين على أَنه من تَعْبِير بعض الروَاة لِأَن الْعَرَب لَا تسْتَعْمل: لَا هَا الله، بِدُونِ ذَا، وَإِن سلم اسْتِعْمَاله بِدُونِ ذَا فَلَيْسَ هَذَا مَوضِع إِذا لِأَنَّهَا حرف جَزَاء، وَمُقْتَضى الْجَزَاء أَن لَا يذكر إِلَّا فِي قَوْله: (لَا يعمد) ، بل كَانَ يَقُول: إِذا يعمد إِلَى أَسد ليَصِح جَوَابا لطَالب السَّلب انْتهى وَقد أَطَالَ بَعضهم الْكَلَام فِي هَذَا جدا، مختلطاً بعضه بِبَعْض من غير تَرْتِيب، فالناظر فِيهِ إِن كَانَ لَهُ يَد يشمئز خاطره من ذَلِك وإلاَّ فَلَا يفهم شَيْئا أصلا، وَالَّذِي يُقَال بِمَا يجدي النَّاظر أَنه إِن كَانَ إِذا، على مَا هُوَ الْمَوْجُود فِي الْأُصُول يكون مَعْنَاهُ حينئذٍ وَإِن كَانَ ذَا بِدُونِ الْهمزَة، فوجهه مَا تقدم فَلَا يحْتَاج إِلَى الإطالة الْغَيْر الطائلة قَوْله: (لَا يعمد) ، أَي: لَا يقْصد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى رجل كَأَنَّهُ أَسد فِي الشجَاعَة يُقَاتل عَن دين الله وَرَسُوله، فَيَأْخُذ حَظه ويعطيكه بِغَيْر طيبَة من نَفسه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويعمد، بالغيبة والتكلم وَوَقع فِي (مُسْند أَحْمد) أَن الَّذِي خَاطب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بذلك عمر، وَلَفظه فِيهِ: فَقَالَ عمر: وَالله لَا يفيئها الله على أَسد ويعطيكها، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق عمر. قلت: صَاحب الْقِصَّة أَبُو قَتَادَة فَهُوَ اتقن لما وَقع فِيهَا من غَيره، وَقيل: يحْتَمل الْجمع بِأَن يكون عمر أَيْضا قَالَ ذَلِك تَقْوِيَة لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ. قَوْله: (فابتعت بِهِ) ، أَي: اشْتريت بذلك السَّلب وَقَالَ الْوَاقِدِيّ بَاعه الحاطب بن أبي بلتعة بِسبع أَوَاقٍ. قَوْله: (مخرفاً) ، بِفَتْح الْمِيم وَالرَّاء بَينهمَا خاء مُعْجمَة، قيل: يجوز فِيهِ كسر الْخَاء وَهُوَ الْبُسْتَان، وَسمي بذلك لِأَنَّهُ يخْتَرف مِنْهُ التَّمْر أَي: يجني، وَذكر الْوَاقِدِيّ أَن هَذَا الْبُسْتَان كَانَ يُقَال لَهُ: الودنيين، والمخرف، بِكَسْر الْمِيم إسم الْآلَة الَّتِي يجتني بهَا. قَوْله: (فِي بني سَلمَة) بِكَسْر اللَّام: بطن من الْأَنْصَار وهم ثوم أبي قَتَادَة. قَوْله: (تأثلته) ، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح الْهمزَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَضم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق أَي: اتخذته أصل المَال واقتنيته، وأثلة كل شَيْء: أَصله.
4322 - وَقَالَ اللَّيْثُ حدَّثني يحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ عُمَرَ بن كَثِيرِ بن أفْلَحَ عنْ أبي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أبي قتَادَةَ أنَّ أَبَا قتادَةَ قَالَ لمَّا كانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ نَظَرْتُ إِلَى رجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ يُقاتِلُ رَجُلاً مِنَ المُشْرِكِينَ وآخَرُ مِنَ المُشْرِكِينَ يَخْتِلُهُ مِنْ ورَائِهِ مِنْ ورَائِهِ لِيَقْتُلَهُ فأسْرَعْتُ إِلَى الَّذِي يَخْتِلُهُ فرَفَعَ يَدهُ لِيَضْرِبَنِي وأضْرِبُ يدَهُ فقَطَعْتُها ثُمَّ أخَذَنِي فَضَمَّني ضَمًّا شَدِيداً حَتَّى تَخَوَّفْتُ ثُمَّ تَرَكَ فَتَحَلَّلَ ودَفَعْتُهُ ثُمَّ قتَلْتُهُ وانْهَزَمَ المُسْلِمُونَ وانهَزَمْتُ معَهُمْ فإِذَا بِعُمَرَ بن الخَطَّابِ فِي النَّاسِ فقُلْتُ لَهُ مَا شأنُ النَّاسِ قَالَ أمْرُ الله ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقال رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منْ أقامَ بيِّنَةً عَلَى قَتِيلٍ قَتَلَهُ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْتُ لألْتَمِسَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلي فَلَمْ أرَ أَحَداً يَشْهَدُ لي فَجَلَسْتُ ثُمَّ بَدَا لِي فَذَكَرْتُ أمْرَهُ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقال رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ سِلاَحُ هَذَا القَتِيلِ الَّذِي يَذْكُرُ عِنْدِي فأرْضِهِ منهُ فَقال أبُو بَكْرٍ كَلاَّ لَا يُعْطِهِ أُصَيْبِغَ منْ قُرَيْشٍ وَيَدَعَ أسَداً مِنْ أُسْدِ الله يُقاتِلَ عنِ الله ورسولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَقامَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأدَّاهُ إليَّ فاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرَافاً فَكانَ أوَّلَ مالٍ تَاثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَمِ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور وَهُوَ مُعَلّق وَصله البُخَارِيّ فِي الْأَحْكَام عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث وَيحيى بن سعد هُوَ الْأنْصَارِيّ.
قَوْله: (يختله) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: أَي يخدعه. قَوْله: (حَتَّى تخوفت) أَي: الْهَلَاك، وَهُوَ مفعول قد حذف. قَوْله: (بدالي) أَي: ظهر لي قَوْله: (الَّذِي يذكر) ، أَي: أَبُو قَتَادَة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: الَّذِي ذكره. قَوْله: (كلا) كلمة ردع. قَوْله: (لَا يُعْطه) ، أَي: لَا يُعْطي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلَاح الرجل الَّذِي هُوَ سلبه. قَوْله: (أصيبغ) بِضَم الْهمزَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا الْغَيْن الْمُعْجَمَة: وَهُوَ نوع من الطير ضَعِيف شبهه بِهِ لعَجزه وَهُوَ أَنه، وَقيل: شبهه بالصبغاء، وَهُوَ نبت مَعْرُوف، وَقيل: نبت ضَعِيف كالثمام إِذا طلع من الأَرْض يكون أول مَا يَلِي الشَّمْس مِنْهُ أصفر، هَذَا الضَّبْط رِوَايَة الْقَابِسِيّ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة، وعَلى رِوَايَته هُوَ تَصْغِير: الضبع، على غير قِيَاس، كَأَنَّهُ لما عظم أَبَا قَتَادَة بِأَنَّهُ أَسد صغر خَصمه وَشبهه بالضبع لضعف افتراسه وَمَا يُوصف بِهِ من الْعَجز، وَقَالَ ابْن مَالك: أضيبع، بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة تَصْغِير: أضبع ويكنى بِهِ عَن الضَّعِيف. قَوْله: (ويدع) ، أَي: يتْرك وَهُوَ بِالنّصب، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويدع، بِالرَّفْع والجر نَحْو: لَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللَّبن.
56 - (بابُ غَزْوةٍ أوْطاسٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة أَوْطَاس، قَالَ عِيَاض: هُوَ وَاد فِي ديار هوَازن وَهُوَ مَوضِع حَرْب حنين، وَهُوَ من وطست الشَّيْء موطساً إِذا كددته وأثرت فِيهِ، والوطيس: نقرة فِي حجر توقد حوله النَّار فيطبخ بِهِ اللَّحْم، والوطيس: التَّنور.
57 - (بابُ غَزْوَةِ الطَّائِفِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة الطَّائِف، وَهُوَ بلد كَبِير مَشْهُور كثير الأعناب والنخيل على ثَلَاث مراحل أَو اثْنَتَيْنِ من مَكَّة من جِهَة الْمشرق، وأصل تَسْمِيَته بِالطَّائِف أَن هشاماً ذكر أَن رجلا من الصدف يُقَال لَهُ: لدمون بن عبيد بن مَالك قتل ابْن عَم لَهُ يُقَال لَهُ عمر بحضرموت ثمَّ هرب، وَرَأى مَسْعُود بن معتب الثَّقَفِيّ يعرج وَمَعَهُ مَال كثير وَكَانَ تَاجِرًا. فَقَالَ: أحالفكم لتزوجوني، وأزوجكم وأبني عَلَيْكُم طوفاً مثل الْحَائِط لَا يصل إِلَيْكُم أحد من الْعَرَب؟ فَبنى بذلك المَال طوفاً عَلَيْهِم، فَسُمي بِهِ الطَّائِف. وَحكى السُّهيْلي: أَن الْجنَّة الَّتِي ذكرهَا الله تَعَالَى فِي قَوْله: {فَطَافَ عَلَيْهَا طائف من رَبك وهم نائمون} (الْقَلَم: 19) هِيَ: الطَّائِف(17/302)
اقتلعها جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من موضعهَا فَأَصْبَحت كالصريم وَهُوَ اللَّيْل، ثمَّ سَار بهَا إِلَى مَكَّة شرفها الله تَعَالَى فَطَافَ بهَا حول الْبَيْت ثمَّ أنزلهَا حَيْثُ الطَّائِف الْيَوْم، فَسمى بهَا وَكَانَت تِلْكَ الْجنَّة بضوران على فَرسَخ من صنعاء وَمن ثمَّ كَانَ المَاء وَالشَّجر بِالطَّائِف دون مَا حوله من الأَرْض وَكَانَت قصَّة هَذِه الْجنَّة بعد عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِيَسِير.
فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمانٍ قالهُ مُوسى بنُ عُقْبَةَ
أَي: كَانَت غَزْوَة الطَّائِف فِي شَوَّال سنة ثَمَان، قَالَه مُوسَى بن عقبَة بِالْقَافِ صَاحب (الْمَغَازِي) وعَلى قَول الْجُمْهُور من أهل الْمَغَازِي.
4324 - حدَّثنا الحُمَيْديُّ سَمِعَ سُفْيَانَ حدّثنا هِشامٌ عنْ أَبِيه عنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أبي سَلَمَةَ عنْ أُمِّها أُمِّ سَلَمَة رَضِي الله عَنْهَا دَخَلَ عَلَيَّ النّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعِنْدِي مُحَنَّثٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِعَبْدِ الله بنِ أبي أمَيَّة يَا عَبْدِ الله أرأيْت إنْ فَتَحَ الله عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ غَداً فَعَلَيْكَ بابْنةِ غَيْلاَنَ فإنَّها تُقْبِلُ بأرْبَعٍ وتُدْبِرُ بِثَمَانٍ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاَ يَدْخُلَنَّ هاؤُلاَءِ عَلَيْكُنَّ.
وَجه ذكر هَذَا الحَدِيث هُوَ أَن فِيهِ ذكر فتح الطَّائِف، والْحميدِي هُوَ عبد الله بن الزبير نسب إِلَى أحد أجداده، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير، وَزَيْنَب ابْنة أبي سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد المَخْزُومِي وَكَانَ اسْمهَا برة فسماها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، زَيْنَب، وَاسم أمهَا أم سَلمَة هِنْد بنت أبي أُميَّة المخزومية زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي هَذَا الْإِسْنَاد، لَطِيفَة: هِشَام عَن أَبِيه وهما تابعيان وَزَيْنَب وَأمّهَا وهما صحابيتان.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن مَحْمُود بن غيلَان هُنَا وَفِي النِّكَاح أَيْضا عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَفِي اللبَاس عَن أبي غَسَّان مَالك بن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه مُسلم فِي الاسْتِئْذَان عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء عَن مُحَمَّد بن آدم وَغَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي النِّكَاح وَفِي الْحُدُود عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: (مخنث) قَالَ النَّوَوِيّ: بِكَسْر النُّون وَفتحهَا وَالْكَسْر أفْصح وَالْفَتْح أشهر وَهُوَ الَّذِي خلقه خلق النِّسَاء، سمي بِهِ لانكسار كَلَامه وَلينه، يُقَال: خنثت الشَّيْء فتخنث أَي: عطفته فتعطف. قَوْله: (يَا عبد الله) هُوَ أَخُو أم سَلمَة راوية الحَدِيث، وَكَانَ إِسْلَامه مَعَ أبي سُفْيَان بن الْحَارِث فِي غَزْوَة الْفَتْح وَاسْتشْهدَ بِالطَّائِف أَصَابَهُ سهم فَمَاتَ مِنْهُ. قَوْله: (أَرَأَيْت؟) أَي: أَخْبرنِي. قَوْله: (فَعَلَيْك) ، أَي: إلزم ابْنة غيلَان، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون وَاسم ابْنَته: بادية ضد الْحَاضِرَة وَقيل: بادنة، بالنُّون بعد الدَّال وَقَالَ أَبُو نعيم: أسلمت وَسَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الِاسْتِحَاضَة، وَأَبُو غيلَان بن سَلمَة بن معتب بن مَالك بن كَعْب بن عَمْرو بن سعد بن عَوْف بن قيس، وَهُوَ ثقفي أسلم بعد فتح الطَّائِف وَلم يُهَاجر وَهُوَ أحد من قَالَ: {لَوْلَا أنزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من القريتين عَظِيم} (الزخرف: 31) وَكَانَ أَبيض طوَالًا جَعدًا فخماً جميلاً، وَلما وَفد على كسْرَى وَاسْتحْسن عقله، قَالَ لَهُ كسْرَى: مَا غذاؤك؟ قَالَ: الْبر. قَالَ كسْرَى: هَذَا الْعقل من الْبر لَا من اللَّبن وَالتَّمْر، وَذكر الْمبرد أَن كسْرَى قَالَ هَذَا لهوزة بن عَليّ، قَالَ السُّهيْلي: وَالصَّحِيح عِنْد الْإِخْبَار بَين أَنه قَالَه لغيلان، وَكَذَا قَالَه أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ، وَأم غيلَان سبيعة بنت عبد شمس، وَكَانَ شَاعِرًا محسناً توفّي فِي آخر خلَافَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ. قَوْله: (فَإِنَّهَا تقبل بِأَرْبَع وتدبر بثمان) قَالَ: بثمان، وَلم يقل: بِثمَانِيَة، لِأَنَّهُ أَرَادَ الْأَطْرَاف وَهِي مذكرة لِأَنَّهُ لم يذكرهَا، وَكَذَلِكَ بِأَرْبَع وَلم يقل: بأَرْبعَة، لِأَن العكن واحدتها عكنة وَهُوَ من التَّأْنِيث الْمَعْنَوِيّ، يُقَال: أَربع على تَأْنِيث الْعدَد. وَقَالَ الْخطابِيّ، يُرِيد أَربع عُكَن فِي الْبَطن من قدامها، فَإِذا أَقبلت رؤيت موَاضعهَا شاخصة منكسرة الغضون وَأَرَادَ بالثمان أَطْرَاف هَذِه العكن من وَرَائِهَا عِنْد مُنْقَطع الجنبين. قلت: حَاصله أَن السمينة يحصل لَهَا فِي بَطنهَا أَربع عُكَن وَيرى من الوراء لكل عكنة طرفان، وَقَالَ الْخطابِيّ: وَهَذَا إِنَّمَا كَانَ يُؤذن لَهُ على أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَنه من جملَة غير أولى إِلَّا ربة من الرِّجَال فَلم يرَ بَأْسا بِهِ، وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ، إِنَّه قَالَ: تَغْدُو وتدبر بمثان، مَعَ ثغر كالأقحوان إِن قعدت تثنت وَإِن تَكَلَّمت تغنت، بَين رِجْلَيْهَا مثل الْإِنَاء المكفوف، وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسمع، فَقَالَ: لقد غلغلت النّظر إِلَيْهَا يَا عَدو الله، ثمَّ أجلاه عَن الْمَدِينَة إِلَى الْحمى، فَلَمَّا فتح الطَّائِف(17/303)
تزَوجهَا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَولدت لَهُ نزيهة. وَلما قبض صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبي أَن يردهُ الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلما ولي عمر رَضِي الله عَنهُ. قيل لَهُ: إِنَّه قد ضعف وَكبر فَاحْتَاجَ، فَأذن لَهُ أَن يدْخل كل جُمُعَة فَيسْأَل النَّاس وَيرد إِلَى مَكَانَهُ. وَفِي (صَحِيح ابْن حبَان) : عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهيت ينعَت امْرَأَة من يهود، فَأخْرجهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ بِالْبَيْدَاءِ يدْخل كل جُمُعَة يستطعم. وَفِي (مُسْند سعد بن أبي وَقاص) إِنَّه خطب امْرَأَة بِمَكَّة وَهُوَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: لَيْسَ عِنْدِي من يَرَاهَا وَلَا من يُخْبِرنِي عَنْهَا، فَقَالَ: هيت: أَنا أنعتها إِذا أَقبلت أَقبلت بست، وَإِذا أَدْبَرت أَدْبَرت بِأَرْبَع، وَكَانَ يدْخل على سَوْدَة، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أرَاهُ إلاَّ مُنْكرا فَمَنعه، وَلما قدم الْمَدِينَة نَفَاهُ، وَلأبي دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مخنث قد خضب يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ، فَقيل: يَا رَسُول الله هَذَا يتشبه بِالنسَاء، فنفاه إِلَى البقيع فَقيل: أَلا تقتله؟ فَقَالَ: إِنِّي نهيت عَن قتل الْمُصَلِّين.
قَالَ ابْن عُيَيْنَة وَقَالَ ابنُ جُرَيْجٍ المُخَنَّثُ هِيتٌ
أَي: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبد الْملك بن عبد الْعَزِيز ابْن جريج: اسْم المخنث الْمَذْكُور فِي الحَدِيث: بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخر تَاء مثناة من فَوق، وَقيل: بِفَتْح الْهَاء، وَوجد هَكَذَا بِخَط بعض الْفُضَلَاء الْمُتَقَدِّمين، وَقيل: هنب، بنُون سَاكِنة بعد هَاء مَكْسُورَة، وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة، وَقَالَ ابْن درسْتوَيْه: هَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَمَا سواهُ تَصْحِيف. قَالَ: والهنب الأحمق، وَقيل: اسْمه ماتع، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق ذكره أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي الصَّحَابَة، حَيْثُ قَالَ: هيت ماتع وَهُوَ مولى عبد الله بن أبي أُميَّة الْمَذْكُور مَعَه، وَعند أبي مُوسَى: نفى أَبُو بكر ماتعاً إِلَى فدك وَلَيْسَ بهَا أحد يومئذٍ من الْمُسلمين، وَكَانَ فِي الْمَدِينَة مخنث آخر اسْمه: الْهدم، بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون الدَّال وَفِي الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث وَاثِلَة بن الْأَسْقَع: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أخرج الْحر، وَأخرج عمر رَضِي الله عَنهُ، فلَانا وَفُلَانًا، وَكَانَ هَؤُلَاءِ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ فيهم لين فِي القَوْل وخضاب فِي الْأَيْدِي والأرجل وَلَا يرْمونَ بِفَاحِشَة، وَرُبمَا لعب بَعضهم بالكرج وَفِي مَرَاسِيل أبي دَاوُد أَن عمر رَضِي الله عَنهُ، رأى لاعباً بالكرج فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت هَذَا يلْعَب بِهِ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لنفيتك من الْمَدِينَة. قلت: الكرج، بِضَم الْكَاف وَتَشْديد الرَّاء الْمَفْتُوحَة وَفِي آخِره جِيم مُعرب: كرة.
4325 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا سُفْيانُ عنْ عَمْروٍ عنْ أبي العَبَّاسِ الشَّاعِرِ الأعْمَى عنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ قَالَ لما حاصَرَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الطَّائِفَ فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئاً قَالَ إنَّا قافِلُونَ إنْ شاءَ الله فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ وقالُوا نَذْهَبُ وَلَا نَفْتَحُهُ وَقَالَ مَرَّةً فَقَالَ اغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ فَغَدَوْا فأصابَهُمْ جِرَاحٌ فَقَالَ إنَّا قافِلُونَ غَداً إنْ شاءَ الله فأعْجَبَهُمْ فَضَحِكَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ سُفْيانُ مرَّةً فَتَبَسَّمَ قَالَ قَالَ الحمَيْدِيُّ حَدثنَا سُفْيانُ الخَبَرَ كُلَّهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَأَبُو الْعَبَّاس الشَّاعِر اسْمه السَّائِب بن فروخ الْمَكِّيّ الْأَعْمَى، وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، هَكَذَا وَقع عَمْرو، بِالْوَاو وَفِي رِوَايَة الْكشميهني والنسفي والأصيلي وقرىء على ابْني زيد الْمروزِي فَرده بِضَم الْعين الْمُهْملَة، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الصَّوَاب عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ، وَكَذَلِكَ عِنْد ابْن الْمَدِينِيّ والْحميدِي وَغَيرهمَا، من حفاظ أَصْحَاب ابْن عُيَيْنَة عبد الله بن الْخطاب، وَقد بَالغ الْحميدِي فِي (مُسْنده) فِي رِوَايَته عَن ابْن عُيَيْنَة فِي الحَدِيث عبد الله بن عمر بن الْخطاب، وَكَذَلِكَ أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي (الدَّلَائِل) عَن عبد الله بن عمر بن الْخطاب وَأخرجه بن أبي شيبَة عَن ابْن عُيَيْنَة، فَقَالَ عبد الله بن عَمْرو يَعْنِي: بِالْوَاو وَكَذَا رَوَاهُ عَنهُ مُسلم، وَكَذَا روى عَن يحيى بن معِين، وَهَذَا كَمَا رَأَيْت فِيهِ اخْتِلَاف شَدِيد، وَلَكِن غير ضار.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الأدي عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ من السّير عَن عبد الْجَبَّار بن الْعَلَاء.
قَوْله:(17/304)
(لما حاصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الطَّائِف) كَانَت مُدَّة المحاصرة ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا، ذكره ابْن سعد، وَيُقَال: خَمْسَة عشر يَوْمًا، وَقَالَ ابْن هِشَام: سَبْعَة عشر يَوْمًا، وَعَن مَكْحُول: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نصب المنجنيق على أهل الطَّائِف أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَفِي (الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ) لأبي نعيم الْحداد حِصَار الطَّائِف كَانَ أَرْبَعِينَ لَيْلَة، وروى يُونُس عَن ابْن إِسْحَاق: ثَلَاثِينَ لَيْلَة أَو قَرِيبا من ذَلِك، وَفِي (السّير) لِسُلَيْمَان بن طرخانٍ أبي الْمُعْتَمِر: حَاصَرَهُمْ شهرا. وَعند الزُّهْرِيّ وَابْن حبَان: بضع عشرَة لَيْلَة، وَصَححهُ ابْن حزم، وَعَن الرّبيع بن سَالم: عشْرين يَوْمًا. قَوْله: (إِنَّا قافلون) أَي: رَاجِعُون إِلَى الْمَدِينَة قَوْله: (فثقل عَلَيْهِم) ، يَعْنِي: قَوْله: (إِنَّا قافلون) ، وَبَين سَبَب ذَلِك بقَوْلهمْ: نَذْهَب وَلَا نفتحه؟ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أغدو على الْقِتَال) ، يَعْنِي يرَوا أول النَّهَار لأجل الْقِتَال. قَوْله: (فَأَصَابَهُمْ جراح) ، أَي: من السِّهَام وَالْحِجَارَة وسكك الْحَدِيد المحماة. قَوْله: (فَأَعْجَبَهُمْ) أَي: قَوْله: (إِنَّا قافلون غَدا، إِن شَاءَ الله) ، لأَنهم كَانُوا تألموا مِنْهُم، فَلَمَّا سمعُوا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، القفول فرحوا، فَلذَلِك ضحك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَقَالَ سُفْيَان) ، أَي: ابْن عُيَيْنَة الرَّاوِي (مرّة: فَتَبَسَّمَ) وَهَذَا ترديد مِنْهُ. قَوْله: (قَالَ الْحميدِي حَدثنَا سُفْيَان الْخَبَر كُله) ، بِالنّصب أَي: أخبرنَا سُفْيَان بِجَمِيعِ الحَدِيث بِلَفْظ: أخبرنَا وَأَخْبرنِي لَا بِغَيْرِهِ مثل العنعنة، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: بالْخبر كُله.
4327 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ عاصِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عُثْمانَ قَالَ سَمِعْتُ سَعْداً وهْوَ أوَّلُ مَنْ رَمى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ الله وَأَبا بَكْرَةَ وكانَ تَسَوَّرَ حِصْنَ الطَّائفِ فِي أُناسٍ فَجاء إلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَا سَمِعْنا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقُولُ مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أبِيهِ وهْوَ يَعْلَمُ فالجَنَّةُ عليهِ حَرَامٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَكَانَ) أَي: أَبُو بكرَة (تسور حصن الطَّائِفَة) وَلم يَقع هَذَا إلاَّ فِي وَقت حِصَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وغندر قد مر غير مرّة وَهُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَعَاصِم هُوَ ابْن سُلَيْمَان، وَأَبُو عُثْمَان هُوَ عبد الرَّحْمَن النَّهْدِيّ، بالنُّون، وَسعد هُوَ ابْن أبي وَقاص أحد الْعشْرَة المبشرة، وَأَبُو بكرَة اسْمه نفيع، بِضَم النُّون وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره عين مُهْملَة: ابْن مسروح، وَيُقَال: نفيع بن كلدة، وَكَانَ من عبيد الْحَارِث بن كلدة بن عَمْرو الثَّقَفِيّ غلبت عَلَيْهِ كنيته، وَاسم أمه سميَّة أمة لِلْحَارِثِ بن كلدة، وَهِي أم زِيَاد بن أبي سُفْيَان، وتدلى أَبُو بكرَة من حصن الطَّائِف ببكرة وَنزل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فكناه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَبَا بكرَة، وَسكن الْبَصْرَة وَمَات بهَا فِي سنة إِحْدَى وَخمسين، وَكَانَ مِمَّن اعتزل يَوْم الْجمل لم يُقَاتل مَعَ وَاحِد من الْفَرِيقَيْنِ، وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
قَوْله: (وَكَانَ تسور حصن الطَّائِف) لِأَنَّهُ أسلم وَهُوَ فِي الْحصن وَعجز عَن الْخُرُوج مِنْهُ إلاّ بِهَذَا الطَّرِيق، وتسور الْحَائِط أَي: تسلقه. قَوْله: (فِي أنَاس) ، يَعْنِي من عبيد أهل الطَّائِف، وَذكر فِي الطَّبَقَات بضعَة عشر رجلا مِنْهُم: المنبعث عبد عُثْمَان بن عَامر بن معتب، وَكَانَ اسْمه المضطجع، فبدل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْمه، وَمِنْهُم: الْأَزْرَق عبد الْحَارِث بن كلدة المتطبب وَزوج سميَّة مولاة الْحَارِث وَأم زِيَاد، ثمَّ حَالف بني أُميَّة لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَفعه إِلَى خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ ليعلمه الْإِسْلَام، وَمِنْهُم: وردان كَانَ لعبد الله بن ربيعَة وَهُوَ جد الْفُرَات بن زيد بن وردان، وَمِنْهُم: يحنس النبال كَانَ لِابْنِ مَالك الثَّقَفِيّ، وَمِنْهُم: إِبْرَاهِيم بن جَابر كَانَ لخرشة الثَّقَفِيّ، وَمِنْهُم: بشار كَانَ لعُثْمَان بن عبد الله، وَمِنْهُم: نَافِع مولى الْحَارِث بن كلدة، وَمِنْهُم: نَافِع مولى غيلَان بن سَلمَة الثَّقَفِيّ، وَهَؤُلَاء الَّذين وجدنَا أساميهم لَيْسَ إلاَّ وَجعل سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَاء هَؤُلَاءِ العبيد لساداتهم حِين أَسْلمُوا. قَوْله: (من ادّعى إِلَى غير أَبِيه) ، أَي: من انتسب إِلَى غير أَبِيه (فالجنة عَلَيْهِ حرَام) إِمَّا على سَبِيل التَّغْلِيظ، وَإِمَّا أَنه إِذا اسْتحلَّ ذَلِك.
وَقَالَ هِشَامٌ وأخبرَنا مَعْمَرٌ عنْ عاصِمِ عنْ أبي العالِيَةِ أوْ أبي عُثْمانَ النَّهْدِيِّ قَالَ سَمِعْتُ سعْداً وَأَبا بكرَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عاصِمٌ قُلْتُ لَقَدْ شَهِدَ عِنْدَكَ رَجُلاَنِ(17/305)
حسْبُكَ بِهِما قَالَ أجَلْ أمَّا أحَدُهُما فأوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبيلِ الله وأمّا الآخَرُ فنزَلَ إِلَيّ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثالِثَ ثَلاَثَةٍ وعِشْرِينَ مِنَ الطَّائِفِ.
هِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ، وَعَاصِم قد مر الْآن، وَأَبُو الْعَالِيَة رفيع مصغر رفع ضد الْخَفْض ابْن مهْرَان الريَاحي الْبَصْرِيّ، أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَأسلم بعد موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسنتَيْنِ.
قَوْله: (أَو أبي عُثْمَان) ، شكّ من الرَّاوِي، وَهُوَ مر عَن قريب. قَوْله: (عنْدك) ، خطاب لأبي الْعَالِيَة أَو لأبي عُثْمَان، وَالَّذِي يُخَاطب هُوَ عَاصِم. قَوْله: (رجلَانِ) ، أَرَادَ بهما سَعْدا وَأَبا بكرَة. قَوْله: (حَسبك بهما) ، أَي: كافيك بِهَذَيْنِ الْإِثْنَيْنِ فِي الشَّهَادَة. قَوْله: (وَأما الآخر) فَهُوَ: أَبُو بكرَة. قَوْله: (ثَالِث ثَلَاثَة وَعشْرين من الطَّائِفَة) . أَرَادَ أَن الَّذين نزلُوا من أهل الطَّائِف راغبين فِي الْإِسْلَام ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ، وَأَبُو بكرَة مِنْهُم. وَأَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذِهِ الرِّوَايَة بَيَان عدد من أبهم فِي الرِّوَايَة السَّابِقَة لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا: فِي أنَاس، وَهُوَ مُبْهَم من حَيْثُ الْعدَد، وَبَينه فِي هَذِه الرِّوَايَة فَإِن قلت: قد زعم مُوسَى بن عقبَة فِي مغازيه أَنه لم ينزل من سور الطَّائِف غير أبي بكرَة، وَتَبعهُ الْحَاكِم فِي ذَلِك (قلت الَّذِي فِي الصَّحِيح) يرد عَلَيْهِ، ووفق بَعضهم بَين الْقَوْلَيْنِ بِأَن أَبَا بكرَة نزل وَحده أَولا ثمَّ نزل الْبَاقُونَ بعد، وَالله أعلم.
4328 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ حدَّثنا أبُو أُسامَةَ عنْ بُرَيْدِ بن عبْدِ الله عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ نازِلٌ بالجِعْرَانَةِ بَيْنَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ ومَعَهُ بلالٌ فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْرَابِيٌّ فَقال أَلا تُنْجِزُ لي مَا وَعَدْتَني فَقَالَ لهُ أبْشرْ فَقال قدْ أكْثَرْتَ عليَّ منْ أبْشِرْ فأقْبَلَ عَلَى أبي مُوساى وبِلاَل كَهَيْئَةِ الغَضْبانِ فَقال رَدَّ البُشْرَى فاقْبَلاَ أنْتُما قَالَا قبِلنا ثُمَّ دَعا بِقَدَحٍ فِيهِ ماءٌ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ ومَجَّ فِيهِ ثُمَّ قَالَ اشْرَبا منْهُ وأفْرِغا عَلَى وُجُوهِكُما وَنُحُورِكُما وأبْشِرَا فأخَذَا القَدَحَ فَفَعَلاَ فَنَادَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ ورَاءِ السِّتْرِ أنْ أفْضِلاَ لأُمِّكُما فأفْضَلاَ لَهَا مِنْه طائِفَةَ. (انْظُر الحَدِيث 188 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ من متعلقات غَزْوَة حنين. وَأَبُو أُسَامَة هُوَ حَمَّاد بن أُسَامَة، وبريد وَأَبُو بردة كِلَاهُمَا بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، وبريد بن عبد الله يروي عَن جده أبي بردة عَامر عَن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه قد مضى بِبَعْض الحَدِيث فِي الطَّهَارَة فِي: بَاب الْوضُوء وَالْغسْل فِي المخضب والقدح. وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (بالجعرانة) ، بِكَسْر الْجِيم، سُكُون الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء وَقد تكسر الْعين وتشدد الرَّاء، وَقد مضى تَفْسِيره غير مرّة. قَوْله: (بَين مَكَّة وَالْمَدينَة) ، قَالَ عِيَاض: هِيَ بَين الطَّائِف وَمَكَّة وَإِلَى مَكَّة أقرب، وَقَالَ الْفَاكِهَانِيّ: بَينهَا وَبَين مَكَّة بريد، وَقَالَ الْبَاجِيّ: ثَمَانِيَة عشر ميلًا وَقد أنكر الدَّاودِيّ قَوْله: إِن الْجِعِرَّانَة بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، وَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ بَين مَكَّة والطائف، وَبِه جزم النَّوَوِيّ. قَوْله: (ألاَ تنجز لي؟) : أَي: أَلا توفّي لي مَا وَعَدتنِي؟ وَهَذَا الْوَعْد الَّذِي ذكره يحْتَمل أَن يكون وَعدا خَاصّا لهَذَا الْأَعرَابِي، وَيحْتَمل أَن يكون من الْوَعْد الْعَام الَّذِي وعد أَن يقسم غَنَائِم حنين بالجعرانة بعد رُجُوعه من الطَّائِف، وَكَانَ طلبه التَّعْجِيل بِنَصِيبِهِ مِنْهَا. قَوْله: (أبشر) ، بِهَمْزَة قطع يَعْنِي: أبشر أَيهَا الْأَعرَابِي بِقرب الْقِسْمَة أَو الثَّوَاب الجزيل على الصَّبْر. قَوْله: (فنادت أم سَلمَة) ، وَهِي زرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أم الْمُؤمنِينَ، فَلهَذَا قَالَت: (لأمكما) قَوْله: (فأفضلا) ، من الإفضال. قَوْله: (طَائِفَة) ، أَي: بَقِيَّة.
329 - (حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا إِسْمَاعِيل حَدثنَا ابْن جريج قَالَ أَخْبرنِي عَطاء أَن صَفْوَان بن يعلى بن أُميَّة أخبرهُ أَن يعلى كَانَ يَقُول لَيْتَني أرى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(17/306)
حِين ينزل عَلَيْهِ قَالَ فَبينا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالجعرانة وَعَلِيهِ ثوب قد أظل بِهِ مَعَه فِيهِ نَاس من أَصْحَابه إِذْ جَاءَهُ أَعْرَابِي عَلَيْهِ جُبَّة متضمخ بِطيب فَقَالَ يَا رَسُول الله كَيفَ ترى فِي رجل أحرم بِعُمْرَة فِي جُبَّة بعد مَا تضمخ بالطيب فَأَشَارَ عمر إِلَى يعلى بِيَدِهِ أَن تعال فجَاء يعلى فَأدْخل رَأسه فَإِذا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - محمر الْوَجْه يغط كَذَلِك سَاعَة ثمَّ سري عَنهُ فَقَالَ أَيْن الَّذين يسألني عَن الْعمرَة آنِفا فالتمس الرجل فَأتي بِهِ فَقَالَ أما الطّيب الَّذِي بك فاغسله ثَلَاث مَرَّات وَأما الْجُبَّة فانزعها ثمَّ اصْنَع فِي عمرتك كَمَا تصنع فِي حجك) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " بالجعرانة " وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن علية وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج الْمَكِّيّ وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح ويعلى بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة ابْن أُميَّة وَيُقَال منية وَهِي أمه أُخْت عتبَة بن غَزوَان وَأَبوهُ أَيْضا أُميَّة بن أبي عُبَيْدَة بن همام بن الْحَارِث قَالَ أَبُو عمر ينْسب حينا إِلَى أمه وحينا إِلَى أَبِيه قتل بصفين مَعَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ بعد أَن كَانَ مَعَ عَائِشَة فِي وقْعَة الْجمل روى هَذَا الحَدِيث عَنهُ ابْنه صَفْوَان وروى عَنهُ عَطاء فِي مَوَاضِع والْحَدِيث مضى فِي أَوَائِل الْحَج فِي بَاب غسل الخلوق وَأَيْضًا مضى فِي بَاب يفعل فِي الْعمرَة مَا يفعل فِي الْحَج فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي نعيم عَن همام عَن عَطاء قَوْله " حِين ينزل عَلَيْهِ " أَي الْوَحْي قَوْله " متضمخ " بِالرَّفْع صفة أَعْرَابِي بعد صفة أَو هُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي هُوَ متضمخ أَي متلطخ قَوْله " يغط " يُقَال غط أَي هدر فِي الشقشقة وغطيط النَّائِم غَيره قَوْله " ثمَّ سرى عَنهُ " أَي انْكَشَفَ وَقد مر شَرحه مُسْتَوفى فِي بَاب غسل الخلوق -
4330 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا وُهَيْبٌ حَدثنَا عَمْرُو بنُ يَحْيَى عنْ عَبَّادِ بنِ تَمِيمٍ عنْ عَبْدِ الله بن زَيْدٍ بنِ عاصِمٍ قَالَ لمَّا أفاءَ الله عَلَى رسولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي المُؤَلَّفَةِ قُلُوبِهُمْ ولَمْ يُعْطِ الأنْصارَ شَيْئاً فَكأنَّهُمْ وجَدُوا إذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أصابَ النَّاسَ فَخَطَبَهُمْ فَقال يَا معْشَرَ الأنْصارِ ألَمْ أجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُم الله بِي وكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فألَّفَكُمْ الله بِي وعالَةً فأغْناكُمُ الله بِي كُلَّما قَالَ شَيْئاً قالُوا الله ورَسولُهُ أمَنُّ قَالَ مَا يمنعكم أَن تجيبوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كلما قَالَ شَيْئا قَالُوا الله وَرَسُوله أَمن قَالَ لَوْ شئْتُمْ قُلْتُمْ جِئْتَنا كَذَا وكَذَا أتَرْضَوْن أنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بالشَّاةِ والبَعِيرِ وتَذْهَبُونَ بالنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَى رِحَالِكُمْ لَوْلاَ الهِجْرَةُ لكُنْتُ امْرَءاً منَ الأنْصارِ ولَوْ سَلَكَ النَّاسُ وادِياً أَو شِعْباً لَسَلَكْتُ وادِيَ الأنْصارِ وشِعْبَها: الأنْصارُ شِعارٌ والنَّاسُ دِثَارٌ إنَّكُمْ ستَلْقَونَ بعْدِي أثْرَةً فاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْني عَلَى الحَوْضِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يَوْم حنين) ووهيب مصغر وهب ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ، وَعَمْرو بن يحيى بن عمَارَة الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، وَعباد، بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن تَمِيم بن زيد بن عَاصِم الْأنْصَارِيّ الْمَازِني، سمع عَمه عبد الله بن زيد بن عَاصِم بن كَعْب بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ الْمَازِني الْمدنِي، لَهُ ولأبويه ولأخيه حبيب صُحْبَة، وَهُوَ الَّذِي حكى وضوء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَأخرج البُخَارِيّ فِي التَّمَنِّي بعض هَذَا الحَدِيث. وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن شُرَيْح بن يُونُس.
قَوْله: (لما أَفَاء الله على رَسُوله) أَي: لما أعطَاهُ غَنَائِم الَّذين قَاتلهم يَوْم حنين، وأصل الْفَيْء الرُّجُوع، وَمِنْه سمى الظل بعد الزَّوَال فَيْئا لِأَنَّهُ يرجع من جَانب إِلَى جَانب، وَمِنْه سميت أَمْوَال الْكفَّار فَيْئا لِأَنَّهَا كَانَت فِي الأَصْل للْمُؤْمِنين، لِأَن الْإِيمَان هُوَ أصل وَالْكفْر طَار عَلَيْهِ، وَلَكنهُمْ غلبوا عَلَيْهَا(17/307)
بِالتَّعَدِّي فَإِذا غنمها الْمُسلمُونَ فَكَأَنَّهَا رجعت إِلَيْهِم. قَوْله: (قسم) ، مَفْعُوله مَحْذُوف أَي: قسم الْغَنَائِم فِي النَّاس. قَوْله: (فِي الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم) بدل: الْبَعْض من الْكل، وَالْمرَاد بالمؤلفة قُلُوبهم هُنَا نَاس حديثو الْعَهْد بِالْإِسْلَامِ أَعْطَاهُم تأليفاً لقُلُوبِهِمْ، وسرد أَصْحَاب السّير أَسْمَاءَهُم مَا ينيف على الْأَرْبَعين، مِنْهُم: أَبُو سُفْيَان وابناه مُعَاوِيَة وَيزِيد. قَوْله: (وجدوا) أَي: حزنوا، يُقَال: وجد فِي الْحزن وجدا، بِفَتْح الْوَاو، وَوجد فِي المَال وُجداً بِالضَّمِّ ووَجداً بِالْفَتْح ووِجداً بِالْكَسْرِ وَجدّة أَي: اسْتغنى، ووجده مَطْلُوبه يجده وجودا، وَوجد ضالته وجداناً، وَوجد عَلَيْهِ فِي الْغَضَب موجدة ووجداناً أَيْضا، حَكَاهَا بَعضهم، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر، فكأنهم وجدٌ بِضَمَّتَيْنِ جمع: الْوَاجِد، ويروى بِضَم الْوَاو وَسُكُون الْجِيم، وَحَاصِل رِوَايَة أبي ذَر: فكأنهم وجد إِذْ لم يصبهم مَا أصَاب النَّاس، أَو كَأَنَّهُمْ وجدوا إِذْ لم يصبهم مَا أصَاب النَّاس، أوردهُ على الشَّك والتكرار، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا فَائِدَة التّكْرَار؟ قلت: إِذا كَانَ الأول إسماً وَالثَّانِي فعلا فَهُوَ ظَاهر، أَو أَحدهمَا من الْحزن وَالثَّانِي من الْغَضَب، أَو هُوَ شكّ من الرَّاوِي، وَوَقع للكشميهني وَحده: وجدوا فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَكَذَا وَقع فِي أصل النَّسَفِيّ، وَفِي رِوَايَة مُسلم، وَقَالَ عِيَاض: وَقع فِي نُسْخَة من الثَّانِي إِن لم يصبهم، يَعْنِي بِفَتْح الْهمزَة وبالنون قَالَ: وعَلى هَذَا تظهر فَائِدَة التّكْرَار. قَوْله: (فخطبهم) زَاد مُسلم: فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ قَوْله: (ضلالا) بِضَم الضَّاد وَتَشْديد اللَّام جمع ضال. وَالْمرَاد هُنَا: ضَلَالَة الشّرك وبالهداية الْإِيمَان. قَوْله: (وَعَالَة) جمع العائل وَهُوَ الْفَقِير. قَوْله: (كلما قَالَ شَيْئا أَي:) كلما قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من ذَلِك شَيْئا، قَالُوا: (أَي الْأَنْصَار. قَوْله: (الله وَرَسُوله وَرَسُوله أَمن) بِفَتْح الْهمزَة وَالْمِيم وَتَشْديد النُّون، وَهُوَ أفعل التَّفْضِيل من: الْمَنّ، ويوضحه حَدِيث أبي سعيد. فَقَالُوا: مَاذَا نجيبك يَا رَسُول الله؟ لله وَلِرَسُولِهِ الْمَنّ وَالْفضل. قَوْله: (قَالَ: كلما قَالَ شَيْئا) فِي الْمرة الثَّانِيَة تكْرَار من الرَّاوِي للْأولِ. قَوْله: (قَالَ: لَو شِئْتُم) أَي: قَالَ رَسُول الله: لَو شِئْتُم (قُلْتُمْ جئتنا) ، بِفَتْح التَّاء للخطاب، قَوْله: (كَذَا وَكَذَا) ، كِنَايَة عَمَّا يُقَال: جئتنا مُكَذبا فَصَدَّقْنَاك، ومخذولاً فَنَصَرْنَاك، وطريداً فَآوَيْنَاك، وعائلاً فوا سيناك، وَصرح بذلك فِي حَدِيث أبي سعيد، وروى أَحْمد من حَدِيث ابْن أبي عدي عَن حميد عَن أنس بِلَفْظ: أَفلا تَقولُونَ: جئتنا خَائفًا فآمناك، وطريداً فَآوَيْنَاك، ومخذولاً فَنَصَرْنَاك؟ قَالُوا: بل الْمَنّ علينا لله وَلِرَسُولِهِ، انْتهى وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تواضعاً مِنْهُ وإنصافاً، وإلاَّ فَفِي الْحَقِيقَة الْحجَّة الْبَالِغَة والْمنَّة الظَّاهِرَة فِي جَمِيع ذَلِك لَهُ عَلَيْهِم، فَإِنَّهُ لَوْلَا هجرته إِلَيْهِم وسكناه عِنْدهم لما كَانَ بنيهم وَبَين غَيرهم فرق، نبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك بقوله: (أَتَرْضَوْنَ) الخ ويروى: أَلا ترْضونَ؟ فَفِيهِ تَنْبِيه لَهُم على مَا غفلوا عَنهُ من عَظِيم مَا اختصوا بِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا اخْتصَّ بِهِ غَيرهم من عرض الدُّنْيَا الفانية. قَوْله: (بِالشَّاة وَالْبَعِير) ، كل مِنْهُمَا إسم جنس، فالشاة تقع على الذّكر وَالْأُنْثَى وَالْبَعِير على الْجمل والناقة، وَفِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ: أَتَرْضَوْنَ أَن يذهب النَّاس بالأموال؟ وَفِي رِوَايَة أبي التياح: بالدنيا؟ قَوْله: (إِلَى رحالكُمْ) أَي: إِلَى بُيُوتكُمْ ومنازلكم، وَهُوَ جمع رَحل بِالْحَاء الْمُهْملَة. قَوْله: (لَوْلَا الْهِجْرَة) أَي: لَوْلَا وجود الْهِجْرَة. قَالَ الْخطابِيّ: أَرَادَ بِهَذَا الْكَلَام تألف الْأَنْصَار وتطيب قُلُوبهم وَالثنَاء عَلَيْهِم فِي دينهم حَتَّى رَضِي أَن يكون وَاحِدًا مِنْهُم لَوْلَا مَا يمنعهُ من الْهِجْرَة لَا يجوز تبديلها، وَنسبَة الْإِنْسَان على وُجُوه الولادية: كالقرشية، والبلادية كالكوفية، والإعتقادية: كالسنية، والصناعية: كالصيرفية، وَلَا شكّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يرد بِهِ الِانْتِقَال عَن نسب آبَائِهِ إِذْ ذَاك مُمْتَنع قطعا، وَكَيف وَأَنه أفضل مِنْهُم نسبا وَأكْرمهمْ أصلا؟ وَأما الاعتقادي فَلَا مَوضِع فِيهِ للانتقال إِذا كَانَ دينه وَدينهمْ وَاحِدًا فَلم يبْق إلاَّ القسمان الأخيران الْجَنَائِز فيهمَا الِانْتِقَال، وَكَانَت الْمَدِينَة دَارا للْأَنْصَار وَالْهجْرَة إِلَيْهَا أمرا وَاجِبا، أَي: لَوْلَا أَن النِّسْبَة الهجرية لَا يسعني تَركهَا لانتقلت عَن هَذَا الإسم إِلَيْكُم ولانتسبت إِلَى داركم. قَالَ الْخطابِيّ: وَفِيه وَجه آخر، وَهُوَ أَن الْعَرَب كَانَت تعظم شَأْن الخؤولة وتكاد تلحقها بالعمومة وَكَانَت أم عبد الْمطلب امْرَأَة من بني النجار، فقد يكون صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذهب هَذَا الْمَذْهَب إِن كَانَ أَرَادَ نِسْبَة الْولادَة. قَوْله: (وَلَو سلك النَّاس وَاديا أَو شعبًا) . بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَهُوَ إسم لما انفرج بَين جبلين، وَقيل: الطَّرِيق فِي الْجَبَل، وَقَالَ الْخطابِيّ: لما كَانَت الْعَادة أَن الْمَرْء يكون فِي نُزُوله وارتحاله مَعَ قومه، وَأَرْض الْحجاز كَثِيرَة الأودية والشعاب، فَإِذا تَفَرَّقت فِي السّفر الطّرق سلك كل قوم مِنْهُم وَاديا وشعباً، فَأَرَادَ أَنه مَعَ الْأَنْصَار. قَالَ: وَيحْتَمل أَن يُرِيد بالوادي الْمَذْهَب، كَمَا يُقَال: فلَان فِي وادٍ وَأَنا فِي وادٍ. قَوْله: (شعار) بِكَسْر الشَّيْخ الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة الْخَفِيفَة، وَهُوَ الثَّوْب الَّذِي يَلِي الْجلد من الْجَسَد و (الدثار) ، وبكسر(17/308)
الدَّال الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة الْخَفِيفَة، وَهُوَ الَّذِي فَوق الشعار، وَهُوَ كِنَايَة عَن فرط قربهم مِنْهُ، وَأَرَادَ أَنهم بطانته وخاصته وَأَنَّهُمْ ألصق بِهِ وَأقرب إِلَيْهِ من غَيرهم، قَوْله: (آثرة) بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وبفتحتين، وَهُوَ إسم من آثر يُؤثر إيثاراً إِذا أعْطى. قَالَ ابْن الْأَثِير: أَرَادَ أَنه يُؤثر عَلَيْكُم فيفضل غَيْركُمْ من نصِيبه من الْفَيْء، ويروى إثرة، بِكَسْر أَوله مَعَ الإسكان أَي: الِانْفِرَاد بالشَّيْء الْمُشْتَرك دون من يُشَارِكهُ فِيهِ. قَوْله: (على الْحَوْض) ، أَي: يَوْم الْقِيَامَة، وَفِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ: حَتَّى تلقوا الله وَرَسُوله فَإِنِّي على الْحَوْض، أَي: اصْبِرُوا حَتَّى تَمُوتُوا فَإِنَّكُم ستجدوني عِنْد الْحَوْض، فَيحصل لكم الانتصاف مِمَّن ظلمكم، وَالثَّوَاب الجزيل على الصَّبْر.
4331 - حدَّثني عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا هِشَامٌ أخبرَنا مَعْمَرٌ عَن الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبرَني أنسُ بنُ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ ناسٌ مِنَ الأنْصارِ حِينَ أفاءَ الله عَلَى رسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أفاءَ منْ أمْوَالِ هَوازنَ فَطَفِقَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُعْطي رِجالاً المائَةَ منَ الإِبِلِ فَقالُوا يَغْفِرُ الله لرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُعْطي قُرَيْشاً وَيَتْرُكُنا وسُيُوفُنا تَقْطُرُ مِنْ دِمائِهِمْ قَالَ أنَسٌ فَحدِّثَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَقالَتِهِمْ فأرْسَلَ إِلَى الأنْصارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبةٍ مِنْ أدَمٍ ولَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قامَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ فَقَالَ فُقَهَاءُ الأنصارِ أمَّا رُؤَساؤُنا يَا رسُولَ الله فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئاً وأمَّا ناسٌ مِنَّا حدِيثَةٌ أسْنانُهُمْ فَقَالُوا يَغْفِرُ الله لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُعْطى قُرَيْشاً ويَتْرُكُنا وسُيُوفُنا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فإِنِّي أُعْطِي رِجالاً حدِيثي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أتألَّفُهُمْ أما تَرْضَوْنَ أنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بالأمْوَالِ وتَذْهَبُونَ بالنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَى رِحالِكُمْ فَوَالله لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ قالُوا يَا رسُولَ الله قَدْ رَضِينا فَقَالَ لَهُمُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَتَجدُونَ أُثْرَةً شَدِيدَةً فاصبِرُوا حَتَّى تَلْقُوا الله ورسُولَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإنِّي عَلَى الحَوْض قَالَ أنسٌ فَلَمْ يَصْبِرُوا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (من أَمْوَال هوَازن) . وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ.
قَوْله: (فَطَفِقَ) ، من أَفعَال المقاربة، من الْأَفْعَال الَّتِي وضعت للدلالة على الشُّرُوع فِيهِ، وَخَبره يكون جملَة وَهُوَ هُنَا، قَوْله: (يُعْطي) . قَوْله: (الْمِائَة) ، مَنْصُوب بقوله: (يُعْطي) . قَوْله: (وسيوفنا تقطر) من بَاب الْقلب. قَوْله: (فَحدث) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمقالتهم، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ: إِن الَّذِي أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمقالتهم سعد بن عبَادَة. قَوْله: (من آدم) ، بِفتْحَتَيْنِ جمع أَدِيم، وَهُوَ الْجلد الَّذِي تمّ دباغه، وَقَالَ السيرافي: لم يجمع فعيل على فعل إلاَّ أَدِيم وأدم، وأفيق وَافق، وقضيم وقضم، والقضم الصَّحِيفَة وَهُوَ بِالْقَافِ وَالضَّاد الْمُعْجَمَة. قَوْله: (غَيرهم) أَي: غير الْأَنْصَار قَوْله: (قَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: قَامَ خَطِيبًا. قَوْله: (رؤساؤنا) ، جمع الرئيس ويروى: ريسانا، بِكَسْر الرَّاء بعْدهَا الْيَاء آخر الْحُرُوف. قَوْله: (حَدِيثي عهد) أَصله: حديثين. عهد فَلَمَّا أضيف إِلَى الْعَهْد سَقَطت النُّون. قَوْله: (لما تنقلبون) ، أَي: للَّذي تنقلبون بِهِ، وَهُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير مِمَّا يَنْقَلِب هَؤُلَاءِ بالأموال، وَاللَّام فِي: لما، بِالْفَتْح لِأَنَّهُ كَلَام التَّأْكِيد، وَكلمَة: مَا، مَوْصُولَة مُبْتَدأ، وَخَبره قَوْله: (خير) . قَوْله: (أَثَرَة شَدِيدَة) ، وَجه الشدَّة أَنهم يستأثرون عَلَيْهِم بِمَا لَهُم، فِيهِ اشْتِرَاك فِي الِاسْتِحْقَاق.
4332 - حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حدّثنا شُعْبَةُ عَنْ أبي التَيَّاحِ عنْ أنَسٍ قَالَ لمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ قَسَمَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَنَائِمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ فَغَضِبَتِ الأنْصارُ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(17/309)
أما تَرْضَوْنَ أنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بالدُّنْيا وتذْهَبُونَ بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالُوا بَلَى قَالَ لوْ سَلَكَ النَّاسُ وادِياً أوْ شِعْباً لَسَلَكْتُ واديَ الأنْصارِ أوْ شِعْبَهُمْ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس. وَأَبُو التياح فِيهِ بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، واسْمه يزِيد بن حميد، قَوْله: (بَين قُرَيْش) هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني والأصيلي، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: (غَنَائِم فِي قُرَيْش) ، وَوَقع للقابسي: (غَنَائِم قُرَيْش) . وَالْمرَاد بالغنائم: غَنَائِم هوَازن لِأَنَّهُ لم يكن عِنْد فتح مَكَّة غَنَائِم حَتَّى تقسم. قَوْله: (وَادي الْأَنْصَار) هُوَ الْمَكَان المنخفض، وَقيل: الَّذِي فِيهِ مَاء، وَلَكِن أَرَادَ بِهِ هُنَا: بلدهم.
4333 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا أزْهَرُ عنِ ابنِ عَوْن أنْبأنا هِشامُ بنُ زَيْدِ بنِ أنسٍ عنْ أنسٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ لمَّا كانَ يَوْمُ حنَيْنٍ التَقَى هَوَازِنُ ومَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَشَرَةُ آلاَفٍ والطُّلَقاءُ فأدْبَرُوا قَالَ يَا مَعْشَرَ الأنْصارِ قالُوا لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله وسَعْدَيْكَ لَبَّيْكَ نَحْنُ بَيْنَ يَدَيْكَ فَنَزَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَنا عبْدُ الله ورسُولُهُ فانهَزَمَ المُشْرِكون فَأعْطَى الطلَقاءَ والمُهاجِرِينَ ولَمْ يُعْطِ الأنْصارَ شَيْئاً فقالُوا فَدَعاهُمْ فأدْخَلَهُمْ فِي قُبَّةٍ فَقَالَ أما تَرْضَوْنَ أنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بالشَّاةِ والبَعِيرِ وتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لوْ سَلَكَ النَّاسُ وادِياً وَسَلَكَتِ الأنْصارُ شَعْباً لاخْتَرْتُ شِعْبَ الأنْصارِ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس عَن عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ عَن أَزْهَر بن سعد السمان الْبَصْرِيّ عَن عبد الله ابْن عون عَن هِشَام بن زيد بن أنس عَن جده أنس بن مَالك.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن أبي مُوسَى وَإِبْرَاهِيم ابْن مُحَمَّد بن عرْعرة.
قَوْله: (التقى هوَازن) أَي: التقى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هوَازن، وَالْوَاو فِي: (وَمَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، للْحَال، (والطلقاء) هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، عشرَة آلَاف، والطلقاء بِحرف الْوَاو الَّتِي للْعَطْف، ويروى: عشرَة آلَاف من الطُّلَقَاء، وَلَيْسَ بصواب لِأَن الطُّلَقَاء لم يبلغُوا هَذَا الْقدر وَلَا عشر عشره، وَقد تكلّف بَعضهم بِأَن الْوَاو فِيهِ مقدرَة عِنْد من جوز تَقْدِير حذف الْعَطف، وَفِيه نظر لَا يخفى، والطلقاء جمع: طليق، وَهُوَ الْأَسير الَّذِي أطلق عَنهُ الْأسر وخلى سَبيله، وَيُرَاد بهم أهل مَكَّة فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أطلق عَنْهُم، وَقَالَ لَهُم: أَقُول لكم مَا قَالَ يُوسُف: {لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم} (يُوسُف: 92) قَوْله: (فَقَالُوا:) ، أَي: تكلمُوا فِي منع الْعَطاء عَنْهُم.
4334 - ح دَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتادَةَ عنْ أنسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَمَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَاسا مِنَ الأنْصارِ فَقَالَ إنَّ قُرَيْشاً حَدِيثُ عَهْدٍ بِجاهِلِيَّةٍ ومُصِيبَةٍ وإنِّي أرَدْتُ أنْ أجْبُرَهُمْ وأتألَّفَهُمْ أما تَرْضَوْنَ أنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بالدُّنْيا وتَرْجِعُونَ بِرَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بُيُوتِكُمْ قَالُوا بَلَى قَالَ لوْ سَلَكَ النَّاسُ وادِياً وَسَلَكَتِ الأنْصارُ شِعْباً لَسَلَكْتُ وادِيَ الأنْصارِ أوْ شِعْبَ الأنْصارِ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس عَن مُحَمَّد بن بشار وَهُوَ بنْدَار عَن غنْدر وَهُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر إِلَى آخِره.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الزَّكَاة عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن بنْدَار بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزَّكَاة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (حَدِيث عهد) ، كَذَا وَقع بِالْإِفْرَادِ فِي (الصَّحِيحَيْنِ) وَالْأَصْل أَن يُقَال: حديثو عهد، كَذَا قَالَ الدمياطي، وَكتبه بِخَطِّهِ، وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ: (أَن قُريْشًا كَانُوا قريب عهد) . قَوْله: (ومصيبة) ، من نَحْو قتل أقاربهم وَفتح بِلَادهمْ. قَوْله: (إِن أجبرهم) بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْجِيم وبالباء الْمُوَحدَة وبالراء من: الْجَبْر ضد الْكسر هَكَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي بِضَم أَوله وَكسر الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالزاي من: الْجَائِزَة.(17/310)
4335 - حدَّثنا قبِيصَةُ حدّثنا سُفْيانُ عنِ الأعْمَشِ عنْ أبي وائِلٍ عنْ عبْدِ الله قَالَ لمَّا قَسَمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قِسْمَةَ حُنَيْنٍ قَالَ رجُلٌ مِنَ الأنْصارِ مَا أرَادَ بِها وجْهَ الله فأتيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخبَرْتُهُ فَتَغَيَّرَ وجْهُهُ ثُمَّ قَالَ رَحْمَةُ الله عَلَى مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هاذَا فَصَبَرَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (قسْمَة حنين) ، وَقبيصَة بن عقبَة، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الزَّكَاة.
قَوْله: (قَالَ رجل من الْأَنْصَار) ، قَالَ الْوَاقِدِيّ: هُوَ معتب ابْن قُشَيْر من بني عَمْرو بن عَوْف، وَكَانَ من الْمُنَافِقين. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) لم أر أحدا قَالَ: إِنَّه من الْأَنْصَار إلاَّ مَا وَقع هُنَا وَجزم بِأَنَّهُ حرقوص بن زُهَيْر السَّعْدِيّ وَلم يصب فِي ذَلِك، فَإِن قصَّة حرقوص غير هَذِه، على مَا يَأْتِي عَن قريب من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ. قَوْله: (مَا أَرَادَ بهَا) أَي: بِهَذِهِ الْقِسْمَة، وَفِي رِوَايَة مَنْصُور: مَا أُرِيد بهَا، على يَعْنِي: على صِيغَة الْمَجْهُول على مَا يَأْتِي الْآن. قَوْله: (فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته) ، ويروي: فَقلت: لأخبرن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
4336 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سعِيدٍ حدَّثنا جَرِيرٌ عنْ مَنصُورٍ عنْ أبي وائِلٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عنهُ قَالَ لما كانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَاسا أعْطَى الأقْرَعَ مائَةً منَ الإبلِ وأعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذالِكَ وأعْطَى نَاسا فَقال رَجُلٌ مَا أُرِيدَ بِهاذِهِ القِسْمةِ وجْهُ الله فَقُلْت لأُخْبِرَنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رحِمَ الله مُوساى قَدْ أُوذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هاذا فَصَبَرَ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود، وَقد مضى فِي الْخمس فِي: بَاب مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُعْطي الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن جرير عَن مَنْصُور عَن أبي وَائِل عَن عبد الله إِلَيّ آخِره.
قَوْله: (آثر) ، أَي: اخْتصَّ. قَوْله: (أعْطى) ، بَيَان للجملة السَّابِقَة. (والأقرع) هُوَ ابْن حَابِس بن عقال بن مُحَمَّد بن سُفْيَان بن مجاشع التَّمِيمِي، وَيُقَال: كَانَ اسْمه فراس، والأقرع لقبه (وعيينة) بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف الأولى وَسُكُون الثَّانِي وبالنون: ابْن حصن ابْن حُذَيْفَة بن بدر الْفَزارِيّ. قَوْله: (مثل ذَلِك) ، أَي: مثل مَا أعْطى للأقرع. قَوْله: (وَأعْطى نَاسا) أَي: نَاسا آخَرين، وَفِي الحَدِيث الَّذِي مضى فِي الْخمس: وَأعْطى نَاسا من أَشْرَاف الْعَرَب فآثرهم يومئذٍ فِي الْقِسْمَة.
337 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا معَاذ بن معَاذ حَدثنَا ابْن عون عَن هِشَام بن زيد بن أنس بن مَالك عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما كَانَ يَوْم حنين أَقبلت هوَازن وغَطَفَان وَغَيرهم بنعمهم وذراريهم وَمَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عشرَة آلَاف وَمن الطُّلَقَاء فأدبروا عَنهُ حَتَّى بَقِي وَحده فَنَادَى يَوْمئِذٍ نداءين لم يخلط بَينهمَا الْتفت عَن يَمِينه فَقَالَ يَا معشر الْأَنْصَار قَالُوا لبيْك يَا رَسُول الله أبشر نَحن مَعَك ثمَّ الْتفت عَن يسَاره فَقَالَ يَا معشر الْأَنْصَار قَالُوا لبيْك يَا رَسُول الله أبشر نَحن مَعَك وَهُوَ على بغلة بَيْضَاء فَنزل فَقَالَ أَنا عبد الله وَرَسُوله فَانْهَزَمَ الْمُشْركُونَ فَأصَاب يَوْمئِذٍ غَنَائِم كَثِيرَة فقسم فِي الْمُهَاجِرين والطلقاء وَلم يُعْط الْأَنْصَار شَيْئا فَقَالَت الْأَنْصَار إِذا كَانَت شَدِيدَة فَنحْن ندعى وَيُعْطى الْغَنِيمَة غَيرنَا فَبَلغهُ ذَلِك فَجَمعهُمْ فِي قبَّة فَقَالَ يَا معشر الْأَنْصَار مَا حَدِيث بَلغنِي عَنْكُم فَسَكَتُوا فَقَالَ يَا معشر الْأَنْصَار أَلا ترْضونَ أَن يذهب النَّاس بالدنيا وَتَذْهَبُونَ برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تحوزونه إِلَى بُيُوتكُمْ قَالُوا بلَى فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَو سلك النَّاس(17/311)
وَاديا وسلكت الْأَنْصَار شعبًا لأخذت شعب الْأَنْصَار فَقَالَ هِشَام يَا با حَمْزَة وَأَنت شَاهد ذَاك قَالَ وَأَيْنَ أغيب عَنهُ) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَكَانَ الْوَجْه أَن يقدم حَدِيث أنس هَذَا على حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود الَّذِي سبق لتوالي طرق حَدِيث أنس قيل الظَّاهِر أَنه من تَغْيِير الروَاة عَن الْفربرِي فَإِن طَرِيق أنس هَذَا سقط من رُوَاة النَّسَفِيّ فَلَعَلَّ البُخَارِيّ ألحقهُ فَكَتبهُ مُؤَخرا عَن مَكَانَهُ وَقد أخرج هَذَا مُحَمَّد عَن ابْن بشار عَن معَاذ بن نصر التَّمِيمِي قَاضِي الْبَصْرَة عَن عبد الله بن عون إِلَى آخِره وَأخرج ذَاك الطَّرِيق عَن عَليّ بن عبد الله عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الله بن عون إِلَى آخِره قَوْله " بنعمهم " بِفَتْح النُّون وَالْعين وَهِي الشَّاة وَالْبَعِير قَوْله وذراريهم بتَشْديد الْيَاء وتخفيفها وَكَانَت عَادَتهم إِذا أَرَادوا الثَّبَات فِي الْقِتَال استصحبوا الأهالي وثقلهم مَعَهم إِلَى مَوضِع الْقِتَال قَوْله " وَمن الطُّلَقَاء " ويروى من الطُّلَقَاء وَلَيْسَ بصواب وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب قَوْله " شَدِيدَة " يَعْنِي قَضِيَّة شَدِيدَة مثل حَرْب قَوْله " فَنحْن ندعى " على صِيغَة الْمَجْهُول أَي نطلب قَوْله وَيُعْطى أَي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " فَبَلغهُ ذَلِك " أَي فَبلغ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَلِك أَي مَا قَالُوهُ ويروى ذَاك بِدُونِ اللَّام قَوْله " تحوزونه " بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي يُقَال حازه يحوزه إِذا قَبضه وَملكه واستبد بِهِ ويروى تجيرونه بِالْجِيم وَالرَّاء قَالَه الْكرْمَانِي وَفَسرهُ بقوله تنقذونه فَلْينْظر فِي ذَلِك قَوْله " فَقَالَ هِشَام " هُوَ هِشَام بن زيد الرَّاوِي وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور قَوْله " يَا با حَمْزَة " أَصله يَا أبي حَمْزَة فحذفت الْألف للتَّخْفِيف وَأَبُو حَمْزَة كنية أنس بن مَالك قَوْله شَاهد ذَاك كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره شَاهد ذَلِك بِاللَّامِ فِيهِ قَوْله " وَأَيْنَ أغيب عَنهُ " اسْتِفْهَام إنكاري حَاصِل الْمَعْنى يَا هِشَام لَا تظن أَن أنسا يغيب عَن ذَلِك -
58 - (بابُ السَّرِيَّةِ الَّتي قِبَلَ نَجْدٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان السّريَّة الَّتِي كَانَت قبل نجد، أَي: جِهَته، وَقبل، بككسر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، و: النجد، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْجِيم وَهُوَ ككل مَا ارْتَفع من تهَامَة إِلَى أَرض الْعرَاق، والسرية، طَائِفَة من الْجَيْش يبلغ أقصاها أَرْبَعمِائَة تنبعث إِلَى الْعَدو وَتجمع على: سَرَايَا، سموا بذلك لأَنهم يكونُونَ خُلَاصَة الْعَسْكَر وخيارهم وَالشَّيْء السّري أَي: النفيس، وَقيل: سموا بذلك لأَنهم ينفذون سرا وخفية وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ، لِأَن لَام السِّرّ: رَاء، وَهَذِه: يَاء، وَكَانَت هَذِه السّريَّة قبل توجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لفتح مَكَّة. وَهَكَذَا ذكرهَا أهل الْمَغَازِي وَالْبُخَارِيّ ذكرهَا بعد غَزْوَة الطَّائِف، وَقَالَ ابْن سعد: كَانَت فِي شعْبَان سنة ثَمَان، وَذكر غَيره أَنَّهَا كَانَت قبل مُؤْتَة، ومؤتة كَانَت فِي جمادي من السّنة الْمَذْكُورَة، وَقَالَ ابْن سعد: وَكَانَ أَمِيرهمْ أَبَا قَتَادَة أوصله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَرض محَارب بِنَجْد وَمَعَهُ خَمْسَة عشر رجلا فغنموا مِائَتي بعير وَألْفي شَاة وَسبوا سَبَايَا كَثِيرَة، وَكَانَت غيبتهم خمس عشرَة لَيْلَة، فَجمعُوا الْغَنَائِم فأخرجوا الْخمس فعزلوه، وقسموا مَا بَقِي على السّريَّة. وَقَالَ ابْن لاتين: وَرُوِيَ أَنهم كَانُوا عشرَة، وَأَنَّهُمْ غنموا مائَة وَخمسين بَعِيرًا، وَأَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَخذ الثُّلثَيْنِ مِنْهَا. قَالَ: وَلَو كَانَ النَّفْل من خمس الْخمس لم يعمهم ذَلِك.(17/312)
59 - (بابُ بَعْثِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خالِدَ بنَ الوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى بني جذيمة، بِفَتْح الْجِيم وَكسر الذَّال الْمُعْجَمَة بعْدهَا يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة. وَهِي قَبيلَة من عبد قيس، قَالَه الْكرْمَانِي، وَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ ظن أَنهم من بني جذيمة بن عَوْف بن بكر بن عَوْف قَبيلَة من عبد الْقَيْس، وَإِنَّمَا هُوَ جذيمة بن عَامر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة، وَهَذَا الْبَعْث كَانَ عقيب فتح مَكَّة فِي شَوَّال قبل الْخُرُوج إِلَى حنين عِنْد جَمِيع أهل الْمَغَازِي، وَكَانُوا بِأَسْفَل مَكَّة من نَاحيَة يَلَمْلَم، وَقَالَ ابْن سعد: بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم خَالِد ابْن الْوَلِيد فِي ثَلَاثمِائَة وَخمسين من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار دَاعيا إِلَى الْإِسْلَام لَا مُقَاتِلًا.(17/313)
60 - (بابُ سَرِيّةِ عَبْدِ الله بنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ وعَلْقَمَةَ بنِ مُجَزِّرٍ المُدْلِجِيِّ ويُقالُ إنَّها سَرِيةُ الأنْصاري)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان سَرِيَّة عبد الله إِلَى آخِره، وَلَيْسَ فِي كثير من النّسخ لفظ: بَاب، وَقد مر تَفْسِير السّريَّة عَن قريب. وَعبد الله بن حذافة، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الذَّال الْمُعْجَمَة وبالفاء: ابْن قيس بن عدي بن سعد بن سهم الْقرشِي السَّهْمِي، أسلم قَدِيما وَكَانَ من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين إِلَى أَرض الْحَبَشَة الْهِجْرَة الثَّانِيَة، وَيُقَال: إِنَّه شهد بَدْرًا وَلم يذكرهُ ابْن إِسْحَاق فِي الْبَدْرِيِّينَ، وَكَانَت فِيهِ دعابة، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَعثه إِلَى كسْرَى. وَقَالَ خَليفَة بن خياط: وَفِي سنة تسع عشرَة أسرت الرّوم عبد الله بن حذافة السَّهْمِي. وَقَالَ ابْن لَهِيعَة: توفّي عبد الله بن حذافة السَّهْمِي بِمصْر وَدفن بمقبرتها، وعلقمة بن مجزر، بِضَم الْمِيم وَفتح الْجِيم وَكسر الزَّاي الأولى الثَّقِيلَة، وَحكى فتحهَا، وَالْأول أشهر، وَقَالَ عِيَاض: وَقع لأكْثر الروَاة بِسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء، وَقَالَ بَعضهم: وَأغْرب الْكرْمَانِي فضبطه بِالْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء فتحا وكسراً وَهُوَ خطأ ظَاهر، انْتهى. قلت: هَذَا تشنيع ظَاهر عَلَيْهِ من غير وَجه لِأَنَّهُ لم يضْبط إلاَّ بقوله: بِضَم الْمِيم وَفتح الْجِيم وَفتح الزَّاي الْمُشَدّدَة وَكسرهَا، وبزاي أُخْرَى، ثمَّ قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: هُوَ بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالراء الْمُشَدّدَة فتحا وكسراً، ثمَّ بالزاي الْمُعْجَمَة، وَنسبَة الْخَطَأ إِلَيْهِ خطأ، لِأَنَّهُ حكى ذَلِك عَن بَعضهم وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِك مُؤَاخذَة. وَقَالَ الذَّهَبِيّ: عَلْقَمَة بن مجزز الْأَعْوَر بن جعدة الْكِنَانِي المدلجي، اسْتَعْملهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سَرِيَّة، وَبَعثه عمر رَضِي الله عَنهُ، على جَيش إِلَى الْحَبَشَة فهلكوا كلهم، وَذكر أَبَاهُ مجززاً فِي الصَّحَابَة. وَقَالَ الْقَائِف: روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: (المدلجي) ، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَكسر اللَّام وبالجيم، قَالَ الرشاطي: المدلجي فِي كنَانَة ينْسب إِلَى مُدْلِج بن مرّة بن عبد مَنَاة، مِنْهُم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مجزز المدلجي الْقَائِف الْمَذْكُور فِي حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، وَهُوَ مجزز بن الْأَعْوَر بن جعدة بن معَاذ بن عتوادة بن عَمْرو بن مُدْلِج، نسبه إِلَى ابْن الْكَلْبِيّ. قَوْله: (يُقَال: إِنَّهَا) أَي: إِن هَذِه السّريَّة (سَرِيَّة الْأنْصَارِيّ) وَأَرَادَ بهَا عبد الله بن حذافة السَّهْمِي الْقرشِي الْمُهَاجِرِي، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: قَوْله: (الْأنْصَارِيّ) وهمٌ من بعض الروَاة، وَإِنَّمَا هُوَ سهمي، يحْتَمل الْحمل على الْمَعْنى الْأَعَمّ، أَي: أَنه نصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الْجُمْلَة قلت: فِيهِ نظر، لِأَن هَذَا الِاحْتِمَال يجْرِي فِي جَمِيع الصَّحَابَة، وَالْأَنْصَار خلاف الْمُهَاجِرين، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ الْمَعْنى اللّغَوِيّ.
340 - (حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا عبد الْوَاحِد حَدثنَا الْأَعْمَش قَالَ حَدثنِي سعد بن عُبَيْدَة عَن أبي عبد الرَّحْمَن عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ بعث النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَرِيَّة فَاسْتعْمل عَلَيْهَا رجلا من الْأَنْصَار وَأمرهمْ أَن يطيعوه فَغَضب فَقَالَ أَلَيْسَ أَمركُم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن تطيعوني قَالُوا بلَى قَالَ فاجمعوا لي حطبا فَجمعُوا فَقَالَ أوقدوا نَارا فأوقدوها فَقَالَ ادخلوها فَهموا وَجعل بَعضهم يمسك بَعْضًا وَيَقُولُونَ فَرَرْنَا إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من النَّار فَمَا زَالُوا حَتَّى خمدت النَّار فسكن غَضَبه فَبلغ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ لَو دخلوها مَا خَرجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة الطَّاعَة فِي الْمَعْرُوف) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَاسْتعْمل رجلا من الْأَنْصَار " فَإِنَّهُ عبد الله بن حذافة وَقد مر الْكَلَام فِي قَوْله " الْأنْصَارِيّ " عبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان وَسعد بن عُبَيْدَة بِالتَّصْغِيرِ أَبُو حَمْزَة الْكُوفِي ختن أبي عبد الرَّحْمَن وَاسم أبي عبد الرَّحْمَن عبد الله بن حبيب السّلمِيّ وَعلي بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَحْكَام عَن عمر بن حَفْص وَفِي خبر الْوَاحِد عَن بنْدَار عَن غنْدر وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار وَغَيرهمَا وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن عَمْرو بن مَسْرُوق وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْبيعَة وَالسير عَن ابْن الْمثنى وَغَيره قَوْله " فَغَضب "(17/314)
وَفِي رِوَايَة الْأَعْمَش فِي الْأَحْكَام فَغَضب عَلَيْهِم وَفِي رِوَايَة مُسلم فأغضبوه فِي شَيْء قَوْله " فَهموا " فسره الْكرْمَانِي بقوله وحزنوا وَلَيْسَ كَذَلِك بل الْمَعْنى قصدُوا الدُّخُول وَالدَّلِيل عَلَيْهِ رِوَايَة حَفْص فَلَمَّا هموا بِالدُّخُولِ فِيهَا فَقَامُوا ينظر بَعضهم إِلَى بعض وَفِي رِوَايَة ابْن جرير من طَرِيق أبي مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش فَقَالَ لَهُم شَاب مِنْهُم لَا تعجلوا بِدُخُولِهَا وَفِي حَدِيث أبي سعيد أَنهم تحجزوا حَتَّى ظن أَنهم واثبون فِيهَا فَقَالَ احْبِسُوا أَنفسكُم فَإِنَّمَا كنت أضْحك مَعكُمْ قَوْله " حَتَّى خمدت النَّار " بِفَتْح الْمِيم يَعْنِي انطفى لهيبها وَحكى المطرزي كسر الْمِيم قَوْله " فَبلغ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَفِي رِوَايَة حَفْص فَذكر ذَلِك للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِي رِوَايَة مُسلم فَلَمَّا رجعُوا ذكرُوا ذَلِك للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " لَو دخلوها مَا خَرجُوا مِنْهَا " وَفِي رِوَايَة حَفْص مَا خَرجُوا مِنْهَا أبدا يَعْنِي أَن الدُّخُول فِيهَا مَعْصِيّة والعاصي يسْتَحق النَّار وَالْمرَاد بقوله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة التَّأْبِيد يَعْنِي لَو دخلوها مستحلين لَهُ لما خَرجُوا مِنْهَا أبدا قَوْله " الطَّاعَة فِي الْمَعْرُوف " يَعْنِي الطَّاعَة للمخلوق فِي أَمر عرف بِالشَّرْعِ وَفِي كتاب خبر الْوَاحِد لَا طَاعَة فِي مَعْصِيّة وَفِي حَدِيث أبي سعيد من أَمركُم مِنْهُم بِمَعْصِيَة فَلَا تطيعوه وَفِيه أَن الْأَمر الْمُطلق يخص بِمَا كَانَ مِنْهُ فِي غير مَعْصِيّة فَافْهَم وَالله تَعَالَى أعلم -(17/315)
62 - (بَعْثُ أبي مُوسى ومُعاذِ بنِ جَبَلٍ إِلَى اليَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الودَاع)
أَي: هَذَا بَيَان بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ ومعاذ بن جبل الخ، وَفِي بعض النّسخ: بَاب بعث أبي مُوسَى ... الخ، والبعث: الْإِرْسَال مصدر مُضَاف إِلَى مَفْعُوله، وطوى ذكر الْفَاعِل كَمَا قَرَّرْنَاهُ، وَقيل: أَرَادَ بقوله: قبل حجَّة الْوَدَاع، الْإِشَارَة إِلَى مَا وَقع فِي بعض أَحَادِيث الْبَاب: أَن أَبَا مُوسَى رَجَعَ من الْيمن فلقي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِمَكَّة فِي حجَّة الْوَدَاع، والقَبْلية أَمر نسبي.
4342 - ح دّثنا مُوساى حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ حدَّثنا عبْدُ المَلِكِ عَن أبي بُرْدَةَ قَالَ بَعَثَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا مُوسى ومُعاذَ بنَ جَبَلٍ إِلَى اليَمَنِ قَالَ وبَعَثَ كلَّ واحدٍ مِنْهُما عَلَى مِخلاَفٍ قَالَ واليَمَنُ مخْلافَانِ ثُمَّ قَالَ يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا فانْطَلَقَ كلُّ واحِدٍ مِنْهُما إِلَى عَمَلِه قَالَ وكانَ كلُّ واحدٍ مِنْهُما إِذا سارَ فِي أرْضِهِ كانَ قَرِيباً منْ صاحِبِهِ أحْدَثَ بهِ عَهْداً فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَسارَ مُعاذٌ فِي أرْضِهِ قرِيباً منْ صاحبِهِ أبي مُوسى فَجاءَ يَسِيرُ عَلَى بغْلتِهِ حتَّى انْتَهَى إليْهِ وإذَا هُوَ جالِسٌ وقَدِ اجْتَمَعَ إليْهِ النَّاسُ وَإِذا رجُلٌ عنْدَهُ قَدْ جُمعَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ فَقَالَ لهُ مُعاذٌ يَا عَبْدَ الله بنَ قَيْسٍ أيُّمَ هاذا قَالَ هذَا رجُلٌ كفَرَ بَعْدَ إسْلامِهِ قَالَ لَا أنْزلُ حتَّى يُقْتَلَ قَالَ إنَّما جِىء بهِ لذالِكَ فانْزِلْ قَالَ مَا أنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ فأمَرَ بِهِ فقُتِلَ ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ يَا عبْدَ الله كيْفَ تَقْرَأُ القُرْآنَ قَالَ أتَفَوَّقُهُ تَفوُّقاً قَالَ فكَيْفَ تَقْرَأُ أنْت يَا مُعاذُ قَالَ أنامُ أوَّلَ اللَّيْلِ فأقُومُ وقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي منَ النَّوْمِ فأقْرَأُ مَا كَتَبَ الله لِي فأحْتَسِبُ نَوْمَتِي كمَا أحْتَسِبُ قَوْمَتي. (الحَدِيث 4342 طرفه فِي: 4345) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل الَّذِي يُقَال لَهُ: التَّبُوذَكِي، وَأَبُو عوَانَة، بِالْفَتْح: الوضاح الْيَشْكُرِي، وَعبد الْملك بن عُمَيْر، وَأَبُو بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: واسْمه عَامر بن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس، وَهَذَا مُرْسل، وَسَيَأْتِي من طَرِيق سعيد بن أبي بردة عَن أَبِيه عَن أبي مُوسَى مُتَّصِلا.
قَوْله: (مخلاف) ، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة: وَهُوَ لليمن كالريف للعراق، أَي: الرستاق، والمخاليف الرساتيق، أَي: الكور قَوْله: (واليم مخلافان) ، أَي: أَرض الْيمن كورتان، وَكَانَت لِمعَاذ الْجِهَة الْعليا إِلَى صوب عدن وَكَانَ من عمله الْجند، بِفَتْح الْجِيم وَالنُّون، وَله بهَا مَسْجِد مَشْهُور إِلَى الْيَوْم، وَكَانَت جِهَة أبي مُوسَى السفلي.(18/2)
قَوْله: (إِلَى عمله) ، أَي مَوضِع عمله. قَوْله: (إِذا سَار فِي أرضه كَانَ قَرِيبا من صَاحبه أحدث بِهِ عهدا) كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: إِذا سَار فِي أرضه كَانَ قَرِيبا من صَاحبه أحدث بِهِ أَي: جدد الْعَهْد بزيارته، وَوَقع فِي رِوَايَة سعيد بن أبي بردة الَّتِي تَأتي فِي الْبَاب: فَجعلَا يتزاوران فزار معَاذ أَبَا مُوسَى، وَزَاد فِي رِوَايَة حميد بن هِلَال: (فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ ألْقى لَهُ وسَادَة قَالَ: إنزل) قَوْله: (يسير) ، حَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: فجَاء قَوْله: (وَإِذا هُوَ جَالس) كَلمه: إِذا، للمفاجأة، وَكَذَا: وَإِذا، الثَّانِي. قَوْله: (وَإِذا رجل) ، لم يدر مَا اسْمه، لَكِن وَقع فِي رِوَايَة سعيد بن أبي بردة أَنه يَهُودِيّ قَوْله: (قد جمعت يَدَاهُ إِلَى عُنُقه) ، جملَة وَقعت صفة لرجل قَوْله: (أيم) ، بِفَتْح الْهمزَة وَضم الْيَاء الْمُشَدّدَة وَفتح الْمِيم، واصله: أَي، الَّتِي للاستفهام فزيدت عَلَيْهَا، كلمة: مَا فَقيل: أَيّمَا، وَقد تسْقط الْألف فَيصير: أيم، وَقد تخفف الْيَاء فَيُقَال: أيم، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء وَفتح الْمِيم، وَذَلِكَ كَمَا يُقَال: ايش أَصله: أَي شَيْء. قَوْله: (إِنَّمَا جِيءَ بِهِ لذَلِك) ، أَي: إِنَّمَا جِيءَ بِالرجلِ الْمَذْكُور للْقَتْل. قَوْله: (فَقَالَ: يَا عبد الله) ، أَي: فَقَالَ معَاذ بن جبل لأبي مُوسَى: يَا عبد الله، وهواسمه كَمَا غير مرّة قَوْله: (أتفوقه) بِالْفَاءِ وَالْقَاف أَي: ألازم قِرَاءَته لَيْلًا وَنَهَارًا شَيْئا بعد شَيْء، يَعْنِي: لَا أَقرَأ وردي دفْعَة وَاحِدَة بل هُوَ كَمَا يحلب اللَّبن سَاعَة بعد سَاعَة، واصله مَأْخُوذ من فوَاق النَّاقة وَهُوَ أَن تحلب ثمَّ تتْرك سَاعَة حَتَّى تدر، ثمَّ تحلب هَكَذَا دَائِما قَوْله: (جزئي) ، بِضَم الْجِيم وَسُكُون الزَّاي، وَكَانَ قد جزأ اللَّيْل أَجزَاء: جُزْء للنوم، وجزءً للْقِرَاءَة، وجزءاً للْقِيَام. قَوْله: (فاحتسب) من الاحتساب من بَاب الافتعال، أَي: اطلب الثَّوَاب فِي نومتي، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْوَاو وَفتح الْمِيم: (كَمَا أحتسب قومتي) بِفَتْح الْقَاف، وَطلب الثَّوَاب فِي القومة ظَاهر وَأما فِي النومة بالنُّون، فَلِأَنَّهُ من جملَة المعينات على الطَّاعَة من الْقِرَاءَة وَنَحْوهَا.
4343 - ح دّثني إسْحاقُ حدَّثنا خالِدٌ عنِ الشَّيْبانيِّ عنْ سَعِيدِ بنِ أبي بُرْدَة عنْ أبيهِ عنْ أبي مُوسى الأشْعَرِيِّ رَضِي الله عَنهُ أَن النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعَثَهُ إِلَى اليَمَن فَسألَهُ عنْ أشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بهَا فَقَالَ وَمَا هيَ قَالَ البِتْعُ والمِزْرُ فقُلْتُ لأِبي بُرْدَةَ مَا البتْعُ قَالَ نَبِيذُ العَسلِ والمِزْرُ نَبِيذُ الشَّعِيرِ فَقَالَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بَعثه إِلَى الْيمن) وَإِسْحَاق هُوَ ابْن شاهين، قَالَه الْحَافِظ الْمزي، وَقَالَ بَعضهم: إِسْحَاق هُوَ ابْن مَنْصُور والعمدة على الأول، وخَالِد هُوَ ابْن عبد الله الطَّحَّان والشيباني هُوَ سُلَيْمَان بن فَيْرُوز.
قَوْله: (البتع) ، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفِي آخِره عين مُهْملَة. قَوْله: (والمزر) بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الزَّاي وَفِي آخِره رَاء. قَوْله: (كل مُسكر حرَام) ، هَذَا لَا خلاف فِيهِ.
وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : فِيهِ: حجَّة على أبي حنيفَة فِي تجويزه مَا لَا يبلغ بشاربه السكر مِمَّا عدا الْخمر قلت: لَا حجَّة عَلَيْهِ فِيهِ، لِأَن أَبَا بردة قَالَ عقيب تَفْسِير البتع والمزر: كل مُسكر حرَام، يَعْنِي إِذا أسكر، وَلَا يُخَالف فِيهِ أحد.
روَاه جَرِيرٌ وعبْدُ الوَاحِدِ عنِ الشَّيْبانيِّ عنْ أبي بُرْدَة
أَي: روى هَذَا الحَدِيث جرير بن عبد الحميد، وَعبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ عَن أبي بردة عَامر بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، بِدُونِ ذكر سعيد بن أبي بردة، أما تَعْلِيق جرير فوصله الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق عُثْمَان بن أبي شيبَة من طَرِيق يُوسُف بن مُوسَى، كِلَاهُمَا عَن جرير عَن الشَّيْبَانِيّ عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى، وَأما تَعْلِيق عبد الْوَاحِد فوصله ...
343 - (حَدثنَا مُسلم حَدثنَا شُعْبَة حَدثنَا سعيد بن أبي بردة عَن أَبِيه قَالَ بعث النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جده أَبَا مُوسَى وَمعَاذًا إِلَى الْيمن فَقَالَ يسرا وَلَا تعسرا وبشرا وَلَا تنفرا وتطاوعا فَقَالَ أَبُو مُوسَى يَا نَبِي الله إِن أَرْضنَا بهَا شراب من الشّعير المزر وشراب من الْعَسَل البتع فَقَالَ كل مُسكر حرَام فَانْطَلقَا فَقَالَ معَاذ لأبي مُوسَى كَيفَ تقْرَأ الْقُرْآن قَالَ قَائِما وَقَاعِدا(18/3)
وعَلى رَاحِلَته وأتفوقه تفوقا قَالَ أما أَنا فأنام وأقوم فأحتسب نومتي كَمَا أحتسب قومتي وَضرب فسطاطا فَجعلَا يتزاوران فزار معَاذ أَبَا مُوسَى فَإِذا رجل موثق فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَ أَبُو مُوسَى يَهُودِيّ أسلم ثمَّ ارْتَدَّ فَقَالَ معَاذ لَأَضرِبَن عُنُقه) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَمُسلم هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم وَهَذَا مُرْسل وَمَعْنَاهُ ظَاهر
(تَابعه العقد ووهب عَن شُعْبَة) أَي تَابع مُسلما عبد الْملك بن عَمْرو الْعَقدي ووهب بن جرير عَن شُعْبَة بن الْحجَّاج عَن سعيد بن أبي بردة وَوصل مُتَابعَة العقد البُخَارِيّ فِي الْأَحْكَام والعقدي بِفَتْح الْعين وَالْقَاف نِسْبَة إِلَى العقد قوم من قيس وهم صنف من الأزد وَوصل مُتَابعَة وهب إِسْحَق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده عَنهُ
(وَقَالَ وَكِيع وَالنضْر وَأَبُو دَاوُد عَن شُعْبَة عَن سعيد عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) وصل تَعْلِيق وَكِيع البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد مُخْتَصرا وَوصل تَعْلِيق النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن شُمَيْل البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَوصل تَعْلِيق أبي دَاوُد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده الْمَرْوِيّ من طَرِيق يُونُس بن حبيب عَنهُ وَكَذَلِكَ وَصله النَّسَائِيّ من طَرِيق أبي دَاوُد -
4346 - ح دّثني عَبَّاسُ بنُ الوَلِيدِ حدّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ عنْ أيُّوبَ بنِ عَائِذٍ حدَّثنا قَيْسُ ابنُ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ طارِقَ بنَ شِهابٍ يَقُولُ حدّثني أَبُو مُوسَى الأشْعَرِيُّ رضيَ الله عَنهُ قَالَ بَعَثَنِي رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أرْضِ قَوْمِي فَجِئْتُ ورسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنيخٌ بالأبْطَحِ فَقَالَ أحَجَجْتَ يَا عَبْدَ الله بنَ قَيْسٍ قُلْتُ نَعَمْ يَا رسُولَ الله قَالَ كَيْفَ قلْتَ قَالَ قُلْتُ لَبَّيْكَ إهْلالاً كإهْلاَلِكَ قَالَ فَهَلْ سُقْتَ مَعَكَ هَدْياً قُلْتُ لَمْ أسُقْ قَالَ فَطُفْ بالبَيْتِ واسْعَ بَيْنَ الصفَّا والمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ فَفَعَلْتُ حَتَّى مَشَطَتْ لِي امْرَأةٌ مِنْ نِساءِ بَني قَيْسٍ ومَكثنْا بِذَلِكَ حتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ رَضِي الله عَنهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى أَرض قومِي) فَإِن أَرض قومه الْيمن. وعباس، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالسين الْمُهْملَة: ابْن وليد النَّرْسِي، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الرَّاء وبالسين الْمُهْملَة قَالَ الكلاباذي: نرس لقب جدهم كَانَ اسْمه نصرا فَقَالَ لَهُ بعض النبط: نرس، عوض: نصر فبقى لقباً عَلَيْهِ فنسب وَلَده إِلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو عَليّ الجياني: رَوَاهُ ابْن السكن وَالْأَكْثَر هَكَذَا يَعْنِي: عَبَّاس، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي رِوَايَة أبي أَحْمد الْجِرْجَانِيّ: حَدثنَا عَبَّاس، وَلم ينْسبهُ وَقيل: عَيَّاش، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة، وَكَذَا ضَبطه الدمياطي، وَقَالَ: عَيَّاش بن الْوَلِيد الرقام ورد هَذَا، وَالْأول أصح وَأشهر، وَعبد الواحدهو ابْن زِيَاد، وَأَيوب بن عايذ، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف وبالذال الْمُعْجَمَة: المدلجي الْبَصْرِيّ وَثَّقَهُ يحيى بن معِين وَغَيره وَرمى بالإرجاء وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الْموضع.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج فِي: بَاب من أهلَّ فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن سُفْيَان عَن قيس بن مُسلم عَن طَارق بن شهَاب. . الخ.
قَوْله: (منيخ) ، بِضَم الْمِيم: أَي نَازل بِالْأَبْطح، وأبطح مَكَّة مسيل واديها. قَوْله: (ثمَّ حل) ، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام، بالإحلال. قَوْله: (حَتَّى اسْتخْلف عمر) ، أَي: إِلَى أَن اسْتخْلف عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ من بعد عمر وَقع الِاخْتِلَاف فِيهِ وَتَنَازَعُوا فِيهِ، وَقد مر تَحْقِيق الْكَلَام فِي الْبَاب الْمَذْكُور فِي الْحَج.(18/4)
4347 - ح دّثني حِبَّان أخبرنَا عَبْدُ الله عنْ زَكَرِيَّاءَ بنِ إسْحاقَ عنْ يَحْيَى بنِ عبْدِ الله بنِ صَيْفِيٍّ عنْ أبي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابنِ عَبَّاسٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِمُعاذِ بنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ إنَّكَ سَتَأتِي قَوْماً مِنْ أهْلِ الكِتابِ فإذَا جِئْتَهُمْ فادْعُهُمْ إِلَى أنْ يَشْهدُوا أنْ لاَ إلاهَ إِلَّا الله وأنَّ مُحَمَّداً رسولُ الله فإنْ هُمْ طاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فأخْبِرْهُمْ أنَّ الله قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فإنْ هُمْ طاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فأخْبِرْهُمْ أنَّ الله قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلى فُقَرَائِهمْ فإنْ هُمْ طاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فإيَّاكَ وَكَرَائِمَ أمْوَالِهِمْ وَاتقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ فَإنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الله حِجابٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وحبان، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن مُوسَى الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَأَبُو معبد، بِفَتْح الْمِيم: اسْمه نَافِذ، بالنُّون وَالْفَاء الْمَكْسُورَة وبالذال الْمُعْجَمَة. وَمضى الحَدِيث فِي أول كتاب الْحَج ولس فِيهِ قَوْله: (فَإِن هم طاعوا لَك بذلك فإياك)
الخ.
قَوْله: (طاعوا) ، ذكره ابْن التِّين بِلَفْظ: طاعوا لَك بذلك، أَي: انقادوا لَك بذلك، يُقَال: هُوَ طوع فلَان أَي: مناقد لَهُ، فَإِذا مضى لأَمره فقد أطاعه، وَإِذا وَافقه فقد: طاوعه. قَوْله: (فَإِنَّهُ) ، أَي: فَإِن الشَّأْن. قَوْله: (لَيْسَ بَيِّنَة) ، أَي: بَين دَعْوَة الْمَظْلُوم، وَإِنَّمَا ذكر الضَّمِير بِاعْتِبَار أَن الدعْوَة بِمَعْنى الدُّعَاء. قَوْله: (وكرائم) ، جمع كَرِيمَة. وَهِي: النفيسة.
قَالَ أبُو عبْدِ الله طَوَّعَتْ طاعَتْ وأطاعَتْ لُغَةٌ طِعْتُ وطُعْتُ وأطَعْتُ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه. وَقد جرت عَادَته أَنه يذكر تصرف بعض الْأَلْفَاظ الَّتِي تقع فِي بعض أَحَادِيث بَاب من الأباب، فَقَالَ: طوعت بِمَعْنى. طاعت، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فطوعت لَهُ نَفسه قتل أَخِيه} (الْمَائِدَة: 30) بِمَعْنى: طاعت لَهُ نَفسه قَوْله: (وأطاعت) ، لُغَة يَعْنِي: أطاعت نَفسه، بِالْألف لُغَة فِي: طاعت نَفسه، بِلَا ألف. قَوْله: (طعت) ، يَعْنِي: يُقَال عِنْد الْإِخْبَار عَن نَفسه: طعت فلَانا، بِكَسْر الطَّاء وَيُقَال: طعت، بِضَم الطَّاء، وَيُقَال أَيْضا: أَطَعْت، بِالْألف قَالَ الْجَوْهَرِي: طاع لَهُ يطوع إِذا انْقَادَ.
4348 - ح دّثنا سُلَيْمانُ بن حَرْبٍ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ حَبِيبِ بنِ أبي ثَابت عنْ سَعيدِ بنِ جبَيْرٍ عنْ عَمْرِو بن مَيْمُونٍ أنَّ مُعاذاً رَضِي الله عَنهُ لَّما قَدِمَ اليَمَنَ صلَّى بِهِم الصُّبْحَ فَقَرَأ {واتخَذَ الله إبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (النِّسَاء: 125) فَقَالَ رجُلٌ مِنَ القَوْمِ: لَقَدْ قَرَّتْ عَيْنُ أُمِّ إبرَاهِيمَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعَمْرو بن مَيْمُون الأودي من المخضرمين كَانَ بِالشَّام ثمَّ سكن الْكُوفَة.
قَوْله: (إِن معَاذًا لما قدم الْيمن) ، مَوْصُول، لِأَن عَمْرو بن مَيْمُون كَانَ بِالْيمن لما قدم معَاذ. قَوْله: (لقد قرت عين أم إِبْرَاهِيم) ، أَي: لقد بردت دمعتها، وَهُوَ كِنَايَة عَن السرُور، لِأَن دمعة السرُور بَارِدَة ودمعة الْحزن حارة، وَلذَلِك يُقَال للمدعو لَهُ، أقرّ الله عينه، وللمدعو عَلَيْهِ أسخن الله عينه. وَقَالَ ثَعْلَب وَغَيره: مَعْنَاهُ بلغ أمْنِيته فَلَا تطمع نَفسه إِلَى من هُوَ فَوْقه. فَإِن قلت: كَيفَ قرر معَاذ هَذَا الْقَائِل فِي الصَّلَاة على حَاله وَلم يَأْمُرهُ بِالْإِعَادَةِ. قلت: إِمَّا أَن معَاذًا لم يكن يعلم حينئذٍ وجوب الْإِعَادَة بذلك، وَإِمَّا أَنه أمره بِالْإِعَادَةِ وَلم ينْقل.
زَادَ مُعاذٌ عنْ شُعْبَةَ عنْ حبِيبٍ عنْ سَعيدٍ عنْ عَمْروٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعَثَ مُعاذاً إِلَى اليَمَنِ فَقَرَأ مُعاذٌ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ سُورَةَ النِّساءِ فَلَمَّا قَالَ {واتَّخَذَ الله إبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (النِّسَاء: 125) قَالَ رجُلٌ خَلْفَهُ قَرَّتْ عَيْنُ أُمِّ إبْرَاهِيمَ.(18/5)
معَاذ هُوَ ابْن معَاذ التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ، وحبِيب هُوَ ابْن أبي ثَابت، وَسَعِيد هُوَ ابْن جُبَير، وَعَمْرو هُوَ ابْن مَيْمُون، وَقد مضى ذكر هَؤُلَاءِ آنِفا. وَأَرَادَ بِالزِّيَادَةِ قَوْله: (إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعث معَاذًا) وَلَا مُنَافَاة بَين هَذَا وَبَين الَّذِي قبله لِأَن معَاذًا إِنَّمَا قدم الْيمن لما بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: (فَقَرَأَ معَاذ فِي صَلَاة الصُّبْح) ، يدل على أَنه كَانَ أَمِيرا على الصَّلَاة فَقَط. وَحَدِيث ابْن عَبَّاس الَّذِي مضى عَن قريب يدل على أَنه كَانَ أَمِيرا على المَال أَيْضا، على مَا لَا يخفى.
61 - (بابُ بَعْثِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وخالِدِ بنِ الوَلِيدِ رَضِي الله عَنهُ إِلَى اليَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَليّ بن أبي طَالب وخَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ: بَاب.
4349 - ح دّثني أحْمَدُ بنُ عُثْمانَ حدّثنا شُرَيْحُ بنُ مَسْلَمَةَ حَدثنَا إبْرَاهِيمُ بنُ يُوسُفَ بن إسحاقَ بنِ أبي إسْحاقَ حدّثني أبي عنْ أبي إسْحاقَ سَمِعْتُ البَرَاءَ رَضِي الله عَنهُ بعَثنا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ خَالِدِ بنِ الوَلِيدِ إِلَى اليَمَنِ قَالَ ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ مكانَهُ فَقَالَ مُرْ أصْحَابَ خَالِدٍ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أنْ يُعَقِّبَ مَعَكَ فَلْيُعَقِّبْ ومَنْ شاءَ فَلْيُقْبِلْ فَكُنْتُ فِيمَنْ عَقَّبَ مَعَهُ قَالَ فَغَنِمتُ أوَاقٍ ذَوَاتِ عَدَدٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن عُثْمَان بن حَكِيم أَبُو عبد الله الْكُوفِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا. وَشُرَيْح، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره حاء مُهْملَة: ابْن مسلمة، بِفَتْح الميمين وَاللَّام وَسُكُون السِّين: الْكُوفِي، وَإِبْرَاهِيم هَذَا يروي عَن أَبِيه يُوسُف، ويوسف يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي، وَمَات إِسْحَاق قبل أَبِيه أبي إِسْحَاق والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (بعثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، كَانَ ذَلِك الْبَعْث بعد رجوعهم من الطَّائِف وَقِسْمَة الْغَنَائِم بالجعرانة. قَوْله: (أَن يعقب) ، من التعقيب وَهُوَ: أَن يعود بعض الْعَسْكَر بعد الرُّجُوع ليصيبوا غَزْوَة من الْعَدو، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: التعقيب أَن يَغْزُو الرجل ثمَّ ينثني من سنته، وَقَالَ ابْن فَارس: التعقيب غزَاة بعد غزَاة. قَوْله: (أَوَاقٍ) ، أَصله: واقي، بتَشْديد الْيَاء وتخفيفها فحذفت الْيَاء استثقالاً. قَوْله: (ذَوَات عدد) ، أَي: كَثِيرَة.
4350 - ح دّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حَدثنَا رَوْحُ بنُ عُبادَةَ حدَّثنا علِيُّ بن سوَيْدِ بن منْجُوفٍ عنْ عبْدِ الله بنِ بُرَيْدَةَ عنْ أبِيهِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ بعَثَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلِيًّا إِلَى خالِدٍ لِيَقْبِضَ الخُمُسَ وكُنْتُ أُبْغِضُ عَلِيًّا وقَدِ اغْتَسَلَ فقُلْتُ لخَالِدٍ أَلا تَرَى إِلَى هاذَا فَلَمَّا قَدِمْنا عَلى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَكَرْتُ ذَلِكَ لهُ فَقَالَ يَا بُرَيْدَةُ أتُبْغِضُ عَلِيًّا فقُلْتُ نَعَمْ قَالَ لَا تُبْغِضْهُ فإنَّ لهُ فِي الخُمُسِ أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عليا إِلَى خَالِد) وَكَانَ خَالِد فِي الْيمن حينئذٍ. وروح، بِفَتْح الرَّاء: ابْن عبَادَة، بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة، وَعلي بن سُوَيْد بن منجوف، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون النُّون وَضم الْجِيم سُكُون الْوَاو وَفِي آخِره فَاه: السدُوسِي الْبَصْرِيّ، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا، وَوَقع فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ: عَليّ بن سُوَيْد عَن منجوف، وَهُوَ تَصْحِيف، وَعبد الله بن بُرَيْدَة يروي عَن أَبِيه بُرَيْدَة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء تَصْغِير بردة ابْن الخصيب، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة: ابْن عبد الله بن الْحَارِث الْأَسْلَمِيّ، أسلم(18/6)
قبل بدر وَلم يشهدها وشهدا الْحُدَيْبِيَة، وَكَانَ مِمَّن بَايع بيعَة الرضْوَان تَحت الشَّجَرَة مَاتَ بمرو وقبره بالحصين، بِكَسْر الْجِيم وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (عليا إِلَى خَالِد) أَي: عَليّ بن أبي طَالب إِلَى خَالِد بن الْوَلِيد. قَوْله: (ليقْبض الْخمس) ، أَي: خمس الْغَنِيمَة، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: ليقسم الْخمس، وَفِي رِوَايَة: ليقسم الْفَيْء. قَوْله: (وَكنت أبْغض عليا) ، بِضَم الْهمزَة، وَإِنَّمَا أبغضه لِأَنَّهُ رأى عليا أَخذ جَارِيَة، وَفِي رِوَايَة أَحْمد فِي السَّبي: وصيفة هِيَ أفضل السَّبي، قَالَ: فَخمس وَقسم فَخرج وَرَأسه يقطر، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: فَأخذ مِنْهُ، أَي: من الْخمس، جَارِيَة ثمَّ أصبح يقطر رَأسه. انْتهى فَظن بُرَيْدَة أَنه غل وَكَانَ مَا فعله عَليّ من ذَلِك سَبَب بغض بُرَيْدَة إِيَّاه قَوْله: (وَقد اغْتسل) ، كِنَايَة عَن الْوَطْء، أَرَادَ أَن عليا وطىء الْجَارِيَة الَّتِي أَخذهَا من الْخمس واصطفاها لنَفسِهِ. قَوْله: (فَقلت لخَالِد: أَلا ترى إِلَى هَذَا) الْقَائِل هُوَ بُرَيْدَة، وَأَشَارَ: بِهَذَا، إِلَى عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ إشْكَالَانِ: أَحدهمَا: أَنه قسم لنَفسِهِ. وَالثَّانِي: أَنه أَصَابَهَا قبل الِاسْتِبْرَاء، وَالْجَوَاب أَن الإِمَام أَن يقسم الْغَنَائِم بَين أَهلهَا وَهُوَ شريكهم، فَكَذَا من يقوم مقَامه فِيهَا، وَأما الِاسْتِبْرَاء فَيحْتَمل أَن تكون الوصيفة غير بَالِغَة، أَو كَانَت عذراء، وَأدّى اجْتِهَاده إِلَى عدم الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ قَوْله: (ذكرت ذَلِك لَهُ) ، أَي: ذكرت مَا فعله عَليّ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَإِن لَهُ فِي الْخمس أَكثر من ذَلِك) أَي: فَإِن لعَلي من الْحق فِي الْخمس أَكثر من الَّذِي أَخذه، وَعند أَحْمد من رِوَايَة عبد الْجَلِيل عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه: فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لنصيب آل عَليّ فِي الْخمس أفضل من وصيفه، وَزَاد قَالَ: فَمَا كَانَ من النَّاس أحد أحب إِلَيّ من عَليّ، وَفِي رِوَايَة: لَا تقع فِي عَليّ فَإِنَّهُ مني وَأَنا مِنْهُ، وَفِي رِوَايَة: قَالَ: من كنت وليه فعلي وليه.
4351 - ح دّثنا قُتيْبَةُ حدَّثنا عبْدُ الوَاحِدِ عنْ عُمارَة بن القَعقاع بن شُبْرُمَةَ حدَّثنا عبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي نُعْمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سعِيدٍ الخُدْريَّ يَقُولُ بَعثَ علِيُّ بنُ أبِي طالِبٍ رَضِي الله عَنهُ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنَ اليَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي أدِيمٍ مَقْرُوظ لمْ تُحَصَّلْ منْ تُرَابِها قَالَ فقَسَمَهَا بَيْنَ أرْبَعَةِ نفَرٍ بَيْنَ عُيَيْنَةَ بنِ بَدْرٍ وأقْرَعَ بنِ حابِسٍ وزَيْدِ الخَيْل والرابِعُ إمّا عَلْقَمَةُ وإمّا عامِرُ بنُ الطُّفَيْلِ فَقَالَ رجُلٌ منْ أصْحَابِهِ كنَّا نَحْنُ أحَقَّ بِهاذا منْ هاؤُلاءِ قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ألاَ تأمَنُونِي وَأَنا أمِينُ مَنْ فِي السَّماءِ يأتِينِي خبَرُ السَّماءِ صَباحاً ومَساءً قَالَ فَقام رجُلٌ غائِرُ العَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ ناشِزُ الجَبْهَةِ كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقُ الرَّأسِ مُشَمَّرُ الأَزَارِ فَقَالَ يَا رسُولَ الله اتَّقِ الله قَالَ ويْلَكَ أوَ لَسْتُ أحَقَّ أهْلِ الأرْضِ أنْ يَتَّقِيَ الله قَالَ ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ خالدُ بنُ الوَلِيدِ يَا رسُولَ الله ألاَ أضْرِبُ عُنُقَهُ قَالَ لاَ لَعَلَّهُ أنْ يَكُونَ يُصَلِّي فَقَالَ خالِدٌ وكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يقُولُ بِلِسانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنِّي لَمْ أُومَرْ أنْ أنْقُبَ قُلُوبَ النَّاسِ وَلَا أشقَّ بُطُونَهُمْ قَالَ ثُمَّ نَظَرَ إليْهِ وهوَ مُقَفٍّ فَقَالَ إنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِىءِ هاذَا قَوْمٌ يَتلُونَ كِتابَ الله رَطْباً لَا يُجاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَما يَمْرُقُ السَّهْمُ منَ الرَّمِيَّةِ وأظُنُّهُ قَالَ لَئِنْ أدْرَكْتُهُمْ لأقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بعث عَليّ بن أبي طَالب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الْيمن) وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد. قَوْله: (وَعمارَة) ، بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْمِيم: ابْن الْقَعْقَاع، بِفَتْح القافين وَسُكُون الْمُهْملَة الأولى: ابْن شبْرمَة، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَضم الرَّاء: الضَّبِّيّ الْكُوفِي، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي نعم، بِضَم النُّون وَسُكُون الْعين: البَجلِيّ الْكُوفِي.
والْحَدِيث مضى فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء فِي: بَاب قَول الله: {وَأما عَاد فاهلكوا} (الحاقة: 6) . وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (بذهيبة) تَصْغِير: ذهبة(18/7)
قَالَ الْخطابِيّ: انثها على معنى الْقطعَة، قيل: فِيهِ نظر لِأَنَّهَا كَانَت تَبرأ قلت: قد يؤنث الذَّهَب فِي بعض اللُّغَات. وَفِي (مُسلم) : بذهبة: بِفتْحَتَيْنِ بِغَيْر تَصْغِير. قَوْله: (مقروظ) ، أَي: مدبوغ بالقرظ، بِالْقَافِ وَالرَّاء والظاء الْمُعْجَمَة، قَالَ الْخَلِيل: هُوَ شجر يدبغ بورقه ولونه إِلَى الصُّفْرَة. قَوْله: (لم تحصل) بِصِيغَة الْمَجْهُول، أَي: لم تخلص من ترابها، قَالَ بَعضهم: أَي لم تخلص من تُرَاب الْمَعْدن. قلت: فِيهِ نظر من وَجْهَيْن. أَحدهمَا: أَنه لم يجز ذكر الْمَعْدن. وَالثَّانِي: أَنه لَو رَجَعَ إِلَى الْمَعْدن لقيل: من ترابه، بتذكير الضَّمِير، وَاخْتلف فِي هَذِه: الذهيبة، فَقيل: كَانَت خمس الْخمس، وَقيل: من الْخمس، وَكَانَ من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يَضَعهُ فِي صنف من الْأَصْنَاف للْمصْلحَة، وَقيل: من أصل الْغَنِيمَة. قَوْله: (بَين عُيَيْنَة بن بدر) ، وَمَا بعده بدل من قَوْله: (بَين أَرْبَعَة نفر) وعيينة مصغر عينة ابْن بدر وَهُوَ عُيَيْنَة بن حصن بن حُذَيْفَة بن بدر الْفَزارِيّ، فنسب إِلَى جده الْأَعْلَى ويكنى أَبَا مَالك، وَقَالَ أَبُو عمر: أسلم بعد الْفَتْح وَقيل: قبله، وَشهد الْفَتْح مُسلما وَهُوَ من الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم، وَكَانَ من الْأَعْرَاب الجفاة وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة من الجرارين يَقُود عشرَة آلَاف، وَكَانَ اسْم عُيَيْنَة: حُذَيْفَة، فأصابته لقُوَّة فجحظت عَيناهُ فَسُمي: عُيَيْنَة. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَكَانَ عُيَيْنَة من الْمُنَافِقين ارْتَدَّ بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبَعثه خَالِد إِلَى أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي وثاق فَأسلم وَعَفا عَنهُ، وأقرع بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْقَاف وَفتح الرَّاء وبالعين الْمُهْملَة، واسْمه: فراس، وَكَانَ فِي رَأسه قرع فلقب بذلك، ابْن حَابِس، بالمهملتين وَالْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عقال بن مُحَمَّد بن سُفْيَان بن مجاشع التَّمِيمِي الْمُجَاشِعِي أحد الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم. (وَزيد الْخَيل) ، هُوَ زيد بن مهلهل بن زيد بن منْهب الطَّائِي، قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي وَفد طَيء سنة تسع فَأسلم وَسَماهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: زيد الْخَيْر، وَكَانَ يُقَال لَهُ: زيد الْخَيل لكرائم الْخَيل الَّتِي كَانَت عِنْده، وَمَات فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ شَاعِرًا محسناً خَطِيبًا لسناً شجاعاً كَرِيمًا، وَكَانَ قبل إِسْلَامه أسر عَامر بن الطُّفَيْل وجزَّنا صيته. قَوْله: (أما عَلْقَمَة وَإِمَّا عَامر بن الطُّفَيْل) ، شكّ من الرَّاوِي، وَجزم فِي رِوَايَة سعيد بن مَسْرُوق أَنه عَلْقَمَة بن علاثة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة: ابْن عَوْف بن الْأَحْوَص بن جَعْفَر بن كلاب الْكلابِي العامري، من الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم وَكَانَ سيداً فِي قومه حَلِيمًا عَاقِلا وَلم يكن فِيهِ ذَلِك الْكَرم، وَاسْتَعْملهُ عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على حوران فَمَاتَ بهَا فِي خِلَافَته. (وعامر بن الطُّفَيْل) مصغر الطِّفْل الْقَيْسِي، قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يسلم وَعَاد من عِنْده فَخرج بِهِ خراج فِي أصل أُذُنه فَمَاتَ مِنْهُ، وَلذَلِك قيل: وَذكر عَامر بن الطُّفَيْل غلط من عبد الْوَاحِد فَإِنَّهُ كَانَ مَاتَ قبل ذَلِك، وَقَالَ الدمياطي: مَاتَ كَافِرًا. قَوْله: (فَقَامَ رجل) ، قيل: هُوَ ذُو الْخوَيْصِرَة التَّمِيمِي، وَعند أبي دَاوُد: اسْمه نَافِع، وَرجحه السُّهيْلي، وَقيل: اسْمه حرقوص بن زُهَيْر السَّعْدِيّ. قَوْله: (غائر الْعَينَيْنِ) ، بالغين الْمُعْجَمَة على وزن فَاعل من الْغَوْر، وَالْمرَاد: أَن عَيْنَيْهِ داخلتان فِي محاجرهما لاصقتان بقعر الحدقة وَهُوَ ضد الجحوظ. قَوْله: (مشرف الوجنتين) ، أَي: بارزهما، من الإشراف بالشين الْمُعْجَمَة، والوجنتان: العظمان المشرفان على الْخَدين. قَوْله: (ناشز) بالنُّون والشين الْمُعْجَمَة وَالزَّاي، أَي: مُرْتَفع الْجَبْهَة، وَأَصله من النشز وَهُوَ مَا ارْتَفع من الأَرْض. قَوْله: (كث اللِّحْيَة) : كثير شعرهَا، وَيُقَال: لحية كثة مجتمعة، وَرجل كث اللِّحْيَة، وَقوم كث. قَوْله: (محلوق الرَّأْس) ، كَانُوا لَا يحلقون رؤوسهم وَكَانُوا يفرقون شُعُورهمْ. قَوْله: (مشمر الْإِزَار) ، تشميره رَفعه عَن الكعب. قَوْله: (فَقَالَ خَالِد بن الْوَلِيد) ، وَفِي رِوَايَة أبي سَلمَة عَن سعيد. فَقَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد مضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة، وَلَا منافاه بَينهمَا لاحْتِمَال أَن يكون كل مِنْهُمَا قَالَ ذَلِك، قيل: الْأَرْجَح أَنه عمر لصلابته ولشك الرَّاوِي فِي خَالِد، وَلِأَنَّهُ كَانَ غَائِبا مَعَ عَليّ. قَوْله: (لَعَلَّه أَن يُصَلِّي) اسْتعْمل فِيهِ: لَعَلَّ، اسْتِعْمَال: عَسى. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قيل: فِيهِ دلَالَة من طَرِيق الْمَفْهُوم على أَن تَارِك الصَّلَاة مقتول. قلت: هَذَا الْمَفْهُوم لَيْسَ بِحجَّة وَفِيه خلاف مَشْهُور. قَوْله: (أَن أنقب) من نقبت الْحَائِط نقباً، إِذا فتحت فِيهِ فتحا، وَقيل بتَشْديد الْقَاف: من التنقيب، وَهُوَ التَّشْدِيد، أَرَادَ أَنه أَمر بِالْأَخْذِ بظواهر الْأُمُور والبواطن لَا يعلمهَا إلاَّ الله. قَوْله: (وَهُوَ مقف) ، جملَة حَالية من قفّى، بِالتَّشْدِيدِ يقفي، وَالْفَاعِل مِنْهُ: مقف، بِضَم الْمِيم وَفتح الْقَاف وَتَشْديد الْفَاء، أَي: مول، ويروى: مقفي، بِالْيَاءِ من أقفى فَهُوَ مقفى، وَأَصله: مقفي، بِضَم الْيَاء فحذفت الضمة للاستثقال وسكنت الْيَاء لأجل كسر الْفَاء، يُقَال: قفي الرجل الْقَوْم إِذا ولاهم قَفاهُ، وأقفاهم يقفيهم إِذا فعل ذَلِك فَهُوَ مقفي قَوْله: (من ضئضىء هَذَا) ، بضادين معجمتين مكسورتين بَينهمَا يَاء آخر الْحُرُوف بِهَمْزَة سَاكِنة، وَفِي(18/8)
آخر يَاء بِهَمْزَة أَيْضا أَي: من أصل هَذَا الرجل، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بصادين مهملتين، قَالَ ابْن الْأَثِير: كِلَاهُمَا بِمَعْنى الأَصْل، وقذ مضى فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء أَن من ضئضىء هَذَا أَو من عقب هَذَا. قَوْله: (رطبا) مَعْنَاهُ الْمُوَاظبَة على التِّلَاوَة أَو تَحْسِين الصَّوْت بهَا والحذاقة والتجويد فِيهَا فَيجْرِي لِسَانه بهَا ويمر عَلَيْهَا لَا يتَغَيَّر وَلَا ينكسر، وَقيل: معنى: رطبا، سهلاً كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى، وَقَالَ الْخطابِيّ: أَي يواظب عَلَيْهَا فَلَا يزَال لِسَانه رطبا بهَا، وَقيل: يُرِيد الَّذِي لَا شدَّة فِي صَوت قارئه وَهُوَ لين رطب، وَقيل: يُرِيد أَنه يحفظ ذَلِك حفظا حسنا. قَوْله: (حَنَاجِرهمْ) جمع حنجرة وَهُوَ الْحُلْقُوم مَعْنَاهُ: لَا ترفع فِي الْأَعْمَال الصَّالِحَة وَلَا تقبل مِنْهُم، وَقيل: لم يتَمَكَّن فِي قُلُوبهم شَيْء كثير من الْيَقِين بِهِ وَإِنَّمَا يَحْفَظُونَهُ بالألسن وَهِي مقاربة للحناجر فنسب إِلَيْهَا مَا يقاربها قَوْله: (يَمْرُقُونَ) ، أَي: يخرجُون بالسرعة. قَوْله: (من الدّين) أَي: من الطَّاعَة دون الْملَّة، وَيُقَال: طَاعَة الْأَئِمَّة والأمراء وَفِي رِوَايَة سعيد بن مَسْرُوق، من الْإِسْلَام. قَوْله: (من الرَّمية) على وزن فعيلة بِمَعْنى الْمَفْعُول، والرمية: الصَّيْد الَّذِي ترميه فتقصده وينقذف فِيهِ سهمك وَهُوَ كل دَابَّة مرمية. قَوْله: (وَأَظنهُ قَالَ) أَي: وأظن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ إِلَى آخِره، وَتقدم فِي قصَّة هود: لأقتلنهم قتل عَاد، وَالْغَرَض مِنْهُ الاستئصال بِالْكُلِّيَّةِ وهما سَوَاء فِيهِ، فعادٌ استؤصلت بِالرِّيحِ الصرصر، {وَأما ثَمُود فاهلكوا بالطاغية} (الحاقة: 5) أَي: الرجفة أَو الصاعقة أَو الصَّيْحَة، فَإِن قيل: إِذا كَانَ قَتلهمْ جَائِزا فلِمَ منع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِدا من قَتله؟ قيل لَهُ: لَا يلْزم من قَتلهمْ جَوَاز قَتله. قَالَ الْخطابِيّ: فَإِن قيل: لما كَانَ قَتلهمْ وَاجِبا فَكيف مَنعه مِنْهُ؟ قُلْنَا: لعلمه بِأَن الله تَعَالَى يجْرِي قَضَاء فِيهِ حَتَّى يخرج من نَسْله من يسْتَحق الْقَتْل بِسوء فعالهم ليَكُون قَتلهمْ عُقُوبَة لَهُم فَيكون أبلغ فِي الْمصلحَة. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِنَّمَا منع قَتله وَإِن كَانَ قد اسْتوْجبَ الْقَتْل لِئَلَّا يتحدث النَّاس أَنه يقتل أَصْحَابه، وَقَالَ الْمَازرِيّ: يحْتَمل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يكن فهم من الرجل الطعْن فِي النُّبُوَّة، إِنَّمَا نسبه إِلَى ترك الْعدْل فِي الْقِسْمَة، وَلَيْسَ ذَلِك كَبِيرَة، والأنبياء معصومون من الْكَبَائِر بِالْإِجْمَاع، وَاخْتلف فِي جَوَاز وُقُوع الصَّغِيرَة مِنْهُم. انْتهى. قلت: مذهبي أَن الْأَنْبِيَاء معصومون من الْكَبَائِر والصغائر قبل النُّبُوَّة وَبعدهَا، وَالَّذِي وَقع من بَعضهم شَيْء يشبه الصَّغِيرَة لَا يُقَال فِيهِ إلاَّ أَنه ترك الْأَفْضَل وَذهب إِلَى الْفَاضِل، وَقيل: إِنَّمَا لم يقتل الرجل وَلم يُعَاقِبهُ أَيْضا لِأَنَّهُ لم يثبت عَنهُ ذَلِك، بل نَقله عَن وَاحِد، وَخبر الْوَاحِد لَا يراق بِهِ الدَّم، وأبطل عِيَاض هَذَا بقوله فِي الحَدِيث: إعدل يَا مُحَمَّد، فخاطبه فِي الْمَلأ بذلك حَتَّى استأذنوه فِي قَتله، وَالصَّوَاب مَا تقدم.
4352 - حدّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَطاءٌ قَالَ جابرٌ أَمر النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلِيًّا أنْ يُقِيمَ عَلَى إحْرَامِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن هَذَا فِي مَجِيء عَليّ من الْيمن إِلَى الْحَج فِي حجَّة الْوَدَاع. وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح والْحَدِيث مضى فِي الْحَج فِي: بَاب من أهلّ فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن.
زَادَ مُحَمَّدُ بنُ بكْرٍ عنِ ان جُرَيْجٍ قَالَ عَطاءٌ قَالَ جابِرٌ فقَدِمَ علِيُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِي الله عَنهُ بِسِعايَتهِ قَالَ لهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَ أهْلَلْتَ يَا علِيُّ قَالَ بِما أهَلَّ بهِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فأهْدِ وامْكُثْ حَرَاماً كَمَا أنْتَ قَالَ وأهْدَى لهُ عِليٌّ هَدْياً. أَي: زَاد مُحَمَّد بن بكر البرْسَانِي فِي رِوَايَته عَن ابْن جريج إِلَى آخِره، وَمضى هَذَا فِي الْحَج فِي الْبَاب الْمَذْكُور بعد أَن روى حَدِيث أنس فَلْينْظر فِيهِ. قَوْله: (بسعايته) ، أَي: تَوليته قبض الْخمس، وكل من تولى شَيْئا على قوم فَهُوَ ساعٍ عَلَيْهِم.
4352 - حدّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَطاءٌ قَالَ جابرٌ أَمر النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلِيًّا أنْ يُقِيمَ عَلَى إحْرَامِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن هَذَا فِي مَجِيء عَليّ من الْيمن إِلَى الْحَج فِي حجَّة الْوَدَاع. وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح والْحَدِيث مضى فِي الْحَج فِي: بَاب من أهلّ فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن.
زَادَ مُحَمَّدُ بنُ بكْرٍ عنِ ان جُرَيْجٍ قَالَ عَطاءٌ قَالَ جابِرٌ فقَدِمَ علِيُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِي الله عَنهُ بِسِعايَتهِ قَالَ لهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَ أهْلَلْتَ يَا علِيُّ قَالَ بِما أهَلَّ بهِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فأهْدِ وامْكُثْ حَرَاماً كَمَا أنْتَ قَالَ وأهْدَى لهُ عِليٌّ هَدْياً. أَي: زَاد مُحَمَّد بن بكر البرْسَانِي فِي رِوَايَته عَن ابْن جريج إِلَى آخِره، وَمضى هَذَا فِي الْحَج فِي الْبَاب الْمَذْكُور بعد أَن روى حَدِيث أنس فَلْينْظر فِيهِ. قَوْله: (بسعايته) ، أَي: تَوليته قبض الْخمس، وكل من تولى شَيْئا على قوم فَهُوَ ساعٍ عَلَيْهِم.
4354 - ح دّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ عنْ حُميْدٍ الطَّوِيلِ حَدثنَا بكرٌ البَصْرِيُّ أنَّهُ ذَكَرَ(18/9)
ل ابنِ عُمَرَ أنَّ أنسا حَدَّثَهُمْ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهَلَّ بِعُمْرَةٍ وحَجَّةٍ فَقَالَ أهَلَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالحَجِّ وأهلَلْنا بهِ معَهُ فلَمَّا قَدِمنا مَكَّةَ قَالَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فليَجْعَلْها عُمْرَةً وَكَانَ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَدْيٌ فَقَدِمَ علَيْنا علِيُّ بنُ أبي طالِبٍ مِنَ اليَمَن حاجًّا فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَ أهْلَلْتَ فإنَّ مَعَنا أهْلَكَ قَالَ أهْلَلْتُ بِمَا أهَلَّ بهِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فأمْسِكْ فإنَّ مَعَنَا هَدْياً.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَقدم علينا عَليّ بن أبي طَالب من الْيمن) ، وَبكر هُوَ ابْن عبد الله الْمُزنِيّ الْبَصْرِيّ. والْحَدِيث قد مر فِي الْحَج.
62 - (غَزْوَةُ ذِي الخَلَصَةِ)
أَي هَذَا بَيَان غَزْوَة ذِي الخلصة، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَاللَّام وَالصَّاد الْمُهْملَة. وَحكى ابْن دُرَيْد فتح أَوله وَسُكُون ثَانِيَة، وَحكى ابْن هِشَام ضمهما، وَقيل بِفَتْح أَوله وَضم ثَانِيه، وَالْأول أشهر. وَفِي بعض النّسخ: بَاب غَزْوَة ذِي الخلصة، وَهُوَ اسْم الْبَيْت الَّذِي كَانَ فِيهِ الصَّنَم، وَقيل: اسْم الْبَيْت الخلصة. وَاسم الصَّنَم: ذُو الخلصة، وَقيل: هُوَ اسْم صنم لدوس سيعبد فِي آخر الزَّمَان، ثَبت فِي الحَدِيث: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تَصْطَفِق أليات نسَاء دوس وخثعم حول ذِي الْخصْلَة. وَفِي (التَّلْوِيح) : الخلصة فِي اللُّغَة نَبَات ينْبت نَبَات الْكَرم لَهُ حب كعنب الثَّعْلَب. وَله ورق أغبر رقاق مُدَوَّرَة وَاسِعَة وَله ورد كورد الموز وَهُوَ أَحْمَر كخرز العقيق وَلَا يُؤْكَل وَلكنه يرْعَى، وموضعه الْيَوْم مَسْجِد جَامع لبلدة يُقَال لَهَا: العبلات من أَرض خثعم، ذكره الْمبرد عَن أبي عُبَيْدَة وَبَعض الشَّارِحين وهم فِيهِ وَقَالَ: إِنَّه كَانَ فِي بِلَاد فَارس، فَافْهَم.
4355 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا خالِدٌ حدّثنا بَيانٌ عنْ قَيْسٍ عنْ جَرِيرٍ قَالَ كانَ بَيْتٌ فِي الجاهِلِيَّةِ يُقالُ لَهُ ذُو الخَلَصَةِ والكَعْبَةُ اليَمانِيَةُ والكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ فَقَالَ لِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ فَنَفَرْتُ فِي مِائَةٍ وخَمْسِينَ رَاكِباً فَكَسَرْنَاهُ وقَتَلْنا مَنْ وجَدْنا عِنْدَهُ فأتَيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخْبَرْتُهُ فَدَعَا لَنا ولأِحْمَسَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وخَالِد هُوَ ابْن عبد الله الطَّحَّان، وَبَيَان، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم، وَجَرِير بن عبد الله البَجلِيّ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالْجِيم.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب ذكر جرير بن عبد الله البَجلِيّ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق الوَاسِطِيّ عَن خَالِد عَن بَيَان ... الخ بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عبد الحميد عَن خَالِد بِهِ.
قَوْله: (يُقَال لَهُ: ذُو الخلصة والكعبة اليمانية والكعبة الشامية) ، قَالَ النَّوَوِيّ: فِيهِ إِشْكَال إِذْ كَانُوا يَقُولُونَ لَهُ: الْكَعْبَة اليمانية، فَقَط، وَأما الْكَعْبَة الشامية فَهِيَ الْكَعْبَة المعظمة الَّتِي بِمَكَّة، فَلَا بُد من التَّأْوِيل بِأَن يُقَال: كَانَ يُقَال لَهُ: الْكَعْبَة اليمانية، وَالَّتِي بِمَكَّة الْكَعْبَة الشامية، وَقَالَ: ذكر الشامية غلط. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن تكون الْكَعْبَة مُبْتَدأ. وَقَوله: (الشامية) . خَبره وَالْجُمْلَة حَال، وَمَعْنَاهَا: أَن الْكَعْبَة هِيَ الشامية لَا غير، وَعند مُسلم: وَكَانَ يُقَال لَهُ: الْكَعْبَة اليمانية والشامية، قَالَ السُّهيْلي: وَهَذَا مُشكل، وَمَعْنَاهُ: كَانَ يُقَال لَهُ: الْكَعْبَة والكعبة الشامية الْبَيْت، فَزِيَادَة: لَهُ، فِي الحَدِيث سَهْو وبإسقاطه يَصح الْمَعْنى، قَالَه بعض النَّحْوِيين، وَقَالَ: وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي بسهو وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: وَكَانَ يُقَال لَهُ، أَي: يُقَال من أَجله الْكَعْبَة اليمانية، وَله بِمَعْنى: من أَجله، لَا يُنكر فِي الْعَرَبيَّة وَقَالَ عِيَاض: وَفِي بعض الرِّوَايَات: والكعبة اليمانية الشامية، بِغَيْر وَاو، وَقَالَ: وَفِيه إِبْهَام، قَالَ: وَالْمعْنَى: كَانَ يُقَال لَهُ تَارَة هَكَذَا وَتارَة هَكَذَا. قَوْله: (أَلا تريحني) كلمة: أَلا، بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف اللَّام للتحضيض، وَقيل: طلب يتَضَمَّن الْأَمر، وتريحني، من الإراحة بالراء والحاء الْمُهْملَة والمرادا رَاحَة الْقلب، وَإِنَّمَا خص جَرِيرًا بذلك لِأَنَّهَا كَانَت فِي بِلَاد قومه(18/10)
وَكَانَ هُوَ من أَشْرَافهم. قَوْله: (فنفرت) ، أَي: خرجت مسرعاً. قَوْله: (فكسرناه) ، أَي: الْبَيْت. قَوْله: (ولأحمس) على وزن أَحْمَر بالمهملتين، وأحمس أَخُو بخيلة، رَهْط جرير رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ينسبون إِلَى أحمس بن الْغَوْث بن أَنْمَار، وبجيلة امْرَأَة نسبت إِلَيْهَا الْقَبِيلَة، وقبيلة أُخْرَى يُقَال لَهَا: أحمس بن ضبيعة بن ربيعَة بن نزار، وَلَيْسَت هَذِه بمراده هَهُنَا.
4355 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا خالِدٌ حدّثنا بَيانٌ عنْ قَيْسٍ عنْ جَرِيرٍ قَالَ كانَ بَيْتٌ فِي الجاهِلِيَّةِ يُقالُ لَهُ ذُو الخَلَصَةِ والكَعْبَةُ اليَمانِيَةُ والكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ فَقَالَ لِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ فَنَفَرْتُ فِي مِائَةٍ وخَمْسِينَ رَاكِباً فَكَسَرْنَاهُ وقَتَلْنا مَنْ وجَدْنا عِنْدَهُ فأتَيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخْبَرْتُهُ فَدَعَا لَنا ولأِحْمَسَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وخَالِد هُوَ ابْن عبد الله الطَّحَّان، وَبَيَان، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم، وَجَرِير بن عبد الله البَجلِيّ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالْجِيم.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب ذكر جرير بن عبد الله البَجلِيّ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق الوَاسِطِيّ عَن خَالِد عَن بَيَان ... الخ بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عبد الحميد عَن خَالِد بِهِ.
قَوْله: (يُقَال لَهُ: ذُو الخلصة والكعبة اليمانية والكعبة الشامية) ، قَالَ النَّوَوِيّ: فِيهِ إِشْكَال إِذْ كَانُوا يَقُولُونَ لَهُ: الْكَعْبَة اليمانية، فَقَط، وَأما الْكَعْبَة الشامية فَهِيَ الْكَعْبَة المعظمة الَّتِي بِمَكَّة، فَلَا بُد من التَّأْوِيل بِأَن يُقَال: كَانَ يُقَال لَهُ: الْكَعْبَة اليمانية، وَالَّتِي بِمَكَّة الْكَعْبَة الشامية، وَقَالَ: ذكر الشامية غلط. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن تكون الْكَعْبَة مُبْتَدأ. وَقَوله: (الشامية) . خَبره وَالْجُمْلَة حَال، وَمَعْنَاهَا: أَن الْكَعْبَة هِيَ الشامية لَا غير، وَعند مُسلم: وَكَانَ يُقَال لَهُ: الْكَعْبَة اليمانية والشامية، قَالَ السُّهيْلي: وَهَذَا مُشكل، وَمَعْنَاهُ: كَانَ يُقَال لَهُ: الْكَعْبَة والكعبة الشامية الْبَيْت، فَزِيَادَة: لَهُ، فِي الحَدِيث سَهْو وبإسقاطه يَصح الْمَعْنى، قَالَه بعض النَّحْوِيين، وَقَالَ: وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي بسهو وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: وَكَانَ يُقَال لَهُ، أَي: يُقَال من أَجله الْكَعْبَة اليمانية، وَله بِمَعْنى: من أَجله، لَا يُنكر فِي الْعَرَبيَّة وَقَالَ عِيَاض: وَفِي بعض الرِّوَايَات: والكعبة اليمانية الشامية، بِغَيْر وَاو، وَقَالَ: وَفِيه إِبْهَام، قَالَ: وَالْمعْنَى: كَانَ يُقَال لَهُ تَارَة هَكَذَا وَتارَة هَكَذَا. قَوْله: (أَلا تريحني) كلمة: أَلا، بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف اللَّام للتحضيض، وَقيل: طلب يتَضَمَّن الْأَمر، وتريحني، من الإراحة بالراء والحاء الْمُهْملَة والمرادا رَاحَة الْقلب، وَإِنَّمَا خص جَرِيرًا بذلك لِأَنَّهَا كَانَت فِي بِلَاد قومه وَكَانَ هُوَ من أَشْرَافهم. قَوْله: (فنفرت) ، أَي: خرجت مسرعاً. قَوْله: (فكسرناه) ، أَي: الْبَيْت. قَوْله: (ولأحمس) على وزن أَحْمَر بالمهملتين، وأحمس أَخُو بخيلة، رَهْط جرير رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ينسبون إِلَى أحمس بن الْغَوْث بن أَنْمَار، وبجيلة امْرَأَة نسبت إِلَيْهَا الْقَبِيلَة، وقبيلة أُخْرَى يُقَال لَهَا: أحمس بن ضبيعة بن ربيعَة بن نزار، وَلَيْسَت هَذِه بمراده هَهُنَا.
4356 - ح دّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدّثنا يَحيى حدَّثنا إسْماعِيلُ حَدثنَا قَيْسٌ قَالَ قَالَ لِي جَرِيرٌ رَضِي الله عَنهُ قَالَ لي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألاَ ترِيحُنِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ وكانَ بَيْتاً فِي خَثْعَمَ يُسَمَّى الكَعْبَةَ اليَمانِيَةَ فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ ومِائَةِ فارِسٍ مِنْ أحْمَسَ وكانُوا أصْحَابَ خَيْلٍ وكُنْتُ لاَ أثْبُتُ عَلى الخَيْلِ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رأيْتُ أثَرَ أصابِعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ واجْعَلْهُ هادِياً مَهْدِيًّا فانْطَلَقَ إلَيْهَا فَكَسَرَهَا وحَرَّقَها ثُمَّ بَعَثَ إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رسُولُ جَرِيرٍ والَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُها كأنَّها جَمَلٌ أجْرَبُ قَالَ فَبَارَكَ فِي خَيْلِ أحْمسَ ورِجَالِها خَمْسَ مرَّاتٍ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد البَجلِيّ الْكُوفِي عَن قيس بن أبي حَازِم. والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب الْبشَارَة فِي الْفتُوح بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد.
قَوْله: (فِي خثعم) بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة: قَبيلَة بِالْيمن، وَقَالَ الرشاطي: هُوَ أقبل بن أَنْمَار بن أرش بن عَمْرو بن الْغَوْث بن نبت بن ملكان بن زيد بن كهلان، وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ عَن أَبِيه: إِنَّمَا سمي: أقبل، بخثعم بجمل لَهُ يُقَال لَهُ: خثعم. قَوْله: (جمل أجرب) بِالْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ كِنَايَة عَن إِزَالَة بهجتها وإذهاب زينتها. وَقَالَ الْخطابِيّ: المُرَاد هَا صَارَت مثل الْجمل المطلي بالقطران من جربه، يَعْنِي: صَارَت سَوْدَاء لما وَقع فِيهَا من التحريق، وروى عَن مُسَدّد: أجوف، بِالْوَاو وَالْفَاء بدل: أجرب، فَإِن صحت الرِّوَايَة فَمَعْنَاه: صَارَت خَالِيَة لَا شَيْء فِيهَا.
4357 - ح دّثنا يُوسُفُ بنُ مُوسَى أخبرَنا أبُو أُسامَةَ عنْ إسْماعِيلَ بنِ أبي خالِدٍ عنْ قَيْسٍ عنْ جَرِيرٍ قَالَ قَالَ لي رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ فَقُلْتُ بَلى فانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ ومِائَةِ فارِسٍ مِنْ أحْمَسَ وكانُوا أصْحَابَ خَيْلٍ وكُنْتُ لَا أثْبُتُ عَلَى الخَيْلِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضَرَبَ يَدَهُ عَلى صَدْرِي حَتَّى رأيْتُ أثَرَ يَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ واجْعلْهُ هادِياً مَهْدِيًّا قَالَ فَمَا وقَعْتُ عنْ فَرَسٍ بَعْدُ قَالَ وكانَ ذُو الخَلَصَةِ بَيْتاً باليْمَنِ لِخَثْعَمَ وبَجِيلَةَ فِيهِ نُصُبٌ تُعْبَدُ يُقالُ لهُ الكَعْبَةُ قَالَ فَأَتَاهَا فَحَرَّقَها بالنارِ وكَسَرَهَا قَالَ ولَّما قَدِمَ جَرِيرٌ اليَمَنَ كانَ بِها رجُلٌ يَسْتَقْسِمُ بالأزلاَمِ فَقِيلَ لهُ إنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هاهُنا فإنْ قَدَرَ عَلَيْكَ ضَرَبَ عُنُقَكَ قَالَ فبيْنَمَا هُوَ يَضْرِبُ بِها إذْ وَقَفَ عَلَيْهِ جَرِيرٌ فَقَالَ لَتَكْسِرَنَّها وَلَتَشْهَدَنْ أنْ لَا إلاهَ إلاَّ الله أوْ لأضْرِبَنَّ عُنُقَك قَالَ فكَسَرَها وشَهِدَ ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرٌ رجُلاً مِنْ أحْمَسَ يُكْنَى أَبَا أرْطاةَ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُبْشِّرُهُ بِذَلِكَ فَلَمَّا أتَى النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَا رسُولَ الله والّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ مَا جِئْتُ حَتَّى تَرَكْتُها كَأَنَّهَا جَمَلٌ أجْرَبُ قَالَ فبَرَّك النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلى خَيْلِ أحمَسَ ورِجالِها خَمْسَ مَرَّاتٍ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث السَّابِق أخرجه عَن يُوسُف بن مُوسَى بن رَاشد الْقطَّان الْكُوفِي، سكن بَغْدَاد، عَن أبي(18/11)
أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة إِلَى آخِره. والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب حرق الدّور والنخيل.
قَوْله: (فِيهِ نصب) ، بِضَمَّتَيْنِ وَسُكُون الصَّاد أَيْضا، وَهُوَ حجر كَانُوا ينصبونه فِي الْجَاهِلِيَّة ويذبحون عَلَيْهِ، فيحمر بِالدَّمِ ويعبدونه، وَالضَّمِير فِي: فِيهِ، يرجع إِلَى الْبَيْت. وَفِي قَوْله: (فَأَتَاهَا) إِلَى ذِي الخلصة. قَوْله: (فحرقها) يَعْنِي: مَا فِيهَا من الأخشاب. و: (كسرهَا) أَي: هدما فِيهَا من الْبناء. قَوْله: (يستقسم) . أَي: يطْلب قسْمَة من الْخَيْر وَالشَّر بِالْقداحِ. قَالَ الله تَعَالَى: {وَأَن تستقسموا بالأزلام} (الْمَائِدَة: 3) وَلَيْسَ هَذَا من الْقسم بِمَعْنى: الْيَمين. قَوْله: (يضْرب بهَا) ، أَي: بالأزلام. قَوْله: (وَكسرهَا) أَي: الأزلام وَشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله. قَوْله: (يكنى أَبَا أَرْطَأَة) بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء وبالطاء بعْدهَا التَّاء، واسْمه: حُصَيْن بن ربيعَة وَقع مُسَمّى فِي (صَحِيح مُسلم) وَوَقع لبَعض رُوَاته: حُسَيْن، بسين مُهْملَة بدل الصَّاد وَهُوَ تَصْحِيف، وَقيل: اسْمه حصن، بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون الصَّاد، وَمن الروَاة من قلبه فَقَالَ: ربيعَة بن حُصَيْن، وَمِنْهُم من سَمَّاهُ: أَرْطَاة وَالصَّحِيح: أَبُو أَرْطَأَة حُصَيْن بن ربيعَة بن عَامر بن الْأَزْوَر وَهُوَ صَحَابِيّ بجلي وَلَيْسَ لَهُ ذكر إلاّ فِي هَذَا الحَدِيث. قَوْله: (فبرك) ، بِالتَّشْدِيدِ أَي: دَعَا بِالْبركَةِ. قَوْله: (خمس مَرَّات) ، فَإِن قلت: فِي حَدِيث أنس: كَانَ إِذا دَعَا عائلاً. قلت: هَذَا يحمل على الْغَالِب وَالزِّيَادَة عَلَيْهِ لِمَعْنى اقْتضى ذَلِك.
وَفِي الحَدِيث من الْفَوَائِد الدَّالَّة مَا يفتتن بِهِ النَّاس من بِنَاء وَغَيره سَوَاء كَانَ من الصُّور أَو الجماد، والبشارة فِي الْفتُوح، وَفضل ركُوب الْخَيل فِي الْحَرْب، وَقبُول خبر الْوَاحِد، وَالْمُبَالغَة فِي نكاية الْعَدو وَفِيه: منقبة عَظِيمَة لجرير رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِيه: بركَة دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
64 - (غَزْوَةُ ذاتَ السّلاَسِلِ)
أَي: هَذَا بَيَان غَزْوَة ذَات السلَاسِل، وَفِي بعض النّسخ: بَاب غَزْوَة ذَات السلَاسِل، وَسميت هَذِه الْغَزْوَة بِذَات السلَاسِل لِأَن الْمُشْركين ارْتبط بَعضهم إِلَى بعض مَخَافَة أَن يَفروا. وَقيل: لِأَن بهَا مَاء يُقَال لَهُ: السلسل، وَقَالَ ابْن سعد: هِيَ مَا وَرَاء وَادي الْقرى بَينهمَا وَبَين الْمَدِينَة عشرَة أَيَّام، قَالَ: وَكَانَت فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان من الْهِجْرَة، وَقيل: كَانَت سنة سبع، وَالله أعلم.
وهْيَ غَزْوَةُ لَخْمٍ وجُذَامَ قالهُ إسْماعِيلُ بنُ أبي خالدٍ وَقَالَ ابنُ إسْحاق عنْ يَزِيدَ عَنْ عُرْوَةَ هِيَ بِلادُ بَلِيٍّ وعُذْرَةَ وبَنى القَيْنِ.
أَي: غَزْوَة ذَات السلَاسِل غَزْوَة لخم، بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة: وَهِي قَبيلَة كَبِيرَة مَشْهُورَة ينسبون إِلَى لخم واسْمه مَالك بن عدي بن الْحَارِث بن مرّة بن أدد، وَقَالَ الرشاطي: رَأَيْت فِي نسب لخم وأخيه جذام وأختهما عاملة اخْتِلَافا كثيرا، وَقَالَ فِي بَاب الْجِيم: كَانَ لخم وجذام أَخَوَيْنِ فاقتتلا، وكا اسْم لخم مَالك بن عدي، وَاسم جذام عَامر بن عدي فجذم مَالك إِصْبَع عَامر فَسُمي جذاماً، لِأَن أُصْبُعه جذمت، ولخم عَامر مَالِكًا فَسمى لخماً، واللخمة اللَّطْمَة. قَوْله: (قَالَ إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد) وَاسم أبي خَالِد: سعد، وَيُقَال: هُرْمُز، وَيُقَال: كثير الأحمسي البَجلِيّ مَوْلَاهُم الْكُوفِي. قَوْله: (وَقَالَ ابْن إِسْحَاق) هُوَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب (الْمَغَازِي) (عَن يزِيد) من الزِّيَادَة ابْن رُومَان الْمدنِي، يرْوى عَن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام. قَوْله: (هِيَ بِلَاد بلي) أَي: ذَات السلَاسِل هِيَ بِلَاد هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة، أما بلي، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر اللَّام الْخَفِيفَة وياء النِّسْبَة، فَهِيَ قَبيلَة كَبِيرَة ينبسون إِلَى بلي بن عَمْرو بن الحاف ابْن قضاعة، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: بلي، فعيل من قَوْلهم: بلواً سفرا، أَي: نضوا سفرا، وَمن قَوْلهم: بلوت الرجل: إِذا اختبرته، وَأما (عذرة) ، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة: فَهِيَ قَبيلَة كَبِيرَة ينسبون إِلَى عذرة بن سعد هذيم بن زيد بن لَيْث بن سُوَيْد بن أسلم، بِضَم اللَّام اب الحاف بن قضاعة، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: هُوَ من عذرت الصَّبِي وأعذرته: إِذا ختنته، والعذرة أَيْضا دَار يُصِيب النَّاس فِي حُلُوقهمْ، وَأما (بَنو الْقَيْن) بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون: فَهِيَ قَبيلَة كَبِيرَة ينسبون إِلَى الْقَيْن بن جسر، وَقَالَ الرشاطي: الْقَيْن هُوَ النُّعْمَان بن جسر بن شيع الله، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَفِي آخِره عين مُهْملَة: ابْن أَسد بن وبرة بن ثَعْلَب بن حلوان بن عمرَان بن الحاف بن قضاعة، قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: النُّعْمَان حضنه(18/12)
عبد يُقَال لَهُ الْقَيْن فغلب عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَر: كل عبد عِنْد الْعَرَب قينٍ وَالْأمة قينةٍ والقين الْحداد، وَفِي كِتَابه أَيْضا: قين وَهُوَ قين ابْن عَامر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة.
4358 - ح دّثنا إسْحاقُ أخبرنَا خالدُ بنُ عبْدِ الله عنْ خالِدٍ الحَذَّاءِ عنْ أبي عُثْمانَ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعَثَ عَمْرَو بنَ العاصِ علَى جَيْش ذاتِ السّلاَسِلِ قَالَ فأتَيْتُهُ فقُلْتُ أيُّ النَّاسِ أحَبُّ إليْكَ قَالَ عائِشَةُ قُلْتُ ومِنَ الرِّجالِ قَالَ أبُوها قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ عُمَرُ فَعَدَّ رِجالاً فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أنْ يَجْعَلَنِي فِي آخرِهِمْ. (انْظُر الحَدِيث 3662) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بعث عَمْرو بن الْعَاصِ على جَيش ذَات السلَاسِل) وَسبب ذَلِك مَا ذكره ابْن سعد: أَن جمعا من قضاعة تجمعُوا وَأَرَادُوا أَن يدنوا من أَطْرَاف المدنية فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَمْرو بن الْعَاصِ فعقد لَهُ لِوَاء أَبيض وَبَعثه فِي ثَلَاثمِائَة من سراة الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، ثمَّ أمده بِأبي عُبَيْدَة بن الْجراح فِي مِائَتَيْنِ وَأمره أَن يلْحق بِعَمْرو وَأَن لَا يختلفا، فَأَرَادَ أَبُو عُبَيْدَة أَن يؤمهم فَمَنعه عَمْرو، وَقَالَ: إِنَّمَا قدمت عَليّ مدَدا وَأَنا الْأَمِير، فأطاع لَهُ أَبُو عُبَيْدَة، فصلى بهم عَمْرو، وَسَار عَمْرو حَتَّى وطىء بِلَاد بلَى وعذرة. وذكرا نب حبَان هَذَا الحَدِيث وَفِيه، فَلَقوا الْعَدو فهزموهم فأرادوا أَن يتبعوهم فَمَنعهُمْ، يَعْنِي: عَمْرو بن الْعَاصِ أَمِير الْقَوْم.
وَأما حَدِيث الْبَاب فَأخْرجهُ عَن إِسْحَاق هُوَ ابْن شاهين عَن خَالِد بن عبد الله الطَّحَّان عَن خَالِد بن مهْرَان الْحذاء عَن أبي عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ، وهذ مُرْسل، وَجزم بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ.
قَوْله: (قَالَ: فَأَتَيْته) أَي: قَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ: فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة مُعلى بن مَنْصُور فِي مُسلم: (قدمت من جَيش ذَات السلَاسِل فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . قَوْله: (فَسكت) ، بتَشْديد تَاء الْمُتَكَلّم هُوَ عَمْرو بن الْعَاصِ، وَفِي هَذَا الحَدِيث جَوَاز تأمير الْمَفْضُول عِنْد وجود الْفَاضِل إِذا امتاز الْمَفْضُول بِصفة تتَعَلَّق بِتِلْكَ الْولَايَة فَإِنَّهُ كَانَ فِي هَذَا الْجَيْش أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فَلَا يَقْتَضِي تأمير عَمْرو فِي هَذَا أفضليته عَلَيْهِمَا وَلَكِن يَقْتَضِي لَهُ فضلا فِي الْجُمْلَة، وَفِي هَذِه الْغَزْوَة تيَمّم عَمْرو بن الْعَاصِ مَخَافَة الْبرد.
4359 - ح دّثنا عبْد الله بنُ أبي شَيْبَةَ العَبْسيُّ حدّثنا ابنُ إدْرِيسَ عنْ إسْماعِيلَ بنِ أبي خالِدٍ عنْ قَيْسٍ عنْ جَرِيرٍ قَالَ كُنْتُ بالبَحْرِ فَلِقيتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أهْلِ اليَمَنِ ذَا كَلاَعٍ وذَا عَمْروٍ فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُمْ عنْ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ ذُو عَمْروٍ لَئِنْ كانَ الَّذِي تَذْكُرُ مِنْ أمْرِ صاحِبِكَ لَقَدْ مَرَّ عَلَى أجَلِهِ مُنْذُ ثَلاثٍ وأقْبَلاَ مَعِي حَتَّى إذَا كُنَّا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ رُفِعَ لَنَا رَكْبٌ مِنْ قِبَلِ المَدِينَةِ فَسألْناهُمْ فَقالُوا قُبِضَ رسُولُ الله واسْتُخْلِفَ أبُو بكْرٍ والنَّاسُ صالُحونَ فَقَالاَ أخْبِرْ صاحِبكَ أنّا قَدْ جِئْنا وَلعَلَّنا سنَعُودُ إنْ شاءَ الله وَرَجَعَا إِلَى اليَمَنِ فأخبَرْتُ أَبَا بَكْرٍ(18/13)
بِحَدِيثِهِمْ قَالَ أفَلاَ جِئْتَ بِهِمْ فَلَمَّا كانَ بَعْدُ قَالَ لِي ذُو عَمْروٍ يَا جَرِيرُ إنَّ لَكَ عَلَى كَرَامَةً وإنِّي مخْبِرُكَ خَبَراً إنَّكُمْ مَعْشَرَ العرَبِ لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا كُنْتُمْ إذَا هَلَكَ أمِيرٌ تأمَّرْتُمْ فِي آخَرَ فإذَا كانَتْ بالسَّيْفِ كانُوا مُلُوكاً يَغْضَبُونَ غَضَبَ المُلُوكِ ويَرْضُونَ رِضا المُلُوكِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من حَيْثُ إِن جَرِيرًا لما هد ذَا الخلصة بعد شُهُوده حجَّة الْوَدَاع ذهب إِلَى الْيمن ثمَّ لما رَجَعَ، بلغته وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَعبد الله هُوَ أَبُو بكر وَاسم أَبِيه مُحَمَّد بن أبي شيبَة واسْمه إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان الْحَافِظ الْعَبْسِي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، يروي عَن عبد الله بن إِدْرِيس عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن قيس بن أبي حَازِم.
قَوْله: (ذَا كلاع) ، بِفَتْح الْكَاف وَتَخْفِيف اللَّام واسْمه: إسميفع، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْفَاء وَفِي آخِره عين مُهْملَة، وَيُقَال: إيفع بن باكوراء، وَيُقَال: ابْن حَوْشَب بن عمر، وَقَالَ أَبُو عَمْرو: وَأَظنهُ من حمير، وَيُقَال: إِنَّه اب عمر كَعْب الْأَحْبَار يكنى أَبَا شُرَحْبِيل، وَيُقَال: أَبُو شُرَحْبِيل كَانَ ريئسا فِي قومه مُطَاعًا متبوعاً اسْلَمْ وَكتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التعاون على الْأسود ومسيلمة وطليحة وَكَانَ الرَّسُول إِلَيْهِ جرير بن عبد الله البَجلِيّ فَأسلم وَخرج مَعَ جرير إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ ذُو الْكَلَام الْقَائِم بِأَمْر مُعَاوِيَة فِي حَرْب صفّين وَقتل قبل انْقِضَاء الْحَرْب، ففرح مُعَاوِيَة بِمَوْتِهِ، وَكَانَ مَوته فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ. قَالَ أَبُو عَمْرو. وَلَا أعلم لذِي الكلاع صُحْبَة أَكثر من إِسْلَامه واتباعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي حَيَاته، وَأَظنهُ أحد الْوُفُود عَلَيْهِ، وَالله أعلم، وَلَا أعلم لَهُ رِوَايَة إلاَّ عَن عَمْرو وعَوْف بن مَالك، وَقَالَ أَبُو عَمْرو: وَإنَّهُ أعتق عشرَة آلَاف أهل بَيت. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: كَانَ ذُو الكلاع ادّعى الربوبية فِي الْجَاهِلِيَّة وَأَن إِسْلَامه إِنَّمَا كَانَ أَيَّام عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب لَهُ مَعَ جرير وَجَرِير إِنَّمَا قدم بعد وَفَاة سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَذَا عَمْرو) ، كَانَ أحد مُلُوك الْيمن، وَقَالَ أَبُو عمر: ذُو عمر رجل من الْيمن أقبل مَعَ ذِي الكلاع إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُسلمين ومعهما جرير بن عبد الله البَجلِيّ، وَيُقَال: كَانَا عزما على التَّوَجُّه إِلَى الْمَدِينَة فَلَمَّا بلغهما وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجعا إِلَى الْيمن ثمَّ هاجرا فِي زمن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (أحدثهم) ، إِنَّمَا جمع الضَّمِير بِاعْتِبَار من كَانَ مَعَهُمَا. قَوْله: (من أَمر صَاحبك) أَرَادَ بالصاحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (لقد مر على أَجله مُنْذُ ثَلَاث) أَرَادَ إِنَّه مَاتَ مُنْذُ ثَلَاثَة أَيَّام، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: أَيْن جَزَاء الشَّرْط؟ قلت: جَوَاب الْقسم جزاءاً للشّرط معنى. فَإِن قلت: الشَّرْط شَرطه أَن يكون سَببا للجزاء، وَهَهُنَا لَيْسَ كَذَلِك؟ قلت: هُوَ متأول بالإخبار، إِن تُخبرنِي بذلك أخْبرك بِهَذَا، فالإخبار سَبَب للإخبار، وَقَالَ أَيْضا: إِنَّمَا علم وَفَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِمَّا بِسَمَاعِهِ من بعض القادمين من الْمَدِينَة سرا، وَإِمَّا أَنه كَانَ من المحدَّثين، وَإِمَّا أَنه كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة كَاهِنًا، إِنَّمَا أخبر بذلك عَن إطلاع من الْكتب الْقَدِيمَة لِأَن الْيمن كَانَ أَقَامَ بهَا جمَاعَة من الْيَهُود فَدخل كثير من أهل الْيمن فِي دينهم وتعلموا مِنْهُم. قَوْله: (وأقبلا معي) ، من كَلَام جرير، أَي: أقبل ذُو الكلاع وَذُو عَمْرو، يَعْنِي: متوجهين إِلَى الْمَدِينَة. قَوْله: (فَقَالَا) أَي: ذُو الكلاع وَذُو عَمْرو (أخبر صَاحبك) أَرَادَ بِهِ: أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (بِحَدِيثِهِمْ) ، قد ذكرنَا أَن جمعه بِاعْتِبَار اتباعهم أَو بِاعْتِبَار أَن أقل الْجمع اثْنَان. قَوْله: (فَلَمَّا كَانَ بعد) ، بِضَم الدَّال على الْبناء أَي: بعد هَذَا الْأَمر. وَلَعَلَّه كَانَ ذَلِك بعد أَن هَاجر ذُو عَمْرو فِي خلَافَة عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَذكر يَعْقُوب بن شبة بِإِسْنَاد لَهُ: أَن ذَا الكلاع كَا مَعَه اثْنَي عشر ألف بَيت من موَالِيه، فَسَأَلَهُ عمر بيعهم ليستعين بهم على حَرْب الْمُشْركين، فَقَالَ ذُو الكلاع: هم أَحْرَار فَأعْتقهُمْ فِي سَاعَة وَاحِدَة. قَوْله: (كَرَامَة) مَنْصُوب، قَوْله: (تآمرتم) ، بِمد الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمِيم، أَي: تشاورتم، والائتمار الْمُشَاورَة ويروى: (تأمرتم) ، بِالْقصرِ وبتشديد الْمِيم أَي: اقمتم أَمِيرا مِنْكُم عَن رضى مِنْكُم أَو عهد من الأول. قَوْله: (فَإِذا كَانَت) ، أَي: الْإِمَارَة: (بِالسَّيْفِ) أَي: بالقهر وَالْغَلَبَة (كَانُوا ملوكاً) أَي: خلفاء، وَهَذَا الْكَلَام مِنْهُ يدل على أَن ذَا عمر وَله اطلَاع على الْأَخْبَار من الْكتب الْقَدِيمَة، لِأَنَّهُ يُطَابق حَدِيث سفينة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة ثمَّ تصير ملكا) ، رَوَاهُ أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن وَصَححهُ ابْن حبَان.(18/14)
66 - (بابُ غزْوَةِ سِيفِ البَحْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة سيف الْبَحْر، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آحر الْحُرُوف وَفِي آخِره فَاء، وَهُوَ السَّاحِل وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ: بَاب.
وهُمْ يَتَلقَّوْنَ عِيراً لِقُرَيْشٍ وأمِيرُهُمْ أبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ رَضِي الله عنهُ
لَا بُد من تَقْدِير شَيْء قبل هَذَا ليتنظم الْكَلَام، تَقْدِير: بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعثاً قبل سَاحل الْبَحْر فَخَرجُوا وهم يتلقون عيرًا، أَي: يرصدون عيرًا، وَهَكَذَا وَقع فِي بعض الرِّوَايَات: وَالْعير، بِكَسْر الْعين: الْإِبِل الَّتِي تحمل الْميرَة، وأميرهم أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح واسْمه عَامر، وَقيل: عبد الله بن عَامر بن الْجراح بن هِلَال بن أهيب بن ضبة بن الْحَارِث بن فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة الْقرشِي الفِهري، شهد بَدْرًا وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد، مَاتَ وَهُوَ ابْن ثَمَان وَخمسين سنة فِي طاعون عمواس سنة ثَمَان عشرَة بالأردن من الشَّام، وَبهَا قَبره، وَصلى عَلَيْهِ معَاذ بن جبل رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
4360 - ح دّثنا إسْماعيلُ قَالَ حدّثني مالِكٌ عنْ وهْبِ بنِ كَيْسانَ عنْ جابِرِ بنِ عبْدِ الله رَضِي الله عَنْهُمَا أنَّهُ قَالَ بَعَثَ رَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْثاً قِبَل السَّاحِلِ وأمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ وهُمْ ثَلاثُمائَةٍ فَخرَجْنا وكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ فأمَرَ أبُو عُبَيْدَةَ بأزْوَادِ الجَيْشِ فَجُمِعَ فَكانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ فَكانَ يَقُوتُنا كلَّ يَوْمٍ قَلِيلٌ قَليل حَتَّى فَنِيَ فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنا إلاَّ تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ فَقُلْتُ مَا تُغْنِي عَنْكُمْ تَمْرَةٌ فَقَالَ لقَدْ وَجَدْنا فَقْدَها حِينَ فَنِيَتْ ثمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى البَحْرِ فإذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِب فأكلَ مِنْها القَوْمُ ثَمَانَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ أمَرَ أبُو عُبَيْدَةِ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أضْلاَعِهِ فَنُصِبَا ثُمَّ أمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُما فَلَمْ تُصبْهُما. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل بن أبي أويس ابْن أُخْت مَالك بن أنس. والْحَدِيث مر فِي الشّركَة فِي الطَّعَام فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (قبل السَّاحِل) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الباه الْمُوَحدَة، أَي: جِهَته، وَذكر ابْن سعد وَغَيره: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَعثهمْ إِلَى حَيّ من جُهَيْنَة بالقبلية، بِفَتْح الْقَاف وَالْبَاء الْمُوَحدَة: مِمَّا يَلِي سَاحل الْبَحْر بَينهم وَبَين الْمَدِينَة خمس لَيَال، وَأَنَّهُمْ انصرفوا وَلم يلْقوا كيداً، وَأَن ذَلِك كَانَ فِي شهر رَجَب سنة ثَمَان، وَهَذَا لَا يُعَارض مَا فِي (الصَّحِيح) لِأَنَّهُ يُمكن الْجمع بَين كَونهم يتلقون عيرًا لقريش ويقصدون حَيا من جُهَيْنَة. قَوْله: (فخرجنا) ، الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى التَّكَلُّم. قَوْله: (فَكَانَ مزودي تمر) ، المزود: بِكَسْر الْمِيم، مَا يَجْعَل فِيهِ الزَّاد. قَوْله: (يقوتنا) من قاته يقوته من الثلاثي الْمُجَرّد، ويروى: يقوتنا، بِضَم الْيَاء وَتَشْديد الْوَاو من: التقويت، والقوت مَا يقوم بِهِ بدن الْإِنْسَان. قَوْله: (قَلِيل قَلِيل) ، بِدُونِ الْألف على اللُّغَة الربيعية، وَالْمَشْهُور قَلِيلا قَلِيلا، بِالنّصب. قَوْله: (لقد وجدنَا فقدها) أَي: مؤثراً. قَوْله: (ثمَّ انتهينا إِلَى الْبَحْر) ، أَي: إِلَى سَاحل الْبَحْر. قَوْله: (فَإِذا حوت) كلمة: إِذا، للمفاجأة، والحوت، اسْم جنس لجَمِيع السّمك وَقيل هُوَ مَخْصُوص بِمَا عظم مِنْهَا. قَوْله: (مثل الظرب) ، بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء: وَهُوَ الْجَبَل الصَّغِير، وَوَقع فِي بعض النّسخ بالضاد الْمُعْجَمَة، حَكَاهُ ابْن التِّين، وَالْأول أصوب وَقَالَ الْفراء: هُوَ بِسُكُون الرَّاء إِذا كَانَ منبسطاً لَيْسَ بالعالي، وَفِي رِوَايَة أبي الزبير: فَوَقع لنا على سَاحل الْبَحْر كَهَيئَةِ الْكَثِيب الضخم فأتيناه فَإِذا هُوَ دَابَّة تدعى العنبر. قَوْله: (بضلعين) ، الضلع بِكَسْر الضَّاد وَفتح اللَّام.
4361 - ح دّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا سُفْيانُ قَالَ الَّذِي حَفِظْناهُ مِنْ عَمْرِو بن دِينار قَالَ سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله يَقُولُ بَعَثَنَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلاثَمَائِةِ راكِبٍ أمِيرُنا أبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ(18/15)
نَرْصُدُ عِيرَ قُرَيْشٍ فأقَمْنا بالسَّاحِلِ نِصْفَ شَهْرٍ فأصابنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حتَّى أكَلْنا الخَبَطَ فَسُمِّي ذالِكَ الجَيْشُ جَيْشَ الخَبَطِ فألْقَى لَنَا البَحْرُ دَابَّةً يُقالُ لهَا العَنْبَرُ فأكَلْنا مِنْهُ نِصْف شَهْرٍ وادَّهنَّا مِنْ ودَكِهِ حَتَّى ثابَتْ إلَيْنا أجْسامُنا فأخَذَ أبُو عُبَيْدَةَ ضَلعَاً مِنْ أضْلاَعِهِ فَنَصَبَهُ فعمَدَ إلَى أطْوَلِ رجُلٍ معَهُ قَالَ سُفْيانُ مرَّةً ضِلعاً منْ أضْلاَعِهِ فنَصَبَهُ وأخَذَ رَجُلاً وبَعِيراً فَمَرَّ تَحْتَهُ قَالَ جابرٌ وَكَانَ رجُلٌ مِنَ القَوْمِ نَحَرَ ثَلاَثَ جَزَائِرَ ثُمَّ نَحَرَ ثَلاَثَ جَزَائِرَ ثُمَّ نَحَرَ ثَلاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ إنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ نَهَاهُ وكانَ عَمْروٌ يقُولُ أخْبرَنا أَبُو صالِحٍ أنَّ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ قَالَ لأِبِيهِ كُنْتُ فِي الجَيْشِ فَجاعُوا قَالَ انْحَرْ قَالَ نَحَرْتُ قَالَ ثُمَّ جاعُوا قَالَ انْحَرْ قَالَ نَحَرْتُ قَالَ ثُمَّ جاعُوا قَالَ انْحَرْ قَالَ نَحرْتُ ثُمَّ جاعُوا قَالَ انْحَرْ قَالَ نُهِيتُ. .
هَذَا طَرِيق آخر من حَدِيث جَابر. وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة.
قَوْله: (ثَلَاثمِائَة رَاكب) ، بِالنّصب بدل من قَوْله: بعثنَا. قَوْله: (أميرنا أَبُو عُبَيْدَة) جملَة إسمية وَقعت حَالا بِدُونِ الْوَاو كَمَا فِي كَلمته: فوه إِلَى فِي. قَوْله: (الْخبط) ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة، وَهُوَ ورق السّلم، يُقَال: خبطت الشَّجَرَة إِذا ضربتها بالعصا ليسقط من وَرقهَا، وَفِي رِوَايَة أبي الزبير: وَكُنَّا نضرب بعصينا الْخبط ثمَّ نبله بِالْمَاءِ فنأكله، وَهَذَا يدل على أَنه كَانَ يَابسا، وَيرد بِهَذَا مَا قَالَه الدَّاودِيّ: إِنَّه كَانَ رطبا. قَوْله: (نصف شهر) ، سَيَأْتِي: ثَمَان عشرَة لَيْلَة، وَفِي رِوَايَة أبي الزبير: فَأَقَمْنَا عَلَيْهَا شهرا، وَالْجمع بَين هَذِه الرِّوَايَات: أَن الَّذِي قَالَ: ثَمَان عشرَة، ضبط مَا لم يضبطه غَيره، وَأَن من قَالَ: نصف شهر، ألغى الْكسر الزَّائِد وَهُوَ ثَلَاثَة أَيَّام، وَمن قَالَ: شهرا، جبر الْكسر أَو ضم بَقِيَّة الْمدَّة الَّتِي قبل وجدانهم الْحُوت إِلَيْهَا، وَرجح النَّوَوِيّ رِوَايَة أبي الزبير لما فِيهَا من الزِّيَادَة، وَقَالَ ابْن التِّين: إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي البُخَارِيّ وهم. قَوْله: (من ودكه) ، بِفَتْح الْوَاو وَالدَّال الْمُهْملَة: وَهُوَ من اللَّحْم والشحم مَا يتحلب مِنْهُ. قَوْله: (فَأخذ أَبُو عُبَيْدَة ضلعاً من أضلاعه) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين. وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: من أَعْضَائِهِ، وَالصَّوَاب هُوَ الأول لِأَن سُفْيَان قَالَ مرّة: ضلعاً من أَعْضَائِهِ، فَدلَّ على أَن الرِّوَايَة الأولى: من أضلاعه. قَوْله: (وثابت) ، بالثاء الْمُثَلَّثَة أَي: رجعت أجسامنا إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ من الْقُوَّة وَالسمن. قَوْله: (وَكَانَ رجل من الْقَوْم نحر ثَلَاث جزائر) أَي: عِنْدَمَا جَاعُوا، والجزائر جمع جزور، وَهُوَ الْبَعِير ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى إِلَّا أَن اللَّفْظَة مُؤَنّثَة تَقول: هِيَ الْجَزُور وَإِن أردْت ذكرا. قَوْله: (وَكَانَ عَمْرو) ، هُوَ ابْن دِينَار، (وَأَبُو صَالح) ذكْوَان السمان. قَوْله: (أَن قيس بن سعد) إِلَى آخِره، مُرْسل لِأَن عَمْرو بن دِينَار لم يدْرك زمَان تحديث قيس لِأَبِيهِ لكنه فِي (مُسْند الْحميدِي) مَوْصُول أخرجه أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيقه وَلَفظه: عَن أبي صَالح عَن قيس بن سعد بن عبَادَة، قَالَ: قلت لأبي وَكنت فِي ذَلِك الْجَيْش جَيش الْخبط فَأصَاب النَّاس جوع، قَالَ لي: أنحر! قلت: نحرت. فَذكره. قَوْله: (نهيت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول والناهي هُوَ أَبُو عُبَيْدَة.
4362 - ح دّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْ يَى عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ أخبْرَني عمْروٌ أنَّهُ سَمِعَ جابِراً رَضِي الله عَنهُ يقُولُ غزَوْنا جَيْشَ الخَبَطِ وأُمِّرَ أَبُو عُبَيْدَةَ فَجُعْنا جُوعاً شَدِيداً فألْقَى البَحْرُ حُوتاً مَيِّتاً لمْ نَرَ مِثْلَهُ يقالُ لهُ العَنْبَرُ فأكَلْنا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ فأخَذَ أبُو عُبَيْدَةَ عَظْماً مِنْ عِظامِهِ فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتهُ فأخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أنَّهُ سَمِعَ جابِراً يقُولُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ كُلُوا فَلَمَّا قَدِمْنا المَدينَةَ ذَكَرْنا ذَلِكَ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ كُلُوا رِزْقاً أخْرَجَهُ الله أطْعِمُونا إنْ كانَ مَعَكُمْ فآتاهُ بَعْضُهُمْ فأكلَهُ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث جَابر أخرجه عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن عَمْرو بن دِينَار ... الخ.
قَوْله: (أَمر) ، بِضَم الْهمزَة وَتَشْديد الْمِيم الْمَكْسُورَة على صِيغَة الْمَجْهُول، وَفِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة عِنْد(18/16)
مُسلم: وأميرنا أَبُو عُبَيْدَة. قَوْله: (فَأَخْبرنِي أَبُو الزبير) ، الْقَائِل هُوَ ابْن جريج، وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَأَبُو الزبير مُحَمَّد بن مُسلم الْمَكِّيّ. قَوْله: (فَأَتَاهُ) ، بِالْمدِّ أَي: فَأعْطَاهُ، وَفِي رِوَايَة ابْن السكن: فآتاه بَعضهم بعضو مِنْهُ فَأَكله، قَالَ عِيَاض: هُوَ الْوَجْه، وَفِي رِوَايَة أَحْمد من طَرِيق ابْن جريج الَّذِي أخرجه البُخَارِيّ: فَكَانَ مَعنا فِي شَيْء فَأرْسل بِهِ إِلَيْهِ بعض الْقَوْم فَأكل مِنْهُ. فَإِن قلت: وَقع فِي رِوَايَة أبي حَمْزَة عَن جَابر عَن ابْن عَسَاكِر: فَلَمَّا قدمُوا ذكرُوا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: لَو نعلم أَنا ندركه لم يروح لأحببنا لَو كَانَ عندنَا مِنْهُ فَمَا الْوَجْه بَين هَذِه وَبَين رِوَايَة أبي الزبير؟ قلت: وَجه ذَلِك أَن رِوَايَة أبي حَمْزَة تحمل على أَنه قَالَ ذَلِك ازدياداً مِنْهُ بعد أَن أحضروا لَهُ مِنْهُ، وَكَانَ الَّذِي أحضروه مَعَهم لم يروح فَأكل مِنْهُ.
وَفِي الحَدِيث: أَن ميتَة الْحُوت تُؤْكَل. وَفِيه: مَشْرُوعِيَّة الْمُوَاسَاة بَين الْجَيْش عِنْد وُقُوع المجاعة. وَفِيه: أَن الِاجْتِمَاع على الطَّعَام يَسْتَدْعِي الْبركَة فِيهِ.
67 - (حَجُّ أبي بَكْرٍ بالنَّاس فِي سَنَةِ تسْعٍ)
أَي: هَذَا بَيَان حج أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِالنَّاسِ. قَوْله: حج أبي بكر، مُضَاف ومضاف إِلَيْهِ مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبره قَوْله: فِي سنة تسع، أَي: كَانَ، أَو: وَقع فِي سنة تسع من الْهِجْرَة، وَيجوز أَن يكون لفظ: حج فعلا مَاضِيا، فَيُقَال: حج أَبُو بكر، وَيكون: أَبُو بكر، فَاعله وَلم يخْتَلف فِي أَن حجه كَانَ فِي سنة تسع، وَلَكنهُمْ اخْتلفُوا فِي أَي شهر حج أَبُو بكر، فَذكر ابْن سعد وَغَيره بِإِسْنَاد صَحِيح عَن مُجَاهِد: أَن حجَّة أبي بكر وَقعت فِي ذِي الْقعدَة، وَمِنْهُم من قَالَ: إِن حجَّته كَانَت فِي ذِي الْحجَّة، وَمِنْهُم من لم يبين ذَلِك، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: إِنَّه خرج فِي تِلْكَ الْحجَّة مَعَ أبي بكر ثَلَاثمِائَة من الصَّحَابَة، وَبعث مَعَه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشْرين بَدَنَة. وَذهب جمَاعَة إِلَى أَن حج أبي بكر هَذَا لم يسْقط عَنهُ الْفَرْض بل كَانَ تَطَوّعا قبل فرض الْحَج.
4363 - ح دّثنا سُلَيْمَانُ بنُ داوُدَ أبُو الرَّبِيعِ حَدثنَا فُلَيْحٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ حُمَيْدِ بنِ عبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ أَبَا بكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِي الله عنهُ بعثَهُ فِي الحَجَّةِ الَّتي أمَّرَهُ عَلَيْها النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ لَا يَحُجُّ بعْدَ العامِ مُشْركٌ وَلَا يَطَوفُ بالبَيْتِ عُرْيانٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَسليمَان بن دَاوُد أَبُو الرّبيع ضد الخريف الْعَتكِي الزهْرَانِي الْبَصْرِيّ، وفليح، بِضَم الْفَاء: ابْن سُلَيْمَان، وَكَانَ اسْمه: عبد الْملك وفليح لقبه فغلب على اسْمه والْحَدِيث مضى فِي الْحَج فِي: بَاب لَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن ابْن شهَاب وَهُوَ الزُّهْرِيّ عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن ... الخ، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
4364 - ح دّثني عبْدُ الله بنُ رَجاءٍ حدّثنا إسْرَائِيلُ عنْ أبي إسْحاقَ عَن البَرَاءِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ كامِلَةً بَراءَة وآخِرُ سورَةٍ نزلَت خاتمَةُ سورَةِ النِّساءِ {يَسْتَفْتُونَكَ قُل الله يُفتيكُمْ فِي الْكلاَلَةِ} (النِّسَاء: 176) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن بَرَاءَة نزلت وَقد بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على الْحَج، فَقيل: لَو بعث بهَا إِلَى أبي بكر فَقَالَ: لَا يُؤَدِّي عني إلاَّ رجل من أهل بَيْتِي، ثمَّ دَعَا عليا، فَقَالَ: أخرج بصدر بَرَاءَة وأذّن فِي النَّاس يَوْم النَّحْر إِذا اجْتَمعُوا بمنى. . الحَدِيث رَوَاهُ ابْن إِسْحَاق. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَجه تعلقه بالترجمة مُنَاسبَة الْآيَة الَّتِي فِي بَرَاءَة وَهِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس فَلَا يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بعد عَامهمْ هَذَا} (بَرَاءَة: 28) لما وَقع فِي حجَّته، وكل من الْوَجْهَيْنِ لَا يَخْلُو عَن تعسف مَعَ أَن الأول أقرب.
وَعبد الله بن رَجَاء ضد الْخَوْف ابْن الْمثنى الغداني الْبَصْرِيّ، وَرُبمَا يرْوى عَنهُ البُخَارِيّ بِوَاسِطَة، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي عَن الْبَراء بن عَازِب.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْفَرَائِض عَن عبيد(18/17)
الله بن مُوسَى.
قَوْله: (كَامِلَة) قَالَ الدَّاودِيّ: لفظ: كَامِلَة، لَيْسَ بِشَيْء لِأَن بَرَاءَة نزلت شَيْئا بعد شَيْء. قلت: وَلِهَذَا لم يذكر لفظ: كَامِلَة، فِي هَذَا الحَدِيث فِي التَّفْسِير، وَلَفظه هُنَاكَ: آخر سُورَة نزلت بَرَاءَة، وَآخر آيَة نزلت يستفتونك وَذكر النّحاس عَن ابْن عَبَّاس: آخر سُورَة نزلت: {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} (النَّصْر: 10) وَسَيَأْتِي فِي التَّفْسِير عَن ابْن عَبَّاس: أَن آخر آيَة نزلت آيَة الرِّبَا، وَآخر سُورَة نزلت ... الخ قَالَ الْكرْمَانِي: يستفتونك، لَيْسَ آخر سُورَة نزلت، بل آخر آيَة من السُّورَة كَمَا صرح بِهِ فِي التَّفْسِير، ثمَّ قَالَ: المُرَاد من السُّورَة فِيهِ الْقطعَة من الْقُرْآن أَو الْإِضَافَة فيهمَا بِمَعْنى من البيانية نَحْو شجر أَرَاك، أَي: آخر من سُورَة، أَو بِمَعْنى: من البيانية نَحْو شجر أَرَاك، أَي: آخر من سُورَة، أَو بِمَعْنى: من، التبعضية أَي: الآخر بعض السُّورَة. قلت: لفظ الحَدِيث فِي (الْأَطْرَاف) لِلْحَافِظِ الْمزي: وَآخر آيَة نزلت، وَهُوَ الصَّوَاب فَلَا يحْتَاج إِلَى هَذِه التعسفات.
68 - (وفْدُ بَني تَمِيمٍ)
أَي: هَذَا بَيَان وَفد بني تَمِيم. وَهُوَ ابْن مر بن اد بن طابخة بن الياس بن مُضر بن نزار، وَشرع البُخَارِيّ من هُنَا فِي بَيَان الْوُفُود، وَذكر ابْن إِسْحَاق أَن أَشْرَاف بَين تَمِيم قدمُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِنْهُم عُطَارِد بن حَاجِب الدَّارمِيّ، والأقرع وعيينة شَهدا الْفَتْح ثمَّ كَانَا مَعَ نَبِي تَمِيم. فَلَمَّا دخلُوا الْمَسْجِد نادوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وَرَاء حجرته، فيهم: {إِن الَّذين يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات} إِلَى قَوْله: {غَفُور رَحِيم} (الحجرات: 4 5) فأسلموا وجوزهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل رجل اثْنَي عشرَة أُوقِيَّة وَنَشَأ وَأعْطى لعمر بن الْأَهْتَم خمس أَوَاقٍ لحداثة سنة، وَكَانَ هَذَا قبل الْفَتْح.
4365 - ح دّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدّثنا سُفْيانُ عنْ أبي صَخْرَةَ عنْ صَفْوَانَ بنِ مُحْرِزٍ المازِنيِّ عنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ أتَى نَفَرٌ من بَني تَمِيمٍ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ اقْبَلُوا البُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ قالُوا يَا رَسُول الله قَدْ بَشَّرْتَنا فأعْطِنا فَرِىءَ ذَلِكَ فِي وجهْهِ فَجَاءَ نَفَرٌ اليَمَنِ فَقَالَ اقْبَلُوا البُشْرَى إذْ لَمْ يَقْبَلْها بَنُو تَمِيمٍ قالُوا قَدْ قَبِلْنا يَا رسُولَ الله. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو صَخْرَة، بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة: واسْمه جَامع بن شَدَّاد، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الدَّال: الْمحَاربي الْأَسدي الْكُوفِي، وَصَفوَان بن مُحرز على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من الأحراز بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء وَالزَّاي. والْحَدِيث مر فِي أول كتاب بَدْء الْخلق بأتم مِنْهُ، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، فَافْهَم.
69 - (بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب، وَلَا يعرب إلاَّ بِهَذَا التَّقْدِير: لِأَن الْإِعْرَاب لَا يكون إلاَّ بِالْعقدِ والتركيب، وَهَذَا كالفصل لما قبله.
قَالَ ابنُ إسْحاقَ غَزْوَةُ عُيَيْنَةَ بنِ حِصْنِ بنِ حُذيْفَةَ بنِ بَدْرٍ بَني العَنْبَرِي مِنْ بَنِي تَمِيمٍ بَعَثَهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَيْهمْ فأغارَ وأصابَ مِنْهُمْ نَاسا وسَبَى مِنْهُمْ نِساءً.
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب (الْمَغَازِي) . قَوْله: غَزْوَة، مصدر مُضَاف إِلَى فَاعله، ومفعوله هُوَ قَوْله: بني العنبر من بني تَمِيم، وَعَنْبَر هُوَ ابْن عَمْرو بن تَمِيم، وَقد مر أَن تَمِيم هُوَ ابْن مر بن أد بن طابخة بن إلْيَاس بن مُضر، وَذكر الْوَاقِدِيّ، رَحمَه الله: أَن سَبَب بعث عُيَيْنَة هُوَ أَن بني تَمِيم أَغَارُوا على نَاس من خُزَاعَة، فَبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم عُيَيْنَة بن حصن فِي خمسين لَيْسَ فيهم أَنْصَارِي وَلَا مُهَاجِرِي، فاسر مِنْهُم أحد عشر رجلا وَإِحْدَى عشرَة امْرَأَة، وَثَلَاثِينَ صَبيا، فَقدم رؤساؤهم بِسَبَب ذَلِك، قَالَ ابْن سعد: كَانَ ذَلِك فِي الْمحرم سنة تسع.
//(18/18)
363 - (حَدثنِي زُهَيْر بن حَرْب حَدثنَا جرير عَن عمَارَة بن الْقَعْقَاع عَن أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَا أَزَال أحب بني تَمِيم بعد ثَلَاث سمعته من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولهَا فيهم هم أَشد أمتِي على الدَّجَّال وَكَانَت فيهم سبية عِنْد عَائِشَة فَقَالَ أعتقيها فَإِنَّهَا من ولد إِسْمَاعِيل وَجَاءَت صَدَقَاتهمْ فَقَالَ هَذِه صدقَات قوم أَو قومِي) مطابقته للتَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة قبل لفظ الْبَاب الْمُجَرّد عَن التَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن فِيهِ ذكر تَمِيم ومدحهم وَجَرِير بن عبد الحميد وَأَبُو زرْعَة هرم بن عَمْرو بن جرير البَجلِيّ الْكُوفِي والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعتْق فِي بَاب من ملك من الْعَرَب رَقِيقا بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد وبإسناد آخر قَوْله " بعد ثَلَاث " أَي بعد ثَلَاثَة أَشْيَاء من الْخِصَال قَوْله " سمعته " صفة لقَوْله ثَلَاث قَوْله " يَقُولهَا " تَأْنِيث الضَّمِير فِيهِ بِاعْتِبَار معنى الثَّلَاث وَفِي سمعته بِاعْتِبَار اللَّفْظ قَوْله " هم أَشد أمتِي " أول الثَّلَاث قَوْله " وَكَانَت فيهم " ثَانِيهَا وَفِي رِوَايَة الْكشميهني مِنْهُم وحروف الْجَرّ يقوم بَعْضهَا مقَام بعض قَوْله " سبية " بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف أَو بسكونها بِهَمْزَة مَفْتُوحَة أَي جَارِيَة سبيئة بِمَعْنى مسبوءة قَوْله " وَجَاءَت صَدَقَاتهمْ " ثَالِثهَا قَوْله " قوم " بِالْكَسْرِ بِلَا تَنْوِين لِأَنَّهُ قد حذف مِنْهُ يَاء الْمُتَكَلّم أَو قومِي شكّ من الرَّاوِي وَفِي رِوَايَة أبي يعلى عَن زُهَيْر بن حَرْب شيخ البُخَارِيّ فِيهِ صدقَات قومِي بِلَا تردد -
4367 - ح دّثني إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى حدّثنا هِشامُ بنُ يُوسُفَ أنَّ ابنَ جُرَيْجٍ أخْبَرَهُمْ عَن ابْن أبي مُلَيْكَةَ أنَّ عَبْدَ الله بنَ الزبَيْرِ أخْبَرَهُمْ أنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَني تَمِيمٍ عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أبُو بَكْرٍ أمِّرِ القَعْقاعَ بنَ مَعْبَدِ بنِ زُرَارَةَ قَالَ عُمَرُ بَلْ أمِّرِ الأقْرَعَ بنَ حابِسٍ قَالَ أبُو بَكْرٍ مَا أرَدْت إلاَّ خِلاَفِي قَالَ عُمَرُ مَا أرَدْتُ خِلافَكَ فَتَمارَ يَا حَتَّى ارْتَفَعْتْ أصْوَاتُهُما فَنَزَلَ فِي ذالكَ {يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقَدِّموا بَيْنَ يَدَي الله ورَسُولِهِ} (الحجرات: 1) حَتَّى انْقَضَتْ. .
مطابقته لما قبله ظَاهِرَة. وَإِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد أَبُو إِسْحَاق الْفراء الرَّازِيّ. وَهِشَام بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج الْمَكِّيّ، وَابْن أبي مليكَة هُوَ عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة، وَاسم أبي مليكَة زُهَيْر بن عبد الله التَّمِيمِي الْأَحول الْمَكِّيّ القَاضِي على عهد عبد الله بن الزبير.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن الْحسن بن مُحَمَّد وَعَن بسرة بن صَفْوَان. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن ابْن الْمثنى. وَأخرجه النَّسَفِيّ فِيهِ وَفِي الْقَضَاء عَن الْحسن بن مُحَمَّد الزَّعْفَرَانِي بِهِ.
قَوْله: (أَمر) بتَشْديد الْمِيم: أَمر من التأمير، و: (الْقَعْقَاع بن معبد) بِفَتْح الْمِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن زُرَارَة ابْن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مَالك بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم التَّمِيمِي، أحد وَفد بني تَمِيم، وَإِنَّمَا أَشَارَ أَبُو بكر بتأمير الْقَعْقَاع لِأَنَّهُ كَانَ أرق من الْأَقْرَع، وَأَشَارَ عمر بالأقرع لِأَنَّهُ كَانَ أَحْرَى من الْقَعْقَاع، وكل أَرَادَ خيرا. قَوْله: (فتماريا) التماري هُوَ: المجادلة والمخاصمة. قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله، وَاتَّقوا الله إِن الله سميع عليم} (الحجرات: 1) وَمعنى: لَا تقدمُوا لَا تقطعوا أمرا إلاَّ بعد مَا يحكم الله وَرَسُوله ويأذنان فِيهِ فتكونوا إِمَّا عاملين بِالْوَحْي، وَإِمَّا مقتدين برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَلِيهِ يَدُور تَفْسِير ابْن عَبَّاس: لَا تَقولُوا خلاف الْكتاب وَالسّنة. وَقَالَ عَطِيَّة: لَا تكلمُوا بَين يَدي كَلَامه، وَحذف الْمَفْعُول ليُفِيد شُمُوله لكل مَا يخْطر بالبال مِمَّا تقدم. قَوْله: (بَين يَدي الله وَرَسُوله) ، من بَاب التَّمْثِيل وَحَقِيقَته من قَوْلهم: جَلَست بَين يَدي فلَان، أَن تجْلِس بَين الْجِهَتَيْنِ المسامتتين ليمينه وشماله، فسميت الجهتان: يدين، لِكَوْنِهِمَا على سمت الْيَدَيْنِ مَعَ الْقرب مِنْهُمَا توسعاً كَمَا يُسمى الشَّيْء باسم غَيره إِذا جاوره وداناه قَوْله: (إِن الله سميع عليم) ، سميع بأقوالكم عليم بأفعالكم قَوْله: (حَتَّى انْقَضتْ) أَي: الْآيَة إِلَى قَوْله: {وَأَنْتُم لَا تشعرون} (الحجرات: 1) .(18/19)
70 - (بابُ وفْدِ عَبدِ القَيْسِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وَفد عبد الْقَيْس، وَهِي قَبيلَة كَبِيرَة يسكنون الْبَحْرين وينسبون إِلَى عبد الْقَيْس بن أفصى، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْفَاء وبالصاد الْمُهْملَة على وزن أعمى بن دعمي، بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن جديلة، بِفَتْح الْجِيم على وزن كَبِيرَة ابْن أَسد بن ربيعَة بن نزار، وَكَانَت قريتهم بِالْبَحْرَيْنِ أول قَرْيَة أُقِيمَت فِيهَا الْجُمُعَة بعد الْمَدِينَة تسمى جواثى، بِضَم الْجِيم وَتَخْفِيف الْوَاو والثاء الْمُثَلَّثَة، وَكَانَ عدد هَؤُلَاءِ الْوَفْد ثَلَاثَة عشر رجلا فِي سنة خمس أَو قبلهَا، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: وَكَانَ قدوم وَفد عبد الْقَيْس قبل الْفَتْح.
4368 - ح دّثني إسْحَاقُ أخبرَنا أبُو عامِرٍ العَقَدِيُّ حَدثنَا قُرَّةُ عنْ أبي جَمْرَةَ قُلْتُ ل ابْنِ عبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا إنَّ لِي جرَّةً يُنْتَبَذُ لي فِيها نَبِيذٌ فأشْرَبُهُ حُلْواً فِي جَرٍّ إِن أكْثَرْتُ مِنْهُ فَجالَسْتُ القَوْمَ فأطلْتُ الجُلُوسَ خَشِيتُ أنْ أفْتَضِحَ فَقَالَ قَدِمَ وفْدُ عبْدِ القَيْسِ علَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَرْحباً بالْقَوْمِ غيرَ خَزَايا وَلَا النَّدَامَى فقالُوا يَا رسُولَ الله إنَّ بَيْنَنَا وبَيْنَكَ المُشْرِكِينَ مِنْ مُضَرَ وإنّا لَا نَصِلُ إليْكَ إِلَّا فِي أشْهُرِ الحُرُمِ حَدِّثْنا بِجُمَلٍ مِنَ الأمْرِ إنْ عَمِلْنا بهِ دَخَلْنا الجَنَّةَ ونَدْعُو بهِ مَنْ وَرَاءَنا قَالَ آمُرُكُمْ بأرْبَعٍ وأنْهاكُمْ عنْ أرْبَعٍ الإيمانُ بِاللَّه هَلْ تَدْرُونَ مَا الإيمانُ الله شَهادَةُ أنْ لَا إلاهَ إلاَّ الله وإقامُ الصَّلاَةِ وإيتاءُ الزَّكاةِ وصَوْمُ رَمضان وأنْ تُعْطُوا مِنَ المَغانِمِ الخُمسَ وأنْهاكُمْ عنْ أرْبَعٍ مَا انْتُبِذَ فِي الدُّباءِ والنِّقيرِ والحَنْتَمِ والمُزَفَّتِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه، وَأَبُو عَامر عبد الْملك بن عمر والعقدي، وقرة، بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الرَّاء هُوَ ابْن خَالِد السدُوسِي، وَأَبُو جَمْرَة، بِفَتْح الْجِيم وَالرَّاء: نصر بن عمرَان الضبعِي الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان، بأتم مِنْهُ.
قَوْله: (إِن لي جرة) ، ويروى: إِن لي جَارِيَة، فَإِن صحت هَذِه الرِّوَايَة فَقَوله: تنتبذ، بتاء المضارعة للمؤنث، وعَلى الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة تكون: ننتبذ، بنُون الْمُتَكَلّم. قَوْله: (فِي جر) ، يتَعَلَّق بِمَحْذُوف هُوَ صفة جرة الْمَذْكُورَة تَقْدِيره إِن لي جرة كَانَت فِي جملَة جرار، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الجرة من الخزف وَالْجمع جرر وجرار. قَوْله: (خشيت) جَوَاب: إِن، مَعْنَاهُ: إِن أكثرت من نَبِيذ الْجَرّ فجالست النَّاس وَطَالَ جلوسي خشيت أَن افتضح، لما أكاد تشتبه أفعالي وأقوالي بالسكارى، وَمعنى الْبَقِيَّة قد مر فِي الْبَاب الْمَذْكُور.
4369 - ح دّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أبي جَمْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ يقُولُ قَدِمَ وَفْدُ عبْدِ القَيْسِ عَلى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقَالُوا يَا رسولَ الله إنَّا هَذا الحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ وقَدْ حالَتْ بَيْنَنَا وبيْنَكَ كُفّارُ مُضَرَ فَلَسْنا نَخْلُصُ إليْكَ إلاَّ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فمُرْنا بأشيْاءَ نأخُذُ بهَا ونَدْعُوا إلَيْهَا مَنْ وَرَاءَنا قَالَ آمُرُكُمْ بأرْبَعٍ وَأنْهَاكُمْ عنْ أرْبَعٍ الإيمَانِ بِاللَّه شَهَادَةِ أنْ لَا إلاهَ إلاَّ الله وعَقَدَ وَاحِدَةً وإقامِ الصَّلاَةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ وأنْ تُؤْدُّوا لله خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ وأنْهاكُمْ عنِ الدُبَّاءِ والنَّقِيرِ والخنْتَمِ والمُزَفَّتِ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس. قَوْله: (من ربيعَة) ، هُوَ ابْن نزار بن معد بن عدنان، قَالَ الرشاطي: ربيعَة هَذَا شعب وَاسع فَإِنَّهُ قبائل وعمائر وبطون وأفخاذ قَوْله: (إِنَّا هَذَا الْحَيّ) ، أَرَادَ بِهِ عبد الْقَيْس، وَأسْقط فِي هَذَا: صَوْم رَمَضَان، لِأَن الظَّاهِر أَن الْقِصَّة وَقعت مرَّتَيْنِ، فَفِي الْمرة الأولى ذكر مَا الْأَمر فِيهِ أهم بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم أَو نَسيَه الرَّاوِي.(18/20)
4370 - ح دّثنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمانَ حدّثني ابنُ وهْبٍ أَخْبرنِي عمْروٌ وَقَالَ بَكْرُ بنُ مُضَر عنْ عَمْرِو بنِ الحارِثِ عنْ بُكَيْرٍ أنَّ كُرَيْباً مَوْلَى ابنِ عَبَّاسٍ حدَّثَهُ أنَّ ابنَ عَبَّاس وعبْدَ الرَّحْمانِ ابنَ أزْهَرَ والمِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ أرْسَلُوا إِلَى عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا فقالُوا اقْرأ عَلَيْها السَّلامَ مِنَّا جَمِيعاً وسَلْها عنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ وإنَّا أُخْبِرْنا أنَّكِ تُصَلِّيهما وقَدْ بَلَغَنا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهى عَنْها قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ وكُنْتُ أضْرِبُ مَعَ عُمَرَ النَّاسَ عنْهُما قَالَ كُرَيْبٌ فَدَخَلْتُ عَلَيْها وبلغْتُها مَا أرسَلُونِي فقالَتْ سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ فأخْبَرْتُهُمْ فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَة بِمِثْلِ مَا أرْسَلونِي إِلَى عائِشَةَ فقالَتْ أُمُّ سَلَمَة سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَنْهَى عَنْهما وإنَّهُ صَلَّى العَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ عَليَّ وعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَني حَرَامٍ مِنَ الأنْصارِ فصَلاَّهُما فأرْسَلْتُ إليْهِ الخَادِمَ فقُلْتُ قُومِي إِلَى جَنْبِهِ فقُولي تَقُولُ أُمُّ سَلَمَة يَا رَسُولَ الله ألَمْ أسْمَعْكَ تَنْهَى عنْ هاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فأرَاكَ تُصَلِّيهِما فإنْ أشارَ بِيَدِهِ فاسْتأخِرِي فَفَعَلَتِ الجارِيَةُ فأشارَ بِيَدِهِ فاسْتأخَرَتْ عنْهُ فلَمّا انْصَرَفَ قَالَ يَا بنْتَ أبي أُمَيَّةَ سألْتِ عَنِ الرَّكَعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ إنَّهُ أَتَانِي أُناسٌ مِنْ عبْدِ القَيْسِ بالإسْلاَمِ مِنْ قَوْمِهِمْ فَشَغَلُونِي عَن الرَّكَعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فهُما هاتانِ. (انْظُر الحَدِيث 1233) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَتَانِي أنَاس من عبد الْقَيْس) وَيحيى بن سُلَيْمَان أَبُو سعيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي. سكن مصر، يروي عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ عَن عَمْرو بن الْحَارِث.
وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي أَوَاخِر الصَّلَاة فِي: بَاب إِذا كَلمه وَهُوَ يُصَلِّي، عَن يحيى الْمَذْكُور، فَقَالَ: حَدثنَا يحيى بن سُلَيْمَان قَالَ: حَدثنِي بن وهب الْمصْرِيّ، قَالَ: أَخْبرنِي عَمْرو بن كريب: أَن ابْن عَبَّاس والمسور ابْن مخرمَة وَعبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر أَرْسلُوهُ الحَدِيث. وَهنا أخرجه بِهَذَا الْإِسْنَاد أَيْضا. وَأخرجه أَيْضا مُعَلّقا بقوله: وَقَالَ بكر بن مُضر عَن عَمْرو بن الْحَارِث عَن بكير عَن كريب إِلَى آخِره، وَوصل الطَّحَاوِيّ هَذَا التَّعْلِيق من طَرِيق عبد الله بن صَالح عَن بكر بن مُضر إِلَى آخِره.
وَبكر، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن مُضر، بِضَم الْمِيم: ابْن مُحَمَّد الْقرشِي الْمصْرِيّ، وَبُكَيْر بن عبد الله بن الْأَشَج المَخْزُومِي.
قَوْله: (وَإِنَّا أخبرنَا) ، بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الْخَاء على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (سل أم سَلمَة) بِفَتْح اللَّام، وَاسْمهَا: هِنْد بنت أبي أُميَّة المخزومية. قَوْله: (من بني حرَام) ، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة: وَهُوَ ابْن كَعْب بن غنم بن كَعْب بن مسلمة بن سعد بن ساردة بن تزيد، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق. ابْن جشم بن الْخَزْرَج، وَبَقِيَّة الْكَلَام مرت فِي الْبَاب الْمَذْكُور.
4371 - ح دّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ الجُعْفِيُّ حدّثنا أبُو عامِرٍ عبْدُ المَلِكِ حدّثنا إبْرَاهِيمُ هُوَ ابنُ طهْمانَ عنْ أبي جَمْرَةَ عنِ ابْن عبّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ أوَّلُ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ فِي مَسْجِدِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَسْجِد عبْدِ القَيْسِ بِجُوَاثَي يَعْني قَرْيَةً مِنَ البَحْرَيْنِ. (انْظُر الحَدِيث 892) .
ذكر هَذَا هُنَا لأجل ذكر عبد الْقَيْس فِيهِ، وَفِيه فَضِيلَة لعبد الْقَيْس أَيْضا، وَأَبُو جَمْرَة بِالْجِيم مر عَن قريب، وجواثي، بِضَم الْجِيم وَتَخْفِيف الْوَاو وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة مَقْصُورا: حصن قريب من الْبَصْرَة، والبحرين مَوضِع بساحل بَحر عمان.
71 - (بابُ وَفْدِ بَني حَنِيفَةَ وحَديثِ ثُمامَةَ بنِ أُثالٍ)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان وَفد بني حنيفَة، وحنيفة هُوَ ابْن لجيم بِالْجِيم ابْن صَعب بن عَليّ بن بكر بن وَائِل، وَهِي قَبيلَة كَبِيرَة مَشْهُورَة ينزلون الْيَمَامَة بَين مَكَّة واليمن، وثمامة، بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم: ابْن أَثَال، بِضَم الْهمزَة وَتَخْفِيف الثَّاء الْمُثَلَّثَة: ابْن النُّعْمَان بن(18/21)
مسلمة الْحَنَفِيّ، وَهُوَ من فضلاء الصَّحَابَة، وَكَانَت قصَّته قبل وَفد بني حنيفَة بِزَمَان، فَإِنَّهَا كَانَت قبل فتح مَكَّة، فَلَا وَجه لذكرها هَا هَهُنَا فَقيل: ذكرهَا هَا هَهُنَا اسْتِطْرَادًا وَلَيْسَ بِشَيْء.
4372 - ح دّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حدّثنا اللَّيْثُ قَالَ حَدثنِي سَعِيدُ بنُ أبي سَعِيدٍ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ بَعَث النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْلاً قبَلَ نَجْدٍ فجاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَني حَنيفَةَ يُقالُ لهُ ثُمامَةُ بنُ أُثالٍ فَرَبَطُوهُ بِسارِيَةٍ مِنْ سَوَارِى المَسْجِدِ فَخَرَجَ إلَيْهِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ماذَا عِنْدَكَ يَا ثُمامَةُ فَقَالَ عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ إنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وإنْ تُنْعِمْ تُنعِمْ عَلى شَاكِرٍ وإنْ كُنْتَ تُرِيدُ المالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَتُرِكَ حَتى كانَ الغَدُ ثُمَّ قَالَ لهُ ماذَا عنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ قَالَ مَا قُلْتُ لَكَ إنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ فَتَرَكَه حَتَّى كانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ ماذَا عِنْدَكَ يَا ثُمامَةُ فَقَالَ عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ فَقَالَ أطْلِقُوا ثُمامَةَ فانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ فاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ فَقَالَ أشْهَدُ أنْ لاَ إلاهَ إلاَّ الله وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رسُولُ الله يَا مُحَمَّدُ وَالله مَا كانَ عَلَى الأرْض وجْهٌ أبْغَضَ إليَّ مِنْ وجْهِكَ فَقدْ أصْبَحَ وجْهُكَ أحَبَّ الوُجُوهِ إليَّ وَالله مَا كَانَ منْ دِينٍ ابْغَضَ إليَّ منْ دِينِكَ فأصْبَحَ دِينُكَ أحبَّ الدِّينَ إليَّ وَالله مَا كانَ منْ بَلَدٍ أبْغَض إليَّ مِنْ بَلَدِكَ فأصْبَحَ بَلَدُكَ أحَبَّ البِلاَدِ إلَيَّ وإنَّ خيْلَكَ أخَذَتْني وَأَنا أُرِيدُ العُمْرَةَ فَماذَا تَرَى فَبَشَّرَهُ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأمرَهُ أنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لهُ قائِلٌ صَبَوْتَ قَالَ لَا وَالله ولَكِنْ أسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا وَالله لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ اليَمامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يأذَنَ فِيها النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. .
مطابقته للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَسَعِيد بن أبي سعيد المَقْبُري وَاسم أبي سعيد كيسَان الْمَدِينِيّ وَقد مر غير مرّة، والْحَدِيث مر مُخْتَصرا فِي: بَاب الصَّلَاة فِي: بَاب الِاغْتِسَال، إِذا أسلم وربط الْأَسير أَيْضا فِي الْمَسْجِد بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه.
قَوْله: (بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيلاً) أَي: فرسَان خيل، وَهَذَا من ألطف المجازات وأحسنها. قَوْله: (قبل نجد) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: جِهَتهَا قَوْله: (فَجَاءَت بِرَجُل) ، يَعْنِي: أسروه وجاؤوا بِهِ وَزعم سيف فِي (كتاب الرِّدَّة) إِن الَّذِي أسره الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، ورد عَلَيْهِ بِأَن الْعَبَّاس: إِنَّمَا قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي زمَان فتح مَكَّة، وقصة ثُمَامَة قبل ذَلِك. قَوْله: (مَاذَا عنْدك؟) أَي: أَي شَيْء عنْدك؟ وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن تكون: مَا استفهامية، و: ذَا، مَوْصُولَة، وعندك، صلته أَي: مَا الَّذِي اسْتَقر فِي ظَنك أَن أَفعلهُ بك؟ انْتهى. قلت: هَذَا يَأْتِي على أوجه. الأول: أَن تكون: مَا استفهامية، وَذَا، إِشَارَة نَحْو: مَاذَا الْوُقُوف؟ الثَّانِي: أَن تكون مَا استفهامية، و: ذَا، مَوْصُولَة بِدَلِيل افتقاره للجملة بعده الثَّالِث: أَن تكون: مَاذَا، كُله استفهاماً على التَّرْكِيب كَقَوْلِك: لماذا جِئْت؟ الرَّابِع: أَن تكون: مَاذَا، كُله اسْم جنس بِمَعْنى: شَيْء، أَو مَوْصُولا بِمَعْنى: الَّذِي الْخَامِس: أَن تكون: مَاذَا زَائِدَة و: ذَا للْإِشَارَة. السَّادِس: أَن تكون: مَا، استفهاماً و: ذَا، زَائِدَة على خلاف فِيهِ. قَوْله: (عِنْدِي خير) ، يَعْنِي: لست أَنْت مِمَّن تظلم بل أَنْت تَعْفُو وتحسن. قَوْله: (ذَا دم) ، بِالدَّال الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم عِنْد الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمِيم، وَقَالَ النَّوَوِيّ: معنى الأول: إِن تقتل تقتل ذَا دم، أَي: صَاحب دم لأجل دَمه، وَمعنى الثَّانِي: ذَا ذمَّة، وَكَذَلِكَ وَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد، ورده عِيَاض: لِأَنَّهُ يَنْقَلِب الْمَعْنى لِأَنَّهُ إِذا كَانَ ذَا ذمَّة يمْتَنع قَتله، فوجهه النَّوَوِيّ: بِأَن المُرَاد بِالذِّمةِ الْحُرْمَة فِي قومه. قَوْله: (حَتَّى كَانَ الْغَد) ، ويروى فَترك حَتَّى كَانَ الْغَد، وَإِنَّمَا ذكر فِي الْيَوْم الأول شَيْئَيْنِ، لِأَن أَحدهمَا: أشق الْأَمريْنِ. وَهُوَ الْقَتْل. وَالْآخر: أَشْقَى الْأَمريْنِ وَاقْتصر فِي الْيَوْم الثَّانِي على الشَّيْء الثَّانِي لأجل الاستعطاف، وَطلب الإنعام وَاقْتصر فِي الْيَوْم الثَّالِث على الْإِجْمَال تفويضاً(18/22)
إِلَى جميل خلقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (أطْلقُوا ثُمَامَة) ، وَفِي رِوَايَة قَالَ: قد عَفَوْت عَنْك يَا ثُمَامَة وأعتقك. قَوْله: (إِلَى نخل) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَفِي كتاب الصَّلَاة: بِالْجِيم، وَهُوَ المَاء، قَالَه الْكرْمَانِي. قَوْله: (وبشره) ، أَي: بِخَير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. قَوْله: (صبوت) ، أَي: ملت إِلَى دين غير دينك. قَوْله: (قَالَ: لَا) ، أَي: لَا صبوت من الدّين، لِأَن عبَادَة الْأَوْثَان لَيست بدين حَتَّى إِذا تركتهَا أكون خَارِجا من دين بل دخلت فِي دين الْإِسْلَام و (أسلمت مَعَ مُحَمَّد) بِمَعْنى: وافقته على دين الْحق فصرنا متصاحبين فِي الْإِسْلَام، وَفِي رِوَايَة ابْن هِشَام: وَلَكِن تبِعت خير الدّين دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (حَتَّى يَأْذَن فِيهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: إِلَى أَن يَأْذَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك، قَالَ ابْن هِشَام: ثمَّ خرج إِلَى الْيَمَامَة فَمَنعهُمْ أَن يحملوا إِلَى مَكَّة شَيْئا، فَكَتَبُوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. إِنَّك تَأمر بصلَة الرَّحِم، فَكتب إِلَى ثُمَامَة: أَن تخلى بَينهم وَبَين الْحمل إِلَيْهِم.
4373 - ح دّثنا أبُو اليَمَانِ أخبَرنا شُعَيْبٌ عنْ عبْدِ الله بنِ أبي حُسَيْنٍ حدَّثنا نافِعُ بنُ جُبَيْر عَن ابْن عبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الكَذَّابُ عَلى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَعَلَ يقُولُ إنْ جَعَلَ لي مُحَمَّدٌ الأمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ وقَدِمِهَا فِي بَشَرٍ كثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ فأقْبَلَ إليْهِ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَعَهُ ثابِتُ بنُ قَيْس بنِ شَمَّاسِ وَفِي يَدِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قطْعَةُ جَرِيدٍ حتَّى وقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أصحابهِ فَقال لوْ سألْتَني هَذِهِ القِطْعَةَ مَا أعْطيْتُكَها ولَنْ تَعْدُوَ أمْرَ الله فِيكَ ولَئِنْ أدْبَرْتَ ليَعْقِرَنَكَ الله وإنِّي لأرَاك الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأيْتُ وهَذا ثابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي ثُمَّ انْصَرَفَ عنْهُ. قالَ ابنُ عَبّاسٍ فَسألْتُ عنْ قَوْلِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّكَ ارَي الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأيْتُ فأخبْرَني أبُو هُرَيْرَة أنَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَيْنَا أَنا نائِمٌ رأيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فأهمَني شأنُهُما فَأُوحِيَ إليَّ فِي المَنامِ أنِ انْفُخْهُما فنَفَخْتُهُما فَطَارَا فأوَّلْتُهُما كَذَّابَيْنِ يَخْرُجانِ مِنْ بَعْدِي أحَدُهُما العَنْسِيُّ والآخَرُ مُسَيْلِمَةُ. .
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة لِأَن مُسَيْلمَة قدم فِي وَفد نَبِي حنيفَة: وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة، وَقد تكَرر ذكرهمَا، وَعبد الله بن أبي حُسَيْن هُوَ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي حُسَيْن بن الْحَارِث النَّوْفَلِي، تَابِعِيّ صَغِير مَشْهُور نسب هُنَا إِلَى جده، وَنَافِع بن جُبَير بن مطعم بن مهْدي بن نوف بن عبد منَاف الْقرشِي الْمدنِي، مَاتَ فِي خلَافَة سُلَيْمَان بن عبد الْملك.
والْحَدِيث مضى بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي: بَاب عَلَامَات النُّبُوَّة وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَنَذْكُر بعض شَيْء وَإِن كَانَ فِي بعضه تكْرَار.
قَوْله: (قدم) إِلَى الْمَدِينَة (مُسَيْلمَة) تَصْغِير مسلمة ابْن ثُمَامَة بن بكير، بِالْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن حبيب بن الْحَارِث من بني حنيفَة، قَالَ ابْن إِسْحَاق: ادّعى النُّبُوَّة سنة عشر وَقدم مَعَ قومه وَأَنَّهُمْ تَرَكُوهُ فِي رحالهم يحفظها لَهُم وذكروه لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخذُوا مِنْهُ جائزته، وَأَنه قَالَ لَهُم: إِنَّه لَيْسَ بشرّكم، وَأَن مُسَيْلمَة لما ادّعى أَنه أشرك النُّبُوَّة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، احْتج بِهَذِهِ الْمقَالة. قيل: هَذَا شَاذ ضَعِيف السَّنَد لانقطاعه، فَكيف يُوَافق مَا فِي (الصَّحِيح) أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اجْتمع بِهِ وخاطبه بِمَا ذكره فِي الحَدِيث؟ ثمَّ وفْق بَينهمَا بِأَن يكون لَهُ الْقدوم مرَّتَيْنِ: مرّة تَابعا، وَمرَّة متبوعاً، فَإِن قيل: الْقِصَّة وَاحِدَة، قيل لَهُ: كَانَت إِقَامَته فِي رحالهم بِاخْتِيَارِهِ أَنَفَة واستكباراً أَن يحضر مجْلِس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وعامله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُعَاملَة الْكَرم على عَادَته فِي الاستئلاف. وَمعنى قَوْله: (إِنَّه لَيْسَ بشركم) أَي: مَكَانا، لكَونه كَانَ يحفظ رحالهم، وَأَرَادَ استئلافه بِالْإِحْسَانِ بالْقَوْل وَالْفِعْل، فَلَمَّا لم يفد فِي مُسَيْلمَة توجه بِنَفسِهِ إِلَيْهِ ليقيم عَلَيْهِ الْحجَّة. قَوْله: (إِن جعل لي مُحَمَّد) ، أَي: الْخلَافَة، ويروى: (إِن جعل لي مُحَمَّد الْأَمر) ، وَهَذَا هُوَ الْأَشْهر. قَوْله: (وقدمها) ، أَي: الْمَدِينَة (فِي بشر كثير) وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَ مَعَه من قومه سَبْعَة شعر نفسا. قَوْله: (وَلنْ تعدو) ، بِالنّصب فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وروى(18/23)
بَعضهم: (لن تعدو) ، بِالْجَزْمِ على لُغَة من يجْزم: بلن، وَالْمرَاد بِأَمْر الله: حكمه بِأَنَّهُ كَذَّاب مقتول جهنمي قَوْله: (وَلَئِن أَدْبَرت) أَي: خَالَفت الْحق (ليَعْقِرنك الله) أَي: ليهلنك. قَوْله: (أريت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول من رُؤْيا الْمَنَام قَوْله: (وَهَذَا ثَابت يجيبك عني) لِأَنَّهُ كَانَ خطيب الْأَنْصَار قَوْله: (فَسَأَلت عَن قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الْمَفْعُول مَحْذُوف يفسره قَوْله: (فَأَخْبرنِي أَبُو هُرَيْرَة) لِأَن هَذَا الحَدِيث، رَوَاهُ ابْن عَبَّاس عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قَوْله: (بَينا) ، قد مر غير مرّة أَن أَصله: بَين، فزيدت فِيهِ: الْألف وَالْمِيم، أَيْضا فِي بعض الْمَوَاضِع، ويضاف إِلَى الْجُمْلَة. قَوْله: (رَأَيْت) ، جَوَابه قَوْله: (من ذهب) كلمة: من، بَيَانِيَّة. قَوْله: (إِن أَنْفُخَهُمَا) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة قَوْله: (الْعَنسِي) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وبالسين الْمُهْملَة: نِسْبَة إِلَى عنس وَهُوَ زيد بن مَالك بن أدد، وَمَالك هُوَ جماع مذْحج، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العنس النَّاقة الصلبة، وَأَرَادَ بالعنسي: الْأسود، ولقبه: عبهلة من قَوْلهم: عبهل الْأَمر أهمله، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: خرج بِصَنْعَاء وَعَلَيْهَا الْمُهَاجِرين أبي أُميَّة، وَكَانَ أول مَا ضل بِهِ عَدو الله أَنه مر بِهِ حمَار فَلَمَّا انْتهى إِلَيْهِ عثر لوجهه. فَقَالَ، لَعنه الله: سجد لي وَلم يقم الْحمار حَتَّى قَالَ لَهُ عَدو الله: شأ، فَقَامَ، وَقتل بعمدان وَحمل رَأسه وسلبه إِلَى سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قلت: شأ، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْهمزَة، وَهِي كلمة تسْتَعْمل عِنْد دُعَاء الْحمار، وَمِنْهُم من يَقُول: كَانَ ذَلِك فِي خلَافَة أبي بكر، وَالله أعلم. وَعَن فَيْرُوز: خرج الْأسود فِي عَامَّة حج بعد حجَّة الْوَدَاع وَكَانَ كَاهِنًا مشعبذاً يُرِيهم الْأَعَاجِيب، وَكَانَ يسبي قُلُوب من يسمع نطقه مَعَه شَيْطَان وتابع لَهُ، وَخرج على مَالك الْيمن فَقتله ونكح امْرَأَته وَملك بِلَاده وَلم يُكَاتب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يُرْسل إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يكن مَعَه أحد يشاغبه وَصفا لَهُ ملك الْيمن، وَقَالَ عُرْوَة: أُصِيب الْأسود قبل وَفَاة سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَوْم أَو لَيْلَة، وَعَن ابْن عَبَّاس: جَاءَهُ خبر الْأسود من ليلته وجاءته الرُّسُل صَبِيحَة لَيْلَة قَبضه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا، أَتَاهُ الْخَبَر من السَّمَاء فِي لليلة الَّتِي قتل فِيهَا الْأسود فبشرنا بِهِ، وَقَالَ: قَتله البارحة رجل مبارك من أهل بَيت مباركين، قيل: وَمن هُوَ؟ قَالَ: فَيْرُوز، وَقَالَ: دخل عَلَيْهِ فَيْرُوز فَقَالَ لَهُ: مَا تَقول؟ فَإِن مُحَمَّدًا يزْعم أَنه لَيْسَ إلاَّ إِلَه وَاحِد؟ قَالَ الْأسود: بل هُوَ آلِهَة كَثِيرَة، فَقَالَ: ابْسُطْ يدك أُبَايِعك! فَلَمَّا بسط يَده مد فَيْرُوز يَده وَأخذ بعنقه فَقتله، وَقَالَ عبيد بن صَخْر: كَانَ بَين أول أمره وَآخره ثَلَاثَة أشهر.
4375 - ح دّثنا إسْحَاقُ بنُ نَصْرٍ حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عنْ مَعْمَرٍ عنْ هَمَّامٍ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنهُ يقُولُ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنا أَنا نائِمٌ أُتِيتُ بِخَزَائِنِ الأرْضِ فَوُضِعَ فِي كَفِّي سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَكبُرَا عَليَّ فَأُوحِيَ إليَّ أَن انْفُخْهُما فَنَفَخْتُهُما فَذهبَا فأوَّلْتُهُما الكَذَّابِيْنَ اللَّذَيْن أَنا بَينَهُما صاحِبَ صَنْعاءَ وصاحِبَ الْيَمَامَةِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ ذكر مسلمة الْكذَّاب من حَيْثُ التضمن فِي قَوْله: (وَصَاحب الْيَمَامَة) . وَهَمَّام هُوَ ابْن مُنَبّه ابْن كَامِل الْيَمَانِيّ الْأَنْبَارِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أضاً تَعْبِير الرُّؤْيَا عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي. وَأخرجه مُسلم فِي الرُّؤْيَا عَن مُحَمَّد بن رَافع.
قَوْله: (كبر على) ، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة على صِيغَة الْإِفْرَاد، أَي: عظم وَثقل، ويروى: (كبرا) ، بالتثنية. قَوْله: (صَاحب صنعاء) بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وبالمد: قَاعِدَة الْيمن ومدينتها الْعُظْمَى وصاحبها الْأسود الْعَنسِي، واليمامة: مَدِينَة بِالْيمن على مرحلَتَيْنِ من الطَّائِف وصاحبها مُسَيْلمَة الْكذَّاب، لَعنه الله تَعَالَى.
4376 - ح دّثنا الصَّلْتُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ سَمِعْتُ مَهْدِيَّ بنَ مَيْمُونٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا رَجاءٍ العُطارِدِيَّ يقُولُ كنَّا نَعْبُدُ الحَجَرَ فَإِذا وجَدْنا حَجَراً هُوَ أخْيَرُ منْهُ ألْقَيْناهُ وأخَذْنا الآخَرَ فَإِذا لَمْ نَجِدْ حَجَراً جَمَعْنا جُثْوَةً منْ تُرابٍ ثُمَّ جِئْنا بالشَّاةِ فَحَلَبْناهُ عَلَيْهِ ثُمَّ طُفْنا بِهِ فإذَا دَخَلَ شَهْرُ رَجَبٍ قُلْنا نُنَصِّلُ الأسِنَّةِ فَلاَ نَدَعُ رُمْحاً فِيهِ حَدِيدَةٌ وَلَا سَهْماً فِيهِ حَدِيدَةٌ إلاَّ نَزَعْناهُ وألْقَيْناهُ شَهَرَ رَجَبٍ.(18/24)
وسمعْتُ أَبَا رَجاءٍ يَقُولُ كُنْتُ يَوْمَ بُعِثَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غُلاَماً أرْعَى الإبِلَ عَلَى أهْلِي فَلَمَّا سَمِعْنا بِخُرُوجِهِ فَرَرْنا إِلَى النَّارِ إلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّاب.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (مُسَيْلمَة الْكذَّاب) والصلت، بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام وَفِي آخِره تَاء مثناة من فَوق ابْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الخاركي، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة: الْبَصْرِيّ الثِّقَة، وَأَبُو رَجَاء ضد الْخَوْف عمرَان بن ملْحَان العطاردي، بِالضَّمِّ: نِسْبَة إِلَى عُطَارِد بطن من تَمِيم، أسلم زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يره، وَهَذَا لَا يحْسب من الثلاثيات لِأَنَّهُ لم ير وحديثاً عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بل حكى عَن حَاله فَقَط بِخُرُوجِهِ أَي: بظهوره على قومه من قُرَيْش بِفَتْح مَكَّة، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ مبدأ ظُهُوره، بِالنُّبُوَّةِ وَلَا خُرُوجه من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة.
قَوْله: (هُوَ أخير) ، بِمَعْنى: خير، وَلَيْسَ بِمَعْنى: أفعل التَّفْضِيل، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أحسن. بدل: أخبر، وَالْمرَاد بالخيرية الحسية من كَونه أَشد بَيَاضًا أَو نعومة وَنَحْو ذَلِك من صفاة الْحِجَارَة المستحسنة. قَوْله: (جثوَة) ، بِضَم الْجِيم وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة: وَهِي الْقطعَة من التُّرَاب يجمع فَيصير كوماً وَيجمع على جثي. قَوْله: (فحلبنا عَلَيْهِ) ، أَي: على التُّرَاب، والحلب على التُّرَاب إِمَّا حَقِيقَة وَإِمَّا مجَاز عَن التَّقَرُّب إِلَيْهِ بِصَدقَة لَهُ. قَوْله: (ننصل الأسنة) بِضَم النُّون الأولى وَسُكُون الثَّانِيَة وَكسر الصَّاد الْمُهْملَة. يُقَال: أنصلت الرمْح: إِذا نزعت مِنْهُ سنانة، ونصلته إِذا جعلت لَهُ نصلاً، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِضَم النُّون الأولى وَفتح الثَّانِيَة وَتَشْديد الصَّاد، وَكَانُوا ينزعون الْحَدِيد من السِّلَاح إِذا دخل شهر رَجَب لترك الْقِتَال فِيهِ لتعظيمه قَوْله: (فَلَا نَدع) إِلَى قَوْله: (وَسمعت) تَفْسِير لقَوْله: (ننصل الأسنة) وَهُوَ جمع سِنَان. قَوْله: (شهر رَجَب) ، أَي: فِي شهر رَجَب، ويروى: لشهر رَجَب.
قَوْله: (وَسمعت أَبَا رَجَاء)
الخ حَدِيث آخر مُتَّصِل بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وفاعل: سَمِعت، مهْدي بن مَيْمُون الرَّاوِي قَوْله: (إِلَى مُسَيْلمَة الْكذَّاب) بدل من قَوْله: (إِلَى النَّار) بتكرير الْعَامِل. وَالله أعلم.
71 - (قِصةُ الأسْوَدِ العَنْسِيِّ)
أَي: هَذِه قصَّة الْأسود الْعَنسِي، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
4378 - ح دّثنا سَعِيدُ بنُ مُحَمَّدٍ الجَرْمِيُّ حَدثنَا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيم حَدثنَا أبي عنْ صالِحٍ عنِ ابنِ عُبَيْدَةَ بنِ نَشِيطٍ وكانَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ اسْمُهُ عبْدُ الله أنَّ عُبَيْدَ الله بنَ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ قَالَ بَلَغَنَا أنَّ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ قَدِمَ المَدِينَةَ فَنَزَل فِي دَارِ بِنْتِ الحارِثِ وكانتْ تَحْتَهُ بِنْتُ الحارِثِ بنِ كُرَيْزٍ وهْيَ أُمُّ عبْدِ الله بنِ عامِرٍ فأتاهُ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَعَهُ ثابِتُ بنُ قَيْسِ بن شمَّاسِ وهُوَ الذِي يُقالُ لهُ خَطِيبُ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي يَدِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضِيبٌ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَكَلَّمَهُ فَقَالَ لهُ مُسَيْلِمَةُ إنْ شِئحٍ خَلَّيْتَ بَيْنَنا وبَيْنَ الأمْرِ ثُمَّ جَعَلْتَهُ لَنَا بحدَكَ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لوْ سألْتَني هَذَا الْقَضِيبَ مَا أعْطيْتُكَهُ وإنِّي لَأُرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فيهِ مَا أُرِيتُ وهذَا ثابتُ بنُ قَيْسٍ وسَيُجِيبُكَ عَنِّي فانْصَرَفَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله سألْتُ عَبْدِ الله بنَ عبَّاسٍ عنْ رُؤْيا رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي ذَكَرَ فَقَالَ ابنُ عَبَّاسِ ذُكِرَ لِي أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَيْنا أَنا نائِمٌ أُرِيت أنهُ وُضعَ فِي يدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَفُظِعْتُهُما وكَرِهْتُهُما فَأُذِنَ لِي فَنَفَخْتُهُما فَطارَ فأوَّلْتُهُما(18/25)
كَذَّابَيْن يَخْرُجان فَقَالَ عُبَيْدُ الله أحَدَهُما العَنْسِيُّ الَّذِي قَتَلَهُ فَيْرُوزُ باليَمَنِ والآخرُ مُسَيْلِمَةُ الكَذَّابُ. .
لَيست فِيهِ قصَّة الْعَنسِي، وَإِنَّمَا فِيهِ قصَّة مُسَيْلمَة بطرِيق الْإِرْسَال، وفيهَا ذكر الْعَنسِي وَسَعِيد بن مُحَمَّد أَبُو عبد الله الْجرْمِي، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء: نِسْبَة إِلَى جرم، وجرم فِي قبائل، فِي قضاعة: جرم بن زبان، وَفِي بجيلة: جرم بن عَلْقَمَة، وَفِي عَامله: جرم بن شعل، وَفِي طي: جرم وَهُوَ ثَعْلَبَة بن عَمْرو هُوَ شيخ مُسلم أَيْضا ثِقَة مكثر، وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان، وَابْن عُبَيْدَة، بِضَم الْعين: ابْن نشيط، بِفَتْح النُّون وَكسر الشين الْمُعْجَمَة وبالطاء الْمُهْملَة: واسْمه عبد الله بن عُبَيْدَة، وَبَينه بقوله: وَفِي مَوضِع آخر اسْمه عبد الله، احْتِرَازًا عَن أَخِيه مُوسَى بن عُبَيْدَة، وَهُوَ ضَعِيف جدا وَأَخُوهُ عبد الله ثِقَة، وَكَانَ عبد الله أكبر من مُوسَى بِثَمَانِينَ سنة، وَعبيد الله، بِضَم الْعين: ابْن عبد الله، بِالْفَتْح ابْن عتبَة، بِضَم الْعين وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق ابْن مَسْعُود الْهُذلِيّ أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة.
وَفِي هَذَا الْإِسْنَاد: ثَلَاثَة من التَّابِعين فِي نسق، وهم: صَالح وَابْن عُبَيْدَة وَعبد الله.
قَوْله: (فَنزل) إِلَى قَوْله: (فَأَتَاهُ كريز) . بِضَم الْكَاف وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره زَاي: ابْن ربيعَة بن حبيب بن عبد شمس. وَفِيه: وَهِي أم عبد الله بن عَامر، وَقَالَ الدمياطي: الصَّوَاب أم أَوْلَاد عبد الله بن عَامر لِأَنَّهَا زَوجته لَا أمه، فَإِن أم ابْن عَامر أروى بنت كريز، وَهِي وَالِدَة عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقيل: لَعَلَّه كَانَ فِيهِ أم عبد الله بن عبد الله بن عَامر فَإِن لعبد الله بن عَامر ولدا اسْمه عبد الله كاسم أَبِيه، وَهُوَ من بنت الْحَارِث. وَاسْمهَا: كيسة، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا سين مُهْملَة: وَهِي بنت عَم عبد الله بن عَامر بن كريز، وَلها مِنْهُ أَيْضا عبد الرَّحْمَن وَعبد الْملك. وَكَانَت كيسة قبل عبد الله بن عَامر بن كريز تَحت مسلمة الْكذَّاب، وَإِذا ثَبت ذَلِك ظهر وَجه نزُول مُسَيْلمَة عَلَيْهَا لكَونهَا كَانَت امْرَأَته. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَبنت الْحَارِث بِالْمُثَلثَةِ امْرَأَة من الْأَنْصَار من بني النجار. قلت: هَذَا من كَلَام ابْن إِسْحَاق، وَذكر غَيره أَن اسْمهَا: رَملَة بنت الْحَارِث بن نعَامَة بن الْحَارِث بن زيد، وَهِي من الْأَنْصَار من بني النجار، وَلها صُحْبَة وتكنى أم ثَابت وَكَانَت زوج معَاذ بن عفراء الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور، وَقَالَ ابْن سعد: كَانَت دَار بنت الْحَارِث معدة لنزول الْوُفُود فَإِنَّهُ ذكر فِي وَفد بني محَارب وَبني كلاب وَبني تغلب وَغَيرهم لوافي دَار بنت الْحَارِث. انْتهى. قلت: إِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَلَا حَاجَة إِلَى ذكر وَجه نزُول مُسَيْلمَة فِي دَار بنت الْحَارِث، لِأَنَّهُ من جملَة الْوُفُود. قَوْله: (ثمَّ جعلته) أَي: الْأَمر. قَوْله: (بعْدك) ، يرد كَلَام ابْن إِسْحَاق أَنه ادّعى الشّركَة، وَلَكِن يحمل على أَنه ادّعى ذَلِك بعد أَن رَجَعَ. قَوْله: (ذكر) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. والذاكر هُوَ أَبُو هُرَيْرَة، يظْهر ذَلِك من الحَدِيث الَّذِي قبله. قَوْله: (ففظعتهما) . من فظع بِالْفَاءِ والظاء الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة يُقَال: فظع الْأَمر فَهُوَ فظيع إِذا جَاوز الْمِقْدَار، وَقَالَ الْكرْمَانِي: بِكَسْر الظَّاء. قلت: لَيْسَ بِصَحِيح، بل هُوَ بِضَم الظَّاء، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: فظع الْأَمر بِالضَّمِّ فظاعة، وَذكره فِي (دستور اللُّغَة) من بَاب بصر يبصر، وَفِي (التَّوْضِيح) يُقَال: فظع الْأَمر، بِالضَّمِّ. فظاعة فَهُوَ فظيع أَي شَدِيد بشيع جَاوز الْمِقْدَار، وَكَذَلِكَ أفضع الْأَمر فَهُوَ مفظع، وأفظع الرجل على مَا لم يسم فَاعله أَي: نزل بِهِ أَمر عَظِيم، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الفظيع الْأَمر الشَّديد. وَجَاء هُنَا مُتَعَدِّيا وَالْمَعْرُوف: فظعت بِهِ وفظعت مِنْهُ، فَيحمل التَّعْدِيَة على الْمَعْنى، أَي: خفتهما أَو اشْتَدَّ أَمرهمَا على قَوْله: (الَّذِي قَتله فَيْرُوز بِالْيمن) وم قصَّته أَن الْأسود كَانَ لَهُ شيطانان يُقَال: لأَحَدهمَا: سحيق، بمهملتين وقاف مُصَغرًا وَالْآخر: شَقِيق، بِمُعْجَمَة وقافين مُصَغرًا، وَكَانَا يخبرانه بِكُل شَيْء يحدث من أُمُور النَّاس، وَكَانَ باذان عَامل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِصَنْعَاء فَمَاتَ فجَاء شَيْطَان الْأسود فَأخْبرهُ فَخرج فِي قومه حَتَّى ملك صنعاء وَتزَوج المرزبانة زَوْجَة بازان، فواعدها رازوبة وفيروز وَغَيرهمَا حَتَّى دخلُوا على الْأسود وَقد سقته المرزبانة الْخمر صرفا حَتَّى سكر، وَكَانَ على بَابه ألف حارس، فَنقبَ فَيْرُوز من مَعَه الْجِدَار حَتَّى دخلُوا فَقتله فَيْرُوز وحز رَأسه وأخرجوا الْمَرْأَة وَمَا أَحبُّوا من مَتَاع الْبَيْت وَأَرْسلُوا الْخَبَر إِلَى الْمَدِينَة فَوَافى ذَلِك عِنْد وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد مر شَيْء من ذَلِك عَن قريب.
73 - (قِصَّةُ أهْلِ نَجْرَانَ)
أَي: هَذَا بَيَان قصَّة أهل نَجْرَان، بفت النُّون وَسُكُون الْجِيم: وَهُوَ بلد كَبِير على سبع مراحل من مَكَّة إِلَى جِهَة الْيمن، يشْتَمل على(18/26)
ثَلَاث وَسبعين قَرْيَة مسيرَة يَوْم للراكب السَّرِيع، وَكَانَ نَجْرَان منزلا لِلنَّصَارَى، وَكَانَ أَهله أهل كتاب.
4380 - ح دّثني عَباسُ بنُ الحُسَيْنِ حدّثنا يَحْيى بنُ آدَمَ عنْ إسْرَائِيلَ عنْ أبي إسْحَاقَ عنْ صِلَة بنِ زُفَرَ عنْ حُذَيْفَةَ قَالَ جاءَ الْعَاقِبُ والسَّيِّدُ صاحِبا نَجْرَانَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيدَانِ أنْ يُلاَعِناهُ قَالَ فَقَالَ أحدَهُما لِصاحِبِهِ لاَ تَفْعَلْ فَوَالله لَئِنْ كانَ نَبِيًّا فَلاَعَنَّاهُ لَا نُفْلِحُ نَحْنُ وَلَا عَقِبُنا مِنْ بَعْدِنا قَالَا إنَّا نُعْطيكَ مَا سألْتَنَا وابْعَثْ مَعَنا رجُلاً أمِيناً ولاَ تَبْعَثْ مَعَنَا إلاَّ أمِيناً فَقَالَ لأبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رجُلاً أمِيناً حَقَّ أمِينٍ فاسْتَشْرَفَ لهُ أصْحابُ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ قمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ فَلمَّا قامَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذا أمِينُ هَذِه الأمَّةِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وعباس، بِالْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن الْحُسَيْن أَبُو الْفضل الْبَغْدَادِيّ، مَاتَ قَرِيبا من سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث مُفردا وَآخر فِي التَّهَجُّد مَقْرُونا، وَيحيى بن آدم بن سُلَيْمَان الْقرشِي الْكُوفِي صَاحب الثَّوْريّ. وَقد أخرج الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) عَن يحيى هَذَا بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن ابْن مَسْعُود بدل حُذَيْفَة، وَكَذَلِكَ أخرجه أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة من طَرِيق آخر عَن إِسْرَائِيل. وَرجح الدَّارَقُطْنِيّ فِي (الْعِلَل) هَذِه الرِّوَايَة ورد التَّرْجِيح بِأَن أصل الحَدِيث رَوَاهُ شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق عَن صلَة عَن حُذَيْفَة مثل حَدِيث الْبَاب، وَقد مر فِي مَنَاقِب أبي عُبَيْدَة وَيحيى عَن قريب أَيْضا، فَالْبُخَارِي استظهر بِرِوَايَة شُعْبَة، وَالظَّاهِر من هَذَا أَن الطَّرِيقَيْنِ صَحِيحَانِ، وَالله أعلم. وَقَالَ الْمزي: وَحُذَيْفَة أصح، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي، وصلَة بن زفر الْعَبْسِي الْكُوفِي، وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان الْعَبْسِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي خبر الْوَاحِد أَيْضا. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة غير أبي دَاوُد.
قَوْله: (جَاءَ العاقب) ، بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالقاف الْمَكْسُورَة وبالباء الْمُوَحدَة: واسْمه عبد الْمَسِيح. قَوْله: (وَالسَّيِّد) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، واسْمه: الْأَيْهَم، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَيُقَال: شُرَحْبِيل، وَذكر ابْن سعد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كتب إِلَى أهل نَجْرَان فَخرج إِلَيْهِ وفدهم أَرْبَعَة عشر رجلا من أَشْرَافهم فيهم العاقب وَهُوَ عبد الْمَسِيح رجل من كِنْدَة وَأَبُو الْحَارِث بن عَلْقَمَة رجل من ربيعَة وَأَخُوهُ كرز وَالسَّيِّد وَأَوْس ابْنا الْحَارِث وَزيد بن قيس وَشَيْبَة وخويلد وخَالِد وَعَمْرو وَعبد الله، وَفِيهِمْ ثَلَاثَة نفر يتولون أُمُورهم: العاقب أَمِيرهمْ وَصَاحب مشورتهم وَالَّذِي يصدرون عَن رَأْيه، وَأَبُو الْحَارِث أسقفهم وحبرهم وإمامهم وَصَاحب مدارسهم، وَالسَّيِّد وَهُوَ صَاحب رحالهم، فَدَخَلُوا الْمَسْجِد وَعَلَيْهِم ثِيَاب الْحبرَة وأردية مَكْفُوفَة بالحرير فَقَامُوا يصلونَ فِي الْمَسْجِد نَحْو الْمشرق، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دعوهم، ثمَّ أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَعْرض عَنْهُم وَلم يكلمهم، فَقَالَ لَهُم عُثْمَان: ذَلِك من أجل زيكم فانصرفوا يومهم ثمَّ غدوا عَلَيْهِ بزِي الرهبان، فَسَلمُوا فَرد عَلَيْهِم ودعاهم إِلَى الْإِسْلَام فَأَبَوا وَكثر الْكَلَام واللجاج وتلا عَلَيْهِم الْقُرْآن، وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أنكرتم مَا أَقُول لكم فَهَلُمَّ بأهلكم فانصرفوا على ذَلِك. قَوْله: (يُريدَان أَن يلاعناه) ، أَي: يباهلاه، من الْمُلَاعنَة: وَهِي المباهلة وَفِيه نزلت: {تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم وَنِسَاءَنَا ونساءكم وأنفسنا وَأَنْفُسكُمْ ثمَّ نبتهل} (آل عمرَان: 61) والمباهلة أَن يجْتَمع قوم إِذا اخْتلفُوا فِي شَيْء فَيَقُولُونَ: لعنة الله على الظَّالِم. قَوْله: (فَيُقَال أَحدهمَا لصَاحبه) ذكر أَبُو نعيم فِي الصَّحَابَة أَنه السَّيِّد، وَقيل: هُوَ العاقب، وَقيل: شُرَحْبِيل قَوْله: (فلاعناه) ، بِفَتْح الْعين وَتَشْديد النُّون على صِيغَة الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فلاعننا، بِفَتْح النونين على أَن: لَاعن، فعل مَاض فِيهِ الضَّمِير يرجع إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم و: نَا مَفْعُوله قَوْله: (من بَعدنَا) وَفِي رِوَايَة ابْن مَسْعُود وَلَا عقبنا من بَعدنَا أبدا. قَوْله: (قَالَا) ، أَي: العاقب وَالسَّيِّد: (إِنَّا نعطيك مَا سألتنا) وَذَلِكَ بعد أَن انصرفوا من عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم ممتنعون عَن الْإِسْلَام، كَمَا ذكرنَا عَن قريب، وَجَاء السَّيِّد وَالْعَاقِب وَقَالا: إِنَّا نعطيك مَا سألتنا، وَفِي رِوَايَة ابْن سعد: فغدا عبد الْمَسِيح وَهُوَ العاقب ورجلان من ذَوي رَأْيهمْ فَقَالُوا: قد بدالنا أَن لَا نباهلك، فاحكم علينا بِمَا أَحْبَبْت ونصالحك، فَصَالحهُمْ على ألفي حلَّة فِي رَجَب وَألف فِي صفر أَو قيمَة ذَلِك من الأواق، وعَلى عَارِية ثَلَاثِينَ(18/27)
درعاً وَثَلَاثِينَ رمحاً وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَثَلَاثِينَ فرسا إِن كَانَ بِالْيمن كيد. ولنجران وحاشيتهم جوَار الله وَذمَّة مُحَمَّد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أنفسهم وملتهم وأرضهم وَأَمْوَالهمْ غائبهم وشاهدهم وبيعهم، لَا يُغير أَسْقُف عَن سقيفاه وَلَا رَاهِب عَن رهبانيته وَلَا وَاقِف عَن وَقفا نِيَّته، وَأشْهد على ذَلِك شُهُودًا مِنْهُم أَبُو سيفيان والأقرع بن حَابِس والمغيرة بن شُعْبَة فَرَجَعُوا إِلَى بِلَادهمْ، فَلم يلبث السَّيِّد وَالْعَاقِب إلاَّ يَسِيرا حَتَّى رجعا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَسْلمَا. انْتهى. قَوْله: (فاستشرف) ، من الاستشراف وَهُوَ الإطلاع، وَأَصله أَن تضع يدك على حاجبك وَتنظر، كَالَّذي يستظل من الشَّمْس، حَتَّى يستبين الشَّيْء، وَالْحَاصِل أَنهم ترقبوا لَهُ كل مِنْهُم يأمل أَن يكون هُوَ الْمَبْعُوث، إِلَيْهِم، فَإِن قلت: ذكر ابْن إِسْحَاق أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى أهل نَجْرَان ليَأْتِيه بِصَدَقَاتِهِمْ وجزيتهم. قلت: قصَّة على غير قصَّة أبي عُبَيْدَة، فَإِن أَبَا عُبَيْدَة توجه مَعَهم فَقبض مَال الصُّلْح وَرجع، وَعلي أرْسلهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد ذَلِك فَقبض مِنْهُم مَا اسْتحق عَلَيْهِم من الْجِزْيَة، وَأخذ مِمَّن أسلم مِنْهُم مَا اسْتحق عَلَيْهِ من الصَّدَقَة.
4381 - حدّثنا محَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا إسْحاقَ عنْ صِلَةَ بنِ زُفَرَ عنْ حُذَيْفَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ جاءَ أهْلُ نَجْرَانَ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا ابْعَثْ لَنا رَجُلاً أمِيناً فَقَالَ لأبعْثَنَّ إلَيكُمْ رجُلاً أَمينا حَقَّ أمِينٍ فاسْتَشْرَفَ لَهُ الناسُ فبَعَث أَبَا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ. هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث السَّابِق أخرجه مُخْتَصرا، وَأخرجه فِي مَنَاقِب أبي عُبَيْدَة عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن شُعْبَة إِلَى آخِره.
4382 - ح دّثنا أبُو الوَليد حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ خالِدٍ عنْ أبي قِلابَةَ عنْ أنَسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِكلِّ أمةٍ أمِينٌ وأمينُ هذِهِ الأمَّةِ أبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ رضيَ الله عنهُ (انْظُر الحَدِيث 3744 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَه حِين بَعثه إِلَى نَجْرَان بِقَرِينَة الحَدِيث السَّابِق، وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وخَالِد هُوَ ابْن مهْرَان الْحذاء الْبَصْرِيّ، وَأَبُو قلَابَة، بِكَسْر الْقَاف: عبد الله بن زيد الْجرْمِي. وَمضى الحَدِيث فِي مَنَاقِب أبي عُبَيْدَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَمْرو بن عَليّ عَن عبد الْأَعْلَى عَن خَالِد عَن أبي قلَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
74 - (قِصَّةُ عُمَانَ والبَحْرَيْنِ)
أَي: هَذَا فِي بَيَان قصَّة عمان، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم. وَقَالَ عِيَاض: فرضة بِلَاد الْيمن وَلم يزدْ فِي تَعْرِيفهَا شَيْئا، وَقَالَ الرشاطي: عمان فِي الْيمن، سميت بعمان بن سبأ وَفِي بِلَاد الشَّام بَلْدَة يُقَال لَهَا: عمان، بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْمِيم وَلَيْسَت بمرادة هُنَا قطعا. والبحرين ثنية بحرفي الأَصْل مَوضِع بَين الْبَصْرَة وعمان، وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ بحراني.
4383 - ح دّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سعِيدٍ حدَّثنا سُفْيانُ سمِعَ ابنُ المُنْكَدِرَ جابِرَ بنَ عبْدِ الله رَضِي الله عَنْهُمَا يقُولُ قَالَ لي رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لوْ قَدْ جاءَ مالُ البَحْرَيْنِ لقَدْ أعْطَيْتُكَ(18/28)
هكَذا وهكَذَا ثَلاثاً فلَمْ يَقْدَمْ مالُ البَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلمَّا قدِم علَى أبي بَكْرٍ أمَرَ مُنادِياً فنَادى مَنْ كانَ لهُ عنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ديْنٌ أوْ عدَةٌ فَلْيَأْتِنِي قَالَ جابِرٌ فَجئْتُ أَبَا بكْرٍ فأخْبَرْتُهُ أَن النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَوْ قَدْ جاءَ مالُ البَحْرَيْنِ أعْطَيْتُكَ هكذَا وهكَذَا ثَلاثاً قَالَ فأعْطاني قَالَ جابِرٌ فلَقِيتُ أَبَا بكْرٍ بعْدَ ذَاكَ فَسألْتُهُ فَلَمْ يُعْطِني ثُمَّ أتَيْتُهُ فَلَمْ يَعْطِني ثُمَّ أتَيْتُهُ الثَّالِثَةَ فَلَمْ يُعْطِني فَقُلْتُ لهُ قَدْ أتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِني ثُمَّ أتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِني ثُمَّ أتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِني فإمَّا أنْ تُعْطِينَي وإمَّا أنْ تَبْخَلَ عَنِّي فَقَالَ أقُلْتَ تَبْخَلُ عَنِّي وأيُّ دَاءٍ أدْوَأُ مِنَ البُخْل قالَها ثَلاثاً مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إلاَّ إِنَّا أُرِيدُ أنْ أُعْطِيَكَ. .
لَيْسَ فِيهِ قصَّة عمان وَلَا قصَّة الْبَحْرين، وَلَكِن يُمكن أَن يكون قد أَشَارَ إِلَى ذَلِك بقوله: (لَو قد جَاءَ مَال الْبَحْرين) فَإِنَّهُ يدل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعث إِلَيْهِم على مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث الْمسور بن مخرمَة، قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رسله إِلَى الْمُلُوك وَبعث عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى جَيْفَر وعياذ ابْني جلندي ملك عمان، وَفِيه: فَرَجَعُوا جَمِيعًا قبل وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَنه توفّي وَعَمْرو بِالْبَحْرَيْنِ. قلت: جَيْفَر، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْفَاء بعْدهَا الرَّاء، و: عياذ، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا ذال مُعْجمَة، و: الجلندي، بِضَم الْجِيم وَفتح اللَّام وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال مَقْصُورا، و: سُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة. قَوْله: (سمع ابْن الْمُنْكَدر) ، أَي: مُحَمَّد جَابر بن عبد الله، فَابْن الْمُنْكَدر فَاعل سمع، وَجَابِر بن عبد الله بِالنّصب مَفْعُوله، وَفِي رِوَايَة الْحميدِي فِي (مُسْنده) : حَدثنَا سُفْيَان، قَالَ: سَمِعت ابْن الْمُنْكَدر، وَقَالَ: سَمِعت جَابِرا، والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْهِبَة، فِي: بَاب إِذا وهب هبة أَو وعد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان إِلَى آخِره، وَفِيه اخْتِصَار قَوْله: (قلت: تبخل عني؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الْإِنْكَار أَي: اتنسب إِلَى الْبُخْل. قَوْله: (أدوأ) : ضَبطه الدمياطي بِخَطِّهِ بِالْهَمْزَةِ، وَقَالَ ابْن التِّين: إِنَّه غير مَهْمُوز، وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي بَاب الدَّال مَعَ الْوَاو: وَمِنْه الحَدِيث: وَأي دَاء أدوى من الْبُخْل، أَي: أَي عيب أقبح مِنْهُ، وَالصَّوَاب أدوأ بِالْهَمْزَةِ، وَالْبخل بِضَم الْيَاء وَسُكُون الْخَاء وَبِفَتْحِهَا، وَهُوَ أَن يمْنَع الْمَرْء مَا يجب عَلَيْهِ فَلَا يُؤَدِّيه.
وعنْ عَمْرٍ وعنْ مُحَمَّدِ بنِ علِيِّ سمِعْتُ جابِرَ بنَ عبْدِ الله يقُولُ جِئْتُهُ فَقَالَ لِي أبُو بكْرٍ عُدَّها فَعَدَدْتُها فَوَجَدْتُها خَمْسمِائَةٍ فَقَالَ خُذْ مِثْلَها مَرَّتَيْنِ.
هَذَا مَعْطُوف على الْإِسْنَاد الأول، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَمُحَمّد بن عَليّ هُوَ ابْن الْحَنَفِيَّة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَوَقع فِي رِوَايَة الْحميدِي: حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار أَخْبرنِي مُحَمَّد بن عَليّ فَذكر إِلَى آخِره، وَهَذَا مضى فِي الْكفَالَة فِي: بَاب من تكفل عَن ميت دينا، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان عَن عَمْرو وَسمع مُحَمَّد بن عَليّ عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، إِلَى آخِره، فَلْينْظر هُنَاكَ، وَصَاحب (التَّلْوِيح) قد ذهل عَنهُ فَقَالَ: أخرجه مُسلم فِي (صَحِيحه) عَن إِسْحَاق عَن سُفْيَان عَنهُ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
74 - (بابُ قُدُومِ الأشْعَرِيِّينَ وأهْلِ اليَمَنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قدوم الْأَشْعَرِيين، وَهُوَ جمع أشعري، نِسْبَة إِلَى الْأَشْعر، وَهُوَ نبت بن أدد بن زيد بن يشحب ابْن عريب بن زيد بن كهلان، وَإِنَّمَا قيل لَهُ: الْأَشْعر، لِأَنَّهُ وَلدته أمه أشعراً، وَالشعر على كل شَيْء مِنْهُ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: الأشعرين، بِحَذْف إِحْدَى اليائين وَتَخْفِيف الْبَاقِي. قَوْله: (وَأهل الْيمن) ، من عطف الْعَام على الْخَاص، لِأَن الْأَشْعَرِيين من أهل الْيمن.
وَقَالَ أبُو موساى عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُمْ مِنِّي وَأَنا مِنْهُمْ.
أَي: وَقَالَ أَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هم أَي: الأشعريون مني، وَأَرَادَ بِهِ الْمُبَالغَة فِي اتصالهم فِي الطَّرِيق واتفاقهم على الطَّاعَة، وَكلمَة: من، هُنَا تسمى بِمن الاتصالية أَي: هم متصلون بِي فِيمَا ذَكرْنَاهُ، وَهُوَ(18/29)
طرف حَدِيث قد وَصله البُخَارِيّ فِي الشّركَة فِي الطَّعَام: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْعَلَاء حَدثنَا حَمَّاد بن أُسَامَة عَن بريد عَن أبي بُرَيْدَة عَن أبي مُوسَى، قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْأَشْعَرِيين إِذا أرملوا فِي الْغَزْو أَو قل طَعَام عِيَالهمْ بِالْمَدِينَةِ ... الحَدِيث، وَفِي آخِره: فهم مني وَأَنا مِنْهُم، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
377 - (حَدثنِي عبد الله بن مُحَمَّد وَإِسْحَاق بن نصر قَالَا حَدثنَا يحيى بن آدم حَدثنَا ابْن أبي زَائِدَة عَن أَبِيه عَن أبي إِسْحَاق عَن الْأسود بن يزِيد عَن أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ قدمت أَنا وَأخي من الْيمن فَمَكثْنَا حينا مَا نرى ابْن مَسْعُود وَأمه إِلَّا من أهل الْبَيْت من كَثْرَة دخلوهم ولزومهم لَهُ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله قدمت أَنا وَأخي من الْيمن وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي وَإِسْحَاق بن نصر أَبُو إِبْرَاهِيم السَّعْدِيّ البُخَارِيّ وَيحيى بن آدم بن سُلَيْمَان الْكُوفِي وَسقط فِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي ذكر شَيْخي البُخَارِيّ الْمَذْكُورين وَابْتِدَاء الْإِسْنَاد بِيَحْيَى بن آدم وَالصَّوَاب ثبوتهما لِأَن البُخَارِيّ لم يدْرك يحيى بن آدم وَابْن أبي زَائِدَة هُوَ يحيى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة واسْمه مَيْمُون وَيُقَال خَالِد الْهَمدَانِي الْكُوفِي يروي عَن أَبِيه زَكَرِيَّا الْأَعْمَى الْكُوفِي وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي الْكُوفِي وَالْأسود بن يزِيد من الزِّيَادَة النَّخعِيّ الْكُوفِي والْحَدِيث مضى فِي فضل ابْن مَسْعُود أخرجه عَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء عَن إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن أبي إِسْحَاق عَن أَبِيه عَن أبي إِسْحَاق عَن الْأسود بن يزِيد إِلَى آخِره قَوْله " أَنا وَأخي " وَاسم أَخِيه أَبُو رهم أَو أَبُو بردة قَوْله " مَا نرى " بِضَم النُّون أَي مَا نظن قَوْله " وَأمه " وَاسم أمه أم عبد الله بنت عبدود بن سَوَاء بن قريم وَأمّهَا هِنْد بنت عبد بن الْحَارِث بن زهرَة بن كلاب وَلها صُحْبَة قَوْله من أهل الْبَيْت أَي بَيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
378 - (حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا عبد السَّلَام عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن زَهْدَم قَالَ لما قدم أَبُو مُوسَى أكْرم هَذَا الْحَيّ من جرم وَإِنَّا لجُلُوس عِنْده وَهُوَ يتغدى دجاجا وَفِي الْقَوْم رجل جَالس فَدَعَاهُ إِلَى الْغَدَاء فَقَالَ إِنِّي رَأَيْته يَأْكُل شَيْئا فقذرته فَقَالَ هَلُمَّ فَإِنِّي رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْكُلهُ فَقَالَ إِنِّي حَلَفت لَا آكله فَقَالَ هَلُمَّ أخْبرك عَن يَمِينك إِنَّا أَتَيْنَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي نفر من الْأَشْعَرِيين فاستحملناه فَأبى أَن يحملنا فاستحملناه فَحلف أَن لَا يحملنا ثمَّ لم يلبث النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن أُتِي بِنَهْب إبل فَأمر لنا بِخمْس ذود فَلَمَّا قبضناها قُلْنَا تغفلنا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَمِينه لَا نفلح بعْدهَا أبدا فَأَتَيْته فَقلت يَا رَسُول الله إِنَّك حَلَفت أَن لَا تحملنا وَقد حملتنا قَالَ أجل وَلَكِن لَا أَحْلف على يَمِين فَأرى غَيرهَا خيرا مِنْهَا إِلَّا أتيت الَّذِي هُوَ خير مِنْهَا) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله إِنَّا أَتَيْنَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي نفر من الْأَشْعَرِيين أَي فِي جمَاعَة مِنْهُم وَكَانَ طَلَبهمْ عِنْد إِرَادَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غَزْوَة تَبُوك وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن وَعبد السَّلَام بن حَرْب سكن الْكُوفَة وَهُوَ من أَفْرَاده وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ وَأَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن زيد الْجرْمِي وزهدم بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْهَاء على وزن جَعْفَر بن مضرب بالضاد الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء الْجرْمِي الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ والْحَدِيث مضى فِي الْخمس أخرجه عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب وَفِيه بعض زِيَادَة وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَوْله لما قدم أَبُو مُوسَى قَالَ(18/30)
الْكرْمَانِي حِين قدم الْيمن وَنسبه بَعضهم إِلَى الْوَهم فَقَالَ أَي لما قدم الْكُوفَة أَمِيرا عَلَيْهَا فِي زمن عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ثمَّ قَالَ لِأَن زهدما لم يكن من أهل الْيمن قَوْله من جرم وَهِي قَبيلَة مَشْهُورَة ينسبون إِلَى جرم بن ربان برَاء وباء مُوَحدَة مُشَدّدَة بن ثَعْلَبَة بن حلوان بن عمرَان بن الحاف بن قضاعة قَوْله " فقذرته " بِفَتْح الْقَاف وَكسر الذَّال الْمُعْجَمَة وَفتحهَا أَي استقذرته وكرهته قَوْله هَلُمَّ من أَسمَاء الْأَفْعَال وَمَعْنَاهُ تعال قَوْله " ذود " بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَهُوَ من الْإِبِل مَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْر قَوْله " تغفلنا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَي استغفلناه واغتنمناه غفلته
379 - (حَدثنِي عَمْرو بن عَليّ حَدثنَا أَبُو عَاصِم حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا أَبُو صَخْرَة جَامع بن شَدَّاد حَدثنَا صَفْوَان بن مُحرز الْمَازِني حَدثنَا عمرَان بن حُصَيْن قَالَ جَاءَت بَنو تَمِيم إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ أَبْشِرُوا يَا بني تَمِيم قَالُوا أما إِذْ بشرتنا فَأَعْطِنَا فَتغير وَجه رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فجَاء نَاس من أهل الْيمن فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لم يقبلهَا بَنو تَمِيم قَالُوا قد قبلنَا يَا رَسُول الله) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فجَاء نَاس من أهل الْيمن " وَعَمْرو بن عَليّ بن بَحر أَبُو حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل الضَّحَّاك بن مخلد والْحَدِيث مضى فِي أول بَدْء الْخلق فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان عَن جَامع بن شَدَّاد عَن صَفْوَان بن مُحرز إِلَى آخِره فَإِن قلت قدوم وَفد بني تَمِيم كَانَ سنة تسع وقدوم الْأَشْعَرِيين كَانَ قبل ذَلِك عقيب فتح خَيْبَر سنة سبع قلت يحْتَمل أَن طَائِفَة من الْأَشْعَرِيين قدمُوا بعد ذَلِك
380 - (حَدثنِي عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ حَدثنَا وهب بن جرير حَدثنَا شُعْبَة عَن إِسْمَاعِيل ابْن أبي خَالِد عَن قيس بن أبي حَازِم عَن أبي مَسْعُود أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ الْإِيمَان هَهُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْيمن أَو الْجفَاء وَغلظ الْقُلُوب فِي الْفَدادِين عِنْد أصُول أَذْنَاب الْإِبِل من حَيْثُ يطلع قرنا الشَّيْطَان ربيعَة وَمُضر) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ الاستطراد لأجل ذكر الْيمن فِيهَا وَأَبُو مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو البدري الْأنْصَارِيّ والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر كتاب بَدْء الْخلق فِي بَاب خير مَال الْمُسلم غنم فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن إِسْمَعِيل إِلَى آخِره قَوْله " إِلَى الْيمن " أَي إِلَى جِهَة الْيمن وَيُرَاد بِهِ أهل الْبَلَد لَا من ينتسب إِلَيْهِ من غَيره قَوْله " فِي الْفَدادِين " تَفْسِيره على وَجْهَيْن (أَحدهمَا) أَن يكون جمع الفداد بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ الشَّديد الصَّوْت وَذَلِكَ من دأب أَصْحَاب الْإِبِل (وَالْآخر) أَن يكون جمع الفداد بِالتَّخْفِيفِ وَهُوَ آلَة الْحَرْث وَإِنَّمَا ذمّ هَؤُلَاءِ لأَنهم يشتغلون عَن أُمُور الدّين ويلتهون عَن أُمُور الْآخِرَة قَوْله " من حَيْثُ يطلع " يَعْنِي من جِهَة الشرق وَعبر عَن الشرق بذلك لِأَن الشَّيْطَان ينْتَصب فِي محاذاة المطلع حَتَّى إِذا طلعت الشَّمْس كَانَت بَين جَانِبي رَأسه فَتَقَع السَّجْدَة لَهُ حِين تسْجد عَبدة الشَّمْس لَهَا قَوْله " ربيعَة وَمُضر " قبيلتان مشهورتان بِالْفَتْح فيهمَا لِأَنَّهُمَا بدل من الْفَدادِين وَغير المنصرف يكون مَفْتُوحًا فِي مَوضِع الْجَرّ وَيجوز أَن يَكُونَا مرفوعين على تقديرهم ربيعَة وَمُضر فَيكون الْمُبْتَدَأ فِيهِ محذوفا
4388 - ح دّثنا محَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حَدثنَا ابنُ أبي عَدِيٍّ عنْ شُعْبَةَ عَن سُلَيْمانَ عنْ ذَكْوَانَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أتاكُمْ أهْلُ اليَمَنِ هُمْ أرَقُّ أفْئِدَةً وألْيَنُ قُلُوباً الإيمانُ يَمانٍ والحِكْمَةُ يَمانِيَةٌ والفَخْرُ والخُيَلاءُ فِي أصْحاب الإبلِ والسَّكِينَةُ والوَقَارُ فِي أهْلِ الغَنَمِ. .(18/31)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي أول الحَدِيث. وَأَيْضًا مثل مَا ذكرنَا فِي الحَدِيث السَّابِق، لِأَن التَّرْجَمَة فِي ذكر الْيمن، وَابْن أبي عدي هُوَ مُحَمَّد، وَاسم أبي عدي إِبْرَاهِيم، وَسليمَان هُوَ الْأَعْمَش، وذكوان، بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة أَبُو صَالح.
والْحَدِيث مر فِي: بَاب خير مَال الْمُسلم غنم، أخرجه عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة، وَفِيهِمَا زِيَادَة ونقصان فليعتبر ذَلِك.
قَوْله: (أَتَاكُم) ، خطاب للصحابة وَفِيهِمْ الْأَنْصَار فليرد بِهَذَا قَول من يَقُول: المُرَاد بقوله: الْإِيمَان يمَان، الْأَنْصَار، لأَنهم يمانون فِي الأَصْل فَيتَعَيَّن بِمَا ذكرنَا أَن الَّذين أَتَاهُم غير هم. قَوْله: (أرق أَفْئِدَة) ، جمع فؤاد، قَالَ الْخطابِيّ: وصف الأفئدة بالرقة والقلوب باللين لِأَن الْفُؤَاد غشاء الْقلب إِذا رق نفذ القَوْل فِيهِ وخلص إِلَى مَا وَرَاءه، وَإِذا غلظ تعذر وُصُوله إِلَى دَاخله، فَإِذا صَادف الْقلب شَيْئا علق بِهِ، أَي: إِذا كَانَ لينًا، وَالْمَشْهُور أَن الْفُؤَاد هُوَ الْقلب، فعلى هَذَا تكْرَار لفظ الْقلب بلفظين أولى من تكرره بِلَفْظ وَاحِد، وَقيل: الْفُؤَاد غير الْقلب وَهُوَ عين الْقلب، وَقيل: بَاطِن الْقلب، وَقيل: غشاء الْقلب. قَوْله: (الْإِيمَان يمَان) ، أَصله: يماني، حذفت الْيَاء للتَّخْفِيف، وَإِنَّمَا أوقع الْيَمَان، خَبرا عَن الْإِيمَان لِأَن مبدأه من مَكَّة وَهِي يَمَانِية أَو المُرَاد مِنْهُ وصف أهل الْيمن بِكَمَال الْإِيمَان، وَقيل: المُرَاد مَكَّة وَالْمَدينَة، لِأَن هَذَا الْكَلَام صدر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بتبوك، فَتكون الْمَدِينَة حينئذٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمحل الَّذِي هُوَ فِيهِ يَمَانِية. قَوْله: (وَالْحكمَة يَمَانِية) ، اضْطَرَبَتْ الْأَقْوَال فِي تَفْسِيرهَا، فَقَالَ النَّوَوِيّ: وَالَّذِي صفا لنا مِنْهَا أَن الْحِكْمَة عبارَة عَن الْعلم المتصف بِالْأَحْكَامِ الْمُشْتَمل على معرفَة الله تَعَالَى المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النَّفس وَتَحْقِيق الْحق وَالْعَمَل بِهِ والصد عَن ابْتَاعَ الْهوى وَالْبَاطِل، والحكيم من لَهُ ذَلِك، وَفِيه الثَّنَاء على أهل الْيمن لمبادرتهم إِلَى الدعْوَة وإسراعهم إِلَى قبُول الْإِيمَان. قَوْله: (وَالْفَخْر) هُوَ الافتخار وعد المآثر الْقَدِيمَة تَعْظِيمًا. قَوْله: (وَالْخُيَلَاء) ، بِالضَّمِّ وَالْكَسْر: الْكبر وَالْعجب، وَمِنْه: اختال فَهُوَ مختال. قَوْله: (والسكينة) أَي: المسكنة (وَالْوَقار) أَي: الخضوع.
وَقَالَ غنْدَرٌ عنْ شُعْبَةَ عنْ سُلَيْمانَ سَمِعْتُ ذَكْوَانَ عنْ أبي هُرَيْرَةَعنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
غنْدر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة: مُحَمَّد بن جَعْفَر وَسليمَان هُوَ الْأَعْمَش، وَإِنَّمَا أورد هَذَا الْمُعَلق لوُقُوع التَّصْرِيح بقول سُلَيْمَان: سَمِعت ذكْوَان، وَوَصله أَحْمد عَن غنْدر بِهَذَا الْإِسْنَاد.
382 - (حَدثنَا إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنِي أخي عَن سُلَيْمَان عَن ثَوْر بن زيد عَن أبي الْغَيْث عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ الْإِيمَان يمَان والفتنة هَهُنَا هَهُنَا يطلع قرن الشَّيْطَان) هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه عَن إِسْمَعِيل بن أبي أويس عَن أَخِيه عبد الحميد عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن ثَوْر بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور ابْن زيد الْمدنِي وَفِيهِمْ ثَوْر آخر لكنه ابْن يزِيد بِزِيَادَة الْيَاء آخر الْحُرُوف فِي أَوله الشَّامي وَأَبُو الْغَيْث بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره ثاء مُثَلّثَة واسْمه سَالم مولى عبد الله بن مُطِيع بن الْأسود الْقرشِي الْعَدوي الْمدنِي قَوْله " والفتنة هَهُنَا " يَعْنِي نَحْو الْمشرق وَأَشَارَ إِلَيْهِ بقوله هَهُنَا يطلع قرن الشَّيْطَان وَقد مر عَن قريب أَنه ينْتَصب فِي محاذاة المطلع حِين تطلع الشَّمْس بَين قرنيه وَأما كَون الْفِتْنَة من الْمشرق فَلِأَن أعظم أَسبَاب الْكفْر منشؤه هُنَالك كخروج الدَّجَّال وَنَحْوه
383 - (حَدثنَا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْب حَدثنَا أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ أَتَاكُم أهل الْيمن أَضْعَف قلوبا وأرق أَفْئِدَة الْفِقْه يمَان وَالْحكمَة يَمَانِية) هَذَا طَرِيق آخر عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن أبي الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " أَضْعَف قلوبا " ذكر فِيمَا مضى أَلين قلوبا لِأَن الضعْف عبارَة عَن السَّلامَة من(18/32)
الغلظ والشدة وَالْقَسْوَة الَّتِي وصفت بهَا قُلُوب الآخرين واللين عبارَة عَن الاستكانة وَسُرْعَة الْإِيجَاب والتأثر بقوارع التَّذْكِير قَوْله " الْفِقْه يمَان " المُرَاد بالفقه هُنَا الْفَهم فِي الدّين واصطلح بعد ذَلِك الْفُقَهَاء وَأَصْحَاب الْأُصُول على تَخْصِيص الْفِقْه بِإِدْرَاك الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة العملية بالاستدلال على أعيانها قَوْله " وَالْحكمَة يَمَانِية " قد مر تَفْسِير الْحِكْمَة عَن قريب واليمانية بتَخْفِيف الْيَاء لِأَن الْألف المزيدة فِيهِ عوض عَن يَاء النِّسْبَة الْمُشَدّدَة فَلَا يجمع بَينهمَا وَقيل سمع بِالتَّشْدِيدِ أَيْضا
4391 - ح دّثنا عَبْدَانُ عنْ أبي حَمْزَةَ عَن الأعْمَش عنْ إبْرَاهيمَ عنْ عَلْقَمَةَ قَالَ كُنَّا جُلُوساً معَ ابنِ مَسْعُودٍ فَجاءَ خبَّابٌ فَقَالَ يَا أَبَا عبْدِ الرَّحْمانِ أيَسْتَطِيعُ هاؤلاءِ الشَّبابُ أنْ يقْرَؤُا كمَا تَقْرَأُ قَالَ أمَا إنَّكَ لوْ شِئْتَ أمَرْتُ بَعْضَهُمْ فَيَقْرَأُ علَيْكَ قَالَ أجَلْ قَالَ اقْرَأ يَا عَلْقَمَةُ فَقَالَ زَيْدُ بنُ حُدَيْرٍ أخُو زِيادِ بنِ حُدَيْرٍ أتأمُرُ عَلْقَمَةَ أنْ يَقْرَأ ولَيْسَ بأقرَئنا قَالَ أمَا إنَّكَ إنْ شِئْتَ أخَبَرْتُكَ بِمَا قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْمِكَ وقَوْمِهِ فَقَرأتُ خَمْسِينَ آيَةً مِنْ سُورَةِ مَرْيَمَ وَقَالَ عبْدُ الله كَيْفَ تَرَى قَالَ قَدْ أحْسَنَ قَالَ عبْدُ الله مَا أقْرَأُ شَيْئاً إلاَّ وهُوَ يَقْرَؤُهُ ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى خَبَّاب وعلَيْهِ خاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقال ألَمْ يَأن لِهَذا الخَاتَمِ أنْ يَلْقَى قَالَ أما إنَّك لَنْ تَرَاهُ عليَّ بعْدَ اليَوْمِ فألْقَاهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ بالتعسف من ذكر عَلْقَمَة فِي الْإِسْنَاد فِي متن الحَدِيث أَيْضا لِأَنَّهُ نخعي، والنخع من الْيمن وَهِي قَبيلَة مَشْهُورَة ينسبون إِلَى النخع، واسْمه: حبيب بن عَمْرو بن عِلّة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف اللَّام: ابْن مَالك بن أدبن زيد، وَإِنَّمَا قيل لَهُ: النخع، لِأَنَّهُ نخع عَن قومه أَي: بعد.
وعبدان هُوَ عبد الله بن عُثْمَان وَقد تكَرر ذكره، وَأَبُو حَمْزَة، بِالْحَاء وَالزَّاي: واسْمه مُحَمَّد بن مَيْمُون الْيَشْكُرِي، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وعلقمة هُوَ ابْن قيس النَّخعِيّ.
قَوْله: (جُلُوسًا) ، بِالضَّمِّ جمع جَالس. قَوْله: (خباب) هُوَ: ابْن الْأَرَت الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور. قَوْله: (يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن) ، وَهُوَ كنية عبد الله بن مَسْعُود. قَوْله: (أيستطيع؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار. قَوْله: (أمرت بَعضهم فَيقْرَأ عَلَيْك) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (فَقَرَأَ) ، بِصِيغَة الْفِعْل الْمَاضِي. قَوْله: (أجل) أَي: نعم. قَوْله: (فَقَالَ زيد بن حدير) ، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الدَّار مُصَغرًا، وَهُوَ أَخُو زيد بن حدير، وَزِيَاد من كبار التَّابِعين أدْرك عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَله رِوَايَة فِي (سنَن أبي دَاوُد) وَنزل الْكُوفَة وَولي إمرتها مرّة، وَهُوَ أسدي من بني أَسد ابْن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر. قَوْله: (أتأمر؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام. قَوْله: (أما) ، بتَخْفِيف الْمِيم وَهُوَ حرف استفتاح بِمَنْزِلَة: أَلا، وَيكون بِمَعْنى: حَقًا، وَالْمعْنَى هُنَا على الأول، وَلِهَذَا كسرت: إِن، بعْدهَا وعَلى الْمَعْنى الثَّانِي تفتح: أَن، بعْدهَا. قَوْله: (فِي قَوْمك وَقَومه) ، يُشِير بِهَذَا إِلَى ثَنَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على النخع لِأَن عَلْقَمَة نخعي، وَإِلَى ذمّ بني أَسد وَزِيَاد بن حَدِيد أسدي، أما ثَنَاؤُهُ على النخع فقد أخرجه أَحْمد وَالْبَزَّار بِإِسْنَاد حسن عَن ابْن مَسْعُود، قَالَ: شهِدت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو لهَذَا الْحَيّ من النخع ويثنى عَلَيْهِم حَتَّى تمنيت أَنِّي رجل مِنْهُم، وَأما ذمه لبني أَسد فَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: أَن جُهَيْنَة وَغَيرهَا خير من بني أَسد وغَطَفَان، وَقد تقدم فِي المناقب. قَوْله: (وَقَالَ عبد الله: كَيفَ ترى؟) مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وخاطب عبد الله بِهَذَا خباباً لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَأَلَهُ أَولا وَهُوَ الَّذِي قَالَ: قد أحسن، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن يعلى عَن الْأَعْمَش: فَقَالَ خباب: أَحْسَنت. قَوْله: (وَقَالَ عبد الله) هُوَ مَوْصُول أَيْضا. قَوْله: (مَا أقرّ أشيئاً إلاَّ وَهُوَ يَقْرَؤُهُ) ، يَعْنِي: عَلْقَمَة، وَفِيه منقبة عَظِيمَة لعلقمة حَيْثُ شهد ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه مثله فِي الْقِرَاءَة. قَوْله: (ألم يَأن؟) أَي: ألم يَجِيء وَقت إِلْقَاء هَذَا الْخَاتم؟ وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة و: أَن يلقى، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَفِيه تَحْرِيم لِبَاس الذَّهَب على الرِّجَال إِمَّا للتشبيه بِالنسَاء أَو للكبر والتيه، وَأما لبس خباب الْخَاتم من الذَّهَب فَيحمل على أَنه لم يبلغهُ التَّحْرِيم، لِأَن بعض الصَّحَابَة كَانَ يخفى عَلَيْهِ أَمر الشَّارِع. وَفِيه: الرِّفْق فِي الموعظة وَتَعْلِيم من لَا يعلم.(18/33)
روَاه غُنْدَرٌ عنْ شُعْبَةَ
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور مُحَمَّد بن جَعْفَر الملقب بغندر عَن شُعْبَة عَن الْأَعْمَش بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَوَصله أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق أَحْمد بن حَنْبَل: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر وَهُوَ غنْدر بِإِسْنَادِهِ.
76 - (قِصَّةُ دَوْسٍ والطُّفَيْلِ بنِ عَمْرٍ والدَّوْسِيِّ)
أَي: هَذَا بَيَان قصَّة دوس، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره سين مُهْملَة: ابْن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كَعْب بن الْحَارِث بن كَعْب بن مَالك بن نصر بن الأزد، وَمعنى الدوس ظَاهر. قَوْله: (والطفيل بن عَمْرو) أَي: قصَّة الطُّفَيْل، بِضَم الطَّاء: ابْن عَمْرو بن طريف بن الْعَاصِ بن ثَعْلَبَة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس، وَله حِكَايَة عَجِيبَة غَرِيبَة طويت ذكرهَا مَخَافَة التَّطْوِيل. وَمِنْهَا أَنه: رأى رُؤْيا فَقَالَ لأَصْحَابه: عبروها قَالُوا: وَمَا رَأَيْت؟ قَالَ: رَأَيْت رَأْسِي حلق، وَأَنه خرج من فمي طَائِر، وَأَن امْرَأَة لقيتني فأدخلتني فِي فرجهَا، وَكَانَ أبي يطلبني طلبا حثيثاً، فحيل بيني وَبَينه. قَالُوا: خيرا. قَالَ: أَنا وَالله فقد أولتها: أما حلق الرَّأْس فَقَطعه، وَأما الطَّائِر فروحي، وَأما الْمَرْأَة الَّتِي أدخلتني فِي فرجهَا فالأرض تحفر لي فأدفن فِيهَا، فقد روعت أَن أقتل شَهِيدا، وَأما طلب أبي إيَّايَ فَلَا أرَاهُ إلاَّ سيعذر فِي طلب الشَّهَادَة، وَلَا أرَاهُ يلْحق فِي سفرنا هَذَا، فَقتل الطُّفَيْل شَهِيدا يَوْم الْيَمَامَة، وجرح أَبوهُ ثمَّ قتل يَوْم اليرموك بعد ذَلِك فِي زمن عمر بن الْخطاب شَهِيدا.
4392 - ح دّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدّثنا سُفْيانُ عنِ ابنِ ذَكَوَانَ عنْ عبْدِ الرَّحْمانِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ جاءَ الطُّفَيْلُ بنُ عَمْروٍ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إنَّ دَوْساً قدْ هلَكتْ عَصَتْ وأبَتْ فادعُ الله علَيْهِمْ فَقَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْساً وأَتِ بِهِمْ. (انْظُر الحَدِيث 2937 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَابْن ذكْوَان هُوَ عبد الله بن ذكْوَان أَبُو الزِّنَاد، وَعبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج.
قَوْله: (قد هَلَكت) ادّعى الدَّاودِيّ أَن قَوْله: (هَلَكت) ، لَيْسَ بِمَحْفُوظ، وَإِنَّمَا قَالَ: عَصَتْ وأبت. قَوْله: (اللَّهُمَّ اهدِ دوساً وأئتِ بهم) ، دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَهُم بالهداية فِي مُقَابلَة الْعِصْيَان، والإتيان بِهِ فِي مُقَابلَة الإباء. وَفِيه: حرص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على من يسلم على يَدَيْهِ.
4393 - ح دّثنا مُحمَّدُ بنُ العَلاءِ حدَّثنا أبُو أُسامَةَ حدَّثنا إسْماعِيلُ عنْ قَيْسٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لمَّا قدِمْتُ عَلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلتُ فِي الطَّرِيقِ.
(يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِها وعَنائِهاعَلَى أنَّها مِنْ دارَةِ الكُفْرِ نَجَّتِ)
وأبَقَ غُلاَمٌ لِي فِي الطَّرِيقِ فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبايَعْتُهُ فَبَيْنا أَنا عِنْدَهُ إذْ طَلَعَ الغُلاَمُ فَقَالَ لِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هاذَا غلامُكَ فَقُلْتُ هُوَ لِوَجْهِ الله فأعْتَقْتُهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن أَبَا هُرَيْرَة دوسي لِأَنَّهُ من دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كَعْب بن الْحَارِث بن كَعْب بن مَالك بن نصر بن الأزد، وَقد اخْتلف فِي اسْمه وَاسم أَبِيه اخْتِلَافا كثيرا، وَقَالَ خَليفَة بن خياط: أَبُو هُرَيْرَة هُوَ عُمَيْر بن عَامر بن عبد ذِي الشرس بن طريف بن عباب بن أبي صعبة بن مُنَبّه بن سعد بن ثَعْلَبَة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس، وَقَالَ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم: أصح شَيْء عندنَا فِي اسْم أبي هُرَيْرَة: عبد الرَّحْمَن بن صَخْر، وَقد غلبت عَلَيْهِ كنيته فَهُوَ كمن لَا اسْم لَهُ غَيرهَا، أسلم أَبُو هُرَيْرَة عَام خَيْبَر وشهدها مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَغْبَة فِي الْعلم، رُوِيَ لَهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خَمْسَة آلافٍ حَدِيث وثلاثمائة حَدِيث وَأَرْبَعَة وَسَبْعُونَ حَدِيثا، اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على ثَلَاثمِائَة حَدِيث وَخَمْسَة وَعشْرين حَدِيثا، وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بِثَلَاثَة وَتِسْعين، وَمُسلم بِمِائَة وَتِسْعين، وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة أحد أَكثر حَدِيثا مِنْهُ. وَقَالَ البُخَارِيّ: روى عَنهُ(18/34)
أَكثر من ثَمَانمِائَة رجل من بَين صَاحب وتابع، اسْتَعْملهُ عمر رَضِي تَعَالَى الله عَنهُ، على الْبَحْرين ثمَّ عَزله، ثمَّ أَرَادَهُ على الْعَمَل فَأبى عَلَيْهِ، وَلم يزل يسكن الْمَدِينَة حَتَّى مَاتَ فِيهَا سنة سبع وَخمسين، قَالَه خَليفَة بن خياط، وَقَالَ ابْن الْهَيْثَم بن عدي: توفّي سنة ثَمَان وَخمسين وَهُوَ ابْن ثَمَان وَسبعين، وَقيل: مَاتَ بالعقيق وَحمل إِلَى الْمَدِينَة وَصلى عَلَيْهِ الْوَلِيد بن عتبَة بن أبي سُفْيَان وَكَانَ أَمِيرا على الْمَدِينَة لمعاوية بن أبي سُفْيَان، وروى عَنهُ أَنه قَالَ: إِنَّمَا كنيت بِأبي هُرَيْرَة لِأَنِّي وجدت أَو لَا دهرة وحشية فحملتا فِي كمي، فَقيل: مَا هَذِه قلت: هرة، قيل: فَأَنت أَبُو هُرَيْرَة، وَقيل: رَآهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي كمه هرة، فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَة.
ثمَّ الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ هُنَا عَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء عَن أبي أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن قيس بن أبي حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة، وَأخرجه فِي كتاب الْعتْق فِي: بَاب إِذا قَالَ رجل لعَبْدِهِ: هُوَ لله، من ثَلَاث طرق، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (لما قدمت) أَي: لما أردْت الْقدوم. قَوْله: (وعنائها) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَهُوَ التَّعَب وَالنّصب قَوْله: (من دارة الْكفْر) الدارة أخص من الدَّار. قَوْله: (وأبق غُلَام لي) ، ادّعى ابْن التِّين أَنه وهم، وَإِنَّمَا ضل كل وَاحِد مِنْهُمَا من صَاحبه، وَقيل: لَا دَلِيل لَهُ على ذَلِك. قلت: يجوز أَن يكون قَوْله فِي الرِّوَايَة الْمَاضِيَة فِي الْعتْق: فأضل أَحدهمَا صَاحبه، دَلِيلا على ذَلِك، وَقَالَ بَعضهم: لَا يلْتَفت إِلَى إِنْكَار ابْن التِّين أَنه أبق، لِأَن رِوَايَة: أبق، فسرت وَجه الإضلال. قلت: لَا إِبْهَام فِي الإضلال حَتَّى يفسره بِلَفْظ: أبق وَلَا يصلح أَيْضا أَن يكون: أبق، مُفَسرًا لَهُ من حَيْثُ اللُّغَة، وَلَا وَجه لذَلِك أصلا، لِأَن فِي الْإِبَاق معنى الْمُخَالفَة للْمولى والهرب عَنهُ، وَهُوَ أكبر الْعُيُوب فِي العَبْد، وَلَيْسَ فِي الإضلال هَذَا الْمَعْنى أصلا، فعلى هَذَا التَّوْفِيق بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَن يُقَال: إِنَّه أطلق: أبق، على معنى: أضلّ، لِأَن فِي كل من هذَيْن اللَّفْظَيْنِ معنى الاستتار والاحتباس.
77 - (قِصَّةُ وفْدِ طَيِّىءٍ وحَدِيثِ عَدِيِّ بنِ حاتِمٍ)
أَي: هَذَا فِي بَيَان قصَّة وَفد طَيء، وَفِي بعض النّسخ: بَاب قصَّة وَفد طَيء، وَفِي بَعْضهَا، وَفد طَيء، وَحَدِيث عدي بن حَاتِم بِلَا لفظ: قصَّة، والطيء، بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا همزَة: ابْن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ، وَقَالَ الرشاطي: كَانَ اسْمه جلهمة بن أدد، وَقَالَ ابْن دُرَيْد عَن الْخَلِيل: إِن أصل طَيء: طاوي، بِالْوَاو وَالْيَاء، فقلبوا الْوَاو يَاء فَصَارَت يَاء ثَقيلَة، قَالَ: وَكَانَ الأَصْل فِيهِ: طوى، وَقَالَ السيرافي: ذكر بعض النَّحْوِيين أَن: طيأ، من الطأة وَهُوَ الذّهاب فِي الأَرْض. وَقَالَ ابْن سعيد: لَيْسَ غير هَذَا القَوْل بِشَيْء لِأَن طوى طياً لَا أصل لَهُ فِي الْهمزَة، وطيء مَهْمُوز، وَحكى سِيبَوَيْهٍ فِي قَوْله: فِي طَيء، طائي أَنه على غير الْقيَاس، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: النِّسْبَة إِلَى طأي طائي، وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: سمي طياً لِأَنَّهُ أول من طوى المناهل قَوْله: (وَحَدِيث عدي) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الدَّار وَتَشْديد الْيَاء: ابْن حَاتِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق الْمَكْسُورَة: ابْن عبد الله بن سعد بن الحشرج، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وبالراء بعْدهَا جِيم على وزن جَعْفَر: ابْن امرىء الْقَيْس بن عدي بن ربيعَة بن جَرْوَل بن ثعل بن عَمْرو بن الْغَوْث بن طَيء بن أدد بن زيد بن كهلان، قدم عدي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شعْبَان سنة تسع، قَالَه أَبُو عمر، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: قدم فِي شعْبَان سنة عشر ثمَّ قدم على أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بصدقات قومه فِي حِين الرِّدَّة، وَمنع قومه وَطَائِفَة مَعَه من الرِّدَّة بِثُبُوتِهِ على الْإِسْلَام وَحسن رَأْيه وَكَانَ سرياً شريفاً فِي قومه، خَطِيبًا ظَاهر الْجَواب، فَاضلا كَرِيمًا، وَنزل عدي بن حَاتِم الْكُوفَة وسكنها وَشهد مَعَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْجمل وففئت عينه يومئذٍ ثمَّ شهد مَعَ عَليّ صفّين والنهروان، وَمَات بِالْكُوفَةِ سنة سبع وَسِتِّينَ فِي أَيَّام الْمُخْتَار، وَهُوَ ابْن مائَة وَعشْرين سنة.
4394 - ح دّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا أبُو عَوَانَةَ حدّثنا عبْدُ الملِكِ عنْ عَمرو بنِ حُرَيْثٍ عنْ عَدِيِّ بنِ حاتِمٍ قَالَ أتَيْنا عُمَرَ فِي وَفدٍ فجَعَل يَدْعُو رجُلاً رجُلاً ويُسَمِّيهِمْ فَقُلْتُ أما تَعْرِفُنِي يَا أميرَ المُؤْمِنِينَ قَالَ بَلى أسْلَمْتَ إذْ كَفَرُوا وأقْبَلْتَ إِذْ أدْبَرُوا ووَفَيْتَ إذْ غَدَرُوا وعَرَفْتَ إذْ أنْكَرُوا فَقَالَ عَدِيٌّ فَلاَ أُبالِي إِذا.(18/35)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو عوَانَة الوضاح الْيَشْكُرِي، وَعبد الْملك هُوَ ابْن عُمَيْر، وَعَمْرو بن حُرَيْث المَخْزُومِي صَحَابِيّ صَغِير، قَالَ أَبُو عمر: عَمْرو بن حُرَيْث بن عَمْرو بن عُثْمَان بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم الْقرشِي المَخْزُومِي، رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسمع مِنْهُ وَمسح بِرَأْسِهِ ودعا لَهُ بِالْبركَةِ، وَقيل: قبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْ عشرَة سنة، نزل الْكُوفَة وَولي إِمَارَة الْكُوفَة وَمَات بهَا سنة خمس وَثَمَانِينَ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم من وَجه آخر قَالَ: أتيت عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ: إِن أول صَدَقَة بيضت وَجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووجوه أَصْحَابه صَدَقَة طَيء، جِئْت بهَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَزَاد أَحْمد فِي أَوله: أتيت عمر فِي أنَاس من قومِي فَجعل يعرض عني، فاستقبلته فَقلت: أتعرفني؟ فَذكر نَحْو مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ مُسلم. قَوْله: (أتيت عمر) ، أَي: فِي خِلَافَته. قَوْله: (فِي وَفد) ، بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْفَاء وَفِي آخِره دَال مُهْملَة، وهم قوم يَجْتَمعُونَ ويردون الْبِلَاد، واحده وَافد، وَكَذَلِكَ الَّذين يقصدون الْأُمَرَاء لزِيَادَة واستر فادوا انتجاع وَغير ذَلِك، تَقول: وَفد يفد فَهُوَ وَافد، واوفدته على الشَّيْء فَهُوَ موفد إِذا أشرف. قَوْله: (ويسميهم) أَي: قبل أَن يَدعُوهُ. قَوْله: (يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ) ، أَصله: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَوْله: (إِذْ) ، بِمَعْنى: حِين، فِي الْأَرْبَعَة الْمَوَاضِع، وَقَوله: (إِذا) فِي الْأَخير بِالتَّنْوِينِ بِمَعْنى: حينئذٍ قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: حِين عَرفتنِي بِهَذِهِ الْمرتبَة يَكْفِينِي سَعَادَة، وَقيل: مَعْنَاهُ إِذا كنت تعرف قدري فَلَا أُبَالِي إِذا قدمت على غَيْرِي.
78 - (بابُ حَجَّةِ الوَدَاعِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حجَّة الْوَدَاع، يجوز فتح الْحَاء وَكسرهَا وَكَذَلِكَ كسر الْوَاو وَفتحهَا، وَإِنَّمَا سميت حجَّة الْوَدَاع لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودع النَّاس فِيهَا وَلم يحجّ بعْدهَا، وَسميت أَيْضا: حجَّة الْإِسْلَام لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يحجّ من الْمَدِينَة غَيرهَا وَلَكِن حج قبل الْهِجْرَة مَرَّات قبل النُّبُوَّة وَبعدهَا، وَقد قيل: إِن فَرِيضَة الْحَج نزت عامئذٍ، وَقيل: سنة تسع، وَقيل: قبل الْهِجْرَة، وَهُوَ غَرِيب وَسميت: حجَّة الْبَلَاغ، أَيْضا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلغ النَّاس فِيهَا شرع الله فِي الْحَج قولا وفعلاً وَلم يكن بَقِي من دعائم الْإِسْلَام وقواعده إِلَّا وَقد بلغه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسميت أَيْضا: حجَّة التَّمام والكمال، وَحجَّة الْوَدَاع أشهر.
4395 - ح دّثنا إسْماعِيلُ بنُ عبْدِ الله حدَّثنا مالِكٌ عَن ابْن شِهاب عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ عنْ عائشَةَ رضيَ الله عَنْهَا قالَتْ خرَجْنا معَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ فأهْلَلْنا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ لَنا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ كانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بالحَجِّ معَ العُمْرة ثُمَّ لَا يَحِلَّ حتَّى يَحِلَّ مِنْهُما جَمِيعاً فَقدِمتُ معَهُ مَكَّةَ وَأَنا حائِضٌ ولَمْ أطُفْ بالبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصفَّا والمَرْوَةِ فَشَكَوْتُ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ انْقُضى رَأسَكِ وامْتَشِطِي وأهَلِّي بالحَجِّ وَدَعِي العُمْرَةَ فَفَعَلْتُ فَلَمَّا قَضَيْنا الحجَّ أرْسَلَنِي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معَ عبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَى التَّنْعِيم فاعْتَمَرْتُ فَقَالَ هَذِهِ مَكَان عُمرَتِكِ قالَتْ فَطافَ الَّذِينَ أهَلُّوا بالعُمْرَةِ بالبَيْتِ وبَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طافُوا طَوَافاً آخرَ بعَدَ أنْ رَجَعُوا مِنْ منى وَأما الَّذِينَ جَمَعُوا الحَجَّ والعُمْرَةَ فإنَّما طافُوا طَوافاً واحِداً. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: حجَّة الْوَدَاع. والْحَدِيث مر فِي الْحَج فِي: بَاب التَّمَتُّع والإقران، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك مُخْتَصرا، وَأخرجه عَن عَائِشَة مطولا، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
قَوْله: (فأهللنا) أَي: أحرمنا. قَوْله: (هَذِه مَكَان) بِالرَّفْع وَالنّصب.
4396 - ح دّثني عَمْرُو بن عَلِيِّ حدَّثنا يَحْيَى بنُ سعِيدٍ حدَّثنا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ حدَّثَنَي عَطاءٌ عنِ ابْن عَبَّاسٍ إِذا طافَ بالبَيْت فَقَدْ حل فَقُلْتُ مِنْ أيْنَ قَالَ هذَا ابنُ عَبَّاسٍ قَالَ منْ قَوْل(18/36)
الله تَعالى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى البيْتِ العَتِيقِ ومِنْ أمْرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصْحابَهُ أنْ يَحِلُّوا فِي حَجَّةِ الوَداعِ قُلْتُ إِنَّمَا كانَ ذَلِكَ بَعْدَ المُعَرَّفِ قَالَ كانَ ابنُ عَبَّاسٍ يَرَاهُ قبلُ وبَعْدُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (حجَّة الْوَدَاع) ، وَعَمْرو بن عَليّ بن بَحر أَبُو حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي، وَيحيى بن سعيد الْقطَّان، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْمَنَاسِك عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (فقد حل) ، أَي: قبل السَّعْي وَالْحلق. قَوْله: (فَقلت) ، الْقَائِل هُوَ ابْن جريج، وَالْمقول لَهُ عَطاء. قَوْله: (قَالَ) أَي: عَطاء. قَوْله: (بعد الْمُعَرّف) ، بِفَتْح الرَّاء: التَّعْرِيف أَي: الْوُقُوف بِعَرَفَة، يُقَال: عرف النَّاس إِذا شهدُوا عَرَفَة. قَوْله: (قبل وَبعد) ، أَي: قبل الْمُعَرّف وَبعده.
4397 - ح دّثني بَيانٌ حَدثنَا النَّضْرُ أخبرَنا شُعْبَةُ عنْ قَيْسٍ قَالَ سمِعْتُ طارِقاً عنْ أبي مُوسى الأشْعَرِيِّ رَضِي الله عنهُ قَالَ قَدِمْتُ على النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالبَطْحاءِ فَقَالَ أحَجَجْتَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ كَيْفَ أهْلَلْتَ قُلْتُ لَبَّيْكَ بإهْلاَلٍ كإهْلاَلِ رسولِ لله قَالَ طُفْ بالبَيْتِ وبالصَّفا والمرْوةِ ثُمَّ حِلَّ فَطُفْتُ بالْبَيْتِ وبالصفَّا والمَرْوَةِ وأتَيْت امْرأةً مِنْ قَيْسٍ فَفَلَتْ رأسِي. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (قدمت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) لِأَن قدومه كَانَ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي حجَّة الْوَدَاع.
وَبَيَان، بِفَتْح الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعد الْألف نون: ابْن عَمْرو البُخَارِيّ، وَالنضْر، بالضاد الْمُعْجَمَة: هُوَ ابْن شُمَيْل، وَقيس هُوَ ابْن مُسلم، وطارق هُوَ ابْن شهَاب الأحمسي البَجلِيّ الْكُوفِي، أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَله رُؤْيَة وغزوة مَعَ أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (بالبطحاء) ، حَال أَي: قدمت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَال كَونه نازلاً بالبطحاء، وَهُوَ مسيل وَادي مَكَّة. قَوْله: (أحججت؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار أَي: آحرمت بِالْحَجِّ؟ هُوَ شَامِل لِلْحَجِّ الْأَكْبَر والأصغر الَّذِي هُوَ الْعمرَة. قَوْله: (ثمَّ حل) ، بِكَسْر الْحَاء وَتَشْديد اللَّام: أَمر من الْإِحْلَال. قَوْله: (فَقلت رَأْسِي) بِفَتْح اللَّام المخففة أَي: فتشت رَأْسِي وأخرجت الْقمل مِنْهُ من: فلي يفلي فلياً وَهُوَ أَخذ الْقمل من الشّعْر، ومضمون الحَدِيث من الْفِقْه قد مر فِي الْحَج فِي: بَاب من أهل فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كإهلاله.
4398 - ح دّثني إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ أخبْرنا أنَسُ بنُ عِياضٍ حَدثنَا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ أنَّ ابنَ عُمَرَ أخْبَرَهُ أنَّ حَفصَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبَرَتْهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمَرَ أزْوَاجَهُ أنْ يَحْلِلْنَ عامَ حَجَّةِ الوَداعِ فقالَتْ حَفْصَةُ فَمَا يَمنَعُكَ فَقَالَ لَبَّدْتُ رأسِي وقَلَّدْتُ هَدْيي فَلَسْتُ أحِل حَتَّى أنْحَرَ هَدْيي. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (عَام حجَّة الْوَدَاع) ، والْحَدِيث مضى فِي: بَاب التَّمَتُّع والإقران. أخرجه عَن إِسْمَاعِيل وَعبد الله بن يُوسُف كِلَاهُمَا عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن حَفْصَة وَهِي بنت عمر بن الْخطاب وَأُخْت عبد الله بن عمر.
قَوْله: (فَمَا يمنعك أَنْت؟) تخاطب بِهِ حَفْصَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بقولِهَا: فَمَا يمنعك أَنْت؟ أَي: فَمَا يمنعك عَن التَّحَلُّل يَا رَسُول الله؟ قَوْله: (لبدت رَأْسِي) من التلبيد وَهُوَ أَن يَجْعَل الْمحرم فِي رَأسه شَيْئا من صمغ ليصير شعره كاللبد لِئَلَّا يشعث فِي الْإِحْرَام، (وقلدت) من التَّقْلِيد، وتقليد الْهَدْي: أَن يعلق فِي عُنُقه شَيْء ليعلم أَنه هدي.
4399 - ح دّثنا أبُو اليَمانِ قَالَ حدّثني شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْريِّ وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حدَّثنا الأوْزاعيُّ قَالَ أَخْبرنِي ابنُ شهِابٍ عنْ سُلَيْمان بنِ يَسارٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا أنَّ(18/37)
امْرَأةً مِنْ خَثَعَمَ اسْتَفْتَتْ رسُولَ الله فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ والفَضْلُ بنُ عَبَّاسٍ رَديفُ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ يَا رسُولَ الله إنَّ فَرِيضَةَ الله عَلَى عِبَادِهِ أدْرَكَتْ أبي شَيْخاً كَبِيراً لاَ يَسْتَطِيعُ أنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهَلْ يَقْضِي أنْ أحُجَّ عَنْهُ قَالَ: نَعَمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (حجَّة الْوَدَاع) . أخرجه من طَرِيقين أَحدهمَا: مَوْصُول وَهُوَ: عَن أبي الْيَمَان الحكم ابْن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن سُلَيْمَان بن يسَار ضد الْيَمين عَن عبد الله بن عَبَّاس. وَالْآخر: غير مَوْصُول. وَهُوَ قَوْله: (وَقَالَ مُحَمَّد بن يُوسُف) هُوَ الْفرْيَابِيّ، وَهُوَ شيخ البُخَارِيّ، أَيْضا، وَكَأَنَّهُ لم يسمعهُ مِنْهُ فَلذَلِك علقه. وَهُوَ يروي عَن عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ عَن بن شهَاب وَهُوَ الزُّهْرِيّ عَن سُلَيْمَان بن يسَار، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيقه. وَهَذَا الحَدِيث قد مضى فِي الْحَج فِي: بَاب الْحَج عَمَّن لَا يَسْتَطِيع الثُّبُوت على الرَّاحِلَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
4400 - ح دّثني مُحَمَّدٌ حَدثنَا سُرَيْجُ بنُ النُّعْمانِ حَدثنَا فُلَيْحٌ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ أقْبَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عامَ الفَتْحِ وهْوَ مُرْدِفٌ أُسامَةَ عل القَصْوَاءِ وَمَعَهُ بِلاَلٌ وعُثْمانُ بنُ طَلْحَةَ حَتَّى أناخَ عِنْدَ البَيْتِ ثُمَّ قَالَ لِعُثْمانَ ائْتِنا بالمِفْتاحِ فَجاءَهُ بالمِفْتاحِ فَفَتَحَ لهُ البابَ فَدَخَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأُسامَةُ وبِلاَلٌ وعُثمانُ ثُمَّ أغلقُوا عَلَيْهِمِ البابَ فَمَكَثَ نَهَارا طَوِيلاً ثُمَّ خَرَجَ وابْتَدَرَ النَّاسُ الدُّخُولَ فَسَبَقْتُهُمْ فَوَجَدْتُ بِلاَلاً قائِماً مِنْ وَرَاءِ البابِ فَقُلْتُ لهُ أيْنَ صَلَّى رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ صَلَّى بَيْنَ ذَيْنِكَ العَمُودَيْنِ المُقَدَّمَيْنِ وكانَ البَيْتُ عَلى سِتَّةِ أعْمِدَةٍ سَطْرَيْنِ صَلَّى بَيْنَ العَمُودَيْنِ مِنَ السَّطْرِ المُقَدَّمِ وجَعَلَ بابَ البَيْتِ خَلْفَ ظَهْرِهِ واسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الَّذِي يَسْتَقْبِلُكَ حِين تَلِجُ البَيْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجِدَارِ قَالَ ونَسِيتُ أنْ أسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى وعِنْدَ المَكان الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَرْمَرَةٌ حَمْرَاءٌ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (عَام الْفَتْح) ، لِأَن حجَّة الْإِسْلَام كَانَت فِيهِ، وَهِي حجَّة الْوَدَاع، وَمُحَمّد شيخ البُخَارِيّ ابْن رَافع بن أبي زيد الْقشيرِي النَّيْسَابُورِي. كَذَا قَالَه النَّسَائِيّ، وَقَالَ الْحَاكِم: هُوَ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي، بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة، وسريج، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الزَّاي وَفِي آخِره جِيم، مصغر السرج: ابْن النُّعْمَان أَبُو الْحسن البغداي الْجَوْهَرِي، وَهُوَ شيخ البُخَارِيّ، تَارَة يرْوى عَنهُ بِوَاسِطَة كَمَا فِي هَذَا الْموضع، وَتارَة بِلَا وَاسِطَة، وفليح، بمض الْفَاء: هُوَ ابْن سُلَيْمَان.
قَوْله: (وَهُوَ مردف) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (على الْقَصْوَاء) ، وَهُوَ اسْم نَاقَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي الَّتِي ابتاعها أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأُخْرَى مَعهَا من بني قشر بثمانمائة دِرْهَم، وَهِي الَّتِي هَاجر عَلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَت إِذْ ذَاك ربَاعِية، وَكَانَ لَا يحملهُ غَيرهَا إِذا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي. وَفِي (عُيُون الْأَثر) : كَانَت نَاقَته الَّتِي هَاجر عَلَيْهَا تسمى الْقَصْوَاء والجدعاء والعضباء، وَقيل: العضباء غير الْقَصْوَاء، والعضباء هِيَ الَّتِي سبقت، فشق ذَلِك على الْمُسلمين، والقصواء تَأْنِيث الْأَقْصَى، قَالَ ابْن الْأَثِير: الْقَصْوَاء النَّاقة الَّتِي قطع طرف أذنها من قصوته قصواً فَهُوَ مقصو، وناقة قصواء، وَلَا يُقَال: بعير أقْصَى، وَلم تكن نَاقَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قصواء، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا لقباً لَهَا، وَقيل: كَانَت مَقْطُوعَة الْأذن. قَوْله: (وَعُثْمَان بن طَلْحَة) بن أبي طَلْحَة، واسْمه عبد الله بن عبد الْعُزَّى بن عُثْمَان بن عبد الدَّار بن قصي الْقرشِي الْعَبدَرِي، قتل أَبوهُ طَلْحَة يَوْم أحد كَافِرًا، وَهَاجَر عُثْمَان إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت هجرته فِي هدنة الْحُدَيْبِيَة مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد، فلقيا عَمْرو بن الْعَاصِ مُقبلا من عِنْد النَّجَاشِيّ يُرِيد الْهِجْرَة، فاصطحبوا جَمِيعًا(18/38)
حَتَّى قدمُوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالْمَدِينَةِ فأسلموا، وَشهد عُثْمَان فتح مَكَّة فَدفع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِفْتَاح الْكَعْبَة إِلَيْهِ وَإِلَى شيبَة بن عُثْمَان، ثمَّ نزل عُثْمَان الْمَدِينَة فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ انْتقل إِلَى مَكَّة فسكنها حَتَّى مَاتَ بهَا فِي أول خلَافَة مُعَاوِيَة سنة ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعين، وَقيل: إِنَّه قتل بأجنادين. قَوْله: (ثمَّ أغلقوا) ويرو: غلقوا، بتَشْديد اللَّام. قَوْله: (فَقلت لَهُ) ، أَي: لِبلَال رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (فَقَالَ: صلى) إِلَى آخر الحَدِيث، رِوَايَة عبد الله بن عمر عَن بِلَال: وَمضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب الصَّلَاة بَين السَّوَارِي. قَوْله: (سطرين) بِالسِّين الْمُهْملَة، وَفِي رِوَايَة بِالْمُعْجَمَةِ، وَأنْكرهُ عِيَاض. قَوْله: (حِين تلج) أَي: حِين تدخل، من الولوج. قَوْله: (وَبَينه) أَي: وَبَين الَّذِي يسْلك أَو بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (مرمرة حَمْرَاء) ، قَالَ الْكسَائي: المرمرة الرخام. قلت: المرمرة غير الرخام، وَهِي مَعْرُوفَة وَيجمع على: مر مر، والأبحاث الْمُتَعَلّقَة بِهِ قد مرت فِي أَبْوَاب كَثِيرَة لِأَن البُخَارِيّ أخرج هَذَا الحَدِيث: فِي الصَّلَاة وَفِي الْجِهَاد وَفِي الْمَغَازِي وَفِي الْحَج، وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن جمَاعَة، وَأَبُو دَاوُد فِيهِ أَيْضا عَن جمَاعَة، وَالنَّسَائِيّ كَذَلِك عَن جمَاعَة، وَابْن ماجة كَذَلِك عَن دُحَيْم.
4401 - ح دّثنا أبُو اليَمانِ أخبْرَنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ حدّثني عُرْوةُ بن الزُّبَيْرِ وأبُو سَلَمَة ابنُ عبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ عائِشَةَ زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبَرَتْهُما أنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حاضَتْ فِي حجَّةِ الوَدَاعِ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحابِسَتُنا هِي فَقُلْتُ إنَّها قَدْ أفاضَتْ يَا رسُولَ الله وطافَتْ بالْبَيْتِ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلْتَنْفِرْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فِي حجَّة الْوَدَاع) ، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع والْحَدِيث مضى من طَرِيق آخر فِي الْحَج فِي: بَاب إِذا حَاضَت الْمَرْأَة بَعْدَمَا أفاضت، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
4402 - ح دّثنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمانَ قَالَ أَخْبرنِي ابنُ هْبٍ قَالَ حدّثني عمَرُ بنُ مِحَمَّدٍ أنَّ أباهُ حدَّثَهُ عنِ ابنِ عُمرَ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا نَتَحَدَّثُ بِحَجَّةِ الوَدَاعِ والنبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ أظْهُرِنا ولاَ نَدْري مَا حَجَّةُ الوَداعِ فَحَمِدَ الله وأثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ المسِيحَ الدَّجَّالَ فأطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ وَقَالَ مَا بَعَثَ الله منْ نَبِيٍّ إلاَّ أنْذَرَ أُمَّتَهُ أنْذَرَهُ نُوحٌ النبيِيُّونَ مِنْ بَعْدِهِ وإنَّهُ يَخْرُجُ فيكُمْ فَمَا خَفى عَلَيْكُمْ منْ شأنهِ فَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ أنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ عَلَى مَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ ثلاَثاً إنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بأعْوَرَ وإنَّهُ أعْوَرُ عَيْنِ اليُمْنَى كأنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طافِيَةٌ. ألاَ إنَّ الله حَرَّم عَلَيْكُمْ دِماءَكُمْ وأمْوَالَكُمْ كَحُرْمَة يَوْمِكُم هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ قالُوا نَعَمْ قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدُ ثَلَاثًا ويْلَكُمْ أوْ وَيْحَكُمْ انْظُرُوا لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رقابَ بَعْضٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن سُلَيْمَان أَبُو سعيد الْجعْفِيّ البُخَارِيّ، سكن مصر وروى عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَعمر بن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن الْخطاب، وَعمر هَذَا يروي عَن أَبِيه مُحَمَّد، وَمُحَمّد يروي عَن جده عبد الله بن عمر.
وَحَدِيث مُحَمَّد هَذَا أخرجه البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع بطرق مُخْتَلفَة فِي الدِّيات عَن أبي الْوَلِيد وَفِي الْفِتَن عَن حجاج ابْن منهال وَفِي الْأَدَب عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب وَفِي الْحُدُود عَن مُحَمَّد بن عبد الله وَفِي الْحَج عَن مُحَمَّد بن الْمثنى، وَأول حَدِيثه: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمنى: أَتَدْرُونَ أَي يَوْم هَذَا؟ وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن حَرْمَلَة وَغَيره.(18/39)
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي السّنة عَن أبي الْوَلِيد بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْمُحَاربَة عَن أَحْمد بن عبد الله، وَأخرجه ابْن ماجة فِي الْفِتَن عَن دُحَيْم مُخْتَصرا.
قَوْله: (كُنَّا نتحدث بِحجَّة الْوَدَاع) . قَوْله: (وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (وَلَا نَدْرِي مَا حجَّة الْوَدَاع) لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ذكرهَا فتحدثوا بهَا، وَلَكنهُمْ مَا فَهموا المُرَاد من الْوَدَاع: هَل هُوَ وداع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم غَيره؟ حَتَّى توفّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعَلمُوا عِنْد ذَلِك أَنه وادع النَّاس بالوصايا الَّتِي أوصاها لَهُم قرب أَيَّام مَوته مِنْهَا. قَوْله: (لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا) . قَوْله: (فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ) فِيهِ حذف تَقْدِيره: ركب وَاجْتمعَ النَّاس إِلَيْهِ وخطب فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة أبي نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) : فَحَمدَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. . الحَدِيث وَحده، وَأثْنى عَلَيْهِ الله، وَفِي قصَّة الدَّجَّال، وَفِيه: أَلا إِن الله حرم عَلَيْكُم دماءكم ... وَهَذِه الْخطْبَة كلهَا كَانَت فِي حجَّة الْوَدَاع. قَوْله: (فاطنب) ، أَي: طوّل. قَوْله: (أنذره نوح) إِنَّمَا عين نوحًا بتصريح اسْمه بعد أَن كَانَ دَاخِلا فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا بعث الله من نَبِي إلاّ أنذر أمته) لِأَن نوحًا وَمن بعده خلق ثَان، لِأَن من قبله هَلَكُوا كلهم وَلم يبْق إلاَّ نوح وَأَوْلَاده الثَّلَاثَة: يافث وسام وَحَام، وَهُوَ أَب ثَان، وَالْأَب الأول هُوَ آدم، عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: (وَإنَّهُ) ، أَي: وَإِن الدَّجَّال يخرج فِيكُم، أَرَادَ فِي أمته عِنْد قرب السَّاعَة. قَوْله: (فَمَا خَفِي عَلَيْكُم) ، كلمة: مَا، شَرْطِيَّة أَي: إِن خَفِي عَلَيْكُم بعض شَأْنه فَلَا يخفى عَلَيْكُم أَن ربكُم لَيْسَ بأعور، وَالثَّانِي بدل من الأول، أَي: لَا يخفى عَلَيْكُم أَنه لَيْسَ مِمَّا يخفى أَنه لَيْسَ أعوارً، واستئناف قَوْله: (وَإنَّهُ أَعور عين الْيُمْنَى) ، وَقد مر تَفْسِير هَذَا فِي: بَاب {وَاذْكُر فِي الْكتاب مَرْيَم} (مَرْيَم: 16) وَكَذَلِكَ تَفْسِير قَوْله: (كَأَن عينه عنبة طافية) ، وَقد ذكرنَا أَنه فِي رِوَايَة أُخْرَى: أَنه جاحظ الْعين كَأَنَّهَا كَوْكَب، وَفِي أُخْرَى: أَنَّهَا لَيست بناتية وَلَا حجراء، وَهَهُنَا: أَنه أَعور عين الْيُمْنَى، وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة. أَنه مَمْسُوح الْعين عَلَيْهَا ظفرة غَلِيظَة، وَفِي حَدِيث آخر: أَنه أَعور عين الْيُسْرَى، وَوجه الْجمع بَين هَذِه الْأَوْصَاف المتنافرة أَن يقدر فِيهَا أَن إِحْدَى عَيْنَيْهِ ذَاهِبَة وَالْأُخْرَى مَعِيبَة، فَيصح أَن يُقَال لكل وحادة عوراء، إِذْ الأَصْل فِي العور الْعَيْب. قَوْله: (أَلا إِن الله) كلمة: أَلا للاستفتاح، وَفِيه معنى الْحَث على سَماع مَا يَأْتِي. قَوْله: (كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا) ، قَالَ الطَّيِّبِيّ رَحمَه الله: هَذَا من تَشْبِيه مَا لم تجر بِهِ الْعَادة بِمَا جرت بِهِ الْعَادة، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ نتقنا الْجَبَل فَوْقهم كَأَنَّهُ ظلة} (الْأَعْرَاف: 171) كَانُوا يستبيحون دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ فِي الْجَاهِلِيَّة فِي غير الْأَشْهر الْحرم ويحرمونها فِيهَا كَأَنَّهُ قيل: إِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ مُحرمَة عَلَيْكُم أبدا كَحُرْمَةِ يومكم وشهركم وبلدكم. قَوْله: (أَلا هَل بلغت؟) بتَشْديد اللَّام. قَوْله: (ثَلَاثًا) ، أَي: ثَلَاث مَرَّات، وانتصابه على أَنه صفة لمصدر مَحْذُوف أَي: قَالَه قولا ثَلَاثًا. قَوْله: (أَو وَيحكم) شكّ من الرَّاوِي، وَكلمَة: وَيحكم، كلمة ترحم وتوجع، وَقد يُقَال بِمَعْنى الْمَدْح والتعجب، وانتصابه على المصدرية وَيسْتَعْمل مُضَافا وَغير مُضَاف، وَالْوَيْل فِي الأَصْل الْحزن والهلاك، وَيسْتَعْمل عِنْد التوجع والتعجب، وَهَهُنَا هُوَ المُرَاد. قَوْله: (لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا) قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ تَشْبِيه أَو هُوَ من بَاب التَّغْلِيظ فَهُوَ مجَاز، أَو المُرَاد مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ وَهُوَ التستر بالأسلحة، وَالْأولَى أَنه على ظَاهره وَهُوَ النَّهْي عَن الارتداد، وأوله الْخَوَارِج بالْكفْر الَّذِي هُوَ الْخُرُوج عَن الْملَّة: إِذْ كل كَبِيرَة عِنْدهم كفر، وَيُقَال: مَعْنَاهُ لَا تكن أفعالكم تشبه أَعمال الْكفَّار فِي ضرب رِقَاب الْمُسلمين، وَيُقَال: مَعْنَاهُ إِذا فَارَقت الدُّنْيَا فاثبتوا بعدِي على مَا أَنْتُم عَلَيْهِ من الْإِيمَان وَالتَّقوى وَلَا تظلموا أحدا وَلَا تَحَارَبُوا الْمُسلمين وَلَا تَأْخُذُوا أَمْوَالهم بِالْبَاطِلِ، فَإِن هَذِه الْأَفْعَال من الضَّلَالَة والعدول عَن الْحق إِلَى الْبَاطِل. قَوْله: (يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض) ، جملَة مستأنفة مبينَة لقَوْله: (لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا) .
4404 - ح دّثنا عَمْرُو بنَ خالِدٍ حَدثنَا زُهَيْرٌ حَدثنَا أبُو إسحاقَ قَالَ حدّثني زَيْدُ بن أرْقَمَ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَزَا تِسْع عَشْرَةَ غَزْوَةً وأنَّهُ حَجَّ بَعْدما هاجَرَ حَجَّةً واحِدةً لَمْ يَحُجَّ بَعْدَها حَجَّةُ الوَدَاعِ قَالَ أَبُو إسْحاقَ وبِمَكَّةَ أخْرَي. (انْظُر 3949 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (حجَّة الْوَدَاع) . وَعَمْرو بن خَالِد الْحَرَّانِي، وَزُهَيْر مصغر زهر بن مُعَاوِيَة وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي. والْحَدِيث مضى فِي أول الْمَغَازِي من حَدِيث شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق.
قَوْله: (لم يحجّ بعْدهَا حجَّة الْوَدَاع) ، يَعْنِي(18/40)
وَلَا حج قبلهَا إلاَّ أَن يُرِيد نفي الْحَج الْأَصْغَر وَهُوَ الْعمرَة فَلَا فَإِنَّهُ اعْتَمر قبلهَا قطعا. قَوْله: (حجَّة الْوَدَاع) مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف يَعْنِي: هِيَ حجَّة الْوَدَاع، حَاصله أَنه بعد الْهِجْرَة لم يحجّ إلاَّ حجَّة الْوَدَاع. قَوْله: (قَالَ أَبُو إِسْحَاق) ، هُوَ الرَّاوِي وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله: (وبمكة أُخْرَى) يَعْنِي: حج حجَّة أُخْرَى بِمَكَّة قبل أَن يهاجروا، وَهَذَا يُوهم أَنه لم يحجّ قبل الْهِجْرَة إلاَّ حجَّة وَاحِدَة، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل حج قبل الْهِجْرَة مرَارًا عديدة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
4405 - ح دّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ عَلِيِّ بنِ مُدركٍ عنْ أبي زُرْعَةَ بنِ عَمْرِو بنِ جرِيرٍ عنْ جَرِيرٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ لِجَرِيرٍ اسْتنْصِتِ النَّاسَ فَقَالَ لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن مدرك، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الدَّار وَكسر الرَّاء: النَّخعِيّ الْكُوفِي من ثقاة التَّابِعين وَمَاله فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث، لكنه أوردهُ فِي مَوَاضِع فِي الْفِتَن وَفِي الدِّيات، وَأَبُو زرْعَة بِضَم الزَّاي وَسُكُون الرَّاء وبالعين الْمُهْملَة: اسْمه هرم بن عَمْرو بن جرير بن عبد الله بن جَابر البَجلِيّ، وَأَبُو زرْعَة يروي عَن جده جرير.
وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي بكرَة وَآخَرين. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعلم عَن مُحَمَّد بن عُثْمَان وَغَيره. وَأخرجه ابْن ماجة فِي الْفِتَن عَن بنْدَار.
قَوْله: (استنصت النَّاس) ، أَي: أسكتهم، وَفِيه دَلِيل على وهم من زعم أَن إِسْلَام جرير كَانَ قبل موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا، لِأَن حجَّة الْوَدَاع كَانَت قبل مَوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَكْثَرَ من ثَمَانِينَ يَوْمًا، لِأَن جَرِيرًا قد ذكر أَنه حج مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة الْوَدَاع.
4406 - ح دّثني مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدَّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ حَدثنَا أيُّوبُ عنْ مُحَمَّدٍ عنِ ابنِ أبي بكْرَةَ عنْ أبي بَكرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الزَّمانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ يَوْمَ خَلَقَ الله السَّماوَاتِ والأرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو القَعْدَةِ وذُو الحَجةِ والمُحَرَّمُ ورَجَبُ مُضَرَ الذِي بَيْنَ جُمَادَى وشَعْبانَ أيُّ شَهْرٍ هَذَا قُلْنا الله ورَسُولُهُ أعْلَمُ فَسَكَتَ حَتى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمهِ قَالَ ألَيْسَ ذُو الحِجَّةِ قُلْنا بَلى قَالَ فأيُّ بَلَدٍ هاذَا قُلْنا الله ورسُولُهُ أعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ ألَيْسَ البَلْدَةَ قُلْنا بَلى قَالَ فأيُّ يَوْمٍ هاذَا قُلْنا الله ورسُولُهُ أعْلَمُ فسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ ألَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ قُلْنا بَلى قَالَ فإنَّ دِماءَكُمْ وأمْوالَكُمْ قَالَ مُحَمَّد وأحْسِبُهُ قَالَ وأعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هاذَا فِي بلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هذَا وسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَسَيَسْألُكُم عنْ أعْمالِكُمْ ألاَ فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلاَّلاً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رقابَ بعْضٍ ألاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغائِبَ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ أنْ يَكُونَ أوْعى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ فَكانَ مِحَمَّدٌ إذَا ذَكَرَهُ يَقُولُ صَدَقَ مِحمَّدٌ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ قَالَ ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ مَرَّتَيْنِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن مَا رَوَاهُ أَبُو بكرَة من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي هُوَ خطبَته كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع. وَعبد الهاب هُوَ ابْن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين، وَابْن أبي بكرَة هُوَ عبد الرَّحْمَن، وَاسم أَبِيه أبي بكرَة: نفيع، بِضَم النُّون وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره عين مُهْملَة: ابْن الْحَارِث، وَقد تقدم غير مرّة.
والْحَدِيث تقدم فِي كتاب الْعلم فِي موضِعين الأول: فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رب مبلغ أوعى من سامع، أخرجه عَن مُسَدّد، الثَّانِي: فِي: بَاب ليبلغ الْعلم الشَّاهِد الْغَائِب، أخرجه عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب، وَأخرجه أَيْضا فِي مَوَاضِع أخر ذَكرنَاهَا فِي(18/41)
: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رب مبلغ أوعى من سامع، وَذكرنَا أَيْضا هُنَاكَ جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِالْحَدِيثِ.
قَوْله: (عَن ابْن أبي بكرَة عَن أبي بكرَة) وَذكر فِي: بَاب رب مبلغ، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة عَن أَبِيه فَذكر الابْن أَعنِي: عبد الرَّحْمَن وَلم يذكرهُ فِي: بَاب ليبلغ الْعلم، حَيْثُ قَالَ: عَن مُحَمَّد عَن أبي بكرَة، وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَذكرنَا أَيْضا مَا يتَعَلَّق بشرح الحَدِيث، فلنذكر بعض شَيْء.
فَقَوله: (الزَّمَان) اسْم لقَلِيل الْوَقْت وَكَثِيره، وَأَرَادَ بِهِ هَهُنَا السّنة. قَوْله: (حرم) ، بِضَمَّتَيْنِ جمع: حرَام. قَوْله: (ثَلَاث مُتَوَالِيَات) ، وَقَالَ ابْن التِّين: الصَّوَاب: ثَلَاثَة مُتَوَالِيَة، قيل: لَعَلَّه أعَاد على الْمَعْنى: ثَلَاث مدد مُتَوَالِيَات، فَكَأَنَّهُ عبر عَن الشَّهْر بالمذكر. قَوْله: (ذُو الْقعدَة) ، قَالَ ابْن التِّين: الْأَشْهر فتح الْقَاف. قَوْله: (رَجَب مُضر) ، إِنَّمَا أضيف رَجَب إِلَى هَذِه الْقَبِيلَة لأَنهم كَانُوا يُحَافِظُونَ على تَحْرِيمه أَشد من سَائِر الْعَرَب، وَإِنَّمَا قَالَ: (بَين جُمَادَى وَشَعْبَان) تَأْكِيدًا وإزاحة للريب الْحَادِث فِيهِ بِسَبَب النسيء، وَكَانُوا يحلونَ الشَّهْر الْحَرَام ويحرمون مَكَانَهُ شهرا آخر لغَرَض من الْأَغْرَاض، والنسيء تَأْخِير حُرْمَة شهر إِلَى شهر آخر، وَقد أبطل الشَّارِع هَذَا وَأعَاد الْأَشْهر الْحرم على مَا كَانَت عَلَيْهِ. قَوْله: (الْبَلدة) أَرَادَ بهامكة، وَالْألف وَاللَّام فِيهِ للْعهد، وَقيل: هِيَ اسْم من أسمائها. قَوْله: (قَالَ مُحَمَّد) هُوَ ابْن سِيرِين. قَوْله: (ضلالا) بِضَم الضَّاد وَتَشْديد اللَّام: جمع ضال، وَقد تقدم بعض الشَّرْح أَيْضا فِي الْحَج.
4407 - ح دّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حدَّثنا سُفْيانُ الثَّوْرِيُّ عنْ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ عنْ طارِقِ بنِ شِهابٍ
أنَّ أُنَاسًا مِنَ اليَهُودِ قالُوا لوْ نَزَلَتْ هاذِهِ الآيةُ فِينا لاتَّخَذْنا ذالِكَ اليَوْمَ عِيداً فَقَالَ عُمَرُ أيَّةُ آيَةٍ فقالُوا: {اليوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الأَسْلاَمَ دِيناً} (الْمَائِدَة: 3) فَقَالَ عمَرُ إنِّي لأَعْلَمُ أيَّ مَكانٍ أُنْزِلَتْ أُنْزِلَتْ ورسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واقفٌ بعَرَفَةَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاقِف بِعَرَفَة) ، لِأَنَّهُ فِي حجَّة الْوَدَاع.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْإِيمَان فِي: بَاب زِيَادَة الْإِيمَان ونقصانه، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن الْحسن بن الصَّباح عَن جَعْفَر بن عون عَن أبي العميس عَن قيس بن مُسلم عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن رجلا من الْيَهُود قَالَ لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ! آيَة فِي كتابكُمْ تقرؤنها إِلَى آخِره، وَقد ذكرُوا أَن المُرَاد من قَوْله: أَن رجلا من الْيَهُود هُوَ كَعْب الْأَحْبَار، وَقد اسْتشْكل من جِهَة أَنه كَانَ قد أسلم، وَأجِيب: بِأَنَّهُ قد قيل: إِنَّه كَانَ قد أسلم وَهُوَ بِالْيَمِينِ فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على يَد عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِن ثَبت هَذَا يحْتَمل أَن يكون الَّذين سَأَلُوا جمَاعَة من الْيَهُود اجْتَمعُوا مَعَ كَعْب على السُّؤَال، وَتَوَلَّى هُوَ السُّؤَال عَن ذَلِك. قلت: فِيهِ نظر، لِأَن كَعْب الْأَحْبَار أسلم فِي زمن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَه الذَّهَبِيّ وَغَيره، وَتقدم شرح الحَدِيث هُنَاكَ.
400 - (حَدثنَا عبد الله بن مسلمة عَن مَالك عَن أبي الْأسود مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن نَوْفَل عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت خرجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فمنا من أهل بِعُمْرَة وَمنا من أهل بِحجَّة وَمنا من أهل بِحَجّ وَعمرَة وَأهل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْحَجِّ فَأَما من أهل بِالْحَجِّ أَو جمع الْحَج وَالْعمْرَة فَلم يحلوا حَتَّى يَوْم النَّحْر) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع لِأَنَّهُ صرح بذلك فِي هَذَا الحَدِيث الَّذِي قد مضى فِي كتاب الْحَج فِي بَاب التَّمَتُّع والأقران أخرجه عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك الخ وَتقدم أَيْضا فِي أول الْبَاب من طَرِيق آخر عَن عَائِشَة بأتم مِنْهُ وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ
(حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف أخبرنَا مَالك وَقَالَ مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حجَّة الْوَدَاع) هَذَا الطَّرِيق قد مضى فِي الْحَج الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن وَصرح بِأَنَّهُ كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع وَهِي حجَّة الْإِسْلَام وَحجَّة الْبَلَاغ(18/42)
(حَدثنَا إِسْمَاعِيل حَدثنَا مَالك مثله) هَذَا طَرِيق آخر عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس واسْمه عبد الله بن أُخْت مَالك يروي عَن خَاله مَالك مثل الحَدِيث الْمَذْكُور -
4409 - ح دّثنا أحْمَدُ بنُ يونُسَ حَدثنَا إبْراهيمُ هُوَ ابنُ سَعْدٍ حَدثنَا ابنُ شِهابٍ عنْ عامِرِ بنِ سَعْدٍ عنْ أبيهِ قَالَ عادَني النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَجةِ الوَدَاعِ مِنْ وجَعٍ أشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى المَوْتِ فقُلْتُ يَا رسولَ الله بَلَغَ بِي مِنَ الوَجَعِ مَا تَرَى وَأَنا ذُو مالٍ وَلَا يَرِثُني إلاَّ ابْنَةٌ لِي واحِدَةٌ أفأتَصَدَّقُ بثُلُثَيْ مالِي قَالَ لَا قُلْتُ أفأتَصَدَّقُ بشَطْرِهِ قَالَ لَا قُلْتُ فالثُلُثِ قَالَ الثُّلُثُ والثُّلُثُ كَثِيرٌ إنَّكَ أنْ نذَرَ ورَثَتَكَ أغْنِياءَ خَيْرٌ مِنْ أنْ تذَرَهُمْ عالَةً يَتكَفَفُونَ الناسَ ولَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغي بِها وَجْهَ الله إلاَّ أُجِرْتَ بِها حتَّى اللَّقْمَةَ تَجْعَلُها فِي امْرَأتِكَ قُلْتُ يَا رسُولَ الله آاخَلَّفُ بَعْدَ أصْحابي قَالَ إنَّكَ لنْ تُخَلَّفَ فتَعْمَلَ عمَلاً تَبْتَغِي بهِ وجْهَ الله إِلَّا ازْدَدْتَ بهِ دَرَجَةً ورِفْعَةً ولَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حتَّى يَنْتَفِعَ بكَ أقْوَامٌ وَيُضرَّ بِكَ آخَرُونَ اللَّهُمَّ أمْضِ لأِصْحابي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أعْقابِهِمْ لكِنِ البائِسُ سَعْد بنُ خَوْلَةَ رَثَي لهُ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ تُوُفِّيَ بمَكَّةَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس أَبُو عبد الله التَّمِيمِي الْيَرْبُوعي الْكُوفِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ الْقرشِي، كَانَ على قَضَاء بَغْدَاد، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وعامر بن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ، يروي عَن أَبِيه سعد بن أبي وَقاص، وَاسم أبي وَقاص مَالك.
والْحَدِيث مر فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب رثاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سعد بن خَوْلَة. فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عَامر بن سعد. . الخ، وَمضى أَيْضا فِي الْوَصَايَا فِي: بَاب أَن تتْرك وَرثتك أَغْنِيَاء، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي نعيم عَن سُفْيَان عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن عَامر بن سعد. . الخ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
قَوْله: (أشفيت) أَي: أشرفت. قَوْله: (أَن تذر) ، أَي: تتْرك. قَوْله: (عَالَة) ، جمع عائل وَهُوَ الْفَقِير. قَوْله: (يَتَكَفَّفُونَ) ، أَي: يمدون أكفهم للسؤال. قَوْله: (البائس) ، هُوَ شَدِيد الْحَاجة وَهِي كلمة ترحم وَكَانَ سعدمها جَريا بَدْرًا مَاتَ بِمَكَّة فِي حجَّة الْوَدَاع، وَكَانَ يكره أَن يَمُوت بِمَكَّة ويتمنى أَن يَمُوت بغَيْرهَا، فَلم يُعْط لاما يتَمَنَّى فترحم عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (رثي لَهُ)
الخ من كَلَام الزُّهْرِيّ أحد رُوَاة الحَدِيث، أَي: رق ورحم.
4410 - ح دّثني إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ حدَّثنا أبُو ضَمْرَةَ حَدثنَا مُوساى بنُ عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ أنَّ ابنَ عُمرَ رَضِي الله عَنْهُمَا أخْبَرَهُمْ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَلَقَ رأسَهُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ. (انْظُر الحَدِيث 1726 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وأوب ضَمرَة، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم وبالراء: واسْمه أنس بن عِيَاض من أهل الْمَدِينَة. والْحَدِيث أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد فِي الْحَج كِلَاهُمَا عَن قُتَيْبَة.
4411 - ح دّثنا عُبَيْدُ الله بنُ سَعِيدٍ حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ حَدثنَا ابنُ جُرَيْجٍ أخْبَرَنِي مُوساى بنُ عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ أخْبَرَهُ ابنُ عُمَرَ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَلَقَ رَأسَهُ فِي حَجَّةٍ الوَدَاعِ وأناسٌ مِنْ أصْحابِهِ وقَصَّرَ بَعْضُهُمْ. (انْظُر الحَدِيث 1726 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر من طَرِيق ابْن عمر أخرجه عَن عبيد الله بن سعيد بن يحيى السَّرخسِيّ وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا عَن مُحَمَّد بن(18/43)
بكر بن عُثْمَان البرْسَانِي عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج. قَوْله: (وأناس) أَي: وَحلق أَيْضا أنَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقصر بعض الْأَصْحَاب.
4412 - ح دّثنا يَحْيَى بنُ قَزعَةَ حَدثنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهابٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ حدّثني يُونُسُ عنِ ابنِ شِهابٍ حدّثني عُبَيْدُ الله بنُ عبدِ الله أنَّ عبْد الله بنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا أخْبَرَهُ أنَّهُ أقْبَلَ يَسِيرُ عَلى حِمارٍ ورسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قائِمٌ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ يُصَلِّي بالنَّاسِ فَسارَ الحِمارُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ ثُمَّ نَزَلَ عَنْهُ فَصَفَّ مَعَ النَّاسِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأخرج الحَدِيث من طَرِيقين: أَحدهمَا: مُتَّصِل عَن يحيى بن قزعة عَن مَالك بن أنس عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عبد الله. . الخ. وَالْآخر: مُعَلّق عَن اللَّيْث بن سعد عَن يُونُس بن يزِيد عَن ابْن شهَاب ... الخ. وَمضى الحَدِيث فِي الصَّلَاة عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك الحَدِيث، وَفِي: بَاب ستْرَة الإما ستْرَة لمن خَلفه. قَوْله: (نزل عَنهُ) أَي: ثمَّ نزل ابْن عَبَّاس عَن الْحمار.
4413 - ح دّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْ يَى عنْ هِشامٍ قَالَ حدّثني أبي قَالَ سُئِلَ أسامَةُ وَأَنا شاهِدٌ عنْ سَيْرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَجَّتِهِ فَقَالَ العَنَقَ فإذَا وجَدَ فَجْوَةَ نَصَّ. (انْظُر الحَدِيث 1666 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (عَن سير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّته) ، فَإِن المُرَاد مِنْهَا حجَّة الْوَدَاع. وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير، وَأُسَامَة هُوَ ابْن زيد.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْحَج فِي: بَاب السّير إِذا دفع من عَرَفَة، وَأَنه أخرج هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه ... الحَدِيث.
قَوْله: (الْعُنُق) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالنُّون وبالقاف: وَهُوَ ضرب من السّير متوسط، والفجوة: الفرجة والمتسع. قَوْله: (نَص) ، بِفَتْح النُّون وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة أَي: سَار سيراً شَدِيدا.
4414 - ح دّثنا عبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عنْ عَدِيِّ بنِ ثابِتٍ عنْ عبْدِ الله بن يَزِيدَ الخَطْمِيِّ أنَّ أَبَا أيُّوبَ أخْبَرَهُ أنَّهُ صَلَّى مَعَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ المَغْرِبَ والْعِشَاءَ جَميعاً. (انْظُر الحَدِيث 1674) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَعبد الله بن يزِيد الخطمي، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الطَّاء الْمُهْملَة: نِسْبَة إِلَى خطمة، وهم قوم من الْأَوْس، واسْمه عبد الله بن جشم بن مَالك بن الْأَوْس بن حَارِثَة من الْأَنْصَار، وَعبد الله هَذَا لَهُ صُحْبَة، وَأَبُو أَيُّوب اسْمه خَالِد بن زيد الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج فِي: بَاب من جمع بَينهمَا وَلم يتَطَوَّع، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن خَالِد بن مخلد عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن يحيى بن سعيد ... الخ.
قَوْله: (جَمِيعًا) أَي: بِالْجمعِ بَينهمَا فِي وَقت وَاحِد.
79 - (بابُ غزْوَةِ تَبُوكَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة تَبُوك، بتفح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره كَاف، وَقيل: سميت تَبُوك بِالْعينِ الَّتِي أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، النَّاس أَن لَا يحسوا من مَائِهَا شَيْئا، فَسبق إِلَيْهَا رجلَانِ وَهِي تبض بِشَيْء من مَاء، فَجعلَا يدخلَانِ فِيهَا سَهْمَيْنِ ليكْثر مَاؤُهَا، فسبهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ لَهما فِيمَا ذكر القتبي: مَا زلتما تبوكانها مُنْذُ الْيَوْم، قَالَ القتبي: فبذلك سميت الْعين تَبُوك، والتبوك كالنقش والحفر فِي الشَّيْء، وَيرد هَذَا مَا رَوَاهُ مُسلم: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِنَّكُم ستأتون غَدا إِن شَاءَ الله عين تَبُوك، وَإِنَّكُمْ(18/44)
لَا تأتوها حَتَّى يضحى النَّهَار، فَمن جاءها فَلَا يمس من مَائِهَا شَيْئا حَتَّى آتِي، فَهَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَمَّاهَا تَبُوك قبل أَن يَأْتِيهَا. وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق؛ فَقَالَ، يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سبق إِلَيْهَا؟ قَالُوا: يَا رَسُول الله {فلَان وَفُلَان وَفُلَان، وَفِي رِوَايَة الْوَاقِدِيّ: سبقه إِلَيْهَا أَرْبَعَة من الْمُنَافِقين: معتب بن قُشَيْر والْحَارث بن يزِيد الطَّائِي ووديعة بن ثَابت وَيزِيد بن لصيت، وَبَينهَا وَبَين الْمَدِينَة نَحْو أَربع عشرَة مرحلة، وَبَينهَا وَبَين دمشق إِحْدَى عشرَة مرحلة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: تَبُوك مَوضِع بِالشَّام. قلت: فِيهِ نظر، لِأَن أهل تَقْوِيم الْبلدَانِ قَالُوا: تَبُوك بُلَيدة بَين الْحجر وَالشَّام وَبِه عين ونخيل، وَقيل: كَانَ أَصْحَاب الأيكة بهَا، وَالْمَشْهُور ترك الصّرْف للتأنيث والعلمية، وَجَاء فِي البُخَارِيّ: حَتَّى بلغ تَبُوكا، تَغْلِيبًا للموضع، وغزوة تَبُوك هِيَ آخر غَزْوَة غَزَاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَفسِهِ، وَقَالَ ابْن سعد: خرج إِلَيْهَا رَسُول الله فِي رَجَب سنة تسع يَوْم الْخَمِيس، قَالُوا: بلغه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الرّوم قد جمعت جموعاً كَثِيرَة بِالشَّام، وَأَن هِرقل قد رزق أَصْحَابه لسنة وأجلبت مَعَه لخم وجذام وعاملة وغسان وَقدمُوا مقدمائهم إِلَى البلقاء، فندب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس إِلَى الْخُرُوج، وأعلمهم بِالْمَكَانِ الَّذِي بريد لِيَتَأَهَّبُوا لذَلِك، وَذَلِكَ فِي حر شَدِيد، واستخلف على الْمَدِينَة مُحَمَّد بن مسلمة، وَهُوَ أثبت عندنَا. وَقَالَ أَبُو عمر: أَلا ثَبت عندنَا عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ ابْن سعد: فَلَمَّا سَار تخلف ابْن أبي وَمن كَانَ مَعَه فَقدم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَبُوك فِي ثَلَاثِينَ ألفا من النَّاس كَانَت الْخَيل عشرَة آلَاف، وَأقَام بهَا عشْرين يَوْمًا يقصر الصَّلَاة ولحقه بهَا أَبُو ذَر وَأَبُو خَيْثَمَة ثمَّ انْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يلق كيداً، وَقدم فِي شهر رَمَضَان سنة تسع، وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي (كتاب الصَّحَابَة) : عَن أبي زرْعَة الرَّازِيّ: شهد مَعَه تَبُوك أَرْبَعُونَ ألفا، وَفِي كتاب الْحَاكِم: عَن أبي زرْعَة: سَبْعُونَ ألفا، وَيجوز أَن يكون عد مرّة الْمَتْبُوع وَمرَّة التَّابِع، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ فِي سَبَب خُرُوجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى تَبُوك وَسبب رُجُوعه خبر إِن صَحَّ، ثمَّ ذكر من حَدِيث شهر بن حَوْشَب عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم: أَن الْيَهُود أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم} إِن كنت صَادِقا أَنْت نَبِي فَالْحق بِالشَّام فَإِنَّهَا أَرض الْمَحْشَر، وَأَرْض الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، فَصدق مَا قَالُوا، فغزا غَزْوَة تَبُوك لَا يُرِيد إلاَّ الشَّام، فَلَمَّا بلغ تَبُوك أنزل الله عَلَيْهِ آيَات من سُورَة بني إِسْرَائِيل: {وَإِن كَادُوا ليستفزونك من الأَرْض ليخرجوك مِنْهَا} إِلَى قَوْله: {تحويلاً} (الْإِسْرَاء: 76) ، وَأمره تَعَالَى بِالرُّجُوعِ إِلَى الْمَدِينَة، وَقَالَ: فِيهَا محياك وفيهَا مماتك وَمِنْهَا تبْعَث ... الحَدِيث، وَهُوَ مُرْسل بِإِسْنَاد حسن.
وهْيَ غَزْوَةُ العُسْرَةِ
أَي: غَزْوَة تَبُوك غَزْوَة الْعسرَة، بِضَم الْعين وَسُكُون السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ، مَأْخُوذ من قَوْله تَعَالَى: {الَّذين اتَّبعُوهُ فِي سَاعَة الْعسرَة} (التَّوْبَة: 117) وروى ابْن خُزَيْمَة من حَدِيث ابْن عَبَّاس، قيل لعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: حَدثنَا عَن بَيَان سَاعَة الْعسرَة؟ قَالَ: خرجنَا إِلَى تَبُوك فِي قيظ شَدِيد فأصابنا عَطش ... الحَدِيث، وَفِي تَفْسِير عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن أبي عقيل، قَالَ: خَرجُوا فِي قلَّة من الظّهْر وَفِي حر شَدِيد حَتَّى كَانُوا ينحرون الْبَعِير فيشربون مَا فِي كرشه من المَاء، فَكَانَ ذَلِك عسرة فِي المَاء وَفِي الظّهْر وَفِي النَّفَقَة، فسميت: غَزْوَة الْعسرَة.
4415 - ح دّثني مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ حَدثنَا أبُو أُسامَةَ عنْ بُرَيْدِ بنِ عبْدِ الله بن أبي بُرْدَةَ عنْ أبي بُرْدَة عنْ أبي مُوساى رَضِي الله عنهُ قَالَ أرْسَلني أصْحابي إِلَى رسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسألُهُ الحُمْلاَنَ لهُمْ إذْ هُمْ معَهُ فِي جَيْشِ العُسْرَةِ وهْيَ غزْوَةُ تَبُوكَ فقُلْتُ يَا نَبيَّ الله إنَّ أصْحابي أرسَلُونِي إليْك لِتَحْمِلَهُمْ فَقال وَالله لَا أحْمِلُكُمْ عَلى شَيْءٍ وَوافَقْتُهُ وهْوَ غَضْبانُ وَلَا أشْعرُ ورَجَعْتُ حَزِيناً مِنْ مَنْع النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومِنْ مَخافَةٍ أنْ يكُونَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجَدَ فِي نَفْسِهِ عَلَيَّ فَرَجَعْتُ إِلَى أصْحابي فأخْبَرْتُهُمُ الَّذِي قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلَمْ ألْبَثْ إلاَّ سُوَيْعَةً إذْ سَمِعْتُ بلاَلاً يُنادِي أيْ عبْدَ الله بنَ(18/45)
قَيْسٍ فأجَبْتُهُ فَقَالَ أجبْ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُوكَ فَلَمَّا أتَيْتُهُ قَالَ خُذْ هاذَيْن القَرِينَتْينِ وهَذَيْنِ القَرِينَيْنِ لِسِتَّةِ أبْعِرَةٍ ابْتاعَهُنَّ حِينئٍ ذٍ مِنْ سَعْدٍ فانْطَلِقْ بِهِنَّ إلَى أصْحابِك فقُلْ إنَّ الله أوْ قَالَ إنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَحْمِلُكُمْ عَلَى هاؤُلاَءِ فارْكَبُوهُنَّ فانْطَلَقْتُ إلَيْهِمْ بِهِنَّ فقُلْتُ إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَحْمِلُكُمْ عَلَى هاؤُلاَءِ وَلكنِّي وَالله لَا أدَعُكُمْ حَتَّى يَنْطَلِقَ مَعِي بَعْضُكُمْ إِلَيّ مَنْ سَمِعَ مَقَالَةَ رسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تظُنُّوا أنِّي حدِّثْتُكُمْ شَيْئاً لمْ يَقُلْهُ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالُوا لي إنَّكَ عِنْدَنا لَمُصَدَّقٌ وَلَنَفْعَلَنَّ مَا أحْبَبْتَ فانْطَلَقَ أبُو مُوساى بِنَفَرٍ مِنْهُمْ حَتّى أتَوُا الَّذِينَ سَمِعُوا قَوْلَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْعَهُ إيَّاهُمْ ثُمَّ إعْطَاءَهُمْ بَعْدُ فَحَدَّثُوهُمْ بِمِثْلِ مَا حَدَّثَهُمْ بهِ أبُو مُوسى رَضِي الله عَنهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِذْ هم مَعَه فِي جَيش الْعسرَة وَهِي غَزْوَة تَبُوك) وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وبريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء: ابْن عبد الله بن أبي بردة، بِضَم الْبَاء أَيْضا. واسْمه عَامر بن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، وبريد هَذَا يروي هَذَا الحَدِيث عَن جده أبي بردة بن أبي مُوسَى.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النّذر. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور بِإِسْنَاد البُخَارِيّ.
قَوْله: (أسأله الحملان) ، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة، أَي: الشَّيْء الَّذِي يركبون عَلَيْهِ ويحملهم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الحملان، بِالضَّمِّ: الْحَمد. قَوْله: (ووافقته) أَي: صادقته، وَالْوَاو فِي: (وَهُوَ غَضْبَان) للْحَال. قَوْله: (وَلَا أشعر) أَي: وَالْحَال لَا أعلم أبي: لم يكن لي علم بغضبه. قَوْله: (حَزينًا) ، نصب على الْحَال. قَوْله: (وَمن مَخَافَة) ، بِفَتْح الْمِيم مصدر ميمي أَي: وَمن خوف أَن يكون وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة. قَوْله: (وجد فِي نَفسه) من: وجد عَلَيْهِ يجد وجدا وموجدة أَي: غضب. قَوْله: (سويعة) تَصْغِير سَاعَة وَهِي فِي الأَصْل جُزْء من الزَّمَان، وَقد تطلق على جُزْء من أَرْبَعَة وَعشْرين جُزْء الَّتِي هِيَ مَجْمُوع الْيَوْم وَاللَّيْلَة. قَوْله: (أَي عبد الله) ، يَعْنِي: يَا عبد الله، هُوَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. قَوْله: (فأجب) ، بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْجِيم: أَمر من الْإِجَابَة. قَوْله: (هذَيْن القرينين) وَهُوَ تَثْنِيَة: قرين، وَهُوَ الْبَعِير المقرون بآخر، يُقَال: قرنت البعيرين إِذا جمعتهما فِي حَبل وَاحِد، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن غير الْمُسْتَمْلِي: هَاتين القرينتين، أَي: الناقتين، وَقد تقدم فِي قدوم الْأَشْعَرِيين أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَمر لَهُم بِخمْس ذود، وَهنا بِسِتَّة أَبْعِرَة فَأَما تعدّدت القضة أَو زادهم على الْخمس وَاحِدًا. فَإِن قلت: قَوْله: (هذَيْن القرينين) ، يَقْتَضِي أَرْبَعَة، فَكيف قَالَ: سِتَّة أَبْعِرَة. وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يذكر لفظ: القرينين، ثَلَاث مَرَّات لتَكون سِتَّة؟ قلت: يحْتَمل أَن يكون اختصاراً من الرَّاوِي، أَو كَانَت الأولى اثْنَتَيْنِ وَالثَّانيَِة أَرْبَعَة، لِأَن القرين يصدق على الْوَاحِد وعَلى الْأَكْثَر، وَاللَّام فِي قَوْله: (لسِتَّة أَبْعِرَة) ، يتَعَلَّق بقوله: (قَالَ: خُذ) . قَوْله: (أبتاعهن) ، فِي رِوَايَة الْكشميهني: ابتاعهم، وَكَذَا فِي رِوَايَة: فَانْطَلق بهم وَهُوَ تَحْرِيف، وَالصَّوَاب رِوَايَة الْجَمَاعَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا من تَشْبِيه الأبعرة بذكور الْعُقَلَاء. قَوْله: (لَا أدعكم) أَي: لَا أترككم.
4416 - ح دّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْيَى عنْ شُعْبَةَ عنِ الحَكَمِ عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ عنْ أبِيهِ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ واسْتَخْلَفَ علِيًّا فَقَالَ أتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيانِ والنِّساءِ قَالَ أَلا تَرْضاى أنْ تَكُونَ منِّي بمنْزِلةِ هارُونَ مِنْ مُوسَى إلاَّ أنَّهُ لَيْسَ نَبيٌّ بَعْدِي. (انْظُر الحَدِيث 3706) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَالْحكم، بِفتْحَتَيْنِ هُوَ ابْن عتيبة تَصْغِير عتبَة الْبَاب وَمصْعَب بن سعد ابْن أبي وَقاص يروي عَن أَبِيه سعد.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن ابْن الْمثنى وَابْن بشار بِهِ.
قَوْله: (واستخلف عليا) يَعْنِي: الْمَدِينَة قَوْله: (أَلا ترْضى)
الخ: مَعْنَاهُ أَن تكون خَليفَة عني فِي سَفَرِي هَذَا بِمَنْزِلَة اسْتِخْلَاف مُوسَى أَخَاهُ هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام، على بني إِسْرَائِيل حِين توجه إِلَى الطّور؟ قَوْله:(18/46)
(إلاَّ) ، وَجه هَذَا الِاسْتِثْنَاء الدّلَالَة على أَن الْخلَافَة لَيست فِي النُّبُوَّة، لِأَنَّهُ لَا نَبِي بعده.
وَقَالَ أبُو دَاوُدَ حَدثنَا شُعْبَة عَن الحَكَمِ سَمِعْتُ مُصْعَباً.
أَي: قَالَ أَبُو دَاوُد سُلَيْمَان بن دَاوُد الطَّيَالِسِيّ من أَفْرَاد مُسلم، أَرَادَ بذلك بَيَان التَّصْرِيح بِالسَّمَاعِ فِي رِوَايَة الحكم عَن مُصعب، وَأخرج التَّعْلِيق الْبَيْهَقِيّ فِي (دلائله) من حَدِيث يُونُس بن حبيب: حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ حَدثنَا شُعْبَة ... فَذكره.
4417 - ح دّثنا عُبَيْدُ الله بنُ سعِيدٍ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ عَطاء يُخْبرُ قَالَ أخبرَنِي صَفْوَانُ بنُ يَعْلَى بنِ أُمَيَّةَ عنْ أبِيهِ قَالَ غَزَوْتُ معَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العُسْرَةَ قَالَ كَانَ يَعْلَى يَقُولُ تِلْك الغَزْوَةُ أوثَقُ أعْمالِي عِنْدي قَالَ عَطاءٌ فَقَالَ صَفْوَانُ قَالَ يَعْلَى فكانَ لِي أجِيرٌ فَقاتَلَ إنْساناً فعَضَّ أحَدُهُما يَدَ الآخَرِ قَالَ عَطاءٌ فلَقَدْ أخبرَني صَفْوَانُ أيُّهُما عَضَّ الآخَرَ فَنِسيتُهُ قَالَ فانْتَزَعَ المَعْضُوضُ يَدَهُ مِنْ فِي العاضِّ فانْتَزَعَ إحْدَى ثَنِيَّتَيْهِ فأتَيا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ قَالَ عَطاءٌ وحسِبْتُ أنَّهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفَيَدَعُ يَدَهُ فِي فِيكَ تَقْضَمُها كأنَّها فِي فحْلٍ يَقْضَمُها. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (غزوت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعسرَة) ، لِأَن الْعسرَة هِيَ غَزْوَة تَبُوك كَمَا مر فِيمَا مضى، وَعبيد الله بن سعيد بن يحيى أَبُو قدامَة الْيَشْكُرِي، وَمُحَمّد بن بكر بن عُثْمَان البرْسَانِي، وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب الْأَجِير، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن سُفْيَان عَن ابْن جريج ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (الْعسرَة) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: العسيرة، بِالتَّصْغِيرِ، وَهِي غَزْوَة تَبُوك. قَوْله: (أوثق أعمالي عِنْدِي) ، وَقد تقدم فِي الْإِجَارَة: أوثق أحمالي، وبالعين الْمُهْملَة أصح. قَوْله: (فعض) من الغض بالأسنان وَأَصله عضض، من بَاب علم يعلم، وَقيل: من بَاب ضرب يضْرب، وَالْأول أصح لقَوْله تَعَالَى: {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ} (الْفرْقَان: 27) قَوْله: (إِحْدَى ثنيتيه) ، وَهِي تَثْنِيَة ثنية، وَهِي مقدم الْأَسْنَان وَهن أَرْبَعَة: ثِنْتَانِ من الْأَعْلَى وثنتان من الْأَسْفَل. قَوْله: (أفيدع؟) أَي: أفيترك؟ الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على وَجه الْإِنْكَار. قَوْله: (تقضمها) أَي: تمضغها، بِفَتْح الضَّاد، يُقَال: قضمت الدَّابَّة شعيرها تقضمه أَي: تَأْكُله. قَوْله: (كَأَنَّهَا فِي فِي فَحل) أَي: فِي فَم فَحل.
80 - (فِي حديثِ كَعْبِ بنِ مالِكٍ)
أَي: هَذَا فِي بَيَان حَدِيث كَعْب بن مَالك بن أبي كَعْب، واسْمه عَمْرو بن الْقَيْن بن كَعْب بن سَواد بن غنم بن كَعْب بن سَلمَة بن سعد بن عدي بن أَسد بن ساردة بن يزِيد بن جشم بن الْخَزْرَج الْأنْصَارِيّ السّلمِيّ، يكنى أَبَا عبد الله، شهد الْعقبَة الثَّانِيَة وَاخْتلف فِي شُهُوده بَدْرًا، وَشهد أحدا والمشاهد كلهَا حاشا تَبُوك، فَإِنَّهُ تخلف عَنْهَا، وَكَانَ أحد الشُّعَرَاء فِي الْجَاهِلِيَّة، وَتُوفِّي فِي خلَافَة مُعَاوِيَة سنة خمسين، وَقيل: ثَلَاث وَخمسين، وَهُوَ ابْن سبع وَسبعين، وَكَانَ قد عمي فِي آخر عمره، ويعد فِي الْمَدَنِيين، وروى عَنهُ جمَاعَة من التَّابِعين.
وقَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: {وعَلى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} (التَّوْبَة: 118) .
أَي: وَفِي بَيَان قَول الله عز وَجل: {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} (التَّوْبَة: 118) وَالثَّلَاثَة هم: كَعْب بن مَالك الْمَذْكُور، وهلال بن أُميَّة، ومرارة بن الرّبيع، تخلفوا عَن غَزْوَة تَبُوك فَتَابَ الله عَلَيْهِم وَعذرهمْ، وَأنزل فِي حَقهم {وعَلى الثَّلَاثَة خلفوا} أَي: عَن غَزْوَة تَبُوك، أَي: وَتَابَ الله على الثَّلَاثَة، وَهُوَ عطف على مَا قبله، وَهُوَ قَوْله: (لقد تَابَ الله على النَّبِي والمهاجرين وَالْأَنْصَار) إِلَى قَوْله: {رؤوف(18/47)
رَحِيم} (التَّوْبَة: 117) ثمَّ عطف عَلَيْهِ قَوْله: (وعَلى الثَّلَاثَة) ، قَالَ مُجَاهِد قَوْله: {لقد تَابَ الله} (التَّوْبَة: 117) الْآيَة نزلت فِي غَزْوَة تَبُوك، وَاخْتلف فِي معنى التَّوْبَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل: هُوَ مِفْتَاح كَلَام، لِأَنَّهُ لما كَانَ سَبَب تَوْبَة التائبين ذكر مَعَهم كَقَوْلِه: {فَإِن لله خَمْسَة وَلِلرَّسُولِ} (الْأَنْفَال: 41) وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: تَابَ الله على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَقَوْلِه: {ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} (الْفَتْح: 2) وَمثل قَوْله: {واستغفر لذنبك} (غَافِر: 55، مُحَمَّد: 19) وَقيل: مَعْنَاهُ تَابَ الله عَلَيْهِ من إِذْنه لِلْمُنَافِقين فِي التَّخَلُّف عَنهُ، كَقَوْلِه: عَفا الله عَنْك.
4418 - ح دّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ عُقيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عبْدِ الرَّحْمان بنِ عبْدِ الله بنِ كَعبِ بنِ مالِكٍ أنَّ عبْدَ الله بنَ كَعْب بنِ مالِكٍ وكانَ قائِدَ كَعْبٍ منْ بنِيهِ حِين عَمِيَ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بنَ مالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ قَالَ كَعْبٌ لَمْ أتَخَلَّفْ عَنْ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَةٍ غَزَاها إلاَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ غيْرَ أنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ ولَمْ يِعاتِبْ أحَداً تَخَلَّفَ عَنْها إنَّما خَرَجَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ حتَّى جَمَعَ الله بَيْنَهُمْ وبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعادٍ ولَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَةَ العَقَبَةِ حِينَ توَاثَقْنا عَلَى الإسْلاَمِ وَمَا أُحِبُّ أنَّ لِي بِها مَشْهَدَ بَدْر وإنْ كانَتْ بدْرٌ أذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْها كانَ مِنْ خَبَرِي أَنِّي لَمْ أكُنْ قَطُّ أقْوَي ولاَ أيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عنْهُ فِي تِلْكَ الغَزَاةِ وَالله مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حتّى جَمَعْتُهُما فِي تِلْكَ الغَزْوَةِ ولَمْ يَكُنْ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيدُ غَزْوَةً إلاَّ ورَّى بِغَيْرِها حَتَّى كانَتْ تِلْكَ الغزْوَةُ غزَاها رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَرٍّ شَدِيدٍ واسْتَقْبَلَ سَفَراً بَعِيداً ومَفازاً وعَدُوًّا كَثِيراً فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أمْرَهُمْ لِيتَأهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهمْ فأخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ والمُسْلِمُونَ مَعَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثِيرٌ ولاَ يَجْمَعُهُمْ كِتابٌ حافِظٌ يُرِيدُ الدِّيوَانَ وإنَ قَالَ كَعْبٌ فَما رجُلٌ يُرِيدُ أنْ يَتَغَيَّبَ إلاَّ ظَنَّ أنْ سَيَخْفَى لهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وحْيُ الله وغَزَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ الْغَزْوَة حِينَ طابَتِ الثِّمارُ والظِّلاَلُ وتَجَهَّزَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَطَفِقْتُ أغْدُو لِكَيْ أتَجَهَّزَ مَعَهُمْ فأرْجِعُ ولَمْ أقْضِ شَيْئاً فأقُولُ فِي نَفْسِي أَنا قادِرٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَي بِي حَتَّى اشْتَدَّ بالنَّاسِ الجِدُّ فأصْبَحَ رسَولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمُسْلِمُونَ مَعَهُ ولَمْ أقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئاً فَقُلْتُ أتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ ألْحَقُهُمْ فَغَدَوْتُ بَعْدَ أنْ فَصَلُوا لأِتَجَهَّزَ فَرَجَعْتُ ولَمْ أقْضِ شَيْئاً ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ ولَمْ أقْضِ شَيْئاً فَلَمْ يَزَلْ بِي حتَّى أسْرَعُوا وتَفارَطَ الغَزْوُ وهَمَمْتُ أنْ أرْتَحلَ فأدْرِكُهُمْ ولَيْتَنِي فَعَلْتُ فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذلِكَ فَكُنْتُ إذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَطُفْتُ فِيهِمْ أحْزَنَنِي أنِّي لَا أرَى إلاَّ رَجُلاً مَغْمُوصاً عَلَيْهِ النِّفاقُ أوْ رَجلاً مِمَّنْ عَذَرَ الله مِنَ الضُّعَفاءُ ولَمْ يَذْكُرْنِي رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَلَغَ تبُوكَ فَقَالَ وهُوَ جالِسٌ فِي القَوْمِ بِتَبُوكَ مَا فَعَلَ كَعْبٌ فَقَالَ رجلٌ مِنْ بني سَلَمَة يَا رسُولَ الله حَبسَهُ بُرْدَاهُ(18/48)
ونَظَرُهُ فِي عِطْفَيْهِ فَقَالَ مُعاذُ بنُ جَبَلٍ بِئْسَ مَا قُلْتَ وَالله يَا رسُولَ الله مَا عَلمْنا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرَاً فَسَكَتَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كعْبُ بنُ مالِكٍ فَلمَّا بَلَغَنِي أنَّهُ تَوَجَهَ قافِلاً حَضَرَنِي هَمِّي وَطفِقْتُ أتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وأقُولُ بماذَا أخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَداً واسْتَعَنْتُ عَلى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْي مِنْ أهْلِي فَلَمَّا قِيلَ إِن رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ أظَلَّ قادِماً زَاحَ عَنِّي الباطِلُ وعَرَفْتُ أنِّي لَنْ أخْرُجَ مِنْهُ أبَدَاً بَشْيءٍ فِيهِ كَذِبٌ فأجْمَعْتُ صِدْقَةُ وأصْبَحَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قادِماً وَكَانَ إذَا قَدِمَ منْ سَفَرٍ بَدَأ بالمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ للنَّاسِ فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جاءَهُ المُخَلَّفُونَ فَطَفقُوا يَعْتَذِرُونَ إلَيْهِ ويَحْلِفُونَ لهُ وكانُوا بِضْعَةً وثَمانِينَ رجُلاً فَقِبلَ مِنْهُمْ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلاَنِيَتَهُمْ وبايَعَهُمْ واسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوكَلَ سَرَائِرِهمْ إِلَى الله فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المُغْضَبِ ثُمَّ قَالَ تَعالَ فَجِئْتُ أمْشي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لِي مَا خَلَّفَكَ ألْم تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرُكَ فقُلْتُ بَلى إنِّي وَالله لوْ جَلَسْتُ عنْدَ غيْرِكَ مِنْ أهْلِ الدُّنْيا لرَأيْتُ أنْ سأخْرُجُ مِنْ سَخَطٍ بِعُذْرٍ ولَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً ولَكِنِّي وَالله لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حدَّثْتُكَ اليَوْمَ حدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَي بهِ عَنِّي ليُوشِكَنَّ الله أنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ ولَئِنْ حَدَّثْتُكَ حدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَليَّ فِيهِ إنِّي لأرْجُو فِيهِ عَفْوَ الله لَا وَالله مَا كانَ لِي مِنْ عُذْرٍ وَالله مَا كُنْتُ قَطُّ أقْوَى وَلَا أيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عنْكَ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمَّا هَذا فَقَدْ صَدَقَ فَقُمْ حتَّى يَقْضِيَ الله فِيكَ فَقُمْتُ وثارَ رِجالٌ مِنْ بَني سَلِمَةَ فاتَّبَعُونِي فَقالُوا لِي وَالله مَا عَلمْناكَ كُنْتَ أذْنَبْتَ ذَنْباً قَبْلَ هَذا ولَقَدْ عَجَزْتَ أنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا اعْتَذَرَ إليْهِ المتَخَلِّفُونَ قَدْ كانَ كافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفارُ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَكَ فَوَالله مَا زَالوا يُؤَنِّبُونَنِي حَتى أرَدْتُ أنْ أرْجِعَ فأُكَذِّبَ نَفْسِي ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أحَدٌ قَالُوا نَعَمْ رجُلاَنِ قالاَ مِثْلَ مَا قُلْتَ فَقيلَ لَهُما مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ فَقُلْتُ مَنْ هُما قالُوا مُرَارَةُ بنُ الرَّبِيعِ العَمْريُّ وهِلاَلُ بنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْراً فِيهِما أُسْوَةٌ فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُما لِي ونَهَى رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المُسْلِمِينَ عنْ كَلاَمِنا أيُّها الثَّلاَثَةُ مِنْ بَيْنِ منْ تَخَلَّفَ عنْهُ فاجْتَنَبَنا النَّاسُ وتَغَيَّرُوا لَنا حَتى تَنَكَّرَتْ فِي نفْسِي الأرْضُ فَما هِيَ الَّتِي أعْرِفُ فلبِثْنا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً فأمَّا صِاحبايَ فاسْتَكانا وقَعَدَا فِي بُيُوتِهِما يَبْكِيانِ وأمَّا أَنا فكُنْتُ أشبَّ القَوْمِ وأجْلَدَهُمْ فكُنْتُ أخْرُجُ فأشْهَدُ الصَّلاَةَ مَعَ المُسْلِمِينَ وأطُوفُ فِي الأسْوَاقِ وَلاَ يُكَلِّمُنِي أحَدٌ وآتِي رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وهْوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاَة فأقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفتَيْهِ بِرَدِّ السَّلاَمِ عَلَيَّ أمْ لاَ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيباً مِنْهُ فأسارِقُهُ النَّظَرَ فإذَا أقْبلْتُ عَلَى صلاَتي أقْبَلَ إلَيَّ وإذَا التَفَتُّ نَحْوَهُ أعْرَضَ عَنِّي حَتَّى إِذا طَال عَليَّ ذلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ(18/49)
مَشَيْتُ حَتى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حائِطِ أبي قتادَةَ وهْوَ ابنُ عَمِّي وأحَبُّ النَّاسِ إليَّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَوَالله مَا رَدَّ عَليَّ السَّلاَمَ فَقُلْتُ يَا أَبَا قَتادَةَ أنْشُدُكَ بِاللَّه هَلْ تَعْلَمُني أُحِبُّ الله ورسُولَهُ فَسَكَتَ فَعُدْتُ لهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَقَالَ الله ورسولُهُ أعْلَمُ ففاضَتْ عَيْنَايَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الجدَارَ قَالَ فَبَيْنَا أَنا أمْشِي بِسُوق المَدِينَةِ إِذا نَبَطِي مِنْ أنْباطِ أهْلِ الشَّامِ مِمَّنْ قَدِمَ بالطَّعامِ يَبِيعُهُ بالمَدِينَةِ يَقُولُ منْ يَدُلُّ علَى كَعْبِ بنِ مالِكٍ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لهُ حَتَّى إذَا جاءَنِي دَفَعَ إلَيَّ كِتاباً مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ فإذَا فِيهِ أمَّا بَعْدُ فإنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أنَّ صاحِبَكَ قَدْ جَفاكَ ولَمْ يَجْعَلْكَ الله بِدَارِ هَوَانٍ ولاَ مَضْيَعَةٍ فالحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ فَقُلْتُ لمَّا قَرَأتُها وهَذَا أيْضاً مِنَ البَلاَءِ فَتَيَمَّمْتُ بِها التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِها حَتَّى إذَا مَضَتْ أرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الخَمْسِينَ إذَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْتِيني فَقَالَ إنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يأمُرُكَ أنْ تَعْتَزِلَ امْرَأتكَ فَقُلْتُ أُطَلِّقُها أمْ ماذَا أفْعَلُ قَالَ لاَ بَلِ اعْتَزِلْها وَلَا تَقْرَبْها وأرْسَلَ إلَى صاحِبَيَّ مِثْلَ ذَلِكَ فقُلْتُ لامْرَأتِي الحقِي بأهْلِكِ فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حتَّى يَقْضِيَ الله فِي هاذَا الأمْرِ قَالَ كَعْبٌ فَجَاءَتِ امْرَأةُ هِلاَلِ بنِ أُمَيةَ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ يَا رسُولَ الله إنَّ هِلالَ بنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضائِعٌ لَيْسَ لهُ خادِمٌ فَهَلْ تَكْرَهُ أنْ أخْدْمَهُ قَالَ لاَ ولاكِنْ لَا يَقْرَبْكِ قالَتْ إنَّهُ وَالله مَا بهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ وَالله مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كانَ مِنْ أمْرِهِ مَا كانَ إِلَى يوْمِهِ هَذا فَقَالَ لِي بَعْضُ أهْلِي لَو اسْتَأْذَنْتَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي امْرَأتِكَ كَما أذِنَ لامْرَأةِ هِلال بنِ أُمَيَّةَ أنْ تَخْدُمَهُ فَقُلْتُ وَالله لَا استَأْذِنُ فِيها رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اسْتأْذَنْتَه فِيها وَأَنا رجُلٌ شابٌّ فلبِثْت بَعْدَ ذَلِكَ عشْرَ لَيال حتَّى كَمَلَتْ لَنا خَمسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نَهَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ كَلاَمِنا فَلمَّا صَلَّيْتُ صَلاةَ الفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً وَأَنا على ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنا فبَيْنا أَنا جالِسٌ على الحَالِ التَّي ذَكَرَ الله قدْ ضاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي وضاقَتْ عَليَّ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ سَمِعْتُ صَوْتَ صارِخٍ أوْفَى على جَبَلِ سَلْعٍ بأعْلَى صَوْتِهِ يَا كَعْبُ بنَ مالِكٍ أبْشرْ قَالَ فخَرَرْتُ سَاجِدا وعَرَفْتُ أنْ قدْ جاءَ فَرَجٌ وآذَنَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِتَوبَةِ الله علَيْنا حِينَ صَلى صلاَةَ الفَجْرِ فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا وذَهَبَ قِبَلَ صاحِبَيَّ مبَشِّرُونَ ورَكَضَ إلَيَّ رجُلٌ فَرَساً وسَعَى ساعٍ مِنْ أسْلَمَ فأوْفَى عَلَى الجَبل وكانَ الصَّوْتُ أسْرَعَ مِنَ الفَرَسِ فلمَّا جاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صوْتهُ يُبَشِّرُني نَزَعْتُ لهُ ثَوْبَيِّ فكَسَوْتُهُ إيَّاهُما ببُشْراهُ وَالله مَا أمْلِكُ غَيْرَهُما يوْمَئِذٍ واسْتَعرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُما وانْطَلقْتُ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيَتَلَقَّاني النَّاسُ فَوْجاً فَوْجاً يُهَنُّوني بالتَّوبْةِ يَقُولُونَ لِتَهْنِكَ تَوْبَة الله عَلَيْكَ قَالَ كَعْبٌ حتَّى دَخَلْتُ المَسْجدَ فإذَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ فَقَامَ إليَّ طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ الله يُهَرْوِلُ حتَّى صافَحَني وهَنَّاني(18/50)
وَالله مَا قامَ إليَّ رَجُلٌ مِنَ المُهاجِرِينَ غَيْرُهُ ولاَ أنْساها لِطَلْحَةَ قَالَ كَعْبٌ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُور أبْشِرْ بخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَليْكَ مُنْذُ وَلَدَتَكَ أُمُّكَ قَالَ قُلْتُ أمِنْ عندِكَ يَا رسولُ الله أم منْ عِنْدِ الله قَالَ لاَ بَلْ مِنْ عِنْدِ الله وكانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا سُرَّ اسْتَنارَ وَجْهُهُ حَتَّى كأنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ وكُنَّا نَعْرِفُ ذالِكَ مِنْهُ فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْن يَدَيْهِ قُلْتُ يَا رسُولَ الله إنَّ مِنْ تَوْبَتي أنْ أنخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى الله وَإِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْض مالِكَ فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ فإنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ فَقُلْتُ يَا رسُولَ الله إنَّ الله إنَّما نَجَّاني بالصِّدْق وإنَّ مِنْ تَوْبَتي أنْ لاَ أُحَدِّثَ إلاَّ صِدْقاً مَا بَقِيتُ فوَاللَّه مَا أعْلَمُ أحَداً مِنَ المُسْلِمِينَ أبْلاَهُ الله فِي صِدْقِ الحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحْسَنَ مِمَّا أبْلاَنِي مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذالِكَ لرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيّ يَوْمِي هاذَا كَذِباً وإنِّي لأرْجُو أنْ يَحْفظَنِي الله فِيما بَقِيتُ وأنْزَلَ الله تَعالى على رسولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَقَدْ تابَ الله عَلى النبيِّ والمُهاجِرِينَ والأنْصارِ إِلَى قَوْلِهِ وكانُوا مَعَ الصَّادِقِينَ فَوَالله مَا أنْعَمَ الله عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أنْ هَدَانِي لِلإسْلاَمِ أعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ لاَ أكُونَ كَذَبْتُهُ فأهْلِكَ كمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا فإنَّ الله تَعالى قَالَ للَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أنْزَلَ الوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لأحدٍ فَقَالَ تبارَكَ وَتَعَالَى سَيَحْلِفُونَ بِاللَّه لَكُمْ إِذا انْقَلَبْتُمْ إِلَى قَوْلِهِ فإنَّ الله لاَ يَرْضَي عنِ القَوْمِ الفاسقِينَ قَالَ كَعْبٌ وكُنَّ تَخَلَّفْنا أيُّها الثَّلاثَةُ عنْ أمْر أُولائِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ حَلَفُوا لهُ فبايَعَهُمْ واسْتَغْفَرَ لهُمْ وأرْجأ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمْرَنا حَتَّى قَضَى الله فِيهِ فَبِذَلِكَ قَالَ الله وعَلى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خَلِّفُوا ولَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ الله مِمَّا خُلِّفْنا عنِ الغَزْوِ وإنَّما تَخْلِيفُهُ إيَّانا وإرْجاؤهُ أمْرَنَا عَمنْ حَلَفَ لهُ واعْتَذَرَ إلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة أظهر مَا يكون وَقد أخرج البُخَارِيّ غَزْوَة تَبُوك وتوبة الله على كَعْب بن مَالك فِي عشرَة مَوَاضِع مطولا ومختصراً: فِي الْوَصَايَا وَفِي الْجِهَاد وَفِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي وُفُود الْأَنْصَار وَفِي موضِعين من الْمَغَازِي وَفِي موضِعين من التَّفْسِير وَفِي الاسْتِئْذَان وَفِي وَالْأَحْكَام. وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن أبي الطَّاهِر بِطُولِهِ وَعَن مُحَمَّد بن رَافع. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الطَّلَاق عَن أبي الطَّاهِر وَسليمَان بن دَاوُد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن سُلَيْمَان وَغَيره.
قَوْله: (عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب بن مَالك أَن عبد الله بن كَعْب) ، كَذَا وَقع عِنْد الْأَكْثَرين، وَوَقع عِنْد الزُّهْرِيّ فِي بعض هَذَا الحَدِيث رِوَايَة: عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك، وَهُوَ عَم عبد الرَّحْمَن بن عبد الله الَّذِي حدث بِهِ عَنهُ هُنَا، وَفِي رِوَايَة: عَن عبد الله بن كَعْب، نَفسه. قَالَ أَحْمد بن صَالح فِيمَا أخرجه ابْن مرْدَوَيْه: كَانَ الزُّهْرِيّ سمع هَذَا الْقدر من عبد الله بن كَعْب نَفسه، وَسمع الحَدِيث بِطُولِهِ من وَلَده عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب، وَعنهُ أَيْضا فِي رِوَايَة: عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب عَن عَمه عبيد الله بِالتَّصْغِيرِ وَوَقع عِنْد ابْن جرير من طَرِيق يُونُس عَن الزُّهْرِيّ فِي أول الحَدِيث بِغَيْر إِسْنَاد قَالَ الزُّهْرِيّ: غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَزْوَة تَبُوك الحَدِيث. قَوْله: (وَكَانَ قَائِد كَعْب من بنيه) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر النُّون بعْدهَا يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة، وَوَقع فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ وَكَذَا لِابْنِ السكن فِي الْجِهَاد: من بَيته، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا تَاء مثناة(18/51)
من فَوق. قَوْله: (حِين تخلف) ، مفعول بِهِ لَا مفعول فِيهِ. قَوْله: (عَن قصَّة) يتَعَلَّق بقوله: يحدث قَوْله: (يُعَاتب أحدا) أَي: لم يُعَاتب الله أحدا، ويروى: لم يُعَاتب، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَأحد بِالرَّفْع. قَوْله: (تخلف عَنْهَا) أَي: عَن غَزْوَة بدر. قَوْله: (عير قُرَيْش) ، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: وَهِي الْإِبِل الَّتِي تحمل الْميرَة. قَوْله: (لَيْلَة الْعقبَة) وَهِي: الَّتِي بَايع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا الْأَنْصَار على الْإِسْلَام والإيواء والنصر، وَذَلِكَ قبل الْهِجْرَة، والعقبة هِيَ الَّتِي فِي طرف منى الَّتِي تُضَاف إِلَيْهَا جَمْرَة الْعقبَة، وَكَانَت بيعَة الْعقبَة مرَّتَيْنِ كَانُوا فِي السّنة الأولى اثْنَي عشر، وَفِي الثَّانِيَة سبعين كلهم من الْأَنْصَار. قَوْله: (حِين تواثقنا) أَي: تعاهدنا وتعاقدنا. قَوْله: (وَمَا أحب إِن لي بهَا مشْهد بدر) أَي: أزلي بدلهَا. قَوْله: (وَإِن كَانَت بدر) ، أَي: غَزْوَة بدر (أذكر) أَي: أعظم ذكرا فِي (فِي النَّاس) أَي: بَين النَّاس، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن يُونُس بن عَن شهَاب: وَإِن كَانَت بدر أَكثر ذكرا فِي النَّاس مِنْهَا، وَلَفظ: أذكر، على وزن أفعل التَّفْضِيل. قَوْله: (وَأقوى وَلَا أيسر) ، وَزَاد مُسلم لَفْظَة: مني. قَوْله: (إلاَّ ورى) ، بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد الرَّاء أَي: أوهم (بغَيْرهَا) وَهُوَ من التورية، وَهِي: أَن يذكر لفظ يحْتَمل مَعْنيين أَحدهمَا: أقرب من الآخر فيوهم إِرَادَة الْقَرِيب وَهُوَ يُرِيد الْبعيد. قَوْله: (فَجلى) ، بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد اللَّام، أَي: كشف وأوضح، وَيجوز بتَخْفِيف اللَّام أَيْضا. قَوْله: (أهبة) الأهبة، بِضَم الْهمزَة تجهيزها مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ. قَوْله: (غزوهم) ، ويروى: عدوهم. قَوْله: (والمسلمون مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثير) ، وَقد ذكرنَا عَن قريب أَنه كَانَ مَعَه أَرْبَعُونَ ألفا وَقيل: سَبْعُونَ ألفا. قَوْله: (وَلَا يجمعهُمْ كتاب حَافظ) بِالتَّنْوِينِ فيهمَا، وَفِي رِوَايَة مُسلم بِالْإِضَافَة، وَزَاد فِي رِوَايَة مُغفل: يزِيدُونَ على عشرَة آلَاف وَلَا يجمعهُمْ ديوَان حَافظ. قَوْله: (يُرِيد الدِّيوَان) ، من كَلَام الزُّهْرِيّ، وَأَرَادَ بِهِ: أَن المُرَاد من قَوْله: (كتاب حَافظ) هُوَ الدِّيوَان، وَهُوَ الْكتاب الَّذِي يجمع فِيهِ الْحساب، وَهُوَ يكسر الدَّال وَقيل بِفَتْحِهَا أَيْضا، وَهُوَ مُعرب، وَقيل: عَرَبِيّ. قَوْله: (قَالَ كَعْب) ، وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله: (فَمَا رجل) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: قل رجل، قَوْله: (إلاَّ ظن أَنه سيخفى) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: إِن سيخفى، بتَخْفِيف نون: أَن، بِلَا هَاء، وَفِي رِوَايَة مُسلم: أَن ذَلِك سيخفى لَهُ. قَوْله: (فطفقت أعدو) ، بِالطَّاءِ وبالفاء وَالْقَاف، وَهُوَ من أَفعَال المقاربة مَعْنَاهُ: أخذت فِي الْفِعْل قَوْله: (حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجد) ، بِكَسْر الْجِيم، وَهُوَ: الْجهد فِي الشَّيْء وَالْمُبَالغَة فِيهِ، وَقَالَ ابْن التِّين: وَضبط فِي بعض الْكتب بِرَفْع: النَّاس، على أَنه فَاعل، وَيكون: الْجد، مَنْصُوبًا بِإِسْقَاط الْخَافِض، أَو هُوَ نعت لمصدر مَحْذُوف أبي: اشْتَدَّ النَّاس الاشتداد الْجد، وَعند ابْن السكن: اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجد، بِرَفْع: الْجد، وَزِيَادَة: الْبَاء الْمُوَحدَة فِي النَّاس، وَهُوَ رِوَايَة أَحْمد وَمُسلم، وَفِي رِوَايَة ابْن مرْدَوَيْه: حَتَّى شمر النَّاس الْجد. قَوْله: (من جهازي) ، بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا وَهُوَ: الأهبة. قَوْله: (حَتَّى أَسْرعُوا) ، من الْإِسْرَاع، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: حَتَّى شرعوا، بالشين الْمُعْجَمَة من الشُّرُوع، قيل: هُوَ تَصْحِيف. قَوْله: (وتفارط الْغَزْو) أَي: فَاتَ وَسبق من الفرط وَهُوَ السَّبق، وَفِي رِوَايَة ابْن أبي شيبَة: حَتَّى أمعن الْقَوْم وأسرعوا. قَوْله: (وليتني فعلت) ، فِيهِ تمني مَا فَاتَ فعله. قَوْله: (مغموصاً) ، بالغين الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْملَة، أَي: مطعوناً عَلَيْهِ فِي دينه مُتَّهمًا بالنفاق، وَقيل: مَعْنَاهُ مستحقراً، تَقول: غمصت فلَانا إِذا استحقرته، وَكَذَلِكَ: اغمصته. قَوْله: (حَتَّى بلغ تَبُوك) ، بِغَيْر صرف للعلمية والتأنيث، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين. ويروي: تَبُوكا، بِالصرْفِ على إِرَادَة الْمَكَان أَو الْموضع. قَوْله: (من بني سَلمَة) ، بِكَسْر اللَّام، وَفِي رِوَايَة معمر: من قومِي، وَهُوَ عبد الله بن أنيس، كَذَا قَالَه الْوَاقِدِيّ قَوْله: (حَبسه برْدَاهُ) تَثْنِيَة، برد. قَوْله: (وَالنَّظَر) ، أَي وحبسه النّظر (فِي عطفيه) بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة أَي: جانبيه، وَهُوَ إِشَارَة إِلَى إعجابه بِنَفسِهِ ولباسه، وَقيل: كنى بذلك عَن حسنه وبهجته، وَالْعرب تصف الرِّدَاء بِصفة الْحسن وتسميه عطفا لوُقُوعه على عطفي الرجل قَوْله: (فَلَمَّا بَلغنِي أَنه) أَي: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم. قَوْله: (قَافِلًا) أَي: رَاجعا من سَفَره إِلَى الْمَدِينَة، وَقَالَ ابْن سعد: كَانَ قدومه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فِي رَمَضَان. قَوْله: (حضرني همي) ، هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: حضرني هم قَوْله: (قد أظل قادماً) أَي: قددنا قدومه إِلَى الْمَدِينَة. قَوْله: (زاح) ، بالزاي وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة أَي: زَالَ. قَوْله: (فأجمعت صدقه) أَي: جزمت بذلك وعقدت عَلَيْهِ قصدي، وَفِي رِوَايَة ابْن أبي شيبَة: وعزمت أَنه لَا ينجيني إِلَّا الصدْق. قَوْله: (الْمُخَلفُونَ) ، أَي: الَّذين تَأَخَّرُوا عَن الذّهاب مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فطفقوا) أَي: أخذُوا (يَعْتَذِرُونَ) أَي: يظهرون الْعذر. قَوْله: (وَكَانُوا بضعَة وَثَمَانِينَ) ، وَقد مر غير مرّة أَن: الْبضْعَة فِي الْعدَد، مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى(18/52)