إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: تابعيان يرويان عَن صَحَابِيّ. وَفِيه: أَن شَيْخه كُوفِي وَشَيخ شيحه كَذَلِك وَالثَّالِث مدنِي وَالرَّابِع مكي.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر فِي الْحَج أَيْضا عَن عبد الله بن مُحَمَّد ابْن هِشَام بن يُوسُف. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن أَحْمد بن حَنْبَل، وَهنا أخرجه البُخَارِيّ: عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة عَن أنس. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن سعيد بن مَنْصُور. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن زُهَيْر بن حَرْب. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة. وَكَذَلِكَ أخرجه النَّسَائِيّ لَكِن ثَلَاثَتهمْ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَرْبعا) أَي: أَربع رَكْعَات، هَذَا الَّذِي على هَذِه الصُّورَة رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: (صليت الظّهْر مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ أَرْبعا وبذي الحليفة رَكْعَتَيْنِ) . قَالَ ابْن حزم، وَالْمرَاد بِرَكْعَتَيْنِ: هِيَ الْعَصْر، كَمَا جَاءَ مُبينًا فِي رِوَايَة أُخْرَى. قَالَ: وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْخَمِيس لست لَيَال بَقينَ من ذِي الْقعدَة. وَابْن سعيد يَقُول: يَوْم السبت لخمس لَيَال بَقينَ من ذِي الْقعدَة. وَفِي (صَحِيح مُسلم) : لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة، وَذَلِكَ لسِتَّة عشر لِلْحَجِّ. قَوْله: (وَالْعصر) بِالنّصب أَي: صَلَاة الْعَصْر. قَوْله: (بِذِي الحليفة) ، ذُو الحليفة مَاء لبني جشم، قَالَ عِيَاض: على سَبْعَة أَمْيَال من الْمَدِينَة. قَالَ ابْن قرقول: سِتَّة، وَقَالَ الْبكْرِيّ: هِيَ تَصْغِير حلفة، وَهِي مِيقَات أهل الْمَدِينَة.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: وَفِي (التَّوْضِيح) : أورد الشَّافِعِي هَذَا الحَدِيث مستدلاً على أَن من أَرَادَ سفرا وَصلى قبل خُرُوجه فَإِنَّهُ يتم، كَمَا فعله الشَّارِع فِي الظّهْر بِالْمَدِينَةِ، وَقد نوى السّفر، ثمَّ صلى الْعَصْر بِذِي الحليفة رَكْعَتَيْنِ، وَالْحَاصِل أَن من نوى السّفر فَلَا يقصر حَتَّى يُفَارق بيُوت مصره، وَقد ذكرنَا الْخلاف فِيهِ عَن قريب مستقصىً. وَفِيه: حجَّة على من يَقُول: يقصر إِذا أَرَادَ السّفر، وَلَو فِي بَيته، وعَلى مُجَاهِد فِي قَوْله: لَا يقصر حَتَّى يدْخل اللَّيْل.
0901 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتِ الصَّلاةُ أوَّلُ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَانِ فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ وَأُتِمَّتْ صَلاَةُ الحَضَرِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ فقُلْتُ لِعُرْوَةَ مَا بالُ عائِشَةَ تُتِمُّ قَالَ تَأوَّلَتْ مَا تَأوَّلَ عُثْمَانُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
(أنظر الحَدِيث 053 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تَأتي بتوجيهه، وَإِن كَانَ فِيهِ بعض التعسف، وَهُوَ أَن ذكر السّفر يصدق على الْمُسَافِر فَيدل على أَنه إِذا خرج من مَوْضِعه يقصر عِنْد وجود شَرط الْقصر. فَافْهَم.
وَرِجَاله ذكرُوا غير مرّة، وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو جَعْفَر الْمَعْرُوف بالمسندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي خَمْسَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصحابية. وَفِيه: أَن شَيْخه بخاري وسُفْيَان مكي وَالزهْرِيّ وَعُرْوَة مدنيان.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن عَليّ بن خشرم. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن سُفْيَان، وَقد مر هَذَا الحَدِيث فِي أول كتاب الصَّلَاة،. أخرجه عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن صَالح بن كيسَان عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى. ونتكلم فِيهِ بِمَا لم يذكر هُنَاكَ.
قَوْله: (أول) بِالرَّفْع على أَنه بدل من الصَّلَاة، أَو: مُبْتَدأ ثَان وَخَبره. قَوْله: (رَكْعَتَانِ) وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ الأول، وَيجوز نصب: أول، على الظَّرْفِيَّة أَي: فِي أول. فَإِن قلت: فِي رِوَايَة كَرِيمَة: (رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ) فَأَيْنَ الْخَبَر على هَذَا؟ قلت: على هَذِه الرِّوَايَة تكون الرَّكْعَتَيْنِ مَنْصُوبًا على الْحَال، وَقد سد مسد الْخَبَر. قَوْله: (فرضت) قَالَ أَبُو عمر: كل من رَوَاهُ عَن عَائِشَة قَالَ فِيهِ: فرضت الصَّلَاة إلاّ مَا حدث بِهِ أَبُو إِسْحَاق الْحَرْبِيّ، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن الْحجَّاج حَدثنَا ابْن الْمُبَارك حَدثنَا ابْن عجلَان عَن صَالح بن كيسَان عَن عُرْوَة (عَن عَائِشَة قَالَت: فرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ) ، الحَدِيث. انْتهى كَلَامه. قلت: فِي مُسْند عبد الله بن وهب بِسَنَد صَحِيح، (عَن عُرْوَة عَنْهَا: فرض الله الصَّلَاة حِين فَرضهَا رَكْعَتَيْنِ. .) الحَدِيث. وَعند السراج، بِسَنَد صَحِيح:(7/132)
(فرض الصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول مَا فَرضهَا رَكْعَتَيْنِ) (ح) وَفِي لفظ: (كَانَ أول مَا افْترض على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا الْمغرب) ، وَسَنَده صَحِيح. وَعند الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث دَاوُد بن أبي هِنْد عَن عَامر (عَن عَائِشَة، قَالَت: افْترض الله الصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إلاّ الْمغرب، فَلَمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة زَاد إِلَى كل رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إلاّ صَلَاة الْغَدَاة) . وَقَالَ الدولابي: نزل إتْمَام صَلَاة الْمُقِيم فِي الظّهْر يَوْم الثُّلَاثَاء إثنتي عشرَة لَيْلَة خلت من شهر ربيع الآخر بعد مقدمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشَهْر، وأقرت صَلَاة السّفر رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ الْمُهلب: إلاّ الْمغرب فرضت وَحدهَا ثَلَاثًا، وَمَا عَداهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. وَقَالَ الْأصيلِيّ: أول مَا فرضت الصَّلَاة أَرْبعا على هيئتها الْيَوْم، وَأنكر قَول من قَالَ: فرضت رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: لَا يقبل فِي هَذَا خبر الْآحَاد. وَأنكر حَدِيث عَائِشَة. وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر: رَوَاهُ مَالك عَن صَالح بن كيسَان عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد عِنْد جمَاعَة أهل النَّقْل، لَا يخْتَلف أهل الحَدِيث فِي صِحَة إِسْنَاده إلاّ أَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ فِيهِ: عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة وَهِشَام بن عُرْوَة عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة،. وَلم يروه مَالك عَن ابْن شهَاب وَلَا عَن هِشَام إلاّ أَن شَيخا يُسمى مُحَمَّد بن يحيى بن عباد بن هانىء رَوَاهُ عَن مَالك وَابْن أخي الزُّهْرِيّ جَمِيعًا عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، وَهَذَا لَا يَصح عَن مَالك، وَالصَّحِيح فِي إِسْنَاده عَن مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) وطرقه عَن عَائِشَة متواترة، وَهُوَ عَنْهَا صَحِيح لَيْسَ فِي إِسْنَاده مقَال.
إلاّ أَن أهل الْعلم اخْتلفُوا فِي مَعْنَاهُ. فَذهب جمَاعَة مِنْهُم إِلَى ظَاهره وعمومه وَمَا يُوجِبهُ لَفظه، فأوجبوا الْقصر فِي السّفر فرضا. وَقَالُوا: لَا يجوز لأحد أَن يُصَلِّي فِي السّفر إلاّ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الرباعيات، وَحَدِيث عَائِشَة وَاضح فِي أَن الرَّكْعَتَيْنِ للْمُسَافِر فرض، لِأَن الْفَرْض الْوَاجِب لَا يجوز خِلَافه، وَلَا الزِّيَادَة عَلَيْهِ ألاَ ترى أَن الْمُصَلِّي فِي الْحَضَر لَا يجوز لَهُ أَن يزِيد فِي صَلَاة من الْخمس، وَلَو زَاد لفسدت، فَكَذَلِك الْمُسَافِر لَا يجوز لَهُ أَن يُصَلِّي فِي السّفر أَرْبعا، لِأَن فَرْضه فِيهِ رَكْعَتَانِ. وَمِمَّنْ ذهب إِلَى هَذَا عمر بن عبد الْعَزِيز، إِن صَحَّ عَنهُ. وَعنهُ: الصَّلَاة فِي السّفر رَكْعَتَانِ لَا يَصح غَيرهمَا، ذكره ابْن حزم محتجا بِهِ، وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه، وَقَول بعض أَصْحَاب مَالك، وروى عَن مَالك أَيْضا وَهُوَ الْمَشْهُور عَنهُ، أَنه قَالَ: من أتم فِي السّفر أعَاد فِي الْوَقْت، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيث عمر بن الْخطاب: (صَلَاة السّفر رَكْعَتَانِ تَمام غير قصر على لِسَان نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِسَنَد صَحِيح، وَبِمَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس عِنْد مُسلم: (إِن الله فرض الصَّلَاة على نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحَضَر أَرْبعا وَفِي السّفر رَكْعَتَيْنِ) . وَفِي (التَّمْهِيد) من حَدِيث أبي قلَابَة: (عَن رجل من بني عَامر أَنه أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: إِن الله تَعَالَى وضع عَن الْمُسَافِر الصَّوْم وَشطر الصَّلَاة) ، وَعَن أنس بن مَالك الْقشيرِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله، وَعند ابْن حزم صَحِيحا عَن ابْن عمر، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (صَلَاة السّفر رَكْعَتَانِ من ترك السّنة كفر) ، وَعَن ابْن عَبَّاس: من صلى فِي السّفر أَرْبعا كمن صلى فِي الْحَضَر رَكْعَتَيْنِ، وَفِي (مُسْند السراج) بِسَنَد جيد: عَن عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي يرفعهُ: (إِن الله تَعَالَى وضع عَن الْمُسَافِر الصّيام وَنصف الصَّلَاة) ، وَهُوَ قَول عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود وَجَابِر وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَالثَّوْري، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: إِن قَامَ إِلَى الثَّالِثَة ألغاها وَسجد للسَّهْو. وَقَالَ الْحسن بن حَيّ: إِذا صلى أَرْبعا مُتَعَمدا أَعَادَهَا إِذا كَانَ ذَلِك مِنْهُ الشَّيْء الْيَسِير، فَإِن طَال ذَلِك مِنْهُ وَكثر فِي سَفَره لم يعد، وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: من صلى أَرْبعا عمدا بئس مَا صنع، وقضيت عَنهُ. ثمَّ قَالَ: لَا أَبَا لَك، أَتَرَى أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تركوها لِأَنَّهَا ثقلت عَلَيْهِم؟ وَقَالَ الْأَثْرَم: قلت لِأَحْمَد: الرجل يُصَلِّي أَرْبعا فِي السّفر؟ قَالَ: لَا، مَا يُعجبنِي. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: قَالَ الشَّافِعِي: هَذَا قَول أَكثر الْعلمَاء. وَقَالَ الْخطابِيّ: الأولى الْقصر ليخرج من الْخلاف. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: الْعَمَل على مَا فعله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: هَذَا الحَدِيث دَلِيل صَرِيح للحنفية فِي وجوب الْقصر؟ قلت: لَا دلَالَة لَهُم فِيهِ، لِأَنَّهُ لَو كَانَ الحَدِيث مجْرى على ظَاهِرَة لما جَازَ لعَائِشَة إِتْمَامهَا، ثمَّ إِنَّه خبر وَاحِد لَا يُعَارض لفظ الْقُرْآن وَهُوَ: {أَن تقصرُوا من الصَّلَاة} (النِّسَاء: 101) . الصَّرِيح فِي أَنَّهَا كَانَت فِي الأَصْل زَائِدَة عَلَيْهِ، إِذْ الْقصر مَعْنَاهُ التنقيص، ثمَّ إِن الحَدِيث عَام مَخْصُوص بالمغرب وبالصبح، وحجية الْعَام الْمُخَصّص مُخْتَلف فِيهَا، ثمَّ إِن راوية الحَدِيث عَائِشَة قد خَالَفت رِوَايَتهَا، وَإِذا خَالف الرَّاوِي رِوَايَته لَا يجب الْعَمَل بروايته عِنْدهم قلت: لَا نسلم أَنه لَا دلَالَة لنا فِيهِ لِأَنَّهُ ينبىء بِأَن صَلَاة الْمُسَافِر الَّتِي هِيَ الركعتان فرضت فِي الأَصْل هَكَذَا، وَالزِّيَادَة عَلَيْهِمَا طارئة، وَلم تَسْتَقِر الزِّيَادَة إلاّ فِي الْحَضَر، وَبقيت صَلَاة الْمُسَافِر فرضا على أَصْلهَا، وَهُوَ الركعتان، فَكَمَا لَا تجوز الزِّيَادَة فِي الْحَضَر بِالْإِجْمَاع، فَكَذَا الْمُسَافِر لَا تجوز لَهُ(7/133)
الزِّيَادَة، وَلَفظ: فرضت، وَإِن كَانَ على صِيغَة الْمَجْهُول، لَكِن يدل على أَن الله هُوَ الَّذِي فرض، كَمَا مر صَرِيحًا فِي الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة آنِفا. وَقَوله: لِأَنَّهُ لَو كَانَ الحَدِيث مجْرى على ظَاهره لما جَازَ لعَائِشَة إِتْمَامهَا، جَوَابه فِي نفس الحَدِيث، وَهُوَ قَول عُرْوَة: تأولت مَا تَأَول عُثْمَان، لِأَن الزُّهْرِيّ لما روى هَذَا الحَدِيث عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة ظهر لَهُ أَن الرَّكْعَتَيْنِ هُوَ الْفَرْض فِي حق الْمُسَافِر، لَكِن أشكل عَلَيْهِ إتْمَام عَائِشَة من حَيْثُ إِنَّهَا أخْبرت بفرضية الرَّكْعَتَيْنِ فِي حق الْمُسَافِر، ثمَّ إِنَّهَا كَيفَ أتمت؟ فَسَأَلَ عُرْوَة بقوله: مَا بَال عَائِشَة تتمّ؟ فَأجَاب عُرْوَة بقوله: (تأولت مَا تَأَول عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد ذكرنَا الْوُجُوه الَّتِي ذكرت فِي تَأَول عُثْمَان، وَقد ذكر بَعضهم الْوُجُوه الْمَذْكُورَة، ثمَّ قَالَ: وَالْمَنْقُول فِي ذَلِك أَن سَبَب إتْمَام عُثْمَان أَنه كَانَ يرى الْقصر مُخْتَصًّا بِمن كَانَ شاخصا سائرا، وَأما من أَقَامَ فِي مَكَان فِي أثْنَاء سَفَره فَلهُ حكم الْمُقِيم فَيتم، وَالْحجّة فِيهِ مَا رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن عَن عباد بن عبد الله ابْن الزبير، قَالَ: لما قدم علينا مُعَاوِيَة حَاجا صلى بِنَا الظّهْر رَكْعَتَيْنِ بِمَكَّة، ثمَّ انْصَرف إِلَى دَار الندوة، فَدخل عَلَيْهِ مَرْوَان وَعَمْرو بن عُثْمَان فَقَالَا: لقد عبت أَمر ابْن عمك لِأَنَّهُ كَانَ قد أتم الصَّلَاة، قَالَ: وَكَانَ عُثْمَان حَيْثُ أتم الصَّلَاة إِذا قدم مَكَّة يُصَلِّي بهَا الظّهْر وَالْعصر وَالْعشَاء أَرْبعا أَرْبعا ثمَّ إِذا خرج إِلَى منى وعرفة قصر الصَّلَاة، فَإِذا فرغ من الْحَج وَأقَام بمنى أتم الصَّلَاة انْتهى. قلت: هَذَا الَّذِي ذكره يُؤَيّد مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ من وجوب الْقصر، لِأَنَّهُ قَالَ: كَانَ يرى الْقصر مُخْتَصًّا بِمن كَانَ شاخصا سائرا، وَظَاهره أَنه كَانَ يرى الْقصر وَاجِبا للْمُسَافِر، وَكَانَ يرى حكم الْمُقِيم لمن أَقَامَ، وَنحن أَيْضا نرى ذَلِك، غير أَن الْمُسَافِر مَتى يكون مُقيما فِيهِ: فِيهِ خلاف قد ذَكرْنَاهُ، فَلَا يضرنا هَذَا الْخلاف، ودعوانا فِي وجوب الْقصر فِي حق الْمُسَافِر، ثمَّ إِن هَذَا الْقَائِل ادّعى أَن إِسْنَاد حَدِيث أَحْمد حسن، وَلم يذكر رُوَاته حَتَّى ينظر فيهم، وَقَول الْكرْمَانِي: ثمَّ إِنَّه خبر وَاحِد لَا يُعَارض لفظ الْقُرْآن. . إِلَى آخِره، قُلْنَا: لَا نسلم ذَلِك على الْوَجْه الَّذِي ذكرْتُمْ، لِأَن نفي الْجنَاح فِي الْقصر إِنَّمَا هُوَ فِي الزِّيَادَة على الرَّكْعَتَيْنِ، لِأَن الصَّلَاة فرضت بِمَكَّة: رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، وزيدت عَلَيْهِمَا: رَكْعَتَانِ فِي الْمَدِينَة، وَالْآيَة مَدَنِيَّة نزلت فِي إِبَاحَة الْقصر للضاربين فِي الأَرْض وهم: المسافرون، فَدلَّ على أَن إِبَاحَة الْقصر فِي الزِّيَادَة لَا فِي الأَصْل، لِأَن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أَن الْمُسَافِر لَا يُصَلِّي فِي سَفَره أقل من رَكْعَتَيْنِ إلاّ مَا شَذَّ، قَول من قَالَ: إِن الْمُسَافِر يُصَلِّي رَكْعَة عِنْد الْخَوْف، فَلَا يعْتد بِهَذَا القَوْل، على أَنا نقُول أَيْضا: جَاءَ فِي الحَدِيث الْمَشْهُور أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الظّهْر بِأَهْل مَكَّة فِي حجَّة الْوَدَاع رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ أَمر مناديا يُنَادي: يَا أهل مَكَّة أَتموا صَلَاتكُمْ فَإنَّا قوم سفر. وَلَو كَانَ فرض الْمُسَافِر أَرْبعا لم يحرمهم فَضِيلَة الْجَمَاعَة مَعَه، وَعند مُسلم فِي رِوَايَة: (صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمنى صَلَاة الْمُسَافِر، وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان ثَمَانِي سِنِين، أَو قَالَ سِتّ سِنِين) . وَفِي رِوَايَة لَهُ: (صلى فِي السّفر) ، وَلم يقل: بمنى، وَفِي رِوَايَة لَهُ: صَحِبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّفر فَلم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبضه الله، وصحبت أَبَا بكر فَلم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبضه الله، وصحبت عمر فَلم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ، وصحبت عُثْمَان، فَلم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبضه الله) . وَهَكَذَا لفظ رِوَايَة أبي دَاوُد. وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: (صَحِبت عُثْمَان فَلم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبضه الله تَعَالَى) .
فَإِن قلت: روى النَّسَائِيّ من رِوَايَة الْعَلَاء بن زُهَيْر عَن عبد الرَّحْمَن ابْن الْأسود (عَن عَائِشَة أَنَّهَا، اعْتَمَرت مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة حَتَّى إِذا قدمت مَكَّة قَالَت: يَا رَسُول الله بِأبي أَنْت وَأمي: قصرت فأتممت، وَأَفْطَرت فَصمت، قَالَ: أَحْسَنت يَا عَائِشَة، وَمَا عَابَ عَليّ) . انْتهى. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ إِسْنَاد صَحِيح مَوْصُول، فَهَذَا يدل على أَن الْقصر غير وَاجِب، إِذْ لَو كَانَ وَاجِبا لأنكر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على عَائِشَة فِي إِتْمَامهَا. قلت: قد اخْتلف فِيهِ على الْعَلَاء بن زُهَيْر، فَرَوَاهُ أَبُو نعيم عَنهُ هَكَذَا، وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ عَن الْعَلَاء بن زُهَيْر عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود عَن عَائِشَة، فعلى هَذَا الْإِسْنَاد غير مَوْصُول. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي (الْخُلَاصَة) : هَذِه اللَّفْظَة مشكلة، فَإِن الْمَعْرُوف أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يعْتَمر إلاّ أَربع عمر، كُلهنَّ فِي ذِي الْقعدَة. فَإِن قلت: روى الْبَزَّار من رِوَايَة الْمُغيرَة بن زِيَاد عَن عَائِشَة أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يُسَافر فَيتم الصَّلَاة وَيقصر، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح، وَوَافَقَهُ الْبَيْهَقِيّ على صِحَة إِسْنَاده. قلت: كَيفَ يحكم بِصِحَّتِهِ وَقد قَالَ أَحْمد: الْمُغيرَة بن زِيَاد مُنكر الحَدِيث أَحَادِيثه مَنَاكِير؟ وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة: شيخ لَا يحْتَج بحَديثه؟ وَأدْخلهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الضُّعَفَاء، وَعَادَة الْبَيْهَقِيّ التَّصْحِيح عِنْد الِاحْتِجَاج لإمامه والتضعيف عِنْد الِاحْتِجَاج لغيره.
وَقَول الْكرْمَانِي: ثمَّ إِن الحَدِيث عَام مَخْصُوص بالمغرب وَالصُّبْح غير سديد، لِأَن المُرَاد من قَوْلهَا: فرضت الصَّلَاة، هِيَ الصَّلَاة الْمَعْهُودَة(7/134)
فِي الشَّرْع، وَهِي الصَّلَوَات الْخمس، ومسماها مَعْلُوم، فَكيف يصدق عَلَيْهِ حد الْعَام وَهُوَ مَا يَنْتَظِم جمعا من المسميات؟ وَكَيف يَقُول: مَخْصُوص بالمغرب وَالصُّبْح، وَهُوَ غير صَحِيح؟ لِأَن الْخُصُوص إِخْرَاج بعض مَا يتَنَاوَلهُ الْعَام، فَكيف يخرج الْمغرب الَّتِي هِيَ ثَلَاث رَكْعَات من أصل الْفَرْض الَّذِي هُوَ رَكْعَتَانِ؟ وَأما الصُّبْح فعلى الأَصْل فَلَا يتَصَوَّر فِيهِ صُورَة الْإِخْرَاج؟ وَقَوله: وحجية الْعَام الْمُخَصّص مُخْتَلف فِيهَا، غير وَارِد علينا لأَنا لم نقر لَا بِالْعُمُومِ وَلَا بالخصوص، فَكيف يرد علينا مَا قَالَه؟ وَلَئِن سلمنَا الْعُمُوم فَلَا نسلم الْخُصُوص على الْوَجْه الَّذِي ذكره، وَلَئِن سلمنَا الْعُمُوم وَالْخُصُوص فَلَا نسلم ترك الِاحْتِجَاج بِالْعَام الْمَخْصُوص مُطلقًا؟ وَقَوله: ثمَّ إِن راوية الحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. . إِلَى آخِره، غير وَارِد علينا لأَنا لَا نقُول: إِن عَائِشَة خَالَفت مَا روته، بل نقُول: إِنَّهَا أولت، كَمَا قَالَ عُرْوَة، وَمِمَّا يُؤَيّد ذَلِك مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح من طَرِيق هِشَام ابْن عُرْوَة عَن أَبِيه: (أَنَّهَا كَانَت تصلي فِي السّفر أَرْبعا، فَقلت لَهَا: لَو صليت رَكْعَتَيْنِ؟ فَقَالَت: يَابْنَ أُخْتِي لَا تشق عَليّ) ، فَهَذَا يدل على أَنَّهَا تأولت الْقصر وَلم تنكره، وتأويلها إِيَّاه لَا يُنَافِي وُجُوبه فِي نفس الْأَمر، مَعَ أَن الْإِنْكَار لم ينْقل عَنْهَا صَرِيحًا.
وَبعد كل ذَلِك، فَنحْن مَا اكتفينا فِي الِاحْتِجَاج فِيمَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ بِهَذَا الحَدِيث وَحده، وَلنَا فِي ذَلِك دَلَائِل أُخْرَى قد ذَكرنَاهَا فِيمَا مضى، وَقَالَ أَبُو عمر وَغَيره: اضْطَرَبَتْ الْآثَار عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فِي هَذَا الْبَاب قلت: فَلذَلِك مَا اكْتفى اصحابنا فِي الِاحْتِجَاج، وَمِمَّا يُؤَيّد مَا ذهب إِلَيْهِ أَصْحَابنَا مَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) : عَن معمر عَن قَتَادَة عَن مُورق الْعجلِيّ، قَالَ: (سُئِلَ ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، عَن الصَّلَاة فِي السّفر؟ فَقَالَ: رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، من خَالف السّنة كفر) . وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ أَيْضا: حَدثنَا أَبُو بكرَة، قَالَ: حَدثنَا روح، قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، قَالَ: حَدثنَا أَبُو التياح (عَن مُورق، قَالَ: سَأَلَ صَفْوَان بن مُحرز ابْن عمر عَن الصَّلَاة فِي السّفر؟ فَقَالَ: أخْشَى أَن تكذب عَليّ: رَكْعَتَانِ من خَالف السّنة كفر) . وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا نَحوه من حَدِيث أبي التياح، وَاسم أبي التياح يزِيد بن حميد الضبعِي.
6 - (بابٌ يُصَلِّي المَغُرِبَ ثَلاَثا فِي السَّفَرِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن الْمُسَافِر يُصَلِّي صَلَاة الْمغرب ثَلَاث رَكْعَات كَمَا فِي الْحَضَر وَإِنَّهَا لَا يدْخل فِيهَا الْقصر وروى أَحْمد فِي مُسْنده من طَرِيق ثُمَامَة بن شرَاحِيل قَالَ خرجت إِلَى ابْن عمر فَقلت مَا صَلَاة الْمُسَافِر قَالَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا الْمغرب.
1901 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي سالِمٌ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ رَأيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا أعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ المَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وبَيْنَ العِشَاءِ. قَالَ سالِمٌ وكانَ عَبْدُ الله يَفْعَلُهُ إذَا أعْجَلَهُ السَّيْرُ..
2901 - وزَادَ اللَّيْثُ قَالَ حدَّثني يُونُسُ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ سالِمٌ كانَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَجْمَعُ بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشَاءِ بِالمُزْدَلِفَةِ. قَالَ سالمٌ وَأخَّرَ ابنُ عُمَرَ المَغْرِبَ وكانَ اسْتُصْرِخَ عَلَى امْرَأَتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ أبِي عُبَيْدٍ فَقُلْتُ لَهُ الصَّلاَةَ فَقالَ سِرْ فَقُلْتُ لَهُ الصَّلاَةُ فقالَ سِرْ حَتَّى سارَ مِيلَيْنِ أوْ ثَلاَثَةً ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ قالَ هَكَذَا رَأيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي إذَا أعْجَلَهُ السَّيْرُ. وَقَالَ عبدُ الله رَأيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا أعْجَلَهُ السَّيْرُ يُقِيمُ المَغْرِبَ فَيُصَلِّيهَا ثَلاثا ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ العِشَاءَ فَيُصَلِّيِهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَلاَ يُسَبِّحُ بَعْدَ العِشَاءِ حَتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يُقيم الْمغرب فيصليها ثَلَاثًا) .
ذكر رِجَاله: وهم سَبْعَة: الأول: أَبُو الْيَمَان الحكم ابْن نَافِع البهراني. الثَّانِي: شُعَيْب بن أبي حَمْزَة. الثَّالِث: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. الرَّابِع: سَالم بن عبد الله بن عمر.(7/135)
الْخَامِس: اللَّيْث بن سعد. السَّادِس: يُونُس بن يزِيد. السَّابِع: عبد الله بن عمر بن الْخطاب.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان، وَفِي بعض النّسخ: أخبرنَا. وَفِيه: الْإِخْبَار أَيْضا بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: القَوْل فِي ثَمَانِيَة مَوَاضِع. وَفِيه: الرُّؤْيَة فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه حمصيان، وَالزهْرِيّ وَسَالم مدنيان، وَاللَّيْث مصري وَيُونُس أيلي.
وَهَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي موضِعين: فِي تَقْصِير الصَّلَاة عَن أبي الْيَمَان. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن عَمْرو بن عُثْمَان ابْن سعيد بن كثير وَعَن أَحْمد لِابْنِ مُحَمَّد بن مُغيرَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (كَانَ إِذا أعجله السّير فِي السّفر) ، قيد السّفر يخرج مَا إِذا كَانَ خَارج الْبَلَد فِي بستانه أَو كرمه مثلا. قَوْله: (يُؤَخر الْمغرب) أَي: يُؤَخر صَلَاة الْمغرب إِلَى وَقت الْعشَاء. قَوْله: (يَفْعَله) أَي: يفعل تَأْخِير الْمغرب إِلَى وَقت الْعشَاء إِذا كَانَ يعجله السّير فِي السّفر. قَوْله: (وَزَاد اللَّيْث) أَي: اللَّيْث بن سعد، وَقد وصل الْإِسْمَاعِيلِيّ فَقَالَ: أَخْبرنِي الْقَاسِم ابْن زَكَرِيَّا حَدثنَا ابْن زَنْجوَيْه وحَدثني أبراهيم بن هانىء حَدثنَا الرَّمَادِي، حَدثنَا أَبُو صَالح حَدثنَا اللَّيْث بِهَذَا، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: رأى البُخَارِيّ أول الْإِرْسَال من اللَّيْث أقوى من رِوَايَته عَن أبي صَالح عَن اللَّيْث، وَلم يستخبر أَن يروي عَنهُ. قلت: هَذَا الْوَجْه الَّذِي ذكره فِيهِ نظر، لِأَن البُخَارِيّ روى عَن أبي صَالح فِي (صَحِيحه) على الصَّحِيح، وَلكنه يدلسه فَيَقُول: حَدثنَا عبد الله، وَلَا ينْسبهُ، وَهُوَ هُوَ، نعم قد علق البُخَارِيّ حَدِيثا فَقَالَ فِيهِ، قَالَ اللَّيْث بن سعد حَدثنِي جَعْفَر بن ربيعَة، ثمَّ قَالَ فِي آخر الحَدِيث: حَدثنِي عبد الله بن صَالح، قَالَ: حَدثنَا اللَّيْث، فَذكره. وَلَكِن هَذَا عِنْد ابْن حمويه السَّرخسِيّ دون صَاحِبيهِ، وَقَالَ فِي (تذهيب التَّهْذِيب) : وَقد صرح ابْن حمويه عَن الْفربرِي عَن البُخَارِيّ بروايته عَن عبد الله بن صَالح عَن اللَّيْث فِي حَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ أَولا تَعْلِيقا، فَلَمَّا فرغ من الْمَتْن قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن صَالح عَن اللَّيْث بِهِ. ثمَّ إعلم أَن ظَاهر سِيَاق البُخَارِيّ يدل على أَن جَمِيع مَا بعد قَوْله: (زَاد اللَّيْث) ، لَيْسَ دَاخِلا فِي رِوَايَة شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن رِوَايَة شُعَيْب عَنهُ تَأتي بعد ثَمَانِيَة أَبْوَاب فِي: بَاب هَل يُؤذن أَو يُقيم إِذا جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء، وَإِنَّمَا الزِّيَادَة فِي قصَّة صَفِيَّة، وَفعل ابْن عمر خَاصَّة، وَفِي (التَّصْرِيح) بقوله: (قَالَ عبد الله رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فَقَط. قَوْله: (استصرخ) بِضَم التَّاء على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: أخبر بِمَوْت زَوجته صَفِيَّة بنت أبي عبيد، هِيَ أُخْت الْمُخْتَار الثَّقَفِيّ. وَهُوَ من الصُّرَاخ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، وَأَصله الإستغاثة بِصَوْت مُرْتَفع، وَكَانَ هَذَا بطرِيق مَكَّة بيَّن ذَلِك فِي كتاب الْجِهَاد من رِوَايَة أسلم مولى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على مَا يَجِيء فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب السرعة فِي السّير. قَوْله: (الصَّلَاة) بِالنّصب على الإغراء، وَيجوز الرّفْع على الِابْتِدَاء أَي: الصَّلَاة حضرت، وَيجوز الرّفْع على الخبرية أَي: هَذِه الصَّلَاة، أَي: وَقت الصَّلَاة. قَوْله: (فَقَالَ: سر) أَي: فَقَالَ عبد الله لسالم: سر، وَهُوَ أَمر من سَار يسير. قَوْله: (ميلين) قد مضى أَن الْميل ثلث فَرسَخ، وَهُوَ أَرْبَعَة آلَاف خطْوَة. قَوْله: (ثمَّ قَالَ) أَي: عبد الله بن عمر. قَوْله: (يُقيم الْمغرب) من الْإِقَامَة، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وللحموي أَيْضا، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والكشميهني: (يعتم، بِضَم الْيَاء وَسُكُون الْعين وَكسر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: أَي يدْخل فِي الْعَتَمَة وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة: (يُؤَخر الْمغرب) . قَوْله: (فيصليها ثَلَاثًا) أَي: فَيصَلي الْمغرب ثَلَاث رَكْعَات. قَوْله: (وقلما يلبث) كلمة: مَا، مَصْدَرِيَّة أَي: قل لبثه. قَوْله: (وَلَا يسبح) أَي: لَا يُصَلِّي من السبحة، وَهُوَ صَلَاة اللَّيْل.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: فِيهِ: الْجمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَهُوَ حجَّة للشَّافِعِيّ فِي جَوَاز الْجمع بَين المغربين بِتَأْخِير الأولى إِلَى الثَّانِيَة. قُلْنَا: لَيْسَ المُرَاد مِنْهُ أَن يُصَلِّيهمَا فِي وَقت الْعشَاء، وَلَكِن المُرَاد أَن يُؤَخر الْمغرب إِلَى آخر وَقتهَا، ثمَّ يُصليهَا ثمَّ يُصَلِّي الْعشَاء، وَهُوَ جمع بَينهمَا صُورَة لَا وقتا، وَسَيَجِيءُ تَحْقِيق الْكَلَام فِي بَابه إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَالَ الْكرْمَانِي: وَهُوَ عَام فِي جَمِيع الْأَسْفَار إلاّ سفر الْمعْصِيَة، فَإِنَّهَا رخصَة، والرخص لَا تناط بِالْمَعَاصِي. قُلْنَا: يُنَافِي عُمُوم نَص الْقُرْآن فَلَا يجوز، وَسَيَجِيءُ الْكَلَام فِيهِ مستقصىً.
وَفِيه: تَأْكِيد قيام اللَّيْل لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يتْركهُ فِي السّفر، فالحضر أولى بذلك، وَقَالَ بَعضهم: وَفِي قَوْله: (سر) جَوَاز تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْخطاب. قلت: لَا يجوز تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة، فَإِن كَانَ وَقت الْخطاب(7/136)
وَقت الْحَاجة فَلَا يجوز، وَهَذَا إِذا وَقع فِي كَلَام الشَّارِع لَيْسَ فِي غَيره على مَا عرف فِي مَوْضِعه.
وَفِيه: أَن صَلَاة الْمغرب لَا تقصر فِي السّفر، وترجمة الْبَاب عَلَيْهِ.
وَقد رُوِيَ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة فِي ذَلِك أَحَادِيث: مِنْهَا: مَا رَوَاهُ عبد الله بن عمر وَهُوَ الْمَذْكُور فِي الْبَاب. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الْبَزَّار عَن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من رِوَايَة الْحَارِث عَنهُ، قَالَ: (صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْخَوْف رَكْعَتَيْنِ إلاّ الْمغرب ثَلَاثًا، وَصليت مَعَه فِي السّفر رَكْعَتَيْنِ إلاّ الْمغرب ثَلَاثًا) . وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَحْمد (عَن عمرَان بن حُصَيْن من رِوَايَة أبي نَضرة أَن فَتى من أسلم سَأَلَ عمرَان بن حُصَيْن عَن صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: مَا سَافر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاّ صلى رَكْعَتَيْنِ إلاّ الْمغرب) . وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من رِوَايَة (عبد الله ابْن يزِيد عَن خُزَيْمَة بن ثَابت، قَالَ: صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجمع الْمغرب وَالْعشَاء ثَلَاثًا واثنتين بِإِقَامَة وَاحِدَة) . وَقَالَ ابْن بطال: لم تقصر الْمغرب فِي السّفر عَمَّا كَانَت عَلَيْهِ فِي أصل الْفَرِيضَة، لِأَنَّهَا وتر صَلَاة النَّهَار، قَالَ: وَهَذَا تَمام فِي كل سفر، فَمن ادّعى أَن ذَلِك فِي بعض الْأَسْفَار فَعَلَيهِ الدَّلِيل. وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: بَلغنِي إِن الْملك الْكَامِل سَأَلَ الْحَافِظ أَبَا الْخطاب بن دحْيَة عَن الْمغرب: هَل تقصر فِي السّفر؟ فَأَجَابَهُ بِأَنَّهَا تقصر إِلَى ركعين، فَأنْكر عَلَيْهِ ذَلِك. فروى حَدِيثا بِسَنَدِهِ فِيهِ قصر الْمغرب إِلَى رَكْعَتَيْنِ، وَنسب إِلَى أَنه اختلقه، فَالله أعلم هَل يَصح وُقُوعه فِي ذَلِك؟ وَمَا أَظُنهُ يَقع فِي مثل هَذَا، إلاَّ أَنه اتهمَ. قَالَ الضياء الْمَقْدِسِي: لم يُعجبنِي حَاله، كَانَ كثير الوقيعة فِي الْأَئِمَّة، قَالَ ابْن وَاصل، قَاضِي حمان. . كَانَ ابْن دحْيَة مَعَ فرط مَعْرفَته بِالْحَدِيثِ وَحفظه الْكثير لَهُ مُتَّهمًا بالمجازفة فِي النَّقْل، وَقَالَ ابْن نقطة: كَانَ مَوْصُوفا بالمعرفة وَالْفضل إلاّ أَنه كَانَ يَدعِي أَشْيَاء لَا حَقِيقَة لَهَا. وَذكره الذَّهَبِيّ فِي (الْمِيزَان) فَقَالَ: مُتَّهم فِي نَقله، مَعَ أَنه كَانَ من أوعية الْعلم، دخل فِيمَا لَا يعنيه. فَإِن قلت: مَا وَجه تَسْمِيَة صَلَاة الْمغرب بِوتْر النَّهَار وَهِي صَلَاة ليلية جهرية اتِّفَاقًا؟ قلت: أُجِيب بِأَنَّهَا لما كَانَت عقيب آخر النَّهَار، وَندب إِلَى تَعْجِيلهَا عقيب الْغُرُوب أطلق عَلَيْهَا وتر النَّهَار لقربها مِنْهُ، لتميز عَن الْوتر الْمَشْرُوع فِي اللَّيْل، وَهَذَا كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح: (شهرا عيد لَا ينقصان: رَمَضَان وَذُو الْحجَّة) . وَعِيد الْفطر إِنَّمَا هُوَ من شَوَّال، وَلَكِن لما كَانَ عقيب رَمَضَان سمي رَمَضَان: شهر عيد لقُرْبه مِنْهُ.
7 - (بابُ صَلاَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الدَّوَابِّ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم صَلَاة التَّطَوُّع على الدَّابَّة، وَلَفظ: الدَّابَّة، بِالْإِفْرَادِ رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة وَأبي الْوَقْت على الدَّوَابّ، بِصِيغَة الْجمع. فَإِن قلت: فِي حَدِيثي الْبَاب، وهما حَدِيث عَامر بن ربيعَة وَحَدِيث عبد الله بن عمر لفظ: الرَّاحِلَة. وَفِي التَّرْجَمَة لفظ: الدَّابَّة؟ قلت: لفظ الدَّابَّة أَعم من لفظ الرَّاحِلَة، وَفِي الْبَاب حَدِيث جَابر أَيْضا، وَلَفظه: (وَهُوَ رَاكب فِي غير الْقبْلَة) ، وَهَذَا اللَّفْظ يتَنَاوَل الدَّابَّة وَالرَّاحِلَة فَاخْتَارَ فِي التَّرْجَمَة لفظا أَعم ليتناول اللَّفْظَيْنِ الْمَذْكُورين، وَهَذَا أوجه من الَّذِي قَالَه ابْن رشيد، وَأورد فِيهِ الصَّلَاة على الرَّاحِلَة لتَكون تَرْجَمته بأعم ليلحق الحكم بِالْقِيَاسِ.
3901 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الأعْلى قَالَ حدَّثنا مَعْمَرٌ عنُ الزُّهْرِيِّ عنْ عَبْدِ الله بنِ عامِرٍ عنْ أبِيهِ. قَالَ رَأيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الدَّابَّة تَشْمَل الرَّاحِلَة.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وَقد مر غير مرّة. الثَّانِي: عبد الْأَعْلَى بن عبد الْأَعْلَى أَبُو مُحَمَّد الشَّامي، مر فِي: بَاب الْمُسلم من سلم الْمُسلمُونَ. الثَّالِث: معمر، بِفَتْح الميمين، ابْن رَاشد، وَقد مر. الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. الْخَامِس: عبد الله بن عَامر رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ صَغِير، مَاتَ سنة خمس وَثَلَاثِينَ. السَّادِس: أَبوهُ عَامر بن ربيعَة الْعَنزي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالنُّون وبالزاي: حَلِيف آل عمر بن الْخطاب، كَانَ من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين، وَشهد بَدْرًا، مَاتَ بعيد مقتل عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: الرُّؤْيَة. . وَفِيه: أَن شَيْخه مديني وَعبد الْأَعْلَى بَصرِي وَالزهْرِيّ مدنِي. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ وَرِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ، قَالَ الذَّهَبِيّ: لعبد الله ولأبيه صُحْبَة، وَاسْتشْهدَ عبد الله يَوْم الطَّائِف. وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الْأَب، وَلَيْسَ لعامر بن ربيعَة(7/137)
فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، وَآخر فِي الْجَنَائِز، وَآخر علقه فِي الصّيام.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي تَقْصِير الصَّلَاة عَن يحيى بن بكير عَن لَيْث عَن عقيل عَن الزُّهْرِيّ، وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن عَمْرو بن سَواد وحرملة بن يحيى، كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ.
ذكر مَعْنَاهُ وَمَا يستنبط مِنْهُ: قَوْله: (على رَاحِلَته) وَهِي: النَّاقة الَّتِي تصلح لِأَن ترحل، وَكَذَلِكَ الرحول، وَيُقَال: الرَّاحِلَة الْمركب من الْإِبِل ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، قَالَه الْجَوْهَرِي. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الرَّاحِلَة من الْإِبِل: الْبَعِير الْقوي على الْأَسْفَار والأحمال وَالذكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء، وَالْهَاء فِيهِ للْمُبَالَغَة. قَوْله: (حَيْثُ تَوَجَّهت بِهِ) أَي: تَوَجَّهت الدَّابَّة، يَعْنِي: إِلَى قِبَلِ الْقبْلَة أَو غَيرهَا. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد عَامَّة أهل الْعلم، لَا نعلم بَينهم اخْتِلَافا، لَا يرَوْنَ بَأْسا أَن يُصَلِّي الرجل على رَاحِلَته تَطَوّعا حَيْثُ مَا كَانَ وَجهه إِلَى الْقبْلَة أَو غَيرهَا قلت: هَذَا بِالْإِجْمَاع فِي السّفر، وَاخْتلفُوا فِي الْحَضَر: فجوزه أَبُو يُوسُف وَأَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي من الشَّافِعِيَّة وَأهل الظَّاهِر، وَعَن بعض الشَّافِعِيَّة: يجوز التَّنَفُّل على الدَّابَّة فِي الْحَضَر لَكِن مَعَ اسْتِقْبَال الْقبْلَة فِي جَمِيع الصَّلَاة، وَفِي وَجه آخر: يجوز للراكب دون الْمَاشِي، وَاسْتدلَّ أَبُو يُوسُف وَمن ذكرنَا مَعَه من جَوَاز التَّنَفُّل على الدَّابَّة فِي الْحَضَر بِعُمُوم حَدِيث الْبَاب، لِأَنَّهُ لم يُصَرح فِيهِ بِذكر السّفر، وَمنع أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد من ذَلِك فِي الْحَضَر، واحتجا على ذَلِك بِحَدِيث ابْن عمر الْآتِي فِي: بَاب الْإِيمَاء على الدَّابَّة، عقيب هَذَا الْبَاب، لِأَن السّفر فِيهِ مَذْكُور، وَفِي إِحْدَى رِوَايَات مُسلم: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي وَهُوَ مقبل من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة على رَاحِلَته حَيْثُ كَانَ وَجهه) .
وَمِمَّا يستنبط مِنْهُ: أَنه يجوز ذَلِك للراكب دون الْمَاشِي، لِأَن ذَلِك رخصَة، والرخص لَا يُقَاس عَلَيْهَا، وَجزم أَصْحَاب الشَّافِعِي ترخيص الْمَاشِي فِي السّفر بالتنفل إِلَى جِهَة مقْصده إلاّ أَن مَذْهَبهم اشْتِرَاط اسْتِقْبَال الْقبْلَة فِي تحرمه وَعند الرُّكُوع وَالسُّجُود، وَيشْتَرط كَونهمَا على الأَرْض، وَلَا يشْتَرط استقباله فِي السَّلَام على الْأَصَح. وَمِمَّا يستنبط من قَوْله: (على الرَّاحِلَة) : أَن رَاكب السَّفِينَة لَيْسَ كراكب الدَّابَّة لتمكنه من الِاسْتِقْبَال، وَسَوَاء كَانَت السَّفِينَة واقفة أَو سائرة. وَقَالَ الرَّافِعِيّ: وَقيل: يجوز للملاح، وَحَكَاهُ عَن صَاحب (الْعدة) وَزَاد النَّوَوِيّ فِي (زيادات الرَّوْضَة) وَفِي (شرح الْمُهَذّب) حكايته عَن الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره، وَفِي (التَّحْقِيق) للنووي: الْجَوَاز للملاح فِي حَال تسييرها. وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: الْمُعْتَبر توجه الرَّاكِب إِلَى جِهَة مقْصده لَا توجه الدَّابَّة حَتَّى لَو كَانَت الدَّابَّة متوجهة إِلَى جِهَة مقْصده وركبها هُوَ مُعْتَرضًا أَو مقلوبا، فَإِنَّهُ لَا يَصح إِلَّا أَن يكون مَا استقبله هُوَ جِهَة الْقبْلَة، فَيصح على الصَّحِيح. وَقيل: لَا يَصح لِأَن قبلته جِهَة مقْصده.
4901 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا شَيْبَانُ عنْ يَحْيى عنْ محَمَّدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ جابِرَ ابنَ عَبْدِ الله أخْبَرَه أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ وهْوَ رَاكِبٌ فِي غَيْرِ القِبْلَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: لأوّل: أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن. الثَّانِي: شَيبَان بن عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ. الثَّالِث: يحيى بن أبي كثير، وَقد مر غير مرّة. الرَّابِع: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة: العامري الْمدنِي. الْخَامِس: جَابر بن عبد الله.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين، وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أَن شَيبَان كُوفِي سكن الْبَصْرَة وَيحيى يماني. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم، وَفِي تَقْصِير الصَّلَاة عَن معَاذ بن فضَالة.
قَوْله: (وَهُوَ رَاكب) وَفِي الرِّوَايَة الْآتِيَة: (على رَاحِلَته نَحْو الْمشرق) ، وَزَاد (وَإِذا أَرَادَ أَن يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة نزل فَاسْتقْبل الْقبْلَة) ، وَبَين فِي الْمَغَازِي من طَرِيق عُثْمَان بن عبد الله بن سراقَة عَن جَابر، أَن ذَلِك كَانَ فِي غَزْوَة أَنْمَار، وَكَانَت أَرضهم قبل الْمشرق لمن يخرج من الْمَدِينَة، فَتكون الْقبْلَة على سَائِر الْمَقَاصِد إِلَيْهِم. وروى التِّرْمِذِيّ عَن مَحْمُود ابْن غيلَان: حَدثنَا وَكِيع وَيحيى بن آدم، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن أبي الزبير (عَن جَابر: قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَاجَة فَجئْت وَهُوَ يُصَلِّي على رَاحِلَته نَحْو الْمشرق، السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع) . وروى أَحْمد فِي (مُسْنده) من رِوَايَة ابْن أبي(7/138)
ليلى عَن عَطاء أَو عَطِيَّة (عَن أبي سعيد: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي على رَاحِلَته فِي التَّطَوُّع حَيْثُ مَا تَوَجَّهت بِهِ يومىء إِيمَاء يَجْعَل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع) .
5901 - حدَّثنا عَبْدُ الأعْلى بنُ حَمَّادٍ قَالَ حدَّثنا وُهَيْبٍ قَالَ حدَّثنا مُوساى بنُ عُقْبَةَ عنْ نافَعٍ قَالَ وكانَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يُصَلِّي عَلَى راحِلَتِهِ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا وَيُخْبِرُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَفْعَلُهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يُصَلِّي على رَاحِلَته) ، وَقد ذكرنَا أَن لفظ. الدَّابَّة، فِي التَّرْجَمَة يتَنَاوَل الرَّاحِلَة وَغَيرهَا، وَعبد الْأَعْلَى ابْن حَمَّاد مر فِي الْغسْل فِي: بَاب الْجنب يخرج من المغتسل، ووهيب، بِضَم الْوَاو: ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ وَقد مر فِي كتاب الْعلم، ومُوسَى ابْن عقبَة مر فِي إسباغ الْوضُوء.
قَوْله: (يُصَلِّي على رَاحِلَته) يَعْنِي، فِي السّفر، وَصرح بِهِ فِي الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي فِي الْبَاب الَّذِي بعده. قَوْله: (ويوتر على رَاحِلَته) ، وَقد احْتج عَطاء بن أبي رَبَاح وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَسَالم بن عبد الله وَنَافِع مولى بن عمر بِهَذَا الحَدِيث وَأَمْثَاله على أَن الْمُسَافِر يجوز لَهُ أَن يُصَلِّي الْوتر على رَاحِلَته، وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق، ويروى ذَلِك عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَكَانَ مَالك يَقُول: لَا يُصَلِّي على الرَّاحِلَة إلاّ فِي سفر تقصر فِيهِ الصَّلَاة. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ: قصير السّفر وطويله سَوَاء فِي ذَلِك، يُصَلِّي على رَاحِلَته. وَقَالَ ابْن حزم: يُوتر الْمَرْء قَائِما وَقَاعِدا لغير عذر إِن شَاءَ وعَلى دَابَّته، وَقَالَ أَصْحَابنَا: لَا يجوز الْوتر على الرَّاحِلَة، وَلَا يجوز إلاّ على الأَرْض كَمَا فِي الْفَرَائِض، وَبِه قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين وَعُرْوَة ابْن الزبير وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، ويروى ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب وَابْنه عبد الله فِي رِوَايَة، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا يزِيد بن سِنَان، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عَاصِم: قَالَ: حَدثنَا حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان عَن نَافِع (عَن ابْن عمر: أَنه كَانَ يُصَلِّي على رَاحِلَته ويوتر بِالْأَرْضِ، وَيَزْعُم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَلِك كَانَ يفعل) وَإِسْنَاده صَحِيح، وَيزِيد بن سِنَان شيخ النَّسَائِيّ أَيْضا، وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل شيخ البُخَارِيّ، وحَنْظَلَة روى لَهُ الْجَمَاعَة، فَهَذَا يُعَارض حَدِيث الْبَاب وَأَمْثَاله، وَيُؤَيّد هَذَا مَا روى عَن ابْن عمر من غير هَذَا الْوَجْه من فعله، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ: حدثما أَبُو بكرَة قَالَ حَدثنَا عُثْمَان بن عمر وَبكر بن بكار، قَالَا: حَدثنَا عمر بن ذَر (عَن مُجَاهِد: أَن ابْن عمر كَانَ يُصَلِّي فِي السّفر على بعيره أَيْنَمَا توجه بِهِ، فَإِذا كَانَ فِي السحر نزل فأوتر) ، وَإِسْنَاده صَحِيح. وَأخرجه أَحْمد أَيْضا فِي (مُسْنده) من حَدِيث سعيد بن جُبَير: (ان ابْن عمر كَانَ يُصَلِّي على رَاحِلَته تَطَوّعا، فَإِذا أَرَادَ أَن يُوتر نزل فأوتر على الأَرْض. .) ، فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك لَا يبْقى لأهل الْمقَالة الأولى حجَّة، وَلَا سِيمَا الرَّاوِي، إِذا فعل بِخِلَاف مَا روى، فَإِنَّهُ يدل على سُقُوط مَا روى. فَإِن قلت: صَلَاة ابْن عمر الْوتر على الأَرْض لَا تَسْتَلْزِم عدم جَوَازه عِنْده على الرَّاحِلَة. لِأَنَّهُ يجوز لَهُ أَن يفعل ذَلِك، وَله أَن يُوتر على الرَّاحِلَة. قلت: يجوز أَن يكون مَا رَوَاهُ ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وتره على الرَّاحِلَة قبل أَن يحكم أَمر الْوتر ويغلظ شَأْنه، لِأَنَّهُ كَانَ أَولا كَسَائِر التطوعات، ثمَّ أكد بعد ذَلِك فنسخ. قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَمن هَذِه الْجِهَة ثَبت نسخ الْوتر على الرَّاحِلَة، وَكَانَ مَا فعله ابْن عمر من وتره على الرَّاحِلَة قبل علمه بالنسخ، ثمَّ لما علمه رَجَعَ إِلَيْهِ وَترك الْوتر على الرَّاحِلَة، وَيجوز أَن يكون الْوتر عِنْده كالتطوع، فَلهُ أَن يُصَلِّي على الرَّاحِلَة وعَلى الأَرْض. فَإِن قلت: مَا وَجه هَذَا النّسخ؟ قلت: بِدلَالَة التَّارِيخ، وَهُوَ أَن يكون أحد النصين مُعَارضا للْآخر بِأَن يكون أَحدهمَا مُوجبا للحظر وَالْآخر للْإِبَاحَة، وينتفي هَذَا التَّعَارُض بالمصير إِلَى دلَالَة التَّارِيخ، وَهُوَ أَن النَّص الْمُوجب للحظر يكون مُتَأَخِّرًا عَن الْمُوجب للْإِبَاحَة، فَكَانَ الْأَخْذ بِهِ أولى وأحق. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قيل: فمذهبكم أَنه وَاجِب على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَعْنِي: الْوتر؟ قُلْنَا: وَإِن كَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ، فقد صَحَّ فعله على الرَّاحِلَة، وَلَو كَانَ وَاجِبا على الْعُمُوم لم يَصح على الرَّاحِلَة كالظهر. فَإِن قَالُوا: الظّهْر فرض وَالْوتر وَاجِب، وَبَينهمَا فرق؟ قُلْنَا: هَذَا الْفرق اصْطِلَاح لكم لَا يُسلمهُ الْجُمْهُور وَلَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْع وَلَا اللُّغَة، وَلَو سلم لم يحصل غرضكم هَهُنَا. انْتهى. قلت: الحَدِيث رَوَاهُ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، إِنَّه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (ثَلَاث هن على فَرَائض وَهن لكم تطوع: الْوتر والنحر وركعتا الْفجْر) ، رَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) وَالْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ، وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ: (رَكعَتَا الضُّحَى) بدل: (رَكْعَتي(7/139)
الْفجْر) وَفِي إِسْنَاده أَبُو جناب الْكَلْبِيّ، واسْمه: يحيى بن أبي حَيَّة، وَهُوَ ضَعِيف. وَلما رَوَاهُ الْحَاكِم سكت عَلَيْهِ، وَلَئِن سلمنَا صِحَّته وخصوصية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِوُجُوبِهِ فَالْوَاجِب لَا يُؤدى على الرَّاحِلَة، وَيحْتَمل أَن يكون فعله على الرَّاحِلَة من بَاب الخصوصية أَيْضا، وَقَوله: لَا يُسلمهُ الْجُمْهُور، وَكَلَام لَا طائل تَحْتَهُ، لِأَن الِاصْطِلَاح لَا يُنَازع فِيهِ، وَقَوله: وَلَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْع، أبعد من ذَلِك، لِأَنَّهُ لم يبين مَا المُرَاد من اقْتِضَاء الشَّرْع، وَعدم اقتضائه. وَقَوله: وَلَا اللُّغَة، كَلَام واهٍ، لِأَن اللُّغَة فرقت بَين الْفَرْض وَالْوَاجِب، فَفِي أَي كتاب من كتب اللُّغَة الْمُعْتَبرَة نَص على أَن الْفَرْض وَالْوَاجِب وَاحِد، وَهَذِه مُكَابَرَة وعناد. وَقَوله: وَلَو سلم لم يحصل غرضكم هَهُنَا، فَنَقُول لَو اطلع هَذَا على مَا ورد من الْأَحَادِيث الدَّالَّة على وجوب الْوتر وَمَا ورد من الصَّحَابَة لما حصل لَهُ غَرَضه من هَذِه المناقشة بِلَا وَجه.
8 - (بابُ الإيمَاءِ عَلَى الدَّابَّةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الصَّلَاة بِالْإِيمَاءِ على الدَّابَّة، مُرَاده: أَن من لم يتَمَكَّن من الرُّكُوع وَالسُّجُود يومىء بهما.
6901 - حدَّثنا مُوساى قَالَ حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُسْلِمٍ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ دِينَارٍ قَالَ كانَ عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى راحِلَتِهِ أيْنَما تَوَجَّهَتْ يُومِىءُ. وذَكَرَ عَبْدُ الله أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَفْعَلُهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي أَبْوَاب الْوتر فِي: بَاب الْوتر فِي السّفر، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُوسَى ابْن إِسْمَاعِيل عَن جوَيْرِية بن أَسمَاء عَن نَافِع (عَن ابْن عمر، قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فِي السّفر على رَاحِلَته حَيْثُ تَوَجَّهت بِهِ يومىء إِيمَاء صَلَاة اللَّيْل إلاّ الْفَرَائِض، ويوتر على رَاحِلَته) . فَانْظُر التَّفَاوُت بَينهمَا فِي الْإِسْنَاد والمتن، وَكَانَ لمُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور شَيْخَانِ هُنَاكَ: جوَيْرِية، وَهَهُنَا: عبد الْعَزِيز بن مُسلم أَبُو زيد الْقَسْمَلِي الْمروزِي: سكن الْبَصْرَة، مَاتَ سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة. قَوْله: (كَانَ يَفْعَله) أَي: كَانَ يفعل الْإِيمَاء الَّذِي يدل عَلَيْهِ قَوْله: (يومىء) .
9 - (بابٌ يَنْزِلُ لِلْمَكْتُوبِةِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن رَاكب الداية ينزل عَنْهَا لأجل صَلَاة الْفَرْض.
7901 - حدَّثنا يَحْيى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عامِرِ بنِ رَبِيعَةَ أنَّ عامِرَ بنَ رَبِيعَةَ أخْبَرَهُ قالَ رَأيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ عَلَى الرَّاحِلَةِ يُومِىءُ بِرَأسِهِ قِبَلَ أيَّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ ولَمْ يَكُنْ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَصْنَعُ ذالِكَ فِي الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ.
(أنظر الحَدِيث 3901 وطرفه) .
8901 - وقَالَ اللَّيْثُ حدَّثني يُنُسُ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ سَالِمٌ كانَ عَبْدُ الله يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ مُسَافِرٌ مَا يُبَالِي حَيْثُ كانَ وَجْهُهِ. قَالَ ابنُ عُمَرِ وَكانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أيَّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا غَيْرَ أنَّهُ لاَ يُصَلِّي عَلَيْهَا المَكْتُوبَةَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلم يكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصنع ذَلِك فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة) ، وَفِي قَوْله: (غير أَنه لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَة) وَهَذَا الحَدِيث قد تقدم قبل بَابَيْنِ فِي: بَاب يُصَلِّي الْمغرب ثَلَاثًا فِي السّفر، فَانْظُر التَّفَاوُت بَينهمَا فِي السَّنَد والمتن.
وَعقيل، بِضَم الْعين: هُوَ ابْن خَالِد الْأَيْلِي، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي.
قَوْله: (وَهُوَ على الرَّاحِلَة) جملَة حَالية وَكَذَلِكَ، قَوْله: (يسبح) ، حَال من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعْنَاهُ: يُصَلِّي صَلَاة النَّفْل. وَقَالَ بَعضهم: التَّسْبِيح حَقِيقَة فِي قَوْله: سبخان الله، فَإِذا أطلق على الصَّلَاة فَهُوَ من بَاب إِطْلَاق إسم الْبَعْض على الْكل. قلت: لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك(7/140)
وَإِنَّمَا التَّسْبِيح فِي الْحَقِيقَة التَّنْزِيه من النقائص، ثمَّ يُطلق على غَيره من أَنْوَاع الذّكر مجَازًا: كالتحميد والتمجيد، وَغَيرهمَا، وَقد يُطلق على صَلَاة التَّطَوُّع فَيُقَال: سبْحَة، وَهُوَ من أَنْوَاع الْمجَاز من قبيل إِطْلَاق الْجُزْء على الْكل، وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا: أَو لِأَن الْمُصَلِّي منزه لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بإخلاص الْعِبَادَة، وَالتَّسْبِيح التَّنْزِيه، فَيكون من بَاب الْمُلَازمَة. قلت: لَيْت شعري مَا مُرَاده من الْمُلَازمَة، فَإِن كَانَت اصطلاحية فَهِيَ تستدعي اللَّازِم والملزوم، فَمَا اللَّازِم هُنَا وَمَا الْمَلْزُوم؟ وَإِن أَرَادَ غير ذَلِك فَعَلَيهِ بَيَانه، وَهَذَا الْوَجْه أَيْضا يَقْتَضِي أَن لَا يخْتَص بالنافلة، وَالْحَال أَن إِطْلَاق هَذَا مَخْصُوص بالنافلة حَيْثُ قَالَ: وَأما اخْتِصَاص ذَلِك بالنافلة فَهُوَ عرف شَرْعِي، وتحرير ذَلِك مَا قَالَه ابْن الْأَثِير: وَإِنَّمَا خصت النَّافِلَة بالسبحة وَإِن شاركتها الْفَرِيضَة فِي معنى التَّسْبِيح، لِأَن التسبيحات فِي الْفَرَائِض نوافل، فَقيل لصَلَاة النَّافِلَة: سبْحَة لِأَنَّهَا نَافِلَة كالتسبيحات والأذكار فِي أَنَّهَا غير وَاجِبَة. قَوْله: (قبل) أَي: وَجه، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: مُقَابل أَي جِهَة. قَوْله: (وَقَالَ اللَّيْث) قد ذكرنَا فِي بَاب يُصَلِّي فِي السّفر، أَن الْإِسْمَاعِيلِيّ وَصله.
9901 - حدَّثنا مُعَاذُ بنُ فَضَالَةَ قَالَ حدَّثنا هِشَامٌ عنْ يَحْيى عنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ ابنِ ثَوْبَانَ قَالَ حدَّثني جابِرُ بنُ عَبْدِ الله أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ المَشْرِقِ فإذَا أرَادَ أنْ يُصَلِّيَ المَكْتُوبَةَ نَزَلَ فاسْتَقْبَلَ االقِبْلَةَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث تقدم فِي: بَاب صَلَاة التَّطَوُّع على الدَّابَّة، عَن قريب فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أبي نعيم عَن شَيبَان عَن يحيى إِلَى آخِره. وَهَهُنَا: عَن معَاذ، بِضَم الْمِيم: ابْن فضَالة أَبُو زيد الزهْرَانِي، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ عَن هِشَام الدستوَائي عَن يحيى بن أبي كثير. . إِلَى آخِره.
قَوْله: (نَحْو الْمشرق) وَفِي رِوَايَة جَابر السالفة: (وَهُوَ رَاكب فِي غير الْقبْلَة) ، وَبِهَذَا أَخذ جَمَاهِير الْعلمَاء، فَهَذَا وَنَحْوه من الْأَحَادِيث يخصص قَوْله تَعَالَى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} (الْبَقَرَة: 441 و 051) . وَيبين أَن قَوْله تَعَالَى: {فأينما تُولوا فثم وَجه الله} (الْبَقَرَة: 511) . فِي النَّافِلَة لِأَن الله تَعَالَى من لطفه وَكَرمه جعل بَاب النَّفْل أوسع، وَقد ذكرنَا فِيمَا مضى أقاويل الْعلمَاء فِي هَذَا الْبَاب، وَقَالَ بَعضهم: وَاسْتدلَّ بِهِ على أَن الْوتر غير وَاجِب عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لإيقاعه إِيَّاه على الرَّاحِلَة. قلت: قد ذكر عَن قريب (عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ثَلَاث هن عَليّ فَرَائض وَهُوَ لكم تطوع: الْوتر والنحر وركعتا الْفجْر) . وَقد ذكرنَا أَن للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُصَلِّي مَا هُوَ فرض على الرَّاحِلَة إِذا شَاءَ.
01 - (بابُ صَلاَةِ التَطُوُّعِ عَلَى الحِمارِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم صَلَاة التَّطَوُّع على حمَار، إِنَّمَا أفرد هَذَا الْبَاب بِالذكر، وَإِن كَانَ دَاخِلا فِي: بَاب صَلَاة التَّطَوُّع على الدَّابَّة، وَفِي: بَاب الْإِيمَاء على الدَّابَّة، إِشَارَة أَنه لَا يشْتَرط أَن تكون الدَّابَّة طَاهِرَة الفضلات، لَكِن يشْتَرط أَن لَا يماس الرَّاكِب مَا كَانَ غير طَاهِر مِنْهَا، وتنبيها على طَهَارَة عرق الْحمار، وَكَانَ الأَصْل أَن يكون عرقه كلحمه لِأَنَّهُ متولد مِنْهُ، وَلَكِن خص بِطَهَارَتِهِ لركوب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه، وَعَن هَذَا قَالَ أَصْحَابنَا: كَانَ يَنْبَغِي أَن يكون عرق الْحمار مشكوكا لِأَن عرق كل شَيْء يعْتَبر بسؤره، لَكِن لما رَكبه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معروريا، وَالْحر حر الْحجاز، والثقل ثقل النُّبُوَّة حكم بِطَهَارَتِهِ.
0011 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنَا حَبَّانُ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ قَالَ حدَّثنا أنَسُ بنُ سِيرِينَ. قَالَ اسْتَقْبَلَنَا أنَسا حِينَ قَدِمَ مِنَ الشَّامِ فَلَقِينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ فَرَأيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَوَجْهُهُ مِنْ ذَا الجَانِبِ يَعْنِي عنْ يَسَارِ القِبْلَةِ فَقلْتُ رَأيْتُكَ تُصَلِّي لِغَيْرِ القِبْلَةِ فقالَ لَوْلاَ أنِّي رَأيْتُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعَلَهُ لَمْ أفْعَلُهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَحْمد بن سعيد بن صَخْر بن سُلَيْمَان بن سعيد بن قيس ابْن عبد الله أَبُو جَعْفَر الدَّارمِيّ الْمروزِي مَاتَ بنيسابور سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، وروى عَنهُ مُسلم أَيْضا، وَفِي شرح(7/141)
الْكرْمَانِي: أَحْمد بن يُوسُف أَبُو حَفْص الدَّارمِيّ، وَهَذَا غلط، وَالظَّاهِر أَنه من النَّاسِخ وَلَيْسَ فِي مَشَايِخ البُخَارِيّ فِي هَذَا الْكتاب أَحْمد بن يُوسُف. الثَّانِي: حبَان، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالنون: أَبُو حبيب ضد الْعَدو ابْن هِلَال الْبَاهِلِيّ، مر فِي: بَاب فضل صَلَاة الْفجْر. الثَّالِث: همام، على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ: ابْن يحيى العوادي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة، وَقد تقدم. الرَّابِع: أنس بن سِيرِين أَخُو مُحَمَّد بن سِيرِين. الْخَامِس: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي خَمْسَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه مروزي والبقية بصريون.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم، قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن حَاتِم، قَالَ: حَدثنَا عَفَّان بن مُسلم، قَالَ: حَدثنَا همام قَالَ: (حَدثنَا أنس بن سِيرِين، قَالَ: تلقينا أنس بن مَالك حِين قدم من الشَّام فتلقيناه بِعَين التَّمْر، فرأيته يُصَلِّي على حمَار وَوَجهه ذَلِك الْجَانِب، وَأَوْمَأَ همام عَن يسَار الْقبْلَة، فَقلت لَهُ: تصلي لغير الْقبْلَة، قَالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَفْعَله لم أَفعلهُ) .
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (استقبلنا) ، بِسُكُون اللَّام، وَهِي جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل. وَقَوله: (أنس بن مَالك) بِالنّصب مَفْعُوله. قَوْله: (حِين قدم من الشَّام) وَكَانَ أنس سَافر إِلَى الشَّام يشكو من الْحجَّاج الثَّقَفِيّ إِلَى عبد الْملك بن مَرْوَان، قيل: وَقع فِي رِوَايَة مُسلم: حِين قدم الشَّام، وغلطوه لِأَن أنس بن سِيرِين إِنَّمَا تَلقاهُ لما رَجَعَ من الشَّام، فَخرج ابْن سِيرِين من الْبَصْرَة ليلقاه. قلت: وجدت فِي نسخ صَحِيحَة لمُسلم، من الشَّام، فعلى هَذَا نقلته آنِفا، وَلَئِن سلمنَا أَنه وَقع حِين قدم الشَّام بِدُونِ ذكر كلمة: من، فَلَا نسلم أَنه غلط، لِأَن مَعْنَاهُ: تلقيناه فِي رُجُوعه حِين قدم الشَّام، وَهَكَذَا قَالَه النَّوَوِيّ. قَوْله: (بِعَين التَّمْر) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق، قَالَ الْبكْرِيّ فِي (مُعْجم مَا استعجم) : عين التَّمْر على لفظ جمع تَمْرَة، مَوضِع مَذْكُور فِي تَحْدِيد الْعرَاق، وبكنيسة عين التَّمْر وجد خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الغلمة من الْعَرَب الَّذين كَانُوا رهنا فِي يَد كسْرَى، وهم متفرقون بِالشَّام وَالْعراق، مِنْهُم: جد الْكَلْبِيّ الْعَالم النسابة، وجد أبي إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ النَّحْوِيّ، وجد مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب (الْمَغَازِي) وَمن سبي عين التَّمْر: الْحسن بن أبي الْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين موليا جميلَة بنت أبي قُطْبَة الْأَنْصَارِيَّة. انْتهى. قَالَ بَعضهم: كَانَت بِعَين التَّمْر وقْعَة مَشْهُورَة فِي أول خلَافَة عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بَين خَالِد بن الْوَلِيد والأعاجم. قلت: هَذَا غلط، لِأَن وقْعَة عين التَّمْر كَانَت فِي السّنة الثَّانِيَة عشر من الْهِجْرَة فِي خلَافَة أبي بكر الصّديق. وَكَانَت خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَوْم مَاتَ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَاخْتلف فِي وَقت وَفَاته، فَقيل: يَوْم الْجُمُعَة، وَقيل: لَيْلَة الْجُمُعَة، وَقيل: لَيْلَة الثُّلَاثَاء بَين الْمغرب وَالْعشَاء الْآخِرَة لثمان لَيَال بَقينَ من جمادي الْآخِرَة من سنة ثَلَاث عشرَة من الْهِجْرَة، وَلما فرغ خَالِد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من وقْعَة الْيَمَامَة أرْسلهُ أَبُو بكر إِلَى الْعرَاق فَفتح فِي الْعرَاق فتوحات مِنْهَا: الْحيرَة والأيلة والأنبار وَغَيرهَا، وَلما انْتقل خَالِد بالأنبار استناب عَلَيْهَا الزبْرِقَان بن بدر وَقصد هُوَ عين التَّمْر، وَبهَا يَوْمئِذٍ مهْرَان بن بهْرَام فِي جمع عَظِيم من الْعَرَب، وَعَلَيْهِم عفة بن أبي عفة، فَتلقى خَالِدا فَكَسرهُ خَالِد وَانْهَزَمَ جَيش عفة من غير قتال، وَلما بلغ ذَلِك مهْرَان نزل من الْحصن وهرب وَتَركه، وَرجعت قلال نَصَارَى الْأَعْرَاب إِلَى الْحصن فدخلوه واحتموا بِهِ، فَجَاءَهُمْ خَالِد فأحاط بهم وحاصرهم أَشد الْحصار، فآخر الْأَمر سَأَلُوا الصُّلْح فَأبى خَالِد إلاَّ أَن ينزلُوا على حكمه، فنزلوا على حكمه فجعلهم فِي السلَاسِل وتسلم الْحصن، فَضرب عنق عفة وَمن كَانَ أسر مَعَه وَالَّذين نزلُوا على حكمه أَيْضا أَجْمَعِينَ، وغنم جَمِيع مَا كَانَ فِي الْحصن، وَوجد فِي الْكَنِيسَة الَّتِي بِهِ أَرْبَعِينَ غُلَاما يتعلمون الْإِنْجِيل وَعَلَيْهِم بَاب مغلق، فَكَسرهُ خَالِد وفرقهم فِي الْأُمَرَاء فَكَانَ فيهم: حمْرَان، صَار إِلَى عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمِنْهُم: سِيرِين وَالِد مُحَمَّد بن سِيرِين أَخذه أنس بن مَالك وَجَمَاعَة آخَرُونَ من الموَالِي إِلَى آخَرين من الْمَشَاهِير أَرَادَ الله بهم وبذراريهم خيرا. قَوْله: (وَوَجهه من ذَا الْجَانِب) أَي: من هَذَا الْجَانِب، وَلم يبين فِي هَذِه الرِّوَايَة كَيْفيَّة صَلَاة أنس، وَذكره فِي (الْمُوَطَّأ) (عَن يحيى بن سعيد قَالَ: رَأَيْت أنسا وَهُوَ يُصَلِّي على حمَار وَهُوَ مُتَوَجّه إِلَى غير الْقبْلَة يرْكَع وَيسْجد إِيمَاء من غير أَن يضع جَبهته على شَيْء) . قَوْله: (رَأَيْتُك تصلي لغير الْقبْلَة؟) فِيهِ أَنه لم يُنكر على أنس صلَاته على الْحمار وَلَا غير ذَلِك من هَيْئَة أنس، وَإِنَّمَا أنكر عَلَيْهِ تَركه اسْتِقْبَال الْقبْلَة فَقَط، وَأجَاب عَنهُ أنس بقوله: (لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَفْعَله لم أَفعلهُ) . قَوْله: (يَفْعَله) جملَة حَالية، أَي: حَال كَونه يفعل من صلَاته على الْحمار وَوَجهه من يسَار الْقبْلَة. قَوْله: (لم أَفعلهُ) أَي: لم أفعل مَا فعلته من ترك اسْتِقْبَال الْقبْلَة، وَقَالَ(7/142)
الْإِسْمَاعِيلِيّ خبر أنس إِنَّمَا هُوَ فِي صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاكِبًا تَطَوّعا لغير الْقبْلَة، فأفرد البُخَارِيّ التَّرْجَمَة فِي الْحمار من جِهَة السّنة لَا وَجه لَهُ عِنْدِي. قلت: لَيْسَ هَذَا من مَحل المناقشة، بل لَا وَجه لما قَالَه، لِأَن أنسا يَقُول: (لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَفْعَله لم أَفعلهُ) ، وَكَانَت رُؤْيَته إِيَّاه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين كَانَ يَفْعَله رَاكِبًا على حمَار، يشْهد بذلك كَون أنس فِي هَذِه الصَّلَاة على حمَار، وَيُؤَيّد ذَلِك مَا رَوَاهُ السراج من طَرِيق يحيى بن سعيد عَن أنس أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي على حمَار وَهُوَ ذَاهِب إِلَى خَيْبَر، وَإِسْنَاده حسن، وَيشْهد لهَذَا مَا رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق عَمْرو بن يحيى الْمَازِني عَن سعيد بن يسَار (عَن ابْن عمر: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي على حمَار وَهُوَ مُتَوَجّه إِلَى خَيْبَر) ، وَقَالَ ابْن بطال: لَا فرق بَين التَّنَفُّل فِي السّفر على الْحمار والبغل وَغَيرهمَا، وَيجوز لَهُ إمْسَاك عنانها وتحريك رجلَيْهِ، إلاّ أَنه لَا يتَكَلَّم وَلَا يلْتَفت وَلَا يسْجد على قربوس سَرْجه، بل يكون السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع، وَهَذَا رَحْمَة من الله تَعَالَى على عباده ورفق بهم.
رَوَاهُ ابنُ طَهْمَانَ عنْ حَجَّاجٍ عنْ أنَسِ بنِ سِيرِينَ عَنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور إِبْرَاهِيم بن طهْمَان الْهَرَوِيّ أَبُو سعيد عَن حجاج بن حجاج الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الْأَحول الْأسود الملقب بزق الْعَسَل، مَاتَ سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَة. وَفِي هَذَا الْبَاب عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم: أَبُو سعيد، أخرج حَدِيثه أَحْمد من رِوَايَة ابْن أبي ليلى (عَن عَطاء أَو عَطِيَّة عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي على رَاحِلَته فِي التَّطَوُّع حَيْثُ مَا تَوَجَّهت بِهِ يومىء إِيمَاء يَجْعَل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع) . وَمِنْهُم: سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرج حَدِيثه الْبَزَّار من رِوَايَة ضرار بن صرد أَنه قَالَ: (رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي السبحة على رَاحِلَته حَيْثُ مَا تَوَجَّهت بِهِ، وَلَا يفعل ذَلِك فِي الْمَكْتُوبَة، وَضِرَار ضَعِيف. وَمِنْهُم: شقران، مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخرج حَدِيثه أَحْمد من طَرِيق مُسلم بن خَالِد أَنه قَالَ: (رَأَيْت يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتَوَجها إِلَى خَيْبَر على حمَار يُصَلِّي عَلَيْهِ) ، وَمُسلم بن خَالِد شيخ الشَّافِعِي ضعفه غير وَاحِد. وَمِنْهُم: الهرماس بن زِيَاد أخرج حَدِيثه أَحْمد أَيْضا، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن وَاقد حَدثنَا عِكْرِمَة بن عمار عَن الهرماس بن زِيَاد وَقَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي على بعير نَحْو الشَّام وَعَن عبد الله بن وَاقد مُخْتَلف فِيهِ. وَمِنْهُم: أَبُو مُوسَى أخرج حَدِيثه أَحْمد أَيْضا قَالَ: حَدثنَا أَبُو عَاصِم حَدثنِي يُونُس بن الْحَارِث حَدثنِي أَبُو بردة عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الصَّلَاة على ظهر الدَّابَّة فِي السّفر، هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، وَيُونُس بن الْحَارِث وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَضَعفه أَحْمد وَغَيره.
11 - (بابُ مَنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ فِي السَّفَرِ دُبُرَ الصَّلاَةِ وقَبْلَهَا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من لم يتَطَوَّع فِي السّفر عقيب الصَّلَوَات، والدبر، بِضَمَّتَيْنِ وبإسكان الْبَاء أَيْضا، وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ: (دبر الصَّلَوَات وَقبلهَا) ، ويروى: (دبر الصَّلَاة) بِصِيغَة الْإِفْرَاد.
1011 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حدَّثني ابنُ وَهَبٍ قَالَ حدَّثني عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ أنَّ حَفْصَ بنَ عاصِمٍ حَدَّثَهُ قَالَ سافَرَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ صَحِبْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمْ أرَهُ يُسَبِّحُ فِي السَّفَرِ. وَقَالَ الله جَلَّ ذِكْرُهُ لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أسْوَةٌ حَسَنَةٌ.
(الحَدِيث 1011 طرفه فِي: 2011) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: يحيى بن سُلَيْمَان بن يحيى أَبُو سعيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي، سكن مصر وَمَات بهَا سنة ثَمَان، وَيُقَال: سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَقد مر ذكره فِي كتاب الْعلم. الثَّانِي: عبد الله بن وهب، وَقد مر غير مرّة. الثَّالِث: عمر بن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب الْعَسْقَلَانِي، كَانَ ثِقَة جَلِيلًا مرابطا من أطول الرِّجَال، مَاتَ بعد سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة. الرَّابِع: حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب، مر فِي: بَاب الصَّلَاة بعد الْفجْر. الْخَامِس: عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين. وَفِيه: السُّؤَال. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَهُوَ كُوفِي وَابْن وهب مصري وَعمر بن مُحَمَّد مدنِي نزل(7/143)
عسقلان، وَحَفْص بن عَاصِم أَيْضا مدنِي، رَحمَه الله.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن القعْنبِي عَن عِيسَى بن حَفْص وَعَن قُتَيْبَة عَن يزِيد بن زُرَيْع عَن عمر بن مُحَمَّد بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن نوح بن حبيب عَن يحيى بن سعيد بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن خَلاد عَن أبي عَامر الْعَقدي عَن عِيسَى بِهِ، يزِيد بَعضهم على بعض.
ذكر مَعْنَاهُ وَمَا يستنبط مِنْهُ: قَوْله: (فَلم أره يسبح) أَي: لم أر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَال كَونه يسبح، أَي يتَنَفَّل بالنوافل الرَّوَاتِب الَّتِي قبل الْفَرَائِض وَبعدهَا، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: اخْتلف أهل الْعلم بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرَأى بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتَطَوَّع الرجل فِي السّفر، وَبِه يَقُول أَحْمد وَإِسْحَاق، وَلم تَرَ طَائِفَة من أهل الْعلم أَن يُصَلِّي قبلهَا وَلَا بعْدهَا، وَمعنى: من لم يتَطَوَّع فِي السّفر، قبُول الرُّخْصَة، وَمن تطوع فَلهُ فِي ذَلِك فضل كثير، وَقَول أَكثر أهل الْعلم يختارون التَّطَوُّع فِي السّفر. وَقَالَ السَّرخسِيّ فِي (الْمَبْسُوط) والمرغيناني: لَا قصر فِي السّنَن، وَتَكَلَّمُوا فِي الْأَفْضَل، قيل: التّرْك ترخصا، وَقيل: الْفِعْل تقربا، وَقَالَ الهندواني: الْفِعْل أفضل فِي حَال النُّزُول وَالتّرْك فِي حَال السّير، قَالَ هِشَام: رَأَيْت مُحَمَّدًا كثيرا لَا يتَطَوَّع فِي السّفر قبل الظّهْر وَلَا بعْدهَا وَلَا يدع رَكْعَتي الْفجْر وَالْمغْرب، وَمَا رَأَيْته يتَطَوَّع قبل الْعَصْر وَلَا قبل الْعشَاء وَيُصلي الْعشَاء ثمَّ يُوتر.
2011 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى عَنْ عِيساى بنِ حَفْصٍ بنِ عاصِمٍ قَالَ حدَّثني أبي أنَّهُ سَمعَ ابنَ عُمَرَ يَقُولُ صَحِبْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكانَ لاَ يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وأبَا بَكْرٍ وعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذالِكَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
(أنظر الحَدِيث 1011) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيحيى شيخ مُسَدّد هُوَ الْقطَّان، وَعِيسَى بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب مَاتَ سنة خمس أَو سبع وَخمسين وَمِائَة.
قَوْله: (وَأَبا بكر) عطف على قَوْله: (رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: وصحبت أَبَا بكر وصحبت عمر وصحبت عُثْمَان كَذَلِك، أَي: كَمَا صَحِبت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّفر صحبتهم، وَكَانُوا لَا يزِيدُونَ فِي السّفر على رَكْعَتَيْنِ. فَإِن قلت: كَانَ عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي آخر أمره يتم الصَّلَاة فَكيف قَالَ ابْن عمر: إِن عُثْمَان لَا يزِيد فِي السّفر على رَكْعَتَيْنِ؟ قلت: يحمل قَوْله على الْغَالِب، أَو كَانَ عُثْمَان لَا يتَنَفَّل فِي أول أمره وَلَا فِي آخِره وَإِن كَانَ يتم. فَإِن قلت: قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَليّ بن حجر حَدثنَا حَفْص بن غياث عَن الْحجَّاج عَن عَطِيَّة (عَن ابْن عمر، قَالَ: صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر فِي السّفر رَكْعَتَيْنِ وَبعدهَا رَكْعَتَيْنِ) ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن، وَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبيد الْمحَاربي أَبُو يعلى الْكُوفِي حَدثنَا عَليّ بن هَاشم عَن ابْن أبي ليلى عَن عَطِيَّة وَعَن نَافِع. (عَن ابْن عمر، قَالَ: صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحَضَر وَالسّفر، فَصليت مَعَه فِي الْحَضَر الظّهْر أَرْبعا وَبعدهَا رَكْعَتَيْنِ، وَصليت مَعَه الظّهْر فِي السّفر رَكْعَتَيْنِ وَبعدهَا رَكْعَتَيْنِ، وَالْعصر رَكْعَتَيْنِ وَلم يصل بعْدهَا شَيْئا، وَالْمغْرب فِي الْحَضَر وَالسّفر سَوَاء ثَلَاث رَكْعَات لَا تنقص فِي الْحَضَر وَلَا فِي السّفر، وَهِي وتر النَّهَار، وَبعدهَا رَكْعَتَيْنِ) . قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن، سَمِعت مُحَمَّدًا يَقُول: مَا روى ابْن أبي ليلى، حَدِيثا أعجب إِلَيّ من هَذَا، فَمَا التَّوْفِيق بَين هَذَا وَبَين حَدِيث الْبَاب؟ قلت: هَذَانِ الحديثان تفرد بإخراجهما التِّرْمِذِيّ، أما وَجه التَّوْفِيق فقد قَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: الْجَواب أَن النَّفْل الْمُطلق وَصَلَاة اللَّيْل لم يمنعهما ابْن عمر وَلَا غَيره، فَأَما السّنَن الرَّوَاتِب فَيحمل حَدِيثه الْمُتَقَدّم، يَعْنِي حَدِيث الْبَاب، على الْغَالِب من أَحْوَاله فِي أَنه لَا يُصَلِّي الرَّوَاتِب، وَحَدِيثه فِي هَذَا الْبَاب أَي: الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، على أَنه فعله فِي بعض الْأَوْقَات لبَيَان استحبابها فِي السّفر، وَإِن لم يتَأَكَّد فعلهَا فِيهِ كتأكده فِي الْحَضَر، أَو أَنه كَانَ نازلاً فِي وَقت الصَّلَاة وَلَا شغل لَهُ يشْتَغل بِهِ عَن ذَلِك، أَو سائرا وَهُوَ على رَاحِلَته، وَلَفظه فِي الحَدِيث الْمُتَقَدّم: يَعْنِي حَدِيث الْبَاب، هُوَ بِلَفْظ: كَانَ، وَهِي لَا تَقْتَضِي الدَّوَام بل وَلَا التّكْرَار على الصَّحِيح، فَلَا تعَارض بَين حديثيه. فَإِن قيل: الذّهاب إِلَى تَرْجِيح تعارضهما. قُلْنَا: التَّرْجِيح بِحَدِيث الْبَاب أصح لكَونه فِي الصَّحِيح. فَإِن قلت: روى التِّرْمِذِيّ أَيْضا: حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا اللَّيْث بن سعد عَن صَفْوَان ابْن سليم عَن أبي بشر الْغِفَارِيّ (عَن الْبَراء بن عَازِب، قَالَ: صَحِبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة عشر سفرا فَمَا رَأَيْته ترك الرَّكْعَتَيْنِ إِذا زاغت الشَّمْس قبل الظّهْر) وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن قُتَيْبَة. قلت: هَذَا لَا يُعَارض حَدِيث ابْن عمر الَّذِي رُوِيَ(7/144)
عَنهُ فِي هَذَا الْبَاب، لِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَون الْبَراء مَا رَآهُ ترك أَن لَا يكون ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَيْضا كَذَلِك مَا ترك، وَجَوَاب آخر: لَا نسلم أَن هَاتين الرَّكْعَتَيْنِ من السّنَن الرَّوَاتِب، وَإِنَّمَا هِيَ سنة الزَّوَال الْوَارِدَة فِي حَدِيث أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
21 - (بابُ مَنْ تَطَوَّعَ فِي السَّفَرِ فِي غَيْرِ دُبُرِ الصَّلَوَاتِ وقَبْلهَا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم تطوع فِي السّفر فِي غير عقيب الصَّلَوَات وَالْفرق بَين هَذَا الْبَاب وَالْبَاب الَّذِي قبله أَن هَذَا أَعم من الَّذِي قبله، لِأَن ذَاك مُقَيّد بالدبر.
ورَكَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيِ الفَجْرِ فِي السَّفَرِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتي الْفجْر صَلَاة فِي غير دبر صَلَاة، وَهَذَا فِي (صَحِيح مُسلم) : من حَدِيث أبي قَتَادَة فِي قصَّة النّوم عَن صَلَاة الصُّبْح، فَفِيهِ: (صلى رَكْعَتَيْنِ قبل الصُّبْح ثمَّ صلى الصُّبْح كَمَا كَانَ يُصَلِّي) ، وَعند أبي دَاوُد (فصلوا رَكْعَتي الْفجْر ثمَّ صلوا الْفجْر) .
3011 - حدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ عَمْرٍ وعنِ ابنِ أبِي لَيْلَى. قَالَ مَا أنْبَأَ أحَدٌ أنَّهُ رَأى النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى الضُّحَى غَيْرُ أُمِّ هانِىءٍ ذَكَرَتْ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ أغتَسَلَ فِي بَيْتِهَا فَصَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ فَمَا رَأيْتُهُ صَلَّى صَلاَةً أخَفَّ مِنْهَا غَيْرَ أنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ والسُّجُودَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الضُّحَى كَانَت نَافِلَة فِي السّفر، وَأَنه صلاهَا على الأَرْض وَلم يكن فِي دبر صَلَاة من الصَّلَوَات فَافْهَم.
وَرِجَاله قد ذكرُوا، وَعَمْرو بن مرّة، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء، قد مر فِي: بَاب تَسْوِيَة الصُّفُوف، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قد مر فِي: بَاب حد إتْمَام الرُّكُوع، وَأم هانىء، بالنُّون ثمَّ الْهمزَة، قد مر ذكرهَا فِي: بَاب التستر فِي الْغسْل، وَاسْمهَا: فاخته. وَقيل: هِنْد بنت أبي طَالب، أُخْت عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن آدم، وَأخرجه فِي الْمَغَازِي عَن أبي الْوَلِيد، وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَمُحَمّد بن بشار، كِلَاهُمَا عَن غنْدر عَن شُعْبَة، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن حَفْص بن عمر بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن يزِيد عَن بهز عَن شُعْبَة بِهِ وَعَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد التَّيْمِيّ عَن يحيى عَن سُفْيَان عَن زبيد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى نَحوه.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (مَا أخبرنَا أحد. .) إِلَى آخِره. قَالَ ابْن بطال: لَا حجَّة فِي قَول ابْن أبي ليلى هَذَا، وَيرد عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الضُّحَى وَأمر بصلاتها من طرق جمة. مِنْهَا: حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْآتِي فِي: بَاب صَلَاة الضُّحَى فِي الْحَضَر، قَالَ: (أَوْصَانِي خليلي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِثَلَاث لَا أدعهن حَتَّى أَمُوت: صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر، وَصَلَاة الضُّحَى، ونوم على وتر) . وَمِنْهَا: حَدِيث أبي ذَر عِنْد مُسلم قَالَ (أصاني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِثَلَاث فَذكر رَكْعَتي الضُّحَى) وَمِنْهَا حَدِيث أبي ذَر عَن مُسلم أَيْضا عَنهُ (عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: يصبح على كل سلامي من أحدكُم صَدَقَة، بِكُل تَسْبِيحَة صَدَقَة، وكل تَحْمِيدَة وكل تَهْلِيلَة صَدَقَة، وكل تَكْبِيرَة صَدَقَة، وَأمر بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَة، وَنهي عَن الْمُنكر صَدَقَة، ويجزىء من ذَلِك رَكْعَتَانِ يركعهما من الضُّحَى) . وَمِنْهَا: حَدِيث ابْن عمر عِنْد البُخَارِيّ: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يُصَلِّي من الضُّحَى إلاّ يَوْمَيْنِ: يَوْم يقدم مَكَّة) وَسَيَأْتِي. وَمِنْهَا: حَدِيث ابْن أبي أوفى عِنْد الْحَاكِم: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ حِين بشر بِرَأْس أبي جهل، وبالفتح) . وَمِنْهَا: حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عِنْد التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ثُمَامَة بنم أنس بن مَالك عَنهُ. قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من صلى الضُّحَى ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة بنى الله لَهُ قصرا من ذهب فِي الْجنَّة) . وَأخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا. وَمِنْهَا:(7/145)
حَدِيث عقبَة بن عَامر عِنْد أَحْمد وَأبي يعلى (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله، عز وَجل، يَقُول: يَا ابْن آدم: اكْفِنِي أول النَّهَار بِأَرْبَع رَكْعَات أكفك من آخر يَوْمك) . هَذَا لفظ أَحْمد، وَلَفظ أبي يعلى: (أتعجر ابْن آدم أَن تصلي أَربع رَكْعَات من أول النَّهَار أكفك آخر يَوْمك؟) وَفِي (التَّلْوِيح) : (وَعَن عقبَة بن عَامر: أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نصلي رَكْعَتي الضُّحَى بسورتيهما بالشمس وَضُحَاهَا، وَالضُّحَى) . وَمِنْهَا: حَدِيث عَائِشَة عِنْد الْحَاكِم: (سُئِلت: كم كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَت: أَرْبعا وَيزِيد مَا شَاءَ الله) ، وَأخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ فِي (الْكُبْرَى) وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ فِي (الشَّمَائِل) من رِوَايَة معَاذَة العدوية، قَالَت: (قلت لعَائِشَة: أَكَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَت: نعم أَرْبعا وَيزِيد مَا شَاءَ الله) . وَعند أَحْمد من حَدِيث أم ذرة: (قَالَت: رَأَيْت عَائِشَة تصلي الضُّحَى وَتقول: مَا رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي إلاّ أَربع رَكْعَات) . وَمِنْهَا: حَدِيث نعيم بن همار عِنْد أبي دَاوُد من رِوَايَة كثير بن مرّة عَنهُ، قَالَ: (سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: قَالَ الله، عز وَجل: يَا ابْن آدم لَا تعجزني من أَربع رَكْعَات فِي أول النَّهَار أكفك آخِره) وهما، بِفَتْح الْهَاء وَتَشْديد الْمِيم وَفِي آخِره رَاء، وَيُقَال: ابْن هَبَّار، بِالْبَاء الْمُوَحدَة مَوضِع الْمِيم. وَيُقَال: ابْن هدار، بِالدَّال الْمُهْملَة، وَيُقَال: ابْن همام، بميمين، وَيُقَال: ابْن خمار، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، وَيُقَال: ابْن حمَار، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَفِي آخِره رَاء: الْغَطَفَانِي الشَّامي. قَوْله: (لَا تعجزني) بِضَم التَّاء، وَهَذَا مجَاز كِنَايَة عَن تسويف العَبْد عمله لله تَعَالَى، وَالْمعْنَى: لَا تسوف صَلَاة أَربع رَكْعَات لي من أول نهارك أكفك آخر النَّهَار من كل شَيْء من الهموم والبلايا وَنَحْوهمَا. قَوْله: (أكفك) ، مجزوم لِأَنَّهُ جَوَاب النَّهْي. وَمِنْهَا: حَدِيث أبي أُمَامَة عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة الْقَاسِم عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن الله يَقُول: يَا ابْن آدم اركع لي أَربع رَكْعَات من أول النَّهَار أكفك آخِره) . وَالقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن وَثَّقَهُ الْجُمْهُور وَضَعفه بَعضهم. وَمِنْهَا: حَدِيث بُرَيْدَة عِنْد ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) : سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي الْإِنْسَان سِتُّونَ وثلاثمائة مفصل، فَعَلَيهِ أَن يتَصَدَّق عَن كل مفصل مِنْهُ بِصَدقَة) . فَذكر حَدِيثا فِيهِ: (فَإِن لم تَجِد فركعتا الضُّحَى تكفيك) . وَمِنْهَا: حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) قَالَ: (أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعرض عَلَيْهِ بَعِيرًا لي فرأيته صلى الضُّحَى سِتّ رَكْعَات) . وَمِنْهَا: حَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من رِوَايَة قيس بن سعد عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس، رفع الحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (على كل سلامي من بني آدم فِي كل يَوْم صَدَقَة، ويجزىء من ذَلِك كُله رَكعَتَا الضُّحَى) . وَمِنْهَا: حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عِنْد النَّسَائِيّ فِي (سنَنه الْكُبْرَى) وَعند أَحْمد وَأبي يعلى من رِوَايَة أبي إِسْحَاق: سمع عَاصِم بن ضَمرَة، (عَن عَليّ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي من الضُّحَى) وَإِسْنَاده جيد. وَمِنْهَا: حَدِيث زيد بن أَرقم عِنْد مُسلم: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي من الضُّحَى) وَإِسْنَاده جيد. وَمِنْهَا: حَدِيث زيد بن أَرقم عِنْد مُسلم: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج على أهل قبَاء وهم يصلونَ الضُّحَى بَعْدَمَا أشرقت الشَّمْس. فَقَالَ: إِن صَلَاة الْأَوَّابِينَ كَانَت إِذا رمضت الفصال) . وَمِنْهَا: حَدِيث أم سَلمَة عِنْد الْحَاكِم، قَالَت: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي صَلَاة الضُّحَى ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة) ، وَفِي (شرح الْمُهَذّب) : هُوَ حَدِيث ضَعِيف. وَمِنْهَا: حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ عِنْد التِّرْمِذِيّ قَالَ: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى نقُول: إِنَّه لَا يَدعهَا، ويدعها حَتَّى نقُول: إِنَّه لَا يُصليهَا) . قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. قلت: تفرد بِهِ التِّرْمِذِيّ. وَمِنْهَا: حَدِيث عتبَة بن عبد عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة الْأَحْوَص بن حَكِيم عَن عبد الله بن غابر أَن أَبَا أُمَامَة وَعتبَة بن عبد حدّثنَاهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من صلى صَلَاة الصُّبْح فِي جمَاعَة، ثمَّ ثَبت حَتَّى يسبح الله سبْحَة الضُّحَى كَانَ لَهُ أجر حَاج ومعتمر) ، وَرَوَاهُ ابْن زَنْجوَيْه فِي (كتاب الْفَضَائِل) عَن عتبَة بن عبد عَن أبي أُمَامَة، وَقَالَ: عتبَة صَحَابِيّ. وَمِنْهَا: حَدِيث معَاذ بن أنس عِنْد أبي دَاوُد، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من قعد فِي مُصَلَّاهُ حِين ينْصَرف من صَلَاة الصُّبْح حَتَّى يسبح رَكْعَتي الضُّحَى لَا يَقُول إلاّ خيرا غفرت لَهُ خطاياه وَإِن كَانَت مثل زبد الْبَحْر) . قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) فِي سَنَده كَلَام. وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: إِسْنَاده ضَعِيف قلت: لِأَن فِي إِسْنَاده زبان بن فائد، ضعفه ابْن معِين، وَقَالَ أَحْمد: أَحَادِيثه مَنَاكِير، وَلَكِن أَبُو دَاوُد لما رَوَاهُ سكت عَلَيْهِ، وسكوته دَلِيل رِضَاهُ بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: زبان صَالح. وَمِنْهَا: حَدِيث حُذَيْفَة عَن ابْن أبي شيبَة بِإِسْنَادِهِ عَنهُ قَالَ: (خرجت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى حرَّة بني مُعَاوِيَة، فصلى الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات طول فِيهِنَّ) . وَمِنْهَا: حَدِيث أبي مرّة الطَّائِفِي عِنْد(7/146)
أَحْمد من رِوَايَة مَكْحُول عَنهُ قَالَ: (سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ابْن آدم لَا تعجزني من أَربع رَكْعَات من أول النَّهَار أكفك آخِره) ، قَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله هَكَذَا وَقع فِي (الْمسند) ، فإمَّا أَن يكون سقط بعد: أبي مرّة، ذكر الصَّحَابِيّ وَإِمَّا أَن يكون مَكْحُول لم يسمع من أبي مرّة، فَإِنَّهُ يُقَال: إِنَّه لم يسمع من أحد من الصَّحَابَة إلاّ من أبي أُمَامَة فَأَما أَبُو مرّة فَذكره ابْن عبد الْبر فِي (الِاسْتِيعَاب) وَقَالَ: قيل إِنَّه ولد على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا صُحْبَة لَهُ، وَأَبوهُ عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ من كبار الصَّحَابَة، وَقد وَقع فِي الْمسند: سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَمَا تقدم. وَالله أعلم. وَمِنْهَا: حَدِيث أبي مُوسَى عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من رِوَايَة عبد الله بن عَيَّاش عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من صلى الضُّحَى أَرْبعا وَقبل الأولى أَرْبعا بنى لَهُ بَيت فِي الْجنَّة) ، وَعَيَّاش، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره شين مُعْجمَة. وَمِنْهَا: حَدِيث عتْبَان بن مَالك عِنْد أَحْمد من رِوَايَة مَحْمُود بن ربيع (عَن عتْبَان بن مَالك: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صلى فِي بَيته سبْحَة الضُّحَى) ، وقصة عتْبَان بن مَالك فِي صَلَاة النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي بَيته فِي (الصَّحِيح) لَكِن لَيْسَ فِيهَا ذكر سبْحَة الضُّحَى، وَإِنَّمَا ذكره البُخَارِيّ فِي التَّرْجَمَة تَعْلِيقا، فَقَالَ: بَاب صَلَاة الضُّحَى فِي الْحَضَر، قَالَه عتْبَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَمِنْهَا: حَدِيث النواس بن سمْعَان عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ قَالَ: سَمِعت النواس بن سمْعَان: (سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: قَالَ الله، عز وَجل: ابْن آدم لَا تعجزني من أَربع رَكْعَات فِي أول النَّهَار أكفك آخِره) وَإِسْنَاده صَحِيح. وَمِنْهَا: حَدِيث عبد الله بن عَمْرو عِنْد أَحْمد من رِوَايَة أبي عبد الرَّحْمَن الحبلي عَنهُ قَالَ: (بعث رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَرِيَّة فغنموا وأسرعوا الرّجْعَة فَتحدث النَّاس بِقرب مغزاهم زكثرة غنيمتهم وَسُرْعَة رجعتهم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا أدلكم على أقرب مِنْهُ مغزى وَأكْثر غنيمَة وأوشك رَجْعَة من تَوَضَّأ ثمَّ خرج إِلَى الْمَسْجِد لسبحة الضُّحَى، فَهُوَ أقرب مِنْهُم مغزىً وَأكْثر غنيمَة وأوشك رَجْعَة) . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي (الْكَبِير) وَفِيه: (ثمَّ صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الضُّحَى) ، لفظ أَحْمد، وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ: (ثمَّ صلى بهم صَلَاة الضُّحَى) . وَمِنْهَا: حَدِيث أبي بكرَة عِنْد ابْن عدي فِي (الْكَامِل) من رِوَايَة عَمْرو بن عبيد عَن الْحسن (عَن أبي بكرَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصلى الضُّحَى فجَاء الْحسن وَهُوَ غُلَام، فَلَمَّا سجد ركب ظَهره) . الحَدِيث وَعَمْرو بن عبيد مَتْرُوك. وَمِنْهَا: حَدِيث جُبَير بن مطعم عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة عُثْمَان بن عَاصِم، قَالَ: (حَدثنِي نَافِع بن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الضُّحَى) وَفِي إِسْنَاده يحيى الْحمانِي تكلم فِيهِ. وَمِنْهَا: حَدِيث أم حَبِيبَة عِنْد مُسلم، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا من عبد مُسلم يُصَلِّي فِي كل يَوْم ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة تَطَوّعا من غير فَرِيضَة إلاّ بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة) ، ذكر ضِيَاء الدّين الْمَقْدِسِي صَلَاة الضُّحَى بإثنتي عشرَة رَكْعَة، ثمَّ ذكر هَذَا الحَدِيث، وَقد وَردت أَحَادِيث ظَاهرهَا يُعَارض هَذِه الْأَخْبَار وسنتكلم فِيهَا فِي: بَاب صَلَاة الضُّحَى فِي السّفر، إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (غير أم هانىء) بِرَفْع: غير، لِأَنَّهُ بدل من قَوْله: (أحد) . قَوْله: (يَوْم فتح مَكَّة) قَوْله: (فصلى ثَمَان رَكْعَات) هُوَ فِي الأَصْل مَنْسُوب إِلَى الثّمن لِأَنَّهُ الْجُزْء الَّذِي صير السَّبْعَة ثَمَانِيَة فَهُوَ ثمنهَا، وفتحوا أَوله لأَنهم يغيرون فِي النّسَب، وحذفوا مِنْهَا إِحْدَى يائي النِّسْبَة وعوضوا عَنْهَا الْألف، وَقد تحذف مِنْهُ الْيَاء ويكتفي بكسرة النُّون، أَو تفتح تَخْفِيفًا. قَوْله: (أخف مِنْهَا) أَي: من هَذِه الثمان قَوْله (غير أَنه) أَي: غير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يتم الرُّكُوع وَالسُّجُود) وَهَذَا لدفع وهم من يظنّ أَن إِطْلَاق لفظ: إخف، رُبمَا يَقْتَضِي التنقيص فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود، فَدفعت أم هانىء ذَلِك بقولِهَا: (يتم الرُّكُوع وَالسُّجُود) .
4011 - وَقَالَ اللَّيْثُ حدَّثني يُونُسُ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ حدَّثني عَبْدُ الله بنُ عَامِرٍ أنَّ أبَاهُ أخْبَرَهُ أنَّهُ رَأى النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى السُّبْحَةَ بِاللَّيْلِ فِي السَّفَرِ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ.
(أنظر الحَدِيث 391 وطرفه) .(7/147)
أَي: قَالَ اللَّيْث بن سعيد: حَدثنِي يُونُس أَي: ابْن أبي يزِيد الْأَيْلِي عَن ابْن شهَاب، هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، حَدثنِي عبد الله بن عَامر بن ربيعَة أَن أَبَاهُ هُوَ عَامر بن ربيعَة الْعَنزي، وَهَذَا تقدم مَوْصُولا فِي أول: بَاب يُنزل للمكتوبة، حَيْثُ قَالَ: حَدثنَا يحيى بن بكير، قَالَ: حَدثنَا اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب، غير أَن اللَّيْث روى هُنَاكَ: عَن عقيل عَن ابْن شهَاب، وَهَهُنَا روى: عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب، وَرِوَايَة يُونُس هَذِه وَصلهَا الذهلي فِي (الزهريات) عَن أبي صَالح عَنهُ.
5011 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي سالِمُ بنُ عَبْدِ الله عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كانَ وجْهُهُ يُومِىءُ بِرَأسِهِ وكانَ ابنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي على دَابَّته بِالْإِيمَاءِ وَلَيْسَ فِيهِ أَنه فِي دبر صَلَاة من الصَّلَوَات، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَشُعَيْب بن حَمْزَة وَكلهمْ قد ذكرُوا غير مرّة، وَرِوَايَة الزُّهْرِيّ هَذِه عَن سَالم عَن ابْن عمر ذكرهَا فِي: بَاب الْإِيمَاء على الدَّابَّة، عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر مَوْقُوفا، ثمَّ ذكر عقيبة مَرْفُوعا، وَهَهُنَا ذكره مَرْفُوعا ثمَّ ذكر عَقِيبه مَوْقُوفا، وَهُوَ قَوْله: (وَكَانَ ابْن عمر يَفْعَله) ، فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بذلك إِلَى أَن الْعَمَل بِهِ مُسْتَمر لم يلْحقهُ معَارض وَلَا نَاسخ وَلَا رَاجِح.
قَوْله: (كَانَ يسبح) ، أَي: يتَنَفَّل على ظهر رَاحِلَته بِالْإِيمَاءِ. فَإِن قلت: ذكر فِي: بَاب من لم يتَطَوَّع فِي السّفر، عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: صَحِبت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم أره يسبح فِي السّفر، وَهَهُنَا قَالَ: كَانَ يسبح؟ قلت: معنى: لم أره يسبح فِي السّفر، يَعْنِي: على الأَرْض، وَهَهُنَا مَعْنَاهُ: كَانَ يسبح رَاكِبًا، وَيكون تَركه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التَّنَفُّل فِي السّفر على الأَرْض تحريا مِنْهُ إِعْلَام أمته أَنهم فِي أسفارهم بِالْخِيَارِ فِي التَّنَفُّل. وَقَالَ ابْن بطال: وَلَيْسَ قَول ابْن عمر: لم أره يسبح، حجَّة على من رَآهُ، لِأَن من نفى شَيْئا فَلَيْسَ بِشَاهِد. قَوْله: (يومىء بِرَأْسِهِ) جملَة حَالية وَتَفْسِير لقَوْله: (يسبح) ، لِأَن السبحة على ظهر الدَّابَّة هُوَ الَّذِي يكون بِالْإِيمَاءِ للرُّكُوع وَالسُّجُود.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِيه: دَلِيل على جَوَاز التَّنَفُّل على الأَرْض، لِأَنَّهُ لما جَازَ لَهُ التَّنَفُّل على الرَّاحِلَة كَانَ فِي الأَرْض أجوز. قلت: هَذَا كَلَام عَجِيب، لِأَن الحكم هُنَا بِالْقِيَاسِ لَا يحْتَاج إِلَيْهِ، وَالْأَرْض مَسْجِد لسَائِر الصَّلَوَات كَمَا فِي النَّص.
31 - (بابُ الجَمْعِ فِي السَّفَرِ بَينَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْجمع فِي السّفر بَين صَلَاتي الْمغرب وَالْعشَاء، وَإِنَّمَا ذكر لفظ: الْجمع، مُطلقًا ليتناول جَمِيع أقسامه، لِأَن فِي الْبَاب ثَلَاثَة أَحَادِيث عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَأنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فَحَدِيث ابْن عمر وَابْن عَبَّاس بِصُورَة التَّقْيِيد، وَحَدِيث أنس بِصُورَة الْإِطْلَاق، وَلَا يخفى ذَلِك على المتأمل.
6011 - حدَّثنا عَليُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عنْ سَالِمٍ عنْ أبِيهِ قَالَ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَجْمَعُ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد ذكرنَا وَجه إِطْلَاق التَّرْجَمَة مَعَ كَون الحَدِيث مُقَيّدا.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَعلي هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله بن عمر بن الْخطاب.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى وقتيبة وَأبي بكر بن أبي شيبَة وَعمر والناقد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور، والخمسة عَن سُفْيَان بِهِ.
قَوْله: (إِذا جد بِهِ السّير) أَي: اشْتَدَّ، قَالَ فِي (الْمُحكم) وَقَالَ ابْن الْأَثِير: أَي إِذا اهتم بِهِ وأسرع فِيهِ، يُقَال: جد يجد ويجد، بِالضَّمِّ وَالْكَسْر، وجد بِهِ الْأَمر وَأَجد وجد فِيهِ: إِذا اجْتهد، وَالْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب على نَوْعَيْنِ.
الأول: فِيمَن روى الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ من الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. مِنْهُم: عَليّ بن أبي طَالب، أخرج حَدِيثه أَبُو دَاوُد بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ، (كَانَ إِذا سَافر بَعْدَمَا تغرب الشَّمْس حَتَّى تكَاد أَن تظلم، ثمَّ ينزل فَيصَلي الْمغرب، ثمَّ يتعشى ثمَّ(7/148)
يُصَلِّي الْعشَاء وَيَقُول: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصنع) . وروى ابْن أبي شيبَة فِي (المُصَنّف) : عَن أبي أُسَامَة عَن عبد الله ابْن مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ عَن أَبِيه عَن جده (أَن عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَ يُصَلِّي الْمغرب فِي السّفر ثمَّ يتعشى ثمَّ يُصَلِّي الْعشَاء على إثْرهَا ثمَّ يَقُول: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصنع) ، وَطَرِيق آخر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد حَدثنَا الْمُنْذر بن مُحَمَّد حَدثنَا أبي حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحُسَيْن حَدثنِي أبي عَن أَبِيه عَن جده (عَن عَليّ: قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ارتحل حِين تَزُول الشَّمْس جمع الظّهْر وَالْعصر، فَإِذا جد لَهُ السّير أخر الْعَصْر وَعجل الظّهْر ثمَّ جمع بَينهمَا) ، وَلَا يَصح إِسْنَاده، شيخ الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ أَبُو الْعَبَّاس بن عقدَة أحد الْحفاظ لكنه شيعي، وَقد تكلم فِيهِ الدَّارَقُطْنِيّ وَحَمْزَة السَّهْمِي وَغَيرهمَا، وَشَيْخه الْمُنْذر بن مُحَمَّد بن الْمُنْذر لَيْسَ بِالْقَوِيّ أَيْضا، قَالَه الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا، وَأَبوهُ وجده يحْتَاج إِلَى معرفتهما. وَمِنْهُم: أنس بن مَالك، أخرج حَدِيثه البُخَارِيّ وَسَيَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَمِنْهُم: عبد الله بن عَمْرو، أخرج حَدِيثه ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) وَأحمد فِي (مُسْنده) من رِوَايَة حجاج عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: (جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي غَزْوَة بني المصطلق) ، وَقَالَ أَحْمد: يَوْم غزا بني المصطلق، وَفِي رِوَايَة: (جمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي السّفر) ، وَفِي إِسْنَاده الْحجَّاج بن أَرْطَأَة مُخْتَلف فِي الِاحْتِجَاج بِهِ. وَمِنْهُم: عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أخرج حَدِيثهَا ابْن أبي شيبَة فِي (المُصَنّف) وَأحمد فِي (مُسْنده) كِلَاهُمَا عَن وَكِيع: حَدثنَا مُغيرَة بن زِيَاد عَن عَطاء (عَن عَائِشَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُؤَخر الظّهْر ويعجل الْعَصْر، وَيُؤَخر الْمغرب ويعجل الْعشَاء فِي السّفر) ، ومغيرة بن زِيَاد ضعفه الْجُمْهُور وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو زرْعَة. وَمِنْهُم: ابْن عَبَّاس أخرج حَدِيثه مُسلم من رِوَايَة أبي الزبير، قَالَ: حَدثنَا سعيد بن جُبَير، قَالَ: (حَدثنَا ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي سفرة سافرها فِي غَزْوَة تَبُوك، فَجمع بَين الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء جَمِيعًا، قَالَ سعيد: فَقلت لِابْنِ عَبَّاس: مَا حمله على ذَلِك؟ قَالَ: أَرَادَ أَن لَا يحرج أمته) . وَقد روى مُسلم أَيْضا بِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ: (صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا وَالْمغْرب وَالْعشَاء فِي غير خوف وَلَا سفر) ، وَفِي رِوَايَة لَهُ: (صلى الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا بِالْمَدِينَةِ من غير خوف وَلَا سفر) . وَمِنْهُم: أُسَامَة بن زيد، أخرج حَدِيثه التِّرْمِذِيّ فِي (كتاب الْعِلَل) قَالَ: حَدثنَا أَبُو السَّائِب عَن الْجريرِي عَن أبي عُثْمَان (عَن أُسَامَة بن زيد قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جد بِهِ السّير جمع بَين الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء) ، ثمَّ قَالَ: سَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: الصَّحِيح هُوَ مَوْقُوف عَن أُسَامَة بن زيد، ولأسامة حَدِيث آخر فِي جمعه بِعَرَفَة ومزدلفة، أخرجه البُخَارِيّ، وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَمِنْهُم: جَابر، أخرج حَدِيثه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق مَالك عَن أبي الزبير (عَن جَابر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَابَتْ لَهُ الشَّمْس بِمَكَّة فَجمع بَينهمَا بسرف) ، وروى أَحْمد فِي (مُسْنده) من رِوَايَة ابْن لَهِيعَة (عَن أبي الزبير، قَالَ: سَأَلت جَابِرا: هَل جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْمغرب وَالْعشَاء؟ قَالَ: نعم، عَام غزونا بني المصطلق) . وروى مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه فِي حَدِيث جَابر الطَّوِيل فِي صفة حجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رِوَايَة مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن (عَن جَابر، فَوجدَ الْقبَّة قد ضربت لَهُ بنمرة) ، وَفِيه: (ثمَّ أذن ثمَّ أَقَامَ فصلى الظّهْر ثمَّ أَقَامَ فصلى الْعَصْر وَلم يصل بَينهمَا شَيْئا) . وَفِيه: (حَتَّى أَتَى الْمزْدَلِفَة فصلى بهَا الْمغرب وَالْعشَاء بِأَذَان وَاحِد وَإِقَامَتَيْنِ وَلم يسبح بَينهمَا شَيْئا) . وَمِنْهُم: خُزَيْمَة بن ثَابت، أخرج حَدِيثه الطَّبَرَانِيّ عَن عدي بن ثَابت عَن عبد الله بن يزِيد (عَن خُزَيْمَة ابْن ثَابت قَالَ: صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجمع الْمغرب وَالْعشَاء ثَلَاثًا واثنتين بِإِقَامَة وَاحِدَة) . وَمِنْهُم: ابْن مَسْعُود، أخرج حَدِيثه ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) من رِوَايَة ابْن أبي ليلى عَن هُذَيْل (عَن عبد الله بن مَسْعُود: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي السّفر) وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) بِلَفْظ: (كَانَ يجمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء يُؤَخر هَذِه فِي آخر وَقتهَا ويعجل هَذِه فِي أول وَقتهَا) . وَمِنْهُم: أَبُو أَيُّوب، أخرج حَدِيثه البُخَارِيّ، وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَمِنْهُم: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، أخرج حَدِيثه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) عَن أبي نَضرة عَنهُ: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي السّفر) . وَمِنْهُم: أَبُو هُرَيْرَة، أخرج حَدِيثه الْبَزَّار عَن عَطاء بن يسَار عَنهُ: (عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي السّفر) .(7/149)
النَّوْع الثَّانِي: فِي بَيَان مَذَاهِب الْأَئِمَّة فِي هَذَا الْبَاب، فَذهب قوم إِلَى ظَاهر هَذِه الْأَحَادِيث وأجازوا الْجمع بَين الظّهْر وَالْعصر وَبَين الْمغرب وَالْعشَاء فِي السّفر فِي وَقت أَحدهمَا، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق. وَقَالَ ابْن بطال: قَالَ الْجُمْهُور: الْمُسَافِر يجوز لَهُ الْجمع بَين الظّهْر وَالْعصر وَبَين الْمغرب وَالْعشَاء مُطلقًا. وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين. وَفِي الْمَسْأَلَة سِتَّة أَقْوَال: أَحدهَا: جَوَاز الْجمع مثل مَا قَالَه ابْن بطال، وروى ذَلِك عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم: عَليّ بن أبي طَالب وَسعد بن أبي وَقاص وَسَعِيد بن زيد وَأُسَامَة بن زيد ومعاذ بن جبل وَأَبُو مُوسَى وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس، وَبِه قَالَ جمَاعَة من التَّابِعين، مِنْهُم: عَطاء بن أبي رَبَاح وطاووس وَمُجاهد وَعِكْرِمَة وَجَابِر بن زيد وَرَبِيعَة الرَّأْي وَأَبُو الزِّنَاد وَمُحَمّد بن الْمُنْكَدر وَصَفوَان بن سليم، وَبِه قَالَ جمَاعَة من الْأَئِمَّة مِنْهُم: سُفْيَان الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَابْن الْمُنْذر، وَمن الْمَالِكِيَّة: أَشهب، وَحَكَاهُ ابْن قدامَة عَن مَالك أَيْضا، وَالْمَشْهُور عَن مَالك: تَخْصِيص الْجمع بجد السّير. وَالْقَوْل الثَّانِي: إِنَّمَا يجوز الْجمع إِذا جد بِهِ السّير، رُوِيَ ذَلِك عَن أُسَامَة بن زيد وَابْن عمر وَهُوَ قَول مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ. القَوْل الثَّالِث: إِنَّه تجوز إِذا أَرَادَ قطع الطَّرِيق، وَهُوَ قَول ابْن حبيب من الْمَالِكِيَّة، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: وَأما قَول ابْن حبيب فَهُوَ قَول الشَّافِعِي، لِأَن السّفر نَفسه إِنَّمَا هُوَ لقطع الطَّرِيق. وَالْقَوْل الرَّابِع: أَن الْجمع مَكْرُوه، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: إِنَّهَا رِوَايَة المصريين عَن مَالك. وَالْقَوْل الْخَامِس: أَنه يجوز جمع التَّأْخِير لَا جمع التَّقْدِيم، وَهُوَ اخْتِيَار ابْن حزم. وَالْقَوْل السَّادِس: أَنه لَا يجوز مُطلقًا بِسَبَب السّفر، وَإِنَّمَا يجوز بِعَرَفَة والمزدلفة، وَهُوَ قَول الْحسن وَابْن سِيرِين وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالْأسود وَأبي حنيفَة وَأَصْحَابه، وَهُوَ رِوَايَة ابْن الْقَاسِم عَن مَالك، وَاخْتَارَهُ فِي (التَّلْوِيح) : وَذهب أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِلَى منع الْجمع فِي غير هذَيْن المكانين، وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود وَسعد بن أبي وَقاص فِيمَا ذكره ابْن شَدَّاد فِي كِتَابه (دَلَائِل الْأَحْكَام) وَابْن عمر فِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَابْن سِيرِين وَجَابِر بن زيد وَمَكْحُول وَعَمْرو بن دِينَار وَالثَّوْري وَالْأسود وَأَصْحَابه وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَسَالم وَاللَّيْث بن سعد، وَقَالَ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا وَكِيع حَدثنَا أَبُو هِلَال عَن حَنْظَلَة السدُوسِي عَن أبي مُوسَى أَنه قَالَ: الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ من غير عذر من الْكَبَائِر، قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : وَأما قَول النَّوَوِيّ: إِن أَبَا يُوسُف ومحمدا خالفا شيخهما، وَإِن قَوْلهمَا كَقَوْل الشَّافِعِي وَأحمد فقد رده عَلَيْهِ صَاحب (الْغَايَة فِي شرح الْهِدَايَة) بِأَن هَذَا لَا أصل لَهُ عَنْهُمَا. قلت: الْأَمر كَمَا قَالَه، وأصحابنا أعلم بِحَال أَئِمَّتنَا الثَّلَاثَة، رَحِمهم الله. وَاسْتدلَّ أَصْحَابنَا بِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم (عَن عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى صَلَاة لغير وَقتهَا إلاّ بِجمع فَإِنَّهُ جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء بِجمع، وَصلى صَلَاة الصُّبْح فِي الْغَد قبل وَقتهَا) ، وَبِمَا رَوَاهُ مُسلم عَن أبي قَتَادَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَيْسَ فِي النّوم تَفْرِيط، إِنَّمَا التَّفْرِيط فِي الْيَقَظَة أَن يُؤَخر صَلَاة حَتَّى يدْخل وَقت صَلَاة أُخْرَى) .
وَالْجَوَاب عَن هَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا الْجمع فِي غير عَرَفَة، وَجمع، مَا قَالَه الطَّحَاوِيّ فِي (شرح مَعَاني الْآثَار) : أَنه صلى الأولى فِي آخر وَقتهَا، والانية فِي أول وَقتهَا،، لَا أَنه صلاهما فِي وَقت وَاحِد، وَيُؤَيّد هَذَا الْمَعْنى حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: (صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا، وَالْمغْرب وَالْعشَاء جَمِيعًا فِي غير خوف وَلَا سفر) . رَوَاهُ مُسلم وَفِي لفظ قَالَ (جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء بِالْمَدِينَةِ فِي غير خوف وَلَا مطر. قيل لِابْنِ عَبَّاس: مَا أَرَادَ إِلَى ذَلِك؟ قَالَ: أَرَادَ أَن لَا يحرج أمته. قَالَ: وَلم يقل أحد منا وَلَا مِنْهُم بِجَوَاز الْجمع فِي الْحَضَر، فَدلَّ على أَن معنى الْجمع مَا ذَكرْنَاهُ من تَأْخِير الأولى إِلَى آخر وَقتهَا وَتَقْدِيم الثَّانِيَة فِي أول وَقتهَا. فَإِن قلت: لفظ مُسلم فِي حَدِيث الْبَاب: (أَن ابْن عمر كَانَ إِذا جد بِهِ السّير جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء بعد أَن يغيب الشَّفق، وَيَقُول: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا جد بِهِ السّير جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء) . وَهَذَا صَرِيح فِي الْجمع فِي وَقت إِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَفِيه إبِْطَال تَأْوِيل الْحَنَفِيَّة فِي قَوْلهم: إِن المُرَاد بِالْجمعِ تَأْخِير الأولى إِلَى آخر وَقتهَا وَتَقْدِيم الثَّانِيَة فِي أول وَقتهَا؟ قلت: الشَّفق نَوْعَانِ: أَحْمَر وأبيض، كَمَا اخْتلف فِيهِ الصَّحَابَة وَالْعُلَمَاء، فَيحْتَمل أَنه جمع بَينهمَا بعد غياب الْأَحْمَر فَتكون الْمغرب فِي وَقتهَا على قَول من يَقُول: الشَّفق هُوَ الْأَبْيَض، وَكَذَلِكَ الْعشَاء تكون فِي وَقتهَا على قَول من يَقُول: الشَّفق هُوَ الْأَحْمَر، وَيُطلق عَلَيْهِ أَنه جمع بَينهمَا بعد غياب الشَّفق، وَالْحَال أَن كل وَاحِدَة مِنْهُمَا وَقعت فِي وَقتهَا على اخْتِلَاف الْقَوْلَيْنِ فِي الشَّفق، فَهَذَا يُسمى جمعا: صُورَة لَا وقتا. فَإِن قلت: لفظ النَّسَائِيّ فِي حَدِيث ابْن عمر: (جمع بَين الظّهْر وَالْعصر حِين كَانَ بَين الصَّلَاتَيْنِ،(7/150)
وَبَين الْمغرب وَالْعشَاء حِين اشتبكت النُّجُوم) . قلت: أول وَقت الْعَصْر مُخْتَلف فِيهِ، وَهُوَ إِمَّا بصيرورة ظلّ كل شَيْء مثله أَو مثلَيْهِ فَيحْتَمل أَنه أخر الظّهْر إِلَى أَن صَار ظلّ كل شَيْء مثله، ثمَّ صلاهَا وَصلى عَقبهَا الْعَصْر، فَيكون قد صلى الظّهْر فِي وَقتهَا على قَول من يرى أَن آخر وَقت الظّهْر بصيرورة ظلّ كل شَيْء مثله، وَيكون قد صلى الْعَصْر فِي وَقتهَا على قَول من يرى: إِن أول وَقتهَا بصيرورة ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ، وَيصدق على من فعل هَذَا أَنه جمع بَينهمَا والنجوم تشتبك بعد غياب الْحمرَة، وَهُوَ وَقت الْمغرب على قَول من يَقُول: الشَّفق هُوَ الْبيَاض.
فَإِن قلت: قد ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي: بَاب الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي السّفر، عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَنه: سَار حَتَّى غَابَ الشَّفق. إِلَى آخِره، ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ معمر عَن أَيُّوب ومُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع، وَقَالَ فِي الحَدِيث: (أخر الْمغرب بعد ذهَاب الشَّفق حَتَّى ذهب هوي من اللَّيْل، ثمَّ نزل فصلى الْمغرب وَالْعشَاء) قلت: لم يذكر سَنَده لينْظر فِيهِ، وَقد أخرجه النَّسَائِيّ بِخِلَاف هَذَا، قَالَ: أخبرنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم أخبرنَا عبد الرَّزَّاق حَدثنَا معمر عَن مُوسَى بن عقبَة (عَن نَافِع عَن ابْن عمر: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جد بِهِ أَمر أوجد بِهِ السّير جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء) . فَإِن قلت: قد قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ يزِيد بن هَارُون عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن نَافِع، فَذكر أَنه سَار قَرِيبا من ربع اللَّيْل ثمَّ نزل فصلى قلت: أَنه أسْندهُ فِي (الخلافيات) من حَدِيث يزِيد بن هَارُون بِسَنَدِهِ الْمَذْكُور، وَلَفظه: (فسرنا أميالاً ثمَّ نزل فصلى) ، فلفظه مُضْطَرب كَمَا ترى على وَجْهَيْن، فاقتصر الْبَيْهَقِيّ فِي (السّنَن) على مَا يُوَافق مَقْصُوده.
فَإِن قلت: روى التِّرْمِذِيّ فَقَالَ: حَدثنَا هناد حَدثنَا عَبدة بن سُلَيْمَان عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع (عَن ابْن عمر أَنه استغيث على بعض أَهله فجد بِهِ السّير وَأخر الْمغرب حَتَّى غَابَ الشَّفق، ثمَّ نزل فَجمع بَينهمَا، ثمَّ أخْبرهُم أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يفعل ذَلِك إِذا جد بِهِ السّير) . وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَعند أبي دَاوُد: (حَتَّى غربت الشَّمْس وبدت النُّجُوم) ، وَفِي حَدِيث سُفْيَان بن سعيد عَن يحيى بن سعيد: (أَخّرهَا إِلَى ربع اللَّيْل) ،، وَفِي لفظ: (حَتَّى إِذا كَانَ فِي آخر الشَّفق نزل فصلى الْمغرب ثمَّ أَقَامَ الْعشَاء وَقد توارى الشَّفق) ، وَفِي لفظ: (حَتَّى إِذا كَانَ قبل غيوب الشَّفق نزل فصلى الْمغرب، ثمَّ انْتظر حَتَّى غَابَ الشَّفق وَصلى الْعشَاء) . وَفِي لفظ: (عِنْد ذهَاب الشَّفق نزل فَجمع بَينهمَا) ، وَعند ابْن خُزَيْمَة: (فسرنا حَتَّى كَانَ نصف اللَّيْل أَو قَرِيبا من نصفه، نزل فصلى) قلت: الْكَلَام فِي الشَّفق قد مر، وَأما رِوَايَة ابْن خُزَيْمَة فَفِيهَا مُخَالفَة للحفاظ من أَصْحَاب نَافِع فَلَا يُمكن الْجمع بَينهمَا فَيتْرك مَا فِيهَا لمُخَالفَته للحفاظ، وَيُؤْخَذ بِرِوَايَة الْحفاظ، وروى أَبُو دَاوُد عَن قُتَيْبَة، حَدثنَا عبد الله بن نَافِع عَن أبي دَاوُد عَن سُلَيْمَان بن أبي يحيى عَن ابْن عمر قَالَ: (مَا جمع رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَين الْمغرب وَالْعشَاء قطّ فِي سفر إلاّ مرّة) . وَقَالَ أَبُو دَاوُد هَذَا يرْوى عَن أَيُّوب عَن نَافِع مَوْقُوفا على ابْن عمر أَنه: لم ير ابْن عمر جمع بَينهمَا قطّ إلاّ تِلْكَ اللَّيْلَة، يَعْنِي لَيْلَة استصرخ على صَفِيَّة، وروى من حَدِيث مَكْحُول عَن نَافِع أَنه رأى ابْن عمر فعل ذَلِك مرّة أَو مرَّتَيْنِ. فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد: حَدثنَا يزِيد بن خَالِد بن يزِيد بن عبد الله الرَّمْلِيّ الْهَمدَانِي حَدثنَا الْمفضل بن فضَالة وَاللَّيْث بن سعد عَن هِشَام بن سعد عَن أبي الزبير عَن أبي الطُّفَيْل (عَن معَاذ بن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي غَزْوَة تَبُوك إِذا زاغت الشَّمْس قبل أَن يرتحل جمع بَين الظّهْر وَالْعصر، وَإِن ارتحل قبل أَن تزِيغ الشَّمْس أخر الظّهْر حَتَّى ينزل للعصر، وَفِي الْمغرب مثل ذَلِك إِن غَابَ الشَّفق قبل أَن يرتحل جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء، وَإِن ارتحل قبل أَن يغيب الشَّفق أخر الْمغرب حَتَّى ينزل للعشاء ثمَّ جمع بَينهمَا) . قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ هِشَام بن عُرْوَة عَن حُسَيْن بن عبد الله عَن كريب عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْو حَدِيث الْمفضل وَاللَّيْث قلت: حُكيَ عَن أبي دَاوُد أَنه أنكر هَذَا الحَدِيث، وَحكي عَنهُ أَيْضا أَنه قَالَ: لَيْسَ فِي تَقْدِيم الْوَقْت حَدِيث قَائِم، وحسين بن عبد الله هَذَا لَا يحْتَج بحَديثه، قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: تركت حَدِيثه. وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ: وَله غير حَدِيث لَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: لَهُ أَشْيَاء مُنكرَة، وَقَالَ ابْن معِين: ضَعِيف. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: ضَعِيف يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: يقلب الْأَسَانِيد وَيرْفَع المسانيد.
وَقَالَ الْخطابِيّ فِي الرَّد على تَأْوِيل أَصْحَابنَا: إِن الْجمع رخصَة، فَلَو كَانَ على مَا ذَكرُوهُ لَكَانَ أعظم ضيقا من الْإِتْيَان بِكُل صَلَاة فِي وَقتهَا، لِأَن أَوَائِل الْأَوْقَات وأواخرها مِمَّا لَا يُدْرِكهُ أَكثر الْخَاصَّة فضلا عَن الْعَامَّة، وَقَالَ ابْن قدامَة: أَن حمل الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ على الْجمع الصُّورِي فَاسد لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه جَاءَ الْخَبَر صَرِيحًا فِي أَنه كَانَ يجمعهما فِي وَقت(7/151)
إِحْدَاهمَا، وَالثَّانِي: أَن الْجمع رخصَة، فَلَو كَانَ على مَا ذَكرُوهُ لَكَانَ أَشد ضيقا وَأعظم حرجا من الْإِتْيَان بِكُل صَلَاة فِي وَقتهَا، قَالَ: وَلَو كَانَ الْجمع هَكَذَا لجَاز الْجمع بَين الْعَصْر وَالْمغْرب، وَبَين الْعشَاء وَالصُّبْح. قَالَ: وَلَا خلاف بَين الْأمة فِي تَحْرِيم ذَلِك. قَالَ: وَالْعَمَل بالْخبر على الْوَجْه السَّابِق مِنْهُ إِلَى الْفَهم أولى من هَذَا التَّكَلُّف الَّذِي يصان كَلَام رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من حمله عَلَيْهِ. قلت: سلمنَا أَن الْجمع رخصَة، وَلَكِن حملناه على الْجمع الصُّورِي حَتَّى لَا يُعَارض الْخَبَر الْوَاحِد الْآيَة القطعية، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {حَافظُوا على الصَّلَوَات} (الْبَقَرَة: 832) . أَي: أدوها فِي أَوْقَاتهَا، وَقَالَ الله تَعَالَى: {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} (النِّسَاء: 301) . أَي: فرضا موقوتا، وَمَا قُلْنَاهُ هُوَ الْعَمَل بِالْآيَةِ وَالْخَبَر، وَمَا قَالُوهُ يُؤَدِّي إِلَى ترك الْعَمَل بِالْآيَةِ ويلزمهم على مَا قَالُوا من الْجمع الْمَعْنَوِيّ رخصَة أَن يجمعوا لعذر الْمَطَر أَو الْخَوْف فِي الْحَضَر، وَمَعَ هَذَا لم يجوزوا ذَلِك، وَأولُوا حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: (جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء بِالْمَدِينَةِ من غير خوف وَلَا مطر) ، الحَدِيث، بتأويلات مَرْدُودَة، وَفِيمَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ الْعَمَل بِالْكتاب، وَبِكُل حَدِيث جَاءَ فِي هَذَا الْبَاب من غير حَاجَة إِلَى تأويلات، وَأما قَول الْخطابِيّ: لِأَن أَوَائِل الْأَوْقَات. . إِلَى آخِره، غير مُسلم، لِأَن الصَّلَاة من أعظم أُمُور الدّين فالمسلم الْكَامِل كَيفَ يخفى عَلَيْهِ أُمُور مَا يتَعَلَّق بأعظم أُمُور دينه؟ وَيرد على ابْن قدامَة أَيْضا بِمَا ذكرنَا، وَقِيَاسه على الْجمع بَين الْعَصْر وَالْمغْرب، وَبَين الْعشَاء وَالصُّبْح بَاطِل لَا وَجه لَهُ أصلا لعدم وجود الْمُلَازمَة، وَلَيْسَ فِيمَا قُلْنَا ترك صون كَلَام الرَّسُول، بل فِيمَا قُلْنَا صون كَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأجل مَا رَوَاهُ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وللتوفيق بَين الْأَحَادِيث الَّتِي ظَاهرهَا يتعارض، فَافْهَم.
7011 - وقالَ إبْرَاهِيمُ بنُ طهْمَانَ عنِ الحُسَيْنِ المُعَلِّمِ عنْ يَحْيى بنِ أبِي كَثِيرٍ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَجْمَعُ بَيْنَ صَلاَةِ الظهْرِ والعَصْرِ إذَا كانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ ويَجْمَعُ بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشَاءِ.
هَذَا التَّعْلِيق وَصله الْبَيْهَقِيّ: أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ وَأخْبرنَا أَبُو عَليّ الْحَافِظ أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَبدُوس حَدثنَا أَحْمد بن حَفْص بن رَاشد حَدثنِي أبي حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن حُسَيْن الْمعلم، فَذكره قَوْله: (الْمعلم) ، صفة للحسين ابْن ذكْوَان العودي من أهل الْبَصْرَة، مر فِي آخر كتاب الْغسْل، والمعلم بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من التَّعْلِيم. قَوْله: (على ظهر سير) بِإِضَافَة: ظهر، إِلَى: سير، فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَلَفظ: (ظهر) مقحم كَمَا فِي قَوْله: (الصَّدَقَة عَن ظهر غنى) ، وَالظّهْر قد يُزَاد فِي مثله إشباعا للْكَلَام وتوكيدا كَأَن سيره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسْتَند إِلَى ظهر قوي من الرَّاحِلَة وَنَحْوهَا، وَقيل: جعل للسير ظهر لِأَن الرَّاكِب مَا دَامَ سائرا فَكَأَنَّهُ رَاكب ظهر، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (على ظهر يسيرُ) ، فَظهر بِالتَّنْوِينِ، ويسير بِلَفْظ الْمُضَارع، من: سَار يسير سيرا، وَالْمرَاد من الظّهْر المركوب، وعَلى هَذَا الْوَجْه أَن يكون مَحل: يسير، نصبا على الْحَال.
8011 - وعَنْ حُسَيْنٍ عَنْ يَحْيى بنِ أبِي كَثِيرٍ عنْ حَفْصِ بنِ عُبَيْدِ الله بنِ أنَسٍ عنْ أنسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَجْمَعُ بَيْنَ صَلاَةِ المَغْرِبِ والعِشَاءِ فِي السَّفَرِ.
(الحَدِيث 8011 طرفه فِي: 0111) .
يجوز أَن يكون هَذَا عطفا على مَا قبله، وَالتَّقْدِير: وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن حُسَيْن عَن يحيى، وَيجوز أَن يكون تَعْلِيقا عَن حُسَيْن لَا بِكَوْنِهِ من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَنهُ، وَوَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي كِتَابه (مَجْمُوع حَدِيث يحيى بن أبي كثير) : أخبرنَا أَبُو يعلى الْموصِلِي حَدثنَا أَبُو معمر إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْهُذلِيّ حَدثنَا عبد الله بن معَاذ عَن معمر عَن يحيى بن أبي كثير عَن حَفْص ابْن عبد الله (عَن أنس: كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يجمع بَين الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء فِي السّفر) .
وتابَعَهُ عَلِيُّ بنُ المُبَارِكِ وَحَرْبٌ عَنْ يَحْيَى عنْ حَفصٍ عنْ أنَسٍ جَمَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(7/152)
أَي: تَابع حُسَيْنًا عَليّ بن الْمُبَارك الْهنائِي الْبَصْرِيّ، وَتَابعه أَيْضا حَرْب بن شَدَّاد الْيَشْكُرِي الْقطَّان الْبَصْرِيّ، وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير، أما مُتَابعَة عَليّ بن الْمُبَارك فأخرجها الْإِسْمَاعِيلِيّ أَخْبرنِي الْحسن بن سُفْيَان حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا عُثْمَان ابْن عمر حَدثنَا عَليّ يَعْنِي ابْن الْمُبَارك عَن يحيى عَن حَفْص (عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يجمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء فِي سَفَره) . وَقَالَ أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) : حَدثنَا أَبُو أَحْمد حَدثنَا الْحسن بن سُفْيَان فَذكره. وَأما مُتَابعَة حَرْب بن شَدَّاد فأخرجها البُخَارِيّ فِي آخر الْبَاب الَّذِي بعده، وَقد تَابعهمْ معمر عَن أَحْمد وَأَبَان بن يزِيد عِنْد الطَّحَاوِيّ، كِلَاهُمَا عَن يحيى ابْن أبي كثير عَنهُ.
41 - (بابُ هَلْ يُؤَذِّنُ أوْ يُقِيمُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشاءِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: هَل يُؤذن الْمُصَلِّي الْمُسَافِر إِذا جمع بَين صَلَاتي الْمغرب وَالْعشَاء؟ فَإِن قلت: مَا فِي حَدِيث ابْن عمر ذكر الْأَذَان وَلَا فِي حَدِيث أنس ذكر الْأَذَان وَلَا ذكر الْإِقَامَة، فَكيف وَجه هَذِه التَّرْجَمَة؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي مَا حَاصله: إِن من إِطْلَاق لفظ الصَّلَاتَيْنِ يُسْتَفَاد أَن المُرَاد هما الصَّلَاتَان بأركانهما وشروطهما وسننهما من الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَغَيرهمَا، لِأَن الْمُطلق ينْصَرف إِلَى الْكَامِل وَقَالَ ابْن بطال: قَوْله: يُقيم، يَعْنِي فِي حَدِيث ابْن عمر، يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: بِمَا تُقَام بِهِ الصَّلَوَات فِي أَوْقَاتهَا من الْأَذَان وَالْإِقَامَة، وَيحْتَمل أَن يُرِيد الْإِقَامَة وَحدهَا، وَيُقَال: لم يرد بقوله: يُقيم نفس الْأَدَاء، وَإِنَّمَا أَرَادَ يُقيم للمغرب يَعْنِي يَأْتِي بِالْإِقَامَةِ لَهَا، فعلى هَذَا كَانَ مُرَاده بالترجمة: هَل يُؤذن أَو يقْتَصر على الْإِقَامَة؟ وَقَالَ بَعضهم: وَلَعَلَّ المُصَنّف أَشَارَ بذلك إِلَى مَا ورد فِي بعض طرق حَدِيث ابْن عمر، فَفِي الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق عمر بن مُحَمَّد بن زيد عَن نَافِع (عَن ابْن عمر فِي قصَّة جمعه بَين الْمغرب وَالْعشَاء، فَنزل فَأَقَامَ الصَّلَاة، وَكَانَ لَا يُنَادي بِشَيْء من الصَّلَاة فِي السّفر، فَقَامَ فَجمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء) ، ثمَّ رفع الحَدِيث قلت: هَذَا كَلَام بعيد، لِأَنَّهُ كَيفَ يضع تَرْجَمَة وَحَدِيث بَابهَا لَا يدل عَلَيْهِ صَرِيحًا وَيُشِير بذلك إِلَى حَدِيث لَيْسَ فِي كِتَابه.
9011 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي سالِمٌ عَنْ عَبْدِ الله ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قالَ رأيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا أعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ صَلاَةَ المَغْرِبِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وبَيْنَ العِشَاءِ قَالَ سالِمٌ وكانَ عَبْدُ الله يَفْعَلُهُ إذَا أعْجَلَهُ السَّيْرُ ويُقِيمُ المَغْرِبَ فيُصَلِّيِهَا ثَلاَثا ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ العِشَاءَ فَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ ولاَ يُسَبِّحُ بَيْنَهُمَا بِرَكْعةٍ وَلاَ بَعْدَ لعِشَاءِ بِسَجْدَةٍ حتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تستأنس مِمَّا ذَكرْنَاهُ آنِفا، وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه مَعَ صدر الحَدِيث قد ذكره فِي أول: بَاب يُصَلِّي الْمغرب ثَلَاثًا فِي السّفر فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان وَهُوَ الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن حَمْزَة عَن الزُّهْرِيّ وَهُوَ مُحَمَّد بن مُسلم، قَالَ: أَخْبرنِي سَالم. . إِلَى قَوْله: وَزَاد اللَّيْث نَحوه. قَوْله: (يُؤَخر صَلَاة الْمغرب) ، لم يبين إِلَى مَتى يُؤَخر، وَقد بَينه مُسلم من طَرِيق عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر بِأَنَّهُ بعد أَن يغيب الشَّفق، وَقد ذكرنَا اخْتِلَاف الْأَلْفَاظ فِيهِ، وَبينا أَن الشَّفق على نَوْعَيْنِ وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِمَا. قَوْله: (ثمَّ قَلما يلبث) كلمة: مَا، للمدة أَي: ثمَّ قل مُدَّة لبثه، وَذَلِكَ اللّّبْث لقَضَاء بعض حَوَائِجه مِمَّا هُوَ ضَرُورِيّ. قَوْله: (وَلَا يسبح بَينهمَا) أَي: وَلَا يتَنَفَّل بَين الْمغرب وَالْعشَاء بِرَكْعَة، وَأَرَادَ بهَا الرَّكْعَتَيْنِ من بَاب إِطْلَاق الْجُزْء على الْكل. قَوْله: (وَلَا بعد الْعشَاء) أَي: وَلَا يسبح أَيْضا بعد صَلَاة الْعشَاء بِسَجْدَة أَي: بِرَكْعَتَيْنِ من بَاب إِطْلَاق الْجُزْء على الْكل. كَمَا فِي قَوْله: (بِرَكْعَة) . قَوْله: (حَتَّى يقوم) أَي: إِلَى أَن يقوم (من جَوف اللَّيْل) ، فَفِيهِ كَانَ يسبح أَي: يتَنَفَّل، وَالْحَاصِل أَن ابْن عمر مَا كَانَ يتَطَوَّع فِي السّفر لَا قبل الصَّلَاة وَلَا بعْدهَا، وَكَانَ يُصَلِّي فِي جَوف اللَّيْل، كَمَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : عَن هشيم عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع (عَن ابْن عمر: أَنه كَانَ لَا يتَطَوَّع فِي السّفر قبل الصَّلَاة وَلَا بعْدهَا وَكَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل) . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَرُوِيَ(7/153)
عَن ابْن عمر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يتَطَوَّع فِي السّفر قبل الصَّلَاة وَلَا بعْدهَا) ، وَرُوِيَ عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه كَانَ يتَطَوَّع فِي السّفر ثمَّ اخْتلف أهل الْعلم بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرَأى بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتَطَوَّع الرجل فِي السّفر، وَبِه يَقُول أَحْمد وَإِسْحَاق، وَلم تَرَ طَائِفَة من أهل الْعلم أَن يُصَلِّي قبلهَا وَلَا بعْدهَا، وَمعنى: من لم يتَطَوَّع قبُول الرُّخْصَة، وَمن تطوع فَلهُ فِي ذَلِك فضل كثير، وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم يختارون التَّطَوُّع فِي السّفر.
0111 - حدَّثنا إسْحَاقُ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ حدَّثنا حَرْبٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيى قَالَ حدَّثني حَفْصُ بنُ عُبَيْدِ الله بنِ أنَسٍ أنَّ أنَسا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حدَّثَهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَجْمَعُ بَيْنَ هاتَيْنِ الصلاَتَيْنِ فِي السَّفَرِ يَعْنِي المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ.
(أنظر الحَدِيث 8011) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه مُفَسّر بِحَدِيث ابْن عمر السَّابِق، لِأَن فِي حَدِيث أنس إِجْمَالا كَمَا ترَاهُ، والمفسر، بِالْفَتْح تَابع للمفسر بِالْكَسْرِ، وَقد ذكرنَا وَجه التطابق فِي حَدِيث ابْن عمر، فَحصل فِي حَدِيث أنس أَيْضا من حَيْثُ التّبعِيَّة لَا غير، وَهَذَا الْقدر كَاف فِي ذَلِك.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: إِسْحَاق ذكره غير مَنْسُوب، وَيحْتَمل أَن يكون إِسْحَاق بن مَنْصُور الكوسج لِأَنَّهُ قَالَ فِي: بَاب مقدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة، وَفِي كتاب الدِّيات: حَدثنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور، قَالَ: حَدثنَا عبد الصَّمد، وَيحْتَمل أَن يكون إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، لِأَن كلا من الإسحاقين يرويان عَن عبد الصَّمد، وَالْبُخَارِيّ يروي عَن كل مِنْهُمَا: وَقيل: جزم أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) أَنه إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه لِأَن كلا من الإسحاقيين يرويان عَن عبد الصَّمد وَالْبُخَارِيّ يروي عَن كل مِنْهُمَا وَقيل جزم أَبُو نعيم فِي الْمُسْتَخْرج أَنه إِسْحَاق بن رَاهْوَيْةِ الثَّانِي: عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث التنوري، وَقد مر. الثَّالِث: حَرْب ضد الصُّلْح ابْن شَدَّاد أَبُو الْخطاب الْيَشْكُرِي، وَقد مر عَن قريب. الرَّابِع: يحيى بن أبي كثير، وَقد مر غير مرّة. الْخَامِس: حَفْص بن عبيد الله ابْن أنس. السَّادِس: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: اثْنَان بصريان وهما: عبد الصَّمد وَحرب، وَيحيى يمامي، وَحَفْص بَصرِي وَإِسْحَاق مروزي، سَوَاء كَانَ ابْن رَاهَوَيْه أَو ابْن مَنْصُور الكوسج. وَفِيه: ثَلَاثَة مذكورون بِغَيْر نِسْبَة.
والْحَدِيث قد مر فِي الْبَاب الَّذِي قبله: عَن حُسَيْن عَن يحيى ابْن أبي كثير عَن حَفْص بن عبيد الله. . إِلَى آخِره، وَالله تَعَالَى أعلم.
51 - (بابٌ يُؤخِّرُ الظُّهْرَ إلَى العَصْرِ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن الْمُسَافِر إِذا أَرَادَ الْجمع بَين الظّهْر وَالْعصر يُؤَخر الظّهْر إِذا ارتحل قبل أَن تزيع الشَّمْس، أَي: قبل أَن تميل، وَذَلِكَ إِذا قَامَ الْفَيْء يُقَال: زاغ عَن الطَّرِيق يزِيغ إِذا عدل عَنهُ.
فِيهِ ابنْ عَبَّاسٍ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: فِي تَأْخِير الظّهْر إِلَى الْعَصْر إِذا ارتحل قبل أَن تزِيغ الشَّمْس، روى ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَوَاهُ أَحْمد: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق أخبرنَا ابْن جريج أَخْبرنِي حُسَيْن بن عبد الله بن عبيد الله بن عَبَّاس عَن عِكْرِمَة وكريب (عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: أَلا أخْبركُم عَن صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّفر، قُلْنَا: بلَى، قَالَ: كَانَ إِذا زاغت الشَّمْس فِي منزله جمع بَين الظّهْر وَالْعصر قبل أَن يركب، وَإِذا لم تزغ لَهُ فِي منزله سَار حَتَّى إِذا كَانَت الْعَصْر نزل فَجمع بَين الظّهْر وَالْعصر) . وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا من رِوَايَة أَحْمد بن عبد الله بن دَاوُد التَّاجِر الْمروزِي عَنهُ من رِوَايَة حُسَيْن بن عبد الله نَحوه، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب من حَدِيث ابْن عَبَّاس، ذكره فِي (الْأَطْرَاف) وَلم يذكر ابْن عَسَاكِر، وَقد ذكرنَا مَا قَالَه أَئِمَّة الشَّأْن فِي حُسَيْن هَذَا قبل هَذَا الْبَاب.
1111 - حدَّثنا حَسَّانُ الوَاسِطِيُّ قَالَ حدَّثنا المُفَضَّلُ بنُ فَضَالَةَ عَنْ عُقَيْل عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا ارْتَحَلَ قبْلَ أنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أخَّرَ(7/154)
الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ العَصْرِ ثُمَّ يجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَإذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ.
(الحَدِيث 1111 طرفه فِي: 2111) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: حسان، على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ: ابْن عبد الله بن سهل الْكِنْدِيّ الْمصْرِيّ، كَانَ أَبوهُ واسطيا فَقدم مصر فولد بهَا حسان الْمَذْكُور وَاسْتمرّ بهَا إِلَى أَن مَاتَ سنة ثِنْتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: الْمفضل، بِلَفْظ اسْم الْمَفْعُول من التَّفْضِيل بِالْفَاءِ وَالضَّاد الْمُعْجَمَة: ابْن فضَالة، بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الضَّاد الْمُعْجَمَة: أَبُو مُعَاوِيَة الْقِتْبَانِي، بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبالباء الْمُوَحدَة وبالنون، قَاضِي مصر إِمَام مجاب الدعْوَة، مَاتَ سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة. الثَّالِث: عقيل، بِضَم الْعين: ابْن خَالِد، وَقد مر غير مرّة. الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. الْخَامِس: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَفِي الروَاة حسان الوَاسِطِيّ آخر يرْوى عَن شُعْبَة وَغَيره، ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ، وَمن زعم أَن البُخَارِيّ روى عَنهُ عَن المصريين فقد وهم، لِأَنَّهُ لَا رِوَايَة لَهُ عَن المصريين. وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه مصريان، وَعقيل أيلي وَابْن شهَاب مدنِي.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة عَن الْمفضل وَعَن عَمْرو النَّاقِد وَعَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح وَعَن عَمْرو بن سَواد. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَيزِيد بن خَالِد، كِلَاهُمَا عَن الْمفضل بِهِ. وَعَن سُلَيْمَان بن دَاوُد عَن ابْن وهب بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ وَعَن عَمْرو بن مُرَاد بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قبل أَن تزِيغ) أَي: قبل أَن تميل. قَوْله: (فَإِذا زاغت) أَي: الشَّمْس قبل أَن يرتحل لَا بُد من تَقْيِيده بِهَذَا الْقَيْد، كَمَا فِي الرِّوَايَة الَّتِي تَأتي، قَالَ الْكرْمَانِي: (فَإِذا زاغت) بِالْفَاءِ التعقيبية فَيكون الزيغ قبل الارتحال ضَرُورَة. قلت: الْفَاء قد تكون لتعقيب الْأَخْبَار بِهَذِهِ الْجُمْلَة على الْجُمْلَة الَّتِي قبلهَا، أَو الْفَاء بِمَعْنى الْوَاو، وَاسْتدلَّ من يرى الْجمع بِهَذَا الحَدِيث على أَن من كَانَ نازلاً فِي وَقت الأولى، فَالْأَفْضَل أَن يجمع بَينهمَا، بِضَم الْعَصْر إِلَى الظّهْر، وَأَنه إِذا كَانَ سائرا فَالْأَفْضَل تَأْخِير الأولى بنية جمعهَا مَعَ الْعَصْر إِذا وثق بنزوله. وَوقت الْعَصْر باقٍ. وَأما إِذا كَانَ سائرا فِي وقتهما جَمِيعًا فَلهُ أَن يجمع على مَا يرَاهُ من التَّقْدِيم أَو التَّأْخِير، وَلَكِن الْأَفْضَل أَن الأولى إِلَى الثَّانِيَة لِلْخُرُوجِ من خلاف من خَالف فِي التَّقْدِيم من الْأَئِمَّة وَقَالَ ابْن بطال: اخْتلفُوا فِي وَقت الْجمع، فَقَالَ الْجُمْهُور: إِن شَاءَ جمع بَينهمَا فِي وَقت الأولى، وَإِن شَاءَ جمع فِي وَقت الْآخِرَة، ثمَّ نقل قَول أبي حنيفَة ثمَّ قَالَ: وَهَذَا قَول بِخِلَاف الْآثَار. قُلْنَا: قد ذكرنَا أَن فِي هَذَا الْبَاب سِتَّة أَقْوَال قد بيناها، وَأَبُو حنيفَة قطّ مَا خَالف الْآثَار، فَإِنَّهُ احْتج فِيمَا ذهب إِلَيْهِ بِالْكتاب وَالسّنة وَالْقِيَاس، وَحمل أَحَادِيث الْجمع على الْجمع الْمَعْنَوِيّ. فَفِيمَا قَالَه عمل بِجَمِيعِ الْآثَار، وَفِيمَا قَالَه ابْن بطال وَمن رأى الْجمع الصُّورِي إهمال للْبَعْض، مَعَ أَنه فِيمَا نقل عَن الْجُمْهُور مُخَالفَة للْحَدِيث الْمَذْكُور، وَهُوَ ظَاهر.
61 - (بابٌ إذَا ارْتَحَلَ بَعْدَما زَاغَتِ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا ارتحل الْمُسَافِر بَعْدَمَا مَالَتْ الشَّمْس وَقَامَ الْفَيْء صلى صَلَاة الظّهْر ثمَّ ركب، وَلم يذكر فِيهِ الْعَصْر لِأَن فِي حَدِيث الْبَاب كَذَلِك، والآن نذْكر وَجه ذَلِك، وَيفهم من هَذِه التَّرْجَمَة وَمن الَّتِي قبلهَا أَن البُخَارِيّ يذهب إِلَى أَن جمع التَّأْخِير يخْتَص بِمن ارتحل قبل أَن يدْخل وَقت الظّهْر.
2111 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا المُفَضلُ بنُ فَضَالَةَ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ أنَسِ ابنِ مالِكٍ قَالَ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ العَصْرِ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بينَهُمَا فإنْ زَاغَتِ الشمْسُ قَبْلَ أنْ يَرْتَحِلَ صلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِيَ.
(أنظر الحَدِيث 1111) .(7/155)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ بِعَيْنِه الحَدِيث الْمَذْكُور فِيمَا قبل هَذَا الْبَاب، غير أَنه أخرج هُنَاكَ: عَن حسان الوَاسِطِيّ عَن الْمفضل بن فضَالة، وَهنا: عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن الْمفضل. . إِلَى آخِره نَحوه، وَلم يذكر فِي الطَّرِيقَيْنِ الْعَصْر، وَالْمَحْفُوظ عَن عقيل الرَّاوِي فِي الْكتب الْمَشْهُورَة هَكَذَا بِدُونِ ذكر الْعَصْر، وَقَالَ بَعضهم: وَمُقْتَضَاهُ أَنه كَانَ لَا يجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ إلاّ فِي وَقت الثَّانِيَة مِنْهُمَا، وَبِه احْتج من منع جمع التَّقْدِيم. انْتهى. قلت: لَا نسلم أَن مُقْتَضى الحَدِيث مَا ذكره، بل مُقْتَضَاهُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ التَّرْكِيب أَنه لَا يجمع إِذا ارتحل بَعْدَمَا زاغت الشَّمْس، بل يُصَلِّي الظّهْر فِي وقته ثمَّ يركب، وَلَا يُصَلِّي الْعَصْر عقيب الظّهْر، بل يُصَلِّي الْعَصْر بعد ذَلِك فِي وقته، لِأَن الْأُصُول تَقْتَضِي ذَلِك، كَذَلِك، وَعَن هَذَا حُكيَ عَن أبي دَاوُد أَنه قَالَ: لَيْسَ فِي تَقْدِيم الْوَقْت حَدِيث قَائِم. فَإِن قلت: روى إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه هَذَا الحَدِيث عَن شَبابَة بن سوار عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن الزُّهْرِيّ (عَن أنس، قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ فِي سفر فَزَالَتْ الشَّمْس صلى الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا ثمَّ ارتحل) . قَالَ النَّوَوِيّ: وَإِسْنَاده صَحِيح. قلت: أَبُو دَاوُد أنكرهُ على إِسْحَاق وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأعله بتفرد إِسْحَاق عَن شَبابَة، وشبابة وَإِن كَانَ من رجال الْجَمَاعَة وَلكنه يَدْعُو إِلَى الإرجاء، قَالَه زَكَرِيَّا بن يحيى السَّاجِي. وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد: كَانَ ثِقَة صَالح الْأَمر فِي الحَدِيث وَكَانَ مرجئا. وَقَالَ بَعضهم: وَهَذَا لَيْسَ بقادح، يَعْنِي تفرد إِسْحَاق عَن شَبابَة، فَإِنَّهُ إِمَام حَافظ، وَقد وَقع نَظِيره فِي (الْأَرْبَعين) للْحَاكِم عَن أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصَّاغَانِي عَن حسان بن عبد الله عَن الْمفضل بن فضَالة عَن عقيل عَن ابْن شهَاب (عَن أنس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا ارتحل قبل أَن تزِيغ الشَّمْس أخر الظّهْر إِلَى وَقت الْعَصْر، ثمَّ نزل فَجمع بَينهمَا، فَإِن زاغت الشَّمْس قبل أَن يرتحل صلى الظّهْر وَالْعصر ثمَّ ركب) قلت: فِي ثُبُوت هَذِه الزِّيَادَة نظر، أَلا ترى أَن الْحَاكِم لم يُورِدهُ فِي (مُسْتَدْركه) مَعَ شهرته فِي تساهله فِي التَّصْحِيح، وَالْبُخَارِيّ مَعَ تتبعه فِي أَشْيَاء على الْحَنَفِيَّة، لم يذكر هَذِه الزِّيَادَة؟ فَإِن قلت: لَهُ طَرِيق آخر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) : حَدثنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن نصر بن سندر الْأَصْبَهَانِيّ حَدثنَا هَارُون ابْن عبد الله الْجمال حَدثنَا يَعْقُوب بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن سَعْدَان حَدثنَا ابْن عجلَان عَن عبد الله بن الْفضل (عَن أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ إِذا كَانَ فِي سفر فزاغت الشَّمْس قبل أَن يرتجل صلى الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا، وَإِن ارتحل قبل أَن تزِيغ الشَّمْس جمع بَينهمَا فِي أول الْعَصْر، وَكَانَ يفعل ذَلِك فِي الْمغرب وَالْعشَاء) ، وَقَالَ: تفرد بِهِ يَعْقُوب بن مجمد؟ قلت: قَالَ أَحْمد: يَعْقُوب بن مُحَمَّد لَيْسَ يسوى شَيْئا. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث، وَقَالَ صَالح: حزره عَن ابْن معِين أَحَادِيثه تشبه أَحَادِيث الْوَاقِدِيّ. فَإِن قلت: فِي الْبَاب عَن ابْن عَبَّاس أخرجه أَحْمد وَلَفظه: (كَانَ إِذا زاغت الشَّمْس فِي منزله جمع بَين الظّهْر وَالْعصر قبل أَن يركب. .) الحَدِيث، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا قلت: فِي سَنَده: حُسَيْن بن عبد الله وَهُوَ ضَعِيف جدا، وَقد ذَكرْنَاهُ. وَقَالَ بَعضهم: وَالْمَشْهُور فِي جمع التَّقْدِيم مَا أخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَأحمد وَابْن حبَان من طَرِيق اللَّيْث عَن يزِيد أبي حبيب عَن أبي الطُّفَيْل عَن مغاذ بن جبل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (قلت) لفظ أبي دَاوُود حَدثنَا يزِيد بن خَالِد بن يزِيد بن عبد الله الرَّمْلِيّ الْهَمدَانِي حَدثنَا الْمفضل بن فضَالة وَاللَّيْث بن سعد عَن هِشَام بن سعد عَن أبي الزبير عَن أبي الطُّفَيْل (عَن معَاذ بن جبل: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي غَزْوَة تَبُوك إِذا زاغت الشَّمْس قبل أَن يرتحل جمع بَين الظّهْر وَالْعصر، وَإِن ارتحل قبل أَن تزِيغ الشَّمْس أخر الظّهْر حَتَّى ينزل للعصر، وَفِي الْمغرب مثل ذَلِك إِن غَابَ الشَّفق قبل أَن يرتحل جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء، وَإِن ارتحل قبل أَن تغيب الشَّمْس أخر الْمغرب حَتَّى ينزل للعشاء ثمَّ جمع بَينهمَا) قلت: أنكر أَبُو دَاوُد هَذَا الحَدِيث، وَهِشَام بن سعد ضعفه يحيى بن معِين، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ أَحْمد: لم يكن بِالْحَافِظِ، وَأَبُو الزبير اسْمه مُحَمَّد بن مُسلم بن تدرس، وَأَبُو الطُّفَيْل اسْمه: عَامر بن وَاثِلَة. فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد أَيْضا، قَالَ: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن أبي الطُّفَيْل عَامر بن وَاثِلَة، (عَن معَاذ بن جبل: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي غَزْوَة تَبُوك إِذا ارتحل قبل أَن تزِيغ الشَّمْس أخر الظّهْر حَتَّى يجمعها إِلَى الْعَصْر فيصليهما جَمِيعًا، وَإِذا ارتحل بعد زيغ الشَّمْس صلى الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا، ثمَّ سَار، وَكَانَ إِذا ارتحل قبل الْمغرب أخر الْمغرب حَتَّى يُصليهَا مَعَ الْعشَاء، وَإِذا ارتحل بعد الْمغرب عجل الْعشَاء فَصلاهَا مَعَ الْمغرب، قلت: قَالَ أَبُو دَاوُد: لم يرو هَذَا الحَدِيث إلاّ قُتَيْبَة وَحده، يَعْنِي: تفرد بِهِ، وَلِهَذَا قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن غَرِيب(7/156)
تفرد بِهِ قُتَيْبَة، لَا يعرف أحد رَوَاهُ عَن اللَّيْث غَيره، وَذكر أَن الْمَعْرُوف عِنْد أهل الْعلم حَدِيث معَاذ من حَدِيث أبي الزبير. وَقَالَ أَبُو سعيد بن يُونُس الْحَافِظ: لم يحدث بِهِ إلاّ قُتَيْبَة، وَيُقَال إِنَّه غلط، وَإِن مَوضِع يزِيد بن أبي حبيب أَبُو الزبير، وَذكر الْحَاكِم أَن الحَدِيث مَوْضُوع، وقتيبة بن سعيد ثِقَة مَأْمُون، وَحكى عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: قلت لقتيبة بن سعيد: مَعَ من كتبت عَن اللَّيْث بن سعد حَدِيث يزِيد بن أبي حبيب عَن أبي الطُّفَيْل، فَقَالَ: كتبته مَعَ خَالِد الْمَدَائِنِي. قَالَ البُخَارِيّ: وَكَانَ خَالِد الْمَدَائِنِي يدْخل الْأَحَادِيث على الشُّيُوخ، انْتهى. وخَالِد الْمَدَائِنِي هَذَا هُوَ أَبُو الْهَيْثَم خَالِد بن الْقَاسِم الْمَدَائِنِي، مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عدي: لَهُ عَن اللَّيْث بن سعد غير حَدِيث مُنكر، وَاللَّيْث بَرِيء من رِوَايَة خَالِد عَنهُ تِلْكَ الْأَحَادِيث.
71 - (بابُ صلاَةِ القاعِدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم صَلَاة الْقَاعِد، وَإِنَّمَا أطلق التَّرْجَمَة لتتناول صَلَاة المتنفل قَاعِدا لعذر ولغير عذر، وَصَلَاة المفترض عِنْد الْعَجز، وَسَوَاء كَانَ الْمُصَلِّي، إِمَامًا أَو مَأْمُوما أَو مُنْفَردا.
3111 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ عنْ مالِكٍ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّهَا قالَتْ صلَّى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيْتِهِ وَهْوَ شاكٍ فَصَلَّى جالِسا وصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَاما فأشَارَ إلَيْهِمْ أنِ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فإذَا رَكَعَ فارْكَعُوا وإذَا رَفَعَ فارْفَعُوا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد قد مر فِي: بَاب إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ، غير أَنه أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك، وَهَهُنَا: عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن مَالك، وَهُنَاكَ بعد قَوْله: (فارفعوا، وَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده، فَقولُوا: رَبنَا وَلَك الْحَمد، وَإِذا صلى جَالِسا فصلوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ.
قَوْله: (وَهُوَ شَاك) ، جملَة حَالية أَي: وَهُوَ مَرِيض كَأَنَّهُ يشكو عَن مزاجه أَنه انحرف عَن الِاعْتِدَال، وَلَفظ: شَاك، بِالتَّنْوِينِ أَصله: شاكي، فأعل إعلال: قاضٍ، وَقد اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَام هُنَاكَ.
4111 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا ابنُ عُيَيْنَةَ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ سقَطَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ فَرَسٍ فَخُدِشَ أوْ فَجُحِشَ شِقُّهُ الأيْمَنُ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى قاعِدا فَصَلَّيْنَا قُعُودا وَقَالَ إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فإذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإذَا قَالَ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا ولَكَ الحَمْدُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن وَابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم. وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث أَيْضا فِي: بَاب إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ، عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن أنس، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً. قَوْله: (فَخدش) ، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره شين. قَوْله: (أَو فجحش) ، شكّ من الرَّاوِي بِضَم الْجِيم وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة وَفِي آخِره شين مُعْجمَة، ومعناهما وَاحِد. قَالَ ابْن الْأَثِير: فجحش، أَي: انخدش جلده، وانسجح وخدش الْجلد قشره بِعُود، خدشه يخدشه خدشا وخدوشا.
5111 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ قَالَ أخبرنَا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ قَالَ أخبرنَا حُسَيْنٌ عنْ عَبْدِ الله بنِ بُرَيْدَةَ عنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّهُ سألَ نَبيَّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (ح) أخبرنَا إسْحَاقُ قَالَ أخبرنَا عبْدُ الصَّمَدِ. قَالَ سَمِعْتُ أبي قالَ حدَّثنا الحُسَيْنُ عنْ ابْن بُرَيْدَةَ قَالَ حدَّثني عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ وكانَ مَبْسُورا قَالَ سألْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْ صَلاَةِ الرَّجُلِ قَاعِدا فقالَ إنْ صَلَّى(7/157)
قائِما فَهْوَ أفْضَلُ ومَنْ صَلَّى قاعِدا فَلَهُ نِصْفُ أجْرِ القَائِمِ وَمَنْ صَلَّى نائِما فَلَهُ نِصْفُ أجْرِ القَاعِدَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم ثَمَانِيَة: الأول: إِسْحَاق بن مَنْصُور بن بهْرَام الكوسج أَبُو يَعْقُوب. الثَّانِي: روح، بِفَتْح الرَّاء: ابْن عبَادَة، بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة، مر فِي: بَاب اتِّبَاع الْجَنَائِز من الْإِيمَان. الثَّالِث: حُسَيْن ابْن ذكْوَان الْمعلم. الرَّابِع: عبد الله بن بُرَيْدَة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن حصيب، مر فِي آخر كتاب الْحيض. الْخَامِس: إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، نَص عَلَيْهِ الكلاباذي والمزي فِي (الْأَطْرَاف) وَلَيْسَ هَذَا بِإسْحَاق بن مَنْصُور الَّذِي مر فِي أول الْإِسْنَاد كَمَا زَعمه بَعضهم. السَّادِس: عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث. السَّابِع: أَبوهُ عبد الْوَارِث بن سعيد التنوري. الثَّامِن: عمرَان بن حُصَيْن.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِي طريقي الحَدِيث فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي خَمْسَة مَوَاضِع والإخبار كَذَلِك فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: السُّؤَال فِي موضِعين. وَفِيه: السماع. وَفِيه: أَن شَيْخه مروزي ثمَّ انْتقل إِلَى نيسابور وَابْن بُرَيْدَة أَيْضا مروزي وَهُوَ قَاضِي مرو. وَفِيه: الْبَقِيَّة بصريون. وَفِيه: إسحاقان أَحدهمَا مَذْكُور بنسبته إِلَى أَبِيه وَالْآخر، بِلَا نِسْبَة. وَفِيه: حُسَيْن بِلَا نِسْبَة فِي الْمَوْضِعَيْنِ، ذكر الأول بِدُونِ الْألف وَاللَّام، وَالثَّانِي بِالْألف وَاللَّام، وهما للمح الوصفية كَمَا فِي الْعَبَّاس، لِأَن الْأَعْلَام لَا يدْخل فِيهَا الْألف وَاللَّام. وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الْأَب.
وَفِي الطَّرِيق الثَّانِي: وَحدثنَا إِسْحَاق: أخبرنَا عبد الصَّمد، هَكَذَا هُوَ رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَزَاد إِسْحَاق أخبرنَا عبد الصَّمد. وَفِيه: حَدثنَا عمرَان بن حُصَيْن. وَفِيه: التَّصْرِيح بِسَمَاع عبد الله بن بُرَيْدَة عَن عمرَان. وَفِيه: اسْتغْنَاء عَن تكلّف ابْن حبَان فِيهِ حَيْثُ قَالَ فِي (صَحِيحه) : هَذَا إِسْنَاد قد توهم من لم يحكم صناعَة الْأَخْبَار وَلَا تفقه فِي صَحِيح الْآثَار أَنه مُنْفَصِل غير مُتَّصِل، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن عبد الله بن بُرَيْدَة ولد فِي السّنة الثَّالِثَة من خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَلَمَّا وَقعت فتْنَة عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، خرج بُرَيْدَة بابنيه وهما: عبد الله وَسليمَان، وَسكن الْبَصْرَة، وَبهَا إِذْ ذَاك عمرَان بن حُصَيْن وَسمرَة بن جُنْدُب فَسمع مِنْهُمَا.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور، وَفِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ عَن أبي معمر، وَفِي الْبَاب الَّذِي يَلِي الْبَاب الثَّانِي: عَن عَبْدَانِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا يحيى عَن حُسَيْن الْمعلم عَن عبد الله بن بريد (عَن عمرَان بن حُصَيْن: أَنه سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صَلَاة الرجل قَاعِدا؟ فَقَالَ: (صلَاته قَائِما أفضل من صلَاته قَاعِدا، وَصلَاته قَاعِدا على النّصْف من صلَاته قَائِما، وَصلَاته نَائِما على النّصْف من صلَاته قَاعِدا) . حَدثنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْأَنْبَارِي حَدثنَا وَكِيع عَن إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن حُسَيْن الْمعلم عَن ابْن بُرَيْدَة (عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: كَانَ بِي الْبَاسُور، فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: صل قَائِما فَإِن لم تستطع فقاعدا، فَإِن لم تستطع فعلى الْجنب) . وَأخرجه التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَليّ بن حجر أخبرنَا عِيسَى بن يُونُس حَدثنَا الْحُسَيْن الْمعلم عَن عبد الله بن بُرَيْدَة (عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صَلَاة الرجل وَهُوَ قَاعد؟ قَالَ: من صلاهَا قَائِما فَهُوَ أفضل، وَمن صلاهَا قَاعِدا فَلهُ نصف أجر الْقَائِم، وَمن صلاهَا نَائِما فَلهُ نصف أجر الْقَاعِد) . قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقد روى هَذَا الحَدِيث عَن إِبْرَاهِيم بن طهْمَان بِهَذَا الْإِسْنَاد، إلاّ أَنه يَقُول: (عَن عمرَان بن حُصَيْن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صَلَاة الْمَرِيض؟ فَقَالَ: صل قَائِما، فَإِن لم تستطع فقاعدا، فَإِن لم تستطع فعلى جنب) . حَدثنَا بذلك هناد حَدثنَا وَكِيع عَن إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن حُسَيْن الْمعلم بِهَذَا الحَدِيث. وَأخرجه النَّسَائِيّ: حَدثنَا حميد بن مسْعدَة عَن سُفْيَان وَهُوَ ابْن حبيب عَن حُسَيْن بن ذكْوَان الْمعلم عَن عبد الله ابْن بُرَيْدَة (عَن عمرَان بن حُصَيْن، قَالَ: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الَّذِي يُصَلِّي قَاعِدا؟ فَقَالَ: من صلى قَائِما فَهُوَ أفضل، وَمن صلى قَاعِدا فَلهُ نصف أجر الْقَائِم، وَمن صلى نَائِما فَلهُ نصف أجر الْقَاعِد) . وَأخرجه ابْن مَاجَه: حَدثنَا عَليّ بن مُحَمَّد، قَالَ: حَدثنَا وَكِيع عَن إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن حُسَيْن الْمعلم عَن ابْن بُرَيْدَة (عَن عمرَان بن الْحصين، قَالَ: كَانَ بِي الْبَاسُور فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصَّلَاة؟ فَقَالَ: صل قَائِما فَإِن لم تستطع فقاعدا فَإِن لم تستطع فعلى الْجنب) .
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (وَحدثنَا إِسْحَاق) ، هَكَذَا فِي هُوَ رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَزَاد إِسْحَاق أخبرنَا عبد الصَّمد. قَوْله: (حَدثنَا عمرَان) ، يُصَرح بِسَمَاع عبد الله بن بُرَيْدَة عَن عمرَان، وَفِيه اكْتِفَاء عَن تكلّف ابْن حبَان فِي إِقَامَة(7/158)
الدَّلِيل على أَن عبد الله بن بُرَيْدَة عاصر عمرَان، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب. قَوْله: (وَكَانَ ميسورا) ، بِسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا سين مُهْملَة، أَي: كَانَ معلولاً بالباسور، وَهُوَ عِلّة تحدث فِي المقعدة. وَفِي (التَّلْوِيح) : الْبَاسُور، بِالْبَاء الْمُوَحدَة مثل: الناسور بالنُّون، وَهُوَ الْجرْح الفاذ، أعجمي، يُقَال: تنسر الْجرْح تنفض وانتشرت مدَّته، وَيُقَال: ناسور وناصور عربيان، وَهُوَ القرحة الْفَاسِدَة الْبَاطِن الَّتِي لَا تقبل الْبُرْء مَا دَامَ فِيهَا ذَلِك الْفساد، حَيْثُ كَانَت فِي الْبدن، فَأَما الْبَاسُور بِالْبَاء الْمُوَحدَة فَهُوَ ورم المقعدة وباطن الْأنف. قلت: الْبَاسُور وَاحِد البواسير، وَهُوَ فِي عرف الْأَطِبَّاء نفاطات تحدث على نفس المقعدة ينزل مِنْهَا كل وَقت مَادَّة. قَوْله: (قَاعِدا) فِي الْمَوْضِعَيْنِ، (وَقَائِمًا) و (نَائِما) : أَحْوَال. قَوْله: (وَمن صلى نَائِما) بالنُّون من النّوم أَي: مُضْطَجعا على هَيْئَة النَّائِم، يدل عَلَيْهِ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (فَإِن لم تستطع فعلى جنب) ، وَترْجم لَهُ النَّسَائِيّ: بَاب صَلَاة النَّائِم، وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا مَا رَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) : حَدثنَا عبد الْوَهَّاب الْخفاف عَن سعيد عَن حُسَيْن الْمعلم، قَالَ: وَقد سمعته عَن حُسَيْن عَن عبد الله ابْن بُرَيْدَة (عَن عمرَان بن حُصَيْن، قَالَ: كنت رجلا ذَا أسقام كَثِيرَة، فَسَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صَلَاتي قَاعِدا؟ فَقَالَ: صَلَاتك قَاعِدا على النّصْف من صَلَاتك قَائِما، وَصَلَاة الرجل مُضْطَجعا على النّصْف من صلَاته قَاعِدا) انْتهى. هَذَا يُفَسر أَن معنى قَوْله: (نَائِما) بالنُّون يَعْنِي: مُضْطَجعا، وَأَنه فِي حق من بِهِ سقم بِدلَالَة قَوْله: (كنت رجلا ذَا أسقام كَثِيرَة) ، وَأَن ثَوَاب من يُصَلِّي قَاعِدا نصف ثَوَاب من يُصَلِّي قَائِما، وثواب من يُصَلِّي مُضْطَجعا نصف ثَوَاب من يُصَلِّي قَاعِدا. وَقَالَ الْخطابِيّ: وَأما قَوْله: (وَمن صلى نَائِما فَلهُ نصف أجر الْقَاعِد) ، فَإِنِّي لَا أعلم أَنِّي سمعته إلاّ فِي هَذَا الحَدِيث، وَلَا أحفظ من أحد من أهل الْعلم أَنه رخص فِي صَلَاة التَّطَوُّع نَائِما، كَمَا رخصوا فِيهَا قَاعِدا، فَإِن صحت هَذِه اللَّفْظَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يكن من كَلَام بعض الروَاة أدرجه فِي الحَدِيث وقاسه على صَلَاة الْقَاعِد أَو اعْتَبرهُ بِصَلَاة الْمَرِيض نَائِما إِذا لم يقدر على الْقعُود، فَإِن التَّطَوُّع مُضْطَجعا للقادر على الْقعُود جَائِز، كَمَا يجوز أَيْضا للْمُسَافِر إِذا تطوع على رَاحِلَته، فَأَما من جِهَة الْقيَاس فَلَا يجوز لَهُ أَن يُصَلِّي مُضْطَجعا، كَمَا يجوز لَهُ أَن يُصَلِّي قَاعِدا، لِأَن الْقعُود شكل من أشكال الصَّلَاة وَلَيْسَ الِاضْطِجَاع فِي شَيْء من أشكال الصَّلَاة، وَادّعى ابْن بطال أَن الرِّوَايَة: (من صلى بإيماء) ، على أَنه جَار ومجرور وَأَن الْمَجْرُور مصدر: أَوْمَأ، قَالَ: وَقد غلط النَّسَائِيّ فِي حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن وصحفه وَترْجم لَهُ: بَاب صَلَاة النَّائِم، فَظن أَن قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من صلى بإيماء) ، إِنَّمَا هُوَ من صلى نَائِما. قَالَ: والغلط فِيهِ ظَاهر لِأَنَّهُ قد ثَبت عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه أَمر الْمُصَلِّي إِذا غَلبه النّوم أَن يقطع الصَّلَاة ثمَّ بَين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معنى ذَلِك، فَقَالَ: (لَعَلَّه لم يسْتَغْفر فيسب نَفسه) ، فَكيف يَأْمُرهُ بِقطع الصَّلَاة وَهِي مُبَاحَة لَهُ؟ وَله عَلَيْهَا نصف أجر الْقَاعِد؟ قَالَ: وَالصَّلَاة لَهَا ثَلَاثَة أَحْوَال: أَولهَا الْقيام، فَإِن عجز عَنهُ فالقعود، ثمَّ إِن عجز عَنهُ فالإيماء، وَلَيْسَ النّوم من أَحْوَال الصَّلَاة. انْتهى.
وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: أما نفي الْخطابِيّ وَابْن بطال للْخلاف فِي صِحَة التَّطَوُّع مُضْطَجعا للقادر فمردود، فَإِن فِي مَذْهَبنَا وَجْهَيْن: الْأَصَح مِنْهُمَا الصِّحَّة، وَعند الْمَالِكِيَّة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه حَكَاهَا القَاضِي عِيَاض فِي (الْإِكْمَال) : أَحدهَا الْجَوَاز مُطلقًا فِي الاضطراار، وَالِاخْتِيَار للصحيح وَالْمَرِيض لظَاهِر الحَدِيث، وَهُوَ الَّذِي صدر بِهِ القَاضِي كَلَامه. وَالثَّانِي: مَنعه مُطلقًا لَهما، إِذْ لَيْسَ فِي هَيْئَة الصَّلَاة. وَالثَّالِث: إِجَازَته لعدم قُوَّة الْمَرِيض فَقَط، وَقد روى التِّرْمِذِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ جَوَازه حَيْثُ قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا ابْن أبي عدي عَن أَشْعَث بن عبد الْملك (عَن الْحسن، قَالَ: إِن شَاءَ الرجل صلى صَلَاة التَّطَوُّع قَائِما أَو جَالِسا أَو مُضْطَجعا) فَكيف يَدعِي مَعَ هَذَا الْخلاف الْقَدِيم والْحَدِيث الِاتِّفَاق؟ وَأما مَا ادَّعَاهُ ابْن بطال عَن النَّسَائِيّ من أَنه صحفه فَقَالَ: نَائِما، وَإِنَّمَا الرِّوَايَة: بإيماء، على الْجَار وَالْمَجْرُور، فَلَعَلَّ التَّصْحِيف من ابْن بطال: وَإِنَّمَا أَلْجَأَهُ إِلَى ذَلِك حمل قَوْله: (نَائِما) على النّوم حَقِيقَة الَّذِي أَمر الْمُصَلِّي إِذا وجده أَن يقطع الصَّلَاة، وَلَيْسَ المُرَاد هَهُنَا إلاّ الِاضْطِجَاع لمشابهته لهيئة النَّائِم، وَحكى القَاضِي عِيَاض فِي الْإِكْمَال) : أَن فِي بعض الرِّوَايَات: مُضْطَجعا، مَكَان: نَائِما، وَبِه فسره أَحْمد بن خَالِد الْوَهْبِي، فَقَالَ: نَائِما، يَعْنِي: مُضْطَجعا. وَقَالَ شَيخنَا: وَبِه فسره البُخَارِيّ فِي (صَحِيحه) فَقَالَ، بعد إِيرَاده للْحَدِيث: قَالَ أَبُو عبد الله: نَائِما عِنْدِي مُضْطَجعا، وَقَالَ أَيْضا: وَقد بوب عَلَيْهِ النَّسَائِيّ: فضل صَلَاة الْقَاعِد على النَّائِم، وَلم أر فِيهِ: بَاب صَلَاة النَّائِم، كَمَا نَقله ابْن بطال.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث مَحْمُول عِنْد بعض أهل الْعلم على صَلَاة التَّطَوُّع قلت: كَذَلِك(7/159)
حمله أَصْحَابنَا على صَلَاة النَّفْل حَتَّى استدلوا بِهِ فِي جَوَاز صَلَاة النَّفْل قَاعِدا مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام، وَقَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) : وَتصلي النَّافِلَة قَاعِدا مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (صَلَاة الْقَاعِد على النّصْف من صَلَاة الْقَائِم) ، وَحكي عَن الْبَاجِيّ من أَئِمَّة الْمَالِكِيَّة أَنه حمله على الْمُصَلِّي فَرِيضَة لعذر أَو نَافِلَة لعذر أَو لغير عذر، وَقيل: فِي حَدِيث عمرَان حجَّة على أبي حنيفَة من أَنه إِذا عجز عَن الْقعُود سَقَطت الصَّلَاة، حَكَاهُ الْغَزالِيّ عَن أبي حنيفَة فِي (الْوَسِيط) قلت: هَذَا لم يَصح وَلم ينْقل هَذَا أحد من أَصْحَابنَا عَن أبي حنيفَة، وَلِهَذَا قَالَ لرافعي: لَكِن هَذَا النَّقْل لَا يكَاد يلفي فِي كتبهمْ وَلَا فِي كتب أَصْحَابنَا، وَإِنَّمَا الثَّابِت عَن أبي حنيفَة إِسْقَاط الصَّلَاة إِذا عجز عَن الْإِيمَاء بِالرَّأْسِ، وَاسْتدلَّ بِحَدِيث عمرَان من قَالَ: لَا ينْتَقل الْمَرِيض بعد الْعَجز عَن الصَّلَاة على الْجنب والإيماء بِالرَّأْسِ إِلَى فرض آخر من الْإِيمَاء بالطرف، وَحكي ذَلِك عَن أبي حنيفَة وَمَالك إلاّ أَنَّهُمَا اخْتلفَا، فَأَبُو حنيفَة يَقُول: يقْضِي بعد الْبُرْء، وَمَالك يَقُول: لَا قَضَاء عَلَيْهِ. وَحكى صَاحب (الْبَيَان) عَن بعض الشَّافِعِيَّة وَجها مثل مَذْهَب أبي حنيفَة وَقَالَ جُمْهُور الشَّافِعِيَّة: إِن عجز عَن الْإِشَارَة بِالرَّأْسِ أَوْمَأ بطرفه، فَإِن لم يقدر على تَحْرِيك الأجفان أجْرى أَفعَال الصَّلَاة على لِسَانه، فَإِن اعتقل لِسَانه أجْرى الْقُرْآن والأذكار على قلبه، وَمَا دَامَ عَاقِلا لَا تسْقط عَنهُ الصَّلَاة، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ فِي هَذَا الحَدِيث: (من صلى جَالِسا فَلهُ نصف أجر الْقَائِم) . قَالَ: هَذَا للصحيح وَلمن لَيْسَ لَهُ عذر، فَأَما من كَانَ لَهُ عذر من مرض أَو غَيره فصلى جَالِسا فَلهُ مثل أجر الْقَائِم، وَقَالَ النَّوَوِيّ: إِذا صلى قَاعِدا صَلَاة النَّفْل مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام فَهَذَا لَهُ نصف ثَوَاب الْقَائِم، وَأما إِذا صلى النَّفْل قَاعِدا لعَجزه عَن الْقيام فَلَا ينقص ثَوَابه، بل يكون ثَوَابه كثوابه قَائِما، وَأما الْفَرْض فَإِن صلَاته قَاعِدا مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام لَا تصح، فضلا عَن الثَّوَاب. وَإِن صلى قَاعِدا لعَجزه عَن الْقيام أَو مُضْطَجعا لعَجزه عَن الْقعُود، فثوابه كثوابه قَائِما لَا ينقص. وَفِي (شرح التِّرْمِذِيّ) رَحمَه الله تَعَالَى: إِذا صلى الْفَرْض قَاعِدا مَعَ قدرته على الْقيام لَا يَصح، وَقَالَ أَصْحَابنَا وَفِيه: وَإِن استحله يكفر، وَجَرت عَلَيْهِ أَحْكَام الْمُرْتَدين، كَمَا لَو اسْتحلَّ الزِّنَا أَو الرِّبَا أَو غَيره من الْمُحرمَات الشائعة التَّحْرِيم، وَالله المتعال وَإِلَيْهِ الْمَآل.
81 - (بابُ صَلاَةِ القَاعِدِ بِالإيمَاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم صَلَاة الْقَاعِد بِالْإِيمَاءِ.
6111 - حدَّثنا أبُو مَعْمَر قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ حدَّثنا حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ عنْ عَبْدِ الله بنِ بُرَيْدَةَ أنَّ عِمْرَانَ بنَ حُصَيْنٍ وكانَ رَجُلاً مَيْسُورا. وَقَالَ أبُو مَعْمَرٍ مَرَّةً عنْ عِمْرَانَ. قَالَ سألْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ صَلاَةِ الرَّجُلِ وَهْوَ قاعِدٌ فَقَالَ منْ صَلَّى قائِما فَهْوَ أفْضَلُ وَمَنْ صَلَّى قاعِدا فَلَهُ نِصْفُ أجْرِ القَائِمِ ومَنْ صَلَّى نائِما فَلَهُ نِصْفُ أجْرِ القَاعِدِ.
(أنظر الحَدِيث 5111 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّائِم لَا يقدر على الْإِتْيَان بالأفعال، فَلَا بُد فِيهَا من الْإِشَارَة إِلَيْهَا فالنوم بِمَعْنى الِاضْطِجَاع كِنَايَة عَنْهَا. وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: ترْجم البُخَارِيّ بِصَلَاة الْقَاعِد بِالْإِيمَاءِ وَلم يَقع فِي الحَدِيث إلاّ ذكر النّوم، فَكَأَنَّهُ صحف نَائِما من النّوم، فَظَنهُ بإيماء الَّذِي هُوَ مصدر أَوْمَأ، ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لم يصحف لِأَنَّهُ وَقع فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَغَيرهَا عقيب حَدِيث الْبَاب.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله نائِما عِنْدِي مُضْطَجِعا هاهُنَا
قَالَ أَبُو عبد الله يَعْنِي: البُخَارِيّ نَفسه. قَوْله: (نَائِما عِنْدِي) أَي: (مُضْطَجعا) وَزعم ابْن التِّين أَن فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ (وَمن صلى بإيماء) ، فَلذَلِك بوب البُخَارِيّ: بَاب صَلَاة الْقَاعِد بِالْإِيمَاءِ. قلت: إِن صحت هَذِه الرِّوَايَة فالمطابقة بَين الحَدِيث والترجمة ظَاهِرَة جدا فَلَا يحْتَاج إِلَى التَّكَلُّف الْمَذْكُور، وَالْكَلَام فِيهِ قد مر. قَوْله: (وَهُوَ قَاعد) ، جملَة إسمية وَقعت حَالا، وَقَائِمًا ونائما أَحْوَال.(7/160)
91 - (بابٌ إِذا لَمْ يُطِقْ قَاعِدا صَلَّى عَلَى جَنْبٍ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا لم يطق الْمُصَلِّي أَن يُصَلِّي قَاعِدا صلى على جنب.
وَقَالَ عَطَاءٌ إنْ لَمْ يَقْدِرْ أنْ يَتَحَوَّلَ إلَى القِبْلَةِ صَلَّى حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ
مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْعَاجِز عَن أَدَاء فرض ينْتَقل إِلَى فرض دونه، وَلَا يتْرك، بَيَان ذَلِك أَن التَّرْجَمَة تدل على أَن الْمُصَلِّي إِذا عجز عَن الصَّلَاة قَاعِدا يُصَلِّي على جنبه، والأثر يدل على أَنه إِذا عجز عَن التَّحَوُّل إِلَى الْقبْلَة يُصَلِّي إِلَى أَي جِهَة كَانَ وَجهه، وَأثر عَطاء بن أبي رَبَاح هَذَا وَصله عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج عَنهُ بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ حجَّة على من زعم أَن الْعَاجِز عَن الْقعُود فِي الصَّلَاة سَقَطت عَنهُ الصَّلَاة، وَقد حَكَاهُ الْغَزالِيّ عَن أبي حنيفَة قلت: لَيْسَ هَذَا بِأول مَا قَالَ الْغَزالِيّ فِي أبي حنيفَة، وَهُوَ غير صَحِيح، وَلَا هُوَ مَنْقُول عَن أبي حنيفَة، وَقد مر هَذَا عَن قريب.
7111 - حدَّثنا عَبْدَانُ عنْ عَبْدِ الله بنِ المُبَارَكِ عنْ إبْرَاهِيمَ بنِ طَهْمَان قَالَ حدَّثني الحُسَيْنُ المُكْتِبُ عنِ ابنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانَتْ بِي بَوَاسِيرْ فسألْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنِ الصَّلاَةِ فَقَالَ صَلِّ قائِما فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدا فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ.
(أنظر الحَدِيث 5111 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ الطَّرِيق الثَّالِث لحَدِيث عمرَان، كَمَا ذكرنَا، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وعبدان لقب عبد الله ابْن عُثْمَان الْمروزِي.
قَوْله: (عَن عبد الله بن الْمُبَارك) ، قد مر غير مرّة وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي. وَذكر ابْن الْمُبَارك، وَالْمَذْكُور هُوَ: عبد الله بِلَا نِسْبَة. قَوْله: (الْمكتب) ، اسْم فَاعل من التكتيب، وَهُوَ صفة الْحُسَيْن بن ذكْوَان، وَقد مر ذكره فِي الْبَاب الَّذِي قبله، وَلَكِن الْمَذْكُور هُنَاكَ: حُسَيْن الْمعلم، لِأَنَّهُ مَشْهُور بالمكتب، والمعلم وَابْن بُرَيْدَة هُوَ عبد الله، وَقد مر. قَوْله: (عَن الصَّلَاة) أَي: عَن صَلَاة الَّذِي بِهِ عِلّة، وَفِي رِوَايَة وَكِيع: (عَن إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، سَأَلت عَن صَلَاة الْمَرِيض؟) أخرجه التِّرْمِذِيّ وَغَيره. قَوْله: (فعلى جنب) ، أَي: فعلى جَنْبك، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاطب لعمران بقوله: (فَإِن لم تستطع) وَقَالَ أَولا فِي جَوَابه: (صل قَائِما) ، وَلَكِن لم يبين فِيهِ على أَي جنب، وَهُوَ بِظَاهِرِهِ يتَنَاوَل الْجنب الْأَيْمن والأيسر، وَبِه جزم الرَّافِعِيّ، وَقَالَ: إلاّ أَنه لَو اضْطجع على جنبه الْأَيْسَر ترك السّنة، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، (عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِن لم يسْتَطع فعلى جنبه الْأَيْمن مُسْتَقْبل الْقبْلَة بِوَجْهِهِ) ، الحَدِيث، وَاسْتدلَّ بَعضهم على اسْتِحْبَاب كَونه على الْجنب الْأَيْمن بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا أتيت مضجعك فَتَوَضَّأ وضوءك للصَّلَاة ثمَّ اضْطجع على شقك الْأَيْمن، وَقل: اللَّهُمَّ أسلمت نَفسِي إِلَيْك. .) الحَدِيث. وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله، وَفِي قَوْله: (فَإِن لم يسْتَطع فعلى جنبه) حجَّة لأصح الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا أَو الْقَوْلَيْنِ للشَّافِعِيّ أَنه: يضطجع على جنبه الْأَيْمن مُسْتَقْبل الْقبْلَة، وَهُوَ قَول أَحْمد بن حَنْبَل، كَمَا يُوَجه الْمَيِّت فِي اللَّحْد، لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أثْنَاء حَدِيث الْبَيْت الْحَرَام: (قبلتكم أَحيَاء وأمواتا) . وَالْوَجْه الثَّانِي: أَنه يستلقي على ظَهره وَيجْعَل رجلَيْهِ إِلَى الْقبْلَة ويومىء بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود إِلَى الْقبْلَة، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة. وَفِي الْمَسْأَلَة. وَجه ثَالِث، حَكَاهُ الرَّافِعِيّ وَضَعفه، وَصفته: أَنه يضطجع على جنبه الْأَيْمن وأخمصاه إِلَى الْقبْلَة. قلت: اخْتلفت الرِّوَايَات عَن أَصْحَابنَا فِي الْقعُود إِذا عجز عَن الْقيام كَيفَ يقْعد؟ فروى مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه إِذا افْتتح الصَّلَاة يجلس كَيفَ مَا شَاءَ، وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه يتربع، وَإِذا ركع يفترش رجله الْيُسْرَى وَيجْلس عَلَيْهَا، وَعَن أبي يُوسُف أَنه يتربع فِي جَمِيع صلَاته، وَعَن زفر أَنه يفترش رجله الْيُسْرَى فِي جَمِيع صلَاته، وَالصَّحِيح رِوَايَة مُحَمَّد لِأَن عذر الْمَرَض يسْقط الْأَركان عَنهُ، فَلِأَن يسْقط عَنهُ الهيئات أولى، وَيجْعَل سُجُوده أَخفض من رُكُوعه، وَلَا يرفع إِلَى وَجهه شَيْئا يسْجد عَلَيْهِ، وَإِن فعل ذَلِك وَهُوَ يخْفض رَأسه أَجزَأَهُ، وَيكون مسيئا. وَفِي (الْيَنَابِيع) : إِن وجد مِنْهُ تَحْرِيك رَأسه يجوز وإلاّ لَا، ثمَّ اخْتلفُوا: هَل يعد هَذَا سجودا أَو إِيمَاء؟ قيل: هُوَ إِيمَاء وَهُوَ الْأَصَح، وَإِن لم يسْتَطع الْقعُود(7/161)
اسْتلْقى على ظَهره وَجعل رجلَيْهِ إِلَى الْقبْلَة، وَأَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود. وَقَالَ الشَّيْخ حميد الدّين الضريري، رَحمَه الله: تُوضَع وسَادَة تَحت رَأسه حَتَّى يكون شبه الْقَاعِد ليتَمَكَّن من الْإِيمَاء بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود. إِذْ حَقِيقَة الاستلقاء تمنع الأصحاء عَن الْإِيمَاء، فَكيف المرضى؟ وَاخْتلفت الرِّوَايَات عَن أَصْحَابنَا فِي كَيْفيَّة الاستلقاء، فَفِي ظَاهر الرِّوَايَة يُصَلِّي مُسْتَلْقِيا على قَفاهُ وَرجلَاهُ إِلَى الْقبْلَة، وروى ابْن كاس عَنْهُم أَنه: يُصَلِّي على جنبه الْأَيْمن وَوَجهه إِلَى الْقبْلَة، فَإِن عجز عَن ذَلِك اسْتلْقى على قَفاهُ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي، وَقَول مَالك وَأحمد كظاهر الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة.
02 - (بابٌ إذَا صَلَّى قاعِدا ثُمَّ صَحَّ أوْ وَجَدَ خِفَّةً تَمَّمَ مَا بَقِيَ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا صلى شخص قَاعِدا لأجل عَجزه عَن الْقيام ثمَّ صَحَّ فِي أثْنَاء صلَاته بِأَن حصلت لَهُ عَافِيَة أَو وجد خفَّة فِي مَرضه بِحَيْثُ إِنَّه قدر على الْقيام، تمم صلَاته وَلَا يسْتَأْنف فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهَذِه التَّرْجَمَة بِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَعم، من أَن تكون فِي الْفَرِيضَة أَو النَّفْل، لَا كَمَا قَالَه الْبَعْض: إِن قَوْله: ثمَّ صَحَّ، يتَعَلَّق بالفريضة، وَقَوله: أَو وجد خفَّة يتَعَلَّق بالنافلة، لِأَن هَذِه دَعْوَى بِلَا برهَان، لِأَن الَّذِي حمله على هَذَا لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون لبَيَان أَن حكم الْفَرْض فِي هَذَا خلاف حكم النَّفْل، وَإِمَّا لأجل الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة وَبَين حَدِيثي الْبَاب، فَإِن كَانَ الْوَجْه الأول فَلَيْسَ فِيهِ خلاف عِنْد الْجُمْهُور، مِنْهُم: أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو يُوسُف أَن الْمَرِيض إِذا صلى قَاعِدا ثمَّ صَحَّ أَو وجد قُوَّة مِقْدَار مَا يقوم بهَا على الْقيام فَإِنَّهُ يتم صلَاته قَائِما، خلافًا لمُحَمد بن الْحسن فَإِنَّهُ قَالَ: يسْتَأْنف صلَاته. فَإِن قلت: أَلَيْسَ هَذَا بِنَاء الْقوي على الضَّعِيف؟ قلت: لَا، لِأَن تحريمته لم تَنْعَقِد للْقِيَام لعدم الْقُدْرَة عَلَيْهِ وَقت الشُّرُوع فِي الصَّلَاة، وَإِن كَانَ الْوَجْه الثَّانِي فَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى التَّفْرِقَة لبَيَان وَجه الْمُطَابقَة بِأَن يُقَال: إِن الشق الثَّانِي من التَّرْجَمَة يُطَابق حَدِيث الْبَاب، لِأَنَّهُ فِي النَّفْل، وَيُؤْخَذ مَا يتَعَلَّق بالشق الأول بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ، وَهَذَا كُله تعسف، وَمَا أوقع الشُّرَّاح فِي هَذِه التعسفات إلاّ قَول ابْن بطال: إِن هَذِه التَّرْجَمَة تتَعَلَّق بالفريضة، وَحَدِيث عَائِشَة يتَعَلَّق بالنافلة، وَتَقْيِيد ابْن بطال الْمُطلق بِلَا دَلِيل تحكم، بل التَّرْجَمَة على عمومها، وَإِن كَانَ حَدِيث الْبَاب فِي النَّفْل، لأَنا قد ذكرنَا غير مرّة أَن أدنى شَيْء يلائم بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث كَاف، بَيَان ذَلِك أَن الْقيام فِي حق المتنفل غير متأكد، وَله أَن يتْركهُ من غير عذر، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا روته عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: (أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَويلا قَائِما وَلَيْلَة طَوِيلَة قَاعِدا) ، رَوَاهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة، وَفِي حق الْمَرِيض الْعَاجِز عَن الْقيام يكون كَذَلِك لِأَن تحريمته لَا تَنْعَقِد لذَلِك، كَمَا ذكرنَا، فَيكون المتنفل والمفترض الْعَاجِز سَوَاء فِي ذَلِك، فتتناولهما التَّرْجَمَة من هَذِه الْحَيْثِيَّة.
وَقَالَ الحسَنُ إنْ شاءَ المَرِيضُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قاعِدا ورَكْعَتَيْنِ قائِما
الْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، قَالَ بَعضهم: وَهَذَا الْأَثر وَصله ابْن أبي شيبَة بِمَعْنَاهُ قلت: الَّذِي ذكره ابْن أبي شيبَة لَيْسَ بِمَعْنَاهُ وَلَا قَرِيبا مِنْهُ لِأَنَّهُ قَالَ: حَدثنَا هشيم عَن مُغيرَة وَعَن يُونُس عَن الْحسن (أَنَّهُمَا قَالَا: يُصَلِّي الْمَرِيض على الْحَالة الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا) انْتهى. وَمَعْنَاهُ: إِن كَانَ عَاجِزا عَن الْقيام يُصَلِّي قَاعِدا، وَإِن كَانَ عَاجِزا عَن الْقعُود يُصَلِّي على جنبه، كَمَا فِي الحَدِيث الَّذِي رُوِيَ عَن عمرَان، وحالته لَا تَخْلُو عَن ذَلِك، وَالَّذِي ذكره البُخَارِيّ عَنهُ هُوَ، أَن: يُصَلِّي الْمَرِيض إِن شَاءَ رَكْعَتَيْنِ قَاعِدا وَرَكْعَتَيْنِ قَائِما، فَالَّذِي يظْهر مِنْهُ أَنه إِذا صلى رَكْعَتَيْنِ قَاعِدا لعَجزه عَن الْقيام، ثمَّ قدر على الْقيام يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَقِيَتَا قَائِما، وَلَا يسْتَأْنف صلَاته. فَحِينَئِذٍ تظهر الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة وَبَين هَذَا الْأَثر. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : هَذَا التَّعْلِيق، يَعْنِي الَّذِي ذكره عَن الْحسن، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي (جَامعه) : عَن مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا ابْن أبي عدي عَن أَشْعَث بن عبد الْملك عَن الْحسن: إِن شَاءَ الرجل صلى صَلَاة التَّطَوُّع قَائِما وجالسا ومضطجعا. انْتهى. قلت: هَذَا أَيْضا غير قريب مِمَّا ذكره البُخَارِيّ، وَلَا يخفى ذَلِك على المتأمل.
8111 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ أمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّهَا أخْبَرَتْهُ أنَّهَا لَمْ تَرَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي صَلاَةَ اللَّيْلِ قاعِدا قَط(7/162)
حَتَّى أسَنَّ فَكَانَ يَقْرأ قاعِدا حَتَّى إذَا أرَادَ أنْ يَرْكَعَ قامَ فَقَرَأَ نَحْوا مِنْ ثَلاَثِينَ آيَةً أوْ أرْبَعِينَ آيَةً ثُمَّ رَكَعَ..
وَجه الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة، والْحَدِيث قد ذَكرْنَاهُ، والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس حَدثنَا زُهَيْر حَدثنَا هِشَام بن عُرْوَة عَن عُرْوَة (عَن عَائِشَة قَالَت: مَا رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يقْرَأ فِي شَيْء من صَلَاة اللَّيْل جَالِسا قطّ، حَتَّى دخل فِي السن، فَكَانَ يجلس فَيقْرَأ حَتَّى إِذا بَقِي أَرْبَعُونَ أَو ثَلَاثُونَ آيَة قَامَ فقرأها ثمَّ سجد) . وَقد رُوِيَ عَن عَائِشَة: صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا فِي التَّطَوُّع جمَاعَة آخَرُونَ من التَّابِعين. مِنْهُم: الْأسود بن يزِيد، أخرج حَدِيثه النَّسَائِيّ من رِوَايَة عمر بن أبي زَائِدَة عَن أبي إِسْحَاق عَن الْأسود (عَن عَائِشَة، قَالَت: مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمْتَنع من وَجْهي وَهُوَ صَائِم، وَمَا مَاتَ حَتَّى كَانَ أَكثر صلَاته قَاعِدا) . وروى مُسلم من رِوَايَة عبد الله بن عُرْوَة عَن أَبِيه (عَن عَائِشَة قَالَت: لما بدن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَثقل كَانَ أَكثر صلَاته جَالِسا) . وَمِنْهُم: عَلْقَمَة بن وَقاص، أخرج حَدِيثه مُسلم بِلَفْظ: قلت لعَائِشَة: كَيفَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصنع فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالس؟ قَالَت: كَانَ يقْرَأ فيهمَا، فَإِذا أَرَادَ أَن يرْكَع قَامَ فَرَكَعَ) . وَمِنْهُم: عمْرَة، أخرج حَدِيثهَا مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة أبي بكر بن مُحَمَّد عَن عمر (عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ وَهُوَ قَاعد، فَإِذا أَرَادَ أَن يرْكَع قَامَ قدر مَا يقْرَأ الْإِنْسَان أَرْبَعِينَ آيَة) . قَوْله: (صَلَاة اللَّيْل) ، قيدت عَائِشَة بهَا لتخرج الْفَرِيضَة. قَوْله: (حَتَّى أسن) أَي: حَتَّى دخل فِي السن، وَقَالَ ابْن التِّين: إِنَّمَا قيدت بقولِهَا: (حَتَّى أسن) ليعلم إِنَّه إِنَّمَا فعل ذَلِك إبْقَاء على نَفسه ليستديم الصَّلَاة، وأفادت أَنه كَانَ يديم الْقيام، وَإنَّهُ كَانَ لَا يجلس عَمَّا يطيقه من ذَلِك. قَوْله: (أَو أَرْبَعِينَ) يحْتَمل أَن يكون هَذَا شكا من الرَّاوِي، وَأَن عَائِشَة قَالَت أحد الْأَمريْنِ: وَيحْتَمل أَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، ذكرت الْأَمريْنِ مَعًا من الثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ بِحَسب وُقُوع ذَلِك مِنْهُ، مرّة كَذَا وَمرَّة كَذَا، أَو بِحَسب طول الْآيَات وقصرها.
وَمن فَوَائِد هَذَا الحَدِيث: جَوَاز الرَّكْعَة الْوَاحِدَة بَعْضهَا من قيام وَبَعضهَا من قعُود، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَعَامة الْعلمَاء، وَسَوَاء فِي ذَلِك: قَامَ ثمَّ قعد أَو قعد ثمَّ قَامَ، وَمنعه بعض السّلف وَهُوَ غلط، وَلَو نوى الْقيام ثمَّ أَرَادَ أَن يجلس جَازَ عِنْد الْجُمْهُور، وَجوزهُ من الْمَالِكِيَّة: ابْن الْقَاسِم، وَمنعه أَشهب. وَمِنْهَا: تَطْوِيل الْقِرَاءَة فِي صَلَاة اللَّيْل، وَالأَصَح عِنْد الشَّافِعِيَّة أَن تَطْوِيل الْقيام أفضل من تَكْثِير الرُّكُوع وَالسُّجُود مَعَ تَقْصِير الْقِرَاءَة، وَكَذَا عندنَا: تَطْوِيل الْقِرَاءَة أفضل من كَثْرَة الرُّكُوع وَالسُّجُود، وَقَالَ أَبُو يُوسُف: إِن كَانَ لَهُ ورد من اللَّيْل فَالْأَفْضَل أَن يكثر عدد الرَّكْعَات، وإلاّ فطول الْقيام أفضل، وَقَالَ مُحَمَّد: كَثْرَة الرُّكُوع وَالسُّجُود أفضل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (عَلَيْك بِكَثْرَة السُّجُود) . وَمِنْهَا: جَوَاز صَلَاة النَّافِلَة قَاعِدا مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام، وَهُوَ مجمع عَلَيْهِ.
9111 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ عَبْدِ الله بنِ يَزِيدَ وَأبِي النضْرِ مَوْلَى عُمعرَ بنِ عُبَيْدِ الله عنْ أبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الراحْمانِ عنْ عائِشَةَ أمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يُصَلِّي جالِسا فَيَقْرَأ وَهْوَ جالِسٌ فإذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِينَ أوْ أرْبَعِينَ آيَة قامَ فَقَرَأهَا وَهْوَ قائِمٌ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذالِكَ فإذَا قضَى صَلاَتَهُ نَظَرَ فإنْ كُنْتُ يَقْظَى تَحَدَّثَ مَعِي وَإنْ كُنْتُ نائِمةً اضْطَجَعَ..
هَذَا طَرِيق آخر من حَدِيث عَائِشَة وَعبد الله بن يزِيد من الزِّيَادَة المَخْزُومِي الْمدنِي الْأَعْوَر، وَأَبُو النَّضر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: اسْمه سَالم بن أبي أُميَّة الْقرشِي التَّيْمِيّ الْمدنِي، مولى عمر بن عبيد الله بن معمر التَّيْمِيّ، مر فِي بَاب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي، كِلَاهُمَا عَن مَالك، وَأخرجه(7/163)
التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن مُوسَى الْأنْصَارِيّ عَن معن عَن مَالك عَن أبي النَّضر وَحده بِهِ، وَقَالَ: حسن صَحِيح، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن سَلمَة الْمرَادِي الْمصْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن مَالك بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: عَن أَحْمد وَإِسْحَاق من أَن حَدِيثي عَائِشَة مَعْمُول بهما، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور وَبَقِيَّة الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم خلافًا لمن منع الِانْتِقَال من الْقيام إِلَى الْقعُود عِنْد عدم الضَّرُورَة لذَلِك، وَهُوَ غلط، كَمَا تقدم وروى التِّرْمِذِيّ أَيْضا وَقَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع أخبرنَا خَالِد وَهُوَ الْحذاء عَن عبد الله ابْن شَقِيق (عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَ: سَأَلتهَا عَن صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن تطوعه؟ قَالَت: كَانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَويلا قَائِما وليلاً طَويلا قَاعِدا، فَإِذا قَرَأَ وَهُوَ قَائِم ركع وَسجد وَهُوَ قَائِم، وَإِذا قَرَأَ وَهُوَ جَالس ركع وَسجد وَهُوَ جَالس) . قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَأخرجه بَقِيَّة السِّتَّة خلا البُخَارِيّ، فَرَوَاهُ مُسلم عَن يحيى بن يحيى وَأَبُو دَاوُد عَن أَحْمد بن حَنْبَل، وَفِي بعض النّسخ عَن أَحْمد بن منيع كِلَاهُمَا عَن هشيم، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد وَالنَّسَائِيّ عَن أبي الْأَشْعَث، كِلَاهُمَا عَن يزِيد بن زُرَيْع عَن خَالِد الْحذاء، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة حميد الطَّوِيل، وروى التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث حَفْصَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَ: حَدثنَا الْأنْصَارِيّ حَدثنَا معن حَدثنَا مَالك بن أنس عَن ابْن شهَاب عَن السَّائِب بن يزِيد عَن الْمطلب بن أبي ودَاعَة السَّهْمِي (عَن حَفْصَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهَا قَالَت: مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي سبحته قَاعِدا حَتَّى كَانَ قبل وَفَاته بعام، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي سبحته قَاعِدا وَيقْرَأ بالسورة ويرتلها حَتَّى تكون أطول من أطول مِنْهَا) . وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح. فَإِن قلت: بَين حَدِيثي حَفْصَة وَعَائِشَة مُنَافَاة ظَاهرا؟ قلت: لَا، لِأَن قَول عَائِشَة: كَانَ يُصَلِّي جَالِسا، لَا يلْزم مِنْهُ أَن يكون صلى جَالِسا قبل وَفَاته بِأَكْثَرَ من عَام، فَإِن كَانَ لَا يَقْتَضِي الدَّوَام بل وَلَا التّكْرَار على أحد قولي الْأُصُولِيِّينَ، وعَلى تَقْدِير أَن يكون صلى فِي تطوعه جَالِسا قبل وَفَاته بِأَكْثَرَ من عَام فَلَا يُنَافِي حَدِيث حَفْصَة، لِأَنَّهَا إِنَّمَا نفت رؤيتها، لَا وُقُوع ذَلِك جملَة وَفِي الْبَاب عَن أم سَلمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أخرج حَدِيثهَا النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة أبي إِسْحَاق السبيعِي (عَن أبي سَلمَة عَن أم سَلمَة قَالَت: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، مَا مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى كَانَ أَكثر صلَاته قَاعِدا إلاّ الْمَكْتُوبَة) . وَعَن أنس أخرج حَدِيثه أَبُو يعلى قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بكار حَدثنَا حَفْص بن عمر قَاضِي حلب حَدثنَا مُخْتَار بن فلفل (عَن أنس بن مَالك، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى على الأَرْض فِي الْمَكْتُوبَة قَاعِدا، وَقعد فِي التَّسْبِيح فِي الأَرْض فَأَوْمأ إِيمَاء) وَحَفْص بن عمر ضَعِيف، وَعَن جَابر ابْن سَمُرَة أخرج حَدِيثه مُسلم من رِوَايَة حسن بن صَالح عَن سماك بن حَرْب (عَن جَابر بن سَمُرَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يمت حَتَّى صلى قَاعِدا) . قَالَ شَيخنَا زين الدّين: هَكَذَا أدخلهُ غير وَاحِد من المصنفين فِي: بَاب الرُّخْصَة فِي صَلَاة التَّطَوُّع جَالِسا، وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي ذَلِك، فَلَعَلَّ جَابِرا أخبر عَن صلَاته وَهُوَ قَاعد للمرض، وَعَن عبد الله بن الشخير أخرج حَدِيثه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة زيد بن الْحباب عَن شَدَّاد بن سعيد عَن غيلَان بن جرير (عَن مطرف بن عبد الله بن الشخير عَن أَبِيه قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي قَائِما وَقَاعِدا وَهُوَ يقْرَأ {أَلْهَاكُم التكاثر} حَتَّى خَتمهَا.
لَيست الْبَسْمَلَة مَذْكُور فِي رِوَايَة أبي ذَر.
91 - (كتابُ التَّهَجُّدِ)
1 - (بابُ التَّهَجُّدِ بِاللَّيْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّهَجُّد بِاللَّيْلِ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني من اللَّيْل وَهُوَ أوفق للفظ الْقُرْآن، وَفِي بعض النّسخ: كتاب التَّهَجُّد بِاللَّيْلِ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ
وَقَوله: بِالْجَرِّ عطف على مَا قبله، دَاخل فِي التَّرْجَمَة، وَزَاد أَبُو ذَر فِي رِوَايَة: أسهر بِهِ، وَحَكَاهُ الطَّبَرِيّ كَذَلِك، وَفِي كتاب (الْمجَاز) لأبي عُبَيْدَة {فتهجد بِهِ} (الْإِسْرَاء: 97) . أَي: إسهر بِصَلَاة، يُقَال: تهجدت أَي سهرت، وهجدت أَي: نمت وَفِي (الموعب) لِابْنِ التياني عَن صَاحب (الْعين) : هجد الْقَوْم هجودا: نَامُوا، وتهجدوا أَي: استيقظوا للصَّلَاة أَو لأمر، قَالَ تَعَالَى: {فتهجد بِهِ} (الْإِسْرَاء: 97) . أَي: انتبه بعد النّوم، واقرأ الْقُرْآن، وَقَالَ قطرب: التَّهَجُّد، الْقيام، وَقَالَ كرَاع: التَّهَجُّد صَلَاة اللَّيْل خَاصَّة، وَعَن الْأَصْمَعِي: هجد يهجد هجودا: نَام،(7/164)
وَبَات متهجدا، أَي: ساهرا. وَفِي (مَعَاني الْقُرْآن) للزجاج: هجدته إِذا نومته، وَفِي (الْمُحكم) : هجد يهجد هجوا وأهجد نَام والهاجد والهجود الْمُصَلِّي بِاللَّيْلِ، وَالْجمع: هجود وهجد، وَفِي (الْجَامِع) : الهاجد النَّائِم وَقد يكون الساهر من الأضداد، فَأَما التَّهَجُّد فَأكْثر مَا يكون يسْتَعْمل فِي السهر، وَأكْثر النَّاس على أَن هجد: نَام. قَوْله: (نَافِلَة لَك) (الْإِسْرَاء: 97) . النَّافِلَة الزِّيَادَة، وَذكر ابْن بطال عَن الْبَعْض: إِنَّمَا خص سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهَا كَانَت فَرِيضَة عَلَيْهِ، وَلغيره تطوع، وَمِنْهُم من قَالَ: بِأَن صَلَاة اللَّيْل كَانَت وَاجِبَة، ثمَّ نسخت فَصَارَت نَافِلَة، أَي: تَطَوّعا. وَذكر فِي كَونهَا نَافِلَة أَن الله تَعَالَى غفر لَهُ من ذنُوبه مَا تقدم وَمَا تَأَخّر، فَكل طَاعَة يَأْتِي بهَا سوى الْمَكْتُوبَة تكون زِيَادَة فِي كَثْرَة الثَّوَاب فَلهَذَا سمي نَافِلَة بِخِلَاف الْأمة فَإِن لَهُم ذنوبا محتاجة إِلَى الْكَفَّارَات، فَثَبت أَن هَذِه الطَّاعَات إِنَّمَا تكون زَوَائِد ونوافل فِي حق سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا فِي حق غَيره، وَأما الَّذين قَالُوا: إِن صَلَاة اللَّيْل كَانَت وَاجِبَة عَلَيْهِ قَالُوا: معنى كَونهَا نَافِلَة على التَّخْصِيص أَي: أَنَّهَا فَرِيضَة لَك زَائِدَة على الصَّلَوَات الْخمس، خصصت بهَا من بَين أمتك وَذكر بعض السّلف أَنه يجب على الْأمة قيام اللَّيْل مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم، وَلَو قدر حلب شَاة، وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَهَذَا غلط ومردود، وَقيام اللَّيْل أَمر مَنْدُوب إِلَيْهِ وَسنة متأكدة. قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فِي (صَحِيح مُسلم) : (أفضل الصَّلَاة بعد الْمَكْتُوبَة صَلَاة اللَّيْل، فَإِن قسمت اللَّيْل نِصْفَيْنِ فالنصف الآخر أفضل. وَإِن قسمته أَثلَاثًا. فالأوسط أفضلهَا) . وَأفضل مِنْهُ صَلَاة السُّدس الرَّابِع وَالْخَامِس لحَدِيث ابْن عَمْرو فِي صَلَاة دَاوُد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيكرهُ أَن يقوم كل اللَّيْل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: (بَلغنِي أَنَّك تقوم اللَّيْل؟ قلت: نعم، قَالَ: لكني أُصَلِّي وأنام، فَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني) . فَإِن قيل: مَا الْفرق بَينه وَبَين صَوْم الدَّهْر غير أَيَّام النَّهْي فَإِنَّهُ لَا يكره عِنْد الشَّافِعِيَّة؟ قيل لَهُ: صَلَاة كل اللَّيْل تضر بِالْعينِ وَسَائِر الْبدن بِخِلَاف الصَّوْم فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي فِي اللَّيْل مَا فَاتَهُ من أكل النَّهَار، وَلَا يُمكنهُ نوم النَّهَار إِذا صلى اللَّيْل كُله لما فِيهِ من تَفْوِيت مصَالح دُنْيَاهُ وَعِيَاله، وَأما بعض اللَّيَالِي فَلَا يكره إحياؤها مثل الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان وليلتي الْعِيد.
0211 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ أبِي مُسْلِمٍ عنْ طَاوُوسٍ سَمِعَ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا قامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أنْتَ قَيِّمُ السَّماواتِ والأرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّماواتِ وَالأرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الحَمْدُ نُورُ السَّماوات وَالأرضِ ولَكَ الحَمْدُ وَوَعْدُكَ الحَقُّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وقولك حق وَالْجنَّة حق وَالنَّار حق والنبيون حق ومحمَّدٌ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَقٌّ والسَّاعَةُ حَقٌّ اللَّهُمَّ لَكَ أسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْكَ أنَبْتُ وبِكَ خاصَمْتُ وإلَيْكَ حاكَمْتُ فاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أعْلَنْتُ أنْتَ المُقَدِّمُ وَأنْتَ المُؤَخِّرُ لاَ إلَهَ إلاَّ أنْتَ أوْ لاَ إلاهَ غَيْرَكَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ من جملَة التَّهَجُّد بِاللَّيْلِ.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ. الثَّانِي: سُفْيَان بن عُيَيْنَة. الثَّالِث: سُلَيْمَان بن أبي مُسلم الْمَكِّيّ الْأَحول عبد الله خَال ابْن أبي نجيح، وَأَبُو مُسلم يُقَال اسْمه: عبد الله. الرَّابِع: طَاوُوس بن كيسَان الْيَمَانِيّ. الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: السماع. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.، وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي وسُفْيَان وَسليمَان مكيان وطاووس يماني.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الدَّعْوَات عَن عبد الله بن مُحَمَّد، وَفِي التَّوْحِيد عَن ثَابت بن مُحَمَّد مرَّتَيْنِ وَعَن قبيصَة بن عقبَة كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَعَن مَحْمُود عَن عبد الرَّزَّاق، كِلَاهُمَا عَن ابْن جريج عَنهُ بِهِ. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن عَمْرو النَّاقِد وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير وَابْن أبي عمر ثَلَاثَتهمْ عَن ابْن عُيَيْنَة بِهِ وَعَن مُحَمَّد(7/165)
ابْن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَفِي (النعوت) عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور كِلَاهُمَا عَن ابْن عُيَيْنَة بِهِ، وَفِي (النعوت) أَيْضا عَن مَحْمُود بن غيلَان وَعبد الْأَعْلَى بن وَاصل بن عبد الْأَعْلَى، كِلَاهُمَا عَن يحيى بن آدم عَن الثَّوْريّ بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن هِشَام بن عمار وَأبي بكر بن خلاف فرقهما، كِلَاهُمَا عَن ابْن عُيَيْنَة بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِذا قَامَ من اللَّيْل يتهجد) ، وَفِي رِوَايَة مَالك عَن أبي الزبير عَن طَاوُوس: (إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة من جَوف اللَّيْل يتهجد) ، وَظَاهر الْكَلَام أَنه كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاء أول مَا يَقُول إِلَى الصَّلَاة، ويخلص الثَّنَاء على الله تَعَالَى بِمَا هُوَ أَهله وَالْإِقْرَار بوعده ووعيده، وَفِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس حِين بَات عِنْد مَيْمُونَة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما اسْتَيْقَظَ تَلا الْعشْر الْآيَات من آخر آل عمرَان، فَبلغ مَا شهده أَو بلغه، وَقد يكون كُله فِي وَقت وَاحِد، وَسكت هُوَ عَنهُ أَو نَسيَه النَّاقِل. قَوْله: (اللَّهُمَّ) أَصله: يَا الله، قَوْله: (أَنْت قيم السَّمَوَات وَالْأَرْض) ، وَفِي بعض النّسخ: (أللهم لَك الْحَمد قيم السَّمَوَات وَالْأَرْض) ، بِدُونِ لَفْظَة: أَنْت، وَلكنه مُقَدّر فِي صُورَة الْحَذف، لِأَن قيم السَّمَوَات وَالْأَرْض مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَهُوَ: أَنْت، وَفِي رِوَايَة أبي الزبير الْمَذْكُور: (أَنْت قيام السَّمَوَات وَالْأَرْض) ، والقيم وَالْقِيَام والقيوم بِمَعْنى وَاحِد، وَهُوَ الدَّائِم الْقيام بتدبير الْخلق الْمُعْطِي لَهُ مَا بِهِ قوامه، أَو الْقَائِم بِنَفسِهِ الْمُقِيم لغيره، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وقرىء الْقيام والقيم، وَقيل: قَرَأَ بهما عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: القيوم هُوَ الَّذِي لَا يَزُول وَقيل هُوَ الْقَائِم على كل نفس، وَمَعْنَاهُ مُدبر أمرهَا، وَقيل: قيام على الْمُبَالغَة من قَامَ بالشَّيْء إِذا هيأ لَهُ جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ، وَقيل: قيم السَّمَوَات وَالْأَرْض خالقهما وممسكهما أَن تَزُولَا، وَقَرَأَ عَلْقَمَة {الْحَيّ الْقيم} وَأَصله: قيوم، على وزن: فيعل، مثل: صيب أَصله: صيوب، اجْتمعت الْوَاو وَالْيَاء وسبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ، فقلبت الْوَاو يَاء وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء، وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أصل القيوم القيووم، فَلَمَّا اجْتمعت الْيَاء وَالْوَاو، وَالسَّابِق سَاكن جعلتا: يَاء، مُشَدّدَة وأصل: الْقيام القوام، قَالَ الْفراء وَأهل الْحجاز: يصرفون الفعال إِلَى الفيعال، يَقُولُونَ للصواغ: صياغ. قَالَه الْأَنْبَارِي فِي (الْكتاب الزَّاهِر) ، وَقَالَ قَتَادَة: معنى الْقيم الْقَائِم على خلقه بآجالهم وأعمالهم وأرزاقهم، وَقَالَ الْكَلْبِيّ:) هُوَ الَّذِي لَا بديل لَهُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: القيوم الْقَائِم على الْأَشْيَاء. قَوْله: (أَنْت نور السَّمَوَات وَالْأَرْض) أَي: منورهما وقرىء {الله نور السَّمَوَات وَالْأَرْض} (النُّور: 53) . على صِيغَة الْمَاضِي من التَّنْوِير، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: هادىء أهلهما. وَقيل: منزه فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض من كل عيب ومبرأ من كل رِيبَة، وَقيل: هُوَ اسْم مدح، يُقَال: فلَان نور الْبَلَد وشمس الزَّمَان. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة: مزين السَّمَوَات بالشمس وَالْقَمَر والنجوم، ومزين الأَرْض بالأنبياء وَالْعُلَمَاء والأولياء. وَقَالَ ابْن بطال: (أَنْت نور السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ) ، أَي: بنورك يَهْتَدِي من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض. وَقيل: مَعْنَاهُ ذُو نور السَّمَوَات وَالْأَرْض. قَوْله: (أَنْت ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (لَك ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض) . قَوْله: (أَنْت الْحق) ، مَعْنَاهُ: المتحقق وجوده، وكل شَيْء صَحَّ وجوده وَتحقّق فَهُوَ حق، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {الحاقة} (الحاقة: 01) . أَي: الكائنة حَقًا بِغَيْر شكّ، وَهَذَا الْوَصْف لله تَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ والخصوصية وَلَا يَنْبَغِي لغيره، وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: أَنْت الْحق بِالنِّسْبَةِ إِلَى من يَدعِي فِيهِ أَنه إِلَه، أَو بِمَعْنى: أَن من سماك إل هَا فقد قَالَ الْحق، وَإِنَّمَا عرف الْحق فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وهما: (أَنْت الْحق وَوَعدك الْحق) ، ونكر فِي الْبَوَاقِي لِأَن الْمسَافَة بَين الْمُعَرّف بِاللَّامِ الجنسية والنكرة قريبَة: بل صَرَّحُوا بِأَن مؤداهما وَاحِد لَا فرق إلاَّ بِأَن فِي الْمعرفَة إِشَارَة إِلَى أَن الْمَاهِيّة الَّتِي دخل عَلَيْهَا اللَّام مَعْلُومَة للسامع، وَفِي النكرَة لَا إِشَارَة إِلَيْهِ، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: عرفهما للحصر لِأَن الله هُوَ الْحق الثَّابِت الْبَاقِي وَمَا سواهُ فِي معرض الزَّوَال، وَكَذَا وعده مُخْتَصّ بالإنجاز دون وعد غَيره، والتنكير فِي الْبَوَاقِي للتعظيم. قَوْله: (وَوَعدك الْحق) الْوَعْد يُطلق وَيُرَاد بِهِ الْخَيْر وَالشَّر كِلَاهُمَا، وَالْخَيْر أَو الشَّرّ خَاصَّة. قَالَ الله تَعَالَى: {الشَّيْطَان يَعدكُم الْفقر} (الْبَقَرَة: 862) . وَلَيْسَ فِي وعد الله خلف، فَلَا يخلف الميعاد {وَيجْزِي الَّذين أساؤا بِمَا عمِلُوا} (النَّجْم: 13) . إلاّ مَا تجَاوز عَنهُ: {وَيجْزِي الَّذين احسنوا بِالْحُسْنَى} (النَّجْم: 13) . وَقيل فِي قَوْله: {إِن الله وَعدكُم وعد الْحق} (ابراهيم: 22) . أَي: وعد الْجنَّة من أطاعه ووعد النَّار من كفر بِهِ، وَيحْتَمل أَن يُرِيد: أَن وعده حق بِمَعْنى إِثْبَات أَنه قد وعد بالخق بِالْبَعْثِ والحشر وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب إنكارا لقَوْل من أنكر وعده بذلك، وَكذب الرُّسُل فِيمَا بلغوه من وعده ووعيده. قَوْله: (ولقاؤك حق) اللِّقَاء الْبَعْث أَو رُؤْيَة الله تَعَالَى، وَقيل: الْمَوْت، وَفِيه ضعف ورده النَّوَوِيّ. قَوْله: (وقولك حق) أَي: صدق وَعدل. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: القَوْل يُوصف بِالصّدقِ وَالْكذب، يُقَال: قَول صدق أَو كذب، وَلِهَذَا قيل: الصدْق هُوَ بِالنّظرِ إِلَى القَوْل المطابق(7/166)
للْوَاقِع، وَالْحق بِالنّظرِ إِلَى الْوَاقِع المطابق لِلْقَوْلِ. قلت: قد يُقَال أَيْضا: قَول ثَابت ثمَّ إنَّهُمَا متلازمان. قَوْله: (وَالْجنَّة حق وَالنَّار حق) فِيهِ الْإِقْرَار بهما وبالأنبياء، وَقَالَ ابْن التِّين: فِيهِ ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن خَبره بذلك لَا يدْخلهُ كذب وَلَا تَغْيِير. ثَانِيهَا: أَن خبر من أخبر عَنهُ بذلك وبلغه حق. ثَالِثهَا: أَنَّهُمَا قد خلقتا. قَوْله: (والنبيون حق) ، بِأَنَّهُم من عِنْد الله. قَوْله: (وَمُحَمّد حق) ، إِنَّمَا خص مُحَمَّدًا من النَّبِيين، وَإِن كَانَ دَاخِلا فيهم، وَعطفه عَلَيْهِم إِيذَانًا بالتغاير، وَأَنه فائق عَلَيْهِم بأوصاف مُخْتَصَّة بِهِ، فَإِن تغير الْوَصْف ينزل منزلَة تَغْيِير الذَّات، ثمَّ جرده عَن ذَاته كَأَنَّهُ غَيره، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِيمَان بِهِ وتصديقه، وَهَذَا مُبَالغَة فِي إِثْبَات نبوته، كَمَا فِي التَّشَهُّد. قَوْله: (والساعة حق) أَي: يَوْم الْقِيَامَة، وأصل السَّاعَة: الْقطعَة من الزَّمَان، ثمَّ أطلق على يَوْم الْقِيَامَة فَصَارَ إسما لَهَا، وَتَأْتِي الْوُجُوه الْمَذْكُورَة فِيهَا، وَوجه ذَلِك أَنه لما لم يكن هُنَاكَ شمس وَلَا قمر وَلَا كواكب يقدر بهَا الزَّمَان وَسميت بالساعة فَإِن قلت: مَا وَجه إِطْلَاق إسم الْحق على مَا ذكر من الْأُمُور؟ وَمَا وَجه تكْرَار لفظ الْحق؟ قلت: أما وَجه الْإِطْلَاق فللإيذان بِأَنَّهُ لَا بُد من كَونهَا، وَأَنَّهَا مِمَّا يجب أَن يصدق بهَا، وَأما وَجه التّكْرَار فللمبالغة فِي التَّأْكِيد، والتكرير يَسْتَدْعِي التَّقْرِير. قَوْله: (أللهم لَك أسلمت) أَي: انقدت وخضعت لأمرك ونهيك، واستسلمت لجَمِيع مَا أمرت بِهِ ونهيت عَنهُ. قَوْله: (وَبِك آمَنت) أَي: صدقت بك وَبِمَا أنزت من أَخْبَار وَأمر وَنهي، فَظَاهره أَن الْإِيمَان لَيْسَ بِحَقِيقَة الْإِسْلَام وَإِنَّمَا الْإِيمَان التَّصْدِيق. وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر: الْإِيمَان الْمعرفَة بِاللَّه، وَالْأول أشهر فِي كَلَام الْعَرَب. قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن لنا} (يُوسُف: 71) . أَي: بمصدق إلاّ أَن الْإِسْلَام إِذا كَانَ بِمَعْنى الانقياد وَالطَّاعَة فقد ينقاد الْمُكَلف بِالْإِيمَان فَيكون مُؤمنا مُسلما وَقد يكون مُصدقا فِي بعض الْأَحْوَال دون بعض فَيكون مُسلما لامؤمنا وَقَالَ الْخطابِيّ الْمُسلم قد يكون مُؤمنا فِي بعض الْأَحْوَال دون بعض، وَالْمُؤمن مُسلم فِي جَمِيع الْأَحْوَال، فَكل مُؤمن مُسلم، وَلَيْسَ كل مُسلم مُؤمنا. قلت: الْبَحْث فِيهِ دَقِيق وَقد اسْتَوْفَيْنَاهُ فِي كتاب الْإِيمَان. قَوْله: (وَعَلَيْك توكلت) أَي: فوضت الْأَمر إِلَيْك قَاطعا للنَّظَر عَن الْأَسْبَاب العادية، وَيُقَال: أَي: تبرأت من الْحول وَالْقُوَّة وصرفت أَمْرِي إِلَيْك، وأيقنت أَنه لن يُصِيبنِي إلاّ مَا كتب لي وَعلي، ففوضت أَمْرِي إِلَيْك، ونِعْمَ الْمُفَوض إِلَيْهِ. قَالَ الْفراء: الْوَكِيل الْكَافِي. قَوْله: (وَإِلَيْك أنبت) أَي: رجعت إِلَيْك فِي تَدْبِير أَمْرِي، والإنابة الرُّجُوع أَي: رجعت إِلَيْك مُقبلا بِالْقَلْبِ عَلَيْك، وَمَعْنَاهُ: رجعت إِلَى عبادتك. قَوْله: (وَبِك خَاصَمت) أَي: وَبِمَا أَعْطَيْتنِي من الْبُرْهَان والسنان خَاصَمت المعاند وقمعته بِالْحجَّةِ وَالسيف. قَوْله: (وَإِلَيْك حاكمت) أَي: كل من جحد الْحق حاكمته إِلَيْك وجعلتك الْحَاكِم بيني وَبَينه، لَا غَيْرك مِمَّا كَانَت تحاكم إِلَيْهِ الْجَاهِلِيَّة من صنم وكاهن ونار وَنَحْو ذَلِك، والمحاكمة: رفع الْقَضِيَّة إِلَى الْحَاكِم. وَقيل: ظَاهره أَن لَا يحاكمهم إلاّ الله وَلَا يرضى إِلَّا بِحكمِهِ. قَالَ الله تَعَالَى: {رَبنَا افْتَحْ بَيْننَا وَبَين قَومنَا بِالْحَقِّ وَأَنت خير الفاتحين} (الْأَعْرَاف: 98) . وَقَالَ: {أفغير الله ابْتغى حكما} (الأنعما: 411) . ثمَّ من قَوْله: (لَك أسلمت) إِلَى قَوْله: (وَإِلَيْك حاكمت) قدم صَلَاة الْأَفْعَال الْمَذْكُورَة فِيهِ للإشعار بالتخصيص وإفادة الْحصْر، وَكَذَلِكَ فِي قَوْله: (وَلَك الْحَمد) فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع فَافْهَم. قَوْله: (فَاغْفِر لي مَا قدمت وَمَا أخرت) إِنَّمَا قَالَ ذَلِك، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَعَ أَنه مغْفُور لَهُ لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: للتواضع وهضم النَّفس والإجلال لله تَعَالَى والتعظيم لَهُ عز وَجل. الثَّانِي: للتعليم لأمته ليقتدوا بِهِ فِي أصل الدُّعَاء والخضوع وَحسن التضرع وَالرَّغْبَة والرهبة، وَالْمَغْفِرَة: تَغْطِيَة الذَّنب وكل مَا غطى فقد غفر وَمِنْه: المغفر. قَوْله: (وَمَا قدمت) أَي: قبل هَذَا الْوَقْت (وَمَا أخرت) ، عَنهُ أَمر الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، بالإشفاق وَالدُّعَاء إِلَى الله تَعَالَى وَالرَّغْبَة إِلَيْهِ أَن يغْفر مَا يكون من غَفلَة تعتري الْبشر، وَمَا قدم: مَا مضى، وَمَا أخر: مَا يسْتَقْبل، وَذَلِكَ مثل قَوْله تَعَالَى: {ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} (الْفَتْح: 2) . وَقَالَ أهل التَّفْسِير: الغفران فِي حَقه يتَنَاوَل من أَفعاله الْمَاضِي والمستقبل. قَوْله: (وَمَا أسررت) أَي: وَمَا أخفيت. (وَمَا أعلنت) أَي: وَمَا أظهرت أَو الْمَعْنى: مَا حدثت بِهِ نَفسِي وَمَا تحرّك بِهِ لساني، وَفِي (التَّوْحِيد) زَاد من طَرِيق ابْن جريج عَن سلمَان: (وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني) ، وَهُوَ من عطف الْعَام بعد الْخَاص. قَوْله: (أَنْت الْمُقدم وَأَنت الْمُؤخر) قَالَ ابْن التِّين: أَنْت الأول وَأَنت الآخر. وَقَالَ ابْن بطال يَعْنِي: أَنه قدم فِي البعص إِلَى النَّاس على غَيره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله: (نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ) ، ثمَّ قدمه عَلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة بالشفاعة بِمَا فَضله بِهِ على سَائِر الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَسبق بذلك الرُّسُل.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا الحَدِيث من جَوَامِع الْكَلم، إِذْ لفظ: الْقيم إِشَارَة إِلَى أَن وجود الْجَوْهَر وقوامه مِنْهُ والنور إِلَى أَن الْإِعْرَاض مِنْهُ، وَالْملك لما أَنه(7/167)
حَاكم فِيهَا إيجادا وإعداما يفعل مَا يَشَاء، وكل هَذِه نعم من الله تَعَالَى على عباده، فَلهَذَا قرن كلا مِنْهَا بِالْحَمْد. وَخص الْحَمد بِهِ، ثمَّ قَوْله: (أَنْت الْحق) إِشَارَة إِلَى المبدأ وَالْقَوْل، وَنَحْوه إِلَى المعاش والساعة إِلَى الْمعَاد.
وَفِيه: إِشَارَة إِلَى النُّبُوَّة وَإِلَى الْجَزَاء ثَوابًا وعقابا. وَفِيه: وجوب الْإِيمَان وَالْإِسْلَام والتوكل والإنابة والتضرع إِلَى الله تَعَالَى وَالِاسْتِغْفَار وَغَيره انْتهى. وَيُقَال: وَفِيه: زِيَادَة معرفَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعظمة ربه وَعظم قدرته ومواظبته على الذّكر وَالدُّعَاء وَالثنَاء على ربه، وَالِاعْتِرَاف لله بحقوقه وَالْإِقْرَار بِصدق وعده ووعيده. وَفِيه: اسْتِحْبَاب تَقْدِيم الثَّنَاء على الْمَسْأَلَة عِنْد كل مَطْلُوب اقْتِدَاء بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَ سُفْيَانُ وزَادَ عَبْدُ الكَرِيمِ أبُو أمَيَّةَ وَلاَ حَوْلَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّه. قَالَ سُفْيَانُ قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ أبي مُسْلِمٍ سَمِعَهُ طَاوُوسُ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
سُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة الْمَذْكُور فِي سَنَد الحَدِيث، وَقيل: هَذَا مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الأول، وَوضع الْمزي على هَذَا عَلامَة التَّعْلِيق، وَأَبُو أُميَّة كنية عبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق الْبَصْرِيّ، وَأَبُو الْمخَارِق اسْمه: قيس، وَقَالَ الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ: قد اسْتشْهد البُخَارِيّ بِابْن أبي الْمخَارِق هَذَا فِي: بَاب التَّهَجُّد بِاللَّيْلِ، فَقَالَ: وَقَالَ سُفْيَان يَعْنِي ابْن عُيَيْنَة، وَزَاد عبد الْكَرِيم أَبُو أُميَّة: (وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه) . وَقَالَ الْمَقْدِسِي فِي كتاب (رجال الصَّحِيحَيْنِ) : فِيمَن اسْمه عبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق: سمع مُجَاهدًا فِي الْحَج، روى عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَهُوَ حَدِيث وَاحِد عِنْدهمَا عَن مُجَاهِد عَن ابْن أبي ليلِي (عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: أَمرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أقوم على بُدنه وَأَن أقسم جلودها وجلالها، وَأَمرَنِي أَن لَا أعطي الجازر مِنْهَا، وَقَالَ: نَحن نُعْطِيه من عندنَا) . فَهَذَا كَمَا رَأَيْت كَلَام الْمُنْذِرِيّ يُقَوي مَا مَال إِلَيْهِ الْمزي من أَنه مُعَلّق، وَأَن عبد الْكَرِيم اسْتشْهد بِهِ البُخَارِيّ، وَكَلَام الْمَقْدِسِي يُصَرح بِأَنَّهُ من رجال البُخَارِيّ، وَبِهَذَا يرد مَا قَالَه بَعضهم: وَلَيْسَ لعبد الْكَرِيم هَذَا فِي (صَحِيح البُخَارِيّ) إلاَّ هَذَا الْموضع، وَلم يقْصد البُخَارِيّ التَّخْرِيج لَهُ، فلأجل ذَلِك لَا يعدونه من رِجَاله، وَإِنَّمَا وَقعت عَنهُ زِيَادَة فِي الْخَبَر غير مَقْصُودَة بذاتها. قلت: بَين كَلَامه هَذَا وَبَين قَوْله فِيمَا مضى: هَذَا مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الأول، تنَاقض لَا يخفى. قَوْله: (قَالَ سُفْيَان) هُوَ ابْن عُيَيْنَة أَيْضا. قَالَ سُلَيْمَان بن أبي مُسلم ... إِلَى آخِره، وَأَرَادَ سُفْيَان بذلك بَيَان سَماع سُلَيْمَان لَهُ من طَاوُوس لِأَنَّهُ أَولا أوردهُ بالعنعنة، وَصرح بذلك أَيْضا الْحميدِي فِي (مُسْنده) : عَن سُفْيَان قَالَ: حَدثنَا سُلَيْمَان الْأَحول خَال ابْن أبي نجيح: سَمِعت طاووسا. . فَذكر الحَدِيث، وَقَالَ فِي آخِره: قَالَ سُفْيَان، وَزَاد فِي رخره عبد الْكَرِيم: (وَلَا حول وَلَا قُوَّة إلاّ بك) ، فِيهِ لم يقلها سُلَيْمَان، وَفِي (التَّلْوِيح) : وَفِي نُسْخَة سمعته من طَاوُوس وَعلي بن خشرم، وَلم يذكرهُ أحد من رجال البُخَارِيّ، رَحمَه الله، وَإِنَّمَا ذكر فِي رجال مُسلم، وَالله تَعَالَى أعلم.
2 - (بابُ فَضْلِ قِيَامِ الليْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قيام اللَّيْل، وَهُوَ الصَّلَاة فِي اللَّيْل.
1211 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا هِشَامٌ قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ (ح) وحدَّثني مَحْمُودٌ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ سالِمٍ عنْ أبِيهِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا رَأي رُؤْيا قَصَّهَا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَمَنَّيْتُ أنْ أرَى رُؤْيَا فأقُصُّهَا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكُنْتُ غُلاما شابّا وَكُنْتُ أنامُ فِي المَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَأيْتُ فِي النَّوْمِ كَأنَّ مَلَكَيْنِ أخَذَانِي فذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ فإذَا هِيَ مطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْرِ وِإذَا لَهَا قَرْنَانِ وَإذَا فِيهَا أُنَاسٌ قَدْ عَرَفتُهُمْ فَجَعَلْتُ أقُولُ أعُوذُ بِالله مِنَ النَّارِ. قَالَ فَلَقِينَا مَلَكٌ آخَرُ فقالَ لِي لَمْ تُرَعْ.
. فقصصتها على حَفْصَة فقصتها حَفْصَة على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ نعم الرجل عبد الله(7/168)
لَو كَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل فَكَانَ بعد لَا ينَام من اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " نعم الرجل عبد الله لَو كَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل " وَذَلِكَ أَن الرجل إِذا كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ يسْتَحق أَن يُوصف بنعم الرجل هَذَا واستحقاقه لذَلِك بِسَبَب مُبَاشَرَته صَلَاة اللَّيْل وَلَو لم يكن لصَلَاة اللَّيْل فضل لما اسْتحق فاعلها الثَّنَاء الْجَمِيل وَفِي رِوَايَة نَافِع عَن ابْن عمر فِي التَّعْبِير " أَن عبد الله رجل صَالح لَو كَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل " وَهَذَا أصرح فِي الْمَدْح وَأبين فِي الْمَقْصُود (ذكر رِجَاله) وهم ثَمَانِيَة. الأول عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ المسندي. الثَّانِي هِشَام بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ. الثَّالِث معمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد. الرَّابِع مَحْمُود بن غيلَان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة الْمروزِي. الْخَامِس عبد الرَّزَّاق بن همام. السَّادِس مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ السَّابِع سَالم بن عبد الله. الثَّامِن أَبوهُ عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَفِيه الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَجعل خلف هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند ابْن عمر وَجعل بعضه فِي مُسْند حَفْصَة وَأوردهُ ابْن عَسَاكِر فِي مُسْند ابْن عمر والْحميدِي فِي مُسْند حَفْصَة وَذكر فِي رِوَايَة نَافِع عَن ابْن عمر أَنَّهُمَا من مُسْند ابْن عمر وَقَالَ إِذْ لَا ذكر فِيهَا لحفصة فحاصله أَنهم جعلُوا رِوَايَة سَالم من مُسْند حَفْصَة وَرِوَايَة نَافِع من مُسْند ابْن عمر (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي بَاب نوم الرِّجَال فِي الْمَسْجِد فِيمَا مضى وَأخرجه فِيمَا يَأْتِي فِي بَاب فضل من تعار من اللَّيْل فِي مَنَاقِب ابْن عمر وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل عبد الله بن عمر حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعبد الله بن حميد وَاللَّفْظ لعبد قَالَا أخبرنَا عبد الرَّزَّاق " حَدثنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ الرجل فِي حَيَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا رأى رُؤْيا قصها على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فتمنيت أَن أرى رُؤْيا أقصها على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ وَكنت غُلَاما شَابًّا عزبا وَكنت أَنَام فِي الْمَسْجِد على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَرَأَيْت فِي النّوم كَأَن ملكَيْنِ أخذاني فذهبا بِي إِلَى النَّار " الحَدِيث (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " كَانَ الرجل " الْألف وَاللَّام فِيهِ لَا تصلح أَن تكون للْعهد على مَا لَا يخفى بل هِيَ للْجِنْس قَوْله " رُؤْيا " على وزن فعلى بِالضَّمِّ بِلَا تَنْوِين وَهُوَ يخْتَص بالمنام كَمَا أَن الرَّأْي يخْتَص بِالْقَلْبِ والرؤية تخْتَص بِالْعينِ قَوْله " قصها " من قصصت الرُّؤْيَا على فلَان إِذا أخْبرته بهَا وأقصها قصا والقص الْبَيَان قَوْله " فتمنيت أَن أرى " وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " إِنِّي أرى " وَزَاد فِي التَّعْبِير من وَجه آخر " فَقلت فِي نَفسِي لَو كَانَ فِيك خير لرأيت مثل مَا يرى هَؤُلَاءِ " وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن الرُّؤْيَا الصَّالِحَة تدل على خير رائيها قَوْله " فَإِذا هِيَ مطوية " كلمة إِذا للمفاجأة وَمعنى مطوية مَبْنِيَّة الجوانب فَإِن لم تبن فَهِيَ القليب قَوْله " فَإِذا لَهَا قرنان " أَي جانبان وقرنا الرَّأْس جانباه وَيُقَال القرنان منارتان عَن جَانِبي الْبِئْر تجْعَل عَلَيْهِمَا الْخَشَبَة الَّتِي تعلق عَلَيْهَا البكرة قَالَ الْكرْمَانِي أَو ضفيرتان وَفِي بَعْضهَا قرنين (فَإِن قلت) فَمَا وَجهه إِذْ هُوَ مُشكل (قلت) إِمَّا أَن يُقَال تَقْدِيره فَإِذا لَهَا مثل قرنين فَحذف الْمُضَاف وَترك الْمُضَاف إِلَيْهِ على إعرابه وَهُوَ كَقِرَاءَة {وَالله يُرِيد الْآخِرَة} بجر الْآخِرَة أَي عرض الْآخِرَة وَإِمَّا أَن يُقَال إِذا المفاجأة تَتَضَمَّن معنى الوجدان فَكَأَنَّهُ قَالَ فَإِذا وجدت لَهَا قرنين كَمَا يَقُول الْكُوفِيُّونَ فِي قَوْلهم كنت أَظن الْعَقْرَب أَشد لسعا من الزنبور فَإِذا هُوَ إِيَّاهَا أَن مَعْنَاهُ فَإِذا وجدته هُوَ إِيَّاهَا قَوْله " لم ترع " بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة مَعْنَاهُ لم تخف قَالَ الْجَوْهَرِي يُقَال لَا ترع مَعْنَاهُ لَا تخف وَلَا يلحقك خوف وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " لن تراع " وَزَاد فِيهِ " إِنَّك رجل صَالح " وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ إِنَّمَا فسر الشَّارِع من رُؤْيا عبد الله بِمَا هُوَ ممدوح لِأَنَّهُ عرض على النَّار ثمَّ عوفي مِنْهَا وَقيل لَهُ لَا روع عَلَيْك وَذَلِكَ لصلاحه غير أَنه لم يكن يقوم من اللَّيْل فَحصل لعبد الله من ذَلِك تَنْبِيه على أَن قيام اللَّيْل مِمَّا يَتَّقِي بِهِ النَّار والدنو(7/169)
مِنْهَا فَلذَلِك لم يتْرك قيام اللَّيْل بعد ذَلِك وَقَالَ الْمُهلب السِّرّ فِي ذَلِك كَون عبد الله كَانَ ينَام فِي الْمَسْجِد وَمن حق الْمَسْجِد أَن يتعبد فِيهِ فنبه على ذَلِك بالتخويف بالنَّار قَوْله " لَو كَانَ يُصَلِّي " كلمة لَو لِلتَّمَنِّي لَا للشّرط وَلذَلِك لم يذكر لَهَا جَوَاب. (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ قصّ الرُّؤْيَا على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِأَنَّهَا من الْوَحْي وَهِي جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْء من النُّبُوَّة كَمَا نطق بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَفِيه تمني الرُّؤْيَا الصَّالِحَة ليعرف صَاحبهَا مَا لَهُ عِنْد الله وتمني الْخَيْر وَالْعلم والحرص عَلَيْهِ. وَفِيه جَوَاز النّوم فِي الْمَسْجِد وَلَا كَرَاهَة فِيهِ عِنْد الشَّافِعِي وَقَالَ التِّرْمِذِيّ وَقد رخص قوم من أهل الْعلم فِيهِ وَقَالَ ابْن عَبَّاس لَا تتخذه مَيتا وَلَا مقيلا وَذهب إِلَيْهِ قوم من أهل الْعلم وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ وَذَلِكَ لمن كَانَ لَهُ مأوى فَأَما الْغَرِيب فَهُوَ دَاره والمعتكف فَهُوَ بَيته وَيجوز للْمَرِيض أَن يَجعله الإِمَام فِي الْمَسْجِد إِذا أَرَادَ افتقاده كَمَا كَانَت الْمَرْأَة صَاحِبَة الوشاح سَاكِنة فِي الْمَسْجِد وكما ضرب الشَّارِع قبَّة لسعد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي الْمَسْجِد حِين سَالَ الدَّم من جرحه وَمَالك وَابْن الْقَاسِم يكرهان الْمبيت فِيهِ للحاضر الْقوي وَجوزهُ ابْن الْقَاسِم للضعيف الْحَاضِر. وَفِيه رُؤْيَة الْمَلَائِكَة فِي الْمَنَام وتحذيرهم للرائي لقَوْله " فَرَأَيْت ملكَيْنِ أخذاني ". وَفِيه الانطلاق بالصالح إِلَيْهَا فِي الْمَنَام تخويفا. وَفِيه السّتْر على مُسلم وَترك غيبته وَذَلِكَ قَوْله " وَإِذا فِيهَا أنَاس قد عرفتهم " إِنَّمَا أخبر بهم على الْإِجْمَال ليزدجروا وَسكت عَن بيانهم لِئَلَّا يغتابهم إِن كَانُوا مُسلمين وَلَيْسَ ذَلِك مِمَّا يخْتم عَلَيْهِم بالنَّار وَإِمَّا أَن يكون ذَلِك تحذيرا كَمَا حذر ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَفِيه القص على الْمَرْأَة وَفِيه تَبْلِيغ حَفْصَة وَفِيه قبُول خبر الْمَرْأَة. وَفِيه استحياء ابْن عمر عَن قصه على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِنَفسِهِ. وَفِيه فَضِيلَة قيام اللَّيْل وَعَلِيهِ بوب البُخَارِيّ هَذَا الْبَاب. وَفِيه أَن قيام اللَّيْل منج من النَّار. وَفِيه فضل عبَادَة الشَّاب. وَفِيه مدح لِابْنِ عمر. وَفِيه تَنْبِيه على صَلَاحه. وَفِيه كَرَاهَة كَثْرَة النّوم بِاللَّيْلِ وروى سعيد عَن يُوسُف بن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن أَبِيه عَن جَابر مَرْفُوعا " قَالَت أم سُلَيْمَان لِسُلَيْمَان يَا بني لَا تكْثر النّوم بِاللَّيْلِ فَإِن كَثْرَة النّوم بِاللَّيْلِ تدع الرجل فَقِيرا يَوْم الْقِيَامَة " وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال -
3 - (بابُ طُولِ السجُودِ فِي قِيامِ اللَّيْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل طول السُّجُود فِي صَلَاة اللَّيْل.
3211 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي عُرْوَةُ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أخبَرَتْهُ أنَّ رسولَ الله كانَ يُصَلِّي إحْدَى عَشْرَةَ ركْعَةً كانَتْ تِلْكَ صَلاَتَهُ يَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذالِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الفَجْرِ ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأيْمَنِ حتَّى يَأْتِيِهِ المُنَادِي لِلصَّلاَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يسْجد السَّجْدَة من ذَلِك قدر مَا يقْرَأ أحدكُم خمسين آيَة قبل أَن يرفع رَأسه) ، فَإِن هَذَا الْمِقْدَار من الْقِرَاءَة فِي السَّجْدَة يدل على طول السَّجْدَة، والْحَدِيث أخرجه فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي الْوتر، بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره، نَحوه، غير أَن لَفظه هُنَاكَ: (حَتَّى يَأْتِيهِ الْمُؤَذّن) ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى. قَوْله: (تِلْكَ) أَي: أحد عشرَة، والتعريف فِي السَّجْدَة للْجِنْس، فَيحْتَمل تنَاوله لكل سَجدَات تِلْكَ الصَّلَاة، وَالتَّاء الَّتِي فِيهَا لَا تنافيها. قَوْله: (قدر) ، مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: بِقدر. قَوْله: (للصَّلَاة) أَي: لصَلَاة الصُّبْح. وَقَالَ ابْن بطال: مَا طول سُجُوده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قيام اللَّيْل، فَذَلِك لاجتهاده فِيهِ بِالدُّعَاءِ والتضرع إِلَى الله تَعَالَى، فَإِن ذَلِك أبلغ أَحْوَال التَّوَاضُع والتذلل إِلَيْهِ، وَكَانَ ذَلِك شكرا على مَا أنعم الله بِهِ عَلَيْهِ، وَقد كَانَ غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر فِيهِ الأسوة الْحَسَنَة، وَكَانَ السّلف يَفْعَلُونَ ذَلِك، وَقَالَ يحيى بن وثاب: كَانَ ابْن الزبير، رَحمَه الله تَعَالَى، يسْجد حَتَّى تنزل العصافير على ظَهره كَأَنَّهُ حَائِط.(7/170)
4 - (بابُ تَرْكِ القِيَامِ لِلْمَرِيضِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ترك قيام اللَّيْل للْمَرِيض.
4211 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنِ الأسْوَدِ قَالَ سَمِعْتُ جُنْدبا يَقُولُ اشْتَكَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أوْ لَيْلَتَيْنِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: الْفضل بن دُكَيْن. الثَّانِي: سُفْيَان الثَّوْريّ، وَكَذَلِكَ فِي إِسْنَاد الحَدِيث الْآتِي، سُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، نَص عَلَيْهِ الْمزي فِي (الْأَطْرَاف) وَصرح فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: سُفْيَان بن عُيَيْنَة. الثَّالِث: الْأسود بن قيس. الرَّابِع: جُنْدُب، بِضَم الْجِيم وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال وَضمّهَا وبالباء الْمُوَحدَة: ابْن عبد الله، وَقد تقدم فِي: بَاب النَّحْر فِي الْمصلى، فِي كتاب الْعِيد، وَوَقع فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي كتاب التَّفْسِير فِي {وَالضُّحَى} جُنْدُب بن أبي سُفْيَان وَهُوَ جُنْدُب بن عبد الله بن أبي سُفْيَان إِلَّا أَنه تَارَة ينْسب إِلَى أَبِيه وَتارَة إِلَى جده، وَلَا يظنّ أَن جُنْدُب ابْن أبي سُفْيَان غير جُنْدُب ابْن عبد الله فَافْهَم.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع. وَفِيه: السماع. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رِجَاله كوفيون. والْحَدِيث من الرباعيات.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي قيام اللَّيْل عَن مُحَمَّد بن كثير وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن أبي نعيم أَيْضا وَفِي التَّفْسِير عَن أَحْمد بن يُونُس وَعَن بنْدَار عَن غنْدر، وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن إِسْحَاق عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعَن إِسْحَاق وَمُحَمّد بن رَافع وَعَن أبي بكر وَأبي مُوسَى وَبُنْدَار، ثَلَاثَتهمْ عَن غنْدر وَعَن إِسْحَاق عَن الْملَائي. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (اشْتَكَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: مرض، وَكَذَلِكَ: تشكى، قَالَ الْجَوْهَرِي: اشْتَكَى عضوا من أَعْضَائِهِ وتشكى بِمَعْنى، وَأَصله من الشكو، قَالَ ابْن الْأَثِير: الشكو والشكوى والشكاة والشكاية: الْمَرَض. وَفِي (الصِّحَاح) : شَكَوْت فلَانا أشكوه شكوى وشكاية وشكية وشكاة إِذا أخْبرت عَنهُ بِسوء فعله بك، فَهُوَ مشكو ومشكي، والإسم: الشكوى. قَوْله: (فَلم يقم) ، من الْقيام، وانتصاب لَيْلَة على الظَّرْفِيَّة، وَهَكَذَا وَقع مُخْتَصرا هَهُنَا، وَقد سَاقه فِي فَضَائِل الْقُرْآن تَاما من شَيْخه أبي نعيم أَيْضا، قَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا سُفْيَان (عَن الْأسود بن قيس، قَالَ: سَمِعت جندبا يَقُول: اشْتَكَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلم يقم لَيْلَة أَو لَيْلَتَيْنِ، فَأَتَتْهُ امْرَأَة، فَقَالَت: يَا مُحَمَّد مَا أرى شَيْطَانك إلاّ قد تَركك؟ فَأنْزل الله، عز وَجل: {وَالضُّحَى وَاللَّيْل إِذا سجى مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى} (وَالضُّحَى: 1 3) . وَرَوَاهُ أَيْضا فِي كتاب التَّفْسِير فِي {وَالضُّحَى} : حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس حَدثنَا زُهَيْر حَدثنَا الْأسود بن قيس قَالَ: سَمِعت جُنْدُب بن سُفْيَان (قَالَ: اشْتَكَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلم يقم لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، فَجَاءَت امْرَأَة فَقَالَت: يَا مُحَمَّد إِنِّي لأرجو أَن يكون شَيْطَانك قد تَركك؟ لم أره قربك مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا؟ فَأنْزل الله عز وَجل: {وَالضُّحَى وَاللَّيْل إِذا سجى مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى} (وَالضُّحَى: 3) . وَرَوَاهُ أَيْضا فِي {وَالضُّحَى} : حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا غنْدر حَدثنَا شُعْبَة (عَن الْأسود بن قيس قَالَ: سَمِعت جندبا البَجلِيّ. . قَالَت امْرَأَة: يَا رَسُول الله مَا أرى صَاحبك إلاّ أَبْطَأَ عَنْك؟ فَنزلت: {مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى} (وَالضُّحَى: 3) . وَرَوَاهُ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن كثير، وَيَأْتِي عَن قريب فِي هَذَا الْبَاب، وروى مُسلم: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم أخبرنَا سُفْيَان (عَن الْأسود بن قيس أَنه سمع جندبا يَقُول: أَبْطَأَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ الْمُشْركُونَ: قد ودع مُحَمَّد، فَأنْزل الله تَعَالَى: {وَالضُّحَى وَاللَّيْل إِذا سجى مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى} (وَالضُّحَى: 1 3) . وروى مُسلم أَيْضا من رِوَايَة زُهَيْر (عَن الْأسود بن قيس، قَالَ: سَمِعت جُنْدُب بن سُفْيَان يَقُول: اشْتَكَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا. .) الحَدِيث، مثل رِوَايَة البُخَارِيّ عَن أَحْمد بن يُونُس، وروى التِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حَدثنَا ابْن أبي عمر، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة (عَن الْأسود بن قيس عَن جُنْدُب البَجلِيّ، قَالَ: كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَنْمَار، فدميت إصبعه فَقَالَ: هَل أَنْت إِلَّا اصبع دميت. وَفِي سَبِيل الله مَا لقِيت، قَالَ: وَأَبْطَأ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،(7/171)
فَقَالَ الْمُشْركُونَ: قد ودع مُحَمَّد، فَأنْزل الله تبَارك وَتَعَالَى: {مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى} (الضُّحَى: 3) . وروى الواحدي من حَدِيث هِشَام ابْن عُرْوَة عَن أَبِيه: (أَبْطَأَ جِبْرِيل على النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فجزع جزعا شَدِيدا فَقَالَت خَدِيجَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: قد قلاك رَبك لما يرى من جزعك، فَنزلت السُّورَة) . وروى الْحَاكِم من حَدِيث عبد الله بن مُوسَى أخبرنَا إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق (عَن زيد بن أَرقم: لما نزلت {تبت} جَاءَت امْرَأَة أبي لَهب فَقَالَت: يَا مُحَمَّد على مَا تهجوني؟ فَقَالَ: مَا هجوتك، مَا هجاك إلاّ الله، وَمكث رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَيَّامًا لَا ينزل عَلَيْهِ وَحي، فَأَتَتْهُ فَقَالَت: يَا مُحَمَّد مَا أرى صَاحبك إلاّ قد قلاك؟ فَنزلت السُّورَة) . وَفِي (تَفْسِير ابْن عَبَّاس) رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد الشَّامي: (أَبْطَأَ الْوَحْي عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَقَالَ كَعْب بن الْأَشْرَف: قد أطفأ الله نور مُحَمَّد وَانْقطع الْوَحْي عَنهُ، فهبط جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بعد الْأَرْبَعين يَوْمًا فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أبطأك عني فَنزلت: {وَمَا نَتَنَزَّل إلاّ بِأَمْر رَبك} (مَرْيَم: 46) . وَأنزل سُورَة الضُّحَى وتكذيبا لكعب: {يُرِيدُونَ ليطفئوا نور الله بأفواههم} (الصَّفّ: 8) . وَفِي (الْمعَانِي) للفراء و (الْإِيضَاح) تَفْسِير الْقُرْآن لأبي الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الْجَوْزِيّ: قيل (سَبَب نُزُولهَا أَن الْوَحْي كَانَ تَأَخّر خَمْسَة عشر يَوْمًا فَتكلم الْكفَّار) الحَدِيث. وَزعم ابْن إِسْحَاق أَن سَبَب تَأْخِير جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَن الْمُشْركين لما سَأَلُوهُ عَن ذِي القرنين وَالروح وعدهم بِالْجَوَابِ إِلَى غَد، وَلم يسْتَثْن، فَنزل عَلَيْهِ بعد بطئه سُورَة الضُّحَى، وبجواب سُؤَاله. قَوْله: {وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إلاّ أَن يَشَاء الله} (الْكَهْف: 32) . قَالَ الواحدي: وَعَن خَوْلَة خادمة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَن جروا دخل تَحت السرير، فَمَكثَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيَّامًا لَا ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي، فَقَالَ: يَا خَوْلَة مَا حدث فِي بَيْتِي؟ جِبْرِيل لَا يأتيني؟ قَالَت خَوْلَة: فَقلت لَو هيأت الْبَيْت وكنسته، قَالَت: فَأَهْوَيْت بالمكنسة تَحت السرير فَإِذا شَيْء ثقيل، فَإِذا هُوَ جرو ميت، فألقيته خلف الْجِدَار. قَالَت: فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرعد فَقَالَ: يَا خَوْلَة دثريني فَأنْزل الله تَعَالَى: {وَالضُّحَى وَاللَّيْل} (الضُّحَى: 1 و 2) . زَاد ابْن إِسْحَاق: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجبريل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: مَا أخرك؟ فَقَالَ: أما علمت أَنا لَا ندخل بَيْتا فِيهِ كلب وَلَا صُورَة؟ وَفِي (تَفْسِير النَّسَفِيّ) قَالَ ابْن جرير: قَالَ الْمُشْركُونَ: أَن مُحَمَّدًا ودعه ربه وقلاه، وَلَو كَانَ امْرَهْ من الله لتتابع عَلَيْهِ كَمَا كَانَ يفعل بِمن كَانَ قبله من الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقَالَ الْمُسلمُونَ: يَا رَسُول الله أما ينزل عَلَيْك الْوَحْي؟ فَقَالَ: وَكَيف ينزل عَليّ الْوَحْي وَأَنْتُم لَا تنتقون براجمكم وَلَا تقلمون أظافركم؟ فَأنْزل الله تَعَالَى، جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِهَذِهِ السُّورَة، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا جِبْرِيل مَا جِئْت حَتَّى اشْتقت إِلَيْك {فَقَالَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: وَأَنا كنت أَشد شوقا، وَلَكِنِّي عبد مَأْمُور {وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْر رَبك} (مَرْيَم: 46) [/ ح.
ثمَّ الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب على أَنْوَاع. الأول: أَن اشتكاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يبين فِي شَيْء من طرق هَذَا الحَدِيث، قيل: وَظن بعض الشُّرَّاح أَن الَّذِي وَقع فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ من طَرِيق ابْن عُيَيْنَة من الحَدِيث، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب: هُوَ بَيَان للشكاية المجملة فِي الصَّحِيح، وَلَيْسَ كَمَا ظن، فءن فِي طَرِيق عبد الله بن شَدَّاد الَّتِي يَأْتِي التَّنْبِيه عَلَيْهَا أَن نزُول هَذِه السُّورَة كَانَ فِي أَوَائِل الْبعْثَة، وجندب لم يصحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاّ مُتَأَخِّرًا، حَكَاهُ الْبَغَوِيّ فِي (مُعْجم الصَّحَابَة) عَن الإِمَام أَحْمد، وَيُقَال: يحْتَمل أَن يكون سَبَب الشكاية بطء الْوَحْي.
الثَّانِي: أَن هَذِه الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة فِي الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة مُخْتَلف فِيهَا، فَفِي رِوَايَة الْحَاكِم: امْرَأَة أبي لَهب، وَهِي أم جميل العوراء بنت حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف، وَهِي أُخْت أبي سُفْيَان بن حَرْب، وَقيل: امْرَأَة من أَهله أَو من قومه. قلت: لَا شكّ أَن أم جميلَة من قومه لِأَنَّهَا من بني عبد منَاف، وَفِي رِوَايَة سنيد بن دَاوُد: إِنَّهَا عَائِشَة، وَقد غلط سنيد فِيهِ، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ عَن أبي كريب عَن وَكِيع، فَقَالَ فِيهِ: قَالَت خَدِيجَة. وَكَذَلِكَ أخرجه ابْن أبي حَاتِم، وَقد أنكر ذَلِك، لِأَن خَدِيجَة قَوِيَّة الْإِيمَان فَلَا يَلِيق نِسْبَة هَذَا القَوْل إِلَيْهَا وَإِن كَانَ رَوَاهُ إِسْمَاعِيل القَاضِي فِي (أَحْكَامه) بِإِسْنَاد صَحِيح، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرِيّ فِي (تَفْسِيره) وَأَبُو دَاوُد فِي (أَعْلَام النُّبُوَّة) لَهُ، كلهم من طَرِيق عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد، وَمَعَ هَذَا لَيْسَ فِي رِوَايَة وَاحِد مِنْهُم أَنَّهَا عبرت بقولِهَا: شَيْطَانك، وَهَذِه لَفْظَة مستنكرة جدا، وَزعم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن عَسْكَر أَن القائلة ذَاك إِحْدَى عماته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ الظَّاهِر أَن الْمَرْأَة الَّتِي قَالَت: يَا مُحَمَّد} مَا أرى شَيْطَانك إلاّ قد تَركك؟ ير الْمَرْأَة الَّتِي قَالَت: مَا أرى صَاحبك إلاّ قد أَبْطَأَ عَنْك؟ لِأَن هَذِه قَالَت: يَا رَسُول الله، وَتلك قَالَت: يَا مُحَمَّد، وَالَّتِي قَالَت: شَيْطَانك قَالَت تهكما وشماتة، وَالَّتِي قَالَت: صَاحبك، قَالَت تأسفا وتوجعا.
الثَّالِث: أَن مُدَّة بطء الْوَحْي اخْتلف فِيهَا، فَقيل: أَرْبَعُونَ يَوْمًا، كَمَا ذكر(7/172)
فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد، وَقيل: خَمْسَة عشر يَوْمًا، كَمَا ذكر فِي (كتاب الْمعَانِي) للفراء، وَقيل: خَمْسَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَعَن ابْن جريج: اثْنَي عشر يَوْمًا.
5211 - حدَّثنا محَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ قَالَ أخبرنَا سُفْيَانُ عنِ الأسْوَدِ بنِ قَيْسٍ عنْ جُنْدَبِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَالَ احْتَبَسَ جِبْرِيلُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ امْرَأةٌ مِنْ قُرَيْشٍ أبْطأَ عَلَيْهِ شَيْطَانُهُ فَنَزَلَتْ وَالضُّحَى واللَّيْلِ إذَا سَجى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن هَذَا من تَتِمَّة الحَدِيث السَّابِق، وَيدْفَع بِهَذَا مَا قَالَه ابْن التِّين: ذكر احتباس جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي هَذَا الْبَاب لَيْسَ فِي مَوْضِعه، وَذَلِكَ لِأَن الحَدِيث وَاحِد لِاتِّحَاد مخرجه، وَإِن كَانَ السَّبَب مُخْتَلفا، وسُفْيَان فِيهِ هُوَ الثَّوْريّ، كَمَا فِي الحَدِيث الأول، وَقد ذكرنَا أَن فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَة مُسلم، وَلَا يضر هَذَا لِأَن الظَّاهِر أَن الْأسود حدث بِهِ على الْوَجْهَيْنِ، فَحمل عَنهُ كل وَاحِد مَا لم يحملهُ الآخر، وَحمل عَنهُ الثَّوْريّ الْأَمريْنِ، فَحدث بِهِ مرّة كَمَا فِي هَذَا الحَدِيث الأول، وَمرَّة كَمَا فِي هَذَا الحَدِيث.
قَوْله: (شَيْطَانه) ، بِرَفْع النُّون لِأَنَّهُ فَاعل: أَبْطَأَ. قَوْله: (فَنزلت وَالضُّحَى) أَي: نزلت سُورَة وَالضُّحَى إِلَى آخرهَا، وَفِي (تَفْسِير النَّسَفِيّ) و {الضُّحَى} قيل: أَرَادَ النَّهَار كُله، وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّيْل إِذا سجى} (الضُّحَى: 2) . فقابله بِاللَّيْلِ، وَقَالَ قَتَادَة وَمُقَاتِل: أَرَادَ وَقت الضُّحَى، وَهُوَ صدر النَّهَار حِين ترْتَفع الشَّمْس، ويعتدل النَّهَار من الْحر وَالْبرد فِي الشتَاء والصيف، وَقيل: هِيَ السَّاعَة الَّتِي كلم الله تَعَالَى فِيهَا مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، والساعة الَّتِي ألْقى فِيهَا السَّحَرَة سجدا بَيَانه {وان يحْشر النَّاس ضحى} (طه: 95) . وَقيل فِيهِ وَفِي أَمْثَاله إِضْمَار: رب، أَي: وَرب الضُّحَى. قَوْله: (وَاللَّيْل إِذا سجى) أَي: أقبل بظلامه، وَقَالَ الضَّحَّاك: غطى كل شَيْء، وَقَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة: سكن بالخلق وَاسْتقر ظلامه، يُقَال: ليل سَاج وبحر سَاج إِذا كَانَ سَاكِنا. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: أولى اوقوال عِنْدِي هَذَا، وَقَالَ الراجز:
(يَا حبذا القمراء وَاللَّيْل الساج ... وطرق مثل ملاء النساج)
وَعَن الْحسن: سجى جَاءَ، وَعَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس: سجى بِمَعْنى ذهب. قَوْله: (مَا وَدعك) جَوَاب الْقسم أَي: مَا قَطعك رَبك قطع الْمُودع، وَقَالَ ابْن التِّين: معنى التَّشْدِيد مَا هُوَ آخر عَهْدك بِالْوَحْي، وَمعنى التَّخْفِيف مَا تَركك، وَالْمعْنَى وَاحِد. وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: خبر أبي نعيم عَن سُفْيَان وَجه الْقِرَاءَة فِيهِ بِالتَّخْفِيفِ، وَوجه الْقِرَاءَة فِي رِوَايَة وَكِيع عَن سُفْيَان: وَدعك بِالتَّشْدِيدِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: التوديع مُبَالغَة فِي الودع، لِأَن من وَدعك مفارقا فقد بَالغ فِي تَركك. قلت: قِرَاءَة التَّخْفِيف شَاذَّة، وَالْعرب أماتوا ماضي: يدع، ويورد قِرَاءَة التَّخْفِيف وَيُجَاب بالشذوذ. قَوْله: (وَمَا قلى) أَي: وَمَا قلاك، أَي: وَمَا بغضك من: القلى، بِكَسْر الْقَاف وَتَخْفِيف اللَّام وَهُوَ: البغض. فَإِن فتحت الْقَاف مددت تَقول: قلاه يقليه قلى وقلاء ويقلاه، لُغَة طي، وتقلى أَي: تبغض، وَإِنَّمَا حذف الْمَفْعُول حَيْثُ لم يقل: وَمَا قلاك، رِعَايَة للفواصل.
5 - (بابُ تَحْرِيضِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى صَلاَةِ اللَّيْلِ والنَّوَافِلِ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تحريض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمته أَو الْمُؤمنِينَ على قيام اللَّيْل، أَي: على صَلَاة اللَّيْل، وَكَذَا فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة على صَلَاة اللَّيْل، وَهَذَا الْبَاب يشْتَمل على أَرْبَعَة أَحَادِيث: الأول: لأم سَلمَة. وَالثَّانِي: لعَلي بن أبي طَالب. وَالثَّالِث وَالرَّابِع: لأم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، قيل: اشْتَمَلت التَّرْجَمَة على أَمريْن: التحريض وَنفي الْإِيجَاب، فَحَدِيث أم سَلمَة وَعلي للْأولِ، وحديثا عَائِشَة للثَّانِي، وَقَالَ بَعضهم: بل يُؤْخَذ من الْأَحَادِيث الْأَرْبَعَة نفي الْإِيجَاب، وَيُؤْخَذ التحريض من حَدِيث عَائِشَة من قَوْلهَا: (كَانَ يدع الْعَمَل وَهُوَ يُحِبهُ) ، لِأَن كل شَيْء أحبه استلزم التحريض عَلَيْهِ لَوْلَا مَا عَارضه من خشيَة الإفتراض. انْتهى. قلت: لَا نسلم أَن حَدِيث أم سَلمَة يدل على نفي الْإِيجَاب، بل ظَاهره يُوهم الْإِيجَاب على مَا لَا يخفى على المتأمل، وَلكنه سَاكِت عَنهُ، وَظَاهره التحريض، وَلَا نسلم أَيْضا استلزام التحريض فِي شَيْء أحبه، وَكَذَلِكَ ظَاهر حَدِيث عَليّ يُوهم الْإِيجَاب بِدَلِيل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين ولي: {وَكَانَ الْإِنْسَان أَكثر شَيْء جدلا} (الْكَهْف: 45) . وَلَكِن ظَاهره التحريض. قَوْله: (والنوافل) جمع نَافِلَة عطف(7/173)
على: قيام اللَّيْل، أَي: والتحريض على النَّوَافِل، فَإِن كَانَ المُرَاد من قيام اللَّيْل الصَّلَاة فَقَط، يكون من عطف الْعَام على الْخَاص، وَإِن كَانَ المُرَاد من قيام الَّيْلِ أَعم من الصَّلَاة وَالْقُرْآن وَالذكر والتفكر فِي الملكوت العلوية والسفلية وَغير ذَلِك، يكون من عطف الْخَاص على الْعَام.
وَطَرَقَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاطِمَةَ وَعَلِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ لَيْلَةً لِلصَّلاَةِ
هَذَا التَّعْلِيق ذكره عقيب هَذَا بقوله: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان ... إِلَى آخِره. قَوْله: (طرق) ، من الطروق، وَهُوَ الْإِتْيَان بِاللَّيْلِ، يَعْنِي: أتاهما بِاللَّيْلِ للتحريض على الْقيام للصَّلَاة.
6211 - حدَّثنا ابنُ مُقَاتِل قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ هِنْدٍ بِنْتِ الحَارِثِ عنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَيْقظَ لَيْلَةً فَقَالَ سُبْحَانَ الله ماذَا أُنْزِلَ اللَّيلَةَ مِنَ الفتْنَةِ مَاذَا أنزل مِنَ الخَزَائِنِ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ يَا رُبَّ كاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ تحريضا على قيام اللَّيْل، والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب الْعلم والعظة بِاللَّيْلِ، قَالَ: حَدثنَا صَدَقَة، قَالَ: أخبرنَا ابْن عُيَيْنَة عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام هُنَاكَ مستقصىً. وَعبد الله هَهُنَا: هُوَ ابْن الْمُبَارك.
قَوْله: (يَا رُبَّ) المنادى مَحْذُوف أَي: يَا قوم رب كاسية. قَوْله: (عَارِية) بِالْجَرِّ صفة (كاسية) والْحَدِيث، وَإِن صدر فِي حق أَزوَاجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَكِن الْعبْرَة لعُمُوم اللَّفْظ لَا لخُصُوص السَّبَب، وَالتَّقْدِير: رب نفس كاسية، وَفِيه أَنه أعلمهُ الله أَنه يفتح على أمته من الخزائن، وَأَن الْفِتَن مقرونة بهَا، وَلذَلِك آثر كثير من السّلف الْقلَّة على الْغنى خوف فتْنَة المَال، وَقد استعاذ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فتْنَة الْغنى كَمَا استعاذ من فتْنَة الْفقر.
7211 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي علِيُّ بنُ حُسَيْنٍ أنَّ حُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ أخْبَرَهُ أنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ أخبرهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَرَقَهُ وفاطِمَةَ بِنْتَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَةً فَقَالَ ألاَ تُصَلِّيانِ فَقُلْتُ يَا رسولَ الله أنْفُسُنا بِيَدِ الله فإذَا شاءَ أنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا فانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذالِكَ ولَمْ يَرْجِعْ إلَيَّ شَيْئا ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهْوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وهْوَ يَقُولُ وَكانَ الإنْسَانُ أكْثرَ شيءٍ جدَلاً..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طرق عليا وَفَاطِمَة لَيْلَة وحرضهما على قيام اللَّيْل بقوله: (أَلا تصليان؟) .
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: أَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، الثَّانِي: شُعَيْب بن أبي حَمْزَة. الثَّالِث: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. الرَّابِع: عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب الْمَشْهُور بزين العابدين، تقدم فِي: بَاب من قَالَ فِي الْخطْبَة أما بعد فِي الْجُمُعَة. الْخَامِس: أَبوهُ الْحُسَيْن بن عَليّ. السَّادِس: جده عَليّ بن أبي طَالب.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع كَذَلِك فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه حمصيان والبقية مدنيون. وَفِيه: إِن إِسْنَاد زين العابدين من أصح الْأَسَانِيد وَأَشْرَفهَا الْوَارِدَة فِيمَن روى عَن أَبِيه عَن جده. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: رَوَاهُ اللَّيْث عَن عقيل عَن الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن الْحسن بن عَليّ، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة حجاج بن أبي منيع عَن جده عَن الزُّهْرِيّ فِي (تَفْسِير ابْن مرْدَوَيْه) وَلَيْسَ كَذَلِك، وَالصَّوَاب عَن الْحُسَيْن بتصغير اللَّفْظ. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ، وَرِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن أبي الْيَمَان فِي الِاعْتِصَام وَفِي التَّوْحِيد أَيْضا عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس،(7/174)
وَأخرجه أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن عَليّ بن عبد الله، وَفِي الِاعْتِصَام أَيْضا عَن مُحَمَّد بن سَلام، وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة عَن لَيْث. وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ وَعَن عبيد الله بن سعيد وَأَعَادَهُ فِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (طرقه) أَي: أَتَاهُ لَيْلًا. قَوْله: (وَفَاطِمَة) بِالنّصب عطفا على الضَّمِير الْمَنْصُور فِي: طرقه. قَوْله: (لَيْلَة) ، أَي: لَيْلَة من اللَّيَالِي فَإِن قلت: مَا فَائِدَة ذكر لَيْلَة والطروق هُوَ الْإِتْيَان بِاللَّيْلِ؟ قلت: يكون للتَّأْكِيد، وَذكر ابْن فَارس ان معنى: طرق أَتَى من غير تَقْيِيد بِشَيْء، فعلى هَذَا تكون لَيْلَة لبَيَان وَقت الْمَجِيء، وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بقوله: لَيْلَة، أَي: مرّة وَاحِدَة. قلت: هَذَا غير موجه لِأَن أحدا لم يقل: إِن التَّنْوِين فِيهِ للمرة، فَظن أَن كَون لَيْلَة على وزن فعلة يدل على الْمرة وَلَيْسَ كَذَلِك، وَالْمعْنَى مَا ذَكرْنَاهُ. قَوْله: (أَلا تصليان؟) كلمة: أَلا، للحث والتحريض وَالْخطاب لعَلي وَفَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَوْله: (أَنْفُسنَا بيد الله) اقتباس من قَوْله تَعَالَى: {الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا} (الزمر: 24) . كَذَا قيل، وَفِيه نظر. قَوْله: (بعثنَا) ، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول، أَي: لَو شَاءَ الله أَن يوقظنا أيقظنا، وأصل الْبَعْث إثارة الشَّيْء من مَوْضِعه. قَوْله: (فَانْصَرف) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (حِين قلت) ، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة: (حِين قُلْنَا) قَوْله: (ذَلِك) إِشَارَة إِلَى قَوْله: (انفسنا بيد الله) . قَوْله: (وَلم يرجع إِلَيّ شَيْئا) ، بِفَتْح الْيَاء مَعْنَاهُ: لم يجبني، وَرجع يَأْتِي لَازِما ومتعديا. قَوْله: (وَهُوَ مول) جملَة إسمية وَقعت حَالا أَي: معرض عَنَّا مُدبرا. وَكَذَا قَوْله: (يضْرب فَخذه) ، جملَة حَالية، وَيفْعل ذَلِك عِنْد التوجع والتأسف. قَوْله: (وَهُوَ يَقُول كَذَلِك) جملَة حَالية، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك تَعَجبا من سرعَة جوابة، وَقيل: إِنَّمَا قَالَه تَسْلِيمًا لعذره وَأَنه لَا عتب عَلَيْهِ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن السُّكُوت يكون جَوَابا. وَفِيه: جَوَاز ضرب الْفَخْذ عِنْد التأسف. وَفِيه: جَوَاز الانتزاع من الْقُرْآن. وَفِيه: تَرْجِيح قَول من قَالَ: إِن اللَّام فِي قَوْله: (وَكَانَ الْإِنْسَان) للْعُمُوم لَا لخُصُوص الْكفَّار. وَفِيه: منقبة لعَلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حَيْثُ نقل مَا فِيهِ عَلَيْهِ أدنى غَضَاضَة، فَقدم مصلحَة نشر الْعلم وتبليغه على كتمه. وَفِيه: مَا نقل ابْن بطال عَن الْمُهلب أَنه: لَيْسَ للْإِمَام أَن يشدد فِي النَّوَافِل حَيْثُ قنع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقول عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (أَنْفُسنَا بيد الله) ، لِأَنَّهُ كَلَام صَحِيح فِي الْعذر عَن التَّنَفُّل، وَلَو كَانَ فرضا مَا أعذره. وَفِيه: إِشَارَة إِلَى أَن نفس النَّائِم ممسكة بيد الله تَعَالَى.
8211 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ إنْ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيَدَعَ العَمَلَ وَهْوَ يُحِبُّ أنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ وَمَا سَبَّحَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُبْحَةَ الضُّحاى قَطُّ وإنِّي لأُسَبِّحُهَا.
(الحَدِيث 8211 طرفه فِي: 7711) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْعَمَل الَّذِي كَانَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب أَن يعْمل بِهِ لَا يَخْلُو عَن تحريض أمته عَلَيْهِ، غير أَنه كَانَ يتْركهُ خشيَة أَن يعْمل بِهِ النَّاس فيفرض عَلَيْهِم، وَيحْتَمل أَن تكون الْمُطَابقَة للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة، وَهُوَ قَوْله: (والنوافل) فَإِنَّهَا أَعم من أَن تكون بِاللَّيْلِ أَو بِالنَّهَارِ، فَيكون مَحل الْمُطَابقَة للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَإِنِّي لأُسبحها) ، وَفِيه تحريض على ذَلِك، وَقد تكَرر ذكر رِجَاله.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة، أربعتهم عَن مَالك عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
قَوْله: (أَن كَانَ) ، كلمة: إِن، بِكَسْر الْهمزَة مُخَفّفَة عَن الثَّقِيلَة، وَأَصله: إِنَّه كَانَ، فَحذف ضمير الشان وخففت النُّون. قَوْله: (ليَدع) ، بِفَتْح اللَّام الَّتِي للتَّأْكِيد، أَي: ليترك. قَوْله: (خشيَة) بِالنّصب أَي: لأجل خشيَة أَن يعْمل بِهِ النَّاس، وَهُوَ مُتَعَلق بقوله: (ليَدع) . قَوْله: (فيفرض) ، بِالنّصب عطفا على: (أَن يعْمل. قَوْله: (وَمَا سبح) أَي: وَمَا تفل، وَأَرَادَ بسبحة الضُّحَى: صَلَاة الضُّحَى. قَوْله: (وَإِنِّي لأسبحها) أَي: أصليها، ويروى لاستحبها من الِاسْتِحْبَاب، وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا من عَائِشَة إِخْبَار عَمَّا عَلمته دون مَا لم تعلم، وَقد ثَبت أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى صَلَاة الضُّحَى يَوْم الْفَتْح، وَأوصى أَبَا ذَر وَأَبا هُرَيْرَة، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: أما قَوْلهَا: مَا سبح سبْحَة الضُّحَى قطّ، فَهُوَ أَن من علم من السّنَن علما خَاصّا يَأْخُذ عَنهُ بعض أهل الْعلم دون بعض، فَلَيْسَ لأحد من الصَّحَابَة إلاّ وَقد فَاتَهُ من الحَدِيث مَا أَحْصَاهُ غَيره، والإحاطة(7/175)
ممتنعة، وَإِنَّمَا حصل الْمُتَأَخّرُونَ علم ذَلِك مُنْذُ صَار الْعلم فِي الْكتب، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَ يكون عِنْد عَائِشَة فِي وَقت الضُّحَى إِلَّا فِي نَادِر من الْأَوْقَات، فإمَّا مُسَافر أَو حَاضر فِي الْمَسْجِد أَو غَيره أَو عِنْد بعض نِسَائِهِ، وَمَتى يَأْتِي يَوْمهَا بعد تِسْعَة فَيصح قَوْلهَا: مَا رَأَيْته يُصليهَا، وَتَكون قد علمت بِخَبَرِهِ أَو بِخَبَر غَيره أَنه صلاهَا، أَو المُرَاد بِمَا يُصليهَا؛ مَا يداوم عَلَيْهَا. فَيكون نفيا للمداومة لَا لأصلها. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ، رَحمَه الله قَوْله: (فيفرض عَلَيْهِم) ، يحْتَمل على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: فيفرضه الله تَعَالَى. وَالثَّانِي: فيعملوا بِهِ اعتقادا أَنه مَفْرُوض. وَقَالَ ابْن بطال: يحْتَمل حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، مَعْنيين: أَحدهمَا: أَنه يُمكن أَن يكون هَذَا القَوْل مِنْهُ فِي وَقت فرض عَلَيْهِ قيام اللَّيْل دون أمته، لقَوْله فِي الحَدِيث الآخر: (لم يَمْنعنِي من الْخُرُوج إِلَيْكُم إلاّ أَنِّي خشيت أَن تفرض عَلَيْكُم) ، فَدلَّ على أَنه كَانَ فرضا عَلَيْهِ وَحده، فَيكون معنى قَول عَائِشَة: (إِن كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَدع الْعَمَل) أَنه كَانَ يدع عمله لأمته ودعاءهم إِلَى فعلهم مَعَه، لَا أَنَّهَا أَرَادَت أَنه كَانَ يدع الْعَمَل أصلا، وَقد فَرْضه الله عَلَيْهِ، أَو نَدبه إِلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ أتقى أمته وأشدهم إجتهادا. ألاَ ترَى أَنه لما اجْتمع النَّاس من اللَّيْلَة الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة لم يخرج إِلَيْهِم؟ وَلَا شكّ أَنه صلى حزبه تِلْكَ اللَّيْلَة فِي بَيته، فخشي إِن خرج إِلَيْهِم والتزموا مَعَه صَلَاة اللَّيْل أَن يُسَوِّي الله، عز وَجل، بَينه وَبينهمْ فِي حكمهَا، فيفرضها عَلَيْهِم من أجل أَنَّهَا فرض عَلَيْهِ إِذْ الْمَعْهُود فِي الشَّرِيعَة مُسَاوَاة حَال الإِمَام وَالْمَأْمُوم فِي الصَّلَاة، فَمَا كَانَ مِنْهَا فَرِيضَة فالإمام وَالْمَأْمُوم فِيهِ سَوَاء، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهَا سنة أَو نَافِلَة. الثَّانِي: أَن يكون خشِي من مواظبتهم على صَلَاة اللَّيْل مَعَه أَن يضعفوا عَنْهَا فَيكون من تَركهَا عَاصِيا لله فِي مُخَالفَته لنَبيه وَترك أَتْبَاعه متوعدا بالعقاب على ذَلِك، لِأَن الله تَعَالَى فرض اتِّبَاعه، فَقَالَ: {واتبعوه لَعَلَّكُمْ تهتدون} (الْأَعْرَاف: 851) . وَقَالَ فَيتْرك أَتْبَاعه {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره} (النُّور: 36) . فخشي على تاركها أَن يكون كتارك مَا فرض الله عَلَيْهِ، لِأَن طَاعَة الرَّسُول كطاعته، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَفِيقًا بِالْمُؤْمِنِينَ رحِيما بهم. فَإِن قيل: كَيفَ يجوز أَن تكْتب عَلَيْهِم صَلَاة اللَّيْل وَقد أكملت الْفَرَائِض؟ قيل لَهُ: صَلَاة اللَّيْل كَانَت مَكْتُوبَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأفعاله الَّتِي تتصل بالشريعة وَاجِب على أمته الِاقْتِدَاء بِهِ فِيهَا، وَكَانَ أَصْحَابه إِذا رَأَوْهُ يواظب على فعل فِي وَقت مَعْلُوم يقتدون بِهِ ويرونه وَاجِبا، فَالزِّيَادَة إِنَّمَا يتَّصل وُجُوبهَا عَلَيْهِم من جِهَة وجوب الِاقْتِدَاء بِفِعْلِهِ، لَا من جِهَة ابْتِدَاء فرض زَائِد على الْخمس، أَو يكون أَن الله تَعَالَى لما فرض الْخمسين وحطها بِشَفَاعَتِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا عَادَتْ الْأمة فِيمَا استوهبت والتزمت متبرعة مَا كَانَت استعفت مِنْهُ، لم يستنكر ثُبُوته فرضا عَلَيْهِم، وَقد ذكر الله تَعَالَى فريقا من النَّصَارَى وَأَنَّهُمْ ابتدعوا رَهْبَانِيَّة مَا كتبناها عَلَيْهِم، ثمَّ لامهم لما قصروا فِيهَا بقوله تَعَالَى: {فَمَا رعوها حق رعايتها} (الْحَدِيد: 72) . فخشي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَكُونُوا مثلهم، فَقطع الْعَمَل شَفَقَة على أمته.
9211 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ. قالَ أخْبرنا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ عنْ عَائِشةَ أمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي المَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ ناسٌ ثُمَّ صَلَّى مِنَ القَابِلَةِ فكَثُرَ النَّاسُ ثُم اجتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةَ أوِ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلمَّا أصْبَحَ قَالَ قَدْ رَأيْتُ الذِي صَنَعْتُمْ ولَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الخُرُوجِ إلَيْكُمْ إلاَّ أنِّي خَشِيتُ أنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ وَذالِكَ فِي رَمَضَانَ..
هَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه مثل إِسْنَاد الحَدِيث الأول.
قَوْله: (صلى ذَات لَيْلَة فِي الْمَسْجِد) أَي: صلى صَلَاة اللَّيْل فِي لَيْلَة من ليَالِي رَمَضَان. قَوْله: (ثمَّ صلى من الْقَابِلَة) أَي: من اللَّيْلَة الثَّانِيَة، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: (ثمَّ صلى من الْقَابِل) أَي: من الْوَقْت الْقَابِل من اللَّيْلَة الْقَابِلَة. قَوْله: (من اللَّيْلَة الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة) ، كَذَا رَوَاهُ مَالك بِالشَّكِّ، وَفِي رِوَايَة عقيل عَن ابْن شهَاب: (فصلى النَّاس بِصَلَاتِهِ فَأصْبح النَّاس فتحدثوا) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب: (يتحدثون بذلك) ، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن ابْن جريج عَن ابْن شهَاب: (فَلَمَّا أصبح تحدثُوا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي الْمَسْجِد من جَوف اللَّيْل، فَاجْتمع أَكثر مِنْهُم) ، وَزَاد يُونُس (فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة فصلوا مَعَه، فَأصْبح النَّاس يذكرُونَ ذَلِك، فَكثر أهل الْمَسْجِد فِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة، فَخرج فصلوا بِصَلَاتِهِ، فَلَمَّا كَانَت الرَّابِعَة عجز الْمَسْجِد عَن أَهله) . وَفِي رِوَايَة ابْن جريج أَيْضا: (حَتَّى كَاد الْمَسْجِد يعجز عَن(7/176)
أَهله) ، وَلأَحْمَد فِي رِوَايَة عَن معمر عَن ابْن شهَاب: امْتَلَأَ الْمَسْجِد حَتَّى اغتص بأَهْله) ، وَله من رِوَايَة سُفْيَان بن حُسَيْن عَنهُ: (فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة الرَّابِعَة غص الْمَسْجِد بأَهْله) . قَوْله: (فَلم يخرج إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن ابْن جريج: (حَتَّى سَمِعت نَاسا مِنْهُم يَقُولُونَ: الصَّلَاة) ، وَفِي رِوَايَة سُفْيَان بن حُسَيْن عَنهُ: (فَقَالُوا مَا شَأْنه؟) وَفِي حَدِيث زيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الِاعْتِصَام: حَدثنَا إِسْحَاق أخبرنَا عَفَّان حَدثنَا وهيب حَدثنَا مُوسَى بن عقبَة سَمِعت أَبَا النَّضر يحدث عَن بسر بن سعيد، (عَن زيد بن ثَابت: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتخذ حجرَة فِي الْمَسْجِد من حَصِير، فصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا ليَالِي حَتَّى اجْتمع إِلَيْهِ نَاس، ثمَّ فقدوا صَوته لَيْلَة فظنوا أَنه قد نَام، فَجعل بَعضهم يَتَنَحْنَح ليخرج إِلَيْهِم فَقَالَ: مَا زَالَ بكم الَّذِي رَأَيْت من صنيعكم حَتَّى خشيت أَن يكْتب عَلَيْكُم، وَلَو كتب عَلَيْكُم مَا قُمْتُم بِهِ، فصلوا أَيهَا النَّاس فِي بُيُوتكُمْ فَإِن أفضل صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إلاّ الْمَكْتُوبَة) . وَأخرجه أَيْضا فِي الْأَدَب، وَلَفظه: (احتجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجيرة مخصفة، أَو حجيرا فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فِيهَا فتتبع إِلَيْهِ رجال فجاؤا يصلونَ بصلاتهم، ثمَّ جاؤا لَيْلَة فَحَضَرُوا وَأَبْطَأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهُم، فَلم يخرج إِلَيْهِم، فَرفعُوا أَصْوَاتهم وحصبوا الْبَاب، فَخرج إِلَيْهِم مغضبا فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا زَالَ بكم صنيعكم حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيكتب عَلَيْكُم، فَعَلَيْكُم بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتكُمْ فَإِن خير صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إلاّ الْمَكْتُوبَة) . وَأخرجه مُسلم أَيْضا وَفِيه: (فَأَبْطَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهُم فَلم يخرج إِلَيْهِم، فَرفعُوا أَصْوَاتهم وحصبوا الْبَاب. .) وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا وَفِيه: (حَتَّى إِذا كَانَ لَيْلَة من اللَّيَالِي لم يخرج إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فتنحنحوا وَرفعُوا أَصْوَاتهم وحصبوا بَابه. .) الحَدِيث. وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا نَحْو رِوَايَة البُخَارِيّ. قَوْله: (فَلَمَّا أصبح قَالَ: قد رَأَيْت الَّذِي صَنَعْتُم) وَفِي رِوَايَة عقيل: (فَلَمَّا قضى صَلَاة الْفجْر أقبل على النَّاس وَتشهد ثمَّ قَالَ: أما بعد، فَإِنَّهُ لم يخف على مَكَانكُمْ) . وَفِي رِوَايَة يُونُس وَابْن جريج: (لم يخف عَليّ شَأْنكُمْ) ، وَفِي رِوَايَة أبي سَلمَة: (أكلفوا من الْعَمَل مَا تطيقون، وَفِي رِوَايَة معمر أَن الَّذِي سَأَلَهُ عَن ذَلِك بعد أَن أصبح عمر بن الْخطاب. قَوْله: (أَن تفرض عَلَيْكُم) أَي: بِأَن تفرض عَلَيْكُم صَلَاة اللَّيْل، يدل عَلَيْهِ رِوَايَة يُونُس: (وَلَكِنِّي خشيت أَن تفرض عَلَيْكُم صَلَاة اللَّيْل فتعجزوا عَنْهَا) ، وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي سَلمَة الْمَذْكُور قبيل صفة الصَّلَاة، (خشيت أَن تكْتب عَلَيْكُم صَلَاة اللَّيْل) ، فدلت هَذِه الرِّوَايَات على أَن عدم خُرُوجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم كَانَ للخشية عَن فَرضِيَّة هَذِه الصَّلَاة لَا لعِلَّة أُخْرَى. قَوْله: (وَذَلِكَ فِي رَمَضَان) كَلَام عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، ذكرته إدراجا لتبين أَن هَذِه الْقَضِيَّة كَانَت فِي شهر رَمَضَان. فَإِن قلت: لم يبين فِي الرِّوَايَات الْمَذْكُورَة عدد هَذِه الصَّلَاة الَّتِي صلاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تِلْكَ اللَّيَالِي؟ قلت: روى ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان من حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَمَضَان ثَمَان رَكْعَات ثمَّ أوتر) . (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ جَوَاز النَّافِلَة جمَاعَة وَلَكِن الْأَفْضَل فِيهَا الِانْفِرَاد وَفِي التَّرَاوِيح اخْتلف الْعلمَاء فَذهب اللَّيْث بن سعد وَعبد الله بن الْمُبَارك وَأحمد وَإِسْحَق إِلَى أَن قيام التَّرَاوِيح مَعَ الإِمَام فِي شهر رَمَضَان أفضل مِنْهُ فِي الْمنَازل وَقَالَ بِهِ قوم من الْمُتَأَخِّرين من أَصْحَاب أبي حنيفَة وَأَصْحَاب الشَّافِعِي فَمن أَصْحَاب أبي حنيفَة عِيسَى بن أبان وبكار بن قُتَيْبَة وَأحمد بن أبي عمرَان أحد مَشَايِخ الطَّحَاوِيّ وَمن أَصْحَاب الشَّافِعِي إِسْمَاعِيل بن يحيى الْمُزنِيّ وَمُحَمّد بن عبد الله بن الحكم وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث أبي ذَر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " صمت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَمَضَان فَلم يقم بِنَا حَتَّى بَقِي سبع من الشَّهْر فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة السَّابِعَة خرج فصلى بِنَا حَتَّى مضى ثلث اللَّيْل ثمَّ لم يصل بِنَا السَّادِسَة ثمَّ خرج لَيْلَة الْخَامِسَة فصلى بِنَا حَتَّى مضى شطر اللَّيْل فَقُلْنَا يَا رَسُول الله لَو نفلتنا فَقَالَ إِن الْقَوْم إِذا صلوا مَعَ الإِمَام حَتَّى ينْصَرف كتب لَهُم قيام تِلْكَ اللَّيْلَة ثمَّ لم يصل بِنَا الرَّابِعَة حَتَّى إِذا كَانَت لَيْلَة الثَّالِثَة خرج وَخرج بأَهْله فصلى بِنَا حَتَّى خشينا أَن يفوتنا الْفَلاح فَقلت وَمَا الْفَلاح قَالَ السّحُور " أخرجه الطَّحَاوِيّ وأخره التِّرْمِذِيّ نَحوه غير أَن فِي لَفظه " من قَامَ مَعَ الإِمَام حَتَّى ينْصَرف كتب لَهُ قيام لَيْلَة " وَأخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَيْضا ويحكى ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب وَمُحَمّد بن سِيرِين وَطَاوُس (قلت) هُوَ مَذْهَب أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة وَقَالَ صَاحب الْهِدَايَة يسْتَحبّ أَن يجْتَمع النَّاس فِي شهر رَمَضَان بعد الْعشَاء فَيصَلي بهم إمَامهمْ خمس ترويحات ثمَّ قَالَ وَالسّنة فِيهَا الْجَمَاعَة لَكِن على وَجه الْكِفَايَة حَتَّى لَو امْتنع أهل الْمَسْجِد من إِقَامَتهَا كَانُوا مسيئين وَلَو أَقَامَهَا الْبَعْض فالمتخلف عَن الْجَمَاعَة تَارِك للفضيلة لِأَن أَفْرَاد الصَّحَابَة يرْوى عَنْهُم التَّخَلُّف (قلت) روى الطَّحَاوِيّ عَن نَافِع " عَن ابْن عمر أَنه كَانَ لَا يُصَلِّي خلف الإِمَام فِي شهر(7/177)
رَمَضَان " وَأخرج ابْن أبي شيبَة أَيْضا فِي مُصَنفه " عَن ابْن عمر أَنه كَانَ لَا يقوم مَعَ النَّاس فِي شهر رَمَضَان قَالَ وَكَانَ الْقَاسِم وَسَالم لَا يقومان مَعَ النَّاس " وَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَرَبِيعَة إِلَى أَن صلَاته فِي بَيته أفضل من صلَاته مَعَ الإِمَام وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالْأسود وعلقمة وَقَالَ أَبُو عمر اخْتلفُوا فِي الْأَفْضَل من الْقيام مَعَ النَّاس أَو الِانْفِرَاد فِي شهر رَمَضَان فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ صَلَاة الْمُنْفَرد فِي بَيته أفضل وَقَالَ مَالك وَكَانَ ربيعَة وَغير وَاحِد من عُلَمَائِنَا يَنْصَرِفُونَ وَلَا يقومُونَ مَعَ النَّاس وَقَالَ مَالك وَأَنا أفعل ذَلِك وَمَا قَامَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا فِي بَيته وَإِلَيْهِ مَال الطَّحَاوِيّ وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عمر وَسَالم وَالقَاسِم وَنَافِع أَنهم كَانُوا يَنْصَرِفُونَ وَلَا يقومُونَ مَعَ النَّاس وَقَالَ التِّرْمِذِيّ وَاخْتَارَ الشَّافِعِي أَن يُصَلِّي الرجل وَحده إِذا كَانَ قَارِئًا وَالْكَلَام فِي التَّرَاوِيح على أَنْوَاع. الأول أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِيهَا هَل هِيَ سنة أَو تطوع مُبْتَدأ فَقَالَ الإِمَام حميد الدّين الضزيري رَحمَه الله نفس التَّرَاوِيح سنة وَأما أَدَاؤُهَا بِالْجَمَاعَة فمستحب وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَن نفس التَّرَاوِيح سنة لَا يجوز تَركهَا وَقَالَ الصَّدْر الشَّهِيد هُوَ الصَّحِيح وَفِي جَوَامِع الْفِقْه التَّرَاوِيح سنة مُؤَكدَة وَالْجَمَاعَة فِيهَا وَاجِبَة وَفِي رَوْضَة الْحَنَفِيَّة وَالْجَمَاعَة فَضِيلَة وَفِي الذَّخِيرَة لنا عَن أَكثر الْمَشَايِخ أَن إِقَامَتهَا بِالْجَمَاعَة سنة على الْكِفَايَة الثَّانِي أَن عَددهَا عشرُون رَكْعَة وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَنَقله القَاضِي عَن جُمْهُور الْعلمَاء وَحكي أَن الْأسود بن يزِيد كَانَ يقوم بِأَرْبَعِينَ رَكْعَة ويوتر بِسبع وَعند مَالك سِتَّة وَثَلَاثُونَ رَكْعَة غير الْوتر وَاحْتج على ذَلِك بِعَمَل أهل الْمَدِينَة وَاحْتج أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيَّة والحنابلة بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح " عَن السَّائِب بن يزِيد الصَّحَابِيّ قَالَ كَانُوا يقومُونَ على عهد عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِعشْرين رَكْعَة وعَلى عهد عُثْمَان وَعلي رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا مثله " وَفِي الْمُغنِي عَن عَليّ أَنه أَمر رجلا أَن يُصَلِّي بهم فِي رَمَضَان بِعشْرين رَكْعَة قَالَ وَهَذَا كالإجماع (فَإِن قلت) قَالَ فِي الْمُوَطَّأ عَن يزِيد بن رُومَان قَالَ كَانَ النَّاس فِي زمن عمر يقومُونَ فِي رَمَضَان بِثَلَاث وَعشْرين رَكْعَة (قلت) قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَالثَّلَاث هُوَ الْوتر وَيزِيد لم يدْرك عمر فَيكون مُنْقَطِعًا وَالْجَوَاب عَمَّا قَالَه مَالك أَن أهل مَكَّة كَانُوا يطوفون بَين كل ترويحتين وَيصلونَ رَكْعَتي الطّواف وَلَا يطوفون بعد الترويحة الْخَامِسَة فَأَرَادَ أهل الْمَدِينَة مساواتهم فَجعلُوا مَكَان كل طواف أَربع رَكْعَات فزادوا سِتّ عشرَة رَكْعَة وَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَحَق وَأولى أَن يتبع الثَّالِث فِي وَقتهَا وَهُوَ بعد الْعشَاء وَقبل الْوتر عندنَا وَهُوَ قَول عَامَّة مَشَايِخ بُخَارى وَالأَصَح أَن وَقتهَا بعد الْعشَاء إِلَى آخر اللَّيْل قبل الْوتر وَبعده وَفِي الْمَبْسُوط الْمُسْتَحبّ فعلهَا إِلَى نصف اللَّيْل أَو ثلثه كَمَا فِي الْعشَاء وَفِي الْمُحِيط لَا يجوز قبل الْعشَاء وَيجوز بعد الْوتر وَلم يحك فِيهِ خلافًا. الرَّابِع أَن أَكثر الْمَشَايِخ على أَن السّنة فِيهَا الْخَتْم فَلَا يتْرك لكسل الْقَوْم وَقيل يقْرَأ مِقْدَار مَا يقْرَأ فِي الْمغرب تَحْقِيقا للتَّخْفِيف قَالَ شمس الْأَئِمَّة هَذَا غير مستحسن وَقيل يقْرَأ من عشْرين آيَة إِلَى ثَلَاثِينَ آيَة كَمَا أَمر عمر بن الْخطاب أحد الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة على مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ دَعَا عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بذلك من الْقُرَّاء فاستقرأهم فَأمر أسرعهم قِرَاءَة أَن يقْرَأ للنَّاس بِثَلَاثِينَ آيَة فِي كل رَكْعَة وأوسطهم بِخمْس وَعشْرين آيَة وأبطأهم بِعشْرين آيَة (وَمن فَوَائِد الحَدِيث الْمَذْكُور) جَوَاز الِاقْتِدَاء بِمن لم ينْو إِمَامَته وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور إِلَّا رِوَايَة عَن الشَّافِعِي. وَفِيه إِذا تَعَارَضَت مصلحَة وَخَوف مفْسدَة أَو مصلحتان اعْتبر أهمهما لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ رأى الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد لبَيَان الْجَوَاز أَو أَنه كَانَ معتكفا فَلَمَّا عَارضه خوف الافتراض عَلَيْهِم تَركه لعظم الْمفْسدَة الَّتِي تخَاف من عجزهم وتركهم الْفَرْض. وَفِيه أَن الإِمَام أَو كَبِير الْقَوْم إِذا فعل شَيْئا خلاف مَا يتوقعه أَتْبَاعه وَكَانَ لَهُ عذر فِيهِ يذكرهُ لَهُم تطييبا لقُلُوبِهِمْ وإصلاحا لذات الْبَيْت لِئَلَّا يَظُنُّوا خلاف هَذَا وَرُبمَا ظنُّوا ظن السوء وَفِيه جَوَاز الْفِرَار من قدر الله إِلَى قدر الله قَالَه الْمُهلب. وَفِيه مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الزهادة فِي الدُّنْيَا والاكتفاء بِمَا قل مِنْهَا والشفقة على أمته والرأفة بهم. وَفِيه الْأَذَان وَالْإِقَامَة للنوافل إِذا صليت جمَاعَة قَالَ ابْن بطال. وَفِيه أَن قيام رَمَضَان سنة بِالْجَمَاعَة وَلَيْسَ كَمَا زَعمه بَعضهم أَنه سنة عمر رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ أَجمعُوا على أَنه لَا يجوز تَعْطِيل الْمَسَاجِد عَن قيام رَمَضَان فَهُوَ وَاجِب على الْكِفَايَة(7/178)
(بَاب قيام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى ترم قدماه)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان قيام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَعْنِي صَلَاة اللَّيْل هَذِه التَّرْجَمَة على هَذَا الْوَجْه رِوَايَة كَرِيمَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بَاب قيام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اللَّيْل قَوْله " حَتَّى ترم " كلمة حَتَّى للغاية وَمَعْنَاهَا إِلَى أَن ترم وَلَفْظَة ترم مَنْصُوبَة بِأَن الْمقدرَة وَهُوَ بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق فعل مضارع للمؤنث وماضيه ورم وَهُوَ من بَاب فعل يفعل بِالْكَسْرِ فيهمَا تَقول ورم يرم ورما وَمعنى ورم انتفخ وأصل ترم تورم فحذفت الْوَاو مِنْهُ كَمَا حذفت من بعد ويمق وَنَحْوهمَا فِي كل مَا جَاءَ فِي هَذَا الْبَاب قيل هَذَا شَاذ وَقيل نَادِر وَلَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا هُوَ قَلِيل لِأَنَّهُ لَا يدْخل فِي دعائم الْأَبْوَاب وَقَوله " قدماه " مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل ترم.
(وَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَامَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى تفطر قدماه والفطور الشقوق انفطرت انشقت) ويروى " قَامَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَفِي رِوَايَة الْكشميهني قَالَت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا " كَانَ يقوم " وَهَذَا التَّعْلِيق أخرجه البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير مُسْندًا فِي سُورَة الْفَتْح " حَتَّى تفطر " على وزن تفعل بِالتَّشْدِيدِ بتاء وَاحِدَة وَهُوَ على صِيغَة الْمَاضِي فَتكون الرَّاء مَفْتُوحَة وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ تتفطر بتاءين وَقد يَأْتِي فِيمَا كَانَ بتاءين حذف إِحْدَاهمَا كَمَا فِي قَوْله " نَار تلظى " أَصله تتلظى بتاءين فَلم تحذف هَهُنَا فعلى هَذَا تكون الرَّاء مَضْمُومَة وعَلى الأَصْل رِوَايَة الْأصيلِيّ وَقَوله " قدماه " مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل " تفطر ".
(حَدثنَا أَبُو نعيم قَالَ حَدثنَا مسعر عَن زِيَاد قَالَ سَمِعت الْمُغيرَة رَضِي الله عَنهُ يَقُول إِن كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليقوم أَو ليُصَلِّي حَتَّى ترم قدماه أَو ساقاه فَيُقَال لَهُ فَيَقُول أَفلا أكون عبدا شكُورًا) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. (ذكر رِجَاله) وهم أَرْبَعَة. الأول أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن. الثَّانِي مسعر بِكَسْر الْمِيم بن كدام العامري الْهِلَالِي مر فِي بَاب الْوضُوء بِالْمدِّ. الثَّالِث زِيَاد بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن علاقَة الثَّعْلَبِيّ مر فِي آخر كتاب الْإِيمَان. الرَّابِع الْمُغيرَة بن شُعْبَة. (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَفِيه السماع وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن رجال إِسْنَاده كوفيون وَهُوَ من الرباعيات وَفِيه مسعر عَن زِيَاد وَقَالَ البُخَارِيّ فِي الرقَاق عَن خَلاد بن يحيى عَن مسعر حَدثنَا زِيَاد بن علاقَة والحفاظ من أَصْحَاب مسعر رووا عَنهُ عَن زِيَاد وَخَالفهُم مُحَمَّد بن بشر وَحده فَرَوَاهُ عَن مسعر عَن قَتَادَة عَن أنس أخرجه الْبَزَّار وَقَالَ الصَّوَاب عَن مسعر عَن زِيَاد وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة أبي قَتَادَة الْحَرَّانِي عَن مسعر عَن عَليّ بن الْأَقْمَر عَن أبي جُحَيْفَة قيل أَخطَأ فِيهِ أَيْضا وَالصَّوَاب مسعر عَن زِيَاد بن علاقَة (قلت) مسعر كَمَا روى عَن زِيَاد روى أَيْضا عَن عَليّ بن الْأَقْمَر فَمَا وَجه التخطئة وَلم يبين مدعيها (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الرقَاق عَن خَلاد بن يحيى وَفِي التَّفْسِير عَن صَدَقَة ابْن الْفضل عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَأخرجه مُسلم فِي أَوَاخِر الْكتاب عَن قُتَيْبَة وَعَن ابْن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة وَبشر بن معَاذ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَعمر بن مَنْصُور وَفِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة أَيْضا عَن أبي عوَانَة بِهِ وَفِي الرقَاق عَن سُوَيْد بن نصر وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن هِشَام بن عمار (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " إِن كَانَ ليقوم " كلمة إِن مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة وَهِي بِكَسْر الْهمزَة وَضمير الشَّأْن فِيهِ مَحْذُوف وَالتَّقْدِير أَنه كَانَ وَاللَّام فِي ليقوم مَفْتُوحَة للتَّأْكِيد وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة " ليقوم يُصَلِّي " وَفِي حَدِيث عَائِشَة " كَانَ يقوم من اللَّيْل " قَوْله " أَو ليُصَلِّي " شكّ من الرَّاوِي قَوْله " حَتَّى ترم " قد مر تَفْسِيره عَن قريب وَفِي رِوَايَة خَلاد بن يحيى " حَتَّى ترم أَو تنتفخ " وَعند التِّرْمِذِيّ " حَتَّى انتفخت قدماه " وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي تَفْسِير الْفَتْح " حَتَّى تورمت " وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن أبي(7/179)
هُرَيْرَة حَتَّى تزلع وَلَا اخْتِلَاف فِي الْحَقِيقَة فِي هَذِه الرِّوَايَة لِأَن كلهَا ترجع إِلَى معنى وَاحِد وروى الْبَزَّار من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سفينة عَن أَبِيه عَن جده " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تعبد قبل أَن يَمُوت وَاعْتَزل النِّسَاء حَتَّى صَار كَأَنَّهُ شن " وَفِي سَنَده مُحَمَّد بن الْحجَّاج قَالَ ابْن معِين لَيْسَ بِثِقَة قَوْله " أَو ساقاه " شكّ من الرَّاوِي وَفِي رِوَايَة خَلاد " قدماه " من غير شكّ قَوْله " فَيُقَال لَهُ " لم يذكر الْمَقُول وَلَا بَين الْقَائِل من هُوَ أما الْمَقُول فمقدر تَقْدِيره فَيُقَال لَهُ غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه الْبَزَّار " فَقيل لَهُ يَا رَسُول الله أتفعل هَذَا وَقد جَاءَك من الله أَن قد غفر لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر " وَفِي حَدِيث أنس أخرجه الْبَزَّار أَيْضا وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط " فَقيل لَهُ أَلَيْسَ قد غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر " وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود أخرجه الطَّبَرَانِيّ الصَّغِير " فَقيل لَهُ يَا رَسُول الله أوليس الله قد غفر لَك " وَفِي حَدِيث النُّعْمَان بن بشير أخرجه الطَّبَرَانِيّ " فَقيل يَا رَسُول الله أوليس الله قد غفر لَك " وَفِي حَدِيث أبي جُحَيْفَة أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير " فَقيل يَا رَسُول الله قد غفر الله لَك " وَأما بَيَان الْقَائِل فَفِي حَدِيث عَائِشَة " لم تصنع هَذَا يَا رَسُول الله وَقد غفر الله لَك " وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة " فَقيل لَهُ أتتكلف هَذَا " قَوْله " أَفلا أكون عبدا شكُورًا " الْفَاء فِيهِ للسَّبَبِيَّة بَيَان أَن الشُّكْر سَبَب للمغفرة والتهجد هُوَ الشُّكْر فَلَا يتْركهُ (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) قَالَ ابْن بطال فِيهِ أَن أَخذ الْإِنْسَان على نَفسه بالشدة فِي الْعِبَادَة وَإِن أضرّ ذَلِك بِبدنِهِ وَله أَن يَأْخُذ بِالرُّخْصَةِ ويكلف نَفسه بِمَا سمحت إِلَّا أَن الْأَخْذ بالشدة أفضل لِأَنَّهُ إِذا فعل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد غفر لَهُ فَكيف من لم يعلم أَنه اسْتحق النَّار أم لَا وَإِنَّمَا ألزم الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام أنفسهم شدَّة الْخَوْف لعلمهم عَظِيم نعْمَة الله عَلَيْهِم وَأَنه ابتدأهم بهَا قبل اسْتِحْقَاقهَا فبذلوا مجهودهم فِي شكره مَعَ أَن حُقُوق الله تَعَالَى أعظم من أَن يقوم بهَا الْعباد وَقَالَ بعض الْعلمَاء مَا ورد فِي الْقُرْآن وَالسّنة من ذكر ذَنْب لبَعض الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام كَقَوْلِه {وَعصى آدم ربه فغوى} وَنَحْو ذَلِك فَلَيْسَ لنا أَن نقُول ذَلِك فِي غير الْقُرْآن وَالسّنة حَيْثُ ورد ويؤول ذَلِك على ترك الأولى وَسميت ذنوبا لعظم مقدارهم كَمَا قَالَ بَعضهم حَسَنَات الْأَبْرَار سيئات المقربين وعَلى هَذَا فَمَا وَجه قَول من سَأَلَهُ من الصَّحَابَة بقوله " أتتكلف هَذَا وَقد غفر لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر " وَالْجَوَاب أَن من سَأَلَهُ عَن ذَلِك إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَا وَقع فِي سُورَة الْفَتْح وَلَعَلَّ بعض الروَاة اختصر عزو ذَلِك إِلَى الله لما جَاءَ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة " تفعل ذَلِك وَقد جَاءَك من الله أَن قد غفر لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر " وَلَك أَن تَقول دلّ قَوْله " وَمَا تَأَخّر " على انْتِفَاء الذَّنب لِأَن مَا لم يَقع إِلَى الْآن لَا يُسمى ذَنبا فِي الْخَارِج وَأَرَادَ الله تأمينه بذلك لشدَّة خَوفه حَيْثُ قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِنِّي لأعلمكم بِاللَّه وأشدكم لَهُ خشيَة " فَأَرَادَ لَو وَقع مِنْك ذَنْب لَكَانَ مغفورا وَلَا يلْزم من فرض ذَلِك وُقُوعه وَالله تَعَالَى أعلم. وَفِي " أَفلا أكون عبدا شكُورًا " أَن الشُّكْر يكون بِالْعَمَلِ كَمَا يكون بِاللِّسَانِ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {اعْمَلُوا آل دَاوُد شكرا} فَإِذا وَفقه الله تَعَالَى لعمل صَالح شكر ذَلِك بِعَمَل آخر ثمَّ يكون شكر ذَلِك الْعلم الثَّانِي بِعَمَل آخر ثَالِث فيتسلسل ذَلِك إِلَى غير نِهَايَة
(بَاب من نَام عِنْد السحر)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من نَام عِنْد السحر وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ والكشميهني " عِنْد السّحُور " السحر بِفتْحَتَيْنِ قبيل الصُّبْح تَقول لَقيته سحرنَا هَذَا إِذا أردْت بِهِ سحر ليلتك لم تصرفه لِأَنَّهُ معدول عَن الْألف وَاللَّام وَهُوَ معرفَة وَقد غلب عَلَيْهِ التَّعْرِيف بِغَيْر إِضَافَة وَلَا ألف وَلَام وَإِذا أردْت بِسحر بكرَة صرفته كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِلَّا آل لوط نجيناهم بِسحر} والسحور مَا يتسحر بِهِ وَهُوَ أَيْضا لَا يكون إِلَّا قبيل الصُّبْح وَلكُل وَاحِد من الرِّوَايَتَيْنِ وَجه وَلَكِن عِنْد السحر أوجه وَأقرب
160 - (حَدثنَا عَليّ بن عبد الله قَالَ حَدثنَا سُفْيَان قَالَ حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار أَن عَمْرو بن أَوْس أخبرهُ أَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي رَضِي الله عَنْهُمَا أخبرهُ أَن رَسُول الله(7/180)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ أحب الصَّلَاة إِلَى الله صَلَاة دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَأحب الصّيام إِلَى الله صِيَام دَاوُد وَكَانَ ينَام نصف اللَّيْل وَيقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا) مطابقته للتَّرْجَمَة " وينام سدسه " وَهُوَ النّوم عِنْد السحر كَمَا سنبينه عَن قريب (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ. الثَّانِي سُفْيَان بن عُيَيْنَة. الثَّالِث عَمْرو بن دِينَار. الرَّابِع عَمْرو بن أَوْس الثَّقَفِيّ الْمَكِّيّ مَاتَ سنة أَرْبَعَة وَتِسْعين وَفِي تذهيب التَّهْذِيب عَمْرو بن أَوْس الثَّقَفِيّ الطَّائِفِي ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات وَقَالَ بَعضهم هُوَ تَابِعِيّ كَبِير وَوهم من ذكره فِي الصَّحَابَة وَإِنَّمَا الصُّحْبَة لِأَبِيهِ وَذكر الذَّهَبِيّ عَمْرو بن أَوْس فِي تَجْرِيد الصَّحَابَة وَقَالَ عَمْرو بن أَوْس الثَّقَفِيّ الطَّائِفِي لَهُ وفادة وَرِوَايَة روى عَنهُ ابْنه عُثْمَان. الْخَامِس عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي موضِعين وَفِيه أَن شَيْخه مدنِي والبقية مكيون وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ وعَلى قَول من يَقُول أَن عَمْرو بن أَوْس من الصَّحَابَة يكون فِيهِ رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ. (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَن قُتَيْبَة وَأخرجه مُسلم فِي الصَّوْم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان وَعَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل وَمُحَمّد بن عِيسَى ومسدد ثَلَاثَتهمْ عَن سُفْيَان بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة بِهِ وَأخرجه ابْن ماجة فِي الصَّوْم عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الشَّافِعِي الْمَكِّيّ عَن سُفْيَان بِهِ (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " لَهُ " أَي لعبد الله بن عَمْرو قَوْله " أحب الصَّلَاة إِلَى الله " لَفْظَة أحب بِمَعْنى المحبوب وَهُوَ قَلِيل إِذْ غَالب أفعل التَّفْضِيل أَن يكون بِمَعْنى الْفَاعِل وَإِطْلَاق الْمحبَّة على الله تَعَالَى كِنَايَة عَن إِرَادَة الْخَيْر قَوْله " صَلَاة دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام " وَقَالَ الْمُهلب كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يجم نفس بنوم أول اللَّيْل ثمَّ يقوم فِي الْوَقْت الَّذِي يُنَادي فِيهِ الرب هَل من سَائل فَأعْطِيه سؤله هَل من مُسْتَغْفِر فَأغْفِر لَهُ ثمَّ يسْتَدرك من النّوم مَا يستريح بِهِ من نصب الْقيام فِي بَقِيَّة اللَّيْل وَإِنَّمَا صَار ذَلِك أحب إِلَى الله من أجل الْأَخْذ بالرفق على النُّفُوس الَّتِي يخْشَى مِنْهَا السَّآمَة الَّتِي هِيَ سَبَب ترك الْعِبَادَة وَالله يحب أَن يديم فَضله ويوالي إحسانه وَقيل يُرَاد بقوله " أحب الصَّلَاة إِلَى الله صَلَاة دَاوُد " من عدا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لقَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا المزمل قُم اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا} الْآيَات وَفِيه نظر لِأَن هَذَا الْأَمر قد نسخ وَفِي كتاب الْمحَامِلِي وَإِن صلى بعض اللَّيْل فَأَي وَقت أفضل فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن يُصَلِّي جَوف اللَّيْل وَالثَّانِي وَقت السحر ليُصَلِّي بِهِ صَلَاة الْفجْر قَوْله " وَأحب الصّيام إِلَى الله صِيَام دَاوُد " ظَاهره أَنه أفضل من صَوْم الدَّهْر عِنْد عدم التضرر وَلَا شكّ أَن الْمُكَلف لم يتعبد بالصيام خَاصَّة بل بِهِ وبالحج وبالجهاد وَغير ذَلِك فَإِذا استفرغ جهده فِي الصَّوْم خَاصَّة انْقَطَعت قوته وَبَطلَت سَائِر الْعِبَادَات فَأمر أَن يستبقي قوته قَوْله " وَكَانَ " أَي دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهَذَا بَيَان صلَاته وَقَوله " ويصوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا " بَيَان صِيَامه
161 - (حَدثنِي عَبْدَانِ قَالَ أَخْبرنِي أبي عَن شُعْبَة عَن أَشْعَث قَالَ سَمِعت أبي قَالَ سَمِعت مسروقا قَالَ سَأَلت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَي الْعَمَل كَانَ أحب إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَت الدَّائِم قلت مَتى كَانَ يقوم قَالَت يقوم إِذا سمع الصَّارِخ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " إِذا سمع الصَّارِخ " والصارخ هُوَ الديك وَإِنَّمَا كَانَ يصْرخ فِي حُدُود الثُّلُث الْأَخير وَوقت السحر فِيهِ (ذكر رِجَاله) وهم سَبْعَة الأول عَبْدَانِ بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة واسْمه عبد الله وعبدان لقب عَلَيْهِ وَقد مر فِي كتاب الْوَحْي الثَّانِي أَبوهُ عُثْمَان بن جبلة بِفَتْح الْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة مر فِي بَاب تَضْييع الصَّلَاة عَن وَقتهَا الثَّالِث شُعْبَة بن الْحجَّاج وَقد تكَرر ذكره الرَّابِع أَشْعَث بِسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَفِي آخِره تَاء مُثَلّثَة الْخَامِس أَبوهُ أَبُو الشعْثَاء واسْمه سليم بن أسود الْمحَاربي السَّادِس مَسْرُوق بن الأجدع(7/181)
السَّابِع عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَفِيه السماع فِي موضِعين وَفِيه القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه السُّؤَال فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه أَن شَيْخه مروزي سكن الْبَصْرَة وَأَبوهُ كَذَلِك وَشعْبَة واسطي وَأَشْعَث وَأَبوهُ ومسروق كوفيون وَفِيه أَن شَيْخه مَذْكُور بلقبه وَفِيه رِوَايَة الابْن عَن الْأَب فِي موضِعين وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن الصحابية. (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي هَذَا الْبَاب عَن مُحَمَّد عَن أبي الْأَحْوَص وَأخرجه فِي الرقَاق أَيْضا عَن عَبْدَانِ عَن أَبِيه وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن هناد عَن أبي الْأَحْوَص بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الرَّازِيّ وهناد بن السّري كِلَاهُمَا عَن أبي الْأَحْوَص وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن صدران (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " الدَّائِم " مَرْفُوع لِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَهُوَ من الدَّوَام وَهُوَ الْمُلَازمَة الْعُرْفِيَّة لَا شُمُول الْأَزْمِنَة لِأَنَّهُ مُتَعَذر وَمَا ذَاك إِلَّا تَكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق وَيُقَال الدَّوَام على الْعَمَل الْقَلِيل يكون أَكثر وَإِذا تكلّف الْمَشَقَّة فِي الْعَمَل انْقَطع عَنهُ فَيكون أقل قَوْله " الصَّارِخ " أَي الديك والصرخة الصَّيْحَة الشَّدِيدَة قَالَ مُحَمَّد بن نَاصِر جرت الْعَادة بِأَن الديك يَصِيح عِنْد نصف اللَّيْل غَالِبا وَقَالَ ابْن التِّين هُوَ مُوَافق لقَوْل ابْن عَبَّاس نصف اللَّيْل أَو قبله بِقَلِيل أَو بعده بِقَلِيل وَقَالَ ابْن بطال الصَّارِخ يصْرخ عِنْد ثلث اللَّيْل فَكَانَ دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يتحَرَّى الْوَقْت الَّذِي يُنَادي الله فِيهِ هَل من سَائل كَذَا وَالْمرَاد من الدَّوَام قِيَامه كل لَيْلَة فِي ذَلِك الْوَقْت لَا الدَّوَام الْمُطلق (قلت) وَبِهَذَا يُجَاب عَمَّا يُقَال الصَّارِخ يدل على عدم الدَّوَام فَيكون مناقضا لقَوْله " الدَّائِم " (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ الْحَث على المداومة على الْعَمَل وَإِن قَلِيله الدَّائِم خير من كثير يَنْقَطِع وَذَلِكَ لِأَن مَا يَدُوم عَلَيْهِ بِلَا مشقة وملل تكون النَّفس بِهِ أنْشد وَالْقلب منشرحا بِخِلَاف مَا يتعاطاه من الْأَعْمَال الشاقة فَإِنَّهُ بصدد أَن يتْركهُ كُله أَو بعضه أَو يَفْعَله بِغَيْر الانشراح فيفوته خير كثير وَفِيه الاقتصاد فِي الْعِبَادَة وَالنَّهْي عَن التعمق فِيهَا.
162 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلام قَالَ أخبرنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن الْأَشْعَث قَالَ إِذا سمع الصَّارِخ قَامَ فصلى) هَذَا حَدِيث آخر فِي الحَدِيث السَّابِق رَوَاهُ عَن مُحَمَّد وَهُوَ ابْن سَلام وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر وَمُحَمّد بن سَلام وَكَذَا نسبه أَبُو عَليّ بن السكن قَالَ الجياني فِي نُسْخَة أبي ذَر عَن أبي أَحْمد الْحَمَوِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن سَالم وَقَالَ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ مُحَمَّد ابْن سَالم وسَاق الحَدِيث حَدثنَا مُحَمَّد بن سَالم وعَلى سَالم عَلامَة الْحَمَوِيّ قَالَ وَسَأَلت عَنهُ أَبَا ذَر فَقَالَ أرَاهُ ابْن سَلام وسها فِيهِ أَبُو مُحَمَّد الْحَمَوِيّ وَلَا أعلم فِي طبقَة البُخَارِيّ مُحَمَّد بن سَالم وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن مُحَمَّد بن يحيى الْمروزِي حَدثنَا خلف بن هِشَام حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن أَشْعَث عَن أَبِيه عَن مَسْرُوق وَالْأسود قَالَ سَأَلت عَائِشَة الحَدِيث ثمَّ قَالَ وَلم يذكر البُخَارِيّ بعد أَشْعَث فِي هَذَا أحدا وَأَبُو الْأَحْوَص اسْمه سَلام بن سليم الْكُوفِي مر فِي بَاب النَّحْر بالمصلى وَأخرجه مُسلم من طَرِيقه فَقَالَ حَدثنِي هناد بن السّري قَالَ حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن أَشْعَث عَن أَبِيه " عَن مَسْرُوق قَالَ سَأَلت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا عَن عمل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَت كَانَ يحب الدَّائِم قَالَ قلت أَي حِين كَانَ يُصَلِّي فَقَالَت كَانَ إِذا سمع الصَّارِخ قَامَ فصلى " وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا حَدثنَا إِبْرَاهِيم أخبرنَا أَبُو الْأَحْوَص وَحدثنَا هناد عَن أبي الْأَحْوَص وَهَذَا حَدِيث إِبْرَاهِيم عَن أَشْعَث عَن أَبِيه " عَن مَسْرُوق قَالَ سَأَلت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا عَن صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقلت لَهَا أَي حِين كَانَ يُصَلِّي قَالَت كَانَ إِذا سمع الصُّرَاخ قَامَ فصلى " قَوْله " إِذا سمع الصُّرَاخ " أَي صياح الديك وَهَذَا يدل على أَن قِيَامه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يكون فِي الثُّلُث الْأَخير من اللَّيْل لِأَن الديك مَا يكثر الصياح إِلَّا فِي ذَلِك الْوَقْت وَإِنَّمَا اخْتَار - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَذَا الْوَقْت لِأَنَّهُ وَقت نزُول الرَّحْمَة وَوقت السّكُون وهدو الْأَصْوَات.
163 - (حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعد قَالَ ذكر أبي عَن أبي سَلمَة(7/182)
عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت مَا ألفاه السحر عِنْدِي إِلَّا نَائِما تَعْنِي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) -
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن نَومه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ عِنْد السحر.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمنْقري الَّذِي يُقَال لَهُ التَّبُوذَكِي. الثَّانِي: إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَبُو إِسْحَاق الزُّهْرِيّ، كَانَ على قَضَاء بَغْدَاد. الثَّالِث: أَبوهُ سعد بن إِبْرَاهِيم. الرَّابِع: أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. الْخَامِس: أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: الرِّوَايَة بطرِيق الذّكر وَقد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن أبي تَوْبَة فَقَالَ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه. وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن الْحسن بن سُفْيَان عَن جُمُعَة بن عبد الله عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه عَن عَمه أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بِهِ. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الْأَب. وَفِيه: رِوَايَة الرجل عَن عَمه وَهُوَ سعد بن إِبْرَاهِيم يرْوى عَن عَمه كَمَا صرح بِهِ فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ، فَإِن سعد بن إِبْرَاهِيم من أجلة التَّابِعين وفقهائهم وصالحيهم. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن الصحابية.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي كريب عَن مُحَمَّد بن بشر. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أبي تَوْبَة الرّبيع بن نَافِع عَن إِبْرَاهِيم بن سعد، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (مَا ألفاه) ، بِالْفَاءِ أَي: مَا وجده، يُقَال: الفيت الشَّيْء أَي: وجدته، وتلافيته أَي: تداركته. قَالَ تَعَالَى: {وألفيا سَيِّدهَا لَدَى الْبَاب} (يُوسُف: 52) . أَي: وجداه. قَوْله: (السحر) بِالرَّفْع لِأَنَّهُ فَاعل (الفاه) ، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِي: ألفاه، رَاجع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا يُقَال: إِنَّه إِضْمَار قبل الذّكر لِأَن أَبَا سَلمَة كَانَ سَأَلت عَائِشَة عَن نوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقت السحر بعد رَكْعَتي الْفجْر، وكانتا فِي ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَيْضًا فسرت عَائِشَة الضَّمِير بقولِهَا: تَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن قلت: وَقت السحر يُطلق على قبيل الصُّبْح عِنْد أهل اللُّغَة، وَأَيْضًا اشتقاق السّحُور مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَا يجوز إلاّ قبل انفجار الصُّبْح، فَهَل كَانَ نَومه فِي هَذَا الْوَقْت أَو فِي غَيره؟ قلت: قَالَ بَعضهم: المُرَاد نَومه بعد الْقيام الَّذِي مبدؤه عِنْد سَماع الصَّارِخ. انْتهى. وَالَّذِي يظْهر لي أَنه اضطجاعه بعد رَكْعَتي الْفجْر، وعَلى هَذَا ترْجم مُسلم فَقَالَ: بَاب الِاضْطِجَاع بعد رَكْعَتي الْفجْر، ثمَّ روى الحَدِيث الْمَذْكُور، فَقَالَ: حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا ابْن بشر عَن مسعر عَن سعد عَن أبي سَلمَة (عَن عَائِشَة مَا ألفى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السحر على فِرَاشِي أَو عِنْدِي إلاّ نَائِما) . وَيُؤَيّد مَا ذَكرْنَاهُ تَرْجَمَة الْبَاب الَّذِي عقيب الْبَاب الْمَذْكُور، يظْهر ذَلِك بِالتَّأَمُّلِ، وَذكر بعض من يعتني بشرح الْأَحَادِيث فِي (شرح سنَن أبي دَاوُد) فِي تَفْسِير هَذَا الحَدِيث. قَوْله: (مَا ألفاه السحر عِنْدِي إِلَّا نَائِما) يَعْنِي: مَا أَتَى عَلَيْهِ السحر عِنْدِي إلاّ وَهُوَ نَائِم، فعلى هَذَا كَانَت صلَاته بِاللَّيْلِ، وَفعله فِيهِ إِلَى السحر، وَيُقَال: هَذَا النّوم هُوَ النّوم الَّذِي كَانَ دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ينَام، وَهُوَ أَنه كَانَ ينَام أول اللَّيْلَة ثمَّ يقوم فِي الْوَقْت الَّذِي يُنَادي فِيهِ الله، عز وَجل، هَل من سَائل؟ ثمَّ يسْتَدرك من النّوم مَا يستريح بِهِ من نصب الْقيام فِي اللَّيْل، وَهَذَا هُوَ النّوم عِنْد السحر، على مَا بوب لَهُ البُخَارِيّ، وَقَالَ ابْن التِّين: قَوْلهَا: (إلاّ نَائِما) أَي: مُضْطَجعا على جنبه، لِأَنَّهَا قَالَت فِي حَدِيث آخر: (فَإِن كنت يقظانة حدَّثني وإلاّ اضْطجع حَتَّى يَأْتِيهِ الْمُنَادِي للصَّلَاة) ، فَيحصل بالضجعة الرَّاحَة من نصب الْقيام، وَلما يستقبله من طول صَلَاة الصُّبْح، فَلهَذَا كَانَ ينَام عِنْد السحر. وَقَالَ ابْن بطال: النّوم وَقت السحر كَانَ يَفْعَله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي اللَّيَالِي الطوَال، وَفِي غير شهر رَمَضَان، لِأَنَّهُ قد ثَبت عَنهُ تَأْخِير السّحُور، على مَا يَأْتِي فِي الْبَاب الَّذِي بعده.
8 - (بابُ مَنْ تَسَحَّرَ ثُمَّ قامَ إِلَى الصَّلاَةِ فَلَمْ يَنَمْ حَتَّى صَلَّى الصبْحَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال من تسحر ثمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاة، أَي: صَلَاة الصُّبْح، فَلم ينم بعد التسحر حَتَّى صلى الصُّبْح، هَذِه التَّرْجَمَة على هَذَا الْوَجْه فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: بَاب من تسحر فَلم ينم حَتَّى صلى الصُّبْح.(7/183)
4311 - حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثنا رَوْحٌ قَالَ حدَّثنا سعِيدٌ عنْ قَتَادَةَ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَزَيْدَ بنَ ثَابِتٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ تَسَحَّرا فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سَحُورِهِمَا قامَ نَبِيُّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَى الصَّلاةِ فصَلَّى قُلْنَا لأِنَسٍ كَمْ كانَ بَيْنِ فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا وَدُخُولِهِمَا فِي الصَّلاَةِ. قَالَ كَقَدْرِ مَا يَقْرأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً.
(أنظر الحَدِيث 675) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد مضى الحَدِيث فِي: بَاب وَقت الْفجْر، فِي كتاب مَوَاقِيت الصَّلَاة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عَمْرو ابْن عَاصِم عَن همام عَن قَتَادَة عَن أنس، وَأخرجه أَيْضا هُنَاكَ: عَن الْحسن بن الصَّباح سمع روح بن عبَادَة، قَالَ: حَدثنَا سعيد عَن قَتَادَة عَن أنس، وَهنا أخرجه: عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي عَن روح، بِفَتْح الرَّاء: ابْن عبَادَة، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
9 - (بابُ طُولِ الصَّلاَةِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان طول الصَّلَاة فِي قيام اللَّيْل، هَذِه التَّرْجَمَة على هَذَا الْوَجْه للحموي وَالْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: بَاب طول الْقيام فِي صَلَاة اللَّيْل، قَالَ بَعضهم: وَفِي حَدِيث الْبَاب مُوَافق لرِوَايَة الْحَمَوِيّ، لِأَنَّهُ دَال على طول الصَّلَاة لَا على طول الْقيام بِخُصُوصِهِ، إلاّ أَن طول الصَّلَاة يسْتَلْزم طول الْقيام، لِأَن غير الْقيام كالركوع مثلا لَا يكون أطول من الْقيام. قلت: لَا نسلم أَن طول الصَّلَاة يسْتَلْزم طول الْقيام، فَمن أَيْن الْمُلَازمَة؟ فَرُبمَا يطول الْمُصَلِّي رُكُوعه وَسُجُوده أطول من قِيَامه، وَهُوَ غير مَمْنُوع لَا شرعا وَلَا عقلا، وَقَوله: (كالركوع) ، مثلا: لَا يكون أطول من الْقيام غير مُسلم، لِأَن عدم كَون الرُّكُوع أطول من الْقيام مَمْنُوع، كَمَا ذكرنَا.
5311 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنِ الأعْمَشِ عَنْ أبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَةً فَلَمْ يَزَلْ قائِما حَتَّى هَمَمْتُ بِأمْرِ سَوْءٍ قُلْنَا وَمَا هَمَمْتُ أنْ أقْعُدَ وَأذَرَ النبيَصلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة الدّلَالَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: سُلَيْمَان بن حَرْب أَبُو أَيُّوب الواشحي، حكى البرقاني عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَن سُلَيْمَان بن حَرْب تفرد بِرِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَن شُعْبَة. الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج. الثَّالِث: سُلَيْمَان الْأَعْمَش. الرَّابِع: أَبُو وَائِل، اسْمه شَقِيق بن سَلمَة الْأَسدي. الْخَامِس: عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي وَشعْبَة واسطي وَالْأَعْمَش وَأَبُو وَائِل كوفيان. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، كِلَاهُمَا عَن جرير وَعَن إِسْمَاعِيل ابْن الْخَلِيل وسُويد بن سعيد، كِلَاهُمَا عَن عَليّ بن مسْهر. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن سُفْيَان بن وَكِيع وَعَن مَحْمُود بن غيلَان عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن عبد الله بن عَامر وسُويد بن سعيد.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (حَتَّى هَمَمْت) أَي: قصدت. قَوْله: (بِأَمْر سوء) ، يجوز فِيهِ إِضَافَة أَمر إِلَى سوء، وَيجوز أَن يكون: سوء صفة لأمر، وَهَذَا السوء من جِهَة ترك الْأَدَب، وَصُورَة الْمُخَالفَة، وَإِن كَانَ الْقعُود جَائِزا فِي النَّفْل مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام. قَوْله: (وأذر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: أتركه، أَرَادَ أَن يقْعد لَا أَنه يخرج عَن الصَّلَاة، وَهَذِه اللَّفْظَة أمات الْعَرَب ماضيها كَمَا فِي: يدع.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ ابْن بطال، رَحمَه الله، فِيهِ: دَلِيل على طول الْقيام فِي صَلَاة اللَّيْل، لِأَن ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَ جلدا قَوِيا محافظا على الِاقْتِدَاء بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَا هم بالقعود إلاّ عَن طول كثير، وَقد اخْتلف الْعلمَاء: هَل الْأَفْضَل فِي صَلَاة التَّطَوُّع طول الْقيام أَو كَثْرَة الرُّكُوع وَالسُّجُود؟ فَذهب بَعضهم إِلَى أَن كَثْرَة الرُّكُوع وَالسُّجُود أفضل، وَاحْتَجُّوا(7/184)
فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ مُسلم عَن ثَوْبَان: أفضل الْأَعْمَال كَثْرَة الرُّكُوع وَالسُّجُود، قَالَه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلما سَأَلَهُ ربيعَة بن كَعْب مرافقته فِي الْجنَّة، قَالَ: (أَعنِي على نَفسك بِكَثْرَة السُّجُود) ، وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِمَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (مَا من عبد يسْجد لله سَجْدَة إلاَّ كتب الله، عز وَجل، لَهُ بهَا حَسَنَة ومحا عَنهُ بهَا سَيِّئَة، وَرفع لَهَا بهَا دَرَجَة، فاستكثروا من السُّجُود) . وروى ابْن مَاجَه أَيْضا من حَدِيث كثير بن مرّة: (أَن أَبَا فَاطِمَة حَدثهُ، قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله {أَخْبرنِي بِعَمَل أستقيم عَلَيْهِ وأعمله} قَالَ: عَلَيْك بِالسُّجُود فَإنَّك لَا تسْجد لله سَجْدَة إلاَّ رفعك الله بهَا دَرَجَة وَحط عَنْك بهَا خَطِيئَة) وَبِمَا روى الطَّحَاوِيّ، قَالَ: حَدثنَا فَهد، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن عبد الحميد، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص وخديج عَن أبي إِسْحَاق (عَن الْمخَارِق، قَالَ: خرجنَا حجاجا فمررنا بالربذة، فَوَجَدنَا أَبَا ذَر قَائِما يُصَلِّي، فرأيته لَا يُطِيل الْقيام وَيكثر الرُّكُوع وَالسُّجُود، فَقلت لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ: مَا ألوت أَن أحسن أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من ركع رَكْعَة وَسجد سَجْدَة رَفعه الله بهَا دَرَجَة وَحط عَنهُ بهَا خَطِيئَة) . وَأخرجه أَحْمد أَيْضا فِي (مُسْنده) وَالْبَيْهَقِيّ فِي (سنَنه) . قلت: أَبُو الْأَحْوَص سَلام بن سليم، وخديج بن مُعَاوِيَة ضعفه النَّسَائِيّ، وَقَالَ أَحْمد: لَا أعلم إلاَّ هيرا. وَاسم أبي إِسْحَاق: عَمْرو ابْن عبد الله السبيعِي، والمخارق، بِضَم الْمِيم: غير مَنْسُوب، قَالَ الذَّهَبِيّ: مَجْهُول. وَفِي (التَّكْمِيل) ؛ وَثَّقَهُ ابْن حبَان، والربذة: قَرْيَة من قرى الْمَدِينَة بهَا قبر أبي ذَر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَاسم أبي ذَر: جُنْدُب بن جُنَادَة الْغِفَارِيّ. قَوْله: (مَا ألوت) أَي: مَا قصرت، وروى الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنه: (رأى فَتى وَهُوَ يُصَلِّي وَقد أَطَالَ صلَاته، فَلَمَّا انْصَرف مِنْهَا قَالَ: من يعرف هَذَا؟ قَالَ رجل: أَنا. فَقَالَ عبد الله: لَو كنت أعرفهُ لأمرته أَن يُطِيل الرُّكُوع وَالسُّجُود، فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِذا قَامَ العَبْد يُصَلِّي أَتَى بذنوبه فَجعلت على رَأسه وعاتقه، فَكلما ركع أَو سجد تساقطت عَنهُ) . وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا، وَيَقُول أهل هَذِه الْمقَالة: قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ: فِي قَول، وَأحمد فِي رِوَايَة، وَمُحَمّد بن الْحسن، ويحكى ذَلِك عَن ابْن عمر، وَذهب قوم إِلَى أَن طول الْقيام أفضل، وَبِه قَالَ الْجُمْهُور من التَّابِعين وَغَيرهم، وَمِنْهُم مَسْرُوق وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَأَبُو حنيفَة. وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَبُو يُوسُف وَالشَّافِعِيّ فِي قَول، وَأحمد فِي رِوَايَة، وَقَالَ أَشهب: هُوَ أحب إِلَيّ لِكَثْرَة الْقِرَاءَة، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث الْبَاب، وَبِمَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر: (سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي الصَّلَاة أفضل؟ قَالَ: طول الْقُنُوت) . وَأَرَادَ بِهِ طول الْقيام، وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن حبش الْخَثْعَمِي: (إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ: أَي الصَّلَاة أفضل؟ فَقَالَ: طول الْقيام) . وَهَذَا يُفَسر قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (طول الْقُنُوت) وَإِن كَانَ الْقُنُوت يَأْتِي بِمَعْنى: الْخُشُوع وَغَيره.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد من الحَدِيث الْمَذْكُور أَنه يَنْبَغِي الْأَدَب مَعَ الْأَئِمَّة الْكِبَار، وَأَن مُخَالفَة الإِمَام أَمر سوء، قَالَ تَعَالَى: {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره} (النُّور:) . الْآيَة.
6311 - حدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمرَ قَالَ حدَّثنا خالِدُ بنُ عَبْدِ الله عنْ حُصَيْنٍ عَنْ أبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أَن النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ إذَا قامَ لِلتَّهَجُّدِ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فاهُ بِالسِّوَاكِ..
قَالَ ابْن بطال: هَذَا الحَدِيث لَا دخل لَهُ فِي الْبَاب لِأَن شوص الْفَم لَا يدل على طول الصَّلَاة. قَالَ: وَيُمكن أَن يكون ذَلِك من غلط النَّاسِخ، فَكَتبهُ فِي غير مَوْضِعه أَو أَن البُخَارِيّ أعجلته الْمنية عَن تَهْذِيب كِتَابه وتصفحه، وَله فِيهِ مَوَاضِع مثل هَذَا تدل على أَنه مَاتَ قبل تَحْرِير الْكتاب. وَقَالَ ابْن الْمُنِير: يحْتَمل أَن يكون أَرَادَ أَن حُذَيْفَة روى قَالَ: (صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة فَافْتتحَ الْبَقَرَة، فَقلت: يرْكَع عِنْد الْمِائَة فَمضى، فَقلت: يُصَلِّي بهَا فِي رَكْعَة فَمضى. .) الحَدِيث. فَكَأَنَّهُ لما قَالَ: يتهجد، وَذكر حَدِيثه فِي السِّوَاك، وَكَانَ يتَسَوَّك حِين يقوم من النّوم، وَلكُل صَلَاة فَفِيهِ إِشَارَة إِلَى طول الْقيام، أَو يحمل على أَن فِي الحَدِيث إِشَارَة من جِهَة أَن اسْتِعْمَال السِّوَاك حِينَئِذٍ يدل على مَا يُنَاسِبه من إِكْمَال الْهَيْئَة وَالتَّأَهُّب لِلْعِبَادَةِ، وَذَلِكَ دَلِيل على طول الْقيام، إِذْ النَّافِلَة المخففة لَا يتهيأ لَهَا هَذَا التهيؤ الْكَامِل. انْتهى. وَقيل: أَرَادَ بِهَذَا الحَدِيث استحضار حَدِيث حُذَيْفَة الْمَذْكُور الَّذِي أخرجه مُسلم، وَإِنَّمَا لم يُخرجهُ لكَونه على غير شَرطه. وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون بيض التَّرْجَمَة بِحَدِيث(7/185)
حُذَيْفَة، فضم الحَدِيث الَّذِي بعده إِلَى الحَدِيث الَّذِي قبله. انْتهى. قلت: هَذِه كلهَا تعسفات لَا طائل تحتهَا، أما ابْن بطال فَإِنَّهُ لم يذكر شَيْئا مَا فِي تَوْجِيه وضع هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب، وَإِنَّمَا ذكر وَجْهَيْن: أَحدهمَا: نِسْبَة هَذَا إِلَى الْغَلَط من النَّاسِخ، وَهَذَا بعيد، لِأَن النَّاسِخ لم يَأْتِ بِهَذَا الحَدِيث من عِنْده وَكتبه هُنَا. وَالثَّانِي: أَنه اعتذر من جِهَة البُخَارِيّ بِأَنَّهُ لم يدْرك تحريره، وَفِيه نوع نِسْبَة إِلَى التَّقْصِير، وَأما كَلَام ابْن الْمُنِير فَإِنَّهُ لَا يجدي شَيْئا فِي تَوْجِيه هَذَا الْموضع، لِأَن حَاصِل مَا ذكره من الطول هُوَ الْخَارِج عَن مَاهِيَّة الصَّلَاة، وَلَيْسَ المُرَاد من التَّرْجَمَة مُطلق الطول، وَإِنَّمَا المُرَاد هُوَ الطول الْكَائِن فِي هَيْئَة الصَّلَاة، وَأما الْقَائِل الَّذِي وَجه بقوله: أَرَادَ بِهَذَا الحَدِيث استحضار حَدِيث حُذَيْفَة، فَإِنَّهُ تَوْجِيه بعيد، لِأَن استحضار حَدِيث أَجْنَبِي بِالْوَجْهِ الَّذِي ذكره لَا يدل على الْمُطَابقَة، وَأما كَلَام بَعضهم، فاحتمال بعيد، لِأَن تبييض التَّرْجَمَة لحَدِيث حُذَيْفَة لَا وَجه لَهُ أصلا لعدم الْمُنَاسبَة، وَلَكِن يُمكن أَن يعْتَذر عَن البُخَارِيّ فِي وَضعه هَذَا الحَدِيث هُنَا بِوَجْه مِمَّا يسْتَأْنس بِهِ، وَهُوَ أَن التَّرْجَمَة فِي طول الْقيام فِي صَلَاة اللَّيْل وَحَدِيث حُذَيْفَة فِيهِ الْقيام للتهجد، والتهجد فِي اللَّيْل غَالِبا يكون بطول الصَّلَاة، وَطول الصَّلَاة غَالِبا يكون بطول الْقيام، فِيهَا وَإِن كَانَ يَقع أَيْضا بطول الرُّكُوع وَالسُّجُود.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: حَفْص بن عمر بن الْحَارِث أَبُو عمر الحوضي. الثَّانِي: خَالِد بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الطَّحَّان. الثَّالِث: حُصَيْن، بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره نون: ابْن عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ أَبُو الْهُذيْل: مر فِي: بَاب الْأَذَان بعد ذهَاب الْوَقْت. الرَّابِع: أَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة. الْخَامِس: حُذَيْفَة بن الْيَمَان.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده، وَأَنه بَصرِي وخَالِد واسطي وحصين وَأَبُو وَائِل كوفيان.
والْحَدِيث أخرجه أَيْضا فِي: بَاب السِّوَاك، فِي كتاب الْوضُوء عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن جرير عَن مَنْصُور عَن أبي وَائِل عَن حُذَيْفَة، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى. قَوْله: (يشوص) أَي: يدلك أَو يغسل.
01 - (بابٌ كَيْفَ صَلاَةُ اللَّيْلِ وكَيْفَ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة صَلَاة اللَّيْل وَفِي بعض النّسخ: بَاب كَيفَ كَانَ صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَكَيف كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بِاللَّيْلِ) ، وَفِي بعض النّسخ: (وَكم كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بِاللَّيْلِ؟) وَفِي بَعْضهَا: (من اللَّيْل) .
7311 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي سالِمُ بنُ عَبْدِ الله نَّ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ إنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رسولَ الله كَيْفَ صَلاةُ اللَّيْلِ قَالَ مَثْنَى مَثْنَى فإذَا خِفْتَ الصُّبْحَ قأوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ..
مطابقته للجزء الأول من التَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث قد مر ذكره فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي الْوتر، أخرجه عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن نَافِع وَعبد الله بن ديار (عَن ابْن عمر: أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صَلَاة اللَّيْل؟ . .) الحَدِيث. وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب ابْن أبي حَمْزَة وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصىً.
168 - (حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنَا يحيى عَن شُعْبَة قَالَ حَدثنِي أَبُو جَمْرَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَت صَلَاة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثَلَاث عشرَة رَكْعَة يَعْنِي بِاللَّيْلِ) مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ أَيْضا فِي أول أَبْوَاب الْوتر وَيحيى هُوَ الْقطَّان وَأَبُو جَمْرَة بِالْجِيم وَالرَّاء الْمُهْملَة واسْمه نصر بن عمرَان الضبعِي -
9311 - حدَّثنا إسْحَاقُ قَالَ حدَّثنا عُبَيْدُ الله قَالَ أخبرنَا إسْرَائِيلُ عنْ أبي حَصينٍ عنْ يَحْيى بنِ وَثَّابٍ عنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ سألْتُ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا عنْ صَلاَةِ رسولِ الله صلى الله(7/186)
عَلَيْهِ وَسلم بِاللَّيْلِ سَبْعٌ وتِسْعٌ وَإحْدَى عَشْرَةَ سِوَى رَكْعَتَيِ الفَجْرِ.
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة كَمَا فِي الحَدِيث السَّابِق.
ذكر رِجَاله: وهم سَبْعَة: الأول: إِسْحَاق. قَالَ الجياني: لم أَجِدهُ مَنْسُوبا لأحد من رُوَاة الْكتاب، وَذكر أَبُو نصر أَن إِسْحَاق الْحَنْظَلِي يروي عَن عبيد الله بن مُوسَى فِي (الْجَامِع) وَيُرِيد ذَلِك أَن أَبَا نعيم أخرجه كَذَلِك ثمَّ قَالَ فِي آخِره: رَوَاهُ، يَعْنِي البُخَارِيّ، عَن إِسْحَاق عَن عبيد الله، وَكَذَا ذكره الدمياطي أَنه هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، لَكِن الْإِسْمَاعِيلِيّ رَوَاهُ فِي كِتَابه عَن إِسْحَاق بن سيار النصيبيني عَن عبيد الله، وَإِسْحَاق هَذَا صَدُوق ثِقَة، قَالَه ابْن أبي حَاتِم، لَكِن لَيْسَ لَهُ رِوَايَة فِي الْكتب السِّتَّة، وَلَا ذكره البُخَارِيّ فِي (تَارِيخه الْكَبِير) فَتعين أَنه الأول. الثَّانِي: عبيد الله ابْن مُوسَى بن باذام أَبُو مُحَمَّد. الثَّالِث: إِسْرَائِيل بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي. الرَّابِع: أَبُو حُصَيْن، بِفَتْح الْحَاء وَكسر الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ، واسْمه عُثْمَان بن عَاصِم الْأَسدي. الْخَامِس: يحيى بن وثاب، بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَبعد الْألف بَاء مُوَحدَة، مَاتَ سنة ثَلَاث وَمِائَة. السَّادِس: مَسْرُوق بن الأجدع. السَّابِع: عَائِشَة، أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: السُّؤَال. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه مروزي والبقية كلهم كوفيون. وَفِيه: أَن البُخَارِيّ روى عَن عبد الله بن مُوسَى فِي هَذَا الحَدِيث بِوَاسِطَة، وَهُوَ من كبار مشايخه. وَقد روى عَنهُ فِي الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي بِلَا وَاسِطَة، وَكَأَنَّهُ لم يَقع لَهُ سَماع مِنْهُ فِي هَذَا الحَدِيث، وَفِيه: أَنه لَيْسَ فِي (الصَّحِيح) من هُوَ مكني بِأبي الْحصين غَيره. وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين يروي بَعضهم عَن بعض وهم: أَبُو حُصَيْن وَيحيى ومسروق. وَفِيه: ثَلَاثَة ذكرُوا بِلَا نِسْبَة مُطلقًا وَوَاحِد بِالْكِنَايَةِ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: دلّ هَذَا الحَدِيث أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل سبع رَكْعَات وتسع رَكْعَات، وروى النَّسَائِيّ من حَدِيث يحيى بن الجزار عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَنه يُصَلِّي من اللَّيْل تسعا، فَلَمَّا أسن صلى سبعا، وَدلّ أَيْضا أَنه كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عشرَة رَكْعَة سوى رَكْعَتي الْفجْر، وهما سنة، فَتكون الْجُمْلَة ثَلَاث عشرَة رَكْعَة. فَإِن قلت: فِي (الْمُوَطَّأ) : من حَدِيث هِشَام عَنْهَا أَنه: كَانَ يُصَلِّي ثَلَاث عشرَة رَكْعَة، ثمَّ يُصَلِّي إِذا سمع نِدَاء الصُّبْح رَكْعَتَيْنِ، وَسَيَأْتِي فِي: بَاب مَا يقْرَأ فِي رَكْعَتي الْفجْر، عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك بِهِ، فَتكون الْجُمْلَة خمس عشرَة رَكْعَة. قلت: لَعَلَّ ثَلَاث عشرَة بِإِثْبَات سنة الْعشَاء الَّتِي بعْدهَا. أَو أَنه عد الرَّكْعَتَيْنِ الخفيفتين عِنْد الِافْتِتَاح أَو الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْوتر جَالِسا. فَإِن قلت: رُوِيَ فِي: بَاب قيام النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي رَمَضَان: عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن سعيد عَن أبي سَلمَة أَنه سَأَلَ عَائِشَة، فَقَالَت: (مَا كَانَ يزِيد فِي رَمَضَان وَلَا غَيره على إِحْدَى عشرَة رَكْعَة، يُصَلِّي أَرْبعا لَا تسْأَل عَن حسنهنَّ وطولهن،. ثمَّ يُصَلِّي أَرْبعا فَلَا تسْأَل عَن حسنهنَّ وطولهن، ثمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا) وَأخرجه مُسلم أَيْضا قلت: يحْتَمل أَنَّهَا نسيت رَكْعَتي الْفجْر أَو مَا عدتهما مِنْهَا. فَإِن قلت: فِي رِوَايَة الْقَاسِم عَنْهَا، كَمَا يَأْتِي عقيب حَدِيث مَسْرُوق عَنْهَا: كَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل ثَلَاث عشرَة، مِنْهَا الْوتر وركعتا الْفجْر، وَفِي رِوَايَة مُسلم أَيْضا من هَذَا الْوَجْه: كَانَت صلَاته عشر رَكْعَات ويوتر بِسَجْدَة، ويركع رَكْعَتي الْفجْر، فَتلك ثَلَاث عشرَة؟ قلت: حَدِيث الْقَاسِم عَنْهَا مَحْمُول على أَن ذَلِك كَانَ غَالب حَاله، وَأما حَدِيث مَسْرُوق عَنْهَا فمرادها أَن ذَلِك وَقع مِنْهُ فِي أَوْقَات مُخْتَلفَة، فَتَارَة كَانَ يُصَلِّي سبعا، وَتارَة تسعا، وَتارَة إِحْدَى عشرَة. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: أشكلت رِوَايَات عَائِشَة على كثير من أهل الْعلم حَتَّى نسب بَعضهم حَدِيثهَا إِلَى الِاضْطِرَاب، وَقَالَ: إِنَّمَا يَتَأَتَّى الِاضْطِرَاب لَو أَنَّهَا أخْبرت عَن وَقت مَخْصُوص، أَو كَانَ الرَّاوِي عَنْهَا وَاحِدًا، وَقَالَ عِيَاض: يحْتَمل أَن إخبارها بِإِحْدَى عشرَة مِنْهُنَّ الْوتر فِي الْأَغْلَب، وَبَاقِي رِوَايَاتهَا إِخْبَار مِنْهَا مَا كَانَ يَقع نَادرا فِي بعض الْأَوْقَات بِحَسب اتساع الْوَقْت وضيقه، بطول قِرَاءَة أَو نوم أَو بِعُذْر مرض أَو غَيره، أَو عِنْد كبر السن، أَو تَارَة تعد الرَّكْعَتَيْنِ الخفيفتين فِي أول الْقيام، وَتارَة لَا تعدهما. وَقَالَ ابْن عبد الْبر، رَحمَه الله تَعَالَى: وَأهل الْعلم يَقُولُونَ: إِن الِاضْطِرَاب عَنْهَا فِي الْحَج وَالرّضَاع وَصَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِاللَّيْلِ وَقصر صَلَاة الْمُسَافِر لم يَأْتِ ذَلِك إلاّ مِنْهَا، لِأَن الروَاة عَنْهَا حفاظ، وَكَأَنَّهَا أخْبرت بذلك فِي أَوْقَات مُتعَدِّدَة وأحوال مُخْتَلفَة.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد من هَذِه الْأَحَادِيث: أَن قيام اللَّيْل سنة مسنونة(7/187)
0411 - حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسى اقال أخبرنَا حَنْظَلَةُ عنِ القاسمِ بنِ مُحَمَّدٍ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْهَا الوِتْرُ وَرَكْعَتا الفَجْرِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد قُلْنَا عَن قريب: إِن البُخَارِيّ، رَحمَه الله، روى حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، عَن عبيد الله بن مُوسَى فِيمَا قيل عَن إِسْحَاق عَن عبيد الله هَذَا، وَهنا روى عَنهُ بِلَا وَاسِطَة، وَهُوَ يروي عَن حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان الجُمَحِي الْقرشِي من أهل مَكَّة، وَاسم أبي سُفْيَان: الْأسود بن عبد الرَّحْمَن، مَاتَ سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَة، وَقد مر فِي أول كتاب الْإِيمَان.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير عَن أَبِيه، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن ابْن أبي عدي،. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد ابْن سَلمَة الْمرَادِي عَن عبد الله بن وهب، ثَلَاثَتهمْ عَن حَنْظَلَة بِهِ.
قَوْله: (ثَلَاث عشرَة) مَبْنِيّ على الْفَتْح، وَأَجَازَ الْفراء سُكُون الشين من عشرَة. قَوْله: (مِنْهَا) أيَّ من ثَلَاث عشرَة.
11 - (بابُ قِيَامِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِاللَّيلِ وَنَوْمِهِ وَمَا نُسْخَ مِنْ قِيامِ اللَّيْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قيام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي: صلَاته بِاللَّيْلِ. قَوْله: (من نَومه) وَفِي بعض النّسخ: (ونومه) ، بواو الْعَطف. قَوْله: (وَمَا نسخ) أَي: بَاب أَيْضا فِي بَيَان مَا نسخ من قيام اللَّيْل.
وقَوْلِهِ تَعَالى: {يَا أيُّهَا المُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إلاَّ قَلِيلاً نِصْفُهُ أوُ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أوْ زِدْ عَليهِ ورَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً إنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً إنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أشَدُّ وِطاءً وَأقْوَمُ قِيلاً إنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحا طَوِيلاً (ع المزمل: 1 7) . وقَوْلُهُ: {عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرآنِ عَلِمَ أنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ الله وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فاقْرَؤا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وأقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأقْرِضُوا الله قَرْضا حَسَنا وَمَا تُقَدِّمُوا لأِنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ الله هُوَ خَيْرا وَأعْظَمَ أجْرا وَاسْتَغْفِرُوا الله إنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ} (المزمل: 02) .
وَقَوله: بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: (وَمَا نسخ من قيام اللَّيْل) وَهُوَ إِلَى آخِره دَاخل فِي التَّرْجَمَة. قَوْله عز وَجل: {يَا أَيهَا المزمل} يَعْنِي: الملتف فِي ثِيَابه، وَأَصله المتزمل، وَهُوَ الَّذِي يتزمل فِي الثِّيَاب، وكل من التف فِي ثَوْبه فقد تزمل، قلبت التَّاء زايا وأدغمت الزَّاي فِي الزَّاي، وروى ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: {يَا أَيهَا المزمل} أَي: يَا مُحَمَّد قد زملت الْقُرْآن، وقرىء المتزمل على الأَصْل، والمزمل، بتَخْفِيف الزَّاي وَفتح الْمِيم وَكسرهَا، على أَنه اسْم فَاعل، أَو اسْم مفعول من زمله، وَهُوَ الَّذِي زمله غَيره أَو زمل نَفسه، وَكَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نَائِما بِاللَّيْلِ متزملاً فِي قطيفة،، فنبه وَنُودِيَ بهَا. وَعَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَنَّهَا سُئِلت: مَا كَانَ تزميله؟ قَالَت: كَانَ مِرْطًا طوله أَربع عشرَة ذِرَاعا وَنصفه عَليّ وَأَنا نَائِمَة، وَنصفه عَلَيْهِ، وَهُوَ يُصَلِّي، فَسُئِلت: مَا كَانَ؟ فَقَالَت: وَالله مَا كَانَ خَزًّا وَلَا قَزًّا وَلَا مرعزا وَلَا إبْريسَمًا وَلَا صُوفًا، وَكَانَ سداه شعرًا وَلحمَته وَبرا، قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ، ثمَّ قَالَ: وَقيل: دخل على خَدِيجَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَقد جِئْت فرقا أول مَا أَتَاهُ جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وبوادره ترْعد، فَقَالَ: زَمِّلُونِي، وحسبت أَنه عرض لَهُ، فَبَيْنَمَا هوكذلك إِذْ ناداه جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، يَا أَيهَا المزمل. وَعَن عِكْرِمَة: أَن الْمَعْنى: يَا أَيهَا الَّذِي زمل أمرا عَظِيما، أَي: حمله، والزمل: الْحمل، وازدمله: احتمله. انْتهى. وَفِي (تَفْسِير النَّسَفِيّ) أَشَارَ إِلَى أَن القَوْل الأول نِدَاء بِمَا يهجن إِلَيْهِ الْحَالة الَّتِي كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهَا من التزميل فِي قطيفة، واستعداده للاشتغال فِي النّوم، كَمَا يفعل من لَا يهمه أَمر وَلَا يعنيه شَأْن، فَأمر أَن يخْتَار على الهجود والتهجد، وعَلى التزمل التشمر، والتخفف لِلْعِبَادَةِ والمجاهدة فِي الله عز وَجل، فَلَا جرم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد تشمر لذَلِك مَعَ أَصْحَابه حق التشمر، وَأَقْبلُوا على إحْيَاء لياليهم، ورفضوا لَهُ الرقاد والدعاة وَجَاهدُوا(7/188)
فِيهِ حَتَّى انتفخت أَقْدَامهم، واصفرت ألوانهم، وَظَهَرت السيماء فِي وُجُوههم، وترقى أَمرهم إِلَى حد رَحِمهم لَهُ رَبهم، فَخفف عَنْهُم. وَأَشَارَ إِلَى أَن القَوْل الثَّانِي: وَهُوَ قَوْله: وَعَن عَائِشَة، لَيْسَ بتهجين بل هُوَ ثَنَاء عَلَيْهِ وتحسين لحالته الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، وَأمره أَن يَدُوم على ذَلِك. قَوْله: {قُم اللَّيْل إلاَّ قَلِيلا} أَي: مِنْهُ، قَالَ أَبُو بكر الأدفوي: للْعُلَمَاء فِيهِ أَقْوَال: الأول: أَنه لَيْسَ بِفَرْض، يدل على ذَلِك أَن بعده: {نصفه أَو انقص مِنْهُ قَلِيلا أَو زد عَلَيْهِ} وَلَيْسَ كَذَلِك يكون الْفَرْض، وَإِنَّمَا هُوَ ندب. وَالثَّانِي: أَنه هُوَ حتم. وَالثَّالِث: أَنه فرض على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحده، وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: وَقَالَ الْحسن وَابْن سِيرِين: صَلَاة اللَّيْل فَرِيضَة على كل مُسلم، وَلَو قدر حلب شَاة. وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق: قَالَا ذَلِك لقَوْله تَعَالَى: {فاقرأوا مَا تيَسّر مِنْهُ} ، وَقَالَ الشَّافِعِي، رَحمَه الله: سَمِعت بعض الْعلمَاء يَقُول: إِن الله تَعَالَى أنزل فرضا فِي الصَّلَاة قبل فرض الصَّلَوَات الْخمس، فَقَالَ: {يَا أَيهَا المزمل قُم اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا} الْآيَة، ثمَّ نسخ هَذَا بقوله: {فاقرأوا مَا تيَسّر مِنْهُ} ثمَّ احْتمل قَوْله: {فاقرأوا مَا تيَسّر مِنْهُ} أَن يكون فرضا ثَانِيًا، لقَوْله تَعَالَى: {وَمن اللَّيْل فتهجد بِهِ نَافِلَة لَك} (الْإِسْرَاء: 97) . فَوَجَبَ طلب الدَّلِيل من السّنة على أحد الْمَعْنيين، فوجدن سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا وَاجِب من الصَّلَوَات إلاّ الْخمس. قَالَ أَبُو عمر: قَول بعض التَّابِعين: قيام اللَّيْل فرض وَلَو قدر حلب شَاة، قَول شَاذ مَتْرُوك لإِجْمَاع الْعلمَاء أَن قيام اللَّيْل نسخ بقوله: {علم إِن لن تحصوه. .} الْآيَة. وروى النَّسَائِيّ من حَدِيث عَائِشَة: افْترض الْقيام فِي أول هَذِه الصُّورَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى أَصْحَابه حولا حَتَّى انتفخت أَقْدَامهم، وَأمْسك الله خاتمتها إثني عشر شهرا، ثمَّ نزل التَّخْفِيف فِي آخرهَا، فَصَارَ قيام اللَّيْل تَطَوّعا بعد أَن كَانَ فَرِيضَة، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَزيد بن أسلم وَآخَرين، فِيمَا حكى عَنْهُم النّحاس، وَفِي (تَفْسِير ابْن عَبَّاس) : {قُم اللَّيْل} يَعْنِي: قُم اللَّيْل كُله إلاّ قَلِيلا مِنْهُ، فَاشْتَدَّ ذَلِك على النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وعَلى أَصْحَابه وَقَامُوا اللَّيْل كُله وَلم يعرفوا مَا حد الْقَلِيل، فَأنْزل الله تَعَالَى: {نصفه أَو انقص مِنْهُ قَلِيلا} فَاشْتَدَّ ذَلِك أَيْضا على النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وعَلى أَصْحَابه فَقَامُوا اللَّيْل كُله حَتَّى انتفخت أَقْدَامهم، وَذَلِكَ قبل الصَّلَوَات الْخمس، فَفَعَلُوا ذَلِك سنة، فَأنْزل الله تَعَالَى ناسختها فَقَالَ: {علم أَن لن تحصوه} يَعْنِي: قيام اللَّيْل من الثُّلُث وَالنّصف، وَكَانَ هَذَا قبل أَن تفرض الصَّلَوَات الْخمس، فَلَمَّا فرضت الْخمس نسخت هَذِه كَمَا نسخت الزَّكَاة كل صَدَقَة، وَصَوْم رَمَضَان كل صَوْم، وَفِي (تَفْسِير ابْن الْجَوْزِيّ) : كَانَ الرجل يسهر طول اللَّيْل مَخَافَة أَن يقصر فِيمَا أَمر بِهِ من قيام ثُلثي اللَّيْل أَو نصفه أَو ثلثه، فشق عَلَيْهِم ذَلِك، فَخفف الله عَنْهُم بعد سنة، وَنسخ وجوب التَّقْدِير بقوله: {علم أَن لن تحصوه فَتَابَ عَلَيْكُم فاقرؤا مَا تيَسّر مِنْهُ} أَي: صلوا مَا تيَسّر من الصَّلَاة، وَلَو قدر حلب شَاة، ثمَّ نسخ وجوب قيام اللَّيْل بالصلوات الْخمس بعد سنة أُخْرَى، فَكَانَ بَين الْوُجُوب وَالتَّخْفِيف سنة، وَبَين الْوُجُوب والنسخ بِالْكُلِّيَّةِ سنتَانِ.
ثمَّ إِعْرَاب قَوْله تَعَالَى: {قُم اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا} على مَا قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ: {نصفه} بدل {من اللَّيْل} و {إِلَّا قَلِيلا} اسْتثِْنَاء من النّصْف، كَأَنَّهُ قَالَ: قُم أقل من نصف اللَّيْل وَالضَّمِير فِي {مِنْهُ} و {عَلَيْهِ} لِلنِّصْفِ، وَالْمعْنَى التَّخْيِير بَين أَمريْن: بَين أَن يقوم أقل من نصف اللَّيْل على الْبَتّ، وَبَين أَن يخْتَار أحد الْأَمريْنِ، وهما النُّقْصَان من النّصْف وَالزِّيَادَة عَلَيْهِ، وَإِن شِئْت جعلت: نصفه، بَدَلا من: قَلِيلا، وَكَانَ تخييرا بَين ثَلَاث: بَين قيام النّصْف بِتَمَامِهِ، وَبَين النَّاقِص، وَبَين قيام الزَّائِد عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وصف النّصْف بالقلة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكل.
قَوْله: {ورتل الْقُرْآن ترتيلاً} يَعْنِي ترسل فِيهِ. وَقَالَ الْحسن: بَينه، إِذا قرأته. وَقَالَ الضَّحَّاك: إقرأ حرفا حرفا، وروى مُسلم من حَدِيث حَفْصَة: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يرتل السُّورَة حَتَّى تكون أطول من أطول مِنْهَا، وَعَن مُجَاهِد: رتل بعضه على إِثْر بعض على تؤدة، وَعَن ابْن عَبَّاس: بَينه بَيَانا، وَعنهُ: إقرأه على هينتك ثَلَاث آيَات وأربعا وخمسا، وَقَالَ قَتَادَة: تثبت فِيهِ تثبتا، وَقيل: فَصله تَفْصِيلًا وَلَا تعجل فِي قِرَاءَته. وَقَالَ أَبُو بكر بن طَاهِر: تدبر فِي لطائف خطابه، وطالب نَفسك بِالْقيامِ بأحكامه، وقلبك بفهم مَعَانِيه، وسرك بالإقبال عَلَيْهِ. قَوْله: {إِنَّا سنلقي عَلَيْك قولا ثقيلاً} أَي: الْقُرْآن يثقل الله فَرَائِضه وحدوده، وَيُقَال: هُوَ ثقيل على من خَالفه، وَيُقَال: هُوَ ثقيل فِي الْمِيزَان، خَفِيف على اللِّسَان، وَيُقَال: إِن نُزُوله ثقيل كَمَا قَالَ: {لَو أنزلنَا هَذَا الْقُرْآن على جبل} (الْحَشْر: 12) . الْآيَة، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: يَعْنِي بالْقَوْل الثقيل: الْقُرْآن وَمَا فِيهِ من الْأَوَامِر والنواهي الَّتِي هِيَ تكاليف شاقة ثَقيلَة على الْمُكَلّفين، خَاصَّة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ متحملها بِنَفسِهِ ومحملها لأمته، فَهِيَ أثقل عَلَيْهِ وأنهض لَهُ. قَوْله: {إِن ناشئة اللَّيْل} قَالَ السَّمرقَنْدِي: يَعْنِي سَاعَات اللَّيْل، وَهِي مَأْخُوذَة من: نشأت أَي: ابتدأت شَيْئا بعد شَيْء، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِن سَاعَات اللَّيْل الناشئة فَاكْتفى(7/189)
بِالْوَصْفِ عَن الِاسْم. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: ناشئة اللَّيْل النَّفس الناشئة بِاللَّيْلِ الَّتِي تنشأ من مضجعها إِلَى الْعِبَادَة، أَي: تنهض وترفع من نشأت السَّحَاب إِذا ارْتَفَعت، وَنَشَأ من مَكَانَهُ وَنشر إِذا نَهَضَ، أَو: قيام اللَّيْل، على أَن الناشئة مصدر من نَشأ إِذا أَقَامَ ونهض على فاعلة كالعاقبة. قَوْله: {هِيَ أَشد وطأ} قَالَ السَّمرقَنْدِي: يَعْنِي: أثقل على الْمُصَلِّي من سَاعَات النَّهَار، فَأخْبر أَن الثَّوَاب على قدر الشدَّة، قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن عَامر: أَشد وطاء، بِكَسْر الْوَاو وَمد الْألف، وَالْبَاقُونَ بِنصب الْوَاو بِغَيْر مد، فَمن قَرَأَ بِالْكَسْرِ يَعْنِي: أَشد مواطاة، أَي: مُوَافقَة بِالْقَلْبِ والسمع، يَعْنِي: أَن الْقِرَاءَة فِي اللَّيْل يتواطأ فِيهَا قلب الْمُصَلِّي وَلسَانه وسَمعه على التفهم، وَمن قَرَأَ بِالنّصب أبلغ فِي الْقيام وَأبين فِي القَوْل. قَوْله: {وأقوم قيلا} يَعْنِي: أثبت للْقِرَاءَة، وَعَن الْحسن: أبلغ فِي الْخَبَر وَأَمْنَع من هَذَا الْعَدو. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: أقوم قيلاً. أَشد مقَالا وَأثبت قِرَاءَة لهدوِّ الْأَصْوَات. وَعَن أنس: أَنه قَرَأَ: وأصوب قيلاً د فَقيل لَهُ: يَا أَبَا حَمْزَة إِنَّمَا هِيَ أقوم قيلاً. فَقَالَ: إِن أقوم وأهيأ وَاحِد. وَفِي (تَفْسِير النَّسَفِيّ) : أقوم قيلاً، أصح قولا وَأَشد استقامة وصوابا بالفراغ الْقلب، وَقيل: أعجل إِجَابَة للدُّعَاء. قَوْله: {إِن لَك فِي النَّهَار سبحا طَويلا} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: سبحا: تَصرفا وتقلبا فِي مهماتك وشواغلك، وَقَالَ السَّمرقَنْدِي: سبحا فراغا طَويلا تقضي حوائجك فِيهِ، ففرغ نَفسك لصَلَاة اللَّيْل. وَعَن السّديّ: سبحا طَويلا أَي: تَطَوّعا كثيرا كَأَنَّهُ جعله من السبحة، وَهِي النَّافِلَة. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: أما الْقِرَاءَة بِالْخَاءِ فاستعارة من: سبخ الصُّوف، وَهُوَ نفشه وَنشر أَجْزَائِهِ لانتشار الْهم وتفرق الْقلب بالشواغل، كلفه بِقِيَام اللَّيْل، ثمَّ ذكر الْحِكْمَة فِيمَا كلفه مِنْهُ، وَهُوَ: أَن اللَّيْل أَهْون على المواطأة وَأَشد للْقِرَاءَة لهدوِّ الرجل وخفوت الصَّوْت، وَأَنه أجمع للقلب وأهم لنشر الْهم من النَّهَار، لِأَنَّهُ وَقت تَفْرِيق الهموم وتوزع الخواطر والتقلب فِي حوائج المعاش والمعاد. قَوْله: {علم أَن لن تحصوه} هَذَا مُرْتَبِط بِمَا قبله، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {إِن رَبك يعلم أَنَّك تقوم أدنى من ثُلثي اللَّيْل وَنصفه وَثلثه وَطَائِفَة من الَّذين مَعَك وَالله يقدر اللَّيْل وَالنَّهَار علم أَن لن تحصوه} أَي: علم الله أَن لن تُطِيقُوا قيام اللَّيْل، وَقيل: الضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى مصدر مُقَدّر، أَي: علم أَن لَا يَصح مِنْكُم ضبط الْأَوْقَات، وَلَا يَتَأَتَّى حِسَابهَا بالتعديل والتسوية إلاّ أَن تَأْخُذُوا بالأوسع للِاحْتِيَاط، وَذَلِكَ شاق عَلَيْكُم بَالغ مِنْكُم. قَوْله: {فَتَابَ عَلَيْكُم} عبارَة عَن الترخيص فِي ترك الْقيام الْمُقدر. قَوْله: {فاقرأوا مَا تيَسّر} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: عبر عَن الصَّلَاة بِالْقِرَاءَةِ، لِأَنَّهَا بعض أَرْكَانهَا، كَمَا عبر عَنْهَا بِالْقيامِ وَالرُّكُوع وَالسُّجُود، يُرِيد: فصلوا مَا تيَسّر عَلَيْكُم من صَلَاة اللَّيْل، وَهَذَا نَاسخ للْأولِ، ثمَّ نسخا جَمِيعًا بالصلوات الْخمس، وَقيل: هِيَ قِرَاءَة الْقُرْآن بِعَينهَا. قيل: يقْرَأ مائَة آيَة، وَمن قَرَأَ مائَة آيَة فِي لَيْلَة لم يحاجه الْقُرْآن. وَقيل: من قَرَأَ مائَة آيَة كتب من القانتين. وَقيل: خمسين آيَة، وَقد بَين الْحِكْمَة فِي النّسخ بقوله: {علم أَن سَيكون مِنْكُم مرضى} لَا يقدرُونَ على قيام اللَّيْل {وَآخَرُونَ يضْربُونَ فِي الأَرْض} يَعْنِي: يسافرون فِي الأَرْض {يَبْتَغُونَ من فضل الله} يَعْنِي: فِي طلب الْمَعيشَة يطْلبُونَ الرزق من الله تَعَالَى: {وَآخَرُونَ يُقَاتلُون فِي سَبِيل الله} يَعْنِي: يجاهدون فِي طَاعَة الله تَعَالَى. قَوْله: {فاقرأوا مَا تيَسّر مِنْهُ} أَي: من الْقُرْآن. قيل: فِي صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء. قَوْله: {وَأقِيمُوا الصَّلَاة} أَي: الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة. {وَآتوا الزَّكَاة} الْوَاجِبَة، وَقيل: زَكَاة الْفطر، وَإِنَّمَا وَجَبت بعد ذَلِك، وَمن فَسرهَا بِالزَّكَاةِ الْوَاجِبَة جعل آخر السُّورَة مدنيا. قَوْله: {وأقرضوا الله قرضا حسنا} قيل: يُرِيد سَائِر الصَّدقَات المستحبة، وَسَماهُ قرضا تَأْكِيدًا للجزاء. وَقيل: تصدقوا من أَمْوَالكُم بنية خَالِصَة من مَال حَلَال. قَوْله: {وَمَا تقدمُوا لأنفسكم من خير} يَعْنِي: مَا تَعْمَلُونَ من الْأَعْمَال الصَّالِحَة وتتصدقون بنية خَالِصَة {تَجِدُوهُ عِنْد الله} يَعْنِي: تَجِدُونَ ثَوَابه فِي الْآخِرَة. قَوْله: (هُوَ خيرا} ثَانِي مفعولي: وجد، وَهُوَ فصل، وَجَاز وَإِن لم يَقع بَين معرفتين، لِأَن أفعل من أشبه فِي امْتِنَاعه من حُرُوف التَّعْرِيف بالمعرفة. قَوْله: {وَاسْتَغْفرُوا الله} يَعْنِي: أطلبوا من الله لذنوبكم الْمَغْفِرَة، وَقيل: اسْتَغْفرُوا الله من تَقْصِير وذنب وَقع مِنْكُم. {إِن الله غَفُور} لمن تَابَ {رَحِيم} لمن اسْتغْفر.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا نَشَأَ قامَ بالحَبَشِيَّة
هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ عبد بن حميد الْكَجِّي فِي (تَفْسِيره) بِسَنَد صَحِيح عَن عبيد الله بن مُوسَى عَن إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن سعيد بن جُبَير (عَن ابْن عَبَّاس: {إِن ناشئة اللَّيْل} (المزمل: 6) . قَالَ هُوَ بِكَلَام الحبشية: نَشأ قَامَ) . وأنبأنا عبد الْملك بن عَمْرو عَن رَافع(7/190)
ابْن عَمْرو عَن ابْن أبي مليكَة: (سُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن قَوْله تَعَالَى: {إِن ناشئة اللَّيْل} (المزمل: 6) . فَقَالَ أَي اللَّيْل قُمْت فقد أنشأت) وَفِي عبد أَيْضا: عَن أبي ميسرَة، قَالَ: هُوَ كَلَام الْحَبَشَة: نَشأ قَامَ، وَعَن أبي مَالك: قيام اللَّيْل بِلِسَان الْحَبَشَة: ناشئة، وَعَن قَتَادَة وَالْحسن وَأبي مجلز: كل شَيْء بعد الْعشَاء: ناشئة، وَقَالَ مُجَاهِد: إِذا قُمْت من اللَّيْل تصلي فَهِيَ ناشئة، وَفِي رِوَايَة: أَي سَاعَة تهجد فِيهَا. وَقَالَ مُعَاوِيَة بن قُرَّة: هِيَ قيام اللَّيْل. وَعَن عَاصِم: ناشئة اللَّيْل، مَهْمُوزَة الْيَاء، وَفِي (الْمجَاز) لأبي عُبَيْدَة: ناشئة اللَّيْل ناشئة بعد ناشئة. وَفِي (الْمُنْتَهى) لأبي الْمَعَالِي: ناشئة اللَّيْل: أول ساعاته. وَيُقَال: أول مَا ينشأ من اللَّيْل من الطَّاعَات هِيَ النشيئة. وَفِي (الْمُحكم) : الناشئة أول النَّهَار وَاللَّيْل. وَقيل: الناشئة إِذا نمت من أول اللَّيْل نومَة، ثمَّ قُمْت، وَفِي (كتاب الْهَرَوِيّ) : كل مَا حدث بِاللَّيْلِ وبدا فَهُوَ ناشىء، وَقد نَشأ وَالْجمع: ناشئة.
وَاخْتلف الْعلمَاء، هَل فِي الْقُرْآن شَيْء بِغَيْر الْعَرَبيَّة؟ فَذهب بَعضهم، إِلَى أَن غير الْعَرَبيَّة مَوْجُود فِي الْقُرْآن: كسجيل وفردوس وناشئة، وَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَنه لَيْسَ الْقُرْآن شَيْء بِغَيْر الْعَرَبيَّة، وَقَالُوا: مَا ورد من ذَلِك فَهُوَ من توَافق اللغتين، فعلى هَذَا لفظ، ناشئة، إِمَّا مصدر على وزن: فاعلة، كعاقبة من نَشأ إِذا قَامَ، أَو هُوَ: اسْم فَاعل، صفة لمَحْذُوف تَقْدِيره: النَّفس الناشئة، كَمَا نقلنا عَن الزَّمَخْشَرِيّ عَن قريب.
وِطَاءً قَالَ مُوَاطأةَ القُرآنِ أشَدُّ مُوَافَقَةً لِسَمْعِهِ وبَصَرِهِ وقَلْبِهِ لِيُوَاطِؤُا لِيُوَافِقُوا
وَفِي بعض النّسخ: وطاءً قَالَ مواطأة أَي: قَالَ البُخَارِيّ: معنى: وطأ مواطأة لِلْقُرْآنِ، وَفِي بعض النّسخ: مواطأة لِلْقُرْآنِ يَعْنِي: إِن ناشئة اللَّيْل، هُوَ أَشد مواطاة لِلْقُرْآنِ، وَهَذَا التَّعْلِيق أَيْضا وَصله عبد بن حميد من طَرِيق مُجَاهِد. وَقَالَ أَشد وطاء، أَي: يُوَافق سَمعك وبصرك وقلبك بعضه بَعْضًا، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب. قَوْله: (ليواطؤا ليوافقوا) هَذَا من تَفْسِير بَرَاءَة من قَوْله تَعَالَى: {يحلونه عَاما ويحرمونه عَاما ليواطؤا عدَّة مَا حرم الله} (التَّوْبَة: 73) . الْآيَة، وَذكر أَن مَعْنَاهُ: ليوافقوا، وَإِنَّمَا ذكره هَهُنَا تَأْكِيدًا لتفسيره: وطاء، وَقد وَصله الطَّبَرِيّ عَن ابْن عَبَّاس، لَكِن بِلَفْظ: (ليشابهوا) .
1411 - عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثني محَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ حُمَيْدٍ أنَّهُ سَمِعَ أنسا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَقُولُ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنُّ أنْ لَا يَصُومَ مِنْهُ شَيْئا ويَصُومُ حَتَّى نَظُنُّ أنْ لاَ يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئا وكانَ لاَ تَشَاءُ أنْ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَليا إلاَّ رَأيْتَهُ نائِما إلاَّ رَأيْتَهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَكَانَ لإنشاء أَن ترَاهُ من اللَّيْل مُصَليا إلاّ رَأَيْته) ، وَهُوَ قيام اللَّيْل.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: عبد الْعَزِيز عبد الله بن يحيى أَبُو الْقَاسِم الْقرشِي العامري. الثَّانِي: مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي كثير ضد الْقَلِيل مر فِي كتاب الْحيض. الثَّالِث: حميد، بِضَم الْحَاء: ابْن أبي حميد الطَّوِيل. الرَّابِع: أنس بن مَالك.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: السماع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين مَاضِيا ومضارعا. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده، وَهُوَ وَمُحَمّد بن جَعْفَر مدنيان، وَحميد بَصرِي.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّوْم عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَن لَا يَصُوم مِنْهُ) ، كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة فِي مَحل النصب على أَنه مفعول: يظنّ، قَوْله: (مِنْهُ شَيْئا) ، أَي: من الشَّهْر شَيْئا من الصَّوْم، وَلَفظه: شَيْئا، فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَأبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا لَيْسَ فِيهِ هَذَا اللَّفْظ. قَوْله: (وَكَانَ) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (وَلَا نَائِما) أَي: وَلَا تشَاء أَن ترَاهُ من اللَّيْل نَائِما إلاّ رَأَيْته نَائِما.
وَالَّذِي يُسْتَفَاد من هَذَا الحَدِيث: أَن صلَاته ونومه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخْتَلف بِاللَّيْلِ، وَلَا يَتَرَتَّب وقتا معينا بل بِحَسب مَا تيَسّر لَهُ الْقيام. فَإِن قلت: يُعَارضهُ حَدِيث عَائِشَة: (كَانَ إِذا سمع الصَّارِخ قَامَ) . قلت: عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أخْبرت بِحَسب مَا اطَّلَعت عَلَيْهِ، لِأَن صَلَاة اللَّيْل غَالِبا كَانَت تقع مِنْهُ فِي الْبَيْت، وَخبر أنس مَحْمُول على مَا وَرَاء ذَلِك.
تابَعَهُ سُلَيْمَانُ وأبُو خالِدٍ الأحْمَرُ عنْ حُمَيْدٍ
أَي: تَابع مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن حميد سُلَيْمَان ذكر خلف أَنه ابْن بِلَال أَبُو أَيُّوب، وَيُقَال: أَبُو مُحَمَّد الْقرشِي التَّيْمِيّ وَلَاء.(7/191)
قَوْله: (وَأَبُو خَالِد) عطف عَلَيْهِ، أَي: وتابع مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن حميد أَبُو خَالِد سُلَيْمَان بن حبَان الملقب بالأحمر، وَهَكَذَا وَقع فِي جَمِيع النّسخ، بواو الْعَطف، وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون سُلَيْمَان هُوَ ابْن بِلَال، وَيحْتَمل أَن تكون الْوَاو زَائِدَة فَإِن أَبَا خالدٍ الْأَحْمَر اسْمه سُلَيْمَان. قلت: هَذَا كَلَام غير موجه، لِأَن زِيَادَة: وَاو، الْعَطف نادرة، بِخِلَاف الأَصْل، سِيمَا الحكم بذلك بِالِاحْتِمَالِ فَلَا يلْزم من كَون اسْم أبي خَالِد سُلَيْمَان أَن يكون سُلَيْمَان الْمَعْطُوف عَلَيْهِ إِيَّاه. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض النّسخ: وَأَبُو خَالِد بِالْوَاو، فَلَا بُد أَن يُقَال: سُلَيْمَان الْمَذْكُور غير سُلَيْمَان المكنى بِأبي خَالِد، ولولاه لَكَانَ شخصا وَاحِدًا مَذْكُورا بالإسم والكنية وَالصّفة، أما مُتَابعَة سُلَيْمَان فَقَالَ البُخَارِيّ فِي كتاب الصَّوْم فِي: بَاب مَا يذكر من صَوْم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حَدثنِي عبد الْعَزِيز بن عبد الله، قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن حميد (عَن أنس أَن أنسا يَقُول: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفْطر من الشَّهْر) الحَدِيث، وَفِي آخِره قَالَ سُلَيْمَان عَن حميد إِنَّه سَأَلَ أنسا فِي الصَّوْم، وَأما مُتَابعَة أبي خَالِد فقد ذكرهَا البُخَارِيّ فِي كتاب الصّيام، وَنَذْكُر مَا فِيهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
21 - (بابُ عَقْدِ الشَّيْطَانِ عَلَى قافِيَةِ الرَّأسِ إذَا لَمْ يُصَلِّ بِاللَّيْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان عقد الشَّيْطَان على قافية رَأس النَّائِم إِذا نَام، وَلم يصل، وقافية الرَّأْس: قَفاهُ، وقافية كل شَيْء آخِره، قَالَه الْأَزْهَرِي وَغَيره.
2411 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِك عنْ أبِي الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قافِيةِ رَأسِ أحَدِكُمْ إذَا هُوَ نامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كلَّ عُقْدَةٍ علَيْكَ لَيْلٌ طَويلٌ فَارْقُدْ فإنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ الله انْحلَّتْ عُقْدَةٌ فانْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فأصْبَحَ نَشِيطا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإلاَّ أصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ.
(الحَدِيث 2411 طرفه فِي: 9623) .
اعْترض بِأَنَّهُ لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة، لِأَن الحَدِيث مُطلق والترجمة مُقَيّدَة، وَأجِيب: بِأَن مُرَاده أَن اسْتِدَامَة العقد إِنَّمَا يكون على ترك الصَّلَاة، وَجعل من صلى وانحلت عقده كمن لم يعْقد عَلَيْهِ لزوَال أَثَره، وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن تكون الصَّلَاة المنفية فِي التَّرْجَمَة صَلَاة الْعشَاء، فَيكون التَّقْدِير: إِذا لم يصل الْعشَاء، فَكَأَنَّهُ يرى أَن الشَّيْطَان إِنَّمَا يفعل ذَلِك لمن نَام قبل صَلَاة الْعشَاء، بِخِلَاف من صلاهَا، وَلَا سِيمَا فِي الْجَمَاعَة. انْتهى. قلت: قَوْله: (إِذا لم يصل) أَعم من أَن لَا يُصَلِّي الْعشَاء أَو غَيرهَا من صَلَاة اللَّيْل، وَلَا قرينَة لتقييدها بالعشاء، وَظَاهر الحَدِيث يدل على أَن العقد يكون عِنْد النّوم، سَوَاء صلى قبله أَو لم يصل، وَيُؤَيّد هَذَا مَا رَوَاهُ ابْن زَنْجوَيْه فِي كتاب الْفَضَائِل من حَدِيث أبي لَهِيعَة عَن أبي عشانة، سمع عقبَة بن عَامر يَقُول عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يقوم أحدكُم من اللَّيْل يعالج طهوره وَعَلِيهِ عقد، فَإِذا وضأ يَده انْحَلَّت عقدَة، فَإِذا وضأ وَجهه انْحَلَّت عقدَة، فَإِذا مسح بِرَأْسِهِ انْحَلَّت عقدَة، فَإِذا وضأ رجلَيْهِ انْحَلَّت عقدَة) . وَمن حَدِيث ابْن لَهِيعَة أَيْضا عَن أبي الزبير (عَن جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَيْسَ فِي الأَرْض نفس من ذكر وَأُنْثَى إلاّ وعَلى رَأسه جرير معقدة، فَإِن اسْتَيْقَظَ فَتَوَضَّأ انْحَلَّت عقدَة، وَإِن اسْتَيْقَظَ وَصلى حلت العقد كلهَا، وَإِن لم يصل وَلم يتَوَضَّأ أَصبَحت العقد كَمَا هِيَ) . والجرير: بِفَتْح الْجِيم: الْحَبل. وَفِي (كتاب الثَّوَاب) لآدَم بن أبي إِيَاس الْعَسْقَلَانِي، من حَدِيث الرّبيع بن صبيح: عَن الْحسن قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا من عبد ينَام إلاّ وعَلى رَأسه ثَلَاث عقد، فَإِن هُوَ تعار من اللَّيْل فسبح الله وحمده وَهَلله وَكبره حلت عقدَة، وَإِن عزم الله لَهُ فَقَامَ وَتَوَضَّأ وَصلى رَكْعَتَيْنِ حلت العقد كلهَا، وَإِن لم يفعل شَيْئا من ذَلِك حَتَّى يصبح أصبح وَالْعقد كلهَا كَمَا هِيَ) .
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة، كلهم قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو الزِّنَاد، بالزاي وَالنُّون: عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز،. والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا.(7/192)
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (يعْقد الشَّيْطَان) الْكَلَام فِي العقد والشيطان. أما العقد فقد اخْتلفُوا فِيهِ، فَقَالَ بَعضهم: هُوَ على الْحَقِيقَة بِمَعْنى السحر للْإنْسَان، وَمنعه من الْقيام كَمَا يعْقد السَّاحر من سحره، وَأكْثر مَا يَفْعَله النِّسَاء تَأْخُذ إِحْدَاهُنَّ الْخَيط فتعقد مِنْهُ عقدا وتتكلم عَلَيْهَا بالكلمات فيتأثر المسحور عِنْد ذَلِك، كَمَا أخبر الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْكَرِيم {وَمن شَرّ النفاثات فِي العقد} (الفلق: 4) . فَالَّذِي خذل يعْمل فِيهِ وَالَّذِي وفْق يصرف عَنهُ، وَالدَّلِيل على كَونه على الْحَقِيقَة مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَمُحَمّد بن نصر من طَرِيق صَالح عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (على قافية رَأس أحدكُم حَبل فِيهِ ثَلَاث عقد) ، وروى أَحْمد من طَرِيق الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: (إِذا نَام أحدكُم عقد على رَأسه بجرير) ، وروى ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان من حَدِيث جَابر مَرْفُوعا: (مَا من ذكر وَلَا أُنْثَى إلاّ على رَأسه جرير مَعْقُود حِين يرقد) ، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ على الْمجَاز كَأَنَّهُ شبه فعل الشَّيْطَان بالنائم بِفعل السَّاحر بالمسحور، وَقيل: هُوَ من عقد الْقلب وتصميمه فَكَأَنَّهُ يوسوس بِأَن عَلَيْك لَيْلًا طَويلا فَيتَأَخَّر عَن الْقيام بِاللَّيْلِ، وَقَالَ صَاحب (النِّهَايَة) : المُرَاد مِنْهُ تثقيله فِي النّوم وإطالته، فَكَأَنَّهُ قد سد عَلَيْهِ سدا وَعقد عَلَيْهِ عقدا. وَقَالَ ابْن بطال: قد فسر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، معنى العقد بقوله: (عَلَيْك ليل طَوِيل) ، فَكَأَنَّهُ يَقُولهَا إِذا أَرَادَ النَّائِم الاستيقاظ. وَقَالَ ابْن بطال أَيْضا: وَرَأَيْت لبَعض من فسر هَذَا الحَدِيث العقد الثَّلَاث هِيَ: الْأكل وَالشرب وَالنَّوْم. وَقَالَ أَلا يرى أَنه من أَكثر الْأكل وَالشرب أَنه يكثر النّوم لذَلِك؟ واستبعد بَعضهم هَذَا القَوْل لقَوْله فِي الحَدِيث: (إِذا هُوَ نَام) ، فَجعل العقد حِينَئِذٍ، وَقَالَ ابْن قرقول: هُوَ مثل، واستعاره من عقد بني آدم، وَلَيْسَ المُرَاد العقد نَفسهَا، وَلَكِن لما كَانَ بَنو آدم يمْنَعُونَ بعقدهم ذَلِك تصرف من يحاول فِيمَا عقده كَأَن هَذَا مثله من الشَّيْطَان للنائم الَّذِي لَا يقوم من نَومه إِلَى مَا يحب من ذكر الله تَعَالَى وَالصَّلَاة.
وَأما الشَّيْطَان: فَيجوز أَن يُرَاد بِهِ الْجِنْس، وَيكون فَاعل ذَلِك القرين أَو غَيره من أعوان الشَّيْطَان. وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ رَأس الشَّيَاطِين وَهُوَ إِبْلِيس لَعنه الله. قلت: يُعَكر عَلَيْهِ شَيْئَانِ أَحدهمَا: أَن النائمين عَن قيام اللَّيْل كثير لَا يُحْصى، فإبليس لَا يلحقهم بذلك إلاّ أَن يكون جَوَاز نِسْبَة ذَلِك إِلَيْهِ لكَونه آمرا لأعوانه بذلك، وَهُوَ الدَّاعِي إِلَيْهِ وَالْآخر: أَن مَرَدَة الشَّيَاطِين يصفدون فِي شهر رَمَضَان وأكبرهم إِبْلِيس عَلَيْهِ اللَّعْنَة.
قَوْله: (على قافية رَأس أحدكُم) أَي: مُؤخر عُنُقه، وَقد ذكرنَا أَن قافية كل شَيْء مؤخره، وَمِنْه قافية القصيدة، وَفِي (الْمُحكم) : القافية: هِيَ الْقَفَا، وَقيل: هِيَ وسط الرَّأْس. قَوْله: (إِذا هُوَ نَام) ، أَي: حِين نَام، وَرِوَايَة الْأَكْثَرين هَكَذَا: (إِذا هُوَ نَام) ، وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي (إِذا هُوَ نَائِم) على وزن اسْم الْفَاعِل، وَقَالَ بَعضهم: وَالْأول أصوب وَهُوَ الَّذِي فِي (الْمُوَطَّأ) قلت: رِوَايَة (الْمُوَطَّأ) لَا تدل على أَن ذَلِك أصوب، بل الظَّاهِر أَن رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي أصوب لِأَنَّهَا جملَة إسمية وَالْخَبَر فِيهَا إسم. قَوْله: (ثَلَاث عقد) كَلَام إضافي مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول لقَوْله: (يعْقد) ، وَالْعقد، بِضَم الْعين وَفتح الْقَاف: جمع عقدَة. قَوْله: (يضْرب على كل عقدَة) وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: (على مَكَان كل عقدَة) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (عِنْد مَكَان كل عقدَة) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (عِنْد مَكَان كل عقدَة) ، وَمعنى يضْرب، يضْرب بِيَدِهِ على كل عقدَة، ذكر هَذَا تَأْكِيدًا وإحكاما لما يَفْعَله، وَقيل: يضْرب بالرقاد، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {فضربنا على آذانهم فِي الْكَهْف} (الْكَهْف: 11) . وَمَعْنَاهُ: حجب الْحس عَن النَّائِم حَتَّى لَا يَسْتَيْقِظ. قَوْله: (عَلَيْك ليل طَوِيل) أَي: يضْرب قَائِلا: عَلَيْك ليل طَوِيل، وَوَقع فِي جَمِيع رِوَايَات البُخَارِيّ هَكَذَا: (ليل طَوِيل) بِالرَّفْع فيهمَا، فارتفاع: ليل، بِالِابْتِدَاءِ، و: عَلَيْك، خَبره مقدما وارتفاع: طَوِيل، بالوصفية. وَيجوز أَن يكون ارْتِفَاع: ليل، بِفعل مَحْذُوف وَتَقْدِيره: بَقِي عَلَيْك ليل طَوِيل، وَالْجُمْلَة مقول القَوْل الْمَحْذُوف، أَي: يضْرب كل عقدَة قَائِلا هَذَا الْكَلَام، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي مُصعب فِي (الْمُوَطَّأ) عَن مَالك: (عَلَيْك لَيْلًا طَويلا) ، وَهِي رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أبي الزِّنَاد فِي رِوَايَة مُسلم. قَالَ عِيَاض: رِوَايَة الْأَكْثَرين عَن مُسلم بِالنّصب على الإغراء. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الرّفْع أولى من جِهَة الْمَعْنى لِأَنَّهُ الأمكن فِي الْغرُور من حَيْثُ إِنَّه يُخبرهُ عَن طول اللَّيْل: ثمَّ يَأْمُرهُ بالرقاد بقوله: (فارقد) ، وَإِذا نصب على الإغراء لم يكن فِيهِ إلاّ الْأَمر بملازمة طول الرقاد، وَحِينَئِذٍ يكون قَوْله: (فارقد) ضائعا. قلت: لَا نسلم أَنه يكون ضائعا، بل يكون تَأْكِيدًا ثمَّ إِن مَقْصُود الشَّيْطَان بذلك تسويفه بِالْقيامِ والإلباس عَلَيْهِ. قَوْله (فَذكر الله انْحَلَّت عقدَة) بِالْإِفْرَادِ وَكَذَلِكَ قَوْله: (فَإِن تَوَضَّأ انْحَلَّت عقدَة) بِالْإِفْرَادِ. وَقَوله: (فَإِن صلى انْحَلَّت عقدَة) بِضَم الْعين بِلَفْظ الْجمع هَذَا الاخلاف فِيهِ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ وَوَقع لبَعض رُوَاة الْمُوَطَّأ بِالْإِفْرَادِ وَذكر ابْن قرقول انه اخْتلف فِي الْأَخِيرَة مِنْهَا، فَوَقع فِي رِوَايَة (الْمُوَطَّأ) لِابْنِ وضاح(7/193)
انْحَلَّت عقد) على الْجمع، وَكَذَا ضبطناه فِي البُخَارِيّ وَفِي غَيرهمَا: (عقدَة) ، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَالْجمع أولى لَا سِيمَا وَقد جَاءَ مُسلم فِي الأولى: عقدَة وَفِي الثَّانِيَة: عقدان، وَفِي الثَّالِثَة: انْحَلَّت العقد. قَوْله: (أصبح نشيطا) أَي: لسروره بِمَا وَفقه الله تَعَالَى من الطَّاعَة وَطيب النَّفس لما بَارك الله لَهُ فِي نَفسه وتصرفه فِي كل أُمُوره، وَبِمَا زَالَ عَنهُ من عقد الشَّيْطَان. قَوْله: (وإلاّ أصبح خَبِيث النَّفس) يَعْنِي: بِتَرْكِهِ مَا كَانَ اعتاده أَو نَوَاه من فعل الْخَيْر. قَوْله: (كسلان) يَعْنِي: بِبَقَاء أثر تثبيط الشَّيْطَان عَلَيْهِ. قَالَ الْكرْمَانِي: وَاعْلَم أَن مُقْتَضى (وإلاَّ أصبح) أَن من لم يجمع الْأُمُور الثَّلَاثَة: الذّكر وَالْوُضُوء وَالصَّلَاة، فَهُوَ دَاخل تَحت من يصبح خبيثا كسلان وَإِن أَتَى بِبَعْضِهَا. قلت: فعلى هَذَا تَقْدِير الْكَلَام: وَإِن لم يذكر وَلم يتَوَضَّأ وَلم يصل يصبح خَبِيث النَّفس كسلان.
الأسئلة والأجوبة مِنْهَا مَا قيل: إِن أَبَا بكر وَأَبا هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، كَانَا يوتران أول اللَّيْل وينامان آخِره؟ وَأجِيب: بِأَن المُرَاد: الَّذِي ينَام وَلَا نِيَّة لَهُ فِي الْقيام، وَأما من صلى من النَّافِلَة مَا قدر لَهُ ونام بنية الْقيام فَلَا يدْخل فِي ذَلِك، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : بِدَلِيل قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا من امرىء يكون لَهُ صَلَاة بلَيْل فغلبه عَلَيْهَا نوم إلاَّ كتب لَهُ أجر صلَاته، وَكَانَ نَومه صَلَاة) . ذكره ابْن التِّين قلت: روى ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) فِي: بَاب من نوى أَن يُصَلِّي من اللَّيْل، من حَدِيث شُعْبَة، قَالَ أَبُو ذَر وَأَبُو الدَّرْدَاء، شكّ شُعْبَة: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا من عبد يحدث نَفسه بِقِيَام سَاعَة من اللَّيْل فينام عَنْهَا إلاَّ كَانَ نَومه صَدَقَة تصدق الله بهَا عَلَيْهِ وَكتب لَهُ أجر مَا نوى) .
وَمِنْهَا مَا قيل: فِي هَذَا الحَدِيث مَا يُعَارض قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يَقُولَن أحدكُم خبثت نَفسِي؟) وَأجِيب: بِأَن النَّهْي إِنَّمَا ورد عَن إِضَافَة الْمَرْء ذَلِك إِلَى نَفسه كَرَاهَة لتِلْك الْكَلِمَة، وَهَذَا الحَدِيث وَقع ذما لفعله، وَلكُل من الْخَبَرَيْنِ وَجه، وَقَالَ الْبَاجِيّ: لَيْسَ بَين الْحَدِيثين اخْتِلَاف لِأَنَّهُ نهي عَن إِضَافَة ذَلِك إِلَى النَّفس، لكَون الْخبث فَمَعْنَى فَسَاد الدّين، وَوصف بعض الْأَفْعَال بذلك تحذيرا مِنْهَا وتنفيرا.
وَمِنْهَا مَا قيل: مَا فَائِدَة تَقْيِيد العقد بِالثلَاثِ؟ وَأجِيب: بإنه أما تَأْكِيد وَإِمَّا لِأَن مَا ينْحل بِهِ العقد ثَلَاثَة أَشْيَاء: الذّكر وَالْوُضُوء وَالصَّلَاة، فَكَانَ الشَّيْطَان منع عَن كل وَاحِد مِنْهَا بعقدة عقدهَا على قافيته.
وَمِنْهَا مَا قيل: مَا وَجه تَخْصِيص قافية الرَّأْس بِضَرْب العقد عَلَيْهَا. وَأجِيب بِأَنَّهَا مَحل الواهمة وَمحل تصرفها، وَهِي أطوع القوى للشَّيْطَان وأسرعها إِجَابَة لدعوته.
وَمِنْهَا مَا قيل: أَنه قد يظنّ أَن بَين هَذَا الحَدِيث وَبَين مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَغَيره أَن قارىء آيَة الْكُرْسِيّ عِنْد نَومه لَا يقربهُ شَيْطَان تعَارض؟ وَأجِيب: بِأَن المُرَاد من العقد إِن كَانَ أمرا معنويا، وَمن الْقرب أمرا حسيا أَو بِالْعَكْسِ، فَلَا إِشْكَال، وَإِن كَانَ كِلَاهُمَا معنويا أَو بِالْعَكْسِ فَيكون أَحدهمَا مَخْصُوصًا، وَالْأَقْرَب أَن يكون حَدِيث الْبَاب مَخْصُوصًا بِمن لم يقْرَأ آيَة الْكُرْسِيّ لطرد الشَّيْطَان.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن الذّكر يطرد الشَّيْطَان، وَكَذَا الْوضُوء وَالصَّلَاة، وَلَا يتَعَيَّن للذّكر شَيْء مَخْصُوص لَا يجزىء غَيره، بل كل مَا يصدق عَلَيْهِ، ذكر الله تَعَالَى أَجزَأَهُ، وَيدخل فِيهِ تِلَاوَة الْقُرْآن، وَأولى مَا يذكر فِيهِ مَا سَيَجِيءُ فِي: بَاب فضل من تعار من اللَّيْل، إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَإِن قلت: كَيفَ حكم الْجنب؟ فَهَل تحل عقدته بِالْوضُوءِ؟ قلت: لَا تحل إلاّ بالاغتسال وَتَخْصِيص الْوضُوء بِالذكر لكَونه الْغَالِب، وَالتَّيَمُّم يقوم مقامهما عِنْد جَوَازه، وَالله أعلم.
3411 - حدَّثنا مُؤَمِّلُ بنُ هِشَامٍ قَالَ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثنا عَوفٌ قَالَ حدَّثنا أبُو رَجَاءٍ قَالَ حدَّثَنَا سَمْرَةُ بنُ جُنْدَبٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرُّؤيَا قَالَ أمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأسُهُ بِالحَجَرِ فإنَّهُ يَأخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ ويَنَامُ عنِ الصَّلاَة المَكْتُوبَةِ..
زعم الْإِسْمَاعِيلِيّ أَن حَدِيث سَمُرَة هَذَا لَا يدْخل فِي هَذَا الْبَاب لِأَن رفض الْقُرْآن لَيْسَ ترك الصَّلَاة بِاللَّيْلِ. قلت: حفظ شَيْئا وَغَابَ عَنهُ مَا هُوَ أعظم مِنْهُ، فَفِي الحَدِيث: (وينام عَن الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة) ، وَالْمرَاد مِنْهَا الْعشَاء الْآخِرَة، فَأَي مُنَاسبَة تطلب بِأَكْثَرَ من هَذَا؟
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُؤَمل، بِلَفْظ اسْم الْمَفْعُول: ابْن هِشَام الْبَصْرِيّ ختن شَيْخه إِسْمَاعِيل بن علية، مَاتَ سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: إِسْمَاعِيل بن علية، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح اللَّام، وَعليَّة اسْم أمه، وَهُوَ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن سهم الْأَسدي الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة ثَلَاث أَو أَربع وَتِسْعين وَمِائَة بِبَغْدَاد. الثَّالِث: عَوْف الْأَعرَابِي، مر فِي: بَاب اتِّبَاع الْجَنَائِز من الْإِيمَان. الرَّابِع: أَبُو رَجَاء، بخفة الْجِيم وبالمد: اسْمه عمرَان بن ملْحَان العطاردي.(7/194)
الْخَامِس: سَمُرَة بن جُنْدُب، بِفَتْح الدَّال وَضمّهَا، مر فِي آخر كتاب الْحيض.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: الْإِسْنَاد كُله بِصِيغَة التحديث فِي صُورَة الْجمع. وَفِيه: أَن رِجَاله كلهم بصريون. وَفِيه: سَمُرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعنعنة. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: إِسْمَاعِيل مَذْكُور باسم أمه. وَفِيه: عَوْف مَذْكُور بِغَيْر نِسْبَة. وَفِيه: أَبُو رَجَاء مَذْكُور بكنيته.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ مقطعا فِي مَوَاضِع، وَتَمَامه يَأْتِي فِي أَوَاخِر كتاب الْجَنَائِز، وَأخرجه فِي الْبيُوع وَالْجهَاد وبدء الْخلق وَالْأَدب وَأَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَفِي التَّفْسِير وَفِي التَّعْبِير. وَأخرجه مُسلم فِي الرُّؤْيَا عَن مُحَمَّد بن بشار وَبُنْدَار مُخْتَصرا كَمَا هَهُنَا. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن بنْدَار بِهِ مُخْتَصرا. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى عَن مُعْتَمر عَن عَوْف بِتَمَامِهِ وَفِي التَّفْسِير عَن جمَاعَة عَن عَوْف بِأَكْثَرَ الحَدِيث.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (يثلغ) ، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح اللَّام وبالغين الْمُعْجَمَة أَي: يكسر، قَالَ الْجَوْهَرِي: أَي ثلغ رَأسه يثلغه، بِفَتْح اللَّام فيهمَا: ثلغا أَي: شدخه، والشدخ: كسر الشَّيْء الأجوف. قلت: كلمة: أما، لَا بُد لَهَا من قسيم فَمَا هُوَ هَهُنَا؟ قلت: قد قلت لَك أَن البُخَارِيّ قد قطع هَذَا الحَدِيث، وَسَيَأْتِي تَمَامه فِي: بَاب الْجَنَائِز، كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (فيرفضه) ، بِضَم الْفَاء وَكسرهَا أَي: يتْرك حفظه وَالْعَمَل بِهِ، وَأما الَّذِي يتْرك حفظ حرفه وَيعْمل بمعاني فَلَيْسَ برافض لَهُ، وَأما الَّذِي يرفض كليهمَا فَذَاك لعقد الشَّيْطَان فِيهِ، فَوَقَعت الْعقُوبَة فِي مَوضِع الْمعْصِيَة. قَوْله: (وينام عَن الصَّلَاة) ، يَعْنِي ذاهلاً عَنْهَا حَتَّى يخرج وَقتهَا وتفوت مِنْهُ. قَوْله: (الْمَكْتُوبَة) أَي: الْمَفْرُوضَة، وَأَرَادَ بهَا: صَلَاة الْعشَاء. وَقيل: أَرَادَ بهَا صَلَاة الصُّبْح لِأَنَّهَا الَّتِي تبطل بِالنَّوْمِ.
31 - (بابُ إذَا نامَ ولَمْ يُصَلِّ بالَ الشَّيْطَانُ فِي أذُنِهِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا نَام ... إِلَى آخِره. وَوَقعت هَذِه التَّرْجَمَة للمستملي وَحده، وللباقين: بَاب، فَقَط من غير ذكر شَيْء، فَكَأَنَّهُ بِمَنْزِلَة فصل للباب السَّابِق، وتعلقه بِهِ ظَاهر، وَهُوَ فِي قَوْله فِي الحَدِيث السَّابِق: (وينام عَن الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة) ، وَهنا فِي قَوْله: مَا زَالَ نَائِما حَتَّى أصبح) .
4411 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا أبُو الأحْوَصِ قَالَ حدَّثنا مَنْصُورٌ عنْ أبِي وائِلٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قالَ ذُكِرَ عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَجُلُ فَقِيلَ مَا زَالَ نائِما حَتَّى أصْبَحَ مَا قامَ إلَى الصَّلاَةِ فقالَ بالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ.
(الحَدِيث 4411 طرفه فِي: 0723) .
مطابقته للباب فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين ظَاهِرَة، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي أظهر.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو الْأَحْوَص: سَلام بن سليم، وَمَنْصُور ابْن الْمُعْتَمِر، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَعبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي، وَأَبُو الْأَحْوَص وَمَنْصُور وَأَبُو وَائِل كوفيون.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي صفة إِبْلِيس عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة، وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن عُثْمَان وَإِسْحَاق كِلَاهُمَا عَن جرير بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق وَعَن عَمْرو بن عَليّ عَن عبد الْعَزِيز عبد الصَّمد عَنهُ بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الصَّباح عَن جرير بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فَقيل: مَا زَالَ نَائِما) أَي: قَالَ رجل مِمَّن كَانَ فِي الْمجْلس: مَا زَالَ هَذَا الرجل نَائِما حَتَّى أصبح. وَفِي رِوَايَة جرير عَن مَنْصُور فِي بَدْء الْخلق: (رجل نَام لَيْلَة حَتَّى أصبح) . قَوْله: (مَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة) ، اللَّام فِيهِ للْجِنْس، وَيجوز أَن تكون للْعهد، وَيُرَاد بهَا الْمَكْتُوبَة، وَهُوَ الظَّاهِر كَمَا قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ حَيْثُ قَالَ: هَذَا عندنَا نَام عَن الْفَرِيضَة. وَأخرج ابْن حبَان من طَرِيق سُفْيَان، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن حَدثنَا عَليّ بن حَرْب أخبرنَا الهاشم بن يزِيد الحرمي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن سَلمَة بن كهيل عَن أبي الْأَحْوَص (عَن عبد الله، قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن رجل نَام حَتَّى أصبح(7/195)
قَالَ: بَال الشَّيْطَان فِي أُذُنه) . قَوْله: (فِي أُذُنه) بِضَم الذَّال وسكونها، وَفِي رِوَايَة جرير: (فِي أُذُنَيْهِ) ، بالتثنية. وَاخْتلفُوا فِي معنى قَوْله: (بَال الشَّيْطَان) ، فَقيل: هُوَ على حَقِيقَته. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: لَا مَانع من حَقِيقَته لعدم الإحالة فِيهِ لِأَنَّهُ ثَبت أَنه يَأْكُل وَيشْرب وينكح، فَلَا مَانع من أَن يَبُول. وَقَالَ الْخطابِيّ: هُوَ تَمْثِيل، شبه تثاقل نَومه وإغفاله عَن الصَّلَاة بِحَال من يبال فِي أُذُنه فيثقل سَمعه وَيفْسد حسه. قَالَ: وَإِن كَانَ المُرَاد حَقِيقَة عين الْبَوْل من الشَّيْطَان نَفسه فَلَا يُنكر ذَلِك إِن كَانَت لَهُ هَذِه الصّفة. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: هُوَ اسْتِعَارَة عَن تحكمه فِيهِ وانقياده لَهُ. وَقَالَ التوريشتي: يحْتَمل أَن يُقَال: إِن الشَّيْطَان مَلأ سَمعه بالأباطيل فأحدث فِي أُذُنه وقرا عَن اسْتِمَاع دَعْوَة الْحق، وَقيل: هُوَ كِنَايَة عَن استهانة الشَّيْطَان وَالِاسْتِخْفَاف بِهِ، فَإِن من عَادَة المستخف بالشَّيْء أَن يَبُول عَلَيْهِ لِأَنَّهُ من شدَّة استخفافه بِهِ يَتَّخِذهُ كالكنيف الْمعد للبول. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: مَعْنَاهُ أفسد، يُقَال: بَال فِي كَذَا أَي: أفسد، وَالْعرب تكنى عَن الْفساد بالبول. قَالَ الراجز:
(بَال سُهَيْل فِي الفضيخ ففسد)
وَوَقع فِي رِوَايَة الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة فِي هَذَا الحَدِيث عِنْد أَحْمد، قَالَ الْحسن: إِن بَوْله وَالله لثقيل، وروى مُحَمَّد بن نصر من طَرِيق قيس ابْن أبي حَازِم (عَن ابْن مَسْعُود: حسب رجل من الخيبة وَالشَّر أَن ينَام حى يصبح وَقد بَال الشَّيْطَان فِي أُذُنه) ، وَهُوَ مَوْقُوف صَحِيح الْإِسْنَاد. فَإِن قلت: لم خص الْأذن بِالذكر وَالْعين أنسب بِالنَّوْمِ؟ قلت: قَالَ الطَّيِّبِيّ: إِشَارَة إِلَى ثقل النّوم، فَإِن المسامع هِيَ موارد الانتباه، وَخص الْبَوْل من الأخبثين لِأَنَّهُ أسهل مدخلًا فِي التجاويف وأوسع نفوذا فِي الْعُرُوق فيورث الكسل فِي جَمِيع الْأَعْضَاء.
41 - (بابُ الدُّعَاءِ فِي الصَّلاَةِ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء فِي الصَّلَاة من آخر اللَّيْل، وَهُوَ الثُّلُث الْأَخير مِنْهُ. قَوْله: (فِي الصَّلَاة) ، بِكَلِمَة: فِي، رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره، بَاب الدُّعَاء وَالصَّلَاة، بِحرف: وَاو، الْعَطف.
وقَالَ الله عزَّ وجَلَّ {كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} أَي مَا يَنَامُونَ {وبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الذاريات: 71، 81) .
وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: وَقَول الله، عز وَجل، فعلى هَذِه تكون هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة من جملَة التَّرْجَمَة على مَا لَا يخفى، وَزَاد الْأصيلِيّ بعد قَوْله: {مَا يهجعون} (الذاريات: 71، 81) . أَي: مَا ينامون، يُقَال: هجع يهجع هجوعا، وَهُوَ: النّوم بِاللَّيْلِ دون النَّهَار، وَرجل هاجع من قوم هجع وهجوع، وَامْرَأَة هاجعة من نسْوَة هجع وهواجع وهاجعات. وَفِي (الْمُحكم) : قد يكون الهجوع بَين نوم، وَقوم هجع وهجوع وَنسَاء هجع وهجوع وهواجع وهاجعات جمع الْجمع. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الهاجع كل نَائِم. وَفِي (الْكَامِل) : التهجاع النومة الْخَفِيفَة.
5411 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ أبِي شِهَابٍ عنْ أبِي سَلَمَةَ وأبِي عَبْدِ الله الأغَرِّ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضِيَ الله عنْهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالى كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ مَنْ يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْألُنِي فأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ لَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَهِي أَن التَّرْجَمَة فِي الدُّعَاء فِي آخر اللَّيْل، والْحَدِيث يخبر أَن من دَعَا فِي ذَلِك الْوَقْت يستجيب الله تَعَالَى دعاءه.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: عبد الله بن مسلمة القعْنبِي. الثَّانِي: مَالك بن أنس. الثَّالِث: مُحَمَّد ابْن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. الرَّابِع: أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن. الْخَامِس: أَبُو عبد الله الْأَغَر، بالغين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء: واسْمه سلمَان الثَّقَفِيّ والأغر لقبه. السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رِجَاله كلهم مدنيون، غير أَن ابْن سَلمَة سكن الْبَصْرَة. وَفِيه: ابْن شهَاب مَذْكُور بنسبته إِلَى جده. وَفِيه: ثَلَاثَة مذكورون بالكنية وَوَاحِد(7/196)
مِنْهُم باللقب أَيْضا. وَفِيه: اخْتلف عَليّ ابْن شهَاب، فَرَوَاهُ عَنهُ مَالك وحفاظ أَصْحَابه كَمَا هُوَ الْمَذْكُور هَهُنَا، وَاقْتصر بَعضهم فِي الرِّوَايَة عَنهُ على أحد الرجلَيْن، وَقَالَ بعض أَصْحَاب مَالك: عَن سعيد بن الْمسيب بدل أبي سَلمَة، وَأبي عبد الله الْأَغَر، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن الزُّهْرِيّ، فَقَالَ: الْأَعْرَج بدل الْأَغَر، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن الزُّهْرِيّ، فَقَالَ: الْأَعْرَج بدل الْأَغَر. قيل: هَذَا تَصْحِيف. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث أبي هُرَيْرَة صَحِيح، وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من أوجه كَثِيرَة عَن أبي هُرَيْرَة (عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ينزل الله تَعَالَى حِين يبْقى ثلث اللَّيْل الآخر) ، وَهَذَا أصح الرِّوَايَات.
وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: وَقد روى فِي ذَلِك خمس رِوَايَات. أَصَحهَا: مَا صَححهُ التِّرْمِذِيّ، وَقد اتّفق عَلَيْهَا مَالك بن أنس وَإِبْرَاهِيم بن سعد وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة وَمعمر بن رَاشد وَيُونُس بن يزِيد ومعاذ بن يحيى الصَّدَفِي وَعبيد الله بن أبي زِيَاد وَعبد الله بن زِيَاد بن سمْعَان وَصَالح بن أبي الْأَخْضَر، كلهم عَن ابْن شهَاب عَن أبي سَلمَة وَأبي سَلمَة وَأبي عبد الله، إلاَّ أَن ابْن سمْعَان وَابْن أبي الْأَخْضَر لم يذكرَا أَبَا سَلمَة فِي الْإِسْنَاد، وَزَاد ابْن أبي الْأَخْضَر بدله: عَطاء بن يزِيد اللَّيْثِيّ، كلهم عَن أبي هُرَيْرَة، وَهَكَذَا رَوَاهُ الْأَعْمَش: عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة، وَمُحَمّد ابْن عَمْرو: عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة، وَيحيى بن أبي كثير: عَن أبي جَعْفَر عَن أبي هُرَيْرَة. وَقد قيل: إِن أَبَا جَعْفَر هَذَا هُوَ مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن.
الرِّوَايَة الثَّانِيَة: هِيَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن الإسْكَنْدراني عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه (عَن أبي هُرَيْرَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ينزل الله إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا كل لَيْلَة حِين يمْضِي ثلث اللَّيْل الأول. .) الحَدِيث، وَهَكَذَا فِي رِوَايَة مَنْصُور وَشعْبَة عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي مُسلم الْأَغَر عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد عِنْد مُسلم.
الرِّوَايَة الثَّالِثَة: حِين يبْقى نصف اللَّيْل الآخر، وَهِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة، وَهَكَذَا رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَنهُ بِلَفْظ: (إِذا كَانَ شطر اللَّيْل. .) الحَدِيث، وَكَذَا فِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق عَن سعيد المَقْبُري عَن عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة: (إِذا مضى شطر اللَّيْل) .
الرِّوَايَة الرَّابِعَة: التَّقْيِيد بالشطر أَو الثُّلُث الْأَخير إِمَّا على الشَّك أَو وُقُوع هَذَا مرّة وَهَذَا مرّة، وَهِي رِوَايَة سعيد، بن مرْجَانَة (عَن أبي هُرَيْرَة: ينزل الله تَعَالَى شطر اللَّيْل أَو ثلث اللَّيْل الآخر) ، وَهَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة: أَو ثلث اللَّيْل الآخر.
الرِّوَايَة الْخَامِسَة: لتقييد بِمُضِيِّ نصف اللَّيْل أَو ثلثه، وَهِي رِوَايَة عبيد الله بن عمر عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة: (إِذا مضى نصف اللَّيْل أَو ثلث اللَّيْل) ، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي كثير عَن سُهَيْل ابْن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة: (إِذا ذهب ثلث اللَّيْل أَو نصفه) .
فَإِن قلت: كَيفَ طَرِيق الْجمع بَين هَذِه الرِّوَايَات الَّتِي ظَاهرهَا الِاخْتِلَاف؟ قلت: أما رِوَايَة من لم يعين الْوَقْت فَلَا تعَارض بَينهَا وَبَين من عين، وَأما من عين الْوَقْت وَاخْتلفت ظواهر رواياتهم فقد صَار بعض الْعلمَاء إِلَى التَّرْجِيح، كالترمذي على مَا ذكرنَا، إلاّ أَنه عبر بالأصح، فَلَا يَقْتَضِي تَضْعِيف غير تِلْكَ الرِّوَايَة لما تَقْتَضِيه صِيغَة: أفعل، من الِاشْتِرَاك. وَأما القَاضِي عِيَاض فَعبر فِي التَّرْجِيح بِالصَّحِيحِ، فَاقْتضى ضعف الرِّوَايَة الْأُخْرَى، ورده النَّوَوِيّ بِأَن مُسلما رَوَاهَا فِي (صَحِيحه) بِإِسْنَاد لَا يطعن فِيهِ عَن صحابيين، فَكيف يضعفها؟ وَإِذا أمكن الْجمع وَلَو على وَجه فَلَا يُصَار إِلَى التَّضْعِيف. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَيحْتَمل أَن يكون النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أعلم بِأحد الْأَمريْنِ فِي وَقت فَأخْبر بِهِ، ثمَّ أعلم بِالْآخرِ فِي وَقت آخر فَأعْلم بِهِ، وَسمع أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْخَبَرَيْنِ فنقلهما جَمِيعًا، وَسمع أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، خبر الثُّلُث الأول فَقَط، فأخبريه مَعَ أبي هُرَيْرَة كَمَا رَوَاهُ مُسلم فِي الرِّوَايَة الْأَخِيرَة، وَهَذَا ظَاهر.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله، وَفِي الدَّعْوَات عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ وَفِي السّنة عَن القعْنبِي. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النعوت عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن ابْن الْقَاسِم عَن مَالك بِهِ، فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن أبي مَرْوَان مُحَمَّد بن عُثْمَان العثماني.
ذكر من أخرجه من غير أبي هُرَيْرَة: قَالَ التِّرْمِذِيّ، بعد أَن أخرج هَذَا الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة: وَفِي الْبَاب عَن عَليّ بن أبي طَالب، وَأبي سعيد وَرِفَاعَة الْجُهَنِيّ وَجبير بن مطعم وَابْن مَسْعُود وَأبي الدَّرْدَاء وَعُثْمَان بن أبي الْعَاصِ. قلت: وَفِي الْبَاب، عَن جَابر بن عبد الله وَعبادَة بن(7/197)
الصَّامِت وَعقبَة بن عَامر وَعَمْرو بن عَنْبَسَة وَأبي الْخطاب وَأبي بكر الصّديق وَأنس بن مَالك وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ ومعاذ ابْن جبل وَأبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي وَعَائِشَة وَابْن عَبَّاس ونواس بن سمْعَان وَأمه سَلمَة وجد عبد الحميد بن سَلمَة.
أما حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب (السّنة) من طَرِيق مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَنهُ، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة، ولأخرت الْعشَاء الْآخِرَة إِلَى ثلث اللَّيْل، فَإِنَّهُ إِذا مضى ثلث اللَّيْل الأول هَبَط الله إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَلم يزل هُنَاكَ حَتَّى يطلع الْفجْر، فَيَقُول الْقَائِل: ألاَ سَائل يعْطى سُؤَاله؟ ألاَ دَاع يُجَاب؟) وَرَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من طَرِيق أهل الْبَيْت من رِوَايَة الْحُسَيْن بن مُوسَى بن جَعْفَر عَن أَبِيه عَن جده جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه عَن على، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن الله ينزل فِي كل لَيْلَة جُمُعَة من أول اللَّيْل إِلَى آخِره إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا، وَفِي سَائِر اللَّيَالِي من الثُّلُث الْأَخير من اللَّيْل فيأمر ملكا يُنَادي: هَل من سَائل فَأعْطِيه؟ هَل من تائب فأتوب عَلَيْهِ؟ هَل من مُسْتَغْفِر فَأغْفِر لَهُ؟ يَا طَالب الْخَيْر أقبل، وَيَا طَالب الشَّرّ أقصر) . وَفِي إِسْنَاده من يجهل.
وَأما حَدِيث أبي سعيد فَأخْرجهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة من رِوَايَة الْأَغَر أبي مُسلم (عَن أبي سعيد وَأبي هُرَيْرَة: إِن الله يُمْهل حَتَّى إِذا ذهب ثلث اللَّيْل الأول ينزل إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا) الحَدِيث.
وَأما حَدِيث رِفَاعَة الْجُهَنِيّ، فَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة عَطاء بن يسَار عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن الله يُمْهل حَتَّى إِذا ذهب من اللَّيْل نصفه أَو ثُلُثَاهُ، قَالَ: لَا يسْأَل عَن عبَادي غَيْرِي) الحَدِيث، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَنهُ.
وَأما حَدِيث جُبَير بن مطعم فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَنهُ: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (إِن الله ينزل كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا فَيَقُول: هَل من سَائل فَأعْطِيه؟ هَل من مُسْتَغْفِر فَأغْفِر لَهُ؟) وَرَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) من هَذَا الْوَجْه وَزَاد: (حَتَّى يطلع الْفجْر) .
وَأما حَدِيث ابْن مَسْعُود فَأخْرجهُ أَحْمد من رِوَايَة أبي إِسْحَاق الْهَمدَانِي عَن أبي الْأَحْوَص عَن ابْن مَسْعُود: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (إِذا كَانَ ثلث اللَّيْل الْبَاقِي يهْبط الله، عز وَجل، إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا، ثمَّ تفتح أَبْوَاب السَّمَاء، ثمَّ يبسط يَده فَيَقُول: هَل من سَائل يعْطى سُؤَاله؟ وَلَا يزَال كَذَلِك حَتَّى يسطع الْفجْر) .
وَأما حَدِيث أبي الدَّرْدَاء فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه الْكَبِير) و (الْوسط) من رِوَايَة زِيَاد بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ عَن فضَالة بن عبيد عَن أبي الدَّرْدَاء، قَالَ: قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (ينزل الله تَعَالَى فِي آخر ثَلَاث سَاعَات يبْقين من اللَّيْل، فَينْظر فِي السَّاعَة الأولى مِنْهُنَّ فِي الْكتاب الَّذِي لَا ينظر فِيهِ غَيره، فَيَمْحُو مَا يَشَاء وَيثبت، وَينظر فِي السَّاعَة الثَّانِيَة فِي جنَّة عدن وَهِي مَسْكَنه الَّذِي يسكن لَا يكون مَعَه فِيهَا إلاّ الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء وَالصِّدِّيقُونَ، وفيهَا مَا لم يره أحد وَلَا خطر على قلب بشر، ثمَّ يهْبط آخر سَاعَة من اللَّيْل فَيَقُول: ألاَ مُسْتَغْفِر يستغفرني فَأغْفِر لَهُ؟ ألاَ سَائل يسألني فَأعْطِيه؟ ألاَ دَاع يدعوني فأستجيب لَهُ حَتَّى يطلع الْفجْر؟ قَالَ الله تَعَالَى: {وَقُرْآن الْفجْر إِن قُرْآن الْفجْر كَانَ مشهودا} (الْإِسْرَاء: 87) . فيشهده الله وَمَلَائِكَته) ، قَالَ الطَّبَرَانِيّ: وَهُوَ حَدِيث مُنكر.
وَأما حَدِيث عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ فَرَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار من رِوَايَة عَليّ بن زيد عَن الْحسن عَن عُثْمَان ابْن أبي الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يُنَادي منادٍ كل لَيْلَة: هَل من دَاع فيستجاب لَهُ؟ هَل من سَائل فَيعْطى؟ هَل من مُسْتَغْفِر فَيغْفر لَهُ؟ حَتَّى يطلع الْفجْر) ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) بِلَفْظ: (تفتح أَبْوَاب السَّمَاء نصف اللَّيْل فينادي منادٍ) فَذكره.
وَأما حَدِيث جَابر فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي (كتاب السّنة) وَأَبُو الشيح ابْن حبَان أَيْضا فِي (كتاب السّنة) من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك (عَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله ينزل كل لَيْلَة إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا لثلث اللَّيْل فَيَقُول: ألاَ عبد من عبَادي يدعوني فأستجيب لَهُ؟ أَلا ظَالِم لنَفسِهِ يدعوني فَأغْفِر لَهُ؟ ألاَ مقتر عَلَيْهِ فأرزقه؟ ألاَ مظلوم يستعز بِي فأنصره؟ ألاَ عان يدعوني فأفك عَنهُ؟ فَيكون ذَاك مَكَانَهُ حَتَّى يضيء الْفجْر، ثمَّ يَعْلُو ب (رَبنَا عز وَجل إِلَى السَّمَاء الْعليا على كرسيه) ، وَهُوَ حَدِيث مُنكر، فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْجَعْفَرِي، يرويهِ عَن عبد الله بن سَلمَة بن أسلم، بِضَم اللَّام، والجعفري مُنكر الحَدِيث، قَالَه أَبُو حَاتِم، وَعبد الله بن سَلمَة ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ أَبُو نعيم: مَتْرُوك.
وَأما حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (المعجم الْكَبِير) و (الْأَوْسَط) من رِوَايَة يحيى بن إِسْحَاق (عَن عبَادَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ينزل رَبنَا، تبَارك وَتَعَالَى، إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا حِين يبْقى ثلث اللَّيْل، فَيَقُول: ألاَ عبد من عبَادي؟) الحَدِيث نَحْو حَدِيث جَابر، وَفِي آخِره، حَتَّى يصبح(7/198)
الصُّبْح ثمَّ يَعْلُو، عز وَجل، على كرسيه) ، وَفِي إِسْنَاده فُضَيْل بن سُلَيْمَان النميري، وَهُوَ وَإِن أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ فقد قَالَ فِيهِ ابْن معِين لَيْسَ بِثِقَة.
وَأما حَدِيث عقبَة بن عَامر فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة يحيى بن أبي كثير عَنهُ، قَالَ: (أَقبلنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِذا مضى ثلث اللَّيْل، أَو قَالَ نصف اللَّيْل، ينزل الله عز وَجل، إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَيَقُول: لَا أسأَل عَن عبَادي أحدا غَيْرِي) ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَفِيه نظر.
وَأما حَدِيث عَمْرو بن عَنْبَسَة فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا فِي (كتاب السّنة) من رِوَايَة جرير بن عُثْمَان، قَالَ: حَدثنَا سليم بن عَامر بن عَمْرو بن عَنْبَسَة، قَالَ: (أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: يَا رَسُول الله. .) الحَدِيث، وَفِيه: (إِن الرب، عز وَجل، يتدلى من جَوف اللَّيْل) ، زَاد فِي رِوَايَة الآخر: (فَيغْفر إلاّ مَا كَانَ من الشّرك) ، زَاد فِي رِوَايَة: (وَالْبَغي وَالصَّلَاة مَشْهُودَة حَتَّى تطلع الشَّمْس) .
وَأما حَدِيث أبي الْخطاب فَرَوَاهُ عبد الله بن أَحْمد فِي (كتاب السّنة) بِإِسْنَادِهِ (عَن رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُقَال لَهُ أَبُو الْخطاب، أَنه سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْوتر، فَقَالَ: أحب إِلَيّ أَن أوتر نصف اللَّيْل، إِن الله يهْبط من السَّمَاء الْعليا إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَيَقُول: هَل من مذنب؟ هَل من مُسْتَغْفِر؟ هَل من دَاع؟ حَتَّى إِذا طلع الْفجْر ارْتَفع) . قَالَ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم وَابْن عبد الْبر أَبُو الْخطاب، لَهُ صُحْبَة وَلَا يعرف اسْمه.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ينزل) ، بِفَتْح الْيَاء، فعل مضارع: وَالله، مَرْفُوع بِهِ. وَقَالَ ابْن فورك: ضبط لنا بعض أهل النَّقْل هَذَا الْخَبَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِضَم الْيَاء من: ينزل، يَعْنِي: من الْإِنْزَال. وَذكر أَنه ضبط عَمَّن سمع مِنْهُ من الثِّقَات الضابطين. وَكَذَا قَالَ الْقُرْطُبِيّ: قد قَيده بعض النَّاس بذلك فَيكون معدى إِلَى مفعول مَحْذُوف، أَي: ينزل الله ملكا. قَالَ: وَالدَّلِيل على صِحَة هَذَا مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث الْأَغَر عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن الله، عز وَجل، يُمْهل حَتَّى يمْضِي شطر اللَّيْل الأول ثمَّ يَأْمر مناديا يَقُول: هَل من دَاع فيستجاب لَهُ. .؟) الحَدِيث، وَصَححهُ عبد الْحق وَحمل صَاحب (الْمُفْهم) الحَدِيث على النُّزُول الْمَعْنَوِيّ على رِوَايَة مَالك عَنهُ عِنْد مُسلم، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: (يتنزل رَبنَا) ، بِزِيَادَة: تَاء، بعد: يَاء المضارعة، فَقَالَ: كَذَا صحت الرِّوَايَة هُنَا، وَهِي ظَاهِرَة فِي النُّزُول الْمَعْنَوِيّ وإليها يرد (ينزل) ، على أحد التأويلات، وَمعنى ذَلِك أَن مُقْتَضى عَظمَة الله وجلاله واستغنائه أَن لَا يعبأ بحقير ذليل فَقير، لَكِن ينزل بِمُقْتَضى كرمه ولطفه لِأَن يَقُول: من يقْرض غير عدوم وَلَا ظلوم، وَيكون قَوْله: (إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا) ، عبارَة عَن الْحَالة الْقَرِيبَة إِلَيْنَا، وَالدُّنْيَا بِمَعْنى: الْقُرْبَى، وَالله أعلم.
ثمَّ الْكَلَام هُنَا على أَنْوَاع. الأول: احْتج بِهِ قوم على إِثْبَات الْجِهَة لله تَعَالَى، وَقَالُوا: هِيَ جِهَة الْعُلُوّ، وَمِمَّنْ قَالَ بذلك: ابْن قُتَيْبَة وَابْن عبد الْبر، وَحكي أَيْضا عَن أبي مُحَمَّد بن أبي زيد القيرواني، وَأنكر ذَلِك جُمْهُور الْعلمَاء لِأَن القَوْل بالجهة يُؤَدِّي إِلَى تحيز وإحاطة، وَقد تَعَالَى الله عَن ذَلِك.
الثَّانِي: أَن الْمُعْتَزلَة أَو أَكْثَرهم: كجهم بن صَفْوَان وَإِبْرَاهِيم بن صَالح وَمَنْصُور بن طَلْحَة والخوارج، أَنْكَرُوا صِحَة تِلْكَ الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي هَذَا الْبَاب، وَهُوَ مُكَابَرَة، وَالْعجب أَنهم أولُوا مَا ورد من ذَلِك فِي الْقُرْآن وأنكروا مَا ورد فِي الحَدِيث إِمَّا جعلا وَإِمَّا عنادا. وَذكر الْبَيْهَقِيّ فِي (كتاب الْأَسْمَاء وَالصِّفَات) : عَن مُوسَى بن دَاوُد، قَالَ: قَالَ لي عباد ابْن عوام، قدم علينا شريك بن عبد الله مُنْذُ نَحْو من خمسين سنة، قَالَ: فَقل: يَا أَبَا عبد الله إِن عندنَا قوما من الْمُعْتَزلَة يُنكرُونَ هَذِه الْأَحَادِيث؟ قَالَ: فَحَدثني نَحْو عشرَة أَحَادِيث فِي هَذَا، وَقَالَ: أما نَحن فقد أَخذنَا ديننَا هَذَا عَن التَّابِعين عَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فهم عَمَّن أخذُوا؟ وَقد وَقع بَين إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَبَين إِبْرَاهِيم بن صَالح المعتزلي، وَبَينه وَبَين مَنْصُور بن طَلْحَة أَيْضا مِنْهُم كَلَام، بعضه عِنْد عبد الله بن طَاهِر بن عبد الله المعتزلي، وَبَعضه عِنْد أَبِيه طَاهِر بن عبد الله. قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه: جمعني وَهَذَا المبتدع، يَعْنِي إِبْرَاهِيم بن صَالح، مجْلِس الْأَمِير عبد الله بن طَاهِر، فَسَأَلَنِي الْأَمِير عَن أَخْبَار النُّزُول فسردتها، فَقَالَ إِبْرَاهِيم: كفرت بِرَبّ ينزل من سَمَاء إِلَى سَمَاء. فَقلت: آمَنت بِرَبّ يفعل مَا يَشَاء. قَالَ: فَرضِي عبد الله كَلَامي وَأنكر عَليّ آبراهيم، وَقد أَخذ إِسْحَاق كَلَامه هَذَا من الفضيل بن عِيَاض، رَحمَه الله، فَإِنَّهُ قَالَ: إِذا قَالَ الجهمي: أَنا أكفر بِرَبّ ينزل ويصعد، فَقلت: آمَنت بِرَبّ يفعل مَا يَشَاء، ذكره أَبُو الشَّيْخ ابْن حبَان فِي (كتاب السّنة) ذكر فِيهِ: عَن أبي زرْعَة، قَالَ: هَذِه الْأَحَادِيث المتواترة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله ينزل كل لَيْلَة إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا، قد رَوَاهُ عدَّة من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي عندنَا صِحَاح قَوِيَّة. قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (ينزل) وَلم يقل: كَيفَ ينزل، فَلَا نقُول: كَيفَ ينزل؟ نقُول، كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وروى الْبَيْهَقِيّ فِي (كتاب الْأَسْمَاء وَالصِّفَات) أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ قَالَ: سَمِعت أَبَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله الْمُزنِيّ يَقُول:(7/199)
حَدِيث النُّزُول قد ثَبت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وُجُوه صَحِيحَة، وَورد فِي التَّنْزِيل مَا يصدقهُ، وَهُوَ قَوْله: {وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا} (الْفجْر: 22) . الثَّالِث: أَن قوما أفرطوا فِي تَأْوِيل هَذِه الْأَحَادِيث حَتَّى كَاد أَن تخرج إِلَى نوع من التحريف، وَمِنْهُم من فصل بَين مَا يكون تَأْوِيله قَرِيبا مُسْتَعْملا فِي كَلَام الْعَرَب، وَبَين مَا يكون بَعيدا مَهْجُورًا، وَأولُوا فِي بعض وفوضوا فِي بعض، وَنقل ذَلِك عَن مَالك.
الرَّابِع: أَن الْجُمْهُور سلكوا فِي هَذَا الْبَاب الطَّرِيق الْوَاضِحَة السالمة، وأجروا على مَا ورد مُؤمنين بِهِ منزهين لله تَعَالَى عَن التَّشْبِيه والكيفية، وهم: الزُّهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَابْن الْمُبَارك وَمَكْحُول وسُفْيَان الثَّوْريّ وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَاللَّيْث بن سعد وَحَمَّاد بن زيد وَحَمَّاد بن سَلمَة وَغَيرهم من أَئِمَّة الدّين. وَمِنْهُم الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة: مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (كتاب الْأَسْمَاء وَالصِّفَات) : قَرَأت بِخَط الإِمَام أبي عُثْمَان الصَّابُونِي، عقيب حَدِيث النُّزُول: قَالَ الاستاذ أَبُو مَنْصُور يَعْنِي الجمشاذي: وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي قَوْله: (ينزل الله) ، فَسئلَ أَبُو حنيفَة فَقَالَ: بِلَا كَيفَ، وَقَالَ حَمَّاد بن زيد: نُزُوله إقباله. وروى الْبَيْهَقِيّ فِي (كتاب الِاعْتِقَاد) بِإِسْنَادِهِ إِلَى يُونُس بن عبد الْأَعْلَى، قَالَ: قَالَ لي مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي: لَا يُقَال للْأَصْل: لِمَ وَلَا كَيفَ، وروى بِإِسْنَادِهِ إِلَى الرّبيع بن سُلَيْمَان، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِي: الأَصْل كتاب أَو سنة أَو قَول بعض أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو إِجْمَاع النَّاس قلت: لَا شكّ أَن النُّزُول انْتِقَال الْجِسْم من فَوق إِلَى تَحت، واا منزه عَن ذَلِك، فَمَا ورد من ذَلِك فَهُوَ من المتشابهات، فَالْعُلَمَاء فِيهِ على قسمَيْنِ: الأول: المفوضة: يُؤمنُونَ بهَا ويفوضون تَأْوِيلهَا إِلَى الله، عز وَجل، مَعَ الْجَزْم بتنزيهه عَن صِفَات النُّقْصَان. وَالثَّانِي: المؤولة: يؤولون بهَا على مَا يَلِيق بِهِ بِحَسب المواطن، فأولوا بِأَن معنى: ينزل الله: ينزل ى مره أَو مَلَائكَته، وَبِأَنَّهُ اسْتِعَارَة، وَمَعْنَاهُ: التلطف بالداعين والإجابة لَهُم وَنَحْو ذَلِك، وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا الحَدِيث من أَحَادِيث الصِّفَات، مَذْهَب السّلف فِيهِ الْإِيمَان بهَا وإجراؤها على ظَاهرهَا وَنفي الْكَيْفِيَّة عَنهُ: لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير، وَقَالَ القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ، لما ثَبت بالقواطع الْعَقْلِيَّة أَنه منزه عَن الجسمية والتحيز امْتنع عَلَيْهِ النُّزُول على معنى الِانْتِقَال من مَوضِع أَعلَى إِلَى مَا هُوَ أَخفض مِنْهُ، فَالْمُرَاد دنو رَحمته، وَقد رُوِيَ: يهْبط الله من السَّمَاء الْعليا إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا، أَي: ينْتَقل من مُقْتَضى صِفَات الْجلَال الَّتِي تَقْتَضِي الأنفة من الأراذل وقهر الْأَعْدَاء والانتقام من العصاة إِلَى مُقْتَضى صِفَات الْإِكْرَام للرأفة وَالرَّحْمَة وَالْعَفو، وَيُقَال: لَا فرق بَين الْمَجِيء والإتيان وَالنُّزُول إِذا أضيف إِلَى جسم يجوز عَلَيْهِ الْحَرَكَة والسكون والنقلة الَّتِي هِيَ تَفْرِيغ مَكَان وشغل غَيره، فَإِذا أضيف ذَلِك إِلَى من لَا ليق بِهِ الِانْتِقَال وَالْحَرَكَة، كَانَ تَأْوِيل ذَلِك على حسب مَا يَلِيق بنعته وَصفته تَعَالَى. فالنزول: لُغَة، يسْتَعْمل لمعان خَمْسَة مُخْتَلفَة: بِمَعْنى الِانْتِقَال: {وأنزلنا من السَّمَاء مَاء طهُورا} (الْفرْقَان: 84) . و: الْإِعْلَام {نزل بِهِ الرّوح الْأمين} (الشُّعَرَاء: 391) . أَي: أعلم بِهِ الرّوح الْأمين مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبِمَعْنى: القَوْل {سَأُنْزِلُ مثل مَا أنزل الله} (الْأَنْعَام: 39) . أَي سأقول مثل مَا قَالَ، والإقبال على الشَّيْء، وَذَلِكَ مُسْتَعْمل فِي كَلَامهم جَار فِي عرفهم، يَقُولُونَ: نزل فلَان من مَكَارِم الأخلاف إِلَى دنيها، وَنزل قدر فلَان عِنْد فلَان إِذا انخفض، وَبِمَعْنى: نزُول الحكم، من ذَلِك قَوْلهم: كُنَّا فِي خير وَعدل حَتَّى نزل بِنَا بَنو فلَان، أَي: حكم، وَذَلِكَ كُله مُتَعَارَف عِنْد أهل اللُّغَة: وَإِذا كَانَت مُشْتَركَة فِي الْمَعْنى وَجب حمل مَا وصف بِهِ الرب، جلّ جَلَاله، من النُّزُول على مَا يَلِيق بِهِ من بعض هَذِه الْمعَانِي، وَهُوَ: إقباله على أهل الأَرْض بِالرَّحْمَةِ والاستيقاظ بالتذكير والتنبيه الَّذِي يلقى فِي الْقُلُوب، والزواجر الَّتِي تزعجهم إِلَى الإقبال على الطَّاعَة. ووجدناه، تَعَالَى، خص بالمدح المستغفرين بالأسحار، فَقَالَ تَعَالَى: {وبالأسحار هم يَسْتَغْفِرُونَ} (الذاريات: 81) [/ ح.
قَوْله: (عز وَجل) ، وَفِي بعض النّسخ: (تبَارك وَتَعَالَى) ، وهما جملتان معترضتان بَين الْفِعْل وَالْفَاعِل وظرفه: لما أسْند مَا لَا يَلِيق إِسْنَاده بِالْحَقِيقَةِ إِلَى الله تَعَالَى، وأتى بِمَا يدل على التَّنْزِيه على سَبِيل الِاعْتِرَاض. قَوْله: (حِين يبْقى ثلث اللَّيْل الآخر) ، وَعند مُسلم: (ثلث اللَّيْل الأول) ، وَفِي لفظ: (شطر اللَّيْل أَو ثلث اللَّيْل الْأَخير) ، وَهَهُنَا سِتّ رِوَايَات: الأولى: هِيَ الَّتِي هَهُنَا وَهِي: ثلث اللَّيْل الأول. الثَّانِيَة: إِذا مضى الثُّلُث الأول. الثَّالِثَة: الثُّلُث الأول أَو النّصْف. الرَّابِعَة: النّصْف. الْخَامِسَة: النّصْف أَو الثُّلُث الْأَخير. السَّادِسَة: الْإِطْلَاق، والمطلقة مِنْهَا تحمل على الْمقيدَة، وَالَّتِي بِحرف الشَّك، فالمجزوم بِهِ مقدم على الْمَشْكُوك فِيهِ. فَإِن قلت: إِذا كَانَت كلمة: أَو، للترديد بَين حَالين، كَيفَ يجمع بذلك بَين الرِّوَايَات؟ قلت: يجمع بِأَن ذَلِك يَقع بِحَسب اخْتِلَاف الْأَحول، لكَون أَوْقَات اللَّيْل تخْتَلف فِي الزَّمَان وَفِي الْآفَاق باخْتلَاف تقدم دُخُول اللَّيْل عِنْد قوم وتأخره عَنهُ آخَرين، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ من وَجه آخر عَن قريب. فَإِن قلت: مَا وَجه التحصيص بِالثُّلثِ الْأَخير الَّذِي(7/200)
رَجحه جمَاعَة على غَيره من الرِّوَايَات الْمَذْكُورَة؟ قلت: لِأَنَّهُ وَقت التَّعَرُّض لنفحات رَحْمَة الله تَعَالَى، لِأَنَّهُ زمَان عبَادَة أهل الْإِخْلَاص، وروى أَن آخر اللَّيْل أفضل للدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار، وروى محَارب بن دثار عَن عَمه أَنه كَانَ يَأْتِي الْمَسْجِد فِي السحر ويمر بدار ابْن مَسْعُود، فَسَمعهُ يَقُول: أللهم إِنَّك أَمرتنِي فأطعت، وَدَعَوْتنِي فأجبت، وَهَذَا سحر فَاغْفِر لي، فَسئلَ ابْن مَسْعُود عَن ذَلِك؟ فَقَالَ: إِن يَعْقُوب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخر الدُّعَاء لِبَنِيهِ إِلَى السحر. فَقَالَ: {سَوف اسْتغْفر لكم} (يُوسُف: 89) . وروى أَن دَاوُد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: أَي اللَّيْل أسمع؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، غير أَن الْعَرْش يَهْتَز فِي السحر. قَوْله: (الآخر) ، بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وارتفاعه على أَنه صفة للثلث. قَوْله: (من يدعوني) الْمَذْكُور هَهُنَا الدُّعَاء وَالسُّؤَال وَالِاسْتِغْفَار، وَالْفرق بَين هَذِه الثَّلَاثَة أَن الْمَطْلُوب: إِمَّا لدفع الْمضرَّة، وَإِمَّا لجلب الْخَيْر، وَالثَّانِي إِمَّا ديني أَو دنياوي، فَفِي لفظ الاسْتِغْفَار إِشَارَة إِلَى الأول، وَفِي السُّؤَال إِشَارَة إِلَى الثَّانِي وَفِي الدُّعَاء إِشَارَة إِلَى الثَّالِث. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا الْفرق بَين الدُّعَاء وَالسُّؤَال؟ قلت: الْمَطْلُوب إِمَّا لدفع غير الملائم، وَإِمَّا لجلب الملائم، وَذَلِكَ إِمَّا دُنْيَوِيّ وَإِمَّا ديني، فالاستغفار وَهُوَ طلب ستر الذُّنُوب، إِشَارَة إِلَى الأول، وَالسُّؤَال إِلَى الثَّانِي، وَالدُّعَاء إِلَى الثَّالِث، لَا وَالدُّعَاء مَا لَا طلب فِيهِ نَحْو قَوْلنَا: يَا الله يَا رَحْمَن، وَالسُّؤَال هُوَ الطّلب، وَالْمَقْصُود وَاحِد، وَاخْتِلَاف الْعبارَات لتحقيق الْقَضِيَّة وتأكيدها. قَوْله: (فأستجيب لَهُ) ، يجوز فِيهِ النصب وَالرَّفْع: أما النصب فعلى جَوَاب الِاسْتِفْهَام، وَأما الرّفْع فعلى أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: فَأَنا أستجيب لَهُ، وَكَذَا الْكَلَام فِي قَوْله: فَأعْطِيه فَأغْفِر لَهُ) . وَأعلم أَن السِّين فِي: (فأستجيب) لَيْسَ للطلب، بل هُوَ بِمَعْنى: أُجِيب وَذَلِكَ، لتحول الْفَاعِل إِلَى أصل الْفِعْل نَحْو: استحجر الطين فَإِن قلت: لَيْسَ فِي وعد الله خلف وَكثير من الداعين لَا يُسْتَجَاب لَهُم؟ قلت: إِنَّمَا ذَاك لوُقُوع الْخلَل فِي شَرط من شُرُوط الدُّعَاء مثل: الِاحْتِرَاز فِي الْمطعم وَالْمشْرَب والملبس، أَو لاستعجال الدَّاعِي، أَو يكون الدُّعَاء بإثم أَو قطيعة رحم، أَو تحصل الْإِجَابَة ويتأخر الْمَطْلُوب إِلَى وَقت آخر يُرِيد الله وُقُوع الْإِجَابَة فِيهِ إِمَّا فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا فِي الْآخِرَة.
51 - (بابُ منْ نامَ أوَّلَ اللَّيْلِ وَأحْيَا آخِرَهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان شَأْن من نَام أول اللَّيْل وأحي آخِره بِالصَّلَاةِ أَو بِقِرَاءَة الْقُرْآن أَو بِالذكر.
وقالَ سَلْمَانُ لأِبِي الدَّرّدَاءِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا نَمْ فَلَمَّا كانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ قُمْ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدَقَ سَلْمَانُ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن سلمَان الْفَارِسِي أَمر لأبي الدَّرْدَاء بِالنَّوْمِ فِي أول اللَّيْل، ويالقيام فِي آخِره، وَهَذَا التَّعْلِيق مُخْتَصر من حَدِيث طَوِيل أوردهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الْأَدَب من حَدِيث أبي جُحَيْفَة، قَالَ: (آخى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين سلمَان وَأبي الدَّرْدَاء، أقرى سلمَان أَبَا الدَّرْدَاء فَرَأى أم الدَّرْدَاء مبتذلة، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنك، قَالَت: أَخُوك أَبُو الدَّرْدَاء لَيْسَ لَهُ حَاجَة فِي الدُّنْيَا، فجَاء أَبُو الدَّرْدَاء فَصنعَ لَهُ طَعَاما، فَقَالَ: كل فَإِنِّي صَائِم، قَالَ: مَا أَنا بآكل حَتَّى تَأْكُل، فَأكل، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل ذهب أَبُو الدَّرْدَاء يقوم، فَقَالَ: نم، فَنَامَ فَذهب يقوم، فَقَالَ: نم، فَلَمَّا كَانَ آخر اللَّيْل قَالَ سلمَان: قُم الْآن. قَالَ: فصلينا، فَقَالَ سلمَان: إِن لِرَبِّك عَلَيْك حَقًا. وَلِنَفْسِك حَقًا، ولأهلك عَلَيْك حَقًا، فأعط كل ذِي حق حَقه، فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق سلمَان) .
6411 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حَدثنَا شُعْبَةُ وحدَّثني سُلَيْمَانُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنِ الأسْوَدِ قَالَ سألْتُ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا كَيْفَ كانَ صَلاةُ النبيِّ بِاللَّيْلِ قالَتْ كانَ يَنامُ أوَّلَهُ ويَقُومُ آخِرَهُ فَيُصَلِّي ثُمَّ يرْجِعُ إلَى فِراشِهِ فإذَا أذَّنَ المُؤَذَّنُ وَثَبَ فَإِن كانَ بِهِ حاجَةٌ اغْتَسَلَ وَإلاَّ تَوَضِّأَ وخَرَجَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كَانَ ينَام أَوله وَيقوم آخِره) .
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: أَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ.(7/201)
الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج. الثالثٍّ سُلَيْمَان بن حَرْب الواشحي. الرَّابِع: أَبُو إِسْحَاق السبيعِي عَمْرو بن عبد الله. الْخَامِس: الْأسود بن يزِيد. السَّادِس: عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: السُّؤَال. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: شَيْخَانِ للْبُخَارِيّ كِلَاهُمَا بصريان وَشعْبَة واسطي وَأَبُو إِسْحَاق وَالْأسود كوفيان. وَفِيه: حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد: وَفِي رِوَايَة أبي ذَر قَالَ أَبُو الْوَلِيد: وَهَذَا يدل على شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه مُعَلّق. وَالثَّانِي: أَن سِيَاق البُخَارِيّ الحَدِيث على لفظ سُلَيْمَان بن حَرْب، وَالتَّعْلِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن أبي خَليفَة عَن أبي الْوَلِيد.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن بنْدَار. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى، كِلَاهُمَا عَن غنْدر عَن شُعْبَة، وَأخرجه مُسلم: حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس، قَالَ: حَدثنَا زُهَيْر، قَالَ: حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق (ح) وَحدثنَا يحيى بن يحيى قَالَ: أخبرنَا أَبُو خَيْثَمَة (عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: سَأَلت الْأسود بن يزِيد عَمَّا حدثته عَائِشَة عَن صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَت: كَانَ ينَام أول اللَّيْل ويحيي آخِره، ثمَّ إِن كَانَت لَهُ حَاجته ثمَّ ينَام، فَإِذا كَانَ عِنْد النداء الأول قَالَت: وثب، وَلَا وَالله مَا قَالَت: قَامَ، فَأَفَاضَ عَلَيْهِ المَاء، وَلَا وَالله مَا قَالَت: اغْتسل، وَأَنا أعلم مَا تُرِيدُ، وَإِن لم يكن جنبا تَوَضَّأ وضوء الرجل للصَّلَاة ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فَإِن كَانَ لَهُ حَاجَة قضى حَاجته) ، يَعْنِي: الْجِمَاع، وَجَوَاب: إِن الَّذِي هُوَ جَزَاء الشَّرْط مَحْذُوف، تَقْدِيره: فَإِن كَانَت لَهُ حَاجَة قضى حَاجته. وَقَوله: (اغْتسل) ، لَيْسَ بِجَوَاب، وَإِنَّمَا هُوَ يدل على الْمَحْذُوف، وَفِي رِوَايَة مُسلم الْجَواب مَذْكُور كَمَا ترَاهُ، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: هَذَا حَدِيث يغلط فِي مَعْنَاهُ الْأسود، فَإِن الْأَخْبَار الْجِيَاد: (كَانَ إِذا أَرَادَ أَن ينَام وَهُوَ جنب تَوَضَّأ وَأمر بذلك من سَأَلَهُ) . قيل: لم يرد الْإِسْمَاعِيلِيّ بِهَذَا أَن حَدِيث الْبَاب غلط، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن أَبَا إِسْحَاق حدث بِهِ عَن الْأسود بِلَفْظ آخر غلط فِيهِ، وَالَّذِي أنكرهُ الْحفاظ على أبي إِسْحَاق فِي هَذَا الحَدِيث هُوَ مَا رَوَاهُ الثَّوْريّ عَنهُ بِلَفْظ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينَام وَهُوَ جنب من غير أَن يمس مَاء) . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: يرَوْنَ هَذَا غَلطا من أبي إِسْحَاق.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينَام جنبا قبل أَن يغْتَسل. وَفِيه: الاهتمام فِي الْعِبَادَة والإقبال عَلَيْهَا بالنشاط، وَلَفْظَة الْوُثُوب تدل عَلَيْهِ. قَالَ الْكرْمَانِي: وَكلمَة: الْفَاء، تدل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْضِي حَاجته من نِسَائِهِ بعد إحْيَاء اللَّيْل، وَهُوَ الجدير بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ الْعِبَادَة مُقَدّمَة على غَيرهَا.
61 - (بابُ قِيَامِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِاللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ وغَيْرِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قيام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَي: صلَاته بِاللَّيْلِ فِي رَمَضَان أَي: فِي ليَالِي رَمَضَان وَغَيره.
7411 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ سَعِيدِ المَقْبُرِيِّ عنْ أبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرِّحْمانِ أنَّهُ سَألَ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا كَيْفَ كانَتْ صَلاَةُ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَمَضَانَ فقَالَتْ مَا كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أرْبَعا فَلاَ تَسَلْ عنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أرْبَعا فَلاَ تَسَلْ عنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثا قَالَتْ عائِشَةُ فَقُلْتُ يَا رسولَ الله أتنَامُ قَبْلَ أنْ تُوتِرَ فَقَالَ يَا عائشَةُ إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّوْم عَن إِسْمَاعِيل، وَفِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن القعْنبِي. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن مُوسَى عَن معن بن عِيسَى. وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة بن سعيد وَعَن مُحَمَّد بن سَلمَة والْحَارث(7/202)
بن مِسْكين.
ذكر من أخرجه من غير عَائِشَة: وَفِي هَذَا الْبَاب عَن أنس وَجَابِر بن عبد الله وحجاج بن عَمْرو وَحُذَيْفَة وَزيد بن خَالِد وَصَفوَان بن الْمُعَطل وَعبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن عمر وَعلي بن أبي طَالب وَالْفضل بن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة ابْن الحكم السّلمِيّ وَأبي أَيُّوب وخباب وَأم سَلمَة وصحابي لم يسم. أما حَدِيث أنس: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من رِوَايَة جُنَادَة بن مَرْوَان، قَالَ: حَدثنَا الْحَارِث بن النُّعْمَان، قَالَ: سَمِعت أنس بن مَالك يَقُول: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحيى اللَّيْل بثمان رَكْعَات ركوعهن كقراءتهن وسجودهن كقراءتهن، وَيسلم بَين كل رَكْعَتَيْنِ، وجنادة اتهمه أَبُو حَاتِم. وَأما حَدِيث جَابر فَرَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى من رِوَايَة شُرَحْبِيل بن سعد أَنه سمع جَابر بن عبد الله قَالَ: (أَقبلنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زمن الْحُدَيْبِيَة) ، وَفِيه: (ثمَّ صلى بعْدهَا) أَي: بعد الْعَتَمَة، (ثَلَاث عشرَة سَجْدَة) وشرحبيل وَثَّقَهُ ابْن حبَان وَضَعفه غير وَاحِد. وَأما حَدِيث حجاج بن عَمْرو فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) و (الْأَوْسَط) من رِوَايَة كثير بن الْعَبَّاس عَنهُ، قَالَ: (أيحسب أحدكُم إِذا قَامَ من اللَّيْل يُصَلِّي حَتَّى يصبخ أَن قد تهجد، إِنَّمَا التَّهَجُّد الصَّلَاة بعد رقدة ثمَّ الصَّلَاة بعد رقدة ثمَّ الصَّلَاة بعد رقدة، تِلْكَ كَانَت صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . وَأما حَدِيث حُذَيْفَة، فَرَوَاهُ مُحَمَّد بن نصر فِي (كتاب قيام اللَّيْل) من رِوَايَة عبد الْملك بن عُمَيْر عَن ابْن عَم حُذَيْفَة (عَن حُذَيْفَة، قَالَ: قُمْت إِلَى جنب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأَ السَّبع الطوَال فِي سبع رَكْعَات. .) الحَدِيث. وَأما حَدِيث زيد بن خَالِد، فَرَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل من رِوَايَة عبد الله بن قيس بن مخرمَة (عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ، أَنه قَالَ: لأرمقن صَلَاة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فصلى رَكْعَتَيْنِ خفيفتين، ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ طويلتين طويلتين، ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ وهما دون اللَّتَيْنِ قبلهمَا، ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ وهما دون اللَّتَيْنِ قبلهمَا، ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ وهما دون اللَّتَيْنِ قبلهمَا، ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ وهما دون اللَّتَيْنِ قبلهمَا، ثمَّ أوتر فَذَلِك ثَلَاث عشرَة رَكْعَة) . وَأما حَدِيث صَفْوَان بن الْمُعَطل فَرَوَاهُ أَحْمد فِي زياداته على الْمسند وَالطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة أبي بكر ابْن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث (عَن صَفْوَان بن الْمُعَطل السّلمِيّ، قَالَ: كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر. .) الحَدِيث، وَفِي آخِره: (حَتَّى صلى إِحْدَى عشرَة رَكْعَة) . وَأما حَدِيث عبد الله بن عَبَّاس فَرَوَاهُ الْأَئِمَّة السِّتَّة، فَرَوَاهُ البُخَارِيّ ذكره فِي: بَاب كَيفَ صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأما حَدِيث عبد الله بن عمر فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي (سنَنه) وَابْن مَاجَه من رِوَايَة عَامر الشّعبِيّ، قَالَ: (سَأَلت عبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، عَن صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِاللَّيْلِ فَقَالَا: ثَلَاث عشرَة، مِنْهَا ثَمَان بِاللَّيْلِ ويوتر بِثَلَاث وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْفجْر) . وَأما حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب، فَرَوَاهُ أَحْمد فِي زياداته على الْمسند من رِوَايَة أبي إِسْحَاق عَن عَاصِم بن ضَمرَة (عَن عَليّ، قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي من اللَّيْل سِتّ عشرَة رَكْعَة سوى الْمَكْتُوبَة) ، وَإِسْنَاده حسن. وَأما حَدِيث الْفضل بن عَبَّاس فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة شريك بن عبد الله بن أبي نمر عَن كريب (عَن الْفضل بن عَبَّاس، قَالَ: بت لَيْلَة عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأنظر كَيفَ يُصَلِّي، فَقَامَ فَتَوَضَّأ وَصلى رَكْعَتَيْنِ قِيَامَة مثل رُكُوعه وركوعه مثل سُجُوده، ثمَّ نَام فَذكره، وَفِيه: فَلم يزل يفعل هَذَا حَتَّى صلى عشر رَكْعَات، ثمَّ قَامَ فصلى سَجْدَة وَاحِدَة فأوتر بهَا) . وَأما حَدِيث مُعَاوِيَة بن الحكم فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من حَدِيث أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن مُعَاوِيَة بن الحكم قَالَ مثل حَدِيث مَالك فِي صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِحْدَى عشرَة رَكْعَة، واضطجاعه على شقَّه الْأَيْمن. وَأما حَدِيث أبي أَيُّوب فَرَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة وَاصل بن السَّائِب عَن أبي سُورَة (عَن أبي أَيُّوب: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَامَ يُصَلِّي من اللَّيْل صلى أَربع رَكْعَات فَلَا يتَكَلَّم وَلَا يَأْمر بِشَيْء وَيسلم من كل رَكْعَتَيْنِ) . وَأما حَدِيث خباب بن الْأَرَت فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من رِوَايَة عبد الله بن خباب عَن أَبِيه، وَكَانَ شهد بَدْرًا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه راقب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّيْلَة كلهَا حَتَّى كَانَ مَعَ الْفجْر، فَلَمَّا سلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلَاته جَاءَهُ خباب فَقَالَ: (يَا رَسُول الله بِأبي أَنْت وَأمي لقد صليت اللَّيْلَة صَلَاة مَا رَأَيْتُك صليت نَحْوهَا؟ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أجل إِنَّهَا صَلَاة رغب ورهب) . وَأما حَدِيث أم سَلمَة فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة ابْن أبي مليكَة (عَن يعلى بن مَالك أَنه سَأَلَ أم سَلمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، عَن قِرَاءَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: وَمَا لكم وَصلَاته؟ كَانَ يُصَلِّي وينام قدر مَا صلى، ثمَّ يُصَلِّي قدر مَا نَام، ثمَّ ينَام قدر مَا يُصَلِّي حَتَّى يصبح) ، ولأم سَلمَة حَدِيث آخر رَوَاهُ البُخَارِيّ وَسَيَأْتِي فِي أَبْوَاب الْوتر. وَأما حَدِيث الرجل الَّذِي لم يسم(7/203)
فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من رِوَايَة حميد بن عبد الرَّحْمَن: (أَن رجلا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قلت وَأَنا فِي سفر مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالله لأرمقن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للصَّلَاة حَتَّى أرى فعله) ، الحَدِيث: (ثمَّ قَامَ فصلى حَتَّى قلت: صلى قدر مَا نَام، ثمَّ اضْطجع حَتَّى قلت: قد نَام قدر مَا صلى، ثمَّ اسْتَيْقَظَ فَفعل كَمَا فعل أول مرّة، وَقَالَ مثل مَا قَالَ، فَفعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث مرار قبل الْفجْر) .
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فِي رَمَضَان) ، أَي: فِي ليَالِي رَمَضَان، قَوْله: (فَلَا تسْأَل عَن حسنهنَّ) ، مَعْنَاهُ: هن فِي نِهَايَة من كَمَال الْحسن والطول مستغنيان لظُهُور حسنهنَّ وطولهن عَن السُّؤَال عَنْهُن وَالْوَصْف. قَوْله: (أَرْبعا) أَي: أَربع رَكْعَات. قَوْله: (أتنام؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار والاستعلام. قَوْله: (وَلَا ينَام قلبِي) لَيْسَ فِيهِ مُعَارضَة لما مضى فِي: بَاب الصَّعِيد الطّيب وضوء الْمُسلم، أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَام حَتَّى فَاتَت صَلَاة الصُّبْح، وطلعت الشَّمْس لِأَن طُلُوع الشَّمْس مُتَعَلق بِالْعينِ لَا بِالْقَلْبِ، إِذْ هُوَ من المحسوسات لَا من المعقولات.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن عمله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ دِيمَة شهر رَمَضَان وَغَيره، وَأَنه كَانَ إِذا عمل عملا أثْبته وداوم عَلَيْهِ. وَفِيه: تَعْمِيم الْجَواب عِنْد السُّؤَال عَن شَيْء لِأَن أَبَا سَلمَة إِنَّمَا سَأَلَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، عَن صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَمَضَان خَاصَّة، فأجابت عَائِشَة بأعم من ذَلِك، وَذَلِكَ لِئَلَّا يتَوَهَّم السَّائِل أَن الْجَواب مُخْتَصّ بِمحل السُّؤَال دون غَيره، فَهُوَ كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ والحل ميته) د لما سَأَلَهُ السَّائِل عَن حَالَة ركُوب الْبَحْر وَمَعَ رَاكِبه مَاء قَلِيل يخَاف الْعَطش إِن تَوَضَّأ، فَأجَاب بطهورية مَاء الْبَحْر حَتَّى لَا يخْتَص الحكم بِمن هَذِه حَاله، وَفِي قَوْلهَا: (يُصَلِّي أَرْبعا) ، حجَّة لأبي حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي أَن الْأَفْضَل فِي التَّنَفُّل بِاللَّيْلِ أَربع رَكْعَات بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة، وَفِيه حجَّة عَن منع ذَلِك كمالك رَحمَه الله وَفِي قَوْلهَا ثمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا حجَّة لاصطحابنا فِي أَن الْوتر ثَلَاث رَكْعَات بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة لِأَن ظَاهر الْكَلَام يَقْتَضِي ذَلِك فَلَا يعدل عَن الظَّاهِر إلاَّ بِدَلِيل فَإِن قلت: قد ثَبت إيتار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرَكْعَة وَاحِدَة، وَثَبت أَيْضا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وَمن شَاءَ أوتر بِوَاحِدَة) قلت: سلمنَا ذَلِك، وَلكنه إِن تِلْكَ الرَّكْعَة الْوَاحِدَة توتر الشفع الْمُتَقَدّم لَهَا، وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف، قَالَ: أخبرنَا مَالك عَن نَافِع وَعبد الله بن دِينَار (عَن ابْن عمر: أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صَلَاة اللَّيْل؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى، فَإِذا خشِي أحدكُم الصُّبْح صلى رَكْعَة وَاحِدَة توتر لَهُ مَا قد صلى) . وَسَيَجِيءُ الْكَلَام فِي مَوْضِعه مستقصىً إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَفِيه: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينْتَقض وضوؤه بِالنَّوْمِ لكَون قلبه لَا ينَام، وَهَذَا من خَصَائِص الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح من قَوْله: (وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء تنام أَعينهم وَلَا تنام قُلُوبهم) ، وَفِيه: أَن النّوم نَاقض للطَّهَارَة. وَفِيه: تَفْصِيل قد مر بَيَانه. وَفِيه: أَن صلَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت مُتَسَاوِيَة فِي جَمِيع السّنة بَين مَا يستفتح بِهِ الصَّلَاة وَمَا بعد ذَلِك. فَإِن قلت: فِي (صَحِيح مُسلم) من حَدِيث عَائِشَة وَزيد ابْن خَالِد وَأبي هُرَيْرَة استفتاح صَلَاة اللَّيْل بِرَكْعَتَيْنِ خفيفتين. وَثَبت أَيْضا فِي الصَّحِيح من حَدِيث حُذَيْفَة صلَاته فِي أول قِيَامه من اللَّيْل بِسُورَة الْبَقَرَة وَآل عمرَان؟ قلت: يجمع بَينهمَا بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يفعل كلا من الْأَمريْنِ بالتسوية بَين الرَّكْعَات.
الأسئلة والأجوبة مِنْهَا: أَنه ثَبت فِي الصَّحِيح من حَدِيث عَائِشَة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (ان إِذا دخل الْعشْر الْأَوَاخِر يجْتَهد فِيهِ مَا لَا يجْتَهد فِي غَيره) ، وَفِي الصَّحِيح أَيْضا من حَدِيثهَا: (كَانَ إِذا دخل الْعشْر أَحَي اللَّيْل وَأَيْقَظَ أَهله وجد وَشد المئزر) ، وَهَذَا يدل على أَنه كَانَ يزِيد فِي الْعشْر الْأَخير على عَادَته، فَكيف يجمع بَينه وَبَين حَدِيث الْبَاب؟ فَالْجَوَاب أَن الزِّيَادَة فِي الْعشْر الْأَخير تحمل على التَّطْوِيل دون الزِّيَادَة فِي الْعدَد. وَمِنْهَا: أَن الرِّوَايَات اخْتلفت عَن عَائِشَة فِي عدد رَكْعَات صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِاللَّيْلِ، وَفِي مِقْدَار مَا يجمعه مِنْهَا بِتَسْلِيم، فَفِي حَدِيث الْبَاب: إِحْدَى عشرَة رَكْعَة، وَفِي رِوَايَة هِشَام ابْن عُرْوَة عَن أَبِيه: (كَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل ثَلَاث عشرَة رَكْعَة يُوتر من ذَلِك بِخمْس لَا يجلس فِي شَيْء إلاَّ فِي آخرهَا) ، وَفِي رِوَايَة مَسْرُوق: (أَنه سَأَلَهَا عَن صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: سبع وتسع وَإِحْدَى عشرَة سوى رَكْعَتي الْفجْر) ، وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم عَن الْأسود (عَن عَائِشَة: أَنه كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ تسع رَكْعَات) ، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه. وَالْجَوَاب: إِن من عدهَا ثَلَاث عشرَة أَرَادَ بركعتي الْفجْر، وَصرح بذلك فِي رِوَايَة الْقَاسِم (عَن عَائِشَة: كَانَت صلَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اللَّيْل عشر رَكْعَات ويوتر(7/204)
بِسَجْدَة ويركع رَكْعَتي الْفجْر) ، فَتلك ثَلَاث عشرَة رَكْعَة. وَأما رِوَايَة سبع وتسع فَهِيَ فِي حَالَة كبره، كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَأما مِقْدَار مَا يجمعه من الرَّكْعَات بِتَسْلِيمِهِ فَفِي رِوَايَة: كَانَ يسلم بَين رَكْعَتَيْنِ ويوتر بِوَاحِدَة، وَفِي رِوَايَة: (يُوتر من ذَلِك بِخمْس لَا يجلس فِي شَيْء إلاَّ فِي آخرهَا) ، وَفِي رِوَايَة: (يُصَلِّي تسع رَكْعَات لَا يجلس فِيهَا إلاَّ فِي الثَّامِنَة) ، وَالْجمع بَين هَذَا الِاخْتِلَاف أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل جَمِيع ذَلِك فِي أَوْقَات مُخْتَلفَة. وَمِنْهَا: أَنه اخْتلفت أَيْضا الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي هَذَا الْبَاب فِي عدد صلَاته، فَفِي حَدِيث زيد بن خَالِد وَابْن عَبَّاس وَجَابِر وَأم سَلمَة: ثَلَاث عشرَة رَكْعَة، وَفِي حَدِيث الْفضل وَصَفوَان بن الْمُعَطل وَمُعَاوِيَة ابْن الحكم وَابْن عمر وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس: إِحْدَى عشرَة، وَفِي حَدِيث أنس: ثَمَان رَكْعَات، وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة: سبع رَكْعَات، وَفِي حَدِيث أبي أَيُّوب: أَربع رَكْعَات، وَكَذَلِكَ فِي بعض طرق حَدِيث حُذَيْفَة، وَأكْثر مَا فِيهَا حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، سِتّ عشرَة رَكْعَة. الْجَواب: بِأَن ذَلِك بِحَسب مَا شَاهد الروَاة كَذَلِك، فَرُبمَا زَاد وَرُبمَا نقص، وَرُبمَا فرق قيام اللَّيْل مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، وَمن عد ذَلِك تسعا أسقط رَكْعَة الْوتر، وم زَاد على ثَلَاث عشرَة رَكْعَة فَيكون قد عد سنة الْعشَاء أَو رَكْعَتي الْفجْر أَو عدهما جَمِيعًا، وَعَلِيهِ يحمل مَا رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك فِي (الزّهْد وَالرَّقَائِق) فِي حَدِيث مُرْسل: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل سبع عشرَة رَكْعَة.
8411 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّي قَالَ حَدثنَا يَحْيى بنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبرنِي أبي عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ مَا رَأيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقْرأُ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلاةِ اللَّيْلِ جالِسا حَتَّى إذَا كَبِرَ قرَأ جالِسا فإذَا بَقِيَ عَلَيْهِ منَ السُّورَةِ ثَلاَثُونَ أوْ أرْبَعُونَ آيَة قامَ فَقَرَأَهُنَّ ثُمَّ رَكَعَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (من صَلَاة اللَّيْل) ، وَهِي: قيام اللَّيْل الَّذِي سَمَّاهُ فِي التَّرْجَمَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن الْمثنى بن عبيد، يعرف بالزمن. الثَّانِي: يحيى بن سعيد الْقطَّان الْأَحول. الثَّالِث: هِشَام بن عُرْوَة. الرَّابِع: أَبوهُ عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام. الْخَامِس: عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه بصريان وَهِشَام وَأَبوهُ مدنيان.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا عَن زُهَيْر بن حَرْب عَن يحيى بن سعيد بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (جَالِسا) نصب على الْحَال فِي موضِعين. قَوْله: (كبر) ، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: أسن، وَكَانَ ذَلِك قبل مَوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعام، وَأما: كبر، بِضَم الْبَاء فَهُوَ بِمَعْنى: عظم. قَوْله: (أَو أَرْبَعُونَ) شكّ من الرَّاوِي.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: فِي قَوْله: (حَتَّى إِذا بَقِي عَلَيْهِ) إِلَى آخِره، رد على من اشْترط على من افْتتح النَّفْل قَاعِدا أَن يرْكَع قَاعِدا، وَإِذا افْتتح قَائِما أَن يرْكَع قَائِما، وَهُوَ محكي عَن أَشهب الْمَالِكِي. وَفِيه: جَوَاز النَّافِلَة جَالِسا، وَاخْتلف فِي كيفيته، فَعَن أبي حنيفَة: يقْعد فِي حَال الْقِرَاءَة كَمَا يقْعد فِي سَائِر الصَّلَاة، وَإِن شَاءَ تربع وَإِن شَاءَ احتبى، وَعَن أبي يُوسُف: يحتبي، وَعنهُ: يتربع إِن شَاءَ، وَعَن مُحَمَّد: يتربع وَعَن زفر: يقْعد كَمَا فِي التَّشَهُّد، وَعَن أبي حنيفَة، فِي صَلَاة اللَّيْل: يتربع من أول الصَّلَاة إِلَى آخرهَا، وَعَن أبي يُوسُف: إِذا جَاءَ وَقت الرُّكُوع وَالسُّجُود يقْعد كَمَا يقْعد فِي تشهد الْمَكْتُوبَة، وَعنهُ: يرْكَع متربعا. قَالَ فِي (الْمُغنِي) : الْأَمْرَانِ جائزان، جَاءَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مَا روته عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، والإقعاء مَكْرُوه والافتراض عِنْد الشَّافِعِيَّة أفضل من التربع على أظهر الْأَقْوَال، وَفِي رِوَايَة: ينصب ركبته اليمني كالقارىء بَين يَدي المقرىء، وَعند مَالك: يتربع، ذكره الْقَرَافِيّ فِي (الذَّخِيرَة) وَفِي (الْمُغنِي) : عِنْد أَحْمد يقْعد متربعا فِي حَال الْقيام، ويثني رجلَيْهِ فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود. وَقَالَ: الْقعُود فِي حق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كالقيام فِي حَالَة الْقُدْرَة، تَشْرِيفًا لَهُ وتخصيصا.
71 - (بابُ فَضْلِ الطُّهُورِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وفَضْلِ الصَّلاةِ بعْدَ الوُضُوءِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَانه فَضِيلَة الطّهُور، وَهُوَ الْوضُوء بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بَاب فضل الطّهُور بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وَفضل الصَّلَاة عِنْد الطّهُور بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار، وَفِي بعض النّسخ: بعد الْوضُوء، مَوضِع: عِنْد الطّهُور، وَفِي بَعْضهَا: بَاب(7/205)
فضل الصَّلَاة عِنْد الطّهُور بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار، وَهُوَ الشق الثَّانِي من رِوَايَة الْكشميهني، وَعَلِيهِ اقْتصر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأكْثر الشُّرَّاح.
9411 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ نَصْرٍ قَالَ حدَّثنا أبُو أُسَامةَ عنْ أبِي حَيَّانَ عَنْ أبِي زُرْعَةَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَ لِبِلاَلٍ عِنْدَ صَلاةِ الفَجْرِ يَا بِلالُ حَدِّثْنِي بِأرْجى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإسْلاَمِ فإنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ قَالَ مَا عَمِلْتُ عَمَلاً أرْجى عِنْدِي أنِّي لَمْ أتَطَهَّرْ طُهُورا فِي ساعَةِ لَيْلٍ أوْ نَهَارٍ إلاَّ صَلَّيْتُ بِذالِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أنْ أُصَلِّيَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة لَا تتأتى إلاَّ فِي الشق الثَّانِي من رِوَايَة الْكشميهني، وَهُوَ قَوْله: (وَفضل الصَّلَاة عِنْد الطّهُور بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار) .
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: إِسْحَاق بن نصر، وَهُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر، فَالْبُخَارِي يروي عَنهُ فِي (الْجَامِع) فِي غير مَوضِع، لكنه تَارَة يَقُول: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر، وَتارَة يَقُول: حَدثنَا إِسْحَاق بن نصر فينسبه إِلَى جده. الثَّانِي: أَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة. الثَّالِث: أَبُو حَيَّان، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: واسْمه يحيى بن سعيد، وَوَقع فِي (التَّوْضِيح) : يحيى بن حَيَّان وَهُوَ غلط. الرَّابِع: أَبُو زرْعَة، اسْمه هرم بن جرير بن عبد الله البَجلِيّ. الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: ذكر الرَّاوِي باسم جده. وَفِيه: ثَلَاثَة من الروَاة مذكورون بالكنية وَآخر من الصَّحَابَة. وَفِيه: أَن شَيْخه بخاري وَأَبُو أُسَامَة وَأَبُو حَيَّان وَأَبُو زرْعَة كوفيون.
وَقَالَ الْمزي فِي (الْأَطْرَاف) : أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عبيد بن يعِيش وَأبي كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء، كِلَاهُمَا عَن أبي أُسَامَة، وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير عَن أَبِيه عَن أبي حَيَّان بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن مُحَمَّد بن عبد الله المَخْزُومِي عَن أبي أُسَامَة بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قَالَ لِبلَال) ، هُوَ: ابْن رَبَاح الْمُؤَذّن. قَوْله: (فِي صَلَاة الْفجْر) ، إِشَارَة إِلَى أَن ذَلِك وَقع فِي الْمَنَام، لِأَن عَادَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يقص مَا رَآهُ غَيره من أَصْحَابه بعد صَلَاة الْفجْر، على مَا يَأْتِي فِي كتاب التَّعْبِير. قَوْله: (بأرجى عمل) أَرْجَى: على وزن: أفعل التَّفْضِيل، بِمَعْنى الْمَفْعُول، لَا بِمَعْنى الْفَاعِل، وأضيف إِلَى الْعَمَل لِأَنَّهُ الدَّاعِي إِلَيْهِ. وَهُوَ السَّبَب فِيهِ. قَوْله: (فِي الْإِسْلَام) وَفِي رِوَايَة مُسلم: (حَدثنِي بأرجى عمل عملته عنْدك فِي الْإِسْلَام مَنْفَعَة) ، قَوْله: (فَإِنِّي سَمِعت دف نعليك بَين يَدي فِي الْجنَّة) وَفِي رِوَايَة مُسلم: (فَإِنِّي سَمِعت اللَّيْلَة خشف نعليك بَين يَدي) قَوْله: (فِي الْجنَّة) ، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: (حفيف نعليك) ، وَفِي رِوَايَة الْحَاكِم على شَرط الشَّيْخَيْنِ: (يَا بِلَال، بِمَ سبقتني إِلَى الْجنَّة؟) دخلت البارحة فَسمِعت خشخشتك أَمَامِي) ، وَعند أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ. (فَإِنِّي سَمِعت خشخشة نعليك) والخشخشة الْحَرَكَة الَّتِي لَهَا صَوت كصوت السِّلَاح، وَفِي رِوَايَة ابْن السكن: دوِي نعليك) ، بِضَم الدَّال الْمُهْملَة، يَعْنِي: صوتهما. وَأما الدُّف فَهُوَ، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَتَشْديد الْفَاء. قَالَ ابْن سَيّده: الدفيف، سير لين، دف يدف دفيفا، ودف الْمَاشِي على وَجه الأَرْض إِذا جد، ودف الطَّائِر وأدف: ضرب جَنْبَيْهِ بجناحيه. وَقيل: هُوَ إِذا حرك جناحيه وَرجلَاهُ فِي الأَرْض. وَزعم أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي (المغيث) : أَن حَدِيث بِلَال هَذَا: (سَمِعت دف نعليك) أَي: حفيفهما، وَمَا يحس من صوتهما عِنْد وطئهما، وَذكره صَاحب (التَّتِمَّة) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، وَأَصله: السّير السَّرِيع، وَقد يُقَال: دف نعليك، بِالدَّال الْمُهْملَة ومعناهما: قريب. قَوْله: (أَنِّي) بِفَتْح الْهمزَة، وَكلمَة: من، مقدرَة قبلهَا ليَكُون صلَة أفعل التَّفْضِيل، وَجَاز الفاصلة بالظرف بَين أفعل وصلته، هَذَا مَا قَالَه الْكرْمَانِي، وتحريره: أَن أفعل التَّفْضِيل لَا يسْتَعْمل فِي الْكَلَام إلاَّ بِأحد الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة وَهِي: الْألف وَاللَّام، وَالْإِضَافَة، وَكلمَة: من. وَهَهُنَا لفظ: (أَرْجَى) ، أفعل التَّفْضِيل كَمَا قُلْنَا، وَهِي خَالِيَة عَن هَذِه الْأَشْيَاء فَقدر كلمة: من، تَقْدِيره: مَا عملت عملا أرجىء من أَنِّي لم أتطهر طهُورا، أَي: لم أتوضأ وضُوءًا، وَهُوَ يتَنَاوَل الْغسْل أَيْضا. قَوْله: وَجَاز الفاصلة بالظرف، أَرَادَ بالفاصلة هُنَا قَوْله: (عِنْدِي) فَإِنَّهُ ظرف فصل بِهِ بَين كلمة: (أرجىء) وَبَين كلمة: من، الْمقدرَة. فَافْهَم. قَوْله: (طهُورا) ، بِضَم الطَّاء، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (طهُورا تَاما) ، ويحترز بالتمام عَن الْوضُوء اللّغَوِيّ وَهُوَ: غسل الْيَدَيْنِ، لِأَنَّهُ قد يفعل ذَلِك لطرد النّوم. قَوْله: (فِي سَاعَة) ، بِالتَّنْوِينِ. قَوْله:(7/206)
(ليل) ، بِالْجَرِّ بدل من: سَاعَة، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (من ليل أَو نَهَار) . قَوْله: (مَا كتب لي) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَهُوَ جملَة فِي مَحل النصب، وَفِي رِوَايَة: (مَا كتب الله لي) ، أَي: مَا قدر، وَهُوَ أَعم من الْفَرْض وَالنَّفْل. قَوْله: (أَن أُصَلِّي) فِي مَحل الرّفْع على رِوَايَة البُخَارِيّ، وعَلى رِوَايَة مُسلم فِي مَحل النصب. ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن الصَّلَاة أفضل الْأَعْمَال بعد الْإِيمَان، لقَوْل بِلَال: إِنَّه مَا عمل عملا أَرْجَى مِنْهُ. وَفِيه: دَلِيل على أَن الله تَعَالَى يعظم المجازاة على مَا يسر بِهِ العَبْد بَينه وَبَين ربه مِمَّا لَا يطلع عَلَيْهِ أحد، وَقد اسْتحبَّ ذَلِك الْعلمَاء ليدخرها وليبعدها عَن الرِّيَاء. وَفِيه: فَضِيلَة الْوضُوء وفضيلة الصَّلَاة عَقِيبه لِئَلَّا يبْقى الْوضُوء خَالِيا عَن مَقْصُوده. وَفِيه: فَضِيلَة بِلَال، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَلذَلِك بوب عَلَيْهِ مُسلم حَيْثُ قَالَ: بَاب فَضَائِل بِلَال بن رَبَاح مولى أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، ثمَّ روى الحَدِيث الْمَذْكُور. وَفِيه: سُؤال الصَّالِحين عَن عمل تِلْمِيذه ليحضه عَلَيْهِ ويرقبه فِيهِ إِن كَانَ حسنا وإلاَّ فينهاه. وَفِيه: أَن الْجنَّة مخلوقة مَوْجُودَة الْآن، خلاف وَمِنْهُم: لمن أنكر ذَلِك من الْمُعْتَزلَة. وَفِيه: مَا اسْتدلَّ بِهِ الْبَعْض على جَوَاز هَذِه الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة، وَهُوَ عُمُوم قَوْله: (فِي سَاعَة) ، بالتنكير أَي: فِي كل سَاعَة، ورد بِأَن الْأَخْذ بِعُمُوم هَذَا لَيْسَ بِأولى من الْأَخْذ بِعُمُوم النَّهْي عَن الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة. وَقَالَ ابْن التِّين: لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْفَوْرِيَّة فَيحمل على تَأْخِير الصَّلَاة قَلِيلا ليخرج وَقت الْكَرَاهَة، أَو أَنه كَانَ يُؤَخر الطّهُور إِلَى خُرُوج وَقت الْكَرَاهَة، وَاعْترض بَعضهم بقوله: لَكِن عِنْد التِّرْمِذِيّ وَابْن خُزَيْمَة من حَدِيث بُرَيْدَة فِي نَحْو هَذِه الْقَضِيَّة: (مَا أصابني حدث قطّ إلاَّ تَوَضَّأت عِنْده) ، وَلأَحْمَد من حَدِيثه: (مَا أحدثت إلاَّ تَوَضَّأت وَصليت رَكْعَتَيْنِ) ، فَدلَّ على أَنه كَانَ يعقب الْحَدث بِالْوضُوءِ، وَالْوُضُوء بِالصَّلَاةِ فِي أَي وَقت كَانَ. انْتهى قلت: حَدِيث بُرَيْدَة الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ ذكره التِّرْمِذِيّ فِي مَنَاقِب عمر ابْن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن حُرَيْث أَبُو عمار الْمروزِي، قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن الْحُسَيْن بن وَاقد، قَالَ: حَدثنِي أبي، قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن بُرَيْدَة، قَالَ: (حَدثنِي أَبُو بُرَيْدَة، قَالَ: أصبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَا بِلَالًا. فَقَالَ: يَا بِلَال بِمَ سبقتني إِلَى الْجنَّة؟ مَا دخلت الْجنَّة قطّ إلاَّ سَمِعت خشخشتك أَمَامِي؟ قَالَ، دخلت البارحة الْجنَّة فَسمِعت خشخشتك أَمَامِي، فَأتيت على قصر مربع مشرف من ذهب، فَقلت: لمن هَذَا الْقصر؟ قَالُوا: لرجل من الْعَرَب. فَقلت: أَنا عَرَبِيّ، لمن هَذَا الْقصر، قَالُوا: لرجل من قُرَيْش، فَقلت: أَنا قرشي، لمن هَذَا الْقصر؟ قَالُوا: لرجل من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقلت: أَنا مُحَمَّد، لمن هَذَا الْقصر؟ قَالُوا: لعمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. فَقَالَ بِلَال: يَا رَسُول الله: مَا أَذِنت قطّ إلاَّ صليت رَكْعَتَيْنِ، وَمَا أصابني حدث قطّ إلاَّ تَوَضَّأت عِنْدهَا، وَرَأَيْت أَن لله عَليّ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بهما) . وَأما جَوَاب هَذَا الْمُعْتَرض فَمَا مر ذكره الْآن، وَهُوَ قَوْلنَا: ورد بِأَن الْأَخْذ بِعُمُوم هَذَا ... إِلَى آخِره، وَيجوز أَن تكون أَخْبَار النَّهْي عَن الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة بعد هَذَا الحَدِيث.
الأسئلة والأجوبة: مِنْهَا مَا قَالَه الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: هَذَا السماع لَا بُد أَن يكون فِي النّوم، إِذْ لَا يدْخل أحد الْجنَّة إلاَّ بعد الْمَوْت؟ قلت: يحْتَمل كَونه فِي حَال الْيَقَظَة، وَقد صرح فِي أول كتاب الصَّلَاة أَنه: دخل فِيهَا لَيْلَة الْمِعْرَاج. انْتهى. قلت: فِي كلاميه تنَاقض لَا يخفى لِأَنَّهُ ذكر أَولا أَن دُخُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجنَّة فِي حَال اليقظمة مُحْتَمل، ثمَّ قَالَ ثَانِيًا: فالتحقيق أَنه دَخلهَا لَيْلَة الْمِعْرَاج، وَالْأَوْجه أَن يُقَال: إِن قَوْله: لَا يدْخل أحد الْجنَّة إلاَّ بعد الْمَوْت، لَيْسَ على عُمُومه، أَو نقُول: هَذَا على عُمُومه وَلكنه فِي حق من كَانَ من عَالم الْكَوْن وَالْفساد وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما جَاوز السَّمَوَات السَّبع وَبلغ إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى خرج من أَن يكون من أهل هَذَا الْعَالم، فَلَا يمْتَنع بعد هَذَا دُخُوله الْجنَّة قبل الْمَوْت، وَقد تفردت بِهَذَا الْجَواب. وَمِنْهَا مَا قيل: كَيفَ يسْبق بِلَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دُخُول الْجنَّة، وَالْجنَّة مُحرمَة على من يدْخل فِيهَا قبل دُخُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ وَالْجَوَاب فِيمَا ذكره الْكرْمَانِي بقوله: وَأما بِلَال فَلم يلْزم مِنْهُ أَنه دخل فِيهَا، إِذْ فِي الْجنَّة طرق السماع والدف بَين يَدَيْهِ، وَقد يكون خَارِجا عَنْهَا. واستبعد بَعضهم هَذَا الْجَواب بقوله: لِأَن السِّيَاق يشْعر بِإِثْبَات فَضِيلَة بِلَال لكَونه جعل السَّبَب الَّذِي بلغه إِلَى ذَلِك مَا ذكره من مُلَازمَة التطهر وَالصَّلَاة، وَإِنَّمَا تثبت لَهُ الْفَضِيلَة بِأَن يكون رئي دَاخل الْجنَّة لَا خَارِجا عَنْهَا، ثمَّ أكد كَلَامه بِحَدِيث بُرَيْدَة الْمَذْكُور. قلت: التَّحْقِيق فِيهِ أَن رُؤْيَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه فِي الْجنَّة حق، لِأَن رُؤْيا الْأَنْبِيَاء حق. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: ويروى أَن رُؤْيا(7/207)
الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَحي. وَأما سبق بِلَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الدُّخُول فِي هَذِه الصُّورَة فَلَيْسَ هُوَ من حَيْثُ الْحَقِيقَة، وَإِنَّمَا هُوَ بطرِيق التَّمْثِيل لِأَن عَادَته فِي الْيَقَظَة أَنه كَانَ يمشي أَمَامه، فَلذَلِك تمثل لَهُ فِي الْمَنَام، وَلَا يلْزم من ذَلِك السَّبق الْحَقِيقِيّ فِي الدُّخُول. وَمِنْهَا مَا قيل: إِن دُخُول بِلَال الْجنَّة وَحُصُول هَذِه المنقبة لَهُ إِنَّمَا كَانَ بِسَبَب تطهره عِنْد كل حدث وَصلَاته عِنْد كل وضوء بِرَكْعَتَيْنِ، كَمَا صرح بِهِ فِي آخر حَدِيث بُرَيْدَة، بقوله: (بهما) ، أَي: بالتطهر عِنْد كل حدث وَالصَّلَاة بِرَكْعَتَيْنِ عِنْد كل وضوء، وَقد جَاءَ: (إِن أحدكُم لَا يدْخل الْجنَّة بِعَمَلِهِ؟) قلت: أصل الدُّخُول برحمة الله تَعَالَى، وَزِيَادَة الدَّرَجَات والتفاوت فِيهَا بِحَسب الْأَعْمَال، وَكَذَا يُقَال فِي قَوْله تَعَالَى: {ادخُلُوا الْجنَّة بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} (النَّحْل: 23) .
81 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّشْدِيدِ فِي العِبَادَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَرَاهَة التَّشْدِيد، وَهُوَ تحمل الْمَشَقَّة الزَّائِدَة فِي الْعِبَادَة، وَذَلِكَ لمخافة الفتور والإملال، وَلِئَلَّا يَنْقَطِع الْمَرْء عَنْهَا، فَيكون كَأَنَّهُ رَجَعَ فِيمَا بذله من نَفسه وتطوع بِهِ.
0511 - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ عنْ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ صُهَيْبٍ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ دَخَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فإذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ فَقَالَ مَا هاذا الحَبْلُ قالُوا هاذا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ فإذَا فَتَرَتْ تعَلَّقَتْ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاَ حُلْوهُ لِيُصَلِّ أحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فإذَا فعترَ فَلْيَقْعُد.
مطابقته للتَّرْجَمَة وَهُوَ إِنْكَاره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على فعل زَيْنَب فِي شدها الْحَبل لتتعلق عِنْد الفتور.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: أَبُو معمر، بِفَتْح الميمين، واسْمه عبد الله بن عَمْرو الْمنْقري المقعد. الثَّانِي: عبد الْوَارِث بن سعيد التنوري أَبُو عُبَيْدَة. الثَّالِث: عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب الْبنانِيّ الْأَعْمَى. الرَّابِع: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رِجَاله كلهم بصريون. وَفِيه: أَن شَيْخه مَذْكُور بكنيته، وَشَيخ شَيْخه مَذْكُور بِلَا نِسْبَة.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن شَيبَان بن فروخ. وَأخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، كِلَاهُمَا فِيهِ عَن عمرَان بن مُوسَى، وَذكر الْحميدِي هَذَا الحَدِيث من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن مُسلما أَيْضا أخرجه كَمَا ذكرنَا.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: الْمَسْجِد، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم. قَوْله: (فَإِذا حَبل) كلمة: إِذا، للمفاجأة. قَوْله: (بَين الساريتين) أَي: الاسطوانتين، وكأنهما كَانَتَا معهودتين، فَلذَلِك ذكرهمَا بِالْألف وَاللَّام الَّتِي للْعهد، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (بَين ساريتين) ، بِلَا ألف وَلَام. قَوْله: (لِزَيْنَب) ، ذكر الْخَطِيب فِي مبهماته أَن زَيْنَب هَذِه هِيَ: زَيْنَب بنت جحش الأَسدِية المدنية زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي الَّتِي أنزل الله تَعَالَى فِي شَأْنهَا: {فَلَمَّا قضى زيد مِنْهَا وطرا زَوَّجْنَاكهَا} (الْأَحْزَاب: 73) . مَاتَت سنة عشْرين، وَتَبعهُ الْكرْمَانِي، وَذكره هَكَذَا. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : أَن ابْن أبي شيبَة رَوَاهُ كَذَلِك، وَلَيْسَ فِي (مُسْنده) وَلَا فِي (مُصَنفه) غير ذكر زَيْنَب مُجَرّدَة، وروى أَبُو دَاوُد هَذَا الحَدِيث عَن شيخين لَهُ، عَن إِسْمَاعِيل بن علية فَقَالَ أَحدهمَا: زَيْنَب، وَلم ينسبها، وَقَالَ الآخر: حمْنَة بنت جحش، وَهِي أُخْت زَيْنَب بنت جحش زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وروى أَحْمد من طَرِيق حَمَّاد عَن حميد عَن أنس أَنَّهَا: حمْنَة بنت جحش، وَوَقع فِي صَحِيح ابْن خُزَيْمَة من طَرِيق شُعْبَة عَن عبد الْعَزِيز فَقَالُوا: مَيْمُونَة بنت الْحَارِث، وَهِي رِوَايَة شَاذَّة قلت: لَا مَانع من تعدد الْقَضِيَّة. قَوْله: (فَإِذا فترت) ، بِفَتْح الْفَاء وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، أَي: إِذا كسلت عَن الْقيام (تعلّقت) أَي: بالحبل، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (فَإِذا فترت أَو كسلت) بِالشَّكِّ. قَوْله: (فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا) يحْتَمل أَن تكون كلمة: لَا، هَذِه للنَّفْي أَي: لَا يكون هَذَا الْحَبل أَو لَا يمد، وَيحْتَمل أَن تكون للنَّهْي، أَي: لَا تفعلوه، وَسَقَطت هَذِه الْكَلِمَة فِي رِوَايَة مُسلم، قَوْله: (حلوة) بِضَم الْحَاء وَاللَّام الْمُشَدّدَة، أَمر للْجَمَاعَة من الْحل. قَوْله: (ليصل) ، بِكَسْر اللَّام. قَوْله: (نشاطه) ، بِفَتْح النُّون، أَي: ليصل أحدكُم مُدَّة نشاطه، فَيكون انتصابه بِنَزْع الْخَافِض. وروى: (بنشاطه) ، أَي: ملتبسا بِهِ. قَوْله: (فَإِذا فتر فليقعد) ، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد:(7/208)
(فَإِذا كسل أَو فتر فليقعد) ، ظَاهر السِّيَاق يدل على أَن الْمَعْنى أَنه: إِذا عيى عَن الْقيام، وَهُوَ يُصَلِّي فليقعد. فيستفاد مِنْهُ جَوَاز الْقعُود فِي أثْنَاء الصَّلَاة بعد افتتاحها قَائِما. وَقَالَ بَعضهم: وَيحْتَمل أَن يكون أَمر بالقعود عَن الصَّلَاة، يَعْنِي ترك مَا عزم عَلَيْهِ من التَّنَفُّل قلت: هَذَا احْتِمَال بعيد غير ناشيء عَن دَلِيل، وَظَاهر الْكَلَام يُنَافِيهِ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: الْحَث على الاقتصاد فِي الْعِبَادَة وَالنَّهْي عَن التعمق وَالْأَمر بالإقبال عَلَيْهَا بنشاطه. وَفِيه: أَنه إِذا فتر فِي الصَّلَاة يقْعد حَتَّى يذهب عَنهُ الفتور. وَفِيه: إِزَالَة الْمُنكر بِالْيَدِ لمن يتَمَكَّن مِنْهُ. وَفِيه: جَوَاز تنفل النِّسَاء فِي الْمَسْجِد، فَإِن زَيْنَب كَانَت تصلي فِيهِ فَلم يُنكر عَلَيْهَا. وَفِيه: كَرَاهَة التَّعَلُّق بالحبل فِي الصَّلَاة. وَفِيه: دَلِيل على أَن الصَّلَاة جَمِيع اللَّيْل مَكْرُوهَة، وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور، وَرُوِيَ عَن جمَاعَة من السّلف أَنه: لَا بَأْس بِهِ، وَهُوَ رِوَايَة عَن مَالك، رَحمَه الله تَعَالَى، إِذا لم ينم عَن الصُّبْح.
1511 - قَالَ وقَال عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ كانَتْ عِنْدِي امْرَأةٌ مِنْ بَنِي أسَدٍ فدَخَلَ عَلَيَّ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَنْ هاذِهِ قُلْتُ فُلاَنَةُ لاَ تَنَامُ اللَّيْلَ فَذُكِرَ مِنْ صَلاَتِهَا فَقَالَ مَهْ عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنَ الأعْمَالِ فإنَّ الله لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا.
(أنظر الحَدِيث 34) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ زجرهصلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله: (مَه) إِلَى آخِره، فَإِن حَاصِل مَعْنَاهُ النَّهْي عَن التَّشْدِيد فِي الْعِبَادَة، وَرِجَاله على هَذَا الْوَجْه قد مروا غير مرّة، وَهَذَا تَعْلِيق رَوَاهُ فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب أحب الدّين إِلَى الله أَدْوَمه، وَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا يحيى عَن هِشَام، قَالَ: أَخْبرنِي أبي (عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل عَلَيْهَا وَعِنْدهَا امْرَأَة. .) الحَدِيث. قَوْله: قَالَ عبد الله) هَكَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: حَدثنَا عبد الله، وَهَكَذَا فِي (الْمُوَطَّأ) رِوَايَة القعْنبِي. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: تفرد القعْنبِي بروايته عَن مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) دون بَقِيَّة رُوَاته، فَإِنَّهُم اقتصروا مِنْهُ على طرف مُخْتَصر، وَرَوَاهُ أَبُو نعيم من حَدِيث مُحَمَّد بن غَالب عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك، وَوَقع فِي آخِره: رَوَاهُ البُخَارِيّ، قَالَ: قَالَ عبد الله بن مسلمة، وأسنده الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق يُونُس عَن ابْن وهب عَن مَالك، وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث ابْن وهب عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة. قَوْله: (فُلَانَة) ، غير منصرف، وَاسْمهَا: حولاء، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وبالمد. وَكَانَت عطارة. قَوْله: (اللَّيْل) نصب على الظَّرْفِيَّة، ويروى: (بِاللَّيْلِ) أَي: فِي اللَّيْل. قَوْله: (فَذكر) ، بفاء الْعَطف، و: ذكر، على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمَاضِي، وَهُوَ رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: بِصِيغَة الْمَعْلُوم من الْمُضَارع، وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ على صِيغَة الْمَجْهُول للمذكر من الْمُضَارع، وَلكُل وَاحِد مِنْهَا وَجه، فرواية الْمُسْتَمْلِي من قَول عُرْوَة أَو من دونه، وَفِي رِوَايَة الآخرين يحْتَمل أَن يكون من كَلَام عَائِشَة، وعَلى كل حَال هُوَ تَفْسِير لقولها: (لَا تنام اللَّيْل) . قَوْله: (مَه) ، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْهَاء، وَمَعْنَاهُ: أكفف،. قَوْله: (عَلَيْكُم) ، اسْم فعل مَعْنَاهُ: الزموا. قَوْله: (مَا تطيقون) ، مَرْفُوع أَو مَنْصُوب بِهِ. قَوْله: (الْأَعْمَال) عَام فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا، وَحمله الْبَاجِيّ وَغَيره على الصَّلَاة خَاصَّة، لِأَن الحَدِيث ورد فِيهَا، وَحمله على الْعُمُوم أولى. لِأَن الْعبْرَة لعُمُوم اللَّفْظ. قَوْله: (لَا يمل) ، بِفَتْح الْمِيم: أَي لَا يتْرك الثَّوَاب حَتَّى تتركوا الْعَمَل بالملل، وَهُوَ من بَاب المشاكلة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي الْبَاب الْمَذْكُور مُسْتَوفى.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: الاقتصاد فِي الْعِبَادَة والحث عَلَيْهِ. وَفِيه: النَّهْي عَن التعمق. وَقَالَ تَعَالَى: {لَا تغلوا فِي دينكُمْ} (النِّسَاء: 171، الْمَائِدَة: 77) . وَالله أرْحم بِالْعَبدِ من نَفسه وَإِنَّمَا كره التَّشْدِيد فِي الْعِبَادَة خشيَة الفتور، والملالة. وَقَالَ تَعَالَى: {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} (الْبَقَرَة: 682) . وَقَالَ: {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} (الْحَج: 87) . وَفِيه: مدح الشَّخْص بِالْعَمَلِ الصَّالح.
91 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ تَرْكِ قِيَامِ اللَّيْلِ لِمَنْ كَانَ يَقُومُهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَرَاهَة ترك قيام اللَّيْل، وَهُوَ الصَّلَاة فِيهِ لمن كَانَ لَهُ عَادَة بِالْقيامِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يشْعر بِالْإِعْرَاضِ عَن الْعِبَادَة.
2511 - حدَّثنا عَبَّاسُ بنُ الحُسَيْنِ قَالَ حدَّثَنَا مُبَشِّرٌ عنِ الأَوْزَاعِيِّ ح وحدَّثني مُحَمَّدُ بنُ(7/209)
مُقَاتِلٍ أبُو الحَسَنِ قَالَ أخبرناعَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا الأوْزَاعِيُّ قَالَ حدَّثني يَحْيَى بنُ أبِي كَثِيرٍ قَالَ حدَّثني أبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرحْمانِ قَالَ حدَّثنِي عَبْدُ الله بنُ عَمْرِو بنِ العَاصِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ لي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عَبْدَ الله لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ كانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (يَا عبد الله لَا تكن مثل فلَان. .) إِلَى آخِره.
ذكر رِجَاله: وهم ثَمَانِيَة: الأول: عَبَّاس، بِالْبَاء الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة وبالسين الْمُهْملَة: ابْن الْحُسَيْن، بِالتَّصْغِيرِ: أَبُو الْفضل الْبَغْدَادِيّ الْقَنْطَرِي، مَاتَ سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: مُبشر، بِلَفْظ إسم الْفَاعِل، ضد الْمُنْذر ابْن إِسْمَاعِيل الْحلَبِي، مَاتَ سنة مِائَتَيْنِ. الثَّالِث: عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ. الرَّابِع: مُحَمَّد بن مقَاتل أَبُو الْحسن الْمروزِي المجاور بِمَكَّة. الْخَامِس: عبد الله بن الْمُبَارك. السَّادِس: يحيى بن أبي كثير. السَّابِع: أَبُو سَلمَة ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. الثَّامِن: عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: إسنادان أَحدهمَا عَن عَبَّاس وَالْآخر عَن مُحَمَّد بن مقَاتل. وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: فِي سِيَاق عبد الله التَّصْرِيح بِالْحَدِيثِ فِي جَمِيع الْإِسْنَاد فَحصل الْأَمْن من تَدْلِيس الْأَوْزَاعِيّ وَشَيْخه. وَفِيه: القَوْل فِي سِتَّة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه عَبَّاس بغدادي، ومبشر حَلَبِيّ، وَالْأَوْزَاعِيّ شَامي، وَمُحَمّد بن مقَاتل وَشَيْخه عبد الله مروزيان وَيحيى بن أبي كثير يمامي وطائي، وَاسم أبي كثير: صَالح، وَقيل: دِينَار، وَقيل غير ذَلِك، وَأَبُو سَلمَة مدنِي. وَفِيه: أَن البُخَارِيّ أخرج عَن عَبَّاس ابْن الْحُسَيْن هُنَا وَفِي الْجِهَاد فَقَط. وَفِيه: أَن شَيْخه مُحَمَّد بن مقَاتل من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّوْم عَن أَحْمد بن يُوسُف الْأَزْدِيّ عَن عَمْرو بن أبي سَلمَة بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن سُوَيْد بن نصر عَن ابْن الْمُبَارك بِهِ، وَعَن الْحَارِث بن أَسد عَن بشر بن بكر عَن الْأَوْزَاعِيّ. وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن مُحَمَّد بن الصَّباح عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (مثل فلَان) ، لم يدر من هُوَ، وَالظَّاهِر أَن الْإِبْهَام من أحد الروَاة. وَقَالَ بَعضهم: وَكَانَ إِبْهَام مثل هَذَا لقصد السّتْر عَلَيْهِ، وَيحْتَمل أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقْصد شَيخا معينا، وَإِنَّمَا أَرَادَ تنفير عبد الله بن عَمْرو من الصَّنِيع الْمَذْكُور. قلت: كل ذَلِك غير موجه. أما قَوْله: السّتْر عَلَيْهِ، فَغير سديد، لِأَن قيام اللَّيْل لم يكن فرضا على فلَان الْمَذْكُور، فَلَا يكون بِتَرْكِهِ عَاصِيا حَتَّى يستر عَلَيْهِ. وَأما قَوْله: وَيحْتَمل إِلَى آخِره، فأبعد من الأول على مَا لَا يخفى، لِأَن الشَّخْص إِذا لم يكن معينا كَيفَ ينفر غَيره من صَنِيعه؟ وَأما قَوْله: أَرَادَ تنفير عبد الله، فَكَانَ الْأَحْسَن فِيهِ أَن يُقَال: أَرَادَ ترغيب عبد الله فِي قيام اللَّيْل حَتَّى لَا يكون مثل من كَانَ قَائِما مِنْهُ ثمَّ تَركه. قَوْله: (من اللَّيْل) ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين لفظ: من، مَوْجُودا، بل اللَّفْظ: كَانَ يقوم اللَّيْل، أَي: فِي اللَّيْل، وَالْمرَاد فِي جُزْء من أَجْزَائِهِ فَتكون: من، بِمَعْنى: فِي، نَحْو قَوْله تَعَالَى: {إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة} (الْجُمُعَة: 9) . أَي: فِي يَوْم الْجُمُعَة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: فِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَن قيام اللَّيْل لَيْسَ بِوَاجِب، إِذْ لَو كَانَ وَاجِبا لم يكتف لتاركه بِهَذَا الْقدر، بل كَانَ يذمه أبلغ الذَّم، وَقَالَ ابْن حبَان: فِيهِ جَوَاز ذكر الشَّخْص بِمَا فِيهِ من عيب إِذا قصد بذلك التحذير من صَنِيعه. وَفِيه: اسْتِحْبَاب الدَّوَام على مَا اعتاده الْمَرْء من الْخَيْر من غير تَفْرِيط. وَفِيه: الْإِشَارَة إِلَى كَرَاهَة قطع الْعِبَادَة وَإِن لم تكن وَاجِبَة.
وَقَالَ هِشَامٌ حدَّثنا ابنُ أبي العِشْرِين قَالَ حدَّثنا الأوْزَاعِيُّ قَالَ حدَّثني يَحْيى عنْ عُمَرَ بنِ الحَكَمِ بنِ ثَوْبَانَ قَالَ حدَّثني أبُو سَلَمَةَ بِهاذا مِثْلَهُ
هِشَام: هُوَ ابْن عمار الدِّمَشْقِي الْحَافِظ، خطيب دمشق، مَاتَ سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَاسم ابْن أبي الْعشْرين: عبد الحميد بن حبيب ضد الْعَدو كَاتب الْأَوْزَاعِيّ، كنيته أَبُو سعيد الدِّمَشْقِي ثمَّ الْبَيْرُوتِي، وَقد تكلم فِيهِ غير وَاحِد. وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير الْمَذْكُور فِي السَّنَد الأول، وَعمر بن الحكم، بِفَتْح الْكَاف: ابْن ثَوْبَان، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون(7/210)
الْوَاو وبالباء الْمُوَحدَة وبالنون: الْحِجَازِي الْمدنِي مَاتَ سنة سبع عشرَة وَمِائَة، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن ابْن أبي حسان وَمُحَمّد بن مُحَمَّد، قَالَا: حَدثنَا هِشَام بن عمار حَدثنَا عبد الحميد بن أبي الْعشْرين حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ فَذكره، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : ومتابعة هِشَام أسندها الْإِسْمَاعِيلِيّ. قلت: لَيْسَ هَذَا بمتابعة، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيق كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَفَائِدَته التَّنْبِيه على أَن زِيَادَة عمر بن الحكم بن ثَوْبَان بن يحيى وَأبي سَلمَة من الْمَزِيد فِي مُتَّصِل الْأَسَانِيد لِأَن يحيى قد صرح بِسَمَاعِهِ من أبي سَلمَة وَلَو كَانَ بَينهمَا وَاسِطَة لم يُصَرح بِالتَّحْدِيثِ. قَوْله: (بِهَذَا مثله) ، هَذَا رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: بِهَذَا، فَقَط.
وَتَابَعَهُ عَمْرُو بنُ أبِي سَلَمَةَ عنِ الأَوْزَاعِيِّ
أَي: تَابع ابْن أبي الْعشْرين على زِيَادَة عمر بن الحكم عَمْرو بن أبي سَلمَة، بِفَتْح اللَّام: أَبُو حَفْص الشَّامي، توفّي سنة ثِنْتَيْ عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة مُسلم عَن أَحْمد بن يُوسُف بن مُحَمَّد الْأَزْدِيّ، قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن أبي سَلمَة عَن الْأَوْزَاعِيّ قِرَاءَة، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن أبي كثير عَن ابْن الحكم بن ثَوْبَان، قَالَ: حَدثنِي أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن عبد الله ابْن عَمْرو بن الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يَا عبد الله لَا تكن مثل فلَان، كَانَ يقوم اللَّيْل، فَترك قيام اللَّيْل.
02 - (بابٌ)
هَكَذَا وَقع لفظ: بَاب، بِغَيْر تَرْجَمَة، وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْفَصْل من الْبَاب الَّذِي قبله، وَقد جرت عَادَة المصنفين أَن يكتبوا بَابا فِي حكم من الْأَحْكَام ثمَّ يكتبوا عَقِيبه فصل فيريدوا بِهِ انْفِصَال هَذَا الحكم عَمَّا قبله، وَلكنه مُتَعَلق بِهِ فِي نفس الْأَمر.
3511 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍ وعنْ أبِي العَبَّاسِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عَمْرٍ وَرَضي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ لي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألَمْ أُخْبَرْ أنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ قُلْتُ إنِّي أفْعلُ ذالِكَ قَالَ فإنَّكَ إذَا فَعَلْتَ ذالِكَ هَجَمَتْ عَيْنُكَ وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ وَإنَّ لِنَفْسِكَ حقَّا وَلأِهْلِكَ حَقّا فَصُمْ وَأفْطِرْ وَقُمْ ونَمْ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصَّوْمِ والإفطار وَالْقِيَام وَالنَّوْم، وَلَا شكّ أَنه يَقْتَضِي ترك التَّشْدِيد فِي ذَلِك.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ. الثَّانِي: سُفْيَان بن عُيَيْنَة. الثَّالِث: عَمْرو بن دِينَار. الرَّابِع: أَبُو الْعَبَّاس اسْمه السَّائِب، بِالسِّين الْمُهْملَة: ابْن فروخ، بِفَتْح الْفَاء وَضم الرَّاء الْمُشَدّدَة وبالخاء الْمُعْجَمَة: الشَّاعِر الْأَعْمَى. الْخَامِس: عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: السماع. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده. وَفِيه: أَن سُفْيَان وعمرا وَأَبا الْعَبَّاس مكيون، وَفِيه: عَمْرو عَن أبي الْعَبَّاس، وَفِي رِوَايَة الْحميدِي، فِي (مُسْنده) : عَن سُفْيَان حَدثنَا عَمْرو سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّوْم عَن عَمْرو بن عَليّ وَفِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، عَن خَلاد بن يحيى. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّوْم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن سُفْيَان نَحْو حَدِيث عَليّ وَعَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَعَن عبيد الله بن معَاذ وَعَن أبي كريب. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن هناد عَن وَكِيع وَفِي بعض النّسخ عَن قُتَيْبَة بدل هناد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَليّ بن الْحسن الدرهمي وَعَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَعَن إِبْرَاهِيم بن الْحسن وَعَن مُحَمَّد بن عبيد الله وَعَن مُحَمَّد بن بشار وَعَن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد بالقصة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ألم أخبر؟) الْهمزَة للاستفهام، وَلكنه خرج من الِاسْتِفْهَام الْحَقِيقِيّ، فَمَعْنَاه هُنَا حمل الْمُخَاطب على(7/211)
الْإِقْرَار بِأَمْر قد اسْتَقر عِنْده ثُبُوته. وَقَوله: (أُخبر) على صِيغَة الْمَجْهُول لنَفس الْمُتَكَلّم وَحده. قَوْله: (أَنَّك) بِفَتْح الْهمزَة لِأَنَّهُ مفعول ثَان للإخبار. قَوْله: (اللَّيْل) مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة، وَكَذَلِكَ: النَّهَار. قَوْله: (هجمت) ، بِفَتْح الْجِيم أَي: غارت أَو ضعف بصرها لِكَثْرَة السهر. قَوْله: (ونفهت) ، بِفَتْح النُّون وَكسر الْفَاء أَي: كلت وأعيت، وَقَيده الشَّيْخ قطب الدّين بِفَتْح الْفَاء، وَحكى الْإِسْمَاعِيلِيّ أَن أَبَا يعلى رَوَاهُ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق بدل النُّون، وَقَالَ: إِنَّه ضَعِيف، وَزَاد الدَّاودِيّ بعد قَوْله: (هجمت عَيْنك وَنحل جسمك ونفهت نَفسك) . قَوْله: (وَإِن لنَفسك حَقًا) يَعْنِي: مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الضرورات البشرية مِمَّا أَبَاحَهُ الله إِلَى الْإِنْسَان من الْأكل وَالشرب والراحة الَّتِي يقوم بهَا بدنه لتَكون أعون على عبَادَة ربه. قَوْله: (ولأهلك حَقًا) يَعْنِي من النّظر لَهُم فِيمَا لَا بُد لَهُم من أُمُور الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَالْمرَاد من الْأَهْل الزَّوْجَة أَو أَعم من ذَلِك مِمَّن تلْزمهُ نَفَقَته، وَسَيَأْتِي فِي الصّيام زِيَادَة فِيهِ من وَجه آخر نَحْو قَوْله: (وَإِن لعينك عَلَيْك حَقًا) . وَفِي رِوَايَة: (فَإِن لزورك عَلَيْك حَقًا) ، المُرَاد من الزُّور: الضَّيْف. قَوْله: (حَقًا) فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالنّصب لِأَنَّهُ اسْم: (إِن) ، وَخَبره مقدم عَلَيْهِ، وَهُوَ رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة بِالرَّفْع فيهمَا، وَوَجهه أَن يكون: (حق) ، مَرْفُوعا على الِابْتِدَاء. وَقَوله: (لنَفسك) مقدما خَبره، وَالْجُمْلَة خبر إِن، وَاسم إِن ضمير الشَّأْن محذوفا، تَقْدِيره: إِن الشَّأْن لنَفسك حق، وَنَظِيره قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن من أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقيام المصورون) ، الأَصْل إِنَّه أَي: إِن الشَّأْن. قَوْله: (فَصم وَأفْطر) أَي: إِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَصم فِي بعض الْأَيَّام وَأفْطر فِي بَعْضهَا، وَكَانَ هَذَا إِشَارَة إِلَى صَوْم دَاوُد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وقم) : بِضَم الْقَاف أَمر من: قَامَ بِاللَّيْلِ. لأجل الْعِبَادَة أَي: فِي بعض اللَّيْل، أَو فِي بعض اللَّيَالِي. قَوْله: (ونم) ، بِفَتْح النُّون أَمر من النّوم أَي: فِي بعض اللَّيْل، وَهَذَا كُله أَمر ندب وإرشاد.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: جَوَاز تحديث الْمَرْء بِمَا عزم عَلَيْهِ من فعل الْخَيْر. وَفِيه: تفقد الإِمَام أُمُور رَعيته كلياتها وجرئياتها، وتعليمهم مَا يصلحهم. وَفِيه: تَعْلِيل الحكم لمن فِيهِ أَهْلِيَّة ذَلِك. وَفِيه: أَن الأولى فِي الْعِبَادَات تَقْدِيم الْوَاجِبَات على المندوبات. وَفِيه: أَن من تكلّف الزِّيَادَة وَتحمل الْمَشَقَّة على مَا طبع عَلَيْهِ يَقع لَهُ الْخلَل فِي الْغَالِب، وَرُبمَا يغلب ويعجز. وَفِيه: الحض على مُلَازمَة الْعِبَادَة من غير تحمل الْمَشَقَّة المؤدية إِلَى التّرْك، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ كراهيته التَّشْدِيد لعبد الله بن عَمْرو على نَفسه حض على الاقتصاد فِي الْعِبَادَة، كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: إجمع بَين المصلحتين فَلَا تتْرك حق الْعِبَادَة وَلَا الْمَنْدُوب بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَا تضيع حق نَفسك وَأهْلك وزورك.
12 - (بابُ فَضْلِ منْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل من تعار، وتعار، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَالْعين الْمُهْملَة وَبعد الْألف رَاء مُشَدّدَة، وَأَصله: تعارر، لِأَنَّهُ على وزن: تفَاعل، وَلما اجْتمعت الرآن ادغمت إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى. وَقَالَ ابْن سَيّده: عر الظليم يعر عرارا، وعار معارة وعرارا: صَاح، والتعار: السهر والتقلب على الْفراش لَيْلًا مَعَ كَلَام. وَفِي (الموعب) : يُقَال مِنْهُ: تعار يتعار، وَيُقَال: لَا يكون ذَلِك إلاَّ مَعَ كَلَام وَصَوت، وَقَالَ ابْن التِّين: ظَاهر الحَدِيث أَن تعار: اسْتَيْقَظَ، لِأَنَّهُ قَالَ: (من تعار فَقَالَ) ، فعطف القَوْل بِالْفَاءِ على تعار، وَقيل: تعار تقلب فِي فرَاشه، وَلَا يكون إلاَّ يقظة مَعَ كَلَام يرفع بِهِ صَوته عِنْد انتباهه وتمطيه، وَقيل: الأنين عِنْد التمطي بأثر الانتباه، وَعَن ثَعْلَب: اخْتلف النَّاس فِي تعار، فَقَالَ قوم: انتبه، وَقَالَ قوم: تكلم، وَقَالَ قوم: علم، وَقَالَ بَعضهم: تمطى وَأَن.
4511 - حدَّثنا صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ قَالَ أخبرنَا الوَلِيدُ عنِ الأوزَاعِيِّ قَالَ حدَّثني عُمَيْرُ بنُ هانِىءٍ قَالَ حدَّثني جُنَادةُ بنُ أبِي أُمَيَّةَ قَالَ حدَّثني عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ منْ تعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ لَا إِلَه إلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ الحَمْدُ لله وسُبْحَانَ الله وَلاَ إلاهَ إلاَّ الله وَالله أكْبَرُ ولاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِالله ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فإنْ تَوَضَّأ قُبِلَتْ صَلاَتُهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَنَّهَا جُزْء مِنْهُ. فَإِن قلت: لَيْسَ فِي الحَدِيث إِلَّا الْقبُول، والترجمة فِي فضل الصَّلَاة قلت: إِذا قبلت يثبت(7/212)
لَهَا الْفضل.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: صَدَقَة بن الْفضل أَبُو الْفضل الْمروزِي، مر فِي كتاب الْعلم. الثَّانِي: الْوَلِيد بن مُسلم أَبُو الْعَبَّاس الْقرشِي الدِّمَشْقِي، مر فِي الصَّلَاة. الثَّالِث: عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ. الرَّابِع: عُمَيْر، بِالتَّصْغِيرِ، ابْن هانىء، بالنُّون بَين الْألف والهمزة: الدِّمَشْقِي الْعَبْسِي، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَليّ بن حجر، قَالَ: حَدثنَا مسلمة بن عَمْرو، قَالَ: كَانَ عُمَيْر بن هانىء يُصَلِّي كل يَوْم ألف سَجْدَة، ويسبح كل يَوْم مئة ألف تَسْبِيحَة، قتل سنة سبع وَعشْرين وَمِائَة. الْخَامِس: جُنَادَة، بِضَم الْجِيم وَتَخْفِيف النُّون: ابْن أبي أُميَّة الْأَزْدِيّ ثمَّ الزهْرَانِي، وَيُقَال: الدوسي، أَبُو عبد الله الشَّامي، وَاسم أبي أُميَّة: كثير، وَقَالَ خَليفَة: إسمه مَالك، لَهُ ولأبيه صُحْبَة، وَيُقَال: لَا صُحْبَة لَهُ، وَقَالَ الْعجلِيّ: شَامي تَابِعِيّ ثِقَة من كبار التَّابِعين، سكن الْأُرْدُن. قَالَ الْوَاقِدِيّ: مَاتَ سنة ثَمَانِينَ، وَكَذَا قَالَ خَليفَة. السَّادِس: عبَادَة بن الصَّامِت، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رِجَاله كلهم شَامِيُّونَ، غير أَن شَيْخه مروزي. وَفِيه: رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ على قَول من يَقُول بِصُحْبَة جُنَادَة. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ على قَول من يَقُول: لَا صُحْبَة لجنادة. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم الدِّمَشْقِي. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن مُحَمَّد بن مصفى. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الدَّعْوَات عَن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن أبي رزمة. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الدُّعَاء عَن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير) روى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِيهِ: إِنَّه (خير مَا قلت أَنا والنبيون من قبلي) وروى عَنهُ أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ: (من قَالَ ذَلِك فِي يَوْم مائَة مرّة كَانَت لَهُ عدل عشر رِقَاب، وكتبت لَهُ مائَة حَسَنَة، ومحيت عَنهُ مائَة سَيِّئَة، وَكَانَت لَهُ حرْزا من الشَّيْطَان يَوْمه ذَلِك حَتَّى يُمْسِي وَلم يَأْتِ أحد بِأَفْضَل مِمَّا جَاءَ إلاَّ أحد عمل أَكثر من عمله ذَلِك) . قَوْله: (الْحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسُبْحَان الله) زَاد فِي رِوَايَة كَرِيمَة: (وَلَا إِلَه إِلَّا الله) ، وَكَذَا عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَلم تخْتَلف الرِّوَايَات فِي البُخَارِيّ على تَقْدِيم الْحَمد على التَّسْبِيح، وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ على الْعَكْس، وَالظَّاهِر أَنه من تصرف الروَاة. وَأخرج مَالك عَن سعيد بن الْمسيب أَنه قَالَ: (الْبَاقِيَات الصَّالِحَات) ، قَول العَبْد ذَلِك بِزِيَادَة: (لَا إِلَه إِلَّا الله) وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس: (هن) : (سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر) جعلهَا أَرْبعا. قَوْله: (ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر لي أَو دَعَا) كَذَا فِيهِ بِالشَّكِّ، وَيحْتَمل أَن تكون كلمة: أَو، للتنويع، وَلَكِن يعضد الْوَجْه الأول مَا عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ بِلَفْظ: (ثمَّ قَالَ: رب اغْفِر لي غفر لَهُ، أَو قَالَ: فَدَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ) ، شكّ الْوَلِيد بن مُسلم. قَوْله: (اسْتُجِيبَ لَهُ) كَذَا فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ بِزِيَادَة: لَهُ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة غَيره لفظ: لَهُ. قَوْله: (فَإِن تَوَضَّأ قبل صلَاته تَقْدِيره فَإِن تَوَضَّأ وَصلى قبلت صلَاته، وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر وَأبي الْوَقْت: (فَإِن تَوَضَّأ وَصلى) ، وَكَذَا عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَزَاد فِي أَوله: (فَإِن هُوَ عزم فَقُمْ فَتَوَضَّأ وَصلى) ، وَقَالَ ابْن بطال: وعد الله تَعَالَى على لِسَان نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن من اسْتَيْقَظَ من نَومه لهجا لِسَانه بتوحيد الله والإذعان لَهُ بِالْملكِ وَالِاعْتِرَاف بنعمته يحمده عَلَيْهَا وينزهه عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ بتسبيحه والخضوع لَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيم لَهُ بِالْعَجزِ عَن الْقُدْرَة إِلَّا بعونه أَنه إِذا دَعَاهُ أَجَابَهُ، وَإِذا صلى قبلت صلَاته، فَيَنْبَغِي لمن بلغه هَذَا الحَدِيث أَن يغتنم بِهِ الْعَمَل ويخلص نِيَّته لرَبه تَعَالَى.
5511 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبرنِي الهَيْثَمُ ابنُ أبي سِنَانٍ أَنه سَمِعَ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ وَهْوَ يَقُصُّ فِي قَصَصِهِ وَهْوَ يَذْكُرُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ أخَا لَكُمْ لاَ يَقُولُ الرَّفَثَ يَعْنِي بِذالِكَ عَبْدَ الله بنَ رَوَاحَةَ
(وَفِينَا رَسُولُ الله يَتْلُو كِتَابَهُ ... إذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الفَجْرِ ساطِعٌ)
(أرَانَا الهُداي بَعْدَ العَماى فَقُلُوبُنَا ... بِهِ مُوقِنَاتٌ أنَّ مَا قَالَ واقعُ)
(يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عنْ فِرَاشِهِ ... إذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالمُشْرِكِينَ المَضَاجِعُ)
(الحَدِيث 5511 طرفه فِي: 1516) .(7/213)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله:
((يبيت يُجَافِي جنبه عَن فرَاشه))
لِأَن مجافاة جنبه عَن الْفراش وَهُوَ إبعاده عَنهُ بِسَبَب التعار، وَكَانَ ذَلِك إِمَّا للصَّلَاة وَإِمَّا للذّكر وَقِرَاءَة الْقُرْآن.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: يحيى بن بكير هُوَ يحيى ابْن عبد الله بن بكير أَبُو زَكَرِيَّا. الثَّانِي: اللَّيْث بن سعد. الثَّالِث: يُونُس بن يزِيد. الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. الْخَامِس: الْهَيْثَم، بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفِي آخِره مِيم: ابْن أبي سِنَان، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وبالنونين بَينهمَا ألف. السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: السماع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن يحيى وَاللَّيْث مصريان وَيُونُس أيلي وَابْن شهَاب والهيثم مدنيان. وَفِيه: أَن شَيْخه مَذْكُور بنسبته إِلَى جده. وَفِيه: أَن الْهَيْثَم من أَفْرَاده. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن اصبغ بن الْفرج.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (وَهُوَ يقص) ، جملَة إسمية وَقعت حَالا، أَي: الْهَيْثَم سمع أَبَا هُرَيْرَة حَال كَونه يقص، من قصّ يقص قصا وقصصا، بِفَتْح الْقَاف، والقص فِي اللُّغَة: الْبَيَان، والقاص هُوَ الَّذِي يذكر الْأَخْبَار والحكايات. قَوْله: (فِي قصصه) ، بِكَسْر الْقَاف جمع: قصَّة، وَيجوز الْفَتْح، وَالْمعْنَى: سمع الْهَيْثَم أَبَا هُرَيْرَة وَهُوَ يقص فِي جملَة قصصه أَي: مواعظه، الَّتِي كَانَ يذكر بهَا أَصْحَابه، وَيتَعَلَّق الْجَار وَالْمَجْرُور بقوله: (سمع) . قَوْله: (وَهُوَ يذكر) ، جملَة حَالية أَيْضا أَي: وَالْحَال أَن أَبَا هُرَيْرَة يذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (إِن أَخا لكم) الْقَائِل لهَذَا هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْمعْنَى: أَن الْهَيْثَم سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول وَهُوَ يعظ، وانجر كَلَامه إِلَى أَن ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر مَا قَالَه من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن أَخا لكم لَا يَقُول الرَّفَث) ، أَي: الْبَاطِل من القَوْل وَالْفُحْش، إِنَّمَا قَالَ ذَلِك حِين أنْشد عبد الرَّحْمَن بن رَوَاحَة الإبيات الْمَذْكُورَة، فَدلَّ ذَلِك أَن حسن الشّعْر مَحْمُود كحسن الْكَلَام، فَظهر من ذَلِك أَن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لِأَن يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا حَتَّى يرِيه خير لَهُ من أَن يمتلىء شعرًا) إِنَّمَا يُرَاد بِهِ الشّعْر الَّذِي فِيهِ الْبَاطِل والهجو من القَوْل لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد نفى عَن ابْن رَوَاحَة بقوله هَذِه الأبيات قَول الرَّفَث، فَإِذا لم يكن من الرَّفَث فَهُوَ فِي حيّز الْحق، وَالْحق مَرْغُوب فِيهِ مأجور عَلَيْهِ صَاحبه، وَقَالَ بَعضهم لَيْسَ فِي سِيَاق الحَدِيث مَا يشْعر بِأَن ذَلِك من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بل هُوَ ظَاهر أَنه كَلَام أبي هُرَيْرَة قلت: الَّذِي يسْتَخْرج المُرَاد من معنى التَّرْكِيب على وفْق مَا يَقْتَضِيهِ من حَيْثُ الْإِعْرَاب يعلم أَن الْقَائِل هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبُو هُرَيْرَة ناقل لَهُ، وَأَنه مدح من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِابْنِ رَوَاحَة، وَبَيَان: أَن من الشّعْر مَا هُوَ حسن وَإِن كل الشّعْر لَيْسَ بمذموم. قَوْله: (يَعْنِي بذلك) يَعْنِي: يُرِيد بقوله: (إِن أَخا لكم عبد الله ابْن رَوَاحَة) ، وَقَائِل هَذَا التَّفْسِير يحْتَمل أَن يكون الْهَيْثَم، وَيحْتَمل أَن يكون الزُّهْرِيّ، وَالْأول أوجه، وَعبد الله بن رَوَاحَة، بِفَتْح الرَّاء وَتَخْفِيف الْوَاو وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة: ابْن ثَعْلَبَة بن امرىء الْقَيْس بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ الخزرجي، من بني الْحَارِث، يكنى أَبَا مُحَمَّد، وَيُقَال: أَبَا رَوَاحَة، وَيُقَال: أَبَا عَمْرو، وَكَانَ بَقِيَّة بني الْحَارِث من الْخَزْرَج، شهد بَدْرًا وأحدا وَسَائِر الْمشَاهد مَعَ رَسُول لله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ الْفَتْح وَمَا بعده لِأَنَّهُ قتل قبله، وَهُوَ أحد الْأُمَرَاء فِي غَزْوَة مُؤْتَة، وَكَانَ سنة ثَمَان من الْهِجْرَة، وَاسْتشْهدَ فِيهَا. قَوْله: (وَفينَا رَسُول الله. .) إِلَى آخِره، بَيَان لما قَالَه عبد الله بن رَوَاحَة، وَالْمَذْكُور هُنَا ثَلَاثَة أَبْيَات، وَهِي من الطَّوِيل، وأجزاؤه ثَمَانِيَة: وَهِي: فعولن مفاعيلن. . إِلَى آخِره. (وَفينَا) أَي: بَيْننَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (يَتْلُو كِتَابه) أَرَادَ بِهِ الْقُرْآن، وَالْجُمْلَة حَالية. قَوْله: (إِذا انْشَقَّ) ، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي الْوَقْت: (كَمَا انْشَقَّ) . قَوْله: (مَعْرُوف) فَاعل (انْشَقَّ) . قَوْله: (سَاطِع) صفة: لمعروف (وَمن الْفجْر) بَيَان لَهُ، وَهُوَ من سَطَعَ الصُّبْح إِذا ارْتَفع، وَكَذَا سطعت الرَّائِحَة وَالْغُبَار، وَأَرَادَ بِهِ أَنه يَتْلُو كتاب الله وَقت انْشِقَاق الْوَقْت الساطع من الْفجْر. قَوْله: (الْهدى) مفعول ثَان. (لأرانا) . قَوْله: (بعد الْعَمى) ، أَي: بعد الضَّلَالَة، وَلَفظ الْعَمى مستعار مِنْهَا. قَوْله: (بِهِ) أَي: بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (يُجَافِي) أَي: يباعد، وَهِي جملَة حَالية، ومجافاته جنبه عَن الْفراش كِنَايَة عَن صلَاته بِاللَّيْلِ. قَوْله: (إِذا استثقلت) أَي: حِين استثقلت بالمشركين (الْمضَاجِع) جمع مَضْجَع، وَكَأَنَّهُ لمح بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع يدعونَ رَبهم خوفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ} (السَّجْدَة: 61) . قَوْله: (تَتَجَافَى) (السَّجْدَة: 61) . أَي: ترْتَفع وتتنحى {عَن الْمضَاجِع} (السَّجْدَة: 61) . عَن الْفرش ومواضع النّوم {يدعونَ رَبهم} (السَّجْدَة: 61) . أَي: داعين رَبهم عابدين لَهُ لأجل خوفهم من سخطه(7/214)
وطمعهم فِي رَحمته. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: {تَتَجَافَى جنُوبهم} (السَّجْدَة: 61) . لذكر الله كلما استيقظوا ذكرُوا الله إِمَّا فِي الصَّلَاة وَإِمَّا فِي قيام أَو قعُود وعَلى جنُوبهم فهم لَا يزالون يذكرُونَ الله، وَعَن مَالك بن دِينَار: سَأَلت أنسا عَن قَوْله تَعَالَى: {تَتَجَافَى جنُوبهم} (السَّجْدَة:) . فَقَالَ أنس: كَانَ أنَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصلونَ من صَلَاة الْمغرب إِلَى صَلَاة الْعشَاء الْآخِرَة، فَأنْزل الله تَعَالَى {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} (السَّجْدَة: 61) . وَعَن أبي الدَّرْدَاء وَالضَّحَّاك أَنَّهَا صَلَاة الْعشَاء وَالصُّبْح فِي جمَاعَة. قَوْله: {يُنْفقُونَ} (السَّجْدَة: 61) . أَي: يتصدقون، وَقيل: يزكون.
تابَعَهُ عُقَيْلٌ
أَي: تَابع يُونُس عقيل، بِضَم الْعين: ابْن خَالِد الْأَيْلِي، وَفِي رِوَايَة ابْن شهَاب: عَن الْهَيْثَم، وَرِوَايَة عقيل هَذِه أخرجهَا الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من طَرِيق سَلامَة بن روح عَن عَمه عقيل بن خَالِد عَن ابْن شهَاب، فَذكر مثل رِوَايَة يُونُس.
وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ أَخْبرنِي الزُّهْرِيُّ عنْ سَعِيدٍ وَالأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
الزبيدِيّ، بِضَم الزَّاي وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الدَّال الْمُهْملَة: هُوَ مُحَمَّد بن الْوَلِيد الْحِمصِي. وَالزهْرِيّ: هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم. وَسَعِيد هُوَ ابْن الْمسيب. والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
وَأَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذَا إِلَى أَن فِي الْإِسْنَاد الْمَذْكُور اخْتِلَافا عَن الزُّهْرِيّ فَإِن يُونُس وعقيلاً اتفقَا على أَن شيخ الزُّهْرِيّ فِيهِ هُوَ الْهَيْثَم ابْن أبي سِنَان وَخَالَفَهُمَا الزبيدِيّ حَيْثُ جعل شيخ الزُّهْرِيّ فِيهِ سعيد بن الْمسيب وَعبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز، فَالطَّرِيقَانِ صَحِيحَانِ، لِأَن كلهم حفاظ ثِقَات، وَلَكِن الطَّرِيق الأول أرجح لمتابعة عقيل ليونس، بِخِلَاف طَرِيق الزبيدِيّ.
قَوْله: (وَقَالَ الزبيدِيّ) مُعَلّق، وَصله البُخَارِيّ فِي (التَّارِيخ الصَّغِير) وَالطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) أَيْضا من طَرِيق عبد الله بن سَالم الْحِمصِي عَنهُ، وَلَفظه (أَن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ يَقُول فِي قصصه: إِن أَخَاكُم كَانَ يَقُول شعرًا لَيْسَ بالرفث، وَهُوَ عبد الله بن رَوَاحَة. .) فَذكر الأبيات، قَالَ بَعضهم: هُوَ يبين أَن قَوْله فِي الرِّوَايَة الأولى من كَلَام أبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا بِخِلَاف مَا جزم بِهِ ابْن بطال. قلت: يحْتَمل أَن أَبَا هُرَيْرَة لما كَانَ فِي أثْنَاء وعظه أجْرى ذكر مَا قَالَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مدح عبد الله بن رَوَاحَة، وَلكنه طوى إِسْنَاده إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَثِيرًا مَا كَانَت الصَّحَابَة يَفْعَلُونَ هَكَذَا، فَمثل هَذَا، وَإِن كَانَ مَوْقُوفا فِي الصُّورَة، فَفِي الْحَقِيقَة هُوَ مَوْصُول.
6511 - حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا حَمادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ نَافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ رَأيْتُ عَلَى عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كأنَّ بِيَدِي قِطْعَةَ إسْتَبْرَقٍ فكأنِّي لَا أرِيدِ مَكانا مِنَ الجَنَّةِ إلاَّ طارَتْ إلَيْهِ وَرَأيْتُ كأنَّ اثنَيْنِ أتَيَانِي أرَادَا أنْ يَذْهَبَا بِي إلَى النَّارَ فتَلَقَّاهُمَا مَلَكٌ فقالَ لَمْ تُرَعْ خَلِّيَا عَنْهُ. فقَصَّتْ حَفْصَةُ عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إحْدَى رُؤْيَايَ فَقالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ الله لَوْ كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ. وكانُ عبد الله رَضِي الله عَنهُ يُصَلِّي من اللَّيْل لاَ يَزَالُونَ يَقُصُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرُّؤيَا أنَّهَا فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ فَقالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرَى رُؤيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَتْ فِي العَشْرِ الأوَاخِرِ فَمَنْ كانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَكَانَ عبد الله يُصَلِّي من اللَّيْل) ، وَكَانَت صلَاته غَالِبا بعد أَن تعار من اللَّيْل، فَهَذَا عين التَّرْجَمَة.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّعْبِير عَن مُعلى بن أَسد عَن وهيب. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن خلف بن هِشَام وَأبي الرّبيع الزهْرَانِي وَأبي كَامِل الجحدري، ثَلَاثَتهمْ عَن حَمَّاد، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن أَحْمد بن منيع عَن إِسْمَاعِيل بن علية. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الرُّؤْيَا عَن مُحَمَّد بن يحيى عَن أَحْمد بن عبد الله وَعَن الْحَارِث بن عُمَيْر، أربعتهم عَنهُ بِهِ.(7/215)
قَوْله: (استبرق) ، بِفَتْح الْهمزَة، وَهُوَ الديباج الغليظ فَارسي مُعرب. قَوْله: (طارت إِلَيْهِ) وَفِي التَّعْبِير بِلَفْظ: (إلاَّ طارت بِي إِلَيْهِ) ، قَوْله: (كَأَن اثْنَيْنِ) ، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح النُّون، ويروى: (كَأَن آتيين) على صِيغَة اسْم الْفَاعِل للتثنية من الْإِتْيَان. قَوْله: (يذهبا بِي) من الإذهاب من بَاب الإفعال، ويروى من الذّهاب مُتَعَدٍّ بِحرف الْجَرّ، وَالْفرق بَينهمَا أَنه لَا بُد فِي الثَّانِي من المصاحبة. قَوْله: (لم ترع) مَجْهُول مضارع الروع، أَي: لَا يكون بك خوف. قَوْله: (رُؤْيَايَ) اسْم جنس مُضَاف إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم، ويروى مثنى مُضَاف إِلَيْهِ مدغم. قَوْله: (فَكَانَ عبد الله يُصَلِّي من اللَّيْل) كَلَام نَافِع. قَوْله: (وَكَانُوا) ، أَي: الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قَوْله: (إِنَّهَا) أَي: لَيْلَة الْقدر. قَوْله: (قد تواطت) هَكَذَا فِي جَمِيع النّسخ، وَأَصله مَهْمُوز أَي: تواطأت، على وزن: تفاعلت، لكنه سهل، وَفِي أصل الدمياطي: تواطأت، بِالْهَمْز وَمَعْنَاهُ: توافقت. قَوْله: (فليتحرها فِي الْعشْر الْأَوَاخِر) ، هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: (من الْعشْر الْأَوَاخِر) .
22 - (بابُ المُدَاوَمَةِ فِي رَكْعَتَيْ الفَجْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان المداومة فِي رَكْعَتي صَلَاة الْفجْر سفرا وحضرا.
9511 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يَزِيدَ قَالَ حدَّثنا سَعِيدٌ ابنُ أبِي أيُّوبَ قَالَ حدَّثني جَعْفَرُ بنُ رَبِيعَةَ عنْ عِرَاكِ بنِ مالِكٍ عنْ أبِي سَلَمَةَ عنْ عَائِشةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ صَلَّى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العِشَاءُ ثُمَّ صَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ وَرَكْعَتَيْنِ جالِسا ورَكْعَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءَيْنِ ولَمْ يَكُنْ يَدَعْهُمَا أبَدا.
(أنظر الحَدِيث 911) .
مطابقته فِي قَوْله: (وَلم يكن يدعهما أبدا) . فَافْهَم.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: عبد الله بن يزِيد، من الزِّيَادَة، أَبُو عبد الرَّحْمَن، مر فِي: بَاب بَين كل أذانين صَلَاة. الثَّانِي: سعيد بن أبي أَيُّوب، وَاسم أبي أَيُّوب مِقْلَاص، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْقَاف وبالصاد الْمُهْملَة: مَاتَ سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَة. الثَّالِث: جَعْفَر بن ربيعَة بن شُرَحْبِيل الْقرشِي، مَاتَ سنة خمس أَو سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة. الرَّابِع: عرَاك، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء وبالكاف: ابْن مَالك، مر فِي: بَاب الصَّلَاة على الْفراش. الْخَامِس: أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن. السَّادِس: أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه من نَاحيَة الْبَصْرَة سكن مَكَّة وَسَعِيد مصري وجعفر من أهل مصر وعراك وَأَبُو سَلمَة مدنيان. قَوْله: (عَن عرَاك بن مَالك عَن أبي سَلمَة) خَالفه اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب فَرَوَاهُ عَن جَعْفَر بن ربيعَة عَن أبي سَلمَة لم يذكر بَينهمَا أحدا، أخرجه أَحْمد وَالنَّسَائِيّ، وَكَأن جعفرا أَخذه عَن أبي سَلمَة بِوَاسِطَة ثمَّ حمله عَنهُ وليزيد شيخ البُخَارِيّ إِسْنَاد آخر فِيهِ، رَوَاهُ عَن عرَاك بن مَالك عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة أخرجه مُسلم، فَكَانَ لعراك فِيهِ شَيْخَانِ، وَالَّذِي رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق عرَاك، فَقَالَ: حَدثنِي قُتَيْبَة بن سعيد، قَالَ: حَدثنَا لَيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن عرَاك (عَن عُرْوَة أَن عَائِشَة أخْبرته أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي ثَلَاث عشرَة رَكْعَة بركعتي الْفجْر) .
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن نصر بن الْجَهْضَمِي، وجعفر بن مُسَافر التنيسِي كِلَاهُمَا عَن أبي عبد الرَّحْمَن المقرى بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد الْمقري عَن أَبِيه بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ثمَّ صلى) ، هَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: (وَصلى) ، بواو الْعَطف. قَوْله: (ثَمَان رَكْعَات) ، بِفَتْح النُّون وَهُوَ شَاذ وَفِي أَكثر النّسخ: (ثَمَانِي رَكْعَات) على الأَصْل. قَوْله: (جَالِسا) ، نصب على الْحَال. قَوْله: (بَين النداءين) أَي: الْأَذَان للصبح وَالْإِقَامَة، وَفِي رِوَايَة اللَّيْث: (ثمَّ يُمْهل حَتَّى يُؤذن بِالْأولَى من الصُّبْح فيركع رَكْعَتَيْنِ) ، وَلمُسلم من رِوَايَة يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة (يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خفيفتين بَين النداء وَالْإِقَامَة من صَلَاة الصُّبْح) . قَوْله: (وَلم يكن يدعهما) ، أَي: لم يكن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتْرك رَكْعَتي الصُّبْح اللَّتَيْنِ بَين النداءين، قَوْله: (أبدا) أَي: دَائِما. قيل: انتصابه على الظَّرْفِيَّة بِمَعْنى: دهرا، وَقيل: هُوَ مَوْضُوع على النصب كَمَا فِي طرا وقاطبة.(7/216)
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: تَأْكِيد رَكْعَتي الْفجْر وأنهما من أشرف التَّطَوُّع لمواظبته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَلَيْهِمَا وملازمته لَهما، وَعند الْمَالِكِيَّة خلاف: هَل هِيَ سنة أَو من الرغائب؟ فَالصَّحِيح عِنْدهم أَنَّهَا سنة، وَهُوَ قَول جمَاعَة من الْعلمَاء، وَذهب الْحسن الْبَصْرِيّ إِلَى وُجُوبهَا وَهُوَ شَاذ لَا أصل لَهُ، نَقله صَاحب (التَّوْضِيح) فَإِن قلت: الَّذِي ذكرته يدل على الْوُجُوب كَمَا قَالَه الْحسن، وَلِهَذَا ذكر المرغيناني عَن أبي حنيفَة أَنَّهَا وَاجِبَة. وَفِي (جَامع المحبوبي) : روى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ: لَو صلى سنة الْفجْر قَاعِدا بِلَا عذر لَا يجوز؟ قلت: إِنَّمَا لم يقل بِوُجُوبِهَا لِأَنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سَاقهَا مَعَ سَائِر السّنَن فِي حَدِيث المثابرة، هَكَذَا قَالَ أَصْحَابنَا: وَلَيْسَ فِيهِ مَا يشفي العليل، وَقد روى أَحَادِيث كَثِيرَة فِي رَكْعَتي الْفجْر مِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا تدعوا رَكْعَتي الفحر وَلَو طردتكم الْخَيل) أَي: الفرسان، وَهَذَا كِنَايَة عَن الْمُبَالغَة وحث عَظِيم على مواظبتهما، وَبِه اسْتدلَّ أَصْحَابنَا أَن الرجل إِذا انْتهى إِلَى الإِمَام فِي صَلَاة الْفجْر وَهُوَ لم يصل رَكْعَتي الْفجْر إِن خشِي أَن تفوته رَكْعَة وَيدْرك الْأُخْرَى يُصَلِّي رَكْعَتي الْفجْر عِنْد بَاب الْمَسْجِد ثمَّ يدْخل، وَلَا يتركهما، وَأما إِذا خشِي فَوت الْفَرْض فَحِينَئِذٍ يدْخل مَعَ الإِمَام وَلَا يُصَلِّي. ثمَّ اخْتلف الْعلمَاء فِي الْوَقْت الَّذِي يقضيهما فِيهِ، فأظهر أَقْوَال الشَّافِعِي: يقْضِي مُؤَبَّدًا وَلَو بعد الصُّبْح، وَهُوَ قَول عَطاء وطاووس، وَرِوَايَة عَن ابْن عمر وأبى ذَلِك مَالك وَنَقله عَن ابْن بطال عَن أَكثر الْعلمَاء، وَقَالَت طَائِفَة: يقضيهما بعد طُلُوع الشَّمْس، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عمر وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر، وَرِوَايَة الْبُوَيْطِيّ عَن الشَّافِعِي، وَقَالَ مَالك وَمُحَمّد بن الْحسن: يقضيهما بعد الطُّلُوع إِن أحب. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف: لَا يقضيهما. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث سعيد بن هِشَام (عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رَكعَتَا الْفجْر خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ نَحوه، وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح، وروى مُسلم أَيْضا من حَدِيث سعيد بن هِشَام (عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي شَأْن الرَّكْعَتَيْنِ عِنْد طُلُوع الْفجْر: لَهما أحب من الدُّنْيَا جَمِيعًا) . وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي زِيَاد الْكِنْدِيّ (عَن بِلَال، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه حَدثهُ أَنه أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليؤذنه بِصَلَاة الْغَدَاة) الحَدِيث، وَفِيه: (أَن بِلَالًا قَالَ لَهُ: أَصبَحت جدا، قَالَ: أَصبَحت جدا؟ قَالَ: لَو أَصبَحت أَكثر مِمَّا أَصبَحت لركعتهما وأحسنتهما وأجملتهما) وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث يسَار مولى ابْن عمر عَن ابْن عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا صَلَاة بعد الْفجْر إلاَّ سَجْدَتَيْنِ) ، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: معنى هَذَا الحَدِيث لَا صَلَاة بعد طُلُوع الْفجْر إِلَّا رَكْعَتي الْفجْر. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى، من رِوَايَة مطر الْوراق عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قَالَ: لَا صَلَاة إِذا طلع الْفجْر إلاَّ رَكْعَتَيْنِ) . وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة زيد بن مُحَمَّد عَن نَافِع عَن ابْن عمر (عَن حَفْصَة، قَالَت: كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا طلع الْفجْر لَا يُصَلِّي إلاَّ رَكْعَتَيْنِ خفيفتين) . وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن عدي فِي (الْكَامِل) من رِوَايَة رشيد بن كريب عَن أَبِيه عَن جده (عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمن اللَّيْل فسبحه وإدبار النُّجُوم} (الطّور: 94) . قَالَ: رَكْعَتَيْنِ قبل الْفجْر) . وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ من حَدِيث قيس بن فَهد (رَآهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بعد صَلَاة الْفجْر رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي لم أكن صليت الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قبلهمَا فصليتهما الْآن، فَسكت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِمُتَّصِل، وَأخرجه ابْن أبي خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) وَلَفظه: (مَا هَاتَانِ الركعتان؟ قَالَ: يَا رَسُول الله رَكعَتَا الْفجْر لم أكن أصليهما فهما هَاتَانِ. قَالَ: فَسكت عَنهُ) . وَمِنْهَا: حَدِيث عَائِشَة، وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
32 - (بابُ الضَّجْعَةِ عَلَى الشِّقِّ الأيْمَنِ بَعْدَ رَكْعَتَيِّ الفَجْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الضجعة إِلَى آخِره، والضجعة بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَكسرهَا، وَالْفرق بَينهمَا أَن الْكسر يدل على الْهَيْئَة وَالْفَتْح على الْمرة، من: ضجع يضجع ضجعا وضجوعا، إِذا وضع جنبه بِالْأَرْضِ.
0611 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يَزِيدَ قَالَ حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبِي أيُّوبَ قالَ حدَّثني أبُو الأسْوَدِ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ عنْ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا صلَّى(7/217)
رَكْعَتَيِ الفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأيْمَنِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَشَيْخه وَشَيخ شَيْخه قد ذكرُوا فِي الْبَاب السَّابِق، وَأَبُو الْأسود، ضد الْأَبْيَض: اسْمه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْمَشْهُور بيتيم عُرْوَة مر فِي: بَاب الْجنب يتَوَضَّأ، وَعُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام.
الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب على أَنْوَاع: الأول: أَن هَذَا الحَدِيث يدل على أَن الِاضْطِجَاع بعد رَكْعَتي الْفجْر، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَنْهَا: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى رَكْعَتي الْفجْر، فَإِن كنت مستيقظة حَدثنِي وإلاَّ اضْطجع) . فَهَذَا يدل على أَنه تَارَة يضطجع قبل، وَتارَة بعد، وَتارَة لَا يضطجع. وَحَدِيث ابْن عَبَّاس الَّذِي مضى فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي الْوتر، يدل على أَنه قبلهمَا، لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ: (ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ) ، فَذكره مكررا ثمَّ قَالَ: (ثمَّ أوتر ثمَّ اضْطجع حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذّن فَقَامَ فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ خرج فصلى الصُّبْح) وَهَذَا يُصَرح بِأَن اضطجاعه كَانَ قبل رَكْعَتي الْفجْر، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا أَنه: كَانَ إِذا صلى رَكْعَتي الْفجْر اضْطجع، والتوفيق بَين هَذِه الرِّوَايَات أَن الرِّوَايَة الَّتِي تدل على أَنه قبل رَكْعَتي الْفجْر لَا تَسْتَلْزِم نَفْيه بعدهمَا، وَكَذَلِكَ الرِّوَايَة الَّتِي تدل على أَنه بعدهمَا لَا تَسْتَلْزِم نَفْيه قبلهمَا، أَو يحمل تَركه إِيَّاه قبلهمَا أَو بعدهمَا على بَيَان الْجَوَاز إِذا ثَبت التّرْك، وَإِذا أمكن الْجمع بَين الْأَحَادِيث الْمُخَالف بَعْضهَا بَعْضًا فِي الظَّاهِر تحمل على وَجه التَّوْفِيق بَينهمَا، لِأَن الْعَمَل بِالْكُلِّ مَعَ الْإِمْكَان أولى من إهمال بَعْضهَا.
النَّوْع الثَّانِي: فِي أَن هَذِه الضجعة سنة أَو مُسْتَحبَّة أَو وَاجِبَة أَو غير ذَلِك؟ فَفِيهِ اخْتِلَاف الْعلمَاء من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَمن بعدهمْ على سِتَّة أَقْوَال. أَحدهَا: أَنه سنة، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِي وَأَصْحَابه، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) : وَالصَّحِيح أَو الصَّوَاب أَن الِاضْطِجَاع بعد سنة الْفجْر سنة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (السّنَن) : وَقد أَشَارَ الشَّافِعِي إِلَى أَن الِاضْطِجَاع الْمَنْقُول فِي الْأَحَادِيث للفصل بَين النَّافِلَة وَالْفَرِيضَة، وَسَوَاء كَانَ ذَلِك الْفَصْل بالاضطجاع أَو التحدث أَو التَّحَوُّل من ذَلِك الْمَكَان إِلَى غَيره أَو غَيره، والاضطجاع غير مُتَعَيّن فِي ذَلِك. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي (شرح الْمُهَذّب) : الْمُخْتَار الِاضْطِجَاع. القَوْل الثَّانِي: أَنه مُسْتَحبّ، وروى ذَلِك عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة، وهم: أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَرَافِع بن خديج وَأنس بن مَالك وَأَبُو هُرَيْرَة، وَإِلَيْهِ ذهب جمَاعَة من التَّابِعين، وهم: مُحَمَّد بن سِيرِين وَعُرْوَة وَسَعِيد بن الْمسيب وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَعُرْوَة بن الزبير وَأَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن وخارجة بن زيد بن ثَابت وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة وَسليمَان بن يسَار، وَكَانُوا يضطجعون على أَيْمَانهم بَين رَكْعَتي الْفجْر وَصَلَاة الصُّبْح. القَوْل الثَّالِث: أَنه وَاجِب، مفترض لَا بُد من الْإِتْيَان بِهِ، وَهُوَ قَول أبي مُحَمَّد بن حزم، فَقَالَ: وَمن ركع رَكْعَتي الْفجْر لم تجزه صَلَاة الصُّبْح إلاَّ بِأَن يضطجع على جنبه الْأَيْمن بَين سَلَامه من رَكْعَتي الْفجْر وَبَين تكبيره لصَلَاة الصُّبْح، وَسَوَاء ترك الضجعة عمدا أَو نِسْيَانا، وَسَوَاء صلاهَا فِي وَقتهَا أَو صلاهَا قَاضِيا لَهَا من نِسْيَان أَو نوم، وَإِن لم يصل رَكْعَتي الْفجْر لم يلْزمه أَن يضطجع، وَاسْتدلَّ فِيهِ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُسَدّد وَأَبُو كَامِل وَعبيد الله بن عَمْرو بن ميسرَة، قَالُوا: حَدثنَا عبد الْوَاحِد حَدثنَا الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا صلى أحدكُم الرَّكْعَتَيْنِ قبل الصُّبْح فليضطجع على يَمِينه. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب، وروى ابْن مَاجَه من حَدِيث سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه (عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى رَكْعَتي الْفجْر اضْطجع) ، فَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد يخبر عَن أمره، وَمَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه يخبر عَن فعله، وَأَجَابُوا عَن هَذَا بأجوبة. الأول: أَن عبد الْوَاحِد الرَّاوِي عَن الْأَعْمَش قد تكلم فِيهِ، فَعَن يحيى: أَنه لَيْسَ بِشَيْء، وَعَن عَمْرو بن عَليّ الفلاس: سَمِعت أَبَا دَاوُد قَالَ: عمد عبد الْوَاحِد إِلَى أَحَادِيث كَانَ يرسلها الْأَعْمَش فوصلها، يَقُول: حَدثنَا الْأَعْمَش حَدثنَا مُجَاهِد فِي كَذَا وَكَذَا. الثَّانِي: أَن الْأَعْمَش قد عنعن وَهُوَ مُدَلّس. الثَّالِث: أَنه لما بلغ ذَلِك ابْن عمر قَالَ: أَكثر أَبُو هُرَيْرَة على نَفسه حَتَّى حدث بِهَذَا الحَدِيث. الرَّابِع: أَن الْأَئِمَّة حملُوا الْأَمر الْوَارِد فِيهِ على الِاسْتِحْبَاب، وَقيل فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة: إِنَّه مَعْلُول لم يسمعهُ أَبُو صَالح عَن أبي هُرَيْرَة، وَبَين الْأَعْمَش وَبَين أبي صَالح كَلَام، وَنسب هَذَا القَوْل إِلَى ابْن الْعَرَبِيّ، وَقَالَ الْأَثْرَم: سَمِعت أَحْمد يسْأَل عَن الِاضْطِجَاع؟ قَالَ: مَا أَفعلهُ أَنا. قلت: فَإِن فعله رجل ثمَّ سكت كَأَنَّهُ لم يعبه إِن فعله، قيل لَهُ: لِمَ لَا تَأْخُذ بِهِ؟ قَالَ: لَيْسَ فِيهِ حَدِيث يثبت. قلت: لَهُ حَدِيث الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: رَوَاهُ بَعضهم مُرْسلا. فَإِن قلت: عبد الْوَاحِد بن زِيَاد(7/218)
احْتج بِهِ الْأَئِمَّة السِّتَّة وَوَثَّقَهُ أَحْمد وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم وَمُحَمّد بن سعد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان؟ قلت: سلمنَا ذَلِك، وَلَكِن الْأَجْوِبَة الْبَاقِيَة تَكْفِي لدفع الْوُجُوب بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة. القَوْل الرَّابِع: أَنه بِدعَة، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ من الصَّحَابَة: عبد الله بن مَسْعُود وَابْن عمر على اخْتِلَاف عَنهُ، فروى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) من رِوَايَة إِبْرَاهِيم قَالَ: قَالَ عبد الله: مَا بَال الرجل إِذا صلى الرَّكْعَتَيْنِ يتمعك كَمَا تتمعك الدَّابَّة وَالْحمار، إِذا سلم فقد فصل، وروى أَيْضا ابْن أبي شيبَة من رِوَايَة مُجَاهِد، قَالَ: صَحِبت ابْن عمر فِي السّفر والحضر فَمَا رَأَيْته اضْطجع بعد الرَّكْعَتَيْنِ: وَمن رِوَايَة سعيد بن الْمسيب قَالَ: رأى ابْن عمر رجلا يضطجع بَين الرَّكْعَتَيْنِ، فَقَالَ: أحصبوه، وَمن رِوَايَة أبي مجلز، قَالَ: سَأَلت ابْن عمر عَن ضجعة الرجل على يَمِينه بعد الرَّكْعَتَيْنِ قبل صَلَاة الْفجْر؟ قَالَ: يتلعب بكم الشَّيْطَان، وَمن رِوَايَة زيد الْعمي عَن أبي الصّديق النَّاجِي، قَالَ: رأى ابْن عمر قوما اضطجعوا بعد رَكْعَتي الْفجْر، فَأرْسل إِلَيْهِم فنهاهم، فَقَالُوا: نُرِيد بذلك السّنة، فَقَالَ ابْن عمر: إرجع إِلَيْهِم فَأخْبرهُم أَنَّهَا بِدعَة. وَمِمَّنْ كره ذَلِك من التَّابِعين: الْأسود بن زيد وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: وَقَالَ: هِيَ ضجعة الشَّيْطَان، وَسَعِيد بن الْمسيب وَسَعِيد بن جُبَير، وَمن الْأَئِمَّة: مَالك ابْن أنس وَحَكَاهُ القَاضِي عِيَاض عَنهُ وَعَن جُمْهُور الْعلمَاء. القَوْل الْخَامِس: إِنَّه خلاف الأولى، روى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : عَن الْحسن أَنه كَانَ لَا يُعجبهُ الِاضْطِجَاع بعد رَكْعَتي الْفجْر. القَوْل السَّادِس: أَنه لَيْسَ مَقْصُودا لذاته، وَإِنَّمَا الْمَقْصُود الْفَصْل بَين رَكْعَتي الْفجْر وَبَين الْفَرِيضَة إِمَّا باضطجاع أَو حَدِيث أَو غير ذَلِك، وَهُوَ محكي عَن الشَّافِعِي كَمَا ذكرنَا.
النَّوْع الثَّالِث: أَنه على قَول من يرَاهُ مُسْتَحبا أَو سنة أَن يكون على يَمِينه لوُرُود الحَدِيث بِهِ، كَذَلِك، وَهل تحصل سنة الِاضْطِجَاع بِكَوْنِهِ على شقَّه الإيسر، أما مَعَ الْقُدْرَة على ذَلِك فَالظَّاهِر أَنه لَا تحصل بِهِ السّنة لعدم مُوَافَقَته لِلْأَمْرِ، وَأما إِذا كَانَ بِهِ ضَرَر فِي الشق الْأَيْمن لَا يُمكن مَعَه الِاضْطِجَاع أَو يُمكن لَكِن مَعَ مشقة، فَهَل يضطجع على الْيَسَار إو يُشِير إِلَى الِاضْطِجَاع على الْجَانِب الْأَيْمن لعَجزه عَن كَمَاله كَمَا يفعل من عجز عَن الرُّكُوع وَالسُّجُود فِي الصَّلَاة؟ قَالَ شَيخنَا زين الدّين: لم أر لِأَصْحَابِنَا فِيهِ نصا وَجزم ابْن حزم بِأَنَّهُ يُشِير إِلَى الِاضْطِجَاع على الْجَانِب الْأَيْمن وَلَا يضطجع على الْأَيْسَر.
النَّوْع الرَّابِع: فِي الْحِكْمَة على الْجَانِب الْأَيْمن، وَهِي أَن الْقلب فِي جِهَة الْيَسَار، فَإِذا نَام على الْيَسَار استغرق فِي النّوم لاستراحته بذلك، وَإِذا نَام على جِهَة الْيَمين تعلق فِي نَومه فَلَا يسْتَغْرق.
42 - (بابُ مَنْ تَحَدَّثَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ ولَمْ يَضْطَجِعْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من تحدث بعد رَكْعَتي الْفجْر، وَالْحَال أَنه لم يضطجع، وَأَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذَا إِلَى أَن الاضطجاح لم يكن إلاَّ للفصل بَين رَكْعَتي الْفجْر وَبَين الْفَرِيضَة، وَأَن الْفَصْل أعمل من أَن يكون بالاضطجاع أَو بِالْحَدِيثِ أَو بالتحول من مَكَانَهُ.
1611 - حدَّثنا بِشْرُ بنُ الحَكَمِ قَالَ حدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حدَّثني سالِمٌ أبُو النَّضْرِ عنْ أبِي سَلَمَةَ عنْ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ إذَا صلَّى فإنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حدَّثَنِي وَإلاَّ اضْطَجَعَ حَتَّى يُؤْذَنَ بِالصَّلاَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا صلى رَكْعَتي الفحر، وَكَانَت عَائِشَة مستيقظة كَانَ يتحدث مَعهَا، وَلَا يضطجع، فَدلَّ ذَلِك أَن الِاضْطِجَاع لَا يتَعَيَّن للفصل كَمَا ذكرنَا.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن الحكم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْكَاف المفتوحتين: الْعَبْدي، بِسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: النَّيْسَابُورِي، مَاتَ سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: سُفْيَان بن عُيَيْنَة. الثَّالِث: أَبُو النَّضر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: واسْمه سَالم بن أبي أُميَّة، مولى عمر بن عبيد الله بن معمر الْقرشِي التَّيْمِيّ. الرَّابِع: أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. الْخَامِس: عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه نيسابوري كَمَا ذكرنَا، وسُفْيَان مكي وَسَالم وَأَبُو سَلمَة مدنيان.(7/219)
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن عَليّ بن عبد الله. وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَابْن عمر ونضر بن عَليّ سُفْيَان. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن يُوسُف بن عِيسَى عَن عبد الله بن إِدْرِيس، كِلَاهُمَا عَن مَالك عَن أبي النَّضر نَحوه، وَلَفظه: (قَالَت كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى رَكْعَتي الْفجْر فَإِن كَانَت لَهُ إِلَيّ حَاجَة كلمني وإلاَّ خرج إِلَى الصَّلَاة) . وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن يحيى بن حَكِيم عَن بشر بن عمر عَن مَالك بن أنس بِلَفْظ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قضى صلَاته من آخر اللَّيْل، فَإِن كنت مستيقظة حَدثنِي، وَإِن كنت نَائِمَة إيقظني وَصلى الرَّكْعَتَيْنِ ثمَّ اضْطجع حَتَّى يَأْتِيهِ الْمُؤَذّن فيؤذنه بِصَلَاة الصُّبْح فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ خفيفتين ثمَّ يخرج إِلَى الصَّلَاة) .
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِذا صلى) ، أَي: رَكْعَتي الْفجْر. قَوْله: (وَإِلَّا) أَي: وَإِن لم أكن مستيقظة اضْطجع. قَوْله: (حَتَّى نودى) من النداء على صِيغَة الْمَجْهُول، هَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: (حَتَّى يُؤذن) ، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَشْديد الذَّال الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة على صِيغَة الْمَجْهُول.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: الْحجَّة لمن نفى وجوب الِاضْطِجَاع، وَمِنْه اسْتدلَّ بَعضهم على عدم اسْتِحْبَابه، ورد بِأَنَّهُ لَا يلْزم من تَركه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين كَون عَائِشَة مستيقظة عدم الِاسْتِحْبَاب، وَإِنَّمَا تَركه فِي ذَلِك يدل على عدم الْوُجُوب. فَإِن قلت: فِي رِوَايَة أبي دَاوُد من طَرِيق مَالك أَن كَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَائِشَة كَانَ بعد فَرَاغه من صَلَاة اللَّيْل، وَقبل أَن يُصَلِّي رَكْعَتي الْفجْر؟ قلت: لَا مَانع من أَن يكلمها قبل رَكْعَتي الْفجْر وبعدهما، وَأَن بعض الروَاة عَن مَالك اقْتصر على هَذَا، وَاقْتصر بَعضهم على الآخر، وَفِيه أَنه: لَا بَأْس بالْكلَام بعد رَكْعَتي الْفجْر مَعَ أَهله وَغَيرهم من الْكَلَام الْمُبَاح، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَقد روى الدَّارَقُطْنِيّ فِي (غرائب مَالك) بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْوَلِيد بن مُسلم (قَالَ: كنت مَعَ مَالك بن أنس نتحدث بعد طُلُوع الْفجْر وَبعد رَكْعَتي الْفجْر، ويفتي بِهِ أَنه لَا بَأْس بذلك، وَقَالَ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: وَلَيْسَ فِي السُّكُوت فِي ذَلِك الْوَقْت فضل مأثور، إِنَّمَا ذَلِك بعد صَلَاة الصُّبْح إِلَى طُلُوع الشَّمْس) . وَفِي (التَّوْضِيح) اخْتلف السّلف فِي الْكَلَام بعد رَكْعَتي الْفجْر فَقَالَ نَافِع: كَانَ ابْن عمر رُبمَا يتَكَلَّم بعدهمَا، وَعَن الْحسن وَابْن سِيرِين مثله، وَكره الْكُوفِيُّونَ الْكَلَام قبل صَلَاة الْفجْر إلاَّ بِخَير، وَكَانَ مَالك يتَكَلَّم فِي الْعلم بعد رَكْعَتي الْفجْر، فَإِذا سلم من الصُّبْح لم يتَكَلَّم مَعَ أحد حَتَّى تطلع الشَّمْس. وَقَالَ مُجَاهِد: رأى ابْن مَسْعُود رجلا يكلم آخر بعد رَكْعَتي الْفجْر، فَقَالَ: إِمَّا أَن تذكر الله وَإِمَّا أَن تسكت، وَعَن سعيد بن جُبَير مثله، وَقَالَ إِبْرَاهِيم: كَانُوا يكْرهُونَ الْكَلَام بعْدهَا، وَهُوَ قَول عَطاء، وَسُئِلَ جَابر بن زيد: هَل يفرق بَين صَلَاة الْفجْر وَبَين الرَّكْعَتَيْنِ قبلهَا بِكَلَام؟ قَالَ: لَا إلاَّ أَن يتَكَلَّم بحاجة إِن شَاءَ، ذكر هَذِه الْآثَار ابْن أبي شيبَة. وَالْقَوْل الأول أولى بِشَهَادَة السّنة الثَّابِتَة لَهُ، ولأقول لأحد مَعَ السّنة، وَذكر بعض الْعلمَاء أَن الْحِكْمَة فِي كَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَائِشَة وَغَيرهَا من نِسَائِهِ بعد رَكْعَتي الْفجْر أَن يَقع الْفَصْل بَين صَلَاة الْفَرْض وَصَلَاة النَّفْل بِكَلَام أَو اضطجاع، وَلذَلِك نهى الَّذِي وصل بَين صَلَاة الصُّبْح وَغَيرهَا بقوله: (آالصبح أَرْبعا؟) وكما جَاءَ فِي الحَدِيث الصَّحِيح: (إِذا صلى أحدكُم الْجُمُعَة فَلَا يصلها بِصَلَاة حَتَّى يتَكَلَّم أَو يخرج) ، وكما نهى عَن تقدم رَمَضَان بِصَوْم، وَعَن تشييعة بِصَوْم، بِتَحْرِيم صَوْم يَوْم الْعِيد ليتميز الْفَرْض من النَّفْل. فَإِن قلت: الْفَصْل حَاصِل بِخُرُوجِهِ من حجر نِسَائِهِ إِلَى الْمَسْجِد، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتي الْفجْر فِي بَيته، وَقد اكْتفى فِي الْفَصْل فِي سنة الْجُمُعَة بِخُرُوجِهِ من الْمَسْجِد، فَيَنْبَغِي أَن يَكْتَفِي فِي الْفَصْل بِخُرُوجِهِ من بَيته إِلَى الْمَسْجِد. قلت: لما كَانَت حجر أَزوَاجه شارعة فِي الْمَسْجِد لم ير الْفَصْل بِالْخرُوجِ مِنْهَا، بل فصل بالاضطجاع إو بالْكلَام أَو بهما جَمِيعًا.
52 - (بابُ مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّعِ مَثْنَى مَثْنَى)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي النَّفْل أَنه يُصَلِّي مثنى مثنى، يَعْنِي: رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، كل رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَة، ومثنى الثَّانِي تَأْكِيد لِأَنَّهُ دَاخل فِي حَده، إِذْ مَعْنَاهُ: اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَعَن هَذَا قَالُوا: إِن مثنى معدول عَن اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، فَفِيهِ الْعدْل وَالصّفة، ثمَّ إِطْلَاق قَوْله: (مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّع مثنى مثنى) يتَنَاوَل تطوع اللَّيْل وتطوع النَّهَار، وَقد وَقع فِي أَكثر النّسخ هَذَا الْبَاب بعد: بَاب مَا يقْرَأ فِي رَكْعَتي الْفجْر، لِأَن الْأَبْوَاب الْمُتَعَلّقَة بركعتي الْفجْر سِتَّة أَبْوَاب، أَولهَا: بَاب المداومة على رَكْعَتي الْفجْر، وَآخِرهَا: بَاب مَا يقْرَأ فِي رَكْعَتي الْفجْر.(7/220)
وَذكر هَذِه السِّتَّة مُتَوَالِيَة هُوَ الْأَنْسَب، وَلَك وَقع هَذَا الْبَاب أَعنِي: بَاب مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّع مثنى مثنى بَين هَذِه الْأَبْوَاب السِّتَّة فِي بعض النّسخ. قيل: الظَّاهِر أَن ذَلِك وَقع من بعض الروَاة. قلت: لم يراع البُخَارِيّ التَّرْتِيب بَين أَكثر الْأَبْوَاب فِي غير هَذَا الْموضع، وَهَذَا أَيْضا من ذَلِك، وَلَيْسَ يتَعَلَّق بمراعاة تَرْتِيب الْأَبْوَاب جلّ الْمَقْصُود.
قالَ مُحَمَّدُ ويُذْكَرُ ذالِكَ عنْ عَمَّارٍ وأبِي ذَرٍّ وَأنَسٍ وَجَابِرِ بنِ زَيْدٍ وعِكْرَمَةَ وَالزُّهْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم
قَوْله: (قَالَ مُحَمَّد) ، هُوَ البُخَارِيّ نَفسه. قَوْله: (ذَلِك) ، إِشَارَة إِلَى مَا ذكره من قَوْله: مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّع مثنى مثنى، وَقد ذكر هُنَا سِتَّة أنفس من ثَلَاثَة من الصَّحَابَة وهم: عمار وَأَبُو ذَر وَأنس، وَثَلَاثَة من التَّابِعين وهم: جَابر بن زيد وَعِكْرِمَة وَالزهْرِيّ، وكل ذَلِك بتعليق. أما عمار: فقد روى عَنهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أوتر قبل أَن تنام، وَصَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى) . وَفِي إِسْنَاده الرّبيع بن بدر وَهُوَ ضَعِيف. وَأما من فعله هُوَ فقد رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث ابْن همام (عَن عمار بن يَاسر أَنه: دخل الْمَسْجِد فصلى رَكْعَتَيْنِ خفيفتين) وَأما أَبُو ذَر، فقد روى عَنهُ ابْن أبي شيبَة من فعله من طَرِيق مَالك بن أَوْس عَنهُ، أَنه: دخل الْمَسْجِد فَأتى سَارِيَة فصلى عِنْدهَا رَكْعَتَيْنِ) ، وَلم أَقف على شَيْء رُوِيَ عَنهُ من قَوْله مَرْفُوعا أَو مَوْقُوفا. وَأما أنس: فقد روى عَنهُ البُخَارِيّ فِيمَا مضى فِي: بَاب هَل يُصَلِّي الإِمَام بِمن حضر؟ حَدثنَا آدم قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، قَالَ: (حَدثنَا أنس بن سِيرِين، قَالَ: سَمِعت أنسا يَقُول: قَالَ رجل من الْأَنْصَار: إِنِّي لَا أَسْتَطِيع الصَّلَاة مَعَك وَكَانَ رجلا ضخما فَصنعَ للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، طَعَاما فَدَعَاهُ إِلَى منزله، فَبسط لَهُ حَصِيرا ونضح طرف الْحَصِير، فصلى عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ. .) الحَدِيث. وَفِي هَذَا الْبَاب عَن عَمْرو بن عَنْبَسَة أخرجه أَحْمد عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى) ، وَعَن ابْن عَبَّاس روى عَنهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى) . وَأما الثَّلَاثَة من التَّابِعين وهم: جَابر بن زيد أَبُو الشعْثَاء الْبَصْرِيّ، وَعِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس، وَمُحَمّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ فقد علق البُخَارِيّ عَنْهُم بقوله: وَيذكر وَلم أَقف إلاَّ على مَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن حرمي بن عمَارَة (عَن أبي خلدَة قَالَ: رَأَيْت عِكْرِمَة دخل الْمَسْجِد فصلى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) .
وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيد الأنْصَارِيُّ مَا أدْرَكْتُ فُقَهَاءَ أرْضِنَا إلاَّ يُسَلمُونَ فِي كُلِّ اثْنَتَيْنِ مِنَ النَّهَارِ
يحيى بن سعيد بن قيس أَبُو سعيد الْأنْصَارِيّ البُخَارِيّ الْمَدِينِيّ، قَاضِي الْمَدِينَة: سمع أنس بن مَالك، وروى من كبار التَّابِعين أقدمه أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور الْعرَاق وولاه الْقَضَاء بالهاشمية، وَقيل: إِنَّه تولى الْقَضَاء بِبَغْدَاد، مَاتَ سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَة.
قَوْله: (أَرْضنَا) أَرَادَ بهَا الْمَدِينَة، وَمن فُقَهَاء أرضه: الزُّهْرِيّ وَنَافِع وَسَعِيد بن الْمسيب وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق وجعفر ابْن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، والصادق وَرَبِيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن وَعبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز وَآخَرُونَ، وروى عَن هَؤُلَاءِ وَغَيرهم. قَوْله: (فِي كل اثْنَتَيْنِ) أَي: فِي كل رَكْعَتَيْنِ.
52 - (بابُ مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّعِ مَثْنَى مَثْنَى)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي النَّفْل أَنه يُصَلِّي مثنى مثنى، يَعْنِي: رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، كل رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَة، ومثنى الثَّانِي تَأْكِيد لِأَنَّهُ دَاخل فِي حَده، إِذْ مَعْنَاهُ: اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَعَن هَذَا قَالُوا: إِن مثنى معدول عَن اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، فَفِيهِ الْعدْل وَالصّفة، ثمَّ إِطْلَاق قَوْله: (مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّع مثنى مثنى) يتَنَاوَل تطوع اللَّيْل وتطوع النَّهَار، وَقد وَقع فِي أَكثر النّسخ هَذَا الْبَاب بعد: بَاب مَا يقْرَأ فِي رَكْعَتي الْفجْر، لِأَن الْأَبْوَاب الْمُتَعَلّقَة بركعتي الْفجْر سِتَّة أَبْوَاب، أَولهَا: بَاب المداومة على رَكْعَتي الْفجْر، وَآخِرهَا: بَاب مَا يقْرَأ فِي رَكْعَتي الْفجْر. وَذكر هَذِه السِّتَّة مُتَوَالِيَة هُوَ الْأَنْسَب، وَلَك وَقع هَذَا الْبَاب أَعنِي: بَاب مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّع مثنى مثنى بَين هَذِه الْأَبْوَاب السِّتَّة فِي بعض النّسخ. قيل: الظَّاهِر أَن ذَلِك وَقع من بعض الروَاة. قلت: لم يراع البُخَارِيّ التَّرْتِيب بَين أَكثر الْأَبْوَاب فِي غير هَذَا الْموضع، وَهَذَا أَيْضا من ذَلِك، وَلَيْسَ يتَعَلَّق بمراعاة تَرْتِيب الْأَبْوَاب جلّ الْمَقْصُود.
قالَ مُحَمَّدُ ويُذْكَرُ ذالِكَ عنْ عَمَّارٍ وأبِي ذَرٍّ وَأنَسٍ وَجَابِرِ بنِ زَيْدٍ وعِكْرَمَةَ وَالزُّهْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم
قَوْله: (قَالَ مُحَمَّد) ، هُوَ البُخَارِيّ نَفسه. قَوْله: (ذَلِك) ، إِشَارَة إِلَى مَا ذكره من قَوْله: مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّع مثنى مثنى، وَقد ذكر هُنَا سِتَّة أنفس من ثَلَاثَة من الصَّحَابَة وهم: عمار وَأَبُو ذَر وَأنس، وَثَلَاثَة من التَّابِعين وهم: جَابر بن زيد وَعِكْرِمَة وَالزهْرِيّ، وكل ذَلِك بتعليق. أما عمار: فقد روى عَنهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أوتر قبل أَن تنام، وَصَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى) . وَفِي إِسْنَاده الرّبيع بن بدر وَهُوَ ضَعِيف. وَأما من فعله هُوَ فقد رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث ابْن همام (عَن عمار بن يَاسر أَنه: دخل الْمَسْجِد فصلى رَكْعَتَيْنِ خفيفتين) وَأما أَبُو ذَر، فقد روى عَنهُ ابْن أبي شيبَة من فعله من طَرِيق مَالك بن أَوْس عَنهُ، أَنه: دخل الْمَسْجِد فَأتى سَارِيَة فصلى عِنْدهَا رَكْعَتَيْنِ) ، وَلم أَقف على شَيْء رُوِيَ عَنهُ من قَوْله مَرْفُوعا أَو مَوْقُوفا. وَأما أنس: فقد روى عَنهُ البُخَارِيّ فِيمَا مضى فِي: بَاب هَل يُصَلِّي الإِمَام بِمن حضر؟ حَدثنَا آدم قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، قَالَ: (حَدثنَا أنس بن سِيرِين، قَالَ: سَمِعت أنسا يَقُول: قَالَ رجل من الْأَنْصَار: إِنِّي لَا أَسْتَطِيع الصَّلَاة مَعَك وَكَانَ رجلا ضخما فَصنعَ للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، طَعَاما فَدَعَاهُ إِلَى منزله، فَبسط لَهُ حَصِيرا ونضح طرف الْحَصِير، فصلى عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ. .) الحَدِيث. وَفِي هَذَا الْبَاب عَن عَمْرو بن عَنْبَسَة أخرجه أَحْمد عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى) ، وَعَن ابْن عَبَّاس روى عَنهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى) . وَأما الثَّلَاثَة من التَّابِعين وهم: جَابر بن زيد أَبُو الشعْثَاء الْبَصْرِيّ، وَعِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس، وَمُحَمّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ فقد علق البُخَارِيّ عَنْهُم بقوله: وَيذكر وَلم أَقف إلاَّ على مَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن حرمي بن عمَارَة (عَن أبي خلدَة قَالَ: رَأَيْت عِكْرِمَة دخل الْمَسْجِد فصلى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) .
وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيد الأنْصَارِيُّ مَا أدْرَكْتُ فُقَهَاءَ أرْضِنَا إلاَّ يُسَلمُونَ فِي كُلِّ اثْنَتَيْنِ مِنَ النَّهَارِ
يحيى بن سعيد بن قيس أَبُو سعيد الْأنْصَارِيّ البُخَارِيّ الْمَدِينِيّ، قَاضِي الْمَدِينَة: سمع أنس بن مَالك، وروى من كبار التَّابِعين أقدمه أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور الْعرَاق وولاه الْقَضَاء بالهاشمية، وَقيل: إِنَّه تولى الْقَضَاء بِبَغْدَاد، مَاتَ سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَة.
قَوْله: (أَرْضنَا) أَرَادَ بهَا الْمَدِينَة، وَمن فُقَهَاء أرضه: الزُّهْرِيّ وَنَافِع وَسَعِيد بن الْمسيب وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق وجعفر ابْن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، والصادق وَرَبِيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن وَعبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز وَآخَرُونَ، وروى عَن هَؤُلَاءِ وَغَيرهم. قَوْله: (فِي كل اثْنَتَيْنِ) أَي: فِي كل رَكْعَتَيْنِ.
2611 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ أبِي المَوَالِي عنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله عَنْهُمَا قَالَ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرآنِ يَقُولُ إذَا هَمَّ أحَدُكُمْ بِالأمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُل اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكُ بِعِلْمِكَ وَأسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأسْألُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ فَإنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أقْدِرُ وتَعْلَمُ وَلا أعْلَمُ وأنْتَ علاَّمُ الغُيُوبِ اللَّهُم إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هاذَا الأمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي ومَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أمْرِي أوْ قَالَ عاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ فاقْدُرْهُ لِي ويَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فيهِ وَإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هاذا الأمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي ومَعَاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي أوْ قالَ فِي عاجِلِ أمْرِي وَآجِلِهِ فاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كانَ ثُمْ أرْضِنِي. قَالَ ويُسَمِّي حاجَتَهُ.(7/221)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فليركع رَكْعَتَيْنِ من غير الْفَرِيضَة) ، وَقد أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يتَنَاوَل كَونهمَا بِاللَّيْلِ أَو بِالنَّهَارِ.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: قُتَيْبَة بن سعيد. الثَّانِي: عبد الرَّحْمَن بن أبي الموَالِي، بِفَتْح الْمِيم: أَبُو مُحَمَّد، مولى عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَفِي (تَهْذِيب الْكَمَال) : أَن أَبَا الموَالِي اسْمه زيد. الثَّالِث: مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من الانكدار ابْن عبد الله أَبُو بكر، مَاتَ سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَة. الرَّابِع: جَابر بن عبد الله، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن عبد الرَّحْمَن بن أبي الموَالِي مِمَّا تفرد بِحَدِيث الاستخارة، وَأَن البُخَارِيّ تفرد بِهِ. وَفِيه: أَن شَيْخه بلخي وَعبد الرَّحْمَن وَمُحَمّد مدنيان.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الدَّعْوَات عَن أبي مُصعب مطرف بن عبد الله وَفِي التَّوْحِيد عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن القعْنبِي وَعبد الرَّحْمَن ابْن مقَاتل خَال القعْنبِي وَمُحَمّد ابْن عِيسَى بن الطباع. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ، وَالنَّسَائِيّ فِي النِّكَاح وَفِي النعوت وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة جَمِيعًا عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن أَحْمد بن يُوسُف السّلمِيّ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث جَابر حسن صَحِيح غَرِيب لَا نعرفه إلاَّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي الموَالِي، وَهُوَ شيخ مدنِي ثِقَة، روى عَنهُ سُفْيَان حَدِيثا، وَقد روى عَن عبد الرَّحْمَن غير وَاحِد من الْأَئِمَّة انْتهى. قلت: حكم التِّرْمِذِيّ على حَدِيث جَابر بِالصِّحَّةِ تبعا للْبُخَارِيّ فِي إِخْرَاجه فِي الصَّحِيح، وَصَححهُ أَيْضا ابْن حبَان، وَمَعَ ذَلِك فقد ضعفه أَحْمد بن حَنْبَل، فَقَالَ: إِن حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي الموَالِي فِي الاستخارة مُنكر، وَقَالَ ابْن عدي فِي (الْكَامِل) فِي تَرْجَمته: وَالَّذِي أنكر عَلَيْهِ حَدِيث الاستخارة، وَقد رَوَاهُ غير وَاحِد من الصَّحَابَة، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: كَأَن ابْن عدي أَرَادَ بذلك أَن لحديثه هَذَا شَاهدا من حَدِيث غير وَاحِد من الصَّحَابَة، فَخرج بذلك أَن يكون فَردا مُطلقًا، وَقد وَثَّقَهُ جُمْهُور أهل الْعلم. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ وَيحيى بن معِين وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ: ثِقَة، وَقَالَ أَحْمد وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم: لَا بَأْس بِهِ، وَزَاد أَبُو زرْعَة: صَدُوق.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ عقيب ذكره هَذَا الحَدِيث: وَفِي الْبَاب عَن ابْن مَسْعُود وَأبي أَيُّوب. وَقَالَ شَيخنَا وَفِي الْبَاب أَيْضا عَن أبي بكر الصّديق وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَسَعِيد بن أبي وَقاص وَعبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن عمر وَأبي هُرَيْرَة وَأنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. وَأما حَدِيث ابْن مَسْعُود فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة صَالح بن مُوسَى الطلحي عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة (عَن عبد الله، قَالَ: علمنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الاستخارة، قَالَ: إِذا أَرَادَ أحدكُم أمرا فَلْيقل) : اللَّهُمَّ إنس أستخيرك بعلمك. .) فَذكره وَلم يقل: الْعَظِيم، وَقدم قَوْله: (وَتعلم) على قَوْله: (وتقدر) ، وَقَالَ: (فَإِن كَانَ هَذَا الَّذِي أُرِيد خيرا فِي ديني وعاقبة أَمْرِي فيسره لي، وَإِن كَانَ غير ذَلِك خيرا لي فاقدر لي الْخَيْر حَيْثُ كَانَ، يَقُول ثمَّ يعزم) . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من طَرِيق أُخْرَى. وَأما حَدِيث أبي أَيُّوب فَأخْرجهُ ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) وَالطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة الْوَلِيد بن أبي الْوَلِيد أَن أَيُّوب بن خَالِد بن أبي أَيُّوب حَدثهُ عَن أَبِيه عَن جده أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أكتم الْخطْبَة، ثمَّ تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ صل مَا كتب الله لَك ثمَّ احْمَد رَبك ومجده ثمَّ قل: اللَّهُمَّ إِنَّك تقدر وَلَا أقدر. .) الحَدِيث إِلَى قَوْله: (الغيوب) وَبعده: (فَإِن رَأَيْت لي فِي فُلَانَة، تسميها باسمها، خيرا فِي دنياي وآخرتي فَاقْض لي بهَا، أَو قَالَ: فاقدرها لي) . لفظ رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ. وَقَالَ ابْن حبَان: (خيرالي فِي ديني ودنياي وآخرتي فاقدرها لي، وَإِن كَانَ غَيرهَا خيرا لي مِنْهَا فِي ديني ودنياي وآخرتي فَاقْض لي ذَلِك) . وَأَيوب وخَالِد ذكرهمَا ابْن حبَان فِي (الثِّقَات) . وَأما حَدِيث أبي بكر: فَأخْرجهُ التِّرْمِذِيّ فِي الدَّعْوَات من رِوَايَة زنفل بن عبد الله عَن ابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة (عَن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَرَادَ أمرا قَالَ: اللَّهُمَّ خر لي واختر لي) . وَقَالَ: غَرِيب لَا نعرفه إلاَّ من حَدِيث زنفل، وَهُوَ ضَعِيف عِنْد أهل الحَدِيث. وَأما حَدِيث أبي سعيد: فَأخْرجهُ أَبُو يعلى الْموصِلِي من طَرِيق ابْن إِسْحَاق: حَدثنِي عِيسَى بن عبد الله بن مَالك عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء بن يسَار (عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِذا أَرَادَ أحدهم أمرا فَلْيقل: اللَّهُمَّ إِنِّي أستخيرك بعلمك. .) الحَدِيث على نَحْو حَدِيث جَابر، وَقَالَ فِي آخِره: (ثمَّ قدر لي الْخَيْر أَيْنَمَا كَانَ، لَا حول وَلَا قُوَّة إلاَّ بِاللَّه) . إِسْنَاده صَحِيح. وَرَوَاهُ ابْن حبَان أَيْضا فِي (صَحِيحه) من هَذَا الْوَجْه. وَأما حَدِيث سعد بن أبي وَقاص: رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَرَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى فِي (مسانيدهم) من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد(7/222)
ابْن سعد بن أبي وَقاص عَن أَبِيه عَن جده سعد بن أبي وَقاص، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من سَعَادَة ابْن آدم استخارته الله تَعَالَى. .) الحَدِيث، وَلَا يَصح إِسْنَاده. وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فأخرجهما الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) بِإِسْنَادِهِ عَنْهُمَا، قَالَا: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمنَا الاستخارة كَمَا يعلمنَا السُّورَة من الْقُرْآن: اللَّهُمَّ إِنِّي أستخيرك. .) الحَدِيث، إِلَى آخر قَوْله: (علام الغيوب) وَزَاد بعده: (أللهم مَا قضيت عَليّ من قَضَاء فَاجْعَلْ عاقبته إِلَى خير) ، وَإِسْنَاده ضَعِيف، وَفِيه عبد الله بن هانىء مُتَّهم بِالْكَذِبِ. وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة: فَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) من رِوَايَة أبي الْفضل ابْن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن جده عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا أَرَادَ أحدكُم أمرا فَلْيقل: أللهم إِنِّي أستخيرك. .) فَذكره وَلم يقل: الْعَظِيم، وَفِي آخِره: (ورضني بقدرك) ، قَالَ ابْن حبَان: أَبُو الْفضل اسْمه شبْل بن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن، مُسْتَقِيم الْأَمر فِي الحَدِيث، وَقد ضعفه ابْن عدي، فَقَالَ: حدث بِأَحَادِيث لَهُ غير مَحْفُوظَة مَنَاكِير، وَأورد لَهُ هَذَا الحَدِيث وَقَالَ: إِنَّه مُنكر لَا يحدث بِهِ غير شبْل. وَأما حَدِيث أنس، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه الصَّغِير) و (الْأَوْسَط) من رِوَايَة عبد القدوس بن حبيب عَن الْحسن عَن أنس بن مَالك، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا خَابَ من استخار، وَلَا نَدم من اسْتَشَارَ، وَلَا عَال من اقتصد) ، وَقَالَ: لم يروه عَن الْحسن إلاَّ عبد القدوس، تفرد بِهِ وَلَده عبد السَّلَام. انْتهى. وَعبد القدوس أَجمعُوا على تَركه، وَكذبه الفلاس، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: عبد السَّلَام وَأَبوهُ ضعيفان.
ذكر اخْتِلَاف أَلْفَاظ حَدِيث جَابر وَغَيره إِسْنَادًا ومتنا: فَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد، وَرِوَايَة لأبي دَاوُد أَيْضا التَّصْرِيح بِسَمَاع عبد الرَّحْمَن بن أبي الموَالِي عَن ابْن الْمُنْكَدر، وبسماع ابْن الْمُنْكَدر لَهُ عَن جَابر. وَقَالَ البُخَارِيّ فِي الدَّعْوَات (فِي الْأُمُور كلهَا كالسورة من الْقُرْآن) ، وَلم يقل فِيهِ: (من غير الْفَرِيضَة) . وَقَالَ فِيهِ: (ثمَّ رضني بِهِ) ، وَقَالَ فِي كتاب التَّوْحِيد: (كَانَ يعلم أَصْحَابه الاستخارة) أَي: صَلَاة الاستخارة، (فِي الْأُمُور كلهَا) ، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ فِي النِّكَاح: (وأستعينك بقدرتك) وَلم يقل أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه: (فِي الْأُمُور كلهَا) ، وَزَاد أَبُو دَاوُد بعد قَوْله: (ومعاشي ومعادي) ، وللطبراني فِي (الْأَوْسَط) فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود: (وَأَسْأَلك من فضلك الْوَاسِع) .
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (يعلمنَا الاستخارة) أَي: صَلَاة الاستخارة، ودعاءها، وَهِي طلب الْخيرَة على وزن العنبة اسْم من قَوْلك: اخْتَارَهُ الله. وَفِي (النِّهَايَة) : خار الله لَك أَي: أَعْطَاك مَا هُوَ خير لَك، قَالَ: والخيرة، بِكَوْن الْيَاء الِاسْم مِنْهُ، وَأما بِالْفَتْح فَهُوَ الِاسْم من قَوْلك: اخْتَارَهُ الله. وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيرة الله من خلقه يُقَال بِالْفَتْح والسكون، وَهُوَ من بَاب الاستفعال، وَهُوَ فِي (لِسَان الْعَرَب) على معَان: مِنْهَا: سُؤال الْفِعْل، وَالتَّقْدِير: أطلب مِنْك الْخَيْر، فِيمَا هَمَمْت بِهِ، وَالْخَيْر هُوَ كل معنى زَاد نَفعه على ضره. قَوْله: (فِي الْأُمُور كلهَا) دَلِيل على الْعُمُوم، وَأَن الْمَرْء لَا يحتقر أمرا لصغره وَعدم الاهتمام بِهِ فَيتْرك الاستخارة فِيهِ، فَرب أَمر يستخف بأَمْره فَيكون فِي الْإِقْدَام عَلَيْهِ ضَرَر عَظِيم، أَو فِي تَركه، وَلذَلِك قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (ليسأل أحدكُم ربه حَتَّى فِي شسع نَعله. قَوْله: (كَمَا يعلمنَا السُّورَة من الْقُرْآن) ، دَلِيل على الاهتمام بِأَمْر الاستخارة، وَأَنه متأكد مرغب فِيهِ. فَإِن قلت: كَانَ يَنْبَغِي أَن تجب الإستخارة اسْتِدْلَالا بتشبيه ذَلِك بتعليم السُّورَة من الْقُرْآن. كَمَا اسْتدلَّ بَعضهم على وجوب التَّشَهُّد فِي الصَّلَاة بقول ابْن مَسْعُود: كَانَ يعلمنَا التَّشَهُّد كَمَا يعلمنَا السُّورَة من الْقُرْآن. قلت: الَّذِي دلّ على وجوب التَّشَهُّد الْأَمر فِي قَوْله: (فَلْيقل التَّحِيَّات لله) ، الحَدِيث؟ فَإِن قلت: هَذَا أَيْضا فِيهِ أَمر، وَهُوَ قَوْله: (فليركع رَكْعَتَيْنِ ثمَّ ليقل) ؟ قلت: الْأَمر فِي هَذَا مُعَلّق بِالشّرطِ، وَهُوَ قَوْله: (إا هم أحدكُم بِالْأَمر) فَإِن قلت: إِنَّمَا يُؤمر بِهِ عِنْد إِرَادَة ذَلِك لَا مُطلقًا، كَمَا قَالَ فِي التَّشَهُّد: (وَإِذا صلى أحدكُم فَلْيقل التَّحِيَّات لله) ؟ قلت: التَّشَهُّد جُزْء من الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة، فَيُؤْخَذ الْوُجُوب من قَوْله: (صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) فَأَما الاستخارة فتدل على عدم وُجُوبهَا الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الدَّالَّة على انحصار فرض الصَّلَاة فِي الْخمس. فَإِن قلت: فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن لَا يكون الْوتر وَاجِبا، وَمَعَ هَذَا هُوَ وَاجِب، بل الْمَنْقُول عَن أبي حنيفَة أَنه فرض قلت: قد قَامَت الْأَدِلَّة من الْخَارِج على وجوب الْوتر كَمَا عرف فِي مَوْضِعه. قَوْله: (إِذا هم) أَي: إِذا قصد. قَوْله: (فليركع رَكْعَتَيْنِ) ، أَي: فَليصل رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ ذكر الْجُزْء وَإِرَادَة الْكل، لِأَن الرُّكُوع جُزْء من أَجزَاء الصَّلَاة. قَوْله: فِي غير الْفَرِيضَة) دَلِيل(7/223)
على أَنه لَا تحصل سنة صَلَاة الاستخارة بِوُقُوع الدُّعَاء بعد صَلَاة الْفَرِيضَة لتقييد ذَلِك فِي النَّص بِغَيْر الْفَرِيضَة. قَوْله: (ثمَّ ليقل اللَّهُمَّ) إِلَى آخِره، دَلِيل على أَنه لَا يضر تَأْخِير دُعَاء الاستخارة عَن الصَّلَاة مَا لم يطلّ الْفَصْل. قَوْله: (بعلمك) الْبَاء فِيهِ وَفِي قَوْله: (بقدرتك) للتَّعْلِيل، أَي: بأنك أعلم وأقدر، قَالَه شَيخنَا زين الدّين. وَقَالَ الْكرْمَانِي يحْتَمل أَن تكون للاستعانة، وَأَن تكون للاستعطاف كَمَا فِي قَوْله: {رب بِمَا أَنْعَمت عَليّ} (الْقَصَص: 71) . أَي: بِحَق علمك وقدرتك الشاملين. قَوْله: (وأستقدرك) أَي: أطلب مِنْك أَن تجْعَل لي قدرَة عَلَيْهِ. قَوْله: (وَأَسْأَلك من فضلك الْعَظِيم) كل عَطاء الرب جلّ جَلَاله فضل، فَإِنَّهُ لَيْسَ لأحد عَلَيْهِ حق فِي نعمه وَلَا فِي شَيْء، فَكل مَا يهب فَهُوَ زِيَادَة مُبتَدأَة من عِنْده لم يقابلها منا عوض فِيمَا مضى، وَلَا يقابلها فِيمَا يسْتَقْبل، فَإِن وفْق للشكر وَالْحَمْد فَهُوَ نعْمَة مِنْهُ وَفضل يفْتَقر إِلَى حمد وشكر، وَهَكَذَا إِلَى غير نِهَايَة، خلاف مَا تعتقده المبتدعة الَّتِي تَقول: إِنَّه وَاجِب على الله تَعَالَى أَن يبتدىء العَبْد بِالنعْمَةِ وَقد خلق لَهُ الْقُدْرَة، وَهِي بَاقِيَة فِيهِ دائمة لَهُ أبدا يَعْصِي ويطيع. قَوْله: (وَأَنت علام الغيوب) الْمَعْنى: أَنا أطلب مستأنفا لَا يُعلمهُ إلاَّ أَنْت، فَهَب لي مِنْهُ مَا ترى أَنه خير لي فِي ديني ومعيشتي وعاجل أَمْرِي وآجله، وَهَذِه أَرْبَعَة أَقسَام خير يكون لَهُ فِي دينه دون دُنْيَاهُ، وَخير لَهُ فِي دُنْيَاهُ خَاصَّة وَلَا تعرض فِي دينه، وَخير فِي العاجل وَذَلِكَ يحصل فِي الدُّنْيَا، وَلَكِن فِي الْآخِرَة أولى، وَخير فِي الآجل وَهُوَ أفضل، وَلَكِن إِذا اجْتمعت الْأَرْبَعَة فَذَلِك الَّذِي يَنْبَغِي للْعَبد أَن يسْأَل ربه، وَمن دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (اللَّهُمَّ أصلح ديني الَّذِي هُوَ عصمَة أَمْرِي، وَأصْلح لي دنياي الَّتِي فِيهَا معاشي وَأصْلح لي آخرتي الَّتِي إِلَيْهَا معادي، وَاجعَل الْحَيَاة زِيَادَة لي فِي كل خير، وَالْمَوْت رَاحَة لي من كل شَرّ، إِنَّك على كل شَيْء قدير) . قَوْله: (ومعاشي) ، المعاش والمعيشة وَاحِد، يستعملان مصدرا وإسما. وَفِي (الْمُحكم) : الْعَيْش الْحَيَاة، عَاشَ عَيْشًا وعيشة ومعيشا ومعاشا وعيشوشة، ثمَّ قَالَ: المعيش والمعاش والمعيشة مَا يعاش بِهِ. قَوْله: (أَو قَالَ) هُوَ شكّ من بعض الروَاة. قَوْله: (فاقدره لي) أَي: فقدره، يُقَال: قدرت الشَّيْء أقدره، بِالضَّمِّ وَالْكَسْر، قدرا، من التَّقْدِير. قَالَ شهَاب الدّين الْقَرَافِيّ فِي كتاب (أنوار البروق) : يتَعَيَّن أَن يُرَاد بالتقدير هُنَا التَّيْسِير، فَمَعْنَاه: فيسره. قَوْله: (وَبَارك لي فِيهِ) أَي: أدمه وضاعفه. قَوْله: (واصرفه عني واصرفني عَنهُ) أَي: لَا تعلق بالي بِهِ وتطلبه، وَمن دُعَاء بعض أهل الطَّرِيق: اللَّهُمَّ لَا تتعب بدني فِي طلب مَا لم يقدر لي، وَيُقَال: مَعْنَاهُ طلب الْأَكْمَل من وُجُوه انصراف مَا لَيْسَ فِيهِ خيرة عَنهُ، وَلم يكتف بسؤال صرف أحد الْأَمريْنِ لِأَنَّهُ قد يصرف الله خَيره عَن المستخير عَن ذَلِك الْأَمر بِأَن يَنْقَطِع طلبه لَهُ، وَذَلِكَ الْأَمر الَّذِي لَيْسَ فِيهِ خيرة يَطْلُبهُ، فَرُبمَا أدْركهُ. وَقد يصرف الله عَن المستخير ذَلِك الْأَمر وَلَا يصرف قلب العَبْد عَنهُ، بل يبْقى متطلبا متشوقا إِلَى حُصُوله، فَلَا يطيب لَهُ خاطره، فَإِذا صرف كل مِنْهُمَا عَن الآخر كَانَ ذَلِك أكمل، وَلذَلِك قَالَ فِي آخِره: (فاقدر لي الْخَيْر حَيْثُ كَانَ، ثمَّ رضني بِهِ) . لِأَنَّهُ إِذا قدر لَهُ الْخَيْر وَلم يرض بِهِ كَانَ منكدر الْعَيْش آثِما بِعَدَمِ رِضَاهُ بِمَا قدره الله لَهُ، مَعَ كَونه خيرا لَهُ، والرضى سُكُون النَّفس إِلَى الْقدر وَالْقَضَاء. قَوْله: (ويسمي حَاجته) أَي: فِي أثْنَاء الدُّعَاء عِنْد ذكرهَا بِالْكِنَايَةِ عَنْهَا فِي قَوْله: إِن كَانَ هَذَا الْأَمر) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: اسْتِحْبَاب صَلَاة الاستخارة وَالدُّعَاء الْمَأْثُور بعْدهَا فِي الْأُمُور الَّتِي لَا يدْرِي العَبْد وَجه الصَّوَاب فِيهَا، أما مَا هُوَ مَعْرُوف خَيره: كالعبادات وصنائع الْمَعْرُوف، فَلَا حَاجَة للاستخارة فِيهَا، نعم، قد يستخار فِي الْإِتْيَان بِالْعبَادَة فِي وَقت مَخْصُوص؛ كَالْحَجِّ، مثلا فِي هَذِه السّنة لاحْتِمَال عدوٍّ أَو فتْنَة أَو حصر عَن الْحَج، وَكَذَلِكَ يحسن أَن يستخار فِي النَّهْي عَن الْمُنكر كشخص متمرد عاتٍ يخْشَى بنهيه حُصُول ضَرَر عَظِيم عَام أَو خَاص، وَإِن كَانَ جَاءَ فِي الحَدِيث: (إِن أفضل الْجِهَاد كلمة حق عِنْد سُلْطَان جَائِر) ، لَكِن إِن خشِي ضَرَرا عَاما للْمُسلمين فَلَا يُنكر، وَإِن خشِي على نَفسه فَلهُ الْإِنْكَار، وَلَكِن يسْقط الْوُجُوب. وَفِيه فِي: قَوْله: (فليركع رَكْعَتَيْنِ) ، دَلِيل على أَن السّنة للإستخارة كَونهَا رَكْعَتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا تجزىء الرَّكْعَة الْوَاحِدَة فِي الْإِتْيَان بِسنة الإستخارة، وَهل يجزىء فِي ذَلِك أَن يُصَلِّي أَرْبعا أَو أَكثر بِتَسْلِيمَة يحْتَمل أَن يُقَال: يجزىء ذَلِك لقَوْله فِي حَدِيث أبي أَيُّوب: (ثمَّ صل مَا كتب الله لَك) ، فَهُوَ دَال على أَن الزِّيَادَة على الرَّكْعَتَيْنِ لَا تضر. وَفِيه: مَا كَانَ من شفقته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأمته وإرشادهم إِلَى مصالحهم دينا وَدُنْيا. وَفِيه: فِي قَوْله: (فليركع رَكْعَتَيْنِ) اسْتِحْبَاب ذَلِك، فِي كل وَقت إلاَّ فِي وَقت الْكَرَاهَة، وَكَذَلِكَ عِنْد الشَّافِعِيَّة فِي الْأَصَح. وَفِيه: دلَالَة على أَن العَبْد لَا يكون قَادِرًا، إلاَّ بِالْفِعْلِ لَا قبله، كَمَا تَقول الْقَدَرِيَّة، وَقَالَ ابْن بطال: الْقُوَّة وَالْقُدْرَة من صِفَات الذَّات، وَالْقُدْرَة وَالْقُوَّة بِمَعْنى وَاحِد مترادفا فَإِن فالباري، تَعَالَى، لم يزل قَادِرًا قَوِيا(7/224)
ذَا قدرَة وَقُوَّة. وَقَالَ: وَذكر الْأَشْعَرِيّ أَن الْقُدْرَة وَالْقُوَّة والاستطاعة اسْم، وَلَا يجوز أَن يُوصف بِأَنَّهُ مستطيع لعدم التَّوْقِيف بذلك، وَإِن كَانَ قد جَاءَ الْقُرْآن بالاستطاعة فَقَالَ: {هَل يَسْتَطِيع رَبك} (الْمَائِدَة: 211) . وَإِنَّمَا هُوَ خبر عَنْهُم، وَلَا يَقْتَضِي إِثْبَات صفة لَهُ. وَفِيه: تَصْرِيح بعقيدة أهل السّنة، فَإِنَّهُ نفى الْعلم عَن العَبْد وَالْقُدْرَة، وهما موجودان، وَذَلِكَ تنَاقض فِي بادىء الرَّأْي، وَالْحق فِيهِ الِاعْتِرَاف بِأَن الْعلم لله تَعَالَى، وَالْقُدْرَة لَهُ، وَلَيْسَ للْعَبد من ذَلِك شَيْء إلاَّ مَا خلق لَهُ، يَقُول: يَا رب تقدر قبل أَن تخلق فِي الْقُدْرَة، وتقدر مَعَ خلقهَا، وتقدر بعْدهَا، وَأَنت على الْحَقِيقَة فِي الْأُمُور كلهَا تصرف، وَتحل لمقدوراتك، وَكَذَلِكَ فِي الْعلم. وَفِيه: أَنه يجب على الْمُؤمن رد الْأُمُور كلهَا إِلَى الله تَعَالَى وَصرف أزمتها والتبرء من الْحول وَالْقُوَّة إِلَيْهِ وَأَن لَا يروم شَيْئا من دَقِيق الْأُمُور وَلَا جليلها حَتَّى يسْأَل الله فِيهِ، ويسأله أَن يحملهُ فِيهِ على الْخَيْر، وَيصرف عَنهُ الشَّرّ إذعانا بالافتقار إِلَيْهِ فِي كل أمره، والتزاما لذاته بالعبودية لَهُ، وتبركا لاتباع سنة سيد الْمُرْسلين فِي الاستخارة، وَرُبمَا قدر مَا هُوَ خير وَيَرَاهُ شرا نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَهُوَ خير لكم} (الْبَقَرَة: 612) . وَفِيه فِي قَوْله: (وَإِن كنت تعلم أَن هَذَا الْأَمر شَرّ لي) حجَّة على الْقَدَرِيَّة الَّذين زَعَمُوا أَن الله لَا يخلق الشَّرّ تَعَالَى الله عَمَّا يفترون، فقد بَان فِي هَذَا الحَدِيث أَن الله تَعَالَى هُوَ الْمَالِك للشر والخالق لَهُ، وَهُوَ الْمَدْعُو لصرفه عَن العَبْد من نَفسه، وَمَا يقدر على اختراعه دون أَن يقدر الله عَلَيْهِ؟ فَإِن قلت: هَل يسْتَحبّ تكْرَار الاستخارة فِي الْأَمر الْوَاحِد إِذا لم يظْهر لَهُ وَجه الصَّوَاب فِي الْفِعْل أَو التّرْك مَا لم ينشرح صَدره لما يفعل؟ قلت: بلَى يسْتَحبّ تكْرَار الصَّلَاة وَالدُّعَاء لذَلِك، وَقد ورد فِي حَدِيث تكْرَار الاستخارة سبعا فِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة لِابْنِ السّني من رِوَايَة إِبْرَاهِيم ابْن الْبَراء، قَالَ: (حَدثنِي أبي عَن جده، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أنس إِذا هَمَمْت بِأَمْر فاستخر رَبك فِيهِ سبع مَرَّات ثمَّ انْظُر إِلَى الَّذِي يسْبق إِلَى قَلْبك، فَإِن الْخَيْر فِيهِ) . قَالَ النَّوَوِيّ: فِي (الْأَذْكَار) : إِسْنَاده غَرِيب، وَفِيه من لَا أعرفهم، قَالَ شَيخنَا زين الدّين: كلهم معروفون، وَلَكِن بَعضهم مَعْرُوف بالضعف الشَّديد وَهُوَ إِبْرَاهِيم بن الْبَراء، والبراء هُوَ ابْن النَّضر ابْن أنس بن مَالك، وَقد ذكره فِي (الضُّعَفَاء) الْعقيلِيّ وَابْن حبَان وَابْن عدي والأزدي. قَالَ الْعقيلِيّ: يحدث عَن الثِّقَات بِالْبَوَاطِيل. وَقَالَ ابْن حبَان: شيخ كَانَ يَدُور بِالشَّام يحدث عَن الثِّقَات بالموضوعات: لَا يجوز ذكره إلاَّ على مثل الْقدح فِيهِ. وَقَالَ ابْن عدي: ضَعِيف جدا، حدث بِالْبَوَاطِيل، فعلى هَذَا فَالْحَدِيث سَاقِط لَا حجَّة فِيهِ، نعم، قد يسْتَدلّ للتكرار بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا، وَقَالَ النَّوَوِيّ: إِنَّه يسْتَحبّ أَن يقْرَأ فِي رَكْعَتي الإستخارة فِي الأولى بعد الْفَاتِحَة: قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّانِيَة: قل هُوَ الله أحد، وَقد سبقه إِلَى ذَلِك الْغَزالِيّ، فَإِنَّهُ ذكره فِي الْإِحْيَاء كَمَا ذكره النَّوَوِيّ: وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: لم أجد فِي شَيْء من طرق أَحَادِيث الاستخارة تعْيين مَا يقْرَأ فيهمَا.
3611 - حدَّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ عنْ عَبْدِ الله بنِ سَعِيدٍ عنْ عَامِرِ بنِ عَبْدِ الله بنِ الزُّبَيْرِ عنْ عَمْرِو بنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ سَمِعَ أبَا قَتَادَةَ بنَ رَبْعِيٍّ الأنْصَارِيَّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ.
(أنظر الحَدِيث 444) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (حَتَّى يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ) ، وَقد تقدم هَذَا الحَدِيث فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب إِذا دخل الْمَسْجِد فليركع رَكْعَتَيْنِ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن عَامر بن عبد الله بن الزبير: عَن عَمْرو بن سليم الزرقي عَن أبي قَتَادَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فليركع رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يجلس) . فَانْظُر إِلَى التَّفَاوُت بَينهمَا فِي الْمَتْن والإسناد، والمكي بن إِبْرَاهِيم بن بشر بن فرقد البرجمي التَّمِيمِي الْحَنْظَلِي الْبَلْخِي، تقدم فِي: بَاب إِثْم من كذب على النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعبد الله بن سعيد بن أبي هِنْد الْمَدِينِيّ، مَاتَ سنة سبع وَأَرْبَعين وَمِائَة، وَعَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن سليم، بِضَم السِّين وَفتح اللَّام: الزرقي، بِضَم الزَّاي وَفتح الرَّاء وبالقاف، وَأَبُو قَتَادَة الْحَارِث بن ربعي بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالنسبة.
4611 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبي(7/225)
طَلْحَةَ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ صَلَّى لَنَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (رَكْعَتَيْنِ) ، وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه وَبَعض الْمَتْن قد تقدما فِي: بَاب الصَّلَاة على الْحَصِير، وَفِي (التَّوْضِيح) : هَذَا الحَدِيث ثَابت فِي بعض النّسخ، وَفِي أصل الدمياطي أَيْضا، وَهُوَ مُخْتَصر من حَدِيث تقدم فِي: بَاب الصَّلَاة على الْحَصِير.
5611 - حدَّثنا يَحْيى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبرنِي سالِمٌ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظهْرِ ورَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ ورَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الجُمُعَةِ ورَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ ورَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد تقدم حَدِيث ابْن عمر فِي: بَاب الصَّلَاة قبل الْجُمُعَة وَبعدهَا، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف، قَالَ: أخبرنَا مَالك عَن نَافِع (عَن عبد الله بن عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي قبل الظّهْر رَكْعَتَيْنِ وَبعدهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبعد الْمغرب رَكْعَتَيْنِ فِي بَيته، وَبعد الْعشَاء رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ لَا يُصَلِّي بعد الْجُمُعَة حَتَّى ينْصَرف فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ) ، فَانْظُر التَّفَاوُت بَينهمَا فِي الْمَتْن والإسناد، وَيحيى بن بكير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، مر فِي كتاب الْوَحْي، وَعقيل بِضَم الْعين: ابْن خَالِد، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
6611 - حدَّثنا آدَمُ قَالَ أخبرنَا شُعْبَةُ قَالَ أخبرنَا عَمْرُو بنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رسولُ الله وَأما حَدِيث وَهْوَ يَخْطُبُ إذَا جاءَ أحَدُكُمْ وَالإمَامُ يَخْطُبُ أوْ قَدْ خرَجَ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ.
(أنظر الحَدِيث 039 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد تقدم حَدِيث جَابر هَذَا فِي كتاب الْجُمُعَة فِي: بَاب من جَاءَ وَالْإِمَام يخْطب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله: حَدثنَا سُفْيَان (عَن عَمْرو سمع جَابِرا، قَالَ: دخل رجل يَوْم الْجُمُعَة وَالنَّبِيّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يخْطب، فَقَالَ: أصليت؟ قَالَ: لَا، قَالَ: قُم فصل رَكْعَتَيْنِ) . وَأخرج أَيْضا فِي الْبَاب الَّذِي قبله عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر بن عبد الله. . الحَدِيث.
7611 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا سَيْفٌ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدا يَقُولُ أُتِيَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فِي مَنْزِلِهِ فَقِيلَ لَهُ هاذَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ دَخَلَ الكَعْبَةَ قَالَ فأقْبَلْتُ فأجِدُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ خَرَجَ وَأجِدُ بِلالاً عِنْدَ البَابِ قائِما فَقُلْتُ يَا بِلاَلُ أصَلِّي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الكَعْبَةِ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فأيْنَ قَالَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الأسْطُوَانَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي وجهِ الكَعْبَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد تقدم هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب قَول الله عز وَجل: {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ، وَقَالَ: حَدثنَا مُسَدّد، قَالَ: حَدثنَا يحيى عَن سيف، قَالَ: سَمِعت مُجَاهدًا أَتَى ابْن عمر، فَقيل لَهُ: الحَدِيث، فَاعْتبر التَّفَاوُت بَينهمَا فِي الْمَتْن والإسناد. قَوْله: (فأجد) ، كَانَ الْقيَاس أَن يَقُول: فَوجدت، لَكِن عدل عَنهُ لاستحضاره صُورَة الوجدان وحكاية عَنْهَا. قَوْله: (ثمَّ خرج) يحْتَمل أَن يكون من تَتِمَّة كَلَام بِلَال، زِيَادَة على الْجَواب، وَإِن يكون كَلَام ابْن عمر. قَوْله: (فِي وَجه الْكَعْبَة) ، أَي: بَابهَا.
قَالَ أبُو عَبْدَ الله قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أوْصَانِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرَكْعَتَيِ الضُّحَى
هَذَا قِطْعَة من حَدِيث ذكره فِي: بَاب صَلَاة الضُّحَى فِي الْحَضَر، قَالَ: حَدثنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، قَالَ: حَدثنَا عَبَّاس هُوَ الْجريرِي عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ (عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: أَوْصَانِي خليلي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِثَلَاث لَا أدعهم حَتَّى أَمُوت: صَوْم ثَلَاثَة(7/226)
أَيَّام من كل شهر، وَصَلَاة الضُّحَى، ونوم على وتر) وَذكره أَيْضا فِي: بَاب صِيَام أَيَّام الْبيض. قَالَ: حَدثنَا أَبُو معمر حَدثنَا عبد الْوَارِث حَدثنَا أَبُو التياح، قَالَ: حَدثنِي أَبُو عُثْمَان (عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: أَوْصَانِي خليلي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِثَلَاث: صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر، وركعتي الضحى وَأَن أوتر قبل أَن أَنَام) . وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن شَيبَان بن فروخ عَن عبد الْوَارِث عَن أبي التياح، وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَمُحَمّد بن بشار، كِلَاهُمَا عَن غنْدر عَن شُعْبَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر، وَعَن مُحَمَّد بن عَليّ وَعَن بشر بن هِلَال، وَسَيَجِيءُ الْكَلَام فِيهِ فِي: بَاب صَلَاة الضُّحَى فِي الْحَضَر عَن قريب.
وَقَالَ عِتْبَانُ غَدَا عَلَيَّ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا بَعْدَما امْتَدَّ النَّهَارُ وصَفَفْنَا وراءَهُ فرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ
هَذَا أَيْضا قِطْعَة من حَدِيث تقدم فِي بَاب الْمَسَاجِد فِي الْبيُوت، مطولا، قَالَ: حَدثنَا سعيد بن عفير، قَالَ: حَدثنِي اللَّيْث قَالَ: حَدثنِي عقيل عَن ابْن شهَاب، قَالَ: أَخْبرنِي مَحْمُود بن الرّبيع الْأنْصَارِيّ أَن عتْبَان بن مَالك، وَهُوَ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّن شهد بَدْرًا من الْأَنْصَار، أَنه: (أَتَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: يَا رَسُول الله قد أنْكرت بَصرِي. .) ، الحَدِيث إِلَى آخِره بِطُولِهِ، وَذكره أَيْضا مطولا فِي: بَاب صَلَاة النَّوَافِل جمَاعَة، وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِيهِ مستقصىً إِن شَاءَ الله تَعَالَى عَن قريب.
62 - (بابُ الحَدِيثِ يَعْنِي بَعْدَ رَكْعَتَيِ الفَجْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِبَاحَة الحَدِيث بعد صَلَاة رَكْعَتي الْفجْر يَعْنِي السّنة.
8611 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ أبُو النِّضْرِ حدَّثني أبي عنْ أبي سَلَمَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فإنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حدَّثَنِي وَإلاَّ اضْطَجَعَ قُلْتُ لِسُفْيَانَ قَالَ بَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ رَكْعَتَيِ الفَجْرِ. قَالَ سُفْيَانُ هُوَ ذَاكَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَإِن كنت مستيقظة حَدثنِي) ، وَذكر هَذَا الحَدِيث عَن قريب بقوله: بَاب من تحدث بعد الرَّكْعَتَيْنِ وَلم يضطجع، وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَاسم: أَبُو النَّضر، سَالم، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً هُنَاكَ.
قَوْله: (قلت لِسُفْيَان) الْقَائِل هُوَ عَليّ بن عبد الله، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة. قَوْله: (قَالَ بَعضهم) أَرَادَ بِالْبَعْضِ هَذَا مَالك بن أنس، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق بشر بن عمر عَن مَالك أَنه سَأَلَهُ عَن الرجل يتَكَلَّم بعد طُلُوع الْفجْر، فَحَدثني عَن سَالم فَذكره، قَوْله: (هُوَ ذَاك) أَي: الْأَمر ذَاك.
72 - (بابُ تَعَاهُدِ رَكْعَتَيِ الفَجْرِ وَمنْ سَمّاهُمَا تَطَوُّعا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تعاهد رَكْعَتي الْفجْر وهما سنة الْفجْر، والتعاهد التعهد، لِأَن التفاعل لَا يكون إلاَّ بَين الْقَوْم، والتعهد بالشَّيْء التحفظ بِهِ وتجديد الْعَهْد بِهِ. قَوْله: (وَمن سَمَّاهَا) ، بإفراد الضَّمِير رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي أَي: وَمن سمى سنة الْفجْر، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: (وَمن سماهما) ، بضمير التَّثْنِيَة يرجع إِلَى رَكْعَتي الْفجْر. قَوْله: (تَطَوّعا) ، مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول ثَان: لسماها. فَإِن قلت: أطلق على سنة الْفجْر تَطَوّعا، وَفِي حَدِيث الْبَاب الْمَذْكُور: النَّوَافِل؟ قلت: المُرَاد من النَّوَافِل التطوعات، وَقَالَ بَعضهم: أوردهُ فِي الْبَاب بِلَفْظ: النَّوَافِل، وَفِي التَّرْجَمَة، ذكر: تَطَوّعا، إِشَارَة إِلَى مَا ورد فِي بعض طرقه يَعْنِي: بِلَفْظ التَّطَوُّع. قلت: قد ذكرنَا الْآن وَجه ذَلِك، فَلَا حَاجَة إِلَى مَا ذكره من الْخَارِج.
9611 - حدَّثنا بَيَانُ بنُ عَمْرٍ وَقَالَ حدَّثنا يحْيَى بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا ابنُ جُرَيْجٍ عنْ عَطَاءٍ عنْ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْر عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ لَمْ يَكُنِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى شَيْءٍ منَ(7/227)
النَّوَافِلِ أشَدَّ مِنْهُ تَعَاهُدا عَلَى رَكْعَتَيِ الفَجْرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: بَيَان، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعد الْألف نون: ابْن عَمْرو، بِفَتْح الْعين: العابد أَبُو مُحَمَّد، مَاتَ سنة ثِنْتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: يحيى بن سعيد الْقطَّان. الثَّالِث: عبد الْملك ابْن عبد الْعَزِيز بن جريج. الرَّابِع: عَطاء بن أبي رَبَاح. الْخَامِس: عبيد بن عُمَيْر بِالتَّصْغِيرِ فيهمَا أَبُو عَاصِم اللَّيْثِيّ الْقَاص. السَّادِس: أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه بخاري، وَأَنه من أَفْرَاده، وَيحيى بَصرِي وَابْن جريج وَعَطَاء وَعبيد مكيون. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
قَوْله: (عَن عَطاء) وَفِي رِوَايَة مُسلم: عَن زُهَيْر بن حَرْب عَن يحيى عَن ابْن جريج: حَدثنِي عَطاء. قَوْله: (عَن عبيد بن عُمَيْر) ، فِي رِوَايَة ابْن خُزَيْمَة: عَن يحيى بن حَكِيم عَن يحيى بن سعيد بِسَنَدِهِ: أَخْبرنِي عبيد بن عُمَيْر.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن الزهير بن حَرْب عَن يحيى، وَعَن أبي بكر ابْن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن يَعْقُوب الدَّوْرَقِي، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصى فِي: بَاب المداومة فِي رَكْعَتي الْفجْر، عَن قريب.
82 - (بابُ مَا يُقْرأ فِي رَكْعَتَيِ الفَجْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يقْرَأ فِي سنة الْفجْر، و: يقْرَأ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَيجوز أَن يكون على صِيغَة الْمَعْلُوم أَيْضا أَي: مَا يقْرَأ الْمُصَلِّي، وَلَيْسَ بإضمار: قبل الذّكر، لِأَن الْقَرِينَة دَالَّة عَلَيْهِ.
0711 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ يُصَلِّي إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ..
قيل: لَا مُطَابقَة بَين هَذَا الحَدِيث وَبَين هَذِه التَّرْجَمَة حَتَّى قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: كَانَ حق هَذِه التَّرْجَمَة أَن تكون: تَخْفيف رَكْعَتي الْفجْر. وَقَالَ بَعضهم: وَلما ترْجم بِهِ المُصَنّف وَجه. وَوَجهه هُوَ أَنه أَشَارَ إِلَى خلاف من زعم أَنه لَا يقْرَأ فِي رَكْعَتي الْفجْر أصلا، فنبه على أَنه لَا بُد من الْقِرَاءَة، وَلَو وصفت عَائِشَة الصَّلَاة بِكَوْنِهَا خَفِيفَة فَكَأَنَّهَا أَرَادَت قِرَاءَة الفتحة فَقَط، أَو قرَاءَتهَا من شَيْء يسير غَيرهَا، وَلم يثبت عِنْده على شَرطه تعْيين مَا يقْرَأ بِهِ فيهمَا. انْتهى. (قلت) هَذَا كَلَام لَيْسَ لَهُ وَجه أصلا من وُجُوه. الأول: أَن قَوْله أَشَارَ إِلَى خلاف من زعم أَنه لَا يقْرَأ فِي رَكْعَتي الْفجْر أصلا رجم بِالْغَيْبِ، فليت شعري بِمَاذَا أَشَارَ بِمَا يدل عَلَيْهِ متن الحَدِيث أَو من الْخَارِج، فَالْأول، لَا يَصح، لِأَن الْكَلَام مَا سيق لَهُ. وَالثَّانِي: لَا وَجه لَهُ لِأَنَّهُ لَا يُفِيد مَقْصُوده. الثَّانِي: أَن قَوْله: فنبه على أَنه لَا بُد من الْقِرَاءَة، غير صَحِيح، لِأَن الَّذِي دلّ على أَنه لَا بُد من الْقِرَاءَة مَا هُوَ؟ وَكَون عَائِشَة وصفت الرَّكْعَتَيْنِ المذكورتين بالخفة لَا يسْتَلْزم أَن يقْرَأ فيهمَا، لَا بُد، بل هُوَ مُحْتَمل للْقِرَاءَة وَعدمهَا. الثَّالِث: أَن قَوْله: فَكَأَنَّهَا أَرَادَت قِرَاءَة الْفَاتِحَة فَقَط، كَلَام واهٍ، لِأَنَّهُ أَي دَلِيل يدل بِوَجْه من وُجُوه الدلالات على أَنَّهَا أَرَادَت قِرَاءَة الْفَاتِحَة فَقَط؟ أَو قرَاءَتهَا مَعَ شَيْء يسير غَيرهَا؟ وَالرَّابِع: قَوْله: وَلم يثبت عِنْده على شَرطه تعْيين مَا يقْرَأ بِهِ فيهمَا، يرد بإنه لما لم يثبت ذَلِك، فَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَن تكون التَّرْجَمَة بقوله: مَا يقْرَأ فِي رَكْعَتي الْفجْر، لِأَن السُّؤَال بِكَلِمَة: مَا، يكون عَن الْمَاهِيّة، وماهية الْقِرَاءَة فِي رَكْعَتي الْفجْر تَعْيِينهَا، وَلَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يعين ذَلِك. وتعسف الْكرْمَانِي فِي هَذَا الْموضع حَيْثُ قَالَ: قَوْله: خفيفتين، هُوَ مَحل مَا يدل على التَّرْجَمَة، إِذْ يعلم من لفظ الخفة أَنه لم يقْرَأ إلاَّ الْفَاتِحَة فَقَط أَو مَعَ أقصر قصار الْمفصل انْتهى قلت: سُبْحَانَ الله، لَيْت شعري من أَيْن يعلم من لفظ الخفة أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَرَأَ فيهمَا؟ وَإِذا سلمنَا أَنه، قَرَأَ فيهمَا، فَمن أَيْن يعلم أَنه قَرَأَ الْفَاتِحَة وَحدهَا، أَو مَعَ شَيْء من قصار الْمفصل؟ فَإِن قلت: الْمَعْهُود شرعا وَعَادَة أَن لَا صَلَاة إلاَّ بِالْقِرَاءَةِ؟ قلت: ذهب جمَاعَة، مِنْهُم أَبُو بكر بن الْأَصَم وَابْن علية وَطَائِفَة من الظَّاهِرِيَّة: أَن لَا قِرَاءَة إلاَّ فِي رَكْعَتي الْفجْر، وَاحْتَجُّوا(7/228)
فِي ذَلِك بِحَدِيث عَائِشَة الَّذِي يَأْتِي عَن قريب، وَفِيه: (حَتَّى إِنِّي لأقول: هَل قَرَأَ بِأم الْقُرْآن؟) قُلْنَا: سلمنَا أَن لَا صَلَاة إِلَّا بِالْقِرَاءَةِ، وَمَا اعْتبرنَا خلاف هَؤُلَاءِ، وَلَكِن تعْيين قِرَاءَة الْفَاتِحَة فيهمَا من أَيْن؟ فَإِن قَالُوا: بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا صَلَاة إلاَّ بِفَاتِحَة الْكتاب) ؟ قُلْنَا: يُعَارضهُ مَا روى فِي صَلَاة الْمُسِيء حَيْثُ قَالَ لَهُ: (فَكبر ثمَّ إقرأ مَا تيَسّر مَعَك من الْقُرْآن) ، فَهَذَا يُنَافِي تعْيين قِرَاءَة الْفَاتِحَة فِي الصَّلَاة مُطلقًا، إِذْ لَو كَانَت قرَاءَتهَا متعينة لأَمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك، بل هُوَ صَرِيح فِي الدّلَالَة على أَن الْفَرْض مُطلق الْقِرَاءَة، كَمَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَيُمكن أَن يُوَجه وَجه الْمُطَابقَة بَين حَدِيث الْبَاب وَبَين التَّرْجَمَة بِأَن يُقَال: إِن كلمة: مَا، فِي الأَصْل للاستفهام عَن مَاهِيَّة الشَّيْء، مثلا: إِذا قلت مَا الأنسان مَعْنَاهُ؟ مَا ذَاته وَحَقِيقَته؟ فَجَوَابه: حَيَوَان نَاطِق، وَقد يستفهم بهَا عَن صفة الشَّيْء نَحْو قلوه تَعَالَى: {وَمَا تِلْكَ بيمينك يَا مُوسَى} (طه: 71) . وَمَا لَوْنهَا؟ وَهَهُنَا أَيْضا قَوْله: مَا يقْرَأ؟ اسْتِفْهَام عَن صفة الْقِرَاءَة فِي رَكْعَتي الْفجْر هَل هِيَ قَصِيرَة أَو طَوِيلَة؟ فَقَوله: (خفيفتين) يدل على أَنَّهَا كَانَت قَصِيرَة، إِذْ لَو كَانَت طَوِيلَة لما وصفت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، بقولِهَا: (خفيفتين) .
وَأما تعْيين هَذِه الْقِرَاءَة فيهمَا فقد علم بِأَحَادِيث أُخْرَى. مِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْن عمر، أخرجه التِّرْمِذِيّ فَقَالَ: حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان، وَأَبُو عمار قَالَا: حَدثنَا أَبُو أَحْمد الزبيرِي حَدثنَا سُفْيَان عَن أبي إِسْحَاق عَن مُجَاهِد (عَن ابْن عمر، قَالَ: رمقت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شهرآ فَكَانَ يقْرَأ فِي رَكْعَتي الْفجْر: قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ، وَقل هُوَ الله أحد) . وَقَالَ: حَدِيث ابْن عمر حَدِيث حسن، وَأَبُو أَحْمد الزبيرِي ثِقَة حَافظ، واسْمه: مُحَمَّد بن عبد الله بن الزبير الْأَسدي الْكُوفِي. وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن أَحْمد بن سِنَان وَمُحَمّد بن عبَادَة كِلَاهُمَا عَن أبي أَحْمد الزبيرِي، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من رِوَايَة عمار بن زُرَيْق عَن أبي إِسْحَاق فَزَاد فِي إِسْنَاده إِبْرَاهِيم بن مهَاجر بَين أبي إِسْحَاق وَبَين مُجَاهِد. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا من رِوَايَة عَاصِم ابْن بَهْدَلَة عَن ذَر وَأبي وَائِل، (عَن عبد الله قَالَ: مَا أحصي مَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ قبل صَلَاة الْفجْر: بقل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ، وَقل هُوَ الله أحد) . وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أخرجه الْبَزَّار من رِوَايَة مُوسَى بن خلف عَن قَتَادَة (عَن أنس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي رَكْعَتي الْفجْر: قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ وَقل هُوَ الله أحد) ، وَرِجَال إِسْنَاده ثِقَات. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة: أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة يزِيد ابْن كيسَان عَن أبي حَازِم (عَن أبي هُرَيْرَة: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَرَأَ فِي رَكْعَتي الْفجْر: قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ وَقل هُوَ الله أحد) . وَلأبي هُرَيْرَة حَدِيث آخر رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة أبي الْغَيْب، واسْمه: سَالم، (عَن أبي هُرَيْرَة: أَنه سمع النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يقْرَأ فِي رَكْعَتي الْفجْر: {قل آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْنَا} (آل عمرَان: 48) . فِي الرَّكْعَة الأولى وبهذه الْآيَة {رَبنَا آمنا بِمَا أنزلت وَاتَّبَعنَا الرَّسُول فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين} (آل عمرَان: 35) . أَو {إِنَّا أَرْسَلْنَاك بِالْحَقِّ بشيرا وَنَذِيرا وَلَا تسْأَل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم} (الْبَقَرَة: 911 وفاطر: 42) . شكّ من الرَّاوِي. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس: أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة سعيد بن يسَار (عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يقْرَأ فِي رَكْعَتي الْفجْر: {قُولُوا آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْنَا} (الْبَقَرَة: 631) . وَالَّتِي فِي آل عمرَان: {تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم} (آل عمرَان: 46) . لفظ مُسلم وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد (إِن كثيرا مِمَّا كَانَ يقْرَأ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي رَكْعَتي الْفجْر {قُولُوا آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْنَا} (الْبَقَرَة: 631) . الْآيَة، قَالَ: هَذِه فِي الرَّكْعَة الأولى، وَفِي الرَّكْعَة الْآخِرَة: {آمنا بِاللَّه وَأشْهد بِأَنا مُسلمُونَ} (آل عمرَان: 252 والمائدة: 111) . وَقَالَ النَّسَائِيّ: كَانَ يقْرَأ فِي رَكْعَتي الْفجْر فِي الأولى مِنْهُمَا الْآيَة الَّتِي فِي الْبَقَرَة: {قُولُوا آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْنَا} (الْبَقَرَة: 631) . وَالْبَاقِي نَحوه. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ عبد الله بن جَعْفَر: أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من رِوَايَة أَصْرَم بن حَوْشَب عَن إِسْحَاق بن وَاصل عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ (عَن عبد الله بن جَعْفَر، قَالَ: كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْفجْر والركعتين، بعد الْمغرب،: قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ، وَقل هُوَ الله أحد) . وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ جَابر بن عبد الله: أخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) من رِوَايَة طَلْحَة بن خِدَاش (عَن جَابر بن عبد الله: أَن رجلا قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتي الْفجْر، فَقَرَأَ فِي الأولى: قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ، حَتَّى انْقَضتْ السُّورَة، فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَذَا عبد عرف ربه، وَقَرَأَ فِي الْآخِرَة: قل هُوَ الله أحد، حَتَّى انْقَضتْ السُّورَة، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَذَا عبد آمن بربه. قَالَ طَلْحَة: فَأَنا أحب أَقرَأ بِهَاتَيْنِ السورتين فِي هَاتين الرَّكْعَتَيْنِ) .
وَأما رجال حَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور فقد ذكرُوا غير مرّة.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن القعْنبِي، وَالنَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة كِلَاهُمَا عَن(7/229)
مَالك بِهِ.
قَوْله: (ثَلَاث عشرَة رَكْعَة. .) إِلَى آخِره، يدل على أَن رَكْعَتي الْفجْر خَارِجَة من الثَّلَاث عشرَة، وَقد تقدم فِي أول صَلَاة اللَّيْل أَنا دَاخِلَة فِيهَا، وَذكر فِي: بَاب قيام النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه مَا كَانَ يزِيد فِي رَمَضَان وَلَا غَيره على إِحْدَى عشرَة رَكْعَة. وَقد مر التَّوْفِيق بَين هَذِه الرِّوَايَات فِيمَا مضى.
1711 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا غُنْدُرٌ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ قَالَ حدَّثَنَا شُعْبَةُ عنْ مُحَمَّدِ ابنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ عَمَّتِهِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (ح) وحدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ قَالَ حَدثنَا زُهَيْرٌ قَالَ حَدثنَا يَحْيى هُوَ ابنُ سَعِيدٍ عنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ عَمْرَةَ عنْ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ حَتَّى إنِّي لأَقُولُ هَلْ قَرَأ بِأُمِّ الكِتَابِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة توجه بِالْوَجْهِ الَّذِي ذَكرْنَاهُ للْحَدِيث السَّابِق.
ذكر رِجَاله: وهم تِسْعَة، لِأَنَّهُ رَوَاهُ من طَرِيقين: الأول: مُحَمَّد بن بشار، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة، وَقد تكَرر ذكره. الثَّانِي: غنْدر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال وَضمّهَا فِي آخِره رَاء، وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر أبي عبد الله الْهُذلِيّ صَاحب الكرابيس. الثَّالِث: شُعْبَة ابْن الْحجَّاج. الرَّابِع: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة، وَيُقَال ابْن أبي زُرَارَة الْأنْصَارِيّ البُخَارِيّ، وَيُقَال مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة، قَالَ كَاتب الْوَاقِدِيّ: توفّي سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَة. الْخَامِس: عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة. السَّادِس: أَحْمد بن يُونُس، هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس بن عبد الله بن قيس أَبُو عبد الله التَّمِيمِي الْيَرْبُوعي. السَّابِع: زُهَيْر بن مُعَاوِيَة الْجعْفِيّ. الثَّامِن: يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ. التَّاسِع: أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي سِتَّة مَوَاضِع. وَفِيه العنعنة فِي سِتَّة مَوَاضِع وَفِيه: القَوْل فِي سِتَّة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن مُحَمَّد بن بشار وغندر بصريان، وَشعْبَة واسطي، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن وَيحيى بن سعيد مدنيان، وَأحمد بن يُونُس وَزُهَيْر كوفيان. وَفِيه: عَن عمته عمْرَة أَي: عَن عمَّة مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد، وَعمرَة بنت عبد الرَّحْمَن بن سعد، تكون عمَّة أَبِيه لَا عمَّة نَفسه. وَفِيه: وَحدثنَا أَحْمد بن يُونُس، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر، قَالَ: وَحدثنَا أبي، قَالَ البُخَارِيّ: وَحدثنَا أَحْمد، وَفِيه أحد الروَاة مَذْكُور بلقبه، وراويان مذكوران بِلَا نِسْبَة، وراو مَذْكُور بِنِسْبَة مفسرة. وَفِيه: فِي الطَّرِيق الثَّانِي: عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن يُونُس عَن عمْرَة، الظَّاهِر أَنه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور فِي الطَّرِيق الأول، وَذكر أَبُو مَسْعُود أَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث هُوَ أَبُو الرِّجَال مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن حَارِثَة بن النُّعْمَان، وَيُقَال: ابْن عبد الله بن حَارِثَة الْأنْصَارِيّ البُخَارِيّ، لقب بِأبي الرِّجَال لِأَن لَهُ عشرَة أَوْلَاد رجال، وجده حَارِثَة بَدْرِي، وَسبب اشْتِبَاه ذَلِك على أبي مَسْعُود أَنه روى عَن عمْرَة، وَعمرَة أمه، لكنه لم يرو عَنْهَا هَذَا الحَدِيث، وَلِأَنَّهُ روى عَنهُ يحيى بن سعيد، وَشعْبَة وَقد نبه على ذَلِك الْخَطِيب، فَقَالَ فِي حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن عمته عمْرَة عَن عَائِشَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْفجْر وَمن قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث: عَن شُعْبَة عَن أبي الرِّجَال مُحَمَّد ابْن عبد الرَّحْمَن فقد وهم، لِأَن شُعْبَة لم يرو عَن أبي الرِّجَال شَيْئا، وَكَذَلِكَ من قَالَ عَن شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن أمه عمْرَة، وَذكر الجياني أَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أَرْبَعَة من تَابِعِيّ أهل الْمَدِينَة، اسماؤهم مُتَقَارِبَة وطبقتهم وَاحِدَة وحديثهم مخرج فِي الْكِتَابَيْنِ: الأول: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان عَن جَابر، وَأبي سَلمَة، روى عَنهُ يحيى بن أبي كثير. وَالثَّانِي: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن نَوْفَل، أَبُو الْأسود يَتِيم عُرْوَة. وَالثَّالِث: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، يَعْنِي ابْن زُرَارَة. وَالرَّابِع: مُحَمَّد ابْن عبد الرَّحْمَن أَبُو الرِّجَال. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التابعية عَن الصحابية.(7/230)
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قبل الصُّبْح) أَي: قبل صَلَاة الصُّبْح وهما سنة صَلَاة الصُّبْح. قَوْله: (إِنِّي) ، بِكَسْر الْهمزَة. قَوْله: (لأقول) اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد. قَوْله: (بِأم الْقُرْآن) ، هَذَا فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ، وَفِي رِوَايَة غَيره: (بِأم الْكتاب) ، وَفِي رِوَايَة مَالك: (قَرَأَ بِأم الْقُرْآن أم لَا؟) وَأم الْقُرْآن: الْفَاتِحَة، سميت بِهِ لِأَن أم الشَّيْء أَصله، وَهِي مُشْتَمِلَة على كليات مَعَاني الْقُرْآن الثَّلَاث: مَا يتَعَلَّق بالمبدأ وَهُوَ الثَّنَاء على الله تَعَالَى، وبالمعاش وَهُوَ الْعِبَادَة، وبالمعاد وَهُوَ الْجَزَاء. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: لَيْسَ معنى قَول عَائِشَة: إِنِّي لأقول: هَل قَرَأَ بِأم الْقُرْآن؟ أَنَّهَا شكت فِي قِرَاءَته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنه كَانَ يُطِيل فِي النَّوَافِل، فَلَمَّا خفف فِي قِرَاءَة رَكْعَتي الْفجْر صَار كَأَنَّهُ لم يقْرَأ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيرهمَا من الصَّلَوَات. قلت: كلمة: هَل، حرف مَوْضُوع لطلب التَّصْدِيق الإيجابي دون التصوري وَدون التَّصْدِيق السلبي، فَدلَّ هَذَا على أَنَّهَا مَا شكت فِي قِرَاءَته مُطلقًا، وتقييدها بِالْفَاتِحَةِ من أَيْن؟ وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى عَن قريب.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: الْمُبَالغَة فِي تَخْفيف رَكْعَتي الصُّبْح، وَلكنهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَادَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من إطالته صَلَاة اللَّيْل، وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الْقِرَاءَة فِي رَكْعَتي الْفجْر على أَرْبَعَة مَذَاهِب حَكَاهَا الطَّحَاوِيّ. أَحدهَا: لَا قِرَاءَة فيهمَا، كَمَا ذكرنَا فِي أول الْبَاب عَن جمَاعَة. الثَّانِي: يُخَفف الْقِرَاءَة فيهمَا بِأم الْقُرْآن خَاصَّة، رُوِيَ ذَلِك عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَهُوَ مَشْهُور مَذْهَب مَالك. الثَّالِث: يُخَفف بِقِرَاءَة أم الْقُرْآن وَسورَة قَصِيرَة، رَوَاهُ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. الرَّابِع: لَا بَأْس بتطويل الْقِرَاءَة فيهمَا، رُوِيَ ذَلِك عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَمُجاهد، وَعَن أبي حنيفَة: رُبمَا قَرَأت فيهمَا حزبين من الْقُرْآن، وَهُوَ قَول أَصْحَابنَا. وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: الْمُسْتَحبّ قِرَاءَة سُورَة الْإِخْلَاص فِي رَكْعَتي الْفجْر، وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنهُ ذَلِك من الصَّحَابَة: عبد الله بن مَسْعُود، وَمن التَّابِعين: سعيد بن جُبَير وَمُحَمّد بن سِيرِين وَعبد الرَّحْمَن بن يزِيد النَّخعِيّ وسُويد بن غَفلَة وغينم بن قيس، وَمن الْأَئِمَّة: الشَّافِعِي، فَإِنَّهُ نَص عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيّ وَقَالَ مَالك: أما أَنا فَلَا أَزِيد فيهمَا على أم الْقُرْآن فِي كل رَكْعَة رَوَاهُ عَنهُ ابْن الْقَاسِم، وروى ابْن وهب عَنهُ أَنه لَا يقْرَأ فيهمَا إلاَّ بِأم الْقُرْآن. وَحكى ابْن عبد الْبر عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: لَا بَأْس أَن يقْرَأ مَعَ أم الْقُرْآن سُورَة قَصِيرَة. قَالَ: روى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَيْضا مثله.
ثمَّ إِن الْحِكْمَة فِي تخفيفه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتي الْفجْر الْمُبَادرَة إِلَى صَلَاة الصُّبْح فِي أول الْوَقْت، وَبِه جزم صَاحب الْمُفْهم، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ استفتاح صَلَاة النَّهَار بِرَكْعَتَيْنِ خفيفتين، كَمَا كَانَ يستفتح قيام اللَّيْل بِرَكْعَتَيْنِ خفيفتين، ليتأهب ويستعد للتفرغ للْفَرض أَو لقِيَام اللَّيْل الَّذِي هُوَ أفضل الصَّلَوَات بعد المكتوبات، كَمَا ثَبت فِي (صَحِيح مُسلم) وَخص بعض الْعلمَاء اسْتِحْبَاب التَّخْفِيف فِي رَكْعَتي الْفجْر بِمن لم يتَأَخَّر عَلَيْهِ بعض حزبه الَّذِي اعْتَادَ الْقيام بِهِ فِي اللَّيْل، فَإِن بَقِي عَلَيْهِ شَيْء قَرَأَ فِي رَكْعَتي الْفجْر، فروى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: لَا بَأْس أَن يُطِيل رَكْعَتي الْفجْر يقْرَأ فيهمَا من حزبه إِذا فَاتَهُ، وَعَن مُجَاهِد أَيْضا قَالَ: لَا بَأْس أَن يُطِيل رَكْعَتي الْفجْر. وَقَالَ الثَّوْريّ: إِن فَاتَهُ شَيْء من حزبه بِاللَّيْلِ فَلَا بَأْس أَن يقْرَأ فيهمَا وَيطول. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: رُبمَا قَرَأت فِي رَكْعَتي الْفجْر حزبي من اللَّيْل، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وروى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) مُرْسلا من رِوَايَة سعيد بن جُبَير، قَالَ: (كَانَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رُبمَا أَطَالَ رَكْعَتي الْفجْر) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا، وَفِي إِسْنَاده رجل من الْأَنْصَار لم يسم.
فَائِدَة: التَّطْوِيل فِي الصَّلَاة مرغب فِيهِ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح (أفضل الصَّلَاة طول الْقُنُوت) ، وَلقَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَيْضا فِي الصَّحِيح: (إِن طول صَلَاة الرجل سمة من فقهه) أَي: عَلامَة، وَلقَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الحَدِيث الصَّحِيح أَيْضا (إِذا صلى أحدكُم لنَفسِهِ فليطول مَا شَاءَ) إلاَّ أَنه قد اسْتثْنى من ذَلِك مَوَاضِع اسْتحبَّ الشَّارِع فِيهَا التَّخْفِيف: مِنْهَا: رَكعَتَا الْفجْر لما ذكرنَا. وَمِنْهَا: تَحِيَّة الْمَسْجِد إِذا دخل يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام يخْطب ليتفرغ لسَمَاع الْخطْبَة، وَهَذِه مُخْتَلف فِيهَا. وَمِنْهَا: استفتاح صَلَاة اللَّيْل بِرَكْعَتَيْنِ خفيفتين، وَذَلِكَ للتعجيل بِحل عقد الشَّيْطَان، فَإِن الْعقْدَة الثَّالِثَة تنْحَل بِصَلَاة رَكْعَتَيْنِ، فَلذَلِك أَمر بِهِ، وَأما فعله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذَلِك فللتشريع ليقتدى بِهِ وإلاَّ فَهُوَ مَعْصُوم مَحْفُوظ من الشَّيْطَان، وَأما تَخْفيف الإِمَام فقد علله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بقوله: (فَإِن وَرَاءه السقيم والضعيف وَذَا الْحَاجة) ، وَالله تَعَالَى أعلم بِحَقِيقَة الْحَال، وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب.(7/231)
(كتاب التَّطَوُّعِ)
أَي: هَذِه أَبْوَاب فِي بَيَان أَحْكَام التَّطَوُّع من الصَّلَوَات وَلَا تُوجد هَذِه التَّرْجَمَة فِي غَالب نسخ البُخَارِيّ، وَهِي تَنْفَع وَلَا تضر.
92 - (بابُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّطَوُّع من الصَّلَوَات بعد الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة، أَي: الْفَرِيضَة، وَاكْتفى بِقَيْد البعيدية مَعَ أَن فِي أَحَادِيث هَذِه الْأَبْوَاب بَيَان التَّطَوُّع قبل الْفَرِيضَة أَيْضا إِلَى شدَّة احْتِيَاج الاهتمام فِي أَدَاء التطوعات بعد الْفَرَائِض، أَو هُوَ من بَاب الِاكْتِفَاء كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {سرابيل تقيكم الْحر} (النَّحْل: 18) . .
2711 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيى بنُ سَعِيدٍ عنْ عُبَيْدِ الله قَالَ أخبرنَا نافِعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وسَجْدَتَيْنِ بعْدَ الظهْرِ وسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ وسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ وسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الجُمُعَةِ فأمَّا المَغْرِبُ وَالعِشَاءُ فَفِي بَيْتِهِ. قَالَ ابنُ أبي الزِّنَادِ عنْ مُوسَى بنِ عُقْبَةَ عَنْ نافِعٍ بَعْدَ العِشَاءِ فِي أهْلِهِ. تابَعَهُ كَثِيرُ بنُ فَرْقَدٍ وأيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ. وحدَّثتني أُخْتِي حَفْصَةُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَعْدَ مَا يَطْلُعُ الفَجْرُ وكانَتْ سَاعَةً لاَ أدْخُلُ عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا.
(أنظر الحَدِيث 816 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن البعدية مَذْكُورَة فِيهِ فِي خَمْسَة مَوَاضِع.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة ذكرُوا غير مرّة، وَيحيى بن سعيد الْقطَّان، وَعبيد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم
وَأخرجه مُسلم عَن زُهَيْر بن حَرْب وَعبيد الله بن سعيد، قَالَا: حَدثنَا يحيى وَهُوَ ابْن سعيد عَن عبيد الله قَالَ أَخْبرنِي نَافِع عَن ابْن عمر وحَدثني أَبُو بكر بن أبي شيبَة قَالَ حَدثنَا أَبُو أُسَامَة، قَالَ: حَدثنَا عبيد الله عَن نَافِع (عَن ابْن عمر قَالَ: صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل الظّهْر سَجْدَتَيْنِ وَبعدهَا سَجْدَتَيْنِ، وَبعد الْمغرب سَجْدَتَيْنِ وَبعد الْعشَاء سَجْدَتَيْنِ، وَبعد الْجُمُعَة سَجْدَتَيْنِ، فَأَما الْمغرب وَالْعشَاء وَالْجُمُعَة فَصليت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيته) . وَقد مر حَدِيث ابْن عمر أَيْضا فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّع مثنى مثنى، رَوَاهُ عَن يحيى بن بكير عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن سَالم (عَن عبد الله بن عمر قَالَ: صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. .) الحَدِيث، وَسَيَأْتِي بعد أَرْبَعَة أَبْوَاب فِي: بَاب الرَّكْعَتَيْنِ قبل الظّهْر، فَإِنَّهُ رَوَاهُ هُنَاكَ: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن نَافِع (عَن ابْن عمر قَالَ: حفظت من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشر رَكْعَات. .) الحَدِيث، وَقد مر حَدِيث ابْن عمر أَيْضا فِي كتاب الْجُمُعَة فِي: بَاب الصَّلَاة بعد الْجُمُعَة وَقبلهَا، فَإِنَّهُ رَوَاهُ هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن نَافِع (عَن ابْن عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي قبل الظّهْر رَكْعَتَيْنِ. .) الحَدِيث. وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، المُرَاد من الْمَعِيَّة هَذِه مُجَرّد الْمُتَابَعَة فِي الْعدَد، وَهُوَ أَن ابْن عمر صلى رَكْعَتَيْنِ وَحده كَمَا صلى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيْنِ لَا أَنه اقْتدى بِهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فيهمَا. قَوْله: (سَجْدَتَيْنِ) أَي: رَكْعَتَيْنِ، عبر عَن الرُّكُوع بِالسُّجُود. قَوْله: (فَأَما الْمغرب) أَي: فَأَما سنة الْمغرب، وَكلمَة: أما، للتفصيل وقسيمها مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ السِّيَاق أَي: وَأما الْبَاقِيَة فَفِي الْمَسْجِد. فَإِن قلت: فِي رِوَايَته عَن ابْن عمر فِي: بَاب الصَّلَاة بعد الْجُمُعَة. (وَكَانَ لَا يُصَلِّي بعد الْجُمُعَة حَتَّى ينْصَرف فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ) ، وَهَهُنَا: (وسجدتين بعد الْجُمُعَة) ، يَعْنِي: وَيُصلي رَكْعَتَيْنِ بعد صَلَاة الْجُمُعَة، فَبين الرِّوَايَتَيْنِ تنافٍ ظَاهرا؟ قلت: قَوْله: (حَتَّى ينْصَرف) ، من الِانْصِرَاف عَن الشَّيْء وَهُوَ أَعم من الِانْصِرَاف إِلَى الْبَيْت، وَلَئِن سلمنَا فالاختلاف إِنَّمَا كَانَ لبَيَان جَوَاز الْأَمريْنِ. قَوْله: (وحدثتني أُخْتِي حَفْصَة) أَي: قَالَ ابْن عمر: حَدَّثتنِي أُخْتِي حَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (سَجْدَتَيْنِ) فِي رِوَايَة الْكشميهني: (رَكْعَتَيْنِ) . قَوْله: (وَكَانَت سَاعَة) أَي: كَانَت السَّاعَة(7/232)
الَّتِي بعد طُلُوع الْفجْر سَاعَة لَا يدْخل أحد على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا، وَقَائِل ذَلِك هُوَ ابْن عمر أَيْضا، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن يشْتَغل فِيهَا بالخلائق.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن السّنة قبل الظّهْر رَكْعَتَانِ، وَلَكِن روى البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن الْمُنْتَشِر (عَن عَائِشَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يدع أَرْبعا قبل الظّهْر) . وروى مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ من رِوَايَة خَالِد الْحذاء (عَن عبد الله بن شَقِيق، قَالَ: سَأَلت عَائِشَة عَن صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن تطوعه؟ فَقَالَت: كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قبل الظّهْر أَرْبعا) . وروى التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة عَاصِم بن حَمْزَة (عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي قبل الظّهْر أَرْبعا وَبعدهَا رَكْعَتَيْنِ) . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث عَليّ حَدِيث حسن، وَقَالَ أَيْضا: وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أَكثر أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمن بعده يختارون أَن يُصَلِّي الرجل قبل الظّهْر أَربع رَكْعَات، وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن الْمُبَارك وَإِسْحَاق، وروى مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه حَدِيث أم حَبِيبَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من صلى فِي يَوْم ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة تَطَوّعا بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة) ، وَزَاد التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ: (أَرْبعا قبل الظّهْر وَرَكْعَتَيْنِ بعْدهَا وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء وَرَكْعَتَيْنِ قبل صَلَاة الْغَدَاة) . وللنسائي فِي رِوَايَة: (وَرَكْعَتَيْنِ قبل الْعَصْر) بدل: (وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء) ، وَكَذَلِكَ عِنْد ابْن حبَان فِي صَحِيحه، وَرَوَاهُ عَن ابْن خُزَيْمَة بِسَنَدِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) وَقَالَ: صَحِيح على شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ، وَجمع الْحَاكِم فِي لَفظه بَين الرِّوَايَتَيْنِ فَقَالَ فِيهِ: (وَرَكْعَتَيْنِ قبل الْعَصْر وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء) . وَكَذَلِكَ عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه) وَاحْتج أَصْحَابنَا بِهَذَا الحَدِيث أَن السّنَن الْمُؤَكّدَة فِي الصَّلَوَات الْخمس اثْنَتَا عشرَة: رَكْعَتَانِ قبل الْفجْر وَأَرْبع قبل الظّهْر وَبعدهَا رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ وركعتان بعد الْمغرب وَبعد الْعشَاء، وَقَالَ الرَّافِعِيّ: ذهب الْأَكْثَرُونَ، يَعْنِي من أَصْحَاب الشَّافِعِي، إِلَى أَن الرَّوَاتِب عشر رَكْعَات، وَهِي: رَكْعَتَانِ قبل الصُّبْح، وركعتان قبل الظّهْر وركعتان بعْدهَا، وركعتان بعد الْمغرب وركعتان بعد الْعشَاء. قَالَ: وَمِنْهُم من زَاد على الْعشْر رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ قبل الظّهْر بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من ثابر على اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة من السّنة بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة) .
وَفِيه: (سَجْدَتَيْنِ بعد الظّهْر) يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ، وَقد روى أَبُو دَاوُد من رِوَايَة عَنْبَسَة بن أبي سُفْيَان، قَالَ قَالَت أم حَبِيبَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من حَافظ على أَربع رَكْعَات قبل الظّهْر وَأَرْبع بعْدهَا حرم على النَّار) ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَيْضا. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب، والتوفيق بَين الْحَدِيثين أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بعد الظّهْر رَكْعَتَيْنِ مرّة، وَصلى بعد الظّهْر أَرْبعا مرّة، بَيَانا للْجُوَاز، وَاخْتِلَاف الْأَحَادِيث فِي الْأَعْدَاد مَحْمُول على توسعة الْأَمر فِيهَا، وَأَن لَهَا أقل وَأكْثر فَيحصل أقل السّنة بِالْأَقَلِّ، وَلَكِن الِاخْتِيَار فعل الْأَكْثَر الْأَكْمَل، وَقد عد جمع من الشَّافِعِيَّة الْأَرْبَع قبل الظّهْر من الرَّوَاتِب وَحكى عَن الرَّافِعِيّ أَنه حكى عَن الْأَكْثَرين أَن راتبة الظّهْر رَكْعَتَانِ قبلهَا وركعتان بعْدهَا، وَمِنْهُم من قَالَ: رَكْعَتَانِ من الْأَرْبَع بعْدهَا راتبة وركعتان مُسْتَحبَّة بِاتِّفَاق الْأَصْحَاب. وَمذهب الشَّافِعِي فِي هَذَا الْبَاب أَن السّنَن عِنْد الصَّلَوَات الْخمس عشر رَكْعَات: قبل الظّهْر رَكْعَتَانِ، وَقد مر عَن قريب، وَبِه قَالَ أَحْمد وَمن الشَّافِعِيَّة من قَالَ أدنى الْكَمَال ثَمَان فأسقط سنة الْعشَاء، وَقَالَ النَّوَوِيّ: نَص عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيّ، وَمِنْهُم من قَالَ: اثْنَتَا عشرَة رَكْعَة، فَجعل قبل الظّهْر أَرْبعا، والأكمل عِنْد الشَّافِعِيَّة ثَمَانِي عشرَة رَكْعَة، زادوا: قبل الْمغرب رَكْعَتَيْنِ وَبعدهَا رَكْعَتَيْنِ وأربعا قبل الْعَصْر. وَفِي (الْمُهَذّب) : أدنى الْكَمَال عشر رَكْعَات، وَأتم الْكَمَال ثَمَانِي عشرَة، وَفِي اسْتِحْبَاب الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب وَجْهَان: قيل باستحبابهما وَقيل لَا تستحبان، وَبِه قَالَ أَصْحَابنَا، ثمَّ الْأَرْبَع قبل الظّهْر بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة عندنَا لما روى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أَربع قبل الظّهْر لَيْسَ فِيهِنَّ تَسْلِيم تفتح لَهُنَّ أَبْوَاب السَّمَاء) ، وَعند الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: يُصليهَا بتسليمتين، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يصليهن بتسليمتين) ، وَالْجَوَاب عَنهُ أَن معنى قَوْله: (بتسليمتين) يَعْنِي بتشهدين، فَسمى التَّشَهُّد تَسْلِيمًا لما فِيهِ من السَّلَام، كَمَا سمى التَّشَهُّد لما فِيهِ من الشَّهَادَة، وَقد رُوِيَ هَذَا التَّأْوِيل عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَفِيه (وسجدتين بعد الْمغرب) أَي: وَرَكْعَتَيْنِ بعد صَلَاة الْمغرب، وروى أَبُو دَاوُد من رِوَايَة عبد الله بن بُرَيْدَة عَن عبد الله الْمُزنِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (صلوا قبل الْمغرب رَكْعَتَيْنِ. .) الحَدِيث، وَاخْتلف السّلف فِي النَّفْل قبل الْمغرب، فَأَجَازَهُ طَائِفَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاء وحجتهم(7/233)
هَذَا الحَدِيث، وَرُوِيَ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وَغَيرهم أَنهم كَانُوا لَا يصلونها، وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: هِيَ بِدعَة، والْحَدِيث مَحْمُول على أَنه كَانَ فِي أول الْإِسْلَام ليتبين خُرُوج الْوَقْت الْمنْهِي عَن الصَّلَاة فِيهِ بمغيب الشَّمْس.
وَفِيه: (وسجدتين بعد الْعشَاء) ، أَي: وَرَكْعَتَيْنِ بعد صَلَاة الْعشَاء، وَرُوِيَ سعيد بن مَنْصُور فِي (سنَنه) من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من صلى قبل الظّهْر أَرْبعا كَانَ كَأَنَّمَا تهجد من ليلته، وَمن صَلَّاهُنَّ بعد الْعشَاء كَانَ كمثلهن من لَيْلَة الْقدر) . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من قَول عَائِشَة: (قَالَت: من صلى أَرْبعا بعد الْعشَاء كَانَ كمثلهن من لَيْلَة الْقدر) . وَفِي (الْمَبْسُوط) : لَو صلى أَرْبعا بعد الْعشَاء فَهُوَ أفضل، لحَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا وموقوفا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من صلى بعد الْعشَاء أَربع رَكْعَات كن كمثلهن من لَيْلَة الْقدر) .
وَفِيه (وسجدتين بعد الْجُمُعَة) ، أَي: وَرَكْعَتَيْنِ بعد صَلَاة الْجُمُعَة: وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من كَانَ مِنْكُم مُصَليا بعد الْجُمُعَة فَليصل أَرْبعا) ، قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَرَوَاهُ مُسلم أَيْضا وَبَقِيَّة الْأَرْبَعَة، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد بعض أهل الْعلم، وَرُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه كَانَ يُصَلِّي قبل الْجُمُعَة أَرْبعا وَبعدهَا أَرْبعا، وَقد رُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه أَمر أَن يُصَلِّي بعد الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أَرْبعا، وَذهب سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن الْمُبَارك إِلَى قَول ابْن مَسْعُود، وَقَالَ إِسْحَاق: إِن صلى فِي الْمَسْجِد يَوْم الْجُمُعَة صلى أَرْبعا، وَإِن صلى فِي بَيته صلى رَكْعَتَيْنِ، وَمِمَّنْ فعل من الصَّحَابَة رَكْعَتَيْنِ بعد الْجُمُعَة عمرَان بن حُصَيْن، وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن الشَّافِعِي وَأحمد، قَالَ شَيخنَا: وَلم يرد الشَّافِعِي وَأحمد بذلك إلاَّ بَيَان أقل مَا يسْتَحبّ وإلاَّ فقد استحبها أَكثر من ذَلِك، فنص الشَّافِعِي فِي (الْأُم) على أَنه يُصَلِّي بعد الْجُمُعَة أَربع رَكْعَات، ذكره فِي: بَاب صَلَاة الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ من اخْتِلَاف عَليّ وَابْن مَسْعُود، وَلَيْسَ ذَلِك اخْتِلَاف قَول عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان الأولى والأكمل كَمَا فِي سنة الظّهْر، وَقد صرح بِهِ صَاحب (الْمُهَذّب) وَالنَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) وَفِي (التَّحْقِيق) . وَأما أَحْمد فَنقل عَنهُ ابْن قدامَة فِي (الْمُغنِي) أَنه قَالَ: إِن شَاءَ صلى بعد الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ وَإِن شَاءَ صلى أَرْبعا، وَفِي رِوَايَة عَنهُ: وَإِن شَاءَ سِتا وَكَانَ ابْن مَسْعُود وَالنَّخَعِيّ وَأَصْحَاب الرَّأْي يرَوْنَ أَن يُصَلِّي بعْدهَا أَرْبعا لحَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَعَن عَليّ وَأبي مُوسَى وَعَطَاء وَمُجاهد وَحميد بن عبد الرَّحْمَن وَالثَّوْري أَنه يُصَلِّي سِتا.
وَفِيه: قَول ابْن عمر: (فَأَما الْمغرب وَالْعشَاء فَفِي بَيته أَرْبعا) وَقد اخْتلف فِي ذَلِك، فروى قوم من السّلف، مِنْهُم: زيد بن ثَابت وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف، أَنَّهُمَا كَانَا يركعان رَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب فِي بيوتهما، وَقَالَ الْعَبَّاس بن سهل بن سعد: لقد أدْركْت زمن عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،. وَإِنَّا لنسلم من الْمغرب فَلَا أرى رجلا وَاحِدًا يُصَلِّيهمَا فِي الْمَسْجِد: كَانُوا يبتدرون أَبْوَاب الْمَسْجِد فيصلونهما فِي بُيُوتهم. وَقَالَ مَيْمُون بن مهْرَان: إِنَّهُم كَانُوا يؤخرون الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب إِلَى بُيُوتهم، وَكَانُوا يؤخرونها حَتَّى تشتبك النُّجُوم،، وَرُوِيَ عَن طَائِفَة أَنهم كَانُوا يتنفلون النَّوَافِل كلهَا فِي بُيُوتهم دون الْمَسْجِد، وَرُوِيَ عَن عُبَيْدَة أَنه كَانَ لَا يُصَلِّي بعد الْفَرِيضَة شَيْئا حَتَّى يَأْتِي أَهله، وَقَالَ ابْن بطال: قيل: إِنَّمَا كره الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد لِئَلَّا يرى جَاهِل عَالما يُصليهَا فِيهِ فيراها فَرِيضَة، أَو لِئَلَّا يخلي منزله من الصَّلَاة فِيهِ، أَو حذرا على نَفسه من الرِّيَاء، فَإِذا سلم من ذَلِك فَالصَّلَاة فِي الْمَسْجِد حَسَنَة، وَقد بَين بَعضهم عِلّة كَرَاهَة من كرهه، وَمن ذَلِك مَا قَالَه مَسْرُوق، قَالَ: كُنَّا نَقْرَأ فِي الْمَسْجِد فنقوم نصلي فِي الصَّفّ، قَالَ عبد الله: صلوا فِي بُيُوتكُمْ لَا يرونكم النَّاس فيرون أَنَّهَا سنة.
فَائِدَة: لَيْسَ فِي حَدِيث ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، الْمَذْكُور النَّفْل قبل الْعَصْر، وروى أَبُو دَاوُد عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (رحم الله امْرأ صلى قبل الْعَصْر أَرْبعا) ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب حسن، وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) : وروى التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (كَانَ يُصَلِّي قبل الْعَصْر أَربع رَكْعَات يفصل بَينهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ على الْمَلَائِكَة المقربين وَمن تَبِعَهُمْ من الْمُسلمين وَالْمُؤمنِينَ) . وَقَالَ: حَدِيث عَليّ حَدِيث حسن، وَأخرجه بَقِيَّة أَصْحَاب السّنَن مَعَ اخْتِلَاف، وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث مُجَاهِد، (عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، قَالَ: جِئْت وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاعد فِي أنَاس من أَصْحَابه، مِنْهُم عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فأدركت آخر الحَدِيث وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من صلى أَربع رَكْعَات قبل الْعَصْر لم تمسه النَّار) ، وَفِيه عبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق ضَعِيف، وروى أَبُو نعيم من حَدِيث الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من صلى قبل الْعَصْر أَربع رَكْعَات غفر الله عز وَجل لَهُ مغْفرَة عزما) ، وَالْحسن لم يسمع من أبي هُرَيْرَة على الصَّحِيح، وروى أَبُو يعلى من حَدِيث عبد الله بن عَنْبَسَة، يَقُول:(7/234)
سَمِعت أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان تَقول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من حَافظ على أَربع رَكْعَات قبل الْعَصْر بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة) ، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة عَطاء بن أبي رَبَاح عَن أم سَلمَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من صلى أَربع رَكْعَات قبل الْعَصْر حرم الله بدنه على النَّار) ، وَقَالَ شَيخنَا: وَفِيه اسْتِحْبَاب أَربع رَكْعَات قبل الْعَصْر، وَهُوَ كَذَلِك، وَقَالَ صَاحب (الْمُهَذّب) : إِن الْأَفْضَل أَن يُصَلِّي قبلهَا أَرْبعا، قَالَ النَّوَوِيّ فِي (شَرحه) : إِنَّهَا سنة، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي الْمُؤَكّد مِنْهُ. وَقَالَ فِي (شرح مُسلم) : إِنَّه لَا خلاف فِي استحبابها عِنْد أَصْحَابنَا، وَجزم الشَّيْخ فِي التَّنْبِيه بِأَن من الرَّوَاتِب قبل الْعَصْر أَربع رَكْعَات، وَمِمَّنْ كَانَ يُصليهَا أَرْبعا من الصَّحَابَة: عَليّ بن أبي طَالب، وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: كَانُوا يصلونَ أَرْبعا قبل الْعَصْر، وَلَا يرونها من السّنة، وَمِمَّنْ كَانَ لَا يُصَلِّي قبل الْعَصْر شَيْئا: سعيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَقيس بن أبي حَازِم وَأَبُو الْأَحْوَص، وَسُئِلَ الشّعبِيّ عَن الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْعَصْر؟ فَقَالَ: إِن كنت تعلم أَنَّك تصليهما قبل أَن تقيم فصل، وَكَلَام الشّعبِيّ يدل على أَنهم كَانُوا يعجلون صَلَاة الْعَصْر، وَأَن من ترك الصَّلَاة قبلهَا إِنَّمَا كَانَ خشيَة أَن تُقَام الصَّلَاة وَهُوَ فِي النَّافِلَة، وَقَالَ مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ: وَالصَّوَاب عندنَا أَن الْأَفْضَل فِي التَّنَفُّل قبل الْعَصْر بِأَرْبَع رَكْعَات لصِحَّة الْخَبَر بذلك عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
تابَعَهُ كَثِيرُ بنُ فَرْقَدٍ وَأيُّوبُ عنْ نَافِعٍ
أَي: تَابع عبيد الله الْمَذْكُور كثير بن فرقد، وَكثير ضد الْقَلِيل، وفرقد، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْقَاف، وَقد مر فِي: بَاب النَّحْر بالمصلى.
قَوْله: (وَأَيوب) أَي: تَابعه أَيْضا أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، وَسَتَأْتِي هَذِه الْمُتَابَعَة بعد أَرْبَعَة أَبْوَاب، فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن نَافِع (عَن ابْن عمر، قَالَ: حفظت من النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الحَدِيث.
وَقَالَ ابنُ أبِي الزِّنَادِ عنْ مُوسى بنِ عُقْبَةَ عنْ نَافِعٍ بَعْدَ العِشَاءِ فِي أهْلِهِ
ابْن أبي الزِّنَاد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف النُّون: وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، وَأَبُو الزِّنَاد اسْمه عبد الله بن ذكْوَان، ومُوسَى بن عقبَة، بِضَم الْعين وَسُكُون الْقَاف، مر فِي: بَاب إسباغ الْوضُوء. قَوْله: (عَن نَافِع) أَي: عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: (بعد الْعشَاء فِي أَهله) بدل قَوْله: (فِي بَيته) ، فِي حَدِيث الْبَاب، وَقَوله: (تَابعه كثير) إِلَى آخِره. قَوْله: (وَقَالَ ابْن أبي الزِّنَاد) ، هَكَذَا وَقع فِي عدَّة نسخ، وَكَذَا ذكره أَبُو نعيم فِي مستخرجه، وَوَقع فِي بعض النّسخ بعد. قَوْله: (فَأَما الْمغرب وَالْعشَاء فَفِي بَيته، قَالَ ابْن أبي الزِّنَاد) إِلَى آخِره، وَبعد قَوْله: (تَابعه كثير بن فرقد وَأَيوب عَن نَافِع) . فَافْهَم.
03 - (بابُ مَنْ لَمْ يَتَطَوَّع بَعْدَ المَكْتُوبَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من لم يتَنَفَّل بعد صَلَاة الْمَكْتُوبَة أَي: الْمَفْرُوضَة، لأجل الْإِعْلَام لأمته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن التَّطَوُّع لَيْسَ بِلَازِم.
4711 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفيَانُ عنْ عَمْرٍ وَقَالَ سَمِعتْ أَبَا الشَّعْثاءِ جابِرا قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ صلَّيْتُ مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمانِيا جَمِيعا وسَبْعا جَمِيعا قُلْتُ يَا أَبَا الشَّعثاءِ أظُنُّهُ أخَّرَ الظُّهْرَ وعَجَّلَ العَصْرَ وعَجَّلَ العِشاءَ وأخَّرَ المَغْربَ قَالَ وَأنَا أظُنُّهُ.
(أنظر الحَدِيث 345 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما صلى ثمانيا جَمِيعًا أَي: الظّهْر وَالْعصر، فهم من ذَلِك أَنه لم يفصل بَينهمَا بتطوع، إِذْ لَو فصل لزم عدم الْجمع بَينهمَا، فَصدق أَنه صلى الظّهْر الَّذِي هِيَ الْمَكْتُوبَة وَلم يتَطَوَّع بعْدهَا، وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي قَوْله: (وَسبعا جَمِيعًا) ، أَي: الْمغرب وَالْعشَاء، وَلم يتَطَوَّع بعد الْمغرب وإلاَّ لم تَكُونَا مجتمعتين، وَأما التَّطَوُّع بعد الثَّانِيَة فمسكوت عَنهُ، وَعدم ذكره يدل على عَدمه ظَاهرا.(7/235)
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة قد ذكرُوا كلهم، وَعلي بن عبد الله بن الْمَدِينَة، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَعَمْرو بن دِينَار وَأَبُو الشعْثَاء، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة وبالمد: وَهُوَ كنية جَابر بن زيد، وَقد مر فِي: بَاب الْغسْل بالصاع.
والْحَدِيث أخرجه فِي: بَاب الْمَوَاقِيت، فِي: بَاب تَأْخِير الظّهْر إِلَى الْعَصْر، عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر بن زيد عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صلى بِالْمَدِينَةِ سبعا وثمانيا: الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء، فَقَالَ أَيُّوب: لَعَلَّه فِي لَيْلَة مطيرة، قَالَ: عَسى، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً هُنَاكَ.
13 - (بابُ صَلاةِ الضُّحى فِي السَّفَرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان صَلَاة الضُّحَى حَال كَون الَّذِي يُصَلِّي فِي السّفر، وَالضُّحَى، بِالضَّمِّ وَالْقصر: فَوق الضحوة، وَهِي ارْتِفَاع أول النَّهَار، و: الضحاء، بِالْفَتْح وَالْمدّ هُوَ إِذا علت الشَّمْس إِلَى ربع السَّمَاء فَمَا بعده.
5711 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدثنَا يَحْيى عنْ شُعْبَةَ عنْ تَوْبَةَ عنْ مُورِّقٍ قَالَ قُلْتُ ل ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أتُصَلِّي الضُّحَى قَالَ لاَ قُلْتُ فَعُمَرُ قَالَ لاَ قُلْتُ فأبُو بَكْرٍ قَالَ لاَ قُلْتُ فالنَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ إخالُهُ.
قَالَ ابْن بطال: لَيْسَ هَذَا الحَدِيث من هَذَا الْبَاب، وَإِنَّمَا يصلح فِي: بَاب من لم يصل الضُّحَى، وَأَظنهُ من غلط النَّاسِخ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا يَلِيق بِالْبَابِ الَّذِي بعده لَا بِهَذَا الْبَاب، وَقَالَ غَيرهمَا: إِن فِي تَوْجِيه ذَلِك مَا فِيهِ من التعسفات الَّتِي لَا تشفي العليل، وَلَا تروي الغليل، حَتَّى قَالَ بَعضهم: يظْهر لي أَن البُخَارِيّ أَشَارَ بالترجمة الْمَذْكُورَة إِلَى مَا رَوَاهُ أَحْمد من طَرِيق الضَّحَّاك بن عبد الله الْقرشِي (عَن أنس بن مَالك قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صلى فِي السّفر سبْحَة الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات) ، فَأَرَادَ أَن تردد ابْن عمر فِي كَونه صلاهَا أَولا، لَا يَقْتَضِي رد مَا جزم بِهِ أنس، بل يُؤَيّدهُ حَدِيث أم هانىء فِي ذَلِك. انْتهى. قلت: لَو ظهر لَهُ تَوْجِيه هَذِه التَّرْجَمَة على وَجه يقبله السَّامع لما قَالَ قولا تنفر عَنهُ سجية ذَوي الأفهام، فليت شعري كَيفَ يَقُول: إِن البُخَارِيّ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى حَدِيث أنس الَّذِي فِيهِ الْإِثْبَات الْمُقَيد، وَحَدِيث الْبَاب الَّذِي فِيهِ النَّفْي الْمُطلق؟ ثمَّ يَقُول: فَأَرَادَ أَن تردد ابْن عمر. . إِلَى آخِره؟ فَكيف يَقُول: إِنَّه تردد؟ بل جزم بِالنَّفْيِ فَيَقْتَضِي ظَاهرا رد مَا جزم بِهِ أنس بالإثبات. فَمن لَهُ نظر وَمَعْرِفَة بهيئة التَّرْكِيب. كَيفَ يَقُول بِأَن ابْن عمر تردد فِي هَذَا؟ والتردد لَا يكون إلاَّ بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات. وَهُوَ قد جزم بِالنَّفْيِ مَعَ تكْرَار حرف النَّفْي أَربع مَرَّات، وَيُمكن أَن يُوَجه وَجه بالاستئناس بَين التَّرْجَمَة وحديثي الْبَاب اللَّذين أَحدهمَا: عَن ابْن عمر، وَالْآخر عَن أم هانىء، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، بِأَن يُقَال: معنى التَّرْجَمَة: بَاب صَلَاة الضُّحَى فِي السّفر هَل يُصَلِّي أَو لَا؟ فَذكر حَدِيث ابْن عمر إِشَارَة إِلَى النَّفْي مُطلقًا، وَحَدِيث أم هانىء إِشَارَة إِلَى الْإِثْبَات مُطلقًا، ثمَّ يبْقى طلب التَّوْفِيق بَين الْحَدِيثين، فَيُقَال: عدم رُؤْيَة ابْن عمر من الشَّيْخَيْنِ وَمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الضُّحَى لَا يسْتَلْزم عدم الْوُقُوع مِنْهُم فِي نفس الْأَمر، أَو يكون المُرَاد من نفي ابْن عمر نفي المداومة لَا نفي الْوُقُوع أصلا، وَنَظِير ذَلِك مَا قَالَت عَائِشَة فِي حَدِيثهَا الْمُتَّفق عَلَيْهِ: (مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسبح سبْحَة الضُّحَى وَإِنِّي لأسبحها) ، وَفِي رِوَايَة: (لاستحبها) ، وَمَعَ هَذَا ثَبت عَنْهَا فِي (صَحِيح مُسلم) أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبعا، فمرادها من النَّفْي عدم المداومة. وَحكى النَّوَوِيّ فِي (الْخُلَاصَة) عَن الْعلمَاء: أَن معنى قَول عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: (مَا رَأَيْته يسبح سبْحَة الضُّحَى) ، أَي: لم يداوم عَلَيْهَا، وَكَانَ يُصليهَا فِي بعض الْأَوْقَات فَتَركهَا فِي بَعْضهَا خشيَة أَن تفرض. قَالَ: وَبِهَذَا يجمع بَين الْأَحَادِيث. فَإِن قلت: يُعَكر على هَذَا مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر من الْجَزْم بِكَوْنِهَا محدثة، وَكَونهَا بِدعَة أما الأول: فَمَا رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور بِإِسْنَاد صَحِيح عَن مُجَاهِد عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: إِنَّهَا محدثة، وَإِنَّهَا لمن أحسن مَا أَحْدَثُوا. وَأما الثَّانِي: فَمَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة بِإِسْنَاد صَحِيح عَن الحكم بن الْأَعْرَج، قَالَ: سَأَلت ابْن عمر عَن صَلَاة الضُّحَى؟ فَقَالَ: بِدعَة، نعمت الْبِدْعَة. قلت: أجَاب القَاضِي عَنهُ: أَنَّهَا بِدعَة، أَي: ملازمتها وإظهارها فِي الْمَسَاجِد مِمَّا لم يكن يعْهَد، لَا سِيمَا وَقد قَالَ: ونعمت الْبِدْعَة، قَالَ: وَرُوِيَ عَنهُ: مَا ابتدع الْمُسلمُونَ بِدعَة أفضل من صَلَاة الضُّحَى، كَمَا قَالَ عمر فِي صَلَاة التَّرَاوِيح: لَا إِنَّهَا بِدعَة(7/236)
مُخَالفَة للسّنة. قَالَ: وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود لما أنكرها على هَذَا الْوَجْه، وَقَالَ: إِن كَانَ وَلَا بُد فَفِي بُيُوتكُمْ، لم تحملون عباد الله مَا لم يحملهم الله، كل ذَلِك خيفة أَن يحسبها الْجُهَّال من الْفَرَائِض.
(ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة. الأول مُسَدّد وَقد تكَرر ذكره. الثَّانِي يحيى بن سعيد الْقطَّان الْأَحول. الثَّالِث شُعْبَة بن الْحجَّاج. الرَّابِع تَوْبَة بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْوَاو وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن كيسَان أَبُو الْمُوَرِّع بِفَتْح الْوَاو وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة الْعَنْبَري مَاتَ سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَة. الْخَامِس مُورق بِضَم الْمِيم وَفتح الْوَاو وَتَشْديد الرَّاء المكسوة ابْن المشمرج بِضَم الْمِيم وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم وَفتح الرَّاء وبالجيم كَذَا ضَبطه الْكرْمَانِي بِفَتْح الرَّاء وَضبط غَيره بِكَسْرِهَا. السَّادِس عبد الله بن عمر بن الْخطاب (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي عشرَة مَوَاضِع وَفِيه أَن رُوَاته كلهم بصريون مَا خلا الْحجَّاج فَإِنَّهُ واسطي وَقيل مُورق كُوفِي وَفِيه أَنه لَيْسَ للْبُخَارِيّ عَن تَوْبَة إِلَّا هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث آخر وَفِيه أَنه لَيْسَ للْبُخَارِيّ عَن مُورق عَن ابْن عمر غير هَذَا الحَدِيث وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ لِأَن تَوْبَة من التَّابِعين الصغار وَفِيه أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَفِيه أَن هَذَا الحَدِيث أَيْضا من أَفْرَاده (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " تصلي الضُّحَى " أَي أَتُصَلِّي صَلَاة الضُّحَى قَوْله " قَالَ لَا " أَي قَالَ ابْن عمر لَا أُصَلِّي قَوْله " فعمر " أَي أفيصلي عمر قَالَ لَا أَي لم يكن يُصَلِّي قَوْله " فَأَبُو بكر " أَي أفيصلي أَبُو بكر الصّديق قَالَ لَا أَي لم يكن يُصَلِّي قَوْله " فالنبي " أَي أفيصلي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " قَالَ لَا أخاله " أَي لَا أَظُنهُ إِنَّه صلى وَهُوَ بِكَسْر الْهمزَة وَهُوَ الْأَفْصَح وَجَاز فِي جَمِيع حُرُوف المضارعة الْكسر إِلَّا الْيَاء فَإِنَّهُ اخْتلف فِيهِ وَبَنُو أَسد يَقُولُونَ أخال بِالْفَتْح وَهُوَ الْقيَاس وَهُوَ من خلت الشَّيْء خُيَلَاء وخيلة ومخيلة وخيلولة أَي ظننته وَهُوَ من بَاب ظَنَنْت وَأَخَوَاتهَا الَّتِي تدخل على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر فَإِن ابتدأت بهَا أعلمت وَإِن وسطتها أَو أخرت فَأَنت بِالْخِيَارِ بَين الإعمال والإلغاء وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومفعوله الثَّانِي مَحْذُوف تَقْدِيره لَا أَظُنهُ مُصَليا أَو لَا أَظُنهُ صلى
202 - (حَدثنَا آدم قَالَ حَدثنَا شُعْبَة قَالَ حَدثنَا عَمْرو بن مرّة قَالَ سَمِعت عبد الرَّحْمَن ابْن أبي ليلى يَقُول مَا حَدثنَا أحد أَنه رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي الضُّحَى غير أم هانىء فَإِنَّهَا قَالَت أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دخل بَيتهَا يَوْم فتح مَكَّة فاغتسل وَصلى ثَمَانِي رَكْعَات فَلم أر صَلَاة قطّ أخف مِنْهَا غير أَنه يتم الرُّكُوع وَالسُّجُود) قد ذكرنَا وَجه مطابقته للتَّرْجَمَة. وَرِجَاله قد ذكرُوا وآدَم ابْن إِيَاس وَعَمْرو بن مرّة بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء وَأم هانىء بنت أبي طَالب أُخْت عَليّ شقيقته وَاسْمهَا فَاخِتَة (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) قد ذكرنَا فِي بَاب من تطوع فِي السّفر هَذَا الْفَصْل وَغير مُسْتَوفى فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة الحَدِيث وَأخرجه بَقِيَّة السِّتَّة قَوْله " وَفِي قَول عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى مَا أَخْبرنِي أحد أَنه رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي الضُّحَى إِلَّا أم هانىء " دَلِيل على أَنه أَرَادَ بِهِ صَلَاة الضُّحَى الْمَشْهُورَة وَلم يرد بقوله " الضُّحَى " الظَّرْفِيَّة كَمَا احْتمل ذَلِك فِي حَدِيث أنس الَّذِي مضى ذكره وَكَذَلِكَ قَول عبد الله بن حَارِث بن نَوْفَل عِنْد مُسلم " سَأَلت وحرصت على أَن أجد أحدا من النَّاس يُخْبِرنِي أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى سبْحَة الضُّحَى فَلم أجد غير أم هانىء " الحَدِيث على أَن بعض الْعلمَاء كَمَا حكى القَاضِي عِيَاض أنكر أَن يكون فِي حَدِيث أم هانىء إِثْبَات لصَلَاة الضُّحَى قَالَ وَإِنَّمَا هِيَ سنة الْفَتْح يَوْم فتح مَكَّة قَالَ وَقيل إِنَّمَا كَانَت قَضَاء لما شغل عَنهُ تِلْكَ اللَّيْلَة بِالْفَتْح عَن حزبه فِيهَا قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا الَّذِي قَالُوهُ فَاسد بل الصَّوَاب صِحَة الِاسْتِدْلَال بِهِ فقد ثَبت " عَن أم هانىء أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الْفَتْح صلى صَلَاة الضُّحَى ثَمَانِي رَكْعَات يسلم من كل رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه بِهَذَا اللَّفْظ بِإِسْنَاد صَحِيح على شَرط البُخَارِيّ وَفِيه الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد لِأَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى وَعبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل ذكرا أَنَّهُمَا لم يخبرهما أحد بذلك إِلَّا أم هانىء وَهَذَا(7/237)
مَذْهَب أهل السّنة فَلَا يعْتد بِخِلَاف من خَالف ذَلِك قَوْله " دخل بَيتهَا يَوْم فتح مَكَّة فاغتسل " ظَاهره أَن الِاغْتِسَال وَالصَّلَاة كَانَا فِي بَيت أم هانىء بعد دُخُول مَكَّة للتعبير بِالْفَاءِ الْمُقْتَضِيَة للتَّرْتِيب والتعقيب (فَإِن قلت) روى مَالك فِي موطئِهِ " إِن أم هانىء " ذهبت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَوَجَدته يغْتَسل " الحَدِيث قَالَ عِيَاض وَهَذَا أصح لِأَن نزُول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّمَا كَانَ بِالْأَبْطح وَقد وَقع مُفَسرًا فِي حَدِيث سعيد بن أبي هِنْد عَن أبي مرّة بِمثل حَدِيث مَالك وَفِيه " وَهُوَ فِي قُبَّته بِالْأَبْطح " (قلت) لَا مَانع أَن يكون صلى بِالْأَبْطح ثَمَانِي رَكْعَات وَصلى فِي بَيتهَا ثَمَانِي رَكْعَات وَأَن يكون اغْتسل مرَّتَيْنِ فَلَعَلَّهُ بعد أَن نزل بِالْأَبْطح دخل بَيتهَا فاغتسل وَصلى وَخرج إِلَى منزله بِالْأَبْطح فاغتسل وَصلى الصَّلَاتَيْنِ صَلَاة الضُّحَى وَالْأُخْرَى إِمَّا شكرا لله تَعَالَى على الْفَتْح أَو استذكارا لما فَاتَهُ من قِيَامه بِاللَّيْلِ فَإِنَّهُ قد صَحَّ أَنه كَانَ إِذا لم يقم من اللَّيْل صلى بِالنَّهَارِ ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة فَلَعَلَّهُ كَانَ تِلْكَ اللَّيْلَة صلى الْوتر فَقَط ثَلَاثًا ثمَّ صلى بِالنَّهَارِ ثمانيا وَالله تَعَالَى أعلم (فَإِن قلت) فِي حَدِيث ابْن أبي أوفى الْآتِي ذكره أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى يَوْم الْفَتْح رَكْعَتَيْنِ فَكيف الْجمع بَينه وَبَين حَدِيث أم هانىء (قلت) من صلى ثمانيا فقد صلى رَكْعَتَيْنِ وَلَعَلَّ ابْن أبي أوفى رأى من صلَاته رَكْعَتَيْنِ فَأخْبر بِمَا شَاهده وأخبرت أم هانىء بِمَا شاهدت. وَفِي هَذَا الْبَاب عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وهم أنس وَأَبُو هُرَيْرَة ونعيم بن همار وَقيل هَبَّار وَقيل همام وَالصَّحِيح ابْن همار وَأَبُو نعيم وهم فِيهِ وَقَالَ نعيم بن حَمَّاد ثمَّ رَجَعَ عَنهُ وَأَبُو ذَر وَعَائِشَة وَأَبُو أُمَامَة وَعتبَة بن عبد السّلمِيّ وَابْن أبي أوفى وَأَبُو سعيد وَزيد بن أَرقم وَابْن عَبَّاس وَجَابِر بن عبد الله وَجبير بن مطعم وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان وعائذ بن عَمْرو وَعبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَمْرو وَأَبُو مُوسَى وعتبان بن مَالك وَعقبَة بن عَامر وَعلي بن أبي طَالب ومعاذ بن أنس والنواس بن سمْعَان وَأَبُو بكرَة وَأَبُو مرّة الطَّائِفِي. فَحَدِيث أنس عِنْد التِّرْمِذِيّ أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من صلى الضُّحَى ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة بنى الله لَهُ قصرا من ذهب فِي الْجنَّة " وَأخرجه ابْن مَاجَه. وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد مُسلم من رِوَايَة أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ " عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أَوْصَانِي خليلي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِثَلَاث بصيام ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر وركعتي الضُّحَى وَأَن أوتر قبل أَن أرقد " وَحَدِيث نعيم بن همار عِنْد أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي الْكُبْرَى من رِوَايَة كثير بن مرّة " عَن نعيم قَالَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول قَالَ الله عز وَجل يَا ابْن آدم لَا تعجزني من أَربع رَكْعَات فِي أول النَّهَار أكفك آخِره ". وَحَدِيث أبي ذَر عِنْد مُسلم من رِوَايَة أبي الْأسود الديلمي " عَن أبي ذَر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ يصبح على كل سلامي صَدَقَة " الحَدِيث وَفِي آخِره " ويجزىء من ذَلِك رَكْعَتَانِ يركعهما من الضُّحَى ". وَحَدِيث عَائِشَة عِنْد مُسلم أَيْضا من حَدِيث معَاذَة أَنَّهَا سَأَلت عَائِشَة " كم كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي صَلَاة الضُّحَى قَالَت أَربع رَكْعَات وَيزِيد مَا شَاءَ " وَحَدِيث أبي أُمَامَة عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة الْقَاسِم عَن أبي أُمَامَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِن الله يَقُول اركع لي أَربع رَكْعَات من أول النَّهَار أكفك آخِره ". وَحَدِيث عتبَة بن عبد عِنْد الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن عَامر أَن أَبَا أُمَامَة وَعتبَة بن عبد حَدَّثَاهُ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " من صلى صَلَاة الصُّبْح فِي جمَاعَة ثمَّ ثَبت حَتَّى يسبح الله سبْحَة الضُّحَى كَانَ لَهُ كَأَجر حَاج ومعتمر " وَحَدِيث ابْن أبي أوفى عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير أَيْضا من رِوَايَة سَلمَة بن رَجَاء " عَن شعثاء الكوفية أَن عبد الله بن أبي أوفى صلى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ قَالَت لَهُ امْرَأَته إِنَّمَا صليتها رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى يَوْم الْفَتْح رَكْعَتَيْنِ " وَحَدِيث أبي سعيد عِنْد التِّرْمِذِيّ وَانْفَرَدَ بِهِ من حَدِيث عَطِيَّة الْعَوْفِيّ " عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى نقُول لَا يَدعهَا ويدعها حَتَّى نقُول لَا يُصليهَا ". وَحَدِيث زيد بن أَرقم عِنْد مُسلم من رِوَايَة الْقَاسِم بن عَوْف الشَّيْبَانِيّ أَن زيد بن أَرقم رأى قوما يصلونَ من الضُّحَى فَقَالَ أما لقد علمُوا أَن الصَّلَاة فِي غير هَذِه السَّاعَة أفضل إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " قَالَ صَلَاة الْأَوَّابِينَ حِين ترمض الفصال ". وَحَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من رِوَايَة طَاوس عَن ابْن عَبَّاس يرفع الحَدِيث إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " على كل سلامي من بني آدم فِي كل يَوْم صَدَقَة ويجزىء من ذَلِك كُله رَكعَتَا الضُّحَى " وَحَدِيث جَابر بن عبد الله عِنْد الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي الْأَوْسَط من رِوَايَة مُحَمَّد بن قيس " عَن جَابر بن عبد الله قَالَ أتيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أعرض عَلَيْهِ بَعِيرًا لي فرأيته صلى الضُّحَى سِتّ رَكْعَات ". وَحَدِيث جُبَير بن مطعم عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة نَافِع بن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه أَنه رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي الضُّحَى. وَحَدِيث حُذَيْفَة عِنْد(7/238)
ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه من رِوَايَة عَليّ بن عبد الرَّحْمَن " عَن حُذَيْفَة قَالَ خرجت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى حرَّة بني مُعَاوِيَة فصلى الضُّحَى ثَمَانِي رَكْعَات طول فِيهِنَّ ". وَحَدِيث عَائِذ بن عَمْرو عِنْد أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير فِيهِ حَدثنِي شيخ " عَن عَائِذ بن عَمْرو قَالَ كَانَ فِي المَاء فَتَوَضَّأ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الحَدِيث قَالَ " ثمَّ صلى بِنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الضُّحَى ". وَحَدِيث عبد الله بن عمر عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة مُجَاهِد عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " يَقُول الله ابْن آدم اضمن لي رَكْعَتَيْنِ من أول النَّهَار أكفك آخِره ". وَحَدِيث عبد الله بن عَمْرو عِنْد أَحْمد من رِوَايَة أبي عبد الرَّحْمَن الحبلي عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ " قَالَ بعث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَرِيَّة " الحَدِيث وَفِيه " ثمَّ خرج " أَي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لسبحة الضُّحَى ". وَحَدِيث أبي مُوسَى عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من رِوَايَة أبي بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من صلى الضُّحَى أَرْبعا بني لَهُ بَيت فِي الْجنَّة ". وَحَدِيث عتْبَان بن مَالك عِنْد أَحْمد من رِوَايَة مَحْمُود بن الرّبيع " عَن عتْبَان بن مَالك أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى فِي بَيته سبْحَة الضُّحَى " وَحَدِيث عقبَة بن عَامر عِنْد أَحْمد وَأبي يعلى فِي مسنديهما من رِوَايَة نعيم بن هَارُون " عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إِن الله عز وَجل يَقُول يَا ابْن آدم اكْفِنِي أول النَّهَار بِأَرْبَع رَكْعَات أكفك بِهن آخر يَوْمك ". حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عِنْد النَّسَائِيّ فِي سنَنه الْكُبْرَى من رِوَايَة عَاصِم بن ضَمرَة " عَن عَليّ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُصَلِّي من الضُّحَى ". وَحَدِيث معَاذ بن أنس من رِوَايَة زبان بن فائد " عَن سهل بن معَاذ بن أنس الْجُهَنِيّ عَن أَبِيه أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ من قعد فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى ينْصَرف من صَلَاة الصُّبْح حَتَّى يسبح رَكْعَتي الضُّحَى لَا يَقُول إِلَّا خيرا غفرت لَهُ خطاياه وَإِن كَانَت أَكثر من زبد الْبَحْر " وَإِسْنَاده ضَعِيف. وَحَدِيث النواس بن سمْعَان عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ قَالَ " سَمِعت النواس بن سمْعَان يَقُول سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول قَالَ الله عز وَجل ابْن آدم لَا تعجزني من أَربع رَكْعَات فِي أول النَّهَار أكفك آخِره ". وَحَدِيث أبي مرّة الطَّائِفِي عِنْد أَحْمد من رِوَايَة مَكْحُول عَن أبي مرّة الطَّائِفِي قَالَ " سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ابْن آدم لَا تعجزني من أَربع رَكْعَات من أول النَّهَار أكفك آخِره " وَبَقِي الْكَلَام هَهُنَا فِي فُصُول الأول فِي عدد صَلَاة الضُّحَى وَقد ورد فِيهَا رَكْعَتَانِ وَأَرْبع وست وثمان وَعشر وثنتا عشر فَالْكل مضى فِي الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة غير عشر رَكْعَات قَالَ ابْن مَسْعُود رُوِيَ عَنهُ مَرْفُوعا " من صلى الضُّحَى عشر رَكْعَات بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة " وَلَيْسَ مِنْهَا حَدِيث يرفع صَاحبه وَذَلِكَ أَن من صلى الضُّحَى أَرْبعا جَازَ أَن يكون رَآهُ فِي حَالَة فعله ذَلِك وَرَأى غَيره فِي حَالَة أُخْرَى صلى رَكْعَتَيْنِ وَرَآهُ آخر فِي حَالَة أُخْرَى صلاهَا ثمانيا وسَمعه آخر يحثه على أَن يُصَلِّي سِتا وَآخر يحث على رَكْعَتَيْنِ وَآخر على عشر وَآخر على ثِنْتَيْ عشر فَأخْبر كل وَاحِد مِنْهُم عَمَّا رأى أَو سمع وَمن الدَّلِيل على صِحَة مَا قُلْنَاهُ مَا رَوَاهُ الْبَزَّار " عَن زيد بن أسلم قَالَ سَمِعت عبد الله بن عَمْرو يَقُول لأبي ذَر أوصني قَالَ سَأَلتنِي عَمَّا سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ من صلى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لم يكْتب من الغافلين وَمن صلى أَرْبعا كتب من العابدين وَمن صلى سِتا لم يلْحقهُ ذَلِك الْيَوْم ذَنْب وَمن صلى ثمانيا كتب من القانتين وَمن صلى ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة وَقَالَ صلى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْمًا الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يَوْمًا أَرْبعا ثمَّ يَوْمًا سِتا ثمَّ يَوْمًا ثمانيا ثمَّ ترك (فَإِن قلت) هَل تزاد على ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة (قلت) مَفْهُوم الْعدَد وَإِن لم يكن حجَّة عِنْد الْجُمْهُور إِلَّا أَنه لم يرد فِي عدد صَلَاة الضُّحَى أَكثر من ذَلِك وَعدم الْوُرُود بِأَكْثَرَ من ذَلِك لَا يسْتَلْزم منع الزِّيَادَة وَقد رُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ سَأَلَ رجل الْأسود فَقَالَ كم أُصَلِّي الضُّحَى قَالَ كم شِئْت وَقَالَ الطَّبَرِيّ وَالصَّوَاب أَن يُصَلِّي على غير عدد وَذهب قوم إِلَى أَن يُصَلِّي أَرْبعا لما رُوِيَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَل تَدْرُونَ مَا وَفِي وفى فِي عمل يَوْمه بِأَرْبَع رَكْعَات الضُّحَى " وَقَالَ الْحَاكِم صَحِبت جمَاعَة من أَئِمَّة الحَدِيث الْحفاظ الْأَثْبَات فوجدتهم يختارون هَذَا الْعدَد وَيصلونَ هَذِه الصَّلَاة أَرْبعا لتواتر الْأَخْبَار الصَّحِيحَة فِيهِ وَإِلَيْهِ أذهب وَذكر الطَّبَرِيّ أَن سعد بن أبي وَقاص وَأبي سَلمَة كَانَا يصليان الضُّحَى ثمانيا وَكَانَ عَلْقَمَة وَالنَّخَعِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب يختارون الْأَرْبَع وَعَن الضَّحَّاك أَنه كَانَ يخْتَار رَكْعَتَيْنِ(7/239)
وَقَالَ الرَّوْيَانِيّ أَكْثَرهَا ثنتا عشرَة حَكَاهُ الرَّافِعِيّ عَنهُ وَجزم بِهِ فِي الْمُحَرر وَتَبعهُ النَّوَوِيّ فِي الْمِنْهَاج وَخَالف ذَلِك فِي شرح الْمُهَذّب فَحكى عَن الْأَكْثَرين أَنه أَكْثَرهَا ثَمَان رَكْعَات وَقَالَ فِي الرَّوْضَة أفضلهَا ثَمَان وأكثرها ثنتا عشرَة فَفرق بَين الْأَفْضَل وَالْأَكْثَر وَفِيه نظر من حَيْثُ أَن من صلى ثَمَان رَكْعَات فق فعل الْأَفْضَل فكونه يُصَلِّي بعد ذَلِك رَكْعَتَيْنِ أَو أَرْبعا يكون ذَلِك مفضولا وَينْقص من أجره الْمُتَقَدّم وَهَذَا فِي غَايَة الْبعد. الْفَصْل الثَّانِي فِي أَن صَلَاة الضُّحَى مُسْتَحبَّة وَقيل كَانَت وَاجِبَة على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَيَردهُ حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يسبح سبْحَة الضُّحَى وَقيل كَانَت من خَصَائِصه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ورد بِأَن ذَلِك لم يثبت بِخَبَر صَحِيح. وَاخْتلف الْعلمَاء هَل الْأَفْضَل الْمُوَاظبَة عَلَيْهَا أَو فعلهَا فِي وَقت وَتركهَا فِي وَقت فَالظَّاهِر الأول لعُمُوم الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة من قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أحب الْعَمَل إِلَى الله تَعَالَى مَا داوم صَاحبه عَلَيْهِ وَإِن قل " وَنَحْو ذَلِك وروى الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ " إِن فِي الْجنَّة بَابا يُقَال لَهُ الضُّحَى فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نَادَى مُنَاد أَيْن الَّذين كَانُوا يديمون صَلَاة الضُّحَى هَذَا بَابَكُمْ فادخلوه برحمة الله " وروى ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا يحافظ على صَلَاة الضُّحَى إِلَّا أواب قَالَ وهذي صَلَاة الْأَوَّابِينَ " وَذهب بَعضهم إِلَى أَن الْأَفْضَل أَن لَا يواظب عَلَيْهَا لحَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ الَّذِي مضى وَحَكَاهُ صَاحب الأكمال عَن جمَاعَة ورد بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يحب الْعَمَل ويتركه مَخَافَة أَن يفْرض على أمته وَقد روى الْبَزَّار من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ لَا يتْرك صَلَاة الضُّحَى فِي سفر وَلَا غَيره لكنه ضَعِيف الْفَصْل الثَّالِث اسْتدلَّ بِحَدِيث أم هانىء على اسْتِحْبَاب التَّخْفِيف فِي صَلَاة الضُّحَى لقولها " مَا رَأَيْته صلى صَلَاة قطّ أخف مِنْهَا " ورد أَن التَّخْفِيف فِيهَا كَانَ لأجل اشْتِغَاله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بمهمات الْفَتْح من مَجِيئه إِلَى الْمَسْجِد وخطبته وَأمره بقتل من أَمر بقتْله وَقد روى ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه من حَدِيث حُذَيْفَة " أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى الضُّحَى ثَمَانِي رَكْعَات طول فِيهِنَّ " الْفَصْل الرَّابِع فِيمَا يقْرَأ فِيهَا روى الْحَاكِم من حَدِيث أبي الْخَيْر عَن عقبَة بن عَامر قَالَ " أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن نصلي الضُّحَى بالشمس وَضُحَاهَا وَالضُّحَى " الْفَصْل الْخَامِس فِي وَقتهَا يدْخل وَقتهَا من أول النَّهَار بِطُلُوع الشَّمْس لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا يعجزني من أَربع رَكْعَات من أول النَّهَار " وَحكى النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة أَن وَقت الضُّحَى يدْخل بِطُلُوع الشَّمْس وَلكنه يسْتَحبّ تَأْخِيرهَا إِلَى ارْتِفَاع الشَّمْس وَخَالف ذَلِك فِي شرح الْمُهَذّب وَحكى فِيهِ عَن الْمَاوَرْدِيّ أَن وَقتهَا الْمُخْتَار إِذا مضى ربع النَّهَار وَجزم بِهِ فِي التَّحْقِيق وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث زيد بن أَرقم أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مر بِأَهْل قبَاء وهم يصلونَ الضُّحَى حِين أشرقت الشَّمْس فَقَالَ صَلَاة الْأَوَّابِينَ إِذا رمضت الفصال وَهَذَا يدل على جَوَاز صَلَاة الضُّحَى عِنْد الْإِشْرَاق لِأَنَّهُ لم ينههم عَن ذَلِك وَلَكِن أعلمهم أَن التَّأْخِير إِلَى شدَّة الْحر صَلَاة الْأَوَّابِينَ قَوْله " إِذا رمضت الفصال " هُوَ أَن تحمى الرمضاء وَهِي الرمل فتبرك الفصال من شدَّة حرهَا وإحراقها أخفافها
(بَاب من لم يصل الضُّحَى وَرَآهُ وَاسِعًا)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من ترك صَلَاة الضُّحَى وَرَآهُ أَي وَرَأى الضُّحَى أَي صَلَاة الضُّحَى قَوْله " وَاسِعًا " أَي غير لَازم وانتصابه على أَنه مفعول ثَان لرَأى
203 - (حَدثنَا آدم قَالَ حَدثنَا ابْن أبي ذِئْب عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت مَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سبح سبْحَة الضُّحَى وَإِنِّي لأسبحها) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس واسْمه عبد الرَّحْمَن وَقيل غير ذَلِك وَابْن أبي ذِئْب بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة هُوَ مُحَمَّد بن الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن أبي ذِئْب وَاسم أبي ذِئْب هِشَام الْقرشِي العامري أَبُو الْحَارِث الْمدنِي(7/240)
وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب وَقد تقدم هَذَا فِي بَاب تحريض النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على قيام اللَّيْل وَمَا سبح رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سبْحَة الضُّحَى قطّ وَإِنِّي لأسبحها وَقد مر الْكَلَام من أَن السبحة بِضَم السِّين الْمُهْملَة النَّافِلَة وَأَن فِيهِ رِوَايَة مَالك عَن ابْن هِشَام " لأستحبها " من الِاسْتِحْبَاب وَالْفرق بَين الرِّوَايَتَيْنِ أَن لفظ أسبحها يَقْتَضِي الْفِعْل وَلَفظ أستحبها لَا يَقْتَضِيهِ. وَاعْلَم أَنه قد رُوِيَ فِي ذَلِك أَشْيَاء مُخْتَلفَة عَن عَائِشَة هَذَا يدل على نفي السبحة من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَجَاء عَنْهَا مَا رَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة عبد الله بن شَقِيق قَالَ قلت لعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا هَل كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي الضُّحَى قَالَت لَا إِلَّا أَن يَجِيء من مغيبه وَجَاء عَنْهَا أَيْضا مَا رَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة معَاذَة أَنَّهَا سَأَلت عَائِشَة كم كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي صَلَاة الضُّحَى قَالَت أَربع رَكْعَات وَيزِيد مَا شَاءَ. وَهَذَا كَمَا رَأَيْت يدل الأول على النَّفْي مُطلقًا. وَالثَّانِي على النَّفْي الْمُقَيد. وَالثَّلَاث على الْإِثْبَات الْمُطلق وَتَكَلَّمُوا فِي التَّوْفِيق بَينهَا فَمَال ابْن عبد الْبر وَآخَرُونَ إِلَى تَرْجِيح مَا اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَيْهِ دون مَا انْفَرد بِهِ مُسلم وَقَالُوا إِن عدم رؤيتها لذَلِك لَا يسْتَلْزم عدم الْوُقُوع فَيقدم من روى عَنهُ من الصَّحَابَة الْأَثْبَات وَقيل عدم رؤيتها أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا كَانَ يكون عِنْد عَائِشَة فِي وَقت الضُّحَى إِلَّا فِي النَّادِر لكَونه أَكثر النَّهَار فِي الْمَسْجِد أَو فِي مَوضِع آخر وَإِذا كَانَ عِنْد نِسَائِهِ فَإِنَّهَا كَانَ لَهَا يَوْم من تِسْعَة أَيَّام أَو ثَمَانِيَة وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ عِنْدِي أَن المُرَاد بقولِهَا مَا رَأَيْته سبحها أَي داوم عَلَيْهَا وَقَوْلها وَإِنِّي لأسبحها أَي لأداوم عَلَيْهَا وَقيل جمع بَين قَوْلهَا مَا كَانَ يُصَلِّي إِلَّا أَن يَجِيء من مغيبه وَقَوْلها كَانَ يُصَلِّي أَرْبعا وَيزِيد مَا شَاءَ بِأَن الأول مَحْمُول على صلَاته إِيَّاهَا فِي الْمَسْجِد وَالثَّانِي على الْبَيْت وَقَالَ عِيَاض قَوْله مَا صلاهَا مَعْنَاهُ مَا رَأَيْته يُصليهَا وَالْجمع بَينه وَبَين قَوْلهَا كَانَ يُصليهَا أَنَّهَا أخْبرت فِي الْإِنْكَار عَن مشاهدتها وَفِي الْإِثْبَات عَن غَيرهَا وَقيل يحْتَمل أَن تكون نفت صَلَاة الضُّحَى الْمَعْهُودَة حِينَئِذٍ من هَيْئَة مَخْصُوصَة بِعَدَد مَخْصُوص فِي وَقت مَخْصُوص وَأَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّمَا كَانَ يُصليهَا إِذا قدمن من سَفَره لَا بِعَدَد مَخْصُوص وَلَا بِغَيْرِهِ كَمَا قَالَت يُصَلِّي أَرْبعا وَيزِيد مَا شَاءَ الله تَعَالَى وَذهب قوم إِلَى ظَاهر الحَدِيث الْمَذْكُور وَأخذُوا بِهِ وَلم يرَوا صَلَاة الضُّحَى حَتَّى قَالَ بَعضهم إِنَّهَا بِدعَة وَقد ذكرنَا أَن ابْن عمر قَالَ ذَلِك ايضا وَقَالَ مرّة ونعمت الْبِدْعَة وَقَالَ مرّة مَا استبدع الْمُسلمُونَ بِدعَة أفضل مناه وروى الشّعبِيّ عَن قيس بن عباد قَالَ كنت أختلف إِلَى ابْن مَسْعُود السّنة كلهَا فَمَا رَأَيْته مُصَليا الضُّحَى وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ حَدثنِي من رأى ابْن مَسْعُود صلى الْفجْر ثمَّ لم يقم لصَلَاة حَتَّى أذن لصَلَاة الظّهْر فَقَامَ فصلى أَرْبعا وَكَانَ ابْن عَوْف لَا يُصليهَا وَقَالَ أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ صَلَاة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الْفَتْح كَانَت سنة الْفَتْح لَا سنة الضُّحَى وَلما فتح خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْحيرَة صلى صَلَاة الْفَتْح ثَمَان رَكْعَات لم يسلم فِيهِنَّ وَقد ذكرنَا الْجَواب عَن ذَلِك فِيمَا مضى وَالله تَعَالَى أعلم
(بَاب صَلَاة الضُّحَى فِي الْحَضَر)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان صَلَاة الضُّحَى فِي الْحَضَر
(قَالَه عتْبَان بن مَالك عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) وَفِي بعض النّسخ قَالَ عتْبَان عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد ذكره البُخَارِيّ فِي بَاب إِذا زار الإِمَام قوما فَأمهمْ حَدثنَا معَاذ بن أَسد قَالَ أخبرنَا عبد الله قَالَ أخرنا معمر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ أَخْبرنِي مَحْمُود بن الرّبيع قَالَ عتْبَان بن مَالك الْأنْصَارِيّ قَالَ اسْتَأْذن على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَذنت لَهُ فَقَالَ أَيْن تحب أَن أُصَلِّي فِي بَيْتك فأشرت لَهُ إِلَى الْمَكَان الَّذِي أحب فَقَامَ وصففنا خَلفه ثمَّ سلم فسلمنا انْتهى وَلَيْسَ فِيهِ ذكر السبحة وَرَوَاهُ أَحْمد من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن مَحْمُود بن الرّبيع عَن " عتْبَان بن مَالك أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى فِي بَيته سبْحَة الضُّحَى فَقَامُوا وَرَاءه فصلوا بِصَلَاتِهِ " وَأخرجه مُسلم من رِوَايَة ابْن وهب عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب أَن مَحْمُود بن الرّبيع الْأنْصَارِيّ حَدثهُ عتْبَان بن مَالك وَهُوَ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِمَّن شهد بَدْرًا من الْأَنْصَار " أَتَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي قد أنْكرت بَصرِي " الحَدِيث بِطُولِهِ وَلَيْسَ فِيهِ ذكر السبحة وسيذكره البُخَارِيّ أَيْضا بعد بَابَيْنِ فِي بَاب صَلَاة النَّوَافِل جمَاعَة(7/241)
204 - (حَدثنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم قَالَ أخرنا شُعْبَة قَالَ حَدثنَا عَبَّاس الْجريرِي هُوَ ابْن فروخ عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ أَوْصَانِي خليلي بِثَلَاث لَا أدعهن حَتَّى أَمُوت صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر وَصَلَاة الضُّحَى ونوم على وتر) قيل لَا مُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة لِأَن الحَدِيث مُطلق لَيْسَ فِيهِ ذكر سفر وَلَا حضر والترجمة مُقَيّدَة بالحضر (قلت) الحَدِيث بِإِطْلَاقِهِ يتَنَاوَل حَالَة السّفر والحضر يدل عَلَيْهِ قَوْله " لَا أدعهن حَتَّى أَمُوت " فَحصل التطابق من هَذَا الْوَجْه وَفِيه كِفَايَة (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول مُسلم بن إِبْرَاهِيم الْأَزْدِيّ القصاب وَقد تكَرر ذكره. الثَّانِي شُعْبَة بن الْحجَّاج. الثَّالِث عَبَّاس بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن فروخ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة الْجريرِي بِضَم الْجِيم وَفتح الرَّاء الأولى وَهُوَ نِسْبَة إِلَى جرير بن عباد بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة. الرَّابِع أَبُو عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْهَاء وبالدال الْمُهْملَة نِسْبَة إِلَى نهد بن زيد بن لَيْث بن سود بن الحاف بن قضاعة. الْخَامِس أَبُو هُرَيْرَة (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه اثْنَان مذكوران بِالنِّسْبَةِ أَحدهمَا باسمه وَالْآخر بكنيته وَفِيه أَن رُوَاته بصريون مَا خلا شُعْبَة فَإِنَّهُ واسطي (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّوْم عَن أبي معمر عَن عبد الْوَارِث عَن أبي التياح وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن شَيبَان بن فروخ وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَمُحَمّد بن بشار وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر عَن شُعْبَة وَعَن مُحَمَّد بن عَليّ وَعَن بشر بن هِلَال. (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " خليلي " أَرَادَ بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهَذَا لَا يُخَالف مَا قَالَه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَو كنت متخذا خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكر " لِأَن الْمُمْتَنع أَن يتَّخذ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غَيره خَلِيلًا لَا الْعَكْس والخليل هُوَ الصّديق الْخَالِص الَّذِي تخللت محبته الْقلب فَصَارَت فِي خلاله أَي فِي بَاطِنه وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء " أَوْصَانِي حَبِيبِي " على مَا نذكرهُ عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ هَل فرق بَينهمَا أم لَا قَالَ بَعضهم لَا يُقَال أَن المخاللة تكون من الْجَانِبَيْنِ لأَنا نقُول إِنَّمَا نظر الصَّحَابِيّ إِلَى أحد الْجَانِبَيْنِ فَأطلق ذَلِك أَو لَعَلَّه أَرَادَ مُجَرّد الصُّحْبَة أَو الْمحبَّة (قلت) هَذَا الْكَلَام فِي غَايَة الوهاء وليت شعري فَأَيْنَ صِيغَة المفاعلة هَهُنَا حَتَّى يَجِيء هَذَا السُّؤَال وَالْجَوَاب أَو هِيَ من السُّؤَال لِأَن أحدا من أهل الْأَدَب لم يق لذَلِك بِهَذَا الْوَجْه قَوْله " بِثَلَاث " أَي بِثَلَاثَة أَشْيَاء قَوْله " لَا أدعهن " أَي لَا أتركهن وَالضَّمِير يرجع إِلَى الثَّلَاث وَقَالَ بَعضهم " لَا أدعهن " إِلَى آخِره من جملَة الْوَصِيَّة أَي أَوْصَانِي أَن لَا أدعهن وَيحْتَمل أَن يكون من أَخْبَار الصَّحَابِيّ بذلك عَن نَفسه (قلت) هُوَ إِخْبَار عَن نَفسه بِتِلْكَ الْوَصِيَّة بِأَن لَا يَتْرُكهَا إِلَى أَن يَمُوت بعد إخْبَاره بهَا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن قَوْله " لَا أدعهن حَتَّى أَمُوت " غير مَذْكُور فِي رِوَايَة مُسلم مَعَ أَنه أخرجه من رِوَايَة أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَنهُ قَالَ " أَوْصَانِي خليلي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِثَلَاث بصيام ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر وركعتي الضُّحَى وَأَن أوتر قبل أَن أرقد " وَرَوَاهُ أَيْضا من رِوَايَة أبي رَافع الصَّائِغ عَنهُ وَكَذَلِكَ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من رِوَايَة أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَنهُ كَذَلِك فَالْحَدِيث وَاحِد ومخرجه وَاحِد فَلَا يحْتَاج فِي تَفْسِير قَوْله " لَا أدعهن " إِلَى التَّرَدُّد وَأقوى الدَّلِيل على مَا قُلْنَا رِوَايَة النَّسَائِيّ وَلَفظه " أَوْصَانِي خليلي بِثَلَاث لَا أدعهن إِن شَاءَ الله أبدا أَوْصَانِي بِصَلَاة الضُّحَى " الحَدِيث على مَا نذكرهُ عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى (فَإِن قلت) مَا مَحل هَذِه الْجُمْلَة من الْإِعْرَاب (قلت) يجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ الْجَرّ لكَونهَا صفة لقَوْله " بِثَلَاث " لِأَنَّهُ يشبه النكرَة فِي الْإِبْهَام وَإِن كَانَ مَوْضُوعا فِي الأَصْل لعدد معِين وَالنّصب على أَن يكون حَالا بِالنّظرِ إِلَى الأَصْل فَافْهَم قَوْله " حَتَّى أَمُوت " كلمة حَتَّى للغاية وأموت مَنْصُوب بِأَن الْمقدرَة وَالْمعْنَى إِلَى أَن أَمُوت أَي إِلَى موتِي قَوْله " صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام " يجوز فِي صَوْم الْجَرّ على أَن يكون بَدَلا من قَوْله " بِثَلَاث " وَيكون صَلَاة الضُّحَى وَيَوْم مجرور أَن عطفا عَلَيْهِ وَيجوز فِيهِ الرّفْع على أَن يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي هِيَ صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام وَصَلَاة الضُّحَى ونوم على وتر بِالرَّفْع فِي الْكل وَالْمرَاد من ثَلَاثَة أَيَّام ظَاهره هِيَ أَيَّام الْبيض وَإِن كَانَ يحْتَمل أَن يكون سرد الشَّهْر قَوْله " وَصَلَاة الضُّحَى " لم يتَعَرَّض فِيهِ إِلَى الْعدَد وَبَينه فِي رِوَايَة مُسلم بقوله " وركعتي(7/242)
الضُّحَى " كَمَا مر الْآن وَفِي رِوَايَة أَحْمد زِيَادَة وَهِي قَوْله " وَصَلَاة الضُّحَى كل يَوْم " قَوْله " ونوم على وتر " وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ من طَرِيق ابْن التياح على مَا يَجِيء فِي الصَّوْم " وَأَن أوتر قبل أَن أَنَام " وبمثل وَصِيَّة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأبي هُرَيْرَة أوصى بهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأبي الدَّرْدَاء فِيمَا رَوَاهُ مُسلم حَدثنَا هَارُون بن عبد الله وَمُحَمّد بن رَافع قَالَ حَدثنَا ابْن فديك عَن الضَّحَّاك بن عُثْمَان عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن حنين عَن أبي مرّة مولى أم هَانِيء " عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ أَوْصَانِي حَبِيبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِثَلَاث لن أدعهن مَا عِشْت بصيام ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر وبصلاة الضُّحَى وَبِأَن لَا أَنَام حَتَّى أوتر " وبمثل ذَلِك أَيْضا أوصى لأبي ذَر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ قَالَ أخبرنَا عَليّ بن حجر قَالَ أخبرنَا إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي حَرْمَلَة عَن عَطاء بن يسَار " عَن أبي ذَر قَالَ أَوْصَانِي خليلي بِثَلَاث لَا أدعهن إِن شَاءَ الله تَعَالَى أبدا أَوْصَانِي بِصَلَاة الضُّحَى وبالوتر قبل النّوم وبصيام ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر " (فَإِن قلت) مَا الْحِكْمَة فِي الْوَصِيَّة بالمحافظة على هَذِه الثَّلَاث (قلت) أما فِي صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر إِشَارَة إِلَى تمرين النَّفس على جنس الصّيام وَفِي صَلَاة الضُّحَى إِشَارَة إِلَى ذَلِك فِي جنس الصَّلَاة وَأما فِي الْوتر قبل النّوم إِشَارَة إِلَى أَن ذَلِك فِي الْمُوَاظبَة عَلَيْهِ وَفِيه إِمَارَة الْوُجُوب وَوَقته فِي اللَّيْل وَهُوَ وَقت الْغَفْلَة وَالنَّوْم والكسل وَوقت طلب النَّفس الرَّاحَة (فَإِن قلت) مَا وَجه تَخْصِيص أبي هُرَيْرَة وَأبي ذكر بِهَذِهِ الْوَصِيَّة (قلت) لِأَنَّهُمَا كَانَا من الْفُقَرَاء وَلم يَكُونَا من أَصْحَاب الْأَمْوَال فالصوم وَالصَّلَاة من أشرف الْعِبَادَات الْبَدَنِيَّة فوصاهما بِمَا يَلِيق بهما وَالْوتر من جنس الصَّلَاة. وَمن فَوَائِد الحَدِيث الْمَذْكُور الْإِشَارَة إِلَى فَضِيلَة صَلَاة الضُّحَى وفضيلة صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر فالحسنة بِعشر أَمْثَالهَا فَإِذا صَامَ فِي كل شهر ثَلَاثَة أَيَّام وَصَامَ شهر رَمَضَان فَكَأَنَّمَا صَامَ سنته تِلْكَ كلهَا وَقيل أما الْوتر فَإِنَّهُ مَحْمُول على من لَا يَسْتَيْقِظ آخر اللَّيْل فَإِن أَمن فالتأخير أفضل للْحَدِيث الصَّحِيح " فَانْتهى وتره إِلَى السحر "
205 - (حَدثنَا عَليّ بن الْجَعْد قَالَ أخبرنَا شُعْبَة عَن أنس بن سِيرِين قَالَ سَمِعت أنس بن مَالك الْأنْصَارِيّ قَالَ قَالَ رجل من الْأَنْصَار وَكَانَ ضخما للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنِّي لَا أَسْتَطِيع الصَّلَاة مَعَك فَصنعَ للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طَعَاما فَدَعَاهُ إِلَى بَيته ونضح لَهُ طرف حَصِير بِمَاء فصلى عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ فلَان ابْن فلَان ابْن جارود لأنس رَضِي الله عَنهُ أَكَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي الضُّحَى فَقَالَ مَا رَأَيْته صلى غير ذَلِك الْيَوْم) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَدَعَاهُ إِلَى بَيته " إِلَى آخِره فَإِنَّهُ صلى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي بَيته فأوقع فِي الْحَضَر (ذكر رِجَاله) وهم أَرْبَعَة عَليّ بن الْجَعْد بِفَتْح الْجِيم مر فِي بَاب أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان وَشعْبَة بن الْحجَّاج قد تكَرر ذكره وَأنس بن سِيرِين مولى أنس بن مَالك وَيُقَال أَنه لما ولد ذهب بِهِ إِلَى أنس بن مَالك فَسَماهُ أنسا وكناه أَبَا حَمْزَة باسمه وكنيته وَمَات بعد أَخِيه مُحَمَّد وَمَات مُحَمَّد سنة عشر وَمِائَة وَقد مر هَذَا الحَدِيث فِي بَاب هَل يُصَلِّي الإِمَام بِمن حضر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن آدم عَن شُعْبَة عَن أنس بن سِيرِين قَالَ سَمِعت أنسا الحَدِيث وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصى قَوْله " قَالَ رجل من الْأَنْصَار " قيل هُوَ عتْبَان بن مَالك قَوْله " وَقَالَ فلَان بن فلَان " قَالَ الْكرْمَانِي قيل هُوَ عبد الحميد بن الْمُنْذر بن جارود بِالْجِيم وبضم الرَّاء وبإهمال الدَّال يرفع الحَدِيث فِي بَاب هَل يُصَلِّي الإِمَام بِمن حضر.
(بَاب الرَّكْعَتَيْنِ قبل الظّهْر)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قبل صَلَاة الظّهْر وَقد ذكرُوا أَولا الرَّوَاتِب الَّتِي بعد المكتوبات ثمَّ ذكر مَا يتَعَلَّق بِمَا قبلهَا فَبَدَأَ أَولا بِمَا قبل الظّهْر وَفِي بعض النّسخ بَاب الركعتان قبل الظّهْر وَوَجهه أَن يُقَال هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الركعتان قبل الظّهْر
206 - (حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب قَالَ حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن(7/243)
عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ حفظت من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عشر رَكْعَات رَكْعَتَيْنِ قبل الظّهْر وَرَكْعَتَيْنِ بعْدهَا وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب فِي بَيته وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء فِي بَيته وَرَكْعَتَيْنِ قبل صَلَاة الصُّبْح وَكَانَت سَاعَة لَا يدْخل على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيهَا حَدَّثتنِي حَفْصَة أَنه كَانَ إِذا أذن الْمُؤَذّن وطلع الْفجْر صلى رَكْعَتَيْنِ) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله " رَكْعَتَيْنِ قبل الظّهْر " وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ وَأخرجه فِي بَاب مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّع مثنى مثنى عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن سَالم عَن عبد الله بن عمر وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى هُنَاكَ
207 - (حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنَا يحيى عَن شُعْبَة عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن الْمُنْتَشِر عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ لَا يدع أَرْبعا قبل الظّهْر وَرَكْعَتَيْنِ قبل الْغَدَاة) طرق هَذَا الحَدِيث الصِّحَاح أَربع وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن الْمُنْتَشِر وَكَذَا رَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة عبد الله ابْن شَقِيق عَنْهَا أَربع غير أَن التِّرْمِذِيّ روى من حَدِيث عبد الله بن شَقِيق عَنْهَا " كَانَ يُصَلِّي قبل الظّهْر رَكْعَتَيْنِ " وَصَححهُ قيل حَدِيث عَائِشَة هَذَا لَا يُطَابق التَّرْجَمَة وَأجِيب بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن ابْن عمر قد نسي رَكْعَتَيْنِ من الْأَرْبَع ورد بِأَن هَذَا الِاحْتِمَال بعيد وَالْأولَى أَن يحمل على حَالين فَكَانَ يُصَلِّي تَارَة ثِنْتَيْنِ وَتارَة يُصَلِّي أَرْبعا (قلت) الْحمل على النسْيَان أقرب إِلَى التَّرْجَمَة من الَّذِي قَالَه لِأَن النسْيَان غير مَرْفُوع فَإِذا حمل على مَا قَالَه لَا تتمّ الْمُطَابقَة أصلا وَقيل أَنه مَحْمُول على أَنه كَانَ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد يقْتَصر على رَكْعَتَيْنِ وَفِي بَيته صلي أَرْبعا وعَلى كل حَال لَا يتْرك الْأَرْبَع والركعتان موجودتان فِي الْأَرْبَع وَقيل كَانَ ابْن عمر رأى مَا فِي الْمَسْجِد وَعَائِشَة اطَّلَعت على الْأَمريْنِ جَمِيعًا وَلما كَانَ الْأَرْبَع من الرَّوَاتِب لِلظهْرِ ذكره اسْتِطْرَادًا لحَدِيث ابْن عمر حَيْثُ اقْتصر على رَكْعَتَيْنِ فَأخْبر كل مِنْهُمَا بِمَا شَاهده وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا قَالَه الطَّبَرِيّ الْأَرْبَع كَانَت فِي كثير من أَحْوَاله والركعتان فِي قليلها (ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة. الأول مُسَدّد تكَرر ذكره. الثَّانِي يحيى بن سعيد الْقطَّان. الثَّالِث شُعْبَة بن الْحجَّاج. الرَّابِع إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن الْمُنْتَشِر ابْن أخي مَسْرُوق الْهَمدَانِي. الْخَامِس أَبوهُ مُحَمَّد بن الْمُنْتَشِر بن الأجدع والمنتشر بِضَم الْمِيم وَسُكُون النُّون وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر الشين الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره رَاء بِلَفْظ الْفَاعِل من الانتشار ضد الانقباض. السَّادِس أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه أَن شَيْخه بَصرِي وَكَذَا شيخ شَيْخه وَشعْبَة واسطي وَإِبْرَاهِيم وَأَبوهُ كوفيان وَفِيه عَن أَبِيه عَن عَائِشَة وَفِي رِوَايَة وَكِيع عَن شُعْبَة عَن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه سَمِعت عَائِشَة أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ وَحكى عَن شيخ أبي الْقَاسِم الْبَغَوِيّ أَنه حَدثهُ بِهِ من طَرِيق عُثْمَان ابْن عمر عَن شُعْبَة فَأدْخل بَين مُحَمَّد بن الْمُنْتَشِر وَعَائِشَة مسروقا وَأخْبرهُ أَن حَدِيث وَكِيع وهم ورد ذَلِك الْإِسْمَاعِيلِيّ بِأَن مُحَمَّد بن جَعْفَر قد وَافق وكيعا على التَّصْرِيح بِسَمَاع مُحَمَّد عَن عَائِشَة ثمَّ سَاقه بِسَنَدِهِ إِلَى شُعْبَة عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد أَنه سمع أَبَاهُ أَنه سمع عَائِشَة وَلما خرجه النَّسَائِيّ أَدخل بَين مُحَمَّد وَعَائِشَة مسروقا كَمَا فِي رِوَايَة الْبَغَوِيّ فَقَالَ حَدثنَا ابْن المنثى حَدثنَا عُثْمَان بن عمر بن فَارس حَدثنَا شُعْبَة عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة بِلَفْظ " كَانَ لَا يدع أَربع رَكْعَات قبل الظّهْر وَرَكْعَتَيْنِ قبل الْفجْر " وَقَالَ النَّسَائِيّ هَذَا الحَدِيث لم يُتَابِعه أحد على قَوْله عَن مَسْرُوق وَخَالفهُ مُحَمَّد بن جَعْفَر وَعَامة أَصْحَاب شُعْبَة وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ قد ذكر سَماع ابْن الْمُنْتَشِر عَن عَائِشَة غير وَاحِد فَإِن وكيعا رَوَاهُ عَن شُعْبَة فَقَالَ فِيهِ سَمِعت من رِوَايَة عُثْمَان وَأبي كريب وَكَذَا قَالَ غنْدر عَن شُعْبَة وَقَالَ صَاحب التَّلْوِيح فالحمل فِي ذَلِك على عُثْمَان بن عمر فَإِن يحيى بن سعيد لم يكن ليحمل(7/244)
هَكَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ قَالَ وَلقَائِل أَن يَقُول تَصْرِيح أُولَئِكَ بِسَمَاعِهِ عَن عَائِشَة لَا يَنْفِي دُخُول مَسْرُوق بَينهمَا الِاحْتِمَال أَن يكون أَولا رَوَاهُ بِوَاسِطَة ثمَّ سَمعه بِغَيْر وَاسِطَة فَأدى مَا سَمعه عَنهُ شُعْبَة فِي الْحَالَتَيْنِ لِأَن الطَّرِيق فِي كل مِنْهُمَا صَحِيحَة (ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن مُسَدّد نَحْو البُخَارِيّ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن أَحْمد بن عبد الله عَن غنْدر وَعَن عبيد الله بن سعيد عَن يحيى وَعَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى عَن خَالِد بن الْحَارِث ثَلَاثَتهمْ عَن شُعْبَة. (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " لَا يدع " أَي لَا يتْرك وأمات الْعَرَب ماضيه قَوْله " قبل الْغَدَاة " أَي قبل صَلَاة الصُّبْح وَاخْتلفت الْأَحَادِيث فِي التَّنَفُّل قبل الظّهْر وَبعدهَا وَقد ذَكرْنَاهُ مستقصى وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ وَاخْتلف الْعلمَاء هَل للفرائض رواتب مسنونة أَو لَيست لَهَا فَذهب الْجُمْهُور وَقَالُوا هِيَ سنة مَعَ الْفَرَائِض وَذهب مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ إِلَى أَنه لَا رواتب فِي ذَلِك وَلَا تَوْقِيت حماية للفرائض وَلَا يمْنَع من تطوع بِمَا شَاءَ إِذا أَمن ذَلِك.
(تَابعه ابْن أبي عدي وَعَمْرو عَن شُعْبَة) أَي تَابع يحيى بن سعيد بن أبي عدي وَعمر وَعلي رِوَايَته عَن شُعْبَة وَابْن أبي عدي هُوَ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم وَأَبُو عدي هُوَ كنية إِبْرَاهِيم مولى بني سليم من القساملة الْبَصْرِيّ مكنى أَبَا عَمْرو مَاتَ سنة أَربع وَتِسْعين وَمِائَة وَعَمْرو بِفَتْح الْعين هُوَ ابْن مَرْزُوق أَبُو عُثْمَان مولى باهلة من مُضر الْبَصْرِيّ روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي أول الدِّيات وَفِي مَنَاقِب عَائِشَة وَقَالَ مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَتَابعه أَيْضا ابْن الْمُبَارك ومعاذ بن معَاذ ووهب بن جرير كلهم عَن شُعْبَة بِسَنَد لَيْسَ فِيهِ مَسْرُوق وَقَالَ الْمزي قَالَ النَّسَائِيّ هَذَا الصَّوَاب وَحَدِيث عُثْمَان بن عمر خطأ يَعْنِي عَن شُعْبَة عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن الْمُنْتَشِر عَن أَبِيه عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة (قلت) قد مر أَن دُخُول مَسْرُوق بَين مُحَمَّد بن الْمُنْتَشِر وَعَائِشَة غير مُمْتَنع وَقد ذَكرْنَاهُ على أَن البُخَارِيّ قد أَرَادَ بِهَذِهِ الْمُتَابَعَة السَّلامَة من هَذِه الشائية
(بَاب الصَّلَاة قبل الْمغرب)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الصَّلَاة قبل صَلَاة الْمغرب.
208 - (حَدثنَا أَبُو معمر قَالَ حَدثنَا عبد الْوَارِث عَن الْحُسَيْن عَن ابْن بُرَيْدَة قَالَ حَدثنِي عبد الله الْمُزنِيّ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ صلوا قبل صَلَاة الْمغرب قَالَ فِي الثَّالِثَة لمن شَاءَ كَرَاهِيَة أَن يتخذها النَّاس سنة) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَلم يذكر الصَّلَاة قبل الْعَصْر مَعَ أَن أَبَا دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَأحمد رووا عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا " رحم الله امْرأ صلى قبل الْعَصْر أَرْبعا " وَأخرجه ابْن حبَان وَصَححهُ لكَونه على غير شَرطه وَقد ذكرنَا هَذَا الْبَاب فِيمَا مضى مُسْتَوفى. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول أَبُو معمر بِفَتْح الميمين عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج الْمنْقري. الثَّانِي عبد الْوَارِث بن سعيد يكنى بِأبي عُبَيْدَة. الثَّالِث حُسَيْن بن ذكْوَان الْمعلم. الرَّابِع عبد الله بن بُرَيْدَة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة. الْخَامِس عبد الله بن الْمُغَفَّل بِضَم الْمِيم وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْفَاء الْمَفْتُوحَة الْمُزنِيّ بِضَم الْمِيم وَفتح الزَّاي وبالنون. (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه أَن رُوَاته كلهم بصريون يغر ابْن بُرَيْدَة فَإِنَّهُ مروزي. (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الِاعْتِصَام عَن أبي معمر أَيْضا وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن عبيد الله بن عمر القواريري. (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " صلوا قبل صَلَاة الْمغرب " وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن القواريري بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور " صلوا قبل الْمغرب رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ صلوا قبل الْمغرب رَكْعَتَيْنِ " قَوْله " قَالَ فِي الثَّالِثَة لمن شَاءَ " هَذَا يدل على أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ صلوا قبل صَلَاة الْمغرب ثَلَاث مَرَّات وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من هَذَا الْوَجْه ثَلَاث مَرَّات وَقَالَ فِي الثَّالِثَة لمن شَاءَ وَفِي(7/245)
رِوَايَة أبي نعيم فِي الْمُسْتَخْرج " صلوا قبل الْمغرب رَكْعَتَيْنِ قَالَهَا ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ لمن شَاءَ " قَوْله " كَرَاهِيَة أَن يتخذها النَّاس سنة " وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد " خشيَة أَن يتخذها النَّاس سنة " وانتصاب كَرَاهِيَة وخشية على التَّعْلِيل وَمعنى سنة طَريقَة لَازِمَة يواظبون عَلَيْهَا (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) اخْتلف السّلف فِي التَّنَفُّل قبل الْمغرب فَأَجَازَهُ طَائِفَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاء وحجتهم هَذَا الحَدِيث وَأَمْثَاله وَرُوِيَ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وَغَيرهم أَنهم كَانُوا لَا يصلونها وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ اخْتلف الصَّحَابَة فيهمَا وَلم يفعلهما أحد بعدهمْ وَقَالَ سعيد بن الْمسيب مَا رَأَيْت فَقِيها يُصَلِّيهمَا إِلَّا سعد بن أبي قاص وَذكر ابْن حزم أَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف كَانَ يُصَلِّيهمَا وَكَذَا أبي بن كَعْب وَأنس بن مَالك وَجَابِر وَخَمْسَة آخَرُونَ من أَصْحَاب الشَّجَرَة وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى وَقَالَ حبيب بن سَلمَة رَأَيْت الصَّحَابَة يهبون إِلَيْهَا كَمَا يهبون إِلَى صَلَاة الْفَرِيضَة وَسُئِلَ عَنْهُمَا الْحسن فَقَالَ حَسَنَتَانِ لمن أَرَادَ بهما وَجه الله تَعَالَى وَقَالَ ابْن بطال وَهُوَ قَول أَحْمد وَإِسْحَق وَفِي الْمُغنِي ظَاهر كَلَام أَحْمد أَنَّهُمَا جائزتان وليستا سنة قَالَ الْأَثْرَم قلت لِأَحْمَد الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب قَالَ مَا فعلته قطّ إِلَّا مرّة حِين سَمِعت الحَدِيث قَالَ وَفِيهِمَا أَحَادِيث جِيَاد أَو قَالَ صِحَاح عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ إِلَّا أَنه قَالَ لمن شَاءَ فَمن شَاءَ صلى وَعند الْبَيْهَقِيّ عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن الْمسيب قَالَ كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لَا يركعونهما وَكَانَت الْأَنْصَار تركعهما وَمن حَدِيث مَكْحُول عَن أبي أُمَامَة كُنَّا لَا نَدع الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب فِي زمَان رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَ ابْن بطال قَالَ النَّخعِيّ لم يصلهمَا أَبُو بكر وَلَا عمر وَلَا عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم قَالَ إِبْرَاهِيم وَهِي بِدعَة قَالَ وَكَانَ خِيَار الصَّحَابَة بِالْكُوفَةِ عَليّ وَابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة وعمار وَأَبُو مَسْعُود أَخْبرنِي من رمقهم كلهم فَمَا رأى أحدا مِنْهُم يُصَلِّي قبل الْمغرب قَالَ وَهُوَ قَول مَالك وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَفِي شرح الْمُهَذّب لِأَصْحَابِنَا فِيهَا وَجْهَان أشهرهما لَا يسْتَحبّ وَالصَّحِيح عِنْد الْمُحَقِّقين استحبابهما وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا أَن حَدِيث عبد الله الْمُزنِيّ مَحْمُول على أَنه كَانَ فِي أول الْإِسْلَام ليتبين خُرُوج الْوَقْت الْمنْهِي عَن الصَّلَاة فِيهِ بمغيب الشَّمْس وَحل فعل النَّافِلَة وَالْفَرِيضَة ثمَّ الْتزم النَّاس الْمُبَادرَة لفريضة الْوَقْت لِئَلَّا يتبطأ النَّاس بِالصَّلَاةِ عَن وَقتهَا الْفَاضِل وَادّعى ابْن شاهين أَن هَذَا الحَدِيث مَنْسُوخ بِحَدِيث عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِن عِنْد كل أذانين رَكْعَتَيْنِ مَا خلا الْمغرب " ويزيده وضوحا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا شُعْبَة عَن أبي شُعَيْب " عَن طَاوس قَالَ سُئِلَ ابْن عمر عَن الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب فَقَالَ مَا رَأَيْت أحدا عَن عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّيهمَا وَرخّص فِي الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر " قَالَ أَبُو دَاوُد سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول هُوَ شُعَيْب يَعْنِي وهم شُعْبَة فِي اسْمه (قلت) يَعْنِي وهم فِي ذكره بالكنية وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ شُعَيْب وَسَنَده صَحِيح وَقَالَ ابْن حزم لَا يَصح لِأَنَّهُ عَن أبي شُعَيْب أَو شُعَيْب وَلَا يدرى من هُوَ ورد عَلَيْهِ بِأَن وكيعا وَابْن ابْن غنية رويا عَنهُ وَقَالَ أَبُو زرْعَة لَا بَأْس بِهِ وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات وَقَالَ ابْن خلفون روى عَنهُ عمر بن عبيد الطنافسي ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي
209 - (حَدثنَا عبد الله بن يزِيد قَالَ حَدثنَا سعيد بن أبي أَيُّوب قَالَ حَدثنِي يزِيد بن أبي حبيب قَالَ سَمِعت مرْثَد بن عبد الله الْيَزنِي قَالَ أتيت عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ فَقلت أَلا أعْجبك من أبي تَمِيم يرْكَع رَكْعَتَيْنِ قبل صَلَاة الْمغرب فَقَالَ عقبَة إِنَّا كُنَّا نفعله على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قلت فَمَا يمنعك الْآن قَالَ الشّغل) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من قَوْله " إِنَّا كُنَّا نفعله على عهد النَّبِي ". (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة الأول عبد الله بن يزِيد من الزِّيَادَة الْمقري أَبُو عبد الرَّحْمَن مر فِي بَاب بَين كل أذانين صَلَاة. الثَّانِي سعيد بن أبي أَيُّوب الْخُزَاعِيّ وَاسم أبي أَيُّوب مِقْلَاص يكنى أَبَا يحيى. الثَّالِث يزِيد بن أبي حبيب يزِيد من الزِّيَادَة يكنى بِأبي رجا وَاسم أبي حبيب سُوَيْد وحبِيب ضد الْعَدو. الرَّابِع مرْثَد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وبالدال الْمُهْملَة ابْن عبد الله الْيَزنِي بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالزَّاي وبالنون وَهُوَ نِسْبَة إِلَى يزن بطن من حمير مر فِي بَاب إطْعَام الطَّعَام من الْإِيمَان. الْخَامِس عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ بِضَم الْجِيم وَفتح الْهَاء وبالنون وَالِي مصر مر فِي بَاب من صلى فِي فروج الْحَرِير. (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ حَدثنَا بِصِيغَة الْجمع(7/246)
فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَفِيه السماع والإتيان وَفِيه القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه أَن رُوَاته مصريون غير أَن شَيْخه من نَاحيَة الْبَصْرَة وَسكن مَكَّة (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " أَلا أعْجبك " قَالَ بَعضهم بِضَم أَوله وَتَشْديد الْجِيم من التَّعَجُّب (قلت) التَّعَجُّب من بَاب التفعل وَلَا يَأْتِي الْفِعْل مِنْهُ على مَا قَالَه وَمَا غَيره إِلَّا قَول الْكرْمَانِي لَا أعْجبك من التَّعَجُّب وَلَيْسَ هَذَا إِلَّا من بَاب الْإِعْجَاب بِكَسْر الْهمزَة وَمَعْنَاهُ أَن مرْثَد بن عبد الله يخبر عقبَة بن أبي تَمِيم شَيْئا يتعجب مِنْهُ حَاصله أَنه يستغربه وَأَبُو تَمِيم بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق عبد الله بن مَالك الجيشاني بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا شين مُعْجمَة نسبته إِلَى جيشان بن عَبْدَانِ بن حجر بن ذِي رعين وَهُوَ تَابِعِيّ كَبِير مخضرم أسلم فِي عهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَرَأَ الْقُرْآن على معَاذ بن جبل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ثمَّ قدم فِي زمن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَشهد فتح مصر وسكنها قَالَه ابْن يُونُس وَقد عده جمَاعَة فِي الصَّحَابَة لهَذَا الْإِدْرَاك وَذكره الذَّهَبِيّ فِي تَجْرِيد الصَّحَابَة قَوْله " يرْكَع رَكْعَتَيْنِ " وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " حِين يسمع أَذَان الْمغرب " وَفِيه " فَقلت " لعقبة " وَأَنا أُرِيد أَن أغمصه " بغين مُعْجمَة وصاد مُهْملَة أَي أعيبه قَوْله " على عهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَي على زَمَنه قَوْله " الشّغل " بِضَم الشين وَضم الْغَيْن وسكونها (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ دلَالَة على اسْتِحْبَاب الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب لمن كَانَ متأهبا بِشُرُوط الصَّلَاة لِئَلَّا يُؤَخر الْمغرب عَن أول وَقتهَا كَذَا قَالَه قوم وَقد مر بَيَان الْخلاف فِيهِ ورد على من اسْتدلَّ بِهِ على امتداد وَقت الْمغرب وَقَالَ بَعضهم وَفِيه رد على قَول القَاضِي أبي بكر بن الْعَرَبِيّ لم يفعلهما أحد من الصَّحَابَة لِأَن أَبَا تَمِيم تَابِعِيّ وَقد فعلهمَا (قلت) قَول القَاضِي على قَول من عد أَبَا تَمِيم من الصَّحَابَة فَلَا وَجه للرَّدّ عَلَيْهِ
(بَاب صَلَاة النَّوَافِل جمَاعَة)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان صَلَاة النَّوَافِل جمَاعَة وانتصاب جمَاعَة يجوز أَن يكون بِنَزْع الْخَافِض أَي بِجَمَاعَة
(ذكره أنس وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) أَي ذكر حكم صَلَاة النَّوَافِل بِالْجَمَاعَة أنس بن مَالك وَعَائِشَة الصديقة وَحَدِيث أنس ذكره البُخَارِيّ فِي بَاب الصَّلَاة على الْحَصِير حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك بن أنس عَن إِسْحَق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة " عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن جدته مليكَة " الحَدِيث وَفِيه " فَقَامَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وصففت أَنا واليتيم وَرَاءه والعجوز من وَرَائِنَا فصلى لنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَكْعَتَيْنِ ثمَّ انْصَرف " وَحَدِيث عَائِشَة ذكره فِي صَلَاة الْكُسُوف فِي بَاب الصَّدَقَة فِي الْكُسُوف حَدثنَا عبد الله بن مسلمة عَن مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه " عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت خسفت الشَّمْس فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فصلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالنَّاسِ " وَذكره أَيْضا فِي بَاب تحريض النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على قيام اللَّيْل حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة بن الزبير " عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى ذَات لَيْلَة فِي الْمَسْجِد فصلى بِصَلَاتِهِ نَاس " الحَدِيث
210 - (حَدثنِي إِسْحَاق قَالَ حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم قَالَ حَدثنَا أبي عَن ابْن شهَاب قَالَ أَخْبرنِي مَحْمُود بن الرّبيع الْأنْصَارِيّ أَنه عقل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وعقل مجة مجها فِي وَجهه من بِئْر كَانَت فِي دَارهم فَزعم مَحْمُود أَنه سمع عتْبَان بن مَالك الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ مِمَّن شهد بَدْرًا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول كنت أُصَلِّي لقومي ببني سَالم وَكَانَ يحول بيني وَبينهمْ(7/247)
وَاد إِذا جَاءَت الأمطار فَيشق عَليّ اجتيازه قبل مَسْجِدهمْ فَجئْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقلت لَهُ إِنِّي أنْكرت بَصرِي وَإِن الْوَادي الَّذِي بيني وَبَين قومِي يسيل إِذا جَاءَت الأمطار فَيشق عَليّ اجتيازه فوددت أَنَّك تَأتي فَتُصَلِّي من بَيْتِي مَكَانا أتخذه مصلى فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سأفعل فغدا عَليّ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ بعد مَا اشْتَدَّ النَّهَار فَاسْتَأْذن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَذنت لَهُ فَلم يجلس حَتَّى قَالَ أَيْن تحب أَن أُصَلِّي من بَيْتك فأشرت لَهُ إِلَى الْمَكَان الَّذِي أحب أَن أُصَلِّي فِيهِ فَقَامَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَكبر وصففنا وَرَاءه فصلى ركعتن ثمَّ سلم وَسلمنَا حِين سلم فحبسته على خزير يصنع لَهُ فَسمع أهل الدَّار رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي بَيْتِي فَثَابَ رجال مِنْهُم حَتَّى كثر الرِّجَال فِي الْبَيْت فَقَالَ رجل مِنْهُم مَا فعل مَالك لَا أرَاهُ فَقَالَ رجل مِنْهُم ذَاك مُنَافِق لَا يحب الله وَرَسُوله قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا تقل ذَاك أَلا ترَاهُ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله يَبْتَغِي بذلك وَجه الله فَقَالَ الله وَرَسُوله أعلم أما نَحن فوَاللَّه لَا نرى وده وَلَا حَدِيثه إِلَّا إِلَى الْمُنَافِقين قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِن الله قد حرم على النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله يَبْتَغِي بذلك وَجه الله قَالَ مَحْمُود فحدثتها قوما فيهم أَبُو أَيُّوب صَاحب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي غزوته الَّتِي توفّي فِيهَا وَيزِيد بن مُعَاوِيَة عَلَيْهِم بِأَرْض الرّوم فأنكرها عَليّ أَبُو أَيُّوب وَقَالَ وَالله مَا أَظن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ مَا قلت قطّ فَكبر ذَلِك عَليّ فَجعلت لله عَليّ إِن سلمني حَتَّى أقفل من غزوتي أَن أسأَل عَنْهَا عتْبَان بن مَالك رَضِي الله عَنهُ إِن وجدته حَيا فِي مَسْجِد قومه فقفلت فَأَهْلَلْت بِحجَّة أَو بِعُمْرَة ثمَّ سرت حَتَّى قدمت الْمَدِينَة فَأتيت بني سَالم فَإِذا عتْبَان شيخ أعمى يُصَلِّي لِقَوْمِهِ فَلَمَّا سلم من الصَّلَاة سلمت عَلَيْهِ وأخبرته من أَنا ثمَّ سَأَلته عَن ذَلِك الحَدِيث فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حَدَّثَنِيهِ أول مرّة) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَقَامَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وصففنا وَرَاءه فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سلم وَسلمنَا حِين سلم " (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول إِسْحَاق ذكره غير مَنْسُوب لَكِن يحْتَمل أَن يكون إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه أَو إِسْحَاق بن مَنْصُور لِأَن كليهمَا يرويان عَن يَعْقُوب الزُّهْرِيّ وَالْبُخَارِيّ يروي عَنْهُمَا لَكِن الْأَظْهر أَن يكون إِسْحَق بن رَاهَوَيْه فَإِنَّهُ روى هَذَا الحَدِيث فِي مُسْنده بِهَذَا الْإِسْنَاد لَكِن فِي لَفظه بعض الْمُخَالفَة. الثَّانِي يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ. الثَّالِث أَبوهُ إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور. الرَّابِع مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. الْخَامِس مَحْمُود بن الرّبيع أَبُو مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ الْحَارِثِيّ توفّي سنة تسع وَتِسْعين وَقد مر هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الصَّلَاة فِي بَاب الْمَسَاجِد فِي الْبيُوت فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سعيد بن عفير قَالَ حَدثنِي اللَّيْث قَالَ حَدثنِي عقيل عَن ابْن شهَاب قَالَ أَخْبرنِي مَحْمُود بن الرّبيع الْأنْصَارِيّ أَن عتْبَان بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الحَدِيث وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصى ولنذكر الْآن بعض شَيْء زِيَادَة للْبَيَان قَوْله " وعقل مجة " وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الْعلم فِي بَاب مَتى يَصح سَماع الصَّغِير روى هُنَاكَ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن يُوسُف قَالَ حَدثنَا أَبُو مسْهر قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن حَرْب قَالَ حَدثنِي الزبيدِيّ عَن الزُّهْرِيّ " عَن مَحْمُود بن الرّبيع قَالَ عقلت من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مجة مجها فِي وَجْهي وَأَنا ابْن خمس سِنِين من دلو انْتهى "(7/248)
وَهَهُنَا قَالَ " من بِئْر كَانَت فِي دَارهم " هَذِه رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره " كَانَ فِي دَارهم " أَي كَانَ الدَّلْو قَوْله " فَزعم مَحْمُود " أَي أخبر أَو قَالَ وَيُطلق الزَّعْم وَيُرَاد بِهِ القَوْل قَوْله " إِذْ جَاءَت " أَي حِين جَاءَت وَيجوز أَن تكون إِذْ للتَّعْلِيل أَي لأجل مَجِيء الأمطار قَوْله " فَيشق عَليّ " هَذِه رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره " فشق " بِصِيغَة الْمَاضِي قَوْله " قبل " بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي جِهَة مَسْجِدهمْ قَوْله " سأفعل فغدا عَليّ " وَهُنَاكَ " سأفعل إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ عتْبَان فغدا " قَوْله " بَعْدَمَا اشْتَدَّ النَّهَار " وَهُنَاكَ " فغدا على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبُو بكر حِين ارْتَفع النَّهَار " قَوْله " أَيْن تحب أَن أُصَلِّي من بَيْتك " هَذِه رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره " نصلي " بنُون الْجمع قَوْله " على خزير " بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الزَّاي وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء وَهُنَاكَ " على خزير صنعناها لَهُ " وَهُوَ طَعَام من اللَّحْم والدقيق الغليظ قَوْله " مَا فعل مَالك " وَهُنَاكَ " فَقَالَ قَائِل مِنْهُم أَيْن مَالك بن الدخيشن أَو ابْن الدخشن " الدخيشن بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَفتح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره نون والدخشن بِضَم الدَّال وَسُكُون الْخَاء وَضم الشين وبالنون قَوْله " لَا أرَاهُ " بِفَتْح الْهمزَة من الرُّؤْيَة قَوْله " فوَاللَّه لَا نرى وده وَلَا حَدِيثه إِلَّا إِلَى الْمُنَافِقين " وَهُنَاكَ " فَإنَّا نرى وَجهه ونصيحته لِلْمُنَافِقين " ويروى " إِلَى الْمُنَافِقين " قَوْله " فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَهُنَاكَ " قَالَ " بِدُونِ الْفَاء ويروى هُنَاكَ أَيْضا بِالْفَاءِ قَوْله " قَالَ مَحْمُود بن الرّبيع " أَي بِالْإِسْنَادِ الْمَاضِي قَوْله " أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ " هُوَ خَالِد بن زيد الْأنْصَارِيّ الَّذِي نزل عَلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما قدم الْمَدِينَة قَوْله " صَاحب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " ويروى " صَاحب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " قَوْله " فِي غزوته " وَكَانَت فِي سنة خمسين وَقيل بعْدهَا فِي خلَافَة مُعَاوِيَة ووصلوا فِي تِلْكَ الْغَزْوَة إِلَى القسطنطينة وحاصروها قَوْله " وَيزِيد بن مُعَاوِيَة عَلَيْهِم " أَي وَالْحَال أَن يزِيد بن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان كَانَ أَمِيرا عَلَيْهِم من جِهَة أَبِيه مُعَاوِيَة قَوْله " بِأَرْض الرّوم " وَهِي مَا وَرَاء الْبَحْر الْملح الَّتِي فِيهَا مَدِينَة القسطنطينة قَوْله " فأنكرها " أَي الْقِصَّة أَو الْحِكَايَة قَوْله " فَكبر " بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة أَي عظم قَوْله " حَتَّى أقفل " بِضَم الْفَاء قَالَ الْكرْمَانِي (فَإِن قلت) مَا سَبَب الْإِنْكَار من أبي أَيُّوب عَلَيْهِ (قلت) إِمَّا أَنه يسْتَلْزم أَن لَا يدْخل عصاة الْأمة النَّار وَقَالَ تَعَالَى {وَمن يعْص الله وَرَسُوله فَإِن لَهُ نَار جَهَنَّم} وَإِمَّا أَنه حكم بَاطِن الْأَمر وَقَالَ نَحن نحكم بِالظَّاهِرِ وَإِمَّا أَنه كَانَ بَين أظهرهم وَمن أكابرهم وَلَو وَقع مثل هَذِه الْقِصَّة لاشتهر ولنقلت إِلَيْهِ وَإِمَّا غير ذَلِك وَالله أعلم (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) وَهُوَ خَمْسَة وَخَمْسُونَ فَائِدَة. الأولى أَن من عقل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو من عقل مِنْهُ فعلا يعد صحابيا. الثَّانِيَة مَا كَانَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الرَّحْمَة لأَوْلَاد الْمُؤمنِينَ وَفعل ذَلِك ليعقل عَنهُ الغلمان ويعد لَهُم بِهِ الصُّحْبَة لينالوا فَضلهَا وناهيك بهَا. الثَّالِثَة استئلافهم لِآبَائِهِمْ بمزحه مَعَ بنيهم. الرَّابِعَة مزحه ليكرم بِهِ من يمازحه. الْخَامِسَة استراحته فِي بعض الْأَوْقَات ليستعين على الْعِبَادَة فِي وَقتهَا. السَّادِسَة إِعْطَاء النَّفس حَقّهَا وَلَا يشق عَلَيْهَا فِي كل الْأَوْقَات. السَّابِعَة اتِّخَاذ الدَّلْو. الثَّامِنَة أَخذ المَاء مِنْهُ بالفم. التَّاسِعَة إِلْقَاء المَاء فِي وَجه الطِّفْل. الْعَاشِرَة صَلَاة الْقَبَائِل الَّذين حول الْمَدِينَة فِي مَسَاجِدهمْ الْمَكْتُوبَة وَغَيرهَا. الْحَادِيَة عشر إِمَامَة الضَّعِيف والتخلف عَن الْمَسْجِد فِي الطين والظلمة. الثَّانِيَة عشر صَلَاة الْمَرْء الْمَكْتُوبَة وَغَيرهَا فِي بَيته. الثَّالِثَة عشر سُؤال الْكَبِير إِتْيَانه إِلَى بَيته ليتَّخذ مَكَان صلَاته مصلى. الرَّابِعَة عشر ذكر الْمَرْء مَا فِيهِ من الْعِلَل معتذرا وَلَا يكون شكوى فِيهِ. الْخَامِسَة عشر إِجَابَة الشَّارِع من سَأَلَهُ. السَّادِسَة عشر سير الإِمَام مَعَ التَّابِع. السَّابِعَة عشر صُحْبَة أفضل الصَّحَابَة إِيَّاه. الثَّامِنَة عشر تَسْمِيَته لأبي بكر وَحده لفضله. التَّاسِعَة عشر صَاحب الْبَيْت أعلم بأماكن بَيته وَهُوَ أدرى بِهِ. الْعشْرُونَ التَّبَرُّك بآثار الصَّالِحين. الْحَادِيَة وَالْعشْرُونَ طلب الْيَقِين تَقْدِيمًا على الِاجْتِهَاد فَإِن ذَلِك مَوضِع صلى فِيهِ الشَّارِع فَهُوَ عين لَا يجْتَهد فِيهِ. الثَّانِيَة وَالْعشْرُونَ طلب الصَّلَاة فِي مَوضِع معِين لتقوم صلَاته فِيهِ مقَام الْجَمَاعَة ببركة من صلى فِيهِ. الثَّالِثَة وَالْعشْرُونَ ترك التطلع فِي نواحي الْبَيْت. الرَّابِعَة وَالْعشْرُونَ صَلَاة النَّافِلَة جمَاعَة فِي الْبيُوت. الْخَامِسَة وَالْعشْرُونَ فضل مَوضِع صلَاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. السَّادِسَة وَالْعشْرُونَ نوافل النَّهَار تصلى رَكْعَتَيْنِ كالليل. السَّابِعَة وَالْعشْرُونَ الْمَكَان الْمُتَّخذ مَسْجِدا ملكه بَاقٍ عَلَيْهِ. الثَّامِنَة(7/249)
وَالْعشْرُونَ أَن النَّهْي عَن أَن يوطن الرجل مَكَانا للصَّلَاة إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَسَاجِد دون الْبيُوت. التَّاسِعَة وَالْعشْرُونَ صَلَاة الضُّحَى مُسْتَحبَّة. الثَّلَاثُونَ صنع الطَّعَام للكبير عِنْد إِتْيَانه لَهُم وَإِن لم يعلم بذلك. الْحَادِيَة وَالثَّلَاثُونَ عدم التَّكَلُّف فِيمَا يصنع. الثَّانِيَة وَالثَّلَاثُونَ كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يعيب طَعَاما. الثَّالِثَة وَالثَّلَاثُونَ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أدوم على فعل الْخيرَات. الرَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ الِاكْتِفَاء بِالْإِشَارَةِ. الْخَامِسَة وَالثَّلَاثُونَ يجوز أَن تكون بِلَفْظ مَعهَا. السَّادِسَة وَالثَّلَاثُونَ يعبر بِالدَّار عَن الْمحلة الَّتِي فِيهَا الدّور كَمَا فِي الحَدِيث " خير دور الْأَنْصَار دور بني النجار " ثمَّ عدد جمَاعَة وَفِي آخِره " وَفِي كل دور الْأَنْصَار خير ". السَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ اجْتِمَاع الْقَبِيل إِلَى الْموضع الَّذِي يَأْتِيهِ الْكَبِير ليؤدوا حَقه ويأخذوا حظهم مِنْهُ. الثَّامِنَة وَالثَّلَاثُونَ عيب من حضر على من تخلف ونسبته إِلَى أَمر مُتَّهم بِهِ وَهُوَ مَالك بن الدخشن وَأَنه قد شهد بَدْرًا وَاخْتلف فِي شُهُوده الْعقبَة فَظهر من حسن إِسْلَامه مَا يَنْفِي عَنهُ تُهْمَة النِّفَاق. التَّاسِعَة وَالثَّلَاثُونَ كَرَاهَة من يمِيل إِلَى الْمُنَافِقين فِي حَدِيثه ومجالسته. الْأَرْبَعُونَ من رمى مُسلما بالنفاق لمجالسته لَهُم لَا يُعَاقب وَلَا يُقَال لَهُ أثمت. الْحَادِيَة وَالْأَرْبَعُونَ الشَّارِع كَانَ يَأْتِيهِ الْوَحْي وَلَا شكّ فِيهِ. الثَّانِيَة وَالْأَرْبَعُونَ الْكَبِير إِذا علم بِصِحَّة اعْتِقَاد من نسب إِلَى غَيره يَقُول لَهُ لَا تقل ذَلِك. الثَّالِثَة وَالْأَرْبَعُونَ من عيب غَيره بِمَا ظهر مِنْهُ لم يكن غيبَة. الرَّابِعَة وَالْأَرْبَعُونَ من تلفظ بِالشَّهَادَتَيْنِ واعتقد حقية مَا جَاءَ بِهِ وَمَات على ذَلِك فَازَ وَدخل الْجنَّة. الْخَامِسَة وَالْأَرْبَعُونَ اخْتِيَار من سمع الحَدِيث من صَاحب صَاحب مثله أَو غَيره ليثبت مَا سمع وَيشْهد مَا عِنْد الَّذِي يُخبرهُ من ذَلِك. السَّادِسَة وَالْأَرْبَعُونَ إِنْكَار من روى حَدِيثا من غير أَن يقطع بِهِ. السَّابِعَة وَالْأَرْبَعُونَ الْمُرَاجَعَة فِيهِ إِلَى غَيره فَإِن مَحْمُود بن الرّبيع أوجب على نَفسه إِن سلم أَن يَأْتِي عتْبَان بن مَالك وَكَانَ مَحْمُود فِي الشَّام. الثَّامِنَة وَالْأَرْبَعُونَ الرحلة فِي الْعلم. التَّاسِعَة وَالْأَرْبَعُونَ ذكر مَا فِي الْإِنْسَان على وَجه التَّعْرِيف لَيْسَ غيبَة كذكره عمى عتْبَان. الْخَمْسُونَ إِمَامَة الْأَعْمَى. الْحَادِيَة وَالْخَمْسُونَ الْإِسْرَار بالنوافل. الثَّانِيَة وَالْخَمْسُونَ فِيهِ طلب عين الْقبْلَة. الثَّالِثَة وَالْخَمْسُونَ الاسْتِئْذَان من صَاحب الدَّار إِذا أَتَى إِلَى صَاحبهَا لأمر عرض لَهُ. الرَّابِعَة وَالْخَمْسُونَ تَوْلِيَة الإِمَام أحد السّريَّة أَمِيرا إِذا بَعثهمْ لغزو. الْخَامِسَة وَالْخَمْسُونَ الْجمع بَين الْحجَّة وَطلب الْعلم فِي سفرة وَاحِدَة
(بَاب التَّطَوُّع فِي الْبَيْت)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان صَلَاة التَّطَوُّع فِي الْبَيْت
211 - (حَدثنَا عبد الْأَعْلَى بن حَمَّاد قَالَ حَدثنَا وهيب عَن أَيُّوب وَعبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اجعلوا فِي بُيُوتكُمْ من صَلَاتكُمْ وَلَا تتخذوها قبورا) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحَدِيث بِعَيْنِه قد سلف فِي بَاب كَرَاهِيَة الصَّلَاة فِي الْمَقَابِر لَكِن هُنَاكَ رَوَاهُ عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن عبيد الله عَن نَافِع وَهنا عَن عبد الْأَعْلَى بن حَمَّاد بن نصر أبي يحيى قَالَ البُخَارِيّ مَاتَ سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ يروي عَن وهيب بن خَالِد عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَعبيد الله بن عمر كِلَاهُمَا عَن نَافِع قَوْله " وَعبيد الله " بِالْجَرِّ عطفا على أَيُّوب قَوْله " من صَلَاتكُمْ " قَالَ الْكرْمَانِي كلمة من زَائِدَة كَأَنَّهُ قَالَ اجعلوا صَلَاتكُمْ النَّافِلَة فِي بُيُوتكُمْ (قلت) فِيهِ نظر لَا يخفى بل كلمة من هَهُنَا للتَّبْعِيض ومفعول اجعلوا مَحْذُوف وَالتَّقْدِير اجعلوا شَيْئا من صَلَاتكُمْ فِي بُيُوتكُمْ وَلَا تجعلوها قبورا أَي مثل الْقُبُور بِأَن لَا يصلى فِيهَا
(تَابعه عبد الْوَهَّاب عَن أَيُّوب) أَي تَابع وهيبا عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَهَذِه الْمُتَابَعَة أخرجهَا مُسلم حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى قَالَ حَدثنَا عبد الْوَهَّاب قَالَ أخبرنَا أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " صلوا فِي بُيُوتكُمْ وَلَا تتخذوها قبورا " وَعند الطَّبَرِيّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن سابط عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " نوروا بُيُوتكُمْ بِذكر الله تَعَالَى وَأَكْثرُوا فِيهَا تِلَاوَة الْقُرْآن وَلَا تتخذوها قبورا كَمَا اتخذها الْيَهُود وَالنَّصَارَى "(7/250)
(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
(بَاب فضل الصَّلَاة فِي مَسْجِد مَكَّة وَالْمَدينَة)
فِي بعض النّسخ قبل ذكر الْبَاب ذكر التَّسْمِيَة أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الصَّلَاة فِي مَسْجِد مَكَّة وَمَسْجِد الْمَدِينَة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَإِنَّمَا لم يذكر فِي التَّرْجَمَة بَيت الْمُقَدّس وَإِن كَانَ مَذْكُورا مَعَهُمَا لكَونه أفرده بعد ذَلِك بترجمة أُخْرَى (فَإِن قلت) لَيْسَ فِي الحَدِيث لفظ الصَّلَاة (قلت) المُرَاد من الرحلة إِلَى الْمَسَاجِد قصد الصَّلَاة فِيهَا (فَإِن قلت) ذكر الصَّلَاة مُطلقَة (قلت) المُرَاد صَلَاة النَّافِلَة ظَاهرا وَإِن كَانَ يحْتَمل أَعم من ذَلِك وَفِيه خلاف يَأْتِي بَيَانه
212 - (حَدثنَا حَفْص بن عمر قَالَ حَدثنَا شُعْبَة قَالَ أَخْبرنِي عبد الْملك عَن قزعة قَالَ سَمِعت أَبَا سعيد رَضِي الله عَنهُ أَرْبعا قَالَ سَمِعت من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَانَ غزا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثِنْتَيْ عشرَة غَزْوَة ح حَدثنَا عَليّ قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَسْجِد الْأَقْصَى) هَذَانِ إسنادان الأول لحَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ. وَالثَّانِي لحَدِيث أبي هُرَيْرَة وَلكنه لم يتم متن حَدِيث أبي سعيد وَاقْتصر على قَوْله " كَانَ غزا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثِنْتَيْ عشرَة غَزْوَة " وَسَيذكر تَمَامه بعد أَرْبَعَة أَبْوَاب فِي بَاب مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس وَتَمَامه مُشْتَمل على أَرْبَعَة أَحْكَام. الأول فِي منع الْمَرْأَة عَن السّفر بِدُونِ الزَّوْج أَو الْمحرم وَالثَّانِي فِي منع صَوْم يومي الْعِيدَيْنِ. وَالثَّالِث فِي منع الصَّلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس وَبعد الْعَصْر حَتَّى تغرب. وَالرَّابِع فِي منع شدّ الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة مُشْتَمل على الحكم الرَّابِع فَقَط وَلما كَانَ الحديثان مشتركين فِي هَذَا اقْتصر فِي حَدِيث أبي سعيد على مَا ذكره طلبا للاختصار وَقيل كَأَنَّهُ قصد بذلك الإغماض لينبه غير الْحَافِظ على فَائِدَة الْحِفْظ وَظن الدَّاودِيّ أَنه سَاق الإسنادين لمتن حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَلَيْسَ كَذَلِك لاشتمال حَدِيث أبي سعيد على الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة ثمَّ وَجه مُطَابقَة حَدِيث أبي هُرَيْرَة للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لَا يُقَال لَيْسَ فِيهِ لفظ الصَّلَاة لأَنا قد ذكرنَا عَن قريب أَن المُرَاد من الرحلة إِلَى الْمَسَاجِد الْمَذْكُورَة قصد الصَّلَاة وَأما وَجه مُطَابقَة حَدِيث أبي سعيد للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه مُشْتَرك لحَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي الحكم الرَّابِع كَمَا ذَكرْنَاهُ وَإِن لم يذكرهُ هَهُنَا مَعَ أَنه مَا أخلاه عَن الذّكر على مَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى (ذكر رجال الإسنادين) وهم عشرَة. الأول حَفْص بن عمر بن الْحَارِث النمري. الثَّانِي شُعْبَة بن الْحجَّاج. الثَّالِث عبد الْملك بن عُمَيْر بِضَم الْعين مصغر عمر الْمَعْرُوف بالقبطي مر فِي بَاب أهل الْعلم أولى بِالْإِمَامَةِ وَإِنَّمَا قيل لَهُ القبطي لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ فرس سَابق يعرف بالقبطي فنسب إِلَيْهِ وَكَانَ على قَضَاء الْكُوفَة بعد الشّعبِيّ مَاتَ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَله من الْعُمر يَوْم مَاتَ مائَة سنة وَثَلَاث سِنِين. الرَّابِع قزعة بِالْقَافِ وَالزَّاي وَالْعين الْمُهْملَة كلهَا مَفْتُوحَة وَقيل بِسُكُون الزَّاي ابْن يحيى وَقيل ابْن الْأسود مولى زِيَاد يكنى أَبَا العادية. الْخَامِس أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ واسْمه سعيد بن مَالك الْأنْصَارِيّ. السَّادِس عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَقد تكَرر ذكره. السَّابِع سُفْيَان بن عُيَيْنَة. الثَّامِن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. التَّاسِع سعيد بن الْمسيب. الْعَاشِر أَبُو هُرَيْرَة (ذكر لطائف الْإِسْنَاد الأول) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه السماع فِي موضِعين وَفِيه القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه أَن شَيْخه بَصرِي وَهُوَ من أَفْرَاده وَشعْبَة واسطي وَعبد الْملك كُوفِي وَرِوَايَته عَن قزعة من رِوَايَة الأقران لِأَنَّهُمَا من طبقَة وَاحِدَة وقزعة بَصرِي وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ (ذكر لطائف الْإِسْنَاد الثَّانِي) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي موضِعين وَفِيه أَن السفيان مكي وَالزهْرِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب مدنيان وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ(7/251)
(ذكر تعدد مَوضِع الحَدِيث الأول وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة بِبَيْت الْمُقَدّس عَن أبي الْوَلِيد وَفِي الْحَج عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَفِي الصَّوْم عَن حجاج بن منهال ثَلَاثَتهمْ عَن شُعْبَة عَن عبد الْملك وَأخرجه مُسلم فِي الْمَنَاسِك عَن أبي غَسَّان وَمُحَمّد بن بشار كِلَاهُمَا عَن معَاذ بن هِشَام وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَعَن قُتَيْبَة وَعُثْمَان كِلَاهُمَا عَن جرير وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة عَن ابْن أبي عمر وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّوْم عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن عبيد الله بن سعيد وَعَن عمرَان بن مُوسَى وَعَن مُحَمَّد بن قدامَة وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن أبي شيبَة فِي الصَّوْم بالقصة الثَّانِيَة وَفِي الصَّلَاة بالقصة الثَّالِثَة وَأخرج الْقِصَّة الرَّابِعَة عَن أبي سعيد وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. (ذكر من أخرج الحَدِيث الثَّانِي غَيره) أخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن عَمْرو النَّاقِد وَزُهَيْر بن حَرْب وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور الْمَكِّيّ (ذكر من روى عَنهُ فِي هَذَا الْبَاب) فِيهِ عَن بصرة بن أبي بصرة رَوَاهُ ابْن حبَان عَنهُ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول " لَا يعْمل الْمطِي إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام ومسجدي هَذَا وَإِلَى مَسْجِد إيلياء أَو بَيت الْمُقَدّس " يشك أَيهمَا قَالَ وَعَن أبي بصرة أَيْضا رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار فِي مسنديهما وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط من رِوَايَة عمر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام أَنه قَالَ لَقِي أَبُو بصرة الْغِفَارِيّ أَبَا هُرَيْرَة وَهُوَ جَاءَ من الطّور فَقَالَ من أَيْن أَقبلت قَالَ من الطّور صليت فِيهِ قَالَ لَو أَدْرَكتك قبل أَن ترتحل مَا ارتحلت إِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول " لَا تشدوا الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد " الحَدِيث وَرِجَال إِسْنَاده ثِقَات قَالَ الذَّهَبِيّ بصرة بن أبي بصرة الْغِفَارِيّ هُوَ وَأَبوهُ صحابيان نزلا مصر وَاسم أبي بصرة حميل وَقيل حميل بن بصرة (قلت) حميل بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَقيل بِفَتْحِهَا وَالْأول هُوَ الْأَصَح وَعَن عبد الله بن عَمْرو مثله رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَعَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَنهُ يرفعهُ " لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد مَسْجِد الْخيف وَمَسْجِد الْحَرَام ومسجدي هَذَا " وَقَالَ لم يذكر مَسْجِد الْخيف فِي شدّ الرّحال إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث قَالَ صَاحب التَّلْوِيح وَهُوَ لعمري سَنَد جيد لَوْلَا قَول البُخَارِيّ لَا يُتَابع خَيْثَم فِي ذكر مَسْجِد الْخيف وَلَا يعرف لَهُ سَماع من أبي هُرَيْرَة (قلت) خَيْثَم هُوَ ابْن مَرْوَان ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات وَهُوَ الَّذِي روى هَذَا الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة وَعَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ رَوَاهُ أَحْمد عَنهُ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ " خير مَا ركبت إِلَيْهِ الرَّوَاحِل مَسْجِدي هَذَا وَالْبَيْت الْعَتِيق " وَعَن أبي الْجَعْد الضمرِي روى حَدِيثه الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط من رِوَايَة أبي عُبَيْدَة بن سُفْيَان عَن أبي الْجَعْد الضمرِي قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد " الحَدِيث وَإِسْنَاده صَحِيح وَقَالَ الذَّهَبِيّ أَبُو الْجَعْد الضمرِي اسْمه الأذرع وَيُقَال عَمْرو وَعَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أخرج حَدِيثه الْبَزَّار من رِوَايَة أبي الْعَالِيَة عَن ابْن عمر عَن عمر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد " الحَدِيث وَفِي كتاب الْعلم الْمَشْهُور لأبي الْخطاب روى حَدِيث مَوْضُوع رَوَاهُ مُحَمَّد بن خَالِد الجندي عَن الْمثنى بن الصَّباح مَجْهُول عَن مَتْرُوك عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده يرفعهُ " لَا تعْمل الرّحال إِلَّا إِلَى أَرْبَعَة مَسَاجِد الْمَسْجِد الْحَرَام ومسجدي هَذَا وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى وَإِلَى مَسْجِد الْجند " (ذكر معنى حَدِيث أبي هُرَيْرَة) قَوْله " لَا تشد الرّحال " على صِيغَة الْمَجْهُول بِلَفْظ النَّفْي بِمَعْنى النَّهْي بِمَعْنى لَا تشدوا الرّحال ونكتة الْعُدُول عَن النَّهْي إِلَى النَّفْي لإِظْهَار الرَّغْبَة فِي وُقُوعه أَو لحمل السَّامع على التّرْك أبلغ حمل بألطف وَجه وَقَالَ الطَّبَرِيّ النَّفْي أبلغ من صَرِيح النَّهْي كَأَنَّهُ قَالَ لَا يَسْتَقِيم أَن يقْصد بالزيارة إِلَّا هَذِه الْبِقَاع لاختصاصها بِمَا اخْتصّت بِهِ وَوَقع فِي رِوَايَة لمُسلم " تشد الرّحال إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد " فَذكره من غير حصر وَلَيْسَ فِي هَذِه الرِّوَايَة منع شدّ الرحل لغَيْرهَا إِلَّا على القَوْل بحجية مَفْهُوم الْعدَد وَالْجُمْهُور على أَنه لَيْسَ بِحجَّة ثمَّ التَّعْبِير بشد الرّحال خرج مخرج الْغَالِب فِي ركُوب الْمُسَافِر وَكَذَلِكَ قَوْله فِي بعض الرِّوَايَات " لَا يعْمل الْمطِي " وَإِلَّا فَلَا فرق بَين ركُوب الرَّوَاحِل وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير وَالْمَشْي فِي هَذَا الْمَعْنى وَيدل عَلَيْهِ قَوْله فِي بعض طرقه فِي الصَّحِيح " إِنَّمَا يُسَافر إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد " والرحال بِالْحَاء الْمُهْملَة جمع رَحل وَهُوَ للبعير كالسرج للْفرس وَهُوَ أَصْغَر من القتب وَشد الرحل كِنَايَة عَن السّفر لِأَنَّهُ لَازم للسَّفر وَالِاسْتِثْنَاء مفرغ(7/252)
فتقدير الْكَلَام لَا تشد الرّحال إِلَى مَوضِع أَو مَكَان فَإِن قيل فعلى هَذَا يلْزم أَن لَا يجوز السّفر إِلَى مَكَان غير الْمُسْتَثْنى حَتَّى لَا يجوز السّفر لزيارة إِبْرَاهِيم الْخَلِيل صلوَات الله تَعَالَى وَسَلَامه عَلَيْهِ وَنَحْوه لِأَن الْمُسْتَثْنى مِنْهُ فِي المفرغ لَا بُد أَن يقدر أَعم الْعَام وَأجِيب بِأَن المُرَاد بأعم الْعَام مَا يُنَاسب الْمُسْتَثْنى نوعا ووصفا كَمَا إِذا قلت مَا رَأَيْت إِلَّا زيدا كَانَ تَقْدِيره مَا رَأَيْت رجلا أَو أحدا إِلَّا زيدا لَا مَا رَأَيْت شَيْئا أَو حَيَوَانا إِلَّا زيدا فههنا تَقْدِيره لَا تشد إِلَى مَسْجِد إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة قَوْله " الْمَسْجِد الْحَرَام " أَي الْمحرم وَقَالَ بَعضهم هُوَ كَقَوْلِهِم الْكتاب بِمَعْنى الْمَكْتُوب (قلت) هَذَا الْقيَاس غير صَحِيح لِأَن الْكتاب على وزن فعال بِكَسْر الْفَاء وَالْحرَام فعال بِالْفَتْح فَكيف يُقَاس عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْحَرَام اسْم للشَّيْء الْمحرم وَفِي إِعْرَاب الْمَسْجِد وَجْهَان الأول بِالْجَرِّ على أَنه بدل من الثَّلَاثَة وَالثَّانِي بِالرَّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره هِيَ الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد الرَّسُول وَمَسْجِد الْأَقْصَى وَقَالَ بَعضهم وَيجوز الرّفْع على الِاسْتِئْنَاف (قلت) الِاسْتِئْنَاف فِي الْحَقِيقَة جَوَاب سُؤال مُقَدّر وَلَئِن سلمنَا لَهُ ذَلِك فيؤول الْأَمر فِي الْحَقِيقَة إِلَى أَن يكون الرّفْع فِيهِ على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف كَمَا ذَكرْنَاهُ قَوْله " وَمَسْجِد الرَّسُول " الْألف وَاللَّام فِيهِ للْعهد عَن سيدنَا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (فَإِن قلت) مَا نُكْتَة الْعُدُول عَن قَوْله " ومسجدي " بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ (قلت) الْإِشَارَة إِلَى التَّعْظِيم على أَنه يجوز أَن يكون هَذَا من تصرف بعض الروَاة وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله فِي حَدِيث أبي سعيد " ومسجدي " وَسَيَأْتِي عَن قريب قَوْله " وَمَسْجِد الْأَقْصَى " بِإِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى الصّفة وَفِيه خلاف فجوزه الْكُوفِيُّونَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كنت بِجَانِب الغربي} وأوله البصريون بإضمار الْمَكَان أَي بِجَانِب الْمَكَان الغربي وَمَسْجِد الْبَلَد الْحَرَام وَمَسْجِد الْمَكَان الْأَقْصَى وَسمي الْمَسْجِد الْأَقْصَى لبعده عَن الْمَسْجِد الْحَرَام إِمَّا فِي الْمسَافَة أَو فِي الزَّمَان وَقد ورد فِي الحَدِيث أَنه كَانَ بَينهمَا أَرْبَعُونَ سنة (وَقد اسْتشْكل) من حَيْثُ أَن بَين آدم وَدَاوُد عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام أَضْعَاف ذَلِك من الزَّمن (وَأجِيب) بِأَن الْمَلَائِكَة وضعتهما أَولا وَبَينهمَا فِي الْوَضع أَرْبَعُونَ سنة وَأَن دَاوُد وَسليمَان عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام جددا بُنيان الْمَسْجِد الْأَقْصَى كَمَا جدد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِنَاء الْبَيْت الْحَرَام وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ الْمَسْجِد الْأَقْصَى بَيت الْمُقَدّس لِأَنَّهُ لم يكن حِينَئِذٍ وَرَاءه مَسْجِد وَقيل هُوَ أقْصَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَسْجِد الْمَدِينَة لِأَنَّهُ بعيد من مَكَّة وَبَيت الْمُقَدّس أبعد مِنْهُ وَقيل لِأَنَّهُ أقْصَى مَوضِع من الأَرْض ارتفاعا وقربا إِلَى السَّمَاء يُقَال قصى الْمَكَان يقصو قصوا بعد فَهُوَ قصي وَيُقَال فلَان بِالْمَكَانِ الْأَقْصَى والناحية القصوى (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ فَضِيلَة هَذِه الْمَسَاجِد ومزيتها على غَيرهَا لكَونهَا مَسَاجِد الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام لِأَن الْمَسْجِد الْحَرَام قبْلَة النَّاس وَإِلَيْهِ حجهم وَمَسْجِد الرَّسُول أسس على التَّقْوَى وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى كَانَ قبْلَة الْأُمَم السالفة. وَفِيه أَن الرّحال لَا تشد إِلَى غير هَذِه الثَّلَاثَة لَكِن اخْتلفُوا على أَي وَجه فَقَالَ النَّوَوِيّ مَعْنَاهُ لَا فَضِيلَة فِي شدّ الرّحال إِلَى مَسْجِد مَا غير هَذِه الثَّلَاثَة وَنَقله عَن جُمْهُور الْعلمَاء وَقَالَ ابْن بطال هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ عِنْد الْعلمَاء فِيمَن نذر على نَفسه الصَّلَاة فِي مَسْجِد من سَائِر الْمَسَاجِد غير الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة قَالَ مَالك رَحمَه الله من نذر صَلَاة فِي مَسْجِد لَا يصل إِلَيْهِ إِلَّا براحلة فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِي بَلَده إِلَّا أَن ينذر ذَلِك فِي مَسْجِد مَكَّة أَو الْمَدِينَة أَو بَيت الْمُقَدّس فَعَلَيهِ السّير إِلَيْهَا وَقَالَ ابْن بطال وَأما من أَرَادَ الصَّلَاة فِي مَسَاجِد الصَّالِحين والتبرك بهَا مُتَطَوعا بذلك فمباح إِن قَصدهَا بأعمال الْمطِي وَغَيره وَلَا يتَوَجَّه إِلَيْهِ الَّذِي فِي هَذَا الحَدِيث وَقيل من نذر إتْيَان غير هَذِه الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة للصَّلَاة أَو غَيرهَا لم يلْزمه ذَلِك لِأَنَّهَا لَا فضل لبعضها على بعض فَيَكْفِي صلَاته فِي أَي مَسْجِد كَانَ قَالَ النَّوَوِيّ لَا اخْتِلَاف فِي ذَلِك إِلَّا مَا رُوِيَ عَن اللَّيْث أَنه قَالَ يجب الْوَفَاء بِهِ وَعَن الْحَنَابِلَة رِوَايَة يلْزمه كَفَّارَة يَمِين وَلَا ينْعَقد نَذره وَعَن الْمَالِكِيَّة رِوَايَة إِن تعلّقت بِهِ عبَادَة تخْتَص بِهِ كرباط لزم وَإِلَّا فَلَا وَذكر عَن مُحَمَّد بن مسلمة الْمَالِكِي أَنه فِي مَسْجِد قبَاء لِأَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَأْتِيهِ كل سبت وَاسْتدلَّ قوم بِهَذَا الحَدِيث أَعنِي حَدِيث الْبَاب على أَن من نذر إتْيَان أحد هَذِه الْمَسَاجِد لزمَه ذَلِك وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ فِي الْبُوَيْطِيّ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَق الْمروزِي وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجب مُطلقًا وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْأُم يجب فِي الْمَسْجِد الْحَرَام لتَعلق النّسك بِهِ بِخِلَاف المسجدين الآخرين وَقَالَ ابْن الْمُنْذر يجب إِلَى الْحَرَمَيْنِ وَأما الْأَقْصَى فَلَا واستأنس بِحَدِيث جَابر " أَن رجلا قَالَ للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنِّي نذرت إِن فتح الله عَلَيْك مَكَّة أَن أُصَلِّي فِي بَيت الْمُقَدّس قَالَ صل هَهُنَا " وَقَالَ ابْن التِّين الْحجَّة على الشَّافِعِي(7/253)
إِن أَعمال الْمطِي إِلَى مَسْجِد الْمَدِينَة وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى وَالصَّلَاة فيهمَا قربَة فَوَجَبَ أَن يلْزم بِالنذرِ كالمسجد الْحَرَام وَقَالَ الْغَزالِيّ عِنْد ذكر إتْيَان الْمَسَاجِد فَلَو قَالَ آتِي مَسْجِد الْخيف فَهُوَ كمسجد الْحَرَام لِأَنَّهُ من الْحرم وَكَذَلِكَ أَجزَاء سَائِر الْحرم قَالَ وَلَو قَالَ آتِي مَكَّة لم يلْزمه شَيْء إِلَّا إِذا قصد الْحَج وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين لَا وَجه لتفرقته بَين مَكَّة وَسَائِر أَجزَاء الْحرم فَإِنَّهَا من أَجزَاء الْحرم لَا جرم أَن الرَّافِعِيّ تعقبه فَقَالَ وَلَو قَالَ أَمْشِي إِلَى الْحرم أَو إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام أَو إِلَى مَكَّة أَو ذكر بقْعَة أُخْرَى من بقاع الْحرم كالصفا والمروة وَمَسْجِد الْخيف وَمنى والمزدلفة ومقام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وقبة زَمْزَم وَغَيرهَا فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ إِلَى بَيت الله الْحَرَام حَتَّى لَو قَالَ آتِي دَار أبي جهل أَو دَار الخيزران كَانَ الحكم كَذَلِك لشمُول حُرْمَة الْحرم لَهُ بتنفير الصَّيْد وَغَيره وَعَن أبي حنيفَة أَنه لَا يلْزم الْمَشْي إِلَّا أَن يَقُول إِلَى بَيت الله الْحَرَام أَو قَالَ مَكَّة أَو إِلَى الْكَعْبَة أَو إِلَى مقَام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَحكى الرَّافِعِيّ عَن القَاضِي ابْن كج أَنه قَالَ إِذا نذر أَن يزور قبر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعندي أَنه يلْزمه الْوَفَاء وَجها وَاحِدًا قَالَ وَلَو نذر أَن يزور قبر غَيره فَفِيهِ وَجْهَان عِنْدِي وَقَالَ القَاضِي عِيَاض وَأَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ من الشَّافِعِيَّة أَنه يحرم شدّ الرّحال إِلَى غير الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة لمقْتَضى النَّهْي وَقَالَ النَّوَوِيّ وَهُوَ غلط وَالصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ والمحققون أَنه لَا يحرم وَلَا يكره وَقَالَ الْخطابِيّ لَا تشد لَفظه خبر وَمَعْنَاهُ الْإِيجَاب فِيمَا نَذره الْإِنْسَان من الصَّلَاة فِي الْبِقَاع الَّتِي يتبرك بهَا أَي لَا يلْزم الْوَفَاء بِشَيْء من ذَلِك حَتَّى يشد الرحل لَهُ وَيقطع الْمسَافَة إِلَيْهِ غير هَذِه الثَّلَاثَة الَّتِي هِيَ مَسَاجِد الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فَأَما إِذا نذر الصَّلَاة فِي غَيرهَا من الْبِقَاع فَإِن لَهُ الْخِيَار فِي أَن يَأْتِيهَا أَو يُصليهَا فِي مَوْضِعه لَا يرحل إِلَيْهَا قَالَ والشد إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام فرض لِلْحَجِّ وَالْعمْرَة وَكَانَ تشد الرّحال إِلَى مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَيَاته لِلْهِجْرَةِ وَكَانَت وَاجِبَة على الْكِفَايَة وَأما إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَإِنَّمَا هُوَ فَضِيلَة واستحباب وَأول بَعضهم معنى الحَدِيث على وَجه آخر وَهُوَ أَن لَا يرحل فِي الِاعْتِكَاف إِلَّا إِلَى هَذِه الثَّلَاثَة فقد ذهب بعض السّلف إِلَى أَن الِاعْتِكَاف لَا يَصح إِلَّا فِيهَا دون سَائِر الْمَسَاجِد وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين من أحسن محامل هَذَا الحَدِيث أَن المُرَاد مِنْهُ حكم الْمَسَاجِد فَقَط وَأَنه لَا يشد الرحل إِلَى مَسْجِد من الْمَسَاجِد غير هَذِه الثَّلَاثَة فَأَما قصد غير الْمَسَاجِد من الرحلة فِي طلب الْعلم وَفِي التِّجَارَة والتنزه وزيارة الصَّالِحين والمشاهد وزيارة الإخوان وَنَحْو ذَلِك فَلَيْسَ دَاخِلا فِي النَّهْي وَقد ورد ذَلِك مُصَرحًا بِهِ فِي بعض طرق الحَدِيث فِي مُسْند أَحْمد حَدثنَا هَاشم حَدثنَا عبد الحميد حَدثنِي شهر سَمِعت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَذكر عِنْده صَلَاة فِي الطّور فَقَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا يَنْبَغِي للمطي أَن يشد رحاله إِلَى مَسْجِد يَبْتَغِي فِيهِ الصَّلَاة غير الْمَسْجِد الْحَرَام وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى ومسجدي هَذَا " وَإِسْنَاده حسن وَشهر بن حَوْشَب وَثَّقَهُ جمَاعَة من الْأَئِمَّة وَفِيه الْمَذْكُور الْمَسْجِد الْحَرَام وَلَكِن المُرَاد جَمِيع الْحرم وَقيل يخْتَص بالموضع الَّذِي يصلى فِيهِ دون الْبيُوت وَغَيرهَا من أَجزَاء الْحرم وَقَالَ الطَّبَرِيّ ويتأيد بقوله " مَسْجِدي هَذَا " لِأَن الْإِشَارَة فِيهِ إِلَى مَسْجِد الْجَمَاعَة فَيَنْبَغِي أَن يكون الْمُسْتَثْنى كَذَلِك وَقيل المُرَاد بِهِ الْكَعْبَة ويتأيد بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ " إِلَّا الْكَعْبَة " ورد بِأَن الَّذِي عِنْد النَّسَائِيّ " إِلَّا مَسْجِد الْكَعْبَة " حَتَّى لَو كَانَت لَفْظَة مَسْجِد غير مَذْكُورَة لكَانَتْ مُرَادة
213 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك عَن زيد بن رَبَاح وَعبيد الله بن أبي عبد الله الْأَغَر عَن أبي عبد الله الْأَغَر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا خير من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام) مطابقته للتَّرْجَمَة تظهر من متن الحَدِيث. (ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة. الأول عبد الله بن يُوسُف أَبُو مُحَمَّد التنيسِي قد ذكر غير مرّة. الثَّانِي مَالك بن أنس. الثَّالِث زيد بن رَبَاح بِفَتْح الرَّاء وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة مَاتَ سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَة. الرَّابِع عبيد الله بن عبد الله بتصغير الابْن. الْخَامِس أَبُو عبد الله واسْمه سلمَان الْأَغَر بِفَتْح الْهمزَة وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء وكنيته أَبُو عبد الله كَانَ قَاصا من أهل الْمَدِينَة وَكَانَ رَضِي. السَّادِس أَبُو هُرَيْرَة(7/254)
(ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَصله من دمشق والبقية مدنيون وَفِيه رِوَايَة مَالك عَن شيخين روى عَنْهُمَا جَمِيعًا مقرونين وهما زيد وَعبيد الله وَفِيه رِوَايَة الابْن عَن الْأَب وَهُوَ عبيد الله يروي عَن أَبِيه أبي عبد الله سلمَان وَأَن عبيد الله الَّذِي يروي عَنهُ مَالك من أَفْرَاده وَقد روى هَذَا الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة غير الْأَغَر رَوَاهُ عَنهُ سعيد وَأَبُو صَالح وَعبد الله بن إِبْرَاهِيم بن قارظ وَأَبُو سَلمَة وَعَطَاء وَقَالَ أَبُو عمر لم يخْتَلف على مَالك فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث فِي الْمُوَطَّأ وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن سَلمَة المَخْزُومِي عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن أنس وَهُوَ غلط فَاحش وَإِسْنَاده مقلوب وَلَا يَصح فِيهِ عَن مَالك إِلَّا حَدِيث فِي الْمُوَطَّأ يَعْنِي الْمَذْكُور آنِفا قَالَ وَقد روى عَن أبي هُرَيْرَة من طرق متواتر كلهَا صِحَاح ثَابِتَة (ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم فِي الْمَنَاسِك عَن إِسْحَق بن مَنْصُور وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة عَن إِسْحَق الْأنْصَارِيّ عَن معن عَن مَالك وَعَن قُتَيْبَة عَن مَالك وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج عَن عَمْرو بن عَليّ عَن غنْدر وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن أبي مُصعب الزُّهْرِيّ عَن مَالك وَلما أخرجه التِّرْمِذِيّ قَالَ وَفِي الْبَاب عَن عَليّ ومَيْمُونَة وَأبي سعيد وَجبير بن مطعم وَعبد الله بن الزبير وَابْن عمر وَأبي ذَر. وَحَدِيث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ رَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده من رِوَايَة سَلمَة بن وردان عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَا بَين قَبْرِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة وَصَلَاة فِي مَسْجِدي أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام " وَسَلَمَة بن وردان ضَعِيف وَلم يسمع من عَليّ. وَحَدِيث مَيْمُونَة رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة ابْن عَبَّاس " عَن مَيْمُونَة قَالَت سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول صَلَاة فِيهِ أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ من الْمَسَاجِد إِلَّا مَسْجِد الْكَعْبَة " وَفِي أول الحَدِيث قصَّة. وَحَدِيث أبي سعيد رَوَاهُ أَبُو يعلى الْموصِلِي فِي مُسْنده من رِوَايَة سهم بن منْجَاب عَن قزعة " عَن أبي سعيد قَالَ ودع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجلا فَقَالَ لَهُ أَيْن تُرِيدُ قَالَ أُرِيد بَيت الْمُقَدّس فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من مائَة صَلَاة فِي غَيره إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام " وَإِسْنَاده صَحِيح. وَحَدِيث جُبَير بن مطعم رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى فِي مسانيدهم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة مُحَمَّد بن طَلْحَة بن ركانه عَن جُبَير بن مطعم قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا " فَذكره وَمُحَمّد بن طَلْحَة لم يسمع من جُبَير وَحَدِيث عبد الله بن الزبير رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه من رِوَايَة عَطاء بن أبي رَبَاح عَن عبد الله بن الزبير قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ من الْمَسَاجِد إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام وَصَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من مائَة صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا ". وَحَدِيث ابْن عمر أخرجه مُسلم وَابْن مَاجَه من رِوَايَة عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ " صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا " الحَدِيث. وَحَدِيث أبي ذَر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من رِوَايَة قَتَادَة عَن أبي الْخَلِيل عَن عبد الله بن الصَّامِت " عَن أبي ذَر قَالَ تَذَاكرنَا وَنحن عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَيهمَا أفضل مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو بَيت الْمُقَدّس فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة فِي مَسْجِدي أفضل من أَربع صلوَات فِيهِ ولنعم الْمصلى " (قلت) وَفِي الْبَاب عَن الأرقم بن أبي الأرقم روى حَدِيثه أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة عُثْمَان بن عبد الله بن الأرقم عَن جده الأرقم زَاد الطَّبَرَانِيّ " وَكَانَ بَدْرِيًّا أَنه جَاءَ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسلم عَلَيْهِ فَقَالَ أَيْن تُرِيدُ فَقَالَ أردْت يَا رَسُول الله هَهُنَا وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى حيّز بَيت الْمُقَدّس قَالَ مَا يخْرجك إِلَيْهِ أتجارة فَقَالَ قلت لَا وَلَكِن أردْت الصَّلَاة فِيهِ قَالَ الصَّلَاة هَهُنَا وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مَكَّة خير من ألف صَلَاة وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّام " لفظ أَحْمد وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ " صَلَاة هَهُنَا خير من ألف صَلَاة ثمَّة " وَرِجَال إِسْنَاده عِنْده ثِقَات وَفِي إِسْنَاد أَحْمد بن يحيى بن عمرَان جَهله أَبُو حَاتِم وَفِيه عَن أنس روى حَدِيثه الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من رِوَايَة أبي بَحر البكراوي عَن عبيد الله بن أبي زِيَاد القداح عَن حَفْص بن عبد الله بن أنس عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام " وَأَبُو بَحر وَثَّقَهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَتكلم فِيهِ غَيرهَا ولأنس حَدِيث آخر مُخَالف لما تقدم فِي الثَّوَاب فِي الصَّلَاة فِيهِ رَوَاهُ ابْن مَاجَه من(7/255)
رِوَايَة رُزَيْق الْأَلْهَانِي عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَلَاة الرجل فِي بَيته بِصَلَاة وَصلَاته فِي مَسْجِد الْقَبَائِل بِخمْس وَعشْرين صَلَاة وَصلَاته فِي الْمَسْجِد الَّذِي يجمع فِيهِ بِخَمْسِمِائَة صَلَاة وَصلَاته فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى بِخَمْسِينَ ألف صَلَاة وَصلَاته فِي مَسْجِدي بِخَمْسِينَ ألف صَلَاة وَصلَاته فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِمِائَة ألف صَلَاة " وَفِيه أَبُو الْخطاب الدِّمَشْقِي يحْتَاج إِلَى الْكَشْف وَفِيه عَن جَابر روى حَدِيثه ابْن ماجة من رِوَايَة عبد الْكَرِيم الْجَزرِي عَن عَطاء عَن جَابر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " صَلَاة فِي مَسْجِدي أفضل من مائَة ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام وَصَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من مائَة ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ " وَإِسْنَاده جيد وَفِيه عَن سعد بن أبي وَقاص روى حَدِيثه أَحْمد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى فِي مسانيدهم من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد عَن مُوسَى بن عقبَة عَن أبي عبد الله الْقَرَّاظ عَن سعد بن أبي وَقاص أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا خير من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام " وَفِيه عَن أبي الدَّرْدَاء أخرج حَدِيثه الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة أم الدَّرْدَاء عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِمِائَة ألف صَلَاة وَالصَّلَاة فِي مَسْجِدي بِأَلف صَلَاة وَالصَّلَاة فِي بَيت الْمُقَدّس بِخَمْسِمِائَة صَلَاة " وَإِسْنَاده حسن وَفِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا روى حَدِيثهَا التِّرْمِذِيّ فِي الْعِلَل الْكَبِير قَالَت قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَلَاة فِي مَسْجِدي أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ " فَافْهَم (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " فِي مَسْجِدي هَذَا " بِالْإِشَارَةِ يدل على أَن تَضْعِيف الصَّلَاة فِي مَسْجِد الْمَدِينَة يخْتَص بمسجده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الَّذِي كَانَ فِي زَمَانه مَسْجِدا دون مَا أحدث فِيهِ بعده من الزِّيَادَة فِي زمن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وبعدهم تَغْلِيبًا لاسم الاشارة وَبِه صرح النَّوَوِيّ فَخص التَّضْعِيف بذلك بِخِلَاف الْمَسْجِد الْحَرَام فَإِنَّهُ لَا يخْتَص بِمَا كَانَ لظَاهِر الْمَسْجِد دون بَاقِيه لِأَن الْكل يعمه اسْم الْمَسْجِد الْحَرَام (قلت) إِذا اجْتمع الِاسْم وَالْإِشَارَة هَل تغلب الْإِشَارَة أَو الِاسْم فِيهِ خلاف فَمَال النَّوَوِيّ إِلَى تَغْلِيب الْإِشَارَة فعلى هَذَا قَالَ إِذا قَالَ الْمَأْمُوم نَوَيْت الِاقْتِدَاء بزيد فَإِذا هُوَ عَمْرو يَصح اقْتِدَاؤُهُ تَغْلِيبًا للْإِشَارَة وَجزم ابْن الرّفْعَة بِعَدَمِ الصِّحَّة وَقَالَ لِأَن مَا يجب تَعْيِينه إِذا عينه وَأَخْطَأ فِي التَّعْيِين أفسد الْعِبَادَة وَأما مَذْهَبنَا فِي هَذَا فَالَّذِي يظْهر من قَوْلهم إِذا اقْتدى بفلان بِعَيْنِه ثمَّ ظهر أَنه غَيره لَا يجْزِيه إِذْ الِاسْم يغلب الْإِشَارَة قَوْله " إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام " قَالَ الْكرْمَانِي الِاسْتِثْنَاء يحْتَمل أمورا ثَلَاثَة أَن يكون مُسَاوِيا لمَسْجِد الرَّسُول وَأفضل مِنْهُ وأدون مِنْهُ بِأَن يرادان فِي مَسْجِد الْمَدِينَة لَيْسَ خيرا مِنْهُ بِأَلف صَلَاة بل خير مِنْهُ بتسعمائة مثلا وَنَحْوه وَقَالَ ابْن بطال يجوز فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاء أَن يكون المُرَاد فَإِنَّهُ مسَاوٍ لمَسْجِد الْمَدِينَة أَو فَاضلا أَو مفضولا وَالْأول أرجح لِأَنَّهُ لَو كَانَ فَاضلا أَو مفضولا لم يعلم مِقْدَار ذَلِك إِلَّا بِدَلِيل بِخِلَاف الْمُسَاوَاة قيل يجوز أَن يكون حَدِيث عبد الله بن الزبير الَّذِي تقدم ذكره دَلِيلا على الثَّانِي وَقَالَ ابْن عبد الْبر اخْتلفُوا فِي تَأْوِيله وَمَعْنَاهُ فَقَالَ أَبُو بكر عبد الله بن نَافِع صَاحب مَالك مَعْنَاهُ أَن الصَّلَاة فِي مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أفضل من الصَّلَاة فِي الْكَعْبَة بِأَلف دَرَجَة وَأفضل من الصَّلَاة فِي سَائِر الْمَسَاجِد بِأَلف صَلَاة وَقَالَ بذلك جمَاعَة من المالكيين وَرَوَاهُ بَعضهم عَن مَالك وَقَالَ عَامَّة أهل الْفِقْه والأثر أَن الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من الصَّلَاة فِيهِ لظَاهِر الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة فِيهِ على أَن أَمِيري الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنْهُم قَالَا على الْمِنْبَر مَا رَوَاهُ أَبُو عمر حَدثنَا أَحْمد بن قَاسم حَدثنَا ابْن أبي دلهم حَدثنَا ابْن وضاح حَدثنَا حَامِد بن يحيى حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا زِيَاد بن سعد أَبُو عبد الرَّحْمَن الْخُرَاسَانِي وَكَانَ ثبتا فِي الحَدِيث إملاء أَخْبرنِي سُلَيْمَان بن عَتيق سَمِعت ابْن الزبير على الْمِنْبَر يَقُول سَمِعت عمر بن الْخطاب يَقُول " صَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من مائَة ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ من الْمَسَاجِد " وَلم يرد أحد قَوْلهمَا وهم الْقَوْم لَا يسكتون على مَا لَا يعْرفُونَ وَعند بَعضهم يكون هَذَا كالإجماع وعَلى قَول ابْن نَافِع يلْزم أَن يُقَال أَن الصَّلَاة فِي مَسْجِد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أفضل من الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بتسعمائة ضعف وَتِسْعَة وَتِسْعين ضعفا وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يكن لِلْمَسْجِدِ الْحَرَام فضل على سَائِر الْمَسَاجِد إِلَّا بالجزء اللَّطِيف وَلَا دَلِيل لقَوْل ابْن نَافِع وكل قَول لَا تعضده حجَّة فَهُوَ سَاقِط وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ اخْتلف فِي اسْتثِْنَاء الْمَسْجِد الْحَرَام هَل ذَلِك أَنه أفضل من مَسْجده أَو هُوَ لِأَن الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من غير مَسْجده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِنَّهُ أفضل الْمَسَاجِد كلهَا وَهَذَا الْخلاف فِي أَي البلدين أفضل فَذهب عمر وَبَعض الصَّحَابَة وَمَالك وَأكْثر الْمَدَنِيين إِلَى تَفْضِيل(7/256)
الْمَدِينَة وحملوا الِاسْتِثْنَاء فِي مَسْجِد الْمَدِينَة بِأَلف صَلَاة على الْمَسَاجِد كلهَا إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام فبأقل من الْألف وَاحْتَجُّوا بِمَا قَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَلَا يَقُول عمر هَذَا من تِلْقَاء نَفسه فعلى هَذَا تكون فَضِيلَة مَسْجِد الْمَدِينَة على الْمَسْجِد الْحَرَام بتسعمائة وعَلى غَيره بِأَلف وَذهب الْكُوفِيُّونَ والمكيون وَابْن وهب وَابْن حبيب إِلَى تَفْضِيل مَكَّة وَلَا شكّ أَن الْمَسْجِد الْحَرَام مُسْتَثْنى من قَوْله من الْمَسَاجِد وَهِي بالِاتِّفَاقِ مفضولة والمستثنى من الْمَفْضُول مفضول إِذا سكت عَلَيْهِ فالمسجد الْحَرَام مفضول لكنه يُقَال مفضول بِأَلف لِأَنَّهُ قد اسْتَثْنَاهُ مِنْهَا فَلَا بُد أَن يكون لَهُ مزية على غَيره من الْمَسَاجِد وَلم يعينها الشَّارِع فَيتَوَقَّف فِيهَا أَو يعْتَمد على قَول عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَيدل على صِحَة مَا قُلْنَاهُ قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَإِنِّي آخر الْأَنْبِيَاء ومسجدي آخر الْمَسَاجِد " فَربط الْكَلَام بفاء التَّعْلِيل مشْعر بِأَن مَسْجده إِنَّمَا فضل على الْمَسَاجِد كلهَا لِأَنَّهُ مُتَأَخّر عَنْهَا ومنسوب إِلَى نَبِي مُتَأَخّر عَن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الزَّمَان وَقَالَ عِيَاض أَجمعُوا على أَن مَوضِع قَبره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أفضل بقاع الأَرْض وَاخْتلفُوا فِي أفضلهما مَا عدا مَوضِع الْقَبْر فَمن ذهب إِلَى تَفْضِيل مَكَّة احْتج بِحَدِيث عبد الله بن عدي بن الْحَمْرَاء سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول وَهُوَ وَاقِف على رَاحِلَته بِمَكَّة " وَالله إِنَّك لخير الأَرْض وَأحب أَرض الله إِلَى الله وَلَوْلَا أَنِّي أخرجت مِنْك مَا خرجت " صَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالتِّرْمِذِيّ والطوسي فِي آخَرين وَعند أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة بِسَنَد جيد قَالَ " وقف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالخرورة فَقَالَ علمت أَنَّك خير أَرض وَأحب أَرض الله إِلَى الله عز وَجل " وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لمَكَّة " مَا أطيبك من بلد وَأَحَبَّك إِلَيّ " الحَدِيث قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث صَحِيح غَرِيب وَعند أبي دَاوُد حَدثنَا أَحْمد بن صَالح حَدثنَا عَنْبَسَة حَدثنِي يُونُس وَابْن سمْعَان عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة " عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ بِالْمَدِينَةِ وَرفع يَدَيْهِ حَتَّى رَأْي بَيَاض إبطَيْهِ اللَّهُمَّ أَنْت بيني وَبَين فلَان وَفُلَان لرجال سماهم فَإِنَّهُم أَخْرجُونِي من مَكَّة هِيَ أحب أَرض الله إِلَيّ " قَالَ أَبُو عَمْرو قد روى عَن مَالك مَا يدل على أَن مَكَّة أفضل الأَرْض كلهَا لَكِن الْمَشْهُور عَن أَصْحَابه فِي مذْهبه تَفْضِيل الْمَدِينَة وَاخْتلفُوا هَل يُرَاد بِالصَّلَاةِ هُنَا الْفَرْض أَو هُوَ عَام فِي النَّفْل وَالْفَرْض وَإِلَى الأول ذهب الطَّحَاوِيّ وَإِلَى الثَّانِي ذهب مطرف الْمَالِكِي وَقَالَ النَّوَوِيّ مَذْهَبنَا يعم الْفَرْض وَالنَّفْل جَمِيعًا ثمَّ إِن فضل هَذِه الصَّلَاة فِي هَذِه الْمَسَاجِد يرجع إِلَى الثَّوَاب وَلَا يتَعَدَّى ذَلِك إِلَّا الْإِجْزَاء عَن الْفَوَائِت حَتَّى لَو كَانَ عَلَيْهِ صلاتان فصلى فِي مَسْجِد الْمَدِينَة صَلَاة لم تجزه عَنْهُمَا وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ (فَإِن قلت) سَبَب التَّفْضِيل هَل ينْحَصر فِي كَثْرَة الثَّوَاب على الْعَمَل أم لَا (قلت) قيل لَا ينْحَصر كتفضيل جلد الْمُصحف على سَائِر الْجُلُود (فَإِن قلت) مَا سَبَب تَفْضِيل الْبقْعَة الَّتِي ضمت أعضاءه الشَّرِيفَة (قلت) قيل أَن الْمَرْء يدْفن فِي الْبقْعَة الَّتِي أَخذ مِنْهَا ترابه عِنْدَمَا يخلق رَوَاهُ ابْن عبد الْبر من طَرِيق عَطاء الْخُرَاسَانِي مَوْقُوفا فِي كِتَابه التَّمْهِيد (قلت) روى الزبير بن بكار أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَخذ التُّرَاب الَّذِي خلق مِنْهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من تُرَاب الْكَعْبَة فعلى هَذَا فَتلك الْبقْعَة من تُرَاب الْكَعْبَة فَيرجع الْفضل الْمَذْكُور إِلَى مَكَّة إِن صَحَّ ذَلِك (فَإِن قلت) هَل يخْتَص تَضْعِيف الصَّلَاة بِنَفس الْمَسْجِد الْحَرَام أَو يعم جَمِيع مَكَّة من الْمنَازل والشعاب وَغير ذَلِك أم يعم جَمِيع الْحرم الَّذِي يحرم صَيْده (قلت) فِيهِ خلاف وَالصَّحِيح عِنْد الشَّافِعِيَّة أَنه يعم جَمِيع مَكَّة وَصحح النَّوَوِيّ أَنه جَمِيع الْحرم
(بَاب مَسْجِد قبَاء)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل مَسْجِد قبَاء بِضَم الْقَاف ذكره ابْن سَيّده فِي الْمُحكم والمخصص أَن قبَاء بِالْمدِّ وَلم يحك غَيره يصرف وَلَا يصرف وَقَالَ الْبكْرِيّ من الْعَرَب من يذكرهُ ويصرفه وَمِنْهُم من يؤنثه وَلَا يصرفهُ وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي وقاسم فِي كتاب الدَّلَائِل وَقد جَاءَت قبا مَقْصُورَة وأنشدا
(وَلَا يعنيكم قبا وعوارضنا ... وَلَا قبلن الْخَيل لابة ضرغد)
وَهَذَا وهم مِنْهَا لِأَن الَّذِي فِي الْبَيْت إِنَّمَا هُوَ قِنَا بنُون بعد الْقَاف وَهُوَ جبل فِي ديار بني ذبيان كَذَا أنْشدهُ الروَاة الموثوق(7/257)
بروايتهم ونقلهم فِي هَذَا الْبَيْت (قلت) وَلَئِن سلمنَا أَنه قبا بِالْبَاء الْمُوَحدَة فَيجوز أَن يكون الْقصر فِيهِ للضَّرُورَة وَأنكر السكرِي الْقصر فِيهِ وَلم يحك فِيهِ أَبُو عَليّ سوى الْمَدّ وَذكر فِي الموعب عَن صَاحب الْعين قصره قَالَ ياقوت هُوَ قَرْيَة على ميلين من الْمَدِينَة على يسَار القاصد إِلَى مَكَّة بِهِ أثر بُنيان وَهُنَاكَ مَسْجِد التَّقْوَى وَقَالَ الرشاطي بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة سِتَّة أَمْيَال وَلما نزل بهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وانتقل إِلَى الْمَدِينَة اختط النَّاس بهَا الخطط واتصل الْبُنيان بعضه بِبَعْض حَتَّى صَارَت مَدِينَة وَقَالَ ابْن قرقول على ثَلَاثَة أَمْيَال من الْمَدِينَة وَقَالَ الْجَوْهَرِي يذكر وَيُؤَنث وَجزم صَاحب الْمُفْهم بالتذكير لِأَنَّهُ من قبوت أَو قبيت فَلَيْسَتْ همزته للتأنيث بل للإلحاق
214 - (حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم قَالَ حَدثنَا ابْن علية قَالَ أخبرنَا أَيُّوب عَن نَافِع أَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا كَانَ لَا يُصَلِّي من الضُّحَى إِلَّا فِي يَوْمَيْنِ يَوْم يقدم بِمَكَّة فَإِنَّهُ كَانَ يقدمهَا ضحى فيطوف بِالْبَيْتِ ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خلف الْمقَام وَيَوْم يَأْتِي مَسْجِد قبَاء فَإِنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ كل سبت فَإِذا دخل الْمَسْجِد كره أَن يخرج مِنْهُ حَتَّى يُصَلِّي فِيهِ. قَالَ وَكَانَ يحدث أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يزوره رَاكِبًا وماشيا. قَالَ وَكَانَ يَقُول لَهُ إِنَّمَا أصنع كَمَا رَأَيْت أَصْحَابِي يصنعون وَلَا أمنع أحدا أَن يُصَلِّي فِي أَي سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار غير أَن لَا تتحروا طُلُوع الشَّمْس وَلَا غُرُوبهَا) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فَإِنَّهُ يدل على فضل مَسْجِد قبَاء والترجمة فِيهِ. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن كثير يكنى أَبَا يُوسُف وَنسب إِلَى دورق وَلَيْسَ هُوَ وَلَا أَهله من بلد دورق وَإِنَّمَا كَانُوا يلبسُونَ قلانس تسمى الدورقية فنسبوا إِلَيْهَا. الثَّانِي ابْن علية بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف واسْمه إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن سهم الْمَعْرُوف بِابْن علية وَهِي أمه. الثَّالِث أَيُّوب بن كيسَان السّخْتِيَانِيّ. الرَّابِع نَافِع مولى ابْن عمر. الْخَامِس عبد الله بن عمر. (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن السِّتَّة مشاركون فِي الرِّوَايَة عَن يَعْقُوب شَيْخه وَفِيه أَن أصل ابْن علية من الْكُوفَة وَأَن أَيُّوب بَصرِي وَنَافِع مدنِي وَفِيه أَن أَيُّوب رأى أنس بن مَالك فعلى قَول من يَجعله من التَّابِعين يكون فِيهِ رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد عَنهُ بِبَعْضِه وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن أَحْمد بن منيع عَن إِسْمَاعِيل بِبَعْضِه وَرَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد مُتَّصِلا وَالْبُخَارِيّ تَعْلِيقا من رِوَايَة عبد الله بن نمير عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع " عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْتِي مَسْجِد قبَاء رَاكِبًا وماشيا فَيصَلي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ " وَاتفقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد أَيْضا من رِوَايَة يحيى بن سعيد عَن عبيد الله بن عمر فَذكره دون قَوْله " فَيصَلي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ " وروى البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة عبد الله بن دِينَار " عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَأْتِي قبَاء رَاكِبًا وماشيا " زَاد ابْن عُيَيْنَة وَعبد الْعَزِيز بن مُسلم " كل سبت " وروى التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة من حَدِيث أسيد بن ظهير الْأنْصَارِيّ وَكَانَ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يحدث قَالَ الصَّلَاة فِي مَسْجِد قبَاء كعمرة وروى النَّسَائِيّ وَابْن ماجة من حَدِيث أُمَامَة بن سُهَيْل بن عنيف عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " من خرج حَتَّى يَأْتِي الْمَسْجِد مَسْجِد قبَاء فَيصَلي فِيهِ كَانَ لَهُ عدل عمْرَة " وروى الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة يزِيد بن عبد الْملك النَّوْفَلِي عَن سعيد بن إِسْحَاق بن كَعْب بن عجْرَة عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " من تَوَضَّأ فأسبغ الْوضُوء ثمَّ عمد إِلَى مَسْجِد قبَاء لَا يُرِيد غَيره وَلَا يحملهُ على الغدو إِلَّا الصَّلَاة فِي مَسْجِد قبَاء فصلى فِيهِ أَربع رَكْعَات يقْرَأ فِي كل رَكْعَة بِأم الْقُرْآن كَانَ لَهُ كَأَجر الْمُعْتَمِر إِلَى(7/258)
بَيت الله " وَيزِيد بن عبد الْملك ضَعِيف وروى الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة يحيى بن يعلى حَدثنَا نَاصح عَن سماك " عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ لما سَأَلَ أهل قبَاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يَبْنِي لَهُم مَسْجِدا قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليقمْ بَعْضكُم فيركب النَّاقة فَقَامَ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فركبها فحركها فَلم تنبعث فَرجع فَقعدَ فَقَامَ عمر فركبها فحركها فَلم تنبعث فَرجع فَقعدَ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليقمْ بَعْضكُم فيركب النَّاقة فَقَامَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَلَمَّا وضع رجله فِي غرز الركاب انبعثت بِهِ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَا عَليّ أرخ زمامها وَابْنُوا على مدارها فَإِنَّهَا مأمورة " وَيحيى بن يعلى ضَعِيف وروى الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من رِوَايَة سُوَيْد بن عَامر بن يزِيد بن جَارِيَة " عَن الشمرس بنت النُّعْمَان قَالَت نظرت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين قدم وَنزل وَأسسَ هَذَا الْمَسْجِد مَسْجِد قبَاء فرأيته يَأْخُذ الْحجر أَو الصَّخْرَة حَتَّى يهصره الْحجر فَانْظُر إِلَى بَيَاض التُّرَاب على بَطْنه أَو سرته فَيَأْتِي الرجل من أَصْحَابه وَيَقُول بِأبي وَأمي يَا رَسُول الله أَعْطِنِي أكفك فَيَقُول لأخذ مثله حَتَّى أسسه " وَيُقَال أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هُوَ يؤم الْكَعْبَة قَالَت فَكَانَ يُقَال أَنه أقدم مَسْجِد قبْلَة وسُويد بن عَامر ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات وَبَاقِي رِجَاله أَيْضا ثِقَات (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " هُوَ الدَّوْرَقِي " رِوَايَة أبي ذَر وَفِي رِوَايَة غَيره يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم فَقَط قَوْله " من الضُّحَى " أَي فِي الضُّحَى أَو من جِهَة الضُّحَى قَوْله " يَوْم يقدم " يجوز فِي يَوْم الرّفْع والجر أما الرّفْع فعلى أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي أَحدهمَا يَوْم يقدم فِيهِ مَكَّة وَأما الْجَرّ فعلى أَنه بدل من يَوْمَيْنِ وَيقدم بِضَم الدَّال قَوْله " فَإِنَّهُ كَانَ " أَي فَإِن ابْن عمر كَانَ يقدم مَكَّة ضحى أَي فِي ضحوة النَّهَار قَوْله " خلف الْمقَام " أَي مقَام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَوْله " وَيَوْم " عطف على يَوْم الأول وَيجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ أَيْضا قَوْله " كَانَ يزوره " أَي يزور مَسْجِد قبَاء قَوْله " وَكَانَ يَقُول " أَي ابْن عمر قَوْله " وَلَا أمنع أحدا إِن صلى " بِفَتْح الْهمزَة لِأَنَّهَا مَصْدَرِيَّة وَالتَّقْدِير وَلَا أمنع أحدا الصَّلَاة قَوْله " لَا يتحروا " أَي لَا يقصدوا طُلُوع الشَّمْس مَعْنَاهُ لَا يصلوا وَقت طُلُوع الشَّمْس وَلَا وَقت غُرُوبهَا ويصلوا فِي غير هذَيْن الْوَقْتَيْنِ فِي أَي سَاعَة شاؤا (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ دلَالَة على فضل قبَاء وَفضل الْمَسْجِد الَّذِي بهَا وَفضل الصَّلَاة فِيهِ. وَفِيه اسْتِحْبَاب زِيَارَة مَسْجِد قبَاء وَالصَّلَاة فِيهِ اقْتِدَاء بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَذَلِكَ يسْتَحبّ أَن يكون يَوْم السبت (فَإِن قلت) مَا الْحِكْمَة فِي تَخْصِيص زيارته يَوْم السبت (قلت) قيل يحْتَمل أَن يُقَال لما كَانَ هُوَ أول مَسْجِد أسسه فِي أول الْهِجْرَة ثمَّ أسس مَسْجِد الْمَدِينَة بعده وَصَارَ مَسْجِد الْمَدِينَة هُوَ الَّذِي يجمع فِيهِ يَوْم الْجُمُعَة وتنزل أهل قبَاء وَأهل العوالي إِلَى الْمَدِينَة لصَلَاة الْجُمُعَة ويتعطل مَسْجِد قبَاء عَن الصَّلَاة فِيهِ وَقت الْجُمُعَة ناسب أَن يعقب يَوْم الْجُمُعَة بإتيان مَسْجِد قبَاء يَوْم السبت وَالصَّلَاة فِيهِ لما فَاتَهُ من الصَّلَاة فِيهِ يَوْم الْجُمُعَة وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حسن الْعَهْد وَقَالَ " حسن الْعَهْد من الْإِيمَان " وَيحْتَمل أَنه لما كَانَ أهل مَسْجِد قبَاء ينزلون إِلَى الْمَدِينَة يَوْم الْجُمُعَة ويحضرون الصَّلَاة مَعَه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَرَادَ مكافأتهم بِأَن يذهب إِلَى مَسْجِدهمْ فِي الْيَوْم الَّذِي يَلِيهِ وَكَانَ يحب مُكَافَأَة أَصْحَابه حَتَّى كَانَ يخدمهم بِنَفسِهِ وَيَقُول إِنَّهُم كَانُوا لِأَصْحَابِي مكرمين فَأَنا أحب أَن أكافئهم وَيحْتَمل أَنه كَانَ يَوْم السبت فَارغًا لنَفسِهِ فَكَانَ يشْتَغل فِي بَقِيَّة الْجُمُعَة بمصالح الْخلق من أول يَوْم الْأَحَد على القَوْل بِأَنَّهُ أول أَيَّام الْأُسْبُوع ويشتغل يَوْم الْجُمُعَة بالتجميع بِالنَّاسِ ويتفرغ يَوْم السبت لزيارة أَصْحَابه والمشاهد الشَّرِيفَة وَيحْتَمل أَنه لما كَانَ ينزل إِلَى الْجُمُعَة بعض أهل قبَاء ويتخلف بَعضهم مِمَّن لَا يجب عَلَيْهِ أَو يعْذر فَيفوت من لم يحضر مِنْهُم يَوْم الْجُمُعَة رُؤْيَته ومشاهدته تدارك ذَلِك بإتيانه مَسْجِد قبَاء ليجتمعوا إِلَيْهِ هُنَالك فَيحصل لَهُم من الغائبين يَوْم الْجُمُعَة نصِيبهم مِنْهُ يَوْم السبت. وَفِيه دَلِيل على جَوَاز تَخْصِيص بعض الْأَيَّام بِنَوْع من الْقرب وَهُوَ كَذَلِك إِلَّا فِي الْأَوْقَات الْمنْهِي عَنْهَا كالنهي عَن تَخْصِيص لَيْلَة الْجُمُعَة بِقِيَام من بَين اللَّيَالِي أَو تَخْصِيص يَوْم الْجُمُعَة بصيام من بَين الْأَيَّام وَقد روى عمر بن شيبَة فِي أَخْبَار الْمَدِينَة تأليفه من رِوَايَة ابْن الْمُنْكَدر " عَن جَابر كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْتِي قبَاء صَبِيحَة سبع عشرَة من رَمَضَان " وروى من رِوَايَة الدَّرَاورْدِي " عَن شريك بن عبد الله كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْتِي قبَاء يَوْم الِاثْنَيْنِ " وَقَالَ صَاحب الْمُفْهم وأصل مَذْهَب مَالك كَرَاهَة تَخْصِيص شَيْء من الْأَوْقَات بِشَيْء من الْقرب إِلَّا مَا ثَبت بِهِ تَوْقِيف. وَفِيه حجَّة على من كره تَخْصِيص زِيَارَة قبَاء يَوْم السبت وَقد حَكَاهُ عِيَاض عَن مُحَمَّد بن مسلمة من الْمَالِكِيَّة مَخَافَة أَن يظنّ أَن ذَلِك سنة فِي ذَلِك الْيَوْم قَالَ عِيَاض وَلَعَلَّه لم يبلغهُ هَذَا الحَدِيث وَقد احْتج ابْن حبيب من الْمَالِكِيَّة بزيارته(7/259)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَسْجِد قبَاء رَاكِبًا وماشيا على أَن الْمدنِي إِذا نذر الصَّلَاة فِي مَسْجِد قبَاء لزمَه ذَلِك وَحَكَاهُ عَن ابْن عَبَّاس (فَإِن قلت) مَا الْجمع بَين قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الحَدِيث الصَّحِيح " لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد " وَبَين كَونه كَانَ يَأْتِي مَسْجِد قبَاء رَاكِبًا (قلت) قبَاء لَيْسَ مِمَّا تشد إِلَيْهِ الرّحال فَلَا يتَنَاوَلهُ الحَدِيث الْمَذْكُور قَالَ الْوَاقِدِيّ عَن مجمع بن يَعْقُوب عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن ابْن رُقَيْش قَالَ كَانَ مَسْجِد قبَاء فِي مَوضِع الأسطوانة المخلفة الْخَارِجَة فِي رحبة الْمَسْجِد قَالَ عبد الرَّحْمَن حَدثنِي نَافِع أَن ابْن عمر كَانَ إِذا جَاءَ قبَاء صلى إِلَى الأسطوانة المخلفة يقْصد بذلك مَسْجِد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأول وَقَالَ أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن أَن مَا بَين الصومعة إِلَى الْقبْلَة والجانب الْأَيْمن عِنْد دَار القَاضِي زِيَادَة زَادهَا عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقَالَ عُرْوَة كَانَ مَوضِع مَسْجِد قبَاء لامْرَأَة يُقَال لَهَا لية وَكَانَت ترْبط حمارا لَهَا فِيهِ فابتناه سعد بن خَيْثَمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَسْجِدا قَالَ أَبُو غَسَّان طوله وَعرضه سَوَاء وَهُوَ سِتّ وَسِتُّونَ ذِرَاعا وَطول ذرعه فِي السَّمَاء تسع عشرَة ذِرَاعا وَطول رحبته الَّتِي فِي جَوْفه خَمْسُونَ ذِرَاعا وعرضها سِتّ وَعِشْرُونَ ذِرَاعا وَطول منارته خَمْسُونَ ذِرَاعا وعرضها تسع أَذْرع وشبر فِي تسع أَذْرع وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب وَثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ أسطوانا ومواضع قناديله لأربعة عشر قِنْدِيلًا قَالَ وَأَخْبرنِي من أَثِق بِهِ من الْأَنْصَار من أهل قبَاء أَن مصلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مَسْجِدهمْ بعد صرف الْقبْلَة كَانَ إِلَى حرف الأسطوان المخلق
(بَاب من أَتَى مَسْجِد قبَاء كل سبت)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل من يَأْتِي مَسْجِد قبَاء كل يَوْم سبت وَلما كَانَ الْبَاب السَّابِق مُشْتَمِلًا على الْمَوْقُوف وَالْمَرْفُوع وَكَانَ الْمَوْقُوف مُقَيّدا بِخِلَاف الْمَرْفُوع ذكر هَذَا الْبَاب لبَيَان تَقْيِيد إِطْلَاق ذَلِك الْمَرْفُوع لِأَن الْمَرْفُوع فِي الْبَاب السَّابِق يدل على أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يزور مَسْجِد قبَاء رَاكِبًا وماشيا وَلم يتَعَرَّض فِيهِ فِي أَي يَوْم كَانَ ذَلِك فَبين فِي هَذَا الْبَاب أَن زيارته مَسْجِد قبَاء كَانَ كل يَوْم سبت وَهَذَا يدل على فَضِيلَة مَسْجِد قبَاء وَكَيف لَا وَقد روى سهل بن حنيف عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن الَّذِي يدْخل فِي مَسْجِد قبَاء وَيُصلي كَانَ ذَلِك كَعدْل رَقَبَة وَقد ذَكرْنَاهُ فِي الْبَاب السَّابِق وروى عمر بن شيبَة فِي أَخْبَار الْمَدِينَة بِإِسْنَاد صَحِيح " عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ لِأَن أُصَلِّي فِي مَسْجِد قبَاء رَكْعَتَيْنِ أحب إِلَيّ من أَن آتِي بَيت الْمُقَدّس مرَّتَيْنِ لَو يعلمُونَ مَا فِي قبَاء لصروا إِلَيْهِ أكباد الْإِبِل " (قلت) وَمَعَ هَذَا لم يثبت فِيهِ تَضْعِيف مَا فِي الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة "
215 - (حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُسلم عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْتِي مَسْجِد قبَاء كل سبت مَاشِيا وراكبا وَكَانَ عبد الله رَضِي الله عَنهُ يَفْعَله) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " كل سبت ". وَرِجَاله قد ذكرُوا وَعبد الْعَزِيز بن مُسلم بِلَفْظ الْفَاعِل من الْإِسْلَام الْقَسْمَلِي مر فِي بَاب كَيفَ يقبض الْعلم وَرَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ أَيْضا وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصى قَوْله " مَاشِيا وراكبا " حالان مُتَرَادِفَانِ قَالَ الْكرْمَانِي وَالْوَاو فِيهِ بِمَعْنى أَو (قلت) لَا حَاجَة إِلَى هَذَا وَلَكِن مَعْنَاهُ بِحَسب مَا تيَسّر لَهُ قَوْله " يَفْعَله " أَي يفعل إتْيَان مَسْجِد قبَاء كل سبت مَاشِيا وراكبا
(بَاب إتْيَان مَسْجِد قبَاء مَاشِيا وراكبا)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل إتْيَان مَسْجِد قبَاء حَال كَونه رَاكِبًا وماشيا قَالَ بَعضهم إِنَّمَا أفرد هَذِه التَّرْجَمَة لاشتمال الحَدِيث على حكم آخر غير مَا تقدم (قلت) لَيْسَ فِي صدر الحَدِيث حكم آخر وَإِنَّمَا هُوَ زِيَادَة ابْن نمير فَافْهَم وَلَو قُلْنَا أَفْرَاد هَذِه التَّرْجَمَة لبَيَان تعدد سَنَده لَكَانَ فِي الْكِفَايَة
216 - (حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنَا يحيى عَن عبيد الله قَالَ حَدثنِي نَافِع عَن ابْن عمر(7/260)
رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْتِي قبَاء رَاكِبًا وماشيا وَزَاد ابْن نمير قَالَ حَدثنَا عبيد الله عَن نَافِع فَيصَلي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان وَهَكَذَا هُوَ غير مَنْسُوب فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ يحيى بن سعيد وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ وَابْن نمير بِضَم النُّون وَفتح الْمِيم هُوَ عبد الله بن نمير مر فِي أَوَائِل التَّيَمُّم وَطَرِيق ابْن نمير وَصلهَا مُسلم وَأَبُو يعلى قَالَا حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير حَدثنَا أبي قَالَ حَدثنَا عبيد الله عَن نَافِع " عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْتِي مَسْجِد قبَاء رَاكِبًا وماشيا فَيصَلي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ " وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي مُسْنده حَدثنَا عبد الله بن نمير وَأَبُو أُسَامَة عَن عبيد الله فَذكره بِالزِّيَادَةِ وَقَالَ الطَّحَاوِيّ هَذِه الزِّيَادَة مدرجة وَإِن أحدا من الروَاة قَالَه من عِنْده لعلمه أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ من عَادَته أَن لَا يجلس حَتَّى يُصَلِّي وَقَالَ الْكرْمَانِي فِيهِ أَن صَلَاة النَّهَار رَكْعَتَانِ كَصَلَاة اللَّيْل (قلت) قد ذكرنَا فِي حَدِيث كَعْب بن عجْرَة أَربع رَكْعَات فَلَا حجَّة لَهُ فِي انتصاره لمذهبه هَهُنَا وَالله أعلم
(بَاب فضل مَا بَين الْقَبْر والمنبر)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل مَا بَين قبر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومنبره وَأَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة بعد ذكر فضل الصَّلَاة فِي مَسْجِد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى أَن بعض بقاع الْمَسْجِد أفضل من بعض
217 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك عَن عبد الله بن أبي بكر عَن عباد بن تَمِيم عَن عبد الله بن زيد الْمَازِني رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ مَا بَين بَيْتِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة) قيل الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث غير تَامَّة لِأَن الْمَذْكُور فِي التَّرْجَمَة الْقَبْر وَفِي الحَدِيث الْبَيْت وَأجِيب بِأَن الْقَبْر فِي الْبَيْت لِأَن المُرَاد بَيت سكناهُ وَالنَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دفن فِي بَيت سكناهُ. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة قد ذكرُوا أما شَيْخه وَمَالك فقد تكررا وَأما عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم الْأنْصَارِيّ فقد تقدم فِي بَاب الْوضُوء مرَّتَيْنِ وَعباد بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن تَمِيم بن زيد بن عَاصِم الْأنْصَارِيّ وَعبد الله بن زيد بن عَاصِم الْمَازِني بِكَسْر الزَّاي بعْدهَا نون الْأنْصَارِيّ وَكِلَاهُمَا قد تقدما هُنَاكَ (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن رُوَاته مدنيون غير شَيْخه وَهُوَ من أَفْرَاده وَفِيه رِوَايَة الرجل عَن عَمه وَهُوَ عباد يروي عَن عَمه عبد الله بن زيد (ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم فِي الْمَنَاسِك عَن قُتَيْبَة عَن مَالك بن أنس فِيمَا قَرَأَ عَلَيْهِ عَن عبد الله بن أبي بكر عَن عباد بن تَمِيم عَن عبد الله بن زيد الْمَازِني أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " مَا بَين بَيْتِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة " وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة بِهِ (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " مَا بَين بَيْتِي " كلمة مَا مَوْصُولَة مَرْفُوع محلا بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره هُوَ قَوْله " رَوْضَة " الرَّوْضَة فِي كَلَام الْعَرَب المطمئن من الأَرْض فِيهِ النبت والعشب قَوْله " بَيْتِي " هُوَ الصَّحِيح من الرِّوَايَة وروى مَكَانَهُ " قَبْرِي " وَجعله بَعضهم تَفْسِير البيتي قَالَه زيد بن أسلم وَحمل كثير من الْعلمَاء الحَدِيث على ظَاهره فَقَالُوا ينْقل ذَلِك الْموضع بِعَيْنِه إِلَى الْجنَّة كَمَا قَالَ تَعَالَى {وأورثنا الأَرْض نتبوأ من الْجنَّة حَيْثُ نشَاء} ذكر أَن الْجنَّة تكون فِي الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة وَيحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ أَن الْعَمَل الصَّالح فِي ذَلِك الْموضع يُؤَدِّي صَاحبه إِلَى الْجنَّة كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " ارتعوا فِي رياض الْجنَّة " يَعْنِي حلق الذّكر وَالْعلم لما كَانَت مؤدية إِلَى الْجنَّة فَيكون مَعْنَاهُ التحريض على زِيَارَة قَبره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالصَّلَاة فِي مَسْجده وَكَذَا " الْجنَّة تَحت ظلال السيوف "(7/261)
واستبعده ابْن التِّين وَقَالَ يُؤَدِّي إِلَى الشنططة وَالشَّكّ فِي الْعُلُوم الضرورية وَقيل أَنَّهَا من رياض الْجنَّة الْآن حَكَاهُ ابْن التِّين وَأنْكرهُ وَالْحمل على التَّأْوِيل الثَّانِي يحْتَمل وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن اتِّبَاع مَا يُتْلَى فِيهِ من الْقُرْآن وَالسّنة يُؤَدِّي إِلَى رياض الْجنَّة فَلَا يكون للبقعة فِيهَا فَضِيلَة إِلَّا لِمَعْنى اخْتِصَاص هَذِه الْمعَانِي بهَا دون غَيرهَا وَالثَّانِي أَن يُرِيد أَن مُلَازمَة ذَلِك الْموضع بِالطَّاعَةِ يُؤدى إِلَيْهَا لفضيلة الصَّلَاة فِيهِ على غَيره قَالَ وَهُوَ أبين لِأَن الْكَلَام خرج على تَفْضِيل ذَلِك الْموضع انْتهى (قلت) على هَذَا الْوَجْه أَيْضا لَا تكون للبقعة فَضِيلَة إِلَّا لأجل اخْتِصَاص ذَلِك الْمَعْنى بهَا وَالتَّحْقِيق فِيهِ أَن هَذَا الْكَلَام يحْتَمل أَن يكون حَقِيقَة إِذا نقل هَذَا الْموضع إِلَى الْجنَّة وَيحْتَمل أَن يكون مجَازًا بِاعْتِبَار الْمَآل كَمَا فِي قَوْله " الْجنَّة تَحت ظلال السيوف " أَي الْجِهَاد مآله إِلَى الْجنَّة أَو هُوَ تَشْبِيه أَي هُوَ كروضة وَسميت تِلْكَ الْبقْعَة الْمُبَارَكَة رَوْضَة لِأَن زوار قَبره من الْمَلَائِكَة وَالْإِنْس وَالْجِنّ لم يزَالُوا مكبون فِيهَا على ذكر الله تَعَالَى وعبادته وَقَالَ الْخطابِيّ معنى الحَدِيث تَفْضِيل الْمَدِينَة وخصوصا الْبقْعَة الَّتِي بَين الْبَيْت والمنبر يَقُول من لزم طَاعَة الله فِي هَذِه الْبقْعَة آلت بِهِ الطَّاعَة إِلَى رَوْضَة من رياض الْجنَّة وَمن لزم عبَادَة الله عِنْد الْمِنْبَر سقِِي فِي الْجنَّة من الْحَوْض وَقَالَ عِيَاض فِي تَفْسِير قَوْله " ومنبري على حَوْضِي " ذكر أَكثر الْعلمَاء أَن المُرَاد أَن هَذَا الْمِنْبَر بِعَيْنِه يُعِيدهُ الله تَعَالَى على حَوْضه قَالَ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهر وَقيل أَن لَهُ هُنَاكَ منبرا على حَوْضه
218 - (حَدثنَا مُسَدّد عَن يحيى عَن عبيد الله قَالَ حَدثنِي خبيب بن عبد الرَّحْمَن عَن حَفْص بن عَاصِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ مَا بَين بَيْتِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة ومنبري على حَوْضِي) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. (ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة. الأول مُسَدّد. الثَّانِي يحيى بن سعيد الْقطَّان. الثَّالِث عبيد الله بن عمر الْعمريّ. الرَّابِع خبيب بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا بَاء أُخْرَى مر فِي بَاب الصَّلَاة بعد الْفجْر. الْخَامِس حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. السَّادِس أَبُو هُرَيْرَة. (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه عبيد الله وَفِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي عبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ وَفِيه أَن شَيْخه بَصرِي وَهُوَ من أَفْرَاده وَيحيى أَيْضا بَصرِي والبقية مدنيون وَفِيه اثْنَان مذكوران من غير نِسْبَة وَاثْنَانِ مصغران (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي آخر الْحَج عَن مُسَدّد وَفِي الْحَوْض عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر وَفِي الِاعْتِصَام عَن عَمْرو بن عَليّ وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن زُهَيْر بن حَرْب وَمُحَمّد بن الْمثنى كِلَاهُمَا عَن يحيى الْقطَّان بِهِ وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وروى هَذَا الحَدِيث مَالك عَن خبيب عَن حَفْص عَن أبي هُرَيْرَة أَو أبي سعيد قَالَ أَبُو عمر رَحمَه الله كَذَا رَوَاهُ عَن مَالك رُوَاة الْمُوَطَّأ كلهم فِيمَا علمت على الشَّك إِلَّا معن بن عِيسَى وروح بن عبَادَة فَإِنَّهُمَا قَالَا عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد جَمِيعًا على الْجمع لَا على الشَّك وَرَوَاهُ ابْن مهْدي عَن مَالك فَجعله عَن أبي هُرَيْرَة وَحده لم يذكر أَبَا سعيد قَالَ والْحَدِيث مَحْفُوظ لأبي هُرَيْرَة بِهَذَا الْإِسْنَاد وَرَوَاهُ عبيد الله بن عمر عَن خبيب بِهَذَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عمر الداني فِي كِتَابه أَطْرَاف الْمُوَطَّأ تَابع الْعمريّ فِي ذَلِك جمَاعَة وَهَكَذَا قَالَه البُخَارِيّ قَالَ أَبُو عمر ذكر مُحَمَّد بن سنجر حَدثنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْقرشِي الْبَصْرِيّ عَن مَالك عَن ربيعَة عَن سعيد بن الْمسيب " عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ أَخْبرنِي أبي أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ وضعت منبري على نَزعَة من نزع الْجنَّة وَمَا بَين بَيْتِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة " قَالَ أَبُو مُحَمَّد لم يُتَابع مُحَمَّد بن سُلَيْمَان أحد على هَذَا الْإِسْنَاد عَن مَالك وَمُحَمّد هَذَا ضَعِيف وَزَاد الدَّارَقُطْنِيّ فِي الغرائب " وقوائم منبري رواتب فِي الْجنَّة " وَقَالَ تفرد بِهِ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان قَالَ أَبُو عَمْرو فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث مُنكر رَوَاهُ عبد الْملك بن زيد الطَّائِي عَن عَطاء بن زيد مولى سعيد بن الْمسيب عَن سعيد بن الْمسيب عَن عمر بن الْخطاب قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَا بَين قَبْرِي ومنبري وأسطوانة التربة رَوْضَة من رياض الْجنَّة " قَالَ أَبُو عمر هَذَا حَدِيث مَوْضُوع وَضعه عبد الْملك وروى أَحْمد بن يحيى الْكُوفِي أخبرنَا مَالك بن أنس عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَا بَين قَبْرِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة " قَالَ أَبُو عمر هَذَا إِسْنَاد خطأ وَعند(7/262)
النَّسَائِيّ عَن سُهَيْل بن سعد مَرْفُوعا " منبري على نَزعَة من نزع الْجنَّة " وَعند الطَّبَرَانِيّ عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ " مَا بَين بَيْتِي ومصلاي رَوْضَة من رياض الْجنَّة " وَعند الضياء الْمَقْدِسِي عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من رِوَايَة ابْن أبي سُبْرَة يرفعهُ " مَا بَين قَبْرِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة ومنبري على نَزعَة من نزع الْجنَّة " وَفِي مُسْند الْهَيْثَم بن كُلَيْب الشَّاشِي عَن جَابر وَابْن عمر نَحوه (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " ومنبري على حَوْضِي " لَيست هَذِه الْجُمْلَة فِي رِوَايَة أبي ذَر والحوض هُوَ الْكَوْثَر وَالْوَاو فِيهِ زَائِدَة كَمَا فِي الْجَوْهَر وَقَالَ أَبُو عمر قد اسْتدلَّ أَصْحَابنَا بِهِ على أَن الْمَدِينَة أفضل من مَكَّة وركبوا عَلَيْهِ قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لموْضِع سَوط فِي الْجنَّة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " وَقَالَ أَبُو عمر لَا دَلِيل فِيهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَرَادَ ذمّ الدُّنْيَا وَالتَّرْغِيب فِي الْآخِرَة فَأخْبر أَن الْيَسِير من الْجنَّة خير من الدُّنْيَا كلهَا وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ وللباطنية فِي هَذَا الحَدِيث من الغلو والتحريف مَا لَا يَنْبَغِي أَن يلْتَفت إِلَيْهِ وَقَالَ أَبُو عمر الْإِيمَان بالحوض عِنْد جمَاعَة الْعلمَاء وَاجِب الْإِقْرَار بِهِ وَقد نَفَاهُ أهل الْبدع من الْخَوَارِج والمعتزلة لأَنهم لَا يصدقون بالشفاعة وَلَا بالحوض وَلَا بالدجال نَعُوذ بِاللَّه تَعَالَى من بدعهم وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَحَادِيث الْحَوْض فِي موضعهَا الَّذِي ذكرهَا البُخَارِيّ
(بَاب مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل بَيت الْمُقَدّس
219 - (حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن عبد الْملك قَالَ سَمِعت قزعة مولى زِيَاد قَالَ سَمِعت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ يحدث بِأَرْبَع عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فأعجبنني وآنقنني قَالَ لَا تُسَافِر الْمَرْأَة يَوْمَيْنِ إِلَّا مَعهَا زَوجهَا أَو ذُو محرم وَلَا صَوْم فِي يَوْمَيْنِ الْفطر والأضحى وَلَا صَلَاة بعد صَلَاتَيْنِ بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس وَبعد الْعَصْر حَتَّى تغرب وَلَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد مَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد الْأَقْصَى ومسجدي) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " وَمَسْجِد الْأَقْصَى ". (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة ذكرُوا غير مرّة وَاسم أبي الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ وَعبد الْملك بن عُمَيْر وقزعة بِالْقَافِ وَالزَّاي وَالْعين الْمُهْملَة المفتوحات مضى فِي بَاب فضل الصَّلَاة فِي مَسْجِد مَكَّة وَالْمَدينَة وَزِيَاد بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف هُوَ زِيَاد بن أبي سُفْيَان وَقيل هُوَ مولى عبد الْملك بن مَرْوَان وَقيل بل هُوَ من بني الْحَرِيش (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه السماع فِي موضِعين وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن شَيْخه بَصرِي وَشعْبَة واسطي وَعبد الْملك كُوفِي وقزعة بَصرِي. وَقد ذكرنَا فِي بَاب فضل الصَّلَاة فِي مَسْجِد مَكَّة وَالْمَدينَة من أخرجه غَيره وتعداد إِخْرَاج البُخَارِيّ إِيَّاه وَقد اقْتصر البُخَارِيّ هُنَاكَ فِي هَذَا الحَدِيث على قِطْعَة مِنْهُ وَذكر هَهُنَا تَمَامه وَأخرج هُنَاكَ أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة آخر حَدِيث أبي سعيد الَّذِي ذكره هَهُنَا وَهُوَ قَوْله " لَا تشد الرّحال " وَقد تكلمنا فِيهِ هُنَاكَ مستقصى وَبَقِي الْكَلَام فِي بَقِيَّة الحَدِيث فَنَقُول قَوْله " يحدث بِأَرْبَع " جملَة وَقعت حَالا من أبي سعيد أَي يحدث بِأَرْبَع كَلِمَات كلهَا حكم. الأولى قَوْله " لَا تُسَافِر الْمَرْأَة " وَالثَّانيَِة قَوْله " لَا صَوْم " وَالثَّالِثَة قَوْله " لَا صَلَاة " وَالرَّابِعَة قَوْله " لَا تشد الرّحال " قَوْله " فأعجبنني " بِلَفْظ صِيغَة الْجمع للمؤنث ويروى " فأعجبتني " بِصِيغَة الْإِفْرَاد وَالضَّمِير الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَى قَوْله " بِأَرْبَع " قَوْله " وآنقنني " كَذَلِك بِلَفْظ الْجمع والإفراد وَهُوَ بِمد الْهمزَة وَفتح النُّون وَسُكُون الْقَاف يُقَال آنقه إِذا أعجبه وَشَيْء مونق أَي معجب وَقَالَ ابْن الْأَثِير الآنق بِالْفَتْح وَالسُّرُور وَالشَّيْء الأنيق المعجب والمحدثون يَرْوُونَهُ " أيقنني " وَلَيْسَ بِشَيْء وَقد جَاءَ فِي صَحِيح مُسلم " لَا أينق بحَديثه " أَي لَا أعجب وَهِي كَذَا تروى وَضَبطه الْأصيلِيّ " أتقنني " بتاء مثناة من فَوق من التوق وَلَيْسَ كَذَلِك إِنَّمَا الصَّوَاب أَن يُقَال من التوق توقنني كَمَا(7/263)
يُقَال شوقتني من الشوق وَقَالَ بَعضهم وأعجبني تَأْكِيد لَفْظِي لأعجبنني (قلت) لَيْسَ كَذَلِك لِأَن التَّأْكِيد اللَّفْظِيّ أَن يُكَرر عين اللَّفْظ الْوَاحِد قَوْله " أَو ذُو محرم " قَالَ النَّوَوِيّ الْمحرم من النِّسَاء من حرم نِكَاحهَا على التَّأْبِيد بِسَبَب مُبَاح لحرمتها فقولنا على التَّأْبِيد احْتِرَاز من أُخْت الْمَرْأَة وبسبب مُبَاح احْتِرَاز من أم الموطوأة بِالشُّبْهَةِ لِأَن وطأ الشُّبْهَة لَا يُوصف بِالْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفعل مُكَلّف ولحرمتها احْتِرَاز من الْمُلَاعنَة فَإِن تَحْرِيمهَا لَيْسَ لحرمتها بل عُقُوبَة وتغليظا قَالَ أَصْحَابنَا الْمحرم كل من لَا يحل لَهُ نِكَاحهَا على التَّأْبِيد لقرابة أَو رضَاع أَو صهرية وَالْعَبْد وَالْحر وَالْمُسلم وَالذِّمِّيّ سَوَاء إِلَّا الْمَجُوسِيّ الَّذِي يعْتَقد إِبَاحَة نِكَاحهَا وَالْفَاسِق لِأَنَّهُ لَا يحصل بِهِ الْمَقْصُود وَلَا بُد فِيهِ من الْعقل وَالْبُلُوغ لعجز الصَّبِي وَالْمَجْنُون عَن الْحِفْظ (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) قد ذكرنَا أَن هَذَا الحَدِيث مُشْتَمل على أَرْبَعَة أَحْكَام الأول فِي حكم الْمَرْأَة الَّتِي تُسَافِر وَفِيه خَمْسَة مَذَاهِب الأول مَذْهَب الْحسن الْبَصْرِيّ وَالزهْرِيّ وَقَتَادَة فَإِنَّهُم قَالُوا لَا يجوز للْمَرْأَة أَن تُسَافِر لَيْلَتَيْنِ بِلَا زوج أَو محرم فَإِذا كَانَ أقل من ذَلِك يجوز وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور الثَّانِي مَذْهَب إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ وَطَاوُس والظاهرية فَإِنَّهُم قَالُوا لَا يجوز للْمَرْأَة أَن تُسَافِر مُطلقًا سَوَاء كَانَ السّفر قَرِيبا أَو بَعيدا إِلَّا إِذا كَانَ مَعهَا زوج أَو ذُو محرم لَهَا وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ حَدثنَا عبد الْأَعْلَى قَالَ حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو سمع أَبَا معبد مولى ابْن عَبَّاس يَقُول قَالَ ابْن عَبَّاس " خطب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - النَّاس فَقَالَ لَا تُسَافِر امْرَأَة إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم وَلَا يدْخل عَلَيْهَا رجل إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم فَقَامَ رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي قد اكتتبت فِي غَزْوَة كَذَا وَكَذَا وَقد أردْت أَن أحج بامرأتي فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " احجج مَعَ امْرَأَتك " وَرَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مَاجَه بِنَحْوِهِ قَالُوا بِعُمُوم الحَدِيث واشتماله على حكم السّفر مُطلقًا وروى الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " لَا تُسَافِر الْمَرْأَة إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم " وَأخرج الْبَزَّار عَنهُ نَحوه. الثَّالِث مَذْهَب عَطاء وَسَعِيد بن كيسَان وَقوم من الطَّائِفَة الظَّاهِرِيَّة فَإِنَّهُم قَالُوا بِجَوَاز سفر الْمَرْأَة فِيمَا دون الْبَرِيد فَإِذا كَانَ بريدا فَصَاعِدا فَلَيْسَ لَهَا أَن تُسَافِر إِلَّا بِمحرم وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا تُسَافِر امْرَأَة بريدا إِلَّا مَعَ زوج أَو ذِي محرم " وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا والبريد فرسخان وَقيل أَرْبَعَة فراسخ والفرسخ ثَلَاثَة أَمْيَال والميل أَرْبَعَة آلَاف ذِرَاع. الرَّابِع مَذْهَب الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فَإِنَّهُم قَالُوا للْمَرْأَة أَن تُسَافِر فِيمَا دون الْيَوْم بِلَا محرم وَفِيمَا زَاد على ذَلِك لَا إِلَّا بِزَوْج أَو محرم لَكِن عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ لَهَا أَن تُسَافِر لِلْحَجِّ الْفَرْض بِلَا زوج ومحرم وَإِن كَانَ بَينهَا وَبَين مَكَّة سفر أَو لم يكن فَإِنَّهُمَا خصا النَّهْي عَن ذَلِك بالأسفار الْغَيْر الْوَاجِبَة وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي سعيد أَن أَبَاهُ أخبرهُ أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تُسَافِر مسيرَة يَوْم إِلَّا مَعَ ذِي محرم ". الْخَامِس مَذْهَب الثَّوْريّ وَالْأَعْمَش وَأبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد فَإِنَّهُم قَالُوا لَيْسَ للْمَرْأَة أَن تُسَافِر مَسَافَة ثَلَاثَة أَيَّام فَصَاعِدا إِلَّا مَعَ زوج أَو ذِي محرم فَإِذا كَانَ أقل من ذَلِك فلهَا أَن تُسَافِر بِغَيْر محرم وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد حَدثنَا أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ حَدثنِي يحيى بن سعيد عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " لَا تُسَافِر الْمَرْأَة ثَلَاثًا إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم " وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا ثمَّ التَّوْفِيق بَينه وَبَين هَذِه الرِّوَايَات وَبَيَان الْعَمَل بِحَدِيث الثَّلَاث هُوَ أَن هَذِه الْأَحَادِيث كلهَا متفقة على حُرْمَة السّفر عَلَيْهَا بِغَيْر محرم مَسَافَة ثَلَاثَة أَيَّام فَمَا فَوْقهَا وَفِي تَقْيِيده بِالثلَاثِ إِبَاحَة لما دونهَا إِذْ لَو لم يكن كَذَلِك لما كَانَ لتعيين الثَّلَاث فَائِدَة ولكان نهى مُطلقًا وَكَلَام الْحَكِيم يصان عَن اللَّغْو وَعَما لَا فَائِدَة فِيهِ فَإِذا ثَبت بِذكر الثَّلَاث وتعينه إِبَاحَة مَا دونه يحْتَاج إِلَى التَّوْفِيق بَينه وَبَين مَا رُوِيَ من الْيَوْم واليومين والبريد فَيُقَال أَن خبر الثَّلَاث إِن كَانَ مُتَأَخِّرًا فَهُوَ نَاسخ وَإِن كَانَ مُتَقَدما فقد جَاءَت الْإِبَاحَة بِأَقَلّ مِنْهُ ثمَّ جَاءَ النَّهْي بعده عَن سفر مَا دون الثَّلَاث فَحرم مَا حرم الحَدِيث الأول وَزَاد عَلَيْهِ حُرْمَة أُخْرَى وَهِي مَا بَينه وَبَين الثَّلَاث فَوَجَبَ اسْتِعْمَال الثَّلَاث على مَا أوجبه فِي الْأَحْوَال كلهَا فَحِينَئِذٍ الْأَخْذ بِهِ أولى من الَّذِي يجب فِي حَال دون حَال وَقَالَ القَاضِي عِيَاض عَن أبي سعيد فِي رِوَايَة(7/264)
ثَلَاث لَيَال وَفِي رِوَايَة أُخْرَى عَنهُ يَوْمَيْنِ وَفِي الْأُخْرَى أَكثر من ثَلَاث وَفِي حَدِيث ابْن عمر ثَلَاث وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة مسيرَة لَيْلَة وَفِي الْأُخْرَى عَنهُ يَوْمًا وَلَيْلَة وَفِي الْأُخْرَى عَنهُ ثَلَاث وَهَذَا كُله لَا يتنافى وَلَا يخْتَلف فَيكون - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - منع من ثَلَاث وَمن يَوْمَيْنِ وَمن يَوْم أَو يَوْم وَلَيْلَة وَهُوَ أقلهَا وَقد يكون هَذَا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مَوَاطِن مُخْتَلفَة ونوازل مُتَفَرِّقَة فَحدث كل من سَمعهَا بِمَا بلغه مِنْهَا وَشَاهده وَإِن حدث بهَا وَاحِد فَحدث مَرَّات بهَا على اخْتِلَاف مَا سَمعهَا. الحكم الثَّانِي فِي صَوْم يومي الْعِيدَيْنِ أما صَوْم يَوْم عيد الْفطر فَحرم لكَونه عيدا للْمُسلمين وَأما صَوْم يَوْم عيد الْأَضْحَى فَحرم لِأَنَّهُ يَوْم القرابين وَهُوَ يَوْم ضِيَافَة الله تَعَالَى وَالصَّوْم فِيهِ إِعْرَاض عَن ضِيَافَة الله تَعَالَى وَقد روى الزُّهْرِيّ " عَن أبي عبيد مولى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ شهِدت عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي يَوْم نحر بَدَأَ بِالصَّلَاةِ قبل الْخطْبَة ثمَّ قَالَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ينْهَى عَن صَوْم هذَيْن الْيَوْمَيْنِ أما يَوْم الْفطر ففطركم من صومكم وَعِيد للْمُسلمين وَأما يَوْم الْأَضْحَى فَكُلُوا من لحم نسككم " رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِهَذَا اللَّفْظ وَرَوَاهُ أَيْضا بَقِيَّة السِّتَّة من طرق عَن الزُّهْرِيّ قَوْله " أما يَوْم الْفطر ففطركم " أَي فَهُوَ يَوْم فطركم وَوَصفه بذلك لبَيَان الْعلَّة وَهُوَ الْفَصْل بَين الصَّوْم وَالْفطر ليعلم انْتِهَاء الصَّوْم وَدخُول الْفطر وَقَوله " وَعِيد للْمُسلمين " عِلّة ثَانِيَة وَكَأَنَّهُ كَانَ من الْمَعْلُوم أَنه لَا يصام يَوْم عيد وَقَوله " وَأما يَوْم الْأَضْحَى فَكُلُوا من لحم نسككم " وَأَشَارَ بِهِ إِلَى الْعلَّة أَيْضا لِأَنَّهُ لَو كَانَ يَوْم صَوْم لم يُؤْكَل من النّسك ذَلِك الْيَوْم فَلم يكن لنحرها فِيهِ معنى وَقيل الْعلَّة فِي الْفطر يَوْم النَّحْر أَن فِيهِ دَعْوَة الله الَّتِي دَعَا عباده إِلَيْهَا من تضييفه وإكرامه لأهل منى وَغَيرهم لما شرع لَهُم من ذبح النّسك وَالْأكل مِنْهَا فَمن صَامَ هَذَا الْيَوْم فَكَأَنَّهُ رد على الله كرامته وَحكى صَاحب الْمُفْهم عَن الْجُمْهُور أَن فطرهما شرع غير مُعَلل وَفِي أَمر عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِالْأَكْلِ من لحم النّسك إِشَارَة إِلَى مَشْرُوعِيَّة الْأكل من الْأُضْحِية وَهُوَ مُتَّفق على اسْتِحْبَابه وَاخْتلف فِي وُجُوبه. وَتَحْرِيم صَوْم هذَيْن الْيَوْمَيْنِ أَمر مجمع عَلَيْهِ بَين أهل الْعلم وكل مِنْهُمَا غير قَابل للصَّوْم عِنْدهم إِلَّا أَن الرَّافِعِيّ حكى عَن أبي حنيفَة أَنه لَو نذر صومهما لَكَانَ لَهُ أَن يَصُوم فيهمَا (قلت) لَيْسَ كَذَلِك مَذْهَب أبي حنيفَة وَإِنَّمَا مذْهبه أَنه لَو نذر صَوْم يَوْم النَّحْر أفطر وَقضى يَوْمًا مَكَانَهُ أما الْفطر فَلِأَن الصَّوْم فِيهِ مَعْصِيّة وَأما الْقَضَاء فَلِأَنَّهُ نذر بِصَوْم مَشْرُوع بِأَصْلِهِ وَالنَّهْي لَا يُنَافِي المشروعية كَمَا تقرر فِي الْأُصُول وَسَيَأْتِي الْبَحْث فِيهِ مستقصى فِي كتاب الصَّوْم. الحكم الثَّالِث فِي الصَّلَاة بعد الصُّبْح وَقد مر فِي كتاب الصَّلَاة. الحكم الرَّابِع فِي شدّ الرّحال وَقد مر فِي الْبَاب السَّابِق مستقصى
(بَاب استعانة الْيَد فِي الصَّلَاة إِذا كَانَ من أَمر الصَّلَاة)
وَفِي بعض النّسخ أَبْوَاب الْعَمَل فِي الصَّلَاة بَاب استعانة الْيَد إِلَى آخِره وَفِي بعض النّسخ صدر الْبَاب بالبسملة وَفِي غَالب النّسخ مثل الْمَذْكُور هَهُنَا أَي بَاب فِي بَيَان حكم استعانة الْيَد أَرَادَ بِهِ وضع الْيَد على شَيْء فِي الصَّلَاة إِذا كَانَ ذَلِك من أَمر الصَّلَاة كَمَا وضع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَده على رَأس ابْن عَبَّاس وفتل أُذُنه وأداره إِلَى يَمِينه فترجم البُخَارِيّ بِمَا ذكره مستنبطا مِنْهُ فِي استعانة الْمُصَلِّي بِمَا يتقوى بِهِ على صلَاته وَقيد بقوله " إِذا كَانَ من أَمر الصَّلَاة " لِأَنَّهُ إِذا اسْتَعَانَ بهَا فِي غير أَمر الصَّلَاة يكون عَبَثا والعبث فِي الصَّلَاة مَكْرُوه (وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا يَسْتَعِين الرجل فِي صلَاته بِمَا شَاءَ من جسده) قيل لَا مُطَابقَة بَين هَذَا الْأَثر والأثرين اللَّذين بعده وَبَين التَّرْجَمَة لِأَنَّهُ قيد التَّرْجَمَة بقوله إِذا كَانَ من أَمر الصَّلَاة والْآثَار مُطلقَة (وَأجِيب) بِأَنَّهُ وَإِن كَانَت الْآثَار مُطلقَة فَهِيَ مُقَيّدَة فِي نفس الْأَمر مَعْلُوم ذَلِك من الْخَارِج لِأَن الْعَمَل بإطلاقها يُؤَدِّي إِلَى جَوَاز الْعَبَث وَهُوَ غير مُرَاد لأحد (فَإِن قلت) التَّرْجَمَة مُقَيّدَة بِالْيَدِ وآثر ابْن عَبَّاس بالجسد وَالْيَد جُزْء مِنْهُ (قلت) إِذا جَازَت الِاسْتِعَانَة بِالْيَدِ لأجل أَمر الصَّلَاة فَكَذَلِك جَازَت بِمَا شَاءَ من جسده قِيَاسا عَلَيْهَا (وَوضع أَبُو إِسْحَاق قلنسوته فِي الصَّلَاة ورفعها) أَبُو إِسْحَق هُوَ عَمْرو بن عبد الله السبيعِي الْكُوفِي من كبار التَّابِعين قَالَ الْعجلِيّ كُوفِي تَابِعِيّ ثِقَة سمع ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ من(7/265)
أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَاتَ سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة وَهُوَ ابْن سِتّ وَتِسْعين سنة وَهُوَ مَعْدُود من جملَة مَشَايِخ أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَوضع القلنسوة ورفعها لَا يكون إِلَّا بِالْيَدِ وَهَكَذَا هُوَ فِي نُسْخَة وَفِي نُسْخَة أُخْرَى أَو رَفعهَا بِكَلِمَة أَو قَالَ ابْن قرقول أَو رَفعهَا لعبدوس والقابسي على الشَّك وَعند النَّسَفِيّ وَأبي ذَر والأصيلي " ورفعها " من غير شكّ وَهُوَ الصَّوَاب (وَوضع عَليّ رَضِي الله عَنهُ كَفه على رصغه الْأَيْسَر إِلَّا أَن يحك جلدا أَو يصلح ثوبا) قَالَ ابْن التِّين كَذَا وَقع فِي البُخَارِيّ بالصَّاد يَعْنِي لفظ رصغه وَقَالَ خَلِيل هُوَ لُغَة فِي الرسغ وَقَالَ غَيره صَوَابه بِالسِّين وَهُوَ حد مفصل الْكَفّ فِي الذِّرَاع والقدم من السَّاق وَفِي الْمُحكم الرسغ مُجْتَمع السَّاقَيْن والقدمين وَقيل هُوَ مفصل مَا بَين الساعد والكف والساق والقدم وَكَذَلِكَ هُوَ من كل دَابَّة وَالْجمع أرساغ قَوْله " إِلَّا أَن يحك " إِلَى آخِره من كَلَام عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَا من كَلَام البُخَارِيّ من التَّرْجَمَة للبعد بَينهمَا وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي مستخرجه هُوَ من التَّرْجَمَة وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن ابْن أبي شيبَة أخرجه فِي مُصَنفه عَنهُ بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا أَن يصلح ثَوْبه أَو يحك جسده وَقَالَ بَعضهم وَصرح بِكَوْنِهِ من كَلَام البُخَارِيّ لَا من كَلَام عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْعَلامَة عَلَاء الدّين مغلطاي فِي شَرحه وَتَبعهُ من أَخذ ذَلِك عَنهُ مِمَّن أدركناه وَهُوَ وهم (قلت) هَذَا الْقَائِل هُوَ الَّذِي وهم فَإِن مغلطاي مَا قَالَ ذَلِك من عِنْده وَإِنَّمَا نَقله عَن الْإِسْمَاعِيلِيّ فَانْظُر فِي شَرحه ترَاهُ قَالَ قَالَه الْإِسْمَاعِيلِيّ وَقَالَ ابْن بطال اخْتلف السّلف فِي الِاعْتِمَاد فِي الصَّلَاة والتوكؤ على الشَّيْء فَقَالَت طَائِفَة لَا بَأْس أَن يَسْتَعِين فِي الصَّلَاة بِمَا شَاءَ من جسده وَغَيره وَذكره ابْن أبي شيبَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنه كَانَ يتَوَكَّأ على عصى وَعَن أبي ذَر مثله وَقَالَ عَطاء كَانَ أَصْحَاب مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يتوكئون على العصي فِي الصَّلَاة وأوتد عَمْرو بن مَيْمُون وتدا إِلَى الْحَائِط فَكَانَ إِذا سئم الْقيام فِي الصَّلَاة أَو شقّ عَلَيْهِ أمسك بالوتد يعْتَمد عَلَيْهِ وَقَالَ الشّعبِيّ لَا بَأْس أَن يعْتَمد على الْحَائِط وَكره ذَلِك غَيرهم وَعَن الْحسن أَنه كره أَن يعْتَمد على الْحَائِط فِي الْمَكْتُوبَة إِلَّا من عِلّة وَلم ير بِهِ بَأْسا فِي النَّافِلَة وَقَالَ مَالك وَكَرِهَهُ ابْن سِيرِين فِي الْفَرِيضَة والتطوع وَقَالَ مُجَاهِد إِذا توكأ على الْحَائِط ينقص من صلَاته قدر ذَلِك قَالَ وَالْعَمَل فِي الصَّلَاة على ثَلَاثَة أضْرب يسير جدا كالغمز وحك الْجَسَد وَالْإِشَارَة فَهَذَا لَا ينقص عمده وَلَا سَهْوه وَكَذَلِكَ التخطي إِلَى الفرجة الْقَرِيبَة. الثَّانِي أَكثر من هَذَا يبطل عمده دون سَهْوه كالانصراف من الصَّلَاة. الثَّالِث الْمَشْي الْكثير وَالْخُرُوج من الْمَسْجِد فَهَذَا يبطل الصَّلَاة عمده وسهوه وَفِي مُسْند أَحْمد " عَن ابْن عمر نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يجلس الرجل فِي الصَّلَاة وَهُوَ مُعْتَمد على يَده " وَعند أبي دَاوُد " رأى رجل يتكىء على يَده الْيُسْرَى وَهُوَ قَاعد فِي الصَّلَاة فَقَالَ لَا تجْلِس هَكَذَا فَإِن هَكَذَا يجلس الَّذين يُعَذبُونَ " وَفِي رِوَايَة " تِلْكَ صَلَاة المغضوب عَلَيْهِم " وَقَالَ أَبُو دَاوُد حَدثنَا عبد السَّلَام بن عبد الرَّحْمَن الوابصي حَدثنَا أبي عَن شَيبَان عَن حُصَيْن " عَن هِلَال بن يسَاف قَالَ قدمت الرقة فَقَالَ لي بعض أَصْحَابِي هَل لَك من رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ قلت عتيمة فدفعنا إِلَى وابصة فَقلت لصاحبي نبدأ فَنَنْظُر إِلَى دله فَإِذا عَلَيْهِ قلنسوة لَا طليبة ذَات أذنين وبرنس خَز أغبر وَإِذا هُوَ مُعْتَمد على عصى فِي صلَاته فَقُلْنَا بعد أَن سلمنَا فَقَالَ حَدَّثتنِي أم قيس بنت محص أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما أسن وَحمل اللَّحْم اتخذ عمودا فِي مُصَلَّاهُ يعْتَمد عَلَيْهِ " (قلت) وابصة بن معبد بن عتبَة بن الْحَارِث قَوْله " إِلَى دله " بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام وَهُوَ السمت والهيئة الَّتِي يكون عَلَيْهَا الْإِنْسَان من السكينَة وَالْوَقار وَحسن السِّيرَة والطريقة واستقامة المنظر وَبِهَذَا الحَدِيث قَالَ أَصْحَابنَا أَن الضَّعِيف أَو الشَّيْخ الْكَبِير إِذا كَانَ قَادِرًا على الْقيام مُتكئا على شَيْء يُصَلِّي قَائِما مُتكئا وَلَا يقْعد وَفِي الْخُلَاصَة وَلَا يجوز غير ذَلِك وَكَذَا لَو قدر على أَن يعْتَمد على عصى أَو كَانَ لَهُ خَادِمًا لَو اتكأ عَلَيْهِ قدر على الْقيام فَإِنَّهُ يقوم ويتكىء وَلَو صلى مُعْتَمدًا على العصى من غير عِلّة هَل تكره أم لَا فَقيل تكره مُطلقًا وَقيل لَا تكره فِي التَّطَوُّع
220 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك عَن مخرمَة بن سُلَيْمَان عَن كريب مولى ابْن عَبَّاس أَنه أخبرهُ عَن عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه بَات عِنْد مَيْمُونَة أم الْمُؤمنِينَ(7/266)
رَضِي الله عَنْهَا وَهِي خَالَته قَالَ فاضطجعت على عرض الوسادة واضطجع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَهله فِي طولهَا فَنَامَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى انتصف اللَّيْل أَو قبله بِقَلِيل أَو بعده بِقَلِيل ثمَّ اسْتَيْقَظَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَجَلَسَ يمسح النّوم عَن وَجهه بيدَيْهِ ثمَّ قَرَأَ الْعشْر آيَات خَوَاتِيم سُورَة آل عمرَان ثمَّ قَامَ إِلَى شن معلقَة فَتَوَضَّأ مِنْهَا فَأحْسن وضوأه ثمَّ قَامَ يُصَلِّي. قَالَ عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فصنعت مثل مَا صنع ثمَّ ذهبت فَقُمْت إِلَى جنبه فَوضع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَده الْيُمْنَى على رَأْسِي وَأخذ بأذني الْيُمْنَى يفتلها بِيَدِهِ فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أوتر ثمَّ اضْطجع حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذّن فَقَامَ فصلى رَكْعَتَيْنِ خفيفتين ثمَّ خرج فصلى الصُّبْح) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " وَأخذ بأذني الْيُمْنَى " وَذَلِكَ لإدارته من الْجَانِب الْأَيْسَر إِلَى الْجَانِب الْأَيْمن وَذَلِكَ من مصلحَة الصَّلَاة وَقد ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي اثنى عشر موضعا أَولهَا عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس فِي بَاب قِرَاءَة الْقُرْآن بعد الْحَدث وَغَيره فِي كتاب الْوضُوء وَقد تكلمنا هُنَاكَ على جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ
(بَاب مَا ينْهَى من الْكَلَام فِي الصَّلَاة)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا ينْهَى من الْكَلَام فِي الصَّلَاة وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ والكشميهني بَاب مَا ينْهَى عَنهُ من الْكَلَام
221 - (حَدثنَا ابْن نمير قَالَ حَدثنَا ابْن فُضَيْل قَالَ حَدثنَا الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ كُنَّا نسلم على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَيرد علينا فَلَمَّا رَجعْنَا من عِنْد النَّجَاشِيّ سلمنَا عَلَيْهِ فَلم يرد علينا وَقَالَ إِن فِي الصَّلَاة شغلا) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَلم يرد علينا " إِلَى آخِره. (ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة. الأول مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير بِضَم النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء أَبُو عبد الرَّحْمَن الْهَمدَانِي رَيْحَانَة الْعرَاق مَاتَ سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي مُحَمَّد بن فُضَيْل بِضَم الْفَاء وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة مر فِي بَاب صَوْم رَمَضَان من كتاب الْإِيمَان. الثَّالِث سُلَيْمَان الْأَعْمَش وَقد تكَرر ذكره. الرَّابِع إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ. الْخَامِس عَلْقَمَة بن قيس. السَّادِس عبد الله بن مَسْعُود (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن رجال إِسْنَاده كلهم كوفيون وَفِيه أَنه ذكر شَيْخه بنسبته إِلَى جده لِأَن اسْم أَبِيه عبد الله كَمَا ذكرنَا الْآن وَقد تكلّف الْكرْمَانِي فِي هَذَا فَقَالَ مَا حَاصله أَنه ذكره فِي بَاب إتْيَان مَسْجِد قبَاء أَنه عبد الله لَا مُحَمَّد فَكيف يفرق بَينهمَا ثمَّ قَالَ يحصل الْفرق بِذكر شيوخهما وَمَعْرِفَة طبقتهما وتاريخ وفاتهما وَلَعَلَّ غَرَض البُخَارِيّ فِي مثل هَذَا الْإِبْهَام التَّرْغِيب فِي معرفَة طَبَقَات الرِّجَال وامتحان استحضارهم وَنَحْو ذَلِك انْتهى (قلت) الْمَذْكُور فِي بَاب إتْيَان مَسْجِد قبَاء ابْن نمير فَقَط وَكَذَلِكَ فِي هَذَا الْبَاب الْمَذْكُور ابْن نمير فِي موضِعين وَالْكل وَاحِد غير أَنه تَارَة ينْسب إِلَى أَبِيه وَتارَة إِلَى جده وَفِيه أَن الْمَذْكُور من الرِّجَال اثْنَان بِابْن فلَان أَحدهمَا مَنْسُوب إِلَى جده وَالْآخر مَنْسُوب إِلَى أَبِيه وَفِيه وَاحِد مَذْكُور بلقبه وَثَلَاثَة مذكورون بِلَا نِسْبَة. (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي هِجْرَة الْحَبَشَة عَن يحيى بن حَمَّاد عَن أبي عوَانَة وَفِي الصَّلَاة عَن عبد الله بن أبي شيبَة وَعَن ابْن نمير عَن إِسْحَق بن مَنْصُور عَن هريم بن سُفْيَان وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر وَابْن نمير وَأبي سعيد الْأَشَج أربعتهم عَن ابْن فُضَيْل بِهِ وَعَن ابْن نمير عَن(7/267)
إِسْحَاق بن مَنْصُور بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن ابْن نمير عَن فُضَيْل بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن حميد بن مسْعدَة عَن بشر بن الْمفضل عَن شُعْبَة عَنهُ بِهِ (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " كُنَّا نسلم على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ فِي الصَّلَاة " وَفِي رِوَايَة أبي وَائِل " كُنَّا نسلم فِي الصَّلَاة ونأمر بحاجاتنا " وَفِي رِوَايَة أبي الْأَحْوَص " خرجت فِي حَاجَة وَنحن يسلم بَعْضنَا على بعض فِي الصَّلَاة " قَوْله " وَهُوَ فِي الصَّلَاة " جملَة حَالية قَوْله " فَيرد علينا " أَي يرد السَّلَام علينا وَهُوَ فِي الصَّلَاة قَوْله " فَلَمَّا رَجعْنَا من عِنْد النَّجَاشِيّ بِفَتْح النُّون وَقيل بِكَسْرِهَا وكل من ملك الْحَبَشَة يُسمى النَّجَاشِيّ كَمَا يُسمى كل من ملك الرّوم قيصرا وكل من ملك الْفرس يُسمى كسْرَى وكل من ملك التّرْك يُسمى خافانا وكل من ملك الْهِنْد يُسمى بطلميوسا وكل من ملك الْيمن يُسمى تبعا وَقَالَ ابْن إِسْحَاق لما احْتمل الْمُسلمُونَ من أَذَى الْكفَّار وَاشْتَدَّ ذَلِك عَلَيْهِم قصد بَعضهم الْهِجْرَة فِرَارًا بدينهم من الْفِتْنَة قَالَ وَلما رأى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا يُصِيب أَصْحَابه من الْبلَاء وَمَا هُوَ فِيهِ من الْعَافِيَة بمكانه من الله تَعَالَى وَمن عَمه أبي طَالب وَأَنه لَا يقدر على أَن يمنعهُم مِمَّا هم فِيهِ من الْبلَاء قَالَ لَهُم لَو خَرجْتُمْ إِلَى أَرض الْحَبَشَة فَإِن بهَا ملكا لَا يظلم عِنْده أحد وَهِي أَرض صدق حَتَّى يَجْعَل الله لكم فرجا مِمَّا أَنْتُم فِيهِ فَخرج عِنْد ذَلِك الْمُسلمُونَ من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى أَرض الْحَبَشَة مَخَافَة الْفِتْنَة وفرارا إِلَى الله تَعَالَى بدينهم فَكَانَت أول هِجْرَة فِي الْإِسْلَام وَقَالَ الْوَاقِدِيّ كَانَت هجرتهم إِلَى الْحَبَشَة فِي رَجَب سنة خمس من النُّبُوَّة وَأَن أول من هَاجر مِنْهُم أحد عشر رجلا وَأَرْبع نسْوَة وَأَنَّهُمْ انْتَهوا إِلَى الْبَحْر مَا بَين ماش وراكب فاستأجروا سفينة بِنصْف دِينَار إِلَى الْحَبَشَة وهم عُثْمَان بن عَفَّان وَامْرَأَته رقية بنت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبُو حُذَيْفَة بن عتبَة وَامْرَأَته سهلة بنت سُهَيْل وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَمصْعَب بن عُمَيْر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَأَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد وَامْرَأَته أم سَلمَة بنت أبي أُميَّة وَعُثْمَان بن مَظْعُون وعامر بن ربيعَة الْعَنزي وَامْرَأَته ليلى بنت أبي حثْمَة وَأَبُو سُبْرَة بن أبي دِرْهَم وحاطب بن عَمْرو وَسُهيْل بن بَيْضَاء وَعبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَقَالَ ابْن جرير وَقَالَ الْآخرُونَ كَانُوا اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ رجلا سوى نِسَائِهِم وَأَبْنَائِهِمْ وعمار بن يَاسر يشك فِيهِ فَإِن كَانَ فيهم فقد كَانُوا ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ رجلا وَلما رجعُوا من عِنْد النَّجَاشِيّ كَانَ رجوعهم من عِنْده إِلَى مَكَّة وَذَلِكَ أَن الْمُسلمين الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ أَنهم هَاجرُوا إِلَى الْحَبَشَة بَلغهُمْ أَن الْمُشْركين أَسْلمُوا فَرَجَعُوا إِلَى مَكَّة فوجدوا الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك وَاشْتَدَّ الْأَذَى عَلَيْهِم فَخَرجُوا إِلَيْهَا أَيْضا فَكَانُوا فِي الْمرة الثَّانِيَة أَضْعَاف الأولى وَكَانَ ابْن مَسْعُود مَعَ الْفَرِيقَيْنِ وَاخْتلف فِي مُرَاده بقوله فَلَمَّا رَجعْنَا هَل أَرَادَ الرُّجُوع الأول أَو الثَّانِي فمالت جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ إِلَى الأول وَقَالُوا تَحْرِيم الْكَلَام كَانَ بِمَكَّة وحملوا حَدِيث زيد بن أَرقم على أَنه وَقَومه لم يبلغهم النّسخ وَقَالُوا لَا مَانع من أَن يتَقَدَّم الحكم ثمَّ تنزل الْآيَة بوفقه ومالت طَائِفَة إِلَى التَّرْجِيح فَقَالُوا بترجيح حَدِيث ابْن مَسْعُود فَإِنَّهُ حكى لفظ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِخِلَاف زيد فَلم يحكه وَقَالَت طَائِفَة إِنَّمَا أَرَادَ ابْن مَسْعُود رُجُوعه الثَّانِي وَقد ورد أَنه قدم الْمَدِينَة وَالنَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يتجهز إِلَى بدر وروى الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من طَرِيق أبي إِسْحَاق عَن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود قَالَ بعثنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى النَّجَاشِيّ ثَمَانِينَ رجلا فَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ وَفِي آخِره " فتعجل عبد الله بن مَسْعُود فَشهد بَدْرًا " وَقَالَ ابْن إِسْحَق إِن الْمُؤمنِينَ وهم بِالْحَبَشَةِ لما بَلغهُمْ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَاجر إِلَى الْمَدِينَة رَجَعَ مِنْهُم إِلَى مَكَّة ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ رجلا فَمَاتَ مِنْهُم رجلَانِ بِمَكَّة وَحبس بهَا مِنْهُم سَبْعَة وَتوجه إِلَى الْمَدِينَة أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ رجلا فَشَهِدُوا بَدْرًا فَبَان من ذَلِك أَن ابْن مَسْعُود كَانَ من هَؤُلَاءِ وَأَن اجْتِمَاعهم بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ بِالْمَدِينَةِ قَوْله " شغلا " بِضَم الشين والغين وبسكون الْغَيْن والتنوين فِيهِ للتنويع أَي نوعا من الشّغل لَا يَلِيق مَعَه الِاشْتِغَال بِغَيْرِهِ قَالَه الْكرْمَانِي وَيجوز أَن يكون للتعظيم أَي شغلا عَظِيما وَهُوَ اشْتِغَال بِاللَّه تَعَالَى دون غَيره فِي مثل هَذِه الْحَالة (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ دلَالَة على أَن الْكَلَام كَانَ مُبَاحا فِي الصَّلَاة ثمَّ حرم وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث زيد بن أَرقم الْآتِي ذكره وَاخْتلفُوا مَتى حرم فَقَالَ قوم بِمَكَّة وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيث ابْن مَسْعُود ورجوعه من عِنْد النَّجَاشِيّ إِلَى مَكَّة وَقَالَ آخَرُونَ بِالْمَدِينَةِ بِدَلِيل حَدِيث زيد بن أَرقم فَإِنَّهُ من الْأَنْصَار أسلم بِالْمَدِينَةِ وَسورَة الْبَقَرَة مَدَنِيَّة وَقَالُوا ابْن مَسْعُود لما عَاد إِلَى مَكَّة من(7/268)
الْحَبَشَة رَجَعَ إِلَى النَّجَاشِيّ إِلَى الْحَبَشَة فِي الْهِجْرَة الثَّانِيَة ثمَّ ورد على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يتجهز لبدر وَقَالَ الْخطابِيّ إِنَّمَا نسخ الْكَلَام بعد الْهِجْرَة بِمدَّة يسيرَة وَأجَاب الْأَولونَ بِأَنَّهُ قَالَ فَلَمَّا رَجعْنَا من عِنْد النَّجَاشِيّ وَلم يقل فِي الْمرة الثَّانِيَة وحملوا حَدِيث زيد على أَنه إِخْبَار عَن الصَّحَابَة الْمُتَقَدِّمين كَمَا يَقُول الْقَائِل قتلناكم وهزمناكم يعنون الْآبَاء والأجداد ورد قَول الْخطابِيّ بتعذر التَّارِيخ وَفِيه نظر لِأَن فِي حَدِيث جَابر الَّذِي رَوَاهُ مُسلم " بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَاجَة ثمَّ أَدْرَكته وَهُوَ يُصَلِّي فَسلمت عَلَيْهِ فَأَشَارَ إِلَيّ فَلَمَّا فرغ قَالَ إِنَّك سلمت آنِفا وَأَنا أُصَلِّي فَهُوَ الَّذِي مَنَعَنِي أَن أُكَلِّمك " وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَفِي لفظ " كَانَ ذَلِك وَهُوَ منطلق إِلَى بني المصطلق " وَهَذَا يرد أَيْضا مَا قَالَه ابْن حبَان من قَوْله توهم من لم يحكم صناعَة الْعلم أَن نسخ الْكَلَام فِي الصَّلَاة كَانَ بِالْمَدِينَةِ لحَدِيث زيد بن أَرقم وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْكَلَام فِي الصَّلَاة كَانَ مُبَاحا إِلَى أَن رَجَعَ ابْن مَسْعُود وَأَصْحَابه من عِنْد النَّجَاشِيّ فوجدوا إِبَاحَة الْكَلَام قد نسخت وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ مُصعب بن عُمَيْر يقري الْمُسلمين ويفقههم وَكَانَ الْكَلَام بِالْمَدِينَةِ مُبَاحا كَمَا كَانَ فِي مَكَّة فَلَمَّا نسخ ذَلِك بِمَكَّة تَركه النَّاس بِالْمَدِينَةِ فَحكى زيد ذَلِك الْفِعْل لَا أَن نسخ الْكَلَام كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَقَالَ ابْن حبَان فِي مَوضِع آخر بِأَن زيد بن أَرقم أَرَادَ بقوله " كُنَّا نتكلم " من كَانَ يُصَلِّي خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمَكَّة من الْمُسلمين ورد هَذَا أَيْضا بِأَنَّهُم مَا كَانُوا بِمَكَّة يَجْتَمعُونَ إِلَّا نَادرا وَبِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي أُمَامَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ " كَانَ الرجل إِذا دخل الْمَسْجِد فَوَجَدَهُمْ يصلونَ سَأَلَ الَّذِي إِلَى جنبه فيخبره بِمَا فَاتَهُ فَيَقْضِي ثمَّ يدْخل مَعَهم حَتَّى جَاءَ معَاذ يَوْمًا فَدخل فِي الصَّلَاة " فَذكر الحَدِيث وَهَذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ قطعا لِأَن أَبَا أُمَامَة ومعاذ بن جبل إِنَّمَا أسلما بِالْمَدِينَةِ (فَإِن قلت) فِي حَدِيث جَابر الْمَذْكُور إِشْكَال على قَول أبي حنيفَة حَيْثُ قَالَ الْمُصَلِّي إِذا سلم عَلَيْهِ لَا يرد بِلَفْظ وَلَا بِإِشَارَة (قلت) حَدِيث جَابر رُوِيَ بِوُجُوه مُخْتَلفَة. مِنْهَا مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ حَدثنَا أَحْمد بن دَاوُد قَالَ حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم قَالَ حَدثنَا هِشَام بن أبي عبد الله قَالَ حَدثنَا أَبُو الزبير " عَن جَابر قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي سفر فَبَعَثَنِي فِي حَاجَة فَانْطَلَقت إِلَيْهَا ثمَّ رجعت إِلَيْهِ وَهُوَ على رَاحِلَته فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ ورأيته يرْكَع وَيسْجد فَلَمَّا سلم رد عَليّ " فَهَذَا جَابر بن عبد الله يخبر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يرد عَلَيْهِ وَأَنه لما فرغ من صلَاته رد عَلَيْهِ وروى أَيْضا مرّة عَن أبي بكرَة عَن أبي دَاوُد عَن هِشَام فَذكر بِإِسْنَادِهِ مثله غير أَنه لم يقل فَلم يرد عَليّ وَقَالَ " فَلَمَّا فرغ من صلَاته قَالَ أما إِنَّه لم يَمْنعنِي أَن أرد عَلَيْك إِلَّا أَنِّي كنت أُصَلِّي " فَأَخْبرنِي هَذَا أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يرد عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة فَدلَّ ذَلِك على أَن تِلْكَ الْإِشَارَة الَّتِي كَانَت مِنْهُ فِي الصَّلَاة لم تكن ردا وَإِنَّمَا كَانَت نهيا (فَإِن قلت) روى الطَّحَاوِيّ أَيْضا عَن جَابر من رِوَايَة الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان قَالَ سَمِعت جَابِرا يَقُول مَا أحب أَن أسلم على الرجل وَهُوَ يُصَلِّي وَلَو سلم عَليّ لرددت عَلَيْهِ (قلت) هُوَ كره أَن يسلم على الْمُصَلِّي وَقد كَانَ سلم على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يُصَلِّي فَأَشَارَ إِلَيْهِ فَلَو كَانَت الْإِشَارَة الَّتِي كَانَت من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رد السَّلَام عَلَيْهِ إِذا لما كره ذَلِك لِأَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يَنْهَهُ عَنهُ وَلكنه إِنَّمَا كره ذَلِك لِأَن إِشَارَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تِلْكَ كَانَت عِنْده نهيا لَهُ عَن السَّلَام عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي (فَإِن قلت) قد قَالَ وَلَو سلم عَليّ لرددت (قلت) لَهُ أفقال جَابر لرددت فِي الصَّلَاة قد يجوز أَن يكون أَرَادَ بقوله " لرددت " أَي بعد فراغي من الصَّلَاة قَالَ الطَّحَاوِيّ وَقد دلّ على ذَلِك من مذْهبه مَا حَدثنَا عَليّ بن زيد قَالَ حَدثنَا مُوسَى بن دَاوُد قَالَ حَدثنَا همام قَالَ سَأَلَ سُلَيْمَان بن مُوسَى عَطاء أسألت جَابِرا عَن الرجل يسلم عَلَيْك وَأَنت تصلي فَقَالَ لَا ترد عَلَيْهِ حَتَّى تقضي صَلَاتك فَقَالَ نعم ثمَّ الْأَئِمَّة اخْتلفُوا فِي هَذَا الْبَاب فَقَالَ قوم مِنْهُم يرد السَّلَام نطقا وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن أبي هُرَيْرَة وَجَابِر وَالْحسن وَسَعِيد بن الْمسيب وَقَتَادَة وَإِسْحَاق وَمِنْهُم من قَالَ يسْتَحبّ رده بِالْإِشَارَةِ وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَقيل يرد فِي نَفسه روى ذَلِك عَن أبي حنيفَة أَيْضا وَقَالَ قوم يرد بعد السَّلَام وَهُوَ قَول عَطاء وَالثَّوْري وَالنَّخَعِيّ وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن أبي ذَر وَأبي الْعَالِيَة وَبِه قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يرد لَا فِي الْحَال وَلَا بعد الْفَرَاغ وَقَالَت طَائِفَة من الظَّاهِرِيَّة إِذا كَانَت الْإِشَارَة مفهمة قطعت عَلَيْهِ صلَاته لما رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " التَّسْبِيح للرِّجَال والتصفيق(7/269)
للنِّسَاء وَمن أَشَارَ فِي صلَاته إِشَارَة تفهم مِنْهُ ليعدها " رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا وَلَفظه " فليعدلها " ثمَّ قَالَ وَهَذَا الحَدِيث وهم وَقَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن هانىء سُئِلَ أَحْمد عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ لَا يثبت إِسْنَاده لَيْسَ بِشَيْء وَأعله ابْن الْجَوْزِيّ بِابْن إِسْحَاق فِي سَنَده وَقَالَ أَبُو غطفان مَجْهُول وَهُوَ فِي إِسْنَاده أَيْضا قَالَ صَاحب التَّحْقِيق أَبُو غطفان هُوَ ابْن طريف وَيُقَال ابْن مَالك المري قَالَ عَبَّاس الدوري سَمِعت ابْن معِين يَقُول فِيهِ ثِقَة وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي الكنى أَبُو غطفان ثِقَة قيل اسْمه سعد وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات وَأخرج لَهُ مُسلم فِي صَحِيحه فَحِينَئِذٍ يكون إِسْنَاد الحَدِيث صَحِيحا وَأَبُو دَاوُد لم يبين كَيْفيَّة الْوَهم فَلَا يَبْنِي عَلَيْهِ شَيْء فَإِن كَانَ قَول أبي دَاوُد من جِهَة أبي غطفان فقد بَينا حَاله وتعليل ابْن الْجَوْزِيّ بِابْن إِسْحَق لَيْسَ بِشَيْء لِأَن ابْن إِسْحَاق من الثِّقَات الْكِبَار عِنْد الْجُمْهُور
222 - (حَدثنَا ابْن نمير قَالَ حَدثنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور قَالَ حَدثنَا هريم بن سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَحوه) هَذَا طَرِيق آخر للْحَدِيث الْمَذْكُور وَابْن نمير هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير الْمَذْكُور فِي الحَدِيث الأول وَإِسْحَاق بن مَنْصُور السَّلُولي بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَضم اللَّام الأولى نِسْبَة إِلَى سلول قَبيلَة من هوَازن وهريم بِضَم الْهَاء وَفتح الرَّاء مصغر هرم بن سُفْيَان البَجلِيّ أَبُو مُحَمَّد وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان بن مهْرَان وَإِبْرَاهِيم بن يزِيد النَّخعِيّ وعلقمة بن قيس وَرِجَال الْإِسْنَاد كلهم كوفيون قَوْله " نَحوه " أَي نَحْو طَرِيق مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن الْأَعْمَش إِلَى آخِره وَأخرجه مُسلم أَيْضا بالطريقين أَحدهمَا من طَرِيق ابْن فُضَيْل عَن الْأَعْمَش وَالْآخر عَن ابْن نمير عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور السَّلُولي وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق أبي وَائِل عَن ابْن مَسْعُود فَقَالَ أَبُو دَاوُد حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا أبان حَدثنَا عَاصِم عَن أبي وَائِل " عَن عبد الله قَالَ كُنَّا نسلم فِي الصَّلَاة ونأمر بحاجتنا فَقدمت على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يُصَلِّي فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ السَّلَام فأخذني مَا قدم وَحدث فَلَمَّا قضى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إِن الله تَعَالَى يحدث من أمره مَا يَشَاء وَإِن الله قد أحدث من أمره أَن لَا تكلمُوا فِي الصَّلَاة فَرد عَليّ السَّلَام " وَأخرجه الطَّحَاوِيّ وَابْن مَاجَه من طَرِيق أبي الْأَحْوَص عَنهُ فَقَالَ الطَّحَاوِيّ حَدثنَا عَليّ بن شيبَة قَالَ حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى قَالَ حَدثنَا إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي الْأَحْوَص " عَن عبد الله قَالَ خرجت فِي حَاجَة وَنحن يسلم بَعْضنَا على بعض فِي الصَّلَاة فَلَمَّا رجعت فَسلمت فَلم يرد عَليّ وَقَالَ إِن فِي الصَّلَاة شغلا " وَقَالَ ابْن مَاجَه حَدثنَا أَحْمد بن سعيد الدَّارمِيّ حَدثنَا النَّضر بن شُمَيْل حَدثنَا يُونُس بن أبي إِسْحَاق عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي الْأَحْوَص " عَن عبد الله قَالَ كُنَّا نسلم فِي الصَّلَاة فَقيل لنا إِن فِي الصَّلَاة شغلا " وَأَبُو وَائِل شَقِيق ابْن سَلمَة وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي وَأَبُو الْأَحْوَص عَوْف بن مَالك
223 - (حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى قَالَ أخبرنَا عِيسَى هُوَ ابْن يُونُس عَن إِسْمَاعِيل عَن الْحَارِث بن شبيل عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ قَالَ قَالَ لي زيد بن أَرقم إِن كُنَّا لنتكلم فِي الصَّلَاة على عهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يكلم أَحَدنَا صَاحبه بحاجته حَتَّى نزلت {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَقومُوا لله قَانِتِينَ} فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ " وَالْأَمر بِالسُّكُوتِ نهي عَن الْكَلَام. (ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة. الأول إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد بن زادان التَّمِيمِي الْفراء أَبُو إِسْحَق مر فِي الْحيض. الثَّانِي عِيسَى بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي مر فِي بَاب من صلى بِالنَّاسِ وَذكر حَاجَة. الثَّالِث إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد الأحمسي البَجلِيّ وَاسم أبي خَالِد سعد وَيُقَال هُرْمُز مر فِي الْإِيمَان. الرَّابِع الْحَارِث بن شبيل بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وباللام البَجلِيّ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الحَدِيث. الْخَامِس أَبُو عَمْرو بِفَتْح الْعين الشَّيْبَانِيّ واسْمه سعيد بن إِيَاس مر فِي بَاب(7/270)
فضل الصَّلَاة لوَقْتهَا. السَّادِس زيد بن أَرقم بِفَتْح الْهمزَة وَالْقَاف وَسُكُون الرَّاء الْأنْصَارِيّ الخزرجي مَاتَ سنة ثَمَان وَسِتِّينَ (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن شَيْخه رازي والبقية كوفيون وَفِيه أحد الروَاة مُفَسّر بنسبته إِلَى أَبِيه وَالْآخر مَذْكُور بِلَا نِسْبَة وَالْآخر مَذْكُور بِالْكِتَابَةِ. (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عِيسَى وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن منيع وَفِي التَّفْسِير أَيْضا كَذَلِك وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود وَفِي التَّفْسِير عَن سُوَيْد بن نصر (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ " لَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن زيد بن أَرقم غير هَذَا الحَدِيث قَوْله " إِن كُنَّا لنتكلم " كلمة إِن مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة وَاللَّام فِي " لنتكلم " للتَّأْكِيد قَوْله " يكلم أَحَدنَا " جملَة استئنافية كَأَنَّهَا جَوَاب عَن قَول الْقَائِل كَيفَ كُنْتُم تتكلمون فَقَالَ يكلم أَحَدنَا صَاحبه بحاجته وَفِي لفظ " وَيسلم بَعْضنَا على بعض " وَعند مُسلم " ونهينا عَن الْكَلَام " وَلَفظ التِّرْمِذِيّ " كُنَّا نتكلم خلف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الصَّلَاة يكلم الرجل منا صَاحبه إِلَى جنبه حَتَّى نزلت {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} قَالَ فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ ونهينا عَن الْكَلَام " قَوْله {حَافظُوا} أَي واظبوا وداوموا قَوْله {الْوُسْطَى} أَي الفضلى من قَوْلهم الْأَفْضَل الْأَوْسَط وَلذَلِك أفردت وعطفت على الصَّلَوَات لانفرادها بِالْفَضْلِ فالصفة بالوسطى أَي الفضلى وَارِدَة للإشعار بعلية الحكم قَوْله {قَانِتِينَ} نصب على الْحَال من الضَّمِير الَّذِي فِي {قومُوا} واشتقاقه من الْقُنُوت وَهُوَ يرد لمعان كَثِيرَة بِمَعْنى الطَّاعَة والخشوع وَالصَّلَاة وَالدُّعَاء وَالْعِبَادَة وَالْقِيَام وَطول الْقيام وَقَالَ ابْن بطال الْقُنُوت فِي هَذِه الْآيَة بِمَعْنى الطَّاعَة والخشوع لله تَعَالَى وَلَفظ الرَّاوِي يشْعر بِأَن المُرَاد بِهِ السُّكُوت لِأَن حمله على مَا يشْعر بِهِ كَلَام الرَّاوِي أولى وأرجح لِأَن المشاهدين للوحي والتنزيل يعلمُونَ سَبَب النُّزُول وَقَول الصَّحَابِيّ فِي الْآيَة نزلت فِي كَذَا يتنزل منزلَة الْمسند وَقَالَ عِكْرِمَة كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فنهوا عَنْهَا قَوْله " فَأمرنَا " على صِيغَة الْمَجْهُول وَالْفَاء فِيهِ تشعر بتعليل مَا سبق وَأَيْضًا كلمة حَتَّى الَّتِي فِي قَوْله " حَتَّى نزلت " تشعر بذلك لِأَنَّهَا للغاية (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) وَهُوَ على وُجُوه. فِيهِ الدّلَالَة على أَن الْكَلَام فِي الصَّلَاة كَانَ مُبَاحا فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ نسخ لِأَن الْمُصَلِّي مُنَاد لرَبه عز وَجل فَالْوَاجِب عَلَيْهِ أَن لَا يقطع مناجاته بِكَلَام مَخْلُوق وَأَن يقبل على ربه ويلتزم الْخُشُوع ويعرض عَمَّا سوى ذَلِك وَقد ذكرنَا عَن قريب أَنه مَتى حرم وَالْحُرْمَة بقوله {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} أَي ساكنين على مَا ذكرنَا وَأَرَادَ بقوله " فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ " أَي عَن جَمِيع أَنْوَاع كَلَام الْآدَمِيّين. وَأجْمع الْعلمَاء على أَن الْكَلَام فِي الصَّلَاة عَامِدًا عَالما بِتَحْرِيمِهِ لغير مصلحتها أَو لغير إنقاذ هَالك أَو شبهه مُبْطل للصَّلَاة وَأما الْكَلَام لمصلحتها فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك وَأحمد تبطل الصَّلَاة وَجوزهُ الْأَوْزَاعِيّ وَبَعض أَصْحَاب مَالك وَطَائِفَة قَليلَة واعتبرت الشَّافِعِيَّة ظُهُور حرفين وَإِن لم يَكُونَا مفهمين وَأما النَّاسِي فَلَا تبطل صلَاته بالْكلَام الْقَلِيل عِنْد الشَّافِعِي وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَالْجُمْهُور وَعند أَصْحَابنَا تبطل وَقَالَ النَّوَوِيّ دليلنا حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ فَإِن كثر كَلَام النَّاسِي فَفِيهِ وَجْهَان مشهوران لِأَصْحَابِنَا أصَحهمَا تبطل صلَاته لِأَنَّهُ نَادِر وَأما كَلَام الْجَاهِل إِذا كَانَ قريب عهد بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ ككلام النَّاسِي فَلَا تبطل صلَاته بقليله وَأجَاب بعض أَصْحَابنَا أَن حَدِيث قصَّة ذِي الْيَدَيْنِ مَنْسُوخ بِحَدِيث ابْن مَسْعُود وَزيد بن أَرقم لِأَن ذَا الْيَدَيْنِ قتل يَوْم بدر كَذَا رُوِيَ عَن الزُّهْرِيّ وَإِن قصَّته فِي الصَّلَاة كَانَت قبل بدر وَلَا يمْنَع من هَذَا كَون أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ وَهُوَ مُتَأَخّر الْإِسْلَام عَن بدر لِأَن الصَّحَابِيّ قد يروي مَا لَا يحضرهُ بِأَن يسمعهُ من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو من صَحَابِيّ آخر (فَإِن قلت) قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي بَاب مَا يسْتَدلّ بِهِ على أَنه لَا يجوز أَن يكون حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي تَحْرِيم الْكَلَام نَاسِخا لحَدِيث أبي هُرَيْرَة وَغَيره وَذَلِكَ لتقدم حَدِيث عبد الله وَتَأَخر حَدِيث أبي هُرَيْرَة (قلت) ذكر أَبُو عمر فِي التَّمْهِيد أَن الصَّحِيح فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود أَنه لم يكن إِلَّا بِالْمَدِينَةِ وَبهَا نهى عَن الْكَلَام فِي الصَّلَاة وَقد روى حَدِيثه بِمَا يُوَافق حَدِيث زيد بن أَرقم وصحبة زيد لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَت بِالْمَدِينَةِ وَسورَة الْبَقَرَة مَدَنِيَّة (فَإِن قلت) فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس(7/271)
مَسْعُود الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَاصِم بن بَهْدَلَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ صاحبا الصَّحِيح توقيا رِوَايَته لسوء حفظه (قلت) رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالنَّسَائِيّ فِي سنَنه وَلَيْسَ فِي حَدِيث عَاصِم فَلَمَّا رَجعْنَا من أَرض الْحَبَشَة إِلَى مَكَّة بل يحْتَمل أَن يُرِيد فَلَمَّا رَجعْنَا من أَرض الْحَبَشَة إِلَى الْمَدِينَة ليتفق حَدِيثه مَعَ حَدِيث زيد بن أَرقم وَقَالَ صَاحب الْكَمَال وَغَيره هَاجر ابْن مَسْعُود إِلَى الْحَبَشَة ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة وَلِهَذَا قَالَ الْخطابِيّ إِنَّمَا نسخ الْكَلَام بعد الْهِجْرَة بِمدَّة يسيرَة وَهَذَا يدل على اتِّفَاق حَدِيث ابْن مَسْعُود وَزيد بن أَرقم على أَن التَّحْرِيم كَانَ بِالْمَدِينَةِ (فَإِن قلت) قد ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْمعرفَة عَن الشَّافِعِي أَن فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود أَنه مر على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمَكَّة قَالَ فَوَجَدَهُ يُصَلِّي فِي فنَاء الْكَعْبَة الحَدِيث (قلت) لم يذكر ذَلِك أحد من أهل الحَدِيث غير الشَّافِعِي وَلم يذكر سَنَده لينْظر فِيهِ وَلم يجد لَهُ الْبَيْهَقِيّ سندا مَعَ كَثْرَة تتبعه وانتصاره لمَذْهَب الشَّافِعِي وَذكر الطَّحَاوِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن أَن مهاجرة الْحَبَشَة لم يرجِعوا إِلَّا إِلَى الْمَدِينَة وَأنكر رجوعهم إِلَى دَار قد هَاجرُوا مِنْهَا لأَنهم منعُوا من ذَلِك وَاسْتدلَّ على ذَلِك بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَدِيث سعد " وَلَا تردهم على أَعْقَابهم " (فَإِن قلت) قَالَ الْبَيْهَقِيّ الَّذِي قتل ببدر هُوَ ذُو الشمالين وَأما ذُو الْيَدَيْنِ الَّذِي أخبر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بسهوه فَإِنَّهُ بَقِي بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَذَا ذكره شَيخنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ ثمَّ خرج عَنهُ بِسَنَدِهِ إِلَى معدي بن سُلَيْمَان قَالَ حَدثنِي شُعَيْب بن مطير عَن أَبِيه ومطير حَاضر فَصدقهُ قَالَ شُعَيْب يَا أبتاه أَخْبَرتنِي أَن ذَا الْيَدَيْنِ لقيك بِذِي خشب فأخبرك أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الحَدِيث ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ بعض الروَاة فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة " فَقَالَ ذُو الشمالين يَا رَسُول الله أقصرت الصَّلَاة " وَكَانَ شَيخنَا أَبُو عبد الله يَقُول كل من قَالَ ذَلِك فقد أَخطَأ فَإِن ذَا الشمالين تقدم مَوته وَلم يعقب وَلَيْسَ لَهُ راو (قلت) قَالَ السَّمْعَانِيّ فِي الْأَنْسَاب ذُو الْيَدَيْنِ وَيُقَال لَهُ ذُو الشمالين لِأَنَّهُ كَانَ يعْمل بيدَيْهِ جَمِيعًا وَفِي الْفَاصِل للرامهرمزي ذُو الْيَدَيْنِ وَذُو الشمالين قد قيل أَنَّهُمَا وَاحِد وَقَالَ ابْن حبَان فِي الثِّقَات ذُو الْيَدَيْنِ وَيُقَال لَهُ أَيْضا ذُو الشمالين ابْن عبد عَمْرو بن نَضْلَة الْخُزَاعِيّ حَلِيف بن زهرَة والْحَدِيث الَّذِي اسْتدلَّ بِهِ على بَقَاء ذِي الْيَدَيْنِ بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ضَعِيف لِأَن معدي بن سُلَيْمَان مُتَكَلم فِيهِ قَالَ أَبُو زرْعَة واهي الحَدِيث وَقَالَ ابْن حبَان يروي المقلوبات عَن الثِّقَات والملزوقات عَن الْأَثْبَات لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا انْفَرد وَشُعَيْب مَا عرفنَا حَاله ووالده مطير لم يكْتب حَدِيثه وَقَالَ الذَّهَبِيّ لم يَصح حَدِيثه وَفِيه الْأَمر بالمحافظة على الصَّلَوَات وَالْأَمر للْوُجُوب وروى التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدثنَا مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن الْكُوفِي حَدثنَا زيد بن أَرقم الْحباب أخبرنَا مُعَاوِيَة بن صَالح حَدثنِي سليم بن عَامر قَالَ سَمِعت أَبَا أُمَامَة يَقُول سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب فِي حجَّة الْوَدَاع فَقَالَ اتَّقوا الله وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زَكَاة أَمْوَالكُم وَأَطيعُوا إِذا أَمركُم تدْخلُوا جنَّة ربكُم وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وروى التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول إِن أول مَا يُحَاسب بِهِ العَبْد يَوْم الْقِيَامَة من عمله صلَاته " الحَدِيث. وَفِيه الْأَمر بالمحافظة على الصَّلَاة الْوُسْطَى وَذكر الْعلمَاء فِيهِ عشْرين قولا الأول أَن الصَّلَاة الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْر وَهُوَ قَول أبي هُرَيْرَة وَعلي بن أبي طَالب وَابْن عَبَّاس وَأبي بن كَعْب وَأبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَعبد الله بن مَسْعُود وَعبد الله بن عَمْرو فِي رِوَايَة وَسمرَة بن جُنْدُب وَأم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَقَالَ ابْن حزم وَلَا يَصح عَن عَليّ وَلَا عَن عَائِشَة غير هَذَا أصلا وَهُوَ قَول الْحسن الْبَصْرِيّ وَالزهْرِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين وَسَعِيد بن جُبَير وَأبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَزفر وَيُونُس وَقَتَادَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَالضَّحَّاك بن مُزَاحم وَعبيد بن مَرْيَم وذر بن حُبَيْش وَمُحَمّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ وَآخَرين وَقَالَ أَبُو الْحسن الْمَاوَرْدِيّ هُوَ مَذْهَب جُمْهُور التَّابِعين وَقَالَ أَبُو عمر هُوَ قَول أَكثر أهل الْأَثر وَقَالَ ابْن عَطِيَّة عَلَيْهِ جُمْهُور النَّاس وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ الصَّوَاب من ذَلِك مَا تظاهرت بِهِ الْأَخْبَار من أَنَّهَا الْعَصْر وَقَالَ أَبُو عمر وَإِلَيْهِ ذهب عبد الْملك بن حبيب وَقَالَ التِّرْمِذِيّ هُوَ قَول أَكثر الْعلمَاء من الصَّحَابَة فَمن بعدهمْ قَالَ الْمَاوَرْدِيّ هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي لصِحَّة الْأَحَادِيث فِيهِ (قلت) من(7/272)
الْأَحَادِيث فِي ذَلِك حَدِيث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عِنْد مُسلم عَنهُ أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الخَنْدَق " شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر " وَحَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عِنْد مُسلم أَيْضا عَنهُ " حبس الْمُشْركُونَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن صَلَاة الْعَصْر حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس فَقَالَ حبسونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى " وَحَدِيث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا عِنْد مُسلم أَيْضا " عَن أبي يُونُس مولى عَائِشَة أَمرتنِي عَائِشَة أَن أكتب لَهَا مُصحفا وَقَالَت إِذا بلغت هَذِه الْآيَة فَآذِنِّي حَافظُوا على الصَّلَوَات قَالَ فَلَمَّا بلغتهَا آذَنتهَا فَأَمْلَتْ على حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر وَقَالَت سَمعتهَا من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " (قلت) كَذَا وَقع عِنْد مُسلم " وَصَلَاة الْعَصْر " بواو الْعَطف وَوَقع فِي رِوَايَة أبي بكر عبد الله بن أبي دَاوُد سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث السجسْتانِي من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب قَالَ فِي مصحف عَائِشَة حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر يَعْنِي بِلَا وَاو وَفِي كتاب ابْن حزم روينَا من طَرِيق ابْن مهْدي عَن أبي سهل مُحَمَّد بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ عَن الْقَاسِم عَنْهَا فَذَكرته بِغَيْر وَاو قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَهَذِهِ أصح رِوَايَة عَن عَائِشَة وَأَبُو سهل ثِقَة (قلت) وَفِيه رد لما قَالَه أَبُو عمر لم يخْتَلف فِي حَدِيث عَائِشَة فِي ثُبُوت الْوَاو قَالَ وعَلى تَقْدِير صِحَّته يُجَاب عَنهُ بأَشْيَاء. مِنْهَا أَنه من أَفْرَاد مُسلم وَحَدِيث عَليّ مُتَّفق عَلَيْهِ. الثَّانِي أَن من أثبت الْوَاو امْرَأَة ومسقطها جمَاعَة كَثِيرَة. الثَّالِث مُوَافقَة مذهبها لسُقُوط الْوَاو. الرَّابِع مُخَالفَة الْوَاو للتلاوة وَحَدِيث عَليّ مُوَافق. الْخَامِس حَدِيث عَليّ يُمكن فِيهِ الْجمع وحديثها لَا يُمكن فِيهِ الْجمع إِلَّا بترك غَيره. السَّادِس مُعَارضَة رِوَايَتهَا بِرِوَايَة الْبَراء بن عَازِب عِنْد مُسلم " نزلت هَذِه الْآيَة (حَافظُوا على الصَّلَوَات وَصَلَاة الْعَصْر) فقرأناها مَا شَاءَ الله ثمَّ نسخهَا الله فَنزلت {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} فَقَالَ رجل هِيَ إِذا صَلَاة الْعَصْر فَقَالَ الْبَراء قد أَخْبَرتك كَيفَ نزلت وَكَيف نسخت ". السَّابِع تكون الْوَاو زَائِدَة كَمَا زيدت عِنْد بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض وليكون من القانتين} وَقَوله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ نصرف الْآيَات وليقولوا درست} وَقَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله تَعَالَى {حَتَّى إِذا جاؤها وَفتحت أَبْوَابهَا} لِأَن الْجَواب فتحت وَقيل أَن الْعَطف فِيهِ من بَاب التَّخْصِيص والتفضيل والتنبيه كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {قل من كَانَ عدوا لله وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وميكال} {فَإِن قلت} قد حصل مَا ذكرت من التَّخْصِيص فِي الْعَطف وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} فَوَجَبَ أَن يكون الْعَطف الثَّانِي وَهُوَ قَوْله (وَصَلَاة الْعَصْر) مغايرا لَهُ (قلت) لما اخْتلف اللفظان كَانَ الثَّانِي للتَّأْكِيد وَالْبَيَان كَمَا تَقول جَاءَنِي زيد الْكَرِيم والعاقل فتعطف إِحْدَى الصفتين على الْأُخْرَى وَمِنْهَا حَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب عِنْد التِّرْمِذِيّ عَنهُ " عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ فِي الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر " وَعند أَحْمد " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سُئِلَ عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى قَالَ هِيَ صَلَاة الْعَصْر " وَفِي لفظ قَالَ " {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} وسماها لنا أَنَّهَا هِيَ الْعَصْر " وَعند الْحَاكِم محسنا من حَدِيث خبيب بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه سُلَيْمَان بن سَمُرَة عَن سَمُرَة يرفعهُ " وأمرنا أَن نحافظ على الصَّلَوَات كُلهنَّ وأوصانا بِالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ونبأنا أَنَّهَا صَلَاة الْعَصْر " وَحَدِيث حَفْصَة عِنْد أبي عمر فِي التَّمْهِيد بِسَنَد صَحِيح وَفِي الاستذكار اخْتلف فِي رَفعه وَفِي ثُبُوت الْوَاو فِيهِ أَنَّهَا أمرت كاتبها بكتب مصحف فَإِذا بلغ هَذِه الْآيَة يستأذنها فَلَمَّا بلغَهَا أَمرته بكتب حَافظُوا على الصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر ورفعته إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرَوَاهُ هِشَام عَن جَعْفَر بن إِيَاس عَن رجل حَدثهُ عَن سَالم عَنْهَا وَلم يثبت الْوَاو قَالَ وَالصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر وَحَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن أبي ليلى عَن الحكم عَن مقسم وَسَعِيد بن جُبَير عَنهُ قَالَ قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الخَنْدَق " شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى مَلأ الله قُبُورهم وأجوافهم نَارا " وَفِي كتاب الْمَصَاحِف لِابْنِ أبي دَاوُد من حَدِيث أبي إِسْحَق عَن عبيد بن مَرْيَم سمع ابْن عَبَّاس قَرَأَ هَذِه الْحُرُوف " حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر " وَفِي كتاب ابْن حزم من هَذِه الطَّرِيق صَلَاة الْعَصْر أبغير وَاو ثمَّ قَالَ كَذَا قَالَه وَكِيع وَحَدِيث ابْن عمر عِنْد أبي عبيد الله مُحَمَّد بن يحيى بن مَنْدَه الْأَصْبَهَانِيّ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عَامر بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا أبي حَدثنَا يَعْقُوب القمي عَن عَنْبَسَة بن سعيد الرَّازِيّ عَن ابْن أبي ليلى وَلَيْث عَن نَافِع عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ " الموتور أَهله وَمَاله من وتر صَلَاة الْوُسْطَى فِي جمَاعَة وَهِي صَلَاة الْعَصْر " وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد ابْن خُزَيْمَة(7/273)
فِي صَحِيحه قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر " وَحَدِيث أبي هِشَام بن عتبَة بن ربيعَة بن عبد شمس عِنْد ابْن جَعْفَر الطَّبَرِيّ من حَدِيث كهيل بن حَرْمَلَة سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَة عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ اخْتَلَفْنَا فِيهَا كَمَا اختلفتم فِيهَا وَنحن بِفنَاء بَيت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفينَا الرجل الصَّالح أَبُو هَاشم بن عتبَة فَقَالَ أَنا أعلم ذَلِك فَقَامَ فَاسْتَأْذن على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَدخل عَلَيْهِ ثمَّ خرج إِلَيْنَا فَقَالَ أخبرنَا أَنَّهَا صَلَاة الْعَصْر قَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كتاب الصَّحَابَة أَبُو هَاشم هَذَا لَهُ حديثان حسنان. وَقَالَ الذَّهَبِيّ أَبُو هَاشم بن عتبَة بن ربيعَة العبشمي أَخُو أبي حُذَيْفَة وأخو مُصعب بن عُمَيْر لأمه أسلم يَوْم الْفَتْح وَسكن الشَّام وَكَانَ صَالحا توفّي فِي زمن عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي التِّرْمِذِيّ وَغَيره وَحَدِيث أم حَبِيبَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا عِنْد الطَّبَرِيّ أَيْضا من رِوَايَة شُتَيْر بن شكيل عَنْهَا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ يَوْم الخَنْدَق " شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر حَتَّى غربت الشَّمْس " وَحَدِيث رجل من الصَّحَابَة عِنْده أَيْضا قَالَ " أَرْسلنِي أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَأَنا غُلَام صَغِير إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أسأله عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَأخذ أُصْبُعِي الصَّغِير فَقَالَ هَذِه الْفجْر وَقبض الَّتِي تَلِيهَا فَقَالَ هَذِه الظّهْر ثمَّ قبض الْإِبْهَام فَقَالَ هَذِه الْمغرب ثمَّ قبض الَّتِي تَلِيهَا فَقَالَ هَذِه الْعشَاء ثمَّ قَالَ أَي أصابعك بقيت فَقلت الْوُسْطَى فَقَالَ أَي الصَّلَاة بقيت فَقلت الْعَصْر قَالَ هِيَ الْعَصْر " وَرَوَاهُ الطَّبَرِيّ عَن أَحْمد بن إِسْحَاق حَدثنَا أَبُو أَحْمد حَدثنَا عبد السَّلَام مولى أبي مَنْصُور حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن يزِيد الدِّمَشْقِي قَالَ " كنت جَالِسا عِنْد عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان فَقَالَ يَا فلَان اذْهَبْ إِلَى فلَان فَقل لَهُ أيش سَمِعت من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ رجل جَالس أَرْسلنِي " فَذكره وَحَدِيث أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فِي كتاب الْمَصَاحِف لِابْنِ أبي دَاوُد أَنَّهَا " قَالَت لكاتب يكْتب لَهَا مُصحفا إِذا كتبت حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى فاكتبها الْعَصْر " وَرَوَاهُ ابْن حزم من طَرِيق وَكِيع عَن دَاوُد بن قيس عَن عبد الله بن رَافع عَن أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَحَدِيث أنس بن مَالك أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " شغلونا عَن صَلَاة الْعَصْر الَّتِي غفل عَنْهَا سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب " ذكره إِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد الشَّامي فِي تَفْسِيره عَن أبان عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (القَوْل الثَّانِي) إِن الصَّلَاة الْوُسْطَى الْمغرب وَهُوَ قَول قبيصَة بن ذِئْب قَالَ أَبُو عمر هَذَا لَا أعلم قَالَه غير قبيصَة قَالَ أَلا ترى أَنَّهَا لَيست بِأَقَلِّهَا وَلَا أَكْثَرهَا وَلَا تقصر فِي السّفر وَأَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يؤخرها عَن وَقتهَا وَلم يعجلها قَالَ أَبُو جَعْفَر وَجه قَوْله أَنه يُرِيد التَّوَسُّط الَّذِي هُوَ يكون صفة للشَّيْء الَّذِي يكون عدلا بَين الْأَمريْنِ كَالرّجلِ المعتدل الْقَامَة. (الثَّالِث) أَنَّهَا الْعشَاء الْأَخِيرَة وَهُوَ قَول الْمَازرِيّ وَزعم الْبَغَوِيّ فِي شرح السّنة أَن السّلف لم ينْقل عَن أحد مِنْهُم هَذَا القَوْل قَالَ وَقد ذكره بعض الْمُتَأَخِّرين (الرَّابِع) أَنَّهَا الصُّبْح وَهُوَ قَول جَابر بن عبد الله ومعاذ بن جبل وَابْن عَبَّاس فِي قَول وَابْن عمر فِي قَول وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَعِكْرِمَة وَمُجاهد وَالربيع بن أنس وَمَالك بن أنس وَالشَّافِعِيّ فِي قَول وَقَالَ أَبُو عمر وَمِمَّنْ قَالَ الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الصُّبْح عبد الله بن عَبَّاس وَهُوَ أصح مَا رُوِيَ عَنهُ فِي ذَلِك وَهُوَ قَول طَاوس وَمَالك وَأَصْحَابه وروى النَّسَائِيّ من حَدِيث جَابر بن زيد " عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أدْلج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ عرس فَلم يَسْتَيْقِظ حَتَّى طلعت الشَّمْس أَو بَعْضهَا فَلم يصل حَتَّى ارْتَفَعت الشَّمْس وَهِي الصَّلَاة الْوُسْطَى " وَفِي حَدِيث صَالح أبي الْخَلِيل عَن جَابر بن زيد " عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ صَلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْفجْر " وَعَن أبي رَجَاء قَالَ " صليت مَعَ ابْن عَبَّاس صَلَاة الْغَدَاة فِي مَسْجِد الْبَصْرَة فقنت بِنَا قبل الرُّكُوع وَقَالَ هَذِه الصَّلَاة صَلَاة الْوُسْطَى الَّتِي قَالَ الله تَعَالَى {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} " قَالَ الطَّحَاوِيّ وَقد خُولِفَ ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة فيمَ نزلت ثمَّ روى حَدِيث زيد بن أَرقم الْمَذْكُور فِيمَا مضى (قلت) المخالفون لِابْنِ عَبَّاس فِي سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة زيد بن أَرقم من الصَّحَابَة وَمن التَّابِعين مُجَاهِد بن جُبَير وَالشعْبِيّ وَجَابِر بن زيد فَإِنَّهُم أخبروا أَن الْقُنُوت الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} بِصُورَة الْأَمر هُوَ السُّكُوت عَن الْكَلَام فِي الصَّلَاة لأَنهم كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِيهَا وَلَيْسَ هُوَ الْقُنُوت الَّذِي كَانَ يفعل فِي صَلَاة الصُّبْح فَلَا يُسمى حِينَئِذٍ بِسَبَب ذَلِك لصَلَاة الصُّبْح الصَّلَاة الْوُسْطَى على أَن عَمْرو بن مَيْمُون وَالْأسود وَسَعِيد بن جُبَير وَعمْرَان بن الْحَارِث قَالُوا لم يقنت ابْن عَبَّاس فِي الْفجْر وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي مُصَنفه حَدثنَا وَكِيع قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن وَاقد مولى زيد بن خليدة عَن سعيد بن جُبَير " عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُمَا(7/274)
كَانَا لَا يقنتان فِي الْفجْر " حَدثنَا هشيم قَالَ أخبرنَا حُصَيْن عَن عمرَان بن الْحَارِث قَالَ " صليت مَعَ ابْن عَبَّاس فِي دَاره صَلَاة الصُّبْح فَلم يقنت قبل الرُّكُوع وَلَا بعده ". (الْخَامِس) أَنَّهَا إِحْدَى الصَّلَوَات الْخمس وَلَا تعرف بِعَينهَا رُوِيَ عَن ابْن عمر من طَرِيق صَحِيحَة قَالَ نَافِع سَأَلَ رجل ابْن عمر عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ هِيَ مِنْهُنَّ فحافظوا عَلَيْهِنَّ كُلهنَّ وبنحوه قَالَ الرّبيع بن خَيْثَم وَزيد بن ثَابت فِي رِوَايَة وَشُرَيْح القَاضِي وَنَافِع وَقَالَ النقاش قَالَت طَائِفَة هِيَ الْخمس وَلم تميز أَي صَلَاة هِيَ قَالَ أَبُو عمر كل وَاحِدَة من الْخمس وسطى لِأَن قبل كل وَاحِدَة صَلَاتَيْنِ وَبعدهَا صَلَاتَيْنِ. (السَّادِس) أَنَّهَا هِيَ الْخمس إِذْ هِيَ الْوُسْطَى من الدّين كَمَا قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " بني الْإِسْلَام على خمس " قَالُوا فَهِيَ الْوُسْطَى من الْخمس رُوِيَ ذَلِك عَن مُعَاوِيَة بن جبل وَعبد الرَّحْمَن بن غنم فِيمَا ذكر النقاش وَفِي كتاب الْحَافِظ أبي الْحسن عَليّ بن الْمفضل قيل ذَلِك لِأَنَّهَا وسط الْإِسْلَام أَي خِيَاره وَكَذَلِكَ قَالَه عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (السَّابِع) أَنَّهَا هِيَ الْمُحَافظَة على وَقتهَا قَالَه ابْن أبي حَاتِم فِي كتاب التَّفْسِير حَدثنَا أَبُو سعيد الْأَشَج حَدثنَا الْمحَاربي وَابْن فُضَيْل عَن الْأَعْمَش عَن أبي الضُّحَى عَن مَسْرُوق أَنه قَالَ ذَلِك. (الثَّامِن) أَنَّهَا مواقيتها وَشَرطهَا وأركانها وتلاوة الْقُرْآن فِيهَا وَالتَّكْبِير وَالرُّكُوع وَالسُّجُود وَالتَّشَهُّد وَالصَّلَاة على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَمن فعل ذَلِك فقد أتمهَا وحافظ عَلَيْهَا قَالَه مقَاتل بن حبَان قَالَ ابْن أبي حَاتِم أَنبأَنَا بِهِ مُحَمَّد بن الْفضل حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن شَقِيق أخبرنَا مُحَمَّد بن مُزَاحم عَن بكر بن مَعْرُوف عَنهُ وَذكر أَبُو اللَّيْث السَّمرقَنْدِي فِي تَفْسِيره عَن ابْن عَبَّاس نَحوه (التَّاسِع) أَنَّهَا الْجُمُعَة خَاصَّة حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره لما اخْتصّت بِهِ دون غَيرهَا وَقَالَ ابْن سَيّده فِي الْمُحكم لِأَنَّهَا أفضل الصَّلَوَات وَمن قَالَ خلاف هَذَا فقد أَخطَأ إِلَّا أَن يَقُوله بِرِوَايَة يسندها إِلَى سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. (الْعَاشِر) أَنَّهَا الْجُمُعَة يَوْم الْجُمُعَة وَفِي سَائِر الْأَيَّام الظّهْر حَكَاهُ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن مقسم فِي تَفْسِيره. (الْحَادِي عشر) أَنَّهَا صلاتان الصُّبْح وَالْعشَاء وَعَزاهُ ابْن مقسم فِي تَفْسِيره لأبي الدَّرْدَاء لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَو يعلمُونَ مَا فِي الْعَتَمَة وَالصُّبْح " الحَدِيث. (الثَّانِي عشر) أَنَّهَا الْعَصْر وَالصُّبْح وَهُوَ قَول أبي بكر الْمَالِكِي الْأَبْهَرِيّ (الثَّالِث عشر) أَنَّهَا الْجَمَاعَة فِي جَمِيع الصَّلَوَات حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ. (الرَّابِع عشر) أَنَّهَا الْوتر. (الْخَامِس عشر) أَنَّهَا صَلَاة الضُّحَى. (السَّادِس عش) أَنَّهَا صَلَاة الْعِيدَيْنِ. (السَّابِع عشر) أَنَّهَا صَلَاة عيد الْفطر. (الثَّامِن عشر) أَنَّهَا صَلَاة الْخَوْف. (التَّاسِع عشر) أَنَّهَا صَلَاة عيد الْأَضْحَى. (الْعشْرُونَ) أَنَّهَا المتوسطة بَين الطول وَالْقصر وأصحها الْعَصْر للأحاديث الصَّحِيحَة الَّتِي ذَكرنَاهَا وَالْبَاقِي بَعْضهَا ضَعِيف وَبَعضهَا مَرْدُود وَقد أمرنَا بِالسُّكُوتِ وَفِي مُسلم ونهينا عَن الْكَلَام قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يُعْطي أَن الْأَمر بالشَّيْء منهى عَن ضِدّه وَقد اخْتلف الأصوليون فِيهِ قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن الْأَمر إِذا اقْتضى فعلا فالنهي عَن تَركه لَا يُعْطِيهِ الْأَمر بِذَاتِهِ وَإِنَّمَا يَقْتَضِيهِ أَن الِامْتِثَال لَا يَأْتِي إِلَّا بترك الضِّدّ وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين الْأَمر بِالسُّكُوتِ منَاف لعدم السُّكُوت بِالذَّاتِ وَهُوَ الْمُسَمّى بالنقيض فَلَا نزاع فِي دلَالَة الْأَمر عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جزؤه وَأما الْكَلَام فَهُوَ ضِدّه وَهُوَ مَحل النزاع بَيْننَا وَبَين الْمُعْتَزلَة فَأكْثر أَصْحَابنَا على أَن الْأَمر بالشَّيْء يدل على النَّهْي عَن ضِدّه وَذهب جُمْهُور الْمُعْتَزلَة وَكثير من أَصْحَابنَا إِلَى عدم دلَالَته عَلَيْهِ كَمَا حَكَاهُ صَاحب المحصل وَأما مَا حَكَاهُ صَاحب الْحَاصِل وَتَبعهُ الْبَيْضَاوِيّ من مُوَافقَة أَكثر أَصْحَابنَا لجمهور الْمُعْتَزلَة فَلَيْسَ بجيد ودلالته عَلَيْهِ بالالتزام فَإِن دلَالَة الِالْتِزَام دلَالَته على خَارج عَنهُ (قلت) ذهب بعض الشَّافِعِيَّة وَالْقَاضِي أَبُو بكر أَولا إِلَى أَن الْأَمر بالشَّيْء عين النَّهْي عَن ضِدّه وَقَالَ القَاضِي آخرا وَكثير من الشَّافِعِيَّة وَبَعض الْمُعْتَزلَة إِلَى أَن الْأَمر بالشَّيْء يسْتَلْزم النَّهْي عَن ضِدّه لِأَنَّهُ عينه إِذْ اللَّازِم غير الْمَلْزُوم وَذهب إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ وَبَاقِي الْمُعْتَزلَة إِلَى أَنه لَا حكم لكل وَاحِد مِنْهُمَا فِي ضِدّه أصلا بل هُوَ مسكوت عَنهُ وَقَالَ أَبُو بكر الْجَصَّاص وَهُوَ مَذْهَب عَامَّة الْعلمَاء من أَصْحَابنَا وَأَصْحَاب الشَّافِعِي وَأهل الحَدِيث أَن الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه إِذا كَانَ لَهُ ضد وَاحِد كالأمر بِالْإِيمَان نهي عَن الْكفْر وَإِن كَانَ لَهُ أضداد كالأمر بِالْقيامِ لَهُ أضداد من الْقعُود وَالرُّكُوع وَالسُّجُود والاضطجاع يكون الْأَمر بِهِ نهيا عَن جَمِيع أضداده كلهَا وَقَالَ بَعضهم يكون نهيا عَن وَاحِد مِنْهَا غير معِين وَفصل بَعضهم بَين الْأَمر للْإِيجَاب فَقَالَ أَمر الْإِيجَاب يكون نهيا عَن ضد الْمَأْمُور بِهِ وَعَن(7/275)
أضداده لكَونه مَانِعا من فعل الْوَاجِب وَأمر النّدب لَا يكون كَذَلِك فَكَانَت أضداد الْمَنْدُوب غير مَنْهِيّ عَنْهَا لَا نهي تَحْرِيم وَلَا نهي تَنْزِيه وَمن لم يفصل جعل أَمر النّدب نهيا عَن ضِدّه فَهِيَ ندب حَتَّى يكون الِامْتِنَاع عَن ضد الْمَنْدُوب مَنْدُوبًا كَمَا يكون فعله وَأما النَّهْي عَن الشَّيْء فَأمر بضده إِن كَانَ لَهُ ضد وَاحِد باتفاقهم كالنهي عَن الْكفْر أَمر بِالْإِيمَان وَإِن كَانَ لَهُ أضداد فَعِنْدَ بعض أَصْحَابنَا وَبَعض أَصْحَاب الحَدِيث يكون أمرا بالأضداد كلهَا كَمَا فِي جَانب الْأَمر وَعند عَامَّة أَصْحَابنَا وَعَامة أَصْحَاب الحَدِيث يكون أمرا بِوَاحِد من الأضداد غير معِين وَذهب بَعضهم إِلَى أَنه يُوجب حُرْمَة ضِدّه وَقَالَ بَعضهم يدل على حُرْمَة ضِدّه وَقَالَ بعض الْفُقَهَاء يدل على كَرَاهَة ضِدّه وَقَالَ بَعضهم يُوجب كَرَاهَة ضِدّه ومختار القَاضِي الإِمَام أبي زيد وشمس الْأَئِمَّة وفخر الْإِسْلَام وَمن تَابعهمْ أَنه يَقْتَضِي كَرَاهَة ضِدّه وَالنَّهْي عَن الشَّيْء يَنْبَغِي أَن يكون ضِدّه فِي معنى سنة مُؤَكدَة فَافْهَم (فَإِن قلت) فَإِذا كَانَ قَوْله أمرنَا بِالسُّكُوتِ دَالا على النَّهْي عَن الْكَلَام فَمَا فَائِدَة ذكر النَّهْي عَن الْكَلَام فِي قَوْله " فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ ونهينا عَن الْكَلَام " (قلت) التَّصْرِيح أبلغ من دلَالَة الِالْتِزَام فَاقْتضى التَّصْرِيح بِهِ نفي الْخلاف الْمَعْرُوف فِيهِ (فَإِن قلت) الْألف وَاللَّام فِي قَوْله " أمرنَا بِالسُّكُوتِ " لماذا (قلت) للْعهد لَا للْعُمُوم وَهِي رَاجِعَة إِلَى قَوْله " يكلم الرجل صَاحبه إِلَى جنبه " أَي فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ عَمَّا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ من ذَلِك وَكَذَلِكَ الْألف وَاللَّام فِي قَوْله " ونهينا عَن الْكَلَام " أَي عَن مُخَاطبَة الْآدَمِيّين وَحمل ابْن دَقِيق الْعِيد الْألف وَاللَّام فِي الْكَلَام على الْعُمُوم وَفِيه نظر لِأَن النَّهْي عَن الْكَلَام مَخْصُوص بمخاطبة الْآدَمِيّين بِدَلِيل حَدِيث مُعَاوِيَة بن الحكم أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة عَطاء بن يسَار عَنهُ قَالَ " بَينا أَنا أُصَلِّي مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذْ عطس رجل من الْقَوْم فَقلت لَهُ يَرْحَمك الله فَرَمَانِي الْقَوْم بِأَبْصَارِهِمْ " الحَدِيث وَفِيه أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " إِن هَذِه الصَّلَاة لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَقِرَاءَة الْقُرْآن "
(بَاب مَا يجوز من التَّسْبِيح وَالْحَمْد فِي الصَّلَاة للرِّجَال)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يجوز من قَول سُبْحَانَ الله وَقَول الْحَمد لله فِي أثْنَاء الصَّلَاة للرِّجَال إِذا نابهم شَيْء فِيهَا نَحْو مَا إِذا رأى الْمُصَلِّي أَن إِمَامه يفعل شَيْئا فِي غير مَحَله يَقُول سُبْحَانَ الله ليسمع الإِمَام ذَلِك وَيرجع إِلَى الصَّوَاب وَإِنَّمَا قيد ذَلِك بِالرِّجَالِ لِأَن النِّسَاء إِذا نابهن شَيْء فِي الصَّلَاة يصفقن لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " التَّسْبِيح للرِّجَال والتصفيق للنِّسَاء " على مَا يَأْتِي بعد بَاب مُفردا وَيدخل فِي هَذَا مَا إِذا فتح على إِمَامه لَا تفْسد صلَاته
224 - (حَدثنَا عبد الله بن مسلمة قَالَ حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم عَن أَبِيه عَن سهل رَضِي الله عَنهُ قَالَ خرج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يصلح بَين بني عَمْرو بن عَوْف وحانت الصَّلَاة فجَاء بِلَال أَبَا بكر رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ حبس النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فتؤم النَّاس قَالَ نعم إِن شِئْتُم فَأَقَامَ بِلَال الصَّلَاة فَتقدم أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فصلى فجَاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يمشي فِي الصُّفُوف يشقها شقا حَتَّى قَامَ فِي الصَّفّ الأول فَأخذ النَّاس بالتصفيح قَالَ سهل هَل تَدْرُونَ مَا التصفيح هُوَ التصفيق وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَا يلْتَفت فِي صلَاته فَلَمَّا أَكْثرُوا الْتفت فَإِذا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الصَّفّ فَأَشَارَ إِلَيْهِ مَكَانك فَرفع أَبُو بكر يَدَيْهِ فَحَمدَ الله ثمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى وَرَاءه وَتقدم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فصلى) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه ذكر هَذَا الحَدِيث بِتَمَامِهِ فِي بَاب من دخل ليؤم النَّاس فجَاء الإِمَام الأول وَفِيه " من نابه شَيْء فِي الصَّلَاة فليسبح فَإِنَّهُ إِذا سبح الْتفت إِلَيْهِ وَإِنَّمَا التصفيق للنِّسَاء " وَذكر هَذِه التَّرْجَمَة هَهُنَا على هَذَا الْوَجْه اكْتِفَاء بِمَا ذكر هُنَاكَ لِأَن الحَدِيث وَاحِد على أَنه ذكره فِي سَبْعَة مَوَاضِع مترجما فِي كل مَوضِع بِمَا يُنَاسِبه وَقد ذَكرْنَاهُ هُنَاكَ مستقصى وَالشَّارِح هَهُنَا على قسمَيْنِ مِنْهُم من لم يتَعَرَّض قطّ لوجه هَذِه التَّرْجَمَة وَلَا لوجه مناسبتها للْحَدِيث مِنْهُم صَاحب التَّلْوِيح والتوضيح وَمِنْهُم من ذكر شَيْئا لَا يُسَاوِي سَمَاعه مِنْهُم الْكرْمَانِي فَإِنَّهُ قَالَ (فَإِن قلت) ذكر فِي التَّرْجَمَة لفظ التَّسْبِيح والْحَدِيث لَا يدل عَلَيْهِ (قلت)(7/276)
علم من الْحَمد بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ إِلَى آخِره وَلم يذكر شَيْئا تَحْتَهُ طائل وَمِنْهُم من قَالَ أَرَادَ إِلْحَاق التَّسْبِيح بِالْحَمْد لجامع الذّكر لِأَن الَّذِي فِي الحَدِيث الَّذِي سَاقه ذكر التَّحْمِيد دون التَّسْبِيح وَاعْتَرضهُ بَعضهم وَقَالَ بل الحَدِيث مُشْتَمل عَلَيْهِمَا لكنه سَاقه هُنَا مُخْتَصرا وَقد تقدم فِي بَاب من دخل ليؤم النَّاس فِي أَبْوَاب الْإِمَامَة انْتهى (قلت) هَؤُلَاءِ كَأَنَّهُمْ فَهموا أَن المُرَاد من التَّرْجَمَة جَوَاز التَّسْبِيح وَالْحَمْد فِي الصَّلَاة مُطلقًا وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن مُرَاده الْإِتْيَان بِلَفْظ التَّسْبِيح لمن نابه شَيْء وَهُوَ فِي الصَّلَاة بِدَلِيل قَيده للرِّجَال فَإِنَّهُ ترْجم هَهُنَا بقوله بَاب مَا يجوز إِلَى آخِره وَفِيه قيد بقوله للرِّجَال ثمَّ ترْجم للنِّسَاء بِبَاب آخر وَهُوَ قَوْله بَاب التصفيق للنِّسَاء وَلَو كَانَ مُرَاده من التَّرْجَمَة الْإِطْلَاق فِي ذَلِك لما قَيده بقوله للرِّجَال فَإِن التَّسْبِيح وَالْحَمْد وَنَحْوهمَا لأمر نابه فِي الصَّلَاة يجوز للرِّجَال وَالنِّسَاء مَا لم يَقع جَوَابا لشَيْء آخر وَأما قَوْله فِي التَّرْجَمَة وَالْحَمْد فللتنبيه على أَن الَّذِي ينوبه شَيْء وَهُوَ فِي الصَّلَاة إِذا حمد الله عوض سُبْحَانَ الله فَإِنَّهُ يجوز لِأَن الْغَرَض من ذَلِك التَّنْبِيه على عرُوض أَمر لَا مُجَرّد التَّسْبِيح وَالْحَمْد لِأَن مُجَرّد التَّسْبِيح وَالْحَمْد وَنَحْوهمَا لَا يضر صَلَاة الْمُصَلِّي إِذا لم يَقع جَوَابا وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح وَفِيه يَعْنِي فِي هَذَا الحَدِيث أَن التَّسْبِيح جَائِز للرِّجَال وَالنِّسَاء عِنْدَمَا ينزل بهم من حَاجَة إِلَّا يرى أَن النَّاس أَكْثرُوا بالتصفيق لأبي بكر ليتأخر للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَبِهَذَا قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ أَن من سبح فِي صلَاته لشَيْء ينوبه أَو أَشَارَ إِلَى إِنْسَان فَإِنَّهُ لَا يقطع صلَاته وَخَالف فِي ذَلِك أَبُو حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (قلت) لَا نسلم أَن أَبَا حنيفَة خَالف فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي خَالف فَإِن مَذْهَب أبي حنيفَة أَنه إِذا سبح أَو حمد جَوَابا لإِنْسَان فَإِنَّهُ يقطع لِأَنَّهُ يكون كلَاما وَأما إِذا وَقع شَيْء من ذَلِك لغير جَوَاب فَلَا يضر ذَلِك لِأَن الصَّلَاة هِيَ التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَقِرَاءَة الْقُرْآن كَمَا ثَبت ذَلِك فِي الصَّحِيح ثمَّ أَنهم فَهموا أَن حمد أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاة إِنَّمَا كَانَ لأمر نابه وَهُوَ فِي الصَّلَاة وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ حمد الله على مَا أَمر بِهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد صرح بِهِ فِي الحَدِيث فِي بَاب من دخل ليؤم النَّاس حَيْثُ قَالَ فَلَمَّا أَكثر النَّاس التصفيق فَرَأى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن امْكُث مَكَانك فَرفع أَبُو بكر يَدَيْهِ فَحَمدَ الله على مَا أمره رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من ذَلِك على أَن ابْن الْجَوْزِيّ ادّعى أَنه أَشَارَ بالشكر وَالْحَمْد بِيَدِهِ وَلم يتَكَلَّم ثمَّ إِن البُخَارِيّ روى حَدِيث هَذَا الْبَاب عَن عبد الله بن مسلمة بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام ابْن قعنب التَّيْمِيّ الْحَارِثِيّ وَقد تقدم غير مرّة عَن عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم وَاسم أبي حَازِم بالزاي سَلمَة بن دِينَار الْمَدِينِيّ عَن أَبِيه سَلمَة عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ وَأخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن أبي حَازِم بن دِينَار عَن سهل بن سعد وَقد تكلمنا هُنَاكَ على مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَنْوَاع فلنذكر هُنَا مَا هُوَ المهم وَإِن وَقع فِيهِ بعض التّكْرَار فَإِنَّهُ لَا يضر لبعد الْمسَافَة قَوْله " يصلح " حَال منتظرة قَوْله " وحانت الصَّلَاة " أَي حضرت وحلت قَوْله " حبس النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَي تَأَخّر هُنَاكَ لأجل الصُّلْح قَوْله " يمشي " حَال أَيْضا وَكَذَلِكَ قَوْله " يشقها " أَي حَال يشق الصُّفُوف قَوْله " فَقَالَ سهل " وَهُوَ سهل بن سعد الْمَذْكُور قَوْله " هُوَ التصفيق " تَفْسِير لقَوْله " مَا التصفيح وَاحْتج بِهِ بَعضهم على أَن التصفيح والتصفيق بِمَعْنى وَاحِد وَبِه صرح الْخطابِيّ والجوهري وَأَبُو عَليّ القالي وَآخَرُونَ حَتَّى ادّعى ابْن حزم نفي الْخلاف فِي ذَلِك وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن القَاضِي عِيَاض حكى أَنه بِالْحَاء الضَّرْب بِظَاهِر إِحْدَى الْيَدَيْنِ على الْأُخْرَى وبالقاف بباطنها على بَاطِن الْأُخْرَى وَقيل بِالْحَاء الضَّرْب بأصبعين للإنذار والتنبيه وبالقاف بجميعها للهو واللعب وَأغْرب الدَّاودِيّ فَزعم أَن الصَّحَابَة ضربوا بأكفهم على أَفْخَاذهم قَالَ القَاضِي عِيَاض كَأَنَّهُ أَخذه من حَدِيث مُعَاوِيَة بن الحكم الَّذِي أخرجه مُسلم فَفِيهِ " وَجعلُوا يضْربُونَ بِأَيْدِيهِم على أَفْخَاذهم "
(بَاب من سمى قوما أَو سلم فِي الصَّلَاة على غَيره مُوَاجهَة وَهُوَ لَا يعلم)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من سمى قوما بِذكر أسمائهم أَو سلم فِي صلَاته على غَيره مُوَاجهَة بِفَتْح الْجِيم وَهِي نصب على المصدرية وَالْحَال أَنه لَا يعلم أَي الْمُسلم عَلَيْهِ لَا يعلم يَعْنِي لَا يسمع السَّلَام وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين لفظ مُوَاجهَة وَإِنَّمَا هُوَ وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر وَقيل فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْحَمَوِيّ على غير بِالتَّنْوِينِ بِلَا هَاء الضَّمِير وَقَالَ الْكرْمَانِي وَفِي بعض النّسخ على غَيره مُوَاجهَة بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل الْمُضَاف إِلَى الضَّمِير وَإِضَافَة الْغَيْر إِلَيْهِ (فَإِن قلت) لم يبين فِي التَّرْجَمَة حكم الْبَاب مَا هُوَ أجواز أَو بطلَان (قلت)(7/277)
كَأَنَّهُ ترك ذَلِك لاشتباه الْأَمر فِيهِ وَلَكِن قيل الظَّاهِر الْجَوَاز وَأَن شَيْئا فِي ذَلِك لَا يبطل الصَّلَاة لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يَأْمُرهُم بِالْإِعَادَةِ فِيهِ إِنَّمَا علمهمْ مَا يستقبلون (قلت) وَفِيه نظر لِأَن هَذَا مَنْسُوخ وَقد كَانَ ذَلِك مقررا عِنْدهم ثمَّ مَنعهم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن ذَلِك وَأمرهمْ بِمَا يَقُولُونَ فنسخ هَذَا ذَاك
225 - (حَدثنَا عَمْرو بن عِيسَى قَالَ حَدثنَا أَبُو عبد الصَّمد عبد الْعَزِيز بن عبد الصَّمد قَالَ حَدثنَا حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي وَائِل عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ. قَالَ كُنَّا نقُول التَّحِيَّة فِي الصَّلَاة ونسمي وَيسلم بَعْضنَا على بعض فَسَمعهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ قُولُوا التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَإِنَّكُم إِذا فَعلْتُمْ ذَلِك فقد سلمتم على كل عبد لله صَالح فِي السَّمَاء وَالْأَرْض) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " كُنَّا نقُول التَّحِيَّة فِي الصَّلَاة ونسمي وَيسلم بَعْضنَا على بعض " وللترجمة جزآن أَحدهمَا قَوْله من سمى قوما وَقد مر فِي بَاب مَا يتَخَيَّر من الدُّعَاء بعد التَّشَهُّد فِي حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود أَيْضا قَالَ " كُنَّا إِذا كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الصَّلَاة قُلْنَا السَّلَام على الله من عباده السَّلَام على فلَان وَفُلَان " الحَدِيث وَفِي رِوَايَة عَنهُ " قُلْنَا السَّلَام على جِبْرَائِيل وَمِيكَائِيل " والجزء الآخر هُوَ قَوْله " أوسلم فِي الصَّلَاة " إِلَى آخِره وَهُوَ المُرَاد من قَوْله " وَيسلم بَعْضنَا على بعض ". (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول عَمْرو بن عِيسَى أَبُو عُثْمَان الضبعِي بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة الأدي بِفَتْح الْهمزَة وَفتح الدَّال. الثَّانِي عبد الْعَزِيز بن عبد الصَّمد الْعمي بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم. الثَّالِث حُصَيْن بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة ابْن عبد الرَّحْمَن مر فِي بَاب الْأَذَان بعد ذهَاب الْوَقْت. الرَّابِع أَبُو وَائِل واسْمه شَقِيق بن سَلمَة. الْخَامِس عبد الله بن مَسْعُود (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَهُوَ بَصرِي وَكَذَلِكَ عبد الْعَزِيز بَصرِي وحصين وَأَبُو وَائِل كوفيان وَفِيه عبد الْعَزِيز مَذْكُورا أَولا بالكنية ثمَّ بَين باسمه وَهُوَ مَذْكُور أَيْضا بنسبته إِلَى عَم قَبيلَة من بني تَمِيم وَفِيهِمْ كَثْرَة وَمن الروَاة زيد الْعمي وَهُوَ لقب لَهُ لِأَنَّهُ كلما كَانَ يسْأَل عَن شَيْء قَالَ حَتَّى أسأَل عمي (ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن يحيى الذهلي عَن عبد الرَّزَّاق وَعَن مُحَمَّد بن معمر عَن قبيصَة بن عقبَة كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن حُصَيْن بِهِ وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوْفِي فِي بَاب التَّشَهُّد فِي الْأَخِيرَة وَفِي بَاب مَا يتَخَيَّر من الدُّعَاء بعد التَّشَهُّد قَوْله " التَّحِيَّة " بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء وَقَوله " فِي الصَّلَاة " خَبره ويروى التَّحِيَّة بِالنّصب على أَنه مفعول قُلْنَا (فَإِن قلت) مقول القَوْل لَا بُد أَن يكون جملَة (قلت) قد يَقع مُفردا إِذا كَانَ عبارَة عَن الْجُمْلَة كَمَا فِي قَوْلك قلت قصَّة وَقلت خَبرا وَكَذَلِكَ هَهُنَا التَّحِيَّة بِالنّصب عبارَة عَن قَوْلهم السَّلَام على فلَان قَوْله " إِذا فَعلْتُمْ ذَلِك " أَي إِذا قُلْتُمُوهَا قَوْله " صَالح " بِالْجَرِّ صفة عبد وَلَفْظَة " لله " مُعْتَرضَة بَينهمَا
(بَاب التصفيق للنِّسَاء)
يجوز فِي بَاب الْإِضَافَة إِلَى التصفيق وَيجوز فِيهِ التَّنْوِين بِقطعِهِ عَن الْإِضَافَة فالتقدير فِي الأول هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن التصفيق للنِّسَاء وَفِي الثَّانِي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ التصفيق للنِّسَاء وَقد مر تَفْسِيره عَن قريب
226 - (حَدثنَا عَليّ بن عبد الله قَالَ حَدثنَا سُفْيَان قَالَ حَدثنَا الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ التَّسْبِيح للرِّجَال والتصفيق للنِّسَاء)(7/278)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهَا عين الحَدِيث وجزء مِنْهُ. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول عَليّ بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ. الثَّانِي سُفْيَان بن عُيَيْنَة. الثَّالِث مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. الرَّابِع أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. الْخَامِس أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَمْرو النَّاقِد وَزُهَيْر بن حَرْب وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن الْمثنى وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَهِشَام بن عمار كلهم عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَفِي التَّوْضِيح وَقد قَامَ الْإِجْمَاع على أَن سنة الرجل إِذا نابه شَيْء فِي الصَّلَاة التَّسْبِيح وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي النِّسَاء فَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَنَّهَا تصفيق وَهُوَ ظَاهر الحَدِيث وَبِه قَالَ إِسْحَاق وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَهُوَ رِوَايَة عَن مَالك حَكَاهَا ابْن شعْبَان عَنهُ وَهُوَ مَذْهَب النَّخعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا تَسْبِيح وَهُوَ قَول مَالك وَتَأَول أَصْحَابه قَوْله " إِنَّمَا التصفيق للنِّسَاء " أَنه من شأنهن فِي غير الصَّلَاة فَهُوَ على وَجه الذَّم فَلَا تَفْعَلهُ الْمَرْأَة وَلَا الرجل فِي الصَّلَاة وَيَردهُ مَا ورد فِي حَدِيث حَمَّاد بن زيد عَن أبي حَازِم فِي بَاب الْأَحْكَام بِصِيغَة الْأَمر " فليسبح الرِّجَال وليصفق النِّسَاء " وَإِنَّمَا كره لَهَا التَّسْبِيح لِأَن صَوتهَا فتْنَة وَلِهَذَا منعت من الْأَذَان والإمامة والجهر بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاة
227 - (حَدثنَا يحيى قَالَ أخبرنَا وَكِيع عَن سُفْيَان عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - التَّسْبِيح للرِّجَال والتصفيق للنِّسَاء) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهَا جُزْء من الحَدِيث وَيحيى هُوَ ابْن جَعْفَر الْبَلْخِي وَقَالَ الْكرْمَانِي يحيى إِمَّا يحيى بن مُوسَى الختي بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَإِمَّا يحيى بن جَعْفَر الْبَلْخِي قَالَ الكلاباذي إنَّهُمَا يرويان عَن وَكِيع فِي الْجَامِع وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ وَأَبُو حَازِم بالزاي سَلمَة بن دِينَار وَقد مر الْكَلَام فِي الحَدِيث وَفِي بعض النّسخ يُوجد هُنَا عقيب هَذَا الْبَاب بَاب من صفق جَاهِلا من الرِّجَال فِي صلَاته لم تفْسد صلَاته قَالَ وَفِيه سهل بن سعد عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَيْسَ هَذَا بموجود فِي كثير من النّسخ وَلِهَذَا أنكر بذلك بعض الشُّرَّاح وَمَعْنَاهُ على تَقْدِير وجوده أَن التصفيق وَظِيفَة النِّسَاء فَمن صفق من الرِّجَال جَاهِلا بذلك فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِعَادَة صلَاته لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يَأْمر من صفق بِالْإِعَادَةِ وَذَلِكَ لكَونه عملا يَسِيرا وَبِه لَا تفْسد الصَّلَاة على مَا عرف
(بَاب من رَجَعَ الْقَهْقَرَى فِي صلَاته أَو تقدم بِأَمْر ينزل بِهِ)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان الْمُصَلِّي الَّذِي رَجَعَ الْقَهْقَرَى فِي صلَاته وَقَالَ ابْن الْأَثِير الْقَهْقَرَى هُوَ الْمَشْي إِلَى خلف من غير أَن يُعِيد وَجهه إِلَى جِهَة مَشْيه قيل أَنه من بَاب الْقَهْر وَقَالَ الْجَوْهَرِي الْقَهْقَرَى الرُّجُوع إِلَى خلف فَإِذا قلت رجعت الْقَهْقَرَى فكأنك قلت رجعت الرُّجُوع الَّذِي يعرف بِهَذَا الِاسْم لِأَن الْقَهْقَرَى ضرب من الرُّجُوع (قلت) فعلى هَذَا انتصابه على المصدرية من غير لَفظه قَوْله " أَو تقدم " أَي تقدم الْمُصَلِّي إِلَى قُدَّام لأجل أَمر ينزل بِهِ
(رَوَاهُ سهل بن سعد عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) أَي روى كل وَاحِد من رُجُوع الْمُصَلِّي الْقَهْقَرَى فِي صلَاته وتقدمه لأمر ينزل بِهِ سهل بن سعد وروى ذَلِك البُخَارِيّ عَن سهل فِي بَاب الصَّلَاة فِي الْمِنْبَر والسطوح فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة فَقَالَ حَدثنَا عَليّ بن عبد الله قَالَ حَدثنَا سُفْيَان قَالَ أخبرنَا أَبُو حَازِم قَالُوا سَأَلُوا سهل بن سعد من أَي شَيْء الْمِنْبَر الحَدِيث وَفِيه " فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَي على الْمِنْبَر إِلَى أَن قَالَ فَاسْتقْبل الْقبْلَة وَكبر وَقَامَ النَّاس خَلفه فَقَرَأَ وَركع وَركع النَّاس خَلفه ثمَّ رفع رَأسه ثمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى فَسجدَ على الأَرْض ثمَّ عَاد إِلَى الْمِنْبَر ثمَّ قَرَأَ ثمَّ ركع ثمَّ رفع رَأسه ثمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سجد بِالْأَرْضِ فَهَذَا شَأْنه " وَقَالَ بَعضهم يُشِير بذلك يَعْنِي بقوله رَوَاهُ سهل بن سعد عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى حَدِيثه الْمَاضِي قَرِيبا فَفِيهِ " فَرفع أَبُو بكر يَده فَحَمدَ الله ثمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى " وَأما قَوْله " أَو تقدم " فَهُوَ مَأْخُوذ من الحَدِيث أَيْضا وَذَلِكَ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقف فِي الصَّفّ الأول خلف أبي بكر على إِرَادَة الائتمام بِهِ فَامْتنعَ أَبُو بكر من ذَلِك فَتقدم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرجع أَبُو بكر من موقف الإِمَام(7/279)
إِلَى موقف الْمَأْمُوم انْتهى (قلت) الَّذِي قَالَه يردهُ الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي " رَوَاهُ " يفهم ذَلِك من لَهُ أدنى ذوق من أَحْوَال تركيب الْكَلَام وَلذَلِك أعدنا الضَّمِير فِيهِ إِلَى مَا قدرناه وَصَاحب التَّلْوِيح أَيْضا ذهل فِي هَذَا وَقَالَ بعد قَوْله " رَوَاهُ سهل " هَذَا الحَدِيث تقدم مُسْندًا فِي بَاب مَا يجوز من التَّسْبِيح فِي الصَّلَاة ثمَّ قَالَ وَفِي قَوْله " رَوَاهُ سهل " عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيهِ نظر وَذَلِكَ أَنه إِنَّمَا شَاهد الْفِعْل وَهُوَ التَّقَدُّم من سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والتأخر من أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ثمَّ قَالَ الْقَائِل الْمَذْكُور وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِحَدِيث سهل مَا تقدم فِي الْجُمُعَة من صلَاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الْمِنْبَر ونزوله الْقَهْقَرَى حَتَّى سجد فِي أصل الْمِنْبَر ثمَّ عَاد إِلَى مقَامه (قلت) قَوْله يحْتَمل غير سديد لِأَن البُخَارِيّ مَا أَرَادَ إِلَّا هَذَا الحَدِيث وَهُوَ الْمُنَاسب لما ذكره وَلَا يُقَال فِي مثل هَذَا بِالِاحْتِمَالِ
228 - (حَدثنَا بشر بن مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا عبد الله. قَالَ يُونُس. قَالَ الزُّهْرِيّ أَخْبرنِي أنس بن مَالك أَن الْمُسلمين بَيْنَمَا هم فِي الْفجْر يَوْم الِاثْنَيْنِ وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يُصَلِّي بهم ففجأهم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد كشف ستر حجرَة عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَنظر إِلَيْهِم وهم صُفُوف فَتَبَسَّمَ يضْحك فنكص أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ على عَقِبَيْهِ وَظن أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُرِيد أَن يخرج إِلَى الصَّلَاة وهم الْمُسلمُونَ أَن يفتتنوا فِي صلَاتهم فَرحا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين رَأَوْهُ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَن أَتموا ثمَّ دخل الْحُجْرَة وأرخى السّتْر وَتُوفِّي ذَلِك الْيَوْم) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي التَّقَدُّم يسْتَأْنس من قَوْله " ففجأهم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَهَذَا يدل على أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اتَّصل بالصف فلولا ذَلِك لما نكص أَبُو بكر على عَقِبَيْهِ ومطابقته فِي التَّأَخُّر فِي قَوْله " فنكص أَبُو بكر على عَقِبَيْهِ " والْحَدِيث مر فِي بَاب أهل الْعلم وَالْفضل أَحَق بِالْإِمَامَةِ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس وَعَن أبي معمر عَن عبد الْوَارِث عَن عبد الْعَزِيز عَن أنس وَذكرنَا هُنَاكَ جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ. وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وبالراء ابْن مُحَمَّد الْمروزِي قد مر فِي بَاب بَدْء الْوَحْي وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك وَقد تكَرر ذكره وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم قَوْله " قَالَ يُونُس قَالَ الزُّهْرِيّ " أَي قَالَ قَالَ يُونُس قَالَ الزُّهْرِيّ وَهِي تحذف خطأ فِي الِاصْطِلَاح لَا نطقا قَوْله " بَيْنَمَا هم " أَي الصَّحَابَة فِي صَلَاة الْفجْر والْحَدِيث الَّذِي فِيهِ " مروا أَبَا بكر " كَانَت صَلَاة الْعشَاء وَالَّذِي فِيهِ " خرج يهادي بَين اثْنَيْنِ " كَانَت صَلَاة الظّهْر قَوْله " وَأَبُو بكر " الْوَاو فِيهِ للْحَال قَوْله " ففجأهم " بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا أَي فاجأهم وَقَالَ ابْن التِّين كَذَا وَقع فِي الأَصْل بِالْألف وَحقه أَن يكْتب بِالْيَاءِ لِأَن عينه مَكْسُورَة كوطئهم (قلت) إِذا كسرت عينه يُقَال فَجِئَهُمْ وَإِذا فتحت يُقَال فجأهم قَوْله " كشف ستر حجرَة عَائِشَة " كَذَا هُوَ فِي أصل الْحَافِظ الدمياطي بِخَطِّهِ وَكَذَا فِي الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأبي نعيم وَقَالَ الشَّيْخ قطب الدّين فِي سَمَاعنَا إِسْقَاط لفظ حجرَة قَوْله " فنكص " بالصَّاد وبالسين الْمُهْمَلَتَيْنِ أَي رَجَعَ بِحَيْثُ لم يستدبر الْقبْلَة وَهُوَ الرُّجُوع إِلَى الوراء قَوْله " فَرحا " نصب على التَّعْلِيل وَيجوز أَن يكون حَالا على تَأْوِيل فرحين قَوْله " أَن أَتموا " أَن مَصْدَرِيَّة أَي أَشَارَ بالإتمام
(بَاب إِذا دعت الْأُم وَلَدهَا فِي الصَّلَاة)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا دعت الْأُم وَلَدهَا وَهُوَ فِي الصَّلَاة وَجَوَاب إِذا مَحْذُوف تَقْدِيره هَل تجب إجابتها أم لَا وَإِذا وَجَبت هَل تبطل الصَّلَاة أَو لَا وَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ خلاف فَلذَلِك لم يذكر الْجَواب
229 - (وَقَالَ اللَّيْث حَدثنِي جَعْفَر عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نادت امْرَأَة ابْنهَا وَهُوَ فِي صومعة قَالَت يَا جريج قَالَ اللَّهُمَّ أُمِّي وصلاتي(7/280)
قَالَت يَا جريج قَالَ اللَّهُمَّ أُمِّي وصلاتي قَالَت يَا جريج قَالَ اللَّهُمَّ أُمِّي وصلاتي قَالَت اللَّهُمَّ لَا يَمُوت جريج حَتَّى ينظر فِي وَجه المياميس وَكَانَت تأوي إِلَى صومعته راعية ترعى الْغنم فَولدت فَقيل لَهَا مِمَّن هَذَا الْوَلَد قَالَت من جريج نزل من صومعته قَالَ جريج أَيْن هَذِه الَّتِي تزْعم أَن وَلَدهَا لي قَالَ يَا بابوس من أَبوك قَالَ راعي الْغنم) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. (ذكر رِجَاله) وهم أَرْبَعَة الأول اللَّيْث بن سعد. الثَّانِي جَعْفَر بن ربيعَة بن شُرَحْبِيل بن حَسَنَة الْقرشِي. الثَّالِث عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج. الرَّابِع أَبُو هُرَيْرَة (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن اللَّيْث وَشَيْخه مصريان وَعبد الرَّحْمَن مدنِي وَهَذَا تَعْلِيق من البُخَارِيّ لِأَنَّهُ لم يدْرك اللَّيْث وَوَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ أخبرنَا أَبُو بكر الْمروزِي حَدثنَا عَاصِم بن عَليّ حَدثنَا اللَّيْث عَن جَعْفَر بن ربيعَة الحَدِيث مطولا وَفِيه " لَا أماتك الله حَتَّى تنظر فِي وَجهك زواني الْمَدِينَة فَعرف أَن ذَلِك يُصِيبهُ فَلَمَّا مروا بِهِ على بَيت الزواني خرجن يضحكن فَتَبَسَّمَ فَقَالُوا لم يضْحك حَتَّى مر بالزواني " وَوَصله أَبُو نعيم أَيْضا حَدثنَا أَبُو بكر بن خَلاد حَدثنَا أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن ملْحَان حَدثنَا يحيى بن بكير قَالَ حَدثنَا اللَّيْث عَن جَعْفَر وأسنده البُخَارِيّ أَيْضا فِي بَاب (وَاذْكُر فِي الْكتاب مَرْيَم إِذْ انتبذت من أَهلهَا) حَدثنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا جرير بن حَازِم عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " لم يتَكَلَّم فِي المهد إِلَّا ثَلَاثَة عِيسَى وَكَانَ فِي بني إِسْرَائِيل رجل يُقَال لَهُ جريج كَانَ يُصَلِّي فَجَاءَتْهُ أمه فدعته فَقَالَ أجيبها أَو أُصَلِّي فَقَالَت اللَّهُمَّ لَا تمته حَتَّى تريه وُجُوه المومسات وَكَانَ جريج فِي صومعته فتعرضت لَهُ امْرَأَة وكلمته فَأبى فَأَتَت رَاعيا فأمكنته من نَفسهَا فَولدت غُلَاما فَقيل لَهَا مِمَّن فَقَالَت من جريج فَأتوهُ فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوه فَتَوَضَّأ وَصلى ثمَّ أَتَى الْغُلَام فَقَالَ من أَبوك قَالَ الرَّاعِي قَالُوا نَبْنِي صومعتك من ذهب قَالَ لَا إِلَّا من طين " الحَدِيث. (ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم فِي بَاب بر الْوَالِدين وَدُعَاء الوالدة على الْوَلَد حَدثنَا شَيبَان بن فروخ حَدثنَا سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة حَدثنَا حميد بن هِلَال عَن أبي رَافع عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ " كَانَ جريج يتعبد فِي صومعته فَجَاءَت أمه فَقَالَت يَا جريج أَنا أمك كلمني فصادفته يُصَلِّي فَقَالَ اللَّهُمَّ أُمِّي وصلاتي فَاخْتَارَ صلَاته فَرَجَعت ثمَّ عَادَتْ فِي الثَّانِيَة فَقَالَت يَا جريج أَنا أمك فكلمني فَقَالَ اللَّهُمَّ أُمِّي وصلاتي فَاخْتَارَ صلَاته فَقَالَت اللَّهُمَّ إِن هَذَا جريج وَهُوَ ابْني وَإِنِّي كَلمته فَأبى أَن يكلمني اللَّهُمَّ لَا تمته حَتَّى تريه وُجُوه المومسات قَالَ وَلَو دعت عَلَيْهِ أَن يفتن لفتن وَكَانَ راعي ضَأْن يأوي إِلَى ديره قَالَ فَخرجت امْرَأَة من الْقرْيَة فَوَقع عَلَيْهَا الرَّاعِي فَحملت فَولدت غُلَاما فَقيل لَهَا مَا هَذَا قَالَت من صَاحب هَذَا الدَّيْر قَالَ فجاؤا بفؤسهم ومساحيهم فَنَادَوْهُ فصادفوه وَهُوَ يُصَلِّي فَلم يكلمهم قَالَ فَأخذُوا يهدمون ديره فَلَمَّا رأى ذَلِك نزل إِلَيْهِم فَقَالُوا لَهُ سل هَذِه فَتَبَسَّمَ ثمَّ مسح رَأس الصَّبِي فَقَالَ من أَبوك قَالَ أبي راعي الضَّأْن فَلَمَّا سمعُوا ذَلِك مِنْهُ قَالُوا لَهُ نَبْنِي مَا هدمناه من ديرك بِالذَّهَب وَالْفِضَّة قَالَ لَا وَلَكِن أعيدوه تُرَابا كَمَا كَانَ " وَأخرجه أَيْضا من طَرِيق جرير بن حَازِم عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لم يتَكَلَّم فِي المهد " الحَدِيث وَفِيه " وَكَانَت امْرَأَة بغي يتَمَثَّل بحسنها فَقَالَت إِن شِئْتُم لأفتننه لكم فتعرضت لَهُ فَلم يلْتَفت إِلَيْهَا فَأَتَت رَاعيا كَانَ يأوي إِلَى صومعته فأمكنته من نَفسهَا فَوَقع عَلَيْهَا فَحملت فَلَمَّا ولدت قَالَت هُوَ من جريج فَأتوهُ فاستنزلوه وهدموا صومعته وَجعلُوا يضربونه فَقَالَ مَا شَأْنكُمْ قَالُوا زَنَيْت بِهَذِهِ الْبَغي فَولدت مِنْك فَقَالَ أَيْن الصَّبِي فجاؤا بِهِ فَقَالَ دَعونِي حَتَّى أُصَلِّي فصلى فَلَمَّا انْصَرف أَتَى الصَّبِي فطعن فِي بَطْنه وَقَالَ يَا غُلَام من أَبوك قَالَ فلَان الرَّاعِي قَالَ فَأَقْبَلُوا على جريج يقبلونه ويتمسحون بِهِ وَقَالُوا نَبْنِي لَك صومعتك من ذهب قَالَ لَا أعيدوها من طين كَمَا كَانَت فَفَعَلُوا " الحَدِيث وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبُو نعيم كَمَا ذكرنَا وَذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث السَّمرقَنْدِي فِي كِتَابه تَنْبِيه الغافلين كَانَ جريج رَاهِبًا فِي بني إِسْرَائِيل يعبد الله فِي صومعته فَجَاءَتْهُ أمه يَوْمًا وَهُوَ قَائِم فِي الصَّلَاة فنادته يَا جريج فَلم يجبها لاشتغاله بِصَلَاتِهِ فَقَالَت ابتلاك الله بالمومسات يَعْنِي الزواني وَكَانَت امْرَأَة فِي تِلْكَ الْبَلدة خرجت لحاجتها(7/281)
فَأَخذهَا راعي الْغنم فواقعها عِنْد صومعة جريج فَحملت مِنْهُ وَكَانَ أهل تِلْكَ الْبَلدة يعظمون أَمر الزِّنَا فَظهر أَمر تِلْكَ الْمَرْأَة فِي الْبَلَد فَلَمَّا وضعت حملهَا أخبر الْملك أَن امْرَأَة قد ولدت من الزِّنَا فَدَعَاهَا فَقَالَ من أَيْن لَك هَذَا الْوَلَد قَالَت من جريج الراهب قد واقعني فَبعث الْملك أعوانه إِلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَنَادَوْهُ فَلم يجبهم حَتَّى جَاءُوا إِلَيْهِ بالمرور وهدموا صومعته وَجعلُوا فِي عُنُقه حبلا وجاؤا بِهِ إِلَى الْملك فَقَالَ لَهُ الْملك إِنَّك قد جعلت نَفسك عابدا ثمَّ تهتك حَرِيم النَّاس وتتعاطى مَا لَا يحل لَك قَالَ أَي شَيْء فعلت قَالَ إِنَّك قد زَنَيْت بِامْرَأَة كَذَا فَقَالَ لم أفعل فَلم يصدقوه وَحلف على ذَلِك وَلم يصدقوه فَقَالَ ردوني إِلَى أُمِّي فَردُّوهُ إِلَى أمه فَقَالَ لَهَا يَا أُمَّاهُ إِنَّك قد دَعَوْت الله عَليّ أفاستجاب الله دعاءك فادعي الله أَن يكْشف عني بدعائك فَقَالَت أمه اللَّهُمَّ إِن كَانَ جريج إِنَّمَا أَخَذته بدعوتي فاكشف عَنهُ فَرجع جريج إِلَى الْملك فَقَالَ أَيْن هَذِه الْمَرْأَة وَأَيْنَ الصَّبِي فجاؤا بِالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيّ فَسَأَلُوهَا فَقَالَت بلَى هَذَا الَّذِي فعل بِي فَوضع جريج يَده على رَأس الصَّبِي وَقَالَ بِحَق الَّذِي خلق أَن تُخبرنِي من أَبوك فَتكلم الصَّبِي بِإِذن الله تَعَالَى وَقَالَ إِن أبي فلَان الرَّاعِي فَلَمَّا سَمِعت الْمَرْأَة بذلك اعْترفت وَقَالَت كنت كَاذِبَة وَإِنَّمَا فعل بِي فلَان الرَّاعِي وَفِي رِوَايَة أَن الْمَرْأَة كَانَت حَامِلا لم تضع بعد فَقَالَ لَهَا أَيْن أصبتك قَالَت تَحت شَجَرَة وَكَانَت الشَّجَرَة بِجنب صومعته قَالَ جريج أخرجُوا إِلَى تِلْكَ الشَّجَرَة ثمَّ قَالَ يَا شَجَرَة أَسأَلك بِالَّذِي خلقك أَن تخبريني من زنا بِهَذِهِ الْمَرْأَة فَقَالَ كل غُصْن مِنْهَا راعي الْغنم ثمَّ طعن بِأُصْبُعِهِ فِي بَطنهَا وَقَالَ يَا غُلَام من أَبوك فَنَادَى من بَطنهَا أبي راعي الضَّأْن فَاعْتَذر الْملك إِلَى جريج الراهب وَقَالَ إيذن لي ابْني صومعتك بِالذَّهَب قَالَ لَا قَالَ بِالْفِضَّةِ قَالَ لَا وَلكنه بالطين كَمَا كَانَت فبنوه بالطين وَفِي كتاب الْبر والصلة لعبد الله بن الْمُبَارك من حَدِيث الْحسن أَن اسْمه كَانَ جَريا وَأَنَّهُمْ لما أحاطوا بِهِ قَالَ بِاللَّه أما أنظرتموني ليَالِي أدعوا الله عز وَجل فأنظروه ليَالِي الله أعلم كم هِيَ فَأَتَاهُ آتٍ فِي مَنَامه فَقَالَ لَهُ إِذا اجْتمع النَّاس فاطعن فِي بطن الْمَرْأَة وَقل أيتها السخلة من أَنْت وَمن أَبوك فَإِنَّهُ سَيَقُولُ راعي الْغنم فَلَمَّا أصبح طعن فِي بطن الْمَرْأَة وَقَالَ أيتها السخلة من أَبوك قَالَت راعي الْغنم قَالَ الْحسن ذكر لي أَن مولودا لم يتَكَلَّم فِي بطن أمه إِلَّا هَذَا وَعِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " وَهُوَ فِي صومته " الْوَاو فِيهِ للْحَال والصومعة على وزن فوعلة من صمعت إِذا دققت لِأَنَّهَا دقيقة الرَّأْس قَوْله " جريج " بِضَم الْجِيم وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره جِيم أَيْضا قَوْله " اللَّهُمَّ أُمِّي وصلاتي " أَي اجْتمع إِجَابَة أُمِّي وإتمام صَلَاتي فوفقني لأفضلهما قَوْله " لَا يَمُوت جريج " نفي فِي معنى الدُّعَاء قَوْله " حَتَّى ينظر " بِضَم الْيَاء على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله " المياميس " جمع مومسة وَهِي الْفَاجِرَة المتجاهرة بِهِ وَفِي التَّلْوِيح المياميس الزواني والفاجرات الْوَاحِدَة مومسة وَالْجمع مومسات ومياميس وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ إِثْبَات الْيَاء فِيهِ غلط وَالصَّوَاب حذفهَا (قلت) لَيْسَ بغلط لِأَن الْعَرَب يشبعون الكسرة فَتَصِير فِي صُورَة الْيَاء وَقَالَ ابْن قرقول وبالياء روينَا وَكَذَا ذكره أَصْحَاب الْعَرَبيَّة وَرَوَاهُ السماك المياميس بِضَم الْمِيم وَقَالَ الْقَزاز قد يُقَال للخدم مومسات قَوْله " يابابوس " كلمة يَا حرف نِدَاء وبابوس بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْألف بَاء أُخْرَى مَضْمُومَة وَبعد الْوَاو الساكنة سين مُهْملَة قَالَ الْقَزاز هُوَ الصَّغِير ووزنه فاعول فاؤه وعينه من جنس وَاحِد وَهُوَ قَلِيل وَقيل هُوَ اسْم أعجمي وَقيل هُوَ عَرَبِيّ وَقَالَ الدَّاودِيّ هُوَ اسْم ذَلِك الْوَلَد بِعَيْنِه وَقَالَ ابْن بطال هُوَ الرَّضِيع وَقَالَ الْكرْمَانِي لَو صحت الرِّوَايَة بِكَسْر السِّين وتنوينها يكون كنية لَهُ وَمَعْنَاهُ يَا أَبَا شدَّة (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ دلَالَة على أَن الْكَلَام لم يكن مَمْنُوعًا فِي الصَّلَاة فِي شريعتهم فَلَمَّا لم يجب أمه وَالْحَال أَن الْكَلَام مُبَاح لَهُ أستجيبت دَعْوَة أمه فِيهِ وَقد كَانَ الْكَلَام مُبَاحا أَيْضا فِي شريعتنا أَولا حَتَّى نزلت {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} فَأَما الْآن فَلَا يجوز للْمُصَلِّي إِذا دعت أمه أَو غَيرهَا أَن يقطع صلَاته لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا طَاعَة لمخلوق فِي مَعْصِيّة الْخَالِق " وَحقّ الله عز وَجل الَّذِي شرع فِيهِ آكِد من حق الْأَبَوَيْنِ حَتَّى يفرع مِنْهُ لَكِن الْعلمَاء يستحبون أَن يُخَفف صلَاته ويجيب أَبَوَيْهِ وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح وَصرح أَصْحَابنَا فَقَالُوا من خَصَائِص النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه لَو دَعَا إنْسَانا وَهُوَ فِي الصَّلَاة وَجب عَلَيْهِ الْإِجَابَة وَلَا تبطل صلَاته وَحكى الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر ثَلَاثَة أوجه فِي إِجَابَة أحد الْوَالِدين. أَحدهَا لَا تجب الْإِجَابَة. ثَانِيهَا تجب وَتبطل.(7/282)
ثَالِثهَا تجب وَلَا تبطل وَالظَّاهِر عدم الْوُجُوب إِن كَانَت الصَّلَاة فرضا وَقد ضَاقَ الْوَقْت وَقَالَ عبد الْملك بن حبيب كَانَت صلَاته نَافِلَة وَإجَابَة أمه أفضل من النَّافِلَة وَكَانَ الصَّوَاب إجابتها لِأَن الِاسْتِمْرَار فِي صَلَاة النَّقْل تطوع وَإجَابَة أمه وبرها وَاجِب وَكَانَ يُمكنهُ أَن يخففها ويجيبها قيل لَعَلَّه خشِي أَن تَدعُوهُ إِلَى مُفَارقَة صومعته وَالْعود إِلَى الدُّنْيَا وتعلقاتها وَفِي الْوُجُوب فِي حق الْأُم حَدِيث مُرْسل رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن حَفْص بن غياث عَن ابْن أبي ذِئْب عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " إِذا دعتك أمك فِي الصَّلَاة فأجبها وَإِن دعَاك أَبوك فَلَا تجبه " وَقَالَ مَكْحُول رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ عَنهُ وَقَالَ الْعَوام سَأَلت مُجَاهدًا عَن الرجل تَدعُوهُ أمه أَو أَبوهُ فِي الصَّلَاة قَالَ يجيبهما وَعَن مَالك إِذا منعته أمه عَن شُهُود الْعشَاء فِي جمَاعَة لم يطعها وَإِن منعته عَن الْجِهَاد أطاعها وَالْفرق ظَاهر لِأَن الْأَمْن غَالب فِي الأول دون الثَّانِي وَفِي كتاب الْبر والصلة عَن الْحسن فِي الرجل تَقول لَهُ أمه أفطر قَالَ يفْطر وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء وَله أجر الصَّوْم وَإِذا قَالَت أمه لَهُ لَا تخرج إِلَى الصَّلَاة فَلَيْسَ لَهَا فِي هَذَا طَاعَة لِأَن هَذَا فرض وَقَالُوا إِن مُرْسل ابْن الْمُنْكَدر الْفُقَهَاء على خِلَافه وَلم يعلم بِهِ قَائِل غير مَكْحُول وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ إِذا دَعَتْهُ أمه فليجبها يَعْنِي بالتسبيح وَبِمَا أُبِيح للْمُصَلِّي الْإِجَابَة بِهِ وَقَالَ ابْن حبيب من أَتَاهُ أَبوهُ ليكلمه وَهُوَ فِي نَافِلَة فليخفف وَيسلم وَيتَكَلَّم وَفِي الِاحْتِجَاج لمن يَقُول أَن الزِّنَا يحرم كَمَا يحرم وَطْء الْحَلَال قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَهُوَ رِوَايَة ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الْمُدَوَّنَة وَفِي الْمُوَطَّأ عَكسه لَا يحرم الزِّنَا حَلَالا قَالَ ويستدل بِهِ أَيْضا على أَن الْمَخْلُوق من مَاء الزَّانِي لَا تحل للزاني أم أمهَا وَهُوَ الْمَشْهُور وَقَالَ ابْن الْمَاجشون أَنَّهَا تحل وَوجه التَّمَسُّك على الْمَسْأَلَتَيْنِ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حكى عَن جريج أَنه نسب الزِّنَا للزاني وَصدق الله نسبته بِمَا خلق لَهُ من الْعَادة فَكَانَت تِلْكَ النِّسْبَة صَحِيحَة فَيلْزم على هَذَا أَن تجْرِي بَينهمَا أَحْكَام الْأُبُوَّة والبنوة من التَّوَارُث والولايات وَغير ذَلِك وَقد اتّفق الْمُسلمُونَ على أَن لَا توارث بَينهمَا فَلم تصح تِلْكَ النِّسْبَة وَالْمرَاد من ذَلِك تَبْيِين هَذَا الصَّغِير من مَاء من كَانَ وَسَماهُ أَبَاهُ مجَازًا أَو يكون فِي شرعهم أَنه يلْحقهُ وَفِيه دلَالَة على صِحَة وُقُوع الكرامات من الْأَوْلِيَاء وَهُوَ قَول جُمْهُور أهل السّنة وَالْعُلَمَاء خلافًا للمعتزلة وَقد نسب لبَعض الْعلمَاء إنكارها وَالَّذِي نظنه بهم أَنهم مَا أَنْكَرُوا أَصْلهَا لتجويز الْعقل لَهَا وَلما وَقع فِي الْكتاب وَالسّنة وأخبار صالحي هَذِه الْأمة مَا يدل على وُقُوعهَا وَإِنَّمَا مَحل الْإِنْكَار ادِّعَاء وُقُوعهَا مِمَّن لَيْسَ مَوْصُوفا بشروطها وَلَا هُوَ أهل لَهَا. وَفِيه أَن كَرَامَة الْوَلِيّ قد تقع بِاخْتِيَارِهِ وَطَلَبه وَهُوَ الصَّحِيح عِنْد جمَاعَة الْمُتَكَلِّمين كَمَا فِي حَدِيث جريج. وَمِنْهُم من قَالَ لَا تقع بِاخْتِيَارِهِ وَطَلَبه. وَفِيه أَن الْكَرَامَة قد تقع بخوارق الْعَادَات على جَمِيع أَنْوَاعهَا وَمنعه بَعضهم وأدعى أَنَّهَا تخْتَص بِمثل إِجَابَة دُعَاء وَنَحْوه قَالَ بعض الْعلمَاء هَذَا غلط من قَائِله وإنكار للحس. فِيهِ دلَالَة على أَن من أَخذ بالشدة فِي أُمُور الْعِبَادَات كَانَ أفضل إِذا علم من نَفسه قُوَّة على ذَلِك لِأَن جريجا دَعَا الله فِي الْتِزَام الْخُشُوع لَهُ فِي صلَاته وفضله على الاستجابة لأمه فعاقبه الله تَعَالَى على ترك الاستجابة لَهَا بِمَا ابتلاه الله بِهِ من دَعْوَة أمه عَلَيْهِ ثمَّ أرَاهُ فضل مَا آثره من مُنَاجَاة ربه والتزام الْخُشُوع لَهُ أَن جعل لَهُ آيَة معْجزَة فِي كَلَام الطِّفْل فخلصه بهَا من محنة دَعْوَة أمه عَلَيْهِ. وَفِيه أَن من ابتلى بشيئين يسْأَل الله تَعَالَى أَن يلقِي فِي قلبه الْأَفْضَل ويحمله على أولي الْأَمريْنِ فَإِن جريجا لما ابْتُلِيَ بشيئين وَهُوَ قَوْله " اللَّهُمَّ أُمِّي وصلاتي " فَاخْتَارَ الْتِزَام مُرَاعَاة حق الله تَعَالَى على حق أمه وَقَالَ ابْن بطال قد يُمكن أَن يكون جريج نَبيا لِأَنَّهُ كَانَ فِي زمن تمكن النُّبُوَّة فِيهِ وروى اللَّيْث بن سعد عَن يزِيد بن حُوسِبَ عَن أَبِيه قَالَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول " لَو كَانَ جريج الراهب فَقِيها عَالما لعلم أَن إِجَابَة أمه خير من عبَادَة ربه " قَالَ صَاحب التَّوْضِيح وحوشب هَذَا هُوَ ابْن طخمة بِالْمِيم الْحِمْيَرِي (قلت) قَالَ الذَّهَبِيّ فِي تَجْرِيد الصَّحَابَة حَوْشَب بن طخنة وَقيل طخمة يَعْنِي بِالْمِيم الْحِمْيَرِي الْأَلْهَانِي يعرف بِذِي ظليم أسلم على عهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وعداده فِي أهل الْيمن وَكَانَ مُطَاعًا فِي قومه كتب إِلَيْهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي قتل الْأسود الْعَنسِي وَفِي تَارِيخ دمشق كَانَ على رجالة حمص يَوْم صفّين ثمَّ قَالَ حَوْشَب لَهُ صُحْبَة وَله حَدِيث فَفِي مُسْند الشاميين فِي مُسْند أَحْمد وَلَعَلَّه الأول ثمَّ قَالَ حَوْشَب بن يزِيد الفِهري مَجْهُول روى عَنهُ ابْنه يزِيد فِي ذكر جريج الراهب وَفِيه عظم بر الْوَالِدين وَأَن دعاءهما مستجاب وَعَن هَذَا قَالَ الْعلمَاء إِن إكرامهما وَاجِب وَلَو كَانَا كَافِرين حَتَّى روى عَن ابْن عَبَّاس أَن لَهُ أَن يزور قبر وَالِديهِ وَلَو كَانَا كَافِرين وَتجب نفقتهما على الْوَلَد(7/283)
مَعَ اخْتِلَاف الدّين عِنْد أَصْحَابنَا وَقَالَ أَبُو عبد الْملك وَهَذَا من عجائب بني إِسْرَائِيل يَعْنِي أَمر جريج وَهَذَا من أَخْبَار الْآحَاد وَفِي صَحِيح مُسلم " لم يتَكَلَّم فِي المهد إِلَّا ثَلَاثَة عِيسَى ابْن مَرْيَم وَصَاحب جريج وَالصَّبِيّ الَّذِي قَالَت أمه وَرَأَتْ رجلا لَهُ شارة اللَّهُمَّ اجْعَل ابْني مثله فَنزع الثدي من فَمه وَقَالَ اللَّهُمَّ لَا تجعلني مثله " (فَإِن قلت) ظَاهر هَذَا يَقْتَضِي الْحصْر وَمَعَ هَذَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس شَاهد يُوسُف كَانَ فِي المهد قَالَه الْقُرْطُبِيّ وَعَن الضَّحَّاك تكلم فِي المهد أَيْضا يحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَام وَفِي حَدِيث صُهَيْب أَنه لما خدد الْأُخْدُود تَقَاعَسَتْ امْرَأَة عَن الْأُخْدُود فَقَالَ لَهَا صبيها وَهُوَ يرتضع مِنْهَا يَا أمه اصْبِرِي فَإنَّك على الْحق (قلت) الْجَواب عَن ذَلِك بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن الثَّلَاثَة الْمَذْكُورين فِي الصَّحِيح لَيْسَ فِيهَا خلاف وَالْبَاقُونَ مُخْتَلف فيهم وَقَالَ ابْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة كَانَ صَاحب يُوسُف ذَا لحية وَقَالَ مُجَاهِد الشَّاهِد هُوَ الْقَمِيص وَالْجَوَاب الآخر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ ذَلِك أَولا ثمَّ أطلعه الله على غَيرهم وَقد يُقَال التَّنْصِيص على الشَّيْء باسمه الْعلم لَا يَقْتَضِي الْخُصُوص سَوَاء كَانَ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ باسمه الْعدَد مَقْرُونا أَو لم يكن (قلت) الْخلاف فِيهِ مَشْهُور
(بَاب مسح الْحَصَا فِي الصَّلَاة)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم مسح الْحَصَاة فِي الصَّلَاة وَفِي بعض النّسخ مسح الْحَصَى وَلم يبين فِي التَّرْجَمَة حكمه هَل هُوَ مُبَاح أَو مَكْرُوه أَو غير جَائِز للِاخْتِلَاف الْوَاقِع فِيهِ
230 - (حَدثنَا أَبُو نعيم قَالَ حَدثنَا شَيبَان عَن يحيى عَن أبي سَلمَة قَالَ حَدثنِي معيقيب أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي الرجل يُسَوِّي التُّرَاب حَيْثُ يسْجد قَالَ إِن كنت فَاعِلا فَوَاحِدَة) قيل لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة لِأَن الْمَذْكُور فِي الحَدِيث التُّرَاب وَفِي التَّرْجَمَة الْحَصَى (قلت) قَالَ الْكرْمَانِي الْغَالِب فِي التُّرَاب الْحَصَى فَيلْزم من تَسْوِيَة التُّرَاب مسح الْحَصَى (قلت) فِيهِ نظر لِأَن الْحَصَى رُبمَا تكون غريقة فِي التُّرَاب عِنْد كَونهَا فِيهِ فَلَا يَقع عَلَيْهَا الْمسْح وَقيل ترْجم بالحصى وَفِي الحَدِيث التُّرَاب لينبه على إِلْحَاق الْحَصَى بِالتُّرَابِ فِي الِاقْتِصَار على التَّسْوِيَة مرّة وَقيل أَشَارَ بذلك إِلَى مَا ورد فِي بعض طرقه بِلَفْظ الْحَصَى كَمَا أخرجه مُسلم من طَرِيق وَكِيع عَن هِشَام الدستوَائي عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة " عَن معيقيب قَالَ ذكر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمسْح فِي الْمَسْجِد يَعْنِي الْحَصَى قَالَ إِن كنت لَا بُد فَاعِلا فَوَاحِدَة " وَفِي لفظ لَهُ فِي الرجل يُسَوِّي التُّرَاب حَيْثُ يسْجد قَالَ " إِن كنت فَاعِلا فَوَاحِدَة " وَقيل لما كَانَ فِي الحَدِيث يَعْنِي وَلَا يدْرِي أَهِي قَول الصَّحَابِيّ أَو غَيره عدل البُخَارِيّ إِلَى ذكر الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا التُّرَاب (قلت) الْأَوْجه أَن يُقَال جَاءَ فِي الحَدِيث لفظ الْحَصَى وَلَفظ التُّرَاب فَأَشَارَ بالترجمة إِلَى الْحَصَى وَبِالْحَدِيثِ إِلَى التُّرَاب ليشْمل الِاثْنَيْنِ (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول أَبُو نعيم بِضَم النُّون الْفضل بن دُكَيْن. الثَّانِي شَيبَان بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة ابْن عبد الرَّحْمَن. الثَّالِث يحيى بن أبي كثير. الرَّابِع أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. الْخَامِس معيقب بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الْقَاف بعْدهَا بَاء مُوَحدَة ابْن أبي فَاطِمَة الدوسي حَلِيف بني عبد شمس أسلم قَدِيما كَانَ على خَاتم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَاسْتَعْملهُ الشَّيْخَانِ على بَيت المَال وأصابه الجذام فَجمع لَهُ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْأَطِبَّاء فعالجوه فَوقف الْمَرَض وَهُوَ الَّذِي سقط من يَده خَاتم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَيَّام عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي بِئْر أريس فَلم يُوجد فمذ سقط الْخَاتم اخْتلفت الْكَلِمَة وَتُوفِّي فِي آخر خلَافَة عُثْمَان وَقيل توفّي فِي سنة أَرْبَعِينَ فِي خلَافَة عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَفِيه أَن شَيْخه كُوفِي وشيبان بَصرِي سكن الْكُوفَة وَيحيى يمامي وَأَبُو سَلمَة مدنِي وَفِيه أَن معيقيبا لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الحَدِيث فَقَط وَقَالَ ابْن التِّين وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة أحد أَجْذم غَيره (ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم(7/284)
فِي الصَّلَاة عَن أبي مُوسَى عَن يحيى الْقطَّان وَعَن أبي بكر أبي وَكِيع وَعَن عبيد الله بن عمر القواريري وَعَن أبي بكر عَن الْحسن بن مُوسَى عَن شَيبَان بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن هِشَام وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن الْحسن بن الحريث وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن سُوَيْد بن نصر وَأخرجه ابْن ماجة فِيهِ عَن دُحَيْم وَمُحَمّد بن الصَّباح (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " عَن أبي سَلمَة " وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى حَدثنِي أَبُو سَلمَة قَوْله " فِي الرجل " أَي فِي شَأْن الرجل وَذكر الرجل لِأَنَّهُ الْغَالِب وَإِلَّا فَالْحكم جَار فِي الذّكر وَالْأُنْثَى من الْمُكَلّفين قَوْله " يُسَوِّي التُّرَاب " جملَة حَالية من الرجل قَوْله " حَيْثُ يسْجد " يَعْنِي فِي الْمَكَان الَّذِي يسْجد فِيهِ قَوْله " قَالَ " أَي الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " إِن كنت فَاعِلا " أَي مسويا للتراب وَلَفظ الْفِعْل أَعم الْأَفْعَال وَلِهَذَا اسْتعْمل لفظ فاعلون فِي مَوضِع مؤدون فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين هم لِلزَّكَاةِ فاعلون} قَوْله " فَوَاحِدَة " بِالنّصب على إِضْمَار الناصب تَقْدِيره فامسح وَاحِدَة وَيجوز أَن تكون مَنْصُوبَة على أَنَّهَا صفة لمصدر مَحْذُوف وَالتَّقْدِير إِن كنت فَاعِلا فافعل فعلة وَاحِدَة يَعْنِي مرّة وَاحِدَة وَكَذَا فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ " إِن كنت فَاعِلا فَمرَّة وَاحِدَة " وَيجوز رَفعهَا على الِابْتِدَاء وَخَبره مَحْذُوف أَي ففعلة وَاحِدَة تَكْفِي وَيجوز أَن تكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي الْمَشْرُوع فعلة وَاحِدَة (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ الرُّخْصَة بمسح الْحَصَى فِي الصَّلَاة مرّة وَاحِدَة وَمِمَّنْ رخص بِهِ فِيهَا أَبُو ذَر وَأَبُو هُرَيْرَة وَحُذَيْفَة وَكَانَ ابْن مَسْعُود وَابْن عمر يفعلانه فِي الصَّلَاة وَبِه قَالَ من التَّابِعين إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأَبُو صَالح وَحكى الْخطابِيّ فِي المعالم كَرَاهَته عَن كثير من الْعلمَاء وَمِمَّنْ كرهه من الصَّحَابَة عمر بن الْخطاب وَجَابِر وَمن التَّابِعين الْحسن الْبَصْرِيّ وَجُمْهُور الْعلمَاء بعدهمْ وَحكى النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم اتِّفَاق الْعلمَاء على كَرَاهَته لِأَنَّهُ يُنَافِي التَّوَاضُع وَلِأَنَّهُ يشغل الْمُصَلِّي (قلت) فِي حكايته الِاتِّفَاق نظر فَإِن مَالِكًا لم ير بِهِ بَأْسا وَكَانَ يَفْعَله فِي الصَّلَاة وَفِي التَّلْوِيح رُوِيَ عَن جمَاعَة من السّلف أَنهم كَانُوا يمسحون الْحَصَى لموْضِع سجودهم مرّة وَاحِدَة وكرهوا مَا زَاد عَلَيْهَا وَذهب أهل الظَّاهِر إِلَى تَحْرِيم مَا زَاد على الْمرة الْوَاحِدَة وَقَالَ ابْن حزم فرض عَلَيْهِ أَن لَا يمسح الْحَصَى وَمَا يسْجد عَلَيْهِ إِلَّا مرّة وَاحِدَة وَتركهَا أفضل لَكِن يُسَوِّي مَوضِع سُجُوده قبل دُخُوله فِي الصَّلَاة وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن أبي ذَر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " إِذا قَامَ أحدكُم إِلَى الصَّلَاة فَلَا يمسح الْحَصَى فَإِن الرَّحْمَة تواجهه " وَرَوَاهُ أَيْضا بَقِيَّة الْأَرْبَعَة وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث أبي ذَر حَدِيث حسن وتعليل النَّهْي عَن مسح الْحَصَى بِكَوْن الرَّحْمَة تواجهه يدل على أَن النَّهْي حكمته أَن لَا يشْتَغل خاطره بِشَيْء يلهيه عَن الرَّحْمَة المواجهة لَهُ فيفوته حَظه وَفِي معنى مسح الْحَصَى مسح الْجَبْهَة من التُّرَاب والطين والحصى فِي الصَّلَاة وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ " مَا أحب أَن لي حمر النعم وَأَنِّي مسحت مَكَان جبيني من الْحَصَى إِلَّا أَن يغلبني فامسح مسحة " وَفِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ الْمُتَّفق عَلَيْهِ " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - انْصَرف عَن الصَّلَاة وعَلى جَبهته أثر المَاء والطين من صَبِيحَة إِحْدَى وَعشْرين " قَالَ القَاضِي عِيَاض وَكره السّلف مسح الْجَبْهَة فِي الصَّلَاة وَقبل الِانْصِرَاف يَعْنِي من الْمَسْجِد مِمَّا يتَعَلَّق بهَا من تُرَاب وَنَحْوه وَحكى ابْن عبد الْبر عَن سعيد بن جُبَير وَالشعْبِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ أَنهم كَانُوا يكْرهُونَ أَن يمسح الرجل جَبهته قبل أَن ينْصَرف وَيَقُولُونَ هُوَ من الْجفَاء وَقَالَ ابْن مَسْعُود أَربع من الْجفَاء أَن تصلي إِلَى غير ستْرَة أَو تمسح جبهتك قبل أَن تَنْصَرِف أَو تبول قَائِما أَو تسمع الْمُنَادِي ثمَّ لَا تجيبه
(بَاب بسط الثَّوْب فِي الصَّلَاة للسُّجُود)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان بسط الْمُصَلِّي ثَوْبه فِي الصَّلَاة ليسجد عَلَيْهِ وَلم يبين حكمه طلبا للْعُمُوم بِأَن يفعل ذَلِك وَهُوَ فِي الصَّلَاة أَو يَفْعَله قبل أَن يدْخل فِيهَا
231 - (حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنَا بشر قَالَ حَدثنَا غَالب عَن بكر بن عبد الله عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ كُنَّا نصلي مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي شدَّة الْحر فَإِذا لم يسْتَطع أَحَدنَا أَن(7/285)
يُمكن وَجهه من الأَرْض بسط ثَوْبه فَسجدَ عَلَيْهِ) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحَدِيث قد مر بشرحه فِي بَاب السُّجُود على الثَّوْب فِي شدَّة الْحر فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك عَن بشر بن الْمفضل عَن غَالب الْقطَّان إِلَى آخِره وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة
(بَاب مَا يجوز من الْعَمَل فِي الصَّلَاة)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يجوز فعله فِي الصَّلَاة
232 - (حَدثنَا عبد الله بن مسلمة قَالَ حَدثنَا مَالك عَن أبي النَّضر عَن أبي سَلمَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كنت أمد رجْلي فِي قبْلَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يُصَلِّي فَإِذا سجد غمزني فرفعتها فَإِذا قَامَ مددتها) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه يدل على أَن الْعَمَل الْيَسِير فِي الصَّلَاة لَا يُفْسِدهَا وَقد مر الحَدِيث فِي بَاب الصَّلَاة على الْفراش فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْمَاعِيل عَن مَالك عَن أبي النَّضر إِلَى آخِره وَأَبُو النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة اسْمه سَالم
233 - (حَدثنَا مَحْمُود قَالَ حَدثنَا شَبابَة قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه صلى صَلَاة قَالَ إِن الشَّيْطَان عرض لي فَشد عَليّ ليقطع الصَّلَاة عَليّ فأمكنني الله مِنْهُ فذعته وَلَقَد هَمَمْت أَن أوثقه إِلَى سَارِيَة حَتَّى تصبحوا فتنظروا إِلَيْهِ فَذكرت قَول سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام رب هَب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي فَرده الله خاسئا ثمَّ قَالَ النَّضر بن شُمَيْل فذعته بِالذَّالِ أَي خنقته وفدعته من قَول الله تَعَالَى {يَوْم يدعونَ} أَي يدْفَعُونَ وَالصَّوَاب فدعته إِلَّا أَنه كَذَا قَالَ بتَشْديد الْعين وَالتَّاء) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فدعته " لِأَن مَعْنَاهُ دَفعته فِي قَول على مَا نذكرهُ عَن قريب وَكَانَ ذَلِك عملا يَسِيرا وَقد مر الحَدِيث فِي بَاب الْأَسير أَو الْغَرِيم يرْبط فِي الْمَسْجِد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن اسحق بن إِبْرَاهِيم عَن روح وَمُحَمّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد إِلَى آخِره وشبابة بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْألف بَاء أُخْرَى مَفْتُوحَة وَفِي آخِره هَاء ابْن سوار الْفَزارِيّ مر فِي آخر كتاب الْحيض وَلَفظه هُنَاكَ " أَن عفريتا من الْجِنّ تفلت عَليّ " (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " فَشد عَليّ " أَي حمل يُقَال شدّ فِي الْحَرْب يشد بِالْكَسْرِ وَضَبطه بَعضهم بِالْمُعْجَمَةِ أَعنِي الدَّال وأظن أَنه غلط قَوْله " يقطع الصَّلَاة " جملَة وَقعت حَالا وَهَذِه رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا " ليقطع " بلام التَّعْلِيل قَوْله " فذعته " الْفَاء للْعَطْف وذعته فعل مَاض للمتكلم وَحده بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة من ألذعت بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَهُوَ الخنق ويروى " فدعته " من الدع بِالدَّال وَالْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ الدّفع وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {يَوْم يدعونَ إِلَى نَار جَهَنَّم} أَي يدْفَعُونَ وعَلى هَذَا أصل دعت دععت وأدغم الْعين فِي التَّاء وَيُقَال معنى ذعته بِالْمُعْجَمَةِ مرغته فِي التُّرَاب قَوْله " وَلَقَد هَمَمْت " أَي قصدت قَوْله " أَن أوثقه " كلمة أَن مَصْدَرِيَّة أَي قصدت أَن أربطه قَوْله " إِلَى سَارِيَة " أَي أسطوانة قَوْله " فتنظروا " وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي " أَو تنظروا إِلَيْهِ " بِكَلِمَة الشَّك قَوْله " خاسئا " نصب على الْحَال أَي مطرودا متحيرا وَهَهُنَا أسئلة. الأول فِي أَي صُورَة عرض لَهُ الشَّيْطَان (قلت) روى عبد الرَّزَّاق أَنه كَانَ فِي صُورَة هر وَهَذَا معنى قَوْله " فأمكنني الله مِنْهُ " أَي صوره لي فِي صُورَة هر مشخصا يُمكنهُ أَخذه.(7/286)
الثَّانِي قيل مُجَرّد هَذَا الْقدر يَعْنِي ربطه إِلَى سَارِيَة لَا يُوجب عدم اخْتِصَاص الْملك لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذْ المُرَاد بِملك لَا يَنْبَغِي لأحد من بعده مَجْمُوع مَا كَانَ لَهُ من تسخير الرِّيَاح وَالطير والوحش وَنَحْوه وَأجِيب بِأَنَّهُ أَرَادَ الِاحْتِرَاز عَن الشَّرِيك فِي جنس ذَلِك الْملك. الثَّالِث ثَبت أَن الشَّيْطَان يفر من ظلّ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأَنه يسْلك فجا غير فجه ففراره عَنهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالطَّرِيقِ الأولى وَأجِيب بِأَن المُرَاد من فراره من ظلّ عمر لَيْسَ حَقِيقَة الْفِرَار بل بَيَان قُوَّة عمر وصلابته على قهر الشَّيْطَان وَهنا صَرِيح أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قهره وطرده غَايَة الْإِمْكَان وَفِي بعض النّسخ عقيب الحَدِيث عَن النّظر من شُمَيْل " فذعته " بِالذَّالِ أَي خنقته وفدعته من قَول الله عز وَجل {يَوْم يدعونَ} أَي يدْفَعُونَ وَالصَّوَاب " فدعته " أَي بِالْمُهْمَلَةِ إِلَّا أَنه كَذَا قَالَ بتَشْديد الْعين وَالتَّاء (وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ) أَن الْعَمَل الْيَسِير لَا يفْسد الصَّلَاة وَأخذُوا من ذَلِك جَوَاز أَخذ البرغوث والقملة وَدفع الْمَار بَين يَدَيْهِ وَالْإِشَارَة والالتفات الْخَفِيف وَالْمَشْي الْخَفِيف وَقتل الْحَيَّة وَالْعَقْرَب وَنَحْو ذَلِك وَهَذَا كُله إِذا لم يقْصد الْمُصَلِّي بذلك الْعَبَث فِي صلَاته وَلَا التهاون بهَا وَمِمَّنْ أجَاز أَخذ القملة وقتلها فِي الصَّلَاة الْكُوفِيُّونَ وَالْأَوْزَاعِيّ وَقَالَ أَبُو يُوسُف قد أَسَاءَ وَصلَاته تَامَّة وَكره اللَّيْث قَتلهَا فِي الْمَسْجِد وَلَو قَتلهَا لم يكن عَلَيْهِ شَيْء وَقَالَ مَالك لَا يَقْتُلهَا فِي الْمَسْجِد وَلَا يَطْرَحهَا فِيهِ وَلَا يدفنها فِي الصَّلَاة وَقَالَ الطَّحَاوِيّ لَو حك بدنه لم يكره كَذَلِك أَخذ القملة وطرحها وَرخّص فِي قتل الْعَقْرَب فِي الصَّلَاة ابْن عمر وَالْحسن وَالْأَوْزَاعِيّ وَاخْتلف قَول مَالك فِيهِ فَمرَّة كرهه وَمرَّة أجَازه وَقَالَ لَا بَأْس بقتلها إِذا آذته وَكَذَا الْحَيَّة وَالطير يرميه بِحجر يتَنَاوَلهُ من الأَرْض فَإِن لم يطلّ ذَلِك لم تبطل صلَاته وَأَجَازَ قتل الْحَيَّة وَالْعَقْرَب فِي الصَّلَاة الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَكره قتل الْعَقْرَب فِي الصَّلَاة إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَسُئِلَ مَالك عَمَّن يمسك عنان فرسه فِي الصَّلَاة وَلَا يتَمَكَّن من وضع يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ قَالَ أَرْجُو أَن يكون خَفِيفا وَلَا يبعد ذَلِك وروى عَليّ بن زِيَاد عَن مَالك فِي الْمُصَلِّي يخَاف على صبي يقرب من نَار فَذهب إِلَيْهِ فَقَالَ إِن انحرف عَن الْقبْلَة ابتدا وَإِن لم ينحرف بنى وَسُئِلَ أَحْمد عَن رجل أَمَامه ستْرَة فَسَقَطت فَأَخذهَا وركزها قَالَ أَرْجُو أَن لَا يكون بِهِ بَأْس فَذكر لَهُ عَن ابْن الْمُبَارك أَنه أَمر رجلا صنع ذَلِك بِالْإِعَادَةِ قَالَ لَا آمره بِالْإِعَادَةِ وَأَرْجُو أَن يكون خَفِيفا وَأَجَازَ مَالك وَالشَّافِعِيّ حمل الصَّبِي فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة وَهُوَ قَول أبي ثَوْر (قلت) عندنَا يكره حمل الصَّبِي فِي الصَّلَاة وَإِن كَانَ بِعُذْر لَا يكره
(بَاب إِذا انفلتت الدَّابَّة فِي الصَّلَاة)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا انفلتت الدَّابَّة فِي حَال الصَّلَاة الانفلات والإفلات والتفلت التَّخَلُّص من الشَّيْء فَجْأَة من غير تمكث وَجَوَاب إِذا مَحْذُوف تَقْدِيره إِذا انفلتت الدَّابَّة وَهُوَ فِي الصَّلَاة مَاذَا يصنع
(وَقَالَ قَتَادَة إِن أَخذ ثَوْبه يتبع السَّارِق ويدع الصَّلَاة) مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن دَابَّة الْمُصَلِّي إِذا انفلتت لَهُ أَن يتبعهَا على مَا يَجِيء فَكَذَلِك إِذا أَخذ السَّارِق ثَوْبه وَهُوَ فِي الصَّلَاة لَهُ أَن يتبعهُ وَيقطع صلَاته فَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة تَأْخُذ الْمُطَابقَة والأثر مُعَلّق وَوَصله عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة بِمَعْنَاهُ وَزَاد " فَيرى صَبيا على بِئْر فيتخوف أَن يسْقط فِيهَا قَالَ ينْصَرف لَهُ " قَوْله " ويدع " أَي يتْرك الصَّلَاة
233 - (حَدثنَا آدم قَالَ حَدثنَا شُعْبَة قَالَ حَدثنَا الْأَزْرَق بن قيس قَالَ كُنَّا بالأهواز نُقَاتِل الحرورية فَبينا أَنا على جرف نهر إِذا رجل يُصَلِّي وَإِذا لجام دَابَّته بِيَدِهِ فَجعلت الدَّابَّة تنازعه وَجعل يتبعهَا. قَالَ شُعْبَة هُوَ أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ فَجعل رجل من الْخَوَارِج يَقُول اللَّهُمَّ افْعَل بِهَذَا الشَّيْخ فَلَمَّا انْصَرف الشَّيْخ قَالَ إِنِّي سَمِعت قَوْلكُم وَإِنِّي غزوت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سِتّ غزوات(7/287)
أَو سبع غزوات أَو ثَمَان وَشهِدت تيسيره وَإِنِّي أَن كنت أَن أراجع مَعَ دَابَّتي أحب إِلَيّ من أَن أدعها ترجع إِلَى مألفها فَيشق عَليّ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَجعلت الدَّابَّة تتنازعه وَجعل يتبعهَا " (ذكر رِجَاله) فِيهِ خمس أنفس آدم بن أبي إِيَاس وَشعْبَة بن الْحجَّاج والأزرق بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الزَّاي ابْن قيس الْحَارِثِيّ الْبَصْرِيّ وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ ورجلان أَحدهمَا هُوَ أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ فسره شُعْبَة بقوله هُوَ أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ واسْمه نَضْلَة بن عبيد أسلم قَدِيما وَنزل الْبَصْرَة وَرُوِيَ أَنه مَاتَ بهَا ورد أَنه مَاتَ بنيسابور وَرُوِيَ أَنه مَاتَ فِي مفازة بَين سجستان وهراة وَقَالَ خَليفَة بن خياط وافي خُرَاسَان وَمَات بهَا بعد سنة أَربع وَسِتِّينَ وَقَالَ غَيره مَاتَ فِي آخر خلَافَة مُعَاوِيَة أَو فِي أَيَّام يزِيد بن مُعَاوِيَة وَالْآخر مَجْهُول وَهُوَ قَوْله " فَجعل رجل من الْخَوَارِج " وَإسْنَاد هَذَا كُله بِالتَّحْدِيثِ بِصِيغَة الْجمع وَتفرد بِهِ البُخَارِيّ عَن الْجَمَاعَة (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " بالأهواز " بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْهَاء وبالزاي قَالَه الْكرْمَانِي هِيَ أَرض خوزستان وَقَالَ صَاحب الْعين الأهواز سبع كور بَين الْبَصْرَة وَفَارِس لكل كورة مِنْهَا اسْم ويجمعها الأهواز وَلَا تنفرد وَاحِدَة مِنْهَا بهوز فِي وَفِي الْمُحكم لَيْسَ للأهواز وَاحِد من لَفظه وَقَالَ ابْن خردابة هِيَ بِلَاد وَاسِعَة مُتَّصِلَة بِالْجَبَلِ وأصبهان وَقَالَ الْبكْرِيّ بلد يجمع سبع كور كورة الأهواز وجندي وسابور والسوس وسرق ونهر بَين ونهر تيرى وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ يُقَال لَهَا الْآن سوق الأهواز وَقَالَ بَعضهم الأهواز بَلْدَة مَعْرُوفَة بَين الْبَصْرَة وَفَارِس فتحت أَيَّام عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (قلت) قَوْله بَلْدَة لَيْسَ كَذَلِك بل هِيَ بِلَاد كَمَا ذكرنَا قَوْله " الحرورية " بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَضم الرَّاء الأولى المخففة نِسْبَة إِلَى حروراء اسْم قَرْيَة يمد وَيقصر وَقَالَ الرشاطي حروراء قَرْيَة من قرى الْكُوفَة والحرورية صنف من الْخَوَارِج ينسبون إِلَى حروراء اجْتَمعُوا بهَا فَقَالَ لَهُم عَليّ مَا نسميكم قَالَ أَنْتُم الحرورية لاجتماعكم بحروراء وَالنّسب إِلَى مثل حروراء أَن يُقَال حروراوي وَكَذَلِكَ مَا كَانَ فِي آخِره ألف التَّأْنِيث الممدودة وَلكنه حذفت الزَّوَائِد تَخْفِيفًا فَقيل الحروري وَكَانَ الَّذِي يُقَاتل الحرورية إِذْ ذَاك الْمُهلب بن أبي صفرَة كَمَا فِي رِوَايَة عَمْرو بن مَرْزُوق عَن شُعْبَة عَن الْإِسْمَاعِيلِيّ وَذكر مُحَمَّد بن قدامَة الْجَوْهَرِي فِي كِتَابه أَخْبَار الْخَوَارِج أَن ذَلِك كَانَ فِي خمس وَسِتِّينَ من الْهِجْرَة وَكَانَ الْخَوَارِج قد حاصروا أهل الْبَصْرَة مَعَ نَافِع بن الْأَزْرَق حَتَّى قتل وَقتل من أُمَرَاء الْبَصْرَة جمَاعَة إِلَى أَن ولي عبد الله بن الزبير بن الْحَارِث بن عبد الله بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي على الْبَصْرَة وَولي الْمُهلب بن أبي صفرَة على قتال الْخَوَارِج وَفِي الْكَامِل لأبي الْعَبَّاس الْمبرد أَن الْخَوَارِج تجمعت بالأهواز مَعَ نَافِع بن الْأَزْرَق سنة أَربع وَسِتِّينَ فَلَمَّا قتل نَافِع وَابْن عُبَيْس رَئِيس الْمُسلمين من جِهَة ابْن الزبير ثمَّ خرج إِلَيْهِم حَارِثَة بن بدر ثمَّ أرسل إِلَيْهِم ابْن الزبير عُثْمَان بن عبيد الله ثمَّ توفّي القياع فَبعث إِلَيْهِم الْمُهلب بن أبي صفرَة وكل من هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاء يمكثون مَعَهم فِي الْقِتَال حينا فَلَعَلَّ ذَلِك انْتهى إِلَى سنة خمس وَهُوَ يُعَكر على من قَالَ أَن أَبَا بَرزَة توفّي سنة سِتِّينَ وَأكْثر مَا قيل سنة أَربع قَوْله " فَبينا " أَصله بَين أَشْعَث فَتْحة النُّون فَصَارَت ألفا يُقَال بَينا وبينما وهما ظرفا زمَان بِمَعْنى المفاجأة ويضافان إِلَى جملَة من مُبْتَدأ وَخبر وَفعل وفاعل ويحتاجان إِلَى جَوَاب يتم بِهِ الْمَعْنى وَالْجَوَاب هُنَا هُوَ قَوْله " إِذا رجل يُصَلِّي والأفصح فِي جوابهما أَلا يكون فِيهِ إِذا وَإِذا تَقول بَينا زيد جَالس دخل عَلَيْهِ عَمْرو وَإِذ دخل عَلَيْهِ عَمْرو وَإِذا دخل عَلَيْهِ عَمْرو " قَوْله " إِنَّا " مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله " على جرف نهر جرف " بِضَم الْجِيم وَالرَّاء وبسكونها أَيْضا وَفِي آخِره فَاء وَهُوَ الْمَكَان الَّذِي أكله السَّيْل وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " على حرف نهر " بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء أَي على جَانِبه وَوَقع فِي رِوَايَة حَمَّاد بن زيد عَن الْأَزْرَق فِي الْأَدَب " كُنَّا على شاطيء نهر قد نضب عَنهُ المَاء " أَي زَالَ وَفِي رِوَايَة مهْدي ابْن مَيْمُون عَن الْأَزْرَق عَن مُحَمَّد بن قدامَة " كنت فِي ظلّ قصر مهْرَان بالأهواز على شط دجيل " وَبَين هَذَا تَفْسِير النَّهر فِي رِوَايَة البُخَارِيّ والدجيل بِضَم الدَّال وَفتح الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف فِي آخِره لَام وَهُوَ نهر ينشق من دجلة نهر بَغْدَاد قَوْله " إِذا رجل " كلمة إِذا فِي الْمَوْضِعَيْنِ للمفاجأة وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ والكشميهني " إِذا جَاءَ رجل " قَوْله " قَالَ شُعْبَة " هُوَ أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ أَي الرجل الْمُصَلِّي وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمقَام أَن الْأَزْرَق بن قيس الَّذِي يروي عَنهُ(7/288)
شُعْبَة لم يسم الرجل شُعْبَة وَلَكِن رَوَاهُ ابو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده عَن شُعْبَة فَقَالَ فِي آخِره " فَإِذا هُوَ أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ " وَفِي رِوَايَة عَمْرو بن مَرْزُوق عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ " فجَاء أَبُو بَرزَة " وَفِي رِوَايَة حَمَّاد فِي الْأَدَب " فجَاء أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ على فرس فصلى وخلاها فَانْطَلَقت فاتبعها " وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الْأَزْرَق بن قيس " أَن أَبَا بَرزَة الْأَسْلَمِيّ مَشى إِلَى دَابَّته وَهُوَ فِي الصَّلَاة " الحَدِيث وَبَين مهْدي بن مَيْمُون فِي رِوَايَته أَن تِلْكَ الصَّلَاة كَانَت صَلَاة الْعَصْر وَفِي رِوَايَة عَمْرو بن مَرْزُوق " فمضت الدَّابَّة فِي قبلته فَانْطَلق أَبُو بَرزَة حَتَّى أَخذهَا ثمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرِي " قَوْله " افْعَل بِهَذَا الشَّيْخ " دُعَاء عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيّ " فَإِذا شيخ يُصَلِّي قد عمد إِلَى عنان دَابَّته فَجعله فِي يَده فنكصت الدَّابَّة فنكص مَعهَا ومعنا رجل من الْخَوَارِج فَجعل يسبه " وَفِي رِوَايَة مهْدي قَالَ " أَلا ترى إِلَى هَذَا الْحمار " وَفِي رِوَايَة حَمَّاد " انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخ ترك صلَاته من أجل فرس " قَوْله " أَو ثَمَانِي " بِغَيْر ألف وَلَا تَنْوِين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " أَو ثَمَانِي " وَقَالَ بن مَالك الأَصْل ثَمَانِي غزوات فَحذف الْمُضَاف وَأبقى الْمُضَاف إِلَيْهِ على حَاله وَقد رَوَاهُ عَمْرو بن مَرْزُوق بِلَفْظ " سبع غزوت " بِغَيْر شكّ قَوْله " وَشهِدت تيسيره " أَي تسهيله على النَّاس وغالب النّسخ على هَذَا قَالَ الْكرْمَانِي وَفِي بعض الرِّوَايَات كل سيره أَي سَفَره وَفِي بَعْضهَا " شهدب سيره " بِكَسْر السِّين وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف جمع السِّيرَة وَحكى ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ أَنه وَقع عِنْده " وَشهِدت تستر " بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون السِّين اسْم مَدِينَة بحوزستان من بِلَاد الْعَجم وَمَعْنَاهُ وَشهِدت فتحهَا وَكَانَت فتحت فِي أَيَّام عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي سنة سبع عشرَة من الْهِجْرَة قَوْله " وَإِنِّي إِن كنت أَن أرجع " نقل بَعضهم عَن السُّهيْلي أَنه قَالَ " إِنِّي " وَمَا بعْدهَا اسْم مُبْتَدأ " وَأَن أرجع " اسْم مبدل فِي الِاسْم الأول " وَأحب " خبر عَن الثَّانِي وَخبر كَانَ مَحْذُوف أَي إِنِّي إِن كنت رَاجعا أحب إِلَيّ (قلت) مَا أَظن أَن السُّهيْلي أعرب بِهَذَا الْإِعْرَاب فَكيف يَقُول إِنِّي وَمَا بعْدهَا اسْم وَهِي جملَة (فَإِن قيل) أَرَادَ أَنه جملَة اسمية مُؤَكدَة بِأَن يُقَال لَهُ الْمُبْتَدَأ اسْم مُفْرد وَالْجُمْلَة لَا تقع مُبْتَدأ وَكَذَلِكَ قَوْله " وَأَن أرجع " لَيْسَ باسم فَكيف يَقُول اسْم مبدل وَهَذَا تصرف من لم يمس شَيْئا من علم النَّحْو وَالَّذِي يُقَال أَن الْيَاء فِي إِنِّي اسْم إِن فِي إِن كنت شَرْطِيَّة وَاسم كَانَ هُوَ الضَّمِير الْمَرْفُوع فِيهِ وَكلمَة أَن بِالْفَتْح مَصْدَرِيَّة تقدر لَام الْعلَّة فِيمَا قبلهَا وَالتَّقْدِير وَإِن كنت لِأَن أرجع وَقَوله " أحب " خبر كَانَ وَهَذِه الْجُمْلَة الشّرطِيَّة سدت مسد خبر أَن فِي " إِنِّي " وَذَلِكَ لِأَن رُجُوعه إِلَى دَابَّته وانطلاقه إِلَيْهَا وَهُوَ فِي الصَّلَاة أحب إِلَيْهِ من أَن يَدعهَا أَي يَتْرُكهَا ترجع إِلَى مألفها بِفَتْح اللَّام أَي معلفها فَيشق عَلَيْهِ وَكَانَ منزله بَعيدا إِذا صلاهَا وَتركهَا لم يكن يَأْتِي إِلَى أَهله إِلَى اللَّيْل لبعد الْمسَافَة وَقد صرح بذلك فِي رِوَايَة حَمَّاد فَقَالَ " إِن منزلي متراخ " أَي متباعد " فَلَو صليت وتركتها " أَي الْفرس " لم آتٍ أَهلِي إِلَى اللَّيْل لبعد الْمَكَان " (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) قَالَ ابْن بطال لَا خلاف بَين الْفُقَهَاء أَن من أفلتت دَابَّته وَهُوَ فِي الصَّلَاة أَنه يقطع الصَّلَاة ويتبعها وَقَالَ مَالك من خشِي على دَابَّته الْهَلَاك أَو على صبي رَآهُ فِي الْمَوْت فليقطع صلَاته وروى ابْن الْقَاسِم عَنهُ فِي مُسَافر أفلتت دَابَّته وَخَافَ عَلَيْهَا أَو على صبي أَو أعمى أَن يَقع فِي بِئْر أَو نَار أَو ذكر مَتَاعا يخَاف أَن يتْلف فَذَلِك عذر يُبِيح لَهُ أَن يسْتَخْلف وَلَا تفْسد على من خَلفه شَيْئا وَلَا يجوز أَن يفعل هَذَا أَبُو بَرزَة دون أَن يُشَاهِدهُ من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَ ابْن التِّين وَالصَّوَاب أَنه إِذا كَانَ لَهُ شَيْء لَهُ قدر يخْشَى فَوَاته يقطع وَإِن كَانَ يَسِيرا فعادته على صلَاته أولى من صِيَانة قدر يسير من مَاله هَذَا حكم الْفَذ وَالْمَأْمُوم فَأَما الإِمَام فَفِي كتاب سَحْنُون إِذا صلى رَكْعَة ثمَّ انفلتت دَابَّته وَخَافَ عَلَيْهَا أَو على صبي أَو أعمى أَن يقعا فِي الْبِئْر وَذكر مَتَاعا لَهُ يخَاف تلفه فَذَلِك عذر يُبِيح لَهُ أَن يسْتَخْلف وَلَا يفْسد على من خَلفه شَيْئا وعَلى قَول أَشهب إِن لم يعد وَاحِد مِنْهُم بني قِيَاسا على قَوْله إِذا خرج لغسل دم رَآهُ فِي ثَوْبه وَأحب إِلَيّ أَن يسْتَأْنف وَإِن بنى أَجزَاء (قلت) ذكر مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى فِي السّير الْكَبِير حَدِيث الْأَزْرَق بن قيس أَنه رأى أَبَا بَرزَة يُصَلِّي آخِذا بعنان فرسه حَتَّى صلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ انْسَلَّ قياد فرسه من يَده فَمضى الْفرس إِلَى الْقبْلَة فَتَبِعَهُ أَبُو بَرزَة حَتَّى أَخذ بقياده ثمَّ رَجَعَ ناكصا على عَقِبَيْهِ حَتَّى صلى الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ قَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله وَبِهَذَا نَأْخُذ الصَّلَاة تجزي مَعَ مَا صنع لَا يُفْسِدهَا الَّذِي صنع لِأَنَّهُ رَجَعَ على عَقِبَيْهِ وَلم يستدبر الْقبْلَة بِوَجْهِهِ حَتَّى لَو جعلهَا خلف ظَهره فَسدتْ صلَاته ثمَّ لَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيث فصل بَين الْمَشْي الْقَلِيل وَالْكثير فَهَذَا يبين لَك أَن الْمَشْي فِي الصَّلَاة مُسْتَقْبل الْقبْلَة لَا يُوجب فَسَاد الصَّلَاة وَإِن كثر وَبَعض مَشَايِخنَا أولُوا هَذَا الحَدِيث وَاخْتلفُوا فِيمَا بَينهم فِي التَّأْوِيل(7/289)
فَمنهمْ من قَالَ تَأْوِيله أَنه لم يُجَاوز مَوضِع سُجُوده فإمَّا إِذا جَاوز ذَلِك فَإِن صلَاته تفْسد لِأَن مَوضِع سُجُوده فِي الفضاء مُصَلَّاهُ وَكَذَلِكَ مَوضِع الصُّفُوف فِي الْمَسْجِد وخطاه فِي مُصَلَّاهُ عَفْو وَمِنْهُم من قَالَ تَأْوِيله أَن مَشْيه لم يكن متلاصقا بل مَشى خطْوَة فسكن ثمَّ مَشى خطْوَة وَذَلِكَ قَلِيل وَأَنه لَا يُوجب فَسَاد الصَّلَاة أما إِذا كَانَ الْمَشْي متلاصقا تفْسد وَإِن لم يستدبر الْقبْلَة لِأَنَّهُ عمل كثير وَمن الْمَشَايِخ من أَخذ بِظَاهِر الحَدِيث وَلم يقل بِالْفَسَادِ قل الْمَشْي أَو كثر اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاس أَن تفْسد صلَاته إِذا كثر الْمَشْي إِلَّا أَنا تركنَا الْقيَاس بِحَدِيث أبي بَرزَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأَنه خص بِحَالَة الْعذر فَفِي غير حَالَة الْعذر يعْمل بقضية الْقيَاس
234 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن مقَاتل قَالَ أخبرنَا عبد الله قَالَ أخبرنَا يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة. قَالَ قَالَت عَائِشَة خسفت الشَّمْس فَقَامَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَرَأَ سُورَة طَوِيلَة ثمَّ ركع فَأطَال ثمَّ رفع رَأسه ثمَّ استفتح بِسُورَة أُخْرَى ثمَّ ركع حَتَّى قَضَاهَا وَسجد ثمَّ فعل ذَلِك فِي الثَّانِيَة ثمَّ قَالَ إنَّهُمَا آيتان من آيَات الله فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فصلوا حَتَّى يفرج عَنْكُم لقد رَأَيْت فِي مقَامي هَذَا كل شَيْء وعدته حَتَّى لقد رَأَيْت أُرِيد أَن آخذ قطفا من الْجنَّة حِين رَأَيْتُمُونِي جعلت أتقدم وَلَقَد رَأَيْت جَهَنَّم يحطم بَعْضهَا بَعْضًا حِين رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرت وَرَأَيْت فِيهَا عَمْرو بن لحي وَهُوَ الَّذِي سيب السوائب) قَالَ الْكرْمَانِي تعلق الحَدِيث بالترجمة هُوَ أَن فِيهِ مذمة تسييب السوائب مُطلقًا سَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَو لَا (قلت) مَا أبعد هَذَا الْوَجْه أَو تعلق الحَدِيث بالترجمة فِي قَوْله " جعلت أتقدم " وَفِي قَوْله " تَأَخَّرت " وَذَلِكَ لِأَن فِي الحَدِيث السَّابِق ذكر انفلات فرس أبي بَرزَة وَأَنه تقدم من مَوضِع سُجُوده وَمَشى ثمَّ تَأَخّر وَرجع الْقَهْقَرِي وَفِي هَذَا الحَدِيث أَيْضا التَّقَدُّم والتأخر وَهَذَا الْمِقْدَار يقنع بِهِ وَهَذَا الحَدِيث قد مر فِي صَلَاة الْكُسُوف بِوُجُوه مُخْتَلفَة. مِنْهَا أَنه رَوَاهُ من رِوَايَة يُونُس عَن ابْن شهَاب وَهُوَ الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ من رِوَايَة اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة وَقد ذكرنَا هُنَاكَ مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء ولنذكر هَهُنَا مَا يحْتَاج إِلَيْهِ هَهُنَا فَقَوله " عبد الله " هُوَ ابْن الْمُبَارك وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم قَوْله " حَتَّى قَضَاهَا " أَي الرَّكْعَة وَالْقَضَاء هَهُنَا بِمَعْنى الْفَرَاغ وَالْأَدَاء كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذا قضيت الصَّلَاة} أَي أدّيت قَوْله " ذَلِك " أَي الْمَذْكُور من القيامين والركوعين فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة قَوْله " أَنَّهُمَا " قَالَ الْكرْمَانِي أَي الخسوف والكسوف (قلت) ليسَا بمذكورين غير أَن قَوْلهَا " خسفت الشَّمْس " يدل على الْكُسُوف وَالظَّاهِر أَن الضَّمِير يرجع إِلَى الشَّمْس وَالْقَمَر كَمَا جَاءَ صَرِيحًا " إِن الشَّمْس وَالْقَمَر آيتان من آيَات الله تَعَالَى " وَالشَّمْس مَذْكُورَة وَالْقَمَر لما كَانَ كَالشَّمْسِ فِي ذَلِك كَانَ كالمذكور قَوْله " فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك " أَي الخسوف الَّذِي دلّ عَلَيْهِ قَوْلهَا " خسفت " والخسوف يسْتَعْمل فِيهَا جَمِيعًا كَمَا مر فِي بَاب الْكُسُوف قَوْله " وعدته " بِضَم الْوَاو على صِيغَة الْمَجْهُول ويروى " وعدت " بِلَا ضمير فِي آخِره وعَلى الْوَجْهَيْنِ هِيَ جملَة فِي مَحل الْخَفْض لِأَنَّهَا صفة لقَوْله " شَيْء " وَفِي رِوَايَة ابْن وهب عَن يُونُس فِي رِوَايَة مُسلم " وعدتم " قَوْله " حَتَّى لقد رَأَيْته " كَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي بالضمير الْمَنْصُوب بعد رَأَيْت وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِلَا ضمير وَفِي رِوَايَة مُسلم " لقد رَأَيْتنِي " قَوْله " أُرِيد " جملَة حَالية وَكلمَة أَن فِي أَن آخذ مَصْدَرِيَّة وَفِي رِوَايَة جَابر " حَتَّى تناولت مِنْهَا قطفا فقصرت يَدي عَنهُ " قَوْله " قطفا " بِكَسْر الْقَاف وَهُوَ العنقود من الْعِنَب ويفسر ذَلِك حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي الْكُسُوف وَقد تقدم قَوْله " جعلت " أَي طفقت قَالَ الْكرْمَانِي (فَإِن قلت) لم قَالَ هُنَا بِلَفْظ " جعلت " وَلم يقل فِي التَّأَخُّر بِهِ بل قَالَ " تَأَخَّرت " (قلت) لِأَن التَّقَدُّم كَاد أَن يَقع بِخِلَاف التَّأَخُّر فَإِنَّهُ قد وَقع وَاعْترض عَلَيْهِ بَعضهم بقوله وَقد وَقع التَّصْرِيح بِوُقُوع التَّقَدُّم والتأخر جَمِيعًا فِي حَدِيث جَابر عِنْد مُسلم وَلَفظه " لقد جِيءَ بالنَّار ودلكم حِين رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرت(7/290)
مَخَافَة أَن يُصِيبنِي من لفحها " وَفِيه " ثمَّ جِيءَ بِالْجنَّةِ وذلكم حِين رَأَيْتُمُونِي تقدّمت حَتَّى قُمْت فِي مقَامي " (قلت) لَا يرد عَلَيْهِ مَا قَالَه لِأَن جعلت فِي قَوْله هَهُنَا بِمَعْنى طفقت كَمَا ذكرنَا وَبني السُّؤَال وَالْجَوَاب عَلَيْهِ وَجعل الَّذِي بِمَعْنى طفق من أَفعاله المقاربة من الْقسم الَّذِي وضع للدلالة على الْمَشْرُوع فِي الْخَبَر وَقد علم أَن أَفعَال المقاربة على ثَلَاثَة أَنْوَاع أَحدهَا هَذَا وَالثَّانِي مَا وضع للدلالة على قرب الْخَبَر وَهُوَ ثَلَاثَة كَاد وَقرب وأوشك وَالثَّالِث مَا وضع للدلالة على رجائه نَحْو عَسى وَأَيْضًا لَا يلْزم أَن يكون حَدِيث عَائِشَة مثل حَدِيث جَابر من كل الْوُجُوه وَإِن كَانَ الأَصْل متحدا قَوْله " يحطم " بِكَسْر الطَّاء الْمُهْملَة قَوْله " عَمْرو بن لحي " بِضَم اللَّام وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسَيَجِيءُ فِي قصَّة خُزَاعَة أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " رَأَيْت عَمْرو بن عَامر الْخُزَاعِيّ يجر قصبه فِي النَّار " وَكَانَ أول من سيب السوائب والسوائب جمع سائبة وَهِي الَّتِي كَانُوا يسيبونها لآلهتهم فَلَا يحل عَلَيْهَا شَيْء (فَإِن قلت) السوائب هِيَ المسيبة فَكيف يُقَال سيب السوائب (قلت) مَعْنَاهُ سيب النوق الَّتِي تسمى بالسوائب وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {مَا جعل الله من بحيرة وَلَا سائبة} كَانَ يَقُول الرجل إِذا قدمت من سَفَرِي أَو بَرِئت من مرضِي فناقتي سائبة أَي لَا تركب وَلَا تطرد عَن مَاء وَلَا عَن مرعى
(بَاب مَا يجوز من البزاق والنفخ فِي الصَّلَاة)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يجوز من البزاق أَي من رمى البزاق وَجَاء فِيهِ الزَّاي وَالصَّاد وَكِلَاهُمَا لُغَة قَوْله " والنفخ " أَي مَا يجوز من النفخ وَقَالَ بَعضهم أَشَارَ المُصَنّف إِلَى أَن بعض ذَلِك يجوز وَبَعضه لَا يجوز فَيحْتَمل أَنه يرى التَّفْرِقَة بَين مَا إِذا حصل من كل مِنْهُمَا كَلَام مفهم أم لَا (قلت) لَا نسلم أَن التَّرْجَمَة تدل على مَا ذكره وَإِنَّمَا تدل ظَاهرا على أَن كل وَاحِد من البصاق والنفخ جَائِز فِي الصَّلَاة مُطلقًا وَذكره بعد ذَلِك مَا رُوِيَ عَن عبد الله بن عمر وَيدل على جَوَاز النفخ وَمَا رَوَاهُ عَن ابْن عمر يدل على جَوَاز البصاق لِأَن كلا مِنْهُمَا صَرِيح فِيمَا يدل عَلَيْهِ من غير قيد والآن نذْكر مَذَاهِب الْعلمَاء فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
(وَيذكر عَن عبد الله بن عَمْرو نفخ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي سُجُوده فِي كسوف) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَفِيه مَا يدل على مَا ذكرنَا لِأَنَّهُ ذكره مُطلقًا وَاعْترض أَبُو عبد الْملك بِأَن البُخَارِيّ ذكر النفخ وَلم يذكر فِيهِ حَدِيثا (قلت) هَذَا عَجِيب مِنْهُ فَكَأَنَّهُ لم يطلع على مَا ذكر عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَهُوَ تَعْلِيق أسْندهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَطاء بن السَّائِب عَن أَبِيه " عبد الله بن عَمْرو قَالَ انكسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الحَدِيث وَفِيه " ثمَّ نفخ فِي آخر سُجُوده فَقَالَ أُفٍّ أُفٍّ " إِلَى آخِره وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَقَالَ صَحِيح وَإِنَّمَا ذكره البُخَارِيّ بِصِيغَة التمريض لِأَنَّهُ من رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب عَن أَبِيه لِأَنَّهُ مُخْتَلف فِيهِ فِي الِاحْتِجَاج بِهِ وَقد اخْتَلَط فِي آخر عمره لَكِن أوردهُ ابْن خُزَيْمَة من رِوَايَة سُفْيَان الثَّوْريّ عَنهُ وَهُوَ مِمَّن سمع مِنْهُ قبل اخْتِلَاطه وَأَبوهُ وَثَّقَهُ الْعجلِيّ وَابْن حبَان وَلَيْسَ هُوَ من شَرط البُخَارِيّ وَقد فسر النفخ فِي الحَدِيث بقوله " فَقَالَ أُفٍّ أُفٍّ " بتسكين الْفَاء وأف لَا تكون كلَاما حَتَّى تشدد الْفَاء فَتكون على ثَلَاثَة أحرف من التأفيف وَهُوَ قَوْلك أُفٍّ لكذا فَأَما أُفٍّ وَالْفَاء فِيهِ خَفِيفَة فَلَيْسَ بِكَلَام والنافخ لَا يخرج الْفَاء مُشَدّدَة وَلَا يكَاد يُخرجهَا فَاء صَادِقَة من مخرجها وَلكنه يفشها من غير إطباق الشّفة على الشّفة وَمَا كَانَ كَذَلِك لَا يكون كلَاما وَبِهَذَا اسْتدلَّ أَبُو يُوسُف على أَن الْمُصَلِّي إِذا قَالَ فِي صلَاته أُفٍّ أَو آه أَو أَخ لَا تفْسد صلَاته وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد تفْسد لِأَنَّهُ من كَلَام النَّاس وأجابا بِأَن هَذَا كَانَ ثمَّ نسخ وَذكر ابْن بطال أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي النفخ فِي الصَّلَاة فكرهه طَائِفَة وَلم يوجبوا على من نفخ إِعَادَة رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَالنَّخَعِيّ وَهُوَ رِوَايَة عَن ابْن زِيَاد وَعَن مَالك أَنه قَالَ أكره النفخ فِي الصَّلَاة وَلَا يقطعهَا كَمَا يقطع الْكَلَام وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَأَشْهَب وَأحمد وَإِسْحَاق وَقَالَت طَائِفَة هُوَ بِمَنْزِلَة الْكَلَام يقطع الصَّلَاة رُوِيَ ذَلِك عَن سعيد بن جُبَير وَهُوَ قَول مَالك فِي الْمُدَوَّنَة وَفِيه قَول ثَالِث وَهُوَ أَن النفخ إِن كَانَ يسمع فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْكَلَام يقطع الصَّلَاة وَهَذَا قَول الثَّوْريّ وَأبي حنيفَة وَمُحَمّد وَالْقَوْل الأول أولى لحَدِيث ابْن عَمْرو قَالَ وَيدل على صِحَة هَذَا أَيْضا اتِّفَاقهم على جَوَاز النفخ والبصاق فِي الصَّلَاة وَلَيْسَ فِي النفخ من النُّطْق بِالْفَاءِ والهمزة أَكثر مِمَّا فِي البصاق من النُّطْق بِالْفَاءِ وَالتَّاء اللَّتَيْنِ فيهمَا من رمى البصاق وَلما(7/291)
اتَّفقُوا على جَوَاز الصَّلَاة فِي البصاق جَازَ النفخ فِيهَا إِذْ لَا فرق بَينهمَا فِي أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا بحروف وَلذَلِك ذكر البُخَارِيّ حَدِيث البصاق فِي هَذَا الْبَاب ليستدل على جَوَاز النفخ لِأَنَّهُ لم يسند حَدِيث ابْن عَمْرو وَاعْتمد على الِاسْتِدْلَال من حَدِيث النخامة والبصاق وَهُوَ اسْتِدْلَال حسن (قلت) يُعَكر عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه بِإِسْنَاد جيد أَنه قَالَ " النفخ فِي الصَّلَاة كَلَام " وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا بِإِسْنَاد صَحِيح أَنه قَالَ " والنفخ فِي الصَّلَاة يقطع الصَّلَاة " وروى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح إِلَى ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يخْشَى أَن يكون كلَاما يَعْنِي النفخ فِي الصَّلَاة وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين رَحمَه الله وَفرق أَصْحَابنَا فِي النفخ بَين أَن يبين مِنْهُ حرفان أم لَا فَإِن بَان مِنْهُ حرفان وَهُوَ عَامِد عَالم بِتَحْرِيمِهِ بطلت صلَاته وَإِلَّا فَلَا وَحَكَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن مَالك وَأبي حنيفَة وَمُحَمّد بن الْحسن وَأحمد بن حَنْبَل وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا تبطل إِلَّا أَن يُرِيد بِهِ التأفيف وَهُوَ قَول أُفٍّ وَقَالَ ابْن الْمُنْذر ثمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُف فَقَالَ لَا تبطل صلَاته مُطلقًا وَحكى ابْن الْعَرَبِيّ وَغَيره عَن مَالك خلافًا وَأَنه قَالَ فِي الْمُخْتَصر النفخ كَلَام لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تقل لَهما أُفٍّ} وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَة لَا يقطع الصَّلَاة وَقَالَ الْأَبْهَرِيّ من الْمَالِكِيَّة لَيْسَ لَهُ حُرُوف هجاء فَلَا يقطع الصَّلَاة وَقَالَ شَيخنَا وَمَا حكيناه عَن أَصْحَابنَا هُوَ الَّذِي جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة فِي شرح الْمُهَذّب ثمَّ أَنه حكى الْخلاف فِيهِ فِي الْمِنْهَاج تبعا للمحرر فَقَالَ فِيهِ وَالْأَصْل أَن التنحنح والضحك والبكاء والأنين والنفخ إِن ظهر بِهِ حرفان بطلت وَإِلَّا فَلَا
236 - (حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب قَالَ حَدثنَا حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رأى نخامة فِي قبْلَة الْمَسْجِد فتغيظ على أهل الْمَسْجِد وَقَالَ إِن الله قبل أحدكُم فَإِذا كَانَ فِي صلَاته فَلَا يبزقن أَو قَالَ لَا يتنخعن ثمَّ نزل فحتها بِيَدِهِ وَقَالَ ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا إِذا بزق أحدكُم فليبزق على يسَاره) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَقد مر هَذَا الحَدِيث فِي بَاب حك البزاق بِالْيَدِ من الْمَسْجِد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن نَافِع إِلَى آخِره وَلَفظه هُنَاكَ " رأى بصاقا فِي جِدَار الْقبْلَة فحكه ثمَّ أقبل على النَّاس فَقَالَ إِذا كَانَ أحدكُم يُصَلِّي فَلَا يبصق قبل وَجه فَإِن الله قبل وَجهه إِذا صلى " وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى هُنَاكَ قَوْله " قبل أحدكُم " بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي مُقَابل قَوْله " أَو قَالَ لَا يتنخعن " وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " لَا يبزق بَين يَدَيْهِ " وَقَالَ الْكرْمَانِي وَفِي بعض الرِّوَايَة " وَلَا يتنخمن " من النخامة بِضَم النُّون وَهُوَ مَا يخرج من الصَّدْر قَوْله " فحتها " بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق ويروى " فحكها " بِالْكَاف ومعناهما وَاحِد قَوْله " وَقَالَ ابْن عمر " إِلَى آخِره مَوْقُوف قَوْله " عَن يسَاره " هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني بِلَفْظ عَن وَفِي رِوَايَة غَيره " على يسَاره " بِلَفْظ على وَوَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق اسحق بن أبي إِسْرَائِيل عَن حَمَّاد بن زيد بِلَفْظ " لَا يبزقن أحدكُم بَين يَدَيْهِ وَلَكِن ليبزق خَلفه أَو عَن شِمَاله أَو تَحت قدمه " وَهَذَا الْمَوْقُوف عَن ابْن عمر قد رُوِيَ عَن أنس مَرْفُوعا
237 - (حَدثنَا مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا غنْدر قَالَ حَدثنَا شُعْبَة قَالَ سَمِعت قَتَادَة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إِذا كَانَ فِي الصَّلَاة فَإِنَّهُ يُنَاجِي ربه فَلَا يبزقن بَين يَدَيْهِ وَلَا عَن يَمِينه وَلَكِن عَن شِمَاله تَحت قدمه الْيُسْرَى) مطابقته للتَّرْجَمَة أَكثر وضوحا من مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق لَهَا لِأَن فِيهِ إِبَاحَة البزاق فِي الصَّلَاة عَن شِمَاله تَحت قدمه الْيُسْرَى وَفِي ذَاك عَن ابْن عمر مَوْقُوفا وَهَذَا الحَدِيث أَيْضا قد مر فِي بَاب ليبصق عَن يسَاره أَو تَحت قدمه الْيُسْرَى رَوَاهُ عَن آدم عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِن الْمُؤمن إِذا كَانَ فِي الصَّلَاة فَإِنَّمَا يُنَاجِي ربه فَلَا يبزقن بَين يَدَيْهِ وَلَا عَن يَمِينه وَلَكِن عَن يسَاره أَو تَحت قدمه " وَرَوَاهُ أَيْضا عَن قُتَيْبَة عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن حميد " عَن أنس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رأى نخامة فِي الْقبْلَة فشق ذَلِك عَلَيْهِ " الحَدِيث وَقد مر الْكَلَام فِي أَحَادِيث أنس هُنَاكَ مُسْتَوْفِي بِجَمِيعِ مَا يتَعَلَّق(7/292)
بهَا وَمُحَمّد شيخ البُخَارِيّ فِي هَذَا الحَدِيث هُوَ مُحَمَّد بن بشار الْعَبْدي الْبَصْرِيّ وَقد مر غير مرّة وغندر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر الْبَصْرِيّ يكنى أَبَا عبد الله وَقد مر غير مرّة قَوْله " إِذا كَانَ " أَي الْمُؤمن فِي الصَّلَاة كَمَا ورد فِي الحَدِيث الآخر لأنس هَكَذَا كَمَا ذَكرْنَاهُ إِلَى أَن قَوْله " فَإِنَّهُ " أَي فَإِن الْمُصَلِّي لدلَالَة الْقَرِينَة عَلَيْهِ
(بَاب من صفق جَاهِلا من الرِّجَال فِي صلَاته لم تفْسد صلَاته)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من صفق حَال كَونه جَاهِلا بِنَفْي كَون التصفيق للرِّجَال وَأَنه للنِّسَاء قَوْله " من الرِّجَال " بَيَان لقَوْله " من " فَإِن كلمة من للعقلاء تَشْمَل الذُّكُور وَالْإِنَاث وَأَرَادَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة أَن الرجل إِذا صفق فِي الصَّلَاة عِنْد حُدُوث نائبة لَا تفْسد صلَاته إِذا كَانَ جَاهِلا وَقيد بذلك لِأَنَّهُ إِذا صفق عَامِدًا تفْسد صلَاته بقضية الْقَيْد الْمَذْكُور وَالدَّلِيل على عدم الْفساد فِي حَالَة الْجَهْل أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يَأْمُرهُم بِالْإِعَادَةِ فِي حَدِيث سهل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
(فِيهِ سهل بن سعد رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) قد مر حَدِيث سهل فِي بَاب التصفيق للنِّسَاء أخرجه عَن يحيى عَن وَكِيع عَن سُفْيَان عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد قَالَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " التَّسْبِيح للرِّجَال والتصفيق للنِّسَاء " وَسَيَأْتِي حَدِيث سهل بن سعد أَيْضا فِي بَاب الْإِشَارَة فِي الصَّلَاة قبل كتاب الْجَنَائِز وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي بَاب التصفيق للنِّسَاء
(بَاب إِذا قيل للْمُصَلِّي تقدم أَو انْتظر فانتظر فَلَا بَأْس)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا قيل للْمُصَلِّي تقدم أَي قبل رفيقك أَو انْتظر أَي أَو قيل لَهُ انْتظر أَي تَأَخّر عَنهُ هَكَذَا فسره ابْن بطال وَكَأَنَّهُ أَخذ ذَلِك من حَدِيث الْبَاب وَفِيه فَقيل للنِّسَاء " لَا ترفعن رؤسكن حَتَّى يَسْتَوِي الرِّجَال جُلُوسًا " فمقتضاه تقدم الرِّجَال على النِّسَاء وتأخرهن عَنْهُم وَاعْترض الْإِسْمَاعِيلِيّ على البُخَارِيّ هُنَا بقوله ظن أَي البُخَارِيّ أَن المخاطبة للنِّسَاء وَقعت بذلك وَهن فِي الصَّلَاة وَلَيْسَ كَمَا ظن بل هُوَ شَيْء قيل لَهُنَّ قبل أَن يدخلن فِي الصَّلَاة وَأجَاب بَعضهم عَن ذَلِك نصْرَة للْبُخَارِيّ بقوله أَن البُخَارِيّ لم يُصَرح بِكَوْن ذَلِك قيل لَهُنَّ وَهن دَاخل الصَّلَاة أَو خَارِجهَا وَالَّذِي يظْهر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وصاهن بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ بالانتظار الْمَذْكُور قبل أَن يدخلن فِيهَا على علم انْتهى (قلت) الِاعْتِرَاض الْمَذْكُور وَالْجَوَاب عَنهُ كِلَاهُمَا واهيان أما الِاعْتِرَاض فَلَيْسَ بوارد لِأَن نَفْيه ظن البُخَارِيّ بذلك غير صَحِيح لِأَن ظَاهر متن الحَدِيث يَقْتَضِي مَا نسبه إِلَى البُخَارِيّ من الظَّن بل هُوَ أَمر ظَاهر وَلَيْسَ بِظَنّ لِأَن قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَقيل للنِّسَاء " إِلَى آخر بفاء الْعَطف على مَا قبله يَقْتَضِي أَن هَذَا القَوْل قيل لَهُنَّ وَالنَّاس يصلونَ مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَالظَّاهِر أَنَّهُنَّ كن مَعَ النَّاس فِي الصَّلَاة وَإِن كَانَ يحْتَمل أَن يكون هَذَا القَوْل لَهُنَّ عِنْد شروعهن فِي الصَّلَاة مَعَ النَّاس وَلَا يلْتَفت إِلَى الِاحْتِمَال إِذا كَانَ غير ناشىء عَن دَلِيل وَأما الْجَواب فَكَذَلِك هُوَ غير سديد لِأَن قَوْله وَالَّذِي يظْهر إِلَى آخِره غير ظَاهر لَا من التَّرْجَمَة وَلَا من حَدِيث الْبَاب أما التَّرْجَمَة فَلَا شَيْء فِيهَا من الدّلَالَة على ذَلِك وَأما متن الحَدِيث فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا لفظ قيل بِصِيغَة الْمَجْهُول فَمن أَيْن ظهر أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هُوَ الَّذِي وصاهن بِهِ بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ وَلَا فِيهِ شَيْء يدل على أَن ذَلِك كَانَ قبل دخولهن فِي الصَّلَاة بل الَّذِي يظْهر من ذَلِك مَا ذَكرْنَاهُ بقضية تركيب متن الحَدِيث فَافْهَم فَإِنَّهُ بحث دَقِيق
238 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير قَالَ أخبرنَا سُفْيَان عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد رَضِي الله عَنهُ. قَالَ كَانَ النَّاس يصلونَ مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهم عاقدوا أزرهم على رقابهم من الصغر فَقيل للنِّسَاء لَا ترفعن رؤسكن حَتَّى يَسْتَوِي الرِّجَال جُلُوسًا) مطابقته للتَّرْجَمَة على مَا قيل أَن النِّسَاء قيل لَهُنَّ ذَلِك أما فِي الصَّلَاة أَو قبلهَا فَإِن كَانَ فِيهَا فقد أَفَادَ الْمَسْأَلَتَيْنِ خطاب الْمُصَلِّي وتربصه بِمَا لَا يضر وَإِن كَانَ قبلهَا أَفَادَ جَوَاز الِانْتِظَار والْحَدِيث أخرجه فِي بَاب إِذا كَانَ الثَّوْب ضيقا وَقَالَ حَدثنَا مُسَدّد قَالَ(7/293)
حَدثنَا يحيى عَن سُفْيَان قَالَ حَدثنَا أَبُو حَازِم عَن سهل بن سعد إِلَى آخِره نَحوه قَوْله " على رقابهم " وَهُنَاكَ " على أَعْنَاقهم " قَوْله " من الصغر " أَي من صغر الثِّيَاب وَهَذَا فِي أول الْإِسْلَام حِين الْقلَّة ثمَّ جَاءَ الْفتُوح وَهُنَاكَ فِي مَوضِع من الصغر كَهَيئَةِ الصّبيان وَتقدم قِطْعَة مِنْهُ أَيْضا فِي بَاب عقد الْإِزَار على الْقَفَا مُعَلّقا وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوْفِي وَفِي التَّوْضِيح وَفِيه تقدم الرِّجَال بِالسُّجُود على النِّسَاء لأَنهم إِذا لم يرفعن رُؤْسهنَّ حَتَّى يَسْتَوِي الرِّجَال جُلُوسًا فقد تقدموهن بذلك وصرن منتظرات لَهُم وَفِيه جَوَاز وُقُوع فعل الْمَأْمُوم بعد الإِمَام بِمدَّة وَيصِح ائتمامه كمن زوحم وَلم يقدر على الرُّكُوع وَالسُّجُود حَتَّى قَامَ النَّاس (قلت) هَذَا مَبْنِيّ على مَذْهَب إِمَامه وَعِنْدنَا إِذا لم يُشَارك الْمَأْمُوم الإِمَام فِي ركن من أَرْكَان الصَّلَاة وَلَو فِي جُزْء مِنْهُ لَا تصح صلَاته قَالَ وَفِيه جَوَاز سبق الْمَأْمُومين بَعضهم لبَعض فِي الْأَفْعَال وَلَا يضر ذَلِك (قلت) نعم لَا يضر ذَلِك وَلَكِن من أَيْن فهم هَذَا من الحَدِيث قَالَ وَفِيه إنصات الْمُصَلِّي لخَبر يُخبرهُ. وَفِيه جَوَاز الْفَتْح على الْمُصَلِّي وَإِن كَانَ الفاتح فِي غير صلَاته (قلت) هَذَا عندنَا على أَرْبَعَة أَقسَام بِحَسب الْقِسْمَة الْعَقْلِيَّة الأول أَن لَا يكون المستفتح وَلَا الفاتح فِي الصَّلَاة وَهَذَا لَيْسَ مِمَّا نَحن فِيهِ وَالثَّانِي أَن يكون كِلَاهُمَا فِي الصَّلَاة ثمَّ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن تكون الصَّلَاة متحدة بِأَن يكون المستفتح إِمَامًا والفاتح مَأْمُوما أَو لَا يكون فَفِي الأول الَّذِي هُوَ الْقسم الثَّالِث لَا تفْسد صَلَاة كل مِنْهُمَا وَفِي الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْقسم الرَّابِع تفْسد صَلَاة كل وَاحِد مِنْهُمَا لِأَنَّهُ تَعْلِيم وَتعلم وَقَالَ بَعضهم وَيُسْتَفَاد مِنْهُ جَوَاز انْتِظَار الإِمَام فِي الرُّكُوع لمن يدْرك الرَّكْعَة وَفِي التَّشَهُّد لإدراك الصَّلَاة (قلت) مَذْهَبنَا فِي هَذَا على التَّفْصِيل وَهُوَ أَن الإِمَام إِذا كَانَ يعلم الجائي لَيْسَ لَهُ أَن ينتظره إِلَّا إِذا خَافَ من شَره وَإِن كَانَ لَا يعلم فَلَا بَأْس بالانتظار ليدركه
(بَاب لَا يرد السَّلَام فِي الصَّلَاة)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن الْمُصَلِّي لَا يرد السَّلَام على الْمُسلم فِي الصَّلَاة لِأَنَّهُ خطاب آدَمِيّ
239 - (حَدثنَا عبد الله بن أبي شيبَة قَالَ حَدثنَا ابْن فُضَيْل عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله. قَالَ كنت أسلم على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَيرد عَليّ فَلَمَّا رَجعْنَا سلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ. وَقَالَ إِن فِي الصَّلَاة شغلا) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَلم يرد عَليّ " وَقد مضى الحَدِيث فِي بَاب مَا ينْهَى عَنهُ من الْكَلَام وَأخرجه عَن ابْن نمير عَن ابْن فُضَيْل عَن الْأَعْمَش وَقد مضى هُنَاكَ مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء وَعبد الله هُوَ ابْن مُحَمَّد بن أبي شيبَة الْكُوفِي الْحَافِظ أَخُو عُثْمَان بن أبي شيبَة مَاتَ فِي الْمحرم سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَابْن فُضَيْل بِضَم الْفَاء وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة مر فِي كتاب الْإِيمَان وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ وعلقمة بن قيس النَّخعِيّ وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود وَحكى ابْن بطال الْإِجْمَاع أَنه لَا يرد السَّلَام نطقا وَاخْتلفُوا هَل يرد إِشَارَة فكرهه طَائِفَة رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر وَرخّص فِيهِ طَائِفَة روى ذَلِك عَن سعيد بن الْمسيب وَقَتَادَة وَالْحسن وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة أجَازه وَفِي أُخْرَى كرهه وَعند طَائِفَة إِذا فرغ من الصَّلَاة يرد وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي السَّلَام على الْمُصَلِّي فكره ذَلِك قوم رُوِيَ ذَلِك " عَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ لَو دخلت على قوم وهم يصلونَ مَا سلمت عَلَيْهِم " وَقَالَ أَبُو مجلز السَّلَام على الْمُصَلِّي عجز وَكَرِهَهُ عَطاء وَالشعْبِيّ رَوَاهُ ابْن وهيب عَن مَالك وَبِه قَالَ إِسْحَاق ورخصت فِيهِ طَائِفَة رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عمر وَهُوَ قَول مَالك فِي الْمُدَوَّنَة وَقَالَ لَا يكره السَّلَام عَلَيْهِ فِي فَرِيضَة وَلَا نَافِلَة وَفعله أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى
240 - (حَدثنَا أَبُو معمر قَالَ حَدثنَا عبد الْوَارِث قَالَ حَدثنَا كثير بن شنظير عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَاجَة لَهُ فَانْطَلَقت ثمَّ رجعت وَقد قضيتها فَأتيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ فَوَقع فِي قلبِي مَا الله أعلم بِهِ فَقلت فِي نَفسِي لَعَلَّ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وجد عَليّ أَنِّي أَبْطَأت عَلَيْهِ ثمَّ سلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ(7/294)
فَوَقع فِي قلبِي أَشد من الْمرة الأولى ثمَّ سلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ فَقَالَ إِنَّمَا مَنَعَنِي أَن أرد عَلَيْك أَنِّي كنت أُصَلِّي وَكَانَ على رَاحِلَته مُتَوَجها إِلَى غير الْقبْلَة) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول أَبُو معمر بِفَتْح الميمين عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج واسْمه ميسرَة التَّمِيمِي المقعد. الثَّانِي عبد الْوَارِث بن سعيد التنوري. الثَّالِث كثير ضد قَلِيل ابْن شنظير بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَكسر الظَّاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء. الرَّابِع عَطاء بن أبي رَبَاح. الْخَامِس جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ. (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن رُوَاته بصريون وَفِيه شنظير وَهُوَ علم وَالِد كثير وَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَة السيء الْخلق ولقب كثير أَبُو قُرَّة. (ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي كَامِل عَن حَمَّاد وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم عَن مُعلى بن مَنْصُور. (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " فِي حَاجَة " بَين مُسلم من طَرِيق أبي الزبير عَن جَابر أَن ذَلِك كَانَ فِي غَزْوَة بني المصطلق قَوْله " فَلم يرد عَليّ " وَفِي رِوَايَة مُسلم الْمَذْكُورَة " فَقَالَ لي بِيَدِهِ هَكَذَا " وَفِي رِوَايَة أُخْرَى " فَأَشَارَ إِلَيّ " فَإِذا كَانَ كَذَلِك يحمل قَول جَابر فِي وَرِوَايَة البُخَارِيّ " فَلم يرد عَليّ " أَي بِاللَّفْظِ وَكَانَ جَابِرا لم يعرف أَولا أَن المُرَاد بِالْإِشَارَةِ الرَّد عَلَيْهِ فَلذَلِك قَالَ " فَوَقع فِي قلبِي مَا الله أعلم بِهِ " أَي من الْحزن وَكَأَنَّهُ أبهم ذَلِك إشعارا بِأَنَّهُ لَا يدْخل من شدته تَحت الْعبارَة قَوْله " مَا الله أعلم بِهِ " كلمة مَا فَاعل لقَوْله " وَقع " وَلَفْظَة " الله " مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله " أعلم بِهِ " قَوْله " وجد عَليّ " بِفَتْح الْوَاو وَالْجِيم مَعْنَاهُ غضب يُقَال وجد عَلَيْهِ يجد وجدا وموجدة وَوجد ضالته يجدهَا وجدانا إِذا رَآهَا ولقيها وَوجد يجد جدة أَي اسْتغنى غنى لَا فقر بعده وَوجدت بفلانة وجدا إِذا أحببتها حبا شَدِيدا قَوْله " إِنِّي أَبْطَأت " وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " أَن أَبْطَأت " بنُون خَفِيفَة قَوْله " فَرد عَليّ " أَي بعد أَن فرغ من صلَاته قَوْله " مَا مَنَعَنِي أَن أرد عَلَيْك " أَي السَّلَام " إِلَّا أَنِّي كنت أُصَلِّي " قَوْله " وَكَانَ على رَاحِلَته مُتَوَجها إِلَى غير الْقبْلَة " وَفِي رِوَايَة مُسلم " فَرَجَعت وَهُوَ يُصَلِّي على رَاحِلَته وَوَجهه على غير الْقبْلَة ". وَمِمَّا يُسْتَفَاد أَمنه إِثْبَات الْكَلَام النفساني وَأَن الْكَبِير إِذا وَقع مِنْهُ مَا يُوجب حزنا يظْهر سَببه ليندفع ذَلِك وَجَوَاز صَلَاة النَّفْل على الرَّاحِلَة إِلَى غير الْقبْلَة. وَفِيه كَرَاهَة السَّلَام على الْمُصَلِّي وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب
(بَاب رفع الْأَيْدِي فِي الصَّلَاة لأمر نزل بِهِ)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم رفع الْأَيْدِي فِي الصَّلَاة لأجل أَمر نزل بِهِ
241 - (حَدثنَا قُتَيْبَة قَالَ حَدثنَا عبد الْعَزِيز عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد رَضِي الله عَنهُ قَالَ بلغ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن بني عَمْرو بن عَوْف بقباء كَانَ بَينهم شَيْء فَخرج يصلح بَينهم فِي أنَاس من أَصْحَابه فحبس رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وحانت الصَّلَاة فجَاء بِلَال إِلَى أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ يَا أَبَا بكر إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد حبس وَقد حانت الصَّلَاة فَهَل لَك أَن تؤم النَّاس قَالَ نعم إِن شِئْت فَأَقَامَ بِلَال الصَّلَاة وَتقدم أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَكبر للنَّاس وَجَاء رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يمشي فِي الصُّفُوف يشقها شقا حَتَّى قَامَ فِي الصَّفّ فَأخذ النَّاس فِي التصفيح قَالَ سهل التصفيح هُوَ التصفيق. قَالَ وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ لَا يلْتَفت فِي صلَاته فَلَمَّا أَكثر النَّاس الْتفت فَإِذا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَشَارَ إِلَيْهِ يَأْمُرهُ أَن يُصَلِّي فَرفع أَبُو بكر رَضِي الله عِنْده يَده فَحَمدَ الله ثمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرِي وَرَاءه حَتَّى قَامَ فِي الصَّفّ وَتقدم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فصلى للنَّاس فَلَمَّا فرغ(7/295)
أقبل على النَّاس فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس مالكم حِين نابكم شَيْء فِي الصَّلَاة أَخَذْتُم بالتصفيح إِنَّمَا التصفيح للنِّسَاء من نابه شَيْء فِي صلَاته فَلْيقل سُبْحَانَ الله ثمَّ الْتفت إِلَى أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ يَا أَبَا بكر مَا مَنعك أَن تصلي للنَّاس حِين أَشرت إِلَيْك قَالَ أَبُو بكر مَا كَانَ يَنْبَغِي لِابْنِ أبي قُحَافَة أَن يُصَلِّي بَين يَدي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَرفع أَبُو بكر يَدَيْهِ " وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي بَاب من دخل ليؤم النَّاس فجَاء الإِمَام الأول وَرَوَاهُ هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن أبي حَازِم بن دِينَار عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذهب إِلَى بني عَمْرو بن عَوْف ليصلح بَينهم إِلَى آخِره وَعبد الْعَزِيز هُنَاكَ هُوَ ابْن أبي حَازِم وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصى قَوْله " وحانت " أَي حضرت وَالْوَاو فِيهِ للْحَال وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " وَقد حانت الصَّلَاة " قَوْله " قد حبس " أَي تعوق هُنَاكَ قَوْله " إِن شِئْتُم " هَذِه رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَفِي رِوَايَة غَيره " إِن شِئْت " قَوْله " فِي الصَّفّ " هَذِه رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره " من الصَّفّ " قَوْله " فَرفع أَبُو بكر يَدَيْهِ " هَذِه رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره " يَده " بِالْإِفْرَادِ قَوْله " من نابه شَيْء " أَي من نزل بِهِ أَمر من الْأُمُور قَوْله " حَيْثُ أَشرت إِلَيْك " وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " حِين أَشرت إِلَيْك "
(بَاب الخصر فِي الصَّلَاة)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الخصر فِي الصَّلَاة والخصر بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وَهُوَ أَن يضع يَده على خاصرته فِي الصَّلَاة
242 - (حَدثنَا أَبُو النُّعْمَان قَالَ حَدثنَا حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ. قَالَ نهي عَن الخصر فِي الصَّلَاة. وَقَالَ هِشَام وَأَبُو هِلَال عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -)
243 - (حَدثنَا عَمْرو بن عَليّ قَالَ حَدثنَا يحيى قَالَ حَدثنَا هِشَام قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ. قَالَ نهي أَن يُصَلِّي الرجل مُخْتَصرا) مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث بِطرقِهِ للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَالْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع. الأول فِي رِجَاله وهم تِسْعَة. الأول أَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي الملقب بعارم. الثَّانِي حَمَّاد بن زيد. الثَّالِث أَيُّوب بن أبي تَمِيمَة السّخْتِيَانِيّ. الرَّابِع مُحَمَّد بن سِيرِين. الْخَامِس هِشَام بن حسان أَبُو عبد الله القردسي بِضَم الْقَاف مَاتَ سنة سبع وَأَرْبَعين وَمِائَة. السَّادِس أَبُو هِلَال مُحَمَّد بن سليم الرَّاسِبِي بالراء وبالسين الْمُهْملَة وبالباء الْمُوَحدَة مَاتَ سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة. السَّابِع عَمْرو بن عَليّ الصَّيْرَفِي الفلاس. الثَّامِن يحيى بن سعيد الْقطَّان. التَّاسِع أَبُو هُرَيْرَة (النَّوْع الثَّانِي فِي لطائف إِسْنَاده) هَذِه الطّرق فِيهَا التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي خَمْسَة مَوَاضِع وفيهَا العنعنة فِي سَبْعَة مَوَاضِع وفيهَا القَوْل فِي سِتَّة مَوَاضِع وفيهَا أَن رواتها بصريون وفيهَا أَبُو هِلَال وَقد أدخلهُ البُخَارِيّ فِي الضُّعَفَاء وَاسْتشْهدَ بِهِ هَهُنَا وَرُوِيَ لَهُ فِي كتاب الْقِرَاءَة خلف الإِمَام وَغَيره وفيهَا أَن الطَّرِيق الأول مُسْند وَلكنه مَوْقُوف ظَاهرا وَلَكِن فِي الْحَقِيقَة مَرْفُوع لِأَن قَوْله نهي وَإِن كَانَ بِضَم النُّون على صِيغَة الْمَجْهُول لَكِن الناهي هُوَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا فِي الطَّرِيق الثَّانِي وَهُوَ رِوَايَة هِشَام وَقد صلها البُخَارِيّ لَكِن وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي نهى بِفَتْح النُّون على الْبناء للْفَاعِل وَلكنه لم يسمه وَقد رَوَاهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ من طَرِيق أبي أُسَامَة عَن هِشَام بِلَفْظ " نهى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يُصَلِّي الرجل مُخْتَصرا "(7/296)
النَّوْع الثَّالِث فِيمَن أخرجه غَيره رَوَاهُ مُسلم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن أبي أُسَامَة وَأبي خَالِد الْأَحْمَر وَعَن الحكم بن مُوسَى عَن ابْن الْمُبَارك وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن يَعْقُوب بن كَعْب عَن مُحَمَّد بن سَلمَة الْحَرَّانِي وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن أبي كريب عَن أبي أُسَامَة عَن هِشَام بن حسان. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن سُوَيْد بن نصر عَن ابْن الْمُبَارك وَعَن اسحق بن إِبْرَاهِيم عَن جرير بن عبد الحميد النَّوْع الرَّابِع فِي اخْتِلَاف أَلْفَاظه فَفِي إِحْدَى روايتي البُخَارِيّ نهى عَن الخصر وَفِي الْأُخْرَى مُخْتَصرا وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني مخصرا بتَشْديد الصَّاد وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ متخصرا بِزِيَادَة التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد " نهى عَن الِاخْتِصَار " وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ " نهى عَن التخصر ". النَّوْع الْخَامِس فِي مَعْنَاهُ وَقد ذكرنَا أَن الخصر وضع الْيَد على الخاصرة وَقَوله " مُخْتَصرا " من الِاخْتِصَار وَقد فسره التِّرْمِذِيّ بقوله والاختصار هُوَ أَن يضع الرجل يَده على خاصرته فِي الصَّلَاة وَكَأَنَّهُ أَرَادَ نفس الِاخْتِصَار الْمنْهِي عَنهُ وَإِلَّا فحقيقة الِاخْتِصَار لَا تتقيد بِكَوْنِهَا فِي الصَّلَاة وَفَسرهُ أَبُو دَاوُد عقيب حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَقَالَ يَعْنِي أَن يضع يَده على خاصرته وَمَا فسره بِهِ التِّرْمِذِيّ فسره بِهِ مُحَمَّد بن سِيرِين رَاوِي الحَدِيث فِيمَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه عَن أبي أُسَامَة عَن هِشَام عَن مُحَمَّد وَهُوَ أَن يضع يَده على خاصرته وَهُوَ يُصَلِّي وَكَذَا فسره هِشَام فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَنهُ وَحكى الْخطابِيّ وَغَيره قولا آخر فِي تَفْسِير الِاخْتِصَار وَهُوَ أَن يمسك بيدَيْهِ مخصرة أَي عَصا يتَوَكَّأ عَلَيْهَا وَأنْكرهُ ابْن الْعَرَبِيّ وَعَن الْهَرَوِيّ فِي الغريبين وَابْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة وَهُوَ أَن يختصر السُّورَة فَيقْرَأ من آخرهَا آيَة أَو آيَتَيْنِ وَحكى الْهَرَوِيّ أَيْضا وَهُوَ أَن يحذف فِي الصَّلَاة فَلَا يمد قِيَامهَا وركوعها وسجودها وَقيل يختصر الْآيَات الَّتِي فِيهَا السَّجْدَة فِي الصَّلَاة فَيسْجد فِيهَا وَالْقَوْل الأول هُوَ الْأَصَح وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد حَدثنَا هناد بن السّري عَن وَكِيع عَن سعيد بن زِيَاد عَن زِيَاد بن صبيح الْحَنَفِيّ قَالَ " صليت إِلَى جنب ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَوضعت يَدي على خاصرتي فَلَمَّا صلى قَالَ هَذَا الصلب فِي الصَّلَاة وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ينْهَى عَنهُ " قَوْله " هَذَا الصلب " أَي شبه الصلب لِأَن المصلوب يمد بَاعه على الْجذع وهيئة الصلب فِي الصَّلَاة أَن يضع يَدَيْهِ على خاصرته ويجافي بَين عضديه فِي الْقيام النَّوْع السَّادِس فِي الْحِكْمَة فِي النَّهْي عَن الخصر فَقيل لِأَن إِبْلِيس أهبط مُخْتَصرا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة من طَرِيق حميد بن هِلَال مَوْقُوفا قيل لِأَن الْيَهُود تكْثر من فعله فَنهى عَنهُ كَرَاهَة للتشبه بهم أخرجه البُخَارِيّ فِي ذكر بني إِسْرَائِيل من رِوَايَة أبي الْفَتْح عَن مَسْرُوق " عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا كَانَت تكره أَن يضع يَده على خاصرته تَقول أَن الْيَهُود تَفْعَلهُ " زَاد ابْن أبي شيبَة فِي رِوَايَة لَهُ " فِي الصَّلَاة " وَفِي رِوَايَة أُخْرَى " لَا تشبهوا باليهود " وَقيل لِأَنَّهُ رَاحَة أهل النَّار كَمَا روى ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه عَن مُجَاهِد قَالَ " وضع الْيَدَيْنِ على الحقو استراحة أهل النَّار " وروى ابْن أبي شيبَة أَيْضا من رِوَايَة خَالِد بن معدان " عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا رَأَتْ رجلا وَاضِعا يَده على خاصرته فَقَالَت هَكَذَا أهل النَّار فِي النَّار " وَهَذَا مُنْقَطع وَقد جَاءَ ذَلِك من حَدِيث مَرْفُوع رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة عِيسَى بن يُونُس عَن هِشَام بن حسان عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " الِاخْتِصَار فِي الصَّلَاة رَاحَة أهل النَّار " وَظَاهر هَذَا الْإِسْنَاد الصِّحَّة إِلَّا أَن الطَّبَرَانِيّ رَوَاهُ فِي الْأَوْسَط فَأدْخل بَين عِيسَى بن يُونُس وَبَين هِشَام عبد الله بن الْأَزْوَر وَقَالَ لم يروه عَن هِشَام إِلَّا عبد الله بن الْأَزْوَر تفرد بِهِ عِيسَى بن يُونُس وَعبد الله بن الْأَزْوَر ضعفه الْأَزْدِيّ وَالله أعلم. وَقيل لِأَنَّهُ فعل المختالين والمتكبرين قَالَه الْمُهلب بن أبي صفرَة وَقيل لِأَنَّهُ شكل من أشكال أهل المصائب يضعون أَيْديهم على الخواصر إِذا قَامُوا فِي المآثم قَالَه الْخطابِيّ النَّوْع السَّابِع فِي حكم الخصر فِي الصَّلَاة اخْتلفُوا فِيهِ فكرهه ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَمُجاهد وَأَبُو مجلز وَآخَرُونَ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَذهب أهل الظَّاهِر إِلَى تَحْرِيم الِاخْتِصَار فِي الصَّلَاة عملا بِظَاهِر الحَدِيث (أسئلة وأجوبة) مِنْهَا مَا قيل أَن حَدِيث أم قيس بنت مُحصن عِنْد أبي دَاوُد من رِوَايَة هِلَال بن يسَاف قَالَ فِيهِ فدفعنا(7/297)
إِلَى وابصة بن معبد فَإِذا هُوَ مُعْتَمد على عَصا فِي صلَاته فَقُلْنَا بعد أَن سلمنَا فَقَالَ حَدَّثتنِي أم قيس بنت مُحصن " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما أسن وَحمل اللَّحْم اتخذ عمودا فِي مُصَلَّاهُ يعْتَمد عَلَيْهِ " انْتهى يُعَارض قَول من يُفَسر الِاخْتِصَار الْمنْهِي عَنهُ بإمساك الْمُصَلِّي مخصرة يتَوَكَّأ عَلَيْهَا وَأجِيب بِأَن هَذَا الحَدِيث لَا يَصح فَلَا يُقَاوم الحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ والْحَدِيث وَإِن كَانَ أَبُو دَاوُد سكت عَنهُ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن عبد السَّلَام بن عبد الرَّحْمَن بن صَخْر الوابصي عَن أَبِيه وَعبد الرَّحْمَن بن صَخْر هَذَا لم يروه عَنهُ سوى وَلَده عبد السَّلَام قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد فِي الإِمَام وَقَالَ الْمزي فِي التَّهْذِيب أَن عبد السَّلَام لم يدْرك أَبَاهُ وَجَوَاب آخر هُوَ أَن يكون النَّهْي فِي حق من فعله بِغَيْر عذر بل للاستراحة وَحَدِيث أم قيس مَحْمُول على من فعل ذَلِك لعذر من كبر السن وَالْمَرَض وَنَحْوهمَا وَهَكَذَا قَالَ أَصْحَابنَا وَاسْتَدَلُّوا بِهِ على أَن الضَّعِيف وَالشَّيْخ الْكَبِير إِذا كَانَ قَادِرًا على الْقيام مُتكئا على شَيْء يُصَلِّي قَائِما مُتكئا وَلَا يقْعد وروى أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي مُصَنفه حَدثنَا مَرْوَان بن مُعَاوِيَة " عَن عبد الرَّحْمَن بن عرَاك ابْن مَالك عَن أَبِيه قَالَ أدْركْت النَّاس فِي شهر رَمَضَان يرْبط لَهُم الحبال يتمسكون بهَا من طول الْقيام " وَحدثنَا وَكِيع عَن عِكْرِمَة بن عمار رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ " عَن عَاصِم بن سميح قَالَ رَأَيْت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يُصَلِّي مُتكئا على عَصا " وَحدثنَا وَكِيع " عَن أبان بن عبد الله البَجلِيّ قَالَ رَأَيْت أَبَا بكر بن أبي مُوسَى يُصَلِّي مُتكئا على عَصا " وَمِنْهَا مَا قيل أَن صَاحب الْإِكْمَال ذكر فِي حَدِيث آخر " المختصرون يَوْم الْقِيَامَة على وُجُوههم النُّور ثمَّ قَالَ هم الَّذين يصلونَ بِاللَّيْلِ ويضعون أَيْديهم على خواصرهم من التَّعَب " قَالَ وَقيل يأْتونَ يَوْم الْقِيَامَة مَعَهم أَعمال يتكؤن عَلَيْهَا مَأْخُوذ من المخصرة وَهِي الْعَصَا وَأجَاب عَنهُ شَيخنَا زين الدّين رَحمَه الله هَذَا الحَدِيث لَا أعلم لَهُ أصلا وَهُوَ مُخَالف للأحاديث الصَّحِيحَة فِي النَّهْي عَن ذَلِك وعَلى تَقْدِير وُرُوده يكون المُرَاد أَن يكون بِأَيْدِيهِم مخاصر يختصرون وَيجوز أَن تكون أَعْمَالهم تجسد لَهُم كَمَا ورد فِي بعض الْأَعْمَال وَفِي حَدِيث عبد الله بن أنيس " إِن أقل النَّاس يَوْمئِذٍ المتخصرون " أَي يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير فِي قصَّة قَتله لخَالِد بن سُفْيَان الْهُذلِيّ وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ خَالِد بن نُبيح من بني هُذَيْل وَأَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أعطَاهُ عَصا فَقَالَ أمسك هَذِه عَنْك يَا عبد الله بن أنيس وَفِيه أَنه سَأَلَهُ لم أَعْطَيْتنِي هَذِه قَالَ آيَة بيني وَبَيْنك يَوْم الْقِيَامَة وَإِن أقل النَّاس المتخصرون يَوْمئِذٍ وَفِيه أَنَّهَا دفنت مَعَه. وَمِنْهَا مَا قيل أَنه لَيْسَ لأهل النَّار المخلدين فِيهَا رَاحَة وَكَيف يذكر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ " الِاخْتِصَار فِي الصَّلَاة رَاحَة أهل النَّار " (وَأجِيب) بِأَن أهل النَّار فِي النَّار على هَذِه الْحَالة وَلَا مَانع من ذَلِك أَنهم يختصرون لقصد الرَّاحَة وَلَا رَاحَة لَهُم فِي ذَلِك.
(بَاب تفكر الرجل الشَّيْء فِي الصَّلَاة)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان تفكر الرجل الشَّيْء والتفكر مصدر مُضَاف إِلَى فَاعله وَقَوله الشَّيْء مَفْعُوله وَفِي بعض النّسخ شَيْئا وَهُوَ أَيْضا مفعول وَقيد الرجل وَقع إتفاقيا لِأَن الْمُكَلّفين كلهم فِيهِ سَوَاء قَالَ الْمُهلب التفكر أَمر غَالب لَا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ فِي الصَّلَاة وَلَا فِي غَيرهَا لما جعل الله للشَّيْطَان من السَّبِيل على الْإِنْسَان وَلَكِن إِن كَانَ فِي أَمر أخروي ديني فَهُوَ أخف مِمَّا يكون فِي أَمر دنياوي.
(وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ إِنِّي لأجهز جيشي وَأَنا فِي الصَّلَاة) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن قَول عمر هَذَا يدل على أَنه يتفكر حَال جَيْشه فِي الصَّلَاة وَهَذَا أَمر أخروي وَهَذَا تَعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن حَفْص عَن عَاصِم عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَنهُ بِلَفْظ " إِنِّي لأجهز جيوشي وَأَنا فِي الصَّلَاة " وَقَالَ ابْن التِّين إِنَّمَا هَذَا فِيمَا يقل فِيهِ التفكر كَانَ يَقُول أجهز فلَانا أقدم فلَانا أخرج من الْعدَد كَذَا وَكَذَا فَيَأْتِي على مَا يُرِيد فِي أقل شَيْء من المفكرة فَأَما إِذا تَابع الْفِكر وَأكْثر حَتَّى لَا يدْرِي كم صلى فَهَذَا لاه فِي صلَاته فَيجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة انْتهى. قيل هَذَا الْإِطْلَاق لَيْسَ على وَجهه وَقد جَاءَ عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَا يأباه فروى ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عُرْوَة ابْن الزبير قَالَ قَالَ عمر " إِنِّي لأحسب جِزْيَة الْبَحْرين وَأَنا فِي الصَّلَاة " وروى صَالح بن أَحْمد بن حَنْبَل فِي كتاب الْمسَائِل عَن أَبِيه من طَرِيق همام(7/298)
ابْن الْحَارِث " أَن عمر صلى الْمغرب فَلم يقْرَأ فَلَمَّا انْصَرف قَالُوا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّك لم تقْرَأ فَقَالَ إِنِّي حدثت نَفسِي وَأَنا فِي الصَّلَاة بعير جهزتها من الْمَدِينَة حَتَّى دخلت الشَّام ثمَّ أعادوا وَأعَاد الْقِرَاءَة " وَمن طَرِيق عِيَاض الْأَشْعَرِيّ قَالَ صلى عمر الْمغرب فَلم يقْرَأ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى إِنَّك لم تقْرَأ فَأقبل على عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ صدق فَأَعَادَ فَلَمَّا فرغ قَالَ لَا صَلَاة لَيست فِيهَا قِرَاءَة إِنَّمَا شغلني عير جهزتها إِلَى الشَّام فَجعلت أتفكر فِيهَا فَهَذَا يدل على أَنه إِنَّمَا أعَاد لتَركه الْقِرَاءَة لَا لكَونه مُسْتَغْرقا فِي الْفِكر وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من طَرِيق ضَمْضَم بن حوس " عَن عبد الله بن حَنْظَلَة الراهب أَن عمر صلى الْمغرب فَلم يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى فَلَمَّا كَانَ الثَّانِيَة قَرَأَ بِفَاتِحَة الْكتاب مرَّتَيْنِ فَلَمَّا فرغ وَسلم سجد سَجْدَتي السَّهْو ".
244 - (حَدثنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور قَالَ حَدثنَا روح قَالَ حَدثنَا عمر هُوَ ابْن سعيد. قَالَ أَخْبرنِي ابْن أبي مليكَة عَن عقبَة بن الْحَارِث رَضِي الله عَنهُ. قَالَ صليت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْعَصْر فَلَمَّا سلم قَامَ سَرِيعا فَدخل على بعض نِسَائِهِ ثمَّ خرج وَرَأى مَا فِي وُجُوه الْقَوْم من تعجبهم لسرعته فَقَالَ ذكرت وَأَنا فِي الصَّلَاة تبرا عندنَا فَكرِهت أَن يُمْسِي أَو يبيت عندنَا فَأمرت بقسمته) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " ذكرت وَأَنا فِي الصَّلَاة تبرا عندنَا " وَذَلِكَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تفكر فِي أَمر ذَاك التبر وَهُوَ فِي الصَّلَاة وَمَعَ هَذَا لم يعد الصَّلَاة وَهَذَا الحَدِيث قد مضى فِي بَاب من صلى بِالنَّاسِ فَذكر حَاجَة فتخطاهم رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن عبيد عَن عِيسَى بن يُونُس عَن عمر بن سعيد إِلَى آخِره وَقد ذكرنَا هُنَاكَ مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء مُسْتَوْفِي. وروح بِفَتْح الرَّاء ابْن عبَادَة مر فِي بَاب اتِّبَاع الْجَنَائِز من كتاب الْإِيمَان وَعمر بن سعيد هُوَ ابْن أبي حُسَيْن الْمَكِّيّ وَابْن أبي مليكَة هُوَ عبد الله بن أبي مليكَة مصغر الملكة وَعقبَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف ابْن الْحَارِث مر فِي بَاب الرحلة فِي الْمَسْأَلَة النَّازِلَة وَفِي الْبَاب الْمَذْكُور.
245 - (حَدثنَا يحيى بن بكير قَالَ حَدثنَا اللَّيْث عَن جَعْفَر عَن الْأَعْرَج قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا أذن بِالصَّلَاةِ أدبر الشَّيْطَان لَهُ ضراط حَتَّى لَا يسمع التأذين فَإِذا سكت الْمُؤَذّن أقبل فَإِذا ثوب أدبر فَإِذا سكت أقبل فَلَا يزَال بالمريء يَقُول لَهُ أذكر مَا لم يكن يذكر حَتَّى لَا يدْرِي كم صلى قَالَ أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن إِذا فعل ذَلِك أحدكُم فليسجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ قَاعد وسَمعه أَبُو سَلمَة من أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَلَا يزَال بالمريء يَقُول لَهُ أذكر مَا لم يكن يذكر حَتَّى لَا يدْرِي كم صلى " وَهَذَا يتفكر أَشْيَاء حَتَّى لَا يعلم كم رَكْعَة صلاهَا وَهَذَا لَا يقْدَح فِي صِحَة الصَّلَاة مَا لم يتْرك شَيْئا من أَرْكَانهَا وَهَذَا الحَدِيث مضى فِي بَاب فضل التأذين رَوَاهُ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة إِلَى آخِره وَلَيْسَ فِيهِ قَالَ أَبُو سَلمَة إِلَى آخِره. وجعفر هُوَ ابْن ربيعَة الْمصْرِيّ والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز قَوْله " قَالَ أَبُو سَلمَة " إِلَى آخِره تَعْلِيق وطرف من حَدِيث أخرجه فِي الْبَاب السَّادِس من الْأَبْوَاب الَّتِي عقيب الحَدِيث الْمَذْكُور وَفِي الْبَاب السَّابِع أَيْضا على مَا يَجِيء إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَلَا يظنّ ظان أَن هَذِه الزِّيَادَة من رِوَايَة جَعْفَر بن ربيعَة الْمَذْكُور فِي سَنَد الحَدِيث الْمَذْكُور وَلَكِن من رِوَايَة يحيى بن كثير عَن أبي سَلمَة وَرِوَايَة الزُّهْرِيّ عَنهُ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا وستقف عَلَيْهِ فِي الْبَابَيْنِ الْمَذْكُورين إِن شَاءَ الله تَعَالَى
246 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى قَالَ حَدثنَا عُثْمَان بن عمر قَالَ أَخْبرنِي ابْن أبي ذِئْب(7/299)
عَن سعيد المَقْبُري قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ يَقُول النَّاس أَكثر أَبُو هُرَيْرَة فَلَقِيت رجلا فَقلت بِمَا قَرَأَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - البارحة فِي الْعَتَمَة فَقَالَ لَا أَدْرِي فَقلت ألم تشهدها قَالَ بلَى قلت لَكِن أَنا أَدْرِي قَرَأَ سُورَة كَذَا وَكَذَا) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن ذَلِك الرجل كَانَ متفكرا فِي الصَّلَاة بفكر دُنْيَوِيّ حَتَّى لم يضْبط مَا قَرَأَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيهَا وَيجوز أَن يكون من حَيْثُ أَن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ متفكرا بِأَمْر الصَّلَاة حَتَّى ضبط مَا قَرَأَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول مُحَمَّد بن الْمثنى بن عبيد أَبُو مُوسَى الْمَعْرُوف بالزمن. الثَّانِي عُثْمَان بن عمر بن فَارس الْعَبْدي. الثَّالِث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أبي ذِئْب. الرَّابِع سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري وَقد تكَرر ذكره. الْخَامِس أَبُو هُرَيْرَة. (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين والإخبار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَفِيه القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه بصريان وَابْن أبي ذِئْب وَسَعِيد مدنيان وَفِيه قَالَ أَبُو هُرَيْرَة وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن أبي هُرَيْرَة وَفِيه أَن هَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده. (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " يَقُول النَّاس أَكثر أَبُو هُرَيْرَة " أَي من الرِّوَايَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وروى الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل من طَرِيق أبي مُصعب عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن دِينَار عَن ابْن أبي ذِئْب بِلَفْظ " أَن النَّاس قَالُوا قد أَكثر أَبُو هُرَيْرَة من الحَدِيث عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِنِّي كنت ألزمهُ لشبع بَطْني فَلَقِيت رجلا فَقلت لَهُ بِأَيّ سُورَة " فَذكر الحَدِيث وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق ابْن أبي فديك عَن ابْن أبي ذِئْب فِي أول هَذَا الحَدِيث " حفظت من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وعاءين " الحَدِيث " وَفِيه أَن النَّاس قَالُوا أَكثر أَبُو هُرَيْرَة " فَذكره وَتقدم فِي الْعلم من طَرِيق الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة " أَن النَّاس يَقُولُونَ أَكثر أَبُو هُرَيْرَة وَالله لَوْلَا آيتان فِي كتاب الله مَا حدثت " وَسَيَأْتِي فِي أَوَائِل الْبيُوع من طَرِيق سعيد ابْن الْمسيب وَأبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ " إِنَّكُم تَقولُونَ أَن أَبَا هُرَيْرَة أَكثر " الحَدِيث قَوْله " بِمَ " بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة بِغَيْر ألف لأبي ذَر وَهُوَ الْمَعْرُوف وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين " بِمَا " بِإِثْبَات الْألف وَهُوَ قَلِيل قَوْله " البارحة " نصب على الظّرْف وَهِي اللَّيْلَة الْمَاضِيَة قَوْله " فِي الْعَتَمَة " وَهِي الْعشَاء الْآخِرَة قَوْله " ألم تشهد " بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام ويروى " لم تشهد " بِدُونِ الْهمزَة (وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ) إتقان أبي هُرَيْرَة وَشدَّة ضَبطه وَفِيه إكثار أبي هُرَيْرَة وَهُوَ لَيْسَ بِعَيْب إِذا لم يخْش مِنْهُ قلَّة الضَّبْط وَمن النَّاس من لَا يكثر وَلَا يضْبط مثل هَذَا الرجل لم يحفظ مَا قَرَأَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْعَتَمَة وَفِيه مَا يدل على أَنه قد يجوز أَن يَنْفِي الشَّيْء عَمَّن لم يحكمه لِأَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ للرجل ألم تشهدها يُرِيد شُهُودًا تَاما فَقَالَ الرجل بلَى شهدتها كَمَا يُقَال للصانع إِذا لم يحسن صَنعته مَا صنعت شَيْئا يُرِيدُونَ الإتقان وللمتكلم مَا قلت شَيْئا إِذا لم يعلم مَا يَقُول
(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
(بَاب مَا جَاءَ فِي السَّهْو إِذا قَامَ من رَكْعَتي الْفَرِيضَة)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي أَمر السَّهْو الْوَاقِع فِي الصَّلَاة إِذا قَامَ الْمُصَلِّي من رَكْعَتي الْفَرِيضَة وَلم يجلس عقبيهما وَهَذَا بَيَانه إِذا وَقع وَحكمه فِي حَدِيث الْبَاب. والسهو الْغَفْلَة عَن الشَّيْء وَذَهَاب الْقلب إِلَى غَيره وَقَالَ بَعضهم وَفرق بَعضهم بَين السَّهْو وَالنِّسْيَان وَلَيْسَ بِشَيْء (قلت) هَذَا الَّذِي قَالَه لَيْسَ بِشَيْء بل بَينهمَا فرق دَقِيق وَهُوَ أَن السَّهْو أَن يَنْعَدِم لَهُ شُعُور وَالنِّسْيَان لَهُ فِيهِ شُعُور ثمَّ اعْلَم أَن لَفْظَة بَاب سَاقِطَة فِي رِوَايَة أبي ذَر وَفِي رِوَايَة الْكشميهني والأصيلي وَأبي الْوَقْت " من رَكْعَتي الْفَرْض "
247 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج عَن عبد الله بن بُحَيْنَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَامَ من اثْنَتَيْنِ من الظّهْر لم يجلس بَينهمَا فَلَمَّا قضى صلَاته سجد سَجْدَتَيْنِ ثمَّ سلم بعد ذَلِك)(7/300)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " قَامَ من اثْنَتَيْنِ من الظّهْر " وَهُوَ معنى قَوْله فِي التَّرْجَمَة إِذا قَامَ من رَكْعَتي الْفَرِيضَة. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة ذكرُوا غير مرّة وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن هُرْمُز الْأَعْرَج وَوَقع كَذَا عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَفِي رِوَايَة غَيرهَا عَن الْأَعْرَج وَلم يَقع اسْمه وبحينة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح النُّون وَفِي آخِره هَاء وَهُوَ اسْم أم عبد الله وَقيل اسْم أم أَبِيه فَيَنْبَغِي أَن يكْتب ابْن بُحَيْنَة بِأَلف وَقد تقدم هَذَا الحَدِيث فِي بَاب من لم ير التَّشَهُّد الأول وَاجِبا وَقد ذكرنَا هُنَاكَ أَن هَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة (ذكر مَعْنَاهُ وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام) قَوْله " قَامَ من اثْنَتَيْنِ " أَي من رَكْعَتَيْنِ من صَلَاة الظّهْر وَفِي مُسْند السراج من حَدِيث ابْن إِسْحَق عَن الزُّهْرِيّ " الظّهْر أَو الْعَصْر " وَمن حَدِيث أبي مُعَاوِيَة عَن يحيى مثله وَمن حَدِيث سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ أَي إِحْدَى صَلَاتي الْعشي قَوْله " لم يجلس بَينهمَا " أَي بَين هَاتين الثِّنْتَيْنِ اللَّتَيْنِ هما الركعتان الأوليان وَبَين الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ قَوْله " فَلَمَّا قضى صلَاته " أَي لما فرغ مِنْهَا قَوْله " بعد ذَلِك " أَي بعد أَن سجد سَجْدَتَيْنِ وهما سجدتا السَّهْو. وَاحْتج قوم بِظَاهِر هَذَا الحَدِيث أَن سُجُود السَّهْو قبل السَّلَام مُطلقًا فِي الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَهُوَ الصَّحِيح من مَذْهَب الشَّافِعِي وَرُوِيَ ذَلِك عَن أبي هُرَيْرَة وَالزهْرِيّ وَمَكْحُول وَرَبِيعَة وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ والسائب الْقَارِي وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث بن سعد وَزعم أَبُو الْخطاب أَنَّهَا رِوَايَة عَن أَحْمد بن حَنْبَل وَلَهُم أَحَادِيث أُخْرَى فِي ذَلِك مِنْهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول " إِذا سَهَا أحدكُم فِي صلَاته " الحَدِيث وَفِيه " فليسجد سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم " وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صَحِيح. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي سعيد قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته " الحَدِيث وَفِيه " فليسجد سَجْدَتَيْنِ من قبل أَن يسلم ". وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من طَرِيق ابْن عجلَان أَن مُعَاوِيَة سَهَا فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس بعد أَن أتم الصَّلَاة وَقَالَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول " من نسي شَيْئا من صلَاته فليسجد مثل هَاتين السَّجْدَتَيْنِ ". وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمخْرج عِنْد السِّتَّة وَفِيه زِيَادَة " فليسجد سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم ثمَّ ليسلم ". وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته " الحَدِيث وَفِيه " فَإِذا فرغ فَلم يبْق إِلَّا التَّسْلِيم فليسجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس ثمَّ ليسلم ". وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي عُبَيْدَة عَن أَبِيه عَن ابْن مَسْعُود عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " إِذا كنت فِي صَلَاة فشككت فِي ثَلَاث أَو أَربع " وَفِيه " وتشهدت ثمَّ سجدت سَجْدَتَيْنِ وَأَنت جَالس قبل أَن تسلم ثمَّ تشهدت أَيْضا ثمَّ تسلم ". وَذهب أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري إِلَى أَن السُّجُود يكون بعد السَّلَام فِي الزِّيَادَة وَالنَّقْص وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب وَسعد بن أبي وَقاص وَابْن مَسْعُود وعمار وَابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَأنس بن مَالك وَالنَّخَعِيّ وَابْن أبي ليلى وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ الْمخْرج فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقد مر فِيمَا مضى وَفِيه " فَأَتمَّ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا بَقِي من الصَّلَاة ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس بعد التَّسْلِيم ". وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِأَحَادِيث أُخْرَى. مِنْهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الشّعبِيّ قَالَ " صلى بِنَا الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فسبح بِهِ الْقَوْم وَسبح بهم فَلَمَّا صلى بَقِيَّة صلَاته سلم ثمَّ سجد سَجْدَتي السَّهْو وَهُوَ جَالس ثمَّ حَدثهمْ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعل بهم مثل الَّذِي فعل ". وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى الْعَصْر فَسلم فِي ثَلَاث رَكْعَات فَقَامَ رجل يُقَال لَهُ الْخِرْبَاق قد ذكر لَهُ صَنِيعه فَقَالَ أصدق هَذَا قَالُوا نعم فصلى رَكْعَة ثمَّ سلم ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ ثمَّ سلم " وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن صَالح بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ " صليت خلف أنس بن مَالك صَلَاة فَسَهَا فِيهَا فَسجدَ بعد السَّلَام ثمَّ الْتفت إِلَيْنَا وَقَالَ أما إِنِّي لم أصنع إِلَّا كَمَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يصنع ". وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْن سعد فِي الطَّبَقَات " عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ صليت مَعَ عبد الله بن الزبير الْمغرب فَسلم فِي الرَّكْعَتَيْنِ ثمَّ قَامَ يسبح بِهِ الْقَوْم فصلى بهم الرَّكْعَة ثمَّ سلم ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ قَالَ فَأتيت ابْن عَبَّاس من فوري فَأَخْبَرته فَقَالَ لله أَبوك مَا مَاطَ عَن سنة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ". وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه من حَدِيث عبد الله بن جَعْفَر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " من شكّ فِي صلَاته فليسجد سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا يسلم ". وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد(7/301)
وَابْن مَاجَه وَأحمد فِي مُسْنده وَعبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه وَالطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه من حَدِيث ثَوْبَان عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ " لكل سَهْو سَجْدَتَانِ بَعْدَمَا يسلم " وَبِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من حَدِيث قَتَادَة " عَن أنس فِي الرجل يهم فِي صلَاته لَا يدْرِي أزاد أم نقص قَالَ يسْجد سَجْدَتَيْنِ بعد السَّلَام " (فَإِن قلت) قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة روى عَن الزُّهْرِيّ أَنه ادّعى نسخ السُّجُود بعد السَّلَام وأسنده الشَّافِعِي عَنهُ ثمَّ أكده بِحَدِيث مُعَاوِيَة أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سجدهما قبل السَّلَام رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سنَنه قَالَ وصحبة مُعَاوِيَة مُتَأَخِّرَة (قلت) قَول الزُّهْرِيّ مُنْقَطع وَهُوَ غير حجَّة عِنْدهم وَقَالَ الطرطوشي هَذَا لَا يَصح عَن الزُّهْرِيّ وَفِي إِسْنَاده أَيْضا مطرف بن مَازِن قَالَ يحيى كَذَّاب وَقَالَ النَّسَائِيّ غير ثِقَة وَقَالَ ابْن حبَان لَا تجوز الرِّوَايَة عَنهُ إِلَّا للاعتبار (فَإِن قلت) قَالُوا المُرَاد بِالسَّلَامِ فِي الْأَحَادِيث الَّتِي جَاءَت بِالسُّجُود بعد السَّلَام هُوَ السَّلَام على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي التَّشَهُّد أَو يكون تَأْخِيرهَا على سَبِيل السَّهْو (قلت) هَذَا بعيد جدا مَعَ أَنه معَارض بِمثلِهِ وَهُوَ أَن يُقَال حَدِيثهمْ قبل السَّلَام يكون على سَبِيل السَّهْو وَيحْتَمل حَدِيثهمْ على السَّلَام الْمَعْهُود الَّذِي يخرج بِهِ عَن الصَّلَاة وَهُوَ سَلام التَّحَلُّل وَيبْطل أَيْضا حملهمْ على السَّلَام الَّذِي فِي التشهدان سُجُود السَّهْو لَا يكون إِلَّا بعد التسليمتين اتِّفَاقًا. وَأما الْجَواب عَن أَحَادِيثهم فَنَقُول أما حَدِيث الْبَاب وَهُوَ حَدِيث ابْن بُحَيْنَة فَهُوَ يخبر عَن فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِي أحاديثنا مَا يخبر عَن قَوْله فَالْعَمَل بقوله أولى على أَنه قد تعَارض فعلاه لِأَن فِي أَحَادِيثهم أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سجد للسَّهْو قبل السَّلَام وَفِي أحاديثنا سجد بعد السَّلَام فَفِي مثل هَذَا الْمصير إِلَى قَوْله أولى وَقد يُقَال أَن سُجُوده بعد السَّلَام إِنَّمَا كَانَ لبَيَان الْجَوَاز قبل السَّلَام لَا لبَيَان الْمسنون وَقَالَ بعض الشَّافِعِيَّة وَللشَّافِعِيّ قَول آخر أَنه يتَخَيَّر إِن شَاءَ قبل السَّلَام وَإِن شَاءَ بعده وَالْخلاف عندنَا فِي الْأَجْزَاء وَقيل فِي الْأَفْضَل وَادّعى الْمَاوَرْدِيّ اتِّفَاق الْفُقَهَاء يَعْنِي جَمِيع الْعلمَاء عَلَيْهِ وَقَالَ صَاحب الذَّخِيرَة للحنفية لَو سجد قبل السَّلَام جَازَ عندنَا قَالَ الْقَدُورِيّ هَذَا فِي رِوَايَة الْأُصُول قَالَ وروى عَنْهُم أَنه لَا يجوز لِأَنَّهُ أَدَّاهُ قبل وقته وَوجه رِوَايَة الْأُصُول أَنه فعل حصل فِي مُجْتَهد فِيهِ فَلَا يحكم بفساده وَهَذَا لَو أمرناه بِالْإِعَادَةِ يتَكَرَّر عَلَيْهِ السُّجُود وَلم يقل بِهِ أحد من الْعلمَاء وَذكر صَاحب الْهِدَايَة أَن هَذَا الْخلاف فِي الْأَوْلَوِيَّة وَذكر ابْن عبد الْبر كلهم يَقُولُونَ لَو سجد قبل السَّلَام فِيمَا يجب السُّجُود بعده أَو بعده فِيمَا يجب قبله لَا يضر وَهُوَ مُوَافق لنقل الْمَاوَرْدِيّ الْمَذْكُور آنِفا وَقَالَ الْحَازِمِي طَرِيق الْإِنْصَاف أَن نقُول أما حَدِيث الزُّهْرِيّ الَّذِي فِيهِ دلَالَة على النّسخ فَفِيهِ انْقِطَاع فَلَا يَقع مُعَارضا للأحاديث الثَّابِتَة وَأما بَقِيَّة الْأَحَادِيث فِي السُّجُود قبل السَّلَام وَبعده قولا وفعلا فَهِيَ وَإِن كَانَت ثَابِتَة صَحِيحَة فَفِيهَا نوع من تعَارض غير أَن تَقْدِيم بَعْضهَا على بعض غير مَعْلُوم رِوَايَة صَحِيحَة مَوْصُولَة وَالْأَشْبَه حمل الْأَحَادِيث على التَّوَسُّع وَجَوَاز الْأَمريْنِ انْتهى. وَأما حَدِيث أبي سعيد فَإِن مُسلما أخرجه مُنْفَردا بِهِ وَرَوَاهُ مَالك مُرْسلا (فَإِن قلت) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ القَوْل لمن وَصله (قلت) قَالَ الْبَيْهَقِيّ الأَصْل الْإِرْسَال. وَأما حَدِيث مُعَاوِيَة فَإِن النَّسَائِيّ أخرجه من حَدِيث ابْن عجلَان عَن مُحَمَّد بن يُوسُف مولى عُثْمَان عَن أَبِيه عَنهُ ثمَّ قَالَ ويوسف لَيْسَ بِمَشْهُور. وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَهُوَ مَنْسُوخ. وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَإِنَّهُ من حَدِيث ابْن إِسْحَاق عَن مَكْحُول عَن كريب عَن ابْن عَبَّاس وَرَوَاهُ أَبُو عَليّ الطوسي فِي الْأَحْكَام عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا ابْن علية حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق حَدثنِي مَكْحُول أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فَذكره وَقَالَ الدراقطني رَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة عَن ابْن إِسْحَق عَن مَكْحُول مُرْسلا وَرَوَاهُ ابْن علية وَعبد الله بن نمير والمحاربي عَن ابْن إِسْحَق عَن مَكْحُول مُرْسلا وَوَصله يرجع إِلَى حُسَيْن بن عبد الله وَإِسْمَاعِيل بن مُسلم وَكِلَاهُمَا ضعيفان. وَأما حَدِيث ابْن مَسْعُود فَإِن أَبَا عُبَيْدَة رَوَاهُ عَن أَبِيه وَلم يسمع مِنْهُ وَبقيت هُنَا أَحْكَام أُخْرَى. الأول أَن فِي مَحل سَجْدَتي السَّهْو خَمْسَة أَقْوَال الْقَوْلَانِ للحنفية وَالشَّافِعِيَّة ذكرناهما. وَالثَّالِث مَذْهَب الْمَالِكِيَّة فَإِن عِنْدهم إِن كَانَ للنقصان فَقبل السَّلَام وَإِن كَانَ للزِّيَادَة فَبعد السَّلَام وَهُوَ قَول للشَّافِعِيّ. وَالرَّابِع مَذْهَب الْحَنَابِلَة أَنه يسْجد قبل السَّلَام فِي الْمَوَاضِع الَّتِي سجد فِيهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَبعد السَّلَام فِي الْمَوَاضِع الَّتِي سجد فِيهَا بعد السَّلَام وَمَا كَانَ من السُّجُود فِي غير تِلْكَ الْمَوَاضِع يسْجد لَهُ أبدا قبل السَّلَام. وَالْخَامِس مَذْهَب الظَّاهِرِيَّة أَنه لَا يسْجد للسَّهْو إِلَّا فِي الْمَوَاضِع الَّتِي سجد فِيهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَط وَغير ذَلِك إِن كَانَ فرضا أَتَى بِهِ وَإِن كَانَ ندبا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء. والمواضع الَّتِي سجد فِيهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَمْسَة. أَحدهَا قَامَ من ثِنْتَيْنِ على مَا جَاءَ بِهِ فِي حَدِيث(7/302)
ابْن بُحَيْنَة. وَالثَّانِي سلم من ثِنْتَيْنِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ. وَالثَّالِث سلم من ثَلَاث كَمَا جَاءَ بِهِ فِي حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن. وَالرَّابِع أَنه صلى خمْسا كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَالْخَامِس السُّجُود على الشَّك كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ الحكم الثَّانِي أَن فِي الحَدِيث دلَالَة على سنية التَّشَهُّد الأول وَالْجُلُوس لَهُ إِذْ لَو كَانَا واجبين لما جبرا بِالسُّجُود كالركوع وَغَيره وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حنيفَة كَذَا نَقله صَاحب التَّوْضِيح عَن أبي حنيفَة فَإِن كَانَ مُرَاده من السّنة السّنة الْمُؤَكّدَة يَصح النَّقْل عَنهُ لِأَن السّنة الْمُؤَكّدَة فِي قُوَّة الْوَاجِب وَفِي الْمُحِيط قَالَ الْكَرْخِي والطَّحَاوِي وَبَعض الْمُتَأَخِّرين الْقعدَة الأولى وَاجِبَة وَقِرَاءَة التَّشَهُّد فِيهَا سنة عِنْد بعض الْمَشَايِخ وَهُوَ الأقيس وَعند بَعضهم وَاجِبَة وَهُوَ الْأَصَح وَقِرَاءَة التَّشَهُّد فِي الْقعدَة الْأَخِيرَة وَاجِبَة بالِاتِّفَاقِ الحكم الثَّالِث فِي أَن التَّكْبِير مَشْرُوع لسجود السَّهْو بِالْإِجْمَاع وَفِي التَّوْضِيح مَذْهَبنَا أَن تَكْبِير الصَّلَوَات كلهَا سنة غير تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فَهُوَ ركن وَهُوَ قَول الْجُمْهُور وَأَبُو حنيفَة يُسمى تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَاجِبَة وَفِي رِوَايَة عَن أَحْمد والظاهرية أَن كلهَا وَاجِبَة (قلت) مَذْهَب أبي حنيفَة أَن تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فرض وَنحن نفرق بَين الْفَرْض وَالْوَاجِب وَلكنه شَرط أَو ركن فعندنا شَرط وَعند الشَّافِعِي ركن كَمَا عرف فِي مَوْضِعه الحكم الرَّابِع فِي أَنه هَل يتَشَهَّد فِي سُجُود السَّهْو أم لَا فعندنا يتَشَهَّد وَعند الشَّافِعِي فِي الصَّحِيح لَا يتَشَهَّد كَمَا فِي سُجُود التِّلَاوَة والجنازة وَقَالَ ابْن قدامَة إِن كَانَ قبل السَّلَام يسلم عقيب التَّكْبِير وَإِن كَانَ بعده يتَشَهَّد وَيسلم قَالَ وَبِه قَالَ ابْن مَسْعُود وَقَتَادَة وَالنَّخَعِيّ وَالْحكم وَحَمَّاد وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَعَن النَّخعِيّ يتَشَهَّد وَلَا يسلم وَعَن أنس وَالشعْبِيّ وَالْحسن وَعَطَاء لَيْسَ فيهمَا تشهد وَلَا تَسْلِيم وَعَن سعد بن أبي وَقاص وعمار وَابْن أبي ليلى وَابْن سِيرِين وَابْن الْمُنْذر فيهمَا تَسْلِيم بِغَيْر تشهد وَقَالَ ابْن الْمُنْذر التَّسْلِيم فيهمَا ثَابت من غير وَجه وَفِي ثُبُوت التَّشَهُّد عَنهُ نظر وَقَالَ أَبُو عمر لَا أحفظه مَرْفُوعا من وَجه صَحِيح وَعَن عَطاء إِن شَاءَ يتَشَهَّد وَيسلم وَإِن شَاءَ لم يفعل (قلت) عندنَا يسلم ثِنْتَيْنِ وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَأحمد وَيسلم عَن يَمِينه وشماله وَفِي الْمُحِيط يَنْبَغِي أَن يسلم وَاحِدَة عَن يَمِينه وَهُوَ قَول الْكَرْخِي وَبِه قَالَ النَّخعِيّ كالجنازة وَفِي الْبَدَائِع يسلم تِلْقَاء وَجهه فِي صفة السَّلَام فهما رِوَايَتَانِ عَن مَالك الحكم الْخَامِس فِي أَنه لَا يتَكَرَّر السُّجُود فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما ترك التَّشَهُّد الأول وَالْجُلُوس لَهُ اكْتفى بسجدتين وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم وَعَن الْأَوْزَاعِيّ إِذا سَهَا عَن شَيْئَيْنِ مُخْتَلفين يُكَرر وَيسْجد أَرْبعا وَقَالَ ابْن أبي ليلى يتَكَرَّر السُّجُود بِتَكَرُّر السَّهْو وَقَالَ ابْن أبي حَازِم وَعبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة إِذا كَانَ عَلَيْهِ سهوان فِي صَلَاة وَاحِدَة مِنْهُ مَا يسْجد لَهُ قبل السَّلَام وَمِنْه مَا يسْجد لَهُ بعد السَّلَام فليفعلهما الحكم السَّادِس فِي أَن سُجُود السَّهْو فِي التَّطَوُّع كالفرض سَوَاء وَقَالَ ابْن سِيرِين وَقَتَادَة لَا سُجُود فِي التَّطَوُّع وَهُوَ قَول غَرِيب ضَعِيف للشَّافِعِيّ الحكم السَّابِع فِي أَن مُتَابعَة الإِمَام عِنْد الْقيام من هَذَا الْجُلُوس وَاجِبَة أم لَا فَذكر فِي التَّوْضِيح أَنَّهَا وَاجِبَة وَقد وَقع كَذَلِك فِي الحَدِيث وَيجوز أَن يَكُونُوا علمُوا حكم هَذِه الْحَادِثَة أَو لم يعلمُوا فَسَبحُوا فَأَشَارَ إِلَيْهِم أَن يقومُوا نعم اخْتلفُوا فِيمَن قَامَ من اثْنَتَيْنِ سَاهِيا هَل يرجع إِلَى الْجُلُوس فَقَالَت طَائِفَة بِهَذَا الحَدِيث أَن من استتم قَائِما واستقل من الأَرْض فَلَا يرجع وليمض فِي صلَاته وَإِن لم يستو قَائِما جلس وروى ذَلِك عَن عَلْقَمَة وَقَتَادَة وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة وَالشَّافِعِيّ وَقَالَت طَائِفَة إِذا فَارَقت إليته الأَرْض وَإِن لم يعتدل فَلَا يرجع ويتمادى وَيسْجد قبل السَّلَام رَوَاهُ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الْمَجْمُوعَة وَقَالَت طَائِفَة يقْعد وَإِن كَانَ استتم قَائِما رُوِيَ ذَلِك عَن النُّعْمَان بن بشير وَالنَّخَعِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ إِلَّا أَن النَّخعِيّ قَالَ يجلس مَا لم يستتم الْقِرَاءَة وَقَالَ الْحسن مَا لم يرْكَع وَقد روى عَن(7/303)
عمر وَابْن مَسْعُود وَمُعَاوِيَة وَسَعِيد والمغيرة بن شُعْبَة وَعقبَة بن عَامر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَنهم قَامُوا من اثْنَتَيْنِ فَلَمَّا ذكرُوا بعد الْقيام لم يجلسوا وَقَالُوا أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يفعل ذَلِك وَفِي قَول أَكثر الْعلمَاء أَن من رَجَعَ إِلَى الْجُلُوس بعد قِيَامه من ثِنْتَيْنِ أَنه لَا تفْسد صلَاته إِلَّا مَا ذكر ابْن أبي زيد عَن سَحْنُون أَنه قَالَ أفسد الصَّلَاة رُجُوعه وَالصَّوَاب قَول الْجَمَاعَة الحكم الثَّامِن فِيمَن سَهَا فِي سَجْدَتي السَّهْو لَا سَهْو عَلَيْهِ قَالَه النَّخعِيّ وَالْحكم وَحَمَّاد والمغيرة وَابْن أبي ليلى وَالْحسن الحكم التَّاسِع أَن سُجُود السَّهْو وَاجِب عِنْد أبي حنيفَة لوُجُود الْأَمر بِهِ فِي غير حَدِيث لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمُتَّفق عَلَيْهِ " فَإِذا وجد ذَلِك أحدكُم فليسجد سَجْدَتَيْنِ " وَذهب الشَّافِعِي إِلَى أَن سُجُود السَّهْو سنة يجوز تَركه والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ وَقَالَ ابْن شبْرمَة فِي رجل نسي سَجْدَتي السَّهْو حَتَّى يخرج من الْمَسْجِد قَالَ يُعِيد الصَّلَاة (فَإِن قلت) روى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عمر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يسْجد يَوْم ذِي الْيَدَيْنِ (قلت) فِي إِسْنَاده عبد الله بن عمر الْعمريّ وَهُوَ مُخْتَلف فِي الِاحْتِجَاج بِهِ وَلَئِن سلمنَا صِحَّته فَإِنَّهُ لَا يُقَاوم حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَافْهَم
248 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك بن أنس عَن ابْن شهَاب عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج عَن عبد الله بن بُحَيْنَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ صلى لنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَكْعَتَيْنِ من بعض الصَّلَوَات ثمَّ قَامَ فَلم يجلس فَنَامَ النَّاس مَعَه فَلَمَّا قضى صلَاته ونظرنا تَسْلِيمه كبر قبل التَّسْلِيم فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس ثمَّ سلم) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " صلى لنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَكْعَتَيْنِ من بعض الصَّلَوَات ثمَّ قَامَ " وَهَذَا الحَدِيث نَحْو الحَدِيث الأول غير أَن مَالِكًا يروي عَن يحيى بن سعيد فِيهِ وَهَهُنَا يروي عَن ابْن شهَاب وَهُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ وَفِيه زِيَادَة وَفِي أَكثر النّسخ هَذَا الحَدِيث مَذْكُور قبل الحَدِيث الأول قَوْله " من بعض الصَّلَوَات " بَين ذَلِك فِي الحَدِيث السَّابِق أَنَّهَا صَلَاة الظّهْر قَوْله " ثمَّ قَامَ " أَي إِلَى الثَّالِثَة وَزَاد الضَّحَّاك بن عُثْمَان عَن الْأَعْرَج " فَسَبحُوا بِهِ فَمضى حَتَّى فرغ من صلَاته " أخرجه ابْن خُزَيْمَة قَوْله " فَلَمَّا قضى صلَاته " أَي لما فرغ مِنْهَا وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ الْقَضَاء الَّذِي يُقَابل الْأَدَاء قَوْله " ونظرنا تَسْلِيمه " أَي انتظرنا وَفِي رِوَايَة شُعَيْب " وانتظر النَّاس تَسْلِيمه " قَوْله " وَهُوَ جَالس " جملَة اسمية وَقعت حَالا من الضَّمِير الَّذِي فِي " فَسجدَ " قَوْله " ثمَّ سلم " زَاد فِي رِوَايَة يحيى بن سعيد " ثمَّ سلم بعد ذَلِك " وَسَيَأْتِي فِي رِوَايَة اللَّيْث " وسجدهما النَّاس مَعَه مَكَان مَا نسي من الْجُلُوس " (وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَشْيَاء) الأول فِي قَوْله " فَلَمَّا قضى صلَاته " دلَالَة على أَن السَّلَام لَيْسَ من الصَّلَاة حَتَّى لَو أحدث بعد أَن جلس وَقبل أَن يسلم تمت صلَاته وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَقَالَ بَعضهم وَتعقب بِأَن السَّلَام لما كَانَ للتحليل من الصَّلَاة كَانَ الْمُصَلِّي إِذا انْتهى إِلَيْهِ كمن فرغ من صلَاته وَيدل على ذَلِك قَوْله فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه من طَرِيق جمَاعَة من الثِّقَات عَن يحيى بن سعيد عَن الْأَعْرَج " حَتَّى إِذا فرغ من الصَّلَاة إِلَّا أَن يسلم " فَدلَّ أَن بعض الروَاة حذف الِاسْتِثْنَاء لوضوحه وَالزِّيَادَة من الْحَافِظ مَقْبُولَة انْتهى (قلت) أَصْحَابنَا مَا اكتفوا بِهَذَا فِي عدم فَرضِيَّة السَّلَام حَتَّى يذكر هَذَا الْقَائِل التعقب بل احْتَجُّوا أَيْضا بِحَدِيث " عبد الله بن مَسْعُود أَن نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَخذ بِيَدِهِ فَعلمه التَّشَهُّد " وَفِي آخِره " إِذا قلت هَذَا أَو قضيت هَذَا فقد قضيت صَلَاتك إِن شِئْت أَن تقوم وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأحمد فِي مُسْنده وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَإِسْحَاق فِي مُسْنده وَهَذَا يُنَافِي فَرضِيَّة السَّلَام فِي الصَّلَاة لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خير الْمُصَلِّي بعد الْقعُود بقوله " إِن شِئْت " أَي آخِره وهم تمسكوا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " تَحْرِيمهَا التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم " وَمَعْنَاهُ لَا يخرج من الصَّلَاة إِلَّا بِهِ وَنحن نمْنَع إِثْبَات الْفَرْضِيَّة بِخَبَر الْوَاحِد على أَن مدَار هَذَا الحَدِيث على عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل وعَلى أبي سُفْيَان من طَرِيق ابْن شهَاب وَكِلَاهُمَا ضعيفان وَالْعجب من هَذَا الْقَائِل أَنه يجوز للراوي حذف شَيْء من الحَدِيث لوضوحه وَكَيف يجوز التَّصَرُّف فِي كَلَام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان وَلَا سِيمَا فِي بَاب الْأَحْكَام(7/304)
الثَّانِي فِيهِ الدّلَالَة على مَشْرُوعِيَّة سَجْدَتي السَّهْو وَأَن الْمَشْرُوع سَجْدَتَانِ فَلَو اقْتصر على سَجْدَة وَاحِدَة سَاهِيا أَو عَامِدًا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء وَذكر بَعضهم أَنه لَو تَركهَا عَامِدًا بطلت صلَاته لِأَنَّهُ تعمد الْإِتْيَان بِسَجْدَة زَائِدَة لَيست مَشْرُوعَة (قلت) كَيفَ تبطل الصَّلَاة إِذا زَاد فِيهَا شَيْئا من جِنْسهَا الثَّالِث فِيهِ أَن سَجْدَتي السَّهْو قبل السَّلَام وَقد ذكرنَا الْخلاف فِيهِ مَعَ حججه فِيمَا مضى. الرَّابِع فِيهِ أَن الْمَأْمُوم يسْجد مَعَ الإِمَام سَجْدَتي السَّهْو إِذا سَهَا الإِمَام وَإِن سَهَا الْمَأْمُوم لم يلْزمه وَلَا الإِمَام وَفِي مَبْسُوط أبي الْيُسْر وَيسْجد الْمَسْبُوق مَعَ الإِمَام للسَّهْو سَوَاء أدْركهُ فِي الْقعدَة أَو فِي وسط الصَّلَاة الْخَامِس فِيهِ أَن السَّهْو وَالنِّسْيَان جائزان على الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وأزكى السَّلَام فِيمَا طَرِيقه التشريع. السَّادِس فِيهِ أَن مَحل سَجْدَتي السَّهْو آخر الصَّلَاة.
(بَاب إِذا صلى خمْسا)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا صلى الْمُصَلِّي الرّبَاعِيّة خمس رَكْعَات وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى التَّفْرِقَة بَين مَا إِذا كَانَ السَّهْو بِالنُّقْصَانِ وَبَين مَا إِذا كَانَ بِالزِّيَادَةِ فَفِي الْبَاب الأول كَانَ السُّجُود قبل السَّلَام وَفِي هَذَا بعد السَّلَام وَإِلَى التَّفْرِقَة ذهب مَالك كَمَا ذَكرْنَاهُ.
249 - (حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن الحكم عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى الظّهْر خمْسا فَقيل لَهُ أَزِيد فِي الصَّلَاة فَقَالَ وَمَا ذَاك قَالَ صليت خمْسا فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا سلم) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَمضى هَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه فِي بَاب مَا جَاءَ فِي الْقبْلَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن شُعْبَة عَن الحكم إِلَى آخِره وَهنا عَن أبي الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك عَن شُعْبَة بن الْحجَّاج عَن الحكم بِفتْحَتَيْنِ ابْن عتيبة عَن إِبْرَاهِيم بن يزِيد النَّخعِيّ عَن عَلْقَمَة بن قيس عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ والتفاوت بَينهمَا يسير سندا ومتنا فَاعْتبر ذَلِك بِالنّظرِ وَأخرجه أَيْضا فِي بَاب التَّوَجُّه نَحْو الْقبْلَة بأطول مِنْهُ عَن عُثْمَان عَن جرير عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة قَالَ قَالَ عبد الله صلى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى آخِره وَقد ذكرنَا هُنَاكَ أَن حَدِيث عُثْمَان أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَحَدِيث أبي الْوَلِيد أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه. فَلفظ مُسلم " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى الظّهْر خمْسا فَلَمَّا سلم قيل أَزِيد فِي الصَّلَاة قَالَ وَمَا ذَاك قَالُوا صليت خمْسا فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ " وَفِي لفظ لَهُ " صلى بِنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خمْسا فَقُلْنَا يَا رَسُول الله أَزِيد فِي الصَّلَاة قَالَ وَمَا ذَاك قَالُوا صليت خمْسا قَالَ إِنَّمَا أَنا بشر مثلكُمْ أذكر كَمَا تذكرُونَ وأنسى كَمَا تنسون ثمَّ سجد سَجْدَتي السَّهْو " وَفِي لفظ لَهُ " صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَزَاد أَو نقص قَالَ إِبْرَاهِيم وَالوهم مني فَقيل يَا رَسُول الله أَزِيد فِي الصَّلَاة شَيْء فَقَالَ إِنَّمَا أَنا بشر مثلكُمْ أنسى كَمَا تنسون فَإِذا نسي أحدكُم فليسجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس ثمَّ تحول رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ " وَفِي لفظ لَهُ " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سجد سَجْدَتي السَّهْو بعد السَّلَام وَالْكَلَام " وَفِي لفظ لَهُ " قَالَ صلينَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فإمَّا زَاد أَو نقص قَالَ إِبْرَاهِيم وأيم الله مَا جَاءَ ذَاك إِلَّا من قبلي قَالَ قُلْنَا يَا رَسُول الله أحدث فِي الصَّلَاة شَيْء قَالَ لَا قَالَ قُلْنَا لَهُ الَّذِي صنع فَقَالَ إِذا زَاد الرجل أَو نقص فليسجد سَجْدَتَيْنِ قَالَ ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ " وَفِي لفظ أبي دَاوُد قَالَ " صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الظّهْر خمْسا " وَالْبَاقِي نَحْو لفظ البُخَارِيّ وَفِي لفظ لَهُ " قَالَ عبد الله صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إِبْرَاهِيم فَلَا أَدْرِي أزاد أم نقص فَلَمَّا سلم قيل يَا رَسُول الله أحدث فِي الصَّلَاة شَيْء قَالَ وَمَا ذَاك قَالُوا صليت كَذَا وَكَذَا قَالَ فَثنى رجلَيْهِ واستقبل الْقبْلَة فَسجدَ بهم سَجْدَتَيْنِ ثمَّ سلم فَلَمَّا انْفَتَلَ أقبل علينا بِوَجْهِهِ فَقَالَ أَنه لَو أحدث فِي الصَّلَاة شَيْء أنبأتكم بِهِ وَلَكِن إِنَّمَا أَنا بشر أنسى كَمَا تنسون فَإِذا نسيت فذكروني وَإِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فليتحر الصَّوَاب فليتم عَلَيْهِ ثمَّ ليسلم ثمَّ ليسجد سَجْدَتَيْنِ " وَفِي لفظ لَهُ " فَإِذا نسي أحدكُم فليسجد سَجْدَتَيْنِ ثمَّ تحول فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ " وَفِي لفظ لَهُ " قَالَ عبد الله صلى بِنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خمْسا فَلَمَّا انْفَتَلَ توشوش الْقَوْم بَينهم فَقَالَ(7/305)
مَا شَأْنكُمْ قَالُوا يَا رَسُول الله هَل زيد فِي الصَّلَاة قَالَ لَا قَالُوا فَإنَّك قد صليت خمْسا فَانْفَتَلَ فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ ثمَّ سلم ثمَّ قَالَ إِنَّمَا أَنا بشر مثلكُمْ أنسى كَمَا تنسون " وَلَفظ التِّرْمِذِيّ " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى الظّهْر خمْسا فَقيل لَهُ أَزِيد فِي الصَّلَاة فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا سلم " وَفِي لفظ لَهُ " سجد سَجْدَتَيْنِ بعد الْكَلَام " وَلَفظ النَّسَائِيّ " قَالَ عبد الله صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَزَاد أَو نقص فَقيل يَا رَسُول الله هَل حدث فِي الصَّلَاة شَيْء قَالَ لَو حدث فِي الصَّلَاة شَيْء أنبأتكموه وَلَكِنِّي إِنَّمَا أَنا بشر مثلكُمْ أنسى كَمَا تنسون فَأَيكُمْ مَا شكّ فِي صلَاته فَلْينْظر أَحْرَى ذَلِك إِلَى الصَّوَاب فليتم عَلَيْهِ ثمَّ ليسلم وَيسْجد سَجْدَتَيْنِ " وَفِي لفظ لَهُ " صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَزَاد فِيهَا أَو نقص فَلَمَّا سلم قُلْنَا يَا نَبِي الله هَل حدث فِي الصَّلَاة شَيْء قَالَ وَمَا ذَاك قَالَ فَذَكرنَا لَهُ الَّذِي فعل فَثنى رجله فَاسْتقْبل الْقبْلَة فَسجدَ سَجْدَتي السَّهْو ثمَّ أقبل علينا بِوَجْهِهِ فَقَالَ لَو حدث فِي الصَّلَاة شَيْء لأنبأتكم بِهِ ثمَّ قَالَ إِنَّمَا أَنا بشر أنسى كَمَا تنسون فَأَيكُمْ أنسى فِي صلَاته شَيْئا فليتحر الَّذِي يرى أَنه هُوَ صَوَاب ثمَّ يسلم ثمَّ يسْجد سَجْدَتي السَّهْو " وَفِي لفظ لَهُ " إِذا أوهم أحدكُم فِي صلَاته فليتحر أقرب ذَلِك من الصَّوَاب ثمَّ ليتم عَلَيْهِ ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ " وَلَفظ ابْن مَاجَه " قَالَ عبد الله صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة لَا نَدْرِي أزاد أَو نقص فَسَأَلَ فحدثاه فَثنى رجله واستقبل الصَّلَاة وَسجد سَجْدَتَيْنِ ثمَّ سلم ثمَّ أقبل علينا بِوَجْهِهِ فَقَالَ لَو حدث فِي الصَّلَاة شَيْء لأنبأتكموه وَإِنَّمَا أَنا بشر أنسى كَمَا تنسون فَإِذا نسيت فذكروني وَأَيكُمْ مَا شكّ فِي الصَّلَاة فليتحر أقرب ذَلِك من الصَّوَاب فَيتم عَلَيْهِ وَيسْجد سَجْدَتَيْنِ " وَقد استقصينا الْكَلَام فِي هَذَا فِي بَاب التَّوَجُّه نَحْو الْقبْلَة (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " صلى الظّهْر خمْسا " أَي خمس رَكْعَات فَهُنَا جزم بِأَن الَّذِي صلى كَانَ خمْسا وَقد مر فِي بَاب التَّوَجُّه إِلَى الْقبْلَة فِي رِوَايَة مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم وَفِيه قَالَ إِبْرَاهِيم لَا أَدْرِي زَاد أَو نقص قَوْله " قيل لَهُ " أَي لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله أَزِيد الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار قَوْله " وَمَا ذَاك " أَي وَمَا سؤالكم عَن الزِّيَادَة فِي الصَّلَاة قَوْله " فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ " أَي للسَّهْو قَوْله " بَعْدَمَا سلم " كلمة مَا مَصْدَرِيَّة أَي بعد سَلام الصَّلَاة (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) هَذَا الحَدِيث حجَّة لأبي حنيفَة وَأَصْحَابه أَن سَجْدَتي السَّهْو بعد السَّلَام وَإِن كَانَت للزِّيَادَة وَقَالَ بَعضهم وَتعقب بِأَنَّهُ لم يعلم بِزِيَادَة الرَّكْعَة إِلَّا بعد السَّلَام حِين سَأَلُوهُ هَل زيد فِي الصَّلَاة وَقد اتّفق الْعلمَاء فِي هَذِه الصُّورَة على أَن سُجُود السَّهْو بعد السَّلَام لتعذره قبله لعدم علمه بالسهو ورد بِأَنَّهُ وَقع فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود هَذَا فِي لفظ مُسلم فِي الزِّيَادَة أَنه أَمر بالإتمام وَالسَّلَام ثمَّ بسجدتي السَّهْو وَهُوَ قَوْله " إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فليتحر الصَّوَاب فليتم عَلَيْهِ ثمَّ ليسلم ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ " وَالشَّكّ بالسهو غير الْعلم بِهِ وعورض بِأَنَّهُ معَارض بِحَدِيث أبي سعيد عِنْد مُسلم وَلَفظه " إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فَلم يدر كم صلى فليطرح الشَّك وليبن على مَا استيقن ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم " وَأجِيب بِأَن التَّعَارُض إِذا كَانَ بَين الْقَوْلَيْنِ يُصَار إِلَى جَانب الْفِعْل لسلامته عَن الْمعَارض وَإِذا كَانَ بَين القَوْل وَالْفِعْل يُصَار إِلَى جَانب القَوْل لقُوته أَو يُقَال كَانَ ذَلِك مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لبَيَان الْجَوَاز والتوسع فِي الْأَمريْنِ وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة لَا حجَّة للعراقيين فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود لأَنهم خالفوه فَقَالُوا إِن جلس الْمُصَلِّي فِي الرَّابِعَة مِقْدَار التَّشَهُّد يُضَاف إِلَى الْخَامِسَة سادسة ثمَّ سلم وَسجد للسَّهْو وَإِن لم يجلس فِي الرَّابِعَة لم تصح صلَاته وَلم ينْقل فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود إِضَافَة سادسة وَلَا إِعَادَة وَلَا بُد من أَحدهمَا عِنْدهم وَيحرم على الْعَالم أَن يُخَالف السّنة بعد علمه بهَا (قلت) لَا نسلم أَنهم خالفوه فَلَو وقف هَذَا الْمُعْتَرض على مدارك هَذِه الصُّورَة لما قَالَ ذَلِك. الْمدْرك الأول أَن الْقعدَة الْأَخِيرَة فرض عِنْدهم فَلَو ترك شخص فرضا من فروض الصَّلَاة تبطل صلَاته. الْمدْرك الثَّانِي أَنه حِين قَامَ إِلَى السَّادِسَة بعد الْقعُود صَار شَارِعا فِي صَلَاة أُخْرَى بِنَاء على التَّحْرِيمَة الأولى لِأَنَّهَا شَرط عِنْدهم وَلَيْسَ بِرُكْن. الْمدْرك الثَّالِث أَن الصَّلَاة بِرَكْعَة وَاحِدَة منهية عِنْدهم كَمَا ثَبت ذَلِك فِي مَوْضِعه فَإِذا كَانَ كَذَلِك فبالضرورة من إِضَافَة رَكْعَة أُخْرَى إِلَيْهَا ليخرج عَن البتيراء. الْمدْرك الرَّابِع أَن التَّسْلِيم فِي آخر الصَّلَاة غير فرض عِنْدهم فبتركه لَا تبطل صلَاته فَإِذا وقف أحد على هَذِه المدارك لَا يصدر مِنْهُ هَذَا الِاعْتِرَاض وَيحرم عَلَيْهِ أَن ينْسب أحدا إِلَى مُخَالفَة السّنة بعد الْعلم بهَا وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي قَوْله " أَزِيد فِي الصَّلَاة " دَلِيل لمَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَالْجُمْهُور من السّلف وَالْخلف أَن من زَاد فِي صلَاته رَكْعَة نَاسِيا لم تبطل صلَاته بل إِن علم بعد السَّلَام فقد مَضَت صلَاته صَحِيحَة وَيسْجد للسَّهْو وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا(7/306)
زَاد رَكْعَة سَاهِيا بطلت صلَاته وَلَزِمَه إِعَادَتهَا وَقَالَ أَيْضا إِن كَانَ تشهد فِي الرَّابِعَة ثمَّ زَاد خَامِسَة أضَاف إِلَيْهَا سادسة تشفعها وَإِن لم يكن تشهد بطلت صلَاته وَهَذَا الحَدِيث يرد عَلَيْهِ وَهُوَ حجَّة لِلْجُمْهُورِ (قلت) لَا نسلم صِحَة النَّقْل عَن أبي حنيفَة بِبُطْلَان صلَاته إِذا زَاد رَكْعَة سادسة سَاهِيا وَالظَّاهِر من حَال النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قعد على الرَّابِعَة لِأَن حمل فعله على الصَّوَاب أحسن من حمله على غَيره وَهُوَ اللَّائِق بِحَالهِ على أَن الْمَذْكُور فِيهِ صلى الظّهْر خمْسا وَالظّهْر اسْم للصَّلَاة الْمَعْهُودَة فِي وَقتهَا بِجَمِيعِ أَرْكَانهَا (فَإِن قلت) لم يرجع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الْخَامِسَة وَلم يشفعها (قلت) لَا يضرنا ذَلِك لأَنا لَا نلزمه بِضَم الرَّكْعَة السَّادِسَة على طَرِيق الْوُجُوب حَتَّى قَالَ صَاحب الْهِدَايَة وَلَو لم يضم لَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مظنون وَقَالَ صَاحب الْبَدَائِع وَالْأولَى أَن يضيف إِلَيْهَا رَكْعَة أُخْرَى ليصيرا نفلا إِلَّا فِي الْعَصْر
(بَاب إِذا سلم فِي رَكْعَتَيْنِ أَو فِي ثَلَاث فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ مثل سُجُود الصَّلَاة أَو أطول)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا سلم الْمُصَلِّي فِي رَكْعَتَيْنِ وَكلمَة فِي بِمَعْنى من أَو بِمَعْنى على قَوْله " أَو فِي ثَلَاث " أَي أَو سلم على ثَلَاث رَكْعَات قَوْله " مثل سُجُود الصَّلَاة أَو أطول " أَي أطول مِنْهُ وَهَذَا اللَّفْظ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة يَأْتِي فِي الْبَاب الثَّانِي وَهُوَ قَوْله " ثمَّ كبر فَسجدَ مثل سُجُوده أَو أطول "
250 - (حَدثنَا آدم قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ صلى بِنَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الظّهْر أَو الْعَصْر فَسلم فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ الصَّلَاة يَا رَسُول الله أنقصت فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأَصْحَابه أَحَق مَا يَقُول قَالُوا نعم فصلى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ. قَالَ سعد وَرَأَيْت عُرْوَة بن الزبير صلى من الْمغرب رَكْعَتَيْنِ فَسلم وَتكلم ثمَّ صلى مَا بَقِي وَسجد سَجْدَتَيْنِ وَقَالَ هَكَذَا فعل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن الحَدِيث ينبىء أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سلم على آخر الرَّكْعَتَيْنِ وَهَذَا ظَاهر وَلَكِن لَيْسَ فِي الْبَاب ذكر مَا إِذا سلم على آخر ثَلَاث رَكْعَات وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي بَاب هَل يَأْخُذ الإِمَام إِذا شكّ بقول النَّاس من طَرِيقين. أَحدهمَا عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك بن أنس عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد بن سِيرِين " عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - انْصَرف من اثْنَتَيْنِ " إِلَى آخِره. وَالْآخر عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة وَقد ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث مطولا فِي بَاب تشبيك الْأَصَابِع فِي الْمَسْجِد وَغَيره وَقد ذكرنَا هُنَاكَ جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِحَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ مستقصى فَمن أَرَادَ ذَلِك فَليرْجع إِلَى ذَاك الْبَاب قَوْله " صلى بِنَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الظّهْر " ظَاهره أَن أَبَا هُرَيْرَة حضر الْقِصَّة وَذُو الْيَدَيْنِ اسْتشْهد ببدر قَالَه الزُّهْرِيّ وَمُقْتَضَاهُ أَن تكون الْقِصَّة قبل بدر وَهِي قبل إِسْلَام أبي هُرَيْرَة بِأَكْثَرَ من خمس سِنِين وَلَكِن معنى قَول أبي هُرَيْرَة " صلى بِنَا " أَي صلى بِالْمُسْلِمين وَهَذَا جَائِز فِي اللُّغَة كَمَا رُوِيَ عَن النزال بن سُبْرَة قَالَ " قَالَ لنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنا وَإِيَّاكُم كُنَّا ندعى بني عبد منَاف " الحَدِيث والنزال لم ير رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِنَّمَا أَرَادَ بذلك قَالَ لقومنا وروى " عَن طَاوس قَالَ قدم علينا معَاذ بن جبل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَلم يَأْخُذ من الخضراوات شَيْئا " وَإِنَّمَا أَرَادَ قدم بلدنا لِأَن معَاذًا قدم الْيمن فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قبل أَن يُولد طَاوس وَقَالَ بَعضهم اتّفق أَئِمَّة الحَدِيث كَمَا نَقله ابْن عبد الْبر وَغَيره على أَن الزُّهْرِيّ وهم فِي ذَلِك وَسَببه أَنه جعل الْقِصَّة لذِي الشمالين وَذُو الشمالين هُوَ الَّذِي قتل ببدر وَهُوَ خزاعي واسْمه عَمْرو بن نَضْلَة وَأما ذُو الْيَدَيْنِ فَتَأَخر بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ سلمي واسْمه الْخِرْبَاق وَقد وَقع عِنْد مُسلم من طَرِيق أبي سَلمَة " عَن أبي هُرَيْرَة فَقَامَ رجل من بني سليم " فَلَمَّا وَقع عِنْد الزُّهْرِيّ بِلَفْظ " فَقَامَ ذُو الشمالين " وَهُوَ يعرف أَنه قتل ببدر قَالَ لأجل ذَلِك أَن الْقِصَّة وَقعت قبل بدر انْتهى (قلت) وَقع فِي كتاب النَّسَائِيّ أَن ذَا الْيَدَيْنِ وَذَا الشمالين وَاحِد كِلَاهُمَا لقب على الْخِرْبَاق حَيْثُ قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن رَافع حَدثنَا عبد الرَّزَّاق أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي(7/307)
سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَأبي بكر بن سُلَيْمَان بن أبي خَيْثَمَة " عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ صلى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الظّهْر أَو الْعَصْر فَسلم من رَكْعَتَيْنِ فَانْصَرف فَقَالَ لَهُ ذُو الشمالين ابْن عَمْرو أنقصت الصَّلَاة أم نسيت قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا يَقُول ذُو الْيَدَيْنِ قَالُوا صدق يَا رَسُول الله فَأَتمَّ بهم الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ نقص " وَهَذَا سَنَد صَحِيح مُتَّصِل صرح فِيهِ بِأَن ذَا الشمالين هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ وروى النَّسَائِيّ أَيْضا بِسَنَد صَحِيح صرح فِيهِ أَيْضا أَن ذَا الشمالين هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ وَقد تَابع الزُّهْرِيّ على ذَلِك عمرَان بن أبي أنس قَالَ النَّسَائِيّ أخبرنَا عِيسَى بن حَمَّاد أخبرنَا اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن عمرَان بن أبي أنس عَن أبي سَلمَة " عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى يَوْمًا فَسلم فِي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ انْصَرف فأدركه ذُو الشمالين فَقَالَ يَا رَسُول الله أنقصت الصَّلَاة أم نسيت فَقَالَ لم تنقص الصَّلَاة وَلم أنس قَالَ بلَى وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أصدق ذُو الْيَدَيْنِ قَالُوا نعم فصلى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ " وَهَذَا أَيْضا سَنَد صَحِيح على شَرط مُسلم وَأخرج نَحوه الطَّحَاوِيّ عَن ربيع الْمُؤَذّن عَن شُعَيْب بن اللَّيْث عَن اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب إِلَى آخِره فَثَبت أَن الزُّهْرِيّ لم يهم وَلَا يلْزم من عدم تَخْرِيج ذَلِك فِي الصَّحِيحَيْنِ عدم صِحَّته فَثَبت أَن ذَا الْيَدَيْنِ وَذَا الشمالين وَاحِد وَالْعجب من هَذَا الْقَائِل أَنه مَعَ اطِّلَاعه على مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من هَذَا كَيفَ اعْتمد على قَول من نسب الزُّهْرِيّ إِلَى الْوَهم وَلَكِن أريحية العصبية تحمل الرجل على أَكثر من هَذَا وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا وَقد جوز بعض الْأَئِمَّة أَن تكون الْقِصَّة لكل من ذِي الشمالين وَذي الْيَدَيْنِ وَأَن أَبَا هُرَيْرَة روى الْحَدِيثين فَأرْسل أَحدهمَا وَهُوَ قصَّة ذِي الشمالين وَشَاهد الآخر وَهُوَ قصَّة ذِي الْيَدَيْنِ وَهَذَا يحْتَمل فِي طَرِيق الْجمع (قلت) هَذَا يحْتَاج إِلَى دَلِيل صَحِيح وَجعل الْوَاحِد اثْنَيْنِ خلاف الأَصْل وَقد يلقب الرجل بلقبين وَأكْثر وَقَالَ أَيْضا وَيدْفَع الْمجَاز الَّذِي ارْتَكَبهُ الطَّحَاوِيّ مَا رَوَاهُ مُسلم وَأحمد وَغَيرهمَا من طَرِيق يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة فِي هَذَا الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ " بَيْنَمَا أَنا أُصَلِّي مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة الظّهْر سلم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ رجل من بني سليم واقتص " الحَدِيث (قلت) هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم من خمس طرق فلفظه من طَرِيقين " صلى بِنَا " وَفِي طَرِيق " صلى لنا " وَفِي طَرِيق " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى رَكْعَتَيْنِ " وَفِي طَرِيق " بَيْنَمَا أَنا أُصَلِّي " وَفِي ثَلَاث طرق التَّصْرِيح بِلَفْظ ذِي الْيَدَيْنِ وَفِي الطَّرِيقَيْنِ بِلَفْظ رجل من بني سليم وَفِي الطَّرِيق الأول إِحْدَى صَلَاتي الْعشي إِمَّا الظّهْر أَو الْعَصْر بِالشَّكِّ وَفِي الثَّانِي إِحْدَى صَلَاتي الْعشي من غير ذكر الظّهْر وَالْعصر بِدُونِ الْيَقِين وَفِي الثَّالِث صَلَاة الْعَصْر بِالْجَزْمِ وَفِي الرَّابِع وَالْخَامِس صَلَاة الظّهْر بِالْجَزْمِ فَهَذَا كُله يدل على اخْتِلَاف الْقَضِيَّة وَإِلَّا يكون فِيهَا إِشْكَال فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك يحْتَمل أَن يكون الرجل الْمَذْكُور الَّذِي نَص عَلَيْهِ أَنه من بني سليم غير ذِي الْيَدَيْنِ وَأَن تكون قَضيته غير قَضِيَّة ذِي الْيَدَيْنِ وَأَن أَبَا هُرَيْرَة شَاهد هَذَا حَتَّى أخبر عَن ذَلِك بقوله " بَينا أَنا أُصَلِّي " وَكَون ذِي الْيَدَيْنِ من بني سليم على قَول من يَدعِي ذَلِك لَا يسْتَلْزم أَن لَا يكون غَيره من بني سليم وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا وَالظَّاهِر أَن الِاخْتِلَاف فِيهِ أَي فِي الْمَذْكُور من إِحْدَى صَلَاتي العشى وَالْعصر وَالظّهْر من الروَاة وَأبْعد من قَالَ يحمل على أَن الْقَضِيَّة وَقعت مرَّتَيْنِ (قلت) أَن الْحمل على التَّعَدُّد أولى من نِسْبَة الروَاة إِلَى الشَّك (فَإِن قلت) روى النَّسَائِيّ من طَرِيق ابْن عون عَن ابْن سِيرِين أَن الشَّك فِيهِ من أبي هُرَيْرَة وَلَفظه " صلى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِحْدَى صَلَاتي العشى قَالَ وَلَكِنِّي نسيت " فَالظَّاهِر أَن أَبَا هُرَيْرَة رَوَاهُ كثيرا على الشَّك وَكَانَ رُبمَا غلب على ظَنّه أَنَّهَا الظّهْر فَجزم بهَا وَتارَة غلب على ظَنّه أَنَّهَا الْعَصْر فَجزم (قلت) لَيْسَ فِي الَّذِي رَوَاهُ النَّسَائِيّ من الطَّرِيق الْمَذْكُور شكّ وَإِنَّمَا صرح أَبُو هُرَيْرَة بِأَنَّهُ نسي وَالنِّسْيَان غير الشَّك وَقَوله فَالظَّاهِر إِلَى آخِره غير ظَاهر فَلَا دَلِيل على ظُهُوره من نفس الْمُتُون وَلَا من الْخَارِج يعرف هَذَا بِالتَّأَمُّلِ قَوْله " فَسلم " يَعْنِي على آخر الرَّكْعَتَيْنِ وَزَاد أَبُو دَاوُد من طَرِيق معَاذ عَن شُعْبَة " فِي الرَّكْعَتَيْنِ " قَوْله " قَالَ سعد " يَعْنِي سعد بن إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور فِي سَنَد الحَدِيث وَهُوَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور وَأخرجه ابْن أبي شيبَة عَن غنْدر عَن شُعْبَة عَن سعد فَذكره وَقَالَ أَبُو نعيم رَوَاهُ يَعْنِي البُخَارِيّ عَن آدم عَن شُعْبَة وَزَاد قَالَ سعد وَرَأَيْت عُرْوَة إِلَى آخِره وَأوردهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق معَاذ وَيحيى عَن شُعْبَة حَدثنَا سعد بن إِبْرَاهِيم سَمِعت أَبَا سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة الحَدِيث ثمَّ قَالَ فِي آخِره وَرَوَاهُ غنْدر (فصلى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ " لم يقل ثمَّ سلم ثمَّ سجد قَالَ لم يتَضَمَّن هَذَا(7/308)
الحَدِيث مَا ذكره فِي التَّرْجَمَة وَخرج مَا ذكره من تَرْجَمَة هَذَا الْبَاب فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ وَكَذَا قَالَ ابْن التِّين لم يَأْتِ فِي الحَدِيث شَيْء مِمَّا يشْهد للسلام من ثَلَاث قَوْله " الصَّلَاة يَا رَسُول الله أنقصت " الصَّلَاة مَرْفُوع لِأَنَّهُ مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله " أنقصت " ويروى " نقصت " بِدُونِ همزَة الِاسْتِفْهَام وَيجوز فِي نون نقصت الْفَتْح على أَن يكون لَازِما وَيجوز ضمهَا على أَن يكون مُتَعَدِّيا وَقَوله " يَا رَسُول الله " جملَة مُعْتَرضَة بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر قَوْله " أَحَق مَا يَقُول " يجوز فِي إعرابه وَجْهَان أَحدهمَا أَن يكون لفظ حق مُبْتَدأ دخلت عَلَيْهِ همزَة الِاسْتِفْهَام وَقَوله " مَا يَقُول " سَاد مسد الْخَبَر وَالْآخر أَن يكون أَحَق خَبرا وَمَا يَقُول مُبْتَدأ قَوْله " أُخْرَيَيْنِ " ويروى " أخراوين " على خلاف الْقيَاس وَقَالَ الْكرْمَانِي (فَإِن قلت) كَيفَ بنى الصَّلَاة على الرَّكْعَتَيْنِ وَقد فسدتا بالْكلَام (قلت) كَانَ سَاهِيا لِأَنَّهُ كَانَ يظنّ أَنه خَارج الصَّلَاة (قلت) فِي هَذَا اخْتِلَاف الْعلمَاء فَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَق إِلَى أَن كَلَام الْقَوْم فِي الصَّلَاة لإمامهم لإِصْلَاح الصَّلَاة مُبَاح وَكَذَا الْكَلَام من الإِمَام لأجل السَّهْو لَا يُفْسِدهَا وَقَالَ أَبُو عمر ذهب الشَّافِعِي وَأَصْحَابه إِلَى أَن الْكَلَام وَالسَّلَام سَاهِيا فِي الصَّلَاة لَا يُفْسِدهَا كَقَوْل مَالك وَأَصْحَابه سَوَاء وَإِنَّمَا الْخلاف بَينهمَا أَن مَالِكًا يَقُول لَا يفْسد الصَّلَاة تعمد الْكَلَام فِيهَا إِذا كَانَ فِي إصلاحها وَهُوَ قَول ربيعَة وَابْن الْقَاسِم إِلَّا مَا رُوِيَ عَنهُ فِي الْمُنْفَرد وَهُوَ قَول أَحْمد وَقَالَ عِيَاض وَقد اخْتلف قَول مَالك وَأَصْحَابه فِي التعمد بالْكلَام لإِصْلَاح الصَّلَاة من الإِمَام وَالْمَأْمُوم وَمنع ذَلِك بِالْجُمْلَةِ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأهل الظَّاهِر وجعلوه مُفْسِدا للصَّلَاة إِلَّا أَن أَحْمد أَبَاحَ ذَلِك للْإِمَام وَحده وَسوى أَبُو حنيفَة بَين الْعمد والسهو (فَإِن قلت) كَيفَ تكلم ذُو الْيَدَيْنِ وَالْقَوْم وهم بعد فِي الصَّلَاة (قلت) أجَاب النَّوَوِيّ بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنهم لم يَكُونُوا على الْيَقِين من الْبَقَاء فِي الصَّلَاة لأَنهم كَانُوا مجوزين لنسخ الصَّلَاة من أَربع إِلَى رَكْعَتَيْنِ وَالْآخر أَن هَذَا كَانَ خطابا للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وجوابا وَذَلِكَ لَا يبطل عندنَا وَلَا عِنْد غَيرنَا وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح " أَن الْجَمَاعَة أومأوا أَي أشاروا نعم " فعلى هَذِه الرِّوَايَة لم يتكلموا (قلت) الْكَلَام وَالْخُرُوج من الْمَسْجِد وَنَحْو ذَلِك كُله قد نسخ حَتَّى لَو فعل أحد مثل هَذَا فِي هَذَا الْيَوْم بطلت صلَاته وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ " أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَ مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم ذِي الْيَدَيْنِ ثمَّ حدث بِهِ تِلْكَ الْحَادِثَة بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَعمل فِيهَا بِخِلَاف مَا عمل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْمئِذٍ وَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد مِمَّن حضر فعله من الصَّحَابَة وَذَلِكَ لَا يَصح أَن يكون مِنْهُ وَمِنْهُم إِلَّا بعد وقوفهم على نسخ مَا كَانَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم ذِي الْيَدَيْنِ
(بَاب من لم يتَشَهَّد فِي سَجْدَتي السَّهْو)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان من لم يتَشَهَّد فِي سَجْدَتي السَّهْو يَعْنِي يسْجد سَجْدَتَيْنِ للسَّهْو فَقَط وَلَا يتَشَهَّد وَقَالَ بَعضهم أَي إِذا سجدهما بعد السَّلَام من الصَّلَاة وَأما قبل السَّلَام فالجمهور على أَنه لَا يُعِيد التَّشَهُّد (قلت) لم يشر البُخَارِيّ إِلَى هَذَا التَّفْصِيل أصلا لَا فِي التَّرْجَمَة وَلَا فِي الَّذِي ذكره فِي الْبَاب وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة الْإِشَارَة إِلَى بَيَان من لَا يرى التَّشَهُّد فِي سَجْدَتي السَّهْو وَهُوَ مَذْهَب سعد وعمار وَابْن سِيرِين وَابْن أبي ليلى فَإِنَّهُم قَالُوا من عَلَيْهِ السَّهْو يسْجد وَيسلم وَلَا يتَشَهَّد وَقَالَ أنس وَالْحسن وَعَطَاء وَطَاوُس لَيْسَ فِي سَجْدَتي السَّهْو تشهد وَلَا سَلام وَقَالَ ابْن مَسْعُود وَالشعْبِيّ وَالثَّوْري وَقَتَادَة وَالْحكم وَاللَّيْث وَحَمَّاد يتَشَهَّد وَيسلم وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَق وَفِي التَّوْضِيح وَالأَصَح عندنَا لَا يتَشَهَّد وَهُوَ مَا حَكَاهُ الطَّحَاوِيّ عَن الشَّافِعِي وَالْأَوْزَاعِيّ. وَهنا قَول رَابِع إِن سجد قبل السَّلَام لَا يتَشَهَّد وَإِن سجد بعده يتَشَهَّد رَوَاهُ أَشهب عَن مَالك وَهُوَ قَول ابْن الْمَاجشون وَأحمد (وَسلم أنس وَالْحسن وَلم يتشهدا) أَي سلم أنس بن مَالك وَالْحسن الْبَصْرِيّ عقيب سَجْدَتي السَّهْو وَلم يتشهدا وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة وَقَالَ حَدثنَا ابْن علية عَن عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب أَن أنس بن مَالك قعد فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَسَبحُوا بِهِ فَقَامَ وأتمهن أَرْبعا فَلَمَّا سلم سجد سَجْدَتَيْنِ ثمَّ أقبل على الْقَوْم بِوَجْهِهِ وَقَالَ افعلوا هَكَذَا وروى ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن ابْن مهْدي عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن قَتَادَة عَن الْحسن وَأنس أَنَّهُمَا سجدا للسَّهْو بعد السَّلَام ثمَّ قاما وَلم يسلما(7/309)
(وَقَالَ قَتَادَة لَا يتَشَهَّد) لِأَنَّهُ روى عَن شَيْخه أنس وَالْحسن أَنَّهُمَا لم يتشهدا فذهبا فِيهِ إِلَى مَا ذَهَبا إِلَيْهِ قَالَ بَعضهم وَفِيه نظر فقد رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة قَالَ يتَشَهَّد فِي سَجْدَتي السَّهْو وَيسلم فَلَعَلَّ لَا فِي التَّرْجَمَة زَائِدَة (قلت) فِي نظره نظر لجَوَاز أَن يكون عَن قَتَادَة رِوَايَتَانِ فَإِذا قيل بِزِيَادَة لَا فِيمَا ذكره البُخَارِيّ فللقائل أَن يَقُول لَعَلَّهَا سَقَطت فِيمَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق وَقَوله أَيْضا فَلَعَلَّ لَا فِي التَّرْجَمَة زَائِدَة لَيْسَ كَذَلِك فَإِن التَّرْجَمَة لَيست فِيهَا كلمة لَا وَإِنَّمَا ظَنّه بِالزِّيَادَةِ فِي الْأَثر الَّذِي ذكره عَن قَتَادَة
251 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك بن أنس عَن أَيُّوب بن أبي تَمِيمَة السّخْتِيَانِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - انْصَرف من اثْنَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ أقصرت الصَّلَاة أم نسيت يَا رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أصدق ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ النَّاس نعم فَقَامَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فصلى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثمَّ سلم ثمَّ كبر فَسجدَ مثل سُجُوده أَو أطول ثمَّ رفع) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يتَشَهَّد فِي هَذِه الصُّورَة وَادّعى ابْن الْمُهلب أَنه لَيْسَ فِي حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ تشهد وَلَا تَسْلِيم قيل يحْتَمل ذَلِك وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تشهد فِيهَا وَسلم وَلم ينْقل ذَلِك الْمُحدث وَالثَّانِي أَنه لم يتَشَهَّد فيهمَا وَلَا سلم وَألْحق الْمُسلمُونَ بِهَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ سنَن الصَّلَاة تَأْكِيدًا لَهما وَقَالَ ابْن الْمُنْذر فِي التَّسْلِيم فيهمَا أَنه ثَابت عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من غير وَجه وَفِي ثُبُوت التَّشَهُّد عَنهُ نظر والْحَدِيث قد مر فِي بَاب هَل يَأْخُذ الإِمَام إِذا شكّ بقول النَّاس بِعَيْنِه بِهَذَا الْإِسْنَاد والمتن بِلَا اخْتِلَاف قَوْله " ثمَّ رفع " أَي رفع رَأسه من السَّجْدَتَيْنِ وَلم يتَشَهَّد وَلم يسلم وَاسْتشْكل بَعضهم فِي قَوْله " فَقَامَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لِأَنَّهُ كَانَ قَائِما (وَأجِيب) بِأَن المُرَاد بقوله " فَقَامَ " أَي اعتدل لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَندا إِلَى الْخَشَبَة كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقيل هُوَ كِنَايَة عَن الدُّخُول فِي الصَّلَاة
252 - (حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب قَالَ حَدثنَا حَمَّاد عَن سَلمَة بن عَلْقَمَة. قَالَ قلت لمُحَمد فِي سَجْدَتي السَّهْو تشهد قَالَ لَيْسَ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد وَسَلَمَة بِفَتْح اللَّام ابْن عَلْقَمَة أَبُو بشر التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين وَفِي رِوَايَة أبي نعيم فِي الْمُسْتَخْرج " سَأَلت مُحَمَّد بن سِيرِين " قَوْله لَيْسَ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة يَعْنِي لَيْسَ فِيهِ تشهد وَفِي رِوَايَة أبي نعيم " فَقَالَ لم أحفظ فِيهِ عَن أبي هُرَيْرَة شَيْئا وَأحب إِلَى أَن يتَشَهَّد " وَقد ورد التَّشَهُّد فِي حَدِيث غَيره من ذَلِك مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة أبي الْمُهلب " عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى بهم فَسَهَا فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ ثمَّ تشهد ثمَّ سلم " وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا وَأخرجه الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَأخرجه ابْن حبَان أَيْضا
(بَاب يكبر فِي سَجْدَتي السَّهْو)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن الساهي فِي صلَاته يكبر فِي سَجْدَتي السَّهْو وَفِي بعض النّسخ بَاب من يكبر فِي سَجْدَتي السَّهْو فجمهور الْعلمَاء على الِاكْتِفَاء بتكبير السُّجُود وَبِذَلِك يشْهد غَالب الْأَحَادِيث وَحكى الْقُرْطُبِيّ أَن قَول مَالك مُخْتَلف فِي وجوب السَّلَام بعد سَجْدَتي السَّهْو قَالَ وَمَا يتَحَلَّل مِنْهُ بِسَلام لَا بُد لَهُ من تَكْبِيرَة إِحْرَام قَالَ وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من(7/310)
طَرِيق حَمَّاد بن زيد عَن هَاشم بن حسان عَن ابْن سِيرِين فِي حَدِيث الْبَاب " ثمَّ رفع وَكبر ثمَّ كبر وَسجد للسَّهْو " وَهَذَا يدل على تكبيرتين إِحْدَاهمَا تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَالْأُخْرَى تَكْبِيرَة السَّجْدَة وَلَكِن أَشَارَ أَبُو دَاوُد إِلَى شذوذ هَذِه الرِّوَايَة حَيْثُ قَالَ وَقَالَ أَبُو دَاوُد وَلم يقل أحد فَكبر ثمَّ كبر إِلَّا حَمَّاد بن زيد
253 - (حَدثنَا حَفْص بن عمر قَالَ حَدثنَا يزِيد بن إِبْرَاهِيم عَن مُحَمَّد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ صلى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِحْدَى صَلَاتي الْعشي. قَالَ مُحَمَّد وَأكْثر ظَنِّي الْعَصْر رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سلم ثمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَة فِي مقدم الْمَسْجِد فَوضع يَده عَلَيْهَا وَفِيهِمْ أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا فَهَابَا أَن يُكَلِّمَاهُ وَخرج سرعَان النَّاس فَقَالُوا أقصرت الصَّلَاة وَرجل يَدعُوهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَا الْيَدَيْنِ فَقَالَ أنسيت أم قصرت فَقَالَ لم أنس وَلم تقصر قَالَ بلَى قد نسيت فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سلم ثمَّ كبر فَسجدَ مثل سُجُوده أَو أطول ثمَّ رفع رَأسه فَكبر ثمَّ وضع رَأسه فَكبر فَسجدَ مثل سُجُوده أَو أطول ثمَّ رفع رَأسه وَكبر) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَيزِيد من الزِّيَادَة هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم التسترِي وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين والإسناد كُله بصريون وَقد مضى الحَدِيث فِي بَاب تشييك الْأَصَابِع فِي الْمَسْجِد وَغَيره فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَق عَن ابْن شُمَيْل عَن ابْن عون عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة إِلَى آخِره وَهُنَاكَ بعض زِيَادَة تعلم عِنْد الرُّجُوع إِلَيْهِ وتكلمنا هُنَاكَ أَيْضا على مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الْأَشْيَاء الْمُتَعَلّقَة بِهِ قَوْله " قَالَ مُحَمَّد " هُوَ ابْن سِيرِين قَوْله " فِي مقدم الْمَسْجِد " بتَشْديد الدَّال الْمَفْتُوحَة أَي فِي جِهَة الْقبْلَة وَفِي رِوَايَة ابْن عون " فَقَامَ إِلَى خَشَبَة معروضة فِي الْمَسْجِد " أَي مَوْضُوعَة بِالْعرضِ وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق ابْن عُيَيْنَة عَن أَيُّوب " ثمَّ أَتَى جذعا فِي قبْلَة الْمَسْجِد فاستند إِلَيْهَا مغضبا " قَوْله " فَهَابَا أَن يُكَلِّمَاهُ " وَفِي رِوَايَة ابْن عون " فهاباه " بِزِيَادَة الضَّمِير وَالْمعْنَى أَنَّهُمَا غلب عَلَيْهِمَا احترام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وتعظيمه عَن الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ قَوْله " سرعَان النَّاس " بالمهملات الْمَفْتُوحَة أَي أخفاؤهم والمستعجلون مِنْهُم وأوائلهم وَيلْزم الْإِعْرَاب نونه فِي كل وَجه وَهَذَا الْوَجْه هُوَ الصَّوَاب الَّذِي قَالَه الْجُمْهُور من أهل الحَدِيث واللغة وَهَكَذَا ضَبطه المتقنون وَقَالَ ابْن الْأَثِير السرعان بِفَتْح السِّين وَالرَّاء أَوَائِل النَّاس الَّذين يتسارعون إِلَى الشَّيْء ويقبلون عَلَيْهِ بِسُرْعَة وَيجوز تسكين الرَّاء (قلت) وَكَذَا نقل القَاضِي عَن بَعضهم قَالَ وَضَبطه الْأصيلِيّ فِي البُخَارِيّ بِضَم السِّين وَإِسْكَان الرَّاء وَوَجهه أَنه جمع سريع كقفيز وقفزان وكثيب وكثبان وَمن قَالَ سرعَان بِكَسْر السِّين فَهُوَ خطأ وَقيل يُقَال أَيْضا بِكَسْر السِّين وَسُكُون الرَّاء وَهُوَ جمع سريع كرعيل ورعلان وَأما قَوْلهم سرعَان مَا فعلت فَفِيهِ ثَلَاث لُغَات الضَّم وَالْكَسْر وَالْفَتْح مَعَ إسكان الرَّاء وَالنُّون مَفْتُوحَة أبدا قَوْله " أقصرت الصَّلَاة " بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام وَفِي رِوَايَة ابْن عون بحذفها " وَقصرت " على صِيغَة الْمَجْهُول ويروى على بِنَاء الْفَاعِل قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا أَكثر قَوْله " وَرجل يَدعُوهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَي يُسَمِّيه ذَا الْيَدَيْنِ (فَإِن قلت) مَا الرافع للرجل (قلت) هُوَ مُبْتَدأ تخصص بِالصّفةِ وَهُوَ قَوْله " يَدعُوهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره وَهُنَاكَ رجل وَفِي رِوَايَة ابْن عون " وَفِي الْقَوْم رجل فِي يَده طول يُقَال لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ "
254 - (حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد قَالَ حَدثنَا لَيْث عَن ابْن شهَاب عَن الْأَعْرَج عَن عبد الله بن بُحَيْنَة الْأَسدي حَلِيف بني عبد الْمطلب أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَامَ فِي صَلَاة الظّهْر وَعَلِيهِ جُلُوس فَلَمَّا أتم صلَاته سجد سَجْدَتَيْنِ فَكبر فِي كل سَجْدَة وَهُوَ جَالس قبل أَن يسلم وسجدهما النَّاس مَعَه مَكَان مَا نسي من الْجُلُوس)(7/311)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " يكبر فِي كل سَجْدَة " وَقد مضى هَذَا الحَدِيث عَن قريب فِي بَاب مَا جَاءَ فِي السَّهْو إِذا قَامَ من رَكْعَتي الْفَرِيضَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن الْأَعْرَج وَهنا عَن قُتَيْبَة عَن لَيْث بن سعد عَن ابْن شهَاب وَهُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج وَقد ذكرنَا هُنَاكَ مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء قَوْله " الْأَسدي " بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَمِنْهُم من يَقُول الْأَزْدِيّ بالزاي مَوضِع السِّين نِسْبَة إِلَى أَزْد قَوْله " بني عبد الْمطلب " الصَّوَاب بني الْمطلب بِإِسْقَاط عبد لِأَن جده حَالف الْمطلب بن عبد منَاف
(تَابعه ابْن جريج عَن ابْن شهَاب فِي التَّكْبِير) أَي تَابع اللَّيْث عبد الْعَزِيز بن عبد الْملك بن جريج فِي رِوَايَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ فِي الْإِتْيَان بِلَفْظ التَّكْبِير فِي سَجْدَتي السَّهْو وَقد وَصله عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج وَأخرجه أَحْمد عَن عبد الرَّزَّاق وَمُحَمّد بن بكير كِلَاهُمَا عَن ابْن جريج بِلَفْظ " فَكبر فَسجدَ ثمَّ كبر فَسجدَ ثمَّ سلم "
(بَاب إِذا لم يدر كم صلى ثَلَاثًا أَو أَرْبعا سجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا لم يدر الْمُصَلِّي كم صلى ثَلَاث رَكْعَات أَو أَربع رَكْعَات فَإِنَّهُ يسْجد سَجْدَتَيْنِ وَالْحَال أَنه جَالس
255 - (حَدثنَا معَاذ بن فضَالة قَالَ حَدثنَا هِشَام بن أبي عبد الله الدستوَائي عَن يحيى ابْن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا نُودي بِالصَّلَاةِ أدبر الشَّيْطَان وَله ضراط حَتَّى لَا يسمع الْأَذَان فَإِذا قضي الْأَذَان أقبل فَإِذا ثوب بهَا أدبر فَإِذا قضي التثويب أقبل حَتَّى يخْطر بَين الْمَرْء وَنَفسه يَقُول اذكر كَذَا وَكَذَا مَا لم يكن يذكر حَتَّى يظل الرجل إِن يدْرِي كم صلى فَإِذا لم يدر أحدكُم كم صلى ثَلَاثًا أَو أَرْبعا فليسجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَإِذا لم يدر " إِلَى آخِره والْحَدِيث مضى فِي بَاب تفكر الرجل الشَّيْء فِي الصَّلَاة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن جَعْفَر عَن الْأَعْرَج وَمضى أَيْضا فِي بَاب فضل التأذين فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة وَقد ذكرنَا هُنَاكَ مَا يتَعَلَّق بِهِ وَنَذْكُر هَهُنَا مَا يتَعَلَّق بالمسائل مَعَ بعض التَّعَرُّض إِلَى بعض الْمَتْن قَوْله " فَإِذا قضى التثويب " أَي إِذا فرغ مِنْهُ وَهُوَ إِقَامَة الصَّلَاة قَوْله " حَتَّى يخْطر " أَكثر الروَاة على ضم الطَّاء والمتقنون على أَنه بِالْكَسْرِ قَوْله " أَن يدْرِي " بِكَسْر الْهمزَة لِأَنَّهَا نَافِيَة أَي مَا يدْرِي قَوْله " فليسجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس " لَيْسَ فِيهِ تعْيين مَحل السُّجُود وَقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق عِكْرِمَة بن عمار عَن يحيى بن أبي كثير بِهَذَا الْإِسْنَاد مَرْفُوعا " إِذا سَهَا أحدكُم فَلم يدر أزاد أَو نقص فليسجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس ثمَّ يسلم " وروى أَبُو دَاوُد من طَرِيق ابْن أخي الزُّهْرِيّ عَن عَمه نَحوه بِلَفْظ " وَهُوَ جَالس قبل التَّسْلِيم " وروى أَيْضا من طَرِيق ابْن إِسْحَق قَالَ حَدثنِي الزُّهْرِيّ بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ فِيهِ " فليسجد سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم ثمَّ يسلم " (فَإِن قلت) هَذِه الرِّوَايَات تدل على أَن سَجْدَتي السَّهْو قبل السَّلَام (قلت) رِوَايَات الْفِعْل متعارضة فَبَقيَ لنا رِوَايَة القَوْل وَهُوَ حَدِيث ثَوْبَان لكل سَهْو سَجْدَتَانِ بَعْدَمَا يسلم من غير فصل بَين الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان سالما من الْمعَارض فَيعْمل بِهِ لسلامته عَن الْمعَارض. ثمَّ الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي المُرَاد بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور فَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَطَائِفَة من السّلف بِظَاهِر هَذَا الحَدِيث وَقَالُوا إِذا شكّ الْمُصَلِّي فَلم يدر زَاد أَو نقص فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا سَجْدَتَانِ وَهُوَ جَالس عملا بِظَاهِر هَذَا الحَدِيث وَقَالَ الشّعبِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَجَمَاعَة كَثِيرَة من السّلف إِذا لم يدر كم صلى لزمَه أَن يُعِيد الصَّلَاة مرّة بعد أُخْرَى أبدا حَتَّى يستيقن وَقَالَ بَعضهم يُعِيد ثَلَاث مَرَّات فَإِذا شكّ فِي الرَّابِعَة فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَآخَرُونَ مَتى شكّ فِي صلَاته هَل(7/312)
صلى ثَلَاثًا أَو أَرْبعا لزمَه الْبناء على الْيَقِين فَيجب أَن يَأْتِي برابعة وَيسْجد للسَّهْو عملا بِحَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه. فَلفظ مُسلم قَالَ أَبُو سعيد قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فَلم يدر كم صلى ثَلَاثًا أم أَرْبعا فليطرح الشَّك وليبن على مَا استيقن ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم فَإِن صلى خمْسا شفعن لَهُ صلَاته وَإِن كَانَ صلى إتماما لأَرْبَع كَانَتَا ترغيما للشَّيْطَان " وَلَفظ أبي دَاوُد " إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فليلق الشَّك وليبن على الْيَقِين فَإِذا استيقن التَّمام سجد سَجْدَتَيْنِ فَإِن كَانَت صلَاته تَامَّة كَانَت الرَّكْعَة نَافِلَة والسجدتين وَإِن كَانَت نَاقِصَة كَانَت الرَّكْعَة تَمامًا لصلاته وَكَانَت السجدتان مرغمتين للشَّيْطَان " أَي مغيظتين لَهُ ومذلتين لَهُ مَأْخُوذ من الرغام وَهُوَ التُّرَاب وَمِنْه أرْغم الله أَنفه وَإِنَّمَا يكون إرغاما لِأَنَّهُ يبغض السَّجْدَة لِأَنَّهُ مَا لعن إِلَّا من إبائه عَن سُجُود آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَت الشَّافِعِيَّة فَحَدِيث أبي سعيد هَذَا مُفَسّر لحَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور فَيحمل حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَلَيْهِ وَقَالَ أَصْحَابنَا إِن كَانَ الشَّك عرض لَهُ أول مرّة يسْتَقْبل وَإِن كَانَ يعرض لَهُ كثيرا بنى على أكبر رَأْيه لما رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم " إِذا شكّ أحدكُم فليتحر الصَّوَاب فليتم عَلَيْهِ " وَإِن لم يكن لَهُ رَأْي بنى على الْيَقِين لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِذا سَهَا أحدكُم فِي صلَاته فَلم يدر وَاحِدَة صلى أَو اثْنَيْنِ فليبن على وَاحِدَة فَإِن لم يدر ثِنْتَيْنِ صلى أَو وَاحِدَة فليبن على ثِنْتَيْنِ فَإِن لم يدر ثَلَاثًا صلى أَو أَرْبعا فليبن على ثَلَاث وليسجد سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم " رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " يَقُول إِذا سَهَا أحدكُم " إِلَى آخِره وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح رَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا وَلَفظه " إِذا سَهَا أحدكُم فِي صلَاته فَلم يدر وَاحِدَة صلى أَو ثِنْتَيْنِ فليجعلها وَاحِدَة وَإِذا شكّ فِي الثِّنْتَيْنِ وَالثَّلَاث فليجعلها ثِنْتَيْنِ وَإِذا شكّ فِي الثَّلَاث والأربع فليجعلها ثَلَاثًا ثمَّ ليتم مَا بَقِي من صلَاته حَتَّى يكون الْوَهم فِي الزِّيَادَة ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس قبل أَن يسلم " وَأخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَلَفظه " فَلم يدر أَثلَاثًا صلى أم أَرْبعا فليتم فَإِن الزِّيَادَة خير من النُّقْصَان " وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصره فِيهِ عمار بن مطر الرهاوي وَقد تَرَكُوهُ وعمار لَيْسَ فِي السّنَن وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا فِيمَا إِذا شكّ ثمَّ تحرى الصَّوَاب فَإِنَّهُ يَبْنِي على أكبر رَأْيه لما قُلْنَا وتبويب أبي دَاوُد يدل على هَذَا حَيْثُ قَالَ بَاب من قَالَ يتم على أكبر ظَنّه وَذكر الطَّبَرِيّ عَن بعض أهل الْعلم أَنه يَأْخُذ بِأَيِّهِمَا أحب لعدم التَّارِيخ قَالَ وَمِنْهُم من رجح حَدِيث أبي سعيد بِالْقِيَاسِ لِأَن من شكّ أَنه لم يفعل والركعة فِي ذمَّته بِيَقِين فَلَا يبرأ بشك وَفِي التَّوْضِيح وَقَالَ أَبُو عبد الْملك حَدِيث أبي هُرَيْرَة يحمل على كل ساه وَأَن حكمه السُّجُود وَيرجع فِي بَيَان حكم الْمُصَلِّي فِيمَا يشك فِيهِ وَفِي مَوضِع سُجُوده من صلَاته إِلَى سَائِر الْأَحَادِيث المفسرة وَهُوَ قَول أنس وَأبي هُرَيْرَة وَالْحسن وَرَبِيعَة وَمَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَإِسْحَق وَمَا حمله عَلَيْهِ أَبُو عبد الْملك هُوَ مَا فسره اللَّيْث بن سعد قَالَه مَالك وَابْن الْقَاسِم وَعَن مَالك قَول آخر لَا يسْجد لَهُ أَيْضا حَكَاهُ ابْن نَافِع عَنهُ وَقَالَ ابْن عبد الحكم لَو سجد بعد السَّلَام كَانَ أحب إِلَيّ وَقَالَ آخَرُونَ إِذا لم يدر كم صلى أَعَادَهَا أبدا حَتَّى يحفظ رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَالشعْبِيّ وَشُرَيْح وَعَطَاء وَمَيْمُون بن مهْرَان وَسَعِيد بن جُبَير وَقَول آخر أَنهم إِذا شكوا فِي الصَّلَاة أعادوها ثَلَاث مَرَّات فَإِذا كَانَ الرَّابِعَة لم يعيدوها وَالْقَوْلَان مخالفان للآثار وَلَا معنى لمن حد ثَلَاث مَرَّات وَقَالَ النَّوَوِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِن حصل لَهُ الشَّك أول مرّة بطلت صلَاته وَإِن صَار عَادَة لَهُ اجْتهد وَعمل بغالب ظَنّه وَإِن لم يظنّ شَيْئا عمل بِالْأَقَلِّ ثمَّ قَالَ قَالَ أَبُو حَامِد قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم مَا رَأَيْت قولا أقبح من قَول أبي حنيفَة هَذَا وَلَا أبعد من السّنة (قلت) النَّقْل عَن إِمَام بِمَا لَيْسَ قَوْله والتشنيع عَلَيْهِ بِغَيْر وَجه أقبح من هَذَا فَكيف رأى النووى نقل هَذَا التشنيع الْبَاطِل عَمَّن فِيهِ ميل إِلَى التعصب الْفَاحِش عَن مثل الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الَّذِي شهد لأبي حنيفَة بِأَن النَّاس عِيَال لَهُ فِي الْفِقْه وَهَذَا الَّذِي نَقله عَن أبي حنيفَة وَنَقله أَيْضا ابْن قدامَة وَغَيره من الْمُخَالفين لَيْسَ بِصَحِيح وَلَا هُوَ بموجود فِي أُمَّهَات كتب أَصْحَابنَا الْمَشْهُورَة بل الْمَشْهُور فِيهَا أَنهم قَالُوا يسْتَقْبل لتقع صلَاته على وصف الصِّحَّة بِيَقِين حَتَّى قَالَ أَبُو نصر الْبَغْدَادِيّ الْمَشْهُور بالأقطع الِاسْتِئْنَاف أولى لِأَنَّهُ يسْقط بِهِ الشَّك بِيَقِين وَمَعَ هَذَا فَأَبُو حنيفَة عمل فِي كل وَاحِدَة من الْأَحْوَال الثَّلَاث بِحَدِيث مَعَ كَون قَول ابْن عمر مثله وروى ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه من حَدِيث ابْن سِيرِين عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه قَالَ أما أَنا فَإِذا لم أدر كم صليت فَإِنِّي أُعِيد وروى من حَدِيث جُبَير عَن ابْن عمر(7/313)
فِي الَّذِي لَا يدْرِي ثَلَاثًا صلى أَو أَرْبعا قَالَ يُعِيد حَتَّى يحفظ وَعَن جرير بن مَنْصُور قَالَ سَأَلت ابْن جُبَير عَن الشَّك فِي الصَّلَاة فَقَالَ أما أَنا فَإِذا كَانَ فِي الْمَكْتُوبَة فَإِنِّي أُعِيد وَعَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن الشّعبِيّ قَالَ يُعِيد وَكَانَ شُرَيْح يَقُول يُعِيد وَعَن لَيْث عَن طَاوس قَالَ إِذا صليت فَلم تدر كم صليت فأعدها مرّة فَإِن التبست عَلَيْك مرّة أُخْرَى فَلَا تعدها. وَقَالَ عَطاء يُعِيدهَا مرّة روى ذَلِك عَنهُ مَالك
(بَاب السَّهْو فِي الْفَرْض والتطوع)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم السَّهْو فِي الْفَرْض والتطوع هَل هُوَ سَوَاء فيهمَا أَو يفْتَرق حكمهمَا فَفِيهِ خلاف والأثر والْحَدِيث اللَّذَان فِي الْبَاب يدلان على أَن حكمه فيهمَا سَوَاء أما الْأَثر فَإِن ابْن عَبَّاس يرى أَن الْوتر غير وَاجِب وَمَعَ ذَلِك سجد فِيهِ وَأما الحَدِيث فَإِن قَوْله إِذا صلى فَإِن الصَّلَاة أَعم من الْفَرْض والتطوع على أَن قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَدِيث الْبَاب الَّذِي قبله " إِذا نُودي بِالصَّلَاةِ أدبر الشَّيْطَان " فالنداء غَالِبا يكون للْفَرض وَقد اخْتلفُوا فِي إِطْلَاق الصَّلَاة على الْفَرْض وَالنَّفْل هَل هُوَ من الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ أَو الْمَعْنَوِيّ فَذهب جُمْهُور الْأُصُولِيِّينَ إِلَى الثَّانِي وَذهب الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ إِلَى الأول
(وَسجد ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا سَجْدَتَيْنِ بعد وتره) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَ يرى الْوتر سنة وَمَعَ هَذَا سجد فِيهِ فَدلَّ على أَن حكمه فِي السّنة مثل حكمه فِي الْفَرْض وَوصل هَذَا الْمُعَلق ابْن أبي شيبَة بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ رَأَيْت ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا سجد بعد وتره سَجْدَتَيْنِ
256 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك عَن ابْن شهَاب عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إِن أحدكُم إِذا قَامَ يُصَلِّي جَاءَ الشَّيْطَان فَلبس عَلَيْهِ حَتَّى يدْرِي كم صلى فَإِذا وجد ذَلِك أحدكُم فليسجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَقد مضى الحَدِيث فِي الْبَاب الَّذِي قبله مُسْتَوْفِي قَوْله " فَلبس " بِالْبَاء الْمُوَحدَة المخففة هُوَ الصَّحِيح أَي خلط عَلَيْهِ أَمر صلَاته وَمِنْهُم من يثقل الْبَاء من التلبيس
(بَاب إِذا كلم وَهُوَ يُصَلِّي فَأَشَارَ بِيَدِهِ واستمع)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا كلم الْمُصَلِّي وَالْحَال أَنه فِي الصَّلَاة فَأَشَارَ بِيَدِهِ يُعلمهُ أَنه فِي الصَّلَاة وكلم بِضَم الْكَاف على صِيغَة الْمَجْهُول
257 - (حَدثنَا يحيى بن سُلَيْمَان قَالَ حَدثنِي ابْن وهب قَالَ أَخْبرنِي عَمْرو عَن بكير عَن كريب أَن ابْن عَبَّاس والمسور بن مخرمَة وَعبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر رَضِي الله عَنْهُم أَرْسلُوهُ إِلَى عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالُوا اقْرَأ عَلَيْهَا السَّلَام منا جَمِيعًا وسلها عَن الرَّكْعَتَيْنِ بعد صَلَاة الْعَصْر وَقل لَهَا إِنَّا أخبرنَا أَنَّك تصليهما وَقد بلغنَا أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عَنْهُمَا. وَقَالَ ابْن عَبَّاس وَكنت أضْرب النَّاس مَعَ عمر بن الْخطاب عَنْهَا قَالَ كريب فَدخلت على عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فبلغتها مَا أرسلوني بِهِ فَقَالَت سل أم سَلمَة فَخرجت إِلَيْهِم فَأَخْبَرتهمْ بقولِهَا فردوني إِلَى أم سَلمَة بِمثل(7/314)
مَا أرسلوني بِهِ إِلَى عَائِشَة فَقَالَت أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ينْهَى عَنْهَا ثمَّ رَأَيْته يُصَلِّيهمَا حِين صلى الْعَصْر ثمَّ دخل عَليّ وَعِنْدِي نسْوَة من بني حرَام من الْأَنْصَار فَأرْسلت إِلَيْهِ الْجَارِيَة فَقلت قومِي بجنبه قولي لَهُ تَقول لَك أم سَلمَة يَا رَسُول الله سَمِعتك تنْهى عَن هَاتين وأراك تصليهما فَإِن أَشَارَ بِيَدِهِ فاستأخري عَنهُ فَفعلت الْجَارِيَة فَأَشَارَ بِيَدِهِ فاستأخرت عَنهُ فَلَمَّا انْصَرف قَالَ يَا بنت أبي أُميَّة سَأَلت عَن الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر وَإنَّهُ أَتَانِي نَاس من عبد الْقَيْس فشغلوني عَن الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بعد الظّهْر فهما هَاتَانِ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَفعلت الْجَارِيَة " أَي قَالَت يَا رَسُول الله فكلمته مثل مَا قَالَت لَهَا أم سَلمَة فَأَشَارَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِيَدِهِ وَهَذِه عين التَّرْجَمَة لِأَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كلم وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَأَشَارَ بِيَدِهِ. (ذكر رِجَاله) وهم أحد عشر. الأول يحيى بن سُلَيْمَان بن يحيى أَبُو سعيد الْجعْفِيّ مَاتَ بِمصْر سنة ثَمَان وَيُقَال سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَه الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ. الثَّانِي عبد الله بن وهب وَقد تكَرر ذكره. الثَّالِث عَمْرو بن الْحَارِث. الرَّابِع بكير بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة تَصْغِير بكر بن عبد الله بن الْأَشَج. الْخَامِس كريب بِضَم الْكَاف مولى ابْن عَبَّاس. السَّادِس عبد الله بن عَبَّاس. السَّابِع الْمسور بِكَسْر الْمِيم ابْن مخرمَة بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء الزُّهْرِيّ الصَّحَابِيّ. الثَّامِن عبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر على وزن أفعل القريشي الزُّهْرِيّ الصَّحَابِيّ عَم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف مَاتَ قبل الْحرَّة وَشهد حنينا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. التَّاسِع عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ. الْعَاشِر أم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ وَاسْمهَا هِنْد بنت أبي أُميَّة وَاسم أبي أُميَّة حُذَيْفَة وَيُقَال سُهَيْل بن الْمُغيرَة. الْحَادِي عشر عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِخْبَار مُفردا فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَفِيه الْإِرْسَال والبلاغ وَفِيه القَوْل فِي موضِعين وَفِيه أَن شَيْخه كُوفِي سكن مصر وَابْن وهب وَعَمْرو مصريان والبقية مدنيون وَفِيه عَمْرو يروي عَن اثْنَيْنِ وَفِيه سِتَّة من الصَّحَابَة أَرْبَعَة من الرِّجَال وثنتان من النِّسَاء وَفِيه اثْنَان مذكوران باسم أَبِيه وَاثْنَانِ بِالتَّصْغِيرِ مجردان عَن النِّسْبَة وَوَاحِد بِلَا نِسْبَة أَيْضا وَفِيه أَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده. (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن يحيى بن سُلَيْمَان وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن حَرْمَلَة بن يحيى عَن ابْن وهب وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن صَالح عَن ابْن وهب (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " أَرْسلُوهُ " أَي أرْسلُوا كريبا إِلَى عَائِشَة قَوْله " وسلها " أَصله اسألها قَوْله " عَن الرَّكْعَتَيْنِ " أَي صَلَاة الرَّكْعَتَيْنِ قَوْله " أخبرنَا " على صِيغَة الْمَجْهُول قيل كَانَ الْمخبر عبد الله بن الزبير وروى ابْن أبي شيبَة من طَرِيق " عبد الله بن الْحَارِث قَالَ دخلت مَعَ ابْن عَبَّاس على مُعَاوِيَة فأجلسه مُعَاوِيَة على السرير ثمَّ قَالَ مَا رَكْعَتَانِ يُصَلِّيهمَا النَّاس بعد الْعَصْر قَالَ ذَلِك مَا يُفْتِي بِهِ النَّاس ابْن الزبير فَأرْسل إِلَى ابْن الزبير فَسَأَلَهُ فَقَالَ أَخْبَرتنِي بذلك عَائِشَة فَأرْسل إِلَى عَائِشَة فَقَالَت أَخْبَرتنِي أم سَلمَة فَأرْسل إِلَى أم سَلمَة فَانْطَلَقت مَعَ الرَّسُول " فَذكر الْقِصَّة وَاسم الرَّسُول كثير بن الصَّلْت سَمَّاهُ الطَّحَاوِيّ فِي رِوَايَته قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن دَاوُد قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى بن أبي عمر قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن عبد الله بن أبي لبيد " عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن أَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان قَالَ وَهُوَ على الْمِنْبَر لكثير بن الصَّلْت اذْهَبْ إِلَى عَائِشَة فسلها عَن رَكْعَتي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعد الْعَصْر فَقَالَ أَبُو سَلمَة فَقُمْت مَعَه قَالَ ابْن عَبَّاس لعبد الله بن الْحَارِث اذْهَبْ مَعَه فَجِئْنَاهَا فسألناها فَقَالَت لَا أَدْرِي سلوا أم سَلمَة قَالَ فسألناها فَقَالَت دخل عَليّ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَات يَوْم بعد الْعَصْر فصلى رَكْعَتَيْنِ فَقلت يَا رَسُول الله مَا كنت تصلي هَاتين الرَّكْعَتَيْنِ فَقَالَ قدم عَليّ وَفد من بني تَمِيم أَو جَاءَتْنِي صَدَقَة فشغلوني عَن رَكْعَتَيْنِ كنت أصليهما بعد الظّهْر وهما هَاتَانِ " (قلت) كثير بن الصَّلْت ابْن معدي كرب الْكِنْدِيّ أَبُو عبد الله الْمدنِي قيل أَنه أدْرك النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَذكره ابْن حبَان فِي ثِقَات التَّابِعين وَكَانَ كَاتبا لعبد الْملك بن مَرْوَان وَهُوَ أَخُو زبيد بن الصَّلْت وَعبد الله بن الْحَارِث بن جُزْء الزبيدِيّ الصَّحَابِيّ قَوْله " إِنَّك تصليهما " بِحَذْف النُّون فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره " تصلينهما "(7/315)
أَي الرَّكْعَتَيْنِ ويروى " تصليها " بإفراد الضَّمِير رَاجعا إِلَى الصَّلَاة قَوْله " وَقَالَ ابْن عَبَّاس وَكنت أضْرب النَّاس " من الضَّرْب بالضاد الْمُعْجَمَة وَهُوَ الصَّحِيح لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْمُوَطَّأ كَانَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يضْرب النَّاس عَلَيْهَا وروى السَّائِب بن يزِيد أَنه رأى عمر يضْرب الْمُنْكَدر على الصَّلَاة بعد الْعَصْر وروى " أصرف النَّاس " من الصّرْف بالصَّاد الْمُهْملَة وَالْفَاء قَوْله " عَنْهَا " أَي عَن الصَّلَاة بعد الْعَصْر وَالْمعْنَى لأَجلهَا وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " عَنهُ " أَي عَن فعل الصَّلَاة وَقَوله " وَقَالَ ابْن عَبَّاس " مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور وَكَذَا قَوْله " قَالَ كريب " مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور قَوْله " سل أم سَلمَة " أَصله اسْأَل أم سَلمَة وَفِي رِوَايَة مُسلم " فَقَالَت سل أم سَلمَة فَخرجت إِلَيْهِم فَأَخْبَرتهمْ بقولِهَا فردوني إِلَى أم سَلمَة " وَفِي رِوَايَة أُخْرَى للطحاوي " أَن مُعَاوِيَة أرسل إِلَى عَائِشَة يسْأَلهَا عَن السَّجْدَتَيْنِ بعد الْعَصْر فَقَالَت لَيْسَ عِنْدِي صلاهما وَلَكِن أم سَلمَة حَدَّثتنِي أَنه صلاهما عِنْدهَا فَأرْسل إِلَى أم سَلمَة فَقَالَت صلاهما رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عِنْدِي لم أره صلاهما قبل وَلَا بعد فَقلت يَا رَسُول الله مَا سَجْدَتَانِ رَأَيْتُك صليتهما بعد الْعَصْر مَا رَأَيْتُك صليتهما قبل وَلَا بعد فَقَالَ هما سَجْدَتَانِ كنت أصليهما بعد الظّهْر فَقدم عَليّ قَلَائِص من الصَّدَقَة فنسيتهما حَتَّى صليت الْعَصْر ثمَّ ذكرتهما فَكرِهت أَن أصليهما فِي الْمَسْجِد وَالنَّاس يرونني فصليتهما عنْدك " (قلت) القلائص جمع قلُوص وَهُوَ من النوق الشَّابَّة وَهِي بِمَنْزِلَة الْجَارِيَة من النِّسَاء قَوْله " ثمَّ دخل " أَي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " من بني حرَام " بحاء وَرَاء مهملتين مفتوحتين وهم من الْأَنْصَار (فَإِن قلت) إِذا كَانَ بَنو حرَام من الْأَنْصَار فَمَا الْفَائِدَة فِي قَوْلهَا من الْأَنْصَار (قلت) يحْتَمل أَن يكون هَذَا احْتِرَازًا من غير الْأَنْصَار فَإِن فِي الْعَرَب عدَّة بطُون يُقَال لَهُم بَنو حرَام بطن فِي تَمِيم وبطن فِي جذام وبطن فِي بكر بن وَائِل وبطن فِي خُزَاعَة وبطن فِي عذرة وبطن فِي بلَى قَوْله " فَأرْسلت إِلَيْهِ الْجَارِيَة " وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي " فَأرْسلت إِلَيْهِ الْخَادِم " وَلم يعلم اسْمهَا قيل يحْتَمل أَن تكون بنتهَا زَيْنَب (قلت) هَذَا حدس وتخمين قَوْله " هَاتين " يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ قَوْله " يَا بنت أبي أُميَّة " قد ذكرنَا أَن أَبَا أُميَّة وَالِد أم سَلمَة قَوْله " عَن الرَّكْعَتَيْنِ " أَي اللَّتَيْنِ صليتهما الْآن قَوْله " نَاس من عبد الْقَيْس " وللبخاري فِي الْمَغَازِي " أَتَانِي نَاس من عبد الْقَيْس بِالْإِسْلَامِ من قَومهمْ فشغلوني " وَقد مر أَن للطحاوي فِي رِوَايَة " قدم عَليّ وَفد من بني تَمِيم أَو جَاءَتْنِي صَدَقَة فشغلوني " وَقَالَ بَعضهم قَوْله من تَمِيم وهم وَإِنَّمَا هم من عبد الْقَيْس قلت لم يبين وَجه الْوَهم قَوْله " فهما هَاتَانِ " أَي اللَّتَان سألتهما يَا بنت أبي أُميَّة هَاتَانِ الركعتان اللَّتَان كنت أصليهما بعد الظّهْر فشغلت عَنْهُمَا وَقَالَ بَعضهم فِي رِوَايَة عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن أم سَلمَة عِنْد الطَّحَاوِيّ من الزِّيَادَة " فَقلت أمرت بهما فَقَالَ لَا وَلَكِن كنت أصليهما بعد الظّهْر فشغلت عَنْهُمَا فصليتهما الْآن " وَله من وَجه آخر عَنْهَا " لم أره صلاهما قبل وَلَا بعد " لَكِن هَذَا لَا يَنْفِي الْوُقُوع فقد ثَبت فِي مُسلم عَن أبي سَلمَة أَنه سَأَلَ عَائِشَة عَنْهَا فَقَالَت كَانَ يُصَلِّيهمَا قبل الْعَصْر فشغل عَنْهُمَا أَو نسيهما أَو صلاهما بعد الْعَصْر ثمَّ أثبتهما وَكَانَ إِذا صلى صَلَاة أثبتها أَي داوم عَلَيْهَا وَمن طَرِيق عُرْوَة عَنْهَا مَا ترك رَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر عِنْدِي قطّ (قلت) أَرَادَ هَذَا الْقَائِل بِمَا نَقله من كَلَام الطَّحَاوِيّ الغمز عَلَيْهِ والطَّحَاوِي مَا ادّعى نفي الْوُقُوع وَلَكِن ادّعى الانتفاء أَعنِي انْتِفَاء مَا رُوِيَ عَن عَائِشَة بِمَا رُوِيَ عَن أم سَلمَة فَإِنَّهُ روى أَولا مَا رُوِيَ عَن عَائِشَة من تسع طرق. إِحْدَاهَا من رِوَايَة الْأسود ومسروق " عَن عَائِشَة قَالَت مَا كَانَ الْيَوْم الَّذِي يكون عِنْدِي فِيهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا صلى رَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر " وَاحْتج بِهِ قوم وَقَالُوا لَا بَأْس أَن يُصَلِّي الرجل بعد الْعَصْر رَكْعَتَيْنِ على أَنا نقُول أَن هَذِه الرِّوَايَة الَّتِي رَوَاهَا الطَّحَاوِيّ من طَرِيق عبيد الله بن عبد الله غير حَدِيث الْبَاب فَإِن حَدِيث الْبَاب عَن ابْن عَبَّاس والمسور بن مخرمَة وَعبد الرَّحْمَن بن الْأَزْهَر وَحَدِيث عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة " عَن مُعَاوِيَة أَنه أرسل إِلَى أم سَلمَة يسْأَلهَا عَن الرَّكْعَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ ركعهما رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعد الْعَصْر فَقَالَت نعم صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عِنْدِي رَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر فَقلت أمرت بهما " إِلَى آخر مَا ذَكرْنَاهُ وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا فِي مُسْنده حَدثنَا ابْن نمير قَالَ حَدثنَا طَلْحَة بن يحيى قَالَ زعم لي عبيد الله بن عبد الله بن عتيبة أَن مُعَاوِيَة أرسل إِلَى آخِره نَحوه وَلَكِن فِيهِ " يَا نَبِي الله أنزل عَلَيْك فِي هَاتين السَّجْدَتَيْنِ قَالَ لَا " انْتهى وَجه الِاسْتِدْلَال لِلْجُمْهُورِ بذلك أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ أمرت بهَا فَدلَّ ذَلِك أَنَّهَا من خَصَائِصه(7/316)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا جَاءَ فِي رِوَايَة أُخْرَى " عَن أم سَلمَة قَالَت قلت يَا رَسُول الله أفنقضيهما إِذا فاتتا قَالَ لَا " وَبِهَذَا بَطل مَا قَالَ بعض الشَّافِعِيَّة أَن الأَصْل الِاقْتِدَاء بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعدم التَّخْصِيص حَتَّى يقوم دَلِيل بِهِ وَلَا دَلِيل أعظم وَأقوى من هَذَا وَهنا شَيْء آخر يلْزمهُم وَهُوَ أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يداوم عَلَيْهِمَا وهم لَا يَقُولُونَ بِهِ فِي الصَّحِيح الْأَشْهر فَإِن عورضوا يَقُولُونَ هُوَ من خَصَائِص النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ فِي الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ يَقُولُونَ الأَصْل عدم التَّخْصِيص وَهَذَا كَمَا يُقَال فلَان مثل الظليم يستحمل عِنْد الاستطارة ويستطير عِنْد الاستحمال وَيُقَال أَنه صلى بعد الْعَصْر تبيينا لأمته أَن نَهْيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الصَّلَاة بعد الصُّبْح وَبعد الْعَصْر على وَجه الْكَرَامَة لَا على التَّحْرِيم وَيُقَال أَنه صلاهما يَوْمًا قَضَاء لفائت رَكْعَتي الظّهْر وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا فعل فعلا واظب عَلَيْهِ وَلم يقطعهُ فِيمَا بعد (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ جَوَاز اسْتِمَاع الْمُصَلِّي إِلَى كَلَام غَيره وفهمه لَهُ وَلَا يضر ذَلِك صلَاته. وَفِيه أَن إِشَارَة الْمُصَلِّي بِيَدِهِ وَنَحْوهَا من الْأَفْعَال الْخَفِيفَة لَا تبطل الصَّلَاة. وَفِيه أَنه يسْتَحبّ للْعَالم إِذا طلب لَهُ تَحْقِيق أَمر مُهِمّ وَعلم أَن غَيره أعلم أَو أعرف بِأَصْلِهِ أَن يُرْسل إِلَيْهِ إِذا أمكنه. وَفِيه الِاعْتِرَاف لأهل الْفضل بمزيتهم. وَفِيه من أدب الرَّسُول أَن لَا يسْتَقلّ بِتَصَرُّف شَيْء لم يُؤذن لَهُ فِيهِ فَإِن كريبا لم يسْتَقلّ بالذهاب إِلَى أم سَلمَة حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِم. وَفِيه قبُول خبر الْوَاحِد وَالْمَرْأَة مَعَ الْقُدْرَة على الْيَقِين بِالسَّمَاعِ. وَفِيه لَا بَأْس للْإنْسَان أَن يذكر نَفسه بالكنية إِذا لم يعرف إِلَّا بهَا. وَفِيه يَنْبَغِي للتابع إِذا رأى من الْمَتْبُوع شَيْئا يُخَالف الْمَعْرُوف من طَرِيقَته والمعتاد من حَاله أَن يسْأَله بلطف عَنهُ فَإِن كَانَ نَاسِيا يرجع عَنهُ وَإِن كَانَ عَامِدًا وَله معنى مُخَصص عرفه للتابع واستفاده. وَفِيه إِثْبَات سنة الظّهْر بعْدهَا. وَفِيه إِذا تَعَارَضَت الْمصَالح والمهمات بَدَأَ بأهمها وَلِهَذَا بَدَأَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِحَدِيث الْقَوْم فِي الْإِسْلَام وَترك سنة الظّهْر حَتَّى فَاتَ وَقتهَا لِأَن الِاشْتِغَال بإرشادهم وبهدايتهم إِلَى الْإِسْلَام أهم. وَفِيه أَن الْأَدَب إِذا سُئِلَ من الْمُصَلِّي شَيْئا أَن يقوم إِلَى جنبه لَا خَلفه وَلَا أَمَامه لِئَلَّا يشوش عَلَيْهِ بِأَن لَا تمكنه الْإِشَارَة إِلَيْهِ إِلَّا بِمَشَقَّة. وَفِيه دلَالَة على فطنة أم سَلمَة وَحسن تأتيها بملاطفة سؤالها واهتمامها بِأَمْر الدّين. وَفِيه إكرام الضَّيْف حَيْثُ لم تَأمر أم سَلمَة امْرَأَة من النسْوَة اللَّاتِي كن عِنْدهَا. وَفِيه زِيَارَة النِّسَاء الْمَرْأَة وَلَو كَانَ زَوجهَا عِنْدهَا. وَفِيه جَوَاز التَّنَفُّل فِي الْبَيْت. وَفِيه كَرَاهَة الْقرب من الْمُصَلِّي لغير ضَرُورَة. وَفِيه الْمُبَادرَة إِلَى معرفَة الحكم الْمُشكل فِرَارًا من الوسوسة. وَفِيه جَوَاز النسْيَان على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد مر الْبَحْث عَنهُ عَن قريب
(بَاب الْإِشَارَة فِي الصَّلَاة)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْإِشَارَة فِي الصَّلَاة وَالْفرق بَين الْبَابَيْنِ أَن فِي الْبَاب الأول كَانَت الْإِشَارَة بمقتض لَهُم وَهَذَا الْبَاب أَعم من ذَلِك وَقد مر الْبَحْث فِي الْإِشَارَة فِيمَا مضى
(قَالَه كريب عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) أَي قَالَ مَا ذكر من الْإِشَارَة كريب عَن أم سَلمَة فِي حَدِيث الْبَاب السَّابِق
258 - (حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد قَالَ حَدثنَا يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بلغه أَن بني عَمْرو بن عَوْف كَانَ بَينهم شَيْء فَخرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يصلح بَينهم فِي أنَاس مَعَه فحبس رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وحانت الصَّلَاة فجَاء بِلَال إِلَى أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ يَا أَبَا بكر إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد حبس وَقد(7/317)
حانت الصَّلَاة فَهَل لَك أَن تؤم النَّاس. قَالَ نعم إِن شِئْت فَأَقَامَ بِلَال وَتقدم أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَكبر للنَّاس وَجَاء رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يمشي فِي الصُّفُوف حَتَّى قَامَ فِي الصَّفّ فَأخذ النَّاس فِي التصفيق وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ لَا يلْتَفت فِي صلَاته فَلَمَّا أَكثر النَّاس الْتفت فَإِذا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْمُرهُ أَن يُصَلِّي فَرفع أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يَدَيْهِ فَحَمدَ الله وَرجع الْقَهْقَرَى وَرَاءه حَتَّى قَامَ فِي الصَّفّ فَتقدم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فصلى للنَّاس فَلَمَّا فرغ أقبل على النَّاس فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس مالكم حِين نابكم شَيْء فِي الصَّلَاة أَخَذْتُم فِي التصفيق إِنَّمَا التصفيق للنِّسَاء من نابه شَيْء فِي صلَاته فَلْيقل سُبْحَانَ الله فَإِنَّهُ لَا يسمعهُ أحد حِين يَقُول سُبْحَانَ الله إِلَّا الْتفت يَا أَبَا بكر مَا مَنعك أَن تصلي للنَّاس حِين أَشرت إِلَيْك فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ مَا كَانَ يَنْبَغِي لِابْنِ أبي قُحَافَة أَن يُصَلِّي بَين يَدي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله " فَأخذ النَّاس فِي التصفيق " لِأَن التصفيق يكون بِالْيَدِ وحركتها بِهِ كحركتها بِالْإِشَارَةِ وَيُمكن أَن تُؤْخَذ من قَوْله " الْتفت " أَي أَبُو بكر لِأَن الِالْتِفَات فِي معنى الْإِشَارَة (فَإِن قلت) قد أنكر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَيْهِم فِي التصفيق فَكيف تُؤْخَذ مِنْهُ إِبَاحَة الْإِشَارَة (قلت) لَا يضر ذَلِك لإباحة الْإِشَارَة أَلا ترى أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يَأْمُرهُم بِإِعَادَة الصَّلَاة بِسَبَب ذَلِك (فَإِن قلت) لم لَا يُؤْخَذ وَجه التَّرْجَمَة من قَوْله " حِين أَشرت إِلَيْك " (قلت) لَا يُطَابق هَذَا لِأَن هَذِه الْإِشَارَة وَقعت مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قبل أَن يحرم بِالصَّلَاةِ وَالْكَلَام فِي الْإِشَارَة الْوَاقِعَة فِي الصَّلَاة ثمَّ إِن هَذَا الحَدِيث قد مضى فِي بَاب من دخل ليؤم النَّاس أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن أبي حَازِم بن دِينَار عَن سهل بن سعد وَفِي بَاب رفع الْأَيْدِي فِي الصَّلَاة لأمر نزل بِهِ وَقد تكلمنا فِيهِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة وَقَالَ الْخطابِيّ فِيهِ أَن الصَّحَابَة بَادرُوا إِلَى إِقَامَة الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا وَلم يُنكر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عدم انتظارهم (قلت) لَا يفهم من لفظ الحَدِيث مبادرتهم وَإِنَّمَا كَانَت الْمُبَادرَة من بِلَال لَا لأجل أَن الْأَفْضَل أَدَاؤُهَا فِي أول الْأَوْقَات وَإِنَّمَا بَادر لِأَن الْجَمَاعَة قد حَضَرُوا وَرُبمَا كَانُوا يتضررون بِالتَّأْخِيرِ والانتظار إِلَى مَجِيء رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما لَهُم من الْأُمُور الشاغلة
259 - (حَدثنَا يحيى بن سُلَيْمَان قَالَ حَدثنِي ابْن وهب قَالَ حَدثنَا الثَّوْريّ عَن هِشَام عَن فَاطِمَة عَن أَسمَاء قَالَت دخلت على عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَهِي تصلي قَائِمَة وَالنَّاس قيام فَقلت مَا شَأْن النَّاس فَأَشَارَتْ برأسها إِلَى السَّمَاء قلت آيَة فَأَشَارَتْ برأسها أَي نعم) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَأَشَارَتْ برأسها أَي نعم " والْحَدِيث مضى فِي بَاب الْفتيا بِإِشَارَة الْيَد وَالرَّأْس عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن ابْن وهب عَن هِشَام عَن فَاطِمَة عَن أَسمَاء الحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم وَمضى أَيْضا فِي بَاب صَلَاة النِّسَاء مَعَ الرِّجَال فِي الْكُسُوف فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن امْرَأَته فَاطِمَة بنت الْمُنْذر " عَن أَسمَاء بنت أبي بكر أَنَّهَا قَالَت أتيت عَائِشَة زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين خسفت الشَّمْس فَإِذا النَّاس قيام يصلونَ وَإِذا هِيَ قَائِمَة تصلي " الحَدِيث مطولا وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب وَالثَّوْري بالثاء الْمُثَلَّثَة سُفْيَان وَقد مضى شَرحه مُسْتَوْفِي
260 - (حَدثنَا إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنَا مَالك عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهَا قَالَت صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي بَيته وَهُوَ شَاك جَالِسا وَصلى وَرَاءه(7/318)
قوم قيَاما فَأَشَارَ إِلَيْهِم أَن اجلسوا فَلَمَّا انْصَرف قَالَ إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ فَإِذا ركع فاركعوا وَإِذا رفع فارفعوا) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَأَشَارَ إِلَيْهِم " والْحَدِيث مضى فِي بَاب إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ الحَدِيث بأطول مِنْهُ وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس ابْن أُخْت مَالك بن أنس قَوْله " وَهُوَ شَاك " أَي يشكو عَن انحراف مزاجه أَرَادَ أَنه مَرِيض وَقد اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ بعون الله كمل طبع الْجُزْء السَّابِع من عُمْدَة الْقَارِي شرح صَحِيح البُخَارِيّ للْإِمَام الْبَدْر الْعَيْنِيّ ويتلوه إِن شَاءَ الله تَعَالَى الْجُزْء الثَّامِن ومطلعه (كتاب الْجَنَائِز) نَسْأَلهُ سُبْحَانَهُ الْإِعَانَة لإتمامه على هَذَا الْوَجْه الْحسن وَمَا ذَلِك على الله بعزيز -(7/319)
32 - (كِتَابُ الجَنَائِزِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْجَنَائِز، كَذَا وَقع للأصيلي وَأبي الْوَقْت، وَوَقع لكريمة: بَاب الْجَنَائِز وَكَذَا وَقع لأبي ذَر وَلَكِن بِحَذْف لَفْظَة بَاب، والجنائز جمع: جَنَازَة، وَهِي بِفَتْح الْجِيم اسْم للْمَيت الْمَحْمُول، وبكسرها اسْم للنعش الَّذِي يحمل عَلَيْهِ الْمَيِّت، وَيُقَال عكس ذَلِك، حَكَاهُ صَاحب (الْمطَالع) واشتقاقها من: جنز، إِذا ستر، ذكره ابْن فَارس وَغَيره، ومضارعه يجنز، بِكَسْر النُّون. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْجِنَازَة وَاحِدَة الْجَنَائِز، والعامة تَقول: الْجِنَازَة، بِالْفَتْح، وَالْمعْنَى للْمَيت على السرير، فَإِذا لم يكن عَلَيْهِ الْمَيِّت فَهُوَ سَرِير. ونعش، قيل: أورد المُصَنّف كتاب الْجَنَائِز بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة لِأَن الَّذِي يفعل بِالْمَيتِ من غسل وتكفين وَغير ذَلِك أهمه الصَّلَاة عَلَيْهِ لما فِيهَا من فَائِدَة الدُّعَاء بالنجاة من الْعَذَاب وَلَا سِيمَا عَذَاب الْقَبْر الَّذِي يدْفن فِيهِ انْتهى. قلت: للْإنْسَان حالتان: حَالَة الْحَيَاة وَحَالَة الْمَمَات، وَيتَعَلَّق بِكُل مِنْهُمَا أَحْكَام الْعِبَادَات وَأَحْكَام الْمُعَامَلَات، فَمن الْعِبَادَات الصَّلَاة الْمُتَعَلّقَة بِالْإِحْيَاءِ، وَلما فرغ من بَيَان ذَلِك شرع فِي بَيَان الصَّلَاة الْمُتَعَلّقَة بالموتى.
1 - ومَنْ كانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إلاهَ إلاَّ الله
هَذَا من التَّرْجَمَة، وَفِي غَالب النّسخ: بَاب من كَانَ آخر كَلَامه: لَا إِلَه إِلَّا الله، أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال من كَانَ آخر كَلَامه عِنْد خُرُوجه من الدُّنْيَا: لَا إِلَه إِلَّا الله، وَلم يذكر جَوَاب: من، وَهُوَ فِي الحَدِيث مَذْكُور، وَهُوَ لفظ: دخل الْجنَّة، وَقد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مَالك بن عبد الْوَاحِد المسمعي عَن الضَّحَّاك بن مخلد عَن عبد الحميد بن جَعْفَر عَن صَالح بن أبي عريب عَن كثير بن مرّة الْحَضْرَمِيّ عَن معَاذ بن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من كَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة) . وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد، وروى أَبُو بكر بن أبي شيبَة بِإِسْنَادِهِ عَن أنس بن مَالك، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إعلم أَن من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة) . وَفِي (مُسْند مُسَدّد) : (عَن معَاذ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَا معَاذ! قَالَ: لبيْك يَا رَسُول الله، قَالَهَا ثَلَاثًا، قَالَ: بشر النَّاس أَنه من قَالَ: لَا إِلَه إلاَّ الله، دخل الْجنَّة) . وروى أَبُو يعلى فِي (مُسْنده) : (عَن أبي حَرْب بن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ قَالَ: أشهد على أبي أَنه قَالَ: أَمرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أنادي: أَنه من شهد أَن لَا إِلَه إلاَّ الله دخل الْجنَّة) . وَقَالَ الْكرْمَانِي قَوْله: (لَا إِلَه إلاَّ الله) أَي: هَذِه الْكَلِمَة، وَالْمرَاد هِيَ وضميمتها: مُحَمَّد رَسُول الله. قلت: ظَاهر الحَدِيث فِي حق الْمُشرك فَإِنَّهُ إِذا قَالَ: لَا إِلَه إلاَّ الله، يحكم بِإِسْلَامِهِ فَإِذا اسْتمرّ على ذَلِك إِلَى أَن مَاتَ دخل الْجنَّة. وَأما الموحد من الَّذين يُنكرُونَ نبوة سيدنَا مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو يَدعِي أَنه مَبْعُوث للْعَرَب خَاصَّة، فَإِنَّهُ لَا يحكم بِإِسْلَامِهِ بِمُجَرَّد قَوْله: لَا إِلَه إلاَّ الله، فَلَا بُد من ضميمة(8/2)
مُحَمَّد رَسُول الله، على أَن جُمْهُور عُلَمَائِنَا شرطُوا فِي صِحَة إِسْلَامه، بعد التَّلَفُّظ بِالشَّهَادَتَيْنِ، أَن يَقُول: تبرأت عَن كل دين سوى دين الْإِسْلَام، وَمُرَاد البُخَارِيّ من هَذِه التَّرْجَمَة أَن من قَالَ: لَا إِلَه إلاَّ الله، من أهل الشّرك وَمَات لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا فَإِنَّهُ يدْخل الْجنَّة، وَالدَّلِيل على ذَلِك حَدِيث الْبَاب على مَا نذْكر مَا قَالُوا فِيهِ، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون مُرَاد البُخَارِيّ الْإِشَارَة إِلَى من قَالَ: لَا إِلَه إلاَّ الله عِنْد الْمَوْت مخلصا كَانَ ذَلِك مسْقطًا لما تقدم لَهُ، وَالْإِخْلَاص يسْتَلْزم التَّوْبَة والندم، وَيكون النُّطْق علما على ذَلِك قلت: يلْزم مِمَّا قَالَه أَن من قَالَ لَا إلاه إِلَّا الله وَاسْتمرّ عَلَيْهِ وَلكنه عِنْد الْمَوْت لم يذكرهُ وَلم يدْخل تَحت هَذَا الْوَعْد الصَّادِق وَالشّرط أَن يَقُول: لَا إِلَه إلاَّ الله وَاسْتمرّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يدْخل الْجنَّة، وَإِن لم يذكرهُ عِنْد الْمَوْت، لِأَنَّهُ لَا فرق بَين الْإِسْلَام النطقي وَبَين الْحكمِي المستصحب، وَأما أَنه إِذا عمل أعمالاً سَيِّئَة فَهُوَ فِي سَعَة رَحْمَة الله تَعَالَى مَعَ مَشِيئَته. فَإِن قلت: لِمَ حذف البُخَارِيّ جَوَاب: من، من التَّرْجَمَة مَعَ أَن لفظ الحَدِيث: (من كَانَ آخر كَلَامه: لَا إِلَه إلاَّ الله دخل الْجنَّة) ؟ قلت: قيل: مُرَاعَاة لتأويل وهب بن مُنَبّه لِأَنَّهُ لما قيل لَهُ: أَلَيْسَ لَا إِلَه إلاَّ الله مِفْتَاح الْجنَّة؟ قَالَ: بلَى، وَلَكِن لَيْسَ مِفْتَاح إلاَّ وَله أَسْنَان ... إِلَى آخِره، فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنه لَا بُد لَهُ من الطَّاعَات، وَأَن بِمُجَرَّد القَوْل بِهِ بِدُونِ الطَّاعَات لَا يدْخل الْجنَّة، فَظن هَذَا الْقَائِل أَن رَأْي البُخَارِيّ فِي هَذَا مثل رَأْي وهب، فَلذَلِك حذف لفظ: دخل الْجنَّة، الَّذِي هُوَ جَوَاب من قلت: الَّذِي يظْهر أَن حذفه إِنَّمَا كَانَ اكْتِفَاء بِمَا ذكر فِي حَدِيث الْبَاب، فَإِنَّهُ صرح بِأَن من مَاتَ وَلم يُشْرك بِاللَّه شَيْئا فَإِنَّهُ يدْخل الْجنَّة وَإِن ارْتكب الذنبين العظيمين الْمَذْكُورين فِيهِ، مَعَ أَن الدَّاودِيّ قَالَ: قَول وهب مَحْمُول على التَّشْدِيد، أَو لَعَلَّه لم يبلغهُ حَدِيث أبي ذَر، وَهُوَ حَدِيث الْبَاب.
وَقِيلَ لِوَهِبِ بنِ مُنَبِّهٍ: ألَيْسَ لَا إلَهَ إلاَّ الله مِفْتَاحُ الجَنَّةِ؟ قَالَ بَلَى وَلاكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إلاَّ لَهُ أسْنَانٌ فَإنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ وَإلاَّ لَمْ يُفْتَحْ لَكَ
وهب بن مُنَبّه مر فِي كتاب الْعلم، وَهَذَا القَوْل وَقع فِي حَدِيث مَرْفُوع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكره الْبَيْهَقِيّ: (عَن معَاذ ابْن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ حِين بَعثه إِلَى الْيمن: (إِنَّك ستأتي أهل كتاب يَسْأَلُونَك عَن مِفْتَاح الْجنَّة، فَقل: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إلاَّ الله، وَلَكِن مِفْتَاح بِلَا أَسْنَان، فَإِن جِئْت بمفتاح لَهُ أَسْنَان فتح لَك وَإِلَّا لم يفتح لَك) . وَذكر أَبُو نعيم الْأَصْفَهَانِي فِي كِتَابه (أَحْوَال الْمُوَحِّدين) أَن أَسْنَان هَذَا الْمِفْتَاح هِيَ الطَّاعَات الْوَاجِبَة من الْقيام بِطَاعَة الله تَعَالَى وتأديتها، والمفارقة لمعاصي الله تَعَالَى ومجانبتها. قلت: قد ذكرنَا أَحَادِيث فِيمَا مضى تدل على أَن قَائِل: لَا إِلَه إلاَّ الله يدْخل الْجنَّة، وَلَيْسَت مُقَيّدَة بِشَيْء. غَايَة مَا فِي الْبَاب جَاءَ فِي حَدِيث آخر: أَن هَذِه الْكَلِمَة مِفْتَاح الْجنَّة، وَالظَّاهِر أَن قيد الْمِفْتَاح بالأسنان مدرج فِي الحَدِيث، وَذكر الْمِفْتَاح لَيْسَ على الْحَقِيقَة، وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَة عَن التَّمَكُّن من الدُّخُول عِنْد هَذَا القَوْل، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ الْمِفْتَاح الْحَقِيقِيّ الَّذِي لَهُ أَسْنَان وَلَا يفتح إِلَّا بهَا، وَإِذا قُلْنَا: المُرَاد من الْأَسْنَان الطَّاعَات يلْزم من ذَلِك أَن من قَالَ: لَا إلاه أَلا الله، وَاسْتمرّ على ذَلِك إِلَى أَن من مَاتَ وَلم يعْمل بِطَاعَة أَنه لَا يدْخل الْجنَّة، وَهُوَ مَذْهَب الرافضة والإباضية وَأكْثر الْخَوَارِج، فَإِنَّهُم يَقُولُونَ: إِن أَصْحَاب الْكَبَائِر والمذنبين من الْمُؤمنِينَ يخلدُونَ فِي النَّار بِذُنُوبِهِمْ، وَالْقُرْآن نَاطِق بتكذيبهم، قَالَ الله تَعَالَى: {إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء} (النِّسَاء: 84) . وَحَدِيث الْبَاب أَيْضا يكذبهم وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث عُثْمَان مَرْفُوعا (من مَاتَ وَهُوَ يعلم أَن لَا إِلَه إلاَّ الله دخل الْجنَّة) .
7321 - حدَّثنا مُوسى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُونٍ قَالَ حدَّثنا وَاصِلٌ الأحْدَبُ عنِ المَعْرُورِ بنِ سُوَيْدٍ عنْ أبِي ذَرٍّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فأخْبَرَني أوْ قالَ بَشرَني أنَّهُ منْ ماتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِاللَّه شَيْئا دَخَلَ الجنَّةَ قُلْتُ وَإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ قالَ وإنْ زَنى وَإنْ سَرَقَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الحَدِيث يدل على أَن من مَاتَ وَلم يُشْرك بِاللَّه شَيْئا فَإِنَّهُ يدْخل الْجنَّة، وَهُوَ معنى(8/3)
قَوْله فِي التَّرْجَمَة: من كَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَه إلاَّ الله، فَإِن ترك الْإِشْرَاك هُوَ التَّوْحِيد، وَالْقَوْل: بِلَا إِلَه إلاَّ الله هُوَ التَّوْحِيد بِعَيْنِه.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة الْمنْقري يُقَال لَهُ: التَّبُوذَكِي، وَقد مر غير مرّة. الثَّانِي: مهْدي، بِفَتْح الْمِيم: ابْن مَيْمُون المعولي الْأَزْدِيّ، مر فِي: بَاب إِذا لم يتم السُّجُود. الثَّالِث: وَاصل، اسْم فَاعل من الْوُصُول: ابْن حَيَّان، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَقد تقدم فِي: بَاب الْمعاصِي من أَمر الْجَاهِلِيَّة فِي كتاب الْإِيمَان. الرَّابِع: الْمَعْرُور، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالراء المكررة: ابْن سُوَيْد، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره دَال مُهْملَة، وَقد تقدم أَيْضا فِي الْبَاب الْمَذْكُور. الْخَامِس: أَبُو ذَر، اسْمه جُنْدُب بن جُنَادَة، وَقد تكَرر ذكره.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه ومهديا بصريان، وواصل ومعرور كوفيان. وَفِيه: وَاصل مَذْكُور بِلَا نِسْبَة، وَقد ذكر بلقبه الأحدب ضد الأقعس.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن بنْدَار عَن غنْدر عَن شُعْبَة، وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار، كِلَاهُمَا عَن غنْدر بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن بنْدَار بِهِ وَعَن مُحَمَّد ابْن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله بن بكر عَن مهْدي بن مَيْمُون. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فَقَالَ: حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان، قَالَ: حَدثنَا أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: أخبرنَا شُعْبَة عَن حبيب بن أبي ثَابت وَعبد الْعَزِيز بن رفيع وَالْأَعْمَش، كلهم سمعُوا زيد بن وهب (عَن أبي ذَر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فبشرني أَنه من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة. قلت: وَإِن زني وَإِن سرق؟ قَالَ: نعم) . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَفِي الْبَاب عَن أبي الدَّرْدَاء قلت: روى حَدِيث أبي الدَّرْدَاء مُسَدّد فِي (مُسْنده) : حَدثنَا يحيى حَدثنَا نعيم بن حَكِيم حَدثنِي أَبُو مَرْيَم سَمِعت أَبَا الدَّرْدَاء يحدث عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (مَا من رجل يشْهد أَن لَا إِلَه إلاَّ الله وَمَات لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا إِلَّا دخل الْجنَّة أَو: لم يدْخل النَّار. قلت: وَإِن زنى وَإِن سرق؟ قَالَ: وَإِن زنى وَإِن سرق، وَرَغمَ أنف أبي الدَّرْدَاء) . وَرَوَاهُ أَبُو يعلى: حَدثنَا أَبُو عبد الله الْمقري حَدثنَا يحيى ... فَذكره، وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا فِي (مُسْنده) قلت: يحيى هُوَ الْقطَّان، ونعيم بن حَكِيم وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَالْعجلِي وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات، وَأَبُو مَرْيَم الثَّقَفِيّ: قَاضِي الْبَصْرَة ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَتَانِي آتٍ من رَبِّي) ، وَالْمرَاد بِهِ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَفَسرهُ بِهِ فِي التَّوْحِيد: من طَرِيق شُعْبَة وَكَانَ هَذَا فِي رُؤْيا مَنَام، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي اللبَاس من طَرِيق أبي الْأسود عَن أبي ذَر، قَالَ: (أتيت النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَلِيهِ ثوب أَبيض وَهُوَ نَائِم ثمَّ انتبه وَقد اسْتَيْقَظَ) وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق مهْدي فِي أول قصَّة: (كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مسير لَهُ، فَلَمَّا كَانَ فِي بعض اللَّيْل تنحى، فَلبث طَويلا ثمَّ أَتَانَا. .) فَذكر الحَدِيث. قَوْله: (وَإِن زنى وَإِن سرق؟) حرف الِاسْتِفْهَام فِيهِ مُقَدّر، وَتَقْدِيره: أَدخل الْجنَّة وَإِن سرق وَإِن زنى؟ قَالَ الْكرْمَانِي: وَالشّرط حَال. فَإِن قلت: لَيْسَ فِي الْجَواب اسْتِفْهَام، فَلَزِمَ مِنْهُ أَن من لم يسرق وَلم يزن لم يدْخل الْجنَّة، إِذْ انْتِفَاء الشَّرْط يسْتَلْزم انْتِفَاء الْمَشْرُوط. قلت: هُوَ من بَاب: (نعم العَبْد صُهَيْب لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ) ، وَالْحكم فِي الْمَسْكُوت عَنهُ ثَابت بِالطَّرِيقِ الأولى. قَوْله: (من أمتِي) يَشْمَل أمة الْإِجَابَة وَأمة الدعْوَة. قَوْله: (لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا) وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي اللبَاس بِلَفْظ: (مَا من عبد قَالَ: لَا إِلَه إلاَّ الله ثمَّ مَاتَ على ذَلِك. .) الحَدِيث، وَنفي الشّرك يسْتَلْزم إِثْبَات التَّوْحِيد، وَالشَّاهِد لَهُ حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود: (من مَاتَ يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل النَّار) ، على مَا يَجِيء عَن قريب. قَوْله: (فَقلت) الْقَائِل هُوَ أَبُو ذَر، وَلَيْسَ هُوَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد يتَبَادَر الذِّهْن إِلَى أَنه هُوَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ فِي رِوَايَة: (قَالَ أَبُو ذَر: يَا رَسُول الله وَإِن سرق وَإِن زنى؟ ثَلَاث مَرَّات، وَفِي الرَّابِعَة قَالَ: على رغم أنف أبي ذَر) ، وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : وَيجمع بَين اللَّفْظَيْنِ بِأَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَه مستوضحا، وَأَبُو ذَر قَالَه مستبعدا، لِأَن فِي ذهنه قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن) ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ، وَإِنَّمَا ذكر من الْكَبَائِر نَوْعَيْنِ لِأَن(8/4)
الذَّنب إِمَّا حق الله تَعَالَى، وَأَشَارَ بِالزِّنَا إِلَيْهِ، وَإِمَّا حق الْعباد، وَأَشَارَ بِالسَّرقَةِ إِلَيْهِ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: حجَّة لأهل السّنة أَن أَصْحَاب الْكَبَائِر لَا يقطع لَهُم بالنَّار وَأَنَّهُمْ إِن دخلوها خَرجُوا مِنْهَا، وَقَالَ ابْن بطال: من مَاتَ على اعْتِقَاد لَا إِلَه إلاَّ الله، وَإِن بَعُدَ قَوْله لَهَا عَن مَوته إِذا لم يقل بعْدهَا خلَافهَا حَتَّى مَاتَ، فَإِنَّهُ يدْخل الْجنَّة. وَيُقَال: وَجه هَذَا الحَدِيث عِنْد بعض أهل الْعلم أَن أهل التَّوْحِيد سيدخلون الْجنَّة وَإِن عذبُوا فِي النَّار بِذُنُوبِهِمْ فَإِنَّهُم لَا يخلدُونَ فِي النَّار. وَقيل: حَدِيث أبي ذَر من أَحَادِيث الرَّجَاء الَّتِي أفْضى الاتكال عَلَيْهَا لبَعض الجهلة إِلَى الْإِقْدَام على الموبقات، وَلَيْسَ هُوَ على ظَاهره، فَإِن الْقَوَاعِد اسْتَقَرَّتْ على أَن حُقُوق الْآدَمِيّين لَا تسْقط بِمُجَرَّد الْمَوْت على الْإِيمَان، وَلَكِن لَا يلْزم من عدم سُقُوطهَا أَن لَا يتكفل الله بهَا عَمَّن يُرِيد أَن يدْخلهُ الْجنَّة، وَمن ثمَّ رد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على أبي ذَر استبعاده، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بقوله: (دخل الْجنَّة) أَي: صَار إِلَيْهَا إِمَّا ابْتِدَاء من أول الْحَال، وَإِمَّا بعد أَن يَقع مَا يَقع من الْعَذَاب.
8321 - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ قَالَ حدَّثنا أبي قَالَ حدَّثنا الأعْمَشُ قَالَ حدَّثنا شَقِيقٌ عنْ عَبْدَ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ ماتَ يُشْرِكُ بِاللَّه شَيْئا دَخَلَ النَّارَ وقُلْتُ أنَا مَنْ ماتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّه شَيْئا دَخَلَ الجنَّةَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن الَّذِي يَمُوت مُشْركًا يدْخل النَّار، وَيفهم مِنْهُ أَن الَّذِي يَمُوت وَلَا يُشْرك بِاللَّه يدْخل الْجنَّة، فَلذَلِك قَالَ ابْن مَسْعُود: (قلت أَنا. .) إِلَى آخِره، وَالَّذِي لَا يُشْرك بِاللَّه هُوَ الْقَائِل: لَا إِلَه إلاَّ الله، فَوَقع التطابق بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث من هَذِه الْحَيْثِيَّة، وَبِهَذَا يرد على من يَقُول: لَيْسَ الحَدِيث مُوَافقا للتبويب.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عمر بن حَفْص النَّخعِيّ. الثَّانِي: أَبوهُ حَفْص بن غياث بن طلق. الثَّالِث: سُلَيْمَان الْأَعْمَش. الرَّابِع: شَقِيق بن سَلمَة. الْخَامِس: عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم كوفيون. وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الاب. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ، وَذَلِكَ لِأَن الْأَعْمَش روى حَدِيثا عَن أنس بن مَالك فِي دُخُول الْخَلَاء، وَإِمَّا فِي رُؤْيَته إِيَّاه فَلَا نزاع فِيهَا.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن عَبْدَانِ عَن أبي حَمْزَة، وَفِي الْإِيمَان وَالنُّذُور عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد. وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير عَن أَبِيه ووكيع. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَإِسْمَاعِيل بن مَسْعُود وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن النَّضر بن شُمَيْل.
ذكر مَعْنَاهُ: وَمَا يُسْتَفَاد مِنْهُ قَوْله: (من مَاتَ يُشْرك بِاللَّه) ، وَفِي رِوَايَة أبي حَمْزَة عَن الْأَعْمَش فِي تَفْسِير الْبَقَرَة: (من مَاتَ وَهُوَ يَدْعُو من دون الله ندا) . وَفِي أَوله: (قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلمة، وَأَنا أُخْرَى، قَالَ: من مَاتَ يَجْعَل لله ندا دخل النَّار، وَقلت: من مَاتَ لَا يَجْعَل لله ندا دخل الْجنَّة) . وَفِي رِوَايَة وَكِيع وَابْن نمير لمُسلم بِالْعَكْسِ: (من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة، وَقلت أَنا: من مَاتَ يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل النَّار) . وَقَالَ فِي (التَّلْوِيح) : وَهَذَا يرد قَول من قَالَ: إِن ابْن مَسْعُود سمع أحد الْحكمَيْنِ فَرَوَاهُ وَضم إِلَيْهِ الحكم الآخر قِيَاسا على الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة، وَالَّذِي يظْهر أَنه نسي مرّة، وَهِي الرِّوَايَة الأولى، وَحفظ مرّة وَهِي الْأُخْرَى، فرواهما مرفوعين كَمَا فعله غَيره من الصَّحَابَة، وَقَالَ بَعضهم: لم تخْتَلف الرِّوَايَات فِي (الصَّحِيحَيْنِ) فِي أَن الْمَرْفُوع الْوَعيد وَالْمَوْقُوف الْوَعْد، وَزعم الْحميدِي فِي (جمعه) وَتَبعهُ مغلطاي فِي (شَرحه) وَمن أَخذ عَنهُ: أَن رِوَايَة مُسلم من طَرِيق وَكِيع وَابْن نمير بِالْعَكْسِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكرْنَاهُ، وَكَانَ سَبَب الْوَهم فِي ذَلِك مَا وَقع عِنْد أبي عوَانَة والإسماعيلي من طَرِيق وَكِيع بِالْعَكْسِ، لَكِن بيَّن الْإِسْمَاعِيلِيّ أَن الْمَحْفُوظ عَن وَكِيع كَمَا فِي البُخَارِيّ. قلت: كَيفَ يكون وهما وَقد وَقع عِنْد مُسلم بِالْعَكْسِ؟ وَوجه ذَلِك مَا ذَكرْنَاهُ، وَقد قَالَ النَّوَوِيّ: الْجيد أَن يُقَال: سمع ابْن مَسْعُود اللَّفْظَيْنِ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلكنه فِي وَقت حفظ أَحدهمَا وتيقنه وَلم يحفظ الآخر، فَرفع الْمَحْفُوظ وَضم الآخر إِلَيْهِ. وَفِي وَقت بِالْعَكْسِ، فَهَذَا جمع بَين روايتي ابْن مَسْعُود وموافقة(8/5)
لرِوَايَة غَيره فِي رفع اللَّفْظَيْنِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: من أَيْن علم ابْن مَسْعُود هَذَا الحكم؟ قلت: من حَيْثُ إِن انْتِفَاء السَّبَب يُوجب انْتِفَاء الْمُسَبّب، فَإِذا انْتَفَى الشّرك انْتَفَى دُخُول النَّار، وَإِذا انْتَفَى دُخُول النَّار يلْزم دُخُول الْجنَّة، إِذْ لَا ثَالِث لَهما، أَو مِمَّا قَالَ الله تَعَالَى: {إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ} (النِّسَاء: 84) . الْآيَة وَنَحْوه.
2 - (بابُ الأمْرِ بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِاتِّبَاع الْجَنَائِز، وَإِنَّمَا لم يبين حكم هَذَا الْأَمر لِأَن قَوْله: (أمرنَا) ، أَعم من أَن يكون للْوُجُوب أَو للنَّدْب، وَيَجِيء الْكَلَام فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
9321 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنِ الأشْعَثِ قَالَ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بنَ سُوَيْدٍ بنِ مُقْرِنٍ عنِ البَرَاءِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أمرَنا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسَبْعٍ ونَهَانَا عنْ سَبْعٍ أمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ وَعِيَادَةِ المَرِيضِ وَإجَابَةِ الدَّاعِي وَنَصْرِ المَظْلُومِ وَإبْرَارِ القَسَمِ وَرَدِّ السَّلاَمِ وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ ونَهَانَا عنْ آنِيَةِ الفِضَّةِ وَخَاتَمِ الذَّهَبِ والحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ والقَسيِّ وَالإسْتَبْرَقِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أمرنَا بِاتِّبَاع الْجَنَائِز) .
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وَقد تكَرر ذكره. الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج. الثَّالِث: الْأَشْعَث، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَفِي آخِره ثاء مُثَلّثَة: ابْن سليم بن الْأسود الْمحَاربي، وسليم يكنى أَبَا الشعْثَاء، مَاتَ سنة خمس وَعشْرين وَمِائَة، مر فِي: بَاب التَّيَمُّن فِي الْوضُوء. الرَّابِع: مُعَاوِيَة بن سُوَيْد، بِضَم السِّين الْمُهْملَة: ابْن مقرن، بِضَم الْمِيم وَفتح الْقَاف وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة وَفِي آخِره نون. الْخَامِس: الْبَراء بن عَازِب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: السماع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي وَشعْبَة واسطي والأشعث وَمُعَاوِيَة كوفيان. وَفِيه: أحدهم مكنى وَاثْنَانِ مذكوران مجردين عَن النِّسْبَة وَآخر مَذْكُور باسم أَبِيه وجده. وَفِيه: عَن الْبَراء بن عَازِب فَسَمعته يَقُول. . فَذكر الحَدِيث.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ فِي عشرَة مَوَاضِع: هُنَا عَن أبي الْوَلِيد، وَفِي الْمَظَالِم عَن سعيد ابْن الرّبيع، وَفِي اللبَاس عَن آدم وَعَن قبيصَة وَعَن مُحَمَّد بن مقَاتل، وَفِي الطِّبّ عَن حَفْص بن عمر، وَفِي الْأَدَب عَن سُلَيْمَان بن حَرْب، وَفِي النذور عَن بنْدَار وَعَن قبيصَة، وَفِي النِّكَاح عَن الْحسن بن الرّبيع، وَفِي الاسْتِئْذَان عَن قُتَيْبَة، وَفِي الْأَشْرِبَة عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَطْعِمَة عَن يحيى بن يحيى وَأحمد بن يُونُس وَعَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي وَعَن أبي بكر ابْن أبي شيبَة وَعَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَعَن أبي كريب وَعَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار وَعَن عبد الله بن معَاذ وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن عبد الرَّحْمَن بن بشر، وَعَن إِسْحَاق عَن يحيى وَعَمْرو بن مُحَمَّد. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان عَن بنْدَار عَن غنْدر، وَفِي اللبَاس عَن عَليّ بن حجر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن سُلَيْمَان بن مَنْصُور وهناد بن السّري، وَفِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار، وَفِي الزِّينَة عَن مَحْمُود بن غيلَان. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْكَفَّارَات عَن عَليّ بن مُحَمَّد مُخْتَصرا، وَفِي اللبَاس عَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِبَعْضِه.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (بِسبع) : بسبعة أَشْيَاء. قَوْله: (بِاتِّبَاع الْجَنَائِز) : الِاتِّبَاع افتعال من اتبعت الْقَوْم إِذا مشيت خَلفهم، أَو مروا بك فمضيت مَعَهم، وَكَذَلِكَ تبِعت الْقَوْم بِالْكَسْرِ تبعا وتباعة، وَاتِّبَاع الْجِنَازَة: الْمُضِيّ مَعهَا. قَوْله: (وعيادة الْمَرِيض) من عدت الْمَرِيض أعوده عِيَادَة إِذا زرته وَسَأَلت عَن حَاله، وَعَاد إِلَى فلَان يعود عودة وعودا إِذا رَجَعَ، وَفِي الْمثل: الْعود أَحْمد، وأصل عِيَادَة: عوادة، قلبت الْوَاو يَاء لكسرة مَا قبلهَا طلبا للخفة. قَوْله: (وَإجَابَة الدَّاعِي) الْإِجَابَة مصدر، وَالِاسْم الجابة بِمَنْزِلَة الطَّاعَة، تَقول مِنْهُ: أَجَابَهُ وَأجَاب عَن سُؤَاله، والاستجابة بِمَعْنى الْإِجَابَة، وأصل إِجَابَة أجوابا، حذفت الْوَاو وعوضت عَنْهَا التَّاء لِأَن أَصله أجوف واوي، وَمِنْه الْجَواب، والداعي من: دَعَا يَدْعُو دَعْوَة، والدعوة بِالْفَتْح إِلَى الطَّعَام، وبالكسر(8/6)
فِي النّسَب، وبالضم فِي الْحَرْب. يُقَال: دَعَوْت الله لَهُ وَعَلِيهِ دُعَاء و: الدعْوَة الْمرة الْوَاحِدَة، وأصل: دُعَاء دَعَا وإلاَّ أَن الْوَاو لما جَاءَت بعد الْألف همزت. قَوْله: (وإبرار الْقسم) ، الإبرار، بِكَسْر الْهمزَة إفعال من الْبر، خلاف الْحِنْث، يُقَال: أبر الْقسم إِذا صدقه، ويروى: (إبرار الْمقسم) ، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْقَاف وَكسر السِّين، قيل: هُوَ تَصْدِيق من أقسم عَلَيْك، وَهُوَ أَن يفعل مَا سَأَلَهُ الملتمس. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: يُقَال: الْمقسم الْحَالِف، وَيكون الْمَعْنى أَنه: لَو حلف أحد على أَمر يسْتَقْبل وَأَنت تقدر على تَصْدِيق يَمِينه كَمَا لَو أقسم أَن لَا يفارقك حَتَّى تفعل كَذَا وَأَنت تَسْتَطِيع فعله فافعل كَيْلا يَحْنَث فِي يَمِينه. قَوْله: (وتشميت الْعَاطِس) تشميت الْعَاطِس دُعَاء، وكل دَاع لأحد بِخَير فَهُوَ مشمت، وَيُقَال أَيْضا بِالسِّين الْمُهْملَة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: التشميت بالشين وَالسِّين: الدُّعَاء بِالْخَيرِ وَالْبركَة، والمعجمة أعلاهما، يُقَال: شمت فلَانا وشمت عَلَيْهِ تشميتا، فَهُوَ مشمت، واشتقاقه من الشوامت، وَهِي القوائم، كَأَنَّهُ دُعَاء للعاطس بالثبات على طَاعَة الله، عز وَجل، وَقيل: مَعْنَاهُ: أبعدك الله عَن الشماتة وجنبك مَا يشمت بِهِ عَلَيْك، والشماتة فَرح الْعَدو ببلية تنزل بِمن يعاديه، يُقَال: شمت بِهِ يشمت فَهُوَ شامت وأشمته غَيره. قَوْله: (ونهانا عَن سبع: آنِية الْفضة) أَي: نَهَانَا عَن سَبْعَة أَشْيَاء، وَلم يذكر البُخَارِيّ فِي المنهيات إلاَّ سِتَّة، قَالَ بَعضهم: إِمَّا سَهْو من المُصَنّف أَو من شَيْخه. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَبُو الْوَلِيد اختصر الحَدِيث أَو نَسيَه؟ قلت: حمل التّرْك على النَّاسِخ أولى من نسبته إِلَى البُخَارِيّ أَو شَيْخه، وَمَعَ هَذَا ذكر البُخَارِيّ فِي: بَاب خَوَاتِيم الذَّهَب، عَن آدم عَن شُعْبَة. . إِلَى آخِره. وَذكر السَّابِع، وَهُوَ: المثيرة الْحَمْرَاء، وَسَنذكر مَا قيل فِيهَا فِي مَوْضِعه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (آنِية الْفضة) يجوز فِيهِ الرّفْع والجر، أما الرّفْع فعلى أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: أَحدهَا آنِية الْفضة، وَأما الْجَرّ فعلى أَنه بدل من: سبع. قَوْله: (وَالْحَرِير) ، يتَنَاوَل الثَّلَاثَة الَّتِي بعده فَيكون وَجه عطفها عَلَيْهِ لبَيَان الاهتمام بِحكم ذكر الْخَاص بعد الْعَام، أَو لدفع وهم أَن تَخْصِيصه باسم مُسْتَقل لَا يُنَافِي، دُخُوله تَحت حكم الْعَام، أَو الْإِشْعَار بِأَن هَذِه الثَّلَاثَة غير الْحَرِير، نظرا إِلَى الْعرف. وَكَونهَا ذَوَات أَسمَاء مُخْتَلفَة يكون مقتضيا لاخْتِلَاف مسمياتها. قَوْله: (وَخَاتم الذَّهَب) ، الْخَاتم والخاتم بِكَسْر التَّاء وَفتحهَا، والخيتام والخاتام كُله بِمَعْنى، وَالْجمع: الخواتيم. قَوْله: (والديباج) ، بِكَسْر الدَّال: فَارسي مُعرب، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الديباج الثِّيَاب المتخذة من الإبريسم، وَقد تفتح داله. وَيجمع على: دباييج ودبابيج بِالْيَاءِ وبالباء، لِأَن أَصله: دباج. قَوْله: (والقسي) ، بِفَتْح الْقَاف وَكسر السِّين الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة. قَالَ ابْن الْأَثِير: هُوَ ثِيَاب من كتَّان مخلوط بحرير يُؤْتى بهَا من مصر، نسبت إِلَى قَرْيَة على سَاحل الْبَحْر قَرِيبا مِمَّن تنيس يُقَال لَهَا: القس، بِفَتْح الْقَاف، وَبَعض أهل الحَدِيث يكسرها، وَقيل: أصل القسي القزي، بالزاي، مَنْسُوب إِلَى القز، وَهُوَ ضرب من الإبريسم، وأبدل من الزَّاي سينا. وَقيل: هُوَ مَنْسُوب إِلَى القس وَهُوَ الصقيع لبياضه. قلت: القس وتنيس وفرما كَانَت مدنا على سَاحل بَحر دمياط غلب عَلَيْهَا الْبَحْر فاندثرت، فَكَانَت يخرج مِنْهَا ثِيَاب مفتخرة ويتاجر بهَا فِي الْبِلَاد. قَوْله: (والاستبرق) بِكَسْر الْهمزَة: ثخين الديباج على الْأَشْهر. وَقيل: رَقِيقه، وَقَالَ النَّسَفِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيلبسُونَ من سندس واستبرق} (الدُّخان: 35) . السندس مَا رق من الْحَرِير، والديباج والاستبرق مَا غلظ مِنْهُ، وَهُوَ تعريب إستبرك، وَإِذا عرب خرج من أَن يكون عجميا، لِأَن معنى التعريب أَن يَجْعَل عَرَبيا بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ وتغيير عَن منهاجه وإجرائه على أوجه الْإِعْرَاب.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ على أوجه:
الأول: فِي اتِّبَاع الْجَنَائِز وَالْمَشْي مَعهَا إِلَى حِين دَفنهَا بعد الصَّلَاة عَلَيْهَا. أما الصَّلَاة فَهِيَ من فروض الْكِفَايَة عِنْد جُمْهُور الْعلمَاء، وَقَالَ إصبغ: الصَّلَاة على الْمَيِّت سنة، وَقَالَ الدَّاودِيّ: اتِّبَاع الْجَنَائِز حملهَا بعض النَّاس عَن بعض. قَالَ: وَهُوَ وَاجِب على ذِي الْقَرَابَة الْحَاضِر وَالْجَار، وَيَرَاهُ للتأكد لَا الْوُجُوب الْحَقِيقِيّ. ثمَّ الِاتِّبَاع على ثَلَاثَة أَقسَام: أَن يُصَلِّي فَقَط، فَلهُ قِيرَاط. الثَّانِي: أَن يذهب فَيشْهد دَفنهَا، فَلهُ قيراطان. وَثَالِثهَا: أَن يلقنه. قلت: التَّلْقِين عندنَا عِنْد الإحتضار، وَقد عرف فِي الْفُرُوع، وَكَذَا الْمَشْي عندنَا خلف الْجِنَازَة أفضل، وَفِي (التَّوْضِيح) : وَالْمَشْي عندنَا أمامها بقربها أفضل من الإتباع، وَبِه قَالَ أَحْمد، لِأَنَّهُ شَفِيع. وَعند الْمَالِكِيَّة ثَلَاثَة أَقْوَال، ومشهور مذهبم كمذهبنا. قلت: احتجت الشَّافِعِيَّة فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِحَدِيث أخرجه الْأَرْبَعَة: عَن عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا القعْنبِي حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ (عَن سَالم عَن أَبِيه قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر وَعمر يَمْشُونَ أَمَام الْجِنَازَة) . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة وَأحمد بن منيع وَإِسْحَاق بن مَنْصُور ومحمود بن غيلَان، قَالُوا: حَدثنَا سُفْيَان بن(8/7)
عُيَيْنَة. . إِلَى آخِره نَحوه، وَقَالَ النَّسَائِيّ: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعلي بن حجر وقتيبة بن سعيد عَن سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ (عَن سَالم عَن أَبِيه أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. .) إِلَى آخِره نَحوه، وَقَالَ ابْن مَاجَه: حَدثنَا عَليّ بن مُحَمَّد وَهِشَام بن عمار وَسَهل ابْن أبي سهل قَالُوا: حَدثنَا سُفْيَان. . إِلَى آخِره نَحْو رِوَايَة أبي دَاوُد، وَبِه قَالَ الْقَاسِم وَسَالم بن عبد الله وَالزهْرِيّ وَشُرَيْح وخارجة بن زيد وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة وعلقمة وَالْأسود وَعَطَاء، وَمَالك وَأحمد، ويحكى ذَلِك عَن أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعبد الله بن عمر وَأبي هُرَيْرَة وَالْحسن بن عَليّ وَابْن الزبير وَأبي قَتَادَة وَأبي أسيد.
ذهب إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وسُويد بن غَفلَة ومسروق وَأَبُو قلَابَة وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَإِسْحَاق وَأهل الظَّاهِر إِلَى أَن الْمَشْي خلف الْجِنَازَة أفضل، ويروى ذَلِك عَن عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الله بن مَسْعُود وَأبي الدَّرْدَاء وَأبي أُمَامَة وَعمر بن الْعَاصِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. قَالَ: حَدثنَا هَارُون بن عبد الله حَدثنَا عبد الصَّمد وَحدثنَا ابْن الْمثنى حَدثنَا أَبُو دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا حَرْب يَعْنِي: ابْن شَدَّاد حَدثنِي يحيى حَدثنِي نَاب بن عُمَيْر حَدثنِي رجل من أهل الْمَدِينَة عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (لَا تتبع الْجِنَازَة بِصَوْت وَلَا نَار) ، وَزَاد هَارُون: (وَلَا يمشي بَين يَديهَا) ، وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِحَدِيث سهل بن سعد: (أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يمشي خلف الْجِنَازَة) . رَوَاهُ ابْن عدي فِي (الْكَامِل) وَبِحَدِيث أبي أُمَامَة قَالَ: (سَأَلَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: الْمَشْي خلف الْجِنَازَة أفضل أم أمامها؟ فَقَالَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: وَالَّذِي بعث مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ إِن فضل الْمَاضِي خلفهَا على الْمَاشِي أمامها كفضل الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة على التَّطَوُّع، فَقَالَ لَهُ أَبُو سعيد: أبرأيك تَقول أم بِشَيْء سمعته من النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَغَضب، وَقَالَ: لَا وَالله، بل سمعته غير مرّة وَلَا اثْنَتَيْنِ وَلَا ثَلَاث حَتَّى سبعا. فَقَالَ أَبُو سعيد: إِنِّي رَأَيْت أَبَا بكر وَعمر يمشيان أمامها؟ فَقَالَ عَليّ: يغْفر الله لَهما، لقد سمعا ذَلِك من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَمَا سمعته وإنهما وَالله لخير هَذِه الْأمة ولكنهما كرها أَن يجْتَمع النَّاس ويتضايقوا فأحبا أَن يسهلا على النَّاس) . رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) وروى عبد الرَّزَّاق أَيْضا: أخبرنَا معمر (عَن ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه قَالَ: مَا مَشى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى مَاتَ إلاَّ خلف الْجِنَازَة) . وروى ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا عِيسَى بن يُونُس عَن ثَوْر عَن شُرَيْح عَن مَسْرُوق، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن لكل أمة قرباناا، وَإِن قرْبَان هَذِه الْأمة موتاها، فاجعلوا مَوْتَاكُم بَين أَيْدِيكُم) . وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عبيد الله بن كَعْب بن مَالك، قَالَ: (جَاءَ ثَابت بن قيس بن شماس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن أمه توفيت وَهِي نَصْرَانِيَّة وَهُوَ يحب أَن يحضرها، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إركب دابتك وسر أمامها فَإنَّك إِذا كنت أمامها لم تكن مَعهَا) . وروى ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا عبد الله أخبرنَا إِسْرَائِيل عَن عبيد الله بن الْمُخْتَار عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة حَدثنَا أَبُو كريب أَو أَبُو حَرْب (عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ: أَن أَبَاهُ قَالَ لَهُ: كن خلف الْجِنَازَة فَإِن مقدمها للْمَلَائكَة ومؤخرها لبني آدم) . فَإِن قَالُوا: فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَجْهُولَانِ، وَفِي حَدِيث سهل بن سعد، قَالَ ابْن قطان: لَا يعرف من هُوَ، وَفِيه: يحيى بن سعيد الْحِمصِي، قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء وَفِي حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مطرح بن يزِيد، ضعفه ابْن معِين، وَفِيه: عبيد الله بن زجر، قَالَ ابْن حبَان: مُنكر الحَدِيث جدا، وَأثر طَاوُوس مُرْسل، وَفِي حَدِيث كَعْب بن مَالك: أَبُو معشر، ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ. قُلْنَا: إِذا سلمنَا ضعف الْأَحَادِيث الَّتِي تكلم فِيهَا فَإِنَّهَا تتقوى وتشتد فتصلح للاحتجاج، مَعَ أَن لنا حَدِيثا فِيهِ رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من اتبع جَنَازَة مُسلم إِيمَانًا واحتسابا وَكَانَ مَعهَا حَتَّى يُصَلِّي عَلَيْهَا ويفرغ من دَفنهَا فَإِنَّهُ يرجع من الْأجر بقيراطين) ، والاتباع لَا يكون إلاَّ إِذا مَشى خلفهَا. فَدلَّ ذَلِك على أَن الْجِنَازَة متبوعة. وَقد جَاءَ هَذَا اللَّفْظ صَرِيحًا فِي حَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا: (الْجِنَازَة متبوعة وَلَا تتبع، وَلَيْسَ مَعهَا من تقدمها) ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو يعلى وَابْن أبي شيبَة. وَأما أثر طَاوُوس فَإِنَّهُ، وَإِن كَانَ مُرْسلا فَهُوَ حجَّة عندنَا، وحديثهم الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ، وَهُوَ حَدِيث ابْن عمر، قد اخْتلف فِيهِ أَئِمَّة الحَدِيث بِحَسب الصِّحَّة والضعف، وَقد رُوِيَ مُتَّصِلا ومرسلاً، فَذهب ابْن الْمُبَارك إِلَى تَرْجِيح الرِّوَايَة الْمُرْسلَة على الْمُتَّصِلَة مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره عَنهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ بعد تَخْرِيجه للرواية الْمُتَّصِلَة: هَذَا خطأ، وَالصَّوَاب مُرْسل. وَقد طول شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله، فِي هَذَا الْموضع نصْرَة لمذهبه، وَمَعَ هَذَا كُله فقد قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَأهل الحَدِيث كلهم يرَوْنَ أَن الحَدِيث الْمُرْسل فِي ذَلِك أصح. فَإِن قلت:(8/8)
روى التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا مُحَمَّد بن بكر حَدثنَا يُونُس بن يزِيد عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس بن مَالك: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يمشي أَمَام الْجِنَازَة وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم) قلت: قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هَذَا خطأ، فِيهِ مُحَمَّد بن بكر، وَإِنَّمَا يروي هَذَا يُونُس عَن الزُّهْرِيّ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر وَعمر كَانُوا يَمْشُونَ أَمَام الْجِنَازَة، فَإِذا صَحَّ الْأَمر على ذَلِك فَلَا يبْقى لَهُم حجَّة فِيهِ، لِأَن الْمُرْسل لَيْسَ بِحجَّة عِنْدهم.
الْوَجْه الثَّانِي: فِي عِيَادَة الْمَرِيض، هِيَ سنة. وَقيل: وَاجِبَة، بِظَاهِر حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْآتِي، وَقد رُوِيَ فِي ذَلِك عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وهم: أَبُو مُوسَى وثوبان وَأَبُو هُرَيْرَة وَعلي بن أبي طَالب وَأَبُو أُمَامَة وَجَابِر بن عبد الله وَجَابِر ابْن عتِيك وَأَبُو مَسْعُود وَأَبُو سعيد وَعبد الله بن عمر وَأنس وَأُسَامَة بن زيد وَزيد بن أَرقم وَسعد بن أبي وَقاص وَابْن عَبَّاس وَابْن عَمْرو وَأَبُو أَيُّوب وَعُثْمَان وكعت بن مَالك وَعبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن أَبِيه عَن جده وَعمر بن الْخطاب وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح وَالْمُسَيب بن حزن وسلمان وَعُثْمَان بن أبي الْعَاصِ وعَوْف بن مَالك وَأَبُو الدَّرْدَاء وَصَفوَان بن عَسَّال ومعاذ بن جبل وَجبير بن مطعم وَعَائِشَة وَفَاطِمَة الْخُزَاعِيَّة وَأم سليم وَأم الْعَلَاء. فَحَدِيث: أبي مُوسَى عِنْد البُخَارِيّ: (عودوا الْمَرِيض وأطعموا الجائع وفكوا العاني) . وَحَدِيث ثَوْبَان عِنْد مُسلم: (إِن الْمُسلم إِذا عَاد أَخَاهُ الْمُسلم لم يزل فِي خرفة الْجنَّة حَتَّى يرجع، قيل: يَا رَسُول الله! وَمَا خرفة الْجنَّة؟ قَالَ: جناها) . وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد البُخَارِيّ يَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَحَدِيث عَليّ بن أبي طَالب عِنْد التِّرْمِذِيّ: (مَا من مُسلم يعود مُسلما إلاَّ يبْعَث الله سبعين ألف ملك يصلونَ عَلَيْهِ، أَي: سَاعَة من النَّهَار كَانَت، حَتَّى يُمْسِي، وَأي سَاعَة من اللَّيْل كَانَت حَتَّى يصبح) . وَحَدِيث أبي أُمَامَة عِنْد أَحْمد: (من تَمام عِيَادَة الْمَرِيض أَن يضع أحدكُم يَده على جَبهته أَو يَده ويسأله كَيفَ هُوَ؟) . وَحَدِيث جَابر بن عبد الله عِنْد أَحْمد أَيْضا: (من عَاد مَرِيضا لم يزل يَخُوض فِي الرَّحْمَة حَتَّى يجلس فَإِذا جلس اغتمس فِيهَا) . وَحَدِيث جَابر بن عتِيك عِنْد أبي دَاوُد: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَاد عبد الله بن ثَابت. .) الحَدِيث مطولا. وَحَدِيث أبي مَسْعُود عِنْد الْحَاكِم: (للْمُسلمِ على الْمُسلم أَربع خلال: يشمته إِذا عطس، ويجيبه إِذا دَعَاهُ، ويشهده إِذا مَاتَ، ويعوده إِذا مرض) . وَحَدِيث أبي سعيد عِنْد ابْن حبَان: (عودوا الْمَرِيض وَاتبعُوا الْجَنَائِز) . وَحَدِيث عبد الله بن عمر عِنْد مُسلم: (من يعود مِنْكُم سعد بن عبَادَة؟ فَقَامَ، وقمنا مَعَه وَنحن بضعَة عشرَة) . وَحَدِيث أنس عِنْد البُخَارِيّ (عَاد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غُلَاما يَهُودِيّا كَانَ يَخْدمه) . وَحَدِيث أُسَامَة ابْن زيد عِنْد الْحَاكِم قَالَ: (خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعود عبد الله بن أبيَّ فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ) . وَحَدِيث زيد ابْن أَرقم (عادني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وجع كَانَ بعيني) وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح على شَرطهمَا. وَحَدِيث سعد ابْن أبي وَقاص عِنْد الْحَاكِم، قَالَ: (اشتكيت بِمَكَّة فَجَاءَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعودنِي، وَوضع يَده على جبهتي) . وَحَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد الْحَاكِم أَيْضا: (من عَاد أَخَاهُ الْمُسلم فَقعدَ عِنْد رَأسه. .) الحَدِيث، وَقَالَ: صَحِيح على شَرط البُخَارِيّ. وَحَدِيث ابْن عَمْرو عِنْده أَيْضا: (إِذا عَاد أحدكُم مَرِيضا فَلْيقل: اللَّهُمَّ إشف عَبدك) ، وَقَالَ: صَحِيح على شَرط مُسلم. وَحَدِيث أبي أَيُّوب عِنْد ابْن أبي الدُّنْيَا، قَالَ: (عَاد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا من الْأَنْصَار، فأكب عَلَيْهِ يسْأَله قَالَ: يَا رَسُول الله مَا غمضت مُنْذُ سبع لَيَال، وَلَا أحد يحضرني؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي أخي إصبر تخرج من ذنوبك كَمَا دخلت فِيهَا) وَحَدِيث عُثْمَان عِنْد قَالَ: دخل عَليّ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يعودنِي وَأَنا مَرِيض، فَقَالَ: أُعِيذك بِاللَّه الْأَحَد الصَّمد) الحَدِيث، وَسَنَده جيد. وَحَدِيث كَعْب بن مَالك عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) : (من عَاد مَرِيضا خَاضَ فِي الرَّحْمَة فَإِذا جلس استنقع فِيهَا) . وَحَدِيث عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن أَبِيه عَن جده عِنْد الطَّبَرَانِيّ أَيْضا: (من عَاد مَرِيضا فَلَا يزَال فِي الرَّحْمَة حَتَّى إِذا قعد عِنْده استنقع فِيهَا، ثمَّ إِذا خرج من عِنْده فَلَا يزَال يَخُوض فِيهَا حَتَّى يروح من حَيْثُ خرج) . وَحَدِيث عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عِنْد ابْن مرْدَوَيْه: (قَالَ: يَا رَسُول الله؟ مَا لنا من الْأجر فِي عِيَادَة الْمَرِيض؟ فَقَالَ: أَن العَبْد إِذا عَاد الْمَرِيض خَاضَ فِي الرَّحْمَة إِلَى حقوه) . وَحَدِيث أبي(8/9)
عُبَيْدَة بن الْجراح، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عِنْد ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من عَاد مَرِيضا أَو أماط أَذَى من الطَّرِيق فحسنته بِعشر أَمْثَالهَا) . وَحَدِيث الْمسيب بن حزن. وَحَدِيث سلمَان عِنْد الطَّبَرَانِيّ قَالَ: (دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعودنِي فَلَمَّا أَرَادَ أَن يخرج قَالَ: يَا سلمَان كشف الله ضرك وَغفر ذَنْبك وعافاك فِي دينك وجسدك إِلَى أَجلك. وَحَدِيث عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ عِنْد الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) : (جَاءَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعودنِي من وجع اشْتَدَّ بِي. .) . وَحَدِيث عَوْف بن مَالك عِنْد الطَّبَرَانِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قَالَ: عودوا الْمَرِيض وَاتبعُوا الْجِنَازَة) . وَحَدِيث أبي الدَّرْدَاء عِنْد الطَّبَرَانِيّ أَيْضا: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الرجل إِذا خرج يعود أَخَاهُ مُؤمنا خَاضَ فِي الرَّحْمَة إِلَى حقْوَيْهِ، فَإِذا جلس عِنْد الْمَرِيض فَاسْتَوَى جَالِسا غمرته الرَّحْمَة) . وَحَدِيث صَفْوَان بن عَسَّال عِنْد الطَّبَرَانِيّ أَيْضا قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من زار أَخَاهُ الْمُؤمن خَاضَ فِي الرَّحْمَة حَتَّى يرجع، وَمن زار أَخَاهُ الْمُؤمن خَاضَ فِي رياض الْجنَّة حَتَّى يرجع) . وَحَدِيث معَاذ بن جبل عِنْد الطَّبَرَانِيّ أَيْضا قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (خمس من فعل وَاحِدَة مِنْهُنَّ كَانَ ضَامِنا على الله تَعَالَى، من عَاد مَرِيضا أَو خرج مَعَ جَنَازَة أَو خرج غازيا أَو دخل على إِمَامه يُرِيد تعزيزه وتوقيره، أَو قعد فِي بَيته فَسلم النَّاس مِنْهُ وَسلم من النَّاس) . وَحَدِيث جُبَير بن مطعم عِنْده أَيْضا قَالَ: (رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَاد سعيد بن الْعَاصِ، فَرَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يكمده بِخرقَة) . وَحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، عِنْد سيف فِي (كتاب الرِّدَّة) قَالَت: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (العيادة سنة عودوا غبا، فَإِن أُغمي على مَرِيض فحتى يفِيق) . وَحَدِيث فَاطِمَة الْخُزَاعِيَّة عِنْد ابْن أبي الدُّنْيَا قَالَت: (عَاد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، امْرَأَة من الْأَنْصَار فَقَالَ: كَيفَ تجدك؟ قَالَت: بِخَير يَا رَسُول الله. .) الحَدِيث. وَحَدِيث أم سليم عِنْد ابْن أبي الدُّنْيَا أَيْضا فِي (كتاب المرضى وَالْكَفَّارَات) قَالَت: (مَرضت فعادني رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: يَا أم سليم أتعرفين النَّار والْحَدِيث وخبث الْحَدِيد؟ قلت: نعم يَا رَسُول الله. قَالَ: فأبشري يَا أم سليم، فَإنَّك إِن تخلصي من وجعك هَذَا تخلصي مِنْهُ كَمَا يخلص الْحَدِيد من النَّار من خبثه) . وَحَدِيث أم الْعَلَاء عِنْد أبي دَاوُد قَالَت: (عادني رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَنا مَرِيضَة) الحَدِيث.
الْوَجْه الثَّالِث: فِي إِجَابَة الدَّاعِي، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: (إِن من حق الْمُسلم على الْمُسلم أَن يجِيبه إِذا دَعَاهُ) ، وَفِي (التَّوْضِيح) : إِن كَانَت إِجَابَة الدَّاعِي إِلَى نِكَاح فجمهور الْعلمَاء على الْوُجُوب، قَالُوا: وَالْأكل وَاجِب على الصَّائِم، وَعِنْدنَا مُسْتَحبّ. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: إِذا دَعَا الْمُسلم الْمُسلم إِلَى الضِّيَافَة والمعاونة وَجب عَلَيْهِ طَاعَته إِذا لم يكن ثمَّ يتَضَرَّر بِدِينِهِ من الملاهي ومفارش الْحَرِير. وَقَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث: إِذا دعيت إِلَى وَلِيمَة فَإِن لم يكن مَاله حَرَامًا وَلم يكن فِيهَا فسق فَلَا بَأْس بالإجابة، وَإِن كَانَ مَاله حَرَامًا فَلَا يُجيب، وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ فَاسِقًا مُعْلنا فَلَا يجِيبه ليعلم أَنَّك غير رَاض بِفِسْقِهِ، وَإِذا أتيت وَلِيمَة فِيهَا مُنكر عَن ذَلِك فَإِن لم ينْتَهوا عَن ذَلِك فَارْجِع لِأَنَّك إِن جالستهم ظنُّوا أَنَّك راضٍ بفعلهم، وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (من تشبه بِقوم فَهُوَ مِنْهُم) ، وَقَالَ بَعضهم: إِجَابَة الدعْوَة وَاجِبَة لَا يسع تَركهَا، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (من لم يجب الدعْوَة فقد عصى أَبَا الْقَاسِم) . وَقَالَ عَامَّة الْعلمَاء: لَيست بواجبة وَلكنهَا سنة، وَالْأَفْضَل أَن يُجيب إِذا كَانَت وَلِيمَة يدعى فِيهَا الْغَنِيّ وَالْفَقِير، وَإِذا دعيت إِلَى وَلِيمَة وَأَنت صَائِم فَأخْبرهُ بذلك، فَإِن قَالَ: لَا بُد لَك من الْحُضُور فأجبه، فَإِذا دخلت الْمنزل فَإِن كَانَ صومك تَطَوّعا وَتعلم أَنه لَا يشق عَلَيْهِ ذَلِك لَا تفطر، وَإِن علمت أَنه يشق عَلَيْهِ امتناعك من الطَّعَام فَإِن شِئْت فَأفْطر واقض يَوْمًا مَكَانَهُ، وَإِن شِئْت فَلَا تفطر، والإفطار أفضل لِأَن فِيهِ إِدْخَال السرُور على الْمُؤمن.
الْوَجْه الرَّابِع: فِي نصر الْمَظْلُوم، وَهُوَ فرض على من قدر عَلَيْهِ، ويطاع أمره، وَعَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أنْصر أَخَاك ظَالِما أَو مَظْلُوما، فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله أنصره إِن كَانَ مَظْلُوما، أَفَرَأَيْت إِن كَانَ ظَالِما كَيفَ أنصره؟ قَالَ: تحجزه أَو تَمنعهُ عَن الظُّلم فَإِن ذَلِك نَصره) . رَوَاهُ البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(8/10)
قَالَ: ولينصر الرجل أَخَاهُ ظَالِما أَو مَظْلُوما، إِن كَانَ ظَالِما فلينهه فَإِنَّهُ لَهُ نصْرَة، وَإِن كَانَ مَظْلُوما فلينصره) . وَعَن سهل ابْن معَاذ بن أنس الْجُهَنِيّ عَن أَبِيه عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (قَالَ من حمى مُؤمنا عَن مُنَافِق، إراه قَالَ: بعث الله ملكا يحمي لَحْمه يَوْم الْقِيَامَة من نَار جَهَنَّم) ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لأنتقمن من الظَّالِم فِي عاجله وآجله، ولأنتقمن من رأى مَظْلُوما فَقدر أَن ينصره فَلم يفعل) . رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ بن حبَان فِي (كتاب التوبيخ) .
الْوَجْه الْخَامِس: فِي إبرار الْقسم، وَهُوَ خَاص فِيمَا يحل وَهُوَ من مَكَارِم الْأَخْلَاق، فَإِن ترَتّب على تَركه مصلحَة فَلَا، وَلِهَذَا قَالَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي قصَّة تَعْبِير الرُّؤْيَا: (لَا تقسم، حِين قَالَ: أَقْسَمت عَلَيْك يَا رَسُول الله لتخبرني بِالَّذِي أصبت) .
الْوَجْه السَّادِس: فِي رد السَّلَام، هُوَ فرض على الْكِفَايَة. وَفِي (التَّوْضِيح) : رد السَّلَام فرض على الْكِفَايَة عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَعند الْكُوفِيّين فرض عين كل وَاحِد من الْجَمَاعَة. وَقَالَ صَاحب (المعونة) : الِابْتِدَاء بِالسَّلَامِ سنة ورده آكِد من ابْتِدَائه، وَأقله: السَّلَام عَلَيْكُم. قلت: قَالَ أَصْحَابنَا: رد السَّلَام فَرِيضَة على كل من سمع السَّلَام، إِذا قَامَ بِهِ الْبَعْض سقط عَن البَاقِينَ، وَالتَّسْلِيم سنة وَالرَّدّ فَرِيضَة، وثواب الْمُسلم أَكثر، وَلَا يَصح الرَّد حَتَّى يسمعهُ الْمُسلم إلاَّ أَن يكون أَصمّ فَيَنْبَغِي أَن يرد عَلَيْهِ بتحريك شَفَتَيْه، وَكَذَلِكَ: تشميت الْعَاطِس، وَلَو سلم على جمَاعَة وَفِيهِمْ صبي فَرد الصَّبِي إِن كَانَ لَا يعقل لَا يَصح، وَإِن كَانَ يعقل هَل يَصح؟ فِيهِ اخْتِلَاف، وَيجب على الْمَرْأَة رد سَلام الرجل وَلَا ترفع صَوتهَا لِأَن صَوتهَا عَورَة، وَإِن سلمت عَلَيْهِ فَإِن كَانَت عجوزا رد عَلَيْهَا، وَإِن كَانَت شَابة رد فِي نَفسه، وعَلى هَذَا التَّفْصِيل تشميت الرجل الْمَرْأَة وَبِالْعَكْسِ، وَلَا يجب رد سَلام السَّائِل، وَلَا يَنْبَغِي أَن يسلم على من يقْرَأ الْقُرْآن، فَإِن سلم عَلَيْهِ يجب الرَّد عَلَيْهِ.
الْوَجْه السَّابِع: فِي تشميت الْعَاطِس، وَهُوَ أَن يَقُول: يَرْحَمك الله، إِذا حمد الْعَاطِس، وَيرد الْعَاطِس بقوله: يهديكم الله وَيصْلح بالكم، وَرُوِيَ عَن الْأَوْزَاعِيّ أَن رجلا عطس بِحَضْرَتِهِ فَلم يحمد، فَقَالَ لَهُ: كَيفَ يَقُول إِذا عطست؟ قَالَ: الْحَمد لله، فَقَالَ لَهُ: يَرْحَمك الله، وَجَوَابه كِفَايَة، خلافًا لبَعض الْمَالِكِيَّة. قَالَ مَالك: وَمن عطس فِي الصَّلَاة حمد فِي نَفسه، وَخَالفهُ سَحْنُون فَقَالَ: وَلَا فِي نَفسه. وَقد ذكرنَا حكمه الْآن، وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ حكم السَّبْعَة الَّتِي أَمر بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَأما السَّبْعَة الَّتِي نَهَانَا عَنْهَا: فأولها: آنِية الْفضة، وَالنَّهْي فِيهِ تَحْرِيم، وَكَذَلِكَ الْآنِية الذَّهَب بل هِيَ أَشد، قَالَ أَصْحَابنَا: لَا يجوز اسْتِعْمَاله آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة للرِّجَال وَالنِّسَاء لما فِي حَدِيث حُذَيْفَة عِنْد الْجَمَاعَة: (وَلَا تشْربُوا فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا تَأْكُلُوا فِي صحافها. .) الحَدِيث. قَالُوا: وعَلى هَذَا: المجمرة والملعقة والمدهن والميل والمكحلة والمرآة وَنَحْو ذَلِك، فيستوي فِي ذَلِك الرِّجَال وَالنِّسَاء لعُمُوم النَّهْي، وَعَلِيهِ الْإِجْمَاع، وَيجوز الشّرْب فِي الْإِنَاء المفضض وَالْجُلُوس على السرير المفضض إِذا كَانَ يَتَّقِي مَوضِع الْفضة، أَي: يَتَّقِي فَمه ذَلِك، وَقيل: يَتَّقِي أَخذه بِالْيَدِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُف: يكره. وَقَول مُحَمَّد مُضْطَرب، وَيجوز التجمل بالأواني من الذَّهَب وَالْفِضَّة بِشَرْط أَن لَا يُرِيد بِهِ التفاخر وَالتَّكَاثُر، لِأَن فِيهِ إِظْهَار نعم الله تَعَالَى.
الثَّانِي: خَاتم الذَّهَب فَإِنَّهُ حرَام على الرِّجَال، والْحَدِيث يدل عَلَيْهِ، وَمن النَّاس من أَبَاحَ التَّخَتُّم بِالذَّهَب لما روى الطَّحَاوِيّ فِي (شرح الْآثَار) بِإِسْنَادِهِ إِلَى مُحَمَّد بن مَالك، قَالَ: رَأَيْت على الْبَراء خَاتمًا من ذهب، فَقيل لَهُ: فَقَالَ: قسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فألبسنيه. وَقَالَ: (إلبس مَا كساك الله، عز وَجل، وَرَسُوله) . وَالْجَوَاب عَنهُ أَن التَّرْجِيح للْمحرمِ وَمَا رُوِيَ من ذَلِك كَانَ قبل النَّهْي، وَأما التَّخَتُّم بِالْفِضَّةِ فَإِنَّهُ يجوز لما رُوِيَ (عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتخذ خَاتمًا من فضَّة لَهُ فص حبشِي وَنقش عَلَيْهِ: مُحَمَّد رَسُول الله) ، رَوَاهُ الْجَمَاعَة، وَالسّنة أَن يكون قدر مِثْقَال فَمَا دونه، والتختم سنة لمن يحْتَاج إِلَيْهِ كالسلطان وَالْقَاضِي وَمن فِي مَعْنَاهُمَا، وَمن لَا حَاجَة لَهُ إِلَيْهِ فَتَركه أفضل.
الثَّالِث: الْحَرِير وَهُوَ حرَام على الرِّجَال دون النِّسَاء لما روى أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ حَرِيرًا فَجعله فِي يَمِينه، وَأخذ ذَهَبا فَجعله فِي شِمَاله، ثمَّ قَالَ: إِن هذَيْن حرَام على ذُكُور أمتِي) ، زَاد ابْن مَاجَه: (حل لإناثهم) ، وَرُوِيَ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة أَنهم رووا حل الْحَرِير للنِّسَاء، وهم: عمر، فَحَدِيثه عِنْد الْبَزَّار وَأَبُو مُوسَى(8/11)
الْأَشْعَرِيّ، فَحَدِيثه عِنْد التِّرْمِذِيّ، وَعبد الله بن عَمْرو فَحَدِيثه عِنْد إِسْحَاق وَالْبَزَّار وَأبي يعلى. وَعبد الله بن عَبَّاس فَحَدِيثه عَن الْبَزَّار، وَزيد بن أَرقم فَحَدِيثه عِنْد ابْن أبي شيبَة وواثلة بن الْأَسْقَع فَحَدِيثه عِنْد الطَّبَرَانِيّ، وَعقبَة بن العامر الْجُهَنِيّ فَحَدِيثه عِنْد أبي سعيد بن يُونُس، فأحاديثهم خصت أَحَادِيث التَّحْرِيم على الْإِطْلَاق، وَقَالَ بَعضهم: حرَام على النِّسَاء وَالرِّجَال لعُمُوم النَّهْي.
الرَّابِع: الديباح.
وَالْخَامِس: القسي.
السَّادِس: الاستبرق، وكل هَذَا دَاخل فِي الْحَرِير، وَقد ذكرنَا أَن وَاحِدَة قد سَقَطت من المنهيات وَهِي: الميثرة الْحَمْرَاء، وسنذكرها فِي موضعهَا، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَقد سَأَلَ الْكرْمَانِي هَهُنَا بِمَا حَاصله: أَن الْأَمر فِي الْمَأْمُور بِهِ فِي بعضه للنَّدْب، وَفِي النَّهْي كَذَلِك بعضه للْحُرْمَة وَبَعضه لغَيْرهَا، فَهُوَ اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي معنييه الْحَقِيقِيّ والمجازي، وَذَلِكَ مُمْتَنع، وَأجَاب بِمَا حَاصله: أَن ذَلِك غير مُمْتَنع عِنْد الشَّافِعِي وَعند غَيره بِعُمُوم الْمجَاز، وَسَأَلَ أَيْضا بِأَن بعض هَذِه الْأَحْكَام عَام للرِّجَال وَالنِّسَاء: كآنية الْفضة، وَبَعضهَا خَاص كَحُرْمَةِ خَاتم الذَّهَب للرِّجَال، وَلَفظ الحَدِيث يَقْتَضِي التَّسَاوِي. وَأجَاب بِأَن التَّفْصِيل عُلِمَ من غير هَذَا الحَدِيث.
0421 - حدَّثنا مُحَمَّدٌ قَالَ حدَّثنا عَمْرُو بنُ أبِي سَلَمَةَ عنِ الأوزَاعِيِّ قَالَ أخبرَنِي ابنُ شِهَابٍ قَالَ أَخْبرنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلاَمِ وَعِيَادَةُ المَرِيضِ وَاتِّبَاع الجَنَائِزِ وَإجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَاتِّبَاع الْجَنَائِز) .
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد قَالَ الكلاباذي، روى البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد بن أبي سَلمَة غير مَنْسُوب فِي (كتاب الْجَنَائِز) : يُقَال إِنَّه مُحَمَّد بن يحيى الذهلي. وَقَالَ فِي (أَسمَاء رجال الصَّحِيحَيْنِ) : مُحَمَّد بن يحيى ابْن عبد الله بن خَالِد بن فَارس بن ذِئْب، أَبُو عبد الله الذهلي النَّيْسَابُورِي، روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي الصَّوْم والطب والجنائز وَالْعِتْق وَغير مَوضِع فِي قريب من ثَلَاثِينَ موضعا، وَلم يقل: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى الذهلي مُصَرحًا، وَيَقُول: حَدثنَا مُحَمَّد وَلَا يزِيد عَلَيْهِ، وَيَقُول: مُحَمَّد بن عبد الله ينْسبهُ إِلَى جده، وَيَقُول: مُحَمَّد بن خَالِد ينْسبهُ إِلَى جد أَبِيه، وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن البُخَارِيّ لما دخل نيسابور شغب عَلَيْهِ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فِي مَسْأَلَة خلق اللَّفْظ وَكَانَ قد سمع مِنْهُ فَلم يتْرك الرِّوَايَة عَنهُ وَلم يُصَرح باسمه مَاتَ مُحَمَّد بن يحيى بعد البُخَارِيّ بِيَسِير تَقْدِيره سنة سبع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: عَمْرو بن أبي سَلمَة، بِفَتْح اللَّام: أَبُو حَفْص التنيسِي، مَاتَ سنة ثِنْتَيْ عشرَة وَمِائَتَيْنِ. الثَّالِث: عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ. الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. الْخَامِس: سعيد بن الْمسيب. السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي موضِعين. وَفِيه: السماع. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ. وَفِيه: أَن شَيْخه مَذْكُور بِلَا نِسْبَة وَوَاحِد مَذْكُور بنسبته وَالْآخر مَذْكُور باسم جده. قيل: عَمْرو بن أبي سَلمَة ضعفه ابْن معِين وَغَيره، فَكيف حَال حَدِيثه عِنْد البُخَارِيّ؟ وَأجِيب: بِأَن تَضْعِيفه كَانَ بِسَبَب أَن فِي حَدِيثه عَن الْأَوْزَاعِيّ مناولة وإجازة فَلذَلِك عنعن، فَدلَّ على أَنه لم يسمعهُ. وَأجِيب: نصْرَة للْبُخَارِيّ: بِأَنَّهُ اعْتمد على المناولة وَاحْتج بهَا. وَكَانَ يعْتَمد عَلَيْهَا ويحتج بهَا، وَمَعَ هَذَا لم يكْتب بذلك، وَقد قواه بالمتابعة على مَا نذكرها عَن قريب. وَفِيه: أَن شَيْخه نيسابوري، وَعَمْرو بن أبي سَلمَة تنيسي سكن بهَا وَمَات بهَا وَأَصله من دمشق، وَالْأَوْزَاعِيّ شَامي، وَابْن شهَاب وَابْن الْمسيب مدنيان.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن عَمْرو بن عُثْمَان عَن بَقِيَّة بن الْوَلِيد عَن الْأَوْزَاعِيّ نَحوه.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (حق الْمُسلم على الْمُسلم) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق عبد الرَّزَّاق: أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (خمس يجب للْمُسلمِ على أَخِيه: رد السَّلَام وتشميت الْعَاطِس وَإجَابَة الدعْوَة وعيادة الْمَرِيض وَاتِّبَاع الْجَنَائِز) . قَالَ عبد الرَّزَّاق: كَانَ معمر يُرْسل هَذَا الحَدِيث عَن الزُّهْرِيّ(8/12)
فأسنده مرّة عَن ابْن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة، حَدثنِي يحيى بن أَيُّوب وقتيبة وَابْن حجر قَالُوا: حَدثنَا إِسْمَاعِيل وَهُوَ ابْن جَعْفَر عَن الْعَلَاء عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (حق الْمُسلم على الْمُسلم سِتّ قيل: مَا هن يَا رَسُول الله؟ قَالَ: إِذا لَقيته فَسلم عَلَيْهِ، وَإِذا دعَاك فأجبه. وَإِذا استنصحك فانصح لَهُ، فَإِذا عطس فَحَمدَ الله فشمته. وَإِذا مرض فعده، وَإِذا مَاتَ فَاتبعهُ) . والْعَلَاء هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن. قَوْله: (حق الْمُسلم) ، قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا اللَّفْظ أَعم من الْوَاجِب على الْكِفَايَة وعَلى الْعين، وَمن الْمَنْدُوب، وَقَالَ ابْن بطال: أَي: حق الْحُرْمَة والصحبة. وَفِي (التَّوْضِيح) : الْحق فِيهِ بِمَعْنى حق حرمته عَلَيْهِ وَجَمِيل صحبته لَهُ، لَا أَنه من الْوَاجِب، وَنَظِيره: (حق الْمُسلم أَن يغْتَسل كل جُمُعَة) . وَقَالَ بَعضهم: المُرَاد من الْحق هُنَا الْوُجُوب خلافًا لقَوْل ابْن بطال. قلت: المُرَاد هُوَ الْوُجُوب على الْكِفَايَة. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: هَذِه كلهَا من حق الْإِسْلَام، يَسْتَوِي فِيهَا جَمِيع الْمُسلمين برهم وفاجرهم، غير أَنه يخص الْبر بالبشاشة والمصافحة دون الْفَاجِر الْمظهر للفجور، وَقد مر الْكَلَام فِي بَقِيَّة الحَدِيث عَن قريب.
تابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ
أَي: تَابع عَمْرو بن أبي سَلمَة عبد الرَّزَّاق بن هما، قَالَ: أخبرنَا معمر بن رَاشد، وَهَذِه الْمُتَابَعَة ذكرهَا مُسلم، رَحمَه الله، وَقد ذَكرنَاهَا الْآن.
وَرَوَاهُ سَلاَمَةُ عنْ عُقَيْلٍ أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور سَلامَة، بتَخْفِيف اللَّام: ابْن خَالِد بن عقيل الْأَيْلِي توفّي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة، وَهُوَ ابْن أخي عقيل، بِضَم الْعين: إِبْنِ خَالِد بن عقيل، ذكر البُخَارِيّ أَنه سمع من عقيل بن خَالِد، وَذكر غير وَاحِد أَن حَدِيثه عَنهُ كتاب وَلم يسمع مِنْهُ، وَسُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن سَلامَة فَقَالَ: ضَعِيف مُنكر الحَدِيث.
3 - (بابُ الدُّخُولِ عَلَى المَيِّتِ بَعْدَ المَوْتِ إذَا أُدْرِجَ فِي أكفَانِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الدُّخُول على الْمَيِّت إِذا أدرج أَي: إِذا لف فِي أَكْفَانه.
2421 - حدَّثنا بِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أخبرَنا عَبْدُ الله قَالَ أَخْبرنِي مَعْمَرٌ ويُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخْبَرَنِي أبُو سَلَمَة أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبَرَتْهُ قالَتْ أقْبَلَ أبُو بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حتَّى نَزَلَ فدَخَلَ المَسْجِدَ فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فتَيَمَّمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهْوَ مُسَجَّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ فَكَشَفَ عنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ ثُمَّ بَكَى فقَالَ بِأبِي أنْتَ يَا نَبِيَّ الله لاَ يَجْمَعُ الله عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ أمَّا المَوْتَةُ الَّتِي كَتَبَ الله علَيْكَ فَقَدْ مُتُّهَا. قَالَ أبُو سَلَمَةَ فَأَخْبرنِي ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمَا أنَّ أبَا بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ خَرَجَ وَعُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يُكَلِّمُ النَّاسَ فَقَالَ اجْلِسْ فَأبَى فَقَالَ إجْلِسْ فأبَى فتَشَهَّدَ أبُو بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَمَالَ إلَيْهِ النَّاسُ وتَرَكُوا عُمَرَ فقالَ أمَّا بَعْدُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدا فإنَّ مُحَمَّدا قَدْ ماتَ وَمَنْ كانَ يَعْبُدُ الله فَإنَّ الله حيٌّ لَا يَمُوتُ. قَالَ الله تَعَالَى وَمَا مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ إِلَى الشَّاكِرِينَ وَالله لَكَأنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أنَّ الله أنزَلَ الآيَةَ حَتَّى تَلاَهَا أبُو بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ فَمَا يُسْمَعُ بَشَرٌ إلاَّ يَتْلُوهَا.
. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، قيل: لَا نسلم الظُّهُور، لِأَن التَّرْجَمَة فِي الدُّخُول على الْمَيِّت إِذا أدرج فِي الْكَفَن، وَمتْن الحَدِيث وَهُوَ مسجى يبرد حبرَة، وَلم يكن حِينَئِذٍ غسل، فضلا عَن أَن يكون مدرجا فِي الْكَفَن. وَأجِيب: بِأَن كشف الْمَيِّت بعد تسجيته(8/13)
مساوٍ لحاله بعد تكفينه، وَذَلِكَ لِأَن مِنْهُم من منع عَن الِاطِّلَاع على الْمَيِّت إلاَّ الْغَاسِل، وَمن يَلِيهِ، لِأَن الْمَوْت سَبَب لتغير محَاسِن الْحَيّ، لِأَنَّهُ يكون كريها فِي المنظر، فَلذَلِك أَمر بتغميضه وتسجيته، وَأَشَارَ البُخَارِيّ إِلَى جَوَاز ذَلِك بالترجمة الْمَذْكُورَة، وَلما كَانَ حَاله بعد التسجية مثل حَاله بعد التَّكْفِين وَقع التطابق بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث من هَذِه الْحَيْثِيَّة.
ذكر رِجَاله: وهم سَبْعَة: الأول: بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن مُحَمَّد أَبُو مُحَمَّد السّخْتِيَانِيّ الْمروزِي، مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: عبد الله بن الْمُبَارك. الثَّالِث: معمر، بِفَتْح الميمين، ابْن رَاشد. الرَّابِع: يُونُس ابْن يزِيد. الْخَامِس: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. السَّادِس: أَبُو سَلمَة عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. السَّابِع: أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَهُوَ وَعبد الله مروزيان وَمعمر بَصرِي وَيُونُس أيلي وَالزهْرِيّ وَأَبُو سَلمَة مدنيان. وَفِيه: أَرْبَعَة مِنْهُم بِلَا نِسْبَة، وَوَاحِد بالكنية. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصحابية.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن يحيى بن بكير عَن لَيْث عَن عقيل وَفِي فضل أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن سُوَيْد بن نصر عَن ابْن الْمُبَارك بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن أبي مُعَاوِيَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (بالسنح) ، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَالنُّون والحاء الْمُهْملَة، وَهُوَ منَازِل بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج، بَينهمَا وَبَين منزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ميل، وَزعم صَاحب (الْمطَالع) أَن أَبَا ذَر كَانَ يَقُوله بِإِسْكَان النُّون. قَوْله: (فتميم) ، أَي: قصد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَهُوَ مسجى) ، جملَة إسمية وَقعت حَالا. ومسجى إسم مفعول من سجى يسجي تسجية. يُقَال: سجيت الْمَيِّت تسجية إِذا مددت عَلَيْهِ ثوبا، وَمعنى مسجىً: هُنَا مغطىً. قَوْله: (ببر حبرَة) ، بِالْوَصْفِ وَالْإِضَافَة، وَالْبرد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء: وَهُوَ نوع من الثِّيَاب مَعْرُوف، وَالْجمع: أبراد وبرود، والبردة والشملة المخططة وحبرة على وزن عنبة ثوب يماني يكون من قطن أَو كتاب مخطط، وَقَالَ الدَّاودِيّ: هُوَ ثوب أَخْضَر. قَوْله: (ثمَّ أكب عَلَيْهِ) ، هَذَا اللَّفْظ من النَّوَادِر حَيْثُ هُوَ لَازم، وثلاثيه كب مُتَعَدٍّ عكس مَا هُوَ الْمَشْهُور فِي الْقَوَاعِد التصريفية. قَوْله: (فَقبله) أَي: بَين عَيْنَيْهِ وَقد ترْجم عَلَيْهِ النَّسَائِيّ وَأوردهُ صَرِيحًا حَيْثُ قَالَ: تَقْبِيل الْمَيِّت وَأَيْنَ يقبل مِنْهُ؟ قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن عَمْرو بن السَّرْح، قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ: أَخْبرنِي يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة (عَن عَائِشَة: أَن أَبَا بكر قبل بَين عَيْني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ميت) . قَوْله: (بِأبي أَنْت) أَي: أَنْت مفدىً بِأبي، فالباء مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف فَيكون مَرْفُوعا لِأَنَّهُ يكون مُبْتَدأ وخبرا. وَقيل: فعل، فَيكون مَا بعده مَنْصُوبًا تَقْدِيره: فديتك بِأبي. قَوْله: (لَا يجمع الله عَلَيْك موتتين) ، قَالَ الدَّاودِيّ: لم يجمع الله عَلَيْك شدَّة بعد الْمَوْت لِأَن الله تَعَالَى قد عصمك من أهوال الْقِيَامَة. قَالَ: وَقيل: لَا يَمُوت موتَة أُخْرَى فِي قَبره كَمَا يحيى غَيره فِي الْقَبْر فَيسْأَل ثمَّ يقبض، وَقَالَ ابْن التِّين: أَرَادَ بذلك مَوته وَمَوْت شَرِيعَته، يدل عَلَيْهِ. قَوْله: (من كَانَ يعبد مُحَمَّدًا) . وَقيل: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك ردا لمن قَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يمت وسيبعث وَيقطع أَيدي رجال وأرجلهم. قيل: إِنَّه معَارض لقَوْله تَعَالَى: {امتّنا اثْنَتَيْنِ واحيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ} (غَافِر: 11) . وَأجِيب: بِأَن الأولى الْخلقَة من التُّرَاب وَمن نُطْفَة لِأَنَّهُمَا موَات، وَالثَّانيَِة الَّتِي بِمَوْت الْخلق، وَإِحْدَى الحياتين فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى بعد الْمَوْت فِي الْآخِرَة. وَعَن الضَّحَّاك: أَن الأولى الْمَوْت فِي الدُّنْيَا، وَالثَّانيَِة الْمَوْت فِي الْقَبْر بعد الْفِتْنَة والمسالة، وَاحْتج بِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يُقَال للنطفة وَالتُّرَاب ميت، وَإِنَّمَا الْمَيِّت من تقدّمت لَهُ حَيَاة، ورد عَلَيْهِ بقوله تَعَالَى: {وَآيَة لَهُم الأَرْض الْميتَة أحييناها} (يس: 33) . لم يتَقَدَّم لَهَا حَيَاة قطّ، وَإِنَّمَا خلقهَا الله جمادا ومواتا، وَهَذَا من سَعَة كَلَام الْعَرَب. قَوْله: (الَّتِي كتب الله) أَي: قدر الله، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (الَّتِي كتبت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: قدرت. قَوْله: (مِنْهَا) ، بِضَم الْمِيم وَكسرهَا، من: مَاتَ يَمُوت، وَمَات يمات، وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الموتة. قَوْله: (وَعمر يكلم النَّاس) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (فَمَا يسمع بشر) ، يسمع على صِيغَة الْمَجْهُول تَقْدِيره: مَا يسمع بشر يَتْلُو شَيْئا إلاَّ هَذِه الْآيَة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ اسْتِحْبَاب تسجية الْمَيِّت. وَفِيه: جَوَاز تَقْبِيل الْمَيِّت لفعل أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَأن(8/14)
أَبَا بكر فِي تقبيله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَفْعَله إلاَّ قدوة بِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لما روى التِّرْمِذِيّ مصححا: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل على عُثْمَان بن مَظْعُون وَهُوَ ميت فأكب عَلَيْهِ وَقَبله ثمَّ بَكَى حَتَّى رَأَيْت الدُّمُوع تسيل على وجنتيه وَفِي (التَّمْهِيد) لما توفّي عُثْمَان كشف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّوْب عَن وَجهه وَبكى بكاء طَويلا وَقبل بَين عَيْنَيْهِ، فَلَمَّا رفع على السرير قَالَ: طُوبَى لَك يَا عُثْمَان، لم تلبسك الدُّنْيَا وَلم تلبسها) . وَفِيه: جَوَاز الْبكاء على الْمَيِّت من غير نوح. وَفِيه: أَن الصدِّيق أعلم من عمر، وَهَذِه إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي ظهر فِيهَا ثاقب علمه، وَفضل مَعْرفَته، ورجاحة رَأْيه، وبارع فهمه، وَحسن إسراعه بِالْقُرْآنِ، وثبات نَفسه، وَكَذَلِكَ مكانته عِنْد الإمرة لَا يُسَاوِيه فِيهَا أحد إلاَّ يرى أَنه حِين تشهد بَدَأَ بالْكلَام مَال إِلَيْهِ النَّاس وَتركُوا عمر وَلم يكن ذَلِك إلاَّ لعَظيم مَنْزِلَته فِي النُّفُوس على عمر وسمو مَحَله عِنْدهم، وَقد أقرّ بذلك عمر حِين مَاتَ الصّديق، فَقَالَ: وَالله مَا أحب أَن ألْقى الله بِمثل عمل أحد إلاَّ بِمثل عمل أبي بكر، ولوددت أَنِّي شَعْرَة فِي صَدره، وَذكر الطَّبَرِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنِّي وَالله لأمشي مَعَ عمر فِي خِلَافَته وَبِيَدِهِ الدرة وَهُوَ يحدث نَفسه وَيضْرب قدمه بدرته مَا مَعَه غَيْرِي، إِذْ قَالَ لي: يَا ابْن عَبَّاس، هَل تَدْرِي مَا حَملَنِي على مَقَالَتي الَّتِي قلت حِين مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قلت: لَا أَدْرِي وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: فَإِنَّهُ مَا حَملَنِي على ذَلِك إلاَّ قَوْله عز وَجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} إِلَى قَوْله: {شَهِيدا} (الْبَقَرَة: 341) . فوَاللَّه إِن كنت لأَظُن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَيبقى فِي أمته حَتَّى يشْهد عَلَيْهَا بأجزاء أَعمالهَا. وَفِيه: حجَّة مَالك فِي قَوْله فِي الصَّحَابَة: مخطىء ومصيب فِي التَّأْوِيل. وَفِيه اهتمام عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا بِأَمْر الشَّرِيعَة وَإِنَّهَا لم يشغلها ذَلِك عَن حفظهَا مَا كَانَ من أَمر النَّاس فِي ذَلِك اليوموفيه: غيبَة الصدّيق عَن وَفَاته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَنَّهُ كَانَ فِي ذَلِك الْيَوْم بالسنح، وَكَانَ متزوجا هُنَاكَ. وَفِيه: الدُّخُول على الْمَيِّت بِغَيْر اسْتِئْذَان، وَيجوز أَن يكون عِنْد عَائِشَة غَيرهَا فَصَارَ كالمحفل لَا يحْتَاج الدَّاخِل إِلَى إِذن، وَرُوِيَ أَنه اسْتَأْذن فَلَمَّا دخل أذن للنَّاس. وَفِيه: قَول أبي بكر لعمر: إجلس، فَأبى إِنَّمَا ذَلِك لما دخل عمر من الدهشة والحزن، وَقد قَالَت أم سَلمَة: مَا صدقت بِمَوْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى سَمِعت وَقع الكرازين. قَالَ الْهَرَوِيّ: هِيَ الفئوس، وَقيل: تُرِيدُ وَقع الْمساحِي تحثو التُّرَاب عَلَيْهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيحْتَمل أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ظن أَن أَجله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يَأْتِ وَأَن الله تَعَالَى منَّ على الْعباد بطول حَيَاته، وَيحْتَمل أَن يكون أنسي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّك ميت} (الزمر: 03) . وَقَوله: {وَمَا مُحَمَّد إلاَّ رَسُول} إِلَى: {أفائن مَاتَ} (آل عمرَان: 441) . وَكَانَ يَقُول مَعَ ذَلِك: ذهب مُحَمَّد لميعاد ربه، كَمَا ذهب مُوسَى لمناجاة ربه، وَكَانَ فِي ذَلِك ردعا لِلْمُنَافِقين وَالْيَهُود حِين اجْتمع النَّاس. وَأما أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَرَأى إِظْهَار الْأَمر تجلدا، وَلما تَلا الْآيَة كَانَت تعزيا وتصبرا. وَفِيه: جَوَاز التفدية بِالْآبَاءِ والأمهات. وَفِيه: ترك تَقْلِيد الْمَفْضُول عِنْد وجود الْفَاضِل.
3421 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبرنِي خارِجَةُ ابنُ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ أنَّ أُمَّ العَلاَءِ امْرَأةً مِنَ الأنْصَارِ بايَعَتِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبَرَتْهُ أنَّهُ اقتُسِمَ المُهَاجِرُونَ قُرْعَةً فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بنُ مَظْعُونٍ فأنْزَلْنَاهُ فِي أبْيَاتِنَا فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أثْوَابِهِ دَخَلَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْتُ رَحْمَةُ الله عليْكَ أبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لقدْ أكْرَمَكَ الله فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَا يُدْرِيكِ أنَّ الله أكْرَمَهُ فَقُلْتُ بِأبِي أنْتَ يَا رسولَ الله فَمَنْ يُكْرِمُهُ الله؟ فَقَالَ أمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ اليَقِينُ وَالله إنِّي لأَرْجُو لَهُ الخَيْرَ وَالله مَا أدْرِي وَأنَا رسولُ الله مَا يفْعَلُ بِي قالَتْ فَوالله لاَ اُزْكِي أحدا بَعْدَهُ أبَدا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) يَعْنِي على عُثْمَان بعد أَن غسل وكفن، وَهَذِه الْمُطَابقَة أظهر من مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق للتَّرْجَمَة.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: يحيى بن عبد الله بن بكير أَبُو زَكَرِيَّا المَخْزُومِي. الثَّانِي: اللَّيْث بن سعد. الثَّالِث: عقيل، بِضَم الْعين: ابْن خَالِد. الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. الْخَامِس: خَارِجَة اسْم فَاعل من الْخُرُوج ابْن زيد بن ثَابت الْأنْصَارِيّ أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة بِالْمَدِينَةِ، مَاتَ سنة مائَة. السَّادِس: أم الْعَلَاء بنت الْحَارِث(8/15)
ابْن ثَابت بن خَارِجَة الْأَنْصَارِيَّة.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين والإخبار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه مَذْكُور باسم جده وَأَنه وَشَيْخه مصريان وعقيلي أيلي وَابْن شهَاب وخارجة مدنيان. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصحابية. وَفِيه: أم الْعَلَاء ذكر فِي (تَهْذِيب الْكَمَال) وَيُقَال: إِن أم الْعَلَاء زَوْجَة زيد بن ثَابت وَأم أَبِيه خَارِجَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ التِّرْمِذِيّ: هِيَ أم خَارِجَة، ثمَّ قَالَ: وَلَا يخفى أَن ذكر خَارِجَة مُبْهمَة لَا يَخْلُو عَن غَرَض أَو أغراض.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الشَّهَادَات، وَفِي التَّفْسِير عَن أبي الْيَمَان، وَفِي الْهِجْرَة عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَفِي التَّفْسِير أَيْضا عَن عَبْدَانِ، وَفِي التَّعْبِير والجنائز أَيْضا عَن سعيد بن عقيل، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرُّؤْيَا عَن سُوَيْد بن نصر عَن عبد الله بن الْمُبَارك بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أم الْعَلَاء) ، مَنْصُوب بِأَن وَخَبره. قَوْله: (أخْبرته) قَوْله: (امْرَأَة من الْأَنْصَار) عطف بَيَان وَيجوز أَن يرفع على أَن يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هِيَ امْرَأَة من الْأَنْصَار. قَوْله: (بَايَعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، جملَة فِي مَحل الرّفْع أَو النصب على أَنَّهَا صفة لامْرَأَة على الْوَجْهَيْنِ. قَوْله: (أَنه) الضَّمِير فِيهِ للشأن. قَوْله: (اقتسم الْمُهَاجِرُونَ قرعَة) اقتسم على صِيغَة الْمَجْهُول. و: الْمُهَاجِرُونَ، مفعول نَاب عَن الْفَاعِل، و: قرعَة، مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: بِقرْعَة، وَالْمعْنَى: اقتسم الْأَنْصَار الْمُهَاجِرين بِالْقُرْعَةِ فِي نزولهم عَلَيْهِم وسكناهم فِي مَنَازِلهمْ، لِأَن الْمُهَاجِرين لما دخلُوا الْمَدِينَة لم يكن مَعَهم شَيْء من أَمْوَالهم فَدَخَلُوهَا فُقَرَاء، وَكَانَ بَنو مَظْعُون ثَلَاثَة: عُثْمَان وَعبد الله وَقُدَامَة بدريون أخوال ابْن عمر. قَوْله: (فطار لنا عُثْمَان) يَعْنِي: وَقع فِي الْقرعَة فِي سهم الْأَنْصَار الَّذين أم الْعَلَاء مِنْهُم، ويروى: (فَصَارَ لنا) ، فَإِن ثبتَتْ هَذِه الرِّوَايَة فمعناها صَحِيح. قَوْله: (وَجَعه) ، نصب على الْمصدر. قَوْله: (أَبَا السَّائِب) ، بِالسِّين الْمُهْملَة وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة، منادى حذف حرف ندائه، وَالتَّقْدِير: يَا أَبَا السَّائِب، وَهُوَ كنية عُثْمَان بن مَظْعُون، وَلَفظ البُخَارِيّ فِي كتاب الشَّهَادَات فِي: بَاب الْقرعَة فِي المشكلات: أَن عُثْمَان بن مَظْعُون طَار لَهُ سَهْمه فِي السُّكْنَى حِين أقرعت الْأَنْصَار سُكْنى الْمُهَاجِرين. قَالَت: أم الْعَلَاء: فسكن عندنَا عُثْمَان بن مَظْعُون، فاشتكى فمرضناه حَتَّى إِذا توفّي وجعلناه فِي ثِيَابه دخل علينا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقلت: رَحْمَة الله عَلَيْك أَبَا السَّائِب. وَفِي كتاب الْهِجْرَة وَالتَّعْبِير: (قَالَت أم الْعَلَاء: فأحزنني ذَلِك فَنمت، فأوريت لَهُ عينا تجْرِي، فَجئْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ: ذَاك عمله يجْرِي لَهُ) . قَوْله: (فشهادتي عَلَيْك) ، جملَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، وَمثل هَذَا التَّرْكِيب يسْتَعْمل عرفا وَيُرَاد بِهِ معنى الْقسم، كَأَنَّهَا قَالَت: أقسم بِاللَّه لقد أكرمك الله. قَالَ الْكرْمَانِي: (شهادتي) مُبْتَدأ، (وَعَلَيْك) صلته، وَالْقسم مُقَدّر، وَالْجُمْلَة القسمية خبر الْمُبْتَدَأ، وَتَقْدِيره: شهادتي عَلَيْك قولي وَالله لقد أكرمك الله. ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: هَذِه الشَّهَادَة لَهُ لَا عَلَيْهِ؟ قلت: الْمَقْصُود مِنْهَا معنى الاستعلاء فَقَط بِدُونِ مُلَاحظَة الْمضرَّة وَالْمَنْفَعَة. قَوْله: (وَمَا يدْريك؟) بِكَسْر الْكَاف أَي: من أَيْن علمت أَن الله أكْرمه؟ أَي: عُثْمَان؟ قَوْله: (بِأبي أَنْت) أَي: مفدى أَنْت بِأبي، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب: قَوْله: (فَمن يُكرمهُ الله) أَي: هُوَ مُؤمن خَالص مُطِيع فَإِذا لم يكن هُوَ من الْمُكرمين من عِنْد الله فَمن يُكرمهُ؟ قَوْله: (أما هُوَ) أَي: عُثْمَان وَكلمَة: أما، تَقْتَضِي القسيم، وقسميهما هُنَا مُقَدّر تَقْدِيره: وَأما غَيره فخاتمة أمره غير مَعْلُومَة، أهوَ مِمَّا يُرْجَى لَهُ الْخَيْر عِنْد الْيَقِين أَي الْمَوْت أم لَا؟ قَوْله: (وَالله مَا أَدْرِي وَأَنا رَسُول الله مَا يفعل بِي) كلمة: مَا، مَوْصُولَة أَو استفهامية. قَالَ الدَّاودِيّ: مَا يفعل بِي وهم، وَالصَّوَاب: مَا يفعل بِهِ، أَي: بعثمان، لِأَنَّهُ لَا يعلم من ذَلِك إِلَّا مَا يُوحى إِلَيْهِ. وَقيل: قَوْله: (مَا يفعل بِي) ، يحْتَمل أَن يكون قبل إِعْلَامه بالغفران لَهُ، أَو يكون الْمَعْنى: مَا يفعل بِي فِي أَمر الدُّنْيَا مِمَّا يصيبهم فِيهَا. فَإِن قلت: عُثْمَان هَذَا أسلم بعد ثَلَاثَة عشر رجلا، وَهَاجَر الهجرتين، وَشهد بَدْرًا، وَهُوَ أول من مَاتَ من الْمُهَاجِرين بِالْمَدِينَةِ، وَقد أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن أهل بدر غفر الله لَهُم. قلت: قد قيل: بِأَن ذَلِك قبل أَن يخبر أَن أهل بدر من أهل الْجنَّة. فَإِن قلت: هَذَا أَيْضا يُعَارض قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (مَا زَالَت الْمَلَائِكَة تظله بأجنحتها حَتَّى رفعتموه) . قلت: لَا تعَارض فِي ذَلِك، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينْطق عَن الْهوى، فَأنْكر على أم الْعَلَاء قطعهَا على عُثْمَان إِذْ لم تعلم هِيَ من أمره شَيْئا. وَفِي حَدِيث جَابر، قَالَ: مَا علمه إلاَّ بطرِيق الْوَحْي إِذْ لَا يقطع على مثل هَذَا إلاَّ بِوَحْي، حَاصله أَن مَا قَالَه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِخْبَار من لَا ينْطق عَن الْهوى، وَذَلِكَ كَلَام أم الْعَلَاء وليسا بالسواء.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: دَلِيل على أَنه لَا يجْزم لأحد بِالْجنَّةِ إلاَّ مَا نَص عَلَيْهِ الشَّارِع: كالعشرة المبشرة وأمثالهم(8/16)
سِيمَا وَالْإِخْلَاص أَمر قلبِي لَا اطلَاع لنا عَلَيْهِ. وَفِيه: مواساة الْفُقَرَاء الَّذين لَيْسَ لَهُم مَال وَلَا منزل ببذل المَال وَإِبَاحَة الْمنزل. وَفِيه: إِبَاحَة الدُّخُول على الْمَيِّت بعد التَّكْفِين. وَفِيه: جَوَاز الْقرعَة. وَفِيه: الدُّعَاء للْمَيت.
حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ مِثْلَهُ
سعيد هَذَا هُوَ سعيد بن كثير بن عفير، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا رَاء: أَبُو عُثْمَان الْمصْرِيّ، يروي عَن اللَّيْث بن سعد عَن عقيل عَن الزُّهْرِيّ بِمثلِهِ، أَي: مثل الحَدِيث الْمَذْكُور، وَأخرج من هَذَا الطَّرِيق فِي التَّعْبِير على مَا يَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وقالَ نافِعُ بنُ يَزيدَ عنْ عُقَيْلٍ مَا يُفْعَلُ بِهِ
أَشَارَ بِهَذَا التَّعْلِيق إِلَى أَن الْمَحْفُوظ فِي رِوَايَة اللَّيْث مَا يفعل بِهِ، وَقد مر أَنه الصَّوَاب دون مَا يفعل بِي، وأكتفي بِهَذَا الْقدر إِشَارَة إِلَى أَن بَاقِي الحَدِيث لم يخْتَلف فِيهِ، وَنَافِع بن يزِيد أَبُو يزِيد مولى شُرَحْبِيل بن حَسَنَة الْقرشِي الْمصْرِيّ، مَاتَ سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَمِائَة، وَوصل الْإِسْمَاعِيلِيّ هَذَا التَّعْلِيق عَن الْقَاسِم بن زَكَرِيَّا: حَدثنَا الْحسن بن عبد الْعَزِيز الجروي حَدثنَا عبد الله بن يحيى المغافري حَدثنَا نَافِع بن يزِيد عَن عقيل بِهِ.
وَتَابَعَهُ شُعَيْبٌ وَعَمْرُو بنُ دِينَارٍ وَمَعْمَرٌ
ذكر البُخَارِيّ مُتَابعَة شُعَيْب فِي كتاب الشَّهَادَات، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: حَدثنِي خَارِجَة ابْن زيد الْأنْصَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الحَدِيث، ومتابعة عَمْرو بن دِينَار وَصلهَا ابْن أبي عمر فِي (مُسْنده) عَن ابْن عُيَيْنَة عَنهُ، ومتابعة معمر بن رَاشد ذكرهَا البُخَارِيّ فِي التَّعْبِير فِي: بَاب الْعين الْجَارِيَة: حَدثنَا عَبْدَانِ أخبرنَا عبد الله أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن خَارِجَة بن زيد بن ثَابت عَن أم الْعَلَاء. . إِلَى آخِره.
4421 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا قُتِلَ أبي جَعَلْتُ أكْشِفُ الثَّوْبَ عنْ وَجْهِهِ أبْكِي ويَنْهَوْنِي عَنْهُ والنبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاَ يَنْهَانِي فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فاطِمةُ تَبْكِي فقالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَبْكِينَ أوْ لاَ تَبْكِينَ مَا زَالَتِ المَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (جعلت أكشف الثَّوْب عَن وَجهه) ، وَالثَّوْب أَعم من أَن يكون الثَّوْب الَّذِي سجوه بِهِ أَو من الْكَفَن.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وغندر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة: مُحَمَّد بن جَعْفَر الْبَصْرِيّ.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن أبي الْوَلِيد. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن مُحَمَّد بن الْمثنى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن عَمْرو بن يزِيد وَفِي المناقب عَن أبي كريب.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لما قتل أبي) ، وَكَانَ قتل أَبِيه عبد الله يَوْم أحد، وَكَانَ الْمُشْركُونَ مثلُوا بِهِ، جدعوا أَنفه وَأُذُنَيْهِ، وَكَانَت غَزْوَة أحد فِي سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة فِي شَوَّال. قَوْله: (أبْكِي) جملَة وَقعت حَالا. قَوْله: (وينهوني) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (وينهونني) على الأَصْل. قَوْله: (عَمَّتي فَاطِمَة) ، عمَّة جَابر هِيَ شَقِيقَة أَبِيه عبد الله بن عَمْرو. قَوْله: (تبكين أَو لَا تبكين) ، كلمة: أَو، لَيست هِيَ للشَّكّ من الرَّاوِي، بل هِيَ من كَلَام الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للتسوية بَين الْبكاء وَعَدَمه، أَي: فوَاللَّه إِن الْمَلَائِكَة تظله سَوَاء تبكين أم لَا. وَفِي (التَّلْوِيح) فِي مَوضِع آخر: (لِمَ تبْكي) قَالَ الْقُرْطُبِيّ: كَذَا صحت الرِّوَايَة بِلِمَ، الَّتِي للاستفهام وَفِي مُسلم: (تبْكي) بِغَيْر نون لِأَنَّهُ اسْتِفْهَام لمخاطب عَن فعل غَائِبَة. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَلَو خاطبها بالاستفهام خطاب الْحَاضِرَة قَالَ: لِمَ تبكين، بالنُّون. وَفِي رِوَايَة: (تبكيه أَو لَا تبكيه) . وَهُوَ إِخْبَار عَن غَائِبَة، وَلَو كَانَ خطاب الْحَاضِرَة لقَالَ: تبكينه أَو لَا تبكينه، بنُون فعل الْوَاحِدَة الْحَاضِرَة، ثمَّ معنى هَذَا: أَن عبد الله مكرم عِنْد الْمَلَائِكَة، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام. قَوْله: (تبكين. .) إِلَى آخِره،(8/17)
يعزيها بذلك ويخبرها بِمَا صَار إِلَيْهِ من الْفضل. قَوْله: (حَتَّى رفعتموه) ، أَي: من مغسلة، لِأَنَّهُ نسب الْفِعْل إِلَى أَصله قَالَه الدَّاودِيّ، وإظلاله بأجنحتها لِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَيْهِ وتزاحمهم على الْمُبَادرَة بصعود روحه، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وتبشيره بِمَا أعد الله لَهُ من الْكَرَامَة، أَو أَنهم أظلوه من الْحر لِئَلَّا يتَغَيَّر أَو لِأَنَّهُ من السَّبْعَة الَّذين يظلهم الله فِي ظله يَوْم لَا ظلّ إلاَّ ظله، وروى بَقِي بن مخلد (عَن جَابر: لَقِيَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَلا أُبَشِّرك أَن الله أَحَي أَبَاك وَكلمَة كفاحا وَمَا كلم أحدا قطّ إلاَّ من وَرَاء حجاب؟ .
وَفِيه: فَضِيلَة عَظِيمَة لم تسمع لغيره من الشُّهَدَاء فِي دَار الدُّنْيَا. وَفِيه: جَوَاز الْبكاء على الْمَيِّت كَمَا مضى، وَنهى أهل الْمَيِّت بَعضهم بَعْضًا عَن الْبكاء للرفق بالباكي.
تابَعَهُ ابنُ جُرَيْجَ قَالَ أَخْبرنِي ابنُ المُنْكَدِرِ سَمِعَ جابِرا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
يَعْنِي: تَابع شُعْبَة عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج ذكر هَذِه الْمُتَابَعَة لينفي مَا وَقع فِي نُسْخَة ابْن ماهان فِي (صَحِيح مُسلم) عَن عبد الْكَرِيم عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن حُسَيْن عَن جَابر جعل بدل مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، فَبين البُخَارِيّ أَن الصَّوَاب: ابْن الْمُنْكَدر، كَمَا رَوَاهُ شُعْبَة، وشده بِرِوَايَة ابْن جريج، وَوصل مُسلم هَذِه الْمُتَابَعَة: حَدثنَا عبد بن حميد حَدثنَا روح بن عبَادَة حَدثنَا ابْن جريج عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر.
وَأخرج مُسلم هَذَا الحَدِيث من خَمْسَة طرق. الأول: من طَرِيق سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر (عَن جَابر يَقُول: لما كَانَ يَوْم أحد جِيءَ بِأبي مسجى، وَقد مثل بِهِ) الحَدِيث. الثَّانِي: من طَرِيق شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر. الثَّالِث: من طَرِيق ابْن جريج عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر. الرَّابِع: من طَرِيق معمر عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر. الْخَامِس: من طَرِيق مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن جَابر، وَهَذَا فِي نُسْخَة ابْن ماهان.
4 - (بابٌ الرَّجُلِ يَنْعَى إلَى أهْلِ المَيِّتِ بِنَفْسِهِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الرجل ينعي إِلَى أهل الْمَيِّت، فَقَوله: بَاب، منون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف كَمَا قَدرنَا. وَقَوله: الرجل، مَرْفُوع على أَنه مُبْتَدأ. وَقَوله: (ينعى) ، خَبره وَمعنى: ينعى إِلَى أهل الْمَيِّت، يظْهر خبر مَوته إِلَيْهِم، يُقَال: نعاه ينعاه نعيا ونعيانا، وَهُوَ من بَاب: فعل يفعل، بِفَتْح الْعين فيهمَا، وَفِي (الْمُحكم) : النعي الدُّعَاء بِمَوْت الْمَيِّت والإشعار بِهِ. وَفِي (الصِّحَاح) : النعي خبر الْمَوْت، وَكَذَلِكَ النعي على فعيل وَفِي (الواعي) : النعي على فعيل هُوَ نِدَاء الناعي، والنعي: أَيْضا هُوَ الرجل الَّذِي ينعى، والنعي: الرجل الْمَيِّت، والنعي) الْفِعْل، وَالضَّمِير فِي: بِنَفسِهِ، يرجع إِلَى الْمَيِّت أَي: بِنَفس الْمَيِّت، وَهَذِه التَّرْجَمَة بِهَذِهِ الصّفة هِيَ الْمَشْهُورَة فِي أَكثر الرِّوَايَات، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِحَذْف الْبَاء فِي: بِنَفسِهِ، أَي: ينعي نفس الْمَيِّت إِلَى أَهله، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ سقط ذكر الْأَهْل، وَلَيْسَ لَهَا وَجه. وَقَالَ الْمُهلب: الصَّوَاب أَن يَقُول: بَاب الرجل ينعى إِلَى النَّاس الْمَيِّت بِنَفسِهِ، وَإِلَيْهِ مَال ابْن بطال، فَقَالَ: فِي التَّرْجَمَة خلل، ومقصود البُخَارِيّ: بَاب الرجل ينعى إِلَى النَّاس الْمَيِّت بِنَفسِهِ، وَيكون الْمَيِّت نصبا مفعول: ينعى، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَا خلل فِيهِ لجَوَاز حذف الْمَفْعُول عِنْد الْقَرِينَة، وَقَالَ بَعضهم نصْرَة للْبُخَارِيّ: التَّعْبِير بالأهل لَا خلل فِيهِ، لِأَن مُرَاده بِهِ مَا هُوَ أَعم من الْقَرَابَة أَو أخوة الدّين، وَهُوَ أولى من التَّعْبِير بِالنَّاسِ لِأَنَّهُ يخرج من لَيْسَ لَهُ بِهِ أَهْلِيَّة كالكفار. قلت: فِيهِ نظر، لِأَن الْأَهْل لَا يسْتَعْمل فِي أخوة الدّين، وَقد تكلم جمَاعَة فِي هَذَا الْموضع بِمَا لَا طائل تَحْتَهُ، وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ كِفَايَة فَافْهَم.
5421 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عَن سَعِيدِ ابنِ المُسَيِّبِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي اليَوْمِ الَّذِي ماتَ فِيهِ خَرَجَ إلَى المُصَلَّى فصَفَّ بِهِمْ وكَبَّرَ أرْبَعا.
(5421.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ النّظر إِلَى مُجَرّد النعي، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: من كَانَ فِي الْمَدِينَة أَهلا للنجاشي حَتَّى تصح التَّرْجَمَة؟ قلت: الْمُؤْمِنُونَ أَهله من حَيْثُ أخوة الْإِسْلَام. قلت: قد ذكرنَا أَن الْأَهْل لَا يسْتَعْمل فِي أخوة الدّين أللهم إلاَّ إِذا ارْتكب الْمجَاز فِيهِ، وَرِجَال هَذَا الحَدِيث قد تكَرر واجدا وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أويس عبد الله الأصبحي الْمدنِي إِبْنِ أُخْت مَالك ابْن أنس، وَابْن شهَاب وَهُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.(8/18)
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجَنَائِز عَن مُسَدّد عَن يزِيد بن زُرَيْع. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن منيع مُخْتَصرا على التَّكْبِير. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن رَافع، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر ابْن أبي شيبَة. وَأخرجه مُسلم فِي الْجَنَائِز عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَعَن سُوَيْد بن نصر عَن عبد الله بن الْمُبَارك، ستتهم عَن مَالك.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (نعى النَّجَاشِيّ) أَي: أخبر بِمَوْتِهِ، وَالنَّجَاشِي، بِفَتْح النُّون وَكسرهَا: كلمة للحبش تسمى بهَا مُلُوكهَا، والمتأخرون يلقبونه الأبجري. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: هُوَ بالنبطية، ذكره ابْن سَيّده. وَفِي (الْجَامِع) للقزاز: هُوَ بِكَسْر النُّون، يجوز أَن يكون من نجش أوقد كَأَنَّهُ يطريه، ويوقد فِيهِ، قَالَه قطرب. وَفِي (الفصيح) : النَّجَاشِيّ، بِالْفَتْح، وَفِي (الْعلم الْمَشْهُور) لأبي الْخطاب مشدد الْيَاء، قَالُوا: وَالصَّوَاب تخفيفها، وَفِي (الْمثنى) لِابْنِ عديس: النَّجَاشِيّ، بِالْفَتْح وَالْكَسْر: الْمُسْتَخْرج للشَّيْء. وَفِي (سيرة ابْن إِسْحَاق) . اسْمه: أَصْحَمَة، وَمَعْنَاهُ، عَطِيَّة. وَقَالَ أَبُو الْفرج: أَصْحَمَة بن أبجري، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الصَّاد وَفتح الْحَاء الْمُهْمَلَتَيْنِ، قَالَ: وَقع فِي (مُسْند ابْن أبي شيبَة) فِي هَذَا الحَدِيث تَسْمِيَته: صحمة، بِفَتْح الصَّاد وَإِسْكَان الْحَاء. قَالَ: هَكَذَا قَالَ لنا يزِيد بن هَارُون، وَإِنَّمَا هُوَ صمحة، بِتَقْدِيم الْمِيم على الْحَاء. قَالَ: وَهَذَانِ شَاذان. وَفِي (التَّلْوِيح) : أَخْبرنِي غير وَاحِد من نبلاء الْحَبَشَة أَنهم لَا ينطقون بِالْحَاء على صرافتها، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ فِي اسْم الْملك: أَصْمِخَة، بِتَقْدِيم الْمِيم على الْخَاء الْمُعْجَمَة. وَذكر السُّهيْلي أَن اسْم أَبِيه: يجْرِي، بِغَيْر همزَة، وَذكر مقَاتل بن سُلَيْمَان فِي كِتَابه (نَوَادِر التَّفْسِير) : إسمه مَكْحُول بن صصه، وَفِي كتاب (الطَّبَقَات) لِابْنِ سعد: لما رَجَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحُدَيْبِيَة سنة سِتّ أرسل النَّجَاشِيّ سنة سبع فِي الْمحرم عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي، فَأخذ كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوَضعه على عَيْنَيْهِ، وَنزل عَن سَرِيره فَجَلَسَ على الأَرْض تواضعا، ثمَّ أسلم، وَكتب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك، وَأَنه أسلم على يَدي جَعْفَر ابْن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَتُوفِّي فِي رَجَب سنة تسع منصرفة من تَبُوك. فَإِن قلت: وَقع فِي (صَحِيح مُسلم) : كتب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى النَّجَاشِيّ، وَهُوَ غير النَّجَاشِيّ الَّذِي صلى عَلَيْهِ؟ قلت: قيل: كَأَنَّهُ وهم من بعض الروَاة، أَو أَنه عبر بِبَعْض مُلُوك الْحَبَشَة عَن الْملك الْكَبِير، أَو يحمل على أَنه لما توفّي قَامَ مقَامه آخر فَكتب إِلَيْهِ. قَوْله: (خرج إِلَى الْمصلى) ، ذكر السُّهيْلي من حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى عَلَيْهِ بِالبَقِيعِ.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ من الْأَحْكَام: وَهُوَ على وُجُوه:
الأول: فِيهِ إِبَاحَة النعي، وَهُوَ أَن يُنَادى فِي النَّاس أَن فلَانا مَاتَ ليشهدوا جنَازَته، وَقَالَ بعض أهل الْعلم: لَا بَأْس أَن يعلم الرجل قرَابَته وإخواته، وَعَن إِبْرَاهِيم: لَا بَأْس أَن يعلم قرَابَته. وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: إِعْلَام أهل الْمَيِّت وقرابته وأصدقائه استحسنه الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ من أَصْحَابنَا وَغَيرهم، وَذكر صَاحب (الْحَاوِي) من أَصْحَابنَا وَجْهَيْن فِي اسْتِحْبَاب الْإِنْذَار بِالْمَيتِ وإشاعة مَوته بالنداء والإعلام، فاستحب ذَلِك بَعضهم للغريب والقريب لما فِيهِ من كَثْرَة الْمُصَلِّين عَلَيْهِ والداعين لَهُ، وَقَالَ بَعضهم: يسْتَحبّ ذَلِك للغريب وَلَا يسْتَحبّ لغيره. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَالْمُخْتَار اسْتِحْبَابه مُطلقًا إِذا كَانَ مُجَرّد إِعْلَام. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَقَالَ صَاحب الْبَيَان) من أَصْحَابنَا: يكره نعي الْمَيِّت، وَهُوَ أَن يُنَادى عَلَيْهِ فِي النَّاس أَن فلَانا قد مَاتَ ليشهدوا جنَازَته، وَفِي وَجه حَكَاهُ الصيدلاني: لَا يكره. وَفِي (حلية الرَّوْيَانِيّ) من أَصْحَابنَا: الإختيار إِن يُنَادى بِهِ ليكْثر المصلون. وَقَالَ ابْن الصّباغ: قَالَ أَصْحَابنَا: يكره النداء عَلَيْهِ، وَلَا بَأْس أَن يعلم أصدقاءه، وَبِه قَالَ أَحْمد، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا بَأْس بِهِ، وَنَقله الْعَبدَرِي عَن مَالك أَيْضا، وَنقل ابْن التِّين عَن مَالك كَرَاهَة الْإِنْذَار بالجنائز على أَبْوَاب الْمَسَاجِد والأسواق لِأَنَّهُ من النعي. قَالَ عَلْقَمَة بن قيس: الْإِنْذَار بالجنائز من النعي وَهُوَ من أَمر الْجَاهِلِيَّة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ النَّهْي أَيْضا عَن ابْن عمر وَأبي سعيد وَسَعِيد بن الْمسيب وعلقمة وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالربيع بن خَيْثَم. قلت: وَأبي وَائِل وَأبي ميسرَة وَعلي بن الْحُسَيْن وسُويد بن غَفلَة ومطرف بن عبد الله وَنصر بن عمرَان أبي جَمْرَة، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث حُذَيْفَة أَنه قَالَ: إِذا مت فَلَا تؤذنوا بِي أحدا فَإِنِّي أَخَاف أَن يكون نعيا، وَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ينْهَى عَن النعي، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن، وروى أَيْضا من حَدِيث عبد الله عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (إيَّاكُمْ والنعي، فَإِن النعي من أَمر الْجَاهِلِيَّة) . وَقَالَ: حَدِيث غَرِيب. والمجوزون احْتَجُّوا بِحَدِيث الْبَاب، وَرُبمَا ورد فِي الصَّحِيح أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نعى للنَّاس زيدا وجعفرا. وَفِي الصَّحِيح أَيْضا(8/19)
قَول فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، حِين توفّي النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وأبتاه، من ربه مَا أدناه، وأبتاه إِلَى جِبْرِيل ننعاه، وَفِي الصَّحِيح أَيْضا فِي قصَّة الرجل الَّذِي مَاتَ وَدفن لَيْلًا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَفلا كُنْتُم آذنتموني؟) فَهَذِهِ الْأَحَادِيث دَالَّة على جَوَاز النعي. وَقَالَ النَّوَوِيّ: إِن النعي الْمنْهِي عَنهُ إِنَّمَا هُوَ نعي الْجَاهِلِيَّة، قَالَ: وَكَانَت عَادَتهم إِذا مَاتَ مِنْهُم شرِيف بعثوا رَاكِبًا إِلَى الْقَبَائِل يَقُول: نعا يَا فلَان، أَو: يَا نعاء الْعَرَب، أَي: هَلَكت الْعَرَب بِهَلَاك فلَان. وَيكون مَعَ النعي ضجيج وبكاء، وَأما إِعْلَام أهل الْمَيِّت وأصدقائه وقرابته فمستحب على مَا ذَكرْنَاهُ آنِفا. وَاعْترض بِأَن حَدِيث النَّجَاشِيّ لم يكن نعيا، إِنَّمَا كَانَ مُجَرّد إِخْبَار بِمَوْتِهِ، فَسمى نعيا لشبهه بِهِ فِي كَونه إعلاما، وَكَذَا القَوْل فِي جَعْفَر بن أبي طَالب وَأَصْحَابه، ورد بِأَن الأَصْل الْحَقِيقَة على أَن حَدِيث النَّجَاشِيّ أصح من حَدِيث حُذَيْفَة وَعبد الله. فَإِن قلت: قَالَ ابْن بطال: إِنَّمَا نعي النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، النَّجَاشِيّ وَصلى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْد بعض النَّاس على غير الْإِسْلَام فَأَرَادَ إعلامهم بِصِحَّة إِسْلَامه (قلت) نعيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعفراً وَأَصْحَابه يرد ذَلِك، وَحمل بَعضهم النَّهْي على نعي الْجَاهِلِيَّة الْمُشْتَمل على ذكر المفاخر وَشبههَا.
الْوَجْه الثَّانِي: فِيهِ دَلِيل على أَنه لَا يُصَلِّي على الْجِنَازَة فِي الْمَسْجِد، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر بِمَوْتِهِ فِي الْمَسْجِد ثمَّ خرج بِالْمُسْلِمين إِلَى الْمصلى، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة، أَنه لَا يصلى على ميت فِي مَسْجِد جمَاعَة، وَبِه قَالَ مَالك وَابْن أبي ذِئْب، وَعند الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر: لَا بَأْس بهَا إِذا لم يخف تلويثه، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ (أَن سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لما توفّي أمرت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، بِإِدْخَال جنَازَته الْمَسْجِد حَتَّى صلى عَلَيْهَا أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ قَالَت: هَل عَابَ النَّاس علينا مَا فعلنَا؟ فَقيل لَهَا: نعم، فَقَالَت: مَا أسْرع مَا نسوا، مَا صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على جَنَازَة سُهَيْل بن الْبَيْضَاء إلاَّ فِي الْمَسْجِد) . رَوَاهُ مُسلم، وَاحْتج أَصْحَابنَا من حَدِيث ابْن أبي ذِئْب عَن صَالح مولى التومة عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من صلى على ميت فِي الْمَسْجِد فَلَا شَيْء لَهُ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظ، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه وَلَفظه: (فَلَيْسَ لَهُ شَيْء) ، وَقَالَ الْخَطِيب الْمَحْفُوظ: (فَلَا شَيْء لَهُ، وَرُوِيَ (فَلَا شَيْء عَلَيْهِ) ، وَرُوِيَ: (فَلَا أجر لَهُ) . وَقَالَ ابْن عبد الْبر: رِوَايَة: فَلَا أجر لَهُ، خطأ فَاحش، وَالصَّحِيح: فَلَا شَيْء لَهُ، وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) بِلَفْظ: (فَلَا صَلَاة لَهُ) . فَإِن قلت: روى ابْن عدي فِي (الْكَامِل) هَذَا الحَدِيث وعده من مُنكرَات صَالح، ثمَّ أسْند إِلَى شُعْبَة أَنه كَانَ لَا يروي عَنهُ وَينْهى عَنهُ، وَإِلَى مَالك: لَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِثِقَة، وَإِلَى النَّسَائِيّ أَنه قَالَ فِيهِ: ضَعِيف، وَقَالَ ابْن حبَان فِي (كتاب الضُّعَفَاء) : اخْتَلَط بِآخِرهِ وَلم يتَمَيَّز حَدِيثه من قديمه فَاسْتحقَّ التّرْك، ثمَّ ذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ: إِنَّه بَاطِل، وَكَيف يَقُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد صلى على سُهَيْل بن الْبَيْضَاء فِي الْمَسْجِد. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: صَالح مُخْتَلف فِي عَدَالَته، كَانَ مَالك يجرحه، وَقَالَ النَّوَوِيّ: أُجِيب عَن هَذَا بأجوبة. أَحدهَا: أَنه ضَعِيف لَا يَصح الِاحْتِجَاج بِهِ، قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: هَذَا حَدِيث ضَعِيف تفرد بِهِ صَالح مولى التومة وَهُوَ ضَعِيف. الثَّانِي: أَن الَّذِي فِي النّسخ الْمَشْهُورَة المسموعة من سنَن أبي دَاوُد: فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، فَلَا حجَّة فِيهِ. الثَّالِث: أَن اللَّام فِيهِ بِمَعْنى: على، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَإِن أسأتم فلهَا} (الْإِسْرَاء: 7) . أَي: فعلَيْهَا، جمعا بَين الْأَحَادِيث. قلت: الْجَواب عَمَّا قَالُوهُ من وُجُوه:
الأول: أَن أَبَا دَاوُد روى بِهَذَا الحَدِيث وَسكت عَنهُ، فَهَذَا دَلِيل رِضَاهُ بِهِ، وَأَنه صَحِيح عِنْده. الثَّانِي: أَن يحيى بن معِين الَّذِي هُوَ فيصل فِي هَذَا الْبَاب قَالَ: صَالح ثِقَة إلاَّ أَنه اخْتَلَط قبل مَوته، فَمن سمع مِنْهُ قبل ذَلِك فَهُوَ ثَبت حجَّة، وَمِمَّنْ سمع مِنْهُ قبل الِاخْتِلَاط: ابْن أبي ذِئْب هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن أبي ذِئْب. الثَّالِث: قَالَ ابْن عبد الْبر: مِنْهُم من يقبل عَن صَالح مَا رَوَاهُ عَنهُ ابْن أبي ذِئْب خَاصَّة. الرَّابِع: أَن غَالب مَا ذكر فِيهِ تحامل من ذَلِك قَول النَّوَوِيّ: إِن الَّذِي فِي النّسخ الْمَشْهُورَة المسموعة من سنَن أبي دَاوُد: فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يردهُ قَول الْخَطِيب الْمَحْفُوظ: (فَلَا شَيْء لَهُ) وَقَول السرُوجِي؛ وَفِي الاسرار (فَلَا صَلَاة لَهُ) وَفِي المرغيناني: (فَلَا أجر لَهُ) وَلم يذكر ذَلِك فِي كتب الحَدِيث يردهُ مَا ذَكرْنَاهُ من رِوَايَة ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : (فَلَا صَلَاة لَهُ) . وَقَالَ الْخَطِيب: (فَلَا أجر لَهُ) فلعدم إطلاعه فِي هَذَا الْموضع جازف فِيهِ، وَمن تحاملهم جعل: اللَّام، بِمَعْنى: على، بالتحكم من غير دَلِيل وَلَا دَاع إِلَى ذَلِك، وَلَا سِيمَا أَن الْمجَاز عِنْدهم ضَرُورِيّ لَا يُصَار إِلَيْهِ إلاَّ عِنْد الضَّرُورَة، فَلَا ضررة هَهُنَا. وَأقوى مَا يرد كَلَامه هَذَا رِوَايَة ابْن أبي شيبَة:(8/20)
(فَلَا صَلَاة لَهُ) ، فَلَا يُمكن لَهُ أَن يَقُول: اللَّام، بِمَعْنى: على، لفساد الْمَعْنى. الْخَامِس: أَن قَول ابْن حبَان: هَذَا بَاطِل، جرْأَة مِنْهُ على تبطيل الصَّوَاب، فَكيف يَقُول هَذَا القَوْل وَقد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسكت عَنهُ؟ فَأَقل الْأَمر أَنه عِنْده حسن لِأَنَّهُ رَضِي بِهِ، وحاشاه من أَن يرضى بِالْبَاطِلِ. السَّادِس: مَا قَالَه الجهبذ النقاد الإِمَام أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ، رَحمَه الله، مُلَخصا، وَهِي أَن الرِّوَايَات لما اخْتلفت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الْبَاب يحْتَاج إِلَى الْكَشْف ليعلم الْمُتَأَخر مِنْهَا، فَيجْعَل نَاسِخا لما تقدم، فَحَدِيث عَائِشَة إِخْبَار عَن فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَال الْإِبَاحَة الَّتِي لم يتقدمها شَيْء، وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة إِخْبَار عَن نهي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي تقدمه الْإِبَاحَة، فَصَارَ نَاسِخا لحَدِيث عَائِشَة، وإنكار الصَّحَابَة عَلَيْهَا مِمَّا يُؤَكد ذَلِك. فَإِن قلت: من أَي قبيل يكون هَذَا النّسخ؟ قلت: من قبيل النّسخ بِدلَالَة التَّارِيخ، وَهُوَ أَن يكون أحد النصين مُوجبا للحظر وَالْآخر مُوجبا للْإِبَاحَة، فَفِي مثل هَذَا يتَعَيَّن الْمصير إِلَى النَّص الْمُوجب للحظر، لِأَن الأَصْل فِي الْأَشْيَاء الْإِبَاحَة، والحظر طَار عَلَيْهَا، فَيكون مُتَأَخِّرًا. فَإِن قلت: فَلم لَا يَجْعَل بِالْعَكْسِ؟ قلت: لِئَلَّا يلْزم النّسخ مرَّتَيْنِ، وَهَذَا ظَاهر. فَإِن قلت: لَيْسَ بَين الْحَدِيثين مُنَافَاة فَلَا تعَارض فَلَا يحْتَاج إِلَى التَّوْفِيق؟ قلت: ظهر لَك صِحَة حَدِيث أبي هُرَيْرَة؟ بالوجوه الَّتِي ذَكرنَاهَا فَثَبت التَّعَارُض (فَإِن قلت) مُسلم أخرج حَدِيث عَائِشَة وَلم يخرج حَدِيث أبي هُرَيْرَة قلت: لَا يلْزم من ترك مُسلم تَخْرِيجه عدم صِحَّته، لِأَنَّهُ لم يلْتَزم بِإِخْرَاج كل مَا صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَذَلِكَ البُخَارِيّ، وَلَئِن سلمنَا ذَلِك وَأَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة لَا يَخْلُو من كَلَام، فَكَذَلِك حَدِيث عَائِشَة لَا يَخْلُو عَن كَلَام، لِأَن جمَاعَة من الْحفاظ مثل الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره عابوا على مُسلم تَخْرِيجه إِيَّاه مُسْندًا، لِأَن الصَّحِيح أَنه مُرْسل كَمَا رَوَاهُ مَالك والماجشون عَن أبي النَّضر عَن عَائِشَة مُرْسلا، والمرسل لَيْسَ بِحجَّة عِنْدهم. وَقد أول بعض أَصْحَابنَا حَدِيث عَائِشَة بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا صلى فِي الْمَسْجِد بِعُذْر مطر. وَقيل: بِعُذْر الِاعْتِكَاف، وعَلى كل: تَقْدِير الصَّلَاة على الْجِنَازَة خَارج الْمَسْجِد أولى وَأفضل، بل أوجب، لِلْخُرُوجِ عَن الْخلاف، لَا سِيمَا فِي بَاب الْعِبَادَات. وَلِأَن الْمَسْجِد بني لأَدَاء الصَّلَوَات المكتوبات فَيكون غَيرهَا فِي خَارج الْمَسْجِد أولى وَأفضل. فَإِن قلت: قَالُوا: خُرُوج النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الْمَسْجِد إِلَى الْمصلى كَانَ لِكَثْرَة الْمُصَلِّين وللإعلام. قلت: نَحن أَيْضا نقُول صلَاته فِي الْمَسْجِد كَانَ للمطر أَو للاعتكاف كَمَا ذكرنَا.
الْوَجْه الثَّالِث فِيهِ: دَلِيل على أَن سنة هَذِه الصَّلَاة الصَّفّ كَسَائِر الصَّلَوَات، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث مَالك بن هُبَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من صلى عَلَيْهِ ثَلَاثَة صُفُوف فقد أوجب) ، مَعْنَاهُ: وَجَبت لَهُ الْجنَّة، أَو وَجَبت لَهُ الْمَغْفِرَة، وروى النَّسَائِيّ من رِوَايَة الحكم بن فروخ، قَالَ: صلى بِنَا أَبُو الْمليح على حنازة فظننا أَنه كبر، فَأقبل علينا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: أقِيمُوا صفوفكم ولتحسن شفاعتكم، وَقَالَ أَبُو الْمليح: حَدثنِي عبد الله عَن إِحْدَى أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ، وَهِي مَيْمُونَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَت: أَخْبرنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: مَا من ميت يُصَلِّي عَلَيْهِ أمة من النَّاس إلاَّ شفعوا فِيهِ، فَسَأَلت أَبَا الْمليح عَن الْأمة، قَالَ: أَرْبَعُونَ.
الْوَجْه الرَّابِع فِيهِ: حجَّة لمن جوز الصَّلَاة على الْغَائِب، وَمِنْهُم الشَّافِعِي وَأحمد. قَالَ النَّوَوِيّ: فَإِن كَانَ الْمَيِّت فِي الْبَلَد فَالْمَذْهَب أَنه لَا يجوز أَن يصلى عَلَيْهِ حَتَّى يحضر عِنْده، وَقيل: يجوز، وَفِي الرَّافِعِيّ: يَنْبَغِي أَن لَا يكون بَين الإِمَام وَالْمَيِّت أَكثر من مِائَتي ذِرَاع، أَو ثلثمِائة تَقْرِيبًا.
فرع: عِنْدهم: لَو صلى على الْأَمْوَات الَّذين مَاتُوا فِي قَرْيَة وغسلوا فِي الْبَلَد الْفُلَانِيّ، وَلَا يعرف عَددهمْ، جَازَ. قَالَه فِي (الْبَحْر) . قَالَ فِي (التَّوْضِيح) : وَهُوَ صَحِيح، لَكِن لَا يخْتَص بِبَلَد، وَقَالَ الْخطابِيّ: النَّجَاشِيّ رجل مُسلم قد آمن برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصدقه على ثُبُوته إلاَّ أَنه كَانَ يكتم إيمَانه، وَالْمُسلم إِذا مَاتَ وَجب على الْمُسلمين أَن يصلوا عَلَيْهِ، إلاَّ أَنه كَانَ بَين ظهراني أهل الْكفْر وَلم يكن بِحَضْرَتِهِ من يقوم بِحقِّهِ فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ، فَلَزِمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يفعل ذَلِك، إِذْ هُوَ نبيه ووليه وأحق النَّاس بِهِ، فَهَذَا وَالله أعلم هُوَ السَّبَب الَّذِي دَعَاهُ إِلَى الصَّلَاة عَلَيْهِ بِظهْر الْغَيْب، فعلى هَذَا إِذا مَاتَ الْمُسلم بِبَلَد من الْبلدَانِ وَقد قضى حَقه من الصَّلَاة عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يصلى عَلَيْهِ من كَانَ بِبَلَد آخر غَائِبا عَنهُ، فَإِن علم أَنه لم يصل عَلَيْهِ لعائق أَو مَانع عذر كَانَ السّنة(8/21)
أَن يصلى عَلَيْهِ وَلَا يتْرك ذَلِك لبعد الْمسَافَة، فَإِذا صلوا عَلَيْهِ استقبلوا الْقبْلَة وَلم يتوجهوا إِلَى بلد الْمَيِّت إِن كَانَ فِي غير جِهَة الْقبْلَة، وَقد ذهب بعض الْعلمَاء إِلَى كَرَاهَة الصَّلَاة على الْمَيِّت الْغَائِب، وَزَعَمُوا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مَخْصُوصًا بِهَذَا الْفِعْل، إِذْ كَانَ فِي حكم الْمشَاهد للنجاشي لما رُوِيَ فِي بعض الْأَخْبَار أَنه قد سويت لَهُ الأَرْض حَتَّى يبصر مَكَانَهُ، وَهَذَا تَأْوِيل فَاسد، لِأَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا فعل شَيْئا من أَفعَال الشَّرِيعَة كَانَ علينا اتِّبَاعه والأيتساء بِهِ، والتخصيص لَا يعلم إلاَّ بِدَلِيل، وَمِمَّا يبين ذَلِك أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خرج بِالنَّاسِ إِلَى الصَّلَاة، فَصف بهم وصلوا مَعَه، فَعلم أَن هَذَا التَّأْوِيل فَاسد. قلت: هَذَا التشنيع كُله على الْحَنَفِيَّة من غير تَوْجِيه وَلَا تَحْقِيق، فَنَقُول: مَا يظْهر لَك فِيهِ دفع كَلَامه، وَهُوَ أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رفع سَرِيره فَرَآهُ، فَتكون الصَّلَاة عَلَيْهِ كميت رَآهُ الإِمَام وَلَا يرَاهُ الْمَأْمُوم. فَإِن قلت: هَذَا يحْتَاج إِلَى نقل يُبينهُ، وَلَا يَكْتَفِي فِيهِ بِمُجَرَّد الِاحْتِمَال. قلت: ورد مَا يدل على ذَلِك، فروى ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن: (أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِن أَخَاكُم النَّجَاشِيّ توفّي، فَقومُوا صلوا عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وصفوا خَلفه فَكبر أَرْبعا وهم يظنون أَن جنَازَته بَين يَدَيْهِ، وَجَوَاب آخر: أَنه من بَاب الضَّرُورَة، لِأَنَّهُ مَاتَ بِأَرْض لم تقم فِيهَا عَلَيْهِ فَرِيضَة الصَّلَاة، فَتعين فرض الصَّلَاة عَلَيْهِ لعدم من يُصَلِّي عَلَيْهِ ثمَّة، وَيدل على ذَلِك أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يصل على غَائِب غَيره، وَقد مَاتَ من الصَّحَابَة خلق كثير وهم غائبون عَنهُ، وَسمع بهم فَلم يصل عَلَيْهِم إلاَّ غَائِبا وَاحِدًا ورد أَنه طويت لَهُ الأَرْض حَتَّى حَضَره وَهُوَ: مُعَاوِيَة بن مُعَاوِيَة الْمُزنِيّ، روى حَدِيثه الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه الْأَوْسَط) وَكتاب (مُسْند الشاميين) : حَدثنَا عَليّ بن سعيد الرَّازِيّ حَدثنَا نوح بن عُمَيْر بن حوى السكْسكِي حَدثنَا بَقِيَّة بن الْوَلِيد عَن مُحَمَّد بن زِيَاد الْأَلْهَانِي (عَن أبي أُمَامَة، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بتبوك فَنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن مُعَاوِيَة بن مُعَاوِيَة الْمُزنِيّ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ، أَتُحِبُّ أَن تطوى لَك الأَرْض فَتُصَلِّي عَلَيْهِ؟ قَالَ: نعم، فَضرب بجناحه على الأَرْض وَرفع لَهُ سَرِيره فصلى عَلَيْهِ وَخَلفه صفان من الْمَلَائِكَة، فِي كل صف سَبْعُونَ ألف ملك، ثمَّ رَجَعَ، وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجبريل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: بِمَ أدْرك هَذَا؟ قَالَ: بحبه سُورَة: قل هُوَ الله أحد، وقراءته إِيَّاهَا جاثيا وذاهبا وَقَائِمًا وَقَاعِدا وعَلى كل حَال) . انْتهى. فَإِن قلت: قد صلى على اثْنَيْنِ أَيْضا وهما غائبان وهما زيد بن حَارِثَة وجعفر بن أبي طَالب، ورد عَنهُ أَنه كشف لَهُ عَنْهُمَا أخرجه الْوَاقِدِيّ فِي كتاب (الْمَغَازِي) فَقَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن صَالح عَن عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة، وحَدثني عبد الْجَبَّار بن عمَارَة عَن عبد الله بن أبي بكر، قَالَا: لما التقى النَّاس بمؤتة جلس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر وكشف لَهُ مَا بَينه وَبَين الشَّام، فَهُوَ ينظر إِلَى معتركهم، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَخذ الرَّايَة زيد بن حَارِثَة فَمضى حَتَّى اسْتشْهد، وَصلى عَلَيْهِ ودعا لَهُ: وَقَالَ: اسْتَغْفرُوا لَهُ وَقد دخل الْجنَّة وَهُوَ يسْعَى ثمَّ أَخذ الرَّايَة جَعْفَر بن أبي طَالب فَمضى حَتَّى اسْتشْهد، فصلى عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودعا لَهُ، وَقَالَ: اسْتَغْفرُوا لَهُ وَقد دخل الْجنَّة، فَهُوَ يطير فِيهَا بجناحيه حَيْثُ شَاءَ. قلت: هُوَ مُرْسل من الطَّرِيقَيْنِ الْمَذْكُورين، والمرسل لَيْسَ بِحجَّة، على أَنهم يَقُولُونَ: فِي الْوَاقِدِيّ مقَال، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) فِي معرض التحامل: وَمن ادّعى أَن الأَرْض طويت لَهُ حَتَّى شَاهده لَا دَلِيل عَلَيْهِ، وَإِن كَانَت الْقُدْرَة صَالِحَة لذَلِك. قلت: كَأَنَّهُ لم يطلع على مَا رَوَاهُ ابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ، وَقد ذَكرْنَاهُ الْآن، وَوَقع فِي كَلَام ابْن بطال تَخْصِيص ذَلِك بالنجاشي، فَقَالَ: بِدَلِيل إطباق الْأمة على ترك الْعَمَل بِهَذَا الحَدِيث، قَالَ: وَلم أجد لأحد من الْعلمَاء إجَازَة الصَّلَاة على الْغَائِب إلاَّ مَا ذكره ابْن زيد عَن عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة فَإِنَّهُ قَالَ: إِذا استؤذن أَنه غرق أَو قتل أَو أكله السبَاع وَلم يُوجد مِنْهُ شَيْء صلى عَلَيْهِ، كَمَا فعل بالنجاشي، وَبِه قَالَ ابْن حبيب، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: أَكثر أهل الْعلم يَقُولُونَ: إِن ذَلِك مَخْصُوص بِهِ، وَأَجَازَهُ بَعضهم إِذا كَانَ فِي يَوْم الْمَوْت أَو قريب مِنْهُ، وَفِي (المُصَنّف) عَن الْحسن إِنَّمَا دَعَا لَهُ وَلم يصل.
الْوَجْه الْخَامِس: فِي أَن التَّكْبِير على الْجِنَازَة أَرْبَعَة، وَصرح بذلك فِي الحَدِيث وَهُوَ آخر مَا اسْتَقر عَلَيْهِ أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ ابْن أبي ليلى: يكبر خمْسا، وَإِلَيْهِ ذهب الشِّيعَة. وَقيل: ثَلَاثًا، قَالَه بعض الْمُتَقَدِّمين، وَقيل: أَكْثَره سبع وَأقله ثَلَاث، ذكره القَاضِي أَبُو مُحَمَّد، وَقيل: سِتّ، ذكره ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعَن أَحْمد: لَا ينقص من أَربع وَلَا يُزَاد على سبع. وَقَالَ ابْن(8/22)
مَسْعُود: يكبر مَا كبر إِمَامه، وروى مُسلم من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى. قَالَ: كَانَ زيد بن أَرقم يكبر على جنائزنا خمْسا، فَسَأَلته، فَقَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكبرها، وَرَوَاهُ أَيْضا أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه والطَّحَاوِي، وَقَالَ: ذهب قوم إِلَى أَن التَّكْبِير على الْجَنَائِز خمس، وَأخذُوا بِهَذَا الحَدِيث. قلت: أَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ: عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، وَعِيسَى مولى حُذَيْفَة وَأَصْحَاب معَاذ بن جبل وَأَبا يُوسُف من أَصْحَاب أبي حنيفَة، وَإِلَيْهِ ذهبت الظَّاهِرِيَّة والشيعة. وَفِي (الْمَبْسُوط) وَهِي رِوَايَة عَن أبي يُوسُف، وَقَالَ الْحَازِمِي: وَمِمَّنْ رأى التَّكْبِير على الْجِنَازَة خمْسا ابْن مَسْعُود وَزيد بن أَرقم وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان. وَقَالَ فرقة: يكبر سبعا، رُوِيَ ذَلِك عَن ذَر بن حُبَيْش. وَقَالَ فرقة: يكبر ثَلَاثًا روى ذَلِك عَن أنس وَجَابِر بن زيد، وَحَكَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ. قلت: أَرَادَ بهم مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَابْن سِيرِين وَالنَّخَعِيّ وسُويد بن غَفلَة وَالثَّوْري وَأَبا حنيفَة ومالكا وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبا مجلز لَاحق بن حميد، ويحكى ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب وَابْنه عبد الله وَزيد بن ثَابت وَجَابِر وَابْن أبي أوفى وَالْحسن بن عَليّ والبراء بن عَازِب، وَأبي هُرَيْرَة وَعقبَة بن عَامر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَلم يذكر التَّسْلِيم هُنَا فِي حَدِيث النَّجَاشِيّ. وَذكر فِي حَدِيث سعيد ابْن الْمسيب رِوَايَة ابْن حبيب عَن مطرف عَن مَالك، وَاسْتَغْرَبَهُ ابْن عبد الْبر، قَالَ: إِلَّا أَنه لَا خلاف عَلمته بَين الْعلمَاء من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمن بعدهمْ من الْفُقَهَاء فِي السَّلَام، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا: هَل هِيَ وَاحِدَة أَو اثْنَتَانِ؟ فالجمهور على تَسْلِيمَة وَاحِدَة، وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي، وَقَالَت طَائِفَة: تسليمتان، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَهُوَ قَول الشّعبِيّ، وَرِوَايَة عَن إِبْرَاهِيم، وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنهُ وَاحِدَة: عمر وَابْنه عبد الله وَعلي وَابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة وَجَابِر وَأنس وَابْن أبي أوفى وواثلة وَسَعِيد بن جُبَير وَعَطَاء وَجَابِر بن زيد وَابْن سِيرِين وَالْحسن وَمَكْحُول وَإِبْرَاهِيم فِي رِوَايَة. وَقَالَ الْحَاكِم: صحت الرِّوَايَة فِي الْوَاحِدَة عَن عَليّ وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَجَابِر وَأبي هُرَيْرَة وَابْن أبي أوفى أَنهم كَانُوا يسلمُونَ تَسْلِيمَة وَاحِدَة، وَقَالَ ابْن التِّين: وَسَأَلَ أَشهب مَالِكًا: أتكره السَّلَام فِي صَلَاة الْجَنَائِز؟ قَالَ: لَا، وَقد كَانَ ابْن عمر يسلم. قَالَ: فاستناد مَالك إِلَى فعل ابْن عمر دَلِيل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسلم فِي صلَاته على النَّجَاشِيّ وَلَا على غَيره.
6421 - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ حدَّثنا أيُّوبُ عنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخَذَ الرَّايةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أخَذَهَا عَبْدُ الله بنُ رَوَاحَةَ فأُصِيبَ وَإنَّ عَيْنَيْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَتَذْرِفَانِ ثُمَّ أخَذَهَا خالِدُ بنُ الوَلِيدِ منْ غَيْرِ إمْرَةٍ فَفُتِحَ لَهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَخذ الرَّايَة زيد. .) إِلَى آخِره نعى مِنْهُ إِلَيْهِم، لِأَنَّهُ أخبر بموتهم. غَايَة مَا فِي الْبَاب أَنه صرح بالنعي فِي الحَدِيث السَّابِق وَهَهُنَا ذكره بِالْمَعْنَى، وَصرح بالنعي فِي عَلَامَات النُّبُوَّة حَيْثُ قَالَ: (إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعى زيدا وجعفرا. .) الحَدِيث.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَمعمر، بِفَتْح الميمين: عبد الله بن عَمْرو المقعد، وَعبد الْوَارِث ابْن سعيد وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ.
وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن يُوسُف بن يَعْقُوب وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم فرقهما، وَفِي عَلَامَات النُّبُوَّة: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَفِي فضل خَالِد وَفِي الْمَغَازِي عَن أَحْمد بن وَاقد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَخذ الرَّايَة زيد) ، وقصته فِي غَزْوَة مُؤْتَة، وَهِي مَوضِع فِي أَرض البلقاء من أَطْرَاف الشَّام، وَذَلِكَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرسل سَرِيَّة فِي جُمَادَى الأولى من سنة ثَمَان، وَاسْتعْمل عَلَيْهِم زيد بن حَارِثَة، وَقَالَ: إِن أُصِيب زيد فجعفر ابْن أبي طَالب على النَّاس، فَإِن أُصِيب جَعْفَر فعبد الله بن رَوَاحَة على النَّاس، فَخَرجُوا وهم ثَلَاثَة آلَاف فتلاقوا مَعَ الْكفَّار فَاقْتَتلُوا فَقتل زيد بن حَارِثَة ثمَّ أَخذ الرَّايَة جَعْفَر بن أبي طَالب فقاتل بهَا حَتَّى قتل، ثمَّ أَخذهَا عبد الله بن رَوَاحَة فقاتل بهَا حَتَّى قتل، ثمَّ أَخذهَا خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَفتح الله على يَدَيْهِ. وَعَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعى زيدا(8/23)
وجعفرا وَابْن رَوَاحَة للنَّاس قبل أَن يَأْتِيهم خبر، وَلما أخبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بخبرهم حَتَّى قَالَ: ثمَّ أَخذ الرَّايَة سيف من سيوف الله حَتَّى فتح الله عَلَيْهِم، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ عَن ابْن عمر: فالتمسنا جَعْفَر بن أبي طَالب فوجدناه فِي الْقَتْلَى، وَوجدنَا فِي جسده بضعا وَسبعين من طعنة ورمية، وَعَن خَالِد: لقد انْقَطَعت فِي يَدي يَوْم مُؤْتَة تِسْعَة أسياف فَمَا بَقِي فِي يديّ إلاَّ صفيحة يَمَانِية، رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَزيد هُوَ ابْن حَارِثَة بن شرَاحِيل بن كَعْب الْكَلْبِيّ الْقُضَاعِي مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أعْتقهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتبناه، وَلم يذكر الله تَعَالَى أحدا من الصَّحَابَة فِي الْقُرْآن باسمه الْخَاص إلاَّ زيدا، قَالَ الله تَعَالَى: {فَلَمَّا قضى زيد مِنْهَا وطرا} (الْأَحْزَاب: 73) . وجعفر ابْن أبي طَالب الْهَاشِمِي الطيار ذُو الجناحين، وَهُوَ صَاحب الهجرتين، الْجواد ابْن الْجواد، وَكَانَ أَمِير الْمُهَاجِرين إِلَى الْحَبَشَة. وَعبد الله بن رَوَاحَة، بِفَتْح الرَّاء وَتَخْفِيف الْوَاو وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة: الخزرجي الْمدنِي، أحد النُّقَبَاء لَيْلَة الْعقبَة. قَوْله: (لتذرفان) اللَّام للتَّأْكِيد، وتذرفان، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة من: ذرفت عينه إِذا سَالَ مِنْهَا الدمع. قَوْله: (من غير إمرة) بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْمِيم وَفتح الرَّاء.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: دَلِيل النُّبُوَّة لِأَنَّهُ أخبر بأصابتهم فِي الْمَدِينَة وهم بمؤتة، وَكَانَ كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِيه: جَوَاز الْبكاء على الْمَيِّت. وَفِيه: أَن الرَّحْمَة الَّتِي تكون فِي الْقلب محمودة. وَفِيه: جَوَاز تولي أَمر الْقَوْم من غير تَوْلِيَة إِذا خَافَ ضيَاعه وَحُصُول الْفساد بِتَرْكِهِ، وَقَالَ الْخطابِيّ: لما نظر خَالِد بعد مَوْتهمْ وَهُوَ فِي ثغر مخوف وبإزاء عَدو عَددهمْ جم وبأسهم شَدِيد خَافَ ضيَاع الْأَمر وهلاك من مَعَه من الْمُسلمين، فتصدى للإمارة عَلَيْهِم وَأخذ الرَّايَة من غير تأمير وَقَاتل إِلَى أَن فتح الله على الْمُسلمين، فَرضِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعله، إِذْ وَافق الْحق، وَإِن لم يكن من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذن وَلَا من الْقَوْم الَّذين مَعَه بيعَة وتأمير، فَصَارَ هَذَا أصلا فِي الضرورات إِذا وَقعت من معاظم أَمر الدّين فِي أَنَّهَا لَا تراعى فِيهَا شَرَائِط أَحْكَامهَا عِنْد عدم الضَّرُورَة، وَكَذَا فِي حُقُوق آحَاد أَعْيَان النَّاس، مثل أَن يَمُوت رجل بفلاة وَقد خلف تَرِكَة، فَإِن على من شهده حفظ مَاله وإيصاله إِلَى أَهله وَإِن لم يوص المتوفي بذلك فَإِن النَّصِيحَة وَاجِبَة للْمُسلمين. وَفِيه: أَيْضا جَوَاز دُخُول الْخطر فِي الوكالات وتعليقها بالشرائط.
5 - (بابُ الإذنِ بِالجَنَازَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْإِذْن، بِكَسْر الْهمزَة، وَالْمرَاد الْعلم بهَا، ويروى: بَاب الْأَذَان أَي: الْإِعْلَام بهَا. وَقيل: بَاب الآذان، بِمد الْهمزَة وَكسر الذَّال على وزن الْفَاعِل، وَهُوَ الَّذِي يُؤذن بالجنازة أَي: يعلم بهَا بِأَنَّهَا تهيأت، وَالْفرق بَين هَذِه التَّرْجَمَة والترجمة الَّتِي قبلهَا أَن الأولى إِعْلَام وَلَيْسَ لَهُ علم بِالْمَيتِ، وَهَذِه إِعْلَام من أعلم يتهيء أمره.
وقالَ أبُو رافِعٍ عَن أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا آذَنْتُمُونِي
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو رَافع الصَّائِغ اسْمه: نفيع، بِضَم النُّون، وَهُوَ طرف حَدِيث أخرجه فِي: بَاب كنس الْمَسْجِد والتقاط الْخرق، حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب، قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن ثَابت عَن أبي رَافع (عَن أبي هُرَيْرَة: أَن رجلا أسود، أَو امْرَأَة سَوْدَاء، كَانَ يقم الْمَسْجِد فَمَاتَ، فَسَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ فَقَالُوا: مَاتَ، فَقَالَ: أَفلا كُنْتُم آذنتموني بِهِ؟ دلوني على قَبره أَو على قبرها فَأتى قَبره فصلى عَلَيْهَا) . وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
7421 - حدَّثنا مُحَمَّدٌ قَالَ أخبرنَا أبُو مُعَاوِيَةَ عنْ أبِي إسْحَاقَ الشَّيْبَانِي عنِ الشَّعْبِيَّ عنِ ابنِ عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ ماتَ إنْسَانٌ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعُودُهُ فَمَاتَ باللَّيْلِ فَدَفَنُوهُ لَيْلاً فلَمَّا أصْبَحَ أخْبَرُوهُ فَقَالَ مَا منَعَكُمْ أنْ تُعْلِمُونِي قالُوا كانَ اللَّيْلُ فَكَرِهْنَا وكانَتْ ظُلْمَةٌ أنَّ نَشُقَّ عَلَيْكَ فأتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَليهِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (مَا منعكم أَن تعلموني؟) .
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن سَلام أَو ابْن الْمثنى(8/24)
لِأَن كلا مِنْهُمَا روى عَن أبي مُعَاوِيَة، وَلَكِن جزم أَبُو عَليّ بن السكن فِي رِوَايَته عَن الْفربرِي أَنه مُحَمَّد بن سَلام. الثَّانِي: أَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالزَّاي: الضَّرِير. الثَّالِث: أَبُو إِسْحَاق بن أبي سُلَيْمَان فَيْرُوز الشَّيْبَانِيّ، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة. الرَّابِع: عَامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ. الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده، وَهُوَ البيكندي البُخَارِيّ، وَبَقِيَّة الروَاة كوفيون. وَفِيه: ذكر شَيْخه بِلَا نِسْبَة وإثنان بالكنية وَوَاحِد بِالنِّسْبَةِ إِلَى شعب بطن من هَمدَان.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن غنْدر، وَفِي الْجَنَائِز عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم وَسليمَان بن حَرْب وحجاج بن منهال، فرقهم أربعتهم عَن شُعْبَة، وَفِيه عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن عبد الْوَاحِد وَعَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن جرير وَعَن مُحَمَّد وَعَن أبي مُعَاوِيَة هُنَا وَعَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن يحيى بن أبي بكير عَن زَائِدَة، خمستهم عَن أبي إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ عَنهُ بِهِ. وَأخرجه مُسلم فِي الْجَنَائِز عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن الْحسن بن الرّبيع وَأبي كَامِل الجحدري وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن عبيد الله بن معَاذ وَعَن الْحسن بن الرّبيع وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير وَعَن يحيى ابْن يحيى وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَهَارُون بن عبد الله وَعَن أبي غَسَّان، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُحَمَّد ابْن الْعَلَاء، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن منيع. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم وَعَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد.
ذكر اخْتِلَاف الْأَلْفَاظ فِيهِ: وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ: (فَقَالَ: مَتى دفن؟ فَقَالُوا: البارحة) . وَفِي لفظ مُسلم: (انْتهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قبر رطب) . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: روى هريم بن سُفْيَان عَن الشّعبِيّ (فَقَالَ: بعد مَوته بِثَلَاث لَيَال) ، وروى عَن إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّاء عَن الشَّيْبَانِيّ، (فَقَالَ: صلى على قَبره بعد مَا دفن بليلتين) ، وَرَوَاهُ بشر بن آدم وَغَيره عَن أبي عَاصِم عَن سُفْيَان عَن الشَّيْبَانِيّ: (صلى على قبر بعد شهر) . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفرد بِهَذَا بشر بن آدم وَخَالفهُ عَن أبي عَاصِم وَهُوَ الْعَبَّاس بن مُحَمَّد، فَقَالَ: (صلى على قبر بَعْدَمَا دفن) ، وروى التِّرْمِذِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن سعيد بن الْمسيب: (أَن أم سعد مَاتَت وَالنَّبِيّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، غَائِب، فَلَمَّا قدم صلى عَلَيْهَا وَقد مضى لذَلِك شهر) . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: (قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق: (أَكثر مَا سمعنَا عَن ابْن الْمسيب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى على قبر أم سعد بن عبَادَة بعد شهر) . فَإِن قلت: قد وَردت الصَّلَاة على الْقَبْر بعد سنة فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من رِوَايَة أبي معبد بن معبد بن أبي قَتَادَة أَن الْبَراء بن معْرور كَانَ أول من اسْتقْبل الْقبْلَة وَكَانَ أحد السّبْعين النُّقَبَاء فَقدم الْمَدِينَة قبل أَن يُهَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل يُصَلِّي نَحْو الْقبْلَة، فَلَمَّا حَضرته الْوَفَاة أوصى بِثلث مَاله لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَضَعهُ حَيْثُ يَشَاء، وَقَالَ: وجهوني إِلَى الْقبْلَة فِي قَبْرِي، فَقدم النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد سنة فصلى عَلَيْهِ هُوَ وَأَصْحَابه، ورد ثلث مِيرَاثه على وَلَده. قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد رِوَايَته: كَذَا وجدت فِي كتابي، وَالصَّوَاب: بعد شهر.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (مَاتَ إِنْسَان كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعودهُ) قيل: الْإِنْسَان هَذَا هُوَ: طَلْحَة بن الْبَراء ابْن عُمَيْر البلوي، حَلِيف الْأَنْصَار، وروى الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عُرْوَة بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه (عَن حُصَيْن بن وحوح الْأنْصَارِيّ: أَن طَلْحَة بن الْبَراء مرض فَأَتَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعودهُ، فَقَالَ: إِنِّي لَا أرى طَلْحَة إلاَّ قد حدث فِيهِ الْمَوْت، فآذنوني بِهِ وعجلوا، فَلم يبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني سَالم بن عَوْف حَتَّى توفّي، وَكَانَ قَالَ لأَهله لما دخل اللَّيْل: إِذا مت فادفنوني وَلَا تَدْعُو رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْهِ يهود أَن يصاب بسببي، فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أصبح، فجَاء حَتَّى وقف على قَبره فَصف النَّاس مَعَه ثمَّ رفع يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إلق طَلْحَة يضْحك إِلَيْك وتضحك إِلَيْهِ) . وَأخرجه أَبُو دَاوُد مُخْتَصرا من حَدِيث الْحصين بن وحوح: (أَن طَلْحَة بن الْبَراء مرض فَأَتَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعودهُ فَقَالَ: إِنِّي لَا أرى طَلْحَة إلاَّ قد حدث بِهِ الْمَوْت، فآذنوني بِهِ وعجلوا فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لجيفة مُسلم أَن تحبس بَين ظهراني أَهله. .) وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : إِن هَذَا الْإِنْسَان هُوَ الْمَيِّت الْمَذْكُور(8/25)
فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي يقم الْمَسْجِد. قيل: وَهَذَا وهم، لِأَن الصَّحِيح فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنَّهَا امْرَأَة يُقَال لَهَا: أم محجن. قَوْله: (فَلَمَّا أصبح) أَي: دخل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الصَّباح. قَوْله: (وَكَانَ اللَّيْل) بِرَفْع اللَّيْل، وَكَانَ تَامَّة، وَكَذَا كَانَ فِي: (كَانَت ظلمَة) . قَوْله: (أَن نشق) ، كلمة أَن مَصْدَرِيَّة أَي: كرهنا الْمَشَقَّة عَلَيْهِ. وَقَوله: (وَكَانَت ظلمَة) ، جملَة مُعْتَرضَة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: عِيَادَة الْمَرِيض، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً، وَفِيه: جَوَاز دفن الْمَيِّت بِاللَّيْلِ، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَطاء (عَن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل قبرا لَيْلًا فأسرج لَهُ بسراج، فَأخذ من قبل الْقبْلَة وَقَالَ: رَحِمك الله إِن كنت لأواها تلاءً لِلْقُرْآنِ، وَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا) ، ثمَّ قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَرخّص أَكثر أهل الْعلم فِي الدّفن بِاللَّيْلِ، وروى ابْن أبي شيبَة فِي (المُصَنّف) بِإِسْنَادِهِ (عَن أبي ذَر، قَالَ: كَانَ رجل يطوف بِالْبَيْتِ يَقُول: أوه أوه. قَالَ أَبُو ذَر: فَخرجت لَيْلَة فَإِذا النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الْمَقَابِر يدْفن ذَلِك الرجل وَمَعَهُ مِصْبَاح) . وَفِيه: الْأذن بالجنازة والإعلام بِهِ، وَقد مر بَيَانه مَعَ الْخلاف فِيهِ. وَفِيه: تَعْجِيل الْجِنَازَة، فَإِنَّهُم ظنُّوا أَن ذَلِك آكِد من إيذانه. وَفِيه: جَوَاز الصَّلَاة على الْقَبْر وَفِيه خلاف، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: الْعَمَل على هَذَا، أَي: الصَّلَاة على الْقَبْر عِنْد أَكثر أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيرهم، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق. وَقَالَ بعض أهل الْعلم: لَا يصلى على الْقَبْر، وَهُوَ قَول مَالك بن أنس، وَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك: إِذا دفن الْمَيِّت وَلم يصل عَلَيْهِ صلى على الْقَبْر. وَقَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق: يصلى على الْقَبْر إِلَى شهر، وَقَالَ ابْن التِّين: جُمْهُور أَصْحَاب مَالك على الْجَوَاز خلافًا لأَشْهَب وَسَحْنُون فَإِنَّهُمَا قَالَا: إِن نسي أَن يُصَلِّي على الْمَيِّت فَلَا يُصَلِّي على قَبره وليدع لَهُ. وَقَالَ ابْن قَاسم وَسَائِر أَصْحَابنَا: يصلى على الْقَبْر إِذا فَاتَت الصَّلَاة على الْمَيِّت، فَإِذا لم تفت وَكَانَ قد صلي عَلَيْهِ فَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك: ذَلِك جَائِز، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَعبد الله بن وهب وَابْن عبد الحكم وَأحمد وَإِسْحَاق وَدَاوُد وَسَائِر أَصْحَاب الحَدِيث، وكرهها النَّخعِيّ وَالْحسن، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث بن سعد، قَالَ ابْن الْقَاسِم: قلت لمَالِك: فَالْحَدِيث الَّذِي جَاءَ فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ؟ قَالَ: قد جَاءَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَل، وَقَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) : وَإِن دفن الْمَيِّت وَلم يصل عَلَيْهِ صلي على قَبره، وَلَا يخرج مِنْهُ وَيُصلي عَلَيْهِ مَا لم يعلم أَنه تفرق، هَكَذَا فِي (الْمَبْسُوط) ؛ وَإِذا شكّ فِي ذَلِك نَص الْأَصْحَاب على أَنه لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد، وَهُوَ قَول عمر وَأبي مُوسَى وَعَائِشَة وَابْن سِيرِين وَالْأَوْزَاعِيّ، وَهل يشْتَرط فِي جَوَاز الصَّلَاة على قَبره كَونه مَدْفُونا بعد الْغسْل؟ فَالصَّحِيح أَنه يشْتَرط، وروى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد: أَنه لَا يشْتَرط، وَفِي (الْمُحِيط) : لَو صلى عَلَيْهِ من لَا ولَايَة لَهُ عَلَيْهِ يُصَلِّي على قَبره، وَيُصلي عَلَيْهِ قبل أَن يتفسخ، وَالْمُعْتَبر فِي ذَلِك أكبر الرَّأْي، أَي: غَالب الظَّن، فَإِن كَانَ غَالب الظَّن أَنه تفسخ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ غَالب الظَّن أَنه لم يتفسخ يُصَلِّي عَلَيْهِ، وَإِذا شكّ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف: يُصَلِّي عَلَيْهِ إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام وَبعدهَا لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ، وللشافعية سِتَّة أوجه. أَولهَا: إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام. ثَانِيهَا: إِلَى شهر، كَقَوْل أَحْمد. ثَالِثهَا: مَا لم يبل جسده. رَابِعهَا: يُصَلِّي عَلَيْهِ من كَانَ من أهل الصَّلَاة عَلَيْهِ يَوْم مَوته. خَامِسهَا: يُصَلِّي عَلَيْهِ من كَانَ من أهل فرض الصَّلَاة عَلَيْهِ يَوْم مَوته. سادسها: يُصَلِّي عَلَيْهِ أبدا، فعلى هَذَا تجوز الصَّلَاة على قُبُور الصَّحَابَة وَمن قبلهم الْيَوْم، وَاتَّفَقُوا على تَضْعِيفه، وَمِمَّنْ صرح بِهِ: الْمَاوَرْدِيّ والمحاملي والفوراني وَالْبَغوِيّ وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ. فَإِن قلت: فِي البُخَارِيّ عَن عقبَة بن عَامر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى على قَتْلَى أحد بعد ثَمَان سِنِين. قلت: أجَاب السَّرخسِيّ فِي (الْمَبْسُوط) وَغَيره: أَن ذَلِك مَحْمُول على الدُّعَاء، وَلكنه غير سديد، لِأَن الطَّحَاوِيّ روى عَن عقبَة بن عَامر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج يَوْمًا فصلى على قَتْلَى أحد صلَاته على الْمَيِّت، وَالْجَوَاب السديد: أَن أَجْسَادهم لم تبل.
6 - (بابُ فَضْلِ منْ ماتَ لَهُ وَلَدٌ فاحْتَسَبَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل من مَاتَ لَهُ ولد فاحتسب، أَي: صَبر رَاضِيا بِقَضَاء الله تَعَالَى راجيا لِرَحْمَتِهِ وغفرانه، والاحتساب من الْحسب، كالاعتداد من الْعدَد، وَإِنَّمَا قيل لمن يَنْوِي بِعَمَلِهِ وَجه الله: احتسبه، لِأَن لَهُ حِينَئِذٍ أَن يعْتد بِعَمَلِهِ، فَجعل فِي حَال مُبَاشرَة الْفِعْل كَأَنَّهُ مُعْتَد بِهِ، والاحتساب فِي الْأَعْمَال الصَّالِحَة، وَعند المكروهات هُوَ البدار إِلَى طلب الْأجر وتحصيله بِالتَّسْلِيمِ وَالصَّبْر أَو بِاسْتِعْمَال أَنْوَاع الْبر وَالْقِيَام بهَا على الْوَجْه المرسوم فِيهَا طلبا للثَّواب المرجو مِنْهَا، وَإِنَّمَا ذكر لفظ الْوَلَد ليتناول(8/26)
الذّكر وَالْأُنْثَى وَالْوَاحد فَمَا فَوْقه. فَإِن قلت: أَحَادِيث الْبَاب ثَلَاثَة، وفيهَا التَّقْيِيد بِثَلَاثَة واثنين؟ قلت: فِي بعض طرق الحَدِيث الْوَارِد فِيهِ ذكر الْوَاحِد كَمَا ستقف عَلَيْهِ فِيمَا نذكرهُ الْآن، لِأَنَّهُ روى فِي هَذَا الْبَاب عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وهم أَبُو هُرَيْرَة وَعبد الله بن مَسْعُود وَعبد الله بن عَبَّاس وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ ومعاذ بن جبل وَعتبَة بن عبد وَجَابِر بن عبد الله ومطرف ابْن الشخير وَأنس بن مَالك وَأَبُو ذَر وَعبادَة بن الصَّامِت وَأَبُو ثَعْلَبَة وَعقبَة بن عَامر وقرة بن أياس الْمُزنِيّ وَعلي بن أبي طَالب وَأَبُو أُمَامَة وَأَبُو مُوسَى والْحَارث بن وقيش وَجَابِر بن سَمُرَة وَعَمْرو بن عبسة وَمُعَاوِيَة بن حيدة وَعبد الرَّحْمَن بن بشير وَزُهَيْر بن عَلْقَمَة وَعُثْمَان بن أبي الْعَاصِ وَعبد الله بن الزبير وَابْن النَّضر السّلمِيّ وسفينة وحوشب بن طخمة والحسحاس بن بكر وَعبد الله بن عمر وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَبُرَيْدَة وَأَبُو سَلمَة راعي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ وَعَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ وحبيبة بنت سهل وَأم سليم وَأم مُبشر وَرجل لم يسم رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
فَحَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ. وَحَدِيث عبد الله بن مَسْعُود عِنْد التِّرْمِذِيّ عَن ابْنه أبي عُبَيْدَة عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من قدم ثَلَاثَة لم يبلغُوا الْحِنْث كَانُوا لَهُ حصنا حصينا. قَالَ أَبُو ذَر: قدمت اثْنَيْنِ؟ قَالَ: وإثنين. قَالَ أبي بن كَعْب سيد الْقُرَّاء: قدمت وَاحِدًا؟ قَالَ: وواحدا، وَلَكِن إِنَّمَا ذَلِك عِنْد الصدمة الأولى) . قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، وَأَبُو عُبَيْدَة لم يسمع من أَبِيه. وَحَدِيث عبد الله ابْن عَبَّاس عِنْد التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث سماك بن الْوَلِيد الْحَنَفِيّ يحدث أَنه سمع ابْن عَبَّاس يحدث أَنه سمع رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: (من كَانَ لَهُ فرطان من أمتِي أدخلهُ الله بهما الْجنَّة، فَقَالَت عَائِشَة: فَمن كَانَ لَهُ فرط من أمتك؟ فَقَالَ: وَمن كَانَ لَهُ فرط يَا موفقة. قَالَت: فَمن لم يكن لَهُ فرط من أمتك؟ قَالَ أَنا فرط أمتِي لن يصابوا بمثلي) . وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. وَحَدِيث أبي سعيد عِنْد البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة ذكروان عَنهُ على مَا يَجِيء، إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَحَدِيث معَاذ عِنْد ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (أوجب ذُو الثَّلَاثَة. قَالُوا: وَذُو الْإِثْنَيْنِ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: وَذُو الْإِثْنَيْنِ. .) وَرَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ أَيْضا، وروى ابْن مَاجَه عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن السقط ليجر أمه بسروره إِلَى الْجنَّة إِذا احتسبته) . وَالسُّرُور بِفتْحَتَيْنِ هُوَ مَا تقطعه الْقَابِلَة من السُّرَّة. وَحَدِيث عتبَة بن عبد عِنْد ابْن مَاجَه عَن مَحْمُود بن لبيد عَنهُ، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (مَا من مُسلم يَمُوت لَهُ ثَلَاثَة من الْوَلَد لم يبلغُوا الْحِنْث إلاَّ تلقوهُ من أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية، من أَيهَا شَاءَ دخل) . وَحَدِيث جَابر بن عبد الله عِنْد الْبَيْهَقِيّ، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول (من مَاتَ لَهُ ثَلَاثَة من الْوَلَد فاحتسبهم عِنْد الله دخل الْجنَّة، قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله وإثنان؟ قَالَ: وإثنان. قَالَ مَحْمُود: فَقلت لجَابِر، وَالله إِنِّي لأَرَاكُمْ لَو قُلْتُمْ وَاحِدًا لقَالَ وَاحِدًا. قَالَ: أَنا وَالله أَظن ذَلِك.) وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا. وَحَدِيث مطرف بن الشخير عِنْد مُسَدّد فِي (مُسْنده) قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، للْأَنْصَار: مَا الرقوب فِيكُم؟ قَالُوا: الَّذِي لَا ولد لَهُ. قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَيْسَ ذاكم بالرقوب، الرقوب الَّذِي يقدم على ربه وَلم يقدم أحدا من وَلَده) ، الحَدِيث عِنْد البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ. وَحَدِيث أبي ذَر عِنْد النَّسَائِيّ من رِوَايَة الْحسن (عَن صعصعة بن مُعَاوِيَة، قَالَ: لقِيت أَبَا ذَر، قلت: حَدثنِي. قَالَ: نعم، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من مُسلمين يَمُوت بَينهمَا ثَلَاثَة أَوْلَاد لم يبلغُوا الْحِنْث إلاَّ غفر الله لَهما بِفضل رَحمته إيَّاهُم) . وَحَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت عِنْد أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (وَالنُّفَسَاء يجرها وَلَدهَا يَوْم الْقِيَامَة بسرره إِلَى الْجنَّة) . وَحَدِيث أبي ثَعْلَبَة الْأَشْجَعِيّ عِنْد أَحْمد فِي (مُسْنده) وَالطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه الْكَبِير) من رِوَايَة ابْن جريج عَن أبي الزبير عَن عمر بن نَبهَان عَنهُ، قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، مَاتَ لي ولدان فِي الْإِسْلَام، فَقَالَ: من مَاتَ لَهُ ولدان فِي الْإِسْلَام أدخلهُ الْجنَّة بِفضل رَحمته إيَّاهُمَا) . وَحَدِيث عقبَة بن عَامر عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من حَدِيث أبي غثانة المغافري أَنه سمع عقبَة بن عَامر يَقُول: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من أثكل ثَلَاثَة من صلبه فاحتسبهم على الله عز وَجل وَجَبت لَهُ الْجنَّة) ، وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا. وَحَدِيث قُرَّة بن إِيَاس عِنْد النَّسَائِيّ من حَدِيث مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن أَبِيه (أَن رجلا أَتَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَعَهُ ابْن لَهُ، فَقَالَ: أنحبه فَقَالَ أحبك الله كَمَا أحبه، فَمَاتَ فَفَقدهُ فَسَأَلَ عَنهُ فَقَالَ: مَا يَسُرك أَن لَا تَأتي بَابا من أَبْوَاب الْجنَّة إلاَّ وجدته عِنْده يسْعَى يفتح لَك؟) وَحَدِيث عَليّ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْعِلَل عَنهُ عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، (من مَاتَ لَهُ ثَلَاثَة من الْوَلَد) ، وروى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله(8/27)
عَلَيْهِ وَسلم: (إِن السقط ليراغم ربه إِن أَدخل أَبَوَيْهِ النَّار حَتَّى يُقَال لَهُ: أَيهَا السقط المراغم ربه إرجع فَإِنِّي قد أدخلت أَبَوَيْك الْجنَّة. قَالَ: فيجرهما بسرره حَتَّى يدخلهما الْجنَّة) . وَرَوَاهُ أَبُو يعلى أَيْضا. وَحَدِيث أبي أُمَامَة عِنْد ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا من مُؤمنين يَمُوت لَهما ثَلَاثَة من الْأَوْلَاد لم يبلغُوا الْحلم إلاَّ أدخلهما الله الْجنَّة بِفضل رَحمته إيَّاهُم) . وَحَدِيث أبي مُوسَى عِنْد البُخَارِيّ فِي الْجَنَائِز. وَحَدِيث الْحَارِث بن وقيش، وَيُقَال أقيش، عِنْد ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَا من مُسلمين يَمُوت لَهما أَرْبَعَة أفراط إلاَّ أدخلهما الله الْجنَّة، قَالُوا: يَا رَسُول الله، وَثَلَاثَة؟ قَالَ: وَثَلَاثَة. قَالُوا: وإثنان؟ قَالَ: وإثنان) . وَحَدِيث جَابر بن سَمُرَة عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) أَنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من دفن ثَلَاثَة من الْوَلَد فَصَبر عَلَيْهِم واحتسبهم وَجَبت لَهُ الْجنَّة، فَقَالَت أم أَيمن: أَو اثْنَيْنِ؟ فَقَالَ: وَمن دفن اثْنَيْنِ فَصَبر عَلَيْهِمَا واحتسبهما وَجَبت لَهُ الْجنَّة؟ فَقَالَت أم أَيمن أَو وَاحِدًا؟ قَالَت: فَسكت أَو أمسك، فَقَالَ: سَمِعت أم أَيمن من دفن وَاحِدًا فَصَبر واحتسب كَانَت لَهُ الْجنَّة) . وَحَدِيث عَمْرو بن عبسة عِنْد الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة الْوَضِين، الحَدِيث، وَفِيه: سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: (مَا من مُؤمن وَلَا مُؤمنَة يقدم الله لَهُ ثَلَاثَة أَوْلَاد من صلبه لم يبلغُوا الْحِنْث إلاَّ أدخلهُ الله الْجنَّة بِفضل رَحمته هُوَ وإياهم) . وَحَدِيث مُعَاوِيَة بن حيدة عِنْد ابْن حبَان فِي الضُّعَفَاء عَنهُ عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (سَوْدَاء ولود خير من حسناء لَا تَلد، إِنِّي مُكَاثِر بكم الْأُمَم، حَتَّى إِن السقط ليظل محبنطيا على بَاب الْجنَّة، فَيُقَال: أَدخل فَيَقُول: أَنا وأبوي، فَيُقَال أَنْت وأبويك) . وَحَدِيث عبد الرَّحْمَن بن بشير عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من مَاتَ لَهُ ثَلَاثَة من الْوَلَد لم يبلغُوا الْحِنْث لن يلج النَّار إلاَّ عَابِر سَبِيل) يَعْنِي الْجَوَاز على الصِّرَاط. وَحَدِيث زُهَيْر بن عَلْقَمَة عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) قَالَ: (جَاءَت امْرَأَة من الْأَنْصَار إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ابْن لَهَا مَاتَ، فَكَانَ الْقَوْم عنفوها فَقَالَت: يَا رَسُول الله مَاتَ لي ابْنَانِ، فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لقد احتظرت من النَّار احتظارا شَدِيدا) وَرَوَاهُ الْبَزَّار أَيْضا، رَحمَه الله تَعَالَى. وَحَدِيث عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ عِنْد الطَّبَرَانِيّ أَيْضا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (قد استجن جنَّة حَصِينَة من النَّار رجل سلف بَين يَدَيْهِ ثَلَاثَة من صلبه فِي الْإِسْلَام) ، وَحَدِيث عبد الله بن الزبير عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ فِي (الْعِلَل) عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من مَاتَ لَهُ ثَلَاثَة من الْوَلَد. .) الحَدِيث. وَحَدِيث ابْن النَّضر السّلمِيّ عِنْد مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يَمُوت لأحد من الْمُسلمين ثَلَاثَة من الْوَلَد فيحتسبهم إلاَّ كَانُوا لَهُ جنَّة من النَّار، فَقَالَت امْرَأَة عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَو اثْنَان؟ قَالَ: أَو اثْنَان) . قَالَ ابْن عبد الْبر: ابْن النَّضر هَذَا مَجْهُول فِي الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَاخْتلف الروَاة (للموطأ) فبعضهم يَقُول: عَن ابْن النَّضر، وَهُوَ الْأَكْثَر، وَبَعْضهمْ يَقُول: عَن أبي النَّضر، وَلَا يعرف إلاَّ بِهَذَا الحَدِيث. وَحَدِيث سفينة عِنْد ابْن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْبَغْدَادِيّ فِي كتاب (رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر) قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (بخ بخ، خمس مَا أثقلهن فِي الْمِيزَان: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إلاَّ الله وَالله أكبر، وفرط صَالح يفرطه) . وَحَدِيث حَوْشَب بن طخمة الْحِمْيَرِي عِنْد ابْن مَنْدَه فِي كتاب (الصَّحَابَة) ، وَابْن قَانِع أَيْضا فِي (مُعْجم الصَّحَابَة) عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ: (من مَاتَ لَهُ ولد فَصَبر واحتسب قيل لَهُ: ادخل الْجنَّة بِفضل مَا أَخذنَا مِنْك) . اللَّفْظ لِابْنِ قَانِع، وَهُوَ عِنْد ابْن مَنْدَه مطول بِلَفْظ آخر. وَحَدِيث الحسحاس ابْن بكر عِنْد أبي مُوسَى الْمَدِينِيّ الَّذِي ذيل بِهِ على الصَّحَابَة لِابْنِ مَنْدَه عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (من لَقِي الله بِخمْس عوفي من النَّار وَأدْخل الْجنَّة: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إلاَّ الله، وَالله أكبر، وَولد يحْتَسب) . وَحَدِيث عبد الله بن عمر عِنْد الطَّبَرَانِيّ، قَالَ: (إِن رجلا من الْأَنْصَار كَانَ لَهُ ابْن يروح إِذا رَاح النَّبِي، فَسَأَلَ نَبِي الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَنهُ فَقَالَ: أَتُحِبُّهُ؟ قَالَ: يَا نَبِي الله، نعم، فأحبك الله كَمَا أحبه، فَقَالَ إِن الله أَشد لي حبا مِنْك لَهُ، فَلم يلبث أَن مَاتَ ابْنه ذَاك، فراح إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد أقبل عَلَيْهِ بثه، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أجزعت؟ قَالَ: نعم، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو لَا ترْضى أَن يكون ابْنك مَعَ ابْني إِبْرَاهِيم يلاعبه تَحت ظلّ الْعَرْش؟ قَالَ: بلَى يَا رَسُول الله) . وَحَدِيث الزبير بن الْعَوام عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ فِي (الْعِلَل) عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من مَاتَ لَهُ ثَلَاثَة من الْوَلَد. .) الحَدِيث. وَحَدِيث بُرَيْدَة عِنْد الْبَزَّار قَالَ: (كنت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَلغهُ أَن امْرَأَة من الْأَنْصَار مَاتَ ابْن لَهَا. .) الحَدِيث، وَفِيه: (فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا الرقوب الَّذِي(8/28)
يعِيش وَلَدهَا، إِنَّه لَا يَمُوت لامْرَأَة مسلمة أَو امرىء مُسلم نسمَة، أَو قَالَ ثَلَاثَة من وَلَده، فيحتسبهم إلاَّ وَجَبت لَهُ الْجنَّة، فَقَالَ عمر: واثنين؟ قَالَ: واثنين) . وَحَدِيث ابْن سلمى عِنْد النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَنهُ مَرْفُوعا: (بخ بخ بِخمْس. .) مثل حَدِيث سفينة، وَحَدِيث أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ عِنْد أَحْمد رَوَاهُ من حَدِيث الْحَارِث بن وقيش، قَالَ: كُنَّا عِنْد أبي بَرزَة فَحدث ليلتئذ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من مُسلمين يَمُوت لَهما أَرْبَعَة أفراط ألاَّ أدخلهما الله الْجنَّة بِفضل رَحمته، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله وَثَلَاثَة؟ قَالَ: وَثَلَاثَة، قَالُوا: وإثنان؟ قَالَ: وإثنان) . وَاسم أبي بَرزَة نَضْلَة بن عبيد على الصَّحِيح. وَحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) (من قدم ثَلَاثَة من الْوَلَد صَابِرًا محتسبا حجبوه عَن النَّار بِإِذن الله تَعَالَى) . وَحَدِيث حَبِيبَة بنت سهل عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين عَنْهَا، قَالَت: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا من مُسلمين يَمُوت لَهما ثَلَاثَة أَطْفَال لم يبلغُوا الْحِنْث، إلاَّ أدخلهما الله الْجنَّة بِفضل رَحمته إيَّاهُم) . وَحَدِيث أم سليم عِنْد ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) من حَدِيث عَمْرو الْأنْصَارِيّ عَن أم سليم ابْنة ملْحَان، وَهِي أم أنس، أَنَّهَا سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (مَا من مُسلمين) الحَدِيث، نَحْو حَدِيث حَبِيبَة بنت سهل. وَحَدِيث أم مُبشر عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من حَدِيث سعيد بن الْمسيب عَنْهَا، (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا: يَا أم مُبشر، من كَانَ لَهُ ثَلَاثَة أفراط من وَلَده أدخلهُ الله الْجنَّة بِفضل رَحمته إيَّاهُم، وَكَانَت أم مُبشر تطبخ طبيخا، فَقَالَت: أَو فرطان؟ فَقَالَ: أَو فرطان) . وَحَدِيث رجل لم يسم عِنْد ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) (عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ لامْرَأَة أَتَتْهُ بصبي لَهَا، فَقَالَت: يَا رَسُول الله أدع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَن يبقيه، فقد مضى لي ثَلَاثَة، فَقَالَ: أمذ أسلمت؟ قَالَت: نعم، قَالَ: جنَّة حَصِينَة من النَّار) .
وَقَوْلِ الله عَزَّ وَجَلَّ {وبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (الْبَقَرَة: 551) .
وَقَول الله، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: من مَاتَ، وَفِي بعض النّسخ: قَالَ الله تَعَالَى: {وَبشر الصابرين} وَوَقع هَذَا فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة، وَذكر هَذَا تَأْكِيدًا لقَوْله: فاحتسب، لِأَن الاحتساب لَا يكون إلاَّ بِالصبرِ، وَقد بشر الله الصابرين فِي هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة الْبَقَرَة ووصفهم بقوله عز وَجل {وَبشر الصابرين الَّذين إِذا أَصَابَتْهُم مُصِيبَة قَالُوا: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} (الْبَقَرَة: 551) . وَلَفظ: الْمُصِيبَة، عَام فَيتَنَاوَل الْمُصِيبَة بِالْوَلَدِ وَغَيره.
8421 - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا مِنَ النَّاسِ مِنْ مُسْلِمٍ يُتَوَفَّى لَهُ ثَلاَثَةٌ مِنَ الوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ إلاَّ أدْخَلَهُ الله الجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إيَّاهُمْ.
(الحَدِيث 8421 طرفه فِي: 1831) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَذكر الْوَلَد فِيهَا يتَنَاوَل الثَّلَاثَة فَمَا فَوْقهَا. فَإِن قلت: ذكر فِيهَا الاحتساب وَلَيْسَ ذَلِك فِي الحَدِيث؟ قلت: هُوَ مُرَاد فِيهِ وَإِن لم يذكر صَرِيحًا لِأَن دُخُول الْجنَّة لَا يكون إِلَّا بالاحتساب فِيهِ.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: أَبُو معمر، بِفَتْح الميمين: عبد الله بن عَمْرو. الثَّانِي: عبد الْوَارِث بن سعيد. الثَّالِث: عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب، وَصرح بِهِ فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه. الرَّابِع: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم بصريون. وَفِيه: أَنه من الرباعيات.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه جَمِيعًا فِي الْجَنَائِز عَن يُوسُف ابْن حَمَّاد، وَعند النَّسَائِيّ: (من احتسب ثَلَاثَة من صلبه دخل الْجنَّة، فَقَامَتْ امْرَأَة فَقَالَت: أَو اثْنَان؟ قَالَ: وإثنان، قَالَت الْمَرْأَة: يَا لَيْتَني قلت وَاحِدًا) .
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (مَا من النَّاس من مُسلم) كلمة: من، الأولى بَيَانِيَّة وَالثَّانيَِة زَائِدَة، وَهُوَ اسْم: لما، قَوْله: (ثَلَاثَة) ، أَي: ثَلَاثَة أَوْلَاد، ويروى: (ثَلَاث) ، لَا يُقَال الْوَلَد مُذَكّر فَلَا بُد من عَلامَة التَّأْنِيث فِيهِ لأَنا نقُول: إِذا كَانَ الْمُمَيز محذوفا جَازَ فِي لفظ الْعدَد التَّذْكِير والتأنيث. قَوْله: (يتوفى) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: يَمُوت. قَوْله: (لم يبلغُوا الْحِنْث) ، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفِي آخِره ثاء مُثَلّثَة، كَذَا هُوَ فِي جَمِيع الرِّوَايَات، وَحكى صَاحب (الْمطَالع) عَن الدَّاودِيّ أَنه روى: (لم يبلغُوا(8/29)
الْخبث) ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة أَي: لم يبلغُوا فعل الْمعاصِي. قَالَ: وَهَذَا لَا يعرف، إِنَّمَا هُوَ الْحِنْث وَهُوَ الْمَحْفُوظ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي (الْمُنْتَهى) : بلغ الْغُلَام الْحِنْث أَي: بلغ مبلغا تجْرِي عَلَيْهِ الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة. وَفِي (الْمُحكم) : الْحِنْث الْحلم، وَقَالَ الْخَلِيل: بلغ الْغُلَام الْحِنْث أَي: جرى عَلَيْهِ الْقَلَم، والحنث الذَّنب، قَالَ تَعَالَى: {وَكَانُوا يصرون على الْحِنْث الْعَظِيم} (الْوَاقِعَة: 64) . وَقيل: المُرَاد بلغ إِلَى زمَان يُؤَاخذ بِيَمِينِهِ إِذا حنث، وَقَالَ الرَّاغِب: عبر بِالْحِنْثِ عَن الْبلُوغ لما كَانَ الْإِنْسَان يُؤَاخذ بِمَا يرتكبه فِيهِ، بِخِلَاف مَا قبله قَوْله: (إلاَّ أدخلهُ الْجنَّة) ، هَذَا الِاسْتِثْنَاء وَمَا بعده خبر قَوْله: (وَمَا من مُسلم) . قَوْله: (بِفضل رَحمته) أَي: بِفضل رَحْمَة الله للأولاد، وَقيل: إِن الضَّمِير فِي: رَحمته، يرجع إِلَى الْأَب لكَونه كَانَ يرحمهم فِي الدُّنْيَا فيجازى بِالرَّحْمَةِ فِي الْآخِرَة، ورد ذَلِك بِأَن الضَّمِير يرجع إِلَى الله تَعَالَى، بِدَلِيل مَا روى فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه من هَذَا الْوَجْه، بِفضل رَحْمَة الله إيَّاهُم. وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ، من حَدِيث أبي ذَر: (إلاَّ غفر الله لَهما بِفضل رَحمته) وَكَذَا فِي حَدِيث الْحَارِث بن وقيش، وَقد مر عَن قريب، وَكَذَا فِي حَدِيث عَمْرو بن عبسة وَقد مر أَيْضا، فَكَأَن هَذَا الْقَائِل لم يطلع على الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة، وَتصرف فِيمَا قَالَه. قَوْله: (إيَّاهُم) ، الضَّمِير يرجع إِلَى قَوْله: (ثَلَاثَة من الْوَلَد) ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الظَّاهِر أَن المُرَاد بِهِ الْمُسلم الَّذِي توفيت أَوْلَاده، لَا الْأَوْلَاد، وَإِنَّمَا جمع بِاعْتِبَار أَنه نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تفِيد الْعُمُوم. قلت: الظَّاهِر غير ظَاهر لِأَن فِي غير طَرِيق هَذَا الحَدِيث مَا يدل على أَن الضَّمِير للأولاد، وَذَلِكَ فِي حَدِيث عَمْرو بن أبي عبسة وَأبي ثَعْلَبَة الْأَشْجَعِيّ، وَقد مر ذكرهمَا، وَقد تكلّف الْكرْمَانِي فِيمَا قَالَه لعدم إطلاعه على هَذِه الْأَحَادِيث، وَقد علم أَن الْأَحَادِيث يُفَسر بَعْضهَا بَعْضًا، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَت فِي قَضِيَّة وَاحِدَة، فَافْهَم.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: خص الصَّغِير لِأَن الشَّفَقَة عَلَيْهِم أعظم وَالْحب لَهُ أَشد وَالرَّحْمَة لَهُ أوفر، وعَلى هَذَا فَمن بلغ الْحِنْث لَا يحصل لمن فَقده مَا ذكر من هَذَا الثَّوَاب، وَإِن كَانَ فِي فقد الْوَلَد مُطلقًا أجر فِي الْجُمْلَة وعَلى هَذَا كثير من الْعلمَاء، لِأَن الْبَالِغ يتَصَوَّر مِنْهُ العقوق الْمُقْتَضِي لعدم الرَّحْمَة، بِخِلَاف الصَّغِير فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر مِنْهُ ذَلِك، لِأَنَّهُ غير مُخَاطب. وَقيل: بل يدْخل الْكَبِير فِي ذَلِك من طرق الفحوى لِأَنَّهُ إِذا ثَبت ذَلِك فِي الطِّفْل الَّذِي هُوَ كلٌّ على أَبَوَيْهِ، فَكيف لَا يثبت فِي الْكَبِير الَّذِي بلغ مَعَه السَّعْي وَوصل لَهُ مِنْهُ النَّفْع، وَتوجه إِلَيْهِ الْخطاب بالحقوق؟ قَالَ هَذَا الْقَائِل: دَلِيل هَذَا هُوَ السِّرّ فِي إِلْغَاء البُخَارِيّ التَّقْيِيد بذلك فِي التَّرْجَمَة. قيل: يَقُول الأول: قَوْله: (بِفضل رَحمته إيَّاهُم) لِأَن الرَّحْمَة للصغار أَكثر لعدم حُصُول الْإِثْم مِنْهُم؟ قلت: رَحْمَة الله وَاسِعَة تَشْمَل الصَّغِير وَالْكَبِير فَلَا يحْتَاج إِلَى التَّقْيِيد. فَإِن قلت: هَل يلْتَحق بالصغار من بلغ مَجْنُونا مثلا وَاسْتمرّ على ذَلِك فَمَاتَ؟ قلت: الظَّاهِر أَنه يلْحق لعدم الْخطاب. فَإِن قلت: فِي النَّاس من يكره وَلَده ويتبرأ مِنْهُ، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ ضيق الْحَال؟ قلت: لما كَانَ الْوَلَد مَظَنَّة الْمحبَّة نيط بهَا الحكم، وَإِن كَانَ يُوجد التَّخَلُّف فِي بعض الْأَفْرَاد. فَإِن قلت: هَل يدْخل أَوْلَاد الْأَوْلَاد فِي هَذَا الحكم؟ قلت: الحَدِيث الَّذِي أخرجه النَّسَائِيّ من طَرِيق حَفْص بن عبيد الله عَن أنس عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (من احتسب ثَلَاثَة من صلبه دخل الْجنَّة. .) الحَدِيث يدل على أَن أَوْلَاد الْأَوْلَاد لَا يدْخلُونَ، وَكَذَلِكَ حَدِيث عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ، (رجل سلف بَين يَدَيْهِ ثَلَاثَة من صلبه فِي الأسلام) ، وَقد مر عَن قريب، وَلَكِن الظَّاهِر أَن أَوْلَاد الْأَوْلَاد الذُّكُور مِنْهُم يدْخلُونَ، وَأَوْلَاد الْبَنَات لَا يدْخلُونَ، وَفِيه: التَّقْيِيد بِالْإِسْلَامِ ليدل على اخْتِصَاص ذَلِك الثَّوَاب بِالْمُسلمِ فَإِن قلت: من مَاتَ لَهُ أَوْلَاد فِي الْكفْر ثمَّ أسلم هَل يدْخل فِيهِ؟ قلت: حَدِيث أبي ثَعْلَبَة الْأَشْجَعِيّ وَحَدِيث عَمْرو ابْن عبسة اللَّذين قد ذكرا عَن قريب يدلان على عدم ذَلِك. وَفِيه: دَلِيل على أَن أَطْفَال الْمُسلمين فِي الْجنَّة. قَالَ فِي (التَّوْضِيح) : وَهُوَ إِجْمَاع، وَلَا عِبْرَة للمجبرة حَيْثُ جعلوهم تَحت الْمَشِيئَة، فَلَا يعْتد بخلافهم وَلَا بوفاقهم. وَفِي أَطْفَال الْمُشْركين اخْتِلَاف بَين الْعلمَاء، فَذهب جمَاعَة إِلَى التَّوَقُّف فِي أَطْفَال الْمُشْركين أَن يَكُونُوا فِي جنَّة أَو نَار، مِنْهُم ابْن الْمُبَارك وَحَمَّاد وَإِسْحَاق لحَدِيث أبي هُرَيْرَة: (سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْأَطْفَال؟ فَقَالَ: الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين) . كَذَا قَالَ: الْأَطْفَال، وَلم يخص طفْلا من طِفْل. قَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه الْأَوْسَط) : رُوِيَ أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ لعَائِشَة فِي أَطْفَال الْمُشْركين: (إِن شِئْت دَعَوْت الله تَعَالَى أَن يسمعك تضاغيهم فِي النَّار؟) وَقَالَ سَمُرَة بن جُنْدُب: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَوْلَاد الْمُشْركين هم خدم أهل الْجنَّة) . وَرُوِيَ عَنهُ أَنه سُئِلَ عَنْهُم فَقَالَ: الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين، فَرجع الْأَمر إِلَى قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ألله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين، فَمن سبق علم(8/30)
الله فِيهِ أَنه لَو كبر آمن هم الَّذين قَالَ: (هم خدم أهل الْجنَّة) ، وَهُوَ قَول أهل السّنة. فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: حَدثنَا قيس بن الرّبيع عَن يحيى بن إِسْحَاق عَن عَائِشَة بنت طَلْحَة (عَن عَائِشَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى بصبي من الْأَنْصَار ليُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقَالَت: طُوبَى لَهُ عُصْفُور من عصافير الْجنَّة لم يعْمل سوأً قطّ وَلم يدره {فَقَالَ: يَا عَائِشَة} أوَلاَ تدرين أَن الله تبَارك خلق الْجنَّة وَخلق لَهَا أَهلا، خلقهَا لَهُم وهم فِي أصلاب آبَائِهِم، وَخلق النَّار وَخلق لَهَا أَهلا وهم فِي أصلاب آبَائِهِم؟) وَرُوِيَ (عَن سَلمَة بن يزِيد الْجعْفِيّ قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله إِن أمنا مَاتَت فِي الْجَاهِلِيَّة، وَإِنَّهَا وَأَدت أُخْتا لنا لم تبلغ الْحِنْث فِي الْجَاهِلِيَّة، فَهَل ذَلِك نَافِع أُخْتنَا؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما إِن الوائدة والموءودة فَإِنَّهُمَا فِي النَّار إلاَّ أَن يدْرك الْإِسْلَام) . وَرُوِيَ بَقِيَّة عَن مُحَمَّد بن يزِيد الْأَلْهَانِي قَالَ: سَمِعت عبد الله بن قيس، سَمِعت عَائِشَة (سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَرَارِي الْمُسلمين؟ فَقَالَ: هم من آبَائِهِم، قلت: بِلَا عمل؟ قَالَ: الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين؟ وَسَأَلته عَن ذَرَارِي الْمُشْركين؟ فَقَالَ: مَعَ آبَائِهِم، قلت: بِلَا عمل؟ قَالَ: الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين) . وروى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ من حَدِيث أبي عقيل، صَاحب بهية، عَن بهية (عَن عَائِشَة قَالَت: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَطْفَال الْمُشْركين. .) الحَدِيث؟ قلت: قيس بن الرّبيع وَأَبُو عقيل وَبَقِيَّة مُتَكَلم فيهم، فأحاديثهم ضِعَاف. وَقَالَ أَبُو عمر: قَوْله: (إِن الله خلق الْجنَّة. .) إِلَى آخِره سَاقِط ضَعِيف مَرْدُود بِالْإِجْمَاع، وَفِي إِسْنَاده طَلْحَة بن يحيى وَهُوَ ضَعِيف. قلت: كَيفَ يُقَال: إِنَّه سَاقِط وَطَلْحَة ضَعِيف والْحَدِيث أخرجه مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة حَدثنَا وَكِيع عَن طَلْحَة بن يحيى عَن عمته عَائِشَة بنت طَلْحَة (عَن عَائِشَة، أم الْمُؤمنِينَ، قَالَت: دعِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جَنَازَة صبي من الْأَنْصَار، فَقلت: يَا رَسُول الله! طُوبَى لهَذَا عُصْفُور من عصافير الْجنَّة، لم يعْمل السوء وَلم يُدْرِكهُ. قَالَ: أَو غير ذَلِك يَا عَائِشَة إِن الله خلق للجنة أَهلا خلقهمْ لَهَا وهم فِي أصلاب الرِّجَال، وَخلق للنار أَهلا خلقهمْ لَهَا وهم فِي أصلاب آبَائِهِم) . وَالْجَوَاب عَنهُ أَن المُرَاد بِهِ النَّهْي عَن المسارعة إِلَى الْقطع من غير دَلِيل قَاطع، وَقيل ذَلِك قبل أَن يعلم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَونهم فِي الْجنَّة، فَلَمَّا علم ذَلِك أثْبته بِحَدِيث شَفَاعَة الْأَطْفَال، وَيُقَال: على تَقْدِير الصِّحَّة يُعَارض الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة مَا فِي الصَّحِيح من حَدِيث سَمُرَة حَدِيث الرُّؤْيَا: (وَأما الرجل الَّذِي فِي الرَّوْضَة، إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَأما الْولدَان حوله فَكل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة. قيل: يَا رَسُول الله وَأَوْلَاد الْمُشْركين؟ قَالَ: وَأَوْلَاد الْمُشْركين) . وَفِي لفظ: (وَأما الشَّيْخ فِي أصل الشَّجَرَة فإبراهيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَالصبيان حوله أَوْلَاد النَّاس) . وروى الْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة على شَرط الشَّيْخَيْنِ يرفعهُ: (أَوْلَاد الْمُؤمنِينَ فِي جبل فِي الْجنَّة يكفلهم إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، حَتَّى يردهم إِلَى آبَائِهِم يَوْم الْقِيَامَة) . وَفِي (التَّمْهِيد) حَدِيث مُفَسّر يقْضِي على مَا رُوِيَ فِي الْأَحَادِيث بِأَن ذَلِك كَانَ فِي أَحْوَال ثَلَاثَة عَن عَائِشَة: أَن خَدِيجَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، (سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَوْلَاد الْمُشْركين رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، (سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَوْلَاد الْمُشْركين؟ فَقَالَ: هم مَعَ آبَائِهِم، ثمَّ سَأَلته بعد ذَلِك، فَقَالَ: الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين، ثمَّ بَعْدَمَا استحكم الْإِسْلَام وَنزلت: {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} قَالَ: هم على الْفطْرَة، وَذكر مُحَمَّد بن سنجر فِي مُسْنده: حَدثنَا هودة حَدثنَا عَوْف (عَن خنساء بنت مُعَاوِيَة قَالَت: حَدثنِي عمي قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله من فِي الْجنَّة؟ قَالَ النَّبِي: فِي الْجنَّة، والشهيد فِي الْجنَّة، والمولود فِي الْجنَّة، والوئيد فِي الْجنَّة) . وَعَن أنس قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (سَأَلت رَبِّي فِي اللاَّهِين، يَعْنِي الْأَطْفَال من ذُرِّيَّة الْمُشْركين، أَن لَا يعذبهم فأعطانيهم) . وروى الْحجَّاج بن نصير عَن الْمُبَارك بن فضَالة عَن عَليّ بن زيد عَن أنس يرفعهُ: (أَوْلَاد الْمُشْركين خدم أهل الْجنَّة) ، وروى الْحَكِيم فِي (نَوَادِر الْأُصُول) عَن أبي طَالب الْهَرَوِيّ: حَدثنَا يُوسُف بن عَطِيَّة، حَدثنَا أنس بِلَفْظ: (كل مَوْلُود من ولد كَافِر أَو مُسلم فَإِنَّهُم إِنَّمَا يولدون على فطْرَة الْإِسْلَام كلهم) ، وَفِي حَدِيث عِيَاض بن حَمَّاد الْمُجَاشِعِي: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي خطبَته: (إِن الله تَعَالَى أَمرنِي أَن أعلمكُم، وَقَالَ: إِنِّي خلقت عبَادي كلهم حنفَاء فَاتَتْهُمْ الشَّيَاطِين فَاجْتَالَتْهُمْ عَن دينهم، وأمرتهم أَن يشركوا بِي، وَحرمت عَلَيْهِم مَا أحللت لَهُم) . وَالْجَوَاب: عَن حَدِيث سَلمَة بن يزِيد أَنه: وَإِن كَانَ صَحِيحا، وَلكنه يحْتَمل أَن يكون خرج على جَوَاب السَّائِل فِي غير مَقْصُوده، فَكَانَت الْإِشَارَة إِلَيْهَا.
9421 - حدَّثنا مُسْلِمٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ الأصْبِهَانِيِّ عنْ ذَكْوَانَ عنْ أبِي سَعِيدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النِّساءَ قُلْنَ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجْعَلْ لَنَا يَوْما فَوَعَظَهُنَّ وَقَالَ أيُّمَا(8/31)
امْرَأةٍ ماتَ لَهَا ثَلاَثَةٌ مِنَ الوَلَدِ كانُوا حِجَابا مِنَ النَّارِ قالَتِ امْرَأةٌ واثْنَانِ قَالَ وَاثْنَانِ.
(أنظر الحَدِيث 101) .
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي الحَدِيث السَّابِق.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُسلم بن إِبْرَاهِيم الْأَزْدِيّ القصاب وَقد مر غير مرّة. الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج. الثَّالِث: عبد الرَّحْمَن بن الْأَصْبَهَانِيّ وَاسم الْأَصْبَهَانِيّ عبد الله ويروى عبد الرَّحْمَن الْأَصْبَهَانِيّ بِدُونِ لَفْظَة ابْن، والأصبهاني بِكَسْر الْهمزَة وَفتحهَا وبالفاء وبالباء الْمُوَحدَة أَربع لُغَات قَالَه الْكرْمَانِي. قلت: بِالْبَاء الْمُوَحدَة فِي لِسَان الْعَجم، وبالفاء فِي اسْتِعْمَال الْعَرَب. الرَّابِع: ذكْوَان هُوَ أَبُو صَالح السمان. الْخَامِس: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ واسْمه: سعد بن مَالك.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ أخبرنَا. وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي. وَشعْبَة واسطي وَعبد الرَّحْمَن كُوفِي وَأَصله من أَصْبَهَان وَكَانَ أَبوهُ يتجر إِلَى أَصْبَهَان فَقيل لَهُ الْأَصْبَهَانِيّ وذكوان مدنِي.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع قد ذَكرنَاهَا فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب هَل يَجْعَل للنِّسَاء يَوْم على حِدة فِي الْعلم، وَهُنَاكَ أخرجه عَن آدم عَن شُعْبَة إِلَى آخِره نَحوه مَعَ زِيَادَة فِيهِ. وَأخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ أَيْضا.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَن النِّسَاء قُلْنَ) وَفِي رِوَايَة مُسلم (أَنَّهُنَّ كن من نسَاء الْأَنْصَار) . قَوْله: (فوعظهن) ، عطف على مُقَدّر تَقْدِيره، فَجعل لَهُنَّ يَوْمًا فوعظهن فِيهِ وَمن جملَة مَا قَالَ لَهُنَّ قَوْله: (أَيّمَا امْرَأَة) قَوْله: (ثَلَاث من الْوَلَد) فِي رِوَايَة أبي ذَر، هَكَذَا وَفِي رِوَايَة غيرَة (ثَلَاثَة) وَقد مر تَوْجِيهه عَن قريب. وَقَوله (ولد) يتَنَاوَل الذّكر وَالْأُنْثَى والمفرد وَالْجمع. قَوْله: (كن) هَكَذَا رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي، وَكَأَنَّهُ أنث بِاعْتِبَار النَّفس أَو النَّسمَة وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا. (كَانُوا) ، وَفِي رِوَايَة أبي الْوَقْت (كَانُوا لَهَا حِجَابا) وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْقيَاس: كَانُوا، وَلَكِن الْأَطْفَال كالنساء فِي كَونهم غير عاقلين، أَو المُرَاد كَانَت النِّسَاء محجوبات. قلت: تشبيههم بِالنسَاء هَكَذَا غير موجه لِأَن النِّسَاء عاقلات، غير أَن فِي عقولهن قصورا. قَوْله: (فَقَالَت امْرَأَة) ، هِيَ أم سليم الْأَنْصَارِيَّة وَالِدَة أنس بن مَالك، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَنْهَا بِإِسْنَاد جيد. (قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم وَأَنا عِنْده: مَا من مُسلمين يَمُوت لَهما ثَلَاثَة لم يبلغُوا الْحِنْث إِلَّا أدخلهُ الله الْجنَّة بِفضل رَحمته إيَّاهُم، فَقلت: وإثنان قَالَ: وَاثْنَانِ. وَمِمَّنْ سَأَلَ عَن ذَلِك أم أَيمن، وَقد تقدم فِي حَدِيث جَابر بن سَمُرَة، ومنهن أم مُبشر، مضى من حَدِيث جَابر بن عبد الله، وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن عَائِشَة مِنْهُنَّ، وَحكى ابْن بشكوال أَن أم هانىء سَأَلت عَن ذَلِك. فَإِن قلت: سؤالهن كَانَ فِي مجْلِس وَاحِد أَو فِي مجَالِس؟ قلت: يحْتَمل كلا مِنْهُمَا. وَقَالَ بَعضهم فِي تعدد القصةُ بعد. قلت: الْأَقْرَب تعدد الْقِصَّة أَلا ترى أَنه قد تقدم فِي حَدِيث جَابر بن عبد الله أَنه: مِمَّن سَأَلَ عَن ذَلِك أَيْضا ... وَقد مضى فِي حَدِيث بُرَيْدَة أَن عمر سَأَلَ عَن ذَلِك أَيْضا، فَظهر من ذَلِك أَن اتِّحَاد الْمجْلس فِيهِ بعد ظَاهر، فَافْهَم. قَوْله: (وإثنان) عطف على ثَلَاثَة وَمثله يُسمى بالْعَطْف التلقيني أَي: قل يَا رَسُول الله: وَاثْنَانِ، وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن إِبْرَاهِيم: {وَمن ذريتي} (إِبْرَاهِيم: 04) . وَقَالَ بَعضهم: وإثنان، أَي: وَإِذا مَاتَ اثْنَان مَا الحكم؟ فَقَالَ: وإثنان. أَي: وَإِذا مَاتَ اثْنَان فَالْحكم كَذَلِك؟ قلت: فِيهِ كَثْرَة الْحَذف المخلة بالفصاحة، وَفِي رِوَايَة مُسلم من هَذَا الْوَجْه: واثنين، بِالنّصب أَي: وَمَا أَمر اثْنَيْنِ؟ وَفِي رِوَايَة سُهَيْل: أَو إثنان؟ أَي: أَو إِن وجد إثنان فكالثلاثة، وَفِيه التَّسْوِيَة بَين ثَلَاثَة وإثنين. فَإِن قلت: كَيفَ قَالَ فِي الْحَال: وإثنان؟ قلت: قَالَ ابْن بطال: هُوَ مَحْمُول على أَنه أُوحِي إِلَيْهِ بذلك فِي الْحَال، وَلَا يبعد أَن ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي فِي أسْرع من طرفَة عين، وَيحْتَمل أَن يكون كَانَ الْعلم عِنْده حَاصِلا لكنه أشْفق عَلَيْهِم أَن يتكلموا، لِأَن موت الْإِثْنَيْنِ غَالِبا أَكثر من موت الثَّلَاثَة، ثمَّ لما سُئِلَ عَن ذَلِك لم يكن بُد من الْجَواب.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: مَا قَالَه ابْن التِّين تبعا للْقَاضِي عِيَاض: أَن مَفْهُوم الْعدَد لَيْسَ بِحجَّة، لِأَن الصحابية من أهل اللِّسَان وَلم تعتبره إِذْ لَو اعتبرته لانتفى الحكم عِنْدهَا عَمَّا عدا الثَّلَاثَة، لَكِنَّهَا جوزت ذَلِك فَسَأَلت، وَقَالَ بَعضهم: الظَّاهِر أَنَّهَا اعْتبرت مَفْهُوم الْعدَد إِذْ لَو لم تعتبره لم تسْأَل. قلت: دلَالَة مَفْهُوم الْعدَد بطرِيق الِاحْتِمَال لَا بطرِيق الْقطع، فَلذَلِك وَقع السُّؤَال عَن ذَلِك. فَإِن قلت: لم خصت الثَّلَاثَة بِالذكر؟ لِأَنَّهَا أول مَرَاتِب الْكَثْرَة فتعظم الْمُصِيبَة فيكثر الْأجر، فَإِذا زَاد عَلَيْهَا يخف أمرهَا لكَونهَا تصير(8/32)
كالعادة كَمَا قيل:
روعت بالبين حَتَّى مَا اراع بِهِ
كَذَا قَالَه الْقُرْطُبِيّ، وَقيل: هَذَا مصير مِنْهُ إِلَى انحصار الْأجر الْمَذْكُور، فِي الثَّلَاثَة ثمَّ فِي الِاثْنَيْنِ بِخِلَاف الْأَرْبَعَة والخمسة، وَيلْزم فِي ذَلِك أَن يرْتَفع الْأجر فِي الْأَرْبَعَة مَعَ وجود الثَّلَاثَة فِيهَا مَعَ تجدّد الْمُصِيبَة، وَالْوَجْه السديد فِي هَذَا أَن يُقَال: إِن تنَاول الْخَبَر الْأَرْبَعَة فَمَا فَوْقهَا من بَاب الأولى والأجدر، ألاَ ترى أَنهم مَا سَأَلُوا عَن الْأَرْبَعَة وَلَا مَا فَوْقهَا، لِأَنَّهُ كالمعلوم عِنْدهم أَن الْمُصِيبَة إِذا كثرت كَانَ الْأجر أعظم.
وَقَالَ شَرِيكٌ عنِ ابنِ الأَصْبَهَانِيِّ قَالَ حدَّثني أبُو صالِحٍ عنْ أبِي سَعِيدٍ وَأبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ.
شريك بن عبد الله، وَابْن الاصبهاني هُوَ عبد الرَّحْمَن، وَقد مضى الْآن، وَأَبُو صَالح ذكْوَان وَقد مضى صَرِيحًا فِي الحَدِيث السَّابِق، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة عَنهُ، حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن الْأَصْبَهَانِيّ قَالَ: أَتَانِي أَبُو صَالح يعزيني عَن ابْن لي فَأخذ يحدث عَن أبي سعيد وَأبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (مَا من امْرَأَة تدفن ثَلَاثَة أفراط إلاَّ كَانُوا لَهَا حِجَابا من النَّار فَقَالَت امْرَأَة: يَا رَسُول الله قدمت اثْنَيْنِ؟ قَالَ: ثَلَاثَة، ثمَّ قَالَ: واثنين وإثنين) . قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: الفرط من لم يبلغ الْحِنْث، وَقد قَالَ فِي كتاب الْعلم وَعَن عبد الرَّحْمَن بن الْأَصْبَهَانِيّ: سَمِعت أَبَا حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة وَقَالَ: ثَلَاثَة لم يبلغُوا الْحِنْث.
1521 - حدَّثنا عَلِيٌّ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ يَمْوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلاَثَةٌ مِنَ الوَلَدِ فَيَلِجَ النَّارَ إلاَّ تَحِلَّةَ القَسَمْ.
(الحَدِيث 1521 طرفه فِي: 6566) .
مطابقته للتَّرْجَمَة قد ذَكرنَاهَا فِي الْحَدِيثين السَّابِقين، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَعلي هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن أبي بكر بن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَمْرو النَّاقِد وَزُهَيْر بن حَرْب. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْجَنَائِز عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لَا يَمُوت لمُسلم) ، قيد الْإِسْلَام شَرط لِأَنَّهُ لَا نجاة للْكَافِرِ بِمَوْت أَوْلَاده، وَإِنَّمَا ينجو من النَّار بِالْإِيمَان والسلامة من الْمعاصِي، وَهَذِه اللَّفْظَة فِيهَا عُمُوم تَشْمَل الرِّجَال وَالنِّسَاء بِخِلَاف الرِّوَايَة الْمَاضِيَة لأبي هُرَيْرَة فَإِنَّهَا مُقَيّدَة بِالنسَاء. قَوْله: (فيلج النَّار) من الولوج وَهُوَ الدُّخُول، يُقَال: ولج يلج ولوجا ولجة أَي: دخل، قَالَ سِيبَوَيْهٍ: إِنَّمَا جَاءَ مصدره ولوجا وَهُوَ من مصَادر غير الْمُتَعَدِّي على معنى: ولجت فِيهِ وأولجه أدخلهُ، قَالَ الله تَعَالَى: {يولج اللَّيْل فِي النَّهَار ويولج النَّهَار فِي اللَّيْل} (الْحَج: 16) . أَي: يزِيد من هَذَا فِي ذَلِك وَمن ذَلِك فِي هَذَا. قَوْله: (إلاَّ تَحِلَّة الْقسم) ، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر الْحَاء وَتَشْديد اللَّام، وَهُوَ مصدر حلل الْيَمين أَي: كفرها. يُقَال: حلل تحليلاً وتحلة وتحلاً وَهُوَ شَاذ، وَالتَّاء فِيهِ زَائِدَة، وَمعنى: تَحِلَّة، الْقسم: مَا ينْحل بِهِ الْقسم وَهُوَ الْيَمين تَقول الْعَرَب: ضربه تحليلاً وضربه تعزيرا إِذا لم يُبَالغ فِي ضربه، وَهَذَا مثل فِي الْقَلِيل المفرط الْقلَّة وَهُوَ أَن يُبَاشر من الْفِعْل الَّذِي يقسم عَلَيْهِ الْمِقْدَار الَّذِي يبر قسمه بِهِ مثل أَن يحلف على النُّزُول بمَكَان فَلَو وَقع بِهِ وقْعَة خَفِيفَة أَجْزَأته فَتلك تَحِلَّة قسمه، وَقَالَ أهل اللُّغَة: يُقَال فعلته تَحِلَّة الْقسم، أَي: قدر مَا حللت بِهِ يَمِيني، وَلم أبالغ، وَقَالَ الْخطابِيّ: حللت الْقسم تَحِلَّة أَي: أبررتها، بقوله: {وَإِن مِنْكُم إلاَّ واردها} (مَرْيَم: 17) . أَي: لَا يدْخل النَّار ليعاقبه بهَا، وَلكنه يجوز عَلَيْهَا فَلَا يكون ذَلِك إلاَّ بِقدر مَا يبر الله بِهِ قسمه، وَالْقسم مُضْمر كَأَنَّهُ قَالَ: وَإِن مِنْكُم وَالله إلاَّ واردها. وَقَالَ ابْن بطال: المُرَاد بِهَذِهِ الْكَلِمَة تقليل مكث الشَّيْء، وشبهوه بتحليل الْقسم. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: التَّحْلِيل ضد التَّحْرِيم، تَقول: حللته تحليلاً وتحلة. وَفِي الحَدِيث: (إلاَّ تَحِلَّة الْقسم) أَي: قدر مَا يبر الله قسمه فِيهِ بقوله: {وَإِن مِنْكُم إلاَّ واردها} (مَرْيَم: 17) . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: اخْتلف فِي المُرَاد بِهَذَا الْقسم، فَقيل: هُوَ معِين، وَقيل: غير معِين، فالجمهور على الأول. وَقيل: لم يعن بِهِ قسم بِعَيْنِه. وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: التقليل لأمر وُرُودهَا، وَهَذَا اللَّفْظ يسْتَعْمل فِي هَذَا، يُقَال: مَا ينَام فلَان إلاَّ كتحليل الألية، وَيُقَال: مَا ضربه إلاَّ تحليلاً إِذا لم يُبَالغ فِي الضَّرْب، أَي: قدرا يُصِيبهُ مِنْهُ مَكْرُوه. وَقَالَ جُمْهُور الْعلمَاء: المُرَاد بِهِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِن مِنْكُم إلاَّ واردها} (مَرْيَم: 17) . وَلَيْسَ المُرَاد دُخُولهَا للعقاب، وَلَكِن للْجُوَاز. كَمَا قَالَه(8/33)
الْخطابِيّ، وَيدل على ذَلِك مَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ فِي آخر هَذَا الحَدِيث: إلاَّ تَحِلَّة الْقسم، يَعْنِي: الْوُرُود، وَفِي (سنَن أبي سعيد بن مَنْصُور) : عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي آخِره ثمَّ قَرَأَ سُفْيَان: {وَإِن مِنْكُم إلاَّ واردها} (مَرْيَم: 17) . وَمن طَرِيق زَمعَة بن صَالح عَن الزُّهْرِيّ فِي آخِره، قيل: وَمَا تَحِلَّة الْقسم؟ قَالَ: قَوْله تَعَالَى: {وَإِن مِنْكُم إلاَّ واردها} (مَرْيَم: 17) . وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة كَرِيمَة فِي أصل البُخَارِيّ. قَالَ أَبُو عبد الله: {وَإِن مِنْكُم إلاَّ واردها} (مَرْيَم: 17) . وَالْمرَاد: بأبو عبد الله، هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَلم يَقع هَذَا فِي رِوَايَة غير كَرِيمَة، وَمن أقوى الدَّلِيل على أَن المُرَاد من الْوُرُود: الْجَوَاز، حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن بشير الْأنْصَارِيّ الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي أَوَائِل الْبَاب، وَهُوَ: (من مَاتَ لَهُ ثَلَاثَة من الْوَلَد لم يبلغُوا الْحِنْث لم يرد النَّار إلاَّ على عَابِر سَبِيل) ، يَعْنِي: الْجَوَاز على الصِّرَاط، وَمَعَ هَذَا اخْتلف السّلف فِي المُرَاد بالورود فِي الْآيَة، فَقيل: هُوَ الدُّخُول، وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِمَا رَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم من حَدِيث جَابر مَرْفُوعا (الْوُرُود: الدُّخُول، لَا يبْقى بر وَلَا فَاجر إلاَّ دَخلهَا، فَيكون على الْمُؤمنِينَ بردا وَسلَامًا) وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة أَيْضا وَزَاد: (كَمَا كَانَت على إِبْرَاهِيم حَتَّى إِن للنار أَو لِجَهَنَّم ضجيج من بردهمْ، ثمَّ يُنجي الله الَّذين اتَّقوا ويذر الظَّالِمين فِيهَا جثيا) . وروى التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: حَدثنَا عبد بن حميد، قَالَ: أخبرنَا عبيد الله بن مُوسَى عَن إِسْرَائِيل (عَن السّديّ قَالَ: سَأَلت مرّة الْهَمدَانِي عَن قَول الله تَعَالَى: {وَإِن مِنْكُم إلاَّ واردها} (مَرْيَم: 17) . فَحَدثني أَن عبد الله بن مَسْعُود حَدثهمْ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يرد النَّاس النَّار ثمَّ يصدرون عَنْهَا بأعمالهم، فأولهم كلمح الْبَرْق ثمَّ كَالرِّيحِ ثمَّ كحضر الْفرس ثمَّ كالراكب فِي رَحْله ثمَّ كشد الرجل ثمَّ كمشيه) ، هَذَا حَدِيث حسن، وَرَوَاهُ شُعْبَة عَن السّديّ وَلم يرفعهُ. حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن عَن شُعْبَة: عَن السّديّ بِمثلِهِ، قَالَ عبد الرَّحْمَن: قلت لشعبة: إِن إِسْرَائِيل حَدثنِي عَن السّديّ عَن مرّة عَن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ شُعْبَة وَقد سمعته من السّديّ مَرْفُوعا وَلَكِنِّي أَدَعهُ عمدا. وَقيل: المُرَاد بالورود الْمَمَر عَلَيْهَا. وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِمَا رَوَاهُ الإِمَام أَبُو اللَّيْث السَّمرقَنْدِي، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن مُحَمَّد مندوست، قَالَ: حَدثنَا فَارس بن مرْدَوَيْه، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْفضل، قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن عَاصِم، قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن هَارُون، قَالَ: حَدثنَا الْجريرِي عَن أبي السَّلِيل عَن غنيم بن قيس (عَن أبي الْعَوام، قَالَ: قَالَ كَعْب: هَل تَدْرُونَ مَا قَوْله: {وَإِن مِنْكُم إلاَّ واردها} (مَرْيَم: 17) . قَالُوا: مَا كُنَّا لنرى وُرُودهَا إلاَّ دُخُولهَا. قَالَ: لَا، وَلَكِن وُرُودهَا: أَن يجاء بجهنم كَأَنَّهَا متن إهالة حَتَّى اسْتَوَت عَلَيْهَا أَقْدَام الْخَلَائق برهم وفاجرهم، نَادَى مُنَاد: خذي أَصْحَابك وذري أَصْحَابِي، فتجيب بِكُل ولي لَهَا وَهِي أعلم بهم من الْوَالِد بولده، وينجو الْمُؤْمِنُونَ ندية ثِيَابهمْ) قَوْله: (كَأَنَّهَا متن إهالة) أَي: ظهرهَا، والإهالة، بِكَسْر الْهمزَة، كل شَيْء من الأدهان مِمَّا يؤتدم بِهِ. وَقيل: هُوَ مَا أذيب من الإلية والشحم. وَقيل: الدسم الجامد. وَقيل: المُرَاد بالورود الدنو مِنْهَا، وَقيل: الإشراف عَلَيْهَا. وَقيل: المُرَاد بِهِ مَا يُصِيب الْمُؤمن فِي الدُّنْيَا من الْحمى، وَهُوَ محكي عَن مُجَاهِد فَإِنَّهُ قَالَ: الْحمى حَظّ الْمُؤمن من النَّار، وَقيل: الْوُرُود مُخْتَصّ بالكفار، وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِقِرَاءَة بَعضهم: {وَإِن مِنْكُم إلاَّ واردها} وَحكي ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا، وَيكون الْوُرُود على ذَلِك فِي الْكفَّار دون الْمُؤمنِينَ، وَقَالَ أَبُو عمر: ظَاهر قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فَتَمَسهُ النَّار) ، يدل على أَن المُرَاد بالورود الدُّخُول، لِأَن الْمَسِيس حَقِيقَة فِي اللُّغَة: المماسة، ثمَّ قَالَ: رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن الْوُرُود الدُّخُول، وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل عَن جَابر. انْتهى. وَيدل على صِحَة ذَلِك مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أم مُبشر: أَن حَفْصَة قَالَت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قَالَ: (لَا يدْخل أحد شهد الْحُدَيْبِيَة النَّار: أَلَيْسَ الله يَقُول: {وَإِن مِنْكُم إلاَّ واردها} (مَرْيَم: 17) . فَقَالَ لَهَا: أَلَيْسَ الله يَقُول: {ثمَّ ننجي الَّذين اتَّقوا} (مَرْيَم: 27) . الْآيَة، وَيكون على مَذْهَب هَؤُلَاءِ: ثمَّ ننجي الَّذين اتَّقوا بِخُرُوج الْمُتَّقِينَ من جملَة من يدخلهَا ليعلم فضل النِّعْمَة بِمَا شاهدوا فِيهِ أهل الْعَذَاب.
ذكر إعرابه: قَوْله: (فيلج النَّار) ، مَنْصُوب بِأَن الْمقدرَة، تَقْدِيره: فَأن يلج النَّار، لِأَن الْفِعْل الْمُضَارع الْمَنْفِيّ ينصب بِأَن الْمقدرَة، وَحكى الطَّيِّبِيّ عَن بَعضهم: إِنَّمَا تنصب الْفَاء الْفِعْل الْمُضَارع بِتَقْدِير: أَن إِذا كَانَ مَا قبلهَا أَو مَا بعْدهَا سَبَبِيَّة، وَلَا سَبَبِيَّة هَهُنَا، إِذْ لَا يجوز أَن يكون موت الْأَوْلَاد وَلَا عَدمه سَببا لولوج أَبِيهِم النَّار، فالفاء بِمَعْنى الْوَاو الَّتِي للجمعية، وَتَقْدِيره: لَا يجْتَمع لمُسلم موت ثَلَاثَة من أَوْلَاده وولوجه النَّار، وَنَظِيره مَا ورد: (مَا من عبد يَقُول فِي صباح كل يَوْم وَمَسَاء كل لَيْلَة: بِسم الله الَّذِي لَا يضر مَعَ اسْمه شَيْء فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم، فيضره شَيْء) . بِالنّصب، وَتَقْدِيره: لَا يجْتَمع قَول عبد هَذِه الْكَلِمَات فِي هَذِه الْأَوْقَات وضر شَيْء إِيَّاه. قَالَ الطَّيِّبِيّ: إِن كَانَت الرِّوَايَة على النصب فَلَا محيد عَن ذَلِك، وَالرَّفْع يدل على أَنه لَا يُوجد ولوج النَّار عقيب موت الْأَوْلَاد إلاَّ مِقْدَارًا يَسِيرا، وَمعنى: فَاء التعقيب، كمعنى الْمَاضِي فِي قَوْله تَعَالَى:(8/34)
{ونادى أَصْحَاب الْجنَّة أَصْحَاب النَّار} (ك: 44) . فِي أَن مَا سَيكون بمنزله الْكَائِن، لِأَن مَا أخبر بِهِ الصَّادِق من الْمُسْتَقْبل كالواقع، وَقَالَ بَعضهم: وَهَذَا قد تَلقاهُ جمَاعَة عَن الطَّيِّبِيّ وأقروه عَلَيْهِ، وَفِيه نظر، لِأَن السَّبَبِيَّة حَاصِلَة بِالنّظرِ إِلَى الِاسْتِثْنَاء، لِأَن الِاسْتِثْنَاء بعد النَّفْي إِثْبَات، فَكَانَ الْمَعْنى: أَن تَخْفيف الولوج مسبب عَن موت الْأَوْلَاد، وَهُوَ ظَاهر، لِأَن الولوج عَام وتخفيفه يَقع بِأُمُور مِنْهَا موت الْأَوْلَاد بِشَرْطِهِ، وَمَا ادَّعَاهُ أَن الْفَاء بِمَعْنى الْوَاو الَّتِي للْجمع فِيهِ نظر. قلت: فِي كل وَاحِد من نظريه نظر، أما الأول: فلأنا لَا نسلم حُصُول السَّبَبِيَّة بِالنّظرِ إِلَى الِاسْتِثْنَاء، لِأَن الولوج هَهُنَا لَيْسَ على حَقِيقَته بالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّهُ بِمَعْنى الْوُرُود، وَقد مر أَن فِي مَعْنَاهُ أقوالاً. وَقَوله: لِأَن الِاسْتِثْنَاء بعد النَّفْي إِثْبَات مَحل نزاع، وَقد علم فِي مَوْضِعه. وَإِمَّا الثَّانِي: فأيضا مَمْنُوع، لِأَن الْحُرُوف يَنُوب بَعْضهَا عَن بعض، وَلم يمْنَع أحد عَن ذَلِك أَلا ترى أَن بَعضهم قَالُوا: إِن الِاسْتِثْنَاء بِمَعْنى: الْوَاو، أَي: لَا تمسه النَّار قَلِيلا وَلَا كثيرا، وَلَا تَحِلَّة الْقسم، وَقد جوز الْفراء والأخفش وَأَبُو عُبَيْدَة مَجِيء: إلاَّ بِمَعْنى: الْوَاو، وَجعلُوا مِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {لِئَلَّا يكون للنَّاس عَلَيْكُم حجَّة إِلَّا الَّذين ظلمُوا مِنْهُم} (الْبَقَرَة: 051) . أَي: وَلَا الَّذين ظلمُوا مِنْهُم.
7 - (بابُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأةِ عِنْدَ القَبْرِ اصبِرِي)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز قَول الرجل للْمَرْأَة عِنْد قبر الْمَيِّت: إصبري، وَالْقَصْد من هَذِه التَّرْجَمَة جَوَاز مُخَاطبَة الرِّجَال للنِّسَاء بِمَا فِيهِ موعظة وَأمر بِمَعْرُوف وَنهي عَن مُنكر، وَإِنَّمَا ذكر بقوله: (قَول الرجل) إِشَارَة إِلَى أَن ذَلِك لَا يخْتَص بِالنَّبِيِّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِن كَانَ فِي الحَدِيث قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأطلق إمرأة ليتناول الشَّابَّة والعجوز، وَعين لفظ: اصْبِرِي، وَلم يقل لفظ: اتقِي، كَمَا فِي الحَدِيث لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنَاسب فِي ذَلِك الْوَقْت. فَإِن قلت: لِمَ قَالَ: قَول الرجل، وَلم يقل: وعظ الرجل، وَنَحْوه؟ قلت: لعُمُوم معنى القَوْل وشموله.
2521 - حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا ثابِتٌ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ مرَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بامْرَأةٍ عِنْدَ قَبْرٍ وهْيَ تَبْكِي فَقَالَ اتَّقِي الله واصْبِرِي..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (واصبري) ، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجَنَائِز عَن بنْدَار عَن غنْدر، وَفِي الْأَحْكَام أَيْضا عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور عَن عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث. وَأخرجه مُسلم فِي الْجَنَائِز عَن بنْدَار وَعَن غنْدر عَن أبي مُوسَى وَعَن يحيى بن حبيب وَعَن عقبَة بن مكرم وَعَن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي وَزُهَيْر بن حَرْب عَن عبد الصَّمد، ستتهم عَنهُ بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أبي مُوسَى مُحَمَّد بن الْمثنى نَحوه. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن بنْدَار بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عمر بن عَليّ عَن غنْدر.
قَوْله: (وَهِي تبْكي) جملَة إسمية وَقعت حَالا. قَوْله: (فَقَالَ) أَي: النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَهَا: (اتقِي الله واصبري) أَي: لَا تجزعي، فَإِن الْجزع يحبط الْأجر، واصبري فَإِن الصَّبْر يجزل الْأجر، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب} (الزمر: 01) . وَقَالَ ابْن ابْن بطال: أَرَادَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن لَا يجْتَمع عَلَيْهَا مصيبتان: مُصِيبَة فقد الْوَلَد، ومصيبة فقد الْأجر الَّذِي يُبطلهُ الْجزع، فَأمرهَا بِالصبرِ الَّذِي لَا بُد للجازع من الرُّجُوع إِلَيْهِ بعد سُقُوط أجره، وَقيل: كل مُصِيبَة لم يذهب فَرح ثَوَابهَا ألم حزنها فَهِيَ الْمُصِيبَة الدائمة، والحزن الْبَاقِي. وَقَالَ الْحسن: الْحَمد لله الَّذِي أجرنا على مَا لَا بُد لنا مِنْهُ.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: جَوَاز زِيَارَة الْقُبُور وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر. وَفِيه: دلَالَة على تواضعه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَونه لم ينهرها، وَفِيه: النَّهْي عَن الْبكاء بعد الْمَوْت. وَفِيه: الموعظة للباكي بتقوى الله وَالصَّبْر.
8 - (بابُ غُسْلِ المَيِّتِ وَوَضُوئِهِ بِالمَاءِ والسِّدْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم غسل الْمَيِّت. . إِلَى آخِره.
وَهَذِه التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على أُمُور.
الأول: فِي غسل الْمَيِّت، هَل هُوَ فرض أَو وَاجِب أَو سنة؟ فَقَالَ أَصْحَابنَا: هُوَ وَاجِب على الْأَحْيَاء بِالسنةِ وَإِجْمَاع الْأمة. أما السّنة: فَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (للْمُسلمِ على الْمُسلم سِتّ حُقُوق. .) وَذكر مِنْهَا: إِذا مَاتَ أَن يغسلهُ، وأجمعت الْأمة على هَذَا. وَفِي (شرح الْوَجِيز) : الْغسْل والتكفين وَالصَّلَاة فرض(8/35)
على الْكِفَايَة بِالْإِجْمَاع، وَكَذَا نقل النَّوَوِيّ الْإِجْمَاع على أَن غسل الْمَيِّت فرض كِفَايَة، وَقد أنكر بَعضهم على النَّوَوِيّ فِي نَقله هَذَا فَقَالَ: وَهُوَ ذُهُول شَدِيد، فَإِن الْخلاف مَشْهُور جدا عِنْد الْمَالِكِيَّة، حَتَّى أَن الْقُرْطُبِيّ رجح فِي (شرح مُسلم) أَنه سنة، وَلَكِن الْجُمْهُور على وُجُوبه. انْتهى. قلت: هَذَا ذُهُول أَشد من هَذَا الْقَائِل حَيْثُ لم ينظر إِلَى معنى الْكَلَام، فَإِن معنى قَوْله: سنة، أَي: سنة مُؤَكدَة، وَهِي فِي قُوَّة الْوُجُوب، حَتَّى قَالَ هُوَ: وَقد رد ابْن الْعَرَبِيّ على من لم يقل بذلك، أَي: بِالْوُجُوب، وَقَالَ: توارد بِهِ القَوْل وَالْعَمَل وَغسل الطَّاهِر المطهر فَكيف بِمن سواهُ؟ .
الثَّانِي: فِي أَن أصل وجوب غسل الْمَيِّت مَا رَوَاهُ عبد الله بن أَحْمد فِي (الْمسند) (أَن آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، غسلته الْمَلَائِكَة وكفنوه وحنطوه وحفروا لَهُ وألحدوا وصلوا عَلَيْهِ، ثمَّ دخلُوا قَبره فوضعوه فِيهِ وَوَضَعُوا عَلَيْهِ اللَّبن، ثمَّ خَرجُوا من قَبره، ثمَّ حثوا عَلَيْهِ التُّرَاب، ثمَّ قَالُوا: يَا بني آدم هَذِه سبيلكم) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِمَعْنَاهُ.
الثَّالِث: فِي سَبَب وجوب غسل الْمَيِّت، فَقَالَ بَعضهم: هُوَ الْحَدث، فَإِن الْمَوْت سَبَب لاسترخاء مفاصله، وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عبد الله الْجِرْجَانِيّ وَغَيره من مَشَايِخ الْعرَاق، إِنَّمَا أوجب النَّجَاسَة الْمَوْت إِذْ الْآدَمِيّ لَهُ دم مسفوح كَسَائِر الْحَيَوَانَات، وَلِهَذَا يَتَنَجَّس الْبِئْر بِمَوْتِهِ فِيهَا، وَفِي (الْبَدَائِع) : عَن مُحَمَّد بن الشجاع البَجلِيّ أَن الْآدَمِيّ لَا ينجس بِالْمَوْتِ كَرَامَة لَهُ، لِأَنَّهُ لَو تنجس لما حكم بِطَهَارَتِهِ بِالْغسْلِ كَسَائِر الْحَيَوَانَات الَّتِي حكم بنجاستها بِالْمَوْتِ، وَسَيَأْتِي قَول ابْن عَبَّاس: إِن الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا. وَقَالَ بعض الْحَنَابِلَة: ينجس بِالْمَوْتِ وَلَا يطهر بِالْغسْلِ ويتنجس الثَّوْب الَّذِي ينشف بِهِ كَسَائِر الميتات، وَهَذَا بَاطِل بِلَا شكّ وخرق للْإِجْمَاع
الرَّابِع: فِي وضوء الْمَيِّت، فوضوؤه سنة كَمَا فِي الِاغْتِسَال فِي حَالَة الْحَيَاة، غير أَنه لَا يمضمض وَلَا يستنشق عندنَا لِأَنَّهُمَا متعسران. وَقَالَ صَاحب (الْمُغنِي) : وَلَا يدْخل المَاء فَاه وَلَا مَنْخرَيْهِ فِي قَول أَكثر أهل الْعلم. وَهُوَ قَول سعيد بن جُبَير وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري وَأحمد. وَقَالَ الشَّافِعِي: يمضمض ويستنشق كَمَا يَفْعَله الْحَيّ. وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْمَضْمَضَة جعل المَاء فِي فِيهِ. قلت: هَذَا خلاف مَا قَالَه أهل اللُّغَة، فَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْمَضْمَضَة تَحْرِيك المَاء فِي الْفَم، وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ لم يصوب من قَالَ مثل مَا قَالَ النَّوَوِيّ.
الْخَامِس: فِي المَاء والسدر، فَالْحكم فِيهِ عندنَا أَن المَاء يغلي بالسدر والأشنان مُبَالغَة فِي التَّنْظِيف، فَإِن لم يكن السدر أَو الأشنان فالماء القراح، وَذكر فِي (الْمُحِيط) و (الْمَبْسُوط) : أَنه يغسل أَولا بِالْمَاءِ القراح، ثمَّ بِالْمَاءِ الَّذِي يطْرَح فِيهِ السدر، وَفِي الثَّالِثَة يَجْعَل الكافور فِي المَاء وَيغسل بِهِ، هَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعند سعيد بن الْمسيب وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري: يغسل فِي الْمرة الأولى وَالثَّانيَِة بِالْمَاءِ القراح، وَالثَّالِثَة بالسدر. وَقَالَ الشَّافِعِي: يخْتَص السدر بِالْأولَى، وَبِه قَالَ ابْن الْخطاب من الْحَنَابِلَة. وَعَن أَحْمد: يسْتَعْمل السدر فِي الثَّلَاث كلهَا، وَهُوَ قَول عَطاء وَإِسْحَاق وَسليمَان بن حَرْب. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يَجْعَل السدر فِي مَاء ويخضخض إِلَى أَن تخرج رغوته ويدلك جسده ثمَّ يصب عَلَيْهِ المَاء القراح، فَهَذِهِ غسلة، وكرهت الشَّافِعِيَّة وَبَعض الْحَنَابِلَة المَاء المسخن، وخيره مَالك مَا ذكره فِي (الْجَوَاهِر) وَفِي (الْخُتلِي) من كتب الشَّافِعِيَّة، قيل: المسخن أولى بِكُل حَال وَهُوَ قَول إِسْحَاق. وَفِي (الدِّرَايَة) : وَعند الشَّافِعِي وَأحمد المَاء الْبَارِد أفضل إلاَّ أَن يكون عَلَيْهِ وسخ أَو نَجَاسَة لَا تَزُول إلاَّ بِالْمَاءِ الْحَار أَو يكون الْبرد شَدِيدا. فَإِن قلت: الْوضُوء مَذْكُور فِي التَّرْجَمَة وَلم يذكر لَهُ حَدِيثا. قلت: اعْتمد على الْمَعْهُود من الِاغْتِسَال من الْجَنَابَة، عَن يُمكن أَن يُقَال: إِنَّه اعْتمد على مَا ورد فِي بعض طرق حَدِيث الْبَاب من حَدِيث أم عَطِيَّة: (إبدأن بميامنها ومواضع الْوضُوء مِنْهَا) . وَقيل: أَرَادَ وضوء الْغَاسِل أَي: لَا يلْزمه وضوء. قلت: هَذَا بعيد، لِأَن الْغَاسِل لم يذكر فِيمَا قبله وَلَا يعود الضَّمِير فِي قَوْله: (ووضوئه) إلاَّ إِلَى الْمَيِّت، وَوجه بَعضهم هَذَا فَقَالَ: إلاَّ أَن يُقَال: تَقْدِير التَّرْجَمَة: بَاب غسل الْحَيّ الْمَيِّت، لِأَن الْمَيِّت لَا يتَوَلَّى ذَلِك بِنَفسِهِ فَيَعُود الضَّمِير على الْمَحْذُوف. قلت: هَذَا عسف وَإِن كَانَ لَهُ وَجه مَعَ أَن رُجُوع الضَّمِير إِلَى أقرب الشَّيْئَيْنِ إِلَيْهِ أولى.
وَحَنَّطَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا ابْنا لِسَعِيدِ بنِ زَيْدٍ وَحَمَلَهُ وَصَلَّى ولَمْ يَتَوَضَّأ
مطابقتة للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من موضِعين: الأول: من قَوْله: (حنط) ، لِأَن التحنيط يسْتَلْزم الْغسْل، فَكَأَنَّهُ قَالَ: غسله وحنطه، وَهُوَ مُطَابق لقَوْله: بَاب غسل الْمَيِّت، وَالثَّانِي: من قَوْله: (وَلم يتَوَضَّأ) ، لأَنا قد ذكرنَا أَن الضَّمِير فِي قَوْله: (ووضوئه) ، يرجع إِلَى الْمَيِّت، وَقَوله: (لم(8/36)
يتَوَضَّأ) يدل على أَن الْغَاسِل لَيْسَ عَلَيْهِ وضوء، فَوَقع التطابق من هَذِه الْحَيْثِيَّة. وَقَالَ بَعضهم: وَقيل: تعلق هَذَا الْأَثر وَمَا بعده بالترجمة من جِهَة أَن المُصَنّف يرى أَن الْمُؤمن لَا ينجس بِالْمَوْتِ وَأَن غسله إِنَّمَا هُوَ للتعبد، لِأَنَّهُ لَو كَانَ نجسا لم يطهره المَاء والسدر وَلَا المَاء وَحده، وَلَو كَانَ نجسا مَا مَسّه ابْن عمر، ولغسل مَا مَسّه من أَعْضَائِهِ. قلت: لَيْسَ بَين هَذَا الْأَثر وَبَين التَّرْجَمَة تعلق أصلا من هَذِه الْجِهَة الْبَعِيدَة، وَالَّذِي ذَكرْنَاهُ هُوَ الْأَوْجه. نعم، هَذَا الَّذِي ذكره يصلح أَن يكون وَجه التطابق بَين التَّرْجَمَة وَبَين أثر ابْن عَبَّاس الْآتِي، لِأَن إِيرَاده أثر ابْن عَبَّاس فِي هَذَا الْبَاب يدل على أَنه يرى فِيهِ رَأْي ابْن عَبَّاس، وَيفهم مِنْهُ أَن غسل الْمَيِّت عِنْده أَمر تعبدي، وَإِن كَانَ قَوْله: بَاب غسل الْمَيِّت، أَعم من ذَلِك، لَكِن إِيرَاده أثر ابْن عَبَّاس وَأثر سعد، والْحَدِيث الْمُعَلق يدل على ذَلِك فَافْهَم.
وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا: وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى تَضْعِيف مَا أخرجه أَبُو دَاوُد من طَرِيق عَمْرو بن عُمَيْر عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (من غسل الْمَيِّت فليغتسل وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ) ، رُوَاته ثِقَات إلاَّ عَمْرو بن عُمَيْر فَلَيْسَ بِمَعْرُوف، وروى التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان من طَرِيق سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، نَحوه، وَهُوَ مَعْلُول لِأَن أَبَا صَالح لم يسمعهُ من أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: عَن أَبِيه الصَّوَاب: عَن أبي هُرَيْرَة، مَوْقُوف. وَقَالَ أَبُو دَاوُد بعد تَخْرِيجه: هَذَا مَنْسُوخ وَلم يبين ناسخه، وَقَالَ الذهلي فِيمَا حَكَاهُ الْحَاكِم فِي (تَارِيخه) : لَيْسَ فِيمَن غسل مَيتا فليتغسل حَدِيث ثَابت. انْتهى. قلت: إيش وَجه إِشَارَة البُخَارِيّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى تَضْعِيف الحَدِيث الْمَذْكُور؟ فَأَي عبارَة تدل على هَذَا بِدلَالَة من أَنْوَاع الدلالات، وَهَذَا كَلَام واه.
قلت: أما حَدِيث أبي دَاوُد فقد قَالَ فِي (سنَنه) : حَدثنَا أَحْمد بن صَالح أخبرنَا ابْن أبي فديك حَدثنِي ابْن أبي ذِئْب عَن الْقَاسِم ابْن عَبَّاس عَن عَمْرو بن عُمَيْر عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من غسل الْمَيِّت. .) الحَدِيث، وَابْن أبي فديك: هُوَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن أبي فديك، وَابْن أبي ذِئْب: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة بن الْحَارِث ابْن أبي ذِئْب، وَعَمْرو بن عُمَيْر، بِفَتْح الْعين فِي الإبن وَضمّهَا فِي الْأَب قلت: قَوْله: عَمْرو بن عُمَيْر لَيْسَ بِمَعْرُوف، إِشَارَة إِلَى تَضْعِيف الحَدِيث، فَهَذَا أَبُو دَاوُد قد روى لَهُ وَسكت عَلَيْهِ فَدلَّ على أَنه قد رَضِي بِهِ، وَلكنه قَالَ: هَذَا مَنْسُوخ، فَرده هَذَا الحَدِيث لم يكن إلاَّ من جِهَة كَونه مَنْسُوخا، ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل: وَلم يبين ناسخه قلت: بِتَرْكِهِ بَيَان النَّاسِخ لَا يلْزم تَضْعِيف الحَدِيث، والنسخ يعلم بِأُمُور مِنْهَا: ترك الْعَمَل بِالْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ يدل على وجود نَاسخ وَإِن لم يطلع عَلَيْهِ.
وَأما حَدِيث التِّرْمِذِيّ فقد قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي الشَّوَارِب حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن الْمُخْتَار عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من غسله الْغسْل وَمن حمله الْوضُوء) يَعْنِي الْمَيِّت، وَقَالَ: حَدِيث أبي هُرَيْرَة حَدِيث حسن، وَقد رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا، ثمَّ قَالَ: وَقد اخْتلف أهل الْعلم فِي الَّذِي يغسل الْمَيِّت، فَقَالَ بعض أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيرهم: إِذا غسل مَيتا فَعَلَيهِ الْغسْل، وَقَالَ بَعضهم: عَلَيْهِ الْوضُوء، وَقَالَ مَالك بن أنس: اسْتحبَّ الْغسْل من غسل الْمَيِّت وَلَا أرى ذَلِك وَاجِبا، وَهَكَذَا قَالَ الشَّافِعِي، وَقَالَ أَحْمد: من غسل مَيتا أَرْجُو أَن لَا يجب عَلَيْهِ الْغسْل، فَأَما الْوضُوء فَأَقل مَا فِيهِ. وَقَالَ إِسْحَاق: لَا بُد من الْوضُوء، وَقد رُوِيَ عَن عبد الله بن الْمُبَارك أَنه قَالَ: لَا يغْتَسل وَلَا يتَوَضَّأ من غسل الْمَيِّت، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَفِي الْبَاب عَن عَليّ وَعَائِشَة. قلت: كِلَاهُمَا عِنْد أبي دَاوُد، وَفِي الْبَاب عَن حُذَيْفَة عِنْد الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد سَاقِط، وَقَالَ مَالك فِي (الْعُتْبِيَّة) : أدْركْت النَّاس على أَن غاسل الْمَيِّت يغْتَسل، وَاسْتَحْسنهُ ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب، وَقَالَ ابْن حبيب: لَا غسل عَلَيْهِ وَلَا وضوء، وَفِي (التَّوْضِيح) : وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ: الْجَدِيد هَذَا، وَالْقَدِيم: الْوُجُوب، وبالغسل قَالَ ابْن الْمسيب وَابْن سِيرِين وَالزهْرِيّ، قَالَه ابْن الْمُنْذر، وَقَالَ الْخطابِيّ: لَا أعلم أحدا قَالَ بِوُجُوب الْغسْل مِنْهُ، وَأوجب أَحْمد وَإِسْحَاق الْوضُوء مِنْهُ.
وَأما التَّعْلِيق الْمَذْكُور فقد وَصله مَالك فِي (موطئِهِ) عَن نَافِع: أَن ابْن عمر حنط ابْنا لسَعِيد بن زيد وَحمله ثمَّ دخل الْمَسْجِد فصلى وَلم يتَوَضَّأ، وروى ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه: أَن ابْن عمر كفن مَيتا وحنطه وَلم يمس مَاء، وَعَن أبي الْأَحْوَص عَن عَطاء بن السَّائِب عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: قلت لِابْنِ عمر: اغْتسل من غسل الْمَيِّت؟ قَالَ: لَا. وَحدثنَا عباد بن الْعَوام عَن حجاج عَن سُلَيْمَان بن ربيع عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: غسلت أُمِّي ميتَة، فَقَالَت لي: سل، عَليّ غسل؟ فَأتيت ابْن عمر فَسَأَلته، فَقَالَ: أنجسا غسلت؟ ثمَّ أتيت ابْن عَبَّاس، فَسَأَلته فَقَالَ مثل ذَلِك: أنجسا غسلت؟ وَحدثنَا عباد عَن حجاج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر أَنَّهُمَا قَالَا: لَيْسَ على غاسل الْمَيِّت غسل؟
قَوْله: (حنط) ، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد النُّون أَي: اسْتعْمل الحنوط، وَهُوَ كل شَيْء خلط من الطّيب(8/37)