740/13 ـ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لأَهْلِهَا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَإِنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا بِمِثْلَيْ مَا دَعَا إِبْرَاهِيمُ لأَهْلِ مَكَّةَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في تخريجه:
فقد أخرجه البخاري في كتاب «البيوع»، باب «بركة صاع النبي صلّى الله عليه وسلّم ومُدِّه» (2129)، ومسلم (1360) من طريق عمرو بن يحيى، عن عباد بن تميم الأنصاري، عن عمه عبد الله بن زيد بن عاصم، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:... الحديث.
الوجه الثاني: الحديث دليل على أن إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم حرّم مكة، ودعا لأهلها بالبركة وسعة الرزق، كما قال تعالى حكاية عنه: {{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} ...} [البقرة: 126] . ولا منافاة بين هذا وما تقدم من أن الله تعالى حرم مكة، فإن تحريم إبراهيم لمكة بتحريم الله تعالى إياها.
قال ابن عبد البر: (هذا من فصيح كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبلاغته، وفيه استعارة بينة؛ لأن الدعاء إنما هو للبركة في الطعام المكيل بالصاع والمدِّ، لا في الظروف، والله أعلم، وقد يحتمل ـ على ظاهر العموم ـ أن يكون في الطعام والظروف)[(574)].
الوجه الثالث: في الحديث دليل على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم حرَّم المدينة وأنها حرم، وذلك بألا ينفَّر صيدها، ولا يقطع شجرها، وقد روى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عِضَاهُها أو يقتل صيدها» [(575)]. والعِضَاهُ: كل شجر فيه شوك.(1/185)
ولكن ليس في صيد المدينة جزاء على القول الراجح؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يجعل فيه جزاء، وقد نقل القاضي عياض، ومن بعده النووي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وعن الشافعي في قوله القديم أن من صاد في حرم المدينة أو قطع شجرها أُخذ سلبه[(576)] ـ وهو ما معه من ثياب وسلاح ودابة وغيرها ـ.
وقد ورد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (أنَّهُ رَكِبَ إِلَى قَصرِهِ بِالعَقِيقِ، فَوَجَدَ عَبْداً يَقْطَعُ شَجَراً، أَو يَخْبِطُهُ، فَسَلَبَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدٌ جَاءَهُ أَهْلُ العَبْدِ فَكَلَّمُوهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى غُلامِهِمْ، أَو عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ مِنْ غُلامِهِمْ، فَقَالَ: مَعَاذَ اللهِ أَنْ أَرُدَّ شَيْئاً نَفَّلَنِيهِ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم. وَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيهِمْ)[(577)].
وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال في المدينة: «لا يختلى خلاها، ولا ينفّر صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمن أشاد بها، ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال، ولا يصلح أن يقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره» [(578)].
الوجه الرابع: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دعا لأهل المدينة بالبركة وسعة الرزق، لقوله: «وإني دعوت في صاعها ومدها بمثليْ ما دعا إبراهيم لأهل مكة» ، وهذا لفظ مسلم.
وفي رواية البخاري، ورواية أخرى لمسلم: «مثل» ، فدلت الرواية الأولى على أن الدعاء كان بمضاعفة النماء والبركة، وقد ورد في «صحيح مسلم» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفي آخره: «اللّهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإنه دعاك لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة، ومثله معه...» [(579)].(1/186)
وقد ذكر القاضي عياض عدة معانٍ في معنى الدعاء بالبركة في صاع أهل المدينة ومُدِّهم، ونقلها عنه النووي، ثم قال: (والظاهر من هذا كله أن البركة في نفس المكيل في المدينة، بحيث يكفي المدُّ فيها لمن لا يكفيه في غيرها. والله أعلم)[(580)].
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: (ومن سكن المدينة يعرف ذلك، يعرف ما فيها من البركة في طعامها وشرابها، وما يحصل لأهلها من الكفاية بالقليل، ولا سيما في حق أهل الإيمان والتقوى)، والله تعالى أعلم.
حدود حرم المدينة
741/14 ـ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (ص): «المَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلى ثَوْرٍ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في تخريجه:
فقد أخرجه البخاري في كتاب «الفرائض»، باب «إثم من تبرأ من مواليه» (6755)، ومسلم (1370) من طريق الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: قال علي رضي الله عنه: (ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله، غير هذه الصحيفة، قال: فأخرجها فإذا فيها أشياء من الجراحات، وأسنان الإبل، قال: وفيها «المدينة حرم ما بين عير إلى ثور...» ) الحديث بتمامه، وعزوه لمسلم فقط وَهْمٌ من الحافظ.
الوجه الثاني: الحديث دليل على أن حرم المدينة يحده من الناحية الجنوبية جبل عَيْرٍ، وهو جبل أسود بحمرة مستطيل من الشرق إلى الغرب يشرف على المدينة من الجنوب، قرب ذي الحليفة، ويحدها من الجهة الشمالية: جبل ثور، وهو جبل صغير مدوَّر خَلْفَ جبل أُحُدٍ من شماليه[(581)].(1/187)
أما حدها الشرقي والغربي فهما الحرَّتان الشرقية والغربية، لما تقدم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: «إني أحرم ما بين لابتي المدينة...» ولابتاها: حرَّتاها: الشرقية شرقي البقيع، وتسمّى: حرة واقم، وحرة بني حارثة، وهي داخلة في الحرم، لحديث أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «حُرِّم ما بين لابتي المدينة على لساني» قال: وأتى النبي صلّى الله عليه وسلّم بني حارثة، فقال: «أراكم يا بني حارثة قد خرجتم من الحرم» ، ثم التفت فقال: «بل أنتم فيه» [(582)].
والحرة الغربية غربي سلع، وتسمّى: حرة الوبرة، وتنتهي عند وادي العقيق، وهي داخلة في الحرم، بدليل حديث الباب؛ لأنها واقعة بين عير وثور، والحرة: أرض تعلوها حجارة سود، كما تقدم في «الصيام».
وفائدة معرفة حدود حرم المدينة هي ما يترتب على ذلك من حصول البركة بدعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتحريم الصيد، ومنع الدجال منها، وكونها لا يدخلها الطاعون، إلى غير ذلك مما ثبت في الأحاديث الصحيحة[(583)]، أما مضاعفة الصلاة فهي خاصة بالمسجد النبوي دون غيره من مساجد المدينة، كما سيأتي إن شاء الله[(584)]، والله تعالى أعلم.
باب صفة الحج، ودخول مكة
هذا الباب عقده الحافظ رحمه الله لذكر الأحاديث في بيان صفة الحج.
وما شرع فيه من أقوال وأفعال، ابتداء بالطواف، ثم السعي، والإحرام بالحج يوم التروية، والخروج إلى منى، ثم عرفة، والإفاضة إلى مزدلفة، والرمي، والمبيت بمنى، والوداع، كما ذكر الأحاديث في كيفية دخول مكة، من مشروعية الاغتسال، ومن أين يدخلها؟ إلى غير ذلك مما ورد في هذا الباب، وقد بدأ بحديث جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم ذكر بعده، ستة وثلاثين حديثاً.
صفة حج النبي (ص)(1/188)
742/1 ـ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم حَجَّ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ، حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، فَقَالَ: «اغْتَسِلي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ، وَأَحْرِمِي».
وَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم فِي المَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالتَّوْحِيد: «لَبَّيْكَ اللَّهُمْ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ».
حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، فَرَمَلَ ثَلاثاً وَمَشَى أَرْبَعاً، ثُمَّ أَتَى مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ فَصَلَّى، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكن فَاسْتَلَمَهُ.
ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: {{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}} [البقرة: 158] ، «أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ»، فَرَقِيَ الصَّفَا، حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللهَ، وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ».
ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى المَرْوَةِ، حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى، حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى إِلَى المَرْوَةِ، فَفَعَلَ عَلَى المَرْوَةِ، كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا... فَذَكَرَ الحَدِيث. وَفِيهِ:(1/189)
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلى مِنًى، وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَصَلَّى بِهَا الظُهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ، وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلاً حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ.
فَأَجَازَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ القُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَة فَنَزَلَ بِهَا.
حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ، فَرُحِلتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ.
ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيئاً.
ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى المَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ المُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفاً حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلاً، حَتَّى غَابَ القُرْصُ، وَدَفَعَ، وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: «أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ، السَّكِينَةَ»، كُلَّمَا أَتَى حَبْلاً أَرْخَى لَهَا قَلِيلاً حَتَّى تَصْعَدَ.
حَتَّى أَتَّى المُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيئاً، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَصَلَّى الْفَجْرَ حِيْنَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَّى المَشْعَرَ الحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَاهُ، وَكَبَّرَهُ، وَهَلَّلَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفاً حَتَّى أَسْفَرَ جِدّاً.
فَدَفَعَ قبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلاً.(1/190)
ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الجَمْرَةِ الكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا، مِثْلُ حَصَى الخَذْفِ، رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي.
ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المَنْحَرِ، فَنَحَرَ.
ثُمْ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُهْرَ. رَوَاهُ مُسْلِم مُطَوَّلاً.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في تخريجه:
فقد أخرجه مسلم في كتاب «الحج»، باب «حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم» (1218) من طريق حاتم بن إسماعيل المدني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: دخلنا على جابر بن عبد الله، فسأل عن القوم، حتى انتهى إليَّ، فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين[(585)]، فأهوى بيده إلى رأسي، فنزع زري الأعلى، ثم نزع زري الأسفل، ثم وضع كفه بين ثديي وأنا يومئذٍ غلام شاب، فقال: مرحباً بك يا ابن أخي سلّ عمّا شئت، فسألته وهو أعمى، وحضر وقت الصلاة، فقام في نِسَاجة[(586)] ملتحفاً بها كلما وضعها على منكبيه رجع طرفاها إليه من صغرها، ورداؤه إلى جنبه على المشجب[(587)]، فصلّى بنا، فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال بيده، فعقد تسعاً، فقال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكث تسع سنين لم يحجّ، ثم أذَّن في الناس في العاشرة: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجّ، فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه... وساق الحديث بطوله.(1/191)
وهذا الحديث من أفراد مسلم دون البخاري، وقد بدأ المؤلف أحاديث هذا الباب بحديث جابر رضي الله عنه لاشتماله على مسائل كثيرة، ثم ساق بعده الأحاديث المتعلقة بمسائل لم ترد فيه، وهو حديث عظيم شامل لأكثر ما ورد في حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم، ويعتبر منسكاً مستقلاً، ولا سيما إذا جمعت رواياته وضم بعضها إلى بعض[(588)]، فإنه ذكر صفة حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم ومعظم أفعاله من خروجه من المدينة إلى رجوعه، ولكن المؤلف اختصر في أثنائه، وسيذكر الحافظ طرفاً منه في باب «الوكالة» من كتاب «البيوع»، ثم في باب «النفقات».
وسيكون الكلام ـ إن شاء الله ـ على مفرداته وجمله وفوائده، في كل جملة على حدة نظراً لطوله، وأضيف أثناء ذلك من روايات الحديث ما أرى له أهمية.
الوجه الثاني: قوله: (إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكث تسع سنين لم يحج) أي: مكث في المدينة، وأما في مكة فقد حج واحدة باتفاق[(589)]، كما ثبت في حديث أبي إسحاق قال: حدثني زيد بن أرقم: (أن النبي صلّى الله عليه وسلّم غزا تسع عشرة غزوة، وأنه حج بعدما هاجر حجة واحدة، لم يحجَّ بعدها: حجة الوداع)، قال أبو إسحاق: وبمكة أخرى[(590)].
وقد ذكر الحافظ ابن كثير[(591)] أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان بعد الرسالة يحضر مواسم الحج ويدعو الناس، وجزم الحافظ ابن حجر بأنه صلّى الله عليه وسلّم لم يترك الحج وهو بمكة قط، وقد ثبت دعاؤه صلّى الله عليه وسلّم قبائل العرب إلى الإسلام بمنى ثلاث سنين متوالية، وقد اعتمر صلّى الله عليه وسلّم بعد الهجرة أربع عُمَر، كلهن في ذي القعدة[(592)].(1/192)
الوجه الثالث: قوله: (إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجٌّ) وهي حجة الوداع كما تقدم، وهي سنة عشر، كما قال جابر رضي الله عنه، وكان خروجه صلّى الله عليه وسلّم من المدينة يوم السبت[(593)]، لخمس بقين من ذي القعدة، كما تقدم، وقدم مكة يوم الأحد رابع ذي الحجة[(594)]، فيكون صلّى الله عليه وسلّم مكث في الطريق ثمان ليال[(595)].
الوجه الرابع: قوله: (فخرجنا معه) في هذا دليل على حرص الصحابة رضي الله عنهم على العلم بأفعال النبي صلّى الله عليه وسلّم لاتباعه والتأسي به عليه الصلاة والسلام. ويستفاد من ذلك الحث على صحبة أهل العلم والفضل في الأسفار ولا سيما في الحج، لما في ذلك من الخير الكثير من الاستفادة من علمهم وأخلاقهم، إضافة إلى حفظ الوقت وصرفه فيما ينفع ويفيد، وهذا شيء ملاحظ ومحسوس.
الوجه الخامس: قوله: (فولدت أسماء بنت عميس) وهي زوجة أبي بكر الصديق رضي الله عنها، ولدت له محمداً في الميقات، وكانت قبل ذلك تحت جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وأولاده منها، وبعد وفاة أبي بكر تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.
والعجيب في الأمر أنه لم يرد لأسماء رضي الله عنها ذكر في حديث جابر رضي الله عنه في غير هذا الموضع مع كثرة طرقه وتعدد ألفاظه، فلا يُدرى ماذا صنعت فيما بعد؟ هل طهرت قبل رجوعهم فطافت، وهذا فيه بعد؟ أم أنها بقيت على نفاسها؟ وهل أذن لها النبي صلّى الله عليه وسلّم أن تطوف وهي نفساء من باب الضرورة؟ أم أنه أمر أحد محارمها أن يبقى معها؟ كل هذا مسكوت عنه، فالله تعالى أعلم بما كان من أمرها.
الوجه السادس: قوله: (اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي) الاستثفار: أن تشد المرأة على وسطها شيئاً ثم تأخذ خرقة عريضة تجعلها في محل الدم وتشدها من ورائها وقدامها ليمتنع الخارج، وفي معناها الوسائل المعروفة الآن عند النساء.(1/193)
وفي هذا القدر دليل على أن النفساء وفي معناها الحائض إذا وصلت الميقات أنها تغتسل كالطاهرات ـ كما تقدم ـ وتتحفظ عن خروج الدم وتحرم، وتقدم الكلام على الاغتسال عند الإحرام.
الوجه السابع: قوله: (ثم ركب القَصواء، حتى إذا استوت به على البيداء أهلَّ بالتوحيد) القصواء ـ بفتح القاف ـ: وهي الناقة التي قطع طرف أذنها، وناقة النبي صلّى الله عليه وسلّم لم تكن مقطوعة الأذن، وإنما لقبها به حباً. وفي هذا دليل لمن قال: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم أهلَّ من البيداء، وتقدم حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلّى الله عليه وسلّم أهلَّ عندما استوت به راحلته عند المسجد.
ومعنى (أهلَّ) رفع صوته بالتلبية، التي تشتمل على توحيد الله بألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، فالتلبية شعار التوحيد الذي هو ملة إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم، وهو روح الحج ومقصده؛ بل روح العبادات كلها؛ لأن قوله: (والملك) من توحيد الربوبية، وتوحيد الربوبية مستلزم توحيد الألوهية، وفي قوله: (إن الحمد والنعمة) توحيد الأسماء والصفات، فإن الحمد: وصف المحمود بالكمال مع محبته وتعظيمه، والنعمة: من صفات الأفعال. وفي قوله: (أهلَّ) دليل على مشروعية رفع الصوت بالتلبية، كما تقدم.(1/194)
الوجه الثامن: قوله: (لبيك اللهم لبيك) أي: إجابة لك بعد إجابة، ولهذا المعنى كررت التلبية إيذاناً بتكرير الإجابة[(596)]، وهو منصوب بالياء إلحاقاً له بالمثنى، والمراد به التكثير، والناصب له فعل محذوف تقديره: أجيبك إجابة بعد إجابة، وينبغي للمحرم أن يستحضر ـ وهو يقول: لبيك ـ دعاء الله تعالى له وإجابته إياه، لا أن تكون عبارات التلبية مجرد ألفاظ تُردد؛ بل عليه أن يستحضر ذلك منذ خروجه من بلده، قال تعالى: {{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ *}} [الحج: 27] ، فالتلبية تتضمن إجابة داعٍ دعاك ومنادٍ ناداك؛ إذ لا يصح في لغة ولا عقل إجابة من لا يتكلم ولا يدعو من أجابه.
وقوله: (لبيك لا شريك لك) التكرار للتأكيد، وهو أنه مجيب لربه، مقيم على طاعته، وقوله: (لا شريك) أي: فيما ذكر.
وقوله: (إن الحمد...) بكسر الهمزة وفتحها، فالكسر على أنها جملة مستأنفة، معناها: الحمد لله على كل حال، والفتح على التعليل؛ أي: لبيك لأن الحمد والنعمة لك، فيرجع الحمد والنعمة إلى التلبية، والكسر أجود؛ لأنه أعم؛ لأنه يقتضي أن تكون الإجابة مطلقة غير معللة، وأن الحمد والنعمة لله على كل حال.
و(الحمد): الوصف بالكمال مع المحبة والتعظيم، و(النعمة): الفضل والإحسان، ويدخل في هذا جميع النعم الظاهرة والباطنة، (لك) اللام الاختصاص؛ لأن الله وحده المحمود والمنعم.
قوله: (والملك) أي: ملك الخلائق وتدبيرها لك وحدك، وهو بالرفع مبتدأ، وبالنصب على المشهور عطفاً على (إن) ، والخبر محذوف، تقديره: لك.
وقوله: (لا شريك لك) أي: لا شريك لك فيما ذكر من استحقاق الثناء، وإيصال النعمة. قال تعالى: {{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}} [النحل: 53] .(1/195)
وفي هذا دليل على مشروعية التلبية، وفيها التنبيه على إكرام الله تعالى لعباده بأن وفودهم على بيته إنما كان باستدعاء منه عزّ وجل، والتلبية تتضمن المحبة؛ لأنك لا تقول: (لبيك) إلا لمن تحبه وتعظمه، كما تتضمن التلبية التزام دوام العبودية، والخضوع، والذل، والإخلاص، كما أنها تتضمن الإقرار بسمع الربِّ؛ إذ يستحيل أن يقول الرجل: (لبيك) لمن لا يسمع دعاءه والتلبية جعلت في الإحرام شعار للانتقال من حال إلى حال، ومن منسك إلى منسك، فهي كالتكبير جعل في الصلاة للانتقال من ركن إلى ركن[(597)].
وقال جابر رضي الله عنه: (ولزم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلبيته) ، وهذا يدل على أن الأفضل الاكتفاء بتلبيته صلّى الله عليه وسلّم لملازمته لها، مع أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يسمع الناس يزيدون، فأقرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كما قال جابر رضي الله عنه، وهذا يدل على جواز الزيادة على التلبية النبوية.
الوجه التاسع: قوله: (حتى إذا أتينا البيت استلم الركن) الاستلام: افتعال من السلام، وهو التحية، أو من السِّلام ـ بكسر السين ـ وهي الحجارة، قال الجوهري: (استلم الحجر: لمسه بالقُبلة أو باليد)[(598)]. وقال ابن تيمية: (الاستلام: هو مسحه باليد)[(599)]، والمراد بالركن: الحجر الأسود؛ لأنه المراد عند الإطلاق، وسمي ركناً؛ لأنه في ركن الكعبة.
فهذا فيه مشروعية استلام الحجر الأسود قبل بدء الطواف إن تيسر وإلا بدأ بالطواف وتركه.
الوجه العاشر: قوله: (فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً) أي: طاف بالبيت فرمل ثلاثة أشواط ومشى الأربعة الباقية، وهذا الطواف هو طواف القدوم، والرمل ـ بالفتح ـ: الإسراع في المشي من غير مباعدة للخطوات ولا وثب.
وهذا فيه دليل على مشروعية الرَّمَلِ في الأشواط الثلاثة الأُول من طواف القدوم، وهو أول طواف يأتي به القادم إلى مكة، سواء أكان لحج أم لعمرة، وأما الأربعة الباقية فيمشي فيها.(1/196)
فإن نسي الرمل لم يقضه في الأربعة الباقية، لئلا يغير هيئتها. فإن لم يستطع الرمل مع القرب؛ لقوة الزحام، فمن أهل العلم من قال: يخرج إلى حاشية المطاف؛ لأن المحافظة على فضيلة تتعلق بنفس العبادة أولى من المحافظة على فضيلة تتعلق بمكان العبادة أو زمانها، ومنهم من قال: يطوف قريباً على حسب حاله؛ لأن الرمل هيئة، فهو كالتجافي في الركوع والسجود، ولا يترك الصف الأول لأجل تعذرها، فكذا هنا[(600)].
الوجه الحادي عشر: قوله: (ثم أتى مقام إبراهيم فصلى) وفي «صحيح مسلم»: (فجعل المقام بينه وبين البيت)، ومقام إبراهيم: حجر كان إبراهيم عليه السلام يقوم عليه وهو يبني الكعبة حين ارتفع البناء، وهذا هو الصواب من عدة أقوال، لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة بناء إبراهيم عليه السلام البيت، وفيه: (فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر، فوضعه له، فقام عليه، وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم...) الحديث[(601)].
وقد روى جابر رضي الله عنه: أنه صلّى الله عليه وسلّم قرأ: {{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً}} [البقرة: 125] ، وفي رواية للنسائي: (ورفع صوته، يُسمع الناس)[(602)]، فصلى ركعتين قرأ فيهما: {{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *}}، و{{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ *}}[(603)]، وفي رواية: {{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ *}}، و{{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *}}[(604)].
وفي هذا دليل على أن السُّنَّة في ركعتي الطواف كونهما خلف المقام، فإن تيسر القرب منه فهو أفضل، فإن وجد زحاماً صلى بعيداً عن المقام، وتحصل السنة بذلك إذا جعله بينه وبين الكعبة، وإن صلاهما في أي مكان أجزأ.(1/197)
والركعتان حكمهما الوجوب على قول أبي حنيفة، والشافعي في أحد قوليه، والمشهور من مذهب المالكية، ورواية عن أحمد[(605)] لظاهر الأمر في قوله تعالى: {{وَاتَّخِذُوا}}، ولأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم تلا الآية عند المقام.
والقول الثاني: أنهما سنة، وهو الأصح في مذهب أحمد، وقول مالك في إحدى الروايتين عنه، والأصح في مذهب الشافعي[(606)]؛ لأن ما عدا الصلوات الخمس ليس بواجب، وإنما هي تَطَوُّع، كما في حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: أن أعرابياً قال: يَا رَسُولَ اللهِ، مَاذَا فَرَض الله عَلَى عِبَادِهِ مِنَ الصَّلاةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَومِ وَاللَّيلَةِ» ، فَقَالَ: هَل عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لا إِلا أَنْ تَطَّوَّعَ» [(607)].
وعلى القول بأنهما سنّة، فإن صلَّى فريضة بعد الطواف أجزأت عنهما[(608)]. وهذا قول ابن عباس[(609)] وابن عمر رضي الله عنهما، ومجاهد وطاوس وعطاء وغيرهم[(610)]، ولأنهما ركعتان شرعتا للنسك، فأجزأت عنهما المكتوبة، كركعتي الإحرام[(611)]. وأما على القول بوجوبهما فإنه لا يجزئ عنهما غيرهما؛ لأن الفريضة لا تجزئ عن الواجب، فإذا صلى المكتوبة صلى ركعتي الطواف بعدها. وقد ذكر البخاري تعليقاً عن نافع أنه قال: (كان ابن عمر رضي الله عنهما يصلي لكل سبوعٍ ركعتين)، وقال إسماعيل بن أمية: قلت للزهري: إن عطاء يقول: تجزئه المكتوبة من ركعتي الطواف، فقال: السنة أفضل، لم يطف النبي صلّى الله عليه وسلّم أسبوعاً قط إلا صلى ركعتين[(612)].
والقول بالإجزاء قوي، لكن الأفضل عدم الاقتصار على الفريضة؛ لأن ركعتي الطواف عبادة مستقلة شرعت من أجل الطواف فالأولى الإتيان بهما، ويؤيد ذلك عموم ما تقدم. قال الزركشي: (المنصوص عن أحمد الإجزاء، مع أن الأفضل عنده فعلهما)[(613)].(1/198)
الوجه الثاني عشر: قوله: (ثم رجع إلى الركن فاستلمه) ، فيه دليل على مشروعية استلام الحجر الأسود، بعد ركعتي الطواف، وقبل السعي إن تيسر وإلا تركه، وظاهر ذلك أنه لا يسن تقبيله ولا الإشارة إليه.
الوجه الثالث عشر: قوله: (ثم خرج من الباب إلى الصفا) المراد بالباب: باب الصفا، كما ورد في رواية للطبراني: (ثم خرج من باب الصفا)[(614)]، وهذا فيه مشروعية الخروج إلى الصفا من بابه، وكان المسجد الحرام في الزمن القديم له أبواب دون المسعى يخرج منها الناس، وأما الآن فيتجه إلى المسعى من جهة الصفا، وهذا فيه دليل على أنه ينبغي المبادرة بالسعي بعد الطواف، ولو أخَّر السعي فلا بأس، فإن الموالاة بين الطواف والسعي غير واجبة.
الوجه الرابع عشر: قوله: (فلما دنا من الصفا قرأ: {{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} }) الصفا: جمع مفرده صفاة، وهي الصخرة الصلبة الملساء، والمراد هنا: أسفل الجبل المعروف في أول المسعى. والمروة: الحجر الأبيض البَرَّاق الذي تقدح منه النار، والمراد هنا: أسفل الجبل المعروف في نهاية المسعى، ومعنى {{مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}}: من أعلام دينه وأماكن عبادته، المأمور بها في الحج، كالوقوف والرمي والطواف، سميت شعائر لما تُشعر به من أعمال الحج، أو لما يُستشعر هناك من تعظيم الله تعالى والقيام بوظائفه.
وقد استحب بعض العلماء قراءة هذه الآية عند الدنو من الصفا، ويفهم من صنيع آخرين أنه لا يستحب قراءتها، ولذا لم يذكرها أكثر الفقهاء في هذا الموطن[(615)]، وهذا أقرب؛ لأن الظاهر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قرأها من أجل تعليم الناس، كما قرأ آية: {{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً}} عندما أراد صلاة ركعتي الطواف، فمن قال بقراءة الآية عند المسعى، لزمه أن يقول بقراءة الآية عند المقام، وظاهر رواية النسائي المتقدمة أن المقصود تعليم الناس.(1/199)
الوجه الخامس عشر: قوله: (أبدأ بما بدأ الله به) ، هذه رواية مسلم بلفظ الخبر (أبدأ)، وقد جاء عند النسائي بلفظ: (ابدؤوا بما بدأ الله به) بلفظ الأمر، ولكنها رواية شاذة[(616)].
وقد استدل الفقهاء بهذا على أن الترتيب شرط في السعي، وهو أن يبدأ بالصفا، فإن بدأ بالمروة لم يعتدَّ بذلك الشوط، فإذا صار على الصفا اعتدَّ بما يأتي به بعد ذلك[(617)].
الوجه السادس عشر: قوله: (فَرَقِيَ الصفا...) رَقِيَ: من باب تَعِبَ؛ أي: صَعَدَ، يقال: رقي في السلّم: صعد فيه، ورقي الجبل ونحوه: علاه وصعده، وفي هذا دليل على مشروعية الصعود على الصفا واستقبال البيت، لقوله: (حتى رأى البيت فاستقبل القبلة)، وكانت رؤية البيت في الزمن القديم ممكنة بسهولة، أما الآن فقد حال البناء دون ذلك، وتبقى سُنِّية استقبال البيت ولو لم يره.
الوجه السابع عشر: قوله: (فوحَّد الله وكبَّره، وقال:... إلخ) ، فيه أنه يسن على الصفا في بداية السعي أن يوحّد الله تعالى ويكبره، ويحمده، ويدعو، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الآتي، ويقول ما ورد هنا.
قوله: (ثم دعا بين ذلك ثلاث مرات) أي: يذكر الله تعالى ويثني عليه، ثم يدعو، ثم يذكر الله، ثم يدعو، ثم يذكر الله تعالى، فيكون الذكر ثلاثاً والدعاء مرتين، لقوله: (ثم دعا بين ذلك).
ويستحب رفع اليدين في هذا الموطن، لثبوته في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في فتح مكة، وفيه: (فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه، حتى نظر إلى البيت، ورفع يديه، فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو)[(618)]، وأما في بقية السعي ـ عدا الوقوف على الصفا والمروة ـ وكذا الطواف فلا يشرع رفع اليدين، لعدم ثبوت ذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وقد ذكر ابن القيم أن حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم تضمنت ست وقفات للدعاء: على الصفا، وعلى المروة، وفي عرفة، وفي مزدلفة، وعند الجمرة الأولى، وعند الجمرة الثانية[(619)].(1/200)
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه المذكور زيادة أخرى على ما في حديث جابر رضي الله عنه، وهي حمد الله تعالى في بداية الدعاء، وقد ذكر الفقهاء هذا[(620)]، فالعمل بالحديثين حسن، فيحمد الله ويكبره، ثم يقول: لا إله إلا الله... إلخ.
قوله: (أنجز وعده) أي: بإظهار هذا الدين، وكون العاقبة للمتقين، وغير ذلك من وعده سبحانه وتعالى.
وقوله: (ونصر عبده) أي: نبيه محمداً صلّى الله عليه وسلّم على أعدائه.
وقوله: (وهزم الأحزاب) أي: غلبهم وكسرهم، (وحده) أي: بلا قتال من الناس، وفيه إيماء إلى قوله تعالى: {{وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}} [آل عمران: 126] والمراد بالأحزاب: القبائل الذين اجتمعوا حول المدينة وتحزبوا يوم الخندق، كما قال تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا}} [الأحزاب: 9] ، وقال تعالى: {{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا *}} [الأحزاب: 25] .
الوجه الثامن عشر: قوله: (ثم نزل إلى المروة حتى انصبت قدماه في بطن الوادي سعى...) ، قوله: (حتى انصبت) في «صحيح مسلم»: (حتى إذا انصبت)[(621)]، وهذا فيه بيان كيفية السعي، وهو أنه إذا انتهى من الدعاء والذكر نزل من الصفا ماشياً متجهاً إلى المروة، فإذا انصبت قدماه في بطن الوادي، أي: انحدرت، سعى سعياً شديداً، وكان هذا الجزء من المسعى في الزمن السابق وادياً، أما الآن فالأرض كلها مستوية، وقد جُعل العلم الأخضر الأول والثاني علامة على ضفتي هذا الوادي، فيسعى بينهما سعياً شديداً، فإذا جاوزه مشى إلى المروة، وليس على المرأة أو حامل المعذور سعي شديد.(1/201)
والحكمة من هذا السعي الشديد أنه كان وادياً، والوادي في الغالب يكون نازلاً، وقد كانت أم إسماعيل رضي الله عنها تمشي فيما بين الصفا والمروة، فإذا وصلت الوادي أسرعت في مشيها؛ لأن ابنها يغيب عنها إذا هبطت بطن الوادي.
الوجه التاسع عشر: قوله: (ففعل على المروة كما فعل على الصفا) أي: فيصعد المروة ويقول ما قاله على الصفا من الذكر والدعاء ثلاث مرات.
وعلى الإنسان أن يحرص على العمل بهذه السنن، ولا تأخذه العجلة فيترك الدعاء والذكر، ويقول في سعيه ما أحب من ذكر، ودعاء، وتلاوة القرآن، وينبغي للإنسان ـ وهو يسعى ـ أن يستشعر أنه في ضرورة إلى رحمة الله عزّ وجل، كما كانت أم إسماعيل رضي الله عنها في ضرورة إلى رحمة الله عزّ وجل، ومعنى ذلك أن المسلم يفزع إلى الله تعالى، ويستغيث به من آثار الذنوب وعواقبها، وذلك بالإلحاح في الدعاء، وصدق الالتجاء إلى الله تعالى.
وليس للسعي ـ كالطواف ـ دعاء معين، وأما تخصيص كل شوط بدعاء معين، فهذا لا أصل له، وإن دعا بين العلمين بقوله: (ربّ اغفر وارحم، إنك أنت الأعز الأكرم) فحسن، لثبوت ذلك عن ابن عباس وابن عمر[(622)] رضي الله عنهم.
وقوله: (فذكر الحديث) هنا اختصار، فإن الحافظ حذف ما يتعلق بالأمر بفسخ الحج إلى العمرة، حيث أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم الصحابة رضي الله عنهم الذين ليس معهم هدي بالتحلل بعمرة بعد ما أتموا السعي، وقد تقدم الكلام على شيء من ذلك.
الوجه العشرون: قوله: (فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى...) في «صحيح مسلم»: (فأهلوا بالحج)، وعلى هذا فمعنى (توجهوا) : قصدوا وتهيأوا للرحيل من الأبطح، لا أنهم توجهوا بمشيهم إلى منى، فأحرموا منها، للإجماع على أنهم أحرموا في مكة[(623)]. ويوم التروية: هو اليوم الثامن من ذي الحجة، سمي بذلك لأنهم كانوا يرتوون من الماء لما بعده، أي: يسقون ويستقون.(1/202)
وكان صلّى الله عليه وسلّم قد أقام بالأبطح حتى صبح اليوم الثامن، والأبطح: هو مسيل فيه دقاق الحصى، يقع شرقي مكة، فأحرم النبي صلّى الله عليه وسلّم في هذا المكان ومعه أصحابه قبل الزوال، ثم توجهوا إلى منى، وكان ذلك يوم الخميس.
والسنّة أن يحرم الحاج من المكان الذي هو فيه، سواء أكان في الأبطح أم في منى، والمكي إذا أراد الحج يُحرم من أهله.
وأما قول البهوتي شارح «الزاد»: (والأفضل من تحت الميزاب)[(624)]، أي: ميزاب الكعبة الذي يصب في الحِجْرِ، فهذا اجتهاد منه، وهو مخالف للسنة، فإنه لم ينقل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أحرم من تحت الميزاب ولا أحد من أصحابه رضي الله عنهم.
الوجه الحادي والعشرون: قوله: (وركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر) ، أي: صلى كل صلاة في وقتها قصراً من غير جمع، وإنما ذكر جابر رضي الله عنه عدد هذه الصلوات الخمس هنا ليعلم الوقت الذي وصل فيه إلى منى، والوقت الذي خرج فيه منها إلى عرفة، والخروج إليها ومنها على هذه الصفة استحبه العلماء، استحبوا البيات في منى، وألا يخرج منها الحاج حتى تطلع شمس اليوم التاسع.
الوجه الثاني والعشرون: قوله: (حتى طلعت الشمس فأجاز حتى أتى عرفة) عرفة: مشعر خارج حدود الحرم؛ لأنها واقعة في الحل، وهي اسم لمكان الوقوف في الحج، سميت عرفة لارتفاعها على ما حولها، ويقال: عرفات، كما في القرآن.
وقوله: (فأجاز) يقال: جاز المكان: سار فيه، وأجازه؛ قطعه، والمعنى: جاوز المزدلفة ولم يقف بها؛ بل توجه إلى عرفات. وهذا فيه دليل على أنه يسن للحاج أن يبيت ليلة التاسع في منى إن تيسر، أما البيات قصداً في عرفة ليلة التاسع فهذا خلاف السنة.(1/203)
الوجه الثالث والعشرون: قوله: (فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها) نَمِرَةُ: بفتح النون وكسر الميم، جبال صغار هي منتهى حد الحرم من الجهة الشرقية، فهي محاذية لأنصاب الحرم، ووادي عرنة يفصل بينها وبين عرفة. والقبة: خيمة صغيرة.
وظاهر السياق يشعر بأن نمرة في عرفة، وبذلك قال بعض الفقهاء وعلماء اللغة.
والقول الثاني: أن نمرة ليست من عرفة، وبه جزم النووي، وابن تيمية، وابن القيم، وآخرون[(625)]، ويترتب على هذا الخلاف حكم حَجِّ من وقف بنمرة إلى الغروب ثم دفع إلى مزدلفة[(626)].
وعلى القول بأنها ليست من عرفة يكون معنى قوله: (حتى أتى عرفة) قارَبَ عرفة، أو أن مراد جابر أن منتهى سيره عرفة، وأنه لم يفعل كما تفعل قريش في الجاهلية، فتنتهي بمزدلفة وتقف فيه يوم عرفة.
وهذا القدر فيه فائدتان:
الأولى: جواز الاستظلال بما ليس ملاصقاً للرأس، كالشمسية، والخيمة، وسقف السيارة، ونحوها.
الثانية: استحباب الجلوس في نمرة إلى زوال الشمس إن تيسر ـ على أحد القولين ـ بناءً على أن الأصل التعبد في جميع أفعال الحج، إلا ما قام الدليل على أنه ليس كذلك، وإلا ذهب إلى عرفات واستقر بها ولو قبل الزوال.
الوجه الرابع والعشرون: قوله: (حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء، فرحلت له، فأتى بطن الوادي...) ، المراد بالوادي: وادي عرنة الذي فيه مقدمة المسجد؛ لأن المسجد بعضه في عرفة وبعضه خارج عرفة، وبطن الوادي موضع متسع، ولذا خصَّه النبي صلّى الله عليه وسلّم بخطبته، ولم يكن في هذا الموضع مسجد، وإنما بني في أول دولة بني العباس[(627)].
وهذا فيه بيان ما يفعله الإمام في عرفة، وهو أن يخطب الناس خطبة واحدة، يعلمهم ما يحتاجون إليه من مسائل العقيدة وأحكام دينهم، ويحثهم على الاجتماع والائتلاف، ويحذرهم التفرق والاختلاف، ويبين لهم مكائد الأعداء ودسائس المتربصين، والمقصود أن الخطبة يراعى فيها ما يناسب الزمان، إضافة إلى ما تقدم.(1/204)
وليست خطبة النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم عرفة خطبة جمعة، وإنما هي خطبة تعليم، ولذا خطب قبل الأذان ولم يجهر بالقراءة، فدل على أنه لم يصلِّ جمعة، وقد ذكر جابر خطبة النبي صلّى الله عليه وسلّم في عرفة.
الوجه الخامس والعشرون: قوله: (ثم أذن ثم أقام، فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر) هذا فيه دليل على أن الخطبة قبل الصلاة، وعلى أن الأذان بعد الخطبة، ثم يصلي الإمام بالناس الظهر والعصر جمعاً وقصراً، بأذان واحد وإقامتين. وهكذا يفعل الناس في سائر أنحاء عرفة، لا فرق في ذلك بين أهل مكة وغيرهم، وهذا الجمع قيل: إنه لأجل النسك، وقيل: لأجل السفر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والصحيح أنه لم يجمع بعرفة لمجرد السفر، كما قصر للسفر، بل لاشتغاله بالوقوف واتصاله عن النزول، ولاشتغاله بالمسير إلى مزدلفة، فكان جمع عرفة لأجل العبادة، وجمع مزدلفة لاجل السير الذي جدَّ فيه: وهو سير إلى مزدلفة...)[(628)].
الوجه السادس والعشرون: قوله: (ثم ركب حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات...) ، أي: ثم ركب من مكان خطبته وصلاته حتى أتى الموقف، وهو عند الجبل المعروف في شمال عرفة، ويسمى جبل (إلال) بوزن هلال، وتسميه العامة: جبل الرحمة[(629)].
والظاهر أنه صلّى الله عليه وسلّم وقف عند الجبل من جهته الجنوبية، فيكون الجبل عن يمينه، ويستقبل القبلة، ويكون حبل المشاة أمامه، وحبل المشاة ـ بالحاء المهملة ـ: هو صفهم ومجتمعهم في مشيهم. وقيل: حبل المشاة: طريقهم الذي يسلكونه. والصخرات: هي صخرات مفترشة بالأرض، تقع خلف الجبل، والواقف عندها يستقبل الجبل والقبلة معاً.
وعرفة كلها موقف، لكن يجب على الواقف أن يتأكد من حدودها، وهي علامات يجدها من يطلبها؛ لأنها واضحة، ومن وقف خارجها لم يصح حجه؛ لأن الحج عرفة، كما تقدم.(1/205)
الوجه السابع والعشرون: قوله: (واستقبل القبلة) ، فيه بيان أن الواقف بعرفة يستقبل القبلة؛ لأن الموقف موقف ذكر ودعاء، وعلى الحاج أن يستفيد من عشية هذا اليوم، فيكثر من الدعاء والاستغفار، متضرعاً مقبلاً مظهراً الضعف والافتقار، وقد ذكر الفقهاء أن وقوفه راكباً أفضل، لفعله صلّى الله عليه وسلّم، ولأنه أعون على الدعاء، وهذا الإطلاق فيه نظر.
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن الأفضل يختلف باختلاف أحوال الناس، فإن كان ممن إذا ركب رآه الناس لحاجتهم إليه، أو كان يشق عليه ترك الركوب وقف راكباً، وإن كان جلوسه على الأرض أخشع له، وأحضر لقلبه جلس؛ لأن مراعاة الكمال الذاتي للعبادة أولى من مراعاة الكمال في المكان[(630)].
الوجه الثامن والعشرون: قوله: (فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس...) هذا فيه بيان وقت الانصراف من عرفة وكيفيته، فوقته بعد غروب الشمس. والصفرة: لون دون لون الحمرة، وهو شعاع الشمس بعد مغيبها، وقوله: (حتى غاب القرص) بيان لقوله: (غربت الشمس)؛ لأن هذا يطلق مجازاً على مغيب معظم القرص، فأزال الاحتمال بقوله: (حتى غاب القرص)، وهذا فيه دليل على مشروعية الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس وتحقق كمال غروبها، وسيأتي الكلام على هذه المسألة ـ إن شاء الله ـ عند حديث عروة بن مضرس رضي الله عنه.
ثم دفع إلى مزدلفة (وقد شنق للقصواء الزمام) أي: ضمَّ وضيَّق عليها الزمام، وذلك بالجذب، والزمام: بالكسر هو الخطام، وهو الخيط الذي يشد إلى الحلقة التي في أنف البعير ليقاد به ويمتنع به من الإسراع في المشي، وقد فسر ذلك بقوله: (حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله) ، و (مورك رحله) بفتح الميم وكسر الراء وقيل بفتحها[(631)]، وهو الموضع الذي يجعل عليه الراكب رجله إذا ملَّ من الركوب.
وقوله: (السكينة السكينة) منصوب على الإغراء بفعل محذوف؛ أي: الزموا.(1/206)
وقوله: (كلما أتى حبلاً...) في «صحيح مسلم» (من الحبال) وهو التل اللطيف من الرمل الضخم، والمعنى: أنه إذا أتى حبلاً من حبال الرمل أرخى لناقته قليلاً من أجل أن تصعد؛ لأن الناقة إذا شُدَّ زمامها شق عليها الصعود. وهذا فيه دليل على أنه ينبغي الدفع إلى مزدلفة بسكينة ووقار وخشوع وتكبير وتلبية، لئلا يضر الناس بعضهم بعضاً، وهذا يتأكد بالنسبة لسائقي السيارات، فإن عليهم السكينة والحرص على النظام ومراعاة خط السير، فإن وجد طريقاً مشى، وإلا انتظر حتى يمشي الذي أمامه، فهذا آمن له ولمن معه ولغيره من الحجاج.
الوجه التاسع والعشرون: قوله: (حتى أتى المزدلفة، فصلى بها...) المزدلفة: أحد المشاعر المقدسة، بين عرفة ومنى، سُميت بذلك لاقتراب الناس إلى منى بعد الإفاضة من عرفات واجتماعهم فيها، والازدلاف: الاجتماع والاقتراب[(632)]، وسيأتي بيان حدودها إن شاء الله، وهذا القدر من الحديث فيه بيان ما يفعله الحاج بعد وصوله المزدلفة، وهو كما يلي:
1 ـ مشروعية الجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامة لكل صلاة، وذلك قبل حط الرحال أو عمل الطعام، سواء وصلوا إليها في وقت المغرب أم في وقت العشاء، وقد مضى في باب «الأذان» الكلام على مسألة الأذان والإقامة في مزدلفة، حيث ساق الحافظ هذا القدر من الحديث هناك.
2 ـ مشروعية ترك التنفل بين المجموعتين وإن كان الجمع تأخيراً، وكذا راتبة المغرب والعشاء، أما راتبة الفجر فلا تترك حضراً ولا سفراً، وكون جابر رضي الله عنه لم يذكرها، لا يدل على أنه صلّى الله عليه وسلّم تركها؛ لأن جابراً لم يذكر كل شيء فعله النبي صلّى الله عليه وسلّم في حجه؛ بل ترك أشياء.(1/207)
3 ـ أنه لا يشرع إحياء ليلة المزدلفة بصلاة ولا دعاء؛ لظاهر قوله: (ثم اضطجع حتى طلع الفجر) لكن يستثنى من ذلك الوتر، فقد كان صلّى الله عليه وسلّم لا يدعه سفراً ولا حضراً، حتى كان يوتر على راحلته إذا جدَّ به السير، وأمر به أمته أمراً عاماً بدون استثناء، وعدم النقل ليس نقلاً للعدم. فإما أن يكون جابر رضي الله عنه سكت عن ذكره لأنه لا يدري، ولهذا لم ينفِ الوتر كما نفى التنفل في قوله: (ولم يسبح بينهما شيئاً)، أو أنه ترك ذكره للعلم به، ولأنه ليس من المناسك، والحديث في سياق المناسك، فالله أعلم.
وقد جاء عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم قاموا في هذه الليلة، كما ورد عن أسماء رضي الله عنها، وحديثها في «الصحيحين»، وسأذكره ـ إن شاء الله ـ عند الكلام على انصراف الضعفة من مزدلفة.
الوجه الثلاثون: قوله: (فصلى الفجر حين تبين الصبح...) ، هذا فيه دليل على أن السنة في صلاة الفجر في مزدلفة المبادرة بها في أول وقتها، لكن عليه أن يتأكد من دخول الوقت، ولا يغترَّ بأذان غيره ممن قد يؤذن قبل دخول الوقت، ولعل هذه المبادرة ليتسع وقت الذكر والدعاء بعد الصلاة.
الوجه الحادي والثلاثون: قوله: (ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام...) هذا فيه بيان ما يفعله في مزدلفة بعد الصلاة. والمشعر الحرام: من أسماء المزدلفة، وهو مكان أو جبيل في مزدلفة، وعليه المسجد الآن، ووصف بالحرام؛ لأنه داخل حدود الحرم.
فالسنة للحاج بعد صلاة الفجر أن يستقبل القبلة، يذكر الله تعالى بالتكبير والتهليل، ويدعو، كما قال تعالى: {{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}} [البقرة: 198] ، وقد ذكر الفقهاء أنه يسن رفع اليدين في الدعاء[(633)]، ويستمر على ذلك حتى يسفر جدّاً.(1/208)
وعلى المسلم أن يحذر من إضاعة هذه الدقائق الغالية، فيشتغل بأمور لا داعي لها، فتطلع الشمس وهو في مكانه لم يتحرك، أو يبادر بالانصراف بعد الصلاة فيفوِّت على نفسه خيراً كثيراً.
الوجه الثاني والثلاثون: قوله: (حتى أتى بطن محسر...) هذا فيه بيان كيفية الانصراف من مزدلفة، وهو أنه صلّى الله عليه وسلّم لما دفع قبل طلوع الشمس وأتى بطن محسر حرك دابته قليلاً، وهذه هي السنة فيمن أتى بطن محسر أن يحرك دابته قليلاً، وكذا سيارته إن أمكن، وإن كان ماشياً أسرع.
ومُحسِّر: بضم الميم، وفتح الحاء، بعدها سين مهملة مشددة مكسورة، بعدها راء: وادٍ بين مزدلفة ومنى، لا من هذه، ولا من هذه، وهو قول الجمهور[(634)]، وقال بعض العلماء: إنه من منى، لما ورد عن الفضل بن عباس، وكان رديف النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال في عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا: «عليكم بالسكينة، وهو كافٌّ ناقته حتى دخل محسراً، وهو من منى...» الحديث[(635)].
وقد ذكر الأزرقي أنه (545) ذراعاً، قيل: سمي بذلك لأنه يحسِّر سالكه؛ أي: يُعْييه، وقيل: لأن فيل أصحاب الفيل حسَّر فيه؛ أي: أعيا، وهذا التعليل يؤيده إسراع النبي صلّى الله عليه وسلّم فيه؛ لأن هذه عادته صلّى الله عليه وسلّم في المواضع التي نزل بها بأس الله بأعدائه، لكن يشكل عليه أن الفيل لم يدخل الحرم أصلاً، وقيل: لأنهم كانوا في الجاهلية يقفون في هذا الوادي ويذكرون أمجاد آبائهم، فأراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يخالفهم، كما خالفهم في الخروج من عرفة، وفي الإفاضة من مزدلفة، وكل هذه أمور اجتهادية، وليس في المسألة دليل قاطع، فالله أعلم بحكمة إسراعه صلّى الله عليه وسلّم[(636)].(1/209)
الوجه الثالث والثلاثون: قوله: (ثم سلك الطريق الوسطى...) ، هذا فيه بيان رميه صلّى الله عليه وسلّم جمرة العقبة، وهو أنه صلّى الله عليه وسلّم سلك (الطريق الوسطى) وهي الطريق القاصدة إلى الجمرات، ويبدو أن الطرق في منى ثلاثة: طريق شرقية، وغربية، ووسطى، وقوله: (الوسطى) مؤنث الأوسط، والطريق يذكَّر، في لغة نجد، وبه جاء القرآن في قوله تعالى: {{فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا}} [طه: 77] ويؤنث في لغة الحجاز، كما في هذا الحديث، وقد ذكر النووي أن هذا الطريق غير الطريق الذي ذهب فيه إلى عرفات.
وقوله: (التي تخرج على الجمرة الكبرى) لعل وصفها بالكبرى باعتبار ما قبلها من الجمرتين الصغرى والوسطى، ولأنها تنفرد بالرمي يوم العيد.
وقوله: (التي عند الشجرة) هذا في الزمن القديم، وهذا فيه دليل على أن السنة للحاج إذا دفع من مزدلفة فوصل منى أن يبدأ بجمرة العقبة، ولا يفعل شيئاً قبل رميها، فيرميها بسبع حصيات كل حصاة (مثل حصى الخذف) وهي بالخاء المعجمة، وهو الرمي بحصاة تجعل بين السبابتين، وقدر حصى الخذف أكبر من حبة الحِمِّص قليلاً، وهذا يدل على صفة الحصى الذي يُرمى به، وأنه أكبر من حبة الحِمِّص قليلاً، وعلى هذا فلا يرمي بحجر كبير يؤذي المسلمين، ولا يجوز بالصغير الذي لا يمكن رميه؛ لأن الرمي عبادة لله تعالى، فلا بد أن يكون بما يمكن رميه. ويكبِّر مع كل حصاة: (الله أكبر)، وهذا من كمال التعبد لله تعالى، والتعظيم لأمره، ليحصل الجمع بين التعظيم بالقلب والتعظيم باللسان، وقد رماها صلّى الله عليه وسلّم (من بطن الوادي) جاعلاً منى عن يمينه ومكة عن يساره، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.(1/210)
ولم يذكر جابر رضي الله عنه من أين أخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم حصى جمرة العقبة، وهذا يدل على أنه ليس لذلك مكان معين، فيلقطها الحاج من حيث شاء، وقد جاء في حديث ابن عباس ـ وفي رواية الفضل بن عباس ـ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غداة العقبة وهو على راحلته: «هاتِ القط لي» ، فلقط له حصيات نحواً من حصى الخذف، فلما وضعهن في يده قال: «مثل هؤلاء ـ ثلاث مرات ـ وإياكم والغلوَّ في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلوِّ في الدين» [(637)].
وهذا كما ترى ليس فيه تحديد للمكان، وقد جزم ابن قدامة أن ذلك كان في منى[(638)]، ولعله أخذ ذلك من قوله: (غداة العقبة) ، وذكر ابن حزم أنه التقطها له من موقفه الذي رمى فيه، وتبعه الألباني، وهذا فيه نظر، فقد ورد في «الصحيحين»: «أنه رمى الجمرة ضحى»، وهذا يفيد أن الالتقاط كان قبل وقت الرمي[(639)]، وقد جاء في «صحيح مسلم» من حديث الفضل: (حتى إذا دخل محسراً وهو من منى، قال: «عليكم بحصى الخذف الذي يرمى به الجمرة...» )[(640)]، وظاهر هذا أنه أمر بلقطها في طريقه، وبه جزم ابن القيم[(641)]. والمقصود أنه ليس للحصى مكان معين، ومن فهم أن السنة الالتقاط من مزدلفة ـ كما يفعله كثير من الحجاج ـ فقد غلط، لعدم الدليل على ذلك.
الوجه الرابع والثلاثون: قوله: (ثم انصرف إلى المنحر فنحر) ، هذا فيه دليل على استحباب التثنية بالنحر بعد رمي جمرة العقبة، وقد نحر النبي صلّى الله عليه وسلّم ثلاثاً وستين بدنة بيده الشريفة، ثم أعطى عليّاً فنحر الباقي، وكان هديه صلّى الله عليه وسلّم مائة بدنة.(1/211)
والمتمتع والقارن كلاهما عليه هدي شكران لا جبران، أما المتمتع ففيه نص القرآن، قال تعالى: {{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}}، وأما القارن فوجوب الهدي عليه هو مذهب جمهور العلماء إما بالقياس على المتمتع أو لدخوله في عموم قوله تعالى: {{فَمَنْ تَمَتَّعَ}}، وقد تقدم أن الصحابة رضي الله عنهم أطلقوا لفظ التمتع على نسك النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو قارن.
وقال ابن حزم: (لا هدي على القارن، إلا الذي كان معه عند إحرامه)[(642)] وقال ابن قدامة: (لا نعلم في وجوب الدم على القارن خلافاً، إلا ما حكي عن داود، أنه لا دم عليه، وروي ذلك عن طاوس، وحكى ابن المنذر أن ابن داود لما دخل مكة سئل عن القارن، هل يجب عليه دم؟ فقال: لا. فَجُرَّ برجله. وهذا يدل على شهرة الأمر بينهم)[(643)].
ودم التمتع هو دم نسك وعبادة، فهو دم شكر حيث حصل للعبد نُسُكان في سفر واحد وزمن واحد، وهو من تمام النسك وكماله، وهو من رحمة الله تعالى بعباده وإحسانه إليهم، حيث شرع لهم ما به كمال عبادتهم وزيادة أجرهم، وأباح لهم بسببه التحلل أثناء الإحرام، لما في استمراره عليهم من المشقة، ولهذا كان الدم فيه وفي القِران دم شكر لا دم جبران، إذ لا نقص في هذا النسك حتى يجبر، فيأكل منه الحاج، ويهدي، ويتصدق، فعليه أن يعرف هذه الفائدة، فإن في الدم أو بدله أجراً، كما أن في التمتع أجراً، فلا يَحْرِمُ الإنسان نفسه ذلك، فيحج مفرداً لئلا يلزمه الدم.
وقد تقدم أن القارن إذا لم يكن معه هدي، فإنه يشرع له فسخ إحرامه إلى عمرة، وأن أفضلية القران إنما هي في حال سوق الهدي، كنسك النبي صلّى الله عليه وسلّم.(1/212)
ولم يرد ذكر الحلق في هذه الرواية، وقد جاء عند أحمد من حديث جابر رضي الله عنه: (نحر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فحلق)[(644)]، وفي حديث أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتى منى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر، ثم قال للحلاق: «خذ» ، وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس[(645)]. وهذا يدل على أن السُّنَّة أن يكون الحلق بعد النحر، فتكون هذه الأعمال الثلاثة يوم النحر مرتَّبة، فإن قدم بعضها على بعض فلا بأس، كما سيأتي إن شاء الله.
الوجه الخامس والثلاثون: قوله: (ثم ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر) معنى (فأفاض) أي: طاف طواف الإفاضة، وهذا فيه دليل على استحباب طواف الإفاضة بعد الرمي والنحر والحلق إن تيسر، وإلا فالأمر فيه سعة، فإن لم يستطع الطواف في هذا الوقت لانشغاله بالرمي، أو بنحر هديه وتفريقه، فله تأخير الطواف إلى آخر يوم النحر أو أيام التشريق.
وقد ذكر الفقهاء أن وقت طواف الإفاضة يبدأ من مغيب القمر ليلة النحر، بشرط أن يسبقه الوقوف بعرفة ومزدلفة، فمن دفع من مزدلفة من الضعفة في هذا الوقت ورمى جمرة العقبة، فله أن يذهب إلى مكة لطواف الإفاضة، ولا سيما من معه نساء يخاف عليهن الزحام، أو العادة الشهرية[(646)].
وأما آخر وقته فلم يرد فيه نص، والجمهور على جواز تأخيره ولو بعد نهاية شهر ذي الحجة، والأولى ألا يؤخره عن شهر ذي الحجة، إلا من عذر كمرض أو نفاس أو نحو ذلك[(647)]، لأن الحاج يبقى محرماً، إذ لم يحصل له التحلل الأكبر بطواف الإفاضة، قال ابن قدامة: (والصحيح أن آخر وقته غير محدد، فإنه متى أتى به صح بغير خلاف، وإنما الخلاف في وجوب الدم)[(648)]، وانفرد ابن حزم بالقول بأن تأخير طواف الإفاضة إلى انتهاء شهر ذي الحجة مبطل للحج[(649)].(1/213)
وقول جابر رضي الله عنه (فصلى بمكة الظهر) يعارضه قول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أفاض يوم النحر، ثم رجع فصلى بمنى)[(650)]، وجُمع بينهما بأنه صلّى الله عليه وسلّم صلى الظهر بمكة في أول وقتها، ثم رجع إلى منى فصلى بها الظهر مرة أخرى بأصحابه[(651)] رضي الله عنهم، والله تعالى أعلم.
حكم الدعاء بعد التلبية
743/2 ـ عَنْ خُزَيْمةَ بنِ ثابت رضي الله عنه : أنَّ النّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كانَ إذا فَرَغَ من تَلْبِيَتهِ في حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ سأَلَ اللهَ رِضْوَانَهُ وَالجَنَّةَ، واستعاذَ بِرَحْمَتِهِ منَ النَّارِ. رواهُ الشافعيُّ بإسناد ضعيف.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في ترجمة الراوي:
هو أبو عمارة، خزيمة ـ بضم الخاء وفتح الزاي ـ بن ثابت بن الفاكه الخَطْمِي الأنصاري الأوسي، شهد بدراً، وقيل: أول مشاهده أُحد، وصوَّبه الذهبي. يُعرف بذي الشهادتين[(652)]، كانت معه رايةُ خَطْمَةَ يومَ الفتح، روى البخاري بسنده عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: لما نسخنا الصحف في المصاحف فقدت آية من سورة الأحزاب، كنت كثيراً أسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرأها، لم أجدها عند أحد إلا مع خزيمة الأنصاري، الذي جعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهادته بشهادة رجلين {{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}} [الأحزاب: 23] [(653)].
كان مع علي رضي الله عنه يوم صفين كافّاً عن القتال، فلما قتل عمار بن ياسر رضي الله عنه جرَّد سيفه، فقاتل حتى قتل سنة سبع وثلاثين رضي الله عنه[(654)].
الوجه الثاني: في تخريجه:
فقد أخرجه الشافعي (1/322 ـ 323 ترتيب مسنده) قال: أخبرني إبراهيم بن محمد، عن صالح بن محمد بن زائدة، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن أبيه، به.(1/214)
وهذا إسناد ضعيف ـ كما قال الحافظ ـ؛ لأن مدار الحديث على صالح بن محمد بن زائدة المدني، قال البخاري: (منكر الحديث)، وقال أبو داود والنسائي: (ليس بالقوي). وقال الدارقطني: (ضعيف)، وضعفه ابن حبان. وقال أحمد: (ما أرى به بأساً)[(655)].
وفي إسناده إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى شيخ الشافعي، كان كذاباً ـ كما تقدم الكلام عليه ـ، إلا أنه تابعه عبد الله بن عبد الله الأموي، عن صالح بن زائدة، به. أخرجه الدارقطني (2/238)، والبيهقي (5/46).
الوجه الثالث: دل الحديث على فضل الدعاء بعد كل تلبية بسؤال الله تعالى رضوانه وجنته، والاستعاذة برحمته من النار، ولكن لا يثبت هذا الفضل لضعف الحديث، كما تقدم.
فمن أخذ بالعمومات قال: إن الدعاء في حق الملبي مشروع؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم ينه الملبي عن الدعاء، ولأن مقام المحرم ومقام التلبية مقام واسع، فيدعو ربه ويذكره ويصلي على النبي صلّى الله عليه وسلّم ويلبي، فيستغل وقته بالخير، والنبي صلّى الله عليه وسلّم كان يذكر الله على كل أحيانه، وقد كان يسمع الناس يزيدون في التلبية فيقرهم على ذلك، كما تقدم، ومن وقف عند الدليل قال بعدم مشروعية الدعاء في مثل هذا المقام، والله تعالى أعلم.
ما جاء في أن منى كلها منحر، وعرفة وجمع كلها موقف
744/3 ـ عن جابرٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «نَحَرْتُ ها هُنا، ومِنًى كُلُّها مَنْحرٌ، فانْحَرُوا في رِحالِكم، ووقَفْتُ هَا هُنا، وعَرَفَةُ كلُّها مَوْقِفٌ، وَوَقَفْتُ هَا هُنَا، وجَمْعٌ كلُّها مَوْقِفٌ». رواهُ مُسلمٌ.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في تخريجه:
فقد أخرجه مسلم في كتاب «الحج»، باب «ما جاء أن عرفة كلها موقف» (1218) (149) من طريق جعفر بن محمد: حدثني أبي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، به.
الوجه الثاني: في شرح ألفاظه:(1/215)
قوله: (نحرت ها هنا) هذا يدل على أن هذه الأحكام قالها النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم العيد.
قوله: (ومنى) بكسر الميم وفتح النون مخففة بوزن رِبَى، هي أحد المشاعر المقدسة، تقع بين وادي محسر شرقاً، وجمرة العقبة غرباً، ومن الجنوب والشمال الجبلان المستطيلان، وكل ما كان على منى فهو منها، وسميت بذلك لكثرة ما يمنى؛ أي: يراق فيها من دماء الهدايا.
قوله: (وعرفة كلها موقف) تقدم الكلام على عرفة في شرح حديث جابر رضي الله عنه.
قوله: (وجمع كلها موقف) جمع: هي المزدلفة: وهذا اسم أطلقه النبي صلّى الله عليه وسلّم عليها، سميت بذلك لاجتماع الناس فيها في الجاهلية والإسلام، ولها اسم ثالث ـ كما تقدم في شرح حديث جابر رضي الله عنه ـ وهو: المشعر الحرام، وهذا جاء في القرآن في قوله تعالى: {{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}} [البقرة: 198] ، والمشعر: مَفْعَلٌ من شَعَرَ، أي: المَعْلَم. والحرام: لأنه ممنوع أن يفعل فيها ما نُهي عنه من محظورات الإحرام.
وحدُّ مزدلفة من مأزِمَي عرفة شرقاً إلى وادي محسِّر غرباً، وما على يمين ذلك وشماله من الشعاب. ومأزما عرفة: تثنية مأزِم، وهو المضيق بين جبلين أو عدوتي وادٍ، وثُنِّي لوقوعه بين شيئين، والمراد به هنا: وادي عُرنة؛ ولذا أضيف إلى عُرنة، لاتصاله بها وقربه منها، قال صلّى الله عليه وسلّم: «ارفعوا عن بطن عرنة» ، وقيل: المأزمان، الجبلان اللذان يسميان الأخشبين، وهما جبلان بين عرفة ومزدلفة، بينهما طريق[(656)].
الوجه الثالث: الحديث دليل على أن النحر يصح في جميع الحرم، سواء في مكة أو منى أو مزدلفة؛ لقوله تعالى: {{ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}} [الحج: 33] ، والمراد بذلك: الحرم كله، كما ذكر المفسرون، وفي لفظ لحديث جابر رضي الله عنه: «كل فِجَاج مكة طريق ومنحر» [(657)].(1/216)
وعن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (مناحر البُدْن بمكة، ولكنها نُزِّهَتْ عن الدماء، ومنى من مكة)[(658)].
وعلى هذا فلا ينحر هديه في عرفة أو غيرها من الحل ولو فرَّقه في الحرم؛ لأن عرفة خارج الحرم، فلا يجزئ على قول الجمهور، وبعض الناس قد يغفل عن ذلك، فينبغي التنبه له.
أما الفدية لفعل محظور، فإن كان داخل الحرم، ففي مكان وجود سببه من الحرم، وإن كان خارجه ففي محل فعل المحظور، ويجوز في الحرم، كما تقدم، والله تعالى أعلم.
الوجه الرابع: الحديث دليل على أن عرفة كلها موقف، ففي أي مكان وقف ودعا أجزأ، ولها علامات واضحة لمن طلبها، وهذا دليل على يسر هذه الشريعة حيث لم يجمع الناس في مكان معين، لكن إن تيسر الوقوف عند الجبل في موقف النبي صلّى الله عليه وسلّم فهو أفضل.
الوجه الخامس: الحديث دليل على أن جمعاً كلها موقف، ففي أي مكان وقف أجزأ ذلك.
والرسول صلّى الله عليه وسلّم قال ذلك تقريراً لمن حج معه ممن لم يقف في موقفه، ولم ينحر في منحره؛ لأنه صلّى الله عليه وسلّم حج معه أمم لا تحصى، ولا يتسع لها مكان وقوفه ولا مكان نحره، والله أعلم.
من أين يكون دخول مكة والخروج منها؟
745/4 ـ عَن عائِشةَ رضي الله عنها ، أَنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لَمَّا جَاءَ إلى مَكَّةَ دَخَلَهَا مِنْ أَعْلاَهَا، وخَرَجَ مِنْ أَسْفَلِها. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في تخريجه:
فقد أخرجه البخاري في كتاب «الحج»، باب «من أين يخرج من مكة؟» (1577)، ومسلم (1258) من طريق سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، به.(1/217)
الوجه الثاني: الحديث دليل على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخل مكة من أعلاها، وهي ثنية الحجون، وتسمّى: (كَداء) بفتح الكاف والمد، وهي الطريق الآتية بين مقبرتي المعلاة، وخرج من أسفلها، وهي ثنية (كُدى) بضم الكاف والقصر كهُدى، وهي عند باب الشبيكة، وتعرف الآن بريع الرسَّام، وقد سُهِّلَتْ، وهي الآن في الشارع العام المؤدي إلى جرول، وأهل مكة يقولون: ادخل وافتح، واخرج وضم، وأما (كُديّ) بلفظ التصغير كسُمَيِّ، فهي لمن خرج من مكة إلى اليمن، وبعض علماء اللغة كصاحب «القاموس» وقع في وهم في هذه المواضع[(659)]. والثنية: الطريق المرتفع بين جبلين.
وقد روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخل مكة من كداء من الثنية العليا التي بالبطحاء، وخرج من الثنية السفلى[(660)]. ولعل هذه المخالفة من أجل إظهار الشعائر وتعويد النفوس على التنقل في العبادة.
الوجه الثالث: اختلف العلماء في استحباب الدخول من حيث دخل النبي صلّى الله عليه وسلّم والخروج من حيث خرج على قولين:
القول الأول: أنه يستحب ذلك وأنه يَعْدِلُ إليه، وإن لم يكن طريقه عليه، وهذا رأي النووي من الشافعية[(661)]، واعتمده المتأخرون منهم.
والقول الثاني: أنه لا يستحب؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يفعل هذا قصداً، وإنما سلكه لأن طريقه عليه، وهذا رأي جماعة من الشافعية، والحنابلةُ أطلقوا استحباب الدخول من أعلاها[(662)]، ولكن تقييده بما إذا كانت ثنية كداء في طريقه قوي جداً، والله تعالى أعلم.
استحباب الاغتسال لدخول مكة
746/5 ـ عنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما : أَنَّهُ كانَ لا يَقْدُمُ مَكَّةَ إلا باتَ بِذِي طُوَى حتى يُصْبحَ، ويغْتَسِلَ، وَيَذْكُرُ ذلك عنِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم. مُتفقٌ عليه.
الكلام عليه من وجهين:
الوجه الأول: في تخريجه:(1/218)
فقد أخرجه البخاري في كتاب «الحج»، باب «الاغتسال عند دخول مكة» (1573)، ومسلم (1259) من طريق أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، به.
وهذا لفظ مسلم، وفيه زيادة: (ثم يدخل نهاراً).
الوجه الثاني: الحديث دليل على استحباب الاغتسال عند دخول مكة لتحصل له النظافة والنشاط قبل أن يبدأ بالطواف، وقد نقل ابن المنذر إجماع العلماء على استحباب الاغتسال عند دخول مكة[(663)].
وذو طوى: بضم الطاء أو فتحها أو كسرها، موضع في مكة في جرول، وبئر طوى لا تزال موجودة في جرول أمام مستشفى الولادة، وهي مشهورة عند أهل مكة، وليس المراد تخصيص أفضلية الاغتسال فيها؛ بل الاغتسال مستحب لكل داخل من أي جهة كان، وإنما كان الاغتسال منها لأنها واقعة في طريقه صلّى الله عليه وسلّم، أما من أتى من جهة نجد أو اليمن ونحوهما، فإنه يغتسل من طريقه الذي ورد منه، والله تعالى أعلم.
حكم السجود على الحجر الأسود
747/6 ـ عن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، أَنَّهُ كانَ يُقَبِّلُ الْحَجَرَ الأسودَ ويَسْجُدُ عليه. رواهُ الحاكم مرفوعاً، والبَيْهَقِيُّ موقوفاً.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في تخريجه:
فقد أخرجه الحاكم (1/455) من طريق أبي عاصم النبيل، ثنا جعفر بن عبد الله ـ وهو ابن الحكم ـ، قال: رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبَّل الحجر وسجد عليه، ثم قال: رأيت خالك ابن عباس يُقبِّله ويسجد عليه، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قبّله وسجد عليه، ثم قال عمر: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعل هكذا ففعلت.(1/219)
قال الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه). وهذا فيه نظر، فإن الحاكم صحح الحديث بناءً على أن جعفر بن عبد الله هو ابن الحكم، كما في سياق الإسناد، وليس كذلك، وإنما هو جعفر بن عبد الله بن عثمان، بدليل رواية الدارمي[(664)]، فإنه أخرج الحديث عن جعفر بن عبد الله بن عثمان قال: رأيت محمد بن عباد... الحديث، وكذا أخرجه أبو داود الطيالسي[(665)]، إلا أنه قال: جعفر بن عثمان القرشي، فنسبه إلى جده.
قال الحافظ: (وَهِمَ الحاكم في قوله: (إن جعفر بن عبد الله هو ابن الحكم) فقد نص العقيلي على أنه غيره، وقال: هذا في حديثه وهم واضطراب)[(666)].
وقد حسَّن الحديث الحافظ ابن كثير[(667)].
ورواه الشافعي (1/550)، ومن طريقه البيهقي (5/75) عن ابن جريج، عند أبي جعفر، عن ابن عباس، به موقوفاً. وقد صرح ابن جريج بالتحديث عند عبد الرزاق (5/37) ورجاله ثقات، وهو أقوى أحاديث الباب، وقد صححه الألباني[(668)]، فيكون الصواب في ذلك أنه موقوف.
الوجه الثاني: الحديث دليل على استحباب تقبيل الحجر الأسود عند بدء الطواف، وعند محاذاته أثناء الطواف إن تيسر، وهذا ثابت في أحاديث صحيحة، كما سيأتي إن شاء الله.
الوجه الثالث: الحديث دليل على استحباب السجود على الحجر الأسود بوضع الجبهة والأنف عليه، والحديث فيه الكلام المتقدم، والمحفوظ في الأحاديث الصحيحة عنه صلّى الله عليه وسلّم: أنه كان يقبِّل الحجر ويستلمه؛ أما السجود فلم يثبت إلا بمثل هذا الحديث، فمن لم يأخذ به، قال: إنه لا ينهض على إثبات مثل هذا الحكم، والعبادات توقيفية، والأصل فيها المنع، إلا ما شرعه الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم؛ ولذا قال الإمام مالك: (إنه بدعة)، وجاء في كتب المالكية كراهة السجود عليه[(669)].(1/220)
وقال فقهاء الحنابلة: يسجد عليه، وكأنهم أخذوا بفعل ابن عباس وعمر رضي الله عنهما، قال في «كشاف القناع»: (ونصَّ أحمد في رواية الأثرم: ويسجد عليه، فعله ابن عمر وابن عباس)[(670)].
والأقرب في هذا ـ والله أعلم ـ القول بالجواز دون الاستحباب، أما القول بأنه بدعة ففيه نظر؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما فعله، والله أعلم.
مشروعية الرمل في الطواف وبيان موضعه
748/7 ـ عن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قالَ: أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم أَن يَرْمُلُوا ثلاثَةَ أَشْوَاطٍ، ويمْشُوا أَرْبعاً ما بَيْنَ الرُّكنينِ. متفقٌ عليه.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في تخريجه:
فقد أخرجه البخاري في كتاب «الحج»، باب «كيف كان بدء الرمل؟» (1602)، ومسلم (1266) من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب، فأمرهم النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يرمُلوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا بين الركنين، ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرمُلوا الأشواط كلها إلا الإبقاءُ عليهم).
الوجه الثاني: الحديث دليل على مشروعية الرمل في الأشواط الثلاثة الأُول من الطواف الذي يأتي به القادم إلى مكة، سوى ما بين الركن اليماني والحجر الأسود، فهذا يمشي فيه بدون رمل، وإنما أمروا بالمشي فيما بين الركنين، رفقاً بهم؛ لأنهم رملوا إظهاراً للقوة والشجاعة، وكان المشركون لا يرونهم إذا كانوا بين الركنين؛ لأن المشركين كانوا في جهة الحِجْرِ، عند جبل قُعَيْقِعَانَ[(671)]؛ ولذا قال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا[(672)]. فحصلت إغاظة المشركين بدون مشقة على المسلمين، والحمد لله رب العالمين.(1/221)
والرمَل: الإسراع في المشي من غير مباعدة للخطوات، وتقدم. وما ورد في هذا الحديث من المشي بين الركنين فهو منسوخ؛ لأن حديث ابن عباس رضي الله عنهما كان في عمرة القضاء سنة سبع قبل فتح مكة، والناسخ له ما ثبت: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم رمل في حجة الوداع جميع الأشواط الثلاثة حتى ما بين الركنين؛ لأن هذا آخر الأمرين من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: (رمل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الحجر إلى الحجر ثلاثاً ومشى أربعاً)[(673)].
وعنه ـ أيضاً ـ رضي الله عنه أنه كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خبَّ ثلاثاً ومشى أربعاً[(674)]. وفي رواية: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم، فإنه يسعى ثلاثة أطواف، ويمشي أربعة[(675)]. وهذا الحديث بروايته المذكورة موجود في بعض نسخ «البلوغ»، ولا سيما القديمة، وهو يدل على ما تقدم في حديث جابر رضي الله عنه، إلا أن فيه التصريح بأن الرمل في طواف القدوم.
الوجه الثالث: الحكمة من مشروعية الرمل هي ما يستفاد من هذا الحديث، وهي إغاظة المشركين بإظهار القوة، وبقيت مشروعيته وإن كان سببها قد زال، للتذكير بذلك السبب.
الوجه الرابع: الحديث دليل على أنه ينبغي إغاظة المشركين والكفار بكل وسيلة، وأنه يتأكد على أهل الإسلام ولا سيما في مواقف الحرب واللقاء مع الكفار أن يتظاهروا بالقوة والنشاط، وأن يحذروا ما يدل على الضعف، لأجل إغاظة العدو، وبعث الوهن بين صفوفه، ولئلا يطمع بهم ويتشجع على قتالهم أو النيل منهم، نسأل الله تعالى أن ينصر دينه، ويذلَّ أعداءه، والله تعالى أعلم.
حكم استلام أركان الكعبة
749/8 ـ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قالَ: لم أَرَ رسَولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يَسْتَلِمُ مِنَ البيتِ غيرَ الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَّيْنِ. رواهُ مسلمٌ.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في تخريجه:(1/222)
فقد أخرجه مسلم في كتاب «الحج»، باب «استحباب استلام الركنين اليمانيين في الطواف دون الركنين الآخرين» (1269) من طريق أبي الطفيل البكري، أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول... وذكر الحديث، إلا أنه ليس فيه لفظ: (من البيت). وقد جاء هذا الحديث ـ أيضاً ـ من مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما[(676)].
الوجه الثاني: الحديث دليل على مشروعية استلام الحجر الأسود والركن اليماني في الطواف. وتقدم في حديث جابر رضي الله عنه أن الاستلام: اللمس باليد؛ فالحجر الأسود يشرع فيه الاستلام والتقبيل أو الإشارة إليه مع البعد، أما الركن اليماني فليس فيه إلا الاستلام، وأما الإشارة فلا يشار إليه ـ على الراجح من قولي أهل العلم ـ.
ويقول عند استلام الحجر أو الإشارة إليه: الله أكبر؛ مرة واحدة، وأما الركن اليماني فيستلمه بدون تكبير؛ إذ لم يرد فيه نص، وقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن مسح الركن اليماني والركن الأسود يحطُّ الخطايا حطّاً» [(677)].
وأطلق عليهما اليمانيان: لأنهما من جهة اليمن؛ فالحجر الأسود في الجنوب الشرقي للكعبة، والركن اليماني في الجنوب الغربي، وفي مقابلهما الركنان: الشامي في الشمال الشرقي للكعبة يلي الحجر الأسود، والثاني: في الغربي منها، ويليه الركن اليماني.
والحكمة ـ والله أعلم ـ في ترك استلام الركنين الآخرين: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يستلمهما، ولأنهما ليسا على قواعد الكعبة التي بناها إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، وذلك لأن قريشاً لما بنوها قَصُرَتْ بهم النفقة، فَحَطَمُوا منها الحِجْرَ، فخرج فيه من الكعبة نحو ستة أذرع ونصف.(1/223)
وعن الطفيل، قال: رأيت معاوية يطوف بالبيت عن يساره عبد الله بن عباس، وأنا أتلوهما في ظهورهما، أسمع كلامهما، فطفق معاوية يستلم ركن الحَجَر، فقال له عبد الله بن عباس: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يستلم هذين الركنين. فيقول معاوية: دعني منك يا ابن عباس، فإنه ليس منها شيء مهجور، فطفق ابن عباس لا يزيده، كلما وضع يده على شيء من الركنين، قال له ذلك[(678)].
الوجه الثالث: الحديث دليل على أن السنة كما تكون في الأفعال تكون كذلك في التروكات، فإذا وجد سبب الفعل في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم فلم يفعل، دل هذا على أن السنة تركه، وهذا النوع من السنة أصل عظيم، وقاعدة جليلة، به تحفظ أحكام الشريعة، ويُوصد باب الابتداع في الدين.
الوجه الرابع: الحديث دليل على أنه لا يشرع استلام شيء من أركان الكعبة أو جدرانها سوى الركنين اليمانيين، باتفاق أهل العلم، وكذا مقام إبراهيم عليه السلام، فإنه لا يجوز استلام شيء منه أو التمسّح به؛ بل هو من البدع المحدثة في دين الله تعالى، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (ولا يستلم من الأركان إلا الركنين اليمانيين دون الشاميين، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم استلمهما خاصة، لأنهما على قواعد إبراهيم، والآخران هما في داخل البيت.. وأما سائر جوانب البيت ومقام إبراهيم.. وحجرة نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم فلا تستلم ولا تقبل باتفاق الأئمة)[(679)].
ويقول ابن القيم: (ليس على وجه الأرض موقع يشرع تقبيله واستلامه، وتحط الخطايا والأوزار فيه غير الحجر الأسود والركن اليماني)[(680)]، والله تعالى أعلم.
حكم تقبيل الحجر الأسود
750/9 ـ عن عُمَرَ رضي الله عنه ، أَنَّهُ قَبَّلَ الحَجَرَ، فَقَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لا تضُرُّ ولا تَنْفَعُ، ولولا أَنِّي رأَيتُ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يُقَبِّلُكَ ما قَبَّلْتُكَ. مُتّفقٌ عليه.
الكلام عليه من وجوه:(1/224)
الوجه الأول: في تخريجه:
فقد أخرجه البخاري في كتاب «الحج»، باب «ما ذكر في الحجر الأسود» (1597)، ومسلم (1270) من طريق الأعمش، عن إبراهيم، عن عابس بن ربيعة، قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقبّل الحجر... وذكره، وهذا لفظ البخاري، والحديث له طرق متعددة عن عمر رضي الله عنه[(681)]، وقد رواه ابن عمر، عن أبيه، بنحوه.
الوجه الثاني: الحديث دليل على مشروعية تقبيل الحجر الأسود في الطواف. والحجر الأسود في ركن الكعبة الجنوبي الشرقي، وقد كان أبيض من اللبن، ثم سوَّدته الخطايا، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نزل الحجر الأسود من الجنة، وهو أشد بياضاً من اللبن، فسودته خطايا بني آدم» [(682)].
وقد جرى على الحجر حوادث واعتداءات متعددة في الأزمنة الماضية، أثرت فيه بتصدع وتكسر، ولكن الله تعالى حفظه من الضياع.
وقد جاء في رواية لمسلم عن سويد بن غَفَلَةَ، قال: رأيت عمر قبَّل الحجر والتزمه، وقال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بك حفياً[(683)]. ومعنى (حفياً): أي معتنياً بشأنك بالتقبيل والمسح والكلام[(684)].
الوجه الثالث: الحديث دليل على أن تقبيل الحجر ليس لأنه حجر يخاف منه الضرر أو يرجى منه النفع، وإنما هو تسليم للشرع واتباع للنبي صلّى الله عليه وسلّم تعبّداً لله تعالى.
الوجه الرابع: فضيلة عمر رضي الله عنه بحرصه على حماية التوحيد، حيث خاف من تقبيله الحجر أن يغتر به بعض الجهال وحديثو العهد بالإسلام الذين ألفوا عبادة الأحجار وتعظيمها خوف الضرر منها أو رجاء نفعها، فبيّن رضي الله عنه أن هذا الأمر في الإسلام ليس لشيء يطلب من الحجر، وإنما هو تعظيم لله عزّ وجل واتباع للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وأن ذلك من شعائر الحج التي أمر الله بتعظيمها؛ ليغرس هذا المعتقد في قلوب من يسمعه أو يُنقل إليه.(1/225)
الوجه الخامس: الحديث دليل على أن وظيفة المؤمن التسليم للشرع في أمور الدين، وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيه ولم تعلم عين الحكمة فيه، والله تعالى أعلم.
مشروعية استلام الحجر بالعصا ونحوه
751/10 ـ عنْ أبي الطُّفَيْلِ رضي الله عنه قالَ: رَأَيتُ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يطُوفُ بالبيتِ، وَيَسْتَلِمُ الرُكنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ، ويُقَبِّلُ المِحْجَنَ. رواهُ مسلمٌ.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في ترجمة الراوي:
وهو أبو الطفيل، عامر بن واثلة بن عبد الله الليثي الكناني، رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو شاب، وحفظ عنه أحاديث، روى البخاري بسنده عن أبي الطفيل أنه قال: (أدركت ثماني سنوات من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وولدت عام أُحد) نزل الكوفة، وشهد مع علي رضي الله عنه مشاهده كلها، فلما استشهد علي رضي الله عنه عاد إلى مكة، فأقام بها إلى أن مات سنة مائة، أو سنة مائة وعشر، وهو آخر من مات من الصحابة رضي الله عنهم على الإطلاق[(685)].
الوجه الثاني: في تخريجه:
فقد أخرجه مسلم في كتاب «الحج»، باب «جواز الطواف على بعير وغيره واستلام الحجر بمحجن ونحوه للراكب» (1275) من طريق سليمان بن داود، حدثنا معروف بن خَرَّبُوذ، قال: سمعت أبا الطفيل رضي الله عنه يقول... وذكر الحديث.
الوجه الثالث: في شرح ألفاظه:
قوله: (يطوف بالبيت) الطواف مصدر طاف يطوف طوافاً وطوافاناً بمعنى: دار.
وشرعاً: الدوران سبعة أشواط حول الكعبة بنيّة الطواف على صفة مخصوصة[(686)].
قوله: (ويستلم) تقدم في حديث جابر رضي الله عنه معنى (الاستلام)، وأنه لمس الحجر باليد.
قوله: (بمحجن) المحجن: بكسر الميم، عصا محنية الرأس، يحملها الراكب ليوجه بها راحلته، ويتناول بها المتاع أو غيره.
الوجه الرابع: الحديث دليل على مشروعية استلام الحجر الأسود بالعصا ونحوه إذا لم يتمكن من استلامه بيده ولم يؤذِ أحداً.(1/226)
وإنما استلمه النبي صلّى الله عليه وسلّم بمحجن؛ لأنه كان قد طاف على بعير، لما روى جابر رضي الله عنه قال: (طاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالبيت في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجن؛ لأن يراه الناس، وليشرف، وليسألوه، فإن الناس غشوه)[(687)].
وهذا فيه بيان لعلة ركوبه، وهو أن الناس قد غشوه، ولم يكونوا يُطردون عنه، أو يُضْرَبون بين يديه، فطاف على بعير، وكان ذلك في طواف الإفاضة يوم العيد، ليشرف على الناس، ويشاهدوه فيتعلموا من سنته، ويسألوه صلوات الله وسلامه عليه.
الوجه الخامس: يستفاد من مجموع الأحاديث الواردة في الحجر الأسود: أن للناس مع الحجر ثلاث حالات:
الأولى: التمكّن من تقبيله، فهذا يقبِّل ويكبر عند التقبيل، وهذا هو الكمال، ولم يرد في الأحاديث تحديد عدد للتقبيل، فالأَوْلى مرة واحدة؛ إذ لو قَبَّلَ النبي صلّى الله عليه وسلّم أكثر من مرة لنقل إلينا.
الثانية: ألا يتمكن من التقبيل، ويتمكن من الاستلام باليد أو بالعصا ونحوه، فيشرع ذلك مع التكبير، ويقبل يده أو عصاه إذا استلم بها لكونها لامست الحجر؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما طاف في حجة الوداع على بعير استلم الركن بمحجن، ثم قَبَّلَ المحجن الذي استلم به الركن.
وقد روى مسلم بسنده، عن نافع، قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما يستلم الحجر بيده، ثم قبَّل يده، وقال: (ما تركته منذ رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفعله)[(688)].
الثالثة: ألا يتمكن من الاستلام لكونه راكباً أو لوجود زحام، فهذا يشير إلى الحجر ويكبر، ولا يقبل ما أشار به ـ على الراجح من قولي أهل العلم ـ؛ لأنه لا يُقَبَّلُ إلا الحجر أو ما مس الحجر، والله تعالى أعلم.
حكم الاضطباع في الطواف
752/11 ـ عن يَعْلَى بن أُمَيَّة رضي الله عنه قالَ: طافَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم مُضطبِعاً بِبُرْدٍ أَخضرَ. رواه الخمسة إلا النسائي، وصحّحهُ الترمذيُّ.(1/227)
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في ترجمة الراوي:
وهو يعلى بن أمية التميمي الحنظلي، ويقال: يعلى بن مُنْية، بضم الميم وسكون النون، وهي أمه، وقيل: أم أبيه. أسلم رضي الله عنه يوم الفتح، وحسن إسلامه، وشهد حُنيناً والطائف وتبوك، قال ابن عبد البر: (كان يعلى بن أمية سخياً معروفاً بالسخاء)، قتل سنة ثمان وثلاثين بصفِّين مع علي رضي الله عنه، وقيل: سنة سبع وأربعين، وقال الذهبي: (بقي إلى قريب الستين، فما أدري أتوفي قبل معاوية أو بعده)[(689)].
الوجه الثاني: في تخريجه:
فقد أخرجه أبو داود في «المناسك»، باب «الاضطباع في الطواف» (1883)، وابن ماجه (2954)، وأحمد (29/475) من طريق سفيان، عن ابن جريج، عن ابن يعلى، عن أبيه. واللفظ لأبي داود.
وهذا الإسناد رجاله ثقات، إلا أنه منقطع، ابن جريج لم يسمعه من ابن يعلى، وقد دلَّسه عنه، والواسطة بينهما عبد الحميد بن جبير، وهو ثقة من رجال الشيخين. فقد أخرجه الترمذي (859)، وأحمد (29/473) عن سفيان، عن ابن جريج، عن عبد الحميد، عن ابن يعلى، عن أبيه، إلا أنه قد أُبهم اسم الرجل في إسناد أحمد. وابن يعلى: هو صفوان بن يعلى بن أمية.
الوجه الثالث: في شرح ألفاظه:
قوله: (مضطبعاً) الاضطباع: افتعال من الضَّبَع، وهو العضد، وهو أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن، ويجعل طرفيه على عاتقه الأيسر، سمّي اضطباعاً لإبداء الضَّبَعين.
قوله: (ببرد) البرد ـ بضم الباء وإسكان الراء ـ: كساء له أعلام، وتقدم في «الجنائز».
الوجه الرابع: الحديث دليل على استحباب الاضطباع في طواف القدوم خاصة.
وقد روى أبو داود من طريق حماد بن سلمة، عن عبد الله بن عثمان بن خُثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه اعتمروا من الجِعِرَّانة، فرملوا بالبيت، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم، قد قذفوها على عواتقهم اليسرى[(690)].(1/228)
والسنّة في الاضطباع أن يكون عند إرادة الطواف، فيكون عند بدايته وينتهي بنهايته، فإذا أنهى طوافه وأراد أن يصلي ركعتي الطواف سوى رداءه على كتفيه، وليس كما يفعله كثير من المحرمين، فيضطبع منذ أن يحرم إلى أن يخلع ثياب الإحرام، فهذا لا أصل له، وفيه مخالفة للسنة، فينبغي التنبه له، والتنبيه عليه، قال ابن عابدين: (والمسنون الاضطباع قبيل الطواف إلى انتهائه لا غير)[(691)].
والحكمة من هذا الاضطباع أنه يعين على الإسراع في المشي، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه فعلوه في عمرة القضاء؛ ليستعينوا بذلك على الرمل؛ ليرى المشركون قوتهم وجلدهم، كما تقدم، ثم صار سنة.
الوجه الخامس: الحديث دليل على جواز الإحرام بالثوب الأخضر وغيره من الألوان، والبياض أفضل؛ لعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم» [(692)]، والله تعالى أعلم.
مشروعية التلبية والتكبير إذا غدا إلى عرفة
753/12 ـ عَنْ أَنسٍ رضي الله عنه قالَ: كان يُهِلُّ مِنَّا المُهِلُّ فلا يُنْكَرُ عليهِ، وَيُكَبِّرُ مِنّا المُكَبِّرُ فلا يُنْكَرُ عليه. متفقٌ عليه.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في تخريجه:
فقد أخرجه البخاري في كتاب «الحج»، باب «التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة» (1659)، ومسلم (1285) من طريق مالك، عن محمد بن أبي بكر الثقفي: أنه سأل أنس بن مالك ـ وهما غاديان من منى إلى عرفة ـ: كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: كان يهل... الحديث.
وبهذا السياق يتبين أن هذا كان في توجههم إلى عرفات، بخلاف سياق الحافظ للحديث، فإنه لا يدل على ذلك.
الوجه الثاني: الحديث دليل على مشروعية التلبية والتكبير يوم عرفة، فإن لبى فحسن، وإن كبر فلا بأس، والتلبية شعار المحرم فإذا كبر معها فلا بأس، وهذا يدل على أن الأمر فيه سعة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أقرّهم على ذلك.(1/229)
الوجه الثالث: في الحديث دليل على أن الصحابة رضي الله عنهم ينكرون على من خالف المنهج المستقيم في قول أو فعل، وأنهم لا يقرّون مخطئاً على خطئه؛ لأن أنساً رضي الله عنه احتج على مشروعية التكبير والتلبية في هذا اليوم بأن الرجل منهم كان يلبي، وكان يكبر، ولم ينكر عليه ذلك أحد من الصحابة رضي الله عنهم، والله تعالى أعلم.
جواز انصراف الضعفة من مزدلفة بليل
754/13 ـ عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما قالَ: بَعَثَنِي النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم في الثَّقَلِ ـ أَو قال: في الضَّعَفَةِ ـ من جَمْعٍ بِلَيْلٍ. مُتّفقٌ عليه.
755/14 ـ وعنْ عائِشَةَ رضي الله عنها قالتْ: اسْتأذَنتْ سَوْدَةُ رَسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم ليْلةَ المُزْدَلِفَةِ أَنْ تَدْفَعَ قَبْلَهُ، وكانَتْ ثَبْطَةً ـ تَعْنِي ثَقِيلَةً ـ فأَذِنَ لَهَا. مُتّفقٌ عليْهِ.
الكلام عليهما من وجوه:
الوجه الأول: في تخريجهما:
أما حديث ابن عباس رضي الله عنهما، فقد أخرجه البخاري في كتاب «الحج»، باب «من قَدَّمَ ضعفة أهله بليل، فيقفون بالمزدلفة ويدعون، ويقدِّم إذا غاب القمر[(693)]» (1678)، ومسلم (1293) من طريق سفيان، قال: أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، به. وهذا لفظ مسلم.
وأما حديث عائشة رضي الله عنها فقد أخرجه البخاري في الباب المذكور (1680)، ومسلم (1290) من طريق عبد الرحمن بن القاسم، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها، به.
الوجه الثاني: في شرح ألفاظهما:
قوله: (في الثقل) بفتح الثاء المثلثة والقاف، وهو في الأصل متاع المسافر، والمراد هنا: الضعفة، بدليل الروايات الأخرى.
قوله: (أو قال: في الضعفة) بفتح الضاد المعجمة والعين المهملة والفاء، جمع ضعيف، وهم: النساء، والأطفال، وكبار السن، والمرضى.
قوله: (من جمع) أي: مزدلفة.(1/230)
قوله: (بليل) أي: قبل الفجر، وهذا مطلق، لكن دلَّ حديث أسماء رضي الله عنها الآتي على أن المراد به: بعد مغيب القمر، وقد تقدم ذلك في تبويب البخاري.
قوله: (استأذنت سودة) هي سودة بنت زمعة، أم المؤمنين رضي الله عنها، أول زوجة تزوجها النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد خديجة رضي الله عنها، وهي التي وهبت يومها لعائشة رضي الله عنها تبتغي بذلك رضا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم[(694)]، ـ كما سيأتي في كتاب «النكاح» إن شاء الله تعالى ـ توفيت سودة في آخر زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ذكره ابن عبد البر وغيره، ورجح الواقدي أنها ماتت سنة أربع وخمسين، رضي الله عنها[(695)].
قوله: (أن تدفع قبله) أي: تفيض من مزدلفة قبل النبي صلّى الله عليه وسلّم.
قوله: (وكانت ثبطة) بفتح الثاء المثلثة وسكون الباء أو كسرها؛ أي: بطيئة الحركة، كأنها تَثْبِطَ بالأرض؛ أي: تَشَبَّثُ بها.
قوله: (تعني ثقيلة) هذا التفسير جاء في رواية مسلم من طريق القاسم راوي الخبر، ولفظه: (وكانت امرأة ثبطة. يقول القاسم: والثبطة: الثقيلة).
الوجه الثالث: الحديث دليل على جواز الإفاضة من مزدلفة بليل للضعفة من النساء والصبيان ونحوهم، وذلك إذا غاب القمر، سواء أكان الوقت صيفاً أم شتاء؛ لقول أسماء رضي الله عنها لمولاها: (هل غاب القمر؟ قال: نعم. قالت: فارتحلوا...) الحديث، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ بتمامه، ولم يجئ التوقيت إلا في هذا الحديث، والظاهر أن أسماء رضي الله عنها عندها علم بهذا، وهي التي روت رخصة تعجيل الدفع من مزدلفة للضعفة.
وهكذا من كان برفقتهم من سائق ومحرم، وغيرهما ممن يلاحظهم ويقوم بأمورهم.(1/231)
وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية على أن من يقوم بأمورهم فحكمه حكمهم[(696)]؛ لأن هذا فيه رفق بهم، ودفع لمشقة الزحام عنهم، ولا سيما عند رمي جمرة العقبة، وفيه ـ أيضاً ـ اقتداء بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، حيث أذن للضعفة، وهكذا من كان تابعاً لحملة وليس معه ضعفة، ولكن الحملة لا تنتظره، فله أن ينصرف معهم.
وقد قال ابن قدامة: (لا نعلم في دفع الضعفة من مزدلفة بليل مخالفاً)، والله تعالى أعلم[(697)].
حكم رمي جمرة العقبة قبل الفجر
756/15 ـ عن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قالَ: قالَ لنا رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تَرْمُوا الجَمْرَةَ حتى تَطْلُعَ الشَّمسُ»، رواهُ الخمسةُ إلا النسائي، وفيه انقطاعٌ.
757/16 ـ وَعنْ عائِشَةَ رضي الله عنها قالتْ: أَرسلَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم بِأُمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ، فَرَمَتْ الجَمْرَةَ قبْلَ الفَجْرِ، ثم مَضَتْ فأَفاضَتْ. رواهُ أَبو داودَ، وإسنادُهُ على شرط مسلمٍ.
الكلام عليهما من وجوه:
الوجه الأول: في تخريجهما:
أما حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقد أخرجه أبو داود في كتاب «المناسك»، باب «التعجيل من جمع» (1940)، والنسائي (5/270 ـ 272)، وابن ماجه (2025)، وأحمد (3/504) من طريق الحسن العرني، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قدَّمنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة المزدلفة أُغيلمةَ بني عبد المطلب على حُمُرات، فجعل يَلْطَحُ[(698)] أفخاذنا ويقول: «أُبَيْنِيَّ لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس» .
وقد وهم الحافظ في استثناء النسائي، فقد رواه كما تقدم، وقد ذكر الحديث في «فتح الباري» وعزاه للنسائي[(699)].
وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه، فإن الحسن العرني وإن كان ثقة، إلا أنه لم يسمع من ابن عباس، كما قال الإمام أحمد[(700)]، وابن معين[(701)]، وقال أبو حاتم: (لم يدركه)[(702)].(1/232)
وقد أخرجه الترمذي (893)، وأحمد (5/142) من طريق المسعودي، عن الحكم، عن مِقْسم، عن ابن عباس، به، وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح).
وهذا الإسناد رواته ثقات، لكن أُعلَّ بالانقطاع، فإن شعبة قال: (لم يسمع الحكم من مقسم إلا خمسة أحاديث) وعدها، وليس هذا الحديث منها[(703)].
وقد ضعف الإمام البخاري هذا الحديث ووصفه بالاضطراب، وقال: (لا ندري الحَكَمُ سمع هذا من مقسم أم لا؟)[(704)].
وأخرجه أبو داود (1941)، والنسائي (5/272)، وغيرهما من طريق حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، به.
قال الألباني: (إسناده صحيح، إن كان ابن أبي ثابت سمعه من عطاء، فإنه مدلس، لكن الحديث صحيح)[(705)].
والذي يظهر أن الحديث فيه اضطراب، كما قال البخاري، وفيه شذوذ أيضاً؛ لأن حديث ابن عباس رضي الله عنهما في «الصحيحين»، وليس فيه نهيهم عن الرمي حتى تطلع الشمس؛ ولذا قال البخاري: (إن الأحاديث في الرمي قبل طلوع الشمس ـ يعني للضعفة ـ أكثر وأصح). يعني من حديث ابن عباس هذا.
وأما حديث عائشة رضي الله عنها فقد أخرجه أبو داود (1942) من طريق ابن أبي فديك، عن الضحاك بن عثمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، به.
والضحاك بن عثمان من رجال مسلم، لكنه صدوق سيئ الحفظ، وقد خولف في إسناده، فقد رواه الطحاوي من طريق حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه مرسلاً[(706)]. ورواه الشافعي من طريق الدراوردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه مرسلاً أيضاً، قال الدارقطني: «وهو الصحيح»[(707)].
وقد ضعف الحديث الإمام أحمد، وذكر ابن التركماني أنه مضطرب سنداً، وكذلك مضطرب متناً[(708)]، ففي بعض رواياته: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر أم سلمة أن توافيه صلاة الصبح بمكة، مع أن النبي صلّى الله عليه وسلّم صلى الصبح يومئذ في المزدلفة، قال ابن القيم: (حديث منكر، أنكره الإمام أحمد وغيره...)[(709)].(1/233)
وأما قول الحافظ: (وإسناده على شرط مسلم) فهذا لا يلزم منه صحة الحديث؛ لأنه لا يلزم من تخريج الإمام مسلم لهؤلاء الرواة أن يكون الخبر على شرطه؛ لأن الإمام مسلماً يروي بهذا الإسناد أحاديث لم تعلَّ بمثل هذه العلل المذكورة في هذا الإسناد، وهي الاضطراب في سنده ومتنه وترجيح إرساله، ثم إن الإمام أحمد وغيره قد أنكر هذا الحديث، فكيف يقال: إنه على شرط مسلم؟!.
الوجه الثاني: حديث ابن عباس رضي الله عنهما يدل على أن من دفع من مزدلفة بليل فإنه لا يرمي جمرة العقبة حتى تطلع الشمس، ولكن الحديث منكر لما تقدم، فلا يحتج به على ذلك، وقد ذكر الحافظ في «فتح الباري»[(710)] أن للحديث طرقاً يقوي بعضها بعضاً، وأنه صححه الترمذي وابن حبان، وقال: (إنه حديث حسن)، مع أنه هنا وصفه بالانقطاع مضعفاً له، والصواب أن الحديث لا يصح، ولو فرض أنه صحيح لكان محمولاً على الأفضلية والندب[(711)]، وعلى هذا فالصواب أن من دفع من مزدلفة بعد مغيب القمر من الضعفة والنساء والأطفال أنه يرمي ولو قبل الصبح، لأمور ثلاثة:
الأول: أنه ورد في السنّة ما يدل على ذلك، ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يقدم ضعفة أهله، فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بالليل فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يدفعون قبل أن يقف الإمام، وقبل أن يدفع، فمنهم من يَقْدَمُ منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم[(712)].(1/234)
وعن عبد الله بن كيسان مولى أسماء رضي الله عنها قال: قالت لي أسماء، وهي عند دار المزدلفة: هل غاب القمر؟ قلت: لا، فصلَّت ساعة، ثم قالت: يا بُني هل غاب القمر؟ قلت: لا، فصلَّت ساعة، ثم قالت: هل غاب القمر؟ قلت: نعم، قالت: ارحل بي، فارتحلنا حتى رمت الجمرة، ثم صلت في منزلها، فقلت لها: يا هَنتاه[(713)]، ما أُرانا إلا قد غلّسنا[(714)]، قالت: يا بني إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أذن للظُّعُن[(715)].
الثاني: أنه لو كان رمي هؤلاء لا يجوز قبل الصبح لبيَّنه النبي صلّى الله عليه وسلّم للأمة بياناً عاماً؛ لأن هذا الوقت وقت البيان، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فلما لم يقع شيء من ذلك عُلم الجواز، وهو ما فهم عبد الله بن عمر وأسماء رضي الله عنهما.
الثالث: أن تأخير رميهم إلى ما بعد طلوع الشمس مخالف لمقتضى الرفق بهم والحرص على سلامتهم قبل حطمة الناس، والترخيص لهم في الرمي قبل الناس أهم من مجرد انصرافهم من مزدلفة بلا رمي؛ لأن المشقة في الرمي أعظم من مشقتهم في الانصراف.
الوجه الثالث: حديث عائشة رضي الله عنها يدل على جواز دفع الضعفة من مزدلفة ليلاً، وجواز رمي جمرة العقبة قبل الفجر، وقد تقدم من الأحاديث الصحيحة ما يدل على ذلك، وعلى هذا فليس العمل على حديث عائشة هذا لضعفه، وإنما العمل على ما صح من الأحاديث؛ كحديث ابن عمر وأسماء رضي الله عنهما.
ومن أهل العلم من جمع بين حديثي ابن عباس وعائشة فجعل لرمي جمرة العقبة وقتين: وقت فضيلة، وحمل عليه حديث ابن عباس رضي الله عنهما ـ كما تقدم ـ، ووقت جواز، وحمل عليه حديث عائشة رضي الله عنها، والله أعلم[(716)].
من أحكام الوقوف بعرفة والمبيت بجمع(1/235)
758/17 ـ عنْ عُرْوَةَ بنِ مُضَرِّسٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ شَهِدَ صَلاتَنا هذه ـ يعْنِي: بالمزدلفةِ ـ فوقَفَ مَعَنَا حتى نَدْفَعَ، وقدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قبلَ ذلك لَيْلاً أَو نَهَاراً فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ» رواه الخمسة، وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وابنُ خُزَيْمَةَ.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في ترجمة الراوي:
وهو عروة بن مضرِّس ـ بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء المكسورة ـ بن أوس بن حارثة بن لام الطائي، أسلم وصحب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وكان من بيت الرياسة في قومه، فقد كان جده سيدهم، وكذا أبوه، وقد ذكر علي بن المديني ومسلم وغير واحد أنه لم يرو عنه غير الشعبي، قال الحافظ: (له حديث واحد في الحج)، وكان عروة مع خالد بن الوليد حين بعثه أبو بكر رضي الله عنه على الردة، وهو الذي بعث معه خالد عيينة بن حصن إلى أبي بكر رضي الله عنه، لما أسر يوم البُطاح[(717)].
الوجه الثاني: في تخريجه:
فقد أخرجه أبو داود في كتاب «المناسك»، باب «من لم يدرك عرفة» (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (5/263)، وابن ماجه (3016)، وأحمد (26/142) من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن عروة بن مضرس الطائي، قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالموقف ـ يعني بجمع ـ قلت: جئت يا رسول الله من جبلي طيئ، أكللت مطيتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من حبل[(718)] إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أدرك معنا هذه الصلاة، وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه» ، هذا لفظ أبي داود.
قال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح)، وصحَّحه ـ أيضاً ـ ابن خزيمة (2820)، والحاكم (1/463).
الوجه الثالث: في شرح ألفاظه:
قوله: (من شهد صلاتنا هذه) أي: صلاة الفجر بمزدلفة.(1/236)
قوله: (فقد تمّ حجّه) فاعل (تمَّ)، والمراد: معظم حجه، وهو الوقوف؛ لأنه هو الذي يخاف عليه الفوات، أما طواف الإفاضة فإنه وإن كان لا يتم الحج إلا به لأنه ركن، لكنه لا يخشى فواته.
قوله: (وقضى تفثه) التفث ـ بالفتح ـ: هو الوسخ الحاصل بطول الأظفار ووفرة الشعر وغيرهما من شعث المحرم، ومعنى (قضى تفثه): أي انتهى وتخلص منه بإزالته.
الوجه الرابع: استدل بهذا الحديث بعض التابعين، وهم: علقمة والأسود والشعبي والنخعي والحسن البصري على أن المبيت بمزدلفة ركن لا يتم الحج إلا به، فمن فاته تحلل من إحرامه بعمرة، ثم حج من قابل، وهذا قول لبعض الشافعية[(719)].
ووجه الاستدلال: أنه رتب الجزاء «فقد تم حجه» على الشرط «من شهد صلاتنا هذه، فوقف معنا حتى ندفع...» ، مما يدل على أن المبيت بها شرط لصحة الحج، كما استدلوا بقوله تعالى: {{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}} [البقرة: 198] .
ووجه الاستدلال: أن الله تعالى أوجب ذكره عند المشعر الحرام، وهو المبيت بمزدلفة، مما يدل على أنه أمر لا بد منه.
والقول الثاني: أن المبيت واجب، يُجْبَرُ بدم إذا فات، وعزاه النووي للجمهور[(720)]، واستدلوا بما تقدم من حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي: «الحج عرفة، من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فتم حجه...» [(721)].
ووجه الاستدلال: أنه إذا لم يأت عرفة إلا قبل صلاة الصبح، يكون قد فاته المبيت بمزدلفة قطعاً، ومع ذلك فقد صرح الرسول صلّى الله عليه وسلّم بأن حجه تام.
والقول الثالث: أن المبيت بمزدلفة سنّة وليس بواجب، وهذا قول الحنفية ـ والواجب عندهم هو الوقوف بعد الفجر ـ والقول بأنه سنة رواية عن أحمد، وهو قول لبعض الشافعية، وقد اشتهر عنهم، ولكن القول بالوجوب أصح منه[(722)]، ودليل هؤلاء أنه مبيت، فكان سنّة؛ كالمبيت بمنى ليلة عرفة.(1/237)
وقول الجمهور أظهر في هذه المسألة، وهو أن المبيت بمزدلفة واجب، وليس بركن يبطل الحج بتركه؛ لأن القول بأنه ركن مرجوح لأمور ثلاثة:
1 ـ أن الإمام أحمد قال ـ في رواية ابن القاسم ـ: (ليس أَمْرُ جَمْعٍ عندي كعرفة، ولا أرى الناس جعلوها كذلك)[(723)]، فهو ينقل الاتفاق على أن المبيت ليس بركن كالوقوف بعرفة، ولم يرَ أحداً سَوَّى بينهما مع معرفته بأقوال السلف، واطلاعه على مسائل الإجماع، لكن يشكل على هذا رأي من تقدم من السلف.
2 ـ أن الحديث الذي استدلوا به اشترط شهود الصلاة، والجمهور من أهل العلم على أن من وقف بمزدلفة ولم يشهد الصلاة، أن حجه تام[(724)]؛ بل إن أصحاب هذا القول لا يقولون بركنية الصلاة مع دخولها ضمن الشرط.
3 ـ ما روى إبراهيم، عن الأسود: أن رجلاً قدم على عمر رضي الله عنه، وهو بجمع بعدما أفاض من عرفات، فقال: يا أمير المؤمنين، قدمت الآن، فقال: أما كنت وقفت بعرفات؟ قال: لا، قال: فأت عرفة وَقِفْ بها هنيهة، ثم أَفِضْ، فانطلق الرجل، وأصبح عمر بجمع، وجعل يقول: أجاء الرجل؟ فلما قيل: قد جاء، أفاض[(725)]. فعمر رضي الله عنه صَحَّحَ حج من فاته المبيت بمزدلفة، ولم يأمره بدم[(726)]، وهذا مبني على قول الجمهور في أن من ترك واجباً ـ كالمبيت ـ وجب عليه دم.
الوجه الخامس: استدل الإمام أحمد بهذا الحديث على أن يوم عرفة كله وقت للوقوف من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ليلاً أو نهاراً» ، فإن هذا يدل على شمول الحكم لجميع الليل والنهار، ولأن ما قبل الزوال من يوم عرفة، فكان وقتاً للوقوف كما بعد الزوال.(1/238)
وذهب الجمهور من أهل العلم إلى أن ما قبل الزوال من يوم عرفة ليس وقتاً للوقوف، وهو رواية عن الإمام أحمد[(727)]، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية. وحجتهم أن المراد بالنهار في هذا الحديث خصوص ما بعد الزوال، بدليل فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم وفعل خلفائه من بعده، وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على أن ما قبل الزوال غير داخل في قوله: «نهاراً» [(728)]، وكأنه لم يستحضر رأي الإمام أحمد في ذلك، أو لم يطلع عليه.
وقول الجمهور قوي؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم ما وقف إلا بعد الزوال، وقد قال: «لتأخذوا مناسككم» . وإن كان استدلال الإمام أحمد بالحديث له وجه من النظر ـ كما يقول الشنقيطي[(729)] ـ لكن قول الجمهور، وهو عدم الاقتصار على أول النهار أحوط وأبرأ للذمة.
وفائدة الخلاف أنه لو وقف أول النهار ثم خرج من عرفة قبل الزوال ولم يعد إليها، صح حجه وعليه دم، هذا على المذهب عند الحنابلة، وعلى قول الجمهور إذا لم يعد إليها في وقت الوقوف لم يصح حجه[(730)]؛ لأنه وقف قبل دخول وقت الوقوف.
الوجه السادس: اختلف العلماء في حكم الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن الوقوف إلى الغروب ركن، فمن انصرف قبل غروب الشمس لم يصح حجه، وهذا قول الإمام مالك[(731)]، وحجته حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج، فليحلَّ بعمرة، وعليه الحج من قابل» [(732)]، فكأن الإمام مالكاً لما رأى تعليق الإدراك بالليل أخذ منه أنه لا بد منه حتى في حق من وقف نهاراً.
وقد نقل ابن قدامة عن ابن عبد البر أنه قال: (لا نعلم أحداً من فقهاء الأمصار قال بقول مالك)[(733)].(1/239)
والحديث ضعيف؛ لأنه من رواية محمد بن أبي ليلى، وهو سيء الحفظ، ثم إنه لا دليل فيه؛ لأنه خصَّ الليل بالذكر لأن الفوات يتعلق به، لكونه يأتي بعد النهار، فمن لم يقف ليلاً فاته الحج؛ لأنه آخر وقت الوقوف.
والقول الثاني: أن من انصرف قبل الغروب صح حجه، ولكن عليه دم؛ لأنه ترك واجباً ـ على قاعدتهم في ترك الواجبات ـ، وهذا قول أبي حنيفة، وهو الصحيح من مذهب الإمام أحمد[(734)]؛ لأنه ركن لم يأت به على الوجه المشروع، فلزمه دم، كما لو أحرم دون الميقات.
والقول الثالث: أن البقاء إلى الغروب سنّة، فمن تركه لم يجب عليه شيء، وهذا هو الصحيح من مذهب الشافعية، وحُكي رواية عن الإمام أحمد[(735)]، وهو قول ابن حزم، واختاره الشنقيطي[(736)] مستدلين بحديث الباب؛ لأن قوله: «أو نهاراً» يفيد أن من وقف نهاراً ودفع قبل الغروب: أنه تم حجه، والتعبير بلفظ التمام ظاهر في جواز ذلك، وأنه لا يُحتاج إلى جبره بالدم، وهذا استدلال واضح، ولأنه أدرك من الوقوف ما أجزأه، أشبه ما لو أدرك الليل منفرداً.
وهذا أظهر الأقوال، لقوة مأخذه، فإن حديث عروة بن مضرس تشريع عام للأمة، ولا تعارض بين القول والفعل، فيحمل فعله صلّى الله عليه وسلّم على الاستحباب، وعلى هذا فمن دفع من عرفة قبل الغروب فحجه تام، ولا شيء عليه، والقول بإيجاب الدم عليه ليس عليه دليل، بل قوله: «فقد تمَّ حجه» يرد هذا الإيجاب.
ولعل من قال بوجوب البقاء إلى الغروب رأى أن هذا الفعل وإن كان دالاً على الاستحباب لكن وجد قرائن تقوى الوجوب، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم رفيق بأمته حريص على ما ينفعهم ولا يشق عليهم، ولو كان الدفع قبل الغروب جائزاً لفعله، لتتأسّى به الأمة، وهو القائل: «لتأخذوا مناسككم» ، والدفع في النهار أسهل من الدفع بالليل لا سيما في الزمن الماضي.(1/240)
ثم إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم دفع من عرفة قبل أن يصلي المغرب، مع أن وقتها قد دخل، فلو كان الدفع قبل الغروب جائزاً لدفع وصلى المغرب في مزدلفة في أول وقتها.
ثم إن القرآن قد يدل على ذلك، كما في قوله تعالى: {{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}} [البقرة: 199] ، أي: من عرفة، والمراد بالناس: من سوى قريش، وإفاضة النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد الغروب قد تكون بياناً لما أمر الله به، فإن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لما أفاض بعد الغروب دل على أن إفاضة الناس التي أمر الله بها هي عين ما فعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم امتثالاً لأمر الله تعالى؛ لأن الإفاضة المأمور بها هي المعتبرة شرعاً[(737)]، والله تعالى أعلم.
وقت الإفاضة من مزدلفة
759/19 ـ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قالَ: إنّ المُشْرِكينَ كانوا لا يُفيضونَ حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ويقولونَ: أَشْرِقْ ثَبيرُ، وأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم خالَفَهُمْ، ثمَّ أَفاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلعَ الشَّمْسُ. رواهُ الْبُخَاريُّ.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في تخريجه:
فقد أخرجه البخاري في كتاب «الحج»، باب «متى يُدفع من جمع؟» (1684) من طريق شعبة، عن أبي إسحاق: سمعت عمرو بن ميمون، يقول: شهدت عمر رضي الله عنه صلى بجمع الصبح، ثم وقف، فقال... وذكر الحديث.
الوجه الثاني: في شرح ألفاظه:
قوله: (أشرق) بفتح الهمزة، فعل أمر من الإشراق؛ أي: ادخل في وقت الإشراق.
قوله: (ثبيرُ) بفتح الثاء، مبني على الضم؛ لأنه منادى بحرف نداء محذوف، وهو اسم جبل كبير شاهق يقع على حد مزدلفة من جهة الشمال، قيل: إنه عرف باسم رجل من هذيل اسمه ثبير دفن فيه. وقد جاء في إحدى روايات أحمد وابن ماجه: (يقولون: أشرق ثبير، كيما نُغير)[(738)]، أي: لنذهب سريعاً إلى منى، كالمغيرين من سرعة الدفع.(1/241)
قوله: (ثم أفاض) يحتمل أن فاعله هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويحتمل أنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
الوجه الثالث: الحديث دليل على أن المشركين كانوا يعظّمون البيت ويحجونه، وكانوا على إرث من أبيهم إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم، إلا أنهم غيّروا وبدلوا في صفة النسك، ومن ذلك أنهم كانوا يبقون في مزدلفة صبح يوم النحر حتى تشرق الشمس، ثم يُفيضون إلى منى.
الوجه الرابع: الحديث دليل على تأكد الإفاضة من مزدلفة وقت الإسفار قبل طلوع الشمس؛ لأن هذا هو هدي النبي صلّى الله عليه وسلّم وهدي أصحابه رضي الله عنهم، مخالفة لأهل الجاهلية.
وقد ذهب بعض الحنفية إلى الوجوب[(739)]، وهو قول قوي، لفعله صلّى الله عليه وسلّم، ولما في ذلك من تحقيق المخالفة الواجبة لهدي الكفار، ومن تأخر عامداً إلى طلوع الشمس فقد أساء وخالف هدي المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، وأما من تعذر عليه ذلك بعد أن أخذ في الإفاضة ولكن عاقه المسير لشدة زحام، أو خلل في مركوبه، أو نحو ذلك، فهو معذور.
الوجه الخامس: الحديث دليل على أنه يتأكد في حق المسلم مخالفة أهل الجاهلية ولا سيما في باب العبادات؛ لأن هذا مقصد عظيم من مقاصد الشريعة الإسلامية، لتبقى هذه الأمة متميزة بدينها وعقيدتها وأخلاقها، ولا تكون تابعة لغيرها؛ بل يجب أن يكون غيرها تابعاً لها ومقتدياً بها، والله المستعان.
متى يقطع الحاج التلبية؟
760/20 ـ عن ابنِ عَبَّاسٍ وأُسامَةَ بنِ زَيْدٍ رضي الله عنهم قالا: لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم يُلبِّي حتى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبةِ. رواهُ الْبُخَاريُّ.
الكلام عليه من وجهين:
الوجه الأول: في تخريجه:(1/242)
فقد أخرجه البخاري في كتاب «الحج»، باب «التلبية والتكبير غداة النحر حين[(740)] يرمي الجمرة» (1686 ـ 1687) من طريق الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أسامة بن زيد رضي الله عنهما كان رَدِفَ النبي صلّى الله عليه وسلّم من عرفة إلى مزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، قال: فكلاهما قالا: لم يزلْ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلبي حتى رمى جمرة العقبة.
وفي رواية لمسلم (1281) عن كريب قال: أخبرني ابن عباس عن الفضل: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يزلْ يلبي حتى بلغ الجمرة.
الوجه الثاني: الحديث دليل على أن الحاج يستمر في تلبيته حتى يرمي جمرة العقبة، لكن وقع الخلاف بين العلماء في وقت قطعها، هل يقطعها عند الشروع في الرمي؟ أو يقطعها بعد الانتهاء من الرمي؟.
فالقول الأول: أنه إذا شرع في الرمي قطع التلبية، أخذاً برواية: (حتى بلغ الجمرة)؛ لأن بلوغ الجمرة هو وقت الشروع في الرمي، وهذا قول الجمهور[(741)]، ويؤيده أمران:
الأول: أنه إذا بدأ في الرمي شُرع له ذكر آخر، وهو التكبير عند كل حصاة، قائلاً: (الله أكبر)، ومعلوم أن ظرف الرمي لا يستغرق غير التكبير مع الحصاة، لتتابع رمي الحصيات، ولم ينقل أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يلبي أثناء الرمي، فدل على أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يقطعها عند الشروع في الرمي.
الثاني: أن التلبية شعار الحج وإجابة مناديه، وفي البدء برمي جمرة العقبة شروع في التحلل والانتهاء من أعمال الحج، فينتهي وقتها ومناسبتها.
والقول الثاني: أنه يلبي حتى ينتهي من رمي الجمرة، وهذا قول لبعض الشافعية، ورواية عند المالكية، وبه قال إسحاق، وأشار ابن المنذر إلى اختياره، واختاره ابن حزم[(742)]. واستدلوا برواية: (لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة)، وقال الإمام مالك في رواية عنه: (يقطع التلبية إذا زالت الشمس يوم عرفة)[(743)].(1/243)
والقول الأول أظهر، لقوة مأخذه ـ كما تقدم ـ، وتكون رواية: (حتى رمى) يراد به الشروع في رميها لا الانتهاء منه؛ أي: حتى أراد رمي الجمرة؛ كقوله تعالى: {{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}} [النحل: 98] أي: إذا أردت القراءة.
هذا بالنسبة للحاج، أما المعتمر ففيه قولان:
الأول: أنه يقطع التلبية إذا شرع في الطواف، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما، فقد روى الشافعي بسنده عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما في المعتمر يلبي حتى يستلم الركن[(744)]، وبه قال جماعة من التابعين، وهو قول الشافعي، وإسحاق، وأصحاب، الرأي، وهو الصحيح من المذهب عند الحنابلة[(745)]؛ لأن التلبية إجابة إلى العبادة وشعار الإقامة عليها، فلا يتركها إلا إذا شرع فيما ينافيها، وهو التحلل، وهو لا يحصل إلا بالطواف والسعي، فإذا شرع في الطواف فينبغي أن يقطع التلبية، كالحاج إذا شرع في رمي جمرة العقبة.
والقول الثاني: أنه يقطع التلبية إذا دخل أدنى الحرم، لأن الحرم هو مقصوده، وقد وصل إليه، وقد روى البخاري بسنده عن نافع، قال: «كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية، ويحدث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يفعل ذلك»[(746)]، وهذا بالنسبة للمتمتع أو المعتمر، كما تقدم، وأما المفرد والقارن فإنه يعود إلى التلبية بعد الفراغ من السعي، وهذا اختيار الحافظ ابن خزيمة، فقد روى بسنده عن الأوزاعي أنه قال: قال عطاء بن أبي رباح: «كان ابن عمر يدع التلبية إذا دخل الحرم، ويراجعها بعد ما يقضي طوافه بين الصفا والمروة»[(747)]. والله تعالى أعلم.
المكان الذي ترمى منه جمرة العقبة
761/21 ـ عنْ عبدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: أَنَّهُ جَعلَ البيْتَ عَنْ يسارِهِ، وَمِنًى عنْ يمينِه، ورَمَى الجَمْرَة بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وقالَ: هذا مَقَامُ الذي أُنْزِلَتْ عليه سُورَةُ البقرةِ. متفقٌ عليه.
الكلام عليه من وجوه:(1/244)
الوجه الأول: في تخريجه:
فقد أخرجه البخاري في كتاب «الحج»، باب «من رمى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره» (1749)، ومسلم (1296) (307) من طريق إبراهيم النخعي، عن عبد الرحمن بن يزيد: أنه حج مع ابن مسعود رضي الله عنه فرآه يرمي الجمرة الكبرى بسبع حصيات، فجعل البيت... الحديث.
الوجه الثاني: في شرح ألفاظه:
قوله: (رمى) الرمي: هو القذف والدفع، والمراد به: القذف بالحجارة الصغيرة، وأما مجرد وضعها فلا يسمى رمياً.
قوله: (الجمرة) أي: مكان رمي الجمرة، سميت باسم الواحدة منه، والجمرة لها عدة معانٍ منها: الحصاة الصغيرة، وتطلق على مجتمع الحصا. وقد جعلت الجمرة على هيئة حوض في الأزمنة المتأخرة، وذلك سنة (1293هـ)[(748)]، وإلا فالجمرة هي المرمى، ولهذا لم يذكر المتقدمون الحوض، ولعل وضعه لتخفيف الزحام، لئلا يتدافع الناس في مكان الرمي، فيضر بعضهم بعضاً.
قوله: (الكبرى) وصف لجمرة العقبة، وهي أقرب الجمرات إلى مكة، وتقدم في شرح حديث جابر رضي الله عنه معنى وصفها بالكبرى.
قوله: (سورة البقرة) خصها بالذكر؛ لأن فيها ذكر كثير من أحكام الحج خصوصاً الإشارة إلى رمي الجمار في قوله تعالى: {{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}} [البقرة: 203] ، فإن رمي الجمرات يدخل فيه؛ لأنه من ذكر الله تعالى.(1/245)
الوجه الثالث: الحديث دليل على أن المشروع في رمي جمرة العقبة أن يستقبلها عند الرمي، ويجعل الكعبة عن يساره، ومنى عن يمينه، وهذا هو الأفضل في مكان وقوف الرامي لجمرة العقبة، وقد كانت الجمرة قديماً لاصقة بجبل، وتحتها وادٍ؛ فالنبي صلّى الله عليه وسلّم رماها من بطن الوادي ولم يصعد على الجبل ليرمي من فوقه، فإذا رماها من بطن الوادي صارت مكة عن يساره، ومنى عن يمينه، ثم أزيل الجبل عام (1376هـ)، وبقيت جهة الجبل لا يرمى منها[(749)]، ولو رماها من أي جهة أجزأ، وقد نقل ابن حجر الإجماع على أنه من حيث رمى جمرة العقبة جاز[(750)]؛ لأن المقصود أن يكون الرامي في مكان أيسر له، ليطمئن في رميه، ويكبر الله تعالى. والله تعالى أعلم.
وقت رمي الجمار
762/22 ـ عن جابرٍ رضي الله عنه قالَ: رَمَى رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الجَمْرَة يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وأَمّا بعدَ ذلك فإذا زالتِ الشّمْسُ. روَاهُ مُسلمٌ.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في تخريجه:
فقد أخرجه مسلم في كتاب «الحج»، باب «بيان وقت استحباب الرمي» (1299) (314) من طريق ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال: (رمى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعدُ فإذا زالت الشمس) .
الوجه الثاني: الحديث دليل على أن أفضل وقت لرمي جمرة العقبة هو بعد طلوع الشمس يوم النحر، لفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقد قال: «لتأخذوا مناسككم» . ويجوز الرمي بعد الانصراف من مزدلفة إذا غاب القمر للضعفة، والمرضى، وكبار السن، ونحوهم، ومن يرافقهم من محرم، وسائق، كما تقدم.(1/246)
ويمتد وقت رمي جمرة العقبة إلى غروب الشمس على قول جمهور العلماء، ولا سيما من معه نساء ولم ينصرف من مزدلفة في الليل، فالأولى في حقه أن يؤخر الرمي إلى الظهر أو إلى العصر؛ لأن رمي النساء ضحى يوم العيد فيه مشقة عظيمة، كما هو مشاهد. وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على أن من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقتٍ لها[(751)].
الوجه الثالث: الحديث دليل على أن الجمار الثلاث في أيام التشريق لا ترمى إلا بعد الزوال لفعله صلّى الله عليه وسلّم، وقد قال: «لتأخذوا مناسككم» فيكون الرمي داخلاً في هذا العموم. وكونه صلّى الله عليه وسلّم رمى يوم النحر ضحى، ورمى أيام التشريق بعد الزوال دليل على اختلاف الحكم، وأن هذه عبادات لا مجال للرأي فيها، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (كنا نتحيَّن، فإذا زالت الشمس رمينا)[(752)]، ثم لو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لفعله النبي صلّى الله عليه وسلّم، لما فيه من المبادرة بالعبادة في أول وقتها، ولما فيه من تطويل وقت الرمي، ولما فيه من التيسير على الناس، ولا سيما في أيام الصيف وشدة الحر، فإنه صلّى الله عليه وسلّم رفيق بأمته حريص على ما ينفعهم ولا يشق عليهم.
والقول بأن الرمي بعد الزوال في جميع أيام التشريق، هو قول الإمام مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة في الرواية المشهورة، وهو قول جمهور أهل العلم، ومنهم عطاء بن أبي رباح[(753)]، قالوا: فمن رمى قبل الزوال وجب عليه أن يعيد؛ لأنه رمى قبل الوقت.
والقول الثاني: جواز الرمي قبل الزوال في يوم النفر، وهذا قول لأبي حنيفة، ورواية عن الإمام أحمد، وهو قول إسحاق وعكرمة؛ لأنه لما ظهر أثر التخفيف في هذا اليوم بأن ينفر ويترك الرمي، فلأن يجوز له الرمي قبل الزوال أولى[(754)].(1/247)
والقول الثالث: جوازه قبل الزوال في جميع أيام التشريق، وهو أحد القولين عن عطاء[(755)]، وبه قال طاوس، وروي عن أبي حنيفة في غير الرواية المشهورة[(756)]، وقد روى الفاكهي بسنده (أنَّ ابن الزُّبير رَمَى قَبلَ الزَّوالِ أَيَّامَ التَّشريقِ)[(757)].
والرَّاجح هو القول الأول، وهو أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال؛ لقوة دليله، فإن الأحاديث ـ كما تقدم ـ صحيحة وصريحة في المراد، ثم لو كان الرمي جائزاً قبل الزوال لشرعه الله لعباده، وفعله النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه رضي الله عنهم، لكنهم لم يرموا إلا بعد الزوال، كما قال ابن عمر رضي الله عنهما، ولم يرد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أذن لأحد أن يرمي قبل الزوال، كما أذن في ترك المبيت والدفع من مزدلفة.
يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: (وقد تتبعت هذا كثيراً، زمناً طويلاً، فلم أجد عن صحابي واحد ما يدل على الرمي قبل الزوال، لا من قوله ولا من فعله، كلهم يرمون بعد الزوال، كما رمى النبي عليه الصلاة والسلام)، وليس مع من أجاز الرمي قبل الزوال دليل واضح، مع مخالفته لفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقد قال: «لِتَأخُذُوا مَناسِكَكُم» ، لكن من رمى قبل الزوال فله سلف من أهل العلم، ولا سيما من كان مضطراً إلى ذلك كموعد رحلة طائرة ونحو ذلك، وإلا فالأحوط ألا يرمي قبل الزوال؛ تأسّياً بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، ووقت الرمي فيه سعة ـ ولله الحمد ـ، فإنه يمتد من الزوال إلى طلوع الفجر من اليوم التالي، ولا موجب للرمي قبل الزوال إلا العجلة التي عليها غالب الناس في زماننا هذا، والله المستعان.(1/248)
والرمي قبل الزوال ليس علاجاً لمشكلة الزحام وتوابعه التي يعلل بها من يقول بجواز الرمي قبل الزوال؛ لأن الزمان سينتقل إلى أول وقت يجوز الرمي فيه، سواء قبل الزوال أو بعده، لكن ما فعلته الدولة ـ وفّقها الله ـ في مشروع الجمرات عالج مشكلة الزحام معالجة واضحة، وذلك بتوسعة مكان الرمي، وتنظيم الناس ذهاباً وإياباً، ومنع المفترشين، وقد رأينا في حج هذا العام (1427هـ) اليسر والسهولة في الرمي، مع أن المشروع لم يتم بعدُ.
كيفية رمي الجمار
763/23 ـ عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما : أَنَّهُ كان يَرْمِي الجَمْرَةَ الدُّنْيا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكبِّرُ على إِثْرِ كلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ، ثُمَّ يُسْهِلُ، فَيقومُ فَيَسْتَقْبِلُ القِبْلةَ، فيقوم طويلاً، ويدعو، ويَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثمَّ يَرْمِي الوُسْطَى، ثم يأخُذُ ذاتَ الشِّمَالِ فيُسْهِلُ، ويَقُومُ مُستَقْبِلَ القِبْلَةِ، ثُمَّ يَدْعو فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَيَقُومُ طويلاً، ثمَّ يَرْمي جَمْرَةَ ذاتِ العَقَبَةِ من بَطْنِ الوادي، ولا يَقِفُ عنْدَها، ثمَّ يَنْصَرِفُ، فيقولُ: هكذا رأَيتُ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يَفْعَلُهُ. رواه البخاريُّ.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في تخريجه:
فقد أخرجه البخاري في كتاب «الحج»، باب «إذا رمى الجمرتين يقوم مستقبل القبلة ويُسهل» (1751) من طريق طلحة بن يحيى، حدثنا يونس، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنهما، به.
الوجه الثاني: في شرح ألفاظه:
قوله: (الجمرة الدنيا) أي: القريبة إلى جهة مسجد الخيف.
قوله: (على إثر) بكسر الهمزة وسكون المثلثة؛ أي: عقب كل حصاة.
قوله: (ثم يُسهل) بضم الياء، مضارع أسهل الرباعي؛ أي: يقصد المكان السهل من الأرض، حتى يوسع للرماة، فلا يؤذيهم ولا يؤذونه.
قوله: (يقوم طويلاً) صفة لمصدر محذوف؛ أي: قياماً طويلاً، وفي رواية: (وكان يطيل الوقوف).(1/249)
قوله: (ذات الشمال) أي: يمشي إلى جهة الشمال.
قوله: (ذات العقبة) العقبة: جبل صغير فيه ثنية كانت الجمرة الكبرى في سفحه الجنوبي، فأزيلت تلك العقبة ـ كما تقدم ـ بإذن من مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، لغرض توسعة شارع الجمرات[(758)].
الوجه الثالث: الحديث دليل على أن رمي الجمار يكون بسبع حصيات لكل جمرة، وقد ذهب الجمهور من أهل العلم إلى أن ذلك شرط من شروط صحة الرمي، فإن نقص واحدة لم يصح الرمي، وعليه الرجوع لإتمام ما نقص؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم رمى بسبع، ولا يعرف أنه أذن لأحد أن يرمي بأقل من سبع.
وأما ما أخرجه النسائي وغيره، عن مجاهد، قال: قال سعد رضي الله عنه: (رجعنا في الحجة مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، وبعضنا يقول: رميت بسبع، وبعضنا يقول: رميت بست، فلم يعب بعضهم على بعض)[(759)]، فهذا أثر منقطع؛ لأن مجاهداً لم يسمع من سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، كما قال الطحاوي وابن القطان وغيرهما، نقل ذلك ابن التركماني، وذكر أن الأخبار تظاهرت بوجوب السبع، ولم يثبت أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أقر الصحابة رضي الله عنهم على ذلك، ولا اجتهاد في موضع النص[(760)].
الوجه الرابع: الحديث دليل على أن الجمار الثلاث ترمى في أيام التشريق، وأنه يُبدأ بالجمرة الدنيا، وهي التي تلي مسجد الخيف، ثم الثانية، ثم العقبة، والأكثرون من أهل العلم على أن هذا الترتيب شرط لصحة الرمي؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم رماها كذلك، فإن اختل لم يصح الرمي.
الوجه الخامس: الحديث دليل على مشروعية التكبير عقب كل حصاة، فيقول: الله أكبر، ولا يزيد على ذلك، وفي حديث جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (يكبر مع كل حصاة منها).(1/250)
الوجه السادس: الحديث دليل على صفة رمي الجمار، وأنه إذا رمى الجمرة الأولى تقدم أمامها قليلاً، لئلا يضيق على الرماة، ولئلا يُؤْذِي أو يُؤْذَى، فيقف ويستقبل القبلة ويرفع يديه ويدعو طويلاً. ثم يرمي الوسطى، ويتقدم ذات الشمال، فيقف للدعاء، كما تقدم.
وعن عطاء قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما يقوم عند الجمرتين مقدار ما يقرأ سورة البقرة[(761)].
وأكثر الحجاج تركوا الوقوف للدعاء، إما جهلاً، وإما عجلة وتهاوناً، فليحرص المسلم على الوقوف للدعاء؛ لأن السنّة كلما ضيعت كان فعلها آكد، ليجمع العامل بها بين فضيلة العمل وإحياء السنة.
ثم يرمي الثالثة، وهي جمرة العقبة من بطن الوادي ـ كما تقدم ـ ولا يقف عندها؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم رماها ولم يقف بعد الرمي، والله تعالى أعلم.
مرتبة التقصير من الحلق
764/24 ـ عن ابنِ عُمر رضي الله عنهما : أنَّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قالَ: «اللّهمَّ ارْحَمْ المُحَلِّقِينَ» قالوا: والمُقَصِّرِينَ يا رسولَ اللهِ؟ قال في الثالثةِ: «والمُقصِّرين» مُتّفقٌ عَلَيه.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في تخريجه:
فقد أخرجه البخاري في كتاب «الحج»، باب «الحلق والتقصير عند الإحلال» (1727)، ومسلم (1301) من طريق مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، به.
الوجه الثاني: في شرح ألفاظه:
قوله: (قال) أي: هذا الدعاء، وكان ذلك في غزوة الحديبية، وفي حجة الوداع أيضاً.
قوله: (ارحم) أي: أنزل رحمتك التي بها حصول المطلوب والنجاة من المرهوب. وجاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «اللّهم اغفر للمحلقين...» قالها ثلاثاً[(762)].
قوله: (المحلقين) أي: الحالقين رؤوسهم في حج أو عمرة تعبداً لله تعالى. والحلق: إزالة شعر الرأس كله بالموسى ونحوه.(1/251)
قوله: (قالوا: والمقصرين) معطوف على (المحلقين) ويسمّى: العطف التلقيني؛ أي: قل: المحلقين والمقصرين، والتقصير: قص أطراف شعر الرأس من جميع نواحيه.
قوله: (قال في الثالثة) أي: إنه دعا للمحلقين مرتين، وفي الثالثة دعا للمقصرين.
الوجه الثالث: الحديث دليل على أن الحلق والتقصير من مناسك الحج والعمرة وليس إطلاقاً من محظور. وهذا قول جمهور أهل العلم؛ لأنه لو لم يكن قربة لله تعالى لما استحق فاعله دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم بالرحمة؛ لأنه لا يدعو إلا لشيء مطلوب شرعاً، ولقوله تعالى: {{مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ}} [الفتح: 27] ، ووجه الدلالة: أن الله تعالى وصفهم بالحلق، ولو لم يكن من المناسك كاللبس، وقتل الصيد، لما وصفهم به.
الوجه الرابع: الحديث دليل على أن الحلق أفضل من التقصير؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كرر الدعاء للمحلقين، وذلك لأن التعبد والتعظيم لله تعالى بالحلق أظهر وأكمل، ولأن الله تعالى قدمه على التقصير، فقال: {{مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ}} وإن كانت الواو لا تقتضي الترتيب في أصل وضعها، لكن وجد قرائن تفيد ذلك، ولأنه فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ويستثنى من ذلك المتمتع الذي قدم مكة متأخراً بحيث لا ينبت شعره قبل الحج، فإن التقصير في حقه أفضل، كما أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه بذلك في حجة الوداع[(763)]، ليجمعوا بين التقصير في العمرة، والحلق في الحج، ولو حلقوه في العمرة حينئذ لم يبق في الرأس شعر للحج.
ولا بد في التقصير من تقصير جميع الرأس على الراجح من أقوال أهل العلم، وذلك بأن يعم ظاهر الرأس، لا أن يأخذ من كل شعرة بعينها، ووجه ذلك أن الله تعالى أضاف الحلق والتقصير إلى الرأس، والفعل المضاف إلى الرأس يشمل جميعه، ولأن التقصير يقوم مقام الحلق، والحلق لجميع الرأس، فكذا التقصير.(1/252)
الوجه الخامس: الحديث دليل على كمال نصح النبي صلّى الله عليه وسلّم ورحمته بأمته، حيث دعا لمن قام بالعبادة، حثاً له على الخير وزيادة في أجره وثوابه، والله تعالى أعلم.
حكم الترتيب بين مناسك الحج يوم العيد
765/25 ـ عنْ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ رضي الله عنهما : أَنَّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم وَقَفَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَجَعَلُوا يسْأَلونَهُ، فقالَ رجُلٌ: لمْ أَشْعُرْ، فَحَلَقْتُ قبلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ قالَ: «اذبحْ ولا حَرَجَ»، فَجَاءَ آخَرُ فقالَ: لمْ أَشْعُرْ، فَنَحَرْتُ قبلَ أَن أَرْمِيَ؟ قال: «ارْمِ ولا حَرَج»، فما سُئِلَ يوْمئذٍ عنْ شيءٍ قُدِّمَ ولا أُخِّرَ إلا قالَ: «افْعَلْ ولا حَرَجَ» مُتّفقٌ عليه.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في تخريجه:
فقد أخرجه البخاري في مواضع من «صحيحه»، وأولها في كتاب «العلم»، باب «الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها» (83)، ثم في كتاب «الحج»، باب «الفتيا على الدابة عند الجمرة» (1736)، ومسلم (1306) من طريق الزهري، عن عيسى بن طلحة، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، به.
الوجه الثاني: في شرح ألفاظه:
قوله: (وقف في حجة الوداع) كان ذلك على بعيره عند جمرة العقبة بينها وبين الوسطى، بعد الزوال يوم العيد، وقد جاء في رواية: (وقف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ناقته...).
قوله: (لم أشعر) بضم العين، والشعور: هو الإدراك والإحساس، يقال: شعرت بالشيء شعوراً: إذا فطنت به، والمعنى: لم أعلم، أو لم أفطن إما لجهل أو نسيان.
قوله: (قبل أن أذبح) في تأويل مصدر مضاف إليه؛ أي: قبل الذبح، والمراد: ذبح الهدي.
قوله: (اذبح) هذا أمر إباحة؛ لأن صيغة الأمر إذا وردت في مقام يتوهم فيه الحظر فهي للإباحة، كما في الأصول[(764)].(1/253)
قوله: (ولا حرج) الحرج: الضيق، وخبر (لا) محذوف، وهذه الصيغة نكرة في سياق النفي، ركبت مع (لا) فبنيت على الفتح، وهي نص صريح في العموم، لنفي جميع أنواع الحرج، والمعنى: لا ضيقَ عليك بإثم ولا فدية.
الوجه الثالث: الحديث دليل على أن الأفضل ترتيب شعائر الحج يوم العيد، وذلك بأن يُبدأ برمي جمرة العقبة، ثم النحر، ثم الحلق، ثم الإفاضة، قال أنس رضي الله عنه: (أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منى فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر، ثم قال للحلاّق: «خذ» ، وأشار إلى جانبه الأيمن، ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس)[(765)].
الوجه الرابع: الحديث دليل على أن مخالفة هذا الترتيب بتقديم بعض الأعمال على بعض أنه لا حرج فيه، أما في حق الجاهل والناسي فهو موضع إجماع بين أهل العلم، وأما في حق العامد، ففيه قولان:
الأول: جواز تقديم بعضها على بعض في حق العامد، وهو العالم الذاكر، وهذا قول الجمهور؛ لقوله: (فما سئل يومئذ عن شيء قُدِّمَ ولا أُخِّرَ إلا قال: «افعل ولا حرج» )، ولم يقيده بالناسي أو الجاهل.
القول الثاني: أن رفع الحرج إنما هو في حق الجاهل والناسي فقط، وهذا قول أبي حنيفة[(766)]؛ لقول السائل: (لم أشعر)، والمطلق يحمل على المقيد؛ لأن السائلين كانوا أعراباً لا علم لهم بالمناسك.
والقول الأول أرجح؛ لأن توارد الأسئلة على النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقوة كلامه في نفي الحرج، وعدم النهي عن العود لمثلها، يدل على التسامح في ذلك، وهذا هو الموافق لمقاصد الدين الإسلامي، ولا سيما في مثل هذه الأزمان؛ لأن هذا أيسر للناس.
الوجه الخامس: في الحديث دليل على مشروعية وقوف العالم في أيام المناسك لإفتاء الناس وتعليمهم مناسكهم، وكذا في المواسم العارضة؛ كشهر رمضان وعشر ذي الحجة، يبذل العالم نفسه للناس؛ لأنهم في حاجة إلى من يعلمهم، ويجيب على أسئلتهم.(1/254)
الوجه السادس: مما ينبغي أن يعلم أن الأصل في أحكام المناسك ـ كغيرها ـ هو التأسي بالنبي صلّى الله عليه وسلّم ومتابعته في أقواله وأفعاله؛ لأنه صلّى الله عليه وسلّم فعل المناسك أمام الأمة بياناً لقول الله تعالى: {{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}} [آل عمران: 97] ، وكان صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلّي لا أحج بعد حجتي هذه» [(767)]، قال النووي: (هذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج)[(768)].
واعتياد الأخذ بالرخص قد يؤدي إلى التساهل بالمناسك وانحلال عزائم المكلفين، ولا ريب أن المقصود من الترخيص للمكلفين هو الرفق بهم عن تحمل المشاق، فالأخذ بها موافق لمقاصد الشريعة، لكن هذا لا يعني اعتياد الترخيص حتى كأنه هو الأصل؛ لأن هذا يؤدي إلى اعتبار العزائم شاقةً حَرِجَةً، ومن ثم لن يقوم بها المكلف كما ينبغي.
والنبي صلّى الله عليه وسلّم ما قال: «افعل ولا حرج» في جميع المناسك، وإنما قال هذا لما سئل عن التقديم والتأخير في مناسك يوم العيد. والله تعالى أعلم.
مشروعية تقديم النحر على الحلق
766/26 ـ عن المِسورِ بنِ مَخْرَمَةَ رضي الله عنهما: أَنَّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم نَحَرَ قبْلَ أنْ يحْلِقَ، وأَمَرَ أَصْحابَه بذلك. رواه البخاري.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في ترجمة الراوي:(1/255)
وهو المسور ـ بكسر الميم وسكون السين المهملة ـ بن مخرمة ـ بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة ـ بن نوفل القرشي الزهري، ولد بعد الهجرة بسنتين، وقدم به أبوه إلى المدينة سنة ثمان من الهجرة، وحفظ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أحاديث، وروى عن الخلفاء الأربعة، ولازم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان فقيهاً، ذا فضل ودين، بقي في المدينة فلما قتل عثمان رضي الله عنه تحوّل إلى مكة وبقي فيها، حتى قدم الجيش لقتال ابن الزبير، فأصابه حجر من المنجنيق وهو يصلي في الحِجْرِ فقتله، وذلك في سنة أربع وستين، رضي الله عنه[(769)].
الوجه الثاني: في تخريجه:
فقد أخرجه البخاري في كتاب «المحصر»، باب «النحر قبل الحلق في الحصر» (1811) من طريق عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن المسور رضي الله عنه، به.
الوجه الثالث: هذا الحديث ليس من أحاديث الحج، خلافاً لما يُشعر به صنيع الحافظ، وإنما هو في عمرة الحديبية، سنة ست، حين منعت قريش النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه من دخول مكة لأداء عمرتهم، فحصلت المصالحة بينهم على أن يعود ويأتي من قابل، كما في القصة المشهورة التي أخرجها البخاري[(770)]، وقد جاء فيها: (... فلما فرغوا من قضية الكتاب، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «قوموا فانحروا، ثم احلقوا...» ) الحديث، ثم تحلل النبي صلّى الله عليه وسلّم بالذبح والحلق، وتابعه أصحابه على ذلك، لقوله تعالى: {{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}} [البقرة: 196] .
وعلى هذا فقوله: (وأمر أصحابه بذلك) ليس في الحج؛ لأن النحر والحلق في الحج إنما كان من فعله صلّى الله عليه وسلّم وليس من أمره، أما الأمر فكان في الحديبية، ولو أن المؤلف جعل هذا الحديث في باب الإحصار لكان أولى، والله تعالى أعلم.
بم يحصل التحلّل الأول؟(1/256)
767/27 ـ وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ، فَقدْ حَلَّ لكُمْ الطِّيبُ وَكُلُّ شيءٍ إلا النِّساء». رواهُ أحمد وأبو داود، وفي إسنادِه ضَعْفٌ.
الكلام عليه من وجهين:
الوجه الأول: في تخريجه:
فقد أخرجه أحمد (42/40)، وابن خزيمة (4/302)، والدارقطني (2/276)، والبيهقي (5/136) من طريق الحجاج بن أرطاة، عن أبي بكر بن محمد، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رميتم وحلقتم، فقد حلَّ لكم الطيب والثياب وكل شيء إلا النساء».
وأخرجه أبو داود (1978) من طريق الحجاج، عن الزهري، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء» .
وهذا الحديث ضعيف في سنده، مضطرب في متنه، أما السند فإن مداره على الحجاج بن أرطاة، وهو مدلس، وقد عنعنه، واختلف عليه فيه، قال أبو داود عقبه: (هذا حديث ضعيف، الحجاج لم يرَ الزهري، ولم يسمع منه)، وقال البيهقي: (هذا من تخليطات الحجاج بن أرطاة)، ونقل الزيلعي عن الدارقطني أنه قال: (لم يروه غير الحجاج بن أرطاة)[(771)].
وأما اضطراب متنه، فقد ورد فيه: «وحلقتم» ، كما عند أحمد ومن ذكر معه، وورد بدونها، كما عند أبي داود، وأشار إليه الطحاوي[(772)]، والدارقطني[(773)].
الوجه الثاني: استدل بحديث الباب فقهاء الشافعية ـ على تفصيل عندهم ـ والحنابلة في الصحيح المشهور في مذهبهم على أن التحلل الأول ـ ويسمى التحلل الأصغر ـ لا يحصل إلا برمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير[(774)]، فمن رمى وحلق حلَّ له كل شيء من محظورات الإحرام من اللبس والطيب وتغطية الرأس، ونحو ذلك، إلا النساء، فإذا طاف طواف الإفاضة حلَّ له كل شيء حتى النساء، ويسمّى التحلل الأكبر، وهذا أحد قولي عمر رضي الله عنه.(1/257)
والقول الثاني: أن التحلل الأول يحصل برمي جمرة العقبة فقط، وهذا مروي عن عمر، وعائشة، وابن الزبير رضي الله عنهم[(775)]، وهو قول علقمة وعطاء وأبي ثور، وهو مذهب المالكية، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها ابن قدامة[(776)]. واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (طيبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيديّ بِذَرِيرةٍ[(777)] لحجة الوداع، للحل والإحرام، حين أحرم، وحين رمى جمرة العقبة يوم النحر قبل أن يطوف بالبيت)[(778)] فإن ظاهر قولها: (وحين رمى جمرة العقبة) يفيد أن الطيب حصل بعد الرمي.
كما استدلوا بحديث عائشة المذكور في هذا الباب من رواية أبي داود، وقد تقدم سياقها، وليس فيها إلا ذكر الرمي دون الحلق. كما استدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «إذا رمى الجمرة فقد حلّ له كل شيء إلا النساء»، فقال رجل: والطيب؟ فقال: أما أنا فقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضمخ رأسه بالمسك، أفطيب ذلك أم لا؟[(779)].
والقول الأول وجيه جداً في نظري؛ لأنه مؤيد بفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم، حيث إنه رمى، ثم نحر، ثم حلق، ولم يتحلل النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد رمي الجمرة فقط، ومن قال بذلك فقد خالف السنّة، فإن حفصة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله ما شأن الناس حلّوا بعمرة، ولم تحْلِلْ أنت من عمرتك؟ قال: «إني لبَّدت رأسي، وقلّدت هديي، فلا أَحِلُّ حتى أنحر»[(780)].
وأما حديث عائشة المقتصر على الرمي ـ كما في رواية أبي داود ـ، فهو حديث ضعيف كما تقدم.(1/258)
وأما حديثها الثاني: (طيبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم... وحين رمى جمرة العقبة) فهو حديث ضعيف بهذا السياق، تفرد به روح عن ابن جريج، وقد خالفه جماعة، فرووه بلفظ: (طيبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذريرة في حجة الوداع للحِلِّ والإحرام)[(781)]. وفي لفظ: (... ولحله قبل أن يطوف بالبيت) وعليه فالاستدلال به على أن التحلل الأول يحصل بالرمي وحده غير مستقيم، لسببين:
الأول: تفرد روح بهذه الزيادة (وحين رمى جمرة العقبة) عن غيره من الرواة عن ابن جريج، ولذا أعرض عنها الشيخان، كما تقدم.
الثاني: حتى على القول بقبول هذه الزيادة، وأن هذا الحديث روي مطولاً، وروي مختصراً، فليس صريحاً في أن الطيب وقع بعد رمي جمرة العقبة مباشرة؛ لأنها قالت: (قبل أن يطوف بالبيت) وهذه القبلية من الظروف الواسعة، وقد فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذلك، الرمي والنحر والحلق؛ لأنه رتب مناسك يوم العيد، كما في حديث أنس[(782)] وغيره، وتقدم.
ويؤيد هذا الترجيح أمران:
1 ـ أن قولها: (طيبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحله حين أحلَّ قبل أن يطوف بالبيت) يفيد أن الحل حصل بالرمي والحلق قبل الطواف، ولولا أن الطيب بعد الرمي والحلق لما اقتصرت على الطواف، وقالت: (قبل أن يطوف بالبيت).
2 ـ أنه لا معنى للطيب قبل الحلق وقضاء التفث، فلولا أنه حلق بعد أن رمى لم يتطيب، وقد بوّب البخاري على حديث عائشة رضي الله عنها بقوله: (الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الإفاضة)[(783)].
وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما، فهو ضعيف لانقطاعه، لأن الحسن العرني وإن كان ثقة، إلا أنه لم يسمع من ابن عباس كما تقدم عند الحديث (756).
ومما يؤيد أنه موقوف، استشهاد ابن عباس رضي الله عنهما بفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولو كان الحديث عنده مرفوعاً لما احتاج إلى ذلك.(1/259)
وبهذا يتبين أن أدلة القائلين بأن التحلل الأول يحصل بالرمي وحده غير ناهضة؛ لأن الصريح منها غير صحيح، والصحيح يدل على خلاف ما استنبط منه[(784)]، ثم إنها مخالفة لفعل الرسول صلّى الله عليه وسلّم. فالأولى والأحوط ألا يتحلل إلا بعد الرمي والحلق، تأسّياً بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، ولأن العلماء أجمعوا على أن التحلل بعد الرمي والحلق تحلل صحيح، لكن من تحلل بالرمي وحده فله سلف، لما تقدم عن عمر، وعائشة، وابن الزبير رضي الله عنهم، والله أعلم.
مشروعية التقصير دون الحلق في حق المرأة
768/28 ـ عن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: عن النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قالَ: «لَيسَ على النِّساءِ حَلْقٌ، وإنَّما يُقَصِّرْنَ». رواهُ أبو داود بإسْنَادٍ حَسَنٍ.
الكلام عليه من وجهين:
الوجه الأول: في تخريجه:
فقد أخرجه أبو داود في كتاب «المناسك»، باب «الحلق والتقصير» (1985) قال: حدثنا أبو يعقوب المدني، ثنا هشام بن يوسف، عن ابن جريج، عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة، عن صفية بنت شيبة، قالت: أخبرتني أم عثمان بنت أبي سفيان، أن ابن عباس رضي الله عنهما قال... وذكر الحديث.
وهذا إسناد حسن، أبو يعقوب المدني، شيخ أبي داود، وثّقه أحمد، وابن معين، والدارقطني وغيرهم، وضعّفه آخرون[(785)]، وقال عنه الحافظ في «التقريب»: (صدوق تُكُلِّمَ فيه؛ لوقفه في القرآن).
وقد توبع في روايته عن هشام بن يوسف، تابعه ابن معين عند أبي زرعة في «تاريخ دمشق»[(786)]، وعلي بن عبد الله المديني عند الدارمي (1/390)، وعنعنة ابن جريج لا تضر؛ لأنه قد صرح بالتحديث عند الدارمي. وأم عثمان: صحابية، كما جزم بذلك ابن منده، وابن عبد البر، فإنه قال: (كانت من المبايعات، روت عنها صفية بنت شيبة)[(787)].
والحديث حسّنه الحافظ[(788)]، ونقل عن أبي حاتم أنه قوَّاه[(789)].(1/260)
الوجه الثاني: الحديث دليل على أن المشروع في حق المرأة عند التحلّل هو التقصير، وهو أن تأخذ من كل ظفيرة قدر أنملة، وهو رأس الأصبع، وذلك بأن تمسك كل ظفيرة بعينها، أو تقبض على جميع شعرها إن لم يكن لها ظفائر، فتأخذ منه.
وأما الحلق فإنه لا يجوز في حقها، وقد أجمع أهل العلم على أنه ليس على النساء حلق، وذلك لأن شعر المرأة زينة لها وجمال في حقها، ولأن حلقه مُثْلة؛ لأنه حلق غير معتاد، كحلق الرجل لحيته.
ولو أن المؤلف قدّم هذا الحديث بعد حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في الحلق والتقصير لكان أولى؛ للمناسبة بينهما، والله تعالى أعلم.
حكم المبيت بمنى
769/29 ـ عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ العَبَّاسَ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه استأذَنَ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم أَنْ يَبيتَ بِمَكَّةَ ليالي مِنًى مِن أَجلِ سِقايَتِهِ، فَأَذِنَ لهُ. مُتّفقٌ عليه.
770/30 ـ وعنْ عاصِمِ بنِ عَدِيٍّ: أَنَّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم أرْخَصَ لرُعَاة الإِبِلِ في الْبَيْتوتَةِ عَنْ مِنىً، يَرْمونَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثمَّ يَرْمونَ الغَدَ لِيومَيْنِ، ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ. رواهُ الخمسة، وصَحَّحَهُ الترمذي، وابنُ حِبَّان.
الكلام عليهما من وجوه:
الوجه الأول: في ترجمة الراوي:
وهو عاصم بن عدي البلوي العجلاني، حليف الأنصار، ذكروه في البدريين، وقيل: لم يشهدها، وإنما خَلَّفَهُ النبي صلّى الله عليه وسلّم على قباء وأهل العالية لشيء بلغه عنهم، وضرب له بسهمه وأجره، فكان كمن شهدها، وشهد أُحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبعثه مع مالك بن الدُّخشم فأحرقا مسجد الضرار ببني عمرو بن عوف، بقباء. مات سنة خمس وأربعين في المدينة، وهو ابن خمس عشرة ومائة، وقيل: عشرين ومائة، رضي الله عنه[(790)].
الوجه الثاني: في تخريجهما:(1/261)
أما حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقد أخرجه البخاري في مواضع من كتاب «الحج»، أولها باب «سقاية الحاج» (1634)، ثم في باب «هل يبيت أصحاب السقاية وغيرهم بمكة ليالي منى؟» (1734 ـ 1745)، ومسلم (1315) من طريق عبيد الله، قال: حدثني نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، به.
وأما حديث عاصم، فقد أخرجه أبو داود (1975)، والترمذي (955)، والنسائي (5/273)، وابن ماجه (3037)، وأحمد (39/193)، وابن حبان (3888) من طريق مالك، قال: حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن أبي البدَّاح بن عاصم، عن أبيه رضي الله عنه، به.
وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح). وهذا الحديث له عدة روايات، وألفاظها متقاربة.
الوجه الثالث: في شرح ألفاظهما:
قوله: (أن العباس بن عبد المطلب) هو عم النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقد تقدم ذكره في «الاستسقاء». قوله: (استأذن) أي: طلب الإذن، وهو الرخصة.
قوله: (أن يبيت بمكة ليالي منى) في تأويل مصدر مجرور، أي: في المبيت، والمعنى: أنه طلب أن يأذن له أن يدع المبيت بمنى ليالي أيام التشريق ويبيت بمكة.
قوله: (من أجل السقاية) تعليل لقوله: (استأذن) أي: من أجل ألا تنقطع مصلحة سقاية ماء زمزم.
والسقاية: بكسر السين، مهنة سقي الناس الماء، والمراد هنا: ما يسقيه الناسَ من ماء زمزم، وكان ينبذ فيه الزبيب، ويسقيهم إياه في الجاهلية والإسلام. وكانت السقاية من مآثر قريش، يتولاها بنو عبد المطلب، وكان العباس رضي الله عنه هو القائم بها.
قوله: (في البيتوتة) من مصادر بات، يقال: بات فلان بيتاً، وبياتاً، ومبيتاً، ومباتاً، وبيتوتة، أي: أدركه الليل، نام أو لم ينم.
قوله: (يوم النفر) النفر: خروج الناس من منى بعد نهاية المناسك، واليوم الثاني عشر هو يوم النفر الأول، والثالث عشر يوم النفر الثاني.(1/262)
الوجه الرابع: اختلف العلماء في حكم المبيت بمنى الليلة الحادية عشرة والثانية عشرة من ليالي أيام التشريق على قولين بعد إجماعهم على أنه نسك:
الأول: أنه واجب من واجبات الحج، وهذا قول المالكية، وأحد القولين عند الشافعية، وقد اعتبره النووي هو الأصح، وهو الصحيح من المذهب عند الحنابلة[(791)]، واستدلوا بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم بات بها، وقال: «لتأخذوا مناسككم» ، ولأنه صلّى الله عليه وسلّم رخص لعمه رضي الله عنه من أجل سقايته، ورخص لرعاة الإبل، والتعبير بالإذن كما هنا، وبالرخصة كما في رواية أخرى، يدل على وجوب المبيت، ولو كان المبيت غير واجب لما كان للترخيص في حق هؤلاء معنى. والواجب من ذلك معظم الليل، سواء من أول الليل أو من آخره.
والقول الثاني: أن المبيت بمنى سنّة، وهذا قول الحسن، وأبي حنيفة، ورواية عن الإمام أحمد، واختاره ابن حزم[(792)]، وقال أبو حنيفة: يكره تركها، واستدلوا بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم بات بمنى، ولم يأمر بالمبيت بها.
وأجاب ابن حزم عن الإذن للرعاة والترخيص للعباس بأنه لا دليل فيه على الوجوب على غيرهم، إلا لو أنه تقدم من النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بالمبيت، ثم رخص لهؤلاء، فإنهم يكونوا مستثنين من سائر مَنْ أُمروا، أما إذا لم يتقدم أمر فيبقى غيرهم على الإباحة[(793)].
ويترتب على هذا الخلاف: أن القائلين بالوجوب يُلزمون تاركه دماً على قاعدتهم في ترك الواجبات، وعلى أنه سنّة فلا شيء عليه، لكنه خالف سنّة النبي صلّى الله عليه وسلّم فقد بات بها صلّى الله عليه وسلّم[(794)]، والظاهر ـ والله أعلم ـ أنه حتى على القول بالوجوب لا يلزمه دم؛ لأن الشرع لم يرد فيه بشيء، قال الإمام أحمد فيمن ترك المبيت: (لا شيء عليه، وقد أساء)[(795)].(1/263)
ومن اجتهد ولم يجد مكاناً يليق به سقط عنه وله أن يبيت خارجها في أي مكان شاء ولا شيء عليه[(796)]، لعموم قوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] ، وقوله تعالى: {{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}} [البقرة: 286] ، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» [(797)]، ومن قواعد الشريعة المجمع عليها: (أنه لا واجب مع العجز)، وهذا عاجز عن الوصول إلى منى؛ فسقط عنه المبيت.
وليس من ذلك المبيت في الشوارع وعلى الأرصفة في طرق الناس والسيارات، ولا سيما من معه نساء، فإن في ذلك ضرراً عظيماً، وخطراً جسيماً لا تأتي الشريعة بمثله، فإذا وجد العذر سقط الواجب، ولا يلزم البحث عن المكان إذا كان يغلب على ظنه عدم الحصول عليه، كما في زماننا هذا.
الوجه الخامس: الحديث دليل على سقوط المبيت عن أهل السقاية ورعاة الإبل؛ لأنهم يحتاجون البعد عن منى ليجدوا مكاناً أحسن رعياً من غيره، فيسقط عنهم المبيت، مراعاة للمصلحة العامة، وقد ألحق بهم أهل العلم من يماثلهم، وهو كل من اشتغل بمصلحة عامة، كرجال المرور، ورجال الإسعاف، والأطباء، ونحوهم.
أما من له عذر خاص، كمريض نُقل للمستشفى خارج منى، أو مرافق مريض، أو من له أهل بمكة يخشى عليهم، ونحو هؤلاء، فقيل: يقاس على أهل السقاية بجامع العذر في كل منهم، وقيل: لا يقاس؛ لأن هذا عذر خاص، والأول عام لمصلحة الناس.(1/264)
الوجه السادس: ظاهر حديث عاصم بن عدي أن أهل السقاية يرمون كغيرهم من الحجاج، أما الرعاة فإنهم يرمون يوم النحر مع الناس، ثم يذهبون لرعي إبلهم، فإذا عادوا يوم النفر الأول رموا عن اليومين: الحادي عشر والثاني عشر، ثم يرمون اليوم الثالث عشر إذا لم يتعجلوا، وهذا يدل على أن تأخير الرمي أولى من التوكيل لرمي كلِّ يوم في وقته؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم رخص للرعاة في التأخير، ولو كان التوكيل مشروعاً لهم لأرشدهم إليه؛ لأنه أسهل.
الوجه السابع: استدل بحديث عاصم بن عدي رضي الله عنه فقهاء الشافعية، والحنابلة، وأبو ثور، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة، على أن أيام التشريق كاليوم الواحد بالنسبة إلى الرمي، فالرمي في جميعها أداء[(798)]، فمن رمى عن يوم منها في يوم آخر منها أجزأه ولا شيء عليه، إلا أنه ترك السنة.
ووجه الاستدلال: أنه لو لم يكن اليوم الثاني وقتاً لرمي اليوم الأول لما جاز الرمي فيه.
والقول الثاني: أن كل يوم منها مستقل في رميه، فإن فات هو وليلته التي بعده، فات الرمي، وصار قضاءً في اليوم الذي بعده، وعليه دم، على تفصيل عندهم، وهذا قول الحنفية والمالكية[(799)]؛ لأن الرمي ناقص بتأخيره عن وقته إلى وقت القضاء، فيجبر النقص بالفدية.
والقول الأول أرجح، لقوة دليله.
فإذا غابت الشمس من اليوم الثالث من أيام التشريق انتهى وقت الرمي، فمن رمى بعد ذلك صار رميه قضاءً لا أداءً.
الوجه الثامن: اختلف العلماء في حكم الرمي ليلاً على قولين:
الأول: أنه لا يجوز الرمي ليلاً؛ لأن اليوم ينتهي بغروب شمسه، فإذا غربت وهو لم يرمِ أخَّر الرمي إلى ما بعد الزوال من يوم غدٍ، وهذا قول الحنابلة، وإسحاق، وأحد الوجهين عند الشافعية[(800)].(1/265)
والقول الثاني: أنه يجوز الرمي ليلاً، وهذا مروي عن طاوس وعروة بن الزبير والنخعي والحسن[(801)]، وهو قول الحنفية، وابن حزم؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم وقَّتَ ابتداء الرمي وأنه بعد الزوال، ولم يُوَقت انتهاءه، ويكون الرمي نهاراً عزيمة، والرمي ليلاً رخصة.
وهذا هو الراجح إن شاء الله، فإن الليل يتبع النهار في بعض المناسك مثل الوقوف بعرفة، فإن وقته يمتد إلى طلوع الفجر، ثم إن هذا القول يتمشى مع يسر الإسلام وسهولته، ولا سيما في زماننا هذا نظراً لكثرة الحجاج وما يحصل من الزحام الشديد في أثناء النهار مما يتضرر معه بعض الناس من النساء وكبار السِّن، ويؤيد ذلك ما ورد عن عبد الرحمن بن سابط قال: (كانَ أصحَابُ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم يَقدمُونَ حُجَّاجاً، فَيَدَعُونَ ظَهرَهُم، فَيَجِيؤُنَ فَيَرمُونَ بِالليلِ)[(802)].
وروى مالك عن أبي بكر بن نافع، عن أبيه: أن ابنة أخ لصفية بنت أبي عبيدة نُفست بالمزدلفة، فتخلفت هي وصفية حتى أتتا منى بعد أن غربت الشمس من يوم النحر، فأمرهما عبد الله بن عمر أن ترميا الجمرة حين أتتا، ولم يرَ عليهما شيئاً[(803)]. والله تعالى أعلم.
مشروعية الخطبة بمنى
771/31 ـ عن أَبي بَكْرَة رضي الله عنه قال: خَطَبَنَا رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يوْمَ النَّحْرِ.... الحديث. مُتَّفَقٌ عليه.
772/32 ـ عن سَرَّاءَ بنتِ نَبْهَانَ رضي الله عنها قالتْ: خَطَبَنَا رسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يوْمَ الرُّؤُوسِ، فَقالَ: «أَلَيْسَ هذا أَوْسَطَ أَيَّامِ التِّشْريقِ؟...» الحديث. رواه أبو داود بإسناد حسن.
الكلام عليهما من وجوه:
الوجه الأول: في ترجمة الراوي:
وهي سراء ـ بفتح السين، وتشديد الراء ـ بنت نبهان ـ بفتح النون ـ ابن عمرو الغنوي[(804)]، قال ابن حبان: (لها صحبة)، لها حديث في حجة الوداع، وكانت ربة بيت في الجاهلية[(805)]، روى عنها ربيعة بن عبد الرحمن بن حصن الغنوي[(806)].(1/266)
الوجه الثاني: في تخريجهما:
أما حديث أبي بكرة رضي الله عنه، فقد أخرجه البخاري في كتاب «الحج»، باب «الخطبة أيام منى» (1741)، ومسلم (1679) من طريق محمد بن سيرين، قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة، ورجل أفضل في نفسي من عبد الرحمن: حميدُ بن عبد الرحمن[(807)]، عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: (خطبنا النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم النحر، قال: «أتدرون أيُّ يوم هذا؟» ، قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: «أليس يوم النحر؟» ، قلنا: بلى، قال: «أيُّ شهر هذا؟» ، قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: «أليس ذو الحجة؟» ، قلنا: بلى، قال: «أيُّ بلد هذا؟» ، قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: «أليس بالبلد الحرام؟» ، قلنا: بلى، قال: «فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، إلى يومِ تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟» ، قالوا: نعم، قال: «اللّهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فربّ مبلَّغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض» ) هذا لفظ البخاري. وأخرجه ـ أيضاً ـ من طريق أيوب، عن ابن سيرين، به، بنحوه[(808)].
وأما حديث سراء رضي الله عنها، فقد أخرجه أبو داود في كتاب «المناسك»، بابٌ «أيَّ يومٍ يخطب بمنى» (1953) من طريق ربيعة بن عبد الرحمن بن حصن: حدثتني جدتي سراءُ بنت نبهان ـ وكانت رَبَّةَ بيت في الجاهلية ـ قالت... وذكرت الحديث.
وجاء عند البيهقي زيادة، وفي آخرها: (... فلما قدمنا المدينة لم يلبث إلا قليلاً حتى مات)[(809)].(1/267)
والحديث حسّنه النووي[(810)]، مع أن في إسناده ربيعة بن عبد الرحمن، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يورد فيه جرحاً ولا تعديلاً[(811)]. وقال الذهبي: (تابعي فيه جهالة)[(812)]. وقال الحافظ: (مقبول). وذكره ابن حبان في «الثقات»[(813)]. ولعل من حسَّن حديثه اعتمد على أنه تابعي، وهو وإن كان فيه جهالة لكنه من كبار التابعين.
الوجه الثالث: الحديث دليل على مشروعية الخطبة في منى، فيخطب الإمام، أو من ينيبه يوم النحر، ويخطب ـ أيضاً ـ ثاني أيام التشريق، وهو يوم (الرؤوس)، وسمي بذلك لأنهم يأكلون في هذا اليوم غالباً رؤوس الأضاحي والهدي إذا ذبحت يوم النحر.
وينبغي أن تشتمل هذه الخطبة على الوصايا العامة، والحث على الالتزام بأحكام شرع الله تعالى، والدعوة إليه، والعناية بمسائل العقيدة، والتحذير من البدع، وكل ما رأى الخطيب أن له مناسبة يستفيد منها الجمع العظيم من حجاج بيت الله الحرام، والله تعالى أعلم.
اكتفاء القارن بطواف واحد وسعي واحد
773/33 ـ عن عائشة رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ لهَا: «طَوَافُكِ بالبيتِ، وَبينَ الصَّفا والمَرْوَةِ يَكْفيكِ لِحَجِّكِ وعُمْرَتِكِ». رواهُ مسلمٌ.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في تخريجه:
هذا الحديث أخرجه مسلم في كتاب «الحج»، باب «بيان وجوه الإحرام» (1211) (132) من طريق عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: أنها أهلّت بعمرة، فقدمت ولم تطفْ بالبيت حتى حاضت، فنسكت المناسك كلها، وقد أهلَّت بالحج، فقال لها النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم النفر: «يسعك طوافك لحجك وعمرتك» فأبت، فبعث بها مع عبد الرحمن إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحج.
وفي رواية له (133): «يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك» .
وأما اللفظ الذي ذكره الحافظ، فهو لأبي داود (1897) من طريق ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن عائشة رضي الله عنها، به.(1/268)
وقد أعلَّ الشافعي هذه الرواية ـ كما نقله أبو داود ـ بأن ابن عيينة روى الحديث متصلاً بذكر عائشة رضي الله عنها، ومرسلاً بإسقاطها، وقد رجح أبو حاتم، والدارقطني رواية الإرسال[(814)].
الوجه الثاني: الحديث دليل على أن القارن يكفيه لحجه وعمرته طواف واحد وسعي واحد، وهذا قول الجمهور من أهل العلم، ومنهم: مالك والشافعي وأحمد وإسحاق[(815)]، ومما يدل على ذلك ـ أيضاً ـ حديث عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع... وفيه: (وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً...)[(816)]. وهذا وما قبله نص صريح يدل على أن القارن يكتفي بطواف واحد لحجه وعمرته، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (لم يطفِ النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً)، وفي رواية: (طوافه الأول)[(817)].
والقول الثاني: يلزم القارن طوافان: طواف لعمرته، وهو الذي بعد دخوله مكة، وطواف لحجه، وهو طواف الإفاضة، ويلزمه سعيان: أحدهما: لعمرته، والآخر: لحجته. وهذا مذهب أبي حنيفة[(818)]، وهو مروي عن علي، وابن مسعود رضي الله عنهما، ومجاهد، والشعبي[(819)]؛ لأن القِران ضم عبادة الحج إلى عبادة أخرى، وهي العمرة، وذلك إنما يتحقق بأداء عمل كل واحد على الكمال، فلا تداخل في العبادت، فلذا يجب طوافان وسعيان.
والصواب الأول، لقوة أدلته، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان قارناً ولم يطفْ بعد عرفة إلا طوافاً واحداً، وأما طوافه الأول حين قدم، فهو طواف قدوم، والله تعالى أعلم.
الوجه الثالث: اختلف العلماء في المتمتع: هل يكفيه سعي واحد؟ قولان:(1/269)
الأول: أنه لا يكفيه؛ بل عليه سعيان؛ سعي لعمرته التي سيفرغ منها، وسعي لحجه بعد إفاضته من عرفة، وهذا مذهب الجمهور، ومنهم: مالك، والشافعي، وأحمد في أصح الروايات عنه، وهو قول ابن حزم[(820)]، ودليل ذلك قول عائشة رضي الله عنها: (فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالعُمْرَةِ بِالَبيتِ وبَالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافاً آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِم، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافاً وَاحِداً)[(821)]. تعني بذلك: الطواف بين الصفا والمروة على أصح الأقوال في تفسير الحديث.
وأما قول من قال: إنها أرادت طواف الإفاضة؛ فليس بصحيح؛ لأن طواف الإفاضة ركن في حق الجميع وقد فعلوه، ويؤيد ذلك قول ابن عباس رضي الله عنهما: فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ، قَالَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «اجْعَلُوا إِهْلالَكُمْ بِالحَجِّ عُمْرَةً إِلا مَنْ قَلَّدَ الهَدْيَ» ، فَطُفْنَا بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ، وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ، وَقَالَ: «مَنْ قَلَّدَ الهَدْيَ فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ»، ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِلَّ بِالحَجِّ، فَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ المَنَاسِكِ جِئْنَا فَطُفْنَا بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا، وَعَلَيْنَا الهَدْيُ...) الحديث[(822)]، لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن هذا الحديث فيه علة[(823)].(1/270)
القول الثاني: أن المتمتع يكفيه سعي واحد، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وبه قال عطاء، وطاوس، ومجاهد، وسعيد بن جبير[(824)]، وهو رواية عن الإمام أحمد، قال عنها شيخ الإسلام ابن تيمية: (إنها أصح الروايتين) وقد اختار الشيخ هذا القول[(825)]، وأَعَلَّ حديث عائشة رضي الله عنها بما عزاه للمحققين من أهل الحديث من أن قولها: (فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة.. إلخ) مدرج من كلام الزهري، فلا يعارض الحديث الصحيح[(826)]، وهو ما رواه جابر رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه: (لَمْ يَطُوفُوا بَينَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ إلا طَوَافاً وَاحِداً، طَوَافهُم الأوَّل) [(827)].
فهذا نص واضح في أن المتمتع يكفيه سعي واحد؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم فيهم القَارِن وهو مَن كان معه هدي، وهؤلاء قلة[(828)]، وفيهم المتمتع، وهو من لم يكن معه هدي.
ومن رجح الأول قال: لا معارضة بين حديث جابر رضي الله عنه وحديثي عائشة وابن عباس رضي الله عنهم بل يجمع بينهما من وجهين:
الوجه الأول: أن يحمل حديث جابر على من ساق الهدي من الصحابة؛ لأنهم بقوا على إحرامهم مع النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى حلوا من الحج والعمرة جميعاً؛ لأنهم كانوا قارنين، والقارن يكفيه سعي واحد، ومثله المفرد.
الوجه الثاني: أن سعي المتمتع رواه ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم، وعدم سعيه رواه جابر رضي الله عنه، وما رواه اثنان أرجح مما رواه واحد، كما في مبحث الترجيح في الأصول[(829)].
ومن أخذ بالقول الثاني، واقتصر في تمتعه على سعي واحد، وهو ما فعله بعد طواف العمرة، فله سلف من صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن بعدهم، وفيه تيسير على الناس، وتخفيف للزحام، فإذا طاف بالبيت بعد الإفاضة فقد تمَّ حجه، قال الإمام أحمد في المتمتع: (إن طاف طوافين فهو أجود، وإن طاف طوافاً واحداً فلا بأس) وقال: (إن طاف طوافين فهو أعجب إليَّ)[(830)]. والله تعالى أعلم.(1/271)
عدم مشروعية الرمل في طواف الإفاضة
774/34 ـ عن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم لمْ يَرْمُلْ في السَّبْعِ الذي أَفاضَ فيهِ. رواه الخمسة إلا الترمذيَّ، وصحّحهُ الحاكِمُ.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في تخريجه:
فقد أخرجه أبو داود في كتاب «المناسك»، باب «الإفاضة في الحج» (2001)، والنسائي في «الكبرى» (4/218)، وابن ماجه (3060)، والحاكم (1/475) من طريق عبد الله بن وهب قال: حدثني ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس رضي الله عنهما، به.
وهذا إسناد ضعيف، فيه ابن جريج، وهو من المكثرين من التدليس، وقد عنعنه، وهو من الملازمين لعطاء، وقد روى أبو بكر بن أبي خثيمة بسنده عن ابن جريج أنه قال: إذا قلت: قال عطاء فأنا سمعته منه وإن لم أقل: سمعت[(831)]، وذكر الدارقطني في «الأطراف»[(832)] أن الحديث أُعِلَّ بالإرسال، وأشار إلى ذلك ابن عبد الهادي، وصححه الألباني[(833)].
وأما عزوه للمسند، فالظاهر أنه وهم من الحافظ، وقد ذكر الحديث في «التلخيص» ونسبه لهؤلاء، ولم يذكر معهم أحمد[(834)].
الوجه الثاني: في شرح ألفاظه:
قوله: (لم يَرْمُلْ) بفتح الياء وإسكان الراء وضم الميم مضارع رَمَل من باب قصد. وتقدم تفسير الرَّمَل بأنه الإسراع في المشي مع تقارب الخطا.
قوله: (في السبع الذي أفاض فيه) بفتح السين؛ أي: سبع مرات، وبضمها، وهو الجزء من السبعة، من إطلاق الجزء على الكل، والمراد: سبع مرات.
الوجه الثالث: الحديث دليل على أن الرمل لا يكون إلا في طواف القدوم ـ كما تقدم ـ، ولا يكون في طواف الإفاضة كما هو نص الحديث، وتقدم حديث ابن عمر رضي الله عنهما: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم، فإنه يسعى ثلاث أطواف بالبيت ويمشي أربعة. والله تعالى أعلم.
حكم النزول بالأبطح(1/272)
775/35 ـ عن أَنسٍ رضي الله عنه: أنَّ النّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم صَلَّى الظُّهْرَ والْعَصْرَ والمَغرِبَ والعِشاءَ، ثمَّ رقَدَ رَقْدَةً بالمُحَصَّبِ، ثمَّ رَكِبَ إلى البيتِ، فطافَ بِهِ. رواهُ البخاريُّ.
776/36 ـ وعن عائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّها لم تَكُنْ تَفْعَلُ ذلك ـ أَي: النُّزولَ بالأَبْطَحِ ـ وتقُولُ: إنَّما نَزَلَهُ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنّه كانَ مَنْزِلاً أَسْمحَ لِخُروجهِ. رواه مُسلمٌ.
الكلام عليهما من وجهين:
الوجه الأول: في تخريجهما:
أما حديث أنس رضي الله عنه فقد أخرجه البخاري في كتاب «الحج»، باب «من صلى العصر يوم النفر بالأبطح» (1764) من طريق ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أن قتادة حدثه، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، به.
وأما حديث عائشة رضي الله عنها فقد أخرجه البخاري في باب «المحصَّب»، ومسلم (1311) من طريق هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (نزول الأبطح ليس بسنّة، إنما نزله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم...) الحديث، وهذا لفظ مسلم.
ورواه مسلم (1311) (340) من طريق الزهري، عن سالم: أن أبا بكر وعمر وابن عمر رضي الله عنهم كانوا ينزلون الأبطح، قال الزهري: وأخبرني عروة، عن عائشة أنها لم تكن تفعل ذلك، وقالت: إنما نزله... الحديث.
الوجه الثاني: اختلف العلماء في نزول النبي صلّى الله عليه وسلّم بالمحصَّب ـ وهو بطحاء مكة ـ: هل هو على وجه القربة والعبادة، فيكون سنّة يقتدى بها؟ أم أنه منزل وقع في طريقه فارتاح فيه، فلا يكون النزول فيه سنة؟ على قولين:(1/273)
فذهب الخلفاء الراشدون وجمهور العلماء إلى أنه سنّة إن تيسر ذلك[(835)]، أخذاً بظاهر الأدلة، وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال لنا النبي صلّى الله عليه وسلّم ونحن بمنى: «نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة» ، حيث تقاسموا على الكفر، وذلك أن قريشاً وبني كنانة تحالفت على بني هاشم وبني المطلب ألاَّ يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ يعني بذلك المحصّب[(836)].
فهذا يؤيد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نزله قصداً لبيان عزِّ الإسلام وظهوره وإبطال ما عليه أهل الكفر من الشر، وما تعاقدوا عليه من الباطل، فصار سنّة كالرَّمَل في الطواف.
والقول الثاني: أن نزوله ليس بسنّة، وإنما نزله صلّى الله عليه وسلّم لأنه أسمح لطريقه، وهذا قول ابن عباس وعائشة وبعض السلف كطاوس ومجاهد[(837)].
وهذه المسألة لا يترتب عليها كبير فائدة، ولا سيما في زماننا هذا، لعدم وجود المحصَّب، حيث شمله البنيان وتخطيط الشوارع، والله تعالى أعلم.
حكم طواف الوداع
777/37 ـ عن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قالَ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يكونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بالبيتِ، إلاَّ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الحائِضِ. مُتّفقٌ عليه.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في تخريجه:
فقد أخرجه البخاري في كتاب «الحج»، باب «طواف الوداع» (1755)، ومسلم (1328) (380) من طريق سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما، به.
وفي رواية لمسلم (1327) عن سليمان الأحول، عن طاوس، عن ابن عباس، قال: كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يَنْفِرَنَّ أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت» .
الوجه الثاني: الحديث دليل على وجوب طواف الوداع إذا فرغ الحاج من المناسك، ووجه الاستدلال من وجهين:(1/274)
الأول: الأمر بطواف الوداع، لقوله: (أُمِرَ الناس) والآمر هو النبي صلّى الله عليه وسلّم، بدليل رواية مسلم: «لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت» ، ومثل هذه الصيغة لها حكم الرفع عند المحدثين.
الثاني: أنه أُسقط عن الحائض وخُفف، والتعبير بالتخفيف في حقها لا يكون إلا من أمر مؤكد، ولو كان غير واجب لما كان لتخفيفه عن الحائض معنى.
والقول بوجوب طواف الوداع، هو قول الجمهور من أهل العلم، وقالوا: إن تركه فعليه دم[(838)].
والقول الثاني: أن طواف الوداع سنّة، ولا يلزم بتركه شيء، وهذا قول مالك وأصحابه، وداود الظاهري، وأحد القولين عن مجاهد[(839)]، مستدلين بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم رخص للحائض في تركه، ولم يأمرها بدم ولا شيء، قالوا: فلو كان واجباً لأمر بجبره.
والقول الأول أرجح، لقوة دليله، وإسقاطه عن الحائض لا يلزم منه سقوطه عن غيرها، وأما إيجاب الدم فيحتاج إلى دليل صالح لإثبات ذلك، وقد قال ابن المنذر بوجوبه إلا أنه لا يجب بتركه شيء[(840)]، فالظاهر أن من تركه أَثِمَ على قاعدة ترك الواجب، وأما إيجاب الدم فلا.
الوجه الثالث: الحديث دليل على أنه يجب أن يكون طواف الوداع آخر شيء، ومعنى ذلك أنه لا يجوز الوداع قبل إتمام المناسك، كرمي الجمار في اليوم الثاني عشر.
ولا يضر الانتظار بعد طواف الوداع لقضاء بعض حاجات السفر أو انتظار الرفقة، أو توديع الأقارب، أو إصلاح السيارة، أو حَبْسِ السير، ونحو ذلك مما لا يدل على البقاء اختياراً.
الوجه الرابع: الحديث دليل على سقوط طواف الوداع عن الحائض؛ لأنها معذورة، لكونها ليست من أهل الطواف والصلاة، وهذا التخفيف دليل على أنها لا تنتظر الطهر، ولا يلزمها شيء بتركه؛ لأنه ساقط عنها من أصله.
وإذا نفرت الحائض بغير وداع، فطهرت قبل مفارقة بنيان مكة، فإنها تغتسل وترجع للوداع، على قول جمهور أهل العلم؛ لأنها في حكم الإقامة، بدليل أنها لا تستبيح رخص السفر.(1/275)
فإن فارقت البنيان لم ترجع، على الراجح من قولي أهل العلم؛ لأنها خرجت عن حكم الحاضر[(841)].
الوجه الخامس: اختلف العلماء: هل طواف الوداع من المناسك؟ على قولين:
الأول: أنه من المناسك، وهذا أحد القولين عند الشافعية والمالكية، وهو ظاهر مذهب الحنفية[(842)]، وقد نص الشافعي على أنه نسك[(843)]، ونقل ابن عبد البر الإجماع على ذلك[(844)]، واستدلوا بقول ابن عمر رضي الله عنهما: (لا ينفر أحدكم حتى يطوف بالبيت، فإن آخر النسك الطواف بالبيت)[(845)]، فإخباره بأن طواف الوداع آخر المناسك دليل على أنه من مناسك الحج.
القول الثاني: أنه ليس من المناسك؛ بل هو عبادة مستقلة، يؤمر بها كل من أراد مفارقة مكة، سواء كان مكياً أم آفاقياً، وهذا هو القول الثاني في مذهب الشافعية والمالكية، وهو مذهب الحنابلة[(846)]، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم[(847)]. واستدلوا بحديث العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً» [(848)].
ووجه الدلالة: أن طواف الوداع يكون عند الرجوع، وسماه قاضياً للمناسك قبل الوداع.
والقول بأنه من مناسك الحج قول قوي، فإن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أمر به الحجاج دون غيرهم من المعتمرين أو المقيمين، ولم يرد أنه أمر به أمراً مطلقاً، فدل على أنه نسك مختص بالحاج، ولا يلزم على القول بأنه من المناسك أنه يجب على المكي أو من أقام، بدليل أن طواف القدوم من المناسك، وهو لا يشرع لمن أحرم من مكة، فدل على أن هذه الملازمة غير لازمة، ومما يؤيد ذلك عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لتأخذوا مناسككم» ، فإنه يفيد أن ما أمر به الرسول صلّى الله عليه وسلّم في هذه الحجة فهو مناسكها.
وأما حديث العلاء فلا دلالة فيه؛ لأن المراد به قضاء المناسك المؤقتة بوقت معين كالوقوف والمبيت والرمي، أو يحمل على قضاء نسكه ومنها طواف الوداع[(849)].(1/276)
الوجه السادس: الحديث دليل على أن طواف الوداع خاص بالحج، وأن العمرة ليس لها وداع، وذلك من وجهين:
الأول: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال ذلك في حجة الوداع، وخاطب به الحجاج، كما تفيده رواية مسلم، ولم ينقل أنه قال ذلك في عمرة من عُمَرِهِ.
الثاني: أن الأوصاف المذكورة لا تنطبق إلا على الحج؛ لأنه لولا الوداع لكان الناس ينفرون من منى بعد رمي الجمرات إلى حيث شاءوا، فَأُمروا أن يكون آخر عهدهم بالبيت.
وقد نقل ابن رشد الإجماع على أنه ليس على المعتمر إلا طواف القدوم؛ أي: طواف العمرة[(850)]، والله تعالى أعلم.
مضاعفة الصلاة في مسجدي مكة والمدينة
778/38 ـ عن ابنِ الزُّبيْرِ رضي الله عنهما قالَ: قالَ رسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «صلاةٌ في مَسْجِدي هذا أَفضَلُ مِن أَلْفِ صَلاةٍ فيما سِوَاهُ إلا المَسجِدَ الحَرَامَ، وصلاةٌ في المسجدِ الحَرَامِ أَفضلُ من صلاةٍ في مسجدِي هذا بمائةِ صلاةٍ». رواهُ أحمدُ، وصحّحهُ ابنُ حبّان.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في ترجمة الراوي:
وهو أبو بكر أو أبو خبيب، عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي، أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، ولد في السنة الأولى من الهجرة، وأتت به أمه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوضعه في حجره، فدعا بتمرة فمضغها، ثم تفل في فمه، فكان أولَ شيء دخل جوفه ريقُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم دعا له. وهو أحد الشجعان من الصحابة رضي الله عنهم، وأحد من ولي الخلافة منهم، كان كثير الصلاة والصيام، بويع بالخلافة سنة أربع وستين، عقب موت يزيد بن معاوية، وقتله الحجاج بمكة في جمادى الأولى، سنة ثلاث وسبعين، رضي الله عنه[(851)].
الوجه الثاني: في تخريجه:
فقد أخرجه أحمد (26/41 ـ 42)، وابن حبان (1620) من طريق حماد بن زيد، قال: ثنا حبيب المعلم، عن عطاء، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، به مرفوعاً.(1/277)
وهذا إسناد صحيح، وحبيب المعلم، هو ابن أبي قريبة، واسم ابن أبي قريبة زائدة مولى معقل بن يسار، وقد نقل ابن أبي حاتم توثيقه عن الإمام أحمد وابن معين وأبي زرعة[(852)]، وقال ابن عدي: (ولحبيب أحاديث صالحة، وأرجو أنه مستقيم الرواية)[(853)]، ونقل الحافظ تضعيفه عن الإمام أحمد. وقال النسائي: (ليس بالقوي)[(854)]. وذكره ابن حبان في «الثقات»[(855)]. وقد أخرج له البخاري متابعة، واحتج به مسلم.
قال ابن عبد البر: (أسند حبيب المعلم هذا الحديث، وجوده ولم يَخْلِطْ في لفظه ولا معناه)[(856)].
الوجه الثالث: الحديث دليل على فضل الصلاة في مسجدي مكة والمدينة، وأن الصلاة في مسجد مكة تضاعف بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجد المدينة تضاعف بألف صلاة. وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» [(857)]. وهذه المضاعفة دليل على فضل المسجدين، وما جعل الله فيهما من الخير العظيم، ومن ذلك هذه المضاعفة العظيمة للصلاة، ولهذا أبيح السفر إليها للتعبد فيها، أما غيرها من البقاع فلا يجوز شد الرحل إليها ولو كانت المساجد، مع فضلها وأنها أحب البقاع إلى الله تعالى، وقد تقدم ذلك في آخر باب «الاعتكاف».
وهذه المضاعفة خاصة بالصلاة، أما غيرها من العبادات كالصيام والصدقة فليس هناك ما يدل على مضاعفتها، لكن فضل المكان له مزية على غيره.
الوجه الرابع: الحديث دليل على أن المضاعفة في المدينة مختصة بالمسجد النبوي لا لكل المدينة، لقوله: «في مسجدي هذا» ، ويدخل في ذلك ما زيد فيه؛ لأن عمر رضي الله عنه زاد في المسجد من جهة القبلة أمام موقف النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا كان يصلي بأصحابه، والصحابة متوافرون، وكان عمر رضي الله عنه يصلي بالصحابة رضي الله عنهم في تلك الزيادة، ولا يُظن بهم أنهم كانوا يعتقدون أن الصلاة في غير موضعهم أفضل.(1/278)
أما بالنسبة للمسجد الحرام، فقد اختلف العلماء: هل المضاعفة مختصة بالمسجد الذي يصلى فيه؟ أو أنها عامة لبيوت مكة وسائر بقاع الحرم؟ قولان:
الأول: أن المضاعفة لكل ما هو داخل حدود الحرم، وهذا أحد قولي عطاء، فقد روى البيهقي من طريق عطاء، أنه قيل له: يا أبا محمد، هذا الفضل في المسجد وحده أو في الحرم؟ قال: لا؛ بل في الحرم، فإن الحرم كله مسجد[(858)]. وممن قال بذلك ابن حزم[(859)]، وقدم الحافظ ابن حجر هذا القول[(860)]، وصححه النووي، واختاره ابن القيم[(861)]، والشيخ عبد العزيز بن باز.
ودليل هذا القول أن لفظ المسجد الحرام ورد في القرآن خمس عشرة مرة، وله عدة اطلاقات، وقد جاء في بعضها مراداً به الحرم كله، كقوله تعالى: {{وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ}} [البقرة: 191] ، وقوله تعالى: {{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ}} [الحج: 25] ، وقوله تعالى: {{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}} [الإسراء: 1] ، وقد ذكر ابن الجوزي: أن الإسراء كان من بيت أم هانئ عند أكثر المفسرين[(862)].
كما استدلوا بحديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، وهو حديث طويل جداً في قصة الحديبية، جاء فيه: (وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي في الحرم، وهو مضطرب[(863)] بالحل...)[(864)].
والقول الثاني: أن الفضل خاص بالمسجد الذي يُصلَّى فيه دون البيوت وغيرها من أجزاء الحرم، وهو القول الثاني لعطاء[(865)]، وقد قرره المحب الطبري، واختاره الشيخ محمد العثيمين[(866)]، ولهم دليلان:(1/279)
الأول: حديث الباب، ووجه الدلالة: أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم جعل الفضل بالنسبة لمسجد المدينة للمسجد نفسه لا لكل المدينة، فينبغي أن يكون الأمر بمكة كذلك[(867)].
الثاني: حديث ميمونة رضي الله عنها: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة» [(868)].
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ هو القول الأول، لقوة دليله، فإن الظاهر أن المسجد الحرام إذا أُطلق أُريد به العموم، كما ذكر ابن القيم.
وأما حديث الباب فلا دلالة فيه، كما قال المحب الطبري؛ لأن المسجد الحرام له إطلاقات بخلاف مسجد المدينة، وأقربها العموم، كما تقدم، وأما حديث: «إلا مسجد الكعبة» فليس بصريح الدلالة على المراد، فإن مسجد الكعبة هو المسجد الحرام، والنصوص يفسِّر بعضها بعضاً، والنبي صلّى الله عليه وسلّم لم يحدد مسجد الكعبة بحد معين؛ بل الظاهر من الإضافة هو التشريف[(869)]، والله أعلم.
باب الفوات والإحصار
الفوات: مصدر فات يفوت فوتاً وفواتاً: إذا سَبَقَ فلم يُدرك. والمراد هنا: عدم أداء الحج، لعدم التمكن من عرفة، لمرض منعه من الوقوف، أو لتأخر، أو لكونه ضل الطريق، ونحو ذلك، ولا فرق بين أن يكون لعذر أو لغير عذر، فلا يفترقان إلا في الإثم[(870)]، ولا يكون الفوات إلا في الحج، وأما العمرة فلا تفوت إلا تبعاً لحج القارن.
ومع أن الحافظ بوَّب للفوات والإحصار إلا أنه لم يذكر شيئاً عن فوات الحج، وقد جاء في ذلك عدة آثار، منها ما روى مالك بسنده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر أبا أيوب الأنصاري وهبار بن الأسود حين فاتهما الحج، وأتيا يوم النحر أن يَحِلاَّ بعمرة، ثم يرجعا حلالاً، ثم يحجّان عاماً قابلاً، ويهديان، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله[(871)].(1/280)
والإحصار لغة: مصدر أحصره: إذا منعه، مرضاً كان الحاصر أو عدواً، فهو محصر، وحصره ـ أيضاً ـ حكاه غير واحد، فهو محصور، ومن أهل اللغة من خص الإحصار بما كان من العدو، والحصر من المرض.
والمراد هنا: أن يحصل للإنسان مانع من إتمام النسك، من عدو، أو مرض، أو حبس، على أن بين الفقهاء خلافاً في الإحصار: هل هو خاص بالعدو؟ أو عام في كل مانع عن البيت وإتمام النسك؟ وهذا الخلاف سببه اختلاف أهل اللغة في معنى الإحصار، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
حكم من أحصر عن العمرة
779/1 ـ عن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قالَ: قَدْ أُحْصِرَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم فَحلَقَ، وَجَامَعَ نِساءَهُ، ونَحَرَ هَدْيَهُ، حتى اعتَمَرَ عاماً قابِلاً. رواه البُخاريُّ.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في تخريجه:
فقد أخرجه البخاري في كتاب «المحصر»، باب «إذا أُحصر المعتمر» (1809) من طريق يحيى بن صالح، حدثنا معاوية بن سلاَّم، حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما... وذكر الحديث، وفيه: فحلق رأسه.
الوجه الثاني: الحديث دليل على أن من أحرم بعمرة ثم صده عن البيت عدو أنه يتحلل من عمرته، فيذبح هدياً إن تيسر، من شاة أو سُبْع بدنة أو سبع بقرة، ثم يحلق ـ على الراجح من قولي أهل العلم ـ، لفعله صلّى الله عليه وسلّم ولأمره أصحابه بذلك ثم يلبس ثيابه، لقوله تعالى: {{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}} [البقرة: 196] ، ولا ريب أن الحاجة داعية إلى الحل؛ لأن البقاء على الإحرام فيه مشقة عظيمة، وهي منتفية شرعاً.(1/281)
وقد أجمع المفسرون على أن هذه الآية نزلت في حصر الحديبية سنة ست، حينما صد المشركون النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه عن دخول مكة، فنحروا هديهم، ثم حلقوا رؤوسهم، وتحللوا، ثم رجعوا إلى المدينة، ثم اعتمروا عمرة القضاء في السنة التي بعدها.
والإحصار الذي وقع في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما هو في العمرة، فقاس العلماء الحج على ذلك، وهذا من الإلحاق بنفي الفارق، وهو من أقوى الأقيسة كما عُلم في الأصول.
الوجه الثالث: أجمع العلماء على أن المحصر إذا كان معه هدي لزمه نحره، وإنما اختلفوا فيما إذا لم يكن معه هدي: هل يلزمه شراؤه؟ على قولين:
الأول: وجوب الهدي عليه، وأنه يلزمه شراؤه، وهذا قول الجمهور[(872)]، لقوله تعالى: {{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}} أي: فعليكم ما استيسر من الهدي، ووجه الدلالة: أنه عُلِّق ما استيسر من الهدي على الإحصار تعليق الجزاء على الشرط، فدل على لزومه بالإحصار لمن أراد التحلل به.
والقول الثاني: أنه لا هدي على المحصر إن لم يكن ساقه معه قبل الإحصار، وهذا قول مالك، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها ابن القيم[(873)]. وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم الذين كانوا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم كانوا ألفاً وأربعمائة[(874)]، ولم يكن معهم كلهم هدي؛ بل كان هديهم سبعين بدنة. ولم ينقل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمرهم بالهدي، وإنما أمرهم بالتحلل مطلقاً.
وعلى قول الجمهور إذا لم يجد المحصر هدياً صام عشرة أيام، ثم حلَّ قياساً على هدي التمتع، ولكن هذا فيه نظر من وجوه:
الأول: أن الصيام لم يذكر في القرآن.
الثاني: أن ظاهر حال الصحابة رضي الله عنهم الذين كانوا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم أن فيهم الفقراء، ولم ينقل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه أمر من لم يجد الهدي بالصيام، والأصل براءة الذمة.(1/282)
الثالث: أن هدي التمتع هدي شكر للجمع بين النسكين، وهذا حُرِم من نسك واحد، فكيف يقاس هذا على هذا؟ فالظاهر أنه إن كان معه هدي ذبحه، كما تدل عليه الآية وفعل الصحابة رضي الله عنهم، وإلا فلا شيء عليه[(875)]، ويجزئ ذبح الشاة هدياً؛ لأن الله تعالى أوجب ذبح ما استيسر؛ أي: ما تيسر مما يسمّى هدياً.
الوجه الرابع: لا خلاف بين أهل العلم أن المحصر يقضي إذا كان ما أحصر عنه حجاً واجباً بأصل الشرع أو بنذر، وإنما اختلفوا في قضاء التطوع، والراجح من قولي أهل العلم أنه ليس عليه قضاء النسك الذي أُحصر عنه إن كان تطوعاً؛ لأن الذين كانوا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في عمرة القضاء أقل من الذين كانوا في عمرة الحديبية[(876)].
وهذا ـ والله أعلم ـ يدل على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يأمر الذين أحصروا معه بالقضاء، كما ذكر ذلك ابن القيم، وهذا هو ظاهر القرآن؛ لأن الله تعالى جعل الهدي هو جميع ما على المحصر، فدل على أنه يكتفى به منه[(877)].
وأما تسمية عمرة سنة سبع بعمرة القضاء فليس لكونها قضاء للعمرة التي صُدُّوا عنها ـ كما يقول من أوجب القضاء ـ وإنما هي للعمرة التي قاضاهم عليها وصالحهم عليها، فأضيفت العمرة إلى مصدر هذا الفعل؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يأمر من كان معه حينما صُدَّ عن البيت بالقضاء، ولو كانت قضاءً لم يتخلف منهم أحد[(878)]، والله تعالى أعلم.
حكم الاشتراط عند الإحرام
780/2 ـ عن عائِشَةَ رضي الله عنها قالتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم على ضُبَاعَةَ بنتِ الزُّبَيْرِ بنِ عبدِ المطلبِ رضي الله عنها فقالتْ: يا رسولَ اللهِ، إني أُريدُ الحَجَّ وأَنا شاكِيةٌ؟ فقالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «حُجِّي، واشْتَرِطي: أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي». مُتفقٌ عليه.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في تخريجه:(1/283)
فقد أخرجه البخاري في كتاب «النكاح»، باب «الأكفاء في الدين» (5089)، ومسلم في كتاب «الحج»، باب «جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه» (1207) من طريق أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، به، بنحو حديث الباب، وفي آخره زيادة: «وكانت تحت المقداد بن الأسود».
وهذه الجملة من الحديث هي التي من أجلها ذكر البخاري الحديث في كتاب «النكاح» ولم يذكره في كتاب «الحج»، ولهذا لم يتعرض البخاري لموضوع الاشتراط في الحج، ولم يذكر الحديث فيه على عادته في ذكر الحديث في كل موضع له فيه دلالة.
وأما لفظ «البلوغ»، فهو لفظ مسلم من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة، به.
وجاء موضوع الاشتراط في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة ضباعة ـ أيضاً ـ رواه مسلم من عدة طرق (1208).
الوجه الثاني: في شرح ألفاظه:
قوله: (دخل النبي صلّى الله عليه وسلّم على ضُبَاعَةَ..) بضم الضاد المعجمة، بنت الزبير بن عبد المطلب، بنت عمِّ النبي صلّى الله عليه وسلّم، تزوجها المقداد بن الأسود فولدت له عبد الله، وكريمة، مع أن المقداد كان من حلفاء قريش، وضباعة هاشمية، فهي فوقه في النسب، روت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أحاديث يسيرة، وروت عن زوجها المقداد، وروى عنها ابن عباس وعائشة وبنتها كريمة وغيرهم، قال الذهبي: (بقيت ضباعة إلى ما بعد عام أربعين فيما أرى، رضي الله عنها)[(879)].
قوله: (وأنا شاكية) جملة حالية من فاعل (أريد) ، (شاكية) أي: تشتكي المرض.
قوله: (واشترطي) الاشتراط معناه: أن من أراد الإحرام اشترط على ربه في إحرامه أنه إن عاقه عائق دون البيت من مرض أو عدو أو ضياع نفقة أو نحو ذلك، أنه يَحِلُّ من إحرامه.
قوله: (محلي) بفتح الميم، وكسر الحاء؛ أي: محل خروجي من الإحرام بالحج أو العمرة.
قوله: (حيث حبستني) أي: المكان والزمان الذي يحصل لي فيه الحبس، وهو مكان وزمان حلّي من الإحرام.(1/284)
الوجه الثالث: استدل بهذا الحديث من قال: إن الاشتراط عند الإحرام مستحب مطلقاً؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بذلك ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها، وهذا قول جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم: عمر وعلي وابن مسعود، وجماعة من التابعين، ومنهم: سعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن أبي يسار، وبه قال الإمام الشافعي، وأحمد، ونصره ابن حزم[(880)].
القول الثاني: أن الاشتراط غير مشروع مطلقاً ولا يفيد في التحلل، وهو قول ابن عمر، وطاوس، وسعيد بن جبير، والزهري، ومالك، وأبي حنيفة[(881)]، ولهم دليل وتعليل؛ أما الدليل فما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان ينكر الاشتراط ويقول: (أليس حسبكم سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إن حُبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة، ثم حلَّ من كل شيء، حتى يحج عاماً قابلاً، فيهدي أو يصوم إن لم يجد هدياً)[(882)]. ويعني بذلك: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم حج حجة الوداع واعتمر أربع مرات ولم ينقل أنه صلّى الله عليه وسلّم اشترط، ولا أمر أصحابه بذلك أمراً مطلقاً، وإنما أمر به من جاءت تستفتي؛ لأنها كانت شاكية، فخافت أن يصدها المرض عن البيت.
وأما التعليل فهو لأن الحج عبادة تجب بأصل الشرع، فلم يُفِد الاشتراط فيها، كالصوم والصلاة، وأجابوا عن حديث ضباعة بأجوبة غير ناهضة[(883)]، وقد أطنب ابن حزم في الردِّ على من أنكر الاشتراط بما لا مزيد عليه[(884)].
والقول الثالث: أن الاشتراط مشروع في حق من يخاف مانعاً من إتمام النسك، وأما من لا يخاف فالسنّة تركه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية[(885)]، وهو أرجح الأقوال؛ لأنه به تجتمع الأدلة.
الوجه الرابع: الحديث دليل على أن من اشترط عند إحرامه ثم حصل له ما يمنعه من مرض أو عدو أو ذهاب نفقة، أنه يحلل ويخرج من إحرامه، ولا يلزمه شيء لا قضاء ولا غيره.(1/285)
ووجه الاستدلال من الحديث: أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أمر ضباعة بالاشتراط، ولو لم يكن فيه فائدة لما أمرها به، ولا فائدة له إلا ما ذُكر، وقد جاء في بعض روايات حديث ابن عباس في قصة ضباعة «... فإن لكِ على ربكِ ما استثنيتِ» [(886)]، وفي رواية: «فإن ذلك لكِ» ، والله تعالى أعلم.
من حصل له مانع من إتمام نسكه
781/3 ـ عَنْ عِكْرِمَةَ، عنِ الحَجَّاجِ بن عَمْرٍو الأنصاريِّ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ كُسِر أَوْ عَرَجَ فَقَد حَلَّ، وعليه الحَجُّ مِنْ قابِل»، قال عِكْرِمَةُ: فَسَأَلْتُ ابنَ عَبَّاسٍ وَأَبا هُرَيْرَةَ عنْ ذلكَ فقالا: صَدَقَ. رواهُ الخمسة، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في ترجمة الراوي:
فأما عكرمة، فهو أبو عبد الله عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما، أصله من البربر، وهو أحد فقهاء مكة وتابعيها، سمع ابن عباس وأبا هريرة وأبا سعيد وعائشة رضي الله عنهم وغيرهم، قال عنه الحافظ في التقريب: (ثقة، ثبت، عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا تثبت عنه بدعة...)، وقد أخرج له البخاري في «صحيحه» ولم يلتفت إلى ما اتهم به، مما يدل على أنه ثقة عنده.
روى الواقدي عن أبي بكر بن أبي سبرة قال: باع علي بن عبد الله بن عباس عكرمة على خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار، فقال له عكرمة: ما خِيْرَ لك، بعتَ علم أبيك بأربعة آلاف دينار؟! فاستقاله، فأقاله، وأعتقه، مات سنة (105) على أحد الأقوال، وله ثمانون سنة[(887)]، رحمه الله.
وأما الحجاج فهو ابن عمرو بن غزيَّة الأنصاري المازني رضي الله عنه، قال البخاري: (له صحبة). روى عنه كثير بن العباس، وعكرمة مولى ابن عباس، وعبد الله بن رافع، يُعَدُّ في أهل المدينة، روى له الأربعة حديثاً واحداً في الحج، وهو يدل على سماعه من النبي صلّى الله عليه وسلّم[(888)].
الوجه الثاني: في تخريجه:(1/286)
فقد أخرجه أبو داود في كتاب «المناسك»، باب «الإحصار» (1862)، والترمذي (940)، والنسائي (5/189 ـ 199)، وابن ماجه (3077)، وأحمد (24/508 ـ 509) من طريق الحجاج بن أبي عثمان الصواف، حدثني يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن الحجاج بن عمرو الأنصاري، به.
وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح).
وقد أخرجه أبو داود (1863)، وابن ماجه (3078) ـ أيضاً ـ من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن عبد الله بن رافع، عن الحجاج بمثله. وبمعناه رواه معاوية بن سلاَّم، عن يحيى، به.
قال البخاري: (رواية معمر ومعاوية بن سلاَّم أصح)[(889)]. ونقل البيهقي عن علي بن المديني قوله: (الحجاج الصواف، عن يحيى بن أبي كثير أثبت)[(890)].
الوجه الثالث: في شرح ألفاظه:
قوله: (من كُسر) بضم الكاف وكسر السين، أي: أصابه كسر في يده أو رجله مثلاً.
قوله: (أو عَرَجَ) بفتح الراء، أي: أصابه شيء في رجله وليس بخلقة، فإن كان خلقة قيل: عَرِج، بكسر الراء، وقد جاء في رواية أبي داود من طريق معمر، عن يحيى زيادة: «أو مَرِضَ».
قوله: (فقد حَلَّ) أي: حَلَّ من إحرامه، فيجوز له أن يرجع إلى بلده، ولا شيء عليه.
الوجه الرابع: الحديث دليل على أن المحرم بحج أو عمرة إذا أصابه عذر منعه من إكمال نسكه من كسر أو مرض أو حادث، فإنه يحل من إحرامه بحصول ذلك المانع، وتقدم حكم القضاء.
الوجه الخامس: استدل بالأثر من قال: إن الإحصار يتحقق بكل ما يمنع المحرم من المضي في نسكه من عدو، أو مرض، أو ذهاب نفقة، ونحو ذلك.(1/287)
وبه قال بعض الصحابة والتابعين؛ كابن مسعود رضي الله عنه ومجاهد وعطاء وقتادة والنخعي وغيرهم[(891)]، وهو قول أبي حنيفة، ورواية عن الإمام أحمد[(892)]، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية[(893)]، وابن القيم، وقال الزركشي: (لعلها أظهر)[(894)]، وهو اختيار البخاري، فإنه ساق بعد الآية ـ تعليقاً ـ قول عطاء: (الإحصار من كل شيء يحبسه)[(895)]، قال ابن القيم: (لو لم يأت نص بحلِّ المحصر بمرض لكان القياس على المحصر بالعدو يقتضيه، فكيف وظاهر القرآن والسنة والقياس يدل عليه؟)[(896)] واختار ذلك ـ أيضاً ـ الشيخ عبد العزيز بن باز.
والقول الثاني: أن الإحصار خاص بحصر العدو دون المرض ونحوه، وهذا قول ابن عمر، وابن عباس، وأنس، وابن الزبير رضي الله عنهم، وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد في المشهور عنه[(897)]، واستدلوا بقوله تعالى: {{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}}، وقد تقدم أنها نزلت في صدَّ المشركين النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه عام الحديبية، كما استدلوا بقول ابن عباس رضي الله عنهما: (لا حصر إلا من العدو)[(898)].
كما استدلوا ـ أيضاً ـ بما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (من حُبس دون البيت بمرض، فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت، وبين الصفا والمروة)[(899)].
وعلى هذا القول فالمحصر بالمرض ونحوه لا يتحلل من إحرامه ـ إن لم يكن قد اشترط ـ؛ بل يبقى محرماً إلى أن يبرأ من مرضه، ثم يكمل النسك، فإن فاته الوقوف تحلل بعمرة.
وحملوا حديث عكرمة المذكور في هذا الباب الدال على أنه يتحلل على ما إذا اشترط عند الإحرام، بدليل حديث عائشة رضي الله عنها في قصة ضباعة بنت الزبير ـ كما تقدم ـ وهذا القول حكاه البغوي عن بعض العلماء[(900)]، وهو قول فقهاء الشافعية، كما حكاه النووي[(901)]، وهو اختيار الشنقيطي[(902)].(1/288)
والقول الأول، وهو أن الإحصار عام قول قوي، فكل من عاقه عائق عن البيت، تحلل بذبح الهدي إن كان معه، ثم بالحلق أو التقصير، لعموم قوله تعالى: {{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} ...} أي: منعتم عن إتمامها، ولم يقيد الله تعالى الحصر بعدو[(903)].
وليس على المحصر إذا تحلل قضاء، إلا أن يكون الحج الذي أُحصر عنه واجباً ـ كما تقدم ـ.
لكن قد يشكل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها في الاشتراط، فقد يقال: لو كان سيتحلل مطلقاً من الإحصار بالمرض ـ مثلاً ـ ما احتاجت ضباعة بنت الزبير إلى الاشتراط، وقد تولى ابن القيم الإجابة عن هذا الإشكال بأن الاشتراط يفيد جواز الإحلال، وسقوط الدم[(904)]. والله تعالى أعلم.
انتهى الجزء الخامس ويليه ـ بعون الله وتوفيقه ـ الجزء السادس وأوله: كتاب «البيوع»
[1] ... «مجاز القرآن» (2/4)، «معجم مقاييس اللغة» (3/323).
ـ[2] ... انظر: «تفسير ابن كثير» (5/220).
ـ[3] ... انظر: «تهذيب الأسماء واللغات» (3/126).
ـ[4] ... «فتح الباري» (4/128).
«شرح معاني الآثار» (2/84 ـ 85).
ـ[5] ... «فتح الباري» (4/129).
ـ[6] ... «السنن» (2/157).
ـ[7] ... رقم (649).
ـ[8] ... انظر: «مصنف عبد الرزاق» (4/159)، «مصنف ابن أبي شيبة» (2/323).
ـ[9] ... «تغليق التعليق» (4/141).
ـ[10] ... أخرجه البخاري (1909).
ـ[11] ... انظر: «سنن البيهقي» (4/205)، «نصب الراية» (2/437)، «فتح الباري» (4/121).
ـ[12] ... «الإعلام» (5/172).
ـ[13] ... انظر: «الفتاوى» (25/207)، «فتح الباري» (4/127).
ـ[14] ... انظر: «المغني» (4/330)، «الإنصاف» (3/269).
ـ[15] ... هذه الزيادة عند أبي داود (2320)، وأحمد (8/71)، والحديث إسناده صحيح.
ـ[16] ... «تهذيب التهذيب» (11/210).
ـ[17] ... «سؤالات البرقاني للدارقطني» (530).
«الكاشف» (2/369).
ـ[18] ... «المحلى» (6/236).
«المجموع» (6/276).
ـ[19] ... «الإرواء» (4/16).(1/289)
ـ[20] ... «إتحاف الخيرة» (9/385)، وانظر: «نصب الراية» (2/444).
ـ[21] ... «تهذيب التهذيب» (4/204).
ـ[22] ... «الاستذكار» (10/26)، «المغني» (4/416)، «المجموع» (6/275).
ـ[23] ... أي: حُجُّوا للرؤية أيضاً، قاله السندي.
ـ[24] ... أخرجه النسائي (4/133)، وأحمد (31/191) وزاد (مسلمان)، والدارقطني (2/167 ـ 168)، وفي سنده عند غير النسائي الحجاج بن أرطاة، قال المزي: (والصواب ذكره)، وهو ضعيف، لكن له شاهد عن بعض أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، أخرجه أبو داود (2339)، وأحمد (31/120)، وقد اختلف في وصله وإرساله.
ـ[25] ... «معالم السنن» (3/226)، «المحلى» (6/235)، «المغني» (4/419).
ـ[26] ... «سبل السلام» (4/112).
«نيل الأوطار» (4/210 ـ 211).
ـ[27] ... «الاستذكار» (10/24)، «المغني» (4/416)، «المجموع» (6/276)، «بدائع الصنائع» (2/80)، «المدونة» (1/193).
ـ[28] ... «الفتاوى» (25/114).
ـ[29] ... «تبيين الحقائق» (1/318)، «مختصر خليل» ص(58)، «المغني» (4/416).
ـ[30] ... «المحلى» (6/235)، «المجموع» (6/280).
ـ[31] ... «المسند» (44/53).
ـ[32] ... نقله عنه الترمذي في «العلل» (1/349).
«العلل» (15/194).
ـ[33] ... «شرح العمدة» (1/183).
«السنن الكبرى» (3/172).
ـ[34] ... «العلل» رقم (654).
«الاستذكار» (10/37).
ـ[35] ... «نصب الراية» (2/434).
«صحيح ابن خزيمة» (3/212).
ـ[36] ... انظر: «المجروحين» (2/10)، «فتح الباري» (4/169).
ـ[37] ... «السنن الكبرى» (4/202).
«المجموع» (6/289).
ـ[38] ... «الموطأ» (1/188).
«السنن» (4/198).
ـ[39] ... «السنن الكبرى» (6/227).
ـ[40] ... «الفتاوى» (18/257).
ـ[41] ... «الاستذكار» (10/35)، «المغني» (4/337).
ـ[42] ... «الهداية» (1/118)، «المغني» (4/337)، «المجموع» (6/302).
ـ[43] ... انظر: «الشرح الممتع» (6/370).(1/290)
ـ[44] ... الزور: ـ بفتح الزاي ـ: الزُوَّار، وهو يطلق على الواحد والاثنين والجمع. والمعنى: جاءنا زائرون ومعهم هدية خبأت لها منها، أو جاءنا زور فأُهدي لنا بسببهم هدية. انظر: «شرح النووي» (9/282).
ـ[45] ... «المحلى» (6/172).
ـ[46] ... «الاستذكار» (10/35)، «المحلى» (6/170)، «المجموع» (6/292)، والغريب أن ابن حزم لا يرى صوم النفل من النهار مع أنه روى حديث عائشة رضي الله عنها، ورواه عن عشرة من الصحابة رضي الله عنهم كما تقدم.
ـ[47] ... «الأم» (2/35)، «الهداية» (1/119)، «المغني» (6/340)، «المجموع» (6/302)، «سبل السلام» (2/304).
ـ[48] ... «السنن الكبرى» (4/203)، وقال: (هذا إسناد صحيح).
ـ[49] ... انظر: «مصنف ابن أبي شيبة» (3/28).
ـ[50] ... «المغني» (6/342)، «النيات في العبادات» ص(193).
ـ[51] ... «شرح فتح القدير» (2/312)، «الهداية» لأبي الخطاب (2/51)، «الإنصاف» (3/298).
ـ[52] ... أخرجه النسائي في «الكبرى» (3/365)، وذكر أنه مضطرب، ورواه البيهقي (4/276)، وصححه الحاكم، وسكت عنه الذهبي، وحسنه الحافظ العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء» (2/231)، والحديث له طرق يقوي بعضها بعضاً، على ما ذكره الألباني في «آداب الزفاف» ص(84).
ـ[53] ... «سنن النسائي» (4/193).
ـ[54] ... «المغني» (6/410)، «المجموع» (6/392).
ـ[55] ... «الهداية» (1/127)، «بداية المجتهد» (2/199).(1/291)
ـ[56] ... أخرجه الترمذي (735)، والنسائي في «الكبرى» (3/362)، وأحمد (42/20) من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة، به، وهذا الحديث قد اختلف فيه على الزهري كما ذكر الدارقطني في «العلل» (15/40)، قال الترمذي: (ورواه مالك بن أنس، ومعمر، وعبيد الله بن عمر، وزياد بن سعد، وغير واحد من الحفاظ عن الزهري، عن عائشة رضي الله عنها مرسلاً، ولم يذكروا فيه عن عروة، وهذا أصح؛ لأنه روي عن ابن جريج قال: (سألت الزهري؛ قلت له: أحدَّثك عروة، عن عائشة؟ قال: لم أسمع من عروة في هذا شيئاً، ولكني سمعت في خلافة سليمان بن عبد الملك من ناس عن بعض من سأل عائشة عن هذا الحديث).
وقد أخرجه مرسلاً النسائي في «الكبرى» (3/364)، وفيه علة أخرى، وهو أنه عند أبي داود (2457)، والنسائي (3/361) من رواية ابن شريح، عن يزيد بن الهاد، عن زُميل مولى عروة، عن عروة، عن عائشة، وقد قال البخاري في «تاريخه» (3/450): (لا يعرف لزميل سماع من عروة، ولا ليزيد من زميل، ولا تقوم به حجة).
ـ[57] ... «تهذيب مختصر السنن» (3/336).
ـ[58] ... (7/342).
ـ[59] ... «فتح الباري» (4/196).
ـ[60] ... أخرجه عبد الرزاق (4/226)، وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (4/199): (إسناده صحيح).
ـ[61] ... «الإجماع» ص(52)، «المجموع» (6/330).
ـ[62] ... أخرجه مسلم (1096).
ـ[63] ... «التاريخ الكبير» للبخاري (8/313)، «الاستيعاب» (4/220)، «أسد الغابة» (2/416)، «الإصابة» (4/222).
ـ[64] ... «السنن الكبرى» (3/370).
«المسند» (26/176).
ـ[65] ... «صحيح ابن حبان» (8/381).
«الثقات» (4/244).
ـ[66] ... «جامع الترمذي» (695).
«جامع الترمذي» (658).
ـ[67] ... «العلل» (687).
انظر: «فتح الباري» (9/504).(1/292)
ـ[68] ... أخرجه أبو داود (2356)، والترمذي (696)، وأحمد (3/164) من طريق عبد الرزاق، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا ثابت، عن أنس رضي الله عنه. قال الترمذي: «هذا حديث حسن» وقال الدارقطني في «السنن» (2/185): (هذا إسناد صحيح)، وأعله أبو حاتم كما في «العلل» (1/224)، وابن عدي كما في «الكامل» (2/149) (5/75) بتفرد عبد الرزاق به عن جعفر، وتفرد جعفر به عن ثابت، وقد روي عن أنس رضي الله عنه من طرق أخرى، ولعلها باجتماعها يشد بعضها بعضاً.
ـ[69] ... انظر: «زاد المعاد» (4/313).
ـ[70] ... انظر: «الغذاء لا الدواء» ص(126).
ـ[71] ... أخرجه البخاري (7241)، ومسلم (1104).
ـ[72] ... «الإستذكار» (10/153)، «المجموع» (6/318).
ـ[73] ... «الإعلام» (5/326).
«المحلى» (7/21).
ـ[74] ... أخرجه البخاري (1954)، ومسلم (1100).
ـ[75] ... «المصنف» (3/84) وإسناده صحيح، كما في «فتح الباري» (4/204).
ـ[76] ... «المصنف» (3/82).
«فتح الباري» (4/204).
ـ[77] ... «السنن» (2374)، وسنده صحيح.
ـ[78] ... أخرجه البخاري (1967)، ومسلم (1105).
ـ[79] ... «الاستذكار» (10/151)، «المغني» (4/437).
ـ[80] ... أخرجه البخاري (1963).
«زاد المعاد» (2/38).
ـ[81] ... «شرح معاني الآثار» (2/95)، قال في «فتح الباري» (4/149): (إسناده إلى حكيم صحيح).
ـ[82] ... «المصنف» (4/190)، قال في «فتح الباري» (4/149): (إسناده صحيح).
ـ[83] ... ذكره الخطابي في «إصلاح غلط المحدثين» ص(24).
ـ[84] ... «المغني» (4/361).
ـ[85] ... «المحلى» (6/205)، «فتح الباري» (4/151).
ـ[86] ... انظر: «مصنف ابن أبي شيبة» (3/63).
ـ[87] ... «المحلى» (6/205)، «المغني» (4/363).
ـ[88] ... «العلل الكبير» (1/362).
ـ[89] ... «الضعفاء» للعقيلي (2/169) (4/356)، «المستدرك» (1/428)، «المجموع» (6/349 ـ 350)، «تنقيح التحقيق» (2/319).
ـ[90] ... «الأم» (2/240 ـ 242)، «علل الأحاديث» (657) (693) (729)، «معرفة السنن والأثار» (6/318).(1/293)
ـ[91] ... سقط اسم ثابت من «السنن» بتصحيح: عبد الله هاشم، واستدركته من الطبعة التي أشرف عليها الدكتور: عبد الله التركي.
ـ[92] ... «تهذيب التهذيب» (3/101).
«تهذيب التهذيب» (5/338).
ـ[93] ... انظر: «تنقيح التحقيق» (3/276).
ـ[94] ... «المحلى» (6/204 ـ 205)، «بدائع الصنائع» (2/107)، «بداية المجتهد» (2/154)، «المجموع» (6/349).
ـ[95] ... «صحيح البخاري» (1940).
ـ[96] ... «المغني» (4/350)، «حقيقة الصيام» لابن تيمية ص(81 وما بعدها)، «تهذيب مختصر السنن» (3/242).
ـ[97] ... «تنقيح التحقيق» (2/325)، «التلخيص» (2/203).
ـ[98] ... «الفتاوى» (25/253).
ـ[99] ... أخرجه النسائي في «الكبرى» (3/345)، وابن خزيمة (3/230)، وابن حزم (6/204)، وغيرهم، وصحَّحه الألباني كما في «الإرواء» (4/75).
ـ[100] ... «المحلى» (6/205)، «فتح الباري» (4/178).
ـ[101] ... أخرجه ابن خزيمة (3/231)، والدارقطني (2/182)، والبيهقي (4/264)، ورجح وقفه أبو حاتم كما في «العلل» (676)، وابن خزيمة، والترمذي كما في «العلل» (1/367)، وآخرون.
ـ[102] ... «تهذيب التهذيب» (4/47).
«المجموع» (6/148).
ـ[103] ... «جامع الترمذي» (3/105).
ـ[104] ... المصدر السابق، «المغني» (4/353).
«السنن» (2377).
ـ[105] ... «الهداية» (1/126)، «المجموع» (6/348)، «حقيقة الصيام» ص(37).
ـ[106] ... «السنن» (2378 ـ 2379)، وقد حسنهما الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (2/452).
ـ[107] ... «المجموع» (6/348).
«المسائل» ص(98).
ـ[108] ... (7/81)، «تهذيب التهذيب» (6/257).
ـ[109] ... تقدم تخريجه في باب «الوضوء» حديث (39).
ـ[110] ... «الكامل» (6/291)، «سنن الدارقطني» (2/178).
ـ[111] ... «التنقيح» (3/231 ـ 232).(1/294)
ـ[112] ... أخرجه ابن خزيمة (1990)، والدارقطني (2/178)، وابن حبان (8/288)، والحاكم (1/430) وقال الدارقطني: (إسناده صحيح)، لكن الحديث عند مسلم (1155) بدون قول: (ولا قضاء عليه) انظر: «شرح العمدة» لابن تيمية. وكلام المحقق على هذا الحديث (1/459).
ـ[113] ... أخرجه مسلم (199 ـ 200).
ـ[114] ... «السنن» (2/84).
بضم الهمزة؛ أي: لا أظنه.
ـ[115] ... «جامع الترمذي» (2/91).
«معالم السنن» (3/260).
ـ[116] ... «التلخيص» (2/201).
«سنن الدارمي» (1/346 ـ 347).
ـ[117] ... «الفروع» (3/149).
ـ[118] ... «فتح الباري» (4/173)، وهذا الأثر سنده صحيح.
ـ[119] ... أخرجه أبو داود (2381)، والنسائي في «الكبرى» (3/314)، وأحمد (45/492).
ـ[120] ... انظر: «السنن الكبرى» (4/220)، و«المجموع» (6/54 ـ 55).
ـ[121] ... «جامع الترمذي» (1/143).
«شرح ابن بطال» (4/81).
ـ[122] ... «معالم السنن» (3/261).
«المغني» (4/368).
ـ[123] ... «الموطأ» (1/304) وسنده صحيح.
ـ[124] ... انظر: «مصنف عبد الرزاق» (1/170)، «المغني» (4/368)، «موسوعة فقه ابن مسعود» ص(425).
ـ[125] ... «فتح الباري» (4/173 ـ 174).
«الإجماع» ص(53).
ـ[126] ... «المغني» (4/368).
ـ[127] ... أي: مظلمة، كما في «القاموس».
«التاريخ الكبير» (3/46).
ـ[128] ... «فتح الباري» (8/122).
ـ[129] ... «الاستيعاب» (3/83)، «تهذيب التهذيب» (3/28).
ـ[130] ... «السنن» (2403).
ـ[131] ... أخرجه البخاري (1947)، ومسلم (1118).
ـ[132] ... «المحلى» (6/243).
ـ[133] ... أخرجه البخاري (1946)، ومسلم (1115).
ـ[134] ... انظر: «مصنف عبد الرزاق» (4/269).
ـ[135] ... «فتح الباري» (4/183).
ـ[136] ... أخرجه البخاري (1945)، ومسلم (1122).
ـ[137] ... تقدم تخريج ذلك في باب «صلاة المسافر» رقم (432).
ـ[138] ... «الإشراف» (4/143).
ـ[139] ... «الإجماع» ص(53)، «مراتب الإجماع» ص(47).
ـ[140] ... أي: يكلفون إطاقته.
«صحيح البخاري» (4505).
ـ[141] ... أخرجه ابن الجارود (381)، وابن جرير (3/425).(1/295)
ـ[142] ... «تفسير القرطبي» (2/288).
ـ[143] ... أخرجه الدارقطني (2/207)، وسنده صحيح.
ـ[144] ... «تهذيب مختصر السنن» (3/273).
ـ[145] ... «السنن» (2393).
انظر: الحديث (225).
ـ[146] ... أخرجه البخاري (1953)، ومسلم (1112).
ـ[147] ... «شرح السنة» (6/284).
ـ[148] ... سيأتي ذكرهما في الحدود، إن شاء الله تعالى.
ـ[149] ... انظر: «فتح الباري» (4/155 ـ 156)، «تغليق التعليق» (3/156 ـ 157).
ـ[150] ... «الأم» (3/251)، «المحلى» (6/192)، «المغني» (4/375)، «المجموع» (6/339).
ـ[151] ... «الاستذكار» (10/108)، «بداية المجتهد» (2/183)، «المغني» (4/375).
ـ[152] ... «الاختيارات» ص(109).
ـ[153] ... «التمهيد» (7/157)، «الاستذكار» (10/98).
ـ[154] ... «المحلى» (6/264)، «المغني» (4/372).
ـ[155] ... «الاختيارات» ص(109)، «منهاج السنة» (5/223 ـ 224).
ـ[156] ... «التمهيد» (22/47).
(1930).
ـ[157] ... (1109) (76) (1110).
(1109) (77).
ـ[158] ... «الإفصاح» (1/244)، «شرح صحيح مسلم» (7/231).
ـ[159] ... علقه البخاري (4/143 «فتح»)، ووصله أحمد (13/490)، وابن حبان (3485) بإسناد صحيح.
ـ[160] ... «جامع الترمذي» (3/149).
ـ[161] ... «السنن الكبرى» (4/215)، «معالم السنن» (3/266).
ـ[162] ... «المسند» (40/466)، وهو من طريق حيوة بن شريح قال: أخبرني سالم أنه عرض هذا الحديث على يزيد فعرفه، أن عروة قال: أخبرتني عائشة... وسالم هو ابن غيلان التجيبي، ويزيد هو ابن رومان. وهو صحيح بحديث الباب.
ـ[163] ... «المجموع» (6/368 ـ 369)، «فتح الباري» (4/193).
ـ[164] ... «الاستذكار» (10/167)، «الهداية» (1/127)، «المغني» (4/398)، «المجموع» (6/368).
ـ[165] ... «المحلى» (7/2).
ـ[166] ... «المحلى» (7/2)، «المجموع» (6/370).
ـ[167] ... «المسائل» ص(96)، «المغني» (4/399).
ـ[168] ... أخرجه البخاري (4/192 فتح)، ومسلم (1147).
ـ[169] ... انظر: «فتح الباري» (4/193).
ـ[170] ... انظر: «الشرح الممتع» (6/450)، «فتاوى ابن باز» (15/372 ـ 373).(1/296)
ـ[171] ... أخرجه البخاري (1894)، ومسلم (1151) (164).
ـ[172] ... «كتاب الصيام من شرح العمدة» لابن تيمية (2/600).
ـ[173] ... انظر: «التاريخ الكبير» (5/198)، «الكامل» (4/224).
ـ[174] ... انظر: «فتح الباري» (4/236).
ـ[175] ... أخرجه النسائي (4/201)، وأحمد (36/85 ـ 86) من طريق ثابت بن قيس أبي غصن، حدثني أبو سعيد المقبري، حدثني أسامة بن زيد رضي الله عنه. وهذا الحديث معلول، فيه ثابت بن قيس: قال عنه ابن حبان في «المجروحين» (1/239): «كان قليل الحديث، كثير الوهم فيما يروي، لا يحتج بخبره إذا لم يتابعه غيره عليه» وقد اضطرب في هذا الحديث سنداً ومتناً.
وعرض الأعمال على الله تعالى يوم الاثنين ويوم الخميس ورد في «صحيح مسلم» (2565)، لكن رجَّح الدارقطني في «العلل» (10/87) وقفه، قال ابن عبد البر في «التمهيد» (13/198): (ومعلوم أن هذا ومثله لا يجوز أن يكون رأياً من أبي هريرة، وإنما هو توقيف لا يشك في ذلك أحد له أقل فهم)، وانظر: «التتبع» رقم (18).
ـ[176] ... تقدم تخريجه عند الحديث (462).
ـ[177] ... انظر: «الإشراف» (3/172)، «التمهيد» (4/44) (7/106)، «جامع العلوم والحكم» شرح الحديث (18)، «مجموع الفتاوى» (7/489)، «فتح الباري» (4/251) (8/357).
ـ[178] ... أخرجه البخاري (2006)، ومسلم (1132).
ـ[179] ... أخرجه مسلم (1128).
ـ[180] ... أخرجه مسلم (1134).
ـ[181] ... أخرجه عبد الرزاق (4/287)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/78)، والبيهقي (4/278) عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، وإسناده صحيح.
ـ[182] ... أخرجه أحمد (4/52)، وابن خزيمة (3/290)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/78)، والبيهقي (4/287) من طرق، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن داود بن علي، عن أبيه، عن جده ابن عباس، به مرفوعاً، وهذا إسناد ضعيف، ولا يصح رفعه، لما يلي:
1 ـ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، سيء الحفظ جداً، كما قال الحافظ في «التقريب».(1/297)
2 ـ داود بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي، ذكره ابن حبان في «الثقات» (6/281) وقال: (يخطئ)، وقال الحافظ في «التقريب»: (مقبول) أي: عند المتابعة وإلا فليِّن الحديث، وليس له في الكتب الستة إلا حديث واحد عند الترمذي (3419)، ولعل الحافظ الذهبي لخص القول فيه، كما في «سير أعلام النبلاء» (5/444) حيث قال: (ما هو بحجة، ولم يُقَحِّم أولو النقد على تليين هذا الضرب لدولتهم).
3 ـ علة الرفع، فقد تقدم أن الموقوف جاء من طريق ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، وهم أوثق وأحفظ من رجال طريق الرفع، ولعل كلمة ابن حبان في داود بن علي فيها إشارة إلى ذلك، ومما يؤيد رواية الوقف ما أخرجه الشافعي في «مسنده» (1/272 ترتيبه): عن سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس موقوفاً، كذلك، وإسناده صحيح.
ـ[183] ... انظر: «شرح العمدة» لابن تيمية (2/585)، «فتح الباري» (4/246).
ـ[184] ... «العلل» للإمام أحمد (1/513)، «السنن الكبرى» (3/240).
ـ[185] ... أخرجه أبو داود (2433)، والنسائي (3/239).
ـ[186] ... «جامع الترمذي» (3/132)، «الثقات» (6/379).
ـ[187] ... «السنن الكبرى» (3/240).
«شرح مشكل الآثار» (2347).
ـ[188] ... «اللطائف» ص(256).
ـ[189] ... أخرجه النسائي في «الكبرى» (3/239)، وابن ماجه (1715)، وأحمد (37/94) وهو حديث حسن.
ـ[190] ... «الموطأ» (1/311).
«الاستذكار» (10/259).
ـ[191] ... «الفتاوى السعدية» ص(230).
«الفتاوى» (15/388 ـ 389).
ـ[192] ... «كشف المشكل من حديث الصحيحين» لابن الجوزي (3/153).
ـ[193] ... «المفهم» (3/217)، «فتح الباري» (6/48).
ـ[194] ... أخرجه النسائي (4/173) من طريق القاسم بن عبد الرحمن صاحب أبي أمامة، عن عقبة، به. قال الألباني في «الصحيحة» (6/1/138): (هذا إسناد جيد، رجاله ثقات، وفي القاسم كلام لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن) ثم ذكر شواهد للحديث.
ـ[195] ... «حاشية السندي على النسائي» (4/174).
ـ[196] ... أخرجه مسلم (1120).(1/298)
ـ[197] ... انظر: «بدائع الفوائد» (4/1358 ـ 1359).
ـ[198] ... تقدم تخريجه في باب «صلاة التطوع».
ـ[199] ... تقدم تخريجه في باب «صلاة التطوع».
ـ[200] ... «شرح النووي» (8/286).
ـ[201] ... أخرجه البخاري (1970)، ومسلم (1157).
ـ[202] ... «جامع الترمذي» (3/114).
ـ[203] ... تقدم تخريجه عند شرح الحديث (680) من حديث أسامة رضي الله عنه.
ـ[204] ... «فتاوى ابن عثيمين» (20/23).
أخرجه مسلم (1163).
ـ[205] ... «شرح النووي على مسلم» (7/286).
ـ[206] ... «الإرواء» (4/201).
«التاريخ الكبير» (8/277).
ـ[207] ... «الجرح والتعديل» (9/155).
«الميزان» (4/377).
ـ[208] ... (7/606).
ـ[209] ... أخرجه أحمد (14/280 ـ 281) (16/388) الأول: بإسناد صحيح على شرط مسلم، كما قال الألباني في «الإرواء» (4/99)، والثاني: بإسناد صحيح على شرط الشيخين.
ـ[210] ... أخرجه البخاري (1981)، ومسلم (721).
ـ[211] ... أخرجه مسلم (1160).
انظر: «فتح الباري» (4/226).
ـ[212] ... «بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث» (1/425).
ـ[213] ... انظر: «مناسبات تراجم البخاري» ص(58)، «فتح الباري» (4/226).
ـ[214] ... انظر: «فتح الباري» (9/293، 295).
ـ[215] ... أخرجه البخاري (6700) من حديث عائشة رضي الله عنها، وسيأتي شرحه في كتاب «الإيمان والنذور» إن شاء الله تعالى.
ـ[216] ... أخرجه مسلم (1645)، وسيأتي شرحه إن شاء الله.
ـ[217] ... أخرجه البخاري (1990)، ومسلم (1137).
ـ[218] ... «الاستيعاب» (10/362)، و«الإصابة» (10/142).
ـ[219] ... أخرجه أبو داود (2419)، والترمذي (773)، والنسائي (5/252)، وأحمد (28/605) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه. وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح)، لكن ذكر يوم عرفة غير محفوظ. انظر: «التمهيد» (21/163).
ـ[220] ... انظر: «تفسير القرطبي» (3/3).
ـ[221] ... انظر: «فتح الباري» (4/242).
ـ[222] ... انظر: «العلل» لابن أبي حاتم (1/158)، «العلل» للدارقطني (10/42)، «التتبع» ص(145)، «الأجوبة» لأبي مسعود ص(177).(1/299)
ـ[223] ... «الباعث على إنكار البدع والحوادث» ص(77).
ـ[224] ... «شرح الطيبي» (4/184).
أخرجه البخاري (1989).
ـ[225] ... «السنن الكبرى» (4/209).
«فتح الباري» (4/129).
ـ[226] ... «السنن» (2/301).
انظر: «لطائف المعارف» ص(159).
ـ[227] ... انظر: «تهذيب مختصر السنن» (3/224).
ـ[228] ... انظر: «اللطائف» ص(159).
ـ[229] ... انظر: «شرح علل الترمذي» (1/25).
ـ[230] ... انظر: «الاستيعاب» (12/228) (13/68)، «الإصابة» (12/160) (13/23).
ـ[231] ... «إرواء الغليل» (4/118).
(2164).
ـ[232] ... «الكبرى» (3/211).
(4/302).
ـ[233] ... «الكبرى» (3/212).
(1/267 ـ 268) (654).
ـ[234] ... «الكبرى» (3/212).
«سنن ابن ماجه» (1726).
ـ[235] ... «المسند» (29/230).
«الكبرى» (3/212).
ـ[236] ... «السنن» (2/321).
«شرح معاني الآثار» (2/81).
ـ[237] ... لم أجد هذه العبارة في «السنن الكبرى»، وإنما نقلها عنه المنذري في «مختصر السنن» (2/300).
ـ[238] ... «تهذيب مختصر السنن» (3/298)، «التلخيص» (2/229).
ـ[239] ... انظر: «ناسخ الحديث ومنسوخه» للأثرم (183)، «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/572)، «الفروع» (3/123 ـ 124).
ـ[240] ... «التلخيص» (2/229).
ـ[241] ... «تهذيب مختصر السنن» (3/298 ـ 299).
ـ[242] ... انظر: «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/572).
ـ[243] ... «التاريخ الكبير» (5/87)، «الجرح والتعديل» (5/155).
ـ[244] ... (7/2).
«بيان الوهم والإيهام» (4/269).
ـ[245] ... هذه العبارة تحتاج مزيد تأمل، بسبب ما قبلها.
ـ[246] ... (5/353).
ـ[247] ... «فتح الباري» (4/235).
ـ[248] ... أخرجه أبو داود (4031)، وأحمد (9/123)، وابن أبي شيبة (12/351) وغيرهم، وله طرق لا ينزل بها عن درجة الحسن، وسيأتي الكلام عليه ـ إن شاء الله ـ في آخر «البلوغ» في «باب الزهد والورع».
ـ[249] ... «سير أعلام النبلاء» (10/683).
«الضعفاء» (1/298).
ـ[250] ... «الجرح والتعديل» (8/335).
ـ[251] ... «المحلى» (7/18)، «تهذيب التهذيب» (10/288).
ـ[252] ... (7/501).(1/300)
ـ[253] ... «المعرفة والتاريخ» (3/163)، «تهذيب التهذيب» (10/288)، رسالة: «زهر الروض» لعلي بن عبد الحميد ص(78).
ـ[254] ... انظر: «فتح الباري» (4/238).
ـ[255] ... أخرجه البخاري (1988)، ومسلم (1124).
ـ[256] ... «المحلى» (7/17 ـ 18).
ـ[257] ... «زاد المعاد» (2/77).
ـ[258] ... أخرجه الترمذي (751)، والنسائي في «الكبرى» (3/228)، وأحمد (2/47)، وقال الترمذي: (هذا حديث حسن).
ـ[259] ... «معالم السنن» (3/321)، «الإنصاف» (3/344).
ـ[260] ... هجمت: أي: غارت. ونهكت: ضعفت.
ـ[261] ... أي: لأنه كان يتقوى بالفطر لأجل الجهاد، فلا يوالي الصيام لئلا يضعف، فيؤدي ذلك إلى الفرار.
ـ[262] ... «المحلى» (7/12).
ـ[263] ... أخرجه أحمد (32/484)، وابن أبي شيبة (3/78) وغيرهما. وهو حديث مختلف في رفعه ووقفه، والظاهر أن الموقوف له حكم الرفع.
ـ[264] ... انظر: «فتح الباري» (4/222 ـ 223).
انظر: «فتح الباري» (4/222).
ـ[265] ... «الفتاوى» (22/302).
ـ[266] ... انظر: «عارضة الأحوذي» (3/299)، «فتح الباري» (4/222).
ـ[267] ... أخرجه البخاري (1968).
ـ[268] ... «اللطائف» ص(203).
ـ[269] ... «التمهيد» (7/105).
ـ[270] ... انظر: «معرفة الخصال المكفرة» لابن حجر ص(56).
ـ[271] ... تقدم تخريجه في أحاديث الوتر من باب «صلاة التطوع».
ـ[272] ... تقدم تخريجه في «التطوع».
أخرجه مسلم (736).
ـ[273] ... «مختصر قيام الليل» ص(83).
ـ[274] ... رواه البخاري (1138)، ومسلم (764).
ـ[275] ... انظر: «فتح الباري» (3 ـ 21).
ـ[276] ... رواه مالك (1/115) وسنده صحيح.
ـ[277] ... رواه مالك (1/110)، والبيهقي (2/496).
ـ[278] ... انظر: «صلاة التراويح» للألباني ص(48).
ـ[279] ... «الاستذكار» (5/244).
«التمهيد» (7/106).
ـ[280] ... «لطائف المعارف» ص(217).
رواه مسلم (746) (141).
ـ[281] ... أخرجه أبو داود (1308) (1450)، والنسائي (3/205)، وابن ماجه (1336)، وأحمد (12/372)، وسنده قوي.
ـ[282] ... أخرجه البخاري (2018)، ومسلم (1167) (215).(1/301)
ـ[283] ... «مسائل الإمام أحمد» لأبي داود ص(96).
ـ[284] ... «فتح الباري» (4/277)، «الإنصاف» (3/369)، «سبل السلام» (1/347).
ـ[285] ... انظر: «الأم» (3/265)، «حاشية ابن عابدين» (2/452)، «بداية المجتهد» (2/206)، «الفروع» (3/170).
ـ[286] ... انظر: «الاستذكار» (10/295)، و«مجموع فتاوى ابن عثيمين» (20/170)، و«فقه الاعتكاف» ص(61).
ـ[287] ... «الإجماع» (54)، و«الإفصاح» (1/259).
ـ[288] ... أخرجه البخاري (2035)، ومسلم (2175).
ـ[289] ... «فتاوى ابن عثيمين» (20/157 ـ 174).
ـ[290] ... انظر: «العلل» للدارقطني (15/167).
ـ[291] ... انظر: «مصنف عبد الرزاق» (4/355)، وابن أبي شيبة (3/89)، «مغني المحتاج» (1/457)، «الإنصاف» (3/376).
ـ[292] ... أخرجه البخاري (5089)، ومسلم (1207).
ـ[293] ... «الموطأ» (1/314).
ـ[294] ... أخرجه ابن أبي شيبة (3/92)، وعبد الرزاق (4/363)، وسنده صحيح.
ـ[295] ... «الجامع لأحكام القرآن» (2/333).
ـ[296] ... «المدونة» (1/203)، «المجموع» (6/513)، «سبل السلام» (4/187).
ـ[297] ... «المحلى» (5/179)، «بدائع الصنائع» (2/114)، «المغني» (4/466).
ـ[298] ... «الهداية» لأبي الخطاب (1/88)، «المغني» (4/467)، «الإنصاف» (3/373).
ـ[299] ... «بدائع الصنائع» (2/114)، «فقه الاعتكاف» ص(154).
ـ[300] ... «الجرح والتعديل» (5/161).
ـ[301] ... «بيان الوهم والإيهام» (3/442)، وانظر: «تهذيب التهذيب» (6/18).
ـ[302] ... «المحلى» (5/268)، «تفسير القرطبي» (2/334).
ـ[303] ... «بداية المجتهد» (2/207)، «المهذب» (1/257)، «الإنصاف» (3/360).
ـ[304] ... «زاد المعاد» (2/88)، والذي رأيته في «الفتاوى» (25/292) أن ابن تيمية ذكر القولين بدون ترجيح، فلعل هذا الترجيح في موضع آخر أو في كتاب آخر.
ـ[305] ... حاشية ابن عابدين (2/470)، «فتاوى قاضي خان» (1/221).
ـ[306] ... «تفسير الطبري» (25/65)، «فضائل الأوقات» للبيهقي ص(216)، وإسناده صحيح.(1/302)
ـ[307] ... أخرجه مسلم (479) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
ـ[308] ... أخرجه البخاري (2020)، ومسلم (1169).
ـ[309] ... أخرجه مسلم (1165) (209).
ـ[310] ... أخرجه البخاري (2021) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً ولفظه: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر، في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى» .
وفي حديث أبي بكرة رضي الله عنه مرفوعاً: «التمسوها في العشر الأواخر، لتسع يبقين، أو لسبع يبقين، أو لخمس، أو لثلاث، أو آخر ليلة» أخرجه الترمذي (794)، والنسائي في «الكبرى» (3/400)، وأحمد (34/11)، وإسناده صحيح.
ـ[311] ... «الفتاوى» (25/285).
ـ[312] ... «لطائف المعارف» ص(235).
أخرجه مسلم (762).
ـ[313] ... «المصنف» (4/252)، «مصنف ابن أبي شيبة» (3/76)، «الاستذكار» (10/338)، «اللطائف» ص(234).
ـ[314] ... «شرح النووي» (5/290).
ـ[315] ... ذكر القاضي عياض في «إكمال المعلم» (3/116) احتمالين في معنى ذلك:
الأول: أنها صفة خاصة بها في صبيحة تلك الليلة، لا أنها صفة في كلِّ ليلةِ قدرٍ، كما أعلمهم أنه يسجد صبيحتها في ماء وطين.
الثاني: أنها صفة خاصة لها، وقيل في ذلك: لما حجبها من أشخاص الملائكة الصاعدة إلى السماء الذين أخبر الله بتنزلهم تلك الليلة، والله أعلم.
ـ[316] ... «الفتاوى» (25/286).
ـ[317] ... انظر: الحديث (595).
ـ[318] ... «فضائل الأوقات» ص(258).
«لطائف المعارف» ص(242).
ـ[319] ... انظر: «إرواء الغليل» (3/226).
ـ[320] ... «الفتاوى» (27/5).
أخرجه مسلم (1397)
ـ[321] ... «تهذيب الأسماء واللغات» (4/150).
«الكشاف» (2/351).
ـ[322] ... انظر: «الإرواء» (4/342)، و«تمام المنة» ص(292).
ـ[323] ... انظر: «مختصر الفتاوى المصرية» ص(271).
ـ[324] ... أخرجه مسلم (2567).
ـ[325] ... أخرجه مالك في «الموطأ» (1/109) مطولاً، وأخرجه النسائي (3/113 ـ 114)، وأحمد (39/567)، وهو حديث صحيح. انظر: «الإرواء» (3/226) (4/142).
ـ[326] ... «أضواء البيان» (6/686).(1/303)
ـ[327] ... «العين» (3/9)، «الصحاح» (1/313)، «الدر النقي» (2/376).
ـ[328] ... «تهذيب اللغة» (2/383).
«الزاهر» ص(260).
ـ[329] ... انظر: «مجموع الفتاوى» (26/7)، «تفسير ابن كثير» (2/67).
ـ[330] ... رواه البخاري (8)، ومسلم (19).
ـ[331] ... «الفتاوى» (26/268 ـ 269).
ـ[332] ... «بداية المجتهد» (2/231).
ـ[333] ... أخرجه الترمذي (810)، والنسائي (5/115)، وأحمد (6/185) من طريق أبي خالد الأحمر، قال: سمعت عمرو بن قيس، عن عاصم، عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً. وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن مسعود رضي الله عنه)، والحديث فيه أبو خالد الأحمر، وهو سليمان بن حيان، وعاصم بن أبي النجود، وحديثهما من قبيل الحسن؛ لأن الأول: صدوق يخطئ، والثاني: صدوق له أوهام، وقد تقدم له ذكر.
ـ[334] ... «التمهيد» (22/39).
ـ[335] ... أخرجه مسلم (1015).
ـ[336] ... انظر: «أحوال النبي صلّى الله عليه وسلّم في الحج»، تأليف: فيصل بن علي البعداني.
ـ[337] ... بضم الكاف خطاب للنسوة وتشديد النون، واللام حرف جر، خبر مقدم، (أفضل الجهاد) مبتدأ مؤخر، ويجوز كسر الكاف وتشديد النون حرف استدراك، و(أفضل) منصوب على أنه اسمها، ويجوز تسكين النون مخففة من الثقيلة و(أفضل) مبتدأ، خبره (حج مبرور) والأول أحسن، كما قال الحافظ في «فتح الباري» (3/382).
ـ[338] ... «السنن» (1/327)، «المحلى» (7/6).
«السنن الكبرى» (4/349).
ـ[339] ... «التلخيص» (2/240 ـ 241).
ـ[340] ... «سنن الدارقطني» (2/285)، «السنن الكبرى» (4/349).
ـ[341] ... انظر: «صحيح ابن خزيمة» (4/356)، «المغني» (5/13)، «المجموع» (7/3)، «فتح الباري» (3/597).
ـ[342] ... «مختصر خليل» ص(64)، «شرح فتح القدير» (3/139)، «الفتاوى» (26/7 ـ 8).
ـ[343] ... «نيل الأوطار» (4/314).
ـ[344] ... «أضواء البيان» (5/655).
ـ[345] ... «المغني» (5/15).
ـ[346] ... «التنقيح» (2/379).
«تهذيب التهذيب» (2/270).
ـ[347] ... «تدريب الراوي» (1/176).(1/304)
ـ[348] ... «المحلى» (7/55)، «تهذيب التهذيب» (1/157).
ـ[349] ... «حاشية ابن عابدين» (2/459 ـ 460)، «المغني» (5/8)، «روضة الطالبين» (3/3).
ـ[350] ... «جامع الترمذي» (3/177)، «نيل الأوطار» (4/322)، «أضواء البيان» (5/92).
ـ[351] ... تفسير ابن جرير (7/38)، «السنن الكبرى» للبيهقي (4/331) وإسناده صحيح.
ـ[352] ... «أحكام القرآن» لابن العربي (1/288)، «حاشية الدسوقي» (2/6).
ـ[353] ... «منسك عطاء» ص(26)، «تفسير ابن جرير» (7/43 ـ 44).
ـ[354] ... «السنن» (5/121).
ـ[355] ... انظر: «إكمال المعلم» (4/441)، «زاد المعاد» (2/299).
ـ[356] ... «القاموس» (2/796).
ـ[357] ... «غاية الإحسان في خلق الإنسان» للسيوطي ص(177).
ـ[358] ... «السنن» (1736).
«شرح معاني الآثار» (2/257).
ـ[359] ... أخرجه البخاري (1858).
ـ[360] ... «الإجماع» لابن المنذر ص(68)، «الاستذكار» (13/331).
ـ[361] ... «إكمال المعلم» للقاضي عياض (4/442).
ـ[362] ... انظر: «شرح معاني الآثار» (2/257).
ـ[363] ... انظر: «المغني» (5/52 ـ 53)، «الإنصاف» (4/14 ـ 15)، «الفتاوى السعدية» ص(239 ـ 240)، «المنهج لمريد العمرة والحج» لابن عثيمين ص(51)، «فتاوى ابن باز» (17/212).
ـ[364] ... «الاستيعاب» (9/132)، «الإصابة» (8/102).
ـ[365] ... انظر: «فقه الشيخ ابن سعدي» (4/7)، «الشرح الممتع» (7/39).
ـ[366] ... «دليل الفالحين شرح رياض الصالحين» (1/229).
ـ[367] ... «عمدة القاري» (8/403).
ـ[368] ... «فتح الباري» (4/70).
ـ[369] ... «المحلى» (8/27، 28)، «فتح الباري» (11/585).
ـ[370] ... انظر: «المغني» (13/656).
أخرجه البخاري (6700).
ـ[371] ... «المصنف» (4/445).
ـ[372] ... ص(405) الجزء المفرد.
«التلخيص» (2/334).(1/305)
ـ[373] ... أخرجه أبو داود (1949)، والترمذي (889) (2975)، والنسائي (5/256)، وابن ماجه (3015)، وأحمد (31/64) من طريق سفيان، عن بكير بن عطاء، عن عبد الرحمن بن يعمر، مرفوعاً. وقال الترمذي: (حسن صحيح)، قال سفيان بن عيينة: (هذا أجود حديث رواه سفيان الثوري) وقال وكيع: (هذا الحديث أُمُّ المناسك) ذكر هذا الترمذي في «جامعه».
ـ[374] ... انظر: «المغني» (5/45).
ـ[375] ... أخرجه البخاري (5232)، ومسلم (2172).
ـ[376] ... أخرجه مسلم (2171)، وسيأتي شرحه ـ إن شاء الله ـ في آخر باب (العدة).
ـ[377] ... أخرجه الترمذي (2165)، وأحمد (1/268) من حديث عمر رضي الله عنه، وهو حديث صحيح [«الصحيحة» (431)].
ـ[378] ... «المغني» (5/30).
ـ[379] ... «الأم» (2913)، «الإشراف» (3/176)، «بداية المجتهد» (2/221)، «المغني» (5/30 ـ 31).
ـ[380] ... «صحيح البخاري» (1860).
ـ[381] ... «شرح معاني الآثار» (2/116)، «المحلى» (7/48).
ـ[382] ... «بداية المجتهد» (2/221).
ـ[383] ... «الإشراف» (3/176).
ـ[384] ... انظر: «تحفة الأشراف» (4/340).
ـ[385] ... انظر: «شرح العمدة» لابن تيمية (1/288، 291)، «التلخيص» (2/237).
ـ[386] ... «السنن» (2/270).
ـ[387] ... «بيان الوهم والإيهام» (5/452)، «نصب الراية» (3/155).
ـ[388] ... «المغني» (5/42)، «المجموع» (7/117).
ـ[389] ... انظر: «المبسوط» (4/151)، «التمهيد» (9/136)، «المغني» (5/42).
ـ[390] ... تقدم تخريجه.
رواه مسلم (1149)
ـ[391] ... انظر: «مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح» (2/139).
ـ[392] ... «المجروحين» (1/454)، «تهذيب التهذيب» (4/96).
ـ[393] ... انظر: «الإرواء» (4/150)، «صحيح سنن أبي داود» (1/324)، «المسند» بتحقيق: أحمد شاكر (2304).
ـ[394] ... «صحيح مسلم» (1337).
ـ[395] ... أخرجه البخاري (133)، وهو عند مسلم (1182) ولكن بدون الجملة المذكورة.
ـ[396] ... «فتح الباري» (1/230).
ـ[397] ... انظر: «مجموع الفتاوى» (26/99 ـ 100)، «وفاء الوفا» (4/1195).(1/306)
ـ[398] ... «الإجماع» ص(45)، «المحلى» (7/69)، «فتح الباري» (3/383)، «مواقيت الحج والعمرة المكانية» ص(32).
ـ[399] ... «نهاية المحتاج» (3/252)، «المغني» (5/64).
ـ[400] ... «المبسوط» (2/173)، «حاشية الخرشي» (3/137).
ـ[401] ... «الاختيارات» ص(117).
ـ[402] ... أخرجه البخاري (1788)، ومسلم (1211).
ـ[403] ... «المغني» (5/59).
«القِرى لقاصد أم القِرى» ص(99).
ـ[404] ... «المجموع» (7/11).
(3/281).
ـ[405] ... «المحلى» (7/266).
ـ[406] ... «المبسوط» (2/167)، «الكافي» لابن عبد البر (1/381)، «المجموع» (7/11)، «الإنصاف» (3/427 ـ 428).
ـ[407] ... أخرجه الشافعي (1/302)، والبيهقي (5/30)، وقد روي مرفوعاً من وجهين ضعيفين، قاله الحافظ في «التلخيص» (2/260).
ـ[408] ... تقدم تخريجه قريباً، وهذا لفظ أبي داود.
ـ[409] ... «المجموع» (7/194).
«طرح التثريب» (5/13).
ـ[410] ... «الكامل» (1/417).
«التمييز» ص(214 ـ 215).
ـ[411] ... «صحيح ابن خزيمة» (4/160).
ـ[412] ... «التمييز» ص(215).
«معرفة السنن والآثار» (7/96).
ـ[413] ... «صحيح البخاري» (1545)، «صحيح مسلم» (1211) (125).
ـ[414] ... انظر: «حجة الوداع» لابن كثير ص(7)، وهو موجود ضمن «البداية والنهاية» (7/404 إلى نهاية الجزء).
ـ[415] ... أخرجه البخاري (1534).
أخرجه البخاري (1551).
ـ[416] ... «فتح الباري» (3/429).
ـ[417] ... أخرجه البخاري (1691)، ومسلم (1227).
ـ[418] ... «الفتاوى» (26/66 ـ 74) وفي مواضع أخرى، «زاد المعاد» (2/120 ـ 122).
ـ[419] ... «التمهيد» (8/205)، «المغني» (5/82).
ـ[420] ... انظر: «الفتاوى» (26/94).
ـ[421] ... أخرجه البخاري (1691)، ومسلم (1227) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
ـ[422] ... «الفتاوى» (26/61 ـ 62).
ـ[423] ... «المغني» (5/252)، «الفتاوى» (26/51 ـ 52).
ـ[424] ... «صحيح مسلم بشرح النووي» (8/229 ـ 230)، «المحلى» (7/113 ـ 114، 120)، «زاد المعاد» (2/285).
ـ[425] ... «الفتاوى» (26/89 ـ 92).(1/307)
ـ[426] ... أخرجه مسلم (1297).
ـ[427] ... أخرجه البخاري (1552)، ومسلم (1187).
ـ[428] ... «حجة الوداع» ص(26).
ـ[429] ... «الاستيعاب» (4/110)، «الإصابة» (4/109 ـ 110)، «تهذيب التهذيب» (3/148).
ـ[430] ... «المحلى» (7/93).
«التمهيد» (17/242).
ـ[431] ... «المصنف» ص(368) [الجزء المفرد] وسنده صحيح؛ بل قال بدر الدين العيني: (سند كالشمس) [«عمدة القاري» (7/444)].
ـ[432] ... «الضعفاء» (4/138)، وقوله: (قاضي) هكذا في المطبوع.
ـ[433] ... «بيان الوهم والإيهام» (3/449).
«تهذيب التهذيب» (6/157).
ـ[434] ... «المغني» (5/75).
«المحلى» (7/82).
ـ[435] ... «الإجماع» ص(55).
ـ[436] ... أخرجه البزار (1/444 مختصر زوائده)، وقال الحافظ في تعليقه عليه: (إسناده صحيح)، والدارقطني (2/220)، والحاكم (1/615)، والبيهقي (5/33).
ـ[437] ... انظر: «المغني» (5/76)، «مفيد الأنام» (1/92 ـ 93).
ـ[438] ... انظر: «هداية السالك» لابن جماعة (2/714)، «فتح الباري» (4/53).
ـ[439] ... «معجم لغة الفقهاء» ص(169).
ـ[440] ... وبعضهم يعبر بـ(المحيط) بالحاء المهملة. انظر: «مغني المحتاج» (1/480)، «الفواكه الدواني» (1/412).
ـ[441] ... ذكره ابن عثيمين رحمه الله في «الشرح الممتع» (7/147).
ـ[442] ... (4/138).
ـ[443] ... «عارضة الأحوذي» (4/54)، «فتح الباري» (3/404).
ـ[444] ... أخرجه البخاري (1843)، ومسلم (1178).
ـ[445] ... انظر: «بدائع الفوائد» (3/1244)، «القواعد الأصولية» لابن اللحام ص(284).
ـ[446] ... تقدم تخريجه.
ـ[447] ... رواه البخاري (1545).
ـ[448] ... الحُجزة: هي مجمع السراويل، والنَّيفق: هو الموضع المتسع من السراويل. «اللسان» (5/332)، (10/360).
ـ[449] ... «غريب الحديث» (4/156)، وانظر: «أساس البلاغة» ص(469)، «النهاية» (5/102)، «الإحرام بالإزار المخيط» للشيخ إبراهيم الصبيحي.
ـ[450] ... أفتى الشيخ محمد العثيمين رحمه الله بجواز لبسه، انظر: «الشرح الممتع» (7/152).
ـ[451] ... أخرجه البخاري (1538)، ومسلم (1190).(1/308)
ـ[452] ... السُّك ـ بضم السين، وتشديد الكاف ـ: نوع من الطيب مخلوط بغيره. انظر: «ترتيب القاموس» (2/587).
ـ[453] ... أخرجه أبو داود (1830). وقد صححه الألباني [«صحيح سنن أبي داود» 1/344].
ـ[454] ... انظر: «الكافي» لابن عبد البر (1/390)، المغني (5/162)، «المجموع» (7/283).
ـ[455] ... أخرجه البخاري (1837)، ومسلم (1410).
ـ[456] ... انظر: «المحلى» (7/198).
ـ[457] ... انظر: «فتاوى قاضي خان» (1/314).
ـ[458] ... أخرجه مسلم (1411).
ـ[459] ... انظر: «شرح العمدة» لابن تيمية (2/194).
ـ[460] ... رواه أبو داود (1845).
ـ[461] ... انظر: «شرح العمدة» (2/195).
ـ[462] ... انظر: «فتح الباري» (4/33).
ـ[463] ... «شرح فتح القدير» (3/93)، «روضة الطالبين» (3/163)، «المنتقى» (2/248)، «فتح الباري» (4/33)، «كشاف القناع» (2/391).
ـ[464] ... انظر: «تفسير الطبري» (11/57، 61).
ـ[465] ... «المعرفة والتاريخ» (3/396)، «الاستيعاب» (5/176)، «الإصابة» (5/139).
ـ[466] ... «فتح الباري» (4/31).
«جامع الترمذي» (2/197).
ـ[467] ... «المغانم المطابة في معالم طابة» ص(6).
«فتح الباري» (4/33).
ـ[468] ... «توضيح الأحكام» (3/309).
ـ[469] ... انظر: «الإعلام» (6/415).
«فتح الباري» (4/33).
ـ[470] ... «فتح الباري» (5/220).
ـ[471] ... «الإعلام» (6/419).
ـ[472] ... «صحيح مسلم» (1198) (66).
(2/411 ـ 412).
ـ[473] ... «مسند أبي عوانة» (2/411).
ـ[474] ... «المغني» (5/177).
ـ[475] ... «بدائع الصنائع» (2/191)، «مغني المحتاج» (1/521)، «المغني» (5/126)، «حاشية الدسوقي» (2/60).
ـ[476] ... «الكافي» لابن عبد البر (1/386).
ـ[477] ... «المغني» (5/126).
ـ[478] ... «الفتاوى» (26/116).
ـ[479] ... أخرجه مسلم (2670).
ـ[480] ... «الاستيعاب» (9/247)، «الإصابة» (8/294).
ـ[481] ... «صحيح مسلم» (1201) (80).
«التمهيد» (2/238).
ـ[482] ... «مختصر خليل» ص(72)، «المغني» (5/450).(1/309)
ـ[483] ... «مغني المحتاج» (1/530)، «تفسير القرطبي» (2/385)، «المغني» (5/450)، «الإنصاف» (3/532 ـ 533).
ـ[484] ... انظر: «المجموع» (7/500).
ـ[485] ... «تفسير الطبري» (4/82)، «المغني» (5/450).
ـ[486] ... «الإجماع» ص(52) «الاستذكار» (12/46).
ـ[487] ... «شرح العمدة» لابن تيمية (2/7). وقوله: (بينهما) لعلها: (بينها).
ـ[488] ... انظر: «المحلى» (7/246).
ـ[489] ... انظر: «الحاوي» (4/115).
ـ[490] ... روى ذلك ابن أبي شيبة (4/84 ـ 85).
ـ[491] ... «الصحاح» (1/274).
ـ[492] ... «صحيح البخاري» (112).
ـ[493] ... انظر: «منسك عطاء» ص(103 ـ 104)، «التلخيص» (2/308).
ـ[494] ... انظر: «إرشاد الفحول» ص(148)، «الأصول من علم الأصول» ص(26).
ـ[495] ... «التمهيد» (1/278).
ـ[496] ... أخرجه مسلم (1363).
ـ[497] ... انظر: «إكمال المعلم» (4/485)، «شرح صحيح مسلم» للنووي (9/148)، «الأحاديث الصحيحة في فضائل المدينة» ص(33).
ـ[498] ... رواه مسلم (1364).
ـ[499] ... أخرجه أبو داود (2035)، وأحمد (2/267 ـ 268) واللفظ لأبي داود، وهو حديث حسن، وقد رواه البخاري (1870)، ومسلم (1370) بغير هذه الألفاظ، وله شواهد من حديث ابن عباس وأنس رضي الله عنهما. انظر: «المسند» (5/90) طبعة مؤسسة الرسالة.
ـ[500] ... «صحيح مسلم» (1373).
ـ[501] ... انظر: «إكمال المعلم» (4/488)، «شرح النووي» (9/152).
ـ[502] ... انظر: «المغانم المطابة في معالم طابة» ص(81)، وقد حصل خطأ من بعض العلماء أمثال: البكري، وابن الأثير، وياقوت عندما نفوا وجود جبل ثور في المدينة وإنما هو في مكة، وتبعهم على ذلك جمع من المتأخرين، ثم إنه حصل خلاف بين المعاصرين في تعيين جبل ثور على أقوال ثلاثة، كلها مبنية على الاجتهاد، وبعضها أقرب إلى وصف المتقدمين لجبل ثور من بعض، ولعل سبب الخلاف وجود جبال كثيرة حول أُحد من جهة الشمال، والشمال الشرقي بحيث يصعب الجزم بواحد منها. انظر: «الأحاديث الصحيحة في فضائل المدينة» للرفاعي ص(22).(1/310)
ـ[503] ... رواه البخاري (1869).
ـ[504] ... انظر: «الأحاديث الصحيحة في فضائل المدينة» ص(43).
ـ[505] ... انظر: «شرح الحديث» (778).
ـ[506] ... أي: ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو أحد رواة حديث جابر رضي الله عنه.
ـ[507] ... بكسر النون وتخفيف السين، ثوب كالطيلسان وشبهه.
ـ[508] ... المشجب: أعواد توضع عليها الثياب، ومتاع البيت.
ـ[509] ... انظر: «حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم» للألباني رحمه الله.
ـ[510] ... «المفهم» (3/322)، «زاد المعاد» (2/101)، «فتح الباري» (3/515 ـ 516).
ـ[511] ... رواه البخاري (3949) (4404) (4471)، ومسلم (1254).
ـ[512] ... انظر: «حجة الوداع» لابن كثير ص(9)، «فتح الباري» (8/104، 107).
ـ[513] ... انظر: «زاد المعاد» (2/92).
ـ[514] ... انظر: «زاد المعاد» (2/102)، «فتح الباري» (3/407).
ـ[515] ... انظر: «صحيح البخاري» (1545)، «حجة الوداع» لابن حزم ص(10 ـ 13).
ـ[516] ... «فتح الباري» (8/104).
ـ[517] ... انظر: «تهذيب مختصر السنن» (5/252) حيث ذكر ابن القيم ثمانية أقوال في معنى «التلبية».
ـ[518] ... انظر: «تهذيب مختصر السنن» (5/255).
ـ[519] ... «الصحاح» (3/914).
«الفتاوى» (26/121).
ـ[520] ... انظر: «شرح العمدة» لابن تيمية (2/442).
ـ[521] ... رواه البخاري (3364)، (3365).
ـ[522] ... «السنن» (5/235).
«صحيح مسلم» (1218).
ـ[523] ... «جامع الترمذي» (869)، «سنن النسائي» (5/236)، «الفصل للوصل» (2/668).
ـ[524] ... «الهداية» (1/141)، «بدائع الصنائع» (2/148)، «المنتقى» (2/288).
ـ[525] ... «المغني» (5/232)، «المجموع» (8/14)، «شرح الإيضاح» للنووي ص(227، 279).
ـ[526] ... أخرجه البخاري (46)، ومسلم (11).
ـ[527] ... انظر: «قواعد ابن رجب» (1/142، 154).
ـ[528] ... «المجموع» (8/63).
ـ[529] ... «مصنف عبد الرزاق» (5/57 ـ 59).
«المغني» (5/233).
ـ[530] ... «فتح الباري» (3/484)، «مصنف عبد الرزاق» (5/59).
ـ[531] ... «شرح الزركشي» (3/204).(1/311)
ـ[532] ... انظر: «حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم» للألباني ص(64).
ـ[533] ... انظر: «المغني» (5/234).
ـ[534] ... تقدم ذلك في «باب الوضوء» حديث (47).
ـ[535] ... «المغني» (5/237).
ـ[536] ... رواه مسلم (1780).
«زاد المعاد» (2/287).
ـ[537] ... انظر: «مختصر الخرقي» ص(59).
ـ[538] ... انظر: «المفهم» (3/328).
ـ[539] ... رواه ابن أبي شيبة (4/68 ـ 69) بإسنادين صحيحين، كما قال الألباني في «مناسكه» ص(26).
ـ[540] ... «المفهم» (3/330).
«الروض المربع» (4/127).
ـ[541] ... انظر: «المجموع» (8/106)، «الفتاوى» (26/129)، «زاد المعاد» (2/233)، «مفيد الأنام» ص(293).
ـ[542] ... انظر: «شرح حديث جابر رضي الله عنه» للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ص(51، 107).
ـ[543] ... «مجموع الفتاوى» (26/129).
ـ[544] ... «قاعدة في الأحكام التي تختلف بالسفر والإقامة» لابن تيمية ص(71 ـ 76).
ـ[545] ... تسميته بجبل الرحمة لا أصل لها؛ بل هي تسمية محدثة، لم تعرف إلا في أواخر القرن الرابع الهجري، ثم انتشرت في كتب التفسير والفقه والمناسك وغيرها، ولعل هذه التسمية بحكم ما يتفضل الله به على عباده في ذلك اليوم من الرحمة والمغفرة، لكن قد يكون في هذا الاسم مزيد إغراء لجهلة الحجيج بقصد الذهاب إليه والوقوف عليه، وفي ذلك إضرار عظيمٌ، لا سيما في شدة الحر، مع أن ذلك ليس من السنة؛ بل إذا صعده تعبداً فهو بدعة؛ لأنه عمل غير مشروع. انظر: «مجموع الفتاوى» (26/133)، رسالة «جبل إلاَلٍ بعرفات» لبكر أبو زيد.
ـ[546] ... انظر: «مجموع الفتاوى» (26/132)، «الشرح الممتع» (7/325).
ـ[547] ... انظر: «إكمال المعلم» (4/281)، «شرح النووي على صحيح مسلم» (7/436).
ـ[548] ... «اللسان» (9/138).
ـ[549] ... انظر: «هداية السالك» (3/1207).
ـ[550] ... انظر: «هداية السالك» (3/1214).
أخرجه مسلم (1282).
ـ[551] ... «أخبار مكة» للأزرقي (2/189)، «مفيد الأنام» (2/328)، «الشرح الممتع» (7/348).(1/312)
ـ[552] ... رواه النسائي (5/268)، وابن ماجه (3029)، وأحمد (1/215، 347)، وابن الجارود (473) وإسناده صحيح.
ـ[553] ... «المغني» (5/288).
ـ[554] ... انظر: «هداية السالك» (3/1197 ـ 1198)، «حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم» ص(90).
ـ[555] ... تقدم تخريجه قريباً.
«زاد المعاد» (2/254).
ـ[556] ... «المحلى» (7/119).
«المغني» (5/350).
ـ[557] ... انظر: «حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم» للألباني ص(93).
ـ[558] ... رواه مسلم (1305).
ـ[559] ... انظر: «فتاوى ابن باز» (17/284).
ـ[560] ... انظر: «المدونة» (1/319)، «بدائع الصنائع» (2/132)، «المجموع» (8/224)، «الإنصاف» (4/43).
ـ[561] ... «المغني» (5/313).
«المحلى» (7/119، 172).
ـ[562] ... أخرجه مسلم (1308)، وانظر: «فتح الباري» (3/567).
ـ[563] ... «شرح النووي على صحيح مسلم» (8/443).
ـ[564] ... انظر: «سنن أبي داود» (3607) ففيه سبب جعل النبي صلّى الله عليه وسلّم شهادته بشهادة رجلين، وانظر: «فتح الباري» (8/518).
ـ[565] ... «صحيح البخاري» (4784).
ـ[566] ... «الاستيعاب» (3/197)، «سير أعلام النبلاء» (2/485)، «الإصابة» (3/93 ـ 94).
ـ[567] ... «تهذيب التهذيب» (4/351).
ـ[568] ... انظر: «الصحاح» (5/1861)، «هداية السالك» (3/1174)، رسالة: «المزدلفة: أسماؤها ـ حدودها ـ أحكامها» للدكتور عبد العزيز الحميدي.
ـ[569] ... أخرجه أبو داود (1937)، وابن ماجه (3048)، وأحمد (22/381)، وسنده حسن.
ـ[570] ... أخرجه البيهقي (5/239) وإسناده صحيح، كما قال الألباني.
ـ[571] ... انظر: «القاموس» (4/27 ترتيبه)، «مفيد الأنام» (1/229).
ـ[572] ... أخرجه البخاري (1576)، ومسلم (1257).
ـ[573] ... «شرح صحيح مسلم» (9/6).
ـ[574] ... «المغني» (5/210)، «مجموع الفتاوى» (26/119)، «هداية السالك» (3/897)، «الروض المربع بحاشية ابن قاسم» (4/87).
ـ[575] ... «فتح الباري» (3/435).
ـ[576] ... «سنن الدارمي» (1/381).
«مسند أبي داود الطيالسي» (1/32).(1/313)
ـ[577] ... «الضعفاء» (1/183)، «التلخيص» (2/264).
ـ[578] ... «حجة الوداع» ص(89).
«الإرواء» (4/311).
ـ[579] ... انظر: «المدونة» (1/364)، «الشرح الكبير بحاشية الدسوقي» (2/41).
ـ[580] ... «كشاف القناع» (2/430)، وانظر: «الإرواء» (4/312).
ـ[581] ... «صحيح البخاري» (4256).
هذا اللفظ عند مسلم (1266).
ـ[582] ... رواه البخاري (1616)، ومسلم (1262).
ـ[583] ... رواه البخاري (1644)، ومسلم (1261).
ـ[584] ... رواه البخاري (1616)، ومسلم (1261) (231).
ـ[585] ... أخرجه البخاري (1609)، ومسلم (1267) (242).
ـ[586] ... أخرجه أحمد (9/442) من طريق سفيان الثوري، عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبيه، عن ابن عمر، به. وهذا إسناد صحيح، وسفيان الثوري ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط، وكذا رواه النسائي (5/221) من طريق حماد بن زيد، عن عطاء، به. وهو ممن سمع منه ـ أيضاً ـ قبل الاختلاط. وللحديث طرق أخرى.
ـ[587] ... أخرجه الترمذي (858)، وأحمد (4/87) وقال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح)، وعلقه البخاري (1608)، وأخرج مسلم (1269) المرفوع فقط من وجه آخر عن ابن عباس. وأخرجه أحمد (3/369 ـ 370) من طريق خُصيف، عن مجاهد، عن ابن عباس... وفيه: فقال ابن عباس: {{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}}، فقال معاوية: صدقت. وخصيف وهو ابن عبد الرحمن الجزري: صدوق سيء الحفظ، لكنه متابع.
ـ[588] ... «مجموع الفتاوى» (26/121)، وانظر: ص(97) منه.
ـ[589] ... «زاد المعاد» (1/48).
ـ[590] ... انظر: «حجة الوداع» لابن كثير ص(86 ـ 89).
ـ[591] ... أخرجه الترمذي (877)، والنسائي (5/226)، وأحمد (5/13 ـ 14)، وهذا لفظ الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) مع أنه من رواية جرير، عن عطاء بن السائب، وهو قد اختلط، ورواية جرير عنه بعد الاختلاط، لكن الحديث له شواهد.
ـ[592] ... «صحيح مسلم» (1271).
ـ[593] ... «حاشية السندي على سنن النسائي» (5/227).(1/314)
ـ[594] ... «التاريخ الأوسط» ص(119)، «الاستيعاب» (12/13)، «الإصابة» (11/215).
ـ[595] ... «المبسوط» (4/10)، «المطلع على أبواب المقنع» ص(188).
ـ[596] ... أخرجه مسلم (1273).
ـ[597] ... صحيح مسلم (1268) (246).
ـ[598] ... «الاستيعاب» (11/93)، «سير أعلام النبلاء» (3/100)، «الإصابة» (10/372).
ـ[599] ... «السنن» (1884) وإسناده حسن، فيه عبد الله بن خثيم، وفيه كلام. والذي يتلخص من حاله أنه صدوق، كما قال الحافظ في «التقريب».
ـ[600] ... «حاشية ابن عابدين» (2/512).
ـ[601] ... تقدم تخريجه في «الجنائز» رقم (548).
ـ[602] ... يقدِّم: بضم الياء وفتح القاف وتشديد الدال مكسورة. والفاعل ضمير مستتر يعود على (مَنْ)؛ أي: يقدم أهله إذا غاب القمر [«فتح الباري» (3/527)].
ـ[603] ... أخرجه البخاري (5212)، ومسلم (1463).
ـ[604] ... «الاستيعاب» (13/53)، «الإصابة» (12/323).
ـ[605] ... «شرح العمدة» (2/525).
ـ[606] ... «المغني» (5/286).
ـ[607] ... اللطح: بالحاء المهملة، الضرب بالكفِّ، وليس بالشديد. انظر: «النهاية» (4/250).
ـ[608] ... (3/528)
ـ[609] ... «العلل» للإمام أحمد (1/143 ـ 144).
«الجرح والتعديل» (3/45).
ـ[610] ... «المراسيل» لابن أبي حاتم ص(46).
ـ[611] ... انظر: «جامع الترمذي» (2/217 ـ 218، 229).
ـ[612] ... «التاريخ الأوسط» ص(135).
«الإرواء» (4/274).
ـ[613] ... «شرح معاني الآثار» (2/218).
ـ[614] ... «مسند الشافعي» (1/373)، وانظر: «العلل» للدارقطني (15/50 ـ 51).
ـ[615] ... «الجواهر النقي» (5/132).
«زاد المعاد» (2/249).
ـ[616] ... (3/529).
انظر: «بدائع الصنائع» (2/137).
ـ[617] ... أخرجه البخاري (1676)، ومسلم (1295).
ـ[618] ... بفتح الهاء، أي: يا هذه.
أي: جئنا منى بغلس.
ـ[619] ... أخرجه البخاري (1679)، ومسلم (1291)، والظُّعُنُ ـ بضم الظاء المشالة ـ: جمع ظعينة، وهي المرأة في الهودج، ثم أطلق على المرأة مطلقاً ولو كانت في بيتها.
ـ[620] ... انظر: «أضواء البيان» «5/280).(1/315)
ـ[621] ... «الإصابة» (6/418).
ـ[622] ... يروى بالجيم المعجمة، ويروى بالحاء المهملة: أحد حبال الرمل، وهو ما اجتمع منه واستطال.
ـ[623] ... «المغني» (5/284)، «المجموع» (8/134 ـ 150).
ـ[624] ... «المغني» (5/284)، «المجموع» (8/134)، «بداية المجتهد» (2/277).
ـ[625] ... تقدم تخريجه عند الحديث (717).
ـ[626] ... «الهداية» (1/146)، «حاشية ابن عابدين» (2/511)، «المجموع» (8/134، 150).
ـ[627] ... «شرح العمدة» (2/607).
انظر: «الاستذكار» (13/39).
ـ[628] ... أخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح، واحتج به الإمام أحمد. انظر: «شرح العمدة» (2/614).
ـ[629] ... المصدر السابق.
«الإنصاف» (4/29).
ـ[630] ... «الاستذكار» (13/33).
«أضواء البيان» (5/260).
ـ[631] ... «مفيد الأنام» (2/310).
«الاستذكار» (13/29).
ـ[632] ... أخرجه الدارقطني (2/241).
«المغني» (5/272).
ـ[633] ... «المبسوط» (4/56)، «المغني» (5/274)، «المبدع» (3/234)، «الإنصاف» (4/59).
ـ[634] ... «المجموع» (8/102، 119)، «الإنصاف» (4/59).
ـ[635] ... «المحلى» (7/118)، «أضواء البيان» (5/259 ـ 260).
ـ[636] ... انظر: «شرح العمدة» لشيخ الإسلام ابن تيمية (2/603)، «الشرح الممتع» (7/418)، «المسائل المشكلة من مناسك الحج والعمرة» للدكتور إبراهيم الصبيحي ص(20).
ـ[637] ... «المسند» (1/378)، «سنن ابن ماجه» (3022).
ـ[638] ... انظر: «المبسوط» (4/20) (4/63).
ـ[639] ... في رواية لتراجم البخاري: (حتى يرمي)، وصوب الحافظ ما ذكر أولاً. انظر: «فتح الباري» (3/532).
ـ[640] ... «شرح فتح القدير» (2/489)، «المجموع» (8/154، 181)، «المغني» (5/297).
ـ[641] ... «الإشراف» (1/230)، «المحلى» (7/118)، «المنتقى» (2/216)، «فتح الباري» (3/533).
ـ[642] ... «الإشراف» (1/230)، «الكافي» لابن عبد البر (1/371)، «المفهم» (3/387).(1/316)
ـ[643] ... «ترتيب مسند الشافعي» (1/323) وسنده صحيح، وقد روى الترمذي هذا عن ابن عباس مرفوعاً (919) من طريق ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن ابن عباس، وهذا سند ضعيف، لضعف ابن أبي ليلى.
ـ[644] ... «المغني» (5/255).
ـ[645] ... «صحيح البخاري» (1553) (1573).
ـ[646] ... «صحيح ابن خزيمة» (4/206).
ـ[647] ... انظر: «الاختيارات الجلية» لابن بسام حاشية على «نيل المآرب» (2/432)، «رمي الجمرات» ص(20).
ـ[648] ... «فتح الباري» (3/582).
ـ[649] ... انظر: «فتاوى ابن إبراهيم» (5/150).
ـ[650] ... «التمهيد» (7/268).
ـ[651] ... رواه البخاري (1746).
ـ[652] ... انظر: «الأم» للشافعي (2/234)، «التمهيد» (7/272)، «الاستذكار» (13/214)، «المنتقى» للباجي (3/51)، «بدائع الصنائع» (2/137)، «المغني» (5/328)، «فتاوى ابن عثيمين» (23/227).
ـ[653] ... «بدائع الصنائع» (2/138).
«منسك عطاء» ص(182).
ـ[654] ... «بدائع الصنائع» (2/137)، «العناية على الهداية» (2/185)، «المغني» (5/328)، «فتح الباري» (3/580)، «أبحاث هيئة كبار العلماء» (2/365)، «مجلة البحوث الإسلامية» عدد (72) ص(315)، «فتاوى ابن عثيمين» (23/270 ـ 293).
ـ[655] ... «أخبار مكة» (4/298 ـ 299).
ـ[656] ... انظر: «فتاوى ابن إبراهيم» (5/150).
«سنن النسائي» (5/275).
ـ[657] ... «الجوهر النقي» (5/149).
ـ[658] ... رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح [«فتح الباري» (3/584)].
ـ[659] ... أخرجه البخاري (1728)، ومسلم (1302).
ـ[660] ... «صحيح مسلم» (1216) (143).
ـ[661] ... انظر: «الأصول من علم الأصول» ص(17).
ـ[662] ... تقدم تخريجه عند شرح حديث جابر رضي الله عنه.
ـ[663] ... «بدائع الصنائع» (2/158 ـ 159).
ـ[664] ... رواه مسلم (1297).
«شرح صحيح مسلم» (9/50).
ـ[665] ... «الاستيعاب» (10/95)، «الإصابة» (9/204).
ـ[666] ... «صحيح البخاري» (2731 ـ 2732).
ـ[667] ... «نصب الراية» (3/81).
ـ[668] ... «معاني الآثار» (2/228).
«السنن» (2/276).(1/317)
ـ[669] ... «المجموع» (8/224)، «المغني» (5/309).
ـ[670] ... روى ذلك ابن أبي شيبة في «مصنفه» (الجزء المفرد) ص(241 ـ 242) بسند صحيح، وما ورد عن عمر رضي الله عنه من القولين رواه مالك (1/410) بسند صحيح.
ـ[671] ... «المصنف» ص(242)، «المغني» (5/310).
ـ[672] ... الذريرة: ـ بفتح الذال المعجمة ـ: فتات قصبِ طيبٍ يجاء به من الهند. انظر: «أساس البلاغة» ص(143)، «فتح الباري» (10/371).
ـ[673] ... أخرجه أحمد (43/190)، وأبو عوانة ص(300 ـ القسم المفرد) من طريق روح بن عبادة: حدثنا ابن جريج، أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة: أنه سمع عروة والقاسم يخبران عن عائشة رضي الله عنها قالت... الحديث.
ـ[674] ... أخرجه النسائي (5/277)، وابن ماجه (2/245) من طريق الحسن العرني، عن ابن عباس رضي الله عنهما، موقوفاً.
ـ[675] ... أخرجه البخاري (1725).
ـ[676] ... أخرجه البخاري (5930)، ومسلم (1189).
ـ[677] ... أخرجه مسلم (1305).
ـ[678] ... انظر: «فتح الباري» (3/399، 400، 585).
ـ[679] ... انظر: «المسائل المشكلة من مناسك الحج والعمرة» ص(45). «مسألة التحلل الأول في الحج» للشيخ: فريح البهلال.
ـ[680] ... «تهذيب التهذيب» (1/195).
ـ[681] ... انظر: «السلسلة الصحيحة» رقم (605).
ـ[682] ... «الاستيعاب» (13/253).
ـ[683] ... «التلخيص» (2/280).
انظر: «العلل» (834).
ـ[684] ... «الاستيعاب» (5/269)، «الإصابة» (5/270).
ـ[685] ... انظر: «الاستذكار» (13/194)، «شرح صحيح مسلم» (9/69)، «المغني» (5/324)، «الإنصاف» (4/60).
ـ[686] ... انظر: «المحلى» (7/184)، «الاستذكار» (13/195)، «الهداية» (1/150)، «المبسوط» (4/67 ـ 68)، «المغني» (5/324)، «الإنصاف» (4/60).
ـ[687] ... «المحلى» (7/184 ـ 185).
«المغني» (5/325).
ـ[688] ... المصدر السابق.
انظر: «فتاوى ابن باز» (17/362).
ـ[689] ... أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337).
ـ[690] ... «بدائع الصنائع» (2/139)، «المغني» (5/333)، «نهاية المحتاج» (3/305).(1/318)
ـ[691] ... «بدائع الصنائع» (2/138)، «المنتقى» للباجي (3/53، 55).
ـ[692] ... «المغني» (5/295 ـ 296)، «المجموع» (8/240).
ـ[693] ... «المحلى» (7/134)، «بدائع الصنائع» (2/138).
ـ[694] ... أخرجه ابن أبي شيبة (4/30)، وإسناده حسن.
ـ[695] ... «الموطأ» (1/409) وإسناده جيد.
ـ[696] ... نسبة إلى غني بن أعصر.
أي: صاحبة بيت من بيوت الأصنام.
ـ[697] ... «الاستيعاب» (13/38)، «الإصابة» (12/300).
ـ[698] ... هو حميد بن عبد الرحمن الحميري، وإنما كان عند ابن سيرين أفضل من عبد الرحمن بن أبي بكرة؛ لأن ابن أبي بكرة دخل في الولايات، وكان حميد زاهداً. «فتح الباري» (3/575).
ـ[699] ... «صحيح البخاري» (555).
«السنن الكبرى» (5/151).
ـ[700] ... «المجموع» (8/91).
«الجرح والتعديل» (3/475).
ـ[701] ... «الميزان» (2/44).
(4/231).
ـ[702] ... «العلل» لابن أبي حاتم (1/294)، و«علل الدارقطني» (15/114)، وانظر: «حجة الوداع» لابن كثير ص(107).
ـ[703] ... «المدونة» (1/314)، «المحلى» (7/173)، «المجموع» (8/61)، «الإنصاف» (4/44).
ـ[704] ... أخرجه البخاري (1556)، ومسلم (1211)، وقد تقدم الكلام عليه برقم (727).
ـ[705] ... رواه مسلم (1215).
«شرح فتح القدير» (2/525).
ـ[706] ... «حجة الوداع» لابن كثير ص(105).
ـ[707] ... «المحلى» (7/118)، «المغني» (5/315)، «الإنصاف» (4/44).
ـ[708] ... تقدم تخريجه برقم (727) من أحاديث «البلوغ».
ـ[709] ... رواه البخاري (1572) تعليقاً.
«الفتاوى» (26/41).
ـ[710] ... «الإشراف» (3/366).
ـ[711] ... «الفتاوى» (26/36، 38، 39، 138، 139)، «زاد المعاد» (2/149).
ـ[712] ... انظر: «سنن أبي داود» (2/153)، «الفتاوى» (26/41)، «الإيماء بأطراف الموطأ» (4/11 ـ 12)، «شرح علل الترمذي» (1/451).
ـ[713] ... تقدم تخريجه.
ـ[714] ... «زاد المعاد» (2/273).
«أضواء البيان» (5/184).(1/319)
ـ[715] ... «المسائل» رواية ابنه عبد الله ص(219 ـ 220)، وتأمل دلالة كلام الإمام أحمد عليه رحمة الله. وانظر: «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» (5/385).
ـ[716] ... «تهذيب التهذيب» (6/360).
ـ[717] ... انظر: «أطراف الغرائب والأفراد» (1/487)، «المحرر» (723).
ـ[718] ... «صحيح سنن أبن داود» (1/376).
«التلخيص» (2/268).
ـ[719] ... «إكمال المعلم» (4/393)، «المغني» (5/335)، «المجموع» (8/253).
ـ[720] ... أخرجه البخاري (1590)، ومسلم (1314).
ـ[721] ... المصادر السابقة قبل التخريج.
ـ[722] ... «الهداية» (1/151)، «المغني» (5/336)، «المجموع» (8/254).
ـ[723] ... «الكافي» لابن عبد البر (1/378)، «شرح النووي على صحيح مسلم» (9/86)، «أضواء البيان» (5/214).
ـ[724] ... «فتح الباري» (3/585).
ـ[725] ... انظر: «المغني» (5/341)، «المجموع» (8/855).
ـ[726] ... «الكافي» لابن عبد البر (1/378)، «بدائع الصنائع» (2/143)، «المجموع» (8/256)، «المنتقى» (2/292 ـ 293).
ـ[727] ... «الأم» (3/458).
ـ[728] ... «الاستذكار» (12/184)، «التمهيد» (17/269).
ـ[729] ... رواه ابن أبي شيبة ص(213) «الجزء المفرد» من طريق أبي خالد الأحمر، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وهذا سند حسن، وجاء عن عمر رضي الله عنه رواه مالك (1/369) وعنه الشافعي في «الأم» (3/457)، وسنده صحيح.
ـ[730] ... «المغني» (5/336).
ـ[731] ... «الفتاوى» (26/6، 8)، «إعلام الموقعين» (3/40).
ـ[732] ... رواه مسلم (1352).
ـ[733] ... «هداية السالك» (4/1366)، «مجلة البحوث الإسلامية» عدد (50)، «المسائل المشكلة» ص(63).
ـ[734] ... «بداية المجتهد» (2/266).
ـ[735] ... «الاستيعاب» (6/189)، «الإصابة» (6/83).
ـ[736] ... «الجرح والتعديل» (3/101).
«الكامل» (2/410).
ـ[737] ... «تهذيب التهذيب» (2/170).
(6/183).
ـ[738] ... «التمهيد» (6/25).
ـ[739] ... أخرجه البخاري (1190)، ومسلم (1394).
ـ[740] ... انظر: «منسك عطاء» ص(112) رقم (532).(1/320)
ـ[741] ... «المحلى» (7/148).
«فتح الباري» (3/64).
ـ[742] ... «الإيضاح في مناسك الحج» ص(464)، «زاد المعاد» (3/303).
ـ[743] ... «زاد المسير» (7/140).
ـ[744] ... أي: ضارب خيمته في الحل.
ـ[745] ... أخرجه أحمد (31/212، 220، 243) وهو من طريقين: الأول: من طريق ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، وابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه، إلا أنه صرح بالسماع من الزهري في أثناء الحديث، فانتفت شبهة تدليسه. والطريق الثاني: عن معمر، عن الزهري، به، ورواية معمر في «البخاري» (2731) لكن هذا الطريق ليس فيه الجملة المذكورة، فيخشى من تفرد ابن إسحاق بها عن الزهري، وقد حَسَّنَ الألباني رواية ابن إسحاق. انظر: «صحيح سنن أبي داود» (2/529).
ـ[746] ... «منسك عطاء» ص(113) رقم (538).
ـ[747] ... انظر: «فتاوى ابن عثيمين» (20/164 ـ 166)، «الشرح الممتع» (6/516).
ـ[748] ... «القرى لقاصد أم القُرى» ص(657).
أخرجه مسلم (1396).
ـ[749] ... انظر: «المسائل المشكلة من مناسك الحج والعمرة» ص(109).
ـ[750] ... «شرح العمدة» لشيخ الإسلام ابن تيمية (2/656).
ـ[751] ... «الموطأ» (1/383)، ورواه عنه الشافعي (1/388)، ومن طريقه البيهقي (5/174)، وصححه الألباني في «الإرواء» (4/344).
ـ[752] ... «المغني» (5/196).
ـ[753] ... «الإنصاف» (4/68)، «أضواء البيان» (1/197).
ـ[754] ... انظر: «زاد المعاد» (3/287).
ـ[755] ... انظر: «الشرح الممتع» (7/447 ـ 448).
ـ[756] ... «زاد المعاد» (3/307)، «التلخيص» (2/313).
ـ[757] ... «زاد المعاد» (3/378).
ـ[758] ... «زاد المعاد» (2/91)، (3/307 ـ 378).
ـ[759] ... «الاستيعاب» (13/69)، «سير أعلام النبلاء» (2/274)، «الإصابة» (13/26).
ـ[760] ... «المغني» (5/92 ـ 93)، «المحلى» (7/99 ـ 113).
ـ[761] ... «المغني» (5/93).
ـ[762] ... أخرجه البخاري (1810)، والترمذي (942)، والنسائي (5/169)، وأحمد (8/487).
ـ[763] ... انظر: «فتح الباري» (3/9).(1/321)
انظر: «المحلى» (7/99 ـ 113).
ـ[764] ... «الفتاوى» (26/106).
ـ[765] ... أخرجه النسائي (5/167 ـ 168)، والدارمي (1/365)، وأبو نعيم (9/224) من طريق هلال بن خبَّاب، عن سعيد بن جبير، عن عكرمة، عن ابن عباس، به. وهذا سند حسن رجاله ثقات، رجال الصحيح، غير هلال بن خباب، فهو صدوق تغير بأخرة، كما قال في «التقريب». وله طريق أخرى عند أحمد (5/330) بسند صحيح، بلفظ: «فإن ذلكَ لكِ» ، وقد صحح الألباني هاتين الزيادتين، كما في «الإرواء» (4/186)، لكن قد يشكل على ذلك إعراض الشيخين عنهما، مع أن قصة ضباعة رضي الله عنها رواه ابن عباس ـ كما في مسلم ـ، وعائشة ـ كما في الصحيحين ـ رضي الله عنهما، وليس فيهما هاتان الزيادتان.
ـ[766] ... «سير أعلام النبلاء» (5/22 ـ 36)، «هدي الساري» ص(425 ـ 430).
ـ[767] ... «التاريخ الكبير» (2/370)، «تهذيب التهذيب» (2/179).
ـ[768] ... «جامع الترمذي» (3/278)، «العلل الكبير» (1/394 ـ 395).
ـ[769] ... «السنن الكبرى» (5/220).
ـ[770] ... انظر: «تفسير ابن كثير» (1/335).
ـ[771] ... «الهداية» (1/180)، «الإنصاف» (4/71).
ـ[772] ... «الاختيارات» ص(119 ـ 120).
ـ[773] ... «شرح الزركشي» (3/169 ـ 170).
ـ[774] ... انظر: «فتح الباري» (4/3)، «منسك عطاء» ص(107) رقم (508)، وهذا الأثر وصله عبد بن حميد في «تفسيره» وسنده صحيح.
ـ[775] ... «تهذيب مختصر السنن» (2/371).
ـ[776] ... «الموطأ» (1/362)، «المغني» (5/203)، «المجموع» (8/355).
ـ[777] ... أخرجه البيهقي (5/219) قال النووي في «المجموع» (8/209 ـ 210): (إسناده صحيح، على شرط البخاري ومسلم). وصححه الحافظ ابن حجر في «التلخيص» (2/309).
ـ[778] ... أخرجه مالك (1/361)، ومن طريقه البيهقي (5/219) بإسناد صحيح على شرط مسلم، كما قال الألباني في «الإرواء» (4/348).
ـ[779] ... «شرح السنة» (7/288).
«المجموع» (8/209 ـ 210).
ـ[780] ... «أضواء البيان» (1/191).
«الشرح الممتع» (7/450).(1/322)
ـ[781] ... انظر: «تهذيب مختصر السنن» (2/370).(1/323)