4064 - قوله: (تُنْقِزَانِ القِرَبَ): جهلكاتي تهين مشكون كو: دور نى كى وجه سى. وقد عزا بعضُهم إلى البخاريّ ترجمته: تخيطان، وليس بصوابٍ. لأن النقز ليس بمعنى الخياطة. وكذا ما سيفسِّره به الراوي غَلَطٌ. ثم إن الحجابَ لم يَكُنْ نَزَلَ بعدُ. على أن الرؤيةَ في قوله له: «أَرَى خَدَمَ ساقهما»، ليست قَصْدِيّةً.
4065 - قوله: (يُقَالُ: بَصُرْتُ وأَبْصَرْتُ، وَاحِدٌ) فَبَصُرَ مع كونه من كَرُمَ متعدَ، ففيه شذوذٌ.
4066 - قوله: (جَاءَ رَجُلٌ)... إلخ، ولعلَّه كان مصريّاً، لأن أول من بغى على عثمان أهل مصر.
4066 - قوله: (أنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَةِ الرُضْوَانِ، فَلَمْ يَشْهَدْهَا) ومما يتحيَّرُ منه الناظرُ من إيثار الصحابة، واتَّباع الحقِّ، وعدم التجاوز عنه: أن ابنَ عمر مع كونه ابناً للخليفة، لَمَّا سُئِلَ عن عثمان لم يتكلَّم فيه إلاَّ بخيرٍ، وذَبَّ عنه بما كفى وشفى. ولو كان لأحدٍ مثله اليوم لَحَسَدَ عليه، ولنال من عِرْضِهِ أضعاف ذلك. فهذا يَدُلَّكَ على كونهم أعدلَ أفرادِ البشرِ.
قوله: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ)... إلخ، واخْتُلِفَ في شأن نزوله، ولعلَّه نَزَل بعد الوقائع الثلاث التي نُقِلَتْ فيها، فَنُسِبَ إليها لتقاربها.[
4071 - قوله: (إنَّ عُمَرَ بن الخَطَّابِ رضي الله عنه قَسَمَ مُرُوطاً بين نساءٍ من نساء أَهْلِ المَدِينَةِ، إلى قوله: يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَعْطِ هذا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّمالتي عِنْدَكَ، يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيَ) وثَبَتَ منه نكاح عمر من بنت عليّ، والروافضُ الملاعنةُ يُنْكِرُونَهُ.
4072 - قوله: (وَعُبَيْدُ اللَّهِ مُعْتَجِرٌ)... إلخ، الاعتجارُ: دهاتا باند هنا، (فأَضَعُهَا في ثُنَّتِهِ): زير ناف جكه.
قصة الحرب مع مُسَيْلِمة
---(6/143)
واعلم أن حزبَ مُسَيْلِمة كانوا أربعين ألفاً يُحَارِبُون من وراء جدار، وجماعةُ الصحابة كانت حوله، فلم يَنْجَحُوا، فقال أبو دُجَانة: لا يعنْكَشِفُ الأمرُ حتَّى تُعَلِّقُوني على قَصَبٍ، ثم تُلْقُوني وراء الجدار، ففعلوا. فَبَارَزَ أربعين ألفاً وحده. حتى اسْتُشْهِدَ. وكَسَرَ خالدٌ الجدارَ في تلك المدَّة، ودَخَل فيه عسكرُ المسلمين، وكانوا ستة آلاف، ثم فَتَحَ اللَّهُ لهم.
واعلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّملم يَقْتُلْ أحداً من الكفَّار بيده الكريمة، غير أُبَيِّ بن خَلَف، فإنه كان يقول: إنِّي أُطْعِمُ فرسي كل يوم صاعاً من زبيبٍ، أُعِدُّه لقتالك - قاتله الله - فلمَّا وقعت غزوةُ أُحُدٍ، وأُذِيعَ موت رسول الله صلى الله عليه وسلّم جاء يُنَادِيه باسمه. فأراد الصحابةُ أن يُجِيبُوه، فمنعهم، وقال: إنه دعاني، ثم أشار إليه بُرُمْحٍ فَخَدَشَهُ، فتدهده الرجل، وجعل يَصِيحُ من ألمه، ومات بعد ثلاثٍ، كأنه حَمِمٌ. وذلك لأن أشدَّ النَّاسَ عذاباً مَنْ قتل نبيّاً، أو قلَهُ نبيٌّ. أمَّا الأوَّلُ فظاهرٌ. وأمَّا الثاني، فلأن النبيَّ كلُّه رحمةً، فمن قُتِلَ من يده، فقد خَرَجَ عن الرحمة رأساً، فَككَرِهَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّمأن يَذُوقَ أحدٌ أشدَّ العذاب من أحله. نعم، كان يَقُومُ في المعركة بمكانٍ لم يَكُنْ يستطيع أن يقومَ فيه معه إلاَّ أشجعهم.
4079 - قوله: (لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِم، ولَمْ يُغَسَّلُوا)، والكلامُ في مسألة الصلاة على الشهيد. والمذاهبُ فيها قد مرَّت من قبل مفصَّلاً، وثَبت صلاته صلى الله عليه وسلّمعلى الشهيد، عند أبي داود. وثَبَتَتِ الصلاة على عثمان، وكذلك صُلِّيَ على عليَ، والحسن.
---(6/144)
4088 - قوله: (فَدَعَا النبيُّ صلى الله عليه وسلّمعليهم شَهْراً في صَلاَةِ الغَدَاةِ) واعلم أن في القنوت تعارُضاً في روايتي أنس، أهي قبل الركوع، أو بعده؟ والجواب: أن في روايته اختصاراً، والمفصَّلة ما عنده: عن عاصم الأَحْوَل، قال: «سَأَلْتُ أنسَ بن مالكٍ عن القنوت في الصلاة، قال: نعم، فقال: قبل الركوع أو بعده؟ قال: قبله، فَقُلْتُ: إن فلاناً أَخْبَرَني عنك أنك قُلْتَ: بعد الركوع، قال: كَذَبَ، إنما قَنَتَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّمبعد الركوع شهراً، إنه بَعَثَ ناساً يُقَالُ لهم: القُرَّاء»... إلخ. فَظَهَرَ أن جوابَهُ بكون القنوت بعد الركوع يتعلَّقُ بالنازلة. وإذا سُئِلَ عن قنوت الوتر، أجابه بكونها قبله، فاخْتُصِرَ في السؤال من قِبَلِ الرواة، وأَوْهَمَ تَعَارُضاً.
4090 - قوله: (فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآناً، ثُمَّ إن ذلك رُفِعَ) قال شيخي: إن الآياتِ المنسوخةَ التلاوة أراها نازلةً في البلاغة حِذَاء المُحْكَمَاتِ. قلتُ: فتتبعتها، فوجدتها كذلك، وهكذا في «التفسير العزيزي».
4090 - قوله: (قُرْآناً: كِتَاباً) والفرق بينهما أن القرآن من صفاته تعالى، بمعنى أنه تعالى قرأ به، والكتاب هو كلامُه الذي لم يتكلَّم به، كما إنَّا قد نَقْرَأُ ونَكْتُبُ شيئاً، ثم لا نقرأه. فالتوراةُ والإِنجيلُ كتابان، والفرقان هو القرآن.
4091 - قوله: (أَوْ أَكُونُ خَلِيفَتَكَ)، ظنَّ الشقيُّ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمملك، كسائر الملوك، ولم يَدْرِ أنه رسول الله إلى من وُجِدَ في الأرض كافةً. وذلك أمرٌ لا يتأتى فيه الشركة، ولا الاستخلاف، وإنما هو الله، يَصْطَفِي لرسالاته من شاء من عباده.
4092 - قوله: (فُزْتُ وَرَبِّ الكَعْبَةِ)، وقد مرَّ أنه من باب إبقاء الحالة المحبوبة. فليس فيه أن الطهارةَ لا تُنْقَضُ بخروج الدم، وقد ذَكَرْنَاهُ مفصَّلاً في «الطهارة».
---(6/145)
4096 - قوله: (إنَّما قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّمبَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْراً)، وهذا يَدُلُّ على أن الأكثرَ في القنوت أنها قبل الركوع. فَيُفِيدُنا في بيانُ الجنس، وإن لم يُعَيِّنْها الراوي: أنها نازلةٌ، أو راتبةٌ.
4096 - قوله: (بينهم وبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّمعَهْدٌ قِبَلَهُم)، أي الذين يَقْصُدُونهم كانوا بعيدين، وكانت تَقَعُ بلادُ الكفار دونهم، ولكن كانَ لهؤلاء عهدٌ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلّم وحاصلُه: أن الطريقَ كان مأموناً. فالظرفُ ههنا للمكان، وهذا صريحٌ في أن الغَدْرَ كان من المعاهدين، بخلاف ما سَبَقَ في الصحيح.
باب ُ غَزْوَةِ الخَنْدَقِ، وَهيَ الأَحْزَاب
قالَ مُوسىبْنُ عُقْبَةَ: كانَتْ في شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ.
* نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ** عَلَى الجِهَادِ ما بَقِينَا ابَدَا
* نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ** عَلَى الإِسْلاَمِ ما بَقِينَا أَبَدَا
قالَ: يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم وَهُوَ يُجِيبُهُمْ: «اللَّهُمْ إِنَّهُ لاَ خَيرَ إِلاَّ خَيرُ الآخِرَهْ. فَبَارِكْ في الأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرَهْ». قالَ: يُؤْتَوْنَ بِمِلءِ كَفِّي مِنَ الشَّعِيرِ، فَيُصْنَعُ لَهُمْ بِإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، تُوضَعُ بَينَ يَدَيِ القَوْمِ، وَالقَوْمُ جِيَاعٌ، وَهيَ بَشِعَةٌ في الحَلقِ، وَلَهَا رِيحٌ مُنْتِنٌ.
* «وَاللَّهِ لَوْلاَ اللَّهُ ما اهْتَدَينَا ** وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّينَا
* فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَينَا ** وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقينَا
* إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَينَا ** إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَينَا»
وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ: «أَبَينَا أَبَينَا».
* «اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ ما اهْتَدَينَا ** وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّينَا
---(6/146)
* فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَينَا ** وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَينَا
* إِن الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَينَا ** وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَينَا»
قالَ: ثمَّ يَمُدُّ صَوْتَهُ بِآخِرِهَا.
قوله: (قَالَ مُوسَى بن عُقْبَةَ: كَانَتْ في شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ) قلتُ: موسى بن عُقْبَةَ تابعيٌّ صغيرٌ، متقدِّمٌ عن محمد بن إسحاق. وفي «مغازي محمد بن إسحاق»: «أنها سنةُ خمسٍ».
4097 - قوله: (وهُوَ ابْنُ خمسَ عَشْرَةَ)... إلخ، وهو الفاصلُ في البلوغ عند صاحبيه، وعن أبي حنيفة أقوالٌ إلى تسعة عشر. وقد تحقَّق لديَّ أن البلوغَ في الخارج قد يجاوز بعد خمسة عشر أيضاً.
4100 - قوله: (بإهَالَةٍ سَنِخَةٍ): بدبو داررربى. ذكر الطحاويُّ في «مشكل الآثار»: أن الشيءَ الذَّائِبَ لا يَصِيرُ حراماً بالاحتراق كالسَّمْن، والجامدَ يَصِيرُ حراماً كاللحم المُحْتَرِقِ بالنار، وهكذا الخبز.
4101 - قوله: (فَضَرَبَ، فَعَادَ كَثِيباً أَهْيَلَ): تيله ريتلا، وفي بعض الأحاديث: «أنه لمَّا ضَرَبَ الضربةَ الأولَى قال: إنِّي بُشِّرْتُ بخزائن الشام، ثم ضَرَبَ ضربةً أخرى، وقال: بُشِّرْتُ بخزائن فارس، ثم ضَرَبَ ضربةً، وقال: إنِّي بُشِّرْتُ بخزائن اليمن.
4101 - قوله: (والعَجِينُ قَدِ انْكَسَرَ) خمير توت كياتها يعنى درست هو كياتها.
4101 - قوله: (ويُخَمِّرُ البُرْمَةَ والتَّنُّورَ)، ولعلَّ في التخمير سِرّاً في تحصيل البركة لم يُظْهِرْهُ. ولعلَّ هذا هو أصلُ ما اشْتُهِرَ بين الطلبة: أن عَدَّ أوراقِ الكتاب من الآخر يَمْحَقُ البركة.
4102 - قوله: (فَفَرَغَتْ إلى فَرَاغي)، أي فَرَغْتُ من ذبح بهيمةٍ، وفَرَغَتْ هي من طَحْنِ الشَّعِيرِ.
---
4102 - قوله: (إن جَابِراً قَدْ صَنَعَ سُوْراً) والسَّوْر بالحبشية: دعوةُ الطعام. ولمَّا لم يَكُنْ بين العرب، والحبشة إلاَّ نهرٌ، دَخَلَ بعضُ لغات الحبشة في لسان العرب، وبعضُ لغات العرب في الحبشة.(6/147)
4104 - قوله: (وإذَا أَرَادُوا فِتْنَةً، أَبَيْنَا)، أي إذا أَرَادُوا أن نَرْجِعَ على أعقابنا نأباه.
4104 - قوله: (وَرَفَعَ بِهِ صَوْتَهُ: أَبَيْنَا أَبَيْنَا)، وهذا كرفع الصوت بالتأمين في الآخر.
4105 - قوله: (الصَّبَا)، صلى الله عليه وسلّموا.
4105 - قوله: (الدَّبُورِ): صلى الله عليه وسلّمجوا.
4106 - قوله: (وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعَرِ)، وليس ذلك شيئاً مُنْضَبِطاً، فَيُمْكِنُ اعتباره بالقلَّة تارةً، وبالكثرة أخرى. فاعتبره الراوي قليلاً في «الشمائل»، وههنا كثيراً، ولا تَخَالُفَ بينهما، فإنه لا حِجْرَ في الاختلاف بين الأمور الإِضافية.
4108 - قوله: (ونَسْوَاتُهَا تَنْطُفُ)، أي ذوائبها، ولْيُحْفَظْ هذا اللفظ، فإن في «مسلم»: «أن أمَّهات المؤمنين كُنَّ قد قَصَّرْنَ أشعارَهُنَّ بعد وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلّم حتى جَعَلْنَهَا كالوَفْرة»، وذلك لا يَجُوز عندنا. وهذا اللفظُ يَدُلُّ على أنَّهُنَّ كانت لَهُنَّ ذوائب.
4108 - قوله: (فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ خَطَبَ مُعَاوِيَةُ)، وفيه تَسَامُحٌ، لأنهم اجتمعوا لذلك، فأين تفرَّقُوا عنه؟.
فائدة: واعلم أن المَقْبِلي، وإبراهيم الوزير كانا زيديَّين، وكانا يُفَسِّقَان بعضَ الصحابة رضي الله تعالى عنهم لا مجموعهم. وقد طَعَنَ المَقْبِلي على البخاريِّ أيضاً.
4108 - قوله: (فَلَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ، ومِنْ أَبِيهِ) واعلم أن قرابةَ الخلفاء بالنبيِّ صلى الله عليه وسلّمعلى عكس ترتيب الخلافة، فعليٌّ كان أقربَهم على عكس أبي بكر، ومعاويةُ أقربُ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلّممن عمر.
---
4111 - قوله: (حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ)، وفي الرواية التي تَلِيها: «حتَّى كادت الشَّمْسُ أن تَغْرِبَ»، وعند مسلم: «حتَّى اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ». وقد مرَّ في «الصلاة»: أن فيه دليلاً للحنفية.(6/148)
4112 - قوله: (ما كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ)، وفي مثله خلافٌ للنحاة، ومفادُه عندي: أن عمرَ صلاَّها، ولكن بالعُسْرِ. إلاَّ أن قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم «أنا والله ما صَلَّيْتُهَا» يقتضي أن عمرَ أيضاً لم يُصَلِّها، لأن فيه عطف التلقين، وذلك يُوجِبُ الاشتراكُ في الفعل، وعدمه.
4113 - قوله: (مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ القَوْمِ)، وكان الزمانُ زمانَ الشتاء. فَأَجَابَ الزُّبَيْرُ كلَّ مرّةٍ: أنا، فلمَّا جاءهم، رأى أبا سفيان يَصْطَلي بطنَه من النار من البرد. قال الزُّبَيْر: لو شِئْتُ لَرَمَيْتُ بطنَه بسهمٍ، إلاَّ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمكان نهاني أن أَفْعَلَ أمراً بغير إذنه، فلم أفعل.
باب ُ مَرْجَعِ النبي صلى الله عليه وسلّم مِنَ الأَحْزَابِ، وَمَخْرَجِهِ إِلَى بَنِي قُرَيظَةَ وَمُحَاصَرَتِهِ إِيَّاهُم
---
قالَ هِشَامٌ: فَأَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عائِشَةَ: أَنَّ سَعْداً قالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُجاهِدَهُمْ فِيكَ، مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَصلى الله عليه وسلّموَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الحَرْبَ بَينَنَا وَبَينَهُمْ، فَإِنْ كانَ بَقَيِ مِنْ حَرْبِ قُرَيشٍ شَيءٌ فَأَبْقِنِي لَهُ، حَتَّى أُجاهِدَهُمْ فِيكَ، وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الحَرْبَ فَافجُرْهَا وَاجْعَل مَوْتَتِي فِيهَا، فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ، وَفي المَسْجِدِ خَيمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَار، إِلاَّ الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الخَيمَةِ، ما هذا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَماً، فَمَاتَ مِنْهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وإنما خَرَجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّمبعد الأحزاب إلى بني قُرَيْظَة، لأنهم غَدَرُوا، وأعانوا الأحزاب.(6/149)
4118 - قوله: (كأَنِّي أَنْظُرُ إلى الغُبَار سَاطِعاً في زُقاقِ بني غَنْمٍ، مَوْكِب جبريل) واختلفوا في أن رؤيةَ جبرائيل عليه السلام، هل تَجُوزُ لغير النبيِّ صلى الله عليه وسلّمأو لا؟ فمنهم من جوَّزها، ومنهم من أَنْكَرَهَا. والظاهرُ من هذا اللفظ: أنه لمَّا رأى الغبارَ ساطعاً، ولم يَرَ راكباً ظنَّ أنه جبرائيل عليه السلام، ولم يَرَهُ، وذلك إذا كان في صورته. أمَّا إذا تمثَّل في صورة رجلٍ، فقد رآه آخرون أيضاً، كما مرَّ في «الإِيمان» «هذا جبرائيل جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُم دينكم». والله تعالى أعلم.
4118 - قوله: (مَوْكِب): سوارى شاهانه.
---
4119 - قوله: (فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا نُصَلِّي حتَّى نَأْتِيَها)، وقد مرَّ الكلامُ في اختلاف مَدَارِكِهِم فيه. ثم اعلم أنه نُسِبَ إلى الإِمام الأعظم: أن الحقَّ واحدٌ ودائرٌ، ونُسِبَ إلى صاحِبَيْهِ أنه متعدِّدٌ ظاهراً، وباطناً. وذَهَبَ جماعةٌ من الأصوليين إلى أن الحكمَ في كلِّ مسألةٍ من الله تعالى، والمجتهدُ مأمورٌ بابتغائه، وذلك أقربُ إلى الإِمام. وذَهَبَ جماعةٌ إلى أن لا حكم من الله تعالى في الموضع المُجْتَهَدِ فيه، ولكن المجتهِد يَحْكُمُ بالأشبه، وهذا أقربُ إلى صَاحِبَيْهِ. وذهب جماعةٌ ثالثةٌ إلى أن المُجْتَهِدَ مختارٌ فيه، حَكَم فيه بما شَاءَ.
4122 - قوله: (وفي المَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بني غِفَارٍ)... إلخ، وقد مرَّ: أن المرادَ من المسجد ههنا المكانُ المُعَدُّ للصلاة، على ما عُرِفَ من عادته في الأسفار: أنه كان إذا نَزَلَ منزلاً، أَعَدَّ مكاناً للصلاة، فيصلِّي فيه. والرواةُ يعبِّرون به عن المسجد، وما لهم وأنظارُ الفقهاء، وإنَّما هم بصدد نقل الواقع، فإذا رَأَوْهُم يصلُّون فيه عبَّروا عنه بالمسجد، سواء كان مسجداً في الفقه، أو لا. وحينئذٍ لا يَلْزَمُ كونها واقعةً في المسجد النبويِّ.
باب ُ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقاع(6/150)
وَهيَ غَزْوَةُ مُحَارِبِ خَصَفَةَ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِنْ غَطَفَانَ، فَنَزَلَ نَخْلاً، وَهيَ بَعْدَ خَيبَرَ، لأَنَّ أَبَا مُوسى جاءَ بَعْدَ خَيبَرَ.
وقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم - يَعْني صَلاةَ الخَوْفِ - بِذِي قَرَدٍ.
وَقَالَ يَزِيدُ، عَنْ سَلَمَةَ: غَزَوْتُ مَعَ النبي صلى الله عليه وسلّميَوْمَ القَرَدِ.
وَقَالَ مُسَدَّدٌ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ: اسْمُ الرَّجُلِ غَوْرَثُبْنُ الحَارِثِ، وَقاتَلَ فِيهَا مُحَارِبَ خَصَفَةَ.
---
وَقالَ أَبُو هُرَيرَةَ: صَلَّيتُ مَعَ النبي صلى الله عليه وسلّمغَزْوَةَ نَجْدٍ صَلاَةَ الخوْفِ، وَإِنَّمَا جاءَ أَبُو هُرَيرَةَ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلّمأَيَّامَ خَيبَرَ.
وعند البخاري، ومسلم عن أبي موسى: «أنها سُمِّيَت ذات الرِّقاع، لأنهم فَقَدُوا النِّعال، فَلَقُّوا أرجلهم بالرِّقاعِ». قلتُ: وذلك وإن كان صادقاً، لكن الأصوب: أن ذاتَ الرِّقاع جَبَلٌ، كما يُعْلَمُ من «معجم البلدان» للحموي، حيث يقول شاعرهم:
والرقعة لونٌ خلاف لون الأصل، وكان الجبلُ في لونه سوادٌ وبَيَاضٌ، فَسُمِّي بذات الرِّقاع. والاعتمادُ في ذلك الباب على قول الشاعر أجدرُ وأحرى. ويُمْكِنُ أن يكونَ الأمران جميعاً، فلا تَعَارُضَ. وعند القفول منها وَقَعَتْ قصة شراء النبيِّ صلى الله عليه وسلّممن جابر بعيره، واشتهرت بليلة البعير. وقد عَلِمْتَ أنه لم يُرِدْ فيها الشراءَ حقيقةً، ولكنه أراد أن يُعِينَهُ على نوائبه، واختار صورةَ الشِّرَاء فقط. وفيها قصة صحابيَ كان في المرابطة مصلِّياً، فرماه رجلٌ، فمضى في صلاته، ولم يَنْقُضْها، وفيها نَزَلَتْ صلاة الخوف: السنة الرابعة، وابتداء الخامسة.(6/151)
واعلم أنه اخْتُلِفَ في تلك الغزوةِ أنها كانت قبل خَيْبَرَ، أو بعدها، وجَنَحَ البخاريُّ إلى كونها بعدها، وخَالَفَ فيه علماءَ السِّيَر كافةً، فإنها قبلها عندهم. ثم العَجَبُ أنه قدَّمها على خَيْبَرَ وضعاً، مع جنوحه إلى كونها بعدها.
قال الحافظُ: لا أدري هل تعمَّد ذلك تلسماً لأصحاب المغازي، أو هو من تصرُّفات الرواة عنه. والمختارُ عندي: أن سفرَه صلى الله عليه وسلّمإلى ذات الرِّقاع وقع مرتين: مرَّةً قبل خَيْبَرَ في السنة الخامسة، ومرَّةً أخرى بعدها، في السابعة، كذا اختاره الحاكمُ في «الإِكليل».
---
ويُؤَيِّدُهُ ما عند مسلم، عن جابر: «غَزَوْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّمقوماً من جُهَيْنَة، فقاتلونا قتالاً شديداً»... إلخ، وجُهَيْنَةُ هم الذين قَاتَلُوا في غزوة ذات الرِّقاع، فَدَلَّ على ثبوت القتال. وفي البخاريِّ: «أنه لم يَكُنْ فيه قتالٌ»، فلا بُدَّ من القول بتعدُّد السفر. واختارُ الحافظُ وحدتها، كما في «الفتح»، و«تلخيص الحبير». والمحقَّقُ عندي ما ذَكَرْتُ، وما خالفته إلاَّ بعد وضوح الحال عندي، ثم الاستخارات من ربي عزَّ وجلَّ.
قوله: (وَهِيَ غَزْوَةُ مُحَارِبِ خَصَفَةَ من بَنِي ثَعْلَبَةَ)، أي مُحَارِب بن خَصَفَة، وخَصَفَةُ ليس من بني ثَعْلَبَة، بل هو ابنُ قَيْسِ، ففيه سهوٌ. والصواب مُحَارِبُ خَصَفَةَ، وبني ثَعْلَبة بالعطف، وراجع الهامش. والصوابُ في إضافة العَلَم إلى الَعَلمِ الجوازُ إذا كانت فيه فائدة، وإن أَنْكَرَها النحاةُ.
قوله: (فَنَزَلَ نَخْلاً) والنَّخْلُ موضعٌ قريبٌ من ذات الرِّقَاع. وأمَّا النَّخْلَةُ التي صلَّى فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلّمصلاةَ الصبحِ، واستمع بها نفرٌ من الجِنِّ، فهي عند الطائف على ثلاثة مراحل من المدينة.(6/152)
قوله: (وهِيَ بَع2 خَيْبَرَ، لأَنَّ أَبَا مُوسَى جَاءَ بَعْدَ خَيْبَرَ) استدلَّ منه البخاريُّ على دعواه بأمور: الأول: أن أبا موسى قد شَهِدَ ذات الرِّقاع، مع أنه لم يجيء إلاَّ بعد خَيْبَرَ، فَلَزِمَ أن تكونَ ذات الرِّقاع بعد خَيْبَرَ. والثاني: بما رُوِي عن جابر: «أنه صلَّى صلاة الخوف، مع النبيِّ صلى الله عليه وسلّمفي الغزوة السابعة»، وهي ذات الرِّقاع. ولما كانت السادسة هي خَيْبَرُ، لَزِمَ منه كون ذات الرِّقاع بعدها.
---
ومحصَّل ما نقله عن جابر، وابن عباس أمور: أنه صلَّى صلاة الخوف في ذات الرِّقاع، وأنه صلاَّها في ذات القَرَدِ، وأنه صلاَّها يوم مُحَارِبِ، وثَعْلَبَة، وأنه خرج إلى النَّخْلِ، فَدَلَّ على كون تلك المواضع متقاربة. والمعنى: أنه خَرَجَ من النَّخْل إلى ذات الرِّقاع، كما ذَكَرَهُ جابر آخراً، فصلَّى بهم صلاةَ الخوف في ذات القَرَدِ. وسيجيءُ أن ذات القَرَد قبل خَيْبَرَ بثلاثٍ، وخَيْبَرَ في السابعة، فَثَبَتَ كون ذات الرِّقاع أيضاً في السابعة.
4125 - قوله: (أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ القطَّانُ، عن يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ)... إلخ، وعِمْرَانُ القطَّانُ هذا هو عِمْرَانُ بن دَاوَر، وهو عِمْرَانُ العَطَّارُ. وروى أحمد في «مسنده» عن عِمْرَان العَطَّارِ هذا حديثاً في الوتر، يَدُلُّ على فصله صلى الله عليه وسلّمبين تسع الوتر بالست، والثلاث، ثم أَزَلْ أَفتِّش مَنْ هو، حتَّى رأيت في البخاريِّ: القطَّان في الصُلْب، والعطَّار في الهامش، فاستبنت أن القطَّانَ هو العطَّارُ، إلاَّ أنه مشهورٌ بالقطَّانِ. ومن ههنا ظَهَرَ شَرحُ حديث مسلم: «أن أبا سَلَمَةَ سأل عائشةَ عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، غير أن في حديثهما: تسع ركعاتٍ قائماً، يُوتِرُ منهنَّ اه. أنه على نظر الحنفية ستٌ، وثلاثٌ، وراجع له هامش رسالتي «كشف الستر» من الآخر.(6/153)
4125 - قوله: (في غَزْوَةِ السَّابِعَةِ)، تكلَّموا في معناه: أن السابعةَ هي الغزوةُ، ففيه إضافةُ الشيء إلى نفسه.
أو المرادُ: الغزوةُ التي في السنة الرابعة. فمال الحافظُ إلى الأوَّل، وعلى الثاني، ففيه دليلٌ للبخاريِّ صراحةً، بخلاف الأوَّل، فإنه لا يَلْزَمُ من كونها سابعةً أن تكونَ بعد خَيْبَرَ أيضاً، فإن كان فباللُّزُومِ.
---
4125 - قوله: (وقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: صَلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلّمالخَوْفَ بِذِي قَرَدٍ) وذُو قَرَدٍ اسمُ ماءٍ، وهو وإن كان غير ذات الرِّقاع، إلاَّ أن غرضَ المصنِّف أنها كلَّها مواضعُ متقاربةٌ، فكلُّها في سفر ذات الرِّقاع. ولما كان ذاتُ قَرَدٍ قُبَيْل خَيْبَرَ بثلاثِ، كما صرَّح به البخاريُّ في ترجمته، وهو عند مسلم أيضاً، وغزوةُ خَيْبَرَ في السابعة، لَزِمَ أن تكونَ غزوة ذات الرِّقاع أيضاً في السابعة، وهو المطلوبُ.
4126 - قوله: (عَنْ أبي مُوسَى أَنَّ جَابِراً حَدَّثَهُمْ: صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلّم؟... إلخ، وليس أبو موسى هذا هو الأشعريُّ، بل هو راوٍ آخرُ. ولمَّا كان في ذهنه أن السَّفَرَ لم يكن إلى هذا السَّمْتِ إلاَّ واحداً، وقد جاء التصريحُ عن أبي موسى: أن هذه الواقعة كانت بعد خَيْبَرَ، رَكِبَ في ذهنه أن الواقعةَ في كلِّها هي واقعةٌ ذات الرِّقاع، وتلك كلُّها أجزاؤها، وقطعاتها. وللقائل أن لا يسلِّمَ اتحاد السفر، بل يقول: إنه سافر إلى تلك المواضع أيضاً مستقلاًّ، فلا يكون فيه حُجَّةٌ للصِّنف أصلاً.
4127 - قوله: (فَلَمْ يَكْنْ قِتَالٌ) وقد مرَّ عن مسلم: فقاتلونا قتالاً شديداً، فلا جوابَ إلاَّ بالتزام تعدُّد الواقعة. فَيُقَال بثبوت القتال في سفرٍ، وبنفيه في سفر.
(حجة الشافعية في جواز اقتداء المفترض بالمتنفل)(6/154)
4136 - قوله: (وكان للنبيِّ صلى الله عليه وسلّمأَرْبَعٌ، وللقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ)، قد عَلِمْتَ أن فيه حجَّةً للشافعية في مسألة جواز اقتداء المُفْتَرِض بالمتنفِّل. وعَجَزَ عن جوابه مثل الزيلعيِّ، وابن الهُمَام. وحمله الطحاويُّ على زمانٍ كانت الفرائض فيه تُصَلَّى مرتين. وقد أَجَبْتُ عنه جواباً شافياً، بعون الله تعالى، ذكرته في البيوع، في ذيل بحث العرايا، ويَخْدِشُهُ ما عند النَّسائي من ذكر تسليم النبيِّ صلى الله عليه وسلّمأيضاً بعد الركعتين.
---
قلتُ: قد انكشف عندنا حقيقةً الأمرُ، وإذن لا نتَّبع الألفاظ، ونقول: إنه بالحقيقة تسليمٌ القوم، ونُسِبَ إلى إمامه لكونهم في إمامته، لا أنه تسليمٌ نفسه. أو يُقَالُ: إنه لمَّا انتظر صلى الله عليه وسلّمتسليم القوم، عبَّر الراوي انتظارَه للتسليم بالتسليم. وبعبارةٍ أخرى: إن التَّسْلِيمَ بعد الركعتين، وإن لم يَقَعْ من النبيِّ صلى الله عليه وسلّمحقيقةً، ولكنه لمَّا وقع من القوم خلال في صلاته عبَّر الراوي عن تسليمه. فصفةُ الصلاة فيها على رواية سَهْل بن أبي حَثْمَة، إلاَّ أن الرواةَ قد يَقْصُرُون في التعبير، نظراً إلى وضوح المراد عندهم. والله تعالى أعلم بالصواب.
ومَنْ يَحْمِلُ الوقائعَ على الألفاظ، ولا يجعلها تابعةٌ للوقائع، يَهِيمُ مدَّة عمره، ولا يهتدي إلى سواء الصِّرَاط، ولكن من لم يَذُقْ لم يَدْرِ.
باب ُ غَزْوَةِ بَنِي المُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، وَهيَ غَزْوَةُ المُرَيسِيع
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَذلِكَ سَنَةَ سِتَ. وَقَالَ مُوسىبْنُ عُقْبَةَ: سَنَةَ أَرْبَع. وَقَالَ النُّعْمَانُبْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: كَانَ حَدِيثُ الإِفكِ فِي غَزْوَةِ المُرَيسِيعِ.
والمُصْطَلِقُ اسمُ قبيلةٍ من خُزَاعَةَ، وكان لهم تسلُّطٌ على مكة قبل قريش، ثُمَّ لمَّا تسلَّط عليها قريش تَقَشَّعُوا حوالي مكة.
قوله: (والمُرَيْسِيع): بِئْرٌ.(6/155)
قوله: (وقَالَ مُوسَى بن عُقْبَةَ: سَنَةً أَرْبَعٍ) قال الحافظُ: كأنه سهوٌ من قلم البخاريِّ. والذي ذكره: أنها كانت سَنَةَ خمسٍ.
4138 - قوله: (مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لا تَفْعَلُوا)، فيه بيانٌ لكون العَزْل لغواً، وليس فيه تحريمٌ.
---
4139 - قوله: (فَشَامَهُ)، أي جَعَلَهُ في غِمْدِهِ. وفي لفظٍ: «أنه سَقَطَ من يده»، فهذا من اختلاف الرُّواة في الألفاظ، وقلَّما الْتُفِتَ إليه، إلاَّ إذا كان مَدَاراً للمسألة.
باب ُ غَزْوَةِ أَنْمَار
والأَثْمَارُ: موضعٌ عند ذات الرِّقاع. والصوابُ أن موضعَه قبل غزوة بني المُصْطَلِقِ، فلعلَّه من النُّسَّاخ، لأن قصة الإِفَكِ وقعت في غزوة بني المُصْطَلِق، فلا معنى لإِدخال غزوة بني أَنْمَارٍ بينهما. هكذا ذَكَرَهُ الحافظُ.
باب ُ حَدِيثِ الإِفك
وَالأَفَكِ، بِمَنْزِلَةِ النِّجْسِ وَالنَّجَسِ، يُقَالُ: {إِفْكِهِمْ} (الصافات: 151).
قالَ عُرْوَةُ: كانَتْ عائِشَةُ تَكْرَهُ أَنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ، وَتَقُولُ: إِنَّهُ الَّذِي قالَ:
* فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي ** لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقاءُ
---(6/156)
قالَتْ عائِشَةُ: فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ، فَاشْتَكَيتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْراً، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ في قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفكِ، لاَ أَشْعُرُ بِشَيءٍ مِنْ ذلِكَ، وَهُوَ يَرِيبُنِي في وَجَعِي أَنِّي لاَ أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّماللُّطَفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّمفَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ: «كَيفَ تِيكُمْ؟» ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذلِكَ يَرِيبُنِي وَلاَ أَشْعُرُ بِالشَّرِّ، حَتَّى خَرَجْتُ حِين نَقَهْتُ، فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَنَاصِعِ، وَكانَ مُتَبَرَّزَنَا، وَكُنَّا لاَ نَخْرُجُ إِلاَّ لَيلاً إِلَى لَيلٍ، وَذلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الكُنُفَ قَرِيباً مِنْ بُيُوتِنَا، قالَتْ: وَأَمْرُنَا أَمْرُ العَرَبِ الأُوَلِ في البَرِّيَّةِ قِبَلَ الغَائِطِ، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بالكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا، قالَتْ: فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَمُّ مِسْطَحٍ، وَهيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِبْنِ المُطَّلِبِبْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِبْنِ عامِرٍ خالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنُهَا مِسْطَحُبْنُ أُثَاثَةَبْنِ عَبَّادِبْنِ المُطَّلِبِ، فَأَقْبَلتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيتِيَ حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ في مِرْطِهَا فَقَالَتْ: تَعسَ مِسْطَحٌ، فَقُلتُ لَهَا: بِئْسَ ما قُلتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلاً شَهِدَ بَدْراً؟ فَقَالَتْ: أَي هَنْتَاهْ وَلَمْ تَسْمَعِي ما قالَ؟ قالَتْ: وَقُلتُ: ما قالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفكِ، قالَتْ: فَازْدَدْتُ مَرَضاً عَلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّمفَسَلَّمَ، ثُمَّ قالَ: «كَيفَ تِيكُمْ؟» فَقُلتُ لَهُ: أَتَأْذَنُ(6/157)
---
لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ قالَتْ: وَأُرِيدُ أَنْ أَسْتَيقِنَ الخَبَرَ مِنْ
قِبَلِهِمَا، قالَتْ: فَأَذِنَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم فَقُلتُ لأُمِّي: يَا أُمَّتَاهُ، ماذَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قالَتْ: يَا بُنَيَّةُ، هَوِّنِي عَلَيكِ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، لَهَا ضَرَائِرُ، إِلاَّ كَثَّرْنَ عَلَيهَا. قالَتْ: فَقُلتُ سُبْحَانَ اللَّهِ، أَوَلَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهذا؟ قالَتْ: فَبَكَيتُ تِلكَ اللَّيلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي، قالَتْ: وَدَعا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّمعَلِيَّبْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَبْنَ زَيدٍ، حِينَ اسْتَلبَثَ الوَحْيُ، يَسْأَلُهُمَا وَيَسْتَشِيرُهُما في فِرَاقِ أَهْلِهِ، قالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّمبِالَّذي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ في نَفسِهِ، فَقَالَ أُسَامَةُ: أَهْلَكَ، وَلاَ نَعْلَمُ إِلاَّ خَيراً. وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ. قالَتْ: فَدَعا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّمبَرِيرَةَ، فَقَالَ: «أَي بَرِيرَةُ، هَل رَأَيتِ مِنْ شَيءٍ يَرِيبُكَ؟» قالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ، ما رَأَيتُ عَلَيهَا أَمْراً قَطُّ أَغْمِصُهُ، غَيرَ أَنَّهَا جارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ، قالَتْ: فَقَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّممِنْ يَوْمِهِ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِبْنِ أُبَيَ، وَهُوَ عَلَى
---(6/158)
المِنْبَرِ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَذَاهُ في أَهْلِي، وَاللَّهِ ما عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ خَيراً، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلاً ما عَلِمْتُ عَلَيهِ إِلاَّ خَيراً، وَما يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ مَعِي». قالَتْ: فَقَامَ سَعْدُبْنُ مُعَاذٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْذِرُكَ، فَإِنْ كانَ مِنَ الأَوْس ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الخَزْرَجِ، أَمَرْتَنَا فَفَعَلنَا أَمْرَكَ. قالَتْ: فَقَامَ
---(6/159)
رَجُلٌ مِنَ الخَزْرَجِ، وَكانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ فَخِذِهِ، وَهُوَ سَعْدُبْنُ عُبَادَةَ، وَهُوَ سَيِّدُ الخَزْرَجِ، قالَتْ: وَكانَ قَبْلَ ذلِكَ رَجُلاً صَالِحاً، وَلكِنِ احْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّةُ، فَقَالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لاَ تَقْتُلُهُ، وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، وَلَوْ كانَ مِنْ رَهْطِكَ ما أَحْبَبْتَ أَنْ يُقْتَلَ، فَقَامَ أُسَيدُبْنُ حُضَيرٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدٍ، فَقَالَ لِسَعْدِبْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ المُنَافِقِينَ، قالَتْ: فَثَارَ الحَيَّانِ الأَوْسُ وَالخَزْرَجُ، حَتَّى هَمّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّمقائِمٌ عَلَى المِنْبَرِ، قالَتْ: فَلَمْ يَزَل رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّميُخَفِّضُهُمْ، حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ، قالَتْ: فَبَكَيتُ يَوْمِي ذلِكَ كُلَّهُ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، قالَتْ: وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، وَقَدْ بَكَيتُ لَيلَتَينِ وَيَوْماً، لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، حَتَّى إِنِّي لأَظُنُّ أَنَّ البُكاءَ فالِقٌ كَبِدِي، فَبَينَا أَبَوَايَ جالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، قالَتْ: فَبَينَا نَحْنُ عَلَى ذلِكَ دَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّمعَلَينَا فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، قالَتْ: وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ ما قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ لَبِثَ شَهْراً لاَ يُوحى إِلَيهِ في شَأْنِي بِشَيءٍ، قالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّمحِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قالَ: «أَمَّا بَعْدُ، يَا عائِشَةُ، إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ
---(6/160)
بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلمَمْتِ بِذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيهِ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عَلَيهِ». قالَتْ: فَلَمَّا قَضى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّممَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى ما أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلتُ لأَبِي: أَجِبْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلّمعَنِّي فِيما قالَ، فَقَالَ أَبِي: وَاللَّهِ ما أَدْرِي ما أَقُولُ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم فَقُلتُ لأُمِّي: أَجِيبِي رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلّمفِيما قالَ، قالَتْ أُمِّي: وَاللَّهِ ما أَدْرِي ما أَقُولُ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم فَقُلتُ، وَأَنَا جارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لاَ أَقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ كَثِيراً: إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هذا الحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ في أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ، لاَ تُصَدِّقُونِي، وَلَئِنِ اعْتَرَفتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ، لَتُصَدِّقُنِّي، فَوَاللَّهِ لاَ أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلاً إِلاَّ أَبَا يُوسُفَ حِينَ قالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (يوسف: 18). ثُمَّ تَحَوَّلتُ وَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي حِينَئِذٍ بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلكِنْ وَاللَّهِ ما كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ مُنزِلٌ في شَأْنِي وَحْياً يُتْلَى، لَشَأْنِي في نَفسِي كانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ، وَلكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم في النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا، فَوَاللَّهِ ما رَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم مَجْلِسَهُ،(6/161)
---
وَلاَ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ البَيتِ، حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيهِ، فَأَخَذَهُ ما كانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِنَ العَرَقِ مِثْلُ الجُمَانِ، وَهُوَ في يَوْمٍ شَاتٍ، مِنْ ثِقَلِ القَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيهِ، قالَتْ: فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّموَهُوَ يَضْحَكُ، فَكانَتْ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قالَ: «يَا عائِشَةُ، أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ». قالَتْ: فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إِلَيهِ، فَقُلتُ: وَاللَّهِ لاَ أَقُومُ إِلَيهِ، فَإِنِّي لاَ أَحْمَدُ إِلاَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، قالَتْ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَآءوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مّنْكُمْ} (النور: 11) العَشْرَ الآياتِ. ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ هذا في بَرَاءَتِي، قالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَكانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِبْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ: وَاللَّهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيئاً أَبَداً بَعْدَ الَّذِي قالَ لِعَائِشَةَ ما قالَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الْفَضْلِ مِنكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (النور: 22). قالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كانَ يُنْفِقُ عَلَيهِ، وَقالَ: وَاللَّهِ لاَ أنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَداً، قالَتْ عائِشَةُ: وَكانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّمسَأَلَ زَينَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ لِزَينَبَ: «ماذَا عَلِمْتِ، أَوْ رَأَيتِ؟» فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللَّهِ ما عَلِمْتُ إِلاَّ خَيراً، قالَتْ عَائِشَةُ: وَهيَ الَّتِي كانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم
---(6/162)
فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالوَرَعِ. قالَتْ: وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ.
قالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَهذا الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِ هؤلاَءِ الرَّهْطِ.
ثُمَّ قالَ عُرْوَةُ: قالَتْ عائِشَةُ: وَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي قِيلَ لَهُ ما قِيلَ لَيَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَوَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ما كَشَفتُ مِنْ كَنَفِ أُنْثى قَطُّ، قالَتْ: ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذلِكَ في سَبِيلِ اللَّهِ.
قالَ ابْنُ أَبِي مُلَيكَةَ: وَكانَتْ أَعْلَمَ مِنْ غَيرِهَا بِذلِكَ، لأَنَّهُ نَزَلَ فِيهَا.
وَقالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا عُثْمانُبْنُ فَرْقَدٍ: سَمِعْتُ هِشَاماً، عَنْ أَبِيهِ قالَ: سَبَبْتُ حَسَّانَ، وَكانَ مِمَّنْ كَثَّرَ عَلَيهَا.
* حَصَانٌ رَزَانٌ ما تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ** وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الغَوَافِلِ
فَقَالَتْ لَهُ عائِشَةُ: لكِنَّكَ لَسْتَ كَذلِكَ. قالَ مَسْرُوقٌ: فَقُلتُ لَهَا لِمَ تأْذَنِي لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيكِ وَقَدْ قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النور: 11) فَقَالَتْ: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ العَمى؟ قالَتْ لَهُ: إِنَّهُ كانَ يُنَافِحُ - أَوْ يُهَاجِي - عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم
4141 - قوله: (فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا)، وإنما كان ذلك لتطييب خاطرهُنَّ، وإلاَّ فالقَسَمُ غيرُ واجبٍ عند الخروج إلى السَّفَرِ.
4141 - قوله: (بَعْدَما أُنْزِلَ الحِجَابُ) ويُخَالِفُهُ بعض الألفاظ. ولكنَّك عَرَفْتَ منِّي أنِّي لا أقتحمُ في مثل هذه المواضع، وعلى الشَّارِحِين أن يتوجَّهُوا إليه.
4141 - قوله: (حِينَ فَرَغْنَا)، وفيه بعض الرِّوايات: «حين خَرَجْنَا إلى البِرَازِ، فَرَجَعْتُ، ولم أَقْضِ حاجتي». فهذا مُعَارِضٌ لذاك.
---(6/163)
4141 - قوله: (تَعِسَ مِسْطَحٌ) وهو ابنُ خالةٍ لأبي بكرٍ، وتَعِسَ: أي كُبَّ بوجهه. وإنما دَعَتْ على مِسْطَحٍ عند كبوتها، لأن من طريق الإِنسان أنه إذا أهمَّه أمرٌ بتذكَّره في كلِّ شأنه، وينتقل إليه لكونه بمرأى عينيه. فلمَّا كان مِسْطَحُ أخذ نصيبه من الإِفْكِ، وكان ساءها ذلك، تذكَّرت عند كبوتها، لأن العثورَ لمَّا حَصَلَ لشغلها بهذا الهمِّ، فكأنه حَصَلَ من جهة مِسْطَح، فَدَعَتْ عليه.
4141 - قوله: (فَقَالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لا تَقْتُلُهُ) وذِكْرُ سعدٍ ههنا وَهْمٌ، لأنه قُتِلَ في غزوة الخَنْدَق، وكانت قبل قصة الإِفْكِ. وإنما ثَارَ الحيَّان: الأَوْسُ، والخَزْرَجُ، لأن الخزرجيَّ زَعَمَ أن سعداً الأوسيَّ إنما أشار بقتل الخزرجيِّ زعماً منه أنه ليس له حامٍ، فأخذته الحميَّة، فقال: لَعَمْرِ الله لا تقتله، فعند ذلك ثار الحيَّان. ولم يَكُنْ نظرهم إلى خصوص معاملة النبيِّ صلى الله عليه وسلّمما هي فلا إشكالَ فيمن جادل عن أخيه الخزرجيِّ، فإن الظاهرَ أن لا تتشتَّت كلماتهم فيمن خَاضَ في أهل النبيِّ صلى الله عليه وسلّم ونال من عِرْضِهِ. ولكن الخزرجيَّ لم يَنْظُرْ إلى خصوص معاملة النبيِّ صلى الله عليه وسلّم ولكنه نَظَرَ إلى أن الأوسيَّ يرى أنه ضعيفٌ لا حامي له، فَلَحِقَ به، وبأهل قبيلته، هوانٌ وذلٌّ، فأخذته الحميَّةُ، فقال ما قال.
وأمَّا قوله: «كَذَبْتَ»، فهو نظراً إلى أن قوله: «إن كان من الأَوْسِ نقتله»، لم يَكُنْ عن جذر قلبٍ منه، بل لأنه زَعَمَ أن القائلَ ليس من قبيلته، بل من الخَزْرَجِ، فلو كان من الأَوْسِ لم يَقُلْ ما قال، ولِذَا قال له: كَذَبْتَ.
---(6/164)
4141 - قوله: (وإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ، فاسْتَغْفِرِي اللَّهَ) وفي الفقهِ: أن من أَسْرَفَ على نفسه، فاقْتَرَفَ معصيةً، لا يجب عليه أن يَذْهَبَ بها إلى القاضي، وإن رآه الشهداء على ذلك الحال، وظنُّوا أنه وَقَعَ فيها اتفاقاً، ولم يتعمَّدها، ولا تعوَّدها يُسْتَحَبُّ لهم الستر أيضاً، فقولُه لها محمولٌ على الديانة. ثم إن معاملة هؤلاء الذين خَاضُوا في قصة الإِفْكِ إنما طَالَتْ، لأنه لم يَكُنْ نَزَلَ فيها حكمٌ بَعْدُ، فلمَّا نزل الوحيُ حُدَّ القاذفون حدَّهم، وانقطع الحديث.
فائدة: والحكمةُ الإِلهِيَّةُ في إجراء تلك القصة في بيت النبوة، بيانُ صبرِ النبيِّ، وثباتهِ على أحكام الشرع، وعدمِ مجاوزته عن الحدود: «فإنَّ سَعْداً لمَّا سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلّمعن رجل يرى على امرأته رجلاً، ولم يَجِدْ عليهِ بيِّنةً: كيف يفعل؟ قال له: إنه يأتي بالبيِّنة، أو يُحَدُّ حدَّ القذف، فقال له سعدٌ: ولكنِّي واللَّهِ أضْرِبُهُ بالسيف، غير مُصْفِحٍ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم انظروا إلى غَيْرَةِ سعدٍ، وأنا أَغْيَرُ منه، والله أَغْيَرُ منِّي»، ثم نَزَلَ اللِّعَان، فَكَشَفَ اللَّهُ سبحانه أنه لم يَقُلْهُ لسعدٍ فقط، بل لما ابْتُلِيَ به ترقَّب الوحيَ بنفسه أيضاً، ولم يَعْجَلُ في أمره، ولا احتال لِدَرْئِهِ.Y
---(6/165)
ثُمَّ إنِّي أجد أنه ما من نبيَ إلاَّ وقد ابْتُلِيَ من جهة النساء قبله أيضاً، وذلك لأنهم أشدُّ الناس بلاءً، وأشدَّه ما يأتي على المرء من قبل عشيرته، وأهل بيته. فآدمُ لاَمَهُ ربُّه من أجل حواء عليهما الصلاة والسلام. وأمَّا نوح عليه الصلاة والسلام، فلم تَكُنْ زوجتُهُ مؤمنةً. وأمَّا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فاضطر إلى الخروج من أجل الخصومة بين سارة وهاجر عليهما السلام. وكذلك ما وَقَعَ لموسى عليه الصلاة والسلام في الخُطْبَة، حيث قذفته امرأةٌ، وكان قارون أَمَرَهَا به. وقد ابْتُلِي عيسى عليه الصلاة والسلام من جهة أمِّهِ حيث اتَّهمُوها ممَّا يَعْلَمُ اللَّهُ أنها كانت بريئةً منه. ونحوه وقع للوط عليه الصلاة والسلام أيضاً. فأَصَابَ امرأته ما أَصَابَ قومه.
فتلك سُنَّةٌ قد أتت على من قبله من الرُّسل أيضاً، لِيَرَى اللَّهُ سبحانه بها صبرَ أنبيائه، واستقامتَهم على الحقِّ، وثباتَهم على الدين، عليهم الصلاة والتسليم، وسيجيءُ بعضُ الكلامِ عن قريبٍ.
ثم اعلم أنه يُعْلَمُ من البخاريِّ: أن حسَّانَ كان مِمَّن خَاضَ في حديث الإِفْكِ، ولكن يُعْلَمُ من أبياته أنه لم يَفِهْ به أصلاً، حيث يَمْدَحُهَا، ويُبَرِّىءُ نفسه عمَّا رُمِيَ بهِ، فيقول: كما سيجيءُ:
*حَصَانٌ رَزَانٌ، ما تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ** وتُصْبِحُ غَرْثَى من لُحُومِ الغَوَافِلِ
قوله: (حَصَانٌ): عفت والى هى.
قوله: (رَزَانٌ): وقار والى هى بهارى بهر كم هى.
قوله: (غَرْثَى)، أي جائعة، لأنها لا تَغْتَابُ النساءَ الغافلات. وفي قصيدته:
*فإنْ كُنْتُ قد قُلْتُ الذي قد زَعَمْتُمْ، ** فلا رفعت صوتي إليّ أنامل
---(6/166)
وحَمَلَ الحافظُ: أن هذا التشبيبُ في بيته: قلتُ: كلاَّ، بل هو في عائشةَ، كما يَدُلُّ عليه سائر أباته. ثُمَّ إن الذي تولَّى كِبْرَهُ هو عبد الله بن أبيّ، رأس المنافقين، على ما اختاره المفسِّرون. ويُعْلَمُ من البخاريِّ أنه حَسَّان، كما يجيء من قول عائشة فيه: «وأيُّ عذابٍ أشدُّ من العَمَى؟» فهو عندي من باب تلقِّي المُخَاطَب بما لا يترقَّبُ، وإلاَّ فالآيةُ نَزَلَتْ في عبد الله بن أبي بالاتفاق، كما قالته هي رضي الله تعالى عنها: «أنه عبد الله». وإنما غَضِبَتْ عائشةُ على عليَ، وحسَّان لأجل التسليم لا غير.
والعبرةُ عندي بأخذ قول حسَّان نفسه، ولا عِبْرَةَ بما يُذَاعُ بين الناس، ويُشَاع، فإن حالَ الخبط في الأخبار معلومٌ. وبالجملة نسبة القذف إليه عندي خلافُ التحقيق، وكذا من جعله مِصْدَاقاً لقوله: {وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ} (النور: 11) باطلٌ عندي. والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
4141 - قوله: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)، وراجع لبلاغته «شرح الأشموني للألفية».
4141 - قوله: (وَهِيَ التي كانت تُسَامِينِي)، تعني به أن زَيْنَبَ هي التي كانت تساويها منزلةً عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلو كانت امْتَنَعَتْ عن براءتي لحقَّ لها، على سنَنِ الضَّرَائر، ولكنَّها لو رعِها ذَبَّتْ عنِّي، ولم تَقُلْ فيَّ إلاَّ خيراً.
4141 - قوله: (ما كَشَفْتُ مِنْ كَنَفِ أُنْثَى قَطُّ)، يعني ما جَامَعْتُ امرأةً، وإن نَكَحَ بعد ذلك، كما يَدُلُّ عليه ما عد أَبي داود، عن أبي سعيدٍ، قال: «جاءت امرأةٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ونحن عنده، فقالت: زوجي صَفْوان بن المُعَطَّلِ، يَضْرِبُني إذا صلَّيت، ويُفَطِّرُني إذا صُمْتُ»... إلخ.
---(6/167)
4142 - قوله: (عن الزُّهْرِيِّ قال: قال لي الوَلِيدُ بن عَبْدِ المَلِكِ: أَبَلَغَكَ أن عَلِيّاً كَانَ فِيمَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ؟)... إلخ، كان لعبد الملك أربع بنين: سليمان، وهشام، والوليد، ويزيد؛ والأوَّلان صالحان، والآخران خبيثان، وكانوا كلُّهم خلفاء.
4142 - قوله: (كَانَ عَلِيٌّ مُسَلِّماً): دهيلى، والأحسنُ - كما في الهامش - مُسِيئاً بدله، ومعناه: كجه همدردى كرنى والى نه تهى. وكان الوليدُ بصدد تحقيق أمر عليّ في عائشةَ، فسأل الزهريَّ عنه. وإنما لم يُجِبْهُ الزهريُّ بما يستحقُّه، وأَلاَنَ في الكلام، لأن الوليدَ كان حاكماً، ولو كان غيره لشدَّد له في الكلام.
باب ُ غَزْوَةِ الحُدَيبِيَة
قالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ قَتَادَةَ. تَابَعَهُ مُحَمَّدُبْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ.
تَابَعَهُ الأَعْمَشُ: سَمِعَ سَالِماً: سَمِعَ جابِراً: أَلفاً وَأَرْبَعَمِائَةِ.
وَعَنْ عَمِّهِ قَالَ: بَلَغَنَا حِينَ أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُصلى الله عليه وسلّمأَنْ يَرُدَّ إِلَى المُشْرِكِينَ مَا أَنْفَقُوا عَلَى مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ، وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَصِيرٍ: فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ.
باب ُ قِصَّةِ عُكْلٍ وَعُرَينَة
قَالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنَا أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلّمبَعْدَ ذلِكَ كَانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهى عَنِ المُثْلَةِ.
وَقَالَ شُعْبَةُ وَأَبَانُ وَحَمَّادٌ عَنْ قَتَادَةَ: مِنْ عُرَينَةَ. وَقَالَ يَحْيىبْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَأَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ: قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ.
قَالَ عَبْدُ العَزِيزِبْنُ صُهَيبٍ، عَنْ أَنَسٍ: مِنْ عُرَينَةَ. وَقَالَ أَبُو قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ: مِنْ عُكْلٍ، ذَكَرَ القِصَّةَ.
---
باب ُ غَزْوَةِ ذَاتِ القَرَد(6/168)
وَهيَ الغَزْوَةُ الَّتِي أَغَارُوا عَلَى لِقَاحِ النبي صلى الله عليه وسلّم قَبْلَ خَيبَرَ بِثَلاَثٍ.
* أَنَا ابْنُ الأَكْوَعْ ** اليَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ
وَأَرْتَجِزُ، حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ، وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلاَثِينَ بُرْدَةً، قَالَ: وَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم وَالنَّاسُ، فَقُلتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَدْ حَمَيتُ القَوْمَ المَاءَ وَهُمْ عِطَاشٌ، فَابْعَثْ إِلَيهِمُ السَّاعَةَ، فَقَالَ: «يَا ابْنَ الأَكْوَعِ، مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ». قَالَ: ثُمَّ رَجَعْنَا وَيُرْدِفُنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّمعَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى دَخَلنَا المَدِينَةَ.
باب ُ غَزْوَةِ خَيبَر
* اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَينَا ** وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّينَا
* فَاغْفِرْ فِدَاءً لكَ مَا أَبْقَينَا ** وَأَلقِيَنْ سَكِينَةً عَلَينَا
* وَثَبّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَينَا ** إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَبَينَا وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَينَا
---(6/169)
فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم «مَنْ هذا السَّائِقُ؟». قَالُوا: عامِرُبْنُ الأَكْوَعِ، قَالَ: «يَرْحَمُهُ اللَّهُ». قَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: وَجَبَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَوْلاَ أَمْتَعْتَنَا بِهِ، فَأَتَينَا خَيبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَتَحَهَا عَلَيهِمْ، فَلَمَّا أَمْسى النَّاسُ مَسَاءَ اليَوْمِ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيهِمْ، أَوْقَدُوا نِيرَاناً كَثِيرَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «مَا هذهِ النِّيرَانُ؟ عَلَى أَيِّ شَيءٍ تُوقِدُونَ؟» قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ، قَالَ: «عَلَى أَيِّ لَحْمٍ؟» قَالُوا: لَحْمِ حُمُرِ الإِنْسِيَّةِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا». فَقَالَ رجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَنُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ: «أَوْ ذَاكَ». فَلَمَّا تَصَافَّ القَوْمُ كَانَ سَيفُ عَامِرٍ قَصِيراً، فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيّ لِيَضْرِبَهُ، وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيفِهِ، فَأَصَابَ عَينَ رُكْبَةِ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ، قَالَ: فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّموَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي قَالَ: «مَا لَكَ؟» قُلتُ لهُ: فدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِراً حَبِطَ عَمَلُهُ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لأَجْرَينِ - وَجَمَعَ بَينَ إِصْبَعَيهِ - إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشى بِهَا مِثْلَهُ». حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، قَالَ: «نَشَأَ بِهَا».
وَقالَ
---(6/170)
وَقالَ الزُّبَيدِيُّ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمنِبْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عُبَيدَ اللَّهِبْنَ كَعْبٍ قالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ مَعَ النبي صلى الله عليه وسلّم خَيبَرَ.
قالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي عُبَيدُ اللَّهِبْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعِيدٌ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
قالَ أَبُو بُرْدَةَ: قالَتْ أَسْماءُ: فَلَقَدْ رَأَيتُ أَبَا مُوسى وَإِنَّهُ لَيَسْتَعِيدُ هذا الحَدِيثَ مِنِّي.
قَالَ أَبو عَبْدِ الله: الضَّالُ السِّدْرُ.
باب ُ اسْتِعْمَالِ النبي صلى الله عليه وسلّم عَلَى أَهْلِ خَيبَر
باب ُ مُعَامَلَةِ النبي صلى الله عليه وسلّم أَهْلَ خَيبَر
باب ُ الشَّاةِ التَّيِ سُمَّتْ للِنبي صلى الله عليه وسلّمبِخَيبَر
رَوَاهُ عُرْوَةُ، عَنْ عائِشَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
باب ُ غَزْوَةِ زَيدِبْنِ حارِثَة
وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلّمبَعَثَهُ إلى مُؤْتة، وكان سمَّى ثلاثةَ أنفاٍ، لِيُؤَمِّرَ واحداً، إذا اسْتَشْهَدَ آخر، فاستشهد زيدٌ، وجعفرُ، وعبدُ الله بن رَوَاحة رضي الله عنهم، ثم فَتَحَهَا اللَّهُ على خالدٍ. وأَخْرَجَ له البخاريُّ قصةَ مرض موته صلى الله عليه وسلّم وهي بعد موتة بكثيرةٍ، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلّمأَمَّرَ فيها أُسامةَ، واسْتَتْبَعَ ذلك ذكر زيد أبيه أيضاً.
باب ُ عُمْرَةِ القَضَاء
ذَكَرَهُ أَنَسٌ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
باب ُ غَزْوَةِ مُوتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّأْم
وهي في السنة السابعة بعد الهجرة النبوية.
---
4251 - قوله: (فَكَتَبَ: هَذَا ما قَاضَى)... إلخ، وفي إسنادِ فعلِ الكتابة إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّمبحثٌ: أنه إسنادٌ إلى المباشر، أو الآمر، فلم يَنْفَصِلْ بعدُ، وفي ذلك قد ابْتُلِي القاضي أبو الوليد الباجي، وكان يدَّعي: أن هذا القدرَ من الأحرف كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّمكَتَبَهُ بيده الكريمة.(6/171)
قلتُ: ولفظ الراوي: «وليس يُحْسِنُ الكتابةَ»، يُؤَيِّدُه أي تأييدٍ، وإن كان الأمر لا يَنْفَصِلُ منه أيضاً، فإن الرواةَ يعبِّرون بكل نحوٍ. فلا تُبْنَى عليه مسألةٌ، ولا تنقض منه مسألة، ولا يَنْكَشِفُ الأمر ما لم يَنْكَشِفْ حالُ الإِسنادِ في «كتب» أنه إلى المباشر، أو الآمر، وذلك غير مُنْكَشِفٍ.
وبالجملة لمَّا ادَّعى القاضي بما ادَّعى، أَفْتَى المالكيةُ بقتله، لكونهم متشدِّدين في هذا الباب، فقالوا: إنه سَبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم وإنما عَدُّوه سبّاً، لأن القرآنَ لقَّبه أميّاً، والكتابة خلافه. فقام للذَّبِّ عنه أحدٌ من الكباب من هذا المجلس، وقال: لا سبيلَ لكم إلى قتله، فإنه ادَّعى الكتابة معجزةً منه صلى الله عليه وسلّم فلا يُخَالِفُ ادِّعَاءَ القرآن بكونه أُميَّاً، فخلَّى سبيله، بعد أن كان رهنُه قد انْغَلَقَ.
4254 - قوله: (وما اعْتَمَرَ في رَجَبٍ قَطُّ)، والرَّجَبُ ههنا مُنْصَرِفٌ لعدم إرادة المتعيَّن منه، وهي مسألة جاءني عمر، وعمر آخر يعينها.
باب ُ بَعْثِ النبي صلى الله عليه وسلّم أُسَامَةَبْنَ زَيدٍ إِلَى الحُرَقَاتِ مِنْ جُهَينَة
واعلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمكان أمر أُسَامَةَ مرَّةً في حياته الطيبة، ومرَّةً أخرى في مرض مَوْتِهِ.
---
4269 - قوله: (فما زَالَ يُكَرِّرُهَا حتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ اليَوْم)، أي ليكون إسلامي اليوم هادماً لِمَا سَبَقَ من الخطايا، فَتَدْخُلُ معاتبةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلّمأيضاً فيها، ولم أُؤَاخَذُ بها أيضاً. وليستقيم في شرح نحو هذا المقولات، لئلا تَزِلَ قدم بعد ثبوتها، لأنَّ الظاهرَ منه أنه تمنَّى الكفرَ في الزمن الماضي، ورَضِيَ به، وهو كفرٌ.
قلتُ: وقد عَلِمْتَ أنه ليس فيه رضاءٌ بالكفر، بل فيه إظهارٌ للحزن والحسرة، وإن كان ظاهرُ اللفظ يُشْعِرُ بالأوَّل.(6/172)
4271 - قوله: (وغَزَوْتُ مَعَ ابنِ حَارِثَةَ، اسْتَعْمَلَهُ عَلَيْنَا)، أي جَعَلَهُ أميراً، وقد يختلط فيه بعضُ الرواة، فتنبَّه له.
باب ُ غَزْوَةِ الفَتْحِ وَما بَعَثَ حاطِبُبْنُ أَبِي بَلتَعَةَ إِلَى أَهْلِ مَكَّة
يُخْبِرُهُمْ بِغَزْوِ النبي صلى الله عليه وسلّم
باب ُ غَزْوَةِ الفَتْحِ فِي رَمَضَان
قالَ: وَسَمِعْتُ ابْنَ المُسَيَّبِ يَقُولُ مِثْلَ ذلِكَ.
وَعَنْ عُبَيدِ اللَّهِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قالَ: صَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم حَتَّى إِذَا بَلَغَ الكَدِيدَ - المَاءَ الذِي بَينَ قُدَيدٍ وَعُسْفَانَ - أَفطَرَ، فَلَمْ يَزَل مُفطِراً حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ.
4274 - قوله: (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمَوَدَّةِ) يعني: وه تو تمسى محبت نهين ركهتى - أور تم ادهرسى ركهتى هو.
قوله: (حَتَّى إذا بَلَغَ الكَدِيدَ.... أَفْطَرَ)... إلخ، والحديثُ مُشْكِلٌ على مسائلنا، لأنه لا يَجُوزُ الفِطْر عندنَا للمسافر إذا صام. نعم له الخيار بين الفِطْر والصوم من أول النهار، فإن اخْتَارَ الصومَ وَجَبَ له الإتمام.
---
قلتُ: وفِطْرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلّملم يَكُنْ من باب الرخصة للمسافر، بل هو من بابٍ آخر، وهو أن الإِفطارَ يجوز عندنا للغُزَاةِ إذا خافوا الضعف بدون فصلٍ، كما في «التاتارخانية». وسياق البخاريِّ يُرْشِدُ إليه، وأَصْرَحُ منه ما عند الترمذيِّ، فإنه يَدُلُّ على أن الإِفطارَ إنما كان على الوصف الذي ذكرنا، لا لكونه مسافراً فقط.(6/173)
ثم ههنا دقيقةٌ أخرى، وهي أنه من باب ترجيح إحدى العبارتين عند التزاحم، وذلك إلى الشارع، كالصوم والجهاد ههنا، فرجَّح الشارعُ الجهادَ، ورخَّص بإِفطار الصائم. وكذا إذا تَعَارَضَ بين الجهاد والصلاة رجَّح الصلاة، وعَلَّم صلاة الخوف. وكذلك إذا تَعَارَضَتْ الصلاةُ والحجُّ، أي الوقوف بعرفة رجَّح الحجَّ، فعلَّم الجمع بين الصلاتين فاعلمه، فإنه بابٌ آخر لا يَدْخُلُ فيه القياس.
---
4276 - قوله: (وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ ونِصْفٍ)... إلخ، واعلم أن مكَّةَ فُتِحَتْ السنةَ الثامنةَ على ما هو المشهور. وفي السِّيَرِ: أنها فُتِحَت بعد السابعة ونصف، ولا اختلافَ بينهما. فإنَّ من قال: إنها فُتِحَت في الثامنة، أراد به ابتداء الثامنة. وهو المرادُ بما في البخاريِّ من قوله: «ثمان سنين ونصف»، فإن المرادَ بثمان سنين، أوائل الثامنة، وهذه الزيادة التي على السبع هي التي عبَّر عنها الراوي بالنصف بالعطف، فصار مآله إلى ما في السِّير: أنها فُتِحَت في السابعة والنصف، أي وسط الثامنة، فاجْتَمَعَتْ الرواياتُ في ذلك. وليس المعنى: أنها فُتِحَتْ بعد تمام الثامنة، وأوائل التاسعة، كما فُهِمَ، ومن لم يَفْهَمْهُ جعل يَهْزَأُ بأحاديثَ البخاريِّ، وظَنَّ أن اعتراضَه على البخاريِّ تأييدٌ للحنفية، ولم يَدْرِ أن من سوء فعله هذا يَنْهَدِمُ أساسُ الدين، فإنَّا إذا لم نَثِقْ بأحاديث «الصحيحين»، فأنَّى نَقْتَفِي الدينَ؟ والعيادُ بالله من الزَّيْغ. مع أن الأوهامَ قد كَثُرَت في «الصحيحين» أيضاً، حتَّى صنَّف في ذلك أبو عليّ كتاباً. ومن زَعَمَ أن الثقاتِ لا يتأتَّى منهم الوهم، فقد عَجَزَ، واسْتَحْمَقَ.(6/174)
وبالجملة ليس مؤدَّاة: أنها فُتِحَتْ في التاسعة، فإنه غَلَطٌ قطعاً. ثم إن الصحابةَ في فتح مكَّة كانوا عشرة آلاف، وهكذا وقع في التوراة في بعض النُّسخ، إلاَّ أن الممسوخين قد حَذَفُوه من بعض نسخه، لئلا يَصِيرَ الخبرُ ألصق بالنبيِّ صلى الله عليه وسلّم
4277 - قوله: (دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ)... إلخ، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلّممفطراً في تلك الواقعة من أوَّل النهار، وإنَّما أَرَادَ الآن أَن يُعْلِمَهُمْ أنه ليس بصائمٍ. بخلاف ما مرَّ، فإنه كان صائماً، ثم أَفْطَرَ لِيُفْطِرُوا، ويَتَأَهَّبُوا للقتال.
---
باب ُ أَينَ رَكَزَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم الرَّايَةَ يَوْمَ الفَتْحِ؟
قالَ عُرْوَةُ: وَأَخْبَرَنِي نَافِعُبْنُ جُبَيرِبْنِ مُطْعِمٍ قالَ: سَمِعْتُ العَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيرِبْنِ العَوَّامِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، هَا هُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّمأَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ؟.
قالَ: وَأَمَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّميَوْمَئِذٍ خالِدَبْنَ الوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ، وَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم مِنْ كُدَا، فَقُتِلَ مِنْ خَيلِ خالِدٍ يَوْمَئِذٍ رَجُلاَنِ: حُبَيشُبْنُ الأَشْعَرِ، وَكُرْزُبْنُ جابِرٍ الفِهْرِيُّ.
واعلم أن الطُّلَقَاء هم الذين لم يُسْتَرَقُوا، ولم يقتلوا، بل أطلقهم النبيُّ صلى الله عليه وسلّم
4280 - قوله: (بني عَمْرٍو): أي بني قُبَاء.
4280 - قوله: (فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ)... إلخ، ولم يَكُنْ دَخَلَ في الإِسلام يومئذٍ مُخْلِصاً من قلبه، ثم صار مُخْلِصاً من بعدُ.
4280 - قوله: (احْبِسْ أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ حَطْمِ الخَيْلِ) - يعني: جهان كهورون كى بهير هووهان كهرا كرو.(6/175)
4280 - قوله: (كَتِيبةً كَتِيبةً): دسته دسته، ثم جاءت كَتِيبَةٌ، وهي أقلُّ الكتائب، فيهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلّموأصحابُه. وإنَّما جَعَلَ نفسه في أقلِّها هَضْماً لنفسه، وتجنُّباً عن صورة التجبُّر والخيلاء، وتخشُّعاً عند ربه. وفي الروايات: «أنه لمَّا دنى من مكَّة طأطأ رأسه حتَّى أَلْزَقَهُ بعنق ناقته، وصار كهيئة الراكع والساجد، فدخل مكَّة هكذا، متذلِّلاً متواضعاً، طالباً للنُّصْرَةِ من القويِّ العزيز، مسبِّحاً مهلِّلاً، داعياً وهو الذي كان فَعَلَهُ عند مروره بديار ثمود.
---
فتلك أنبياءُ اللَّهِ تعالى عليهم الصلاة والسَّلام، هم أعرفُ بآداب العُبُودِيَّةِ يَجْأَرُون إلى الله في جملة أمورهم، يَذْكُرُون الله في جملة أحوالهم، في الهزيمة والنصر سواء. حتَّى رَأَيْتُ عالماً نصرانياً قد أقرَّ في كتابٍ له: أن ما من دينٍ سماويَ يكون فيه ذكر الله أكثر من دين محمّد صلى الله عليه وسلّم فإنه لا تَخْلُو صفحةٌ من القرآن إلاَّ وفيها اسم الله، بنحوٍ من الأنحاء، بخلاف سائر الكتب. وقد عُرِفَ من أمره صلى الله عليه وسلّمأنه كان يَذْكُرُ اللَّهَ في كلِّ أحيانه، وقد عَلِمْتَ شَرْحَهُ.
4280 - قوله: (حَبَّذَا يَوْمُ الذِّمَارِ) وهذا من، ألفاظ العَجُز، يعني: كيا اجها هى دن بناه كا ثم إن الحَجُون، والمُحَصَّب، والأَبْطَح، وخَيْف بني كِنانة، كلَّها اسمُ موضعٍ واحدٍ.
4280 - قوله: (ودَخَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّممن كُدَا) ويقولُ راوٍ آخرَ: إنه دَخَلَ من كَدَاء: أعلى مكَّةَ، وهو الصوابُ عندي، وراجع الهامش.
4286 - قوله: (ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ)، وكان الشَّقيُّ، من الستة الذين كانوا يَسْتَهْزِئُونَ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلّم(6/176)
4286 - قوله: (ولَمْ يَكُنِ النبيُّ صلى الله عليه وسلّمفيما نُرَى - والله أعلم - يَوْمَئِذٍ مُحْرِماً) فيه إشارةٌ إلى أن دخولَ مكَّةَ بدون إحرامٍ لم يَكُنْ جائزاً عندهم أيضاً، وهو مذهبُ الحنفية.
4287 - قوله: (فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ في يَدِهِ) وفي السِّيَرِ: أن تلك التصاوير كانت منقوشةً على جدار البيت، فأمر عليّاً أن يَرْكَبَ على كاهله، ويَمْحُوَهَا، فَأَبَى أن يَفْعَلَهُ أدباً، ولكن النبيَّ صلى الله عليه وسلّملم يَتْرِكْهُ إلاَّ أن يَرْكَبَ عليه ويَمْحُوَهَا.
---
4288 - قوله: (فَكَبَّرَ في نَوَاحِي البَيْتِ)، وقد مرَّ الاختلافُ في صلاته صلى الله عليه وسلّمفي البيت، وما هو التحقيق فيه.g
باب ُ دُخُولِ النبي صلى الله عليه وسلّممِنْ أَعْلَى مَكَّة
تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَوُهَيبٌ في كَدَاءٍ.
باب ُ مَنْزِلِ النبي صلى الله عليه وسلّم يَوْمَ الفَتْح
وهذا هو الصوابُ، وما مرَّ كان وَهْماً من الراوي، وقَلْباً منه.
باب
قَالَ أَبو عَبْدِ الله: الخَرْبَةُ البَلِيَّةُ.
4293 - قوله: (كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّميَقُولُ في رُكُوعِهِ وسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي) وإنما أَخْرَجَ هذا الحديثَ، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّمبعد نزول سورة النصر جعل تلك الكلمات وظيفةً لنفسه، قائماً وقاعداً، وفي شأنه كلِّه، يتأوَّلُ قوله تعالى: {فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} (النصر: 3). وهذا يَدُلُّ على أنه ينبغي للإِنسان أن يَرْغَبُ في آخر عمره في الصالحات، أزيد ممَّا كان يَرْغَبُ فيها أولاً. وفيه أيضاً: أن بين الفتح، والمغفرة تَنَاسُباً، فإنَّ اللَّهَ تعالى إذا عزَّ رسولَه بالفتح، دَلَّ على أن للمفتوح عليه وَجَاهَةً عند ربه، ومغفرةً وفوزاً.(6/177)
ويُشْكِلُ عليه ما في «الكشاف»: أن سورةَ النصر نَزَلَتْ قبل وفاته صلى الله عليه وسلّمبأربعين يوماً، وقد كانت مكَّة فُتِحَتْ في الثامنة، فكيف يَسْتَقِيمُ {إِذَا جَآء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} (النصر)، فإن {إِذَا} للاستقبال، مع كون الفتح ماضٍ. وقد كَشَفَ عنه الرَّضِيُّ، حيث قال: إن تلك الفاء ليست جزائيةً، بل أَبْرَزَهُ في شاكلة الشرط والجزاء فقط، وفصَّلته في رسالتي «عقيدة الإِسلام في حياة عيسى عليه الصلاة والسلام».
---
باب ُ مُقَامِ النبي صلى الله عليه وسلّم بِمَكَّةَ زَمَنَ الفَتْح
4297 - قوله: (أَقَمْنَا مَعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلّمعشراً)، والظاهرُ أنه في حِجَّة الوَدَاعِ.
4298 - قوله: (أقَامَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّمبِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ)، وهذا في فتح مكَّةَ، والإِقامةُ إذا كانت بنيَّة السَّفَر غداً، أو بعد غدٍ لا تُوجِبُ الإِتمام، ولو كانت إلى السنين. على أن إقامتَه في هذا السفرِ مختلفٌ فيها، وما يتحقَّق بعد المراجعة إلى ألفظاه أنها كانت خمسة عشر أيام. وقد مرَّ الكلامُ فيه. وبالجملةِ: ليس في توقيت المدَّةِ شيءٌ من المرفوع لأحدٍ، ولذا اخْتَلَفُوا فيه.
باب
---(6/178)
قالَ: قالَ لِي أَبُو قِلاَبَةَ: أَلاَ تَلقَاهُ فَتَسْأَلَهُ؟ قالَ فَلَقِيتُهُ فَسَأَلتُهُ فَقَالَ: كُنَّا بِمَاءٍ مَمَرَّ النَّاسِ، وَكانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ فَنَسْأَلُهُمْ: ما لِلنَّاسِ، ما لِلنَّاسِ؟ ما هذا الرُّجُلُ؟ فَيَقُولُونَ: يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ، أَوْحى إِلَيهِ. أَوْ: أَوْحى اللَّهُ بِكَذَا، فَكُنْتُ أَحْفَظُ ذلِكَ الكَلاَمَ، وَكَأَنَّمَا يُغْرَى في صَدْرِي، وَكانَتِ العَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلاَمِهِمُ الفتْحَ، فَيَقُولُونَ: اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ، فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ، فَلَمَّا كانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الفَتْحِ، بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلاَمِهِمْ، وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلاَمِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ قالَ: جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النبي صلى الله عليه وسلّمحَقّاً، فَقَالَ: «صَلُّوا صَلاَةَ كَذَا في حِينِ كَذَا، وَصَلُّوا كَذَا في حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَليُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَليَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآناً». فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآناً مِنِّي، لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ، فَقَدَّمُونِي بَينَ أَيدِيهِمْ، وَأَنَا ابْنُ سِتّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ، وَكانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ، كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ اْلحَيِّ: أَلاَ تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قارِئِكُمْ؟ فَاشْتَرَوْا فَقَطَعُوا لِي قَمِيصاً، فَمَا فَرِحْتُ بِشَيءٍ فَرَحي بِذلِكَ القَمِيصِ.
---(6/179)
وَقالَ اللَّيثُ: حَدَّثَني يُونُسُ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُبْنُ الزُّبَيرِ: أَنَّ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ عُتْبَةُبْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيه سَعْدٍ: أَنْ يَقْبِضَ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، وَقالَ عُتْبَةُ: إِنَّهُ ابْنِي، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّممَكَّةَ في الفَتْحِ، أَخَذَ سَعْدُبْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، فَأَقْبَلَ بِهِ إِلَى رَسُولِصلى الله عليه وسلّم وَأَقْبَلَ مَعَهُ عَبْدُبْنُ زَمْعَةَ، فَقَالَ سَعْدُبْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: هذا ابْنُ أَخِي، عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ. قالَ عَبْدُبْنُ زَمْعَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هذا أَخِي، هذا ابْنُ زَمْعَةَ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَنَظَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّمإِلَى ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، فَإِذَا أَشْبَهُ النَّاسِ بِعُتْبَةَبْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم «هُوَ لَكَ، هُوَ أَخُوكَ يَا عَبْدُبْنَ زَمْعَةَ». مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، وَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم «احْتَجبي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ». لِمَا رَأى مِنْ شَبَهِ عُتْبَةَبْنِ أَبِي وَقَّاصٍ.
قالَ ابْنُ شِهَابٍ: قالَتْ عائِشَةُ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم «الوَلَدُ لِلفِرَاشِ وَلِلعَاهِرِ الحَجَرُ». وَقالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكانَ أَبُو هُرَيرَةَ يَصِيحُ بِذلِكَ.
أخرج تحته حديثين، والغرضُ منه: أن عبد الله بن ثَعْلَبَة، وأبا جَمِيلَةَ صحابيَّان صغيران قد أدركا النبيَّ صلى الله عليه وسلّم يوم فتح مكَّة.
---
4302 - قوله: (فَكَأَنما يَقْرَأُ في صَدْرِي - وفي نسخةٍ - يُغْرَى في صَدْرِي - بالغين ) أي يَلْصَقُ، وهذا هو الظاهرُ، ونسخةُ الكتاب تَحْتَاجُ إلى تأويلٍ، وراجع الهامش. والظاهرُ أن يُقَالَ: إن «يقرأ» ههنا نَزَلَ منزلة اللازم.(6/180)
4302 - قوله: (فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهم، وأَنا ابنُ سِتَ، أَوْ سَبْعٍ)... إلخ. وفيه قصورٌ، إذ عمرُهُ المذكورُ عند التحقيق كان لأخذ القرآن لا لإِمامته. وهكذا بيعته أيضاً، كان بعدما بلغ الحُلُم. وقد قصر الراوي في التعبير. وأمَّا قوله: «ألا تُغَطُّوا عنَّا أَسْتَ قارِئِكُمْ؟» فهو واردٌ عليكم، وعلينا، فنحن فيه سواء. وراجع «الإِصابة في معرفة الصحابة». ثم إن عمرَهُ هذا لو كان في فتح مكَّة، فما معنى قوله: «فكُنْتُ أحفظُ ذلك الكلامَ»... إلخ.
4303 - قوله: (هُوَ أَخُوكَ يا عَبْدَ بنَ زَمْعَةَ)... إلخ. وقد مرَّ الكلامُ فيه مفصَّلاً من قبل، فلا نُعِيدُهُ.
4304 - قوله: (أنَّ امْرَأةً سَرَقَتْ)... إلخ، وكانت تَسْتَعِيرُ الأَمْتِعَةَ، وتَجْحَدَهَا. وقد بَحَثَ فيه الطحاويُّ. والمحقَّقُ: أنها كانت تَقْتَرِفُ النوعين، وإنما القطعُ للسرقة فقط. وقد اعْتَرَضَ بعضُهم على أن قطعَ اليد غيرُ معقولٍ، كما في شعر نُسِبَ إلى أبي العلاء المعرِّي:
*يدٌ بخمس مئين عَسْجَدٍ وُدِيَتْ ** ما بَالُهَا قُطِعَتْ في رُبْعِ دِينَارٍ؟
فأجابه القاضي عبد الوهَّاب المالكي:
*عِزُّ الأمانةِ أَغْلاَهَا وأَرْخَصَهَا، ** ذِلُّ الخُيَانَةِ، فافهم حِكْمَةَ الباري
4311 - قوله: (لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ)، أي الهجرة التي كانت من مكة إلى المدينة، لأن مكَّةَ صارت دارَ الإِسلام. أمَّا الهجرةُ من دارَ الحرب إلى دار الإِسلام مطلقاً، فانْتَفَتْ اليومَ أيضاً، وذلك لعزَّة دار الإِسلام في زماننا، فأين هو لَنُهَاجِرَ إليه، فإن الأرضَ قد مُلِئَتْ ظلماً وجَوْراً.
---(6/181)
باب ُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الارْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ}ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ إلَى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (التوبة: 25 - 27).
قالَ إِسْرَائِيلُ وَزُهَيرٌ: نَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم عَنْ بَغْلَتِهِ.
وحَدَّثَنَي محمَّدُبْنُ مُقَاتِلٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قالَ: لَمَّا قَفَلنَا مِنْ حُنَينٍ، سَأَلَ عُمَرُ النبي صلى الله عليه وسلّمعَنْ نَذْرٍ كَانَ نَذَرَهُ فِي الجَاهِلِيَةِ، اعْتِكَافٍ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم بِوَفَائِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنَ عُمَرَ.
وَرَوَاهُ جَرِيرُبْنُ حازِمٍ، وَحَمَّادُبْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
لمَّا فَرَغَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّمعن فتح مكَّةَ ذهب إليهم، وكان الصحابةُ رضي الله تعالى عنهم إذ ذاك أكثرَ كثيرٍ، فقالوا: لا نَعْجَزُ اليومَ. وتلك هي الكلمة التي انْهَزَموا لأجلها، وإليها أَشَارَتْ الآيةُ {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ}... إلخ. وحُنَيْن: وادٍ عند الطائف، كانت تَسْكُنُ فيها هَوَازِنُ، وكانوا رُمَاةً. والسِّيَرِ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمرمى قبضة من تُرَابٍ في وجوههم، فلم يَبْقَ منهم رجلٌ، إلاَّ وقد أصاب منه في عينيه. وكانت بَغْلَتُهُ صلى الله عليه وسلّمتَهْوِي إلى الأرض إذ كان يُرِيدُ أن يَأْخُذَ كفّاً من التُّرَاب، فإذا أَخَذَهَا قَامَتْ.
---(6/182)
4315 - قوله: (فَأَشْهَدُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلّمأَنَّهُ لَمْ يُوَلِّ)، والعِبْرَةُ في المعركة للأمير، وأمَّا الجيشُ، فإنه قد يكون له انتشارٌ، وتشتتٌ، وتفرُّقٌ أيضاً، ولكن العبرة بالأمير.
4317 - قوله: (وإنَّ أَبَا سُفْيَانَ آخِذٌ بِزِمَامِهَا) وهذا من فطرته السليمة، حيث أضاع عمره في هجاء النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فلمَّا أَسْلَمَ وأخلص له، أَظْهَرَ من شدَّته، وثباته في الدين ما لم يُظْهِرْهُ الآخرون، فلم يَبْرَحْ موضعه، ولم يَرُعْهُ رشقُ نبلِ هَوَازِن، حتى تَقَشَّعَ بعضُ الناس، ولكنه بَقِي مع النبيِّ صلى الله عليه وسلّمآخذاً بلِجَامِ بغلته. ثُمَّ إن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمبعدما فَرَغَ من حُنَيْن مَكَثَ بالجِعِرَّانة نحو خمسة عشر يوماً، يَرْقُبُهُمْ أنهم إن جاءوا مسلمين، يَرُدُّ الله إليهم سَبْيَهُم وأموالَهم، فلم يَفْعَلُوا. حتَّى إذا قَسَمَهَا بينهم، جاءوا إليه يَطْلُبُون أموالَهم وسَبْيَهُمْ، فكان من أمرهم كما في الحديث.
باب ُ غَزْوَةِ أَوْطَاس
وهي أيضاً وادٍ عند الطائف. فَأَوْطَاسُ، وحُنَيْنُ، والطَّائِفُ، كلُّها مواضعٌ متقاربةٌ.
باب ُ غَزْوَةِ الطَّائِف
في شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ، قالَهُ مُوسىبْنُ عُقْبَةَ.
قالَ ابْنُ عُيَينَةَ: وَقالَ ابْنُ جُرَيجٍ: المُخَنَّثُ: هِيتٌ.
---
وَقالَ هِشَامٌ: وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، أَوْ أَبِي عُثْمانَ النَّهْدِيِّ قالَ: سَمِعْتُ سَعْداً وَأَبَا بَكْرَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم قالَ عَاصِمٌ: قُلتُ: لَقَدْ شَهِدَ عِنْدَكَ رَجُلاَنِ حَسْبُكَ بِهِمَا، قالَ: أَجَل، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَأَوَّلُ مَنْ رَمى بِسَهْمٍ في سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَنَزَلَ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلّمثَالِثَ ثَلاَثَةٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الطَّائِفِ.(6/183)
كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم حَاصَرَ أهلَ الطَّائِفِ، فلم يُفْتَحْ لَهُ، فَرَجَعَ منها.
4326، 4327 - قوله: (سَمِعْتُ... وأَبَا بَكْرَةَ، وكَانَ تَسَوَّرَ حصن الطائف)، واعلم أنه من خَرَجَ إلينا من عبيد الكُفَّارِ عُتِقَ عند إمامنا. فكان أبو بَكْرَةَ، وأصحابُه عبيداً لأهل الطائف، فقرُّوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فجعلهم أحراراً، ولم يَرُدَّهُمْ إلى مواليهم حين جاءوا يَطْلُبُونَهم، فقال له مواليهم: إنهم ما جَاءُوا عندك رغبةً في الإِسلام، ولكن فِرَاراً مِنَّا.
ثم إن أَبا بَكْرَةَ غيرُ مُنْصَرِفٍ، كأبي هريرة، فإنه لمَّا جُعِلَ عَلَماً لم يُلاَحَظْ فيه معنى الإِضافة، وصار كأنه لفظٌ واحدٌ، فلا يُلاَحَظُ فيه أن بَكْرَةَ كان ابنَهُ، فهو كأبي حَمْزَةَ، كنية أنس، وكان يجيء بتلك البَقْلَة، كذلك أبو بَكْرَةَ، سُمِّيَ به لكونه تسوَّر الحصن بالبَكْرَةِ. فتلك الأَعْلاَمُ يُعَامَلُ معها، كأنها أعلامٌ من قبل، ولذا مُنِعَ صرفُها.
4326، 4327 - قوله: (مَنِ ادَّعَى إلى غَيْرِ أَبِيهِ)... إلخ. وهذا تعريضٌ بالأمير معاوية، حيث كان يَدْعُو زياداً أخاه، وكان مَقْذَفاً في الحروب، فكان الصحابةُ رضي الله تعالى عنهم يَدْعُونَهُ زياد ابن أبيه.
---(6/184)
4328 - قوله: (رَدَّ البُشْرَى، فَاقْبَلاَ أَنْتُما)، واعلم أن البِشَارَةَ كالأعيانِ المحسوسةِ، فإذا لم يَقْبَلْهَا الأعرابيُّ رُدَّت إلى الآخرين. فهي وإن كانت من المعاني الصِّرْفَةِ عندنا التي لا تَصْلُحُ للتحوُّل والانتقال، ولكنها من الأعيان عند صاحب النبوة، وأرباب الحقائق. وكذلك حالُ الأعمال في نظرِ الشَّرْعِ، فإنها تَتَجَسَّدُ، كالجواهر في المَحْشَرِ. وقد تحقَّق اليومَ: أنا لأصواتَ كلَّها منذ بَدْء الزمان موجودةٌ في الجو، ولم يَتَلاَشَ منها شيءٌ. ودَعْ عنك ما حقَّقه الفلاسفةُ، فإنهم يؤمنون بما ثَبَتَ عندهم من دلائلهم الفاسدة، وهم بالأدلَّة السماوية يَكْفُرُونَ. وعَلَيْكَ بالماء النمير، والصدق البحث الذي لا تَشُوبُهُ سَفْسَطَةٌ، ولا يأتيه الباطلُ من بين يديه، ولا من خلفه.
فالأعمالُ كلُّها تجيء في صورها - وسورة البقرة - وآل عمران - يتشكل بالظلة، أو كما أَخْبَرَ به الصادقُ المصدوقُ. وقد شَغَفَ الناسُ بالفلسفة دَهْراً، ثم لم يَنْجَحُوا، وتشبَّثْنَا بذيل الشرع، فأفلحنا، ووجدنا منه في لمحاتٍ ما لم يَجِدُوه بعد صرف الأعمار. وعندي هم أعجزُ من جاهلٍ أوتِي سلامة الفطرة، ورُزِقَ توفيقاً من ربِّه.
---(6/185)
حكايةٌ: سَمِعْتُ ببلدتي كشمير، وأنا إذ ذاك ابنُ أربع سنين: أن رجلين تكلَّما في أن العذابَ هو يكون للسجد، أو الروح؟ فاستقرَّ رأيهما على أن العذابَ لهما. ثم ضَرَبَا له مثلاً، فقالا: إن مثلَ الجسد مع الروح كمثل أعمى، وأعرج، ذَهَبَا إلى حديقةٍ لِيَجْنُوا من ثمارها، فَعَجَزَ الأعمى أن يَرَاهَا، وعَجَزَ الأعرجُ أن يَجْنِيَهَا، فتشاورا في أمرهما، فَرَكِبَ الأعرجُ على الأعمى، فجعل الأعمى يَذْهَبُ به إلى الأشجار، والأَعْرَجُ يرى الثمارَ، ويَجْنِيها. فهذا هو حالُ البدن مع الروح، فإن البدنَ بدون الروح جمادٌ لا حِرَاكَ له، والرُّوحُ بدون البدن معطَّلةٌ عن الأفعال، فاحتاج أحدُهما إلى الآخر، فلمَّا اشتركا في الكَسْبِ اشتركا في الأجر، أو الوِزْرِ أيضاً. وبعد مرور خمس وثلاثين سنة، رأيتُ في «القرطبي»، عن ابن عبَّاس عينَ ما قالاه من قطرتهما، فانظر هل يُمْكِنُ مثله من نحو أرسطو؟ كلا، ثم كلا.
4330 - قوله: (سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثْرَةً) يعني: أمَّا أنا فما، آثَرْتُ نفسي عليكم، وسَتَلْقَوْنَ بعدي أُثْرَةً، فاصبروا.
4330 - قوله: (فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْني عَلَى الحَوْضِ) واعلم أن الحوضَ عند ابن القيِّم: في المحشر. واختار الحافظ: أنه بعد الصِّرَاط. وتردَّد فيه السيوطي في «البدور السافرة». والأَرْجَحُ عندي ما اختاره الحافظ. والظاهر عندي: أنه في فِنَاء الجنة بعد الحساب، لأن المواعدةَ باللقاء على الحوض تَدُلُّ على أنه بعد اختتام السفر، فإن الذين يتخلَّفون من رفقاء السفر، لا يَتَلاَقَوْنَ إلاَّ بعد اختتامه.
---(6/186)
4336 - قوله: (ما أُرِيدَ بَهَذِهِ القِسْمَةِ وَجْهُ اللَّهِ) وهذه كلمةُ كفرٌ، ولما كان قائلُها منافقاً، وكان من سُنَّتِهِم أن لا يُقْتَلُوا، أَغْمَضَ عنه، ولم يَقْتُلْهُ. وقد مرَّ فيه بعضُ الكلام: أنه من باب الجمع بين التكوين والتشريع، فإنه كان أَخْبَرَ بأن سَيَخْرُجُ من ضئضيء هذا قومٌ يَقْرَءُون القرآن... إلخ، كما في «البخاري» مفصّلاً، فلم يُنَاسِبْ أن يَقْتُلَهُ بنفسه. وهذا بخلاف ما مرَّ عن بعض الصحابة من الأنصار عن قريبٍ: «يَغْرِفُ اللَّهُ لرسوله صلى الله عليه وسلّم يُعْطِي قريشاً، ويَتْرُكُنَا، وسيوفُنَا تَقْطُرُ من دمائهم»، فإنه إساءةٌ في التعبير فقط، مع صحةٍ في العقيدة. غير أنه حَمَلَتْهُم على ذلك غيرةٌ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلّم لمَّا فَهِمُوا من إعطائه قريشاً أنه يُؤْثِرُهم عليهم، والرقابة قد تَحْمِلُ المرءُ على مثل هذه التعبيرات. وهذا وإن كان غلطٌ منهم في حضرة النبوة، ولكنها لا رَيْبَ مما قد يُرَكِّبُها الإِنسانُ من حيث لا يريدها، ولا يدريها. وراجع للفصل بين هذه المسائل رسالتي «إكفار الملحدين»، ففيها البسطُ بما لا مزيدَ عليه.
فإن قلتَ: إذا كان بين الصحابة المنافقون، والمُخْلِصُون، ولم تتميَّز إحدى الطائفتين من الأخرى، فكيف أمرُ الدين، الذي بَلَغَ إلينا؟ قلتُ: قد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّميَعْلَمُهُمْ، وكذا بعضُ الصحابة رضي الله تعالى عنهم. إلاَّ أن المصلحةَ لم تَكُنْ بإِفشاء سرِّهم، فَتُرِكُوا على إبطانهم، وحسابُهم على الله.
4337 - قوله: (أَقْبَلَتْ هَوَازِنُ وغَطَفَانُ وغَيْرُهُمْ بِنَعَمِهِمْ)، وهذا على عادتهم، فإنَّ العربَ كانوا يَذْهَبُون في الحروب بنَعَمِهِمْ أيضاً، لِيَشْرَبُوا من أَلبانها.
باب ُ السَّرِيَّةِ الَّتِي قِبَلَ نَجْد
---(6/187)
4338 - قوله: (ونُفِّلْنَا بَعِيراً بَعِيراً) واخْتُلِفَ في النَّفْلِ أنه من الخُمُسِ، أو الغنيمة. ويَجُوزُ التنفيل عندنا من الغنيمة أيضاً قبل أن تُحْرَزَ إلى دار الإِسلام، ولا يَجُوزُ بعده إلاَّ من الخُمُسِ. ومن قَصَرَهُ على الخُمُسِ، فقد رَكِبَ على جبلٍ وَعْرٍ. ثم إن الحافظَ قد تصدَّى إلى بيان العدد المجموع، فَذَكَرَهُ، ولعلَّه أَخْرَجَهُ من طريق الحساب، وإلاَّ فلا روايةَ فيه صراحةً فيما أعلم. والله تعالى أعلم.
باب ُ بَعْثِ النبي صلى الله عليه وسلّمخالِدبْن الوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَة
4339 - قوله: (صَبَأْنَا)، أي خَرَجْنَا عن ديننا، وقد مرَّ في أوائل الكتاب: أن الصَّابئين من هُمْ؟ وقد غَلِطَ فيه الحافظُ ابن تَيْمِيَة، فَسَهَا في شرح الآية أيضاً، كما مرَّ. وأصاب فيه الجصَّاص في «أحكام القرآن».
4339 - قوله: (اللَّهُمَّ إنِّي أبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ، مرتين)، وذلك لِيُعْذِرَ من نفسه، ويُنْقِذَهَا من عذاب الله إن هَجَمَ عذابه على فعله هذا، والعياذ بالله من قتل المؤمن. وهذا هو فعلُ الخائفِ المشفق المبتهل، وأمَّا المغترُّ، فإنه يَطْمَئِنُّ، ويتمنَّى على الله. ثم إن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمبَعَثَ إليهم عليّاً، وأعطاهم نصف الدية لكلِّ مَنْ قُتِلَ منهم. وهذا عندي محمولٌ على نحو مصالحةٍ، فإنَّهم وإن لم يُطَالِبُوه صلى الله عليه وسلّمبشيءٍ، لكنه لم يَرْضَ أن يَهْدِرَ دَمَهُمْ.
حكايةٌ: نُقِلَ أنه كان فيمن قُتِلُوا رجلٌ تائهٌ، وكان يَنْشِدُ في تلك الليلة أنه مقتولٌ في صَبِيحَتِها، فلمَّا أَصْبَحَ قُتِلَ، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلّم «هلاَّ لاَحِمْتُمُوه، ولعلَّ حبَّة لم يَكُنْ في معصيةٍ».
---
باب سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِبْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ وَعَلقَمَةَبْنِ مُجَزِّزٍ المُدْلِجِي
وَيُقَالُ: إِنَّهَا سَرِيَّةُ الأَنْصَارِ.(6/188)
4340 - قوله: (لو دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إلى يَوْمِ القِيَامَةِ)... إلخ، لكون فعلهم قطعيّ البطلان. وقد عَلِمْتَ أن المحلَّ إذا كان مما يَصْلُحُ للاجتهاد، لا يُعَنِّفُ عليه الشارع. وأمَّا إذا كان الأمرُ ظاهراً، ثم يَتَسَاهَلُ فيه أحدٌ يَزْجُرُ عليه، ويَغْضَبُ، كما رَأَيْتُ ههنا.t
ثم إنه نظيرُ ما ذَكَرْتُ في قاتل النفس: أنه يُعَذِّبُ بتلك الآلة إلى يوم القيامة. والتخليدُ الواردُ في حقِّه هو التخليدُ إلى يوم الحشر، يعني: لا يزال يَفْعَلُهُ حتَّى يُبْعَثَ من مضجعه هذا. ومرَّ عليه الترمذيُّ، وعلَّل الحديثَ الصحيحَ، لكون التخليد ليس مذهباً لأهل السُّنَّةِ والجماعة، وفي الحديث تصريحٌ بما قلتُ، فإنهم لو دَخَلُوهَا لكانوا من قاتلي أنفسهم. وفي الحديث: «أنهم لم يَخْرُجُوا منها إلى يوم القيامة»، فهذا هو التخليدُ.
وبعبارةٍ أخرى: التخليدُ كان راجعاً إلى فعله، فَصَرَفُوه إلى نفسه، ولَطُفَ هذا التعبير، لأنه إذا لم يَزَلْ معذَّباً في البَرْزَخ حتَّى قامت الآخرة، وانقطع البَرْزَخُ لَطُفَ التخليد فيه، فإنه كان باعتبار قيام البَرْزَخ. وإذا انْهَدَمَ نفسخ البَرْزَخِ، وآل الأمرُ إلى الآخرة انقطع عذابُه أيضاً. نعم لو انقطع العذابُ مع قيام البَرْزَخِ لناقض ما قُلْنَا، وليس كذلك. فافهم، فإن أمثال الترمذيِّ لم يُدْرِكُوا مراده، حتَّى اضْطَرُّوا إلى تعليله. وسيمرُّ عليك نظائره وشواهده.
باب بَعْثُ أَبِي مُوسى وَمُعَاذٍ إِلَى اليَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاع
رَوَاهُ جَرِيرٌ وَعَبْدُ الوَاحِدِ، عَنِ الشَّيبَانِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ.
---
قالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: طَوَّعَتْ طَاعَتْ وَأَطَاعَتْ لُغَةٌ، طِعْتُ وَطُعْتُ وَأَطعْتُ.(6/189)
زَادَ مُعَاذٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرٍو: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلّمبَعَثَ مُعَاذاً إِلَى اليَمَنِ، فَقَرَأَ مُعَاذٌ في صَلاَةِ الصُّبْحِ سُورَةَ النِّسَاءِ، فَلَمَّا قالَ: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرهِيمَ خَلِيلاً} قالَ رَجُلٌ خَلفَهُ: قَرَّتْ عَينُ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ.
4341، 4342 - قوله: (وبَعَثَ كُلَّ وَاحدٍ مِنْهُمَا على مِخْلاَفٍ)، وهو اسمٌ لتحديد بقاعٍ عند أهل اليمن، فتسمَّى مَخَالِيف اليمن. وراجع لتفصيله «معجم البلدان» لياقوت. ومن أهم فوائد «معجمه»: أنه جمع فيه الجمعات التي كانت أُقِيمَتْ في اليمن، فلم يكتبها إلاَّ في عدَّة مواضع منها. وهذا يُفِيدُ الحنفيةُ في مسألة إقامة الجمعات في الأمصار دون القرى.
4341، 4342 - قوله: (أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقاً) وهو مشتقٌّ من الفواق، يعني به أنه وزَّع قراءته على حصص الليل، فيقرأه حِصَّةً حِصَّةً، وجزءً جزءً.
4341، 4342 - قوله: (وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئي مِنَ النَّوْمِ) يعني أقرأُ كلَّ ما أُرِيدُهُ مرَّةً واحدةً، ثم أنام، ولا أَقْرَأُ مثلك جزءً جزءً.
4343 - قوله: (والمِزْرُ نَبِيذُ الشَّعِيرِ) ومع كون هذه الأشربة من الحبوب، لمَّا سُئِلَ عنه أبو بُرْدة؛ قال: كلُّ مسكرٍ حرامٌ، فانسحب عمومُه على الأشربة كلِّها بدون تخصيص. وهذا الذي يَرِيبُني في المسألة.
---(6/190)
4343 - قوله: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) وهذا هو مذهبُ الجمهور: أن كلَّ مسكرٍ مائعٍ حرامٌ، قليلُه وكثيرُه سواء، خمراً كان أو غيره. إلاَّ أن أبا حنيفة، وأبا يوسف ذهبا إلى حرمة الخمر مطلقاً، وفصَّلُوا في أشربة الحبوب. ولم أَجِدْ في هذه المسألة جواباً شافياً، وراجع «عقد الفريد» و«كشف الأسرار»، فقد ذكرا قيوداً في المسألة تُفِيدُنا في الباب. وراجع «البحر المحيط»، وكتاب «الناسخ والمنسوخ» لأبي بكر النحَّاس، تلميذ الطحاويِّ، وهو عند أصحاب الطبقات مثل ابن جرير الطبريِّ في المرتبة.
4348 - قوله: (لَقَدْ قَرَّتْ عَيْنُ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ)، يعني: قاله رجلٌ في الصلاة لمَّا سَمِعَ مُعَاذاً يَقْرَأ في الصلاة: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرهِيمَ خَلِيلاً} (النساء: 125)، ولم يَكُنْ يَعْلَمُ أن الكلامَ يُفْسِدُ الصلاةَ. فراجع صحيح مسلم مع زيادةٍ فيه.
باب بَعْثُ علِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَخالِدِبْنِ الوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَاإِلَى اليَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاع
زَادَ مَحمَّدُبْنِ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ: قالَ عَطَاءٌ: قالَ جابِرٌ: فَقَدِمَ عَلِيُّبْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِسِعَايَتِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «بِمَ أَهْلَلتَ يَا عَلِيُّ؟» قالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم قَالَ: «فَأَهْدِ، وَامْكُثْ حَرَاماً كَمَا أَنْتَ». قالَ: وَأَهْدَى لَهُ عَلِيٌّ هَدْياً.
4349 - قوله: (مَنْ شَاءَ منهم أَنْ يُعَقِّبَ مَعَكَ، فَلْيُعَقِّبْ، ومَنْ شَاءَ فَلْيُقْبِلْ)... إلخ. والتعقيبُ: هو معاقبةُ الجيوش فيما بينهم، أي من شاء منهم أن يُقِيمَ هناك فَلْيَفْعَلْ، ومن شاء أن يَرْجِعَ معك، فَلْيَرْجِعْ. تعقيب فوجون كى آبس مين مبادله كى نوبتين يعني جو وهان رهنا جاهين وهين رهين اورجووابس آنا جاهين وابس آجائين.
---(6/191)
4350 - قوله: (وكُنْتُ أُبْعِضُ عَلِيّاً) يعني به عدم المؤانسة منه، أي: كوئى مانوسى نه تهى.
4350 - قوله: (وقَدِ اغْتَسَلَ)، وزَعَمَ أنه اغْتَسَلَ من الجنابة، لأنه وطىء جاريةً قبل الخمس.
4351 - قوله: (في أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ) أي مدبوغ بالقَرَظِ.
4351 - قوله: (لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا)، يعني أن تلك الذُّهَيْبَة لم تُخَلَّصْ من تراب المعدن.
4351 - قوله: (إنَّهُ يَخْرُجُ من ضِئْضِيء هَذَا)، وهذا هو العملُ بالتكوين، يعني لمَّا قدَّر بقاءه لم يقتله، كما فعل في ابن صيَّاد، وقال لعمر: «إن يكن هو، فلست صاحبه». أو كما قال: «يَمْرُقُون من الدين»: مرق جت سى نكل كيا والمروقُ: خروجُ شيءٍ من موضعٍ لا يكون موضعاً لخروجه، فَيُخْرُجُ منه بنحو مدافعةٍ من خلفه، كالاندلاق.
4351 - قوله: (لا يُجِاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ) قيل: معناه لا يُجَاوِزُ حناجرَهم حتَّى يَدْخُلَ قلوبَهم، وقيل: لا يُجَاوِزُ حناجرَهُم فَيَصْعَدُ إلى السماء، وهذا هو الأَوْلَى.
باب غَزْوَةُ ذِي الخَلَصَة
---(6/192)
قالَ: وَلَمَّا قَدِمَ جَرِيرٌ اليَمَنَ، كانَ بِهَا رَجُلٌ يَسْتَقْسِمُ بِالأَزْلاَمِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّمهَاهُنَا، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيكَ ضَرَبَ عُنُقَكَ، قالَ: فَبَينَما هُو يَضْرِبُ بِهَا إِذْ وَقَفَ عَلَيهِ جَرِيرٌ، فَقَالَ: لَتَكْسِرَنَّهَا وَلَتَشْهَدَنَّ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، أَوْ لأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ. قالَ: فَكَسَرَهَا وَشَهِدَ، ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرٌ رَجُلاً مِنْ أَحْمَسَ يُكْنى أَبَا أَرْطَاةَ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلّميُبَشِّرُهُ بِذلِكَ، فَلَمَّا أَتَى النبي صلى الله عليه وسلّمقالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، ما جِئْتُ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ، قالَ: فَبَرَّكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم عَلَى خَيلِ أَحْمَسَ وَرِجالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ.
واعلم أن النصارى لمَّا تسلَّطُوا على اليمين رأوا أن العربَ يَطُوفُونَ بالكعبة شرَّفها اللَّهُ تعالى، ويَحُجُونَها. فبنوا بيتاً مضاهاةً لها، وسَمَّوْهَا كعبةً يمانيةً، تمييزاً عن الكعبة شرَّفها الله تعالى، فإنها يُقَالُ لها الشامية. وقد جَمَعَ الراوي في ذي الخَلَصَةِ بين الوصفين. فقيل: إن الصوابَ اليمانيةُ فقط، ووصفُها بالشامية غَلَطٌ. ووجهُ الحافظ: الجمع أيضاً.
قلتُ: قوله: «ذو الخَلَصَةِ والكعبةُ اليمانيةُ» معطوفٌ ومعطوفٌ عليه، وتمَّت العبارةُ إلى ههنا. ثم قوله: «والكعبةُ الشاميَّةُ» ليس معطوفاً على ما قبله، بل مبتدأٌ وخبرٌ، أي والكعبةُ يُقَالُ لها: الشاميةُ. وإن جَعَلْتَهُ معطوفاً، فالمعنى: إن ذا الخَلَصَةِ كانت تُدْعَى باليمانية، وكذا بالشامية تمييزراً لها عن الكعبة المكرَّمة التي بمكَّة، فإنها كانت تُدْعَى الكعبة مطلقاً.
---(6/193)
وفي السِّيَر: أن أَبْرَهَةَ لمَّا خَرَجَ إلى مكَّةَ، وأقام بالمُزْدَلِفَةِ، قال الناسُ لعبد المطَّلب: لو كلَّمته فينا. فجاء إليه، فلمَّا رآه، وقَّره أَبْرَهَةُ، وسأله عمَّا جاء به إليه، فقال: إن أَذِنْتَ لنا خرجنا بنَعَمِنَا، وغَنَمِنَا، فلمَّا سَمِعَ منه تلك الكلمة، وعَلِمَ أنه ليس له همٌ إلاَّ في إنقاذ غنمه ونَعَمِهِ، قال: إنك أحمقٌ، تكلِّمني في غنم، فقال له عبد المطَّلب: نعم، فإنه ليس لي إلاَّ الغنم. وأمَّا البيتُ، فإنه يَحْفَظُهُ ربُّه بنفسه، وما لي أن أتكلَّم فيه.
4356 - قوله: (كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ) خارشتى اونت كوتار كول لكاتى هين - ايساكالا كر كى جهورديا أي أسودَ مرباداً، كالجمل الأَجْرَبِ، يُطْلَى بالقار.
باب غَزْوَةُ ذَاتِ السَّلاَسِل
وَهيَ غَزْوَةُ لَخْمٍ وَجُذَامَ، قَالَهُ إِسْماعِيلُبْنُ أَبِي خالِدٍ.
وَقالَ ابْنُ إِسْحاقَ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عُرْوَةَ: هِيَ بِلاَدُ بَلِيّ، وَعُذْرَةَ، وَبَنِي القَينِ.
وهي اسمُ ماءٍ نحو الشام.
4358 - قوله: (فَقُلْتُ: أيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ) لمَّا بعثه النبيُّ صلى الله عليه وسلّمأميراً على ذات السَّلاَسِل، زَعَمَ أن له وجاهةً عند النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فسأله عن ذلك، طمعاً في أنه يفضِّلُهُ عليهم. فَعَدَّ رجالاً، ثم سَكَتَ مخافةَ أن يَجْعَلَهُ في آخرهم. وهذا شأنُ الأنبياء عليهم السَّلام، لا يتكلَّمُون إلاَّ بحقَ في المَنْشَطِ، والمَكْرَهِ.
باب ذَهَابُ جَرِيرٍ إِلَى اليَمَن
---(6/194)
4359 - قوله: (لَئِنْ كَانَ الذي تَذْكُرُ مِنْ أَمْرِ صَاحِبِكَ، لَقَدْ مَرَّ عَلَى أَجَلِهِ منذُ ثَلاَثٍ) كان ذُو عَمْرٍو كاهناً، فقال من كهانته ما قال، ومع هذا سَأُسَافِرُ إليه طَمَعاً في بقائه وحياته. وهذا يَدُلُّ على أن الكاهنَ لا يكون له اعتماد على خبره، وإلاَّ لَمَا سافر إليه. وأمَّا قوله: «من أتى كاهناً»... إلخ، فهو عندي إذا أتاه يظنُّه صادقاً، وإلاَّ فلا.
باب غَزْوَةُ سِيفِ البَحْرِ، وَهُمْ يَتَلَقَّوْنَ عِيراً لِقُرَيشٍ،وَأَمِيرُهُمْ أَبُو عُبَيدَةَبْنُ الجَرَّاحِ رضيَ الله عَنْه
قالَ جابِرٌ: وَكانَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ نَحَرَ ثَلاَثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ نَحَرَ ثَلاَثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ نَحَرَ ثَلاَثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُبَيدَةَ نَهَاهُ.
وَكانَ عَمْرٌو يَقُولُ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ: أَنَّ قَيسَبْنَ سَعْدٍ قَالَ لأَبِيهِ: كُنْتُ فِي الجَيشِ فَجَاعُوا، قَالَ: انْحَرْ، قَالَ: نَحَرْتُ، قَالَ: ثُمَّ جاعُوا، قالَ: انْحَرْ، قالَ: نَحَرْتُ، قالَ: ثُمَّ جاعُوا، قالَ: انْحَرْ، قالَ: نَحَرْتُ، ثُمَّ جاعُوا، قالَ: انْحَرْ، قالَ: نُهيتُ.
باب حَجُّ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ فِي سَنَةِ تِسْع
وهذه أيضاً سَرِيَّةٌ بعثها النبيُّ صلى الله عليه وسلّمإلى ناحيةٍ من البحر، وأمَّر عليها أبا عُبَيْدة، وكان زاد فيها جِرَاباً من حَشَفٍ فقط.
4360 - قوله: (فإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ)... إلخ. وفي الروايات الآتية اسمها: عَنْبَرُ - بدله - ولفظ: «الحوت» يُفِيدُ الحنفيةُ في مسألة حيوانات البحر. والظَّرِبُ: جبلٌ صغيرٌ.
4361 - قوله: (الخَبَط): كيكركى صلى الله عليه وسلّمى: أوراقُ السَّمُرَةِ.
---(6/195)
4361 - قوله: (أَنْحَرْ): أى نحر كيا هوتا. فالأمرُ ههنا ليس بمعناه المعروف، بمعنى إحداث الفعل في الحالة الراهنة، بل هو على حدِّ قوله: اقرأ، في قصة قراءة أُسَيْد بن حَضَيْر سورة الكهف، يعني أوبرها هوتا.
باب وَفدُ بَنِي تَمِيم
باب
قالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: غَزْوَةُ عُيَينَةَبْنِ حِصْنِبْنِ حُذَيفَةَبْنِ بَدْرٍ بَنِي العَنْبَرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ. بَعَثَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم إِلَيهِمْ، فَأَغَارَ، وَأَصَابَ مِنْهُمْ نَاساً، وَسَبَى مِنْهُمْ نِسَاءً.
باب ُ وَفدِ عَبْدِ القَيس
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكُنْتُ أَضْرِبُ مَعَ عُمَرَ النَّاسَ عَنْهُمَا.
---
قالَ كُرَيبٌ: فَدَخَلتُ عَلَيهَا وَبَلَّغْتُهَا ما أَرْسَلُونِي، فَقَالَتْ: سَل أُمَّ سَلَمَةَ، فَأَخْبَرْتُهُمْ، فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِمِثْلِ ما أَرْسَلُونِي إِلَى عائِشَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلّميَنْهى عنْهُمَا، وَإِنَّهُ صَلَّى العَصْرَ، ثمَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَصَلاَّهُما، فَأَرْسَلتُ إِلَيهِ الخَادِمَ، فَقُلتُ: قُومِي إِلَى جَنْبِهِ، فَقُولِي: تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَمْ أَسْمَعْكَ تَنْهى عَنْ هَاتَينِ الرَّكْعَتَينِ؟ فَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا، فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي، فَفَعَلَتِ الجَارِيَةُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَف قالَ: «يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، سَأَلتِ عَنِ الرَّكْعَتَينِ بَعْدَ العَصْرِ؟ إِنَّهُ أَتَانِي أُنَاسٌ مِنْ عَبْدِ القَيسِ بِالإِسْلاَمِ مِنْ قَوْمِهِمْ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَينِ اللَّتَينِ بَعْدَ الظهْرِ، فَهُمَا هَاتَانِ».(6/196)
وقد كَثُرَتْ الوفودُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّمفي التاسعة. ولذا يُقَالُ لها: عامُ الوفود. ويَذْكُرُ المصنِّفُ أيضاً بعضَها.
4366 - قوله: (لا أَزَالُ أُحِبُّ بني تَمِيمٍ)، وإنما كان بنو تَمِيمٍ من قوم النبيِّ صلى الله عليه وسلّم لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمكان من مُضَرَ، وهؤلاء أيضاً مُضَرِيُّون.
4367 - قوله: (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَي اللَّهِ ورَسُولِهِ) وهل هذا الفعل لازمٌ، أو متعدِّي؟ فراجع له «روح المعاني».
باب ُ وَفدِ بَنِي حَنِيفَةَ، وَحَدِيثِ ثُمَامَةَبْنِ أُثَال
وهي قبيلةُ مُسَيْلَمَةَ.
---
4372 - قوله: (أسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم وقد اسْتَشْكَلَ القاصرون لفظ: «مع»، لعدم استقامته ههنا، لأن إسلامَه لم يَكُنْ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلّمأصلاً، فتكلَّفوا فيه، كما تكلَّفوا في قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ} (الصافات: 102)، حيث زَعَمُوا أنه يُوجِبُ أن تُوجَدَ قابلية السعي فيهما معاً. فقالوا: إن {مَعَهُ} متعلِّقٌ بالمصدر، لا بالفعل. فَوَرَدَ عليهم إعمال المصدر المعرَّف باللام فيما قبله، وهو مُخْتَلَفٌ فيه.
قلتُ: وهذا كلُّه في غير موضعه. والحقُّ أن لفظَ: «مع» لا يقتضي إلاَّ الشركة في الجملة. ومَنْ قال لك: إن المصاحبةَ فيه لا بُدَّ أن تكونَ مستمرةً، فَيَصْدُقُ لفظ «مع» إذا اجتمع إسلامه مع إسلام النبيِّ صلى الله عليه وسلّمفي وقتٍ ما، ولا يُوجِبُ المصاحبة المستمرة أصلاً.
4373 - قوله: (قَدِمَ مُسَيْلَمَةُ الكَذَّابُ)... إلخ. وقد بَحَثَ في «الفتح» أنه هل رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلّمأو لا؟ والرواياتُ فيه مضطربةٌ. ويُتَبَادَرُ من لفظ البخاريِّ: «فأقبلَ إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم... إلخ، أنه رآه.(6/197)
قلتُ: وفي «الفتح» نقولُ تَدُلُّ على أنه بَقِي جالساً في خيمته، ولم يَخْرُجْ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وتكلَّم بواسطة رسوله. فالظنُّ بالشقي مثله أن يكونَ اللَّهُ سبحانه حرَّمه عن النظر إلى وجه حبيبه صلى الله عليه وسلّم فلا أُسَلِّمُ الرؤيةَ في حقِّه ما لم أَجِدْ صرائحَ الألفاظ، فإن الأليقَ بشأنه هو الحرمانُ والخسرانُ.
4376 - قوله: (سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ العُطَارِدِيَّ)... إلخ، وهو تابعيٌّ كبيرٌ، يحكي عن قصةٍ في الجاهلية.
---
4376 - قوله: (مُنَصِّلُ الأَسِنَّةِ) يعني: يه مهينه الك كرنى والا هى نيزونكو أي إن رَجَبَ يَنْزِعُ عنهم الرماح، لأنَّهم كانوا لا يغزون فيه، كفعل الروافض في المحرَّم، حيث يَحِدُونَ فيه، فَيَنْزِعُون الحلي عن نسائهم، ويَلْبَسُون ثياباً سوداً.
فائدةٌ: واعلم أن الفعلَ اللازمَ ويَجُوزُ إخراجه مجهولاً في ثلاثة مواضع: صِيمَ رمضان، وسِيرَ بزيدٍ، وسِيرَ سيراً. ولكن الفعلَ لا يُؤَنَّثُ في الصور كلِّها. والضابطةُ: أن إسنادَه إن كان إلى ظرفٍ غير مُنْصَرِفٍ، أو إلى الجار والمجرور، أو إلى مصدره، جاز إخراجه مجهولاً. وقد جوَّزَهُ بعضُهم في المُنْصَرِفِ، وغير المُنْصَرِفِ تمسُّكاً من قوله: وقد حِيلَ بين العير والنَّزَوَان، وبين: من الظروف المُنْصَرِفَةِ.
باب قِصَّةُ الأَسْوَدِ العَنْسِي
وقتله الفَيْرُوز الدَّيْلَميّ الصحابيّ. وقتل مُسَيْلَمَةَ قاتلُ حمزة. وإنَّما لم يَقْتُلْهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلّملئلا يُقَالَ: إنه يَقْتُلُ كلَّ من يدَّعي النبوةَ، فترك أمره إلى الله، حتَّى قُتِلَ في زمن أبي بكر. وفيه منقبةٌ لأبي بكرٍ، لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمتولَّى نَفْخَ السِّوَارَيْنِ بنفسه حتَّى طارا، ثم ظَهَرَ تأويله على يد أبي بكرٍ. ذكره في «الفتح».
باب ُ قِصَّةِ أَهْلِ نَجْرَان
باب قِصَّةُ عُمَانَ وَالبَحْرَين(6/198)
وَعَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِبْنِ عَلِيَ: سَمِعْتُ جابِرَبْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: جِئْتُهُ، فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ: عُدَّهَا، فَعَدَدْتُهَا. فَوَجَدْتُهَا خَمْسَمِائَةٍ، فَقَالَ: خُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَينِ.
---
وكان أهل نَجْرَان جاءوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّمليناظروه في أمر عيسى عليه الصلاة والسَّلام. فلمَّا لم يَقْبَلُوا الحقَّ دعاهم إلى المُبَاهَلَةِ. والبُهْلَةُ: اللعنةُ. والمُبَاهَلَةُ عندي كانت على جميع ما يتعلَّقُ بشأن عيسى عليه الصلاة والسلام، من براءة أمِّه، وحياتِهِ عليه الصَّلاة والسَّلام وغيرها. وقد نَقَلْتُ عبارةَ محمد بن إسحاق برمتها في رسالتي «عقيدة الإِسلام»، فهذا دليلٌ على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمقد بَاهَلَهُمْ على حياته أيضاً.
ثُمَّ إن رؤساءهم أيضاً كانوا معهم، وكان اسمُ أحدهم العاقبَ، والآخر السَّيِّد، والذي فَهِمْتُ أنه على عُرْفِ العرب، فإنَّهم كانوا يسمَّوْنَ من يكون إمام الجيش حاشراً، والذي يكون عَقِيبه عَاقِباً. وعلى هذا فلعلَّ السيدَ كان لقباً لمن كان إمامهم، والعاقِبَ للذي كان في عَقِبِهِمْ. وبهذا فَلْيُشْرَحْ اسم النبيِّ صلى الله عليه وسلّم العاقب. والشارحون غَفَلُوا عن هذه المجاورة، فلم يتوجَّهُوا إليها. وحينئذٍ تسميتُه عاقباً، بمعنى كونه على عَقِبِ الأنبياء، كما يسمَّى الآخر من الجيش عَاقِباً، لكونه في عَقِبِهِمْ.
---(6/199)
واعلم أن المُبَاهَلَةَ تَجُوزُ في المضايق الآن أيضاً، وقد دوَّن الدَّوَّانيُّ الشافعيُّ شرائطَهَا في رسالةٍ مستقلَّةٍ. وقد كان من دَيْدَن لعين القاديان صاحب الهذر والهذيان، والدعوةُ إلى المباهلة. وقد كان الناسُ لا يَتَبَادَرُون إليها لغناء ربِّ العالمين، فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمقد كان ربُّه وَعَدَهُ بالنصر. وأمَّا نحن في هذه الحالة، والله غنيٌّ عن العالمين، وأنَّى نَعْلَمُ أنه لا يَنْصُرُ ذلك الشقيُّ استدراجاً. فدعى أذنابه - علماء ديوبند إليها - فتأخَّروا عنها لهذا. ودَعَوْهُ إلى المناظرة لِيَهْلِكَ من هَلَكَ عن بيِّنةٍ، ويحيى من حيي عن بيِّنةٍ. ولكن المخذولون المحرومون عن العلم، كانوا يَخَافُون أن يَخْرُجُوا إلينا في تلك المعركة. فلمَّا رأيناهم أنهم لا يَخْرُجُون إلاَّ إلى المُبَاهَلَةِ، قَبِلْنَاها منهم أيضاً، وأرَدْنَا أن لا نَتْرُكَ لهم عذراً. ولكنَّهم لمَّا رأوا أنا قد تأهَّبنا لها إذا هم يَنْكُثُون. فلمَّا رَجَعَ شيخُنا من مالتا - وكان بها أسيراً منذ سنين - وسَمِعَ القصةَ غَضِبَ علينا، وقال: ما دلَّكم على أن اللَّهَ تعالى ناصرُكم.d
فلمَّا ذَكَرْنَا له ما كان من أمرنا، وأنا لم نتقدَّم إليها إلاَّ بعد أن جلَّ الخطب، سَكَنَ غضبه.
4381 - قوله: (فاسْتَشْرَفَ له النَّاسُ) حتَّى إن الشيخين أيضاً كانا يَمُرّان من بين يديه صلى الله عليه وسلّمطمعاً في أن يكونَ مِصْدَاقاً لقوله: «لأَبْعَثَنَّ إليكم رجلاً أميناً حَقَّ أَمين».
باب ُ قُدُومِ الأَشْعَرِيِّينَ وَأَهْلِ اليَمَن
وَقالَ أَبُو مُوسى، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم «هُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ».
وقد كان أبو موسى الأشعريّ خَرَجَ مرَّةً يريد المدينةَ المنورةَ، فَلَعِبَتْ به الأمواجُ، ولَفَظَتْهُ إلى اليمين، ثم جاء في السنة السابعة.
---(6/200)
4385 - قوله: (فَأَبَى أَنْ يَحْمِلَنَا)... إلخ، وكان إذ ذاك مغضباً، فلم يَلْبَثْ أن رَجَعَ عن قوله، وأعطاهم.
4385 - قوله: (ولَكِنْ لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا)... إلخ، والظاهرُ أن يمينَ النبيِّ صلى الله عليه وسلّمهذا كان يمينَ الفَوْرِ. فينبغي أن يكونَ مَقْصُوراً على ذلك الوقت فقط، فلا حاجةَ إلى التكفير، فما معنى هذا القول؟.
قلتُ: قصرُ اليمين الفور على محلِّه تخريجٌ للحنفية، وليست مسألةً متفقٌ عليها. مسألة في فقه الحنفية: أن الجلاَّلةَ إذا أَنْتَنَ لحمها، وظَهَرَ ريحُ النجاسة في لحمها، تُحْبَسُ أياماً ثم تُؤْكَلُ، وإن لم تَظْهَرْ الريحُ فيه لا بأس بأكلها.
4387 - قوله: (الإِيمَانُ ههُنَا)... إلخ. ولذا قلَّما وقعت الحروب باليمن، وجاء أكثرُهم مسلمين طائعين.
4387 - قوله: (رَبِيعَةَ، ومُضَرَ)، أمَّا ربيعةُ فمن أعمامه، وأمَّا مُضَرُ فمن أجداده صلى الله عليه وسلّم
4388 - قوله: (أَرَقُّ أَفْئِدَةً)، وقد مرَّ الفرقُ بين الفؤاد والقلب في أوائل الكتاب، ذيل قوله: «يرجف فؤاده». وقد توجَّه إلى الفرق بينهما في الشرح المنسوب إلى المَاتُرِيدِي على الفقه الأكبر. فالفؤادُ عندي أخصُّ من القلب، ولعلَّ المضغةَ هي القلبُ، والفؤادُ حصَّةٌ منه. وإنما توجَّهْتُ إلى بيان الفرق، لِيَنْكَشِفَ الغطاءُ عن قوله تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} (النجم: 11).
4391 - قوله: (عَلْقَمَة) هو من أخوال إبراهيم النَّخَعِيّ.
4391 - قوله: (ثُمَّ الْتَفَتَ إلى خَبَّابٍ، وَعَلَيْهِ خَاتِمٌ مِنْ ذَهَبٍ)... إلخ، ولا أدري ماذا وَقَعَتْ له من المغالطة في لُبْسِ خاتمِ ذهبٍ، مع كونه حراماً.
باب قِصَّةُ دَوْسٍ وَالطفَيلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِي
* يَا لَيلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا ** عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الكُفرِ نَجَّتِ
---(6/201)
وَأَبَقَ غُلاَمٌ لِي في الطِرِيق، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النبي صلى الله عليه وسلّمفَبَايَعْتُهُ، فَبَينَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ الغُلاَمُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «يَا أَبَا هُرَيرَةَ هذا غُلاَمُكَ». فَقُلتُ: هُوَ لِوَجْهِ اللَّهِ، فَأَعْتَقْتُهُ.
وهذا صحابيٌّ من قبيلة أبي هُرَيْرَة، وقد أَسْلَمَ قبله.
4393 - قوله: (عَلَى أنَّهَا مِنْ دَارَةِ الكُفْرِ نَجَّتِ) والدَّارَةُ أخصُّ من الدار، والمرادُ منها ههنا علاقةُ الكفر.
باب قِصَّةُ وَفدِ طَيِّىءٍ، وَحَدِيثُ عَدِيِّبْنِ حاتِم
4394 - قوله: (فَجَعَلَ يَدْعُو رَجُلاً رَجُلاً، ويُسَمِّيهم، فقلتُ: أَمَا تَعْرِفُنِي يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟)... إلخ، أي لما لم يَلْتَفِتْ عمر إلى عَدِيَ - وكان ابنَ حَاتِمٍ الشهيرَ - سَاءَهُ ذلك، وقال: أَمَا تَعْرِفُنِي؟ فلما أَجَابَهُ عمرُ بما في الحديث، فَرِحَ به، وقال: فلا أُبَالي إذاً.
باب حَجَّةُ الوَدَاع
ولم يَظْهَرْ لي وجهُ تقديمها على غزوة تَبُوك، مع كونها في السنة التاسعة، وتلك في العاشرة.
4402 - قوله: (ولاَ نَدْرِي ما حَجَّةُ الوَدَاعِ) فلما تُوُفِّيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّمبعدها بقليلٍ عَرَفُوهَا.
---(6/202)
4402 - قوله: (فَحَمِدَ اللَّهَ، وأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ المَسِيحَ الدَّجَّالَ، فَأَطْنَبَ في ذِكْرِهِ) وهذه القطعةُ ليست بمذكورةٍ في البخاريِّ إلاَّ في هذا الموضع، وفيه دليلٌ على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمكان يَعْرِفُ المسيحَ الدجَّال، كما يَعْرِفُ أحدُكم أن دون الليلة غداً. وهذا الشقيُّ المحرومُ يدَّعي أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّملم يُؤْتَ من علمه كما هو، ثم يَهْذِي أنه قد أُعْطِي به - والعياذ بالله - وماله ولعلوم الأنبياء. وإنَّما كان يُوحِي إليه شيطانُه، فكان يظنُّه وحيَ نبوةٍ، لَعَنَهُ اللَّهُ لعناً كبيراً، وحَسْبُه جهنَّم وساءت مصيراً. ثم عند البخاريِّ عن ابن عمر: «أنه بعدما رَجَعَ من عند ابن صيَّاد خَطَبَ خُطْبَةً، فذكر فيها الدَّجَّالَ، وقال: إنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ»... إلخ. فتبيَّن أن ابن صيَّاد لم يَكُنْ دجَّالاً معهوداً عنده، وإنما كان دجَّالاً من الدجاجلة.
4413 - قوله: (العَنَقَ): هو المشيُ الذي يتحرَّكُ منه عنق الراحلة، والنَّصُّ فوقه.
باب غَزْوَةُ تَبُوكَ، وَهيَ غَزْوَةُ العُسْرَة
كانت في التاسعة، وذكر الواقديُّ صاحب «المغازي»: أن الصحابةَ كانوا فيها سبعين ألفاً.
---(6/203)
فائدةٌ مهمةٌ: واعلم أنهم تكلَّمُوا في الواقديِّ، وأمره عندي أنه حاطب ليلٍ، يَجْمَعُ بين رجلٍ وخيلٍ، فيأتي بكلِّ رطبٍ ويابسٍ، صحيحٍ وسقيمٍ، وليس بكذَّابٍ، وهو متقدِّمٌ عن أحمد، وأكبرُ منه سِنّاً، ولكنه أضاعه فقدان الرفقة، وقلة ناصريه، فتكلَّم فيه من شاء. وأمَّا الدّارَقُطْنيُّ، فإنه وإن أتى بكلِّ نحوٍ من الحديث، لكنه شافعيُّ المذهب، فَكَثُرَتْ حماته، فاشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار، وبَقِي الواقديُّ مجروحاً، لا يَذُبُّ عنه أحدٌ، فذلك عندي من أمر الواقديِّ. أمَّا جمعه بين الضعاف والصحاح، فذلك أمرٌ لم يَنْفَرِدْ به هو، بل فعله آخرون أيضاً، والأذواقُ فيه مختلفةٌ، فمنهم من يَسِيرُ سيره، ومنهم من يَكْرَهُهُ، فلا يأتي إلاَّ بالمعتبرات.
4415 - قوله: (خُذْ هذَيْنِ القَرِينَيْنِ)، كانوا يَشُدُّون بعيرين مُتَنَاسِبَيْنِ طبعاً، مُتَوَافِقَيْن سِنّاً في حبل واحدٍ في أصل شجرةٍ، ويُقَالُ لهما: القَرِينَان، وترجمته في الهندية: جوت.
باب حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ، وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَلَى الثَّلَثَةِ الَّذِينَ خُلّفُواْ}
---(6/204)
قالَ: فَبَينَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ المَدِينَةِ، إِذَا نَبَطيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّأْمِ، مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالمَدِينَةِ، يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِبْنِ مالِكٍ؟ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ، حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِلَيَّ كِتَاباً مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلاَ مَضْيَعَةٍ، فَالحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ. فَقُلتُ لَمَّا قَرَأْتُهَا: وَهذا أَيضاً مِنَ البَلاَءِ، فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا، حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيلَةً مِنَ الخَمْسِينَ، إِذَا رَسُولُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّميَأْتِينِي فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلّميَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ، فَقُلتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ ماذَا أَفعَلُ؟ قالَ: لاَ، بَلِ اعْتَزِلهَا وَلاَ تَقْرَبْهَا. وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ مِثْلَ ذلِكَ، فَقُلتُ لاِمْرَأَتِي: الحقِي بِأَهْلِكِ، فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ في هذا الأَمْرِ.
---(6/205)
قالَ كَعْبٌ: فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلاَلِبْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلّمفَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هِلاَلَبْنَ أُمَيَّةَ شَيخٌ ضَائِعٌ لَيسَ لَهُ خادِمٌ، فَهَل تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قالَ: «لاَ، وَلكِنْ لاَ يَقْرَبْكِ». قالَتْ: إِنَّهُ وَاللَّهِ ما بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيءٍ، وَاللَّهِ ما زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كانَ مِنْ أَمْرِهِ ما كانَ إِلَى يَوْمِهِ هذا. فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي: لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلّمفي امْرَأَتِكَ، كما أَذِنَ لاِمْرَأَةِ هِلاَلِبْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ؟ فَقُلتُ: وَاللَّهِ لاَ أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلّم وَما يُدْرِينِي ما يَقُولُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّمإِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ؟ فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ، حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيلَةً مِنْ حِينَ نَهى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّمعَنْ كَلاَمِنَا، فَلَمَّا صَلَّيتُ صَلاَةَ الفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيلَةً، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَينَا أَنَا جالِسٌ عَلَى الحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، قَدْ ضَاقَتْ عَليَّ نَفسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ، أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلعٍ، بأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُبْنَ مالِكٍ أَبْشِرْ، قال: فَخَرَرْتُ سَاجِداً، وَعَرَفتُ أَنْ قَدْ جاءَ فَرَجٌ، وَآذَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّمبِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَينَا حِينَ صَلَّى صَلاَةَ الفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشَّرُونَ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَساً، وَسَعى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ، فَأَوْفَى عَلَى الجَبلِ، وَكانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الفَرَسِ، فَلَمَّا جاءَنِي
---(6/206)
الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ، فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُما بِبُشْرَاهُ، وَاللَّهِ ما أَمْلِكُ غَيرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَينِ فَلَبِسْتُهُمَا، وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجاً فَوْجاً، يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ يَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيكَ، قالَ كَعْبٌ: حَتَّى دَخَلتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّمجالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلحَةُبْنُ عُبَيدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي، وَاللَّهِ ما قامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ غَيرَهُ، وَلاَ أَنْسَاهَا لِطَلحَةَ، قالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ: «أَبْشِرْ بِخَيرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ». قالَ: قُلتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟ قالَ: «لاَ، بَل مِنْ عِنْدِ اللَّهِ». وَكانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّمإِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَينَ يَدَيهِ قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِع مِنْ مالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رسُولِ اللَّهِ، قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم «أَمْسِكْ عَلَيكَ بَعْضَ مالِكَ فَهُوَ خَيرٌ لَكَ». قُلتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيبَرَ، فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لاَ أُحَدِّثَ إِلاَّ صِدْقاً ما بَقِيتُ. فَوَاللَّهِ ما أَعْلَمُ أَحَداً مِنَ المُسْلِمِينَ(6/207)
---
أَبْلاَهُ اللَّهُ في صدْقِ الحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّمأَحْسَنَ مِمَّا أَبْلاَنِي، ما تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّمإِلَى يَوْمِي هذا كَذِباً، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيما بَقِيتُ. وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِصلى الله عليه وسلّم {لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِىّ وَالْمُهَجِرِينَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَكُونُواْ مَعَ الصَّدِقِينَ} (التوبة: 117 - 119). فَوَاللَّهِ ما أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ، بَعْدَ أَنْ هَدَانِي للإِسْلاَمِ، أَعْظَمَ في نَفسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم أَنْ لاَ أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كما هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا، فَإِنَّ اللَّهَ قالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا - حِينَ أَنْزَلَ الوَحْيَ - شَرَّ ما قالَ لأَحَدٍ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَسِقِينَ} (التوبة: 95 - 96). قالَ كَعْبٌ: وَكُنَّا تَخَلَّفنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّمحِينَ حَلَفُوا لَهُ، فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَأَرْجَأَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّمأَمْرَنَا حَتَّى قَضى اللَّهُ فِيهِ، فَبذلِكَ قالَ اللَّهُ: {وَعَلَى الثَّلَثَةِ الَّذِينَ خُلّفُواْ} (التوبة: 118). وَلَيسَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ مِمَّا خُلِّفنَا عَنِ الغَزْوِ، إِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا، وَإِرْجاؤُهُ أَمْرَنَا، عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيهِ فَقَبِلَ مِنْهُ.
---(6/208)
4418 - قوله: (فَطُفْتُ فِيهِم، أَحْزَنَنِي أَنِّي لا أَرَى إِلاَّ رَجُلاً مَغْمُوصاً عليه النِّفَاقُ)... إلخ، وفيه دليلٌ على ما قلتُ أوَّلاً: إن المنافقين كانوا يُعْرَفُونَ عندهم بِسِيمَاهُم، ولكن النبيَّ صلى الله عليه وسلّملم ير مصلحةً أن يَطْلُبَ بيِّنةً على نفاقهم، ثم يَضْرِبُ أعناقَهم.
ثم إن معنى قوله: {خُلّفُواْ} (التوبة: 118) في القرآن، أي لم يُسْمَعْ عُذْرُهم، وتأخَّر أمرُهم. وهذا الذي فَهِمَهُ صاحب الواقعة، كما يُعْلَمُ من قوله: «قال كعب: وكنا تخلَّفنا أيُّها الثلاثةُ عن أمر أولئك الذين قَبِلَ منهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلّمحين خَلَفُوا له»... إلخ، وفَهِمَ الناسُ معناه، أي تخلَّفوا عن السفر.
4418 - قوله: (إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً)... إلخ، قاله استشارةً، كما يَلُوحُ من السياق، لا أنه وقفٌ، أو نذرٌ في الحال، لتتفرَّعَ عليه المسائل.
---(6/209)
حكايةٌ: لمَّا كان من سُنَّةِ المُبَشِّرِ أن يُعْطَى له شيئاً، كَسَى كعبٌ ثوبيه من كان بشَّرَهُ بقَبُول توبته. ومن هذا الباب: ما جرى بين الشافعيِّ، وأحمد، فإن الشافعيَّ سافر من الحجاز مرَّتين: مرَّةً إلى محمد بن الحسن، ومرَّةً إلى الإِمام أحمد، فلمَّا قَفَلَ إلى مصر رأى رؤيا: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّميقول: بشِّرْ أحمدَ على بلوى تُصِيبُهُ، فقال لأصحابه: من يقوم منكم بهذا الأمر؟ قال له المُزَنيُّ وهو خالُ الطحاويِّ: أنا. فلمَّا بَلَغَ أحمد، وبشَّره به، بكى، وقال: لعلَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّماسْتَشْعَرَ بي ضعفاً وخشوعاً، ثم نَزَعَ قميصه وأعطاه. فلمَّا رَجَعَ المُزَنيُّ إلى الشافعيِّ، وقصَّ عليه أمره، سأله أنه هل أعطاه شيئاً؟ قال: نعم، هذا قميصه. فقال له الشافعيُّ: إني لا أُجْهِدُكَ اليوم، ولا أقول: أن تسمحَ لي بقميصه. ولكن أَرْجُو منك أن تَبُلَّهُ في الماء، ثم تَعْصِرَهُ، فتعطيني عُصَارَتَهُ، ففعله. فلمَّا جاءه بالماء المطلوب شَرِبَ بعضَه، ومَسَحَ ببعضه. فهذا شأنُ الأئمة، وهداة الدين فيما بينهم رحمهم الله تعالى.
باب نُزُولُ النبي صلى الله عليه وسلّم الحِجْر
4419 - قوله: (ثمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ) وكأن هذه كانت هيئةَ متعوِّذٍ من عذاب الله تعالى. وهذا عندي أصلٌ لاستحسان الطَّيْلَسَان. وحرَّر السيوطي فيه رسالةً، إلاَّ أن ذهنَه لم يَنْتَقِلْ إلى هذا الاستنباط.
فائدةٌ: واعلم أن دِيَارَ ثَمُودَ كانت على سيف البحر من هذا الجانب، وذهابه إلى تَبُوكَ كان من غرب العرب، ولا تَقَعْ فيه تلك الديار. إلاَّ أني لا أعْتَمِدُ على ما عندي من علم الجغرافية في تلك الساعة، ولا يتأتَّى الإِيرادُ إلاَّ بعد الاستحضار.
باب
---(6/210)
4421 - قوله: (فَقُمْتُ أَسْكُبُ عَلْيِهِ المَاءَ) وفيه زيادةٌ عند أحمد في «مسنده»: «أن المُغِيرَةَ أتى بالماء من عند امرأة، فَأَمَرَهُ أن يَسْأَلَهَا عن الماء، أنه كان في جلدٍ مدبوغٍ أو غيره»، وهذا يُفِيدُنا في مسألة المياه.
باب كِتَابُ النبي صلى الله عليه وسلّمإِلَى كِسْرَى وَقَيصَر
4425 - قوله: (أَيَّامَ الجَمَلِ)، وهي الحرب بين عائشةَ، وعليّ رضي الله تعالى عنهما.
باب كِتَابُ النبي صلى الله عليه وسلّمإِلَى كِسْرَى وَقَيصَر
باب مَرَضِ النبي صلى الله عليه وسلّموَوَفاتِه
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} (الزمر: 30 - 31).
قالَ عُبَيدُ اللَّهِ: فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بِالَّذِي قالَتْ عائِشَةُ، فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِبْنُ عَبَّاسٍ: هَل تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عائِشَةُ؟ قالَ: قُلتُ: لاَ، قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ عَلِيٌّ.
رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو مُوسى وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
---
قوله: (وقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ}) قال اللُّغويُّون: إن المخفَّفَ لمن مات، والمشدَّدَ لمن كان حياً وسيموت. ثم إن للواو ثلاثة معانٍ ليست عندي، وإن لم يَكْتُبْهُ النحاة، لكنها إذا ثَبَتَتْ عندي من الخارج، فلا أُبَالي بأنهم دوَّنوها أو لا. الأوَّلُ: العطفُ؛ والثاني: المعيَّة؛ والثالثُ: ما تُفِيدُ معنى أيضاً، وهو المرادُ ههنا، فالمعنى إنك ميِّتٌ وإنَّهم ميِّتُون أيضاً. وراجع له «عقيدة الإِسلام».(6/211)
4428 - قوله: (انْقِطَاعَ أَبْهَرِي) والسِّرُّ في موته بأثر السُّمِّ أن تشرَّف بالشهادة الباطنية، كما مرّ. والأَبْهَرُ: عِرْقٌ خرجت من الكَبِدِ، وسَرَتْ إلى سائر الجسد.
فائدةٌ: وقد علَّق شقي القاديان بقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (المائدة: 67)، وليس بشيءٍ، فإن فيه عموماً غير مقصودٍ، وقد مرَّ فيه بعض شيءٍ.
4429 - قوله: (يقرأ في المغرب بالمرسلات) وصلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلّمفي مرض موته أربع صلوات عندي مع الجماعة، كما مرَّ مفصَّلاً.
4431 - قوله: (أَهَجَرَ) والهَجْر: الهَذَيَان، وقد شَغَبَ فيه الروافضُ الملاعنة. قلتُ: ولا شيءَ لهم فيه، فإنه قاله على طريق الإِنكار، ففيه سلبُ الهَجْرِ، لا ما يريدونه.
4432 - قوله: (لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم واعلم أن التخريجَ قد يَخْتَلِفُ في الفعل المعروف والمجهول، فخرَّجُوا تَوَفَّى اللَّهُ زيداً تارةً من أخذ الحقِّ، وأُخرى من استيفاء العمر، بخلاف تُوُفِّي زيدٌ - مجهولاً - فلم يخرِّجُوه إلاَّ على الأوَّل.
---
ثم ما قيل: إن «حَضَرَ». لازمٌ، فكيف أُخْرِجَ مجهولاً مع أنه ليس من الصور الثلاثة التي يَجُوزُ فيها جعل اللازم متعدِّياً. قلتُ: هذا جهلٌ، فإن تخريجَ المجهول لا يَجِبُ أن يكون على تخريج المعروف. وفي خاتمة «المفتاح» عند بيان الوصايا: أن رجلاً سأل عليّاً على جنازة رجلٍ: من المتوفِّي؟ - على صيغة اسم الفاعل - فقال له عليّ: الله تعالى، أي توفَّاه اللَّهُ تعالى. كأنَّه أصلحه، فإنه لم يُحْسِنْ في السؤال. وإنَّما كان ينبغي له أن يقولَ: المتوفَّى - على صيغة اسم المفعول .d
ثم إن قراءةَ عليّ في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ}وَيَذَرُونَ أَزْوجًا (البقرة: 234) {يُتَوَفَّوْنَ} معروفاً؛ قلتُ: وهذا يقتضي أن يَصِحَّ إطلاقُ المتوفى المعروف أيضاً.
---(6/212)
4433، 4434 - قوله: (فَضَحِكَتْ) وفي تلك الرواية: «أنه ما من نبيَ إلاَّ وعمره نصف عمر الذي قبله»، أو كما قال. وأخطأ الحافظُ ابن القيم في فَهْم مراده، وكذا السيوطي. فَرَجَعَ عنه في «مرقاة الصعود» وليس بصوابٍ أيضاً. والصوابُ على ما مرَّ منِّي أنه رُفِعَ وهو ابن ثمانين سنة. ومَنْ رَوَى أنه رُفِعَ وهو ابن ثلاث وثلاثين، فكأنَّه قَصَدَ معنًى آخر، وهو أن ذلك عمر أهل الجنة، والمرادُ منه بقاؤهم، ودوامُهم على تلك الحال، فَأَرَادَ أنه رُفِعَ وهو على سنِّ أهل الجنَّةِ. بمعنى: أنه لا يخلِّقه مرور الدهور، ومضي الأزمنة، فَيَبْقَى على حالٍ واحدٍ، نحو بقائهم لا تَبْلَى ثيابُهم، ولا يَفْنَى شبابُهم. وذلك لكونه في موطنٍ ليست فيه تلك التغيرات، ومن يَسْكُنْ فيها يَصِيرُ كأهل الجنة على ثلاث وثلاثين سنة، شاباً عبقرياً. فَيَنْزِلُ عليه الصَّلاة والسَّلام كما رُفِعَ، لم يَمَسَّهُ نَصَبٌ ولا وَصَبٌ، يَقْطُرُ رأسه ماءً، لأنه رُفِعَ وكان قد اغتسل، فَيَنْزِلُ كما أنه خَرَجَ من الحمَّام الآن. فبقاؤُه على سمات أهل الجنة هو الذي أراده من أراده، فليفهم. ومَنْ لم يَجْعَلْ اللَّهُ له نُوراً فما له من نورٍ.
4435 - قوله: (لا يَمُوتُ نبيٌّ حتَّى يُخَيَّرَ) نادت الأحاديثُ بتخير الأنبياءِ عليهم السَّلام، وقد كان موسى عليه الصلاة والسلام خُيِّر أن يَضَعَ يده على متن الثور، ليكونَ عمره بقدر ما سَتَرَتْهُ يده. فلو فَعَلَهُ ماذا كان عمره. ونادى القرآنُ بأنَّ نوحاً عليه الصلاة والسَّلام لَبِثَ في قومه ألفاً إلاَّ خمسين عاماً. ثم هذا الشقيُّ الغنيُّ الغويُّ يَسْخَرُ بطول حياة عيسى عليه الصلاة والسَّلام، كأنَّه لم يَكُنْ عند اللعين للتخيير، ووضع اليد معنى، وكان هُزْءاً محضاً، ما أكفره.
4435 - قوله: (وأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ): أي سُعَال.
---
4439 - قوله: (نَفَثَ على نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ) والثالثةُ: سورة الإِخلاص.(6/213)
4439 - قوله: (وأَمْسَحُ بِيَدِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلّم وهذا من كمال عِلْمِهَا، حيث قَرَأَتْ المُعَوِّذَاتِ بنفسها، لما رأته حَصِيراً عنها، ثم لم تَمْسَحْ بيدها. بل مَسَحَتْهُ بيده الكريمة ليكونَ أزيدَ بركةً.
4442 - قوله: (ثُمَّ خَرَجَ إلى النَّاسِ)... إلخ. وفيه صراحةٌ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمخَرَجَ إلى الصلاة في تلك الليلة، ولا علينا أن نَفُكَّ النظمَ، ونحمله على خروجه في يومٍ آخر.
4443، 4444 - قوله: (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى اليَهُودِ والنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) وفي حديث الصَّلْت بن محمد قبله: «لَعَنَ اللَّهُ اليهودَ»، وليس فيه ذكر النصارى، وقد تعلَّق به شقي القاديان. وقد مرَّ ما فيه، على أنا نقول: إن النصارى متى عَبَدُوا قبر عيسى عليه الصلاة والسلام، فإن تقدَّم إليه يُكَذِّبُه التاريخ، ويبقى عارُه عليه إلى آخر الأمد، ولكن أين له الحياء.
4446 - قوله: (فَلاَ أَكْرَهُ شِدَّةَ المَوْتِ)... إلخ، ولا دليلَ فيه على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمشُدِّدَ في موته ما لم يُشَدَّد في موت أحدٍ. وإنما هو من باب الاعتبار، وصور التعبيرات فقط، فإنه لما رَأَتْ غِلْظَةً وخشونةً في مجاري نَفَسِهِ صلى الله عليه وسلّم عبَّرت عنه بما عبَّرت. ونحو هذه التعبيرات قد كَثُرَتْ عند أهل العُرْف في هذه المواقع، فلا تَكُنْ من الغافلين. وقد مرَّ منِّي بما لا يَحْصَى أن من أَوْجَدَ الحقائقَ نظراً إلى الألفاظ فقط، وقطع النظرَ عمَّا في الخارج، فقد تعدَّى وظلم.
---(6/214)
4447 - قوله: (فَقَالَ عَلِيٌّ: إنَّا واللَّهَ لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم فَمَنَعَنَاهَا، لا يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ، وإنِّي واللَّهِ لا أَسْأَلُهَا) وفي «الفتح»: أن مَعْمَّراً كان يَمْتَحِنُ تلامذته في ذلك، ويقول: أيهما كان أصوبَ رأياً، عليّ، أم العباس؟ فكنَّا نقول: العباس، فيأبى، ويقول: لو كان أعطاها عليّاً، فمنعه الناس لكفروا.
4448 - قوله: (بينا هُمْ في صَلاَةِ الفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الاثْنَيْنِ، وأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي لَهُمْ)... إلخ. وظاهرُ هذا الحديث: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّملم يَخْرُجْ إليهم في تلك الصلاة. ولكن أَخْرَجَ الشافعيُّ في «الأم» بسند ابن أبي مُلَيْكَة مرسلاً: «أنه عليه الصلاة والسَّلام دَخَلَ فيها مع القوم، واقتدى بأبي بكرٍ»، وسماع ابن أبي مُلَيْكَةَ ثابتٌ من عائشة، فمرسلُه يكون في حكم المرفوع، فَيُتْرَكُ به تَبَادُر ما في البخاريِّ.
وكان بعضُ الصحابة رضي الله تعالى عنهم أيضاً مع النبيِّ صلى الله عليه وسلّمعلى ذلك الطعام، فَتُوُفِّي منهم رجلٌ، ولكن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمبقي حيّاً، واستكمل حياته التي كَتَبَهَا اللَّهُ له، حتَّى ظَهَرَ أثره في آخر عمره، فوجد منه انقطاع أَبْهَرِهِ، وحَصَلَتْ له الشهادةُ الباطنيةُ، إذا لم تكن الشهادةُ الظاهريةُ تُنَاسِبُ له، فَأَبْدَلَهُ الله تعالى تلك بتلك. وفي «مجمع البحار» تحت لفظ التوفِّي، ذيل تلك الحادثة: أن الصحابةَ الذين أَكَلُوا معه الشاةَ المسمومةَ، توفُّوا، فَدَلَّ على وفاة أكثر الصحابة رضي الله تعالى عنهم الآكلين، مع أن في الرواية وفاةُ رجلٍ منهم. قلتُ: إن التوفِّي بمعنى إكمال العمر، فليس التوفِّي في حقِّهم بمعنى أنهم ماتوا، بل بمعنى أنهم كمَّلُوا أعمارَهُم، وأُخِّرُوا إلى آجالهم، فاندفع التعارُض.
---(6/215)
4449 - قوله: (ثمَّ نَصَبَ يَدَهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ: في الرَّفِيقِ الأَعْلَى) واعلم أن عبادةَ الأنبياء عليهم السَّلام ليس فيها تشبيهٌ محضٌ، كعبدة الأصنام، ولا تجريدٌ صِرْفٌ، كالفلاسفة، فهي بين التعطيل الصِّرْف، والتشبيه البحث، فكان يُشِيرُ عند دعائه إلى التجريد أيضاً. واعلم أنه مرَّ في هذا الحديث: «رفع يده، أو إصْبَعَه، ثم قال: في الرفيق الأعلى»، وفيه فائدةٌ مهمةٌ ينبغي الاعتناء بها، وهي: أن فيه إشارةً إلى أن رفعَ الإِصْبَع أيضاً من صورالدعاء. ولذا عدَّه الشيخُ ابن الهُمَام صورةً من صورها، فجوَّزه في شدَّة البرد. وعند الترمذيِّ في باب ما جاء في كراهية رفع الأيدي في المنبر في الدعاء: «أن بِشْرَ بن مروان خَطَبَ، فَرَفَعَ يديه في الدعاء، فقال عُمَارَة: قَبَحَ اللَّهُ هاتين اليدين القصيرتين، لقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلّموما يَزِيدُ على أن يقولَ هكذا: وأَشَارَ هُشَيْمٌ بالسَّبَّابَةِ». اه.
وحَمَلَهُ بعضُهم على أن الرفعَ كان للتفهيم على ما عَرَفُوه من عادة الخُطَبَاءِ، وذلك لعدم علمهم بكونه صورةً من صور الدعاء أيضاً، لفقدان العمل وانقطاع التعامل. والصوابُ عندي أنه كان للدعاء، كما بوَّب به الترمذيُّ، وكذلك عند البيهقيِّ كيف وفي الحديث تصريحٌ بأن الرفعَ كان للدعاء. ولَيُحْفَظْ لفظ الترمذيِّ، فإن فيه تصريحاً بذلك.
ثم إنه نُقِلَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمرفع إصْبَعَهُ حين وُلِدَ، وقال: «الله أكبر». ولمَّا تُوُفِّي رفعها أيضاً، وقال: «اللهم الرفيق الأعلى»، فَنِعْمَتِ البدايةُ، ونَعِمْتِ النهايةُ. حيث ذَكَرَ في كلِّ حالٍ ما نَاسَبَهُ، فإن المناسبَ لأوَّل حاله كان بيان الكبرياء، لأنه لذلك وُلِدَ وكان الأليقُ بآخر شأنه الدعاءَ عند مليكه، لأنه أوان لقائه - تبارك وتعالى - فَعَمِلَ بقوله: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبّكَ فَارْغَبْ} (الشرح: 7، 8).
---(6/216)
4452، 4453 - قوله: (أَمَّا المَوْتَةَ التي كُتِبَتْ عَلَيْكَ، فَقَدْ مُتَّهَا)، مجهولاً مع ضمير المفعول به، وهو الطريقُ في الفعل اللازم إذا جُعِلَ متعدِّياً بنحوٍ من التجوُّز.
4458 - قوله: (لا يَبْقَى أَحَدٌ في البَيْتِ إلاَّ لُدَّ)، وإنَّما استثنى منه العبَّاسَ، إمَّا لكون عمِّ الرجل صِنْوَ أبيه، أو لكونه لم يَشْهَدْهَا، كما في الحديث أيضاً. ثم إنه لم يَنْكَشِفْ لي سرُّ الأمر باللُّدُود، حتى رأيتُ حكايةً عن شيخٍ: أن غلاماً كان يَحْضُرُ مجلسه، فَيَسْخَرُ منه، ويُسِيءُ الأدب بشأنه. وكان الشيخُ يَصْبِرُ عليه، ويتحمَّلُ أذاه، ولا يقول له شيئاً. فلم يَزَلْ ذلك طريقُه حتَّى جاءه مرَّةً، ولَطَمَ الشيخَ لَطْمَةً، فقام الشيخُ فَزِعاً، وقال لجلسائه: الطموه من ساعته، فأبطؤوا فيه، فلم يَلْبَثْ الغلامُ أن مات. فقال لهم الشيخُ: إن دَمَهُه عليكم، هلاّ تَسَارَعْتُم إلى ما كنتُ أمرتكم به، ولو فَعَلْتُم لَمَا مات الغلامُ. وذلك لأنه كان يفعل بي ما قد رأيتم، ولكنه لمَّا لَطَمَني اليومَ قامت غيرة ربِّكم، فأردتُ أن تُسْرِعُوا إليه لِيَتُمَّ الانتقام قبل أن يَنْتَقِمَ منه ربُّ الأنام، فلو قُمْتُم حين كنتُ أمرتكم به، وما تأخَّرتم فيه، لتخلَّص الغلام عن انتقامه تعالى، ولكنَّكم أبطأتم حتى أخذه ذو البطش الشديد، فلم يُفْلِتْهُ. فبمثله أقول: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلّملو لم يَنْتَقِمْ لنفسه بنفسه ربما أَمْكَنَ أن يَحِلَّ عليهم غضبٌ من ربهم، أنهم كيف فَعَلُوا بنبيه أمراً كانوا نُهُوا عنه.
4459 - قوله: (أَوْصَى إلى عَلِيَ) نعم قد أَوْصَى إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلّمفي بعض أمره، كفكِّ درعه التي كانت مرهونةً عند يهوديَ في نفقة عياله. وإن كان الروافض يُرِيدُونَ أمراً وراءه، فهو لغوٌ وبهتانٌ.
---(6/217)
4460 - قوله: (أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ) قيل: الباء فيه للاستعانة، فَيَرْجِعُ إلى معنى قوله: «تركت فيكم الثقلتين كتاب الله»... إلخ. وإن كانت للصلة، فهو مفعولٌ.
باب آخِرِ ما تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم
4463 - قوله: (ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى) وعند أحمد في «مسنده»، والبيهقيِّ: «أن آخر كلامه كان: فيما مَلَكَتْ أيمانكم»، وإسنادُه ليس بذاك. فالصوابُ ما في البخاريِّ. ويُمْكِنُ الجمع بينهما، بأن ما عند البيهقيِّ آخر باعتبار ما أمر الناس به، وأمَّا ما عند البخاريِّ، فآخر كلامه مطلقاً.
4464، 4465 - قوله: (لَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سَنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ القُرْآنُ، وبالمَدِينَةِ عَشْراً) ولعلَّ هذا مخرَّجٌ على قول من اختار زمن الفَتْرَةِ ثلاث سنين، فإنه نُبِّىء على رأس أربعين، وتُوُفِّي وهو ابن ثلاث وستين، فلو نقَّصت من مجموع عمره ثلاث سنين زمن الفَتْرَةِ، حصل عشر، وعشر لإِقامته بمكة والمدينة. وإنَّما أخرجنا منه زمن الفَتْرَةِ، لأن فيه قيداً، وهو ينزل عليه القرآن. ثم إن مجموعَ عمره ستون بهذا الحساب، وهو نصف عمر المسيح عليه الصلاة والسلام، وقد مضى منه ثمانون، وبَقِي أربعون، ويَمْكُثُ في سبع منها مع المهدي عليه السلام. وأمَّا مُكْثُه في السماء، فإنما لم يُحْسَبْ من عمره، لكونه موطناً غائباً عنَّا، والمستقر وهو وجه الأرض.
ثم إن الظاهرَ أن عمر عيسى عليه الصَّلاة والسَّلام مئة وعشرون بالحساب الشمسيِّ، وعمره صلى الله عليه وسلّمثلاث وستين بالحساب القمريِّ، وأنه يُسَاوِي ستين بالحساب الشمسيِّ، وإذن لا يَحْتَاجُ في بيان التنصيف إلى اعتبار المذكور أيضاً، أي حذف مدَّة الفَتْرَةِ.
باب وَفاةِ النبي صلى الله عليه وسلّم
---
قالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُبْنُ المُسَيَّبِ مِثْلَهُ.
باب(6/218)
باب بَعْثِ النبي صلى الله عليه وسلّمأُسَامَةَبْنَ زَيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَافي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيه
4470 - قوله: (عن أبي الخَيْرِ، عن الصُّنَابِحِيِّ)، والصُّنَابِحِيُّ هذا تابعيٌّ كبيرٌ.
باب
باب كَمْ غَزَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم
4473 - قوله: (حدَّثَنَا أحمدُ بن محمَّدِ بن حَنْبَلِ)... إلخ، واعلم أن البخاريَّ روى عن ابن مَعِين في موضعٍ من كتابه، وعن أحمد في موضعين، وقد رُوِيَ عن مالك أيضاً، قالوا: إن البخاريَّ ليس له كثير سماع عن أحمد، وذلك لأنه لمَّا كان ببغداد كان البخاريُّ صغيرَ السِّنِّ، ولمَّا جاءه مرَّةً أخرى وَجَدَه ترك التدريس، فلم يتَّفق له سماعٌ كثيرٌ. وأمَّا أبو داود، وهو أكبرُ سِنّاً في مسلمٍ، ولازمه دَهْراً، بل إليه تَنْتَهِي روايةُ الفِقْه الحنبليِّ، وأمَّا الإِمامُ أبو حنيفة، فلا يُوجَدُ في كتابه روايةٌ عنه، نعم أَجِدُ فيه رواياتٍ عديدةً عن تلامذة تلامذته، وكذا غيرهم من الحنفية.
---
ثم إن البخاريَّ إن لم يَأْخُذْ عنه في صحيحه، فقد أَخَذَ عن نُعَيْم بن حمَّاد. قيل: إنه من رواة تعليقات البخاريِّ. وتتبَّعْتُ له، فوجدته راوياً لمرفوعه أيضاً في موضعين، ومضى التنبيه عليه. ونُعَيْم بن حمَّاد هذا كان يُزَوِّرُ في السُّنَّةِ. وفي مثالب أبي حنيفة، كما في تذكرته: ومع هذا أخذ عنه البخاريُّ كثيراً في «خلق أفعال العباد». وحينئذٍ وَجَبَ علينا نؤوِّل للبخاريِّ، ونقول: معنى التزوير في السُّنَّةِ أي لتأييده. وكذا في حقِّ أبي حنيفة إنه كان يَسْتَلِذُّ بها، لا أنه كان يزوِّرُها بنفسه. وإلاَّ فظاهرُه شديدٌ، فإن لم يَأْخُذْ عنه، فماذا كان؟ فإنه إن كان جَرْحاً، كان فيمن أخذ عمَّن هو دون الإِمام، بل لا يُوَازِيه، وترك الروايةَ عنه.(6/219)
كتاب تَفْسِيرِ القُرْآن
{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}: اسْمَانِ مِنَ الرَّحْمَةِ، الرَّحِيمُ وَالرَّاحِمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، كالعَلِيمِ وَالعَالِمِ.
---
واعلم أنَّ أَوَّل مَنْ خدم القرآن أئمةُ النَّحْو. فللفرَّاء تفسير «في معاني القرآن»، وكذا للزَّجَّاج. وذكر الذَّهبي أنَّ الفرَّاء كان حافِظَ الحديث أيضاً. وقد أَخَذَ ابنُ جرير الطبري في تَفْسيره عن أئمة النَّحْو كثيراً، ولذا جاء تفسيرُه عدِيمَ النَّظير، ولو كان البخاريُّ أيضاً سار سَيْرَه لكان أحسنَ، لكنه كان عنده «مجازُ القرآن» لأبي عُبَيدة مَعْمَر بن المُثنَّى، فأخذ منه تفسيرَ المُفْردات، وذلك أيضاً بدون ترتيب وتهذيب، فصار كتابُه أيضاً على وَازِن كتاب أبي عبيدةَ في سُوء الترتيب، والرِّكَّة، والإِتيان بالأقوال المرجوحة، والانتقال من مادةٍ إلى مادة، ومن سورةٍ إلى سورة، فصَعُب على الطالبين فَهْمُه. ومَنْ لا يدري حقيقةَ الحالَ يَظُنَّ أن المصنِّف أتى بها إشارةً إلى اختياره تلك الأقوالَ المرجوحةَ، مع أنه رَتَّب كتابَ التفسير كلَّه من كلام أبي عُبيدة، ولم يعرِّج إلى النَّقْد أَصلاً. وهذا الذي عرّا شقي القاديان، حيث زَعم أنَّ البخاري أشار في تَفْسِيره إلى أنَّ التَّوَفِّي بمعنى الموت، لأنه فَسَّر قوله تعالى: {مُتَوَفّيكَ} (آل عمران: 55) بِممِيتك؛ وهذا الآخَرُ لم يوفَّق، ليفهم أنَّ الحال ليس كما زَعمه، ولكنه كان في «مجاز القرآن»، فنقله بعينه كسائر التفسير، فإِنْ كان ذلك مختاراً، كان لأبي عُبيدة لا للمصنِّف. وتفسيرُ الحاكم في «مستدَركِه» أحسنُ منه عندي. ثُم إنَّ هذا غيرُ أبي عُبيد صاحب كتاب «الأموال»، فإِنَّه متقدِّم على مَعْمَر بنِ المُثنَّى، وهو أبو عُبيد قاسم بن سَلاَّم من تلامذةِ محمد بن الحسن، أَوَّل مَنْ صَنَّف في غريب الحديث.
(فائدة المجاز واستعمالاته)
---(6/220)
ثُم إنَّ المجاز في مصطلح القدماء ليس هو المجازَ المعروف عندنا، بل هو عبارةٌ عن موارد استعمالاتِ اللفظ، ومن ههنا سَمَّى أبو عبيدة تفسيره «بمجاز القرآن». وهذا الذي يريدُه الزَّمخشرِي من قوله: ومِن المجاز كذا، كما في «الأَساس»، ومن المجاز تُوفي زَيْدُ، أي مات، لا يريدُ به المجاز المعروف، بل كَوْن الموت من موارد استعمالاته. وقد حَقَّقْنا من قَبْل أن التوفِّي كنايةٌ في الموت، وليس بمجاز. وهكذا التأويلُ عند السَّلَف بيان المصداق، قال تعالى: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَى} (يوسف: 100) أي مِصْدَاقُها، وقوله تعالى: {وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} (يونس: 39) أي مصداقه، وهو عند المتأخرين بمعنى صَرْف الكلام عن الظاهر.
حكاية: تدلُّك على شِدَّة عنايةِ أئمةِ النَّحْو، وَوَلُوعِهم بالتفسير.
اجتمع الزَّجَّاج مع المُبرّد مرةً، وكان الزجَّاج صنَّف تفسيراً، فسأله المبرِّد عن قوله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَبَ}فَلاَ تَكُن فِى مِرْيَةٍ مّن لّقَآئِهِ (السجدة: 23) ما الرَّبْطُ بين الجُمْلتين؟ وهو وإنْ لم يكن ضَرُوريّاً في القرآن، لكنه ضَرُوريّ في مِثْل هذا المَوْضع، لأنه يَعُود كالجَمْع بين الضبِّ والنون. فهذا يدلُّ على أنهم كانوا يَهْتَمُّون بِمُشْكلات القرآنِ، وكانوا يعرِفُونها، ولذا سأل المبرِّد عن أَشْكل آيةٍ في هذا الباب، ثُم لا أدري ماذا أجاب عنه الزَّجَّاج، غير أني كتبت فيه شيئاً من عند نفسي.
(معنى التفسير بالرأي)
---(6/221)
ومِن أهم ما نريدُ أن نُلقي عليك معنى التفسيرِ بالرأي، وقد بحثوا فيه بين مُطْنب ومُوجِز، مُكْثر ومُقلّ، غير أنه لا يرجع إلى كثيرِ طائل، فلم نر في نَقْله فائدةً، فدونك عِدَّة جُمَل: أنَّ التفسيرَ إذا لم يوجِب تغييراً لمسألة، أو تبديلاً في عقيدة السَّلَف، فليس تفسيراً بالرأي، فإِذا أوجب تغييراً لمسألةٍ متواتِرةٍ، أو تبديلاً لعقيدةٍ مُجْمَعٍ عليها، فذلك هو التفسيرُ بالرأي، وهذا الذي يستوجِب صاحبه النَّار، ولا تتحصَّل على ما قلنا، إلاَّ بعد الإطِّلاع على عاداتِ أصحابِ التفاسير. وحينئذٍ لا قَلَق فيما فَسَّره المفسِّرون من أذهانهم الثاقبة، وأفكارِهم الصحيحة. ومَنْ يطالع كُتُب التفسير يجدها مشحونةً بالتفسير بالرأي، ومَنْ حَجَر على العلماءِ أن يُبْرِزُوا معاني الكتاب بعد الإِمعان في السياق، والسباق، والنظر إلى حقائق الألفاظ، ومراعاة عقائد السَّلَف، بل ذلك حَظُّهم من الكتاب، فإِنَّهم هم الذين ينظرون في عجائبه، ويَكْشِفون الأستارَ عن وجوه دَقائقه، ويرفعون الحُجُبَ عن خبيئات حقائقه، فهذا النوعُ من التفسير بالرأي حَظُّ أُولي العِلْم، ونصيبُ العلماء المستنبطين، أما مَنْ تكلَّم فيه بدون صِحَّة الأدوات، لا عِنْده عِلْم من كلام السَّلَف والخَلَف، ولا له ذُوْقٌ بالعربية، وكان من أجلاف النَّاس، لم يَحْمِلْه على تفسيرِ كتابِ الله غيرُ الوقاحة، وقِلَّة العلم، فعليه الأَسف كلّ الأَسف، وذاك الذي يستحقُّ النَّار.
---(6/222)
ثُم اعلم أنَّ تفسيرَ المُصنِّف ليس على شاكلةِ تفسير المتأخِّرين في كَشْف المُغْلقات، وتقرير المسائل، بل قَصَد فيه إخراجَ حديثٍ مناسِبٍ متعلِّقٍ به، ولو بِوَجْه، والتفسير عِنْد مُسْلم أقلُّ قليل، وأَكْثَرُ منه عند الترمذي، وليس عند غيرِهم من الصحاح الستِّ، ولذا خُصَّت باسم الجامع، وإنما كَثُرت أحاديثُ التفسير عند الترمذي، لِخِفّة شَرْطه. أما البخاريُّ فإِنَّ له مقاصِدَ أخرى أيضاً، مع عدم مبالاته بالتَّكْرار، فجاء تفسيرُه أبسطَ من هؤلاء كلِّهم.
قوله: ({الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ})، قيل: الأَوَّل أَبْلَغ من الثاني. وقيل: إن الأَوَّل عَلَمٌ بالغَلَبة؛ والثاني صفةٌ. قلتُ: إنَّ «الرحمن مهما وَجَدْناه في القرآن لم نجد معه مُتَعلَّق يتعلَّقُ به، بخلاف «الرحيم» قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5) فلم يذكر له مفعولاً به، وقال تعالى: {بالمؤمنينَ رءوفٌ رَحِيم} (التوبة: 128) فذكره. ولقائل أن يقول: إنَّ «الرحمن» صِفَةُ مُشَبَّهة، و«الرحيم» مبالغةٌ للفاعل، لا صفة مُشَبَّهة.r
ونَقَل البخاريُّ أنَّ الرحيم والراحم واحِدُ، وهو في الأَصْل عن أبي عُبيدة. وفي النقول الإِسلامية أنَّ المعروف عند بني إسماعيل كان اسمَ «الله»، وعند بني إسرائيل «الرَّحْمن»، ولذا لَمَّا نزلت التسميةُ استنكرها العربُ، وقالوا: إنَّه يريدُ الخَلْط بين الدِّنَيْن، فنزلت {الرحمن الرحيمالرَّحْمن على العَرْش استوىبالمؤمنينَ رءوفٌ رَحِيمقل ادْعُو اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ}أَيّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الاْسْمَآء الْحُسْنَى
باب مَا جَاءَ فِي فاتِحَةِ الكِتَاب
---
وَسُمِّيَتْ أُمَّ الكِتَابِ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِكِتَابَتِهَا فِي المَصَاحِف، وَيُبْدَأُ بِقِرَاءَتِهَا فِي الصَّلاَةِ. وَالدِّينُ: الجَزَاءُ فِي الخَيرِ وَالشَّرِّ، كَمَا تَدِينُ تُدَانُ.(6/223)
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {بِالدّينِ} (الماعون: 1) (الانفطار: 9) بِالحِسَابِ. {مَدِينِينَ} (الواقعة: 86) مُحَاسَبِينَ.
قوله: (وسُمِّيت أُمَّ الكتاب، لأَنَّه يُبْدأ بكتابتها في المصاحف) إلخ. قلتُ: ولم يَنْكَشِف مما نقله المصنِّفُ شيءٌ. والصوابُ عندي أن الأُم في الأَصْل يقال للدجاجة التي تُقَرْقِر، لتكفت إليها أَفْراخُها، وكذا يقال: الأم، للرايةِ، لأنَّ الجيش يعودُ إليها عند الكَرِّ والفَرِّ.
إذا عَلِمت هذا، فاعلم أنَّ الفاتحةَ سُمِّيت بأُمِّ الكتاب، لأنها تبقى في محلها، وكأنَّ سائرَ السُّور تجيء، وتنضم معها على سبيل البدلية، فهي متعيِّنة للقراءةِ، وسائرُها مخيَّرة، فكأنَّها كالوَتد للقراءةِ في الركعة، وبعبارةٍ أُخْرى أنه إذا أُريد حَوْزُ الأشياء في مكان تَخَيَّر له المكانَ أَوَّلاً، ليجمع فيه، فالفاتحة لهذا التعيين، ثم تحومُ سائرُ السُّورِ حَوْلَها. وسيجيءُ له مزيدُ التوضيح في «فضائل القرآن».
فائدة:
---
واعلم أنَّ الأحاديثَ قد تَرِد كاشفةً عن أنظار ذهنيةٍ، ولا يُدْرى إلى أين جَرْيُها، وكَفُّها، وطردُها، وعَكْسُها، فيظهَر بعضُها في العمل أيضاً، ويبقى بعضُها في النَّظَر فقط. ففي مِثْل هذه الأحاديثِ يَجِب النَّظر إلى العَمل أيضاً، ولا ينبغي القَصْر على اللفظ فقط، لينكشف أنه هل اعتُبر هذا النَّظَرُ في حَقِّ العمل أيضاً، أو بقي في النَّظَر فقط، كالإِيتار في صلاة اللَّيل، فإِنَّه نظر، لكنه لا يُدرى إلى أين جَرْيُها، وكَفُّها. فقد أجراه بعضُهم حتى قال بِنَقْضِ الوِتْر، ومن هذا الباب قوله: «إنَّما جُعِل الإِمامُ ليؤتمَّ به»، فالائتمام نَظرٌ ذِهْني، لا يُدْرى طَرْدُها وعكسها، فاعتبره الحنفية في باب القراءة أيضاً، وجعلوه دليلاً على تَرْك الفاتحة خَلْفَ الإِمام أيضاً، وأَخَذه الشافعيةُ أَوْسع منه، ولم ينفصل الأَمْرُ بعد، ولا ينفصل. وراجع رسالتي «كَشْف السّتر».(6/224)
ومُحصَّل الكلام أن الأنظارَ الذهنيةَ إذا خفي طَرْدُها، وعَكْسُها، فالعبرةُ عندي بالعمل في الخارج، كيف ثبت. فنقولُ في مسألة النقض أَنَّه إنْ ثبت نَقْضُ الوِتْر عن السَّلَف نقول: إنَّ الإِيتارَ قد اعتُبر في حقِّ العمل أيضاً، وفي المسألة الثانية: إنَّ الفاتحة إن ثَبَتَ تَرْكُها خَلْفَ الإِمام نقول: إنَّه ظَهَر أَثَرُه في تَرْك القراءةِ أيضاً، وإنْ لم يثبت، كما في المسألة الأولى لا نقولُ به، ولا تُوجِب العمل من لفظ الإِتيار فقط، فإِنَّه نَظر، وشأنُه أنه لا يظهَر في العمل دائماً، فقد يبقى في النَّظر فقط، وحينئذٍ جَرُّها إلى العمل يكونُ غَلَطاً، فاعلمه، فإِنَّه ينفعُك في كثيرٍ من المواضع، وأدعو الله تعالى أن يطعمَك منه ذواقاً.
---
4474 - قوله: (ألم يَقُلِ اللَّهُ: {اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ}) (الأنفال: 24)... إلخ، استنبط منه اشافعيةُ أنَّ مجاوبةَ الرسولِ غيرُ مُفْسِدةٌ للصلاةِ، ثُم استأنسوا به في مسألةِ ذي اليَدَيْن. قلتُ: وهذا الاستنباطُ يُبْنى على صورةِ ترتيب الرِّواية، بأن يكونَ اعتذارُه بكونِه في الصلاة مقدَّماً، وتلاوته صلى الله عليه وسلّمالآيةَ مُؤخَّراً، ولو فرضنا اعتذارَه مؤخَّراً عن تلاوته هكذا، فدعاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم فلم أجبه، فقال: ألم يقلِ اللَّهُ... إلخ، قلتُ: «يا رسولَ اللَّهِ إنِّي كُنْتُ أُصلِّي»، سقط الاستدلال.
4474 - قوله: ({لِمَا يُحْيِيكُمْ}) (الأَنفال: 24) فتعليمُه يُورِثُ الحياةَ.(6/225)
4474 - قوله: (أَعْظَمُ السور) وفي نسخةٍ: «أعظم سورة». واختلفوا في الفَرْق بين أَفْضَل رجل، وأَفْضل الرِّجالُ، فقال جماعةٌ: إنهما سواءٌ، أقول: لا، بل في قوله: أَفْضَلُ رَجُلٍ من الاستقصاء ما ليس في أفضل الرِّجال، فإِنَّ الفَضْل في الأَوَّل على كلِّ رَجُلٍ رَجُل، فهو أَشْمل من الثاني، فإِنَّ الفَضْل فيه على المجموع، وراجع له شَرْح الرَّضِي على «الكافية».
---
ثُم إنَّ في إطلاقِ أَعْظَم السُّوَر على الفاتحة سِرّاً، وهو أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّمأرادَ به نَحْوَ تلافٍ لما ينشأ من سياق القرآن، فَإِنَّه قال: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَكَ سَبْعًا مّنَ الْمَثَانِي}وَالْقُرْءانَ الْعَظِيمَ (الحجر: 87) عطف القرآن العظيم على الفاتحةِ، فدلَّ على التغايُر، وخرجت الفاتحةُ عن كَوْنها قُرآناً عظيماً، فأَزَاحه أنَّ الفاتحةَ أَعْظَمُ السُّورِ، لا أنها خَرَجت بهذا الإِطلاقِ عَنْ كَوْنها قُرآناً، كما يُوهِمُه التقابُلُ، وضلَّ مَنْ أراد أَنْ يُنْكِر كَوْنَ الفاتحةَ قُرْآناً، لئلا يَرِد عليه قولُه تعالى: {إذا قُرِىء القرآنُ فاستَمِعوا له وأَنْصِتُوا} (الأَعراف: 204) وكان الحديث سيق على رغم هؤلاء، ثم إنَّ في قوله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَكَ}... إلخ، إشارةٌ إلى الفاتحةِ وضَمِّ السورةِ، فإِنَّه ذَكَر أوَّلاً السَّبْع المثاني، وهي للفاتحة، ثُم القرآنَ العظيم، وهو سائر السُّوَر، فتنضم معها على سبيل التبادل. وترجمة الآية عندي هم نى دين تجهكو سات آيتين جو ورد كردنى هين اور وظيفه بناينكى لائق هين أور ديا قرآن عظيم.(6/226)
قوله: ({ءاتَيْنَكَ سَبْعًا مّنَ الْمَثَانِي}وَالْقُرْءانَ الْعَظِيمَ (الحجر: 87) الذي أُوتِيتُه)، اختلفوا في شَرْح قوله: {وَالْقُرْءانَ الْعَظِيمَ}... إلخ، أي في الحديث، أما الكلام فيه في الآية، فكما هو في محله، فقيل: إنه مبتدأ وخَبر. والمعنى أن ما أُوتيته هو القرآنُ العظيم. فالجملةُ الأُولى مناسِبةٌ للباب. والثانية الستطراديةٌ. وقيل: إنَّ السَّبْعَ المثاني هو القرآنُ العظيم، ففيه إطلاقُ القرآنيةِ على الفاتحة، وليس بِمُرَادٍ عندي.
باب {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّآلّينَ}
---
والأوَل هم اليهودُ، وإنَّما غَضِب عليهم لإِنكارِهم رسالةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وهي بديهيةٌ؛ والثاني هم النَّصارى، لِخَبْطِهم في التحقيقات العِلْمية، كمسألةِ التوحيد في التثليث، ولذا قال الحافظ ابنُ تيمية: إنَّ العالِمَ المبتدِعَ على قَدَم النَّصارى، والجَاهِلَ المبتدعَ على قَدَم اليهود.
سورة البقرة
باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَعَلَّمَ ءادَمَ الاسْمَآء كُلَّهَا} (31)
قالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: «إِلاَّ مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ»، يَعْنِي قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {خَلِدِينَ فِيهَا}
---(6/227)
واعلم أنَّ العبوديةَ هي مناطُ الخلافة عندي، وإن اختار المفسرون، أنه العِلْم، وذلك لأنَّ الخَلْق إذْ ذاك كان على ثلاثةِ أنواع: إبليس، فإِنَّه ناظر رَبَّه ولم يكن له ذلك، فصار مَطْروداً ملعوناً؛ وملائكة اللَّهِ، فإِنهم أيضاً لم يتخلَّصوا عن إساءةِ أدبٍ، فلما تابوا عفا عنهم؛ والثالث آدَم، وهذا هو الذي لما عاتبه رَبُّه لم يتكلم بحرف، ولم يواجهه إلاَّ بالبكاء، مع أن موسى عليه الصلاة والسلام لما حاجَّه في عين تلك المعصيةِ حَجّ عليه، وذلك دليلٌ على كمال عبوديته، غير أنها أَمْرٌ خَفِيٌّ، ومعنًى مستورٌ، لا يَظْهَر بها الحُجَّة على الخَصْم، وكان العِلْم أظهرَ الأشياء، لإِثبات فَضْل أَحدٍ على أحد، فاقتضت الحِكْمةُ الإِلهِيةُ أن يَخُصَّه بهذا الفَضْل أيضاً، ليرى مكانَه، ويحرِزَ مَنْزلَته، وقد فصَّلناه في غير هذا الموضع. ثُم إنَّ من سرِّ عَقْد الخلافة ظهورَ المُطيع من غيره، لأنه ليس من المخلوق أَحَدٌ مَنْ يُنْكِر طاعةَ خالِقه، وإنَّما يَشُقُّ على المخلوقِ طاعةُ المخلوقِ، لكونه من جنسه، ولذا كَبُر على إبليسٍ السجودُ لآدَم عليه السلام، فاللَّهُ سبحانه أرادَ أن يُميِّزَ المُطيعَ مِن غيره، وأَمَر الملائكةَ أن يَسْجُدوا له، فسجدوا كلُّهم، وأَبى إبليسٌ لذلك المَعْنى، ولا يزال ذاك التمييزُ يجري إلى يوم القيامة، ولنا فيه كلامٌ طويلٌ، طَوَيْنا ذِكْره.
---(6/228)
قوله: ({وَعَلَّمَ ءادَمَ الاسْمَآء كُلَّهَا} (البقرة: 31)) والمرادُ منها أسماءُ الأشياء التي لا بدَّ من عِلْمِها، والعمومُ فيه كالعموم في قوله: {وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَىْء} (النَّمل: 23)، ألا ترى أن اليهودَ لما سألوا عن الرُّوح، وأُجِيبوا بقوله: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّى}وَمَآ أُوتِيتُم مّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (الإِسراء: 85) قالوا: كيف وعندنا التوراةُ فيها تفصيلٌ لكلِّ شيءٍ، فقيل لهم كما في «سيرة ابن هشام»: هي في عِلْم الله قليل، فانكشفت منه حقيقةُ الكُلِّ، وحال استغراقه؛ وبالجملة لما كان آدمُ عليه الصلاة والسلام أبا البشر، ومِنْ صُلْبه خرج العالَم، لزِم أن يَعْلم أَولاً من أسماء الأشياء ليجرِّبَها فيما بعده، وتتعلم منه ذريَّتُه، وتستعملها فيما بينها، ولا تتعطَّل عن حوائجها، فاتضح منه سرُّ تعليم الأسماء كُلِّها إيَّاها.
4476 - قوله: (فإِنَّه أَوَّلُ رَسُول)... إلخ. وقد مَرَّ وَجْهُ كونِه أَوَّلَ في الأَوَّل.
4476 - قوله: (فَيَدَعُني ما شاء)... إلخ. وفي «مسند» أحمد أنه يَقَعُ في السجدة أُسبوعاً.
باب
قالَ مُجَاهِدٌ: {إِلَى شَيَطِينِهِمْ} (14): أَصْحَابِهِمْ مِنَ المُنَافِقِينَ والمُشْرِكِينَ. {مُحِيطٌ بِالْكفِرِينَ} (19) اللَّهُ جَامِعُهُمْ. صِبْغَةٌ: دِينٌ. {عَلَى الْخَشِعِينَ} (45) عَلَى المُؤْمِنِينَ حَقَّاً. قالَ مُجَاهِدٌ: {بِقُوَّةٍ} (63) يَعْمَلُ بِمَا فِيهِ.
وَقالَ أبُو العَالِيَةِ: {مَّرَضٌ} شَكٌّ. {وَمَا خَلْفَهَا} (66) عِبْرَةٌ لِمَنْ بَقِيَ. {لاَّ شِيَةَ} (71) لاَ بَيَاضَ.
وَقالَ غَيرُهُ: {يَسُومُونَكُمْ} (49) يُولُونَكُمْ. الوَلاَيَةُ - مَفتُوحَةً - مَصْدَرُ الوَلاَءِ، وَهِيَ الرُّبُوبِيَّة، وإِذَا كُسِرَت الوَاوُ فَهِيَ الإِمَارَةُ.
---
وَقالَ بَعْضُهُمُ: الحُبُوبُ الَّتي تُؤْكَلُ كُلُّهَا فُومٌ.(6/229)
وَقالَ قَتَادَةُ: {فَبَآءو} (90) فانْقَلَبُوا. وقال غَيرُهُ: {يَسْتَفْتِحُونَ} (89) يَسْتَنْصِرُونَ. {شَرَوْاْ} (102) بَاعُوا. {رعِنَا} (104) مِنَ الرُّعُونَة، إِذَا أرَادُوا أنْ يُحَمِّقُوا إِنْسَاناً قالُوا: رَاعِناً. {لاَّ تَجْزِى} (48 - 123) لاَ تُغْنِي. {خُطُوتِ} (168) مِنَ الخَطْوِ، وَالمَعْنى: آثارَهُ.
ومن عاداتِ المُصنِّف أنه يُسمِّي أَحَداً، ثُم يقول: وقال غيرُه: كما فَعَل ههنا، فَسمَّى أَوَّلاً مجاهداً، ثُم قال بعد عِدَّة أَسْطُر: وقال غيرُه: {يَسُومُونَكُمْ}
قوله: ({رعِنَا} (البقرة: 104)) وكان اليهودُ إذا نَسَبُوا أَحداً إلى الحماقةِ، قالوا له: «راعِنا».
قوله: ({خُطُوتِ} (البقرة: 168)) من الخَطْو، والمعنى: آثارَه) واعلم أن الأَحْسنَ في تفسير البخاري في كلماتِ القرآنِ هو الإِعرابُ الحكائي.
باب قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (22)
4477 - قوله: (أَنْ تُزانِيَ حَلِيلَةَ جارِك)... إلخ، والمفاعلةُ للإشعار بِطُول معاملتِه مع زوجةِ جارِه، حتى أَفْضَى الأَمْرُ إلى الزِّنا، يعني: ابنى همسايه كى بيوى كيساتهه معامله لكائى ركها يهان تك كه نوبت زنا كى صلى الله عليه وسلّمو نجى مع أنَّ المَرْجُو من الباري هو الخيرُ، ولكنه خَلَف فيه خِلافَةَ سَوْء.
باب قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَتِ مَا رَزَقْنَكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (57)
وَقالَ مُجَاهِدٌ: المَنُّ صَمْغَةٌ، وَالسَّلوىَ الطَّيرُ.
قوله: (المنَّ) نوعٌ من الصمغ كوئى كوندهى.
---
4478 - قوله: (كَمَأة) كهنبى، والأسود منها سُمّ، والأبيض شِفاءٌ للعَيْن.(6/230)
باب {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَيَكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} (58)
رَغَداً: وَاسِعٌ، كَثِيرٌ.
باب قَوْلُهُ: {مَن كَانَ عَدُوّا لِّجِبْرِيلَ} (97)
وَقالَ عِكْرِمَةُ: جَبْرَ وَمِيكَ وَسَرَافِ: عَبْدٌ. إِيل: اللَّهُ.
قوله: ({حِطَّةٌ}) كناه اتارى. وقال عِكْرمة: جَبْرَ، وَمِيكَ، وسَرَافِ: عَبْدُ؛ وإِيل: اللَّهُ. قلتُ: ورأيت عالِماً للتوراةِ شَرَح هذه الأسماءَ بغيره، فقال: «جبرئيل» زوروالا، «ميكائيل» صلى الله عليه وسلّمنى صلى الله عليه وسلّمموكل، «إسرافيل» صوروالا، «غزرائيل» موت والا. وفي الحديث أَنَّه: يلعبُ الحوتُ، والثَّورُ بين يدي أهلِ الجنة، فيقتل الثَّوْرُ الحوتَ بِقَرْنه، ويموتُ، ويكون ذلك نزلهم في اليوم الأول، وهكذا يقع في اليوم الثاني، فتقتل الحوتُ الثَّوْرَ، بِذَنَبِه، ويكون ذلك نُزلهم.
باب قَوْلِهِ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نَنْسَأْهَا} (105)
---
4481 - قوله: ({مَا نَنسَخْ مِنْ ءايَةٍ})... إلخ، وقد مَرَّ أنَّ الآياتِ المنسوخةَ أَنْزَلُ رُتْبة في الإِعجاز مِن الآياتِ المُحْكَماتِ. ثُم أنَّ ما يَزْعُمه الناسُ مَنْسُوخاً ليس بمنسوخٍ عندي، لبقاء حُكْمه في الجنس، ويكون ذلك تذكاراً لِوُرُود الحُكْم في ذلك الجنس، وإنْ رُفِع الآن عن بَعْضِ أنواعه، وعليه قراءةُ الجرِّ عندي في آية المائدة: {وامسَحُوا برءوسِكم وأَرْجُلكم} فإِنَّ المَسْحَ على الأَرْجل ثابِتٌ في حال التَّخَفُّف، ولولا هذه القراءةُ لانعدمت مسألةُ المَسْح على الخُفِّ عن القرآن رأساً، ففي تلك القراءةِ إيماءٌ إلى أنَّ الأَرْجُل قد يكون لها حَظٌّ مِن المسح أيضاً. فبقاءُ هذا الحُكْم في الجنس هو مفادُ تلك القراءةِ، وقد قَرَّرْناه في كتاب الوضوء.(6/231)
باب {وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَنَهُ} (116)
باب : {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرهِيمَ مُصَلًّى} (125)
{مَثَابَةً} (125) يَثُوبُونَ: يَرْجِعُونَ.
وَقالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيىبْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَني حُمَيدٌ: سَمِعْتُ أَنَساً، عَنْ عُمَرَ.
4483 - قوله: (وَافَقْتُ اللَّهَ في ثلاثٍ) وقد عدَّ العلماءُ موافقاتِه إلى عِشْرينَ.
باب قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (127)
القَوَاعِدُ: أَسَاسُهُ، وَاحِدَتُهَا قاعِدَةٌ، {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النّسَآء} (النور: 60) وَاحِدُهَا قاعِدٌ.
باب {قُولُواْ ءامَنَّا بِاللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا} (136)
---
قوله: ({الْقَوَاعِدَ} (البقرة: 127)) نيوين. وإنَّما ذُكِر إسماعيل عليه الصلاة والسلام بالعَطْف، لأنه كان يَرْفَع الأحجارَ، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام يَبْنِيه، فَفَصل بينهما لهذا الفَرْق.
قوله: ({رَبَّنا تَقَبَّل مِنَّا}(البقرة: 127))... إلخ، وقد قَدَّر المفسرون ههنا، يقولان: ربنا... إلخ، قلتُ: وهذا إعدامٌ لِغرض القرآنِ. فاعلم أنَّ طريقَ المُؤرِّخ الحكايةُ عن الغائبات، على طَوْر نَقْل الغائب عن الغائب، وطريق القرآن أنه قد يأتي لإِحضار ما في الخارج عند المتكلم، وتصويره في ذِهْنه، كأنه واقعٌ الآن، وقد فَصَّلناه مِن قَبْل. ومَنْ يَخْلِطْ بين الطريقين يَعْجِز عن إدراكِ بَعْض معاني الأَشعار أيضاً، كقوله:
*خيال خواب راحت هى علاج اس بد كمانى كا ** وه كافر قبر مين مؤمن مر اشانه هلاتا هى
قوله: علاج اس بد كمانى كا ليس خَبراً عن قوله: خيال خواب راحت هى بل هو جملةٌ مستقِلَّةٌ، يظهر معناها عند التغيير في اللهجة.(6/232)
وحاصلُ البيتِ أن حبيبي يَتَّهِمُني بعد الموتِ أيضاً، فيظنُّ أَنِّي في المنامِ، فما أَصْنَعُ بسوءِ ظنِّه ذلك، حتى أَنَّه يُحَرِّكُ كاهلي لأَستيقظَ مِن نومي، وما بي مِن نومٍ، ولكني قَد مِتُّ.
باب {سَيَقُولُ السُّفَهَآء مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِى كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِى مَن يَشَآء إِلَى صِرطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (142)
باب {وَكَذلِكَ جَعَلْنَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَآء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (143)
وراجع تفسيره في «فَتْح العزيز».
---
باب {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءوفٌ رَّحِيمٌ} (143)
باب {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَآء فَلَنُوَلّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (144)
باب {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَبَ بِكُلّ ءايَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ} إِلَى قَوْلِهِ:{إِنَّكَ إِذَا لَّمِنَ الظَّلِمِينَ} (145)
باب {الَّذِينَ آتَيْنَهُمُ الْكِتَبَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} (146 - 147)
أي لما كُنتم أنوذجةَ الاعتدال، فبكم يليقُ أن تكونوا مِيزاناً لانحرافِ الأُمم الآخَرِين، والوسط العدل. ومعنى التَّشْبيه: إنَّا كما جَعَلْناكم وَسَطاً في أَمْر القِبْلة، كذلك في الأُمور كلِّها.(6/233)
باب {وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلّ شَىْء قَدِيرٌ} (148)
ا
والأَرْجَح عندي أن المُرادَ منها بيتُ المَقْدِس.
---
قوله: ({إِلاَّ لِنَعْلَمَ} (البقرة: 143)) واعلم أن عِلْم الباري تعالى لما كان مُطابِقاً للواقع، فإِنْ كان معلومُه من الأشياءِ الخارجية أوجب عِلْمُه أن يتحقَّق ذلك الشيءُ في الخارج، كما قد عَلِمه، وإلا يَلْزم تَخَلُّفه عن الواقع، وهو مُحال، وليس في عِلْم الممكن هذا التأثيرُ: بأن يوجِب تعلُّقُه به، وجودَه في الخارج، وحينئذٍ معنى قوله: {لِنَعْلَمَ} أي ليتحقق معلومُه في الخارج، وقد مرَّ الكلام فيه مِن قَبْل.
باب {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (149)
شَطْرُهُ: تِلقَاؤُهُ.
وهذا نَظَرٌ فقط، كما عَلِمت آنِفاً، إنَّ مِن الأنظار مَنْ يبقى في النظر فقط، ولا يتحقَّق في العمل، فهذا أيضاً نَظَرٌ لم يتحقَّق في العمل، إذ لا بدَّ في الصلاة من التوجُّه إلى جهة، وإنْ صحَّ اعتقاداً أنَّ الله تعالى في كلِّ جهة، فإنَّ الله متعالٍ عن الجهات، نعم قد ظهر في بعض المواضع في حق العمل أيضاً، وهو في حال التحرِّي، وفي صلاةِ الخَوْف عند شِدَّة الخَوْف، وراجع «فتح العزيز» مِنْ قوله: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءهُمْ} (البقرة: 146).
باب {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (150)
باب {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}«- (158)(6/234)
---
شَعَائِرُ: عَلاَماتٌ، وَاحِدَتُهَا شَعِيرَةٌ، وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الصَّفوَانُ الحَجَرُ، وَيُقَالُ: الحِجَارَةُ المُلسُ الَّتِي لاَ تُنْبِتُ شَيئاً، وَالوَاحِدَةُ صَفوَانَةٌ، بِمَعْنى الصَّفَا، وَالصَّفَا لِلجَمِيعِ.
قوله: (والصَّفا لِلجَميع) ولما لم يُفَرِّق أبو عُبيد بين الجَمْع، واسم الجمع، تَبِعه المؤلِّفُ أيضاً في ذلك، فلم يفرِّق أيضاً بينهما.
باب {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا} (165)
أَضْدَاداً، وَاحِدُهَا نِدٌّ.
4497 - قوله: (قال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم مَنْ مات... إلى قوله: وقلت أنا: مَنْ مات وهو لا يَدْعُو)... إلخ، قد مَيَّز الراوي ههنا بين قوله، وبين قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وقد يقول: إنِّي نَسِيتُها.
باب {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرّ} إِلَى قَوْلِهِ: {عَذَابٌ أَلِيمٌ} (178)
{عُفِىَ} (178): تُرِكَ.
قد تمسَّك الشافعيةُ بالآيةِ على أنَّ الحُرَّ لا يُقْتل بالعبد، لقوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرّ} (البقرة: 178) فمفهومُه أنه لا يُقْتل بالعبدِ، وعندنا لا قِصاص بين العبد ومولاه، فإِن كان عبداً للغيرِ يُقْتل به قِصاصاً. والتمسك بالمفهوم غير معتبر عندنا، فإِنَّه ضَعيفٌ جداً لا يليقُ أن تُناط به المسائلُ، وقد تكلَّمنا على المسألةِ مِن قَبْل. والجواب كما في «المدارك»: أَنَّ مَحَطَّ قوله تعالى ليس ما زعموه، بل معناه أنَّ الحُرَّ ولو كان شَرِيفاً يُقْتل في قِصاص الحرِّ وإنْ كان وَضِيعاً، لا كما في الجاهلية، أنَّ الشريفَ إذا قَتَل الوَضِيع لم يقتصُّوا له، وإذا كان بالعَكْس قَتَلُوا به، وكذا تُقْتل بالنَّفْس نَفْسٌ واحدةٌ لا نَفْسانِ، أو أَزْيد، كما كانوا يفعلُونَه.
فائدة: (في معنى اللام)
---(6/235)
واعلم أنَّ الاستغراقَ ليس من معاني اللام عندي، بل هي لامُ الجِنْس، ويُفْهم الاستغراقُ من الخارج. وهو مذهبُ الزمخشريّ، فصرَّح أنَّ اللام في قوله: {الحمدُ ربِّ العالمين} للجِنْس، واعترَضَ عليه التفتازاني أنه مِن نَزْغة الاعتزال. قلتُ: غَفَل التفتازاني عن مذهبه، فإِنَّ الاستغراقَ ليس من معاني اللام عنده أَصْلا، ولذا لم يأخذها للاستغراقِ في سائر كتابه. أما الاستغراقُ في قوله تعالى: {الحمدُ ربِّ العالمين} فإِنَّما حدث مِن أجل أَنَّ جِنْس الحمد إذا انحصر في الله تعالى، وانتفى عن غَيْره، لَزِم الاستغراقُ لا محالةَ، فهو عنده لُزومي، لا أَنَّه من مدلول اللام. ومِن ههنا ظهر الجوابُ، عَمَّا أرادُوا عليه أنَّ اللام في قوله تعالى: {إِنَّ الإِنسَنَ لَفِى خُسْرٍ}... إلخ، لو لم تكن للاستغراقِ لم يَصِحَّ الاستثناءُ بعده، وذلك لأنَّه لم يُنْكر نَفْس الاستغراق، بل أَنْكَر كونَه مدلولاً لللام. فالفَرْقُ أنَّ المفردَ المُحلَّى باللام، يُفيدُ الاستغراق عند جماعةٍ، وهو مدلولُه، بخلافِه عند الزمخشريِّ، فإِنَّه من لوازم الحَصْر، لا مِن مدلولِ الحَرْف.
قوله: (كَسَرَت ثِنِيَّةَ جَارِيةٍ) وفي بعض الروايات أنها كَسَرت ثَنِيَّة رَجُلٍ، فما لم يَتَعَيَّن أنَّ المَجْني عليه كان رَجُلاً أو امرأة، لم يَصْلُح أن يقومَ حُجَّةً على الحنفية، في أنه لا قِصاص بين الرجل والمرأة في الأطراف؛ ومِن ههنا سَقَط إيرادُ ابن حَزْم.
باب {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}- (183)
4501 - قوله: (فلما نَزَل رَمَضانُ) كان رَمَضَان الفريضة، وهذا اللفظ مُشيرٌ إلى فرضيةِ عاشوراء قَبْل رمضانَ، والشافعيةُ يُنْكِرُونها، وبُوَّب عليه الطحاويُّ.
---(6/236)
باب قَوْلِهِ: {أَيَّامًا مَّعْدُودتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (184)
وَقالَ عَطَاءٌ: يُفطِرُ مِنَ المَرَضِ كُلِّهِ، كَمَا قالَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقالَ الحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ في المُرْضِعِ وَالحَامِلِ: إِذَا خافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدِهِما تُفطِرَانِ ثُمَّ تَقْضِيَانِ، وَأَمَّا الشَّيخُ الكَبِيرُ إِذَا لَمْ يُطِقِ الصِّيَامَ، فَقَدْ أَطْعَمَ أَنَسٌ بَعْدَ ما كَبِرَ عاماً أَوْ عامَينِ، كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِيناً، خُبْزاً وَلحَماً، وَأَفطَرَ.
قِرَاءَةُ العَامَّةِ {يُطِيقُونَهُ} وَهُوَ أَكْثَرُ.
باب {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (185)
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: ماتَ بُكَيرٌ قَبْلَ يَزَيدَ.
وقد مرَّ في «الصيام» مبسوطاً أنَّ قولَه تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} (البقرة: 184) ليس بِمنسُوخٍ عندي، وبقاءُ جزئياتِ الفِدْية في المذاهب الأربعة من أجل تلك الآية، ولولا قولُهُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} لم يَبْق لتلك الجزئياتِ في الدِّين أَصْلٌ، وهذا هو السرُّ في بقاء تلك الآياتِ في التلاوة، فإِنها لا تزال معمولاً بها بنحوٍ من الوجوه، وهذا كما قلت: إنَّه لولا قراءةُ الجَرِّ في قوله: {وَأَرْجُلَكُمْ} لارتفع أَصْلُ المسح مِن القرآن. فهذه القراءةُ هي التي تركت بِذْرِ المَسْح في القرآن، ولو كان العملُ بها في صورةٍ ما، كحال التخفُّف.
---(6/237)
ثُم إنَّه قد كَثُر إطلاقُ النَّسْخ في السَّلَف، وذلك لأنهم سَمّوا تقييدَ المطلق، وتخثيصَ العام، وتأويلَ الظاهر أيضاً نَسْخاً، وقلّ عند الأُصوليين بالنسبةِ إليهم، وقد أَنكرت النَّسْخ رأساً، بمعنى رَفْعِ الحُكْم، بحيث لا يبقى له اسمٌ، ولا أَثر في جزئيَ من الجُزئياتِ. وقد مَرَّ التفصيلُ في الصيام.
باب {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالنَ بَشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} (187)
4508 - قوله: (لا يَقْرَبُونَ النِّساءَ رَمَضَانَ كُلَّه) وفي الروايةِ الأخرى أنهم كانوا ممنوعين من القِرْبان، وغيرِه بعد النوم. ومفهومُه أنه كان جائزاً قبله، وراجع «الهامش».
باب قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الابْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الاسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصّيَامَ إِلَى الَّيْلِ وَلاَ تُبَشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَكِفُونَ فِي الْمَسَجِدِ} إِلَى قَوْلِهِ: {يَتَّقُونَ} (187)
{الْعَكِفُ} (الحج: 25): المُقِيمُ.
باب {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوبِهَا وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (189)
باب {وَقَتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ للَّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْونَ إِلاَّ عَلَى الظَّلِمِينَ لله} (193)
---(6/238)
وعند الطحاوي ما يدلُّ على أَنَّه كان يُعْمل به في زمان، ثُم نُسِخ. وأما عَدِيّ فعمل به بعد النَّسْخ أيضاً، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلّمما قال، وزعمه بَعْضُهم أنه كان حَمْلاً منه على غَيْر مَحْمله، ولم يَشْرَع به أَصْلاً.
قوله: ({حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ}) أي لا تَقع فِتْنةٌ.
4514 - قوله: (أخبرني فلانٌ،)... إلخ، وقد وقع مِثْلُه في البخاري في مَوْضعين، أو ثلاثة: أنَّ المصنِّف أَبْهم الراوي الضَّعيفَ، ولم يذكُرْه باسمه، كما ترى ههنا، فإِنَّ فلان هو ابنُ لَهِيعة، إلاَّ أَنَّه لا يذكرُه إلاَّ بالعطف، لينجَبِرَ ضَعْفُه من راوٍ آخَر قويّ، كما في هذا الإِسناد. ولكن لقائِلِ أن يقول: إنَّ المتنَ إذا كان بعده واحِداً، فما الدليلُ على أنَّه مِن لَفْظ القويِّ دون الضعيف؟ وقد أجبت عنه في رسالتي «فَصْل الخطاب».
باب قَوْلِهِ: {وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (195)
التَّهْلُكَةُ وَالهَلاَكُ وَاحِدٌ.
حَمَله الناسُ على تَرْك الجهاد، مع أَنَّه نزل في الأَنْصار الذين أرادوا أن يَتْركوا الجِهادَ لما رأوا أنَّ الإِسلامَ قد أَعزَّه اللَّهُ، فمالوا إلى إصلاحِ زُروعِهم، وأموالهم، كما عند الترمذي مُفَصَّلاً.
4516 - قوله: (قال: نَزَلت في النَّفقةِ) أي {تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} بأنْ لا تنفقوا في الجهاد، أَو تتركوه، فإِنه أيضاً هَلَكة.
باب {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مّن رَّأْسِهِ} (196)
باب {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ} (196)
---
باب {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مّن رَّبّكُمْ} (198)(6/239)
قوله: (قال: قَعَدْتُ إلى كَعْب بن عُجْرَة في هذا المسجد يعني مَسْجِد الكُوفة)... إلخ، وقد ذكرت في رسالتي «نَيْل الفَرْقَدين» أنَّ كَعْب بن عُجْرة هذا الذي كان قاعِداً في مَسْجد الكُوفة يُفتي النَّاس ويَسْتَفْتونَه، يَرْوي تَرْك الرَّفْع، وأَرَدْت به شُهرتَه، والتنوِيهَ بِذِكْره.
باب {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} (199)
باب {وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءاتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الاْخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (201)
باب {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} (204)
وَقالَ عَطَاءٌ: النَّسْلُ: الحَيَوَانُ.
وَقالَ عَبْدُ اللَّهِ: حَدَّثَنَا سُفيَانُ: حَدَّثَني ابْنُ جُرَيجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكَةَ، عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
أخرج فيه روايةَ ابن عباس موقوفاً، ولم يُخرّجها في الحَجِّ، وفيها أشياءُ تخالِف مذهبَ الحنفيةِ، كالمُفْرِد إنْ لم يجد هَدْياً، فعليه الصَّوْم.
4521 - قوله: (مَنْ تيسَّر لَهُ هَدِيَّةٌ) سواء كان مُفْرِداً، أو قَارِناً، أو مُتَمَتِّعاً.
4521 - قوله: (حتى يَقِفَ بِعَرَفاتٍ مِنْ صلاةِ العَصْر) يعني أَنَّه إذا صَلَّى الظُّهر، ثُم صَلَّى العَصْر في وَقْتٍ، ثُم وَقف، فَقَد صَدق أنه وَقَف من صلاةِ العَصْر، فإِنها بَعْد الظُّهْر، وهي بعد الزوال، وهو وَقْتُ الوقوف بِعَرفةَ. فليس المرادُ وَقْتَ العَصْر في سائر الأيام، بل ما هو في هذا اليوم خاصَّةً، وليس وَقْتُه اليوم إلاَّ وَقْتَ الظُّهر بعد الزَّوال.
---
باب {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَآء وَالضَّرَّآء} إِلَى: {قَرِيبٌ} (214)(6/240)
قوله: ({وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ} (سورة يوسف: 110)) فيه قراءتان: مُخَفَّفة، ومُثَقَّلة، وترجمةُ الأُولى: اون بيغمبرون سى جهونت بولا كيا، وترجمةُ الثانية: وه تكذيب كئى كئى، ولا إشْكالَ في القراءةِ الثانيةِ، لأنَّ الرُّسُلَ لما استبطأ عنهم النَّصْر ظَنُّوا أنَّ أُممهم تُكذِّبُهم. أما الكافرون فظاهِرٌ، وأما المؤمنون، فلا يُؤمن عليهم أيضاً أن يَنْقلِبوا على أعقابهم، نظراً إلى تَخلُّف النَّصْر. ثُم إنَّ تَوْجِيهَ القراءةِ المُثقَّلة على مُخْتارِ عائشةَ بأنَّ الرُّسُلَ خَافُوا أن يُكذِّب الكُفَّارُ المؤمنينَ. فَظَنُّ التكذيبِ في حَقِّ المؤمنين، أما الأنبياءُ عليهم السلام، فكان الكفار قد كَذَّبوهم، فلا معنى للظنِّ في حَقِّهم.
هذا في المُثقَّلة، أما المُخَفّفة ففيها إشكالٌ، فإنَّ الرُّسُل كانوا على عِلْم منهم أنَّ ما أخبرَ به رَبُّهم كائنٌ لا محالة، ولا يتأتَّى في حَقِّهم ظَنُّ التكذيب.
---(6/241)
قلتُ: ومَنْ ظَنَّ أن التشويشَ لا يَجْتمع مع العِلْم، فقد رَكَّب مُقدّمةً باطلة. فإِنَّ العِلم قد يطرأ عليه التشويشُ أيضاً بالنَّظَر إلى العوارض، كالتجاذب بين الأَسبابِ العارِضة، ومَنْ لا يُحِيط بالغيبِ قد يَعْرِضُ له نَحْوُ هذا التشويش، لأنه وإنْ كان يَثِقُ بالوَعْد، لكنه لما لم تأته تفاصيلُه بعد، لا تزالُ الاحتمالاتُ تشوِّشُ قَلْبه، فتلك من لوازمِ البشريَّة. فكأنَّ الرُّسُل لما استبطأ عنهم النَّصْر عَرَاهم من ضَعْف بُنْيتهم ما يَعْرُو للخائف عند ذلك، وحاشاهم أن يَعْزُوا التكذيبَ إلى الوَحْي، ولكنَّ تَرَقُّبهم النَّصْرَ، واستعجالَهم بإِيفاء الوَعْد، واضطرابهم إلى إنجازِه، نَزَل مَنْزلةَ التكذيب، تَلَقِّياً للمخاطَب، بما لا يَتَرَقَّب، فكأنَّ اللَّهَ تعالى عظم اضطرابَهم، وجَعَله كالتكذيبِ في حَقِّهم. وهذا كما قال تعالى: {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} (الأَنبياء: 87) وما أَقْرَب الظنَّان، فهل ترى يُونُس عليه الصلاة والسلام يَتقدَّم إلى مِثْل هذا الظنِّ؟ فهذه ونَحْوُها، ودونَها، وفَوْقَها معاتباتٌ ومناقشاتٌ، تجري مع الأنبياءِ عليهم السلام، وخواصِّ عبادِه، وذلك لغايةِ لُطْفه بهم، وقُرْبهم منه، ومن باب التهويل: {وَعَصَى ءادَمُ رَبَّهُ} (طه: 121).
---(6/242)
ثُم إنَّ ههنا سِرَّاً، وهو أن تلك كلمةٌ صدرت من غايةِ لُطْفه، ونهايةِ محبَّته، وفَرْط عَلاقَتِه مع الرُّسُل، فإِنَّ الإِلزامَ لا يُعْطَى إلاَّ لِمَنْ يُرْجى منه خِلافُه، أما مَنْ لا اعتمادَ لك عليه، فأَنْت لا تُلْقي له بالاً، ولا تُعَنِّفه، ولا تَلُومُه، ولا تعاتِبُه بشيءٍ، ولكنْ مَنْ كان صاحِبَ سِرِّك، وصاحِبَ نَجْواك في جهرك وسِرِّك، فأنت لا تغفر له أدنى غَفْلةٍ عنك، وتؤاخِذُه بالنَّقِير والقِطْمِير. ولو كانت تلك الكلمةُ صَدَرت من البَشَر، لقلت: إنَّه يُظْهِرُ مَلاَلَه، ويَبُثُّ قَلَقَه من حبيبه، ويلزمه أنك اضطربت، واستبطأت نَصْري، كأنك زعمت أنني كذبتك، وكنت أَرْجُو منك أن لا يَظْهَر عليك شيءٌ من ذلك، ولو بَلَغتِ القلوبُ الحناجِرَ، أو بلغت الحُلْقُوم، ولكن المَلاَل والحُزْن مما لا يناسِبُ عَزْوه إلى الله تعالى، فلا أقول: إنه أَظْهَر مَلاَله، بل أقول: إنَّ فيه إظهاراً بِلُطْفه بهم، واستنكاراً لاستبطائهم النَّصْر، وإلزاماً بكونه غيرَ متوقَّع منهم. ثُم إنَّ الله تعالى قد احتاط في ذلك بكلِّ ما أمكن، ولذا ألف الفاعل، ولم يَعْزُ ظَنَّ تكذِيبهم إلى نفسه، وإنْ أراده، ولكن طريقَ البيانِ في نحوه ليس إلاَّ البِناء للمَفْعُول، وقال صاحِب المَثْنَوي:
*إين قراءت خوان كه تخفيف كذب ** اين بودكه خويش داند محتجب
فالظَّنُّ حينئذٍ بمعنى الحُكْم على اللَّهِ بما وَقَع في نَفْسه.
---(6/243)
ثُمَّ إنَّ الزَّمخشَريّ أَخَذ الظنَّ بمعنى الوَسْوَسة، تنزيهاً لجانب ابن عَبَّاس، فإِنَّه كيف يتحمَّل الظنَّ به في حقِّ الرُّسُل؟ قلتُ: الظنُّ لم يَثْبت في اللغةِ بمعنى الوسوسة، بل يقال للجَانِب الراجح، وكنت مُتردِّداً في قوله تعالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقّ شَيْئاً} (النَّجم: 28)، وقوله تعالى: {إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً} (الجاثية: 32)، وقوله تعالى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنّ} (النِّساء: 157)، وكذلك أَجِدُ القرآنَ يَذُمُّ الظنَّ في غيرِ واحدٍ من المواضع، مع أنَّ عُلُومَ المقلِّدِين كلَّها من هذا القَبِيل، حتى رأيتُ في بَعْض تصانيفِ ابنِ تيميةَ: أنَّ الظنَّ يُطْلَقُ على المرجوحِ أيضاً.
4524 - قوله: (ذَهَب بها هناك)... إلخ، يعني حَمْلَها على قوله تعالى: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ}
باب {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدّمُواْ لاِنفُسِكُمْ} الآية (223)
رَوَاهُ محمَّدُبْنُ يَحْيىبْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
باب {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النّسَآء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوجَهُنَّ} (232)
وَقالَ إِبْرَاهِيمُ: عَنْ يُونُسَ، عَنِ الحَسَنِ: حَدَّثَني مَعْقِلُبْنُ يَسَارٍ.
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الحَسَنِ: أَنَّ أُخْتَ مَعْقِلِبْنِ يَسَارٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَتَرَكَهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَخَطَبَهَا، فَأَبى مَعْقِلٌ، فَنَزَلَتْ: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوجَهُنَّ}.
---(6/244)
وصَرَّح الرَّضِي، مع كونه شِيعيّاً أن حَرْف «أَنَّى» في القرآن ليس بمعنى أين، بل بمعنى: مِنْ أين. فهي لتعميمِ الحال، مُستَقْبلاً، أو مُستدبِراً، مع كونِ الصِّمَاخِ واحداً، لا لتعميمِ المكان، والعياذ بالله.g
ثُم إنَّ الرَّضِي لا أَدْري ماذا حالُه في المسائل، غيرَ أَنَّه كُلَّما يُسمِّي الإِمام أبا حنيفةَ، أو الإِمامَ الشافعيَّ يُسمِّيها بالعزِّ والاحترام، وهذا الذي يَرِيبُني في كونِه شِيعيّاً، فيمكنُ أن يكونَ تفضلياً، فإِنَّ احترامَ الأئمةِ ممنْ يكونُ شيعياً يكادُ أن يكون مُحالاً.
(حكم إِتيان المرأة في دُبرها)
4527- قوله: (يَأْتِيها في) وإنما حَذَف المصنِّف المجرور، وهو «دُبُرُها»، لأنَّ فيه إشْكالاً، وظاهرُه أنَّ ابنَ عمرَ كان يذهَبُ إلى جوازِ الإِتيان في أدبارِ النِّساء، والعياذ بالله، وحاشاه أن يَذْهَب إلى مِثْل هذه الفاحشةِ، التي تَدَعُ الدِّيارَ بَلاَقِع. وقد تكلَّم عليه الطحاوي، وأخرج عن ابن عمرَ أنه سُئل عن التَّحْمِيض، فقال: «أو يَفْعَلُه مُسْلم» وأراد السائل من التَّحْميض الإِتيان في الدُّبُر، فمن ظَنَّ أنه كان يرى جوازَه، فقد تكلَّم بعظيم. وقد صَرَّح ابنُ القَيِّم في «زاد المعاد» أَنَّ كُلَّ مَنْ نسب إليه جوازَ تلك الفاحشةِ من السَّلف، فمرادُه الإِتيانُ في القُبُل من جهةِ الدُّبر، دون الإِتيانِ في نَفْس الدُّبر. فنقله القَاصِرُون، ولم يُدْرِكُوا الفَرْقَ بينهما، فجعلوهما واحِداً، فقالوا: في الدُّبر، مكان: من جهةِ الدُّبُر. ثُم إنِّي أَدَّعِي أن المؤلِّفَ إذا رأى لَفْظاً مُشْكَلاً يَحْذِفه، كما فعل ههنا، وقد فعل نَحْوَه في بعض مواضِعَ أُخْرى أيضاً.
4526 - قوله: (فَأَخَذْتُ عليه يَوْماً) يعني أَمْسَكْتُ القرآنَ بيدي. كما يُمْسَكُ عِنْد العَرْض، فيقول نافِعٌ: إنَّ ابنَ عُمرَ كان يقرأُ القرآنَ، وكُنْت آخُذُ عليه يوماً، أي أُمْسِكُه بيدي.
---(6/245)
باب {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِى أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (234)
{يَعْفُونَ} (237): يَهَبْنَ.
وَقالَ عَطَاءٌ: قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَسَخَتْ هذهِ الآيَةُ عِدَّتَهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، فَتَعْتدُّ حَيثُ شَاءَتْ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ}. قالَ عَطَاءٌ: إِنْ شَاءَتِ اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهِ وَسَكَنَتْ في وَصِيَّتِهَا، وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ}. قالَ عَطَاءٌ: ثُمَّ جاءَ المِيرَاثُ، فَنَسَخَ السُّكْنى، فَتَعْتَدُّ حَيثُ شَاءَتْ، وَلاَ سُكْنى لَهَا.
وَعَنْ محمَّدِبْنِ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا وَرْقاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: بِهذا.
وَعَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَسَخَتْ هذهِ الآيَةُ عِدَّتَهَا في أَهْلِهَا، فَتَعْتَدُّ حَيثُ شَاءَتْ، لِقَوْلِ اللَّهِ: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ}. نَحْوَهُ.
وَقالَ أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ: لَقِيتُ أَبَا عَطِيَّةَ مالِكَبْنَ عامِرٍ.
4530 - قوله: (قال ابنُ الزُّبَيْر)... إلخ. وحاصِلُ سؤاله أنَّ هذه الآيةَ لما كانت منسوخةً، فلم نَسَخْتُموها في المُصْحف؟ ومُحصَّل الجواب أنَّ كَوْنَها منسوخةَ الحُكْمِ، لا يُوجِب كَوْنَها منسوخَةَ التلاوةِ أيضاً.
(بيان أَن ترتيب القرآن توقيفي)
---(6/246)
واعلم أن الترتيبَ الموجودَ عندنا في القرآنِ، كان بأَمْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وهو على ترتيبِ ما في اللوح المحفوظ. أما ترتيبُ النُّزول فغيرُ ذلك، فإِنّه كان يَنْزِل نَجْماً نَجْما على حسب الحوائجِ، والناسِخُ كان متأخِّراً في ترتيب النُّزولِ قَطْعاً. أما في الترتيبِ الموجودِ الآن، فهو أيضاً كذلك، إلاَّ في هذه الآيةِ، فإِنَّ العِدَّة فيها بأربعةِ أَشْهر وعَشْراً، وفي الآية {مَّتَعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} العِدَّة بالحَوْل. قال الجمهورُ: إنَّ المتوفَّى عنها زَوْجُها كانت تَعْتدُّ بالحَوْل، ثُم نسخها اللَّهُ تعالى بأربعةِ أَشْهر وعَشْراً، مع أنَّ الناسِخَ ههنا مُقَدَّم، والمَنْسوخَ متأَخِّر، وهذا مُشْكِل، فإِنَّهم قالوا: إنَّه ثَبَت بالاستقراءِ أنَّ الناسِخ في القرآن متأخِّرٌ عن المنسوخِ، فلو سَلَّمنا أن استقراءهم تامُّ، وَرَدت عليهم هاتان الآيتانِ. أقول: وقد مَرَّ معنا أنه ما من آيةٍ إلاَّ وهي مُحْكَمةٌ في بَعْضِ جُزْئياتِا، وهذا الذي يقولُه الراوي، أن هاتين الآيتين مُحْكَمتانِ.
وحاصِلُه: أَنَّه نزل أَوّلاً: أنْ يُوصِي الزَّوْجُ أقرباءه أن لا يُخرِجوا زوجَتَه من بيتِه إلى سَنة، ثُم نزلت الآيةُ الأُخرى، وأُمِرتْ بِتَربُّصِ أربعةِ أَشْهُر وعَشْراً، وتحتمت العِدةُ، لا يُزادُ عليها ولا يُنْقص منها. أما الأشهرُ الستةُ الباقية، فهي محيَّرةٌ فيها، إنْ شاءت سكنت في هذا البيت، وإنْ شاءت خرجت؛ ثُم إن اختارت أن تَمْكُث في البيت حتى تتمَّ حَوْلاً كامِلاً، يقال للوَرَثة: أنْ لا يُخْرجُوها إلى مُدَّتها. ومُحصَّله أن التربُّصَ بأربعةِ أَشْهر وعَشْراً مُتَحَتِّم، وواجِبٌ من جهة الشَّرْع. والباقي سنةٌ موسَّعة، فكلتا الآيتين عند هؤلاء السَّلف محكمتان.
---(6/247)
هذا كلامٌ في العِدّة، أما في السُّكْنى ففيه أيضاً خِلافٌ: فقال الحنفيةُ: لا سُكْنى لها، ولها الإِرْثُ ولكنها تعتدُّ في البيت، وعليها أُجْرَتُه، أما المُطلّقة فلها السُّكْنى مُطْلقاً، وكانت السُّكْنى لازمةً إلى تلك القضيةِ، ثُم نَسَخَتْها آيةُ التوارِث.
(معنى الإِحداد وأحكامه)
ثُم إنَّ الإِحدادَ واجِبٌ للمتوفَّى عنها زَوْجُها، وللمُطَلَّقة كِلْتَيْهِما، وهو عبارةٌ عَنْ تَرْك الزينةِ، والمَنْع من الخروج من بيت العِدَّة، فبيتُ العِدَّة لازِمٌ في عِدَّةِ الوفاة أيضاً، لكن مِن جهةِ الإِحداد، لا مِن جِهة لُزوم السُّكْنى، ولذا تجب أُجْرَتُه عليها، لا على الزَّوْج المتوفَّى. ولا يخفى عليك أنَّ أَمْرَ السُّكْنى أخفُّ عند ابن عباس، فإِنْ خرجت منها بِعُذْر يسير يَسَعُ لها، بخلافِه عِنْدنا، فإِنَّها حَقٌّ لاَزِم، فلا يجوزُ لها الخُروجُ إلاَّ بالأعذار المُدَوَّنةِ في الفِقه.
قوله: (عن مُجاهِد)... إلخ. وهؤلاء أيضاً، إلاَّ أنَّ عِدَّة الحَوْل نزلت بعد آيةِ التربُّصِ، وهي مُستحقّةٌ، خلافاً للجمهور.
قوله: (وسَكَنَتْ في وَصِيَّتها) أي الوصية التي أوصى لها زَوْجُها في حَقِّها.
قوله: (غَيْرَ إخْرَاج)، أي لا يُخْرِجها وَرَثَةُ الزَّوْج، فإِنْ خَرَجت هي بِنَفْسها، فذلك أمْرٌ آخَرُ.
قوله: (قال ابنُ عباس) وكان كلامُه رضي اللَّهُ تعالى عنه يَحْتَمِلُ أن يُحْمل على أنَّ الخِفَّةَ عنده راجِعةٌ إلى ما زاد على أربعةِ أَشْهُرٍ وعَشْراً، لكن ظهَر بعد الإِمْعان في كلامه أنَّ نَفْس السُّكْنى عنده ليس بلازمٍ، فلها الخروجُ بأَعْذَار يسيرةٍ.
قوله: (ولا سُكْنى لها) كما هو عندنا.
---(6/248)
4532 - قوله: (فذكَرْتُ حَدِيثَ عَبْدِ الله بنِ عُتْبةَ)... إلخ، وهو ابنُ أَخ لِعَبْد اللَّهِ بنِ مَسْعود. وقِصَّتُه أنَّ تلك المرأةَ كانت حاملةً عند وفاةِ زَوْجِها، فلما وَضَعتْ حَكَم النبيُّ صلى الله عليه وسلّمبانقضاءِ عِدَّتِها، ولم يَأْمُرْها أن تتربَّصَ أبْعَدَ الأَجَلَيْن. وراجع له «التوضيح» و«التلويح».
باب {حَفِظُواْ عَلَى الصَّلَوتِ والصَّلَوةِ الْوُسْطَى} (238)
والصلاةُ الوُسْطى هي صلاةُ العَصْر، عند أبي حنيفة. وهي صلاةٌ عُرِضت على الأُمم السابقةِ، فضيَّعُوها، فأُمِرْنا بحفاظتها، ولنا الأَجْرُ مَرَّتَيْن، كما عند مُسْلم. وقال الشافعيُّ: إنَّها الفَجْر. ولعلَّه نَظَر إلى عَجُز الآيةِ {وقُوموا قَانِتين}، وعنده القنوتُ في الفَجْر، فتناسبت الجملتانِ على مَذْهبه.
باب {وَقُومُواْ لِلَّهِ قَنِتِينَ} (238): أَي مُطِيعِين
وقد ذَكَر الجصَّاص في القُنوت كلاماً أَحْسَنَ من الكُلِّ. فراجعه.
باب {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ لله} (239)
---(6/249)
وَقالَ ابْنُ جُبَيرٍ: {كُرْسِيُّهُ} (255) عِلمُهُ. يُقَالُ: {بَسْطَةً} (247) زِيَادَةً وَفَضْلاً. {أَفْرِغْ} (250) أَنْزِل. {وَلاَ يَؤُودُهُ} (255) لاَ يُثْقِلُهُ، آدَنِي: أَثْقَلَنِي، وَالآدُ وَالأَيدُ: القُوَّةُ. السِّنَةُ: نُعَاسٌ. {يَتَسَنَّهْ} (259) يَتَغَيَّرْ. {فَبُهِتَ} (258) ذَهَبَتْ حُجَّتُهُ. {خَاوِيَةٌ} (259) لاَ أَنِيسَ فِيهَا. {عُرُوشِهَا} أَبْنِيَتُهَا. السِّنَةُ نُعَاسٌ. {نُنْشِرُهَا} (259) نُخْرِجُهَا. {إِعْصَارٌ} (266) ريحٌ عاصِفٌ تَهُبُّ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، كَعَمُودٍ فِيهِ نَارٌ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {صَلْدًا} (264) لَيسَ عَلَيهِ شَيءٌ. وَقالَ عِكْرِمَةُ: {وَابِلٌ} (264 - 265) مَطَرٌ شَدِيدٌ. الطَّلُّ النَّدَى، وهذا مَثَلُ عَمَلِ المُؤْمِن. {يَتَسَنَّهْ} (259) يَتَغَيَّرْ.
باب {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوجًا} (240)
قوله: ({كُرْسِيُّهُ} (البقرة: 255) عِلْمُهُ) وهذا مخالِفٌ للقَوْل المشهور، والمشهورُ أنَّ الكُرْسيَّ جِسْمُ تحت العَرْش.
4535 - قوله: (صَلُّوا رِجالاً قِياماً على أَقْدَامِهِم) وهذا هو مذهبُ الحنفيةِ، ولا صلاةَ عندهم ماشياً، وفَسَّر الشافعيةُ قولَه: «رجالا» بماشِياً.
باب {وَإِذْ قَالَ إِبْرهِيمُ رَبّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الْمَوْتَى} (260)
فصُرْهُنَّ: قَطِّعْهُنَّ.
سأل عن كيفيةِ الإِحياء دونَ نَفْس الإِحياء. والذي يجِب الإيِمانُ به هو نفسُ الإِحياءِ، أما كيفيتُه فخارِجُ عن الإِيمان، كما أَنَّه يجِب علينا أن نُؤمن بالحَشْر والقيامةِ، أما بكيفيتِها فلا.
---
4537 - ({نَحْنُ أَحَقُّ بالشَّكِّ})... إلخ. قال العلماءُ: معناه أنه لم يَشُكُّ، ولكنه سألَ عن كيفيةِ الإِحياءِ، ونحنُ أَحْرَصُ عليها منه، ولو كان شَكَّ لكَّنا أَحَقَّ به منه أيضاً.(6/250)
باب قَوْلِهِ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَرُ لَهُ فِيهَا مِن كُلّ الثَّمَرتِ} (266)
{فَصُرْهُنَّ} (260): قَطِّعْهُنَّ.
باب {لاَ يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} (273)
يَقَالُ: أَلحَفَ عَلَيَّ، وَأَلَحَّ عَلَيَّ، وَأَحْفَانِي بِالمَسْأَلَةِ. {فَيُحْفِكُمْ} (محمد: 37) يُجْهِدْكُمْ.
باب {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرّبَواْ} (275)
المَسُّ: الجُنُونُ.
باب {يَمْحَقُ اللَّهُ الْرّبَواْ} (276) يُذْهِبُه
باب {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (279): فَاعْلَمُوا
4538 - قوله: (قال عمرُ)... إلخ. سأل ابن عباس عن غَرَضِه ما هو؟.
باب {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (280)
باب {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} (281)
باب {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآء وَيُعَذّبُ مَن يَشَآء وَاللَّهُ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِيرٌ} (284)
باب {ءامَنَ الرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ} (285)
---
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {إِصْرًا} (286) عَهْداً. وَيُقَالُ: {غُفْرَانَكَ} (285) مَغْفِرَتَكَ. {فَاغْفِرْ لَنَا} (286).
علَّم القرآنُ أن يُمْهِل البائعُ المشتري إن كان مُعْسِراً، ولم يُعَلِّمه أن يأخذَ بكلِّ ما ظَفِر به من مالِ المُشْتري. ولذا حَمَلْتُ حديثَ الإِفلاس على الدِّيانة دون القضاءِ، وقد مرَّ تقريره.(6/251)
4546 - قوله: (قال: نَسَخَتْها الآيةُ التي بَعْدَها) قد عَلِمت الاختلافَ في معنى النَّسخ، وأنَّ النَّسْخَ عند السَّلف أعمُّ. وقد أطلق النَّسْخُ ههنا على الإِجمال، وأَنْكَرْت النَّسخ رأساً، فإِنَّه ليست آيةٌ تكونُ مُحْكَمةَ التلاوةِ، ثُمَّ تَخْلُو عن فائدة ما.
سورة آل عمران
تُقَاةً وَتَقِيَّةً وَاحِدَةٌ. {صِرٌّ} (117) بَرْدٌ. {شَفَا حُفْرَةٍ} (103) مِثْلُ شَفَا الرَّكِيَّةِ، وَهُوَ حَرْفُهَا. {تُبَوِّىءُ} (121) تَتَّخذُ مُعَسْكَراً. المُسَوَّمُ: الَّذِي لَهُ سِيمَاءٌ بِعَلاَمَةٍ أَوْ بِصُوفَةٍ أَوْ بِمَا كانَ. {رِبّيُّونَ} (146) الجَمِيعُ وَالوَاحِدُ رِبِّيٌّ. {تَحُسُّونَهُمْ} (152) تَسْتَأْصِلُونَهُمْ قَتْلاً. {غُزَّاً} (156) وَاحِدُهَا غازٍ. {سَنَكْتُبُ} (181) سَنَحْفَظُ. {نُزُلاً} (198) ثَوَاباً، وَيَجُوزُ: وَمُنْزَلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، كَقَوْلِكَ: أَنْزَلتُهُ.
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ} (14) المُطَهَّمَةُ الحِسَانُ.
وَقالَ ابْنُ جُبَيرٍ: {وَحَصُورًا} (39) لاَ يَأْتِي النِّسَاءَ.
وَقالَ عكْرِمَةُ: {مّن فَوْرِهِمْ} (125) مِنْ غَضَبِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ.
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيّتِ} (الأنعام: 106) النُّطْفَةُ تَخْرُجُ مَيِّتَةً، وَيُخْرِجُ مِنْهَا الحَيَّ. {وَالإبْكَرِ} (41) أَوَّلُ الفَجْرِ، وَالعَشِيُّ: مَيلُ الشَّمْسِ - أُرَاهُ - إِلَى أَنْ تَغْرُبَ.
---
باب {مِنْهُ آيَتٌ مُّحْكَمَتٌ} (7)(6/252)
وَقالَ مُجَاهِدٌ: الحَلاَلُ وَالحَرَامُ. {وَأُخَرُ مُتَشَبِهَتٌ} (7) يُصَدِّق بَعْضُهُ بَعْضاً، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَسِقِينَ} (البقرة: 26). وَكقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَيَجْعَلُ الرّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} (يونس: 100)، وَكَقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى} (محمد: 17). {زَيْغٌ} شَكٌّ. {ابْتِغَآء الْفِتْنَةِ} المُشْتَبِهَاتِ. {وَالرسِخُونَ} يَعْلَمُونَ {يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ} (7).
باب {وِإِنّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَنِ الرَّجِيمِ} (36)
قوله: ({وَأُخَرُ مُتَشَبِهَتٌ} يُصَدِّق بَعْضُه بَعْضاً)... إلخ، وللتَّشَابُه عِنْد السَّلَف تفسيران: والمشهور منهما ما يحتاج في فهم معناه إلى غَوْرٍ وفَحْص، فإِنْ أُدْرك فذاك، وإلاَّ يُفوَّضُ عِلْمه إلى الله تعالى؛ والثاني: الآياتُ التي تُصَدِّقُ باعتبارِ معانيها آياتٍ أُخْرى، ومنه {كتاباً مُتَشابهاً تَقْشعرُّ منه جلودُ الذين آمنوا} (الزُّمر: 23). والقرآنُ باعتبار المعنى الأول بَعْضُه مُحْكَم، وبعضُه مُتَشابِه، وباعتبارِ المعنى الثاني كلُّه مُتَشابِه، أي مُصدِّقٌ بَعْضُه لبعض، ولذا وصفه اللَّهُ تعالى به في قوله: {كِتَباً مُّتَشَبِهاً} فثبت الإِطلاقان مِن القرآن، فإن قوله تعالى: {منه آياتٌ مُحْكماتٌ وأُخَرُ متشابهاتٌ} على الإِطلاق، وقوله تعالى: {كِتَباً مُّتَشَبِهاً} على الثاني. وإنَّما حَمَلنا الآيةَ الأُولى على الإِطلاقِ الأَوَّل، لكون المتشابهاتِ فيها قِسِيماً للمُحْكمات.
---(6/253)
ثُم إنَّ البُخاري أَخَذ المُتَشابِه في الترجمةِ بالمعنى غيرِ المشهورِ، وأخرج الحديثَ للمعنى الأَوَّل المشهورِ، أي مُبْهم المراد، ومَنْ لا يدري المعنيين يَقْلَق فيه. وإنَّما فَسَّر مجاهدٌ قوله: {وَأُخَرُ مُتَشَبِهَتٌ} بكونه مُصَدِّقاً بَعْضُه لبعض، لأنه ليس عنده في القرآن شيءٌ يكون مُبْهمَ المرادِ، فَجَمَلَه على معنى التصديقِ. وهذا التفسيرُ ليس بمختارٍ عند الجمهور، وكذا تفسيرُه للمُحْكمات بالحلال والحرام. فالمُحْكم ما أُحْكم مرادُه، والمتشابِه ما أُبْهم مرادُه، ولعلَّ المصنِّفَ أخرج تفسيرَ مجاهد في الترجمةِ إشارةً إلى الخلاف فيه، وإلاَّ فالمختارُ عنده أيضاً هو المعنى المشهورُ. والدليل عليه أنه أخرج الحديث للجمهورِ، ولو كان المختارُ عنده تفسيرَ مجاهد، لما أخرج الحديثَ الذي يؤيدُ الجمهور، بل أخرج ما يوافِقُ مجاهداً.
ثُم إنَّ الخلافَ في تأويل المتشابِه بين الحنفيةِ والشافعيةِ مشهورٌ، ولا يرجعُ إلى كثيرٍ طائل. فإِنَّ المُثْبِت أراد الظنَّ، والنافي أراد اليقين. وتكلَّم عليه ابنُ تيمية في سورة الفاتحةِ، وحَقَّق أنه ليس في القرآن شيءٌ لا نعلم مرادَه أصلاً، نعم لا نَحْكُم بكونِه مراداً عند الله تعالى أيضاً. قلتُ: وذلك في القرآن كلِّه، ولا يختصُّ بالمتشابِه فقط.
باب {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلا أُوْلَئِكَ لاَ خَلَقَ} لاَ خَيرَ {لَهُمْ في الآخِرَةِ ولهم عَذَابٌ أَلِيمٌ} (77) مُؤْلِمٌ مُوجِعٌ، مِنَ الأَلَمِ، وَهُوَ في مَوْضِعِ مُفعِل
---(6/254)
قوله: ({أَلِيمٌ}) مؤلمٌ، موجِعٌ، من الأَلَم. وفَسَّره السُّيوطي بالبناء للمفعول، مُؤْلَم، وهو الأرجح، لأنه ألغُ. وتَرْجَمه الشاه عبد القادر: دردناك لا درد رسان، ثم لينظرَ في أنَّ ترجمته: دردناك على تخريج السُّيوطي أَخْذُ الفَعِيل بمعنى المفعول، أو على تخريجِ الفاعل في: اللاَّبِن، والتَّامِر، أي ذو لَبَنٍ، وذو تَمْر. وحينئذٍ الأَليم معناه ذو أَلَم، وترجمته أيضاً تكون: دردناك.
4549، 4550 - قوله: (بَيِّنَتُك، أو يَمينُهُ) واستدلَّ منه الحنفيةُ على أن سبيلَ الفَصْل هو ذاك، وليس هناك شِقٌّ ثالثٌ، وقد قَرَّرْناه مِن قِبل، ووافَقَنا الإِمامُ البخاريُّ أيضاً على ذلك، وهو ظاهرُ القرآن، فإِنَّه قال: {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ}فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ (البقرة: 282) ولم يتعرَّض إلى اليمينِ مع الشاهد.
4552 - قوله: (قال ابنُ عباس: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم اليمينُ على المدَّعَى عليه) وقد رواه البيهقيُّ والنوويُّ تامّاً، هكذا: «البينةُ للمدَّعِي، واليمينُ على المدَّعَى عليه». وادَّعى الحنفيةُ أن فيه قَصْراً. وحَرَّر السُّيوطي أنَّ تعريفَ الطرفين يفيدُ القَصْر. وثبت عندي بالاستقراء أنَّ لام الجِنْس إذا كانت في طَرَفٍ وحَرْف، يُعيَّنُ القَصْر في طرفٍ آخَر. فهذا التركيبُ أيضاً يفيدُ القَصْر.
وحروفُ القَصْرِ عندي هذه: الباء، واللام ومِن، وإلى، وفي، وعن، وعلى، كقوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرّ}، وكقولهم: والأَمْرُ من اللَّهِ، والأَمْرُ إلى اللَّهِ، والكَرَم في العرب، والرَّمْي عن القوس، واليمينُ على المدَّعَى عليه، والحمد ./
---(6/255)
فهذه سبعةُ حروفٍ، مع أمثلتها، وقد مرَّ عن الزَّمخشري أن قوله: الحمدُ مُفِيدٌ للقَصْر، وأن اللام فيه للجِنْس دون الاستغراق، وهو الصواب عندي، نعم الاستغراقُ يَلْزمُه. فإِنَّه إذا ثبت انحصارُ جِنْس الحمد تعالى، لَزِم الاستغراقُ لا محالةَ، فإِنَّ فرداً من أفراد الحمدِ لو تحقق في غيره تعالى، ثبت جِنْسُه في غيره تعالى، فيبطل الحَصْرُ، وإذا لم يَثْبُت فردٌ منه لغيرِه تعالى، فقد ثبت جميعُ إفرادِه له تعالى، وذلك هو المعنى من الاستغراق، والاستغراق عنده يكونُ في العموم الأُصولي. أي صيغ الجَمْع، أما المِفردُ فأنَّى يجيء فيه ذلك؟ نعم إنْ ثبت، فَمِن أَجْل اختصاص الطبيعة، أي طبيعة الجِنْس، فذلك أَمْرٌ آخَرُ.
قوله: (الكَذِب) جهونت، والكذب مَصْدَر.
باب {قُل يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَينَنَا وَبَينَكُمْأَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ} (64)، سَوَاءٍ: قَصْد
قالَ الزُّهْرِيُّ: فَدَعا هِرَقْلُ عُظَمَاءَ الرُّومِ، فَجَمَعَهُمْ في دَارٍ لَهُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَل لَكُمْ في الفَلاَحِ وَالرَّشَدِ آخِرَ الأَبَدِ، وَأَنْ يَثْبُتَ لَكُمْ مُلكُكُمْ؟ قالَ: فَحَاصُوا حَيصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ، فَقَالَ: عَلَيَّ بِهِمْ، فَدَعا بِهِمْ فَقَالَ: إِنِّي إِنَّمَا اخْتَبَرْتُ شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيتُ مِنْكُمُ الَّذِي أَحْبَبْتُ، فَسَجَدُوا لَهُ، وَرَضُوا عَنْهُ.
4553 - قوله: (فإِذا فِيه: بِسْم اللَّهِ الرَّحْمن الرَّحِيم) وعند ابنِ أبي شَيْبة أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمكان يَكْتُب في أَوَّل أَمْره: باسمك اللهم، ثم بِسْم الله، ولما نزلت سورةُ النَّمل جعل يَكْتُب: «بسم الله الرحمن الرحيم».
---
باب {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} إِلَى: {بِهِ عَلِيمٌ} (92)(6/256)
قالَ عَبْدُ اللَّهِبْنُ يُوسُفَ وَرَوْحُبْنُ عُبَادَةَ: «ذلِكَ مالٌ رَابِحٌ».
قوله: (حدَّثني يَحْيَى بن يَحْيى) قال القَسْطلاَّني: هو النَّيْسابوري.
باب {قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ} (93)
نزلت في واقعةِ زِنا يهوديَ، ولَعلَّها في السَّنة الرابعة. ثُم قيل: إنَّ الذين جاءوه كانوا يهودَ فَدَك. وقيل: يهود خَيْبر، تشاوَرُوا فيما بينهم أَنْ يرفعوا أَمْرَه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّم لِما كانوا يَرَوْن أَنَّ في دِينه اليُسْر، وكان ذلك مِن حَمقِهم، حيث أرادوا أن يسترخِصُوا برُخَص الدِّين، قبل أن يدخلُوا فيه، ولم يعلموا أنه يتولَّى قاره، مَنْ يتولَّى حاره.
4556 - قوله: (فرأَيْتُ صاحِبَها يَجْنأُ عَلَيْها) وغَرَضُ الراوي التنبيهُ على إصابةِ رأي النبيِّ صلى الله عليه وسلّمفي حَقِّهم، فإِنَّ وقايَته لها عن الحجارة، وحنوه عليها، يدلُّ على صحة أَمْرِ الزِّنا. ثُم إنَّ في الحديثِ معركةً للقوم، وهي أنَّ الإِسلام شرط عند إمامِنا، فكيف رَجَم النبيُّ صلى الله عليه وسلّماليهوديَّ واليهوديةَ، مع كونِهما كافرَين؟ وذهب الشافعيُّ إلى أنَّ الكافر أيضاً يُرْجم، وفيه تفصيلُ عند المالكية؛ وبالجملة الحديثُ وارِدٌ على الحنفية.
---(6/257)
ثُم إنَّ ابن أبي شَيْبَة أفرد كتاباً سَمَّاه «كتاب الردّ على أبي حنيفة» وعدَّد فيه مسائلَ الحنفيةِ التي تُناقِضُ الأحاديثَ عنده، وبلغ عددُها زهاءَ مئة وأربعة، وبدأ كتابه بهذا الحديث. والعجب أنه لم يَعُدَّ فيه مسألةَ الجهر بآمين، والإِخفاء، وتَرْك الرَّفْع، ولا مسألةَ تَرْك الفاتحةِ خَلفَ الإِمام. وقد أجاب العلامةُ القاسم بنُ قُطْلُوبغا عن كتابه، ولكنه مفقود، لا يوجد ثُمَّ إنَّ الطحاوي أجاب عن حديثِ الباب، وأصاب. وحاصله أنَّ شَرْط الإِحصان في شَرْعنا نَزَل بعد هذه القضيةِ، فالقضايا التي كانت قَبْلها لا ترد عليها، وكان رَجْمُه إذ ذاك بِحُكْم التوراة. ولم يكن فيه شَرْطُ الإِحصان.
قلتُ: ويُعلم من «فتح الباري» أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّمكان يعملُ بشريعةِ التوراةِ، فيما لم ينزل فيه شَرْعُه قَبْل الفَتْح، ثُم خالف بعده. وإنما أخذت هذا التاريخ من «فتح الباري»، وإلاَّ فأَصْل الحديث موجودٌ في البخاري أيضاً. ثُم هل يسمَّى ذلك عَملاً بالشريعة الموسوية، أَم عملاً بشريعتِه؟ فهذان اعتباران. فإن قلت: إنَّه إذا عَمِل به فقد صارت شريعتُه أيضاً، فيكون عَملاً بشريعةِ نفسه، وإن اعتبرت أنَّ شَرْعه لما لم ينزل فيه بعد، وإنما عَمِل بالشريعةِ الموسوية، يقال: إنَّه عَمِل بشريعتهم، ولا حَجْر في كلا الاعتبارين، والأَمْرُ فيه سَهْلٌ.
(هل يُحْكم بشريعة الإسلام على الكفّار إِذا ترافعوا إِلينا؟)
---(6/258)
واعلم أنَّ القرآن قد هَدي في تلك الآياتِ إلى أَمْرٍ هامّ، كادَت نَفْس النبيِّ أنْ تتردَّد فيه، وهو أنَّ الكفَّار إنْ ترافعوا إليه في أمْر، فماذا ينبغي له أنْ يفعل؟ إما أن يَحْكم بشريعته، فهم لا يلتزمُونَها، أو يُعْرِض عنهم، ولا يَحْكُم بشيءٍ، فذلك أيضاً غيرُ مناسِبٍ، وإمَّا أن يَحْكُم بِشَرْعهم، فهو أيضاً مَحَلُّ تردُّد، فعلَّمه القرآنُ أَنَّك بين خِيرَتَيْن: إنْ شِئت أنْ تُعْرض عنهم فأَعْرض، وإنْ أردت أن تَحْكُم بينهم فاحكم بما عندك، فإِن عَمِلوا به فبها، وإلاَّ فالإِثْمُ عليهم.
ولنا أنْ نقولَ: إنَّ في إلزامِ شَرْعهم عليهم، وإغرائهم على العملِ به، إجراءَ شَرْعٍ سماويَ، وهو أَوْلى مِن إفناء حَقَ وإعدامه. ولذا لما جاءوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّمألزمهم بالتوراةِ، فاضطروا إلى العَمَلِ به، ولا رَيْب في أنه أَوْلى من أن لا يعملوا بِشَرْعهم، ولا بِشَرْعه صلى الله عليه وسلّم فإِنَّ شَرْعهم أيضاً حقٌّ في الجملة، وإنْ نُسِخه بعد نزول شَرْعنا. وهذا إنْ سلَّمناه أنَّ القضية بعد نُزول شَرْعنا، وإلاَّ فالأَمْر أَظْهر. ولذا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلّمبعد الرجم: إنِّي أَحْييت حُكْماً من الشريعة الموسوية، على أنَّ اليهودِيَّيْن كانا مُحْصَنَينِ بِحُكْم التوراةِ، فإِنَّهما لو كانا غَيْرَ مُحْصنَين لكانا باعتبار شَرْعِنا، ولكنهما لم يكونا لَيُقرّا بعدمِ إحصانهما من أَجْلِ شريعتنا، فإِذا ثبت إحصانُهما عند شَرْعِهما حلَّت بهما عقوبةُ الرجم.
---(6/259)
وههنا وَجْهٌ آخَر أيضاً، وهو أَنَّه ناسب تنفيذ الرَّجْم لانعقادِ صورةِ المناظرة بينه صلى الله عليه وسلّموبينهم، فإِنَّهم كانوا يُنْكِرُون كَوْنَ الرَّجْم شريعتَهم، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلّميَدَّعِيه، كالإِخبار بالغيبِ، فلما خرج في التوراة كما كان أخبر به، ناسب إجراؤه أيضاً، وإذن لا يكون رَجْمُه من باب تنفيذِ الحُكْم عليهم، بما في كتابهم، ولا من باب الحُكْم عليهم بِشَرْعه، بل يكون ذلك لداعيةِ المقام، فيقتصر على مَوْرِده، وإنْ شِئت جَمعت هذه الأعذارَ كلَّها، ولذا ذَكَرْت هذه الأُمورَ، لِتعلم أنَّ المقام قد احتفَّ بعوارِضَ شَتَّى، ولم يبق مُنْكَشِف الحال، فحينئذٍ جاز لنا التفصِّي عنه بِنَحْوٍ من المقال.
بقي إقامةُ البرهانِ على اشتراط الإِسلام في الإِحصان، فنقولُ: إنَّهُ رُوي عن عبد الله بن عمر: مَنْ أشرك بالله، فليس بِمُحْصَن. ورجالُه ثِقاتٌ، وإسنادُه قويٌّ، إلاَّ أنَّ الحافِظ مال إلى وَقْفه، وتصدَّى الحاكمُ إلى إثبَاتِ رَفْعه.
قلتُ: والذي يَحْكُم به الوجدانُ أنه مَوْقُوفٌ، لأنَّ مَذْهب ابنِ عمرَ عدمُ جواز المناكحةِ مع أهل الكتاب، على خلاف الجمهور، وقال: إنَّهم مُشْركون، وأيُّ شِرْك أعظمُ مِن ادِّعائهم أبناءَ للَّهِ تعالى. فكأَنَّ أهلَ الكتاب الذين يعتقدون بالبنوةِ وغيرِها كفارٌّ عنده، وليس أولئك مِن أهلِ الكتاب الذين أباح لنا القرآنُ مناكحتَهُم، لأنَّه شَرَط فيهم الإِحصانَ، وهؤلاء مُشْركون، لا يوجد فيهم شَرْطُ الإِحصان، وإذا انتفى الشَّرْط، انتقى المَشْروط. فلما عَلِمت من مذهبه ذلك، ظَنَنْت أنه لا يَبْعُد أن يكون: مَنْ أَشْرك بالله فليس بِمُحْصن، موقوفاً عليه.
---(6/260)
ولنا ما أخرجه الشيخُ علاء الدين في «الجَوْهر النَّقي»: أنَّ عمرو بنَ العاص أراد أن يتزوَّج كتابيةً، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلّم «تزوَّجْها، ولكنها لا تُحْصِنك». وإسنادُه حسن، وفيه عبدُ الباقي بن قَانِع من الحُفَّاظ، شيخٌ للدارقطني، والحاكم، وله «مسند»، و«تاريخ» فقوله: «إنَّها لا تُحْصِنُك»، إنما يَصِح إذا لم تكن مُحْصَنة هي بِنَفْسها، لاشْتراط إحصانِ الزَّوجين في الرَّجم. وقد مرَّ معنا أنه لا بدَّ من النظر في معنى الإِحصان، فقد أَخَذه القرآنُ أيضاً، ولكنَّ الفقهاء جَزَّءوه، فجعلوا في الرَّجم غيرَ ما اعتبروه في القَذْف. فلينظر فيه أنه هل للفقهاءِ حقُّ في تجزئةِ لَفْظ القرآنِ، وقد وضع له السَّرخْسي فَصْلاً مُستقلاًّ في «المبسوط» فليراجع.
ثم إنَّ هذه الآياتِ في باب الرجم، ولكنَّ القرآنَ لم يصرِّح به فيه، وكذا لم يُصرَّح به في سورةِ النُّور. وقد نَقَل الرَّازي عن الخوارج أنهم يُنْكرون الرَّجْم، ويتشبَّثُون بأنَّ القرآن لم يَذْكره في مَوْضعِ، فتفاقم الأَمْرُ، لأنه لا ينبغي للقرآنِ أن يكون تعبيرُه بحيث تَتغيَّرُ المسألةُ من عمومه، وإطلاقه، فإِنَّه كتابُ لا يزيغ به إلاَّ هؤلاء، فيختار من التعبيرات أعلاها، بحيث لا يَبْقَى فيها للجانِب المخالِف مَساغٌ، وحينئذ لا بدَّ لِتَرْكه التصريحَ بالرَّجْم من نُكتةٍ.
فاعلم أنَّ نَظْم القرآنِ إذا كان يُفْهم أنَّ تلك الآيةَ نزلت في قضيةِ كذا، ثُم لم تكن تل القضيةُ مذكورةً فيها، فالذي تَحْكُم به شريعةُ الإِنصاف أنْ يكون هذا الحديثُ الذي فيه تلك القِصَّةُ في حُكْم القرآنِ، لأنَّ القرآنَ بَنَى نَظْمَه عليه، وأشار من عبارتِه إليه، فلا بدَّ من اعتباره، وحينئذٍ لا حاجةَ إلى تصريحه بالرَّجْمِ، إذ كَفَى عنه الحديثُ، فأَغْنَى عن ذكره، وسيجيء في «أبواب الحدود» بعض كلام.
---(6/261)
ثُم اعلم أنَّ الله تعالى ذَكَر في «المائدة» في تلك القِصَّةَ بَعْضَ أوصافهم، لا بأس أن نتعرَّض إليها شيئاً، فقال: {يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوضِعِهِ} (المائدة: 41)، والمرادُ منه التبديلُ في المراد، مع إبقاء الكلماتِ على حالها، وهذا بعينِه يركبه لعين القاديان، فيقول: نُؤمن بلفظِ خاتَم النبيِّين، ثُم الوَقِح يدَّعِي النبوة بتغييرِ مرادِه، وتحريف الكَلِم من بَعْد مواضعه. ثُم قال تعالى: {يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} (المائدة: 41)... إلخ، يعني أنَّ حُكْم هذا الرسولِ إنْ كان حَسَب ما تريدُون، فَخُذُوه؛ فأشار إلى الواقعةِ في الخارج، وإنْ لم يَبْسُطها.
قوله: ({سَمَّعُونَ لِلْكَذِبِ}) استئناف.
قوله: ({أَكَّلُونَ لِلسُّحْتِ}) أي يأكلون الرَّشْوة في الحُكْم.
قوله: ({فَإِن جَآءوكَ})... إلخ، وكان هذا مَوْضِعَ تردُّدٍ للنبيِّ صلى الله عليه وسلّم فهذاه القرآنُ إلى أمرين: أَيّهما شاء فَعَل.
قوله: ({وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالاْحْبَارُ}) وراجع الفَرْق بينهما في «مقدمة ابن خلدون». ومُحصَّل الآياتِ والأحاديثِ عندي أنّ اليهودَ يُعَاقبون على أَمْرَين: على تَرْكِهم ما في التوراةِ، وتَرْكِهم الإِيمانَ بمحمدٍ صلى الله عليه وسلّمكِلَيْهما.
تنبيه:
واعلم أن ههنا قِصّتين: قِصَّة الرَّجم، وقِصَّة أَخْذ القِصَاص من الوَضِيع دون الشريف. واختلطت على بَعْضِ المفسرين، فنقل بعضُهم قِصَّة القِصاص تحت القِصَّة الأُولى، وهذا غَلَطٌ.
باب {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (110)
باب {إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ} (122)
---
فهذه الأُمة تُكْرِه الناسَ على الإِسلام، ومعنى قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِى الدّينِ} (البقرة: 256) أن الدِّينَ خَيْرٌ مَحْ، والإكرَاه فيه بمنزلةِ عدم الإِكراه، فلا تَخَالُفَ.
باب {لَيْسَ لَكَ مِنَ الاْمْرِ شَىْء} (128)(6/262)
باب {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِى أُخْرَاكُمْ} (153)
وَهُوَ تَأُنِيثُ آخِرِكُمْ.
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} (التوبة: 52) فَتْحاً أَوَ شَهَادَةً.
باب قَوْلِهِ: {أَمَنَةً نُّعَاساً} (154)
باب قَوْلِهِ: {الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَبَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَوْاْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (172)
القَرْحُ: الجِرَاحُ، اسْتَجَابُوا: أَجابُوا، يَسْتجِيبُ: يُجِيبُ.
باب {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ} الآيَةَ (173)
باب {وَلاَ يَحْسبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ و مِيرَاثُ السَّمواتِ وَالأَرْضِ وا بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (180)
سَيُطَوَّقُونَ: كَقَوْلِكَ طَوَّقْتُهُ بِطَوْقٍ.
باب {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَبَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً} (186)
باب {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ} (188)
وفي الحديث تَصْريحٌ بِكَوْنِ القُنوتِ في صلاةٍ جَهْرية.
---
باب {إِنَّ في خَلقِ السَّمواتِ وَالأَرْضِ واخْتلافِ اللَّيْلِ والنَّهَارِلآياتٍ لأُولي الأَلْبَابِ} (190)
باب {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْوَيَتَفَكَّرُونَ في خَلقِ السَّمواتِ وَالأَرْضِ} (191)
باب {رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّلِمِينَ مِنْ أَنْصَرٍ لله} (192)
باب {رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِى لِلإِيمَنِ} (193) الآيَة(6/263)
4569 - قوله: ({فلما كانَ ثُلُثُ اللَّيلِ الآخِرُ قَعَدَ}) والصواب كما في طريق مَخْرَمة بن سُلَيمان عن كُرَيْب، أنه قام إذا انتصف اللَّيلُ، أو قَبْله بقليل، أو بعدَه بقليلِ، ولا يقول فيه: الثُّلُث، إلاَّ شَرِيك بن عبد الله بن أبي نَمِر عن كُرَيب، وهو مُتَّهمٌ بِسُوء الحِفْظ.
سورة النساء
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يَسْتَنكِفَ} (172): يَسْتَكْبِرُ. قِوَاماً: قِوَامُكُمْ مِنْ مَعَايِشِكُمْ. {لَهُنَّ سَبِيلاً} (15) يَعْنِي الرَّجْمَ للِثَّيِّبِ، وَالجَلدَ لِلبِكْرِ.
وَقالَ غَيرُهُ: {مَثْنَى وَثُلَثَ} (3) يَعْنِي اثْنَتَينِ وَثَلاَثاً وَأَرْبَعاً، وَلاَ تُجَاوِزُ العَرَبُ رُباعَ.
---
قوله: ({مَثْنَى وَثُلَثَ وَرُبَاعَ} يعني اثنتين وثلاثاً وأَربعاً، ولا تجاوز العربُ رُباعَ) قد عَرَفْتَ في البقرةِ أنَّ المصنِّف يقولُ مِثل هذا الكلامِ، ويُتوهم منه أنه يريدُ بيانَ الخلاف في المسألة، مع أنَّ قوله هذا لا يكونُ في المسألةِ المذكورةِ، بل يُذْكر منه مسألةٌ جديدةٌ لا تتعلَّقُ بما قَبْلَها. فهذا من طريقِه ودَأبه، تعلَّمه من أبي عبيدةَ. ثُم إنَّ الشَّوْكاني جَوَّز المناكحةَ إلى تِسْع نُسْوة تَمسُّكاً بهذه الآية. فإِنَّ المَثْنَى والثَّلاث خمسةٌ، والرُّباع معها تِسْعةٌ، فهذا غَلَطٌ فاحِشٌ.
باب {وَإِنْ خِفتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى} (3)
باب {وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْولَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} (6)
{وَبِدَاراً} (6) مُبَادَرَةً. {أَعْتَدْنَا} (18): أَعْدَدْنَا، أَفعَلنَا مِنَ العَتَادِ.
واعلم أنَّ عائشةَ فَسَّرت قوله تعالى: {وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ} (النساء: 127) بِحَذْف الصِّلة، أي ترغبون عن أنْ تَنْكِحُوهن، وللنُّحاة تَحْثٌ في أنه هل يجوزُ حَذْف حَرْف يكون مُغيِّراً للمعنى أَم لا؟.(6/264)
4573 - قوله: (كانَتْ شَريكَتَه) يعني أنه كان بين الرَّجُل، وبين مولاتِه شَرِكةٌ أيضاً.
4574 - قوله: (بغَيْر أن يُقْسط في صَدَاقِها) أي بأٌّح لا يُعْطِيها مَهْرَها الذي هو مهرُها.
4574 - قوله: (فأمِرُوا أن يَنْكِحوا ما طابَ لهم) أي من النِّساء، التي سوى مَوْلاتِه، فقيَّدَت عائشةُ بذلك القَيْد.
4574 - قوله: (فَنُهوا - أن يَنْكِحُوا - عَنْ مَنْ رَغِبُوا)... إلخ، وحرف «عن» ههنا غَلَطٌ، والصواب: أَنْ ينكحوا مَنْ رَغِبوا... إلخ.
---
باب {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَمَى وَالْمَسَكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مّنْهُ} (8)
باب {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَدِكُمْ} (11)
باب {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوجُكُمْ} (12)
باب {لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النّسَآء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءاتَيْتُمُوهُنَّ} (19) الآيَة
وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} (19) لاَ تَقْهَرُوهُنَّ. {حُوباً} (2) إِثْماً. {تَعُولُواْ} (3) تَمِيلُوا. {نِحْلَةً} (4) النِّحْلَة المَهْرُ.
4576 - قوله: (قال: هي مُحْكَمةٌ) أي المسألة، كما في الآية، ولكنَّ الناسَ تَرَكُوا العملَ بها.
4580 - قوله: ({والذين عَاقدَت أيمانُكُ})... إلخ. لم يَدْخُل ابنُ عباس في تفسيره بعد، ولكنه تلا الآيةَ، ثُم شرع في بيانِ القصة ما كانت؟ فَذَكَر أن الأنصارَ كانوا يُعْطون إرْثَهم للمهاجرِين عند مَقْدَمهم من مكةَ للمُؤاخاةِ، فلما نزلت: {وَلِكُلٍ جَعَلْنَا مَوَالِىَ}... إلخ، نُسِخت المؤاخاةِ. وأما ما بقي تحت قوله: {والذين عَاقَدَت أيمانُكم} فهو باقٍ إلى الآن أيضاً لم يُنْسخ منه شيءٌ، إلاَّ أنَّ الناس تَركوا العملَ بها.
باب {وَلِكُلٍ جَعَلْنَا مَوَالِىَ مِمَّا تَرَكَ الْولِدنِ وَالاْقْرَبُونَ} (33) الآيَة
باب {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} (40)(6/265)
يَعْنِي زِنَةَ ذَرَّةٍ.
---
4581 - قوله: (تُضَارُّون) قرأ من الضرر، والضَّيْر، أي الظُّلم، والمرادُ منه الزحمةُ، ومن الغرائب ما نقله الحافظ في «الفتح» أنَّ شيطانَ عيسى عليه الصلاة والسلام يَمْثُل لهم في المَحْشر، ويدخلُ معهم في النَّار، وإسنادُه قويُّ، ولا أَدْري ما المرادُ من شيطانِ عيسى عليه الصلاة والسلام، هل هو القرينُ أم أهواؤهم تتمثل شيطاناً؟ وقد سأَلني بعضُ النَّاس أنه هل يجوزُ عندك إلقاءُ شَبَهِ عيسى عليه الصلاة والسلام على غَيْرِه؟ قلتُ: ليس فيه عندي نَقْل إلاَّ عن بني إسرائيل، ولما حُجِر على الشقي التمثُّل به، فجاز أن يُحْجر إلقاءُ شَبَهِه على غيرهم أيضاً. وأما تفسيرُ الآيةِ: {وَلَكِن شُبّهَ لَهُمْ} فقد ذكرت مُرادَها، بما يغني عن التَّكرار، فراجع التفصيل في رسالتي «عقيدة الإِسلام»، وحاشيتها «تحية الإِسلام».g
قوله: (أتاهم ربُّ العالمين في أَدْنَى صُورة)... إلخ. قد مرَّ معنا في أَوَّل الكتاب أنَّ الرُّؤية في المَحْشَر تكون للتجلياتِ دون رؤيةِ الذات، ورؤيةُ التجلياتِ أيضاً تُسمَّى برؤية الذات. فإِنَّك ترى زيداً في لباس، ثُم تقولُ إنَّك رأيتَ زيداً، ولا تقولُ إنك رأيتَ ثَوْب زيد، فإِنَّ رُؤية كلِّ أحدِ بِحَسَبه، فكذلك الرؤيةُ في اللَّهِ تعالى، عبارةٌ عن رؤيةِ تجلياتِه عند الشيخ الأكبر، فالصورةُ عندي نحو تجلَ، وفَسَّرها الناسُ بالصِّفة؛ قلتُ: كَلاَّ، لأنَّ تغيرَها موجودٌ في نصِّ الحديث، أن الله تعالى يأتيهم ثانياً في صورةٍ يَعْرِفُونها... إلخ، فلو كان المرادُ من الصورةِ الصِّفَةَ يلزم التَّغَيُّرُ في الصِّفَة، وهو مُحال، فالمراد هو التجلّي، وسنذكرُ بَحْثَ التجلّي في آخِر الكتاب إن شاء الله تعالى، وقد مَرَّ شيئاً أيضاً، فيقول: أنا رَبُّكم، فيه تقديمٌ وتأخير.
باب {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلآء شَهِيداً} (41)
---(6/266)
المُخْتَالُ وَالخَتَّالُ وَاحِدٌ. {نَّطْمِسَ وُجُوهاً} (47): نُسَوِّيَهَا حَتَّى تَعُودَ كَأَقْفَائِهِمْ، طَمَسَ الكِتَابَ مَحَاهُ، {سَعِيراً} (55): وُقُوداً.
4582 - قوله: (فإِذا عَيْنَاه تَذْرِفَان) وَجْه البكاء أنه قال: رَبِّ كيف أشهد على مَنْ لم أشاهده كذا في «الفتح». ثم أخرج الحافِظ أحاديثَ عَرْض الأعمال، فَيَحْصُل العِلْمُ إجمالاً.
1010 - باب {وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَآء أَحَدٌ مّنْكُمْ مّن الْغَآئِطِ} (43)
{صَعِيداً} (43) وَجْهَ الأَرْضِ.
وَقالَ جابِرٌ: كَانَتِ الطَّوَاغِيتُ الَّتِي يَتَحَاكَمَونَ إِلَيْهَا: في جُهَيْنَةَ وَاحِدٌ، وَفِي أَسْلَمَ وَاحِدٌ، وَفِي كُلِّ حَيّ وَاحِدٌ، كُهَّانٌ يَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ.
وَقالَ عُمَرُ: الْجِبْتُ السِّحْرُ، وَالطَّاغُوتُ الشَّيْطَانُ.
وَقالَ عِكْرِمَةُ: الْجِبِتُ بِلِسَانِ الحَبَشَةِ شَيْطَانٌ، وَالطَّاغُوتُ الْكاهِنُ.
وقد تكلَّمنا عليه في التيمم، وأنَّ آيةَ المائدةِ نزلت أولاً عند البخاري، وآيةَ النِّساء عند ابن كثير. ثُم إنَّ الحديثَ الذي أخرجه المصنِّفُ مناسِبٌ للمائدةِ، إلا أنه أخرجه في النِّساء نَظراً إلى اتحادِ المسألةِ.
باب {فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (65)
باب {فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مّنَ النَّبِيّينَ} (69)
---(6/267)
وفَسَّره العلماءُ بِتَفْسيرَيْن. فالبيضاويُّ فَسَّره بالحُكَّام. وبَعْضُهم فَسَّره بالعلماء، ولهم على ذلك أَثَرٌ عن ابن مسعود. قال البَيْضَاويُّ: إنَّ العلماءَ ليسوا بِقِسْمٍ مُستقلّ، لكونِهم ناقلين فقط، فهؤلاء قد دخلوا في قوله: {أَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ} نعم الحُكَّام قِسْمٌ مُستقلّ، فالتفسيرُ بهم أَوْلى. وعندي العلماءُ أيضاً مِن أُولي الأَمْر. وقد أَطال الرَّازي الكلامَ في تفسيره، واستنبط منه الأُصولَ الأربعةَ، أما كتابُ الله والسُّنة فظاهِرٌ، وأما الإِجماع فداخل في قوله: {وَأُوْلِى الاْمْرِ مِنْكُمْ}، وأما القياس ففي قوله: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} وقد أصاب الرَّازي في ذلك. ومنهم مَنْ أَنْكر كَوْنَ العلماء أُولي الأَمْرِ.
قلتُ: كيف وقد أُطْلق عليهم في قوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ}وَإِلَى أُوْلِى الاْمْرِ مِنْهُمْلَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ فالعلماءُ أيضاً مِن أولي الأَمْر، وقد مر معناه أنَّ بَعْضَ المباحات قد تصيرُ واجباتٍ بأَمْر الحُكَّام، لكونهم من أُولي الأَمْر، وقد أمرنا بإِطاعتهم أيضاً، إلا أنَّ وجوبَها يَقْتَصِر على زمن وِلايتهم.
باب قَوْلُهُ: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَآء} الآية (75)
وَقالَ غَيرُهُ: المُرَاغَمُ المُهَاجَرُ، رَاغمْتُ: هَاجَرْتُ قَوْمِي، {مَوْقُوتاً} (103) مُوَقَّتاً وَقَّتَهُ عَلَيهِمْ.
باب {فَمَا لَكُمْ فِى الْمُنَفِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواْ} (88)
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَدَّدَهُمْ، فِئَةٌ: جَمَاعَةٌ.
---
والمُسْتَضْعف بحسب التصريف هم الذين ضَعَّفَهم الأعداءُ، فالمعنى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَتِلُونَ} في سبيل اللَّهِ، وفي سبيل المستضعفين، لِتُخَلِّصوهم من أيدي الكُفَّار.(6/268)
باب {وَإِذَا جَآءهُمْ أَمْرٌ مّنَ الاْمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ}
أيْ أَفشَوْهُ. {يَسْتَنْبِطُونَهُ} (83) يَسْتَخْرِجُونَهُ. {حَسِيباً} (86) كافِياً. {إِلاَّ إِنَثاً} (117) يعني المَوَاتَ، حَجَراً أَوْ مَدَراً، وَما أَشْبَهَهُ {مَّرِيداً} (117) مُتَمَرِّداً، {فَلَيُبَتّكُنَّ} (119) بَتَّكَهُ قَطَّعَهُ. {قِيلاً} (122) وَقَوْلاً وَاحِدٌ. {طَبَعَ} (155) خُتِمَ.
باب {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ} (93)
باب {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً} (94)
السِّلمُ وَالسَّلَمُ وَالسَّلاَمُ وَاحِدٌ.
ويُعْلم من «الأَدب المفرد» للبخاري أنَّ ابن عباس لا يقول بالخلودِ حقيقةً، ولكنه قال ما قال سَدّاً للذرائع.
باب {لاَّ يَسْتَوِى الْقَعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وَالْمُجَهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ (95)
باب {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّهُمُ الْمَلَئِكَةُ ظَلِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاْرْضِ قَالْواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وسِعَةً فَتُهَجِرُواْ فِيهَا}الآيَةَ (97)
باب {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَآء وَالْوِلْدنِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} (98)
---
باب {فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ} الآية (99)
قال العلماءُ: وإنَّما نزل قوله: {غَيْرُ أُوْلِى الضَّرَرِ} لإِيضاح البيانِ، وإلاَّ فالقاعِدُ لا يُقال إلا لِمن قعد باختياره، وإنما يقال للمعذُور: المُقْعد، دون القاعد.
باب قَوْلِهِ: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ} (102)(6/269)
باب قَوْلِهِ: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء} (127)
باب {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَفَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً} (128)
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {شِقَاقٍ} (35) تَفَاسُدٌ. {وَأُحْضِرَتِ الأنفُسُ الشُّحَّ} (128) هَوَاهُ في الشَّيءِ يَحْرِصُ عَلَيهِ. {كَالْمُعَلَّقَةِ} (129) لاَ هِيَ أَيِّمٌ، وَلاَ ذَاتُ زَوْجٍ. {نُشُوزاً} بُغْضاً.
ولِمِثْل هذه الآيةِ اعتبر الشافعيُّ المَطَرَ، والمَرَض عُذْرَين في الجَمْع بين الصلاتَيْن، وغيرِه.
باب {إِنَّ الْمُنَفِقِينَ فِى الدَّرْكِ الاْسْفَلِ} (145)
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَسْفَلَ النَّارِ، {نَفَقاً} (الأنعام: 35) سَرَباً.
باب {إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَى نُوحٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَيُونُسَ وَهَرُونَ وَسُلَيْمَنَ} (163)
4602 - قوله: (لقد أُنْزِل النِّفَاق)... إلخ. ليس تعريضاً إلى أَحَد.
---
4602 - قوله: (كنَّا في حَلَقةِ عَبْدِ اللَّهِ) نُقِل عن عليَ أنه قال: لو عَلِمْتُ رَجُلاً أَعْلمَ بالكتاب مني لضربتُ إليه أكبادَ الإبل، ولكن لا أَعْلَمُه، اللهم إلاَّ أن يكون ابنَ أُمِّ عَبْد.
باب {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى الْكَلَالَةِ إِن امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ} (176)
وَالكَلاَلَةُ: مَنْ لَمْ يَرِثْهُ أَبٌ أَوِ ابْنٌ، وَهُوَ مَصْدَرٌ، مِنْ تَكَلَّلَهُ النَّسَبُ.
الكَلالةُ في اللغة التعب تهك جانا، والمرادُ منه المُوَرِّث الذي ليس له وَارِثٌ من أصوله وفروعه، أو الوارِثُ الذي يكون على تلك الشاكلةِ، فلا يكونُ له غيرُ الحواشي.
سورة المَائِدَة
باب(6/270)
{حَرَّمَ} (1) وَاحِدُهَا حَرَامٌ. {فَبِمَا نَقْضِهِمْ} (13): بِنَقْضِهِمْ. {الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ} (21) جَعَلَ اللَّهُ. {تَبُوء} (29) تَحْمِلَ. {دَآئِرَةٌ} (52) دَوْلَةٌ.
وَقالَ غَيرُهُ: الإِغْرَاءُ التَّسْلِيطُ. {أُجُورَهُنَّ} (5) مُهُورَهُنَّ. قالَ سُفيَانُ: مَا فِي القُرْآنِ آيَةٌ أشَدُّ عَلَيَّ مِنْ: {لَسْتُمْ عَلَى شَىْء حَتَّى تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مّن رَّبّكُمْ} (68). مَخْمَصَةٌ مَجَاعَةٌ. {وَمَنْ أَحْيَهَا} (32) يَعْنِي مَنْ حَرَّمَ قَتْلَها إِلاَّ بِحَقَ حَيِيَ النَّاسُ مِنْهُ جَمِيعاً. {شِرْعَةً وَمِنْهَجاً} (48) سَبِيلاً وَسُنَّةً. المهَيمِنُ: الأَمِينُ، القُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابِ قَبْلَهُ.
باب قَوْلِهِ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (3)
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مَخْمَصَةٍ} (3) مَجَاعَة.
---
باب قَوْلِهِ: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَآء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيّباً} (6)
تَيَمَّمُوا: تَعَمَّدُوا. {ءامّينَ} (2) عامِدِينَ، أَمَّمْتُ وَتَيَمَّمْتُ وَاحِدٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَمَسْتُمْ} (المائدة: 6) وَ {تَمَسُّوهُنَّ} (البقرة: 236 - 237 والأحزاب: 49) وَ {اللَّتِى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} (النساء: 23)، وَالإِفضَاءُ: النِّكاحُ.
باب قَوْلِهِ {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلآ إِنَّا هَهُنَا قَعِدُونَ} (24)
وَرَوَاهُ وَكِيعٌ، عَنْ سُفيَانَ، عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقٍ: أَنَّ المِقْدَادَ قالَ ذلِكَ لِلنبي صلى الله عليه وسلّم(6/271)
قوله: (قال سفيان: ما في القرآن آيةٌ أَشَدُّ عليّ من: {لَسْتُمْ عَلَى شَىْء حَتَّى تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإنجِيلَ}وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مّن رَّبّكُمْ) وذلك لأنه زَعَم أنه خِطابٌ للمسلمين، وأنهم مأمُورُون بالعملِ بالتوراةِ أيضاً إلا ما نَهَى عنه. وقال المفسِّرُون: إنه خطابٌ لأَهْل الكتاب، وحاصِله أنكم زعمتُم الإِيمانَ بالتوراةِ والإِنجيلِ كافياً لِنَجاتِكم، كلاَّ حتى تُؤمنوا بما أُنزل إليكم مِن القرآنِ أيضاً.
باب {إِنَّمَا جَزَآء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الاْرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ} إِلَى قَوْلِهِ: {أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الاْرْضِ} (33)
المُحَارَبَةُ لِلَّهِ: الكُفرُ بِهِ.
---
وأكثرُ العلماءِ إلى أنَّ الآيةَ في قُطَّاع الطريقِ، والبُغاة، سواء كانوا مُسْلمين، أو كافرين، مع اتفاقِهم على أَنَّها نَزلت في العُرَنِيِّين، وكانوا كافرين. وذلك لأَنَّهم فَهِموا أن النصَّ إذا لم يَأخذ الكُفْر في العنوان، بل أدار الحُكْمَ على تلك الجرائمِ، فينبغي أنْ يُناط بها الحُكْم أيضاً، دون خُصوص الكُفْر. وحَمَلها البخاريُّ على الكُفْر والارتداد، وقد نبهناك في الإِيمان أنَّ النَّظر يَتردَّد في مِثْله، فمنهم مَنْ ينظر إلى المَوْرِدِ، ومنهم مَنْ ينظر إلى ألفاظِ النَّص. فظاهِرُ النصِّ يفيدُ الحنفيةَ في مسألة كَوْنِ الحدودِ كَفَّاراتٍ، فإِنَّ الله سبحانه أَرْصَد لهم عذابَ الآخِرة، مع إقامةِ الحدِّ عليهم، فَعُلِم أنها ليست بكفاراتٍ، وإنْ راعينا أنَّ الآيةَ في حَقِّ الكفار خرجت عما نَحْنُ فيه، فإِنَّ المسألة في حَقِّ المؤمنين، أما في حَقِّ الكُفّار، فلم يذهب أحدٌ إلى كَوْنِها مكفِّرَاتٍ في حَقِّهم. وقد بَسَطنا الكلامَ مع ماله وعليه في الإِيمان.(6/272)
قوله: (أنْ يُقَتَّلُوا، أو يُصَلَّبوا)... إلخ. فللإِمام أربعُ اختياراتٍ فيهم، وزاد في «الكنز» اثنين آخَرَين، فالمجموعَ ست، والأَكْثر في الشَّرْع القَتْل أوّلاً، ثُم الصَّلْب.
باب قَوْلِهِ: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} (45)
باب {يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ} (67)
فالقِصاصُ في بعض الجُروح عندنا أيضاً. وراجع له القُدُوري.
باب قَوْلِهِ: {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالَّلغْوِ فِى أَيْمَنِكُمْ} (89)
---
واليمينُ عندنا: مُنْعقِدةٌ. وغَمُوسٌ، ولَغْوٌ. فإِنْ كان على أَمْر ماضٍ كاذباً عمداً، فهو غموسٌ، وإلاَّ فهو لَغْو، وليس من أحكامِهما البَرُّ، والحِنْثُ. واللغو عند الشافعية: ما يَسْبِقُ على اللسان مِن قولهم: لا والله، بلى والله، كما في روايةِ عائشةَ، وعَمَّمه الشيخُ في «فتح القدير» فدخل تفسيرُهم أيضاً في تفسيرنا.
باب قَوْلِهِ: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُحَرّمُواْ طَيّبَتِ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} (87)
4615 - قوله: (فَرَخَّص لنا بعد ذلك أَنْ نتزوَّجَ المرأةَ بالثَّوْب) هذا الذي كنتُ أقوله: إن المتعةَ بالمعنى المشهور لم تُشْرع في الإِسلام قط، وإنما كان النِّكاح بمهرٍ قليل، مع إضمارِ الفُرْقة في النَّفْس، أُبيح لهم أَوَّلاً، ثُم نُسِخ، فلا فرق في الصورةِ، كما هو صريحٌ في رواية ابنِ مسعودٍ هذه.
باب قَوْلِهِ: {إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَم
رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ} (90)
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الأَزْلاَمُ: القِدَاحُ يَقْتَسِمُونَ بِهَا في الأُمُورِ، وَالنُّصُبُ: أَنْصَابٌ يَذْبَحُونَ عَلَيهَا.(6/273)
وَقالَ غَيرُهُ: الزَّلَمُ: القِدْحُ لاَ رِيشَ لَهُ، وَهُوَ وَاحِدُ الأَزْلاَمِ، وَالاِسْتِقْسَامُ: أَنْ يُجِيلَ القِدَاحَ، فَإِنْ نَهَتْهُ انْتَهى، وَإِنْ أَمَرَتْهُ فَعَلَ مَا تَأْمُرُهُ، وَقَدْ أَعْلَمُوا القِدَاحَ أَعْلاَماً، بِضُرُوبٍ يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا، وَفَعَلتُ مِنْهُ قَسَمْتُ، وَالقُسُومُ المَصْدَرُ.
باب {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (93)
---
وَزَادَنِي مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ قالَ: كُنْتُ سَاقِيَ القَوْمِ في مَنْزِلِ أَبِي طَلحَةَ، فَنَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ، فَأَمَرَ مُنَادِياً فَنَادَى، فَقَالَ أَبُو طَلحَةَ: اخْرُجْ فَانْظُرْ ما هذا الصَّوْتُ؟ قالَ: فَخَرَجْتُ فَقُلتُ: هذا مُنَادٍ يُنَادِي: أَلاَ إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَقَالَ لِي: اذْهَبْ فَأَهْرِقْهَا، قالَ: فَجَرَتْ في سِكَكِ المَدِينَةِ. قالَ: وَكانَتْ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الفَضِيخَ، فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: قُتِلَ قَوْمٌ وَهيَ في بُطُونِهِمْ، قالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ} (93).
باب قَوْلِهِ: {لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} (101)
قوله: ({النُّصُبِ}) أَنْصَاب يَذْبحون عليها. واعلم أنَّ ترجمته في الهندية ليست الأوثان. بت، بل هي عبارةٌ عن أحجارٍ كانوا يذبحون عليها الحيواناتِ لغيرِ الله، وكانت حَوْل البيت أحجارٌ يَذْبحون عندها، فَيَصُبُّون عليها دماءَ الذبائح، وترجمه الشاه عبد القادر تهان وتقول الهنودُ مكانَ حَرْقِ أمواتهم: استهان.(6/274)
4616 - قوله: (نَزَلَ تحريمُ الخَمْر)... إلخ. هذا صريحٌ في مذهب الجُمْهور، وادَّعى الحنفيةُ أنَّ خَمْر العِنَب كانت فيهم أيضاً، إلا أنها كانت قليلةً جداً، والخَمْر عندهم مختصَّةٌ بِخَمْر العِنَب.
13 - باب {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ} (103)
{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ} (116) يَقُولُ: قالَ اللَّهُ، وَإِذْ هَا هُنَا صِلَةٌ.
المَائِدَةُ: أَصْلُهَا مَفعُولَةٌ، كَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ، وَتَطْلِيقَةٍ بَائِنَةٍ، وَالمَعْنى: مِيدَ بِهَا صَاحِبُهَا مِنْ خَيرٍ، يُقَالُ مَادَنِي يَمِيدُنِي.
---
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مُتَوَفّيكَ} (آل عمران: 55) مُمِيتُكَ.
قالَ: وَقالَ أَبُو هُرَيرَةَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم «رَأَيتُ عَمْرَوبْنَ عامِرٍ الخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ في النَّارِ، كانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ». وَالوَصِيلَةُ: النَّاقَةُ البِكْرُ، تُبَكِّرُ في أَوَّلِ نِتَاجِ الإِبِلِ، ثُمَّ تُثَنِّي بَعْدُ بِأُنْثى، وَكانُوا يُسَيِّبُونَهُمْ لِطَوَاغِيتِهِمْ، إِنْ وَصَلَتْ إِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى لَيسَ بَينَهُمَا ذَكَرٌ، وَالحَامِ: فَحْلُ الإِبِلِ يَضْرِبُ الضِّرَابَ المَعْدُودَ، فَإِذَا قَضى ضِرَابَهُ وَدَعُوهُ لِلطَّوَاغِيتِ، وَأَعْفَوْهُ مِنَ الحَمْلِ، فَلَمْ يُحْمَل عَلَيهِ شَيءٌ، وَسَمَّوهُ الحَامِيَ. وَقالَ أَبُو اليَمانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنْ الزُّهْريِّ: سَمِعْتُ سَعيداً قالَ، يُخْبِرُهُ بِهذا. قالَ: وَقالَ أَبُو هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلّم نَحْوَهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ الهَادِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلّم(6/275)
باب {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلّ شَىْء شَهِيدٌ} (117)
باب قَوْلِهِ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْفَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيرُ الحَكِيمُ} (118)
قوله: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يقولُ: قال الله، «وإذ» ها هنا صِلَةٌ) أي زائدةٌ، وهذا لفظ أبي عبيدة بِعَيْنه، ولما لم يظهَر له فيه وَجْه، جعله صِلَةً. وقد تكلمنا عليه في رسالتنا: «عقيدة الإِسلام».
---
قوله: ({المائدة أَصْلُها مفعولةٌ)... إلخ. قلتُ: ولو جعلته الفاعل ذي كذا، لتخلَّصت من التأويل، فإنَّه يُبْنَى من الجامد أيضاً.b
قوله: (وقال ابنُ عَبَّاس: مُتَوَفّيكَ} (آل عمران: 55)مُمِيتُك) واعلم أنه ليس في نَقْلٍ إسلامي أن عيسى عليه الصلاة والسلام أُمِيتَ، ثُم رُفِع، غير أنه يُرْوى عن وَهْب بن مُنبِّه، فعلم أنهم أخذوه من النقول القديمة، نعم قاله تابعيُّ من المسلمين أيضاً.
وقد ثبت عنه بأسانيدَ أصحَّ منه تفسيرُ: {مُتَوَفّيكَ} برافِعِك إلى السماء. ولَئن سلّمناه، ففيه تقديمٌ وتأخيرٌ، فالمذكور مُقدَّماً ذِكْراً، مُؤخّرٌ صِدْقاً، كما قرره الزمخرشيُّ في قوله تعالى: {يمَرْيَمُ اقْنُتِى لِرَبّكِ}وَاسْجُدِىوَارْكَعِى مَعَ الركِعِينَ (آل عمران: 43) حيث ذَكَر فيه السجودَ مقدَّماً على الركوعِ، مع كَوْنه مؤخَّراً في الواقع، فقال: إنَّ السجودَ لم يكن في صلاتهم، فأَمَرها به، ثُم أَرْدَفه بأَمْر الركوع قَبْلَه، لئلا يُتوهّم الاقتصارُ على السجود. والمعنى أن اسجدي واركعي قَبْله أيضاً. فهكذا قوله: {إِنّي مُتَوَفّيكَ} (آل عمران: 55) أي الآن، {وَرَافِعُكَ إِلَىَّ} (آل عمران: 55) قَبْلَه أيضاً، وهو معنى الواو عندي.
---(6/276)
ثم إنك قد عَلِمت أن التَّوفِّي مُستعملٌ فيما وُضِع له عند القرآنِ، وكِنايةٌ عند البُلَغاء الذين أدركوا العَلاقةَ، ومجازٌ متفرِّعٌ على الكنايةِ عند العوام. فإِنَّ اللفظ إذا اشتهر في معنى آخَر، وصارت العلاقةُ نَسْياً مَنْسيّاً، يقال له: المجازُ المتفرِّع على الكناية. زعم القاديان - لعنه الله - أنَّ الإِمام البخاريَّ أخذ تفسيرَ ابن عباس إِشارةً إلى وفاة عيسى عليه الصلاة والسلام - قَاتَلَهُ اللَّهُ - ما أكثرَ افتراءه على السَّلف. أما عَلِم أنه أَخَذ تفسيرَه من «مجاز القرآن»، فنقله بما فيه، بدون جُنوح إلى جُرْح وقَدْح، ثُم إنَّه لم يُوفّق لأنْ ينظر أنه جعل «إذ» للاستقبال، فكيف يذهب إلى الوفاةِ، ونحو هذه الخرافاتِ، أَغْنى عن الردِّ.
4623 - قوله: (رأَيتُ عَمْرَو بنَ عامِر)... إلخ. ويقال له: عَمْرو بن لحيّ، قيل: إنَّه أَوَّلُ مَنْ أَفْسد الدِّينَ الإِبراهيمي، وهو مَنْ أتى بِهُبل من العراقِ.
4623 - قوله: (الوَصِيلَةُ: النَّاقة البِكْرُ، تُبَكِّرُ في أَوَّلِ نِتَاجِ الإِبلِ، ثُم تُثَنِّي بَعْدُ بأُنْثَى) أي وهي النَّاقة التي تَلِد بأنثيين، ولا يكون بينهما ذَكَر.
قوله: (والحَام) قيل: إنَّه مِن الحَامِي، وهو الذي يُحْمَى عن حَمْل الأَثقال. فلا أَدْرِي هل أَجْرُوا عليه مسألةَ الترخيم، أو ماذا؟ وقُرىء بالضمِّ أيضاً، والحام أيضاً، ولا يَصِحُّ فيه التخريجُ المَذْكُور أَصْلاً.
(حُكْم الحيوانِ المهل لغيرِ الله تعالى)
فائدة:
واعلم أنَّ الإِهلالَ لغيرِ الله تعالى، وإنْ كان فِعْلاً حراماً، لكنَّ الحيوانَ المهل حلالٌ إنْ ذَكَّاه بشرائطه، وكذا الحُلْوان التي يُتقرَّبُ بها للأوثان أيضاً جائزةٌ على الأَصْل. أما السَّوائب، فتكلَّموا فيها أنها تَخْرُج بعد التقرُّب من مِلْك صاحِبها، أو لا؟ فراجعه في الفِقْه.
---(6/277)
4625 - قوله: (إنَّ أَوَّل الخَلاَئِقِ يُكْسى)... إلخ، واختصَّ إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام بالكُسوة أوَّلاً، لأَنَّه أَوَّلُ مَنْ جُرِّد في سبيل الله، واستثنى موسى عليه الصلاة والسلام من الصَّعْقَة، لأَنَّه جُوزي بِصَعْقَة الطُّور، وحُفِظ عيسى عليه الصلاة والسلام من نَزْغَة الشيطانِ عَقِب الولادةِ للدُّعاء، حيث قال: {وِإِنّى أُعِيذُهَا بِكَ}وَذُرّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَنِ الرَّجِيمِ (آل عمران: 36). ثُم إنَّ الحافظ أَتَى بروايةٍ تدُلُّ على أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّمأيضاً يُكْسى معه أو قَبْلَه، ولكنه لم يأتِ في المسّ بروايةٍ، فتلك أنبياءُ اللَّهِ تعالى على خصائصهم، ومنازِلهم عند اللَّهِ.
4625 - قوله: (فيُؤْخَذُ بهم ذَاتَ الشمَال) وهؤلاء عندي كلُّ مَن ابتدع مِن أُمَّته صلى الله عليه وسلّم لأنَّ الكَوْثَر عندي تُمثل للشريعة، والشَّرْع أيضاً الحَوْضُ لغةً، فلا نصيبَ فيه لِمَن ابتدع في الدِّين، وإنما يَرِثُه المُتَّقون مِن أُمَّته.
---(6/278)
سُورَةُ الأَنْعَامِ
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} (23) مَعْذِرَتُهُمْ. {مَّعْرُوشَتٍ} (141) ما يُعْرَشُ مِنَ الكَرْمِ وَغَيرِ ذلِكَ. {حَمُولَةً} (142) ما يُحْمَلُ عَلَيهَا. {وَلَلَبَسْنَا} (9) لَشَبَّهْنَا. {وَيَنْأَوْنَ} (26) يَتَبَاعَدُونَ. {تُبْسَلَ} (70) تُفضَحَ. {أُبْسِلُواْ} (70) أُفضِحُوا. {بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ} (93): البَسْطُ الضَّرْبُ. {اسْتَكْثَرْتُم} (128) أَضْلَلتُمْ كَثيراً. {ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ} (136): جَعَلُوا لِلَّهِ مِنْ ثَمَرَاتِهِمْ وَمالِهِمْ نَصِيباً، وَلِلشَّيطَانِ وَالأَوْثَانِ نَصِيباً. أَكِنَّةً: واحدُها كِنَانٌ. {أَمَّا اشْتَمَلَتْ} (143 - 144)، يَعْنِي هَل تَشْتَمِلُ إِلاَّ عَلَى ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى، فَلِمَ تُحَرِّمُونَ بَعْضاً وَتُحِلُّونَ بَعْضاً؟ {مَّسْفُوحًا} (145) مُهْرَاقاً. {وَصَدَفَ} (157) أَعْرَضَ. أُبْلِسُوا: أُويِسُوا، و{أُبْسِلُواْ} (70) أُسْلِمُوا. {سَرْمَداً} (القصص: 71 - 72) دائِماً. {اسْتَهْوَتْهُ} (71) أَضَلَّتْهُ. {تَمْتَرُونَ} (2) تَشُكُّونَ. {وَقْرٌ} (25) صَمَمٌ. وَأَمَّا الوِقْرُ: الحِمْلُ. {أَسَطِيرُ} (25) وَاحِدُهَا أُسْطُورَةٌ وَإِسْطَارَةٌ، وَهيَ التُّرَّهَاتُ. {الْبَأْسَآء} (42) مِنَ البَأْسِ، وَيَكُونُ مِنَ البُؤْسِ. {جَهْرَةً} (47) مُعَايَنَةً. الصُّوَرُ جَمَاعَةُ صُورَةٍ، كَقَوْلِهِ سُورَةٌ وَسُوَرٌ. {مَلَكُوتَ} (75) مُلكَ، مِثْلُ: رَهَبُوتٍ خَيرٌ مِنْ رَحَمُوتٍ، وَيَقُولُ: تُرْهَبُ خَيرٌ مِنْ أَنْ تُرْحَمَ. {جَنَّ} (76) أَظْلَمَ، تَعَالَى: عَلا. وإنْ تَعْدِلْ: تُقْسِطْ. لا يُقْبَلُ منها في ذلك اليَوْمِ. يُقَالُ: عَلَى اللَّهِ حُسْبَانُهُ أَي حِسَابُهُ، وَيُقَالُ: {حُسْبَاناً} (96) مَرَامِيَ، وَ {رُجُوماً لّلشَّيَطِينِ} (الملك: 5)، {مُسْتَقَرٌّ} (98) في الصُّلبِ، {وَمُسْتَوْدَعٌ} (98) في الرَّحِمِ. القِنْوُ:(6/279)
---
العِذْقُ، وَالاِثْنَانِ قِنْوَانِ، وَالجَمَاعَةُ أَيضاً قِنْوَانٌ، مِثْلُ صِنْوٍ وَ {صِنْونٌ} (الرعد: 4).
باب {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ} (59)
قوله: ({أَمَّا اشْتَمَلَتْ} يعني: هل تَشْتَمِل)... إلخ. وفي كُتُب النَّحْو أن «أم» تخريجه «أهل»، إلاَّ أنَّ هذا التخريجَ ليس بمرادٍ ههنا، بل بيانٌ لمؤدَّاه فقط.
قوله: ({الصُّوَرِ} جَمَاعَةُ صورةٍ) وهذا مِنْ رأي أبي عُبيدة، فإِنَّ الأرواح كلَّها في الصُّور عنده، فإِذا نُفِخ في الصُّور رجعت إلى أجسادِها. وعند الشيخ الأَكْبر أنَّ السمواتِ السَّبْعَ والأَرَضين كذلك في الصُّور، كما في «الدر المنثور» أيضاً. وحينئذٍ صَحَّ كَوْنُ الأرواحِ بمقَرِّها، مع كونِها في الصُّور، فإِنَّ العالم إذا كان بمجموعِه في الصُّور صُدِّق أنَّ الأرواحَ في الصُّور، وصُدِّق أَنَّها في مقارِّها أيضاً. ولذا أقولُ: إنَّ الدنيا بِحَذَافيرِها حَيِّز جَهنَّم، ومِن ههنا تَرى القرآنَ مهْما توجَّه إلى ذِكْر تخريبِ العالم، ذَكَر السمواتِ والأَرَضِينَ فقط، ولا يتعرَّض إلى غيرِها شيئاً. وقال ابنُ القَيِّم في كتاب «الروح»: إنَّه ليس للأرواحِ مُستَقرٌّ خاصٌّ، غيرَ أن بَعْضَها مسترِيحةٌ، وبَعْضَها هائمةٌ، إلا أنَّ لكلَ منها تَعَلُّقاً بِجَسدِها، تَعَلُّقَ الإِنسانِ بِوَطَنه، وإنْ دار في الآفاقِ وسار.
ثُم إنَّ ما قاله أبو عبيدة صوابٌ، لكنَّه لا توافِقُه اللغةُ، لأنَّ الصُّورةَ تُجْمع على صُوَرٍ، لا على سكون الواو، وليس الصُّور بمعنى الصورة، بقي أنَّ الفارق بين مُفْردِه وجَمْعه تاء، فينبغي أن يكونَ اسمَ جَمْع، لا جَمْعاً، فهذا مِن مصطلحنا، والبخاريُّ غيرُ مُتقيِّدٍ به، وقد مرَّ أن المصنِّف لا يفرِّق بينهما.
---
باب قَوْلِهِ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} (65)(6/280)
{يَلْبِسَكُمْ} (65) يَخْلِطَكُمْ، مِنَ الاِلتِبَاسِ. {يَلْبِسُواْ} (82) يَخْلِطُوا. {شِيَعاً} (65) فِرَقاً.
باب {وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَنَهُمْ بِظُلْمٍ} (82)
باب قَوْلِهِ: {وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَلَمِينَ} (86)
4628 - قوله: (هذا أَهْوَنُ) ولما عَلِم النبيُّ صلى الله عليه وسلّمأَنَّ أَحَدَها كائنٌ لا محالةَ، اختار الأَهْون، ومِنْ ههنا عُلِم أَنَّ حرف - «أو» - كما يكون لِمَنْع الجَمْع، كذلك يكون لِمَنْع الخُلُو أيضاً، ولذا تعوَّذ النبيُّ صلى الله عليه وسلّمفي كلِّ مرة، واختار الثالث لِعِلْمه أن أَحدَها كائنٌ لا محالةَ، فاحفظه، فإِنَّه يُفِيدُك في مسألة قضاء اليمين مع الشاهد، لأن قوله: «بَيِّنَتك، أو يمينُه» كما يُفيدُ مَنْع الجَمْع، كذلك يفيدُ مَنْع الخُلُو أيضاً، وحينئذٍ يكونُ حُجَّةً للحنفيةِ في أنه لا قضاءَ باليمينِ مع الشاهد. وقد قَرَّرناه مِن قَبْل مبسوطاً.
باب قَوْلِهِ: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (90)
زَادَ يَزِيدُبْنُ هَارُونَ، وَمُحَمَّدُبْنُ عُبَيدٍ، وَسَهْلُبْنُ يُوسُفَ، عَنِ العَوَّامِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: قُلتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: نَبِيُّكُمْصلى الله عليه وسلّممِمَّنْ أُمِرَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمْ.
---
قال الشيخُ الأَكْبر: إنَّه فَرق بين قوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} وبَيْن قوله: فَبِهم اقتده، فإِنَّ الثاني يدلُّ على كَوْن النبيِّ صلى الله عليه وسلّمتابِعاً لهم، بخلاف الأول، ولذا عَدل عنه إلى أَمْرِ الاقتداءِ بالهُدَى، وهو الطريق. والاقتداءُ في الطريقِ لا يُوجِب التبعيةَ من كلِّ وَجْهٍ.
4632 - قوله: (أفي {ص} سَجْدَةٌ) زعَم الشافعيةُ أنَّ الحديثَ حُجَّةٌ لهم، وقال الزَّيْلَعي: إنَّه حُجَّةٌ للحنفيةِ. وقد مرَّ تمامُ الكلام في مَوْضِعه، فلا نعيدُه.(6/281)
باب قَوْلِهِ: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ} (146) الآيَة
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كُلَّ ذِى ظُفُرٍ}: البَعِيرُ وَالنَّعَامَةُ. {الْحَوَايَآ} (146) المَبْعَرُ. وَقالَ غَيرُهُ: هَادُوا: صَارُوا يَهُوداً. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {هُدْنَآ} (الأعراف: 156) تُبْنَا، هَائِدٌ تَائِبٌ.
وَقالَ أَبُو عاصِمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ: كَتَبَ إِلَيَّ عَطَاءٌ: سَمِعْتُ جابِراً عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
وفي «نور الأنوار» أَنَّ الخنزيرَ كان حلالاً في الشريعة العِيسويةِ، قلتُ: كلاّ، بل ذلك من اجتهادِ علمائِم، فإنَّهم اختلفوا في تفسير ذِي الظُّفُر. فقال اليهودُ: إنَّ الخنزيرَ منه، وأَنْكَره أَهْلُ الإِنجيل، فَأَحلُّوه.
قوله: ({والحوايا}) آنت.
باب قَوْلِهِ: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} (151)
باب
{وَكِيلٌ} (102) حَفِيظٌ وَمُحِيطٌ بِهِ.
---
{قُبُلاً} (111) جَمْعُ قَبِيلٍ، وَالمَعْنى: أَنَّهُ ضُرُوبٌ لِلعَذَابِ، كُلُّ ضَرْبٍ مِنْهَا قَبِيلٌ. {زُخْرُفَ الْقَوْلِ} (112) كُلُّ شَيءٍ حَسَّنْتَهُ وَوَشَّيتَهُ، وَهُوَ بَاطِلٌ، فَهُوَ زُخْرُفٌ. {وَحَرْثٌ حِجْرٌ} (138) حَرَامٌ، وَكُلُّ مَمْنُوعٍ فَهْوَ حِجْرٌ مَحْجُورٌ وَالحِجْرُ كُلُ بِنَاءٍ بَنَيتَهُ، وَيُقَالُ للأُنْثَى مِنَ الخَيلِ: حِجرٌ ويقال لِلعَقْلِ: حِجرٌ وَحِجًى، وَأَمَا الحِجْرُ فَمَوْضِعُ ثَمُودَ، وَما حَجَّرْتَ عَلَيهِ مِنَ الأَرْضِ فَهُوَ حِجْرٌ، وَمِنْهُ سُمِّيَ حَطِيمُ البَيتِ حِجْراً، كَأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ مَحْطُومٍ، مِثْلُ: قَتِيل مِنْ مَقْتُولٍ، وَأَمَّا حَجْرُ اليَمامَةِ فَهُوَ مَنْزِلٌ.
باب قَوْلِهِ: {هَلُمَّ شُهَدَآءكُمُ} (150)(6/282)
لُغَةُ أَهْلِ الحِجَازِ: هَلُمَّ لِلوَاحِدِ وَالاِثْنَينِ وَالجَمِيعِ.
والغِيرةُ اسمُ للانفعالِ الذي يأخذُ المرءَ عندما يتعدَّى أَحَدٌ على محارِمه، كذلك اللَّهُ سبحانه لا يُحِبّ أن يتلوَّث عَبْدُه في معصيةٍ، وهو معنى قوله: «لا أَحَدَ أَغْيَرُ مِن اللَّهِ»، وإلا فالانفعالاتُ كلُّها مُحالاتٌ في حَضْرَته تعالى، وتَقدَّس.
قوله: (وما حَجَّرْتَ (عليه) مِن الأَرْض) جس زمين كى بار كرى.
قوله: (ومِنْه سُمِّي حَطِيمُ البيتِ حِجْراً) أخذ المصنِّف الفَعِيل من المفعول، مع أَنَّهُ لا اشتقاقَ بينهما عندهم، ولكنَّ البخاريَّ يتوسَّع في هذه الأمور كثيراً، ويريدُ به نظائِرَ اشتقاقِه.
باب {لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءامَنَتْ مِن قَبْلُ} (158)
---
واستدلَّ به الزمخشريُّ لمذهبه، وقال: إنَّ الآيةَ تدلُّ على أنَّ الإِيمانَ بدون عَمَل صالح غيرُ نافع. قلتُ: وبناؤُه على أن تقديرَ الآيةِ هكذا: {يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءايَتِ رَبّكَ}لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَالَمْ تَكُنْ ءامَنَتْ مِن قَبْلأَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَنِهَا خَيْرًا وذلك لأنَّ المعطوفَ يَسُدّ مَسَدَّ المعطوف عليه، أما إنَّ أيَّ قَدْرٍ يُؤخذ من المعطوف عليه، فهو إلى الناظر، فَأَخَذ الزمخشريُّ: {ءامَنتُ} من المعطوف عليه، وقَدَّره في المعطوف، وحينئذٍ حاصِلُها أنَّ النَّفْس التي لم تُؤمن قَبْل طلوعِ الشَّمْس إنْ آمَنَت بعده لا يَنْفَعُها إيمانُها، أو كانت آمَنَت مِنْ قَبْل، ولم تكن كَسَبت عَملاً صالحاً، لا ينفعها إيمانُها أيضاً. فالإِيمانُ بعده غيرُ مقبولٍ، وكذا الإِيمانُ بدون عملٍ صالح قَبْلَه غيرُ نافع، وهذا هو المقصودُ.(6/283)
وقد أجاب عنه العلماءُ قديماً كابنِ الحاجب في «أماليه»، ومِن معاصِرِيه ابنُ المُنير في حاشيةِ «الكشاف» - وكانت بينهما مُكاتبةٌ ، وكذا التفتازاني في حاشيته على «الكشاف»، وأَقْدَمُ منه الطِّيبي، وجوابُه أَلْطَفُ وأَشْفَى. وأقول: إنَّ حَرْف - «أو» - ههنا في سياق النَّفي، فيفيدُ السَّلْب الكُلِّي، كما في قوله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءاثِماً أَوْ كَفُوراً} (الإِنسان: 24)، وتقديرُها عندي: يومَ يأتي بَعْضُ آياتِ رَبِّك، لا ينفعُ نفساً إيمانُها لم تكن آمَنت مِنْ قبل، أو لم تكن كَسَبت في إيمانها خَيْراً، فمآلُها إلى انتفاءِ الإِيمانِ، والعمل الصالح جميعاً، أي لم يكن عندها هذا، ولا ذاك، وعَدَم النَّفْع لمن لا يكون عنده شيءٌ من الإِيمان، والعَمَل أَمْرُ مُجْمعٌ عليه.
---
وأُجيب أيضاً أنَّ الآيةَ في اليوم الذي تَطْلُع فيه الشَّمسُ من المَغْرب، فلا ينفع فيه الإِيمانُ بدون العملِ. ومفهومُه أنه يُعْتبر قَبْلَه. وذلك ما أردناه، وراجع رسالتي «فصل الخطاب» - ذيل البيان في فصاعداً .
والثالث - وهو المشهورُ : أنَّ فيه لَفّاً ونَشْراً مُرتَّباً. وفي اللَّفِّ تقديرٌ هكذا: يوم يأتي بعضُ آياتِ رَبِّك، لا ينفع نَفْساً إيمانُها، ولا كَسْبُها، لم تكن آمَنَت مِن قَبْل، أو لم تكن كَسَبت في إيمانِها خيراً. فالمعنى أنَّ الإِيمانَ في ذلك اليوم لا يُغْني عن الإِيمانِ الواجب، وكذلك العمل الصالح عن العمل الصالح، فكلٌّ من الإِيمانِ والعملِ الصالح في مَرْتَبة من اللَّف والنَّشر. وراجع له «رُوح المعاني» و«فتح الباري».(6/284)
سُورَةُ الأَعْرَافِ
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَرِيَاشاً} (26) المَالُ. {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (55): في الدُّعاءِ وَفي غَيرِهِ. {عَفَواْ} (95): كَثُرُوا وَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ. {الْفَتَّاحُ} (سبأ: 26): القَاضِي. {افْتَحْ بَيْنَنَا} (89): اقْضِ بَينَنَا. {نَتَقْنَا} (171): رَفَعْنَا. {انْبَجَسَتْ} (160): انْفَجَرَتْ. {مُتَبَّرٌ} (139): خُسْرَانٌ. {ءاسَى} (93): أَحْزَنُ. {تَأْسَ} (المائدة: 26، 68): تَحْزَنْ. وَقالَ غَيرُهُ: {ما مَنَعَكَ أَنْ لاَ تَسْجُدَ} (12) يَقُولُ: ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ. {يَخْصِفَانِ} (22): أَخَذَا الخِصَافَ مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ، يُؤَلِّفَانِ الوَرَقَ يَخْصِفَانِ الوَرَقَ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ. {سَوْءتِهِمَا} (20) كِنَايَةٌ عَنْ فَرْجَيهِمَا. {وَمَتَعٌ إِلَى حِينٍ} (24) هو هَا هُنَا إِلَى القِيَامَةِ، وَالحِينُ عِنْدَ العَرَبِ مِنْ سَاعَةٍ إِلَى ما لاَ يُحْصى عَدَدُهَا.
---(6/285)
الرِّيَاشُ وَالرِّيشُ وَاحِدٌ، وَهُوَ ما ظَهَرَ مِنَ اللِّبَاسِ. {وَقَبِيلُهُ} (27) جِيلُهُ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ. {ادَّارَكُواْ} (38) اجْتَمَعُوا. وَمَشَاقُّ الإِنْسَانِ وَالدَّابَّةِ كُلُّهُمْ يُسَمَّى سُمُوماً، وَاحِدُهَا سَمٌّ، وَهيَ: عَينَاهُ وَمَنْخِرَاهُ وَفَمُهُ وَأُذُنَاهُ وَدُبُرُهُ وَإِحْلِيلُهُ. {غَوَاشٍ} (41) ما غُشُّوا بِهِ. {نَشْراً} (57) مُتَفَرِّقَةً. {نَكِدًا} (58) قَلِيلاً. {يَغْنَوْاْ} (92) يَعِيشُوا. {حَقِيقٌ} (105) حَقٌّ. {وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} (116) مِنَ الرَّهْبَةِ. {تَلْقَفُ} (117) تَلقَمُ. {طَائِرُهُمْ} (131) حَظُّهُمْ. طُوفانٌ: مِنَ السَّيلِ، وَيُقَالُ لِلمَوْتِ الكَثِيرِ الطُّوفانُ. {وَالْقُمَّلَ} (133) الحُمْنَانُ يُشْبِهُ صِغَارَ الحَلَمِ. عُرُوشٌ وَعَرِيشٌ: بِنَاءٌ. {سُقِطَ} (149) كُلُّ مَنْ نَدِمَ فَقَدْ سُقِطَ في يَدِهِ. الأَسْبَاطُ قَبَائِلُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. {يَعْدُونَ فِى السَّبْتِ} (163) يَتَعَدَّوْنَ لَهُ، يُجَاوِزُونَ. {تَعْدُ} (الكهف: 28) تُجَاوِزْ. {شُرَّعًا} (163): شَوَارِعَ. {بَئِيسٍ} (165) شَدِيدٍ. {أَخْلَدَ} (176) قَعَدَ وَتَقَاعَسَ. {سَنَسْتَدْرِجُهُم} (182) نَأْتِيهِمْ مِنْ مَأْمَنِهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَتَهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ} (الحشر: 2). {مّن جِنَّةٍ} (184) مِنْ جُنُونٍ. {فَمَرَّتْ بِهِ} (189): اسْتَمَرَّ بِهَا الحَمْلُ فَأَتَمَّتْهُ. {يَنَزَغَنَّكَ} (200) يَسْتَخِفَّنَّكَ. {طَيفٌ} (201) مُلِمٌّ بِهِ لَمَمٌ، وَيُقَالُ: {طَآئِفٌ} وَهُوَ وَاحِدٌ. {يَمُدُّونَهُمْ} (202) يُزَيِّنُونَ. {وَخِيفَةً} (205) خَوْفاً، وَخُفيَةً مِنَ الإِخْفَاءِ.h
---
{وَالآصَالِ} (205) وَاحِدُهَا أَصِيلٌ، ما بَينَ العَصْرِ إِلَى المَغْرِبِ، كَقَوْلِهِ: {بُكْرَةً وَأَصِيلاً} (الفرقان: 5).(6/286)
باب {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ الْفَوحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} (33)
قوله: (وقال وغيرُه: أَنْ لا تَسْجُد) وقد مر أنَّ «غيره» يكونُ في حديثٍ آخَرَ، ولا يتعلَّق بما كان قَبْله، والمصنِّف جعل «لا» زائدة، وإني أَنْكَرتُ كونَها زائدةً رأساً، كما قرروه في قوله: «لا أُقْسم»، فإِنَّ «لا» ههنا ليست بزائدةٍ، بل لنفي ما قَبْلَها، وكذلك معنى «لا» ههنا يَظْهَرُ من ترجمتها في الهندية: كس نى تجهكو منع كياكه تو سجده نه كرى فالنَّفْي فيه على مَحلِّه، ولو تنبَّهُوا على تلك المحاورةِ لما احتاجوا إلى القَوْل بالزيادةِ.
قوله: (مَشَاقُّ الإِنسان) سوراخ.
قوله: (الحُمنان) يرى.
قوله: (صِغَار الحَلَم) جهوتىىيرى.
قوله: (يَسْتَخِفّنَّك) صلى الله عليه وسلّمسلائى.
باب {وَلَمَّا جَآء مُوسَى لِمِيقَتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِى وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِى}فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَرِنِي: أَعْطِنِي.
باب {الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} (160)
4638 - قوله: (أَمْ جُوزى بِصَعْقَة الطُّورِ) وقد مَرَّ الإِشكالُ فيه، والجواب عنه.
---
باب {قُل يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلكُ السّمواتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (158)
قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: غَامَرَ: سَبَقَ بالخَيْرِ.
باب قَوْلِهِ: {حِطَّةٌ} (161)(6/287)
باب {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِض عَنِ الْجَهِلِينَ} (199)
العُرْفُ: المَعْرُوفُ.
4640 - قوله: (كانت بيني، وبَيْنَ أبي بَكْر مُحاوَرةٌ)، أي مراجعةٌ في الكلام، ولَعلَّها كانت في غيرِ مَجْلِس النبيِّ صلى الله عليه وسلّم
4640 - قوله: (أَمَّا صاحِبُكُم هذا فَقَدْ غامَرَ) أي خَاصَم. وأَصْلُه النزولُ في الماء الكثير، والمرادُ منه ههنا الخصومةُ، وما فَسَّر به المحشيِّ فغلطٌ.
4640 - قوله: (هَلْ أَنْتُم تَارِكُوا لي صَاحِبي) قال الرَّاوي: إنَّ الصحابةَ رضي الله تعالى عنهم لم يكونوا يُخَاصِمُونَه بعد ذلك.
4642 - قوله: (قَدِم عُيَيْنَهُ بنُ حِصْن بنِ حُذَيفةَ) وهذا الذي قال فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلّم بِئْس أخو العشيرةِ، فكان ارتدَّ من بعد، ثم أَسْلم، وكان ابنُ أخيه من القُرَّاء، فجاء عند عمرَ إن كان ابن أخيه قارئاً، فكان كما في الحديث.
4644 - قوله: (أنْ يَأْخُذَ العَفْوَ) وهذا تفسيرٌ آخَر، أي أَعْرِض عَمَّا عليه النَّاس مِن أَرْذَل الأخلاقِ، وخُذ بأَحْسَنِها.
سُورة الأنْفَال
باب قَوْلُهُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الانفَالِ قُلِ الانفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} (1)
---
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الأَنْفَالُ: المَغَانِمُ. قالَ قُتَادَةُ: {رِيحُكُمْ} (46) الحَرْبُ. يُقَالُ: نَافِلَةٌ عَطِيَّةٌ.(6/288)
{الشَّوْكَةِ} (7) الحَدُّ. {مُرْدِفِينَ} (9) فَوْجاً بَعْدَ فَوْجٍ، رَدِفَنِي وَأَرْدَفَنِي: جاءَ بَعْدِي. {ذُوقُواْ} (50) بَاشِرُوا وَجَرِّبُوا، وَلَيسَ هذا مِنْ ذَوْقِ الفَمِ. {فَيَرْكُمَهُ} (37) يَجْمَعهُ. شَرِّدْ فَرِّقْ. {وَإِن جَنَحُواْ} (61) طَلَبُوا. السِّلْمُ والسَّلْمُ والسَّلامُ واحدٌ. {يُثْخِنَ} (67) يَغْلِبَ. وَقالَ مُجَاهِدٌ: {مُكَآء} إِدْخالُ أَصَابِعِهِمْ في أَفوَاهِهِمْ. {وَتَصْدِيَةً} (35) الصَّفِيرُ. {لِيُثْبِتُوكَ} (30) لِيَحْبِسُوكَ.
باب {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} (22)
باب {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْء وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (24)
اسْتَجِيبُوا: أَجِيبُوا. لِمَا يُحْيِيكُمْ: يُصْلِحُكُمْ.
وَقالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيبٍ: سَمِعَ حَفصاً: سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلّم بِهذا. وَقال: «هِيَ: {الْحَمْدُ للَّهِ رَبّ الْعَلَمِينَ} السَّبْعُ المَثَانِي».
باب قَوْلِهِ: {وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السَّمَآء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (32)
---
قالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: ما سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَطَراً في القُرْآنِ إِلاَّ عَذَاباً، وَتُسَمِّيهِ العَرَبُ الغَيثَ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِى يُنَزّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ} (الشورى: 28).
باب قَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (33)(6/289)
باب {وَقَتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلهِ} (39)
وتَردَّد المُفَسِّرون في أنَّ استغفارَ الكفارِ هل يَنْفَعُ لهم، أو لا؟ قلتُ: والمرادُ من الاستغفار ههنا أنهم يَدْعُون رَبَّهم. والمسألةُ في أدعيةِ الكُفَّار أنَّها يمكنُ أن تُسْتجاب. في التِّرمذي - وصححه : أنَّ يأجوج ومأجوج يَحْفرون السَّدَّ كلَّ يوم، ثُم يتركونه عند ما يرق النهار، فإِذا جاءُوه من الغد، وجدوه كما كان، فإِذا جاء وَعْدُ رَبِّك، قالوا: نحفر بقيته غداً إنْ شاء الله تعالى، فلا يعودُ إلى أصله، بل يبقى كذلك محفوراً، فيحفرونه ذلك اليوم. فدلَّ على قَبُول دعائهم. ثُم إنَّ ابنَ كثير أَنْكَر رَفْعه، وقال: أَخَذه أبو هريرةَ عن كَعْب الأَحْبار، ولم يأخذْهُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وقد مَرَّ أنه ليس في القرآن شيءٌ يدلُّ على أنَّ السدَّ مانِعٌ من خُروجِهم، وكذا ليس في المرفوع حديثٌ يُشَاكِل هذا المعنى، غيرَ ما عند الترمذيِّ، وأَنْكَر رَفْعُه ابنُ كثير، كما حكينا عنه.
4651 - قوله: (وكانَ الدُّخُولُ عَلَيهم) والأَوْلى «فيهم»، أي تَخَلّفهم في الكُفّار.
---
باب {يَأَيُّهَا النَّبِىُّ حَرّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مّنكُمْ عِشْرُونَ صَبِرُونَ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مّنكُمْ مّاْئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} (56)
قَالَ سُفيَانُ: وَقالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: وَأُرَى الأَمْرَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ مِثْلَ هذا.
وهذه المسألةُ كانت في أَوَّلِ الإِسلام، ثُم نزلَ التخفيفُ، فلم يكن يجوزُ لِمُسْلم أن يَفِرَّ مِن عشرةِ كُفَّار، وفي «فتح الباري»: إنَّ هذه النسبةَ كانت في السِّلاح، أما اليوم فهي بالضعْف، فلا يجوزُ فرارُ عَشْرٌ من المسلمين بِعِشْرين، وكذلك لو كان عندهم ضعْف سلاحِنا.(6/290)
قوله: (وقال ابنُ شُبْرُمةَ: وأُرَى الأَمْرَ بالمعروفِ، والنَّهْيَ عنِ المُنْكَرِ مِثْلَ هذا) وابنُ شُبْرُمة قاضي الكوفة، وهذا استنباطٌ منه. وفي قاضيخان: إذا تيقّن أنَّ الأَمْرَ بالمعروفِ، والنَّهيَ عن المُنْكر لا يَنْفَعُ في هذا الزمانِ، جاز له التَّرْك، وإنْ كانت العزيمةُ فيهما.
باب {الئَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً} الآيَةَ (66)
4653 - قوله: (فلمَّا خَفَّف اللَّهُ عَنْهم من العِدَّة، نَقَص من الصَّبْر) بقول: إنَّه إذا كان في العدة شدة، كان في المسلمين ثبات وسورة، فإِذا خفف في العدة. فتروا في الشدة، وانكسرت سورتهم أيضاً.
---(6/291)
سُورَةُ بَرَاءَةَ
{وَلِيجَةً} (16) كُلُّ شَيءٍ أَدْخَلتَهُ في شَيءٍ. {الشُّقَّةُ} (42): السَّفَرُ. الخَبَالُ الفَسَادُ، وَالخَبَالُ المَوْتُ. {وَلاَ تَفْتِنّى} (49) لاَ تُوَبِّخْنِي. {كَرْهاً} وَ {كَرْهاً} (53) وَاحِدٌ. {مُدَّخَلاً} (57) يُدْخَلُونَ فِيهِ. {يَجْمَحُونَ} (57) يُسْرِعُونَ. {وَالْمُؤْتَفِكَتِ} (70) ائْتَفَكَتْ انْقَلَبَتْ بِهَا الأَرْضُ. {أَهْوَى} (النجم: 53) أَلقَاهُ في هُوَّةٍ. {عَدْنٍ} (72) خُلدٍ، عَدَنْتُ بِأَرْضٍ أَي أَقَمْتُ، وَمِنْهُ مَعْدِنٌ، وَيُقَالُ: في مَعْدِنِ صِدْقٍ، في مَنْبَتِ صِدْقٍ. {الْخَولِفِ} (93) الخَالِفُ الَّذِي خَلَفَنِي فَقَعَدَ بَعْدِي، وَمِنْهُ: يَخْلُفُهُ في الغَابِرِينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكونَ النِّسَاءُ مِنَ الخَالِفَةِ، وَإِنْ كانَ جَمْعَ الذُّكُورِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عَلَى تَقْدِيرِ جَمْعِهِ إِلاَّ حَرْفانِ: فارسٌ وَفَوَارِسُ، وَهَالِكٌ وَهَوَالِكُ. {الْخَيْرتِ} (88) وَاحِدُهَا خَيرَةٌ، وَهيَ الفَوَاضِلُ. {مُرْجَوْنَ} مُؤَخَّرُونَ، الشَّفَا: شَفِيرٌ، وَهُوَ حَدُّهُ، وَالجُرُفُ: ما تَجَرَّفَ مِنَ السُّيُولِ وَالأَوْديَةِ. {هَارٍ} (109) هَائِرٍ، {لأَوَّاهٌ} (114): شَفَقاً وَفَرَقاً وَقالَ الشَّاعِرُ:
* إِذَا مَا قُمتُ أَرْحَلُهَا بِلَيلٍ ** تَأَوَّهُ آهَةَ الرَّجُلِ الحَزِينِ
يُقَالُ: تَهَوَّرَتِ البِئْرُ: إِذا انْهَدَمَتْ، وانْهَارَ مِثْلُهُ.
قوله: ({والخَوَالِفُ} الخالِفُ: الذي خَلَفَني، فَقَعَد بَعْدِي)، وحينئذٍ الخوالِفُ جَمْع مُذَكَّر.
قوله: (ويَجُوزُ أنْ يكونَ النِّساءُ) أي يجوزُ أن يكونَ جَمْعاً مؤنثاً أيضاً.
قوله: (وإنْ كانَ جَمْعَ الذُّكُور) إلخ. وفي العبارة رِكَّةٌ، فإِنَّه أَخَذ الخوالِفَ - وفي أَوَّلِ العبارةِ - جَمْعاً مُذكّراً، ثُم عَبَّر عنه، كأنه أمْرٌ مَفْروض، فقال: وإنْ كان جَمْعَ الذُّكُور إلخ.
---(6/292)
قوله: (والجُرُف) وهو الشطُّ الذي يخرُجُ الطينُ مِن تَحْتِه، لِشِدَّةِ جَرْية الماءِ.
قوله: (هَارٍ هارئِرٍ)... إلخ، ففيه قَلْبٌ، فصار هارى، ثُم حُذِفت الهمزةُ، وصار {هَارٍ}.
باب قَوْلِهِ: {بَرَآءةٌ مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مّنَ الْمُشْرِكِينَ} (1)
أَذَانٌ: إِعْلامٌ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أُذُنٌ} (61) يُصَدِّقُ. {تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا} (103) وَنَحْوُهَا كَثِيرٌ، وَالزَّكاةُ: الطَّاعَةُ وَالإِخْلاَصُ. {لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ} (فُصِّلَت: 7) لاَ يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ. {يُضَاهُونَ} (30) يُشَبِّهُونَ.
باب قَوْلِهِ: {فَسِيحُواْ فِى الاْرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِى الْكَفِرِينَ} (2)
سِيحُوا: سِيرُوا.
باب قَوْلِهِ: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِىءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (3)
آذَنَهُمْ: أَعْلَمَهُمْ.
قالَ حُمَيدٌ: ثُمَّ أَرْدَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم بِعَلِيِّبْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ.
قالَ أَبُو هُرَيرَةَ: فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ في أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ بِبَرَاءَةَ، وَأَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفَ بِالبَيتِ عُرْيَانٌ.
---
باب {إِلاَّ الَّذِينَ عَهَدتُّم مّنَ الْمُشْرِكِينَ} (4)
فَكانَ حُمَيدٌ يَقُولُ: يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ، مِنْ أَجْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ.(6/293)
وكان النبيُّ بعث عَلِيّاً بهذه الآياتِ في السَّنةِ التاسعة، لينادي بها في الناس، فنادى بها على يوم النَّحْر أَهْل مِنَى. وفي المقام إشْكالٌ عويصٌ، لم يأتِ فيه أَحَدٌ بما يشفي الصُّدُور، وقد تعرَّض إليه السُّيوطي شيئاً، ولكن جوابه خَفِي، لا يدرِكُه كلُّ أَحَد، ولي فيه مُذكّرةٌ مستقلَّةٌ، ذكرتُ فيها ما تحرَّر عندي.
باب {فَقَتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَنَ لَهُمْ} (12)
باب قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (34)
باب قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} (35)
باب قَوْلِهِ: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً في كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمواتِ والأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} (36)
القَيِّمُ: هُوَ القَائِمُ.
4658 - قوله: (ما بفي من أصحاب هذه الآية إِلاَّ ثلاثةٌ ولا مِن المنافقينَ إلا أَرْبعةٌ) وهذا يَدُلُّك ثانياً على أنَّ المنافقين كانوا مَعْرُوفين بينَ الصحابةِ رضي الله تعالى عنهم بأَعْيانِهم. إلا أنهم لم يكونوا يتعرَّضُون لهم، لئلا يشتهرَ في الناسِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّميَقْتُلُ أصحابَه.
---
باب قَوْلِهِ: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (40)
نَاصِرُنَا. السَّكِينَةُ: فَعِيلَةٌ مِنَ السُّكُونِ.
باب قَوْلِهِ: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} (60)
قالَ مُجَاهِدٌ: يَتَأَلَّفُهُمْ بِالعَطِيَّةِ.
باب قَوْلِهِ: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (79)(6/294)
يَلمِزُونَ: يَعِيبُونَ. وَ {جُهْدَهُمْ} وَ {جُهْدَهُمْ} (79) طَاقَتَهُمْ.
باب قَوْلِهِ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} (80)
باب قَوْلِهِ: {وَلاَ تُصَلّ عَلَى أَحَدٍ مّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} (84)
باب قَوْلِهِ: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (95)
باب قَوْلِهِ: {وَءاخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَلِحاً وَءاخَرَ سَيّئاً عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (102)
باب قَوْلِهِ: {مَا كَانَ لِلنَّبِىّ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ} (113)
---
باب قَوْلِهِ: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ في سَاعَةِ العُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ تَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثمَّ تَابَ عَلَيهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}
4665 - قوله: (قال: حَدَّثني يَحْيَى بنُ مَعِين)... إلخ.
فائدة: قال الذهبيُّ: إنَّ ابنَ مَعِين حنفيُّ، وترك أربعين صُندوقاً في خدمةِ الحديث بعده، ولكنه لما تكلَّم في الشافعيِّ رماه الناسُ بالتعصُّب، وقد أُجيب عنه في «طبقات الشافعية» حتى قال قائل منهم: إنَّ ابن إدريس هذا ليس هو الشافعيّ، بل هو رجلٌ آخَرُ. قلتُ: أما ابن إدريس هذا، فليس إلاَّ الشافعيّ، وإنْ كان الصواب أنَّ ابنَ مَعِين لم يَعْرِف قَدْر الشافعي، فإِنَّه أَجَلُّ مِن أن يتكلَّم فيه مِثْلُ ابنِ مَعِين.
4665 - قوله: (وأين بهذَا الأَمْرِ عنه) إلخ، يعني: هين كهان بازر هونكا ابن زبير سى جنكى يه مناقب هين.(6/295)
4665 - قوله: (يَمْشِي القُدَمِيَّةَ) يشيرُ إلى فُتُوحِه، فإِنَّ عبد الملك لم يزل في تَقَدُّمٍ من أَمْره، إلى أن استنقذ العراقُ من ابن الزُّبير، وقتل أخاه مصعباً، ثُم جَهَّز العساكر إلى ابن الزبير بمكةَ، فكان من الأَمْر ما كان. ولم يزل أَمْرُ ابنِ الزُّبير في تأخُّر، إلى أَنْ قُتِل رضي الله تعالى عنه، وهذا الذي يريده من قوله: «وأنه لوى ذنبه»، يعني به ابن الزبير.
4666 - قوله: (يَتَعلَّى عنِّي) او نجى بنتى هين.
قوله: (ولا يرينو لك) أي لا يُبالي بطاعتي له.
باب {وَعَلَى الثَّلَثَةِ الَّذِينَ خُلّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الارْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (118)
---
باب {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّدِقِينَ} (119)
4677 - قوله: (وما مِن شيءٍ أَهَمُّ إليَّ، مِن أَنْ أَمُوتَ، فلا يُصلِّي عليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم؟ وفيه دليلٌ على أنه كان مِن سُنّة المنافقين أنهم كانوا لا يصلّون عليهم، فعلم أنهم كانوا معروفين بينهم بسيماهُم.
باب قَوْلِهِ: {لَقَدْ جَآءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ}- (128): مِنَ الرَّأْفة
وَكانَتِ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا القُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفصَةَ بِنْتِ عُمَرَ.
4679 - قوله: (أَجْمعُه من الرِّقاع، والأكتافِ، والعُسُب) والعُسُب جريدُ النَّخْلِ، كانوا ينزعون عنها قِشْرَها، فيبدوا من تحتها أبيض، فيكتبون عليها.
فائدة: في جَمع القرآن:(6/296)
وقد ذكر العلماءُ أنَّ القرآنَ كلَّه كان جُمِع في عَهْد النبيِّ صلى الله عليه وسلّمحتى القراءات أيضاً.l
وذهب بعضُ المحققين إلى أن ترتيبَ السُّور أيضاً توقيفي، والأكثرون إلى أن ترتيبَ السور اجتهادي. وأما ذُو النُّورين فلم يَزِد إلاَّ أنه أَخَذ ما في العرضة الأخيرةِ وترك ما كان سواها، ثُم أخذ بقوله وأرسل إلى البلاد، ومِن ذلك سُمِّي جامِعاً للقرآنِ، لا بمعنى أنَّ القرآن لم يكن مجموعاً قَبْله أَصْلاً.
سُورَة يُونُسَ
باب
---
قال ابن عباس: (فاختلط). واعلم أنَّ مرادَ ما في الصُّلب قد لا يَتَمُّ ما لا ينضمُّ معه ما في «الهامش»، كما رأيت ههنا. فأَصْلُ العبارة هكذا: (فاختلط به نباتُ الأَرْض) إلاَّ أن النُّسّاخ كتبوا: (نبات الأَرْض) على «الهامش»، فانخرم مرادُ الصُّلْب.
قوله: ((أَحْسنُوا الحُسْنى)، مِثْلُها (وزِيادةٌ) مَغْفِرةٌ) أي المرادُ من «الحُسْنى» مِثْلُها، والمرادُ من «الزيادة» المغفرة.
باب {وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إِسْرءيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَآ أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ ءامَنتُ أَنَّهُ لآ إِلِهَ إِلاَّ الَّذِى ءامَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرءيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لله} (90)(6/297)
واعلم أنَّ إيمانَ البأس غيرُ معتبر. وفَسَّره الجمهورُ بالإِيمان عند الدخول في مقدماتِ النَّزْع، أو الإِيمان عند مشاهدةِ عذاب الاستئصال. ولما كان فرعونُ قد أدركه العَرَقُ، فشاهد عذابَ الاستئصال، فإِيمانُه إيمانُ بأس، وذلك غيرُ مُعْتَبَر. أما إنه قد كان دخل في النَّزْع أو لا، فالله تعالى أعلم به. وكيف ما كان إيمانُه غيرُ معتبرٍ عند الجمهور. وقال الشيخ الأكبر: إنَّ إيمانه معتَبرٌ، كما في «الفتوحات» و«الفصوص». قلتُ: ولعلَّ إيمانَ البأس عنده مُفَسّر بالإِيمان عند الدخول في مقدّمات النَّزْع فقط. فَمَن شاهد عذابَ الاستئصال، وآمن لا يكون إيمانُه إيمانَ بأسٍ عنده، وإذ لا دليلَ على دخوله في مقدّمات النَّزْع، بل كلماته قد تُشْعر بخلافه. فإِذن ينبغي أن يُعْتبر إيمانُه على اصطلاحه. ولكنْ ذبَّ عنه الشيخُ الشَّعْراني، وهو من أكبر مُعْتَقديه، فقال: إنَّ كثيراً عن عباراتِ «الفتوحات» مدسوسةٌ، وتلك المسألة أيضاً منها، لأن نسخة «الفتوحات» لابن السويكين موجدةٌ عندي، وليس فيها ما نسبوه إليه.
---
قلتُ: وابن السويكين هذا حَنَفي المذهب. وقد أبدى الشيخُ عبدُ الحقَّ في الشَّرْح الفارسي تعارُضاً بين كلامَي الشيخِ الأكبر. وحرر الدَّوَّاني رسالة في حمايته. وردَّ عليه على القاري في رساله سماها «فِرّ العَوْن من مُدّعي إيمان فِرْعون». وتكلم عليها بحر العلوم أيضاً في «شرح المَثْنَوي»، وحاصل مقاله: أنَّ إيمانَه معتبَرٌ عنده من حيثُ رَفْعُ الكفر، وإن كان غيرَ مُعْتَبر من حيثُ التوبةُ. وعندي رسالةٌ للبمباني في تلك المسألة، وكذا للمُلاّ محمود نفوري، فما أتيا فيها بشيءٍ يشفي الصُّدور. والبمباني هذا مُصنِّف «منتخب الحسامي»، و«الخير الجاري» وهو من علماء القرن الحادي عَشَر.(6/298)
والذي أظن أنه من كلام الشيخ الأكبر وإنْ أنكره الشَّعْراني، لأني أَعْرف طريقَه، وأُميِّزُ كلامَه من غيره. وأما المسألة فهي عندي، كما ذهب إليه الجمهورُ، لأَنِّي أرى أَنَّ كُفْره قد تواتر بين الملّة على البسيطة كلها، حتى سارت به الأمثال. بقي قومُ يُونس، فالنصُّ شاهِدُ على اعتبار إيمانِهم بعد مشاهدةِ عذابِ الاستئصال أيضاً، فإِما أَنْ يُقال بالتخصيصِ، أو تحرُّر المسألة على نحو آخر، وهو على ما أقول: إنَّ قوماً إذا آمنوا عند إحاطةِ عذاب الاستئصال، فلا يَخْلُو إما أن يُكْشف ذلك العذابُ عنهم، أو لا، فإِنْ كُشِف كما كُشف عن قومِ يُونس عليه السلام يُعتبرُ به، وإن لم يُكْشَف حتى هلكوا فيه لا يُعْتبر، نحو فرعون، وحينئذٍ يندفِعُ الإِشكال.
ومن ههنا ظهر الجوابُ عما يَرِد على روايةِ الترمذي: أن جبرئيل، لما رآه يقول: لا إله إلا الله دَسَّ الطينَ في فيه خشيةَ أنْ تُدْرِكه الرحمةُ. والاعتراض عليه بوجهين.
الأول: أنه سعى في كُفْر رَجُلٍ، وهو رضاءٌ بالكُفْر، فكيف ساغ له؟.
والثاني: أن إيمانَه في هذا الحينِ إنْ كان مُعْتبراً، فلم حالَ دونَه، وإلاَّ فما الفائدةُ في الدسِّ؟.
---(6/299)
قلتُ: أما الجواب عن الأَوَّل: فبأنَّ الدعاءَ بسوءِ الخاتمة جائِزٌ في حقِّ مَنْ كان يؤذي المؤمنين، ويَقْعد لهم كلَّ مَرْصد، كما نُقِل ذلك عن إمامنا، بل هو صريحٌ في قول موسى عليه الصلاة والسلام: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْولِهِمْ}وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْفَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الاْلِيمَ (يونس: 88)، وأما الجواب عن الثاني: فإِنَّا نختارُ أن إيمانَه لم يكن مُعْتبراً في ذلك الحين، لكنه خشي أن يُكْشَف عنه العذابُ، كما كُشِف عن قَوْم يُونس، فيعتبر إيمانُه كما اعتُبِر منهم، على ما حَرَّرنا، على أنَّ الرحمةَ ليست تحت القواعد، فخشي أَنْ تُدْرِكه الرحمةُ بلا موجِب. ومِن ههنا ظهر الجوابُ عَمَّا ذكره الشيخُ الأكبر، أنه وإنْ آمن بعد مشاهدةِ عذابِ الاستئصال، لكنه لم يُكْشف عنه، بل هلك فيه أيضاً، فكيف يُعْتبر به؟ وقد يُجاب بأنَّ قوله: {ءامَنتُ أَنَّهُ لآ إِلِهَ إِلاَّ الَّذِى ءامَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرءيلَ} (يونس: 90) دليلٌ على أنه كان في قَلْبه غشاً بعد، ولذا أحال على بني إسرائيل، ولم يقل: آمنت بالله، صراحةً.
قلتُ: وهذا ليس بشيءٍ، فإِنه إذا ثبت عنده أنَّ الدِّين دينُهم، وجَرَّب ذلك الآن، ناسب له أن يُحِيل على دينهم، وحينئذ لا يكونُ قَوْلُه من باب جواب المنافقين في القبور: سمعنا الناس يقولون قولاً فقلنا، بل يكون من باب قول السَّحَرةِ: {آمنَّا بربِّ هرون وموسى} (طه: 70).
قوله: (نُنَجِّيك بِبَدَنِك) وصَدَق اللَّهُ، حيث خرج اليوم جَسَدُه كما هو، وكان عند فراعنةِ مصر دواءٌ يَطْلُون به الأمواتَ، فتحفظ الأَبْدَان عن الفسادِ، ولذا كانت العرب يُحَنّطون عند القتال، كما مَرَّ.
سُورَةُ هُودٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ
---(6/300)
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَصِيبٌ: شَدِيدٌ، لا جَرَمَ: بَلى. وَقالَ غَيْرُهُ: وَحاقَ: نَزَلَ، يَحِيقُ: يَنْزِلُ، يَؤوسٌ: فَعُولٌ مِنْ يَئِسْتُ، وقالَ مُجاهِدٌ: تَبْتَئِسْ: تَحْزَنْ، يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ شَكٌّ وَاللهفْتِراءٌ فِي الْحَقِّ، لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ: مِنَ الله إِنِ اسْتَطاعُوا.
وَقالَ أَبُو مَيسَرَةَ: الأَوَّاهُ: الرَّحِيمُ بِالحَبَشَةِ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {بَادِىءَ الرَّأْي} (27) ما ظَهَرَ لَنَا. وَقالَ مُجَاهِدٌ: {الْجُودِىّ} (44) جَبَلٌ بِالجَزِيرَةِ. وَقالَ الحَسَنُ: {إِنَّكَ لاَنتَ الْحَلِيمُ} (87) يَسْتَهْزِؤُونَ بِهِ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أَقْلِعِى} (44) أَمْسِكِي. {عَصِيبٌ} (77): شَدِيدٌ. {لاَ جَرَمَ} (22): بَلَى، {وَفَارَ التَّنُّورُ} (40) نَبَعَ المَاءُ، وَقالَ عِكْرِمَةُ: وَجْهُ الأَرْضِ.
قوله: ({ولا جَرَم}: بلى) هذا حاصل معناه، وأصل معناه: لا انقطاعَ.
باب {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (5)
وَقَالَ غَيرُهُ: {وَحَاقَ} (8): نَزَلَ، {يَحِيقُ} (فاطر: 43): يَنْزِلُ. {يَؤُوسٌ} (9): فَعُولٌ، مِنْ يَئِسْتُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَبْتَئِسْ} (36): تَحْزَنْ. {يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} (5): شَكٌّ وامْتِرَاءٌ فِي الحَقِّ. {لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ} (5): مِنَ اللَّهِ إِنِ اسْتَطَاعُوا.
{سِىء بِهِمْ} (77)، سَاءَ ظَنُّهُ بِقَوْمِهِ، {وَضَاقَ بِهِمْ} (77) بِأَضْيَافِهِ. {بِقِطْعٍ مّنَ الَّيْلِ} (81) بِسَوَادٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أُنِيبُ} (88) أَرْجِعُ.
---(6/301)
قيل: نزلت في مبالغتِهم في التَّستُّر عند الجماع. وقيل: في مبالغتهم في التستر عند البَوْل والبَرَاز، فهداهم الله تعالى إلى القَصْد والسَّداد، ونهاهم عن التعمُّقِ بما لم يُكلَّفوا به، فإِنه جَهْلٌ وسَفَه، وليس من الاستحياء في شيءٍ. وقد يُفَسَّر أن المرادَ منه الانثناءُ المعنويُّ، وهو الانحرافُ عن الحقِّ.
قوله: (يَثْنون) من باب الافعيعال، فيكون {صُدُورُهُمْ} فاعلاً، لأن هذا الباب لازِمٌ أبداً، ثُم إنه قيل: لا معنى للتستُّر مِن الله، فإِنه تعالى ليس يُحْجَبُ منه شيء، فاللباس والتعرِّي عنده سواء. وأجيب أنَّ معناه أنَّ الله تعالى يُحِبّ المستورَ، ويمقُت العُرْيان. وبالجملة هَدَى القرآنَ إلى أنَّ الإِفراطَ في تَحَفُّظ حدودِ الشَّرْع حَمَقٌ، كما أنَّ التجاوزَ عنها ظُلْم وعَسْف، ولما كان كَشْفُ العورةِ كبيرةً بين الناس، ومذموماً في حال التخلِّي، فَلْيُقْتصر عليه، فَمَن زاد على هذا أو نَقَص فقد تَعدَّى وظَلَم، قال تعالى: {ومَنْ يتعدَّى حدودَ اللَّهِ فأولئك هم الظالمونَ} (الطلاق: 1).
باب قَوْلِهِ: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآء} (7)
{اعْتَرَاكَ} (54) افتَعَلتَ، مِنْ عَرَوْتُهُ أَي أَصَبْتُهُ، وَمِنْهُ يَعْرُوهُ وَاعْتَرَانِي. {ءاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ} (56) أَي في مِلكِه وَسُلطَانِهِ. {عَن يَدٍ} (59) وَعَنُودٌ وَعانِدٌ وَاحِدٌ، هُوَ تأْكِيدُ التَّجَبُّرِ. {وَاسْتَعْمَرَكُمْ} (61) جَعَلَكُمْ عُمَّاراً، أَعْمَرْتُهُ الدَّارَ فَهيَ عُمْرَى جَعَلتُهَا لَهُ. {نَكِرَهُمْ} (70) وَأَنْكَرَهُمْ وَاسْتَنْكَرَهُمْ وَاحِدٌ. {حَمِيدٌ مَّجِيدٌ} (73) كَاَّنَّهُ فَعِيلٌ مِنْ ماجِدٍ، مَحْمُودٌ مِنْ حَمِدَ. {سِجّيلٍ} (82) الشَّدِيدُ الكَبِيرُ، سِجِّيلٌ وَسِجِّينٌ، وَاللامُ وَالنُّونُ أُخْتَانِ، وَقالَ تَمِيمُبْنُ مُقْبِلٍ:
---(6/302)
*وَرَجْلَةٍ يَضْرِبُونَ البَيضَ ضَاحِيَةً ** ضَرْباً تَوَاصى بِهِ الأَبْطَالُ سِجِّينَا
باب {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} (84)
أي إِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ، لأَنَّ مَدْيَنَ بَلَدٌ، وَمِثْلُهُ {وَاسْئَلِ الْقَرْيَةَ} (يوسف: 82) وَاسْأَلِ العِيرَ، يَعْنِي أَهْلَ القَرْيَةِ وَالعِيرِ. {وَرَآءكُمْ ظِهْرِيّاً} يَقُولُ: لَمْ تَلتَفِتُوا إِلَيهِ، وَيُقَالُ إِذَا لَمْ يَقْضِ الرَّجلُ حاجَتَهُ: ظَهَرْتَ بِحَاجَتِي وَجَعَلتَنِي ظِهْرِيَّاً، وَالظِّهْرِيُّ هَا هُنَا: أَنْ تَأْخُذَ مَعَكَ دَابَّةً أَوْ وِعاءً تَسْتَظْهِرُ بِهِ. أَرَاذِلُنَا: سُقَّاطُنَا، إِجْرَامِي: هُوَ مَصْدَرٌ مِنْ أَجْرَمْتُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: جَرَمْتُ. {الْفُلْكِ} (37) وَالفَلَكُ وَاحِدٌ، وَهيَ السَّفِينَة وَالسُّفُنُ. {مُجْرَاهَا} (41) مَدْفَعُهَا، وَهُوَ مَصْدَرُ أَجْرَيتُ، وَأَرْسَيتُ: حَبَسْتُ، وَيُقْرَأُ: {مُرْسَهَا} مِنْ رَسَتْ هِيَ، {وَمَجْرَاهَا} مِنْ جَرَتْ هِيَ. {وَمُجْرِيهَا وَمُرْسِيهَا}، مِنْ فُعِلَ بِهَا، الرَّاسِيَاتُ: ثَابِتَاتٌ.
باب قَوْلِهِ: {وَيَقُولُ الاْشْهَادُ هَؤُلآء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّلِمِينَ} (18)
وَاحِدُ الأَشْهَادِ شَاهِدٌ، مِثْلُ: صَاحِبٍ وَأَصْحَابٍ.
وَقالَ شَيبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ: حَدَّثَنَا صَفوَانُ.
باب قَوْلِهِ: {وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَدَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (102)
{الرّفْدُ الْمَرْفُودُ} (99): العَوْنُ المعِينُ، رَفَدْتُهُ أَعَنْتُهُ. {تَرْكَنُواْ} (113) تَمِيلُوا. {فَلَوْلاَ كَانَ} (116): فَهَلاَّ كانَ. {أُتْرِفُواْ} (116): أُهْلِكُوا.
---
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} (106) شَدِيدٌ وَصَوْتٌ ضَعِيفٌ.(6/303)
أخبرَ الشَّرْع عن أَوَّل المخلوقِ أنه على الماء، والعرش، وأما الترتيب بين هذين ماذا هو، فلا عِلْم لنا. ثم إنَّه رُوِي عن ابن عباس أنَّ الله سبحانه خَلَق كلَّ شيء من الماء، وذلك إما بتلطيفه، أو بتكشيفه، فلا إشكال في الكُلّية. وبُرْهِن في الفلسفة الجديدة أن مادةَ العالم هي السَّدِيم، وهو عندي قريبٌ من العَمادِ الوارد في الحديث: «كانَ في عَماءٍ ما فوقه هواء، وما تحته هواء» والصواب عند الجمهور قاطبةً أن العَرْش مُحْدَث على رَغْم ما قال ابنُ تيميةَ، فإِنَّه ذهب إلى قِدَمه بالنَّوْع، وقال ابنُ القيم في «نُونيته»:
*والله كان وليس شيءٌ غَيرُه ** سبحانه جَلَّ العظيم الشان
*واللَّهُ خالِقُ كلِّ شيءٍ غيره ** ما ربُّنا والخَلْقُ مقترنانِ
*لسنا نقولُ كما يقولُ المُلْحِدُ الزِّ ** نْدِيقُ صَاحِبُ منطقِ اليونان:
*بدوام هذا العالمِ المشهو ** دِ والأرواح، وليس بفان
فقلت:
*وإذا الحوادثُ لا نفاذَ لها فلا ** يصل المضاء لحادثِ الابان
*وكغابرٍ ماضٍ، وما من فارقٍ ** فاثبت، فإِنَّ الكُفْر في الخزلان
*وهو ابن سيناء القرمطي غدا مدى ** شرك الردى وشريطة الشيطان
*والعرش أيضاً حادث عند الورى ** ومن الخطاء حكاية الدُّوّاني
قوله: (هو تأكيِدُ التجبُّر) أي مبالغة الكِبَر.
قوله: (واللامُ والنُّونُ أُخْتَانِ) أي بينهما تبادل:
*ورَجْلَةٍ يَضْرِبُونَ البَيْضَ ضَاحِيةً ** ضَرْباً تَوَاصى به الأَبطالُ سِجِّينَا
أور مارتى هين سرون صلى الله عليه وسلّماس حال مين كه كهلى هون ايسى ماركه وصيت كى هواو سكى بها درون نى سخت وصيت.
قوله: (ظَهَرْتَ بحاجَتي) تونى ميرى حاجت كوبس بشت دالديا.
قوله: (أو وعاءً تَسْتَظْهِرُ بهِ) ياوه برتن جسى كو كمركى بيجهى دالدى.
---
باب قَوْلِهِ: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَآتِ ذلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} (114)(6/304)
وَزُلَفاً: سَاعاتٍ بَعْدَ سَاعاتٍ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ المُزْدَلِفَةُ، الزُّلَفُ: مَنْزِلَةٌ بَعْدَ مَنْزِلَةٍ، وَأَمَّا {زُلْفَى} (ص: 40) فَمَصْدَرٌ مِنَ القُرْبى، ازْدَلَفُوا: اجْتَمَعُوا، {وَأَزْلَفْنَا} (الشعراء: 64) جَمَعْنَا.
يعني «زُلَفى» مَصْدر، كما أنَّ القُرْبَى مَصْدَر.
سُورَةُ يُوسُفَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ
وَقالَ فُضَيلٌ: عَنْ حُصَينٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {مُتْكًا} (31) الأُتْرُجُّ، قالَ فُضَيلٌ: الأُتْرُجُّ بِالحَبَشِيَّةِ مُتْكاً. وَقالَ ابْنُ عُيَينَةَ: عَنْ رَجُلٍ، عن مُجَاهِدٍ: مُتْكاً: كُلُّ شَيءٍ قُطِعَ بِالسِّكِّينِ. وَقالَ قَتَادَةُ: {لَذُو عِلْمٍ} (68): عامِلٌ بِمَا عَلِمَ. وَقالَ ابْنُ جُبَيرٍ: {صُوَاعَ} (72) مَكُّوكُ الفَارِسِيِّ الَّذِي يَلتَقِي طَرَفَاهُ، كانَتْ تَشْرَبُ بِهِ الأَعاجِمُ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {تُفَنّدُونِ} (94) تُجَهِّلُونِ. وَقالَ غَيرُهُ: {غَيَابَةِ} (10 - 15) كَلُّ شَيءٍ غَيَّبَ عَنْكَ شَيئاً فَهُوَ غَيَابَةٌ. وَالجُبُّ: الرَّكِيَّةُ الَّتِي لَم تُطْوَ. {بِمُؤْمِنٍ لَّنَا} (17) بِمُصَدِّقٍ. {أَشُدَّهُ} (22) قَبْلَ أَنَّ يَأْخُذَ في النُّقْصَانِ، يُقَالُ: بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغُوا أَشُدَّهُمْ وَقالَ بَعْضُهُمْ: وَاحِدُهَا شَدٌّ.
---
وَالمُتَّكَأُ: ما اتَّكَأْتَ عَلَيهِ لِشَرَابٍ أَوْ لِحَدِيثٍ أَوْ لِطَعَامٍ، وَأَبْطَلَ الَّذِي قالَ الأُتْرُجُّ، وَلَيسَ في كَلاَمِ العَرَبِ الأُتْرُجُّ، فَلَمَّا احْتُجَّ عَلَيهِمْ بِأَنَّهُ المُتَّكَأُ مِنْ نَمَارِقَ، فَرُّوا إِلَى شَرّ مِنْهُ، فَقَالُوا: إِنَّمَا هُو المُتْكُ، سَاكِنَةَ التَّاءِ، وَإِنَّمَا المُتْكُ طَرَفُ البَظْرِ، وَمِنْ ذلِكَ قِيَل لَهَا: مَتْكاءُ وَابْنُ المَتْكَاءِ، فَإِنْ كانَ ثَمَّ أُتْرُجٌّ فَإِنَّهُ بَعْدَ المُتَّكَإِ.(6/305)
{شَغَفَهَا} (30) يُقَالُ: إِلَى شِغَافِهَا، وَهُوَ غِلاَفُ قَلبِهَا، وَأَمَّا شَعَفَهَا فَمِنَ المَشْعُوفِ. {أَصْبُ} (33) أَمِيلُ، {أَضْغَثُ أَحْلَمٍ} (44) ما لاَ تَأْوِيلَ لَهُ، وَالضِّغْثُ: مِلءُ اليَدِ مِنْ حَشِيشٍ وَما أَشْبَهَهُ، وَمِنْهُ: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً} (ص: 44) لاَ مِنْ قَوْلِهِ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ، وَاحِدُهَا ضِغْثٌ. {وَنَمِيرُ} (65) مِنَ المِيرَةِ. {وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} (65) ما يَحْمِلُ بَعِيرٌ. {أَوَى إِلَيهِ} (69) ضَمَّ إِلَيهِ. {السّقَايَةَ} (70) مِكْيَالٌ. {اسْتَيْأَسُواْ} (80) يَئِسُوا: {وَلاَ تَايْئَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ} (87) مَعْنَاهُ الرَّجاء. {خَلَصُواْ نَجِيّا} (80) اعتَزَلُوا نَجِيًّا والجَمِيعُ انْجِيَةٌ يَتَنَاجَوْنَ الوَاحِدُ نَجِيٌّ وَالاِثْنَانِ وَالجَمِيعُ نَجِيٌّ وَأنْجِيَةٌ. {تَفْتَأُ} (85) لاَ تَزَالُ. {حَرَضاً} مُحْرَضاً، يُذِيبُكَ الهَمُّ. {تَحَسَّسُوا} (87): تَخَبَّرُوا. {مُّزْجَاةٍ} (88): قَلِيلَةٍ. {غَاشِيَةٌ مّنْ عَذَابِ اللَّهِ} (107) عامَّةٌ مُجَلِّلَةٌ.
---
قوله: (والمُتَّكَأُ) أي مَوْضع الجلوس من الإتِّكاء، وفي قراءة شاذة: {متكا}، وفُسِّر بالأَتْرُجُّ، وفي الهندية: بجورا. وقيل: «متك» اسمٌ لِفَرْج المرأة، ويقال للمرأة عظيمةِ الفَرْج: المتكاء، وردَّه أبو عبيدة. ونقله البخاريُّ في كتابه ثلاثَ مراتٍ. قلتُ: وهو مِمَّا يُسْتَبْشَعُ نَقْلُه أيضاً.
قوله: (فَرُّوا إلى شَرَ مِنْه) أي إنما عدل هؤلاء إلى توجيهه، فأخذوه مِن المُتْك، بمعنى طَرَف البَظْر، ليكون قريباً من معناه المشهور، أي ما اتكأت عليه لشرابٍ أو لطعام، فوقعوا في شَرَ من الأَوَّل، وأَقْبح منه.
قوله: (فإِنْ كان ثَمَّ أُتْرُجٌّ، فإِنَّه بَعْد المُتَّكَإِ) يعني أَنَّ أَكْلَه لا يكون إلاَّ بَعْد الجُلُوس.
قوله: (كلّ شيءٍ قُطِع) أي التمر.(6/306)
قوله: ({صُوَاعَ} مَكُّوك الفارسيِّ، الذي يَلْتَقي طَرَفاه) يعني به ظَرْفاً يكون واسعاً مِن أسفله، وضَيِّقاً من أعلاه. هكذا:
واعلم أنَّ الصُّواعَ المَذْكُورَ في القرآنِ أَكْبَرُ مِن صَاع الشافعيةِ بِمرَّاتٍ، وهذا يَنْفع الحنفيةَ، وقد حَقَّقْناه مِن قَبْل مُفَصَّلاً.
قوله: ( الرَّكِيَّةُ التي لم تُطْوَ) جسكى ميند نهو.
قوله: ({أَشُدَّهُ} قَبْل أن يَأخُذ في النُّقْصان) فإِذا جاوز الأَرْبَعين، فقد أَخَذ في النُّقْصان.
باب قَوْلِهِ: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءالِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرهِيمَ وَإِسْحَقَ} (6)
باب قَوْلِهِ: {لَّقَدْ كَانَ فِى يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ءايَتٌ لّلسَّآئِلِينَ} (7)
ن
---
4688 - قوله: (قال: «الكريم، ابنُ الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم») أي له أربعةُ بطونٍ من النُّبوّة، فيوسفُ عليه الصلاة والسلام أربعٌ من أجدادِه أنبياءُ عليهم الصلاة والسلام، ولذا فسره بقوله: يوسف نبيُّ الله ابنُ نبيِّ الله ابنِ نبيِّ اللَّهِ ابنِ خليلِ الله، فهو ابنُ يعقوبَ ابن إسحاقَ بن إبراهيم عليهم السلام.
باب قَوْلِهِ: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} (18)
سَوَّلَتْ: زَيَّنَتْ.
4691 - قوله: (حَدَّثني مَسْرُوقُ بنُ الأَجْدَع، قال: حَدَّثَتْني أُمُّ رُومانَ) وقد بحث الحافظُ في «الفتح» في لقاءِ مَسْروقٍ أُمّ رُومان، لأنَّ مَسْرُوقاً تابعيٌّ، وماتت أُمُّ رُومان بعهدٍ أقدمَ منه.
4 - باب قَوْلِهِ: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ في بَيتِهَا عَنْ نَفسِهِ
وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقالَتْ هَيتَ لَكَ} (23)
وَقالَ عِكْرِمَةُ: هَيتَ لَكَ: بِالحَوْرَانِيَّةِ: هَلُمَّ. وَقالَ ابْنُ جُبَيرٍ: تَعَالَهْ.
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ} (الصافات: 12).
قوله: (حوران) بلد بالشام، ومنه الحَوْرَانيَّةِ.(6/307)
4693 - قوله: ({يَوْمَ تَأْتِى السَّمَآء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} (الدخان: 10)) ذهب ابنُ مسعود إلى أنَّ المرادَ من الدُّخَان هو ما كانت قريشٌ تراه كهيئةِ الدّخان من الجُوع، حين أخذتهم السِّنةُ، لقوله: {إنَّا كاشِفُوا العذابِ قليلاً أنكم عائدُون} (الدخان: 15) فإِنَّ اللَّهَ تعالى أخبر عن معاودَتِهم بعد الكَشْف عنهم، فإِن كان المرادُ منه ما هو مِن أشراط الساعةِ، كما اختاره الجمهور، فحينئذٍ لا تكونُ المعاودةُ إلاَّ في المَحْشَر، وأجاب عنه الجمهورُ أنَّ قولَه: {إِنَّا كَاشِفُواْ الْعَذَابِ قَلِيلاً} جُمْلةٌ مستأنفةٌ، لا تتعلَّق بالدُّخانِ.
---
باب قَوْلِهِ: {فَلَمَّا جَآءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النّسْوَةِ الَّتِى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبّى بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ}قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ للَّهِ (50 - 51)
وَحاشَ وَحاشى: تَنْزِيهٌ وَاسْتِثْنَاءٌ. {حَصْحَصَ} (51) وَضَحَ.
4694 - قوله: (لقد كان يأوي إلى رُكْنٍ شديدٍ) أي فئةٍ عظيمةٍ عزيزةٍ، يعني: جتها جسكى بناه لون وقد كان الأَحْرى بشأنِه أن يأوي إلى اللَّهِ تعالى.
4694 - قوله: (لو لَبِثْتُ في السِّجْن ما لَبِث يوسُفُ لأَجَبْت) أشار إلى مقامِ العبوديةِ لنَفْسه.
4694 - قوله: (ونحن أَحَقُّ)... إلخ. وقد مَرَّ شَرْحُه. أما قوله: {أَوَلَمْ تُؤْمِن}... إلخ (البقرة: 260)، فمن باب تَلَقِّي المخاطَب بما لا يترقب.
باب قَوْلِهِ: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ} (110)
---(6/308)
قد مرَّ الكلامُ فيه، وقد تكلَّم ابنُ القَيِّم في «بدائع الفوائد» على أنَّ الله تعالى إذا أخبر بأَمْرٍ أنه يكون كذا، فهل يَبْقى الجانبُ المخالفُ بعده تحت قدرته تعالى أَم لا؟ فراجعه إن كان بك شَغَفٌ بمسألةِ إمكان الكذب. ثم اعلم أنَّ نزاع مَن نازع فيه ليس في وقوع الكذب، فإِنَّهُ مُحالٌ في جَنَابه تعالى إجماعاً. والفَرْقُ بين الامتناع بالذات، وبالغير قليلُ الجدوى. لأنك إنْ لاحظت الغيرَ من أَوّل الأَمْر يرجعُ الامتناعُ إلى الذات، وإن لاحظته خارجاً يبقى الإِمكانُ بالنَّظر إلى الذات، فلا بد أنْ يُحرَّر الخلاف. فأقول: إنَّ القائلين بالإِمكان لم يريدُوا بِقَوْلهم، إلا أنَّ الله تعالى إذا أخبر بقيامِ زَيْدٍ، ولا يكون إلاَّ صادِقاً، مُطَابِقاً لما في الخارج، فهل تبقى بعد ذلك تعالى قُدْرةٌ، على تأليفِ كلامٍ بخِلافه أَم لا؟ فمنهم مَنْ قال: إنَّ القدرةَ ثابتةٌ بالطرفين، فهو قادرٌ على تأليفِه كما كان، وإخبارُه لا يَسْلُبُ عنه القدرةَ على تأليفِ كلامٍ خِلافِه، نعم إنه لا يتكلم به، فإِنَّ الاتِّصافَ بالكَذِب مُحالٌ، وإنما الكلامُ في الفَرْض فقط، ومنهم مَن زعم أنه يَسْلُب القدرةَ عنه. ثُم التخلُّف في الوعيد متفَقٌ عليه عند المتكلمين، لكونه مبنياً على الكَرَم، ومنبِئاً عن سخاءِ صاحبه، وإنما الكلامُ في التخلف في الوَعْد، فراجعه في كُتُب الكلام.
(فائدة)
قوله: «إنَّ نساءك ينشدنك العَدْل»، من باب تلقي المُخَاطَب بما لا يَتآقَّب، وقول الخارجي: «هذه قِسمةٌ لم يرد بها وَجْهُ الله»، على الحقيقة، فأَوجب الكُفْر، فتنبه له ولا تَخْلِط بين مقامٍ ومقام، فإِن عَجِزت عن التمييز، فكن من العوام ولا تقم في هذا المقام، تستريح ولا تلام، ونسأل الله حُسْنُ الخاتمة، وخير الختام.
---(6/309)
سُورَةُ الرَّعْدِ
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كَبَسِطِ كَفَّيْهِ} (14): مَثَلُ المُشْرِكِ الَّذِي عَبَدَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً غَيرَهُ، كَمَثَلِ العَطْشَانِ الَّذِي يَنْظُرُ إِلَى خَيَالِهِ في المَاءِ مِنْ بَعِيدٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ وَلاَ يَقْدِرُ. وَقالَ غَيرُهُ: {سَخَّرَ} (2) ذَلَّلَ، {مُّتَجَوِرتٌ} (4) مُتَدَانِيَاتٌ. {الْمَثُلَتُ} (6) وَاحِدُهَا مَثُلَةٌ، وَهيَ الأَشْبَاهُ وَالأَمْثَالُ. وَقالَ: {إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ} (يونس: 102)، {بِمِقْدَارٍ} (8) بِقَدَرٍ، {مُعَقّبَتٌ} (11) مَلاَئِكَةٌ حَفَظَةٌ، تُعَقِّبُ الأُولَى مِنْهَا الأُخْرَى، وَمِنْهُ قِيلَ العَقِيبُ، يُقَالُ: عَقَّبْتُ في إِثْرهِ. {الْمِحَالِ} (13) العُقُوبَةُ. {كَبَسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَآء} (14): لِيَقْبِضَ عَلَى المَاءِ. {رَّابِيًا} (17) مِنْ رَبَا يَرْبُو. {أَوْ مَتَعٍ زَبَدٌ} (17): المَتَاعُ ما تَمَتَّعْتَ بِهِ. {جُفَآء} (17) أَجْفَأَتِ القِدْرُ، إِذَا غَلَتْ فَعَلاَهَا الزَّبَدُ، ثُمَّ تَسْكُنُ فَيَذْهَبُ الزَّبَدُ بِلاَ مَنْفَعَةٍ، فَكَذلِكَ يُمَيَّزُ الحَقُّ مِنَ البَاطِلِ. {الْمِهَادُ} (18) الفِرَاشُ، {يَدْرَؤُونَ} (22) يَدْفَعُونَ، دَرَأْتُهُ عَنِّي دَفَعْتُهُ. {سَلَمٌ عَلَيْكُمْ} (24) أَي يَقُولُونَ: سَلاَمٌ عَلَيكُمْ. {وَإِلَيْهِ مَتَابِ} (30) تَوْبَتِي. {أَفَلَمْ يَاْيْئَسِ} (31) لَمْ يَتَبَيَّنْ. {قَارِعَةٌ} (31) دَاهِيَةٌ. {فَأَمْلَيْتُ} (32) أَطَلتُ، مِنَ المَلِيِّ وَالمُلاَوَةِ، وَمِنْهُ {مَلِيّاً} (مريم: 46) وَيُقَالُ لِلوَاسِعِ الطَّوِيلِ مِنَ الأَرْضِ: مَلًى مِنَ الأَرْضِ. {أَشَقُّ} (34) أَشَدُّ مِنَ المَشَقَّةِ. {مُعَقّبَ} (41) مُغَيِّرٌ.
---(6/310)
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {مُّتَجَوِرتٌ} (4) طَيِّبُهَا، وَخَبِيثُهَا السِّبَاخُ. {صِنْونٌ} (4): النَّخْلَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ في أَصْلٍ وَاحِدٍ، {وَغَيْرُ صِنْونٍ} (4) وَحْدَهَا. {بِمَآء وحِدٍ} (4) كَصَالِحِ بَنِي آدَمَ وَخَبِيثِهِمْ، أَبُوهُمْ وَاحِدٌ. {السَّحَابَ الثّقَالَ} (12) الَّذِي فِيهِ المَاءُ. {كَبَسِطِ كَفَّيْهِ} (14): يَدْعُو المَاءَ بِلِسَانِهِ، وَيُشِيرُ إِلَيهِ بِيَدِهِ، فَلاَ يَأْتِيهِ أَبَداً. {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} (17) تَمْلأُ بَطْنَ وَادٍ. {زَبَدًا رَّابِيًا} (17) زَبَدُ السَّيلِ. {زَبَدٌ مّثْلُهُ} (17): خَبَثُ الحَدِيدِ وَالحِليَةِ.
باب قَوْلِهِ: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الاْرْحَامُ} (8)
{وَغِيضَ} (هود: 44) نُقِصَ.
قوله: (يَنْظُر إلى خَيَالِه في الماء) أي عَكْسه، وشَبَحه في الماء.
قوله: (مُعَقِّبات) ملائكةٌ حَفَظةٌ، تَعْقُب الأُولى منها الأُخْرى. والأولى، وإنْ كان مُقدَّماً في العبارة، لكنه يكون مُؤخراً في الخارج. وذكر الشيخ الأكبر أنَّ المرادَ من المُعَقِّبات في قوله: {مُعَقّبَتٌ} لا يَخِيب قائلهن، هي التسبيحاتُ دُبُرَ الصلوات، لا لكونِها يُسبَّح بها دُبُر الصلوات، بل لكونها حافِظةً لقارئها حين يُبْعث من قبره، فيكون اللَّهُ أَكْبر عن يمينه، وسبحانَ الله عن يَسارِه، ولا إله إلا الله قُدَّامَه، والحمد خَلْفَه. وذلك لأنَّ الحَمْد عنده في آخِر الأُمور، كالحَمْد بعد الطعام، وكقوله تعالى: {وآخِرُ دَعْوانا أنِ الحَمْدُ ربِّ العالمين} (يونس: 10)، ومِن ههنا سُمِّيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّمأحمدُ، ومحمداً، لكونه آخِرَ النَّبِيِّين.
قوله: (الزَّبَد) ميل وغيره.
قوله: (مُتَجَاوِرَاتٌ) طيبها وخَبِيثُها، أي كلاهما مُخْتلِطانِ.
---(6/311)
قوله: (ويُشيرُ إليه بِيَدِه، فلا يَأتِيه أَبَداً) يعني أن الماءَ لا يأتِيه بالإِشارات فقط، ما لم يذهب إليه، ويغرِفُ منه.
سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {هَادٍ} (الرعد: 7) دَاعٍ. وَقالَ مُجَاهِدٌ: {صَدِيدٍ} (16) قَيحٌ وَدَمٌ. وَقالَ ابْنُ عُيَينَةَ: {اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} (6): أَيَادِيَ اللَّهِ عِنْدَكُمْ وَأَيَّامَهُ.
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {مّن كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} (34): رَغِبْتُمْ إِلَيهِ فِيهِ. {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} (3) يَلتَمِسُونَ لَهَا عِوَجاً. {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} (7) أَعْلَمَكُمْ، آذنَكُمْ. {رَدُّوا أَيدِيَهُمْ في أَفوَاهِهِمْ} (9) هذا مَثَلٌ: كَفُّوا عَمَّا أُمِرُوا بِهِ. {مَّقَامِى} (14) حَيثُ يُقِيمُهُ اللَّهُ بَينَ يَدَيهِ. {مِّن وَرَآئِهِ} (16) قُدَّامِهِ. {لَكُمْ تَبَعًا} (21) وَاحِدُهَا تَابِعٌ، مِثْلُ غَيَبٍ وَغائِبٍ. {بِمُصْرِخِكُمْ} (22) اسْتَصْرَخَنِي اسْتَغَاثَني. {يَسْتَصْرِخُهُ} (القصص: 18) مِنَ الصُّرَاخِ. {وَلاَ خِلَلٌ} (31) مَصْدَرُ خالَلتُهُ خِلاَلاً، وَيَجُوزُ - أَيضاً - جَمْعُ خُلَّةٍ وَخِلاَلٍ. {اجْتُثَّتْ} (26) اسْتُؤْصِلَتْ.
قوله: (ولا خِلاَل) جمع خُلَّة، وخِلال أما قوله: «جمع خُلّة»، فصحيحٌ، وأما قوله: «وخِلال»، فقد جاء ذِكْره استطراداً، ومِثْله وقع كثيراً في كتابه.
باب قَوْلِهِ: {كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى السَّمَآء}تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ (24 - 25)
باب {يُثَبّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} (27)
4698 - قوله: (ولا، ولا، ولا) وراجع تفسيره في «الهامش»، وقوله تعالى: {تُؤْتِى أُكُلَهَا} جُمْلَةٌ على حِدَة.
---
باب {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} (28)(6/312)
أَلَمْ تَعْلَمْ؟ كَقَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} (24). {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ} (البقرة: 243). {الْبَوَارِ} (28) الهَلاَكُ، بَارَ يَبُورُ بَوْراً {قَوْماً بُوراً} (الفرقان: 18): هَالِكِينَ.
يريدُ المصنِّف أنَّ المعنى في كلَ من: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} و{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ} سواءٌ، يعني ألم تَعْلم.
سُورَةُ الحِجْرِ
وَقال مُجَاهدٌ: {صِرطٌ عَلَىَّ مُسْتَقِيمٌ} (41) الحَقُّ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ وَعَلَيهِ طَرِيقُهُ. لبِإِمَامِ مُبِينٍ: على الطَّريقِ. وَقَالَ ابْن عَبَّاسٍ: {لَعَمْرُكَ} (72) لَعَيشُكَ. {قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} (62) أَنْكَرَهُمْ لُوطٌ. وَقالَ غَيرُهُ: {كِتَبٌ مَّعْلُومٌ} (4) أَجَلٌ. {لَّوْ مَا تَأْتِينَا} (7) هَلاَّ تَأْتِينَا. {شِيَعٌ} (10) أُمَمٌ، وَلِلأَوْلِيَاءِ أَيضَا شِيَعٌ. وَقالَ ابْنُ عبَّاسٍ: {يُهْرَعُونَ} (هود: 78) مُسْرِعِينَ. {لِلمُتَوَسِّمِينَ} (75) لِلنَّاظِرِينَ. {سُكّرَتْ} (15) غُشِّيَتْ. {بُرُوجًا} (16) مَنَازِلَ لِلشَّمْسِ وَالقَمَرِ. {لَوَاقِحَ} (22) مَلاَقِحَ مُلقِحَةً. {حَمَإٍ} (26) جَمَاعَةُ حَمْأَةٍ، وَهُوَ الطِّينُ المُتَغَيِّرُ، وَالمَسْنُونُ المَصْبُوبُ. {تَوْجَلْ} (53) تَخَف. {دَابِرُ} (66) آخِرَ. لَبِإِمامٍ مُبِينٍ: الإِمَامُ كُلُّ ما ائْتَمَمْتَ وَاهْتَدَيتَ بِهِ. {الصَّيْحَةُ} (83) الهَلَكَةُ.
قوله: (لواقح) بمعنى المَلاَقِح، والتخريج فيه كما في قوله:
ومختبط مما تطيح الطوائح.
قوله: (كالسلسلة) يحتمل أن يكون صَوْتاً للوَحْي، أو أَجْنِحة المَلَك، وقد مَرّ مفصلاً.
قوله: (قالوا للذين) وينبغي الوَقْف عليه، لأنَّ صِلَته مَحْذوفةٌ، أي قال الذين هم في السماء الفَوْق للذين تحتهم.
---
باب {إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ} (18)(6/313)
وَحَدَّثَنَا سُفيَانُ فَقَالَ: قالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ قالَ: «إِذَا قَضى اللَّهُ الأَمْرَ، وَقالَ: عَلَى فَمِ السَّاحِرِ». قُلتُ لِسُفيَانَ: قالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ قالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ؟ قالَ: نَعَمْ. قُلتُ لِسُفيَانَ: إِنَّ إِنْسَاناً رَوَى عَنْكَ: عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، وَيَرْفَعُهُ: أَنَّهُ قَرَأَ «فُرِّغَ» قالَ سُفيَانُ: هَكَذَا قَرَأَ عَمْرٌو، فَلاَ أَدْرِي سَمِعَهُ هَكَذَا أَمْ لاَ، قالَ سُفيَان: وَهيَ قِرَاءَتُنَا.
باب قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَبُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} (80)
باب قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَكَ سَبْعًا مّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْءانَ الْعَظِيمَ} (87)
وقد ثَبَت اليوم انشقاقُ الشُّهُب، وأنها تَنْفَلق فِلْقَة فِلْقَة، فلا حاجةَ في رَمْي الشُّهُب إلى تَمحُّل، كما ذكره البَيْضاوي، فإِنَّه على ظاهرِه، كما أخبر به القُرْآن.
باب قَوْلُهُ: {الَّذِينَ جَعَلُواْ الْقُرْءانَ عِضِينَ} (91)
{المُقْتَسِمِينَ} (90) الَّذِينَ حَلَفُوا، وَمِنْهُ: {لاَ أُقْسِمُ} (البلد: 1) أَي أُقْسِمُ، وَتُقْرَأُ {لأُقْسِمُ} {وَقَاسَمَهُمَآ} (الأعراف: 21) حَلَفَ لَهُمَا وَلَمْ يَحْلِفَا لَهُ. وَقالَ مُجَاهِدُ: {تَقَاسَمُواْ} (النمل: 49) تَحَالَفُوا.
باب قَوْلِهِ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (99)
قالَ سَالِمٌ: اليَقِينُ المَوْتُ.
أي قِطَعاً قِطَعاً.
---
قوله: (قَاسَمهُما حَلَف لهما، ولم يَحْلِفَا له) يريدُ أنَّ المفاعَلةَ ههنا ليست للشَّرِكة، بل للتعدِيةِ فقط.(6/314)
4705 - قوله: (فآمَنُوا بِبَعْضِه) وقد يدورُ بالبالِ أنَّ الدوران في التقليدَ بين الأئمة أيضاً يَدْخُل فيه، فإِنَّ مَثَلَه مَثَلُ مَنْ جمع بين عدد التسبيحاتِ الوارد، فجعل يقرأ أحدى الكلماتِ خَمْساً وعشرين، وأُخْراها ثلاثاً وثلاثين، ثُم زعم أنه عَمِل بكلِّها، مع أنه باطل. لأنه أراد أن يعمل بكلَ منها، ولزِمه أن يَتْرك كُلَّها، فهكذا مَنْ جعل يَدُور في المذاهب الأربعة، فيعمل بهذا في جزء، وبهذا في جُزءٍ آخَر. فلا أَجِد مَثَلَه إلا كَمَثَل مَنْ جمع بين عدد التسبيحات. والسرُّ فيه أنَّ المسائلَ الاجتهادية قد تُبْنى على أصولٍ متعارِضة بين الأئمةِ، ومَنْ لا خبرةَ له بتلك الأصولِ، ويَنْظُر إلى سَطْح تلك المسائل، فيراها غيرَ متعارضةٍ، فيعمل بتلك مرةً، وبهذه أخرى، ولا يَدْري أنه بالعملِ بهما قد وقع في وَرْطَة التعارض من حيثُ لا يدريه. نعم مَنْ كان له مَلَكةٌ بأُصولهم وتَنبُّه تامٌّ، فيجوزُ له أن يتخيَّر مِن المسائل ما يشاء، ويعمل بما رآه أَقْرب إلى الحديث، وأَنَّى هم اليوم بِفُرُوعهم، وليس عندي فَنُّ أَصْعبَ مِن الفِقْه، حتى أنِّي في الفنونِ كلِّها ذو رَأْي وتجربة، أَحْكم بما أريد، وأنتخب من أقوالهم ما أريد، وأفْترع الآراء من عندي لا أحتاج إلى تقليد أحد، ولكني في الفِقْه مقلِّد بحت، ليس لي رَأي سوى الروايةِ، ولذا قد يَصْعُب عليَّ الإِفتاءُ. فإِنَّ الناس لا يكون عندهم إلاَّ قَوْلٌ واحد، ويكون عندي فيه أقوال عن الإِمام، أو عن المشايخ، والتصحيح قد يختلف، ولست من أصحاب الترجيح، وحينئذٍ أُفتي بما يَقْرُب من مذاهب الأئمة، وآثارِ السَّلَف، والسُّنة.
---(6/315)
سُورةُ النَّحْلِ
{رُوحُ الْقُدُسِ} (102) جِبْرِيلُ. {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاْمِينُ لله} (الشعراء: 193). {فِى ضَيْقٍ} (127) يُقَالُ: أَمْرٌ ضَيْقٌ وَضَيِّقٌ، مِثْلُ هَيْنٍ وَهَيِّنٍ، وَلَيْنٍ وَلَيِّنٍ، وَمَيْتٍ وَمَيِّتٍ. قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {تَتَفَيَّأُ ظِلاَلهُ} (48) تَتَهَيَّأُ. {سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً} (69) لاَ يَتَوَعَّرُ عَلَيهَا مَكانٌ سَلَكَتْهُ.
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {فِى تَقَلُّبِهِمْ} (46). اخْتِلاَفِهِم. وَقالَ مُجَاهِدٌ: {تَمِيدَ} (15) تَكَفَّأُ. {مُّفْرَطُونَ} (62) مَنْسِيُّونَ. وَقالَ غَيرُهُ: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءانَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} (98) هذا مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ، وَذلِكَ أَنَّ الاسْتِعَاذَةَ قَبْلَ القِرَاءَةِ، وَمَعْنَاهَا: الاِعْتِصَامُ بِاللَّهِ. {قَصْدُ السَّبِيلِ} (9) البَيَانُ، الدِّفءُ: ما اسْتَدْفَأْتَ. {تُرِيحُونَ} (6) بِالعَشَيِّ، وَ {تَسْرَحُونَ} (6)، بِالغَدَاةِ، {بِشِقّ} (7) يَعْنِي المَشَقَّةَ. {عَلَى تَخَوُّفٍ} (47) تَنَقُّصٍ. {الاْنْعَمِ لَعِبْرَةً} (66)، وَهيَ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ، وَكَذلِكَ النَّعَمُ. الأَنْعَامُ: جَمَاعَةُ النَّعَمِ. {سَرَابِيلَ}: قُمصٌ تَقِيكُمُ الحَرَّ، وأَمَّا سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ فَإِنَّهَا الدُّرُوعُ. {دَخَلاً بَيْنَكُمْ} (92 - 94) كُلُّ شَيءٍ لَمْ يَصِحَّ فَهْوَ دَخَلٌ.
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَحَفَدَةً} (72) مَنْ وَلَدَ الرَّجُلُ. السَّكَرُ: ما حُرِّمَ مِنْ ثَمَرَتِهَا، وَالرِّزْقُ الحَسَنُ ماأَحَلَّ اللَّهُ. وَقالَ ابْنُ عُيَينَةَ، عَنْ صَدَقَةَ: {أَنكَثًا} (92) هِيَ خَرْقاءُ، كانَتْ إِذَا أَبْرَمَتْ غَزْلَهَا نَقضَتْهُ.
وَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الأُمَّةُ مُعَلِّمُ الخَيرِ، وَالقَانِتُ المُطِيعُ.
---
باب قَوْلِهِ تَعالَى: {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} (70)(6/316)
قوله: ({وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرءانَ فاستَعِذْ بالله}، هذا مقدَّم ومُؤَخَّر، وذلك أنَّ الاستعاذَةَ قَبْل القراءة)... إلخ. واعلم أن تقديرَ الإِرادة بعد «إذا» مُطّرِد في لغةِ العربِ، كما صرَّح به «المُغْني» وهو اثنان: مصري، وخضراوي، وكلاهما نَحْويان، والمراد ههنا هو الأَوَّل، ونسب إلى مالك، التعوُّذ بعد القراءة، كما في ظاهر الآية، وهذا عجيبٌ. ومَرَّ عليه القاضي أبو بكر بن العربي وقَرَّره وجَعَله لطيفاً.
قوله: ({شَاكِلَتِهِ}) هي الحال التي شابهت صِفَة الإِنسان، وشاكلها، لأنَّ بين ظاهرِ الإِنسان وباطِنه تشاكلاً، وتناسُباً.
قوله: (كُلُّ شيء لم يَصِحَّ، فَهُوَ دَخَلٌ) يعني هروه شى جو تهيك نه هووه كهوت هى.
قوله: (السَّكَر: ما حُرِّم من ثمرَتِها) أخذه المُصنِّف بمعنى المُسْكر، ولذا فَسَّره بما حرم، وتَمسَّك به الحنفية، وقالوا: إنه ذكَرَه في مَوْضع الامتنانِ، والحرامُ مما لا يُمْتنَّ به، فكأنهم نظروا إلى تَشَابُه السَّكَر، والسُّكَّر في اللفظ، فقالوا بالاشتقاق.
سُورَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ
باب {وَقَضَيْنَآ إِلَى بَنِى إِسْرءيلَ} (4)
---(6/317)
أَخْبَرْنَاهُمْ أَنَّهُمْ سَيُفسِدُونَ، وَالقَضَاءُ عَلَى وُجُوهٍ: {وَقَضَى رَبُّكَ} (23) أَمَرَ رَبُّكَ. وَمِنْهُ الحُكْمُ: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ} (يونس: 93)، وَمِنْهُ الخَلقُ: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوتٍ} (فصلت: 12)، {نَفِيرًا} (6) مَنْ يَنْفِرُ مَعَهُ. {وَلِيُتَبّرُواْ} يُدَمِّرُوا {مَا عَلَوْاْ} (7). {حَصِيرًا} (8) مَحْبِساً، مَحْصَراً، {حَقَّ} (16) وَجَبَ. {مَّيْسُورًا} (28) لَيِّناً. {خَطَئاً} (31) إِثْماً، وَهُوَ اسْمٌ مِنْ خَطِئْتَ، وَالخَطَأُ - مَفتُوحٌ - مَصْدَرُهُ مِنَ الإِثُمِ، خَطِئْتُ بِمَعْنَى أَخْطَأْتُ. {تَخْرِقَ} (37) تَقْطَعَ. {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} (47) مَصْدَرٌ مِنْ نَاجَيتُ، فَوَصَفَهُمْ بِهَا، وَالمَعْنى: يَتَنَاجَوْنَ. {وَرُفَتاً} (49، 98) حُطاماً. {وَاسْتَفْزِزْ} (64) اسْتَخِفَّ. {بِخَيْلِكَ} (64) الفُرْسَان، وَالرَّجْلُ: الرَّجَّالَةُ، وَاحِدُهَا رَاجِلٌ، مِثْلُ صَاحِبٍ وَصَحْبٍ، وَتَاجِرٍ وَتَجْرٍ. {حَاصِبًا} (68) الرِّيحُ العَاصِفُ، وَالحَاصِبُ أَيضاً: ما تَرْمِي بِهِ الرِّيحُ، وَمِنْهُ: {حَصَبُ جَهَنَّمَ} (الأنبياء: 98)، يُرْمى بِهِ في جَهَنَّمَ، وَهُوَ حَصَبُهَا، وَيُقَالُ: حَصَبَ في الأَرْضِ: ذَهَبَ، وَالحَصَبُ: مُشْتَقٌّ مِنَ الحَصْبَاءِ وَالحِجَارَةِ. {تَارَةً} (69) مَرَّةً، وَجَماعَتُهُ تِيَرَةٌ وَتَارَاتٌ. {لاحْتَنِكَنَّ} (62) لأَسْتَأْصِلَنَّهُمْ، يُقَالُ: احْتَنَكَ فُلاَنٌ ما عِنْدَ فُلاَنٍ مِنْ عِلمٍ اسْتَقْصَاهُ. {طَئِرَهُ} (13) حَظَّهُ. قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ سُلطَانٍ في القُرْآنِ فَهُوَ حُجَّةٌ. {وَلِىٌّ مَّنَ الذُّلّ} (111) لَمْ يُحَالِف أَحَداً.
باب قَوْلِهِ: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (1)
---(6/318)
زَادَ يَعْقُوبُبْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ: «لَمَّا كَذَّبَنِي قُرَيشٌ، حِينَ أَسْرِيَ بِي إِلَى بَيتِ المَقْدِسِ». نَحْوَهُ. {قَاصِفًا} (69) رِيحٌ تَقْصِفُ كُلَّ شَيءٍ.
باب {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ} (70)
كَرَّمْنَا وَأَكْرَمْنَا وَاحِدٌ. {ضِعْفَ الْحَيَوةِ} (75) عَذَابَ الحَيَاةِ وَعَذَابَ المَمَاتِ. {خِلَفَكَ} (76) وَخَلفَكَ سَوَاءٌ {وَنَاءَ} (83) تَبَاعَدَ، {شَاكِلَتِهِ} (84) نَاحِيَتِهِ، وَهيَ مِنْ شَكْلِهِ. {صَرَّفْنَا} (41) وَجَّهْنَا. {قَبِيلاً} (92) مُعَايَنَةً وَمُقَابَلَةً، وَقِيلَ: القَابِلَةُ لأَنَّهَا مُقَابِلَتُهَا، وَتَقْبَلُ وَلَدَهَا. {خَشْيَةَ الإِنفَاقِ} (100)، أَنْفَقَ الرَّجُلُ أَمْلَقَ، وَنَفِقَ الشَّيءُ ذَهَبَ. {قَتُورًا} (100) مُقَتِّراً. {لِلاْذْقَانِ} (107، 109) مُجْتَمَعُ اللَّحْيَينِ، وَالوَاحِدُ ذَقَنٌ.
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {مَّوفُورًا} (63) وَافِراً، {تَبِيعًا} (69) ثَائِراً، وَقالَ ابْنُ عَبُّاسٍ: نَصِيراً. {خَبَتْ} (97) طَفِئَتْ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَلاَ تُبَذّرْ} (26) لاَ تُنْفِقْ في البَاطِلِ. {ابْتِغَآء رَحْمَةٍ} (28) رِزْقٍ. {مَثْبُورًا} (102) مَلعُوناً. {وَلاَ تَقْفُ} (36) لاَ تَقُل. {فَجَاسُواْ} تَيَمَّمُوا. يُزْجِي الفُلكَ: يُجْرِي الفُلكَ. {يَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ} (107 - 109) لِلوُجُوهِ.
باب قَوْلِهِ: {وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} الآيَةَ (16)
باب {ذُرّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} (3)
---
قوله: (وهو اسمٌ من خَطِئتَ)، وللاسم عند النحاة نحوُ خمسةِ معانِ، فيقال: إنه اسمٌ، أي ليس بِمَصْدر؛ ويقال: إنه اسمُ فِعْل، أي ليس بِفِعْل؛ ويقال: هذا اسمٌ، أي ليس بِصِفَة... إلى غير ذلك.(6/319)
قوله: (فَوَصَفَهُم بها) أي على طريقِ المبالغة، كما في: زَيْدٌ عَدْل، كذلك وَصَفَهم بالنَّجْوى في قوله: {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} (الإِسراء: 47).
قوله: (لأحتَنِكنَّ) رسادو نكا منه مين وما ذكره المصنِّفُ حَاصِلُ معناه.
قوله: (قال ابنُ عَبَّاس: كُلُّ سُلْطان في القرآن) أي هذا اللفظ في جميعِ مواضِع القرآن بمعنى الحُجَّة.
قوله: ({شَاكِلَتِهِ} ناحِيَتِه، وهي مِن شَكْلِهِ) يعني أنها مُشتقَّة منه.
قوله: (نَفِقَ الشيءُ) جيز نكل كئى.
قوله: (ثائِراً) مَنْ يأخذ الثَّأرَ والقِصَاص.
4711 - قوله: (كُنَّا نقُولُ للحَيِّ إذا كَثُرُوا في الجاهليةِ: أُمِر بَنُو فُلان) ولكن هذا المعنى لا يناسب ههنا، لأن قوله: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا}... إلخ (الإِسراء: 16)، ليس منه.
4712 - قوله: (ثَلاثَ كَذَبات) وهي كلُّها كانت تَوْرية، ولكنه عَظُم أَمْرُها.
4712 - قوله: (إنيِّ (قد) قَتَلْتُ نَفْساً لم أُومَر بِقَتْلها)... إلخ. وقد مَرَّ معنا أن حَرْبياً لو اعتمد على مُسْلم أَنَّه لا يقتُله، لا يجوزُ للمسلم قَتْلُه، ما لم يَنْبِذ إليه على سواء، وقد فَهِمته من حديثٍ في «الجامع الصغير» وفيه لفظ: «أمن من سمع»، وضَبَطه الناسُ من الأفعال، فَغَلِطوا في شَرْحه.
4712 - قوله: (ولَم يَذْكُر ذَنْباً) وعند الترمذي أنه قال: إني عَبَدت مِن دونِ الله.
---
4712 - قوله: (يا محمَّدُ، أَدْخِل مِن أُمَّتِك)... إلخ. هذه القِطْعةُ في الشفاعة الصُّغْرى، وكانت الأُولى في الكُبْرى، لِفَتْح باب الحساب؛ وحاصِله أنَّ العالم بمجموعِه إذا احتاج إلى شَافِعٍ، لم يُسْر عنهم ما رابهم غيرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وإذا وصل الأَمْرُ إلى كلَ من الأمم، تكفَّلَ كُلُّ نبيَ لأُمَّتِه، يعني: جب مجموع دنيا كاكام آياتواس كى لئى آب منتخب هوئى - اورجب ابنى ابنى امم كاكام آياتو صلى الله عليه وسلّمران كى نبى.
باب قوله: {وَءاتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً} (55)(6/320)
باب {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً} (56)
4713 - قوله: (فكانَ يَقْرَأ قَبْل أن يَفْرُغَ) أي مُعْجِزة، وفي روايةٍ: أنه كانَ يَفْرُغ من قراءته فيما بين أن يَضَع قَدَمَيه في الركابين، وذكر السُّيوطي عن بعض الأولياء أنه كان يَخْتِم القرآنَ تِسْعِ مراتٍ في يوم وليلةٍ. وكان الشيخُ السهروردى يَفْعَلُه ستينَ مرةً في يوم، ويُحْكى عَنْ ثقة أنَّ الشاه إسماعيل خَتَمه بعد العَصْر إلى الغروب مع ترتيلٍ، وهو بين أيدي الناس. وعند الترمذي في كتاب الدعوات: أن عمرَ بن هَانِي كان يُصلِّي أَلفَ سجدةٍ كُلَّ يوم، ويسبِّح مئة ألف تسبيحة. وصنَّفَ ابنُ كثير رسالة في متعلقات القرآن، ووضع فيها فَصْلاً جَمَع فيه أسماءَ الذين ختموا القرآن في يومٍ وليلة، أو دُونه. فالحكايةُ في مِثْله قد تواترت، بحيث لا يُسَوَّغ الإِنكار الإِنكار، ولكن مَنْ يُحْرَم عن الخيرِ يجعل رزقه أنه يكذب بالكراماتِ، والبركات، ويزعمه مُستحيلاً.
---
ثُم هذه المسألة تُسمَّى عند الصوفية بِطَيِّ الزَّمان. أما طَيّ المكان، فهو مُسَلَّم بلا نكير، ففي «الفتوحات»: أنَّ الجَوْهريّ أجنب مرةً، فذهب إلى نَهْرٍ لِيَغْتَسِل، فَنَعَس فيه، فإِذا هو يرى في المنام أنه دخل بغداد، وتزوَّج فيها امرأةً، وولدت منه أولاداً، فإِذا هَبَّ من نَوْمه، رجع إلى بيتِه، ولم يَمْض بعد ذلك مُدَّةٌ، إذ جاءته امرأةٌ من بغداد، تَدَّعِي أنه نكحها، وهؤلاء صبيانٌ منه. ومَرَّ عليه العارف الجامي في «النفخات»، وأغمض عنه، وأنكره الشيخ المجدد. قلتُ: لا استحالةَ فيه، فهو مِن باب طيِّ الزمان عندي.
باب قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهِمُ الْوَسِيلَةَ} (57) الآيَة(6/321)
4715 - قوله: (ناسٌ من الجِنِّ كانوا يَعْبدون، فأَسْلَمُوا) أي يتقرَّبون بهم، ويجعلونهم وسيلةً إلى اللَّهِ تعالى، أي واسطة للتقرُّب، فثبتت الوسيلةُ في اللغةِ، بمعنى التقرُّب أيضاً. وحينئذٍ سقط بَحْثُ الحافظِ ابن تيميةَ، فإِنه أنكر كَوْنَ الوسيلة بمعنى التقرُّب، أما إنَّ التقرُّب إلى أين يُعتبر؛ فذلك بَحْثٌ آخَر.
باب {وَمَا جَعَلْنَا الرُّءيَا الَّتِى أَرَيْنَكَ إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ} (60)
باب قَوْلِهِ: {إِنَّ قُرْءانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (78)
قالَ مُجَاهِدٌ: صَلاَةَ الفَجْرِ.
باب قَوْلِهِ: {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا} (79)
باب {وَقُلْ جَآء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَطِلُ إِنَّ الْبَطِلَ كَانَ زَهُوقًا} (81)
يَزْهَقُ: يَهْلِكُ.
باب {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} (85)
---
وإنما جَمَعَ القرآنُ بين الرؤيا والزَّقُّوم، لأنَّ أبا جهل كان يستهزِىءُ بهما.
باب {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} (110)
واعلم أنَّ الآيةَ أَشْكَلت على العلماء، فإنَّ الجَهْر في الفِقْه إسماعُ الغير، والسرَّ إسماعُ النَّفْس، وإِذن ماذا يكون السبيلُ بين السَّبِيلَين؟ والوجه عندي أنَّ الجَهْر المنهيَّ عنه محمولٌ على اللغة، وهو أَرْفَعُ من الجَهْرِ الفِقْهي، على حدَّ قَوْله تعالى: {وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ} (الحجرات: 2) أي بِرَفْع الصوت على عادةِ الأَعْراب، ومَحَطُّ الآيةِ التحذيرُ عن طَرَفي الإِفراط والتفريط، والمعنى لا تَجْهَر كُلَّ الجهر، ولا تخافت كلَّ المخافتة، واتخذ لقراءتك سبيلاً بين ذلك، حسب ما ناسب في الصلوات من الجَهْر والسر. فالمنهيُّ عنه الإِفراطُ في الجهر، والتفريط فيه، فإِذَن السبيلُ المأمورُ به هو عينُ الجَهْر الفِقْهي، وإن كان غيرَ الجَهْرِ المعروفِ في اللغة.
---(6/322)
أما وجوبُ الجَهْر في الجهرية، والإِسرار في السِّرِّيَّة، فذلك أَمْرٌ مَعْلومٌ من الخارج، لا أُحِبُّ أن أُدْخِله تحت النصِّ، فإِنه أَمْرٌ مختَلَفٌ فيه، فليكن حَسَب ما تقرَّر عندهم من الدلائل الخارجية، وهو المَلْحَظ عندي في قوله تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً}وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ (الأَعراف: 205) فهذا النهي أيضاً يَنْصَبّ على الإِفراط فيه، ولذا وَصَفه بقوله: {مِنَ الْقَوْلِ} فدخلت فيه الصلواتُ الخَمْس أيضاً على طريق نَظِيره. ولما كانت الآيةُ الأُولى مُركَّبةً من قَضَيَّتَين سالِبَتَيْن، دَعت الضرورةُ إلى مُوجَبة، للامتثال بها، فزاد فيها قَوْله: {واتخِذ بين ذلك سبيلاً} وعيّن منه ما كان المرادُ، بخلاف الآية الثانية، فإِنَّ طرفاً منها إيجابيٌّ، وهو قوله: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ} فاكتفى به، فاقتصر فيها على النهي عن الإِفراط فقط. وبالجملةِ مُحصَّل الآيتينِ النهيُ عن غايةِ الجهر، وغاية الإِسرار، والأمُر باتخاذ سبيلٍ بين سبيلين في الصلوات الخَمْس، بما ناسب منها.
ثُم إنِّي عَدَلْت إلى هذا التفسيرِ لتخرج الآيةُ عن مسألةٍ مختَلَفٍ فيها، وهي وجوب الجَهْر في الجهرية، والإِسرار في السِّرِّية، فإِن الأئمة الأخر ذَهبوا إلى سُنِّيته. وإنْ كان المصلِّي منفرِداً، ففيه خلافٌ بين الحنفيةِ أيضاً، ففي قَوْلٍ هو مُخيَّر، فهؤلاء جعلوا الجَهْرَ من خصائصِ الجماعة، فإِذا كانت المسألةُ حالها هذا، فسرت الآية بما سمعت، لئلا تدل على مطلوبيةِ الجَهْر، والإِسرار، وقد عَلِمت مِن قبل أنَّ عائشةَ حَمَلَتها على الدُّعاء، ولَعلَّه لذلك العسر الذي عَلِمته آنفاً، والله تعالى أعلم.
---(6/323)
سُورَةُ الكَهْفِ
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {تَّقْرِضُهُمْ} (17) تَتْرُكُهُمْ. {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} (34) ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، وَقالَ غَيرُهُ: جَمَاعَةُ الثَّمَرِ. {بَخِعٌ} (6) مُهْلِكٌ. {أَسِفًا} (6) نَدَماً. {الْكَهْفِ} (9) الفَتْحُ في الجَبَلِ. {وَالرَّقِيمِ} (9) الكِتَابُ. {مَّرْقُومٌ} (المطففين: 20) مَكْتُوبٌ، مِنَ الرَّقْمِ. {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} (14) أَلهَمْنَاهُمْ صَبْراً. {لَوْلآ أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} (القصص: 10)، {شَطَطاً} (14) إِفرَاطاً. {الوَصِيد} (18) الفِنَاءُ، جَمْعُهُ: وَصَائِدُ وَوُصُدٌ. وَيُقَالُ الوَصيدُ البَابُ. {مُّؤْصَدَةٌ} (البلد: 20) مُطْبَقَةٌ، آصَدَ البَابَ وَأَوْصَدَ. {بَعَثْنَهُمْ} (19) أَحْيَينَاهُمْ. {أَزْكَى} (19) أَكْثَرُ، وَيُقَالُ: أَحَلُّ، وَيُقَالُ: أَكْثَرُ رَيعاً. قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمِ} (33) لَمْ تَنْقُصْ.
وَقالَ سَعِيدٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَالرَّقِيمِ} اللَّوْحُ مِنْ رَصَاصٍ، كَتَبَ عامِلُهُمْ أَسمَاءَهُمْ، ثمَّ طَرَحَهُ في خِزَانَتِهِ، فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَى آذَانِهِمْ فَنَامُوا.
وَقالَ غَيرُهُ: وَأَلَتْ تَئِلُ تَنْجُو، وَقالَ مُجَاهِدٌ: {مَؤْئِلاً} (58) مَحْرِزاً. {لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً} (101) لاَ يَعْقِلُونَ.
باب قَوْلِهِ: {وَكَانَ الإِنْسَنُ أَكْثَرَ شَىء جَدَلاً} (54)
---(6/324)
{رَجْماً بِالْغَيْبِ} (22) لَمْ يَسْتَبِنْ. {فُرُطًا} (28) نَدَماً. {سُرَادِقُهَا} (29) مِثْلُ السُّرَادِقِ، وَالحُجْرَةِ الَّتِي تُطِيفُ بِالفَسَاطِيطِ. {يُحَاوِرُهُ} (34 - 37) مِنَ المُحَاوَرَةِ. {لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} (38) أَي لكِنْ أَنَا هُوَ اللَّه رَبِّي، ثُمَّ حَذَفَ الأَلِفَ وَأَدْغَمَ إِحْدَى النُّونَينِ في الأُخْرَى. {وَفَجَّرْنَا خِلَلَهُمَا نَهَراً} يقول: بينهما نَهَراً. {زَلَقًا} (40) لاَ يَثْبُتُ فِيهِ قَدَمٌ. {هُنَالِكَ الْوَلَيَةُ} (44) مَصْدَرُ الوَلِيِّ. {عُقْبًا} (44) عاقِبَة وَعُقْبَى وَعُقْبَةً وَاحِدٌ، وَهيَ الآخِرَةُ. {قُبُلاً} (55) وَ {قُبُلاً}، وقَبَلاً: اسْتِئْنَافاً. {لِيُدْحِضُواْ} (56) لِيُزِيلُوا، الدَّحْضُ الزَّلَقُ.
باب {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَهُ لآ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِىَ حُقُباً} (60)، زَمانا
وَجَمْعُهُ أَحْقَابٌ.
قالَ سَعِيدُبْنُ جُبَيرٍ: فَكانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: وَكانَ أَمامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفينَةٍ صَالحِةٍ غَصْباً. وَكانَ يَقْرَأُ: وَأَمَّا الغُلاَمُ فَكانَ كافِراً وَكانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَينِ.
باب قَوْلُهُ: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى الْبَحْرِ سَرَباً}
مَذْهَباً، يَسْرُبُ يَسْلُكُ، وَمِنْهُ: {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} (الرعد: 10).
باب قَوْلُهُ: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَهُ ءاتِنَا غَدَآءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} (62)
إِلَى قَوْلِهِ: {عَجَبًا} (63)، {صُنْعاً} (104) عَمَلاً. {حِوَلاً} (108) تَحَوُّلاً.
---(6/325)
{قَالَ ذلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى ءاثَارِهِمَا قَصَصًا} (64)، {إِمْرًا} (71) وَ {نُّكْراً} (74) دَاهِيَةً. {يَنقَضَّ} (77) يَنْقَاضُ كَمَا تَنْقَاضُ السِّنُّ. {لَتَخِذْتَ} (77) وَاتَّخَذْتَ وَاحِدٌ. {رُحْماً} (81) مِنَ الرُّحْمِ، وَهيَ أَشَدُّ مُبَالَغَةً مِنَ الرَّحْمَةِ، وَنَظنُّ أَنَّهُ مِنَ الرَّحِيمِ، وَتُدْعى مَكَّةُ أُمَّ رُحْمٍ، أَيِ الرَّحْمَةُ تَنْزِلُ بِهَا.
باب قَوْلُهُ: {قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُم بِالاْخْسَرِينَ أَعْمَلاً} (103)
باب {أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} (105) الآيَة
واعلم أنَّ في أصحاب الكهف قولان، قيل: هم أصحابُ الرَّقِيم، وإنما سُمِّي بهم، لأنَّ مَلِكاً من الملوك كان كَتَب كِتاباً، ووضعه هناك. فسُمُّوا بأصحابِ الرَّقِيم، وقيل: هو غيرُ أولئك.
قوله: (وقال ابن عباس: {أُكُلَهَا}) وتفسيرُه على «الهامش» - أي من طَبْع الهند ، أي ثمرها، وهذا مما قلت: إنَّ مرادَ الصُّلب قد لا يَتِم إلاَّ بَعْد انضمام ما في «الهامش»، وهذا عجيب.
قوله: ({جَدَلاَ}) والجَدَل هو التعلُّل بالحِيَل، من إضمار تَرْك العمل في النَّفْس يعنى كرنا يوهى نهين بهانى بناتى هين.
4726 - قوله: (وحَلَّق بين إبهَامَيْه)... إلخ، وإنما فعله ليرى صورته.
4726 - قوله: (وَتَد) دات لكادى.
فائدة:
---(6/326)
واعلم أنَّ معلوماتِ الباري تعالى غيرُ متناهية، والأُمورُ غير المتناهيةِ عند الباري جَلَّ مَجْدُه موجودةٌ، وهو الحقُّ عندي. ونقل الصَّدْر الشيرازي عن ابن سيناء أنه ذهب في حِكْمة الإِشراق إلى تناهي عِلْمه تعالى؛ قلتُ: وهو كُفْرٌ قطعاً، ثُم إنَّ العلماءَ بعد تَسْلِيمهم عدمَ تناهي معلوماتِه تعالى، لم يُجِيبوا عما يَرِد عليه من جريانِ براهينِ التسَلْسل؛ قلتُ: أما حديثُ التسلسل فباطِلٌ بِنَفْسه، ولم يقم برهانٌ قَويٌّ بَعْدُ على بُطْلان التسلسل، إلا على تَسَلْسل العِلَل، فإِنه مُحال، وقد بسطته في رسالتي «في حدوث العالم».
4726 - قوله: (غُلاماً كافِراً) وإنما وصفه الراوي بالكافر، لأنَّ الخَضِر عليه الصلاة والسلام كان نزع اللَّحم عن كَتِفه، فإذا فيه مكتوب: طُبِع يومَ طُبِع كافراً، أما مسألة نجاةِ أطفالِ المشركين والمسلمين، فقد مَرَّت مبسوطةً.
4726 - قوله: (هُدَدُ بنُ بُدَدَ) اسم مَلِك، وهذا الاسمُ مَوْجودٌ في التوراة بعد، فإِن تَعقَّب عليه نصرانيّ، ويقول: إنَّ تلك القصةَ ليست في التوراةِ، فدلَّ على أنها لا أَصْلَ لها. قلنا: وجودُ اسم هذا المَلِك يدلُّ على أنَّ لها أَصْلاً في التوراةِ أيضاً، وإنْ لم تُذْكر بتمامِها، ثُم أيُّ اعتداد بالتوراةِ إذا ثبت تحريفُها، واشتهر فيها ما اشتهر.
4726 - قوله: (بالْقَار) وترجمته: تاركول، ومَنْ قال: إنه: رال فقد غَلِط.
4727 - قوله: (فَأصاب الحوتَ مِن ماءِ تِلْكَ العَيْن) أي عند أَيْلة، عند جبل سِيناء، ويقال لها اليوم: العَقَبة، وهو المراد من {مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ}، ومَنْ قال: إنه مُجْتمَع الفُرات، ودجْلة، فليس بصحيح، وقد مَرَّ في العلم.
فائدة:
---(6/327)
وقد عُلِمَ من تلك القصةِ عقيدةُ أُولي العَزْم من الرُّسُل، ماذا قَدْرُ عِلْم العبد بِجَنْب عِلْم الله تعالى، أما عقيدةُ موسى، والخَضِر عليهما السلام فبقوله: «ما نقص من علم الله»... إلخ، وأما عقيدة نبينا صلى الله عليه وسلّم فمن قوله: «لوددنا أن موسى صبر، حتى يقص علينا من أمرهما».
4728 - قوله: (وأَمَّا النَّصَارى، كَفَرُوا بالجَنَّة) واعلم أنَّ مذهبَ النَّصارى في الجَنَّة أَقْرب إلى مذهب الفلاسفة، فالجنة عندهم رُوحانيةٌ صِرْفة، وتوهم ذلك عبارة في الإِنجيل أيضاً، لكنه أيُّ عباءةٍ بها بعد ثُبوتِ التحريف، والتنسيخ، كيف وأنها من أصول الدين، فلا يُسوَّغ فيهما الاختلاغ بين الأديان السماوية، فإِنها في الأُصولِ، والعقائد واحدةٌ، وإن تفاوتت في الفُروع.
فائدة:
واعلم أن في إنجيل «برنباس» عِلْماً غزيراً، وأَصْلُه مفقودٌ لا يوجد اليوم، غير أَنِّي أظنُّ أَنَّه أَلَّفه بَعْضٌ من المسلمين، وذلك لأَنِّي لا أجِد فيه فَصْلاً إلاَّ ينتهي إلى ذِكْر النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فيلوح منه كأنَّ هذا الإنجيلَ بأَسْره أُلِّف له صلى الله عليه وسلّم وهذا يدلُّ على أَنَّه أَلَّفه أَحَدٌ من المسلمين.
4729 - قوله: ({فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ وَزْناً}) يعني مع كونِ الكُفَّار لِحيما شَحِيما في الدنيا، ليس لأعمالهم وَزْنٌ عند الله تعالى، وقد استُدلَّ منه على وَزْن الأشخاص أيضاً، والصوابُ أنَّ المراد منه وَزْن الأعمال فقط، وإنما تعرض إلى عَدَم وَزْن أنفسهم إشارةً إلى أنهم ممن لا عباءةً بهم عند الله فكأنهم لا وَزْن لهم.
سُورَةُ مَرْيَم
---(6/328)
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَبْصِرْ بِهِمْ وَأَسْمِعْ، اللَّهُ يَقُولُهُ، وَهُمُ اليَوْمَ لاَ يَسْمَعُونَ وَلاَ يُبْصِرُونَ، {فِى ضَلَلٍ مُّبِينٍ} (38): يَعْنِي قَوْلَهُ {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} (38): الكُفَّارُ يَوْمَئِذٍ أَسْمَعُ شَيءٍ وَأَبْصَرُهُ. {لارْجُمَنَّكَ} (46): لأَشْتِمَنَّكَ. {وَرِءياً} (74) مَنْظَراً.
وَقَالَ أَبُو وائِلٍ: عَلِمَتْ مَرْيَمُ أَنَّ التَّقِيَّ ذُو نُهْيَةٍ، حتى قالتْ: {إِنّى أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً}.
وَقالَ ابْنُ عُيَينَةَ: {تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} (83) تُزْعِجُهُمْ إِلى المَعَاصِي إِزْعاجاً.
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {إِدّاً} (89) عِوَجاً.
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وِرْداً} (86): عِطَاشاً. {أَثَثاً} (74) مالاً. {إِدّاً} (89) قَوْلاً عَظِيماً. {رِكْزاً} (98) صَوْتاً. وقال غَيْرُهُ: {غَيّاً} (59) خُسْرَاناً. {وَبُكِيّاً} (58) جَمَاعَةُ بَاكٍ. {صِلِيّاً} (70) صَلِيَ يَصْلَى. {نَدِيّاً} (73) وَالنَّادِي وَاحِدٌ: مَجْلِساً.
باب {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} (39)
باب قَوْلِهِ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} (64)
باب قَوْلِهِ: {أَفَرَأَيتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقالَلأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً} (77)
باب قَوْلُهُ: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً}صلى الله عليه وسلّم (78)
لَمْ يَقُلِ الأَشْجَعِيُّ عَنْ سُفيَانَ: سَيفاً، وَلاَ مَوْثِقاً.
باب {كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً} (79)
---
باب قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً} (80)
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {الْجِبَالُ هَدّاً} (90) هَدْماً.(6/329)
قوله: (قال ابن عباس: {أَبْصِر بهم وأَسْمِع}: اللَّهُ يَقُولُه)... إلخ. يشيرُ إلى تأويلِ وُرُود فِعْل التعجُّب في القرآن، فإِنَّ الظاهِرَ أنَّ الله تعالى لا يأخُذه عَجَبٌ، فما معنى صِيغ التعجب في حَقِّه؟ فحرر فيه السُّيوطي رسالةً، وقال: إنَّ صِيغ التعجُّب قد تَنْسلِخُ عن معناها، وإنْ كانت في الأَصْل لتلعجب، وحينئذ صَحَّ وُقوعُها في القرآنِ بدونِ إشْكَال.
قوله: ({عِتِيّاً}) وتفسيره في «الهامش». وقد سَمِعت أنَّ المصنِّف لم يُحْسن في تلخيص مجاز القرآن، ثُم لم يتوجَّه إليه صاحِبُ النسخة أيضاً، فصار ضغثاً على إبالة، ولذا أَشْكل فَهْمُه على الطَّلَبَة.
4730 - قوله: (ويُؤتَى بالموتِ كهيئةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ)... إلخ. ويتولى ذَبْحه يَحْيى عليه السلام، ثُم ما الحِكْمةُ فيه؟ فاللَّهُ سبحانه أَعْلمُ بأسرارِ مُبْدَعاته، وحكم غرائِبه، ويمكن أن يُقال: إنَّ اسمَهُ لما كان مُشتقّاً من الحياة، ناسب له ذَبْح الموت. فإِنْ قلت: إنَّ الموتَ معنى، فكيف يُذْبح؟ قلتُ: رَحِمك اللَّهُ إذا مَرَرت بأَمْرٍ من عالم الغيب، فلا تَضْرب له مَثلاً. أما سَمِعت أن الكليَّ الطبعي عند المَعْقُوليين، موجودٌ في الخارج، بل محسوسٌ عند بَعْضِهم. وتفصيله أنَّ زيداً، وعمراً، وكذا غيرَهما من أفرادِ الإِنسان موجودون في الخارج، فأخذوا من هؤلاء الأفرادِ مفهوماً يُوصَف بكونِه صادِقاً على الكثيرين، وهو الكُليّ المَنْطِقي، ثُم إنَّ هذه الأفرادَ لما كانت موجودةً في الخارج لا بد أن تكون الإِنسانيةُ أيضاً فيه، وإلاَّ لَزِم أن لا يكون زيدٌ موجوداً في الخارج، لانتفاء جزئه، فلزِم وجودُ الكليّ الطبعي في الخارج.
---(6/330)
قال ابنُ سيناء: إنَّ نِسبةَ الكلي الطبعي إلى أفرادِه، ليست كنِسْبةِ الأب إلى أبنائه، بل كنسبةِ الآباء إلى أبنائهم قلتُ: مرادُه أنَّ الكليَّ بتمامِه موجودٌ في كلَ مِن أفراده، لا أنه موجودٌ في مجموع أفرادِه بوجود واحدٍ، فكما أنَّ الكليَّ الطبعي موجودٌ عندهم في الخارج، بل محسوسٌ عند بَعْضِهم، فهكذا الحالُ في تَجسُّد الموتِ يومَ الحَشْر. أما وَجْه تمثُّلِهِ في صورة الكبش، فلعله لما قالوا: إنَّ للكَبْش مناسبةً بالموت، وللفرس من الحياة، ولذا صار الكَبْشُ فِدْيةً للموت، فَيُذْبح عنه، كما ذُبِح عن إسماعيل عليه الصلاة والسلام، أو لكون أكثرَ ذبائهم هو الكبش.
ثُم إنَّ في ذَبْح الموت نداءً على الخلود، وعدمَ فناء الطائفتين أبداً، لكنهم مع ذلك تَفَرَّقُوا في الجهنميين على سبعة أقوال: منها - وهو غيرُ مشهورِ - أنهم بعد أَحْقَاب يَعْلَمُها اللَّهُ تعالى يَنْعَدِمُون: قلتُ: لا أقول فيهم بالفَناء، ولا بالعدم، ولكن أعتقدُ فيهم بالاستثناء الذي ورد به القرآنُ، وهو قوله: {إِلاَّ مَا شَآء رَبُّكَ}، أما إنه ماذا مِصْدَاقُه؟ فأَكِلُ عِلْمَه إلى الله تعالى، ولا أقول: إنَّه فِناءً أو غيره، فاعتقد بالخلودِ، كما نصَّ عليه القرآنُ، وأبوح بالاستثناء، كما باح به، ولا أُفسِّره، ولا أُفصِّله وأؤمن به على إيهامه، ما كان مرادّه، عند ربِّي عز وجل. وما نقلوا فيه عن عمرَ، وابنِ مسعود، وأبي هريرة، فلعلَّ أَصْلَه في حَقِّ العصاة، وما يلوح منه من كَوْنِه في حَقِّ الكُفّار، فلعله من خَبْط الرواةِ عندي.
---(6/331)
سورة طه
قالَ ابْنُ جُبَيرٍ والضَّحَّاكُ: بِالنَّبَطِيَّةِ {طه} (1) يَا رَجُلُ. يُقَالُ: كُلُّ ما لَمْ يَنْطِقْ بِحَرْفٍ، أَوْ فِيهِ تَمْتَمَةٌ، أَوْ فَأْفَأَةٌ، فَهيَ عُقْدَةٌ، {أَزْرِي} (31) ظَهْرِي. {فَيُسْحِتَكُم} (61) يُهْلِكَكُمْ. {المُثْلَى} (63) تَأْنِيثُ الأَمثَلِ، يَقُولُ: بِدِينِكُمْ، يُقَالُ: خُذِ المُثْلَى: خُذِ الأَمْثَلَ. {ثُمَّ ائْتُواْ صَفّاً} (64) يُقَالُ: هَل أَتَيتَ الصَّفَّ اليَوْمَ، يَعْنِي المُصَلَّى الَّذِي يُصَلى فِيهِ. {فَأَوْجَسَ} (67) أَضْمَرَ خَوْفاً، فَذَهَبَتِ الوَاوُ مِنْ {خِيفَةً} (67) لِكَسْرَةِ الخَاءِ. {فِى جُذُوعِ} (71) أَي عَلَى جُذُوعِ. {خَطْبُكَ} (95) بَالُكَ. {مِسَاسَ} (97) مَصْدَرُ ماسَّهُ مِسَاساً. {لَنَنسِفَنَّهُ} (97) لَنَذْرِيَنَّهُ. {قاعاً} (106) يَعْلُوهُ المَاءُ، وَالصَّفصَفُ المسْتَوِي مِنَ الأَرْضِ.
باب قَوْلُهُ: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى} (41)
باب {وَأَوْحَينَا إِلَى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً في البَحْرِ يَبَساً لاَ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشى}فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ اليَمِّ ما غَشِيَهُمْ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىوَأَوْحَينَا إِلَى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً في البَحْرِ يَبَساً لاَ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشى ,فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ اليَمِّ ما غَشِيَهُمْ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (77 - 79)
باب قوله: {فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} (117)
---(6/332)
قوله: (قال ابنُ جُبَير: بالنَّبَطِيَّة - أي بالحبشية - {طه} يا رَجُلُ) وهذه قراءةٌ أيضاً. وقيل: معناه ضَعْ الرِّجْل على الرِّجْل، كما في التفسير لابن كثير. وفي مقدمة «الدُّرّ المختار»: أنَّ الإِمام أبا حنيفة صلَّى مرةً في الحرم، واضِعاً إحدى رِجْليه على الأُخْرى، نصف القرآن على هذه، ونصفاً آخَر على هذه، فقيل عليه: إنه خلافُ السُّنَّة. قلتُ: ولعلَّ القائلَ لم يطَّلع على هذا المعنى، وإلاَّ لما تكلَّم بِمِثْله.
قوله: ({قاعاً} يَعْلُوهُ الماءُ) أي الصافيةُ من الأرض، يَعْلُوها الماءُ.
قوله: ({مَكاناً سِوىً} مُنْصَفٌ بَيْنَهم) أي يَقْطع نِصْفَه هو، ويقطع نَصْفَه هذا.
قوله: ({عَلَى قَدَرٍ} مَوْعِد) أي فهو في معنى مَوْعِد.
4736 - قوله: ( التقى آدَمُ وَمُوسى) وإنما أتاحت القدرةُ تلك المحاورةَ بين موسى، وآدمَ عليهما السلام، لِيعلم أن آدم عليه الصلاة والسلام كان عنده جوابٌ شافٍ عن أَكْل الشجرة، إلا أنه لم يُواجِه به رَبَّه تَعَبُّداً، فلما دار هذا السؤالُ بينه وبين ابنه موسى عليه الصلاة والسلام أفحمه، واحتجَّ عليه، ومِن هذا جُعِل خليفةَ الله، وهو جهةُ الفَضْل فيه عندي، يعني العبدية، وفَهِم عامَّتُهُم أنها العِلْم.
---(6/333)
قلتُ: وهي أيضاً فَرْع العبدية، فهي أَرْفَعُ المقامات، وأحَبُّها عند رَبِّك، ولكن الشيطان لما قال له رَبُّه: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ} (ص: 75) وجعل يُجاري معه، فَلُعِن إلى الأَبد. ثُم إنَّه لم يكن مِن أبنائه مَنْ يَجْتَرِىءُ أنْ يسأل أباه عن أَكْل الشجرةِ غيرَ موسى عليه السلام، فإِنَّه كان في طَبْعِه شِدَّة، فَنُصِب للمناظَرة لذلك، وهذا ليس إساءةً للأَدب، ولكنه من اختلافِ الطبائع. فإن قلت: إنَّ آدمَ عليه الصلاة والسلام تَمَسَّك بالتقدير، ولم يُجوِّزه العلماءُ في محل الاعتذار. وأجيب بأنَّ الممنوع إنما هو ما كان في دار التكليف، وتلك المناظرةُ وقعت بعد الخروج عنه؛ وتقريره عندي أنَّ التقديرَ لم نَعْلَمه إلاَّ بعد النَّظر إلى الدلائل، وإِخْبار الشَّرْع. وأما في العِيان والحُسبان، فليست عندنا إلاَّ سلسلةُ الأسباب، والمُسبَّبات، فالتشبُّثُ بها هو الذي يليقُ بأساس هذا العالم، وليس من النصفة في شيءٍ، أنه إذا عَرَض له شيءٌ من أَمْرِ دنياه، جعل هَمّه في الأسباب، وإذا جاءه أَمْرٌ مِن دِينه تشبث بالتقدير، واحتال به.
---(6/334)
وبالجملة لما لم يكن التقديرُ ظاهِراً لم يكن التَّمسُّكُ به جائزاً، لأنه خَرْقٌ لهذا العالم المشهود، الذي بُني أَمْرُه على سلسلة الأسباب، وفِرَاراً إلى عالم التقدير، وأَنَّى هم في هذه النشأة؟ وبعبارة أخرى: لا نُنْكِرُ كَوْنَ المؤثِّر بالذات هو التقدير، ولا نقول: إنَّ الأسبابَ هي المُؤثِّرة حقيقةً، بل نقول: إنَّ تأثيرَها في المُسبَّبات أيضاً مُقَدَّر، لكنَّ التقديرَ لما حُجِب عنا، لم يَبْق في السطح إلاَّ الأَسبابُ وتأثيرُها وخَفِي التقديرُ وتأثيرُه، فآل الأَمْر إلى مباشرةِ الأَسْباب، وبها ارتبطت المُسبَّبات، فَنَقَض تلك السلسلةَ الظاهِرَةَ. والأَخْذ بالسِّلْسلة الباطِنة، مع كونِه في عالمِ الأَسْباب ليس إلاَّ جَدَلٌ، ألا ترى أَنه لا لُزومَ عَقْلاً عندهم إلا في لوازم الماهية، وتلك انتزاعيةٌ، أما لوازِمُ الوجودِ، فلم يَقُم دليلٌ على عدم إمكان انْفِكاكها بعد، فآل أَمْرُها أيضاً إلى التقدير. فإِذا باشَرْت الأسبابَ في الأمور كُلِّها، لِفُقدان التلازم بينها وبين مُسبَّباتِها، فما منعك أَنْ تُباشِرَها لِعُقْباك، إذ باشرتها لأُولاك؟.
نعم إذا خَرَجت من عالَم الأسبابِ إلى عالَم يَظْهَر فيه التقديرُ، وتتعطل الأسبابُ، فَلَك أَنْ تَتمَسَّك به، كما فَعَل آدمُ عليه السلام.
---(6/335)
هذا تقرير ما قالوا، وأجودُ الأجوبةِ ما ذكره الحافظ ابنُ تَيْميةَ أنَّ التمسُّك بالتقدير على نحوين: الأول: للاجتِرَاء على المعاصي، ودَفْع المَعَرَّة عن نَفْسه، ولا رَيْبَ أنه قبيحٌ جِداً، كيف وأنه اقترفَ الذُّنوبَ، ثُم لم يستحي مِن رَبِّه عز وجل، وذلك لا يجوزُ قَطْعاً، والثاني: ما يكون لتسليةِ النَّفْسِ، والاعتذار عما صَدَر منه، فهذا مُسْتَحْسن، فَمَن أسرف على نَفْسه، وفرط منه ما فَرَطَ، فاضطرَبت نَفْسه، فجعل يُسلِّي هُمُومَه، ويسر أحزانه من تذكر التقدير، فهذا تَمسُّكٌ منه، لِتَسْلية النَّفْس لا للتشجع على المعاصي، وقِلَّة المبالاة بها، ومِن هذا النَّحْو كان تَمسُّك آدَم عليه الصلاة والسلام.
سُورَةُ الأَنْبِيَاءِ
وَقالَ قَتَادَةُ: {جُذَاذاً} (58) قَطَّعَهُنَّ. وَقالَ الحَسَنُ: {فِى فَلَكٍ} (33) مِثْلِ فَلكَةِ المِغْزَلِ، {يُسَبّحُونَ} (33) يَدُورُونَ.
---(6/336)
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {نَفَشَتْ} (78) رَعَتْ ليلاً. {يُصْحَبُونَ} (43) يُمْنَعونَ. {أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} (92) قالَ: دِينُكُمْ دِينٌ وَاحِدٌ. وَقالَ عِكْرِمَةُ: {حَصَبُ} (98) حَطَبُ بِالحَبَشِيَّةِ. وَقالَ غَيرُهُ: {أَحَسُّواْ} (12) تَوَقَّعُوهُ، مِنْ أَحْسَسْتُ. {خَمِدِينَ} (15) هَامِدِينَ. {وَحَصِيدٌ} (هود: 100) مُسْتَأْصَلٌ، يَقَعُ عَلَى الوَاحِدِ وَالاِثْنَينِ وَالجَمِيعِ. {وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ} (19) لاَ يَعْيُونَ، وَمِنْهُ: {حَسِيرٌ} (الملك: 4) وَحَسَرْتُ بَعِيرِي. {عَميِقٍ} (الحج: 27) بَعِيدٍ. {نُكِسُواْ} (65) رُدُّوا. {صَنْعَةَ لَبُوسٍ} (80) الدُّرُوعُ. {وَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ} (93) اخْتَلَفُوا. الحَسِيسُ وَالحِسُّ وَالجَرْسُ وَالهَمْسُ وَاحِدٌ، وَهُوَ مِنَ الصَّوْتِ الخفِيِّ. {ءاذَنَّاكَ} (فصلت: 47) أَعْلَمْنَاكَ. {ءاذَنتُكُمْ} (109) إِذَا أَعْلَمْتَهُ، فَأَنْتَ وَهوَ {عَلَى سَوَآء} (109): لَمْ تَغْدِرْ. وَقالَ مُجَاهِدٌ: {لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ} (13) تُفهَمُونَ. {ارْتَضَى} (28) رَضِيَ، {التَّمَثِيلُ} (52) الأَصْنَامُ. {السّجِلّ} (104) الصَّحِيفة.
باب {كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ} (104)
قوله: (فَلْكَةِ) وترجمته: تكلى كاد مكرا.
قوله: ({كُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}) واعلم أنَّ ظاهِرَ القرآنِ أنَّ النجومَ تَتَحرَّك بِنَفْسِهما، بدون تَوسُّط الفلك، وذلك الذي ثبت اليوم عندهم؛ وحينئذٍ أفلاكها بمعنى دوائرها، ثُم السمواتُ أجسامٌ، لا كما تُقَلْقِل به أهلُ الفلسفة الجديدة، أنها مُنْتَهى النَّظر فقط. ثُمّ السَّموات كلّها فوق النجومِ، وإنما النجومُ سابحةٌ في الجوِّ.
---
قوله: ({ءاذَنتُكُمْ} إذا أَعْلَمْتَه، فأنت وهو {عَلَى سَوَآء} فلم تَغْدِر) يعني: جب تونى ابنى مخاطب كوصلى الله عليه وسلّمرى اطلاع ديدى توتونى غدرته كيا.(6/337)
4740 - قوله: (فَيُوخَذُ بهم ذاتَ الشِّمالِ) وقد مرَّ معنا أنَّ الحوض عندي بعد الصراط. فالنبيُّ صلى الله عليه وسلّميرى من وراء الصِّراط طائفةً تُطْردُ عن حَوْضه، بأن لا تُتْرك أن تُجاوِز الصِّراط، فتخلص إليه، فيقولُ: أُصَيْحابي، فيقال له... إلخ، ولا بُعْد في النَّظَر إليهم مِن بُعْد بعيد، فإِنَّه من أُمور الآخِرة، وكم مِن عجائب فيها مِثْله، ولك أن تُجِيب عنه على مُخْتار الشاه عبد العزيز: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّملا يَزَال يختلِفُ بين هذه المواضعِ إلى أن تُحاسب أُمّتُه جميعاً، فصحَّ كَوْنُه في المَحْشر، وكَوْنُه على الحَوْض معاً، وقد مَرَّ تَفْصِيله.
سُورَةُ الحَجِّ
وَقالَ ابْنُ عُيَينَةَ: {الْمُخْبِتِينَ} (34) المُطْمَئِنِّينَ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ في: {إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَنُ فِى أُمْنِيَّتِهِ} (52) إِذَا حَدَّثَ أَلقَى الشَّيطَانُ في حَدِيثِهِ، فَيُبْطِلُ اللَّهُ ما يُلقِي الشَّيطَانُ وَيُحْكِمُ آيَاتِهِ، وَيُقَالُ: أُمْنِيَّتُهُ: قِرَاءَتُهُ، {إِلاَّ أَمَانِىَّ} (البقرة: 78) يَقْرَأُونَ وَلاَ يَكْتُبُونَ.
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {مَشِيدٍ} (45) بِالقَصَّةِ. وَقالَ غَيرُهُ: {يَسْطُونَ} (72) يَفرُطُونَ، مِنَ السَّطْوَةِ، وَيُقَالُ: {يَسْطُونَ} يَبْطُشُونَ. {وَهُدُواْ إِلَى الطَّيّبِ مِنَ الْقَوْلِ} (24) أُلهِمُوا. قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {بِسَبَبٍ} (15) بِحَبْلٍ إِلَى سَقْفِ البَيتِ. {تَذْهَلُ} (2) تُشْغَلُ.
باب {وَتَرَى النَّاسَ سُكَرَى} (2)
قالَ أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَرَى وَمَا هُم بِسُكَرَى} (2).h
---
وَقالَ: «مِنْ كُلِّ أَلفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ. وَقالَ جَرِيرٌ وَعِيسىبْنُ يُونُسَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ: {سَكْرَى وَما هُمْ بِسَكْرَى}.(6/338)
باب {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالاْخِرَةَ} إِلَى قَوْلِهِ: {ذلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ} (11 - 12)
{وَأَتْرَفْنَهُمْ} (المؤمنون: 33) وَسَّعْنَاهُمْ.
باب قَوْلُهُ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِى رَبّهِمْ} (19)
رَوَاهُ سُفيَانُ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ. وَقالَ عُثْمانُ: عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: قَوْلهُ.
سُورَةُ المُؤْمِنِينَ
قالَ ابْنُ عُيَينَةَ: {سَبْعَ طَرَآئِقَ} (17) سَبْعَ سَماوَاتٍ، {لَهَا سَبِقُونَ} (61) سَبَقَتْ لَهُمُ السَّعَادَةُ. {وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} (60) خائِفِينَ. قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ} (36) بَعِيدٌ بَعِيدٌ. {فَاسْأَلِ الْعَآدّينَ} (113) المَلاَئِكَةَ. {لَنَكِبُونَ} (74) لَعَادِلُونَ. {كَلِحُونَ} (104) عابِسُونَ. {مِن سُلَلَةٍ} (12) الوَلَدُ، وَالنُّطْفَةُ السُّلاَلَةُ. وَالجِنَّةُ وَالجُنُونُ وَاحِدٌ. وَالغُثَاءُ الزَّبَدُ، وَما ارْتَفَعَ عَنِ المَاءِ، وَمَا لاَ يُنْتَفَعُ بِهِ. {يَجْئَرُونَ} (64) يَرْفَعُونَ أصْوَاتَهُمْ كما تَجْأَرُ البَقَرَةُ. {عَلَى أَعْقَبِكُمْ} (66) رَجَعَ على عَقِبَيهِ {سَامِراً} (67) مِنَ السَّمَرِ، وَالجَمِيعُ السُّمَّارُ، وَالسَّامِرُ هَا هُنَا في مَوْضِعِ الجَمْعِ. {تُسْحَرُونَ} (89) تَعْمَوْنَ، مِنَ السِّحْرِ.
---
قوله: (وقال ابن عباسٍ {فِى أُمْنِيَّتِهِ})... إلخ. وترجمته عندي هكذا: كوئى نبى نهين هى كه جسى اميدنه باندهى هو ابنى امت كى متعلق كه او نكو هدايت هوكى توشيطان نى اون لو كونكى قلوب مين زيغ بيدا كركى او نكى آرزو كو صلى الله عليه وسلّمارنه هونى دياهو اور اوسمين كهندت نه دالدى هو.(6/339)
واعلم أنَّ قوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ}وَلاَ نَبِىّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَنُ فِى أُمْنِيَّتِهِ... إلخ، أَشْكَل على المُفَسِّرِين، فاختلفوا فيه على آراء، حتى إنَّ بَعْضَهم فَقَل قِصَّة الغرانيق تحت هذه الآية، وقد تَكَلَّمنا على تلك القِصَّة مَبْسوطاً في أبواب سجودِ القرآن، أما وَجْه الآيةِ، فأَقُول: إنَّ تمني الأنبياءِ عليهم السلام عبارةٌ عما تتحدَّثُ به أنْفُسهم في حَقِّ إيمانِ أُممهم، أنهم لو آمنوا كلّهم، وإلقاءَ الشيطان فيها عبارةٌ عن إغوائه إياهم، وصَدِّهم عن سبيلِ الإِيمان، فلا يؤمنون حسب أُمْنِيتهم، وهذه محاوَرةٌ بليغَةٌ، يقال: فلان أَلقى في أُمنيتي، أي حال بيني وبينها، ثم اللَّهُ يَفْعل فيهم ما هو فاعل، فيؤمِنُ مَنْ قُدِّر لهم الإِيمانُ، ولا ينجحُ فيهم اللَّعِين. وأما مَن قُدِّرت له الشقاوةُ فيتبعونه فيكفرون، وهو معنى قوله: {فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِى الشَّيْطَنُ}ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ ءايَتِهِ (الحج: 52).
قوله: (بِسَبَب) والسَّبَبُ هو الحَبْلُ المتدلِّي، ومنه استُعْمِل للمعنى المعروف.
قوله: (تَذْهَلُ) فَيَذْهَلْ الخليلُ عن خَلِيله عِنْد نَفْخ الصُّور، ولا يلتفِت أَحَدُ إلى أَحَدٍ.
4741 - قوله: (فَيُنَادَى بصَوْتٍ) ثَبَت منه الصَّوْتُ.
---(6/340)
4741 - قوله: (وما بَعْثُ النارِ؟ قال: (مِن) كُلِّ أَلْفٍ - أراه قال - تسع مئة، وتسعة وتسعين)... إلخ. واعلم أنَّ الرواياتِ مختلِفَةٌ في بيان نِسْبة المُسْلمين، وبَعْث النار. ففي رواية، كما عند البخاري، وفي أُخرى نسبة المئة من تسعةٍ وتسعين، والتوفيقُ بينهما أن النِّسبة في تلك الروايةِ هي ما بين الكفّار والمسلمين. وأما ما عند البخاري، فهي بعد ضَمّ يأجوج ومأجوج معهم، ويَشْهد له ما عند الترمذي في التفسير: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمذكر لهم الحديثَ على نحو ما عند البخاري، ثُم قال: «إنَّكم لمع خليقتين، ما كانتا مع شيءٍ إلاَّ كثرتاه: يأجوج ومأجوج، ومَنْ مات من بني آدم، وبني إبليس» اه. فدلَّ على أنَّ النِّسبة المذكورةَ بعد انضمام قومٍ يأجوج ومأجوج مع الكفّار.
4741 - قوله: (فحينئذٍ تَضَعُ الحامِل حَمْلَها)... إلخ. فإِن قلت: وحينئذٍ تلك الأهوالُ والأحوال تكون في المَحْشر مع أنه ليست هناك حاملة، ولا مُرْضِعة؛ قلتُ: لا ريبَ أنَّ صَدْر الآية في الأهوال عند النفخ، لكن القيامةَ في عُرْف الشَّرْع تطلق من نَفْخ الصُّور إلى دُخول الجنةِ، فكانت صدر الآية في المبادىء، وإنَّما قُرئت في القيامة جَرْياً على هذا العُرْف، فلا يلزم وجودُها في المحشر.
قوله: (إنِّي لأَرجو أن تكونوا رُبُعَ أهلِ الجَنَّة. فكبَّرنا، ثُم قال: ثُلُثَ أَهْل الجنَّة. فكبَّرنا، ثُم قال: شَطْرَ أهْل الجنَّة، فكبرنا) قلتُ: وهذا نظيرُ قِصَّة المعراج في تخفيف الصلاة، فإِنه لا نَسْخ فِيها أصلاً، ولكنه إلقاءٌ للمرادِ على المخاطَب نَجْماً نَجْماً، كما فعل النبيُّ صلى الله عليه وسلّمههنا. وذلك كما ترى أَوْقَعُ عند النَّفْس، وأَطْيبُ لها من إلقائه دُفْعةً واحدة، وقد بسطناه من قبل.
4742 - قوله: (فإِن وَلَدتِ امرأتُهُ غُلاماً، ونُتِجَتْ خَيْله، قال: هذا دِينٌ صالِح) أي كان مَبْلَغُ عِلْمهم، وقُصارى أمانيهم هي الدنيا فقط.
---(6/341)
4743 - قوله: (نَزَلَتْ في: حَمْزَة وصاحِبَيْه، وعُتْبةَ وصاحِبَيه) يعني حَمزة وصاحبيه من جانب المسلمين، وعُتْبة وصاحبيه من جهة الكفار.
4743 - قوله: ({اخْتَصَمُواْ فِى رَبّهِمْ}) يعني: خدا تمهارا هى يا همارا أي إنَّ الله سبحانه مولاكم، أو مَوْلًى للمُسْلِمين.
سُورَةُ النُّورِ
{مِنْ خِلاَلِهِ} (43) مِنْ بَينِ أَضْعَافِ السَّحَابِ، {سَنَا بَرْقِهِ} (43) الضِّيَاءُ. {مُذْعِنِينَ} (49) يُقَالُ لِلمُسْتَخْذِي مُذْعِنٌ. {أَشْتَاتاً} (61) وَشَتَّى وَشَتَاتٌ وَشَتٌّ وَاحِدٌ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {سُورَةٌ أَنزَلْنَهَا} (1) بَيَّنَّاهَا. وَقالَ غَيرُهُ: سُمِّيَ القُرْآنُ لِجَمَاعَةِ السُّوَرِ، وَسُمِّيَتِ السُّورَةُ لأَنَّهَا مَقْطُوعَةٌ مِنَ الأُخْرَى، فَلَمَّا قُرِنَ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ سُمِّيَ قُرْآناً. وَقالَ سَعْدُبْنُ عِيَاضٍ الثُّمالِيُّ: المِشْكاةُ: الكُوَّةُ بِلِسَانِ الحَبَشَةِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءانَهُ} (القيامة: 17) تَأْلِيفَ بَعْضِهِ إِلَى بَعْضٍ. {فَإِذَا قَرَأْنَهُ فَاتَّبِعْ قُرْءانَهُ} (القيامة: 18): فَإِذَا جَمَعْنَاهُ وَأَلَّفنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، أَي ما جُمِعَ فِيهِ، فَاعْمَل بِمَا أَمَرَكَ وَانْتَهِ عَمَّا نَهَاكَ اللَّهُ. وَيُقَالُ: لَيسَ لِشِعْرِهِ قُرْآنٌ، أَي تَأْلِيفٌ.
وَسُمِّيَ الفُرْقانَ، لأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَينَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ. وَيُقَالُ لِلمَرْأَةِ: ما قَرَأَتْ بِسَلاً قَطُّ، أَي لَمْ تَجْمَعْ في بَطْنِهَا وَلَداً. وَقالَ: {وَفَرَضْنَهَا} (1) أَنْزَلنَا فِيهَا فَرَائِضَ مُخْتَلِفَةً، وَمَنْ قَرَأَ: {وَفَرَضْنَهَا} يَقُولُ: فَرَضْنَا عَلَيكُمْ وَعَلَى مَنْ بَعْدَكُمْ.
---(6/342)
قالَ مُجَاهِدٌ: {أَوِ الطّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ} (31) لَمْ يَدْرُوا، لِمَا بِهِمْ مِنَ الصِّغَرِ. وَقَالَ الشَّعْبيُّ: أُولِي الإِرْبةِ مَنْ لَيْسَ لَهْ إِرْبٌ، وَقالَ مُجاهِدٌ: لا يُهِمُّهُ إِلا بَطْنُهُ وَلا يُخافُ عَلَى النِّساءِ، وَقَالَ طَاوُسٌ: هُوَ الأَحْمَقُ الَّذي لا حاجَةَ لَهُ فِي النِّساءِ.
باب قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَدَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَدَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّدِقِينَ} (6)
واعلم أنَّ في اللِّعان مباحِثَ: الأول: في شأنِ نُزُوله، ويُرْوى في ذلك قِصَّتان: قِصَّة هلال بن أُمَية، وقُذْفه زَوْجَته؛ والثانية: قِصَّة عُويْمر العَجْلاني. قال الشارحون: إنهما متقارِبتان، ونزلت الآيةُ بعدهما.
البحث الثاني: في ماهيةِ اللعان: فهي شهاداتٌ، مُؤكَّداتٌ بالأَيمان، وذِكْر الشهادة في النصِّ يؤيِّدُنا، وعند الشافعية هي أَيْمانٌ مؤكَّدات بالشهادات. فيشترطُ عندنا في المتلاعنين أهليةُ الشهادة، ولا يُشترط عندهم، لكونه عبارةً عن الأَيْمان، ولا يُشْترط فيه أهليةُ الشهادة عند أَحَد.
والثالث: في حِكْمة إقامة بابٍ جديد، مع أنه ليس إلاَّ قَذْفاً، فينبغي أن يُغْني عنه بابُ حدّ القذف.
(الحكمة من اللِّعان)
---(6/343)
فاعلم أنَّ الحاجةَ إنما دعت إليه، لأنَّ للمرءِ غَيْرةً على زوجته ليست على غيرها، وذلك أَمْرٌ فِطْري لا يُلام عليه، فإِنْ وَجَد رَجُلاً مع أجنبيةٍ يَخْبُث بها، يُسوّغ له أَنْ يصبر، أو يأتي بأربعة شهداء، بخلاف زوجته، فإِنَّ الغيور لا يستطيعُ الصَّبرَ عليه، وطلبُ الشُّهداء أشدُّ عليه في مِثْل هذا الحين. فهل عليه أن يبلغه إلى القاضي، أم كيف يفعل؟ فإِنه إنْ يتكلَّم يتكلَّم بأَمْرٍ عظيم، لا تتركونه إلاَّ بالحدِّ، وإنْ يسكت يسكت على أَمْر عظيم، والموتُ ألذُّ دونه، فإِنْ قتله فتقتلونه، فَأَخْرج له الشَّرْع سَبيلاً ومَخْرجاً، فأقام له باباً وهو اللِّعان. وحُكْمه التفريقُ بعده، وذلك لأنَّ الأَمْر إذا لم يَنْكَشف، لِيُحدَّ الزَّوْج حَدَّ القَذْف، أو المرأةُ حدَّ الزِّنا، ليس إلى الاجتماع والتلفيق بعد هذا الادِّعاء من سبيل، فتعيَّن التفريقُ، وشُرِع اللِّعان.
والرابع: أن التفريقَ يكون من نَفْس اللعان. أو يحتاج إلى القاضي؟ فاعلم أنَّ اللِّعان لا يحتاجُ إلى تفريق القاضي عند الشافعيِّ، وعندنا لا بدَّ منه وكأنَّ ذلك بديهي فإِن الشَّرْع لِمَ دَعَى المتلاعِنَين إلى مَجْلس القضاء، لو لم يكن لقضائه مَدْخلٌ فيه فإِن دعوتهما إلى مَجْلِسه إذن لَغْوٌ والخلافُ فيه على عَكْس ما في الإِيلاء، فإِن الفُرْقة فيه تَجِب عندنا بمجرد مُضي المُدَّة، وعند الشافعيِّ بتفريق القاضي، أي فَيُجْبِره بعده إمَّا على الرجوع، أو على الطلاق. قلنا: إنَّ القرآن ضَرَب في الإِيلاء مدةً مِن قِبله، فإِذا مضت حَلَّت الفُرْقة بنفس الإِيلاء. فإِنَّ المدَّة تمضي وهي قاعِدةٌ في بيتها، فلا حاجة فيه إلى مَجْلس القضاء، فلم يظهر فيه لقضائه دَخلٌ، بخلاف اللعان. أما كون الإِيلاءِ تفريقاً، مع أنه لا لَفْظ فيه يُبنىء عن التفريقِ، فأجاب عنه صاحبُ «الهداية» أنَّ الإِيلأَ كان طلاقاً في الجاهلية، فقرَّره الشَّرْع على ما كان في حقِّ التفريق.(6/344)
---
والحاصل أنَّ اللِّعان لما كان في المَحْكَمة، جاءت الفُرْقة فيها أيضاً من قبل القاضي، بخلاف الإيلاء، فإِنه يقومُ مقامَ الطلاقِ بنفسه، ويتم في بيته، فاسْتَغْنى عن تَفْريقه.
قلتُ: ولما جَعَل القرآنُ اللِّعان عبارةً عن الشهادات، عُلم أن فيه مدخلاً للقضاء، فإِنَّ الشهاداتِ لا تُسمع إلاَّ بمجلسه. ومن ههنا عُلِم أنَّ التفريقَ في اللِّعان من باب القضاء، فلا يتولى به غيرُه، بخلاف الإِيلاء، فإِنه من الدِّياناتِ، فيجري حُكْمه في كلِّ زمان. قلتُ: ولو اجتمع المسلمونَ اليوم أيضاً، وفَرَّقوا بين المتلاعِنَين، كما يُفرِّق القاضي، وَسِع لهم، حيث يقومون مَقامه، كما في سائر المعاملات.
والخامس: أَنَّه هل يجوزُ للزوج أن يَقْتل الزاني حين يراه يَزْني بامرأته، فقد مرّ معنا أنه يَحِلُّ له ديانةً. ثُم إنْ بلغ أَمْرُه إلى القاضي يَقْتله قِصاصاً إنْ عَجِز عن إقامةِ البيِّنة على الزِّنا.
والسادس: مسألةُ المَشْرِقية والمَغْربي. واعلم أنه قد ذكرنا مِن قبل أن الولدَ عندنا يتبع الفراشَ، وهو عندنا عبارةٌ عن النِّكاح دون الوقاع. فإِذا تزوَّج مغربيٌّ مشرقيةً، وأتت بالولدِ في ستةِ أَشْهر، يثبت نَسَبُه منه، وقد جعلَها الناسُ أُضحوكةً، وقالوا: كيف يَثْبت النَّسَبُ مع امتناع الوطء في الصورة المذكورة فاشترط له الشافعيةُ إمكانَ الوقاع أيضاً، وعَجِز ابنُ الهُمام عن جوابه.
قلتُ: أما اشتراطُ إمكان الوقاع فلا عبرةَ به عندنا، كيف وليس على القاضي أن يَطَّلع على سرائر الناس. أما النِّكاح فهو أَمْرٌ يكون على رءُوس الخلائق، يَعْلَمُه كلُّ أَحَد، بخلافِ الوطء، وفي مِثْله يُدار الحُكْم على الأسباب الظاهرة. أَمَّا استبعادُهم ثبوتَ النَّسَب، فيبنى على تَناسي باب اللِّعان، كما قيل:
حَفِظْت شيئاً وغابت عنك أَشْياء.
---(6/345)
فإِنَّه يَجِب على الزَّوْج شَرْعاً أن يلاعِنَ امرأتَه إنْ عَلِم أنَّ ولدَها ليس منه، فإِذا أقام له الشَّرْع باباً، وأهدره هو وتَرك اللِّعان الواحبَ عليه، فما للقاضي أن ينفي ولدَها عنه، أليس مَنْ رضي بالضَّرر أَوْلى أن يقطع عنه النَّظَر، وقد ذكرناه مِن قبل.
4745 - قوله: (فَكرِهَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّمالمسائِل) وإنما كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّميَكْره إشاعةَ هذا النَّحْو من المسائل، لِبَشَاعتها وشناعتها.
4745 - قوله: (فَطَلَّقَها) وظاهرُه أَنَّه طَلَّقها الآن، وفي طريق آخَر أنه كان طَلَّقها ثلاثاً، قَبْل أن يسأله صلى الله عليه وسلّم كَيْفَما كان التطليقُ ثلاثاً بلفظٍ واحدٍ بدعةٌ عندنا، وعند أحمد وإنْ وَقَعْن، وليست ببدعةٍ كَيْفَما عند الإِمام البخاريِّ، والشافعيِّ، وحينئذٍ يَرِدُ علينا تقريرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلّمعليه، فأجاب عنه السَّرْخسي أنَّ التفريقَ في الصورة المَذْكُورة لما تَعَيَّن حُكْماً لِلِّعان، صار تطليقُه كالعدم، فإِنه لو لم يطلِّقها لَفَرَّق النبيُّ صلى الله عليه وسلّمبينهما، فكان ذلك أمراً كائناً لا محالةَ، طَلَّقها أو لم يُطلِّقها. لا سيما عند الشافعيةِ، فإِنَّ اللِّعان عندهم بِنَفْسه موجِبٌ للتفريق، وتقريرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلّمفي مِثْله، لا يوجِب كَوْنه مَشْرُوعاً، فإِنا قد عَلِمنا من الخارج كَوْنَها بِدْعةً عند النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وإذا كان تَطْلِيقُه ههنا، كالعدم، لم يكن تقريرُه عليه تشريعاً، فكأنه لم يلتفت إليه، ولم يُلق به بالاً، لكونه مما لا يعبأ به.
---(6/346)
وقد تَفَرَّد الحافظُ ابنُ تيميةَ وتلميذُه ابنُ القيم وذهبا إلى أنها واحِدةٌ، بل يُتوهّم من بعض المواضع أنها لا تقع أَصْلاً، وقد عَرَض إليه ابنُ الهُمَام في «الفتح». أما إنَّ السُّنَّة فيه التفريقُ دون الجمع، فلنا فيه صريحُ النصِّ، قال تعالى: {الطَّلَقُ مَرَّتَانِ} (البقرة: 229) أي مرةً بعد مرةٍ، وهذا هو حَقُّه، وليس معناه اثنتين، كما زَعَم.
ثُم أَقُولُ: إنَّ الطلاقَ البائنَ قد يكون جائزاً، وكذا الطلاق في الحَيْض، وإنْ لم يُحرِّرُوه، وقد استنبطته أنا من عبارةِ محمد في الخُلْع، قال: إنَّ الخُلْع جائزٌ عند نُشوزِ الزوج في حال الحَيْض أيضاً. ومعلومٌ أنَّ الخُلْع ليس إلاَّ طلاقاً بائناً، فلزم جوازُ البائن عنده عند الضرورة. فاستفدت منه أنه إذا جَوَّز الخُلْع عند الضرورة، وهو طلاقٌ بائنٌ، لَزِمه أن يُجوِّز الطَّلاقَ في حال الحَيْض أيضاً لعدم الفارق، وكذا الطلاقات الثلاث أيضاً. فإِذن ظهر الجوابُ عَمّا في الحديث بِوَجْهٍ آخَر، ومِن ههنا ظهر الجوابُ عن طلاق إسماعيل عليه السلام امرأتَه طلاقاً بائناً، فإِنه لما علم أن أباه قد أَمَره بِفِرَاقها، وأزمع أنْ لا يرجِع إليها ثانياً، بَتَّ طلاقها، والبائن في مِثْله ينبغي أن يكون جائزاً عندنا أيضاً، كالخُلْع في الحيض عند محمد، وقد ذكرناه من قبل.
4745 - قوله: (فكانت سُنَّةً) أي التفريق بين المتلاعِنَين، دون التَّطْليق.
4745 - قوله: (وَحَرَةٌ) حيوانٌ يُشْبِه الجِرْباء.
4745 - قوله: (يُنْسَبُ إلى أُمِّه) وبُحِث في الفِقْه ما المراد منه، هل قامت الأُمّ مقام الأَب في حَقِّ الإِرث، أو المراد قَطع نِسْبته من الأب فقط؟.
4745 - قوله: (فإِنْ جاءت به أُحَيْمِر)... إلخ. وكانت تلك حلية الزَّاني.
باب {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَذِبِينَ} (7)
---(6/347)
باب {وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَذِبِينَ} (8)
باب قَوْلِهِ: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَآ إِن كَانَ مِنَ الصَّدِقِينَ} (9)
باب قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَل هُوَ خَيرٌ لَكُمْ لِكُل امْرِىءٍ مِنْهُمْ ما اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (11)
{أَفَّاك} (الشعراء: 222) كَذَّابٌ.
باب {لَّوْلآ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً} إِلى قَولِهِ: {الْكَذِبُونَ} (12، 13)
باب قَوْلِهِ: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِى الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِى مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (14)
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {تَلَقَّوْنَهُ} (15) يَرْوِيهِ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ، {تُفِيضُونَ} (يونس: 61) تَقُولُونَ.
باب {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (15)
باب {وَلَوْلآ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَنَكَ هَذَا بُهْتَنٌ عَظِيمٌ} (16)
باب قَوْلُهُ: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً} (17)
---
* حَصَانٌ رَزَانٌ ما تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ** وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الغَوَافِلِ
قالَتْ: لكِنْ أَنْتَ.
باب {وَيُبَيّنُ اللَّهُ لَكُمُ الاْيَتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (18)
*ح صَانٌ رَزَانٌ ما تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ** وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحومِ الغَوَافِلِ(6/348)
قالَتْ: لَسْتَ كَذَاكَ. قُلتُ: تَدَعِينَ مِثْلَ هذا يَدْخُلُ عَلَيكِ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ: {وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} (11)؟ فَقَالَتْ: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ العَمى. وَقالَتْ: وَقَدْ كانَ يَرُدُّ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم
باب {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ في الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (19 - 20)
@
تَشِيعُ: تَظْهَرُ. {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُواْ أُوْلِى الْقُرْبَى وَالْمَسَكِينَ وَالْمُهَجِرِينَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (22).
---(6/349)
وَلَقَدْ جاءَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّمبَيتِي فَسَأَلَ عَنِّي خادِمَتِي فَقَالَتْ: لاَ وَاللَّهِ ما عَلِمْتُ عَلَيهَا عَيباً، إِلاَّ أَنَّهَا كانَتْ تَرْقُدُ حتَّى تَدْخُلَ الشَّاةُ فَتَأْكُلَ خَمِيرَهَا، أَوْ عَجِينَهَا، وانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: اصْدُقِي رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلّم حَتَّى أَسْقَطَوا لَهَا بِهِ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَاللَّهِ ما عَلِمْتُ عَلَيهَا إِلاَّ ما يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَّهَبِ الأَحْمَرِ، وَبَلَغَ الأَمْرُ إِلَى ذلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي قِيلَ لَهُ، فَقَالَ: سُبْحانَ اللَّهِ، وَاللَّهِ ما كَشَفتُ كَنَفَ أُنْثى قَطُّ. قالَتْ عائِشَةُ: فَقُتِلَ شَهِيداً في سَبِيلِ اللَّهِ. قالَتْ: وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي فَلَمْ يَزَالاَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّموَقَدْ صَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ وَقَدِ اكْتَنَفَنِي أَبَوَايَ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنى عَلَيهِ، ثُمَّ قالَ: «أَمَّا بَعْدُ، يَا عائِشَةُ إِنْ كُنْتِ قارَفتِ سُوءًا، أَوْ ظَلَمْتِ، فَتُوبِي إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ». قالَتْ: وَقَدْ جاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَهيَ جالِسَةٌ بِالبَابِ، فَقُلتُ: أَلاَ تَسْتَحِي مِنْ هذهِ المْرَأَةِ أَنْ تَذْكُرَ شَيئاً، فَوَعَظَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّمفَالتَفَتُّ إِلَى أَبِي، فَقُلتُ: أَجِبْهُ، قالَ: فَمَاذَا أَقُولُ؟ فَالتَفَتُّ إِلَى أُمِّي، فَقُلتُ: أَجِيبِيهِ، فَقَالَتْ: أَقُولُ ماذَا؟ فَلَمَّا لَمْ يَجِيبَاهُ، تَشَهَّدْتُ، فَحَمِدْتُ اللَّهَ وَأَثْنيتُ عَلَيهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قُلتُ: أَمَّا بَعْدُ، فَواللَّهِ لَئِنْ قُلتُ لَكُمْ إِنِّي لَمْ أَفعَل، واللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَشْهَدُ إِنِّي(6/350)
---
لَصَادِقَةٌ، ما ذَاكَ بِنَافِعِي عِنْدَكُمْ، لَقَدْ تَكَلَّمْتُمْ بِهِ وَأُشْرِبَتْهُ قُلُوبُكُمْ، وَإِنْ قُلتُ: إِنِّي فَعَلتُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَفعَل، لَتَقُولُنَّ قَدْ بَاءَتْ بِهِ عَلَى نَفسِهَا، وَإِنِّي وَاللَّهِ ما أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلاً - وَالتَمَسْتُ اسْمَ يَعْقُوبَ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيهِ - إِلاَّ أَبَا يُوسُفَ حِينَ قالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (يوسف: 18). وَأُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّممِنْ سَاعَتِهِ، فَسَكَتْنَا، فَرُفِعَ عَنْهُ وَإِنِّي لأَتَبيَّنُ السُّرُورَ في وَجْهِهِ، وَهُوَ يَمْسَحُ جَبِينَهُ وَيَقُولُ: «أَبْشِرِي يَا عائِشَةُ، فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَكِ». قالَتْ: وَكُنْتُ أَشَدَّ ما كُنْتُ غَضَباً، فَقَالَ لِي أَبَوَايَ: قُومِي إِلَيهِ، فَقُلتُ: وَاللَّهِ لاَ أَقُومُ إِلَيهِ وَلاَ أَحْمَدُهُ وَلاَ أَحْمَدُكُمَا، وَلكِنْ أَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي، لَقَدْ سَمِعْتُمُوهُ فَمَا أَنْكَرْتُمُوهُ وَلاَ غَيَّرْتُمُوهُ.
---(6/351)
وَكانَتْ عائِشَةُ تَقُولُ: أَمَّا زَينَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِدِينِهَا، فَلَمْ تَقُل إِلاَّ خَيراً، وَأَمَّا أُخْتُهَا حَمْنَةُ فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ، وَكانَ الَّذِي يَتكَلَّمُ فِيهِ مِسْطَحٌ، وَحَسَّانُبْنُ ثَابِتٍ، وَالمُنَافِقُ عَبْدُ اللَّهِبْنُ أُبَيّ، وَهُوَ الَّذِي كانَ يَسْتَوْشِيهِ وَيَجْمَعُهُ، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ هُوَ وَحَمْنةُ، قالَتْ: فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لاَ يَنْفَعَ مِسْطَحاً بِنَافِعَةٍ أَبَداً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الْفَضْلِ مِنكُمْ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ {وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُواْ أُوْلِى الْقُرْبَى وَالْمَسَكِينَ} يَعْنِي مِسْطَحاً، إِلَى قَوْلِهِ: {أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (22) حَتَّى قالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللَّهِ يَا رَبَّنَا، إِنَّا لَنُحِبُّ أَنْ تَغْفِرَ لَنَا، وَعَادَ لَهُ بِمَا كانَ يَصْنَعُ.
باب {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (31)
4750 - قوله: (والنِّساء سِوَاها كَثِيرٌ)، ولعل علياً تكلم بمثله، لمحاورة جرت بين فاطمة، وبين عائشة قبله.
4751 - قوله: (لَما رُمِيَتْ عائشةُ) أي قُذِفت.
4752 - قوله: (إذ تَلِقُونَه) مِن ولق، أي كذب.
4753 - قوله: (أَخْشَى أن يُثْني عليَّ) وكانت محتضرة، فكرهت الثناء في مِثْل هذا المقام.
4753 - قوله: (مِن وُجُوه الناس) أي له وجاهة عند الناس.
4753 - قوله: (قالت: بِخَيْرٍ إنِ اتَّقَيْتُ) تعني أن خيريتها منوطَةٌ بالتقوى بالنصِّ، قال الله تعالى: {ينِسَآء النَّبِىّ}لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النّسَآء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ والمراد منه عندي، إن كانت إحداكن ذا حظ اكرتم مين سى كوئى قسمت والى هوئى.
---(6/352)
قوله: (كُنْت نَسْياً مَنْسيّاً) وترجمة الشاه عبد القادر بهولى بسرى، ولا ترجمة لهذا التكرار غيرها، فلله دره.
سُورَةُ الفُرْقانِ
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {هَبَآء مَّنثُوراً} (23) ما تَسْفِي بِهِ الرِّيحُ. {مَدَّ الظّلَّ} (45) ما بَينَ طُلوعِ الفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمسِ. {سَاكِناً} (45) دَائِماً. {عَلَيْهِ دَلِيلاً} (45) طُلُوعُ الشَّمْسِ. {خِلْفَةً} (62) مَنْ فاتَهُ مِنَ اللَّيلِ عَمَلٌ أَدْرَكَهُ بِالنَّهَارِ، أَوْ فاتَهُ بِالنَّهَارِ أَدْرَكَهُ بِاللَّيلِ. وَقالَ الحَسَنُ: {هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوجِنَا} (74): في طَاعَةِ اللَّهِ، وَما شَيءٌ أَقَرَّ لِعَينِ المُؤْمِنِ أَنْ يَرَى حَبِيبَهُ في طَاعَةِ اللَّهِ.
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {ثُبُوراً} (13) وَيلاً. وَقالَ غَيرُهُ: السَّعِيرُ مُذَكَّرٌ، وَالتَّسَعُّرُ وَالاِضْطِرَامُ التَّوَقُّدُ الشَّدِيدُ. {تُمْلَى عَلَيْهِ} (5) تُقْرَأُ عَلَيهِ، مِنْ أَمْلَيتُ وَأَمْلَلتُ. {الرَّسّ} (38) المَعْدِنُ، جَمْعُهُ رِسَاسٌ. {مَا يَعْبَؤُا} (77) يُقَالُ: مَا عَبَأْتُ بِهِ شَيئاً، لاَ يُعْتَدُّ بِهِ. {غَرَاماً} (65) هَلاَكاً. وَقالَ مُجَاهِدٌ: {وَعَتَوْاْ} (21) طَغَوْا.
وَقالَ ابْنُ عُيَينَةَ: {عَاتِيَةٍ} (الحاقة: 6) عَتَتْ عَنِ الخُزَّانِ.
باب قَوْلِهِ: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وَجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّم
أُولئكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً} (34)
باب قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} (68) العُقُوبَة
---
باب قَوْلُهُ: {يُضَعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيمَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} (69)(6/353)
باب {إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَلِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدّلُ اللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} (70)
باب {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً} (77): هَلَكَة
قوله: (عَتَت على الخُزَّان) أي الملائكة الموكلون على الهواء.
4760 - قوله: (قال: يا نبيَّ اللَّهِ كيف يُحشر الكافرخ على وَجْهِه؟) واعلم أن المتنورين الذين لا يؤمنون بآيات الله، وهم بهفوات أوروبا يؤمنون، قد استبعدوا مَنْطِق الأعضاء في المَحْشر، مع أن زعماءهم قد أقروا اليوم بسريان البصرِ في سائر الجسد، فلا يستبعد منهم أن يقروا بسريان النُّطق أيضاً، ولو بعد حين.
4764 - قوله: (كانت هذه في الجاهليةِ) يعني أنها فيمَن قَتَل في الجاهلية ثُم أسلم، وأما مَن قتل مُسلماً وهو مسلم فلا جزاء له إلاَّ جهنم. وقد مرَّ أنه خِلافُ الجمهور، مع احتمال كونه سدّاً للذرائع عنده، كما يلوح من «الأَدب المفرد» للبخاري.
سُورَةُ الشُّعَرَاءِ
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {تَعْبَثُونَ} (128) تَبْنُونَ. {هَضِيمٌ} (148) يَتَفَتَّتُ إِذَا مُسَّ. مُسَحَّرِينَ: المَسْحُورِينَ. {لَيْكَةُ} (176) وَالأَيكَةُ جَمْعُ أَيكَةٍ، وَهيَ جَمْعُ شَجَرٍ. {يَوْمِ الظُّلَّةِ} (189) إِظْلاَلُ العَذَابِ إِيَّاهُمْ. {مَّوْزُونٍ} (الحجر: 19) مَعْلُومٍ. {كَالطَّوْدِ} (63) الجَبَلِ. وقَالَ غَيْرُهُ: {لَشِرْذِمَةٌ} (54) طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ. {فِى السَّجِدِينَ} (219) المُصَلِّينَ.
---(6/354)
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} (129) كَأَنَّكُمْ. الرِّيعُ: الأَيفَاعُ مِنَ الأَرْضِ، وَجَمْعُهُ رِيَعَةٌ وَأَرْيَاعٌ، وَاحِدُ الرِّيَعَةِ. {مَصَانِعَ} (129) كُلُّ بِنَاءٍ فَهْوَ مَصْنَعَةٌ. {فَرِهِينَ} (149) مَرِحِينَ، {فارِهِينَ} بِمَعْنَاهُ، وَيُقَالُ: {فارِهِينَ} حاذِقِينَ. {تَعْثَوْاْ} (183) أَشَدُّ الفَسَادِ، عاثَ يَعِيثُ عَيثاً. {وَالْجِبِلَّةَ} (184) الخَلقُ، جُبِلَ خُلِقَ، وَمِنْهُ جُبُلاً وَجِبِلاً وَجَبْلاً يَعْنِي الخَلقَ. قالَهُ ابنُ عَبَّاسٍ.
قوله: ({هَضِيمٌ} يتفتت إِذا مُسَّ) وه كهاس جو جهو نيسى بهر جاوى.
قوله: (الأَيْكة جَمْعُ أيْكَة) هي شجرةٌ يقال للواحدةِ: أَيْكة، وللأشجار الكثيرة {الاْيْكَةِ}، فبيّن مفرده، وجَمعه فرق باللاَّم.
قوله: (وقال ابنُ عباس: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} كأَنَّكُم) إشارةٌ إلى الجواب عن الإِشكال المشهور، أن التمنِّي والترجِّي محالٌ في جنابه تعالى. فما معنى ألفاظ الترجِّي، ونحوه؟ فأجاب عنه أنه في القرآن بمعنى كأَنَّكُم.
قوله: (بقاع) يكسار ميدان مستوى من الأرض.
4768 - قوله: (رَأى أباه) أي آذر، وذهب جماعة إلى أنه عَمُّه.
باب {وَلاَ تُخْزِنِى يَوْمَ يُبْعَثُونَ} (87)
قَوْلُهُ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ} (214 - 215) أَلِنْ جانِبَكَ.
---(6/355)
قيل: إنَّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام كيف تقدم إلى الشفاعة، مع علمه أن لا شفاعة في الكافر؟ قلتُ: وقد ثبت عندي أنَّ الشفاعة تنفعُ في الكفَّار أيضاً، غير أنها لا تفيد النجاة وإنْ أفادت تخفيفاً في العذاب. وحينئذٍ جاز له أن يشفع لأبيه، كما أن أبا طالب يُخفّف له في العذاب ببرِكةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فيجعل في ضَحْضَاح من النار. واختار الشيخ الأكبر أنَّ أَهْلَ النار يصيرون ناريّي الطَّبْعت، بعد مدد يَعْلَمُها الله تعالى، فلا يبقى لهم بالعذاب حِسٌّ ولا ألم، وهو معنى قوله: «سبقت رحمتي غضبي». وقد أجبنا عنه في غَيْر واحد من المواضع، من تقريرنا هذا.
سُورَة النَّمْلِ
{الْخَبْء} (25) ما خَبَأْتَ، {لاَّ قِبَلَ} (37) لاَ طَاقَةَ. {الصَّرْحَ} (44) كُلُّ مِلاَطٍ اتُّخِذَ مِنَ القَوَارِيرِ، وَالصَّرْحُ: القَصْرُ، وَجَمَاعَتُهُ صُرُوحٌ.
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} (23) سَرِيرٌ كَرِيمٌ، حُسْنُ الصَّنْعَةِ وَغَلاَءُ الثَّمَنِ. {مُسْلِمَيْنِ} (38) طَائِعِينَ. {رَدِفَ} (72) اقْتَرَبَ. {جَامِدَةً} (88) قائِمَةً. {أَوْزِعْنِى} (19) اجْعَلنِي. وَقالَ مُجَاهِدٌ: {نَكّرُواْ} (41) غَيِّرُوا. {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ} (42) يَقُولُهُ سُلَيمانُ. الصَّرْحُ بِرْكَةُ ماءٍ، ضَرَبَ عَلَيهَا سُلَيمانُ قَوَارِيرَ، أَلبَسَهَا إِيَّاهُ.
قوله: (مِلاطٌ) بخته فرش.
قوله: (والصرح بِرْكَة) أي حَوْض.
سُورَةُ القَصَصِ
{كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} (88) إِلاَّ مُلكَهُ، وَيُقَالُ: إِلاَّ ما أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ. وَقالَ مُجَاهِدٌ: {الاْنبَآء} (66) الحُجَجُ.
باب قَوْلُهُ: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآء} (56)
---(6/356)
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أُوْلِى الْقُوَّةِ} (76) لاَ يَرْفَعُهَا، العُصْبَةُ مِنَ الرِّجالِ. {لَتَنُوأُ} (76) لَتُثْقِلُ. {فَارِغاً} (10) إِلاَّ مِنْ ذِكْرِ مُوسى. {الْفَرِحِينَ} (76) المَرِحِينَ، {قُصّيهِ} (11) اتَّبِعِي أَثَرَهُ، وَقَدْ يَكُونُ: أَنْ يَقُصَّ الكَلاَمَ {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} (يوسف: 3). {عَن جُنُبٍ} (11) عَنْ بُعْدٍ، عَنْ جَنَابَةٍ وَاحِدٌ، وَعَنِ اجْتِنَابٍ أَيضاً. {يَبْطِشَ} (19) وَيَبْطُشُ. {يَأْتَمِرُونَ} (20) يَتَشَاوَرُونَ. العُدْوَانُ وَالعَدَاءُ وَالتَّعَدِّي وَاحِدٌ. {ءانَسَ} (29) أَبْصَرَ. الجِذْوَةُ قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ مِنَ الخَشَبِ لَيسَ فِيهَا لَهَبٌ، وَالشِّهَابُ فِيهِ لَهَبٌ، وَالحَيَّاتُ أَجْنَاسٌ: الجَانُّ، وَالأَفاعِي، وَالأَسَاوِدُ. {رِدْأً} مُعِيناً، قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يُصَدّقُنِى} (34). وَقالَ غَيرُهُ: {سَنَشُدُّ} (35) سنُعِينُكَ، كُلَّمَا عَزَّزْتَ شَيئاً فَقَدْ جَعَلت لَهُ عَضُداً. مَقْبُوحِينَ: مُهْلَكِينَ. {وَصَّلْنَا} (51) بَيَّنَّاهُ وَأَتْمَمْنَاهُ. {يُجْبَى} (57) يُجْلَبُ. {بَطِرَتْ} (58) أَشِرَتْ. {فِى أُمّهَا رَسُولاً} (59) أُمُّ القُرَى مَكَّةُ وَما حَوْلَهَا. {تَكُنْ} (69) تُخْفِي، أَكْنَنْتُ الشَّيءَ أَخْفَيتُهُ، وَكَنَنْتُهُ أَخْفَيتُهُ وَأَظْهَرْتُهُ. {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ} (82) مِثْلُ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ: يُوَسِّعُ عَلَيهِ، وَيُضَيِّقُ عَلَيهِ.
باب {إِنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءانَ} الآيَةَ (85)
قوله: ({قُصّيهِ} اتَّبِعي أَثَرَه، وقد يكون: أَنْ يقُصَّ الكلام) يعني قد يكون بمعنى القِصَّة.
قوله: ({وَيْكأنَّ ا} مِثل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّآ}) قيل: إن «ويكأن» أَصْلُه: وَي، وكَأنَّ، وقيل: وَيْكَ، وأنّ.
---(6/357)
سُورَةُ العَنْكَبُوتِ
قالَ مُجَاهِدٌ: {وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ} (38) ضَلَلَةً. وقَالَ غَيْرُهُ: الحَيَوَانُ والحَيُّ واحدٌ. {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ} (11) عَلِمَ اللَّهُ ذلِكَ، إِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ فَلَيَمِيزُ اللَّهُ، كَقَوْلِهِ: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ} (الأنفال: 37). {وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} (13) أَوْزَاراً مَعَ أَوْزَارِهِمْ.
قوله: ({مُسْتَبْصِرِينَ} ضلالة) والضلالة ليست تفسيراً له، وإنما ذكرها مناسباً لما في الأول.
سُورَةُ الللهملله غُلِبَتِ الرُّومُ
{فَلاَ يَرْبُواْ} (39): مَنْ أَعْطَى يَبْتَغِي أَفضَلَ فَلاَ أَجْرَ لَهُ فِيهَا. قالَ مُجَاهِدٌ: {يُحْبَرُونَ} (15) يُنَعَّمُونَ، {يَمْهَدُونَ} (44) يُسَوُّونَ المَضَاجِعَ. {الْوَدْقَ} (48) المَطَرُ.
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {هَل لَكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ} (28) في الآلِهَةِ، وَفِيهِ. {تَخَافُونَهُمْ} (28) أَنْ يَرِثُوكُمْ كما يَرِثُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً. {يُصَدَّعُونَ} (43) يَتَفَرَّقُونَ. {فَاصْدَعْ} (الحجر: 94). وَقالَ غَيرُهُ: {ضَعْفٍ} (54) وَضَعْفٌ لُغَتَانِ. وَقالَ مُجَاهَدٌ: {السُّوءى} (10) الإِسَاءَةُ جَزَاءُ المُسِيئِينَ.
باب {لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (30) لِدِينِ اللَّه
خَلقُ الأَوَّلِينَ: دِينُ الأَوَّلِينَ، وَالفِطْرَةُ الإِسْلاَمُ.
سُورَةُ لُقْمَانَ
{لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (13)
باب قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} (34)
وقد أخذ المصنِّفُ الفِطْرة بمعنى الإِسلام، وقد مَرَّ ما هو الصوابُ عندنا.
فائدة
---(6/358)
مشهور أن الحافظ ابن تيمية لم يكن حاذقاً في النحو. ورحل إليه أبو حيان، حتى إذا بلغه بعد ضَرْب الأكباد، سأله عن بعض مسائل النحو، واستشهد له بكلام سيبويهٍ، فقال له ابنُ تيمية: إن سيبويهٍ قد سها في سبعةَ عشرَ مَوْضعاً، فغضب عليه أبو حَيّان، وقام من مَجْلسه. ثم لم يزل بعد ذلك يَهْجُوه.
سُورَةُ تَنْزِيل السَّجْدَةِ
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {مَهِينٌ} (8) ضَعِيفٍ: نُطْفَةُ الرَّجُلِ. {ضَلَلْنَا} (10) هَلَكْنَا.
باب قَوْلِهِ: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم} (17)
وَحَدَّثَنَا سُفيَانُ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قالَ: قالَ اللَّهُ، مِثْلَه، قِيلَ لِسُفيَانَ: رِوَايَةً؟ قالَ: فَأَيُّ شَيءٍ. قالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: قَرَأَ أَبُو هُرَيرَةَ: قُرَّاتِ أَعْيُنٍ.
قوله: ({مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ}) آنكهو نكى تهندك.
4780 - قوله: (بِلْه) بمعنى غير، يستعمل في الاستثناء المُنْقَطِع، كما في «المُغْني».
سُورَةُ الأَحْزَابِ
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {صَيَاصِيهِمْ} (26) قُصُورِهِمْ. {النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}.
باب {ادْعُوهُمْ لاِبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ} (5)
باب {فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً} (23)
{نَحْبَهُ}: عَهْدَهُ. {أَقْطَارِهَا} (14) جَوَانِبُهَا. {الفِتْنَةَ لأَتَوْهَا} (14) لأَعْطَوْهَا.
باب قَوْلُهُ: {قُل لاْزْوجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} (28)
---
وقَالَ مَعْمَرٌ: التَّبَرُّجُ: أَنْ تُخْرِجَ مَحَاسِنَهَا.
{سُنَّةَ اللَّهِ} (62) اسْتَنَّهَا: جَعَلَهَا.(6/359)
باب قَوْلِهِ: {وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الاْخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} (29)
وَقالَ قَتَادَةُ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِى بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءايَتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} (34) القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
تَابَعَهُ مُوسىبْنُ أَعْيَنَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ. وَقالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو سُفيَانَ المَعْمَرِيُّ، عن مَعْمَرٍ، عن الزُّهْريِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ.
باب قَوْلُهُ: {وَتُخْفِى فِى نِفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَهُ} (37)
باب قَوْلِهِ: {تُرْجِى مَن تَشَآء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَآء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ} (51)
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {تُرْجِى} تُؤَخِّرُ، {أَرْجِهْ} (الأعراف: 111) (الشعراء: 36) أَخِّرْهُ.
تَابَعَهُ عَبَّادُبْنُ عَبَّادٍ: سَمِعَ عاصِماً.
---
باب قَوْلُهُ: {لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِىّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَظِرِينَ إِنَهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِىّ فَيَسْتَحْيِى مِنكُمْ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْىِ مِنَ الْحَقّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَعاً فَاسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَآء حِجَابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً} (53)
يُقَالُ: إِنَاهُ: إِدْرَاكُهُ، أَنَى يَأْنِي أَنَاةً.(6/360)
{لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} (63): إِذَا وَصَفتَ صِفَةَ المُؤَنَّثِ قُلتَ: قَرِيبَةً، وَإِذَا جَعَلتَهُ ظَرْفاً وَبَدَلاً، وَلَمْ تُرِدِ الصِّفَةَ، نَزَعْتَ الهَاءَ مِنَ المُؤَنَّثِ، وَكَذلِكَ لَفظُهَا في الوَاحِدِ والاِثْنينِ وَالجَمِيعِ، لِلذَّكَرِ وَالأُنْثى.
باب قَوْلُهُ: {إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلّ شَىْء عَلِيماً لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِى ءابَآئِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ وَلاَ إِخْونِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآء إِخْونِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآء أَخَوتِهِنَّ وَلاَ نِسَآئِهِنَّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلّ شَىْء شَهِيداً} (54 - 55)
---
واعلم أنَّ القِصَص المنقولةَ فيه كُلُّها أباطيلُ وتُرَّهَات. والذي صحَّ عندنا من خبره أنه كان بين زيدٍ، وزينب منافرة، فكان النبيُّ صلى الله عليه وسلّميُحِب أن يُمْسِكها وينصحه بذلك، وينهاه عن فِراقها، وكان يُضْمِر في نفسه أنه إن أسمعه ما يكره، فإِنه يتزوَّجُها بنفسه، وذلك لأنَّ زيداً كان مطعوناً في نَسَبه، وكانت زينبُ فيهم ذاتَ نَسَب، وإنما رضيت بالتزوُّجِ منه لِوَجْه النبيِّ صلى الله عليه وسلّمفقط، فلما أزمع زيدٌ على أن يطلِّقها، تحدَّثت نَفْسه أن يُكْرِمها بتزوُّجها جَبْراً لهذا الإِيحاش والهوان. وكان في تزوُّج النبيِّ صلى الله عليه وسلّمإياها تلافياً لما صدر منه على أتم وجه. غير أن تزوُّجَ امرأةِ المُتَبَنَّى كان عندهم شَيْناً، فأراد الله سبحانه أن لا يبقى في أزواج أدعيائهم حَرَج، فأنكحه إياها بعد طلاقِها، وليس فيه شيء يخالِفُ شَأنه وقُدْسه.(6/361)
ونظيرُه أنه تلا آيَة التخيير على عائشةَ، وكان يحب في نَفْسه أن لا تختار إلاَّ نَفْسه المباركة والدار الآخرة، ولا تَرْكن إلى الدنيا، فتلا آيةَ التخيير في الظاهر، وأضمر أن تُؤثر نَفْسه والدار الآخِرة، فكذلك ههنا، كان يصرُّ عليه أن يُمْسِكها مع التطلُّع إلى سبيلٍ يَسْكُن به خاطِرْها إنْ جفا عليها وفارقِها. وهذا الذي قاله تبارك وتعالى: {وتُخْفى في نَفْسك ما اللَّهُ مُبْدِيه} فأيّ شيء أبداه بعده غير أمْر النكاح. فهذه هي القِصَّة، ثُم زيدت عليها مئة كذبة، فجاءت كما ترى تَقْشَعِر منها الجلود. وراجع «الكمالين - الحاشية للجلالين ».
---
وقد مر معنا أن في أَنْكِحةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّمكلّها سراً من أسرار رَبّانية، كما رأيت في نِكاح زينبَ، فإِنَّه عُلِم منه جوازُ النِّكاح من حليلةِ المُتبنَّى بعد الطلاق، وكان العربُ يتحرَّجون عنه، فلولا ذلك لبقي هذا الحَرَجُ في الدِّين. ولما كان أكثرُ تعليماتِ الأنبياء عليهم السلام عَملاً لا قولاً فقط، قدر أن يطلِّقها زيدٌ، ثُم ينكحها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم ولم يكتف ببيانِ المسألة فقط.
قوله: (إِنَاهُ: إدْرَاكُهُ) جيز بك كئى.
قوله: (صَدَقُواْ مَا عَهَدُواْ اللَّهَ) ثابت قدم رهى اور شهيد هو كئى.
قوله: (قريباً) الفعيل إن كان نعتاً ففيه فَرْقٌ بين المؤنث والمُذكَّر، وإن كان ظَرْفاً أو بدلاً فلا فرق بينهما، أما إذا كان ظَرْفاً فظاهِرٌ، فإِنَّ التذكير والتأنيث في الظرف سواء. وأما قوله: «أو بدلاً»، فهو أيضاً بمعنى الظَّرف، وإلاَّ فهو مُضِرّ، وإنّما نقله المصنِّف من كتاب أبي عُبيدة فقط.(6/362)
4791 - قوله: (كَأَنَّه يتهيَّأُ للقِيَام) وهذه توريةٌ فِعلاً، كالأُحْجِية، فإِنها قد تكونُ قوليةً، وهي مشهورةٌ، وقد تكون فعليةً، وفيها حكاية الجامي، وخسرو: كان الأميرُ خسرو مشهوراً في ضَرْب الأحاجي، فجاء رجلٌ من عنده إلى الجامي، فسأله: هل عندك شيءٌ من أَحَاجي خسرو؟ قال: مِن أي نوع تريد، فعلية أم قولية؟ ولم يكن الجامي سمع الفِعلية قَبْله. فقال له: الفعلية. فقام الرجل، ثُم صار شِبْه الراكِع، ثُم نفض لحيتَه. فتبسَّم الجامي، وقال: تريدُ إدريسُ؟ قال: نعم. وحَلُّها أن قيامَه كان إشارةً إلى الألف، ثُم الرُّكوعَ إلى الدال، ثُم نَفْض اللِّحيةِ إلى ريس. وذلك لأنَّ اللِّحية يقال لها بالفارسية: «ريش»، فأشار بالنَّفْض إلى حَذْف نقطها، فبقي ريس.
4793 - قوله: (فَتَقَرَّى) هرايك كى حجره كى سامنى كئى.
---
باب قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً} (56)
قالَ أَبُو العَالِيَةِ: صَلاَةُ اللَّهِ: ثَنَاؤُهُ عَلَيهِ عِنْدَ المَلاَئِكَةِ، وَصَلاَةُ المَلاَئِكَةِ: الدُّعاءُ.
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُصَلُّونَ: يُبَرِّكُونَ. {لَنُغْرِيَنَّكَ} (60) لَنُسَلِّطَنَّكَ.
قالَ أَبُو صَالِحٍ، عَنِ اللَّيثِ: «عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ محَمَّدٍ، كما بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ».
باب قَوْلُهُ: {لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ ءاذَوْاْ مُوسَى} (69)
والمرادُ منه عندنا الإِناثُ دون الذُّكُور. وفي أثر: «لا يغرنَّكم - سورة النور - فإنها في الإِناث، دون الذكور».(6/363)
قوله: (كما صَلَّيت على آل إبراهيم) واعلم أنَّ العلماء قد تكلَّموا في هذا التشبيه، فإِن المُشبَّهَ به يجب أن يكون أَقْوى، فيلزم كونُه عليه الصلاة والسلام أَسْبَقَ وأَحقَّ بالصلاة من النبيِّ صلى الله عليه وسلّم والجواب أن فيه اقتباساً من القرآن، وقد صلَّى الملائكةُ ههنا على إبراهيم عليه السلام بتلك الصيغةِ، فاقتبسه الحديثُ منه، قال تعالى: {رَحْمتُ اللَّهِ وبَرَكاتُه عليكم أهلَ البيتِ إنّه حميدٌ مجيدٌ} (هود: 73).
سُورَةُ سَبَأ
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {لاَ يَعْزُبُ} (3) لاَ يَغِيبُ. {الْعَرِمِ} (16) السَّدُّ، ماءٌ أَحْمَرُ، أَرْسَلَهُ اللَّهُ في السَّدِّ، فَشَقَّهُ وَهَدَمَهُ، وَحَفَرَ الوَادِيَ، فَارْتَفَعَتَا عَنِ الجَنْبَينِ، وَغابَ عَنْهُمَا المَاءُ فَيَبِسَتَا، وَلَمْ يَكُنِ المَاءُ الأَحْمَرُ مِنَ السَّدِّ، وَلكِنْ كانَ عَذَاباً أَرْسَلَهُ اللَّهُ عَلَيهِمْ مِنْ حَيثُ شَاءَ.
---
وَقالَ عَمْرُوبْنُ شُرَحْبِيلَ: {الْعَرِمِ} المُسَنَّاةُ بِلَحْنِ أَهْلِ اليَمَنِ. وَقالَ غَيرُهُ: العَرِمُ الوَادِي. السَّابِغَاتُ: الدُّرُوعُ.
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {يُجَازَى} (17) يُعَاقَبُ. {أَعِظُكُمْ بِوحِدَةٍ} (46) بطَاعَةِ اللَّهِ. {مَثْنَى وَفُرَادَى} (46) وَاحِدٌ وَاثْنَينِ. {التَّنَاوُشُ} (52) الرَّدُّ مِنَ الآخِرَةِ إِلَى الدُّنْيَا. {وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} (54) مِنْ مالٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ زَهْرَةٍ. {بِأَشْيَعِهِم} (54) بِأَمْثَالِهِمْ.
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كَالْجَوَابِ} (13) كالجَوْبَةِ مِنَ الأَرْضِ، الخَمْطُ: الأَرَاكُ. وَالأَثَلُ: الطَّرْفاءُ. {الْعَرِمِ} (16) الشَّدِيدُ.
باب {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذَا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الحَقَّقَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ} (23)
باب : {إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} (46)(6/364)
سُورَةُ المَلاَئِكَةِ (فَاطِر)
قالَ مُجَاهِدٌ: القِطْمِيرُ: لِفَافَةُ النَّوَاةِ. {مُثْقَلَةٌ} (18) مُثَقَّلَةٌ.
وَقالَ غَيرُهُ: {الْحَرُورُ} (21) بِالنَّهَارِ مَعَ الشَّمْسِ، وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الحَرُورُ: بِاللَّيلِ، وَالسَّمُومُ بِالنَّهَارِ. {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} (27) أَشَدُّ سَوَادٍ الغِرْبِيبُ.
قوله: (مُعَاجِزين مُغَالبين)... إلخ. يريدُ توجِيهَ المفاعلةِ.
قوله: (العَرِم)... إلخ. دها نكين رهكئين أور صلى الله عليه وسلّمنى نكل كيا.
قوله: ({الْعَرِمِ} المُسنَّاة، بِلَحْن أهْلِ اليمن)، يعني: لغة أهل يمن مين صلى الله عليه وسلّمنى كى بند كو كهتى هين.
قوله: ({كَالْجَوَابِ} كالجوبة مِن الأَرْض) زمين كهليان كيطرح.
قوله: (الخَمْط) بيلو.
قوله: (أَثَل) جهاؤ.
سُورَةُ يس
---
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {فَعَزَّزْنَا} (14) شَدَّدْنَا. {يحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} (30) كانَ حَسْرَةً عَلَيهِمُ اسْتِهْزَاؤُهُمْ بِالرُّسُلِ. {أَن تدْرِكَ القَمَرَ} (40): لاَ يَسْتُرُ ضَوْءُ أَحَدِهِما ضَوْءَ الآخَرِ، وَلاَ يَنْبَغِي لَهُمَا ذلِكَ. {سَابِقُ النَّهَارِ} (40) يَتَطَالَبَانِ حَثِيثَينِ. {نَسْلَخُ} (37) نُخْرِجُ أَحَدَهُما مِنَ الآخَرِ، وَيَجْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. {مّن مِّثْلِهِ} (42) مِنَ الأَنْعَامِ. {فَكِهُونَ} (55) مُعْجَبُونَ. {جُندٌ مٌّحْضَرُونَ} (75) عِنْدَ الحِسَابِ. وَيُذْكَرُ عَنْ عِكْرِمَةَ: {الْمَشْحُونِ} (41) المُوقَرُ.
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {طَائِرُكُمْ} (19) مَصَائِبُكُمْ. {يَنسِلُونَ} (51) يَخْرُجُونَ. {مَّرْقَدِنَا} (52) مَخْرَجِنَا. {أَحْصَيْنَهُ} (12) حَفِظْنَاهُ. {مَكَنَتِهِمْ} (67) وَمَكَانُهُمْ وَاحِدٌ.
باب قَوْلُهُ: {والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرّ لَهَا ذلِكَ تَقْدِير
العَزِيزِ العَلِيمِ} (38)(6/365)
قوله: ({يحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} كان حسرةً عليهم استهزاؤهم بالرُّسُل) يريد دَفْع توهُّم - عسى أن يتوهم - أن حرفَ النداء يدلُّ على نداء الله تعالى الحسرةَ، ولا معنى له. فأجاب أن الحسرةَ إنما هي على العباد، وقد تقدّم معنا أن حرف النداء لم يُوضع للإِقبال عليه في لغة العرب. نَبَّه عليه ابنُ الحاجب في «الكافية».
قوله: (المُوقَرُ) لدى هوئى.
قوله: ({مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا}) قيل: إنَّ الكُفَّار في العذاب، فأين المَرْقَد؟ والجواب: أن الأرواح يُصْعَقن بعد النَّفخ أربعينَ سنةً، ثُم يفقن بعد نفخةِ الإِحياء، فذلك قولهم: {مَنْ بعثنا مِن مرقنا}، وهكذا عند البخاري عن أبي هريرة: في باب قوله: {وَنُفِخَ فِى الصُّورِ}.
---
قوله: (والشمس تجري لمستقر لها) واعلم أنَّ قدماءَ الفرسفة ذهبوا إلى أنَّ الفَلَك متحركٌ، والأَرْضَ ساكنةٌ. وتحقق الآن بعد المشاهداتِ بالآلات، أن المتحرِّك هو الأَرْضُ، وأن السياراتِ سوابحُ في الجوِّ، وأن الشمسَ متحرِّكةٌ بِمِحْورِها، لا تزول عنها من الشرق إلى الغرب، كما ترى في المرئي، وإنما تتراءى متحركةً من أجل حركةِ الأرض. واستدلوا عليها أنَّ في الشمس غبشات، ومشاعيل. وتلك الغبشات نشاهِدُها تارةً بمرأَى منا، ثُم تذهب وتختفي عنا حتى تغيب. ثُم تبدو كذلك بعد زمان. فليس ذلك إلاَّ لحرَكَتِها على محورها، فإِذا قابلتنا تلك الغبشات منها، رأيناها، وإذا استدبرت اختفت عنا.
ثُم إنهم سَمُّوا الكلف في الشمس بالغبشات، والحصة المستنيرة بالمشاعيل، وكان الفلاسفةُ في القديم أيضاً قد شاهدوا الكلف في الشمس، إلا أنه لم يكن تَحقَّق لهم أنه ما هو؟ والآن تحقَّق أنها حفرات في عمقِ آلاف فراسخ، فطاح ما كانوا يَدَّعون في القديم من استحالة الخرق والالتئام في الأجسام الأثيرية، ولو كان اليوم هؤلاء أحياءً لشاهدوه أيضاً، ولكنهم كفروا بآيات الله، واتبعوا أهواءهم، فهم اليوم في الوَيْل والثُّبور.(6/366)
ثُم إنَّ أَهْلَ الفلسفةِ الجديدة زعموا أن للشمس حركةً أُخْرى، وهي أنها مع نظامها ذاهبةٌ إلى جهةِ الفَوْق، ولكنها لم تتحقَّق عندهم بعد. وأما الأُولى - وهي الحركة المحورية - فقد اتفقوا عليها.
---
قلتُ: والذي لا نَشُكّ فيه أن الشمسَ في مشاهدتنا هي المتحركة، أما إن تلك المشاهدة لأجل حركة الأرض لشيء آخَر، فلا نبحثُ عنه الآن، ولكنا نتكلم أَوّلاً على أن الذي ثبت في مشاهدة ومضت لهم على تلك دهور، حتى إنه لم يبق منهم أَحَدٌ إلاّ وهو يَزْعم أن الشمس متحرِّكة، وأُشربت به قلوبهم، ورسخ في بواطنهم، فهل يناسب للشَّرْع أن ينقض مشاهدَتهمن تلك عند المخاطبة معهم، أو يجاري معهم، كأنَّ ما عندهم أيضاً نَحْوٌ من نفس الأمر. فلو كان هناك هَيِّن لَيِّنٌ، لقلت له: إنَّ الأصوب هو المماشاة معهم، وعدم النقض لمشاهدتهم، وفرضها أيضاً نحواً من نفس الأمر، لأنه لو كان الشرعُ بنى كلامه في الكونيات على الواقع حقيقة، لبقي القرآنُ مكذَّباً عندهم، إلى أن يظهر لهم الواقع أيضاً، كما هو عنده، كمسألة الحركةِ هذه، فإِنه لو كان القرآنُ صَدَع بحركة الأَرض مثلاً، لبقي مكذَّباً فيمن مضوا من الفلاسفة، لعدم ثبوتِها عندهم وإنْ صَدَّقه الناسُ اليوم، وكذلك لو صَرَّح بحركة الفلك لصدَّقه القدماء ألبتة، ولكن صار اليوم مُكَذّباً، لا يعتقد به أحدٌ لثبوتها عندهم بخلافه، فأغمض القرآنُ عن نحو تلك الكونياتِ التي لا يتعلق له بها غرض في أعمالنا، ليسوِّي أَمْره عند هؤلاء، ولا تحول تلك المباحث بينه وبين إيمانهم، ولَعَمْري هذا هو الأحسن.
---(6/367)
وإذَن تحصَّل أن تلك المشاهدةَ الدائمةَ أيضاً نحوٌ من نفس الأمر، ألا ترى أنَّ المُبْصَرَات عندهم عُدَّت من البديهياتِ، مع أن البَاصِرة تَغْلَطُ كثيراً، فإِن أثبتوا اليوم غلطاً في البصر، وأن المتحرِّكة في الواقع هي الأرض، فأي شيء سَوَّوه، فإنه أَمْرٌ ثابت عند القدماء أيضاً، فأَنْصف من نفسك؛ أنه هل يناسِب للنبيِّ أن يقع في تلك المهملات، أو يُعْرِض عنها، ويفرض ما عندهم أيضاً نحواً من نفس الأمر فَدَع عنك أن الشمسَ متحرِّكة، أو الأرض، وخذ بما في مشاهدتك، فإِنَّ مِن حُسْن إسلامِ المرءِ تَرْكُه ما لا يعنيه. ألا ترى أنَّ الوَزْن والمِقْدَار لم تبق له اليومَ حقيقةٌ، فإِنَّ الشيء الواحد يختلفُ خِفَّةً وثِقَلاً باعتبار وَزْنه على الأرض، وفي الهواء، وفوق ذلك، ثم فوق ذلك، فإنه كلما يَبْعُد عن مركزه، يزداد ثِقَلاً، لِشِدَّة انجدابه إلى مركزه، وكلما يَقْرب منه يزيد خِفَّةً.
وكذلك القَدْر أيضاً بقي مُهْملاً لا ندري ما هو؟ فإِنا نرى شيئاً صغيراً بالآلات، كأنه أعظمُ مِن أعظمَ منه بألفِ مَرّةٍ، فنشاهد الصغيرَ كبيراً، والبعيدَ قريباً، فأي شيءٍ بقي الوَزْن والقَدْر، وقد حَقَّق الأَوّلون أن المرئي هو اللون دون الجسد، فكما أنك جاعِلٌ نحواً من نفس الأمر لهذه الأشياء لا محالة، مع عدم تقررها على أمرٍ كذلك، فافرض في أَمْر الحركة أيضاً. فلتكن مشاهدَتُكَ هي نَفْس الأَمْر لها.
وبالجملةِ إذاً لم ندركِ الحقيقةَ في شيء، ولكن ما ثبت عندنا هو الذي فرضناه حقيقةً، فتارة تلك، وتارة تلك، فلا ندري ماذا يكشف من العجائب والحقائق، يوم يكونُ البصرُ حديداً. وكم من أشياء تَظْهَر صواباً، وكم منها تبقى غَلَطاً، فلنفوِّض الآن حقائقَ الأشياء إلى الله تعالى، وأُفوِّض أمري إلى الله، إن الله بصيرٌ بالعباد.
---(6/368)
وأما اليوم، فلنقل: إن الهَيْآت التي يشاهِدُها العوامُّ من الطلوع والغروب، والاستواء والجري، كلُّها في نفس الأمر، فإِنهم قد وضعوا لتلك الهَيآتِ أسامي مختلفةً، فإِما أن نسلم أساميهم تلك، أو نردّها عليهم، ولا يكون إلا زيغاً، وتلك الهيئةُ المشهورةُ اعتبر بها الشاعر في قوله:
*كردون بشتى كه خم شده ازبهر ركوع ** خورشيد رخى كه سر بسجود است اينجا
فقد شاهد هذا الشاعر من الشمس ثلاث هيآت: هيئة العقدة، وتلك عند طلوعها؛ وهيئة القيام، وهي عند الاستواء، ولذا يقال لها: قائمُ الظهيرة؛ وهيئة السجود، وتلك عند الغروب. وقد أحسن فيه، فإِنَّ ما كان في مشاهدتنا، وبين أعيُنِنا كيف نَهْدِرُها ولا نعتبِر بها، فهكذا ما نشاهد من مَشْيها من الشرق إلى الغرب، سماه أهل العُرْف جَرْياً، أعني أنهم لا يبحثون عن جريها في حاق الواقع، فليكن في الخارج ما كان، ولكن البحث أن تلك الهيئةَ المشهورةَ المبصرة، هل نعتبر بها في مرتبة أَم لا؟ فاعتبره أَهْلُ العُرْف، وسَمّوه جَرْياً وحركة لها، وإذن لا تكون حركتها عبارةً إلا عن تلك الهيئةِ المشهودة، لا بالمعنى الذي قال به الفلاسفة.
وإذَن البحثُ في أن القوة المحرِّكة، هل هي في الشمس أو الأرض، صار لغواً، فلتكن أينما كانت، لا نبحث عنها، ولكنا نسمي تلك الهيآت البديهية الثابتة، عند البُلْه، والصِّبيان، والمجانين بأساميها المعروفة عند العوام، فنقول: طلعت الشمسُ، وقامت، وغربت، والشرع أضاف على هذه الثلاثِ رابعاً، وهي السجود، ولا ريبَ أنَّ تلك الهيئةَ قائمةٌ مدى الدَّهر، سواء كانت الشمسُ متحرِّكةً أو الأرض، ومن هذا الباب سجودُ الظلال في القرآن، فإِنه سَمَّى هيئةَ كونِها ملقاةً على الأرض، بسجودها، وتلك محسوسةٌ مَنْ يُنْكرها، فهي سجودُها؛ وبالجملة العبرةُ بالمشاهدة، وعَدُّها أيضاً نحواً من الواقع هو الأصلحُ للنَّاس، لا نقضُها رعايةً للمتفلسفين والزائغين.
---(6/369)
هذا ما لدى ما فيه من الرأي، وهو المرادُ مما قاله البيضاوي، ولا يَبْعُد أن يكون صواباً أن مستقرَّها يوم القيامة، فلا تزال تجري إلى أن تستقرَّ، وذلك حين يريدُ اللَّهُ سبحانه أن يستأصل عمارةَ الدُّنيا، فيلقِيها في جهنَّم، ومَنْ لم يبلغ كُنْهه، جعله من زيغ فلسفته، وزعم أنه ما حمله على هذا التأويل إلا استبعادُه سجودَ الشمس كلَّ يوم، والأمر ما عَلِمت.
بقي حديث سجود الشمس، أنها تذهب كلَّ يوم تَحْت العرش، وتستأذِنْ رَبَّها للسجود، فيؤذن لها، حتى إذا قَرُبت القيامةُ لا يؤذن لها، ويقال لها: اطلعي من حيث أتيت، وحينئذٍ تَطْلُع من مَغْرِبها، وذلك هو مستقرُّها، فهو نوع من الاقتباس عندي. فاسمع لذلك مني مقدّمةً، وهي أن الحديث إذا التقى مع الآية في موضع، لا يكون منه شَرْحُه اللفظي، وتفسيرُه على نحو ما شاع عندنا من بيان معانيه، ومباحثه خاصّة، بل قد يكون ذلك نحواً من الاقتباس فقط، وهذا مليح جداً. فإِنَّ الإِنسان إذا انتقل من الحديثِ إلى الآية بنحوِ مناسبةٍ يرتاح قلبُه، وتستلذ به نَفْسُه. فلم يَقْصِد في حديث السجود شَرْحَ قوله: {تَجْرِى} لينطبق عليه حَذْواً بحذو، ولكنه نَوْعُ اقتباسٍ. فما اختاره البيضَاويُّ يحوم حولَ الصواب إن شاء الله تعالى، وراجع «روح المعاني».
فائدة:
واعلم أنَّ عُلوم الصوفيةِ إنما تهتز لها النَّفْس، لأنها تُؤخذ من الإِحساسات الخارجية والمواجيد الصحيحة، فتؤثر في القلوب أَثَر السهام، بخلاف علوم العلماء، فإنها تُبْنى على الدلائل العقلية الصِّرفة، فكثيراً ما تحتوي على الأغلاط.
---(6/370)
سُورَةُ الصَّافَّاتِ
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} (سبأ: 53) مِنْ كُلِّ مَكانٍ. {وَيُقْذَفُونَ مِن كُلّ جَانِبٍ} (8) يُرْمَوْنَ. {وَاصِبٌ} (9) دَائِمٌ. {لاَّزِبٍ} (11) لاَزِمٌ. {تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} (28) يَعْنِي الحقَّ، الكُفَّارُ تَقُولُهُ لِلشَّيطَانِ. {غَوْلٌ} (47) وَجَعُ بَطْنٍ. {يُنزِفُونَ} (47) لاَ تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ. {قَرِينٌ} (51) شَيطانٌ. {يُهْرَعُونَ} (70) كَهَيئَةِ الهَرْوَلَةِ. {يَزِفُّونَ} (94) النَّسَلاَنُ في المَشْيِ. {وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} (158)، قالَ كُفَّارُ قُرَيشٍ: المَلاَئِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَأُمَّهَاتُهُمْ بَنَاتُ سَرَوَاتِ الجِنِّ، وَقالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} (158)، سَتُحْضَرُ لِلحِسَابِ.
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَنَحْنُ الصَّآفُّونَ} (165) المَلاَئِكَةُ. {صِرطِ الْجَحِيمِ} (23) {سَوَآء الْجَحِيمِ} (55): وَوَسَطِ الجَحِيمِ. {لَشَوْباً} (67) يُخْلَطُ طَعَامُهُمْ وَيُسَاطُ بِالحَمِيمِ. {مَّدْحُورًا} (الأعراف: 18) مَطْرُوداً. {بَيْضٌ مَّكْنُونٌ} (49) اللُّؤْلُؤُ المَكْنُونُ. {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الاْخِرِينَ} (78، 108، 129)، يُذْكَرُ بِخَيرٍ. {يَسْتَسْخِرُونَ} (14) يَسْخَرُونَ. {بَعْلاً} (125) رَبّاً. الأَسْبَابُ: السَّمَاءُ.
باب قَوْلُهُ: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ لله} (139)
---(6/371)
قوله: (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّآفُّونَ) وقد مر معنا أنَّ الأصل في الصفِّ هم الملائكةُ ولذا ورد في الحديث أنَّ صفوفَكم على صفوفِ الملائكة أو كما قال واعلم أنه جرت مناظرةٌ بين الجُرْجاني والتَّفْتَازاني في جواب السائل من التائب حين أخبر أن رَجُلاً تاب من مكَّةَ فقال التفتازاني إن حقَّ الجوابِ التائبُ زيدٌ وقال الجُرْجاني إنه زيدٌ التائب فمن كان حصل له هذا البحثُ يدرك القصر في قوله وإنا لنحنُ الصَّافون كيف هو؟.
سُورَةُ ص
باب
{عُجَابٌ} (5) عَجِيبٌ. القِطُّ: الصَّحِيفَةُ، هُوَ هَا هُنَا صَحِيفَةُ الحَسَنَاتِ.
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {في عِزَّةٍ} (2) مُعَازِّينَ. {الْمِلَّةِ الاْخِرَةِ} (7) مِلَّة قُرَيشٍ. الاِخْتِلاَقُ: الكَذِبُ. {الاْسْبَبَ} (10) طُرُقُ السَّمَاءِ في أَبْوَابِهَا. {جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ} (11): يَعْنِي قُرَيشاً. {أُوْلَئِكَ الاْحْزَابُ} (13) القُرُونُ المَاضِيَةُ. {فَوَاقٍ} (15) رُجُوعٍ. {قِطَّنَا} (16) عَذَابَنَا. {اتَّخَذْنَاهُمْ سُخْرِيّاً} (63) أَحَطْنَا بِهِمْ. {أَتْرَابٌ} (52) أَمْثَالٌ.
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {الاْيْدِ} (17) القُوَّة في العِبَادَةِ. {الاْبْصَرُ} (45) البَصَرُ في أَمْرِ اللَّهِ. {حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِى} (32) مِنْ ذِكْرِ. {طَفِقَ مَسْحاً} (33) يَمْسَحُ أَعْرَافَ الخَيلِ وَعَرَاقِيبَهَا. {الاْصْفَادِ} (38) الوَثَاقِ.
باب قَوْلِهِ: {وَهَبْ لِى مُلْكاً لاَّ يَنبَغِى لاِحَدٍ مّن بَعْدِى إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} (35)
باب قَوْلِهِ: {وَمَآ أَنَآ مِنَ الْمُتَكَلّفِينَ} (86)
---(6/372)
قوله: ({طَفِقَ مَسْحاً} يَمْسَحُ أعرافَ الخَيْل)... إلخ، قيل: معنى المَسْح الذَّبْح، وقيل: إمرار اليد. ولو ثبت عندنا أن ذبح الحيوانات بمثل نية صحيحة هذه لا يجوزُ أيضاً، لِجَزْمِنا بأنَّ المَسْح ههنا بمعنى الإِمرار، ولكنه لم يَثْبُت عندنا بعد، فاستوى الاحتمالاتِ عندنا. وترجمة الشاه عبد القادر جهارنا.
قوله: ({وَمَآ أَنَآ مِنَ الْمُتَكَلّفِينَ}) والتكلُّف أن يتقوَّل ما لا يَعْلَمُهُ.
سُورَةُ الزُّمَرِ
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ} (24): يُجَرُّ عَلَى وَجْهِهِ في النَّارِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَمَن يُلْقَى فِى النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِى ءامِناً} (فصلت: 40) {ذِى عِوَجٍ} (28) لَبْسٍ. {وَرَجُلاً سَلَماً لّرَجُلٍ} (29): صَالحاً، مَثَلٌ لإلهِهِمُ البَاطِلِ، وَالإِلهِ الحَقِّ. {وَيُخَوّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ} (36) بِالأَوْثَانِ. خَوَّلنَا: أَعْطَينَا. {وَالَّذِى جَآء بِالصّدْقِ} (33) القُرْآنِ
قوله: (الشَّكِسُ: العَسِرُ)... إلخ. درشت خوآدمى.
قوله: ({مُتَشَبِهاً} ليس من الاشتِبَاه)... إلخ. وقد مَرَّ أنه في القرآن بِمعْنَيَينِ، وذكره ههنا بالمعنى الثاني.
باب قَوْلُهُ: {يعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (53)
أَشكلت الآيةُ من حيث تضمُّنُها مغفرةَ الشِّرْك أيضاً، فأَوَّلُوها بما لا أرضى به. وعندي أن الآيةَ ليس فيها حُكْمٌ بالمغرفة، بل بيانٌ لشأنِه تعالى، وإنْ لم يظهر في حقِّ المشركين، لسبق إرادةِ التَّعْذيب في حَقِّهم، وعليه قوله صلى الله عليه وسلّم «فإِنَّه لا صلاةَ لمن لم يقرأ بها» فهذا شأنٌ لها، ولو لم يتحقَّق في حقِّ المقتدي، وقد قررناه مِراراً.
---
باب قَوْلِهِ: {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} (67)(6/373)
باب قَوْلِهِ: {وَالاْرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ وَالسَّمَوتُ مَطْوِيَّتٌ بِيَمِينِهِ} (67)
زعم أرسطا طاليس المَخْذُول، أن قُدرةَ الباري عز اسمُه منحصِرةٌ فيما تحت فَلَك الأفلاك، ثُم ذكر طولَه وعَرْضَه، فكأنه أراد أن يَذْرَع قُدرةَ العزيز الحميد، والعياذ بالله، وَيْلٌ له، ثُم وَيْل له.
4811 - قوله: (فضحك النبيُّ صلى الله عليه وسلّمحتى بَدَت نواجِذُه، تصديقاً لقولِ الحَبْر، ثُم قَرَأَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}) وفيه إشكالٌ من حيث إِن قراءته صلى الله عليه وسلّم {وما قدروا ا}... إلخ، يدلُّ على غوايَتِهم، وهذا يناقِضُ ما مرَّ من التصديق منه. قلتُ: إنه صَدَّقهم فيما يترشَّح من كلامهم من عظمتِهِ تعالى، وردَّ عليهم ما فيه من إساءةِ التعبير. وهذا كما سأل النبيُّ صلى الله عليه وسلّمجاريةً عن اللَّهِ، فقالت: في السماء، فشهد بإِسلامِها، لأنه عَلِم ما في ذِهْنِها من عظمتِهِ تعالى، ولم يزاحمها في نسبةِ المكانِ إلى الله تعالى، فإِنَّ العوامَّ جُبِلوا على نِسبةِ الله تعالى إلى تلك الجهةِ، فأغضى عنها، وإنما ردَّ فيما نحن فيه، لكونِ المخَاطب حَبْراً يهودِياً، يَدَّعي عِلْم الكتاب.
4814 - قوله: (بين النَّفْخَتَين أربعون) وهذا ما قلنا أَوّلاً.
---(6/374)
قوله: (ويَبْلى كلُّ شيء من الإِنسانِ إلا عَجْبَ ذَنْبه) دلَّ على أن بنية الإِنسان هي عَجْبُ ذَنْبه، أعني بها بنيةً كبنية البيت، فإِن البيت أوّل ما ترفع منه بنيته، ثُم ترفع العبارة منها. فانحل ما بُحِث في عِلْم الكلام في تحقيق ماذا يكون منه الإِعادة في المَحْشر. ومعنى الإِعادة عندي الحَشْر بحيث يعرفه في المحشر مَنْ كان يعرفه في الدنيا، ولا بحث لي عن أجزائه، كم فنيت منها، وكم بقيت. فإِنه قليلُ الجدوى، وقد اختلفوا في مناط تحفظ الوحدة الشخصية في الأشياء: فذكر ابنُ سيناء، أنَّ الوحدة الشخصيةَ في الإِنسان محفوظةٌ بنفسه الناطقة.
قلتُ: وهذا ليس بشيء، أما أَوّلاً فلأن في نفس ثبوت النفس المجردة ألفَ كلام. ولم يقم دليلٌ بعد على وجودِها، ولئن سلمناه فما سبيل الاستحفاظ فيما لا نفس له، كالنباتات، والجمادات، فإِن لها أيضاً وحدةً شخصية، مع أنها لا نفس لها اتفاقاً. وقد مَرّ عليه شارِحُ «التجريد»، فراجع ما ذكره. ودلَّ عليه الحديثُ أنه عَجْبُ الذنب في الإِنسان، ولذا يبلى منه كلُّ شيء، إلا هذا، ولعله لتحفظ وحدته الشخصية.
والحاصل أن الضروري في الإِعادة هو أن يَعْرف أهلُ المشاهدة أنَّ زيداً بعد الإِعادة هو الذي كان في الدنيا بعينه، ألا ترى أنا نقول له: زيداً في الدنيا، بعد الاستحالات العديدة، والتغيرات الشديدة أيضاً، ولا وَجْه له إلا أنا نَحْكم عليه بعد تلك التغيرات أنه هو الذي رأيناه قبلها، فدلَّ على أن الضروري في تحفظ الوحدة، هو كَوْنه بهذه الصفة لا غير، فاعلمه، واغتنم، وقد ذكرناه في «الجنائز» أبسط من هذا.
باب قَوْلِهِ: {وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى السَّمَوتِ وَمَن فِى الاْرْضِ إِلاَّ مَن شَآء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} (68)
سُورَةُ المُؤْمِنِ
---(6/375)
قالَ مُجَاهِدٌ: «حللهملله» مَجَازُهَا مَجَازُ أَوَائِلِ السُّوَرِ، وَيُقَالُ: بَل هُوَ اسْمٌ؛ لِقَوْلِ شُرَيحِبْنِ أَبِي أَوْفَى العَبْسِيِّ:
* يُذَكِّرُنِي حامِيمَ وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ ** فَهَلاَّ تَلاَ حامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ
{الطَّوْلِ} (3) التَّفَضُّلُ. {دخِرِينَ} (60) خاضِعِينَ.
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {إِلَى النَّجَوةِ} (41) الإِيمَانِ. {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ} (43): يَعْنِي الوَثَنَ. {يُسْجَرُونَ} (72) تُوقَدُ بِهِم النَّارُ. {تَمْرَحُونَ} (75) تَبْطَرُونَ.
وَكانَ العَلاَءُبْنُ زِيَادٍ يُذَكِّرُ النَّارَ، فَقَالَ رَجُلٌ: لِمَ تُقَنِّطُ النَّاسَ؟ قالَ: وَأَنَا أَقْدِرُ أَنْ أُقَنِّطَ النَّاسَ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {يعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} (الزمر: 53)، وَيَقُولُ: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَبُ النَّارِ} (43)، وَلكِنَّكُمْ تحِبُّونَ أَنْ تُبَشَّرُوا بِالجَنَّةِ عَلَى مَسَاوِىءِ أَعْمَالِكُمْ، وَإِنَّمَا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداًصلى الله عليه وسلّممُبَشِّراً بِالجَنَّةِ لِمَنْ أَطَاعَهُ، وَمُنْذِراً بِالنَّارِ مَنْ عَصَاهُ.
قوله: (يُذَكِّرُني حامِيمَ، والرُّمْحَ شَاجِرٌ......)... إلخ، فقوله: «حم» ههنا مفعولٌ للفِعْل، فدلَّ على كون الحروفِ المقطعات أسماءً للسُّور، كما هو رأيُ سيبويهٍ، وهو المختار عندي.
قوله: (ليس لهُ دَعْوةٌ، يعني الوَثَن) بيان لمرجع الضَّمير المجرور.
قوله: (فأقْبَل أبو بَكْرٍ فأخَذَ بِمَنْكِبِه) وكان مِن أَشجَعِهم.
سُورَةُ حم السَّجْدَةِ {فصلت}
وَقالَ طَاوُسٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {ائْتِيَا طَوْعاً} (11) أَعْطِيَا. {قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ} (11) أَعْطَينَا.
---(6/376)
وَقالَ المِنْهَالُ، عَنْ سَعِيدٍ قالَ: قالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسِ: إِنِّي أَجِدُ في القُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ؛ قالَ: {فَلاَ أَنسَبَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءلُونَ} (المؤمنون: 101)، {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَآءلُونَ} (الصافات: 27)، {وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} (النساء: 42)، {وَاللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} (الأنعام: 23)، فَقَدْ كَتَمُوا في هذهِ الآيَةِ. وَقالَ: {أَمِ السَّمَآء بَنَهَا} إِلَى قَوْلِهِ: {دَحَهَا} (النازعات: 27 - 30). فَذَكَرَ خَلقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلقِ الأَرْضِ، ثُمَّ قالَ: {أَءنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِى خَلَقَ الاْرْضَ فِى يَوْمَيْنِ} إِلَى: {طَآئِعِينَ} (9 - 11) فَذَكَرَ فِي هذِهِ خَلقَ الأَرْضِ قَبْلَ السَّمَاءِ. وَقَالَ: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} (النساء: 96) {عَزِيزاً حَكِيماً} (النساء: 56) {سَمِيعاً بَصِيراً} (النساء: 58). فَكَأَنَّهُ كانَ ثُمَّ مَضى؟. فَقَالَ: {فَلاَ أَنسَبَ بَيْنَهُمْ} (المؤمنون: 101) في النَّفخَةِ الأُولَى، ثُمَّ يُنْفَخُ في الصُّورِ: {فَصَعِقَ مَن فِى السَّمَوتِ وَمَن فِى الاْرْضِ إِلاَّ مَن شَآء اللَّهُ} (الزمر: 68) فَلاَ أَنْسَابَ بَينَهُمْ عَنْدَ ذلِكَ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ، ثُمَّ في النَّفخَةِ الآخِرَةِ: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَآءلُونَ} (الصافات: 27).
---(6/377)
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} (الأنعام: 23)، {وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ} (النساء: 42) فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لأَهْلِ الإِخْلاَصِ ذُنُوبَهُمْ، وَقالَ المُشْرِكُونَ: تَعَالَوْا نَقُولُ لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ، فَخُتِمَ عَلَى أَفوَاهِهِمْ، فَتَنْطِقُ أَيدِيهِمْ، فَعِنْدَ ذلِكَ عُرِفَ أَنَّ اللَّهَ لاَ يُكْتَمُ حَدِيثاً، وَعِنْدَهُ: {يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ} (النساء: 42) الآيَةَ.
وَخَلَقَ الأَرْضَ في يَوْمَينِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ في يَوْمَينِ آخَرَينِ، ثُمَّ دَحا الأَرْضَ، وَدَحْوُهَا: أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا المَاءَ وَالمَرْعى، وَخَلَقَ الجِبَالَ وَالجِمَالَ وَالآكامَ وَما بَينَهُمَا في يَوْمَينِ آخَرَينِ، فَذلِكَ قَوْلُهُ: {دَحَهَا} (النازعات: 30). وَقَوْلُهُ: {خَلَقَ الاْرْضَ فِى يَوْمَيْنِ} (9) فَجُعِلَتِ الأَرْضُ وَما فِيهَا مِنْ شَيءٍ في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَخُلِقَتِ السَّماوَاتُ في يَوْمَينِ.
{وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً} (النساء: 96) سمَّى نَفسَهُ ذلِكَ، وَذلِكَ قَوْلُهُ، أَي لَمْ يَزَل كَذلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ شَيئاً إِلاَّ أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ، فَلاَ يَخْتَلِف عَلَيكَ القُرْآنُ، فَإِنَّ كُلاًّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {مَمْنُونٍ} (8) مَحْسُوبٍ. {أَقْوتَهَا} (10) أَرْزَاقَهَا. {فِى كُلّ سَمَآء أَمْرَهَا} (12) مِمَّا أَمَرَ بِهِ. {نَّحِسَاتٍ} (16) مَشَائِيمَ. {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآء} (25): قَرَنَّاهُمْ بِهِمْ. {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَئِكَةُ} (30) عِنْدَ المَوْتِ. {اهْتَزَّتْ} (39) بِالنَّبَاتِ {وَرَبَتْ} (39) ارْتَفَعَتْ.
---(6/378)
وَقالَ غَيرُهُ: {مّنْ أَكْمَامِهَا} (47) حِينَ تَطْلُعُ. {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِى} (50) بِعَمَلِي أَي أَنَا مَحْقُوقٌ بِهذا. {سَوَآء لّلسَّآئِلِينَ} (10) قَدَّرَهَا سَوَاءً. {فَهَدَيْنَهُمْ} (17) دَلَلنَاهُمْ عَلَى الخَيرِ وَالشَّرِّ، كَقَوْلِهِ: {وَهَدَيْنَهُ النَّجْدَينِ} (البلد: 10)، وكَقَوْلِهِ: {هَدَيْنَهُ السَّبِيلَ} (الإنسان: 3)، وَالهُدَى الَّذِي هُوَ الإِرْشَادُ بِمَنْزِلَةِ أَسْعَدْنَاهُ، مِنْ ذلِكَ قَوْلُهُ: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (الأنعام: 90)، {يُوزَعُونَ} (19) يُكَفَّوْنَ. {مّنْ أَكْمَامِهَا} (47) قِشْرُ الكُفُرَّى هِيَ الكُمُّ. وقَالَ غَيْرُهُ: ويُقالُ للعِنَبِ إذا خَرَجَ أيضاً كافُورٌ وكُفُرَّى. {وَلِىٌّ حَمِيمٌ} (34) القَرِيبُ. {مِن مَّحِيصٍ} (48) حاصَ عَنْهُ: حاد. {مِرْيَةٍ} (54) وَمُرْيَةٌ وَاحِدٌ، أَيِ امْتِرَاءٌ.
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ} (40) الوَعِيدُ.
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} (34) الصَّبْرُ عِنْدَ الغَضَبِ وَالعَفوُ عِنْدَ الإِسَاءَةِ، فَإِذَا فَعَلُوهُ عَصَمَهُمُ اللَّهُ، وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ: {كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ} (34).
قَوْلُهُ: {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَرُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مّمَّا تَعْمَلُونَ} (22)
باب {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِى ظَنَنتُم بِرَبّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مّنَ الُخَسِرِينَ} (23)
---(6/379)
وَكانَ سُفيَانُ يُحَدِّثُنَا بِهذا فَيَقُولُ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، أَوِ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، أَوْ حُمَيدٌ، أَحَدُهُمْ أَوِ اثْنَانِ مِنْهُمْ، ثُمَّ ثَبَتَ عَلَى مَنْصُورٍ، وَتَرَكَ ذلِكَ مِرَاراً غَيرَ وَاحِدَةٍ. قَوْلُهُ {فَإِن يَصْبِرُواْ فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} الآيَةَ (24).
والمضاف إليه ههنا للتمييز عن «حم التنزيل».
قوله: (قال رَجُلٌ لابنِ عَبَّاس: إني أجِدُ في القرآنِ أشياءَ تَخْتَلِفُ عليَّ)... إلخ. وحاصله عِدَّةُ إشكالاتِ سُئل عنها ابنُ عباس:
الأول: أنَّ القرآنَ أخْبر بأنَّ الأنسابَ لا تَنْفَعُ في المحْشر، وأنه لا يقع فيها تساؤلٌ، فناقضه في مَوْضع آخر وأخبر بالتساؤل، والقِيل والقال، والبحث والجدال. فأجاب عنه أنهما ألوانٌ وأطوار، فتارة يرمون بالصِّمات، وتَحِقُّ عليهم كلمةُ الإِنصات، فلم تسمع لهما صوت، وحيناً يتساءلون فيما بينهم، فلا خلاف بين وقوع التساؤل ونفيه.
والثاني: أنّهُ يُعْلم من بعضِ الآياتِ أنَّ خَلْق الأَرْض مُقدَّم على خَلْق السماء، ومِنْ بعضِها بالعكس. والجواب أن نَفْسَ الأرضِ مُقدَّمةٌ على السماء، ودَحْوُها متأخِّرٌ عن تسويةِ السموات، فهي متقدِّمة من وَجْه، ومتأخِّرة من وَجْهٍ، فصح الأمران.
قلتُ: وهذا الجوابُ غيرُ تامَ، كما أشار إليه في «جامع البيان» في تفسير سورة النازعات. وتعرَّض إليه الشاه عبدُ القادر في ثلاثة مواضع، ولم يأت بما يشفي الصدور، نعم تعرض إليه الشاه عبد العزيز في «فتح العزيز» وهو مُفيدٌ. وحاصِلُ ما ذكره أنَّ مادة الأرضِ والسموات كانتا مُخْتلِطَتَين أَوّلاً، فميز الله سبحانه بينهما، ثُم سَوَّى السموات، ثُم دحا الأرض. فتسويةُ السمواتِ بعد مادتها، ودَحْوُ الأرض بعد تسويةِ السماء.
---(6/380)
والثالث: أن صِفاتِ الله تعالى أَزَليَّةٌ، فكيف تستقيمُ صِيغُ الماضي في نحو قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}. قلتُ: ولم أتحصّل الجوابَ من ألفاظه التي عند البخاري، وذلك لعدم إدراكِنا مصطلحاتِ السَّلَف، ولعل مرادَه أن تلك الصِّيغ وإن كانت للمُضِي، لكنها إذا استعملت في الصِّفات الإِلهية تكون لإِفادة مُضِي التسمية فقط. فلا تَخالُفَ بين قِدَم الصفات، وصِيغ الماضي.
وحاصل الجواب أن الاسمَ قدِيمٌ، والتسمية به ماضٍ. ولاحظ هناك مسألةَ التكوين أيضاً، فإِنَّ الأشاعرة أنكروها، وزعموا أن في تَعلُّقِ الصِّفات السَّبْع غناءً عن القَوْل بصفةِ التكوين، وإليه مال ابنُ الهُمام في «المسايرة» و«التحرير»، وحينئذ تكون أسماؤه تعالى كلُّها انتزاعيةً عندهم، والماتريدية أدرجوها تحت صفةِ التكوين، فيكون اسمه «العزيز» و«الحكيم» أيضاً داخِلاً تحت التكوين، ويستقيمُ أسلوبُ القرآن، ولكنه لا بد أن يقال: إن تلك الأسماءَ قديمةٌ، نعم تعلُّقاتها حادِثة.
والرابع: أنَّ الله حَكَى عن المشركين أَوّلاً: {أَنَّهم لا يكتمون اللَّهَ حَدِيثاً} (النِّساء: 42)، ثُم أخبر عن قولهم: {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} (الأَنعام: 23)، وهل هذا إلا كِتمانٌ لِشِرْكهم؟ وجوابه أن النفيَ بيانٌ لما سيظهر آخِراً، وينتهي إليه الأمر، فإِنَّهم إذا كتموا تَنْطِق أعضاؤهم بما كسبوا، فأيّ شيء يكتمون بعده، وهذا معنى قوله: «وعند ذلك عُرِف أنَّ اللَّهَ لا يكتُمُ حديثاً»، أي وعند ذلك يتبين، ويظهر اب بات كهلى كى. فهذه أربعةُ أَسئلة، مع تقرير أجوبتها.
فائدة:
---
وقد تُكلّم في الفلسفةِ على أنه لا قوّةَ في الفاعل باعتبار مفعولِه، بخلاف المادة، فإِنَّ فيها استعداداً للصُّوَرِ، وقالوا: إنَّ نِسبةَ الفِعْل إلى فاعله وجوبيةٌ، ونسبة المستعِدّ إلى المستعَدِّ له إمكانيةٌ. قلتُ: أرادوا بذلك بيان تفاوت الأنظار فقط، سواء كانت له ثمرةٌ في الخارج أو لا.(6/381)
قوله: (مَشَائِيم) جَمْع شُؤم.
قوله: (مَحْقُوق) سزاوار.
قوله: ({وَهَدَيْنَهُ النَّجْدَينِ}) يمكن أن يكون المصنِّفُ تعرَّض إلى معنى الهداية.
قوله: (والهُدَى الذي هو الإِرشَادُ) فهذه مُوصلةٌ إلى البغية، والأُولى بمعنى إراءة الطريقِ، وراجع له «ميرايساغوجي».
سُورَةُ حم عسق (الشُّورَى)
وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {عَقِيماً} (50): لاَ تَلِدُ. {رُوحاً مّنْ أَمْرِنَا} (52) القُرْآنُ. وَقالَ مُجَاهِدٌ: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} (11): نَسْلٌ بَعْدَ نَسْلٍ. {لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا} (15) لاَ خُصُومَةَ. {طَرْفٍ خَفِىّ} (45) ذَلِيلٍ. وَقالَ غَيرُهُ: {فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} (33) يَتَحَرَّكْنَ وَلاَ يَجْرِينَ في البَحْرِ. {شَرَعُواْ} (21) ابْتَدَعُوا.
باب قَوْلِهِ: {إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى} (23)
4818 - قوله: ({إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى}) حاصل تفسيرِ سعيد بنِ جُبير أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمسألهم عن مراعاة أهل قرابته. وحاصل تفسيرِ ابن عباس سألهم عن مراعاةِ نفسه، لأَجْل قرابتِه في جميعِ البطون.
سُورَةُ حم الزُّخْرُفِ
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {عَلَى أُمَّةٍ} (22 - 23) عَلَى إِمامٍ. {وَقِيلِهِ يرَبّ} (88) تَفسِيرُهُ: أَيَحْسبُون أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ، وَلاَ نَسْمَعُ قِيلَهُمْ.
---
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وحِدَةً}(33): لَوْلاَ أَنْ جَعَلَ النَّاسَ كُلَّهُمْ كُفَّاراً، لَجَعَلتُ لِبُيُوتِ الكُفَّارِ {سُقُفاً مّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ} (33) مِنْ فِضَّةٍ، وَهيَ دَرَجٌ، وَسُرُرَ فِضَّةٍ. {مُّقَرَّنِينَ} (13) مُطِيقِينَ. {ءاسَفُونَا} (55) أَسْخَطُونَا. {يَعْشُ} (36) يَعْمى.(6/382)
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذّكْرَ} (5): أَي تُكَذِّبُونَ بِالقُرْآنِ، ثُمَّ لاَ تُعَاقَبُونَ عَلَيهِ؟ {وَمَضَى مَثَلُ الاْوَّلِينَ} (8): سُنَّةُ الأَوَّلِينَ. {مُّقَرَّنِينَ} (13) يَعْنِي الإِبِلَ وَالخَيلَ وَالبِغَالَ وَالحَمِيرَ. {يُنَشَّأُ فِى الْحِلْيَةِ} (18) الجَوَارِي، جَعَلتمُوهُنَّ لِلرَّحْمن وَلَداً، فَكَيفَ تَحْكُمُونَ؟ {لَوْ شَآء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَهُمْ} (20): يَعْنُونَ الأَوْثَانَ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} (20) الأَوْثَانُ، إِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ. {فِى عَقِبِهِ} (28) وَلَدِهِ. {مُقْتَرِنِينَ} (53) يَمْشُونَ مَعاً. {سَلَفاً} (56) قَوْمُ فِرْعَوْنَ سَلَفاً لِكُفَّارِ أُمَّةِ مُحَمَّدِصلى الله عليه وسلّم {وَمَثَلاً} (56) عِبْرَةً. {يَصُدُّونَ} (57) يَضِجُّونَ. {مُبْرِمُونَ} (79) مُجْمِعُونَ. {أَوَّلُ الْعَبِدِينَ} (81) أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ.
{إِنَّنِى بَرَآء مّمَّا تَعْبُدُونَ} (26) العَرَبُ تَقُولُ: نَحْنُ مِنْكَ البَرَاءُ وَالخَلاَءُ، الوَاحِدُ وَالاِثْنَانِ وَالجَمِيعُ، مِنَ المُذَكَّرِ وَالمُؤَنَّثِ، يُقَالُ فِيهِ: بَرَاءٌ، لأَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَلَوْ قالَ: بَرِيءٌ، لَقِيل في الاِثْنَينِ: بَرِيئانِ، وَفي الجَمِيعِ: بَرِيئُونَ، وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّنِي بَرِيءٌ، بِاليَاءِ. وَالزُّخْرُفُ: الذَّهَبُ. {مَّلَئِكَةً فِى الاْرْضِ يَخْلُفُونَ} (60) يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً.
---
قَوْلُهُ: {وَنَادَوْاْ يمَلِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} (77) قَالَ: إِنّكُمْ مَاكثُونَ.(6/383)
وَقالَ قَتَادَةُ: {مَثَلاً للآخِرِينَ} (56) عِظَةً. وَقالَ غَيرُهُ: {مُّقَرَّنِينَ} (13) ضَابِطِينَ، يُقَالُ: فُلاَنٌ مُقْرِنٌ لِفُلاَنٍ ضَابِطٌ لَهُ. وَالأَكْوَابُ: الأَبَارِيقُ الَّتِي لاَ خَرَاطِيمَ لَهَا. وَقالَ قَتَادَةُ: {فِى أُمّ الْكِتَبِ} (4)، جُمْلَةِ الكِتَابِ، أَصْلِ الكِتَابِ. {أَوَّلُ الْعَبِدِينَ} (81): أَي ما كانَ، فَأَنَا أَوَّلُ الآنِفِينَ، وَهُمَا لُغَتَانِ: رَجُلٌ عابِدٌ وَعَبِدٌ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: وَقالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ.
وَيُقَالُ: {أَوَّلُ الْعَبِدِينَ} الجَاحِدِينَ، مِنْ عَبِدَ يَعْبَدُ.
{أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ} (5) مُشْرِكِينَ، وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ هذا القُرْآنَ رُفِعَ حَيثُ رَدَّهُ أَوَائِلُ هذهِ الأُمَّةِ لَهَلَكُوا. {فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَى مَثَلُ الاْوَّلِينَ} (8) عُقُوبَةُ الأَوَّلِينَ. {جُزْأً} (15) عِدْلاً.
قوله: (وقِيله) قلتُ: أشكل وَجْه قراءةِ الجر، فحملها الزَّمخشري على أن الواو للقسم، وقرره الشاه عبد القادر. وعندي هي واو المَعِيّة بدون تشريك، وقد فصلته ذيلَ آيةِ الوضوء عند بيان القراءتين في قوله: {وَأَرْجُلَكُمْ}، أما قراءة النصب، فهي النصب، فهي على ظاهر الأَمْر، كما ذهب إليه البخاري.
قوله: (العَرَبُ تَقُولُ: نحنُ مِنْك البَرَاءُ)... إلخ. أي استعملوه مَصْدراً، فلا تظهر فيه التثنية، والجمع، والإِفراد، وكذا التذكير والتأنيث.
قوله: ({جُزْأً} عِدْلا) همسر.
سُورَةُ الدُّخَانِ
---(6/384)
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {رَهْواً} (24) طَرِيقاً يَابِساً، {عَلَى العَالَمِينَ} (32) عَلَى مَنْ بَينَ ظَهْرَيهِ. {فَاعْتِلُوهُ} (47) ادْفَعُوهُ. {وَزَوَّجْنَهُم بِحُورٍ} (54) أَنْكَحْنَاهُمْ حُوراً عِيناً يَحَارُ فِيهَا الطَّرْفُ. {تَرْجُمُونِ} (20) القَتْلُ. وَرَهْواً سَاكِناً. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كَالْمُهْلِ} (45) أَسْوَدُ كَمُهْلِ الزَّيتِ. وَقالَ غَيرُهُ: {تَبِعَ} (37) مُلُوكُ اليَمَنِ، كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمْ يُسَمَّى تُبَّعاً، لأَنَّهُ يَتْبَعُ صَاحِبَهُ، وَالظِّلُّ يُسَمَّى تُبَّعاً، لأَنَّهُ يَتْبَعُ الشَّمْسَ.
باب {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى السَّمَآء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} (10)
قالَ قَتَادَةُ: {فَارْتَقِبْ} (10): فَانْتَظِرْ.
باب {يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (11)
باب قَوْلِهِ تَعَالى: {رَّبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ} (12)
باب {أَنَّى لَهُمُ الذّكْرَى وَقَدْ جَآءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ} (13)
الذِّكْرُ وَالذِّكْرَى وَاحِدٌ.
باب {ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ} (14)
باب {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ} (16)
قوله: ({وَزَوَّجْنَهُم} أَنْكَحْنَاهُمْ) قيل: إن المؤمنين ينكحون الحُورَ في الجنة، وقيل: بل يُباح لهم الاستمتاعُ بهنَّ بدون نِكاح. وأشار المصنِّف بتفسيره إلى أن المرجَّح عنده هو التزويجُ.
سُورَةُ الجَاثِيَةِ
{جَاثِيَةً} (28): مُسْتَوْفِزِينَ عَلَى الرُّكَبِ.
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {نَسْتَنسِخُ} (29) نَكْتُبُ. {نَنسَاكُمْ} (34) نَتْرُكُكُمْ.
---
باب {وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدَّهْرُ} (24) الآيَة
قوله: (مُسْتَوْفِزِين) سر سرى نشست.(6/385)
4826 - قوله: (وأنا الدَّهْر) وشَرْحُه المشهور: أنَّ ابنَ آدم يزعمُ أن الدَّهْر هو الذي يجلب إليه الدوائر، فإِذا ابتُلي به يَسُبّه سَبّاً، ولا يدري أن الجالب هو اللَّهُ تعالى، فكأنه يَسُبّ اللَّهَ عز وجل، فإن الأمر بيده، يقلِّب الليلَ والنهار. وقال الشيخ الأكبر: إنَّ الدَّهْر من الأسماء الحُسْنى، وإذن يكون شأناً من شؤونه تعالى، وفِعْلاً من أفعاله. وذَكَر الرازي وظيفةَ بعض المشايخ «يا دهر»، «يا ديهار»، «يا ديهور»، ولو وجدت هذا اللفظ في الكتب السابقة لَرَكَنْت إلى كونِه منها. وذكر صاحب «القاموس» أيضاً أنه يحتمل أن يكونَ من أسمائه تعالى، وهو من معتقدي الشيخ الأكبر. وكذا الإِمام أبي حنيفة أيضاً، كما في «طبقات الفَيْرُوز آبادي» - رسالة صُنِّفت في طبقات الحنيفة .
قلتُ: إنَّ العالم بِأَسره تحت أسمائه تعالى عند الشيخ الأكبر، فليكن الزمانُ تحت اسم الدَّهْر، فيطلقُ الزمانُ فيما بيننا على عالَم الإِمكان، وإذا جاءت حضرةُ الوجوب لا نقولُ فيها الزمان، بل نطلقُ فيها لَفْظ الدَّهْر، وحينئذ تقسيمُ المَعِية إلى الزمانية، والسَّرْمديةِ، والدهرية صحيحٌ في الجملة، وإنْ كان تفسيرُ المَعِية الدهريةَ عندي، غير ما في المشهور. وفي «الشمس البازغة»: أن قَوماً ذهبوا إلى إنكار الباري سبحانه، وقالوا بالدَّهْر فَحَسْب، بالله خابوا وخسروا.
فائدة:
صنف صاحبُ «القاموس» رسالة سماها «بسفر السعادة» وقد بالغ فيها، فادَّعى التواتر في مسألة رفع السَّبّابة ورَفْع اليدين، مع أنه لا يوجد في المسألة الأُولى أزيدُ من ثلاثة أحاديث، وفي الثانية نحو العشرين، وأما ما ادَّعى من أنها نحو مئتين، فلا أَصْلَ له.
سُورَةُ الأَحْقَافِ
---
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {تُفِيضُونَ} (8) تَقُولُونَ. وَقالَ بَعْضُهُمْ: أَثَرَةٍ وَأُثْرَةٍ وَ {أَثَرَةٍ} (4) بَقِيَّة عِلمٍ.(6/386)
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {بِدْعاً مّنَ الرُّسُلِ} (9): لَسْتُ بِأَوَّلِ الرُّسُلِ.
وَقالَ غَيرُهُ: {أَرَأَيْتُمْ} (4) هذهِ الأَلِفُ إِنَّمَا هِيَ تَوَعُّدٌ، إِنْ صَحَّ ما تَدَّعُونَ لاَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ، وَلَيسَ قَوْلُهُ: {أَرَأَيْتُمْ} بِرُؤْيَةِ العَينِ، إِنَّمَا هُوَ: أَتَعْلَمُونَ، أَبَلَغَكُمْ أَنَّ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ خَلَقُوا شَيئاً؟.
باب {وَالَّذِى قَالَ لِولِدَيْهِ أُفّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِى أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِى وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ ءامِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَآ إِلاَّ أَسَطِيرُ الاْوَّلِينَ} (17)
باب قَوْلِهِ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (24)
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عارِضٌ: السَّحَابُ.
قوله: (أرأيتُم) ليس للاستفهام، بل للوَعِيد.
4827 - قوله: (فقال له عبدُ الرحمن بن أبي بَكْر شيئاً)... إلخ. أي قال عبدُ الرحمن: أن بيعوا على سنة كِسْرى وقَيْصر، حين رآهم يقولون: بيعوا على سنة أبي بكر وعمر، فلما سمعوا مقالته قالوا: خذوه.
سُورَةُ مُحَمَّدٍصلى الله عليه وسلّم
{أَوْزَارَهَا} (4) آثَامَهَا، حَتَّى لاَ يَبْقَى إِلاَّ مُسْلِمٌ. {عَرَّفَهَا} (6) بَيَّنَهَا.
---
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {مَوْلَى الَّذِينَ ءامَنُواْ} (11) وَلِيُّهُمْ. {عَزَمَ الاْمْرُ} (21) جَدَّ الأَمْرُ. {فَلاَ تَهِنُواْ} (35) لاَ تَضْعُفُوا. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أَضْغَنَهُمْ} (29) حَسَدَهُمْ. {ءاسِنٍ} (15) مُتَغَيِّرٍ.
باب {وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ} (22)
قوله: ({عَزَمَ الاْمْرُ} جَدَّ الأَمْر) كام بخته هو كيا.(6/387)
قوله: (فأَخَذَت بِحَقْو الرَّحْمن) وفي قاضيخان: مَن ادَّعى أنه رأى رَبَّه في المنام، فإِنه لا يكفر، لأنه نحوٌ من التجلِّي، كما في «حجة الله البالغة».
قلتُ: والذي يخطر بالبال - وإن لم يكن له بال - أن تَجَلِّيه الذي يُعبر عنه بالرؤية لا يكون إلاَّ في صورة الإِنسان، أو الأنوار، أعني به ما يعبر عنه الرائي، أنه رأى رَبَّه، وأما غيرُ ذلك من التجليات، مما لا يُقال فيها إنها رؤيةٌ تعالى، فيمكن بكل نحوٍ. واستدل عليهم الشيخُ الأكبر من قوله في حديث الدجَّال: إنَّ رَبَّكم ليس بأعور، مع ما في بعض الروايات أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمأشار إلى عَيْنِه، فإِنَّه يُشْعر بأنه تعالى لو تَجلَّى في صورةٍ لكان في صورةِ الإِنسانِ الكامل، غير فاقد للعين. وهذا الشقيُّ يكون أعورَ العين اليُمنى، فكيف يمكن أن يكون رَبّاً. ولولا تجلِّيه في صورة الإِنسان لما كان لقوله: «وإنَّ ربَّكم ليس بأعوَر» وَجْهٌ لطيف. وحينئذ ظهر معنى قوله: «حَقْو الرحمن»، فإِنَّه أيضاً تجلَّى على نحو ما يراه الرائي في منامه.
قلتُ: وهذا كما ترى كله من اختلاف العالمين يه سب كارستانى اختلاف عالمين كى هى بهت سى جهان ركهى هوئى هين.
---(6/388)
واعلم أن التجلِّي عبارةٌ عن أمور إلهية، تَضْعُف عن مشاهدتها بِنيةُ البشر، ويَكِلُّ عن إدراكها البصرُ، فَتُقام صورٌ تليق بِبِنيته لتقرِّبه من عالم الغيب، وتفيدُه معرفةً وبصيرةً بس يه سمان باندهنا اوريه بيرايه مشاهده بهى تجلى هى. وثبتت رؤيةُ الباري تعالى في رواية الترمذي، وروى في تلك الرواية في الخارج الرؤيةَ على هيئةِ شابٍ أَمْرد. وتصدَّى له البيهقيُّ، وليس بصواب، وكثيراً ما أراهم يزعمُون أنَّ كلَّ الصيدِ في جوف القرى، فإِذا لم يدركوا أمراً إذا هم يُنْكرون، كالزمخشري، فإِنه يحمل جميعَ المتشابهات على الاستعارات، والذي يُناسب أن تُصْرف الأمورُ إلى أهلها، ثُم لا ينازعه فيها. والفقهاء أيضاً خَفَّفُوا أَمْر الرؤية.
وبالجملةِ ما أشبهت رؤيته تعالى في المحْشَر برؤيتك إياه في المنام، وإنْ تفاوتت الرؤيتان قوةً وضَعْفاً. لا أريد به أنَّ الرؤيةَ في المَحْشر ليست على الحقيقةِ، بل نحو من المجاز، سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقّ، إنما أريدُ الاشتراك بين المرئي، أنه التجلِّي في المحلين، وإن كان تَجلِّيه في المَحْشر أَقْوى وأَقْوى مما في المنام، والله يَدْري ما بينهما من التفاوت في الكيفيات، ولكنَّ هذا التجلي هو المعبر عن رؤية الذاتِ عندي، فلا يخالف ألفاظَ الحديث. وقد مرّ معنا أنه مختارُ الشيخ الأَكْبر أيضاً، وتَبِعْتُه في ذلك، وقد تكلَّمنا عليه في مواضع، فراع المواضِعَ كلَّها، وإياك وأن تعزو إلي ما لم أُرِدْه.
سُورَةُ الفَتْحِ
قَالَ مُجَاهدٌ: بُوراً هَالِكِينَ. وَقالَ مُجَاهِدٌ: {سِيمَهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ} (29) السَّحْنَةُ، وَقالَ مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ: التَّوَاضُعُ. {شَطْأَهُ} (29) فِرَاخَهُ. {فَاسْتَغْلَظَ} (29) غَلُظَ. {سُوقِهِ} (29) السَّاقُ حامِلَةُ الشَّجَرَةِ.
---(6/389)
وَيُقَالُ: {دَآئِرَةُ السَّوْء} (6)، كَقَوْلِكِ: رَجُلُ السَّوْءِ، وَدَائِرَةُ السُّوءِ: العَذَابُ. {يُعَزِّروهُ} (9) يَنْصُرُوهُ. {شَطْأَهُ} (29) شَطْءُ السُّنْبُلِ، تُنْبِتُ الحَبَّةُ عَشْراً، أَوْ ثَمَانِياً، وَسَبْعاً، فَيَقْوَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، فَذَاكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَآزَرَهُ} (29) قَوَّاهُ، وَلَوْ كانَتْ وَاحِدَةً لَمْ تَقُمْ عَلَى سَاقٍ، وَهُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلنبي صلى الله عليه وسلّمإِذْ خَرَجَ وَحْدَهُ، ثُمَّ قَوَّاهُ بِأَصْحَابِهِ، كما قَوَّى الحَبَّةَ بِمَا يُنْبِتُ مِنْهَا.
باب {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} (1)
قوله: (سِيماهُم في وُجُوهِهم) السَّحْنَة هره.
قوله: (حامِلَةُ الشَّجرةِ) كيهون كاتنه.
4833 - قوله: (كانَ يَسِيرُ في بَعْضِ أَسْفَارِه)، أي مَقْفَله من الحديبية.
باب قَوْلُهُ: {لّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرطاً مُّسْتَقِيماً} (2)
باب {إِنَّآ أَرْسَلْنَكَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً} (8)
باب {هُوَ الَّذِى أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِى قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} (4)
باب قَوْلِهِ: {إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (18)
.
---
أَشكلَ تعليلُ الفتح بالمغفرة. قلتُ: ولعلَّ بين الشُّكْر والمغفرة تناسباً معنوياً، فيوضع أحدهما مَوْضع الآخر. ألا ترى أنه وَضَع الاستغفارَ دُبُرَ الصلوات، وإلاَّ فالظاهر أن مَوْضِعَه مَوْضع الشكر، ثم ظهر أن خيرَ الدنيا والآخرة، كالتوءَمين في حقِّ الأنبياء عليهم السلام، فإِذا أصابهم اللَّهُ تعالى بخيرٍ من الدنيا يعطف عليهم بخيرٍ من الآخرة أيضاً في ذلك الآن.(6/390)
وحينئذ ظهر وَجْه قِران الفتح بالمغفرة، فإِن الفتح نعمةٌ دنيوية، ولا تتحقق في حقِّ الأنبياء عليهم السلام، إلا أن تَشُوبها نعمةٌ أُخرى من النعم الأَخْروية، فأخبر بالمغفرةِ بما تقدّم وما تأخّر. وهذا كما قارن بينهما في سورة النَّصْر، فأَمره بالاستغفار عند الفتح ليغفر له، غير أنه ابتدأ ههنا بِبُشْرى المغفرة. وبالجملةِ لا تخلو نعمةٌ دنيويةٌ فيهم إلاَّ وتصاحِبُها نعمةٌ أُخرى من النّعم الأخروية. ولو أمعنت النَّظر فيه لَذُقْت المعنى. نعم، ومَنْ لم يذق لم يدر؛ وراجع له «رُوح المعاني».
4837 - قوله: (فلما كَثُر لَحْمهُ صلَّى جالساً، فإِذا أرادَ أَنْ يركع قام فقرأَ، ثُم ركع) وهذه القطعةُ ليست عند المصنِّف إلاَّ في هذا الموضع، ولم يترجم عليها المصنف أيضاً. وقد عَلِمت أنه إذا لم يَخْتر جانباً لا يترجم له، وإنْ كان اللفظَ المناسب له عنده.
قوله: (فقال: تلك السكينة) قلتُ: وهذا من باب التَّمثُّل.
4841 - قوله: (الخَذْف) صلى الله عليه وسلّمينتى مارنا.
4844 - قوله: (اتهِمُوا أَنْفُسَكم) أي لا تعتمدوا عليها، ولا تثقوا بها وُثُوقاً.
سُورَةُ الحُجُرَاتِ
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {لاَ تُقَدّمُواْ} (1) لاَ تَفتَاتُوا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّمحَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ. {امْتَحَنَ} (3) أَخْلَصَ. {تَنَابَزُواْ} (11) يُدْعى بِالكُفرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ. {يَلِتْكُمْ} (14) يَنْقُصكُمْ، أَلَتْنَا: نَقَصْنَا.
---
باب {لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىّ} (2) الآيَة
{تَشْعُرُونَ} (2) تَعْلَمُونَ، وَمِنْهُ الشَّاعِرُ.
باب {إَنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآء الْحُجُرتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} (4)
باب قَوْلِهِ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ} (5)
قوله: ({لاَ تُقَدّمُواْ})... إلخ. أي بل فُوِّضُوا أمورَكم إليه.(6/391)
قوله: (النبذ بالألقاب) جر.
4846 - قوله: (أنا أعلمُ لَك عِلْمَه) أي أنا آتِيك بِخَبَرِه.
سُورَةُ ق
{رَجْعُ بَعِيدٌ} (3) رَدٌّ، {فُرُوجٍ} (6) فُتُوقٍ، وَاحِدُهَا فَرْجٌ. {مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (16) في حَلقِهِ، الحَبْلُ: حَبْلُ العَاتِقِ.
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {مَا تَنقُصُ الاْرْضَ} (4) مِنْ عِظَامِهِمْ. {تَبْصِرَةً} (8) بَصِيرَةً. {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} (9) الحِنْطَةُ، {بَسِقَتٍ} (10) الطِّوَالُ. {أَفَعَيِينَا} (15) أَفَأَعْيَا عَلَينَا، {وَقَالَ قَرِينُهُ} (23) الشَّيطَانُ الَّذِي قُيِّضَ لَهُ. {فَنَقَّبُواْ} (36) ضَرَبُوا. {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} (37) لاَ يُحَدِّثُ نَفسَهُ بِغَيرِهِ. حِينَ أَنْشَأَكُمْ وَأَنْشَأَ خَلقَكُمْ. {رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (18) رَصَدٌ. {سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ} (21) المَلَكانِ: كاتِبٌ وَشَهِيدٌ، {شَهِيدٌ} (37) شَاهِدٌ بِالقَلبِ. {لُغُوبٌ} (38) النَّصَبُ.
---
وَقالَ غَيرُهُ: {نَّضِيدٌ} (10) الكُفُرَّى ما دَامَ في أَكْمَامِهِ، وَمَعْنَاهُ: مَنْضُودٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَكْمَامِهِ فَلَيسَ بِنَضِيدٍ، في {وَإِدْبَرَ النُّجُومِ} (الطور: 49) {وَأَدْبَرَ السُّجُودِ} (40) كانَ عاصِمٌ يَفتَحُ الَّتِي في (ق) وَيَكْسِرُ الَّتِي في (الطُّورِ)، وَيُكْسَرَانِ جَمِيعاً وَيُنْصَبَانِ.
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يَوْمُ الْخُرُوجِ} (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ القُبُورِ.
باب قَوْلِهِ: {وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} (30)
باب {وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} (39)
قوله: (أَفَأَعْيا علينا) كيايه بات همسى نا ممكن هو كئى.
قوله: (ما دام في أَكْمامِه) يعني جب تك غنجه هو.
قوله: (يكسران جَمِيعاً ويُنْصَبَان) لَفْظ النَّصْب مُسْتعملٌ في البناء والإِعراب معاً.(6/392)
4848 - قوله: (حَتَّى يَضَعَ قَدَمَهُ) قال علماءُ البيان: والمرادُ منه الخَيْبةُ وعدمُ العمل بمتمناه، وهو عندي نحوٌ من التجلِّي، فإِنه على أنحاه، وأَوّلُها تجلِّي السَّاق، وذلك في المَحْشر للتعريف، لأنَّ جبهةَ المسلمين كانت تَقَع على قَدَميه عزَّ وجلَّ عند السجود، كما في الحديث، فلم تكن واسطَتُها من الحضرة الإِلهية إلاَّ بالساق، ولذا اختص للتعريف من بين سائر التجليات؛ وأما تجلِّي القدم، فهو للغضب؛ وأما تجلِّي الحَقْو، فقد مَرَّ يوم الميثاق؛ وأما تجلِّي الوَجْه فيكون في الجنة، وهو أعلاها.
---
قوله: (وأمّا الجنَّةُ: فإِنَّ اللَّهَ يُنْشِيءُ لَها خَلْقاً)... إلخ. وفي مَوْضعٍ آخَر: أَنْشأ الخَلْقَ للنَّار. وتوجه الشارحون إلى التوفيق بينهما؛ قلتُ: وذلك وَهْم قَطْعاً، والصواب إنشاءُ الخَلْق للجنَّة، ثُم لا يدري عَدَدَهم إلا اللَّهُ، ومِن ههنا ظهر الجواب: أَنَّ غايةَ العالمَ هي العبادة، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56)، والظاهر أن لا تتخلّفَ غايتُه تعالى، ولا أَقلَّ مِن أن تكونَ أغلبَ، مع أن الأغلب في الدنيا هو الكفر. قلتُ: إن العالم كلَّه بقضه وقضيضه في التسبيح غير الثَّقَلَين، فلو سلَّمنا كثرة الغاية، فلم تتخلف أيضاً. وقد وضعنا عليه مُذكرةً، وهذا القَدْر لا يكفي ولا يَشْفي، وسيجيء في «الذاريات» شيء آخر.(6/393)
قوله: (وليس فيه حُجَّةٌ لأَهْل القَدَر) تمسك أهلُ القَدَر على كونِ أفعالِ العباد مخلوقةً لهم: بأَنَّ الله سبحانه كان خَلَقَهم للعبادة، ففعل بعضُهم وأَبى عنها بعضُهم، فدلَّ على أن أفعالَهم باختيارهم إن شاءوا خَلَقُوها، وإن أرادوا لم يخلقوها. ثُم المؤلف لم يتعرَّض إلى جوابِه، واكتفى بالرد الجملي فقط. وأجاب عنه الحافظُ ابنُ القيِّم: أنَّ الغاية غايتان: غايةٌ تراد منهم، وتلك هي العبادةُ، ولا بِدْع في تخلّفها، وإن كانت خيريتهم فيها؛ وغاية يريدُها الله تعالى، وليست تلك هي العبادةَ ليستحيلَ تخلّفها.
وكأنَّ الصَّعْقة صارت من خواصّ الصُّور، متى نُفِخ صَعِق منه الناسُ، حتى يُنْفخ للإِحياء.
فائدة:
---
وليعلم أن هذا الإِشكالَ عَقْليٌّ مَحْض، ولا مدخل فيه للآية، أعني أن يُبْنى على انضمامِ مقدِّمة عقبيةٍ أُخْرى. أما الآية، فلم تُخْبر إلا بالغايةِ أنها العبادةُ، وذلك معلومٌ عند الخواص والعوام، لا ينازع فيه أحدٌ، وإنما نشأ الإِشكالُ من جهةِ العَقْل، وهو تخلُّف غايتِه تعالى. ولك أن نقول: إن الغايةَ إما تشريعيةٌ، أو تكوينيةٌ، والمحال هو تَخلُّف الغايةِ التكوينيةِ دون الشرعية، والمتخلفة هي الغايةُ الشرعية دون التكوينية. فإِنَّ العبادة غايةٌ شرعيةٌ لا تكوينيةٌ. وأجاب عنه الشاه رفيعُ الدِّين أنها غايةُ النوع لا للأشخاص، فحينئذٍ لا بد أن لا يخلو نوعُ الإِنسان عن العبادة. أما وجودُها في سائر أفرادِه فغيرُ لازم، نعم إذا خلا النوعُ بِأَسْره عن الغايةِ يَنْقَرض العالم أيضاً، ويضرب عليه بالرحيل.
سُورَةُ والذَّارِيَاتِ
---(6/394)
قالَ عَلِيٌّ عَلَيهِ السَّلاَمُ: الذَّارِيَاتُ: الرِّيَاحُ. وَقالَ غَيرُهُ: {تَذْرُوهُ} (الكهف: 45) تُفَرِّقُهُ. {وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} (21) تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ في مَدْخَلٍ وَاحِدٍ، وَيَخْرُجُ مِنْ مَوْضِعَينِ. {فَرَاغَ} (26) فَرَجَعَ. {فَصَكَّتْ} (29) فَجَمَعَتْ أَصَابعَهَا، فَضَرَبَتْ جَبْهَتَهَا. وَالرَّمِيمُ: نَبَاتُ الأَرْضِ إِذَا يَبِسَ وَدِيسَ. {لَمُوسِعُونَ} (47) أَي لَذُو سَعَةٍ، وكَذلِكَ: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} (البقرة: 236)، يَعْنِي القَوِيَّ. {زَوْجَيْنِ} (49) الذَّكَرَ وَالأُنْثى، وَاخْتِلاَفُ الأَلوَانِ: حُلوٌ وحامِضٌ، فَهُمَا زَوْجانِ. {فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ} (50) مِنَ اللَّهِ إِلَيهِ. {إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} (56) ما خَلَقْتُ أَهْلَ السَّعَادَةِ مِنْ أَهْلِ الفَرِيقَينِ إِلاَّ لِيُوَحِّدُونِ، وَقالَ بَعْضُهُمْ: خَلَقَهُمْ لِيَفعَلُوا، فَفَعَلَ بَعْضٌ، وَتَرَكَ بَعْضٌ، وَلَيسَ فِيهِ حُجَّةٌ لأَهْلِ القَدَرِ. وَالذَّنُوبُ: الدَّلوُ العَظِيمُ.
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {صَرَّةٍ} (29) صَيحَةٍ. {ذَنُوباً} (59) سَبِيلاً. العَقِيمُ: الَّتِي لاَ تَلِدُ.
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَالحُبُكُ: اسْتِوَاؤُهَا وَحُسْنُهَا. {فِى غَمْرَةٍ} (11) في ضَلاَلَتِهِمْ يَتَمادَوْنَ.
وَقالَ غَيرُهُ: {وَتَوَاصَوْاْ} (53) تَوَاطَؤُوا. وَقالَ: {مُّسَوَّمَةً} (34) مُعَلَّمَةً، مِنَ السِّيما. قُتِلَ الإِنْسَانُ: لُعِنَ.
سُورَةُ الطُّورِ
---(6/395)
وَقالَ قَتَادَةُ: {مُّسْطُورٍ} (2) مَكْتُوبٍ. وَقالَ مُجَاهِدٌ: الطُّورُ: الجَبَلُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ. {رَقّ مَّنْشُورٍ} (3) صَحِيفَةٍ. {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} (5) سَماءٌ. {الْمَسْجُورِ} (6) المُوقَدِ، وَقالَ الحَسَنُ: تُسْجَرُ حَتَّى يَذْهَبَ ماؤُهَا فَلاَ يَبْقَى فِيهَا قَطْرَةٌ. وَقالَ مُجَاهِدٌ: {أَلَتْنَهُمْ} (21) نَقَصْنَا. وَقالَ غَيرُهُ: {تَمُورُ} (9) تَدُورُ، {أَحْلَمُهُمْ} (32) العُقُولُ.
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {الْبِرَّ} (28) اللَّطِيفُ. {كِسَفًا} (44) قِطْعاً. {الْمَنُونِ} (30) المَوْت.
وَقالَ غَيرُهُ: {يَتَنَزَعُونَ} (23) يَتَعَاطَوْنَ.
وَقالَ قَتَادَةُ: {مُّسْطُورٍ} (2) مَكْتُوبٍ. وَقالَ مُجَاهِدٌ: الطُّورُ: الجَبَلُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ. {رَقّ مَّنْشُورٍ} (3) صَحِيفَةٍ. {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} (5) سَماءٌ. {الْمَسْجُورِ} (6) المُوقَدِ، وَقالَ الحَسَنُ: تُسْجَرُ حَتَّى يَذْهَبَ ماؤُهَا فَلاَ يَبْقَى فِيهَا قَطْرَةٌ. وَقالَ مُجَاهِدٌ: {أَلَتْنَهُمْ} (21) نَقَصْنَا. وَقالَ غَيرُهُ: {تَمُورُ} (9) تَدُورُ، {أَحْلَمُهُمْ} (32) العُقُولُ.
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {الْبِرَّ} (28) اللَّطِيفُ. {كِسَفًا} (44) قِطْعاً. {الْمَنُونِ} (30) المَوْت.
وَقالَ غَيرُهُ: {يَتَنَزَعُونَ} (23) يَتَعَاطَوْنَ.
باب
قالَ سُفيَانُ: فَأَمَّا أَنَا، فَإِنَّمَا سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِبْنِ جُبَيرِبْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلّميَقْرَأُ في المَغْرِبِ بِالطُّورِ. لَمْ أَسْمَعْهُ زَادَ الَّذِي قالُوا لِي.
قوله: ({يَتَنَزَعُونَ} يَتَعاطون) والتنازع بمعنى التعاطي لغةٌ فاشيةٌ، ولا يَبْعُد أن يكون قوله صلى الله عليه وسلّم «مالي أنازعُ القرآنَ» من هذا الباب.
---(6/396)
سُورَةُ النَّجْمِ
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {ذُو مِرَّةٍ} (6) ذُو قُوَّةٍ. {قَابَ قَوْسَيْنِ} (9) حَيثُ الوَتَرُ مِنَ القَوْسِ. {ضِيزَى} (22) عَوْجاءُ. {وَأَكْدَى} (34) قَطَعَ عَطَاءَهُ. {رَبُّ الشِّعْرَى} (49) هُوَ مِرْزَمُ الجَوْزَاءِ. {الَّذِي وَفَّى} (37) وَفَّى ما فُرِضَ عَلَيهِ. {أَزِفَتِ الاْزِفَةُ} (57) اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ. {سَمِدُونَ} (61) البَرْطَمَةُ، وَقالَ عِكْرِمَةُ: يَتَغنَّوْنَ، بِالحِمْيَرِيَّةِ.
وَقالَ إِبْرَاهِيمُ: {أَفَتُمَرُونَهُ} (12) أَفَتُجَادِلُونَهُ، وَمَنْ قَرَأَ: {أَفَتَمْرُونَهُ} يَعْنِي أَفَتَجْحَدُونَهُ. {مَا زَاغَ الْبَصَرُ} (17) بَصَرُ مُحَمَّدٍصلى الله عليه وسلّم {وَما طَغى} (17) وَلاَ جاوَزَ ما رَأَى. {فَتَمَارَوْاْ} (القمر: 36) كَذَّبُوا. وَقالَ الحَسَنُ: {إِذَا هَوَى} (1) غابَ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أَغْنَى وَأَقْنى} (48) أَعْطَى فَأَرْضى.
باب
باب {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (9)
حَيثُ الوَتَرُ مِنَ القَوْسِ.
باب قَوْلِهِ: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَآ أَوْحَى} (10)
باب {لَقَدْ رَأَى مِنْ ءايَتِ رَبّهِ الْكُبْرَى} (18)
باب {أَفَرَءيْتُمُ اللَّتَ وَالْعُزَّى} (19)
باب {وَمَنَوةَ الثَّالِثَةَ الاْخْرَى} (20)
---
قالَ سُفيَانُ: مَنَاةُ بِالمُشَلَّلِ مِنْ قُدَيدٍ. وَقالَ عَبْدُ الرَّحْمنِبْنُ خالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: قالَ عُرْوَةُ: قالَتْ عائِشَةُ: نَزَلَتْ في الأَنْصَارِ، كانُوا هُمْ وَغَسَّانُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ، مِثْلَهُ. وَقالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ: كانَ رِجالٌ مِنَ الأَنْصَارِ مِمَّنْ كانَ يُهِلُّ لِمَنَاةَ، وَمَنَاةُ صَنَمٌ بَينَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، قالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، كُنَّا لاَ نَطُوفُ بَينَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ تَعْظِيماً لِمَنَاةَ، نَحْوَهُ.(6/397)
باب {فَاسْجُدُواْ لِلَّهِ وَاعْبُدُواْ} (62)
تَابَعَهُ ابْنُ طَهْمَانَ، عَنْ أَيُّوبَ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ عُلَيَّةَ ابْنَ عَبَّاسٍ.
والصواب عندي أن تعيينَ الأمكنةِ عند نزولهم في السَّفَر كان بالسياط والقسي، فإِذا نزل أَحَدُهم في مكانٍ ألقى سَوْطه وقوسَه، ليكون ذلك مكانَه بعد نُزُولِه، وعليه قول النبي صلى الله عليه وسلّم «موضع سوط في الجنةِ، خيرٌ من الدنيا وما فيها» فالقاب هو قَدْرُ القوس، وأريد به بيانُ غايةِ قُرْبه صلى الله عليه وسلّم حتى كان على قَدْر قَوْسين أو أَدنى من ذلك، وحينئذ لا حاجةَ إلى تأويلٍ في معنى الإِضافة، حيث قيل: إنَّ أصله قابي قوس، ثُم نقل تثنية المضافِ إلى المضاف إليه، وذلك عندهم واسع، وعلى ما قلنا غنية عنه، ولما علمت مِن عادات العرب بأَنَّ لك وَجْهَ تَعرُّضِه إلى ذِكْر القوسين في الآية والسَّوْط في الحديث.
قوله: (قِسْمةٌ ضِيزَى) تير هى تقسيم.
قوله: (الجَوْزاء) نجم، وخلفه شِعْري يقال: إنه أعظمُ من الشمس، مستنير في غايته، وترجمته: صلى الله عليه وسلّمنى.
---
4855 - قوله: (لقد قَفَّ له شَعْرِي) وما رُوي أن عائشةَ سألت النبيَّ صلى الله عليه وسلّمعن سورة النجم، فقال: «ذاك جبرئيلُ عليه الصلاة والسلام»، فلا ينفصل منه الأَمْر، فإِنه رأى في تلك الليلةِ جبرئيل أيضاً.(6/398)
واعلم أنَّ الاختلافَ في الرؤية إنما ينتهي إلى الآيةِ، ووَجْه الإِشكالِ فيها أن بَعْضَها يتعلّقُ بمعاملةِ جبرئيل عليه الصلاة والسلام قَطْعاً، وبَعْضَها من ربِّ العزّة. ومن ههنا دارت الأنظار في قوله: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} أنه يتعلّق بجبرئيلِ عليه الصلاة والسلام، أو بالله عز اسمه. فإِذا عَلِمنا أنه سَرَى في ذلك اجتهادُهم لم يبق لنا قَلَقٌ، وأخذنا بما كان أقربَ عندنا إِلى نظم النصِّ. والصواب عندنا أنه صلى الله عليه وسلّمرأى رَبَّه ليلةَ المعراج، وفي قوله: {لاَّ تُدْرِكُهُ الاْبْصَرُ} (الأَنعام: 103) نفي للإِحاطة، لا لنفس الرؤية، ولا يلزم منه نفيُ رؤيتِه في المَحْشر أيضاً، إلا أنه لما كانت رؤية قلبٍ ونظرٍ معاً، صدق الأمران. وعند القسطلاني: ولعله عن ابنِ مسعود، أو ابن عباس: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «قام قلبي مقامَ العينين»، وتلك الرؤيةُ هي مصداقُ قوله: {الآيةَ الكُبْرى} (النازعات: 20).
4858 - قوله: (رَفْرَفاً) آرائش محل كى.
قوله: ({أَفَرَءيْتُمُ اللَّتَ وَالْعُزَّى}) وكانت وظيفةً للعربِ عند الطواف: واللات والعُزَّى، ومناةَ الثالثةَ الأُخرى تلك الغرانيقُ العُلى. وأنَّ شفاعتهن لَتُرْتجى. كما في «المعجم» لياقوت الحَمَوِي، ودونك عبارة «المعجم».
---(6/399)
قال: «العُزّى» بضم أوله في قوله تعالى: {أَفَرَءيْتُمُ اللَّتَ وَالْعُزَّى} اللات: صنم كان لثقيف، والعزَّى: سَمُرة كانت لغَطَفَان يعبدُونها، وكانوا بَنوا عليها بيتاً، وأقاموا لها سَدَنةً، فبعث النبيُّ صلى الله عليه وسلّمخالدَ بنَ الوليد إليها، فهدم البيتَ، وأحرق السَّمُرة. والعزَّى تأنيثُ الأَعَزّ، مِثْل الكبرى تأنيثُ الأكبر. والأَعزّ بمعنى العزيز، والعُزّى بمعنى العزيزة..... وقال ابن حبيب: العُزَّى شجرةٌ كانت بنخلةٍ، عندها وَثنٌ تعبدُه غَطَفان، وسَدَنَتُها من بني حرمة بن مُرّة.... قال أبو المُنْذر - بعد ذِكْر مَناة، واللاّت : ثُمّ اتخذوا العُزّى، وهي أحدثُ من اللاّت، ومَناة. وذلك أني سَمِعْتُ العرب سَمْت بها عَبْد العُزّى، فوجدت تَمِيم بنَ مرّ، سَمّى ابنه زيدَ مَناة بنَ تميم بن مرّ بن أدّ بن طابخة، وعبد مَناة بن أدّ. وباسم اللات، سَمّى ثعلبة بن عكابة ابنه تيم اللات؛ وتيم اللات بن رفيدة بن ثور، وزيد اللات بن رفيدة بن ثور بن وبرة بن مر بن أد بن طابخة، وتيم اللات بن النمر بن قاسط؛ وعبد العُزّى بن كعب بن سعد بن زيد مَناة بن تميم. فهي أَحْدَثُ من الأولين.
وعَبْد العُزَّى بن كعب من أقدم ما سُمّت به العرب، وكان الذي اتخذ العُزَّى ظالم بن أسعد، كانت بوادٍ من نخلةِ الشامية، يقال له: حواض، بإِزاء الغمير، عن يمين المصعد إلى العراق من مكة، وذلك فوق ذات عِرْق إلى البستان بتسعة أميال، فبنى عليها بساً - يريد بيتاً - وكانوا يسمعون فيه الصَّوْتَ، وكانت العرب وقُريش تسمّى بها عبد العُزَّى، وكانت أعظمَ الأصمان عندَ قُريش، وكانوا يَزُورُونها، ويهدون لها، ويتقرَّبون عندها بالذبائح.
---(6/400)
قال أبو المُنْذر: وقد بَلَغنا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّمذكرها يوماً، فقال: لقد اهتديت للعُزَّى شاة عفراء، وأنا على دين قومي، وكانت قريشٌ تطوفُ بالكعبةِ، وتقول: واللاّت والعُزّى، ومَناة الثالثة الأُخْرى. فإنهن الغَرَانِيقُ العُلَى، وأنَّ شفاعَتَهن لَتُرتَجى، وكانوا يقولون: بنات الله عز وجل، وهن يَشْفَعن إليه، فلما بُعِث رسول الله صلى الله عليه وسلّمأُنزل عليه: {أَفَرَءيْتُمُ اللَّتَ وَالْعُزَّى وَمَنَوةَ الثَّالِثَةَ الاْخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الاْنثَى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى إِنْ هِىَ إِلاَّ أَسْمَآء سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءابَآؤُكُم}ما أنزل الله بها من سلطان، وكانت قريشٌ قد حمت لها شعباً من وادي حراض، يقال له: سقام، يضاهئون به حَرَم الكعبةِ، وقد ذكر سقام في موضعه من هذا الكتاب؛ والعُزّى، يقول درهم بن زيد الأوسي:
إني وربِّ العُزّى السعيدة والله الذي دون بيته سرف
وكان لها مَنْحَرٌ يَنْحَرُون فيه هداياهم، يقال له: الغَيْغَب، وقد ذكر في موضعه أيضاً، وكانت قريشٌ تخصصها بالإِعظام، فلذلك يقول زيد بن عمرو بن نفيل. وكانت قد تألّه في الجاهلية، وترك عبادتها وعبادة غيرها من الأصنام:
*تركت اللات والعُزّى جميعاً، ** كذلك يفعل الجلد الصبور
*فلا العُزّى أدين ولا ابنتها، ** ولا صنمى بني عمرو أزور
*ولا هبلا أزور وكان ربا ** لنا في الدهر إذ حلمي صغير
ا
وكانت سُدنةُ العُزّى بني شَيْبان بن جابر بن مُرّة بن عبس بن رِفاعة بن الحارث بن عتبة بن سُلَيم بن منصور، وكانوا حُلَفاء بني الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وكان آخِرَ مَنْ سدَنها منهم دبيةُ بن حزمي السّلَمي، وله يقول أبو خراش الهُذلي، وكان قدم عليه، فحذاه نعلين جيددتين.... فقال:
*حذاني بعد ما خدمت نعالي ** دبية أنه نعم الخليل
---
*مقابلتين من صلوى مشب ** من الثيران وصلها جميل(6/401)
*فنعم معرس الأضياف تزجى ** رحالهم شامية بليل
*يقاتل جمعهم بمكللات ** من البرني يرعيها الجميل
فلم تزل العُزّى كذلك حتى بعث اللَّهُ نَبِيّه صلى الله عليه وسلّم فعابَها وغيرها من الأصنام، ونهاهم عن عبادَتِهم، ونزل القرآن فيها، فاشتد ذلك على قُريش. ومَرِض أبو أُحَيْحة سعيد بن العاصي بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف مَرَضه الذي مات فيه، فدخل عليه أبو لَهب يعودُه، فوجده يبكي، فقال له: ما يبكيك يا أبا أُحيحة، أمِن الموتِ تَبكي ولا بد منه؟ فقال: لا، ولكني أخاف ألا تعبدوا العُزَّى بعدي. فقال له أبو لهب: ما عُبِدت في حياتِك لأَجْلِك، ولا تُتْرك عبادتُها بعدك لموتِك، فقال أبو أُحَيْحة: الآن عَلِمت أنَّ لي خليفةً، وأعجبه شدة نصبه في عبادتها.
قال أبو المُنْذر: وكان سعيد بن العاصي أَبو أُحَيحة يَعْتَمُّ بمكةَ، فإِذا اعتمَّ لم يعتمَّ أحدٌ بلون عِمامته. قال أبو المُنْذر: حدثني أَبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: كانت العُزَّى شيطانةً تأتي ثلاثَ سَمُرات ببطن نخلة، فلما افتتح النبيُّ صلى الله عليه وسلّممَكّةَ بعث خالدَ بنَ الوليد، فقال له: إئت بطنَ نَخْلة، فإِنك تَجِدُ ثلاثَ سَمُرات، فأَعْضِد الأُولى، فأتاها فَعَضَدَها، فلما عاد إليه قال: هل رأيت شيئاً؟ قال: لا، قال: فأعضِد الثانية، فأتاها فعضَدها، فلما عاد إليه، قال: هل رأيت شيئاً؟ قال: لا، قال: فأعْضِد الثالثة، فأتاها، فإِذا هو بخناسةٍ نافشة شعرها، واضعة يديها على عاتِقِا، تصرف بأنيابها، وخلفها دبية بن حزمى السلمي، ثُم الشَّيباني، وكان سادِنَها، فلما نظر إلى خالد قال:
*فيا عز شدى شدة لا تكذبي ** على خالد ألقى الخمار، وشمري
*فإِنك إلا تقتلي اليوم خالداً ** تبوئي بذل عاجل وتنصري
فقال خالد:
---
*يا عز كفرانك لا سبحانك، ** إني رأيتُ اللَّهَ قد أهانك(6/402)
ثُمّ ضربها فقلق رأسها، فإِذا هي حممة، ثُم عَضَد الشجر، وقتل دبية السّادِن، وفيه يقول أبو خراش الهُذلي، يرثيه:
*ما لدبية منذ اليوم لم أره ** وسط الشروب ولم يلمم ولم يطف
*لو كان حياً لغاداهم بمترعة ** من الرواويق من شيزى بنى الهطف
*ضخم الرماد عظيم القدر جفنته ** حين الشتاء لحوض المنهل اللقف
قال هشام: يطف من الطوَفان، أو من طاف يطيف، والهطف: بطن من عمرو بن أسد. واللقف: الحوض المنكسر الذي يغلب أصله الماء، فيتثلم يقال: قد لقف الحوض، ثُم أتى النبيّ صلى الله عليه وسلّم فأخبره قال: تلك العُزّى، ولا عُزّى بعدها للعَرَب، أما إنها لن تعبد بعد اليوم، قال: ولم تكن قريش بمكّة، ومن أقام بها من العرب يعظمون شيئاً من الأصنام إعظامَهُم العُزّى، ثُم اللاّت، ثُم مناة. فأما العُزّى فكانت قريشٌ تَخُصّها دون غيرِها بالهدية والزيارة، وذلك فيما أظن لِقُرْبها كان منها. وكانت ثِقِيف تَخُصّ اللاّت كخاصّة قريش العُزّى، وكانت الأوس والخزرج تَخُصّ مناة، كخاصة هؤلاء الآخرين، وكلهم كان مُعظِّماً لها، ولم يكونوا يرون في الخمسةِ الأَصنام التي دفعها عَمْرو بن لحي، وهي التي ذَكَرها الله تعالى في القرآن المجيد، حيث قال: {وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً}وَلاَ سُوَاعاًوَلاَ يَغُوثَويعوق وَنَسْراً كرأيهم في هذه، ولا قريباً من ذلك، فظننت أنَّ ذلك كان لِبُعْدها منهم، وكانت قريش تُعظِّمها، وكانت غنى وباهلة يعبدونها معهم، فبعث النبيُّ صلى الله عليه وسلّمخالد بن الوليد فقطع الشجرة، وهدم البيت، وكسر الوثن، انتهى «معجم البلدان».
ولذا استتبعت السورة ذكرها، وإلاّ فلا مناسبة لِذِكْر هؤلاء ههنا.
4860 - قوله: (مَنْ حَلَف فقال في حَلِفِه: واللاّت والعُزَّى) أي مَنْ كان حديثَ عهد بالإِسلام مثلاً، فسبق إلى لسانِه هذا الحَلِف، فليكافئه بكلمةِ التوحيد.
---(6/403)
4860 - قوله: (ومَنْ قال لصاحِبِه: تعال أُقامِرْك فليتصدَّق) قال الطحاوي في «مُشْكِله»: إنَّ المراد من التصدُّق تصدُّقُ هذا المال الذي أخرجه للقِمار، فأوْلى له أن يصرِفه في الصَّدقة مكانَ القِمار، وكنا نفهم قبله أنَّ المرادَ به التصدّقُ بمال، كالتصدق بالدينار عند إتيان الحائض، تلافياً لما صدر منه الإثم من قول: «تعال أُقامِرْك».
سُورَةُ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ
قالَ مُجَاهِدٌ: {مُّسْتَمِرٌّ} (2) ذَاهِبٌ. {مُزْدَجَرٌ} (4) مُتَنَاهٍ. {وَازْدُجِرَ} (9) فَاسْتُطِيرَ جُنُوناً. {وَدُسُرٍ} (13) أَضْلاَعُ السَّفِينَةِ. {لّمَن كَانَ كُفِرَ} (14) يَقُولُ: كُفِرَ لَهُ جَزَاءً مِنَ اللَّهِ. {مُّحْتَضَرٌ} (28) يَحْضُرُونَ المَاءَ. وَقالَ ابْنُ جُبَيرٍ: {مُهْطِعِينَ} (8) النَّسَلاَنُ: الخَبَبُ السِّرَاعُ. وَقالَ غَيرُهُ: {فَتَعَاطَى} (29) فَعَاطَهَا بِيَدِهِ فَعَقَرَهَا. {الْمُحْتَظِرِ} (31) كَحِظَارٍ مِنَ الشَّجَرِ مُحْتَرِقٍ. {وَازْدُجِرَ} (9) افتُعِلَ مِنْ زَجَرْتُ. {كَفَرَ} (14) فَعَلنَا بِهِ وَبِهِمْ ما فَعَلنَا جَزَاءً لِمَا صُنِعَ بِنُوحٍ وَأَصْحَابِهِ. {مُسْتَقَرٌّ} (3) عَذَابٌ حَقٌّ. يُقَالُ: الأَشَرُ المَرَحُ وَالتَّجَبُّرُ.
قوله: ({وَازْدُجِرَ} فاستطير) وأما قوله: «جُنُوباً». فهو على حِدَة.
قوله: (أضْلاع السفينة) خشباتها كشتى كى تختى.
قوله: (كحِظارٍ من الشجرة مُحترقٍ) جيسى باردر ختون كى جل كئى هو.
باب {وَانشَقَّ الْقَمَرُ}وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً يُعْرِضُواْ (1 - 2)
وقد ثبت اليوم الخرق والالتئام، والانشقاق، وانفطار كلها في الأجرام السماوية. وفي «تاريخ فرشته» أنه رأى الانشقاقَ مَلِكٌ بالهند أيضاً. يُسمّى: راجه. وجصلى الله عليه وسلّمل وعلى اسمه سميت بلدة بهوصلى الله عليه وسلّمل.
---(6/404)
قلتُ: وقد نعلم أنَّ الشمس تَنْكَسِف في كلّ سنة، أو سنتين إلى ساعة، أو ساعتين، أو أزيد. وربما لا يكون به شعورٌ للناس. حتى إنها تنجلي أيضاً، مع كونه معاملةً في النهار. فلو فرضنا أن الانشقاقَ لم تُنْقل رؤيتُه عن أحد، فماذا الإِشكال فإِنه معاملة في الليل. ثُم ليست طويلة، بل الانشقاق والالتئام حصل في لَمحةٍ يسيرةٍ، فانتبه له مَنْ استشهدوا به، ولم يره مَنْ كانوا في الأطراف، ولا استحالة فيه.
ثُم اعلم أنه وَقَع في بعض الروايات: انشقّ القَمَرُ مَرّتين، مكان قوله: «فِرْقَتَين»، مع أن القمر لم ينشقَّ إلاَّ مرة، فحمله الشارحون على معنى فِرْقَتين.
باب {تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا جَزَآء لّمَن كَانَ كُفِرَ وَلَقَدْ تَّرَكْنَهَا ءايَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} (14 - 15)
قالَ قَتَادَةُ: أَبْقى اللَّهُ سَفِينَةَ نُوحٍ حَتَّى أَدْرَكَهَا أَوَائِلُ هذهِ الأُمَّةِ.
باب {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءانَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}
قالَ مُجَاهِدٌ: يَسَّرْنَا: هَوَّنَّا قِرَاءَتَهُ.
باب {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ}فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ}
باب {فَكَانُواْ كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ}وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءانَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} (31 - 32)
باب {وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ فَذُوقُواْ عَذَابِى وَنُذُرِ} (38 - 39)
باب {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} (51)
باب قَوْلُهُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} (45)
باب {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} (46)
يَعْنِي مِنَ المَرَارَةِ.
واعلم أنَّ بعضاً مِن هذه الأمة قد شاهدوا أضلاعَ سفينةِ نوح عليه السلام على الجُوديّ.
قوله: (يَثِبُ في الدِّرْع) أي فَرِح حتى تغيَّرَت مِشْيتُه شيئاً عما كانت عليه.
---(6/405)
سُورَةُ الرَّحْمنِ
وَقالَ بَعْضُهُمْ عَنْ مُجَاهِدٍ: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ} (17) لِلشَّمْسِ: في الشِّتَاءِ مَشْرِقٌ، وَمَشْرِقٌ في الصَّيفِ، {وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} (17) مَغْرِبُهَا في الشِّتَاءِ وَالصَّيفِ. {لاَّ يَبْغِيَانِ} لاَ يَخْتَلِطَانِ. {المُنْشَآتُ} (24) ما رُفِعَ قِلْعُهُ مِنَ السُّفُنِ، فَأَمَّا ما لَمْ يُرْفَعْ قِلْعُهُ فَلَيسَ بِمُنْشَأَةٍ.
وقَالَ مُجَاهِدٌ: {كَالْفَخَّارِ} كَمَا يُصْنَعُ الفَخَّارُ {الشُّوَاظ} لَهَبٌ من نار. وَقالَ مُجَاهِدٌ: {وَنُحَاسٌ} (35) الصُّفرُ يُصَبُّ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، يُعَذَّبُونَ بِهِ. {خَافَ مَقَامَ رَبّهِ}: يَهُمُّ بِالمَعْصِيَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَيَتْرُكُهَا. {مُدْهَآمَّتَانِ} سَوْدَاوَانِ مِنَ الرِّيِّ. {صَلْصَلٍ} طِينٍ خُلِطَ بِرَمْلٍ فَصَلصَلَ كَمَا يُصَلصِلُ الفَخَّارُ، وَيُقَالُ: مُنْتِنٌ، يُرِيدُونَ بِهِ: صَلَّ، يُقَالُ: صَلصَالٌ، كَمَا يُقَالُ: صَرَّ البَابُ عِنْدَ الإِغْلاَقِ وَصَرْصَرَ، مِثْلُ كَبْكَبْتُهُ يَعْنِي كَبَبْتُهُ، {فَكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} قالَ بَعْضُهُمْ: لَيسَ الرُّمَّانُ وَالنَّخْلُ بِالفَاكِهَةِ، وَأَمَّا العَرَبُ فَإِنَّهَا تَعُدُّهَا فاكِهَةً، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {حَفِظُواْ عَلَى الصَّلَوتِ والصَّلَوةِ الْوُسْطَى} (البقرة: 238)، فَأَمَرَهُمْ بِالمُحافَظَةِ عَلَى كُلِّ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ أَعادَ العَصْرَ تَشْدِيداً لَهَا، كَمَا أُعِيدَ النَّخْلُ وَالرُّمَّانُ، وَمِثْلُهَا: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السَّمَوتِ وَمَن فِى الاْرْضِ} (الحج: 18).
باب قَوْلِهِ: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} (62)
باب {حُورٌ مَّقْصُورتٌ فِى الْخِيَامِ} (72)
---(6/406)
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حُورٌ: سُودُ الحَدَقِ. وَقالَ مُجَاهِدٌ: مَقْصُورَاتٌ: مَحْبُوسَاتٌ، قُصِرَ طَرْفُهُنَّ وَأَنْفُسُهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ. {قَصِرتُ} (56) لاَ يَبْغِينَ غَيرَ أَزْوَاجِهِنَّ.
قوله: (والعَصْفُ: بَقْل الزَّرْع) كهاس كهيتى كى.
قوله: (وقال أبو مالك: العَصْف: أَوَّل ما يَنْبُتُ) يعنى كهيتى كاانكور.
قوله: (تُسَمِّيهِ النَّبَط: هَبُوراً) أي يقال له: هَبُور بالحبشة.
قوله: (يَعْلُو النَّار) أي الجَمْرة.
قوله: (الصُّفْر) بيتل.
قوله: (سَوْدَاوان مِن الرِّيِّ) سبزهين سياهى نمامارى شادابى كى.
قوله: (كما يقال: صَرَّ البابُ عند الإِغلاقِ وصَرْصَر) أي مضاعف ثلاثي، اتخذ من مضاعف رباعي.
قوله: (وقال بَعْضُهم: ليس الرُّمَّانُ، والنَّخْل بالفاكِهَةِ) أراد البخاريُّ أنَّ ذِكْرَ الرُّمَّان بعد الفاكهة تَخْصِيصٌ بعد تعميم. فإِنْ قال أَحَدُ: إنَّ العَطْف يدلّ على التَّغاير، فأجاب عنه أنه على حَدّ قوله تعالى: {حَفِظُواْ عَلَى الصَّلَوتِ والصَّلَوةِ الْوُسْطَى} (البقرة: 238) فكما أن العَطْف لم يُوجِب تغايُر بينهما. كذلك فيما نحن فيه أيضاً. ولعلَّ أبا حنيفةَ اختار في تفسير الفاكهة عُرْفَ أهلِ الكوفة، ولعلها عندهم ما يكون للتَّفكُّه، دون التَّغذّي، والشافعيُّ اعتبر اللغةَ. فهذا الخِلافُ يَرجع إلى النَّظر لا غير.
---(6/407)
قوله: ({كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ} يَغْفِرُ ذَنْباً، ويَكْشِفُ كَرْباً)... إلخ. وهو أَثَرٌ، وثبت مرفوعاً أيضاً لكنه ضعيفٌ، وفيه: أن شؤونه عبارةٌ عن أفعاله وتصرُّفاته في هذا العالم، فلا يكون قائماً بالباري عَزّ اسمُه، بل تكون منفصلةً عنه، وإنْ كان المرادُ منها نحوَ النزول، والضحك، وأمثالهما. لكان فيه إِشعارٌ بقيام الحوادث بِذَاته تعالى، فإِنَّ النزول، والضحك، وغيرَها حادِثٌ لا محالة، كما يقوله ابن تيميةَ. وعندي هذا التعبير - وإن أَوّلنا كلامَه بمصداقه فمع هذا - ممّا لا يليقُ بِجَنَابه تعالى، ولعل مرتبة الشؤون بعد الذّاتِ والصِّفات، وعند الشيخ المجدد السَّرهندي بين الذّات والصِّفات. وسيجيء فيها الكلام في أواخر البخاري.
حكاية:
حُكي أن رَجُلاً كان أوتي جَدَلاً، فكان يُفْحِم العلماءَ، فجلس مَرّةً في مجلس كان فيه أبو حنيفة أيضاً، وهو صغيرُ السن، فسأل العلماء: أنّ رَبّكم ماذا يفعل الآن؟ فما دَرُوا بما يجيبون له، فقام إمامنا، وقال: أنا أُجيب، ولكن انزل عن المنبر، فإِنك سائل وأنا مجيب، فصعد المِنْبر وقال: إنه فعل الآن ما رأيت، فأُنزلك عن المِنْبر، وأقعدني مقعدَك، فَبُهِت الرَّجُل.
قوله: ({سَنَفْرُغُ لَكُمْ}) قد مَرّ وَجْهُه بِوَجْهٍ أَدقّ وأَلْطَف، والمصنف حمله على الكناية.
4878 - قوله: (إلاّ رداءُ الكِبْر على وَجْهه) لا يريدُ بذلك رَفْعَ الحُجُب كُلِّها غير الرداء، لما عند مسلم: «أن الله سبحانه لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه»، بل معناه أن رداءه هو الكِبْرياء، وهي الآن كما كان.
سُورَةُ الوَاقِعَةِ
---(6/408)
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {رُجَّتِ} (4) زُلزِلَتْ. {وَبُسَّتِ} (5) فُتَّتْ ولُتَّتْ كَمَا يُلَتُّ السَّوِيقُ. المَخْضُودُ: المُوقَرُ حَمْلاً، وَيُقَالُ أَيضاً: لاَ شَوْكَ لَهُ. {مَّنْضُودٍ} (29) المَوْزُ. وَالعُرُبُ: المحَبَّبَاتُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ. {ثُلَّةٌ} (39 - 40) أُمَّةٌ. {يَحْمُومٍ} (43) دُخانٌ أَسْوَدُ. {يُصِرُّونَ} (46) يُدِيمُونَ. {الْهِيمِ} (55) الإِبِلُ الظِّمَاءُ. {لَمُغْرَمُونَ} (66) لَمُلزَمُونَ. {فَرَوْحٌ} (89) جَنَّةٌ وَرَخاءٌ. {وَرَيْحَانٌ} (89) الرِّزْقُ. {وَنُنْشِئَكُمْ} (61): في أَيِّ خَلقٍ نَشَاءُ.
وَقالَ غَيرُهُ: {تَفَكَّهُونَ} (65) تَعْجَبُونَ. {عُرُباً} (37) مُثَقَّلَةً، وَاحِدُهَا عَرُوبٌ، مِثْلُ صَبُورٍ وَصُبُرٍ، يُسَمِّيهَا أَهْلُ مَكَّةَ العَرِبَةَ، وَأَهْلُ المَدِينَةِ الغَنِجَةَ، وَأَهْلُ العِرَاقِ الشَّكِلَةَ.
باب قَوْلِهِ: {وَظِلّ مَّمْدُودٍ} (30)
سُورَةُ الحَدِيدِ
قالَ مُجَاهِدٌ: {جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ} (7) مَعَمَّرِينَ فِيهِ. {مّنَ الظُّلُمَتِ إِلَى النُّورِ} (9) مِنَ الضَّلاَلَةِ إِلَى الهُدَى. {وَمَنَفِعُ لِلنَّاسِ} (25) جُنَّةٌ وَسِلاَحٌ. {مَوْلَكُمْ} (15) أَوْلَى بِكُمْ. {لّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَبِ} (29): لِيَعْلَمَ أَهْلُ الكِتَابِ، يُقَالُ: الظَّاهِرُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ عِلماً، وَالبَاطِنُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ عِلماً. {أَنْظِرونَا} (13) انْتَظِرُونَا.
سُورَةُ المُجادِلَةِ
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {يُحَآدُّونَ} (20) يُشَاقُّونَ اللَّهَ. {كُبِتُواْ} (5) أُخْزِيُوا، مِنَ الخِزْيِ. {اسْتَحْوَذَ} (19) غَلَبَ.
قوله: (المَوْز) كيلا.
قوله: ({عُرُباً} مُثَقَّلة) يعني بضم الراء.
قوله: ({خَافِضَةٌ} لقومٍ إلى النَّار).
---(6/409)
قوله: ({ورافعة} إلى الجنةِ) وهي عندي على ظاهِرِها، فإِنَّ جَهنَّم في الأَسْفل، والجنّةَ في الأعلى كما مر مِن قَبْل، ولا أريدُ به العِزّ والذّل.
قوله: (لا آذان له) أي لا خرطوم له.
قوله: (أي مُسَلَّم لك) ونائبٌ فاعِلُه قوله: «إنَّك مِن أَصحابِ اليمين».
قوله: (إنْ رَفَعْ السَّلام) أي سلامٌ لك، فهو دعاءٌ في الوَجْهين.
قوله: ({وَظِلّ مَّمْدُودٍ}) وهي طُوبى في فِناء الجَنَّة يخرجُ إليها أَهْلُ الجَنَّة للتنزُّه. وقيل: إنها شجرةٌ في منزلةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم ثُم انشعبت أفنانُها في سائر منازلِ أهل الجنة، فإِن كان هذا صواباً، فهي عندي الوسيلةُ لا غير.
سُورَةُ الحَشْرِ
{الْجَلاَء} (3): الإِخْرَاجُ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ.
باب قَوْلِهِ: {مَا قَطَعْتُمْ مّن لّينَةٍ} (5)
نَخْلَةٍ: ما لَمْ تَكُنْ عَجْوَةً أَوْ بَرْنِيَّةً.
باب {مَّآ أَفَآء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} (6 - 7)
باب {وَمَآ ءاتَكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (7)
وهو عند النُّحاة من قَبِيل: عَلَفْتُها تِبْناً وماءً بارداً، وعند علماء المعاني مَحمولٌ على الاستعارةِ.
باب {وَالَّذِينَ تَبَوَّءوا الدَّارَ وَالإيمَنَ} (9)
باب قَوْلُهُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ} (9) الآيَة
الخَصَاصَةُ: الفَاقَةُ. {الْمُفْلِحُونَ}: الفَائِزُونَ بِالخُلُودِ، الفَلاَحُ: البَقَاءُ، حَيَّ عَلَى الفَلاَحِ: عَجِّل. وَقالَ الحَسَنُ: {حَاجَةً} (9) حَسَداً.
سُورَةُ المُمْتَحنَةِ
---
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً} (5) لاَ تُعَذِّبْنَا بِأَيدِيهِمْ، فَيَقُولُونَ: لَوْ كانَ هؤُلاَءِ عَلَى الْحَقِّ ما أَصَابَهُمْ هذا. {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} (10) أُمِرَ أَصْحَابُ النبي صلى الله عليه وسلّمبِفِرَاق نِسَائِهِمْ، كُنَّ كَوَافِرَ بِمَكَّةَ.
باب {لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآء} (1)(6/410)
باب {إِذَا جَآءكُمُ الْمُؤْمِنَتُ مُهَجِرتٍ} (10)
تَابَعَهُ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ وَعَبْدُ الرَّحْمنِبْنُ إِسْحاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقالَ إِسْحاقُبْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، وَعُمْرَةَ.
باب {إِذَا جَآءكَ الْمُؤْمِنَتُ يُبَايِعْنَكَ} (12)
4895 - قوله: (فَنَزل نبيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم؟ واستنبط منه الحاكِمُ أنه كان بمكانٍ عالٍ، ومَوْضع مُرْتفعٍ، ولم يكن المنبر بُني بعدُ.
سُورَةُ الصَّفِّ
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {مَنْ أَنْصَارِى إِلَى اللَّهِ} (14) مَنْ يَتَّبِعُنِي إِلَى اللَّهِ.
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مَّرْصُوصٌ} (4) مُلصَقٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَقالَ غَيرُهُ: بِالرَّصَاصِ.
باب قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِن بَعْدِى اسْمُهُ أَحْمَدُ} (6)
سُورَةُ الجُمُعَةِ
باب قَوْلُهُ: {وَءاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ} (3)
وَقَرَأَ عُمَرُ: فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ.
باب {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَرَةً} (11)
---
قوله: ({يَأْتِى مِن بَعْدِى اسْمُهُ أَحْمَدُ}) وقد مَرّ من قبل ما يتعلق باسمه «أحمد»، وأنه لمَ بَشَّر بذلك الاسم، مع أن اسمه المشهور محمد صلى الله عليه وسلّم واسمُه في التوراة «ماد ماد»، والمراد منه محمد صلى الله عليه وسلّم وقرأ بعضهم «موذموذ» وهو غَلَطٌ عندي، وأصلخِ عندي «مئدمئد»، وحينئذٍ يمكن أن يكونَ موسى بَشَّر به باسمِه محمد، وعيسى عليه الصلاة والسلام باسمه أحمدَ صلى الله عليه وسلّم
4896 - قوله: (وأنا العاقِب) واعلم أن السَّيد في لغةِ العرب لمن يكون أَمَام الجيش، ومَنْ يكون خَلْفَه يسمونه عاقِباً وحاشراً، وعلى هذه المحاورة جاء اسمُه العاقب، أي لكونِه آخِراً من سلسلة الأنبياء عليهم السلام، وسها مَنْ لم يُرَاع هذه المحاورة عند شَرْح اسمه صلى الله عليه وسلّم(6/411)
4896 - قوله: (يُحْشَر الناسُ عَلَى قَدَمي) واعلم أن كَوْنَه صلى الله عليه وسلّمحاشِراً وعاقباً، وإنما هو باعتبارِ المعنى، وأما باعتبار الحِسِّ فيكون أمامَهم لكونِه أَوَّلَهم بَعْثاً من القبر، فكيف يمكن أن يكون حاشِراً حِسّاً أيضاً.
قوله: ({وَءاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ}) أورد وسرى جوابهى نهين ملحق هوئى ارو آكى هونى والى هين لأن «لما» للتوقع عندهم. وحاصِلُ الحديث أنَّ الدِّين لا يَنْحصر في العرب، بل يكون في العجم أيضاً.
4898 - قوله: (لَنَالَهُ رِجالٌ - أو رجل - من هؤلاء) والظاهِر أنَّ المرادَ منه هم العلماءُ الكِبار الذين أقامهم اللَّهُ تعالى لِنُصرةِ دِينه من العجم. وقال السيوطي: إنَّ فيه مَنْقبةً عظيمةً للإِمام أبي حنيفة. قلتُ: ولكنَّ لفظ الجمع يأباه، ومَحْمل هذه الأحاديث هم حَمَلةُ الشريعة في العجم، ولا ريب أن هؤلاء كَثُروا في العجم، حتى إن أصحاب «الصِّحاح» كلهم من العجم.
سُورَةُ المُنَافِقِين
---
باب قَوْلُهُ: {إِذَا جَآءكَ الْمُنَفِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} إِلَى: {لَكاذِبُونَ} (1)
باب {اتَّخَذْواْ أَيْمَنَهُمْ جُنَّةً} (2) يَجْتنُّونَ بِهَا
باب قَوْلِهِ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ءامَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} (3)
باب {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَمُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (4)
باب قَوْلُهُ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْاْ رُءوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} (5)(6/412)
حَرَّكُوا، اسْتَهْزَؤُوا بِالنبي صلى الله عليه وسلّم وُيَقْرَأُ بِالتَّخْفِيفِ مِنْ: لَوْيَتُ.
باب قَوْلُهُ: {سَوَآء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَسِقِينَ} (6)
قالَ سُفيَانُ: فَحَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو: قالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جابِراً: كُنَّا مَعَ النبي صلى الله عليه وسلّم
باب قَوْلُهُ: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّواْ} وَيَتفَرَّقُوا {وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السَّمَوتِ وَالاْرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَفِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ} (7)
---
باب {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الاْعَزُّ مِنْهَا الاْذَلَّ}وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَفِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ (8)
سُورَةُ التَّغَابُنِ
وَقالَ عَلقَمَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} (11) هُوَ الَّذِي إِذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ رَضِيَ وَعَرَفَ أَنَّهَا مِنَ اللَّهِ. وقَالَ مُجَاهِدٌ: التَّغَابُنُ غَبْنُ أَهْلِ الجَنَّةِ أَهْلَ النَّارِ.(6/413)
قوله: (والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) قال صاحب «التلخيص»: معناه لكاذبون في الشهادة، أو التسمية، أو المشهود به في زَعْمهم. قلتُ: هذا باطِلٌ يرده الحديث، وهكذا المرءُ إذا أتى في غير فَنِّه يأتي بالعجائب. فالصوابُ في الجواب ما يُستفاد مما أخرجه المصنِّف عن زيد بن أرقم، قال: كُنْت في غزاة، فسمعت عبدَ الله بنَ أُبَي يقول: لا تُنْفِقوا على مَنْ عندَ رسول الله حتى يَنْفَضُّوا من حوله، ولو رجعنا مِن عنده لَيُخْرِجَنّ الأعزُّ منها الأَذَلَّ، فذكرت ذلك لعمِّي، أو لِعُمَرَ، فذكره للنبيِّ صلى الله عليه وسلّم فدعاني، فحدثته، فأرسل رسولُ الله صلى الله عليه وسلّمإلى عبدِ الله بن أُبَي، وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فكذَّبني رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم وصَدَّقه... إلخ. وفي تلك القصة نزلت الآيةُ، وأُخْبر النبيُّ صلى الله عليه وسلّمإنّهم لكاذِبون، أي فيما حلفوا لك أنهم ما قالوا، فاللَّهُ سبحانه كَذَّبهم في حَلِفِهم، لا فيما ذكره صاحِبُ «التَّلْخيص».
قوله: ({لَوَّوا رءوسهم}) فالتويةُ عَن النبيِّ صلى الله عليه وسلّمكُفْر، بخلافِ غيره، فدلَّ على أن فِعْلاً واحداً يمكن أن يكونَ كفراً، وغير كُفْر بالنسبةِ إلى الشخصين.
---
4906 - قوله: (فكَتَب إلى زيدٍ بنِ أَرْقَم)... إلخ. أي يُعزِّيني، ثُم قال أَنس ما حاصله: إنَّ زيداً ممن صَدَّقه اللَّهُ تعالى فيما قال لابنِ أُبَي.
فائدة:
وعن سعيد بن المسيّب عند الدارمي في «مسنده»: أنَّ يزيدَ لما أحل حرم الله المدينة، وجعل يسفك فيها دماء المسلمين، ألقيت نفسي في المسجد النبوي، كأني مجنون، وما بي من جنون، ولكن أردت منه الاتقاء عن شر يزيد، فكنت أسمع يومئذٍ صوت الأذان من الروضة المطهرة، وعد ذلك من مناقب سعيد؛ قلتُ: وقد مرّ معنا ما في القبور من الأحوال، فتذكره.(6/414)
4905 - قوله: (دَعْه، لا يتحدَّثُ النّاسُ أنَّ محمداً يَقْتلُ أصحابَه) هذا هو السرُّ في عدمِ قَتْل النبيِّ صلى الله عليه وسلّمالمنافقين، مع علمه بأعيانِهم، كما نَبّهناك فيما مرّ. وليس الأَمر أنَّ المنافقين كانوا مختلِطين بين أصحابه صلى الله عليه وسلّمبحيث يرتفع التمييزُ أَصْلاً، ولكنه كان يُسامِحُهُم لِمِثْل هذه المصلحة، فاندفع ما أورد عليه، فافهم.
سُورَةُ الطَّلاَقِ
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {وَبَالَ أَمْرِهَا} (9) جَزَاءَ أَمْرِهَا. {إِنِ ارْتَبْتُمْ} (4): إِنْ لَمْ تَعْلَمُوا أَتحيضُ أَمْ لا تَحيضُ. فَاللائي قَعَدْنَ عَنِ الْمَحيضِ وَاللائي لَمْ يَحِضْنَ بَعْدُ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ.
باب
باب {وَأُوْلَتُ الاْحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} (4)
وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ: وَاحِدُهَا: ذَاتُ حَمْلٍ.
---
قوله: (ليراجعها، ثُم يمسكها) وهذا صريحٌ في أن تطليقَ ابنِ عمر امرأتَه في الحيض اعتُبر طَلاقاً، مع كونه بدعةً، فكيف يقول ابنُ تيميةَ ما يقول؟ وقد مَرّ، ثُم الرجوع عنه واجِبٌ، كما في «الهداية»، وهو ظاهر الحديث، وقيل: مستحبُّ، والأَوّل أرجح.
4908 - قوله: (حتى تَطْهُرَ، ثُم تحيض)... إلخ. وللرواة فيه اختلافُ، وهو الوجهان للحنفية، فقيل: إنّه يُطلِّقها في الطُّهر الذي بعد الحَيْضة الأُولى، كما عند أبي داود، وقيل: بل ينبغي له أن يُمْهِلَها حتى تمضِي حيضتان، ثُم يُطَلِّقها في الطُّهر الذي بعدهما. وتَعرَّض صاحب «الهداية» إلى حِكْمة التراخي، وراجع «بداية المجتهد» لابن رشد.
---(6/415)
4908 - قوله: (فتلك العِدَّةُ، كما أَمَره اللَّهُ)... إلخ. إشارةٌ إلى قوله: {فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} واستدل منه الشافعية على كونِ القروء بمعنى الأَطهار، فإِن التطليقَ في الطُّهر بالإِجماع، وقد جعله القرآنُ عِدّةً لهن، فدلّ على أنَّ العِدّة بالأطهار. وأجاب عنه الزَّمْخَشريُّ: أنَّ اللام فيه للاستقبال، فيكون التَّطْلِيقُ في الطُّهر، وعِدّتها بَعْدَه في الحَيْض، وتؤيدُه قراءة: «قبل عدتهن». والجواب عندي: أنَّ العِدّة عِدَّتان: عِدّة الرجال، وهي للتطلِيق؛ وعدَّة النِّساء، وهي للتربُّص، كما في «المبسوط». والمذكور في الآية عِدّة الرِّجال - كما أشار إليه الطحاوي - دون عِدَّة النساء، وهي في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَثَةَ قُرُوء} (البقرة: 228)، فالرِّجال أُمِرُوا أن ينظروا متى يُطلِّقُوها، وهو الأَطْهار، والنِّساء أُمرن: أن يتربَّصْن بأنفسهن ثلاثةَ حِيض، واللام فيه للظرفية، ولذا خاطب في «سورة الطَّلاق» الرجال، وقال: {يأيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النّسَآء}فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ، وفي «سورة النساء» النِّساء، فقال: {وَالْمُطَلَّقَتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ}... إلخ. وبالجملة قَسَم العِدَّة بين الرِّجال والنِّساء في السورتين، وبيّن لهما ما كان عليهما مِن إحصاء عِدّتهما.
4909 - قوله: (فقال ابنُ عباس: آخِرُ الأَجَلَيْن)... إلخ. والسَّلَف مُخْتلفون بين آيةِ عِدّة الحاملة، وآية عِدّة المُتوفَّى عنها زَوْجُها: فمنهم مَنْ ذهب إلى أنَّ بينهما عُموماً وخصوصاً مِن وَجْه؛ والجمهور إلى أنَّ وَضْع الحَمْل هو العِدَّة، سواء كان قريباً أم بعيداً، وهو مذهبُ ابن مسعود.
4909 - قوله: (أنا مع ابنِ أَخي) وهذه محاورةٌ.
4910 - قوله: (فَذَكَر آخِر) أي جَرَت تلك المسألةُ.
---(6/416)
4910 - قوله: (فَضَمَّزَ لي) وهو إخراجُ الصوتِ، بضم الشَّفَتين، كشِبه الضُّراط. قلتُ: فظهر منه أنَّ الجُزْء الواحِد، قد يَدْخُل تحت أَصْلَين، فتختلف فيه الأنظار، أنه بأَيِّ الأَصْلين أقرب؟ وهذه هي مقاسمةُ الأُصول، وهي من وظيفةِ المجتهد.
4910 - قوله: (فَلَقِيتُ أبا عَطِيَّةَ مالك بنَ عامر) وعند ابن أبي شَيْبة في «مُصَنَّفه»: أنَّ أصحاب ابنِ مسعود لم يكونوا يَرَوْن الفاتحةَ خَلْف الإِمام. وفي إسناده مالك بنُ عمارة، وهو رَجُلٌ مجهولٌ لا يُعْرف. قلتُ: نُسخةُ المصنِّف سقيمةٌ جداً، يمكن أن يكون هو مالك بن عامر، فتحرّف إلى عمارة.
سُورَةُ التحريم
باب {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1)
باب {تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ}{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلةَ أَيمَانِكُمْ وا مَوْلاكُمْ وهُوَ العَلِيُّ الحَكِيمُ}
باب {وَإِذَ أَسَرَّ النَّبِىُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِىَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} (3)
فِيهِ عائِشَةُ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
باب قَوْلُهُ: {إِن تَتُوبَآ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (4)
صَغَوْتُ وَأَصْغَيتُ: مِلتُ. {وَلِتَصْغَى} (الأنعام: 113) لِتَمِيلَ.
{وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَلِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَئِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ} (4) عَوْنٌ، تَظَاهَرُونَ: تَعَاوَنُونَ.
---
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ} (6) أَوْصُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ بِتَقْوى اللَّهِ وَأَدِّبُوهُمْ.(6/417)
قَوْلُهُ: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوجاً خَيْراً مّنكُنَّ مُسْلِمَتٍ مُّؤْمِنَتٍ قَنِتَتٍ تَئِبَتٍ عَبِدتٍ سَئِحَتٍ ثَيّبَتٍ وَأَبْكَاراً} (5)
سُورَةُ تَبَارَكَ الَّذي بِيَدِهِ المُلْكُ
التَّفَاوُتُ: الاِخْتِلاَفُ، وَالتَّفَاوُتُ وَالتَّفَوُّتُ وَاحِدٌ. {تَمَيَّزُ} (8) تَقَطَّعُ. {مَنَاكِبِهَا} (15) جَوَانِبِهَا. {تَدْعُونَ} (27) وَتَدْعُونَ، مِثْلُ تَذَّكَّرُونَ وَتَذْكُرُونَ. {وَيَقْبِضْنَ} (19) يَضْرِبْنَ بِأَجْنِحَتِهِنَّ. وَقالَ مُجَاهِدٌ: {صَآفَّتٍ} (19) بَسْطُ أَجْنِحَتِهنَّ. {وَنُفُورٍ} (21) الكُفُورُ.
واختُلف في شأن نزولها: فعند النَّسائي أنها نزلت على تحريم ماريةَ؛ وعند البخاري على تحريم العَسَل. ورَجَّح الحافظ ههنا النَّسائي على البخاري، وذهب جماعةُ إلى أنَّ القصص فيه متقاربةٌ، ونزلت السورةُ بعدها. ثُم إنَّ تحريم الحلال يمينٌ عندنا، فإِنَّ الله سبحانه سَمّى تحريم الحلال يميناً، فقال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَنِكُمْ} فسماه يميناً. وأجاب عنه النوويُّ: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّمكان حَلَف في القِصّة بصيغةِ اليمين أيضاً، فاليمين هو ذلك.
قلتُ: هَب، ولكنا لا نَهْدِرُ ألفاظَ القرآن، فإِنه لم يعدل عن جعل التحريم يميناً، فاعتبرناه، فإِن كانت القصة في أيديهم، فمنطوقُ القرآنِ بأيدينا، وكفانا به قدوةً وإماماً؛ وبالجملة دَارَ النظر فيه بين أن يُؤخذ بعنوان القرآنِ، أم بما في الواقع، والنظران هما الرأيان.
---(6/418)
4911 - قوله: (في الحَرَامِ: يُكْفَرُ) ذهب مالك والشافعي إلى أنَّ مَنْ حَرُمت عليه زوجتُه فله أحكام، أما مَنْ حرم عليه غيرُها فليس له حُكْم، فإِنّ الحلال لا يصيرُ حراماً بتحريم أَحَد، وعندنا هو يمين. وعن أحمد روايتان. وذهب ابنُ القيِّم إلى أن ذلك الشيء يحرم عليه تحريماً وقتياً حتى يُكَفِّر، وعندنا يَحْنَث بأكله، بدون أن يَحْرُم عليه.
4912 - قوله: (أَكَلْتَ مَغَافِيرَ) قال الزَّمخشريّ: وهمزة الاستفهام قد تُحْذف ومعناها يُفْهم من نغمة الصوت. وهو حَسَنٌ جداً، وإنْ لم يتعرّض إليه النُّحاة.
4913 - قوله: (حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَه غضبانَ)، لا بدّ فيه من التقسيم، فإِنَّ بعض أنحاء الغضب يكون كُفْراً، وبعضَها لا.
قوله: (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَهُ) مدد كار.
قوله: ({وَجِبْرِيلَ}وَصَلِحُ الْمُؤْمِنِينَ)، أي أبو بكر، وعمر، ولا أدري ما الداعيةُ لهذا الإِعظام.
4913 - قوله: (يَرْقَى عليها بِعَجَلةٍ) العجلة لكر مين صلى الله عليه وسلّمى دال ديتى هين شبه الأرجوحة.
سُورَةُ ن وَالقَلَمِ
وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَتَخَافَتُونَ: يَنْتَجُونَ السِّرَارَ والكَلامَ الخَفيَّ. وَقالَ قَتَادَةُ: {حَرْدٍ} (25) جِدّ في أَنْفُسِهِمْ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَضَالُّونَ} (26) أَضْلَلنَا مكانَ جَنَّتِنَا.
وَقالَ غَيرُهُ: {كَالصَّرِيمِ} (20) كالصُّبْحِ انْصَرَمَ مِنَ اللَّيلِ، وَاللَّيلِ انْصَرَمَ مِنَ النَّهَارِ، وَهُوَ أَيضاً: كُلُّ رَمْلَةٍ انْصَرَمَتْ مِنْ مُعْظَمِ الرَّمْلِ، وَالصَّرِيمُ أَيضاً المَصْرُومُ، مِثْلُ: قَتِيلٍ وَمَقْتُولٍ.
باب {عُتُلٍ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ}(13)
باب {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} (42)
قوله: (كُلُّ رَمْلةٍ)... إلخ. يعني ريت كاتيله جو كت كياهو برى تبلى سى.
---(6/419)
4917 - قوله: (زَنَمَةِ الشَّاةِ)، كانوا يقطعون أُذن الشاةِ، ويتركون شيئاً منها، فَتَبقى معلَّقة، ثُم يقال: زَنِيم لمن لم يكن مِن القومِ، وكان دَخَل فيهم.
4918 - قوله: (جَوّاظ) منه صلى الله عليه وسلّمت.
4918 - قوله: ({عُتُلٍ}) اكهر.
قوله: ({يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ}) وهو تجلَ. واعلم أنَّ الرَّجل يرى الأمورَ القدسيةَ الغَيْبيةَ التي ليست مادية، كالرؤيا، وتسمّى تجلياً امور قدسية غيبيه جومادى نهين هين اس كاسمان باندها جاوى مشاهده كيلئى يه تجلى هى.
سُورَةُ الحَاقَّةِ
{عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} (21) يُرِيدُ: فِيهَا الرِّضَا. {الْقَاضِيَةَ} (27) المَوْتَةَ الأُولَى الَّتِي مُتُّهَا ثُمَّ أُحْيَا بَعْدَهَا. {مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَجِزِينَ} (47) أَحَدٌ يَكُونُ لِلجَمْعِ وَلِلوَاحِدِ.
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {الْوَتِينَ} (46) نِيَاطُ القَلبِ. قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {طَغى} (11) كَثُرَ، وَيُقَالُ: {بِالطَّاغِيَةِ} (5) بِطُغْيَانِهِمْ، وَيُقَالُ: طَغَتْ عَلَى الخُزَّانِ كَمَا طَغى المَاءُ عَلَى قَوْمِ نُوحٍ.
قوله: (أَحَدٌ يكون للجَمْع) قلتُ: الأَحَد مُفْرد، لكنه في سياقِ النَّفي يفيدُ الاستغراق.
قوله: ({الْوَتِينَ} نِياطُ القَلْب) أي هي عِرْق يتعلق القلبُ بها. واعلم أن لعين القَاديان قد تمسّك بها على صِدْقه، بأنه لو كان كاذِباً لقطع منه الوَتِين أيضاً.
قلتُ: أين هذا اللعين مِن الآية. فإِنّ فيهما قطع الوتين، لمن تقوّل على الله من الأنبياء الصادقين، وأما الكاذبون فهم خارجون عن الخطاب، فإِنّ العقوبة إنما تَحُل بمن كان صاحب سِرِّك، وعَيْبتك، وكَرشك، ولا تمهله أنت حتى يكذِّب عليك أَلْف كذبة، بخلاف مَنْ كان عَدواً لك، فإِنّك تستدرِجُه على حين غَفْلة، فتأخذه أَخْذَة الأسف.
---(6/420)
فالأنبياءُ عليهم السلام لو كَذبوا على الله والعياذ بالله، لهلكوا معاً، وذلك لأنَّ الله تعالى إذا صَدّقهم بإِظهار المعجزات على أيديهم، فلو تَرَكهم يكذبون عليه، لكان فيه تلبيسٌ على النَّاس بين الحقّ والباطل، فالناس في أمن منهم، يعلمون أنَّ ما يقولونه يكون حَقّاً ومصدّقاً من الله، وحينئذٍ لو افترى على الله، ثُم لا ينتقم اللَّهُ منه، فما الإِثمُ عليهم لو أطاعوه في مفترياتِهم. فظهر أنَّ الخِطاب في الآية مع الرُّسل والأنبياء عليهم السلام، دون الكاذبين والدجاجلة، فإِنّ الربّ متى صَدّقهم، وإنّما اللّوم والشَّين على مَنْ صَدّقوه بدون سابقيةِ أَمْره في كتابٍ ولا سُنّة، ولا تصديقَ رَبِّهم من فوق العَرْش، فأي لَبْس، لو تركه يتقوّل على الله حتى يكونَ إجحافُه مرّةً واحدة. فهذا المعيارُ للصادقين دون الكاذبين، على أنَّ في الآية إخباراً بإِرادة جزئية في حقّ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم لا استدلالاً على صِدْقه بِسُنّة كُلّية في الأنبياء، يعني أنَّ هذا النبيَّ الذي تحسبونه كاذباً، لو تقوّل علينا، لفعلنا في حَقِّه ما فعلنا، فتلك أخبارٌ بإِرادته تعالى فيه، وليس فيها استدلالٌ بحياته، وبقائه سالماً على صِدْقه. وكم مِن فَرْق بين الأخبار عن إرادة جزئية، وبين الاستدلال بِسُنّة كلية ألا ترى أنَّ الضمير فيها للنبيِّ صلى الله عليه وسلّم فما خاطبه اللَّهُ به نفسه الكريمة، لا يجب أن يتحقّق في غيره.h
سُورَةُ سَأَلَ سَائِلٌ
الفَصِيلَةُ: أَصْغَرُ آبَائِهِ القُرْبى، إِلَيهِ يَنْتَمِي مَنِ انْتَمى. {لِلشَّوَى} (16) اليَدَانِ وَالرِّجْلاَنِ وَالأَطْرَافُ، وَجِلدَةُ الرَّأْسِ يُقَالُ لَهَا شَوَاةٌ، وَما كانَ غَيرَ مَقْتَلٍ فَهُوَ شَوىً. وَالعِزُونَ: الجَمَاعَاتُ، وَوَاحِدُهَا عِزَةٌ.
سُورَةُ: {إِنَّآ أَرْسَلْنَآ نُوْحَاً}
---(6/421)
{أَطْوَاراً} (14) طَوْراً كَذَا وَطَوْراً كَذَا، يُقَالُ: عَدَا طَوْرَهُ أَي قَدْرَهُ. وَالكُبَّارُ أَشَدُّ مِنَ الكُبَارِ، وَكَذلِكَ جُمَّالٌ وَجَمِيلٌ لأَنَّهَا أَشَدُّ مُبَالَغَةً، وَكُبارٌ الكَبِيرُ، وَكُبَاراً أَيضاً بِالتَّخْفِيفِ، وَالعَرَبُ تَقُولُ: رَجُلٌ حُسَّانٌ وَجُمَّالٌ، وَحُسَانٌ، مُخَفَّفٌ، وَجُمَالٌ، مُخَفَّفٌ. {دَيَّاراً} (26) مِنْ دَوْرٍ، وَلكِنَّهُ فَيعَالٌ مِنَ الدَّوَرَانِ، كَمَا قَرَأَ عُمَرُ: الحَيُّ القَيَّامُ، وَهيَ مِنْ قُمْتُ، وَقالَ غَيرُهُ: {دَيَّاراً} أَحَداً. {تَبَاراً} (28) هَلاَكاً. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مَّدْرَاراً} (11) يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضاً. {وَقَاراً} (13) عَظَمَةً.
قوله: (والفَصِيلة: أَصْغَرُ آبائه القُرْبَى)... إلخ. ويقال لأكبرهم: الشَّعْب.
قوله: (وما كان غيرَ مَقْتلٍ، فهو شَوىً) أي ما كان من أطراف الإِنسان ما لو أصابتها ضَرْبةٌ لم يمت فهي شَوىً.
قوله: ({دَيَّاراً}) يعني أَحَداً كوئى نرهى بستى والا.
باب {وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ} (23)
حاصِلُه أن تلك الأوثانَ التي كانت في قومِ نوحٍ عليه السلام وصلت بعينها إلى العَرَب.
---(6/422)
قلتُ: ولا بُعْد فيه، لأنَّ نوحاً عليه الصلاة والسلام كان في العراقِ، وهي كانت تحت مَمْلكةِ العرب، ويقال لها: عِراق العَرَب، فلا عجب منه. ويؤيدُه أن عَمْرو بن لحي الذي هو أعلأّل مَن سَنَّ عبادةَ الأوثان في العرب، كان جاء بِوَثَن من العراق، وكان اسْمُه هُبَل؛ والظاهر أنَّ العرب هم الذين كانوا نَحَتُوا هذه الأصنامَ، لا أنها انتقلت من العراق إليهم، غير أنهم نحتوها للمقاصِد التي قصدها أهلُ العراب، وذلك لأَنّا نَجِد في أهل الهند أيضاً أصناماً على تلك الأسامي بعينها، وراجع لها «ترجمة القرآن» للمَوْلَوي، فيروز الذين الدسكوي، فإنّه قد ذكر فيها أسماءها بالهندية، ثُم إنَّهم كانوا أعدوها للحوائج الخاصة؛ فالوَدّ: من المودة، وكانوا نحتوها لِجَلْب الخير بينهم؛ والسُّواع: من الساعة، وهي التي فَوّضوا إليها الموت؛ ويَغُوث: وهي ما كان تَغِيث الناس في شدائدهم؛ ويَعُوق: وهي ما كانت تمنعُ وتعوقُ عنهم المصائبَ؛ والنَّسْر: كانت على شَكْل النَّسْر.
وإذ قد عَلِمت أنَّ تلك الأصنام كانت عند العرب أيضاً، فلا حاجةَ إلى جواب ما أُورِد أن تلك الأصنام كيف يمكن أن تكون ما كانت عند قَوْم نوحٍ عليه الصلاة والسلام، مع مُضِي الأَعْصَار، وطُول العهود. على أنه لا بُعْد فيه، فإِنَّ نُوحاً عليه السلام كان في بلاد المَوْصِل، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام كان في بَابِل، وليست بينهما مسافةٌ كثيرةٌ، وكذا طُول العهد لا ينافي ذلك، مع أنك قد علمت أنها أسماءٌ وصفيةٌ لا أَعلام. فما كانت عند العرب أيضاً تُسمّى بتلك الأسماء للاتحاد في المقاصِد، فلا يلزم أن تكون تلك بعينِها ما عند قومِ نُوح عليه الصلاة والسلام، ومما ذكرنا لك من مقاصدها ومعانيها ظهر لك أن ما ذكره الراوي في أَمْر هؤلاء بعيدٌ.
سُورَةُ {قُلْ أُوحِىَ إِلَىَّ}
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لِبَداً} (19) أَعْوَاناً.
باب
---(6/423)
سُورَةُ المُزَّمِّلِ
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {وَتَبَتَّلْ} (8) أَخْلِصْ. وَقالَ الحَسَنُ: {أَنكَالاً} (12) قُيُوداً. {مُنفَطِرٌ بِهِ} (18) مُثَقَّلَةٌ بِهِ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كَثِيباً مَّهِيلاً} (14) الرَّمْلُ السَّائِلُ. {وَبِيلاً} (16) شَدِيداً.
يقول ابنُ عباس: إنَّ الجِنَّ لم يلقوا النبيَّ صلى الله عليه وسلّمفي تلك المرّةِ، ولا قالوا له شيئاً، وإنَّما أُوحي إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّممن قَوْلهم. وقال ابنُ مسعود: إنَّه آذَنته شجرةٌ كانت هناك. وهو الصوابُ عندي، لأنَّ ابن عباس كان إذ ذاك صغيرَ السِّنِّ، فالعبرةُ بقولِ ابن مسعود.
سُورَةُ المُدَّثِّرِ
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {عَسِيرٌ} (9) شَدِيدٌ. {قَسْوَرَةٍ} (51) رِكْزُ النَّاسِ وَأَصْوَاتُهُمْ، وَقالَ أَبُو هُرَيرَةَ: الأَسَدُ، وَكُلُّ شَدِيدٍ قَسْوَرَةٌ. {مُّسْتَنفِرَةٌ} (50) نَافِرَةٌ مَذْعُورَةٌ.
باب
باب قَوْلُهُ: {قُمْ فَأَنذِرْ} (2)
باب {وَرَبَّكَ فَكَبّرْ} (3)
باب {وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ} (4)
باب : {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (5)
يُقَالُ: الرِّجْزُ وَالرِّجْسُ: العَذَابُ.
سُورَةُ القِيَامَةِ
باب قَوْلُهُ: {لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} (16)
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {سُدًى} (36) هَمَلاً. {لِيَفجُرَ أَمامَهُ} (5) سَوْفَ أَتُوبُ، سَوْفَ أَعْمَلُ. {لاَ وَزَرَ} (11) لاَ حِصْنَ.
باب {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءانَهُ} (17)
باب : {فَإِذَا قَرَأْنَهُ فَاتَّبِعْ قُرْءانَهُ} (18)
---
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَرَأْنَاهُ: بَيَّنَّاهُ، فَاتَّبِعْ: اعْمَل بِهِ.
{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} (34) تَوَعُّدٌ.
واعلم أنه قد تكلَّمنا على المُزَّمِّل، وأنه لا تستقيم فيها البدليةُ بين قوله: {قُمِ الَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً} (المُزَّمل: 2)... إلخ، وأنه ماذا فيه من الجواب عندنا، فراجعه.
قوله: (نافرة) كهبرائى هوئى بها كنى والى.(6/424)
4922 - قوله: (سألت جابِرَ بنَ عبد الله رضي الله عنهما عن ذلك)... إلخ. واعلم أنَّ أَوَّل ما نزلت مِن السُّور هي المُدّثِّر عند جابر؛ والصوابُ أنها سورة «اقرأ». قلت: وقد رام الحافِظُ التطبيقَ بينهما، وليس بشيءٍ عندي، بل هو خلافُ الواقع، لأنَّ جابراً قد جَزَم بِكَوْن المُدّثر أَوَّل نزولا، وحينئذٍ فالتوجِيهُ من جانِبه توجِيهٌ بما لا يرضى به قائِلُه، وذلك لأنَّ الرواة إنما يُعبِّرُون عَمّا في ذِهْنهم من المعنى، وربما لا يكون لهم خبرةٌ بما عند الآخَر، فلا يراعونه أصلاً، كيف وإنَّما الواجب عليهم ما بلغ عِنْدهم، فإِذا لم يُبلِّغهم إلاّ ما بلغوا لم يجِب عليهم مراعاتِه أَصْلاً، غير أنَّ اللاّحق إذا وجد المادّةَ المتناقضةَ في الطرفين، يجب عليه أن يتحرَّى الصوابَ، ويتتبّع التوجيهاتِ، فتلك تكون مِن جهته، ولذا تراها ربما تختلف على الألفاظ، ولا تأتي عليها، وهذا النحو ليس إلاَّ لعدم مراعاتِهم إياها، فمن زَعَم يؤوِّل قولَهم بما يُشْعر أنهم عَلِموا حال الألفاظ جُمْلةً، فقد بَعُد عن الصواب؛ فليس عند جابر إلاَّ أنَّ المُدّثر أول نزولاً، وذلك هو المحقَّق عنده، ولا نبحث عن وُجوهه وأسبابه، فلتكن ما كانت. وإذن فالتطبيق بين قوله، وبين مَنْ روى أَوّلية سورة اقرأ حَمْلٌ عليه ما لا يتحمّله هو، فَمَن أراد من الشارحين أن يوجِد التطبيقَ من قِبل جابر فقد أبعد، نعم إنْ أراده لنفسه ومن قِبَله، فهذا أَمْرٌ لا حَجْر فيه ولا ضيق.
---
4925 - قوله: (قَبْل أن تُفْترض) أي قبل أن تفترض الخَمْس، وإلاَّ فالصلاتانِ عندي كانتا فَرِيضَتَين منذ بدء الإِسلام، كما حَرّرنا من قبل، وقد تكلَّمنا على ألفاظ هذه السور في أول الكتاب.(6/425)
قوله: ({لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ})... إلخ. قد عَلِمت أنه لا ارتباط له بما قبله، لأن باقي السياق في المَحْشر. والأَوْلى في مِثله عندي أن يوفر حَظُّ القرآن أَوّلاً، ثُم ينظر إلى الحديثِ فإِن أتى عليه فذاك، وإلاّ فلا يُقْصر عليه، وقد مَرّ الكلام مبسوطاً مِن قَبْل.
سُورَةُ {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَنِ}
يُقَالُ مَعْنَاهُ: أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ، وَهَل: تَكُونُ جَحْداً، وَتَكُونُ خَبَراً، وَهذا مِنَ الخَبَرِ، يَقُولُ: كانَ شَيئاً، فَلَمْ يَكُنْ مَذْكُوراً، وَذلِكَ مِنْ حِينِ خَلَقَهُ مِنْ طِينٍ إِلَى أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ. {أَمْشَاجٍ} (2) الأَخْلاَطُ، ماءُ المَرْأَةِ وَماءُ الرَّجُلِ، الدَّمُ وَالعَلَقَةُ، وَيُقَالُ إِذَا خُلِطَ: مَشِيجٌ، كَقَوْلِكَ لَهُ: خَلِيطٌ، وَمَمْشُوجٌ مِثْلُ: مَخْلُوطٍ. وَيُقَالُ: {سَلَسِلَ وَأَغْلَلاً} (4) وَلَمْ يُجْرِهِ بَعْضُهُمْ. {مُسْتَطِيراً} (7) مُمْتَدَّاً البَلاَءُ.
وَالقَمْطَرِيرُ: الشَّدِيدُ، يُقَالُ: يَوْمٌ قَمْطَرِيرٌ وَيَوْمٌ قُمَاطِرٌ، وَالعَبُوسُ وَالقَمْطَرِيرُ وَالقُمَاطِرُ، وَالعَصِيبُ: أَشَدُّ ما يَكُونُ مِنَ الأَيَّامِ في البَلاَءِ. وَقالَ مَعْمَرٌ: {أَسْرَهُمْ} (28) شِدَّةُ الخَلقِ، وَكُلُّ شَيءٍ شَدَدْتَهُ مِنْ قَتَبٍ فَهُوَ مَأْسُورٌ.
قوله: ({لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً}) قلتُ: وأَصْل التراع بين المعتزلة والمتكلمين: أنَّ الشيء يطلق عند المعتزلة في حال عَدَمِه أيضاً، وعند المتكلِّمين باعتبارِ الوجود فقط، فلا يكون المعدومُ عندهم شيئاً.
سُورَةُ وَالمُرْسَلاَتِ
---
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {جِمَالاَتٌ} (33) حِبَالٌ. {ارْكَعُواْ} (48) صَلُّوا، لا يَرْكَعُونَ: لاَ يُصَلُّونَ.(6/426)
وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لاَ يَنطِقُونَ} (35). {وَاللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} (الأنعام: 23)، {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوهِهِمْ} (يس: 65)، فَقَالَ: إِنَّهُ ذُو أَلوَانٍ، مَرَّةً يَنْطِقُونَ، وَمَرَّةً يُخْتَمُ عَلَيهِمْ.
وَتَابَعَهُ أَسْوَدُبْنُ عامِرٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ. وَقالَ حَفصٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَسُلَيمانُبْنُ قَرْمٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَن الأَسْوَدِ. قال يَحْيَىبْنُ حَمَّادٍ: أَخْبَرَنا أَبُو عَوَانَةَ، عن مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيم، عَنْ عَلقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ.
وَقالَ ابْنُ إِسْحاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِبْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ.
باب قَوْلُهُ: {إِنَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} (32)
باب قَوْلُهُ: {كَأَنَّهُ جِمَالاَتٌ صُفرٌ} (33)
باب : {هَذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} (35)
سُورَةُ {عَمَّ يَتَسَآءلُونَ}
قالَ مُجَاهِدٌ: {لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً} (27) لاَ يَخَافُونَهُ. {لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً} (37) لاَ يُكَلِّمُونَهُ إِلاَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ. صَوَاباً: حَقًّا في الدُّنْيَا وعَمِلَ بِهِ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَهَّاجاً} (13) مُضِيئاً. وقَالَ غَيْرُهُ: {وَغَسَّاقاً} غَسَقَتْ عَيْنُهُ ويَغْسِقُ الجُرْحُ: يَسِيلُ كأنّهُ الغَسَاق والغَسِق وَاحِدٌ. {عَطَآء حِسَاباً} (36)، جَزَاءً كافِياً، أَعْطَانِي ما أَحْسَبَنِي، أَي كَفَانِي.
باب {يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً} (18) زُمَرا
---
قوله: ({بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ}) كسى تى كهاوه جهونبرا جسكى جهت كوهاتهه لك جاوى - اوكسى تى كهابرى برى محل.
4933 - قوله: ({كأنّه جِمالاتٌ صُفْرٌ} حِبال السُّفن) أي هي حِبال السُّفن.
4933 - قوله: (تُجْمَع حتى تكونَ كأَوْساط الرِّجال) يعني جيسى آدميو نكى كمر.
سُورَةُ {وَالنَّزِعَتِ}(6/427)
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {الآيَةَ الكُبْرَى} (20) عَصَاهُ وَيَدُهُ.
يُقَالُ النَّاخِرَةُ وَالنَّخِرَةُ سَوَاءٌ، مِثْلُ الطَّامِعِ وَالطَّمِعِ، وَالبَاخِلِ وَالبَخِيلِ. وَقالَ بَعْضُهُمُ: النَّخِرَةُ البَالِيَةُ، وَالنَّاخِرَةُ: العَظْمُ المُجَوَّفُ الَّذِي تَمُرُّ فِيهِ الرِّيحُ فَيَنْخَرُ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {الْحَفِرَةِ} (10) الَّتِي أَمْرُنَا الأَوَّلُ، إِلَى الحَيَاةِ.
وَقالَ غَيرُهُ: {أَيَّانَ مُرْسَهَا} (42) مَتَى مُنْتَهَاهَا، وَمُرَسى السَّفِينَةِ حَيثُ تَنْتَهِي.
باب
سُورَةُ {وَالنَّزِعَتِ}
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {الآيَةَ الكُبْرَى} (20) عَصَاهُ وَيَدُهُ.
يُقَالُ النَّاخِرَةُ وَالنَّخِرَةُ سَوَاءٌ، مِثْلُ الطَّامِعِ وَالطَّمِعِ، وَالبَاخِلِ وَالبَخِيلِ. وَقالَ بَعْضُهُمُ: النَّخِرَةُ البَالِيَةُ، وَالنَّاخِرَةُ: العَظْمُ المُجَوَّفُ الَّذِي تَمُرُّ فِيهِ الرِّيحُ فَيَنْخَرُ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {الْحَفِرَةِ} (10) الَّتِي أَمْرُنَا الأَوَّلُ، إِلَى الحَيَاةِ.
وَقالَ غَيرُهُ: {أَيَّانَ مُرْسَهَا} (42) مَتَى مُنْتَهَاهَا، وَمُرَسى السَّفِينَةِ حَيثُ تَنْتَهِي.
باب
قوله: (وقال ابنُ عَبّاس: {الْحَفِرَةِ}) جوواصلى الله عليه وسلّم كردى اوّل أمر كيطرف.
---
4936 - قوله: (بعثتُ أنا، والساعة كهاتَين) واعلم أنه رُوي عن ابن عباس أن عُمُرَ الدنيا سبعة آلاف سَنة، وهو موقوفٌ، والمرفوعُ عنه معلولٌ، وقد مضت منها ستةُ آلاف مِن زمن آدمَ عليه الصلاة والسلام إلى زَمَن نَبِيِّنا صلى الله عليه وسلّم ثُم قد مضت ألفُ سنةٍ وشيءٌ بعده صلى الله عليه وسلّم فينبغي أن تقوم القيامةُ بهذا الحساب، لأنه لا يبقى من عُمُرها إلاَّ ألف.(6/428)
قلتُ: إنَّ الأَلْف الذي هو مُدَّتنا من ذلك الحساب: هو ما يبقى فيه الإِسلامُ عزيزاً، ويعيش فيه أهلُه رغيداً، لا أنه ليس لنا إلاَّ ذلك. وثبت من التاريخ أنه لم يزل أَمْرُ أهل الإِسلام بعد الألف إلا في ذُلّ وتشتت. ويؤيدُه ما عند أبي داود: أن أمته صلى الله عليه وسلّملا تعجز عن نصف يوم... إلخ. وفيه زيادة: فإِن قام لهم أَمْرُهم بعده يَتِم يوماً، إلا أنَّ الحافظ حَكَم عليه بالوَضْع، ورأيت في «جامع الثَّوري»، أو «ابن عيينة» أنَّ المشهور في السَّلف مجموع عُمر الدنيا كان خمسين ألفَ سنةٍ، وإليهِ «يومىءُ القرآنُ في قوله: {فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (المعارج: 4)، وذلك لأنَّ الدنيا تُعاد في المَحْشر عندي من أَوّلها إلى آخِرها، وهذا عندي مجموع عُمرها، مع ما مر منه قبل آدم عليه الصلاة والسلام أيضاً. والذي في أَثر ابنِ عباس هو لِما بعد آدمَ عليه الصلاة والسلام فقط، وقد ذكر ابنُ جرير لذلك حِساباً، وثبت اليوم أنه خطأٌ كلُّه.
قوله: (والصُّحُفَ مُطَهَّرَةً) يعني أن النعتَ فيه بحال متعلقةٍ، لأنَّ الصحف مطهرة بنفسها، فلا معنى لوقوع التطهيرِ عليها، وإنما هو باعتبارِ متعلّق الصّحف، أي الملائكة.
سُورَةُ {إِذَا الشَّمْسُ كُوّرَتْ}
---
{انكَدَرَتْ} (2) انْتَثَرَتْ. وَقالَ الحَسَنُ: {سُجّرَتْ} (6) ذَهَبَ ماؤُهَا فَلاَ يَبْقى قَطْرَةٌ، وَقالَ مُجَاهِدٌ: {الْمَسْجُورِ} (الطور: 6) المَمْلُوءُ، وَقالَ غَيرُهُ: {سُجّرَتْ} أَفضى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، فَصَارَتْ بَحْراً وَاحِداً.
وَالخُنَّسُ: تَخْنِسُ في مُجْرَاهَا: تَرْجِعُ، وَتَكْنِسُ: تَسْتَتِرُ كما تَكْنِسُ الظِّبَاءُ. {تَنَفَّسَ} (18) ارْتَفَعَ النَّهَارُ. وَالظَّنِينُ: المُتَّهَمُ، وَالضَّنِينُ يَضَنُّ بِهِ.(6/429)
وَقالَ عُمَرُ: {النُّفُوسُ زُوّجَتْ} (7) يُزَوَّجُ نَظِيرَهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ قَرَأَ: {احْشُرُواْ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوجَهُمْ} (الصافات: 22)، {عَسْعَسَ} (17) أَدْبَرَ.
سُورَةُ {إِذَا السَّمَآء انفَطَرَتْ}
وَقالَ الرَّبِيعُبْنُ خُثَيمٍ {فُجّرَتْ} (3) فاضَتْ. وَقَرَأَ الأَعْمَشُ وَعاصِمٌ: {فَعَدَلَكَ} (7) بِالتَّخْفِيفِ، وَقَرَأَهُ أَهْلُ الحِجَازِ بِالتَّشْدِيدِ، وَأَرَادَ: مُعْتَدِلَ الخَلقِ، وَمَنْ خَفَّفَ يَعْنِي: {فِى أَىّ صُورَةٍ} (8) شَاءَ: إِمَّا حَسَنٌ، وَإِمَّا قَبِيحٌ، وَطَوِيلٌ وَقَصِيرٌ.
سُورَةُ {وَيْلٌ لّلْمُطَفّفِينَ}
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {بَلْ رَانَ} (14) ثَبْتُ الخَطَايَا. {ثُوّبَ} (36) جُوزِيَ. الرَّحِيقُ: الخَمْرُ. {خِتَمُهُ مِسْكٌ}: طِينُهُ. التَّسْنِيمُ: يَعْلُو شَرَابَ أَهْلِ الجَنةِ. وَقالَ غَيرُهُ: المُطَفِّفُ لاَ يُوَفِّي غَيرَهُ.
باب {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبّ الْعَلَمِينَ} (6)
قوله: (والظَّنِين: المُتَّهم، والضَّنِين يضَنُّ به) أي ما يكون أحرى أن يضن به، وفيه دليل على أن الضاد والظاء مخرجهما قريب، ولذا ثبتت القراءتان بالضاد، والظاء.
---
قوله: ({زُوّجَتْ}) المرادُ منه ضَمُّ النظير إلى نظيرِه، وإلاَّ فأين النِّكاح في المَحْشر.
قوله: ({لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ})... إلخ. وهذا كما قيل: لم يَزَل النُّورُ المحمَّديُّ، ينتقل من صُلْب أب إلى أب، حتى ظهر من آمِنة.
سُورَةُ {إِذَا السَّمَآء انشَقَّتْ}
قالَ مُجَاهِدٌ: {كِتَبَهُ بِشِمَالِهِ} (الحاقة: 25) يَأْخُذُ كِتَابَهُ مَنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ. {وَسَقَ} (17) جَمَعَ مِنْ دَابَّةٍ. {ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ} (14) لاَ يَرْجِع إِلَينَا.
باب {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} (8)
باب {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ} (19)
سُورَةُ البُرُوجِ(6/430)
قالَ مُجَاهِدٌ: {الاْخْدُودِ} (4) شَقٌّ في الأَرْضِ. {فُتِنُواْ} (10) عَذَّبُوا. وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الوَدُودُ: الحَبِيبُ، المَجِيدُ: الكَرِيمُ.
إعلم أنه ليست في القرآن آيةٌ تدلُّ على حركة السموات، بقي قَوْلُه: {وَالسَّمَآء ذَاتِ الرَّجْعِ وَالاَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} فمعناه أنَّ السماء ينزل منه المطرُ، والأرض يَنْبت منها النباتُ، هكذا فَسّره الزمخشري، نعم فيها حركةُ النُّجوم، كما في قوله: {وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرّ لَّهَا} (يس: 38) فنسب الجريانَ إلى الشَّمس، ثُم هي بحسب الحِسّ أو بحسب الواقع في الخارج، فذلك بَحْثٌ آخر، وقد فَرَغنا منه في موضعه، فراجعه في «سورة يس»، وقد ذكرنا قبله أيضاً.p
سُورَةُ الطَّارِقِ
هُوَ النَّجْمُ، وَما أَتاكَ لَيْلاً فَهُوَ طَارِقٌ. النَّجْمُ الثَّاقِبُ: الْمُضِيءُ. وَقالَ مُجَاهِدٌ: {ذَاتِ الرَّجْعِ} (11) سَحَابٌ يَرْجِعُ بِالمَطَرِ. {ذَاتِ الصَّدْعِ} (12) الأَرْضُ تَنْصَدِعُ بِالنَّبَاتِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَقَوْلٌ فَصْلٌ} لَحَقٌّ {لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} إِلاَّ عَليها حافِظٌ.
---
سُورَةُ {سَبِّحِ اسْمَ رَبّكَ الاَعْلَى}
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {قَدَّرَ فَهَدَى} (3): قَدَّرَ لِلإِنْسَانِ الشَّقَاءَ والسَّعَادَةَ، وَهَدَى الأَنْعَامَ لِمَرَاتِعِهَا.
سُورَةُ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَشِيَةِ}
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ} (3) النَّصَارَى. وَقالَ مُجَاهِدٌ: {عَيْنٍ ءانِيَةٍ} (5) بَلَغَ إِنَاهَا وَحانَ شُرْبُهَا. {حَمِيمٍ ءانٍ} (الرحمن: 44) بَلَغَ إِنَاهُ. {لاَ يُسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةٌ} (11) شتْماً.(6/431)
الضَّرِيعُ: نَبْتٌ يُقَالُ لَهُ الشِّبْرِقُ، يُسَمِّيهِ أَهْلُ الحِجَازِ الضَّرِيعَ إِذَا يَبِسَ، وَهُوَ سَمٌّ. {بِمُسَيطِرٍ} (22) بِمُسَلَّطٍ، وَيُقْرَأُ بِالصَّادِ وَالسِّينِ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {إِيَابَهُمْ} (25) مَرْجِعَهُمْ.
سُورَةُ {وَالْفَجْرِ}
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {وَالْوَتْرِ} (3) اللَّهُ. {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} (7) القَدِيمَةِ، وَالعِمَادُ أَهْلُ عَمُودٍ لاَ يُقِيمُونَ. {سَوْطَ عَذَابٍ} (13) الَّذِي عُذِّبُوا بِهِ. {أَكْلاً لَّمّاً} (19) السَّفُّ. وَ{جَمّاً} (20) الكَثِيرُ.
وَقالَ مُجَاهِدٌ: كُلُّ شَيءٍ خَلَقَهُ فَهُوَ شَفعٌ، السَّمَاءُ شَفعٌ، وَالوتْرُ: اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
وَقالَ غَيرُهُ: {سَوْطَ عَذَابٍ} (13) كَلِمَةٌ تَقُولُهَا العَرَبُ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ العَذَابِ يَدْخُلُ فِيهِ السَّوْطُ. {لَبِالْمِرْصَادِ} (14) إِلَيهِ المَصِيرُ. {تَحَاضُّونَ} (18) تُحَافِظُونَ، و{تَحُضُّونَ} تَأْمُرُونَ بِإِطْعَامِهِ. {الْمُطْمَئِنَّةُ} (27) المُصَدِّقَةُ بِالثَّوَابِ.
---
وَقالَ الحَسَنُ: {يأَيَّتُهَا النَّفْسُ} (27): إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَبْضَهَا اطْمَأَنَّتْ إِلَى اللَّهِ وَاطْمَأَنَّ اللَّهُ إِلَيهَا، وَرَضِيَتْ عَنِ اللَّهِ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَأَمَرَ بِقَبْضِ رُوحِهَا، وَأَدْخَلَهَا اللَّهُ الجَنَّةَ، وَجَعَلَهُ مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ. وَقالَ غَيرُهُ: {جَابُواْ} (9) نَقَبُوا، مِنْ جَيبِ القَمِيصِ: قُطِعَ لَهُ جَيبٌ، يَجُوبُ الفَلاَةَ يَقْطَعُهَا. {لّمَا} (19) لَمَمْتُهُ أَجْمَعَ: أَتَيتُ عَلَى آخِرِهِ.
قوله: ({إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} القَدِيمة) برانى بستيون والى.
قوله: (السَّفُّ) بها نكنا.
قوله: (السَّماءُ شَفْعٌ) أي إنَّ له نظيراً، وإلاَّ فالسموات سَبْعُ فكيف تكون شَفْعاً.(6/432)
قوله: (لممتُهُ أَجْمَعَ: أَتَيْتُ على آخِرِه) اوسكوسارامين نى لى هى ليا.
سُورَةُ {لاَ أُقْسِمُ}
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {بِهَذَا الْبَلَدِ} (2) مَكَّةَ، لَيسَ عَلَيكَ ما عَلَى النَّاسِ فِيهِ مِنَ الإِثْمِ. {وَوَالِدٍ} (3) آدَمَ، {وَمَا وَلَدَ} (3)، {لِبَداً} (6) كَثِيراً. وَ{النَّجْدَينِ} (10) الخَيرُ وَالشَّرُّ، {مَسْغَبَةٍ} (14) مَجَاعَةٍ. {مَتْرَبَةٍ} (16) السَّاقِطُ في التُّرَابِ، يُقَالُ: {فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ} (11)، فَلَمْ يَقْتَحِمِ العَقَبَةَ في الدُّنْيَا، ثُمَّ فَسَّرَ العَقَبَةَ فَقَالَ: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ} (12 - 14). {فِى كَبَدٍ}: شِدَّةٍ.
قوله: (فلم يَقْتَحِم العَقَبةَ في الدُّنيا) نهين جرها مصائب صلى الله عليه وسلّمدنيامين.
سُورَةُ {وَالشَّمْسِ وَضُحَهَا}
---
وَقالَ مُجاهِدٌ: {ضُحَهَا} ضَوْؤُها. {إِذَا تَلهَا} تَبِعَها. و{طَحَهَا} دَحاها. {دَسَّهَا} أَغْواها. {فَأَلْهَمَهَا} عَرَّفَها الشَّقاءَ وَالسَّعادَةَ. وَقالَ مُجَاهِدٌ: {بِطَغْوَاهَآ} (11) بِمَعَاصِيهَا. {وَلاَ يَخَافُ عُقْبَهَا} (15) عُقْبَى أَحَدٍ.
وَقالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِبْنِ زَمْعَةَ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ عَمِّ الزُّبَيرِبْنِ العَوَّامِ».
4942 - قوله: (عارِمٌ) شرير.
4942 - قوله: (ثم يُضَاجِعُها) و«ثُم» ههنا لبيان عاقبةِ الحال، كما مَرّ في قوله صلى الله عليه وسلّم «لا يبولن أَحَدُكم في الماء الذي لا يجري، ثم يغتسل منه». وقد قَرَّرناه مِن قبل، وقد فَهِمه الطِّيبي.(6/433)
سُورَةُ {وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {بِالحُسْنَى} (9) بِالخَلَفِ. وَقالَ مُجَاهِدٌ: {ترَدَّى} (11) ماتَ. وَ{تَلظَّى} (14) تَوَهَّجُ، وَقَرَأَ عُبَيدُبْنُ عُمَيرٍ: تَتَلَظَّى.
باب {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} (2)
باب {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالاْنثَى} (3)
باب قَوْلُهُ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} (5)
باب ُ قَوْلِهِ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} (6)
باب {فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى} (7)
باب قَوْلِهِ: {وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} (8)
باب قَوْلُهُ: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} (9)
باب {فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى} (10)
---
4947 - قوله: (وما مِنْكم من أَحَدٍ إلاّ وقد كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِن الجَنّة، ومَقْعَدُهُ من النَّار) وفي حديث صحيح: «أنَّ لكل رجلٍ مقعدينِ، مقعد من الجنة، ومقعد من النار»؛ قلتُ: وعندي أن هذين متقابِلان، فمقعده من الجنَّةِ فوق السموات، ومقعده من جهنم تحتها، حِذاءَ مقعده من الجنة. فهذان على نقطتين متقابلتين، لو وصل بينهما خَطٌّ لاتَّصل. أما كون إحداهما فوق السموات، والأُخرى تحتها، فعلى ما مرّ مِن أنَّ الجنةَ فوقَ السموات، وأنَّ جهنَّم تحتها، فمن أَعْطَى وصدَّق بالحُسْنى، يرتقي إلى منزلة مِن الجنّة، ومَنْ بخل واستغنى وكذّب بالحُسْنى، يسقط في جهنَّم، بخطٍ يحاذي منزلته تلك، والعياذ بالله.
4948 - قوله: (ومعه مِخْصَرَةٌ) هي عصًى تبلغ الخاصِرةَ.
سُورَةُ {وَالضُّحَى}
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِذَا سَجى} اسْتَوَى. وَقالَ غَيرُهُ: أَظْلَمَ وَسَكَنَ. {عائِلاً} ذُو عِيَالٍ.
باب {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} (3)
باب قَوْلُهُ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}
تُقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ: ما تَرَكَكَ رَبُّكَ، وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ما تَرَكَكَ وَما أَبْغَضَكَ.(6/434)
قوله: ({وَالَّيْلِ إِذَا سَجَى} استَوى) وراجع البحث في متعلّق «إذا» في «شرح الكافية» للرَّضِي. ثُم لا أدري مِن أين فَسَّر المصنَّف قوله: {سَجى} بقوله: «استوى»، فإِنَّ معناه أَظْلم.
---
4950 - قوله: (إني لأَرجو أن يكون شيطانُك قد تَرَكَكَ) وفي رواية بعدها: «ما أَرَى صاحِبَك إلاَّ أبطأَك». وقد مر معنا أنهما امرأتانِ: الأولى كافرةٌ، وهي امرأةُ أبي لهب، كما يدلُّ عليه تعبيرُها السُّوء: والثانية: أمّ المؤمنين، كما يدلّ عليه تصديرُها بقولها: «يا رسولَ الله»، فهذا الخطابُ يليقُ بشأنها، فتنبه، فإِنَّ سياقَها عند البخاري من قيام الليل مُوهم بخلاف المراد، وقد نَبَّهناك ههنا أيضاً.
سُورَةُ {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ}
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {وِزْرَكَ} (2) في الجَاهِلِيَّةِ. {أَنْقَضَ} (3) أَثْقَلَ. {مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} (5 - 6): قالَ ابْنُ عُيَينَةَ: أي مَعَ ذلِكَ العُسْرِ يُسْراً آخَرَ، كَقَوْلِهِ: {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} (التوبة: 52)، وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَينِ.
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {فَانصَبْ} (7) في حاجَتِكَ إِلَى رَبِّكَ. وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {أَلَمْ نَشْرَحْ} (1) شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ للإِسْلاَمِ.
قوله: (لن يغلبَ عُسْرٌ يُسْرَيْن) كنا نرى أنَّ الموعود يسران في الدنيا، فظهر من الحديث أنَّ المرادَ منه يُسْرٌ في الدنيا، ويُسْرٌ في الآخِرة.
سُورَةُ {وَالتّينِ}
وَقالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ التِّينُ وَالزَّيتُونُ الَّذِي يَأْكُلُ النَّاسُ. يُقَالُ: {فَمَا يُكَذّبُكَ} (7) فَمَا الَّذِي يُكَذِّبُكَ بِأَنَّ النَّاسَ يُدَانُونَ بِأَعْمَالِهِمْ؟ كَأَنَّهُ قالَ: وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى تَكْذِيبِكَ بِالثَّوَابِ وَالعِقَابِ؟.
باب
---(6/435)
قوله: (والتين والزيتون) إشارةٌ إلى نبوةِ عيسى عليه السلام لكثرة هاتين الثَّمَرَتين في مَبْعَثِه. وقد مرّ عليه الشاه عبد العزيز في «فتح العزيز»، ونقل روايةً عن صفيةَ: أنها ذهبت إلى بيتِ المقدس بعد وفاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فصعدت على جبل هناك، وقالت: بُعِثَ عيسى عليه الصلاة والسلام من ههنا.
قلتُ: وفيه دليلٌ على عظمةِ عِلْمها، ولعلها تَعلَّمته من النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فإِن قلت: إنَّها كانت من يهود، فلعلها تَعَلّمت ما تعلمت من تلقائهم. قلتُ: كيف وأن اليهود كانوا أعداءً لعيسى عليه الصلاة والسلام، فما كانوا ليفتشوا عن إخباره عليه الصلاة والسلام، ويحققوها من الناس، فالظاهر أَنَّها تعلّمت من جهة النبي صلى الله عليه وسلّم وفيه إشارةٌ إلى ثلاثِ نبوات. أما نبوةُ عيسى عليه الصلاة والسلام فقد عَلِمتها، ونبوة موسى عليه الصلاة والسلام، فأشار إليه بقوله: {وَطُورِ سِينِينَ}؛ ونبوة خاتم الأنبياء عليهم السلام، فأشار إليها بالبلدِ الأمينِ، الذي هو مَكّة.
أما الجواب عن معنى القَسَم بهذه الأشياء، فقد مَرّ معنا غيرَ مَرّةٍ: أنَّ النحاةَ لو لم يُسمّوا الواو في مثل هذه المواضع بواو القسم لاسترحنا عن هذه الإِشكالات، فإِنَّ الواو فيها ليست إلاَّ للاستشهاد، وإفادة التأكيد، والسرّ فيه أن الخلائِقَ لما كانت حقيرةً ذليلةً بين يَدَي رَبِّها، دلّ حَلِفهم باسمه المبارك على عظمته تعالى، بخلاف عَكْسه، فلا يدلُّ حَلِفه تعالى بشيء على عظمةِ ذلك الشيء، بل يكون للمعنى المفاد من الحَلِف، وهو التأكيد، وحينئذٍ لو ترجموه: تين كى شهادت اورزيتون كى شهادت... إلخ، ولم يترجموه بترجمة اليمين، لما ورد شيءٌ. وكان الأَوْلى للنُّحاة أن يُسمُّوها بتسميةٍ أخرى، ولم يُسمّوها بواو القسم.
---(6/436)
4952 - قوله: (فقرأ في العشاءِ في إحْدَى الرَّكْعتين بالتِّين والزَّيْتُون) أي قرأ «بالتين» في الركعة الأُولى. و«بإِنا أنزلناه» في الثانية.
سُورَةُ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الَّذِى خَلَقَ}
وَقالَ قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يَحْيىبْنِ عَتِيقٍ، عَنِ الحَسَنِ قالَ: اكْتُبْ في المُصْحَفِ في أَوَّلِ الإِمامِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، وَاجْعَل بَينَ السُّورَتَينِ خَطّاً. وَقالَ مُجَاهِدٌ: {نَادِيَهُ} (17) عَشِيرَتَهُ. وَ{الزَّبَانِيَةَ} (18) المَلاَئِكَةَ، وَقالَ مَعْمَرٌ: {الرُّجْعى} (8) المَرْجِعُ. {لَنَسْفَعاً} (15) لَنَأْخُذَنْ، وَلَنَسْفَعَنْ بِالنُّونِ، وَهيَ الخَفِيفَةُ، سَفَعْتُ بِيَدِهِ: أَخَذْتُ.
باب
باب قَوْلُهُ: {خَلَقَ الإِنسَنَ مِنْ عَلَقٍ} (2)
باب قَوْلُهُ: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الاْكْرَمُ} (3)
باب {الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} (4)
باب قَوْلِهِ تعالى: {كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعنْ بِالنَّاصِيَةِنَاصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ} (15 - 16)
---(6/437)
قوله: (عَلَّمك ما لم تَكُن تَعْلَم) والموصول ههنا للجنس، فإِنَّ النُّحاة قسموا الموصول إلى ما قسموا إليه اللام من الجنس، وغيره. واعلم أنَّ حقيقةَ الغَيْب لا يعلَمُها إلاَّ الله سبحانه، أو مَنْ أراد أن يظهره عليه، فإذا كانت تلك الحقيقةُ بجنسها مختصةً بحضرته تعالى، فإِذن تَحَقُّقُ فَرْدٍ، منها في غيره تعالى لا يكون إلاَّ خَرْقاً للعادة، والكلام في مثله يجري على الإِبهام والإِجمال، وتفصيله: أنَّ التعرّض إلى الكُلّ، أو البعض إنما يُناسِب في مَحلِّ يختلف فيه الحُكْم بين الكلّ والبعض، أما إذا لم يختلف الحكم بينهما، فالتعرّض إلى كلِّه أو بَعْضِه لَغْوٌ، بل ينبغي أن يَرِد فيه الحُكْم على نَفْس الجِنْس، كالغَيْب مَثَلاً، فإِنَّ بَعْضَه أيضاً خارِقٌ للعادة مِثْلُ كلّه، فالتعرض فيه إلى بيان بَعْضِه أو كُلِّه لَغْوٌ.
إذا علمت هذا، فاعلم أنَّ الله سبحانه منّ على نبيه صلى الله عليه وسلّمبأَلْف أَلْف غُيوب، لا يدري قَدْرَها إلاَّ هو، إلا أَنَّ بَعْضَه لما كان خَارِقاً نحو كلّه، لم يتعرّض إلى كُلِّه، أو بَعْضِه، وذكره بالموصول المفيد لمعنى الجنس. ومَنْ لا يدريه من الأغبياء يجعل الجِنْس مُستغرقاً، ويَزْعمُ أنه لم يبق من الغيب شيءٌ إلا قد أعطاه إياه، وتلك غباوةٌ رَكبها مِن عند نفسه، فليركبها: {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ}.
قوله: ({عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}) والقلم والقراءة ههنا على نَحْو ما يُعْطى الغلامُ من أدوات الكتابة، ويَحْضُر في المدرسة بين يدي أستاذه، وقد أشبعنا الكلامَ في أجزاء الحديث في أَوّل الكتاب.
سُورَةُ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ
---(6/438)
يُقَالُ: المَطْلَعُ: هُوَ الطُّلُوعُ، وَالمَطْلِعُ: المَوْضِعُ الَّذِي يُطْلَعُ مِنْهُ. {أَنزَلْنَهُ} (1) الهَاءُ كِنَايَةٌ عَنِ القُرْآنِ. {إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ} مَخْرَجَ الجَمِيعِ، وَالمُنْزِلُ هُوَ اللَّهُ، وَالعَرَبُ تُؤَكِّدُ فِعْلَ الوَاحِدِ فَتَجْعَلُهُ بِلَفظِ الجَمِيعِ، لِيَكُونَ أَثْبَتَ وَأَوْكَدَ.
قوله: (الهاءِ كِنايةٌ عن القُرْآن) أراد به الضميرَ في قوله: {إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ}.
قوله: (والعرب تؤكد فِعْل الواحِدِ، فتجعلُه بِلفْظ الجميع، ليكون أثبت، وأَوْكد) قلتُ: وليس هذا إلا في كتاب أبي عبيدة، ولم يذهب أحدٌ من النحاة إلى أن صيغة جمْع المتكلم للتأكد، والمفسرون عامّة سلكوا فيه مَسْلَك التأويل.
سُورَةُ {لَّمْ يَكُنْ}
{مُنفَكّينَ} (1) زَائِلِينَ. {قَيِّمَةٌ} القَائِمَةُ. {دِينُ القَيّمَةِ} (5) أَضَافَ الدِّينَ إِلى المُؤَنَّثِ.
باب
باب
سُورَةُ {إِذَا زُلْزِلَتِ الاْرْضُ زِلْزَالَهَا}
باب قَوْلُهُ: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} (7)
يُقَالُ: {أَوْحَى لَهَا} (5) أَوْحى إِلَيهَا، وَوَحى لَهَا وَوَحى إِلَيهَا وَاحِدٌ.
باب {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (8)
سُورَةُ: {وَالْعَدِيَتِ}
وَقالَ مُجَاهِدٌ: الكَنُودُ: الكَفُورُ. يُقَالُ: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً} (4) رَفَعْنَا بِهِ غُبَاراً. {لِحُبّ الْخَيْرِ} (8) مِنْ أَجْلِ حُبِّ الخَيرِ. {لَشَدِيدٌ} (8) لَبَخِيلٌ، وَيُقَالُ لِلبَخِيلِ: شَدِيدٌ. {وَحُصّلَ} (10) مُيِّزَ.
سُورَةُ: {الْقَارِعَةُ}
---
{كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} (4) كَغَوْغَاءِ الجَرَادِ، يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضاً، كَذلِكَ النَّاسُ يَجُولُ بَعْضُهُمْ في بَعْضٍ. {كَالْعِهْنِ} (5) كَأَلوَانِ العِهْنِ، وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: كالصُّوفِ.
سُورَةُ {أَلْهَكُمُ}
سُورَةُ {أَرَءيْتَ}(6/439)
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {التَّكَّاثُرُ} (1) مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ.
سُورَةُ {وَالْعَصْرِ}
وَقالَ يَحْيى: الدَّهْرُ، أَقْسَمَ بِهِ.
سُورَةُ {وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ}
{الْحُطَمَةُ} (4) اسْمُ النَّارِ، مِثْلُ: {سَقَرَ} (القمر: 48 - المدثر: 26، 27، 42)، و{لَظَى} (المعارج: 15).
سُورَةُ {أَلَمْ تَرَ}
قَالَ مُجَاهِدٌ: {أَلَمْ تَرَ} أَلَمْ تَعْلَمْ. قالَ مُجَاهِدٌ: {أَبَابِيلَ} (3) مُتَتَابِعَةً مُجْتَمِعَةً. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مّن سِجّيلٍ} (4) هِيَ سَنْكِ وَكِل.
4959 - قوله: (إن اللَّهَ أَمَرني أَنْ أقرأ عَلَيك) والسرُّ فيه أنَّ الله سبحانه لما قدر أن يجعله أقرأ من بينهم، أمره أن يقرأ عليه رسوله مَرّة أيضاً ليتصل السَّند من أبيّ إلى ربّ العالمين، فليلقبه بالأقرأ.
سُورَةُ {لإِيلَفِ قُرَيْشٍ}
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {لإِيلَفِ} (1) أَلِفُوا ذلِكَ، فَلاَ يَشُقُّ عَلَيهِمْ في الشِّتَاءِ وَالصَّيفِ. {وَءامَنَهُم} (4) مِنْ كُلِّ عَدُوِّهِمْ في حَرَمِهِمْ. قالَ ابْنُ عُيَينَةَ: لإِيلاَفِ: لِنِعْمَتِي عَلَى قُرَيشٍ.
قوله: (والجار يتعلق من قوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} ومع ذلك هما سورتان) وقد وقع مِثْلُه في القرآنِ، فإِنَّ صَعُب عليك فَهْمُه، فلك أن تقدّر فَعْلاً آخَر مُناسباً للمقام، وراجع «الكشاف».
---
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {يَدْعُو} (2) يَدْفَعُ عَنْ حَقِّهِ، يُقَالُ: هُوَ مِنْ دَعَعْتُ. {يَدْعُونَ} (الطور: 13) يُدْفَعُونَ. {سَهُونَ} (5) لاَهُونَ. وَ{الْمَاعُونَ} (7) المَعْرُوفُ كُلُّهُ، وَقالَ بَعْضُ العَرَبِ: المَاعُونُ: المَاءُ، وَقالَ عِكْرِمَة: أَعْلاَهَا الزَّكاةُ المَفرُوضَةُ، وَأَدْنَاهَا عارِيَّةُ المَتَاعِ.f
قوله: ({الْمَاعُونَ}) جوكام مروت كى هوتى هين.
سُورَةُ: {إِنَّآ أَعْطَيْنَكَ الْكَوْثَرَ}
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {شَانِئَكَ} (3) عَدُوَّكَ.
باب(6/440)
رَوَاهُ زَكَرِيَّاءُ، وَأَبُو الأَحْوَصِ، وَمُطَرِّفٌ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ.
واعلم أنَّ الكَوْثر أصلُه في الجنة، ثُم جيء به إلى فِناء الجَنّة، فهو دون الصِّراط، فإِنه لما كان أَصْلُه في الجنة، فالظاهر أنه لا يكون إلاَّ في حواليها. وهذه أيضاً قرينةٌ على كَوْن الحَوْض وراء الصِّراط، لأنَّ ماء الكوثر يغط في الحوض، أما المَحْشر فهو تلك الأَرْضُ المسكونةُ بِعَيْنها.
سُورَةُ: {قُلْ يأَيُّهَا الْكَفِرُونَ}
يُقَالُ: {لَكُمْ دِينَكُمْ} الكُفرُ، {وَلِىَ دِينِ} (6) الإِسْلاَمُ، وَلَمْ يَقُل دِينِي، لأَنَّ الآيَاتِ بِالنُّونِ، فَحُذِفَتِ اليَاءُ، كما قالَ: {يَهْدِيَنِ} (الشعراء: 78)، {وَيَشْفِينِ} (الشعراء: 80).
وَقالَ غَيرُهُ: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} (2) الآنَ، وَلاَ أُجِيبُكُمْ فِيما بَقِيَ مِنْ عُمُرِي. {وَلاَ أَنتُمْ عَبِدُونَ مَآ أَعْبُدُ} (3 - 5) وَهُمُ الَّذِينَ قالَ: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ طُغْيَناً وَكُفْراً} (المائدة: 64، 68).
وقد مَرَّ ابنُ القَيِّم في «بدائع الفوائد» على التكرار في هذه الآية، وقد تَوَجَّه إليه البخاري أيضاً، فحمل إحْدَى الجملتين على الحال، والأُخرى على الاستقبال.
---
سُورَةُ: {إِذَا جَآء نَصْرُ اللَّهِ}
باب
باب
باب {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ اللَّهِ أَفْوجاً} (2)
باب قَوْلُهُ: {فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوبَا} (3)
تَوَّابٌ عَلَى العِبَادِ، وَالتَّوَّابُ مِنَ النَّاسِ التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ.(6/441)
والمرادُ من الفَتْح ههنا فَتْحُ مكة، وفي سورة الفتح صُلْح الحديبية؛ ثُم إنَّ في السورة إيذاناً بوفاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّملتمامية ما بُعِث له، كما نَبّه عليه ابنُ عباس. وهذا كما أُشير إلى وفاةِ عيسى عليه الصلاة والسلام في قوله: {يعِيسَى إِنّي مُتَوَفّيكَ}وَرَافِعُكَ إِلَىَّ (آل عمران: 55) أي إنّي رافعك الآن إليّ، ومتوفيك بعد تمامية ما فَوَّضْتُه إليك، فإِن بشارةَ الوفاة قبل انصرام الخدمات إنذارٌ، ومعلوم أنه قد بقيت له عدة خدمات مُهِمّة، فيلزم أن يكون حَيّاً، فإِذا أتمها الله على يديه، فحينئذ يموتُ كما مات النبيُّ صلى الله عليه وسلّمبعد الفراغ عما فُوّض إليه، وهذا على وَجْه، وفي الآية وجوه أُخرى، وأخرى؛ وأُخرى بسطناها في رسالتنا «عقيدة الإِسلام في حياة عيسى عليه الصلاة والسلام».
قوله: ({فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ}) وهو عندي اختصارٌ من الجملتين، سبحان الله، والحمد ، وما ذكر فيه السّيوطي ليس بمرضي عندي.
سورَةُ {تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ}
{تَبَابٍ} (غافر: 37) خُسْرَانٌ. {تَتْبِيبٍ} (هود: 101) تَدْمِيرٌ.
باب قَوْلُهُ: {وَتُبْ} {مَآ أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} باب قَوْلُهُ: {سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} (3)
باب {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} (4)
---
وَقالَ مُجَاهِدٌ: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} (4) تَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ. {فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ} (5) يُقَالُ: مِنْ مَسَدٍ: ليفِ المُقْلِ، وَهيَ السِّلسِلَةُ الَّتِي في النَّارِ.
قوله: (لِيف المُقْل) كوكل كىىهال لأنه يَأخُذ النَّار بالسُّرْعة.
سُورَةُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}
يُقَالُ: لاَ يُنَوَّنُ {أَحَدٍ} أَي وَاحِدٌ.
باب قَوْلُهُ: {اللَّهُ الصَّمَدُ} (2) وَالعَرَبُ تُسَمِّي أَشْرَافَهَا الصَّمَدَ، قالَ أَبُو وَائِلٍ: هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي انْتَهى سُودَدُهُ.(6/442)
باب {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} كُفُؤًا وَكَفِيئاً وَكِفَاءً: وَاحِدٌ
قوله: ({أَحَدٍ}) ترجمته: يكانه، فَهُوَ وَصْف باعتبارِ ذاته تعالى، والواحد من جملة العدد، فكلنا واحد لا اثنان، فالواحد يدل على وجودِ غيرِه سواه، بخلاف لفظ أَحَد، ولذا وَصَفه به، فإِنه كان ولم يكن شيءٌ غَيْرُه. وراجع «الإتقان» للفَرْق بين أَحَد وبين واحد.
قوله: (يقال: لا يُنَوّن {أَحَداً}) إلخ، على حَدّ قول الشاعر:
لا ذَاكر الله إلاَّ قليلاً
قوله: ({الصَّمَدُ}) ترجمته: نرادهر بى نياز ومستقل - «أدهر» بيج مين لتكاهوا.
فائدة مهمة:
---
واعلم أنه قد تتحدث بعضُ النفوس أن لو كان القرآنُ على شاكلةِ البراهين المنطقية، مُطّردة منعكسة، ويزعمونه زيناً للقرآن، ولا يدرون أن ذلك شَيْن له، فإِنه طريقُ الفلسفة المجهولة المستحدَثة، والقرآن نزل بحوار عرب العرباء، وهم لا يتكلمون فيما بينهم، إلا بالخطابة، فلو كان القرآنُ نزل على أمانيّهم، لعجز عن فَهْمه أكثرُ الناس، ولانسَدّ عليهم بابُ الهداية. نعم تتضمن تلك الخطابةُ براهينَ قاهرة، على دَاويه، فلو أراد أَحَدُ أن يستنبطها منه لَفَعل، ولكن لا تكون تلك من مَدْلولاتِه، وإن كانت من مراميه، فلا تَصْلح تلك الأشياءُ أن تُسمَّى تفسيراً للقرآن، كيف وأنه لم ينزل إلاَّ بِلُغتهم ومحاورَتهم، وهم لا يعرفون ذلك، أما لو سَمّيتها فوائد وزوائد، فلا بأس به.(6/443)
وبالجملة إنَّ مادة تلك الأشياء، وإنْ كانت في القرآن، لكنها لا تليقُ أن تُسمّى تفسيراً، ولذا أقول: إنَّ ما اختاره التفتازاني في قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ}... إلخ أنه خطابة، وليس بِبُرهان هو الصواب. ومَنْ أراد أن يَقْلبه في قوالب البراهين، فقد أَحسَن أيضاً، إلاَّ أنا لا نسمِّيه تفسيراً. وإنما يَذُوق ما قلنا مَنْ كان له يدٌ في فنون البلاغة، ومَنْ كان ارتاض بالفنون العقلية، فإِنه يشمئز منه، ويمل، فليفعل، فإِن الحق أحقُّ أن يُتّبع.
سُورَةُ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ}
وَقالَ مُجَاهِدٌ: الفَلَقُ الصُّبْحُ، و {غَاسِقٍ} اللَّيلُ. {إِذَا وَقَبَ} (3) غُرُوبُ الشَّمْسِ؛ يُقَالُ: أَبْيَنُ مِنْ فَرَقِ وَفَلَقِ الصُّبْحِ. {وَقَبَ} إِذَا دَخَلَ في كُلِّ شَيءٍ وَأَظْلَمَ.
سُورَةُ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ النَّاسِ}
وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {الْوَسْوَاسِ} (4) إِذَا وُلِدَ خَنَسَهُ الشَّيطَانُ، فَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَهَبَ، وَإِذَا لَمْ يُذْكَرِ اللَّهُ ثَبَثَ عَلَى قَلبِهِ.
---
قوله: (فقال: قيل لي فقلت) واعلم أنه نُسِب إلى ابن مسعود أن المُعَوّذتين لم تكونا عنده من القرآن، وكان يقول: إنهما نزلتا للحوائج الوقتيةِ، كالتعوذ، فهما وظيفتانِ وقتيتان على شاكلةِ سائر الوظائف والأدعية، فلا يجوز إدخالُهما في القرآن، وكان يتمسك له مِن قوله: {قُلْ}، فإِنه يدل على تعليمه إياه، على طريق سائر الأدعية. فأجاب عنه زِرّ بن حُبَيش، وهو تلميذ ابنِ مسعود. وحاصله أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّمقال له جبرئيلُ عليه الصلاة والسلام: {قُلْ} فقال كما أَمَره، فنحن أيضاً نقول كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم على أن {قُلْ} في سورة الإِخلاص أيضاً.(6/444)
وبالجملة كان الخلافُ بينهما كالخلافِ في الرَّمَل في الحج، زعمه بَعْضُهم سُنةً وقتية، والجمهور على أنه سُنّة مستمرة، فهكذا كان ابنُ مسعود يراهما وظيفةً وقتية، لا أنه كان يُنْكر كَونَهما مُنْزَلَتين من السماء. وبحث فيه الحافظُ، وآل إلى أنه لم يكن يُنْكر قرآنيتِه، ولكنه كان يُنْكر كتابته في المصحف. ومَرّ عليه بحرُ العلوم في «شَرْح مُسَلَّم الثُّبوت»، تحت تعريف القرآن، وقال: إنَّ سلسلة القراءةِ التي تبلغ اليوم إلى ابن مسعود نجد فيها المعوّذتَين بالاتفاق؛ وحينئذ ينبغي أن يؤول في النقل المذكور.
66 - كتاب فَضَائِلِ القُرْآنِ
باب كَيفَ نُزُولُ الوَحْيِ، وَأَوَّلُ ما نَزَل
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: المُهَيمِنُ: الأَمِينُ، القُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ.
باب نَزَلَ القُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيشٍ وَالعَرَب
{قُرْآنًا عَرَبِيّا} (يوسف: 2)، {بِلِسَانٍ عَرَبِىّ مُّبِينٍ} (الشعراء: 195).
باب جَمْعِ القُرْآن
---
4981 - قوله: (ما مِنْ نبيَ مِن الأنبياء إلاَّ أُعْطِي ما مِثْلُه آمَن عليه البَشَرُ) ما موصولةٌ، ومثلُهُ مبتدأٌ، وآمَن عليه البَشَرُ خبرُهُ، والمبتدأ مع خبرِه صِلةٌ للموصول. والمعنى أنَّ كلَّ نبيِّ أُعطي من المعجزات ما ناسبَ زمانَه، ليؤمن به البشرُ في زمانه. واعلم أنَّ «على» لم يوجد في صلة الإيمان إلاَّ في هذا الحديث، فاختار الطيبيُّ التَّضْمِين. قلتُ: والحديثُ ليس بحُجَّةٍ عندي في باب اللغة، لِفُشُوّ الراويةِ بالمعنى، فلا حاجةَ إلى الجواب.
بَحْثٌ نَفِيسٌ في الفَرْق بين: السِّحْر، والمُعْجِزة، والكرامة(6/445)
واعلم أنَّ مَن أرادَ أن يتحصَّل على الفَرْق بينهما حتى يدرِكَه، كالحسِّياتِ والمشاهَدات، فقد أَتْعَب نَفْسه، كيف وفي بُنْيةِ هذا العالم التلبيسُ والتخليط، ولو تميَّز الحقُّ عن الباطلِ، بحيث لا يشوبُه رَيْبٌ، لما احتِيج إلى القيامةِ، وإنما تقومُ القيامةُ للفَصْل بين الخبيثِ والطيِّبِ، قال تعالى: {ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ}ثُمَّ يُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (الأَنعام: 60)، وإذن لا يكونُ التمييزُ بينهما إلاَّ علمياً، فاعلم أنَّ الدنيا مجموعةُ الأضداد، كالظُّلمة والنُّور، والظل والحَرُور، والطَّيِّب والخَبِيث، والكُفْر والإِيمان، فإِذا نظرنا أنها بُسِطت على هذا المِنْوال، عَلِمنا أنه لا بدَّ أن تكون فيها نفوسٌ على نقاضة المُرْسَلين. فإِنَّ لكل شيءٍ ضِدّاً، وأضداد هؤلاء الطائفةِ لا تكون إلاَّ مِن جِنْسهم من الدجاجلة.
ثُم إذا عَلِمنا المعجزةَ، وهي حقيقةٌ قُدْسيَّةٌ، يُظْهرُها الله على أيدي المقدسين، عَلِمنا أنه لا بدَّ أن يكونَ هناك شيءٌ على مناقضَتِها أيضاً، وهو السِّحْر.
---
ثم المعجزةُ على نحْوين: حِسِّيّة أو عِلْمية. أما الحسِّية، كاليدِ البيضاء، أو العصا، فقد مضت بصاحِبها. أما العِلْمية فهي باقيةٌ إلى يوم التناد. ولو أَمْعَنت النَّظرَ لَعَلِمت أن المعجزةَ الحِسِّية أيضاً تنتهي إلى العِلْم أو العَقْل، وذلك لأنَّه لا سبيلَ إلى التمييزِ بين المعجزةِ والسِّحْر، ولو كانت حِسِّيةً إلاَّ بالعِلْم والعَقْل، فعلم أنَّ انتهاءَ المعجزةِ الحِسّية أيضاً إلى العِلْم والعقل، دون المشاهدة. فإِذا دريت أَنَّ الفَرْق بينهما عَقْلي وعِلْمي، حتى بين الحسِّية والسِّحْر أيضاً، فأقول: إنهما يَفْتَرِقان عِلْماً، بحيث لا يكادُ يلتبس على أحدٍ. فإنَّ الفَرْق إما يكونُ من جهةِ الفاعل، أو المادَّة، أو الغاية، وذلك بأنواعها متحقِّقٌ ههنا.(6/446)
أما الأَوَّل: فالساحِرُ يكونُ خبيثَ النَّفْس، رديءَ الأخلاق، مُتلبِّساً بالخبائث. وأما صاحبُ المعجزة: فيكونُ طَيِّبَ النَّفْس، حسنَ المَلَكة، شريفَ الأخلاق، ذَكي الطَّبْع، بعيداً عن الأَرْجاس؛ وأما مِن جهةِ المادة، فمادةُ السِّحر كلُّها تُبنى على الخُبْث، كالاستمداد بالشياطين والأرواحِ الخبيثة، والذهاب إلى جماجم الأمواتِ، واستعمال عظامٍ نَخِرة، بخلاف المعجزةِ، فإِنَّها في أَغْلب الأحوالِ تَصْدُر بلا سبب، كاليدِ البيضاء، والعصا، فتلك لا مادّةَ لها، وما تَصْدُر عن سببٍ لا تكونُ مادَّتُها غيرَ القدس والطهارة، كقراءةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّمبكلمات في طعام، والبركةِ منها؛ أما الصورة، فإِنَّما تأتي على المادة كيف كانت، فهي أيضاً تتبعها. بقيت الغايةُ فهي على ظاهرِ الأَمْر.
---
هذا في الفَرْق بين السِّحْر، والمعجزة. أما الفَرْقُ بين الكرامةِ والمعجزة: فبأن الكرامةَ تحتاجُ إلى صَرْفِ هِمَّة الولي، فللكَسْب والاكتساب دخلٌ فيها، بخلاف المعجزةِ، فإِنَّها لا تَحْتاج إلى صَرْف الهِمَّة. وقراءةُ الكلماتِ شيءٌ آخَرُ، وإنَّما نعني مِن صَرْف الهِمَّة عزيمةَ صاحبها، وكذا لا دخل فيها للرياضات والاكتساب، فإِنَّها إما أن تكونَ من الدُّعاء، أو بدونِ سابقيةِ أَمْر، بخلافِ الكراماتِ فإِنَّها مُمْكِنةُ الحُصُولِ بالرياضاتِ؛ أما المعجزة فكما قال تعالى: {ولو استطعْتَ أن تَبْتَغي نَفَقاً في الأرض}أَوْ سُلَّماً فِى السَّمَآءفَتَأتِيَهُم بآيةٍ الآية (الأنعام: 35). وراجع «فتح العزيز» عند تفسير قوله: {يُعَلّمُونَ النَّاسَ السّحْرَ} (البقرة: 102).
4987 - قوله: (وأمَرَ بما سِوَاه من القرآنِ في كلِّ صحيفةٍ، ومصحف أن يُحْرَق) والإِحراقُ ههنا لِدَفْع الاختلاف، وهو جائزٌ.
باب كاتِبِ النبي صلى الله عليه وسلّم(6/447)
4990 - قوله: (فَنَزَلَتْ مَكَانَها: {لاَّ يَسْتَوِى الْقَعِدُونَ} (النساء: 95))... إلخ. فيه دليلٌ على ما قاله الأُصوليون من نزولِ الكلمة الناقصةِ، فإن المقصودَ كان قوله: {غَيْرُ أُوْلِى الضَّرَرِ} (النساء: 95) إلا أنَّ الآيةَ تُلِيت تامةً مع زيادة: {غَيْرُ أُوْلِى الضَّرَرِ}.
باب أُنْزِلَ القُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُف
قيل: إنَّ عددَ السبعةِ للتكْثِير، وقيل: للتحديدِ. وراجع الزُّرقاني - «شَرْح الموطأ» - والقَسْطلاَّني، ففيهما أنَّ تلك الاختلافاتِ كلَّها راجِعةٌ إلى السعةِ، وقد تكلمنا عليه مُفَصَّلاً مِن قَبْل.
باب تَأْلِيفِ القُرْآن
---
4993 - قوله: (فإِنَّه يُقْرأُ غيرَ مُؤَلَّف) كان أهلُ العراق يقرءونَ القرآنَ على تأليفِ ابن مسعود، فأشار هذا العِرَاقي إلى مُصْحَفه، وعَرَض إليه، ولم يكن ابنُ مسعودٍ تَرَك قراءتَه بعد تأليفِ عثمانَ أيضاً، وذلك لأنَّ عثمانَ لم يُدْخِلْه في جَمْع القرآن، فَحَزِن له، فقال لأَهْل العراق: اكتُموا مصاحِفَكم، فإِنَّ اللَّهَ تعالى يقول: {وَمَن يَغْلُلْ}يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَمَةِ (آل عمران: 161) - كما رواه الترمذي - فردَّت عليه عائشةُ أَنَّه أيضاً مُؤلف، ثم انتقلت إلى بيانِ أَمْر آخَر، وهو أنَّ ترتيبَ النزولِ إنما هو باعتبارِ يُسْرِ الناس. فإِنَّ السُّوَرَ المكيَّةَ أكثرُها في بيانِ العقائد، والمَدَنِيَّةَ أكثرُها في الأحكامِ فَرُوعي التخفيفُ على الناس في ترتيب نزول القرآن، حتى إذا رسخَ الإِسلامُ في بواطنهم، وخفَّ عليهم التعبُّدُ بالشَّرْع، نزلت السُّوَرُ بالأحكام، وذلك في المدينةِ.
4996 - قوله: (قد عَلِمْتُ النَّظائِرَ) وفي لَفْظ: القَرَائن، دلَّ على تَناسُبٍ بين السورتين اللتين كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّميُقْرُن بينهما. وقد مرّ معنا تحقيقُ لفظ القرائن، وأنه لا مَمْسكَ فيه لمن قال: إنَّ الوِتْر ركعةٌ من الليل.(6/448)
4996 - قوله: (وآخِرُهنَّ الحَوامِيمُ) يعني - حم والى سورتين - السُّوَر التي في أولها «حم»، فالألف واللام ترجمتها في الهندية: والا.
باب ٌ: كانَ جِبْرِيلُ يَعْرِضُ القُرْآنَ عَلَى النبي صلى الله عليه وسلّم
وَقالَ مَسْرُوقٌ، عَنْ عائِشَةَ، عَنْ فاطِمَةَ عَلَيهَا السَّلاَمُ: أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «أَنَّ جِبْرِيلَ يُعَارِضُنِي بِالقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ، وَإِنَّهُ عارَضَنِي العَامَ مَرَّتَينِ، وَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ حَضَرَ أَجَلِي».
---
وفي هذه الروايةِ قال: «إنَّ عُمُرَ كلِّ نبيَ نَصْفُ عُمُرَ الذي كان قَبْله». وهو في «المستدرك» وقد تكلَّمنا عليه مُفصَّلاً. وفي روايةٍ: «أنَّ أَهْلَ الجنةِ يكونون أبناءَ ثلاثٍ وثلاثينَ، على ميلادِ عيسى عليه الصلاة والسلام». ومرادُه كونُهم على حال المتشابه، مِثْل عيسى عليه الصلاة والسلام في السماء، فإِنَّهمن يَشِبُّون، فلا يَشِيبون فيها أبداً، كما أن عيسى عليه السلام لم يَتَغيَّر مع طول الزمان، وينزل كما رُفِع، بدون أن يَلْحَقه نَصَبٌ.
باب ُ القُرَّاءِ مِنْ أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلّم
قالَ شَقِيقٌ: فَجَلَسْتُ في الحِلَقِ أَسْمَعُ ما يَقُولُونَ، فَمَا سَمِعْتُ رَادّاً يَقُولُ غَيرَ ذلِكَ.
5000 - قوله: (فجلَسْتُ في الحِلَقِ، أسمعُ ما يقولون) أي لأَسمع ما يقولون في جواب ما قاله ابنُ مسعود، فلم أرَ أحداً منهم رَدَّ قوله، بل سلّموا كلهم.
5001 - قوله: (وَجَدَ رِيحَ الخَمْر) وإنما وقع ذلك من ابنِ مسعودِ، حين ذهب إلى الشام، وفيه مسألتان: الأُولى: أنه لا حدَّ عندنا بِوِجْدانِ ريحِ الخَمْر فقط، لأنَّ الحدودَ تَنْدَرِىء بالشُّبهاتِ، وله أنْ يقول: إنما سقيتها كرهاً أو غيره، فإِنْ أَقرَّ، فالحدُّ لإِقْرَاره، لا لأَجل الرِّيح؛ والثانية: أن الحدَّ للإِمام، فكيف أقامَه ابنُ مسعود، ولنا فيه أَثَرُ عليَ.(6/449)
5003 - قوله: (مَنْ جَمَع القرآنَ على عَهْد النبيِّ صلى الله عليه وسلّم قال: أربعةٌ كُلُّهم مِن الأَنْصار) واعلم أنَّ القرآنَ جَمَعَهُ غيرُهم أيضاً، وهم كثيرونَ، وإنما يَذْكرُ الرواةُ أعداداً مُعَيَّنة، بحسب قَيْدٍ في نِيَّتهم، فَيُرَى في الظَّاهر أنهم أرادوا الحَصْر مُطْلقاً.
باب ُ فاتِحَةِ الكِتَاب
---
وَقالَ أَبُو مَعْمَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُبْنُ سِيرِينَ: حَدَّثَني مَعْبَدُبْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ بِهذا.
5006 - قوله: (قال: {الْحَمْدُ للَّهِ رَبّ الْعَلَمِينَ} هي السَّبْعُ المَثانِي والقُرْآنُ العَظِيمُ)... إلخ. وقد ألقينا عليك في التَّفْسير أنه يقال لها: أُمُّ الكِتاب، لأنَّ الأُمَّ في اللُّغةِ هي الدجاجةُ التي تُقَرْقِرُ لتجمعَ إليها أفراخَها، ثُم قيل لِلِّواء: الأُمّ، لاجتماع الجيشِ إليها عند الكَرِّ والفَرِّ، فإِنَّه ينبغي في الحَرْب مكاناً يجتمعونَ إليه عند الضَّرُورةِ، ويكون مَرْجِعاً لهم عند الذهاب والإِياب، وعليه تسميةُ الفاتحةِ بأُمِّ الكتاب، فإِنَّ الكتاب يذهب منها ويَرْجِعُ إليها، فهي المَرْجِع، كاللواء والأُم.(6/450)
أما في القراءة، فهو ظاهرٌ، فإِنَّها مُتعَيّنة، كأَنها في مَوْضِعها، وسائر الكتابِ يَنْضمُّ معها بَدَلاً، فكأَنَّها أُمٌّ للقراءة، حيث تبتدأُ السُّوَر منها، ثُم تَرْجِع إليها في الرَّكْعة الثانيةِ، ولذا سُمِّيت بالمَثاني، أي لكونها مُتكرِّرَةً متعينة، بخلاف سائر السُّور، فإِنَّها واجِبةٌ عندنا على التخيير، وهي الشَّاكلة في الأحاديثِ، فقال: «لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحةِ الكتاب فصاعِداً»، وفي بعض الألفاظ: «وما تيسر»، فجعل الفاتحةَ واجِبةً بعينها، وسائر السُّوَر مُخَيَّرة، فعبر عنها بقوله: «فصاعداً» تارةً، وبقوله: «ما تيسر» أُخْرى، وعليه قوله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَكَ سَبْعًا مّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْءانَ الْعَظِيمَ} (الحجر: 87)، فعبَّر عن سائرِ الكِتابِ سواها بالقرآنِ العظيم، وعَبَّر عن الفاتحة بالسَّبْع المثاني، فكانت الفاتحةُ واجِبةً عَيْناً، والقرآنُ العظيمُ واجِباً مخيَّراً، يقرأ منه ما تيسَّر.d
---
وحينئذٍ ففيه إشارةٌ إلى وجوبِ ضَمِّ السُّورَةِ أيضاً، لأَنَّك قد عَلِمت فيما مرَّ أنَّ ما قَبْل «فصاعداً»، وما بعده يستويان في الوجوبِ وعدمِه، وعلى هذا وجوبُ السورةِ متعيّن في الحديث، لأن وجوبَ الفاتحةِ مما لا يُنْكر، والتسويةُ بين ما قَبْل «فصاعداً» وما بعده مما قد اشتُهر، فلزِم الوجوبُ فيهما، غيرَ أنَّ الفاتحةَ واجبةٌ عَيْناً، والسورةَ واجبةٌ بدَلاً، وإذا اتحدت شاكِلةُ القرآنِ والحديث، لزِم الاتحادُ بين مفادِ الشاكلتين أيضاً، وهو وجوبُ ضمِّ السورة.(6/451)
ثُم إن في وَصْف الفاتحةِ بالمَثاني إشارةً إلى أنَّ الصلاةِ شَفْع، لأنَّه لما وَصَفها به، عَلِم أنها حيثما تُقْرأ تقرأ مكررةً، لَتتَّصِف بالمثاني، ولا تَكرارَ في ركعةٍ واحدةٍ اتفاقاً، فلا يكونُ أقلُّ الصلاةِ إلاَّ مَثْنى، فكونُ الركعةِ صلاةً برأسِها منفيٌّ في نظر الشَّارع، وقد قَرَّرناه في الوِتْر بأبسطِ وَجْه، ثُم لما لم تكن في الثلاثيةِ رَكْعةٌ رابعةٌ، وضع العَقْدةَ على الثانيةِ، وختم على الثالثةِ. وقد مَرَّ معنا أن القرآنَ العظيمَ في نصِّ القرآنِ عبارةٌ عن سائرِ الكتاب غيرَ السَّبْع المثاني، بخلافه في الحديث، فإِنَّه ليس من باب عَطْف الخاصّ علي العام، كما فهمه الحافظ، بل القرآنُ العظيمُ هو السَّبْعُ المثاني، وذلك لأنَّ القرآنَ إذا عَبَّر عن الفاتحةِ بالسَّبْع المثاني، وعن سائر الكتابِ بالقرآنِ العظيم، أَوْهَم عَدَم شمولِ هذا العُنوان للفاتحةِ، فجاء الحديثُ، واستدركه، وقال: إنَّ السَّبْع المثاني هو القرآنُ، فلا يتوهمنَّ أحَدٌ من عَطْف القرآنِ عليها أَنَّها ليست قرآناً، بل هي القرآنُ العظيم.
---
وبالجملة المزايا والنكاتُ في القرآنِ والحديث مختلِفةٌ، ولولا الاعتباراتُ لبطلت الحِكْمةُ، وهذه أمورٌ ذَوْقيَّة لا براهينَ، ويَذُوقُها مَنْ يرجع إلى وجدانه بِمَلَكَةٍ راسخةٍ، وبَرْد صَدْر، وعَدْلٍ ونِصَفة، فتأمل. وقد جعل بَعْضُهم الفاتحةَ أَمّاً باعتبارِ جامِعيةِ مضامينها، فكأنها تَجْمَعُ القرآنَ كلَّه إليها، وذلك أيضاً نظر، ولتكن النكات كلتاهما، فإِنَّه لا تَزَاحُم بينها، بل يزيدُ حُسْناً إلى حُسْن، كقوله:
*يزيدُك وَجْهُه حُسْناً ** إذا ما زِدْته نَظَراً
باب فَضْلُ البَقَرَة
قوله: (كَفَتَاهُ) أي عن حقِّ القرآن، فإِنَّه ما من امرىء مُسْلمٍ، إلاَّ وحق عليه أن يأتي بجزءٍ منه في اللَّيل، فمن قرأهما كَفَتاه عن هذا الحقِّ، ولا يُطالِبه القرآنُ فيه.(6/452)
5009 - قوله: (عن أبي مَسْعُود)... إلخ، وعند محمد بي «كتاب الآثار» ابنُ مسعود، وبقيَّةُ الرواة ثِقاتٌ في الإِسنادين. وروى محمدٌ عن أبي حنيفةَ بهذا الإِسناد أنَّ الوِتْر ثلاثُ رَكعاتٍ، وذَكَر لها ثلاثَ سُوَر، فاعلمه.
باب فَضْلِ الكَهْف
باب فَضْلِ سُورَةِ الفَتْح
5011 - قوله: (بِشَطَنَينِ) دور سيان جو كهورى كى تهوى كى نيجى باندهتى هين.
قوله: (سَحابَةٌ) وهذه تُمثِّلُ السكينةَ، أراد اللَّهُ سبحانه أن يُرِيها، ولعل تلك الدَّوِي كانت من تسبيحِ الملائكةِ، ولا بُعْد في التمثُّل، فإِنَّه قد ذَكَر ابنُ خلدون أن المُشَعْبذين يُنْزلون الشيءَ أَوَّلاً في متخيلتهم، ثُم يُنْزِلونه من القوةِ المخيلة إلى الخارج، ولكنه لا ثباتَ له إلاَّ بِصَرْف هِمَّتهم، فإِذا كَفّوا هِمتَهم عنه انعدم. قلتُ: وإذا تمثَّلت المعاني في الدنيا، فَلِما الاستبعادُ عنه في الآخرة؟.
---
باب فَضْلِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}
باب فَضْلِ المُعَوِّذَات
باب ُ نُزُولِ السَّكِينَةِ وَالمَلاَئِكَةِ عَندَ قِرَاءَةِ القُرْآن
قالَ ابْنُ الهَادِ: وَحَدَّثَني هذا الحَدِيثَ عَبْدُ اللَّهِبْنُ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنْ أُسَيدِبْنِ حُضَيرٍ.
5013 - قوله: (وكأنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّها) أي كأنَّ الناقِلَ تقالَّ فِعْل القارىء.
5013 - قوله: (إنَّها لَتَعْدِل ثُلُثَ القُرْآن) والإِشكالُ فيه، والجوابُ عنه مشهورٌ، فإِنَّ المرادَ أنَّ ثوابَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ} الأَصْلي مع التضعيفي يساوي الثوابَ الأَصْلي لِثُلُثِ القرآن. أَما الثوابُ الإِنعامي لِثُلُث القرآنِ فيزيدُ عليه، بأَضعاف ذلك، وأَوَّل ما رأيت هذا الجوابَ في كلام القُرْطبي، وقد مرَّ عليه الدَّوَّاني أيضاً في «أنموذجة العلوم» وقَرَّرَه.
---(6/453)
قلتُ: ولنوضِّح ذلك بِمثال، وهو أنَّ رجلاً استأجَر أَجيراً، وقال له: أُعطيك أُجرةَ نحو عَشرةِ رِجال، فكما أنه لا يَفْهَم منه إلاَّ أنه يُعْطي له ما يساوي أُجرةَ العشرةِ الأصلية، فكذلك فيما نحن فيه، لا يُعْطى له مِن قراءة: قُلْ هُوَ اللَّهُ إلاَّ مِثْل أَجْر ثُلُث القرآن الأَصلي، إنما يستحقُّ أَجْرَه الإِنعامي إذا قرأ الثُّلُث في الخارج. وأما مَنْ قرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ ثلاثَ مراتٍ، فإِنَّه لم يقرأ في الخارج إلاَّ هذه، ولم يقرأ ثُلُثَ القرآنِ، فكيف يحرز أَجْرَه الإِنعامي وإنما جَرى ذِكْر ثُلُث القرآنِ لبيانِ الحساب فقط، فأَجْرُه لا يكون إلا بِقَدْر عَمَلِه، ولم يعمل في الخارج، إلا أنه قرأ السورةَ ثلاثَ مراتٍ، فلا يستحقُّ إلاَّ أَجْرَها، دون أَجْرِ ثُلُثِ القرآن التضعيفي، فإِنَّ التَّضْعيفَ إنما يُعتبر فيما خَرج من القوةِ إلى الفِعْل، ودخل في الوجود، ولم يَدْخل فيه غيرُ قُلْ هُوَ اللَّهُ فيعتبر تضعيفُها فقط، وأما ثُلُث القرآن فقط اعتبر لبيانِ الحساب فقط، ولا مغالطةَ فيما ذكرنا مِن مِثال المستأجر، لأَنَّ الأُجْرة هناك حِسِّيةٌ، يَعْلَمها كُلُّ أَحَد، بخلافِها فيما نحن فيه، فإِنَّها معنويةٌ، فالتُبس الحال، وأوهم أنه يحرز أَجْرَ ثُلُثِ القرآنِ مُطْلقاً. وصَنَّف ابنُ تيميةَ في حَلِّ مِثْل هذه الأحاديثِ كتاباً مستقلاً.
وحاصله أن تلك المفاضلَة بحسب جاميعةِ المضامين، والمعاني، وعلوم القرآن، فلم يَحْمِلْه على الثوابِ، فمعنى قوله: «إنَّها لَتَعْدلُ ثُلُثَ القرآنِ»، أي إنَّ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قد حازَت من العلومِ ما حازت ثُلُثَ القرآنِ. قلتُ: والوَجْه ما ذكره القُرْطبي، أما ما ذكره ابنُ تيميةَ فَيصلُح أن يكونَ سبباً لتضعيف هذا الأَجْر، أي إنَّما يُعْطى لهذه السورةِ ذلك الثوابُ المضاعفُ، لاشتمالها على مضامينَ، ومعاني تُوجَد في ثُلُث القرآنِ.
---(6/454)
باب ُ مَنْ قالَ: لَمْ يَتْرُكِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم إِلاَّ ما بَينَ الدَّفَّتَين
ردٌّ على الروافض، حيثُ زَعَم الملاعِنةُ أنَّ عثمانَ نَقَص من القرآنِ.
باب ُ فَضْلِ القُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الكَلاَم
باب ُ الوَصَاةِ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَل
والأحاديثُ في هذا الباب كثيرةٌ، ولعلها لم تكن على شَرْطه، فأخرج حديثاً من غيرِ هذا الباب.
5020 - قوله: (كالأُتْرُجَّةِ)... إلخ. الطَّعْمُ باعتبارِ الباطن، والريحُ بحسب الظاهرِ، فَشَبَّه قارىء القرآنِ بالأُتْرُجَّة في ظاهرِه وباطِنِه.
باب ٌ: «مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآنِ»
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَبَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} (العنكبوت: 51).
باب ُ اغْتِبَاطِ صَاحِبِ القُرْآن
21- بابٌ خَيرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ
باب ُ القِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ القَلب
قوله: (({يُتْلَى عَلَيْهِمْ} (العنكبوت: 51)) واعلم أنَّ الكاتب غَلِط ههنا، فكتب - الآية - ثُم ذَكَر تمام الآية أيضاً.
قوله: (مَنْ لم يتغنَّ)... إلخ. قال ابنُ الأَعرابي - إمام اللغة - في «تفسيره»: مَنْ لم يضع القرآنَ مَوْضِع غناءه... إلخ. وتفصيله: أنَّ المرء إذا اعتاد بالغناء يغلب عليه ولا يستطيعُ أن يتركه، ولذا ترى المُغني لا يزال يُدَنْدنُ في كلِّ وقت، فَعَلَّمه النبيُّ صلى الله عليه وسلّمأن الذي عليه أن يَكُفَّ عنه، ويجعل القرآنَ دندنته وغناءه، حتى يأخذَ القرآنُ مأخَذَه، ويغلب عليه كغلبته، ويجلو به أحزانه وهمومه، كجلائه منه، فهو على حَدِّ قوله:
*وخيل قد دلفت لهم بخيل ** تحية بينهم ضرب وجيع
---
أي وَضْع شيء مكان شيء، وقد قَرَّرناه سابقاً.(6/455)
قيل: الكلام على ظاهره، ولا بأس بِحُسْن الصوت إذا احترز اللَّحْن والتغيير في الإِعراب. وقيل: التغني بمعنى الاستغناء، كما في حديث تقسيم الخيل: تغنياً، وتعفُّفاً. وأُجيب أن الحديث ليس بحجَّةٍ في باب اللغة، إلا عند مالك. وفَسَّره الراوي أولاً بالاستغناء، ثُم فَسّر الاستغناء بالجهر، وهذا عجيبٌ، وهذا التفسير غير مرتبط.
5024 - قوله: (ما أَذِن للنبيِّ) قيل: المرادُ بالنبيِّ هو نبيُّنا صلى الله عليه وسلّم وقيل: غيرُه. ويوجدُ في الخارج لَفْظ «العبد» مكان: «النبيّ»، فيكون الحديثُ وارداً فيه بوجهين، أو يكون الترجيحُ للبخاريِّ، وقد عقدتُ فَصْلاً في رسالتي «فَصْل الخطاب» أَنَّه لا تبلغُ على السموات إلاَّ صوتانِ: صوتُ المؤذِّن، وقارىء القرآن.
5030 - قوله: (ولو خَاتَماً من حَدِيد) قيل: إنَّ خاتَماً من حديد ممنوعٌ. وأُجيب عنه أنه إذا كان مفاً جاز. ثم رأيتُ في حديثٍ: أنَّ الخاتَم المف جائز، فرأيت أن الاحتمال المذكورَ صحيحٌ.
5030 - قوله: (بما معك من القرآن) ومعناه عندنا بِلَحَاظ ما عندك من القرآن، وعند الشافعيةِ بِعِوض ما عندك من القرآن، وعند الترمذيِّ - في فضيلة {إِذَا زُلْزِلَتِ} - عن أَنس بنِ مالك: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلّمقال لِرَجُلٍ من أصحابه: «هل تزوجت يا فُلان؟ قال: لا والله يا رسولَ الله، ولا عندي ما أتزوَّجُ به. قال: أليس معك: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}؟ قال: بلى، ثُلُث القرآن إلى أن سأله عن سورةٍ، ثُم قال في الآخِر: تَزوَّج تزوج» اه.
---(6/456)
وحاصله عندي: أَنَّك صرْت أَهلاً للتزوج، فإِنَّ الرَّجُل ينكح إما لِماله، أو لِعِلمه، وإذ لم يكن عنده من مالٍ، فُتِّش عن عِلْمه، فإِذا وجده ذا عِلْم عَلِم أنه صار أَهْلاً للتزوُّج، فقال له: «تَزوَّج تزوّج» فالناسُ حملُوه على المَهْر، وفهمت أنه قدر أنه هل يتزوَّج مِثْلُه لمثلها؟ فلما وجده صالحاً قال له: ملكتها بما معك من القرآن، فهذا بابٌ آخَر. وهذا على نحو ما تقول اليوم: إنَّ ابنك صار ما شاء اللَّهُ عالِماً، فهلاَّ زوجته، كيف وأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّمقد كان أَمَره أوّلاً بابتغاء شيءٍ من الأموال ليكونَ مهرَها، فلما لم يجد عنده شيئاً اكتفى في الحال بِصَلاحه. ولك أن تَحْمِله على الخصوصية، لما في «سُنن سعيد بن منصور»: ولا يكون مَهْراً لأحدٍ بعدك». إلاَّ أن إسنادَه ضعيف.
باب ُ اسْتِذْكارِ القُرْآنِ وَتَعَاهُدِه
باب ُ القِرَاءَةِ عَلَى الدَّابَّة
باب ُ تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ القُرْآن
باب ُ نِسْيَانِ القُرْآنِ، وَهَل يَقُولُ: نَسِيتُ آيةَ كَذَا وَكَذَا؟
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى إِلاَّ مَا شَآء اللَّهُ} (الأعلى: 6 - 7).
---
5032 - قوله: (بِئْس ما لأَحَدِهم أَنْ يقول: نسيتُ آيةَ كَيْتَ وكَيْتَ، بل نُسِّي) يعني أما إذا ارتكبت معصيةً، وأُنسيت القرآنَ، فلا تَجْهر بها، فإِنك إن فات عنك الاستذكارُ والاستظهارُ به، فلا يَفُت عنك الأَدَبُ، وهو أنْ لا يَنْسُب النِّسيانُ إلى نفسه، ليدلَّ على تجاسره، بل يقول: نُسِّي، كأنه مِن سببٍ سماوي. وقد صَنَّف الدَّوَاني رسالةً في تعداد الكبائر، وعَدَّ فيها نِسيانَ القرآن منها. قلتُ: وأخذت من «الفتاوى البَزَّارِية» أنه كان يقرأ القرآنَ من المصحف، ولم يكن حافظاً، ثُم نسيه، فهو أيضاً كبيرة.
باب ُ مَنْ لَمْ يَرَ بَأْساً أَنْ يَقُولَ: سُورَةُ البَقَرَةِ، وَسُورَةُ كَذَا وَكَذَا(6/457)
فيه ردٌّ على مَن زعم أنَّ في تسمية سُورة البقرة إساءة أدب، وليقل: السورة التي يُذْكر فيها البقرةُ. قيل: إنَّ الحَجّاج الظالم كان يمنع منه.
باب ُ التَّرْتِيلِ في القِرَاءَة
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَتّلِ الْقُرْءانَ تَرْتِيلاً} (المزمل: 44). وَقَوْلِهِ: {وَقُرْءانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} (الإسراء: 106). وَما يُكْرَهُ أَنْ يُهَذَّ كَهَذِّ الشِّعْرِ. {فِيهَا يُفْرَقُ} (الدُّخَان: 4) يُفَصَّلُ. قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَرَقْنَاهُ: فَصَّلنَاهُ.
وأصلُ الترتيلِ هو القراءة بحيث أن لا تنقطع الحروفُ، وتخرج من مخارجها، وأما ما اشتهر اصطِلاح القراء من الترتيل والحَدْر، فذاك مُراعىً أيضاً.
قوله: ({لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} (الإِسراء: 106)) فالقرآنُ لم ينزل إلينا دَفْعةً واحدةً، وكذلك لم يُلْق إلينا مرادُه مرةً واحدة، فلا ينبغي للناس أن يتعجَّلوا في نزوله، أو في بيان مراده.
قوله: (يهزون) أي لا يراعون الترتيلَ فيه.
باب ُ مَدِّ القِرَاءَة
---
واعلم أنَّ مسائلَ التجويدِ كلَّها مأخوذةٌ من اللغة، ولم أَر في اللغة للمدِّ باباً، فلا أدري مِن أين أخذوه؟ وقد تصدَّى له السُّيوطي، فلم يأت فيه إلاَّ بحديثٍ واحد فقط وبالجملةِ إنْ كان المدُّ بالمعنى المذكور عندهم ثابتاً في اللغة، فَلِمَ لم يأخذوه؟ وإن كان صوتاً فقط، فالأَوْلى أن يأخذوا أَوَّلاً باللغةِ فيه.
باب ُ التَّرْجِيع
باب ُ حُسْنِ الصَّوْتِ بِالقِرَاءَة
5047 - قوله: (يَقْرَأُ وهو يُرجِّع) ولم يكن التَّرْجِيعُ مقصوداً، ولكنه حَدَث من حركةِ الدَّابّة.(6/458)
5048 - قوله: (لَقَد أُوتِيتَ مِزْماراً مِن مزاميرِ آلِ دَاودَ) والشارحون أرادوا منه حُسْنَ الصَّوت فقط. قلتُ: بل مرادُه فوق ذلك، وهو أنَّ المزامير في الزَّبُور حَلّت محل السُّور من القرآن، فترى فيه في مبدإ كلِّ حَمْد مزمورة مزمورة، كما يكتبُ في القرآن السورة السورة. فالمرمورةُ في الزَّبُور كالسورةِ من القرآن، وإذن ليس التَّشْبِيه على معنى حُسْن الصَّوْت فقط.
باب مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَ القُرْآنَ مِنْ غَيرِه
فيه دليلٌ على أنَّ الاستماع أَفْضلُ، فليستمع المقتدي قراءةَ إمامِه أيضاً، ولا ينازِعُه فيها.
باب ُ قَوْلِ المُقْرِىءِ لِلقَارِىء: حَسْبُك
نَبّه المصنِّف على أَمْرٍ مهم، فإِنَّ القرآن خَيْرُ مَحْض، لا يجترىء الإِنسانُ أن يقول لقارئه: لا تقرأه، أو انْتَهِ عنه. ومع ذلك فإِنه قد يُضْطّر إليه، فكان ذلك مَوْضعاً يُتحيّر فيه، فأجاب عنه أن ذلك سائغٌ له.
5050 - قوله: (فإِذا عيناه تَذْرِفان) وقد مَرّ وَجْه البكاء أنه قال: كيف أشهدُ عليهم ولم أشاهدهم؟ فقيل: إنه تُعْرض الأعمالُ عليك، والعَرْض عِلْم إجمالي.
---
واعلم أنَّ حقَّ الشهادة أن تكون عن مشاهدةٍ، ولهذا تأخَّر عنها عيسى عليه الصلاةُ والسلام،وقال: فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ (المائدة: 117) لا تَسْتدعي أن تكون بعد مُشاهدةِ جُمْلتها، بل تكفي مشاهدةُ البعض، ويدخل فيها الباقي تَبَعاً، أو تكون بِعَرْض الأعمال. أما عيسى عليه الصلاةُ والسلام فهو بِصَدَر أداءِ الشهادة للزَّمن الذي كان هو فيهم، فلا تنافي بين أداءِ شهادةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وعدم أداء عيسى عليه الصلاةُ والسلام، فافهم.
باب ٌ: في كَمْ يُقْرَأُ القُرْآن
وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} (المزمل: 20).
باب ُ البُكاءِ عِنْدَ قِرَاءَةِ القُرْآن(6/459)
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيى، عَنْ سُفيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قالَ الأَعْمَشُ: وَبَعْضُ الحَدِيثِ حَدَّثَنِي عَمْرُوبْنُ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الضُّحى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم «اقْرَأْ عَلَيَّ». قالَ: قُلتُ أَقْرَأُ عَلَيكَ وَعَلَيكَ أُنْزِلَ؟ قالَ: «إِنَّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيرِي». قالَ: فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلآء شَهِيداً} (النساء: 41). قالَ لِي: «كُفَّ، أَوْ أَمْسِكْ». فَرَأَيتُ عَينَيهِ تَذْرِفانِ.
باب مَنْ رَايَا بِقِرَاءَةِ القُرْآنِ، أَوْ تَأَكَّلَ بِهِ، أَوْ فَخَرَ بِه
---
والحديث لم ينحط فيه إلى ما دون سبعةٍ، وهذا عند المصنِّف، وأما في الخارج فقد صحَّ في ثلاثة أيام أيضاً، ولكنه ليس بحجَّة عليه، فإِنه يأتي بما يكون على شَرْطه. ثُم إنه ثبت عن بعض السَّلف - أي الصحابة، والتابعين - أنهم كانوا يَخْتِمون القرآنَ تِسْعَ مرات في يومٍ أيضاً، أما الأولياء فهم أَكْثر كثير. وكتب الشيخ عبدُ الحق أنَّ الشيخ بهاء الدين زكريا، كان يَخْتِم عنده ثلاث مئة وستين ختماً كلَّ يوم، فإِذا شاهدنا ذلك عن السَّلف إلى الخَلَف تعسر علينا أن نَرْمِيهم بمخالفةِ حديثٍ صريح عَنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم والعياذ بالله، وهم أَوَّلُ مَن عَمِل به.(6/460)
ولكنا سنذكُرُ لك أمراً ينفعُك في مواضع، وقد ألقيناه عليك مِن قبل أيضاً، وهو أن الشيء إذا كان خيراً مَحْضاً، وعبادةً خالصة، ومع ذلك لا يكون للشارع بدّ من النهي عنه في بعض الأحيان لبعض المصالح، ففي مِثْله تتجاذبُ الأطراف، كما رأيت في الفاتحة خَلْفَ الإِمام، فإِنّه نهى عنها، وقد نهى، ومع ذلك ترى رَشَحاتِ الرُّخصةِ باقيةً، وكصوم الدَّهْر، فإِنَّه نَهى عنه، ثُم تترشح الرُّخصةُ أيضاً من التشبيه في بيان فَضْل صَوْم الدَّهْر الحكمي، وكالصلاة في الأوقات المكروهة، فإِن الأحاديث قد صَحَّت في النهي عنها، ثُم تجد فيها رُخَصاً من الشارع، فلا تستقرُّ الأحاديثُ في نحو تلك الأمورِ على وتيرةٍ واحدة، بحيث أن تَسْتمر بالأَمْر بها، أو النهي عنها، ولكن تارةً وتارةً، وما ذلك إلا لتجاذُب الأطراف، وتنازُع الأنظار.
---
ومِن ههنا ترى الأئمةَ اختلفوا في هذه المواضع غيرَ الصوم يومَ النَّحْر، فإِنَّهم اتفقوا على كونِه منهياً عنه، وأما في سائرها فكما رأيتَ الحالَ، وهذا الذي أراده عليٌّ لما ذهب إلى صلاة العيد، فرأى رجلاً يصلِّي بالمُصلَّى، فقيل له: ألا تنهاه؟ قال: أخاف أَنْ أدخل في قوله تعالى: {أرأيتَ الذي ينهى عَبْداً إذا صلَّى} (العلق: 9، 10) غير أني لم أَرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلّميصليها. وذلك لأنَّ الصلاة خيرٌ موضوع، والإِنسانُ قد يتردَّد في أن ينهى عنها.(6/461)
ثُم مرَّ ابنُ عباس على مِثْل ذلك، ونهى أن تُصلّى النوافل في المسجد، وتلا قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ}وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ... إلخ (الأحزاب: 36)، فهل وجدت المعنى، وهل دريت ما أراد هذان، جَبَلا العِلم؟ والذي يظهر أن ابن عباس نظر إلى أنَّ للشارع ولايةً خاصة على أن يمنع عن عبادة أيضاً، وأما عليٌّ فنَظرُه أَوْسع منه. فهكذا الحال في مسألة ختم القرآن، فإِنه عبادةٌ في أقل من ثلاثة أيضاً، فكيف ينهى عنها، ثم إنَّ الخَتْم في أقلّ منه يوجِب الهزَّ غالباً، وهو منهي عنه، فذلك يرجَّح المنعُ، فلم يستقر الشَّرْع فيه على شيء لذلك، ولا سبيل فيه إلاَّ إلى تقسيم الأحوال، فإِن قَدِر على الخَتْم في يوم، أو أقلّ منه مع تصحيح الحروف وحصور القلب فله فيه فْضْل، وإلاَّ لا ينبغي له أن يَلْعب بكتاب الله، وأولى له أن يقرأه على مُكْث وقلبه يرغبُ فيه، ويتركه وهو في هذا الحال، لا أن يملَّ منه.
وإنما المناسب لوظيفةِ الحديث الاستمرارُ بالنهي عنه لسدِّ الذرائع. ومن ههنا تَتبيَّنُ مسألةٌ أُصوليةٌ للحنفية، أن النهي عن الأفعالِ الشرعية مقرر للمشروعية، بشرط أن تكون تلك العبادةُ بديهيةً واضحة.
---
5052 - قوله: (كَرَاهِيةَ أن يَتْرُك شيئاً فَارَق النبيَّ صلى الله عليه وسلّمعليه) فإِنَّ في تَرْك شيءٍ كان يَفْعلُه في زمن النبيِّ صلى الله عليه وسلّمتشاؤماً ظاهراً، فأبقى الحساب الذي كان عليه في زَمنه صلى الله عليه وسلّم أعني الإِفطارَ في نِصْف الشهر، والصوم في النِّصف، وإن غَيَّر طريقَه حسبما تيسَّر له.(6/462)
5054 - قوله: (ولا تَزِد على ذلك) وفي طُرُقه لَفْظٌ عند النسائي يحتاج إلى الشرح فلينظر فيه. كما قد وقع سَهْوٌ من راوٍ عن أبي داود، فذكر ليلةَ القَدْر في الأشفاع مع أنها في الأوتار، فإِنه غَلِط فيه، فحمل الشَّهر على ثلاثين، وجعل الأوتار كلها أشفاعاً، مع أن الشهر فيه كان مفروضاً بتسعٍ وعشرين. وإذا انكشف الأَمْرُ استُغْني عن تأويله، فإِنه وجدنا في غير واحدٍ من الأحاديث أن ليلة القَدْر هي في الأوتار، فما نبالي بما عبر به راوٍ واحد.
باب ٌ: «اقْرَؤُوا القُرْآنَ ما ائْتَلَفَتْ عَلَيهِ قُلُوبُكُمْ»
كنا نرى أن معنى قوله: «وإذا اختلفتم فقوموا عنه»، أي مللتم عن قراءته، ثُم تَبيّن من الروايات أنَّ مراد الائتلافِ والاختلافِ هو ظهورُ النزاع في مجلس القراءة وعدمُه، أي اقرءوا القرآن ما دامت القلوبُ مؤتلفةً بَعْضُها ببعض، فإِذا ظهر بين المجلس اختلافٌ وانشقاق فتعوذوا بالله، وقوموا.
كتاب النِّكَاح
---(6/463)
فيض الباري شرح صحيح البخاري 4
محمد أنور شاه الكشميري
الملف الرابع
المحدث الكبير والفقيه المحقق الحجة المولود سنة 1292 والمتوفى سنة 1352 رحمه الله تعالى
كتاب النِّكَاح
باب ُ التَّرْغِيبِ في النِّكاح
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَآء} (النساء: 3).
5063 - قوله: (فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلّم؟ أي قالوا ذلك في أنفسهم، تأويلاً لما بلغهم من قِلّة عبادة النبي صلى الله عليه وسلّم حسب ما قدّروه في أنفسهم.
باب ُ قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَليَتَزَوَّجْ لأْنَّهُأَغَضُّ لِلبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلفَرْجِ». وَهَل يَتَزَوَّجُ مَنْ لاَ أَرَبَ لَهُ في النِّكاحِ؟
باب ُ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ البَاءَةَ فَليَصُم
قال الخطابي: أصلُه الموضِعُ الذي يتبوأه، ويأوى إليه، والمراد به النكاحُ وحقوقُ الزوجية من المَهْر وغيرها كلّها. وقيل: المراد به الجِماع. قلتُ: وحينئذ لا يلائمه آخِرُ الحديث، لأنَّ الحديثَ هكذا: «مَن استطاع منكم الباءةَ، فليتزوج، ومَنْ لم يستطع فعليه بالصوم»... إلخ، فلو أردنا من الباءةِ الجماع، كان المعنى مَنْ لم يستطع الجماع فعليه بالصوم، ومعلومٌ أنه إذن لا حاجةَ له إلى الصوم، لأن الحاجةَ إليه لانكسارِ الشهوة، ومَنْ لا يقدر على الجماع يستغني عنه لا محالة.
5065 - قوله: (قال: كُنْت مع عبدِ الله، فَلَقِيَهُ عثمانُ بِمنَى)... إلخ، كان بين عثمانَ وعبد الله بن مسعود شيءٌ، لأن عثمان لم يُدْخِله في جَمْع القرآن، فلما لَقِيه أراد أن يجبر خاطِرَه فدعاه وتكلَّم معه، كأنه يناجي به، ولم يكن المقصود إلاَّ إرضاءه، فلما استشعر به ابنُ مسعود، ورأى أنه ليس له حاجةٌ مخصوصة، أشار علقمة، ودعاه عنده... إلخ.
باب ُ كَثْرَةِ النِّسَاء
5067 - قوله: (كان يَقْسِم لثمانٍ، ولا يَقْسِم لواحدةٍ) وتلك كانت سَوْدة.
---(7/1)
5068 - قوله: (كان يطوفُ على نسائه في ليلةٍ واحدةٍ).
باب مَنْ هَاجَرَ أَوْ عَمِلَ خَيراً لِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فَلَهُ ما نَوَى
باب ُ تَزْوِيجِ المُعْسِرِ الَّذِي مَعَهُ القُرْآنُ وَاْلإِسْلاَم
فِيهِ سَهْلُبْنُ سَعْدٍ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
باب ُ قَوْلِ الرَّجُلِ لأَخِيهِ: انْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ شِئْتَ حَتَّى أَنْزِلَ لَكَ عَنْهَا
رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمنِبْنُ عَوْفٍ.
5071 - قوله: (أَلاَ نَسْتَخْصي؟ فنهانا عن ذلك) فالاختصاء حرام، والتبتل مكروه.
باب ُ ما يُكْرَهُ مِنْ التَّبَتُّلِ وَالخِصَاء
5075 - قوله: (ثُم رَخَّص لنا أن نَنْكِحَ المرأةَ بالثوبِ) ومن ههنا نُسِب إلى ابنِ مسعود جوازُ المتعة، مع أنه لا حاجةَ إلى حَمْل التزوج على نِكاح المتعة، بل هو على المعروف. أما ذِكْر الثوب فلكونه مَهْراً مُعجَّلاً.
باب ُ نِكاحِ الأَبْكار
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيكَةَ: قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعَائِشَةَ: لَمْ يَنْكِحِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم بِكْراً غَيرَكِ.
باب ُ الثَّيِّبَات
وَقَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «لاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ».
باب ُ تَزْوِيجِ الصِّغَارِ مِنَ الكِبَار
باب إِلَى مَنْ يَنْكِحُ، وَأَيُّ النِّسَاءِ خَيرٌ، وَما يُسْتَحَبُّأَنْ يَتَخَيَّرَ لِنُطَفِهِ مِنْ غَيرِ إِيجَاب
---
5078 - قوله: (إن يكن هذا مِن عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِه) أي إنْ يكن هذا هو تعبير الرؤيا من الله تعالى يُمْضه كذلك، وإنْ أراد منها غيرَ ما في الظاهر، فهو أعلم به. فرؤيا الأنبياءِ وحيٌ وإن احتاجت إلى التعبيرِ، فالتردُّدُ ليس إلاَّ في تعبيرها.
باب ُ اتّخَاذِ السَّرَارِيِّ، وَمَنْ أَعْتَقَ جارِيَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا(7/2)
حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، عَنْ حَمَّادِبْنِ زَيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلاَّ ثَلاَثَ كَذَبَاتٍ: بَينمَا إِبْرَاهِيمُ مَرَّ بِجَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارَةُ - فَذَكَرَ الحَدِيثَ - فَأَعْطَاهَا هَاجَرَ، قالَتْ: كَفَّ اللّهُ يَدَ الكافِرِ وَأَخْدَمَنِي آجَرَ». قالَ أَبُو هُرَيرَةَ: فَتِلكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي ماءِ السَّمَاءِ.
باب ُ مَنْ جَعَلَ عِتْقَ اْلأَمَةِ صَدَاقَهَا
باب ُ تَزْوِيجِ المُعْسِر
وقد علمت أَنَّ نفس الإِعتاق يَصْلُح مَهْراً عند الشافعي، ولا يصلح عندنا. والرواةُ يذكرون واقعةَ صفيَّةَ على لفظين: الأول: وجعل عِتْقَها صَدَاقها، وهذا العنوان أقربُ إليهم، وقد يفصلون العِتْق عن التزوّج، فيقولون: أعتقها وتزوَّجها، وهو أَصْرحُ للحنفيةِ.
8084 - قوله: (فتلك أُمُّكم يا بني ماءِ السماء) يعني أنكم تتعاظمون في أنفسكم، وتلك أُمُّكم.
باب ُ اْلأَكْفَاءِ في الدِّين
باب ُ الأَكْفَاءِ في المَالِ وَتَزْوِيجِ المُقِلِّ المُثْرِيَة
باب ُ ما يُتَّقَى مِنْ شُؤْمِ المَرْأَة
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ مِنْ أَزْوجِكُمْ وَأَوْلدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ} (التغابن: 14).
---
قوله: ({فَجَعَلَهُ نَسَباً}وَصِهْراً (الفرقان: 54)) {نَسَباً} أي ددهيال، {وَصِهْراً} سُسرال.
5088 - قوله: (فَذَكَر الحَدِيث) وهو أنه أَمَرها أن تُرْضِعه، وكان سالماً إذ ذاك كبيراً. وحَمَله العلماءُ على الخصوصيةِ، وإلا فالرضاعةُ من المجاعة.
5089 - قوله: (حُجِّي واشتَرِطِي) وقد عَلِمت أن المُصنّف خالف الشافعي في مسألة الاشتراط، فأخرج هذا الحديث الصريحَ من كتاب الحج، وأدخله في النكاح، وهذا من تصرفاته البديعة في كتابه.
5090 - قوله: (فاظفر بذات الدين) أي الناس يهتمون بالمال والجمال، وأما أنت فاظفَر بذاتِ الدِّين.(7/3)
5091 - قوله: (هذا خيرٌ مِن مِلء الأَرْض مِثْلَ هذا) ولم أر التكثير والمبالغة مِثْله في الحديث إلا نادراً.
باب ُ الحُرَّةِ تَحْتَ العَبْد
باب لاَ يَتَزَوَّجُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَع
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثْنَى وَثُلَثَ وَرُبَاعَ} (النساء: 2). وَقَالَ عَلِيُّبْنُ الحُسَينِ عَلَيهِمَا السَّلاَمُ: يَعْنِي مَثْنَى أَوْ ثُلاَثَ أَوْ رُبَاعَ. وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أُوْلِى أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَثَ وَرُبَعَ} (فاطر: 1). يَعْنِي مَثْنَى أَوْ ثُلاَثَ أَوْ رُبَاع.
وفي الحديث مسألةُ خِيار العِتْق، والروايات في زَوْج بريرةَ مختلفةٌ، ومال البخاري إلى كونِه عبداً عند العِتْق. قلتُ: ولا يخالِفُنا الحديثُ على هذا التقدير، فإنْ ثبت كونُه حراً كان حجةً لنا؛ وبالجملةِ الحديثُ حجةٌ لنا على تقدير، ولا يخالفنا على تقدير. وقد عارضه العينيُّ، فأتى بأسماء الرواة الذين قالوا: إنه كان حُرّاً، وادَّعى أنهم أكثرُ عدداً مِمَّن رَوَوا كونَه عبداً، وقد سخر ههنا ابنُ القَيِّم على تفقّه صاحبِ «الهداية». أقول: والأَوْلى أن يُؤخذ بِتفقّه الطحاوي، وقد ذكرنا كلَّه من قبل.
---
باب {وَأُمَّهَتُكُمُ الْلاَّتِى أَرْضَعْنَكُمْ} (النساء: 23)
وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ.
وقد ذكرنا مسألة الرَّضَاعة مِن قبل، والمصنف وافقنا في المسألة، وجعل عمومَ القرآنِ معمولاً به، وترك مذهب الشافعيِّ، فإنه وَقَّت بخمس رضعات مُشْبِعات في أوقاتٍ مُخْتلفة جائعات، ووقت أحمدُ بثلاثٍ قلنا: وإذا ثبت النَّسْخ في الجِنْس، فالظاهر النَّسْخُ رأساً.
5099 - قوله: (الرَّضَاعةُ، تُحرِّم ما تحرِّمُ الوِلادَةُ) أحال حديثَ مُحرَّمات الرِّضاع على مُحرَّمات النَّسب، وقد بسطها الفقهاءُ، وضبطها صدرُ الشريعة في أربعة ألفاظ: الأُصول، والفروع، وجميع فروعِ أصلِ القريب، وصُلْبيات أَصْلِ البعيد، ونقحت محرمات الصِّهر في بيت:(7/4)
*وزوجةُ الفَرْع والأصول ** وأم عرس وابنة المدخول
فأُصول الواطىء وفروعه تَحْرُم على الموطوءة، وكذا أصولها وفروعها تَعْرُم على الواطىء. ومرَّ أنَّ ابن الهُمام أورد على الضابطةِ المذكورةِ: امرأة الابن الرَّضَاعي، ومَرّ الجواب عنه أيضاً، فلا تفيدُه.
5099 - قوله: (هذا رجلٌ يستأذِنُ في بيتِك)... إلخ. قيل: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّمقد كان أخبرها مَرَّةً عن المسألة في العمِّ بقوله: «إنهُ عَمّك فليلج عليك، تَرِبت يمينُك»، فماذا كانت تستفته. وفي «الموطأ» لمالك: أنها إذا أرادت أن يَأذَن رَجُلاً بالدخول عليها بعث به إلى بناتِ أُختها، دون بنات أخيها، وفيه مسألة لبن الفحل، وقد مر الكلام فيها. وأُجيب عن الأَوّل أنَّ للعم الرَّضاعي صوراً، فلعلها عَلِمت بَعْضَها دون بَعْض.
5100 - قوله: (ابنةُ أخِي من الرَّضَاعة) وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّموحمزةُ ارتضعا على ثُوَيبةَ جاريةِ أبي لهب.
---
5101 - قوله: (أو تُحِبين ذلك؟) استخبرها أَوَّلاً عَمَّا في صدرها، ثُم عَلَّمها المسألة. وهذا نظيرُ قوله: «أتحلفون» - في القسامة - فإِنّه لم يُوجِّه اليمين إليهم أَوّلاً، ولكنه كان على نَحْو الاستخبار عما عندهم، لينكروا عنه من فطرتهم، فينصرف اليمين إلى المُدّعى عليهم لا محالة، لأنه إذا لم تكن عندهم بينةٌ، وهم لا يَحْلِفون، سواء كان عليهم أو لا، فما السبيلُ إلاَّ إلى صَرْف اليمين إلى المُدَّعى عليهم.
5101 - قوله: (غيرَ أنِّي سُقِيت في هذه بِعَتَاقَتِي ثُوَيبة) فيه دليلٌ أنَّ طاعاتِ الكفار تنفع شيئاً، ولو لم تدرأ العذابَ، كما مهدت فيما مر.
باب ُ مَنْ قالَ لاَ رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَين
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (البقرة: 233). وَما يُحَرِّمُ مِنْ قَلِيلِ الرَّضَاعِ وَكَثِيرِهِ.(7/5)
وافق فيه الجمهور وخالف أبا حنيفة. وما أجاب بِه صاحب «الهداية» ههنا فهو رَكِيكٌ جداً، فإِنه جعل أَثَر عائشة منقصاً للمُدّة، فراجعه، فإِنه ليس تخْصِيصاً، بل يُشْبه النَّسْخ، لأن القرآنَ ذكر فيه العددَ دون العُموم، ليقال: إِنَّ أَثَرها مُخَصِّص. وبحث فيه ابنُ الهُمام في «الفتح»، واختار مَذْهب الصَّاحِبين. وأجاب عنه الزَّمْخَشري أنَّ المرادَ مِن الحمل حَمْلُه على الأيدي، فصار ثلاثونَ شهراً كلّها مُدَّة الرَّضاعة، وبعدها الفِصال، لأن الولد يُحْمل على الأيدي زَمَنَ الرَّضاعة.
---
وعندي أَصْل المُدةِ هي سنتانِ كما ظهرت في مسألة حِلّ أَخْذ الأُجرة للأم المُطَلّقة. فما خفي في مُدّة الرَّضاعة انكشف في مُدّة الأُجرة، وسِتّة أشهر من تتمّتها لتمرين الأَكْل. فإِنَّ النصّ لم يخاطِبه بالتمرين في السنتين، وبعدهما لا بد له مِن مُدّة يُمرّن فيها على أَكْل الطعام من النصِّ. فعلم أَنَّ السنتين ليستا مِن المدّة التي لا تجوز الزيادةُ عليها، ولو كان كذلك لأخذها الحديثُ، ولدارت عليها الأَحْكام، مع أَنَّا لم نجد لها في عامّة الأحاديث ذِكْراً، بل أكثرها على شَاكِلةِ قوله: «إنما الرضاعة من المجاعة». فهذا أَقْربُ وأَوْضح القرائن على عَدَم كونها مَداراً، ولك أن تقول: معناه حَمْلُه ما يكون في الخارج، وفِصَاله ثلاثونَ شهراً، وإنما أبهم مُدّة الحَمْل لكونها غَيْرُ مُتعيِّنة في الخارج، وقد تكلَّمنا عليه فيما مَرَّ بِوَجْهٍ أبسط من هذا وأوضح، فراجعه.
باب ُ لَبَنِ الفَحْل
باب ُ شَهَادَةِ المُرْضِعَة
وقد ذكرنا مَالَه، وما عليه فيما مرّ، وكذا الباب الآتي، وتكلَّمنا عليه في كتاب العلم، فراجعه.
باب ُ ما يَحِلُّ مِنَ النِّسَاءَ وَما يَحْرُم
---(7/6)
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَتُكُمْ وَبَنَتُكُمْ وَأَخَوتُكُمْ وَعَمَّتُكُمْ وَخَلَتُكُمْ وَبَنَاتُ الاْخِ وَبَنَاتُ الاْخْتِ} إِلَى آخِرِ الآيَتَينِ إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} (النساء: 23 - 24) وَقَالَ أَنَسٌ: {وَالْمُحْصَنَتُ مِنَ النّسَآء} ذَوَاتُ اْلأَزْوَاجِ الحَرَائِرُ حَرَامٌ {إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَنُكُمْ}، لاَ يَرَى بَأْساً أَنْ يَنْزِعَ الرَّجُلُ جارِيَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ. وَقالَ: {وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (البقرة: 221) وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ما زَادَ عَلَى أَرْبَعِ فَهُوَ حَرَامٌ، كَأُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ.
فضبط القرآنُ المُحرَّماتِ النَّسَبيةَ في سبعة ألفاظ.
قوله: (إلاَّ ما ملكت أَيْمانُكم) لا يُرَى بأساً أن ينزع الرَّجُل جارِيتَه من عَبْده، تَمسّك به أنس على مسألتين خلافَ الجمهورِ: فذهب إلى أنَّ المَوْلى يملك التفريقَ كما يملك التزويجَ عند الجمهور، فله ولايةُ الإِجبار عنده في الطَّرفين؛ وذهب إلى أنَّ الشِّراء مُبْطلٌ للنِّكاح، فإِنَّ الشِّراء مُوجِبٌ للمِلْك، والمملوكة حلالٌ بالنصِّ، قال تعالى: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَنُكُمْ} ومِن لوازِم الحِلِّ بطلان النِّكاح لا محالة. وللجمهور خلافٌ في المسألتين، وتأويله الجمهور على أنَّ المرادَ منه ما ملكت أيمانُكم في الغَزْو على طَوْر السَّبي.
ثم الفقهاءُ اختلفوا في مَناطِ الفُرْقة، أنه تبايُن الدارينِ أو السَّبي؟.
قلتُ: والمتبادر من النصِّ أنه السَّبي، فعنوان النصِّ أَقْربُ إلى الشافعيةِ، وقد كُنت عَلَّقت عليه تَذْكرةً ذكرت فيها الوَجْه للحَنَفيةِ، ويظهَرُ منها التفصِّي عن استدلال أَنَس أيضاً.
---(7/7)
5105 - قوله: (عن ابنُ عباس: إذا زَنى بأُخْتِ امرأته) لما فَرَغ من المُحرّماتِ من جهةِ النَّسَب، والصِّهر، والجمع، وتعرّض إلى مسألةِ الزِّنا؛ فاعلم أنَّ حُرْمةَ المصاهرة تثبت عندنا بالزِّنا ودواعيه، ولم يذهب إليه ابن عباس. ورُوي عن محمد أنَّ مَنْ زنى بأختِ زوجته، فلا يطأ زوجته حتى تَحِيضَ حيضةً، توقياً عن الجمع.
5105 - قوله: (ويُرْوى عن يَحْيى الكِنْدِيِّ عن الشَّعبي، وأبي جَعْفر: فيمن يَلْعَبُ بالصَّبيِّ، وأَدْخَله فيه، فلا يتزوَّجَنَّ أُمِّه) فهؤلاء قد سبقوا الحنفية حيث أثبتوا الحُرْمة مِن اللواطة أيضاً.
5105 - قوله: (وقال عِكْرمة:)... إلخ. فلم يذهب هو أيضاً إلى إثباتِ الحُرْمة من الزنا، إلا أنَّ المصنِّف تكلَّم في إسنادِ بالانقطاع.
5105 - قوله: (يُرْوى عن عِمران بن حُصَين، وجابر بن زَيْد، والحسن، وبَعْض أَهْل العراق - وهم الحنفية تَحْرُم عليه).
5105 - قوله: (وقال أبو هريرة: لا تَحْرُمُ عليه حَتَّى يُلزِق بالأرض، يعني بجامع) وجوّلإه ابنُ المسيّب، وعُروة، والزُّهري، فلم يذهبوا إلى إثباتِ الحُرْمة؛ وبالجملةِ ثبت فيها الاختلافُ في السَّلَف، فأثبتها إمامُنا، وأنكرها الآخَرُون قلتُ: أما المرفوعُ فلا فَصْل فيه، بقي الآثار، فقد جمعها الشيخُ علاء الدين في «الجَوْهر النَّقي».
باب {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّتِى فِى حُجُورِكُمْ مّن نِّسَآئِكُمُ اللَّتِى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}(النساء: 23)
---(7/8)
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الدُّخُولُ وَالمَسِيسُ وَاللِّمَاسُ هُوَ الجِمَاعُ. وَمَنْ قالَ: بَنَاتُ وَلَدِهَا مِنْ بَنَاتِهِ في التَّحْرِيمِ، لِقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّملأُمِّ حَبِيبَةَ: «لاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ». وَكَذلِكَ حلائل وَلَدِ اْلأَبْنَاءِ هنَّ حَلاَئِلُ اْلأَبْنَاءِ. وَهَل تُسَمَّى الرَّبِيبَةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ في حَجْرِهِ؟ وَدَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم رَبِيبَةً لَهُ إِلَى مَنْ يَكْفُلُهَا، وَسَمَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم ابْنَ ابْنَتِهِ ابْناً.
قوله: (وهل تُسمَّى الرَّبِيبة، وإنْ لم تكن في حَجْرِه) أي إنَّ بنتَ زوجتِه ربيبةُ في كلِّ حال، سواء كانت في حَجْره، أو حَجْرِ غيره.
قوله: (وسَمَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلّمابنَ ابنتِهِ ابناً) وهذا الذي أراده الفقهاءُ من قوله: وإنْ عَلَوا.
قوله: (لَوْ لَم تَكُن رَبِيبتي ما حَلَّت لي) أي لو لم تكن رَبِيبتي أيضاً، ما حلَّت لي أيضاً، فسقط البحثُ من قولنا أيضاً.
باب {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاْخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} (النساء: 23)
وهذه هي حُرْمة الجَمْع.
باب لاَ تُنْكَحُ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا
---(7/9)
والضابطة فيه عندنا أنه لا يجوزُ الجَمْع بين كلِّ امرأتين لو فُرِضت إحداهُما ذَكَراً لم تحِلّ لها النِّكاح بالأُخْرى، ويُشْترطُ ذلك أن يتصوّر من الطرفين. وأورد عليه ابن القَيِّم في «أعلام الموقعين» قال: وهي زيادةٌ على الكتاب من خَبرِ الواحد. وهو ساقِطٌ عندي، لأنَّ هذا مَجْمعٌ عليه فلم يبقَ خبراً واحداً. وقد مرَّ أنَّ خَبر الواحِدُ عِند المُحدِّثين ما كان له سَنَدٌ دون المشهور، وعند الأصوليين هو ما لم يُتلقَ بالقَبول في عهد السَّلف، فإِن تُلقِي فهو مشهورٌ. فهم قَسَمُوا الخبرَ باعتبار التلقِّي وعدمِه، فبالتلقي يصيرُ الخبرُ عندهم مشهوراً، فتجوز به الزيادةُ على الكتاب، على أنه متواترٌ عَملاً وإن لم يكن متواتراً سنداً، لأنَّ السند عبارةٌ عمن عمن، وفي تواتر الطبقة يكون أَخْذ الطبقة عن الطبقة، وثالثاً أنه ليس من باب الزيادةِ، بل تنقيحٌ للمناط، لقوله: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاْخْتَيْنِ} فافهم.
باب ُ الشِّغَار
باب هَل لِلمَرْأَةِ أَنْ تَهَبَ نَفسَهَا لأَحَدٍ
ل
باب ُ نِكاحِ المُحْرِم
---
وهو في اللغةِ أن يَبُول الكَلْبُ بِرَفْع إحدى رجليه. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: أجمع العلماء أنَّ نِكاح الشِّغار لا يجوز، ولكن اختلفوا في صِحّته: ومَذْهبُ الإِمام أبي حنيفةَ أنه يصح ويجِب مَهْرُ المِثْل، وذهب البعضُ إلى البطلان. وأصلُ الخلاف في مسألةٍ أُصولية، وهي أنَّ النهي عن الأفعال الشرعية يوجِب البطلان أو لا؟ فَمَن ذهب إلى أنه يوجب البُطلان اختار بطلان الشغار أيضاً، ومن لا فلا. ويقول الإِمام أبو حنيفة: إنَّ ما كان فيه من معنى الفساد فقد أصلحناه، وكافيناه بإِيجاب مَهْر المِثل، فلا وَجْه للفساد أصلاً، ولا نَجِد من حال الصحابة رضي الله تعالى عنهم أنهم تعاملوا مع المَنْهي عنه معاملةَ الباطل دائماً.
باب ُ نَهْيِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّمعَنْ نِكاحِ المُتْعَةِ آخِرا(7/10)
باب ُ عَرْضِ المَرْأَةِ نَفسَهَا عَلَى الرَّجُلِ الصَّالِح
باب ُ عَرْضِ اْلإِنْسَانِ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ عَلَى أَهْلِ الخَير
5115 - قوله: (نهى عن المُتْعة، وعن لحوم الحُمُر الأهلية زمنَ خَيْبر) وعَلّله المحدثون، فإِنه كان في فَتْح مكة دون خيبر، وفيه زيادةٌ عند مسلم، وهي ثلاثة أيام قود مرّ معنا أن هذه الزيادة عندي ليست لكونِ المتعة رُخِّصت لهم في تلك المدّة كما فهموه، بل لأن المهاجِرَ لم تكن له رُخْصةٌ في الإِقامة بمكّة إلاّ بهذا القَدْر. فتلك الزيادةُ ناظِرةٌ إلى هذا الحديث لا لما فهموه. وحينئذٍ يأتي الحديث على ما اخترت في المتعة، ويختار الرجلُ بعدها بين أن يُطلِّقها وبين أن يذهب بها إلى المدينةِ، فإِنها زوجته.
---
باب ُ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجلَّ: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِسَآء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِى أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ} الآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ حَلِيمٌ} (البقرة: 235)
أَكْنَنْتُمْ: أَضْمَرْتُمْ، وَكُلُّ شَيءٍ صُنْتَهُ فَهُوَ مَكْنونٌ.
باب ُ النَّظَرِ إِلَى المَرْأَةِ قَبْلَ التَّزْوِيج
رخّص القرآنُ بالتعريض ونهى عن التصريح، وذلك لأنّ في التصريح به غمطاً لحقِّ الزوج السابق، وفي النَّهي عن التعريض أيضاً إِعداماً لمصالح كثيرةٍ لها، فورد الشرع بِأَمْر بين الأمرين رعايةً للطرفين. ثُم ما ذكره المصنّف من أمثلةِ التعريض، وإنْ كان بعضُها صريحاً في المعنى المراد، كقوله: إني أريد التزويج، لكنه سماه معاريضَ لكون مراتبِ التعريض مُبهمةً، فهي إلى المجتهد، يجعل منها معاريض ما شاء وصرائح ما شاء؛ قلتُ: وفيه دليلٌ على خلاف ما رامه الحافظ ابنُ تيمية، فإِنه أباح له التعريض بأمْر نهى عن التصريح به، فدلّ على أنّ الشيء قد يكون مَنْهياً عنه، ثُم يجوز بعد اعتبارات.
5124 - قوله: (وإنَّ اللَّهَ لسائِقٌ إليك خيراً) أي زوجاً مِثْلي.(7/11)
5124 - قوله: (وإن وَاعَدَت رَجُلاً في عِدّتها، ثُم نَكَحَها بَعْد، لم يُفرَّق بينهما) قلتُ: فلينظر فيه مَنْ ذهب إلى بطلان الشغار، فإنه يجب عليه أن يقول ببطلان نِكاحه أيضاً، فخرج أنَّ النهي ليس للبطلان دائماً.
باب ُ مَنْ قالَ: لاَ نِكاحَ إِلاَّ بِوَلِي
لِقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} (البقرة: 232) فَدَخَلَ فِيهِ الثِّيَّبُ، وَكَذلِكَ البِكْرُ. وَقالَ: {وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ} (البقرة: 221) وَقالَ: {وَأَنْكِحُواْ الايَمَى مِنْكُمْ} (النور: 32).
---
واعلم أن ههنا مسألتين: الأولى: أنَّ النِّكاح لا ينعقِدُ إلاّ بِرِضى الوليِّ وإجازته، وإليه ذهب مالك، والشافعيّ، وأحمد؛ والثانية: أنَّ النِّساء لا أهليةَ فيهن للإِنكاح، فلا ينعقِدُ النكاح بمبارتيهن، وإنْ أجازه الوليّ ألفَ مَرّة. فمحصَّل مذهب الجمهور أنَّ رِضَى الولي مُقدّمٍ على رِضى المولية، وكذا العقد الذي هو عبارةٌ عن الإِيجاب والقَبول، لا يَصْلُح إلا للرِّجال، فإِنْ عَقَدت النِّكاح بِنَفْسها لم يَنْعَقِد، وإنْ رضي به الوليُّ أيضاً. وذهب صاحِبا أبي حنيفةَ إلى اشتراط الولي فقط. فالضروريُّ عندهما رِضى الولي، سواء صدر النِّكاح بعبارته، أو بعبارتها، فإِن عقدت هي بنفسها بعد تحصيل رِضى الولي انعقد عندهما.(7/12)
قلتُ: وليت شِعري مِن أين فَهِموا أن الحديث حُجّة لهم في المسألة الثانية أيضاً، فإِن أَقْصى ما يدلُّ عليه الحديثُ لغةً هو أنَّ رِضَى الوليِّ وشركته أَمْر ضروري، وأنَّ النِّكاح لا يكون إلاَّ بشهودِهِ، سواء لحقته إجازةٌ سابقةٌ أو لاحقة، وسواء صَدَر النِّكاح من عبارةِ المولية أو وَلِيِّها. فالحديثُ إنْ كان حُجَّةً، ففي المسألة الأُولى، وأما المسألة الثانية فلا مِساس له بها. كيف وحديثُ عائشةَ: «أيما امرأة نُكِحت بغير إذْن وَلِيِّها، فنكاحُها باطِلٌ»... إلخ، صريحٌ في أنَّ الضَّروري هو إذْنُ الوليّ لا عبارتُه، ثم لا نُنْكِره أيضاً، فإِنَّ الحنفية قد أَقَرُّوا به في بعض المواضع، فقالوا: لو نكحت في غيرِ كفء بغير إذْن الوليّ، بطل نِكاحُها في رواية الحسن بن زِياد عن أبي حنيفةَ، وإن كان ظاهر الرواية خلافه، ثُم للوليِّ ولايةُ الفَسْخ بالمرافعة إلى القاضي في ظاهر الرواية أيضاً.
---
وبالجملةِ ليس فيه ما يدلُّ على أنَّ النِّكاح لا يَنْعَقِدُ إلاَّ بِلسان الرِّجال، ولا حرف، اللهم إلا أن يُقال: إنَّهم أخذوه نظراً إلى العُرْف، فإِن انصرام أمورِ النِّساء لا يكون إلا بالأولياء في العُرْف، أو يقال: إنَّ حديث: «لا نِكاح إلاّ بوليّ»، لما كان مُصدّراً بنفي النِّكاح، والنكاح عبارةٌ عن العقد، زعموا أنَّ معناه: عَقْد النِّكاح لا يكون إلا بالأولياء، والعقدُ عبارةٌ عن الإِيجاب والقُبول، فخرج أنَّ الإِيجابَ والقَبول في باب النِّكاح ليس إلاَّ إلى الرجال، وأما قوله: «الأَيّم أحقُّ بنفسها»... إلخ، فإِنّهم حملُوه على أنَّ الوليَّ مأمُورٌ بتحصيل رضاء موليته.(7/13)
هذا نضد الحديثين عندهم، وستعف ما هو عندنا. ومذهب أبي حنيفة أن رضى المُولّية مقدَّم عند تعارض الرِّضاءين، مع كونِها مأمورةً بتحصيل رِضى الولي، وكذا المُولَّى مأمورٌ بتحصيل رضائها، فلم يستبدَّ به واحدٌ منها، فإِنه أَمْرٌ خطيرٌ لا بد فيه من اجتماع الرضاءين، ثُم لما كان اشتراطُ رِضى النِّساء لِحقّهن في أَنفسهن، فَدّمه على رِضى الولي. وقد صَرّح الحنفيةُ باستحباب شهودِ الولي في بعض المواضع، وبوجوبه في بعض، فإِن عَضَل الوليُّ، ولم يرض بحيلةٍ، فالمسألة فيه عند الشافعية أن يَعْزِله القاضي، ويقيم ولياً آخَر مقامَه ليتولى أَمْرَ نكاحها. وقال الحنفية: إن نَكَحت كُفؤاً بِمَهْر مِثْلها، فالمتعنت هو الوليّ، فلا يُعبأ به ولا يُبالي بأمره، نعم إن نكحت من غير كفئها، أو بأَقلَّ مِن مَهْر مِثْلها، فللولي أن يرافع أَمْرَها إلى القاضي، ويفسخَه ليدفع عن نفسه العار. هذا هو تحرير المذاهب. والحديث حُجّة لهم في المسألة الأُولى.
---
فنقول أَوّلاً: إنَّ ما تقرر بعد البحث أنَّ الحديث حسن، حتى صَحَّحه بَعْضُهم أيضاً، إلا أنه لم يكن على شَرْط المُصَنّف، فأدخله في ترجمة الباب، ولم يُخرِّجه في المسانيد. وأما جوابه عند الحنفية في القوم، فَليُرَاجع في مواضعه.
أما أنا فأذكر لك ما سنح لي، ولا بد له مِن تمهيد مقدّمة، وهي أنه قد تَقرَّر عندنا مِن سَيْر طريق الشارع: أنّ كلَّ أَمْر يقوم بجماعةٍ يُراعى فيه حالُ الطرفين، والأحاديثُ فيه تَرِد في الجانبين، وذلك هو الأَصْلح لإِقامة النَّظْم. فالصوابُ في هذه المواضِعَ أن تُجْمع أحاديثُ الطرفين، ويُؤْخَذ المرادُ مِن مجموعها. ومَنْ يقصر نظرُه على حديثِ الجانب الواحد، فإِنه لا يُدْرك من مرادِ الشارع إلا شطراً منه، ولن يأتي على تمامه، كيف وتمام مراده ليس إلاّ في المجموع. ونأتيك بأربعة أَمْثلة من هذا الباب:
---(7/14)
فالأوّل: معاملة الزَّكاة، فإِنها تقومُ على المُعْطي والعامل، فالأحاديث فيها على هذه الشاكلةِ فقال لأصحاب الأموال - كما في «المِشكاة»: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم: «سيأتيكم ركيبٌ مبغضون - أي العاملون - وإنما تبغضونهم لأَخْذهم الزكاة من أموالكم، فإِن جاءوكم فَرحِّبوا بهم، وخلوا بينهم وبين ما يبتغون، فإِن عدلوا فلأنفسهم، وإنْ ظلموا فعليهم، وأرضوهم، فإِن تمام زكاتِكم رضاهم، وليدعُوا لكم» رواه أبو داود. وعنده أيضاً عن جرير بن عبد الله قال: جاء ناسٌ - يعني من الأعراب - إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلّمفقالوا: إنَّ أُناساً من المصدقين يأتونا، فيظلمونا. فقال: «أرضوا مصدقيكم. يا رسول الله، وإنْ ظلمونا؟ قال: أرضوا مصدقيكم وإنْ ظُلمتم»، وفي حديثٍ آخر عنده عن بشير بن الخصاصية، قال: قلنا: إنَّ أهل الصدقةِ يعتدُون علينا، أَفَنكْتُم من أموالنا بِقَدْر ما يعتدون؟ قال: «لا»؛ ولما خاطب العاملين قال لهم: «وإياكم وكرائمَ أموالِهم، واتقِ دعوةَ المظلوم، فإِنها ليس بينها وبين الله حِجابٌ». وقال: «المعتدي في الصدقة كما نعها» اه.
---(7/15)
فانظر الآن كيف وجدت الحدِيثَين، وهل ترك الأحاديث في الأَوّل لصاحب الأموال حقاً؟ فإِن وفيت حَقّها في الألفاظ ساغ لك أن تقول: إنَّ رضاهم من تمامية الزكاة بأي نحوٍ كان، وأنه يجوز لهم الظُّلم أيضاً، فما بكرائم الأموال؟ ثُم إنْ صَرَفت النَّظر إلى الأحاديث في العاملين، وجدت أنّهم لا حقَّ لهم في أموالهم الكلايمة، ومَنْ يتعدَّى منهم كان عليه مِثْل وِزْر المانع، فكيف بِمَن ظلم عليهم والوَجْه أنَّ الأحاديثَ في مِثْل هذه تخرَّج على التشديد في الجانبين، لتكون أحفظَ لحدود الله، فيقف كلٌّ منهما على حِدَة، وهذا هو الطريق في جميع أحاديث الوَعْد والوعيد، فإِنها تَرِد مُرسلةً عن القيود والشروط لتكون أرغب، وأهيب. ومَنْ لا يراعيه يَزْعمُ الكلامَ ناقِصاً، ثم يزيد عليه القيودَ مِن قِبَله كالإِصلاح له. وهذا السّلف لم يكونوا يتقدمون إلى مِثْله، بل كانوا يكرهون التأويل.
ودونك نظيراً آخَرَ من باب الصلاة، فقال للرجال: «لا تمنعوا النِّساء حظوظَهن من المساجد» - أو كما قال - كأنه يُرَغِّبهن في الإِتيان إلى الجماعات، فلما خاطبهنَّ قال: «إنَّ صلاةَ إحداكُنَّ في مخدعها خيرٌ من صلاتها في بيتها» - أو كما قال . فذكر أنَّ أفضل صلاتهن ما كانت أخفى عن الأعين.
وخُذ نظيراً ثالثاً من باب إطاعة الأمير، فإِنه لما خاطب النَّاس أمرهم بإِطاعةِ الأمراء، وإنْ أُمِّر عليهم عَبْدٌ حبشيٌّ، مجدع الأطراف، إلا أن يروا كُفْراً بواحاً. ثُم لما انصرف إلى الأُمراء، وَعَدهم بالنَّار، حتى خِيف عليهم أن لا يَنْجوا منها رأساً برأس.
وهاك نظيراً آخَر تكميلاً للأربعة: ما جاء في التشديد في السؤال، فإِنه قال للناس: إنَّ للسائل حقاً ولو جاء راكباً على فرس، ولما تَوجَّه على السائلين جعل سؤالهم خموشاً، أو خدوشاً، أو كدوحاً في وجهه.
---(7/16)
وإذا أَتْقَنت تلك النظائر من الشَّارع: فاعلم أنَّ الأحاديث في أَمْر النكاح أيضاً وردت بالوجهين، ألا ترى أنه لما خاطب النساء أخبرهن أن لأوليائهن حقاً عليهن، حتى خيف منها أن لا يبقى لهن حَقٌّ في أنفسهن، وهذا في نحو قوله: «أيما امرأةٍ نكحت بغير إذْن وَلِيها، فنكاحُها باطلٌ باطِلٌ باطِلٌ». فليس في تكرار «باطل باطل» غير المبالغة، وتأكد مطلوبية الإذْن، والغرض مخرج على ما قلنا بعينه. فاعرف مدارِكَ الكلام، أبصرك اللَّهُ، وزادك بصراً وبصيرة؛ ولما تَوجَّه إلى الأولياء قال لهم: «إنَّ الأَيِّم أحقُّ بنفسها مِن وَليها، كأن الأولياءَ ليس لهم دَخْل في البين، وإنما سلك الحديثُ في هذه المواضع مسلك الإِجمال، لما عَلِمت أن هذا هو الأنفعُ في الناس، وأَدْعى لهم إلى العمل.
ولعلك عَلِمت الأن أن مرادَ الشارع في المجموع، وإنما أُدِّي في كلَ من الحديثين شطر شطر، فمن تَمسّك بواحدٍ منهما فكأنه لم يأخذ إلاَّ بشطرِ المراد، وهذا الذي يلوحُ من كلام الطرفين. فإِنَّ الشافعية جعلوا حديثَ: «لا نِكاح إلا لوليّ» حجةً لهم، وأَوّلوا في حديث: «الأَيِّم أحقُّ»... الخ، كأنه يخالفهم. وكذا يَظهَر من كلام الحنفيةِ أنَّ حديث: «الأَيِّم أَحقُّ»... إلخ، حُجةٌ لهم، وحديث: «لا نِكاح إلاَّ بوليّ يخالِفُهم»، فهم يطلبون عنه مَخْلصاً، والأَمْر على ما قَرّرت: أنَّ مراد الشَّارع في المجموع، وإنَّما فصل في مراده، وألقى على كلَ من الفريقين قطعةً قطعة لإِقامة النَّظم، ولا سبيل إليه إلاّ أن يُرْشد الأولياءَ لِطلب رِضاهنّ، وتؤمر النِّساء بشركة الأولياء، فلا يفتتن النِّساء على الأولياء، ولا يضيّق الرجال على النساء. وليس الأَمْر أنهما حديثانِ متعارِضان، لِتطلب له صورةُ التوفيق.
---(7/17)
وبعبارة أخرى إنَّ حديث: «لا نِكاح إلاَّ بولي»، لم يرد فيما تعارَضَ فيه الرضاءانِ، وإنَّما هو في بيانِ منشأ الشَّارع: وهو أنَّ المُولية مأمورةٌ بتحصيل رِضاه، كما أنه مأمورٌ بتحصيلِ رضاها، فإِذا توافق الرضاءان تحقق منشؤه. أما إذا تعارَضا، فهل يقدّم رضاها على رضاه أو بالعكس؟ ففيه قوله: «الأَيِّم أحقُّ بِنَفسها مِن وليها، والنظر المعنويُّ يؤيدُه، فإِنها إذا نكحت من كفئها بمهر مِثْلها، ثُم لم يرض الولي، عُلِم أنه مُتعنِّت، فأيّ عبرةٍ به، وحينئذ يظهر حَقُّها الذي هو حَقّها، وفيه حديث: «الأيِّم أحقُّ»... إلخ. واهتديت إلى هذا الجواب من لفظِ محمد رحمه الله تعالى، وإذ ثبت أن الحديثَ لا يدلُّ إلاّ على إذْن الولي، ظهر أن تمسّكهم به على المسألةِ الثانية تطاوُل.
ثُم هل اشتراطُ الإِذْن لكونه حقّاً للوليّ أَم نظراً إلى المُولية؟ فالنظرُ فيه دائرٌ: فذهب الجمهورُ إلى أنه لكونه حَقّه؛ وذهب أبو حنيفة أنه نظراً للمولية، لنقصان عقلهن وسوء فِكْرهن، فكثيراً ما لا يهتدين إِلى المصلحةِ، ولعدم حمايةِ الحسب منهنَّ غالباً، فربما رَغِبن في غير الكُفء، وفي ذلك عارٌ على قومها، فاشترط الإِذنَ لِتنْسدَّ المفسدةُ. فإِن كان الأَمْرُ كذلك، فالنَّظرُ يَحْكُم أن يُقدّم رضاؤها على رضائه، إنْ تعارض الرضاءان، فليمعن النَّظر في هذا الحَرْف: فإن ثبت أنَّ إثبات الولاية لِكونها حقَّ الوليّ قَوِي مَذْهَبُهم، وإن ثبت أنه لكونها نظريةً، تأيّدَ مذهبُنا.
---(7/18)
ثُم اعلم أنَّ الوِلاية وِلايتان: ولايةُ إجبار، وولاية استحباب. والأُولى عندنا في الصغيرة، أما الكبيرةُ فلا إجبار عليها. ومعنى الإِجبار نفاذُ النِّكاح عليها بدون رضاها، دون جَبْرها على النِّكاح. وفَرّق الشافعية بالبَكارة، والثيابة: فجعلوا ولايةَ الإِجبار في الباكرة دون الثيب، ولم يعبأوا بالصِّغر والكِبر. وعلى هذا لا إجبارَ عندهم على الثَّيّب الصغيرة، وعندنا عليها ولايةُ الإِجبار لِصِغَرها. فالصورُ أربعٌ، ذكرها صاحِب «الهِداية»، وفصل الخلافية عن غيرها.
قلتُ: لا ريبَ أنَّ المؤثر هو الصِّغر، ولا دخل فيها للثيابة والبَكَارة، ولذا أفتى السُّبْكي - مع كونه شافعياً - على مسألةِ أبي حنيفة، ولم ير في البَكارة البالغة ولايةَ الإِجبار.
هذا كلامٌ في شَرْح الحديثين، أما دلائلُ الحنفية فقد بسطه الشارحون، فراجعه.
5127 - قوله: (نِكاحَ الاستِبْضَاع) والاستِبْضَاع طَلَبُ الجِماع.
باب إِذَا كانَ الوَلِيُّ هُوَ الخَاطِب
وَخَطَبَ المُغِيرَةُبْنُ شُعْبَةَ امْرَأَةً هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهَا، فَأَمَرَ رَجُلاً فَزَوَّجَهُ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِبْنُ عَوْفٍ لأُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ قارِظٍ: أَتَجْعَلِينَ أَمْرَكِ إِلَيَّ؟ قالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ: قَدْ تَزَوَّجْتُكِ. وَقالَ عَطاءٌ: لِيُشْهِدْ أَنِّي قَدْ نَكَحْتُكِ، أَوْ لِيَأْمُرْ رَجُلاً مِنْ عَشِيرَتِهَا. وَقالَ سَهْلٌ: قالَتِ امْرَأَةٌ للِنبي صلى الله عليه وسلّم أَهَبُ لَكَ نَفسِي، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ، إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا.
---(7/19)
كابن العَمِّ بِبِنْت عَمِّه، وحينئذ هل يكفي له اللفظُ الواحد، أو يجب اللفظان؟ فليراجع له «الكنز». وأما ما في حديث البُخاري من قوله: «قد تَزَوجتك»، ففيه لفظ واحد فقط. ثُم في «الهداية» أنَّ إحدى الصِّيغتين إذا كانت للأَمر، والأُخْرى للماضي، انعقد النِّكاح. ثُم للمشايخ فيه بَحْث، وهو: أن صِيغَةَ الأَمْر منهما إيجابٌ والماضي قَبول، أو أنها توكيلٌ والماضي يقوم مَقامَ الإِيجاب والقَبول؟ وليراجع له «البحر الرائق».
باب ُ إِنْكاحِ الرَّجُلِ وَلَدَهُ الصِّغَار
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّتِي لَمْ يَحِضْنَ} (الطلاق: 4)، فَجَعَلَ عِدَّتَهَا ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ قَبْلَ البُلُوغِ.
باب ُ تَزْويجِ اْلأَبِ ابْنَتَهُ مِنَ اْلإِمام
وَقالَ عُمَرُ: خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم إِلَيَّ حَفصَةَ فَأَنْكَحْتُهُ.
لقوله تعالى: {وَاللَّتِي لَمْ يَحِضْنَ} (الطلاق: 4)، فجعل عِدَّتَها ثلاثةَ أشهر قبل البلوغ، فجعل اللَّهُ سبحانه عِدّة غيرِ الحائض ثلاثةَ أشهر، ومعلوم أنها لا تَعتدُّ إلا بعد النِّكاح، ثُم الطلاق. والظاهر أنَّ الصَّغير لا يُنْكِحه إلا أبوه، فظهرت الترجمةُ.
باب السُّلطَانُ وَلِي
بِقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ».
والسلطانُ قد يكون وَلياً في فِقْهنا أيضاً، كما إذا لم يكن له العَصَبة بنفسه.
باب لاَ يُنْكِحُ اْلأَبُ وَغَيرُهُ البِكْرَ وَالثَّيِّبَ إِلاَّ بِرِضَاهَا
والظاهر أنه أشارَ إلى مُوافَقَتِه لأبي حنيفة، أنَّ وِلاية الإِجبار تنقطع بالبلوغ، لأنَّ الصغيرة لا وِلاية لها على نفسها، فهي مستثناةٌ عَقْلاً.
---
5136 - قوله: (حتى تُسْتأمر) فَرْق الحديثُ في اللفظ، فَوَضَع الاستئذانَ في البكر، والاستئمارَ في الثَّيّب، والسرُّ فيه أنه لا بد في الأَيِّم مِن الإِذن قَوْلاً، بخلاف البِكْر، فإِنه يكفي لها السكوتُ أيضاً.(7/20)
باب إِذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهيَ كارِهَةٌ، فَنِكاحُهُ مَرْدُود
لم يقيده ههنا بالصغيرةِ مع كونه لازِماً، وصَرَّح بالبُطلان، على خلافِ الشافعيِّ.
5138 - قوله: (إنَّ أباها زَوَّجها، وهي ثَيِّب) وذكر الآخَرُون أنها كانت بِكراً، فلم ينفصل منه شيء.
باب ُ تَزْوِيجِ اليَتِيمَة
لِقَوْلِهِ: {وَإِنْ خِفتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا في اليَتَامى فَانْكِحُوا} (النساء: 3)، وَإِذَا قالَ لِلوَلِيِّ: زَوِّجْنِي فُلاَنَةَ، فَمَكُثَ سَاعَةً، أَوْ قَالَ: ما مَعَكَ؟ فَقَالَ: مَعِي كَذَا وَكَذَا، أَوْ لَبِثَا، ثُمَّ قالَ: زَوَّجْتُكَهَا، فَهُوَ جائزٌ. فِيهِ سَهْلٌ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
وهي التي لا أب لها، ولا وليَّ لها، فإِذا مات أبو الصغيرة ولا وليّ، فلا سبيلَ للنِّكاح حتى تَحِيض، وكذلك عند الشافعيّ، فإِنه إذا لم تكن عنده ولايةُ الإِجبار على الثَّيب الصغيرة، عَضَلَت عن النكاح ما لم تبلغ، لأنها إما أن تَعْقِد نكاحَها بنفسها، فالنكاح لا ينعقد عندهم بعبارة النساء، وإما أن يعقد عليها وَليُّها، فليس له وِلايةُ الإِجبار.
قوله: (فَمَكُثَ ساعةً) أي لم يتبدّل المَجْلِس.
قوله: (أو قال: ما مَعَك) فالمجلس لا يتبدّل بهذا القول، وحينئذ يرتبِطُ القَبول مع الإِيجاب، لكونِهما في مجلس واحدٍ.
باب إِذَا قالَ الخَاطِبُ لِلوَلِيِّ: زَوِّجْنِي فُلاَنَة، فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْتُكَ
ل
بِكَذَا وَكَذَا، جازَ النِّكَاحُ، وَإِنْ لَمْ يَقُل للِزَّوْجِ: أَرَضِيتَ أَوْ قَبِلتَ
---
باب ُ لاَ يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَدَع
وهي المسألةُ التي ذكرناها: أنَّ إحدى الصِّيغَتين إذا كانت صيغةَ الأَمْر، والأُخْرى صيغةَ الماضي، فماذا تخريجه فيه؟.
باب ُ تَفسِيرِ تَرْكِ الخِطْبَة
يعني أنَّ القرائن الدَّالةَ على إرادةِ تَرْك التزوج كافيةٌ، ولا يحتاج إلى أن يصرِّح به أيضاً.(7/21)
5145 - قوله: (ولو تَرَكَها لَقَبِلْتُها) قاله أبو بكر لعمرَ. بقي أن أبا بكر كيف عَلِم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّمتارِكُها؟ قلتُ: بهذه القرائن التي يعرف بها الدّنيا.
باب ُ الخُطْبَة
وهي مُستحبَّةٌ، إلا أنَّ الحديث فيه ليس على شَرْطه، فأتى بحديثٍ في الجنس.
5146 - قوله: (إنَّ من البيانِ لَسِحْراً) يحتمل أن يكونَ مَدْحاً، كما يحتمل أن يكون ذَمّاً.
باب ُ ضَرْبِ الدُّفِّ في النِّكاحِ وَالوَلِيمَة
ويُستفاد من تكملة «فتح القدير» جوازُ الطَّبل أيضاً، لأنّه لا حَظَّ فيه للنَّفْس، وإنما يتلذّذ به مَنْ مُسِخ طَبْعُه، وهو المختار عندي، وإنْ كان فيه خلاف للشاه محمد إسحاق، فظهر أن المناط على حَظِّ الطبائع السليمة.
باب ُ قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {وَءاتُواْ النّسَآء صَدُقَتِهِنَّ نِحْلَةً} (النساء: 4)وَكَثْرَةِ المَهْرِ، وَأَدْنَى ما يَجُوزُ مِنَ الصَّدَاق
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَءاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً} (النساء: 20) وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ} (البقرة: 236). وَقالَ سَهْلٌ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «وَلَوْ خاتَماً مِنْ حَدِيدٍ».
---
باب ُ التَّزْوِيجِ عَلَى القُرْآنِ وَبِغَيرِ صَدَاق
باب ُ المَهْرِ بِالعُرُوضِ وَخاتَمٍ مِنْ حَدِيد
باب ُ الشُّرُوطِ في النِّكاح
وَقالَ عُمَرُ: مَقَاطِعُ الحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ. وَقالَ المِسْورُ: سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلّمذَكَرَ صِهْراً لَهُ، فَأَثْنى عَلَيَهِ في مُصَاهَرَتِهِ فَأَحْسَنَ، قالَ: «حَدَّثَني فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لي».(7/22)
والظاهر أنه اختار مَذْهب الشافعي في عدم تعيينِ المَهْر، وقال أبو حنيفة: لا مَهْر أقل من عشرةِ دراهمَ. إلا أنَّ في إسناده حجاجَ بن أَرطاة، وحَسّن الترمذيُّ حديثَه في غير واحد مِن المواضع من كتابه، وإن كان المحدِّثون لا يعتبرون بتحسينه، أما أنا فأعتمد بتحسينه، وذلك لأنَّ الناس عامّة ينظرون إلى صورةِ الإِسناد فقط، والترمذيُّ ينظر إلى حاله في الخارج أيضاً، وهذا الذي ينبغي، والقَصْر على الإِسناد فقط قصور، والطَّعْن فيه أنه كان يَشْرب النبيذ.
قلتُ: ولا جَرْح به عند أهل الكوفة، فإِنه حلالٌ عندهم. وقالوا أيضاً: إنَّه كان مُتكبّراً؛ قلتُ: دعوها، فإِنها كلمةٌ مُنْتِنة، واتركوا سائرَ الناس عز وجل. وقالوا: إنه كان يَترك الجماعة؛ قلتُ: نعم هذا الجرح شديدٌ، إلاّ أنه نُقل عن مالك أنه لم يأت المسجدَ النبويَّ إلى ثلاثينَ سنةً، فَسُئل عنه. فأجاب: أنَّ كلّ أَحَدٍ لا يقدر على إظهارِ عُذْره، فحسنه العلماءُ على جوابه، كما في «التذكرة»؛ قلتُ: نعم، وذلك لأنه كان إمَاماً عظيماً أَتَاه الله عِلْماً وحِكْمة، وقَبولاً، فنكسوا رءوسهم. أما الحَجّاج فكان رَجُلاً من الرجال، فتكأكأوا عليه كالتكأكؤ على ذي جِنّة.
---
ثُم الشيخُ ابنُ الهُمام أتى بحديثٍ في تقدير المَهْر في باب الكفاءة، وهذا من زياداتِه على الزَّيلعي، وقد زاد عليه في موضع آخَر، وإلاَّ فجميع كتابِه مأخوذةٌ من الزَّيلعي، ولم يأت عليه بشيءٍ جديدٍ، ونقل الشيخُ تصحيحَه عن الحافظ بُرْهان الدِّين الحَلَبي، إلا أنه لم يكن عنده إسنادُه، ثُم ذكر الشَّيخ ابنُ الهُمام أنَّ بَعْضاً من أصحابه جاء بسندِه من عندِ الحافظ ابنِ حَجَر، والحديث بذلك السَّند ليس أَقلَّ من الحَسَن. قلتُ: وأَكْبر ظَنِّي أن هذا البَعْضَ الذي جاء بسنده، - هو تلميذُه ابنُ أمير الحاج - وهو نِصاب القَطْع، في باب السَّرقة عندنا.(7/23)
وله حديثٌ قويٌّ عند النَّسائي، والرأي فيه عندي أنَّ المَهْر، وكذا نِصار السَّرقة كانا قَليلين في أَوَّل الإسلام، لعسر حال المسلمين، فلما وَسَّع الله تعالى عليهم زِيد في المهر ونِصاب السرقة أيضاً، حتى استقرَّ الأَمْر على عشرةِ دراهمَ فيهما، فلا نَسْخ عندي. وحينئذٍ جاز أن يكون نَحْوُ خاتم حديد تمامَ المَهْر في زمن، ولك أن تحمله على المُعَجّل أيضاً. فالصُّورُ كلُّها معمولةٌ بها عندي، وإن انتهى الأَمْر إلى العشرةِ.
فائدة
واعلم أنَّ الحافِظُ بُرهان الدِّين الحلبي الحنفي يقالُ له: ابنُ السِّبْط العجمي أيضاً، وهو متأخِّرٌ عن الزَّيْلعي بقليل. وهذا الذي كان الحافِظ ابنُ حجر فَوَّض إليه جميعَ كُتُبه ليستفيدَ منها ما شاء، إلا أنَّ مصنَّفاتِه ضاعت في زمن تيمر، وكان الظالم أَحْرَقها بين عَيْنيه، ليزيدَه حُزْناً وحَسْرةً، فإِنَّا وإنّا إليه راجعون.
باب ُ الشُّرُوطِ الَّتِي لاَ تَحِلُّ في النِّكاح
وَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لاَ تَشْتَرِطِ المَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا.
---
واعلم أنَّ الشَّرْع قد بالغ في إيفاء ما وعد به في النِّكاح، لكونه من باب المروءةِ وسلامةِ فِطْرة الإِنسان. والشيء إذا كان من معالي الأخلاق يُحرِّض عليه الشَّرْع، لأن الإِسلام جاء مُتمِّماً لمكارِم الأخلاق. وفي الفِقْه أن النكاح لا يَبْطُل بالشرط الفاسد، بل يَصِح النِّكاح، ويَبْطُل الشَّرْطُ الفاسد. ثُم إنَّ الفقهاء فرقوا بين التقييد والتعليق، وراجع الفرق بين قوله: إنْ كُنتَ عالماً فقد زَوَّجتك، وبين قوله: وَوَّجْتك على أنك عالِمٌ. وقد تَعَرَّض إليه صاحِبُ «الهداية» أيضاً، والعجب أنه التبس على صاحب «تنوير الأبصار» مع أن الفَرْق المذكورَ دائرٌ في سائر الفِقْه.
باب ُ الصُّفرَةِ لِلمُتَزَوِّج
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمنِبْنُ عَوْفٍ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
باب
باب كَيفَ يُدْعى لِلمُتَزَوِّج(7/24)
فإن كانت الصُّفْرَة صُفْرة الزَّعْفران، فهي حرامٌ على الرِّجال، فإِن انتقلت إليه من ثواب امرأته، فهي عَفْوٌ.
باب ُ الدُّعَاءِ للِنِّسَاءِ اللاتِي يَهْدِينَ العَرُوسَ وَلِلعَرُوس
باب ُ مَنْ أَحَبَّ البِنَاءَ قَبْلَ الغَزْو
باب ُ مَنْ بَنَى بِامْرَأَةٍ وَهيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِين
باب ُ البِنَاءِ في السَّفَر
---
والعِرْس - بالكسر - أَوْلى من العُرْس، لأنه بالضمِّ الهديةِ الطعام. واعلم أن في الترجمة إشْكالاً، فإِن المتبادِر من الترجمة كونُهن مدعواتٍ فهن، لا كونهن داعياتٍ، مع أن المراد منه كَوْنُهن داعياتٍ، وهذا هو في الحديث. فقال الحافظ: إنَّ المراد، مِن النساء هي أُمّ رومان. قلتُ: فَلزمه أن يريد من الجمع إياها فقط، وفيه ما فيه.
قلتُ: إنَّ اللام بعد المصدر قد تدخل على الفاعل أيضاً، كما صرح به الأشموني في باب فعلى التعجب، فحينئذ النِّساء كلّها مهديات وداعيات، فلا يلزم إطلاقُ الجمع على الواحد، وإليه تلوحُ الترجمة الآتية. وحينئذٍ لا حاجةَ إلى التأويل الذي ذكره الحافِظُ.
5156 - قوله: (وعلى خيرِ طائرٍ) اجهى نصيبى صلى الله عليه وسلّم.
باب ُ البِنَاءِ بِالنَّهَارِ بِغَيرِ مَرْكَبٍ وَلاَ نِيرَان
أي كما كان أهلُ الجاهلية يفعلونه. قلتُ: اللهو في النكاح وإن كان لغواً لكنه يُغمض عنه، بخلاف الرُّسوم في الموت، والفرق قد مرّ.
فائدة:(7/25)
البِدعة ما اخترعها صاحِبُها بِحُسْن نية، فالتبست بالشرع. وراجع لها «إيضاح الحقّ الصريح» للشاه إسماعيل، و«كتاب الاعتصام» للشاطبي. بقي ما حُكْم تلك البدعة؟ فنظر الحنفية فيها على التفكيك، فقالوا: إنه يُثاب على صباحةِ نِيّته، ويعاقب على قباحةِ الابتداع، كالصلاة في الأوقات المكروهة، وكالصوم في يوم النَّحر في قول، وفي قول آخر: إنه لا ثوابَ له فيه أصلاً، وهو المختار عندي. وإذن ما يقرءون الكلماتِ الطيباتِ، والقرآن في رسومِ البدعات، يكون فيها أَجْرٌ بِقَدْر نياتِهم الحسنةِ، مع لزوم القباحة.
باب ُ اْلأَنْمَاطِ وَنَحْوِهَا لِلنِّسَاء
---
5161 - قوله: (قال: إنها ستكُون)... إلخ؛ قلتُ: وقد تعارض فيه اجتهادُ جابر، واجتهادُ زوجته، فزعمت أن النبيّ صلى الله عليه وسلّملما كان أخبرنا بالأنماط، فلا بد لنا منها، فلا نُميطُها، وذهب اجتهادُ جابر إلى أن إِخباره بأَمْر لا يوجِب كونه مطلوباً أيضاً.
قوله: (الأنماط) جها لردار رومال.
وفيه إيماء إلي أنَّ المصنِّف أراد فيما مر قوله: الدعاء للنساء معنى الجمع. ولذا خالفت الحافِظ في شرح الترجمة، فإِنه أراد مِن النساء أُمُّ رومان فقط، وتَرَكْتُه على معناه.
وقد أجاز الفقهاءُ الغِناء في العُرْس للجواري الصغيرة، مع شروطه.
باب ُ النِّسْوَةِ اللاتِي يُهْدِينَ المَرْأَةَ إِلَى زَوْجِهَا
باب ُ الهَدِيَّةِ لِلعَرُوس
باب ُ اسْتِعَارَةِ الثِّيَابِ لِلعَرُوسِ وَغَيرِهَا
باب ُ ما يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا أَتَى أَهْلَه
باب الوَلِيمَةُ حَق
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِبْنُ عَوْفٍ: قالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ».(7/26)
وهذا لَفْظُ الحديث، جعله ترجمةً لعدم كونِه على شَرْطه. فعند التِّرمذي: «طعامُ أَوّل يوم حَقٌّ، وطعامُ يوم الثاني سُنّة، وطعامُ يوم الثالث سُمعة»... إلخ. ونحوه عند أبي داود في باب: كم تُستحب الوليمة، من كتاب الأطعمة. وقد ثبت فيه الحديثُ إلى سبعةِ أيام، كما ستجيء إليه الإِشارةُ في ترجمة المصنِّف، وفي حديث آخر: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّمنهى عن طعام المباراةِ. ثُم فَسّرها بطعامٍ يُدْعى له الأغنياءُ دون الفقراء.
باب ُ الوَلِيمَةِ وَلَوْ بِشَاة
---
باب ُ مَنْ أَوْلَمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ أَكْثَرَ مِنْ بَعْض
باب ُ مَنْ أَوْلَمَ بِأَقَلَّ مِنْ شَاة
5169 - قوله: (أَعْتَقَ صَفِيّة وتَزوَّجها، وجعل عِتْقَها صَدَاقها) وهذا العنوان أقربُ إلى نظر الحنفية، كما مرّ.
باب ُ حَقِّ إِجابَةِ الوَلِيمَةِ وَالدَّعْوَةِ، وَمَنْ أَوْلَمَ سَبْعَةَ أَيَّام وَنَحْوَه
وَلَمْ يُوَقِّتِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم يَوْماً وَلاَ يَوْمَينِ.
باب ُ مَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصى اللّهَ وَرَسُولَه
باب ُ مَنْ أَجابَ إِلَى كُرَاع
باب ُ إِجابَةِ الدَّاعِي في العُرْسِ وَغَيرِهَا
وفي «الهدايةِ» في غير موضعِه: أنّ الإِجابة واجِبة. والوَجْه في تأكد الإِجابة عندي صيانةُ الطعام عن الإِضاعة. فإِن المضيف يُكْثر الطعام في الولائم، ويتكلّف فيه في أيام الضيافة، فلو تَخلّف الناس عنه لتضرّر به صاحبُهُ. على أن من طريق الناس أنهم يتأخّرون عن دعوة النكاح خاصّة، سَخطةً لما كان جرى بينه وبينهم فيما سبق، فإِنهم يعلمون أنّ صاحب الطعام ليس له بُدّ من الدعوة لهم، فيضطر لا محالة إلى إرضائهم، بخلافه في غير تلك الأيام، فإِنَّ له أن يغمض عنهم، وليست هكذا دعوةُ النكاح، لأنه يلحقه العار من عدم شركة أهل قبيلته فيها، فيضطر إلى إرضائهم لا محالة، ولذا حَرّض الشَّرْع أن يجيبها، ولا يمتنع عنها.(7/27)
قوله: (ومَنْ أَوْلم سبعةَ أَيّام)... إلخ. إشارةٌ إلى الأحاديث التي فيها تلك المُدّة.
5176 - قوله: (أَنْقَعَت له تمرَاتٍ من الليل)... إلخ. وكان مِن دأب العَرَب شُرْب النَّقِيع بعد الطعام.
باب ُ ذَهَابِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ إِلَى العُرْس
---
5180 - قوله: (فقام مُمتناً) أي احسان كرتى هوئى وفي نسخة: «ممتثلاً». وقد مر معنا الكلام في أنه متى يجوز القيام ومتى لا يجوز. وقد حَرّر السيوطي رسالة في جواز القيام المروج في المولود المشهور، ورد عليه في «المدخل».
باب هَل يَرْجِعُ إِذَا رَأَى مُنْكَراً في الدَّعْوَة
وَرَأَى ابْنُ مَسْعُودٍ صُورَةً في البَيتِ فَرَجَعَ. وَدَعا ابْنُ عُمَرَ أَبَا أَيُّوبَ، فَرَأَى في البَيتِ سِتْراً عَلَى الجِدَارِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: غَلَبَنَا عَلَيهِ النِّسَاءُ، فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ أَخْشى عَلَيهِ فَلَمْ أَكُنْ أَخْشى عَلَيكَ، وَاللّهِ لاَ أَطْعَمُ لَكُمْ طَعَاماً، فَرَجَعَ.
وفيه حكايةُ في «شرح الوِقاية» من باب الحظر والإِباحة: أن أبا حنيفة دُعي إلى طعام كان فيه من مُنْكرات الأُمور، فأجاب إليه مرة، ولم يجبه أخرى، ورجع من الطريق، وكان أبو يوسف معه فسأله عنه، فقال له: إني إذ كنتُ أجبتُه لم أكن مقتدىً للنَّاس، فلما جُعِلت قدوةً رجعت من الطريق لئلا يتأسوا بي في مثله أيضاً. فَعُلم أن لا كلية فيه، بل الأَمْر على التارات، فقد تكون الإِجابةُ أصلحَ تخلصاً عن الفتنة، إذا لم تكن فيه مفسدة، وقد يكون الاحترازُ أَوْلى.
باب ُ قِيَامِ المَرْأَةِ عَلَى الرِّجالِ في العُرْسِ وَخِدْمَتِهِمْ بِالنَّفس
باب ُ النَّقِيعِ وَالشَّرَابِ الَّذِي لاَ يُسْكِرُ في العُرْس
أي تخدُم المرأةُ، وزوجةُ الرجل بنفسها أضيافَ زوجها.
5182 - قوله: (أماثته له) الإِماثة: الطّرْح في الماء حتى يَنْحل.(7/28)
باب ُ المُدَارَاةِ مَعَ النِّسَاءِ، وَقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «إِنَّمَا المَرْأَةُ كالضِّلَعِ»
---
أي الإِغماض على تقصيراتِ النِّساء، ويقال في محاورة الأردوية طرح دنيا خاطر تواضع كرنا.
5184 - قوله: (إن استَمْتَعْت بها استمتعت بها وفيها عِوَجٌ) ويُسْتنبط منه أن نظاماً إذا احتوى على خلل، وكان في إصلاحه خشية النقض رأساً، ناسب ترك التعرض له، والاستمتاع به على عِوَجه، فإِن تعذّر فتركه أَوْلى.
باب ُ الوَصَاةِ بِالنِّسَاء
باب {قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} (التحريم: 6)
قوله: (فاقْدُرُوا قَدْرَ الجاريةِ الحديثةِ السِّنِّ تَسْمَعُ اللَّهو) يعني تسمع تلك الجارية اللّهو. واعلم أنَّ هذه القصة قَبْل نزول الحجاب على أنّ النظر إلى الوَجْه جائزٌ على المذهب، وإنما نهى عنه المتأخرون لفساد الزمان.
83 - بابُ حُسْنِ المعَاشَرَةِ مَعَ اْلأَهْلِ
باب ُ مَوْعِظَةِ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ لِحَالِ زَوْجِهَا
باب ُ صَوْمِ المَرْأَةِ بإِذْن زَوْجِهَا تَطَوُّعا
خاوند كى معامله مين باب ابتى بيئى كو نصيحت كرى.
5191 - قوله: (لا تُراجِعِيه) جواب صلى الله عليه وسلّمير كنر دى.
5191 - قوله: (أي حَفْصة، أتغاضِبُ إحداكُنَ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم؟... إلخ، والمغاضبة في حَقِّ الأزواج خلافُ الأَوْلى، أما في حقِّ غيرهن فتبلغ إلى الكُفْر. وهذا كما أخذ موسى عليه الصلاة والسلاملحيةَ هارونَ عليه السلام، ولو تقدّم أحدٌ غيْره إلى مِثْله لَكَفَر. فالشيء الواحدُ يكون موجِباً للكفر باعتبار دون اعتبار.
باب ُ إِذَا بَاتَتِ المَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا
5193 - قوله: (لَعَنتها الملائكةُ) فإِنهم موكلون على إصلاحِ الأمور، فإِن أتى أحدٌ بطاعةٍ يدعون له، وإن ارتكب معصيةً يلعنونه.
---
باب لاَ تَأْذَنُ المَرْأَةُ في بَيتِ زَوْجِهَا لأَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِه(7/29)
5195 - قوله: (وما أنفَقَت من نفقةٍ من غير أَمْرِهِ) أي غير أمره الصريح وإن علمت برضاه دلالةً، وإلاّ ينبغي أن لا يكون لها أجْرٌ أصلاً.
باب
قوله: (فكان عامّةُ مَنْ دخلها المساكينُ، وأصحابُ الجدِّ محبوسون) وعند الترمذي أن فقراء المهاجرين يدخلون الجَنّة قبل أغنيائهم بخمس مئة عام، وكنت أقمتُ دَهْراً على أن هذا التقدّم لمقاساتهم الأحزان، والمصابرةِ على المصائب، ثُم رأيتُ بعد زمانٍ أن بابَ الجنة الذي يدخل منه المساكينُ غيرُ باب الأغنياء، فإِذا رآهم الأغنياءُ تسارعوا إليه ليدخلوه أيضاً، فيقال لهم: ائتوا من بابكم، فيأتونه، فيتأخّرون عنهم بتلك المدة. وذلك لأنَّ المسافة بين البابين خمس مئة سنة، ومِثل هذه النكات كثير في الآخرة.
---(7/30)
ثُم اعلم أنَّ يوماً من الآخرة كألف سَنةٍ من الدنيا، وأما يومُ الحشْر خاصّة، فخمسونَ ألفَ سنة. واختلف المفسِّرُون في تأويل قوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (المعارج: 4). فقيل: هو يوم الحَشْر، وقيل: هو مسافةُ العالم العُلوي، والسّفلي، قلتُ: إلاّ أن الحساب لا يستقيمُ على هذا التقدير، لما في البخاري: «إِنَّ للجنّةِ مئة درجة، ما بين كلّ درجة مسيرةُ خمس مئة سنة»، فحصل مجموع المسافة «خمسون ألفَ سَنةٍ» لدرجات الجنة فقط، وبقيت مسافةُ السّموات السبع، والأرض خارجة عنها. وإن حملناه على المسافةِ التي بين السموات فلا يستقيم أيضاً، كما هو ظاهر، وإذن ينبغي أن تكون تلك مسافةَ الجنةِ فقط، والجَنّة سَقْفُها العَرْش، وقاعدتُها السماءُ السابعة، فتلك المسافةُ من مقعر العَرْش إلى سطح السماء السابعة؛ وقد قررنا ذلك مِن قَبْل أيضاً، وكذا إنَّ المسافةَ من مقعر العَرْش إلى الفلك السابع علاقة الجنة، وأما السموات السبع والأرضون كذلك، فهي علاقةُ جهنَّم، تُسجّر فيها جهنم، فكأن الآخرة فوق السموات، وتلك هي الدنيا. ولذا أرى: القرآنُ متى يذكر الاندكاكَ والانفطار يَخصُّه بالسموات، والجبال وغيرها ولا يذكر لما فوقها شيئاً.
أما قوله تعالى: {وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ} (الحجّ: 47) فحقّ العربية فيه عندي، أنَّ معناه ما يُعَدّ عند رَبِّك يوماً ينبسط بعينه في تلك الدار على ألف سنة، فإِن البساطة تُناسِب الحضرةَ الإِلهية، فيكون عنده يومٌ، وعندنا ألفُ سَنة. وأما على ما فَهِمه الناس من مراده، فينبغي أن يكون الكلامُ هكذا: وإنّ ألفَ سنة يومٌ عند ربك. وراجع له الفَرْق بين قولهم: زَيْدُ الأمير، والأميرُ زَيْد، بل أقول: إنَّ الزمان من الأَزَل إلى الأبد لمحةٌ عند رَبِّك، لأجل البساطة في حضرته تعالى.
---(7/31)
5196 - قوله: (وقُمْتُ على بابِ النَّار، فإِذا عامّة مَنْ دخلها النِّساءُ) وقد مَرّ معنا أنَّ مشاهدته تلك ليست كُلِّيةً، بل مشاهدةٌ جزئية تقتصر على هذه الحال فقط. ويؤيدُه ما عند البخاري: «اطلعت في الجنة فرأيتُ أكثرَ أهلِها الفقراء، واطلعت في النار فرأيتُ أكثر أهلها النساء» اه. ففيه إشعار بأنها مشاهدتُه إذ ذاك، ولو أراد الضابطةَ الكلية لقال: «الرِّجال»، بدل: «الفقراء»، ليستقيم تقابُلُه بالنساء، ولكنه ذَكَر الفقراء من جانب، وذكر النِّساء من جانب، فظهر أنه لم يُرِد بيانَ الضابطة.
باب ُ كُفرَانِ العَشِيرِ وَهُوَ الزَّوْجُ، وَهُوَ الخَلِيطُ، مِنَ المُعَاشَرَة
فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
باب «لِزَوْجِكَ عَلَيكَ حَقٌّ»
قالَهُ أَبُو جُحَيفَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
باب المَرْأَةُ رَاعِيَةٌ في بَيتِ زَوْجِهَا
باب ُ قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {الرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النّسَآء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} (النساء: 34)
5197 - قوله: (إني رأيتُ الجنة)... إلخ. واعلم أنَّ في تمثُّل الجنة والنار واقعتين: واقعة في صلاة الكسوف، وواقعة أُخرى حين ضَجّره الناسُ بالأسئلة، فقعد على المنبر، وقال لهم: «سلوني ما بدا لكم، ما دمت في مقامي هذا»، وليس فيهما أن نظره نَفَذ إلى الجنة والنار، بل قال: إن الجنة والنار هما اللّتان تَمثَّلتا، فمن أراد إثباتَ عالم المِثال، فتلك مادتُه من الصحيحين.
---
باب ُ هِجْرَةِ النبي صلى الله عليه وسلّمنِسَاءَهُ في غَيرِ بُيُوتِهِن
ويُذْكَرُ عَنْ مُعَاوِيَةَبْنِ حَيدَةَ رَفعُهُ: «غَيرَ أَنْ لاَ تُهْجَرَ إِلاَّ في البَيتِ». وَاْلأَوَّلُ أَصَحُّ.(7/32)
وإنما هاجر معنا في غيرِ بيوتهن، لأنَّ مهاجَرة النِّساء في بيوتهن أشقُّ عليهن، فاعتزل عنهنَّ، وقد مَرّ معنا أن أزواجَه كنَّ تِسعاً، فإِذا هاجر كُلاًّ منهن ثلاثةً ثلاثةً، حصل سبعةُ وعشرونَ، من ضَرْب ثلاثةٍ في تسع، بقي يومان، فهاجَر فيهما تَكْميلاً للشَّهر، فسقط ما قيل: إنَّ المهاجرة فوق ثلاثة مبنى عليه، فكيف فعلها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم وقد ذكرناه من قبل أيضاً.
5203 - قوله: (فقال: لا، ولكن آلَيْتُ مِنْهنّ شَهْراً)، دَلّ حديثُ ابنِ عباس هذا على أنَّ الدخل في جلوسه على المَشْربة، كان للإِيلاء فقط، لا كما فَهِمه الحافِظ أنه كان الأَجْل الجحوش والسقوط عن الفرس أيضاً. وقد مرّ معنا أنهما واقِعتانِ في زمانين، جمعهما الراوي في الذِّكر فقط، خلافاً لما زعمه الحافظ، نظراً إلى الاشتراط في جلوس النبيِّ في المَشْربة فيهما، وقد فَصّلناه من قبل، وهذه الرواية تؤيّدُ ما ذكرت.
باب ُ ما يُكْرَهُ مِنْ ضَرْبِ النِّسَاء
وَقَوْلِهِ: {وَاضْرِبُوهُنَّ} (النساء: 34) ضَرْباً غَيرَ مُبَرِّحٍ.
باب لاَ تُطِيعُ المَرْأَةُ زَوْجَهَا في مَعْصِيَة
باب {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَفَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً} (النساء: 128)
---
قد رَخَّص به الفقهاءُ أيضاً إذا كان ضَرْباً غَيْر مُبَرِّح، وكذا يجوز للوالد أنْ يضرب وَلَده. وأما التغيير باليد فهو مُقْتصِر على ما كان الرَّجُل في المُنْكر، فإِذا خرج عنه ليس له ذلك، ولكن يَرْفع أَمْرَه إلى القاضي؛ فإِما أن يُعزِّره هو، أو يتركه. واختلفوا في ضَرْب الأستاذ لتلامذته، هل له في حَقّ أَم لا؟ والكُلّ لو ضَرَبوا مِن غير حَقّ، أُوخِذُوا به.
5205 - قوله: (تمعَّط) سركى بال اركئى جيجك كى بيمارى كى وجه سى.
باب ُ العَزْل
باب ُ القُرْعَةِ بَينَ النِّسَاءِ إِذَا أَرَادَ سَفَرا
باب ُ المَرْأَةِ تَهَبُ يَوْمَهَا مِنْ زَوْجِهَا لِضَرَّتِهَا، وَكَيفَ يُقْسَمُ ذلِك(7/33)
حقّق الشَّرْع كَوْنه لغواً، وكفّ لسانه عن النهي عنه.
باب العَدْلِ بَينَ النِّسَاء
{وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النّسَآء} إِلَى قَوْلِهِ: {وسِعاً حَكِيماً} (النساء: 129 - 130).
رخَّص القرآنُ بتزوّج الأربع من النساء، مع بيان عدم رضائه به، لتعذُّر العَدْل بينهنَّ.
باب إِذا تَزَوَّجَ البِكْرَ عَلَى الثَّيِّب
باب إِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى البِكْر
---
وعلم أنَّ الفقهاء الثلاثة قالوا: إنَّ الجديدةَ إنْ كانت بِكْراً يقيم عندها سَبْعَ ليال، وإن كانت ثَيِّباً فثلاثاً، ولا تكون تلك المدةُ محسوبةً من القَسْم. ولكن يسوي بينهم بعد ذلك. وعندنا الجديدةُ والقديمةُ سواءٌ في القَسْم. وأما قوله: «إذا تَزوَّج البِكْر على الثَّيّب أقام عندها سبعاً، ثُم قَسم»، فمعناه عندنا أَنْ يَقْسم لهن كلّهن بسبعٍ في تلك الدورة، وهكذا، فليفهم في الثَّيّب، ولنا ما عند النَّسائي من قوله صلى الله عليه وسلّملأُمِّ سَلَمة: «إنْ شِئْتِ سَبَّعتُ لك، وإنْ سبعت لك، سَبَّعت لنسائي». وهو عند الطحاوي أيضاً.
وقد ذكرنا ما يتعلق به فيما مَرّ مِرَاراً.
باب دُخُولِ الرَّجُلِ عَلَى نِسَائِهِ في اليَوْم
باب إِذَا اسْتَأْذَنَ الرَّجُلُ نِسَاءَهُ في أَنْ يُمَرَّضَ في بَيتِ بَعْضِهِنَّ فَأَذِنَّ لَه
5216 - قوله: (فدخل على حَفْصَة) قلت: وهو وَهْم من الراوي، فإِن تلك القِصّة كانت في بيت زينب، ولا دَخْل فيها لحفصةَ.
باب حُبِّ الرَّجُلِ بَعْضَ نِسَائِهِ أَفضَلَ مِنْ بَعْض(7/34)
واعلم أنَّ المساواةَ بين النِّساء إنَّما اعتُبرت في النفقة والبيتوتة وأمثالِها، دون الحقِّ والجِماع، ومِثْلِهما، فإِن الحُبّ يُبْنى على الكمالات، ولا اختيار فيه للرَّجل، ولذا كانت عائشةُ حبيبةَ النبي صلى الله عليه وسلّم قال الصحابة رضي الله تعالى عنهم: «أخذنا نِصْف العِلْم عن عائشة»، وهذا، وإنْ كان على نحو المبالغةِ، لكنه يُشْعر بأن كمالاتِها بلغت في الذرْوَة العليا.
باب المُتَشَبِّعِ بِمَا لَمْ يَنَل، وَما يُنْهَى مِن افتِخَارِ الضَّرَّة
---
فالجملةُ الأُولى عامٌّ للنَّاس كافَّةً؛ والثانية في حَقّ الضرائر خاصّة، ومعنى قوله النبيِّ صلى الله عليه وسلّم «كلابِس ثوبي زُور»، إحاطةُ الزُّور به، فإِن المرء إذا لبس ثوبين ستر نفسه من القَرْن إلى القدم، والمراد كونُه كاذباً، بل كَذِباً من الفوق إلى التحت. ويحتمل أن يجعل له الكذب ثَوبين في جَهنَّم، على طَوْر التمثيل، كما أن النائحة تُقَمّص قميصاً من قَطِران.
فائدة:
واعلم أنه طال نزاعُهم في قوله تعالى: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} (النَّحْل: 112) إنّ فيه استعارةً، أو استعارتين، فإِن الملائم للِّباس هو أَلْبَس، والجُوع أَذَاق. قلتُ: وقد يدور بالبال أن الجُوع والخوف لا يَبْعُد أن يكونا لباسين في جهنّم، كالزور، وكما في حديث النائحة.
باب الغَيرَة
وَقالَ وَرَّادٌ، عَنِ المُغِيرَةِ: قالَ سَعْدُبْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيفِ غَيرَ مُصْفَحٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيرَةِ سَعْدٍ؟ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللّهُ أَغْيَرُ مِنِّي».
قوله: (واللَّهُ أَغْيرُ مِنِّي) واعلم أنَّ كلَّ ما لا يكون مُطَّرِداً يفوِّضُه الشَّرْع إلى الله جَلّ ذِكْره.(7/35)
5220 - قوله: (حَرَّم الفواحِشَ) فكما أن أحدَكم يكره الفاحِشَة في أهله، كذلك الله سبحانه يَكْرَهُها في خَلْقِه كافّة.
باب غَيرَةِ النِّسَاءِ وَوَجْدِهِن
باب ذَبِّ الرَّجُلِ عَنِ ابْنَتِهِ في الغَيرَةِ وَاْلإِنْصَاف
وله أربعةُ مصادِرَ: وجداناً، وَوَجْداً، وموجودة، ووجوداً. وباعتبار مصادره الأربعة تختلف معانيه، والمناسب لترجمةِ المصنّف: وموجودتُهنّ، بمعنى الغضب، بدل: «وجدهن»، فإِن الواجد ترجمته: دل بهرآن وليس بمناسب ههنا.
---
5229 - قوله: (بِبَيْتٍ لها في الجَنّة مِن قَصَب)، و«القصب»: كلّ شيء له جَوْف، والمراد منه ههنا الدُّرُّ المجوّف.
باب يَقِلُّ الرِّجالُ وَيَكْثُرُ النِّسَاء
وَقالَ أَبُو مُوسى، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم «وَتَرَى الرَّجُلَ الوَاحِدَ، تَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً يَلُذْنَ بِهِ، مِنْ قِلةِ الرِّجَالِ، وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ».
باب لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ ذُو مَحْرَمٍ، وَالدُّخُولُ عَلَى المُغِيبَة
باب ما يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بِالمَرْأَةِ عِنْدَ النَّاس
باب ما يُنْهى مِنْ دُخُولِ المُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ عَلَى المَرْأَة
باب نَظَرِ المَرْأَةِ إِلَى الحَبَشِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ غَيرِ رِيبَة
باب خُرُوجِ النِّسَاءِ لِحَوَائِجِهِن
باب اسْتِئْذَانِ المَرْأَةِ زَوْجَهَا في الخُرُوجِ إِلَى المَسْجِدِ وَغَيرِه
باب ما يَحِلُّ مِنَ الدُّخُولِ وَالنَّظَرِ إِلَى النِّسَاءِ في الرَّضَاع
باب لاَ تُبَاشِرِ المَرْأَةُ المَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا
باب قَوْلِ الرَّجُلِ: لأَطُوفَنَّ اللَّيلَةَ عَلَى نِسَائِي
5231 - قوله: (يُرْفَع العِلْم) وعند النسائي يَكْثُر العِلْم، وهو وَهْم عندي، وإنْ كان شيخي، شيخ الهند، ذكر له تأويلاً أيضاً، وقد ذكرناه فيما مرَّ.
---(7/36)
5231 - قوله: (حتى يكونَ لخمسينَ امرأةً القَيِّمُ الواحِدُ)، وقد روى الحافِظُ فيه قيداً في موضع آخر، وهو قيد الصالح، ثُم غَفل عنه الحافظ عند شَرْح الحديث، ولو حضره لم يَرِد إشْكال، فإهٌّ
5235 - قوله: (فقال المُخَنَّث) وهو على صيغةِ اسمالفاعل أَفْصَح.
باب لاَ يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيلاً إِذَا أَطَالَ الغَيبَةَ، مَخَافَةَ أَنْ يُخَوِّنَهُمْأَوْ يَلتَمِسَ عَثَرَاتِهِم
واعلم أنَّ الشَّرع كما يكره الدّياثةَ، كذلك يكره التَّجَسُّس أيضاً، فللنهي عن التطرُّق مَحلّ، وكذا للنهي عن الدّياثةِ أيضاً مَحَلٌّ آخَر، ثُم إنه ذَكَر الحكمةَ في النهي عن التطرق بنفسه، وهي امتشاط الشَّعِثَة، واستحداد المُغِيبة. واعلم أنَّ اللفظ في حقِّ النساء، وإن كان الاستحدادَ، لكنَّ الفقهاءَ صَرَّحوا بأن الأَوْلى فيهن استعمالُ النُّورَة. وكأنَّ المرادَ منه، ما يقومُ مقامَ الاستحداد في حَقِّهن.
باب طَلَبِ الوَلَد
باب تَسْتَحِدُّ المُغِيبَةُ وَتَمْتَشِط
5245 - قوله: (الكَيْسَ الكَيْسَ يا جابرُ) يريد أن قَصْدَ قضاءِ الشهوة سَفاهةٌ، والنَّظر إلى الطَلَب الولد كَياسةٌ.
باب {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ} إِلَى قَوْلِهِ: {لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرتِ النّسَآء} (النور: 31)
باب {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ الْحُلُمَ مِنكُمْ} (النور: 58)
باب قَوْلِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ: هَل أَعْرَسْتُمُ اللَّيلَةَ؟وَطَعْنِ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ في الخَاصِرَةِ عِنْدَ العِتَاب
---(7/37)
والمرادُ من الزينةِ الوَجْهُ والكَفّان، وفي القدمين روايتان، وأخّرت الأُخْرى للتوسعةِ على النّاس، والعورةُ عندنا داخل الصلاة وخارجَها للأقارب والأجانب كلُّها سواء، فجاز لها كَشْفُ الوَجْه أيضاً إذا لم تكن فتنةٌ. فإِن قيل: إنَّ هذه هي التي كانت محال الفتنةِ، وهي التي استثنيت في الشَّرْع. أقول: حَفِظتَ شيئاً، وغابَت عنك أشياءُ، أفلا نظرت إلى أنَّ الدنيا فيها فقراءُ الناس أيضاً، فلو أُمرت نساؤهن بستر هذه الأعضاء أيضاً ليتعطَّلن عن حوائجهنَّ. نعم ينبغي أن يُمْعن النَّظر في وجه اختيار عنوان إبداء الزينة، فإِنَّ الأجانبَ ليسوا لمحالّ لإِبداء الزينة، والظاهر أن يكون العنوان هكذا: ولا يبدين كَفّهن وأرجلَهن... إلخ.
فالجوابُ أنَّ سِياق القرآنِ كان في حقِّ البُعول، وذِكْر الزينة في حَقِّهن لَطِيفٌ، وكذا في حقِّ المحارم، فمحطُّه جوازُ كَشْف هذه المواضع أمام بَعْلها، لا جواز كَشْفها أمام الأجانب أيضاً، فإِنَّ كَشْفها وإنْ كان جائزاً عند الأجانب أيضاً، لكنه مما لم يَقْصده القرآنُ، نعم لو قصده لم يناسب العنوان المذكور. ولَمَا كان القرآنُ بصددِ بيانِ ما يليقُ كَشْفه عند بَعْله، أَخَذ العنوان المذكور، ولا رَيْب أنه مناسِب له جداً، فلما جاز كَشْفُ الزينة للبَعْل دَخَل أَهْلُ البيت تَبَعاً.
5249 - قوله: (ثم ارتَفَع هو، وبِلال) أي ذهب.
كتاب الطلاق
وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {يأيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النّسَآء فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ الْعِدَّةَ} (الطلاق: 1)
{أَحْصَيْنَهُ} (يس: 12): حَفِظْنَاهُ وَعَدَدْنَاهُ. وَطَلاَقُ السُّنَّةِ: أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِراً مِنْ غَيرِ جِمَاعٍ، وَيُشْهِدَ شَاهِدَينِ.
---(7/38)
قوله: ({فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}) لا شَكَّ أن الظاهر فيه أنَّ اللام للوَقْت، فتكون العِدّة بالأطهار فصار التبادُر إلى الشافعية. إلاَّ أنَّ السَّرَخْسي قال: العِدّة عدتان: عِدّة الرِّجال، وهي عِدّة التطليق، أي أن يطلقها الرَّجُل في طُهْر خالٍ عن الجماع. فهذه مما يجبُ على الرّجل تَعاهُدُها؛ والثانية: عِدّة النِّساء، وتلك بالحِيض، ولذا عَبّر عنها القرآن بالقُروء حين خاطب النساء، ولما تَوجَّه إلى الرجال، وذكر تطليقَهم الذي هو فَعْلهم، قال: لِعِدَّتِهنّ، فظهر تعدُّدُ العِدّتَين من اختلاف السياقين، إلاَّ أنَّ عدّة الرِّجال لما لم تُذْكر في عامة كُتُب الفِقْه تبادَر الذِّهن إلى العِدّة المعروفة، وهي عِدّة النِّساء، فلا علينا أن نَحْملها على عِدّة الرجال بعد ما تعرّض إليها القرآن. وقد أقرّ ابنُ القَيّم بقوةِ مذهب الإِمام الأعظم، وقال: إنَّ أحمد أيضاً مالَ إليه بآخِره.
باب إِذَا طُلِّقَتِ الحَائِضُ يُعْتَدُّ بِذلِكَ الطَّلاَق
وهذه هي المسألةُ التي أنكرها ابنُ تيمية. فإِنه قال: إنه لا يُعتدّ بالطلاق في حال الحَيْض، مع أن ابنَ عُمر الذي هو صاحب تلك الواقعة أقرّ باعتدادها. وتأوّل ابنُ تيمية قوله: فَمَه، أنه بمعنى كفّ، يعني هت. وقوله: «إنْ عَجَز واستَحْمق»، بأنَّ الشَّرع لا يتغيّر بتغييره، وإذا كان حُكْم الشَّرْع فيه أنّ الطلاق في الحَيْض لا يُعْتبر، فهل يمكن تغييرُه، واعتبارُه بتطليقه، وحَمَقِه؟ وقال الجمهور: إنّ «ما» استفهامية، ومعناه ما المانع من احتسابه؟ وهل تُهدر أحكامُ الشَّرع بعجزه وحَمَقه؟ بل يعتبر بطلاقِه قَطْعاً، فعكس ابنُ تيميةَ مرادَه إلى ما رأيت، قلتُ: وإذا تأوّل ابنُ تيميةَ في هذه الألفاظ، فماذا ينصع في قوله: «حسبت عليّ بتطليقة؟ فإِنه صريحٌ في عِبْرتها، إلاّ أنه من طريقِه أنه إذا مَرّ بلفظ لا يُسوّغ فيه تأويله، يُغْمض عنه.
---(7/39)
باب ُ مَنْ طَلَّقَ، وَهَل يُوَاجِهُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالطَّلاَق
5254 - قوله: (أعوذ باللَّهِ منك) وإنما قالت ما قالت، لأَنّها لم تعرف أنّ هذا هو النبيُّ صلى الله عليه وسلّم ثم ما زالت تقول: إني كنتُ شقية، ونُقل أنها ماتت فاتِرة العَقْل:
5255 - قوله: (رازِقيَّتَيْن) نوعٌ من الثياب أعطاها متعةً.
فائدة:
واعلم أنَّ رافضياً من الروافض طَبع رسالةً، ذكر فيها إيراداتٍ على الإِسلام، فَعدَّ منها هذا الحديثَ، وقِصّة زيد بن عَمرو بن نُفَيل، وقد ذكرناها مع جوابها من قبل.
5255 - قوله: (في بيتِ أُمَيْمةَ بِنْتِ النُّعْمان بنِ شَرَاحِيل)... إلخ. جعلها الراوي بِنْت شَرَاحيل، ويَخْتَلُّ به النسب، فراجع البحث في «فتح الباري».
باب ُ مَنْ أَجازَ طَلاَقَ الثَّلاَث
لِقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {الطَّلَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَنٍ} (البقرة: 229). وَقالَ ابْنُ الزُّبَيرِ في مَرِيضٍ طَلَّقَ: لاَ أَرَى أَنْ تَرِثَ مَبْتُوتَتُهُ. وَقالَ الشَّعْبِيُّ: تَرِثُهُ، وَقالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: تَزَوَّجُ إِذَا انْقَضَتِ العِدَّةُ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: أَرَأَيتَ إِنْ ماتَ الزَّوجُ الآخَرُ؟ فَرَجَعَ عَنْ ذلِكَ.
واعلم أنَّ الطلاق البِدعي ينقسم عندنا إلى قسمين: بِدعي من حيثُ الوقتُ، وهو في زمان الحَيْض، وبِدَعي من حيثُ العددُ. وأما عند الشافعيِّ فلا بِدعي عنده مِن حيثُ العددُ، فلا يكونُ الجَمْع بين الطلاقاتِ الثلاث بِدعةً عنده، وإليه مال المصنّف، خلافاً للجُمهور. وقال داود الظاهري: إن جَمْعها في لفظ يقع واحداً أيضاً، وهذا الذي ذهب إليه ابنُ تيميةَ. واختاره غيرُ المقلِّدين أيضاً، وتمسّك البُخاري بقوله تعالى: {الطَّلَقُ مَرَّتَانِ} وَوَجْه الاستدلالِ منه ذكره المُحشِّي.
---(7/40)
قلتُ: الآية حُجّة عليه لا له، فإِنه ليس معنى قوله: {مَرَّتَانِ} اثنتين، بل معناه مَرّة بعد مرة. وذلك لأنَّ التثنيةَ على نحوين: الأول: نحو زيدان تثنية لِزَيد، والثاني تثنية ما فيه تاء الواحدة، ويُسمّى تثنيةَ التكرير، كما في قوله تعالى: {فارجِع البَصَر كَرَّتَين} وكالمرةِ والمَرَّتان، ومعناه مَرّة بعد مرة، فحصل فيه معنى التثنية مع مراعاةِ الوحدة، كذا فَهِمه الزَّمخشريّ.
ومن ههنا زال الإِشكال المشهور، أن التاء في المرة للوحدة، فكيف بتاء التثنية منها؟ والجواب أنها بمعنى التكرير. وإذَن دَلّت الآيةُ على التفريق، لا على الاجتماع الذي هو مقصودُ المصنِّف.
قوله: ({فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ}) أي الرَّجْعة عنها.
قوله: ({أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَنٍ}) وهو تَرْك الرَّجْعة، وقوله تعالى: {فَإِن طَلَّقَهَا}... إلخ، طلاقٌ ثالِثٌ عندنا. ومُحصَّل الآيةِ أن الله سبحانه ذَكَر أولا طَلْقتين، وحُكُمهما، فذَكَر أنه واحد بعد واحد، وأنهما يَعْقُبهما الرَّجعة، وأنهما قد يكونان بمال، وقد يكونان بغير مال، وسمى الطلاق بالمال خُلْعاً. ولما فَرَغ من بيان أحكامِهما، شَرَع في ذِكْر الثالث، وقال: {فَإِن طَلَّقَهَا}... إلخ، فتلك لا رجعة بعدها، هذا ما عندنا.
---(7/41)
وقال الشافعيُّ: إنَّ الطلاقَ الثالثَ هو قوله: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَنٍ}. فالمراد منه عنده الطلاقُ. ويؤيِّدُه ما عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلّمسُئل عن الثَّالثِ، فقال: إنّه تسريحٌ بإِحسان. قلتُ: وفي إسناده لين، على أَنّي قد جَرّبت من صنع الحنفية مع القرآنِ أنهم يُعطون أوّلاً حَقّ سياق النّظم، فإن التأَمَ الحديثُ به فيها، وإلاّ يُؤوّلون في الحديث. ولما أوجب سياقُ النَّظْم ههنا أن يكون التسريحُ بإِحسان عبارةً عن تَرْك الرَّجْعة، قالوا به. فإِنَّ القرآن بصددِ بيانِ أحكام الطَّلْقتين، وهي أن المرءَ يتخيّر بعدهما بين الرَّجعة وتَرْكها، فذكرها، وهذه هو اللغة في التسريح بإِحسان، وهو الذي أراده القرآن في غيرِ واحدٍ من المواضع، فقال: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ}وَأُسَرّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (الأَحزاب: 28)، وقال: {وَسَرّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} (الأَحزاب: 49) ولم يُرِد به طلاقاً ثالثاً في موضع، فلا علينا أن لا نحمله على الطلاق في هذه الآية أيضاً.
بقي تأويلُ الحديث، فلنا أن نَقُولَ: معناه إنَّ الطلاق الثالث يجتمع مع التسريح أيضاً، لا أنه عَيْنُه، فَإِنَّ تَرْك الرجوعِ قد يُجامِعُه التطليق أيضاً؛ وبالجملة مدلولُه اللغوي ليس إلا تَرْكُ الرجوع، نعم ذلك قد يجتمع مع التطليقِ أيضاً؛ فالطلاق ليس بمقصودٍ منه وإنْ جامعه، وإنما ذكره من قوله: {فَإِن طَلَّقَهَا} وإلا يلزم أن يكون قوله: {فَإِن طَلَّقَهَا} رابِعاً، كما قَرّره الأُصُوليون.d
قوله: (قال ابنُ الزُّبير في مريض طلق: لا أرى أن تَرِث مَبْتُوتتُه) ولها الإِرث عندنا في الرَّجعي، وما ذكره ابنُ الزّبير لا هو يخالفنا ولا يوافِقنا.
قوله: (وقال الشَّعبي: ترثه) وهو تابعي جليلُ القَدْر، يقول: إنَّ زوجة الفارّ تَرِث بكلِّ حالٍ.
---(7/42)
قوله: (فقال ابن شُبْرُمة: تتزوج إذا انقضت العِدّة؟ قال: نعم، قال: إنْ مات الزوجُ الآخر، فرجع عن ذلك) وحاصلُ إيرادِ ابن شُبرُمة أنه يلزم على هذا التقدير أن ترث مِن زَوْجين معاً، فيما إذا طَلّق المريضُ وانقضت العِدّة، ثُم تزوّجت زَوْجاً آخَر، ثُم مات الزَّوجُ الأَوّل والآخر في يومٍ واحد. فرجع الشَّعبي عن فَتواه، وقال: تَرِثه ما دامت في العِدّة، لا بعدها.
5259 - قوله: (فطلَّقها ثَلاثاً) واستدل منه البخاريُّ على أنه جَمَع بينها في اللّفظ، ولم يُنْكر عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلّم فدلّ على عدم كونها بِدْعة؛ قلتُ: أوّلاً: فبأن التطابُقَ بين الحكايةِ والمَحْكي عنه في الصّفة أيضاً ليس بضروري، يمكن أن يكون طَلّقها في الخارج متفرِّقاً، وعبر عنه الراوي ثلاثاً، أخذاً بالحاصل، ولا بُعْد فيه. ولأنها لما وَقعت الفُرْقة بنفس اللِّعان - كما هو مذهبُ الشافعي - لم يصادف تطليقُه إياها محلَّه، فكان هَدْراً، فلم يعبأ بها. وإذَن لا تقرير فيه أيضاً، فإِنه لو صادف مَحلّه، ثُم سكت عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلّملكان تقريراً منه، وأما إذا كان فِعْلُه عَبثاً، وتطليقه كالعَدم، فأغمض عنه، وأما ثالثاً: فبأن الفُرقة وإن لم تقع عندنا بنفس اللعان، لكنها قد استحقّتها، وعلى شرف منها، ومعلومٌ أنها لا سبيلَ لها إليه بعد اللِّعان، ففي مِثْله يجوز تطليقُه ثلاثاً عندنا أيضاً، لأنه إذا انقطع احتمالُ العَوْد، ولم تبق مَظِنّة الرجوع، فلا بدعة في تطلِيقِها ثلاثاً. واستنبطت ذلك مما رُوي عن محمد أنّ الخُلْع في الحَيْض جائز، مع كونِ الخُلْع طلاقاً بائناً، وهو بِدْعة، ولا سيما في الحَيْض، فإِذا جاز البائن في الحَيْض عند تحتم عدم الرجوع، جاز الثلاثُ أيضاً بجامع يأسِ الرَّجعة فيهما، فلا فَرْق، إلاّ أن هذا بائنٌ خفيفاً، وذلك غليظاً، وليس بفارق. وقد ذكرناه من قبل مَرّتين، ففكر فيه.
---
باب ُ مَنْ خَيَّرَ نِسَاءَه(7/43)
وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {قُل لاْزْوجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} (الأحزاب: 28).
وللاختيار عندنا أَحْكامٌ، ذكرها الفُقهاء في فصل مُستقلّ، وذهب بعضُ السّلف أن في اختيارها الزوج أيضاً طلاقاً، وليس مَذْهباً للجُمْهور.
باب إِذَا قالَ: فارَقْتُكِ، أَوْ سَرَّحْتُكِ، أَوِ الخَلِيَّةُ، أَوِ البَرِيَّةُ،
أَوْ ما عُنِيَ بِهِ الطَّلاَقُ، فَهُوَ عَلَى نِيَّتِهِ
قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَسَرّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} (الأحزاب: 49). وَقالَ: {وَأُسَرّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} (الأحزاب: 28). وَقالَ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَنٍ} (البقرة: 229). وَقالَ: {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (الطلاق: 2). وَقالَتْ عائِشَةُ: قَدْ عَلِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ.
شَرَع في الكنايات، وهي عندنا بوائنُ، وعند الشافعية رواجِعُ، وذلك لأنهم أخذوها كناياتٍ على مصطلح علماء البيان، فيكون العامل لَفْظُ التطليق، ولا يقع منه إلاَّ رجعياً، وهي عندنا كناياتٌ على اصطلاح الأصوليين، أي باعتبار استتار المراد، فالعوامل فيها ألفاظها، وهي ألفاظ البينونة، فقلنا بموجباتها، وقد قررناها من قبل. وراجع «شَرْح الوقاية»، فإِنه جعلها على ثلاثة أقسام.
باب ُ مَنْ قالَ لاِمْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَام
---(7/44)
وَقالَ الحَسَنُ: نِيَّتُهُ. وَقالَ أَهْلُ العِلمِ: إِذَا طَلَّقَ ثَلاَثاً فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيهِ، فَسَمَّوْهُ حَرَاماً بِالطَّلاَقِ وَالفِرَاقِ، وَلَيسَ هذا كالَّذِي يُحَرِّمُ الطَّعَامَ، لأَنَّهُ لاَ يُقَالُ لِطَعَامِ الحِلِّ حَرَامٌ، وَيُقَالُ لِلمُطَلَّقَةِ حَرَامٌ. وَقَالَ في الطَّلاَقِ ثَلاَثاً: لاَ تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيرَهُ.
قد ذكرنا أَنَّ لَفْظ الحرام مُؤثِّر في النساء عندنا، وعند غيرنا، أما في غير النِّساء، كالطعام، والشراب، فيؤثر فيه أيضاً عندنا، بخلاف الشافعي، فإِنه لا أثرَ له في غير ما عنده. وتفرّد ابنُ عباس، حيث أنكر تأثيرَه في النساء وغيرها سواء.
قوله: (وقال الحسن: نَيّته) أي ما نوى يميناً، أو طلاقاً، أو ظهاراً، وهو أصلُ مذهبنا وإن أفتى المتأخرون بكونِه طلاقاً.
قوله: (وقال أهلُ العِلم: إذا طَلَّق ثلاثاً)، فقد حَرُمت عليه، فَسمّوه حراماً، أي إذا أطلقوا لَفْظ الحرام في الطلقاتِ الثلاث، فلو قال أحدٌ لَفْظ الحرام بعينه، ينبغي أن يكونَ مُؤثِّراً أيضاً.
قوله: (وليس هذا كالذي يحرم الطَّعام)... إلخ. وافق فيه الشافعي، ولم يجعل له في غير النساء حُكْماً، واستدل عليه بأن الشَّرْع لم يضع لتحريمِ الطعام باباً، بخلاف تحريم النساء.
5264 - قوله: (كان ابنُ عُمرَ إذا سُئل عَمَّن طَلَّق ثلاثاً، قال: لو طَلَّقت مَرّةً، أو مَرّتين) وفي الخارج أنه كان يقول له: عصيت ربك، ووجه مناسبته مما قبله بينه المُحَشِّي.
باب {لِمَ تُحَرّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (التحريم: 1)
5266 - قوله: (إذا حَرَّم امرأته ليس بشيءٍ) وذلك مِن تَفَرُّد ابنِ عَبّاس.
---(7/45)
5267 - قوله: (فتواصيتُ أنا، وحَفْصة)... إلخ، قد أصاب الراوي ههنا في بيان الحزب تولى فإِنّ حَفْصةَ كانت في حِزْب عائشة، وقد كان أخطأ فيه مَرّة، وكذا جعل قِصّة العسل ههنا في بيت زينب، وهو الصوابُ، وكان جَعَلها أَوّلاً في بيتِ حَفْصَة، وهو خطأ.
باب لاَ طَلاَقَ قَبْلَ النِّكاح
وَقَوْلُ اللّهِ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتّعُوهُنَّ وَسَرّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} (الأحزاب: 49). وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلَ اللّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكاحِ. وَيُرْوَى في ذلِكَ عَنْ عَلِيَ وَسَعِيدِبْنِ المُسَيَّبِ، وَعُرْوَةَبْنِ الزُّبَيرِ، وَأَبِي بَكْربْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، وَعُبَيدِ اللّهِبْنِ عَبْدِ اللّهِبْنِ عُتْبَةَ، وَأَبَانَبْنِ عُثْمانَ، وَعَلِيِّبْنِ حُسَينٍ، وَشُرَيحٍ، وَسَعِيدِبْنِ جُبَيرٍ، وَالقاسِمِ وَسَالِمٍ وَطَاوُسٍ، وَالحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ، وَعَامِرِبْنِ سَعْدٍ، وَجابِرِبْنِ زَيدٍ، وَنَافِعِبْنِ جُبَيرٍ، وَمُحمَّدِبْنِ كَعْبٍ، وَسُلَيمانَبْنِ يَسَارٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَاْلقَاسِمِبْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، وَعَمْرِوبْنِ هَرِمٍ، وَالشَّعْبِيِّ: أَنَّهَا لاَ تَطْلُقُ.
باب إِذَا قالَ لامْرَأَتِهِ وَهُوَ مُكْرَهٌ: هذهِ أُخْتِي، فَلاَ شَيءَ عَلَيه
قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «قالَ إِبْرَاهِيمُ لِسَارَةَ: هذهِ أُخْتِي، وَذلِكَ في ذَاتِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ».
---(7/46)
وهو المسألةُ عندنا، إلاَّ إذا أضافه إلى المِلْك، أو سببه. وعند الشافعية لا تأثير للتعليق مطلقاً، سواء أضافه إلى المِلك، أو إلى سببه، فلا طلاق ولا تعليق عندهم إلاَّ بعد تحقُّق النكاح، والأَصْل فيه أنَّ الحنفية نظروا إلى تناسبٍ بين الشرط والجزاء، فإِذا وجدوهما متناسِبَين، قالوا بتأثير التعليق، وإلاَّ فلا. وإذ لا تَناسُب في قوله: إن دخلتِ الدَّار، فأنت طالق للأَجنبية، فإِنه لا حَقّ له عليها تَنْجِيزاً، أو تعليقاً قالوا ببطلانه، بخلاف ما إذا أضاف طلاقها إلى زمانٍ صَلَح للطلاق، كالنِّكاح، وهذا كما قالوا في الكَفالة: إنَّ تعليقها بنحو: إنْ هَبّت الريح، مهمل، بخلاف إن ركب عليك دَيْن، فإِنه معتبر.
وقد جمع البخاريُّ ههنا من السَّلف أسماءً كثيرة، والسبب في ذلك أنه وقع مِثْله في زمن ابن عبد الملك، فاستفتى علماءَ زمانه، فاجتمعت عنده فُتياهم على عدم تأثيره، فنقلها البخاريُّ، ومَنْ أراد أن يجمع أسامي الذين أجابوا على وَفْق مذهب الحنفية، فليراجع «الجَوْهر النَّقي»، و«الزَّيلعي»، و«العيني».
قلتُ: ولنا ما عن عمر عند مالك في «موطئه»، وهو وإنْ كان في الظِّهار، لكن إذا صحَّ الظهار في الأجنبية، فلا وَجْه أن لا يصحَّ تعليقُ الطلاقِ فيها.
باب ُ الطَّلاَقِ في الإِغْلاَقِ، والمُكْرَهِ، وَالسَّكْرَانِ وَالمَجْنُونِ وَأَمْرِهِمِا،وَالغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ في الطَّلاَقِ وَالشّرْكِ وَغَيرِه
---(7/47)
لِقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «اْلأَعْمَالُ بِالنّيةِ، وَلِكُلِّ امْرِىءٍ ما نَوَى». وَتَلاَ الشَّعْبِيُّ: {لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا} (البقرة: 286)، وَما لاَ يَجُوزُ مِنْ إِقْرَارِ المُوَسْوِسِ. وَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم لِلَّذِي أَقَرَّ عَلَى نَفسِهِ: «أَبِكَ جُنُونٌ؟» وَقالَ عَلِيٌّ: بَقَرَ حَمْزَةُ خَوَاصِرَ شَارِفَيَّ، فَطَفِقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم يَلومُ حَمْزَةَ، فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ مُحْمَرَّةٌ عَينَاهُ، ثُمَّ قالَ حَمْزَةُ: هَل أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لأَبِي، فَعَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ، فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ. وَقالَ عُثْمانُ: لَيسَ لِمَجْنُونٍ وَلاَ لِسَكْرَانَ طَلاقٌ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَلاَقُ السَّكْرَانِ وَالمُسْتكْرَهِ لَيسَ بِجَائِزٍ. وَقالَ عُقْبَةُبْنُ عامِرٍ: لاَ يَجُوزُ طَلاَقُ المُوَسْوِسِ. وَقالَ عَطَاءٌ: إِذَا بَدَأَ بِالطَّلاَقِ فَلَهُ شَرْطُهُ. وَقالَ نَافعٌ: طَلَّق رَجُلٌ امْرَأَتَهُ البتَّةَ إِنْ خَرَجَتْ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنْ خَرَجَتْ فَقَدْ بُتَّتْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فَلَيسَ بِشَيءٍ. وَقالَ الزُّهْرِيُّ فِيمَنْ قالَ: إِنْ لَمْ أَفعَل كَذَا وَكَذَا فَامْرأَتِي طَالِقٌ ثَلاَثاً، يُسْئَلُ عَمَّا قالَ وَعَقَدَ عَلَيهِ قَلبُهُ حِينَ حَلَفَ بِتِلك اليَمِينِ؟ فَإِنْ سَمَّى أَجَلاً أَرَادَهُ وَعَقَدَ عَلَيهِ قَلبُهُ حِينَ حَلَفَ، جُعِلَ ذلِكَ في دِينِهِ وَأَمانَتِهِ. وَقالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنْ قالَ: لاَ حاجَةَ لِي فِيكِ، نِيَّتُهُ، وَطَلاَقُ كُلِّ قَوْمٍ بِلِسَانِهِمْ. وَقالَ قَتَادَةُ: إِذَا قالَ: إِذَا حَمَلتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثاً، يَغْشَاهَا عِنْدَ كُلَّ طُهْرٍ مَرَّةً، فَإِنِ اسْتَبَانَ حَملُهَا فَقَدْ بَانَتْ. وَقال الحَسَنُ:
---(7/48)
إِذَا قال: الحَقي بِأَهْلِكِ، نِيَّتُهُ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الطَّلاقُ عَنْ وَطَرٍ، وَالعَتَاقُ ما أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللّهِ. وَقالَ الزُّهْرِيُّ: إِنْ قالَ: ما أَنْتِ بِامْرَأَتِي، نِيَّتُهُ، وَإِنْ نَوَى طَلاَقاً فَهُوَ ما نَوَى. وَقالَ عَلِيٌّ: أَلَمْ تَعلَمْ أَنَّ القَلَمَ رُفعَ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يُدْرِكَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيقِظَ. وَقالَ عَليٌّ: وَكُلُّ الطَّلاَق جائِزٌ، إِلاَّ طَلاَقَ المَعْتُوهِ.
والإِغلاق لفظ حديث ابن ماجه، واختُلف في شَرْحه، قيل: هو الإِكراه، وقيل: الجنون، والمتبادِر من لفظه هو الأَوّل، والأكثرون في طلاق المُكْره، إلى أنه لا يقع، ويقع عندنا. ومَرّ عليه السُّهيلي في «الروض الأُنف» وصرح أنَّ الوَجْه الفِقْهي يؤيِّدُه، وقَوّى مذهب الحنفية.
قلتُ: وقد رَخّص الحنفية بالتوريةِ، فاعتبروا توريتَه ديانةً وقضاءً، فقد أخرجوا له سبيلاً، إلاَّ أنه إذا عجز واستحمق هو، ولم يعمل بما رُخِّص به، فكيف لا نعتبرُ بطلاقه؟ وراجع «شرح الوِقاية».
قوله: (السَّكْران) نشه والا، وليست ترجمته بيوش، ولنا في السُّكر من الحَرَام قولان، فإِن كان من الحلالِ لا يقعُ طلاقُه، قولاً واحداً.
قوله: (والغَلَط) وهو الخطأ، أي أراد أن يسبِّح اللَّهَ، فسبق على لسانه ذِكْر الطلاق.
قوله: (والنسيان) واستُشكلت على بَعْضهم صورةُ النِّسيان، وذَكَر له في «البحر» صوراً، نحو أن يقول: إن أجزتُ لك أن تذهبي إلى بيتِ فُلان، فأنت طالق، فنسي وأجاز.
قوله: (والشِّرك) وإنما أضافه لكونه لفظاً قرآنياً، إلا أنه مُقيّد بكونِ قلبه مطمئناً بالإِيمان.
قوله: (الأعمال بالنية) وقد علمت أنَّ الحديث في بيان أن نوعَ الأعمال من تَنَوُّع النيات، فإِيراده ههنا في غير موضعه.
---(7/49)
قوله: (وتلا الشَّعبي: {لا تؤاخِذْنا إنْ نسينا أو أخطأنا)... إلخ، ولذا سبق مني أنَّ النِّسيان والخطأ اعتُبر في الشَّرْع عُذْراً، أزيدُ مما اعتبره الحنفيةُ في فِقْههم.
قوله: (والمُوَسوس) المَجْنُون، أو المَعْتوه، والعَتْه أخفُّ من الجنون، وضَبْطُه مُشْكِل.
قوله: (أَبِك جُنونٌ) فدلّ على أن الجُنون مُسْقِط.
قوله: (إذا بدأ بالطلاقِ فله شَرْطُه) يعني لا فَرْق بين تقديمِ الشَّرط وتأخِيره، ولا تناسب له في سلسلة المسائل.
قوله: (يُسْأل عَمّا قال) يعني ما أراد مِن قوله: كذا وكذا. وفي الكنز أن في قوله: لا آكُل طعاماً بلفظ عام قولان: قيل: لا يُعتبر فيه الخُصوص، وقال الخَصّاف: يُعتبر ديانةً.
قوله: (فإِنْ سَمّى أَجَلاً)... إلخ. والنيةُ عندنا تَعْمل في الملفوظ فقط، فهذا مخالِفٌ لنا، لأن بيانَ الأَجَل تقييدٌ لا تخصيص.
قوله: (جُعِل ذلك في دِينِه) هذا هو الدِّيانة التي تُقابل القضاء.
قوله: (لا حاجةَ لي فيك) ولا يقع منه الطلاق عندنا وإنْ نواه، وَوَجْهه في البحر.
قوله: (وقال ابن عباس: الطلاق عن وَطَر) أي يكون بحاجةٍ، ولا يكون بلا وَجْه.
قوله: (والعَتاق ما أُريد به وَجْههُ ا) فلو قال: أنت حُرُّ للشيطان، عَتَق عندنا، أما قوله: للشيطان، فلغوٌ.
---(7/50)
قوله: (وقال عليّ: ألم تعلم)... إلخ، وهي القِصّة التي قال فيها عمرُ: لولا عليٌّ لهلك عمرُ، وتفصيل القصة: أنَّ عمرَ أمَر برجمِ امرأةٍ، فاستقبلها عليٌّ، فأخذها، وذهب بها إلى عمرَ، وقال: ألم تعلم... إلخ. قلتُ: والوَجْهُ عندي أن عمرَ لم يُدْرك جنونَها، وإلا فالرَّجْم على المجنونةِ بديهي البطلان، وذلك لأن في الرواية أنه لما أَمَر برجمِها كانت تَضْحك. فقال عليٌّ: لعلّ في عقلها فُتوراً. ولا تحزن باختلاف الرواة، بأنه كان في الرواية الأولى؛ أنّ علياً استقبلها، ثم ذهب بها إلى عمرَ، وفي رواية أخرى: أنه كان قاعداً عنده وَقْت القضاء، ورآها ضاحِكةً، فإِن ذلك معروفٌ فيما بينهم، وعليك بالقَدْر المشترك.
5269 قوله: (إذا طَلَّق في نفسه، فليس بشيء) وهو مَذْهبنا، بل كلُّ شيء يتلفظ به لا يتعلق بتصوره في ذِهْنه، حُكمٌ عندنا، ما لم تسمعه أذناه، كالقراءة في الصلاة.
12 بابُ الخُلعِ وَكَيفَ الطَّلاَقُ فِيهِ
وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيتُمُوهُنَّ شَيئاً إلا أَنْ يَخَافَا أَنْ لا يُقِيمَا حُدُودَ ا} (البقرة: 229)، وَأَجازَ عُمَرُ الخُلعَ دُونَ السُّلطَانِ. وَأَجازَ عُثْمانُ الخُلعَ دُونَ عِقَاصِ رَأْسِهَا. وَقالَ طَاوُسٌ: {إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} (البقرة: 229) فِيما افتَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ في العِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ، وَلَمْ يَقُل قَوْلَ السُّفَهَاءِ: لاَ يَحِلُّ حَتَّى تَقُولَ لاَ أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ.
لعله أشار إلى الخِلاف في الخُلْع، أنه طلاقٌ بائن، أو فَسْخ، كما هو روايةٌ عند الشافعية.
قوله: (أجاز عمرُ الخُلْع دون السلطان) يعني أنَّ الخُلْع يحتاجُ إلى القضاءِ أَو لا.
---(7/51)
قوله: (وأجاز عثمانُ الخُلع دون عِقَاص رأسها) أي لو خالعه بما خالعه بمالها كلَّه، حتى أنه لم يبق لها غيرُ عِقَاصها، جاز أيضاً.
قوله: (ولم يقل قَوْل السفهاء)... إلخ، هذا من مقولةِ المُصنِّف، يعني أن طاوساً أجاز الخُلْع عند إقامةِ حدود الله، ولم يقل كما قال بعضُ السفهاء: إنه لا يجوز له الخُلْع حتى تقولَ المرأةُ: لا أغتسل لك من جنابةٍ، فحينئذ تكون ناشِزةً، ويجوز الخُلْع.
5273 - قوله: (ثابت بن قَيْس ما أعتب عليه) وكانت تحته بِنْتُ أُبَي، وكانت جميلةً، وكان ثابتٌ أدم قصيراً.
5273 - قوله: (وطَلِّقها تطليقةً) والظاهر أنه مِن صريح لَفْظ الطلاق، وليس بلفظِ الخُلْع، إلا أن الطلاقَ بالمال، والخلع كلاهما طلاقٌ بائن.
باب ُ الشِّقَاقِ وَهَل يُشِيرُ بِالخُلعِ عَنْدَ الضَّرُورَة
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {خَبِيراً} (النساء: 35).
في فِقْه المالكية: أنَّ للحَكَمين خياراً بالتفريق، فإِذا فَرّقا، فلا خِيار للزوجين، وهو حيلةٌ لمن فُقِد أزواجُهن، وتركهن كالمعلقة. وإنما للحَكَمين عندنا المكالمةُ في الصّلح وغيره فقط، قلتُ: وتبادر القرآن إلى المالكية، ولذا قال أبو بكر بن العربي المالكي: إنْ الآيةَ أقعدُ بمذهبهم.
باب لاَ يَكُونُ بَيعُ اْلأَمَةِ طَلاَقا
يريد خلافَ ما تفردَ به أَنَس.
باب ُ خِيَارِ اْلأَمَةِ تَحْتَ العَبْد
باب ُ شَفَاعَةِ النبي صلى الله عليه وسلّمفي زَوْجِ بَرِيرَة
باب
---
خالف أبا حنيفة، وجعل لها الخِيَارَ إن كانت تحت العبد، وإن كانت تحت الحُرِّ فلا خيار لها، وراجع «الحاشية»، و«العيني».
باب ُ قَوْلِ اللّهِ تَعَالى: {وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلامَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} (البقرة: 221)(7/52)
5285 - قوله: (إنَّ ابنَ عُمر كان إذا سُئِل عن نِكاح النصرانية، أو اليهودية، قال: إنَّ الله حَرَّم المشركاتِ)... إلخ، وهذا مما تضرر به ابنُ عمرَ في عدم إباحة النكاح بالكتابية. وأجاب الجمهورُ أن القرآن أباح لنا نِكاحَهنّ، مع العلم بأنهنَّ مشركاتٌ، فكأنّ هذا النوع اختص من المشركين بأحكام على حِدَة، ولعله يقول: إنَّ القرآن، قَيّد جوازَ نِكاح الكتابيات بالإِحصان. ومَنْ دَعَى نِداً، وقال: ثالثُ ثلاثة، فإِنه ليس بِمُحْصَن.
باب نِكاحِ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ المُشْرِكاتِ وَعِدَّتِهِن
وَقالَ عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كانَ المُشركُونَ عَلَى مَنْزِلَتَينِ منَ النبي صلى الله عليه وسلّموَالمُؤْمِنِينَ، كانُوا مُشْرِكي أَهْلِ حَرْبٍ، يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ، وَمُشْرِكِي أَهْلِ عَهْدٍ، لاَ يُقَاتِلُهُمْ وَلاَ يُقَاتِلُونَهُ، وَكانَ إِذَا هَاجَرَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الحَرْبِ لَمْ تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ، فَإِذَا طَهُرَتْ حَلَّ لَهَا النِّكاحُ، فَإِنْ هَاجَرَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ، رُدَّتْ إِلَيهِ، وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ مِنْهُمْ أَوْ أَمَةٌ، فَهُمَا حُرَّانِ، وَلَهُمَا ما لِلمُهَاجِرِينَ، ثُمْ ذَكَرَ مِنْ أَهْلِ العهْدِ مثْلَ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ: وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ أَوْ أَمةٌ لِلمُشْرِكِينَ أَهْلِ العَهْدِ لَمْ يُرَدُّوا.h
وَرُدَّتْ أثْمَانُهُمْ.
---(7/53)
أي ما الحكم فيما إِذا أسْلم أحدُ الزَّوْجَين؟ قلنا: إنْ كان الزَّوْجانِ في دار الإِسلام يُعْرض الإِسلامُ على الآخَر، فإِن أسلم هو أيضاً، فهما على نِكاحهما، وإلاَّ بانت منه؛ وإنْ كانا في دار الحرب، لم تقع الفُرْقة حتى تحيضَ ثلاثَ حِيض، وقرره صاحب «الهداية»: إنَّ عَرْض الإِسلام لما تعذَّر لانقطاع وِلاية العرض، وتبايُنِ الدَّارين، ولم يهاجر هو أيضاً، ولا بدّ من الفُرقة رَفْعاً للفساد، أقمنا شرطها وهو مُضي الحيضِ مقام السبب، وإذا خرجت المرأةُ إلينا مُهاجِرةً وقعت البينونةُ بمجرد المهاجَرة، ولا عِدّة عليها.
5287 - قوله: (لم تُخطب حتى تَحِيض وتَطهر) وهو مذهبُ أبي حنيفة. ثُم إنها ليست بِعِدّة عندنا.
5287 - قوله: (وإن هاجر عبد منهم، أو أمة، فهما حُرّان) وهو مذهبُ أبي حنيفةَ.
5287 - قوله: (ثُم ذكر من أهل العهد مثل حديث مجاهد) وحديثُ مجاهد ذكره عَقِيبه، وليعلم أن ما نقله المصنِّف من الآثار تفيد الحنفية في أنه لا عِدّة عليها.
باب إِذَا أَسْلَمَتِ المُشْرِكَةُ أَوِ النَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الذِمِّيِّ أَوِ الحَرْبِي
---(7/54)
وَقالَ عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ خالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا أَسْلَمَتِ النَّصْرَانِيَّةُ قبْلَ زَوْجِهَا بِسَاعةٍ حَرُمَتْ عَلَيهِ. وَقالَ دَاوُدُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ: سُئِلَ عَطَاءٌ: عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ العَهْدِ أَسْلَمَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَ زَوْجُهَا في العِدَّةِ، أَهِيَ امْرَأَتُهُ؟ قالَ: لاَ، إِلاَّ أَنْ تشَاءَ هِيَ بِنِكاحٍ جَدِيدٍ وَصَدَاقٍ. وَقالَه مُجَاهِدٌ: إِذَا أَسْلَمَ في العِدَّةِ يَتَزَوَّجُهَا. وَقالَ اللّهُ تَعَالَى: {لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (الممتحنة: 10). وَقالَ الحَسَنُ وَقَتَادَةُ في مَجُوسِيَّينِ أَسْلَمَا: هُمَا عَلَى نِكاحِهِمَا، وَإِذَا سَبَقَ أَحَدُهُما صَاحِبَهُ وَأَبى الآخَرُ بَانَتْ، لاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيهَا. وَقالَ ابْنُ جُرَيجٍ: قُلتُ لِعَطَاءٍ: امْرَأَةٌ مِنَ المُشْرِكِينَ جاءَتْ إِلَى المُسْلِمِينَ، أَيُعَاوَضُ زَوْجُهَا مِنْهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَءاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ}؟ (الممتحنة: 10). قال: لاَ، إِنَّما كانَ ذاكَ بَينَ النبي صلى الله عليه وسلّموَبَينَ أَهْلِ العَهْدِ. وقالَ مُجَاهِدٌ: هذا كلُّهُ في صُلحٍ بَينَ النبي صلى الله عليه وسلّموَبَينَ قُرَيشٍ.
واعلم أنَّ الذِّمي أو الحربي ليسا بِلَقَبين من حيثُ المذهب، بل هما لقبان من تلقاء الدَّار.
قوله: (عن ابن عباس إذا أسلمت النصرانيةُ قبل زَوْجِها بساعة، حَرُمت عليه) فقال بالحرمة بدون عَرْض الإِسلام أو غيره، وهو مختارُ البخاري، فيقطع الفُرقة بلا مُهْلة.
قوله: (إذا أسلم في العِدّة يتزوّجان) فاعتبر بالعِدّة.
قوله: (في مجوسِيّين أسلما) أي أسلما معاً، فهما على نِكاحِهما، وهو المذهبُ عندنا، ولا عبرةَ بالنَّظر المنطقي، بأن صورة إسلامهما معاً متعذِّر، فلا بدّ من التقدّم، ولو يسيراً، لأنَّ التقدّم مِثْله ساقِطٌ لا يُعتبر به.(7/55)
---
قوله: (وإذا سبق أَحَدُهما صاحِبه، وأَبى الآخَرُ بانت)... إلخ، وهذا يشيرُ إلى عَرْض الإِسلامِ أيضاً، لأنه أدارَ البينونةَ على الإِباء، والإِباء يُشْعر بِعَرْض الإِسلام عنده أيضاً.
5288 - قوله: (فَقَد أقرَّ بالمِحْنةِ) صلى الله عليه وسلّمبندى أحكام شرح كى أي التقيّد والتعبُّد بالشَّرْع.
باب ُ قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاؤُوا}: رَجَعُوا {فإِنَّ ا غَفُورٌ رَحِيمٌ وإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فإنَّ ا سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
واعلم أنَّ الشَّرْع اعتُبِر الإِيلاء بما دونَ أربعة أشهر يميناً كسائر الأَيْمان، ولم يدخل فيه بنفسه، فإِذا حلف بالمدةِ المذكورة، فكأنّه أراد الحَيْف عليها، فجعل له باباً، وبنى له أَحْكاماً، فإِن جامَع المولى في المدّة عليه كفارةُ يمينه، وإنْ بَرّ فيه، ولم يُجامع بانَت منه بلا تفريق القاضي. وقال الآخَرُون: إنَّ القاضي يُجْبر عليه بعد مُضي المُدّة. إما أن بفيء، أو يُفرِّق القاضي بينهما، فإِن فاء عليه كفارةُ يمينه، وأَتَى البخاريُّ بآثارٍ على خلاف مذهب الحنفية.
قلتُ: والأَصْل أن المَدار فيه على التفَقّه، وقد مَرّ معنا أن سطح الإِيلاء يقتضي أن لا يحتاج الفُرقة فيه إلى قضاءِ القاضي، وذلك لأنه ضَرَب فيه مُدّة، ومُضي تلك المدّةِ لا يحتاجُ إلى القضاء، بل ذلك أَمْر يَتِم وهي في بيتها أيضاً، بخلاف اللِّعان، كما قَرّرناه. ولما تبينت أن المسألة سَرى فيها الاجتهادُ، لم أتأثر مِن تعديد المصنِّف أسماء السَّلف. وراجع من الشروح أسماء مَنْ وافقنا مِن السَّلف.
5291 - قوله: (يُوقَف)... إلخ، أي يَحْضُر عند القاضي.
قوله: (ليفيء) أو يُفَرّق بينهما.
باب ُ حُكْمِ المَفقُودِ في أَهْلِهِ وَمالِه
---(7/56)
وَقالَ ابْنُ المُسَيَّبِ: إِذَا فُقِدَ في الصَّفِّ عِنْدَ القِتَالِ تَرَبَّصُ امْرَأَتُهُ سَنَةً. وَاشْتَرَى ابْنُ مَسْعُودٍ جارِيَةً، وَالتَمَسَ صَاحِبَهَا سَنَةً، فَلَمْ يَجِدْهُ، وَفُقِدَ، فَأَخَذَ يُعْطِي الدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمَينِ، وَقالَ: اللَّهُمَّ عَنْ فُلاَنٍ فإِنْ أَبَى فُلانٌ فلي وَعَلَيَّ، وَقالَ: هَكَذَا فَافعَلوا بِاللُّقَطَةِ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ. وَقالَ الزُّهْريُّ في اْلأَسِيرِ يُعْلَمُ مَكانُهُ: لاَ تَتَزَوَّجُ امْرَأَتُهُ، وَلاَ يُقْسَمُ مالُهُ، فَإِذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ فَسُنَّتُهُ سُنَّةُ المَفقُودِ.
ويُحْكم عندنا بموتِه بموتِ أقرانِه، ثُم يجري الإِرثُ في ماله. وفي «الهداية»: أنه هو الأَقيسُ، وقد قَدَّره بَعْضُهم بتسعينَ، وغيره. وأما عند مالك فينتظر أربعَ سنين، ثُم يُحكم بموتِه، وبه يفتي علماءُ زماننا. ونقل الشاميُّ مَذْهب مالك، ثُم لم ينقل شرائطه عنده، والناس اليوم يفتون بمذهبه، ولا يراعون شرائطَه المدونة عندهم. فهؤلاء لا يعملون بمذهبهم، ولا بمذهبه، وإنما اعتَبَر مالك أربعَ سنين، لأنه أكثرُ مُدّة الحمل عنده، فعليها أن تنتظر تلك المدة، وتستبرىء فيها رَحِمها، ثُم إنه فَصْل في تلك المدةِ، بكون المفقود في المعركة، أو القَحْط، أو الوباء، ليغلب هلاكُه، إلى غير ذلك من التفاصيل. والناس يُفتون بلا مراعاةِ تلك الشرائط.
واعلم أن مسائلَ الأئمة على ثلاثة أقسام:
الأول: ما تتناقض في الظاهر أيضاً، مثلاً: وجوب الفُرْقة في مسألةٍ عند إمام، وعَدَمه عند إمام. فهذان الحُكْمان متناقضان ظاهراً.
---(7/57)
والثانية: ما ائتلف سطحاها، واختلف مبناها، كما ترى فيما نحن فيه، فإِن مَبْنى عبرةِ المدّة المذكورة - عند مالك - كونُها أكثرَ مدّة الحَمْل، ثم التفريق بعده، لكونه مما يتولى به الحاكم عنده مُطلقاً. وللحنفية خلافٌ فيهما، فإِن أكثرَ مدّة الحمل عندنا سنتان، وأم التفريق من القاضي فليس عندنا إلا في باب اللعان.
والثالثة: ما لا تَناقُض فيه في الظاهر، ولا في المَبْنى، إلا أن بينهما شَبَه التناقض، والتناقض بأنواعه لا يُحْتمل في الدِّين. فَمَن يفتي بمذهب مالك في مسألة المفقود يلزم عليه التناقض من حيثُ لا يدريه، فإِنه يفتي بمذهبه، ولا يشعر بأنه قد التزم في ضمنه كونَ أَكْثر مُدّةِ الحمل سنتين، وأربع سنين معاً، وكذا لا يشعر بأنه ابتُلي في التناقض في مسألة التفريق، ولو دراه لَعَلِم أنه بإِفتائه هذا قد هَدم أبواباً من فِقْه الحنفية، وإن زعم في الظاهر أنه لم يخالفه إلاَّ في تلك الجزئيةِ. فلمسائلِ الأئمة سليلةٌ وارتباط فيما بينهما، وليست على طريق البخت والاتفاقِ، والاطلاعُ على أصولها، ودَرْكُ مبناها، مما يعز في هذا الزمان، فليحذر في مثل هذه المواضع، ولينظر في أن له حقاً لذلك أَوْ لا، وإنّما هو لمن كان عنده عِلْمٌ بمسائل الأئمة، ومبناها، وذَوْقٌ بمدارك الفقهاء ومغزاهم، وإلاَّ فهو رَكِبَ مَتْن عمياء، وخَبط خَبْط عشواء.
قوله: (اللهم عن فلانٍ، فإِن أتى، فَلي، وعليَّ)، أي فإِن أتى صاحِبُها، فأَجْرُ التصدُّق لي، والغرامة عليّ. وعلم منه ما كان طريقُ الإِثابة عند السلف، فاعلمه، فإنه مهم. أقول: فحينئذٍ لا حاجةَ في إيصال ثوابِ العبادات إِلاّ أَنْ يقال: إني أَصُوم عن فلان، وأَهَبُ ثوابَه لفلان، فأَرْسله مني مثلاً، فالطريق المأثور، كما هو المذكور.
---(7/58)
باب الظِّهَارِ، وقَوْلِ الله تَعَالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا} إِلَى قَوْلِهِ: {فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِيناً} (المجادلة: 1 - 4)
دخل في باب الظهار.
قوله: (وقال الحسنُ: ظِهار الحرّ)... إلخ. وهي مسألة أنَّ الطلاق بالرِّجال، أو بالنِّساء؟ وراجع له الفِقْه.
قوله: (إنما الظهار من النساء) أي الحرائر. واعلم أن الظاهري تكلَّم في وجوب الكفارة في الظهار، فقال: إنْ قلنا: عليه أن يأتي امرأته، ثُم يكفِّر عن ظهاره، يلزم أن يجبر على إتيان ما كان حَرَّم هو على نَفْسه بنفسه، وإنْ قلنا: إنه يكفِّر أَوّلاً، ثُم يَقْرَب امرأته، فلا وَجْه له، فإِنه لم يَكْسب ذنباً بعدُ لنوجِب عليه الكفارةَ، وإن قال الشافعيةُ بجواز تقديم الكفارة في اليمين، لكن الحنفية خالفوهم، ولم يوجِبُوا الكفارةَ إلاَّ بعد الحِنْث لذلك المحذور.
قلتُ: والجواب أن العَوْد عندنا مُفَسّر بالعَزْم على القُرْبان، فإِن القُرْبان لا يَصْلُح له مِن أجل ظهاره، فأقيم عَزْمُ القُربان مقامَ القُربان، وعلّق به الكفارة. والعجب من الظاهري حيث فَسّره بالمعاودة إلى هذا القول مرة أخرى، وليت شِعري ما حمله على ذلك، مع أنَّ القرآن نعى على قوله الأَوّل، وجعله مُنْكراً من القول وزوراً، وعاقبه بالكفارةِ، وهذا يحمله على المعاودةِ إليه مَرّة أخرى. ثُم العجب على العجب أَنَّ قَوْله: في المَرّة الأُولى إذا لم يكن موجِباً للكفارة عنده، فكيف يكون موجِباً في المرة الثانية؟ إن هذا لمن عجب.
---(7/59)
قوله: ({لِمَا قَالُواْ}) فَسّره البُخاري بقوله: «فيما قالوا»، فإِنَّ الله تعالى ما كان ليأمرَه أن يعودَ لمثله ثانياً، وقد نعى عليه أوّلاً. واستدلَّ منه الطحاوي على أن النهيَ لا يقتضي البُطلانَ، فإِنَّ الله سبحانه مع تشنيعِه على الظهار وَضَع له أَحْكاماً، فدلّ على أنَّ الشيء يكون منهياً عنه، ثم تكون له أحكامُ عند الشَّرْع.
فائدة:
واعلم أنه جرت مناظرةٌ بين الطبراني وبين محمد بن داود في مسألة: وكانا جالِسين على أَرضٍ يابسةٍ، إذ مَرّ بهما ابنُ العميد، وأوقف دابته عليهما، فما بالا به، وبقيا على ما كان يجري بينهما، حتى مضى لحاجته. وابنُ العميد هذا من وُزراء الخلافةِ العَبّاسية، أديبٌ كبير، كان عَضُد الدولة دعاه إلى الوزارةِ، فأجابه إني أحتاج إلى أَربع مئة مِن الإِبل تَحْمِلُ كُتبي، وكان في زمنه أديبٌ آخرَ، يُسمّى أبا إسحاق، وكان صابئياً، وكان وزيراً للسَّلْطنة السُّلْجُوقية، ثم أَسْلم بعده، وكان بُعَد أَفْضَل منه، وكان ابنُ العميد، يقول: لم تبق في نفسي حاجةٌ، إلاَّ أن يقول لي أبو إسحاق: يا أستاذ، والفصل في حقهما، كما قيل: إن الصابئي يَكْتب كما يُراد، وابنَ العميد يَكْتب كما يُريد. قلتُ: وبينهما بونٌ بعيد.
ثُم إنَّ البخاري خالف الظاهريَّ، ولم يُرد مِن العودِ ما أراده الظاهريُّ مع كونه رفيقَه، ومنه تَعلّم قوله: «لفظي بالقرآنِ مخلوق»، وكان الظاهري سافر إلى أحمدَ، فلما بلغه أَبَى أن يلاقِيه، وقال: لا أُحِبّ الملاقاةِ بِمَنْ قال بِخَلْق القرآن. قلتُ: وكان البخاري أيضاً سافر إليه، إلا أنه تُوفِّي قبل أن يَبْلُغه، ولو بلغه لردّه خائباً، كما ردّ الظاهري، لاشتراكهما في المقولة.
باب ُ اْلإِشَارَةِ في الطَّلاَقِ وَاْلأُمُور
---(7/60)
وَقالَ ابْنُ عُمَرَ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «لاَ يُعَذِّبُ اللّهُ بِدَمْعِ العَينِ، وَلكِنْ يُعَذِّبُ بِهذا». فَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ. وَقالَ كَعْبُبْنُ مالِكٍ: أَشَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم إِلَيَّ أَي: «خُذِ النِّصْفَ». وَقالَتْ أَسْمَاءُ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم في الكُسُوفِ، فَقُلتُ لِعَائِشَةَ: ما شَأْنُ النَّاسِ؟ - وَهيَ تُصَلِّي - فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى الشَّمْسِ، فَقُلتُ: آيَةٌ؟ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا: أَنْ نَعَمْ. وَقالَ أَنَسٌ: أَوْمَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوْمَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم بِيَدِهِ: «لاَ حَرَجَ». وَقالَ أَبُو قَتَادَةَ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم في الصَّيدِ لِلمُحْرِمِ: «آحَدٌ مِنْكُمْ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيهَا، أَوْ أَشَارَ إِلَيهَا؟» قالُوا: لاَ، قالَ: «فَكُلُوا».
وهي معتبرةٌ عندنا في عدد الطلاق، لا في نَفْس الطلاق، وقد مَرّت الجزئية في «الأشباه والنظائر». وقد اعتبر بها البخاري في الطلاق، وغيره، إلا أنه أتَى بالأُمور البينية لا من باب الحُكْم والقضاء، وكلامنا في الثاني دون الأَوّل.
5295 - قوله: (فَرُضِخ رأسُه بين حَجَرَين) قد فَسّر الراوي ههنا، وأتى بتمام القصة، فلا إشكال في الرَّضخ، وقد أجمل في بعض المواضع، فذكر الرَّضْخ، ولم يذكر اعترافاً منه، وحينئذ يُشْكل الرّضخ بقول جاريته فقط، ولا سيما إذا كانت في سياق الموت، وذلك لأٌّه قد مَرّ معنا مِراراً، أن الرواة لا بَحْث لهم عن تخريج المسائل، وتصحيح التفريعات، وإنما هم بِصَدد نَقْل القصة فقط، فلا يأتون بالألفاظ ناظرين إلى المسائل المختلفة، وإنما هو مِن أفعال المجتهد، وأما الراوي فلا عناية له، إلى أنه كيف القِصاص، وهل يُشترط فيها لمماثلةُ أو لا؟ فتنبه.(7/61)
---
باب ُ اللِّعَان
وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِن كَانَ مِنَ الصَّدِقِينَ} (النور: 6 - 9). فَإِذَا قَذَفَ اْلأَخْرَسُ امْرَأَتَهُ، بِكِتَابَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ بِإِيمَاءٍ مَعْرُوفٍ، فَهُوَ كالمُتَكَلِّمِ، لأَنَّ النبي صلى الله عليه وسلّمقَدْ أَجازَ اْلإِشَارَةَ في الفَرَائِضِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْل الحِجَازِ وَأَهْلِ العِلمِ، وَقالَ اللّهُ تَعَالَى: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ فِى الْمَهْدِ صَبِيّاً} (مريم: 29) وَقالَ الضَّحَّاكُ: {إِلاَّ رَمْزًا} (آل عمران: 41) إِشَارَةً، وَقالَ بَعْضُ النَّاسِ: لاَ حَدَّ وَلاَ لِعَانَ، ثُمَّ زَعَمَ: أَنَّ الطَّلاَقَ بِكِتَابٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ إِيمَاءٍ جائزٌ، وَلَيسَ بَينَ الطَّلاَقِ وَالقَذْفِ فَرْقٌ. فَإِنْ قالَ: القَذْفُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِكَلاَمٍ، قِيلَ لَهُ: كَذلِكَ الطَّلاَقُ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِكَلاَمٍ. وَإِلاَّ بَطَلَ الطَّلاَقُ وَالقَذْفُ، وَكَذلِكَ العِتْقُ، وَكَذلِكَ اْلأَصَمُّ يُلاَعِنُ. وَقالَ الشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ: إِذَا قالَ أَنْتِ طَالِقٌ، فَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ، تَبِينُ مِنْهُ بِإِشَارَتِهِ. وَقالَ إِبْرَاهِيمُ: اْلأَخْرَسُ إِذَا كَتَبَ الطَّلاَقَ بِيَدِهِ لَزِمَهُ. وَقالَ حَمَّادٌ: اْلأَخْرَسُ وَاْلأَصَمُّ إِنْ قالَ بِرَأْسِهِ جازَ.
قوله: (فإِذا قذف الأخرس امرأته بكتابته) ولا تَثْبت الحدودُ عندنا بهذه الأشياءِ لشبهةٍ فيها، والحدود تندرىء بالشُبهات.
---(7/62)
قوله: (وقال بعضُ الناس)... إلخ. يريد به الحنفية. وحاصل كلامِه أن أبا حنيفة يَعْتبر الكتابةَ، والإِيماء، والإِشارة في بابِ الطلاق، ولا يعتبِرُها في القَذْف، ولا فرق بينهما، لكونهما من جنس الكلام. والجواب أنَّ الطلاق أيضاً لا يَقَع عندنا بالإِشارة، كما علمت، نعم لو طَلّق باللفظ، ثُم أشار بالأصابع إلى العدد يُعتبر، وأما الكتابة فإِن وقع بها الطلاق، لكنه لا يُعتبر بها عند الجحود، فهو من باب الدِّيانة دون القضاء. وأما قولُه بعدم الفَرْق فلا نسلِّمه، كيف واللِّعان والقَذْف من الحدود، وهي مما تَنْدرىء بالشُّبهات، بخلاف الطلاق.
قوله: (قال القَذْف لا يكون)... إلخ. وقد سقطت منه حَرْف «إن»، أي إن قال: القَذْف لا يكون... إلخ.
قوله: (قال إبراهيم: الأَخْرس إذا كَتب الطلاقَ بيده لَزِمه) والكِتابة عندنا على أنحاء: مُستبينةُ، وغيرُ مستبينة، كالكتابة على الهواء والماء. والأُولى إما مرسومةٌ، أو غيرُ مرسومة، والثانية لا عبرة بها، لأنها لا تَعْرى عن شبهةٍ، بخلاف الأُولى.
قوله: (وقال حَمَّاد)... إلخ. أرادَ به التدافُعَع بين كلامِ أبي حنيفة، وكلامِ شيخه حَمّاد بن أبي سليمان. واعلم أنَّ حَمّاداً أيضاً ممن رُمي بالإِرجاء، كأبي حنيفة، فلا أدري ما وَجْهُ كَفّارة المُحدِّثين من أبي حنيفة دون حَمّاد، فإِن المحذور مُشْتَرك.
باب إِذَا عَرَّضَ بِنَفي الوَلَد
باب ُ إِحْلاَفِ المُلاَعِن
باب يَبْدَأُ الرَّجُلُ بِالتَّلاَعُن
---
5305 - قوله: (وُلِد لي غلامٌ أَسْوَدُ) فكأَنَّ الرَّجُل عَرّض بنفي ولده، ولكن النبيَّ صلى الله عليه وسلّملم يعبأ بِتَعْريضه، ولم يجعل له حُكْماً؛ قلتُ: والتعريضُ كالإِيماء، والإِشارة بالقذف، وعَدّهما البخاري كالصريح، فلزمه أن يقول باللعانِ في صورة التعريض أيضاً.
باب ُ اللِّعَانِ، وَمَنْ طَلَّقَ بَعْدَ اللِّعان
يريد أنَّ الثلاثَ المتواليات ليست بِدعةً.(7/63)
باب ُ التَّلاَعُنِ في المَسْجِد
واعلم أنَّ القضاء عندنا مِن العبادات، فَيُقْعد له في المسجد، ووافقنا فيه البخاري، إلاَّ أنَّ الجُنُب، والحائضة لا يَحْضُرانِ المسجد. فقال: ذاك تفريقٌ بين كلِّ متلاعنين، وهو مُدْرجٌ، ليس من كلامِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم
باب ُ قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «لَوْ كُنْتُ رَاجِماً بِغَيرِ بَيِّنَةٍ»
باب ُ صَدَاقِ المُلاَعَنَة
باب ُ قَوْلِ اْلإِمامِ لِلمُتَلاَعِنَينِ: «إِنَّ أَحَدَكُمَا كاذِبٌ، فَهَل مِنْكُمَا تَائِبٌ؟»
باب ُ التَّفرِيقِ بَينَ المُتَلاَعِنَين
وفي الحديث مسائل:
الأُولى: أنَّ اللِّعان لا يكون عندنا بنفي الحَمْل، فإِن الحَمْل محتمل، واللعان حَدّ. فإِنْ أرادَ اللِّعان، عليه أن يَنْتظر الوَضْع، فإِذا وضعت لاعن، ونَفَى النَّسَب. وذهب أحمدُ إلى أنه يجوزُ نَفْي النَّسب إذا قَوِيت آثارُ الحَمْل، خِلافاً لسائر الأئمة.
والثانية: أنَّ قَذْف الملاعنة هل يُوجِب الحدَّ أو لا؟ فقال به الحجازيون، وأنكره الحنفية، وحديثُ أبي داود حُجّةٌ لهم. وعَجز ابنُ الهُمام عن جوابه، وقد أجبت عنه بما مر، كما مر.
---
والثالثة: أنه هل تَجِب لها نفقةُ عِدّتها أو لا؟ فأثبتها الحنفية، ويرد عليهم حديثُ أبي داود، ففيه تصريحٌ بسقوط نفقتها.
والرابعة: أنَّ التفريق فيه يحتاج إلى القَضاء أو لا، فعندنا يحتاجُ إلى القضاء، كما يقول الراوي في الحديث الثاني: فَفَرّق بينهما.
باب يُلحَقُ الوَلَدُ بِالمُلاَعِنَة
باب ُ قَوْلِ اْلإِمامِ: اللَّهُمَّ بَيِّن(7/64)
5315 - قوله: (وألحقَ الوَلَدَ بالمرأةِ) فعلم أنَّ اللِّعان في تلك القِصّةِ لم يكن من نفي الحَمْلِ، بل كان عندها وَلَد. وقد مرّ معناه أنّ الرواة فيه مُضْطّربون، فقالوا تارة: إنه لاعَن في حال الحَمْل، وهذا العنوان وارِدٌ على الحنفية؛ وتارة أُخرى أنه لاعَنَها بعد الولادة، وهذا يؤيّدُ الحنفيةَ، وليس من الإِنصاف الجمودُ على ألفاظ الرواة.
باب إِذَا طَلَّقَهَا ثَلاَثاً، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ العِدَّةِ زَوْجاً غَيرَهُ، فَلَمْ يَمَسَّهَا
يعني لا بُدّ للعَوْد إلى الزِّوْج الأَوّل (من) دخول الزوج الثاني، ولا يكفي له النِّكاح فقط.
باب {وَاللاَّئِى يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نّسَآئِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ} (الطلاق: 4)
قالَ مُجَاهِدٌ: إِنْ لَمْ تَعْلَمُوا يَحِضْنَ أَوْ لاَ يَحِضْنَ، وَاللائِي قَعَدْنَ عَنِ الحَيضِ، وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَثَةُ أَشْهُرٍ} (الطلاق: 4).
باب {وَأُوْلَتُ الاْحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (الطلاق: 4)
فهي الآيسة.
قوله: (واللائي لم يَحِضْن) وهي الصغيرةُ، ولم يأخذ الحنفيةُ بِمُمْتَدّة الطُّهْر، فلما استُفْتوا بها اضطروا إلى الافتاءِ بِمَذْهب مالك.
---
باب ُ قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَثَةَ قُرُوء} (البقرة: 228)
وَقالَ إِبْرَاهِيمُ فِيمَنْ تَزَوَّجَ في العِدَّةِ، فَحَاضَتْ عِنْدَهُ ثَلاَثَ حِيَضٍ: بَانَتْ مِنَ اْلأَوَّلِ، وَلاَ تَحْتَسِبُ بِهِ لِمَنْ بَعْدَهُ، وَقالَ الزُّهْرِيُّ: تَحْتَسِبُ. وَهذا أَحَبُّ إِلَى سُفيَانَ - يَعْنِي قَوْلَ الزُّهْرِيِّ . وَقالَ مَعْمَرٌ: يُقَالُ: أَقْرَأَتِ المَرْأَةُ إِذَا دَنَا حَيضُهَا، وَأَقْرَأَتْ إِذا دَنَا طُهْرُهَا، وَيُقَالُ: ما قَرَأَتْ بِسَلًى قَطُّ، إِذَا لَمْ تَجْمَعْ وَلَداً في بَطْنِهَا.(7/65)
قوله: (وقال إبراهيم، فيمن تزوج في العدة، فحاضت عنده ثلاث حيض: بانت من الأول، ولا يحتسب به لمن بعده، وقال الزهري: يحتسب، وهذا أحب إلى سفيان) واعلم أَوّلاً أنه قد طال نزاعهم في معنى القُروء: فَفَسّرها الحنفية بالحِيض، ولشافعية بالأطهار. والأَمْر عندي قريبٌ من السواء، وليس بينهم إلا اختلافُ التخريج، فإِن العِدّة تنقضي بثلاثِ حِيض، وطُهرين، وطهر ناقص عند الكل، فإِذا مضت تلك المدةُ، فقد خرجت عَمّا عليها من تلقاء العدة إجماعاً بيننا وبينهم، نعم اختلفا أنّ المؤثّر في المُضي هو ثلاثُ حِيض، أو الأطهار، وليس هذا إلاَّ اختلافَ الأنظار. ونَقَل ابنُ القَيّم عن أحمدَ أنه فَسّر القروء بالطَّمْث في آخِر عُمُره، وصَوّبه.
---(7/66)
وقال قطرب تلميذُ سِيبويه: إنَّ القُرء في اللغة هو الاجتماعُ للإِخراج، فأُطلق على الطُّهر نظراً إلى أَوّل الحال، أي لأن الدّمَ يجتمع فيه، وعلى الطَّمث نَظراً إلى آخِر الحال، لأنَّ الدَّمَ يَخْرج فيه، كذا في تفسير الرّازي، ذيل قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (البقرة: 185)، وقال ما قال إبراهيمُ، فمعناه أنَّ امرأةً كانت تعتدّ من طلاق، فتزوجها رجلٌ آخر، فوطأها بشبهةِ العَقْد، فوجبت لها عِدّةٌ أُخرى، فهل تعتدُّ لكلَ عِدّة مستقلة، أو تحتسب بقية العدة منهما؟ فذهب إبراهيمُ إلى أنَّ عليها عدّتين، ولا تخرج من ثلاث حِيض، إلاَّ مِن الأُولى، ولا تحتسب تلك عَمّا وجب عليها بَعْدَها. وقال الزُّهري: بل تحتسب بقيةَ العِدّة منهما، وما فضلت تُتِمها بعد العِدّة الأُولى، نحو إنْ كانت وطئت بعد حيض تتربّص ثلاثةَ حِيض أُخرى، وتحتسب الحيضتان منهما، وتخرج من عِدّة الزَّوج الأَوّل، لِمُضِي نِصابها، ويبقى عليها حَيْض آخَر من عدة الزوج الثاني، فتعتد هذه أيضاً، وحينئذ تخرج من العِدّتين. وهكذا المسألةُ عندنا، فإِن مبناها على التداخل، ومن ههنا طاح ما أورده الأغبياء على الحنفية مِن وجوبِ العِدّة على مَنْ نكحت محرماً، فَوُطِئت.
باب ُ قِصَّةِ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيس
---(7/67)
وَقوْلِهِ عَزَّ وَجلَّ: {وَاتَّقُواْ اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} (الطلاق: 1) {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيّقُواْ عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} إِلَى قَوْلِهِ: {بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} (الطلاق: 6 - 7).
واعلم أنَّ المطلقةَ إما رجعية، أو مبتوتة. واتفقوا في الرجعية أنَّ لها النفقةَ، والسُّكْنى، والكلام في المبتوتة الحائل، فقال الإِمام الأَعْظم: إن لها السُّكْنى والنفقةُ أيضاً، وقال مالك، والشافعي: لها السُّكْنى دون النَّفقة، وقال أحمد: لا سُكْنى لها، ولا نفقةَ. والظاهر أنَّ المُصنِّف وافق الشافعيّ، ويحتمل أن يكون وافق أَبا حنيفةَ. أما أحمد، فلم يوافِقه أصلاً، وظاهر الحديث يؤيدُ أحمد، فاشتركنا كلّنا - غير أحمد - في الجواب عنه في السُّكْنى، وانفردنا في أَمْر النَّفَقة خَاصّة. فقالوا: إنَّ نفي السُّكنى لكونها ناشِزة، أو كانت بذيئةً تطيل لسانَها على أحمائها، فليست السُّكْنى منفيةً رأساً، بل منفيةٌ في هذه الواقعة الجزئية، لما قلنا. وفي الأَحاديث أعذارٌ أُخرى أيضاً، مَنْ شاء فليراجعها من مَظانِّها.
وقال مالك في وجوب السُّكْنى: إنَّ القرآن أَوْجَب السُّكْنى للمعتدة، ولم يؤم فيه بتفصيلٍ بين الرجعية والمبتوتة، فإِذا لم يتعرّض إليه القرآنُ في موضع، ساغ لنا أن نَتَمسّك بالإِطلاق، فإِنّ الحُكْم إذا وَرَد عامّاً أو مُطْلقاً في مَحْلّ، وعلم المجتهدُ التّناسُبَ بين الوَصْف والحُكْم، يجوز له أن يَتَمسّك مِن مِثْل هذا الإِطلاق والعُموم.
---(7/68)
وأما وجوبُ النَّفقة، فَتَفَقّه الإِمام فيه أنها في حَبْس الزَّوْج، فَتَجِب لها النفقةُ لا محالة. أما فاطمةُ فَأَمْرها أنَّ زَوْجَها كان أعطاها نَفَقَتها، كما عند الترمذي، إلا أنها كانت تَستقِلّها، فمعنى قوله: «لا نَفِقَة»، أي لا نَفَقة لك غير ما أُعْطِيت، فإِنَّ النفقةَ عندنا بحالِ الزوجين. ولقائل أن يقول: إنَّ النَّفَقة في المنكوحة إذا سقطت بالنُّشُوز، فينبغي أن تَسْقط في المبتوتة الناشزة أيضاً، إلاَّ أنَّ سقوطها في المنكوحة إنما هو إذا خرجت من بيتِ زَوْجها. ولنا ما عن عُمر، فإِنه ردّ على فاطمةَ، وأفتى، كما اختاره الحنفيةُ، وقال: لا نَتْرك كتابَ اللَّهِ وسُنّة رسوله لقول امرأةٍ لا ندرِي أذكرت أم نَسِيت، كذا في مسلم. ومَرّ عليه أحمدُ، وتَبسّم، وقال: أين ذلك في كتاب الله وسُنة رسوله قلتُ: وعند الطحاوي: قال عمرُ: سَمِعت رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّميقول: لها السُّكْنى والنَّفقة اه. وفيه راوٍ حَسّنه بَعْضُهم، وتكلّم فيه بَعْضُهم، فالإِسناد عندي حسن. وأخرجه البيهقي أيضاً، إلاّ أنهم متى كانوا ليسلموه؟ وفي حديث عائشة الآتي حين قيل لها في شأن فاطمة، قالت: لا يَضُرّك، وفي روايةٍ أخرى عند الطحاوي: «تلك امرأةٌ أفتنت الناس».
باب ُ المُطَلَّقَةِ إِذَا خُشِيَ عَلَيهَا في مَسْكَنِ زَوْجِهَا أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيهَا،أَوْ تَبْذُوَ عَلَى أَهْلِهِ بِفَاحِشَة
باب ُ قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ}(البقرة: 228) مِنَ الحَيضِ وَالحَبَل
أشار إلى تَرْك مذهب أحمد، وذكر تَوْجِيهين لنفي السُّكنى.
قوله: (أو تَبْذُو على أَهله)... إلخ. والمرادُ من الأهل أقاربُ الزَّوْج، والمراد من الفاحشة البذاءة.
---
باب {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدّهِنَّ} (البقرة: 228)(7/69)
في العِدَّةِ، وَكَيفَ يُرَاجِعُ المَرْأَةَ إِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَينِ.
5332 - قوله: (إن كنتَ طَلَّقتها)... إلخ، أي لو كنت طَلّقتها مَرّةً أو مرتين، لكان لك الرجعة، فإِذا طلقتها ثلاثاً فقد وَقَعْن، ولا يحل لك الرجعة وعصيت.
باب ُ مُرَاجَعَةِ الحَائِض
5333 - قوله: (مِن قُبُلِ عِدَّتِها) وهي قراءة شاذّة أيضاً. وعند مسلم أحاديثُ تترى في أن تلك التطليقة حُسِبت عن ابنِ عمر.
باب تُحِدُّ المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرا
وَقالَ الزُّهْرِيُّ: لاَ أَرَى أَنْ تَقْرَبَ الصَّبِيَّةُ المُتَوَفَّى عَنْهَا الطِّيبَ، لأَنَّ عَلَيهَا العِدَّةَ.
باب ُ الكُحْلِ لِلحَادَّة
أي إن كانت صبيةً، فعليها الإِحداد أيضاً. ثُم إنَّ الإِحداد عند الجمهور ليس إلاّ على المُتوفّى عنها زَوْجها، وهو عندنا على المطلّقة أيضاً، ولم يذهب إليه أَحَدٌ من السلف غير إبراهيم النَّخَعي.
5336 - قوله: (أَفَتَكْحُلُها) وإنما لم يرخص لها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم في الاكتحال، لعدم ثُبوت حاجتها إليه عنده، وإلا فالاكتحال بالعُذْر جائز.
5337 - قوله: (فَقَلَّمَا تَفْتضُّ بشيءٍ إلاَّ ماتَ) وهذا من عجاب التقدير، حيث يَجْري حسب ظنون الناس، فإِن ترتب الموت على الافتضاض مما لا يُعْقل فيه التسبيب، وهذا كجري النِّيل عند إلقاء جارية، كما وقع في زمن عمرَ ولعلّ أهلَ الجاهلية كانوا يَزْعمُونها أَمْراً سماوياً، فسار التقدير أيضاً معهم.
---
قلتُ: وهذا كما أنَّ يأجوجَ ومأجوجَ بعد فسادهم في الأرض يقولون: لقد حاربنا مَنْ في الأرض، فلنحارب مَنْ في السماء، فتردُّ عليهم سهامُهُم مخضوبةً دَماً، فهذا أيضاً مماشاةُ التقدير، حَسَب ظنونهم الفاسدة، ويتعلق به ما في الحديث القدسي: «أنا عند ظَنّ عبدي بي»... إلخ.
باب ُ القُسْطِ لِلحَادَّةِ عِنْدَ الطُّهْر
باب تَلبَسُ الحَادَّةُ ثِيَابَ العَصْب(7/70)
وهو على قسمين: حُلوٌ، ومُرٌّ؛ والمُرُّ منه يُجْلب من كَشْمير، والحُلو من القسطنطينية.
باب {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوجًا} إِلَى قَوْلِهِ: {بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (البقرة: 234)
قال عطاء: ثُم جاء الميراثُ، فنسخ السُّكْنى... إلخ. فلا سُكنى لها من جهة الميراث، لتعلّق حَقّ الوَرَثة بها، إلا أنهم إذا أرادوا وفاءَ وصيةِ الزَّوج، فعليهم أن يُعطوا لها السُّكْنى أيضاً، كما أوصى بها.
باب ُ مَهْرِ البَغِيِّ وَالنِّكاحِ الفَاسِد
وَقالَ الحَسَنُ: إِذَا تَزَوَّجَ مُحَرَّمَةً وَهُوَ لاَ يَشْعُرُ، فُرِّقَ بَينَهُمَا وَلَهَا ما أَخَذَتْ، وَلَيسَ لَهَا غَيرُهُ، ثُمَّ قالَ بَعْدُ: لَهَا صَدَاقُهَا.
قوله: (قال الحسنُ: إذا تزوج محرمة، وهو لا يشعر، فرق بينهما، ولها ما أخذت، وليس لها غيره، ثم قال بعد: تعطيها صداقها) يعني كان يقولُ أَوّلاً: إنه لا صَداقَ لها، ولكن لها ما أخذت فقط. ثُم قال من بعد: إنه يُعْطيها الصَّداق، فلينظر فيه مَنْ يطعنون على أبي حنيفة في إيجاب المَهْر بنكاح المُحَرَّمة، وقد افترى مَنْ زعم أنه لا إثْم فيه عندنا.
فائدة
---
واعلم أنه قد يدُورُ بالبال أن الفَرق بين كَسْب البَغي ومَهْرِها: أنَّ الكَسْب ما جاءت به الزانيةُ، سواء كان أُجْرةً للزِّنا، أو غيرَه، وعلى مولاها أن يحتاط فيه، لأنه لا يشعر أنه مِن أي جهة، ومَهْر البغي هو أجرةُ الزِّنا خاصّةً.
باب ُ المَهْرِ لِلمَدْخُولِ عَلَيهَا، وَكَيفَ الدُّخُولُ، أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالمَسِيس
يشيرُ إلى أنَّ المهر يتأكّد بالخُلوة الصحيحةِ، وأنه فَرق بين الصحيحة والفاسدة.
باب ُ المُتْعَةِ لِلَّتِي لَمْ يُفرَضْ لَهَا(7/71)
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النّسَآء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} إِلَى قَوْلِهِ {إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (البقرة: 236 - 237) وَقَوْلِهِ {وَلِلْمُطَلَّقَتِ مَتَعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّا عَلَى الْمُتَّقِينَ كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (البقرة: 241 - 242)، وَلَمْ يَذْكُرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم في المُلاَعَنَةِ مُتْعَةً حِينَ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا.
والصُّور أَرْبَعُ، ذكرها في «الهداية» وهي واجبة للمطلَّقة التي لم يُسمّ لها المهر، ولم يدخل بها.
كتاب النَّفَقَات
باب ُ فَضْلِ النَّفَقَةِ عَلَى اْلأَهْل
{وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبيّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ (البقرة: 219 - 220). وَقالَ الحَسَنُ: العَفوُ: الفَضْلُ.
باب ُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى اْلأَهْلِ وَالعِيَال
---
5355 - قوله: (إما أنْ تُطْعِمني، وإما أَن تُطَلِّقَني)... إلخ. دَلّ على الحصر في الصورتين، فلا سبيل لها إلى التفريق بإِعسار الزَّوج، كما هو مذهبُ أبي حنيفة. وهل كان السَّلفُ إلاَّ معسرين، فكيف يمكن أن يكون إعْسارُ الزوج موجِباً للتفريق ولا أعرف من السَّلف مَنْ كان ذهب إليه، إلاَّ سعيد بن المسيَّب، وفيه توسيع عند مالك.
باب ُ حَبْسِ نَفَقَةِ الرَّجُلِ قُوتَ سَنَةٍ عَلَى أَهْلِهِ، وَكَيَف نَفَقَاتُ العِيَال
دلّ على أنه لا يخالِف التوكّل.
5358 - قوله: (قالا: قَدْ قال ذلك) وترجمته: كها تو هى، وإنَّما يؤتى بِمِثْل هذا الكلام فِيما كان المخاطَب يصدَّق القَوْل، ويؤوله بغير تأويله عند المتكلِّم، ففي هذا القولِ دلالةٌ على أنَّ ابن عباس، وعلياً كانا يُضْمِران في أنفسِهما تأويلاً.(7/72)
قوله: (نَخْل بني النَّضِير) والمرادُ منها ثمارها، وإنما يعبر عن الثمار بالنَّخيل، لأنَّ الأشجار تبقى في حفاظةِ المشتري إلى مدّة مديدة، وهي أَوّان الخرافة، فَتُنسب الأشجارُ إليها، مع أنه ليس له إلاّ ثمارها، فمن ههنا حدث هذا التعبيرُ.
باب وَقالَ اللّهُ تَعَالَى: {وَالْولِدتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} إِلَى قَوَلِهِ: {بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}
---
وَقالَ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَلُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً} (الأحقاف: 15). وَقَالَ: {وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ إِلَى قَوْلِهِ: {بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} (الطلاق: 6 - 7) وَقالَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: نَهى اللّهُ أَنْ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلِدَهَا، وَذلِكَ أَنْ تَقُولَ الوَالِدَةُ: لَسْتُ مُرْضِعَتَهُ، وَهيَ أَمْثَلُ لَهُ غِذَاءً، وَأَشْفُقُ عَلَيهِ وَأَرْفَقُ بِهِ مِنْ غَيرِهَا، فَلَيسَ لَهَا أَنْ تَأْبى، بَعْدَ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ نَفسِهِ ما جَعَلَ اللّهُ عَلَيهِ، وَلَيسَ لِلمَوْلُودِ لَهُ أَنْ يُضَارَّ بِوَلَدِهِ وَالِدَتَهُ، فَيَمْنَعَهَا أَنْ تُرْضِعَهُ ضِرَاراً لَهَا إِلَى غَيرِهَا، فَلاَ جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يَسْتَرْضِعَا عَنْ طِيبِ نَفسِ الوَالِدِ وَالوَالِدَةِ، {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} بَعْدَ أَنْ يَكونَ ذلِكَ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ. {وَفِصَالُهُ} (لقمان: 14): فِطَامُهُ.
---(7/73)
وحَمَله الحنفيةُ على استحقاق الأُم أجرة الرِّضاع، وادّعيت مِن قِبل نفسي أن الحَوْلين أصلُ مُدّة الرِّضاع، وستة أشهر علاوةٌ عليها، يحتاج إليها لتمرين الصَّبي على الطعام وغيره. بقي قولُه تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَلُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً} (الأحقاف: 15)، فهو محمولٌ عندي على مدة الفِصال فقط، ومعناه حَمْله ما يكون... إلخ. وإنما لم آخذ ستة أشهر للحمل، لكونها نادرةً، ولا يلطف حَمْلُ الآية على الأَشذُّ الأندر، والذي يلصق بالقلب، إما أن يُؤخذ بأكثرِ مدةِ الحَمْل، أو بما يكون كثيرَ الوقوع، وستةِ أشهر ليست منهما. ثُم إنْ أخذنا الأَقلَّ من الحَمْل ناسب أن نَأخذ بالأَقلّ من الفصال أيضاً. وبالجملةِ أَخْذُ أقلّ مدةِ الحَمْل من جانب، وأكثر مُدّة الفِصال من جانب، غيرُ مرضي عندي، فلذا عدلت عنه إلى ما سَمِعْت آنِفاً، وقد مرّ الكلام فيه مُفَصّلاً.
باب ُ نَفَقَةِ المَرْأَةِ إِذَا غابَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَنَفَقَةِ الوَلَد
باب ُ عَمَلِ المَرْأَةِ في بَيتِ زَوْجِهَا
باب ُ خادِمِ المَرْأَة
باب ُ خِدْمَةِ الرَّجُلِ في أَهْلِه
باب إِذَا لَمْ يُنْفِقِ الرَّجُلُ، فَلِلمَرْأَةِ أَنْ تَأْخُذَ بِغَيرِ عِلمِهِما يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا بِالمَعْرُوف
باب ُ حِفْظِ المَرْأَةِ زَوْجَهَا في ذَاتِ يَدِهِ وَالنَّفَقَة
باب ُ كِسْوَةِ المَرْأَةِ بِالمَعْرُوف
باب ُ عَوْنِ المَرْأَةِ زَوْجَهَا في وَلَدِه
باب ُ نَفَقَةِ المُعْسِرِ عَلَى أَهْلِه
---
باب {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذلِكَ} (البقرة: 233)
وَهَل عَلَى المَرْأَةِ مِنْهُ شَيءٌ؟ {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ} إِلَى قَوْلِهِ: {صِرطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (النحل: 76).
باب قَوْلُ النبي صلى الله عليه وسلّم «مَنْ تَرَكَ كَلاًّ أَوْ ضَيَاعاً فَإِلَيَّ»(7/74)
5359 - قوله: (قال: لا، إلا بالمعروف)... إلخ، وقد مَرّ معناه ما فيه خلافٌ بين الشافعيةِ مِن كونِه قضاءً، أو ديانةً، ولم يتكلّم فيه الحنفيةُ، غير أنهم قالوا: إنَّ للقاضي أن يَحْكُم في المنقولاتِ، وليس له في العَقَار حُكْم.
باب ُ المَرَاضِعِ مِنَ المَوَالِيَاتِ وَغَيرِهِن
والمَرَاضِع جَمْع مُرْضِع، بخلاف القياس، كاللواقح والطوائح؛ وللعلماء في صحة لَفْظ المَوَالِيات كلامٌ، فإِن المَوْلى مَصْدر ميمي، ولا يأتي فيه التذكيرُ والتأنيث، فإِنهما من خواص المُشتقّات. وإنْ قلنا: إنَّها مؤنّث مَوْلى، اسم المفعول، فهما لفظان، أي المَوْلى المصدر الميمي، والمَوْلى اسم المفعول، وإن أخذناه من باب الأفعال، فلا يطابِقُ مراده، لأنه أراد منها الجواري، وكيف ما كان، ليس جَمْع المَوْلى إلاّ الموالي، فإِن قلنا: إنَّ المواليات جَمْع الجَمْع، فلا بدّ له من دليل. وحاصِل ترجمة المصنِّف الإِشارة إلى ما ورد في حديث أنَّ للرِّضاع تأثيراً في الولد، وخصائله، والحديث ضعيفٌ إسناداً.
5372 - قوله: (لو لم تكن رَبيبتي في حَجْري ما حَلَّت لي) أي ما حَلّت أيضاً، فاندفع الإِشكالُ، وتصدَّى الشارحون إلى جوابِه، فرَاجِعه.l
كتاب ُ الأَطْعِمَة
باب ُ قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {كُلُواْ مِن طَيِّبَتِ مَا رَزَقْنَكُمْ} (البقرة: 57)
---
وَقَوْلِهِ: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ ما كَسَبْتُمْ} (البقرة: 267)، وَقَوْلِهِ: {كُلُواْ مِنَ الطَّيّبَتِ وَاعْمَلُواْ صَلِحاً إِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (المؤمنون: 51).
5375 - قوله: (حتى استوى بطني) ترجمته: يهانتك كه ميرابيت تن كيا.
باب ُ التَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعَامِ وَاْلأَكْلِ بِاليَمِين
باب ُ اْلأَكْلِ مِمَّا يَلِيه
وَقالَ أَنَسٌ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «اذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ، وَليَأْكُل كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَلِيهِ».(7/75)
باب ُ مَنْ تَتَبَّعَ حَوَالَيِ القَصْعَةِ مَعَ صَاحِبِهِ، إِذَا لَمْ يَعْرِف مِنْهُ كَرَاهِيَة
باب ُ التَّيَمُّنِ في اْلأَكْلِ وَغَيرِه
باب ُ مَنْ أَكَلَ حَتَّى شَبِع
باب ُ {لَّيْسَ عَلَى الاْعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الاْعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (النور: 61)
والأحاديثُ تَقْتضي أن تكونَ التسميةُ واجبةً على الطعام، لأنها تدل على مَضَرّةٍ عظيمة بتركها، ومع ذلِك لم يذهب إليه أَحَدٌ إلاَّ الشافعي في روايةٍ شاذّة، كما في «شرح المنهاج»، وقد علمت فيما سلف أنَّ الفقهاء لم يُثْبِتوا الوجوب بمثل هذه الأمور المعنوية، وإنما علّقوه بالخطاب، أو النكير على التارك.
فائدة:
واعلم أنَّ الذهبي كَتَب كتاباً إلى ابن تيمية: إنك تَزْعُم أنك كتبت عقائِدَ السَّلف في رسائلك، وهذا غَلَطٌ، فإِنه مِن آرائك، وكنتُ قد نَصَحْتُك في سالف الزمان أن لا تُطالع الفلسفةَ، فأَبيت إلا أن تفعلَه، فَسُمّاً شَرِبته، فسمى الذهبي الفسلفةَ: سُمّاً.
---
5381 - قوله: (وَرَدَّتْني) أي جَعَلَتْ بَعْضَه ردائي.
قوله: (سمعته منه عوداً وبَدءاً) أي سَمِعتُه مَرّتين.
باب ُ الخُبْزِ المُرَقَّقِ، وَاْلأَكْلِ عَلَى الخِوَانِ وَالسُّفرَة
باب ُ السَّوِيق
باب ما كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم لاَ يَأْكُلُ حَتَّى يُسَمَّى لَهُ فَيَعْلَمَ ما هُو
باب طَعَامُ الوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَين
قوله: (السُّفَرة) ما يُوضَع عليه الطعامُ من جلد، والخِوان هو الصيني من خَشب، وليس بطوالة منبر، ولا بمنضدة تصلى الله عليه وسلّمئى.(7/76)
5389 - قوله: (مائدة) تيائى وأَصْلُه من إيران، فإِن كان عندهم الطوالةُ أُمكن ترجمتُه بها أيضاً، وإلا فهي منضدة، أما العربُ فلم يكن لهم طوالة. وحاصِل ما عَلّمنا الشَّرْع في الأكل أن نأكل الطعام على شيءٍ مبسوطٍ على الأرض، ولا نأكله على شيءٍ مرتفع، فإِننا محتاجون إليه، وليس هو يحتاج إلينا.
5386 - قوله: (على سُكْرُجَةٍ) صحافٌ صِغار، يوضع فيها ألوانٌ من الطعام، والمراد نفي الألوان من طعامه.
5386 - قوله: (ولا أكَلَ على خِوَان) وهو لفظٌ فارسي، وحرف الواو لا تتلفظ في الفارسية، فإِذا عُرِّبت تُلُفّظ بها.
5388 - قوله: (وتلك شَكَاةٌ ظَاهِر عَنْك عارُها) وأَوّل البيت: وعَيَّرني الواشون أني أُحِبُّها. والمعنى: أنكم تعدون حبي إياها قَدْحاً، وهو عندي مَدْح، فقولوا ما أنتم قائلون، فإِن عارَه زائلٌ عني.
5391 - قوله: (ضَبّاً مَحْنُوذاً) أي مشوياً على حجر.
باب المؤمن يَأكُل في مِعًى واحد
فيه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم
---
والمراد من «مُعىً» تدويره، وفي الطب أنه ستةُ تدويراتٍ سَمّوا كلاً منها باسم، فأين تلك السابعة؟ وقد أجاب عنه الطحاوي في «مُشْكله» أن السابعة هي المعدة، أطلق عليها مِعًى تغليباً. وحاصِل الحديث أنَّ الكافر يأكل الكثيرَ، والمؤمنَ القليل.
باب ُ اْلأَكْلِ مُتَّكِئا
ونَبّه الخَطَّابي على أنَّ المراد من الاتكاء الجلوس مُطمئناً، بأي نحوٍ كان، والخَطّابي فَقِيهٌ مُعْتدلُ المِزاج، إمامُ فَنّ الكلام، والفِقْه، وغريبِ الحديث، من المئة الرابعة، متقدّم على البيهقي، وقد كتب شيئاً مُهِمّاً في شَرْحه، وهو أن مجتهداً كاملاً لو أَكْفَر أحداً من قياسه، لاتّبعناه فيه، كالأئمةِ الأربعةِ، ففهمت منه أنه مُعْتدل المِزاج، لأنه اعتبر بالأئمة الأربعة، وحمل نفسه على تقليدِهم في أَمْر الإِكفار.
باب ُ الشِّوَاء(7/77)
وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {فَجَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} (هود: 69) أَي مَشْوِيَ.
أي اللحم المشوي، ولعل الكباب أيضاً داخلٌ فيه.
باب ُ الخَزِيرَة
قالَ النَّضْرُ: الخَزِيرَةُ مِنَ النُّخَالَةِ، وَالحَرِيرَةُ مِنَ اللَّبَنِ.
باب ُ اْلأَقِط
وَقالَ حُمَيدٌ: سَمِعْتُ أَنَساً: بَنَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم بِصَفِيَّةَ، فَأَلقَى التَّمْرَ وَاْلأَقِطَ وَالسَّمْنَ. وَقالَ عَمْرُوبْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسٍ: صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم حَيساً.
باب ُ السِّلقِ وَالشَّعِير
باب ُ النَّهْسِ وَانْتِشَالِ اللَّحْم
باب ُ تَعَرُّقِ العَضُد
نوعٌ من الحريرة.
---
5402 - قوله: (فَوُضِع الضَّبُّ على مائدتِه) أي سفرته، فإِنه لم يأكل على مائدة قَطّ، ومِثْل تلك التوسيعات غيرُ نادرةٍ في الرواة.
5403 - قوله: (شَحْم) هو الجامِدُ والذائب، يقال له: الوَدَك.
باب ُ قَطْعِ اللَّحْمِ بِالسِّكِّين
باب ما عابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم طَعَاما
باب ُ النَّفخِ في الشَّعِير
ويجوزُ القَطْع بوتى بنا.
2323 - بابُ ما كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّموَأَصْحَابُهُ يَأْكُلُونَ
5411 - قوله: (فلم يَكُن فِيهِنَّ تَمرةٌ أَعْجبَ إليَّ مِنْها شَدَّت في مَضاغي) يعني مجهكو وهى رجهى معلوم هوئى كيونكه يرتك جبتى رهى.
5412 - قوله: (وَرَقُ الحُبْلَة) بيلوكى بثى.
باب ُ التَّلبِينَة
نوع من الحريرة تُتّخذ مِن اللبن.
5417 - قوله: (مُجِمَّةٌ) أي مريحة.
باب ُ الثَّرِيد
باب ُ شَاةٍ مَسْمُوطَةٍ، وَالكَتِفِ وَالجَنْب
باب ُ ما كانَ السَّلَفُ يَدَّخِرُونَ في بُيُوتِهِمْ وَأَسْفَارِهِمْ مِنَ الطَّعَامِ وَاللَّحْمِ وَغَيرِه
وقالت عَائِشَةُ وأَسْمَاءُ: صَنَعْنَا لِلنبي صلى الله عليه وسلّموَأَبِي بَكْرٍ سُفرَةً.
باب ُ الحَيس(7/78)
وعن مولانا الجَنْجُوهي أنّ كل ما يُعَد من الظروف لا يجوز استعمالُه للرجال، والنساء سواء، وعلى هذا ينبغي أن لا يجوز كموى كاكيس ادرآرسى. والإِناء إذا كان مُضَبّباً مِن فِضّة يجوز الشُّرب منه إذا اتّقي مَوْضع الفِضّة.
باب ُ اْلأَكْلِ في إنَاءِ مُفَضَّض
---
باب ُ ذِكْرِ الطَّعَام
وهو والأُدْم سالن، وفي فِقْهنا هو كلّ شيء يؤتدم به الخبز.
باب ُ اْلأُدْم
وهو كلُّ شيء حلو.
باب ُ الحَلوَاءِ وَالعَسَل
باب ُ الدُّبَّاء
باب ُ الرَّجُلِ يَتَكَلَّفُ الطَّعَامَ لإِخْوَانِه
يعنى ميز بان كى سانى مهمان نى كهانار كها ادرميز بان انى ذهندى مين لكارها.
باب ُ مَنْ أَضَافَ رَجُلاً إِلَى طَعَامٍ وَأَقْبَلَ هُوَ عَلَى عَمَلِه
باب ُ المَرَق
باب ُ القَدِيد
كانوا يقدن اللحم، ثُم يُلْقونه في الشمس حتى يَيْبس، ثُم يَدّخِرونه ويأكلونه متى احتاجوا إليه.
باب ُ مَنْ نَاوَلَ أَوْ قَدَّمَ إِلَى صَاحِبِهِ عَلَى المَائِدَةِ شَيئا
قالَ: وقالَ ابْنُ المبَارَكِ: لاَ بأْسَ أَنْ يُنَاوِلَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، وَلاَ يُنَاولُ مِنْ هذهِ المَائِدةِ إِلَى مائِدةٍ أُخْرَى.
باب ُ الرُّطَبِ بِالقِثَّاء
باب
يعني إنَّ الناس إذا قعدوا على طعامٍ حِلقاً حلقاً، فيجوز لأصحابِ حلقةٍ واحدة أن يناول أحدُهما الآخَر مما عندهم من الطعام، ولا يجوز لصاحب حِلْقة أن يناوله لصاحب حِلقة أُخرى، إلا أن يستأذن المضيف.
باب ُ الرُّطَبِ وَالتَّمْر
وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {وَهُزّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً} (مريم: 25).
باب ُ أَكْلِ الجُمَّار
---
باب ُ العَجْوَة
باب ُ القِرَانِ في التَّمْر
باب ُ القِثَّاء
باب ُ بَرَكَةِ النَّخْل
باب ُ جَمْعِ اللَّوْنَينِ أَوِ الطَّعامَينِ بِمَرَّة
باب ُ مَنْ أَدْخَلَ الضِّيفَانَ عَشَرَةً عَشَرَةً، وَالجُلُوسِ عَلَى الطَّعَامِ عَشَرَةً عَشَرَة(7/79)
5443 - قوله: (فَجَلَسَت) أي لم تُثْمر.
5443 - قوله: (أَين عَرِيشُك) تيرى.
باب ُ ما يُكْرَهُ مِنَ الثُّومِ وَالبُقُول
فِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
باب ُ الكَبَاثِ، وَهُوَ ثَمَرُ اْلأَرَاك
باب ُ المَضْمَضَةِ بَعْدَ الطَّعَام
باب ُ لَعْقِ اْلأَصابِعِ وَمَصِّهَا قَبْلَ أَنْ تُمْسَحَ بِالمِنْدِيل
باب ُ المِنْدِيل
باب ُ ما يَقُولُ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِه
باب ُ اْلأَكْلِ مَعَ الخَادِم
باب الطَاعِمُ الشَّاكِرُ مِثْلُ الصَّائِمِ الصَّابِر
باب ُ الرَّجُلِ يُدْعى إِلَى طَعَامٍ فَيَقُولُ: وَهذا مَعِي
وَقالَ أَنَسٌ: إِذَا دَخَلتَ عَلَى مُسْلِمٍ لاَ يُتَّهَمُ، فَكُل مِنْ طَعَامِهِ وَاشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ.
باب إِذَا حَضَرَ العَشَاءُ فَلاَ يَعْجَل عَنْ عَشَائِه
---
باب ُ قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُواْ} (الأحزاب: 53)
كتاب العَقِيقَة
باب ُ تَسْمِيَةِ المَوْلُودِ غَدَاةَ يُولَدُ، لِمَنْ لَمْ يَعُقَّ عَنْهُ، وَتَحْنِيكِه
باب ُ إِماطَةِ اْلأَذى عَنِ الصَّبِيِّ في العَقِيقَة
وهي مستحبةٌ، كما في «عالمكيرية». وفي «البدائع»: إنها منسوخة.
قلتُ: وإنما حملتْه عليه عبارة محمد في «موطئه» قال محمد: العقيقة بلغنا أنها كانت في الجاهلية، وقد جُعلت في أول الإِسلام، ثم نَسخَ الأضحى كل ذبحٍ كان قبله... إلخ. فلم أزل أترددُ في مراد الإِمام، حتى رأيت في كتاب «الناسخ والمنسوخ» عن الطحاوي أن محمداً قال في بعض أماليه: إن العقيقة غير مرضية. ثم تبين لي مرادُه، أنه كان يكرهُ اسم العقيقة، لأنه يوهم العقوق، ولكونه من أسماء الجاهلية، ولأنهم كانوا يفعلون عند العقيقة بعضَ المحظورات، كتلطخ الأشعار بدم الحيوان، مع ورود الحديثِ في النهي عن ذلك الاسم أيضاً، فكان مرادُه هذا.(7/80)
ثم لا أدري ماذا وقع الخَبْط في النقل، حتى نُسب إليه نسخُ العقيقة رأساً، وليت شعري ما وجه عدم تَغييرِ هذا الاسم بعد، مع نهي الحديث عنه، فينبغي أنْ لا يُجعل لفظه المبهم حاوياً على العقيقة أيضاً، بل مرادُه نسخُ دماء الجاهلية، كالرجبية، والعتيرة. ثم عند الترمذي حديث: «أن الغلام مرتهن بعقيقته»، وأجود شروحه ما ذكره أحمد.
---
وحاصله: أن الغلامَ إذا لم يعق عنه، فمات لم يشفعْ لوالديه. ثم إن الترمذي أجاز بها إلى يوم إحدى وعشرين. قلتُ: بل يجوز إلى أن يموت، لما رأيت في بعض الروايات أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّمعق عن نفسه بنفسه. والسر في العقيقة أنَّ الله أعطاكم نفساً، فقربوا له أنتم أيضاً بنفس، وهو السر في الأضحية. ولذا اشترطت سلامة الأعضاء في الموضعين، غير أن الأضحية سنوية، وتلك عُمْرية.
باب ُ الفَرَع
كان تأكداً في أول الإِسلام، ثم وسع فيها بعده، وكان أهل الجاهلية يذبحونها لأصنامهم، وأما أهل الإِسلام فما كانوا ليفعلوه إلا تعالى، فلما فُرضت الأُضحية نُسخ الفَرَع وغيره، فمن شاء ذبح، ومن شاء لم يذبح.
باب ُ العَتِيرَة
كتاب الذَّبَائِحِ وَالصَّيدِ وَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الصَّيد
باب ُ قَوْلِ الله: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} إلى قَوْلِهِ: {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} (المائدة: 3) وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَىْء مّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَحُكُمْ} الآيةَ،(المائدة: 94)
---(7/81)
وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الاْنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} (المائدة: 1) إِلى قَوْلِهِ: {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} (المائدة: 3). وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {العُقُودُ} (المائدة 1) العُهُودُ، ما أُحِلَّ وَحُرِّمَ {إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} الخِنْزِيرُ. {يَجْرِمَنَّكُمْ} (المائدة: 2) يَحْمِلَنَّكُمْ. {شَنَآنُ} (المائدة: 2): عَدَاوَةُ. {وَالْمُنْخَنِقَةُ} تُخْنَقُ فَتَمُوتُ. {وَالْمَوْقُوذَةُ} تُضْرَبُ بِالخَشَبِ يُوقِذُهَا فَتَمُوتُ. {وَالْمُتَرَدّيَةُ}: تَتَرَدَّى مِنَ الجَبَلِ، {وَالنَّطِيحَةُ} تُنْطَحُ الشَّاةُ، فَمَا أَدْرَكْتَهُ يَتَحَرَّكُ بِذَنَبِهِ أَوْ بِعَينِهِ فَاذْبَحْ وَكُل.
(وقال ابن عمر في المقتولة بالبُندقة)... إلخ، والبُندقة: طينةٌ مدورةٌ مجففة، يرمى بها عن الجلاهق غلة
باب ُ صَيدِ المِعْرَاض
وَقالَ ابْنُ عُمَرَ في المَقْتُولَةِ بِالبُنْدُقَةِ: تِلكَ المَوْقُوذَةُ. وَكَرِهَهُ سَالِمٌ وَالقَاسِمُ وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَعَطَاءٌ وَالحَسَنُ. وَكَرِهَ الحَسَنُ رَمْيَ البُنْدُقَةِ في القُرَى وَاْلأَمْصَارِ، وَلاَ يَرَى بَأْساً فِيما سِوَاهُ.
باب ُ ما أَصَابَ المِعْرَاضُ بِعَرْضِه
باب ُ صَيدِ القَوْس
وَقالَ الحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ: إِذَا ضَرَبَ صَيداً، فَبَانَ مِنْهُ يَدٌ أَوْ رِجْلٌ، لاَ يَأْكُلُ الَّذِي بَانَ وَيَأْكُلُ سَائِرَهُ. وَقالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا ضَرَبْتَ عُنُقَهُ أَوْ وَسَطَهُ فَكُلهُ. وَقالَ اْلأَعْمَشُ، عَنْ زَيدٍ: اسْتَعْصى عَلَى رَجُلٍ مِنْ آلِ عَبْدِ اللّهِ حِمَارٌ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَضْرِبُوهُ حَيثُ تَيَسَّرَ، دَعُوا ما سَقَطَ مِنْهُ وَكُلُوهُ.
---
(وقال الحسن، وإبراهيم: إذا ضرب صيداً فبان منه يد) وراجع فيه تفصيل «الهداية».
قوله: (استعصى) أي صار وحشياً.
باب ُ الخَذْفِ وَالبُنْدُقَة(7/82)
وكلب الماشية ما يُقتنى لحفظها. والكلب الضَّارِي هو كلب الصيد من الضراوة، وترجمته جسى دهت هو شكاركى ثم الكلاب التي رُخص باقتنائها، وإن لم تُوجب نقصاً من عمل صاحبه، إلا أن الظاهر أنَّ الملائكة لا يدخلون بيوتاً فيها تلك.
باب ُ مَنِ اقْتَنى كَلباً لَيسَ بِكَلبِ صَيدٍ أَوْ ماشِيَة
باب إِذَا أَكَلَ الكَلب
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيّبَتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلّبِينَ} (المائدة: 4) الصَّوَائِدُ وَالكَوَاسِبُ. {اجْتَرَحُواْ} (الجاثية: 21) اكْتَسَبُوا. {تُعَلّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {سَرِيعُ الْحِسَابِ} (المائدة: 4). وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنْ أَكَلَ الكَلبُ فَقَدْ أَفسَدَهُ، إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفسِهِ، وَاللّهُ يَقُولُ: {تُعَلّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} فَتُضْرَبُ وَتُعَلَّمُ حَتَّى يَتْرُكَ. وَكَرِهَهُ ابْنُ عُمَرَ. وَقالَ عَطَاءٌ: إِنْ شَرِبَ الدَّمَ وَلَمْ يَأْكُل فَكُل.
قال عطاء: إنْ شربَ الدم، ولم يأكل - أي اللحم - فَكُل، فرخَّصَ عطاءٌ بأكله.
باب ُ الصَّيدِ إِذَا غابَ عَنْهُ يَوْمَينِ أَوْ ثَلاَثَة
وكتب الحنفيةُ لجوازه سبعةَ شرائط، لا توجد كلها إلا في الزَّيْلعي.
باب إِذَا وَجَدَ مَعَ الصَّيدِ كَلباً آخَر
باب ُ ما جاءَ في التَّصَيُّد
---
5488 - قوله: (فاغسلوها، ثم كلوا فيها) وليُمعَن النظرُ فيه، فإنَّه يُشعر بعبرة بعض الأوهام، وبأن قولَهم: إن الأصل في الأشياء الطهارة، ليس على إطلاقه.
باب ُ التَّصَيُّدِ عَلَى الجِبَال
التصييد شكار كوهى مشغله بنا لينا، كرهه في «الأشباه والنظائر».
باب ُ قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} (المائدة: 96)(7/83)
وَقالَ عُمَرُ: صَيدُهُ ما اصطِيدَ، {وَطَعَامُهُ} (المائدة: 96) ما رَمى بِهِ. وَقالَ أَبُو بَكْرٍ: الطَّافِي حَلاَلٌ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُ مَيتَتُهُ، إِلاَّ ما قَذِرْتَ مِنْهَا، وَالجِرِّيُّ لاَ تَأْكُلُهُ اليَهُودُ، وَنَحْنُ نَأْكُلُهُ. وَقالَ شُرَيحٌ، صَاحِبُ النبي صلى الله عليه وسلّم كُلُّ شَيءٍ في البَحْرِ مَذْبُوحٌ. وَقالَ عَطَاءٌ: أَمَّا الطَّيرُ فَأَرَى أَنْ يَذْبَحَهُ. وَقالَ ابْنُ جُرَيجٍ: قُلتُ لِعَطَاءٍ: صَيدُ اْلأَنْهَارِ وَقِلاَتِ السَّيلِ، أَصَيدُ بَحْرٍ هو؟ قالَ: نَعَمْ، ثمَّ تَلاَ: {هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهذا مِلحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلَ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا} (فاطر: 12) وَرَكِبَ الحَسَنُ عَلَيهِ السَّلاَمُ عَلَى سَرْجٍ مِنْ جُلُودِ كِلاَبِ المَاءِ. وَقالَ الشَّعْبِيُّ: لَوْ أَنَّ أَهْلِي أَكَلُوا الضَّفَادِعَ لأَطْعَمْتُهُمْ. وَلَمْ يَرَ الحَسَنُ بِالسُّلَحْفَاةِ بَأْساً. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُل مِنْ صَيدِ البَحْرِ نَصْرَانِيَ أَوْ يَهُودِيَ أَوْ مَجُوسِيَ. وَقالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ في المُرْيِ: ذَبَحَ الخَمْرَ النِّينَانُ وَالشَّمْسُ.
---
وللشافعي في حيوانات البحر استرسال عظيم. حتى رُوي عنه أنَّ جميع ما في البحر حلالٌ، حتى الإِنسان أيضاً. وفي روايته نظائر ما هو حلال في البر، حلال في البحر أيضاً، وما لا يوجد نظيرُه من البر، فهو حلال أيضاً. وظني أنهم تمسكوا فيه بالعمومات غير المقصودة لا غير. والمراد من صيد البحر عندهم مَصِيْد البحر.(7/84)
قال الحنفية: إن المراد منه فعلُ الاصطياد، لأن المُحرمَ لما مُنع عن فعل الاصطياد في البر من إحرامه، فالظاهر أنَّ ما أُحل له من البحر هو الصيد أيضاً دون المصيد. على أن الله لم يجعل الصيدَ كلَّه طعاماً، بل جعل منه طعاماً، فقال: {وَطَعَامُهُ مَتَعاً لَّكُمْ} (المائدة: 96) فلم يجعل كله طعاماً، فدل على أن ليس صيدُ البحر كله طعاماً.
قوله: (وقال أبو بكر: الطافي حلال) قلتُ: وأثره عندي بعشرة طرق، وفي لفظه اضطراب، ثم الطافي ما مات حتْفَ أنفِه، وطفا على الماء./
ولا بد أنْ يُستثنى منه ما طفا على الماء، بسبب ظاهر، نحو الضرب بالعصا، وغيره. ولنا ما عند أبي داود في الأطعمة عن جابر بن عبد الله مرفوعاً: «ما مات فيه وطفا، فلا تأكلوه». وصحح أبو داود وقفَه.
قوله: (إلا ما قذرت منها) بأن كان تغيَّرَ، أو فَسَدَ.
قوله: (والجريث لا تأكله اليهود، ونحن نأكله) ولا ندري ترجمة الجريث بالهندية، والناس يقولون: إنه جهيدكا ولي تردد، في كونه نوعاً من الحوت.
قوله: (فلات السيل) سيل آئى اوركهين كول سى نكل كئى.
قوله: (وركب الحسن عليه السلام على سرج من جلود كلاب الماء)، والجلود تطهر عندنا بالدِّباغة، فلا حُجة فيه. وجملة الكلام أنه ليس عند البخاري في حل حيوانات البحر غير قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} وتفسيره قد علمت. وراجع لها «روح المعاني»، وليس عنده من المرفوع شيء، فأخرج الأثار فقط.
قوله: (كل من صيد البحر، وإن صاده نصراني) وذلك لأنه لا يشترط فيه الذكاة.
---
قوله: (وقال أبو الدرداء في المُرِي: ذبح الخمر النينان، والشمس) المُرِي آب كامه وبالهندية كانجى، كانوا يلقون الحيتان في الخمر، فتنقلب خلاً. فقال المصنف: إن الخمر ذبحها النينان، والشمس، أي أحلَّها. ووافقنَا فيه أبو داود، وقال: تخليل الخمر جائز. وقال الشافعي: إن تخللت بدون علاج جاز، وإلا لا.(7/85)
5493 - قوله: (فألقى البحر حوتاً ميتاً)، وليس كذلك، بل ألقاه البحر خارِجَه، فماتت في البر، لعدم الماء، فليست تلك الطافي.
باب ُ أَكْلِ الجَرَاد
باب ُ آنِيَةِ المَجُوسِ وَالمَيتَة
قوله: (كل شيء في البحر مذبوح) أي لا يحتاج إلى الذكاة.
باب ُ التسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ، وَمَنْ تَرَكَ مُتَعَمِّدا
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ نَسِيَ فَلاَ بَأْسَ. وَقالَ اللّهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} (الأنعام: 121) وَالنَّاسِي لاَ يُسَمَّى فاسِقاً. وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّ الشَّيَطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَدِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (الأنعام: 121).
والظاهر أنه وَافق فيه أبا حنيفة. وقال الشافعي: إن تركها عامداً لا بأس أيضاً.
باب ُ ما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَاْلأَصْنَام
---
5499 - قوله: (فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلّمسفرة فيها لحم) وهذه النُّسخة أخف مما في الهامش، أي قدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقد مرت هذه الرواية من قبل، فما كانت ههنا على الهامش، داخلة هناك في الصُّلب. وإنما قدم إليه لحماً ذُبح على النُّصُب، لأن الزمان كان زمن الجاهلية، فلم يكن يعلم أنه هل يأكله، أو لا؟ فليس في تلك النُّسخة إلا الإعانة على الأكل، بخلاف ما في الهامش، فإنَّها تُوهم على أكل النبيِّ صلى الله عليه وسلّمأيضاً.
باب ُ قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «فَليَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللّهِ»
باب ُ ما أَنْهَرَ الدَّمَ مِنَ القَصَبِ وَالمَرْوَةِ وَالحَدِيد
والمراد من القَصَب الليت؛ والمراد من المروة ما فيه غرار بعد الكسر.
باب ُ ذَبِيحَةِ المَرْأَةِ وَاْلأَمَة
باب لاَ يُذكَّى بِالسِّنِّ وَالعَظْمِ وَالظُّفُر(7/86)
وفصل فيه الحنفية، فإنْ كان السن والظُّفُر قائمين لا يذكي بهما، وإن كانا منفصلين، وأنهرا الدم جاز.
باب ُ ذَبِيحَةِ اْلأَعْرَابِ وَنَحْوِهِم
باب ُ ذَبَائِحِ أَهْلِ الكِتَابِ وَشُحُومِهَا، مِنْ أَهْلِ الحَرْبِ وَغَيرِهِم
---
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيّبَتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ} (المائدة: 5). وَقالَ الزُّهْرِيُّ: لاَ بَأْسَ بِذبِيحَةِ نَصَارَى العَرَبِ، وَإِنْ سَمِعْتَهُ يُسَمِّي لِغَيرِ اللهِ فَلاَ تَأْكُل، وَإِنْ لَمْ تَسْمَعْهُ فَقَدْ أَحَلَّهُ اللّهُ وَعَلِمَ كُفرَهُمْ. وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيَ نَحْوُهُ. وَقالَ الحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ: لاَ بَأْسَ بِذَبِيحَةِ اْلأَقْلَفِ. وقَالَ ابْنُ عبَّاس: طَعَامُهُمْ ذَبائِحُهُمْ.
وإنما زاد لفظ الشحوم، لأنها كانت حُرِّمت عليهم، فهل تسري تلك الحرمة إلى ذبيحتهم أيضاً أو لا؟ فقال: لا، لأن الذكاةَ تستدعي الأهليةَ في الذابح، لا الحِلَّة في حقه أيضاً. وفيه إشعارٌ بأن المشرع المحمديَّ يتحملُ وجود الكتابي.(7/87)
قوله: ({وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَبَ حِلٌّ لَّكُمْ}وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ) أي شريعة الإِنصافِ تحكُم أنْ يقولَ أهلُ الكتاب بحِليَّة ذبيحتنا أيضاً، إذا قلنا بحِليَّة ذبيحتهم، فهذه نَصْفة، سواء عملوا بها، أو لا. وحينئذ لا يرد أنه ما الفائدة في قوله: {وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ} لأنهم لا يَدِينُون بشرعنا، وذلك لأنه على طريقِ عرض خُطة عدل التي ينبغي أنْ يَعدِلَ إليها كل ذي مُروءة، كما وقع في صُلح الحُدَيْبِيَة، من رد مهورِ النِّساء اللاتي هاجرن إلى دار الإِسلام، أو ذهبن إليهم من نساء المسلمين، فكان هذا الشرطُ على ما يقتضيه العدل والإِنصاف. فإِنا إذا نردُّ إليهم ما أنفقوا على نسائهم، فما لهم لا يردون إلينا ما أنفقنا على نسائنا؟ فهذا الاشتراط أيضاً كان على الفطرة السليمة، وإنْ لم يفُوا بها.
قوله: (وقال الزهري)... إلخ، يقول: إنه لا فرقَ بين العرب، وبني إسرائيل، إذا كانا نصرانيَّين، فتحل ذبيحتهما.
---
قوله: (لا بأس بذبيحة الأقلف) رفعُ توهم - عسى أن يُتوهم - أنَّ في الذكاة شرط المِلة، والأقلفُ يخالف ملتَه، فينبغي أن لا تجوز ذبيحته.
باب ُ ما نَدَّ مِنَ البَهَائِمِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الوَحْش
وَأَجازهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسِ: ما أَعْجَزَكَ مِنَ البَهَائِمِ مِمَّا في يَدَيكَ فَهُوَ كالصَّيدِ وَفي بَعِيرٍ تَرَدَّى في بِئْرٍ: مِنْ حَيثُ قَدَرْتَ عَلَيهِ فَذَكِّهِ. وَرَأَى ذلِكَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ.
باب ُ النَّحْرِ وَالذَّبْح(7/88)
وَقالَ ابْنُ جُرَيجٍ، عَنْ عَطاءٍ: لاَ ذَبْحَ وَلاَ مَنْحَرَ إِلاَّ في المَذْبَحِ وَالمَنْحَرِ. قُلتُ: أَيَجْزِي ما يُذْبَحُ أَنْ أَنْحَرَهُ؟ قالَ: نَعَمْ، ذَكَرَ اللّهُ ذَبْحَ البَقَرَةِ، فَإِنْ ذَبَحْتَ شَيئاً يُنْحَرُ جازَ، وَالنَّحْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَالذَّبْحُ قَطْعُ اْلأَوْدَاجِ. قُلتُ: فَيُخَلِّفُ اْلأَوْدَاجَ، حَتَّى يَقْطَعَ النِّخَاعَ؟ قالَ: لاَ إِخالُ. وَأَخْبَرَنِي نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ نَهى عَنِ النَّخْعِ، يَقُولُ: يَقْطَعُ ما دُونَ العَظْمِ، ثُمَّ يَدَعُ حَتَّى يَمُوتَ. وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} (البقرة: 67). وَقالَ: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} (البقرة: 71). وَقالَ سَعِيدٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الذَّكاةُ في الحَلقِ وَاللَّبَّةِ. وَقالَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٌ: إِذَا قَطَعَ الرَّأْسَ فَلاَ بَأْسَ.
5509 - قوله: (أعجل أو أرن) وأصله: إئرن، فصار بالتعليل: إيرن، وإن كتبوه: أرن.
والنحر في الإِبل، والبط فقط، وفي غيرهما الذَّبح، فإنْ عكس لا بأس. ثم النحر في اللَّبَّة، والذبح عند اللَّحْيين.
---
قوله: (قلت: فيخلف الأوداج حتى يقطع النخاع، قال: لا إخال) يعني إذا قطع الأوداج، فقطع النخاع أيضاً، فهل لقطع النخاع حكم؟ قال: لا، فإنَّ الضروري قطعُ الأوداج فقط.
5510 - قوله: (نحرنا على عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلّمفرساً، فأكلناه) ورُوي عند أبي داود النهيُّ عن لحوم الفرس، ولكن المصنَّف لا يُبالي في الصحيح بما لا يكونُ على شرطه.
باب ُ ما يُكْرَهُ مِنَ المُثْلَةِ وَالمَصْبُورَةِ وَالمُجَثَّمَة
أي قطع القوائم، والكُرَاع عند الذبح.
باب ُ الدَّجَاج
باب ُ لُحُومِ الخَيل(7/89)
وهي إما مكروهة تنزيهاً، أو تحريماً، كالضَّبِّ، وكان مولانا شيخ الهند يختارُ التَّنزِيْه في الخيل، والتحريمَ في الضَّبِّ.
باب ُ لحُومِ الحُمُرِ اْلإِنْسيَّة
فِيهِ: عَنْ سَلَمَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
وَقالَ مالِكٌ، وَمَعْمَرٌ، وَالمَاجشُونُ، وَيُونُسُ، وَابْنُ إِسْحاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: نَهى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ.
باب ُ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاع
واعلم أن الأسنانَ، ثنايا، ورَبَاعِيات، وأنياب، وأضراس. والأنياب دندان نيش كذا في «شرح الوقاية». والمراد من ذي ناب من يجرحُ منها، إلا فلكل حيوان أنياب.
واعلم أنَّ الله تعالى حصرَ المحرَّمَات في موضعين من القرآن، فقال: {قُل لا أَجِدُ فِى مَآ أُوْحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} (الأنعام: 145) إلخ، وراجع له «الفوائد» للشاه عبد القادر. وقد مر في المغازي مرفوعاً: «أن حرمةَ الخمرِ لكونها رِجساً». وإن اختلفت الرواة في تعليله من قبلهم، فقيل: لكونها جلالة، وقيل: لكونها غنيمة لم تُقْسَم.
---
باب ُ جُلُودِ المَيتَة
باب ُ المِسْك
باب ُ اْلأَرْنَب
5534 - قوله: (مثل الجليس الصالح)... إلخ.
وحاصله: أن تأثير المجالسة كائنٌ لا محالة، قصدت، أو لم تقصد، كحامل المسك، فإنَّ ريحَه تصيبُه لا محالة.
باب ُ الضَّب
باب إِذَا وَقَعَتِ الفَأْرَةُ في السَّمْنِ الجَامِدِ أَوِ الذَّائِب
نُسب إلى المصنِّفِ أنه اختار مذهبَ مالك، فالسمنُ لا يكون نجساً عنده بوقوع فأرة مطلقاً، سواء كان جامداً، أو مائعاً، فإن كان مائعاً يُطرحُ من موضعِ الوقوعِ خمس غَرْفات ثم يؤكل.(7/90)
قلتُ: ولا ينبغي أنْ يُنسب إليه مثل هذا القول، وقد مر أنه اختار الروايةَ غير المشهورة عن أحمد. وهي الفرقُ بين النجاسة الجامدة والمائعة، فالأولى لا تنجُسُ، سواء وقعت في الجامد، أو الذائب، وتنجُسُ الثانية. وعليها حُمل تبويبُ المصنف في الطهارة بوقوع الفأرة أولاً، فإنَّها نجاسة جامدة، وبالبول في الماء الراكد ثانياً، فإنَّه نجاسةٌ مائعة، فكأنه أشار بالفرق بينهما.
وتأويلُ هذه الترجمة عندي أنه ذكر فيها الجامدَ، لكون الحديث فيه عنده، فإنَّ اتقاء ما حولَها لا يمكنُ إلا في الجامد. ثم ذكر الذائبَ، ولم يذكر حكمه، لينظر فيه الناظر. أما الزُّهري فإنَّه وإن سُئل عن السمن مطلقاً، لكنه لم يُجب إلا عن الجامد، ولم يذكر للمائعِ حُكماً. وذلك لأن حديثَ البُخاري يدُل بمفهومِه على أنَّ المائعَ يتنجَّس، فلا ينبغي أن يعزوَ إلى المصنف ما يُخالِفُ مفهومَ الحديثِ عنده.
---
ثم إن هذا المفهوم أخرجه النسائي منطوقاً أيضاً، «فإنْ كان مائعاً فلا تقربوه»، وصححه الذُّهْلي شيخ مسلم، فدل مفهومُ حديث البخاري، ومنطوق حديث النسائي، على أنَّ السمنَ المائعَ يتنجَّسُ بوقوع النجاسة.
هذا ما عندي، فإنْ أبيت إلا أن تنسبَ إليه طهارةَ السمن في الصورتين، فلا بد لك أنْ تؤوِّل حديثَ البخاري، بأن أمر الاتقاء عنده محمول على الاستحباب، وحديث النسائي بأنه معلول عنده، كما نقله الترمذي عنه. إلا أنه أين يقع من تصحيح شيخه الذُّهْلي، والنسائي على ما اشترطه في كتابه. وقد مر الكلام مبسوطاً في الطهارة.
باب ُ الوَسْمِ وَالعَلَمِ في الصُّورَة
باب إِذَا أَصَابَ قَوْمٌ غَنِيمَةً،فَذَبَحَ بَعْضُهُمْ غَنَماً أَوْ إِبِلاً، بِغَيرِ أَمْرِ أَصْحَابِهِمْ، لَمْ تُؤْكَل
لحديثِ رَافِعٍ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم وَقالَ طَاوُسٌ وَعِكْرِمَةُ: في ذَبِيحَةِ السَّارِقِ: اطْرَحُوهُ.
قوله: (قال طاوس، وعكرمة: ذبيحة السارق اطرحوه).
---(7/91)
واعلم أن المصنفَ ترجم ههنا على حديث رافع بما رأيت، فقال: لم تؤكل، مع أنَّ الحرمةَ ليست فيه إلا لكونه غنيمةً لم تُقسم. وهذا مفيدٌ لنا في هبة المُشَاع. وترجم فيما مر بجواز هبة المُشَاع، وهذا - كما ترى - تناقضٌ بيِّنٌ، فإنَّ حرمتَه إذا كانت ههنا لكونه مُشَاعاً، وجب أن تتحقَّقَ في هبة المُشَاع أيضاً لتلك العلة بعينها، إلا أن يقال في وجه الفرق: إنه ليس في هبة المُشَاع نَهْب، بخلاف الغنيمة، فإنَّ فيها نهباً لأموال الناس، فافترقا. أما المسألة في حيوانٍ مشترَكٍ، أو مغصوب ذبح أنه حلالٌ، ولا يحلُّ أكله كذا في «الدر المختار»، ورد عليه الشامي، ويُعلم من عبارة المصنف أنَّه ميتةٌ. وفي «الدر المختار» أن حيواناً مذبوحاً لو وجد على سطح الماء، فإنَّه لا يُؤكل، وهو عندي مردود، وقد أفتيت في كَشْمِير بخلافه. وقد مر فيما سبق.
باب إِذَا نَدَّ بَعِيرٌ لِقَوْمٍ، فَرَماهُ بَعْضُهُمْ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، فَأَرَادَ صَلاَحَهُمْ، فَهُوَ جائِز
لِخَبَرِ رَافِعٍ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
أي لم يُرد إضاعةَ المالِ، لكن قَصَدَ الإِصلاح.
باب ُ أَكْلِ المضْطَر
---(7/92)
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَكُمْ وَاشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلآ إِثْمَ عَلَيْهِ} (البقرة: 172 - 173) وَقالَ: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} (المائدة: 3) وَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيكُمُ المَيتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنْزِير وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيرَ بَاغٍ وَلاَ عادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيهِفَمَنِ اضْطُرَّ في مَخمصَةٍ غَيرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍفَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ}وَما لَكُمْ أَنْ لاَ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حُرِّمَ عَلَيكُمْ إِلاَّ ما اضْطُرِرْتُمْ إِلَيهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيرِ عِلمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالمُعْتَدين إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيكُمُ المَيتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنْزِير وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيرَ بَاغٍ وَلاَ عادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيهِفَمَنِ اضْطُرَّ في مَخمصَةٍ غَيرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍفَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ ,وَما لَكُمْ أَنْ لاَ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حُرِّمَ عَلَيكُمْ إِلاَّ ما اضْطُرِرْتُمْ إِلَيهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيرِ عِلمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالمُعْتَدين} (الأنعام: 118 - 119). وقَوْلُهُ جَلَّ وعَلا: {قُل لا أَجِدُ فِى مَآ أُوْحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا(7/93)
---
عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الأنعام: 145). وَقالَ: {فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَلاً طَيّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (النحل: 114 - 115).
كتاب ُ الأضاحي
باب ُسُنَّةِ اْلأُضْحِيَّة
وقالَ ابْنُ عُمَرَ: هِيَ سُنَّةٌ وَمَعْرُوفٌ.
باب ُ قِسْمَةِ اْلإِمامِ اْلأَضَاحِيَّ بَينَ النَّاس
باب ُ اْلأُضْحِيَّةِ لِلمُسَافِرِ وَالنِّسَاء
وهي غير واجبة عليه. واستدل المصنف من لفظ «ضحى»، وإلا فالظاهر أنها كانت هَدْياً، كما بينه محمد في «موطئه».
باب ُ ما يُشْتَهى مِنَ اللَّحْمِ يَوْمَ النَّحْر
باب ُ مَنْ قالَ اْلأَضْحى يَوْمَ النَّحْر
باب ُ اْلأَضْحى وَالمَنْحَرِ بِالمُصَلَّى
باب في أُضْحِيَّةِ النبي صلى الله عليه وسلّمبِكَبْشَينِ أَقْرَنَينِ، وَيُذْكَرُ سَمِينَين
وَقالَ يَحْيى بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ أَبَا أُمامَةَبْنَ سَهْلٍ قالَ: «كُنَّا نُسَمِّنُ اْلأُضْحِيَّةَ بِالمَدِينَةِ، وَكانَ المُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ.
---
باب ُ قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم لأَبِي بُرْدَةَ: «ضَحِّ بِالجَذَعِ مِنَ المَعَزِ،وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ»
باب ُ مَنْ ذَبَحَ اْلأَضَاحِيَّ بِيَدِه
باب ُ مَنْ ذَبَحَ ضَحِيَّةَ غَيرِه
وَأَعانَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ في بَدَنَتِهِ. وَأَمَرَ أَبُو مُوسى بَنَاتِهِ أَنْ يُضَحِّينَ بِأَيدِيهِنَّ.(7/94)
باب ُ الذَّبْحِ بَعْدَ الصَّلاَة
باب مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ أَعاد
باب ُ وَضْعِ القَدَمِ عَلَى صَفحِ الذَّبِيحَة
باب ُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ الذَّبْح
باب إِذَا بَعَثَ بِهَدْيِهِ لِيُذْبَحَ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيهِ شَيء
باب ُ ما يُؤْكَلُ مِنْ لُحُومِ اْلأَضَاحِيِّ وَما يُتَزَوَّدُ مِنْهَا
5568 -
5572 - قوله: (إن هذا قد اجتمع لكم فيه عِيدان، فمن أحب أن ينتظرَ الجمعة من أهل العوالي، فلينتظر، ومن أحبَّ أن يرجع، فقد أذنت له) وفيه دليل قوي لأبي حنيفة أنْ لا جمعةَ على أهل القرى، وأما علي فحديثه حجةٌ لنا خاصة، وهذا عثمان، ونحوه عن عمر أيضاً.
كِتَابُ الأَشْرِبَة
باب ُ قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالاْنصَابُ وَالاْزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشَّيْطَنِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة: 90)
---
واعلم أنَّ الأشربة الأربعة حرامٌ مطلقاً عند الأئمة الأربعة، وفي غيرها خلافٌ. فذهب الجمهور إلى أنَّ ما أسكر كثيره، فقليله حرام. وفصل فيه أبو حنيفة: والوجه فيه أن للخمر إطلاقان: عام، وخاص: فالأول: يقال لكل مسكر، والثاني: لعصير العنب خاصة، إذا غلى واشتد، كالورد، فإنَّه يُطلق على كل زَهْر، ذي رائحة، ويطلق على الخاص أيضاً نازبو فالخمر عند أبي حنيفة هو الخاص فقط.
ويُعلم من «الأم» للشافعي أنَّ من قصر الحرمة على الأشربة الأربعة. يقول: إن القليلَ من غيرها ليس بمسكر، وحينئذ يمكن للحنفية أن يدَّعوا أنه غيرُ داخلٍ في موضوع القضية: «كل مسكر حرام»، فإنَّ المرادَ من المسكرِ هو الذي أسكرَ بالفعل. واستحسنه ابن رُشد، في قوله: كل شراب أسكر، وزعم أنه فيما أسكر بالفعل.
قلتُ: وإنما استحسنه ابن رُشد، مع كونه فقيهاً عظيماً، لأن عَرَبيَّتَه ناقصة.g(7/95)
ومرادُ الحديث أنَّ كل شرابٍ من شأنه السُّكر فهو حرامٌ، سواء أسكر بالفعل أم لا. وقد تبين لي بعد مرور الدهر أنَّ مراد الحديث، كما ذهب إليه الجمهور، وإذن لا أصرف الأحاديث عن ظاهرها.
ثم اعلم أن تحرير مذهب الحنفية ليس كما قالوه: إن غير الأشربة الأربعة حلال، بقدر التقوِّي على العبادة، بل الأحسن عندي كما أقول: إن غيرها حرام عندنا أيضاً، إلا بقدر التقوِّي على العبادة، دون التلهي، هذا في القليل، أما إذا أسكرَ فهو حرام بالإِجماع. والفرق بين التعبيرين أجلى من أنْ يُذكر، فإنَّ الأصلَ في التعبير الأول هو الحلة، فتقومُ الأحاديث على مناقضة المذهب. أما على التعبير الثاني، فالأصل الحرمة، كما في الأحاديث، ويبقى القدرُ القليل تحت الاستثناء.
5575 - قوله: (حرمها في الآخرة) ذهب جماعةٌ إلى أن شاربَ الخمر لا يشربُها في الجنة أيضاً، وإن دخلها بعد المغفرة. والجنة وإن كان فيها كل ما تشتهيه الأنفس، إلا أنه لا يشتهيها.
---
5577 - قوله: (حتى يكون خمسين امرأة قيمهن رجل واحد) وقد مر معنا أنَّ في بعض الروايات قيد «الصالح»، فلا إشكال. ثم إنه يمكن أن يكونَ المراد من القيِّم غير الزوجِ، ممن يقوم على أمور الناس، ويسعى لهم .
5578 - قوله: (ولا ينتهب نهبة ذات شرف)، أي المال النفيس، يرفعُ الناس إليه أبصارهم فيها حين ينتهبها اورلوك ديكهتى ره جائين.
باب الخَمْرُ مِنَ العِنَب
باب نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ وَهيَ مِنَ البُسْرِ وَالتَّمْر
باب الخَمْرُ مِنَ العَسَلِ، وَهُوَ البِتْع
وَقالَ مَعْنٌ: سَأَلتُ مالِكَبْنَ أَنَسٍ عَنِ الفُقَّاعِ، فَقَالَ: إِذَا لَمْ يُسْكِرْ فَلاَ بَأْسَ. وَقالَ ابْنُ الدَّرَاوَرْدِيِّ: سَأَلنَا عَنْهُ فَقَالُوا: لاَ يُسْكِرُ، لاَ بَأْسَ بِهِ.(7/96)
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قالَ: حَدَّثَني أَنَسُبْنُ مالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلّمقالَ: «لاَ تَنْتَبِذُوا في الدُّبَّاءِ، وَلاَ في المُزَفَّتِ». وَكانَ أَبُو هُرَيرَةَ يُلحِقُ مَعَهَا: الحَنْتَمَ وَالنَّقِيرَ.
5582 - قوله: (الفضيخ) كجلى هوئى.
قوله: (زهو) كدرائى هوى.
5583 - قوله: (وكانت خمرهم) دلت الإِضافة إلى الأشخاص، أن الخمرَ تكون من غير العنب أيضاً. واعلم أن إطلاقات الصحابة رضي الله تعالى عنهم تدل على أن الخمرَ عندهم يُطلق على كل مائع مُسكرٍ، ولذا يأمرون بإِكفاء كل مسكر.
باب ُ ما جاءَ في أَنَّ الخَمْرَ ما خامَرَ العَقْلَ مِنَ الشَّرَاب
5588 - قوله: (فشيء يصنع بالسند من الرز) يعني ايك شىء جهيى سنده مين جاول د الكربناتى هين.
باب ُ ما جاءَ فِيمَنْ يَسْتَحِلُّ الخَمْرَ وَيُسَمِّيهِ بِغَيرِ اسْمِه
---
وعرض الشاه ولي الله ههنا على أبي حنيفة.
5590 - قوله: (وقال هشام بن عمار)... إلخ، هذا مبدأ الإِسناد، فينبغي أن يُكتب بالقلم الجلي. والفرقُ بين المعازف والملاهي: أن الملاهي ما تضربُ باليد، والمعازفُ بالفم.
باب ُ الانْتِبَاذِ في اْلأَوْعِيَةِ وَالتَّوْر
باب ُ تَرْخِيصِ النبي صلى الله عليه وسلّم في اْلأَوْعِيَةِ وَالظُّرُوفِ بَعْدَ النَّهْي
باب ُ نَقِيعِ التَّمْرِ ما لَمْ يُسْكِر
5593 - قوله: (عن عبد الله بن عمرو قال: لما نهى النبي صلى الله عليه وسلّمعن الأسقية)... إلخ، وعكس فيه الراوي قطعاً، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّملم ينه عن الأسقية، ولكنه نهى أولاً عن الجِرَار، ثم رخص فيها أيضاً، فينبغي أن يكون لفظ الجِرَار مكان الأسقية. وقد علمت من صنع المحدثينَ أنهم ينظرون إلى حال الإِسناد فقط، ولا يُراعون المعنى، فيحكُمون على إسنادٍ صحيحٍ بالصحة، بدون إمعانٍ في معنى متنه، كما رأيت في الحديث المذكور.
باب ُ البَاذَقِ وَمَنْ نَهى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ مِنَ اْلأَشْرِبَة(7/97)
وَرَأَى عُمَرُ وَأَبُو عُبَيدَةَ وَمُعَاذٌ شُرْبَ الطِّلاَءَ عَلَى الثُّلُثِ، وَشَرِبَ البَرَاءُ وَأَبُو جُحَيفَةَ عَلَى النِّصْفِ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اشْرَبِ العَصِيرَ ما دَامَ طَرِيَّا. وَقالَ عُمَرُ: وَجَدْتُ مِنْ عُبَيدِ اللّهِ رِيحَ شَرَابٍ، وَأَنَا سَائِلٌ عَنْهُ، فَإِنْ كانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ.
وهو معرب باده أي شراب.
قوله: (شرب الطلاء على الثلث) واعلم أنَّ العصير إذا طُبخ حتى إذا ذهب ثلثاه أمِنَ من الفسادِ، ولا يسكر أيضاً، وكذلك لا يتخلل أيضاً، فالمقصود من هذا الطبخ هو دَوامُه، وحفظه عن التغيُّر والفسادِ، والسُّكر.
---
قوله: (وشرب البراء، وأبو جحيفة على النصف)... إلخ، واعلم أن المنصَّفَ حرامٌ، لكونه مُسكراً.
قوله: (فإن كان يسكر جلدته) وقصته: أن ابني عمر كانا ذهبا إلى المصر للجهاد، وكان الأميرُ فيها عمرو بن العاص، فشربَ عُبيد الله طلاءً يظنُّه غير مسكرٍ، فسكِرَ، وكان عمر قد أحل الطِّلاء لأهل الشام، كما علمت، فقال له عبد الله: إنك أمير، والحد إليك، فلو حدَدْتَه على وجه لا يُعرف به أحد، ففعل. فلما بلغ ذلك عمر، قال: يا عمرو بن العاص كنتُ أثقُ بك، ولكن أخطأتَ فيما ظننتُ فيك، فدعا عبد الله، وكان عليلاً، فحدَّه، فتوفِّيَ فيه، وإنما حده عمر على السكر لا على شرب الطِّلاء، فإنَّه كان أحلَّه لأهل الشام. وقد علمت من كلام الحافظ الاختلاف في أنواع العنب. وما نُقل أنه ضربَ الحدَّ على قبرِه بعد وفاتِه، فغلطٌ.
5598 - قوله: (سبق محمد الباذق)... إلخ، أي إن هذه الأسماء فشتْ بعده، ولم تكن في زمن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وإنما مهد لنا ضابطةً كلية، فخذوا منها أحكام الباذق، وغيرها.(7/98)
5598 - قوله: (قال: الشراب الحلال الطيب) ولا يُفهم معناه، إلا بتغيير النغمة، يعني أليس الباذق حلالاً طيباً؟ وحاصل جواب ابن عباس أنَّ الأشياءَ على نوعين: حلال طيب، وحرام خبيث، فإذا لم يكن الباذقُ من الأول، كان من الثاني ضرورةً.
باب ُ مَنْ رَأَى أَنْ لاَ يَخْلِطَ البُسْرَ وَالتَّمْرَ إِذَا كانَ مُسْكِراً،وَأَنْ لاَ يَجْعَلَ إِدَامَينِ في إِدَام
وإنما نهى عنه لتسارُعِ الفساد فيه، فالنهي فيه لسدِّ الذرائع.
باب ُ شُرْبِ اللَّبَن
وَقَوْلِ
باب ُ اسْتِعْذَابِ المَاء
باب ُ شُرْبِ اللَّبَنِ بالمَاء
باب ُ شَرَابِ الحَلوَاءِ وَالعَسَل
---
وَقالَ الزُّهْرِيُّ: لاَ يَحِلُّ شُرْبُ بَوْلِ النَّاسِ لِشِدَّةٍ تَنْزِلُ، لأَنَّهُ رِجْسٌ، قالَ اللّهُ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيّبَتُ} (المائدة: 5)، وَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ في السَّكَرِ: إِنَّ اللّهَ لَمْ يَجْعَل شِفَاءَكُمْ فِيما حَرَّمَ عَلَيكُمْ.
فائدة:
واعلم أن المصنف ختم باب الأشربة، وكان الظنُّ به أنه يشدِّدُ فيه الكلامَ في حق الحنفية، ولكنه مرّ ساكتاً، ولم يُعرِّض بشيء. والنسائي وضع كتاب الأشربة في آخر كتابه، وشدَّد فيه الكلام، فلما رأيت تذكرته، وجدتُ فيها أنه كان متهماً بشرب النبيذ، وحينئذ تبين لي السرُّ في تغليظه، وعلمت أنه يذبُّ عن نفسه.
قلتُ: ولما كانت المسألة شهيرةً بين الأنام، أردت أن أزفَّ إليك بعض النقول المهمة في ذلك، واستوعبت غررها، وأرجو من الله سبحانه أن لا تتأسف على فقد شيء بعدها، وإنما أَعرض عنها الشيخ، لما لاح له الجُنُوح إلى مذهب الجمهور.(7/99)
قال في «المعتصر»: عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلّمأنه قال: «كل شراب أسكر فهو حرام». وعنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلّمعن البِتْع، فقال: «كل شراب أسكر فهو حرام». وعن أبي موسى أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّملما بعث معاذاً، وأبا موسى، إلى اليمن، قال له أبو موسى: «إن شراباً يُصنع في أرضنا من العسل، يقال له: البِتْع، ومن الشعير، يقال له: المِزْر». فقال صلى الله عليه وسلّم «كل مسكر حرام».
---
ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلّمعن البِتْع، فجاوب بقوله: «كل شراب أسكر فهو حرام» احتمل أن يكون ذلك على الشراب المُسكر كثيرُه، فيكون حراماً إذا أسكر، لا إذا لم يُسكر. واحتمل أن يكون قليله وكثيره حراماً، فنظرنا فوجدنا من رواية أبي إسحاق عن أبي بُردة عن أبيه، قال: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلّمأنا، ومعاذاً إلى اليمن، فقلت: إنك بعثتنا إلى أرضٍ كثير شراب أهلها»، فقال: «اشربا، ولا تشربا مسكراً». وعنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلّمإلى اليمن، فقلنا: «إن بها شراباً يصنع من الشعير والبُر، يُسمّى المِذْر ومن العسل يسمى: البِتْع»، قال: «اشربوا، ولا تشربوا مسكراً»، أو قال: «لا تسكروا» ففيها إطلاق الشرب، والنهي عن المسكر.(7/100)
فعقلنا أنَّ السكرَ المراد في الأحاديث السابقة هو ما يُسكر من تلك الأشربة، لا ما لا يسكر منها. وعن أبي موسى، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعاذاً إلى اليمن، فقلت: «يا رسول الله، أفتنا بشرابين كنا نصنعهما باليمن: البِتْع من العسل، ينبذ حتى يشتد؛ والمِزْر من الشعير والذرة، ينبذ حتى يشتد»؛ قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلّمأعطي جوامع الكلم بخواتمه، فقال: «حرام كل مسكر، أسكر عن الصلاة» فعاد إلى أنه لا يُمنع القليل من الشراب الذي يسكر كثيره، فإنَّ القليل لا يُسكر عن الصلاة. وارتفع التضاد بين الآثار، وامتنعَ شُرب ما يُسكر منها، وحل شُرب ما لا يسكر منها.
---
ومنه عن ابن عباس، قال: «حرمت الخمر لعينها، والسكر من كل شراب». وعنه: «حرمت الخمر لعينها، القليل منها، والكثير، والسكر من كل شراب»؛ رَوى ذلك مِسْعَر بن كِدَام، وأبو حنيفة، وابن شبرمة، والثوري عن أبي عون، عن عبد الله بن شداد، عن ابن شداد، ورواه شُعبة عن مِسْعر بهذا الإِسناد، فقال فيه: والمسكر من كل شراب، بخلاف ما رواه عنه وكيع، وأبو نُعيم، وجرير، وثلاثة أولى بالحفظ من واحد.
مع أن شُعبة كثيراً ما يحدِّثُ بالشيء على ما يظن أنه معناه، وليس في الحقيقة معناه، فيحوِّلُ الحديثَ إلى ضده، كما في حديث توريث الخال. فقال فيه: «والخال وارث من لا وارث له، يرث ماله، ويعقل عنه. وإنما هو «يرث ماله، ويفك عانيه». كذلك رواه غيره من الرواة، وسيأتي. ومن ذلك حديث أنس: «أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمنهى أن يتزعفر الرجل»، وحدث هو به: «نهى عن التزعفر»، وهما مختلفان، لأن نهيه عن التزعفر يدخل فيه الرجال والنساء، بخلاف قوله: نهى أن يتزعفر الرجل. اه- «المعتصر».(7/101)
وفي «العَرْف الشذي» - تقديره للترمذي، ضبطه الفاضل محمد جراع زيد مجده - مع بعض تغيير في العبارة، وتخريج الأحاديث مني، قال: إن هذه المسألة لم أجد فيها ما يَشفي الصدور، ونَقَلَ أنَّ الكَرْخِي صنفَ في هذه المسألة كتاباً مستقلاً، لكنا ما وجدناه. واعلم أن الخمر عند أبي حنيفة، وأبي يوسف: عصير العنب إذا غلا جوش مارا، واشتد تيزهئوا اوراتها، وقذف بالزبد؛ وأحكامه عشرة مذكورة في «الهداية»:
---
منها أن مستحلَّها كافر، وأنها نجسةٌ غليظة، وأن قليلها وكثيرها حرام، وأن شاربَها محدودٌ، أَسَكِرَ، أم لا، وسواها أشربةٌ ثلاثة أخرى، قليلها وكثيرها حرام. وفي رواية: نجسة خفيفة، وفي رواية: غليظة. أحدها: الطِّلاء، وهو عصير العنب المطبوخ الذي لم يُطبخ ثلثاه واشتد، والخمر لا يُطبخ، وللطِّلاء تفسير آخر، وثانيها: السَّكَر؛ والثالث: النَّقِيع، وهذه الثلاثة، والخمر تسمى بالأشربة الأربعة، ويكون قليلها، وكثيرها حراماً، ولا يطلق لفظ الخمر إلا على الأول من الأربعة.
وأما ما سواها فيتخذ النبيذ من كل شيء من الحبوب، والثمار، الألبان، وتسمى هذه الأقسام بالأنبذة، وحكمها ما ذكروا: أن القليل - أي القدر - غير المُسكر منها حلال إذا كان بقصد التقوّي على العبادة، وحرام بقصد التلهي، والكثير - أي القدر - المُسكر منها حرام. وهذا مذهب الشيخين، وَوَكيع بن الجراح، وسفيان الثوري، ولعل سفيان رجع عنه.
وفي «الهداية» عن الأوزاعي أيضاً وفاقُ أبي حنيفة في الجملة، وبعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم أيضاً، وإن تأولت الخصومُ أقوالهم، وأئمة آخرون أيضاً مُوَافِقُون للشيخين في الجملة. وأما الشافعي، وأحمد، ومالك، ومحمد بن الحسن، وجمهور الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فذهبوا إلى أنَّ المُسكر المائع من كل شيءٍ يحرُم قليله وكثيره، أسكر أم لم يُسكر، والمسكر الجامد ليس بخمر. وأفتى أرباب الفتوى منا بقول محمد بن الحسن.(7/102)
وأما أرباب اللغة فيشيدون بأقوال أئمتهم، ذكر صاحب «القاموس» الشافعي معنى الخمر موافق الجمهور، وذكر مذهب أبي حنيفة بقيل. وذكر الزمخشري معناه على وَفق أَبي حنيفة، وقال: ليس في اللغة إلا هذا المعنى. ومن المعلوم أن الزمخشري أحذقُ من صاحب «القاموس»، لأنه إمام اللغة.
---
أقول: إن أصل معنى الخمر لغةً ما قال أبو حنيفة، ولكنه مُستعملٌ في معنى الحجازيين أيضاً، والمعنيان على الحقيقة، ويمكن للجمهور أن يقول: إن الشارع لما ذكر حُكم ما زعمتموه خمراً، وحُكمَ غيره واحداً، فأي اعتراض؟ ونظير استعمال الخمر في المعنيين لفظ «كل» في الفارسية - معناه صلى الله عليه وسلّمول كلاب - إذا استعمل مطلقاً، وإذا استعمل مقيداً فالاعتبار للقيد نحو (كل نركس)، أو غيره، والاستعمالان حقيقيان. هذا ما بدا لي في شواهد أبي حنيفة من اللغة، قال المتنبي:
*... ... ... ... ... ** فإن في الخمر معنى ليس في العنب
وقال أبو الأسود الدُّؤلي أستاذ الحسنين:
*دع الخمرَ يشربها الغُواة، فإِنني ** أخذتُ أخاها، مغنياً بمكانها
*فإِنْ لم تَكُنْه، أو يَكُنْها، فإِنه ** أخُوْها، غذتْه أمه بلِبَانِها
ويقول شاعر آخر متدين:
*وإني لأكرهَ تشديدَ الرواةِ لنا ** فيه، ويعجبني قول ابن مسعود
قال ابن مسعود بمثل ما قال أبو حنيفة، ثم أقول، مغيِّراً عبارتهم، لا غرضهم: ولعل ذلك يجدي شيئاً، قالوا: إن ما سوى الأشربة الأربعة حلال قليله، على قصد التقوّي على العبادة، ويحرُم على قصد التلهي، وأقول مغيراً عبارتهم: إن ما سوى الأربعة حرام، إلا قدرَ قليل، بقصد التقوّي على العبادة، والفرقُ أن عبارتَهم تُشعر أنَّ الأصلَ الإِباحة، والحرمةَ بعارض التَّلهي، وعلى ما قلت، تُشعر بأن الأصلَ الحُرمة، وإنما الحلالُ قدر قليل بقصد التقوّي على العبادة، فإِذن يكون التقوِّي مثل التداوي، فيُحوَّلُ الأمر إلى باب التداوي، ولا تكون الأحاديث الوافرة مخالفةً لأبي حنيفة.
---(7/103)
وهذا يكون شبيه قولنا: إن الميتة حرامٌ إلا عند الاضطرار، فيكون التقوي على العبادة مخصوصاً، ومستثنى، ونطالب دليلَ التخصيص، فسأبينه، فيكون جميع أحاديث «المسكر حرامٌ» على ظاهرها، مثل أن يقال: إن الميتة حرامٌ، وفي كتب الحنفية أنَّ شُربَ الماء على حكاية شُرب الخمر حرام، ووجدتُ لقولهم هذا دليلاً، قول أبي هريرة مثل قولنا في «مدخل ابن الحَاج المالكي».
وقال بعض الحنفية: إنَّ كلَّ محرمٍ بعضُ جنسه حلالٌ، فيكون النبيذ حلالاً لكونه من جنس الخمر الذي هو حرامٌ، وله نظائر، كالحرير، فإنَّه حرام، ويجوزُ منه قدر أربعة أصابع للرجال، وكذلك الذهب، والفضة، ووجدت لقولهم دليلاً من قول بعض السلف عن بعض أهل البيت، أنهم ذكروا مثل ما ذكره بعض الحنفية، وقال: إن نهر طالوت كان كثيره حراماً، وقليله حلالاً، فعلم أنَّ لقول ذلك البعض من الحنفية أصلاً.
وأما أدلة الحنفية، فمنها ما أخرجه أبو داود: في باب الأوعية: حدثنا وَهْب بن بقية، عن خالد، عن عوف، عن أبي القَمُوص زيد بن علي، قال: حدثني رجل كان من الوفد الذين وَفَدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّممن عبد القيس، يحسبُ عوف أنَّ اسمه قيس بن النعمان، فقال: «لا تشربوا في نقير، ولا مُزَفّت، ولا دباء ولا حَنْتَم، واشربوا في الجلد الموكأ، فإن اشتد فاكسروه بالماء، فإن أعياكم، فأهريقوه»، وسنده جيد.
---(7/104)
وقيل في الجواب: إن الاشتداد الغلظة، لا الإِسكار، وهذا مهملٌ، لأن الاشتدادَ المستعمل في المسكرات، والأنبذة بمعنى المُسكر، كما في مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن أحمد بن أبي خلف، واللفظ لابن أبي خلف، قالا: أخبرنا زكريا بن عدي، قال: أخبرنا عبيد الله، وهو ابن عمر، عن زيد بن أبي أُنَيسة، عن سعيد بن أَبي بُردة: حدثنا أبو بُردة عن أبيه، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعاذاً إلى اليمن، فقال: «ادعوا الناس، وبشِّرا ولا تنفِّرا، ويسِّرا ولا تعسرا»، قال: فقلت: «يا رسول الله أفتنا في شرابين، كنا نصنعهما باليمن: البِتْع، وهو من العسل، ينبذ حتى يشتد، والمِزْر، وهو من الذرة، والشعير، ينبذ حتى يشتد، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّمقد أعطي جوامع الكلم بخواتمه، فقال: «أنهى عن كل مسكر، أسكر عن الصلاة». وقيل: إن المراد بالاشتداد الحموضة.
وأقول: أيُّ فائدة في الإِهراق في هذه الصورة؟ فإنَّ دفعَ الحموضة ممكن بالماء أيضاً، والماء المختلط بالنبيذ يكون أصلح من الماء القَرَاح، فأيُّ نفع في الإِهراق؟.
وهذا يكون شبيه قولنا: إن الميتة حرامٌ إلا عند الاضطرار، فيكون التقوي على العبادة مخصوصاً، ومستثنى، ونطالب دليلَ التخصيص، فسأبينه، فيكون جميع أحاديث «المسكر حرامٌ» على ظاهرها، مثل أن يقال: إن الميتة حرامٌ، وفي كتب الحنفية أنَّ شُربَ الماء على حكاية شُرب الخمر حرام، ووجدتُ لقولهم هذا دليلاً، قول أبي هريرة مثل قولنا في «مدخل ابن الحَاج المالكي».
---(7/105)
وقال بعض الحنفية: إنَّ كلَّ محرمٍ بعضُ جنسه حلالٌ، فيكون النبيذ حلالاً لكونه من جنس الخمر الذي هو حرامٌ، وله نظائر، كالحرير، فإنَّه حرام، ويجوزُ منه قدر أربعة أصابع للرجال، وكذلك الذهب، والفضة، ووجدت لقولهم دليلاً من قول بعض السلف عن بعض أهل البيت، أنهم ذكروا مثل ما ذكره بعض الحنفية، وقال: إن نهر طالوت كان كثيره حراماً، وقليله حلالاً، فعلم أنَّ لقول ذلك البعض من الحنفية أصلاً.
وأما أدلة الحنفية، فمنها ما أخرجه أبو داود: في باب الأوعية: حدثنا وَهْب بن بقية، عن خالد، عن عوف، عن أبي القَمُوص زيد بن علي، قال: حدثني رجل كان من الوفد الذين وَفَدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّممن عبد القيس، يحسبُ عوف أنَّ اسمه قيس بن النعمان، فقال: «لا تشربوا في نقير، ولا مُزَفّت، ولا دباء ولا حَنْتَم، واشربوا في الجلد الموكأ، فإن اشتد فاكسروه بالماء، فإن أعياكم، فأهريقوه»، وسنده جيد.
وقيل في الجواب: إن الاشتداد الغلظة، لا الإِسكار، وهذا مهملٌ، لأن الاشتدادَ المستعمل في المسكرات، والأنبذة بمعنى المُسكر، كما في مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن أحمد بن أبي خلف، واللفظ لابن أبي خلف، قالا: أخبرنا زكريا بن عدي، قال: أخبرنا عبيد الله، وهو ابن عمر، عن زيد بن أبي أُنَيسة، عن سعيد بن أَبي بُردة: حدثنا أبو بُردة عن أبيه، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعاذاً إلى اليمن، فقال: «ادعوا الناس، وبشِّرا ولا تنفِّرا، ويسِّرا ولا تعسرا»، قال: فقلت: «يا رسول الله أفتنا في شرابين، كنا نصنعهما باليمن: البِتْع، وهو من العسل، ينبذ حتى يشتد، والمِزْر، وهو من الذرة، والشعير، ينبذ حتى يشتد، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّمقد أعطي جوامع الكلم بخواتمه، فقال: «أنهى عن كل مسكر، أسكر عن الصلاة». وقيل: إن المراد بالاشتداد الحموضة.
---(7/106)
وأقول: أيُّ فائدة في الإِهراق في هذه الصورة؟ فإنَّ دفعَ الحموضة ممكن بالماء أيضاً، والماء المختلط بالنبيذ يكون أصلح من الماء القَرَاح، فأيُّ نفع في الإِهراق؟.
ولأبي حنيفة آثار عن عمر في «موطأ مالك»: مالك عن داود بن الحُصين، عن واقد بن عمر ابن سعد بن معاذ: أنه أخبره عن محمود بن لبيد الأنصاري: أنَّ عمر بن الخطاب حين قَدِم الشام، فشكى إليه أهلُ الشام وباءَ الأرض، وثقلها، وقالوا: لا يُصلحنا إلا هذا الشراب، فقال عمر: «اشربوا العسل»، فقالوا: لا يُصلحنا العسل، فقال رجل من أهل الأرض: هل لك أن تجعلَ لنا من هذا الشراب شيئاً لا يُسكر؟ قال: «نعم»، فطبخوا حتى ذهب منه الثلثان، وبقي الثلث، فأتوا به عمر، فأدخل عمر فيه إصبعه، ثم رفع يده، فتبعها يتمطط، فقال: «هذا الطِّلاء، هذا مثل طلاء الإِبل»، فأمرهم عمر أن يشربوه، فقال له عُبادة بن الصامت: «أحللتها والله»، فقال عمر: «كلا والله، اللهم إني لا أحلُّ لهم شيئاً حرمتَه عليهم، ولا أحرِّمُ عليهم شيئاً أحللته لهم».
وله أيضاً ما في الطحاوي أثر عمر الفاروق عن فهد، قال: حدثنا عمر بن حفص، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الأعمش، قال: حَدَّثني إبراهيم، عن همام بن الحارث، عن عمر: أنه كان في سفر، فأتي بنبيذ، فشرب منه، فقطَّب، ثم قال: «إن نبيذ الطائف له غرام»، فذكر شِدةً لا أحفظها، ثم دعا بماء فصب عليه، ثم شرب، بسند صحيح. وفي الطحاوي لفظ: «وله غرام» - بالغين المعجمة - وهو غَلَطٌ. والصحيح - بالعين المهملة - كما قال النحاس في كتاب «الناسخ والمنسوخ» تلميذ الطحاوي، وهو الذي أجاب عن أدلتنا جميعها من جانب الجمهور.
---(7/107)
وقال الحافظ: إن هذا أصح الآثار، وفيه: حدثنا رَوْح بن الفرج، قال: حدثنا عمرو بن خالد، قال: حدثنا زهير، قال: حدثنا أبو إسحاق عن عمر، وابن ميمون مثله، وزاد، قال عمر: وكان يقول: «إنا نشرب من هذا النبيذ شراباً يقطع لحوم الإِبل في بطونها، من أن يؤذينا»، قال: «وشربت من نبيذه، فكان أشدَّ النبيذ»، وفيه: حدثنا ابن أبي داود، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثنا عقيل عن ابن شهاب، أنه قال: أخبرني معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان الليثي أن أباه عبد الرحمن بن عثمان. قال: صحبت عمر بن الخطاب إلى مكة، فأَهدَى له ركب من ثقيف سطيحتين من نبيذ، - والسطيحة: فوق الإِدَاوة، ودون المَزَادة - قال عبد الرحمن: فشرب عمر إحداهما، ولم يشرب الأخرى حتى اشتد ما فيه، فذهب عمر، فشرب منه، فوجده قد اشتد، فقال: «اكسروه بالماء»؛ وأسانيد الكل صحاح، وفي سند الثالث معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان الليثي، وهو سهو من الكاتب، والصحيح: التيمي، وله آثار أخر في «كتاب الآثار» لمحمد بن الحسن قوية السند.
وأجاب عنه الجمهور، وبعض الأجوبة نافذ لا البعض الآخر، وأجاب الحافظ عما أخرجه أبو داود في «الفتح» بأن الاشتداد لم يكن واقعاً، بل كان خوف الاشتداد، ولقوله: «نفاذ»، سيما إذا كان في الدارقطني عن أبي هريرة، لفظ: «خشية الاشتداد»، وأما جواب أثر «الموطأ» نقول: إن ذكر الإِسكار ليس فيه، فالجواب أنَّ مراد عُبادة، أن نبيذ التمر، أو العنب لا يكون دائمَ البقاء، إلا أن يصير خمراً، أو خلا، وإذا طبخ، فيصير دائمَ البقاء، فإما يصير خلاً، وهو حلال، أو خمراً فيكون حراماً، والناس يشربونه على إفتائك، ويكون حلواً.
---(7/108)
فالحاصل أنه يصير مسكراً بعد مدة يسيرة، فيشربه الناس، ويزعمون أنه حلوٌ، ويُسكرهم هذا، فهذا الأثَرَ لم يتعرض إليه الحافظ، لكنه تعرَّض إلى آثار الطحاوي، والجواب بأن المراد من الشِّدة الحموضة فبيعدٌ، وأما قول: إن الشدةَ شدة الحلاوة، فخلاف ما يُستعمل الاشتداد في المسكرات.
فالحاصل أن الحافظَ لم يتيسر له الجوابُ من آثار الطحاوي، وأقول: إن الباب باب النصوص من القرآن، والأحاديث، وضرويات الدين، فلا بد من محامل تلك الآثار، ولكنها تكفي للاعتذار من جانب أبي حنيفة، وما في النسائي عن راو أن نبيذَ عمر كان صار خلاً، فإنَّما هو رأيُه.
وأقول: إن عصير العنب، والتمر لو كان مُزَّاً وقَارِصاً، فلا منع فيه، والله أعلم، ولا يمكن قول الحافظ في المرفوع، محملاً لآثار الطحاوي عن عمر، فإنَّ في الألفاظ تصريحاً أنه صار مشتداً، لا أنه قرُب إلى الاشتداد، ولأبي حنيفة أثر آخر أيضاً، وهو أن رجلاً شرب النبيذ من نِحية. الفاروق الأعظم، وأسكر، فحُدَّ، فقال: يا أمير المؤمنين إني شربت من شنتك، فقال عمر: «حددتك من الإِسكار».
أخبرنا عبد الرزاق حدثنا ابن جريج، قال: أخبرني إسماعيل أنَّ رجلاً عبَّ في شراب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه بطريق المدينة، فسكِرَ، فتركه عمر حتى أفاق، فحدَّه، ثم أوجعه عمر بالماء، فشرب منه، قالَ: ونبذ نافع بن الحارث لعمر بن الخطاب في المزاد، وهو عامل له على مكة، فاستأخر عمر حتى عَدَا الشرابُ طورَه، فدعا، فوجده شدييداً، فصنعه في الجِفان، فأوجعه بالماء، ثم شرب، وسقى الناس.
---(7/109)
وأعلى الأشياء لأبي حنيفة ما أخرجه الطحاوي مرفوعاً: حدثنا علي بن معبد، قال: حدثنا يونس، قال: حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن أبي بردة ابن أبي موسى عن أبيه، قالَ: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلّمأنا، ومعاذاً إلى اليمن، فقلنا: يا رسول الله إن بها شرايين يصنعان من البر، والشعير: أحدهما يقال له: المِزر، والآخر يقال له: البِتع، فما نشرب؟» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «اشربا، والا تسكرا»، ويمكن أن يقال: إن المراد «باشربا» الأنبذة لا الماء، أو اللبن، أو غيرهما، لكن في الطحاوي، والنسائي «ولا تسكرا» فلا حجة لنا. وقال النسائي: إن لفظ: «ولا تسكرا» وَهَم الراوي، والفرق بين: «لا تسكرا»، ولا تشربا مسكراً... إلخ، واضحٌ، ولكن ما حكم به النسائي بأنه وهم الراوي غير متيقن.
وأطنب الطحاوي في المسألة، ما لا يوجد في غيره، ورأيت في كتاب أن النسائي كان رُمي بشرب النبيذ على مذهب العراقيين، ولعله أطنب الكلام لهذا الاتهام، ولم أجد الشفاء فيما ذكر أهل كتبنا، لكن في «العقد الفريد» شيءٌ زائدٌ على ما في كتبنا، فإِنَّه نقل توسيعاً في النبيذ عن السلف الكبار، وإني لم أجد رواية عن الشيخين موافقة لمحمد، ولو وجدت لقطعت بها، وإن كانت شاذة، ولكني لم أجد مع التتبع الكثير، وأما ما وقع في نظم ابن وهبان، فزعمَه بعض العلماء أنه مرويٌ عن الشيخين موافق محمد، والحال أنه ليس مراده ما زعموه، بل مراده أن وقوعَ الطلاق مروى عن الثلاثة، لا حكم النهي على القدر القليل من الأشربة، فادره، فإنه زل فيه الأقدام، ومن نظم ابن وهبان قوله:
*ويمنع عن بيع الدخان، وأوقعوا ** طلاقاً لمن من مسكر المحب يسكر،
*وعن كلهم يروى، وأفتى محمد ** بتحريم ما قد قل، وهو المحرر
وزعموه أن المروى عن الكل تحريم ما قد قل، والحال أنَّ المروىَ هو وقوع الطلاق.
واقعة:
---(7/110)
في «شرح الهداية» أن أبا حفص الكبير أفتى بحرمة النبيذ، فقيل له: خالفت أبا حنيفة، فقال: ما خالفته، فإنَّه يحرمُ إذا كان للتلهي، وأهل الزمان يشربونه على التلهي.
واعلم أنّ ما ذكرتُ من حجج الحنفية أكثر مما ذكره مصنفونا، ومع ذلك أعترفُ أنَّ العمل ينبغي بما قال الجمهور، ومحمد بن الحسن، وأعلى ما وجدت عن أبي حنيفة، وأبي يوسف ما في شروح «الهداية» قال أبو حنيفة: لو أعطيت جميع ما في الدنيا، ومثلها لأشرب قطرة نبيذ، فلا أشربه، فإنَّه مختلفٌ فيه، ولو أعطيت جميع ما في الدنيا لأحرم النبيذ، لا أحرمه، لأنه مختلف فيه. هذا أعلى ما في الباب، وأعلى ما يشفي الصدور، وعن أبي يوسف ما رواه أبو جعفر النَّحاس في كتاب «الناسخ والمنسوخ» قال أبو يوسف: وفي نفسي من هذه الفُتيا، كأمثال الجبال، ولكن عادة البلد، - أي الكوفة - هذا، والله أعلم، وعلمه أتم.
وراجع «المبسوط» من - الرابع والعشرين ، قوله: «كل مسكر حرام». قال صاحب «الهداية»: إن ابن مَعِين قدحَ في هذه الجُملة. قال الزيلعي: لم أجد قدحَ ابن مَعِين، ومر عليه الحافظ، وقال: إن الحافظ جمال الدين الزَّيْلعي أكثرُهم تتبُّعاً، وهو يعترف بأنه لم يجد قدحَ ابن معين. وأقول أنا أيضاً: لم أجد قدحَ ابن معين، نعم، قدحُ إبراهيم النَّخَعي موجود في «كتاب الآثار» لمحمد بن الحسن، إلا أني رأيت في «مسند الخوارزمي»، وله مهارةٌ كاملة، واطلاع تام، وفيه نقل قدحَ يحيى بن مَعِين، لكنه لم يذكر مأخذه ولو ذكره لكان أولى وأفيد. انتهى مع تغيير في العبارة، وتخريج للأحاديث.
---(7/111)
واعلم أن مسألة المسكرات عسيرة جداً من حيث تواترَ الأحاديث في جانب الجمهور، فليس لنا للتأويله مساغٌ إلا بنوع من التَّمحل، ولذا أعرض عنها الشيخ، وقد كان نبهنا في درس الترمذي على أنه تعرض إليها الفاضل شهاب الدين أحمد، المعروف بابن عبد ربه الأندلسي في كتابه «العقد الفريد» فلم يتفق لنا المراجعة إليه، حتى حان تسويد هذه الأوراق، وحينئذ أردنا أن نأتيك بملخص منه، فإنَّه قد أطال فيه الكلام، ونتحفك منه بقدر ما يتعلق بموضوعنا إن شاء الله تعالى.
الفرق بين الخمر والنَّبيذ
أولُ ذلك أن تحريم الخمر مجمعٌ عليه، لا اختلاف فيه بين اثنين من الأئمة والعلماء، وتحريمُ النبيذ مختفٌ فيه بين الأكابر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّموالتابعين، حتى لقد اضطر محمد بن سيرينَ - مع علمه، وورعه - أن يسأل عبيدة السلماني عن النبيذ، فقال له عبيدة، - ممن أدرك أبا بكر، وعمر : فما ظنك بشيءٍ اختلف فيه الناس، وأصحاب النبيِّ عليه الصلاة والسلام متوافرون، فمن بين مطلِقٍ له، ومحظِّرٍ عليه، وكل واحدٍ منهم مقيم الحججَ لمذهبه، والشواهد على قوله؟، والنبيذ: كل ما ينبذ في الدُّباء، والمُزَفَّت، فاشتد حتى يُسكر كثيره، وما لم يشتد فلا يُسمَّى نبيذاً، كما أنه ما لم يُعمل من عصيرِ العنب حتى يشتدَ، لا يسمى خمراً، كما قال الشاعر:
*نبيذ، إذا مرّ الذباب بدنّه ** تعطر، لو خر الذباب وقيدا
---(7/112)
وقيل لسفيان الثوري، وقد دعا بنبيذ، فشرب منه، ووضَعَه بين يديه: يا أبا عبد الله اخشى الذباب أن تقعَ في النبيذ، قال: قبَّحَه الله إن لم يذبَّ عن نفسه. وقال حفص بن غياث: كنت عند الأعمش، وبين يديه نبيذٌ، فاستأذن عليه قوم من طلبةِ الحديث، فسترتُه، فقال لي: لم سترتُه؟ فكرهت أن أقول: لئلا يراه من يدخل، فقلت: كرهتُ أن يقعَ فيه الذباب، فقال لي: هيهات، إنه أمنعُ من ذلك جانباً، ولو كان النبيذ هو الخمر التي حرمها الله في كتابه، ما اختلف في تحريمه اثنان من الأمة.
حدث محمد بن وضاح، قال: سألت حسنوناً، فقلت: ما تقول فيمن حلف بطلاق زوجته: إن المطبوخَ من عصيرِ العنب هو الخمر التي حرمها الله في كتابه؟ قال: بانت زوجته منه.
وذكر ابن قُتيبة في «كتاب الأَشربة» أن الله تعالى حرم علينا الخمرَ بالكتاب، والمسكرَ بالسنة، فكان فيه فُسحة، فما كان محرماً بالكتاب، فلا يحلُّ منه، لا قليل، ولا كثير، وما كان محرماً بالسنة، فإنَّ فيه فُسحة، أو بعضه، كالقليل من الديباج، والحرير يكون في الثوب. والحرير محرمٌ بالسنة، وكالتفريط في صلاة الوتر، وركعتي الفجر، وهما سُنة، فلا نقول: إن تاركَها كتاركِ الفرائض من الظهر والعصر.
وقد استأذن عبد الرحمن بن عَوف رسول الله صلى الله عليه وسلّمفي لباسِ الحريرِ لبلية كانت به، وأذن لعرفجة بن سعد - وكان أصيبَ أنفه يوم الكلاب - باتخاذ أنفٍ من الذهب. وقد جعلَ الله فيما أحل عِوَضاً مما حرَّم، فحرم الربا، وأحل البيع، وحرم السِّفاح، وأحل النكاح، وحرم الديباج وأحل الوشى، وحرم الخمر، وأحل النبيذ غير المسكر. والمسكر منه ما أسكرك.
مناقضة ابن قتيبة في قوله في الأشربة
---(7/113)
قال في - كتابه - فإنْ قال قائلٌ: إن المنكرَ هي الأشربة المسكرة، أكذَبَه النظر، لأن القَدَحَ الأخير إنما أسكر بالأول، وكذلك اللقمة الأخيرة، إنما أشبعت بالأولى. ومن قال: السكر حرام، قال: فإنَّما ذلك مجاز من القول، وإنما يريدُ ما يكون منه السكر حرام، وكذلك التُّخَمة حرام. وهذا الشاهد الذي استشهد في تحريمه، قليلٌ ما أسكرَ كثيره، وتشبيه ذلك بالتخمة شاهد عليه لا شاهد له. لأن الناس مجمعونَ على أن قليلَ الطعام الذي تكون منه التُّخَمة حلال، وأن التخمة حرام، وكذلك ينبغي أنْ يكون قليلُ النبيذ الذي يسكر كثيره حلالاً، وكثيره حراماً، وأن الشُّربة الأخيرة المسكرة هي المحرَّمة.
ومثل الأربعة أقدام، التي يُسكر منها القَدَح الرابع. مثل أربعة رجال اجتمعوا على رجل، فشجه أحدهم مُوْضِحةً، ثم شجه الثاني منقِّلة، ثم شجه الثالث مأمُومة، ثم أقبل الرابع فأجهز عليه، فلا نقول: إن الأول هو قاتله، ولا الثاني، ولا الثالث، وإنما قتله الرابع الذي أجهز عليه، وعليه القود.
وذكر ابن قتيبة في كتابه بعد أن ذكر اختلافَ الناس في النبيذ، وما أدلى به كل قومٍ من الحجة، فقال: وأعدلُ القولِ عندي أنَّ تحريمَ الخمر بالكتاب، وتحريمَ النبيذ بالسنة، وكراهية ما تغير، وخدر من الأشربة تأديبٌ. ثم زعم في هذا الكتاب بعينه أن الخمرَ نوعان: فنوع منهما أجمع على تحريمه، وهو خمر العنب من غير أنْ تمسَّه نارٌ، لا يحل منه لا قليل، ولا كثير، ونوع آخر مختلفٌ فيه، وهو نبيذُ الزبيب إذا اشتد، ونبيذ التمر إذا صلب، ولا يسمى سَكَرَاً إلا نبيذ التمر خاصة.
---(7/114)
وقال بعض الناس: نبيذ التمر حِلٌّ، وليس بخمرٍ، واحتجوا بقول عمر: فما انتزع بالماء فهو حلال، وما انتزع بغير الماء، فهو حرام. قال ابن قُتيبة: وقال آخرون: هو خمرٌ، حرام كله، وهذا هو القول عندي، لأن تحريمَ الخمر نزل، وجمهور الناس مختلفة، وكلها يقعُ عليها هذا الاسم في ذلك الوقت. وذكر أن أبا موسى قال: خمر المدينة من البُسْر والتمر، وخمر أهل فارس العنب، وخمر أهل اليمن من البِتْع: وهو نبيذ العسل، وخمر الحبشة السكركة، وهي من الذرة، وخمر التمر يقال لها: البِتْع، والفَضيخ؛ وذكروا أن عمر قال: «الخمر من خمسة أشياء: من البرُّ، والشعيرُ، والتمر، والزبيبُ، والعسل، والخمر ما خامر العقل»؛ ولأهل اليمن أيضاً شراب من الشعير يقال له: المِزْر، ويزعم ههنا ابن قُتيبة أن هذه الأشربة كلها خمر، وقال: هذا هو القول عندي.
وقد تقدم له في صدر الكتاب أن النبيذَ لا يُسمى نبيذاً حتى يشتد، وسكر كثيره، كما أنَّ عصيرَ العنب لا يُسمى خمراً، حتى يشتد، وأن صدر هذه الأمة، والأئمة في الدين لم يختلفوا في شيءٍ كاختلافهم في النبيذ وكيفيته، ثم قال فيما حكم بين الفريقين: أما الذين ذهبوا إلى تحرمه كله، ولم يفرقوا بين الخمر، وبين نبيذ التمر، وبين ما طبخ، وبين ما أُنقع، فإنَّهم غَلَوا في القول جداً، ونَحَلُوا قوماً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّمالبدريين، وقوماً من خيار التابعين، وأئمة من السلف المتقدمين، شربُ الخمر، وزينوا ذلك بأن قالوا: شربوها على التأويل، وغلطوا في ذلك، فاتهموا القومَ، ولم يتهموا نظرهم، ونحلوهم الخطأ، وبرَّءوا أنفسَهم منه.
---(7/115)
فعجبتُ منه، كيف يَعِيبُ هذا المذهب، ثم يتقلده، ويطعنُ على قائله، ثم يقول به. إلا أني نظرتُ إلى كتابه، فرأيته قد طال جداً، فأحسبه أُنسي في آخره، ما ذهب إليه في أوله، والقول الأول من قوله، هو المذهب الصحيح، الذي تأنس إليه القلوب، وتقبله العقول، لا قوله الآخر الذي غلط فيه - «العقد الفريد».
ومن احتجاج المحلين للنبيذ
ما رواه مالك بن أنس في «موطئه» من حديث أبي سعيد الخُدري أنه قدمَ من سفر، فقُدِّم إليه لحم من لحوم الأضاحي، فقال: «ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلّمنهاكم عن هذا بعد ثلاثة أيام؟» فقالوا: «قد كان بعدك من رسول الله صلى الله عليه وسلّمفيها أمر»، فخرج إلى الناس فسألهم، فأخبروه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «كنت نهيتُكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام، فكلوا وادَّخِروا، وتصدَّقوا، وكنت نهيتكم عن الانتباذ في الدُّباء، والمُزَفَّت، فانتبذوا، وكل مسكر حرام، وكنت نهيتُكم عن زيارة القبور، فزوروها، ولا تقولوا هجراً»، والحديثان صحيحان، رواهما مالك بن أنس، وأثبتهما في «موطئه» وإنما هو ناسخ ومنسوخ.
وإنما كان نهيه أن ينتبذوا في الدُّباء والمُزَفَّت، نهياً عن النبيذَ الشديد، لأن الأشربة فيهما تشتد، ولا معنى للدباء، والمزفت غير هذا «وقوله بعد هذا: «كنت نهيتكم عن الانتباذ، فانتبذوا، وكل مسكر حرام» إباحة لما كان حَظَّر عليه من النبيذ الشديد، وقوله صلى الله عليه وسلّم «كل مسكر حرام» ينهاكم بذلك أن تشربوا حتى تسكروا، وإنما المُسكر ما أسكرك، ولا يُسمَّى القليلُ الذي لا يُسكرُ مسكراً، ولو كان ما يُسكر كثيره يسمى قليله مسكراً، ما أباح لنا منه شيئاً.
---(7/116)
والدليل على ذلك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّمشربَ من سِقاية العباس، فوجده شديداً، فقطَّب بين حاجبيه، ثم دعا بذنوب من ماء زمزم، فصب عليه، ثم قال: «إذا اغتلمت أشربتكم، فأكسروها بالماء» ولو كان حراماً لأراقه، ولما صب عليه ماءً، ثم شربه. وقالوا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم «كل خمر مسكر، هو ما أسكر الفَرْقُ منه، فملء الكف حرام»: هذا كله منسوخٌ، نَسَخَه شربه للصُّلب يوم حجة الوداع.
قالوا: ومن الدليل على ذلك أنه كان ينهى وفدَ عبد القيس عن شرب المُسكر، فوفدوا إليه بعد، فرآهم مصفرةً ألوانهم، سيئةً حالهم، فسألهم عن قِصتهم، فأعلموه أنه كان لهم شرابٌ فيه قِوَام أبدانهم، فمنعهم من ذلك، فأذن لهم في شُربه. وأن ابن مسعود قال: «شهدنا التحريم، وشهدتم، وشهدنا التحليل، وغتبتم»، وأنه كان يشربُ الصُّلب من نبيذ التمر، حتى كثرت الروايات به عنه، واشتهرت، وأذيعت، واتبعه عامة التابعين من الكوفيين، وجعلوه أعظم حججهم، وقال في ذلك شاعرهم:
*مَنْ ذا يُحرِّم ماءَ المُزْن خالطَة ** في جوفِ خابية، ماء العناقيد
*إني لأهْرَه تشديدَ الرواةِ لنا ** فيه، ويعجبني قولَ ابن مسعود
---(7/117)
وإنما أراد أنهم كانوا يعمدون إلى الرُّبِّ الذي ذهب ثلثاه، وبقي ثلثه، فيزيدون عليه من الماء قدر ما ذهب منه، ثم يتركونه حتى يغلي، ويسكن جأشه، ثم يشربونه، وكان عمر يشرب على طعامه الصُّلب، ويقول: «يقطع هذا اللحم في بطوننا»؛ واحتجوا بحديث زيد بن أخرم عن أبي داود، عن شعبة، عن مِسْعَر بن كَدَام، عن ابن عون الثقفي، عن عبد الله بن شداد، عن ابن عباس أنه قال: «حُرِّمت الخمرُ بعينها، والمسكر من كل شراب»، وبحديث رواه عبد الرحمن بن سليمان، عن يزيد بن أبي زياد، عن عكرمة، عن ابن عباس: «أن النبي صلى الله عليه وسلّمطاف، وهو شاكٍ على بعيرٍ، ومعه مِحْجَن، فلما مر بالحجر استلمه بالمحجن، حتى إذا انقضى طوافه، نزل فصلى ركعتين ثم أتى السقاية»، فقال: «أسقوني من هذا»، فقال له العباس: «ألا نسقيك مما يصنع في البيوت؟» قال: «ولكن أسقوني مما يشرب الناس»، فأتي بقَدَح من نبيذ، فذاقه، فقطَّب، وقال: «هلموا، فصبوا فيه الماء»، ثم قال: «زد فيه مرة، أو مرتين، أو ثلاثاً»، ثم قال: «إذا صنع أحد منكم هكذا، فانصعوا به هكذا».
والحديث رواه يحيى بن اليمان، عن الثوري، عن منصور بن خالد، عن سعيد عن أبي مسعود الأنصاري، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّمعطش، وهو يطوف بالبيت، فأتي بنبيذ من السِّقاية، فشمَّه، فقطَّب، ثم دعا بِذَنُوب من ماء زمزم، فصب عليه، ثم شربه، فقال له رجل: «أحرام هذا يا رسول الله؟» فقال: «لا»، وقال الشَّعبي: شربَ أعرابيٌّ من إِذَاوة عمر، فأغشى، فحدَّه عمر، وإنما حده للسَّكر لا للشرب.
---(7/118)
ودخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على قوم يشربونَ، ويوقدون في الأخصاص، فقال: «نهيتكم عن معاقرَة الشراب، فعاقرتم، وعن الإِيقاد في الأخصاص، فأوقدتم»، وهم بتأديبهم، فقالوا: «يا أمير المؤمنين، نَهاك الله عن التجسس، فتجسَّست، ونهاك عن الدخول بغير إذن فدخلت، فقال: «هاتان بهاتين»، وانصرف، وهو يقول: «كل الناس أفقه منك يا عمر». وإنما نهاهم عن المُعَاقرة، وإدمان الشراب حتى يَسكروا، ولم ينههم عن الشَراب. وأصل المعاقرة مِن عقر الحوض، وهو مقام الشاربة. ولو كان عنده ما شربُوا حراماً، لحدَّهم؛ وبلغه عن عامل له بميسان، أنه قال:
*ألا أبلغ الحسناء أن حليلها ** بميسان يسقى في زجاج، وحنتم
*إذا شئت غنتنى دهاقين قرية، ** وصناجة تشدو على كل ميسم،
*فإن كنت ندمانى، فبالأكبر اسقني، ** ولا تسقني بالأصغر المتثلم،
*لعل أمير المؤمنين يسوءه، ** تنادمنا في الجوسق المتهدم
فقال: أي والله، أنه ليسوءُني ذلك، فَعَزَله، وقال: «والله لا عمل لي عملا أبداً»، وإنما أنكر عليه المُدَام، وشربه بالكبير، والصنج، والرقص، وشغله باللهو، عما فوض إليه من أمور الرعية، ولو كان ما شرب عنده خمراً لحدَّه.
محمد بن وضاح، عن سعيد بن نصر، عن يسار عن جعفر، قال: سمعت مالك بن دينار، وسئل عن النبيذ أحرام هو؟ فقال: أنظر ثمنَ التمرِ من أين هو، ولا تسأل عن النبيذ أحلالٌ هو، أم حرام وعوتب سعيد بن زيد في النبيذ، فقال: أما أنا فلا أدعه حتى يكونَ شر عملي. وقيل لمحمد بن واسع: أتشربُ النبيذ؟ فقال: نعم، فقيل: وكيف تشربه؟ فقال: عند غدائي، وعشائي، وعند ظمئي، قيل: فما تركت منه؟ قال: النكاة، ومحادثة الإِخوان. وقال المأمون: اشرب النبيذ ما استبشعته، فإذا سُهل عليك، فدعه. وإنما أراد به أنه يَسهُلُ على شاربه إذا أخذَ في الإِسكار.
---(7/119)
وقيل لسعيد بن أسلم: أتشرب النبيذ؟ فقال: لا، قيل: ولم؟ قال: تركت كثيره ، وقليله للناس. وكان سفيان الثوري يشرب النبيذَ الصُّلب الذي تحمرُّ منه وجنَتَاه؛ واحتجوا من جهةِ النَّظر أنَّ الأشياءَ كلها حلال، إلا ما حرَّم الله. قالوا: فلا نُزيلُ نفس الجلال بالاختلاف، ولو كان المحلِّلون فِرقة من الناس، فكيف وهم أكثر الفِرق؛ وأهل الكوفة أجمعوا على التحليل، لا يختلفون فيه، وتلوا قول الله عز وجل: {قل أرأيتم ما أنزل ا لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً قل آلله أذن لكم أم على ا تفترون}.
حدث إسحاق بن رَاهُويهَ
قال: سمعت وكيعاً، يقول: النبيذ أحلُّ من الماء، وعابه بعض الناس في ذلك، وقالوا: كيف يكون أحلَّ من الماء، وهو وإن كان حلالاً، فهو بمنزلة الماء. وليس على وكيع في هذا الموضِعِ عيبٌ، ولا يرجِعُ عليه فيه كذبٌ، لأن كلمتَه خرجت مخرج كلامِ العربِ في مبالغتهم، كما يقولون: هو أشهرَ من الصبح، وأسرع من البرق، وأبعد من النجم، وأحلى من العسل، وأحر من النار.H
ولم يكن أحدٌ من الكوفيين يحرِّمُ النبيذ غير عبد الله بن إدريس، وكان بذلك معيباً؛ وقيل لابن إدريس: مَنْ خيارُ أهل الكوفة؟ فقال: هؤلاء الذين يشربون النبيذَ، قيل: وكيف وهم يشربون ما يحرُم عندك، قال: ذلك مبلَغُهم من العلم.
وكان ابن المبارك يكره شرب النبيذِ، ويخالِفُ فيه رأيَ المشايخ، وأهل البصرة. قال أبو بكر بن عياش: من أين جئت بهذا القول في كراهيتكَ النبيذَ، ومخالفتك أهل بلدك؟ قال: هو شيءٌ اخترته لنفسي، قلتُ: فتُعيبُ من شَرِبه؟ قال: لا، قلت: أنت، وما اخترت. وكان عبد الله بن داود يقول: ما هو عندي، وماء الفرات إلا سواء؛ وكان يقول: أكره إدارة القَدَح، وأكره نقيع الزيبيب، وأكره المُعتَّقَ، قال: ومن أدار القَدَح لم يجز شهادته. وشهد رجل عند سوار القاضي، فردَّ شهادَتَه، لأنه كان يشربُ النبيذ، فقال:
---(7/120)
*أما الشرابُ، فإني غيرُ تارِكه، ** ولا شهادةَ لي، ما عَاش سوارحدث شبابة
قال: حدثني غسان بن أبي صباح الكوفي، عن أبي سلمة يحيى بن دينار، عن أبي المظهر الوراق، قال: بينما زيد بن علي في بعض أزِقَّة الكوفة، إذ مر به رجل من الشيعة، فدعاه إلى منزله، وأحضر طعاماً، فتسامعت به الشيعة، فدخلوا عليه حتى غصَّ المجلس بهم، فأكلوا معه، ثم استسقى، فقيل له: أيُّ الشراب نسقيك يا ابن رسول الله؟ قال: أصلُبه وأشدُّه، فأتوه بعتيق من نبيذ، فشرب، وأدار العس عليهم، فشربوا، ثم قالوا: يا ابن رسول الله لو حدثتنا في هذا النبيذ بحديث رويته عن أبيك عن جدك، فإنَّ العلماءَ يختلفون فيه، قال: «نعم، حدثني أبي عن جدي أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: لتركبنَّ طبقة بني إسرائيل حذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل، ألا وإن الله ابتلى بني إسرائيل بنهر طالوت، أحل منه الغَرْفة، والغرفتين، وحرم منه الرَّي، وقد ابتلاكم بهذا النبيذ، أحل منه القليل، وحرم منه الكثير»، وكان أهل الكوفة يسمون النبيذ نهر طالوت؛ وقال فيه شاعرهم:
*أشرب على طرب من نهر طالوت ** حمراء صافية في لون ياقوت
*من كف ساحرة العينين شاطرة ** تربى على سحر هارون ومارت
*لها تماوت ألحاظ إذا نظرت ** فنار قلبك من تلك التماويت
باب ُ الشُّرْبِ قائِما
باب ُ مَنْ شَرِبَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِه
باب اْلأَيمَنَ فَاْلأَيمَنَ في الشُّرْب
باب هَل يَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ في الشُّرْبِ لِيُعْطِيَ اْلأَكْبَر
باب ُ الكَرْعِ في الحَوْض
باب ُ خِدْمَةِ الصِّغَارِ الكِبَار
---
باب ُ تَغْطِيَةِ اْلإِنَاء
باب ُ اخْتِنَاثِ اْلأَسْقِيَة
باب ُ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ السِّقَاء
باب ُ التَّنَفُّسِ في اْلإِنَاء
باب ُ الشُّرْبِ بِنَفَسَينِ أَوْ ثَلاَثَة
باب ُ الشُّرْبِ في آنِيَةِ الذَّهَب
باب ُ آنِيَةِ الفِضَّة
باب ُ الشُّرْبِ في اْلأَقْدَاح(7/121)
باب ُ الشُّرْبِ مِنْ قَدَحِ النبي صلى الله عليه وسلّموَآنِيَتِه
وَقالَ أَبُو بُرْدَةَ: قالَ لِي عَبْدُ اللّهِبْنُ سَلاَمٍ: أَلاَ أَسْقِيكَ في قَدَحٍ شَرِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم فيهِ.
باب ُ شُرْبِ البَرَكَةِ وَالمَاءِ المُبَارَك
وهو من الآداب فقط، وأظنُّ أنْ لا يزيدَ على الكراهةِ التنزيهية.
5616 - قوله: (عن علي بن أبي طالب أنه صلى الظهر) وهذه الرواية عند الطحاوي أيضاً، وفيها أنه مسح على الرجلين. قلت: وهذا في الوضوء على الوضوء.
5634 - قوله: (إنما يجرجر) كهونت كهونت دالنا.
5638 - قوله: (عريض من نضار) والنضار خشب جيد.
كتاب المَرْضَى والطِّب
باب ُ ما جاءَ في كَفَّارَةِ المَرَض
وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {مَنْ يَعْمَل سُوءاً يُجْزَ بِهِ} (النساء: 123).
باب ُ شِدَّةِ المَرَض
باب أَشَدُّ النَّاسِ بَلاَءً اْلأَنْبِيَاءُ ثُمَّ اْلأَوَّلُ فَاْلأَوَّل
---
باب ُ وُجُوبِ عِيَادَةِ المَرِيض
باب ُ عِيَادَةِ المُغْمى عَلَيه
نقل عن الشافعي في «المسامرة»: أنَّ الصبر ليس بشرط في كون المصائب كفارات، نعم، إن صبر يُضاعف له الأجر. وقال: إن المصائبَ بمنزلة العذاب، فإنَّه مكفرٌ مطلقاً. كذلك المصائب أيضاً نوعٌ من العذاب، فلا يشترط فيها الصبر، بل تلك في المسلم للكفارة وضعاً. قلت: ونحوه عندي الحرُّ والقر، فإنَّه يكفرُ أيضاً، وإليه يشير قوله: ما يصيبُ المسلِمَ من نَصَبٍ، ولا وَصَبٍ، ولا هم، ولا حُزن، ولا أذى، ولا غم... إلخ».
5641 - قوله: (النصب): التعب.
5641 - قوله: (والوَصَب): الحرارة في البدن، سواء كانت من الحمى أو غيره.
5641 - قوله: (والهم): ما يهمك.
5641 - قوله: (والحزن) في الماضي.
5641 - قوله: (والغم): ما تغتم له كهتن.
5643 - قوله: (كالخامة) يقال: خامة الزرع أول ما ينبت على ساقٍ واحد.
5643 - قوله: (الأرزة) صنوبر جيتر.(7/122)
5644 - قوله: (والبلاء): الامتحان آزمائش والبلاء بالفارسية معناه المصيبة، وكذلك الجفاء في العربية البدوية كنوارصلى الله عليه وسلّم وفي الفارسية بمعنى الظلم.
5648 - قوله: (شوكة فما فوقها) وراجع له البيضاوي من قوله تعالى: {مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} ( ). وقد تكلمت عليه في رسالتي «فصل الخطاب» في حديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، فما فوقها، أو فصاعداً. وهو عند اللغويين لتعيينِ ما قبله، مع التخيير فيما بعده. وهذا لغير الحنفية في وجوب ضم السورة، فيمكن أن يكونَ التخييرُ فيه راجعاً إلى كمية السورة، لا إلى نفسِها، فالتخيير يكون في طولها وقصرها، وحينئذٍ لا يُخالفنا. ثم أهل اللغة نظراً إلى ما شاع فيه قوله: فصاعداً عندهم، ولم ينظروا إلى الاستعمال الشرعي، فكيف ما كان يثبتُ وجوب السورة بدلائله، فإذا ثبتَ وجوبَه يتعينُ قوله: فصاعداً، فيما قلنا، ولا بد.
---
باب ُ فَضْلِ مَنْ يُصْرَعُ مِنَ الرِّيح
باب ُ فَضْلِ مَنْ ذَهَبَ بَصَرُه
باب ُ عِيَادَةِ النِّسَاءِ الرِّجَال
وَعادَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ المَسْجِدِ، مِنَ اْلأَنْصَارِ.
*كُلُّ امْرِىءَ مُصَبَّحٌ في أَهْلِهِ ** وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
وَكانَ بِلاَلٌ إِذَا أَقْلَعَتْ عَنْهُ يَقُولُ:
*أَلاَ لَيتَ شِعْرِي هَل أَبِيتَنَّ لَيلَةً ** بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
*وَهَل أَرِدَنْ يَوْماً مِيَاهَ مِجَنَّةٍ ** وَهَل تَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ
قالَتْ عائِشَةُ: فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّمفَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَينَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا في مُدِّهَا وَصَاعِهَا، وَانْقُل حُمَّاهَا فَاجْعَلهَا بِالجُحْفَةِ».(7/123)
وفسره بعضهم بإِصابة الجن. وآخرون بداءٍ يُسمَّى مركى. وأهل العرف يعبرون: بصَرَع الجن، عن صرع الريح. والظاهر أن المراد ههنا هو الداء المشهور، لأن إلمامَ الجن لا يكون إلا من عشق، أو إيذاء، وحينئذ لا يليق تحريض النبي صلى الله عليه وسلّمإياها على الصبر.
باب ُ عِيَادَةِ الصِّبْيَان
باب ُ عِيَادَةِ اْلأَعْرَاب
باب ُ عِيَادَةِ المُشْرِك
باب إِذَا عادَ مَرِيضاً، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى بِهِمْ جَمَاعَة
باب ُ وَضْعِ اليَدِ عَلَى المَرِيض
---
باب ُ ما يُقَالُ لِلمَرِيضِ، وَما يُجِيب
باب ُ عِيَادَةِ المَرِيضِ، رَاكِباً وَماشِياً، وَرِدْفاً عَلَى الحِمَار
5655 - قوله: (إن ابنتي قد حضرت)... إلخ، وفي الهامش: «الابن»، بدل: «البنت»، وهو الصواب. ثم إن هذا الولد كان قد دخل في النَّزْع، فأحياه الله تعالى بركة النبيِّ صلى الله عليه وسلّم ففيه معجزة إحياء الميت. ولعلماء ذكروا فيها رواية، أو روايتين، وهاتان أيضاً ضعيفتان، فالأَولى أن يَتمسكَ بهذه الرواية. نعم، بقي شيء، وهو أنه هل يمكن عود الحياة بعد الدخول في النَّزْع، أو لا؟ فإن ثبت أنه لا يمكن، ثبت في حياةَ هذا الابن كانت معجزةً للنبيِّ صلى الله عليه وسلّم وإلا لا، لكن المثبت عندهم أن العودَ ممكن، كما مر مني تحقيقه.
5660 - قوله: (أذى: مرض) وفي الهامش: من مرض، فالناسخُ كتبَ العامِلُ على الهامش، وأعرب في الصُّلب، باعتبار الهامش، ومثله كثيرٌ في تلك النسخة.
5661 - قوله: (كما تحات ورق الشجرة) شبَّه الخطايا بالوَرَق، لكونها من العوارض الخارجية، فتحط كحط الورق، وأمثال الأنبياء مما ينبغي الاعتناء بها، لأنها تُنبىء عن حقائق، وليست تخييلاً فقط.
باب ُ قَوْلِ المَرِيضِ إِنِّي وَجِعٌ،أَوْ وَارَأْسَاهْ، أَوِ اشْتَدَّ بِي الوَجَع
وَقَوْلِ أَيُّوبَ عَلَيهِ السَّلاَمُ {أَنّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (الأنبياء: 83).(7/124)
باب ُ قَوْلِ المَرِيضِ قُومُوا عَنِّي
باب ُ مَنْ ذَهَبَ بِالصَّبِّي المَرِيضِ لِيُدْعى لَه
باب ُ تَمَنِّي المَرِيضِ المَوْت
باب ُ دُعاءِ العَائِدِ لِلمَرِيض
---
وَقالَتْ عائِشَةُ بِنْتُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهَا: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْداً».
باب ُ وُضُوءِ العَائِدِ لِلمَرِيض
باب ُ مَنْ دَعا بِرَفعِ الوَبَاءِ وَالحُمَّى
*كُلُّ امْرِىءٍ مُصَبَّحٌ في أَهْلِهِ ** وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
وَكانَ بِلاَلٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ فَيَقُولُ:
*أَلاَ لَيتَ شِعْرِي هَل أَبِيتَنَّ لَيلَةً ** بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
*وَهَل أَرِدَنْ يَوْماً مِيَاهَ مِجَنَّةٍ ** وَهَل يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ
قالَ: قالَتْ عائِشَةُ: فَجِئْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلّمفَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَينَا المَدِينَةَ كَحُبِّنا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا في صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُل حُمَّاهَا فَاجْعَلهَا بِالجُحْفَةِ».
566 - قوله: (لقد هممت، أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه، وأعهد أن يقول القائلون)... إلخ، وفيه دليل على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّملو كتب شيئاً في حديث القِرْطاس لكتبَ خلافةَ أبي بكر، ولكنه لم يكتب، لأنه علم أنَّ الله يأبى، ويدفع المؤمنين، إلا أبا بكر. ولأنه لو استخلفَ، ثم خَالفه الناس لوقعوا في العذاب.(7/125)
5668 - قوله: (إنك إن نذر ورثتك أغنياء)... إلخ، وفي «الترغيب والترهيب» مرفوعاً: «أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمرأى رجلاً جاءه ملكُ الموت يقبض روحَه، وكان قلبُ الرجل معلقاً بخدمة أبويه، فقامت مبرَّته لوالديه، تدفعه، حتى دفع اللَّهُ عنه الموت»، وفي إسناده بشر بن الوليد الكنفي، حنفي المذهب، تلميذ خاص لأبي يوسف. ودل الحديث على أنَّ بعض المراحل البينية تتدفعُ بالدفع، وإن كان الوقتُ المحتوم لا يتقدم، ولا يتأخر.
---
وانحل من هذه الرواية ما في الأحاديث، أن البِرَّ يزيدُ في العمر، فزيادة البر إنما هي في المراحل البينية، فلولا بره لمات ساعتئذٍ، ولكن بِرَّه لوالديه أخره متاعاً إلى حين وقيل: معنى زيادةُ البر في العمر أنه يُعطى له ثمانون مثلاً، لأن الله يريدُ أن يستعملَه في البر.
5673 - قوله: (فسددوا، وقاربوا) بلند صلى الله عليه وسلّموازى مت كرو صلى الله عليه وسلّمس صلى الله عليه وسلّمس آجاؤ وهذا اللفظ من السهل الممتنع.
5673 - قوله: (فلعله أن يستعتب) شايد خدا تعالى رجوع كى صورت نكالى أورده توبه كرلى.
5674 - قوله: (وألحقني بالرفيق الأعلى) وفي رواية: «الملأ الأعلى»، ولا نزاع في أن لهم تدبيراً في هذا العالم، فخرج من الدعاء بالإِلحاق معهم، أن أرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والمكملين أيضاً لفعل التدبير مثلهم، فمن أراد أن يتكلم فيه فلينظر فيه.
كتاب الطب
باب ما أَنْزَلَ اللّهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاء
باب هَل يدَاوِي الرَّجُلُ المَرْأَةَ أَوِ المَرْأَةُ الرَّجُل
باب الشِّفَاءُ في ثَلاَث
5680 - قوله: (شربة عسل)... إلخ، وحاصله: أن المرضَ الصفراوي يكثر في أرض العرب، فتفيدُ فيه شَرْبة عسل، وشَرْطةُ المحجم في الأمراض الجلدية ومن خواصِّ العسل أنه حار، فإذا شيبَ بماءٍ صار بارداً. ومن شربَ عسلاً فأحسن حرارة، ينبغي له أن يغتسِلَ، فإنَّه تذهب عنه تلك الحرارة، بإِذن الله تعالى.(7/126)
5680 - قوله: (أنهى أمتي عن الكيّ) وذلك لأنَّ وَسْم البدنِ بالنار تشاؤم.
---
5680 - قوله: (ورواه القمى عن ليث) والقمي هذا متهم بالتشيع، وأخرج عنه البخاري تعليقاً. وأخرج عن آخرين ممن اتُّهموا بالخروج أيضاً، وهؤلاء أكثر ممن اتهموا بالرفض، ولكنهم كلهم صدوق في اللهجة، عدول. وذلك لأنَّ الخوارجَ أصدقُ من الروافض، فإنَّ الزلة العلمية لا تُسقط بها العدالة، بخلاف الكذب فالخوارجُ تُقبل روايتهم، إن لم يثبت كذبهم، لأنهم رَكِبُوا غلطاً علمياً، بخلاف الروافض، فإنَّ مبناهم على الكذب والزورِ، وهذا في باب الرواية أشدُّ الجروح.
باب ُ الدَّوَاءِ بِالعَسَل
وَقَولِ اللّهِ تَعَالَى: {فِيهِ شِفَآء لِلنَّاسِ} (النحل: 69).
5683 - قوله: (أو لذعة بنار توافق الداء) والمراد من اللذعة: الكيّ، وترجمته سوزش ودل قيدُ موافق الداء أنها شرطٌ للشفاء، فلا يلزم أن يفيدَ العسلُ في كل داء.
5684 - قوله: (صدق الله، وكذب بطن أخيك) والصدق والكذب ههنا من صفاتِ الفعل.
باب ُ الدَّوَاءِ بِأَلبَانِ اْلإِبِل
باب ُ الدَّوَاءِ بِأَبْوَالِ اْلإِبِل
فيه صراحة بأن شرب أبوال الإِبل وألبانها في قصة العُرَنِيِّين، كان مبنياً على التداوي، لا على طهارتها، كما ذهب إليه مالك. والتداوي بالمحرم جائز عندنا، على ما علمت تقريره. والتداوي بالأشياء الطاهرة ظاهر، ولبن الإِبل، وغيره فيه سواء، فلا معنى لتخصيصه.
5685 - قوله: (وددت أنه لم يحدثه) وذلك لأن الحَجَّاج كان يتتبَّعُ مثلَ هذه الأشياء.
وهو الشونيز، وفي الهندية كلونجى وهو غير حب النيل، والشبرم، فإنَّه سُم حارٌ جداً، وترجمته كالادانه وبعضهم ترجم الحبة السوداء به، وهو غلطٌ. وقد كتب جالينوس في الشونيز أربعين فائدة، ومالنا ولجالينوس، وإنما هو دواءٌ من ربنا، ينتفع به من توكل عليه، وفوض أمرَه إليه.
---(7/127)
فائدة: كتب السيوطي أنه كان إذا فات عنه التهجد مرض، وكتب أنه زار النبيَّ صلى الله عليه وسلّماثني وعشرين مرة في اليقظة، ومع ذلك ردَّ على السخاوي، وأغلظ في الكلام، وصنف رسالة سماها «الكاوي على رأس السخاوي» مع أن السخاوي كان أعلم منه.
باب ُ الحَبَّةِ السَّوْدَاء
باب ُ التَّلبِينَةِ لِلمَرِيض
باب ُ السَّعُوط
باب ُ السُّعُوطِ بِالقُسْطِ الهِنْدِيِّ والبَحْرِي
وَهُوَ الكُسْتُ، مِثْلُ الكافُورِ، وَالقَافُورِ، مِثْلُ {كُشِطَتْ} (التكوير: 11) وقُشِطَتْ: نُزِعَتْ، وَقَرَأَ عَبْدُ اللّهِ: قُشِطَتْ.
والسَّعوط: هو الإِقطار في الأنف، واللدود ما يُلقى من أحد جانبي الفم، والقُسط الهندي ما يحصل من كشمير. والمراد منه كت والعود الهندي اكر وليس بمراد ههنا، فليُتنبه، فإنَّه مضرٌ.
5692 - قوله: (يستعط به من العذرة) ويقال له بالفارسية: سقوط اللَّهاة، وبالهندية كاك كرنا، وغمزها بالإِصبع العلاق والأعلاق، ويقال له: الدَّغْر أيضاً وكان علاج العُذْرة عندهم بالغمز، حتى يخرج منها الدم، فعلمهم النبيُّ صلى الله عليه وسلّمعلاجاً أسهل، وأنفع. ثم إن المراد من ذات الجنب هو الغير الحقيقي الذي يعرض باحتقانِ الرياح الفاسدة في الصدر، دون الحقيقي الذي يَحدثُ من التورم، فإن العودَ الهندي يضره، وينفع في الأول. ويقال له بالهندية: باؤكولا.
باب أَيَّ سَاعَةٍ يَحْتَجِم
وَاحْتَجَمَ أَبُو مُوسى لَيلاً.
باب ُ الحَجْمِ فِي السَّفَرِ وَاْلإِحْرَام
قالَهُ ابْنُ بُحَينَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
باب ُ الحِجَامَةِ مِنَ الدَّاء
---
باب ُ الحِجَامَةِ عَلَى الرَّأْس
باب ُ الحَجْمِ مِنَ الشَّقِيقَةِ وَالصُّدَاع
باب ُ الحلقِ مِنَ اْلأَذَى(7/128)
لعله يُشير إلى حديث عند أبي داود، فيه تفصيل الأيام للاحتجام، وهذا حديث ضعيف، ولكن ذكر له ابن سيناء حمةً حسنة، فقال: إن الأخلاط الطيبة في أول النصف تكون على الظاهر، والرديئة في الباطن، على عكس النِّصف الثاني، فتخرجُ المادةُ الفاسدة من الاحتجاج في النصف الآخر، لكونها في الظاهر، بخلافِ الاحتجام في النصف الأول.
باب ُ مَنِ اكْتَوَى أَوْ كَوَى غَيرَهُ، وَفَضْلِ مَنْ لَمْ يَكْتَو
باب ُ الإِثْمِدِ وَالكُحْلِ مِنَ الرَّمَد
فِيهِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ.
واعلم أنَّ الكيَّ وإن كان نافعاً، إلا أن الشرع قد نهى عنه، فخرج منه أنه لا تعارضَ بين كون الشيء نافعاً، ومنهياً عنه وبعبارة أخرى أن النهي عن الشيء لا يُوجب أن لا يكون في المنهى عنه فائدة. وهذا كالخمر، فإن القرآنَ قد نهى عنها، مع إقراره بالمنافع فيها واستبعده القاضي أبو بكر بن العربي، فحمل منافعَ الخمر على منافع التجارة، وقد تكلمنا عليه من قبل مبسوطاً.
5705 - قوله: (لا رقية إلا من عين)... إلخ، وترجمته بالفارسية افسون وبالهندية منتر إلا أن المناسب ههنا دم لأن منتر مختص بما اشتمل على كلمات غير مشروعة. وإنما رخص بها في العين، والعمة، لظهور تأثيرها فيهما، وليس لهما علاجٌ غير الرقية. أما العين فكثير منهم ينكرونه ولا يحسبونه شيئاً مؤثراً. وأما الحمة، فإن كان لها علاج عندهم، لكنه لا يتيسر لكل أحد ويتألم المرء من الحمة تألّماً شديداً والرقية تؤثر فيه على ما شَهِدت به التجربة.
---
5705 - قوله: (لا يسترقون) والأحسن في ترجمته منتر لكون الرقية ههنا في سياق النفي.
5705 - قوله: (ولا يتطيرون) وكرهه الرشرع، واستحب الفَأْل، لأن من تفاءل، وأحسن ظنه بربه، يُرجى له أن يُعامل معه ربه حسب ظنه، فإنَّه عند ظن عبدِه به.(7/129)
5705 - قوله: ({وَعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}) فالتوكل هو الدعامة في هذا الباب وقد قدمنا من تقسيم الغزالي في الأسباب. أن النوعَ الذي يترتبُ عليه المسبب ضرورةً عادة، كالأكل للجوع، يجب عليه مباشرتها، والتوكل فيها بأن يتركها معصية. وأما النوع الذي تترتب المسبَّبَات عليه غالباً، فتركه ليس بضروري أيضاً، كالدواء للمرض بقي النوع الذي قد يترتب عليه المسبب، وقد يتخلف عنه، فهذا مما يعدُّ تركُه توكلاً.
ثم التطير مكروه في نفسه أيضاً، مع قطعِ النظر عن كونه خلافَ التوكل. ثم رأيتُ نقلاً عن أحمد أن تركَ الأسباب أصلاً ليس من التوكل في شيء، وفي حديث ابن ماجه: «إنكم لو توكلتم على الله حقَّ التوكل، لغدوتم خِماصَاً، ولرحتم بِطَاناً، كالطيور» - بالمعنى - وهذا يدل على العبرة بهذا النوع أيضاً. فلم أزل أترددُ فيه حتى رأيت عن أحمد أن الطيورَ أيضاً تباشر الأسباب، فيطيرون في طلب الرزق، غير أن أسبابَ طلبِ الرزقِ ليست عندهم، مثلُها عندنا، ولكنهم لا يتعطَّلون عن مباشرة الأسباب التي تليق بشأنهم، وهي الطيران مثلاً. وحينئذ اندفع الإِشكال. ومع هذا أقول: إن ترك الأسبابِ مطلقاً أيضاً نوع من التوكل، لكنه توكل أخصِّ الخواص.
باب ُ الجُذَام
---
5707 - قوله: (لا عدوى) واعلم أنَّ الأشاعرة زعموا أن العالم بأسره ذخيرة للأشياء الغير مرتبطة فقط، ليس فيه سببٌ، ولا مسبب، ولا تأثير، وأثر، وإنما حكم الناس بسلسلة التسبيب، نظراً إلى القِران بين الشيئين فإذا نظروا إلى أن هذين الشيئين، يوجدان معاً على سبيل الأغلب، حكموا بكون واحد منهما سبباً، والآخر مُسبباً، فلا إحراق في النار، ولا إغراق في الماء، فكأنهم هدروا سلسلَة الأسبابِ كلها. وهذا ما في آخر سُلَّم العلوم، أن ترتُّبَ النتيجة عند الأشعري على سبيل العادة فقط، بدون تسبيب في نفس الأمر، حتى نُسب إليهم أنَّ من قال بالتسبيب فقد كفر، كذا في «روح المعاني».(7/130)
قلتُ: ولا أظن بالأشعري أن يكون هدر سلسلَة الأسباب بأسرها، وإن نُسب إليه ذلك، فهو عندي من المسامحات في النقول وقال الشيخ الماتريدى: إن في الأشياء خواصٌّ، وهي مؤثرة بإِذن الله تعالى، والسببية والمُسبَّبية في الأشياء أيضاً من جعلِ الله تعالى، وهذا هو الصواب.
إذا علمت هذا، فاعلم أنهم اختلفوا في شرح الحديث، فقيل: إن نفي العدوى محمول على الطَّبع، أي لا عدوى بالطبع، أما بجعل الله تعالى فهو ثابت. وذكروا له شروحاً أخر أيضاً، والأصوب ما ذكره ابن القيم في «زاد المعاد»: أن العدوى المنفى، هو اتباع الأوهامِ فقط، بدون تسبيبٍ في البَيْن، كما يزعمه هنود أهل الهند. وترجمته على حسب مراده، اركر بيمارى لك جانا فلا عدوى عند الشرع وأما قوله: «ولا طِيرة»، فلكونه غير مفيد، لا يجلب شيئاً، ولا يرد شيئاً.
5707 - قوله: (لا هامة) الأصوب أن يُقرأ - بتخفيف الميم : نوع من الطائر كان العربُ يزعَمون أنه إذا تصوت في موضعٍ يذره يَلْقَع، فرده الشرع أن هذا الزعم باطلٌ، ولا دخل له في العمارة والتَّخريب.
5707 - قوله: (ولا صفر) كان عندهم أنَّ ماهية الجوع دود يتحرك في البطن، فردَّه الشرعُ أيضاً، وذكر له البخاري معنى آخر، كما يجيء في ترجمة الباب، فقال: هو داء يأخذُ البطن.
---
5707 - قوله: (فرّ من المجذوم) فيه رعاية للتسبيب؛ قلت: وإذ قد اعتبرَه الشرع مرةً، فكيف يهدُرُه أخرى.
باب المَنُّ شِفَاءٌ لِلعَين
باب ُ اللَّدُود
والأسود من الكمأة مضر، فإنَّه سُمٌّ.
5713 - قوله: (أعلقت عليه) تردد أهل اللغة في صلته، أنها عن، أو على، وهذا الذي أراده الراوي.
باب
باب ُ العُذْرَة
باب ُ دَوَاءِ المَبْطُون
باب لاَ صَفَرَ، وَهُوَ دَاءٌ يَأْخُذُ البطْن
باب ُ ذَاتِ الجَنْب
باب ُ حَرْقِ الحَصِيرِ لِيُسَدَّ بِهِ الدَّم
باب الحُمَّى مِنْ فَيحِ جَهَنَّم
باب ُ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَرْضٍ لاَ تُلاَئِمُه(7/131)
5714 - قوله: (فصب عليه من تلك القرب، حتى جعل يشير إلينا أن قد فعلتن، قالت: وخرج إلى الناس، فصلى لهم، وخطبهم) هذا الذي قلت: إن النبي صلى الله عليه وسلّمخرج إليهم في العشاء، وأي حاجة لنا أن ننقض تلك السلسلة، فنقول: لعله خرج في غير تلك الصلاة.
فائدة: واعلم أنَّ أهلَ اللغة يكتبون أسماءَ الأمراض بإِزاء العوارض، لأن تلك العوارض في مشاهدتهم، ولا يكون لهم بحث عن أسبابها، وإنما هو فعلُ الطبيب، فإن الضحك عندهم موضوعٌ لهيئة تعرض للرجل عند إدراك الأمور الغريبة، وأما سببه ماذا هو، فلا بحث لهم عنه، - والذي تحقق لي أنه يحدث بوثَبةٍ في الرئة - كذلك الشرع يُطلق أسماءَ المبادىء على ما في الظاهر، كالنِّيل، والفُرَات، كانا اسمين للمبدأين، فأطلقهما على نهرين ظاهرين أيضاً، فاعلمه.
---
باب ُ ما يُذْكَرُ في الطَّاعُون
وراجع فيه «الدر المختار». واعلم أنَّ في قول عمر: «نفر من قدر الله إلى قدر الله»، علماً، ثم أوضحه هو بنفسه، أنك إذا رعيت إبلك في هذا الوادي مرة، وفي هذا مرة، فهل تعده فراراً من القدر، فإذا أنت لا تعدُّ أمورَك في ليلك ونهارك خلافاً للقدر، فمالك تعد الخروجَ من البلد المطعون فراراً من القدر، فنحن في الأحوال كلها في حيطة التقدير، أقمنا أو خرجنا.
ثم إن النهيَ عن الخروج مطلقٌ في أكثر الأحاديث، وفيه قيدٌ مفيد في حديث ابن عباس الآتي: «فلا تخرجوا فراراً منه»، وكثيراً ما يكون القيدُ مذكوراً في بعض الطرق، ويغفُل عنه الناس، ويقعون في الإِشكالات. ثم إنك قد علمت أن عدم دخول الدجال في المدينة متيقنٌ، أما الطاعون فلم يدخل بعدُ فيها، وهو المرجو فيما يأتي. وقيد إن شاء الله تعالى، يرجع إلى الطاعون دون دخول الدجال، وفي حديث - أظن أنَّ إسناده ضعيف - أن الجنَّ ينتشرون في أيام الطاعون، ويطعنون في مغابن الناس، ولذا يرى الناس رؤيا تخوفهم وتحزنهم.(7/132)
حكاية: سأل ملك كشمير، مولانا أحمد الكشميري عن التقدير، وقال: تقدير بركردد فقال له: اكردر تقدير ماشد.
5729 - قوله: (إني مصبح على ظهر)، مين واصلى الله عليه وسلّم هوؤنكا ادهرسى جدهر سى آيا هون.
5729 - قوله: (له عدوتان) - اوسكى دو كناره هون.
باب ُ أَجْرِ الصَّابِرِ في الطَّاعُون
باب ُ الرُّقَى بِالقُرْآنِ وَالمُعَوِّذَات
باب ُ الرُّقَى بِفَاتِحَةِ الكِتَاب
وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
باب ُ الشَّرْطِ في الرُّقْيَةِ بِقَطِيعٍ مِنَ الغَنَم
---
باب ُ رُقْيَةِ العَين
باب العَينُ حَق
باب ُ رُقْيَةِ الحَيَّةِ وَالعَقْرَب
5734 - قوله: (مثل أجر شهيد) فإنه وإن لم يقتل في المعركة، لكنه أرى من نفسه ثَبَاتاً، ورضي بما كتب الله له.
باب ُ رُقْيَةِ النبي صلى الله عليه وسلّم
باب ُ النَّفثِ في الرُّقْيَة
باب ُ مَسْحِ الرَّاقِي الوَجَعَ بِيَدِهِ اليُمْنى
باب في المَرْأَةِ تَرْقِي الرَّجُل
باب ُ مَنْ لَمْ يَرْق
باب ُ الطِّيرَة
باب ُ الفَأْل
باب لاَ هَامَة
وترجمتُه فيما وافقت الشرع دم وفيما خالفته منتر.
5744 - قوله: (أمسح البأس) - بأس كوصلى الله عليه وسلّم صلى الله عليه وسلّمهه دى يعنى دور كردى.
5746 - قوله: (تربة أرضنا)، ولعله كان يُحلِّق بِها حول الدُّمَّل، أو يضمِّدُ عليه.
5746 - قوله: (ريقة بعضنا)، ولعله كان بعض ريقتنا، فوقع فيه قلب، رعاية للسجع.
قوله: (النفث) والنفث هو الذي فيه أجزاء من الرِّيق أيضاً.
5747 - قوله: (الرؤيا من الله) والتقسيم ههنا ثنائي، وفي بعض الأحاديث ثلاثي ثم إن الحديث لم يعط ههنا ضابطةً كلية لمعرفة أنواع الرؤيا، ولكن هَدى إلى أَمَارة تنفعُ في ذلك، فقال: ما كان سَطحُه مباركاً، فهو من الله، وما كان سطحه مشوهاً، فهو من الشيطان، وليس ذلك كلية، فلا طرد عليها، ولا عكس، فلا نقض برؤيا في أحد، ونحوها.
---(7/133)
فائدة: ذكر الرازي حكاية ذيل قوله تعالى: {عَلِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً}... إلخ ( ): إن امرأة أخبرت الملك عن أمرِ بالغيب، فوقع كما كانت أخبرت به، فجاء الشوكاني، وعدَّه من زيغ فلسفته. قلت: وَاعجباً له، أعجز أنْ يعلمَ أنَّ للأخبار من الغيب ستة وأربعين فناً عندهم، على أن بعضهم تكون له مناسبة فطريةً بالغيوب، فيُخبر عنها، ويقع كما أخبر به. وإن شئت التفصيل، فراجع «المقدمة» لابن خلدون، ونعم ما قيل: المرء إذا أتى في غير فنِّه أتى بالعجائب.
5753 - قوله: (لا عدوى) نفيٌ لاتباع الأوهام. والعدوى ثابتة في الأقوام كلها، غير أهل الإِسلام أما ملابسة المجذوم، فهو من التَّسبيُّبِ، وقد أجاب الحافظ عن تعارض الحديثين في نفي العدوى، والفرار من المجذوم، بالوجهين. ونقل جواباً عن الشيخ عمرو بن الصلاح. قلت: والحق أحق أنْ يُتَّبع أنَّ الحافظ حافظٌ فنَّه، ولا ريب، أما إن السببية الطبعية، ماذا هي في الفلسفة؟ وماذا ارتباطها بالقدرة؟ وأنها هل يمكن اجتماعها مع القدرة أو لا؟ فتلك أمور لا يعرفها الحافظ، ولم أدر من تصنيف من تصانيفه أنه كانت له يد في الفلسفة، وهكذا لابن تيمية أيضاً. فإنَّه، وإن كان متبحراً فيها، لكن كلامَه أيضاً منتشرٌ، ليس كالحاذِق في الفن، وقال الصفدي فيه: إن علمَه أكبرُ من عقله.
باب ُ الكِهَانَة
وهي قد تكون خِلقةً، كما ذكره ابن خلدون وفي «شرح الأسباب»: أن المجنون قد يحصل له الكشفُ أيضاً.
---
5758 - قوله: (غرة عبد، أو أمة) واعلم أن الجنينَ إن سقط ميتاً، فالدِّية فيه خمس مئة درهم، سواء كان ذكراً، أو أنثى. وإن سقط حياً فديته كدية الرجل، إن كان ذكراً، ودية المرأة إن كان أنثى والغُرَّة في الأصل للفرس، والبغل، ثم يقال لخمس مئة درهم: قيمة له وفي رواية أخرى - أو وليدة - ولعله عمل به أيضاً، فأخذت وليدة في الجنين، ولكن آخر ما استقر عليه العمل فيه، بخمس مئة درهم.(7/134)
5762 - قوله: (تلك الكلمة من الحق) تعرَّض الحديثُ إلى وجه واحد للكهانة، ولها وجوه أخر أيضاً، فصَّلها ابن خلدون.
باب ُ السِّحْر
وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلّمُونَ النَّاسَ السّحْرَ وَمَآ أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَرُوتَ وَمَرُوتَ وَمَا يُعَلّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْء وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى الاْخِرَةِ مِنْ خَلَقٍ} (البقرة: 102)، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ يُفْلِحُ السَّحِرُ حَيْثُ أَتَى} (طه: 69) وَقَوْلِهِ: {أَفَتَأْتُونَ السّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} (الأنبياء: 3). وَقَوْلِهِ: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (طه: 66)، وَقَوْلِهِ: {وَمِن شَرّ النَّفَّثَتِ فِى الْعُقَدِ} (الفلق: 4)، وَالنَّفَّاثَاتُ: السَّوَاحِرُ. {تُسْحَرُونَ} (المؤمنون: 89) تُعَمَّوْنَ.
باب الشِّرْكُ وَالسِّحْرُ مِنَ المُوبِقَات
---
والمبحوث عنه هو السحر الذي مادته كفر، وما في الفقه فهو أعمُّ منه، لأنهم عدوا مسمريزم أيضاً من السحر. ويقال له الآن: التنويم المغناطيسي، وهذا شيءٌ مغايرٌ للسحر الذي نحن بصدده، وهو ما يكون فيه الاستعانة بالجن، ويتركب من كلمات غير مشروعة ومن ظنَّ أن الملكين هاروتَ وماروتَ أُنزل عليهما السحر، فقد توهَّم من القرآن بذكر ما أنزل إليهما، السحر، وإلا فلا لفظَ في القرآن يدل عليه والذي أخبر به أنه كان أمراً أُنزل عليهم يعلمُ عملَ السحر في التفريق بين الزوجين، وهو أشد أنواع السحر، وهو الذي سحرَ به اليهود النبي صلى الله عليه وسلّم(7/135)
وإنما قال: {فَلاَ تَكْفُرْ}، لأن الأشياء المباحة أيضاً قد تترتب عليها المعصية، نحو من قرأ سورة المزمل لإِهلاك أعدائه، فالسببُ حلالٌ بلا مِرية، والمسبَّبُ حرام بلا فِرية، فحينئذ يُطلق الحرامُ على قراءة السورة أيضاً من أجل النية الفاسدة، فإذا شاعت قراءةُ السورِ المحترمة للأمور المحرمة فيما بيننا أيضاً، فلنا أن نقول: إن ما أُنزل إليهم أيضاً كان من هذا القَبيل، فكانت مادة كلاميهما جائزةٌ غير مشتمِلة على شيء من الكفر، إلا أنهما كانا يمنعانِ عنه لجعلهم إياه وسيلةً إلى الحرام.
فائدة: واعلم أن هناك سبيلين: سبيل سنة، وتلك ليلها ونهارها سواء، وسبيل رياضة، وهذا قد يكون مشروعاً، وقد يكون غير مشروع، وقد يكون مباحاً، ثم قد يشتركُ الكلُّ في النتيجة، أي ما يحصلُ من أحدها يحصل من الآخر أيضاً، إلا أنَّ قبول القبول لا تهب إلا باتباع الرسول، وإن ترتب في بعض الأحيان على رياضة غير مشروعة، مباحة في نفسها أيضاً.
ثم للعلماء بحث في أنَّ السحر هل يؤثر في تغيير الماهية أم لا؟ وظاهر قوله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} ( ) أن سحرَهم كان تخييلاً فقط، مع بقاء العصى، والحبال على ماهياتها.
5763 - قوله: (نقاعة الحناء) جيسى مينهدى كاصلى الله عليه وسلّمنى سرخ هو.
---
5763 - قوله: (طلعها كأنه رءوس الشياطين) ولولا هذا التشبيه لأنكرتُ كونَ تشبيهات القرآن من قبيل التخييل.
باب هَل يُسْتَخْرَجُ السِّحْر
وَقالَ قَتَادَةُ: قُلتُ لِسَعِيدِبْنِ المُسَيَّبِ: رَجُلٌ بِهِ طِبٌّ، أَوْ يُؤَخَّذُ عَنِ امْرَأَتِهِ، أَيُحَلُّ عَنْهُ أَوْ يُنَشَّرُ؟ قالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ اْلإِصْلاَحَ، فَأَمَّا ما يَنْفَعُ فَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ.
باب ُ السِّحْر
باب إنَّ مِنَ البَيَانِ سِحْرا
باب ُ الدَّوَاءِ بِالعَجْوَةِ لِلسِّحْر
باب لاَ هَامَة
باب لاَ عَدْوَى(7/136)
باب ُ ما يُذْكَرُ في سُمِّ النبي صلى الله عليه وسلّم
رَوَاهُ عُرْوَةُ، عَنْ عائِشَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
واعلم أنَّ في نقض الهيئة التركيبية للسحر أثراً في إبطاله.
قوله: (أو ينشر) يعني بندهى هوئى مردكو كهولنا، وفي الهامش: أن سحر الكفار في الحرب جاز للمسلمين أيضاً أنْ يسحُروهم، كذا روى عن أحمد. ولعل هذا في السحر الذي لا يكون جائزاً، فإنْ كان مركباً من كلمات شركية، فالظاهر المنعُ مطلقاً، ولعل الإِباحة فيما لم يكن مركباً من كلمات كذلك، وإن لم يكن جائزاً لموجباتٍ أُخر.
---
5765 - قوله: (حتى كان يرى أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن) فاحفظ هذا اللفظ، فإنَّه صريح في أن السحر كان في أمور النساء، ولم يكن له تعلق بأمور الشرع، وفي أكثر الألفاظ إيهامٌ، كما في الرواية الآتية، ففيها: أنه فعل الشيء، وما فعله، وفي الرواية الماضية: يخيل إليه أنه يفعل الشيء، وما فعله، فسبق إلى بعضهم الإِطلاق، نظراً إلى اللفظ، فجعل يؤوله، حتى أن أبا بكر الجصاص أنكر هذا الحديث رأساً، واتضح مما قلنا أن الحديثَ صحيحٌ، وأنه يتعلق بأمور النِّساء خاصة، ولا يمس غير هذا الباب.
5765 - قوله: (تحت رعوفة) صخرة تنزل في أسفل البئر إذا حُفرت، ليجلس عليها الذي ينظِّفُ البئر.
5771 - قوله: (الممرض) هو الصاحب الذي سارحته مرضى، وعلى خلافه - المُصِحَ .
5771 - قوله: (قال أبو سلمة: فما رأيته نسي حديثاً غيره) قلتُ: ولا ندري أنه نسي، أو لم يكن عنده بينهما تعارضٌ، نعم، ظنَّ الراوي أن حديثيه متعارضان، ولا يلزمُ منه أن يكونا متعارضين عنده أيضاً.
باب ُ شُرْبِ السَّمِّ وَالدَّوَاءِ بِهِ وَبِمَا يُخَافُ مِنْهُ والخَبِيث
5778 - قوله: (في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) وقد مر أن التخليدَ عندي راجعٌ إلى زمان قيام البرزخ، على نظير ما يُفعل بمن كان كذاباً، فيُشق شِدْقيه إلى يوم القيامةِ.
باب ُ أَلبَانِ اْلأُتُن(7/137)
5781 - قوله: (أو مرارة السبع) وطريق التداوي بها أنهم كانوا يلفُّونَها حول الإِصبع إذا خرج فيها الدُّمَّل انكل بير مين بته لبتيتتى هين.
5781 - قوله: (قد كان المسلمون يتداوون بها) وهذا صريح في أنَّ شُرب الأبوال كان على طريق التداوي، لا بناءً على طهارتها، كما ذهب إليه مالك، وقد ذكرناه من قبلُ مبسوطاً.
باب إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ في اْلإِنَاء
---
وقد مر منا أن الغمسَ إنما هو إذا لم يكن الشيءُ حاراً، فإنَّه إذا كان حاراً شديداً، كالشاء، فإنَّ الغمسَ لا يزيده إلا شراً. وكذلك قد ذكرنا التفصيل فيما إذا طار من موضعٍ نجس، ووقع في الماء، فراجعه.
كتاب اللِّباس
باب ُ قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ}
وَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، في غَيرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ». وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُل ما شِئْتَ وَالبَسْ ما شِئْتَ، ما أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ.
باب ُ مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ مِنْ غَيرِ خُيَلاَء
قوله: (في غير إسراف، ولا مخيلة)، المخيلة ترجمته اصلى الله عليه وسلّمى جكه خيال كبر.
قوله: (ما شئت) حرف «ما» للتوقيت.
قوله: (ما أخطأتك اثنتان) أي ما دام أخطأتك اثنتان.
---(7/138)
5783 - قوله: (من جرّ ثوبه خيلاء) وجرُّ الثوب ممنوعٌ عندنا مطلقاً، فهو إذن من أحكام اللباس، وقصرَ الشافعيةُ النهي على قيد المخيلة، فإن كان الجرُّ بدون التكبر، فهو جائز، وإذن لا يكون الحديث من أحكام اللباس والأقرب ما ذهب إليه الحنفية، لأن الخُيَلاء ممنوع في نفسه، ولا اختصاص له بالجرِّ، وأما قوله صلى الله عليه وسلّملأبي بكر: «إنك لست ممن يجر إزاره خيلاء»، ففيه تعليلٌ بأمر مناسب، وإن لم يكن مناطاً فعلة الإِباحة فيه عدمُ الاستمساكِ إلا بالتعهد، إلا أنه زاد عليه بأمر يفيد الإِباحة، ويؤكدها. ولعل المصنف أيضاً يوافقنا، فإنَّه أخرج الحديث في اللباس، وسؤال أبي بكر أيضاً يؤيد ما قلنا، فإنَّه يدلُّ على أنه حملَ النهي على العموم، ولو كان عنده قيدُ الخيلاء مناطاً للنهي، لما كان لسؤاله معنًى. والتعليل بأمر مناسب طريقٌ معهود. ولنا أن نقول أيضاً: إن جرّ الإِزار خيلاء ممنوعٌ لمن يتمسك إزاره، فليس المحطُّ الخيلاء فقط.
باب ُ التَّشْمِيرِ في الثِّيَاب
باب ُ ما أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَينِ فَهُوَ في النَّار
وترجمته ارسنا.
باب ُ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنَ الخُيَلاَء
وفي الحديث الخامس من هذا الباب قصة مُحَارِب بن دِثَار، وهو قاضي المدينة، وروى عنه أحمد في «مسنده» أنه رأى ابن عمر يرفعُ يديه في صلاته، فسأله عنه، فقال له ابن عمر: إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلّميفعله. قلتُ: فإنْ سلمنا أنَّ رفعَ اليدين كان هو السنة الشهيرة، ولم يكن فيهم من كان يتركه، فما معنى سؤال محارب إياه، وهو قاضي المدينة؟ بلى، فيه دليل على أن الرفعَ كان أمراً غريباً، حتى استغربه من كان قاضياً في بلد الرسول صلى الله عليه وسلّم فافهم.g
باب ُ اْلإِزَارِ المُهَدَّب
---(7/139)
وَيُذْكَرُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَبِي بَكْرِبْنِ مُحمَّدٍ، وَحَمْزَةَبْنِ أَبِي أُسَيدٍ، وَمُعَاوِيَةَبْنِ عَبْدِ اللّهِبْنِ جَعْفَرٍ: أَنَّهُمْ لَبِسُوا ثِيَاباً مُهَدَّبَةً.
باب ُ اْلأَرْدِيَة
وَقالَ أَنَسٌ: جَبَذَ أَعْرَابِيٌّ رِدَاءَ النبي صلى الله عليه وسلّم
باب ُ لُبْسِ القَمِيص
وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى حِكايَةً عَنْ يُوسُفَ: {اذْهَبُواْ بِقَمِيصِى هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيرًا} (يوسف: 93).
باب ُ جَيبِ القَمِيصِ مِنْ عِنْدِ الصَّدْرِ وَغَيرِه
باب ُ مَنْ لَبِسَ جُبَّةً ضَيِّقَةَ الكُمَيَّنِ في السَّفَر
جها لردار لنكى والشيءُ إذا انقطع رواجُه في الناس لا تكاد تدري حقيقته، كالليف، فإنَّه غير مستعملٍ في الحشو في ديارنا، فتحير في تحقيقه بعضهم. وحقيقته هذا درخت كهجور كيساتهه ايك جالى هوتى هى اوسى كوت كرتكيه مين بهرتى هين، وكذلك يُشكل الأمرُ عند تبدُّلِ الاصطلاح كالجيب، فإنَّه عند العرب بمعنى كريبان، وفي أهل الهند بمعنى اكليسة وكالخف، فإِنه عند العرب من الجلد، وترجمته في الفارسية موزه مع أنه في اصطلاحنا يكون من الكِرْبَاس، ولا يقطع فيه السفر، بل يستعمل لحفظِ الرجل من القرِّ والحر، والغبار والتراب، وغيرها.
---
وكالقميص فإِنَّها عند العرب ثوب سابغ، يضربُ الكعبين، وفي ديارنا قصير جداً، يضربُ الفخذين، ومن لا يدري الاصطلاحين يظنُّ أنَّ قميصَ صحابة النبي صلى الله عليه وسلّمأيضاً كان إلى الفخذين، ثم إنه قد ذكرنا التنبيهَ عن الشيخ ابن الهُمَام أن القميصَ ما يكون جيبُها على الصدر، والدِّرع ما يكون جيبها على الكتفين. ومن ههنا ظهر السر في أنَّ الفقهاء يذكرون في باب الجنائز القُمُصَ للرجالغ والدُّرُوع للنساء.
باب ُ لُبْسِ جُبَّةِ الصُّوفِ في الغَزْو(7/140)
أخرج المصنفُ هذا الحديث قبله أيضاً، وترجم عليه باب من لبس جبة، ثم ترجم عليه من لبس جبة الصوف لزيادةِ الصوف عنده في هذا الطريق، وفيه دليلٌ على كون زيادة الثقة مقبولة عنده.
باب ُ القَبَاءِ وَفَرُّوجِ حَرِير
وَهُوَ القَبَاءُ، وَيُقَالُ: هُوَ الَّذِي لَهُ شَقٌّ مِنْ خَلفِهِ.
والقَبَاء ما كان مشقوقاً من الأمام، والفَرُّوج خلافُه.
5801 - قوله: (لا ينبغي هذا للمتقين) الكراهة لكونه من حرير، لا لكونه فَرُّوجاً.
باب ُ البَرَانِس
باب ُ السَّرَاوِيل
5802 - قوله: (برنساً أخضر من خز) والخز غير الحرير، وهو وَبرَ حيوان يجلب من بلاد الروس، وإنما يكون ممنوعاً إذا خالطه الحرير، وهو المراد عند الفقهاء أما القزُّ فهو الأبْرَيْسم.
باب ُ العَمَائِم
باب ُ التَّقَنُّع
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم وَعَلَيهِ عِصَابَةٌ دَسْمَاءُ. وَقالَ أَنَسٌ: عَصَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم عَلَى رَأْسِهِ حاشِيَةَ بُرْدٍ.
باب ُ المِغْفَر
---
قال الشيخ شمس الدين الجَزَري: تتبعت قدر عِمامة النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فتبين من كلام الشيخ محيى الدين النووي أنها كانت على أنحاء: ثلاثة أذرع، وسبعة، واثنتي عشر، من الذِّراعِ الشرعي، وهو النِّصفُ من ذراعنا. وتلك الأخيرة كانت للعيدين.
باب ُ البُرُودِ وَالحِبَرَةِ وَالشَّمْلَة
وَقالَ خَبَّابٌ: شَكَوْنَا إِلَى النبي صلى الله عليه وسلّم وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ.
البرد: رداء من الكِبْرَاس، أو ثياب من اليمن، والحِبَرة أيضاً من اليمن، إلا أنها مخططة والشَّمْلة: رداء من صوف؛ والنَّمِرة: هي الشَّمْلة البَلْقاء.
5810 - قوله: (قال سهل: هل تدرون ما البردة؟ قال: نعم، هي الشملة)... إلخ؛ قلت: وما ذكره الراوي يخالف اللغة.
باب ُ اْلأَكْسِيَةِ وَالخَمَائِص
باب ُ اشْتِمَالِ الصَّمَّاء
باب ُ الاحْتِبَاءِ في ثَوْبٍ وَاحِد(7/141)
باب ُ الخَمِيصَةِ السَّوْدَاء
باب ُ ثِيَابِ الخُضْر
الكساء: رداء من صوف، وهي الخَميصة إذا كانت خمسة أذرع. وتُنسب تارةً إلى بني حُرَيث، فيقال لها: خميصة حُرَيثية.
باب ُ الثِّيَابِ البِيض
5827 - قوله: (وعليه ثوب أبيض، وهو نائم)... إلخ؛ قلتُ: ولعل قوله: «وهو نائم»، وَهَمٌ من الراوي، وليس في عامة حديث أبي ذر. وهذا الحديث أخرجه المصنف في كتاب الرقاق أيضاً، وتكلم الشارحون هناك أنه حديث أبي الدرداء، أو حديث أبي ذر، وقد روى الحديث عنها على معنًى واحد، ثم رجع أنه حديث أبي ذر.
---
5827 - قوله: (قال أبو عبد الله: هذا عند الموت، أو قبله إذا تاب، وندم، وقال: لا إله إلا الله غفر له ما كان قبله)، وهذا يدل على أنَّ الزنا، والسرقة في قوله: «وإن زنى، وإن سرق»، ماضيان عنده ومعناه، وإن كان زنى، وسرق فيما مضى، وليس معناه أنه يدخل الجنة، وإن استمر على زناه، وسرقته.
باب ُ لُبْسِ الحَرِيرِ وَافتِرَاشِهِ للِرِّجالِ، وَقَدْرِ ما يَجُوزُ مِنْه
باب ُ مَسِّ الحَرِيرِ مِنْ غَيرِ لُبْس
وَيُرْوَى فِيهِ عَنِ الزُّبَيدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
باب ُ افتِرَاشِ الحَرِير
وَقالَ عَبِيدَةُ: هُوَ كَلُبْسِهِ.
وفصل الحنفية في الحرير شيئاً، فجعلوا الحرام هواللبس.
5828 - قوله: (وأشار بإِصبعيه) وعند مسلم: إجازة إلى أربع، وعليه ينفى الاعتماد، وهو حكم الذهب المقطع ذرى، ثم هذا المقدار في العَرْض، وأما في الطول فيجوز مطلقاً. هذا في الأعلام الكبيرة، أما إذا كانت صغيرة متباعدة، فلا بأس بها، وإن كانت متقاربة، بحيث تُرى للناظر من بعيد، كأنها متصلة، لم تجز.
5832 - قوله: (فلن يلبسه في الآخرة) ومن مثل هذا الحديث أخذ من أخذ أن لابس الحرير في الدنيا لا يلبسه في الجنة أيضاً، ولا ريب أنه كلام يغرى بالقلب.(7/142)
قوله: (فقلت: أعن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فقال - شديداً : عن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم أي غضبَ على هذا السؤال، وقال بالشدة، ورفع الصوت: «عن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم.
باب ُ لُبْسِ القَسِّي
---
وَقالَ عاصِمٌ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قالَ: قُلتُ لِعَلِيَ: ما القَسِّيَّةُ؟ قالَ: ثِيَابٌ أَتَتْنَا مِنَ الشَّأْمِ، أَوْ مِنْ مِصْرَ، مُضَلَّعَةٌ فِيهَا حَرِيرٌ فِيهَا أَمْثَالُ اْلأَتْرُجِّ، وَالمِيثَرَةُ: كانَتِ النِّسَاءُ تَصْنَعُهُ لِبُعُولَتِهِنَّ، مِثْلَ القَطَائِفِ يُصَفِّرْنَهَا. وَقالَ جَرِيرٌ: عَنْ يَزِيدَ في حَدِيثِهِ: القَسِّيَّةُ: ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ يُجَاءُ بِهَا مِنْ مِصْرَ فِيهَا الحَرِيرُ، وَالمِيثَرَةُ: جُلُودُ السِّبَاعِ. قالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ: عاصِمٌ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ في المِيثَرَةِ.
باب ُ ما يُرَخَّصُ للِرِّجالِ مِنَ الحَرِيرِ لِلحِكَّة
باب ُ الحَرِيرِ للِنِّسَاء
باب ُ ما كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم يَتَجَوَّزُ مِنَ اللِّبَاسِ وَالبُسْط
باب ُ ما يُدْعى لِمَنْ لَبِسَ ثَوْباً جَدِيدا
باب ُ التَّزَعْفُرِ للِرِّجال
باب الثَّوْبِ المُزَعْفَر
باب الثَّوْبِ اْلأَحْمَر
باب المِيثَرَةِ الحَمْرَاء
باب النِّعَالِ السِّبْتِيَّةِ وَغَيرِهَا
باب يَبْدَأُ بِالنَّعْلِ اليُمْنى
باب يَنْزِعُ نَعْلَ اليُسْرَى
باب لاَ يَمْشِي في نَعْلٍ وَاحِد
باب قِبَالاَنِ في نعْلٍ، وَمَنْ رَأَى قِبَالاً وَاحِداً وَاسِعا
---
باب القُبَّةِ الحَمْرَاءِ مِنْ أَدَم
باب الجُلُوسِ عَلَى الحَصِيرِ وَنَحْوِه
القس: قرية بمصر.
قوله: (مضلعة) جورى دهارى دار أور اوسصلى الله عليه وسلّم ترنج كى نقش.
قوله: (أمثال القطائف) - وه كبرا جسمين بهراؤ هو اورسينى سنى شكن صلى الله عليه وسلّمكئى هون.(7/143)
قوله: (والميثرة) وهي في اللغة: ما يُحشى بهنَّ الثياب بهراؤكى جيز. كانت النساء يصنعنَ عليه الأعلام، ثم يصفرنها. وما في الرواية: «المِيثرة: جلود السباع»، فليس بصحيح، ثم اختُلف في علة النهي عنها، قيل: إن المياثر كان لونها أرجوانية، فنهي لأجل اللون، وقيل: إنها كانت من الجرير، فالنهي لكونها من الحرير.
قوله: (وقال جرير عن يزيد)... إلخ، ويزيد الراوي هذا هو الذي يَروي ترك الرفع. قيل: إنه من رواة التعليقات دون المسانيد. قلت: فهل يجوز التعليق عن الكذابين، وإلا فما الفائدة في هذا الاعتذار.
قوله: (عاصم أكثر) وهذا أيضاً يروى الترك.
وحاصلُ كلام المصنف أنَّ النهيَ عن المياثر ليس لأجل الحرير، بل لأجل اللون.
5844 - قوله: (وكانت هند لها أزرار في كميها بين أصابعها) يعنى اسى عورت نى انكليون كى درميان كهنديان لكادى تهين تاكه صرف انكليان ننكى هون اور بقيه مستور رهى.
باب المُزَرَّرِ بِالذَّهَب
باب خَوَاتِيمِ الذَّهَب
صرح محمد في «السير الكبير»: أن أزرار الذهب جائز. وقال مولانا الجنجوهي: إن ما كان منها مخيطاً بالثوب فهو جائزٌ، فكونه تابعاً للثوب، وما كان منفصلاً عنه، فإنَّه لا يجوز والزر كهندى.
باب خاتَمِ الفِضَّة
5866 - قوله: (حتى وقع من عثمان الفضة في بئر أريس) ومن ذلك اليوم ظهرت الفتن.
باب
---(7/144)
5868 - قوله: (فطرح رسول الله صلى الله عليه وسلّمخاتمه)، وأخطأ الراوي ههنا، فذكر طرحَ خواتيمهم الفضة، مع أن الطرحَ كان لخواتيم الذهب. وإذا تبينَ لنا خطؤُه، فالتأويل خلاف الواقع والحاصل: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمكان أولاً اتخذ خاتماً من ذهب، فتبعه الناس في ذلك، فطرح الخاتم، ثم اتخذ خاتماً من فضة، ولم يطرحه وعند مسلم: وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلّمخاتماً من ورق يوماً واحداً، قال: فصنع الناسُ الخواتم من وَرِق، فلبسوه، فطرح النبيُّ صلى الله عليه وسلّمخاتمه... إلخ. وهذا أيضاً وَهَمٌ، والصواب ما ذكرنا، والله تعالى أعلم بالصواب.
باب فَصِّ الخَاتَم
باب خاتَمِ الحَدِيد
قال بعض الرواة: إن فصَّ خاتم النبي صلى الله عليه وسلّمكان حبشياً وقال آخرون: إنه كان من الفضة فقال قائل بالتعدد، وذهب ذاهب، إلى أن المراد من كونه حبشياً، أنه كان على صنعة الحبشة.
باب نَقْشِ الخَاتَم
باب الخَاتَمِ في الخِنْصَر
باب اتِّخَاذِ الخَاتَمِ لِيُخْتَمَ بِهِ الشَّيءُ، أَوْ لِيُكْتَبَ بِهِ إِلَى أَهْلِ الكِتَابِ وَغَيرِهِم
باب مَنْ جَعَلَ فَصَّ الخَاتَمِ في بَطْنِ كَفِّه
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّملاَ يَنْقُشْ عَلَى نَقْشِ خاتَمِه
باب هَل يُجْعَلُ نَقْشُ الخَاتَمِ ثَلاَثَةَ أَسْطُر
باب الخَاتَمِ للِنِّسَاء
وَكانَ عَلَى عائِشَةَ خَوَاتِيمُ ذَهَبٍ.
---
وكان نقش خاتم عمر: كفى بالموت واعظاً، وكان خاتمه هذا للأمور الدينية. وكان نقش خاتم أبي حنيفة، قل الخير، وإلا فليصمت، فدل على أنهم لم يكونوا ينقشون في خواتيمهم أساميهم.
باب القَلاَئِدِ وَالسِّخَابِ للِنِّسَاء
يَعْنِي قِلاَدَةً مِنْ طِيبٍ وسُكَ.
باب اسْتِعَارَةِ القَلائِد
باب القُرْطِ للنِّسَاء
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرَهُنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم بِالصَّدَقَةِ، فَرَأَيتُهُنَّ يَهْوِينَ إِلَى آذَانِهِنَّ وَحُلُوقِهِنَّ.(7/145)
قال صاحب: «مخزن الأدوية»: إنه عُصارة الشجرة المسماة بآنوله، كانت تجلب إلى العرب، فيتخذون منها السِّخَاب.
آنو له كاعصاره خشك كركى عرب كوجاتاتها وه اوسكى دانه بناكرهار بناتى تهى وه سخاب تها.
باب السِّخَابِ لِلصِّبْيَان
باب المُتَشَبِّهُونَ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتُ بِالرِّجال
باب إِخْرَاجِ المتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنَ البُيُوت
ذهب مالك إلى جواز الحُليِّ للصبيان، ما داموا صبياناً، وهذا منه توسيع عظيم لم يذهب إليه أحد.
باب قَصِّ الشَّارِب
وَكانَ عُمَرُ يُحْفِي شَارِبَهُ، حَتَّى يُنْظَرَ إِلَى بَيَاضِ الجِلدِ، وَيَأْخُذُ هذَيْنِ، يَعْنِي بَينَ الشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ.
باب تَقْلِيمِ اْلأَظْفَار
باب إِعْفَاءِ اللِّحى
باب ما يُذْكَرُ في الشَّيب
باب الخِضَاب
---
القس: كم كرنا وليس معناه: كترنا وإن قَرُبا في المِصداق. قال الطحاوي: إن خال المُزَني كان يقص شواربه من أصلها. هو النهك والإِحفاء ولا أظنه إلا أن يكون تعلَّمه من الشافعي وهكذا كان يفعل صاحبا أبي حنيفة ثم القص يُحتمل أن يكون بالحلق، ويُحتمل أن يكونَ بالمبالغة في القص من المِقْراض. ونقل عن مالك أنه كان يرى الحلقَ مثلة ولهذا أمنعُ عن الحلق، وأُفتي بقصها من المِرْقارض أما القص إلى الإِطار فهو أيضاً جائز، وإن كان الأفضل هو القص.
هذا في العرض، أما في الطول، فنُقل عن عمر أنه كان يترك سبالتيه، ولم يكن يقصهما، وفيه إيماء إلى كونِ عمل العامة بخلافه قلت: وبعمل عمر نقتدي، فلا ينبغي قصر السبالتين.
قوله: (ويأخذ هذين) والمراد منهما الشِّدقان، دون الفَنِيْكَين، فإنَّ قطعَ الأشعار التي على وسط الشَّفة السُّفلى، أي العَنْفقة، بدعة، ويقال لها: ريش بجه.(7/146)
5892 - قوله: (وكان ابن عمر إذا حج، واعمتر قبض على لحيته، فما فضل أخذه) وعند الترمذي: «أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمكان يأخذ لحيته من طولها وعرضِها»، ورواته ثقات، ثم إن لفظَ الحديث: «في الإِبط النتف»، إلا أنه نُقل عن الشافعي أنه قال: إنا نتأذى بالنتف، فنحن نحلقها.
5893 - قوله: (واعفوا اللحى) واللحية ما على اللَّحيين، وكذلك في الهندية دار هى مشتقٌ من داره لكونها نابتة على الأضراس. أما الأشعار التي على الخدين فليست من اللحية لغةً؛ وإن كره الفقهاءُ أخذَها، لأنه إن كان بالحديد، فذلك يوجبُ الخشونة في الخدين، وإن كان بالنتف، فإنَّه يُضعف البصرَ.
5895 - قوله: (إنه لم يبلغ ما يخضب) وترجمته رنك دينا لا سياه كرنا.
5896 - قوله: (وقبض إسرائيل ثلاث أصابع من قصة) وترجمة القَصَّة جتيا لا تناسب ههنا، والمراد منه أنَّ قدرَ الأشعارِ كان بثلاث أصابع.
باب الجَعْد
---
واعلم أنه كُرِه للرجل أنْ يجعلَ أشعاره ضفائر، فإنْ قسمها بدون ضَفْر جاز، كما فعله النبيُّ صلى الله عليه وسلّمفي فتح مكة، وقد ذكر الراوي أشعاره صلى الله عليه وسلّمفيه أطول من الجُمَّة أيضاً. وراجع الترمذي.
5902 - قوله: (يطوف بالبيت) ليس المراد من طواف الدَّجال الطواف المصطلح، بل عبَّر الراوي عن دورانه حول البيت بالطواف، وإن لم يكن طوافاً فِقهاً، نعم، كان عيسى عليه الصلاة والسلام يطوف على العُرف المعهود، وكان الدَّجال يدور خلفَه، لتجسس حاله، وإنما كان خلفَه، لأنه لا يُدعان له أنْ يتقدَّمه، فإنَّه لو تقدمه لا نذاب وآخر ما حُكم به وجداني أنَّ ذكرَ الطوافِ في تلك الرواية وَهَم من الراوي، كما هو عند القاضي عِياض، نقله النووي. وقد ذكرناه مرة من قبل.(7/147)
5913 - قوله: (إذا انحدر في الوادي يلبى) وحمله الشارحوه على استحضار الأمر الماضي، وعندي هو محمولٌ على حقيقته، فرآه موسى عليه الصلاة والسلام ليلة المِعراج يصلي. وقد مر مني أن أرواح الكُمَّل لا تتعطل عن العبادات في القبور أيضاً.
باب التَّلبِيد
باب الفَرْق
5914 - قوله: (من ضفر، فليحلق، ولا تشبهوا بالتلبيد) وكان من مذهب عمر أن من لبَّد رَأسه لا يكفيه القصر، وعليه أنْ يحلق، فقال: لا تضفروا شعركم، كالملبدين، فإنَّه مكروهٌ في غير الإِحرام، مندوب فيه.
باب الذَّوَائِب
بتى هوئى بال أي الشَّعر الذي سَوَّاه بالمشط، والضفائر جمع ضَفِيرة، وهي: الشعر المنسوجة عرضاً. وفي «العالمكيرية»: إنها مكروهة قلت: يجبُ تأويله بما إذا كانت كذوائب المتصوفة اليوم، وإلا فهي ثابتة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلّمأيضاً، كما عند الترمذي.
باب القَزَع
---
باب تَطْيِيبِ المَرْأَةِ زَوْجَهَا بِيَدَيهَا
باب الطِّيبِ في الرَّأْسِ وَاللِّحْيَة
وهو شعر الرأس إذا حُلِقَ بعضه. وتُرك بعضه، سُمِّي به، تشبيهاً بالسحاب المتفرِّق.
5920 - قوله: (أما القصة، والقفا للغلام، فلا بأس بهما) فأجازه هذا الراوي إذا كان في جوانب الرأس، والقفا، ومنع عنه الحنفية مطلقاً فيجب عليه، إما أن يحلق مطلقاً، أو يترك مطلقاً، ولا يجوز له حلقُ البعض، وتركُ البعض مطلقاً.
باب الامْتِشَاط
5924 - قوله: (بالمدرى) وهو مِشطُ الحديد.
قوله: (لطعنت بها في عينك) قال الشافعية: بظاهر الحديث، فلو فقأ عينه لا جَزَاء عليه وتعارض الكتابان في نقل مذهب الحنفية، ففي واحد: أن عليه القصاص، وفي آخر: كمذهب الشافعية.
باب تَرْجِيلِ الحَائِضِ زَوْجَهَا
باب التَّرْجِيل
باب ما يُذْكَرُ في المِسْك
باب ما يُسْتَحَبُّ مِنَ الطِّيب
باب مَنْ لَمْ يَرُدَّ الطِّيب
والتَّرجل في الرأس، والتسريح في اللحية.
باب الذَّرِيرَة
باب المُتَفَلِّجَاتِ لِلحُسْن
راءته.(7/148)
باب وَصْلِ الشَّعَر
باب المُتَنَمِّصَات
5937 - قوله: (الوشم في اللثة) أي في اللثة، فلا يختصُّ باللثة.
باب المَوْصُولَة
باب الوَاشِمَة
باب المُسْتَوْشِمَة
---
5941 - قوله: (أصابتها الحصبة) يجك سى برا - «هاكرا كالا كرا».
5941 - قوله: (فامرق) والإِدغام في باب الانفعال جائز، إلا أن الحديثَ ليس حجةً في اللغة.
باب التَّصَاوِير
وفي الرواية اضطراب في الألفاظ ولما لم ينفصل فيه أمر عند المصنف، بوب على اللفظين، وذلك من دأبه، حيث يضع الترجمتين حسب اللفظين، فيما لم يتعينُ عنده أحدُ اللفظين، كما فعل في قوله صلى الله عليه وسلّم «إذا أمَّنَ الإِمامُ فأمِّنُوا»، فأخرجه في باب الصلاة، ورُوي فيه لفظ القارىء في الدعوات، مكان الإِمام، فبوب عليه أيضاً وهكذا فعله في حديث إنظارِ المُعسر، إلا أني نبَّهتُك على أنها صنيعه هذا في إقامة الترجمتين في حديث إنظار المعسر، ليس بجيد، بخلاف حديث التأمين، والفرق قد ذكرناه.
5949 - قوله: (لا تدخل الملائكة) وعدمُ دخولهم من الأمور التكوينية، فلا بحث لهم عن كون تلك التصاوير جائزة، أو غير جائزة، ولعلهم لا يدخلون بيتاً فيه تصاوير مطلقاً.
باب عَذَابِ المُصَوِّرِينَ يَوْمَ القِيَامَة
باب نَقْضِ الصُّوَر
5951 - قوله: (إن الذين يصنعون هذه الصور) ولينظر في هذا اللفظ، ليتضح أن لفظَ الصورةِ هل يختصُّ بالحيوانات فقط، أو يُستعمل في غيرها أيضاً.m
والظاهر أنَّ أغلب استعماله في الحيوانا وعليه قوله صلى الله عليه وسلّمفي الصفحة الآتية، وما بعدها: «لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة» اه. فدل على أن الصورة في ذهن الشارع تُستعمل للحيوانات، وإلا فلا بأس بصورة الشجرة.
باب ما وُطِىءَ مِنَ التَّصاوِير
---(7/149)
وحاصله كون التصاوير مُمتَهنة. واعلم أن فعلَ التصوير حرامٌ مطلقاً - أي تصوير الحيوان - سواء كانت صغيرة أو كبيرة، مجسمة أو مسطحة، ممتهنة أو موقرة، وإنما الكلام في نفس التصوير، أي الصورة، فيعلم من «الكبير - شرح المنية»: أن الصغيرة هي التي لا تبدو للناظر أعضاؤُها، وإلا فهي كبيرة.
5954 - قوله: (قرام) صلى الله عليه وسلّملى جادر.
5954 - قوله: (سهوة) طاق.
5954 - قوله: (فجعلناه وسادتين) ولم تتنقح المسألة من هذا اللفظ أيضاً، لأن صدرَ الحديثِ يدلُّ على أن الإِباحة لأجل الهتْك، وآخره يدل على أن الإِباحة لكونها مُمتنهة، لأنه لا دليل في جعلِها وسادتين، على انشقاق تلك التصاوير أيضاً.
باب مَنْ كَرِهَ القُعُودَ عَلَى الصُّوَر
باب كَرَاهِيَةِ الصَّلاَةِ في التَّصَاوِير
باب لاَ تَدْخُلُ المَلاَئِكَةُ بَيتاً فِيهِ صُورَة
ترجم عليه أولاً بما وُطِىء من التصاوير، وأشار بها إلى جواز التصاوير التي توطأ، ثم ترجم عليه بكراهة القعود، وهذا يدل على عدم الجواز مطلقاً. وتفصيله أن قول عائشة: «فجعلناه وسادتين»، يدل على أن التصاويرَ إذا كانت مُمتنهة توطأ، جازت، وقول النبي صلى الله عليه وسلّم «إن أصحاب هذه الصور يعذبون»، حين قالت له عائشة: «إني اشتريت نُمرقة، لتجلس عليها»... إلخ، بظاهره يدل على عدم جواز التصاوير مطلقاً، أي سواء كانت مُمتنهة، أو لا، لأنها صرحت بأنها اشترتها للجلوس والامتهان، ومع ذلك منعها النبيُّ صلى الله عليه وسلّمعنها.
---(7/150)
ولما لم يتضح للبخاري سبيل إلى التوفيق بينهما، ترجم أولاً بالجواز، وثانياً بالكراهة، لعدم الانفصال عنده. فإِما أن يقال: إن مختار المصنف هو الأول، أي الجواز إذا كانت مُمتنهة، وإنما ترجم ثانياً، إشارة إلى أنه لو ذهبَ ذاهبٌ إلى عدمِ الجوازِ مطلقاً، نظراً إلى كراهةِ القُعود، فكان له مساغٌ أيضاً، وإن لم يكن ذلك مختاراً له، ولذا صدَّرَها: بمن كره... إلخ. أو يقال: إنه أشار إلى الفرق بين الوطء، والجلوس، فإن في الدوس والوطء امتهاناً لها، فتجوز، بخلاف الجلوس عليها، فإنَّه أخف من الوطء، فلا تجوز أو يقال: إنهما واقعتان، إلا أنه بعيدٌ، لأنه يُستبعد كلَّ البعدِ أن يكون النبيُّ صلى الله عليه وسلّمكره أمراً أشد الكراهة، ثم كانت عائشة عادت إلى مثلها، فلا بد أن تكون هاتان واقعةٌ واحدة.
قلتُ: إن المصنف، وإن لم يتضح له سبيل التوفيق، لكني أقول: إن عائشة لما قالت له: «إني اشتريتها لتجلس عليها»، انتقل النبيُّ صلى الله عليه وسلّممن مؤلة التصاوير إلى مسألة عمر التصوير، وذلك لأنه لو سكت عليه لجاز أن يَتوهم أحدٌ أن تلك التصاوير إذا كانت جائزة، فلعله يجوز عملها أيضاً، ولا ريب أنه ينبغي للنبيِّ أن يزيح مثل هذه الأوهام، لئلا تفضي إلى الأغلاط، فنبَّه على أن تلك التصاوير وإن جازت لامتهانها، لكنَّ عملَها حرام، كما إذا لم تكن مُمتنهة.
ألا ترى إلى قوله: «إن أصحاب هذه الصور»... إلخ، فلم يقل في التصاوير شيئاً، ولكنه ذكر الوعيدَ فيمن صورها. أما قوله: «وأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه الصور»، فليس حكماً على تلك التصاوير المعينة، بل حكماً على جنسها، وإن لم يتحقق في هذا الفرد.
---(7/151)
ثم إنك قد علمت أنَّ في المسألة عندنا تفصيلاً، ويُشعر به كلام محمد، ويُشير إلى بعض هذه التفاصيل ما عند النسائي في باب التصاوير عن أبي هريرة، قال: «استأذن جبريل عليه السلام على النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فقال: أدخل، فقال: كيف أدخل وفي بيتك سِترٌ، وفيه تصاوير، فإِما أن تقطع رأسها، أو تجعل بساطاً يوطأ» اه. ففيه دليل على أن التصاوير إذا قطعت رءُوسها، فصارت كهيئة الشجرة، أو جعلت فراشاً توطأ، لا بأس بها، وإن كان حديث البخاري يُوهم الإِطلاق في عدم الجواز، وقد ذكرنا وجهه.
5958 - قوله: (إلا رقماً في ثوب)، وظاهره أنَّ التصاوير إذا كانت منقوشةً جازت، وأن لا يكون الحرام منها، إلا المجسمة مع أنه ليس كذلك، فلا بد من جمع سائر قطعات الحديث في هذا الباب لتتم المسألة، والاقتصار على بعض دون بعض قصورٌ. وعند النسائي: أن جبرئيل عليه السلام كان واعد النبيَّ صلى الله عليه وسلّمبالزيارة، فلم يأته على الموعد، فاعتذر عنه، وقال: إنه كان في البيت جرو كلب، فأمر بإِخراجه، ثم أمر برش الماء على موضعه واعتبر المالكية هذا الرش مسألة في سائر النجاسات المشكوكة، فالحكم عندهم فيها أنه يرش عليها، وإذا كانت متيقنة غسلت، خلافاً لسائر الأئمة، وفيها رواية في التصوير أيضاً.
باب مَنْ لَمْ يَدْخُل بَيتاً فِيهِ صُورَة
باب مَنْ لَعَنَ المُصَوِّر
باب مَنْ صَوَّرَ صُورَةً كُلِّفَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيسَ بِنَافِخ
باب الارْتِدَافِ عَلَى الدَّابَّة
باب الثَّلاَثَةِ عَلَى الدَّابَّة
---
5961 - قوله: (أحيوا ما خلقتم) أي إني كنت أنا المصور، فكان التصوير من عملي المختص بي، فإذا حكيتموه، فانفخوا فيه الروح أيضاً.
باب حَمْلِ صَاحِبِ الدَّابَّةِ غَيرَهُ بَينَ يَدَيه
وَقالَ بَعْضُهُمْ: صَاحِب الدَّابَّةِ أَحقُّ بِصَدْرِ الدَّابَّةِ، إِلاَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ.(7/152)
5966 - قوله: (ذكر الأشر الثلاثة عند عكرمة) أي إذا ركب ثلاثة على دابة، فأيهم أشر منهم. وحاصلُ جوابِه أنَّه لا تحديدَ فيه، إنما ذلك بقدرِ طاقة الدابة، فإذا كانت قويةً تحمل الثلاثة بدون تعب، لا بأس به.
101 - بابٌ
باب إِرْدَافِ المَرْأَةِ خَلفَ الرَّجُل
باب الاسْتِلقَاءِ وَوَضْعِ الرِّجْلِ عَلَى اْلأُخْرَى
5967 - قوله: (ما حق العباد على الله) قال الشيخ ابن الهُمَام: ولم نتحصل معناه، فإنَّه ليس لأحد على الله حق.
واعلم أن المُعتزلَة أوجبوا على الله سبحانه أن يتقيدَ بم هو مستحسنٌ عند العقل، ويتحرز عما هو مستهجنٌ عنده، فهؤلاء جعلوا لأَحكم الحاكمين أيضاً قواعد يجب عليه أنْ لا يخالفُها، والعياذ بالله.
وذهب المتكلمون إلى أن الله تعالى لا يجب عليه شيءٌ. قلتُ: فلنفرض ههنا مراتب بعضها فوق بعض، فما قاله المتكلمون حق بلا مِرية، ولكنه في مرتبة، ولا حق على الله في تلك المرتبة لأحد، أما إذا تنزلت عنها إلى مرتبة دُونها، وهي أن الله سبحانه وعد عباره أن لا يعذبهم إذا لم يشركوا به، فذلك حقٌّ عليه أن ينجزَ ما وعده، وهذا على نحو قوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} ( ) فلا حقَّ على الله قبل الوعد، وعليه حقٌّ إذا وعد.
---(7/153)
وحينئذٍ ظهر معنى ما عَجَزَ الشيخ عن إدراكه، وظهر أنه لا يخالفُ مذهب المتكلمين أيضاً. وهذا عندي أشبهُ بنزاعهم في حُسن الأشياء، وقُبحها. فقيل: إنه عقليٌّ، وقيل: شرعيٌّ، يجعل الشارع. قلتُ: وهذا النزاع أيضاً باعتبار المرتبتين، وكلاهما على الحقِّ، ففي مرتبة كذا، وفي مرتبة كذا، فلو تكلمت في المرتبة العليا لوجدت أنَّ الحُسن والقبح في الأشياء، يجعل الله سبحانه، ولا بدّ، فكلام الأشْعرِي صوابٌ، وإن نزلت إلى مرتبة دُونها، وراعيت الأمرَ بعد أمرِ الشارع، ونهيه، وجدت أنهما عقليان، فإنَّه من المحال أن يأمرَ الشرعُ بشيءٍ لا يكون فيه حُسن، أو ينهى عن شيء لا يكون فيه قبح، فصح كلام الماتُرِيْدِي أيضاً.
وبعبارة أخرى: إن تكلمت في علم الكلام، فالأصوب باعتبارِ موضوعِ الفنِّ نظرُ الأشعري، وإن تكلمت في علم الشرع، فالأقرب كلام الماتريدي، لأن نظر المتكلمين في المرتبة العُليا، ونظر أهل الشرع في المرتبة الدُّنيا، وهي بعد ورود الشرع، فصح النظرانِ، ولم يبق نزاعٌ، ولا دِفاعٌ. والحمد العزيز العليم.
كتاب الأَدَب
باب البِرِّ والصِّلَةِ وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى:{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَنَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} (العنكبوت: 8)
باب مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَة
باب لاَ يُجَاهِدُ إِلاَّ بِإِذْنِ اْلأَبَوَين
باب لاَ يَسُبُّ الرَّجُلُ وَالِدَيه
باب إِجابَةِ دُعاءِ مَنْ بَرَّ وَالِدَيه
باب عُقُوقُ الوَالِدَينِ مِنَ الكَبَائِر
قالَهُ ابْنُ عَمْرٍو عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
---
باب صِلَةِ الوَالِدِ المُشْرِك
باب صِلَةِ المَرْأَةِ أُمَّهَا وَلَهَا زَوْج
باب صِلَةِ اْلأَخِ المُشْرِك(7/154)
قال صاحب «المغرب»: إن الأدب اسم لكلِّ رياضة محمودة، يتخرج بها الرجل إلى كلِّ فضيلةٍ من الفضائل، وترجمته في الهندية تميز. ويقال للفن المخصوص: الأدب، لأنه كان في زمن سلاطين الإِسلام وسيلةً إلى حُسن التقرير، والتحرير، وكتابة الفرامين، إلى غير ذلك من المَلَكات الحسنة، مما لا بد لحُضَّار مجالسهم.
5971 - قوله: (قال: أمك) أمره ببرِّ أمه ثلاث مرات، ثم بأبيه في المرة الرابعة، فدلَّ على تقدُّمها قي حق البر. والفصل فيه أن الأمَّ أولى بالخِدمة، والأب أولى بالتوقير والتعظيم.
5973 - قوله: (فيسب أباه) ولما كان سب الأب بلا واسطة مستبعداً في زمن النبيِّ صلى الله عليه وسلّماحتاج في تصويره إلى تكلف، فجعَلَه ساباً لأبيه بواسطة سبِّه أب رجل آخر، فإنَّه ينجر إلى سب أبيه بنفسه، ففيه دليل على أنَّ النبيَّ ربما لا يريد الاستقصاء بالجزئيات التي هي آتية في الغابر، كما ترى فيما نحن فيه، حيث عدل في تصوير السبِّ إلى التسبيب، مع أنه لا يحتاج في زماننا إلى تصوير، فإنَّ الرجلَ يسبُّ أباه اليوم كِفَاحاً، وقاحة بلا واسطة، فمن ادعى أنَّ الجُزئيات بأسرها حاضرةٌ عند النبيَّ، حضورها عند خالقها، فقد افترى إثماً عظيماً، ولو استقصى الأبناء بالجزئيات كلها، لكان حقُّ الجوابِ أنه، وإن لم يكن اليوم هكذا، لكنه كائنٌ، ولم يحتجِ في تصويره إلى تسبيب.
باب فَضْلِ صِلَةِ الرَّحِم
باب إِثْمِ القَاطِع
باب مَنْ بُسِطَ لَهُ في الرِّزْقِ بِصِلَةِ الرَّحِم
---(7/155)
5985 - قوله: (أن ينسأ له في أثره) والنسأ هو: التأخير، وهذا لا يكون إلا إذا ثال عُمْره، فإنَّه كلما طالَ عُمْره طال أثره. وقد مر منا أنَّ لذوي الأرحام دخلاً في وجوده، ففي خدمتهم دخل في زيادة عمره، ثم إن تلك التغيرات في المراتب التحتانية، وأما المرتبة الأخيرة، فهي كائنةٌ على ما كانت، وهذا الذي قاله تعالى: {يمحوا اللَّهُ ما يشاءُ ويثبت وعندَه أم الكتاب} ( ) فالمحو والإِثبات في المراتب التحتانية، وقد عد الشاه ولي الله قُدِّسَ سره للتقدير نحو خمسَ مراتب، وهي تزيد عليها عندي وبالجملة المراتب التحتانية فيها تقديرات مستأنفة.
باب مَنْ وَصَلَ وَصَلَهُ اللّه
5989 - قوله: (الرحم شجنة) الشَّجْنَة: عروقُ الشجرة المشتبكة، فكذلك الرحم، خَرَجَ من اسم الرحمن، فصار قريباً من الاشتقاق النحوي.
باب يَبُلُّ الرَّحِمَ بِبَلالِهَا
وهذه محاورة يُراد بها صِلة الرحم، وترجمته بالهندية سينجنا.
5990 - قوله: (إن آل أبى) حذف المضافَ إليه عمداً، والمعنى إن آل أبي طالب... إلخ.
5990 - قوله: (وببلائها) لا أعرف له وجهاً أي إن البِلال له معنًى صحيح، أما البَلاء فليس له ههنا معنى صحيح.
باب لَيسَ الوَاصِلُ بِالمُكافِىء
باب مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ في الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَم
باب مَنْ تَرَكَ صَبِيَّةَ غَيرِهِ حَتَّى تَلعَبَ بِهِ، أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ مَازَحَهَا
باب رَحْمَةِ الوَلَدِ وَتَقْبِيلِهِ وَمُعَانَقَتِه
وَقَالَ ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ.
---
أي إذا كافأه وساواه في الصلة، فليس بواصل، إنما الواصل من سبَق عليه في الصِّلة، وأربى فيها.(7/156)
5992 - قوله: (أسلمت على ما أسلفت) وهذا بناءً على أن قُرُبات الكافر معتبرةٌ كلها. وقد مهدناه من قبل بقي الكلامُ في أنه هل يُقام له الميزان، أو لا؟ فرأيت عن الماتريدي أنه سُئل عن الكافر، هل يقام له الميزان؟ فسكت، ثم أجاب في المرة الثانية أنه يقام له ميزان التمييز، وإن لم تعدل له كِفة الحسنات والسيئات. وفهمت منه أنَّ الكافرَ، وإن لم يكن لأعماله وزنٌ، إلا أنه يُميز بين من كثرتْ سيئاته، وبين من قلّت، ذكره في «شرح عقائد السبكي».
5993 - قوله: (حتى ذكر) أي بقيت تلك الابنة حياً، وبقي ذلك الثوب أيضاً.
5996 - قوله: (فإذا ركع وضع - أي أُمامه - وإذا رفع رفعها) وكانت تلك الصلاة فريضةً، قلتُ: للشافعية فماذا تصنعون الآن برفع اليدين، فإنه لا يمكن في هذه الصورة.
5999 - قوله: (قد تجلب ثديها بالسقى) دوده سى اوسكاصلى الله عليه وسلّمتان بهر كياتها.
باب جَعَلَ اللّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْء
باب قَتْلِ الوَلَدِ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَه
باب وَضْعِ الصَّبِيِّ في الحِجْر
باب وَضْعِ الصَّبِيِّ عَلَى الفَخِذ
---
6000 - قوله: (فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق) وفيه رائحة من وحدة الوجود، لأنه يدل على أنَّ تلك الرحمة عينها جعلت بين العباد، مع أنها كانت جزءً من أجزاء رحمة الرب، فما كان للربِّ جل مجده، صارت للعباد بعينها وهل الوحدة المذكورة ممكنة أو لا؟ فالوجه أنها ممكنة، إلا أن الغُلو فيها غلوٌ. وقد أنكر عنها الشيخ المجدد السَّرهندي في «مكتوباته» وفي «العبقات» أن بطاقةً وجدت من تحت وسادة حضرة الشيخ المجدد، فوجد فيها مكتوباً: إن آخر ما انكشف على، هو أن وحدة الوجود حقٌّ. قلتُ: وفيه احتمال بعد، ما لم يثبت من جهة صاحب الشرع، وكيف ما كان، ليست المسألة مما تصلح أن تدخل في العقائد.
باب حُسْنُ العَهْدِ مِنَ اْلإِيمَان
باب فَضْلِ مَنْ يَعُولُ يَتِيما
باب السَّاعِي عَلَى اْلأَرْمَلَة(7/157)
باب السَّاعِي عَلَى المِسْكِين
باب رَحْمَةِ النَّاسِ وَالبَهَائِم
باب الوَصَاةِ بِالجَار
وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْولِدَيْنِ إِحْسَناً} إِلَى قَوْلِهِ: {مُخْتَالاً فَخُوراً} (النساء: 36).
باب إِثْمِ مَنْ لاَ يَأْمَنُ جارُهُ بَوَائِقَه
{يُوبِقْهُنَّ} (الشورى: 34) يُهلِكْهُنَّ. {مَّوْبِقاً} (الكهف: 52) مَهْلِكاً.
باب لاَ تَحْقِرَنَّ جارَةٌ لِجَارَتِهَا
باب «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جارَهُ»
---
باب حَقِّ الجِوَارِ في قُرْبِ اْلأَبْوَاب
باب كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَة
باب طِيبِ الكَلاَم
وَقالَ أَبُو هُرَيرَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم «الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ».
باب الرِّفقِ في اْلأَمْرِ كُلِّه
باب تَعَاوُنِ المُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ بَعْضا
وَكانَ النبي صلى الله عليه وسلّمجَالِساً، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ، أَوْ طَالِب حَاجَةٍ، أَقْبَلَ عَلَينَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «اشْفَعُوا فَلتُؤْجَرُوا، وَليَقْضِ اللّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ما شَاءَ».
باب
قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {مَّن يَشْفَعْ شَفَعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَعَةً سَيّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مَّنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلّ شَىْء مُّقِيتاً} (النساء: 85)
كِفلٌ: نَصِيبٌ. قالَ أَبُو مُوسى: {كِفْلَيْنِ} (الحديد: 28) أَجْرَينِ، بِالحَبَشِيَّةِ.
باب لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم فَاحِشاً وَلاَ مُتَفَحِّشا
باب حُسْنِ الخُلُقِ وَالسَّخَاءِ، وَما يُكْرَهُ مِنَ البُخْل(7/158)
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْوَدُ ما يَكُونُ في رَمَضَانَ. وَقَالَ أَبُو ذَرَ، لَمَّا بَلَغَهُ مَبْعَثُ النبي صلى الله عليه وسلّم قالَ لأَخِيهِ: ارْكَبْ إِلَى هذا الوَادِي فَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ، فَرَجَعَ فَقَالَ: رَأَيتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ اْلأَخْلاَقِ.
باب كَيفَ يَكُونُ الرَّجُلُ في أَهْلِه
---
يعنى مراسم جسكى ساته قائم هووكى اوسكانبها وجب تك وجه انقطاع قائم نهو.
6005 - قوله: (أنا وكافل اليتيم) وقد مر أنه من باب قوله: «المرء مع من أحب»، إلا أنه يرشد إلى خصوصية زائدة، مع الكافل.
6006 - قوله: (الساعي على الأرملة) والوجه فيه أنه جعلَ أوقاتَه معمورةً من السعي عليها، فجوزي بأن كُتب له أجر من جَعل أوقاته معمورةً بالعبادة، فكان كالصائم القائم لا يفتُر.
6011 - قوله: (تعاطفهم) مهربانى.
6027 - قوله: (وليقض الله)... إلخ. وله شرحان: الأول: أن اشفعوا أنتم، سواء أَقُبِل منكم أو لا؛ والثاني: أن ما بلغكم من التعليم، فهو تعليم إلهي.
6031 - قوله: (ترب جبينه) وهذا كما تقول الأم لولدانها بالهندية: ناك ركر.
6037 - قوله: (يتقارب الزمان) قيل: المراد به قِلة البركة في الأيام. وقيل: الزمان: الساعة، وتقاربها دنوّها، أي تدنو الساعة. وقيل: المراد به قصر الزمان في نفسه، فتكون ساعتنا اليوم أقصر مما كانت فيما مضى، وبهذا الحساب فليقس اليوم، والأسبوع، والشهر، والسنة. لا يقال: إن مقدار اليوم الآتي أيضاً بأربع وعشرين ساعة، كما كان، فلو حملنا التقارب على قصر الأيام في أنفسها، لزم أن تكون الأيام في زماننا بعشرين ساعة، مثلاً، لأنا نقول: المراد من قصر الأيام قصر الساعات أيضاً ولو كان باعتبار الكمية، لا قصرها بمعنى نُقصانها، من حيث العدد.
---(7/159)
وتلك الساعات لما قصرت لزمَ قِصر الأيام لا محالة، وكذلك قِصر الشهر والسنة، وإنما لا حسَّ لنا بذلك، لأن السبيلَ إلى معرفة الطُّولِ والقصر، كانت تلك الساعة، فلما قصرت هي بعينها، مع بقاء أعدادها، اشتبه الحال، والتبس طول الأيام الماضية من قصر الأيام الحاضرة. ولا استحالة فيه عند سلطان العقل أيضاً، لأنه ثبت اليوم أن كل شيء فيه الاندراس، لا بد له أن يتدرج إلى الاختتام يوماً ما وبهذا استدل جالينوس على حدوث العالم، فإنه لما رأى فيه أمارات الاندراس، ذهب إلى حُدُوثه لا محالة، كذا في «شرح عقائد الجلالي».
أما حديث الفلاسفة من دوام الأجرام الأثيرية، وعدم تغيُّرها، فحمقٌ جلي، وقد ثبت اليوم خلافه بالمشاهدات، ثم إن أرسطا طاليس قد أنكر كون المادة للمسوات، فهي عنده صور جسمية فقط، وإنما المادة عنده فيما فيه الاستحالة، وما لا استحالة فيه لا مادة فيه، ولما اختار استحالة الخرق والالتئام في السموات لم يضع فيها مادة أيضاً، وإنما قال بها ابن سينا فقط، وحينئذ فالحديث محمول على حقيقته.h
6037 - قوله: (ما الهرج؟ قال: القتل) إنما فسره به أخذاً بالحاصل، وإلا فالهرج معناه كربر.
باب المِقَةِ مِنَ اللّهِ تَعَالَى
باب الحُبِّ في اللّه
باب قَوْلِ اللّهِ تَعَالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مّنْهُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّلِمُونَ} (الحجرات: 11)
والمِقَة: المحبة، وقد ورد هذا اللفظ في بعض الروايات، فأخذه في الترجمة لهذا، والجار والمجرور بعده، فاعل له. وصرح الأُشْمُوني أن الجار والمجرور بعد المصدر، يصلح فاعلاً ومفعولاً.
---
باب ما يُنْهى مِنَ السِّبَابِ وَاللَّعْن
6044 - قوله: (سباب المؤمن فسوق) وقد مر منا نكتة تعبير السباب بالفسوق، والقتال بالكفر.(7/160)
6045 - قوله: (لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه) ذهب الغزالي من الشافعية، والسَّرَخْسِي من الحنفية، إلى أنَّ من رمى أخاه بكلمة بالكفر، فقد كفر هو بنفسه حقيقة. وفي «الدر المختار» أنه لا يوجب كفراً إذا قالها سباً، نعم، إن قالها جاداً، فكما قال الغزالي والسرخسي.
أقول: والذي تبين لي أن الكلمةَ إذا خرجت من الفم لا تزال تطلب محلاً لوقوعها، فإِما أن تذهب إلى من قيل لها، إن كان مستحقاً لها، أو ترجع إلى صاحبها إن لم يكن كذلك، كالكُجَّة كيند إذا ضربته على مكان سهل، لا يرجع إليك بشيء، وإن ضربته على مكان صلب، يرجع إليك بضربة مثلها فهذا هو حال تلك الكلمة، وليس كما نزعم أنها كلمة خرجت من الفم، وتلاشت في الهواء، وحينئذٍ فإن رجع إلى صاحبها لا بد لها أن تُورِثَ فيه ردغة من تلك الكلمة. أعني أنه يتلطخ بتلك، كما يتلطخ الجِدارُ بالطينة، فتلك اللطخة مد مستقل، يقر به العقل السليم، وإن لم يكن الفقهاء أخذوها، لعلم كونها ملائمة لموضوعهم.
وبالجملة الارتداد إليه، وإن أفضى إلى اللطخة، والردغة التي هي من آثار تلك الكلمة نفسها، إلا أنه لا يصحح حمل الكفر على صاحبها، فتلك أيضاً مرتبة دون الكفر، وإنما انتقل ذهني إليه، لحديث آخر، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلّمفيمن لعن أحداً: «إن لعنته لا تزال تلتمس محلاً بين السماء والأرض، فإن وجدت وقعت عليه، وإلا ترجع إلى قائلها، فتلطخ به» - أو كما قال .
---
قلتُ: وتلك اللطخة لا تزيدُ على التفضيح، والتقبيح، لا أنها توجب كونه ملعوناً. وعند مسلم: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمكان في بعض أسفاره مع أصحاب له، إذ لعن أحدهم إبله، فأمر النبي صلى الله عليه وسلّمبإِرساله، وعدم الركوب عليه، مع أنه نحو من التسييب، ولا نظير له في الشرع، ولكنه أمره به، لأن اللعنة تلطخت به، تلطُّخَ الطينة بالجدار، فأورثَ فيه قُبحاً، أخرجه عن كونه صالحاً للركوب عليه.(7/161)
فكأنه أخبرهم أن الملعونَ لا ينبغي أن يكون مركوباً للمسلم، فنبَّه على القُبح فقط، لا أنه صار ملعوناً وبالجملة أحكام الفقهاء تتعلق بالظاهر، وأما ما يتعلق بالنظر المعنوي، فهم قلَّما يبحثون عنه، ولما لم توجب تلك اللَّطخةُ أثراً في صاحبها في الظاهر، تركوا ذِكرها، فتركهم ليس بناءً على نفيهم، بل لعدم كونها من موضوعهم.
6047 - قوله: (من حلف على ملة غير الإِسلام)... إلخ، وقد مر شرحه.
باب ما يَجُوزُ مِنْ ذِكْرِ النَّاسِ، نَحْوَ قَوْلِهِمُ: الطَّوِيلُ وَالقَصِير
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «ما يَقُولُ ذُو اليَدَينِ؟». وَما لاَ يُرَادُ بِهِ شَينُ الرَّجُلِ.
أي إن كانت تلك الكلمات تُستعمل لتعريف أحد، وتفيد معرفتَه، جازت، إذا لم يتأذ بها صاحبها. فمن كان معروفاً بالطويل، ثم ذكره أحد في غَيبته، لم يدخل في الغِيبة، ونحوه: ذو اليدين، كما في الحديث، فإنَّه كان رجل يزاول الأمور بيديه، فاشتُهر بذي اليدين. وعامة الناس يستعملون أيمانهم، ويتركون شمائلهم في عامة الأفعال. ثم إن بعض تلك الأسامي عجيب، كالضعيف، فإنَّه اسم لراو، مع كونه ثقة عندهم، وإنما كان اشتهر عندهم بالضعيف، لكونه ضعيفاً في الأمور الدنيوية، وإلا فلا وجه له، وكذا: ضال، اسم لراو آخر، مع كونه طيباً، وثقةً عندهم.
باب الغِيبَة
---
وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} (الحجرات: 12).
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «خَيرُ دُورِ اْلأَنْصَارِ»(7/162)
وتعريفها بأوجز الكلمات، مع فخامة المعنى ما عند الترمذي: أنها ذِكركَ أخاك بما يكره. وقد ذكر الشامي فيهال المستثنيات، وملخصاً يرجع عندي إلى كلمة واحدة، وهي أنَّ الغيبة هي التي كانت لتبريدِ الصدر، والتلذذ بها، وجعلها شغلاً. أما إذا كان بصدد ذكر حوادث الأيام، وصروفها، فذكر فيه أشياء، لا يكون من الغيبة المحظورة، ولذا ترجم البخاري بعده: باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والرِّيب.
*شر الورى بمساوى الناس مشتغل، ** مثل الذباب يراعي موضع العلل
6052- قوله: (وأما هذا فكان يمشي بالنميمة) وإنما أتى بحديث النميمة، مع كون الترجمة في الغيبة، لكونهما متقاربتين، ولأن في بعض الألفاظ لفظ: الغيبة أيضاً.
6052 - قوله: (ثم دعا بعسيب رطب، فشقه اثنين) وفي بعض الروايات أنه دعا بعسيبين. قلتُ: والأدخلُ في الإِعجاز هو شقُّه، ثم غرزُه.
باب ما يَجُوزُ مِنِ اغْتِيَابِ أَهْلِ الفَسَادِ وَالرِّيَب
باب النَّمِيمَةُ مِنَ الكَبَائِر
والمراد من أهل الرِّيب المتهمون بالفساد.
باب ما يُكْرَهُ مِنَ النَّمِيمَة
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَمَّازٍ مَّشَّآء بِنَمِيمٍ} (القلم: 11)، {وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} (الهمزة: 1) يَهْمِزُ وَيَلمِزُ: يَعِيبُ.
باب قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {وَاجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ} (الحج: 30)
---
باب ما قِيلَ في ذِي الوَجْهَين
باب مَنْ أَخْبَرَ صَاحِبَهُ بِمَا يُقَالُ فِيه
باب ما يُكْرَهُ مِنَ التَّمادُح
قوله: (الهمزة): هو الطعان.
قوله: (واللمزة) عيب جين.
6056 - قوله: (لا يدخل الجنة قتات) والفرق بين القتات والنمام، أن النَّمام من يُحضر القضيةَ وينقلها، والقتات من يسمعُ من حديث مَنْ لا يعلمُ به، ثم ينقل ما سمعه. وكذا الفرقُ بين الغِيبة والنميمة، أن الغيبةَ ذكره في غَيبته بما يكره، والنميمة نقل حال الشخص لغيره، على جهة الإِفساد من غير رضاه، سواء كان بعلمه، أو بغير علمه.(7/163)
باب مَنْ أَثْنى عَلَى أَخِيهِ بِمَا يَعْلَم
وَقَالَ سَعْدٌ: ما سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلّميَقُولُ لأحَدٍ يَمْشِي عَلَى اْلأَرْضِ: «إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ»، إِلاَّ لِعَبْدِ اللّهِبْنِ سَلاَمٍ.
واعلم أن المصنفَ بوَّبَ أولاً بكراهة التمادح، ولما علم أن إطلاقَها غيرُ مراد، بوَّب ثانياً، ليدل على استثناءٍ فيه، كما كان فعله في الغيبة والنميمة، حيث أشار فيهما إلى استثناءٍ، بعد كونهما من الكبائر.
باب قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل: 90)
وَقَوْلِهِ: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُمْ} (يونس: 23) {ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ} (الحج: 60) وَتَرْكِ إِثَارَةِ الشَّرِّ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ كافِرٍ.
باب ما يُنْهى عَنِ التَّحَاسُدِ وَالتَّدَابُر
---
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (الفلق: 5).
باب {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ الظَّنّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ} (الحجرات: 12)
باب ما يكُونُ مِنَ الظَّن
6063 - قوله: (يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأبى) وفيه تصريحٌ بأن السحرَ كان في حق النساء خاصة، وما يتوهم العمومُ فيه من بعض ألفاظِ الرواة، فليحمله على هذا التخصيص، كما نبهناك غيرَ مرة.
6063 - قوله: (قال: مطبوب، يعني مسحوراً) واعلم أن الفرق بين المُعجزة والسحر، أن السحر يحتاجُ إلى بقاء توجه نفس الساحر، والتفاته إليه، وتعلق عزيمته به، فإِذا غَفَل عنه، بطل أثره، بخلاف المعجزة، فإِنها أغنى عنه.(7/164)
وفي حكاية ذكرها مولانا الرومي في «المَثْنَوِي» أن غلاماً سأل أباه عن موسى عليه الصلاة والسلام أنه ساحر، أو ماذا؟ قال: وما هو بساحر، فقال له ابنه: وبم علمت؟ قال: اذهب إليه، فإذا صادفتُه نائماً فخذ عصاه، فإنْ كان ساحراً يبقي عصاه كما كان، وإلا ينقلب ثعباناً، فذهب إليه، وجعل يجر عصاه، فانقلب ثعباناً، فكان الغلام أن يهلِك.
ثم ما قلت: إن السحرَ يبطلُ من انقطاع توجه الساحر، لا ينافي بقاء بعض آثاره، كالمرض، والصحة، وإنما أُريد به بطلانُه، حيث تأثيره في انقلاب الماهية، كجعل الدراهم دنانير، فتلك الدراهم لا تزال تخيل دنانير، ما دام توجيهه باقياً إليها، فإذا انقطع، تعود في المنظر، كما كانت، ولذا تراهم يحتاجون إلى تجديد سحرهم في الأيام الخاصة، ليقوى أثره.
6063 - قوله: (فهلا تعني، تنشرت) والمراد بالنشر ههنا نشر حديث السحر، أي إنه مسحور، وسحرَه فلانٌ مثلاً، مع أن اللغة فيه أنه مأخوذٌ من النشرة، وهي: الترقية، أي إبطال أثر السحر بالرُّقية، فاستعمله الراوي في غير محله.
---
باب سَتْرِ المُؤْمِنِ عَلَى نَفسِه
6069 - قوله: (المجانة) بى باكى.
6069 - قوله: (إلا المجاهرين) هو الفاسق المعلن، أتى بفاحشة، ثم أشاعها بين الناس، تهوراً ووقاحة.
6070 - قوله: (حتى يقنع كنفه) والكنفُ اسم الجزء من بدن الإِنسان، وهو ما تحت الإِبط، وأطلق في حضرته تعالى أيضاً، وقد مر مني أن أمثاله كلها محمولة عندي على التجليات، بدون تأويل.
باب الكِبْر
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {ثَانِىَ عِطْفِهِ} (الحج: 9): مُسْتَكْبِرٌ في نَفسِهِ، عِطْفُهُ: رَقَبَتُهُ.
وهو عند التحقيق نفخ من الشيطان، فيرى نفسَه أكبر في عينيه مما كان، ويحقِرُ أخاه أما ذكر الأوصاف التي أعطِيَها بدون إكبار، وتحقير، فليس من الكبر في شيء، بل ربما يكون من باب تحديث النِّعمة.
باب الهِجْرَة(7/165)
وَقَوْلِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم «لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجرَ أَخاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ».
أي ترك الكلام.
6073 - قوله: (قالت: هو على نذر) الضمير للشأن.
6073 - قوله: (فتبكي حتى تبل دموعها خمارها) وهذا حالها في مهاجرة ابن الزبير. وأما في قِصة الجمل، فكانت تناظرُ مَنْ كان يكلمها فيها.
باب ما يَجُوزُ مِنَ الهِجْرَانِ لِمَنْ عَصى
وَقالَ كعْبٌ، حِينَ تَخَلَّفَ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم وَنَهى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم المُسْلِمِينَ عَنْ كَلاَمِنَا، وَذَكَرَ خَمْسِينَ لَيلَةً.
باب هَل يَزُورُ صَاحِبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا
فعل فيه مثلَ ما فعل في الغِيبة والنميمة، فترجم أولاً بالهجرة، وذكر ما ورد فيها من الوعيد، ثم نبَّه على أن فيها استثناءً أيضاً.
---
باب الزِّيَارَةِ، وَمَنْ زَارَ قَوْماً فَطَعِمَ عِنْدَهُم
وَزَارَ سَلمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ في عَهْدِ النبي صلى الله عليه وسلّمفَأَكَلَ عِنْدَهُ.
يُشير إلى أنه لا بأس بالزيارة في كل يوم. وأغمض عما رُوي من قوله صلى الله عليه وسلّم «زُرْ غِبَّاً، تزدد حُباً»، قيل: أصله عند الطبراني، وهو حديث ضعيف، وإن لم يكن موضوعاً.
باب مَنْ تَجَمَّلَ لِلوُفُود
قال الشيخ ابن الهمام في «الفتح»: إن الجَمالَ غير الزينة، فإنَّ التزين يكونُ من الأوصاف الرديئة، بخلاف الجمالِ، فإنَّه من الخِصال الحميدة. ثم فرق أنَّ الزينةَ هو جلبُ الحُسن والتطرية، ليكون له منظراً حسناً عند الخلائق، بخلاف الجمالِ فإنَّه اكتسابُ الحُسنِ، لئلا يكون قبيحَ المنظر، ومشاراً إليه بالأصابع، حتى يُضرب به مثلٌ بين الناس.
باب الإِخَاءِ وَالحِلف(7/166)
وَقالَ أَبُو جُحَيفَةَ: آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم بَينَ سَلمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ. وَقالَ عَبْدُ الرَّحْمنِبْنُ عَوْفٍ: لَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ آخى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم بَينِي وَبَينَ سَعْدِبْنِ الرَّبِيعِ.
واعلم أن إخوة الإِسلام، وحِلْفَه فوق سائر الأخوات، والمحالفات، ثم إن احتاج إليها فهي جائزة.
باب التَّبَسُّمِ وَالضَّحِك
وَقالَتْ فاطِمَةُ عَلَيهَا السَّلاَمُ: أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم فَضَحِكْتُ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللّهَ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبّكى.
---
6085 - قوله: (يا عدوات أنفسهن) وإنما يصلح مخاطبة أمهاتِ المؤمنين بمثل تلك الكلمات لعمر، فإِنه كان له عند الله ورسوله مكاناً لم يكن لغيره، وما كان لنا أن نتكلمَ فيهن بمثلها، فإِنا نحن في جلجتنا، ثم إنهن لما شددن له في القول، وتركن الأدب في شأنه، وقلن: «أنت أفظ وأغلظ»، كافأه النبيُّ صلى الله عليه وسلّم وذكر له منقبه، وقال: «ما لقيك الشيطان تسلك فجاً، إلا سلك فجاً غير فجك»، فهذا نحو تلاف لما سبق على لسانهنَّ، في شأنه رضي الله تعالى عنه.
6088 - قوله: (ثم أمر له بعطاء) فهذا فعله ههنا، ولما ذهبت إليه فاطمة تشكو إليه مما تلقى من الرحى، لم يأمرها إلا بتسبيحات، علَّمَها إياها.
6092 - قوله: (مستجمعاً) جم كرهنسنا يعنى دل لكاكر هنسنا.
باب قَوْلِ اللّهِ تَعَالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّدِقِينَ} (التوبة: 119) وَما يُنهى عَنِ الكَذِب
باب في الهَدْيِ الصَّالِح
قال أبو حيان: إن لفظ «مع» للمشاركة زماناً، أو مكاناً، وقد مر مني أنه للمشاركة في الجملة، ولو بوجه، كما قررناه في آية الوضوء، عند بيان واو المعية، فتذكره.(7/167)
6094 - قوله: (إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة) دل الحديثُ على باب من أبواب الحقائق. وهو أنَّ العبدَ لا يزال يقطعُ مدى عُمْره، إما طريقاً إلى الجنة، أو النار، فبيَّنه، وبين أحد الموضعين له مسافة طويلة، أو قصيرة، يسلكها الرجل مدة حياته، حتى إذا قطعها بتمامها مات، وبلغَ منزِله فدخوله في أحدهما ليس بغتة، ما يُتوهم، بل مضى عُمْره هو سفره إلى أحدهما، حتى لا يكون انقطاعُ أبْهَره، وانقطاع سفره إلا في زمان واحد.
---
وإليه يشير ما رُوي في أبواب القدر، أنَّ العبدَ يأتي بالحسنات، حتى لا يكون بينه وبين الجنة إلا قدر شبر... الحديث فحياته في الدنيا قَطْعٌ لما بينه وبين منزلِهِ ويؤيده ما روى أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّمكان جالساً في مجلس، إذ سمع صوت صخرة سقطت، فقال: «تلك صخرة ألقيت من شفير جهنم، بلغت قعرها بعد سبعين سنة»، فلما خرجوا من عنده سمعوا أنَّ منافقاً مات، وذلك كان عمره، فكأن هذا المنافق كان يقطعُ سفرَه في تلك المدة إلى موضعه من النار، حتى إذا قطعَه مات، وبلغ المنزل.
6096 - قوله: (فيصنع به إلى يوم القيامة) فكما كان هذا جَزَاء للكذاب في برزخه إلى قيام البرزخ، وهو إلى يوم القيامة، كذلك حالُ قاتلِ النفس، يُفعل به ما يفعل إلى يوم القيامة. وهو معنى التخليد في حقه، وهو خلود العذاب، ما دام البرزخ قائماً. وأما بعد انعدامه. وحدوث عالم الآخرة، فأمره إلى الله تعالى، وقد خفي على أمثال الترمذي مرادَه، فعلله في «جامعه» وقد قررناه مراراً. ويُستفاد من مثل هذه الألفاظ، أنَّ الأحاديثَ قد تتعرضُ إلى حال الأموات إلى قيام الساعة، كائناً ما كان حالُه بعدَها.
باب الصَّبْرِ عَلَى اْلأَذى
وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر: 10).
باب مَنْ لَمْ يُوَاجِهِ النَّاسَ بِالعِتَاب(7/168)
6099 - قوله: (ليس شيء أصبر على أذى سمعه من الله) حرف «من» تفضيلي، أي أصبرُ من الله.
باب مَنْ كَفَّرَ أَخاهُ بِغَيرِ تَأْوِيلٍ، فَهُوَ كما قال
---
أي بغير منشأ. وقد أطلق الغزالي في إكفار من أكفر أخاه، والمتأخرون إلى كونه إن قالها ساباً شاتماً لم يكفر، وإن كان من عقيدته ذلك، فهو كافرٌ. وعندي هذا من باب آخر، فإنْ رمى تلك الكلمة على أحد، مثلِ رمي الحجارة، فلا بدّ لها، إما أن ترجع إلى قائلها، إن لم يكن المقولُ له محلاً لها، أو تلزِقُ به، إن كان محلاً لها. ولا يوجبُ ذلك كفراً غير الردغة، كردغة الطينة، ولا يورث فيه شيئاً غير التقبيح، إلا أنَّ تلك الحقيقة لما لم تذكر في الفقه، لم تتبادر إليها أذهان العامة، وهذا معنى قوله: «فقد باء به أحدهما»؛ وأما قوله: «ومن رمى مؤمناً بكفر، فهو كقتله»، فمعناه أن الكفرَ، من أسباب القتلِ، فمن أكفَرَه، فقد نصبَه موضعَ القتلِ لا مَحَالة.
باب مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَ مَنْ قالَ ذلِكَ مُتَأَوِّلاً أَوْ جاهِلا
وَقَالَ عُمرُ لِحَاطِبٍ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «وَما يُدْرِيكَ، لَعَلَّ اللّهَ قَدِ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ».
وهذه من التراجم المهمة جداً، ومعنى قوله: «متوألاً»، أي كان عنده وجهٌ لإِكفارِهِ.
قوله: (أو جاهلاً) أي بحكم ما قال. أو بحال المقولِ فيه. والفتوى على أنه لا يكفر، كما أطلقه عمر في صحابي شهدَ بدراً، فإنَّه كان له عنده وجه.
6106 - قوله: (فزعم أني منافق) وإنما زعمه معاذ كذلك، لأنه دخل في الصلاة، ثم خرج منها قبل أن يُتِمَّها معاذ. وقد مر مني أن هذه واقعةٌ واحدةٌ فقط، ولم يكن التكرار من عادة معاذ، وإنما وقعت له مرةً واحدةً، وله رواية عند أبي داود أيضاً، ثم وجدت إليه إشارة من كلام أحمد أيضاً، وراجع تفصيله من موضعه.
---(7/169)
6107 - قوله: (من حلف منكم، فقال: واللات والعزى) أي كان حديث عهد بالجاهلية، فأراد أن يحلف بالله، فجرى على لسانه: واللات، والعُزَّى، على عادته في الكفر، فليقل: لا إله إلا الله ومرّ عليه النووي، وقال: إنه تجب فيه الكفارة، وينعقد اليمين عند الحنفية، والعجب من الشيخ بدر الدين العيني، حيث نقله، ثم لم يردَّ عليه، مع أنه غَلطٌ يذرُ البلاذَ بلا قِع وحاشا للحنفية أن يقولوا بمثله أبداً.
نعم إن كان توهمٌ من المسألة الأخرى لنا، فهذا أمر آخر، وهي أنَّ اليمينَ ينعقدُ عندنا بقوله: إن فعلت كذا، فأنا يهودي، وبينهما بَوْنٌ بعيدٌ، لأنَّ المسألة الأخيرة لا تدلُّ إلا على كون اليهودية والنصرانية أشنعُ عنده، ولذا أراد بها الإِقناع عن الحنث. ثم إن فَعَلَه، وهو يعلم أنه لا يصير كافراً بذلك الفعل، لا يحكمُ عليه بالكفر، وإن علم أنه يُوجب الكفر، ثم تقدم إليه يحكمُ بالكفر عندنا.m
باب ما يَجُوزُ مِنَ الغَضَبِ وَالشِّدَّةِ لأَمْرِ اللّهِ عَزَّ وجَل
وَقالَ اللّهُ تَعَالَى: {جَهِدِ الْكُفَّرَ وَالْمُنَفِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} (التوبة: 73).
باب الحَذَرِ مِنَ الغَضَب
لِقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَئِرَ الإِثْمِ وَالْفَوحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ} (الشورى: 37). و{الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّآء وَالضَّرَّآء وَالْكَظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَفِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمران: 134).
باب الحَياء
باب إِذَا لَم تَسْتَحِ فَاصْنَعْ ما شِئْت
باب ما لاَ يُسْتَحْيَا مِنَ الحَقِّ للِتَّفَقُّهِ في الدِّين
---(7/170)
6112 - قوله: (وجاءوا يصلون بصلاته) وهذه العبارة تُومىءُ شيئاً إلى أن تلك صلاة كانت بحيث لو أرادوا أن لا يصلوها لم يصلوها، لكونهم صلوها في المسجد مرةً، فتلك صلاتهم كانت لإِحراز بكرةِ صلاة النبيِّ صلى الله عليه وسلّمفقط، ولا تناسُب هذه العبارة، فيما كان الإِمام والمقتدي مفترضين، فذقه من نفسك، ونحوه قد جاء في صلاة معاذ. وفي قِصة السقوط عن الفرس، فيفيدك في تعيين صلاة معاذ خلفه صلى الله عليه وسلّم والصحابة رضي الله تعالى عنهم في قصة السقوط، ما كانت نافلة، أريد بها البركة، أو كانت فريضةً أُريد بها براءةُ الذمة.
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا»
وَكانَ يُحِبُّ التَّخْفِيفَ وَاليُسْرَ عَلَى النَّاسِ.
6127 - قوله: (فترك صلاته وتبعها) وقد مر من قبل في تلك الرواية بعينها أنَّه لم يكن قطعَ صلاتَه، ولكنه كان ينجرُّ مع فرسِه كلما انطلق فرسُه. وأخرجه محمد في «السير الكبير»، وفيه زيادة مفيدة، فليراجع. وإنما عبر الراوي الانجرار بالترك، فهذا حال الرواية في التعبيرات.
6127 - قوله: (وفينا رجل له رأي) أي كان خارجياً.
باب الانْبِسَاطِ إِلَى النَّاس
وَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: خالِطِ النَّاسَ وَدِينَكَ لاَ تَكْلِمَنَّهُ. وَالدُّعابَةِ مَعَ اْلأَهْلِ.
قوله: (ودينك لا تكلمنه) أي لك مخالطتهم، بشرطِ أن لا يحصل في دينِك خللٌ.
6129 - قوله: (يا أبا عمير) وقد كان النبي صلى الله عليه وسلّمكنّاه به، مع كونه صبياً، فدل على جوازِ تكنية الصبي بمثل هذا.
6129 - قوله: (النغير) ترجمته: لال.
---
6130 - قوله: (كنت ألعب بالبنات) وفي «القنية»: أن البنات جائزة، وكانت حقيقتها في القديم أنهم كانوا يأخذون ثوباً، ويشدونَه في الوسط، فكانت لا تحي عن صورة وشكل، ولم تكن كبناتنا اليوم، فإنَّها تماثيل كالأصنام، فلا تجوز قطعاً.
6130 - قوله: (ينقمعن) بهجتى تهين.
باب المُدَارَاةِ مَعَ النَّاس(7/171)
وَيُذكَرُ عَنْ أَبِي الدَّرْداءِ: إِنَّا لَنَكْشِرُ في وُجُوهِ أَقْوَامٍ، وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلعَنُهُمْ.
قال القاضي أبو بكر بن العربي: المداراة هو الانبساط، وطلاقة الوجه، مع تحفظ دينه والمداهنةُ هو الانبساط، مع ضياع دينه.
6132 - قوله: (مزرَّرة بالذهب) والزِّر ترجمته تكمه وكهندى لا بتن.
باب لاَ يُلدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَين
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لاَ حَكِيمَ إِلاَّ ذُو تَجْرِبَةٍ.
يعني من شأن المؤمن أنْ لا يلدغَ من جُحر واحد مرتين، فكأنه يكون معتبراً من الحوادث، لا كالفساق، لا يُبالي بشيء وإن أُفرغت عليه المصائب، وأُقيمت عليه الحدود، ويبتلى بالفتن، فالمؤمن يكون فَطِناً متيقظاً، يتقي مواضع التُّهم، وإذا ابتُلي مرةً بشر لا يأتيه ثانياً، حتى لا يكون مطعناً للناس. وهذا لا ينافي كونه أبله، فإن ترجمته ساده ويقابله جالاك وليست ترجمته بيوقوف فالمؤمن لا يكون خَدَّاعاً.
---
ويتَّضحُ ما قلنا من النظرِ إلى موردِه أنَّ رجلاً جاء أسيراً إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّمفي بدر، ولم تكن عنده فديةٌ، فاستحق القتلَ، فتحيَّر وجَزِع، وقال: إنَّ لي صبية، ليس لهم قيمٌ غيري، فأحسن إليَّ، أحسن اللَّهُ إليك، فتركه النبيُّ صلى الله عليه وسلّم وعفا عنه. فلما رجع إلى مكة، نكث على عقبيه، وجعل يهجو النبيَّ صلى الله عليه وسلّم فاتفق أن أسر في غزوةٍ أُخرى، فأمر بالقتل، فجعلَ يَجزَع، ويسألُ العفو، وحينئذٍ قال له النبيُّ صلى الله عليه وسلّم «لا يلدغ المؤمن»... إلخ.
باب حَقِّ الضَّيف
6134 - قوله: (فصم من كل جمعة) أي أسبوع.
فخذوا منهم حق الضيف... إلخ، قيل: إنه محمولٌ على عُرفهم، فإنَّ ذلك كان عُرفَهم. وقيل: إنه محمول على معاهدة النبيِّ صلى الله عليه وسلّممن أهل الذمة بذلك، يدل عليه ما نقله الزَّيْلعي من خطوط النبيِّ صلى الله عليه وسلّمفي آخر كتابه.(7/172)
باب إِكْرَامِ الضَّيفِ وَخِدْمَتِهِ إِيَّاهُ بِنَفسِه
وَقَوْلِهِ: {ضَيْفِ إِبْرهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} (الذاريات: 24).
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يُقَالُ: هُوَ زَوْرٌ، وَهؤُلاَءِ زَوْرٌ وَضَيفٌ، وَمَعْنَاهُ أَضْيَافُهُ وَزُوَّارُهُ، لأَنَّهَا مَصْدَرٌ، مِثْلُ قَوْمٍ رِضاً وَعَدْلٍ. ويُقَالُ: ماءٌ غَوْرٌ، وَبِئْرٌ غَوْرٌ، ومَاءَانِ غَوْرٌ، وَمِيَاهٌ غَوْرٌ. وَيُقَالُ: الغَوْرُ الغَائِرُ لاَ تَنَالُهُ الدِّلاَءُ، كُلُّ شَيءٍ غُرْتَ فِيهِ فَهُوَ مَغَارَةٌ، {تَّزَاوَرُ} (الكهف: 17): تَمِيلُ، مِنَ الزَّوَرِ، وَالأَزْوَرُ الأَمْيَلُ.
باب صُنْعِ الطَّعَامِ وَالتَّكَلُّفِ للِضَّيف
باب ما يُكْرَهُ مِنَ الغَضَبِ وَالجَزَعِ عِنْدَ الضَّيف
---
باب قَوْلِ الضَّيفِ لِصَاحِبِهِ: لا آكُلُ حَتَّى تَأْكُل
فِيهِ حَدِيثُ أَبِي جُحَيفَةَ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
باب إِكْرَامِ الكَبِيرِ، وَيَبْدَأُ اْلأَكْبَرُ بِالكَلاَمِ وَالسُّؤَال
باب ما يَجُوزُ مِنَ الشِّعْرِ وَالرَّجَزِ والحُدَاءِ وَما يُكْرَهُ مِنْه
وَقَوْلِهِ تعالى: {وَالشُّعَرَآء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ إِلاَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ وَذَكَرُواْ اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} (الشعراء: 224 - 227)، قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: في كُلِّ لَغْوٍ يَخُوضُونَ.
* اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ ما اهْتَدَينَا ** وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّينَا
* فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ ما اقْتَفَينَا ** وَثَبِّتِ اْلأَقْدَامَ إِنْ لاَقَينَا
* وَأَلقِيَنْ سَكِينَةً عَلَينَا ** إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَينَا*
وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَينَا
---(7/173)
فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم «مَنْ هذا السَّائِقُ؟». قالُوا: عامِرُبْنُ اْلأَكْوَعِ، فَقَالَ: «يَرْحَمُهُ اللّهُ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: وَجَبَتْ يَا نَبِيَّ اللّهِ، لَوْ أَمْتَعْتَنَا بِهِ، قَالَ فَأَتَينَا خَيبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ، حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ اللّهَ فَتَحَهَا عَلَيهِمْ، فَلَمَّا أَمْسى النَّاسُ اليَوْمَ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيهِمْ، أَوْقَدُوا نِيرَاناً كَثِيرَةً، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم «ما هذهِ النِّيرَانُ، عَلَى أَيِّ شَيءٍ تُوقِدُونَ؟» قالُوا: عَلَى لَحْمٍ، قالَ: «عَلَى أَيِّ لَحْمٍ؟». قالُوا: عَلَى لَحْمِ حُمُرٍ إِنْسِيَّةٍ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم «أَهْرِقُوهَا وَاكْسِرُوهَا». فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ قالَ: «أَوْ ذَاكَ». فَلَمَّا تَصَافَّ القَوْمُ، كانَ سَيفُ عامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ، فَتَنَاوَلَ بِهِ يَهُودِيًّا لِيَضْرِبَهُ، وَيَرْجِعُ ذُبَاب سَيفِه، فَأَصَابَ رُكْبَةَ عامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ، فَلَمَّا قَفَلُوا قالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّمشَاحِباً، فَقَالَ لِي: «ما لَكَ؟». فَقُلتُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عامِراً حَبِطَ عَمَلُهُ، قالَ: «مَنْ قالَهُ؟» قُلتُ: قالَهُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَأُسَيدُبْنُ الحُضَيرِ اْلأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم «كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لأَجْرَينِ - وَجَمَعَ بَينَ إِصْبَعَيهِ - إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ نَشَأَ بِهَا مِثْلَهُ».
باب هِجَاءِ المُشْرِكِين
*فِينَا رَسُولُ اللّهِ يَتْلو كِتَابَهُ ** إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الفَجْرِ سَاطِعُ
---(7/174)
*أَرَانَا الهُدَى بَعْدَ العَمى فَقُلُوبُنَا ** بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ ما قالَ وَاقِعُ
*يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ ** إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالكافِرِينَ المَضَاجِعُ
تابَعَهُ عُقَيلٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقالَ الزُّبَيدِيُّ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، واْلأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ.
وأنكر الأخفش أن يكون الرَّجَز شعراً. واعلم أنَّ للشعر مادةً، وصورة: فمادته المضامين المَخِيلة، كقول المنطقيين: العسلُ مهوعة، والخمر ياقوتية سَيَّالة، ويسمونه القضايا الشعرية، فيُحدث من ذلك انبساطاً في النفس، أو انقباضاً، ولا يُوجب ذلك أن يكونَ في الخارج أيضاً، كقلك، وبهذا المعنى قال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَهُ الشّعْرَ وَمَا يَنبَغِى لَهُ} ( ) أي لا ينبغي للنبيِّ أن يحتوي كلامَه على المضامين المَخِيلة الصرفة، التي لا حقيقة تحتها، وإنما هي لانبساط النفس، ونشاطها لا غير، وإنَّما الأليقُ بشأنها أنَّ يتعرض إلى الحقائق الواقعية. دون الاعتباريات المحضة.
ولذا كدت أنكر أن يكونَ في القرآن تشبيهاً مَخِيلاً، لولا رأيت قوله: {طَلْعُها كأنَّه رءوسُ الشياطين} فإنه تشبيه مَخِيلٌ. ومن ههنا اندفع أن المصنف بوَّب بالشعر، ثم لم يأت بشرع، فإنَّه أخرجَ تحته قوله صلى الله عليه وسلّم «سوقك بالقوارير» فسمَّاه شعراً من حيث كون مادته مادة الشعر. ثم ليسأل الذين يُثبتون العلم الكلي للنبي صلى الله عليه وسلّم ماذا حالهم في قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَهُ الشّعْرَ}؟ فإن القرآن يُنادي بأنه لم يُعط له علم الشعر، فما بالهم الآن؟.
6146 - قوله: (وهل أنت إلا إصبع دميت) وهذا رَجَزٌ، ثم لما كان بغير قصدٍ منه، لم يكن شعراً.
6148 - قوله: (قل عربي نشأ بها مثله) أي في جزيرة العرب.
---(7/175)
6149 - قوله: (رويدك، سوقك بالقوارير) أي أمهل، وسُق بالمطايا، كما تُساق إذا حُمل عليها القوارير، فقيل في مراده: إن المرادَ من القوارير النساء، فإنَّ القوارير، كما تتكسر بأدنى صدمة تصيبُها، كذلك النساء تتأثر قلوبهنَّ بأدنى شيء. وإذا أنت حسنُ الصوت، فلا تُسمع صوتَك إياهنَّ، فتفتتن قلوبهن، ولا بأس بتلك التشبيهات، إذا كانت تكشفُ عن حقيقة. وقد وقع مثلُه للتَّفْتَازاني، حيث غلط في الإِعراب، القارىء في درسه، فجعل سائرَ الطلبة يضحكون منه، فتحيرَ القارىء، ولم بتنبَّه عما فَرَطَ منه. فَأَوْمَأَ إليه العلامة بغمصِ أحد عينيه، أن اضْمُمْ العينَ على تلك الحقيقة، فافهم.
باب ما يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الغَالِبَ عَلَى اْلإِنْسَانِ الشِّعْرُ حَتَّى يَصُدَّهُ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَالعِلمِ وَالقُرْآن
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «تَرِبَتْ يَمِينُكِ»، و: «عَقْرَى حَلقَى»
قال مولانا: إنَّ الشعرَ، والشِّطْرَنْجَ، والاصطيادَ من أقبح الأشياء، لأنَّ الإِنسانَ يشتغلُ بها، فيَغْفُل عن ذكر الله، وعن الصلاة.
واعلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّملما سُئِل عن الشعر، قال: «إنه كلامٌ، حسنُه حسنٌ، وقبيحُه قبيحٌ». ولذا أراد المصنِّفُ أنْ يُشيرَ إلى تفصيلٍ فيه، فأشار إلى أنَّ المذمومَ منه ما يغلِبُ على الإِنسان، فيصُدَّه عن ذكر الله تعالى.
وقد أكثر المصنِّفُ في كتاب الأدب التقسيمَ على الحالات، ما لم يفعل في سائر الأبواب، فبوَّب بالغِيبة، وفصَّل فيها، فبوَّب بالنميمة، وقسَّمها على الحالات. وبالجملة نبَّه في أكثرِ الأبواب أنَّه لا كليَّة في هذا الباب، ولكن الأمرَ يتوزَّعُ فيه على الحالات.
باب ما جاءَ في زَعَمُوا
---(7/176)
وفيه الحديث: «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرجلِ زَعَمُوا، فإنَّ الإِنسانَ إذا أراد أن يتكلَّم بأمرٍ يَعْلَمُ أنه كذبٌ، يُصَدِّرُهُ بتلك الكلمة، ويقول: زَعَمَ الناسُ كذلك. كأنَّه لا يَحْمِلُهُ على نفسه، ويَعْزُوه إلى الناسِ، احترازاً عن صريح الكذب والزور. فالمعنى: أنَّ تلك الكلمة آلةٌ لإشاعة الزور، كما أن المَطِيَّةَ آلةٌ لقطع السفر. فإذا أراد الرجلُ أن لا يمشي على أقدامه، رَكِبَ راحلتَهُ، وذهب. كذلك إذا أراد أن يتكلَّم بالكذب، ولا يَحْمِلُهُ على نفسه، قال: زَعَمُوا، فأجرى الكذبَ بين الناس.
والمصنِّفُ لم يخرِّج الحديثَ في النهي عنه، بل أخرج حديثاً فيه: «أن أمَّ هانىء تكلَّمت بِها، وقالت: زَعَمَ ابنُ أمِّي...» إلخ. والحاصلُ أن النهيَ في موضعه، والإِباحةَ في موضعها، ولا كليَّةَ في مثل هذه الأبواب.
باب ما جاءَ في قَوْلِ الرَّجُلِ: وَيلَك
6159 - قوله: (رَأَى رَجُلاً يسوقُ بَدَنَةً)، إن كان هذا التعبيرُ محفوظاً، ففيه إيماءٌ إلى أن البَدَنَةَ صارت عندهم عُرْفاً للهَدْي. فكانوا يقولونها في الهَدْي، إبلاً كان، أو بقرةً، وإن كانت البَدَنَةُ تختصُّ بالإِبل عند أهل اللغة. وحينئذٍ يَسَعُ الحنفية أن يقولوا: إنه كان يُسْتَعْمَلُ فيما بينهم في الهَدْي مطلقاً، وإن كان مخصوصاً بالإِبل لغةً.
6163 - قوله: (فَقَالَ عُمَرُ: ائْذَنْ لي، فَلأَضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ: لاَ)... إلخ، فيه عملٌ بالتكوين، أي لمَّا قدَّر اللَّهُ سبحانه أن يكونَ من ضِئْضِيء هذا الرجلِ قومٌ، ذكر أوصافَهم في الحديث، أَعْرَضَ عن قتله، وإن كان التشريعُ فيه القتلَ، وهذا لا يَسُوغُ إلاَّ للنبيِّ خاصةً، فإنه يُكَلَّم من رواء حِجَابٍ، ويطَّلِعُ التكوينَ من غير ارتيابٍ.
---(7/177)
ثم في الروايات أنه أمر بقتله أيضاً، وهذا على التشريع، فطلبوه، فلم يجِدُوه. وإنَّما أمر بالقتل، مع عِلمه أن قوماً يَخْرُجُون من نَسْلِهِ، لأنَّه عَلِمَ أنه إن قدَّر اللَّهُ سبحانه خروجَهم، لا يَصُدُّ عن تقديره أمرٌ، فلا يتمكَّنون من قتله. وهكذا وقع، فإنَّهم طلبوه ليقتلوه، فلم يَجِدُوه. أو حُمِلَ التكوينُ على أن القومَ المَوْصُوفُون يَخْرُجُون من رجلٍ يُضَاهِيهِ في الصفات، لا هذا الرجل خاصةً.
6166 - قوله: (لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً)... إلخ، وهذا عندي على التشبيه، وإن لم يسلِّمه النحاةُ. وذلك لأنَّ قتالَ المسلم كفرٌ بنصِّ الحديث، والقتالُ ثمرةٌ لاختلاف الأديان، فإنَّ المسلمُ لا يَقْتُلُ إلاَّ الكافرَ، والكافرُ لا يَقْتُلُ إلاَّ المسلمَ. فإذا ضرب المسلمُ رقبةَ أخيه، فقد فعل فِعْلاً يَفْعَلُه الكفرةُ، فَلَحِقَ بهم بهذا التشبيه.
6167 - قوله: (إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) واعلم أنَّ رُبُطَ المحبة لا بدَّ أن يَجُرَّ صاحبَها إلى من يُحِبُّه. أمَّا أن يُقْعِدُه مَقْعَدَ من يُحِبُّه، فذلك غيرُ لازمٍ، فالمعيةُ أمرٌ وسيعٌ. نعم قوله: «أنا، وكافلُ اليتيم هكذا، يُشْعِرُ بها فوق ما قلنا، ويُومِيءُ بمزيد القُرْبِ. وذلك لأنَّه أراد بيانَ منزلة كافل اليتيم منه، فأتى بألفاظٍ زائدةٍ تَدُلُّ عليها. والمعيَّةُ لا تَدُلُّ إلاَّ على الشَّرِكَةِ مطلقاً.
---(7/178)
6167 - قوله: (إِنْ أُخِّرَا هَذعًّ، فَلَنْ يُدْرِكَهُ الهَرَمُ، حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ) قال الصدرُ الشِّيرَازِيّ: إنَّ الساعةَ ساعةٌ صغرى، وهي بموته. وساعةٌ وسطى، وهي بموت أقرانه. وساعةٌ كبرى، وهي من نفخ الصور. والمرادُ ههنا الصغرى، أو الوسطى. والمعنى: ما لكم وللساعة الكبرى، وإن ساعتُكم التي آتيةٌ عليكم هي بموت أقارنكم. ويُؤَيِّدُه ما عند البخاريِّ في باب سكرات الموت: «لا يُدْرِكُهُ الموتَ حتَّى تقومَ عليكم ساعتُكم». قال هشام: يعني موتهم، ففيه بيانُ أن المرادَ من الساعة الساعةُ الوسطى.
باب عَلاَمَةِ حبِّ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (آل عمران: 31)
6170 - قوله: (وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ)، «ولمَّا»: للتوقُّع، ومعناه: لم يَلْحَق بهم، ولكنه يرجو لحوقَهم.
باب قَوْلِ الرَّجُلِ للِرَّجُلِ: اخْسَأ
قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: خَسَأْتُ الكَلْبَ بَعَّدْتُهُ، خَاسِئِينَ مُبْعَدِينَ.
وترجمته دهتكارا جاوى.
6173 - قوله: (فَرَضَّهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم؟، والرَّضُّ: هو القبضُ لغةً، ولكنِّي لم أر في روايته أن يكونَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّمأخذه، فقبضه.
6173 - قوله: (إنْ يَكُنْ هُوَ، لا تُسَلَّطُ عَلَيْهِ)، هذا أيضاً عملٌ بالتكوين، على أنه كان غلاماً لم يحتلم إذ ذاك.
فائدة: كتب الحِفْني: أنَّ اسمَ الدَّجَّال الأكبر: صافن بن صياد - بالنون - ولكني أشكُّ في النسخة. يمكن أن يكونَ اسمُه: صافي، فانحرف إلى: صافن، فدلَّ على اتحاد اسميهما، أي هذا الدَّجَّال، والدَّجَّال الأكبر. ثم الحِفْني من علماء القرن الثاني عشر.
6174 - قوله: (يَخْتِلُ): داؤ كرنا.
باب قَوْلِ الرَّجُلِ مَرْحَبا
---(7/179)
وَقَالَتْ عائِشَةُ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم لِفَاطِمَةَ عَلَيهَا السَّلاَمُ: «مَرْحَباً بِابْنَتِي». وَقَالَتْ أُمُّ هَانِىءٍ: جِئْتُ إِلى النبي صلى الله عليه وسلّمفَقَالَ: «مَرْحَباً بِأُمِّ هَانِىءٍ».
6176 - قوله: (فَقَالَ: أَرْبَعٌ، وأَرْبَعٌ: أَقِيمُوا الصَّلاَةَ، وآتُوا الزَّكَاةَ) وأخرجه البخاريُّ، وفيه: «الإِيمانُ بالله شهادةُ أن لا إلهَ إلاَّ الله - وعقد واحدةً - وإقامُ الصلاة، وإيتاءُ الزكاة». فانظر إن ما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّمعلَّمه إياهم بالعقد، أي الشهادة. ترك الراوي ههنا ذكرَه رأساً.
باب ما يُدْعى النَّاسُ بِآبَائِهِم
قيل: إنَّ الناسَ يُدْعَوْن بأمهاتهم، ولكنَّ المذكورَ في الحديث الدعوةُ باسم الأب، كما قال: «هذه غَدْرَةُ فلان بن فلان».
باب لاَ يَقُل: خَبُثَتْ نَفسِي
واعلم أن القباحةَ في اللفظ قد تَحْدُثخ من استعماله في الموارد القبيحة، كالبليد، فإنَّه لا يوازي الحمارَ في الشناعة، مع أنَّ المرادَ منهما واحدٌ. أَرَ ترى أنك إذا قلت لأحدٍ: أيُّها البليدُ، فإنه لا يَنْقَبِضُ منه، كانقباضه من: أيُّها الحمارُ؟ فدلَّ على أن الطبائعَ تَنْقَبِضُ عند لفظٍ يختصُّ في الاستعمال بالموارد القبيحة، وإن كان معناه قريباً من لفظٍ آخر ليس على هذه الصفة.
باب لاَ تَسُبُّوا الدَّهْر
واعلم أنَّه ما من شيءٍ في هذا العالم إلاَّ وله مبدأٌ في العالم المجرَّد، غير أنَّ ما في هذا العالم يُسمَّى خَلْقاً، فمبدأُ الزمان عند ربك هو الدَّهْرُ. وقال الشيخُ الأكبرُ: إنَّه من الأسماء الحُسْنَى. وفي «تفسير الرازي»: أنه تلقَّى وظيفةً من أحد مشايخه: يا دهر، يا ديهار، يا ديهور.
---
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «إِنَّمَا الكَرْمُ قَلب المُؤْمِنِ»
وَقَدْ قالَ: «إِنَّمَا المُفلِسُ الذِي يُفلِسُ يَوْمَ القِيَامَةِ».h(7/180)
كَقَوْلِهِ: «إِنَّمَا الصُّرَعَةُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ». كَقَوْلِهِ: «لاَ مُلكَ إِلاَّ لِلّهِ». فَوَصَفَهُ بِانْتِهَاءِ المُلكِ، ثُمَّ ذَكَرَ المُلُوكَ أَيضاً فَقَالَ: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} (النمل: 34).
باب قَوْلِ الرَّجُلِ: فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي
فِيهِ الزُّبَيرُ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
باب قَوْلِ الرَّجُلِ: جَعَلَنِي اللّهُ فِدَاءَك
وَقالَ أَبُو بَكْرٍ لِلنبي صلى الله عليه وسلّم فَدَينَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا.
باب أَحَبِّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللّهِ عَزَّ وَجَل
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «سَمُّوا بِاسْمِي وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي»
قالَهُ أَنَسٌ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
باب اسْمِ الحَزْن
والكَرْمُ: العنبُ، والرجلُ الكريم، ففيه اصطلاحٌ لفظيٌّ، فيكون في مرتبة الاستحباب، ولا دَخْلَ للتحريم.
قوله: (لاَ مُلْكَ إِلاَّ لِلَّهِ) وحاصلُ كلامه أنَّ لفظَ: «لا»، قد يكونُ لنفي الأصل، وقد يكونُ لنفي الكمال، وقد أنكرتُ - تبعاً للتَفْتَازَانيِّ في «المطول» - أن يكونَ حرفُ «لا» موضوعاً لنفي الكمال، فمدلولُه ليس إلاَّ نفي الأصل. فالوجهُ في مثل هذه المواضع: أن الناقصَ يَنْزِلُ منزلةَ المعدوم، فيُسْتَعْمَلُ له ما يُسْتَعْمَلُ للمعدوم، فيجتمعُ الاعتباران في المآل، وإنَّما الكلامُ في المدلول.
---
باب تَحْوِيلِ الاسْمِ إِلَى اسْمٍ أَحْسَنَ مِنْه
6191 - قوله: (فَاسْتَفَاقَ) أي لمَّا فَرَغَ عن شُغْلِهِ الذي كان فيه، توجَّه، والتفت إليه. فاحفظه، فإنَّه يَنْفَعُكَ في آخر البخاريِّ للتنظير.
9192 - قوله: (كَانَ اسْمُهَا بَرَّةً)... إلخ، ليس في اسم زينب، وبَرَّة تضادٌّ، ولا اصطلاحٌ، لِمَا كان يترشَّحُ من اسم بَرَّةَ من التزكية. ولكنه لمَّا لم يُحِبَّ اسمَ بَرَّةَ، غيَّره، وسمَّاها زينبَ.(7/181)
باب مَنْ سَمَّى بِأَسْمَاءِ اْلأَنْبِيَاء
وَقَالَ أَنَسٌ: قَبَّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم إِبْرَاهِيمَ، يَعْنِي ابْنَهُ.
6194 - قوله: (لَوْ قُضِيَ أَنْ يَككُونَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلّمنَبِيٌّ عَاشَ ابْنُهُ) واعلم أن الراوي ليس بصدد بيان التلازم بين هذين الأمرين، ولكنَّه نبَّه على التناسب بينهما.
6197 - قوله: (لا يَتَمَثَّلُ صُورَتِي) ومن هذا الباب قولُه تعالى: {وَلَكِن شُبّهَ لَهُمْ} (النساء: 157) فلا يوجبُ ذلك أن يكونَ هناك رجلٌ آخر مشبَّهاً به في الواقع. وقد مرَّ تقريره من قبل مفصَّلاً.
باب تَسْمِيَةِ الوَلِيد
باب مَنْ دَعا صَاحِبَهُ فَنَقَصَ مِنِ اسْمِهِ حَرْفا
وَقَالَ أَبُو حازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: قالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «يَا أَبَا هِرَ».
وفي حديثٍ ساقطِ الإِسناد النهيُ عن التسمية باسم الوليد، فإنَّه اسمٌ لفرعون هذه الأمة. ولمَّا كان الحديثُ فيه ضعيفاً، أجازَ المصنِّفُ التسميةَ به.
باب الكُنْيَةِ لِلصَّبِيِّ قَبْلَ أَنْ يولَدَ للِرَّجُل
باب التَّكَنِّي بِأَبِي تُرَابٍ، وَإِنْ كانَتْ لَهُ كُنْيَةٌ أُخْرَى
---
باب أَبْغَضِ اْلأَسْماءِ إِلَى اللّه
باب كُنْيَةِ المُشْرِك
وَقالَ مِسْوَرٌ: سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلّميَقُولُ: «إِلا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ».(7/182)
6203 - قوله: (يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ)، فكنَّاه بذلك، وهو صغيرٌ، ولا كذبَ فيه. فدلَّ على أن للكلام أنحاءً، وإذن صار الكذبُ والصدقُ أمراً عُرْفياً. أَلاَ ترى أن البخاريَّ لمَّا امتحنه الناسُ وسألوه عن أحاديثَ، لم يمرُّوا على حديثٍ منها إلاَّ قال لهم: لا أدري، حتَّى إذا أتمُّوها بيَّن الصوابَ من الغلط، وميَّز اللبنَ عن الرَّغْوَة؟ فلم يكن في قوله: لا أدري كذبٌ أصلاً. وقد أكثر الغزالي في «الإِحياء» في ذكر أنواع الكلام في باب حفظ اللسان، وأتى بأمثلةٍ لا كذبَ فيها، مع كونها داخلةً تحت الكذب على المشهور.
6203 - قوله: (فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلاَةَ، وهُوَ في بَيْتِنَا)، هذا التعبيرُ بعينه أتى به الراوي في قصة السقوط عن الفرس. ولمَّا كان المرادُ من الصلاة هناك هي النافلةُ، احتمل أن يكونَ المرادُ في قصة السقوط أيضاً هي هذه، فهذا نظيرٌ لذلك الاحتمال.
ثم أقولُ: إنَّ الراوي لم يُحْسِنْ في هذا التعبير، فإنَّ الأحرى به هي الفريضةُ، لكون أوقاتِها متعينةً. بخلاف النافلة، فإنَّ وقتَها لمَّا لم يكن متعيِّناً، لم يُحْسِنْ فيها قولَه: «حضر الصلاةَ». وَكذا قوله: «ربما» في غير موضعه، فإنَّها واقعةٌ واحدةٌ، لا أنَّها كانت عادةً له.
باب المَعَارِيضُ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الكَذِب
وَقَالَ إِسْحاقُ: سَمِعْتُ أَنَساً: ماتَ ابْنٌ لأَبِي طَلحَةَ، فَقَالَ: كَيفَ الغُلاَمُ؟ قالَتْ أُمُّ سُلَيمٍ: هَدَأَ نَفَسُهُ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَرَاحَ، وَظَنَّ أَنَّهَا صَادِقَةٌ.
---
باب قَوْلِ الرَّجُلِ للِشَّيءِ، لَيسَ بِشَيءٍ، وَهُوَ يَنْوي أَنَّهُ لَيسَ بِحَق
باب رَفعِ البَصَرِ إِلَى السَّمَاء(7/183)
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَآء كَيْفَ رُفِعَتْ} (الغاشية: 17 - 18) وَقَالَ أَيُّوب: عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكَةَ، عَنْ عائِشَةَ: رَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ.
6205 - قوله: (أَخْنَى الأَسْمَاءِ): ذليل ترين أسماء. ثم قد مرَّ مني التردُّد في أنَّ الخَنَا يختصُّ بهذا الاسم فقط، أو يَعُمُّ كلَّ اسمٍ يكون على وِزَانِهِ، كقاضي القضاة. وأوَّلُ من لُقِّب به من الأمة القاضي أبو يوسف، فلو ثَبَتَ أن لقبَه ذلك كان قد بَلَغَ أذنيه، لثَبَتَ جوازُه، لأنَّ مِثْلَه لا يمكن أن يَسْكُتَ على المنكر، وإلاَّ فالتردُّدُ فيه باقٍ.
فائدة: واعلم أن المشهورَ على الألسنة: أن الأسماءَ تَنْسَلِخُ عن معنى الخبرية قطعاً، وليس بصحيحٍ، فإنَّها، وإن لم تكن كالأخبار الصريحة، ولكن يبقى فيها إيماءٌ إلى الخبرية. ولذا كان مَلِكُ الأملاك من أَخْنَى الأسماء، ولو انْسَلَخَ عن معنى الخبرية أصلاً، لَمَا كان أَخْنَى. نعم قد يَنْكَشِفُ ذلك في المواضع، وكما في مَلِك الأملاك، وقد لا يَنْكَشِفُ، كما في التكنِّي بأبي عُمَيْر. فذلك من باب المراتب في الشيء، كما قرَّرناه سابقاً.
قوله: (مَنْدُوحَةٌ)، أي متَّسَعٌ ومَفَرٌّ. أرادَ المصنِّفُ من المعاريض: التورية، أي التكلُّم بكلامٍ لا يَفْهَمُ المخاطَبُ ما أراد منه المتكلِّمُ، وما يَفْهَمُ منه يَظُنُّهُ صادقاً باعتباره، ولام يُرِدْ تعريضَ علماء البيانُ. ثم أخرجَ حديثَ القوارير.
---
6212 - وقوله: (ما رأينا من شيءٍ)، مع أنه كان رأى شيئاً من الأشياء لا مَحَالة، فيكونُ المرادُ شيئاً يُعْتَدُّ به، فسمَّاها معاريضَ، مع أنَّها ليست من المعاريض في شيءٍ، وذلك لكونه ليس من فَنِّه، نعم لو أتى عليه مثلُ الزمخشريّ، لكشف عن حقيقته.(7/184)
وبالجملة: مرادُ المصنِّف أنَّ المعاريضَ وأمثالَها، ليست من الكذب في شيءٍ، ولكنَّها أنواعٌ من الكلام.
باب نَكْتِ العُودِ في المَاءِ وَالطِّين
باب الرَّجُلِ يَنْكُتُ الشَّيءَ بِيَدِهِ في اْلأَرْض
ولمَّا ثَبَتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلّملا يكونُ مخالفاً للوقار والمتانة.
6217 - قوله: (فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ)، أي لستم في مُكْنَةٍ من فعل شيءٍ، وتركِه من عند أنفسكم. وإنَّما هو أمرٌ مقدَّرٌ، فتفعلون وتتركون ما قُدِّرَ لكم. وذلك يكون مُيَسَّراً لكم، فلا يأتي منكم خلافُه. فالاتكالُ، وترك الجهد في الأعمال عبثٌ.
باب التَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ عِنْدَ التَّعَجُّب
فأباح المصنِّفُ إخراجَ الأذكار عن معناها واستعمالها في غيره، وهو ثابتٌ في السَّلَفِ ثبوتاً لا مردَّ له. وحينئذٍ ينبغي أن يؤوَّلَ ما في «الدر المختار»: أن الطلبةَ إن اصطلحوا على أن يُكَبِّرُوا، أو يسبِّحُوا عند ختم الدرس، فهو مكروهٌ، لأنَّه إخراجُ الذكر عن مدلوله. نعم إن كان أخراجُه إلى محل ممتهنٍ، فله وجهٌ، كما ذكره الحنفيةُ: إن السائلَ إن ذكر اسمَ الله على الباب، لا يقولُ السامعُ: جلَّ جلاله، أو كلمةً تدلُّ على عظمته تعالى، وإن كان أدراً في عامة الأحوال، وذلك لأنَّه قال باسمه في موضعٍ لم يكن له ذلك.
باب النَّهْي عَنِ الخَذْف
وفي حكمه القوس: غليل.
باب الحَمْدِ لِلعَاطِس
---
باب تَشْمِيتِ العَاطِسِ إِذَا حَمِدَ اللّه
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ.
باب ما يُسْتَحَبُّ مِنَ العُطَاسِ وَما يُكْرَهُ مِنَ التَّثَاؤُب
باب إِذَا عَطَسَ كَيفَ يُشَمَّت
باب لاَ يُشَمَّتُ العَاطِسُ إِذَا لَمْ يَحْمَدِ اللّه
6221 - قوله: (وهَذَا لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ).(7/185)
حكاية: اتَّهمَ الناسُ قاضياً بالرِّشْوَةِ في عهد الرشيد، فجيء به بين يديه، إذ عَطَسَ الرشيدُ، فشمَّته الناسُ، ولم يشمِّته القاضي. فسأله إنك لِمَ لم تشمِّتني، وقد شمَّتني الناسُ؟ قال: إنَّك لم تَحْمَد اللَّهَ. فقال له: اذهب إلى قضائك، فإنَّ من لا يَجُودُ بكلمةٍ، لا يَغْصِبُ أموالَ النَّاسِ.
باب إِذَا تَثَاوَبَ فَليَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيه
6226 - قوله: (ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ) لمَّا يَرَاه تابعاً، ومسخَّراً له.
كتاب الاستئذان
كتاب الاستئذان
باب بَدْءِ السَّلاَم
أي كيف ظَهَرَ السلامُ في الكون، وكيف وُجِدَ من كَتْمِ العدمِ؟ والمرادُ به ظهورُ ذلك النوع، فيحوي على بقائه أيضاً، كما مرَّ تقريره في بَدْءِ الوحي. وإذن لا يقتصرُ على الأحوال الابتدائية فقط.
---
6227 - قوله: (خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ)، والصوابُ أن الضميرَ راجعٌ إلى اللَّهَ تعالى لِمَا في بعض الطُّرُق: «على صورة الرحمن». وإذن أشكلَ شرحُهُ. فقال القاضي أبو بكر بن العربي: إن المرادَ من الصورة الصفةُ، والمعنى: أنَّ اللَّهَ تعالى خلق آدمَ على صفاته. وتفصيلُه أنه وضع في بني آدم أُنْمُوذَجاً من الصفات الإِلهية، وليس من الكائنات أحدٌ مَنْ يكون مظهراً كاملاً لتلك الصفات، إلاَّ هو. أَلاَ ترى أنَّ صفةَ العلم التي هي من أخصِّ الصفات لا توجدُ إلاَّ في الإِنسان؟ فإنَّ سائِرَ الحيوانات ليس فيها إلاَّ قوةً مَخِيلةً.
وقيل: الغرضُ من إسناد الصورة إلى نفسه، مجرَّدُ التشريف والتكريم، على ما يَنْطِقُ به النصُّ: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَنَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (التين: 4). وليس المرادُ منه: أنَّ تعالى أيضاً صورة.(7/186)
وقال الشيخُ الأكبرُ: الصورةُ على معناها، ومغزى الحديث: أنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى لو تنزَّل إلى عالم الناسوت، لكان في صورة الإِنسان، فإنَّ ذلك صورتُه في هذا العالم، لو كانت. أَلاَ ترى أنه أسندَ إلى نفسه: العينَ، والقدمَ، والأصابعَ، والوجهَ، والساقَ، واليدَ، والحَقْوَ، واليمينَ، والقبضةَ، والرداءَ، والإِزارَ، إسناداً شائعاً في القرآن والحديث، ولا ريب أنَّها هي حِلْيَةُ الإِنسان؟ فلو فرضنا فرضَ المُحَال أنَّ اللَّهَ تعالى لو كان نازلاً في العالم الناسوتي، لَمَا كانت حِلْيَتُهُ إلاَّ حليةَ الإِنسان. وإليه يُشِيرُ قولُه صلى الله عليه وسلّمفي حديث الدَّجَّال: «إنه أعورُ العين اليمنى، وربُّكم ليس بأعور». فلو تجلَّى ربُنا جلَّ وعلا في هذا العالم لم يكن أعور، فإنَّه ليس من حِلْيَةِ الإِنسانِ الصحيح.
---
ثم إنَّ الشيخَ الأكبرَ ذكر في موضعٍ من كتابه: أن للصورة معاني، فمنها أنه يُرَادُ منها الأوامر والنواهي، فهذا قريبٌ ممَّا ذكره ابن العربيِّ، بيدَ أنه أراد منها الصفاتِ مطلقاً، وأراد الشيخُ الأكبرُ هذه الأشياء خاصةً.
هذا ملخَّصُ ما ذكروه إلى الآن، ثم تَنَاقَلُوه في الشروح. والذي تبيَّن لي: أنَّ الصورةَ على نحوين:
الأولى: ما كانت قائمةً بذاته تعالى، حاكيةً عنه جلَّ مجده. وتلك ليست بمرادةٍ ههنا، بل يَجِبُ نفيُها عنه، ولا مادةَ لها في السمع.
والثانيةُ: ما ليست قائمةً بذاته تعالى، ولكنَّه تعالى علَّمنا إيَّاها في كتابه، أنَّها صورتُه، فأسندَ إليه: الوجهَ، واليدَ، والساقَ، واقدمَ، والأصابعَ، وأمثالَها. لا أَقُولُ إنَّه أثبتها لنفسه، ولكن أقولُ: إنه أسندَها إليه، وكم من فرقٍ بينهما ثم أقولُ: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِهِمْ} (الفتح: 10) كما قاله هو، ولا أقولُ: إنَّ يداً. فإن كنتَ ممَّن يقوم بالفرق بينهما، فادره.(7/187)
ولقد أجاد البخاريُّ حيث سمَّاها في كتابه نعوتاً، لا صفاتٍ، لكونها غيرَ معانٍ زائدةٍ على الذات، فهي الحِلْيَةُ. وسمَّاها المتكلِّمون صفاتٍ سمعيةً، وسمَّوْا نحوَ القدرةِ والإِرادةِ صفاتٍ عقليةً، فجعلوا مرجعَها إلى الصفات أيضاً، فصارت معاني زائدةً على الذات، كما هو مقتضى معنى الصفة. بخلاف الصورة، والحلْيَةِ، فإنها من الذات، لا معاني زائدة عليها. ولعلَّك عَلِمْتَ أن في تسميتها صفاتٍ - كما سمَّاها المتكلِّمون تفويتٌ لغرضِ الشارع، وإخلاءُ هذه الألفاظ عن معانيها. وأحسنَ البخاريُّ في تسميتها نعوتاً، فلم يَدُلَّ على كونها زائدةً على الذات.
---
نعم لا بُدَّ من تقييدها بكونها وراءَ عقولِنا، وخيالِنا، وأوهامِنا، ثم وراءَ، ووراءَ، وبما شِئْتَ من التنزيهات ممَّا يُسَاعِدُك فيها خيالُك. فهذه النعوتُ التي كلَّت الأنظارُ والأفكارُ عن إدراكها هي صورتُه تعالى، وإرجاعُها إلى معنى الصفات، سلخٌ عن معناها. وليست تلك على حدِّ ما زَعَمَهُ الفلاسفةُ، أي ما تَحْصُلُ بإِحاطة الحدِّ والحدودِ. فإن تلك الصورةَ لا تختصُّ بشيءٍ دون شيء، مع أنَّ الله تعالى ذكرها في موضع الامتنان، وقال: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} (غافر: 64) فدلَّ على معنى زائدٍ فيها، فالتصويرُ أمرٌ مُغَايِرٌ للخلق. وما ذكروه من الإِحاطة داخلٌ في الخلق، فلا يَظْهَرُ في العطفِ لطفٌ، مع أنه قال: «خلقكم»، «وصوَّركم»... إلخ. فجاء بالعطف تنبيهاً على تغايُرِهما.(7/188)
فاللَّهُ سبحانه يتجلَّى في هذه النعوت التي نَعَتَ بها نفسه في الدنيا والآخرة، فإنَّ الحِلْيَةَ المرضيةَ له هي التي نَعَتَ بها نفسَه بِنفسِه، ففيها تكونُ الرؤيةُ، وهي التي تسمَّى برؤية الرَّبِّ جلَّ مجده. أَلاَ ترى أنك إذا رأيتَ ربَّك في المنام، تيقَّنتَ أنَّكَ رأيتَ الرَّبَّ عزَّ برهانه، مع علمكَ أنه ليس ربَّك، وهذا لأنَّكَ تنفي كونَ تلك الصورة ربّاً، مع إذعانكَ بكون المجلَّى فيها ربَّك عزَّ سلطانه. فكأنَّكَ في بيانك هذا تنفي المثلَ له، وتريدُ المَرْمَى. وإذ قد ورد في الحديث: «أنَّ المؤمنين يَرَوْنَ ربهم في المحشر في صورة يعرفون بها»، فما الدليلُ على أنه ليست برؤيته؟ بل هو رؤيةٌ محقَّقةٌ فوق رؤيتك إيَّاه في المنام، ثم أَزْيَد، وأَزْيَد.
وبالجملة لا يُمْكِنُ الوصولُ للعبد إلى جَنَابه تعالى إلاَّ بوساطة تلك الصورة، فإنَّ اللَّهَ تعالى غنيٌ عن العالمين.
---
وتحقيقُه: أن صورةَ الشيء ما تُعْرَفُ بها شخصيةُ الشيء، ولا ريبَ أن الأدخلَ فيه هو الوجه، ولذا أظنُّ أن غالبَ استعمال الصورة في الوجه، لأنَّه هو مبدأ التمييز والمعرفة كثيراً. ولذا قَلَّما يُسْتَعْمَلُ لفظُ الصورة في الجمادات والنباتات خاصةً، وذلك لأنَّها ممَّا يُسْتَغْنَى عن معرفة أشخاصها. وإنَّما نحتاجُ إلى معرفة الشخصية في الحيوانات، أمَّا النباتاتُ والجماداتُ فليس لنا بشخصياتها عرضٌ. ثم لمَّا كان الأقدمُ في المعرفة هو الإِنسانُ، كان أقدمَ في إطلاق الصورة عليه أيضاً، ثم الحيوانات، ثم الأشجار. أمَّا السماءُ والأرضُ، فهي مبسوطةٌ كالمادة، لا يَسْأَلُ عن صورها أحدٌ.(7/189)
ولما كان اللَّهُ سبحانه غايةَ الغايات، ومنتهى المطالب، ومقصودَ العوالم كافةً، وكان في أقصى مراتب التجرُّد والتنزُّه، احتاج الناسُ لمعرفته إلى صورةٍ يَعْرِفُون بها ربَّهم، لأن الماديَّ المظلمَ المتدنسَ بأنواع الظلمات. لا يَبْلُغُ شَأْوَ المجرَّد، وإن تجرَّد، وإن تجرَّد. فلا يَحْصُلُ له نسبة الرائي، والمرئي بينه وبين الله تعالى إلاَّ بقَدْرِ ما يتمكَّن من إدراكه، وينالُ من نعوته، ويَبْلُغُ مبلغَهما. فلا يمكن الوصولُ للإِنسان إلى ربِّه جلَّ مجده إلاَّ بوساطة الصور. ولولا تلك، لوجدته يَؤُساً قَنُوطاً، محروماً عن الرؤية:
*كيف الوصولُ إلى سعاد، ودونها، ** قُلَلُ الجِبال، ودونهن حتوفُ؟
---
وبالجملة لم يُخُبِرْنا ربُّنا تبارك وتعالى إلاَّ بتلك الحِلْيَةِ، وعلَّلنا بها. فلا علمَ لنا إلاَّ ما علمتنا، فنحن نهتدِ بها. فإن تعسَّر عليك إسنادُ الصورة إلى جَنَابه تعالى، وتراه خلافَ التنزيه، فاعلم أنَّ منشأَة أنَّك تَزْعُمُ اتحادَ الصورة مع زيِّها دائماً، ولا تتعقَّلُ انفكاكَها عن الذات. وليس ذلك إلاَّ لأنَّك مَارَسْتَ صورةَ الإِنسانِ، فرأيتَها قائمةً به، غيرَ منفصلةٍ عنه. مع أنَّ صورةَ الإِنسان أيضاً غيرُه، بل ما من شيءٍ إلاَّ وصورتُه تُغَايِرُهُ. وإنَّما نحن أجسادٌ من عالم الناسوت، فالتبس الحالُ فينا.
ويدُلُّكَ على ما قلنا، أنك إذا رأيتَ المرآةَ وجدتَ فيها صورتَك؛ مع انعدام زِيِّ الصورة منها، فَدَلَّ على أنَّ الصورةَ قد تنفكُّ عن زِيِّها. ولولا ذلك لَمَا وَسِعَكَ أن تقولَ: إنَّك رأيتَ صورتَكَ في المرآة. فلمَّا أقرَّ به أهلُ العُرْفِ، عُلِمَ أنَّ صورتَك غيرُك، وقد تنفكُّ عنكَ أيضاً، إلاَّ أنَّك كنتَ من عالم الناسوت، فضاهت صورتُك بنفسك. وهكذا في العلم، فإنَّه لا يَحْصُلُ فيه إلاَّ صورةَ الشيء، دون الذات بعينها، وهي التي تسمَّى صورتُه الذهنيةُ.
---(7/190)
ثم ههنا دقيقةٌ أخرى، وهي: أنه لا يَحْصُلُ لزيدٍ علمُ عمروٍ، بل لا يمكنُ أن يَحْصُلَ له علمُه، ما لم يكن عمرو من ملابسات زيدٍ بنوعٍ من التعمُّل، أعني به حصولَ نسبةٍ خاصةٍ بين زيدٍ وعمروٍ، حتى يُعَدَّ من صفات زيدٍ ومتعلقاتِه، وذلك بحصول صورته في الذهن. فإذا حَصَلَت صورتُه في ذهنه، وقامت به صار عمرو من ملابساته مثل صفاته، وحينئذَ يَحْصُلُ له علمُهُ. وهكذا الحالُ في المرآة، فإنَّها لا تُرِيكَ صورتَكَ حتَّى تكونَ قائماً بها قيامَ الأوصاف بموصوفاتها، وهو بقيام شَبَحِكَ فيها. فإذا حَصَلَ فيها شبحُكَ، وصِرْتَ من ملابساتها، بنحوٍ من التعمُّل كصورة عمرٍو لزيدٍ، جَعَلتْ تُرِيكَ صورتَك. وإنَّما الفرقُ بين الصورتين: أن الذِّهْنَ تَنْطَبِعُ فيه صورةُ المعقولات والحسيَّات، والمرآةَ لا تَنْطَبِعُ فيها الأمورُ المحسوسات.
ولعلَّك عَلِمْتَ أنه لا بُدَّ لرؤية نفسه من نوع اثنينية، فما لم تَقُمْ تلك الاثنينيةُ بين المرء ونفسه، ولا يُمْكِنُ له رؤيتها. وحينئذٍ عُلِمَ أنَّه لا بُدَّ للإِنسان أن يكونَ مخلوقاً على صورته. فإنَّ العالمَ كلَّه كالمرايا لحضرة الرَّبِّ تعالى، والمتجلي فيها هو اللَّهُ سبحانه، وهي مسألةُ التجلِّي.
وما أقربُ حال الشَّبَح وزِيِّه بالصورة وزيِّها. فكما أنَّ الشَّبَحَ غيرُ زيِّ الشَّبَحِ، وينفكُّ عنه. هكذا فليفهم صورة الرحمن، فإنَّها غيرُ قائمةٍ بالباري تعالى، ومنفصلةٌ عنه.l
---(7/191)
إلاَّ أنَّه لا يمكن رؤيةُ تلك الصورة من نفسها بنفسها، ما لم تقع الاثنينيةُ بين الرائي والمرئي، فخلق اللَّهُ تعالى الإِنسانَ، ليكونَ مظهراً ومرآةً لصورته، ويتجلَّى فيه حتَّى يَظْهَرَ أمرُهُ في الأكوان، ويقالُ: إنَّ الإِنسانَ خُلِقَ على صورة الرحمن. وإلاَّ فما للإِنسان أن يكونَ مظهراً له، كما هو. وما للممكن أن تتجلَّى فيه صورةُ الرحمن كما هي. ولكن تلك أمثالٌ وأوهامٌ، ترتاحُ بها نفوسُ الصُّبَّة الهائمة، فيُعَلِّلون بها أنفسَهم، واللَّهُ تعالى أعلى وأجلُّ، وَسِعَ كرسيَّه السمواتِ والأرضَ، ولا يَؤُدُه حفظُهُما، وهو العليُّ العظيمُ.
ثم أَحْسَبُ أنص التجلِّي لا يكون إلاَّ فيما أطلقه على نفسه من النور، والوجه، وغيرِهما. وما لم يَرِدْ النصُّ بإِطلاقه عليه تعالى، فلعلَّه لا يكونُ فيه التجلِّي أيضاً. وقد تجلَّى ربُّنا تبارك وتعالى لموسى عليه الصلاة والسلام مرتين: مرَّةً في الجَذْوَةِ في شجرةٍ حين ذهابه إلى بني إسرائيل، ومرةً أخرى حين رَجَعَ عنهم، وذلك حين سأل ربَّه أن يتجلَّى له، فيراه بعينيه هاتين، فَنُودِي {لَن تَرَانِى} (الأعراف: 143):
*تَجَلَّى، ولم يُكْشَفْ كسُبحاتِ وجهه ** كمثل تجلِّي النور في جبل الطور
*وكان حجابُ النور نوراً، وظلمةً ** ومن بين غيبٍ، والشهادةُ أَوْرَى
*فيذهب ما قد كان عنوانٌ بينه، ** ويبقى به مرآه في حكمٍ مستورٍ
والظلمةُ فيه من لفظ الحديث، وإنَّما أتى به لِيَكْشِفَ به معنى الحِجَاب، فإنَّه لا حِجَابية في النور، فعبَّر عن معنى الحِجَابية بالظلمة.
---(7/192)
ثم إنَّك قد سَمِعْتَ منَّا في أمر الصورة ما سَمِعْتَ، فاسمع الآن ما ذَكَرَهُ الماتريديُّ في الكلام النفسيِّ، فإنه قال: إنَّه غيرُ مسموعٍ، خلافاً للأشعريِّ، فذهب إلى أنَّه مسموعٌ. وحينئذٍ، فالكلامُ المسموعُ من الشجرة عند الماتريديِّ، كان مخلوقاً للَّهِ تعالى، فهل تتعقَّل انفصالَ الكلام عن المتكلِّم؟ وإن كنتَ عَقِلْتَه، وفَهِمْتَهُ، فهلاَّ قِسْتَ عليه أمرَ الصورة، ليتجلَّى لك الحالُ؟.
ثم إنَّ تجلِّي الوجه عندي يكون في الجنَّةِ، وتجلِّي الساق في المحشر، وهذا يَعْرِفُهُ المؤمنون. وتجلِّي القدم لخيبة جهنَّم، والله تعالى أعلمُ بحقيقة الحال.
وبالجملة: الرؤيا عبارةٌ عن رؤية تلك التجلِّيات.
باب قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا ذلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمُ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ لله}
---(7/193)
وقالَ سَعِيدُبْنُ أَبِي الحَسَنِ لِلحَسَنِ: إِنَّ نِسَاءَ العَجَمِ يَكْشِفنَ صُدُورَهُنَّ ورُؤُوسَهُنَّ؟ قالَ: اصْرِف بَصَرَكَ عَنْهُنَّ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ} (النور: 30) وَقالَ قَتَادَةُ: عَمَّا لاَ يَحِلُّ لَهُمْ. {وَقُل لّلْمُؤْمِنَتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}، (النور: 31) {خَآئِنَةَ الاْعْيُنِ} (غافر: 19) مِنَ النَّظَرِ إِلَى ما نُهِيَ عَنْهُ. وَقالَ الزُّهْرِيُّ في النَّظَرِ إِلَى الَّتِي لَمْ تَحِضْ مِنَ النِّسَاءِ: لاَ يَصْلُحُ النَّظَرُ إِلَى شَيءٍ مِنْهُنَّ، مِمَّنْ يُشْتَهى النَّظَرُ إِلَيهِنَّ، وَإِنْ كانَتْ صَغِيرَةً، وَكَرِهَ عطَاءٌ النَّظَرَ إِلَى الجَوَارِي يُبَعْنَ بِمَكَّةَ إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَشْتَرِيَ.
باب السَّلاَمُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللّهِ تَعَالَى
{وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ} (النساء: 86).
باب تَسْلِيمِ القَلِيلِ عَلَى الكَثِير
باب تَسْلِيمِ الرَّاكِبِ عَلَى المَاشِي
قوله: (وَكَرِهَ عَطَاءٌ النَّظَرَ إِلَى الجَوَارِي يُبَعْنَ بِمَكَّةَ، إلاَّ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَشْتَرِيَ)، وعن محمد بن سلاَّم في فقه الحنفية: أنه لا حرمةَ لنساء الكفَّار، فإنهنَّ قد هَتَكْنَ حُرَمَهُنَّ بأنفسهنَّ، فلا بأسَ في وقوع البصر عليهن.
قلتُ: ومرادُه من النظر هو النظرُ لا عن عمدٍ. أمَّا إن كان عن عمدٍ، فلا يجوز.
باب تَسْلِيمِ المَاشِي عَلَى القَاعِد
باب تَسْلِيمِ الصَّغِيرِ عَلَى الكَبِير
---
باب إِفشَاءِ السَّلاَم
باب السَّلاَمِ لِلمَعْرِفَةِ وَغَيرِ المَعْرِفَة
باب آيَةِ اْلحِجَاب
باب الاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ البَصَر(7/194)
وجملةُ الأمر في هذه الأبواب: أنَّ الشارعَ راعى فيها الجانبين، فحرَّض الماشي أن يُسَلِّم على القاعد، والراكبَ على الرَّاجِل، لئلاَّ يَسْرِي الكِبَرُ إلى صاحبه. وحرَّض القليلَ أن يُسَلِّم على الكثير رعايةً للتعظيم. فقد يُقْصَدُ من التسليم نقضُ كِبَرِهِ، حيث يُخَافُ منه الكِبَرُ. وقد يُرَادُ تعظيمُ المسلَّم عليه، حيث يكون موضعَهُ. وهما نظران.
باب زِنَا الجَوَارِحِ دُونَ الفَرْج
باب التَّسْلِيمِ وَالاسْتِئْذَانِ ثَلاَثا
ذهب طائفةٌ من العلماء إلى أن النظرَ إلى غير المحرَّمة، ولمسَهَا من الصغائر.
قلتُ: والأحاديثُ قد وردت بالوعيد فيمن نَظَرَ إلى أجنبيةٍ نظرَ شهوةٍ، فيكون من الكبائر. وما قيل: إنَّ وسائلَ الكبائر صغائرُ، فليس على إطلاقه، ولا بُدَّ فيه من تفصيلٍ. أمَّا نظرُ فضل بن عبَّاسٍ إلى امرأةٍ من خَثْعَم، فلم يكن من هذا الباب، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّمصَرَفَ وَجْهَه خَشْيَةَ أن يَدْخُلَ الشيطانُ بينهما. فدلَّ على أنَّه لم يكن بلغ نظرُه هذا المَبْلَغ بعدُ، ولكنَّه صَرَفَ وجهَه قبل أن يَبْلُغَ مَبْلَغَهُ.
---
6243 - قوله: (مَا رَأَيْتُ شَيْئاً أَشْبَهَ باللَّمَمِ) يريدُ ابنُ عبَّاسٍ أن يستفيدَ من حديث أبي هريرة هذا تفسِيرَ قوله تعالى: {إِلاَّ اللَّمَمَ} (النجم: 32)، فجعل دواعي الزِّنَّا، وما يقعُ من الرجل في سلسلة الزِّنَّا من المعاصي كلَّها صغائرَ ولمماً، فإن غشي الزنا تُحْسَبُ كلُّها من الزنا، وتنقلب كبائرَ، وإلاَّ فهي صغائرُ تَصْلُحُ أن تُغْفَرَ له، ويُعْفَى عنها. فاستفاد منه بعضُهم تعريفَ الصغيرة، وقال: إنَّ المعاصي على نحوين: منها ما تقعُ تمهيداً، ومنها ما تكون مَقْصَداً. فالتي تقعُ في السلسلة، وتكون وسيلةً لتحصيل منتهاها، هي الصغائرُ، وذلك المنتهى هو الكبيرةُ.(7/195)
قلتُ: ولا بُدَّ فيه من تنبيهٍ، وهو أن السمعَ، والبصرَ، والنظرَ قد تَصِيرُ مقصورةً أيضاً، وذلك حين يَعْجَزُ عن المنتهى - أعني الزنا - فيرضى بتلك الأمور، ويجعلها مقصورةً لحظِّ نفسه، وحينئذٍ لا ريب في كونها كبيرةً. نعم إن أتى بها في سلسلة الزنا، ثم امتنع عنه مخافةَ ربِّه جلَّ وعلا، فَيَنْزِلُ امتناعُه عن الزنا منزلةَ التوبة، ويُرْجَى له أن تُغْفَرَ له تلك السلسلة بأسرها، إذا أَتْبَعَهَا بحسنةٍ، فإنَّ الحسناتِ يُذْهِبْنَ السيئاتِ.
أمَّا الحديثُ، فهو في الدواعي التي تكونُ مبادئاً للزنا، وقد سَمِعْتُ أنَّها إذا كانت في سلسلةٍ غيرِ مقصودةٍ بأنفسها، فهي صغائرُ، ولممٌ، فإن غشي الزنا - والعياذ بالله - أخذ بالأوَّل والآخر، ويُحْسَبُ الكلُّ من الزنا، وتكون كبائرَ. فإن جَعَلَها مقصودةً، كما إذا عَشِقَ امرأةً، فَجَعَلَ يلتذُّ بالنظر والسمع، صارت كبائرَ في حقِّه، لكونها حينئذٍ مقصودةً.
ومن ههنا عُلِمَ أن معصيةً واحدةً تختلف صغيرةً وكبيرةً، لحال الفاعلين.
---
قوله: (قال أبو عبد الله: أَرَادَ عمرُ التثبُّتَ، لا أن لا يُجِيزَ خبرَ الواحدِ)، وذلك لأنَّ عمرَ رواه بنفسه أيضاً، كما عند الترمذيِّ، فكيف جاز له أن يتردَّدَ فيه؟ غير أنه لم يكن عنده هذا التفصيل، فأراد التثبُّتَ فيه.
باب إِذَا دُعِيَ الرَّجُلُ فَجَاءَ هَل يَسْتَأْذِن
قالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّمقالَ: «هُوَ إِذْنُهُ».
باب التَّسْلِيمِ عَلَى الصِّبْيَان
قلتُ: وينبغي أن يُنْظَرَ فيه إلى الأحوال أيضاً، فإن كان الداعي جالساً في النساء، لا بُدَّ له من الاستئذان مرَّةً ثانيةً، ولم يَكْفِ له دعوتُه.
باب تَسْلِيمِ الرِّجالِ عَلَى النِّسَاءِ، وَالنِّسَاءِ عَلَى الرِّجال
باب إِذَا قالَ: مَنْ ذَا؟ فَقَالَ أَنَا(7/196)
6248 - قوله: (كَانَتْ لنا عَجُوزٌ تُرْسِلُ إلى بُضَاعَةَ)... إلخ، وهذا ما قلتُ لكم: إن بئرَ بُضَاعَةَ كانت تُسْقَى منها البساتين. وليس التصريحُ باسمها - البُضَاعة - إلاَّ في هذا الموضع. وهذا الذي أراده الطحاويُّ من الجريان، أي كان الماءُ يُسْقَى منها، فلم يكن يستقرُّ فيها، فكان ماؤها جارياً بهذا المعنى. ولمَّا لم يُدْرِك مرادَه بعضُهم اعترض عليه، وقال: إنَّها كانت قليلةَ الماء، ولم تكن عيناً، فكأنَّهم حَمَلُوه على الجريان من طرفٍ إلى طرفٍ، وكان مرادُه رحمه الله النبوعَ من التحت، والاستقاء من الفوق، فَسَخِرُوا به من قلَّةِ علمهم. ثم إنِّي لم أر أحداً من الشارحين توجَّه إلى هذه الرواية، وكان لا بُدَّ لكون جريانها ثابتاً من البخاريِّ، غير أن الحمويَّ ذكرها في «معجم البلدان».
---
باب مَنْ رَدَّ، فَقَالَ: عَلَيكَ السَّلاَم
وَقَالَتْ عائِشَةُ: وَعَلَيهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «رَدَّ المَلاَئِكَةُ عَلَى آدَمَ: السَّلاَمُ عَلَيكَ وَرَحْمَةُ اللّهِ».
6251 - قوله: (ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِساً)، وفيه دليلٌ على جَلْسَةِ الاستراحة. إلاَّ أنَّ البخاريَّ أشار إلى شذوذه، فإنَّ أبا أُسَامةَ لم يذكرها، وذكر بدلها: «حتى تستوي قائماً»، فاختلفَ الروايةُ فيها، إثباتاً ونفياً.
باب إِذَا قالَ: فُلاَنٌ يُقْرِئُكَ السَّلاَم
باب التَّسْلِيمِ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلاَطٌ مِنَ المُسْلِمِينَ وَالمُشْرِكِين
باب مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَى مَنْ اقْتَرَفَ ذَنْباً، وَلَمْ يَرُدَّ سَلاَمَهُ، حَتَّى تَتَبَيَّنَ تَوْبَتُهُ، وَإِلَى مَتَى تَتَبَيَّنُ تَوْبَةُ العَاصِي
وَقالَ عَبْدُ اللّهِبْنُ عَمْرٍو: لاَ تُسَلِّمُوا عَلَى شَرَبَةِ الخَمْرِ.
باب كَيفَ يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ السَّلاَم(7/197)
يريدُ أن السلامَ، وإن كان مشروعاً على من عُرِفَ، ومن لم يُعْرَف، إلاَّ أنَّه قد يُتْرَكُ تعزيراً، فلا يُسَلَّم على الفاسقِ المِعْلِنِ. أمَّا السلامُ على الكافر، فقيل: يجوزُ له البدايةُ بالسلام عند الحاجة. فإن كان بين جماعات المسلمين، فالأمرُ ظاهرٌ، غيرَ أنَّه ينوي بتسليمه المسلمين.
باب مَنْ نَظَرَ في كِتَابِ مَنْ يُحْذَرُ عَلَى المُسْلِمِينَ لِيَسْتَبِينَ أَمْرُه
باب كَيفَ يُكْتَب الكِتَاب إِلَى أَهْلِ الكِتَاب
باب بِمَنْ يُبْدَأُ في الكِتَاب
---
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ»
والنظرُ إلى كتاب أحدٍ ممنوعٌ، كما عند أبي داود، فقال المصنِّفُ: إنَّه جائزٌ عند الحاجة.
6259 - قوله: (فَلَمَّا رَأَتِ الجِدَّ مِنِّي)، أي لمَّا عَلِمَت أنِّي لا أَتْرِكْه، إلاَّ أن أُجَرِّدَهَا، وأني فاعلٌ ذلك لا مَحَالة... إلخ.
باب المُصَافَحَة
وَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: عَلَّمَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم التشَهُّدَ، وَكَفِّي بَينَ كَفَّيهِ. وَقَالَ كَعْببْنُ مالِكٍ: دَخَلتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم فَقَامَ إِلَيَّ طَلحَةُبْنُ عُبَيدِ اللّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي.
واعلم أن كمالَ السنة فيها أن تكونَ باليدين، ويتأدَّى أصلُ السنة من يدٍ واحدةٍ أيضاً. وقد بوَّب البخارِيُّ بُعَيْدَة: باب الأخذ باليدين. ثم الذين يَدَّعون العملَ بالحديث، يُنْكِرُون التصافحَ باليدين. ولمَّا لم يكن في ذلك عند المصنِّف حديثٌ على شرطه، أخرجَ حديثَ ابن مسعودٍ في التشهُّد، فاكتفى عن الاستشهاد على النوع باللاستشهاد على الجنس، فإنَّ التصافحَ في حديثه كان عند التعليم دون التسليم، وهذا غير ذاك. نعم أخرج لها أثرين. ثم للتصافح باليدين حديثٌ مرفوعٌ أيضاً، كما في «الأدب المفرد».
---(7/198)
وأراد المدرِّسون أن يستدلُّوا عليه من حديث ابن مسعودٍ هذا، فقالوا: أمَّا كونُ التصافح فيه باليدين من جهة النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فالحديثُ نصٌّ فيه. وأمَّا كونُه كذلك من جهة ابن مسعودٍ، فالراوي وإن اكتفى بذكر يده الواحدة، إلاَّ أنَّ المرجوَّ منه أنه لم يكن لِيُصَافِحَهُ بيده الواحدة، والنبيُّ صلى الله عليه وسلّمقد صافحه بيديه الكريمتين، فإنه يُسْتَبْعَدُ من مثله أن لا يَبْسُطَ يديه للنبيِّ صلى الله عليه وسلّم وقد يكون النبيُّ صلى الله عليه وسلّمبَسَطَ له يديه، غيرَ أنَّ الراوي لم يَذْكُرْه، لعدم كون غرضه متعلِّقاً بذلك.
ولا ريبَ أن الرواةَ يختلِفون في التعبيرات، فيخرِّجون عباراتِهم على الاعتبارت، فمنهم من يفصِّلُ المُجْمَلَ، ومنهم من يُجْمِلُ المفصَّلَ. ثم الواحدُ قد يرتكبُه أيضاً، وحينئذٍ لا بدعَ في كون مصافحة ابن مسعود أيضاً باليدين.
6264 - قوله: (وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ) فيه: أن أخذَه بيده لم يكن للمصافحة، بل هو للتأنيس إلاَّ أن تَرْقَى على الجنس، وتقولَ: إن المصافَحَة أيضاً للتأنيس.
واعلم أن التصافحَ عند الملاقاة توكيدٌ للتسليم القوليِّ، فإنَّ التسليمَ إيذانٌ بالأمن قولاً، والتصافحُ نحوُ بَيْعَةٍ، وتلقينٌ على ذلك، ليكونَ كلٌّ من المتلاقِيَيْن على أمنٍ من صاحبه. وهذا كما قدَّمنا في مفتتح الكتاب: أنَّ العربَ في الجاهلية كانوا يفعلون ما يفعلون من القتلِ والغارات، حتَّى كانت تنقطعُ الطرقُ، وتنسدُّ السُّبُلُ، فلم يكونوا يتمكَّنون أن يَخْرُجُوا بالأمن إلاَّ في الأشهر الحُرُمِ. فلمَّا جاء اللَّهُ بالإِسلام، وضع السلامةَ بينهم، وبدَّلهم من بعد خوفهم أمناً، وجعل بإِزائه لفظَ الإِسلام، ليكونَ كلٌّ من المتلاقِيَيْن على الأمن من صاحبه. ولعلَّ هذا المعنى مراعًى في التصافح أيضاً، لأنَّه نوعُ بيعةٍ على ذلك، وتوكيدٌ لِمَا تلفَّظاه بالتسليم.
---(7/199)
ثم إنَّ أوَّلَ المصافحة بدأ من أهل اليمن، حين جاءوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّم واستقبالُ الحجر الأسود أيضاً مصافحةٌ، لِمَا في الحديث: «أن الحجرَ يمينُ الله في الأرض»، فكان استقبالُه كالمصافحة، فافهم.
باب اْلأَخْذِ بِاليَدَين
وَصَافَحَ حَمَّادُبْنُ زَيدٍ ابْنَ المُبَارَكِ بِيَدَيهِ.
باب المعَانَقَةِ، وَقَوْلِ الرَّجُلِ: كَيفَ أَصْبَحْتَ؟
قوله: (وصَافَحَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ابْنَ المُبَارَكِ بِيَدَيْهِ)، وابنُ المُبَارَك من الذين تفقَّهوا على أبي حنيفةَ. والمصنِّفُ لم يُدْرِك حمَّاداً، وإنَّما سَمِعَه بواسطة أبيه، ولم يَذْكُر حديثاً سَمِعَهُ بواسطة أبيه غيرَه.
6265 - قوله: (فَلَمَّا قُبِضَ، قُلْنَا: السَّلاَمُ - يعني - عَلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلّم؟.
قلتُ: ولم تعمل بها لأمَّةُ، كما ذكره السُّبْكيُّ في «شرح المنهاج» مع أن فيه اضطراباً. وراجع له «فتح الباري». وقد تشبَّث به البعضُ الذين يدَّعون العملَ بالحديث على ما رَكِبُوا في أذهانهم.
قلتُ: ولا مُسْكَةَ لهم فيه، أَلاَ يَرَوْنَ أنَّ تركَ الخطاب لو كان لِمَا فَهِمُوه، فهلاَّ كان الخطابُ في حياته مقصوراً في المسجد النبويِّ بحضرته؟ وما كان حالُه في سائر المساجدِ؟ ثم ما كان حالُه في سائر البلادُ؟ ولو سلَّمنا أن صيغةَ الخطاب لم يكونوا يأتون بها في التشهُّد إلاَّ بمسجده صلى الله عليه وسلّم فهل كانوا يُسْمِعُونَها إيَّاه أيضاً، أو كانوا يُخَافِتُون بها؟ فإن كانوا يُخَافِتُون، ولم يكونوا يَجْهَرُون بها حتَّى يسمعَها صلى الله عليه وسلّم فماذا تعلُّقهم به غير التعلُّل؟ وماذا كان لو تركها بعضُهم عن اجتهادهم؟ فإن الأمَّةَ قد أتت بها تواتر طبقةٍ بعد طبقةٍ، فطاح ما شَغَبُوا به.
---
باب مَنْ أَجابَ بِ- «لَبَّيكَ وَسَعْدَيكَ»
باب لاَ يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مجْلِسِه(7/200)
باب {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا في المَجْلِسِ فَافسَحُوا يَفسَحِ اللّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} (المجادلة: 11) الآيَة
6268 - قوله: (اسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ)، وينبغي الاعتمادُ عليه. وما ذكره الراوي أوَّلاً أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلّمقال له ما قال، فكأنَّه وَهْمٌ.
6268 - قوله: (وقَالَ الأَعْمَشُ)، أي جعله حديثَ أبي الدَّرْدَاء، وهو مرجوحٌ. والراجحُ: أنَّه حديثُ أبي ذرَ.
باب مَنْ قامَ مِنْ مَجْلِسِهِ أَوْ بَيتِهِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ أَصْحَابَهُ، أَوْ تَهَيَّأَ لِلقِيَامِ لِيَقُومَ النَّاس
باب الاِحْتِبَاءِ بِاليَدِ، وَهُوَ القُرْفُصَاء
كما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّمفعل في قصة وليمة زينبَ، إلاَّ أنَّ الناسَ لم يَفْهَمُوه، ولم يَبْرَحُوا قاعدين حتَّى سَئِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم ونَزَلَ الحِجَابُ.
باب مَنِ اتَّكَأَ بَينَ يَدَي أَصْحَابِه
قالَ خَبَّابٌ: أَتَيتُ النبي صلى الله عليه وسلّموَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً، قُلتُ: أَلاَ تَدْعُو اللّهَ؟ فَقَعَدَ.
باب مَنْ أَسْرَعَ في مَشْيِهِ لِحَاجَةٍ أَوْ قَصْد
فإن كان كبيراً في السِّنِّ منهم، لا بأسَ به. وإن كان مساوياً، فله أن يتحرَّى ما فيه الفضلُ. قال الغزالي: إذا صدقت الأُلْفَةُ رُفِعَت الكُلْفَةُ.
باب السَّرِير
باب مَنْ أُلقِيَ لَهُ وِسَادَة
---
باب القَائِلَةِ بَعْدَ الجُمُعَة
باب القَائِلَةِ في المَسْجِد
باب مَنْ زَارَ قَوْماً فَقَالَ عِنْدَهُم
باب الجُلُوسِ كَيفَمَا تَيَسَّر
جارائى - جوكى، أي يطلق عليهما.
باب مَنْ نَاجى بَينَ يَدَيِ النَّاسِ، وَمَنْ لَمْ يُخْبِرْ بِسِرِّ صَاحِبِهِ،فَإِذَا ماتَ أَخْبَرَ بِه(7/201)
يشيرُ إلى قوله صلى الله عليه وسلّم «لا يَتَنَاجى اثنان دون ثالثٍ»، فإنَّ ذلك يُحْزِنُ صاحبَه، فإنه ربَّما يَظُنُّ أن ذلك التناجي في أمرٍ من أموره. فإذا كان بين أظهر الناس، فلا بَأسَ به.
باب الاسْتِلقَاء
باب لاَ يَتَنَاجى اثْنَان دُونَ الثَّالِث
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَجَوْاْ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَجَوْاْ بِالْبِرّ وَالتَّقْوَى} إِلَى قَوْلِهِ: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (المجادلة: 9 - 10) وَقَوْلُهُ: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نَجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نَجْوكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المجادلة: 12 - 13).)
باب حِفظِ السِّر
باب إِذَا كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةٍ فَلاَ بَأْسَ بِالمُسَارَّةِ وَالمُنَاجاة
باب طُولِ النَّجْوَى
---
{وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} (الإِسراء: 47): مَصْدَرٌ مِنْ نَاجَيتُ، فَوَصَفَهُمْ بِهَا، وَالمَعْنَى: يَتَنَاجَوْنَ.
واعلم أن وضعَ إحدى رجليه على الأخرى إنَّما نُهِيَ عنه إذا خاف كشفَ العورة، وإلاَّ فلا بأسَ به.
باب لاَ تُتْرَكُ النَّارُ في البَيتِ عِنْدَ النَّوْم
باب إِغْلاَقِ اْلأَبْوَابِ بِاللَّيل
6294 - قوله: (احْتَرَقَ بَيْتٌ بالمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ) وهذه محاورةٌ تُقَالُ عند احتراق البيت، ولا توجبُ احتراقُ الأهل أيضاً.
باب الخِتَانِ بَعْدَ الكِبَرِ وَنَتْفِ اْلإِبْط(7/202)
6299 - قوله: (وكَانُوا لا يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ) واعلم أن الاختتانَ قبل البلوغ. وأمَّا بعده، فلا سبيلَ إليه. وكان الشاهُ إسحاق رحمه الله تعالى يُفْتِي باختتان من أسلم من الكفَّار، ولو كان بالغةً، فاتَّفق مرَّةً أن أسلمَ كافرٌ كَهُولٌ، فأمره بالاختتان، فاختتن، ثم مات فيه. فلذا (لا) أتوسَّعُ فيه، ولا آمرُ به البالغَ، فإنه يُؤْذِي كثيراً، وربَّما يُفْضِي إلى الهلاك. أمَّا قبل البلوغ، فلا توقيتَ فيه، وهو المرويُّ عن الإِمام الأعظم أبي حنيفةَ.
وما يُسْتَفَادُ من حال السلف أنَّهم كانوا يختتنون عند شعور الصبيِّ، وكانوا يؤخِّرون فيه تأخيراً حسناً. والأحسنُ عندي أن يُعَجَّلَ فيه، ويُخْتَتَنَ قبل سِنِّ الشعور، فإنه أيسرُ. أمَّا قولُ ابن عبَّاسٍ أنه كان مختوناً حين قُبِضَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم فَيَدُلُّ على التأخير الشديد. ومعنى قوله: «أنا يومئذٍ مختونٌ». أي في الحال الراهنة، لا أنه يَحْكِي عن اختتانه في الماضي.
باب كُلُّ لَهْوٍ بَاطِلٌ إِذَا شَغَلَهُ عَنْ طَاعَةِ اللّهِ، وَمَنْ قالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقامِرْك
---
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} (لقمان: 6).
وترجمة اللعب: كهيل، واللهو: دهندا. وحقيقتُه أن من شيمة المرء أنه إذا اطْمَأَنَّ وشَبِعَ بطنُه، ورآه أنها ستغنى جعل يَنْهَمِمْ في اللذائذ، ويَحْظَى بالمعازف والملاهي، مع أن الفراغَ نعمةٌ أيّ نعمةٍ فكان الواجبُ عليه أن يَرْغَبَ عن هذا الباطل.
باب ما جاءَ في البِنَاء
قالَ أَبُو هُرَيرَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ إِذَا تَطَاوَلَ رِعاءُ البَهْمِ في البُنْيَانِ».(7/203)
واعلم أنَّك لا تَجِدُ الشرعَ إلاَّ وهو يَدُمُّ البناءَ، حتَّى أنَّه ذَمَّ تزخرفَ المساجد أيضاً، وجعل التباهي فيها من أَمَارات الساعة. وذلك هو منصبُه، فإنه لا يقولُ لنا إلاَّ نُصْحاً نصيحاً، ولا يبيِّنُ لنا إلاَّ حقّاً حقيقاً، فسدَّ علينا سُبُلَ الشياطين من كل جانبٍ.
فلو كان وسَّع فيه من أوَّل الأمر، لبلغ اليوم حالهم إلى حدَ لا يُقَاس، فإنَّهم إذا فعلوا بعد هذا التضييق ما فعلوا، فلو كان الأمرُ موسَّعاً مصرَّحاً، لرأيتَ الحالَ ما كان. فلذا لم يَرِدْ الشرعُ فيه بالتوسيع. إلاَّ أنه يجب علينا أن لا نَهْدِرَ المصالحَ الشرعيةَ، فقد رأينا اليومَ أن المساجدَ لو كانت على حالها في السلف، ونحن في دار الكفر، لانهدمت ألوفٌ منها، ولَمَا وجدتَ لها اليومَ رَسْماً ولا اسماً. فالأنسبُ لنا اليومَ أن نُجَصِّصَ المساجدَ، لتكونَ شعائر الله هي العليا، ولا تندرسُ بمرور الأيام، فَيَغْصِبَها الكفَّارُ، ويَجْعَلُوها نَسْياً مَنْسِيّاً. والله تعالى أعلم.
كتاب الدّعَوات
وقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دخِرِينَ} (غافر: 60).
---
وقد صُنِّفَ فيها «عمل اليوم والليلة» لابن السُّنِّي، وكتاب «الأذكار» للنووي، «والحصن الحصين».
ثم الدعاءُ في عُرْف القرآن، والحديث أُطْلِقَ على معنيين:
الأوَّلُ: ذكره تعالى، ثم اشتهر في زماننا في طلب الحاجة.
والثاني: هو الدعوةُ مطلقاً، كقوله: {لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآء بَعْضِكُمْ بَعْضاً} (النور: 63).(7/204)
فائدةٌ: وليُعْلَم أن تحسينَ المتأخِّرين، وتصحيحهم، لا يوازي تحسينَ المتقدِّمين، فإنهم كانوا أعرفُ بحال الرواة لقُرْبِ عهدهم بهم، فكانوا يَحْكُمُون ما يَحْكُمُون به بعد تثبُّتٍ تامَ، ومعرفةٍ جزئيةٍ أمَّا المتأخِّرون، فليس عندهم من أمرهم غير الأثر بعد العين، فلا يَحْكُمُون إلاَّ بعد مطالعة أحوالهم في الأوراق. وأنت تَعْلَمُ أنه كم من فرقٍ بين المجرِّب والحكيم؟ وما يغني السوادُ الذي في البياض عند المتأخِّرين عمَّا عند المتقدِّمين من العلم على أحوالهم، كالعيان. فإنَّهم أدركوا الرواة بأنفسهم، فاسْتَغْنَوْا عن التساؤلِ، والأخذِ عن أفواه الناس، فهؤلاء أعرفُ الناسِ، فبهم العبرةُ.
وحينئذٍ إن وجدتَ النووي مثلاً يتكلَّم في حديثٍ، والترمذيّ يحسِّنه، فعليكَ بما ذهب إليه الترمذيُّ، ولم يُحْسِن الحافظُ في عدم قَبُول تحسين الترمذيِّ، فإن مبناه على القواعد لا غير، وحكمُ الترمذيِّ، يبني على الذوق والوِجْدَان الصحيح. وإنَّ هذا هو العلم، وإنَّما الضوابطُ عصا الأعمى. ونعم ما ذكره الشيخُ المجدِّد السَّرْهَنْدِي: إن روحَ القرآن هي المتشابهات، وذلك لأنَّ المحكماتِ تتعلَّق بما يجب على الإِنسان، والمتشابهاتِ تحكي عن معاملات الرحمن، فما يكون قَدْرُ المحكمات بجنب المتشابهات، إلاَّ كالقطرة بجنب البحر.
---(7/205)
فهكذا أقولُ: إن روحَ الحديث هي الأدعيةُ، فمن كان قد عَرَفَه فقد عَرَفَه، ومن لم يَعْرِفْه، فَلْيَعْرِفْه الآن. ثم لا يخفى عليك أن شأنَ النبيِّ أرفعُ، فإنَّه ينبِّه على الحقائق الغامضة في شاكلة الخَطَابة، فيكون لكلامه ظهرٌ وبطنٌ، ولذا يَشْتَرِكُ العوامُّ والخواصُّ في الاستفادة منه. ولو اشتمل على الخَطَابة فقط، لم يَسْتَفِد منه أصحابُ النظر. وإن اقتصرَ على بيان الحقائق فقط، لم يُدْرِكْه ألوفٌ من الناسِ. فجاء كلامُه جامعاً بين الشأنين، يستوي في الاستفادة منه الخواصُّ والعوامُّ، ولا يتأتَّى هذا الجمعُ إلاَّ من النبيِّ. فإنَّ السطحيَّ لا يستطيعُ أن يُمْسِكَ البطونَ، والمدقِّقَ لا يتمكَّن بالاقتصار على الظهور.
ثم إن بابَ الأدعية لا يزال يجري حتى في الجنة أيضاً. أمَّا الأحكامُ، فإِنَّها تنتهي بانتهاء نشأة الدنيا. فكم من فرقٍ بين الفاني والباقي، وأنَّى يلتقي السُهَيْل مع السُّها، والثُّرَيَّا مع الثَّرَى؟.
باب لِكُلِّ نَبِيَ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَة
يعني أنه يُعْطَى كلُّ نبيَ دعوةً، فيستجاب لها البتَّة. فإن شاء دعا بها خيراً، وإن شاء دعا بها هَلَكَةَ أمته.
6305 - قوله: (فَجَعَلْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي).
حكايةٌ: كان البلعمُ الباعوز من الزُّهَّاد، ولمَّا خالف موسى عليه الصلاة والسلام صار مطروداً. وقصتُه: أن اللَّهَ سبحانه كان أكرمه بثلاث دعواتٍ مستجاباتٍ، فَغَضِبَ على زوجته مرَّةً، فدعا عليها أن تُمْسَخَ كلبةً، فَمُسِخَت، ودخلت بين الكلاب. فقال له أبناؤه: لِمَ صَنَعْتَ هذا؟ فادعُ اللَّهَ لها أن تصيرَ إنساناً، فدعا لها، فصارت إنساناً. ثم غَضِبَ عليها مرَّةً أخرى، فدعا عليها، فَمُسِخَت. فهذا أمرخ دعواته الثلاث، أنفقها في زوجته. وهذا هو الفرق بين المحروم والمرحوم، والسعيد والشقي.
---
باب أَفضَلِ الاسْتِغْفَار(7/206)
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً}يُرْسِلِ السَّمَآء عَلَيْكُمْ مّدْرَاراًوَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْولٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً} (نوح: 10 - 12) {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (آل عمران: 135).
باب اسْتِغْفَارِ النبي صلى الله عليه وسلّم في اليَوْمِ وَاللَّيلَة
باب التَّوْبَة
قالَ قَتَادَةُ: {تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً} (التحريم: 8): الصَّادِقَةَ النَّاصِحَةَ.
واعلم أنه قد نبَّه الشيخُ شمس الدين الجَزَرِيّ على الفرق بين التوبة والاستغفار، بأنَّ التوبةَ لا تكون إلاَّ لنفسه، بخلاف الاستغفار، فإنه يكونُ لنفسه ولغيره. وبأنَّ التوبةَ: هي الندمُ على ما فَرَطَ منه في الماضي، والعزمُ على الامتناع عنه في المستقبل. والاستغفارَ: طلبُ الغفران لِمَا صَدَرَ منه، ولا يَجِبُ فيه العزمُ في المستقبل.
6306 - قوله: (سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ)، وكتب بعضُهم أنه يُنَاسِبُ للمرء أن يقرأَه تارةً بين ركعتين الفجر، وفرضه.
باب الضَّجْعِ عَلَى الشِّقِّ اْلأَيمَن
باب إِذَا بَاتَ طَاهِرا
---(7/207)
وهو من قوم الأنبياء عليهم السلام، لأنَّ القلبَ في الشِّقِّ الأيسر، فلا يزال يتعلَّق في تلك الضَّجْعَة، ولا يَغْرَقُ في النوم. وأمَّا الأطباءُ، فاختاروا النومَ على الشِّقِّ الأيسر، فإنه أنفعُ للصحة. ولمَّا كان نظرُ الأنبياء عليهم السلام في عالم الآخرة، اختاروا ما كان أنفعَ فيه. وكان هم الأطباء في صحة البدن فقط، فاختاروا ما كان أنفعَ لها. وكم من فرقٍ بين النظرين، فهذا يزيدُ في بهاء الروح، ونور القلب، وبشاشة الإِيمان. وهذا يُورِثُ السِّمَنَ في البدن، والكسلَ في الأعضاء، والسآمَة في العبادة. وعند أبي داود: «أن نومَ الأنبياء يكون بالاستلقاء، انتظاراً للوحي. أمَّا النومُ على البطن منكوساً، فتلك ضَجْعَة أهل النار». أعاذنا الله منها.
باب ما يَقُولُ إِذَا نَام
باب وَضْعِ اليَدِ اليُمْنى تَحْتَ الخَدِّ اْلأَيمَن
باب النَّوْمِ عَلَى الشِّقِّ اْلأَيمَن
{وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} (الأعراف: 116): مِنَ الرَّهْبَةِ. {مَلَكُوتَ} (الأنعام: 75) مُلكٌ، مَثَلُ: رَهَبُوتٌ خَيرٌ مِنْ رَحَمُوتٍ، تَقُولُ: تَرْهَب خَيرٌ مِنْ أَنْ تَرْحَمَ.
6312 - قوله: (الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا)، وقد نبَّهناك فيما مرَّ: أن الحياةَ عبارةٌ عن أفعالها، والموتَ عن تعطُّلها. ولمَّا كان الإِنسانُ معطَّلاً في النوم عن أفعال الحياة، أُطْلِقَ الموتُ على النوم.
باب الدُّعاءِ إِذَا انْتَبَهَ بِاللَّيل
6316 - قوله: (غَسَلَ وَجْهَهُ ويَدَيْهِ)، هذا وضوءٌ ناقضٌ للنوم، وقد عَلِمْتَ سابِقاً أنَّ للوضوء أنحاءً، فهذا نوعٌ منها.
---
6316 - قوله: (اللَّهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبِي نُورَاً)، وفي «الصحيح» لابن خزيمة: «أنَّ هذا الدعاءَ قرأه بعد سُنَّة الفجر في طريقه إلى المسجد، لا داخلَ الصلاة. ويُسَمَّى: دعاء النور.(7/208)
6316 - قوله: (قَالَ كُرَيْبٌ: وسَبْعٌ في التَّابُوتِ) قيل: المرادُ من التابوت: هو صدرُ الرجل، أي والسبعُ محفوظٌ في صدري، لكنه بعيدٌ. والأقربُ أن المرادَ منه الصندوق، ألا لا أحفظُ ذلك السبع عن ظهر قلبٍ، ولكنَّه في الصندوق عندي. وفي الرواية: «ثم أَخْرَجَهُ منه، وأَخْبَرَهم به».
باب التَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ عِنْدَ المَنَام
باب التَّعَوُّذِ وَالقِرَاءَةِ عِنْدَ المَنَام
6318 - قوله: (قَالَ: التَّسْبِيحُ أَرْبَعٌ وثَلاَثُوْنَ) وفي الروايات المشهورة: أنَّ تلك عدد الكبير، دون التسبيح، تكميلاً للمئة. وفي بعض الروايات: أنَّ التسبيحَ عشراً، وكذلك التحميدُ والتكبيرُ، فصار المجموعُ ثلاثين. وليس هذا بصفةٍ مستقلةٍ، ولكنَّه وهمٌ من بعض الرواة، فإنه قسَّم ما كان عددَ إحدى الكلمات على الثلاث. فصار كلٌّ منها بعد حذف الكسر عشراً، وعشراً، وكان ذلك بالحقيقة عدداً لكلَ منها. وإنَّما يصدِّقه المجرِّبُ دون الحكيم، فافهم.
باب
6320 - قوله: (فَلْنْقُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ)، لأنَّ البيوتَ إذ ذاك كانت مظلمةً، لم يكن فيها النورُ والمصابيحُ، ولا كانت فُسْحَةٌ في الثياب، فأمر بنفض داخلة الإِزار، لئلا تُؤْذِيه الهوامُّ.
باب الدُّعاءِ نِصْفَ اللَّيل
باب الدُّعَاءِ عِنْدَ الخَلاَء
باب ما يَقُولُ إِذَا أَصْبَح
---
6321 - قوله: (قال: يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالَى) ترجم المصنِّفُ بالنصف، وأخرجه له حديثَ الثُّلُث، إشارةً إلى أن الحديثَ في النصف أيضاً. ثم الحافظُ تصدَّى إلى الترجيح. والوجه عندي: أنَّ للنزول أنحاءً: فنحوٌ منه على النصف، ونحوٌ على الثُّلُثين، ونحوٌ على الثُّلُث الأخير. وقد عَلِمْتَ أن هذا النزولَ عبارةٌ عن تعلُّق الرحمة عند المتكلِّمين. والذي تبيَّن الديَّ أنه نحوٌ من تجلِّي الربِّ عزَّ برهانُه، وجلَّ سلطانُه.
باب الدُّعاءِ في الصَّلاَة(7/209)
6327 - قوله: ({وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ}وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا أُنْزِلَتْ في الدُّعَاءِ) وذلك من اجتهاد عائشة لمَّا رأت أن الدعاءَ لا يَجْهَرُ به، مع أن الألسنةَ تتحرَّك عنده، فلم تجد مِصْدَاقَه غيرَ الدعاء، فحملته عليه. ومن ههنا عُلِمَ أن التفسيرَ بالرأي كان بين السلف، إلاَّ أنَّ المذمومَ منه ما كان بدون إصلاح الأدوات، وعُلِمَ ما يَحْتَاجُ، وقد فصَّلناه سابقاً.
باب الدُّعاءِ بَعْدَ الصَّلاَة
لا ريبَ أن الأدعيةَ دُبُر الصلوات قد تواترت تواتراً لا يُنْكَرُ. أمَّا رفعُ الأيدي، فثبت بعد النافلة مرَّةً، أو مرَّتين، فألحق بها الفقهاءُ المكتوبةَ أيضاً. وذهب ابن تَيْمِيَة، وابن القيِّم إلى كونه بدعةً. بقي أن المواظبةَ على أمرٍ لم يَثْبُت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلّمإلاَّ مرَّةً، أو مرَّتين، كيف هي؟ فتلك هي الشاكلةُ في جميع المستحَبَّات، فإنها تَثْبُتُ طوراً فطوراً، ثم الأمةُ تواظبُ عليها. نعم نَحْكُمُ بكونها بدعةً إذا أفضى الأمرُ إلى النكير على من تَرَكَهَا.
---
6329 - قوله: (تُسَبِّحُونَ في دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ عَشْراً)، وقد مرَّ أنه وهمٌ. وما عند مسلمٍ من تقسيم ثلاثٍ وثلاثين على الكلمات الثلاث، فأيضاً من هذا الباب. وأمَّا الشارحون، فَجَعَلُوه صفةً من الصفات، وإن كان الواقعُ يأبى عنه. وقد عَلِمْتَ أنَّ النظرَ إلى الواقع أولى من مراعاة الألفاظ فقط.
6330 - قوله: (لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ)... إلخ، ونقل النوويُّ الوقفَ بعد قوله: «لا شريكَ له». وحينئذٍ لا تكرارَ في قوله: «له المُلْكُ».
باب قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {وَصَلّ عَلَيْهِمْ} (التوبة: 103)وَمَنْ خَصَّ أَخاهُ بِالدُّعَاءِ دُونَ نَفسِه
وَقالَ أَبُو مُوسى: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيدٍ أَبِي عامِرٍ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللّهِبْنِ قَيسٍ ذَنْبَهُ».(7/210)
أمَّا الكلامُ في الصلاة على غير الأنبياء عليهم السلام، فقد ذكرناه مِرَاراً.
6334 - قوله: (اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ)، كانت تلك الدعوة بعد النافلة، ورَفَعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّمفيها يديه.
باب ما يُكْرَهُ مِنَ السَّجْعِ في الدُّعاء
باب لِيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ، فَإِنَّهُ لاَ مُكْرِهَ لَه
باب يُسْتَجَاب لِلعَبْدِ ما لَمْ يَعْجَل
باب رَفعِ اْلأَيدِي في الدُّعاء
وَقالَ أَبُو مُوسى اْلأَشْعَرِيُّ: دَعا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم ثُمَّ رَفَعَ يَدَيهِ، وَرَأَيتُ بَيَاضَ إِبْطَيهِ. وَقالَ ابْنُ عُمَرَ: رَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم يَدَيهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيكَ مِمَّا صَنَعَ خالِدٌ».
---
باب الدُّعاءِ غَيرَ مُسْتَقْبِلِ القِبْلَة
باب الدُّعاءِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَة
باب دَعْوَةِ النبي صلى الله عليه وسلّملِخَادِمِه بِطُولِ العُمُرِ وَبِكَثْرَةِ مالِه
إن كان السجعُ من انسجام الطبع، فلا بأسَ به. وإن تُكلِّف، كُرِهَ، والانسجامُ: سيلانُ الطبعِ.
باب الدُّعَاءِ عِنْدَ الكَرْب
باب التَّعَوُّذِ مِنْ جَهْدِ البَلاَء
باب دُعاءِ النبي صلى الله عليه وسلّم «اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ اْلأَعْلَى»
باب الدُّعاءِ بِالمَوْتِ وَالحَيَاة
وفي ذَيْلهِ حكايةٌ عن أبي بكر الجَصَّاص عن الحافظ في «الفتح»: أن شيخاً من مشايخ الطريقة حُبِسَ في زمانه، فعلَّمه النبيُّ صلى الله عليه وسلّمفي المنام أن يَدْعُوَ بهذا الدعاء، فدعا به، فأُرْسِلَ.
باب الدُّعاءِ للِصِّبْيَانِ بِالبَرَكَةِ، وَمَسْحِ رُؤُوسِهِم
وَقالَ أَبُو مُوسى: وُلِدَ لِي غُلاَمٌ وَدَعا لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم بِالبَرَكَةِ.
باب الدُّعاءِ للِصِّبْيَانِ بِالبَرَكَةِ، وَمَسْحِ رُؤُوسِهِم
وَقالَ أَبُو مُوسى: وُلِدَ لِي غُلاَمٌ وَدَعا لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم بِالبَرَكَةِ.(7/211)
باب الصَّلاَةِ عَلَى النبي صلى الله عليه وسلّم
باب هَل يُصَلَّى عَلَى غَيرِ النبي صلى الله عليه وسلّم
وَقَوْلُ اللّهِ تَعَالَى: {وَصَلّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} (التوبة: 103).
---
6356 - قوله: (إنَّهُ رَأَى سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ) وراجع مناظرتَه فيه مع ابن مسعود من رسالتي «كشف الستر».
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «مَنْ آذَيتُهُ فَاجْعَلهُ لَهُ زَكاةً وَرَحْمةً»
باب التَّعَوُّذِ مِنَ الفِتَن
باب التَّعَوُّذِ مِنْ غَلَبَةِ الرِّجال
وكانت تلك دعوته صلى الله عليه وسلّممن أدعيته العامَّة. أعني أنه كان له دعاءٌ خاصٌّ، ودعاءٌ عامٌّ يجعله تلافياً للحقوق العامة، وإن لم يكن عليه حقٌّ لأحدٍ، إلاَّ أنه كان يدعو حسب شأنه الرفيع، ومنزلته الرفيعة.
باب التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ القَبْر
باب ُ التَّعَوُّذِ مِنَ البُخْل
باب التَّعَوُّذِ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَات
باب التَّعَوُّذِ مِنَ المَأْثَمِ وَالمَغْرَم
باب الاسْتِعَاذَةِ مِنَ الجُبْنِ وَالكَسَل
باب التَّعَوُّذِ مِنَ البُخْل
البُخْلُ وَالبَخَلُ وَاحِدٌ، مِثْلُ الحُزْنِ وَالحَزَنِ.
باب التَّعَوُّذِ مِنْ أَرْذَلِ العُمُر
{أَرَاذِلُنَا} (هود: 27) أَسْقَاطُنَا.
6365 - قوله: (وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا - يَعْنِي فِتْنَةَ الدَّجَّالِ )، وقد فسَّر هناك الراوي ما هو المرادُ من فتنة الدنيا. وفي عامة الروايات: «فتنة المحيا، والممات». والظاهرُ أنَّه هو المرادُ.
باب الدُّعاءِ بِرَفعِ الوَبَاءِ وَالوَجَع
---
باب الاسْتِعَاذَةِ مِنْ أَرْذَلِ العُمُرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَفِتْنَةِ النَّار(7/212)
6375 - قوله: (مِنْ عَذَابِ النَّارِ وفِتْنَةِ النَّارِ) أمَّا عذابُ النار، فهو معلومٌ. بقي أن فتنةَ النار ماذا؟ فالمرادُ منها الفتنةُ التي هي سببُ النار. فالإِضافةُ من إضافة السبب إلى المُسَبِّب.
باب الاسْتِعَاذَةِ مِنْ فِتْنَةِ الغِنَى
باب التَّعَوُّذِ مِنْ فِتْنَةِ الفَقْر
باب الدُّعاءِ بِكَثرَةِ المَالِ والوَلَدِ مَعَ البَرَكَة
باب ُ الدُّعاءِ بكثرة الولد مع البركة
6377 - قوله: (بِمَاءِ الثَّلْجِ والبَرَدِ)، يعني: أنَّ هذه المياه لا مَصْرِفَ لها عند الناس، فيا رب، فاصرفها في تبريد خطاياي.
باب الدُّعاءِ عِنْدَ الاِسْتِخَارَة
باب الدُّعَاءِ عِنْدَ الوُضُوء
باب الدُّعاءِ إِذَا عَلاَ عَقَبَة
باب الدُّعاءِ إِذَا هَبَطَ وَادِيا
فِيهِ حَدِيثُ جابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
باب الدُّعاءِ إِذَا أَرَادَ سَفَراً أَوْ رَجَع
فِيهِ يَحْيَىبْنُ أَبي إِسْحَاق عَنْ أَنَسٍ.
باب الدُّعاءِ لِلمُتَزَوِّج
باب ما يَقُولُ إِذَا أَتَى أَهْلَه
---
6384 - قوله: (ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ)، ليس فيه نفيُ الجهر مطلقاً. ولكنَّه لمَّا رأى النَّاسَ مجهودين من أجل شدَّة الجهر، أَرْشَدَهم إلى ما كان أرفقَ، وأيسرَ لهم، وهو الجهرُ المتوسطُ، وعلَّمهم أنَّ لا حاجةَ إلى الجهر المُفْرِطِ، فإنهم لا يَدْعُون أصمَّ ولا غائباً.
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً»
باب التَّعَوُّذِ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا
باب تَكْرِيرِ الدُّعاء
باب الدُّعاءِ عَلَى المُشْرِكِين(7/213)
وَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ». وَقالَ: «اللَّهُمَّ عَلَيكَ بِأَبِي جَهْلٍ». وَقالَ ابْنُ عُمَرَ: دَعا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم في الصَّلاَة: «اللَّهُمَّ العَنْ فُلاَناً وَفُلاَناً» حَتَّى أَنْزَلَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الاْمْرِ شَىْء} (آل عمران: 128).
6391 - قوله: (فَهَلاَّ أَخْرَجْتَهُ) وكان الراوي ذكر أوَّلاً: «هلاَّ تَنَشَّرْتَهُ»، بدل: «أخرجته»، وقد نبَّهناك على كونه في غير محله.
باب الدُّعَاءِ لِلمُشْرِكِين
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ما قَدَّمْتُ وَما أَخَّرْتُ»
باب الدُّعاءِ في السَّاعَةِ الَّتِي في يَوْمِ الجُمُعَة
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «يُسْتَجَاب لَنَا في اليَهُودِ، وَلاَ يُسَتَجَاب لَهُمْ فِينَا»
---
المرادُ به الدعاءُ لهم للإِسلام. أمَّا الدعاءُ بالنفع الدنيويِّ لهم، فهو أيضاً جائزٌ.
باب التَّأْمِين
6402 - قوله: (إذَا أَمَّنَ القَارِيءُ) أخرج لفظَ: «القاريء» في الدعوات، لعمومه في الصلاة، وغيرها. وأخرج لفظَ: «الإِمام» في الصلاة، لاختصاصه بالاصلاة. ولماَّ لم يتبيَّن له أيَّ اللفظين من النبيِّ صلى الله عليه وسلّمترجم عليهما، نظراً إلى تغايُر مفهوم اللفظين.
قلتُ: ولعلَّ لفظَه صلى الله عليه وسلّمهو «الإِمامُ». وأمَّا «القاريء»، فروايتُه بالمعنى. أو يُقَالُ: إنَّ الحديثَ صَدَرَ عنه مرَّتين: مرَّةً في هذا المعنى، ومرَّةً أخرى بذلك.
باب فَضْلِ التَّهْلِيل(7/214)
6403 - قوله: (مَنْ قَالَ: لاَ إِلهَ إلاَّ اللَّهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ... في يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ، كانت لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ)... إلخ. والرواياتُ فيه مختلفةٌ، ففي بعضها: «ستُّ رقابٍ»، وعند الترمذيِّ: «ثوبُ رقبةٍ»، من القول مرَّة وفي بعضها: «أربعُ رقابٍ من ولد إسماعيل»، لقولها عشر مرَّاتٍ.
فجمع الحافظُ بينهما: أن روايةَ الستِّ مرجوحةٌ، وروايةَ الأربعِ مقيَّدةً بكونها من ولد إسماعيل. فالأربعُ منها توازي عشراً من غيرها. وحمل روايةَ الترمذيِّ على كونها من باب الحسنات بعشرٍ أمثالها. والذي تبيَّن لي أنَّ أصلَ الثواب، كما عند الترمذيِّ، أي ثواب عتق رقبةٍ، بقولها مرَّة. أمَّا ما عند البخاريِّ: «ثواب عشر رقابٍ»، لقولها مئة مرَّةٍ، فهو حديثٌ آخر، ووعدٌ مُسْتَأْنَفٌ، وفيه سلسلةُ الحسنات، فثوابُ العشر إنَّما هو مع أجورٍ أُخَر من غير هذا النوع.
باب فَضْلِ التَّسْبيح
---
وفي حديثٍ آخر: «أن من قال مرَّةً: سبحان الله، تُغْرَسُ له شجرةٌ في الجنة». وطلبُ التوفيق في مثل هذين الحديثين في غير محله، فإنَّ الذي يُورِثُ الاضطرابَ هو أن يكونَ اختلافُ الأجرين لعملٍ واحدٍ من جنسٍ واحدٍ. أمَّا إذا كان من جنسين، فلا اضطرابَ، والتوفيقُ بينهما بعيدٌ عن الصواب.
6405 - قوله: (سُبْحَانَ اللَّهِ، وبِحَمْدِهِ)، وقد تكلَّم المفسِّرون في هذه الواو، حتَّى ذهب الخطَّابيُّ إلى أنها واوُ الاستعانة، والحمدُ بمعنى التوفيق. نقله الطِيبيُّ في «شرح المشكاة»، وهو كما ترى. والوجهُ عندي أنهما جملتان مختصرتان، والواوُ بينهما للعطف. فالتسبيحُ بمعناه، والحمدُ بمعناه، ثم عَطَفَ أحدَهما على الآخر، هكذا ذَكَرَه الزَّبِيدِي في «شرح الإِحياء»، وهو الأصوبُ عندي.
باب فَضْلِ ذِكْرِ اللّهِ عَزَّ وَجَل
وراجع معنى التفضيل من رسالة الشاه عبد العزيز في تفضيل الشيخين، فإنَّه قد كفى وشفى.(7/215)
6408 - قوله: (فَيَحُقُّونَهُم بِأَجْنِحَتِهِمْ)، وفي الحديث: «أنَّهم يُحِيطُون بهم، كالهالة بالقمر، على شاكلة الدائرة».
واعلم أن ذكرَ الله يُحْدِثُ دائرةً حول الذاكر، كما أنَّك تَقْذِفُ حجراً في الماء، فترى الأمواجَ تتلاطمُ من حوله، تَمْتَدُّ بِقَدْرِ قوة الرامي، وضَعْفِها. فكما أن الماءَ يتحرَّكُ مدى الحركة، كذلك حالُ الأشياءِ التي تشملها دائرةُ الذكر، فإنَّها تصيرُ ذاكرةً.
ونُقِلَ عن الشعرانيِّ أنه جلس مرَّةً يَذْكُرُ الله، فرأى أن ما من شيءٍ حوله إِلاَّ جَعَلَ يَذْكُرُ اللَّهَ، حتى إذا أَصْبَحَ رأى أن ذكرَه قد استغرقَ الأرضَ بضواحيها، ولم يبقَ شيءٌ إلاَّ كان يُسَاعِدُه في الذكر. وهو معنى قول النبيِّ صلى الله عليه وسلّم «هُمُ القومُ، لا يَشْقَى جَليسُهُم»، فإنَّه بجلوسه بين الذاكرين صار مشمولاً بالذكر، والذاكرين، فكان معهم.
---
والسِّرُّ فيه: أن ذكرَ الله حياةٌ، فلا يَبْلُغَ شيئاً إلاَّ يُحْدِثُ فيه حياةً، وحينئذٍ تَتَّسِعُ دائرةُ الذكر بِقَدْرِ اتساع صوت الذاكر، حتَّى تَصِيرَ الأشياءُ كلُّها حول الذاكر أحياءً ذاكرين.
وإن كنتَ قد ذُقْتَ حلاوةَ ما ألقينا عليكَ، تبيَّنت معنى تسبيح الجبال، والطير، مع داود عليه الصلاة والسلام، كما أخبر به القرآنُ. وهو أن داودَ عليه الصلاة والسلام لم يكن يَذْكُرُ ويُسَبِّحُ ربَّه، إلاَّ جَعَلَ ما حوله من الجبال والطير يُسَبِّحُ معه، لدخوله في حلقة ذكره. وإذا كان نبياً من الأنبياء عليهم السلام، كان ذكرُه أيضاً بِقَدْرِ مرتبته، فكانت الأشياءُ تتأثَّرُ منه، ما لا تتأثَّرُ بذكر أحد. ولمَّا أراد اللَّهُ سبحانه أن يُسْمِعَهُم من ذكرهم، أَسْمَعَهُم إعجازاً. وهو فعَّالٌ لِمَا يشاءُ، ويَحْكُمُ ما يريدُ.
باب قَوْلِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّه
قوله: (لاَ حَوْلَ)، أي عن الاتقاء عن المعصية.
قوله: (وَلاَ قُوَّةَ)، أي على الطاعة.(7/216)
6409 - قوله: (فَلَمَّا عَلاَ عَلَيْهَا رَجُلٌ، نَادَى، فَرَفَعَ صَوْتَهُ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ) واعلم أنَّهم اختلفوا في أن هذا الذكرَ في حال الصعود أو بعده. وفي هذا اللفظ تصريحٌ أنه أتى به بعدما علا الثَّنِيَّةَ.
باب لِلّهِ مِائَةُ اسْمٍ غَير وَاحِد
وإنَّمَا نَقَصَ واحدٌ من المئة إبقاءً للوترية.
قوله: (قال أبو عبد الله: من أَحْصَاهَا: من حَفِظَهَا) اختلفوا في معنى الإِحصاء، فقال الصوفيةُ: هو التخلُّق بتلك الأسماء. وذهب العلماءُ إلى أن المرادَ هو الثاني، وبه جَزَمَ البخاريُّ.
---
قلتُ: وهو الأصوبُ، لأنَّ النبيَّ إذا علَّم دعاءً، أو ذكراً، يُرَادُ به حِفْظُه دون التخلُّق به. نعم لو تفضَّل اللَّهُ على أحدٍ في ضِمْنِهِ، وأحدثَ فيه آثاراً من أسمائه، فذلك أمرٌ آخر. فإنَّه، وإن كانت سعادةً عظمى، لكنَّه بِمَعْزِلٍ عن معنى الحديث مخفياً، بل هو اسمُ الجلالة، وقال: الأسماءُ الحسنى مئةٌ على عدد درجات الجنة، والذي يُكَمِّلُ المئة: ويُؤَيِّدُه قولُه تعالى: {وَللَّهِ الاسْمَآء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (الأعراف: 180)، فإذا كانت الأسماءُ الحسنى تعالى، كانت غيرَه، وزائدةً عليه. والأسماءُ الحسنى تسعةٌ وتسعون، وباسم: الله تَكْمُل المئةُ. ثم ذكر الحافظُ ههنا بحثاً نفيساً في كون الاسم عينَ المُسَمَّى، أو غيرَه؟ وتركناه خوفاً للإِطناب.
ثم إنَّ من أهم ما نريد الإِلمامَ به أن روايةَ الترمذيِّ التي فيها تفصلُ تلك الأسماء، وإن كانت أقربَ إلى الصحة، لكن الرواةُ مختلفون فيها بعدُ، ولذا عَدَلَ الحافظُ عنها، وأتى بتلك الأعداد من طُرُقٍ صحَّت عنده، ثم عدَّدها. فأردتُ أن أَسْرُدَها، كما سَرَدَهَا الحافظُ، رجاءَ أن يتغمَّدني اللَّهُ بغفرانه، ببركة أسمائه الحسنى، ولِيَحْفَظَهَا من أراد الزيادةَ، والحسنى:
---(7/217)
اللَّهُ، الرَّحمنُ، الرَّحِيمُ، المَلِكُ، القُدُّوسُ، السَّلاَمُ، المُؤْمِنُ، المُهَيْمِنُ، العزيمُ، الجبَّارُ، المتكبِّرُ، الخالِقُ، البارِيءُ، المصوِّرُ، الغفَّارُ، القهَّارُ التوَّابُ، الوهَّابُ، الخلاَّقُ، الرزَّاقُ، الفتَّاحُ، الحليمُ، العليمُ، العظيمُ، الواسعُ، الحكيمُ، الحيُّ، القيُّومُ، السميعُ، البصيرُ، اللطيفُ، الخبيرُ، العليُّ، الكبيرُ، المحيطُ، القديرُ، المَوْلَى، النصيرُ، الكريمُ، الرقيبُ، القريبُ، المجيبُ، الوكيلُ، الحسيبُ، الحفيظُ، المقيتُ، الودودُ، المجيدُ، الوارثُ، الشهيدُ، الوَلِيُّ، الحميدُ، الحقُّ، المبينُ، القويُّ، المتينُ، الغنيُّ، المالكُ، الشديدُ، القادرُ، المُقْتَدِرُ، القاهرُ، الكافي، الشاكرُ، المستعانُ، الفاطرُ، البيديعُ، الغافرُ، الأوَّلُ، الآخِرُ، الظاهرُ، الباطنُ، الكفيلُ، الغالبُ، الحَكَمُ، العَالِمُ، الرفيعُ، الحافظُ، المنتقمُ، القائمُ، المُحْي، الجامعُ، المليكُ، المتعالٍ، النورُ، الهادي، الغفورُ، الشكورُ، العَفُوُّ، الرؤوفُ، الأَكْرَمُ، الأَعْلَى، البرُ، الحفيُّ، الربُّ، الإِلهُ، الواحدُ، الأحدُ، الصمدُ، الذي لم يَلِدْ، ولم يُولَدْ، ولم يكن له كُفُواً أحدٌ.
باب المَوْعِظَةِ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَة
أخرج تحته حديثاً في إسناده يَزِيدُ بن معاوية، وهو تابعيٌّ، وليس بالأمير المعروف.
كتاب الرِّقاق
باب الصِّحَّةُ والفَرَاغُ ولا عَيشَ إِلاَّ عَيشُ الآخرَة
باب مَثَلِ الدُّنْيَا في الآخِرَة
---(7/218)
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنَّمَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى الاْمْولِ وَالاْوْلْدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِى الاْخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مّنَ اللَّهِ وَرِضْونٌ وَمَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَعُ الْغُرُورِ} (الحديد: 20).
والمرادُ به الأحاديثُ التي تُحْدِثُ في القلب ليناً ورِقَّةً.
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «كُنْ في الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عابِرُ سَبِيلٍ»
والغريبُ من هو في دار الغربة. وعابرُ سبيلٍ من هو في قطع السبيل. وحاصلُ الحديث أن لا تَجْعَلُوا الدنيا وطناً، وموضعَ قرارٍ، بل عُدُّوها دارَ غربةٍ.
باب في اْلأَمَلِ وَطُولِه
وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَوةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَعُ الْغُرُورِ} (آل عمران: 185) {بِمُزَحْزِحِهِ} (البقرة: 96): بمُبَاعِدِهِ؛ وقَوْلِهِ: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الاْمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} (الحجر: 3). وَقَالَ عَلِيٌّ: ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَلاَ تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ اليَوْمَ عَمَلٌ وَلاَ حِسَابَ، وَغَداً حِسَابٌ وَلاَ عَمَل.
6417 - قوله: (مِنْ جَانِبِهِ الذي في الوَسَطِ) وهذا التعبيرُ ناقصٌ، والأوَّلُ منه ما في موضغَ آخر: أن تلك الخطوط كانت من الخارج إلى الداخل.
---
باب مَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً، فَقَدْ أَعْذَرَ اللّهُ إِلَيهِ في العُمُر(7/219)
لِقَوْلِهِ؛ {أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءكُمُ النَّذِيرُ} (فاطر: 37).
باب العَمَلِ الَّذِي يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللّهِ تَعَالَى
فِيهِ سَعْدٌ.
6421 - قوله: (يَكْبَرُ ابنُ آدَمَ، ويَكْبَرُ مَعَهُ اثْنَانِ: حُبُّ المَالِ، وطُولِ العُمُرِ)، وإن كان القياسُ أن تَقِلَّ رغبتُه في المال، والعمر كلَّما كَبِرَ، لكنَّه يكونُ أرغبَ فيهما من زمن شبابه.
باب ما يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَالتَّنَافُسِ فِيهَا
6425 - قوله: (ما الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُم)، وفيه دليلٌ على أن تقديمَ المفعول يفيدُ القصر.
6425 - قوله: (ولكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُم) «ولكن» ههنا لإِفادة قصر القلب.
6426 - قوله: (وإِنِّي واللَّهِ لأَنْظُرُ إلى حَوْضي) وإنَّما تعرَّض إلى نظره إلى الحوض على عادة العرب، أنَّهم إذا نزلوا منزلاً اهتموا بالماء أوَّلاً، فقال: إنِّي ذاهبٌ إلى حوضي، فالحقوا بي بعد إتمام سفركم. وقد مرَّ أن حوضَه وراء الصِّرَاط.
6433 - قوله: (وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم لا تَغْتَرُّوا) أخرج المصنِّفُ حديثَ عثمان هذا مِرَاراً، وليس هذا اللفظُ إلاَّ ههنا. والمرادُ به حملُ المغفرةِ المذكورةِ على الإِطلاق، مع كونها مشروطةً بإِتيان الفرائض. فالحديثُ واردٌ في فضائل الأعمال دون الفرائض. ولمَّا أطلقَ المغفرةَ في اللفظ، صار الموضعُ موضعَ اغترارٍ، فاحترس عنه، وقال: «لا تٍعْتَرُّوا».
---
باب قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَوةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ إِنَّ الشَّيْطَنَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَبِ السَّعِيرِ} (فاطر: 5 - 6)
جَمْعُهُ سُعُرٌ، قالَ مُجَاهِدٌ: الغَرُورُ: الشَّيطَانُ.
باب ذَهَابِ الصَّالِحِين(7/220)
ويُقَالُ: الذِّهَابُ المَطَرُ.
باب ما يُتَّقَى مِنْ فِتْنَةِ المَال
وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَآ أَمْولُكُمْ وَأَوْلَدُكُمْ فِتْنَةٌ} (التغابن: 15).
6436 - قوله: (لَوْ كَانَ لابنِ آدَمَ وَادِيَان)... إلخ، كانت تلك آيةً من القرآن، ثم نُسِخَت بعد نزول سورة {أَلْهَكُمُ التَّكَّاثُرُ}.
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «هذا المَالُ خَضِرَةٌ حُلوَةٌ»
وَقال اللّهُ تَعَالَى: {زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوتِ مِنَ النّسَآء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالانْعَمِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتَعُ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا} (آل عمران: 14). قالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ إِنَّا لاَ نَسْتَطِيعُ إِلاَّ أَنْ نَفرَحَ بِمَا زَيَّنْتَهُ لَنَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ أُنْفِقَهُ في حَقِّهِ.
باب ما قَدَّمَ مِنْ مالِهِ فَهُوَ لَه
قوله: (قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ إنَّا لا نَسْتَطِيعُ)، يعني إذا لم نستطع أن لا نَنْفَسَ في المال والبنين، فوفقنا يا ربّ أن نُنْفِقَهَا في سُبُلِ الخير.
باب المُكْثِرُونَ هُمُ المُقِلُّون
---
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى الاْخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (هود: 15 - 16).
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «ما أُحِبُّ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً»
باب الغِنَى غِنَى النَّفس(7/221)
وَقَوْلُ اللّهِ تَعَالَى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {مّن دُونِ ذلِكَ هُمْ لَهَا عَمِلُونَ} (المؤمنون: 55 - 63). قالَ ابْنُ عُيَينَةَ: لَمْ يَعْمَلُوهَا، لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَعْمَلُوهَا.
6443 - قوله: (قُلْتُ: يا جِبْرِيلُ، وإنْ سَرَقَ وإنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعَمْ) في هذه الرواية: أن هذه الألفاظَ دارت أوّلاً بين النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وبين جبرئيل عليه السلام، ثم دارت بينه، وبين أبي ذَرَ، بخلاف عامة الطُّرُق.
6443 - قوله: (اضْرِبُوا على حَديثِ أَبي الدَّرْدَاءِ) أي خُطُّوا عليه.
---
6443 - قوله: (قال أبو عبد الله: هذا إذا مات، وقال: لا إله إلا الله عند الموت) لمَّا استشكلَ المصنِّفُ النجاةَ مع ارتكاب الزنا، والسرقة، حمله على أن المرادَ من الزنا والسرقةِ الذي قد تاب منه، فإذا تابَ منه قبل الموت، وقال الكلمة، فذلك يَدْخُلُ الجنةَ. والذي تبيَّن لي أن الحديثَ سِيقَ لبيان أن المؤمنَ العاصي يَدْخُلُ الجنة آخراً، وإنما عبَّر كذلك في اللفظ، لأنَّ الكافرَ لا يَدْخُلُها أبداً حتى يَلِجَ الجملُ في سَمِّ الخياط. وإذا كان المؤمنُ العاصي دَاخِلَها، ولو بعدالتعذيب يسيراً، صحَّ الإِطلاقُ في التعبير. فالدخولُ في الجنة، أو تحريمُ النار عليه، كلُّه بالنظر إلى حال الكافر. ولمَّا تعلَّم الناسُ المسألةَ في المؤمن المُسْرِفِ، وتقرَّرت في أذهانهم، صارت عندهم كالبديهيّ، فَزَعَمُوا أنَّها لا تحتاج إلى تنبيهٍ، مع أنه لو لم يُعَلِّمنا لَمَا عَلِمْنَا: {وما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لعلأْلاَ أن هَدَانا اللَّهُ} (الأعراف: 43). فهذا هو المرادُ عندي، والله تعالى أعلم بالصواب.
باب فَضْلِ الفَقْر
باب كَيفَ كانَ عَيشُ النبي صلى الله عليه وسلّموَأَصْحَابِهِ، وَتَخَلِّيهِمْ مِنَ الدُّنْيَا(7/222)
6449 - قوله: (فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ) وفي حديثٍ آخر: «إنَّ لكلِّ رجلٍ من أهل الجنة زوجان»، وحينئذٍ كونهن أكثرَ أهل النار مشكلٌ. ووجه التفصِّي عنه: أن المرادُ من الزوجين: من الحور العين، لا من بنات آدم. على أن المرادَ من الكثرةِ الكثرةُ في نفسها. ثم ليس فيه حكمٌ كليٌّ، بل فيه بيانُ المشاهدة الجزئية إذ ذاك. وقد مرَّ مفصَّلاً من قبل.
باب القَصْدِ وَالمُدَاوَمَةِ عَلَى العَمَل
---
والقصدُ: هو تركُ الإِفراطِ والتفريطِ، وأصلُه: الذهابُ نحو المقصد بدون اعوجاج، وميل إلى الأطراف. ومن لوازمه: سلوكُ وسط الطريق، وبهذا اسْتُعْمِلَ في الاعتدال.
باب الرَّجاءِ مَعَ الخَوْف
)
وَقالَ سُفيَانُ: ما في القُرْآنِ آيَةٌ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ: {لَسْتُمْ عَلَى شَىْء حَتَّى تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مّن رَّبّكُمْ} (المائدة: 68).
باب الصَّبْرِ عَنْ مَحَارِمِ اللّه
{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر: 10) وَقالَ عُمَرُ: وَجَدْنَا خَيرَ عَيشِنَا بِالصَّبْرِ.
حكايةٌ: رُوِيَ عن رجلٍ مشغوفٍ بالمعقول: أن معناه: اطرِحوا الخوفَ في طرفٍ، والرجاءَ في طرفٍ. فلمَّا بَلغني مقالتُه، قلتُ: سبحان الله كلا، بل معناه أن أَوْرِثُوا الخشيةَ في قلوبكم من طرفٍ، وتَرَجَّوْا أنفسَكم من رحمة الله من طرفٍ آخر، ثم اسلكوا الطريقَ. فهذان جناحان لمن أراد الطيرانَ إلى الجنة.
6469 - قوله: (إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ) أي آثارها.
باب {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (الطلاق: 3)
قالَ الرَّبِيعُبْنُ خُثَيمٍ: مِنْ كُلِّ ما ضَاقَ عَلَى النَّاسِ.
باب ما يُكْرَهُ مِنْ قِيلَ وَقال
باب حِفظِ اللِّسَان(7/223)
وقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلَيَقُل خَيراً أَوْ لِيَصْمُتْ». وقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (ق: 18).
باب البُكاءِ مِنْ خَشْيَةِ اللّه
---
باب الخَوْفِ مِنَ اللّه
أي فهو حسبُه من كلِّ مضيقٍ، وهو معنى ما قاله الرَّبِيعُ، كما في الكتاب.
باب الاِنْتِهَاءِ عَنِ المَعَاصِي
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «لَوْ تَعْلَمُونَ ما أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيتُمْ كَثِيراً»
6482 - قوله: (أَنَا النَّذِيرُ العُرْبَانُ)، وهذا على عادتهم، أنَّهم إذا رَأَوْا ذُعْراً نَزَعُوا ثيابَهم، وحرَّكوها على ذروة جبلٍ، لِيَعْلَمَ الناسُ أن هناك مُفْزِعاً، فيأخذوا على أسلحتهم وأمتعتهم.
6483 - قوله: (فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ) فيه أنَّ موضعَ الأخذِ هو الحُجْزَةُ، فلتكم هي معقد اليدين في الصلاة دون الصدر.
باب حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَات
باب «الجَنَّةُ أَقْرَب إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذلِكَ»
باب لِيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ، وَلاَ يَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَه
وفيه شرحان:
الأوَّلُ: أنَّ اللَّهَ جعل حِجَابُ النار هي الشهواتُ، فهي محجوبةٌ عن أعين النَّاسِ، فلا يَرَوْنَ إلاَّ حِجَابَها، وهي الشهواتُ، فيقتحمونها، فإذا اقتحموها يدخلون النَّارَ. على عكس حال الجنة، فإنَّ المرئي منها المكارهُ، فلا يَقْرَبُونَها، مخافةً لها، فَيُحْرَمُون عمَّا كان محجوباً دونها، وهي الجنةُ. هذا شرحُ الجمهور.
---(7/224)
وذهب القاضي أبو بكر بن العربيّ إلى أن النَّارَ بنفسها حِجَابٌ للشهوات، والشهواتُ محجوبةٌ منها، فهم لا يَرَوْنَ إلاَّ الشهواتِ. كشبكة الصيَّاد، فإنها تكونُ مستوةً، والحبةُ التي ألقاها للطير باديةً، فإذا قَصَدَ الطيرُ أن يَكْكُلَ الجبةَ يقع في شبكتها قبل وصوله إليها. فهكذا حالُ النَّر والشهوات، فإنَّهم يَرَوْنَ الشهواتِ، دون النار التي حولها، كالشبكة، فلا يمكن لهم الوصولُ إليها إلاَّ باقتحام النار، فإذا قَصَدُوا إليها وَقَعُوا في النار، على عكس حال الجنة. فالحديثُ عنده من باب قوله: وقد حِيلَ بين العير والنَّزَوَان، أي وقع الحيلولةُ. فمعنى قولِهِ صلى الله عليه وسلّم «حُجِبت النارُ» عنده، أي وقع الحِجَابُ بالنار.
قلتُ: والظاهرُ عندي أنَّ الشرحَيْن صحيحان، أمَّا شرحُ ابن العربيّ فباعتبار نشأة الدنيا ولا ريبَ أن النَّاسَ في الدنيا يتحمَّلُون المكارهَ، فهم قد دَخَلُوا فيها، والجنةُ خارجةٌ عنها، فهي الآن كالحِفَاف للمكاره. فنسبةُ الجنة والمكاره ما دامت تلك النشألة قائمةً، كنسبة الشَّبكة والحبَّة، فإنَّ الشَّبكةَ تكون خارجةً، والحبَّةَ داخلةً. كذلك حالُ بني آدم الآن، فإنَّهم قد دَخَلُوا في المصائب، وأمَّا إذا قامت القيامةُ، وبلغ الناسُ منازلَهم من الجنة، والنار، يَنْعَكِسُ الحالُ حينئذٍ، فإن الشهواتِ والمكارهَ تصير خارجةً وخِفَافاً، والجنةَ والنارَ التي دخلوها محفوفةً، وحينئذٍ يَظْهَرُ شرحُ الجمهور.
والحاصلُ: أنَّ شرحَ ابن العربيِّ أصوبُ بالنظر إلى الحالة الراهنة، وشرحَ الجمهور أقربُ بالنظر إلى عالم الآخرة. فهما نظران لا غير، وإن كان الأسبقُ إلى الذهن شرحَ الجمهور، فشرحُهم أسبقُ، وشرحُ القاضي ألطفُ.
باب مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ أَوْ بِسَيِّئَة
باب ما يُتَّقى مِنْ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوب
---
باب الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ، وَما يُخَافُ مِنْهَا(7/225)
6491 - قوله: (فَلَمْ يَعْمَلْهَا) أي بالاختيار، وقد تكلَّمنا عليه مفصَّلاً من قبل.
باب العُزْلَةُ رَاحَةٌ مِنْ خُلاَّطِ السُّوء
أي يعتزل عن الناس، فيستريحُ عن اختلاط فُسَّاق الناس.
باب رَفعِ اْلأَمَانَة
باب الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَة
باب مَنْ جاهَدَ نَفسَهُ في طَاعَةِ اللّه
وقد مرَّ أنها صفةٌ من صفات القلب، بها يعتمد الناسُ على صاحبها، ولا يكونون منه في ريبٍ وريبةٍ. وهي لونُ الإِيمان، مقدَّمةٌ عليه، ولذا اشْتُقَّ منها اسمُ الإِيمان.
6497 - قوله: (الوَكْتِ): سياه داغ.
6497 - قوله: (المَجْلِ): آبله.
واعلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمضَرَبَ لهم مثلاً لرفعِ الأمانة أوَّلاً، ثم ذكر مِثَالاً لإِيضاح تمثيله، فقال: كجمرٍ دَحْرَجْتَهُ... إلخ. ثم اختلف الشارحون أنَّ التشبيهَ للأمانة الزائلة، أو الباقية، وهما وجهان، وراجع الطِيبيَّ.
6497 - قوله: (ولَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ)... إلخ، هذا من قول حُذيْفَة.
6498 - قوله: (رَاحِلَةً) قال ابن قُتَيْبَةَ: إنه للمذكَّر والمؤنَّث سواءٌ، والمشهورُ أنَّ التاءَ فيه للتأنيث.
باب التَّوَاضُع
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَينِ»
{وَمَآ أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلّ شَىْء قَدِيرٌ} (النحل: 77).
باب
---
6501 - قوله: (فاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ) أي ساءهم ذلك، وتفجَّروا في أنفسهم، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلّم «فقيهٌ واحدٌ أشدُّ على الشيطان»... إلخ، أي إنَّ الشيطانَ يَسُوؤه وجودَ فقيهٍ واحدٍ. وليس معنى شدته عليه غلبتَه عليه، كما زُعِمَ.
6502 - قوله: (مَنْ عَادَى لي وَلِيّاً) وإنَّما قال: «من عادى لي»، ولم يَقُل: «ولياً لي»، تفخيماً لشأن العداوة، لأنَّ في الأوَّل إيذاناً بأن عداوةَ وليَ كأنَّها عداوةُ الله تعالى، بخلاف الثاني.(7/226)
6502 - قوله: (وما يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِليَّ بالنَّوَافِلِ)... إلخ. وههنا بحثٌ للصوفية في فضل القُرْب بالنوافل، والقُرْب بالفرائض. فقالوا: إن العبدَ في القُرْبِ الأوَّل يصيرُ جارحةً جلَّ مجده، والله سبحانه نفسه يكون جاريحةً لعبده في القُرْبِ الثاني. وذلك لأنَّ الفرائضَ مفروضةٌ من الله تعالى على عباده، وليس لهم بُدٌّ من الإِتيان بها، فكانوا فيها كالجارحة للرجل. وأمَّا النوافلُ، فالعبدُ يأتي بها بطوعها، من دون عزمٍ عليه، فإذا تقرَّب بها إلى الله تعالى كان اللَّهُ له كالجارحة.
---
قلتُ: أمَّا كونُ الله تعالى جارحةً للعبد في القرب بالنوافل، فذلك نصُّ الحديث. وأمَّا ما ذكروه في القرب بالفرائض، فلا لفظَ له في الحديث، إلاَّ أنَّهم أخذوه بالمقابلة. والذي تبيَّن لي أن القربَ في الفرائض أَزْيَدُ وأكملُ، فإنه يَجْلِبُ المحبوبيةَ له تعالى من أوَّل الأمر. بخلاف القُرْب في النوافل، فإنها تَجْلِبُ المحبوبيةَ تدريجاً، وإن كانت ثمرتُها في الانتهاء أيضاً هي المحبوبيةُ. ولكن ما يَحْصُلُ من النوافل آخراً يَحْصُلُ من الفرائضِ أوَّلاً، فأنَّى يستويان وإليه تُرْشِدُ ألفاظُ الحديث، فإنَّه قال في الفرائض: «ما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أَحَبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه»، فجعل مفروضَه أحبَّ إليه من أوَّل الأمر، وجعل ثمرتَه القربَ. بخلاف النوافل، فإنَّ القُرْبَ منها تدريجيٌّ، يتدرَّجُ العبدُ إليه شيئاً فشيئاً. وبالجملةِ أنَّهما في النتيجة سواء، وهي المحبوبيةُ، غير أنَّها تْحْصُلُ بالفرائض أوَّلاً، وبالنوافل ثانياً.
6502 - قوله: (كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ) ومرَّ عليه الذهبيُّ في «الميزان»، وقال: لولا هيبةُ الجامع لقلتُ فيه: سبحان الله. وكان الذهبيُّ لم يتعلَّم علمَ المنطق.(7/227)
قلتُ: إذا صَحَّ الحديثُ، فَلْيَضَعْهُ على الرأس والعين، وإذا تعالى شيءٌ منه عن الفهم، فَلْيَكِلْهُ إلى أصحابه، وليس سبيلُه ىٌّ يُجَرِّحَ فيه.
أمَّا علماءُ الشريعة فقالوا: معناه أنَّ جوارحَ العبد تصيرُ تابعةً للمرضاة الإِلهية، حتَّى لا تتحرَّك إلاَّ على ما يرضى به ربُّه. فإذا كانت غايةُ سمعِه وبصرِه وجوارحِه كلِّها هو اللَّهُ سبحانه، فحينئذٍ صَحَّ أن يقالَ: إنه لا يَسْمَعُ إلاَّ له، ولا يتكلَّمُ إلاَّ له، فكأنَّ اللَّهَ سبحانه صار سمعَه وبصرَه.
---
قلتُ: وهذا عدولٌ عن حقِّ الألفاظ، لأنَّ قولَه: «كنتُ سمعَه»، بصيغة المتكلِّم، يَدُلُّ على أنَّه لم يبق من المتقرِّب بالنوافل إلاَّ جسدُه وشبحُه، وصار المتصرِّفُ فيه الحضرةَ الإِلهيةَ فحسب، وهو الذي عناه الصوفية بالفناء في الله، أي الانسلاخ عن داوي نفسه، حتى لا يكونَ المتصرِّفُ فيه إلاَّ هو. وفي الحديث لمعةٌ إلى وَحْدَةِ الوجود. وكان مشايخُنا مولعين بتلك المسألة إلى زمن الشاه عبد العزيز. أمَّا أنا، فلستُ بمتشدِّدٍ فيها:
*ومن عَجَبٍ أنَّى أَحِنُّ إليهم ** وأسألُ عنهم دائماً، وهم معي
*وتبكيهم عيني، وهم في سوادِها، ** وتَشْتَاقُهم روحي، وهم بين أَضْلُعي
فائدةٌ: لا بأسَ أن نعودَ إلى مبحث التجلِّي، وإن ذكرناه مِرَاراً.
---(7/228)
فاعلم أن التجلِّي ضروبٌ وأمثالٌ تقام وتُنْصَبُ بين الرب وعبده، لمعرفته تعالى. فتلك مخلوقةٌ، وهي التي تسمَّى برؤية الرب جلَّ مجده، وهذا كما في القرآن العزيز في قصة موسى عليه الصلاة والسلام: {فَلَمَّا جَآءهَا نُودِىَ أَن بُورِكَ مَن فِى النَّارِ} (النمل: 8)، فالمرئي، والمَشَاهدُ لم يكن إلاَّ النارَ، دون الرب جلَّ مجده، ولكنَّ اللَّهَ سبحانه لمَّا تجلَّى فيها قال: {يمُوسَى إِنّى أَنَا اللَّهُ} (القصص: 30). وما رأيتُ لفظاً موهماً في سائر القرآن أزيدَ من هذا، فانظر فيه أنه كيف سَمِعَ صوتاً من النار {إنِّي أنا ا}، فهو نارٌ. ثم صَحَّ قولُه: {إنِّي أنا ا} أيضاً. فالمتكلِّمُ في المرئي كان هو الشجرة، ثم أسند تكلُّمَها إلى الله تعالى، وذلك لأنَّ الربَّ جلَّ مجدُه لمَّا تجلَّى فيها، صارت الواسطةُ لمعرفته إيَّاه هي الشجرةُ، فأخذ المتجلَّى فيه حكمَ المتجلِّي بنفسه بنحو تجريدٍ. وهذا الذي قلنا فينا سبق: أنَّ المرئي في التجلِّي لا تكون إلاَّ الصورَ، والمرمى يكون هو الذات. وإنَّما تجلَّى ربُّه في النَّار لحاجة موسى عليه الصلاة والسلام إليها، ولو كانت له حاجةٌ إلى غيرها لرآه في غيرها:
*فرآه ناراً، وهو نورٌ ** في الملوك، وفي العَسَس
*لو جاء يَطْلُبُ غيرَه ** لرآه فيه، وما انْتَكَس
فأمثالُ تلك الأحاديث عندي تَرْجِعُ إلى مسألة التجلِّي. فإن فَهِمْتَ معنى التجلِّي، كما هو حقُّه، وبلغت مَبْلَغَهُ، فدع الأمثالَ والصورَ المنصوبةَ، وارق إلى ربِّك حنيفاً. فإنَّه إذا صَحَّ للشجرة أن ينافي فيها: ب- إِنّى أَنَا اللَّهُ، فما بالُ المتقرِّب بالنوافل أن لا يكونَ اللَّهُ سمعَه وبصرَه. كيف وأن ابن آدم الذي خُلِقَ على صورة الرحمن ليس بأَدْوَن من شجرة موسى عليه الصلاة والسلام.
---(7/229)
6502 - قوله: (وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أع2ا فَاعِلُهُ)... إلخ، لا ريبَ أن التردُّدَ في جَنَابه تعالى مُحَالٌ، ولكنَّه جيء به على شأن خاطر عباده، لِيَعْلَمُوا ما قدْرِهم عند ربِّهم. وليس له لفظٌ لمثل هذا الموضع في عالمهم إلاَّ هو، فحادثهم بحسب مجاري عُرْفِهم. هذا بحسب الجليِّ من النظر، وعند تدقيق النظر يَظْهَرُ أنَّ التفاتَه تعالى إلى أمرين متعارضين هو الذي عَنَى بالتردُّد، وعَبَّر عنه. فإنَّ اللَّهَ تعالى يتوجَّه أوَّلاً إلى توفِّي العبد، ثم إلى مَلاَلة العبد من موته، ولا بدَّ له منه في الدنيا، فكأنَّه مادةُ التردُّد للعبد. فإنَّ العبدَ إذا تردَّدَ فيما تتعارضُ فيه الجهات، فلا يَسْنَحُ له الترجيح، فيحدث له فيه التردُّد لا مَحَالَةَ. واللَّهُ سبحانه بريءٌ عن التردُّد، ولكنَّه عبَّر عنه في اللفظ، لكونه مادتَه عندهم.
وبعبارةٍ أخرى: إنص العبدَ يكره موتَه، ومَلَكُ الموت يجيء لتوفَّاه، فحدث صورة التصادم والتقابل، وتلك الصورة سُمِّيت بالتردُّد، وإلاَّ فلا تردُّد في جَنَابِه تعالى، فإنَّه فعَّالٌ لِمَا يَشَاءُ، وحاكمٌ لِمَا يريدُ ثم إنَّ تلك الصورة أيضاً في المواطن التحتانية، وأمَّا في الفوق، فلا شيءَ منه. وهذا كما في الحديث: «إن البلأَ يَنْزِلُ من السماء، وتَصْعَدُ الصدقةُ إليه، فلا يزالان يَتَصَارَعَان إلى يوم القيامة، حتى لا يَنْزِلَ هذا، ولا يَصْعَدَ هذا»، أو كما قال. فأمعن النظرَ فيه، هل يُوهِمُ في الظاهر أن الصدقةَ تَرُدُّ من القَدَرِ شيئاً.
---(7/230)
والوجهُ فيه: أنَّ هذا التصارعَ إنَّما هو في عالم الأسباب، وأمَّا عند ربك فقد جَفَّ القلمُ بما هو كائنٌ، وقد عُلِمَ من قبل أنَّ هذا البلأَ يُرَدُّ عنه لأجل صدقته. ولمَّا كان ردّه من صدقته، لا بدَّ أن يَظْهَرَ هذا التعليقُ أيضاً في موطنٍ، وهو كما في الحديث. فهكذا لا تردُّد عند ربِّك أصلاً، ولكن لمَّا كانت مادةُ التردُّدَ ممَّا تتجاذبُ فيها الجهاتُ، وهي متحقِّقةٌ فيما نحن فيه، عبَّر عنه بالتردُّد بحسب هذا الموطن، مع أنَّه لا تردُّد عند ربك، فإنَّه لا صباحَ عنده ولا مساءَ، فافهم(1ع2).
باب مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللّهِ أَحَبَّ اللّهُ لِقَاءَه
باب سَكَرَاتِ المَوْت
باب نَفخِ الصُّور
قالَ مُجَاهِدٌ: الصُّورُ كَهَيئَةِ البُوقِ، {زَجْرَةٌ} (الصافات: 19) صَيحَةٌ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {النَّاقُورِ} (المدثر: 8) الصُّورُ، {الرَّاجِفَةُ} (النازعات: 6) النَّفخَةُ اْلأُولَى، و {الرَّادِفَةُ} (النازعات: 7) النَّفخَةُ الثَّانِيَةُ.
واعلم أنَّ الحديثَ كان ظاهراً في معناه، ولم يكن فيه غموضٌ، لأنَّه لا بحثَ فيه من الكراهة وعدمها عند خصوص الموت. وإنَّما معناه على حدِّ ما يقوله أهلُ العرف أيضاً، ولكنَّ الصِّدِّيقةَ عائشةَ لمَّا حَمَلَتْهُ على خصوص الموت، أشكلَ عليها الأمرُ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلّمأجابها على سبيل المجاراة معها، أو على سبيل التنزُّل، فَسَلِمَ السؤالُ في هذا الجزئيِّ أيضاً. ثم ذِكْرُ الجواب على هذا التقدير أيضاً، لا أنَّ الحديثَ واردٌ فيما يُحِبُّه المؤمنُ عند موته بخصوصه.
---(7/231)
ومن ههنا عُلِمَ أن ما ذكره الغزالي من سلبِ الإِيمانِ عن بعض أهل البِدَعِ عند الاحتضارِ صوابٌ - والعياذ باللَّه - وذلك لأنَّ المبتدعَ إذا رأى أماراتِ العذاب يكره لقاءَ لربِّ جلَّ مجده، فيكره اللَّهُ أيضاً لقاءَه، فَيَسْلُب إيمانَه. ولأنَّه إذا أمضى حياتَه في البِدَعِ، وظهرت له حقائقُها عند موته، فيجدها معاصي، يَحْدُثُ له التردُّدُ في سائر الدين، لعلَّه يكون كلُّه كذلك، فَيَسْلُب إيمانَه. أعاذنا اللَّهُ منه، وأماتنا على الملَّة البيضاء الحنيفية.
6510 - قوله: (إنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ) ليس فيه أنَّ سكراتِ الموت كانت أشدَّ على النبيِّ صلى الله عليه وسلّممما تكون على سائر الناس، وإنَّما ذكرت عائشةُ ما ذكرت من سكراتها تعبيراً عرفياً. وقد ذكرناه سابقاً مفصَّلاً.
باب يَقْبِضُ اللّهُ اْلأَرْض
رَوَاهُ نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
6519 - قوله: (قَالَ: يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ، ويَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ)... إلخ. ولمَّا كانت الأرضُ مجتمعةً غيرَ مجوَّفةٍ، ناسب قبضها، بخلاف السماء، فإنها مبسوطٌةٌ ومنشورةٌ نشرَ الثياب، فناسبَ معها الطيُّ. فَوَضَح وجهُ ذكر القبض مع الأرض، والطيِّ مع السماء. كذا ذكره اصدر الشِّيرَازِيّ.
6520 - قوله: (تَكُونُ الأَرْضُ يَوْمَ القِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً)... إلخ. واعلم أن مستقرَ الأقدام يومَ القيامة، لا يكون إلاَّ الأرضَ، أو الصراطَ، أو الجنةَ، ثم اللَّهُ تعالى يُطَنِّبُ الصراط من أرض الساعة إلى الجنة، ويأمرُ العبادَ أن يَتْرُكُوا أرضَه، فيتوجَّهون إلى الصراط، فمنهم هالكٌ في جهنَّمَ، ومنهم عابرٌ إلى الجنَّة. وحينئذٍ تكون الأرضُ خُبْزَةً واحدةً، نُزُلاً لأهل الجنَّة.
---(7/232)
6520 - قوله: (بَالامٌ ونُونٌ) وقد اخْتُلِفَ في ضبط - بالام - على أوجهٍ. والصوابُ أنَّه لفظٌ عبرانيٌّ معناه الثور، كما فسَّر به اليهوديُّ. فإن بقي الاختلافُ فيه، ففي تَلَفُّظِهِ.
6521 - قوله: (لَيْسَ فيها مَعْلَمٌ لأَحَدٍ)، وذلك بعد تبديل الأرض. وفيه قولان: ذهبَ بعضُهم إلى تبديل الذات، والآخرون إلى تبديل الصفات.
باب كَيفَ الحَشْر
باب قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْء عَظِيمٌ} (الحج: 1) {أَزِفَتِ الاْزِفَةُ} (النجم: 57) {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} (القمر: 1)
باب قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبّ الْعَلَمِينَ} (المطففين: 4 - 6)
وَقال ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الاْسْبَابُ} (البقرة: 166) قالَ: الوُصُلاَتُ في الدُّنْيَا.
6522 - قوله: (وأَرْبَعَةٌ على بَعِيرٍ)... إلخ، يكون ذلك عقبةً.
قوله: (وتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمْ النَّارُ)... إلخ. واعلم أنه قد اختلطت القطعتان على الرواة عند سَرْدِ هذه الأحاديث: قطعةُ الحشر عند إبَّان الساعة، وقطعةُ الحشر إلى أرض الحساب يوم القيامة، فأورثَ انتشاراً، واختلالاً، كما يَظْهَرُ بالرجوع إلى الأحاديث المفصَّلَةِ من هذا الباب.
فاختار الطِيبيُّ: أن المرادَ من هذه النَّار هي النَّارُ التي تَحْشُرُ الناسَ عند إبَّان الساعة. وأمَّا قوله: «يُحْشَرُ النَّاسُ»... إلخ في أول الحديث، فهو ذكرٌ لأحوال الحشر بعد الساعة، فكان الراوي بصدد ذكر أحوال القيامة، فانتقل إلى ذكر بعض مقدماتها، فذكره آخراً. ثم شيَّده الطِيبيُّ بقرائنَ وشواهدَ، بسطها في كتابه، وأتى عليه بروايةٍ من «صحيح البخاري».
---(7/233)
وذهب الحافظ ابن حَجَر إلى أنَّ المجموعَ أحوالَ الحشر بعد الساعة، وتكلَّف فيه. والروايةُ التي استشهد بها الطِيبيُّ من البخاريِّ أنكرها الحافظُ، وقال: لم نَجِدْها في البخاريِّ.d
قلتُ: وتلك الرواية موجودةٌ في النسخة التي بين أيدينا، فإنَّها الروايةُ الثانيةُ من الباب الذي نحن فيه. فلا أدري أوقع منه سهوٌ، أم لم تكن تلك في نسخته؟ والأرجحُ عندي ما ذهب إليه الطِيبيُّ.
6524 - قوله: (هَذَا مِمَّا يَعُدُّ أنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سَمِعَهُ مِنَ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم؟، وذلك لأنَّه كان من صِغَار الصحابة.
6530 - قوله: (مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعِينَ، وتِسْعَةً وتِسْعِينَ)، وقد يُذْكَرُ الحسابُ في الأحاديث غير ذلك. والتوفيقُ بينهما: أنَّ أحدَ الحسابين بالنظر إلى المشركين فقط، والآخرَ باعتبار أعداد يأجوج ومأجوج معهم، كما يُشْعِرُ به حديثُ الترمذيِّ. وقد مرَّ تفصيله مِرَاراً.
6530 - قوله: (الرَّقْمَةِ): هي لحمةٌ في مقدَّم حافر الحمار.
باب القِصَاصِ يَوْمَ القِيَامَة
وَهيَ الحَاقَّةُ، لأَنَّ فِيهَا الثَّوَابَ وَحَوَاقَّ اْلأُمُورِ، الحَقَّةُ وَالحَاقَّة وَاحِدٌ، وَالقَارِعَةُ وَالغَاشِيَةُ وَالصَّاخَّةُ، وَالتَّغَابُنُ: غَبْنُ أَهْلِ الجَنَّةِ أَهْلَ النَّارِ.
6535 - قوله: (فَيُحْبَسُونَ على قَنْطَرَةٍ)... إلخ، والقنطرةُ: قطعةٌ أخرى في آخر الصراط.
باب مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ عُذِّب
باب يَدْخُلُ الجنَّةَ سَبْعُونَ أَلفاً بِغَيرِ حِسَاب
---
6535 - قوله: (واعلم أن الراوي قد أخلَّ بترتيب الحديث المذكور في الباب، فإنَّ سؤالَ عائشةَ إنَّما يترتَّب على قوله: «من حُوسِبَ»)... إلخ. وبه يلتئم جوابُه، بأنَّ الحسابَ اليسيرَ هو العَرْضُ. وأمَّا إذا كان لفظُه: «من نُوقِشَ»... إلخ، فلا يتوجَّه عليه سؤالٌ، ولا جوابٌ. والترتيبُ على وجهه، كما مرَّ في الصحيح من حديث القاسم بن محمد، عن عائشة.(7/234)
باب صِفَةِ الجنَّةِ وَالنَّار
وَقالَ أَبُو سَعِيدٍ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الجَنَّةِ زِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ»، {عَدْنٍ} (التوبة: 72) خُلدٌ، عَدَنْتُ بِأَرْضٍ: أَقمْتُ، وَمِنْهُ المَعْدِنُ {في مَعْدِنِ صِدْقٍ} (القمر: 55) في مَنْبِتِ صِدْقٍ.
6549 - قوله: (أُحِلَّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي) ويُسْتَفَادُ منه أن مقامَ الرضا فوق جميع المقامات.
6558 - قوله: (كَأَنَّهُمْ الثَّعَارِيرُ) ترجمته: كهيرى. شبَّههم بها في الضَّعْفِ والاضمحلال.
6558 - قوله: (وَكَانَ قَدْ سَقَطَ فَمُهُ) يقول الراوي: إن أسنانَ شيخه كانت سقطت، فما يُعْطِي الحروفَ حقَّها، فكان يتعسَّر عليه التلفُّظُ بالضَّغَابيس، والثَّعَارِير.
6560 - قوله: (حَمِيلِ السَّيْلِ): مكبا. وأمَّا حمية السَّيْلِ، فَغلطٌ ليس فه معنى.
6562 - قوله: (المِرْجَلُ): إناءٌ من حَجَرٍ، يُطْبَخُ فيه الطعامُ.
6562 - قوله: (القُمْقُمُ) من الزجاج. ووجهُ التشبيه حركةُ القمقمة عند الغليان، فهكذا يتحرَّكُ منه دماغُهُ.
6564 - قوله: (فَيُجْعَلُ في ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ): تهتيلى آك، وفيه أنَّ هذا عذابَه بعد الساعة. وفي الحديث المارِّ: إنَّ ذاك هو عذابُه في الحالة الراهنة. أقولُ: ولعلَّ حصةً منه تَظْهَرُ بعد الساعة.
---
واعلم أنَّه قد يَسْتَشْكِلُ اختلافُ العذاب بين أصحاب النار، مع اتحاد المحل، فإنَّ الأحاديثَ تُخْبِرُ بأنَّ جهنَّم هوَّةٌ تتوقَّد ناراً، فكيف يكون تعذيبُ بعضِهم بشراكٍ من نارٍ، وبعضِهم من نعليهِ من نارٍ فقط؟ والجوابُ على ما سبق منِّي من التحقيق: أنَّ أعمالَ الرجل هي نعيمُه وجحيمُه، فلا يعذَّب فيها إلاَّ بِقَدْرِ أعماله. وأعمالُ كلَ منهم مختلفةٌ لا تقوم إلاَّ بمن اكتسبها، فكذلك عذابُه ونارُه. وحينئذٍ صار الاختلافُ في العذاب معقولاً.(7/235)
ومن ههنا عُلِمَ أنَّ رجلاً من أهل الجنَّة لو دخل النَّارَ لا تَضُرُّه النار شيئاً، فإِنما التعذيبُ من أعماله، وليس عنده من تلك الأعمال، فما للنار أن تؤثِّرَ فيه.
وبالجملة من كل أبعدَ من المعاصي في الدنيا، كان أبعدَ عن النار في الآخرة، وكذلك بالعكس. لا أقولُ: إنَّ جهنَّم ليس فيها نارٌ، بل هي خاليةٌ الآن - والعياذ بالله - بل أقولُ: إنَّ أعمالَ الناسِ الآن أيضاً نارٌ لو انكشف الغِطَاءُ. وقد قلتُ في قصيدةٍ لي طويلةٍ في مسألة القدر:
*ففي الآن نارٌ ما تورَّطتَ ههنا، ** ولكن ستراً حَالَ سوف يَزُول
باب الصِّرَاطُ جِسْرُ جَهَنَّم
6573 - قوله: (فَيَأْتِيهِمْ اللَّهُ في الصُّورَةِ التي يَعْرِفُونَ)، وقد مرَّ أن الرؤيةَ لا تكون إلاَّ للصورة، وليست صورتُه تعالى عندنا إلاَّ ما أخبرنا بها هو. وأمَّا ما كان من صورته تعالى عنده، وفي العالم الفوقاني، فلا علمَ لنا بها. صورت بتلانا ايساهى جيساكه كهتى هين كه مكان كانقشه ديديا.
---
6573 - قوله: (وحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنِ ابن آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ)، وفيه بحثٌ للنوويِّ، والحافظِ: أنَّ المرادَ منه هو الوجهُ فقط، أو جميعُ أعضاء السجود. وهذا الذي نبَّهت عليه الآن: أنَّ النارَ هي أعمالُ الرجل. أَلاَ ترى كيف صارت تلك الأعضاء محفوظةً عن النار، مع كونها مُغْرَقةً في النار؟.
وبالجملة لمَّا وجدنا اختلافاً بين رجلٍ ورجلٍ في العذاب في محلَ واحدٍ، ثم اختلافاً بين عضوٍ وعضوٍ في التعذيب من رجلٍ واحدٍ، عَلِمْنَا أن ليس التعذيبُ إلاَّ بأمرٍ من تلقائه. ولكنَّهم لم يُوَفَّقُوا لفَهْمِ هذا البديهي، فإذا هم يتردَّدون.
باب في الحَوْض
وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {إِنَّآ أَعْطَيْنَكَ الْكَوْثَرَ} (الكوثر: 1) وَقالَ عَبْدُ اللّهِبْنُ زَيدٍ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «اصْبِرُوا حَتَّى تَلقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ».(7/236)
6577 - قوله: (كَمَا بَيْنَ جَرْبَاءَ وأَذْرُحَ) وهاتان قريتان من الشام متصلتان، فنبَّه الشارحون على أنَّ المعطوفَ الآخرَ ل: «بين» قد سقط من الراوي. فليستا بياناً للمَبْدَأِ والمنتهى، بل بياناً للمبدأ فقط.
6586 - قوله: (فَيُحَلَّؤُنَ): أي يُطْرَدُون.
6587 - قوله: (إلاَّ مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ) والمرادُ منه أنَّ النَّعَمَ التي ليس لها راعٍ قلَّما تهتدي إلى الطريق السويِّ، بل يَخْبِطُ أكثرُهم، فَتَضِلّ، فتهلك.
كتاب القَدَر
كتاب القَدَر
باب في القَدَر
---
واعلم أنَّ القَدَرَ حصل من مجموع الإِرادة والقدرة، والإِرادةُ عند المتكلِّمين عبارةٌ عن تخصيص بعض المقدورات ببعض الأوقات، وهي صفةٌ تتعلَّق بجانبي الشيء - الوجود والترك - وأنكرها الفلاسفةُ. وما ذكره الصدر في «الأسفار»، وابن رشد في «التهافت»: أنَّ الفلاسفةَ أيضاً قائلون بصفة الإِرافة، فإنَّه تمويهٌ بلا مِرْيَةٍ، وخِدَاعٌ بلا فِرْيةٍ، لأنَّ ما ذُكِرَ أنَّ الإِرادةَ عندهم تختصُّ بجانب الوجود.
قلتُ: وهل عندهم في جانب الترك إرادةٌ أيضاً أو لا؟ فإن أقرُّوا بها، فذلك مذهبُ المتكلِّمين بعينه، على أنَّه يكذِّبهم شاهدُ الوجود، فإنَّهم لا يقولون بها. وإن كان الثاني، فقد كفانا عن افتضاحهم، فإنَّ جانبَ الترك إذا لم يَدْخُل تحت القدرة، فذلك عينُ الجبر، فإنَّ القَدَرَ إن شاء فعل، وإن لم يشأ لم يَفْعَلْ.(7/237)
وأمَّا الإِمكانُ بالذات مع الامتناع بالغير، فقد أَحْدَثَهُ ابنُ سينا، وكان التقسيمُ عند قدمائهم ثُنَائِيّاً، ممكِناً، أو ممتنعاً. فالممكِنُ ما يوجدُ مرَّةً، ويَنْعَدِمُ أخرى. وما لا يَخْرُجُ من حَيِّز العدم إلى بقعة الوجود لا يُسَمَّى عندهم ممكناً. فإنَّ المبحوثَ عنه عندهم كانت المراتبَ الخارجيةَ، والإِمكانُ بالذات مع الامتناع بالغير مرتبةٌ عقليةٌ. فإنَّ الممكنَ إذا صار ممتنعاً بالنظر إلى الغير، فقد تَسَاوَقَ الممتنعُ بالذات في عدم خروجه إلى الوجود، وإن كان يفارقه في النظر العقليِّ. ثم إنَّ هذا الغيرَ إن اعتبرته في ذات الشيءِ فذاك أيضاً يعودُ إلى الامتناع الذاتيِّ. نعم لو اعتبرته خارجةً، خرج قسمٌ ثالث.
وبالجملة: هذا القسمُ من مخترعات ابن سينا، ثم إنَّ العبدَ عند أهل السُّنة مختارٌ، وإن كان مجبوراً في وصف الاختيار، فإنه مودَعٌ فيه، كالماء في القُمْقُمَة، فعاد مجبوراً من وجهٍ أيضاً، وذلك هو الجبرُ مع الاختيار.
---
بقي الاختيارخ المستقلُّ، بحيث لا يكون مستنداً إلى قادرٍ، فهو مُحَالٌ في حقِّه، فإنَّ وجودَه نفسَه ليس له حقيقةٌ وتقوُّمٌ، إلاَّ بعد اعتبار حيثية الاستناد، فكيف بصفاته؟ ولي فيه نظمٌ طويلٌ، قد ذكرتُ بعضَه سابقاً.
باب جَفَّ القَلمُ عَلَى عِلمِ اللّه
وقَوْلُهُ: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} (الجاثية: 23). وَقالَ أَبُو هُرَيرَةَ: قالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «جَفَّ القَلَمُ بِمَا أَنْتَ لاَقٍ». قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَهَا سَبِقُونَ} (المؤمنون: 61) سَبَقَتْ لَهُمُ السَّعَادَةُ.
قال الشارحون: المرادُ من كتابة القلم ما هو كائنٌ إلى الساعة، وذلك متناهٍ، فلا إيراد.
باب اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كانُوا عامِلِين(7/238)
قد مرَّ الكلامُ مفصَّلاً في أطفال المشركين، وأن ابنَ تَيْمِيَةَ نَسَبَ إلى البخاريِّ أنَّه قائلٌ بنجاتهم، واستدلَّ له بهذه الترجمة. قلتُ: بل هي دالَّةٌ على نقيضه، لأنَّ ظاهرَها أنَّه اختار التوقُّفَ.
باب {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً} (الأحزاب: 38)
باب العَمَلُ بِالخَوَاتِيم
باب إِلقَاءِ النَّذْرِ العَبْدَ إِلَى القَدَر
باب لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّه
باب المَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللّه
{عَاصِمٍ} (هود: 43): مانِعٌ. قالَ مُجَاهِدٌ: {سَدّاً} (القيامة: 36): عَنِ الحَقِّ، يَتَرَدَّدُونَ في الضَّلاَلَةِ، {دَسَّهَا} (الشمس: 10) أَغْوَاهَا.
باب {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} (الأنبياء: 95)
---
وَقَالَ مَنْصُورُبْنُ النُّعْمَانِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَحِرْمٌ بِالحَبَشِيَّةِ وَجَبَ.
باب {وَمَا جَعَلْنَا الرُّءيَا الَّتِى أَرَيْنَكَ إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ} (الإِسراء: 60)
باب تَحَاجَّ آدَمُ وَمُوسى عِنْدَ اللّه
باب لاَ مانِعَ لِمَا أَعْطَى اللّه
باب مَنْ تَعَوَّذَ بِاللّهِ مِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاء
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ مِن شَرّ مَا خَلَقَ} (الفلق: 1 - 2).
باب {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْء وَقَلْبِهِ} (الأنفال: 24)
باب {قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} (التوبة: 51) قَضى
قالَ مُجَاهِدٌ: {بِفَاتِنِينَ} (الصافات: 162) بِمُضِلِّينَ إِلاَّ مَنْ كَتَبَ اللّهُ أَنَّهُ يَصْلَى الجَحِيمَ، {قَدَّرَ فَهَدَى} (الأعلى: 3) قَدَّرَ الشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ، وَهَدَى اْلأَنْعَامَ لِمَرَاتِعِهَا.
باب {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلآ أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} (الأعراف: 43) {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِى لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (الزمر: 57)(7/239)
*«وَاللّهِ لَوْلا اللّهُ ما اهْتَدَينَا ** وَلاَ صُمْنَا وَلاَ صَلَّينَا
*فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَينَا ** وَثَبِّتِ اْلأَقْدَامَ إِنْ لاَقَينَا
*وَالمُشْرِكُونَ قَدْ بَغَوْا عَلَينَا ** إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَينَا»
6604 - قوله: (لَقَدْ خَطَبَنَا النبيُّ صلى الله عليه وسلّمخُطْبَةً، ما تَرَكَ فيها شيئاً إلى قِيَامِ السَّاعَةِ إلاَّ ذَكَرَهُ).
---
واعلم أنَّ العمومَ قد يكون مدلولاً، ولا يكون مقصوداً، وهذا هو عمومٌ غيرُ مقصودٍ، فاعلمه. فإنَّه قد زلَّت فيه الأقدامُ، وتحيَّرت منه الأحلامُ. أَلاَ ترى إلى قوله تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَىْء} (النمل: 23) كيف العمومُ فيه؟ فإذا دَرَيْتَ أنَّ العمومَ قد لا يكون مقصوداً، فلا تتعلَّق بالألفاظ.
كتاب الأَيمَانِ وَالنذُور
باب قَوْلُ اللّهِ تَعَالَى:
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «وَايمُ اللّهِ»
باب كَيفَ كانَتْ يَمِينُ النبي صلى الله عليه وسلّم
وَقالَ سَعْدٌ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ». وَقالَ أَبُو قَتَادَةَ: قالَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلّم لاَهَا اللّهِ إِذاً. يُقَالُ: وَاللّهِ وَبِاللّهِ وَتَاللّهِ.
باب لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُم
({لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالَّلغْوِ فِى أَيْمَنِكُمْ})... إلخ. الأيمانُ اللغوُ عندنا: الحَلِفُ على أمرٍ ماضٍ ظناً أنَّه صادقٌ فيه. وعند الشافعية: هي ما تجري على اللسان من قولهم: لا والله، وبلى والله. قال الشيخُ ابن الهُمَام: وما ذهب إليه الشافعيةُ داخلٌ في تعريفنا أيضاً.
6622 - قوله: (فَكَفِّرْ عن يَمِينَكَ، وأْتِ الَّذي هُوَ خَيْرٌ) والكفَّارةُ عندنا بعد الحنْثِ. وعند الشافعية: جازالعكس أيضاً.
قلتُ: أمَّا الحديثُ، فلا فصلَ فيه، فإنَّ الراوي لا يستقرُّ فيه على لفظه، فقد يقدِّم التكفيرَ، وبد يؤخِّر، فليفوِّضه إلى التفقُّه.(7/240)
6625 - قوله: (لأنْ يَلِجَّ أَحَدُكُمْ) أي يُصرَّ. هت كرى. وحاصلُه أنَّ الإِثمَ فيالإِصرار على مثل هذه اليمين أزيدُ من الحِنْثِ، ثم أداءُ كفَّارته.
---
باب لاَ يُحْلَفُ بِاللاَّتِ وَالعُزَّى وَلاَ بِالطَّوَاغِيت
باب مَنْ حَلَفَ عَلَى الشَّيءِ وَإِنْ لَمْ يُحَلَّف
باب مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ سِوَى مِلَّةِ اْلإِسْلاَم
وَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «مَنْ حَلَفَ بِاللاتِ وَالعُزَّى فَليَقُل: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ». وَلَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى الكُفرِ.
6650 - قوله: (مَنْ حَلَفَ، فقال في حَلِفِهِ: باللاَّتِ والعُزَّى)، أي لكونه حديثَ عهدٍ بالجاهلية، فجرى على لسانه بعد الإِسلام ما كان اعتادَ به في الجاهلية، فَلْيَقُل: لا إلهَ إلاَّ الله، تلافياً لِمَا سَبَقَ منه.
6650 - قوله: (ومَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ)، وقد مرَّ من الطحاويِّ: أنَّ المرادَ من التصدُّق تصدُّقُه بما حَصَلَ من المقامرة.
باب لاَ يَقُولُ: ما شَاءَ اللّهُ وَشِئْتَ، وَهَل يَقُولُ: أَنَا بِاللّهِ ثُمَّ بِكَ؟
باب قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَنِهِمْ} (الأنعام: 109)
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ، لَتُحَدِّثَنِّي بِالَّذِي أَخْطَأْتُ في الرُّؤْيَا، قالَ: «لاَ تُقْسِمْ».
باب إِذَا قالَ: أَشْهَد بِاللّهِ، أَوْ: شَهِدْتُ بِاللّه
باب عَهْدِ اللّهِ عَزَّ وَجَل
باب الحَلِفِ بِعِزَّةِ اللّهِ وَصِفَاتِهِ وَكَلِمَاتِه
---(7/241)
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم يَقُولُ: «أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ». وَقالَ أَبُو هُرَيرَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم «يَبْقَى رَجُلٌ بَينَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِف وَجْهِي عَنِ النَّارِ، لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيرَهَا». وَقالَ أَبُو سَعِيدٍ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «قالَ اللّهُ: لَكَ ذلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ». وقالَ أَيُّوبُ: «وَعِزَّتِكَ لاَ غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ».
باب قَوْلِ الرَّجُلِ: لَعَمْرُ اللّه
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَعَمْرُكَ: لَعَيشُكَ.
باب {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالَّلغْوِ فِى أَيْمَنِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (البقرة: 225)
فإنَّ الواوَ للشركة، ولكنَّه يقولُ: ثم شِئْتَ، لِيَدُلَّ على التراخي. وهذا من باب تهذيب الألفاظ، لا من باب التحريم، ولذا وَقَعَ في بعض المواضع: واو العطف أيضاً.
باب إِذَا حَنِثَ نَاسِياً في الأَيمَان
وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ} (الأحزاب: 5)، وَقالَ: {لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ} (الكهف: 73).
وصورةُ الحِنْثِ ناسياً أن يعلِّقَ الحِنْثَ على شيءٍ، ثم يأتي بالشرط ناسياً. وعندنا فيه الكفَّارةُ، كما في حال الذكر. وأثرُ النسيان في رفع الإِثم، دون الحكم. وذهبَ البخاريُّ إلى نفي الكفَّارة أيضاً، ولم يأتِ بشيءٍ من هذا الباب، بل أخرج أحاديثَ من غير هذا الباب، فلا حُجَّةَ علينا.
باب اليَمِينِ الغَمُوس
---
{وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَنَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوء بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النحل: 94) دَخَلاً: مَكْراً وَخِيَانَةً.(7/242)
باب قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلا أُوْلَئِكَ لاَ خَلَقَ لَهُمْ فِى الاْخِرَةِ وَلاَ يُكَلّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ وَلاَ يُزَكّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (آل عمران: 77)
وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لاِيْمَنِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 224). وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (النحل: 95) {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الاْيْمَنَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} (النحل: 91).
قوله: ({وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَنَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ}) والدَّخَلُ: كهوت، وهو أن يَحْلِفَ على أمرٍ لئلاَّ يَسُوغَ له فَعلُه.
قوله: ({وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً})... إلخ. قيل: معناه: لا تَجْعَلُوا اللَّهَ غرضاً لأيمانكم، فتَحْلِفُوا به كلَّ حينٍ. وقيل: معناه: أن تَحْلِفُوا أن لا تفعلوا، فتُعَلِّلُوا، وتقولوا: قد حَلَفْنَا. وترجمةُ «العُرْضَة» حينئذٍ: آر - اوت.
باب اليَمِينِ فِيما لاَ يَمْلِكُ، وَفي المَعْصِيَةِ وَفي الغَضَب
---
وقد مرَّ الكلامُ فيه. وأن التحقيقَ فيه عندي أن المؤثِّرَ عندي هو تناسبُ الأمرين، فإذا كان الأمران متناسبين يُعْتَبَرُ تعليقُهما، ويؤثِّر لا مَحَالَةَ. وإن كانا غيرَ ملائمين يَلْغُو. كما إذا قال للأجنبية: إن دخلتِ الدَّارَ فأنتِ طالقٌ، فإنَّه لا ملاءمةَ بين دخول الأجنبية والطلاق، فلا يُعْتَبَرُ أصلاً، بخلاف ما إذا أضافه إلى النكاح.(7/243)
قوله: (وفي المَعْصِيَةِ، في الغَضَبِ) واعلم أنَّ اليمينَ في المعصيةِ ينبغي أن لا يَنْعَقِدَ عن أئمتنا الثلاثة، على ما هو المحرَّر عندي، لأنَّ لصحة النَّذْر شرائطَ: منها أن يكونَ من جنسه واجباً، فلا تنعقد في المعصية. فإِذا لم تنعقد في المعصية، ينبغي أن لا تجب فيها الكفَّارةُ أيضاً، على ما هو المشهورُ من شرائطها في كُتُبِ الحنفية. إلاَّ أن الشيخَ ابن الهُمَام نَقَلَ عن الطحاويِّ أنَّ فيه الكفَّارةَ، وإن لَزِمَهُ الحِنْثُ. وكذا وضع محمدٌ باباً في «موطأه»، وصرَّح فيه أن من نَذَرَ بذبح ولده، عليه أن يَحْنَثَ، ويَذْبَحَ شاةً. فلا أدري أنَّ هذا هو مختارُهما فقط، أو تعدَّدت الرواياتُ عن صاحب المذهب.
ثم إنَّ مسألةَ النَّذْرِ قريبٌ من مسألة اليمين. وذهب أحمدُ في النَّذْرِ بالمعصية أنَّه ينعقدُ، ويجب عليه الحِنْثُ والكفَّارةُ. وتمسَّك بما عند الترمذيِّ: «لا نَذْرَ في معصيةٍ، وكفَّارتُه كفَّارةُ يمينٍ». ومحملُه عند الحنفية عندي: أنَّ الضميرَ فيه يَرْجِعُ إلى مطلق النَّذْرِ دون النَّذْرِ في المعصية بخصوصه.
هذا في النَّذْرِ، أمَّا في اليمين، فاتفقوا على أن الحِنْثَ فيه واجبٌ.
باب إِذَا قالَ: وَاللّهِ لاَ أَتَكَلَّمُ اليَوْمَ، فَصَلَّى، أَوْ قَرَأَ، أَوْ سَبَّحَ،أَوْ كَبَّرَ، أَوْ حَمِدَ، أَوْ هَلَّلَ، فَهُوَ عَلَى نِيَّتِه
---
وَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «أَفضَلُ الكَلاَمِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللّهِ، وَالحَمْدُ لِلّهِ، وَلاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ، وَاللّهُ أَكْبَرُ». وقالَ أَبُو سُفيَانِ: كَتَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم إِلَى هِرَقْلَ: {تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} (آل عمران: 64) وَقالَ مُجَاهِدٌ: {كَلِمَةَ التَّقْوَى} (الفتح: 26): لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ.(7/244)
باب مَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَدْخُلَ عَلَى أَهْلِهِ شَهْراً، وَكانَ الشَّهْرُ تِسْعاً وَعِشْرِين
وهذه الترجمةُ لا توافقنا بتمامها إلاَّ على قول الخَصَّاف، فإنَّه اعتبر نيةَ التخصيص في العموم ديانةً وقضاءً، وأمَّا على المشهور، فنيةُ التخصيص لا تعتبر في العامِّ قضاءً، وإن اعْتُبِرت ديانةً.
باب إِنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَشْرَبَ نَبِيذاً، فَشَرِبَ طِلاَءً أَوْ سَكَراً أَوْ عَصِيراً لَمْ يَحْنَثْ في قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ، وَلَيسَتْ هذهِ بِأَنْبِذَةٍ عِنْدَه
والنبيذُ على ما في «شرح العقائد» للنسفي: أن يُلْقي تميراتٍ في الماء، فيحلُّوا حتَّى تَظْهَرَ فيه الحموضةُ. ولم أر اشتراط الحموضةِ في كتابٍ غيره.
والطِّلاَءُ: أن يَحْتَرِقَ ثلثاه بالطبخ.
والسَّكرُ: هو الماءُ الخارجُ من النخل بدون تفصيلٍ.
وأمَّا العصيرُ، فهو ماءٌ معتصَرٌ.
قوله: (لَمْ يَحْنَثْ في قَوْلِ النَّاسِ)... إلخ، وأرادَ من قوله: «بعض الناس» الإِمامَ أبا حنيفة. وليس مقصودُه ههنا الردَّ عليه، ولكنَّ غرضَه أن اسمَ النبيذِ هل يَتَنَاوَلُ هذه الأشربة أيضاً؟ فإن كان العرفُ ذلك تناوله لا مَحَالة، فإنَّ مبنى الأَيْمَان على العُرْفِ. ولا بَحْثَ ههنا عن حِلِّه وحرمته.
---
باب إِذَا حَلَف أَنْ لاَ يَأْتَدِمَ، فَأَكَلَ تَمْراً بِخُبْزٍ، وَما يَكُونُ مِنْهُ اْلأُدْم
والإِدَامُ عندنا ما يُؤْتَدَمُ به، فلا يكون إلاَّ رَطْباً. وأطلقه المصنِّفُ على اليابس أيضاً، ولا ضيرَ فيه، فلعلَّه كان عُرْفُ أهل الكوفة في زمن فقهائنا. وقد عَلِمْتَ أنَّ مبني الأيمان عندنا على العُرْف.
باب النِّيَّةِ في الأَيمَان
باب إِذَا أَهْدَى مالَهُ عَلَى وَجْهِ النَّذْرِ وَالتَّوْبَة(7/245)
واعلم أن المسألةَ في نية التخصيص في العامِّ ما سَمِعْتَ آنفاً. وأمَّا تقييدُ المطلق، فلم يتعرَّضوا له في كتبنا. وهناك قسمٌ ثالثٌ، وهو مراتبُ الشيء. والمسمَّى هل يَصْلُحُ إرادةَ بعضها دون بعضٍ، كما في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ} (البقرة: 222)، فإنَّ مرتبتَه القوصى منه عينُ ما كان اليهود يفعلونها. وكنهى النبيِّ صلى الله عليه وسلّمعن الاستمتاع عمَّا تحت الإِزار، أو موضع الطَّمْث، فالرأيُ فيه عندي عبرةُ النية في كلِّها. ومراتبُ المُسَمَّى، وإن لم تُذْكَر في عامة الكُتُبِ، لكنَّها يمكن أن تندرجَ في تعريف المطلق لصدر الشريعة.
وأمَّا ما ذكره الشيخُ ابن الهُمَام في تعريفه، فلا يندرجُ فيه أصلاً، بل يحتاجُ إلى أن يُفْرَزَ له اصطلاحٌ جديدٌ. ونُقِلَ عن سيبويه، كما في «شرح الجامع الصغير»: أن الفعلَ ليس بعامَ، ولا خاصَ، بل هو مطلقٌ. وقال النحاةُ: إنَّه جنسٌ، والجنسُ أيضاً يُطْلَقُ على القليل والكثير.
باب إِذَا حَرَّمَ طَعَامَه
---
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَنِكُمْ (التحريم: 1 - 2). وَقَوْلُهُ: {لاَ تُحَرّمُواْ طَيّبَتِ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} (المائدة: 87).
باب الوَفاءِ بِالنَّذْر
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} (الإِنسان: 7).
باب إِثْمِ مَنْ لاَ يَفِي بِالنَّذر
باب النَّذْرِ في الطَّاعَة(7/246)
واعلم أن تحريمَ الحلال يمينٌ عندنا، خلافاً للشافعيِّ، ولم يُفصِح المصنِّفُ بجنوحه إلى أحدٍ من المذهبين. ثم ظاهرُ القرآن لأبي حنيفة، فإنَّه سمَّى التحريمَ المذكورَ يميناً. وأجاب عنه الشافعيةُ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّمكان حَلَفَ في هذه الواقعة أيضاً، كما يَدُلُّ عليه قوله في تلك الرواية: «وقد حَلَفْتُ، فل تُخْبِري بذلك أحداً»، ويحئنذٍ جاز أن يقولَ قولَه تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَنِكُمْ} (التحريم: 2) راجعاً إلى هذا اليمين. وللحنفية أن يَعَضُّوا على نظم النصِّ بالنواجذ، فإنَّه لما فرَّع على التحريم المذكورِ التحلُّلَ، دَلَّ على ما قلنا.
باب إِذَا نَذَرَ، أَوْ حَلَف أَنْ لاَ يُكَلِّمَ إِنْسَاناً في الجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَسْلَم
والنَّذْرُ في الجاهلية لا يَلْزَمُ عندنا، فلا يَجِبُ الوفاءُ به، والحديثُ محمولٌ على الاستحباب.
باب مَنْ ماتَ وَعَلَيهِ نَذْر
وَأَمَر ابْنُ عُمَرَ امْرَأَةً، جَعَلَتْ أُمُّهَا عَلَى نَفسِهَا صَلاَةً بِقُبَاءٍ، فَقَالَ: صَلِّي عَنْهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ.
---
باب النَّذْرِ فِيما لاَ يَمْلِكُ وَفي مَعْصِيَة
باب مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ أَيَّاماً، فَوَافَقَ النَّحْرَ أَوِ الفِطْر
قوله: (صَلِّي عَنْهَا) وهذا عندنا محمولٌ على الإِثابة دون النيابة.
6704 - قوله: (مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ، ولْيَسْتَظِلَّ، ولْيَقْعُدْ، ولْيُتِمَّ صَوْمَهُ)، فأمره بوفاء ما كان طاعةً من نَذْرِه، وما لم تكن منه طاعةً، فألغاه. ولم أر فيه ذكرَ الكفَّارةِ في طريقٍ.
باب هَل يَدْخُلُ في اْلأَيمَانِ وَالنُّذُورِ الأَرْضُ وَالغَنَمُ وَالزُّرُوعُ وَاْلأَمْتِعَة(7/247)
وَقالَ ابْنُ عُمَرَ: قالَ عُمَرُ للِنبي صلى الله عليه وسلّم أَصَبْتُ أَرْضاً لَمْ أُصِبْ مالاً قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ؟ قالَ: «إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بها». وَقالَ أَبُو طَلحَةَ للِنبي صلى الله عليه وسلّم أَحَبُّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيرُحاءَ لِحَائِطٍ لَهُ، مُسْتَقْبِلَة المَسْجِدِ.
وراجع مسائلَه من مسائلَ شتَّى من كتاب القضاء من «الهداية». ثم إنَّ هذه من مسائل النية. وفي كُتُبِ الفقه: من قال لامرأته: أنت بائنٌ، فعلى ما نوى من البينونة الصغرى، أو الكبرى. ولو قال: أنتِ طالقٌ، ونوى ثنتين، لغا. وذلك لأنَّ ثنتين عددٌ، واللفظُ لا يحتمله. بخلاف البينونة الكبرى، أو الصغرى، فإنَّها من مراتب الشيء. وقد نبَّهتك على أن مراتبَ الشيء، وإن لم يتعرَّض إليها الأصوليون، إلاَّ أنها تُسْتَفَادُ من بعض مسائل الفقه، وهذه منها.
كتاب كَفَّارَاتِ الأَيمَان
باب
---
قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَكِينَ} (المائدة: 89). وَما أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم حِينَ نَزَلَتْ: {فَفِدْيَةٌ مّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (البقرة: 196) وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ: ما كانَ في القُرْآنِ: أَوْ أَوْ، فَصَاحِبُهُ بِالخِيَارِ، وَقَدْ خَيَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم كَعْباً في الفِدْيَةِ.
باب قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَنِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (التحريم: 2)
مَتَى تَجِب الكَفَّارَةُ عَلَى الغَنِيِّ وَالفَقِيرِ.
باب مَنْ أَعانَ المُعْسِرَ في الكَفَّارَة
باب يُعْطِي في الكَفَّارَةِ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ، قَرِيباً كانَ أَوْ بَعِيدا
قوله: (ما كَانَ في القُرْآنِ: أَوْ، أعلأْ، فَصَاحبُهُ بالخِيَارِ)... إلخ، قلتُ: وليس ذلك مُطَّرِداً.(7/248)
باب صَاعِ المَدِينَةِ وَمُدِّ النبي صلى الله عليه وسلّموَبَرَكَتِهِ، وَما تَوَارَثَ أَهْلُ المَدِينَةِمِنْ ذلِكَ قَرْناً بَعْدَ قَرْن
باب قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (المائدة: 89)
وَأَيُّ الرِّقابِ أَزْكى.
باب عِتْقِ المُدَبَّرِ وَأُمِّ الوَلَدِ وَالمُكاتَبِ في الكَفَّارةِ، وَعِتْق وَلَدِ الزِّنَا
وَقالَ طَاوُسٌ: يُجْزِىءُ المُدَبَّرُ وَأُمُّ الوَلَدِ.
باب إذا أعتق عبداً بينه وبين آخر
باب إِذَا أَعْتَقَ في الكَفَّارَةِ، لِمَنْ يَكُونُ وَلاَؤُه
---
6712 - قوله: (كَانَ الصَّاعُ عَلَى عَهْدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّممُدّاً وثُلُثاً بِمُدِّكُمْ اليَوْمَ)... إلخ. واعلم أنه لا خلافَ بين الحنفية والشافعية أنَّ الصاعَ أربعةُ أمدادٍ، إنَّما الخلافُ في مقدار المُدِّ. فذهبَ الشافعيُّ، ومالكٌ، وأبو يوسف إلى أنه رَطْلٌ وثُلُثٌ، فيكونُ الصاعُ خمسةَ أرْطَالٍ، وثُلُثاً. وذهب أبو حنيفة، ومحمد إلى أنه رطلان، وحينئذٍ يكون الصاعُ ثمانيةُ أَرْطَالٍ وكان قَدْرُ المُدِّ والصاعِ قد ازداد في زمن السَّائِب على ما كان في عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلّمبكثيرٍ، فصار المُدُّ أربعةَ أرطالٍ، والصاعُ ستةَ عشرةَ رطلاً، ضِعْفَ ما عند العراقيين، وثلاثةَ أضعافِ ما عند الحجازيين. ولم يكن هذا الصاعُ مستعملاً في زمن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم بخلاف صاع العراقيين، والحجازيين، فإنَّهما كانا موجودين في زمن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وإن كان أحدُهما أكثرَ من الآخر.(7/249)
والسِّرُّ فيه: أن أرزاقَ الناس، والحبوبَ كانت قليلةً في عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فلمَّا كَثُرَت في عهد السائب زيدَ في مقدار المُدِّ والصاع، مع بقاء ارسم على حاله. وهذا كتفاوت سير في بلادنا، كم ترى فيه فرقاً في بمبمىء، وبشاور مع اتحاد الاسم بعينه. ولذا قيَّده الراوي بقوله: «بمُدِّكم اليومَ»، كأنَّه يُشِيرُ إلى زيادة مُدِّه، فإنَّ مُدَّه اليومَ، وثُلُثَهُ ساوى تمامَ صاع النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وهذا الحسابُ لا يستقيمُ إلاَّ إذا كان المُدُّ في عهده أربعةَ أرطالٍ، فيكون الصاعُ ستةَ عشرةَ رَطْلاً. ولمَّا زادَ الثُّلُثُ على المُدِّ، وثُلُثُ لمُدِّ رطلٌ وثُلثٌ، خَرَجَ أن صاعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلّمكان خمسةَ أرطالٍ، وثُلُثاً، كما ذكره ابن بطَّال في «الهامش».
---
6713 - قوله: (كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي زَكَاةَ رَمَضَانَ بِمُدِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم المُدِّ الأَوَّلِ) يقولُ الشافعيةُ: إنص المُدَّ الأوَّلَ هو رطلٌ وثُلُثٌ. وللحنفية أن يدَّعوا بثبوت صاعهم أيضاً في زمن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وحينئذٍ يَسُوغُ لهم أن يَحْمِلُوه على مذهبهم.
6713 - قوله: (قَالَ أبو قُتَيْبَةَ: قال لَنَا مَالِكٌ: مُدُّنَا أَعْظَمُ مِنْ مُدِّكُم) قال الحافظُ: إنَّ المرادَ منه العُظْمَ بحسب البركة، وذلك لأنَّه خشي أن لا يَثْبُت في قدر الصاع في متن المدينة اختلافٌ، فَيَثْبُتُ صاعُ الحنفية عند أهل المدينة. ولذا نُسِبَ صاعُنا إلى الحجَّاج، وسمَّاه حَجَّاجِيّاً، مع أنه ثَبَتَ عن عمر. فحمله على أنَّ المرادَ منه عمرُ بن عبد العزيز. ولَعَمْرِي أنه صنيعٌ لا ينفع الدينَ.(7/250)
قلتُ: وقد صرَّح مالك: أن المرادَ منه الزيادةُ في المقدار، دون البركة فقط. فراجع ظهار «الموطأ»، وفيه: أنَّ المُدَّ الواجبَ في سائر المواضع هو ما كان في عهده صلى الله عليه وسلّم أمَّا في الظهار فما حدث اليوم. فكأنَّه اعتبر في الظِّهَار الاسمَ، وفي سائر المواضع القَدْرَ، وقد عَلِمْتَ أن الاسمَ لا يختلف باختلاف القَدْرِ.
6713 - قوله: (وقَالَ لي مَالِكٌ: لَوْ جَاءَكُم أَمِيرٌ، فَضَرَبَ مُدَّاً أصْغَرَ مِنْ مُدِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم بأيِّ شيءٍ كُنْتُم تُعْطُونَ؟)... إلخ، أي لو كان المُدُّ نَقَصَ من مدِّه صلى الله عليه وسلّم لَمَا كنتم أعطيتموه في حقوق الله، فكذلك إذا زاد عليه.
---
وبالجملة: إنَّ المَدَارَ في أداء الحقوق ليس إلاَّ على المُدِّ الذي كان بعهد النبيِّ صلى الله عليه وسلّم سواء زاد بعده، أو نَقَصَ. وكان النَّاسُ إذ ذاك يُعْطَون مُدَّهم على ما كان عندهم، فإن كان مُدُّهم زائداً أعطوا من هذا الزائد، وإن كان ناقصاً فمن الناقص، على نحو ما ذَكَرَه ابنُ الهُمَام: أنَّ الدِّرْهَمَ المعتبرَ في باب الزكاة هو ما كان رائحاً عند أهل البلدة، بشرط أن لم يكن ناقصاً ممَّا كان بعهده صلى الله عليه وسلّم وجعلَ مالكُ المدارَ في المُدِّ على مُدِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلّمفي الصورتين جميعاً. والله تعالى أعلم بالصواب.
باب الاِسْتِثْنَاءِ في الأَيمَان
6718 - قوله: (ما أَنَا حَمَلْتُكُم، بَلِ اللَّهُ حَمَلَكُمْ) وقد التزمَ السيوطي في «عقود الجمان» أن لا يأتي بِمِثَالٍ من علم المعاني، والبيان، والبديع إلاَّ من القرآن والحديث. فلم يَجِدْ لمسألة: «مِثَالاً فيهما، فأتى بشعر المتنبِّي. قلتُ: ولعلَّه لم يتوجَّه إلى حديث البخاريِّ هذا، فدونك منِّي مثالُه من البخاريِّ، وتشكر.
باب الكَفَّارَةِ قَبْلَ الحِنْثِ وَبَعْدَه(7/251)
واعلم أن الراوي لمَّا لم تَثْبُت له قدمٌ عند ذكر الكفَّارة قبل الحِنْثِ، فتارةً قدَّم الكفَّارةَ قبل الحِنْثِ، وتارةً أخَّرها عنه في الذكر. والمصنِّف بوَّب بالأمرين، وأَجَازَ بهما لمَّا لم يتعيَّن عنده أحدُ اللفظين.
قلتُ: وذلك صنيعٌ ضعيفٌ جداً، إلاَّ أنَّ البخاريَّ قد يَرْكَبُه أيضاً. ثم اعلم أنَّه لم يَقُلْ أحدٌ بجواز التقديم في الكفَّارة البدنية. نعم أجاز بها الشافعيةُ في الماية. وأمَّا ما أخرجه البخاريُّ من الروايات في ذلك، فهي أوفقُ بنظر الحنفية.
كتاب الفَرَائِض
باب قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى:
---
باب تَعْلِيمِ الفَرَائِض
وَقالَ عُقْبَةُبْنُ عامِرٍ: تَعَلَّمُوا قَبْلَ الظانِّينَ. يَعْنِي: الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِالظَّنِّ.
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «لاَ نُورَثُ ما تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «مَنْ تَرَكَ مالاً فَلأَهْلِهِ»
باب مِيرَاثِ الوَلَدِ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّه
وَقالَ زَيدُبْنُ ثَابِتٍ: إِذَا تَرَكَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ بِنْتاً فَلَهَا النِّصْفُ، وَإِنْ كانَتَا اثْنَتَينِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَهُنَّ الثُّلُثَانِ، وَإنْ كانَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ بُدِىءَ بِمَنْ شَرِكَهُمْ فَيُؤْتَى فَرِيضَتَهُ، فَمَا بَقِيَ فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اْلأُنْثَيَينِ.
باب مِيرَاثِ البَنَات
وراجع تفصيلَ المناسخة من «حاشية الموطأ» للشاه عبد العزيز، فإنَّه أجادَ فيه جداً، ولم أر أحداً منهم أتى بمثله. ولي فيه نظمٌ يحتوي على مئة بيتٍ.
6732 - قوله: (لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) واعلم أنَّ العصبةَ إمَّا بنفسه، أو بالغير، أو مع الغير.
فالأوَّلُ: هو أقربُ رجلٍ ذكرٍ إلى الميِّت.
وأمَّا الثاني: فهو الإِناثُ، والغيرُ يكون عصبةً بنفسه.(7/252)
وأمَّا الثالثُ: فهو، والغيرُ كلاهما إناثٌ فيه. فالاستحقاقُ فيه إنَّما يأتي من قبل الاجتماع، وإلاَّ فلا عَصَبِيَّةَ فيه من جهة نفسه؛ كما في القسم الأوَّل. ولا من جهة الغير، كما في الثاني.
باب مِيرَاثِ ابْنِ الابْنِ إِذَا لَمْ يَكُنِ ابْن
---
وَقالَ زَيدٌ: وَلَدُ اْلأَبْنَاءِ بِمَنْزِلَةِ الوَلَدِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُمْ وَلَدٌ، ذَكَرُهُمْ كَذَكَرِهِمْ، وَأُنْثَاهُمْ كأُنْثَاهُمْ، يَرِثُونَ كما يَرِثُونَ، وَيَحْجُبُونَ كما يَحْجُبُونَ، وَلاَ يَرِثُ وَلَدُ الابْنِ مَعَ الابْنِ.
باب مِيرَاثِ ابْنَةِ ابْنٍ مَعَ ابْنَة
فابنُ العم محرومٌ عند وجود العم، وذلك لأنَّ العبرةَ فيه للطبقة، فإذا كان الابنُ الصلبيُّ موجوداً، لا يُعْبَأ بالابن بالواسطة.
قوله: (وَلاَ يَرِثُ وَلَدُ الابْنِ مَعَ الابْنِ)، أي الابن للميِّت.
باب مِيرَاثِ الجَدِّ مَعَ اْلأَبِ وَالإِخْوَة
وَقالَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيرِ: الجَدُّ أَبٌ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يَبَنِى آدَمَ} (الأعراف: 27) {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءابَآءي إِبْرهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ} (يوسف: 38) وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّ أَحَداً خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ في زَمانِهِ، وَأَصْحَاب النبي صلى الله عليه وسلّممُتَوَافِرُونَ. وَقال ابْنُ عَبَّاسٍ: يَرِثُنِي ابْنُ ابْنِي دُونَ إِخْوَتِي وَلاَ أَرِثُ أَنَا ابْنَ ابْنِي؟ وَيُذْكَرُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيدٍ أَقاوِيلُ مُخْتَلِفَةٌ.
باب مِيرَاثِ الزَّوْجِ مَعَ الوَلَدِ وَغَيرِه
والأخوةُ محرومون عندنا عند وجود الجد، وهو مذهب أبي بكرٍ الصديق. وتجري فيه المقاسمة عند صاحبيه.
باب مِيرَاثِ المَرْأَةِ وَالزَّوْجِ مَعَ الوَلَدِ وَغَيرِه
باب مِيرَاثُ اْلأَخَوَاتِ مَعَ البَنَاتِ عَصَبَة
باب مِيرَاثِ الأَخَوَاتِ وَاْلإِخْوَة
باب
---(7/253)
6740 - قوله: (ثُمَّ إنَّ المَرْأَةَ التي قَضَى عَلَيْهَا)... إلخ. وقد يقول الراوي: «قضى لها»، بدل: «عليها»، فيختلفُ المرادُ، فإنَّ الأولى هي الجانيةُ، والثانية هي المجنيةُ. والظاهرُ هو النسخةُ الأولى لِمَا فيها من بداعة، وهي أنَّ العقل يَجِبُ على عصبتها، أمَّا الوراثةُ فتكون لزوجها وولدها، ففيه استغرابٌ، ما للعصبة يغرَّمون العقلَ، ولا يحوزون الوراثةَ؟.
وإن كانت النسخة: «قضى لها»، فالمرأةُ هي المجنيةُ، والضميرُ في قوله: «على عصبتها» يرجع إلى الجانية، فَيَلْزَمُ الانتشارُ في الضمائر. ويُسْتَفَادُ من كلام البخاريِّ أنَّ الابنَ ليس بعصبةٍ، فلا يُؤْخَذُ بالدِّيَةِ، مع أنَّه لو كان من عشيرتها كان عصبةً أيضاً، ويغرَّم الدِّيَةَ. نعم لو لم يكن من قبيلتها لم يكن عصبةً، ولا يغرَّم الدِّيَةَ. وراجع لحلِّ العبارة الهامشَ من طبع الهند.
باب ابْنَي عَمَ: أَحَدُهُمَا أَخٌ لِلأُمِّ، وَالآخَرُ زَوْجٌ
ل
وَقالَ عَلِيٌّ: للِزَّوْجِ النِّصْفُ، وَللأَخِ مِنَ اْلأُمِّ السُّدُسُ، وَما بَقِيَ بَينَهُمَا نِصْفَانِ.
ومحصَّل الترجمة أنَّه ماذا يَصْنَعُ إذا اجتمعت القرابتان في رجلٍ واحدٍ؟ فإنَّ الآخرَ ابن عمِّها، ثم هو زوجها أيضاً. فالمسألةُ فيه أنَّ الزوجَ يَجُوزُ نصيبَه من جهة الفرضية، وكذا ابن العمِّ من حيث كونه ولدَ الأمِّ، ويشتركان في العصبية سواء.
باب ذَوِي اْلأَرْحام
باب مِيرَاثِ المُلاَعَنَة
باب الوَلَدُ لِلفِرَاشِ، حُرَّةً كانَتْ أَوْ أَمَة
باب الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَمِيرَاثُ اللَّقِيط
وَقالَ عُمَرُ: اللَّقِيطُ حُرٌّ.
وراجع شرح الحديث من «النبراس» لمولانا عبد العزيز.
---
باب مِيرَاثِ السَّائِبَة
باب إِثْمِ مَنْ تَبَرَّأَ مِنْ مَوَالِيه(7/254)
6754 - قوله: (فَإِنَّما الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) واعلم أنَّ الوَلاَءَ لحمةٌ كلحمة النسب عند الشرع، وحقٌّ لازم، فلا يَسْقُطُ بالإسقاط، ولا يَصْلُحُ للانتقال.
6754 - قوله: (قَالَ الأَسْوَدُ: وكَانَ زَوْجُهَا حُرّاً)... إلخ، وهذا يفيد الحنفيةُ. وتصدَّى له البخاريُّ، وحَكَمَ عليه بالانقطاع. وأجاب عنه العَيْنِيُّ، فلا يَضُرُّ انقطاعُ هذا الطريق إذا ثَبَتَ من غير طريقه.
باب إِذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيه
وَكانَ الحَسَنُ لاَ يَرَى لَهُ وِلاَيَةً. وَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ». وَيُذْكَرُ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَفَعَهُ قالَ: هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ. وَاخْتَلَفُوا في صِحَّةِ هذا الخَبَرِ.
باب ما يَرِثُ النِّسَاءُ مِنَ الوَلاَء
باب مَوْلَى القَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَابْنُ اْلأُخْتِ مِنْهُم
وهي ولاءُ الموالاة. والحديثُ فيه حسنٌ، وإن نقل البخاريُّ الاختلافَ في تصحيحه.
باب مِيرَاثِ اْلأَسِير
قالَ: وَكانَ شُرَيحٌ يُوَرِّثُ اْلأَسِيرَ في أَيدِي العَدُوِّ، وَيَقُولُ: هُوَ أَحْوَجُ إِلَيهِ. وَقالَ عُمَرُبْنُ عَبْدِ العَزِيزِ: أَجِزْ وَصِيَّةَ اْلأَسِيرِ وَعَتَاقَهُ، وَما صَنَعَ في مالِهِ، ما لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ دِينِهِ، فَإِنَّمَا هُوَ مالُهُ يَصْنَعُ فِيهِ ما يَشَاءُ.
باب لاَ يَرِثُ المُسْلِمُ الكافِرَ، وَلاَ الكافِرُ المُسْلِم
---
وَإِذَا أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ المِيرَاثُ فَلاَ مِيرَاثَ لَهُ.
أي من أُسِرَ في أيدي الكفَّار، فمات له مورِّث، يُوقَفُ ميراثُه. ولو تُصُرِّفَ فيه حال أسره، يُعْتَبَرُ تصرُّفه ما لم يتغيَّر عن دِينِه، أي يرتدُّ، والعياذ بالله.
باب مِيرَاثِ العَبْدِ النَّصْرَانِيِّ ومُكَاتَبِ النَّصْرَانِيِّ وَ إِثْمِ مَنِ انْتَفى مِنْ وَلَدِه
باب مَنِ ادَّعى أَخاً أَوْ ابْنَ أَخ(7/255)
باب مَنِ ادَّعى إِلَى غَيرِ أَبِيه
وهذا إقرارٌ بالنسب على الغير، وراجع له «الهداية».
باب إِذَا ادَّعَتِ المَرْأَةُ ابْنا
باب القَائِف
وهو مصوَّرٌ في فقهنا بكونه إقراراً على نفسها دون الزوج.
كتاب الحُدُود
باب ما يُحْذَرُ مِنَ الحُدُود
باب لاَ يُشْرَب الخَمْر
وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُنْزَعُ مِنْهُ نُورُ اْلإِيمَانِ في الزِّنَا.
باب ما جاءَ في ضَرْبِ شَارِبِ الخَمْر
وحَدَّثَنَا آدَمُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِبْنِ مالِكٍ رَضِيَ اللّهِ عَنْهُ: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلّمضَرَبَ في الخَمْرِ بِالجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ.
باب مَنْ أَمَرَ بِضَرْبِ الحَدِّ في البَيت
باب الضَّرْبِ بِالجَرِيدِ وَالنِّعَال
---
6779 - قوله: (حَتَّى إذا عَتَوْا وفَسَقُوا، جَلَدَ ثَمَانِينَ)، وبه أخذ الحنفيةُ، لكونه آخرَ ما استقرَّ عليه العملُ في زمن الخلفاء. ولمَّا كان الأمرُ فيه مختلفاً في عهد صاحب النبوة، قال عليٌّ: «إنصِ لو مات ودِيَتُهُ»، كما في حديثٍ قبله.
باب ما يُكْرَهُ مِنْ لَعْنِ شَارِب الخَمْرِ، وَأَنَّهُ لَيسَ بِخَارِجٍ مِنَ المِلَّة
باب السَّارِقِ حِينَ يَسْرِق
انظر إلى جلالة المصنِّف، أنَّه لم يتكلَّم بهذا الحرف في كتاب الإِيمان، لأنَّه ادَّعى فيه جزئيةَ الأعمال للإِيمان، واختار أنَّه كفرٌ دون كفرٍ، فأحبَّ أن يجعله مُطَّرِداً، ولم يَضَع فيه استثناءً، فأبقاه على عمومه. وصَدَعَ اليومَ أنَّ مرتكبَ الكبيرةِ ليس خارجاً عن الملَّةِ، وغيرَ داخلٍ في حدِّ الكفر. وقد كان هذا التعبيرُ يَضُرُّه فيما ادَّعاه في كتاب الإِيمان، فكيف أَغْمَضَ عنه ههنا، كأنَّه ليس هناك صائتٌ يُصَوِّتُ.
باب لَعْنِ السَّارِقِ إِذَا لَمْ يُسَم
باب الحدُودُ كَفَّارَة
باب ظَهْرُ المُؤْمِنِ حِمًى إِلاَّ في حَدَ أَوْ حَق(7/256)
باب إِقامَةِ الحُدُودِ وَالانْتقَامِ لِحُرُماتِ اللّه
باب إِقامَةِ الحُدُودِ عَلَى الشَّرِيفِ وَالوَضِيع
6783 - قوله: (لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقَ البَيْضَةَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ)... إلخ. ولمَّا ظنَّ الراوي أن البيضةَ شيءٌ تافهٌ، وكذا الحبلُ، لا يَبْلُغُ مَبْلَغَ نصاب السرقة، حمل البيضةَ على بيضة الحديد، أي خود، وكذا الحبلَ على ما يساوي دراهم.
---
قلتُ: لا حاجةَ إليه، لأنَّ المرادَ أنَّ المرءَ يَسْرِقُ أوّلاً محقَّرات الأشياء، فإذا اعتاد بها، سَرَقَ الثمينَ أيضاً، فَتُقْطَعُ يدُه، فتكون سرقةُ نحو الحبل سبباً لقطع يده.
باب كَرَاهِيَةِ الشَّفَاعَةِ في الحَدِّ إِذَا رُفِعَ إِلَى السُّلطَان
وهو المسألةُ عندنا. أمَّا قبل الرفع إلى القاضي، فتستحبُّ له الشفاعةُ، إذا عُلِمَ أنَّ موجبَ الحدِّ صدر منه اتفاقاً. ثم إنَّه لا قطعَ عندنا بعد قطع اليد اليمنى، والقدم اليسرى، لأنَّه يُفحضِي إلى تفويت جنس المنفعة.
باب قَوْلِ اللّهِ تَعَالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} (المائدة: 38) وَفي كَمْ يُقْطَع
وَقَطَعَ عَلِيٌّ مِنَ الكَفِّ، وَقالَ قَتَادَةُ، في امْرَأَةٍ سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ شِمالُهَا: لَيسَ إِلاَّ ذلِكَ.
قوله: (تُقْطَعُ اليَدُ في رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِداً)... إلخ. واعلم أنَّ نصابَ السرقة عند مالك: ربعُ الدينار، وهو درهمانَ ونصف. وعند الشافعية: ربعُ الدينار في الذهب، وثلاثةُ دراهم في الفضة. وعندنا: عشرةُ دراهم. وهو أيضاً مرويٌّ عند النَّسائي بإِسنادٍ صحيحٍ.
ثم للحنفية في وجه التفصِّي عمَّا يُخَالِفُهم وجوهٌ: منها أنَّهم ادَّعوا فيه الاضطرابَ، وذهب بعضُهم إلى النسخ.
---(7/257)
قلتُ: والأمرُ عندي أنَّ القطعَ أوَّلاً، كان في ثمن المِجَنِّ، كما في الحديث الآتي عند البخاريِّ، وغيرِه، عن عائشةَ: «أنَّ يدَ السارق لم تُقْطَع على عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلّمإلاَّ في ثمن مِجَنَ»... إلخ. وكان المسلمون في أوَّل أمرهم في العُسْرَةِ، فكان المِجَنُّ يساوي ثلاثةَ دراهم. حتَّى إذا جاء اللَّهُ لهم بالسَّعَة والفراغ، ازداد ثمنُه أيضاً، فبلغ إلى عشرة دراهم، كما هو عند النسائيِّ، عن ابن عبَّاسٍ: «كان ثمن المِجَنِّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّميقوَّم عشرةَ دراهمٍ». وكذا عند أبي داود، عن عطاء، عن ابن عبَّاسٍ قال: «قطع رسولُ الله صلى الله عليه وسلّميدَ رجلٍ في مَجَنَ قيمتُه دينارٌ، أو عشرةُ دراهم» اه.
فدلَّ على أنَّ الأصلَ عندهم في نصاب السرقة، كان هو المِجَنُّ، وإنَّما تدرَّج نِصَابُه من ثلاثة إلى خمسةٍ وعشرةِ، بتدرُّج قيمة المِجَنِّ. وإذن انجلى الوجهُ، فلا أقولُ بالنسخ، ولكن أقولُ: إنَّ الأمرَ استقرَّ آخراً على كون النصاب عشرةَ دراهمٍ. وقد سلك الطحاويُّ فيه مسلك التعارض، فتركتُه أيضاً، وأقررتُ أنَّ كلَّ ما رُوِي في الأحاديث ثابتٌ بلا ريبٍ، إلاَّ أنَّ آخرَ الأمر ما قلنا.
وهكذا فعلتُ في حدِّ الخمر، ومسألة المهر. فلا بُعْدَ أن يكونَ المهرُ في ابتداء الإِسلام نحو خاتم حديدٍ، إذا كان الناسُ صعاليكَ، ليس عندهم دينارٌ، ولا درهمٌ، فلمَّا جاءهم اللَّهُ بالسَّعَة، استقرَّ الأمرُ على عشرة دراهمٍ واللَّهُ تعالى أعلمُ، وعلمُه أحكمُ.
باب تَوْبَةِ السَّارِق
---(7/258)
والتوبةُ: الكفُّ عن المعصية. والاستغفارُ: طلب الغفران. فَيَقْتَصِرُ الأوَّل على من اقترفَ ذنباً، بخلاف الثاني، فإنَّه يكون لنفسه، ولغيره، وقد مرَّ. وكذا التوبةُ لا تجامع الذنب، بخلاف الاستغفار، فإنَّه يُجَامِعُه، فإنه يتمكَّنُ أن يأتي بذنبٍ، وهو يستغفرُ أيضاً، ويمكن أن ينفع له أيضاً. أمَّا التوبةُ، فهي ضِدُّه، فلا يُجَامِعُه. والله تعالى أعلم.
كتاب المُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ الكُفرِ وَالرِّدَّة
باب قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَآء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الاْرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مّنْ خِلَفٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الاْرْضِ} (المائدة: 33)
باب لَمْ يَحْسِمِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم المُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ حَتَّى هَلَكُوا
باب لَمْ يُسْقَ المُرْتَدُّونَ المُحَارِبُونَ حَتَّى ماتُوا
واعلم أنَّ الجمهورَ حملوا المحاربةَ في قوله تعالى المذكور على قطع الطريق. ولعلَّ البخاريَّ حملها على الكفر والارتداد. ولا شكَّ أنَّ الجناباتِ كلَّها كانت متحقِّقةً فيمن نزلت فيهم الآية. ومن ههنا تردَّدت الأنظارُ أنَّ مدارَ الحكم ما هو؟ الكفرُ والارتدادُ، أم قطعُ الطريقِ.
6802 - قوله: (ثم لَمْ يَحْسِمْهُمْ)، وذلك لأنَّه أراد قتلَهم. والحسمُ لئلاَّ يَخْرُجَ الدَّمُ كلُّه، فيموتوا.
باب سَمْرِ النبي صلى الله عليه وسلّم أَعْيُنَ المُحَارِبِين
---
6805 - قوله: (قَالَ أَبُوا قِلاَبَةَ: هَؤُلاَءِ قَوْمٌ سَرَقُوا، وقَتَلُوا، وكَفَرُوا بعد إِيمَانِهِمْ، وحَارَبُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ)... إلخ. ويترشَّحُ منه أنَّ المحاربةَ غيرُ الارتداد، فإنَّه عَطَفَ المحاربةَ على الكفر بعد الإِيمان، وهو الارتدادُ. وهذا يُخَالِفُ ما رامه البخاريُّ.
باب فَضْلِ مَنْ تَرَكَ الفَوَاحِش(7/259)
6806 - قوله: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ) قال الشارحون: إنَّ المرادَ بظلِّ الله ظلُّ عرشه. وإنَّما الإِضافةُ فيه للتشريف، لا لأنَّ ظلاًّ. أقول: إن كان عندهم روايةٌ على هذا المعنى، فذاك هو المرادُ، وإلاَّ فالكلامُ على ظاهره. والظنُّ يكون نحواً من تجلِّيه تبارك وتعالى، ويكون مرئياً يُشَاهِدُه الناسُ، ويراه عياناً، ويَجْلِسُون فيه. ثم إنَّ ذلك الظلّ ليس حادثاً من ذاته تعالى، بل هو مخلوقٌ تعالى. وإن كنتَ دَرَيْتَ حقيقةَ التجلِّي، لم يَبْعُد عندك ما قلنا. والله تعالى أعلم.
باب إِثْمِ الزُّنَاة
وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {وَلاَ يَزْنُونَ} (الفرقان: 68). {وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} (الإِسراء: 32).
6709 - قوله: (هَكَذَا، وشَبَّكَ بين أَصَابِعِهِ) واعلم أنَّ في نزع الإِيمان تشبيهان: الأوَّلُ: ما في حديث الباب. والثاني: أنَّ الإِيمان يكونُ على رأسه كالظُّلَّة، فإذا نُزِعَ عنه عاد إليه. وبينهما فرقٌ، فالتشبيهُ الأوَّلُ لبيان صورة الاتصال والانفصال، والثاني لبيان محله بعد الانفصال، وأنَّه لا يزول عنه بالكليَّةِ، ولا يُسْلَبُ عنه اسمُ الإِيمان، فإذا انْتُزِعَ عنه بقي فيه أثرُه، وهو التنجُّس لا غير، وذلك لا يُنَافِيه. وإله يُشِيرُ قول أبي هريرة: «والتوبةُ معروفةٌ بعدُ».
---
قلتُ: وإذا كان الإِيمانُ يُنْزَعُ عنه مرَّةً، فلعلَّه يُحْدِثُ فيه ضعْفٌ، فإنَّ الساقطَ لا يعود، وأنَّى تَحْي الأمواتُ قبل النشور.
باب رَجْمِ المُحْصَن
وَقالَ الحَسَنُ: مَنْ زَنَى بِأُخْتِهِ حَدُّهُ حَدُّ الزَّانِي.(7/260)
6812 - قوله: (رَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم لم يخرِّج المصنِّفُ الروايةَ بتمامها، وأخرجها الحافظُ في «الفتح»، وفيها: «إنِّي جلدتُها بالقرآن، ورجمتُها بالسنة» وحملها النَّاسُ على النسخ. قلتُ: والذي تبيَّن لي أنَّ أصلَ الحدِّ فيه ما ذكره القرآن، وهو الجلدُ. أمَّا الرجمُ، فحدٌّ ثانويٌّ. وإنَّما لم يأخذه القرآنُ في النظم إخمالاً لذكره، ليندريء عن الناس ما اندرأ، فكان الجلدُ حدّاً مقصوداً، لا ينفكُّ عنه بحالٍ.
وأمَّا الرجمُ فهذا، وإن كان حدّاً، لكنَّ المقصودَ درؤُه متى ما أمكن. فلو أخذه في النظم لحصل تنويهُ أمره، وتشهيرُ ذكره، والمقصودُ إخمالُه. كيف ولو كان في القرآن، لكان وحياً يُتْلَى إلى مدى الدهر، فلم يَحْصُل المقصودُ. ولهذا المعنى جَمَعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّمبينهما مرَّةً، واكتفى بأحدهما أخرى وهو معنى ما عن عمر في «الفتح» حين سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلّمأن يَكْتُبَ آيةَ الرجم، حيث قال له: «كيف وأنَّهم يَتَهَارَجُون تهارُجَ الحُمُرِ». أراد به أنَّ التهارُجَ شائعٌ، وجزاءَه الرجمُ، فلو أَكْتُبُهُ لحصل تنويهٌ. فالأوْلى أن يكونَ الرجمُ باقياً في العمل، وخاملاً في القرآن، ولو كتبتُه في القرآن لتأكد أمرُه، فلا يُنَاسِبُهُ الدرءُ، والمقصودُ هو ذلك مهما أمكن.
ثم في حديث عليّ: أنَّ رجمَه إيَّاها كان بالسنة. وقال الفقهاء: إنَّه بالآيةِ المنسوخةِ التلاوة، الباقيةِ الحكمِ. قلتُ: وتلك الآية، وإن نُسِخَت في حقِّ التلاوة، إلاَّ أن هذا الركوعَ كلَّه في قصة الرجم.
---
6814 - قوله: (فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ)... إلخ. وهي شرطٌ عندنا لهذا الحديث. وإذا وَرَدَ التفصيلُ في موضعٍ، فَلْيُحْمَل عليه الإِجمالُ من موضعٍ آخر.
باب لاَ يُرْجَمُ المَجْنُونُ وَالمَجْنُونَة(7/261)
وَقالَ عَلِيٌّ لِعُمَرَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ القَلَمَ رُفِعَ عَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يُدْرِكَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيقِظَ؟
باب لِلعَاهِرِ الحَجَر
قوله: (وعن النَّائِمِ حتَّى يَسْتَيْقِظَ) وراجع له كلامَ شمس الأئمة السَّرَخْسِيّ، فإنَّه أجاد فيه، ووضع له فصلاً مستقلاًّ في كتابه.
وقال المالكيةُ: إنه يُسْأَلُ لِمَ يَفِرُّ؟ فإن كان من ألم الحجارة، يُرْجَمُ، وإلاَّ لا.
وقال الشافعيةُ: إن له خياراً في الرجوع قبل أن يُرْجَمَ، فإذا دخل النَّاسُ في الرجم لا يعتبر بفراره.
ومذهبُ الحنفية، والجوابُ على طورهم ما سمعت.
ولنا أيضاً أن نقولَ: إنَّا لو سلَّمنا سقوطَ الرجم عنه في القصة المذكورة، فإِنَّما لم يُوجِبْ النبيُّ صلى الله عليه وسلّمعليهم الدِّيَةَ، لأنَّها قصة الأوائل، والناسُ بعدُ حديثو عهدهم بالجاهلية، فاعتبر جهلَهم عُذْراً إذ ذاك. وقد مرَّ الكلامُ منِّي في اعتبار الجهل، وعدمه مبسوطاً في العلم فراجعه.
باب الرَّجْمِ في البَلاَط
كان موضعاً خارج المسجد، مفروشاً بالحجارة.
باب الرَّجْمِ بِالمُصَلَّى
يمكن أن يكونَ المرادُ منه مصلَّى العيد، أو الجنائز.
قوله: (سُئِلَ عليه أبو عبد اللَّهِ، يَصِحُّ) ... إلخ، مال البخاريُّ إلى أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّملم يُصَلِّ عليه. والراجحُ عندي أنه صلَّى عليه صلى الله عليه وسلّم
---
باب مَنْ أَصَابَ ذَنْباً دُونَ الحَدِّ، فَأَخْبَرَ اْلإِمامَ، فَلاَ عُقُوبَةَ عَلَيهِبَعْدَ التَّوْبَةِ، إِذَا جاءَ مُسْتَفتِيا
قالَ عَطَاءٌ: لَمْ يُعَاقِبْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم وَقالَ ابْنُ جُرَيجٍ: وَلَمْ يُعَاقِبِ الَّذِي جامَعَ في رَمَضَانَ، وَلَمْ يُعاقِبْ عُمَرُ صَاحِبَ الظَّبْيِ، وَفِيهِ: عَنْ أَبِي عُثْمانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم(7/262)
باب إِذَا أَقَرَّ بِالحَدِّ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَل للإِمامِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيه
باب هَل يَقُولُ اْلإِمامُ لِلمُقِرِّ: لَعَلَّكَ لَمَسْتَ أَوْ غَمَزْت
باب سُؤَالِ اْلإِمامِ المُقِرَّ: هَل أَحْصَنْت
باب الاعْتِرَافِ بِالزِّنَا
قوله: (وَلَمْ يُعَاقِبْ عُمَرُ صَاحِبَ الظبْي)... إلخ، وإنَّما لم يعاقبه عمرُ، لأنَّه حضره بنفسه. وفي القصة أنَّه لما حَضَرَ عمرُ تلفَّظ: الصبيّ، بلهجة شابهت بالضاد، فلم يفهم عمرُ ما يقول، فاستفهم الناسَ، فقالوا: يُريدُ الظبيَ. ففيه دليلٌ على أنَّ الضاد، والظاء، بينهما تشابه جداً، حتى يُوضَعَ أحدُهما مكانَ الآخر. والمسألةُ لمَّا نوَّه بها غيرُ المقلَّدين، تُوُهِّم أنَّها من مسائلهم، وليس كذلك.
باب رَجْم الحُبْلَى مِنَ الزِّنَا إِذَا أَحْصَنَت
6830 - قوله: (فلمَّا سَكَتَ المُؤَذِّنُونَ)... إلخ. فيه دليلٌ على تعدُّد المؤذِّنين في عهد عمر، فحكمُ البِدْعَةِ على أذان الجوق، شطط، أما تعدد الأذان في الجمعة، فقد ثبت عن عثمان ثبوتاً فاشياً، غير أن المصنف لم يضع في كتابه ترجمة على أذان الجوق.
---
6830 - قوله: (فَأَخْشَى إنْ طَالَ بالنَّاسِ زمانٌ أنْ يَقُولَ قائلٌ: واللَّهِ ما نَجِدُ آيةَ الرَّجْمِ في كتابِ اللَّهِ)... إلخ وقد كان عمرُ أرادَ أَنْ يكتُبَها في المُصْحَف. فإنْ قلت: إِنَّها إِن كانت مِنْ كِتَابِ الله، وَجَبَ أَنْ تَكْتُبَ، وإلا وَجَبَ أَنْ لا تُكْتَب، فما معنى قولُ عُمر؟ قلتُ: أَخْرَجَ الحافظُ عنه: لكَتَبْتُها في آخر القرآن.(7/263)
6830 - قوله: (إذَا قَامَتِ البَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الحَبَلُ، أَوْ الاعْتِرَافُ)... إلخ. واعلم أنَّ الحبلَ عند المالكية كالبيِّنة، والاعترافِ. فإن ظَهَرَ بها الحملُ ولم تَنْكَحْ، تَرْجَم، إلاَّ أن تُقِيمَ بيِّنةً على الحِلِّ، أو الاستكراه. وعندنا، وعند الشافعية: الرجمُ بالبيِّنة، أو الاعراف، فحسب، ولا عِبْرَةَ بالحبل. وليس الإِمامُ مأموراً أن يتَّبع عورات الناس، فيفتِّش عن الحبل، كيف هو؟ ومن أين هو؟ والعجبُ من الحافظ أنَّه أجاب به المالكيةَ ههنا، ونسيه، أو تناساه في مسألة ثبوت النسب في المشرقية والغربي.
وقد مرَّ مفصَّلاً: أن الحنفيةَ لم يقولوا في مسألة المشرقية إلاَّ عينَ ما قاله الحافظُ في مقابلة المالكية في تلك المسألة.
أمَّا الجوابُ عمَّا في الحديث: أنَّ الحَبَلَ، وإن لم يكن سبباً مستقلاًّ للرجم، إلاَّ أنَّه سببٌ في الجملة، لأنَّ الحديثَ لا ينقطع عن الحبل إلاَّ بعد تساؤل الناس، وتحادثِهم عنه، فإِمَّا أن ينتهيَ الأمرُ إلى الاعتراف، أو البينة. فالسببُ انتهاءً هو هذان. نعم، قد يسبقهما حبلٌ، فيصيرُ كالسبب البعيد للرجم، فعدَّه سبباً مستقلاًّ.
باب البِكْرَانِ يُجْلَدَانِ وَيُنْفَيَان
---
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مّنَ الْمُؤْمِنِينَ الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (النور: 2 - 3) قالَ ابْنُ عُيَينَةَ: رَأْفَةٌ إِقامَةُ الحُدُودِ.m
باب نَفيِ أَهْلِ المَعَاصِي وَالمُخَنَّثِين(7/264)
لا يُرِيدُ بزِنَى البِكْرَانِ: الزاني، والمَزْنِيَّةَ، بل هو عام، سواءٌ زَنَى البِكْرُ الزاني من ثَيِّب، أَوْ الثيِّبُ مِنْ باكِرة.
6833 - قوله: (قَضَى فِمَنْ زَنَى، ولم يُحْصَنْ: بنفي عامٍ، وبإِقامةِ الحَدِّ عليه)... إلخ، وفي روَايةٍ: «مَعَ إقامة الحد». وتَمَسَكَ منها الشيخُ ابنُ الهُمامِ على كَوْنِ النفي خارجاً عن الحدِّ.
باب مَنْ أَمَرَ غَيرَ اْلإِمامِ بِإِقَامَةِ الحَدِّ غائِباً عَنْه
6835، 6836 - قوله: (فَاغْدُ على امْرَأَةِ هَذَا) إلخ، وإنَّما أَمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّمأُنَيْسَاً أَنْ يَغْدُو إِليها، وَيَسْأَلَ عَنْ أَمْرها، مَعَ أَنَّ مَبْنَى الحدِّ على الستر، والدُّرْءِ، لأنَّ قِصَةَ العَسِيفِ تَضمَّنَتْ قَذْفاً أيضاً، وذلك مِنْ حُقُوقِ العِبَادِ الذي يَجِبُ استيفَاؤُه، فحقق أَمْرَها، حتى اعْتَرَفت، فَرُجِمَتْ.
---
باب قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَينَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى المُحْصَنَاتِ مِنَ العَذَابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ العَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيرٌ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (النساء: 25).
باب إِذَا زَنَتِ الأَمَة
باب لاَ يُثَرَّب عَلَى اْلأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلاَ تُنْفى(7/265)
6837 - 6838 قوله: (ولم تُحْصَنْ) وللإِحصانِ شَرائِطَ عند الفقهاء، أما في الأحادِيثِ فأكْثَرَ ما يُسْتَعْمَلُ فيه بمعنى التَّزَوج، والمراد به ههنا العِفَّة، لأنَّ الأَمةَ حدّها الجَلْدُ، سواءٌ تزوجت أوْ لا.
باب أَحْكامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِحْصَانِهِمْ، إِذَا زَنَوْا وَرُفِعُوا إِلَى اْلإِمام
باب إِذَا رَمى امْرَأَتَهُ أَوِ امْرَأَةَ غَيرِهِ بِالزِّنَا، عِنْدَ الحَاكِمِ وَالنَّاسِ، هَل عَلَى الحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيهَا فَيَسْأَلَهَا عَمَّا رُمِيَتْ بِه
وافَقَ الفقهاءُ الثلاثةُ في حُكْمِ الإِحصان على أَهْلِ الذِّمَّة، وعندنا - مِنْ شَرَائطِ الإِحصان: الإِسلامُ - فليسوا بمُحصِنينَ، ولا يكونُ حدُّهم الرَّجْم. أَمَّا رَجْمُ اليهوديين كما في الحديث، فكان بحُكْمِ التَّورَاة، كما أَجَابَ بهِ الطَّحاوي، وقد بَسطْنَاه مِنْ قَبْل.
---
باب مَنْ أَدَّبَ أَهْلَهُ أَوْ غَيرَهُ دُونَ السُّلطَان
وَقالَ أَبُو سَعِيدٍ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم «إِذَا صَلَّى، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَمُرَّ بَينَ يَدَيهِ فَليَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبى فَليُقَاتِلهُ». وَفَعَلَهُ أَبُو سَعِيدٍ.
باب مَنْ رَأَى مَعَ امْرَأَتِهِ رَجلاً فَقَتَلَه
باب ما جاءَ في التَّعْرِيض
باب كَمِ التَّعْزِيرُ وَاْلأَدَب
6848 - قوله: (لا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ، إلاَّ في حدَ من حُدُودِ اللَّهِ).
واعلم أنَّ التعزِيزَ عندنا لا يَنْبَغي أَنْ يَبْلُغَ أخفَّ الحُدُودِ. فلا يُزادُ على تِسعٍ وثلاثينَ ضربات. ولا تحديدَ فيه عند أبي يوسف، كما في «شرح معاني الآثار» للطَّحاوي، فهو مَؤْكُولٌ إلى رأي الإِمامِ عنده، وذلك في التَّعْزِيرِ مِنَ السِّياط. أمَّا إذا خَرَجَ مِنْ ذلك النَّوع، وأَرَادَ التَّعزيرَ بغيرِهِ، فيجوزُ له حتى القَتْل، عند إِمَامَنَا الأعظمُ رحمه الله تعالى أيضاً.(7/266)
والجوابُ عن الحديثِ على ما نقله الشيخُ تقي الدين بنُ دقيق العيد عن فَاضِلٍ لم يَذْكُر اسمَهُ: أَنَّ الحدَّ فيه ليس بالمعنى المُصْطَلح، بل على حدِّ قوله تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا (البقرة: 229).
قلتُ: وذلك الفاضلُ هو الحافظُ ابنُ تيمية، ولعله لم يَذْكُرهُ باسمِهِ، لأنَّه كان مِنْ كِبَارِ أولياءِ الله، معاصراً لابن تيمية، وكان ابن تيمية يُشَدِّدُ الكلامَ في أولئكَ، فأحَبَّ أَنْ لا يَذْكُرَ اسمهُ، والله تعالى أعلم بالصواب.
---
والذي ظهر لي في هذا الباب أَنَّ المسألةَ، كما ذكرها أبو يوسف، لما قد ثَبَتَتْ الزيادة على العشر في غيرِ واحدٍ من الأحاديث، إلا أَنَّ العملَ بِها لا يُسوَّغ، إلا لمُتدين يُراعي حدودَ الله، ويحفظُ أوامرَ الشرع، ولا ينبغي الافتاءُ بها عامة، فَتَبْسُط الظلمةُ أيديَهم، فَيُضَيِّقون أرضَ الله تعالى على النَّاس.
هذا في التعزير، وأما التأديب، فله أَنْ يفعَلَهُ في عشيرَتِهِ بغيرِ إذْنِ السلطان.
باب مَنْ أَظْهَرَ الفَاحِشَةَ وَاللَّطْخَ وَالتُّهَمَةَ بِغَيرِ بَيِّنَة
باب رَمْيِ المُحْصَنَات
وقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (النور: 4 - 5) {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَتِ الْغَفِلَتِ الْمُؤْمِنتِ لُعِنُواْ فِى الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النور: 23). وقَوْلِ اللَّهِ: {والَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا} الآية (النور: 6)(7/267)
6855 - قوله: (تلكَ امْرَأةٌ أَعْلَنَتْ)... إلخ، ترجمته آواراتهى، وإنَّما لم يُقِمْ عليها الحدَّ، لأنَّها كانت أَخف مِنْ أَنْ يَهْتَم لها أحدٌ، فيأتي عليها ببينة.
6856 - قوله: (فَوَضَعَتْ شَبِيهاً بالرَّجُل الذي ذَكَرَ زَوْجُهَا أنَّه وَجَدَهُ عندها، فَلاَعَنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّمبينهما) وهذا الراوي يوافقنا في أَنَّ القَذْفَ كان في حالِ الحَمْلِ، ولم يَحْكُم النبيُّ صلى الله عليه وسلّمباللَّعانِ بينهما إلا بَعْدَ الوضعِ.
---
باب قَذْفِ العَبِيد
ولمَّا كان الحدُّ ساقطاً عَنْ مولاهُ في الدنيا، فلو قَذَفَهُ وهو بَرِيءٌ، يُقَامُ عليه الحدُّ في الآخرة.
باب هَل يَأْمُرُ اْلإِمامُ رَجُلاً فَيَضْرِب الحَدَّ غائِباً عَنْه
وَقَدْ فَعَلَهُ عُمَرُ.
وقد مَرَّتْ قَبْلَها ترجمةٌ مثلُها: - باب: مَنْ أَمَرَ غيرَ الإِمَام بأِقَامَةِ الحدِّ غائباً عنه، فلا بُدَّ مِنَ الفَرْقِ بينَهُمَا.(7/268)
فأقول: إنَّ المقْصُودَ في تلكَ الترجمةِ بيانُ أنَّ الإِمامَ هل لهُ ولاَيةٌ على تَوْلِيةِ غَيْرِهِ لإِقامةِ الحدِّ؟ وكان المقصودُ فيما سَبَقَ هو حالُ الغَيْرِ، أي هل للغيرِ إقامة الحَدِّ عند غَيْبُوبةِ الإِمامِ إذا كان وَلاَّه عليها، ولذا لف الفاعل ههنا، ولم يُصرح أَنَّ الآمِرَ مَنْ هو، وإِنْ كان الآمِرَ في الخارجِ هو الإِمامُ، إلا أَنَّ الغَرَضَ فيه لم يَكُنْ إلا حالَ المأمورِ، بخلافه في تلك الترجمة، فإنَّ المحط بيان حال الإِمام، ولذا صرَّح بهِ، وقال: وهل يأمرُ الإِمامُ... إلخ، وحينئذ يَخْتَلِفُ الجوابُ فيهما أيضاً، فإنَّ جوابَ التَّجمةِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ يجوزُ للغيرِ إقامةُ الحدِّ، إذا كان الإِمامُ أَمَرَهُ بِهِ، كما أقامَهُ أُنيسٌ في قِصة العَسِيف؟ وجوابُ تلك الترجمةِ: أَنَّ لزِمامِ ولايةٌ لتوليةِ الغيرِ عليها، كما ولى النبيُّ صلى الله عليه وسلّمأُنيساً على إقامةِ الحدِّ، فافترقتا، وبعبارة أخرى: إن الترجمة السابقة كانت في قوله: «فَرَجَمَها»، وهذه التَّرْجَمةُ في قوله: «أغْدُ يا أُنيس». وحينئذٍ لم يَبْقَ بينهما التباسٌ، واللَّهُ تعالى أعلمُ بالصَّواب.
كتاب الدِّيَات
باب ُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ} (النساء: 93)
---
6861 - قوله: (أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ)... إلخ.
6865 - قوله: (يا رسولَ اللَّهِ، إن لَقِيتُ كَافِراً)... إلخ، هذا سؤال فَرَضِيٌ. وحاصل جوابه صلى الله عليه وسلّم إنَّكَ إنْ قَتَلْتَ رَجُلاً، قال: لا إِله إلا اللَّهُ، فقد صِرْتَ إلى مَكَانِه، وصَارَ مكانِكَ في إِبَاحَةِ القَتْلِ وحَظْرِهِ، أَي صارَ هو مَحْقُونُ الدَّمِ، وأَنْتَ مُبَاحٌ الدَّمِ، كما كان هو قَبْلَ قولِهِ هذا القول.(7/269)
فائدة: واعلم أَنَّ دِيَّةَ الرَّجُلِ الذي أَسْلَمَ فَقُتِلَ، ولم يَكُنْ مِنْ أَوْليائِهِ مُسْلِمٌ، تُحْرَزُ إلى بيتِ المال، وتُصْرَفُ في مصالحِ المُسْلِمين.
باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى: {وَمَنْ أَحْيَهَا} (المَائدة: 32)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ حَرَّمَ قَتْلَهَا إِلاَّ بِحَقّ فكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً.
باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالاْنثَى بِالاْنْثَى فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَىْء فَاتِبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَآء إِلَيْهِ بِإِحْسَنٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مّن رَّبّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}صلى الله عليه وسلّم (البقرة: 178).
6872 - قوله: (حتَّى تَمَنَّيْتُ أنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ)... إلخ، ومَنْ لا يَدْرِي مَجارِيَ العُرْفِ، ومَوَارِدَ الاستعمالِ يَتَحَيَّرُ منه، فإنَّ الظَّاهرَ منه أَنَّه تَمنِّي للكُفرِ فيما سَبَق، وهو رِضاءٌ بالكفر، وليس بمرادٍ أصلاً، ولكنَّهُ يُريدُ به فَظَاعةَ هذه الجريمة، بحيثُ يَتمنَّى إسلامَه اليوم، ليَجُبَّ إسلامُه ما سَبَقَ منهُ مِنَ المعاصي، فَتَدْخُلُ تلك الجريمةُ أيضاً في الكَفَّارَةِ، وراجع الهامش.
---
باب سُؤَالِ القَاتِلِ حَتَّى يُقِرَّ، وَالإِقْرَارِ في الحدُود
باب إِذَا قَتَلَ بِحَجَرٍ أَوْ بعَصا
6876 - قوله: (فَرُضَّ رَأْسُهُ بالحِجَارَةِ) واعلم أنَّ القَتْلَ بالمُثَقَّلِ دَاخِلٌ في العَمْدِ عند الجمهور، ولا عَمْدَ عندنا إلا القتلُ بالمُحَدَّدِ، فإِذن هو شِبْهُ العَمْدِ، وفيه الدِّية، دونَ القِصَاص؛ فالحديثُ عندنا مَخْمُولٌ على السِّياسةِ، على أَنَّ الطَّحاويَ حَمَلَهُ على قَطْعِ الطَّرِيقِ.(7/270)
باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالاْنْفَ بِالاْنْفِ وَالاْذُنَ بِالاْذُنِ وَالسّنَّ بِالسِنّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّلِمُونَ} (المَائدة: 45).
باب مَنْ أَقادَ بِالحَجَر
6878 - قوله: (والمُفَارِق لِدِينِهِ، التَّارِكُ للجماعةِ) هل المُفَارَقَةُ للدِّينِ، وتَرْكُ الجماعةِ أَمْرَ، أو معناهُما واحدٌ؟ فَهُمَا رَأْيَان، فإِنْ كان الأولُ كان مِنْ مُوجِبَاتِ القَتْلِ أربعاً، وإلا ثَلاثاً، ثمَّ إنْ مُوجِبَاتِ القَتْلِ سِوَاها بعدَ تَنْقِيحِ المَنَاطِ، راجعةٌ إلى هذه الأمورِ، فهي أصولٌ ودَعَامَةٌ. وعن أحمد: يجوزُ قَتْل كُلِّ مُبْتَدعٍ.
باب مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيرِ النَّظَرَين
6880 - قوله: (وإنَّها سَاعَتِي هذه حَرَامٌ يُخْتَلَى شَوْكُهَا)، ويَنْبَغي أَنْ تكونَ ههنا حرفُ النَّفي، أي لا يُخْتلَى شوكُها.
باب مَنْ طَلَبَ دَمَ امْرِىءٍ بِغَيرِ حَق
---
6882 - قوله: (ومُبْتَغٍ في الإِسلامِ سُنَّةَ الجَاهِليَّةِ)، أي كانت له دِمَاءٌ على النَّاسِ في الجاهلية، فَجَعَلَ يَسْتَوْفِيها بعدَ الإِسلامِ، ولمَّا كان هذا الحديثُ وَارِدَاً في دِمَاءِ الجاهليةِ، ودُخُولِها، أَمْكَنَ حَمْلُ الحديثِ العام عليه أيضاً، وهو قولُه صلى الله عليه وسلّم «لا يُقْتَلُ مسلمٌ بكافرٍ، أي لا يُقْتَل مُسْلِمٌ بعد الإِسلامِ في قِصَاصِ كافرٍ قَتَلَهُ في الجاهليةِ، وحينئذٍ لا يكون الحديثُ مخالفاً للحنَفِيةِ.
باب العَفوِ في الخَطَإِ بَعْدَ المَوْت(7/271)
باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} (النساء: 92).
6883 - قوله: (حتَّى لَحِقُوا بالطَّائِفِ) ولم يَذْكُر الرَّاوي هذا الحرفَ إلا ههنا، وأَظُنُّهُ اختلاطاً منه، فإنَّ هزيمةَ الكُفَّارِ يوم أُحد في الكَرَّةِ الأُولى قد ذَكَرَها الآخرون أيضاً، أَمَّا إِنَّهم لحقوا بالطَّائفِ الذي بمرَاحلَ مِنْ أُحُدْ، فلم يَذْكُرْهُ أحدٌ إلا هذا الراوي، فلينظره.
باب إِذَا أَقَرَّ بِالقَتْلِ مَرَّةً قُتِلَ بِه
باب قَتْلِ الرَّجُلِ بِالمَرْأَة
---
وهكذا عندنا الإِقرارُ مَرةً يكفي، وليس الإِقرارُ فيه، كالإِقرارِ في الزِّنا.
باب القِصَاصِ بَينَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ في الجِرَاحات
وَقَالَ أَهْلُ العَلمِ: يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالمَرْأَةِ. وَيُذْكَرُ عَنْ عُمَرَ: تُقَادُ المَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ في كُلِّ عَمْدٍ يَبْلغُ نَفسَهُ فَمَا دُونَهَا مِنَ الجِرَاحِ. وَبِهِ قَالَ عُمَرُبْنُ عَبْدِ العَزِيزَ، وَإِبْرَاهيمُ، وَأَبُو الزِّنَادِ عَنْ أَصْحَابِهِ. وَجَرَحَتْ أُخْتُ الرُّبيِّعِ إِنْسَاناً، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «القِصَاصُ».(7/272)
ولا قِصَاصَ عندنا بين المَرْأَةِ والرَّجُلِ في الأَطْرَافِ والجِرَاحاتِ التي لا يُمكِنُ المساواةُ فيها، أَمَّا في النَّفْسِ، ونحوِ قَلْعِ السِّن، ففيهِ ذلك، وَبَوَّبَ عليه الطَّحاوي، وأتَى بأَشْيَاءٍ فقهية، تُفيدُ جداً؛ وخالفنَا البُخاريُ في قِصَاصِ الجِرَاحاتِ ولنا: أَثرُ ابنُ مسعودٍ في «كتاب الأُم» يَدُل على أَنَّ لا قِصَاصَ بين الرَّجُلِ والمرأةِ في الأطرافِ.
قوله: (وجَرَحَتْ أُخْتُ الرُّبَيِّع إنْسَاناً) قلت: ولم تَثْبُتْ فيه قَدَمُ للرَّاوي، فيقولُ تارةً: إِنَّها كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ رَجُل، ففيه دليلٌ على ما رَامَهُ البُخاري، ويقولُ أُخْرى: إنَّها كَسَرَت ثَنِيَّة جَارِيَة، كما مرَّ في «التفسير»، وحينئذ فلا حجةَ لهُ فيه، فَمَا دَامَ لم يَنْفَصِل الأمرُ على جَلِيَّتهِ، لا يَنْبَغِي له أَنْ يَتَمَسَّكَ به. وأَمَّا قوله في الحديثِ التالي: «لا يَبْقَى أحدٌ منكم إلا لُدَّ...» فليس مِنْ بَابِ الفِصَاصِ الذي نحن فيه، وبالجُملَةِ لم يَأْتِ المُصنِّفُ بما يُثْبِتُ مُدَّعَاهُ.
باب مَنْ أَخَذَ حَقَّهُ، أَوِ اقْتَصَّ دُونَ السُّلطَان
---
يريدُ أَنَّ القِصَاصَ مختصٌ بالسَّلطانِ، وليس لأحدٍ غيرُه أَنْ يَقْتَصَ مِنَ الظَّالمِ، إلا أَنَّ أولياءَ المقْتُولِ لو اقْتَصُّوا مِنَ القَاتِل بعدَ إقامةِ البينةِ لا يُقْتَصُ منهم للقَاتِل، غيرَ أَنَّهم آثمون.
6888 - قوله: (لَوِ اطَّلَعَ في بَيْتِكَ أَحَدٌ، ولَمْ تَأْذَنْ لَهُ، خَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ)... إلخ، فإنْ فَقَأْتَ عينَهُ، فهل تَجِبُ عليك الدية أو لا؟ ففيه تعارضٌ بين «مِعْرَاجِ الدِّرَاية» و«القِنية» ففي أَحَدِ الكِتَابينِ وجوبُ الأَرْشِ، وفي الآخَرِ لا أَرْشَ عليه لو لم يَتَأَخر المُطَّلِع في البيتِ.
باب إِذَا مَاتَ في الزِّحَامِ أَوْ قُتِل
وراجع مسائله مِنَ «الدُّر المختار».
باب إِذَا قَتَلَ نَفسَهُ خَطَأً فَلاَ دِيَةَ لَه(7/273)
باب إِذَا عَضَّ رَجُلاً فَوَقَعَتْ ثَنَايَاه
وإِنَّما تَعَرَّضَ إلى تلكَ المسألةِ، لأنَّ قَتْلَ المُسلم في دَارِ الإِسلامِ لا يَنْفَكُ عن دِيَّةٍ، أو قِصَاصٍ، وهذا لا يَجِبُ له قِصَاص، ولا دِيَّة، ففيه غَرابةٌ، ولذا تَعَرَّضَ إليه.
باب {وَالسّنَّ بِالسِنّ} (المَائدة: 45)
باب دِيَةِ الأَصَابِع
6894 - قوله: (لَطَمَتْ جَارِيَةً، فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَهَا) ففيه تصريحٌ أَنَّ مِنْ كَسَرَتْ ثَنِيِّتَها كانت امرأةً، ولم يَكُن رجلاً، فلا حُجةَ فيه للبُخاري.
باب إِذَا أَصَابَ قَوْمٌ مِنْ رَجُلٍ، هَل يُعَاقِب أَوْ يَقْتَصُّ مِنْهُمْ كُلِّهِم
---
وَقَالَ مُطَرِّفٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: في رَجُلَينِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ، فَقَطَعَهُ عَلِيٌّ، ثُمَّ جَاءَا بِآخَرَ وَقالاَ: أَخْطَأْنَا، فَأَبْطَلَ شَهَادَتَهُمَا، وَأُخِذَا بِدِيَةِ الأَوَّلِ، وَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْتُكُمَا.
فإنْ اشْتَرَكَتْ جماعةٌ في قَتْلِ رجلٍ قُتِلُوا جميعاً.
قوله: (لَوْ عَلِمْتُ أنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْتُكُمَا) أي قِصَاصَاً.
6896 - قوله: (وأَقَادَ أبو بَكْرٍ.... مِح لَطْمَةٍ) ولا قِصَاص في اللَّطْمَةِ عندنا، نعم للقاضي أَنْ يُعَزِّرَ بما شاء، ثُمَّ إِنَّه حُكْم القَضَاءِ، أما الدِّيانة، فمن يدخل فيها. واعلم أَنَّ التَّعْزِيرَ مختصٌ بالحاكم، أو مأمورِه، والقِصَاصُ يَخْتَصُ بصاحبِ الحقِّ.
باب القَسَامَة
باب مَنِ اطَّلَعَ في بَيتِ قَوْمٍ فَفَقَؤُوا عَينَهُ، فَلاَ دِيَةَ لَه
واعلم أَنَّ اليمينَ لا يَتوجَّهُ عندنا في القَسَامةِ إلى المُدعي، وكذا لا قِصَاصَ فيها على المدعى عليه، وأمَّا فائدة الأَيمان، فتظهَرُ في حَقِّ اكتشافِ الحال، ووافقنا المُصنِّفُ على ذلك، وقد تَكلَّمْنَا على مسائِلها مِنْ قبل مبسوطاً، فلا نُعيدُه.
يقول الجامع:(7/274)
قلتُ: وقد تَكَلَّمَ عليه العلامةُ المارْدِيني مَبْسوطاً، ولم أَقْدِر على تَلْخِيصِهِ، ولا أَرَدْتُ تَلْخِيصَهُ، فإنَّه حسنٌ كُلُّه، فأَحببتُ أَنْ آتِيه بِرُمَّتِه، فهذا نَصُهُ مِنْ كتابه «الجوهر النقي».
---
قال: ذَكَرَ فيه - عن الشافعي عن مالكٍ عن ابنِ أبي لَيْلَى عن سَهْلٍ أَنَّه أخبرَهُ هو، ورجالٌ مِنْ كُبَراء قومِهِ - وذَكَرَهُ مِنْ طريقِ ابن بُكَيْر عن مالكٍ، ولفظُهُ: أَنَّه أخبرَهُ رجلٌ من كُبَراءِ قومِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ: أَنَّ ابْن وَهْب قاله عن مالكٍ: كروايةِ الشافعي؛ قلتُ: ذَكَرَهُ يَحيىَ بنُ يحيى عن مالكٍ، كرِواية ابن بُكَيْر، ولفظُهُ أَنَّه أخبرَهُ رجالٌ مِنْ كُبَراءِ قومِهِ، وذَكَرَ صاحبُ «التمهيدِ» أَنَّ ابنَ وَهْبٍ تابَعَ يَحيَى على ذلك، بخلافِ ما ذَكَرَهُ البَيْهَقي عن ابن وهب، ثم ذَكَرَ البيهقيُّ حدِيثَ سَهْلٍ مِنْ طُرُقٍ، وفيها البداءةُ بأيمانِ المُدَّعِين، ثُمَّ قال: ورَو اهُ ابنُ عُيَيْنَةَ عن يَحْيَى، فَخَالَفَ الجماعةَ في لفْظِهِ، ثمَّ أَسْنَدَهُ مِنْ رِوَايةِ الحُميدي عن ابنِ عُيَيْنَةَ، وفيهِ البِدَاءةُ بأَيمانِ المُدَّعَى عليهم، وهُم اليهودُ.G(7/275)
قلتُ: رَوَيْنَاهُ في - مُسْنَد الحُمَيْدِي - عن ابنِ عُيَيْنَة، فبدأَ بأَيمان المدَّعِين، موافقاً للجماعةِ، وكَذَا أخرجَهُ النَّسائي عن محمد بن منصور عن ابنِ عُيَيْنَة، ثُمَّ ذَكَر البيهقيُّ حديثُ سعيدِ بنِ عُبيد عن بَشِير بن يَسَار عن سَهْلٍ، وفيه: أَنَّه عليه الصلاة والسَّلام، قال لهم: «تَأْتُونَ بالبينةِ على مَنْ قَتَلَ؟ قالوا: ما لنا بيِّنةٌ، قال: فيحلفُونَ لكم... الحديثَ، ثم قال: رواه البُخاري. وأَخْرَجَهُ مُسلمٌ دون سِيَاقِ مَتْنِهِ، ثُمَّ ذَكَر عن مسلمٍ: أَنَّ يحيى بنَ سعيد أَحْفَظُ من سعيد بنِ عُبيد، ثم قال البَيهقيُّ: وإِنْ صَحَّتْ روايةُ سعيد، فهي لا تُخَالفُ رِوَايةَ يحيَى، لأنَّه قد يُرِيدُ بالبينةِ الأَيمان مع اللوث، إلى آخر ما تَأَوَّلَهُ به.
---
قلتُ: لا وجه لتشكيك البيهقي بقوله: وإنْ صَحَّتْ رِوايةُ سعيد، مع بقيتِهِ، وإخْراج البخاري حديثَهُ هذا، وأَخْرَجَهُ مسلِمٌ أيضاً، ولم يَشُكْ في صحته، وإِنَّما رَجَّح يحيَى على سعيد، وقد جَاءَتْ أَحَاديثٌ تُعضِّدُ روايةَ سعيد، وتقويها: منها ما سيذْكُرُه البيهقيُّ، ومنها ما أَخْرَجَهُ أبو داود بسندٍ حسن عن رَافِع بنِ خَدِيج، قال: «أَصْبَحَ رجلٌ مِنَ الأَنْصَارِ مَقْتُولاً بخَيْبَر، فانْطَلَق أَوْلِيَاؤُه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فَذَكَرُوا ذلك له، فقال: أَلكُم شاهدان يَشْهَدَان على قَاتِل صاحِبِكُم؟ قالوا: يا رسولَ اللَّهِ لم يَكُن بهِ أَحَدٌ مِنَ المُسلمين، وإنَّما هم يهود، وقد يَجْتَرِءُونَ على أَعْظَمَ من هذا، قال: فاختارُوا منهم خمسينَ، فأسْتَحْلَفَهُم، فَأَبوا، فَوَدَاهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّممِنْ عندِه». وقد ذَكَر البيهقيُّ هذا الحديث بعدُ في بابِ الشَّهادةِ على الجِنَاية.
---(7/276)
ورَوَىَ ابنُ أبي شَيْبَةَ بسندٍ صحيحٍ عن القَاسِم بنِ عبدِ الرَّحمنِ الهُذَلي الكُوفي، قال: «انطلقَ رَجُلانِ مِنْ أَهْلِ الكُوفةِ إلى عمرَ بنِ الخَطَّاب، فوجَدَاهُ قد صَدَرَ عن البيتِ، فقالا: إنَّ ابنَ عمَ لنا قُتِلَ، ونحن إليه شَرَعٌ سِواءٌ في الدَّم، وهو ساكتٌ عنهما، فقال: شاهدان ذوا عَدْلٍ، يَحُثَّان به على مَنْ قَتَلَهُ، فَنُقِيدَكم منه». وهذا هو الذي تَشْهدُ له الأصولُ الشرعية، مِنْ أَنَّ البينةَ على المُدعي، واليمينَ على المدعَى عليه، فكان الوجهُ ترجيحَ هذه الأدلة على ما يُعارِضُها، وتأويلُ البيهقي لروايةِ سعيد تَعَسُّفٌ، ومُخَالِفَةٌ للظَّاهِرِ، وحين قالوا: ما لنا بينةٌ عَقَّبَ عليه الصَّلاة والسّلام ذلك بقوله: «فيحْلِفُونَ لكم». فكيف يقولُ البيهقيُّ: وقد يُطالبُهم بالبيِّنَةِ، ثم يَعْرِضُ عليهم الأَيمان، ثُمَّ يَرُدُها على المُدَّعَى عليهم، ثُمَّ ذَكَرَ البيهقيُّ حديثَ عبدِ الرحمن بنِ بُجَيْدٍ، وإنكارِه على سَهْل، ثُمَّ حَكَى عن الشافعي أَنَّه قال: لا أَعْلَمُ ابنَ بُجَيْد سَمِعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم فإِنْ لم يَكُن سَمِعَ منه، فهو مُرْسَلٌ، ولسنا ولا إِيَّاكَ نُثْبِتُ المُرْسَل، وسَهْلٌ صَحِبَ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم وسَمِعَ منه، فأخذت بحديثه.
قلتُ: ابنُ بُجَيْدٍ أدرك النبيُّ صلى الله عليه وسلّم وذَكَرَهُ ابنُ حِبَّان وغيرُه في الصحابة. وقال: العَسْكَري أُثْبِتُ له صُحبة، وصحح الترمذي مِنْ روايةِ حديث: «رُدوا السائل، ولو بِظُلْفِ محرق». وقد تَقَدَّمَ غير مرةٍ، أنّ مسلماً أَنْكَرَ في اشْتِرَاطِ الاتصال، ثُبوتَ اللقاءِ والسَّمَاعِ، واكْتَفَى بإِمكان اللقَاءِ، فعلَى هذا لا يكونُ الحديثُ مرسلاً، وإنْ لم يَثْبُتْ سماعُه.
---(7/277)
وقولُ الشافعي: ولسنا ولا إياك. صوابُه أَنْ يُقال: ولا أنت، ثم الظاهر أَنَّ كلامَه مع محمد بنِ الحسن، والذي في كُتبِ الحنفيةِ، أَنَّ مذهبَهُ ومذهبَ أصحابِه قَبول المُرْسل، وكذا مذهبُ مالك، وقد حَكَى ابنُ جرير الطبري أَنَّ ذلك مذهبَ السَلَفِ، وأَنَّ رَدَّ المُرْسَلِ لم يَحْدُث إلا بعد المئتين، وَسَهْلٌ وإِنْ سَمِعَ مِنَ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم ولكن روايتُه لهذا الحديثِ مُرْسَلة، لأنَّه كان صغيراً في ذلك الوقت، وذلك أَنَّه وُلِدَ سنةَ ثلاثٍ مِنَ الهِجْرَةِ، وغزوةُ خَيْبَر كانت سنةَ سَبْعٍ، وهذه القضيةُ قَبْلَ ذلك، حين كانت خَيْبَر صُلْحَاً، لأَنَّه وَرَدَ في بَعْضِ طُرُقِ هذا الحديث في «الصحيحين» «وهي يومئذٍ صُلحٌ»، وأيضاً فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّمقال لهم: «إما أَنْ يَدُوا صاحبكم، وإما أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ». وهذا اللفظ لا يُقال إلا لمن كان في صُلْحٍ وأَمَانٍ.
وقد صَرَّحَ سَهْلٌ في روايةٍ مالك: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رجالٌ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِه. فهذا يَكْشِفُ لك أَنَّه أخَذَ القضيةَ عن هؤلاء، ولم يَشْهَدْها، فَتَبيَّنَ أَنَّ روايتُهُ لهذا الحديثِ مُرْسَلةٌ، ثُمَّ إِنَّ حديثَهُ مضطربٌ إسناداً ومتناً، أمَّا الإِسنادُ، فَلِمَا في اختلافِ الرُّواةِ عَنْ مالكٍ في قوله: أخبرَهُ رجالٌ مِنْ كُبَرَاءِ قومِهِ، أو هو ورجالٌ، كما تقدم. وأمَّا المتن، فَمِنْ جِهةِ اختلافِ روايةِ يَحيَى، وروايةِ سعيد، ولمخالَفةِ ابنِ عُيَيْنَةَ، كما مرَّ، ومع إِرْسَالِه واضْطِرَابهِ خَالفَ الأصولَ الشرعية.
---(7/278)
وحديثُ ابن بُجَيْد سَلِمَ مِنْ ذلك كلِّه، وروى معناهُ مِنْ وجوهٍ تَقَدَّم بعضُها، وسيأتي البعضُ، وهو الأَوْلَى بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّمأَنْ لا يَأْمُرَ أحداً بالحَلْفِ على ما لا عِلْمَ له، وأيضاً، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال لحويصة، ومُحيِّصَة، وعبدُ الرَّحمن: «أَتَحْلِفُونَ، وتَسْتَحِقُونَ دَمَ صاحِبكُم؟».
وعند الشافعي: اليمينُ يجب على عبدِ الرَّحمن وحْدَهُ، لأنَّهُ أخو المقْتُولِ، وحويصة ومُحَيِّصَة عمَّاه، ولا يمينَ عَليهما، ثُمَّ ذَكَرَ البَيْهَقي: أَنَّ الشافعيَّ قيلَ له: ما مَنَعَكَ أَنْ يَأْخُذَ بحديثِ ابنِ شِهَاب؟ فقال: مُرْسلٌ، والقتيلُ أنصاري، والأنصارِيُون بالعِنَايةِ أوْلَى بالعِلْمِ به من غيرِهم. قال البيهقي: كأَنَّه عنَى حديثَ الزُّهْرِي عَنْ أَبي سَلَمةَ، وسُليمانَ بنِ يَسَارٍ عَنْ رِجَالٍ مِنَ الأنصار أَنَّه عليه الصلاة والسَّلام، قال: «اليهود»... وبدأ بهم، الحديث. قال: وهو يُخَالِفُ الحديثَ المُتصل في البَداءةِ بالقَسَامَة، وفي إعطاء الدِّيَة، والثابتُ أَنَّه عليه السصلاة والسَّلام ودَاهُ من عندِهِ، وخَالَفَهُ ابنُ جُرَيج وغيرُه في لفظه.
---(7/279)
قلتُ: في «مصنَّف عبدِ الرَّزاق» أنا مَعْمَرِ عن الزُّهْري عن أبي سَلَمَةَ، وسُلَيْمَانَ بنِ يَسَار عن رِجَالٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبي صلى الله عليه وسلّممِنَ الأَنْصَارِ أَنَّه عليه الصّلاة والسَّلامِ قال ليهود بدأ بهم: «يحلفون منكم خَمْسُونَ رَجُلاً، فأبوا، فقال للأنْصَارِ: أَتْحِلُفونَ؟ فقالوا: لا نَحْلِفِ على الغَيْبِ». فجعلها رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّمدِيةً على اليهودِ، لأنَّهُ وَجَدَ بين أَظْهُرِهم، وهذه حجةٌ قاطعةٌ للثَّوْرِي، وأبي حنيفةَ، وسائرِ أَهْلِ الكوفة، كذا في «الاسْتذكارِ». وقال في «التمهيدِ»: هو حديثٌ ثابت. وقد قَدَّمْنَا في - باب النَّهي عَنْ فَضْلِ المُحْدِث - مِنْ كلامِ البَيْهَقي وغيرِهِ، أَنَّ هذا الحديثَ وأشباهه مسندٌ متصلٌ، ولو سَلَّمنَا أَنَّه مُرْسَلٌ فقد تَقَدَّمَ أَنَّ حديثَ سَهْل أيضاً غيرَ متصلٍ، وقول الشافعي: والأنصاريون أولى بالعلم به.
قلنا: ابنُ بُجَيْد أيضاً منهم، وحديثُ ابنُ شِهَابٍ أَخْرَجَهُ أبو داود، وهو أيضاً عنهم، وهو وإنْ خَالفَ حديثَ سَهْل في البَدَاءَةِ بالقَسَامَة، فقد تَأيَّدَ بعدَّةِ أحاديث، تقدَّمَ بعضُها، وسيأتي بعضُها، وتأَيَّدَ أيضاً بدَلاَلةِ الأُصولِ، ولأنَّ رواتَهُ أئمةٌ فقهاء، حفاظٌ، لا يَعْدِلُ بهم غيرهم، وما فيه مِنْ جَعْلِ الدِّية عليهم يُؤَيِدُهُ ما في حديثِ ابن بُجَيْد، أنه عليه الصَّلاة والسلام كَتَبَ إليهم «أَنَّه قد وُجِدَ فيكم قَتيلٌ بين أثنائكم، فدُوه»، وما في «الصحيحين» مِنْ قولِهِ عليه الصَّلاة والسلام: «إمَّا أَنْ يَدُوا صاحبكم، وإمَّا أَنْ يُؤذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِه». وجهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ هذه الأحاديث، وبَيْنَ ما في حديثِ سَهْلٍ أَنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام أَوْجَبَهَا عليهم، ثم تَبَرَّعَ بها عنهم.
---(7/280)
قال النووي في «شرح مسلم»: المختار قال جمهور أصحابنا، وغيرهم: إِنَّ معنَاهُ أَنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام اشْتَرَاها مِنْ أَهْل الصَّدَقات، بعد أَنْ مَلَكُوها، ثُمَّ دَفَعَها تبرعاً إلى أهلِ القَتِيل، انتهى كلامه. وبهذا يَزُول الاختلافُ، وقد ذَكَرَ البَيْهقيُّ فيما بعد في «بابِ وجوبِ الكَفَّارَةِ»: أَنَّ قوماً استعصَمُوا بالسُّجُودِ، فقتَلَهُم المسلمون، فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: «أعْطُهم نِصْفَ العَقْلِ». ثُمّ ذَكَرَ عن الشافعي أَنَّهُ كان تطوعاً، ثم ذَكَرَهُ مِنْ وجهٍ آخر، وفيه: «فَوَادَهُم رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّمنِصْفَ الدِّيَةِ، ثُمَّ قال البَيْهقيُّ: قوله: «فوادَهم» أَظْهَر في أَنَّه أعطاهُ متطوعاً.
---(7/281)
وأخْرَجَ النَّسائي بسندٍ جيدٍ عَنْ عمرو بنِ شُعَيب عن أبيهِ عن جَدِّهِ «أنَّ ابنَ محيصة الأصغرُ وجدَ قتيلاً على أَبوابِ خَيْبَر...» الحديث، وفي آخره: «فَقَسَم رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّمدِيَّتَهُ مجمِلٌ، فَيُرَدُ إلى المُفَسَّر، ولا يكونُ بينهما اخْتِلافٌ، ثُمَّ إنَّ لَفْظَ حديث ابن جُرَيْج أَنَّهُ عليه الصَّلاة والسَّلام أَقَرَّ القَسَامة على ما كانت عليه في الجاهلية، فَقَضَى بها بين أُنَاسٍ مِنَ الأنصاريِ في قَتِيلٍ ادَّعوه على اليهودِ، فَصَرَّحَ في هذا الحديثِ الصحيحِ، أَنَّه قَضَى بها في قَتيلِ الأَنْصَارِ كَقَسَامةِ الجاهلية، وقد ذَكَر البَيْهَقيُّ فيما بعد في «باب ما جاء في قَسَامَةِ الجاهلية» مِنْ طريقِ البُخاري عن ابنِ عباسٍ أَنَّ أبا طالبٍ بدا بأَيمانِ المُدَّعَى عليهم، فدَلَّ ذلك على أَنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام بدأ أيضاً في قَتِيلِ الأَنْصارِ بالمُدَّعَى عليهِم، وذَكَرَ أَيضاً فيما بعد - في: باب ترك القود بالقسامة - حديثاً عزاه إلى البخاري، وفيه أيضاً أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام بَدَأَ بأَيمانِ اليهود، وأَنَّ عمرَ فَعَلَ ذلك، ثُمَّ إِنَّ لفظَ مسلمٍ عن أبي سَلَمَةَ، وسُليمانَ بنِ يَسَارٍ عن رَجُلٍ مِنْ أصحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلّممِنْ الأَنْصَارِ أَنَّه صلى الله عليه وسلّمأَقَرَّ القَسَامَةَ، وأَخْرَجَهُ عبدُ الرَّزَّاقِ في «مُصَنَّفِهِ»، ولَفْظُهُ عن رِجَالٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلّم والظَّاهِرُ أَنَّ الجميعَ حديثٌ واحدً، فلا نُسَلِّمَ أَنَّ الحديثَ مُرْسَلٌ، كما زَعَمَ الشافعيُّ، ولو كان مُرْسَلاً لَمَا أَخْرَجَهُ مسلمٌ في «صحيحه» وقد قَدَّمْنَا عَنْ صاحبِ «التمهيدِ» أَنَّهُ حديثٌ ثابتٌ، ثُمَّ ذَكَرَ البَيْهقيُّ حديثَ الزِّنْجِي: عن ابنِ جُرَيْجٍ عن عَمْرو بنِ شُعَيْبٍ عن أَبِيهِ عن جَدِّهِ أَنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام،(7/282)
---
قال: «البينةُ على المُدَّعي، واليمينُ على مَنْ أَنْكَرَ، إلا في القَسَامَةِ».
قلتُ: في إِسْنَادِهِ لِينٌ، كذا في «التمهيدِ»، وذلك أَنَّ الزِّنْجِي ضَعيفٌ، كذا قال البَيْهَقيُّ في - بابِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ التراويحَ بالجماعةِ أَفْضَل ، وقال ابنُ المَدِيني: ليس بشيءٍ، وقال أبُو زرعة، والبخاري: مُنْكَرُ الحديث، وابنُ جُرَيْجٍ لم يَسْمَعْ مِنْ عمر، وحَكَاهُ البَيْهقيُّ في - بابِ وجُوبِ الفِطْرةِ على أهلِ الباديةِ - عن البخاريِّ، والكلامُ في عورو بن شُعَيْبٍ عن أبيه عن جَدِّهِ مَعْرُوفٌ، ومَعَ ضَعْفِ الزِّنْجِي خالَفَهُ عبدُ الرَزَّاقِ، وحَجَّاج، وقَتَادَة، فَرَوَوْهُ عَنْ ابنِ جُرَيْجٍ عن عَمروٍ مُرْسَلاً، كذا ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْني في «سُنَنِهِ»، واخْتَلَفَ فيه أيضاً على الزِّنْجِي، وقالَ صاحبُ «المِيزَان»: عثمانُ بنُ محمد بن عثمان الرَّازي ثنا مسملٌ الزِّنْجِي عن ابنِ جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن أبي هريرة أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّمقال: «البينةُ على مَنِ ادَّعَى، واليمينُ على مَنْ أَنْكَرَ إلا في القَسَامَةِ». ثُمَّ ذَكَرَ البيهقيُّ: عَنِ الشافعي أَنَّ عمرَ كَتَبَ في قَتيلٍ وُجِدَ بين خَيْوَان ووادِعَة، إلى آخره، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الشافعيَّ أجابَ عنهُ بما يُخَالِفُونَ عمرَ في هذه القضيةِ مِنَ الأَحْكَامِ.
---(7/283)
قلتُ: إِنَّما خَالَفُوهُ في تلك الأَحْكامِ، لأَنَّهُ قامتْ عندَهُم فيها أَدلةً أَقْوَى مِنْ قَوْلِ عُمر رضي الله تعالى عنه، وقد ذَكَرَ عيسى بنُ أَبَان في «كتابِ الحج» أَنَّ مُخَالِفَهُ قال: قَدْ تَرَكْتُم مِنْ حديثِ عمرَ أشياءُ، لأنَّهُ كَتَبَ إلى عامِلِهِ باليمينِ: «إِبْعَثْ بهم إليَّ بمكةَ»، وأنتم تقولون: تُدْفع إلى أَقْربِ القُضَاةِ وفيه: أَنَّه اسْتَحْلَفَهُم في الحِجْر، وأَنتم تُنْكِرُونَ أَنْ لا يَسْتَحْلِفَ إلا في مَجْلِسِ الحُكْمِ حيثُ كان، وفيه أَنَّهُ قال لعامِلِهِ: «إبْعَثْ إليَّ بخمسينَ رَجُلاً»، وعندَكُم: الخيار للمدَّعي، وفيه: «حَقَنْتُم بأَيمانِكم دِمَاءَكم»، وعندَكُم: إِنْ لم يَحْلِفُوا لم يُقْتَلُوا، ثُمَّ أجابَ ابنُ أَبَان عَنْ ذلك بما مُلَخَّصُه: أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَتولَّى الحُكْمَ أَنَّ عاملَهُ لا يقومُ فيه مُقَامه، لِيَنْتَشِرَ في البلادِ، ويعملَ به مِنْ بَعْدِهِ، ولهذا فَعَلَهُ في أَشْهُر المَواضِع، وهو الحِجْر، ليَرَاهُ أهلُ المَوْسِم، ويَنْقُلُوهُ إلى الآفَاقِ، ولا شَكَّ أَنَّ نُوَّابَهُ كانوا يَقْضُونَ في البلادِ النَّائِيَةِ، ولو وَجَبَ حَمْلُ كلَّ أحدٍ إليه لم يَكْتُب إلى أبي موسَى وغيرِهِ في الأَحْكَامِ، ولهذا لم يَسْتَحْلِف عمرُ والأئمةُ بعدَهُ أحداً في الحِجْر، وإِنَّما كَتَبَ عُمَرُ أَنْ لا يُقْتَل نفسٌ دُونَهُ احتياطاً، واستعظاماً للدَّم، ولم يَقُل: إِبْعَث إليَّ خمسينَ تَتَخَيَّرُهم أَنْتَ، ولم يَكُنْ يولي جاهلاً، فإِنَّما كَتَبَ إلى مَنْ يَعْلَم أَنَّ الخِيَار للمُدَّعين، لأَنَّه لهم يَسْتَحْلِف، فكيفَ يَسْتَحْلِفُ مَنْ لا يُرِيدُونَهُ، وإِنَّما قال: حَقَنْتُم بأَيْمَانِكُم دِمَاءَكُم، لأَنَّهم لو لم يَحْلِفُوا حُبِسُوا حتى يُقِرُّوا، فَيُقْتَلُو، أو يَحْلِفُوا، فأَيْمَانُهم حَقَنَتْ دِمَاءَهم، إِذْ تَخَلَّصُوا بها مِنَ القَتْلِ، أَوْ(7/284)
---
الحَبْسِ، كقولِهِ تعالى: {وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ} (النور: 8) فلو لم تُلاَعِن حُبِسَتْ حتى تُلاعِن، فَتَنْجُو، أَو تُقِرَّ، فَتُرْجَم. ثُمَّ ذَكَرَ البيهقيُّ: أَنَّ الشافعيَّ قِيلَ له: أَثَابِتٌ هو عندَكَ - أي قَضِية عُمر ؟ فقال: لا، إِنَّما رَواهُ الشَّعْبِيُّ عنِ الحارثِ الأَعْوَرِ، والحارثُ مجهولٌ، ونحنُ نَرُوي بالإِسنادِ الثَّابتِ أَنَّه بَدَأَ بالمُدَّعِين، فَلَمَّا لم يَحْلِفُوا، قال: «فَتُبْرئكم يهود بخمسين يميناً»، وإِذْ قال: «فتبرئكم»، فلا يكون عليهم غَرَامة، ولمَّا لم يَقْبَل الأنْصَارِيُّون أَيْمَانَهُم، ودَاه عليه الصَّلاة والسَّلام، ولم يَجْعَل على يهود شيئاً.
قلتُ: لم يَذْكُر أَحَدٌ فيما عَلِمْنَا أَنَّ الشَّعْبيَّ رَواهُ عنِ الحَارِثِ الأَعْوَرِ غيرَ الشافعي، ولم يَذْكُر سندَهُ في ذلك، وقد رَواهُ الطَّحاويُّ بِسَنَدِهِ عنِ الشَّعْبي عن الحارثِ الوادعي، هو ابن الأزمع، وسيأتي أَنَّ مُجَالِداً رواه عن الشَّعْبي كذلك، ورِوَايةُ أبي إسحاقٍ لهذا الأَثَرَ عن الحارثِ هذا عن عُمرَ أَمارَةٌ على أَنَّهُ هو الواسِطةُ، لا الحارثُ الأَعْورُ، كما زَعَم الشَّافعي، ورواهُ أيضاً عبدُ الرَزَّاقِ عن الثَّوْرِيِّ عن منصورٍ عن الحَكَمِ عنِ الحَارِثِ بنِ الأزمع، والحارثُ هذا ذَكَرَهُ أبو عُمر وغيرُه في الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وذَكَرَهُ ابنُ حِبَّانَ في الثِّقَاتِ مِنَ التابعين، ثُمَّ إنَّ الحارثَ الأعورَ، وإنْ تَكَلَّموا فيه، فليس بمجهولٍ، كما زَعَمَ الشافعيُّ، بل هو مَعْرُوفٌ، رَوَىَ عنه الضَّحَّاكُ، والشَّعْبيُّ، والسَّبِيْعِي وغيرُهم، وهذا الأثرُ وإِنْ كان مُنْقَطِعاً، فقد عَضَّدَهُ ما تَقَدَمَ مِنَ الأَحاديث.
---(7/285)
وفي «التمهيدِ» رَوَىَ مالكٌ عن ابنِ شِهَابٍ عن عِرَاك بنِ مالك، وسليمانَ بنِ يَسَارٍ «أَنَّ عُمَر بنِ الخطَّابِ بَدَأَ المُدَّعَى عليهم بالأَيْمَانِ في القَسَامة». والبَيْهَقيُّ أيضاً ذَكَرَ هذا في آخرِ هذا الباب، وسيأتي إِنْ شاء اللَّهُ تعالى في باب النكول، ورد اليمين، مِنْ رَوَايَةِ الشافعيِّ عن مالكٍ عن ابنِ شِهَابٍ عن سُليمانَ بنِ يَسَارٍ أَنَّ عمرَ بَدَأَ بأَيْمَان المُدَّعَى عليهم. وقال ابنُ أبي شَيْبَةَ: ثنا شَابَةَ، وأبو معاوية عن ابنِ أبي ذِئْبٍ عن الزُّهْرِيِّ «أَنَّهُ عليه الصَّلاة والسَّلام قَضَى في القَسَامَةِ أَنَّ اليمينَ على المُدَّعَى عليهم». وقال أيضاً: ثنا أبو معاوية عن مُطِيع عن فُضَيْلِ بنِ عَمْرو عن ابنِ عباس أَنصِ قَضَى بالقَصَامَة على المُدَّعَى عليهم. وثنا أبو معاوية، ومَعْمَرُ بنُ عيسى عن ابنِ أبي ذِئْبٍ عن الزُّهْرِيِّ عن سَعيدِ بنِ المُسَيَّب أَنَّه كان يَرَى القَسَامَةَ على المُدَّعَىَ عليهم.
وأَخْرَجَ أَيضاً بسندِهِ عن عُمَر بنِ عبدِ العزيزِ أَنَّه بَدأَ بالمُدَّعَى عليهم بالميين، ثُمَّ ضَمَّنَهُم العَقْلَ، وقد جَمَعَ في هذا بين اليمينِ والغَرَامَةِ، وكذا فَعَلَ عُمر. ودَلَّ عليه ما في الحديثِ الصحيحِ: «إمَّا أن يَدُو صاحبكم... إلى آخره، فَأَلْزَمَهُم أحدَ الأمرينِ: إِمَّا أَنْ يَدْفَعُوها، وإِمَّا أَنْ يَمتَنِعوا، فَيُنْقَضُ عَهْدُهُم، ويَصِيرُوا حرباً، ولم يَنَص في حديثِ سَهْلٍ أَنَّهم يُبَرِّئُونَهم مِنَ الغَرَامة، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُراد: تُبْرِئُكُم عن دَعْوَى القَتْلِ، أو عَنِ الحَبْسِ والقَوَدِ إِنْ أَقَروا. وقولُ الشافعي: لم يَجْعَل على يهود شيئاً، قَدْ تقدَّمَ خِلافُه، وأَنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام جَعَلَها على يهود، لأَنَّهُ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرهم، وتقدَّم أيضاً ما يُأَيِّدُه.
---(7/286)
ثم قال البَيْهَقيُّ: وَرَوَى عن مُجَالِد عن الشَّعْبيِّ عن مَسْرُوقٍ عن عُمر، ومُجَالِد غيرُ مُحْتَجّ به، قُلْتُ: أَخْرَجَ له مسلمٌ في «صحيحه» ثُمَّ قال البيهقيُّ: قال الشافعي: وَيُرْوَىَ عن عُمر أَنَّهُ بَدَأَ بالمُدَّعَى عليهم، ثم رَدَّ الأَيمانَ على المُدَّعَين، ثُمَّ أَسْنَدَهُ البيهقيُّ، ولفظُهُ: «أَنَّ رجلاً من بني سعد أَجْرَى فرساً، فَوَطَىءَ على إِصْبَعِ رَجُلٍ مِن جُهَيْنَةَ، فَبَرِىءَ منها، فماتَ، فقال عُمر للذين ادعى عليهم: أتحلِفُونَ بالله خمسينَ يميناً ما ماتَ منها؟ فأَبَوْا، فقال للآخَرِين: إِحْلِفُوا أنتم، فأَبَوا، فقَضَى عُمر بِشَطْرِ الدِّيَة على السَّعْدِيينَ».
قلتُ: هذا الأَثَر عُرِفَ فيه الجاني، لكن لم يُدْرَ ماتَ مِن جِنَايةٍ، أو مِنْ غَيْرِها، فأَمْكَنَ أَنْ يُجَعَلَ في حالٍ قتيلاً، فتجبُ الدِّية، وفي حالٍ غيرُ قتيلٍ، فَقَضَى بالنِّصفِ، وليس هذا كحديثِ سَهْلٍ، لأَنَّهُ وَرَدَ في قتيلٍ وُجِدَ في مَحَلَّةٍ، ولم يُدْرَ مَنْ قَتَلَهُ، ومذهبُ الشافعي أَنَّهُ لو أَبَى المُدَّعَى عليه، والمُدَّعي أن يَحْلِفَ لا يُقْضَى بِنِصْفِ الحقَّ، ولا يُقْضَى بشيءٍ حتى يَحْلِفَ المُدَّعي، فَتَركَ هذا الأثرِ في نُكُولِ الفَرِيقَيْنِ، فلم يَقْضِ بالنِّصفِ، بل أَبْطَلَ الحقَّ كلَّهُ، وإِنَّما تَرَكَ خَصْمُ الشافعي هذا الأثرَ في رَدِّ اليمينِ، لأَنَّهُ جاءَ مخالفاً للأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ، والسُّنَنِ القائِمَةِ، كحديثِ: «البينةُ على المُدَّعي، واليمينُ على مَنْ أَنْكَرَ». فكما يَقْضي للمُدَّعي إذا أَقَامَ البيِّنَةَ، فكذا يَقْضي على المُدَّعى عليه إذا أَبَى اليمينَ، ولا تُرَدُّ على المُدَّعي، ولا يُكَلَّفُ بما لم يَجْعَلْهُ عليه الصَّلاة والسَّلام.h
---(7/287)
وقَدْ قَضَى عثمانُ بنُ عفان، وأبو موسى الأَشْعَري، وغيرُهما مِنَ الصحابة رضي الله تعالى عنهم بإِباءِ اليمينِ، فإنْ احتجَّ الشافعيُّ في رَدِّها بحديثِ القَسَامةِ يُقال: أعنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ القَسَامَةَ مخالفة لغَيْرِها، وقد رَدَّ عليه الصَّلاة والسَّلام فيها من المُدَّعين إلى المُدَّعى عليهم، وعندَكَ في غيرِها: لا يَحْلِفُ المُدَّعي، إلا إذا أَبَى المُدَّعَى عليه، فكيفَ احتججتَ بها فيما لا يُشْبِهُهَا بِزَعْمِكَ؟ وكما لا يجوزُ أَنْ يَقْضي للمُدَّعي بلا بَيِنَةٍ إذا حَلَفَ خمسينَ يميناً قياساً على القَسَامَة، فكذَا في رَدِّ اليمينِ. وهذا مُلَخَّصٌ مِنْ كلامِ عيسى بن أَبَان في «كتاب الحج».
- قوله: (ولم يُقِدْ بها مُعَاوِيةُ) خلافاً لمالكٍ، فإنَّه يُوجِبُ فيها القِصَاص.
- قوله: (وكَتَبَ عُمَرُ بن عبد العزيز....: إنْ وَجَدَ أَصْحَابُه بَيِّنَةً، وإلاَّ فَلاَ تَظْلِم) وليس فيه تصريحٌ بأَخْذِ الدِّية، وعَدَمِهِ أيضاً.
---(7/288)
6898 - قوله: (فَقَالَ لهم: تَأْتُونَ بالبَيِّنَةِ على مَنْ قَتَلَهُ؟ قالوا: ما لنا بَيِّنَةٌ، قال: فَيَحْلِفُونَ) وهذا بعينِهِ ما قاله الحنفيةُ مِنْ أَنَّ البينةَ على المُدَّعي، واليمينَ على مَنْ أَنْكَرَ: ثُمَّ أَخْرَجَ البخاريُّ فيه مناظَرَةً بين أبي قِلاَبة، وعَنْبَسَة بحضْرَةِ عمرَ بنَ عبدِ العزيز، وحَجَّ فيها أبو قِلابَة عَنْبَسَةَ، واسْتَحْسَنَ الحاضِرُونَ أيضاً كلام أبي قِلابَة، ولمَّا رآهُ النَّاسُ موافقاً لأبي حنيفةَ جعلوا يَقْدَحُونَ فيه، فمِنْ قَائِلٍ: إنَّهُ لم يَكُن فقيهاً، ومِنْ قائِلٍ: إنَّه كان بَلِيدَاً (سيدهى)، ولا حَوْلَ ولا قُوةَ إلا باللَّهِ، نعم إِنَّه كان رجلاً رأى مَنْ رأى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلّم فإِذا خَالَفَكُم، فإِذا أَنْتُم تَرْمُونَهُ بما ليس لكُمْ به حقٌّ، فصبرٌ جَمِيلٌ، واللَّهُ المستعانُ على ما تَصِفُونَ، ثُمَّ ليُعْلَم أَنَّ الراوي قد وَهِمَ في سَرْدِ القِصَّة، فإِنَّها كانت في خَيْبَرَ، فجعَلَها مِنْ أَدْنَى المدينة، ثُمَّ أَخْرَجَ البخاريُّ قِصةً أُخْرَى في الجاهلية.
قوله: (وقد كانت هُذيل خَلَعوا خَلِيعاً) أي أَخْرَجُوه عن مُخَالفتهم، فقُتِلَ هذا الخلِيع، فادَّعَى الخالِعُون بعد الإِسلامِ بدَمِهِ، فاعْتَذَرَ المُدَّعَى عليهم أَنَّ هؤلاءِ كانوا خَلَعُوه، ونَقَضُوا حِلْفَهُم فليس لهم في حقّ، فَرُفِعَ الأمرُ إلى عُمْرَ، فَحَكَمَ فيهم: «أَنَّه لو حَلَفْتُم خمسون مِنْكُم أَنَّكم لم تخلَعُوه يُسمع دعواكم...» إلى آخر القصة، فتلك الأَيمان كانت في سِلْسِلة القَسَامة، ومتعلقاتِها، لإِثبَاتِ نَفْسِ المُخَالعة، فهذه غير ما يُؤخَذُ بها في القسَامة.
ولنشرح الآن بعض الألفاظ من قِصَةِ أبي قِلابَة:
---(7/289)
6899 - قوله: (عِنْدَكَ رُؤُوسُ الأَجْنَادِ، وأَشْرَافُ العَرَبِ)... إلخ، أَي إِنَّكَ تَأْمُرُني أَنْ أَتَكَلَّمَ بَيْنَ أَيْدِي هؤلاءِ في أَمْرِ القَسَامَةِ، فَانْظُر أَنْتَ عاقبتَهُ، هل يَصْلُح لمثلي أَنْ أَتَكَلَّمَ فيها، أَمْ لا؟.
6899 - قوله: (أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ مِنْهُم شَهِدُوا على رَجُلٍ بِحِمْصَ أنَّهُ سَرَقَ، أَكُنْتَ تَقْطَعُهُ، ولم يَرَوْهُ؟ قال: لا).
6899 - قوله: (بِجَرِيرَةِ نَفْسِهِ) أي يَقْتُل رجلاً، فَيُقْتَلُ بِقِصَاصِه.
6899 - قوله: (فَقَالَ القَوْمُ: أَوَلَيْسَ)... إلخ، وحاصِلُه أَنَّ القومَ أَوْرَدُوا عليه قِصَةَ العُرَنِيينَ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلّمأَوْجَبَ قَتْلَهُم حينَ أُخْبِرَ أَنَّهم قَتَلُوا رَاعِيه، واسْتَاقُوا الإِبْلَ، مَعَ عَدَمِ مشاهدةِ أَحَدٍ بقتلهم أيضاً، فكما وَجَبَ القِصَاصُ في قِصَّتِهم، كذلكَ فَلْيَجِبْ في القَسَامَةِ، فإِنَّهما مُشْتَرِكَتَانِ في عَدَمِ رؤيةِ أَحَدٍ القاتلَ.
6899 - قوله: (وأَيُّ شَيْءٍ أَشَدُّ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ) أي ما للقَسَامَةِ، وقِصةِ العُرَنيين، فإِنَّ العُرَنِيين اجْتَمَعَتْ فيهم أسبابٌ عديدةٌ للقَتْلِ، فإِنَّهم قَتَلُوا رَاعي رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم وَارْتَدُّوا عنِ الإِسلامِ، وسَرَقُوا وفي «لسانِ الحُكَّامِ» للشيخ عبدِ البر بن الشِّحْنَة، تلميذ الشيخ ابن الهُمَام أَنَّ رجلاً لو خَرَجَ من بيتٍ بسيفٍ في يده يتشحطُ دماً، وَوُجِدَ مقتولاً في البيت، ولم يَكُنْ هناك غيرُه، يُقْتَصُ منه، لاحْتِفَافِ القرائنِ على أَنَّ القاتِلَ ليس إلا هو، فَدَلَّ على أَنَّ القرائنَ إذا أَفادَت القَطْعَ، أَوجَبَتْ القِصَاصَ أيضاً، وإِنْ لم تُوجَدِ البيِّنَة.
6899 - قوله: (إنْ سَمِعْتُ كاليَوْمِ قَطُّ).
---
6899 - قوله: (لا، ولكِنْ جِئْتَ بالحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ).(7/290)
6899 - قوله: (وقد كان في هذا سُنَّةٌ، إلى قوله: دَخَلَ عليه نَفَرٌ من الأَنْصَارِ)... إلخ.
6899 - قوله: (قُلْتُ: وقد كَانَتْ هُذَيْلٌ خَلَعُوا خَلِيعاً) وهذه قصة أخرى.
6899 - قوله: (فَقُرِنَتْ يَدُهُ بِيَدِهِ)، وهذا على عادةِ العربِ أَنَّهُم كانوا يُفَوِّضُونَ القاتِلَ إلى أَوْلياءِ المقْتُولِ بسعير، ليقْتَصُوا منه حيث أَرَادُوا.
باب العَاقِلَة
باب جَنِينِ المَرْأَة
وهم الذين يُغَرَّمُونَ الدِّيَةَ، وهم العَصَاباتِ، وسمَّاهُم الفقهاءُ - بكتاب المَعَاقِل - والقياسُ فيه أَنْ يَكُونَ - كتاب العواقل - فإِنَّ المَعَاقِل هي الدِّيات، والمذكورُ في هذا البابِ مسائلَ مَنْ تُؤْخَذُ منهم الدِّية.
باب جَنِينِ المَرْأَةِ، وَأَنَّ العَقْلَ عَلَى الوَالِدِ وَعَصَبَةِ الوَالِدِ، لاَ عَلَى الوَلَد
يعني أَنَّ دِيَةَ المَجْنِيَّة تُسْتَوفَى مِنَ الوالدِ، وعصبتهِ، لا مِنْ وَلدِ الجانيةِ، وقد مَرَّ مني أَنَّ ولدَ الجانِيةِ إِنْ كان مِنْ قَوْمٍ أمها يعد من العصبات أيضاً، وإلا لا.
6910 - قوله: (فَقَتَلَتْهَا، وما في بَطْنِهَا) وكان الرَّاوي ذَكَرَ أَوَّلاً موتَ الجنينِ فقط، وسَرَّح ههنا بموتِ المرأةِ المجنيةِ أيضاً.
باب مَنِ اسْتَعَانَ عَبْداً أَوْ صَبِيًّا
وَيُذْكَرُ: أَنَّ أُمَّ سُلَيمٍ بَعَثَتْ إِلَى مُعَلِّمِ الكُتَّابِ: ابْعَثْ إِلَيَّ غِلمَاناً يَنْفُشُونَ صُوفاً، وَلاَ تَبْعَثْ إِلَيَّ حُرّاً.
باب المَعْدِنُ جُبَارٌ وَالبِئْرُ جُبَار
قوله: (مُعَلِّمِ الكُتَّابِ) مكتب كاميانجى.
---
باب العَجْمَاءُ جُبَار(7/291)
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانُوا لاَ يُضَمِّنُونَ مِنَ النَّفحَةِ، وَيُضَمِّنُونَ مِنْ رَدِّ العِنَانِ. وَقَالَ حَمَّادٌ: لاَ تُضْمَنُ النَّفحَةُ إِلاَّ أَنْ يَنْخُسَ إِنْسَانٌ الدَّابَّةَ. وَقَالَ شُرَيحٌ: لاَ تُضْمَنُ مَا عَاقَبَتْ، أَنْ يَضْرِبَهَا فَتَضْرِبَ بِرِجْلِهَا. وَقَالَ الحَكَمُ وَحَمَّادٌ: إِذَا سَاقَ المُكَارِيُ حِمَاراً عَلَيهِ امْرَأَةٌ فَتَخِرُّ، لاَ شَيءَ عَلَيهِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِذَا سَاقَ دَابَّةً فَأَتْعَبَهَا، فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ، وَإِنْ كَانَ خَلفَهَا مُتَرَسِّلاً لَمْ يَضْمَنْ.
باب إِثْمِ مَنْ قَتَلَ ذِمِّيّاً بِغَيرِ جُرْم
باب لا يُقْتَلُ المُسْلِمُ بِالكَافِر
باب إِذَا لَطَمَ المُسْلِمُ يَهُودِيّاً عِنْدَ الغَضَب
رَوَاهُ أَبُو هُرَيرَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
والحديثُ صادقٌ على مَذْهَبِنَا باعتبارِ المَسَائلِ العامَّةِ، وهناك مستثنيات أيضاً للوجوهِ الخاصَّة، وله بابٌ في «الهداية» فَراجِعْهُ.
قوله: (لا يُضَمِّنُونَ من النَّفْحَةِ)... إلخ، أي نَفْحَةِ الدَّابَّةِ، وأمَّا إذا رَدَّ عِنَان فَرَسِهِ إلى جانبٍ، فَنَفَحَ أحداً، فضمَّنوه.
قوله: (مُتَرَسِّلاً) آهستهه اها هى.
كتاب اسْتِتَابَةِ المُرْتَدِّينَ وَالمُعَانِدِينَ وَقِتَالِهِم
باب إِثْمِ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَة
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمَان: 13) {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَسِرِينَ} (الزمر: 65).
---
أَي صبرَهُم على التوبةِ، والقِتَالِ مَعَهُم.(7/292)
6921 - قوله: (مِن أَسَاءَ في الإِسلامِ، أُخِذَ بالأوَّلِ والآخِرِ)... إلخ، وهذا لا يُخالفُ ما رُوِيَ مِنْ حديثِ الهدْمِ، فإِنَّه فيما إذا تَضَمَّنَ إِسْلاَمَهُ التَّوبةَ، وإلا فالْحكْمُ فيه، كما في حديثِ الباب، وقد مَرَّ تَفْصِيلُهُ في - الإِيمان .
باب حُكْمِ المُرْتَدِّ وَالمُرْتَدَّة
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالزُّهْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ: تُقْتَلُ المُرْتَدَّةُ. وَاسْتِتَابَتِهِمْ.
---
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَيْفَ يَهْدِى اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَنِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءهُمُ الْبَيّنَتُ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّلِمِينَ أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَلِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَنِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ} (آل عمران: 86 - 90) وَقَالَ: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَبَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَنِكُمْ كَفِرِينَ} (آل عمران: 100) وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ءامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} (النساء: 137). وَقَالَ: {مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَفِرِينَ} (المائدة 54). {وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مّنَ اللَّهِ(7/293)
وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَوةَ الْدُّنْيَا عَلَى الاْخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَفِرِينَ}- أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَرِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَفِلُونَ} لاَ جَرَمَ يَقُولُ: حَقّاً {أَنَّهُمْ فِى الاْخِرَةِ هُمُ الْخَسِرونَ} إلَى قَوْلِهِ: {ثُمَّ إِنَّ ربَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ
---
رَحِيمٌ} (النحل: 106 - 110). {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَلُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ وَأُوْلئِكَ أَصْحَبُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ} (البقرة: 217).
ولا تُقْتَلُ المرتدةُ عندنا خلافاً للجمهور، لعمومِ نَهْي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلّمعَنْ قَتْلِ النِّسْوان والصبيان، نعم إن كانت تَسُبُّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلّمتُقْتَلُ عندنا أيضاف، وهو المَحْمَلُ عندي فيما يُرْوَىَ مِنْ قَتْلِ المرأةِ في بعضِ المَوَاضِعِ.
({لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَعْفِرَ لَهُمْ}) (النساء: 137) ليس فيه أَنَّ الإِسلامَ لا يَقْبَلُ عنه بعد المرَّةِ الثالثةِ، لأنَّ الآيةَ فيمَنْ صارَ أَمْرُهم إلى الكُفْرِ في الثالثة، ولم تَذْكُر أَنَّهُم رَجَعوا بعدَها إلى الإِسلامِ، فهذه فيمَنْ كان آخرُ أَمْرِهم الكُفْرِ، والعياذُ بالله، وأمَّا مَنْ تَابَ، وآمَنَ، وعمِلَ عملاً صالحاً، فإنَّه يَجِدُ عند اللَّهَ متاباً، وإِنْ بَلَغَتْ ذُنُوبَهُ عَنانَ السَّمَاءِ.
---(7/294)
6922 - قوله: (أُتِيَ عليٌّ بِزَنَادِقَةٍ)... إلخ، والزَّنَادِيق قيل هم: الذين يَتَعبَّدُونَ - بالزند - والقاف ملحق في المعربات؛ قُلْتُ: والزِّنْدِيق مَنْ يُحَرِّفُ في معاني الأَلفَاظِ، مع إِبْقَاءِ ألفاظِ الإِسلام كهذا اللعين في القاديان، يَدَّعِي أَنَّهُ يُؤْمِنُ بِخَتْمِ النُّبُوةِ، ثُمَّ يَخْتَرِعُ لهُ معنىً مِنْ عندِه يَصْلُحُ لهُ بعدَهُ الخَتم دليلاً على فَتْحِ بابِ النُّبُوةِ، فهذا هو الزَّنْدَقَةُ حقاً، أي التغيير في المصاديق، وتبديلِ المعاني على خِلاَفِ ما عُرِفَتْ عند أَهْلِ الشَّرْعِ، وصَرْفِها إلى أَهْوَائِه مع إِبْقَاءِ اللفظِ على ظَاهِرِهِ، والعياذُ بالله.
تنبيه مهم لا يسوغ الجهل عنه طرفة عين
وَاعْلَم أَنَّ في كُتُبِ فُقْهِنا أَنَّ مَنْ كان فيه تِسْعٌ وتسعونَ وجهاً مِنَ الكُفْرِ، وَوَجْهٌ مِنَ الإِسلامِ، فإِنَّهُ لا يُحْكَمُ عليه بالكُفْرِ، والتبسَ ذلك على بَعْضِ مَنْ لا دِرَايةَ لهم في الفقَه، فَغَلِطُوا في مُرَادِهِ. فَزَعَمُوا أَنَّ أحداً لو أَتَى على أَفْعَالِ الكُفْرِ عدَدَ ما ذَكَرْنَا وأَتَى بفعلِ واحدٍ من الإِسلامِ، فإنَّه لا يَكْفُر، وهو باطلٌ، ليس فيه أَدْنى ريبٍ وريبةٍ، كيفَ وأَنَّ مسلماً لو أتَى بفِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ الكُفْر، فإِنَّه يَكْفُر، فكيف إذا كان جُلُّ أَفْعَالِه كُفْرَاً.
---(7/295)
وإِنَّما كانت مسألةُ الفُقَهاءِ في جنسِ الأَقْوال، فَنَقَلُوهُ في الأفعال، ومُرَادُهم أَنَّ أحداً منهم لو قال كلمةً احْتَمَلَت وجهاً مِنَ الإِسلامِ، نَحْمِلُها عليه، ولا نَحْمِلُها على أَوْجُه الكُفْرِ وإِنْ كثرت، لأَنَّا ما لم نتبين الحال، ولم نَدْرِ أَنَّه أَرَادَ هذا الاحتمال، لا نَحْكُم عليه بالكفر بتلكَ الكلمة المحتملة، ولا نبادر إلى الإِكْفَارِ، أَمَّا إذا تَبيَّنَ غَيُه من رُشْدِهِ، وانْفَصَل اللَّبَنُ عَنِ الرَّغْوَة، وحَصْحَصَ الحقُّ، وظَهَرَ الباطلُ، ولم يَبْقَ أَمْرُهُ كالأفواه، تَنَقَّلَ مِنْ بلدٍ إلى بلدٍ، بل أَعْلنَ بكُفْرِهِ على المنائِرِ والمنابرِ، وسود به الصحائف والدفاتر، فإِنَّه كافرٌ مُكَفَّر بلا رَيبٍ، ولا يَتَأَخَّرُ عن إِكْفَارِه إلا مُصَابٌ أو مجهولٌ ولو كان معنى كلامِهم ما فهموه، لما سَاغَ حُكْمُ الكُفْرِ على أحدٍ أَبَدَ الدَّهْرِ، ومَنْ يَعْجَزُ عن إُخْرَاجِ احتمالٍ ضعيفٍ. وهذا مسيلمة الكذَّاب، قد كان يَشْهَدُ بنوبةِ سيدِنا ونبيِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلّم إلا أَنَّهُ كان يُحبُ أَنْ يَشْتَرِكَ معه في الأمر، فهل أَنْقَذَهُ ذلك مِنَ الكُفْرِ والضَّلالِ، فليَتَنَبَّه العلماءُ لهذه الدَّقِيقةِ، ولا يَتَأَخرُوا في مثلِ هذه المحال، ولْيَخْشَ العزيز الجبار، فإِنَّه شديدُ المَحال.
باب قَتْلِ مَنْ أَبى قَبُولَ الفَرَائِضِ وَمَا نُسِبُوا إِلَى الرِّدَّة
باب إِذَا عَرَّضَ الذِّمِّيُّ وَغَيرُهُ بِسَبِّ النبي صلى الله عليه وسلّموَلَمْ يُصَرِّحْ،نَحْوَ قَوْلِهِ: السَّامُ عَلَيك
---
يَعْني أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بكلمةِ الإِسلامِ، وأَنْكَرَ فرائِضَهُ، فإِنَّه كافرٌ ما لم يُؤْمِنْ بالدِّين كُلِّه، وإِنَّما بَوَّبَ بتلكَ المسألةِ إِزَاحَةً لِمَا عَسَى أَنْ يَخْتَلِجَ مِنَ التَّرَدُدِ في الحُكْمِ بالكُفْر، مع إِقْرَارِهِ بالإِسلامِ.
باب(7/296)
باب قَتْلِ الخَوَارِجِ وَالمُلحِدِينَ بَعْدَ إِقامَةِ الحُجَّةِ عَلَيهِم
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ} (التوبة: 115). وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلقِ اللَّهِ، وَقَالَ: إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ في الكُفَّارِ، فَجَعَلُوهَا عَلَى المُؤْمِنِينَ.
وكان مالك يُفْتي الخَوارِجِ والمُلحِدُون: هم الذين يُؤولونَ في ضروريات الدين، لإِجْرَاءِ أَهْوَائِهم.
- قوله: (إقامة الحُجَّةِ عليهم) أي بَعْدَ تَبْلِيغِهم.
---
- قوله: (فَجَعَلُوهَا على المُؤْمِنِينَ) وهذا كحَالِ المُدَّعِينَ العَملَ بالحديثِ في دِيَارِنا، فإِنَّ كل آياتٍ نَزَلتْ في حق الكُفَّار، فإِنَّهم يَجْعَلُونَها في حَقِّ المُقَلِّدِين، سِيما الحَنَفَية، كَثَّرَ الله تعالى حِزْبَهم، وقد رَأَيْنَا بعضع هذا في كلامِ الحافظِ ابنِ تيمية أيضاً، ولَيْس أَحَدٌ يتجاوزُ عن حَدِّ الاعتِدَالِ إلا يَضْطَرُ إلى الاقتحامِ في مِثْلِه، فليُحْتَرَزْ عن الإِفْرَاطِ والتَّفْرِيطِ، وليحل حول حمى الحق. فإِنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلّمقال: «سَدِّدُوا وقارِبوا». ألا تَرى أَنَّ الأشْعَرِيَّ لمَّا بَالغَ في التنيهِ وشَدَّدَ فيه، لَزِمَهُ نفي كثيرٍ مِنَ الصِّفاتِ التي أَثْبَتَها السَّمْعُ حتى قارَن المُعَطِّلة، فلم يَبْقَ للاستواءِ المَنْصُوصِ عِنْدَهُ مصداق، وصارَ نحو ذلك كُلُّه مِنْ بابِ المُجَازَاتِ عِنْدَهُ، فالقُرْآنُ يَأْبَى عمَّا يُرِيدُهُ الأشعري من تنزيههِ هذا تباركَ وتعالى؛ وقد نَقَلْنَا لك فيما أَسْلَفْنَا أَنَّا لم نَجِدْ تعبيراً في القرآن أَزْيَد إِيهاماً مِنْ قوله تعالى: إني أنا الله ومِنْ قولِهِ: {بُورِكَ مَن فِى النَّارِ} (النمل: 8) وكان ذلك مسموعاً مِنَ النارِ.(7/297)
قلتُ: فعليه أَنْ يَكْرَهَ هذا التعبيرَ أيضاً، ولكنَّ القرآن قد أَتَى به، ولم يُبَالِ بذلكَ الإيهام، ولا رَآهُ مخالِفاً للتنزيهِ، وذلك لأَنَّ إِيهام الظرفية ههنا كالعَدَمِ، فإِنَّه لا يَجْعلُ الشجرةَ إلهاً إلا مصابٌ، أو مجنونٌ، فلم يَكُنْ فيه محلُ ريبٍ، وكان بديهياً أَنَّ هناك أَمْرٌ غيبي، وليس المُتَكَلمُ هو الشَّجَرةُ حقيقةً؛ وبالجملةِ قد ثبت إسنادُ كثيرٍ من الأشياءِ في السَّمْعِ، ولا يَرْضَى الأشعريُّ إلا بقَطْعِها عنِ اللَّهِ تعالى، مع أَنَّ القرآنَ على ما يَظْهر لا يَسْ
---
والفَصْلُ في تلك الأسانيد عندي، أَنَّها تُتْرَكُ على ظاهرِها إذا لم تَكُن موهمةٌ مَغْلَطة، كحالِ الشجرة، فإنَّه يُسْتَحَقُ مِنْ يَدَّعي كونَ تلكَ الشجرة إلهاً، مع إِذْعَانِهِ أَنَّها كانت شجرة كسائرِا لأشجار، قَبْلَ تَكلُمِها بالكلامِ الذي كلمته الآن، فهل ههنا مَغْلَطة بكونِا إلهاً بَعْدَ التكلم بتلكَ الكلمة، وإِذَا كان بُطلانُه مِنْ أَجْلَى البديهاتِ، يُتْرَك القُرآنُ في مثله على ظاهِرهِ، وأَمَّا إذا كان غيرَ ذلك، فغير ذلك، والعياذُ بالله مِنَ الزيغِ والإِلحادِ.(7/298)
وبالجملةِ قولوا: إِنَّ اللَّهَ تعالى ليسَ كمثلِهِ شيءٌ، واكتَفُوا بهذا القدرِ مِنَ التنزِيهِ، ولا تَحْكُموا على اللَّهِ بِشيءٍ مِنْ عند أَنْفُسِكُم، وبعدَ ذلك أَسْنِدُوا إليه كلَّ ما هو مسندٌ إليه في نفس كلامِهِ، ولا تَخَافُوا، ولا تَحْزَنوا، أَليس أهلُ العُرفِ قد يَحْذِفُون الوسائِطَ في بعضِ المَواضِع، ويُسْنِدون الفعل إلى ما ليس بفاعلٍ له، ولا يعدون ذلك شيئاً له، كقولهِم: بَنَى الأميرُ المدينةَ، وهزمَ الأميرُ الجُندَ، مَعَ أَنَّه معلومٌ أَنَّ البِنَاءَ لم يُسْنَدْ إلا إلى البَاني حقيقةً، والأميرُ ليسَ بِبَاني، غيرَ أَنَّهُ لمَّا كان آمِرَاً ومُسَبِبَاً حَلَّ مَحلَّ الباني، وأُسْنِد إليه ما يُسْنَدُ إلى البَاني، فهكذا حالُ الأسانيدِ التي وَرَدَت في السمع، فليتْرُكْهَا على ظواهِرِها، كما وَرَدَتْ في النَّصِ مُسْنَدَةً، والأشعريُ يَنْفِيهَا أيضاً، وأمَّا الحافظُ ابنُ تيمية فَحَقَّقَها في الخارج حتى قَارَبَ التَّشْبِيه، كما كُنْتُ سَمِعْتُ مِنْ حالِه، أَنَّهُ كان جالساً على المِنْبَرِ، فَسَأَلَهُ سائِلٌ عن نُزُولِهِ تعالى، فَنَزَلَ ابنُ تيمية إلى الدَّرَجةِ الثانيةِ، فقال: هَكَذَا النُّزُول، فَحقَّقَهُ في الخَارِجِ، وبالَغَ فيه، حتى أَوْهَم كلامُهُ التَّشْبِيه.h
والصَّوابُ إِنْ شاء الله تعالى ما ذَكَرْنَا.
---
6931 - قوله: (يَخْرُجُ في هذه الأُمَّةِ - ولم يَقُلْ منها - قومٌ) أي لمَّا وَصَفَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلّمالخَوارِجَ، لم يَقُل في حقهم: يَخْرُجُ مِنْ هذه الأمةِ قومٌ سِمَاتُهم كذا، بل قال: «في هذه الأمة» وبينهما فَرْقٌ، فإنَّ قولَهُ صلى الله عليه وسلّم من هذه الأمة، يَدُلُّ على كَوْنِهم مِنْ أَفْرَادِ هذه الأمة أَوّلاً ثُمَّ تحولُهم إلى ما صاروا إليه، بخلاف الثاني، فإنَّه لا دُلالةَ فيه على كونِهم مِنْ هذه الأمةِ في أَوَّلِ أَمْرِهم أيضاً.(7/299)
باب مَنْ تَرَكَ قِتَالَ الخَوَارِجِ لِلتَّأَلُّفِ، وَأَنْ لاَ يَنْفِرَ النَّاسُ عَنْه
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ، دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ»
أَرَادَ منه البُخاري التنبيهِ على بيانِ التوجيه لعدم قتل ذي الخُوَيْصِرَة رأسِ الخَوارِج، فَذِكْرُهُ له تَأْوِيلاً، وهذا البابُ مخصوصٌ بالأنبياءِ عليهم السّلام، لا يجوزُ العملُ به لِغَيْرِهم، فانْتَهَى بانتهائِهم، وقد بَسَطْنَاهُ مِنْ قَبْل.
باب مَا جَاءَ في المتَأَوِّلِين
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: خَاخٍ أَصَحُّ؛ ولكنْ كذلك قَالَ أَبُو عَوَانَةَ: حَاجٍ، وحَاجٌ تَصْحِيفٌ، وهُوَ مَوْضِعٌ؛ وهِشَامٌ يَقُولُ: خَاخٍ.
يعني أَنَّ مَنْ سَبَقَ على لسانِهِ كلمةَ الكفر بمنشأ صحيح، فإِنَّهُ لا يُكْفَر، كما أُنْكَر عمرُ قراءةَ هِشام بن حَكِيم - سورة الفرقان - حينَ سَمِعَهُ يَقْرَؤُها على غيرِ ما أَقْرَأَها النَّبي صلى الله عليه وسلّمعُمرَ، ولكنَّه كان بمنشأ صحيح، فلم يَعْبَأْ به، وكذا رَمَى عمر صحابياً مُخْلِصَاً بالنِّفاق، كما في هذا البابِ، ولكنَّهُ أيضاً كان بمنشأ صحيح، وذلك لِكَثْرَةِ مجالسةِ هذا الصحابي الكُفَّار.
---
قلتُ: وممَّا يَنْبَغي أَنْ يُعْلَم أَنَّ التأويلَ إِنَّما يُقْبَلُ في غيرِ ضَرُورِيَّات الدِّين، أَمَّا في ضَرُورِيَّاتِ الدِّين فلا يُسْمَع، ومن أَرَادَ التفصيلَ، فَلْيَرْجِع إلى رسالتِنا في هذا المَوْضِع «إِكْفَارُ المُلْحِدِينَ، في شيءٍ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّين».
كتاب الإِكْرَاه
وقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَنِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النَّحْل: 106).(7/300)
وَقَالَ: {إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَةً} (آل عمران: 28)، وَهيَ تَقِيَّةٌ. وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّهُمُ الْمَلَئِكَةُ ظَلِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاْرْضِ} إِلَى قَوْلِهِ: {عَفُوّاً غَفُوراً} (النساء: 97، 99) {وَالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ وَالوِلدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هذهِ القَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً} (النساء: 75) فَعَذَرَ اللَّهُ المسْتَضْعَفِينَ الذِينَ لاَ يَمْتَنِعُونَ مِنْ تَرْكِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَالمُكْرَهُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ مُسْتَضْعَفاً، غَيرَ مُمْتَنِعٍ مِنْ فِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ. وَقَالَ الحَسَنُ: التَّقِيَّةُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَنْ يُكْرِهُهُ اللُّصُوصُ فَيُطَلِّقُ: لَيسَ بِشَيءٍ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيرِ وَالشَّعْبِيُّ وَالحَسَنُ. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «الأعْمَالُ بِالنِّيَّةِ».
---
واعلم أَنَّ الإِمامَ البُخاري شدَّدَ الكلامَ في هذا البابِ على الإِمام أبي حنيفةَ النُّعمان، وكذا في كتابِ الحِيَل، ووجْهُ ذلك: أَنَّ البخاريَّ لم يَتَعَلَّم فِقْهَ الحنفيةِ حقَّ التَّعَلُّم، وإِنْ نُقِلَ عنهُ أَنَّه رَأَىَ فِقْهَ الحنفية، لكن ما يَتَرَشَّح مِنْ كِتَابِهِ هو أعٌّ(7/301)
وجملةُ الكلامِ فيه، أَنَّ الإِكْرَاهَ عندنا لا يَتُمُّ إلا بتَهْدِيدِ إيقَاعِ الفِعْلِ المُهَدَّدِ به على ذاته، أو أَطْرَافِهِ، أو القَرِيبِ مِنْ أَقَارِبِهِ، فإِنَّ سَابَّهُ أو هَدَّدَهُ بإِيقاعِ الفَعْلِ على غَيْرِهِ، لا يكونُ مَكْرَهاً، فإِنْ قال لهُ: اشرَبِ الخَمْرَ وإلا أَقْتُلُ زيداً، لا يكون مكرهاً، وإِنْ وَجَبَ عليه أَنْ يَشْرَبَ الخَمْرَ، وذلك لأنَّ حَقْنَ دَمِ امْرِىءٍ، مُسْلِمٍ فَرِيضة، ولَكِنَّهُ بابٌ آخر، والبخاريُّ لمَّا عدَّ كله مِنْ وَادٍ واحدٍ، فَجَعَلَ الإِكْرَاه على نفسِهِ وأقارِبه، والإِكْرَاهَ على الغيرِ، والبعيدِ مِنْ أقارِبِه، والتَّسَابُبِ كُلَّه مِنْ بابٍ واحدٍ، فَوَقع فيما وَقَعَ، ولو تَنَبَه على هذا الفَرْقِ لَمَا تَقَدَّمَ إلى مِثْلِ هذِهِ الإِيرَادَاتِ. ورَاجِع أَقْسَامَ الإِكْرَاهِ، وأحكامِه مِنَ «الهِدَايةِ».
---
- قوله: ({إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ}وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَنِ (النمل: 106)) وهذا الإِكْرَاهُ بإِجْرَاءِ كلمةِ الكُفْرِ، ثُمَّ إِنَّ في فُقْهِنَا تفصيلاً بأَنَّ فِعْلَ المُكْرَهَ عليه قَدْ يَكُونُ عزيمةً، وقد يكونُ رخصةً، فالعزيمةُ في مسألةِ إِجْرَاءِ كلمةُ الكُفْرِ أَنْ يَمْتَنِعَ عنه، ويَسْمَحَ بنفْسِهِ، والأَوْلَى في شُرْبِ الخَمْر أَنْ يَشْرَبَهُ، ويُنْقِذَ نَفْسَهُ، وذلك لأنَّ حُرْمَةَ إِجْرَاءِ كلمةِ الكُفْرِ بَدِيهي، ولم تَزلْ تلكَ الكلمةُ حَرَامًّف مِنْ لَدُنْ آدمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى يومِنَا، بخلافِ شربِ الخمرِ فإنَّه وإِنْ كان حَرَاماً أيضاً، إلا أَنَّه كان حلالاً في زمانٍ، ثم نُسخ، فسُومِحَ فيه بشربِ الخَمْرِ عندَ الإِكْرَاهِ.
- قوله: (والمُكْرَهُ لا يَكُونُ إلاَّ مُسْتَضْعَفاً)... إلخ، وهذه مقدمةٌ للتنبيهِ على أَنَّ المُكْرَه - بالفتح - ليس إلا من ضعَّفَه المكرِه - بالكسر .(7/302)
- قوله: (وقال الحَسَنُ)... إلخ، يريدُ أَنَّ تَحْصِلَ التُقَاة باقٍ إلى يومِ القيامةِ، وليس مختصاً بعهدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلّم
- قوله: (وقال ابنُ عبَّاسٍ، فِيمَنْ يُكْرِهُهُ اللُّصُوصُ، فَيُطَلِّقُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ) قلنا: إِنَّ طلاق المُكْره واقعٌ، فإِنَّ الإِكْرَاه يَعْدِمُ الرِّضاء دُونَ الاخْتِيَار.
- قوله: (وبه قال ابنُ عُمَرَ)... إلخ، قلنا: قَدْ ذَهَبَ غيرُ واحدٍ مِنَ العلماءِ إلى ما ذَهَبَ إليه الإِمامُ الهُمامُ أيضاً.
- قوله: (الأعمالُ بالنِّيَّةِ) وقد بَسَطَنَا الكلامَ فيه في أَوَّلِ الكتابِ، وأَنَّه لا تُعلقَ له بموضِع النِّزَاعِ.
باب مَنِ اخْتَارَ الضَّرْبَ وَالقَتْلَ وَالهَوَانَ عَلَى الكُفر
أي مَنْ أُكْرِهَ على الكُفْر، فأَبَى عنه، واختارَ هذه الأشياء، وتَحَمَّلَ التأذي، وبهِ نقول.
---
باب في بَيعِ المُكْرَهِ وَنَحْوِهِ، في الحَقِّ وَغَيرِه
وبيعِ المُكْرَه موقوفٌ عندنا، بخلافِ الطَّلاقِ، لأنَّهُ مِنَ الإِسقَاطَاتِ، والبيعُ مِنَ الإِثبَاتَاتِ، فَيتَوَقف.
- قوله: (ونَحْوِهِ) وفَسَّرَهُ العَيْنِي بالمُضْطَرِ، ليَعُمَّ الإِكْرَاهَ الفِقَهي وغيرِهِ، كالبيعِ في أيامِ القَحْطِ، فإِنَّ النَّاسَ يَعبايَعُونَ فيها بالغَبْنِ الفَاحِشْ، ولا يُسَمَّى ذلك إِكْرَاهاً فِقْهياً، فهو إِذَن بيعُ المُضْطَر، ولا بُدَّ مِنْ مُرَاجَعةِ كُتْبِ الفِقْه لحكْمِ مثلِ هذه البُيوع، فإِنَّ عامةَ ما يُوجَدُ فيها حُكْمُ الغَبن الفَاحِشْ، أَمَّا أَمْثَال تلك البُيوع ما حُكْكُها؟ فلم أَرَه فلْيفتَّش.
- قوله: (في الحَقِّ) أي إِنَّ الإِكْرَاه وإِنْ تحقق، لكِنْ المكْرِه - بالكسر - كان فيه على الحقِّ، كما أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلّمأَكْرَه اليهودَ على الجَلاءِ، وكان على الحقِّ في ذلك.(7/303)
قلتُ: وهذا ليس إِكْرَاهاً فِقْهاً، فإِنَّه تحقق لو كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلّمهَدَّدَهُم بِقَتْلِ أَنْفُسِهم، أو بِقَطْتِ عضوهم، وإِذْ ليس، فليس.
- قوله: (وغَيْرِهِ) أَي إنَّ الإِكْرَاه قد يكونُ على غيرِ الحقِّ أيضاً.
باب لاَ يَجُوزُ نِكَاحُ المُكْرَه
{وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَتِكُمْ عَلَى الْبِغَآء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ اللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (النور: 33).
---
والإِكْرَاه على النِّكَاحِ بأَنْ يُهدِّدَهُ بالنَّفْسِ، أعلأْ العُضْوِ، إِلا أَنْ يَتَكَلَّم بالإِيجابِ أو القَبُولِ؛ وحينئذٍ حديثُ خَنْسَاءَ في غيرِ مَحِله، فإِنَّ أباها كان زَوَّجَها بعبَارَتِه، ولم يَكُنْ أَكْرَهَها على الإِيجاب والقَبُولِ، وليست وِلاَيَةُ الإِجْبَارِ مِنْ بابِ الإِكراه في شيءٍ، فإِنَّ مَعْنَاها نفاذُ القَوْلِ عليها بدونِ رِضَاها، وليس معناها أَنْ يَضْرِبَها الأبُ أَو الوليُّ، فيُجْبِرَها أَنْ تُنْكِحَ نَفْسَها، كما زَعَم.
باب إِذَا أُكْرِهَ حَتَّى وَهَبَ عَبْداً أَوْ بَاعَهُ لَمْ يَجُز
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: فَإِنْ نَذَرَ المُشْتَرِي فِيهِ نَذْراً، فَهُوَ جَائِزٌ بِزَعْمِهِ، وَكَذلِكَ إِنْ دَبَّرَهُ.
باب مِنَ الإكْرَاه
{كُرْهٌ} (الأحقاف: 15) وَ{كُرْهٌ} (آل عمران: 83) وَاحِدٌ.
وبه قال بعضُ النَّاسِ: فإِنْ نَذَرَ المُشْتَري فيه نَذْرَاً، فهو جَائزٌ بزَعْمِهِ، وكذلِكَ إِنْ دَبَّرَهُ.(7/304)
والمرادُ بقولِه: لم يَجُزْ أي لم يَلْزَم، بل يَبْقَى موقوفاً. وأمَّا مسألةُ النذر، فإن كان البُخَاري نَقَلَها لمُنَاقَضَتِها بمسألةِ البيعِ والهبةِ، فهذا غيرُ وارِدٍ، لأنَّ التَّدْبِرَ ونحوَهُ مِنَ التَّصرُفاتِ اللاَّزِمَةِ، والمُشْتَري إذا أَتَى بتلكَ التَّصرُّفَاتِ، وَجَبَ القَوْلُ بِنَفَاذِهَا، ولُزُومِ البيعِ لا مَحالَة، كما في - البِيَاعاتِ الفاسدة - فإِنَّ المُشْتَرِي إذا أَتَى فيها بِتَصَرُّفٍ غيرِ قابلٍ للنقض، يَلزمُ البيع، ولا يَبْقَى خيارُ الفَسْخِ. ورَاجِع «الهداية».
باب إِذَا اسْتُكْرِهَتِ المَرْأَةُ عَلَى الزِّنَا فَلاَ حَدَّ عَلَيهَا
---
في قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ اللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (النور: 33).
وهي المسألةُ عندنا.
6949 - قوله: (رَقِيقِ الإِمَارَةِ) وهو العبدُ الذي لم يُسْهَم لأحدٍ بعد، فإِنَّه يُضاف إلى بيتِ المَالِ.
6949 - قوله: (يُقِيمُ ذَلِكَ الحَكَمُ - أي المُنْصِفُ العَادِلُ - من الأَمَةِ العَذْرَاءِ بِقَدْرِ ثَمَنِهَا) وهذا هو الأَرْش.
6949 - قوله: (ويُجْلَدُ) الزاني هذا إذا كان غيرُ مُحْصَنٍ، وإلا فَيُرْجَم، أَوْ تكونُ المسألةُ عندَهُ في الأمةِ المَزْنِية، هي هذه، أي لا يكونُ الرَّجْمُ واجباً على مَنْ زَنَى بها، ويُمكِنُ أنْ يكونَ المرادُ منه أقلَّ ما يجبُ عليه، وهو الجَلَد.
6949 - قوله: (ولَيْسَ في الأَمَةِ الثَّيِّبِ في قَضَاءِ الأَئِمَّةِ غُرْمٌ) أي في حُكْم العُلماء.
باب يَمِينِ الرَّجُلِ لِصَاحِبهِ أَنَّهُ أَخُوهُ، إِذَا خَافَ عَلَيهِ القَتْلَ أَوْ نَحْوَه(7/305)
وَكَذلِكَ كُلُّ مُكْرَهٍ يَخَافُ، فَإِنَّهُ يَذُبُّ عَنْهُ المَظَالِمَ، وَيُقَاتِلُ دُونَهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ، فَإِنْ قَاتَلَ دُونَ المُظْلُومِ فَلاَ قَوَدَ عَلَيهِ وَلاَ قِصَاصَ. وَإِنْ قِيلَ لَهُ: لَتَشْرَبَنَّ الخَمْرَ، أَوْ لَتَأْكُلَنَّ المَيتَةَ، أَوْ لَتَبِيعَنَّ عَبْدَكَ، أَوْ تُقِرُّ بِدَينٍ، أَوْ تَهَب هِبَةً، وَتَحُلُّ عُقْدَةً، أَوْ لَنَقْتُلَنَّ أَبَاكَ أَوْ أَخَاكَ في الإِسْلاَمِ، وَسِعَهُ ذلِكَ، لِقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ».
---
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَوْ قِيلَ لَهُ لتَشْرَبَنَّ الخَمْرَ، أَوْ لَتَأْكُلَنَّ المَيتَةَ، أَوْ لَنَقْتُلَنَّ ابْنَكَ أَوْ أَبَاكَ، أَوْ ذَا رَحِمٍ مُحَرَّمٍ، لَمْ يَسَعْهُ، لأَنَّ هذا لَيسَ بِمْضْطَرّ، ثُمَّ نَاقَضَ فَقَالَ: إِنْ قِيلَ لَهُ: لَنَقْتُلَنَّ أَبَاكَ أَوِ ابْنَكَ أَوْ لَتَبِيعَنَّ هذا العَبْدَ، أَوْ تُقِرُّ بِدَينٍ أَوْ تَهَبُ، يَلزَمُهُ في القِيَاسِ، وَلكِنَّا نَسْتَحْسِنُ وَنَقُولُ: البَيعُ وَالهِبَةُ، وَكُلُّ عُقْدَةٍ في ذلِكَ بَاطِلٌ. فَرَّقُوا بَينَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ وَغَيرِهِ، بِغَيرِ كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «قَالَ إِبْرَاهِيمُ لاِمْرَأَتِهِ: هذهِ أُخْتِي، وَذلِكَ في اللَّهِ». وَقَالَ النَّخَعِيُّ: إِذَا كَانَ المُسْتَحْلِفُ ظَالِمَاً فَنِيَّةُ الحَالِفِ، وَإِنْ كَانَ مَظْلُوماً فَنِيَّةُ المُسْتَحْلِفِ.
قوله: (وإنْ قِيلَ لَهُ: لَتَشْرَبَنَّ الخَمْرَ، أَوْ لَتَأْكُلَنَّ المَيْتَةَ، إلى قوله: أو تَحُلُّ عُقْدَةً)، وهذه ستةُ أَشْياءَ عَدِيل واحد، وعَدِيلُه الآخر قوله: {أو لنقتلن أباك أو أخاك أو لنقتلن أباك,أو أخاك. وحاصله: أَنِ أُكْرِهَ على هذه الأشياء، وهَدَّدَهُ بقتلِ الأبِ، أَوْ أَخٍ في الإِسلامِ، فهو مُكْرَهٌ عند المصنف.(7/306)
قُلنا: إِنَّه ليس بإِكْرَاهٍ، ولَكِنَّه بابٌ آخر، فإِنَّ حِفْظَ دمِ امْرِىءٍ مسلمٍ واجبٌ في كلِّ أَوَانٍ.
- قوله: (يَلْزَمُهُ في القِيَاسِ) أي يكونُ البيعُ لازماً، ولا يكونُ موقوفاً، فكان الإِكْرَاه غيرَ معتبرٍ فيه، وإهٌّح كان الاسْتَحْسَانُ يُوجِبُ اعتبارَهُ وبُطْلانَ البيعِ، ثُمَّ الإِكْرَاهُ عِنْدَنا لا يكونُ إلا إذا أَوْقَع بقتْلِه، أو بِقَتْلِ أَقَارِبِهِ، أَمَّا إذا هَدَّدَ بِقَتْلِ أَجْنَبيّ فليس بإِكْرَاهٍ، والبُخاريُّ يُسَوِّي الأقارب والأخ في الإِسلام.
---
- قوله: (قَالَ النَّخَخِيُّ: إذا كَانَ المُسْتَحْلِفُ ظَالِماً)... إلخ، ولم يَجِدْ الحافظُ تَخْرِيجَهُ إلا «من كتاب الآثار، لمحمد، فلينظر الناظر أَنَّ تعليقَ البُخَاري لو توقف إسنادُه على كتاب، ولم يُوجدْ في غيرِه، فهل يَصْلُح له أَنْ يُقال: إِنَّهُ على شَرْطِ البُخَاري أَوْ لا؟ ولَمَّا لَمْ يَكُن لهذا التَّعليقِ طريق، إلا كان محمدُ بنُ الحسنِ واقعاً فيه، ساغَ لنا أَنْ نقول: إِنَّه مِنْ رِجَال البُخاري، وإنْ كان شَأْنُه في الواقعِ أَعْلَى مِنْ هذا، عند مَنْ يَعْرِفُه.
كتاب الحِيَل
1 بابٌ في تَرْكِ الحِيَلِ، وَأَنَّ لِكُلِّ امْرِىءٍ مَا نَوَى في الأَيمَانِ وَغَيرِهَا(7/307)
واعْلَم أَنَّ البُخاري لم يُفَرِّقْ بين جَوازِ الحِيلَةِ ونفاذِها، فَكُلُّ ما كان يَرِدُ على القَوْلِ بالجَوازِ، أَوْرَدَهُ على القَوْلِ بالنَّفَاذِ مع فَرْقٍ جَلي بَيْنَ الأَمْرَيْنِ، فَرُبَّ شيءٍ لا يكونُ فِعْلُه جائزاً عِنْدَ الشَّرْعِ، فإِنْ تَجَاسَرَ عليه أَحدٌ يُعْتَبَرُ لا مُحَالَةَ أَلا تَرَى أَنَّ الطَّلاقَ في زَمنِ الحَيْضِ مَحْظُورٌ، مع ذلك لو طَلَّقَهَا فيه وَقَعَ ونَفَذَ، ولا أقل مِنْ أَنَّ النظرَ يتردَّدُ فيه، فالأوَّلُ لا يَسْتَلْزِم الثاني، فأِنَّ أحداً منهم لم يَقُلْ بجوازِ الطَّلاقِ زَمَنَ الحَيْضِ، وإنْ ذَهَبَ شِرْذِمَة إلى هَدْرِهِ، وكيفَ ما كان دارَ النظرُ في الثاني، مَعَ الاتِّفَاقِ في الأوَّل.
---
ثُمَّ إِنَّ منْ نَقْلِ الحِيَل، ولم يَنْقُل عبارةَ أَبي يُوسف في أَوَّلِها فَقَدْ قَصَّرَ جداً، لأنَّ النَّاظِرَ إذا رَأَى الحِيَل لِدَفْعِ الحقوقِ، مضبوطةً مكتوبةً، يَظُنُّها جائزةً، فَيتَحَيَّرُ مِنْ جوازِ هذه الخديعةِ في الإِسلامِ، بَعْدَ أَنَّه قَدْ كان جَاءَ لِمحْقِهَا واسْتِئْصَالِها، فكيف بهذا الإِفسادِ بعد الإِصلاح، ولو كتبوا في أَوَّلِ الباب، أَنَّ الحِيَلَ لأَخْذِ أموالِ النَّاسِ حرامٌ عندنا، لَثَلَجَ الصَّدْرُ، فإِنَّها لِمنْ ابتُلِيَ، وَأَرَادَ تخليصَ رَقَبَتِهِ مما قد أُحِيطَ به، فأَشفَاهُ على الهَلاكِ، لا لأَنَّ المقصودَ منها ترْوِيجُها وإباحتُها لحبطِ الأموال، والعياذ بالله.
والحقُّ قد يَعْتَرِيهِ سُوء تَعْبير فلم يَرِد ما وَرَدَ علينا إلا مِنْ سُوء هذا الصنيع.(7/308)
ولذا وَجَبَ علينا أَنْ نَأْتي أَوَّلاً بِما في الحيل من التشديد عند علمائِنا. قال الحافظُ: ونَقَلَ أبو حَفْصٍ الكبير، راوي كتابَ الحِيَل عن مُحمدٍ بنِ الحسنِ أَنَّ محمداً قال: ما احتالَ به المسلمُ حتى يَتَخَلَّصَ به من الحرام، أو يَتَوَصَّل به إلى الحلال، فلا بأس به وما احتالَ به حتى يُبْطِلَ حقاً، أو يُحقَّ باطلاً، أو ليُدْخِلَ به شبهة في حَقٍ فهو مكْرُوه، والمكْرُوه عندَهُ إلى الحرامِ أقرب، اه.
وفي «العيني» كما في الهامش، قال النَّسَفيِّ في «الكافي» عن محمدِ بنِ الحسن، قال: ليس مِنْ أَخْلاقِ المؤمنين الفِرار عن أحكام الله تعالى بالحيلِ الموصِلَةِ إلى إِبْطَالِ الحق، اه. وفي «الفتح»: قال أبو يوسف في كتاب الخَرَاج، بعد إِيرَادِ حديثٍ: «لا يُفَرَّقُ بين مجْتَمِعٍ» ولا يَحِلُ لرجلٍ يؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ منعُ الصَّدَقَةِ، ولا إخراجُها عن مِلْكِهِ لمِلكِ غيرِه، ليفَرِقَها بذلك، فتبطلُ الصدقةُ عنها، بأَنْ يصيرَ لكلِّ واحدٍ منها ما لا تجبُ فيه الزَّكاة، ولا يُحتال في إبطالِ الصَّدَقَةِ بوجهٍ، اه.
---
باب في الصَّلاَة
6954 - قوله: (لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ) لعلَّ غَرَضَهُ منهُ الإِيرَادُ على القولِ بالبِنَاءِ، قلتُ: أمَّا القولُ بالبناءِ فهو رِوَايةٌ عنِ الشَّافعي في - القَدِيم - وله عندنا حُجة، ثُمَّ الاستخْلافُ معتبرٌ عند الإِمامِ البُخاري أيضاً، ويمكِنُ أَنْ يَكُونَ بين البِنَاءِ والاسْتِخْلاَفِ فرقاً عِنْدَهُ، فيقولُ بمَنْعِ البِنَاءِ دُونَه، وراجع الهامش.
باب في الزَّكَاةِ، وَأَنْ لاَ يُفَرَّقَ بَينَ مُجْتَمِعٍ، وَلاَ يُجْمَعَ بَينَ مُتَفَرِّقٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَة(7/309)
6956 - قوله: (وقَالَ بعضُ النَّاسِ: في عشرين مِئَةِ بَعِيرٍ حِقَّتَانِ، فإنْ أَهْلَكَهَا مُتَعَمِّداً، أو وَهَبَهَا، أو احْتَالَ فيها فِرَاراً من الزَّكَاةِ، فلا شَيْءَ عليه) قوله: وقال بعضُ النَّاسِ في رجل له إبلٌ، فَخَافَ أَنْ تَجِبَ عليه الصَّدَقة، فَبَاعَها بإِبل مِثلِها، أو بِغَنَمٍ، أو بِبَقَرٍ، أو بدَرَاهِمَ، فِرَارَاً من الصَّدَقَةِ بيوم، واحتيالاً، فلا شيءَ عليه، وهو يقولُ: إِن زَكَّى إبْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الحولُ بيومٍ، أَوْ بِسَنَةٍ جَازَتْ عنه.
---
6959 - قوله: (وقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إذَا بَلَغَتِ الإِبِلُ عشرين، فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ. فإنْ وَهَبَهَا قبل الحول، أو بَاعَهَا فِرَاراً، أو احْتِيَالاً لإِسقاط الزَّكَاةِ، للا شَيْءَ عليه. وكذلك إنْ أَتْلَفَهَا، فَمَاتَ، فلا شَيْءَ في ماله) وهذا كما تَرَى، ثلاثُ إِيرَادَاتٍ من المصنِّفِ على الحنفية، بثلاثِ عباراتٍ، والمآلُ واحد، فإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: إِنَّها واحدٌ، وإِنْ شِئْتَ اعتبرتَهُما ثلاثاً، ثُمَّ المُصَنِّفُ أضَافَ قَيْدَ الفِرَارِ والاحْتِيَالِ تَفْخِيماً وتَقْبِيحَاً، فالإِيرَاد الأوَّلُ على صورةِ الإِهلاكِ، أو الهِبَةِ، وذلكَ هو الثاني، بَيْدَ أَنَّه مَفْرُوضٌ في البَيْعِ، مع ذِكْرِ المُنَاقَضَةِ بين التَّخْفِيفِ في أَمْرِ الزَّكَاةِ بإِسْقَاطِها مِنْ تلكَ الحِيَلِ، وبين التَّشْدِيدِ فيه بأَدَائِها قَبْلَ الحَوْلِ؛ ولا فَرْقَ في الأَوَّلِ والثالثِ إلا بِتَغَايُرِ الصُّوَرِ، فإِنَّ الأَوَّلَ مَفْرُوضٌ في عشرين مئةِ بَعِير، والثالث في عشرين إِبْلاً، والنَّوعِ واحدٌ.
---(7/310)
وبالجملة، لم يَقْصِد به المُصَنِّف إلا تَكْثِير العَدَدِ لا غَيْر قُلنا: أَمَّا كونُ تِلكَ الحِيل وبالاً ونَكَالاً لصَاحِبها، فلا نُنْكِرُه أيضاً، كما نَقَلْنَاهُ عن أَئِمَتِنَا، وأَمَّا أنَّها لا حُمْكُ لها وإنْ فَعَلَها أَحدٌ، ففيهِ نَظَرٌ قَوِيٌ، فإِنَّ وِنَ النَّاسِ مَنْ هو فَاعِلُها لا مَحَالَةَ، لسوءِ طِبَاعِهِ، فلا بُدَّ لَنَا أَنْ نَذْكُرَ لها أَحْكَاماً ثَبَتَت عِنْدَنا مِنْ قَواعِد الشَّرْعِ، مَعَ قَطْعِ النَّظرِ عن حُكْمِهَا عِنْدَ اللَّهِ تعالى، مِنَ الإِثْمِ أَو غَيْرِهِ، فإِذَا أَهْلَكَ أحدٌ جَميعَ نِصَابِهِ، فَمَا لَنا أَنْ لا نَقُولَ بِسُقُوطِ الزَّكَاةِ عنه، كيف وإنَّها قطعة مِنَ المالِ، أَوْجَبَت عليه حَقَاً للفُقَراءِ، فَإِذا عُدِمَ المالُ، فقد عُدِمَ مَحلُ وجوبِ الزَّكاةِ، فَفِي ماذا تَجِبْ، وَلِذَا قُلْنَا بِسُقُوطِهَا، وأَمَّا أَدَاؤُهَا قَبْلَ الحَوْلِ، فَلِوُجُودِ النِّصابِ، وهو سَبَبُ نَفْسِ الوجوبِ، فلم نَقُل بأَدَائِها إلا بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ، والأداءُ بعد تَحقُّقِ السببِ معهودٌ عند الشَّرعِ، فلا بُعْدَ فيه.
باب الحيلةُ في النكاح
---
6960 - قوله: (وقال بَعْضُ النَّاسِ: إن احْتَالَ حتَّى تَزَوَّجَ على الشِّغَارِ، فهو جائزٌ، والشَّرْطُ باطلٌ. وقال في المُتْعَةِ: النِّكَاحُ فاسِدٌ، والشَّرْطُ بَاطِلٌ. وقال بعضُهم: المُتْعَةُ، والشِّغَارُ جائزٌ، والشَّرْطُ باطلٌ) واعْلَمْ أَنَّ نِكَاحَ الشِّغَارِ نافِذٌ عندنا، وأَمَّا وُرُودُ النَّهْي عنه فهو مُسَلَّم، إِلا أَنَّه ليس كُلُّ نَهْيٍ يَقْتَضِي البُطْلان، وإِنَّما القُبْحُ فيهِ مِنْ جِهَةِ خُلُوِّ البضعين عن العِوَضِ، وقَدْ قُلْنَا بوجُوبِ مَهْرِ المِثْل فيه، فانْعَدَمَ المعنَى، فلو فَعَلَهُ أَحَدٌ نَفَذَ، ولَزِمَهُ مَهْرُ المِثْلِ، وإِليْهِ ذَهَبَ بعضُ السَّلَفِ، كما عند الترمذي.(7/311)
ونظيرُه قولُه صلى الله عليه وسلّم «اشترطي لهم الوَلاَءَ»، فكذا يصح النَّكاح، ويَلْغُو الشرط، وأمَّا إِيرَادُه بِجَوازِ المُتْعَةِ، فَلَمْ يَقُلْ به مِنَّا أحدٌ، غَيْرَ أَنَّ زُفَرَ ذَهَبَ إلى تَنْفِيذِ نِكَاحِ المُوَقَّتِ، فإِنَّ لِنَفَاذِهِ صُورَةٌ بأِبْطَالِ الوَقْتِ، أَمًّا في المُتْعَةِ، فَقَدْ اتفقُوا على بُطْلانِها.
فائدة: قد نَبَّهْنَاكَ فيما مَرَّ على أَنَّ الشيخَ ابنُ الهُمَامِ بَحَثَ في المُتْعَةِ، بأَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنْ يَكُونَ أَمْرُها، وأَمْرُ النِّكَاحِ المُؤَقَّتِ سَوَاء، زعماً مِنهُ أَنَّ الأحكامَ تُبْنَى على المعنى دونَ الأَلْفَاظِ، وإذ كان معناهُما واحداً، وَجَبَ القولُ باتحادِ حُمْكَيْهِمَا، كيف وأَنَّ لَفْظَ: الميمِ، والتاءِ، والعينِ، لا دَخْلَ لها في الحُكْمِ، والمَقْصُودُ هو النِّكاحِ بأي لَفْظٍ كَان؟.
---
قلتُ: وهذا ليس بِنَاهِضٍ، لأَنَّ الشَّرْعَ أقامَ هناك أنواعاً، وأَعْطَى لِكُلِّ نوعٍ حُكْمَاً، ثُمَّ أشارَ إلى تلكَ الأنواعِ بِمادةٍ مُخْصُوصَةٍ، تَدُلُّ على ذلك النَّوعِ؛ وحاصِله: أَنَّ القَصْرَ على المعاني، وقطعَ النَّظَرِ عن الأَلْفَاظِ ليس مُطَّرِدَاً، لِيُنَاطَ بهه عِبْرَةُ الأحكامِ، وهَدْرِها.
باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الاِحْتِيَالِ في البُيُوعِ، وَلاَ يُمْنَعُ فَضْل
المَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ فضْلُ الكَلإِ
باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّنَاجُش
باب مَا يُنْهى مِنَ الخِدَاعِ في البُيُوع
وَقَالَ أَيُّوبُ: يُخَادِعُونَ اللَّهَ كمَا يُخَادِعُونَ آدَمِيّاً، لَوْ أَتَوُا الأَمْرَ عِيَاناً كَانَ أَهْوَنَ عَلَيَّ.
باب مَا يُنْهَى مِنَ الاِحْتِيَالِ لِلوَلِيِّ في اليَتِيمَةِ المَرْغُوبَةِ، وَأَنْ لاَ يُكَمِّلَ صَدَاقَهَا(7/312)
واعْلَم أَنَّ بِنَاءَ إِيرَادِه على خِلافيةٍ أُخْرَىَ، وهي أَنَّ قَضَاءَ القاضي بِشَهَادَةِ الزُّورِ هل يَنْفُذُ ظاهراً وباطناً، أَمْ لا؟ وقَدْ فَصَّلَها في - المَبْسُوطِ - بما لا مَزِيدَ عليه، والشيخُ ابنُ الهُمَامِ وإِنْ نَقَلَ بَعْضَهُ، إلا أَنَّه لا يُغْنِي عن الإِصْبَاحِ بالمِصْبَاحِ، فَرَاجِع كلامَ «المبْسُوطِ» فإِنَّه كَفَى وَشَفى.
وجملةُ الكَلاَمِ أَنَّ في المَسْأَلَةِ قُيُوداً وشُرُوطاً:
ومنها: كونُه في العُقُودِ والفُسُوخِ، فون الأَمْلاكِ المُرْسَلَةِ؛ ومنها: كونُ المَحَلِّ صالحاً للإِنْشَاءِ؛ ومنها: أَنْ لا يكُونَ القاضي عَلِمَ بِكَذِبِ الشَّاهِدَيْنِ.
---
أَمَّا الفَرْقُ بين العُقُودِ والفُسُوخِ، فَعَلَى ما ذَكَرَهُ الطَّحَاوي: أَنَّها عِبَارةٌ عن الإِيجابِ والقَبُولِ، ولَيس لها مَحْكي عنه سوى هذا القول، فإذا حَكَمَ بها القاضي، فَكَأَنَّه يَتَوَلَّى بإِنْشَائِها الآن، بخلافِ الأملاكِ المُرْسَلَةِ، فإِنَّها عبارةٌ عَنْ دَعوَى المِلْكِ بلا سَبَبٍ مُعَيَّنٍ، فَلَها محكى عنه في نَفْسِ الأمْرِ أيضاً، فلو حَكَمَ بها لأحدٍ لا يَحِلُ له أَنْ يَتَصَرَّفَ فيه تَصَرُّفَ المَالِكِ، لأَنَّه ليس بِيَدِ القاضي إِثباتُها على غير ما ثَبَتَتْ عليهِ في الواقعِ، بخلافِ العُقُودِ، فإِنَّها إِنْ لم تَكُنْ ثابتةً في الواقعِ، فَقَدْ أَثبتَها القاضي الآن مِنْ ولايَتِهِ، ففيها إِثْبَاتُ ما ليس بِثَابتٍ في الخارِجِ، لا أَنَّه تغييرُ الوَاقِع عمَّا هو عليه.(7/313)
وبِعِبَارَةٍ أُخْرَىَ: إنَّ الأملاكَ المرسلةِ إذا كان لها مَحْكِي عنه، فهي حاكية عن حقيقةٍ ثَابتةَ في نَفْسِ الأَمْرِ، وليس بيدِ القاضي تغييرها عمَّا هي عليه في الوَاقِعِ، بخلفِ العُقُودِ، فإِنَّها إنشاءاتٌ ليست حاكيةً عن شيء، وبِيَدِ العَاقِدَيْنِ إِنْشَاؤُها، فَكَما جَازَ لَهُما العَقْدُ والفسخُ، حال رِضَائِهما، كذلك جازَ أَنْ يَنُوبَ عنهما القاضي عند اخْتِلافِهما، وإِلاَّ فأيُ حِيلةٍ لِرَفْعِ النِّزَاعِ عند تَجَاذُبِا لآرَاءِ؟ فأَقًّمَهُ الشَّرْعُ مَقَامَ العاقَدَيْنِ، بل يَجِبُ أَنْ يكونَ تَصَرُفُه أَقْوَى مِنْهُما، حتَى يَنْفُذَ عليهما، على خلافِ رِضَاهُما.
---
وأَمَّا اشتراط صلاحِ المَحلِّ، فلأنَّ المَحَلَّ إذا لم يَصْلُح له، كيف يَنْفُذُ قَضَاؤُه باطناً، فإِنْ كانت امرأةٌ معتدةُ الغير، أو منكوحةً، وادعى عليها رجلٌ أَنَّها امرأتُه، وأَتَى عليها بِبَيِّنَةٍ، فَكَكَمَ بها القاضي، ليس له أَنْ يَطَأَهَا، ولا يَنْفُذُ قضاؤُه باطناً، لأَنَّها مَشْغُولةٌ بحقِ الغَيْرِ، وقضاؤُه إِنَّما يَنْفُذُ باطناً إذا صَادَفَ محلاً صالحاً لِنَفَاذِهِ، ولم يُوجَدْ، ولو قُلْنَا به لَزِمَ اجتماعُ الحُكْمَيْنِ المُتَنَاقِضَيْنِ في محلٍ واحدٍ.(7/314)
ونَعْنِي بِقَوْلِنَا: يَنْفُذُ باطناً، أَنَّها تَحِلُّ للمُدَّعي إذا كانت فارغةً عن حقِ الغَيْرِ، ولا يكونُ الزَّوْجُ آثِماً، بِوَطْئِها، ولا هي بَتَمْكِينِهِ، ولا القاضي بقضائه، أَمَّا عَدَمُ تَأْثِيمِ القاضي، فظاهرٌ، فإِنَّه تَابِعٌ للحُجَّةِ، فإِنَّه لا عِلْمَ له بِالبَوَاطِن، وإِذْ لم يَعْلَمِ الوَاقِعَ، فإِنَّه يَحْكُم بالحُجَّةِ لا مَحَالَة، كيفَ كانت، وهو مَعْنَى قولِهِ صلى الله عليه وسلّم «ولعلَّ بعضَكُم أَنْ يكونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ من بعض...» إلخ، وكذا المرأةُ غيرُ آثمةٍ في التَّمْكِينِ، لأنَّ القاضي إذا حَكَمَ عليها بِحُجَّةٍ شرعيةٍ، لم يَسَع لها النُّشُوز، نعم في الزَّوْجِ بعضُ إشكالٍ، فإِنَّه قد عَلِمَ أَنَّها ليست مَنْكُوحَة، ولا هو مَجْبُورٌ في الاستِمْتَاعِ منها، فكيفَ يَحِل لهُ أَنْ يَطَأَها؟.
---
قُلْنَا: إِنَّا لم نَحْكُم بِحِلِّ الاستمتاعِ مع قِيَامِ المُحَرَّمِ، كما زَعَمُوهُ، فأَلزَمُوا علينا أَنَّ فِيه توفيراً للزِّنَا، وتَرْوِيجاً للفَوَاحِش، بل نقولُ: إِنَّها أَحَلَّها القَضاءُ، فَيَسْتَمْتِعُ منها، وهي حلالٌ له، أَلاَ تَرَى أَنَّ النِّكاحَ ليس عِبَارةٌ إلا عَنِ الإِيجابِ والقَبُولِ بِحَضْرَةِ الشَّاهِدَيْنِ، فإِذا تَعَذَّرَ العِلْمُ بالحقيقةِ، فَقَدْ تَوَلَّى به القاضي ونابَ عنهما؛ حتى إِنَّ بَعْضَ الحنفيةِ شَرَطُوا الشَّهَادَةَ عند صُدُورِ هذا القضاء أيضاً، لتكونَ شاكلةَ القضاءِ كشَاكِلَةِ العَقْدِ بِعَيْنِها، وهذا ليس بمُخْتَار، فإهٌّ(7/315)
وبالجملة إنَّ الإِشْكَالَ إِنَّما هو على مَنْ قالَ بهْلِّ الاسْتِمْتَاعِ مع عَدَمِ النِّكاح، أَمَّا مَنْ قال: إِنَّ قَضَاءَهُ حَلَّ مَحَلَّ النِّكاحِ، فلا إِيرَادَ عليه أصلاً، نعم يَلْزَمُ الزِّنا على مَذْهبِ الشافعيةِ، فإِنَّه إذا قَضَى عليها بالنِّكَاحِ، ولم يَنْفُذ قَضَاؤُه باطناً، فحينئذٍ لا يكونُ استمتَاعُه إلا حَرَاماً، وزِنَا، فليَعْدِل أَنَّ توفِيرَ الزِّنَا على أي المَذْهَبَيْنِ أَلزَم، على أَنَّه ماذا يكونُ حُكْمُ الأَوْلادِ عِنْدَهُم؟ فإِنَّها كُلُّها ولدُ زَنْيَة على هذا التقدير؛ وبالجملة يَلْزَمُ عليه مَفَاسد غير عديدة، ولذا تَرَدَّدَ فيه الشيخُ الأكبر أيضاً.
---
ولعلَّ أصلَ النِّزاعِ في أَنَّ فَصْلَ الأقْضِيَةِ إذا وَقَعَ حسبَ قَواعِدِ الشَّرْعِ، فهل يكونُ ذلك قضاءً على الوَاقِعِ، أَوْ لاَ؟ فَمَنِ اخْتَارَ أَنَّهُ فَصْلٌ بِحَسَبِ الوَاقِعِ أيضاً ذَهَبَ إلى نَفَاذِهِ ظَاهراً وبَاطِناً، ومَنْ أَنْكَرَهُ قَصَرَ على الظَّاهِرِ فَقَط، ولم يَقُل بِنَفَاذِهِ في البَاطِنِ، وهناكَ مسألةٌ أُخْرَى عند المَالِكِية عَبَّرُوا عنها بَقَضَاءِ القاضي بخلافِ عِلْمِهِ، فقالوا: إِنَّه إذا عَلِمَ الواقِعَ، ثم جَاءَ عندَهُ المُدَّعي يُقِيمُ البينةَ بخِلافِهِ ليس لهُ أَنْ يَقْضي بِها، ولَكِنَّه يَرْفَعُهَا إلى قاضٍ آخر لِيَحْكُم بها بما أَرَاهُ اللَّهُ، وإليهِ ذَهَبَ الشيخُ الأَكْبَرَ، وقال: إِنَّ العَمَلَ بقَوَاعِدِ الشَّرْعِ لا يَجِبُ أَنْ تُطَابِقَ الواقِعَ دائماً، فإذا خَالفَ الواقعَ لا يكونُ موجباً للبَرَكَةِ، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلّم «ولعلَّ بعضكم ألحن من بعض».(7/316)
ومن ههنا اخْتَلَفت الأَنْظَارُ، فَذَهَبَ بعضُهم إلى أَنَّ الحُكْمَ إذا وَقَعَ على قَواعدِ الشَّرْعِ، قامَ مَقَامَ الواقعِ، فكأَنَّهُ الواقع، وإِنْ كان خِلافُه في نَفْسِ الأَمْرِ، وسَنَحَ لبَعْضِهم أَنَّه بَعُدَ على خلافِ الواقعِ كما كان، واختارَ الشيخُ الأكبر اعتبارَهُ كالواقعِ في حق الأموالِ، دون الحُدُودِ والنُّفُوسِ، لأَنَّ أَمْرَهَا أشَدُّ إلا أَنَّه سَمَّاهُ بقضاءِ القاضي بخلافِ علمه.
---
ولنا ما في «البَدَائعِ» نَقْلاً عن «المَبْسُوطِ»: أَنَّ علياً قَضَى في رَجُلٍ ادَّعَى على امرَأَةٍ بمثلِ ذلك، فَلمَّا رَأت المرأةُ ذلكَ قالت: زَوِّجْني يا أميرَ المؤمنين، تريدُ العَفَافَ عَنِ الزِّنَا: فقال لها: شاهِدَاكِ زَوَّجَاكِ فَتَأَيَّدَ ما قُلْنا، بِقَضَاءِ مَنْ كان أَقْضَاهُم وأَرْضَاهُم له، ولعلَّ قضاءَ عليّ هذا لم يَبْلُغ أهلَ المدينةِ، وإلا لقالوا به أَلْبَتَةَ، وذلك لأَنَّ مالكاً لم يَتَعَلَّم فتاوَى عليّ إلا من قِبَلِ ابنِ إِدْرِيس، فإِنَّه كان يَخْتَلِفُ إليه، ولم تَكُنْ عندَهُ ذَرِيعةٌ مستقلةٌ، فَأَخَذَ عنه ما كان عِنْدَهُ، وما فاتَ عنه فقد فاتَ عنه أيضاً.
---(7/317)
ثُمَّ إِنَّ الطَّحَاوِي قد استدلَّ للمذهبِ من القياسِ على اللِّعان، فإِنَّ الواقِعَ فيه غَيرُ معلومٍ للقاضي، ثُمَّ إِنَّكم قلتم: إِنَّهُ يُفَرَّقُ بين الزَّوْجَيْنِ، ورأَيتُم أَنَّ تَفْرِيقَه نافذٌ باطناً أيضاً، فإِذا نَابَ القاضي عن الزَّوْجِ في حقِ التفريقِ عندَكم حتى قُلتُم: إِنَّ تفريقَهُ طلاقٌ كذلك. قلنا: بقيامه مقامهُ في حقِّ التزويجِ، كيفَ وقد عَلِمْتُم أَنَّ الشرْعَ لم يَجْعَل الطلاقَ إلا بيدِ منْ كان له عُقْدَةُ النِّكاحِ، فلا نَرَى بين الأَمرينِ فرقاً، فكما قُلْتُم: إنَّها حَرُمَتْ عليه بعد التفريقِ، مع أَنَّها كانت حلالاً له، كذلك قلنا: إِنَّها حلَّتْ له بعدَ قضائه، وإِنْ كانت حراماً قَبْلَهُ، وعلى عكْسِهِ نقولُ: إِنَّ القاضي إِنْ كان لا ينوبُ عنه في التزويجِ، فكيفَ نابَ عنه في التفريقِ؟ فتبيَّنَ منه أَنَّ الشرعَ عند جهالةِ الواقِعِ أَقَامَ القضاءَ مقامَ الواقعِ، وجعَلَهُ إنشاءً في الحال مِنْ ولايَتِه. ولذا قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلّمفي قِصَة اللعانِ: «إِنَّ أحدَكُما كاذبٌ»، ثُمَّ لم يتوجه إلى إثباتِ كَذِبِ أحدِهِما، بل فَرَّقَ بينهما، ورآه تَفْريقاً في الوَاقِعِ، وإلا لَزِمَ أَنْ يكونَ حق الرجل باقياً في تلكَ المرأَةِ بعد قضائِه صلى الله عليه وسلّمأيضاً، فافهم.
قلتُ: ولي فيهِ نَظَرٌ مَرَّ، فَتَذَكَّرْهُ، وإِنْ صحَّ قيامُ الطحاوي، فأقولُ: إِنَّ للفسخِ عند علمائِهم صُوَراً أُخْرَى أيضاً، فقالوا بالتَّفريق في صورةِ إِعْسَارِ الزوجِ، ولا دَليلَ عليه عندَهُم غيرَ ما نقلوهُ عن سعيد بن المسَيَّب، ولا شيءَ له في المرفوعِ، ولا عنِ السَّلفِ، وكذا قالوا به في العيوب الخَمسةِ في الزوج، فالعجبُ أَنَّهم ضَيَّقُوا في العقودِ، حتى طَعَنُوا على مَنْ قال بها، ووسَّعُوا في الفُسوخ أزيدَ منَّا، فقالوا بنفاذِهَا ظاهِرَاً وباطِنَاً.
---(7/318)
ثمَّ إِنَّ الشامي سها في الردِّ على مَنْ قال: إِنَّ القضاءَ مثبتٌ، واخْتَارَ أَنَّه مُظْهِرٌ، قلتُ: فيه جهتانِ: جهةُ الإِثباتِ، وجهةُ الإِظهارِ، فَقَضاؤُه مثبتٌ أيضاً، إلا أَنَّ الحنفيةَ احتاطوا في الحُدُودِ، وقصرُوه في العقودِ والفسوخِ، وذلك أيضاً بشرائِطَ، ولذا أَقُول: إِنَّ صاحبَ «الهدايةِ» لو أَتَى بلفظِا لأموالِ، بدلَ الأملاكِ المُرْسَلَةِ، فكان أحسن، لدَلالتِه على خِفَّةِ أمرِ الأَمْوَالِ بالنِّسبةِ إلى الحدودِ، إلا أَنَّ مِنَ اوالِ ما كان يَدْخُلُ تحتَ العقودِ والفسوخِ، فأَدْرَجَها فيها، وَوَضَع لفظ: الأملاكِ المرسلةِ بَدَلَها، ويَدُلَّك على ما قلنا ما ذَكَرَهُ صاحبِ «الهداية»: أَنَّ تَصَرُّفاتِ الصبي إذا لَحِقَهُ القضاءُ يصيرُ مُحْكماً، لأنَّ فيها ضَعْفَاً، فإِذا لَحِقَهُ القضاءُ زال، وما ذلك إلا أَنَّه اعتُبِرَ فيه جهةُ الأثباتِ، والله تعالى أعلم بالصواب.
---(7/319)
فإن قلتَ: إِنَّ قوله صلى الله عليه وسلّم «لعل بعضَكم» أَنْ يكونَ ألحنَ بحجتِه من بعض، فأَقْضِي له على نحو ما سَمِعَ، فمن قَضَيْتُ له مِن أخيهِ شيئاً، فلا يَأْخُذ، فإِنَّما أَقْطَع له قطعة من النار» صريحٌ في عدمِ نفاذِ قَضَائِه باطناً قلتُ: أَيْنَ أنتَ منهُ، فإِن الحديثَ لا يَمَسُ بموضعِ النِّزاعِ، لأنَّه لم يَرِدْ فيمن أَتَى ببينةٍ كاذبةٍ، إِنَّما هو فِيمَن قَطَعَ له النَّبي صلى الله عليه وسلّممالاً مِنْ أَجْلِ طلاقةِ لسانِه، وفصاحَةِ مَنْطِقِه، وهو المرادُ بلحن الحُجَّة، لا أَنَّه أَتَى بشهادةِ الزُّور، ومعلومٌ أَنَّ الإِنسانَ قد يتأثرُ من سورةِ الكلامِ، - وإِنَّ منَ البيانِ لسِحْرَاً - فذلكَ بابٌ آخر، فَأَمْعَنَ النَّظر فيه بعينِ القَبُولِ، ولا تُسرع في الرَّدِ والقبولِ، وترجمةُ اللَّحْنِ في الحُجةِ جرب زبانى، وأنت تَعلمُ أَنَّه لا دخلَ له في القضاءِ، فهو كذلك عندنا أيضاً، لأَنَّه ليس بشهادةٍ، بضابطةِ الشَّرْعِ. وحاصلُه في لسانِنَا كه اكر زبان زورى اور جرب زبانى سى هى كوئى فيصله كراى تواو سكايه حكم هى ثم إِنَّه قد يَذْهَب إلى بعض الأَوْهَامِ أَنَّه لا غَائِلةَ بإِتيانِ شهادةِ الزُّورِ عندنا، قلتُ: حاشا للحنفيةِ أَنْ يقولوا به:
*هم نَقَلُوا عني ما لم أَفِه بهِ ** وما آفةُ الأَخْبَارِ إلا رُواتُها
فإنَّهم قد صَرَّحوا أَنَّ صاحبَهُ استوجبَ النَّار.
باب إِذَا غَصَبَ جَارِيَةً فَزَعَمَ أَنَّهَا مَاتَتْ، فَقُضِيَ بِقِيمَةِ الجَارِيَةِ المَيِّتَةِ، ثُمَّ وَجَدَهَا صَاحِبُهَا فَهيَ لَهُ، وَيَرُدُّ القِيمَةَ وَلاَ تَكُونُ القِيمَةُ ثَمَنا
---(7/320)
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الجَارِيَةُ لِلغَاصِبِ، لأَخْذِهِ القِيمَةَ. وَفى هذا احْتِيَالٌ لِمَنِ اشْتَهى جَارِيَةَ رَجُلٍ لاَ يَبِيعُهَا، فَغَصَبَهَا وَاعْتَلَّ بِأَنَّهَا مَاتَتْ، حَتَّى يَأْخُذَ رَبُّهَا قِيمَتَهَا، فَيَطِيب لِلغَاصِبِ جَارِيَةَ غَيرِهِ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «أَمْوَالُكُمْ عَلَيكُمْ حَرَامٌ. وَلِكُلِّ غادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ».
باب
باب في النِّكَاح
6968 - قوله: (قال بعضُ النَّاسِ: إن لم تَسْتَأْذِنِ البِكْرُ ولم تَزوج، فاحْتالَ رجلٌ، فأقامَ شاهِدَيْ زورٍ...) إلخ، وهذا الإِيرادُ أيضاً يُنْبيء على خِلافِيَةٍ ذَكَرْنَاهَا. والجوابُ الجواب.
6969 - قوله: (قال سُفْيَانُ: وأمَّا عبدُ الرحمنِ، فسمعتُهُ يقولُ عن أبيه: إِنَّ خنساء...) إلخ، واختلف الرُّواةُ في خنساء، أَنَّها كانت بِكْرَاً أَمْ ثَيِّبَاً؟ ثُمَّ إِنَّ في الحديثِ دَلالة على أَنَّه لا إجبار على البِكْرِ البَالِغَة، كما قُلنا، فإِنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلّمرَدَّ نِكَاحَها حين عَلِمَ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَها وهي كارهة، وأَقرَّ الشيخُ تقي الدين السُّبْكي الشافعي أَنَّ مذهب الحنفيةِ فيه أَقْوَى؛ فإِنَّ كونَ الصِغَرِ علةً للولايةِ قد ظَهَرَ في أبوابِ الأموالِ، وشَهِدَ بها الشَّرعُ، وهو الذي اعتبرَهُ الحنفيةُ في النِّكاحِ، أَمَّا البَكَارَة والثِّيَابة، فلم يَثْبُت لها أَثَرٌ.
6970 - قوله: (وقال بعضُ النَّاسِ: إِنِ احتالَ إنسانٌ بشاهدَيْ زُورٍ على تَزْوِيجِ امرأةٍ ثيبٍ بأَمْرِهَا...) إلخ، وكذا.
---(7/321)
6971 - قوله: (قال بعضُ النَّاسِ: إِنْ هَوَيَ رجلٌ جاريةً يتيمةً، أو بِكْرَاً، فَأَبَتْ، فاحتَالَ...) إلخ، كل ذلك تكريرٌ في اللَّفْظِ، مع أَنَّ المعنى في كلِّها واحدٌ، وهو الخلافيةُ المذكورةُ، وكأَنَّ الإِمامَ البُخاري يتلذَّذُ بها التكْرِيرِ، فيأتي بِه كل مرةٍ، مع تغييرٍ يسير، تكثيراً لعدَدِ الإِيرَادَاتِ لا غير.
باب مَا يُكْرَهُ مِنَ احْتِيَالِ المَرْأَةِ مَعَ الزَّوْجِ وَالضَّرَائِرِ، وَمَا نَزَلَ عَلَى النبي صلى الله عليه وسلّمفي ذلِك
باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الاِحْتِيَالِ في الفِرَارِ مِنَ الطَّاعُون
أي ما يَقَعُ بين الضَّرَائِر مِنَ الاخْتِلاَفَاتِ، والاحتيالِ فيها.
6972 - قوله: (فَدَخَل على حَفْصَةَ)، وهو وَهْمٌ، وإِنَّما هي قِصَةٌ في بيتِ زَيْنَبَ.
6972 - قوله: (قلتُ لها: اسكُتي) أي لا تقولي الآن شيئاً، فإِنَّ فيه شراً، فاسْكُتي.
باب في الهِبَةِ وَالشُّفعَة
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ وَهَبَ هِبَةً، أَلفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ، حَتَّى مَكَثَ عِنْدَهُ سِنِينَ، وَاحْتَالَ في ذلِكَ، ثُمَّ رَجَعَ الوَاهِب فِيهَا فَلاَ زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. فَخَالَفَ الرَّسُولَصلى الله عليه وسلّمفي الهِبَةِ، وَأَسْقَطَ الزَّكَاةَ.
قوله: (وقال بعضُ النَّاسِ: إِنْ وَهَبَ هِبَةً، ألفَ درهم أَوْ أَكْثَرَ، حتى مَكَثَ عندَهُ سِنِينَ، واحتَالَ في ذلكَ، ثُمَّ رَجَعَ الوَاهِبُ فيها فلا زَكَاةَ على واحدٍ منهمَا - قال أبو عبد الله - فَخَالَفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّمفي الهبةِ، وأَسْقَطَ الزكاةَ) ومْحصِّلُه، أَنَّ القُبْحَ في مَذْهَبِ الحنفيةِ مِنْ وجْهَينِ:
---(7/322)
الأول: مِنْ قولِهم بجوَازِ الرُّجوعِ في الهبةِ، والثاني: بحكْمِهِم بسقوطِ الزَّكاةِ بالحِيلَةِ، وفيهما نظرٌ. أمَّا الرجوع في الهبة، فمكْرُوهٌ عندنَا تحريماً أو تَنْزِيهاً ديانة، وإِنْ نَفَذَ بالقضاءِ أو الرضاء؛ فإذا رَجَعَ فيها يَتَمَلَّكُها بمِلْكِ مستَأْنَفٍ، فإِذا ثَبَتَ له المِلْكُ الآن كيف تجبُ عليه الزَّكاةُ لِسنين قَبْلَه، أَمَّا الموهوبُ له، فقد تَلِفَ مالُه، وظَهَرَ أَنَّه لم يكُنْ ذلك مالُه مِن يومِ وهِبَ له، فكيفَ نُوجِبُ عليه الزكاةَ في مالٍ ظَهَر أَنَّه لم يتمَلَّكْهُ، ولا أَرَى أحداً يُنكِرُ مقدِّمات الدِّليل، فكيف بالنَّتِيحَةِ، وكذلك الدَّليلُ يَعْملُ العجائب، نعم من قال لإِسْقَاطِ الزكاة، فقد سوَّدَ وَجْهَهُ عند الله تعالى، وذلك أَمْرٌ آخر، إِنَّما البحثُ باعتبارِ أحكامِ الدُّنيا.t
6976 - قوله: (قال بعضُ النَّاسِ: الشُّفْعَةُ للجوارِ، ثُمَّ عَمَدَ إلى ما شدَّدَهُ، فأَبْطَلَهُ...) إلخ، أَي أَثْبَتَ أَوَّلاً للجَارِ شُفْعَةً، ثُمَّ وَضَعَ لإِبْطَالِها حيلةً، ويه أَنْ يَشْتَرِيَ المُشْتَري سهماً مِنْ مئةِ سَهْمٍ أَوَّلاً، لِئَلاَّ يُزَاحِمَ الجَار، فإِنَّه ما يَفْعَل بهذا السهم الواحد من مئةٍ، وبعد الشِّراءِ يكونُ شريكاً في نَفْسِ المَبِيعِ، وهو مُقَدَّمٌ على الجَار؛ وحينئذٍ له أَنْ يَشْتَرِيَ الباقي، فلا يكونُ لِجَارِه حقُّ الشُّفْعَةِ، ففي تِلْكَ الحِيلَةِ إبطالٌ لحقِّ الجَارِ.
قلتُ: لم يأتِ البُخَاري بشيءٍ مما يُخالِفُ ما ذَهَبَ إليه الإِمامُ غيرَ الاستعجابِ، والاستبعادِ، قُلنا: إِنَّ الاستَعْجَابَ إِنْ كان مِنْ إِبْطَالِ حقِّ الغيرِ بلا وَجْهٍ، فهو حقٌ، ولم نَقُل به، وإِنْ كانَ للتَّحرُّزِ عن تَأَذِي الجارِ الفَاسِق، فلا استِعْجَاب فيه وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الارْضُ (البقرة: 251).
---(7/323)
6977 - قوله: (وقال بعضُ النَّاسِ: إذا أَرَادَ أن يَبِيعَ الشُّفعة، فلهُ أَنْ يَحْتَال...) إلخ، وهذه صورةٌ أُخْرى لإِسقاطِ حقِّ الجَارِ، وهي أَنْ يَعْمَلَ العاقِدَان عَملَ البيعِ والشراءِ معنًى، وعقدَ الهِبَةِ لفظاً، وحينئذٍ ليس للشَّفِيعِ أَنْ يَدَّعي بالشُّفْعَةِ، فإِنَّ صاحبَ الدَّارِ يقول: إِني لم أَعْقِد عَقْدَ البيعِ، ولكِنِّي وهبْتُها له، فلا تكونُ له شُفْعة، فَفِيهِ إبطالٌ لِحَقِّهِ، قُلْنَا: إِنْ أَرَادَ بهِ إِبْطَالَ حق أَخِيهِ ظُلْماً، فهو ظلماتٌ يومَ القِيَامَةِ، وإِنْ كان لمعنًى غيرِ ذلك، فلا غَائِلَةَ، فإِنَّ الإِبْطَال ليس إِلا عَنْ قَواعِد مستنبطة من الشَّرْعِ، ولذا لم يَسْتَطِع المصنِّف أَنْ يَسْتَدِلّ على خِلاَفِه بشيء.
6977 - قوله: (وَيحُدُّها) حد بندى كردى.
6978 - قوله: (وقال بعضُ النَّاسِ: إِنِ اشترَى نصيبَ دارٍ، فأَرَادَ أَنْ يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ، وَهَبَ لابْنِهِ الصغيرِ، ولا يكونُ عليه يمينٌ) أي إذا وَهَبَ الأبُ لابْنِهِ الصغيرِ داراً يكونُ الصغيرُ شريكاً في نَفْسِ المَبيعِ، فلو ادَّعَى عليه الشَّفِيعُ لا يتوجَهُ إليه اليمينُ حتى يَبْلُغ.
باب احْتِيَالِ العَامِلِ لِيُهْدَى لَه
---(7/324)
6980 - قوله: (وقال بعضُ النَّاسِ: إذا اشتَرَى داراً بعشرينَ ألف دِرْهَم...) إلخ، ومُحصِّل الحِيلَةِ أَنْ يجعل الثمن أَوَّلاً عشرين ألف دِرْهَم، ثم يَنْقُدُه منه تسعة آلافِ دِرْهَم، وتسع مئة وتسعة وتسعين، وينقده بما بقي دِينَارَاً، باعتبارِ بيعِ الصَّرْفِ، وحينئذٍ يُقَوِّمُ له الدَّار بعشرةِ آلافِ دِرْهم إلا دِرهم وبدينار، ولا يكونُ للشفيعِ إليها سبيل، لأنَّه إِنْ يأْخُذَها يأخذ بعشرين ألفِ دِرْهَم، وفيه غَبْنٌ فاحشٌ، فيتركها استعظاماً للثَّمَنِ، ويأخذَها المشتري بنقد عشرة آلاف إلا دِرهَمٍ، وبنقدِ دينارٍ من حيث عقد المُصَارَفَةِ، ثم إِنْ ظَهَرَ الاستحقاقُ لا يَرِدُ البائعُ إلا ما أَخَذَ، وهو عشرةُ آلافٍ إلا درهمٍ ودينارٍ، وذلك لأنَّ بَيْع الصَّرْفِ كان مبنياً على شِرَاءِ الدَّارِ، فإِذا انْفَسَخَ ما بنَى عليه، فلا يَلْزَمُ عليه إلا رَدُّ ما قَبَضَهُ، أَمَّا إذا لم يَظْهَر الاستحقاق، ولكن ردَّ البيعَ بعيبٍ في الدَّارِ، فإِنَّه يَرد عليه عشرينَ أَلفَ دِرْهَمٍ.
ووجهُ الفَرْقِ أَنَّ ظُهورَ العَيْبِ لا يَمْنَعُ صحةَ العَقْدِ، بل الرجوعُ فيه بعد تَمامِ الصَّفَقَةِ، ولذا احتيجَ إلى القضاءِ، فلا يَلْزَمُ مِنْ فَسْخِهِ بطلانُ الصَّرْفِ، قال الكَرْماني: فإِنْ قُلْتَ: ما الغرضُ في جَعْلِ الدِّينَارِ في مُقَابَلَةِ عَشْرَةِ آلافِ ودِرْهَمِ، ولم لم يَجْعَلُه في مقابلةِ عشرةِ آلافٍ فقط؟ قلتُ: رِعايةً لنُكْتَةٍ، وهي أَنَّ الثَّمنَ بالحقيقةِ عشرةُ آلاف، بقرينةِ نَقْدِه هذا القدر، فلو جَعَل العَشَرةَ - و - الدينار في مقابلة الثَّمنِ، لَزِمَ الربا، بخلافِ ما إِذَا نقصَ دِرهماً، فإِنَّ الدِّينارَ في مقابَلَةِ ذلك الواحد. والألف إلا واحداً في مقابلة الألف إلا واحداً، فلا مُفَاضَلة، كذا في الهامش.
---(7/325)
أقولُ: بل تطويلُ الحسابِ، لِئلاَّ ينتقلُ منه الذهن إلى حيلَتِه، وهكذا دَيْدَنُ معاشرَ التُّجَارِ، فإِنَّهم إذا أَرَادُوا التَّلبِيسَ في الثمنِ ذَكَروا معه الكُسور، فلا ينتقل ذهن المشتري إلى أَنَّهم عدلوا عن أصل الثمنِ، فينخَدِعُونَ، فالوجه فيه أَنَّ المقصودَ في هذا التطويلِ إخفاءُ عَقْدِ المصارَفَةِ، فافهم.
كتاب التَّعْبِير
باب أَوَّلُ مَا بُدِىءَ بِهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّممِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيا الصَّالِحَة
وراجع لتحقيق الرُؤيا رسالة الشاه ولي الله «الأنوارُ الملكية» وما ذَكَرَهُ في «مجمع البِحَارِ» نقلاً عن البَغَوي، وللتعبيرِ ما صَنَّفَهُ الشيخُ عبدُ الغني النَّابُلْسي في مجلدين، وهو معاصرٌ لصاحب «الدُّر المُختَار»، وصوفي غال، وقد رَدَّ عليه في مسألة.
باب رُؤْيَا الصَّالِحِين
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآء اللَّهُ ءامِنِينَ مُحَلّقِينَ رُءوسَكُمْ وَمُقَصّرِينَ لاَ تَخَفُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً} (الفتح: 27).
---(7/326)
6983 - قوله: (الرؤيا الحسنةُ من الرجلِ الصالح، حُزءٌ من ستةٍ وأربعينَ جُزْأً من النُّبوةِ) وقد تَصَدَّى العلماءُ إلى إِحْدَاثِ المناسباتِ في العددِ المخصُوصِ، فتصحُ في بعضٍ دونَ بَعْضٍ، ومَنْ شاء الكلامَ فيها على طَوْرِ الصوفيةِ، فليُرَاجِع له «الإِبريز» ثُمَّ إِنَّه لا يَلْزَم مِنْ بَقَاءِ جُزْءٍ من النُّبُوة كونَ النبوة باقية أيضاً، لما عند الطبري: ذهبت النبوة، وبقيت المُبَشِرَات. فإِنَّ جزء الشيء يُغَايِرُهُ، ألا تَرَى أَنَّا قد اشْتَرَكْنَا مع اللَّهِ سبحانه في كثير مِنَ الأشياءِ، وإن كانت شَرِكَةً اسمية، كالوجودِ، والعِلْمِ، والسمعِ، والبصرِ... إلخ. فهل يُصَحَّحُ ذلك الاشتراكُ، إِطلاقَ اسم الله أيضاً، أو الاشتراك في الألوهية، والعياذ بالله، فما بال هذا المتنبي الكاذب يدَّعي النُّبوة من الاشتراكِ في جُزْءٍ من ستةٍ وأربعينَ جزءً مِنَ النُّبوةِ - لو كان - وهلاَّ يدَّعي الحمارية لاشتراكِه معه في سائر الأجزاء، غيرَ جُزءٍ واحدٍ، وهو الناهقية.
باب الرُّؤْيَا مِنَ اللَّه
باب الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْأً مِنَ النُّبُوَّة
باب المُبَشِّرَات
باب رُؤْيَا يُوسُف
---(7/327)
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لاِبِيهِ يأَبتِ إِنّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ قَالَ يبُنَىَّ لاَ تَقْصُصْ رُءيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَنَ لِلإِنْسَنِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الاْحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءالِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (يوسف: 4 - 6). وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَى مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبّى حَقّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَى إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ السّجْنِ وَجَآء بِكُمْ مّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَنُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِى إِنَّ رَبّى لَطِيفٌ لّمَا يَشَآء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}رَبّ قَدْ آتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ الاْحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوتِ وَالاْرْضِ أَنتَ وَلِىّ فِى الدُّنُيَا وَالاْخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِالصَّلِحِينَ} (يوسف: 100 - 101). قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فاطِرٌ وَالبَدِيعُ وَالمُبْدِعُ وَالبَارِىءُ وَالخَالِقُ وَاحِدٌمِنَ البَدْءِ: بَادِئَةٍ.
باب رُؤْيَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلاَم
---(7/328)
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ قَالَ يبُنَىَّ إِنّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنّى أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَآء اللَّهُ مِنَ الصَّبِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَدَيْنَهُ أَن يإِبْرهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ} (الصافات: 102 - 105). قَالَ مُجَاهِدٌ: أَسْلَمَا: سَلَّمَا مَا أُمِرَا بِهِ، وَتَلَّهُ: وَضَعَ وَجْهَهُ بِالأَرْضِ.
باب التَّوَاطُؤ عَلى الرُّؤْيَا
6985 - قوله: (إذا رَأَى أَحَدُكم رُؤْيَا يحبُّها، فإِنَّما هي مِنَ الله... وإذا رَأَى غيرَ ذلك مما يكره، فإِنَّما هي مِنَ الشيطان...) فتلك علامةٌ مِنَ الشَّرِيعَةِ، لكونِ الرُّؤْيَا مِنَ الله، ومِنَ الشيطان، وهذه هي السبيل إلى عِلْمِنَا بها، وليست تلك أيضاً كُلِّيَّة، ولكِنَّها علامةً باعتبارِ الأَكْثَرِ.
باب رُؤْيَا أَهْلِ السُّجُونِ وَالفَسَادِ وَالشِّرْك
---(7/329)
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنّى أَرَانِى أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنّى أَرَانِى أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِى خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِى رَبّى إِنّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالاْخِرَةِ هُمْ كَفِرُونَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءابَآءي إِبْرهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَىْء ذلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ يصَاحِبَىِ السّجْنِ ءأَرْبَابٌ مُّتَّفَرّقُونَ} وَقَالَ الفُضَيلُ لِبَعْضِ الأَتْبَاعِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ: أَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ {خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلطَانٍ إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ يصَاحِبَىِ السّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِى رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الاْخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِىَ الاْمْرُ الَّذِى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا اذْكُرْنِى عِندَ رَبّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَنُ ذِكْرَ رَبّهِ فَلَبِثَ فِى السّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} وَقَالَ الْمَلِكُ إِنّى أَرَى سَبْعَ بَقَرتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَتٍ يأَيُّهَا(7/330)
---
الْمَلا أَفْتُونِى فِى رُؤْيَىَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} قَالُواْ أَضْغَثُ أَحْلَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الاْحْلَمِ بِعَلِمِينَ}» وَقَالَ الَّذِى نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصّدِيقُ أَفْتِنَا فِى سَبْعِ بَقَرتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَبِسَتٍ لَّعَلّى أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مّمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مّمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِى بِهِ فَلَمَّا جَآءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبّكَ} (يوسف: 36 - 50). وَادَّكَرَ: افتَعَلَ مِنْ ذَكَرَ، أُمَّةٍ: قَرْنٍ، وَيُقْرَأُ: أَمَهٍ: نِسْيَانٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْصِرُونَ: الأَعْنَابَ وَالدُّهْنَ. تُحْصِنُونَ: تَحْرُسُونَ.
6992 - قوله: (لو لبثتُ في السِّجْنِ ما لَبِثَ يُوسف...) إلخ، أخرج الحديثُ لِذِكْرِ السَّجن فيه، وإلا ليس فيه ذِكْرُ الرُّؤيا.
باب مَنْ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلّمفي المَنَام
باب رُؤْيَا اللَّيل
رَوَاهُ سَمُرَةُ.
باب الرُّؤْيَا بِالنَّهَار
وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: رُؤْيَا النَّهَارِ مِثْلُ رُؤْيَا اللَّيلِ.
باب رُؤْيَا النِّسَاء
---
باب الحُلمُ مِنَ الشَّيطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ فَليَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ،وَليَسْتَعِذْ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَل
6993 - قوله: (من رَآني في المَنَامِ، فسيراني في اليقطةِ، ولا يتمثَّلُ الشيطانُ بي).(7/331)
باب اللَّبَن
باب إِذَا جَرَى اللَّبَنُ في أَطْرَافِهِ أَوْ أَظَافِيرِه
باب القَمِيصِ في المَنَام
7006 - قوله: (فما أَوَّلْتَهُ يا رسولَ اللَّهِ؟ قال: العِلْمَ) فكما أَنَّ صورتَهُ كانت صورةَ اللبن، وكان المعنى معنى العِلْم، كذلك رؤيته تعالى تكون رؤيةً للأمثالِ والضُّرُبِ، أَعْنِي بها التَّجلِّيات، ثم تُسمَّى برؤية الذَّاتِ، نظراً إلى المعنى والمَرْمَى.
---
وفي الحديثِ دليلٌ على أَنَّ الرؤيا قد تَحْتَاجُ إلى التعبيرِ حتى رُؤْيَا الأنبياءِ عليهم الصلاة والسَّلام أيضاً، وقد مرَّ في - العِلم - قِصَةَ بَقي بن مَخْلَد، تلميذُ الإِمامِ محمدٍ رحمه الله تعالى، حيثُ رَأَى في المنامِ أأعنَّ النبي صلى الله عليه وسلّمسقاه لَبَناً، فلمَّا أصبح استقاءَ تَصْدِيقَاً للرُؤْيَا، واعترضَ عليه الشيخُ الأكبر، وقال: خطأ بَقي في الاسْتِقَاءِ، فإِنَّ اللبَنَ كان العِلْم، فلمَّا استَقَاءَ خَرَجَ منه. وقد مَرَّ مني جوابه أَنَّ اللبن، وإن كان عِلماً، لكنَّه معنى لا يُخْرَجُ مِنَ الاسْتِقَاءِ، وإِنَّما ذلك مِن جَلالةِ قَدْرِهِ، حيث عاملَ مع عطاياهُ في المنامِ، ما يُعامِل مع ذاتِه الشريفة، فَحَملَ عطايَاهُ أيضاً على الحقيقةِ، لا مَدْخَلَ فيها للشيطانِ، كما لا مُدْخَلَ له في رؤيةِ ذاتِه المباركةِ الطيبةِ، وبالاستِقَاءِ لم يَخْرُج منه شيء، ألا تَرَى إلى عِلْمِه وغزارتِه حيث احْتَوَى مُسندَهُ على ثلاثين ألف حديث، فذلك الذي كان مِنْ بَرَكَةِ اللبنِ الذي سقاهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلّم
باب جَرِّ القَمِيصِ في المَنَام
باب الخُضَرِ في المَنَامِ، وَالرَّوْضَةِ الخَضْرَاء
والجَرُّ لمَّا كان في عال الرُؤْيَا لم يَكُن فيه بأسٌ، وإلا فهو ممنوعٌ في اليقَظَةِ.
باب كَشْفِ المَرْأَةِ في المَنَام
باب ثِيَابِ الحَرِيرِ في المَنَام
باب المَفَاتِيحِ في اليَد
باب التَّعْلِيقِ بِالعُرْوَةِ وَالحَلقَة(7/332)
باب عَمُودِ الفُسْطَاطِ تَحْتَ وِسَادَتِه
---
باب الإسْتَبْرَقِ وَدُخُولِ الجَنَّةِ في المَنَام
7011 - قوله: (فأقولُ: إِنْ يَكُنْ هذا مِنْ عندِ اللَّهِ يُمْضِهِ).
باب القَيدِ في المَنَام
باب العَينِ الجَارِيَةِ في المَنَام
7017 - قوله: (إذا اقتربَ الزَّمَانُ لم تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيَا المُؤْمِن...) أَي إذا اقْتَرَبَتْ الساعةُ... إلخ، وذلك لأنَّ المطلوب الآن إخفاءُ المغيبات، ثُمَّ تَنْعَقِدُ المشيئةُ بكَشْفِهَا عند إِبانِ الساعةِ، وكذلك اللَّهُ يَفْعَلُ ما يشاء، ويَحْكُمُ ما يُرِيد.
باب نَزْعِ المَاءِ مِنَ البِئْرِ حَتَّى يَرْوَى النَّاس
رَوَاهُ أَبُو هُرَيرَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
باب نَزْعِ الذَّنُوبِ وَالذَّنُوبَينِ مِنَ البِئْرِ بِضَعْف
باب الاسْتِرَاحَةِ فِي المَنَام
باب القَصْرِ في المَنَام
باب الوُضُوءِ في المَنَام
7019 - قوله: (فاستحالت في يدِهِ غَرْباً) واعلم أَنَّ الاستحالةَ في الذاتِ، والتحولَ في العَوارِضِ والصفاتِ، ولذا استَعْمَلَ ههنا لفظَ الاستحالةِ، كأَنَّ ذاتَ الدَّلوِ استحَالتْ غَرْباً، واستُعْمِلَ لفظُ التَّحَوُّلِ في حديثِ المَحْشَر في مجيء الربِّ في صورةٍ يَعْرِفُها المُؤْمِنُونَ. فافهم.
باب الطَّوَافِ بِالكَعْبَةِ في المَنَام
باب إِذَا أَعْطَى فَضْلَهُ غَيرَهُ في النَّوْم
باب الأَمْنِ وَذَهَابِ الرَّوْعِ في المَنَام
---(7/333)
7026 - قوله: (فإذا رجلٌ أحمرٌ، جسيمٌ، جَعْدُ...) إلخ، واعلم أَنَّ الحديثَ رواهُ مالكٌ، ونافعٌ، وسالمٌ عن ابن عمرِ، أما نافعٌ فلا ذِكْرَ في حديثِه لطوافِ الدَّجَالِ أصلاً، وكذلكَ عند مالكٍ، كما مرَّ عند البخاري في «بابِ رُؤْيَا الليلِ» عنه بَقِيَ سالمٌ، فاضطربوا عليه في ذِكْرِ الطَّوَافِ وعَدَمِهِ، فهذا الزُّهْرِي لا يَذْكُرُ عنه الطوافُ. فهذا هو النَّظر التَّامُّ في حديثِ ابن عمر. ومن ههنا علمت أن ما ذكر فيه القاضي عياض، ونَقَلَهُ النّوويُّ نظرٌ قاصرٌ، فإِنَّه نَفَى ذِكْرَ الطَّوافِ عن حديثِه مِنْ طريقِ مالكٍ فقط، وقد بَيَّنْتُ لكَ أَنَّ حَدِيثَهُ عن سالمٍ أيضاً مُضْطَرِبٌ، والزُّهرِي لا يَذْكُر عنه الطَّواف، فهذا هو الكلامُ التَّامُّ، والنَّظَرُ الكاملُ في طريقه، ومن ههنا طاحَ ما تَعَلَّقَ به - لعينُ القاديان - وقد ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْل.
باب الأَخْذِ عَلَى اليَمِينِ في النَّوْم
باب القَدَحِ في النَّوْم
باب إِذَا طَارَ الشَّيءُ في المَنَام
باب إِذَا رَأَى بَقَراً تُنْحَر
باب النَّفخِ في المَنَام
باب إِذَا رَأَى أَنَّهُ أَخْرَجَ الشَّيءَ مِنْ كُورَةٍ، فَأَسْكَنَهُ مَوْضِعاً آخَر
باب المَرْأَةِ السَّوْدَاء
باب المَرْأَةِ الثَّائِرَةِ الرَّأْس
باب إِذَا هَزَّ سَيفاً في المَنَام
ولما كان لحاظُ التيامنِ في النَّومِ أيضاً من العجائبِ بَوَّبَ عليه.
3636 - بابُ الأَخْذِ عَلَى الْيَمِينِ في النَّوْمِ
---
3737 - بابُ الْقَدَحِ في النَّوْمِ
3838 - بابٌ إِذَا طَارَ الشَّيْءُ في المَنَامِ
3939 - بابُ إِذَا رَأَى بَقَراً تُنْحَرُ
4040 - بابُ النَّفْخِ في المَنَامِ
4141 - بابٌ إِذَا رَأَى أَنَّهُ أَخْرَجَ الشَّيْءَ مِنْ كُورَةٍ، فَأَسْكَنَهُ مَوْضِعاً آخَرَ
4242 - بَابُ المَرْأَةِ السَّوْدَاءِ
4343 - بابُ المَرْأَةِ الثَّائِرَةِ الرَّأْسِ(7/334)
4444 - بابٌ إِذَا هَزَّ سَيْفاً في المَنَامِ
7042 - قوله: (كُلِّفَ أن يَعْقِدَ بين شَهِيرَتَيْنِ...) لأنَّه كَذَبَ في الدنيا، فجمَعَ بين كلامَيْنِ غيرَ متنَاسِبَيْن، فالجَزَاءُ فيه، مِنْ جِنْسِ العَملِ.
باب مَنْ كَذَبَ في حُلُمِه
باب إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ، فَلاَ يُخْبِرْ بِهَا وَلاَ يَذْكُرْهَا
باب مَنْ لَمْ يَرَ الرُّؤْيَا لأَوَّلِ عَابِرٍ إِذَا لَمْ يُصِب
باب تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْح
واعْلَمْ أَنَّهُم اخْتَلَفُوا في أَنَّ الرُؤْيَا هل لها حقيقة مستقرةٌ بأنْفُسِها، أو هي تابعةٌ للتَّعْبِيرِ، كيفما عُبِّرَت؟.
فذهبَ جماعةٌ إلى الأوَّل، ومنهم البخاري، وتَمَسَّكَ بقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم «أصبتَ بَعْضَاً، وأخطأتَ بَعْضَاً»، فَدَلَّ على أَنَّ الرُؤْيَا لها حقيقة، حيث لم يُدْرِكْ بعضَها أبو بكرٍ، وأَخْطَأَ فيها، ثُمَّ بتعبيرِهِ لم تَتَغَيَّرْ حقيقَتُها، وتَمَسَّكَ الأولونَ بما عند الترمذي: «الرُؤْيا على رِجْل طائرٍ، ما لم تعبر»، أو كما قال.
---
قلتُ: واخْتَارَ التوزيع، فبعضُ أنواعِهَا يَنْقَلِبُ بالتعبيرِ، وبعضُها لا، وحينئذٍ ما في الترمذي قضيةٌ مهملةٌ، وهي تلازِمُ الجُزْئِيَة، ثُمَّ وقوعُها بعدَ التعبيرِ عبارةٌ عن زَوَالِ التردُّدِ للرَّائي، فإِنَّه لا تزال نَفْسُه تَتَرَدَّدُ إليه في تعبيرِهِ، فإِذا عَبَّرَ وَعَقَ تعبِيرُهُ عندَهُ، وليس فيه أَنَّ الواقِعَ أيضاً يَتْبَعُ تعبيرَهُ، وإِنَّما المَضَرَّةُ في تعبيرِ الرُؤْيَا المشوهةِ هو التحزينُ لا غير؛ ثم يُقْضَى العجبُ من الشارِحينَ حيث تَصَدُّوا إلى بيانِ ما أخطأ فيه أبو بكر قلتُ: كيف ولمَّا لم يُبَيِّنْهُ النبي صلى الله عليه وسلّملأبي بكرٍ حتى قال له: «لا تُقْسِم»، فلا ينبغي لأحدٍ أَنْ يَتَصَدَّى لهُ مِنْ بَعْدِهِ.(7/335)
7047 - قوله: (وإذا حَوْلَ الرَّجُل مِنْ أَكْثَرِ ولدانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ)، ولذا كُنْتُ قُلْتُ فيما سبق: إن الذين رآهم النبيُّ صلى الله عليه وسلّممن الصبيان هم الذين سَبَقُوا بالسعادة، ونَجَوْا، لا أنَّ كلَّهم كانوا حوله. ولذا قيل له: أمَّا الولدان الذين حوله، فكلُّ مولودٍ مات على الفِطْرَةِ. ففيه دليلٌ على أن كلَّ مولودٍ لا يموت على الفِطْرَةِ، وإنما كان عنده من مات منهم على الفِطْرَةِ فقط. فلم يتحصَّل أن أطفالَ المشركين نَاجُونَ مطلقاً، بل هم الذين مَاتُوا منهم على الفِطْرَةِ فقط.
كتاب الِفتَن
والفتنةُ ما يتميَّزُ بها المُخْلِصُ من غير المُخْلِص. وفي الحديث: إنَّ الأمَّةَ المحمديَّةَ تَكْثُرُ فيها الفِتَنُ، ولم أَزَلْ أَتَفَكَّرُ في مراده حتى تبيَّن: أن الأمَمَ السابقةَ كان عذابُهم الاستئصالَ، ولَمَّا قُدِّرَ بقاء تلك الأمة، ولا بُدَّ أن لا يزال يتميَّز الفاجرُ من الصالح، قُدِّرَتْ فيها الفتنُ، لأنها هي التي يَحْصُلُ بها التمييز.
---
باب مَا جَاءَ في قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} (الأنفال: 25) وَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم يُحَذِّرُ مِنَ الفِتَن
باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلّم «سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُمُوراً تُنْكِرُونَهَا»
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِبْنُ زَيدٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «اصْبِرُوا حَتَّى تَلقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ».
باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلّم «هَلاَكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَي أُغَيلِمَةٍ سُفَهَاءَ»
باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلّم «وَيلٌ لِلعَرَبِ مِنْ شَرّ قَدِ اقْتَرَبَ»
باب ظُهُورِ الفِتَن
باب لاَ يَأْتِي زَمَانٌ إِلاَّ الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْه(7/336)
باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلّم «مَنْ حَمَلَ عَلَينَا السِّلاَحَ فَلَيسَ مِنَّا»
باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلّم «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِب بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ»
---
7053 - قوله: (مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئاً فَلْيَصْبِرْ) قد مرَّ: أن الشريعةَ في مثل تلك الأمور التي تَنْتَظِمُ من الطرفين تَرِدُ بمثله، أعني أنها توجِّهُ كلاًّ منهما إلى أداء وظيفته، حتى يَتَرَاءى منه أنه ليس للآخر حقٌّ. وهكذا فعل في باب الزكاة، في تعدِّي المُصَدِّقِ، حتَّى جَعَلَ رضاهم من تمامية الزكاة. وهو دَأْبُهُ في النكاح، حتَّى يُتَوَهَّم أنه لم يَتْرُكْ للمَوْلِيَّةِ حقَّاً، وجَعَل نِكَاحَهَا بدون إذن وليِّها باطلاً. وهو وتيرتُه في نهي الرجال عن نهي خروج النِّساء إلى المساجد، حتى يُظَنَّ أنه أمرٌ مطلوبٌ عنده. ومن هذا الباب أمر الرَّعِيَّةِ والسلطان، أمرهم بالصبر حتى يُتَخَيَّلَ أن الحقَّ كلَّه عليهم.
والوجهُ فيه قد ذَكَرْنَاه بأنه قد سَلَكَ فيه مسلكاً يقوم به النظام، فَأَقَامَ لكلَ باباً، فجعل من وظيفة الرعية الصبر، وجعل من وظيفة الإِمام العدل مهما أمكن، ثم وعد كلًّ بترك وظيفته، ولو ترك الأمرَ إلى العوام لَفَسَدَتِ الأرض. نعم إذا رَأَوْا منه كفراً بَوَاحاً لا يبقى فيه تأويلٌ، فحينئذٍ يَجِبُ عليهم أن يَخْلَعُوا رِبْقَتَهُ عن أعناقهم، فإنَّ حقَّ اللَّهِ أَوْكَدُ. ثم هل من طاقة البشر أن لا يختار إلاَّ حقّاً في جميع الأبواب، فإذا تعذَّر أخذ الحقِّ في جميع الأبواب - وإن أَمْكَنَ ذهناً - لا بُدَّ أن يُحدَّ له حَدٌّ، وهو الإغماضُ في الفروع، فإذا وَصَلَ الأمرُ إلى الأصول حَرُمَ السكوتُ، ووجب الخَلْعُ. وهو معنى قوله: «وإن أُمِّرَ عليكم عبدٌ حبشيٌّ»، فافهم.
---(7/337)
7054 - قوله: (مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْراً)... إلخ، قد احتجَّ به الأصوليون على حُجِّية الإِجماع. وفيه نظرٌ، فإن تلك الأحاديث وَرَدَتْ في إطاعة الأمير، فالجماعةُ فيه، هي الجماعةُ مع الأمير، كما في لفظٍ آخر عند المصنِّف: «تَلْزَمُ جماعةَ المسلمين وإمامَهم»، وحينئذٍ فالتمسُّكُ به على حُجِّية الإِجماع في غير محله. فعلى الأصوليين أن يتصرَّفوا في تقريرهم.
باب تَكونُ فِتْنَةٌ القَاعِدُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ القَائِم
7081 - قوله: (مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ) جسنى ادهر سى جهانكا ادهر سى وه فتنه اوسى جهانك هى ليكا.
باب إِذَا التَقى المُسْلِمَانِ بِسَيفَيهِمَا
باب كَيفَ الأَمْرُ إِذَا لَمْ تَكُنْ جَمَاعَة
باب مَنْ كَرِهَ أَنْ يُكَثِّرَ سَوَادَ الفِتَنِ وَالظُّلْم
باب إِذَا بَقِيَ في حُثَالَةٍ مِنَ النَّاس
باب التَّعَرُّبِ في الفِتْنَة
باب التَّعَوُّذِ مِنَ الفِتَن
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «الفِتْنَةُ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ»
7083 - قوله: (فقالا: إنَّما رَوَى هذا الحديثَ: الحَسَنُ عن، الأَحْنَفِ بن قَيْسٍ، عن أبي بَكْرَةَ)، يريدُ أن الحسنَ البصري لم يَلْقَ علياً، فما في الحديث عن الحسن، قال: «خَرَجْتُ بسلاحي»، أي يُرِيدُ نصرة عليّ، ليس بصحيحٍ. فإن البصريَّ لم يُدْرِكْ زمن عليّ حتى يَنْصُرَهُ، ولكنه مقولةُ الأَحْنَفِ أنه خَرَجَ لذلك، إلى آخر القصة.
باب الفِتْنَةِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ البَحْر
---
وَقَالَ ابْنُ عُيَينَةَ، عَنْ خَلَفِبْنِ حَوْشَبٍ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَتَمَثَّلُوا بِهذهِ الأَبْيَاتِ عِنْدَ الفِتَنِ، قَالَ امْرُؤُ القَيسِ:
*الحَرْب أَوَّلُ مَا تَكُونُ فَتِيَّةً ** تَسْعَى بِزِينَتِهَا لِكُلِّ جَهُولِ
*حَتَّى إِذَا اشْتَعَلَتْ وَشَبَّ ضِرَامُهَا ** وَلَّتْ عَجُوزاً غَيرَ ذَاتِ حَلِيلِ(7/338)
*شَمْطَاءَ يُنْكَرُ لَوْنُهَا وَتَغَيَّرَتْ ** مَكْرُوهَةً لِلشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ
باب
باب
باب إِذَا أَنْزَل اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابا
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّملِلحَسَنِبْنِ عَلِيٍ: «إِنَّ ابْنِي هذا لَسَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَينَ فِئَتَينِ مِنَ المُسْلِمِينَ»
باب إِذَا قَالَ عِنْدَ قَوْمٍ شَيئاً، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ بِخِلاَفِه
باب لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُغْبَطَ أَهْلُ القُبُور
باب تَغَيُّرِ الزَّمانِ حَتَّى يَعْبُدُوا الأَوْثَان
باب خُرُوجِ النَّار
وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ المَشْرِقِ إِلَى المَغْرِبِ».
باب
وفيه أشعارٌ مذكورةٌ في كتاب سيبوبه أيضاً، وهذه ترجمتها:
جنك اول اول توايك جوان عورت هى جوزينت كركى هرجاهل شخس كواينى طرف بلاتى هى.
---
يهانتك كه جب مشتعل هو جاتى هى اوراوسكى لبتين اتهنى لكتى هين تويشت بهصلى الله عليه وسلّمتى هى برهياهو كربى شوهر بنكر - كوثى برسان حال نهين هوتا.
ادهير هوتى هى اوصلى الله عليه وسلّما هوتا هى اوسكارنك اور متغير نه قابل سونكنهى كى اورنه قابل منه لكانيكى.
باب ذِكْرِ الدَّجَّال(7/339)
وما أَكْفَرَ لعين القاديان حيث يتفوَّهُ، ولا يستحي أنه لم تُكْشَفْ حقيقته على من كان أُوتِيَ علم الأولين والآخرين، ومن أَنْذَرَ به أمَّتهُ، ومن دَلَّ على اسمه وابم أبيه، وذَكَرَ حليته، وعيَّن من يَقْتُلُه، وأين يَقْتُلُهُ، وماذا يَصِيرُ إليه أمره، وأين يَدْخُلُ وأين لا يَدْخُلُ، وماذا يكون مسيره في الأرض، وما مدَّة إقامته فيها، وماذا يَظْهَرُ في الاستدراج على يديه، إلى غير ذلك من التفاصيل. وإنما كُشِفَتْ حقيقته لِزْقَ رياحٍ إذا تحرَّك فيها، أو هَذَى. لَعَنَهُ اللَّهُ لعناً كبيراً، وأَذَاقَهُ أشدَّ العذاب. بلى إنه قد أَخْبَرَنا عنه كأنَّا به رأي عينٍ، ونَعْلَمُ أيها الشقيُّ أنك أيضاً من أذنابه، فتمشي مَشْيَتَهُ. وكُنْتَ تَسْتَحْصِدُ اليوم ما كنت تَزْرَعُهُ، فَذُقْ إنك أنت العزيز الكريم.
7122 - قوله: (أَهْوَنْ على اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ)، أي ما يَظْهَرُ على يديه لا يكون إلاَّ من قبيل التخييل. وما يَصْنَعُهُ المُشَعْبِذُونَ، ولا تكون له حقيقةٌ، فإنه أهونُ وأدحرُ من أن يَظْهَرَ على يديه هذه الأمور حقيقةً.
باب لاَ يَدْخُلُ الدَّجَّالُ المَدِينَة
باب يَأْجُوجَ وَمَأْجُوج
7132 - قوله: (فَلاَ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ)، ويَظُنُّ راوٍ عند مسلم أنه يكونُ الخَضِر عليه السلام، قلتُ: إنه غير متعيِّنٍ بَعْدُ.
كتاب الأَحْكَام
---
باب قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الاْمْرِ مِنْكُمْ} (النساء: 59)
أمَّا في الفِقْهِ، فقد يُرَادُ بالحكم: خِطَابُ الله تعالى المتعلِّق بأفعال المكلَّفين. وقد يكونُ مقابل الديانة، أي بمعنى إحضار المدَّعَى عليه في مجلس الحاكم. ولا يُدْرَى ماذا يريد به المحدِّثُون، فإنهم يَعْقِدُونَ بابَ الأحكامِ، ثم يخرِّجُون تحته جزئياتِ القضاء.(7/340)
قوله: ({أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولي الأَمْرِ مِنْكُمْ)، أَرَادَ به الإِعلانَ باستقلال إطاعة ا، وإطاعة رسوله، وهذا الذي قد كان تَرَكَهُ رجلٌ في خُطْبَتِهِ، فقال: ومن يَعْصِهما، حيث جَمَعَ بينهما من غير فصلٍ، فقال له النبيُّ : بِئْسَ الخطيبُ أنت. حيث ما راعيتَ ما كان ينبغي للخطيب أن يُرَاعِيَهُ، فتركتَ التنبيه على الاستقلال، وسلكتَ سبيل الإِدراج، مع أن المُنَاسِبَ للخطيب أن يُنَبِّهَ على أن إطاعةَ الرسول، ومعصيتَهُ أيضاً مستقلٌّ، لئلاَّ يَظُنُّ ظانٌّ أن ليس للرسول حقٌّ، فَيَسْتَخِفُّ أوامرَه ونواهيه. ومن ههنا تبيَّن أن إصلاحَ النبيِّ إيَّاه كان من باب الآداب، لا من باب الحلال والحرام.
7138 قوله: (كُلُّكُمْ رَاعٍ)... إلخ، وهذا الحديثُ يتعلَّق بالديانات، وقد عَقَدَ المصنِّفُ باباً للحكم، فلعلَّه لم يفرِّق بينهما.
2 بابٌ الأُمَرَاءُ مِنْ قُرَيشٍ
3 باب أَجْرِ مَنْ قَضَى بِالحِكْمَةِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَسِقُونَ} (المائدة: 47).
---
والمشهورُ في كُتُبِ الكلام أن القريشية شرطٌ للخلافة الكبرى. وفي «الدر المختار»، في باب الإِمامة: أن الإِمامةَ على نحوين: إمامةٌ صُغْرَى، وإمامةٌ كُبْرَى، وتُشْتَرَطُ القريشية في الكُبْرَى، ولا يُشْتَرَطُ كونه سيداً. نعم في «مواهب الرحمن»: أنها ليست بشرطٍ عند إمامنا. ثم لا أَدْري أنه روايةٌ عنه، أو ماذا. وفي «تحرير المختار في المناقضات على ردِّ المختار» لعالم مصريَ، عن أبي يوسف مثله. وكيفما كان إذا تغلَّب رجلٌ فاستولى على بلدٍ تَجِبُ طاعته، ويُمْنَعُ عن الخروج عليه بعده. فإنَّ الاحترازَ عن سَفْكِ دماء المسلمين، وشَقِّ عصاهم أيضاً، أمرٌ مهمٌّ، فإِن الفتنةَ أشدُّ من القتل.(7/341)
وليُعْلَمْ أن هذه المسألة كانت في الأصل من موضوع الفقهاء دون علماء الكلام، وإنَّما أَخَذَهَا علماءُ الكلام، لأنَّ الروافضَ عَدُّوها من الأصول، وإلاَّ فلا بحثَ لهم عن الفروع. وليست الإِمامةُ من الأصول عندنا، فإذا بَحَثَ عنها علماءُ الكلام تَرَكَهَا الفقهاءُ اعتماداً عليهم.
بقي الكلامُ في جواز تعدُّد الخليفة، فالجمهورُ إلى عدم الجواز، وذَهَبَ قليلٌ منهم إلى الجواز إذا احْتَاجُوا إليه، نحو أن لا يكون الواحد يَسْتَطِيعُ بقيام أمورها لأجل البُعْدِ، أو غيره، فحينئذٍ أَجَازَ هؤلاء بالتعدُّد أيضاً.
فائدةٌ: قد مرَّ عند البخاريِّ التصريحُ من أخذ الرواة في باب إذا قال عند قومٍ شيئاً... إلخ، أن ذاك الذي بالشَّام - أي مروان - والله إن يُقَاتِلَ إلاَّ على الدنيا. أمَّا معاويةُ فأقول من جانبه: إنه رضي الله تعالى عنه، لعله كان يَرَى التعدُّدَ جائزاً، وقد بَحَثَ فيه ابن خلدون فَرَاجِعْهُ.
باب السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلإِمامِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَة
---
واعلم أنه يَجِبُ عندنا طاعةُ الأمير في السياسيات إذا كان فيه مصلحةٌ. أمَّا إذا لم يَشْتَمِلْ على معنىً صحيحٍ، أو مصلحةٍ عامَّةٍ أو خاصَّةٍ، فلا تَجِبُ عليهم طاعته، نحو أن يَأْمُرَهُمْ أن يَصْعَدُوا هذا الجبلَ، ويَنْزِلُوا منه، فهذا الوجوبُ غير ما يكون في أبواب الفقه، أي الفروع الاجتهادية والمسائل. وهذا معنى قوله: «إنَّما الطاعةُ في المعروف».(7/342)
وعلى هذا معنى المعصية ما ليس فيه معنًى صحيحٌ، فلا طاعةَ له فيه. وترجمةُ المعروف والمعصية معقول بات اورنا معقول بات، لا أُرِيدُ به بيان اللغة، إنما أُرِيدُ به المعنى والمَرْمَى، كما يَتَّضِحُ لمن أَمْعَنَ النظر فيه. ومن ههنا يَظْهَرُ معنى قوله: «لو دَخَلُوها - أي النار بأمر أميرهم - ما خَرَجُوا منها أبداً»، فإنَّ الأمرَ بدخول النار مما لا معنى له، فلا طاعةَ فيه. فلو كانوا دَخَلُوا فيها، ما خَرَجُوا منها إلى يوم الحشر. وأمَّا بعده فيكون أمرهم حسب أعمالهم، إمَّا إلى الجنَّة أو إلى النار، وهذا معنى الأبد. وهذا يَدُلُّكَ ثانياً على أن التأبيدَ في قاتل النفس هو التأبيدُ في البَرْزَخِ، دون التأبيد في نار جهنَّم. وهؤلاء لو دَخَلُوهَا لكانوا في حكم قاتلي النفس، فكان حكمُهم حكمَهم.
وجملةُ الأمر فيه: أن الإِمامَ لو أَمَرَ بالكفر البَوَاجِ، يَجِبُ الخروجُ عليه وخَلْعُه عن الإِمارة، وإن عَصَى أو آذى الناسَ يَجِبُ عليهم الصبرُ، وإن أَمَر غيرَه بها لا تَجِبُ طاعتُهُ.
باب مَنْ لَمْ يَسْأَلِ الإِمارَةَ أَعانَهُ اللَّه
باب مَنْ سَأَلَ الإِمَارَةَ وُكِلَ إِلَيهَا
باب ما يُكْرَهُ مِنَ الحِرْصِ عَلَى الإِمَارَة
---
7146 - قوله: (وإذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا)... إلخ. واعلم أن الخلافَ في تقديم الحِنْث والكفَّارة مشهورةٌ، وأصلُ النظر في أن الأليقَ في اليمين على المعصية هو تقديمُ الحِنْثِ على الكفَّارة، أو تقديمُ الكفَّارة على الحِنْثِ: فذهب بعضُهم إلى أن الأنسبَ أن يَحْنَثَ أوَّلاً، ثم يأتي بالكفَّارة. وذهب آخرون إلى أنه يؤدِّي الكفَّارةَ أوَّلاً، ثم يأتي بالذي هو خيرٌ. وذلك لأن الفقهاءَ يُرَاعون التناسب بين الحكم والوصف، فاختلفت أنظارُهم فيه نظراً إلى هذا التناسُبِ.
باب مَنِ اسْتُرْعِيَ رَعِيَّةً فَلَمْ يَنْصَح
باب مَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيه(7/343)
7150 - قوله: (لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ)... إلخ. وذلك الذي قُلْتُ: إنَّ الأمرَ إذا انتظم من جانبين، يَرِدُ الشرعُ فيه نظراً للطرفين، ويُحَذر كلاًّ منهما، ويُتَخَيَّلُ من أحاديث كلَ من الجانبين أن لا حقَّ للآخر. فقد مرَّ حديثُ الصبر على إيذاء الأئمة وظُلْمِهم، حتَّى أَوْهَمَ أنه لا حقَّ للرعية، وهذا حديث في الأئمة يحدِّرُهم أنهم لا يَشمُّون رائحةَ الجنَّة إِن ظَلَمُوا رعيتَهم، فافهم.
باب القَضَاءِ وَالفُتْيَا في الطَّرِيق
وَقَضى يَحْيَىبْنُ يَعْمَرَ في الطَّرِيقِ. وَقَضى الشَّعْبِيُّ عَلَى بَابِ دَارِهِ.
باب مَا ذُكِرَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلّملَمْ يَكُنْ لَهُ بَوَّاب
وقد مرَّ أنهما يختلفان في الفِقْهِ، والظاهرُ من كلام المصنِّف أن لا فرقَ في القضاء والفتوى عنده، والله تعالى أَعْلَمُ بالصَّواب.
باب الحَاكِمِ يَحْكُمُ بِالقَتْلِ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيهِ، دُونَ الإِمَامِ الَّذِي فَوْقَه
---
يعني أن القضاءَ بالقصاص لا يختصُّ بالحاكم الأعلى، بل يُقْضَى به بمن كان تحت من الحُكَّام أيضاً.
7155 - قوله: (بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرَطِ)، والشرطةُ في اللغة: العلامة، وإنَّما سُمِّيَ به أعوان الأمير لكونهم معلَّمين بتلك العلامة.
باب هَل يَقْضِي الحَاكِمُ أَوْ يُفتِي وَهُوَ غَضْبَان
وقد وَرَدَ عنه النيهُ في الحديث. وأَشَارَ المصنِّفُ إلى تقسيمٍ فيه، فإن مَلَكَ نفسَه، ولم يُغْلَبْ عقلُه، جَازَ له القضاءُ، وإلاَّ لا.
7159 - قوله: (فإنَّ فِيهِمُ الكَبِيرَ)... إلخ. وتردَّد الحافظُ في أن تلك الجملة هل هي قطعةٌ من حديث مُعَاذ، أو لا؟ كما مرَّ.(7/344)
7160 - قوله: (ثُمَّ قَالَ: لِيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ ليُمْسِكْهَا حتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فإنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا) واعلم أن الطلاقَ في الحيض بدعةٌ، كما قد علمته. وأمَّا الحكمةُ في كونه بدعةً، ووجوبِ الرجوع عنه ماذا؟ فاعلم أن العِدَّةَ في نظر العوام هي بحكم الطلاق فقط. أقولُ: بل لها تأثيراً في البينونة أيضاً، ولذا لا يَصِحُّ النكاحُ في العِدَّةِ. وتنبَّه له ابنُ رُشْدٍ. فمن طلَّقها في الحيض، فقد أَرَادَ التخليطَ في وجه العِدَّة، بأن تلك الحيضة تُعْتَبَرُ منها أو لا. فإذا كان الطلاقُ في الحيض يُوجِبُ الالتباس في العِدَّة، ولم يَكُنْ في الحيض، بل في الطُّهْر، ظَهَرَ أن العِدَّةَ لا تكون إذن إلاَّ بالحيض. وحينئذٍ لم يَبْقَ التبادُر، لكون العِدَّة من الطُّهْرِ في قوله تعالى: {فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (الطلاق: 1).
باب مَنْ رَأَى لِلقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِعِلمِهِ في أَمْرِ النَّاسِ،إِذَا لَمْ يَخَفِ الظُّنُونَ وَالتُّهَمَة
---
كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم لِهِنْد: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ». وَذلِكَ إِذَا كَانَ أَمْراً مَشْهُوراً.
واعلم أنَّهم اخْتَلَفُوا أنه هل يَصِحُّ للقاضي أن يَحْكُمَ في أمرٍ حسب ما عَلِمَهُ بدون بَيِّنةٍ ولا يمينٍ: فَأَنْكَرَهُ الحجازيون، وهو المشهورُ عندنا، فإنَّ القضاءَ إمَّا بالبيِّنةِ أو اليمين. ورُوِيَ عن محمد جوازه إذا لم يَخْشَ التهمةَ.
7161 - قوله: (لا حَرَجَ عَلَيْكِ أَنْ تُطْعِمِيهِمْ)... إلخ، خَرَجَ من ترجمته أن حُكْمَهُ لهند بالإِنفاق كان قضاءً. وللشافعية بحثٌ في أنه كان قضاءً، أو ديانةً.
باب الشَّهَادَةِ عَلَى الخَطِّ المَخْتُومِ، وَمَا يَجُوزُ مِنْ ذلِكَ وَمَا يَضِيقُ عَلَيهِمْ، وَكِتابِ الحَاكِمِ إِلَى عَامِلِهِ وَالقَاضِي إِلَى القَاضِي
---(7/345)
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: كِتَاب الحَاكِمِ جَائِزٌ إِلاَّ في الحُدُودِ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ كَانَ القَتْلُ خَطَأً فَهُوَ جَائِزٌ، لأَنَّ هذا مَالٌ بِزُعْمِهِ، وَإِنَّمَا صَارَ مَالاً بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ القَتْلُ، فَالخَطَأُ وَالعَمْدُ وَاحِدٌ. وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى عامِلِهِ في الحُدُودِ. وَكَتَبَ عُمَرُبْنُ عَبْدِ العَزِيرِ في سِنّ كُسِرَتْ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كِتَاب القَاضِي إِلَى القَاضِي جَائِزٌ إِذَا عَرَفَ الكِتَابَ وَالخَاتَمَ. وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يُجِيزُ الكِتَابَ المَخْتُومَ بِمَا فِيهِ مِنَ القَاضِي. وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ. وَقَالَ مُعَاوِيَةُبْنُ عَبْدِ الكَرِيمِ الثَّقَفِيُّ: شَهِدْتُ عَبْدَ المَلِكِبْنَ يَعْلَى قاضِيَ البَصْرَةِ، وَإِيَاسَبْنَ مُعَاوِيَةَ، وَالحَسَنَ، وَثُمَامَةَبْنَ عَبْدِ اللَّهِبْنِ أَنَسٍ، وَبِلاَلَبْنَ أَبِي بُرْدَةَ، وَعَبْدَ اللَّهِبْنَ بُرَيدَةَ الأَسْلَمِيَّ، وَعامِرَبْنَ عَبِيدَةَ، وَعَبَّادَبْنَ مَنْصُورٍ، يُجِيزُونَ كُتُبَ القُضَاةِ بِغَيرِ مَحْضَرٍ مِنَ الشُّهُودِ، فَإِنْ قَالَ الَّذِي جِيءَ عَلَيهِ بِالكِتَابِ: إِنَّهُ زُورٌ، قِيلَ لَهُ: اذْهَبْ فَالتَمِسِ المَخْرَجَ مِنْ ذلِكَ. وَأَوَّلُ مَنْ سَأَلَ عَلَى كِتَابِ القَاضِي البَيِّنَةَ ابْنُ أَبِي لَيلَى وَسَوَّارُبْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيمٍ: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِبْنُ مُحْرِزٍ: جِئْتُ بِكِتَابٍ مِنْ مُوسَىبْنِ أَنَسٍ قَاضِي البَصْرَةِ، وَأَقَمْتُ عِنْدَهُ البَيِّنَةَ: أَنَّ لِي عِنْدَ فُلاَنٍ كَذَا وَكَذَا، وَهُوَ بِالكُوفَةِ، وَجِئْتُ بِهِ القَاسِمَبْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ فَأَجَازَهُ. وَكَرِهَ الحَسَنُ وَأَبُو قِلاَبَةَ: أَنْ يَشْهَدَ عَلَى وَصِيَّةٍ حَتَّى يَعْلَمَ مَا فِيهَا، لأَنَّهُ لاَ يَدْرِي لَعَلَّ فِيهَا جَوْراً. وَقَدْ كَتَبَ(7/346)
---
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم إِلَى أَهْلِ خَيبَرَ: «إِمَّا أَنْ تَدُوا صَاحِبَكُمُ، وَإِمَّا أَنْ تُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ». وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، في شَهَادَةٍ عَلَى المَرْأَةِ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ: إِنْ عَرَفتَهَا فاشْهَدْ، وَإِلاَّ فَلاَ تَشْهَدْ.
واخْتَلَفَ العُرْفُ في الختم. ففي الأوائل كانوا يَخْتِمُونَ خارج الخط لحفظه، ومنه قوله تعالى: {وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيّينَ} (الأحزاب: 40). واليومَ انْتَقَلَ الختمُ إلى داخله، ويُرَادُ به التصديق بما تضمَّنه لا غير. ثم اشتهر أن الخطَّ غير معتبرٍ عندنا، لأن الخَطَّ يُشْبِهُ الخَطَّ.
قلتُ: وذلك عندما يقع الجحود، وأمَّا في البين فهو معتبرٌ، كما أيَّدَهُ الشاميُّ في رسالةٍ سمَّاها «نشر العرف»، وحقَّق اعتباره إذا أُمِنَ من التزوير، واعْتَبَرُوه في كتاب القاضي إلى القاضي أيضاً. وراجع شروطه من بابه.
قوله: (وقَالَ بَعْضُ النَّاس: كِتَابُ الحَاكِمِ جَائِزٌ)... إلخ. وراجع تقريرَه، وتقريرَ جوابه من الهامش.
قوله: (يُجِيزُونَ كُتُبَ القُضَاةِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنَ الشُّهُودِ)... إلخ، وهذا غير مختارٍ عندنا، بل لا بُدَّ من شهود الكتابة عندنا.
قوله: (اذْهَبْ، فَالْتَمِسِ المَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ)، يعني لا نَحَمَلُ بقوله: «إنه زُورٌ»، ولكن نقولُ: إِنا نَحْكُمُ بالبيِّنة، فإن كان عندك ثبوتٌ، فالتمسه.
قوله: (وقَدْ كَتَبَ النَّبيُّ إلى أَهْلِ خَيْبَرَ: إمَّا أن تَدُوا صَاحِبَكُمْ، وإِمَّا أن تُؤْذِنُوا بحربٍ)... إلخ. أي تُعْطُوا الدِّيَةَ، قوله: «تَدُوا»، بصيغة الخِطَابِ غير مربوطٍ. والصوابُ ما عند المصنِّف في باب كتاب الحاكم إلى عمَّاله: «فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم إمَّا أن يَدُو صَاحِبكم»... إلخ بصيغة الغيبة.
---
باب مَتَى يَسْتَوْجِب الرَّجُلُ القَضَاء(7/347)
وَقَالَ الحَسَنُ: أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الحُكَّامِ أَنْ لاَ يَتَّبِعُوا الهَوَى، وَلاَ يَخْشَوُا النَّاسَ، وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً، ثُمَّ قَرَأَ: {يدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَكَ خَلِيفَةً فِى الاْرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الْحِسَابِ} (ص: 26). وَقَرَأَ: {إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالاْحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ} اسْتُودِعُوا {مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيهِ شُهَدَاءَ فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرُونَ} (المَائدة: 44). وَقَرَأَ: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَنَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَهِدِينَ فَفَهَّمْنَهَا سُلَيْمَنَ وَكُلاًّ ءاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} (الأنبياء: 78 - 79). فَحَمِدَ سُلَيمَانَ وَلَمْ يَلُمْ دَاوُدَ، وَلَوْلاَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِ هذَيْنِ لَرَأَيتُ أَنَّ القُضَاةَ هَلَكُوا، فَإِنَّهُ أَثْنى عَلَى هذا بِعِلمِهِ وَعَذَرَ هذا بِاجْتِهَادِهِ. وَقَالَ مُزَاحِمُبْنُ زُفَرَ: قَالَ لَنَا عُمَرُبْنُ عَبْدِ العَزِيزِ: خَمْسٌ إِذَا أَخْطَأَ القَاضِي مِنْهُنَّ خَصْلَةً، كَانَتْ فِيهِ وَصْمَةٌ: أَنْ يَكُوْنَ فَقِيهاً، حَلِيماً، عَفِيفاً، صَلِيباً، عالِماً سَؤُولاً عَنِ العِلمِ.
---
باب رِزْقِ الحُكَّامِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا(7/348)
وَكَانَ شُرَيحٌ القَاضِي يَأْخُذُ عَلَى القَضَاءِ أَجْراً. وَقَالَتْ عائِشةُ: يَأْكُلُ الوَصِيُّ بِقَدْرِ عُمَالَتِهِ، وَأَكَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ.
قوله: ({يدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَكَ خَلِيفَةً فِى الاْرْضِ}) أَطْلَقَ اللَّهُ سبحانه لفظ الخليفة على النبيين من أنبيائه، ومرَّ عليه الشيخُ الأكبرُ، فراجع كلامه.
قوله: ({إنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى ونُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا والرَّبَّانِيُّونَ والأَحْبَارُ})... إلخ، ذكر ابنُ خلدون في مقدمته: أن اليهودَ كانوا تفرَّقُوا فرقتين: منهم من كان يَعْمَلُ بالقياس، ويُسَمَّوا بالربانيين. ومنهم من كان يُنْكِرُهُ، ويُقَالُ لهم: الأَحْبَار. وأَبْعَدَ ابنُ حزمٍ حيث شدَّد الكلام في القائسين، ومن دان دينهم.
قلتُ: كيف والقرآنُ قد أثنى عليهم أيضاً، وقد كان الصادقُ المصدوقُ صلى الله عليه وسلّمأَخْبَرَ: «بأن أمَّته تتبع سنَنَ من قبلها شِبْراً بِشِبْرٍ»... إلخ، فكان لا بُدَّ أن تَفْتَرِقَ هذه الأمَّةُ أيضاً في أمر القياس افتراق اليهود فيه. فقال به بعضُهم كالربانيين، وأنكره بعضُهم كالأحبار. وقد تجشَّم الناسُ في الاستدلال على حُجِّية القياس. قلتُ: ولو احتجُّوا من هذه الآية، مع انضمام كلام ابن خلدون، لكفاهم عن مرامهم.
---(7/349)
قوله: (ولَوْلا ما ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِ هذَيْنِ، لَرَأْتُ أَنَّ القُضَاةَ هَلَكُوا)... إلخ. يقولُ: إن اللَّهَ سبحانه لمَّا ذكر النبيين أنهما أخطآ في الحكم، عَلِمْتَ أن المخطيءَ المجتهدَ بمعزلٍ عن اللوم. ولولا قصتهما لَرَأَيْتُ أن القضاةَ هَلَكُوا لقوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفِرُونَ} (المائدة: 44) بقي الكلامُ في مسألةِ وحدة الحقِّ، وتعدُّده. فراجع له «عقد الجيد»، و«الإِنصاف»، الكِتَابَيْنِ للشاه ولي الله، فإنه قد أَتَى فيهما على جوانب المسألة. والجمهور إلى أنه واحدٌ ودائرٌ، وأصلُ النِّزَاع في أن هل في كلِّ حادثةٍ اجتهاديةٍ حكمٌ من الله تعالى، أو لا؟ فقال به بعضُهم، وقال بعضُهم: إن المجتهدَ مأمورٌ بابتغائه، فمنهم من أصابه، ومنهم من أخطأه. وقال آخرون: أن لا حكمَ فيه من الله، والمجتهدُ مأمورٌ باستخراج حكمه، فإذا اسْتَنْبَطَهُ، فَذَاكَ حكمُ الله فيه.
تنبيهٌ: وليعلم أن مسألةَ تعدُّد الحقِّ ووحدته مسألةٌ أخرى. أمَّا دورانُ المستفتي بين المذاه الأربعة، فذلك باطلٌ، لما مرَّ منِّي: أن التناقضَ في الدين مما لا نظيرَ له، والدورانُ يُوجِبُ ذلك، وإن لم يُشْعِرْ به. ومن ههنا عُلِمَ ضرورة التقليد الشخصيِّ، فإن تقليدَ الأئمة الأربعة في وقتٍ واحدٍ يُوجِبُ التزام التناقُض، كما قرَّرناه.
باب مَنْ قَضى وَلاَعَنَ في المَسْجِد
وَلاَعَنَ عُمَرُ عِنْدَ مِنْبَرِ النبي صلى الله عليه وسلّم وَقَضَى شُرَيحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَيَحْيَىبْنُ يَعْمَرَ في المَسْجِدِ، وَقَضَى مَرْوَانُ عَلَى زَيدِبْنِ ثَابِتٍ بِاليَمِينِ عِنْدَ المِنْبَرِ. وَكَانَ الحَسَنُ وَزُرَارَةُبْنُ أَوْفَى يَقْضِيَانِ في الرَّحَبَةِ خَارِجاً مِنَ المَسْجِدِ.
---(7/350)
وافق أبا حنيفةُ في أن القضاءَ عبادةٌ، فَيَصِحُّ في المسجد. فإِن كان المدَّعَى عليه ممن لا يَجُوزُ له الدخول في المسجد، كالحائض، يَخْرُجُ إليه، أو يُرْسِلُ نائبه، وقال الشافعيةُ: إنه ليس بعبادةٍ، فلا يُقْضَى في المسجد.
باب مَنْ حَكَمَ في المَسْجِدِ، حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حَدّ أَمَرَ أَنْ يُخْرَجَ مِنَ المَسْجِدِ فَيُقَام
وَقَالَ عُمَرُ: أَخْرِجَاهُ مِنَ المَسْجِدِ، وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيّ نَحْوُهُ.
باب مَوْعِظَةِ الإِمَامِ لِلخُصُوم
7168 - قوله: (كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ بالمُصَلَّى) كُتِبَ بين السُّطِور: أن مُصَلَّى الجنائز هو البقيع. قلتُ: وهو غلطٌ، بل البقيعُ غير كما عُرِفَ.
باب الشَّهَادَةِ تكُونُ عِنْدَ الحَاكِمِ، في وِلاَيَتِهِ القَضَاءَ أَوْ قَبْلَ ذلِكَ، لِلخَصْم
وَقَالَ شُرَيحٌ القَاضِي، وَسَأَلَهُ إِنْسَانٌ الشَّهَادَةَ، فَقَالَ: ائْتِ الأَمِيرَ حَتَّى أَشْهَدَ لَكَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ الرَّحْمنِبْنِ عَوْفٍ: لَوْ رَأَيتَ رَجُلاً عَلَى حَدّ، زِناً أَوْ سَرِقَةٍ، وَأَنْتَ أَمِيرٌ؟ فَقَالَ: شَهَادَتُكَ شَهَادَةُ رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ عُمَرُ: لَوْلاَ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ في كِتَابِ اللَّهِ، لَكَتَبْتُ آيَةَ الرَّجْمِ بِيَدِي. وَأَقَرَّ مَاعِزٌ عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلّمبِالزِّنَا أَرْبَعاً فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ، وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلّمأَشْهَدَ مَنْ حَضَرَهُ. وَقَالَ حَمَّادٌ: إِذَا أَقَرَّ مَرَّةً عِنْدَ الحَاكِمِ رُجِمَ. وَقَالَ الحَكَمُ: أَرْبَعاً.
---
يعني إذا كانت عند القاضي شهادةٌ في أمرٍ لا يَسَعُ له أن يقضي بها بنفسه، ولكنه يُؤَدِّيها بمحضر قاضٍ آخر أو نائبه، ثم يُحِقُّ بها ذلك القاضي.(7/351)
قوله: (ولَمْ يُذْكَرْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلّمأَشْهَدَ مَنْ حَضَرَهُ) وهذه مسألةٌ أخرى، وهي أنه لا يَجِبُ على القاضي أن يُعِيدَ جميع قصة المتخاصميْن بين يدي الشاهديْن.
7170 - قوله: (وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِرَاقِ)، أَرَادَ بهم الحنيفةَ، ثم لم يَرُدَّ عليهم بشيءٍ.
باب أَمْرِ الوَالِي إِذَا وَجَّهَ أَمِيرَينِ إِلَى مَوْضِعٍ: أَنْ يَتَطَاوَعَا وَلاَ يَتَعَاصَيَا
باب إِجَابَةِ الحَاكِمِ الدَّعْوَة
وَقَدْ أَجَابَ عُثْمَانُ عَبْداً لِلمُغِيرَةِبْنِ شُعْبَةَ.
باب هَدَايَا العُمَّال
جاز له إجابتها إذا تَعَارَفَ من الداعي قبل أن يتولَّى الحكومةَ. وأمَّا المُفْتُون، فَيُبَاح الإِجابة مطلقاً، غير أنَّهم إذا كاوا موظَّفين من الحكومة، ففيهم تردُّدٌ أيضاً. فإنَّ القاضي في السلطنة العيمانية لم يَكُنْ إلاَّ حنفياً، وكان المُفْتُون من المذاهب الأربعة تُحَطَى لهم وظائف من السلطنة، كما مرَّ في «العلم».
باب اسْتِقْضَاءِ المَوَالِي وَاسْتِعْمَالِهِم
يجوز للعبد أن يُقْضِيَ في بعض الأمور. أمَّا إذا عُتِقَ، فالأمرُ ظاهرٌ.
7175 - قوله: (كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أبي حُذَيْفَة يَؤُمُّ المُهَاجِرِينَ) قلتُ: وهذه إمامةُ الصلاة لا إمامةُ عامَّةِ المسلمين، إلاَّ أن المصنِّفَ تمسَّكَ من الجنس.
باب العُرَفاءِ لِلنَّاس
باب مَا يُكْرَهُ مِنْ ثَنَاءِ السُّلطَانِ، وَإِذَا خَرَجَ قَالَ غَيرَ ذَلِك
---
7176 - 7177 - قوله: (قَالَ حِينَ أَذِنَ لَهُمُ المُسْلِمُونَ في عِتْقِ سَبْيِ هَوَازِنَ) هذا ما وعدتُكَ من أن المسلمين كانوا عَتَقُوا سبيَ هَوَازِن، لا أنه كان هبةً منهم. فَسَقَطَتْ منه ستةُ، أو سبعةُ تراجم المصنِّفِ في «باب الهبة» على هذا الحديث، فإن كلَّها تُبْنَى على كونه هبةً. وههنا تصريحٌ بأنه لم يَكُنْ هبةً: بل كان عِتْقاً، فاعلمه.
باب القَضَاءِ عَلَى الغَائِب(7/352)
وذا لا يَجُوزُ عندنا، إلاَّ أن يَظْهَرَ أنه غاب إضراراً بصاحبه. فحينئذٍ يُكْتَبُ على بابه: أن فلاناً ادَّعَى عليكَ كذا، فإن حَضَرْتَ، وإلاَّ يُحْكَمُ عليكَ. ونُقِلَ عن محمد في بعض الصُّوَر: أن القاضي يَنْصِبُ نائباً عن الغايب يُخَاصِمُ عنه، ثم يَحْكُمُ.
باب مَنْ قُضِيَ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ فَلاَ يَأْخُذْهُ، فَإِنَّ قَضَاءَ الحَاكِمِلاَ يُحِلُّ حَرَاماً وَلاَ يُحَرِّمُ حَلاَلا
باب الحُكْمِ في البِئْرِ وَنَحْوِهَا
يريد أن القضاءَ لا يَنْفُذُ باطناً. قلنا: إن هذا مسلَّمٌ في الأملاك المُرْسَلة دون العقود والفسوخ. وما اسْتَشْهَدَ به البخاريُّ ليس منها، بل هو من باب ثبوت النَّسَبِ، وليس الكلامُ فيه.
باب القَضَاءِ في كَثِيرِ المَالِ وَقَلِيلِه
وَقَالَ ابْنُ عُيَينَةَ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ: القَضَاءُ في قَلِيلِ المَالِ وَكَثِيرِهِ سَوَاءٌ.
باب بَيعِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَضِيَاعَهُم
وَقَدْ بَاعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم مِنْ نُعَيمِبْنِ النَّحَّامِ.
يريد أنه لا فرقَ بين القضاء في المال القليل والكثير، ليكونَ القضاءُ في القليل ضعيفاً، وفي الكثير قوياً، بل فيهما على السواء، وهو ظاهرٌ.
---
باب مَنْ لَمْ يَكْتَرِثْ بِطَعْنِ مَنْ لاَ يَعْلَمُ في الأُمَرَاءِ حَدِيثا
باب الأَلَدِّ الخَصِمِ، وَهُوَ الدَّائِمُ في الخصُومَة
{وَلَدًا} (مريم: 97): عُوجاً.
أي إذا طَعَنَ النَّاسُ في الأمراء بلا وجهٍ، لا يُبَالي به الإِمامُ.
باب إِذَا قَضَى الحَاكِمُ بِجَوْرٍ أَوْ خِلاَفِ أَهْلِ العِلمِ فَهُوَ رَد
باب الإِمَامِ يَأْتِي قَوْماً فَيُصْلِحُ بَينَهُم(7/353)
يعني به: أن القاضي إذا حَكَمَ بشيءٍ، ولم يَكُنْ ذلك حكمَه في الفِقْهِ، قُلْنَا: إن حَكَمَ به في فصلٍ مُجْتَهَدٍ فيه لا يَرُدُّ حكمه، وإن كان في غيره فَيُرَدُّ، أعني بغير المُجْتَهَدِ فيه ما كان خلافاً للكتاب، والسنة المشهورة، والإِجماع.
باب يُسْتَحَبُّ لِلكاتِبِ أَنْ يَكُونَ أَمِيناً عاقِلا
باب كِتَابِ الحَاكِمِ إِلَى عُمَّالِهِ، وَالقَاضِي إِلَى أُمَنَائِه
يعني إذا احْتَاجَ القاضي إلى كاتبٍ بين يديه، فماذا يكون صفاته.
باب هَل يَجُوزُ لِلحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ رَجُلاً وَحْدَهُ لِلنَّظَرِ في الأُمُور
يعني أن القاضي إذا احْتَاجَ إلى المعاينة، لا يُشْتَرَطُ لها العدد.
باب تَرْجَمَةِ الحُكَّامِ، وَهَل يَجُوزُ تُرْجُمَانٌ وَاحِد
باب مُحَاسَبَةِ الإِمَامِ عُمَّالَه
باب بِطَانَةِ الإِمَامِ وَأَهْلِ مَشُورَتِه
البِطَانَةُ: الدُّخَلاَءُ.
باب كَيفَ يُبَايِعُ الإِمَامُ النَّاس
---
* نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدا ** عَلَى الجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا
باب مَنْ بَايَعَ مَرَّتَين
باب بَيعَةِ الأَعْرَاب
أي تفسير الكلام بلسان غيره، ويُشْتَرَطُ له عندنا أحدُ شطري الشهادة: إمَّا العددُ، أو العدالةُ.
7195 - قوله: (وقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لا بُدَّ لِلْحَاكِمِ مِنْ مُتَرْجِمَيْنِ)، والمراد منه الإِمام الشافعيّ، فلا يُرِيدُ به الإِمامَ أبا حنيفة في جملة المواضع كما زَعَمَ، وكذلك لا يُرِدُ به الرَّدَّ دائماً، كما مرَّ آنفاً.
باب بَيعَةِ الصَّغِير
باب مَنْ بَايَعَ ثُمَّ اسْتَقَالَ البَيعَة
باب مَنْ بَايَعَ رَجُلاً لاَ يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِلدُّنْيَا(7/354)
7210 - قوله: (وكان يُضَحِّي بالشَّاةِ الوَاحِدَةِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ)، وظاهرُه يُوافِقُ مذهب مالك. قُلْنَا: إن الشاةَ كانت أُضْحِيَةً من جانبه فقط. أمّا سائرُ أهله، فكانوا يَشْتَرِكُون معه في اللحم. وهذا معنى كونها عن جميع أهله، فإنهم كلَّهم اشتركوا في تلكا لأُضْحِيَةِ الكائنةِ من جانب المُضَحِّي فقط.
باب بَيعَةِ النِّسَاء
رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
باب مَنْ نَكَثَ بَيعَة
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} (الفتح: 10).
---
7215 - قوله: (فَقَبَضَتِ امْرَأَةٌ مِنَّا يَدَهَا)، لا دليلَ فيه على أن بيعةَ النساء كانت بقبض الأيدي. كيف وقد صرَّحت عائشةُ في الحديث السابق: ما مسَّت يدُ رسول الله صلى الله عليه وسلّميَد امرأةٍ، إلاَّ امرأة يَمْلِكُهَا. بل المراد منه: قبضُ اليد دون الثوب الذي كان بينه وبينها.
باب الاسْتِخْلاَف
7217 - قوله: (لقد هَمَمْتُ، أو أَرَدْتُ أَنْ أُرْسِلَ إلى أبي بَكْرٍ)، أَشَارَ المصنِّفُ إلى أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّملو صرَّح بالاستخلاف لسمَّى أبا بكرٍ، مع أنه قد نبَّه من عرض الكلام: أن اللَّهَ ورسولَه لا يرضيان إلاَّ بخلافه رضي الله تعالى عنه، فكان كما قد قدَّره اللَّهُ تعالى.
7219 - قوله: (سمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لأبي بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ: اصْعَدِ المِنْبَرَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى صَعِدَ)، أي ما كان أبو بكر يَصْعَدُ المِنْبَرَ حتَّى أصرَّ عليه عمر، فَصَعِدَهُ.s
باب
باب إِخْرَاجِ الخُصُومِ وَأَهْلِ الرِّيَبِ مِنَ البُيُوتِ بَعْدَ المَعْرِفَة
وَقَدْ أَخْرَجَ عُمَرُ أُخْتَ أَبِي بَكْرٍ حِينَ نَاحَتْ.(7/355)
باب هَل للإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَ المُجْرِمِينَ وَأَهْلَ المَعْصِيَةِ مِنَ الكَلاَمِمَعَهُ وَالزِّيَارَةِ وَنَحْوِه
قوله: (يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيراً)، قيل: إنهم مُتَفَاصِلُون. وقيل: مُتَوَالُون. وقيل: هم الخلفاءُ الأربعةُ، والإِمامُ الحسن، والأميرُ معاوية، وبعضٌ من الخلفاء العبَّاسيين، حتى يكونَ آخرُهم المهدي. وقيل: دعوه على إبهامه.
كتاب التَّمَنِّي
باب مَا جَاءَ في التَّمَنِّي، وَمَنْ تَمَنَّى الشَّهَادَة
---
باب تَمَنِّي الخَير
وَقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «لَوْ كَانَ لِي أُحُدٌ ذَهَباً».
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «لَوِ اسْتَقْبَلتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ»
باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم لَيتَ كَذَا وَكَذَا
*أَلاَ لَيتَ شِعْرِي هَل أَبِيتَنَّ لَيلَةً ** بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
باب تَمَنِّي القُرْآنِ وَالعِلم
عند مسلمٍ: إيَّاكَ واللو. وشَرَحَهُ ابن تَيْمِيَةَ: أن التمنِّي على الأفعال الماضية لا يُنَاسِبُ عند الشرع. وأشار البخاريُّ إلى أن فيه تقسيماً بِحَسَبِ الحال والمحال. ولذا جاء فيه: بما، ومن. وحاصلُه: أن المقامَ لو كان بحيث يُوهِمُ استعمالُ «اللَّو» فيه، ردَّ التقدير، لم يُنَاسِبْ استعماله، وإلاَّ جاز. ولفظ اللَّو، والتمنِّي، والود، كلُّ ذلك سواءٌ في الامتناع.
فائدة: واعلم أن الحرفَ الثنائيَّ إذا جُعِلَ اسماً يُشَدَّدَ حرفه الآخر، كما كما رَأَيْتَ في «اللَّو».
باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّمَنِّي
{وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لّلرّجَالِ نَصِيبٌ مّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنّسَآء نَصِيبٌ مّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلّ شَىْء عَلِيماً} (النساء: 32).
باب قَوْلِ الرَّجُلِ: لَوْلاَ اللَّهُ مَا اهْتَدَينَا(7/356)