شرح
كتاب الفتن من صحيح البخاري
للشيخ الدكتور عبد الكريم الخضير حفظه الله
مقدمة :
قال الشيخ : الحمد لله رب العالمين وصلي الله وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد:
فقد تحدثنا في مناسبات كثيرة عن الإمام البخاري رحمه الله ، وعن صحيحه، وعن منهجه ،وطريقته ،وإبداعه في كتابه، وعن غفلة الناس عن كثير من أبوابه وكثير من طلاب العلم يغفل عن أبواب هم بأمس الحاجة إليها . والإمام البخاري رحمه الله تعالى في هذه الأبواب التي هي من بدء الخلق – المغازي – السير – الدعوات – الفتن – الرقاق – الاعتصام بالكتاب والسنة . والإمام البخاري رحمه الله تعالى أبدع في هذه الأبواب والناس في غفلة منها ويعتني الناس بالأحاديث والأحكام العملية ويرتبون الدورات في المناسبات وفي مثل هذه الظروف من أنسب ما يقرأ مثل هذا الباب في مثل هذا الكتاب أو هذا الكتاب من ذاك الكتاب وهو كتاب الفتن من كتاب صحيح البخاري رحمه الله تعالى , والفتن – كما لا يخفى عليكم – بدأت الآن تطل علينا وإن كانت من قبل ولكنها ظهرت ظهورا فاضحا في وقت تداعت فيه الأمم على هذه الأمة المحمدية . والفتن في الأصل جمع فتنة وهي الابتلاء والاختبار . يقولون : فتن الحداد أو الصانع الذهب إذا أدخله في النار ليختبر جودته . والأمة الآن تفتن وتمتحن وتختبر لينظر مدى تمسكها بدينها . الله سبحانه وتعالى يفتن ليختبر " ونبلوكم بالشر والخير " " فتناك فتونا " ويفتن ويختبر ويبتلى الخلق بغضهم ببعض فالفاتن من الخلق بإذن الله تعالى وإرادته ولا يخرج شئ عن إرادته . آثم إن لم يتب " إن اللذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم " والمفتون : الطرف الآخر وهو الأمة الإسلامية في مثل هذه الظروف . الفتنة لها سبب وهو إدبارها عن دينها هذا هو السبب , فتنا وابتلينا بأعدائنا والنتيجة إن استفدنا من هذه الفتن ورجعنا إلى ديننا صارت الفتنة خيرا لنا وإن(1/1)
استمر بنا الغي والضلال صارت سوءا على سوء " ونبلوكم بالشر والخير " ابتلينا سنين بل عقود في هذه البلاد وغيرها بالجوع والخوف والقتل والنهب وثبت أكثر المسلمين على دينهم فلم يتنازلوا لا عن دين ولا عن عرض ثم ابتلوا بعد ذلك بالسراء ففتحت عليهم الدنيا التي خشيها النبي عليه الصلاة والسلام على أمته ( والله لا الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا كما فتحت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم ) وهذا هو الحاصل فتحت علينا الدنيا فحصل الخلل الكبير الابتلاء بالشر , الابتلاء بضيق ذات اليد ( بالفقر ) يتجاوزه كثير من الناس لكن الابتلاء بالسعة وانفتاح الدنيا والغنى هذا قل من يتجاوزه ولهذا حصل ما حصل من الخلل الكبير بعد أن فتحت علينا الدنيا وهذا أمر تشاهدونه . النعم كفرت على كافة المستويات إلا من رحم ربي لو نظرنا إلى واقع عموم المسلمين عامة الناس وجدناهم لما فتحت عليهم الدنيا فرطوا في أمر الله عز وجل وتنكبوا عن الجادة وقل مثل هذا في بعض من ينتسب إلى العلم وبعض من ينتسب إلى طلب العلم فضلا عن علية القوم , ابتلينا فما شكرنا , ابتلينا بالضراء فصبرنا والحمد لله وتجاوز أهل هذه البلاد وغيرهم من بلاد الإسلام تجاوزوا فتنة الضراء في عقود مضت ثم توالت عليهم النعم فلم يتجاوزوها وتنكبوا عن الجادة وبدلوا نعمة الله كفرا هذا هو الواقع في كثير من بلدان المسلمين . " ألم ترى إلى اللذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار " فحل البوار في كثير من بقاع الأرض لاسيما في بلاد المسلمين فنحن بحاجة إلى نرجع لديننا وأن نعتصم بكتاب ربنا ففيه المخرج من الفتن ونلزم كتاب الله عز وجل قراءة وحفظا وتدبرا وفهما وعلما وعملا ففيه كل ما يحتاجه المسلم ونقرأ معه ما يعين على فهمه وتدبره ومن خير ما يعين على فهم هذا الكتاب الذي فيه المخرج من الفتن كلها ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم . ومن أصح(1/2)
ما صح عنه عليه الصلاة والسلام ما حواه هذا الكتاب العظيم الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل . فمن المناسب ومن الاختيار الموفق أن يختار الأخوة المنظمون لهذه الدروس هذا الموضوع من هذا الكتاب العظيم فلعلنا نوفق أن نكمل قراءة هذا الكتاب ومطالبه كثيرة جدا . لو سرنا على الطريقة التبعة في شرح الصحيح لاحتاج إلى زمن طويل جدا لا يكفيه لا دورة ولا دورتين ولا ثلاث . هو يحتاج إلى مزيد من البسط لكن المطلوب هو التسديد والمقاربة لأن الزمن محدود والكلام كثير في هذا الباب ومن الفتنة أن يفتن الناس بالأخبار الموضوعة والواهية والإشاعات وترتب عليها أحكام . هذه فتنة أن يتعلق بالأخبار الضعيفة والموضوعة والرؤى والمنامات والتحليلات التي لا تبنى على أساس شرعي ثم ترتب عليها مصائر كما هو الواقع الآن .
فعلينا أن نراجع أنفسنا في مثل هذه الظروف , نطلب النجاة والنجاة بالاعتصام بالكتاب والسنة والإقبال على الله عز وجل بالعبادات الخاصة والعامة اللازمة والمتعدية على الإنسان لاسيما من ينتسب إلى العلم وطلبه أن يصدق اللجوء إلى الله عز وجل فيكثر من النوافل , ويكثر من قراءة القرآن وتدبره وتفهم معانيه وقراءة الكتب الموثوقة في التفسير ليستفيد من قراءته ويقبل أيضا على العبادات اللازمة مثل الإكثار من التطوعات من الصلوات والصيام وبر الوالدين وصلة الأرحام والنفع الخاص والعام يرص على صلاح نفسه وصلاح من تحت يده في بيته في مسجده في حيه في مدرسته بهذا تنجو هذه الأمة من هذا المأزق وهذا المنحنى والمنعطف الخطير التي تمر به فكما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام " يوشك أن تداعى عليكم الأمم " وقد تداعت الأمم الآن لكن ما المخرج ؟ المخرج فيما أثر عنه عليه الصلاة والسلام من ملازمة كتاب الله عز وجل وما أشرنا إليه من قراءة ما يعين على فهم كتاب الله عز وجل والله المستعان.
كتاب الفتن(1/3)
قال المصنف رحمه الله : الحمد لله رب العالمين وصل اللهم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا وارفعنا بما علمتنا واغفر لنا ولشيخنا وللسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين . قال الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه كتاب الفتن ما جاء في قول الله تعالى " واتقوا فتنة لا تصيبن اللذين ظلموا منكم خاصة " وما كان النبي صلى الله عيه وسلم يحذر من الفتن . حدثنا على بن عبد الله قال حدثنا بشر بن السري قال حدثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال قالت أسماء بنت أبي بكر عن النبي صلى الله عيه وسلم قال أنا على حوضي أنتظر من يرد على فيؤخذ بناس من دوني فأقول أمتي فيقول لا تدري مشوا على القهقرى قال ابن أبي مليكة فاللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو أن نفتن . حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا أبو عوانة عن المغيرة عن أبي وائل قال : قال عبد الله قال النبي صلى الله عيه وسلم" أنا فرطكم على الحوض ليرفعن إلى رجال منكم حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني فأقول أي ربي أصحابي يقول لا تدري ما أحدثوا بعدك "
حدثنا يحيي بن بكير حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم قال سمعت سهل بن سعد يقول سمعت النبي صلى الله عيه وسلم يقول " أنا فرطكم على الحوض من ورده شرب منه ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا ليرد على أخو أب أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم " قال أبو حازم فسمعني النعمان بن أبي عياش وأحدثهم هذا الحديث فقال هكذا سمعت سهلا فقلت نعم وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري رضي الله عنه لسمعته يزيد فيه فإنهم مني فيقال ما تدري ما بدلوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن بدل بعدي .(1/4)
قال الشيخ حفظه الله قوله : يقول الإمام رحمه الله تعالى كتاب الفتن , تقدم تعريف الفتن وهو أنه الابتلاء والاختبار والامتحان وأنه يكون بالخير والشر ومن الفتن , الفتن الكبرى المضلة التي يستعاذ منها , ومنها الفتن التي لا ينفك عنها أحد التي تصرف الإنسان عن مقصده فهو مأمور بمجاهدتها ." إنما أموالكم وأولادكم فتنة " أي يشغلونكم عما يريد الله عز وجل . والإنبجانبة هي الكساء المخطط كادت أن تفتن النبي صلى الله عيه وسلم في صلاته يعني تشغله عنها فكل ما يشغل عما يرضي الله عز وجل فتنة لكنها متفاوتة والحياة صراع وجهاد وإيذاء . هذه الفتن على المسلم أن يقاوم قدر الإمكان . هناك فتن ظاهرة وهناك فتن باطنة وهناك فتن كبرى مضلة وهناك فتن يسيرة لا ينفك منها أحد وكل هذا ليظهر مدى امتثال المكلف ومدى ارتباطه وتعلقه بربه عز وجل . وهذا الصراع رتب عليه هذا الثواب العظيم . من استسلم ولم يقاوم وضل وفتن هذا مآله معروف لكن من قاوم تعرض للفتن وقاوم واستفاد منها فيما يرضي الله عز وجل وخرج منها ظافرا متغلبا على هوى نفسه و الشيطان متغلبا على عدوه من شياطين الإنس والجن فإن هذا لاشك ممن أراد الله به خيرا ولو تعرض للفتن وهذه الفتن إذا وقعت تقاوم , ولا يمنع الإنسان أن يتمنى وقوع هذه الفتن ليقاوم لا فهو من باب تمني لقاء العدو وما يدريك لعلك تخفق لعك تفتن ولا تستطيع أن تقاوم هذه الفتن لكن إذا حصلت فعليك بالمجاهدة والمثابرة حتى تخرج منها ظافرا بما يرضي الله عز وجل . كتاب الفتن بسم الله الرحمن الرحيم
التقديم والتأخير بعض الروايات كما في رواية أبي ذر كتاب الفتن بسم الله الرحمن الرحيم
وفي رواية ابن عساكر بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الفتن وهذا يوجد في كثير من الكتب التقديم والتأخير هذا ولكل وجهة .
1- إذا قدمت البسملة كما هو الأصل تكون شاملة للترجمة ولما تحتها فهي مقدمة عليه مبدوء بها(1/5)
2- وإذا قدمت الترجمة على البسملة صارت الترجمة بمثابة تسمية السورة والبسملة بعدها ولذا يوجد التقديم والتأخير في كثير من الأبواب .
قوله " ما جاء في قول الله تعالى " عن أبي ذر : باب ما جاء في قول الله تعالى " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة "
ونحن في شرح مثل هذا الباب الذي ينبغي أن تكون القلوب مرتبطة بكلام النبي عليه الصلاة والسلام لا نطيل في مثل هذه الأمور , لا نطيل في ذكر فروق النسخ والروايات كما أننا لا نذكر إلا ما تمس الحاجة إليه مما يتعلق بالأسانيد لكنها تقطع تسلسل الارتباط بكلام المصطفى عليه الصلاة والسلام الذي هو مقصود العمل لكن في الأبواب الأخرى الأبواب العملية ما نترك شيئا مما يتعلق بالروايات أو بلطائف الإسناد وكل ما يتعلق بالحديث سواء في متنه أو في إسناده . نتعرض له بقدر الإمكان بقدر الحاجة لكن في مثل هذه الأبواب يهمنا بالدرجة الأولى كلام الإمام البخاري رحمه الله تعالى في التراجم وما به من آثار ثم بعد ذلك ندخل المقصد الأعظم وهو كلام النبي عليه الصلاة والسلام .(1/6)
ما جاء في قول الله عز وجل " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " اتقوا : أي اجعلوا بينكم وبين ما ذكر وقاية " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " بل نعم الصالح والطالح المباشر للمعصية المرتكب لها والراضي بها والتارك لإنكارها وتغييرها مع قدرته على ذلك فالفتنة إذا نزلت عمت في مثل هذه الظروف التي تتحدث عنها الآية . بل نعم من ارتكب الذنب ومن علم به ورضي بفعله أو علم به ولم ينكر عليه مع قدرته على الإنكار تعمه وهذه نتيجة المداهنة وإقرار المنكر وافتراق الكلمة بحيث تعم الشرور والمعاصي والمنكرات ويتقاعس الناس ويتواكلون في إنكارها . تجد الإنسان يمر بشخص يرتكب منكر أو يترك واجب ويتركه اعتمادا على أنه كلف بهذا الأمر من كلف من قبل ولي الأمر وليس من المسؤولين . أنت مسؤول مكلف من قبل الله عز وجل ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع خشية الضرر إن نطق بالإنكار ينكر بقلبه . ولا يسع أحد يمر بمنكر مهما كان فاعله ولا ينكر عليه وما وصل المر إلى ما وصل إليه مما نعيشه من ظروف وتعيشه الأمة في سائر الأقطار من انتشار المنكرات مع ضعف في الإنكار إن وجد إلا غريب التواكل سنين تجد الأخيار يذكرون بلا شك والإنكار موجود لكنه ليس على المستوى المطلوب من مقاومة هذه السيول الجارفة من المنكرات التي قصد بها من قبل الأعداء إفساد هذه الأمة لأنها إذا فسدت وفشت فيها المنكرات سهل الاستيلاء عليها بعد أن ذلت . بذل المعاصي والمنكرات . جاء الوعيد الشديد في ترك الإنكار وإذا ترك صاحب المنكر فإن المصيبة تعم صاحبها ومن سكت ومن أقره وسبب لعن بني إسرائيل أنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه . قد يصل الأمر إلى حد اليأس في زوال المنكر فيقول الإنسان ما الفائدة في كوني أنكر مع أن صاحب المنكر لا يرتدع ولا يرعوي نقول عليك أن تبدل السبب وتمثل الأمر وتفعل ما أمرت به فالنتائج بيد الله عز وجل(1/7)
.
" وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ "
معذرة أقل الأحوال براءة ذمتك . تقوم بما أوجبه الله عليك وقد يدفع الله سبحانه وتعالى هذا الإنكار ولو كان ضعيفا ما يدفع من غرائب التواكل على السكوت ولو كان ضعيفا . وليس الأمر خاصة برجال الحسية . نعم عليك المسؤولية الأولى والكبرى لأنهم تضاعف عليهم الأمر بتكليفهم من قبل الله عز وجل وتكليفهم من قبل ولي الأمر وبأخذهم الأجرة على ذلك . ولن هذا لا يغفي غيرهم من الإنكار فالكل مكلف بالأمر والنهي .(1/8)
روى الإمام أحمد في مسنده بسند لا بأس به من حديث عدي بن عميرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن يذكروه فلا ينكروه . فإذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة ) ما دام الإنكار موجودا فالأمان بإذن الله موجود ولا نذكر أن هناك فئة مكلفة من قبل ولى الأمر بالأمر والنهي وتقوم بما أوجب الله عليها لكنها أقل من المستوى المطلوب في مقاومة ما يزج به العدو من منكرات غزت البيوت والمحافل والمجتمعات فالمسألة تحتاج إلى تضافر جهود في إنكار المنكر باليد – وهذا لولي الأمر – أو من حوله . وباللسان : بالحكمة والكلمة الطيبة بالرفق واللين وبهذا يرفع الله عنا ما كتب على غيرنا من الأمم , سنة إلهية , سنن إلهية ولن تجد لسنة الله تبديلا . إذا عمت المعاصي وكثرت واستمرأها الخاص والعام وعاشوا عليها وتواطئوا على السكوت عليها عمهم الله بعذاب العقوبة . قوله : ما كان النبي عليه الصلاة والسلام يحذر من الفتن . النبي عليه الصلاة والسلام حذر من الفتن والله سبحانه وتعالى حذر من الفتن " اتقوا فتنة " فعلينا أن نتقي الفتن بدفعها بالأسباب التي تدفعها ومن أعظم ما يدفع الفتن إهتمام الإنسان بصلاح نفسه أولا ومن تحت يده . والارتباط بالله غز وجل وصدق اللجوء إليه مع بذل الأسباب في إصلاح الغير .
قوله : يقول الإمام رحمه الله تعالى حدثنا علي الحديث علي بن عبد الله : هو الإمام المعروف علي بن المديني . ابن أبي مليكة : اسمه عبد الله
قوله : أنا على حوضي : الحوض المورود الذي ينبع من أو يجتمع من نهر الكوثر هذا للنبي عليه الصلاة والسلام وجاء وصفه في السنة في طوله وعرضه ولونه وآنيته وأنه يشرب منه المتبع من هذه الأمة ولذا يزاد عنه من تقهقر فارتد أو ابتدع أو غير أو بدل وأحاديث الحوض متواترة . ثبت الحوض ثبرتا قطعيا بالأدلة المتواترة تواترا معنويا .(1/9)
قوله : فيؤخذ بناس من دوني : يعرفهم النبي عليه الصلاة والسلام إما بأعيانهم لمعاصرتهم له أو بأوصافهم بإتباعه عليه الصلاة والسلام وإن حصل منهم ما يوجب ردهم من إحداث وابتداع مشوا على القهقرى أي رجعوا إلى الخلف . كانوا لما كنت بين أظهرهم يتقدمون إلى الأمام بفعل ما يرضي الله عز وجل وترك ما يسخطه ثم بعدك رجعوا القهقرى فارتدوا عن دينهم وهؤلاء ممن يعرفهم النبي عليه الصلاة والسلام بأعيانهم لأنهم وجدوا في عصره .
قوله : قال ابن أبي مليكة اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو أن نفتن : على الإنسان أن يخاف , والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن فلا يأمن من مثل هذه الفتنة أن يرجع القهقرى ( وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها .) ولذا اشتد خوف السلف الصالح من سوء العاقبة , سوء الخاتمة أمر مقلق مخيف . وجاء في الحديث أنه يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهذا أيضا أمر مخيف . قد يعمل الإنسان الأعمال وهي في ظاهرها صالحة لكنها فيما يبدو للناس وفي قلبه دخل يكون سببا في صرفه عن الجادة " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " كثير من السلف يعمل الأعمال الصالحة ويخشى أن يدخل من هذا الباب فلخوف مطلوب كما أن الرجاء مطلوب وحسن الظن بالله عز وجل مطلوب فعلى الإنسان أن يكون بين الأمرين خائفا راجيا(1/10)
" والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة " أي يأتون ما أتوا من الأعمال الصالحة ولذا لما سألت عائشة رضي الله عنها هم الذين يزنون هم الذين يسرقون قال لا يا ابنة الصديق هؤلاء الذين يصلون ويصومون ويزكون ويعملون الأعمال الصالحة وقلوبهم وجلة خائفة أن ترد عليهم . فالإنسان لا يضمن . نعم جاء ما يدل على أن الفواتح عنوان الخواتم لكن من يضمن أن هذه الفواتح الصالحة خالصة لوجه الله عز وجل . النفس الأمارة والشيطان والنية شرور تحتاج إلى من يتابعها في كل وقت . قد يزل الإنسان بكلمة من سخط الله عز وجل يلقى بها في النار سبعين خريفا لا يلقي لها بالا تكون من سخط الله . والله المستعان .
نرجع على أعقابنا أو نفتن : أي نعوذ بك نرجع القهقرى عما كنا نفعله من أعمال صالحة .
قوله : قال عبد الله : أي ابن مسعود.
قوله أنا فرطكم على الحوض : أي متقدم بين أيديكم أمامكم فالفرط هو المتقدم الذي يسبق القوم ولذا جاء في دعاء الجنازة للطفل اللهم اجعله فرطا وذخرا أي متقدما بين يدي والديه .
منكم : أي من هذه الأمة . من أمة الإجابة .
حتى إذا أهويت لأناولهم : أي أسقيهم من حوضي .
اختلجوا : جذبوا واقتطعوا .
دوني فأقول أي ربي أصحابي : لأنه يعرفهم إما بأعيانهم أو بأوصافهم ولا يمنع أن يكون من هؤلاء من هو مسلم يختلج ويقتطع لما أحدث في الدين ويدخل النار ثم بعد ذلك إذا هذب ونقي بقدر ما اقترفه من جرائم يدخل الجنة .
ما أحدثوا بعدك : من جدة أو بدعة أو منكرات وجرائم كلها محدثات .
قوله : لم يظمأ بعده أبدا : أي بعد أن يشرب من الحوض فإنه لا يظمأ أبدا ويتجاوز هذه الأهوال من غير مشقة ولا ظمأ .
قوله ليرد : وفي رواية أبي ذر : ليردن على أقوام أعرفهم ويعرفوني .
قوله : فقال هكذا سمعت سهلا : يتأكد . أبو حازم سلمة بن دينار لما حدث بهذا الحديث سئل للتثبيت وللموافقة . هكذا سمعت سهلا .
قوله : سحقا سحقا : أي بعدا بعدا : أي أبعدهم الله .(1/11)
يقول ابن حجر حاصل ما حمل عليه حال المذكورين أي هؤلاء الذين يزادون عن الحوض الذين رجعوا القهقرى حالهم أنهم كانوا ممن ارتد عن الإسلام وحينئذ فلا إشكال في تبرئ النبي عليه الصلاة والسلام منهم وإن كانوا ممن لم يرتد لكنه أحدث معصية كبيرة من أعمال البدن أو بدعة من اعتقاد القلب فقد أجاب بعضهم بأنه يحتمل أن يكون أعرض عنهم ولم يشفع لهم اتباعا لأمر الله عز وجل فيهم حتى يعاقبهم على جنايتهم ولا مانع من دخولهم في عموم شفاعته عليه الصلاة والسلام من أهل الكبائر من أمته فيخرجون من النار بعد ذلك كما يخرج سائر العصاة فالحديث محتمل . هؤلاء الذين يزادون إن كانوا ممن ارتد فلا إشكال . هؤلاء أحدثوا ويستحقون أن يزادوا عن الحوض ويقال لهم سحقا سحقا وإن كانوا ممن لم يرتد الردة الكاملة وإنما كان رجوهم إلى القهقرى ونكوصهم على أعقابهم إنما هو فيما دون يخرج عن الملة بإحداث بدعة يعمل بها من بعدهم أو اقتراف جريمة فمثل هؤلاء يعاقبون وهم مستحقون العقاب . ومن العقاب زودهم عن الحوض وقد يدخلون النار فيعذبون وينقون بقدر ذنوبهم ثم يخرجون منها كما يخرج سائر العصاة .
قال المصنف : باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سترون بعدي أمورا تنكرونها وقال عبد الله بن زيد بن عاص قال النبي صلى الله عليه وسلم اصبروا حتى تلقوني على الحوض حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا لأعمش قال حدثنا زيد بن وهب قال سمعت عبد الله قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم .(1/12)
حدثنا مسدد عن عبد الوارث بن سعيد عن الجعد عن أبي رجاء عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كره من أميره شيئا فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة الجاهلية . قال حدثنا أبو النعمان قال حدثنا حماد بن زيد عن الجعد عن أبي لثان قال حدثني أبو رجاء قال سمعت ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كره من أميره شيئا فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة الجاهلية .
حدثنا إسماعيل قال حدثنا وهب عن عمرو عن بكير عن بسر بن سعيد عن جنادة بن أبي أمية قال دخلنا على عبادة بن الصامت رضي الله عنه وهو مريض قلنا أصلحك الله حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم قال دعاني النبي صلى الله عليه وسلم فبايعنا فقال فيما أخذ علينا أن بايعناه على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان . حدثنا محمد بن عرعرة قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن أسيد بن حضير أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله استملت فلانا ولم تستعملني قال إنكم سترون بعدي أثرة اصبروا حتى تلقوني .
قال الشيخ حفظه الله :
قوله : قول النبي صلى الله عليه وسلم : يعني للأنصار
سترون بعدي أمورا تذكرونها . النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار سترون بعدي أمورا تذكرونها , سترون أثرة بعدي لأن أمر الولاية ليس لهم بل الأئمة من قريش والغالب أن من ليست بيده الولاية تقع عليه الأثرة يؤثر عليه غيره ولذا قال لهم عليه الصلاة والسلام: سترون بعدي أمورا تذكرونها .
قوله : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أي الأنصار .
اصبروا : على ما تلقون بعدي من الأثرة حتى تلقوني على الحوض .(1/13)
قوله حدثنا مسدد : هو ابن مسرهد السدوسي الإمام المعروف ذكر بعضهم وقد لا يصف بالصيغة المجتمعة المذكورة مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن أرندل بن سرندل بن عرندل التي ذكرت في ترجمته لكن بهذا التركيب بهذه الصيغة يستذكرها كثير من أهل العلم .
قوله : حدثنا يحيي بن سعيد : الإمام القطان المعروف .
الأعمش : سليمان بن مهران .
زيد بن وهب : الجهني .
قال سمعت عبد الله : أي ابن مسعود .
إنكم سترون بعدي أثرة أو أثرة : ابن مسعود يقول قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن مسعود من الأنصار أم من المهاجرين ؟ نعم والخطاب الأول موجه من الأنصار كما جاءت بذلك الروايات وكون مخصي الأنصار بالذكر لأنهم ليس لهم من الأمر شئ وليس لهم من الولاية شئ فهم مظنة أن يجدوا أثرة . وابن مسعود ومن في حكمه وإن كان من غير الأنصار إلا أنه لبعده عن التطلع لمثل هذه الأمور لابد أن يقع عليه شئ من الأثرة لأنه لا يستشرف في هذه الأمور أو يتصور أنه يلي أمر من أمور المسلمين لانصرافه عن الدنيا وعن زهرتها وعن حظوظها إلى الآخرة .
سترون بعدي أثرة : سترون ممن يلي الأمر من ولاء وأمراء بعدي أثرة أي استئثار واختصاص الحظوظ الدنيوية فيؤثرون بها غيرهم من أقاربهم ومعارفهم فعلى الإنسان الذي يحس ويشعر في أن غيره أوثر عليه أن يؤثر نفسه بما يرضي الله عز وجل فإذا انصرف الناس وتعلقوا واستشرفوا إلى أمور الدنيا فعلى طالب العلم على وجه الخصوص أن يكون نظره إلى الآخرة . ومع ذلكم كما قال الله عز وجل " ولا تنسى نصيبك من الدنيا "
وأمور تذكرونها : أي من أمور الدين سوف تجدون تغير ولا زال التغير يزداد وكل زمان يزداد السوء بالنسبة لما قبله , لا يأتي للناس زمان وإلا الذي بعده شر منه .
قوله : فما تأمرنا يا رسول الله : أي في أن نفعل . إذا وجدنا مثل هذا التغير من ولاة المر من أمراء وأعوان ماذا نفعل . يعني هل نقاومهم . هل نرضى بالأثرة .(1/14)
قال عليه الصلاة والسلام أدوا إليهم حقهم : يعني مما يجب لهم من السمع والطاعة وأدوا إليهم الزكاة وجاهدوا معهم وصلوا وراءهم .
وسلوا الله حقهم : يعني ما يحدث فيه التقصير سلوا الله عز وجل فلا يجوز للإنسان أن تكون همته الدنيا . إن أعطي منها رضي وإن لن يعطى منها لم يرض . ليكن همه الآخرة وما يأتيه من أمور الدنيا مما يعينه عليها من غير استشراف يأخذ . كما جاء في حديث أبي ذر عند مسلم : " الذي يأتي المسلم بغير استشراف ويغلب على ظنه أنه لا يراد له مقابل يأخذه . إن تورع عنه فالورع له باب . لكن إن أخذ لا بأس إن جاءه من غير طلب واستشراف يقول أبو ذر : فإن كان ثمنا لدينك فلا . النبي صلى الله عليه وسلم لما قالوا ما أخبرهم به بأنه سيكون هناك أثرة أو أثرة وتقديم وتأخير وزيادة ونقص وإبعاد وتقريب هذا موجود . على مدى العصور من بعد الخلفاء الراشدين ظهر هذا الأمر وكل سنة يزداد والأمر طيب ماذا نفعل يا رسول الله إذا حصل ذلك . يعني مقتضى كلامهم هذا منكر والمنكر يجب تغييره فهل نغير .
قال : لا , أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم .
ولا يمنع هذا من أن ننصح . فالنصيحة هي الدين كما جاء في الحديث الثمين " الدين النصيحة "
قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم فلا يعني أن الإنسان يقف وهو مما أتاه الله قدرة على النصح وقدرة التأثير والبيان أن ينصح ولاة المر بالرفق واللين بالأسلوب المجدي المناسب النافع الذي يحقق المصلحة دون ترتب أي مفسدة . أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم .(1/15)
ثم قال حدثنا مسدد عن عبد الوارث ابن سعيد عن الجعد : أبي عثمان عن أبي رجاء : العطاردي عمران عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من كره من أميره شيئا : أي سواء كان من أمر الدين أو من أمر الدنيا فليصبر : يصبر لأن بعض الناس والباعث له الغيرة قد لا يصبر لكن النتيجة أن يترتب على فعله وعدم صبره ومخالفته للتوجيه النبوي فليصبر المسألة تحتاج إلى علاج مناسب . لا يعالج المنكر بما هو أنكر منه بمفسدة أعظم منها تحتاج دراسة للأمر و دراية بالأساليب النافعة الناجحة التي تقضي على المنكر أو تخفف منه بقدر الإمكان ولا يترتب عليها مفسدة .
فإنه من خرج عن السلطان : أي عن طاعته .
شبراً : يعني ولو بشيء يسير .
مات ميتة الجاهلية : وكانت هيئة ميتته كهيئة ميتة من عاش في الجاهلية لأن عمله هذا يؤدي إلى الفوضى والفوضى من سمات الجاهلية . القوي يأكل الضعيف وإنكار المنكر وإن كان مطلوباً إلا أنه يذكر بطرق مناسبة والبيان والنصح والتوجيه لا بد أن يكون بأسلوب مناسب مؤثر لا تترتب عليه المفاسد . إذا كان المنكر الذي يزال يترتب عليه منكر أعظم منه ما استفدنا المنكر ما زال . المقصود أن على من رأى ما ينكر وما أكثر ما ينكر في العصور المتأخرة . هذه سنة إلهية فساد الأزمان وفساد الزمان . في أخر الزمان معروف مستفيض بالنصوص والواقع يشهد بذلك لكن من رأى ما ينكر فليصبر كما قال النبي عليه الصلاة والسلام فإن من خرج من السلطان : أي من طاعته شبرا مات ميتة الجاهلية فكيف بمن خرج من هو أكبر من الشبر وما هو أعظم منه .
ويأتي الضابط لما يوجب الخروج وهو الكفر البواح الذي فيه من الله البرهان .
يقول حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضل قال حدثنا حماد بن زيد بن درهم عن الجعد بن دينار أبي عثمان قال حدثنا أبو رجاء بن عمران العطاري قال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(1/16)
( من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه )
يكرهه : يعني من أمور الدنيا ومن أمور الدين ما لم يصل إلى حد الكفر البواح .
فليصبر فإنه : الهاء اسم إن ضمير الشأن .
فإنه من فارق الجماعة : جماعة المسلمين , شبرا فمات إلا مات ميتة الجاهلية : يعني فيه خصلة من خصال الجاهلية قد مات عليها ولا يعني أن يكون بذلك قد خرج عن دائرة الإسلام وصار جاهليا لا إنما فيه خصلة من خصال الجاهلية وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر ( إنك امرؤ فيك جاهلية ) وفرق بين أن يكون الرجل جاهليا وبين أن يكون مشركا وفيه شرك كما قرر ذلك أهل العلم اليهود والنصارى مشركون أم فيهم شرك . نعم فيهم شرك ولذلك يختلفون في الأحكام عن المشركين . هم أهل كتاب لكن فيهم شرك . " الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين " ولذا اختلفت أحكامهم عن المشركين الذين استحقوا الوصف الكامل ولكونهم أهل كتاب وفيهم شرك وليسوا بمشركين شركا مطبقا كغيرهم لا يعني أنهم على هدى . بل هم كفار خالدون مخلدون في النار نسأل الله العافية ." إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين " لا يعني أنهم ليسوا بمشركين وإنما فيهم شرك أنهم يرجى لهم شيء . لا هم كفار على كل حال.
حدثنا اسماعيل بن أبي أويس قال حدثنا ابن وهب عن عمرو لبن الحارث عن بكير ابن عبد الله بن الأشج عن بسر ابن سعيد عن جنادة بن أبي أمية السدوسي قال دخلنا على عبادة ابن الصامت عبادة : أحد النقباء في العقبة وقد شهد البيعات الثلاث الأولى والثانية والثالثة وإن كانت الثالثة لا يثبتها كثير من أهل العلم لكن نص ابن عبد البر وغيره في ترجمته أنه شهد الثلاث وليس هذا محل بسط لما يتعلق بالبيعات الثلاث لكن يهمنا هذه البيعة التي بين أيدينا .(1/17)
دخلنا على عبادة ابن الصامت وهو مريض قلنا أصلحك الله . مريض وصحابي جليل قلنا أصلحك الله بعض الشراح يقول أصلح أمور دنياك وإلا هو في دينه صالح . هو صالح ولا يشك أحد في صلاحه ومع ذلكم في حاجة إلى مزيد صلاح . والرسول عليه الصلاة والسلام مهتد والمؤمنون على هدى ومع ذلك يقولون اهدنا الصراط المستقيم . لا يعني أن الشخص إذا كان صالحا لا يدعى له بالصلاح . لذا يغضب كثير من الناس إذا قلت الله يصلحك . أصلحك الله . كأن الناس تعارفوا على أن هذه اللفظة تقال لصغار السن وبعضهم إذا قيل أصلحك الله . كل شخص بحاجة إلى أن يكون صالحا . والله المستعان
حدث بحديث ينفعنا الله به سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم قال دعانا النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة فبايعناه فقال فيما أخذ علينا : أي فيما اشترط علينا .
أن بايعنا على السمع والطاعة له : يعني وفي حكمه من يلي أمر المسلمين بعده إلى قيام الساعة من المسلمين في منشطنا : في أوقات نشاطنا ومكرهنا : أي فيما ننشط للاستجابة إليه وفي مكرهنا : فيما نكره الإجابة إليه مما يطلبه ولي الأمر يعني في نشاطنا وعجزنا فيما نريده ومالا نريده إذا لم يكن معصية لله عز وجل في عسرنا ويسرنا .
وأثرة علينا : لو حصلت الأثرة بايعناه على أن نفي بمن ولاه الله أمرنا . وأن لا ننازع الأمر أهله : الملك لا ينازع . من تولاه ويستوي في ذلك من تولى باختيار من أهل الحل العقد ممن تتوافر فيه الشروط . أما في حال الإجبار والإكراه إذا تولى بقوته على المسلمين أن يسمعوا ويطيعوا ولو كان عبدا حبشيا وإن كان في الأصل لا يجوز تولية العبد الحبشي ابتداء واختيارا لكن إذا تولى بقوته فإنه حينئذ يجب له السمع والطاعة .(1/18)
إلا أن تروا كفرا بواحا : بواحا ظاهرا باديا لا يختلف فيه . قد يوجد من بعض الأمراء مما يرتكبه من المخالفات ما يختلف فيه هل هو مكفر أو غير مكفر هل يخرج من الملة أو لا يخرج . مثل هذا لا يجوز الخروج عليه لماذا ؟ لأنه ليس كفر بواح . إنما الموجب للخروج ونبذ اليد من الطاعة إنما هو الكفر البواح الظاهر البادي عندكم فيه من الله برهان أي نص من القرآن أو السنة لا يحتمل التأويل . فإذا كان عندنا برهان على كفر مرتكب هذا العمل ممالا يحتمله التأويل فإنه حينئذ لا سمع ولا طاعة ثم بعد ذلك يقول الإمام رحمه الله عليه يقول حدثنا محمد بن عرعرة القرشي قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك عن أسيد بن حضير الأنصاري أن رجلا – هو أسيد نفسه – أتى النبي صلى الله عليه وسلم . جرد أسيد من نفسه رجلا تحدث عنه يسمونه أسلوب التجريد .
أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال استعملت فلانا – عمرو بن العاص – ولم يستعملني . يعني وليته على أمر من أمور المسلمين ولم تولني .
استعملت : أي وليت والوالي في عرف المتقدمين عامل , استعملت فهو عامل وكان عامل لعمر وكان عاملا لفلان .
عامل : لما كانت الولايات ينظر فيها نفع المسلمين والقيام بخدمتهم والسهر على مصالحهم يسمى عامل .(1/19)
قال إنكم سترون بعدي أثرة : يعني أعظم من ذلك لأن ما فعلته إنما نظرت فيه إلى المصلحة العامة . وعمرو بن العاص ممن يصلح لهذه الولايات . ليس معنى هذا أن الشخص الذي يولى ينظر فيه مصلحة خاصة والذي لا يولى ينظر فيه إلا أنه قريب أو بعيد لا إنما النظر فيمن يحقق المصلحة ولو كان غيره أفضل منه في ذاته وكل عمل ينتقى له من يناسبه ممن يقوم به على أحسن وجه والخلل بهذا من علامات الساعة . إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة . قد لا يكون الشخص أفضل الناس ولا من أفضل الناس بل هو رجل تقوم به الحاجة ويسد هذا المكان أفضل من غيره . والقوة مع الأمانة مطلب في هذه الولايات . فإذا كان قوي في نفسه أمين في تصرفاته , فإنه يستحق حينئذ أن يولى على مثل هذه الأمور العامة . وعمرو بن العاص بهذه الصفة .
فاصبروا حتى تلقوني : يعني أمور هذه الدنيا ينبغي للمسلم أن لا تكون همه . فالأثرة في أمور الدنيا أمرها يسير إذا سلم رأس المال وهو الدين وكثير من الناس عاش في هذه الحياة عقود بل ممن عمر حياته كلها على نقيض ما أراده الله عز وجل من عبادة . الأصل أن يعيش الإنسان لدينه لكن لحاجته إلى الدنيا قيل له ولا تنسى " نصيبك من الدنيا " كثير من المسلمين مع الأسف الشديد يعيش للدنيا يعيش وهمه الدنيا ومع ذلكم قد ينسى نصيبه من الآخرة وقد لا ينسى , وليس معنى هذا أن الإنسان يصرف 20 ساعة في العبادة , يصوم النهار ويقوم الليل يتصدق ويجاهد عمره كله ولا يفتر . قد تكون حياة المسلم كلها عبادة وهو في أريح بال وأنعم عيش ينوي في تصرفاته العادية التقرب بها إلى الله عز وجل فتكون حياته كلها عبادات حتى ما يصنعه في امرأته حتى ما يأكله ليستعين به على طاعة الله حتى في نومه ليستعين به على العبادة . العبادات كلها فتكون حياته لله عز وجل " قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162) والله المستعان .(1/20)
قال المصنف : باب قول النبي صلى الله عليه وسلم هلاك أمتي على يد أغيلمة سفهاء حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد قال أخبرني جدي قال كنت جالسا مع أبي هريرة رضي الله عنه بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ومعنا مروان قال أبو هريرة سمعت الصادق المصدوق يقول هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش فقال مروان لعنة الله عليهم غلمة فقال أبو هريرة لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام فإذا رآهم غلمانا إحداثا قال لنا : عسى هؤلاء أن يكونوا منهم , قلنا : أنت أعلم .
قال الشيخ : أغيلمة : تصغير تحقير إما تصغيرا لأسنانهم فهم صبيان أو تصغير لعقولهم وأحلامهم فهم سفهاء وإن كانوا كبار السن . فمثل هؤلاء سواء كانوا صغار في أسنانهم أو في عقولهم وأحلامهم لاشك أن مثل هؤلاء يهلكون الحرث والنسل ومثل هؤلاء يتصرفون التصرفات المهلكة الضارة .
جدي : سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص .
مروان : يعني ابن الحكم الذي تولى فيما بعد .
الصادق : في نفسه , المصدوق عند الله عز وجل .
هلكت أمتي على يد غلمة : في رواية أحمد والنسائي سفهاء من قريش لعنة الله عليهم : أي هؤلاء الذين يكون هلاك الأمة على أيديهم ممن ولي أمر المسلمين . لعنهم مروان . وأبو هريرة لم يلعنهم ولم ينقل لعنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقد اختلف أهل العلم في لعن من هذا وصفه ممن أشير إليه في هذا الحديث كيزيد بن معاوية والحجاج وأمثالهم . أهل العلم يختلفون في مثل هؤلاء . والإمام أحمد لما سأله ابنه عبد الله عن يزيد وذكر له أنه ممن يستحق اللعن فقال له : لم لا تلعنه فقال رحمة الله عليه : هل عرفت أباك لعانا .(1/21)
الشخص قد يستحق وصف لكن هل الناس ملزمون بأن يصفوه بهذا الوصف : ليسوا بملزمين . السلامة لا يعد لها شيء . اكفف لسانك مسألة خلافية . وليس المسلم باللعان ولا الطعان ولا بالفاحش البذيء فعلى الإنسان أن يحفظ لسانه ولا يقع في فلان ولا علان لاسيما مع عدم وجود مصلحة ترجى من هذا . النبي صلى الله عليه وسلم لعن بأوصاف . لعن الله السارق يسرق البيضة ولعن أشخاص اللهم العن فلانا وفلانا فأنزل عليه " ليس لك من الأمر شيء " فينبغي للإنسان ألا يتسرع ويسارع في هذه الأمور ويرسل لسانه . نعم إذا خشي من إنسان بعينه أن يتعدى شره وضرره على من يعرف حاله ويحذر منه لئلا يتعدى شره وضرره لمن يغتر به فقال مروان لعن الله عليهم غلمة : منصوب على الاختصاص . فقال هريرة : لو شئت أن أقول بني فلان أو بني فلان لفعلت : وكأن أبا هريرة رضي الله عنه يعرف أسمائهم . فأبو هريرة حفظ من النبي صلى الله عليه وسلم وعاءين . أما أحد الوعاءين فبثه في الناس وهم يحتاجون إليه من أمور الدين وأما الوعاء الثاني الذي لا يحتاجون إليه فكتمه لئلا لو بثه في الناس لقطع من هذا البلعوم يعني لقتل لأنه فيه ذكر أشخاص من مثل هؤلاء الأغيلمة الذين يكون على أيديهم هلاك الأمة ودمارها ولا مصلحة من التصريح بأسمائهم .
وكان أبو هريرة رضي الله عنه يتعوذ بالله من الستين ومن إمارة الصبيان يقول اللهم أني أعوذ بك من رأس الستين وإمارة الصبيان .
رأس الستين : توفي معاوية رضي الله عنه وتولى بعده ابنه يزيد فأجاب الله دعوة أبي هريرة فقبضه قبل ذلك بسنة توفي سنة 59 أو 58 على خلاف في ذلك . المقصود أن الله أجاب دعاءه فقبضه قبل أن يعامل ويعاشر مثل هؤلاء .(1/22)
( فكنت ) : أي عمرو بن يحيى بن سعيد يقول فكنت أخرج مع جدي ( سعيد بن عمرو ) إلى بني مروان حين ملكوا بالشام ( ولوا الخلافة بالشام ) وفي رواية ملكوا فإذا رآهم غلمانا أحداثا : شبان قال لنا عسى هؤلاء أن يكونوا منهم : يقول لحفيده : عسى هؤلاء أن يكونوا ممن ذكر أبي هريرة في الحديث قلنا أنت أعلم أي أنت أعرف لأنت الذي سمعت أبا هريرة وأنت عاصرت هؤلاء وعرفتهم من قيل أن يتولوا وبعدما تولوا : أعلم : أدري . نعم
قال المصنف : باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ( ويل للعرب من شر قد اقترب ) حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا ابن عيينه أنه سمع الزهري عن عروة عن زينب بنت أم سلمة عم أم حبيبة عم زينب بنت جحش رضي الله عنهن أنها قالت : استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من النوم محمرا وجهه وهو يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه . وعقد سفيان تسعين أو مائة . قيل أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث .
وحدثنا أبو نعيم حدثنا ابن عيينه عن الزهري وحدثني محمود : أخبرنا عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن أسامة ابن زيد رضي الله عنهما قال أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطم من آطام المدينة فقال هل ترون ما أرى قالوا لا قال فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع القطر .
قال الشيخ : هذا الحديث مخرج في صحيح في مواضع وهو أطول ما في الصحيح إسنادا يعني أنزل ما في البخاري إسناد هذا الحديث رواه في بعض المواضع تساعي . هنا رواه سباعي لكن في موضع آخر رواه بسند تساعي وهو أنزل ما في الصحيح . وأعلى ما في الصحيح كما هو معروف الثلاثيات .
حدثنا مالك بن إسماعيل بن زياد قال حدثنا ابن عيينه يعني سفيان .
الزهري : محمد بن مسلم بن شهاب الإمام المعروف .
عروة : أي ابن الزبير .
زينب بنت جحش : أم المؤمنين رضي الله عنهن ثلاث صحابيات .(1/23)
استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من النوم محمرا وجهه : في بعض الروايات في آخر الفتن من هذا الكتاب دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فزعا . وهناك تقول استيقظ .
دخل عليها بعد أن استيقظ من نومه فزعا ثم دخل عليها فزعا ولا يمنع أن يجتمع هذا كله . محمرا وجهه .
يقول : لا إله إلا الله : محمرا : حال كونه محمرا وجهه : فاعل
يقول لا إله إلا الله : كلمة التوحيد ينبغي أن تقال في كل حال وعلى كل حال وفي كل ظرف في كل مناسبة لا إله إلا الله . وأفضل ما قلت أنا والنبيين من قبلي لا إله إلا الله .
ويل للعرب : كلمة تقال عند حصول هلكة أو عند توقعها . وهي في الأصل كلمة عذاب أو واد في جهنم كما يقول بعض أهل العلم .
ويل للعرب من شر قد اقترب : وتخصيص العرب لأنهم في ذلك الوقت ما دخل غيرهم في الدين أحد وفي حكمهم ويل له من يوافقهم على الدين .
فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج : كيف يقول اقترب وقد مضى الآن أكثر من 14 قرن ولم يحصل . إذا لاحظنا أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول بعثت أنا والساعة كهاتين فزمنه صلى الله عليه وسلم قريب من الساعة باعتبار أن ليس بينه وبين الساعة أحد من الأنبياء فهو أقرب الأنبياء إلى قيام الساعة ولذا قال ويل للعرب من شر قد اقترب .
فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج : سد يأجوج ومأجوج الذي بناه ذو القرنين مثل هذه وعقد سفيان تسعين .
التسعين : يأتي إلى السبابة اليمنى ويجعل طرفها في أصلها .
شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري
للشيخ الدكتور : عبد الكريم الخضير(1/24)
قال الشيخ : فهو أقرب الأنبياء إلى قيام الساعة ولذا قال ( ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج سد يأجوج ومأجوج الذي بناه ذو القرنين مثل هذه عقد سبيان تسعين ) التسعين يأتي إلى السبابة اليمنى ويجعل طرفها في أصلها طرف السبابة اليمنى في أصلها في أصل السبابة ويضمها ضم محكم بحيث انطوت عقدتاها حتى صارت كالحية المطوية هذه تسعين . العرب أمة أمية لا يقرءون ولا يحسبون إنما يتعاملون بالإشارات ولهم طريقة في الحساب يبدءون بأصابع اليد اليمنى في العشرات والمئات باليد اليسرى بأصابع اليد اليسرى . عقد تسعين أو مائة , المائة كالتسعين , إلا أنها بالخنصر اليسرى وعلى هذا فالتسعون والمائة متقاربتان يطوي طرف أو يجعل طرف خنصر اليسرى في أصلها ويطويها طي محكم حتى تكون شبه حية ولذا شك الراوي هل قال تسعين أو قال مائة قيل لتقاربهما في الصورة قال عقد سفيان تسعين أو مائة قيل للنبي عليه الصلاة والسلام " أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث " إذا كثر الخبث صار موجد من الفجور , الخبث بجميع أنواعه العلمي والفكري "(1/25)
الخبث المتعلق بالشهوات والخبث المتعلق بالشبهات , إذا كثر هذا ووجد وعجز الناس عن إنكاره ومقاومته هلكوا وفيهم الصالحون . وهذا الذي يخشى منه . هذا المخيف وإلا فالأمة تعيش صحوة ورجعة أفضل من سنين كثيرة مضت , يوجد ولله الحمد من العلماء , ما يوجد منهم جمع الله لهم من العلم والعمل يوجد من طلاب العلم ممن رجعوا إلى تحصيل العلم على الجواد المعروفة التبعة عند أهل العلم بعد تخبط طويل يوجد دعاة يوجد قضاة يوجد عباد زهاد , الأمة فيها خير في هذه البلاد ظاهر وفي غيرها إذا موجود " أنهلك وفينا الصالحون " الصالحون كثير لا يكون هناك مرتبطون بكثرة الخبث , الشيخ : بكثرة الخبث وظهور الخبث لا يحتاج إلى برهان , ثم بعد هذا قال " حدثنا أبو نعيم حدثنا ابن عيينه عن الزهري , أبو نعيم هو الفضل بن دكين هو معروف , وابن عيينه هو سفيان الزهري محمد بن مسلم بن شهاب , عن الزهري وحدثني محمود , في مثل هذا السياق الأصل أن يقال (ح) حاء وهي موجودة في بعض الروايات . حاء التجويد وحدثنا محمود بن غيلان قال أخبرنا عبد الرزاق بن همام قال أخبرنا معمر بن راشد عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال " أشرف النبي عليه الصلاة والسلام إطلع من علو عليه الصلاة والسلام على أطم ( وهو الحصن ) من آطام من حصون المدينة وفيها حصون كثير ة المدينة فقال هل ترون ما أرى , أشرف من علو عليه الصلاة والسلام وهو في هذا الأطم وهذا الحصن فقال هل ترون ما أرى قالوا لا الرسول عليه الصلاة والسلام يكشف له , رأى النار وهو يصلي صلاة الكسوف , كُشِفْ ولم يروا شيئا إنما رأوا تكعكع تأخر وهنا كشف له عن مواطن الفتن فقال هل ترون ما أرى قالوا لا قال فإني لا أرى الفتن يراها بصره عليه الصلاة والسلام حيث كُشِفَ له عن ذلك تقع خلال بيتكم يعني بين بيتكم كوقع القطر المراد به المطر , تنزل على بيوت الناس وتنزل بينها وفي خلالها هذه الفتن كما ينزل المطر فيعم ,(1/26)
فحصلت هذه الفتن بدء بمقتل الخليفة الراشد عمر وهو الباب الذي كسر ثم ما حصل من قتل عثمان رضي الله عنه ثم ما حصل بعد ذلك من جراءة الخلاف الحاصل بين الصحابة ثم تتابعت الفتن وتواردت على الأمة وهي في ازدياد والله المستعان .
السائل : ذكر عن بعض السلف أنهم إذا مر عليهم الوقت ولم يفتنوا نظروا في أنفسهم فكيف يمكن الجمع بين ذلك وعدم تمني الابتلاء .
الشيخ : والفتنة لا شك أنها مصيبة ومن تجاوزها فقد فاز , المصائب لا يتمناها الإنسان لكن إذا مضى عليه وقت ولم يصب بشيء لابد أن يفكر في نفسه لأن هذه المصائب وهذه الفتن وهذه المحن هي في الواقع والحقيقة منح من الله عز وجل يرتب عليها الأجور ويرتب عليها رفع الدرجات إذا تجاوزها الإنسان فالإنسان الذي لا يصاب في مرض ينكث خمس سنوات عشر سنوات يصب بمرض نعم عليه أن يحمد الله عز وجل ولا يتمنى أن يمرض لكن يفكر في نفسه المؤمن كخامة الزرع عرضه لهذه الأمراض بينما الكافر بالعكس يستوفي كل ما يستحقه في هذه الدنيا ويوفر له العذاب يوم القيامة بينما المؤمن ترد عليه هذه الفتن ترد عليه هذه المصائب تكفر ذنوبه تمحصه ترفع درجاته فهي من نوع المصائب فإذا لم يحصل للإنسان شيء طول عمره لابد أن يفكر لماذا الناس يصابون الناس يبتلون الناس يحصل لهم من الأجور ورفع الدرجات بسبب وأنا لماذا أنا لماذا صرت مشبه للكفار الذين لا يصابون فلا شك أن مثل هذا لابد أن يجتثي لابد أن يوجد تساؤل .
السائل : ورد في الأسئلة أو في الأحاديث لأن النبي صلى الله عليه وسلم يرد بعض الصحابة وبهذه الأحاديث يأخذ منها الرافضة أن الصحابة رضي الله عنهم ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم فما توجيهكم هل هم من الصحابة أي من المنافقين أم من الذين بعد عهد الصحابة رضي الله تعالى عنهم .(1/27)
الشيخ : الردة بعد وفاته عليه الصلاة والسلام حصلت ولا أحد ينكرها ورجع إلى الدين كثير ممن ارتد وبقى من مات علة ردته وبعضهم قتل وهو مرتد ثم أهو منهم فهو من أصحابه وإن كان هذا النوع وجد فيمن لم يخالط الإيمان بشاشة قلبه وإن دخل في أصل الإسلام دخل في الإسلام من الأعراب والبوادي الذين لو تخالط بشاشة الإيمان قلوبهم .
الشيخ : لكن يبقى كبار الصحابة علماء الصحابة فقهاء الصحابة ارتد منهم أحد أبدا لا يمنع أن يوجد من ارتد من الصحابة لعدم مخالطة الإيمان لقلبه مخالطة تامة لعدم تمكن الإيمان من قلبه . وجد من الأعراب من يعطي من المال يعطي من الزكاة وهو لا يستحق لماذا ؟ لكي يتقوى إيمانه والنبي عليه الصلاة والسلام يعطي الرجل ويترك من هو أفضل منه خشية أن يكبه الله في النار لأن مثل هؤلاء الأعراب الذين ما تمكن الإيمان من قلوبهم مثل هؤلاء عرضة لمن يرتدوا وقد ارتد منهم من ارتد ولا يعني هذا أن من كبار الصحابة من ارتد من علماء الصحابة من ارتد من فقهاء الصحابة من ارتد أبدا لا يوجد منهم أحد . المنافقون في الأصل ما دخل الإيمان في قلوبهم هم في الباطن كفار فلا يسبون من هؤلاء من ارتد من دخل في الإسلام ثم وجد فرصة هذا الخلل الذي حصل بوفاته عليه الصلاة والسلام أو حصل له شبهة جعلته يرتد لأن الرسول من قبل الله عز جل ينبغي ألا يموت جهل وارتدوا بسبب ذلك وأما الكبار الفقهاء العلماء أجلاء الصحابة ما يعرف منهم أحد نعم .(1/28)
السائل : عف الله عنكم السؤال الأخير يقول : من البلايا التي ابتليت بها الأمة الإسلامية في هذه الأيام والتي يواجه بها أهل الغيرة شدة من الإنكار هي وجود فتاوى من بعض ممن ينتسب للعلم مع أنها خطأ خطأ فيقع كثير من الناس في المنكرات كالإفتاء بجواز القنوات الفضائية والنظر إليها وغيرها من الفتن مع أنه يوجد في هذه القنوات الفضائية من يتكلم على مثل هذه الأحداث ومثل هذه الفتن فيضل ويضل الناس فما توجيهكم على هذا وفقكم الله .(1/29)
الشيخ : وجود هذا النوع ممن يفتي بغير علم مما أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال وإنما يقبض العلم بقبض العلماء فإذا قبض العلماء إتخذ الناس رؤوس جهال سؤلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا لا بد من وجود مثل هؤلاء قضاة ولا يعني أنهم شرعاً يمكنون لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر عنهم لا نعم هم قدراً قضاءاً موجودين مصدقاً لحديثه عليه الصلاة والسلام لكن لا يعني أنهم لا بد أن يوجدون شرعاً فيمتثل ولاة أمر المسلمين أن يعين من أمثال هؤلاء لتطبيق هذا الخبر لا يمكن لأن ما جاء الخبر عنه مما سيقع في آخر الزمان ليس مطلوب إجادة ولا تحقيقه إنما هو موجود لعلامة قرب الساعة وجود مثل هؤلاء لا شك أنه موجود منذ أزمان ولكن على طالب العالم الذي يريد الفائدة وعلى العامي أيضاً أن ينظر من يقتدى به وينظر من يقلد وينظر من يعتمد فتواه وليس فيه فتاوى مفتى متبع ما لم يضف للعلم والدين الورع إذا وجد الورع والتحري والتثبت إلزم هذا الذي أراد الله به خيراً اما شخص يفتى في كل مسألة يقتحم كل غمرة ولا يتردد في شيء ولا يتورع عن شيء مثل هذا تصرفات توجد منه ريبه ولو كان عنده شيء من العلم ما لم يتصف بهذا الوصف الذي لا بد من تحقيقه لمن يقع عن الله عز وجل في فتواه , المفتى في الحقيقة يقع عن الله عز وجل فإذا لم يتصف بهذا الوصف الذي هو الورع الذي يجعله يحطاط ويتحرى ولا يفتى فيما لا يعلم , والملاحظ كثير ممن يتصدى لهذه الأمور لا يعرف عنه أنه قال الله أعلم أو لا أدري مثل هذا تصاب مقاتل مثل هذا يقع في الخطأ بل يكثر من الخطأ ولا يعان ولا يسدد ولا يوفق , النبي عليه الصلاة والسلام لما تكلم عن الخير وأنها لثلاثة لرجل أُجر والآخر أُوزر والثالث ستر بعدها فصل ثم سُئل عن الخير ما أنزل علىَّ فيها شيء .(1/30)
الشيخ : الرسول عليه الصلاة والسلام المعصوم إلا هذه الآية الجامعة ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) (الزلزلة7 :8) , تربية لمن يتولى إفتاء الناس فإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقف ما أنزل على فيها من شيء , يعني بالتفصيل ما أعرف شيء لكن دخولها في عموم هذه الآية تدخل وتجد كثير من أنصاف المتعلمين يتولى يصدر الناس في المسائل الكبرى في الأمور التي يترتب عليها تغير مسارات مسار الأمة قد نجد بعد الناس يتصدى بكلام أشبه بالتحليلات الصحفية يتوقع أن يكون كذا واجتمع عن القرائن كذا ويأخذ فمثل هؤلاء عليهم أن يتقو الله عز وجل , وأجرأ الناس على الفتوى أجرئهم على النار ويغشى أن يدخلوا في من في إعداد من يكذب على الله عز وجل ( وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ )(النحل: الآية116) كذب بل من أظهر وجوه الكذب على الله عز وجل الفُتيا بغير علم لأنك تقول حكم الله في هذه المسألة كذا وتكذب عليه ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ)(الزمر: الآية60) فعلينا أن نحذر من مثل هؤلاء ونتقيهم , ونقل عنهم أمور تسامحوا فيها وتساهلوا وقلدهم الناس ووقعوا فيما وقعوا فيه بسبب مثل هؤلاء والله المستعان ولا يعني شخص بعينه لكن الكلام عام ولا نقصد شخص بعينه لكن يوجد من أمثال هؤلاء والله المستعان .(1/31)
قال المصنف : الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين . قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى باب دخول الفتن حدثنا عياش بن الوليد قال أخبرنا عبد الأعلى قال حدثنا معمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( يتقارب الزمان وينقص العمل ويلقى الشح وتظهر الفتن ويكثر الهرج . قالوا يا رسول الله أيما هو قال القتل القتل ) وقال شعيب ويونس والليث وابن أخي الزهري عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا عبيد الله بن موسى عن العمشى عن شفيق قال كنت مع عبد الله وأبي موسى رضي الله عنهما فقالا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما بين يدي الساعة لأيام ينزل فيها الجهل ويرفع فيها العلم ويكثر فيها الهرج , والهرج القتل ) حدثنا عمر بن حفص قال حدثنا أبي قال حدثنا الأعمش قال حدثنا شفيق قال جلس عبد الله وأبي موسى وتحدثا فقال أبي موسى قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن بين يدي الساعة أيام يرفع فيها العلم وينزل فيها الجهل ويكثر فيها الهرج , والهرج القتل ) حدثنا كتيبن قال حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي وائل قال إني لجالس مع عبد الله وأبي موسى رضي الله عنهما قال أبي موسى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم . مثله والهرج بلسان الحبشة القتل , حدثنا محمد قال حدثنا منذر قال حدثنا شعبة عن واصل عن أبي وائل عن عبد الله وأحسبه رفعه قال بين يدي الساعة أيام الهرج يزول العلم ويظهر فيها الجهل قال أبي موسى والهرج القتل بلسان الحبشة . وقال أبي عوانة عن واصل عن أبي وائل عن الأشعري أنه قال لعبد الله تعلم الأيام التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أيام الهرج نحوه , قال ابن مسعود سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء .(1/32)
الشيخ ( الشرح ) : الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . يقول الإمام البخاري رحمه الله تعالى بعد ظهور الفتن والمراد بظهورها كثرتها وإلا وجودها فمتقدم منذ أن قتل الخليفة الراشد بل كسر الباب بقتل عمر رضي الله عنه يعني أصل الوجود متقدم وجود الفتن لكن المراد بظهورها أي كثرتها يعني كثرة الفتن نسأل الله السلامة والعافية . من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن , يقول الإمام رحمه الله تعالى حدثنا العياش بن الوليد البصري قال حدثنا عبد الأعلى يعني ابن عبد الأعلى السامي قال حدثنا معمر بن راشد عن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( يتقارب الزمان ) يختلف أهل العلم في المراد بتقارب الزمان فمنهم من يقول باعتدال الليل والنهار يتساوى الليل والنهار في آخر الزمان لكن هذا فيه بعد , ومنهم من يقول يتقارب يعني يدنوا قرب قيام الساعة يعرى الكلام عن الفائدة , منهم من يقول تكثر الليالي والأيام قصور هذا قول لكنه أيضا ضعيف لأن اليوم والليلة منذ أن خلق الله السماوات والأرض منذ أن فصل بين الليل والنهار ووقتهما وزمانهما واحد المجموع أربع وعشرون ساعة , منهم من يقال المراد بتقارب الزمان تسارع انقراض الدول تنقرض دولة ويأتي بعدها أخرى وتنقرض الثانية والثالثة وهكذا . انظر لكثرة الفتن وهذا يتمثل في الانقلابات الحاصلة في كثير من الدول ولكن أيضا هذا القول ضعيف لأنه لا يعني أن جيل ينتهي ويأتي جيل أخر أو أمة تذهب ويخلفها غيرها أن هذا من تقارب الزمان , منهم من يقول المراد قصر الأعمار لكن أعمار هذه الأمة منذ بعثة نبيها عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة متقاربة ما تركوا المنايا بين الستين والسبعين , قليل من يجاوز ذلك .(1/33)
الشيخ ( الشرح ) : ولا يوجد فرد بين عصره عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا نعم في الأمم المتقدمة القديمة جدا فيها طول في أعمارها ولذا عوضت هذه الأمة عن طول الأعمار بليلة القدر . روى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا من حديث أنس قال لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر ويكون الشهر كالجمعة وتكون الجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كإغرام النار أو إحراق سعفه وهذا أولى أن يفسر به حديث الباب لأنه مرفوع وإن كان فيه ضعف لأن من رواية عبد الله بن عمر العمري وهي ضعيفة عند أهل العلم في حفظه ضعف لكن هذا أولى أن يفسر به هذا الخبر , يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر ويكون الشهر كالجمعة يعني الأسبوع كامل كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كإحراق سعفه أو إغرام النار إيقادها ,
ما المراد بذلك ؟ محق البركة من الأوقات , محق البركات من الأوقات وإلا فالسنة اثنا عشر شهرا ما زالت ولن تزال كذلك والشهر تسع وعشرون يوما وقد يكون بعضها إلى الثلاثين والجمعة التي هي عبارة عن أسبوع سبعة أيام والأيام معروفة لا تتغير لكن تقارب الزمان معنوي وليس بحقيقي فتكون الفائدة التي يجنيها المسلم خلال سنة تعادل ما يجنيه المسلم قبل هذا الوقت الذي هو آخر الزمان في شهر وما يكتسبه المسلم خلال شهر يعادل ما يعمله المسلم قبل ذلك الوقت في أسبوع وهكذا . وهذا أقرب ما يفسر به الحديث وهذا هو الواقع يعني لو نظرنا بعين البصيرة إلى تلاحق الأيام وجدنا أن اليوم يمر بدون فائدة بالنسبة لكثير من الناس والحكم الغالب تجد الساعة لمحة بصر , تجد اليوم ينتهي بمشوار , تجد الليلة تنتهي بجلسة , قيل وقال ثم خلاص كيف مشت الليلة وهكذا , لكن هذا بالنسبة للغالب , أما ممن من الله عليهم وهم الأقلون , الزمان هو الزمان الذي يقرأ من القرآن في عهد الصحابة في الوقت يقرأه بعض الناس اليوم بنفس الوقت .(1/34)
الشيخ ( الشرح ) : الذي يقرأ وما يذكر عن بعض أهل العلم من قراءة في كتب العلم في الصدر الأول يقرأ الآن عند بعض الناس ممن بورك له في الوقت لكن غالب الناس تضيع أيامه سدى , اليوم نبدأ لا غدا لا عندنا اليوم غدا من رأس الشهر من رأس الأسبوع وتنتهي الأيام هذا حال كثير من الناس لاسيما من ابتلي بالسهر مثلا ثم في وقت البكور ينام لا يستفيد من أول النهار ثم يداوم إلى قرب العصر ثم يحتاج إلى راحة بعد العصر والمغرب هذا سؤال وهذا تليفون وينتهي والعشاء مواعد الشلة ويطلع يمين ويسار ويسهر وهكذا تنقضي الأعمار دون جدوى عند كثير من المسلمين . هذا صورة بل من أوضح الصور لمحق الأعمار وهذا في المسلم الذي يقضي أوقاته في المباح فكيف بمن يقضي أوقاته في المحرمات نسأل الله السلامة والعافية , لكن لو أراد المسلم أن يطبق العمل الذي شرحه ابن القيم رحمه الله تعالى في طريق الهجرتين للمقربين جدول يمشون عليه منذ استيقاظهم من النوم إلى أن يأتيهم النوم الثاني جدول يمشون عليه وهو في مقدور كل أحد ما فيه صعوبة ولكن يحتاج إلى توفيق , يحتاج إلى توفيق أمر في غاية اليسر والسهولة ولكن من يوفق لمثل هذا العمل . وابن القيم رحمه الله تعالى يشرح هذا العمل والمضمون به أن يطبق ومع ذلك يقول والله ما شممنا لهم راحة هذا متواضع رحمه الله تعالى . ولا يرد أن يبدي من عمله شيء وهو معروف بالعمل المتعدي واللازم , شباب الأمة تجدهم أكثر أوقاتهم في السيارات والاستراحات والقيل والقال ما تجد هناك إنتاج وعمل ينفع الشخص وينفع أمته إلا القليل النادر . الخير موجود في أمة محمد صلى الله عليه وسلم لكن أكثر الأمة على هذا مع الأسف الشديد فضل عن عوام الناس فضل عن الفساق الذين يقضون أوقاتهم في ما يضرهم ويضر غيرهم والله المستعان . البركة في العمر نزعها من تقارب الزمان ووجودها من زيادة العمر يعني كما قيل في قوله عليه الصلاة والسلام " من سره أن يبسط له في(1/35)
رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه " .
الشيخ ( الشرح ) : ينسأ له في أجله تجد زيد من الناس واصل بار واصل ويموت عن ثلاثين , خمس وثلاثين حادث قد يقول قائل أين مصداق هذا الحديث ما بسط ما نسأله في أجله عجل عليه وهو بار نقول نعم عمل في هذه الثلاثين سنة ما يعمله غيره في ستين سنة أو سبعين سنة وفق لأعمال تضاعف له الحسنات بحيث يساوي من عمر مائة سنة على الخلاف من أهل العلم هل الزيادة حقيقية يعني يزاد في سنينه أو هي معنوية بأن يبارك له فيما يعيشه من عمر فينتج من الأعمال الصالحة ويدخر من الحسنات من يجنيه بعض الناس في أضعاف ما عاشه , النووي رحمه الله مات عن خمسة وأربعين عام , خمس وأربعين سنة عمره يعني في مساجد الدنيا كلها يقال قال رحمه الله ألف كتب البركة ظاهرة من عمره البركة ظاهرة , ألف رياض الصالحين , ألف الأذكار , كل مسلم بحاجة إلى هذين الكتابين , ألف شرح مسلم , ألف شرح المهذب الذي لا نظير له في كتب الفقه لا سيما القسم الذي تولى شرحه الكتاب ما هو كامل يعني لو كلن كامل أعجوبة , قد يقال قال هذه أمور ليست بأيدينا , البركة من الله عز وجل يا أخي ابذل السبب وتجد البركة , اجلس وقل شغل , تصوروا أم يوجد بيننا الآن من يقرأ في اليوم خمسة عشر ساعة , تصوروا أن يوجد من يختم كل ثلاث ويداوم الدوام الرسمي ويصل رحمه ويزور المقابر ويزور المرضى ويزاول الأعمال طبيعي جدا ويختم كل ثلاث والإنسان إذا قيل له ما تقرأ قرآن ما تفعل كذا يقول مشغول مين بيشتغل مين بيقرأ , مشاغل الآن الحياة يا أخي ما هي مشاغل الحياة , الحياة ممر وليست مقر الحياة مزرعة ازرع يا أخي والله المستعان .(1/36)
الشيخ ( الشرح ) : قوله ( يتقارب الزمان وينقص العمل ) ( ينقص العمل ) نسمع في سير الصالحين من الأعمال ما هو كثير من الناس أساطيل , أساطيل بل سر من بعض هذه خرافات أي ما جرب المسكين لكن لو جرب وجاهد ثم تلذذ فيما بعد وجد أن الأمر حقيقي . نقرأ في سيرة بن المبارك الذي ضرب من كل سهم من سهام الإسلام بنصيب وافر ثم يقال هذا العمل لا يطاق ورأينا من شيوخنا من قرب من عمل ابن المبارك صارت حياته كلها لله فالخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم لكن على الإنسان أن يبذل السبب ويصدق مع الله عز وجل وعينه الله سبحانه وتعالى أن تكون حياته كلها لله " قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " (الأنعام:162)
تنقلب عادات وعبادات إذا صدق مع الله عز وجل وبذل السبب وليس معنى هذه أن الإنسان ينسى نصيبه من الدنيا لا ينسى نصيبه من الدنيا ولا يكن عالة يتكفف الناس لا الإسلام دين التوازن أوجدك في هذه الدنيا لتزرع للآخرة فما يعين على هذه الزراعة , من الزراعة كسب المال من وجهين وإنفاقه في وجهين من خير ما يكسب الإنسان فيه جهده لكن واقع كثير من الناس العكس يوصي ألا ينسى نصيبه من الآخرة كثير من الناس على هذه الحالة تجده ما صرف من وقته إلى وقت الفريضة وهو يأتيها على وجه الله أعلم أين قلبه بينما الأصل الآخرة ولا يقل قائل أن ديننا عبادة دون عمل لا عبادة وعمل دين ودنيا والدنيا تكون من أمور الآخرة إذا استغلت فيما يرضي الله عز وجل .(1/37)
( ينقص العمل ) ولا يحتاج أن نضرب شواهد نظرية على نقص العمل تجد من ينتسب إلى العلم مع الأسف بل ممن يعلم الناس أو يدعو الناس أو يحكم بين الناس تجده كثير ما يقضون الصلاة بينما المنتظر من مثل هؤلاء أن يكونوا قدوة أسوة للناس . العلم موجود كثير لكن أين العلم النافع , ينقص العمل فإذا رتل للصف الثاني و الثالث الناس الذين فاتهم بعض الصلاة تجد مع الأسف الشديد منهم من ينتسب إلى العلم .
الشيخ ( الشرح ) : وهذا مصداق قوله ( ينقص العمل ) تجد الإنسان ممن ينتسب إلى طلب العلم ويسهر الليل ويأتي وقت النزول الإلهي ثم يصعب عليه أن يؤدي الوتر يصعب عليه ما يعاني وإن كان يتمنى ذلك ويحرص عليه ويعرف جميع ما ورد فيه من نصوص لكن لا يعان على ذلك والله المستعان . قوله ( ويلقى الشح ) والشح أشد من البخل , البخل مع الحرص ويلقى الشح وعلى كافة المستويات تجد التاجر يبخل بما في يده جاء وطلب منه الإنفاق اعتذر بل تشبع يقول فعلنا وفعلنا وتركنا وأنتم لا تدرون على شيء يقولون هذا وما طلع شيء ويبتلى بوجوه من وجوه الإنفاق لا تنفعه في دينه ولا في دنياه يسلط عليه أمور تقضي على أمواله من غير فائدة بينما لو أنفقها في سبيل الله وفي ما يرضي الله عز وجل زادت بإذن الله أيضا الشح عند بعض أهل العلم فتجده يبخل لا يعلم الناس ولا يعظ الناس ويرشدهم فلا يستفيد منه متعلم ولا يستفيد منه عامي وإذا سئل عما سئل قال الحمد لله دار الإفتاء أبوابها مفتوحة وجد من يقول هذا الكلام لكن أين العهد والميثاق الذي يأخذ عليك هذا أيضا مظهر من مظاهر الشح , يلقى الشح وهذا أشد من الشح بالمال نعم الزكاة ركن من أركان الإسلام لكن قد يوجد للإنسان إذا بخل بالمال الذي تعب عليه وأيضا ما عنده من العلم ما يجعله يقدم وينفق بسخاء لا يلام مثل ما يلام العالم الذي أعطاه الله من العلم ما يستطيع به أن ينفع الناس هذا مظهر من مظاهر الشح والأمثلة على ذلك كثيرة تجد الصانع(1/38)
يبخل بصناعته يحتكر يأخذ ما يسمونه براعة الاختراع ولا يطلع الناس على كيفية هذه الصناعة يبخل بها ويشح بها على الناس , يلقى الشح وتظهر الفتن , تكثر وهذا هو الشاهد من الباب ويكثر الهرج ويكثر الهرج قالوا يا رسول الله أيما لأن الهرج في الأصل الاختلاط مع الاختلاف هذا هو الأصل فيه فأي نوع من أنواع الهرج فأجاب عليه الصلاة والسلام مفسرا أن الهرج بالقتل قال القتل هذا هو الهرج . وإذا كثر الهرج ماذا نصنع الخبر لابد من وقوعه لكنه لا يقال لابد من إيقاعه يعني مسألة كونية لابد من أن يقع لكن شرعا لا .(1/39)
الشيخ ( الشرح ) : هل المسلم من يسعى لإيقاع ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان لا يجوز ذلك لكنه لابد من وقوعه كونا , ما الذي على المسلم إذا وجد مثل هذه العلامة من علامات قرب الساعة يلزم العبادة كما جاء في الحديث الصحيح العبادة في الهرج كهجرة إلى ليترك القيل والقال لأنه قد يكون له يد في مثل هذه الموبقة العظيمة التي هي القتل يترك القيل والقال ويقبل على العبادات الخاصة والنفع المتعدي بقدر المستطاع وقال شعيب وابن أبي حمزة ويونس بن زيد والليث بن سعد وابن أخي الزهري محمد بن عبد الله بن مسلم عن الزهري هؤلاء أربعة يروون عن الزهري عن حميد بينما معمر يروى عن الزهري عن سعيد هذه فائدة إسنادية يشيرون بمثل هذا إلى التعليل لكن الحديث في كتاب التزمت صحته واعتمد البخاري الرواية الأولى وساق بإسناده حدثنا معمر عم الزهري عن سعيد هنا قال وقال شعيب ويونس والليث وابن أخي الزهري عن حميد وكلاهما صحيح لاسيما إذا وقع هذا من مثل الزهري فالزهري مكثر من الرواية ومن الشيوخ ولا يعني أن هذا الاستمرار يحكم بالصحة للجميع, ولو كانوا ثقات لأن الأطباء أطباء الحديث أهل العلل يعلون بمثل هذا فالأكثر على أنه عن الزهري عن حميد ومعمر بن الزهري عن سعيد بن المسيب فلما ذكر الرواية الأولى معتمدا عليها مقررا بها وأردفها برواية أكثر لا يعني أنه يعل رواية الواحد برواية الجماعة مثل هذا مردها إلى القرائن والقرائن في مثل هذا السياق تدل على أن الكل صحيح لاسيما مثل الزهري وهو مكثر من الرواية مكثر من الشيوخ ثم قال بعد ذلك حدثنا عبيد الله بن موسى عن الأعمش سليمان بن مهران عن شقيق بن سلمة أبي وائل قال كنت مع عبد الله أي ابن مسعود وأبي موسى فقالا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن بين يدي الساعة ) يعني قبلها قريب منها لأياما ينزل فيها الجهل ويرفع فيها العلم .(1/40)
الشيخ ( الشرح ) : وجاء بيان ذلك في الحديث الصحيح " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال وإنما يقبضه بقبض العلماء فإذا لم يبقى عالما إتخذ الناس رؤوس الجهال . سئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا يكثر الجهل ويرفع العلم يرفع بقبض أهله سمعنا أنه ينتزع من صدور الرجال لا إنما يرفع بقبض أهله ويرفع العلم أي بموت العلماء ويكثر فيها الهرج والهرج القتل , والهرج القتل وفي الرواية الأولى سئل النبي عليه الصلاة والسلام أيما هو قال القتل القتل وهو مرفوع وهنا في الحديث يحتمل الرفع والوقف إنه من قول عبد الله بن مسعود أبي موسى وجاء مرفوع في حديث أبي هريرة ثم قال حدثنا عمر بن حفص قال حدثنا أبي حفص بن غياث حدثنا الأعمش سليمان بن مهران قال شقيق أبي وائل الذي سبق قال جلس عبد الله وأبي موسى فحدثنا فقال أبي موسى قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن بين يدي الساعة أياما يرفع فيها العلم وينزل فيها الجهل ويكثر فيها الهرج والهرج القتل وهذا كسابقه يحتمل الرفع والوقف وأن من قول أبي موسى الراوي فقال أبي موسى ثم قال حدثنا كتيبة كلها بمعان واحد حدثنا كتيبة يعني ابن سعيد قال حدثنا جرير يعني بن عبد الحميد عن الأعمش عن أبي وائل قال إني لجالس مع عبد الله وأبي موسى رضي الله عنهما فقال أبي موسى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم مثله والهرج بلسان الحبشة القتل كيف يكون بلسان الحبشة والنبي عليه الصلاة والسلام فسره بالقتل يمنع أن ينطق النبي عليه الصلاة والسلام باللغة الحبشية نعم يكون من لسان الحبشة القتل معناه الهرج يعني تعريبه القتل وهو بالحبشة الهرج يعني كما قيل في بعض الألفاظ في القرآن الكريم بغير العربية على خلاف بين أهل العلم في وجود مثل هذا هم أجمعوا لا يوجد تراكيب أعجمية بالقرآن هذا إجماع ويوجد أعلام أعجمية إجماع في القرآن أعلام وما عدا ذلك من الكلمات المفردة مختلف فيها .(1/41)
الشيخ ( الشرح ) : ومن أهل العلم من يرى أنه لا يمنع أن يوجد كلمات توافقت فيها اللغات , الرومية مع العربية , الفارسية مع العربية , الحبشية مع العربية وهكذا وهنا فسر النبي عليه الصلاة والسلام الهرج بالقتل وهنا يقول الهرج بلسان الحبشة القتل , قال القاضي عياض : وهذا وهم من بعض الرواة فإنها عربية صحيحة وكأنه استند إلى تفسير النبي عليه الصلاة والسلام لها بالقتل والنبي عليه الصلاة والسلام أفصح الخلق إذا تكون عربية على كل حال أصل الهرج في اللغة الاختلاط يقال هرج الناس اختلطوا واختلفوا , القاضي عياض يقول هذه وهم بل الكلمة عربية ولعله استند إلى تفسير النبي عليه الصلاة والسلام هذه الكلمة بالقتل والنبي عليه الصلاة والسلام عربي يستقيم كلامه ولا يستقيم , إذا قلنا أنه وقع في القرآن المنصوص على كونه بلسان عربي مبين أنه وجد في بعض الكلمات بغير العربية وما منع أن ينطق النبي عليه الصلاة والسلام بغير العربية في بعض الكلمات ووجد بالفعل , الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري يقول أخطأ من قال أن الهرج القتل بلسان عربية وهم من بعض الرواة , أخطأ من قال أن الهرج القتل بلسان الحبشة وهم من بعض الرواة يعني القاضي عياض , وجهة الخطأ أنها لا تستعمل في اللغة العربية بمعنى القتل إنما تستعمل بمعنى الاختلاط والاختلاف هذا أصلها في العربية ولا مانع من تعريبها ولكن يبقى أصلها حبشي نعم الاختلاط والاختلاف طريق و وسيلة إلى القتل فيمون هذا من باب إطلاق السبب على المسبب كثير ما يسمى الشيء باسم ما يؤله إليه واستعمالها في القتل بطريق الحقيقة إنما هو بلغة الحبشة فكيف يدعى على مثل أبي موسى إنه وهم في تفسير لفظة لغوية بل الصواب معه واستعمال العرب الهرج بمعنى القتل لا يمنع أن يكون بلغة حبشية بتعريبها وكون العرب يتداولون كلمة وفد إليهم من غيرهم لا يمنع منه مانع .(1/42)
الشيخ ( الشرح ) : ثم قال حدثنا محمد بن بشار حدثنا شعبة عن واصل بن حيان الأحدب عن أبي وائل وهو شقيق المذكور في الطرق السابقة عن عبد الله وأحسبه رفعه عبارة توحي بالتردد ولكن الروايات السابقة كلها بالجزم فلا أثر لمثل هذا التردد أحسبه رفعه قال بين يدي الساعة أيام الهرج يزول العلم ويظهر الجهل قال أبي موسى الهرج القتل بلسان الحبشة وقال أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكوري عن عاصم هو أبي النجود قال أبو عوانة هذا معلق عن عاصم عن أبي النجود القارئ المشهور وفيه كلام بالنسبة لحفظه لكن البخاري لم يعتمد عليه عن أبي وائل عن الأشعري أنه قال لعبد الله تعلم الأيام التي ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أيام هرج نحوه أي نحو ما تقدم قال ابن مسعود سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء " وعند مسلم " لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس " وفي الحديث لا تقام الساعة والأرض يقال فيها لا إله إلا الله ولولا في ذلك ما جاء من بقاء الطائفة المنصورة لأنه إذا جاء في الحديث الصحيح أنه تأتي ريح من جهة اليمن تقبض أرواح المؤمنين فالطائفة المنصورة تبقى إلى قبيل قيام الساعة حتى تأتي هذه الريح فتقبض أرواح المؤمنين ولا يبقى في الأرض بعد ذلك إلا شرار الناس " من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء " نعم التدرج في انقراض الخير سنة إلهية لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه كما في الباب اللاحق , من شرار الناس بيانيه لأن رواية مسلم لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس تقوم الساعة والأرض يقال فيها لا إله إلا الله فكله شر . باب لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه .(1/43)
قال المصنف : حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا سفيان عن الزبير بن عدي قال أتينا أنس بن مالك رضي الله عنه فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج فقال اصبروا فإنه ليأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم .
حدثنا أبو اليماني قال أخبرنا شعيب عن الزهري حدثنا إسماعيل قال حدثني أخي عن سليمان عم محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب عن هند بنت الحارث أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فزعا يقول سبحان الله ماذا أنزل الله من الخزائن وماذا أنزل من الفتن من يوقظ صواحب الحجرات يريد أزواجه كي يطلبن ربا كاسيه في الدنيا عاريه في الآخرة .
الشيخ ( الشرح ) : يقول رحمه الله : باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه وخير الناس قرني ثم الذين يلونه ثم الذين يلونه , فالخيرية على سبيل الترقي والشرية على سبيل التدلي , فكل زمان الذي قبله خير منه وكل زمان الذي بعده شر منه , في الجملة أي إذا استثنين جيل الصحابة فالأزمنة والقرون التي بعدهم يوجد في المتأخر وإن كان الأقل خير من بعض ما تقدم فالتفضيل إجمالي . يعني بمعنى من يوجد في القرن الخامس عشر أفضل مما وجد في القرن العاشر لكن الجيل كامل بالنظر إليه إجمالا لا يمكن أن يكون القرن أفضل من الذي قبله , يقول الإمام رحمه الله تعالى حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا سفيان الثوري عن الزبير بن عدي الهمداني قال أتيت أنس بن مالك فشكونا إليه نلقى من الحجاج في القرن الأول الصحابة متوافرون وشكوا من الحجاج ولقوا منه الظلم والذل حتى الصحابة ما سلموا من ظلمه رضوان الله عليهم ولا شك أن في هذا تسلية لمن يعيش في مثل هذه الأيام الصحابة ما سلموا من ظلم الحجاج وذله وإذلاله للصحابة .(1/44)
الشيخ ( الشرح ) : شكوا الظلم وما يلقونه من ظلم الحجاج فقال أنس رضي الله عنه اصبروا أي اصبروا عليه وعلى ظلمه فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه ولا شك أن في مثل هذا تسلية لماذا لأنك تنظر في مثل هذه الأمور لأن هذه المر لاشك أنه من أمور الدنيا وأمور الدنيا أنت بأمور بأن تنظر إلى ما هو دونك فإذا نظرت إلا أنه ضيق عليك في أمور الدنيا مثلا نقول الحمد لله نحن أفضل من البلد الفلاني نحن أفضل ممن يأتوا بعدنا نحن أفضل ممن بيجوا بعدنا لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه أما بالنسبة لأمور الدين لا شك أنه يوجد بها بعض التضييق في بعض العصور وفي بعض الأمصار لكن من نعم الله على خلقه أن أبواب الدين متنوعة فأنت منعت وضيق عليك منها هذا الباب من أبواب الدين فتح لك أبواب وأفاق تلج من أوسعها ولله الحمد , هو الإشكال في أمور الدين التي يحصل فيها الضيق وما فيها بديل إذا حصل مثل هذا في أمور الدنيا فأنت تقول الحمد لله شوف البلدان الثانية يمين ويسار كلها أضيق وأنت مأمور في مثل هذه الحياة بأن تنظر فيمن هو دونك لكن في أمور الدين لا , لا بد أن تنظر فيمن هو أعلى منك لكي تعمل أما في أمور الدنيا تنظر فيمن هو دونك لكي لا تزدري نعمة الله عليك هذا في تسلية لك , في أمر الدين لا يجوز بحال من الأحوال أن تنظر إلى ما هو دونك بهذه الطريقة تنسلخ من الدين وأنت لا تشعر تنظر إلى من هو فوقك لا .
قوله ( لا يأتي زمان إلا الذي هو بعده شر منه حتى تلقوا ربكم ) يعنى حتى تموتوا ثم تبعثون , سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم وهذا مثل ما قلنا إجمالي لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه , قد يقول قائل كيف حديث مرفوع وصحيح وقاله النبي صلى الله عليه وسلم وخرج في أصح الكتب والآن في عصر الصحابة شكوا من الحجاج اختفوا عن الحجاج وهم صحابة أفضل الناس بعد الأنبياء , ثم بعد كم سنة ثلاثة عقود جاء عمر بن عبدالعزيز .(1/45)
الشيخ ( الشرح ) : هل نقول أن العصر الذي عاش فيه الحجاج أفضل من العصر الذي عاش فيه عمر بن عبدالعزيز انتشر العدل وعم الأمن وفاض الخير هل نقول أنه أفضل من العصر الذي فيه الحجاج أفضل من عصر عمر بن عبدالعزيز إن قلنا هذا لا بد أن نقول أن عصر الحجاج أفضل من عصر عمر بن عبدالعزيز وإلا خالفنا الحديث , عمر بن عبدالعزيز بعد الحجاج كيف نقول أن عصر عمر بن عبدالعزيز الذي عم فيه العدل والأمن والرخاء , وفي عهد الحجاج عم الظلم حتى الصحابة أصابهم ما أصاب من الذل والظلم من الحجاج وأعوان الحجاج ماذا نقول لا شك أن هذا استشكله البعض وأيضاً وجد في العصور المتأخرة في بعض الأقطار ما هو أفضل مما هو قبله في القطر نفسه ونعود لنقول أن هذا إجمالاً إذا نظر إلى الأمة بكاملها إذا نظرنا إلى الأمة في عصر الحجاج نعم في البلد الذي تسلط فيه الحجاج لا شك أن الظلم ظهر لكن في البلدان الأخرى والصحابة متوافرون عصر يعيش كثير من الصحابة فيه لا شك بأنه خير بكثير من العصر الذي يليه ولو كان الظاهر من الخير والظلم أو بعض الظلم ارتفع قد يكون في بعض الجهات في عصر الحجاج أفضل بكثير مما حصل في عهد عمر بن عبدالعزيز والعكس فالحديث صحيح لا إشكال فيه وأفعل التفضيل على سبيل الإجمال والله المستعان , ثم قال حدثا أبو اليماني الحكم ابن نافع قال أخبرنا شعيب وابن أبي حمزة عن الزهري والحاء هنا حاء التحويل من إسناد إلى آخر وحدثنا إسماعيل وابن أبي أويس ابن أخت مالك قال حدثني أخي أبو بكر عبدالحميد عن سليمان بن بلال عن محمد بن عبدالله بن أب عتيق عن ابن أبي شهاب عن هند بنت الحارث الفراسية قيل لها صحبه أن أم سلمه زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني من نومه ( ليلة فزعاً ) حال كونه فزعً خائفاً وجلاً يقول سبحان الله ماذا أنزل الله من الخزائن وماذا أنزل من الفتن , انزل خزائن وأنزل فتن أنزل خير وأنزل شر يعني(1/46)
مثل هذا الكلام ينبغي أن يستغل .
الشيخ ( الشرح ): يستغل الخير فيعمل به والشر يستعاذ منه ويتقي , هذه الخزائن والأيام والليالي خزائن ينبغي أن يودع فيها ما يسر في القيامة هذه خزائن ماذا أنزل من الخزائن , الخزائن ما يحفظ فيه الشيء , الخزانة هي التي يحفظ فيها المتاع , والليالي والأيام خزائن للأعمال وهي عمر الإنسان هي نفس الإنسان هي الإنسان فإذا سدى فمعناه أن الإنسان ضيع نفسه إذا لم يستغل هذه الخزائن إذا لم يملئ هذه الخزائن بما يسره يوم القيامة فهو مغبون نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ , إشمعنا مغبون يعني باعها برخص يعني لو شخص يطلع بسيارته إلى المعارض بدل من أن يبع بمائة ألف يبيع بألف أو ألفين هذا مغبون ولا لا مغبون ما في أحد يضحك عليه لكن أين هذا من الغبن الحقيقي حتى أنكر بعض أهل العلم أن يوجد في الدنيا غبن ما في شيء اسمه غبن في الدنيا لأن الله سبحانه وتعالى " ذلك يوم التغابن " بل هو يوم إذا جاء زيد من الناس بأعمال أمثال الجبال وجئت مفلساً " ذلك يوم التغابن " بل هو اليوم لكن الإنسان باع سلعته بربع القيمة أو عشر القيمة قامت الدنيا عليه والكل يلومه من كل وجه بل يحجز عليه ويلوكه الناس بألسنتهم لكن شخص يضيع أيامه سدى وتذهب الخزائن فارغة أو شبه فارغة هذا الغبن الحقيقي , قوله ماذا أنزل الله من الخزائن وماذا أنزل من الفتن , أنزل فتن ورأى النبي صلى الله عليه وسلم لما أطل على المدينة في الطم كما في الدرس السابق رأى مواقع الفتن خلال البيوت كمواقع القدر ماذا يريد النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الكلام يريد أن نستغل هذه الخزائن ويرد أن نتقي هذه الفتن قوله " من يوقظ صواحب الحجرات " المراد بذلك أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يوقظن لأي شيء للصلاة والوقوف بين يدي الله عز وجل في مثل هذا الوقت الذي استيقظ فيه النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه في وقت النزول الإلهي يوقظ صواحب الحجرات(1/47)
أقرب مذكور يعني هؤلاء النسوة الني بجوارنا ليودعن شيء في الخزائن ويعملن عمل يحفظهن من هذه الفتن .
الشيخ ( الشرح ) : لأن الأعمال الصالحة تقي الفتن ( من يوقظ صواحب الحجرات ) يريد أزواجه كي يصلين فيستفدن أو يضعن شيء في هذه الخزائن ويتقين الفتن بالعمل الصالح ويستعذن بالله منها ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم ربا كاسية في الدنيا عارية في الآخرة كم من إمرآة تنفق الأموال الطائلة في شراء الأموال الغالية لتكتسي بها وهي في حقيقة الأمر عارية وإن زعمت أنها مكتسية وإن زعم الناس أنها مكتسية فالشفاف وإن سماه الناس لباس فهو عاري , الضيق الذي يبين التفاصيل عاري وإن سماه الناس كاسي لا احتاج إلى أن نذكر أمثلة من ألبسة النساء الموجودة الآن التي تظهر فيها في أسواق المسلمين ومجامعهم فضلاً عن كونها بين النساء أو كونها في بيتها هذا أمر قد يكون أخف لكن لو نظرت في لباس النساء المسلمات في المجامع العامة في أقدس البقاع ماذا تجد ؟ تجد العباءات الشفافة الضيقة التي يرى ما تحتها تجد الثياب القصيرة تجد هذا العري " ربا كاسية الدنيا عارية في الآخرة " تزعم أنها مكتسية وهي في الحقيقة عارية وأهل العلم قالوا كلام كثير حول تفسير أو شرح هذا الكلام لأنهم لم يقفوا على ما وقفنا عليه من لباس النساء في هذه الأزمان إلا واضح جداً تفسير الحديث هذه الألبسة التي يزعم الناس أنهم يلبسونها أنهم عراة , منهم من يقول كاسية بالثياب عارية عن الثواب , ومنهم من قال كاسية من النعم عارية عن الشكر لكن العري وإن وجد اللباس المزعوم لأن العري موجود نسأل الله السلامة والعافية , تلبس العباءات الشفافة وتربطها بحبل ليبين مفاصلها , هذا إكتساء , هذا شكر للنعم ليقول قائل ما الفرق بين هذه العباءات والثوب الضيق ما يوجد فرق تلبس العباءة التي ترزت وزينت وقد نهيت عن إبداء زينتها هذا تصرف من يرجوا الله والدار الآخرة ؟ هذا تصرف من يترك أعماله يتجشم(1/48)
الكيلوات ومئات الكيلوات ويرجو ما عند الله في أقدس البقاع وفي أشرف الأزمان هؤلاء فاتنات مفتونات نسأل الله السلامة والعافية .
الشيخ ( الشرح ) : هؤلاء معرضات لعقوبة الله عز وجل وهم من ورائهن أولاء الأمور لا شك أنهن مباشرات لكن يشترك معهن من تسبب في ذلك الإثم والعقوبة ألا يخشى مثل هذا أن تسلب بعض النعم التي تتقلب فيها أو تبتلى بمرض تتمنى معه أن تعيش حياة أفقر الناس لكن بدون هذا المرض , والله سبحانه وتعالى يغار من ارتكاب المحارم , الله سبحانه وتعالى يملي للظالم ثم إذا أخذه لم يفلته فلا بد من رجعة نتقي بها هذه الفتن ونحن في زمن أحوج ما نكون فيه إلى الرجوع إلى الله عز وجل لنتقي شر هذه الفتن , لنتقي شر هذه المحن التي ظهرت علاماتها وأماراتها لكي يدفع الله عنا هذه الأمم التي تكالبت علينا من حدب ومن كل صنف ومن كل جهة .
هذا يقول ليس المراد بالخزائن ما فتح على المسلمين من الدنيا ففتنوا بها ووقعوا في الفتنة والقتل والتقاتل هذا قاله الشراح والمراد بذلك خزائن فارس والروم وغيرها , أنزلت الخزائن على كل حال الخزائن لا يحفظ فيها المتع هذا الأصل فأنزلت هذه الخزائن لتحفظ فيها متاعك للذي ينفعك في الآخرة ولا يمنع أن يكون الله سبحانه وتعالى أنزل وقدر وقسم وأنزل في تلك الليلة البشارة في فتح خزائن أو بالحصول والاستيلاء على خزائن كسرى والروم وغيرهم من خزائن , لكن هذه الخزائن إذا استعملت فيما يرضي الله عز وجل فهي نعم وإن استعملت فيما يصد عن الله وعن ذكره وشكره فهي محن .
قال المصنف : باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من حمل علينا السلاح فليس منا .(1/49)
حدثنا عبدالله ابن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من حمل علينا السلاح فليس منا " حدثنا محمد بن العلامي قال حدثنا أبو أسامة عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من حمل علينا السلاح فليس منا " .
قال المصنف : حدثنا محمد قال أخبرنا عبدالرازق عن معمر عن همام قا لسمعت أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة من النار " حدثنا علي ابن عبدالله عن ابن عبدالله قال حدثنا سفيان قال قلت لعمري يا أبا محمد سمعت جابر بن عبدالله يقول مر رجل بسهام في المسجد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك بنصالها قال نعم , حدثنا أبو النعمان قال حدثنا حماد بن زيد عن عمر ابن دينار عن جابر أن رجل مر بالمسجد بأسهم قد أبدى نصولها فأمر أن يأخذ نصولها لا يخدش مسلماً .
حدثنا محمد بن العلاء قال حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فاليمسك على نصالها أو قال فليقبض بكفيه أن يصيب أحد من المسلمين منها بشيء .(1/50)
الشيخ ( الشرح ) : يقول الإمام رحمه الله تعالى باب قول النبي صلى الله عليه وسلم " من حمل علينا السلاح فليس منا " إن كان حمله للسلاح مستحل قتل المسلمين فلا شك قوله ليس من على حقيقته يعني يكفر بذلك لأنه استحل أمر محرم معلوم تحريم بالضرورة من دين الإسلام إذا استحل ذلك فهو يكفر بذلك وأما من حمل السلاح يرد قتل المسلم مع علمه بتحريم واعتقاده بذلك فالمر خطير جداً وزوال الدنيا أهون عند الله من إراقه دم مسلم ولا يزال المسلم في فسحة من دينه حتى يصيب دم حرام وفي ذلكم الوعيد الشديد ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا)(النساء: من الآية93) حتى قال ابن العباس لا توبة له , فالأمر خطير جداً خطير فمن حمل علينا السلاح فليس منا وكلام أهل العلم في مثل هذا بحمله على الخروج على الإسلام والحكم عليه بالكفر المخرج عن الملة إن استحل ذلك إن استحل قتل المسلم المعصوم معصوم الدم لأن من استحل المحرم المعلوم تحريمه بالضرورة من دين الإسلام كفر , كما أن من حرم ما أحله الله المعلوم حله بالضرورة من دين الإسلام كفر نسأل الله العافية .(1/51)
الشيخ ( الشرح ) : وحين إذن يكون قوله فليس منا على حقيقة ليس من أهل ديننا أما إذا لم يستحل قتل المسلم بل أقدم على قتله معتقد تحريم القتل فإنه لا يكفر بذلك وإن تعمد قتله في قول جمهور العلماء لكنه على خطر عظيم فابن عباس يرى انه لا توبة له ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا)(النساء: من الآية93) نسأل الله العافية والحديث من نصوص الوعيد التي تمر كما جاءت لأنه أبلغ في الزجر عن جمع من أهل العلم يقول الإمام رحمه الله تعالى حدثنا عبدالله بن يوسف مر مراراً قال أخبرنا مالك الإمام عن نافع عن عبدالله بن عمر نافع مولى عبدالله ابن عمر عن عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول صلى الله عليه وسلم قال " من حمل علينا السلاح فليس منا " وحمل السلاح على المسلم كبيرة من كبائر الذنوب إجماعاً بالإجماع كبيرة من كبائر الذنوب , وعلى التفصيل الذي مضى لا يخلو إما أن يكون مستحلا لذلك أو يقتل المسلم مع إعتقاده التحريم فالأمر جد خطير , ولا يزال المسلم في فسحه من دينه حتى يصيب دماً حراما أن يضيق عليه الأمر أشد ضيق , ومن أعان على قتل مسلم بشطر كلمة فالأمر ليس بالسهل ليس بالهين أن يتقى هذا الباب لا سيما .
... ... ... ...
... ... ... ... شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري
للشيخ الدكتور عبدالكريم الخضير(1/52)
الشيخ ( الشرح ) : ومن أعان على قتل مسلم بشطر كلمة فالأمر ليس بالسهل ليس بالهين فعلى المسلم أن يتقي هذا الباب لاسيما في مثل هذه الظروف التي تكالبت فيها الأعداء على الأمة نحن بحاجة ماسة إلى إتحاد , نحن بحاجة إلى ائتلاف قلوب لنقف صف واحد ضد العدو المشترك الذي يريد النيل من ديننا قبل أموالنا ودمائنا , نعم يوجد مخالفات يوجد منكرات يوجد معاصي هذه تعالج لا يعالج المنكر بمنكر أعظم منه ولا يجوز إنكار المنكر بما يترتب عليه مفسدة أعظم منه باتفاق أهل العلم لكن إنكار المنكر واجب على كل مستطيع من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه , الدين ولله الحمد جعل لكل شخص ما يناسبه وما يستطيعه أنت في بيتك بإمكانك أن تغير بيدك بالنسبة لما في تحت يدك تستطيع أن تغير وفي غالب الأحوال تغير بلسانك إذا لم تستطع فأنت معذور تغير بقلبك تنكر المنكر لكن لا ترضى بإقرار المنكر وبوجوده ولا يوجد لأحد كائن ما كان أن يعتدي على مسلم بأى حجة كانت فإذا في حديث اللعان في حديث عويمر عجلاني سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد رجل عند امرأته أو على امرأته أيقتله فتقتلونه قال نعم لو وجده على امرأته لا يجوز له أن يقتله ولو كان محصنا مستحق للقتل لأن مثل هذا يفتح باب شر عظيم وهو في الأصل مستحق للقتل , إذا زنا والمحصن استحق الرجم لا يجوز لمن وجد عند امرأته رجل محصن أن يقتله بحال وإن قتله يقاربه أيقتله فتقتلونه لماذا حسم للشر وقطع لدابر الفوضى , إنسان ينضبط بضوابط الشرع نعم يوجد غيره يوجد معم ناس يغارون على محارمهم أتعجبون من غيرة سعد النبي صلى الله عليه وسلم أغير من سعد .(1/53)
الشيخ ( الشرح ) : لكن لابد أن تكون الغيرة مضبوطة بضوابط شرعية وإلا صارت المسألة فوضى . لابد أن تضبط هذه الغيرة بضوابط شرعية والتي يجد عنده نسأل الله السلامة والعافية عند امرأته رجل ولو وجده يفعل معها ما يفعل الرجل مع امرأته , هناك حلول شرعية , الطلاق بيد الرجل في حالة وجود حمل اللعان ويبرأ من الولد لكن لا يقتله فتقتلونه كل هذا من أجل قطع دابر الفوضى , الناس لا يصلح الناس فوضى بلا شك , يقول بعد ذلك حدثنا محمد بن العلاء أبو الكريب قال حدثنا أبو أسامة حماد بن أسامة عن بريد بن عبد الله عن جده أبي بردة عن أبي موسى عبد الله بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من حمل علينا السلاح معاشر المسلمين فليس منا ) لاشك أن في حمل السلاح إخافة للمسلمين وإدخال للرعب في قلوبهم ولاشك أن الأمن أهم من الطعام والشراب " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ "(البقرة: من الآية155) بعد الخوف . البلوى بالخوف أعظم من البلوى بالجوع وذكر بعض المفسرين أنه أراد أن يطبق ما جاء في هذه الآية فجاء بشاة صحيحة سليمة ووضع عندها الطعام وربط أمامها ذئب وقفل عليها مربوطة الذئب لا يستطيع الوصول إليها وهذه بجوارها العلف و الطعام وجاء بأخرى مريضة كسيرة وجعل عندها الطعام وقفل عليها الباب لما أصبح فتح الباب وجد الشاة التي عندها الذئب ما تحرك الطعام ما نقص والأخرى قد أكلت الطعام وهي مريضة كسيرة , بعد هذا يقول الإمام رحمه الله تعالى حدثنا محمد وهو بن يحيي الزهلى أو ابن رافع لكن الأكثر على أنه الزهلى والإمام البخاري رحمه الله تعالى يروي ولا يسميه يمكن أن يسميه باسمه الكامل الواضح الذي يعرف به لما عرف بينهم من خلاف مسألة اللفظ بالقرآن فالزهلى إمام حافظ متقن من أوعية العلم لا مندوحه ولا مفر عن الرواية عنه واختلافه مع البخاري في مسألة اللفظ خشي البخاري أن يصرح باسمه فيظن موافته له في هذه المسألة .(1/54)
الشيخ ( الشرح ) : فالإمام البخاري رحمه الله لورعه روي عنه ولخوفه من أن تظن به الموافقة له في الرأي أبهمه , قال حدثنا محمد قال حدثنا بن عبد الرازق الصنعاني المعروف عن معمر بن راشد عن همام بن منبه قال سمعت أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح ) لا يشير لا هذه نافية ولاَّ ناهية , نافية لماذا ؟ لأن لو كانت ناهية لا كان لا يشير وهي في بعض الروايات جاءت لا يشير بالجزم وعلى كلا سواء كانت ناهية أو نافية , النهي الصريح بلام الناهية والنفي يراد به النهي وحينئذ يكون أبلغ من النهي الصريح , لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع وفي رواية ينزغ . وإما ينزغنك من الشيطان نزغ , ينزع في يده أي تصرف الشيطان فيحرك اليد أو يدفع اليد فيقع في حفرة من النار يعني إذا قتل أخاه ولو لم يقصد قتله لكنه فعل ما نهي عنه من الإشارة والشيطان أيضا تدخل إما باليد أو في قلبه وألقى في روعه أو شغله بما يذهله فتصرف مثل هذا التصرف فقتل أخاه وحينئذ يقع في حفرة من النار وهو في الأصل لم يقصد القتل فكيف له قصد , يقول الإمام رحمه الله تعالى بعد ذلك حدثنا على بن عبد الله قال حدثنا سفيان بن عيينة قال قلت لعمري هو ابن دينار يا أبا محمد سمعت جابر بن عبد الله يقول مر رجل بسهام هذا الرجل ما سمي سترا عليه لا يعرف اسمه بسهام في المسجد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك بنصالها جمع نصل وهو الحديدة حديدة السهم المحددة التي تجرح من باشرها فمثل هذا إذا كان في مجامع الناس لابد أن يمسك بنصالها لئلا يؤذي أحد يجرح أحد أو يقتل أحد ولو لم يقصد أمسك بنصالها قال نعم , سمعت جابر ابن عبدالله مر رجل بسهام في المسجد وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك بنصالها هذا استفهام الآن هذا الحديث رواية بطريق أي طريق من طرق التحمل .(1/55)
الشيخ ( الشرح ) : قلت لعمري أبا محمد سمعت جابر بن عبدالله يقول مر رجل بسهام إلى آخره نعم , العرض على الشيخ , القراءة على الشيخ لكن هل يشترط في العرض أن يقول روي عنه نعم إذا قيل حدثنا فلان ابن فلان ابن فلان عن فلان قال عليه الصلاة والسلام كذا هل يلزم أن تقول نعم في طريق التحمل بالعرض القراءة على الشيخ يلزم أن يقول الشيخ نعم أو يسكت لأن في بداية السند ماذا يقول القارئ على الشيخ حدثك فلان عن فلان يعرض ما يرويه الشيخ على الشيخ وهو ما يريد روايته على الشيخ افترض أن الشيخ ما قال نعم , الجمهور على أنه لا يشترط أن يقول نعم بل مجرد سكوته إقرار لأنه لا يجوز له أن يسكت عن شيء لم يرويه إن سكت و هو لم يروي في الحقيقة دخل في حديث التشبع ولذا جمهور أهل العلم لا يرون افتراض قول الشيخ نعم وإن كان بوجوبه أهل الظاهر و لا شك أنه اكمل إذا قال نعم صرح اكمل كما هو لكن لو سكت خلاص سكوته إقراء ثم قال حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضل قال حدثنا حماد بن زيد يعني ابن درهم عن عمر بن دينار عن جابر أن رجل مر في المسجد النبوي بأسهم قد أبدى نصولها ( أطرافها ) هذه ظاهرة وبائنة للناس من مرت به وصار بجوارها أثرت عليه قد أبدى نصولها فأمر أن يؤخذ بقبض على نصولها بكفيه لئلا يخدش مسلما هذا أمر فلو خالف هذا الأمر أثم وإذا كان يأثم بالخدش فالقتل أعظم وكل هذا من الاحتياط لحقوق الناس وإذا شدد الإسلام في حقوق الناس المالية وشدد في أعراض المسلمين التي كما قال ابن دقيق العيد حفرة من حفر النار فما بالكم بدماء المسلمين يقول حدثنا محمد العلاء أبو الكريب حدثا أبو أسامة عن بريد بن عبدالله بن أبي بردة عن جده أبي برده عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا " و أو هذه ليست للشك إنما هي للتنويع والمقصود إذا مر من معه شيء يمكن أن يؤثر أو يؤذي أحد في مجامع الناس .(1/56)
الشيخ ( الشرح ) : في مجامع الناس سواء كان في المسجد أو في السوق في المدرسة في الشارع المزدحم في أي مكان يمكن أن يتضرر بمرورها أحد فهو مأمور بأن يمسك ومعه نبل فليمسك على نصالها أو قال فليقبض والمعنى واحد لكفه كراهية أن يصيب أحد من المسلمين منها بشيء فالمسلم محترم معصوم الدم والمال عرضه مصان فإذا كان المماطل الواجد ظلم يبيح عرضه وعقوبته هل معنى هذا انه يفتك بعرضه كل مجلس خلاص أباح الشرع عضه في كل مجلس يتحدث عنه الواجد ظلم لهذا المماطل ظالم لهذا المماطل " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم " خاص ليس لأحد من المسلمين أن يتعدى على عرض هذا المماطل إلا من ظلم الذي هو المماطل وهذا المظلوم المماطل ماذا يقول عن ذلك الشخص المماطل ماذا أبيح له من عرض هذا المماطل لا يجوز له أن يقول أكثر من قوله فلان مطلني يعمي هذا منصوص على أن عرضه مباح لكن ليس معنى هذا أن نتخذ فاكهه تفكه بعرضه وينكت عليه هذا بمعنى أبيح عرضه فكيف بمكن صان الشر عرضه وجعل أكل لحمه الكلام فيه مثل أكل الميته مثل أكل لحمه إذا مات تصور أكل لحم آدمي وهو ميت فالكلام فيه مثل هذا والله المستعان .
السائل : جاء في صحيح مسلم أن العبادة في الهرج كهجرة إليَّ فهل يفسر الهرج في هذا الحديث بالقتل كما في حديث الباب أو يقال هو على أصله أي الاختلاط مع الاختلاف .
الشيخ : على كل حال العبادة مندوب إليها في كل وقت وفي كل حين وجاء قوله صلى الله عليه وسلم " أعنيًّ على نفسك بكثرة السجود " وجاء الحث على العبادات الخاصة والعامة في كل وقت وفي كل حين وفي كل زمان لكن العبادات في مثل هذه الظروف التي يغفل بها الإنسان يعني مع كونها جالبه للحسنات هي تكفه في مثل هذه الظروف عن كثير من المشاكل والسيئات فالإنسان إذا كان في وقت الرخى مأمور بالعبادة .(1/57)
الشيخ : فكيف بالعبادة هذا كانت عبادة من جهة وصارف وواقى ومانع من الوقوع في محرمات لاشك أن مثل هذا يتضاعف وأيضا في مثل هذه الظروف القلوب تنشغل ويشتهي الناس ويشتغلون بالقيل والقال ويستطلعون الأخبار لكن ماذا عن شخص لم يلقى بهذه الأمور بالا لأنه لا حول له فيها ولا قوة لا يستطيع أن يقدم ولا يؤخر في مثل هذا إذا التجأ إلى ربه لجأ إلى الله بصدق وعبده حق عبادته مثل هذا لا شك أنه من أفضل الناس في هذه الظروف اللهم إلا من يستطيع أن يؤثر على غيره وينفع ويساهم بما يكشف هذه الفتن هذا أعظم من العبادات الخاصة قد يقول قائل كثير من الناس لا يستطيع أن يؤثر في مثل هذه الظروف فهل العزلة مطلوبة جاءت أحاديث تحث على العزلة , يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال يفر بدينه من الفتن هذا الكلام يتجه إلى شخص يخشى عليه من التأثر ولا يرجى منه التأثير بينما لو كان الأمر بالعكس شخص مؤثر ويستطيع أن يقدم ما ينفع في كشف هذه الفتن مثل هذا يتعين عليه الاختلاط ولا تجوز له العزلة بحال ثم يبقى بين هذين القسمين أو النوعين سائر الناس ممن يستطيع أن يؤثر ويتأثر ومن يتأثر كثيرا ويؤثر قليلا ومن قرب من هذا رجح فيه حكم هذا وما قرب من هذا ترجح فيه حكم هذا والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده و رسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال المصنف : الحمد لله رب العالمين وصلى اللهم وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين قال الإمام أبو عبدالله البخاري رحمه الله تعالى باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض .(1/58)
قال المصنف : حدثنا عمر بن حفص قال حدثنا أبي قال حدثنا الأعمش قال حدثنا شقيق قال عبدالله قال النبي صلى الله عليه وسلم ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) حدثنا حجاج بن منهال قال حدثنا شعبة قال أخبرني واقد عن أبيه عن ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ) .
حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى قال حدثنا قرة ابن خالد قال حدثنا ابن سيرين عن عبد الرحمن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة وعن رجل آخر هو أفضل في نفسه من عبد الرحمن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال : ألا تدرون أي يوم هذا قالوا الله ورسوله أعلم قالوا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال أليس بيوم النحر قلنا بلى يا رسول الله قال أي بلد هذا أليست بالبلدة قلنا بلى يا رسول الله , قال فإن دمائكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت قلنا نعم قال اللهم اشهد فليبلغ الشاهد الغائب فإنه رب مبلغ أو يبلغه منه أوعى له فكان كذلك قال لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض , فلما كان يوم حرق ابن الحضرمي حين حرقه جارية ابن قدامة قال أشرفوا على أبي بكرة فقال هذا أبو بكرة يراك قال عبدالرحمن فحدثتني أمي عن أبي بكرة أنه قال لو دخلوا علي ما بهشت بقصبة حتى حدثنا أحمد ابن إشكاب قال حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا ترتدوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ) حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا شعبة عن علي ابن مدرك قال سمعت أبا ذرعة بن عمر بن جرير عن جده جرير قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع استنصت الناس ثم قال ( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ) .(1/59)
الشيخ ( الشرح ) : الحمد لله رب العلمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين يقول الإمام رحمه الله تعالى باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ) " لا ترجعوا " أي لا ترتدوا " بعدي " أي بعد وفاتي أو بعد كلامي هذا " كفارا " إما أن يكون الكفر مخرج عن الملة وذلك بالاستحلال فإذا استحل الإنسان دم أخيه المسلم فإنه يكون بذلك مرتدا لأنه استحل أمرا منكرا مجمع عليه معلوم تحريمه بالضرورة من دين الإسلام أو يكون الكفر دون الكفر الأكبر ولا يخرج حينئذ من الملة لكنه من عظائم الأمور ( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ) يعني يقتل بعضكم بعض وفيه التحذير الشديد والوعيد على من ارتكب هذا المر الشنيع وسبق الحديث عن حرمة القتل وما ورد فيه من نصوص ولا يزال المسلم في فسحة من دينة حتى يصيب دم حراماً ( لا ترجعوا بعدي كفاراً ) إما أن يكونوا كفارا بالمعنى المعروف من الكفر إذا أطلق وهو الخروج من الملة أو يكون المارد بذلك التشبيه يعني كالكفار الذين من شأنهم أن يضرب بعضهم رقاب بعض , يقول رحمه الله عمر بن حفص بن غياث قال حدثني أبي حفص بن غياث قال حدثنا الأعمش سليمان بن مهران قال حدثنا شقيق هو ابن سلمه أبو وائل قال قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فسوق وقتاله كفر سباب المسلم فسوق السب هو الشتم السب والسباب كلاهما مصدر سب , يسب سباً وسباباً ومنهم من يقول السباب أشد من السب لأن السباب يكون بما في الإنسان وما ليس فيه بخلاف السب ( سباب المسلم فسوق ) الفسوق والفسق اصطلاحاً هو الخروج عن طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والفسوق أشد من مجرد العصيان لأنه معطوف على الكفر ثم عطف عليه العصيان على سبيل التدلي من الأعلى إلى الأدنى وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان .(1/60)
الشيخ ( الشرح ) : سباب المسلم فسوق أي شتمه بما فيه بما فيه مواجهه أو في غيبته وما ليس من باب أولى فسوق , الفاسق له حكمه في الشرع مستحق للتعزير إذا لم يكن فيما ارتكبه حد فهو مستحق للتعزيز لو سبه بما يوجب الحد أقيم عليه الحد لكن بما لا يوجب حداً فإنه يجب تعزيره وأخذ حق أخيه منه إلا إذا عفا أخوه وقتاله كفر وقتاله قتله ومقاتلته كفر , ويقال فيه مثل ما قيل سابقا من أنه كفر مخرج عن الملة إن استحل ذلك أو كفر دون كفر إن لم يستحل ذلك لما عرف عن أهل السنة قاطبة أن القتل كبيرة من كبائر الذنوب لكنه لا يخرج من الملة كغيره من المبيقات التي هي دون الشرك , نعم إن استحل خرج من الملة فالذي يستحل حراماً مجمع عليه معلوم تحريمه بالضرورة من دين الإسلام هذا يكفر وعكسه إذا حرم أمراً مباح حلال عرف حله بالضرورة من دين الإسلام فإنه يكفر , فالقتال أشد من السباب لأن حكم السباب الفسوق , حكم القتال كفر , والكفر إن كان دون الكفر الأعظم لأنه أعظم من مجرد الفسوق , وجاء في الصحيحين وغيرهما . لعن المؤمن كقتله في حديث الباب فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين مجرد السباب وبين القتل في الحكم فجعل السباب أنزل من القتل والقتال وفي الحديث الآخر قال صلى الله عليه وسلم لعن المؤمن كقتله هنا مشبه وهو اللعن , ومشبه وهو القتل وجه الشبه الجامع بينهما التحريم كلا منهما محرم , لعن المؤمن كقتله في التحريم ولا يلزم أن يكون المشبه كالمشبه به من كل وجه بل قد يكون التشبيه من وجه دون وجه فالسب والشتم في الاشتراك بالتحريم وترتيب العقوبة , تشبيه الوحي بصلصلة الجرس والوحي محمود والجرس مذموم هل يعني هذا أن الوحي مشبه للجرس من وجه لا , فالجرس له أكثر من وجه يمكن أن يشبه ببعضها دون بعض فلا إشكال في الحديث لأن اللعن أشبه القتل من وجه دون وجه من وجه الاشتراك في التحريم كما أن الوحي أشبه بصلصلة الجرس من وجه دون وجه .(1/61)
الشيخ ( الشرح ) : فالجرس فيه قوة وتضارب في الصوت وفيه أيضا جهة طنين واجهة إضراب فهو مشبه بالجرس من جهة القوة والتدارك في الصوت بينما جهة الاضطراب بينما وقع الذم من أجلها يفترق عنها , ولذا آلات التنبيه التي ليس فيها اضطراب لا تدخل في الجرس المنهي عنه وإن سماه الإنسان جرس يعني لو وضع الإنسان على بابه زر كهربائي ينبه من في الداخل إلى أنه يوجد عند الباب طارق إن أطرب هذا المنبه دخل في الجرس المذموم , إن كان مجرد صوت لا يطرب السامع بينما لا يدخل في المذموم و قل مثل هذا في الآلات كلها والناس مع الأسف الشديد يعانون مما يسمعون من الأجراس المطربة في مواطن العبادة بل في أثناء العبادة بسبب الجوالات فعلى المسلم أن يتقي الله عز وجل والملائكة لا تصحب رفقة فيها جرس , هذا جرس يا أخي جرس نوع منه وموسيقى وجاء الوعيد الشديد فيمن يتخذ المعازف وهذا نوع منها أسأل الله العافية منها ويتضاعف التحريم بفضل الزمان والمكان مع الأسف نجد هذه الأجراس المطربة ترن في المساجد بل في أشرف البقاع في المطاف والله المستعان, اللعن بالقتل لا يعني أنه مشبه له من كل وجه وهناك أمثلة مثيرة لهذا , تشبيه رؤية الباري جل وعلا برؤية القمر تشبيه للرؤية بالرؤية وليس بتشبيه للمرئي تشبيه نزول على اليدين في الصلاة ببروك البعير لا يقتدي أن من قدم يده ووضع يده على الأرض برفق أن يكون مشبه بالبعير حتى ينزل على الأرض بقوة ويثير الغبار ويفرق الحصى حينئذ يكون مشبه لبروك البعير أما إما إذا وضع يده على الأرض مجرد وضع لم يشبه البعير , على كل حال هذا لو ذهبنا أن نستطرد وبذكر الأمس لا يمكن أن يستغرق الوقت في اللهو .(1/62)
الشيخ ( الشرح ) : يقول الإمام رحمة الله عليه حدثنا الحجاج ابن منهال قال حدثنا شعبه ابن الحجاج أبو بسطان قال أخبرني واقد هذا من نسل عمر ابن الخطاب واقد ابن محمد ابن زيد ابن عبدالله ابن عمر ابن الخطاب عن أبيه محمد ابن زيد رضي الله عنه جده عبدالله ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع عند جمرة العقبة (لا ترجعوا بعدي كفارا إما مرتدين أو كالكفار يضرب بعضكم رقاب بعض ) على ما تقدم تقريره ثم قال رحمة الله عليه حدثنا مسدد مر بنا مرارا ابن مسرهد , قال حدثنا يحي وابن سعيد القطان قال حدثنا قرة بن خالد السودوسي قال حدثنا ابن سرين محمد الإمام المعرف عن عبدالرحمن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة عن أبيه أبي بكرة نقير ابن الحارث السقفي عن رجل آخر هو الحميري بن عبدالرحمن عن رجل أخر هو أفضل في نفسه من عبدالرحمن ابن أبي بكرة صرح بعبدالرحمن ابن أبي بكرة بأن المروي من طريقه مما وقع لأبيه والإنسان يحرص على حفظ ما يتعلق به أو بأبيه أو بأسرته وإلا من وإلا من أبهم وهو حميد بن عبدالرحمن الحميري أفضل من عبدالرحمن بن أبي بكرة لأن ابن أبي بكرة دخل في الولايات أما حميد ابن عبدالرحمن فقد زهد في الدنيا كلها فضل عن ولاياته ولا شك ولا شك أن من مالت به الدنيا ومال بها معرض للخطر بخلاف من عزف عنها ولا يعني هذا أن أمر المسلمين تعدل وكل الناس تذهد فيها بل قد يتعين العمل فيها على بعض الناس وإذا ألزم الإنسان من غير مسألة في هذه الولايات ونصح وبذل جهده واستفرغ وسعه في نصح الناس والنصح لهم لا شك انه مثاب بل ثوابه عظيم لأن هذه الأمور هي في الأصل خدمة للأمة والله المستعان ولكنه في الغالب يعني امتحان قل من ينجو منه , نعمة المرضعة وبؤست الفاطمة قل من ينجو منها .(1/63)
الشيخ ( الشرح ) : ابن عباس قيل فيه هذا الكلام جاء رجل يسأل ابن عمر فقال له اسأل ابن عباس فذكر له ابن عباس , صار له شيء من التوسع أمور الدنيا يعني في مبيحات بينما ابن عمر زاهد في هذه الأمور فالناس لا شك أنهم يحسنون الظن بمن لا نظر له في الدنيا وإن كان أقل في العلم والله المستعان .
وعن رجل آخر هو أفضل مني في نفسي من عبدالرحمن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة الصحابي الجليل رفيع ابن الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر بمعنى فقال ألا تدرون أي يوم هذا , هذا للفت النظر من أجل الانتباه لما يلقى , ألا تدرون أي يوم هذا قالوا الله ورسوله أعلم لما سأل دهشوا يعرفون أن اليوم يوم النحر لكنهم دهشوا لما سُألوا عن شيء معلوم بالبداهه نعم لو سُألت عن شيء لا يخفى عليك حتى عند السائل يعرف انه لا يخفى عليك ماذا تجيب لأن هذا معلوم عند الطرفين السائل والمسؤول إذا لا بد أن يكون السائل أراد شيء آخر غير المسؤول عنه أو أن المسؤول ما فهم السؤال على وجهه وحقيقته من الدهشة قالوا الله ورسوله أعلم الصحابة رضي الله عنهم سُألوا عن يوم النحر قالوا الله ورسوله أعلم وصغار طلاب العلم يسألون عن عضل المسائل فيجيبون بغير تردد الآن , الصحابة يتدافعون الفُتيه ولن يجيبوا عن اليوم الذي هم فيه ولا يعني هذا أن الإنسان إذا عرف شيء من العلم واحتاج الناس إليه أن يكتم ما عنده من العلم لا لكن المسألة التوسط في الأمر من عنده شيء لا يجوز له أن يكتمه إذا تعين عليه والذي ليس عنده من العلم ما يكفيه للإجابة على مسألة بعينها أو مسائل يقول الله أعلم ولا يزيد ولا ينقص من قدره بل هذا فيه الرفعة والدنيا والآخرة لم يذر الإمام مالك رحمه الله تعالى لما سؤل عن أربعين مسألة فأجاب عن أكثر من ثلاثين إثنتين وثلاثين أو ست وثلاثين لا أدري وهذا متوارث عند أئمة الهدى في المتقدمين والمتأخرين والله المستعان .(1/64)
الشيخ ( الشرح ) : إلى أن وصل الحد بنا إلى أن صغار المتعلمين أو بعض من لا يبت إلى العلم الشرعي بصلة أن يتصدى ويتصدر بإفتاء الناس وتوجيههم والله المستعان , قالوا الله ورسوله أعلم حتى قال حتى ظننا أنه سيسميه بغير إسمه فقال أليس بيوم النحر قلنا بلى يا رسول الله قال أي بلد هذا وجاء في بعض الروايات قلنا الله ورسوله أعلم قال أليست بالبلدة إنما أمرت أن اعبد رب هذه البلدة اسم من أسماء مكة كما أن الدار اسم من أسماء المدينة , والذين تبوءوا الدار , قلنا بلى يا رسول الله قال إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم جمع عرض وهو موضع المدح والذم وأبشاركم أي جلودكم يعني الذي يعتدي على الإنسان بما يزهق روحه ويريق دمه وما يخدش جلده يعني سواء كان الاعتداء كبير أو يسير جليل أو حقير ولذا قال وأبشاركم يعنى مجرد خدش البشرة يعني تخدش بشرته أو بأي شيء بآلة هذا حرام وتقدم أن من يأتي بالسهام لا بد بأن يأخذ برءوسها إذا مر بمجامع الناس لئلا تصيب أحد بأذى , إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام هذه من الضروريات التي جاء بحفظها فالدماء شأنها عظيم وأموال أيضا لا يجوز الاعتداء عليها من قِبل غير مالكها ولا من مالكها في غير وجوهها قد جاء النهي عن إضاعة المال , وأعراضكم العرض الذي هو موضع المدح والذم لا يجوز النيل منه وأبشاركم عليكم حرام وكل هذا إذا كان بغير حق أما إذا كان بحق فالشرع جاء بإقرار الحق فالقاتل يقتل , ما يقتل الإنسان ويقول إن دمائكم وأموالكم , الغاصب يعاقب ويؤخذ منه ما اغتصب وقد يعذر بأخذ شيء من ماله , مانع الزكاة قد يعذر بأخذ قدر زائد فإن أخذوها وشطر ما له المقصود أن الحفظ هذه الأمور من الدماء والأموال والأعراض إذا كان ذلك بغي حق , الأعراض قد يكون النيل منها بحق إذا كان الهدف منه النصح في الاستشارة في الجرح والتعديل بالنسبة للرواة وهذا وإن كان على خلاف الأصل إلا أن بقدر الحاجة لا يجوز النيل من عرض(1/65)
مسلم إلا لحاجة وأن يكون بقدر الحاجة .
الشيخ ( الشرح ) : إذا كانت الحاجة تؤدى بكلمة لا يجوز الزيادة عليها جاءك شخص يستشيرك لأنه تقدم لخطبة ابنة شخص فإذا كان لا يشهد صلاة لا تزيد على ذلك قال يا أخي لا أشهد صلاة الفجر لا يجوز لك أن تقول الخبث الذي فيه الفاعل التارك لا يشهد صلاة الفجر أكيد يسوى كذا ما عليك لا يجوز لك أن تقدح إلا بما تعلم وهذا بقدر الحاجة إذا دعت إليه الحاجة هو مثله جرح الرواة ومع الأسف نجد بعض ما ينتسب إلى طالب العلم همه الجرح والتعديل الذي لا تدعوا إليه الحاجة ولا يترتب عليه أدنى مصلحة وتجد القيل والقال كله في أعراض الأخيار مع سلامة الأشرار , الشيخ فلان قال كذا الشيخ علان أفتى بكذا تسامح في كذا ما عليك منهم كان عندك له نصيحة اذهب بعد أن تقدم ما يفتح قلبه لك , تأتي على سبيل المثال المتعالي على جهة التعالي لتنصح شخص أكبر من أبيك نعم عليه أن يقبل وعليك أن تقدم الأسلوب المقبول إما أن تقول في المجالس فلان فعل نعم من ظهر أمره واشهر وأعلن مخالفته وخشي من ضرره على الناس لا مانع من التحذير منه لأنه ضرر , إذا خشي منه أن يتعدى يحذر منه فإن كان يكفي التلميح تعين وإن لم يكفي التلميح فلا بد من التصريح يصرح به لكن أيضا بقدر الحاجة .
( كحرمة يومكم هذا ) يوم النحر ( في شهركم هذا ) في شهر ذي الحجة ( في بلدكم هذا ) في مكة ( ألا هل بلغت ) أي أُمرت بتبليغه ( قلنا نعم ) بلغت يا رسول الله ونحن نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة على أكمل وجه ونصح الأمة عليه الصلاة والسلام فليبلغ الشاهد الغائب يعني من حضر يبلغ من غاب ( فإنه ربَّ مبلغ ) هذا تقيل (ربَّ مبلغ يبلغه من هو أوعى منه وأحفز ) , ربَّ مبلَغ أو ربَّ مبلِغ من الحاضرين يبلغه لشخص هو أوعى منه وأحفظ له وأفهم و ربَّ هذه للتقليل , لئلا يقول قائل أنه يوجد في هذه العصور من هو أفهم من الصحابة .(1/66)
الشيخ ( الشرح ) : نقوا لا ما هو صحيح , قد يوجد واحد من الصحابة , هنا تقليل واحد أو أفراد من الصحابة مع ما نالوه من شرر الصحبة ورسوخ القدم في الديانة يكون فهمهم يعني ليسوا بمعصومين هؤلاء النفر اليسير قد يوجد فيمن جاء بعدهم من هو أحفظ وأوعى وهكذا إلى قيام الساعة , يوجد في الزمن المتأخر من هو أحفظ وأوعى ممن تقدم عليه في الزمن وهذا قليل نادر لأن ( ربَّ ) تقتضي التقليل , وسبق الحديث فإنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه هذا إجمالي فكان كذلك كلن الأمر كذلك , بلغ الصحابي التابعي وقد يكون في التابعين وهذا مثل ما ذكرنا نادر , الواحد أو الإثنين ممن هو أحفظ من الواحد أو الاثنين من الصحابة , فكان كذلك , قال لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض , قال ابن أبي بكرة فلما كان يوم حرق ابن الحضرمي عبد الله بن عمرو حين حرقه جارية بن قدامة بن مالك بن زهير السعدي , السبب أن ابن الحضرمي وجهه معاوية رضي الله عنه يستنفر أهل البصرة إلى قتال على رضي الله عنه فوجه على رضي الله عنه جارية بن قدامة إلى ابن الحضرمي فتحصن ابن الحضرمي في دار فحرق جارية الدار بمن فيها وهذا أثار الفتن . الفتن إذا قامت لابد من أن يوجد مثل هذه التصرفات نسأل الله جلا وعلا أن يقي المسلمين من شرها , الفتن إذا قامت لابد من أن يوجد مثل هذه التصرفات , يحصل أمور لا تخطر على البال حتى على بال من فعلها تطيش العقول في أوقات الفتن , أن أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه يقتل في المدينة بين الصحابة وقد قدم ما قدم للإسلام والمسلمين وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم الجنة كل هذا سببه الفتن قد يقول قائل أليس في المسلمين قوة ومنعه أم يمنعوا خليفتهم من أن يقتل فيهم قوة ومنعة لكن إذا حصلت هذه الأمور فتلافيها صعب جدا , فعلى كل إنسان أن يساهم بقدر ما أوتي في دفع الفتن وضرها وشرها لأنها إذا بدأت ما انتهت تأتي على الأخضر على الرطب وعلى اليابس ,(1/67)
شخص يحرق بدار ومعه ما يقرب من سبعين شخص من أبناء الصحابة بل قال بعضهم من له صحبة يودع في جوف حمار ويحرق جوف حمار .
الشيخ ( الشرح ) : هذا سببه إيش سببه الفتن كيف يتصرف الناس إذا هاجت الفتن طاشت العقول وصعبت الحلول فإذا كان هذا وقع في عصر الصحابة فما شأنكم فيما يقع بعدكم حينما يرفع العلم ويكثر الجهل ويقل العمل , كان الصحابة متوافرون يحصل مثل هذه الأمور إذاً لابد من أن يقضى على الفتن في عهدها والله المستعان لئلا تستشري , يقول فلما كان يوم حرق ابن الحضرمي حين حرقه جارية بن قدامة قال جارية لجيشه أشرفوا على أبي بكرة . انظروا ماذا يصنع أبو بكرة صحابي جليل يخشى إيش أن يتدخل أبو بكرة فيحصل له شيء من القيل هم , فيبوء بإثمه من يقتله يقتل صحابي ماذا صنع أبو بكرة خشي جارية أن يتدخل أبو بكرة لسوء ما صنع هؤلاء النفر فقالوا هذا أبو بكرة يراك أمامك يراك أبو بكرة لكن ماذا يصنع أبو بكرة قال عبد الرحمن بن أبي بكرة حدثتني أمي هالة بنت غليظ العجليه عن أبي بكرة عن أبيه أنه قال لو دخلوا علىَّ ما بهشت بقصبة أي ما دافعت عن نفسي لو دخلوا علىَّ بيتي ما دافعت عن نفسي بقصبة ما دافع عن نفسه لأنه حفظ من الحديث الوعيد الشديد في القتل والقتال , قتال المسلمين ومقاتلتهم لئلا يساهم فيما جاء فيه الوعيد الشديد قال لو دخلوا علىَّ ما بهشت بقصبة , ثم قال حدثنا أحمد بن إشكاب الصفار قال حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان عن أبيه فضيل بن غزوان عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا ترتدوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " البخاري رحمه الله احتج بعكرمة مولى ابن عباس وعكرمة فيه كلام لأهل العلم بل قال بعضهم أنه يرى السيف وهو مذهب الخوارج معروف كلام الذهبي في السير طويل ودافعوا اعنه لكن نحن نريد أن نقرر شئ هنا , الحافظ العراقي رحمه الله ففي البخاري احتجاجا عكرمة مع ابن مرزوق وغير(1/68)
ترجمه المقصود أن عكرمة خرج له البخاري في الأصول معتمدا عليه وإن مسَّ بضرب من التجريح من قبل غيره واتهم برأي الخوارج لكنه لم يثبت عنه , لم يثبت عنه .
الشيخ ( الشرح ) : الآن الخبر الذي يرويه عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" هل تقول إن عكرمة متهم وهذا يؤيد تلك البدعة لأن الخبر " لا ترتدوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" الذي يكفر القاتل من هو : من الذي يكفر القاتل , الخوارج إذا لم يستحل هو مذهب الخوارج فهل نتهم عكرمة لأنه روى هذا الحديث ونقول أن هذا الحديث يؤيد بدعة نقول نسبة البدعة إليه لم تثبت بل فندها وردها أهل العلم , الحافظ الذهبي في السير والحافظ بن حجر في المقدمة فتح الباري تكلن كلام طويل حولها ثم قال :
حدثنا سليمان بن حرب الأذري البصري قال حدثنا شعبة عن على بن مدرك النخعى قال سمعت أبا ذرعة هرم بن عمر وبن جرير بن عبد الله البجلي عن جده جرير بن عبد الله قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عند جمرة العقبة استنصت الناس يعني مرهم بالسكوت والإنصات ثم قال بعد أن أنصتوا وسكتوا عليه الصلاة والسلام لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وهذا تقدم الحديث فيه وهو أن القتل من شأن الكفار فلا ترجعوا بعدي كالكفار يضرب بعضكم رقاب بعض أو كفارا إذا استحللتم ذلك كما هو مقرر عند أهل العلم .(1/69)
قال المصنف : باب تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم . حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إبراهيم قال حدثني صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي من تشرف لها تستشرفه , فمن وجد فيها ملجأ أو معاذا فليعذبه .
قال المصنف : حدثنا أبو اليماني قال أخبرني شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو سلمه ابن عبدالرحمن عن أبا هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي من تشرف لها تستشرفه , فمن وجد فيها ملجأ أو معاذا فليعذبه"(1/70)
الشيخ ( الشرح ): يقول رحمه ا لله باب تكون فتة يعني عظيمة والتنوين هنا للتعظيم " القاعد فيها خير من القائم " هذا نص الحديث فترجم على الحديث بجزء منه ثم قال حدثنا محمد ابن عبدالله عبيد الله بن محمد بن زيد قال حدثني إبراهيم بن سعد عن أبيه سعد ابن إبراهيم ابن عبدالرحمن بن عوف عن عمه أبي سلمه ابن عبدالرحمن عن أبي هريرة قال إبراهيم ابن سعد وحدثني يعتني متابع لأبيه صالح بن كيسان عن ابن شهاب الزهري هو صالح بن كيسان من أخص طلاب الزهري وإن كان أكبر منه سننا أنه ما تعلم بعد أن طعن في السن عن ابن شهاب عن سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم فيها خير من الماشي " يعني من شارك في الفتن فيهم تفاوت بحسب توغلهم فيها ليس المراد من القعود والجلوس والمشي على الأرجل وإن كان هذا هو الأصل إلا أن بعضهم يكون أشد توغلاً في هذه الفتنة وبعضهم أخف فمن اعتزل هذه الفتن لا شك أنه سالم ولذا قال من وجد فيها ملجأ أو معاذ فليعتزل إن كان وضعه العلمي أو الاجتماعي يستدعي دخوله فيها بعض الناس لا سيما إذا كان من أهل العلم لا يسوغ له أن يعتزل إذا كان يستطيع التأثير في التخفيف من هذه الفتن يعني إذا اعتزل أهل العلم والحلم والرأي فلمن تترك هذه الفتن(1/71)
الشيخ ( الشرح ) : الفتن كالنار تأتي على كل شيء وأهل العلم وأهل الحلم والخبرة والدراية والعقل بهم أو بسببهم يقلع عنهم الفتن بإذن الله على كل حال من اضطر أو من احتيج إليه بمشاركته في هذه الفتن عليه أن يسعى لإخماد هذه الفتن من مهدها إن تمكن لكن لا يجوز له ان يساهم في إزكائها ولو بكلمة ومن يساهم في إزكائها وتأجيجها هؤلاء متفاوتون بحسب أعمالهم فيها منهم المحرض ومنهم المستوشي المقصود أنهم متفاوتون وعبر في الحديث عن هذا التفاوت بالقيام والقعود والمشي فمن كان أثره في هذه الفتن أقل كان خير ممن كان أثره أعظم إنها ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي من " تشرف " أي تتطلع لها واستشرف " تستشرفه " تهلكه بأن تجعله يشرف على الهلاك لا سيما الفتن التي لا يظهر فيها وجه الصواب ولا يظهر فيها رجحان إحدى الكفتين , من تشرف لها تستشرفه فمن وجد فيها ملجأ أو معاذا أو ملازا فليعزبه وليعتزل وفي الصحيح يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال يفر بدينه من الفتن , وهذا سيأتي إن شاء الله تعالى فالعزلة لا يعد لها شيء لأن الإنسان قد يدخل في مثل هذه الأمور ظننا منه أنه يصلح لكنه قد يكون الأمر في غير مقدوره وطاقته فينجو بنفسه .
ثم قال رحمه الله حدثنا أبو اليماني الحكم ابن نافع قال أخبرنا شعيب وابن أبي حمزة عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبدالرحمن عن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي من تشرف لها تستشرفه " التحذير هذا فيه تحذير من المشاركة في الفتن وهذا معروف مما لا يتبين فيه وجه الصواب بأن اعتدى على أحد تدخل .(1/72)
الشيخ ( الشرح ) : انصر أخاك ظالما أو مظلوما بغى على ولي الأمر بغاة يساعد ولي الأمر على قمعهم المقصود انه إذا بان وجه الصواب ما تكون فتنة وإلا لو بغي على ولي الأمر بغاة ثم تركوا يتصارعون والكل قال هذه فتنة القاعد فيها إلى آخرها ولنعتزل من وجد معاذا أو ملاذا تكون الأمور أعظم ولا بد من الأخذ على يد هؤلاء ولا شك أن لهم تأويل صائغ يقبل منهم تأويلهم ويحاجون ويتناقشون ويقنعون والبغاة عند أهل العلم ليسوا بكفار لكنهم لا شك أنهم معرضون للعاقاب في الدنيا والآخرة بقدر ما يترتب على فعلهم من أثر فلو كان كل شخص يقول أنا أعتزل مثل هذه الأمور صارت الدنيا ضياع , ما استقامت أمور الناس حتى يقمع من أراد أن يشق عصا المسلمين ويفرق جمعهم ويثير المشاكل بينهم يقول فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعزبه . في هذا كله التحذير من المشاركة في الفتن وهذا الخطاب يتجه إلى من لا أثر له في هذه الفتن بل يخشى عليه أن يتأثر بها ويتضرر في دينه أو يكون له يد أو تسبب في قتل مسلم أو هتك عرض وما أشبه ذلك فمثل هذا عليه أن يعتزل , أما أهل الحل والعقد من أهل الرأي والعلم والحلم فمثل هؤلاء ينبغي أن يتدخلوا لتلافي الأضرار والأخطار واستشراء هذه الفتن واستمرارها والله المستعان .
قال المصنف : باب إذا التقى المسلمان بسيفهما حدثنا عبدالله ابن عبدالوهاب قال حدثنا حماد عن رجل لم يسميه عن الحسن قال خرجت بسلاحينا أهل الفتنة فاستقبلني أبو بكرة فقال أين تريد قال أريد نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا تواجها المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار قيل فهذا القاتل فما بال المقتول قال إنه أراد قتل صاحبه "(1/73)
قال المصنف : قال حماد بن زيد فذكرت هذا الحديث لأيوب ويونس ابن عبيد وأنا أريد أن يحدث به فقالا إنما روى هذا الحديث الحسن عن الأحنف ابن قيس عن أبي بكرة حدقنا سليمان قال حدثنا حماد بهذا وقال معمر حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا أيوب ويونس وهشام ومعلى ابن زياد عن الأحنف عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواهما مرنا عن أيوب ورواه بكار ابن عبدالعزيز عن أبيه عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرفعه سفيان عن منصور .
الشيخ ( الشرح ): يقول رحمه الله تعالى باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار , إذا التقى المسلمان فهما مسلمان مع اتصافهما بالقتل فالقتل كبيرة وجريمة كبيرة من كبائر الذنوب لكنه لا يخرج من الملة لأن كل من القاتل والمقتول من المسلمين ولذا قال إذا التقى المسلمان . ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ) فالقتل لا يخرج من الملة ما لم يستحله مرتكبه , إذا التقى المسلمان بسيفيهما الجواب فالقاتل والمقتول في النار وسيأتي , حدثنا عبدالله بن عبدالوهاب البصري قال حدثنا حماد وابن زيد عن رجل لم يسميه هذا الرجل الذي لم يسميه حماد هو عمرو ابن عبيد شيخ المعتزلة والمعتزلة رأيهم في مركب الكبيرة كالقتل معروف أنه ليس بمسلم وليس بمؤمن ارتفع عنه ولكنه لا يكفر كما تقول الخوارج بل هو في منزلة بين المنزلتين وإن كان مؤدى قوله في الأخرى كقول الخوارج أنه خالد مخلد في النار وهذا في عموم مرتكب الكبيرة , عمرو ابن عبيد يرويه عنه حماد بن زيد ولم يسميه وهذه طريقة نبيلة ينبغي أن ينتبه لها طالب العلم , لو سماه نعم لأحسن الناس الظن به يروى عنه هذه الحبر حماد بن زيد ويخرج له البخاري وهو رأس من رؤوس المعتزلة .(1/74)
الشيخ ( الشرح ): وعلى هذا ينبغي لمن أفاد فائدة من كتاب يخشى الضرر على طلاب العلم ألا يسموا الكتاب ولا يسمى صاحبه وقال بعضهم لأنه إذا سمي هذا الكتاب أو سمي صاحبه مع وجود مثل هذه الفائدة فتن الناس به بإمكانك أن تستفيد وأنت متأهل لا يمكن أن تتأثر بما يقوله المبتدع في كتبهم إذا كانت أهلية التمييز بين الحق والباطل وتعرف كيف تتخلص من هذا الباطل بحيث لا يؤثر عليك من هذه الشبه فلك أن تستفيد واستفاد أهل العلم من كتب المبتدعة استفادوا من تفسير الزمخشري استفادوا من تفسير الرازي استفادوا من الشروح , شروح كتب السنة وفيها ما فيها من المخالفات العقدية ولكن يحذر الكتاب الذي ضرره أكثر من نفعه على متوسط المتعلمين كالكشاف والرازي وغيرهما من المنظرين بالبدع الذابين عنها المثرين للشبه مثل هذا يستفيد منه المتمكن الذي لا يخشى عليه أما متوسط طلاب العلم لا ينبغي أن يقرأوا في هذه الكتب , هذا المتمكن استفاد ووجد فائدة من هذه الكتب التي لا ينصح صغار المتعلمين بقراءتها يقول قال بعضهم أو قال بعض المفسرين أو قال بعض الشراح وما أشبه ذلك لئلا يفتن بها من لا يعرف حقيقة أمرها , فالإبهام فيه فوائد فإما أن يخشى من افتتان الناس به وهو مبتدع أو يخشى ألا يروج الكتاب بسبب ذكر اسمه في بعض المجتمعات يعني لو قلت قال الإمام المجدد الشيخ محمد عبدالوهاب وراح إلى بعض الأقطار الذين يعادون دعوة الشيخ يمكن أن يكسد الكتاب ولا يستفاد منه بل يحرف ويتلف وهذا حاصل ولذا بعض كتب الشيخ رحمه الله كتب عليها غير منسوب لأبيه إلى جده محمد ابن سليمان التميمي .(1/75)
الشيخ ( الشرح ): في شرح الصحاوي لابن أبي العز , النقول بالصفحات من كتب شيخ الإسلام وابن القيم من غير تسميه لماذا لئلا يفسد الكتاب لأن كثير من المجتمعات الإسلامية في وقت ابن أبي العز يحاربون شيخ الإسلام وكتب شيخ الإسلام , فهذه طريقة لإيصال الفائدة من غير أثر سلبي فأنت عليك أن توصل الفائدة بأي طريقة , أحيانا يذكر بعض الأمور التي ليس الخلل فيها كبير من أجل أن يروج هذه العلم , قد يقول قائل نيل الأوتار مع أهميته وسبل السلام رغم ما فيه من فوائد ذكرت فيه مذاهب لا يرتضيها أهل السنة ولا يعتدون بأقوال قائليها لماذا لأنها صنفت في مواضع وبلدان هم غالب سكان هذه المذاهب فلو لم تذكر هذه المذاهب ما راج الكتاب ولا انتفع به لكن لا يعني هذا أن هذا مبرر لأن يذكر الإنسان البدع الكبرى المغلظة من أجل الترويج لا , كما فعل الفيروز أبادى لما شرح الكتاب .
... ... ... ... ... الشريط الرابع(1/76)
قال الشيخ أحيانا يذكر بعض الأمور التي ليس الخلل فيها كبير من أجل أن يروج هذا العلم قد يقول قائل ينل الأوطار مع أهميته , سبل السلام رغم ما فيه من فوائد ذكرت فيها مذاهب لا يرضيها أهل السنة ولا يعتدون بأقوال قائلها . لماذا لأنها صنفت في مواضع وبلدان هم غالب سكان هذه المذاهب فإذا لم تذكر هذه المذاهب ما راج الكتاب وما انتفع به . لكن لا يعني هذا أن هذا مبرر لأن يذكر الإنسان البدع الكبرى المغلظة من أجل الترويج لا , كما فعل الفيروز آبادي لما شرح البخاري والبلد الذي هو فيه اليمن استشرت في وقته فتنة ابن عربي القول بوحدة الوجود ففي شرح البخاري أدخل الفتوحات والعضوص لكي يروج الكتاب معقول يا أخي يروج الكتاب لا تؤلف يا أخي . الأمة ليست بحاجة إلى مثل هذا التأليف . إيش يروج الكتاب فالأمور تقدر بقدرها إذا كانت المفسدة يسيرة مغمورة شئ . أما إذا كانت كبيرة مفسدة إدخال الفتوحات والعضوص أعظم من مفسدة الشرح . من نعم الله عز وجل أن الكتاب من غلاف المجلد الأول إلى غلاف المجلد الأخير وما بقى منه كلمة لكن هذه طريقة .
الآن حماد بن زيد قال عن رجل لم يسمه حتى لا يفتن الناس بمثل عمرو بن عبيد . في كتاب الإيمان خرج الإمام رحمة الله عليه أحاديث من رواية حماد بن زيد عن أيوب ويونس , أيوب بن أبي تميم السختياني إمام حافظ ومثله يونس بن زيد الأيدي وكلاهما من الحفاظ .
كون البخاري أورده مبهما هنا لأن الأبواب كلها في باب القتل والفتن وأراد أن يغير لأن البخاري إذا أراد أن يروي الحديث لابد أن يغير في السند أو في الفتن يأتي برواية تختلف عن الأولى ولو بشيء يسير لأنه جرت عادته بأن لا يكرر الحديث في موضوعين بسنده ومتنه لا يكرر إلا نادر يعني في نحو عشرين موضع فقط من كتابه رحمه الله فجاء به مبينا في أول الكتاب وفي أخره أبهم المروي عنه .(1/77)
عن الحسن البصري : خرجت بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة من القائل خرجت بسلاحي . نعم انظر إلى الإمام البخاري رحمه الله تعالى بيَّن رواه كما روي ثم بين في الأخير عم جماعة حدثنا سليمان قال حدثنا حماد بهذا وقال مؤمل حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب ويونس وهشام ومعلى بن زياد عن الحسن عن الأحنف عن أبي بكرة فالذي خرج بسلاحه الأحنف وليس الحسن . سقط لفظ الأحنف من هذه الرواية بيته البخاري في آخر الباب يقول الأحنف بسلاحي ليالي الفتنة . الواقعة بين علي وعائشة التي سميت موقعة الجمل هذه فتنة أم لا . نعم فتنة وأي فتنة , علي رضي الله عنه مشهود له بالحنة فضائله ومناقبه أكثر من أن تحصى رضي الله عنه وأرضاه . وعائشة أم المؤمنين تخرج عائشة لقتال علي , ولما أقبلت قال علي : والله إنها لزوجته في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم الفتن الفتن يا إخوان إذا جاءت هذه لخيار الأمة فكيف بمن يعيش في مثل زماننا حينما أثرت الشهوات والشبهات على النفوس وأدبر الناس عن دين الله . هناك كان وقت إقبال على الدين . تأتي عائشة لحرب علي ومقاتلته وعلي رضي الله عنه يحتاط .
... ورابعهم خير البرية بعدهم ... ... علي حليف الخير والخير يمدح
ويقول في حقها : ماذا قال هل اتهمها هل رماها ما فعل شئ قال الحق والله إنها لزوجته في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم .(1/78)
يقول الأحنف خرجت بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة نفيع ابن الحارث فقال أين تريد يا أحنف قلت : أريد نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا تواجها المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار . يريد أن يعني الأحنف لأن من يواجه بسيفه يواجه المسلمين ويقاتل تحت راية المسلمين فالمتواجهان كلاهما من المسلمين يعني يستحقان النار هذا الأصل وقد يعفى عنهما فالقاتل والمقتول تحت المشيئة كسائر الكبائر( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) (النساء:48) لكن في الأصل رتبت النار على جريمة القتل . العقوبة النار والكبائر متوعد عليها بالنار والمعاصي كذلك لكن هي تحت المشيئة قيل فهذا القاتل يعني يستحق النار القاتل فما بال المقتول يعني ما ذنبه قال إنه أراد قتل صاحبه ,أي كان حريصا على قتله عازما على قتله وبهذا يحتج من يقول بالمؤاخذة بمجرد العزم ولو لم يفعل لأن العزم آخر مراتب القصد يليها الفعل .
مراتب القصد خمسة : هاجس ذكروا فخاطر فحديث النفس فاستمعا يليه هم فعزم كلها رفعت إلى الأخير ففيه الأخذ قد وقع أو ففيه الإثم قد وقعا.(1/79)
المقصود أن هذا عازم فهو مؤاخذ بعزمه وهو أيضا فاعل فعل الأسباب حرص وحاول وأخذ السيف وخرج وبارز لكنه قتل لم يستطع أن يقتل هذا فعل المقدمات لكنه عقوبته دون عقوبة القاتل لأن جريمته أقل من جريمة القاتل نعم هو فعل هذه الأفعال لكنها ليست قتل . محاولة قتل عزم على قتل . قيل فهذا القاتل فما بال المقتول قال إنه أراد قتل صاحبه قال حماد بن زيد فذكرت هذا الحديث لأيوب ويونس بن عبيد الذين رووا عنهما الخبر في أول كتاب الإيمان وأنا أريد أن يحدثاني به فقالا إنما روى هذا الحديث الحسن عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة فهذا دليل على أن الذي خرج بسلاحه هو الأحنف وليس الحسن . الآن هذه قبل وفاة الحسن بسنتين .
الحسن أدرك أمهات المؤمنين أدرك عائشة وأدرك أم سلمة وأدرك كثير من الصحابة .
حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد بهذا الحديث المذكور .
سؤال : لماذا روى البخاري عن عمرو بن عبيد مع أن الحديث يوافق مذهب الخوارج في الظاهر وهل روى عمرو هذا الحديث من باب الدعوة لمذهبه ؟
جواب الشيخ :لاشك أنه رأس في مذهبه وداعية لكن البخاري لم يعتمد عليه الحديث مروي عن طريق أيوب ويونس .
ثم أكمل الشيخ : وقال مؤمل بن سعيد البصري قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا أيوب ويونس وهشام إسماعيل ومعلى بن زياد عن الحسن عن الأحنف عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه معمر بن راشد عن أيوب السختياني ورواه بكار بن عبد العزيز عن أبيه عبد العزيز بن عبد الله بن أبي بكرة عن جده أبي بكرة وقال غندر ( محمد بن جعفر ) قال حدثنا شعبة عن منصور بن معتمر عن ربعي بن حراس بالحاء المهملة وإن ضبطه المنذري في مختصر السنن بالمعتمر عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرفعه سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر .(1/80)
المقصود أن الحديث ثابت من طريق أيوب ويونس ولسنا بحاجة إلى رواية عمرو بن عبيد إلا أن البخاري رحمه الله تعالى من باب التفنن في السياق أراد أن يورد الحديث في موضع آخر فغيره سياقه الأول إلى سياقه الثاني اكتفاء بثبوته في الموضع الأول .
قال المصنف : بابٌ كيف الأمر إذا لم تكن جماعة ؟
حدثنا محمد بن المثنى حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا ابن جابر حدثنا بسر بن عبيد الله الحضرمي أن سمع أبا إدريس الخولانى أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركنى فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شر قال نعم قلت وهل بعد الشر من خير قال نعم وفيه دخن قلت وما دخنه قال قوم يهدون بغير هدي تعرف منهم وتنكر منهم قلت فهل بعد ذلك الخير من شر قال نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا قال هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قال فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك .
قال الشيخ : يقول الإمام رحمه الله تعالى : بابٌ كيف الأمر : أي كيف يكون الحال والشأن إذا لم توجد جماعة إذا لم تكن جماعة مجتمعون على إمام كلمة واحدة ماذا نصنع ؟(1/81)
الجواب في الحديث . البخاري رحمه الله تعالى يتفنن في التراجم فتجده أحيانا يحذف جواب الشرط باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما , اكتفاء بما يريده من الخبر الذي فيه الجواب وأحيانا يورد الترجمة بالإستفهام كيف الأمر إذا لم تكن جماعة . إذا كانت المسألة في حكم : باب ما حكم كذا ؟ أو هل يجوز كذا ؟ إذا أوردها فالغالب أنه حيث لم تكن الدلالة صريحة من الخبر على الترجمة فعدم صراحتها أوجد عنده هذا التردد لكن هنا كيف الأمر إذا لم تكن جماعة ؟ فالنص صريح في الجواب .
حدثنا محمد بن مثنى هو موسى العنزي معروف قال حدثنا الوليد بن مسلم عالم الشام قال حدثنا بن جابر عبد الرحمن بن زيد بن جابر قال حدثنا يسر بن عبيد الله الحضرمي أنه سمع أبا إدريس الخولاني أبا إدريس ( عائذ الله بن عبد الله ) من العباد المعروفين أنه سمع حذيفة بن اليمان . أبو إدريس هذا يجلس كثيرا مع أبي مسلم الخولاني وكلاهما من خولان وكلاهما من أهل الزهد والورع والعبادة أبو إدريس عائذ الله ابن عبدالله وأبو مسلم عبدالله بن ثواب .
قوله ( الخير ) : إذا أقبل وصل لكن الشر إذا أقبل فكيف يُتقَّى ؟
( الشر ) : المراد بالشر هنا الفتن . حذيفة رضي الله عنه روي أحاديث الفتن كالمتخصص فيها
. كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن هذه الفتن ليتقيها ويحذر الناس من شرها
مخافة أن يدركني : أي وقتها أو شرها .
جاهلية وشر : من قتل وكفر ونهب وارتكاب فواحش غير ذلك فجاءنا الله بهذا الدين الذي
اجتمع فيه خيري الدنيا والآخرة .
قال نعم : والباب الذي يحول دون هذا الشر وهذه الفتن هو عمر رضي الله عنه وقد
كسر هذا الباب ثم تلاه مقتل عثمان رضي الله عن الجميع .
قلت وهل بعد ذلك الشر من خير : يأتي خير ومن أظهر وجوده ما حصل في عهد عمر بن
... ... عبدالعزيز رحمه الله .
قال نعم وفيه دخن : الدخن والدخان المراد به الكدر يعني إذا وجد في الجو شيء من الدخن(1/82)
والدخان تكدر الجو فكذلك ما اشتمل عليه ذلك الخير الذي هو الأصل خير
محض ولكنه يدخل فيه شيء يكره .
قال ما دخن قال قوم يهدون بغير هديي : يستنون بغير سنتي تعرف منهم وتنكرهم أهل وخير وفضل وصلاح لكن دخلهم إما من حرصهم زيادة في الحرص على الخير أو من غفلتهم دخل عليهم الدخن فشابوا العبادة المشروعة بما أدخلوه عليها من البدع فيهتدون بغير سنة النبي صلى الله عليه وسلم تعرف منهم بعض الأعمال وتنكر أيضا البعض الآخر .
قلت فهل بعد ذلك الخير من شر قال نعم : دعاة أبواب جهنم – نسأل الله السلامة والعافية – وجدوا في المائة الثالثة دعوا الناس إلى البدع وأشربوها قلوب بعض الولاة فامتحنوا الناس فيها وآذوهم وآذوا الأئمة بسببها . وهم يدعون إلى هذه البدع ويلزمون الناس بها ومازال الأمر كذلك البدع تزيد كل عصر بدع حديثة في كل عصر وفي كل مصر إلى أن وجد ممن ينتسب إلى هذا الدين من لا يعرف من الدين شيء لا يعرف من الدين إلا الاسم ولو قرأت في تراجم المتصوفة أو غيرهم من طوائف البدع المغلظة لعرفت حقيقة هذا الكلام يوجد في كتب التراجم يترجم لولي فرعون ولي من أولياء الله . وكان رضي الله عنه لم يسجد لله سجدة ولم يصم في سبيل الله يوما ولا فعل و لا فعل ولم يترك محذور إلا ارتكبه رضي الله عنه وأرضاه . عاد جاء واحد معلق على الكتاب يقول إذا كان هذا رضي الله عنه فلعنة الله على مَنْ .(1/83)
دعاة على أبواب منهم : وإذا مات مثل هذا وشيد على قبره ما يشيد و عُبد من دون الله . الضلال يا إخوان ما له حد , يعني قبر شخص يعبد على نطاق واحد في الأئمة , هو والذي يقول ألا بذكر الله تزداد الذنوب وتنطمس البصائر والقلوب والله سبحانه وتعالى يقول ( أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)(الرعد: من الآية28) ويعبد من دون الله . دعاة على أبواب جهنم وكتبهم الآن وقبل الآن تكتب بماء الذهب وتطبع على أفخم الورق وأجمل أنواع الطباعة ويتداولها المسلمون وكأنها وِرد يقرءونها ليل نهار ويتبركون بها وإذا حصل لهم الملمات اكتفوا بإخراجها دعاة على أبواب جهنم ووصل الأمر بالأمة إلى هذا الحد وافترقت الأمة على الفرق التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في النار إلا واحدة .
قذفوه فيها : وكانت الوسيلة لترويج هذه البدع الدروس والمؤلفات وتناقل الطلاب و الآن على أوسع نطاق دعاة الشهوات ودعاة الشبهات .
وكل واحد منهم على باب من أبواب جهنم يدعو الناس إلى شهوة أو إلى شبهه . على أوسع النطاق وهي تدخل هذه الدعوات إلى البيوت ويستمع إليها الصغار والكبار والرجال والنساء والأطفال والله المستعان نسأل الله أن يقي المسلمين شر هذه الفتن .
من جلدنا : من أنفسنا من عشرتنا من بيتنا .
يتكلمون بألسنتنا : بلغتنا لم يجيئوا من بعيد ليسوا بوافدين .
قلت فما تأمرني قلت فما تأمرني : اعتزال تلك الفرق كلها إن لم يكن هناك إمام .(1/84)
ولو أن تعفي تعفى بأصل شجرة : هذه كناية على أن تخرج لمواطن الشجر . من البراري والقفار والمزارع المنزرية البعيدة عن الأنظار وتعض على أصل الشجرة أي لا تتكلم . الزم نفسك عليك بخويصت نفسك حتى يدركك الموت وأنت على ذلك لأنك إن لم تستطيع النفع في مثل هذه الظروف فلا أقل من تسلم نفسك وتنجو بجلدك لا يؤثر عليك ولا تتأثر بأفعالهم ولا بأقوالهم ولا تشارك في رؤية ومشاهدة هذه المنكرات وتكثير السواد لرب المنكرات , انج بنفسك ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك .
سؤال : هل تنصحنا من الأخذ من الشيخ عبدالله بن جبر على الرغم من المز الذي قيل فيه ثم هل هو معتبر مثل الشيخ نُسْأل عنه .
الشيخ : نسأل الله العافية . هؤلاء الذين يلمزون مثل هؤلاء هم قطاع الطريق بالنسبة للتحصيل الشرعي , هؤلاء الذين يحولون بين طلاب العلم وبين شيوخهم .
يعني ينبري شخص فلان نكرة ويقول فلان علان يطعن في أئمة الإسلام شيوخ المسلمين إذا طعن الشيخ من يسلم لنا فعلينا بالكبار أمثال هذا الشيخ الجليل الذي نذر نفسه ووقته منذ عقود لخدمة الدين والعلم الشرعي والله المستعان .
قال المصنف : بابُُ من كره أن يكثر سواد الفتن والظلم .
حدثنا عبدالله بن يزيد حدثنا حيوة وغيره قال حدثنا أبو الأسود وقال الليث عن أب الأسود قال : قطع على أهل المدينة بعث فاكتتبت فيه فلقيت عكرمة فأخبرته فنهاني أشد النهي ثم قال أَخبَرني ابن العباس أن أناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتي السهم فيرمى فيصيب أحدهم فيقتله أو يضربه فيقتله فأنزل الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ)(النساء: من الآية97) .(1/85)
قال الشيخ : باب من كره أن يكثر سواد الفتن والظلم . من أراد أن يكثر ثواب الفتن والمراد سواد الأشخاص يكثر العدد وأهل الفتن والأصل في الفتن والفتنة الشرك وأهل الظلم . يطلق الظلم يراد به أيضا الشرك فتكسير سواد أهل الكفر الشرك والظلم وأيضا تكثير ثواب ما دون ذلك من أهل الفسق ومعاشرتهم ومخالتطهم لا شك أن ذلك له أثره على المُخالط .
من كره : يطلق الكراهية والمراد بها كراهية التحريم وهي ترد كثيرا في النصوص ويراد بها التحريم لا التنزيه وإن خصها العرف الخاص عند أهل العلم بكراهية التنزيه والترجمة إنما وقعت على أمر محرم كما سيأتي في الآية ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) بتكثيرهم سواد المسلمين فهذا أمر محرم . فالكراهية هنا كراهية التحريم .
يقول رحمه الله تعالى حدثنا عبدالله بن يزيد المقري الحافظ الثقة المعروف أحد العبادلة الذين إذا رووا عن ابن لهيعة قوي خبره قال حدثنا حيوة بن شريح وغيره ( هو ابن لهيعة ) . البخاري لا يخرج لابن لهيعة و لا يصرح باسمه وأبهمه هنا لأنه ليس على شرطة لجمهور وعلى تضعيفه فهو ضعيف فقال هنا ( وغيره ) والمراد به ابن لهيعة وجمهور العلماء على تضعيفه . إذا فعل مثل هذا الإمام روي عن أو اثنين أحدهما ثقة والآخر ضعيف فأسقط الضعيف واختصر على الثقة يجوز هذا أم لا يسوغ . يجوز . لماذا لأن هذا الضعيف وجوده كعدمه سواء ذكر أم لم يوجد أصلا لا يؤثر في الخبر ما دام المصرح به المعتمد عليه ثقة .(1/86)
وما الفرق بين مثل هذا وتدليس التسوية . الذي هو شر أنواع التدليس ؟ هذه مسألة مهمة قد تلتبس على بعض المتعلمين وإلا فموضع الفتن لا يتحمل مثل هذا التفصيل في الأسانيد ؟ لأن عندنا في مثل هذه الصورة لو كان عمدة البخاري ابن هليعة وليس عمدته حيوة هل يمكن أن يقول حدثنا حيوة لا يمكن بل حدثه حيوة وحدثه أيضا ابن هليعة فروى الحديث عن اثنين أحدهما ثقة والآخر ضعيف فأبهم الضعيف . نفترض أنه حذف الضعيف وقال حدثه حيوة وترك ابن هليعة أخرب عنه صفحا يؤثر هذا ؟ لا يؤثر .
تدليس التسوية مؤثر . كيف صار مؤثراُ ؟ صورة تدليس التسوية هي أن يروي الحديث عن ثقتين لقي أحدها الآخر بينما ضعيف يعني هذه الثقة يروى عن ضعيف عن ثقة فيحذف الضعيف له أثر في الباب في الحديث نعم لأنه أحد رواته الذي لا يمكن أن يستغنى عنه إنما جاء الحديث من طريقه لا من طريق غيره . هنا جاء الحديث من طريقه ومن طريق غيره .
وتدليس التسوية مؤثر يصعب الوقوف عليه لأن المسألة مفترضة في ثقتين لقي أحدهما الآخر لكن الراوي لم يرد عن من روى عنه هذا الحديث إلا بواسطة هذا ضعيف .(1/87)
حدثنا حيوة وغيره قال حدثنا أبو الأسود محمد بن عبدالرحمن الأسدى يُعْرف بيتيم عروة عن أبي الأسود وقال الليث عن أبي الأسود يعني حيوة قال حدثنا وابن هليعة قال حدثنا . الليث قال عن أبي الأسود قال أبو الأسود قطع على أهل المدينة بعث يعني فرض عليهم بعث أي جيش أو قطعة من الجيش تنتقى من أهل المدينة إلزاما ليقاتلوا أهل الشام في خلافة ابن الزبير فرض عليهم أن يبعثوا بعثا لقتال أهل الشام . يقول أبو الأسود فكتتبت فيه يعني كنت ممن وقع عليه الاختيار مع هذا البعث فلقيت عكرمة مولى ابن العباس فأخبرته أني اكتتبت مع هذا البعث فنهاني عن ذلك أشد النهي ثم قال أخبرني ابن عباس عكرمة مولى ابن عباس أخبره مولاه عبدالله ابن عباس أن أناثا منهم عمرو ابن أمية والحارث ابن زعمة وغيرهما كانوا من المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي في القتال يخرجون مع المشركين إما مجاملة أو من باب حب الاستطلاع أو لأمر من الأمور يخرجون مع المشركين يكثرون ثوابهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتي السهم . وتكثير السود له أثره في الحروب كيف ؟ لأن الخصم إذا رأى العدو كبير داخله ما داخله من رعب وخوف لكن لما يكون العدو قليل تولدت فيهم الجرأة والشجاعة وطمعوا فيهم لكن إذا كثر سوادهم دب إليهم الضعف . فيأتي السهم فيرمى فيصيب أحدهم أي من المسلمين الذين خرجوا مع المشركين (فيقتله) أو يضربه فيقتله أو يضرب بالسيف مثلا فيقتل وهو معطوف على فيأتي لا علي فيصيب لأن الإصابة هنا بالسهم والضرب يكون بالسيف فأنزل الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ)(النساء: من الآية97) يعني بخروجهم مع الكفار هذا ظلم للنفس لأنه ارتكاب المحرم بتكثير سواد المشركين أو الخوارج أو البغاة لا شك أن مثل هذا يفت في عضد المسلمين وفي عضد الطائفة راجحة الكفة المبغى عليها المطلوب نصرها والقتال معها فمثل هذا(1/88)
خلاف ما أراد الله عز وجل فهنا ظلم للنفس بلا شك الحديث من كلام ابن عباس يرويه عنه عكرمة يريد أن يكفه عن تكثير السواد فضلا عن القتال وفي هذا يؤيد ما نسب إلى عكرمة من كونه يرى رأي الخوارج هذا الحديث وإن كان من كلام ابن عباس إلا أن له حكم الرفع لماذا ؟ لأنه متعلق ببيان سبب نزول آية .تفسير الصحابي يرى الحاكم أنه مرفوع والجمهور خصوا من ذلك ما يتعلق بأسباب النزول قالوا له حكم الرفع وعدو ما فسره الصحابي رفعاً فمحمول على الأسباب محمول على أسباب النزول وليس مطلق فليس كل تفسير للصحابي حكمه الرفع كما يقول الحاكم وهنا معلق بنزول آية فله حكم الرفع لماذا ؟ لأن نزول الآية لا بد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم طرف في الموضوع وإن لم يذكر لأن النول إنما يكون عليه صلى الله عليه وسلم .
قال المصنف : باب إذا لقي في حثالة من الناس , حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب حدثنا حذيفة قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر . حدثنا أن الأمانة في حذر قلوب الرجال ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة . وحدثنا عن رفعها قال " ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت ثم ينام النومة فتقبض فيبقى فيها أثرها مثل أثر المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء ويصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة فيقال إن في بني فلان رجلا أمينا ويقال للرجل ما أعقله وما أظرفه وما أجلده وما في قلبه مثال حبة خردل من إيمان ولقد أتى عليّ زمان ولا أبالي أيكم بايعت لإن كان مسلما رده على الإسلام وإن كان نصرانيا رده عليّ ساعيه وأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلان وفلان .(1/89)
قال الشيخ : ( حثالة من الناس ) يعني أناس لا خير فيهم وهم من رفعت الأمانة من قلوبهم فيما دل عليه الخبر يقول رحمه الله تعالى حدثنا محمد بن كثير العيدي يقول أخبرنا سفيان الثوري يقول حدثنا الأعمش سليمان بن مهران عن زيد بن وهب الجهني قال حدثنا حذيفة بن اليمان قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين إما أن يكون المراد حدثين في مجلسه وإلا فقد حدثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألوف الأحاديث أو المراد في موضوع ذكر الأمانة ورفعها قد يقول قائل إن لحذيفة ابن اليمان أحاديث فكيف يحصرهم في حدثين يقال إن المراد بذلك إما يكون في المجلس نفسه أو يكون في موضوع الأمانة ورفع الأمانة هذين الحديثين . (رأيت أحدهما ) أي أدركت حصل أحدهما حصل والثاني ينتظر وأنا أنتظر الآخر حدثنا أن الأمانة أي المذكور في قوله تعالى ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا )(الأحزاب: من الآية72) لأن أمرها عظيم نزلت هذه الأمانة في جذر قلوب الرجال : في أصلها في عمق القلوب نزلت هذه الأمانة المراد بها إما الفطرة أو العهد الذي أخذ عليهم وهم في أصلهم آبائهم أو التزام التكاليف . المقصود أن هذه الأمانة نزلت في عمق القلوب ثم علموا من القرآن زيادة على هذه الأمانة التي نزلت في جذر القلوب وعمقها فتأكدت ثم علموا من السنة إضافة إلى ذلك فترسخت الأمانة في قلوبهم هذا حال الصحابة رضوان الله عليهم وحال من اقتضى أثرهم ممن لم يغيروا لم يبدل و لاَ على الفطرة وتعلم العلم الشرعي من أبوابه معتمداً في ذلك على الكتاب والسنة مثل هذا فالغالب الله سبحانه وتعالى يعينه وثبته ويسدده ولا تميل به الأهواء غالبا ثم علموا من السنة : إشارة إلى أن الاهتمام ينبغي أن يكون من كتاب الله عز وجل عند كل مسلم وعلى وجه الخصوص عند طلاب العلم ثم علموا من القرآن ثم علموا من(1/90)
السنة ففي ذلك تقديم الأهم فالأهم في تحصيل العلم الشرعي وفي المهم المهم أبدا لتدركه وقدم النص والأهواء فاتهم لا بد من البداءة من الأهم فالأهم يعني هل من إتقان المنهج وضبط المنهج أن يصير طالب العلم على القرآن فقط حتى يتقن القرآن حفظا وفهما وتفسيرا من جميع ما يتعلق به من جميع الوجوه قبل أن يبدأ في غيره من العلوم يحفظ القرآن قبل أن يحفظ شيء من العلوم الأخرى أو يكون حفظه القرآن بالتدريج مع العلوم الأخرى هنا في هذا الحديث ثم علموا من السنة لا شك أن العناية بالقرآن في غاية الأهمية لكن إذا عرفنا أن ابن عمر تعلم البقرة في ثمان سنة هل معنى ذلك أنه لم يتعلم من السنة شيء حتى تعلم القرآن كله لا لكن هذه مسألة اهتمام ينبغي لطالب العلم أن يجعل كل وقته واهتمامه للقرآن ولا يفضل على العلوم الأخرى حتى إذا كبر انتبها وقال اطلب العلوم الأخرى . وعلى كل حال المغاربة لهم طريقة والمشارقة لهم طريقة في هذا , المغاربة طريقتهم لا شيء من العلوم على القرآن حتى يتم حفظه وضبطه وإتقانه ثم بعد ذلك يتعلمون العلوم الأخرى فيكونوا بذلك قد ضمنوا حفظ القرآن , فإنه لو قدر لإنسان أن يتابع العلم الشرعي يكون عنده الأصل ويبني عليه وإن قدر له أن ظروفه لا تسمح له بمتابعة العلم الشرعي يكون قد ضمن إلي هو كتاب الله عز وجل .(1/91)
هذه طريقة المغاربة . طريقة المشارقة تختلف لهم عناية بكتاب الله عز وجل . لهم عناية بما يتعلق بكتاب الله لكنها تدريجية ، بمعني أن الطالب المبتدئ يحفظ قصار السور وشئ يسير من العلوم الأخرى ليتعلم أصول العلوم كلها وهو في الصغر ثم يبني عليها بعد ذلك . يتعلم يحفظ المفصل ويحفظ معه المتون المعتمدة عند أهل العلم من السنة والعقيدة والفقه وما يعنيه على فهم ذلك . على كل حال للطرق كلها نافعة . المقصود أن يعتني بكتاب الله عز وجل وبسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ويرص طالب العلم كل الحرص على العلم متابعة الأصلية من الكتاب والسنة ويترك القيل والقال والمصادر المختلفة في حكمها من العلوم الأخرى التي أقل أحوالها الإباحة , هذا إذا كان حريص على تعلم العلم الشرعي . نعم علوم أمور الدنيا هذه يقول أهل العلم أنها من فروض الكفايات يعني لا يجب أن تترك . مثل الصناعات والزراعات وغيرها وقل مثل ذلك في العلوم العصرية مثل الرياضيات والعلوم والطب والهندسة وغيرها . هذه على الأمة أن تتعلمها بقدر ما يكفي لا يزد على ذلك وإلا فالعلم الشرعي قدر مشترك للمسلمين كلهم مع الأسف تجد كثير ممن ينتسب إلى طلب العلم يضيع وقته هدر بون فائدة . يعني ما التفت إلى أمور الدنيا يجني من ورائها ما ينفعه ويقدمه لآخرته من بذل وإحسان وإنفاق في سبيل الله , تجده ينشغل بما لا ينفع . لا العلم الشرعي أدركه ولا علوم الدنيا نفع بها وانتفع والله المستعان .(1/92)
وحدثنا عن رفعها : رفع الأمانة وذهابها قال ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه . زرعت في جذر قلبه الأمانة ثم ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه . تقبض هكذا من غير أسباب منه هو سببها هو المتسبب في قبضها . بدون سبب تقبض الأمانة أو يكون قد تسبب في قبض الأمانة من قلبه وكل شئ له سبب الران الذي يغطي القلوب الران كسب العمل ( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين:14) هذا سببه العبد وليس بظلم من الله .(1/93)
ينام العشرة متساو الأعمال من خير وشر ثم تقبض من بعضهم دون بعض . كل إنسان مؤاخذ بما كسب . جاء في الخبر الآخر يصبح الرجل مؤمن ويمسي كافر والعكس هذا بسبب ما قدم وبسبب تعرضه لهذه الفتن . فيظل أثرها مثل الوكت : الوكت : السواد في اللون الأبيض والعكس ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه : فيزداد من الذنوب والمعاصي والشهوات والشبهات , ثم تقبض الأمانة من قلبه فيبقى أثرها فيه مثل المجل . المجل : غلظ الجلد من أثر العمل . لو وازنت بين اثنين أحدهما يعمل بيده وبنفسه والآخر مترف وليس بصاحب العمل لاشك تجد هذا جسمه ناعم يده ناعمة أما الذي يكد ويكدح ويعمل بيده ويتولى الأعمال بنفسه لاشك أن جلده غليظ يبقى أثرها مثل المجل . غلظ . كجمر دحرجته على رجلك الآن لو أتيت بجمرة أو وقعت جمرة على رجلك إما من المنجرة مثلا أو شيء ماذا تصنع هذه الجمرة ؟ كجمر دحرجته على رجلك فنفط انتفخ فتراه منتبرا يعني منتفخا يعني مرتفع وليس فيه شئ وليس في جوفه شئ . ويصبح الناس يتبايعون : أي السلع فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة لأنها سلبت في الغالب من غالب الناس فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة وهذا مع الأسف الشديد واقع كثير من المسلمين . من ينصح لأخيه المسلم ؟ إذا جاء المسترسل والمندفع الذي لا يعرف الأسعار ينصح له . مثل جرير بن عبد الله اشترى الفرس بـ 300 لما باعه صاحبه قال فرسك يستحق أكثر أشتريه بـ 400 فلما باعه قال لا فرسك يستحق أكثر إلا أن وصل إلى 800 . كثير من الباعة يتمنون مثل هذا المسترسل ويقول بعضهم إما بلسان مقاله وقد سمع أو بلسان حاله يسأل الله أن يأتي إليه بلهجة العوام : يأتي عليه عميان قلب مفتح .. يبغى واحد أي واحد خذ هات بأي ثمن هذا من النصح لكل مسلم هذا غش للمسلمين وإلا فالنصح لكل مسلم غير هذا . الآن ما يحصل في أسواق المسلمين لاسيما ما يتعلق بأمور النساء وقل أشباه النساء إذا جاءت المرأة دخلت المحل وقالت كم هذا المتر قال(1/94)
100 ريال يمكن ما كلف عشرة عليه ويحتج عليها يقول لو لم أقل مائة ريال ما اشترت . وهذا واقع يا إخوان لو قلت بعشرين ريال ما اشترت . تعرف إنه وسط فكثير من النساء والرجال يقيمون السلع بقيمتها فإذا كانت القيمة مرتفعة فالسلعة جيدة مثل هذا غش . تأخذ خمسة أضعاف بأي مبرر يعني حجته يقول لو قلت 20 ريال ما اشترت يقول كسدت البضاعة نقول مائة ريال وتروح صحيح هذا واقع كثير من النساء . لكن هل هذا مبرر لأن يأخذ خمسة أضعاف . اصدق يا أخي في بيعك وشرائك وليكن بيعك ضعيف بالنسبة لجيرانك وكسبك قليل لكن شئ يبارك لك فيه . اليسير مع البركة أفضل من الكثير مع نزعها . يقول ويصبح الناس يتبايعون السلع فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة لسلبها فيقال إن في بني فلان رجلا أمينا : لندرته الأمين نادر . ومن انتكاس الفطر وتغير المفاهيم . إيش يسمون صاحب القلب السليم . الأمين هو الذي نص عليه في الحديث صحيح يرمونه بالتغفيل هذا المحتاط لذمته ودينه في عرف الناس مغفل نسأل الله العافية ويقال للرجل ما أعقله وما أظرفه وما أجلده : يمدح على ألسنة الناس لماذا ؟ عفريت عاقل ذكي حازم ليش لأنه يضحك على الناس هذا هو العاقل !! العاقل الذي يهتم بالفاني ويترك الباقي . يا أخي ما نسبة بقاءك في هذه الدنيا بالنسبة إلى الآخرة لو أدركت حقيقة الأمر !!(1/95)
قوله : وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان : نعم الناس يعجبون بهذا الشخص المخادع الذي لا يخدع ما أعقله ما أدهنه ما أذكاه أما الشخص سليم الصدر سليم القلب هذا مغفل وما يدرون ما للبله عبد الله عز وجل . وزيادة الحرص والإهتمام والذكاء في الغالب نقص في الدنيا غالبا وفي الدين أحيانا يعني إذا جلست مجلس عشرة عشرين تجد هذا الشخص الذي يقال ما أعقله ما أذكاه كم خرج من خطيئته لأنه من ضحك على هذا وغمز هذا وذاك سليم القلب سليم الصدر خرج ما عليه شئ فيبغي أن يكون اهتمامنا منصب لما ينفعنا في الآخرة لأن الدنيا مهما طالت فانية والله المستعان .
ولقد أتى على زمان ولا أبالي أيكم بايعت : ما يهم أروح لفلان أو علان الآن إذا طلع الولد يشتري حاجة نقول لا تروح للمحل الفلاني يمكن يغشك أو يضحك عليك . حذيفة يقول لا أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلما رده على إسلامه . المسلم الذي اعتنق الإسلام يعمل بما دعاه إليه إسلامه يطبق الإسلام فلا يغش ولا يمكر ولا يفجر ولئن كان نصرانيا يعني أو يهوديا أو أي شخص .
مأذون ببقائه رده على ساعيه : الوالي يخاف من الوالي لعدله . الذي يتولى أموره مع غيره ممن ولاه الله أمرهم يقول وأما الآن أي بعد فقد الأمانة فما كنت أبايع إلا فلانا وفلانا أفرادا من الناس . يعني هم الذين لا يغشون ولا يفجرون والله المستعان . نعم(1/96)
قال المصنف : باب التقرب في الفتنة . حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حاتم عن زيد بن أبي عبيد عم سلمة بن الأكوع أنه دخل على الحجاج فقال يا ابن الأكوع ارتددت على عقبيك تعربت ؟ قال لا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لي في البدو . وعن زيد بن أبي عبيد قال لما قتل عثمان بن عفان خرج سلمة بن الأكوع الربذة وتزوج هناك امرأة وولدت له أولادا فلم يزل بها حتى قبل أن يموت بليال فنزل المدينة . حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن .(1/97)
قال الشيخ : قال الإمام رحمه الله تعالى باب التعرب في الفتن . وقبل ذلك هذا سؤال يقول في الدرس السابق لم تعلقوا على جملة تلزم جماعة المسلمين وإمامهم . هذا واقع في آخر الدرس بعد أن تأخرنا جدا يقول وتحدث البعض في ذلك . الكلام واضح . قلت فما تأمرني بعد أن قال دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا قال هم من جلدتنا أي منا ويتكلمون بألسنتنا يعني بلغتنا قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم , إمامهم من ولاه الله أمرهم لابد من لزوم جماعة المسلمين وإمام المسلمين . ولا يجوز الخروج عليه إلا إذا رأُي الكفر البواح على ما علقت عليه النصوص إذا رأي الكفر البواح حينئذ ساغ الخروج وأيضا ما دام يصلون لا يسوغ الخروج عنهم بحال ولو ارتكبوا ما ارتكبوا من ظلم ما لم يرى الكفر البواح وعلى كل حال إذا ارتكبوا من ظلم أو إيثار على ما تقدم عليك أن تؤدي الذي عليك وتسأل الله جلا وعلا الذي لك . فالذي ولي أمر المسلمين عليه أن يعدل وهو مطالب بنصوص كثيرة بالعدل بين الرعية وأطرهم على الحق لكن إذا قصر في ذلك فعلى من تحت يده السمع والطاعة ما لم يرى الكفر البواح . هنا يقول باب التعرب من الفتنة . التعرب : الإقامة في البادية مع الأعراب في رواية أبي ذر : التغرب أو التعرب فيه رواية التعرب هذه رواية أبي ذر وفيه أيضا التغرب وهو البعد . غرب عن باله بعد عن باله والتغرب الغربة من الإغتراب والبعد عن مواضع المدن فالمعاني متقاربة . التعرب : الإقامة في البادية مع الأعراب هذا ظاهر وهذا أكثر الروايات عليه . التغرب والإغتراب وهو رواية أبي ذر . الغربة والإغتراب عن الوطن المأهول إلى مكان خال وهذا في وقت الفتن . وأما التغرب فهو أيضا من البعد من قولك غرب عن بالي كذا يعني بعد عن ذهبي . وما زالت هذه الكلمة مستعملة في سكني البراري في أوقات الربيع أوقات العشب والكلأ يقال فلان عزب أو(1/98)
آل فلان عزبوا عازبين فهي مستعملة على كل حال أكثر الروايات على التعرب . يقول الإمام رحمه الله حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع والحديث رباعي . الواسطة بين البخاري وبين يزيد بن أبي عبيد اثنان وهويروي عن زيد ابن أبي عبيد بواسطة واحد . المكي بن إبراهيم . وغالب ثلاثيات البخاري بهذا الإسناد المكي بن إبراهيم عن زيد بن أبي عبيدة عن سلمة بن الأكوع أنه دخل على الحجاج : المقصود به أن يوسف الثقفي لما ولى عمرة الحجاز بعد قتل ابن الزبير سنة 74 هـ فقال له يا ابن الأكوع أنه ارتدت على عقبيك : أي سكنت في البادية تعربت بعد أن هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مخلصا لوجهه تعالى ولا شك أن التعرب بعد ا لهجرة مذموم بل لا يجوز من هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وترك وطنه أن يرجع إليه ولذا لا يجوز الإقامة للمهاجرين بمكة بعد أن يؤدوا مناسكهم أكثر من ثلاث الحجاج يقول ارتددت عل عقبيك تعربت .
قال سلمة : لا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُذن لي في البدوء أي في الإقامة معهم ولا شك أن هذا جفاء الحجاج يخاطب صاحبي جليل بهذا الأسلب ارتددت يا ابن الأكوع ارتددت على عقبيك !!!(1/99)
سلمة ابن الأكوع أذن له النبي صلى الله عليه وسلم فهو مخصوص من النصوص . نعوذ بالله من سوء الفتن فقال النبي عليه الصلاة والسلام ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط قال فكان قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الآية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) (المائدة:101) وقال عباس الترسي حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد حدثنا قتادة أن أنس حدثهم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم .... بهذا وقال " كل رجل لافا رأسه في ثوبه يبكي وقال عائذا بالله من سوء الفتن أو قال أعوذ بالله من سوء الفتن وقال لي خليفة حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد ومعتمر عن أبيه عن قتادة أن أنس حدثهم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بهذا وقال عائذا بالله من شر الفتن .
قال الشيخ : باب التعوذ من الفتن. وقد أمر المسلم أن يتعوذ من الفتن فتن المحيا وفتن الممات في كل صلاة يعوذ بالله من أربع وجمهور أهل العلم قال أن ذلك مستحب ويرى بعضهم أنه واجب وقد أمر طاووس ابن بإعادة الصلاة لما ترك التعوذ بالله من أبع .
باب التعوذ من الفتن يقول حدثنا معاذ بن فضالة البصري قال حدثنا هشام يعني الدستوائي عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه يعني ألحوا في السؤال . المسألة يعني السؤال فصعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم على المنبر , وفي رواية المنبر قال لا تسألوني أي في هذا اليوم عن شيء إلا بينت لكم أي بما يوحيه الله إلي وإلا فإنه عليه الصلاة والسلام لا يعلم من الغيب شئ إلا ما أطلع عليه قال أنس فجعلت انظر إلى الصحابة أي يمينا وشمالا فإذا كل رجل لافا رأسه في ثوبه يبكي لأنهم عرفوا من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب وتسببوا في غضبه عليه الصلاة والسلام حينما ألحفوا في المسألة وألحوا وأحفوه .(1/100)
فأنشأ رجل : بدأ رجل هو عبد الله بن حذافة كان إذا لاحى أي خاصم أحد حصل نقاش بينه وبين أحد نزاع وخصام يدعي إلى غير أبيه يشكك في نسبته إلى أبيه .
وعن يزيد بن أبي عبيد بالسند السابق يعني من طريق قتيبة بن سعيد قال حدثنا حاتم عن يزيد بن أبي عبيد قال لما قتل عثمان خرج سلمة بن الأكوع من المدينة إلى الربزة . الربزة : كلام أهل العلم فيها قديما وحديثا في تحديدها وموقعها متباين تباين كبير . منهم من يقول موضع بين مكة والمدينة واستفاض عند كثير من العلماء أنها الحتاكية هي الربزة . لكن الذي حققه من له عناية بالبلدان ثلاثة من الكبار الذين لهم عناية بالمواطن حققوا مكانها وحدد والآن إشارات تدل على المكان وخط يوصل إليها . في معجم الأمكنة الواردة في صحيح البخاري تكلم عن موطنها وذكر أنه ذهب إليه مع اثنين من الكبار وحددوها بدقة من خلال ما كتب عنها من شعر ونثر . فيراجع هذا المعجم . وتزوج هناك امرأة وولدت له أولادا فلم يزل بها حتى قبل أن يموت بليال نزل بالمدينة . كم مكث في الربزة ؟ 40 سنة من مقتل عثمان رضي الله عنه إلى سنة 74 هـ يقرب من أربعين سنة .
ثم بعد ذلك يقول : حدثنا عبد الله بن يوسف . هنا التعرب مذموم في الأصل للمهاجرين , مسلمة بن الأكوع أذن له . في الفتنة يأتي حديثها . هنا يقول حدثنا عبد الله بن يوسف التنبيسي قال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يوشك بكسر الشين وفتحها لغة رديئة ( أن يقرب) أن يكون خير مال المسلم غنم .)(1/101)
يتبع بها شعف الجبال : رؤوس الجبال ومواقع نزول القطر الذي هو المطر . يفر بدينه : أي يفر بسبب دينه من الفتن هذا خير ما يقتنيه المسلم . غنم لحاجته الضرورية إليها لدرها ونسلها . هذا خير ما يقتنيه المسلم في أيام الفتن , يخرج بها إلى الصحاري إلى القفار يتبع بها شعف رؤوس الجبال يتتبع بها مواضع القطر والسبب في ذلك يترك حياة الطرف والدعة والإخلاد إلى الراحة إلى العراء إلى حر الشمس وشدة البرد كل ذلك في سبيل حفاظه على دينه فارا بدينه خاشيا من الفتن يخشى الفتن على دينه فدينك دينك لحمك ودمك هو رأس مالك فإذا سلم الدين فالباقي مكسب . فإذا خشي الإنسان على دينه من أن يتعرض لنقص أو ذهاب فالدين الدين وما عدا ذلك من أمور الدنيا غير مأسوف عليها لأن الدنيا كلها لا تزن عند الله جناح بعوضة . هذه الدنيا بما فيها وما عليها من حطام فاني لو رآه الناس شيئا عظيما وتفاخر الناس به وتقاتلوا من أجله فإنه لا يزن عند الله جناح بعوضة . من يدرك حقيقة هذا المر . سعيد بن المسيب لما خطبت ابنته للوليد بن عبد الملك ابن الخليفة الواسطة السفير الخطيب يقول جاءتك الدنيا بحذافيرها يقول سعيد : إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة فماذا ترى يقص لي من هذا الجناح !! الدنيا كلها بحذافيرها لا تساوي جناح بعوضة ويزوج هذه البنت الذي طلبت لابن الخليفة يزوجها أحد طلابه الفقير الذي لا يجد شيئا والله المستعان .(1/102)
قال المصنف : باب التعوذ من الفتن . حدثنا معاذ بن فضالة حدثنا هشام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة . فصعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم على المنبر فقال لا تسألوني أي في هذا اليوم عن شيء إلا بينت لكم فجعلت انظر يمينا وشمالا فإذا كل رجل لافا رأسه في ثوبه يبكي فأنشأ رجل كان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه فقال يا نبي الله من أبي ؟ فقال أبوك حذافة ثم أنشأ عمر فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا .
الشريط الخامس
... ... ... * شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري *
... ... ... ... للشيخ الدكتور عبد الله الخضير ...(1/103)
الشيخ ( الشرح ) : اسألوني يعني في هذا اليوم وفي هذه الساعة عن شيء إلا بينته لكم يعني بما يوحيه الله إليه وإلا فهو عليه الصلاة والسلام لا يعلم من الغيب شئ إلا ما أطلع عليه قال أنس فجعلت انظر إلى الصحابة أي يمينا وشمالا فإذا كل رجل لافا رأسه في ثوبه يبكي لأنهم عرفوا من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب وتسببوا في غضبه عليه الصلاة والسلام حينما ألحفوا في المسألة وألحوا وأحفوه , فإذا كل رجل رأسه في ثوبه يبكي فأنشأ رجل , بدأ رجل هو عبد الله ابن حذافة كان إذا لاح خاصم أحد حصل نقاش بينه وبين أحد , نزاع , خصام , يدعى إلى غير أبيه , يشكك في نسبته إلى أبيه , قال أنت أبوك فلان وليس حذافة , فقال يا نبي الله من أبي فقال أبوك حذافة يعني حذافة بن قيس , ثم أنشأ عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فقال رضينا بالله ربا , لما رأى الغضب في وجه النبي صلى الله عليه وسلم , قام عمر وهو صاحب المواقف وفي هذه منقبة له رضي الله عنه وأرضاه فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا بما جاء به من وحي , واكتفينا بذلك عن السؤال , لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم , دعوني , ذرو ني ما تركتكم لأن بعض الأسئلة تولد إجابات تحمد عقباها فيها فمن بعد عن شيء وسبب مسألته جاء الوعيد في حقه , نعوذ بالله من سوء الفتن , هذا من كلام عمر رضي الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط , ما رأى في الخير ما أراه في الجنة حينما صورت له دون الحائط , فقال النبي عليه الصلاة والسلام ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما إنها القدرة الإلهية لكشف الحجب وإن كشفت وإن بعدت صالحة إن الله على كل شيء قدير .(1/104)
الشيخ ( الشرح) : حتى رأيتهما دون الحائط يعني بيني وبين الحائط وحصل له أن رأى النار وهو في صلاة الكسوف متكعكع عليه الصلاة والسلام تأخر وتقدم , المقصود أن مثل هذه الأمور مما يجب تصديقه والتسليم بها , لأن هذه الأمور لو ترك المجال فيها لعقل ابن آدم الضعيف ما استوعبها لكن على المسلم أن يرضى ويسلم , فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال قتادة في السند السابق , معاذ بن فضالة قال حدثنا هشام عن قتادة , يذكر هذا الحديث عند هذه الآية , هذا الحديث يقرن بهذه الآية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ )(المائدة: من الآية101) يعني جاء الجواب , من أبي قال أبوك حذافة , جيد أجاء الجواب مطابق لما يريده السائل , لكن لو تصور أنه قال أبوك فلان غير أبوه الذي ينتسب إليه , كيف يكون وقعه عليه , في مثل هذه الأمور التي مشت ودرج الناس عليها واستفاض بين الناس أن فلان هو ابن فلان لا ينبغي التنقيب عنها ولا التشكيك فيها ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ )(المائدة: من الآية101) فيذكر الحديث مع هذه الآية كالسبب لترولها وكالتفسير لها , وقال عباس وابن الوليد النرسي قال حدثنا يزيد بن زريع هذا معلق وصله أبو نعيم في مستخرجه , قال حدثنا سعيد قال حدثنا قتادة أن أنس حدثهم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بهذا بما ذكر وقال كل رجل لافا رأسه في ثوبه يبكي يخشى العقوبة , الذي يغضب النبي صلى الله عليه وسلم يغضب الله عز وجل وإذا غضب الله عاقب وقد تعجل العقوبة وإن أجلت فالأمر أشد , إن أجلت ليوم القيامة وادخرت لصاحبها فالأمر أعظم , قال كل رجل منهم عائذا بالله من سوء الفتن أو قال أعوذ بالله من سوء الفتن , شك الراوي هل قال كل واحد , اسم الفاعل عائدا وهو يعمل عمل فعله أو بالفعل أعوذ بالله من سوء الفتن في بعض(1/105)
الروايات من شر الفتن , وقال لي خليفة بن خياط يقوله البخاري وقال لي هذا معلق ولا موصول ؟ يعني لو قال البخاري وقال خليفة بن خياط , احتمل , والخلاف معروف , ولكن وقال لي خليفة ابن خياط هذا موصول بلا شك .
الشيخ ( الشرح) : لكن هل هو مروي على سبيل التحديث أو على سبيل المذاكرة , بعضهم يقول أنه مذاكرة لكن لا دليل معه على ذلك إنما العدول عن حدثنا وقال لي تفنن في العبارة , وقال لي خليفة بن الخياط , حدثنا يزيد بن زريع , حدثنا سعيد أبي عروبة معتمر إيمان عن أبيه سليمان بن طرخان التيمي عن قتادة أن أنس حدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا , وقال صلى الله عليه وسلم " عائذا بالله من شر الفتن " لما قالوا نعوذ بالله من شر الفتن قال عليه الصلاة والسلام " عائذا بالله من شر الفتن " قال عمر رضي الله عنه نعوذ وبالله من شر الفتن قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك , وهذا الشاهد التعوذ من الفتن وليس المراد بالفتن فتنة الإنسان في ماله وولده هذه أمرها سهل تكفرها الصلوات لكن الفتن التي هي تحطم الدين من الشرك فيما دونه , فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم الفتنة . زيغ في أديانهم هذا خطر عظيم فالفتن اليسيرة فتنة الإنسان في ماله فتنة في ولده فتنة الإنسان أمرها يسير تكفرها الصلوات لكن الكلام في الفتن التي هي تحطم الدين هذه هي التي يستعيذ منها الإنسان ويحرص أشد الحرص ألا يعرض نفسه لها , نعم .(1/106)
قال المصنف : باب قول النبي صلى الله عليه وسلم الفتنة من قبل المشرق حدثني عبد الله بن محمد قال حدثنا هشام ابن يوسف عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام إلى جنب المنبر فقال الفتنة هاهنا الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان أو قال قرن الشمس . حدثنا كتيبة ابن سعيد قال حدثنا ليث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستقبل المشرق يقول ألا إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان . حدثنا على ابن عبد الله قال حدثنا أزهر بن سعد عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال ذكر النبي صلى الله عليه وسلم اللهم بارك لنا في شئمنا اللهم بارك لنا في يمننا قالوا وفي نجدنا .
قال المصنف : قال اللهم بارك لنا في شئمنا اللهم بارك لنا في يمننا قالوا يا رسول الله وفي نجدنا فأظنه قال في الثالثة هناك الزلازل وبها يطلع قرن الشيطان , حدثنا إسحاق الواسطي قال حدثنا خلف عن بين وبرة ابن عبدالرحمن عن سعيد ابن جبير قال خرج علينا عبدالله ابن عمر فرجونا أن يحدثنا حديث حسن فقال فبادرنا إليه رجل فقال يا أبي عبدالرحمن حدثنا عن القتال في الفتنة والله يقول فقاتلوهم حتى لا تكون فتنة فقال هل تدري ما الفتنة ثقلتك امك إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين وكان الدخول في دينهم فتنة وليس كقتالكم على الملك .(1/107)
الشيخ ( الشرح ) : يقول الإمام رحمه الله تعالى باب قول النبي صلى الله عليه وسلم , الفتنة من قبل المشرق وهذا من علامة نبوته عليه الصلاة والسلام , جميع الفتن على ممر التاريخ مصدرها من المشرق يقول الإمام رحمه الله تعالى حدثني عبدالل بن محمد هو المسندي الجعفي قال حدثنا هشام ابن يوسف الصنعاني عن معمر ابن راشد عن الزهري عن سالم عن أبيه الزهري محمد بن شهاب عن سالم بن عبدالله بن عمر عن أبيه وهذا مما قيل فيه أنه أصح الأسانيد جمع ابن حنبل الزهري عن سالم أبيه البري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام إلى جنب المنبر فقال الفتنة هاهنا الفتنة هاهنا وأمأ بيده إلى المشرق من حيث يطلع قرن الشيطان أو قال قرن الشمس , في رواية قرناء الشيطان بالتثنية فقيل إن له قرنين حقيقتا وفيل ناحية رأسه , أو قال قرن الشمس أو حاجبها حينما يطلع حاجبها قرنها حينما يطلع جانبها الأول فالشيطان قارن للشمس في مطلعها وفي مغربها فالشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان لماذا ليكون سجود عبدة الشمس له لأن هناك من يعبده .(1/108)
الشيخ ( الشرح ) : وإذا جاء النهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها في الحديث عقبة ابن عامر يقول ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا ان نصلي وأن نقبر فيهن موتانا حينما تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحينما يقوم قائم الظهيرة وحينما تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب , هذه هي الوقات الثلاثة المضيقة النهي فيها شديد فعلى المسلم ألا يصلي في هذه الأوقات الثلاثة ولا ذوات الأسباب بقي من أوقات النهي الوقتان الموسعان بعد طلوع الصبح إلى ومن صلاة العصر إلى قبيل المغرب , المضيق من طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح وحينما يقوم قائم الظهيرة حينما تكون الشمس في كبد السماء وحينما تميل الشمس للغروب تتضيق للغروب حتى تغرب والأوقات المنهي عنها عن الصلاة من طلوع الشمس ومن طلوعها حتى ترتفع واختلاف النهي شدة وخفه جعل أهل العلم هذين الوقتين وإلا أن يقول القائل أن يقول لماذا لا نقول وقت واحد من طلوع الصبح إلى أن ترتفع في وقت واحد لماذا هذا لأن النهي أشد فهما وقتان وقت موسع والنهي فيه خفيف ووقت مضيق والنهي فيه شديد ولذا يرى رجال من أهل العلم كابن عبدالبر مثلا وابن رجب أن النهي عن الصلاة في الوقتين الموسعين لا لذات الوقتين وإنما هم من باب الاحتياط إلى الوقتين المضيقين لا ليسترسل الإنسان يصلي بعد طلوع الصبح حتى طلع الشمس فيقع في الحرج في الوقت المضيق ولئلا يسترسل في الصلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس فيقع في وقت مضيق لكن نهي عن الصلاة بعد الصبح ونهي عن الصلاة بعد العصر من باب الاحتياط لهذين ا لوقتين المضيقين لأن الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني شيطان نهى عن الصلاة قبل ذلك احتياط . المسألة بسطت في كتابات كثيرة فنقتصر منها على هذا .(1/109)
الشيخ ( الشرح ) : يقول الإمام رحمه الله تعالى حدثنا كتيبة بن سعيد البلغي قال حدثنا ليث عن نافع عن ابن عمر , اليث هو الإمام بن سعيد النافع مولى ابن عمر عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستقبل حال كونه مستقبل المشرق جة المشرق لأن أهله في ذلك الوقت أهل كفر يقول ألا إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان حيث يطلع قرن الشيطان وهذا في معنى ما سبق . ثم قال حدثنا على ابن عبدالله ابن المديني حدثنا أزهر بن سعد السمان عن عبدالله ابن عون عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال ذكر النبي صلى الله عليه وسلم اللهم بارك لنا في شئمنا اللهم بارك لنا في يمننا قالوا وفي نجدنا ما أجاب النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم بارك لنا في شئمنا اللهم بارك لنا في يمننا قالوا يا رسول الله وفي نجدنا فأظنه قال في الثلاثة هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان يقول الخطابي نجد من جهة المشرق ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها وهي مشرق أهل المدينة وأصل نجد ما ارتفع من الأرض , مثل هذا الحديث يستغله من يريد في هذه البلاد وفي أهلها وفي الدعوة التي هي الدعوة المباركة دعوة التجديد التي قامت على يد الشيخ محمد ابن عبدالوهاب بمناصرة الإمام محمد ابن سعود ولذا تجد كثير من المناوئين لهذه الدعوة يرددوا مثل هذا الحديث وأن المقصود به نجد وأهل نجد هذه التي هي بهذا الإسم , أولاً النجد هو كل ما ارتفع عن الأرض نجد هذا الأصل في التسمية كل من ارتفع من الأرض يسمى نجد ونجد التي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في كلام الشراح هي قاطبة قالوا بادية العراق ونواحيها وتجد بعض المناوئين يسمي أهل هذه البلاد بالقرنين نسبة إلى قرن الشيطان ولا شك أن هذا تلبيس .(1/110)
الشيخ ( الشرح ) : يعني الاشتراك في الإثم هل يعني اشتراك في الحقيقة لا يلزم , لا يلزم من الاشتراك في الإثم الاشتراك في الحقيقة والحد فالمناوئون لهذه الدعوة المباركة ولأهل هذه البلاد هذه الدعوة قد قامت على تجريد التوحيد وتصفيته وتنقيته من شوائب الشرك والبدع لا بد أن يشرك بها ناس عاشوا وارتزقوا على هذه البدع فقالوا ما قالوا والله الموعد لكن الاشتراك في الإثم لا يعني الاشتراك في الحقيقة , الخطابي هل هو من أهل هذه البلاد حينما يقول هذه البلاد من بُست في أقصى المشرق الخطابي يعني قول النبي صلى الله عليه وسلم يخبر عن شيء يعني أهل العراق يمكن ينفون هذا الكلام هو الواقع , الخطابي في أقصى المشرق من بُست ويقول نجد من جهة المشرق من كان بالمدينة كانت نجده بادية العراق فنجد المذكورة في هذا الحديث وفيما جاء في معناها ليس المراد بها المسماة بهذا الاسم وإن اشتهرت بهذا الاسم وعرفت به لكن الأصل لكن المراد بالنجد هو كل ما ارتفع نجد , في الدعوة التي دعاها النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة لأهل الشام وأهل اليمن لا شك أن الشام بلاد مباركة وفي مطلع سورة الإسراء "الذي باركنا حوله" كل ما حول المسجد الأقصى مبارك وجاءت النصوص الكثيرة في اليمن ومدح اهل اليمن والإيمان يمانن والحكمة يمانية فمثل هذا لا يستحق وليس معنى هذا أنه إذا لم يدعو لأحد بلاد شر , نعم يكون لهذا البلاد الذي دُعيا لها مذية بالبركة , مكة والمدينة مكة حرمها الله عز وجل والمدينة حرمها النبي صلى الله عليه وسلم وهما أفضل البقاع , والمدينة فيها لئوي وفيها شدة لا يصب على لئوائها إلا من يسكنها ويصبر على لئوانها يستجق الشفاعة على كل حال كونها فيها شدة وفيها لئوي , ومكة نفس البقاع في واد غير ذي زرع هل ينقص من قدرها ما ليست بذات ذرع , والزرع كله في الشمال والجنوب بل هذه الدنيا , الجمال يسمونه جمال الطبيعة , الكفار بها أحق , لماذا لأن هذه الدنيا(1/111)
جنة الكفار .
الشيخ ( الشرح ) : والمسلم جنته الدنيا , يُدخر له نصيبه كامل وتجدون مثل هذه الأمورمن جمال الطبيعة وجمال الجو وطيب الهواء تجد أكثر من يتمتع به ويرتع فيه غير المسلمين ولا يضر المسلمين هذا أبداً لأن أجورهم تدخر لهم يوم القيامة يدخر لهم ذلك في جنة عرضها السموات والأرض فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر يعني كون بعض الناس إذا سافر يمين وشمالا إلى بلاد الكفر يأتي معجب ومفتون يعني أن هذا مبرر أن الله سبحانه وتعالى لا يريد الخير للمسلمين لا , الدنيا يعطيها الله سبحانه وتعالى لمن يحب ومن لا يحب لكن الدين لا يعطيه إلا لمن أحب فقوله اللهم بارك لنا في شئمنا اللهم بارك لنا يميننا لا شك أن هذه البركة أو هذه الدعوة ظهر أثرها فيما بعد في تلك الجهات وقالوا وفي نجدنا وعرفنا المارد بنجد في قول الخطابي وغيره , اللهم بارك لنا في شئمنا اللهم بارك لنا في يميننا قالوا يا رسول الله وفي نجدنا فأظنه قال في الثالثة أو هنالك الزلازل والفتن يعني غالبا ولقد توجد الزلازل في غيرها ومن ناحيتها يخرج يأجوج ومأجوج من جهة الشرق والدجال وغير ذلك العلامات الكبرى للساعة ( وبها يطلع قرن الشيطان ) لا شك ان الشمس تطلع من المشرق وقرن الشيطان أو قرني الشيطان مصاحبان لطلوع الشمس .
ثم قال رحمه الله حدثنا إسحاق الواسطي في رواية عن عساكر حدثنا إسحاق ابن شاهين الواسطي قال حدثنا خلف خلف هذه الرواية وفي كثير من الرويات خالد , ولعله هو الصواب والمراد به خالد بن عبدالله القحطان عن بيان عن بشر عن وبرة ابن عبدالرحمن الحارثي عن سعيد ابن الجبير قال خرج علينا عبدالله ابن عمر فرجونا أن يحدثنا حديثاً حسنا يعني فيه ما يدخل السرور والبشارة تسرنا حسنك قال فبادرنا إليه رجل جاءت التسمية بأنه حكيم فقال يا أبي عبدالرحمن هذه كنية ابن عمر حدثنا عن القتال في الفتنة .(1/112)
الشيخ ( الشرح ) : والله يقول " وقاتلهم حتى لا تكن فتنه " هذا الرجل ساق هذه الآية ليحتج بها على شروعية القتال في الفتنه ردا على من ترك ذلك واعتزل في الفتن كابن عمر وسعد ابن أبي وقاص وجمع من الصحابة اعتزلوا فأرادوا أن يحتج هذا الرجل على ابن عمر لا تعزل والله سبحانه وتعالى يقول " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " فقال ابن عمر هل تدري ما الفتنة ثقلتك أمك يعني هذه كلمة يدعى بها على الشخص لا يقصد بها الدعاء وإلا وقد جاء من قوله صلى الله عليه وسلم ثقلتك أمك يا معاذ الدعاء على معاذ ثقلتك أمك إنما كان محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين , وهنا القتال الدائر في الفتنه بين المسلمين إنما كان محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين وكان الدخول في دينهم فتنه يفتنون و يعذبون ليرتدوا عن دينهم هذه الفتنه الشرك والفتنة أشد من القتل الفتنة التي هي الردة أشد من القتل , ويقول كان الدخول في دينهم فتنة نتيجة التعذيب يرتدوا عن دينهم هذه هي الفتنة وحينئذ قاتلوا المشركين حتى لا تكون فتنة بحيث يعذب المسلمين فيردهم إلى دينهم يقول ابن عمر وليس كقتالكم على الملك يعني ابن عمر ترجح عنده أن يعتزل لأنه قتال بين المسلمين وعلى ملك على الدنيا , هذا فيما ظهر لابن عمر وظهر لسعد ابن أبي وقاص وفي العزلة ممدوحة لكن إذا ظهر رجحان الكفة وترجح الحق مع طائفة وإن كانت الطائفة الأخرى لكن نصيبها من الحق أقل ما لا يسمونه في عرف الشرع الطائفة المرجوحة عمار تقتله الفئة الباغية , إذا ترجح عندك بحيث لا يحصل عندك أدنى شك أن الحق مع فلان هل يسوغ للناس أن يعتزلوا ويترك الناس يتطاحنون ويتقاتلون لا ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)(الحجرات: من الآية9) لا بد من السعي إلى الصلح لا بد أن يكون السعي إلى الصلح أولا إن لم يفد الصلح وما رضي أحد من الأطراف التنازل فقاتلوا التي تبغى لا بد من قتال(1/113)
البغاة ولو ترك البغاة شأنهم وقيل هذه فتنة نعتزل نعم إذا إشبها عليك الأمر فالسلامة لا يعد لها شيء .
الشيخ ( الشرح ) : إذا ترجح عندك بالأدلة الشرعية أن الحق مع هذه الفئة وأن الفئة الثانية عليك نصر الفئة الأقرب إلى الحق يعني نفترض أن المسألة في علي ومعاوية رضي الله عنهم جميعا أيهم أقرب إلى الحق عند أهل السنة والجماعة علي رضي الله عنه والأدلة تدل على ذلك كثيرة جدا والخوارج يقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق أو أولا الطائفتين بالحق وعمار يقتله الفئة الباغية إذن الرجحان رجحان الكفة مع علي رضي الله عنه لا بد من نصر من رجحة كفته وإلا لو ترك الأمر بين الناس يقتتلون وكل واحد قال أني أعتزل الفتنة تزداد الفتن ولا ينقطع دابر الشر من لم يتبن له الأمر ولم يترجح لديه هذا ولا هذا فسعد ابن أبي وقاص اعتزل, عبدالله ابن عمر اعتزل يعني خيار الصحابة مع أن الأمة مأمورة بأن تقف مع صاحب الحق بالآية (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)(الحجرات: من الآية9) نعم القتل والقتال ليس بهدف شرعي لا بد من الصلح لا بد من المساعي السلمية لوقف القتال والاقتتال لكن إذا لم تنجح المسائل السلمية وإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء حتى ترجع إلى أمر الله ولذا يقول ما الفتنة ثقلتك أمك إن كان محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين وكان الدخول في دينهم فتنة يعني هذه الآية نزلت فيمن تعرض لأن يفتن في دينه فيكفر هذه فتنة , والفتنة أشد من القتل كون الإنسان يعرض نفسه لمثل هذا خوفا على دينه أن يفتن وأن يقتل نعم الفتنة أشد من القتل لكن في ديننا سعة ولله الحمد إذا اكره الإنسان على الكفر وإلا يقتل جاء في حقه ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ)(النحل: من الآية106) يجيب إلا ما يطلبونه وقلبه مطمئن بالإيمان فالإكراه وما ينطق به مما لو كان في حال السعة(1/114)
يكفر به هو في مثل هذه الحالة حال الإكراه هو معذور , وليس كقتالكم على الملك هذا رأي ابن عمر أنه رأى أن هذا القتال من علي ومعاوية وأنصار علي وأنصار معاوية إنما هو من أجل الملك ومن أجل الدنيا ومعروف أن ابن عمر وعزوفه عن الدنيا , وسعد ابن أبي وقاص لما جاءه ولده في قصر له بالعقيق قال الناس يقتسمون الدنيا وأنت جالس هنا بما أجاب ؟ أجاب بالحديث ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار )
الشيخ ( الشرح ) : السلامة لا يعد لها شيء لكن مثل ما قلنا أنه إذا ترجحت كفة أحد الطرفين فقاتلوا التي تبغي الفئة الباغية لا بد من الصلح هذا أول ما يبدأ به الصلح " فأصلحوا بينهما " إن لم تنجح المسائل السلمية والصلح حينئذ فقاتلوا التي تبغي والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله بينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
الشيخ ( الشرح ) : الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله بينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أجمعين يقول المؤلف رحمه الله تعالى باب الفتنة التي تموج كموج البحر , وقال ابن عيينة عن خلف ابن حوشب كانوا يستحبون أن يتمثل بهذه الأبيات عند الفتن باب الفتنة التي تموج كموج البحر يعني تضطرب كاضطراب البحر عند هياجانه وقال ابن عيينة سفيان عن خلف ابن حوشب الكوفي كانوا يعني السلف يستحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند الفتن يعني عند نزولها وحدثوها قال إمرؤ القيس ابن عابس الكندي كذا جزم المؤلف رحمه الله وجزم المبرد في الكامل والسهيلي في الروض شرح السيرة أن الأبيات لعمر ابن معدي كرب الحرب أول ما تكون فتيته الحرب مؤنثة وقد تذكر أول ما تكون فتيته شابتا قويه تسعى بذبذبتها لكل جهول , في رواية سيبويه بذبنتها أي لباسها الجيد , جاء زيد في بذة يعني في لباس حسن وجيد
الحرب أول ما تكون فتيتة ... ... تسعى بذبنتها لكل جهول(1/115)
الجهول هو الغمر الذي يمكن أن يُخدع ويؤثر عليه فهذه الحرب وهذه الفتن تستشرف في أمثال هؤلاء ثم إذا كثر هؤلاء وتأثر بعضهم ببعض دخل فيها من غير اختيار كل من حولها الحرب أول ما تكون فتيتة تسعى بذبنتها لكل جهول حتى إذا اشتعلت هاجت وشب ضرامها أي ارتفع اشتعالها تشبيها لها بالنار وبين الحرب والفتن والنار ارتباط وثيق فالحروب توقد لها النيران حتى إذا اشتعلت هذه الفتنة والحرب واشتعلت النيران من أجلها وشب ضرامها ارتفع اشتعالها في الجو ولت إذا اشتعلت واشتبك الناس ولت عجوز غير ذات حليل مقبلة شابة فتيه ثم إذا اشتبك الناس وتورطوا ولت عجوز غير ذات حليل .(1/116)
الشيخ ( الشرح ) : لا يرغب أحد بالزواج بها ليست بذات حليل لأن من يوقد النيران ويشعل فتيل الحرب ويؤجج الفتن بين المسلمين هذا لا يرغب فيه أحد لأنه سبب المصائب والحوادث والكوارث مثل هذا شبهه الشاعر بالعجوز التي ليست بذات حليل ما يسر به الزوج لأنه لا يرغب فيها لكن لما كانت مقبلة شابة استهوت الجهال فاقتحموا غمراتها فلما اقتحم الجهال وكثروا دخل فيهم من غير اختيار أقحم فيها وأقحم من ليسوا من الجهال فعمت الجميع فلما تورط الناس واشتبكوا ولت وأدبرت عنهم لا أحد يرغب فيها لأنها عجوز شمطاء ولت عجوز غير ذات حليل شمطاء , والشمط اختلاف أو اختلاط الشعر الأبيض بالأسود , شمطاء ينكِر لونها أو ينكَر لونها شمطاء ينكر لونها وتغيرت أي تبدل حسنها قبحا مكروهة للشم والتقبيل ولذا لا يرغب فيها أحد لأنها عجوز شمطاء قبيحة المنظر قبيحة الرائحة , مكروهة للشم والتقبيل من يريد مثل هذه وهذا مطابق لهذه الفتن وهذه الحروب لا شك أنها تقبل فتيه نشيطة يستشرف لهل الجهال والأغمار ثم يدخل فيها غيرهم ثم إذا اشتبكت والتحمت ولت شمطاء وقد يكون وجه التشبيه من وجه آخر أن الناس فيهم قوة وشباب وحماس ونشاط في أول الحرب ثم إذا طال أمد هذه الحرب تركتهم الحرب وقد ساروا في وضع يشبه هذه الشمطاء تبعثرت أحوالهم وتفرقت جماعهم فلا يرغب أحد في السكنا معهم لأن هذه الحروب أخذت مأخذهم منهم , ثم قال الإمام رحمه الله تعالى حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حفص بن غياث قال حدثنا الأعمش سليمان ابن مهران قال حدثنا شقيق هو ابن سلمة أبو وائل سمعت حذيفة ابن اليمان يقول بينما نحن جلوس عند عمر , حديث حذيفة في الفتن , على كل حال الأبيات الثلاثة التي فاتت الفائدة منها ومن التمثل بها في أوقات الفتن الفائدة من ذلك الحذر من الدخول في هذه الفتن والإغترار فيها والإشتراك فيها ليكون الإنسان على ذكر من نهايتها وفي بدايتها تستهوى الأغرار والجهال ومن لديه حب(1/117)
الاستطلاع ومعرفة ما سيؤول إليه الأمر هؤلاء تستهويهم .
الشيخ ( الشرح ) : فيذكر الإنسان بالعواقب قبل الدخول في أوائلها لأنه إذا دخل في أولها وتورط فيها فالنتيجة حتمية ومعلوم أن مثل هذا يكون في الفتن التي بين المسلمين مما لا يترجح فيه إحدى الكفتين ثم بعد ذلك حديث حذيفة بينما نحن جلوس عند عمر إذ قال أيكم يحفظ قول النبي صلى الله عليه وسلم هنا قال حذيفة الضمير يعود على حذيفة قال وفي علامات النبوة من الكتاب فيما تقدم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مرفوع للنبي عليه الصلاة والسلام وإن وقفه أوقف على حذيفة . فتنة الرجل في أهله وتكون بالميل إليهم بحيث يأتي بسبب ذلك بعض ما لا يحل يفتتن بأهله يميل إلهم يجبهم وهذه المحبة قد تورث في بعض الأحوال تقديم طاعتهم وتحقيق رغبتهم فيما لا يرضي الله عز وجل هذه فتنه , وماله بحيث يستهويه الطمع في الكسب إلى أن يكتسب المال في غير حله فيأخذ من غير حله أو يصرفه في غير مصرفه الشرعي هذه فتنه المال , المال ورود و صدور إيرادات و مصروفات فتنة المال تكون في إدارة من غير وجوه شرعية وفتنه المصرف في أن يصرف في غير ما أباحه الله عز وجل , وولده بحيث يحمله فرط محبته لولده على التراخي عن كثير من أعمال الخير أو مزاولة بعض ما لا يحل فالولد مبخلة مجبطة قد يبخل بما أوجب الله به عليه ملاحظة لولدة قد يطلب من ولده شيئا فلا يستطيع الحصول عليه إلا من وجوه غير مشروعة هذه فتنة فهذه فتن فتنة الرجل في أهله وفي ماله وفي ولده فتنة واعظة في جاره في سوء الجوار مع جاره في حسد جاره , المفاخره مع جاره هذه الفتن تهون عن الفتن التي تموج كموج البحر تهون قال هذه تكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , الصلاة الصلوات الخمس إلى الصلوات الخمس , العمرة إلى العمرة , رمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهم شريطت أن تجنبت الكبائر فالتي تكفرها الصلاة ورمضان والعمرة والأمر والنهي هذه(1/118)
الصغائر و أما الكبائر فلا بد من التوبة منها ولذا جاء القيد ما اجنبت الكبائر ما لم تغشى كبيرة .
الشيخ ( الشرح ) : ما لم تغشى كبيرة , ما اجتنبت الكبائر وما لم تغشى كبيرة فهذه الأعمال الصالحة إن الحسنات يذهبن السيئات والمراد بذلك أهل العلم , الصغائر كما في القيود التي ذكرناها ما اجتنبت الكبائر ما لم تغشى كبيرة الواضح في أن المراد من السيئات الصغائر في قوله جلا وعلا . إن تجتبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم مجرد اجتناب الكبائر كفيل تكفير الصغائر فقد يقول قائل هذه الصغائر كفرتها الصلاة فماذا بقي لرمضان وماذا بقي للعمرة وماذا بقي لاجتناب الكبائر , قد يقول قائل , ارتكب صغيرة وصلى وانتهت نقول هذه الأعمال الجليلة تكفر الصغائر فإذا أتت على الصغائر كلها خففت من الكبائر , خففت من الكبائر لكنها لا تكفرها بحيث تذهب أثرها بالكلية وقد يرفع للعامل بها درجات إذا توجد الصغائر لكن لا يكاد ينفك من يخشى الكبائر من الصغائر فمن عمل كبيرة واحدة وأصَّر على كبيرة أو كبائر لا بد أن توجد عنده الصغائر بكثرة فهذا الكلام وإن كان افتراضي لن هذا جواب وافتراضي لكنه في الواقع الذي يزاول الكبائر لن ينفك عن الصغار لأنه بها يبدأ والشيطان يستدرجه أولا بالإكثار من المباح ثم يوقعه ف ي المكروهات إذا استرسل في المبيحات ثم بعد ذلكم يبدأ بصغائر الذنوب الشيطان لن يتركه حتى يخرج من دينه إن استطاع فإذا استرسل معه في ذلك حملة على الكبائر بعد أن يتجاوز مرحلة الصغائر , ولا شك أن من غشي كبيرة مرة في عمره مثلا وهو محافظ على دينه بحيث لا يغشى الصغائر مثل هذا في الغالب أن يوفق لتوبة نصوح لأن الذي يعوق عن التوبة هو الاسترسال في المعاصي والاعتاد على سعة رحمة الله الأمن من مكر الله فإذا تاب التوبة يهدم ما كان قبله فعلى كل حال هذه الأعمال جاءت بهذا السياق للحث عليها على الصلوات والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورمضان(1/119)
والعمرة وغير ذلك من الأعمال الصالحة إن الحسنات يذهبن السيئات .
الشيخ ( الشرح ) : قال ليس عن هذا أسأل ولكن أسألك عن الفتنة التي تضطرب تموج كموج البحر واضطرابه عند هيجانه هذه الفتنة التي ينبغى أن يهتم بها , والفتن التي ذكرت في أهله وماله وولده وجاره هذه ينبغى للإنسان أن يحطاط فيها لكن المسألة أولويات , أولويات ينبغي أن يهتم بما هو أعظم منها بما يتلفت إليها فيحطاط للأعظم قبل أن يحطاط للأسهل . والدين لا شك أنه وإن كان الكل شرع من عند الله عز وجل إلا أن فيه كبائر فيه موبقات وفيه صغائر فيه فسوق فيه عصيان وهي متفاوته نعم إذا نظرنا إلى جانب من عصى الله عز وجل فإنتهاك أمره ونهية كبير من هذه الحيثية لكن جاءت النصوص على أن الذنوب متفاوته وعلى الإنسان أن يحرص على اجتناب الكبائر يحرص أشد الحرص على كبائر الذنوب والموبيقات فلا يقربها ثم بعد ذلك يلتفت إلى هذه الصغائر , لو واحد عنده تجارة ووقع في شيء من الشبهات في هذه التجارة فجاءه شخص يعظه يا أخي هذه الشبهات مالك ولها أنت الآن كراعاً يرعى حول الحمى يمكن أن يرد عليه أن يقال فتنة ما للأمر سهل المشكلة الفتن التي تموج كموج البحر لكن في هذا الظرف الذي فيه السؤال القصد من السؤال بيان الفتنة الكبرى التي تموج كموج البحر وليس معنى هذا أن الإنسان إذا ذكر بما يحصل منه بسبب أهله وماله وولده يقول الأمر سهل تكفرها الصلوات نعن الإشكال في فتنة العلم والإفتاء موجود لا أليست هذه معاصي مأمور باجتنابها لكن الآن الحديث بصدد شيء محدد يعني شخص أشكل عليه مسألة في الزكاة فتأتي تحدثه عن الصيام يقول دعنا الآن عن الصيام المشكلة قائمة الآن في الزكاة هل هذا تقليل من شأن الصيام ليس مانع إنما هو بصدد السؤال عن الفتنة التي تموج كموج البحر لأهميتها ولشدة الخوف والحظر منها وليس معنى هذا هو التقلقل من شأن فتنة المال وفتنة الأهل والولد شاع على ألسنة بعض الناس وبعض الكتاب أن(1/120)
الدين فيه قشور وفيه لباب وفيه كذا لا .
الشيخ ( الشرح ) : الدين كله لب خالص كله لب فما أمرت به فعليك أن تفعل على تفاوت في الأوامر أنت تأمر أمر اسحباب وتأمر أمر وجوب هذا لا يقاوم هذا وتقدم فعل الواجب تنهي نهي تنزيه وتنهي نهي تحريم , اجتنب الجميع لكن إذا كان الخيار إما هذا وهذا فاجتنب الأشد لكن نسألك عن الفتنة تضطرب اضطراب البحر عند هياجانه فتموج كموج ا لبحر قال ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين حذيفة صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم أفضى إليه بعض الأشياء فاهتم بحديث الفتن وسمى له النبي صلى الله عليه وسلم بعض المنافقين فأخبر وطمئن أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب أنه ليس عليه منها بأس على ما تلقاه من النبي صلى الله عليه وسلم أمين السر أيش سمونه الآن أمير السر الأمين الأمين السكرتير نعم المقصود أن هذا مما أفضى به النبي صلى الله عليه وسلم لحذيفة قال ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها باب مغلق أي لا يخرج شيء منها في حياتك ولم يتوصل إثار لحفظ السر فلم يصرح بعمر بما سأله عنه وإنما كنى عنه كناية إن بينك وبينها باب مغلق قال أيكسر الباب أم يفتح ما قال يا عمر أنت الباب الحائل بين الفتن وبين الأمة قال بينك وبينها باب مغلق فقال له عمر أيكسر الباب أو يفتح قال بل يكسر وهذا عمر كسره قتله رضي الله عنه وأرضاه قال عمر إذن لا يغلق الفتن إذا بدأت لا تنتهي إذا كسر الباب خلاص قلت أجل قلنا لحذيفة أكان عمر يعلم الباب قال نعم كما أعلم أنا دون إذا ليلية أي أعلم ذلك علم ضروري كما أقطع أن دون غدا ليلية وذلك أني حدثته حديثا ليس بالأغاليد يعني هو ما بتوقعات أو تحليلات صحفيفة مبنية على ظنون وأوهام حدثونا عن المستقبل بناء على ما فهم من الحديث تحدث به فلان أو علان هذا أم لا ينطق عن الهوى , حديث ليس بالأغاليد ليس بالأعاجم وليس بالتوقعات ولا بالأوهام .(1/121)
الشيخ ( الشرح ) : فهبنا من الذي يقول أبو وائل ومن معه بينما نحن جلوس عند عمر فهبنا أن نسأله من الباب فأمرنا مسوق فسأله فهبنا أن نسأله نسأل حذيفة من الباب فأمرنا مسروق ابن الأجدع المعروف فسأله فقال من الباب يا حذيفة فقال عمر رضي الله عنه وبقتله بدأت الفتن في زمن عثمان في زمن عثمان رضي الله عنه حتى استشرت هذه الفتن واشتعلت وماجت واضطربت ووقع الخلاف بين الصحابة في زمن عثمان إلى أن قتل عثمان رضي الله عنه الخليفة الراشد العابد الأواه الصائم القائم المشهود له بالجنة ثالث الخلفة زوج بنيتي الرسول صلى الله عليه وسلم , مناقبه وفضائله لا يمكن أحصائها وقد أجرى بعض المعاصرين حساب لما أنفقه في سبيل الله بأرقامنا وأعدادنا فقال إنه يقرب من المليار خليفة راشد وما على عثمان نافعة بعد اليوم ويقتل في داره بين أهله صائم يقرأ القرآن كبير السن فوق الثمانين فتنة , الفتن أول ما تكون يستشرق بها الناس إلى أن تصل إلى هذا الحد ويصعب على أهله الدفاع عنه وعلى من حوله من الصحابة في بلد الخلافة مع قرب العهد بالنبوة يعني ربع قرن خمسة وعشرين سنة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ويصعب دفنه مع أصحابه في البقيع ويؤجل دفنه أيام رضي الله عنه وأرضاه هذه نتائج الفتنة قد يقول القائل إنا سمعنا حروب تطحن يمين ويسار وقبل هذا الزمن وأزمان على مدى التاريخ هذه إزهاق أرواح أين العقول من أجل حطام الدنيا تزهق الأرواح ؟ نعم إذا بدأت الفتنة لا تنتهي حتى تأتي على الرطب واليابس ثم قال الإمام رحمه الله تعالى . حدثنا سعيد ابن أبي مريم سعيد ابن الحكم ابن محمد ابن سالم ابن أبي مريم الجمحي قال أخبرنا محمد ابن جعفر ابن أبي كثير عن شريك ابن عبدالله ابن أبي نمر عن سيعد ابن المشيب عن أبي موسى الأشعري قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حائط من حوائط المدينة هو بستا أريس الذي فيه البئر الذي سقط فيه خاتم النبي صلى الله عليه وسلم واللام من(1/122)
أصبع عثمان رضى الله عنه قريب من المدينة .
الشيخ ( الشرح ) : يقول أبو موسى خرجت في أثره فلما دخل الحائط جلست على بابه يعني على باب لحائط وقلت لأكونن اليوم بواب النبي صلى الله عليه وسلم حاجب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمرني يعني تطوع من أبي موسى تبرع حفظ للنبي صلى الله عليه وسلم هذه طريقة الصحابة رضوان الله عليهم معه صلى الله عليه وسلم فيكون بواب سبق فيما نوَب عثمان رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم أمره يعني أمر أبي موسى بذلك بأن يكون حارسا بواب حاجب فالإحتمال للتوفيق بين الروايتين أنه فعل ذلك تبرعا من غير أمر ثم أمره النبي صلى الله عليه وسلم فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وقضى حاجته وجلس على حافة البئر فجاء أبو بكر كشف النبي صلى الله عليه وسلم عن ساقيه ودلاهم في البئر فجاء أبو بكر يستأذن في الدخول على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت - يقول أبو موسى- فقلت له اثبت وقف مكانك كما أنت حتى أستأذن لك فوقف أبو بكر رضي الله عنه هذا تصرف باب عليه حاجب إستأذان ما قال أنا أقرب منك للرسول صلى الله عليه وسلم أنا بني مع الرسول أنا صاحبت النبي صلى الله عليه وسلم أنا أول الصحابة أنا أفضل الصحابة لا وقف حتى استأذن له فوقف فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يا نبي الله أبو بكر يستأذن عليك وهذا يؤيد أن نهاية أمره في الحجابة أنه مأمور وإلا لو وقف من تلقاء نفسه تبرع هل يستطيع أن يمنع أحد تبرع من عنده فلعله تبرع أولا من أمر النبي صلى الله عليه وسلم خشية أن يهجم على النبي صلى الله عليه وسلم ما يؤذيه من عدوا أو سبع أو ما أشبه ذلك , أما أن يحجب مثل أبي بكر وعمر لا بد أن يكون بأمره عليه الصلاة والسلام فدخل فجاء عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم فكشف عن ساقيه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فجاء عمر يستأذن يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت كما أنت اثبت كما أنت وقف في مكانك وقف في مكانك حتى(1/123)
أستأذن لك النبي صلى الله عليه وسلم .
الشيخ ( الشرح ) : فقال النبي صلى الله عليه وسلم أستأذن له وبشره بالجنة قد قال في حق أبي بكر أئذن له وبشره بالجنة فقال له ذلك أبي موسى وأذن له إلأى آخره فجاء إلى يسار النبي صلى الله عليه وسلم جلس أبي بكر عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وعمر عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم فكشف عن ساقيه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فدلاهما في البئر فامتلأ الخف حافة البئر امتلأت ما تستوعب أكثر من ثلاث امتلأت النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فلم يكن فيه مجلس ثم جاء عثمان فقلت له كما أنت حتى أستأذن يعني قف كما أنت كما قال لصاحبيه حتى أستأذن لك فقال النبي صلى الله عليه وسلم إذن له وبشره بالجنة مع معها بلاء يصيبه ما قال لعمر معها بلاء مع أنه مقتول لكن ليست الظروف احتفت بقتل عمر مثل الظروف التي احتفت بقتل عثمان عمر يصلي فجاء عدو فطعنه وهذه نهايته رضي الله عنه كما لو مات على فراشه لكنه فاز بالشهادة لكن يختلف هذا عما احتف بمقتل عثمان رضي الله عنه شيء يعتصر القلم يرمي القلب قتل في داره إمتحن وسلط عليه سفهاء أوباش لا قدامة لهم ثابتة في الإسلام بمحضرا المهاجرين والأنصار دار الهجرة في بيته , مصحفه في حجره , صائم , سلط عليه هؤلاء السفهاء وأعوانهم من أعانهم ممن دخل في الفتنة ومطلبهم وما نقموا عليه أنه ولى بعض الولايات لأقاربه رضي الله عنه هذا الذي ينقل عن عثمان ولى بعض أقاربه بعض الولايات فنقموا عليه ذلك , الناس مأمورون عند الجوار الواضح والظلم الظاهر مأمور بالصبر والاحتمال وعدم شق عصا الطاعة أدوا الذي عليكم واسألوا الله ما لكم , والأصل مجرد أنه ولى بعض أقاربه , ولى بعض أقاربه يقتل في بيته صائم يقتل إن طلبوا منه أن ينخلع من الإمامة بسبب ما نسب إليه لكنه وُلي بإجماع الصحابة ولم يثبت أو لم يقترب ما يعزل من أجله وأهل العلم يختلفون في الإمام إذا تم اختباره(1/124)
من قبل المسلمين هل له أن يخلع نفسه أو هذه أمانة تحملها لا بد من القيام بها وحينئذ تكون قد تعينت عليه , فجْمْع من أهل العلم عندهم لا يجوز أن يخلع نفسه .
الشيخ ( الشرح ) : وعثمان رضي الله عنه رعى المصلحة يعني ماذا يتصور الآن المدينة تغلوا تغلي غليان وتضطرب وتموج بالفتنة والإمام قائم فكيف لو تنحى الإمام ماذا سيكون مع هذا لا بد أن يصيبه . فدخل فلم يجد معهم مجلس فتحول حتى جاء مقابلهم على شفة البئر فكشف عن ساقيه ثم دلاهم في البئر فجعلت أتمنى أخاً لي أبو موسى كل ما يستأذن قال بشره بالجنة فكنت أتمنى أن أخاً لي وأدعوا الله أن يأتي لكي يصيب هذه الدعوة بشره بالجنة يصيب هذه البشارة , أخوه أبو برده اسمه عامر أو أبورهم المقصود أنه نصح رضي الله عنه وأرضاه لأخيه وتمنى لأخيه ما يسعد به في الدنيا والآخرة لكن هو القدر ما أراد الله جل وعلا أن يحزن معه من يذكر أنصح شخص لأخيه أبر شخص لأخيه موسى عليه السلام الذي سأل لأخيه النبوة والآن يقاتل الأخوة على ما شيء على شيء يسيم حطام الدنيا يتهاجر الأخوة علشان كلية والله المستعان ناس ينتسبون إلى العلم كلاهما من أهل العلم يتقاطعون ويتهاجرون سنين طويلة لا شك أن هذا من كيد الشيطان وتلبيسه يزين له هذا ويبرر له هذا مع ما جلبت عليه النفوس من عدم التنازل لو تنازل هذا عن شيء يسير وذاك عن شيء لأنتقت القلوب وصفت والله لمستعان قال ابن المسيب فتأولت ذلك قبورهم , فتأولت ذلك أي اجتماع الصاحبين النبي صلى الله عليه وسلم و إنفرد عثمان تأولت ذلك قبورا إجتمعت هاهنا يعني في الحجرة وانفرد عثمان رضي الله عنه بالبقيع ثم قال رحمه الله :(1/125)
حدثنا خالد بشر وخالد اليشكري المقصود أن البخاري ساق هذه القصة لما فيها من الإشارة إلى الفتنة والبلاء الذي يصيب عثمان رضي الله عنه ولا شك أنها ماجت كموج البحر في المدينة واضطرمت واشتعلت واضطرمت كاضطرام البحر ثم توالت الفتن والمحن على الأمة بين المسلمين أنفسهم في كثير من بقاع الأرض في عصور متتابعة إلى قيام الساعة لأن الباب كسر .
الشيخ ( الشرح ) : ثم قال حدثنا بشر وخالد اليشكري قال أخبرنا محمد ابن جعفر غندر عن شعبة , ايش علاقة ابن جعفر بشعبة ؟ هو من أخص الآخرين عن شعبة لماذا ؟ ما بر بيبه شعبة ما بزوج أم غندر له خصوصية النسب التي تزهده فيه إلا أخص الناس بالعالم أهله وهم هذه سنة إلاهية , أزهد الناس بالعالم أهله وجيرانه والسبب ظاهر لأن الناس يرون هذا العالم محتشم ما يخرج عليهم إلا بمظهر لائق ويراه أولاده وأهله نعم علىأوضاع قد وفي أحوال ظروف و يعني المخالطة والمجالسة تجعل الإنسان يزهد بصاحبه , وأيضاً لئلا يقول هذا العالم أو يخيل لهذا العالم أنه نفع أولاده أو يستطيع أو ينفع ولا تستطيع إلا بأمر الله عز وجل لو كانت المسألة استطاعة لكان أولى الناس بنفعك أولادك عن شعبة ابن الحجاج عن سليمان ابن مهران الأعمش قال سمعت أبا وائل شقيق ابن سلمة قال قيل لأسامة ابن زيد ألا تكلم هذا يعني عثمان رضي الله عنه فيما أنكر الناس عليه في تولية أقاربه قال قيل لأسامة بن زيد ألا تكلم , قيل ألا تكلم هذا يعني الخليفة فيما أنكر عليه ما أنكره الناس في تولية أقاربه قد كلمته , اشمعنا قد كلمته يعني هل قال كلمته لكن لا ينفع ما يفيد ما يسمع لا كلامه سراً بينه وبينه ونصحه وأدى ما عليه الصلاة والسلامليه دون أن يفتح باباً للغوغاء والأوباش يعني كلم الخليفة سراً ما دون ان يفتح باباً ليكون أول من يفتحه من باب الإنكار العلني الذي يفر صدر الخليفة ولا يجدى شيء بل كلمه بأدب سراً دون أن يفتح باب شر بالجهر بالإنكار وما أنا(1/126)
بالذي أقول لرجل بعد أن يكون أميراً على رجلين أنت خير يعني خير من الناس الخليفة تحمل أمانة عظيمة عليه واجب عظيم أما الله عز وجل بل صرح جمع من أهل العلم أن من غش ولي الأمر الكيل كيل المدح والثناء .
الشيخ ( الشرح ) : نعم النصيحة ينبغي أن تكون سراً وينبغي أن يتابع عليه النصح والدين النصيحة هنا ثلاثاً قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم لا بد من النصح لكن بالطرق المناسبة المجدية التي لا يترتب عليها آثار أعظم مما وقع فيه وأيضا كما قال أسامة حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبة وما أنا بالذي يقول لرجل بعد أن يكون أمير على رجلين أنت خير يعني أنت خير الناس لا بل غاية هذا الأمير أن ينجو كفافاً لا له ولا عليه إذا احتار كما قال عبدالله ابن عمر لعبد الله ابن عمر لما دخل عليه يعوده قال ادعوا الله لي قال لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول وكنت على البصرة .
... ... ... ... ... بسم الله الرحمن الرحيم
... ... شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري
... ... ... للشيخ الدكتور / عبدالله الخضير
... ... ... ...(1/127)
الشيخ ( الشرح ) : كما قال عبدالله ابن عمر لعبدالله ابن عامر لما دخل عليه يعوده قال ادعوا الله لي قال لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول وكنت على البصرة وكنت أمير على البصرة ولا صدقة من غلول وكنت على البصرة لأن الأمير بصدد أنه لا حسيب عليه ولا رقيب إحتمال يدخل في ذمته بقصد أو بغير قصد فأنت عسى أن تنجوا كفافا في عبادة ابن الصامت رضي الله عنه حديث البيعة بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر والسر والمنشط والمكره يعني على جميع الأحيان والإنسان يبايع فيما يحلوا له ويرضه ويتخلف إذا كان الأمر لا يحلوا له ولا يرضيه إن أعطى ولا في إن لم يعطى غدر ولا نقب على أن نقول أو نقوم بالحق لا نخاف في الحق لومة لائم يعني هذا لا يعارض بل لا بد من نصيحة ولي الأمر ولا بد من الإذعان والطاعة والسمع على جميع الأحوال والحد المحدد في الشرع من لم تروا كفراً بواحا معروف بعدما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال وجاءوا برجل فيطرح في النار فيها وفي رواية فيطحن فيها كطحن الحمار بالرحى فيطيف به أهل النار يتعجبون يستغربون كيف يأتي هذا يجتمعون عليه كيف كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر إش الإجابة فيطيف به أهل النار فيقولون أي فلان ما شأنك ما الذي أتى بك ألست كنت تامر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول لهم إني كنت آمر بالمعروف بالمعروف ولا أفعله وأنهي عن المنكر وأفعله ( كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف:3) إش نعم هذا خطر عظيم كون الإنسان يأمر وينهى ويوجه وينصح وهو أبعد الناس عما يقول لكن أهل العلم بل جمهورهم على أنه لا يشترط في الأمر والناهي أن يكون غير متلبس بمعصية .(1/128)
الشيخ ( الشرح ) : بل عندهم أن الجهة منفكه الجهة منفكة عليك أن تؤدى ما امرت به من أمر وما كلفت به من إنكار ومن رأى منكم منكراً فليغيره ومع ذلك أنت مؤأخذ بما تفعل من المنكرات وإذا لو اشترط العصمة لتعطل هذا الركن العظيم من أركان الإسلام شعيرة من شعائر الإسلام على حد تعبيرات المعاصرين يقولون الأمر والنهي صمَّام الأمام وبه يدفع الله جل وعلا الشرور لأن المنكر إذا ظهر ولا يوجد من ينكره اعمت العقوبة الجميع لكن إذا وجد من ينكره ارتفعت هذه العقوبة وليس هذا بمبرر مثل هذا الكلام لأن يقع الناس في أهل الحسبة , نقول شف يطحن في النار وهو يأمر بها ما كل ما يأمر بها صادق صحيح لكن الأمر والنهي لا بد منه وليسوا بمعصومين وليست أخطائهم بأكثر من أخطاء غيرهم وقد يقول قائل من السفاء الذين يكتبون شف يأمر وينهى من اهل الحسبة ويطحن في النار لو جلس في أفضل , لا يأمر ولا ينهى نقول ما بصحيح عليه أن يأمر وعليه أن ينهى وعلى المأمور أن يأتمر وعلى المنهي أن ينتهي وحساب الجميع على الله عز وجل .(1/129)
ثم قال رحمه الله باب حدثا عثمان ابن الهيثم البصري مأذونها قال حدثنا عوف ابن أبي جميلة الأعرابي عن الحسن البصري عن أبي بكرة نفيع ابن الحارث قال لقد نفعني الله بكلمة أيام وقعة الجمل التي كانت بين علي وفاطمة رضي الله عن الجميع وكانت فاطمة على جمل فنسبت الوقعة عليها وعائشة كانت بين علي وعائشة , يقول نفعني الله بكلمة أيام الجمل هذا جمل عائشة كانت على جمل وفنسبة الواقعة إليها لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن فارس دولة فارس بلاد فارس ملكوا ابنت كسرى لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن فارس ملكوا إبنت كسرى بعد موته أسماها بوران كسرى إسمه شيراوي بن أبراوي بن هرمز لما ولوا إبنته قال النبي صلى الله عليه وسلم لن يفلح قوم ولوا امرهم امرأة يعني كانت واليا عليهم أو في حكم الوالي ممن يحكم بين الناس في أموالهم وأعراضهم ودمائهم كالقاضي لن يفلحوا إذا فعلوا ذلك .(1/130)
الشيخ ( الشرح ) : هذا خبر عن ما ينطق عن الهوى مضمن حكم شرعي وهو أنه لا يجوز أن تولى المرآة والمقصود بذلك الولايات العامة ما يقال ليش تصير مديرة مدرسة , ليش تصير ربة بيت المقصود بذلك الولايات العامة , فلا يجوز للمرآة أن تتولى ما فيه فصل بين الناس كالإمارة والقضاء ونحو ذلك واستدل به أبي بكرة أن أصحاب الجمل لن يفلحوا , وهي أم المؤمنين فضلها على الناس كفضل الثريد على سائر الطعام , من أحب إليك يا رسول الله قال عائشة قالوا من الرجال قال أبوها ومع ذلك استدلال بعموم الحديث لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة لن يفلح أصحاب الجمل وهذا الكلام يقوله النبي صلى الله عليه وسلم وثابت عنه مما لا شك فيه , والإرتياب فيه أصح الكتب ويأتي من يأتي من ينتسب إلى العلم والدعوة مع الأسف الشديد ويقول أن الحديث ليس بصحيح لماذا لأن الواقع يرده , كيف الواقع يرده ؟ غاندي حكمت الهنود وتاتشر ضبطت الإنجليز وجولدماإير هزمت العرب , وترد النصوص بهذه الطريقة ومن قال لك أن أولئك أفلحوا وما معنى الفلاح في نظرك , فتنة هذا هذا مفتون نسأل الله العافية , الذي يرد النصوص الصريحة الصحيحة بهذه التوجيهات هذا مفتنون نسأل الله السلامة والعافية , المقصود أن عرفنا وجة نظر أبي بكره واستنباطه من الحديث أن أصحاب الجمل لن يفلحوا وإن كان فيهم من فيهم من خيار الصحابة طلحة والزبير وعائشة من خيار الأمة ومع ذلك الفتن إذا بدأت توقد خيار الناس شاءو أم أبوا ,
قال رحمه الله حدثنا عبدالله محمد المسندي قال يحي بن أم الكوفي قال حدثنا أبو بكر بن عايش قال حدثنا أبو حصين عثمان ابن عاصم الأسدي قال صار طلحة ابن عبيد الله والزبير ابن العوام وقد كان بايع على رضى الله عنه بمشورة عائشة , المسألة شخص مختلف في بيعته لا لما سار طلحة ابن عبيد الله والزبير بن العوام وعائشة إلى البصرة سبب المسير الأمر المهول الذي صار سبب في مقتل عثمان رضي الله عنه .(1/131)
الشيخ ( الشرح ) : نعم علي بويع حتى من قبل هؤلاء الذين خرجوا عليه وهو من خيار الناس لكن أمر عظيم طالبوا به طلب لدم عثمان رضي الله عنه خرجوا في ثلاث آلاف وانضم إليهم في طريقهم خرجوا من مكة والمدينة ثلاث آلاف وانضم إليهم جموع من الناس فلما نزلت عائشة رضي الله عنها ببعض مياه بني عامر نبحت عليها الكلاب فقالت أي ما هذا قالوا الحوئب فقالت إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنا ذات يوم كيف بلإحداكن تنبح عليها الكلاب الحوئب علم من أعلام النبوة وعند البزار من حديث ابن العباس أنه صلى الله عليه وسلم قال لنساءه أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تخرج حتى تنبحها كلاب الحوئب يقتل عن يمينها وعن شمالها قتالا كثير وتنجوا بعد ما كادت يعني كادت أن تقتل , إخوان هؤلاء لا ينقصهم دين بل هم خيار الأمة ولا ينقصهم علم ولا ينقصهم عقل لكنها الفتن فإذا بدأت الفتن صار الحليم حيران صاحب العقل الراجح والدين المتين لا شك أنه تغطي عليه بعض عقله وعلمه وحلمه هذه الفتن إذا ماجت الفتن فعلى كل مستطيع في إطفاء نار الفتنة يجب عليها وجوب أن يسعى بقدر إستطاعته لإطفائها وإخمادها وعلى من يثيرها ويأججها ويبدئوها كفل عظيم ممن يذهب بسبها وليس معنى هذا أنه يخرج من الدين هؤلاء خرجوا وبقوا هم خيار الناس طلحة بن عبدالله من أهل الجنة الزبير ابن العوام مشهود له بالجنة وعائشة زوجته في الدنيا والآخرة صلى الله عليه وسلم لا يعني هذا أنهم مخرجون من الدنيا لا لكنها الفتن نسأل الله السلامة من الفتن ما ظهر منها وما بطن , لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث علي رضي الله عنه عمار ابن ياسر وحسن ابن علي فقدم علينا الكوفة فصعد المنبر فكان الحسن ابن علي فوق المنبر في اعلاه وقام عمار أسفل من الحسن واجتمع عليه أو فجتمعنا إليه قال أبو مريم سمعت عمار يقول إن عائشة قد سارت إلى البصرة و والله إنها لزوجة بيكم في الدنيا والآخرة .(1/132)
الشيخ ( الشرح ) : هذا إنصاف مع الخصم اعتراف بما له وما عليه عدل في الحكم وإنصاف في الرأي , والله إنها لزوجة بيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة , ما قال هذه خارجية خرجت على ولي الأمر لا , لا شك أنها رأيها مرجوع وإن بَنت هذا على اجتهاد ولكن الكفة مع علي رضي الله عنه وأرضاه والله إنها لزوجة بيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة , ولكن الله تبارك وتعالى إبتلاكم إختبركم بها وهذا بالإنصاف عمار حيث وإنها خرجت على الإمام لم تخرج على دائرة الإسلام ولكن الله تبارك وتعالى إبتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي , هل تطيعون الله سبحانه وتعالى بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم أو تطيعونها يعني تزداد الفتنة إذا كان الطرفان متقاربان تزداد الفتنة أما إذا كان طرف في السماء وطرف في الأرض ما هو فتنة , الأمر ما يشتبه على أحد لكن إذا صارت الأطراف مثلها فتنة , لكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون بلزوم جماعة المسلمين أم هي , هي خرجت بتأويل صايغ خرجت بتاويل ما خرجت عناد , وطلحة والزبير بايعا وخرجا بهذا التأويل لا شك أنه يحز في كل مسلم أن يقتل مثل عثمان على وضع عثمان وهو إمام المسلمين ولا أحد ينتصر له , ولا يستطيع المهاجرين و الأنصار أن يخلصوا هذه فتنة ويحز كل نفس تجعل تغطي هذه الفتنة ما عند الإنسان من علم وعقل وحلم لكن يبقى أن الحكم الشرعي ثابت لا تغيره مثل هذه المور وإن عظمت , تلزم جماعة المسلمين وإمامهم هذا الحال إلى أي حد تلزم جماعة إلى أن ترى كفرا بواح , المسألة مش فوضى المسألة مضبوطة بضوابط شرعية , ثم قال رحمه الله تعالى باب وهذه الترجمة باب وهي بدون ترجمة هذا الباب بدون ترجمة ولا توجد كلمة باب عند أبي زر ولذا يقول الشراح والصواب حذف كلمة باب لأن الحديث اللاحق طرف من الحديث السابق فالفصل بينهم بباب غير مناسب .(1/133)
الشيخ ( الشرح ) : حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا بن أبي غنية عبدالملك ابن حميد عن الحكم بن عتيبة عن أب وائل شقيق ابن سلمة قام عمار ابن ياسر على منبر الكوفة فذكر عائشة وذكر مسيرها ومن معها إلى البصرة وقال إنها زوجة بيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ولكنها مما ابتلت يعني به وامتحنتم ثم قال رحمه الله حدثنا بدل ابن المحبر اليربوعي قال حدثنا شعبة ابن الحجاج قال أخبرني عمرو ابن مرة قال سمعت أبا وائل شقيق ابن سلمة يقول دخل عبدالله بن قيس أبي موسى الأشعري و أبي مسعود عقبة ابن عمر البدري نسب إلى بدر لأنه نزل بها ولم يشهد الواقعة في قول الجمهور وإن أثبتها البخاري فيمن شهد بدر وأبي مسعود على عمار ابن ياسر حيث بعثه على رضي الله عنه عن الجميع إلى الكوفة أو إلى أهل الكوفة يستنفرهم يطلب منهم الخروج إلى البصرة فقال أبي موسى وابن مسعود لعمار ما رأيناك أتيت أمرا أكره عندنا في إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمت تدخل في مثل هذه الفتن وتسارع مندوب تطلب المدد من أهل البصرة والخروج من أهل البصرة ما رأيناك أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمت ماذا قال عمار ؟ قال عمار ما رأيت منكم منذ أسلمتما أمرا أكره عندي من إبطائكم عن هذا الأمر هذا اجتهاد وهو اجتهد رضي الله عنه ومعه إمام المسلمين وأمير المؤمنين وامتثل فقاتلوا التي تبغي معهم نصوص وهما أيضا كان مجتهدا كانا مجتهدين لماذا لأن الحرب بين المسلمين فإذا دخلت بنفسك أو دخل أحد من مشورتك وهذا الداخل أو أن قتلت مسلم تلطخت بدم مسلم وأنت في عافية هذه وجه نظرهم فالمسألة اجتهادية عندهم وإن كانت الكفة الراجحة مع علي رضي الله عنه وأرضاه فهذا يدل على كلا من الطائفتين كان مجتهدا يرى أن الصواب معه ما رأيناك أتيت أمرا أكره عندنا في إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمت وهو يقول ما رأيت منكم منذ أسلمتما أمرا أكره عندي من إبطائكم عن هذا الأمر .(1/134)
الشيخ ( الشرح ) : هم يلومون على الإسراع وهو يلومهم على التباطؤ وكساهما حُلة حله وهذا ضمير يعود على من يعني عمار كسي أبو مسعود وأبو موسى لا , ليس الأمر كذلك أبو مسعود كسي عمار وكسا أبو موسى على ما سيأتي سريعا من الجهة التي تليها , ثم راحوا إلى المسجد إلى صلاة الجمعة كأنه رأى عمار وهو الذي يتولى الخطبة ثوبه ليس بمناسب لأن يتصدر الناس طوال الخطبة ويقف أمامهم فكساه حله حله وإحراج لعمار وأبو موسى حاضر نعم فكساهم معا وكان أبو مسعود موسرا كما سيأتي , ثم راحوا إلى المسجد ثم قال الإمام رحمة الله عليه حدثنا عبدان عبد الله بن عثمان العتقي ما روي عن أبي حمزة محمد بن ميمون الأشقري عن الأعمش سليمان بن مهران عن شقيق بن سلمة أبي وائل قال كنت جالس مع أبي مسعود وأبي موسى وعمار وقال أبو مسعود لعمار ما من أصحابك أحد إلا لو شئت لقلت فيه , يعني ذكرت شيئا مما يحط من قيمته وقدره غيرك وما رأيت منك شيء منذ صحبت النبي صلى الله عليه وسلم أعيب يعني أشد عيب عندي من استسراعك في هذا الأمر قال عمار يا أبا مسعود وما رأيت منك ولا من صاحبك هذا شيء منذ صحبتما النبي صلى الله عليه وسلم أعيب عندي من إبطائكما في هذا الأمر وقال أبو مسعود هذا بيان للفظ المجامل السابق فقال أبو مسعود وكان موسرا يا غلام هات حلتين فأعطى إحداهما أبا موسى والأخرى عمار وقال روحا فيه إلى الجمعة اذهب به إلى صلاة الجمعة , الجمعة ينبغي أم يلبس لها الثياب الجميلة النظيفة التي ليس فيها سرف ولا خيلاء ولا فيها شيء مما نهى عنه والله أعلم وصلى اللهم وبارك على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .(1/135)
الشيخ ( الشرح ) : الحمد لله رب العالمين وصلى اللهم وبارك على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . هذا سؤال تعلق بالدرس الماضي يقول بناء على شرح الأمس عن فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه يتبادر على ذهني سؤال أين الجيش الذي قاتل علي رضي الله عنه عندما حوصر في بيت الإمارة , أين الجيش الذي قاتل على رضي الله قل أين علي رضي الله عنه إذا وقعت مثل هذه الفتن لا تسأل في أين , لا تسأل لا عن أين ولا بأين إذا وقعت الفتن ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإذا تيسرت الأسباب أسباب الفتن فالخلاص منها وحسمها في غاية الصعوبة إذا بدأت وهي تبدأ فتيه شابة ثم تنتهي عجوز هريمة كما تقدم بالأمس فليس بالسائل أن يقول أين علي أين طلحة بن الزبير أين عائشة هذه فتن نقول هذه فتن إذا بدأت صار الحليم حيران , حينئذ يصعب حلها والخلاص منها نسأل الله السلامة من الفتن ما ظهر منها وما بطن . يقول المؤلف رحمه الله تعالى باب إذا أنزل الله بقوم عذاب جوابه في الحديث أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على نياتهم , يقول الإمام رحمه الله تعالى , حدثنا عبد الله ابن عثمان العتقي المرازى المعروف بعبدان يروي عنه باسمه ولقبه قال أخبرنا عبد الله ابن المبارك قال أخبرنا يونس ابن يزيد الأيلي قال أخبرني حمزة ابن عبد الله ابن عمر أنه سمع ابن عمر رضي الله عنه , نعم أخبرني يونس عن الزهري قال أخبرني حمزة ابن عبد الله ابن عمر أنه سمع ابن عمر رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أنزل الله بقوم عذاب " يعني إذا عمهم الله بعذاب لظهور المعاصي وتفشي المنكرات استحق الناس العذاب العام نسأل الله العافية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث لما قيل له أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث , وهؤلاء الصالحون يبعثون على نياتهم يعمهم العقاب فيموتون مع الناس لكنهم يبعثون على نياتهم .(1/136)
الشيخ ( الشرح ) : فإذا جهر الناس بالمعاصي من غير نكير أصاب الجميع العذاب ثم بعثوا على نياتهم إن كانت صالحة هذه النيات فالعقبى صالحة وإلا فسيئة فذلك العذاب طهرا للصالح تكفيه لما حصل منه من تفريط بالأمر والنهي ونقمه على الفاسق , أخذ ابن حبان البيهقي عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا . إن الله تعالى إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون قبضوا معهم ثم بعثوا على نياتهم وأعمالهم , وفي السنن الأربعة من حديث أبي بكر رضي الله عنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا رأى الناس المنكر إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعذاب " هذا يبين أهمية الأمر والنهي وأن الله عز وجل يرفع به العذاب وأنه سبب تفضيل هذه الأمة وخيريتها , كنتم خير أمة أخرجت للناس لماذا ؟ لأنكم عرب لسبب واحد تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر , ولماذا لعنوا بني إسرائيل كانوا لا يتناهون عن منكرا فعلوه , الأمر في غاية الأهمية حتى عده جمع من أهل العلم سادس الأركان الأمر والنهي وهذه الفئة المكلفة بهذا الأمر الذين هم أهل الحسبة من قبل ولي الأمر لاشك أن الله سبحانه وتعالى يرفع بسببهم العذاب لكن قد لا يسقط بهم الواجب كثرة المنكرات فيتعين على جميع من رأى منكر أن يغيره ولا يعتمد على أهل الحسبة , كل شخص , كل مسلم , يتجه إليه الخطاب من المكلفين مكلف بقوله صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكرا فليغيره " التغير لابد منه لكن على حسب القدرة والطاقة بيده مرتبة أولى , بيده وهذا يستطيعه بالنسبة لعموم الناس أولات الأمور , وبالنسبة لمن تحت اليد من النساء والزراري والأتباع يستطيعه أن يغير أولى الأمر خاصة , وما عدا ذلك ينتقل فيه إلى المرتبة الثانية وهي اللسان , على الإنسان أن يغير إن لم يستطع بيده فبلسانه , واللسان بالأسلوب المناسب , بالطريقة التي تثير ولا يترتب عليها منكر أعظم يستطيع الإنسان أن يغير كثير من المنكرات(1/137)
ولو تتابع الناس على الإنكار لما تتابع أهل المعاصي على عصيانهم وخفت هذه المنكرات بل انقطع دابرها لكن تواطأ الناس على السكوت وهذه غرائب السكوت ينتشر المنكر بحيث يكون ممل عمت به البلوى لكن لو كان الأمر أول ما بدأ ينكر ثم ظهر ثانية ينكر وثالثة وهكذا بحيث لا يراه مسلم إلا أنكره .
الشيخ ( الشرح ) : ما انتشرت المنكرات بهذا المستوى , ما ظهرت الفواحش إلى هذا الحد , وماذا نجني من المواطئة على السكوت ؟ نجني العقوبة العامة نسأل الله جل وعلا أن يلطف بنا , إذا أنزل الله بقوم عذاب أصاب العذاب من كان فيهم يعني من الصالحين وغيرهم ثم بعثوا على أعمالهم كلُُ يبعث على ما مات عليه من نية وعمل , والناس إذاء المنكرات على ثلاثة أقسام كما بين الله جل وعلى , منهم من يقع في المُنكْر ومنهم من يُنكر ومنهم من يسكت ( وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ)(لأعراف: من الآية165) , ولا شك أن المُنكر سالم , القسم الثالث الذي سكت يقول بعض السلف أنهم سكتوا فَسُكِتَ عنهم , سكتو فسكت عنهم , ( أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ )(لأعراف: من الآية165) هؤلاء الذين ينهون وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس , بقي صنف ثالث وهم سكتوا يقول بعض السلف سُكِتَ عنهم والصحيح أنهم هؤلاء الذين سكتوا مع القدرة على الإنكار مع الذين ظلموا لأن عدم إنكار المنكر ظلم فهم داخلون في الظالمين الحديث فيه التحذير , التحزير الشديد والوعيد الأكيد بالنسبة لمن سكت عن النهي فكيف بمن داهن , كيف بمن داهن كيف بمن رضي , فكيف بمن أعان يعني يسر أسباب انتشار المنكر هذا أمره أعظم هذا شريك فكيف بمن برر وجود المنكرات نسأل الله السلامة والعافية , ثم بعد هذا يقول الأمام رحمة الله عليه :(1/138)
في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن ابن علي إن ابني هذا السيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين , يقول حدثنا علي ابن عبدالله عن ين المديني قال حدثنا سفيان هو ابن عيينة , حدثنا إسرائيل بن أبو موسى البصري قال سفيان ولقيته بالكوفة , سفيان لقي إسرائيل بالكوفة جاء إلى عبدالله بن شبرمة القاضي – قاضي الكوفة في خلافة أبي جعفر – جاء إلى القاضي فقال له أدخلني على عيسى ابن موسى بن محمد بن أخي المنصور وكان أسيرا على الكوفة إذ ذاك , يطلب من القاضي أن ييسر له ا لدخول على الوالي من أجل إيه ؟ من أجل أن ينكر عليه رحمة الله فقال أدخلني على عيسى فأعظه من أجل أن أعظه , أعظه منصوب لا مرفوع فأعظه منصوب بأن الواقعة بعد فاء السببية المتعقبة للطالب .(1/139)
الشيخ ( الشرح ) : فكان ابن شبرمة خاف عليه فلم يفعل , ما مكنه من الدخول على الأمير خاف على إسرائيل من بطش عيسى لأن إسرائيل كان رحمة الله عليه يصرع بالحق فربما لا يتلطف في الوعظ تحمله الغيرة على أن لا يبحث على الأسلوب المناسب لغيرته فيبطش به عيسى لما عنده من حدة الشباب وعزة الملك فلم يفعل , قال إسرائيل حدثنا الحسن البصري الكلام هذا في القرون المفضلة الكلام هذا متى وفي آخر الزمان في القرون المفضلة , وعلى طالب العلم إذا أراد أن يأمر أو ينهي أو ينكر أو يعظ أو أراد أن يغير عليه بالأسلوب المناسب الذي لا يترتب عليه مفاسد وليتوقع الأذى , الطريق ليس بالأمر الهين , الأنبياء منهم من قتل لكن قتل الأنبياء عظيم وقُرن معه قتل الذين يأمرون الناس بالقسط , قال إسرائيل حدثنا الحسن البصري , قال لما ساء الحسن ابن علي رضي الله عنهما إلى معاوية ابن أبي سفيان بالكتائب جمع كتيبة – طائفة من الجيش – وكان ذلك بعد قتل علي رضي الله عنه , قال عمرو ابن العاص لمعاوية أرى كتيبة لا تولي ولا تدبر بل تثبت عند القتال حتى تدبر أخراها وهذا يختلف الشراح في معناه تدبر أخراها أي الخصومة أو أنه يدبر أخر فرد منها أو آخر مجموعة منها التي لا تطيق الثبات وأما البقية يثبتون حتى يقتلوا قال معاوية لعمرو من لزرار المسلمين يعني إذا كان الأمر كذلك فمن لزرار المسلمين بلا شك أن معاوية رجل عاقل داهي يعني مع هذه الظروف التي يعيشها ظروف حرب يفكر بزرار المسلمين فإذا قتل الأباء من للزراري من النساء والأطفال وفيه اهتمام معاوية رصي الله عنه بزراري المسلمين ولا يقل قائل إذا كان في هذا العطف وهذا الحلم ماذا يدخل في هذه الحروب , يرى أنه على الحق يرى أنه لا بد من المطالبة بدم عثمان وإن كان رأيه مرجوحا رضي الله عنهم جميعا والراجح قول علي رضي الله عنه فقال عمرً أنا يعني أكفله وهو بذلك يحرض معاوية على متابعة القتال فقال عبدالله ابن عامر(1/140)
وعبدالرحمن بن سمرة نلقاه أي نلقى معاوية فنقول له الصلح أي نطلب منه الصلح .
الشيخ ( الشرح ) : قال الحسن البصري ولقد سمعت أبا بكرة نفيع بن الحارث قال بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب جاء الحسن يعني ابن علي , صعد المنبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم أن ابني هذا سيد , يراد بالابن ابن البنت الصبت , إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين , طائفة الحسن وطائفة معاوية وهكذا وقع , الحديث علم من أعلام النبوة , وفيه أن السيادة لا تنال إلا بواسطة النفع العام , سيادة من كانت فيه مصلحة عامة للأمة يستحق أن يلقب بالسيد , لما حقن دماء المسلمين استحق هذا اللقب هذه مصلحة عامة والآن يطلقون السيد على أنذل الناس وأرذلهم كل الناس سيد , وبعض الناس يطبع الخطابات مطبعة , السيد فاسق مع أنه جاء النهي عن إطلاق السيد على فاسق لا يجوز أن يقول على الفاسق سيد متى استحق الحسن ابن علي السيادة , أن ابني هذا سيد استحقها بهذا الأمر العظيم الذي حقن به دماء المسلمين , فمن نفع الناس نفعا عاما لاشك أنه يستحق السيادة .(1/141)
ثم قال رحمه الله حدثنا علي بن عبد الله المديني قال حدثنا سفيان ابن عيينة قال قال عمرو ابن دينار أخبرنا محمد بن علي بن الحسن بن علي المعروف بالباقر أن حرمله مولى أسامة ابن زيد أخبره قال عمرو ابن دينار قد رأيت حرمله يعني المذكور مولى أسامة بن زيد يعني أدركته رأيته ليؤكد أنه سمع منه بغير واسطة قال أرسلني أسامة بن زيد من المدينة إلى علي رضي الله عنه بالكوفة يسأله شيء من المال إش العلاقة بين أسامة وعلى والحسن والحسين , أسامة بن زيد مولى وهؤلاء سادات الأمور إش العلاقة , وضع الحسن على فخذه الأيمن وأسامة على فخذه الأيسر بينهما ارتباط ومولى القوم منهم وأسامة حِب النبي صلى الله عليه وسلم ومحبة فبينهم ارتباط وثيق قال أرسلني أسامة يعني من المدينة إلى علي رضي الله عنه بالكوفة يسأله شيء من المال , وقال أسامة إنه يعني علي سيسألك الآن عن إيش هذا جالس بالمدينة وأسامة بن زيد وهو مبتلى بحروب ومرسل أن يطلب مال ليسألك وإن لماذا لا يطلب مساعدة .(1/142)
الشيخ ( الشرح ) : وقال إنه سيسألك الآن فيقول ما خلف صاحبك يعني عن مساعدتنا في الجمل وصفين وغيرهم ما الذي خلفه فقل له يقول لك لو كنت في شدق الأسد لأحببت أن أكون معك موافقة تامة لعلي رضي الله عنه ولكن هذا أمر لم أره لم يرى قتال بين المسلمين ولا يريد الدخول فيه لأن هذه فتنة قتال بين المسلمين ولا بد أن يتلطخ بدم مسلم مهما كان المبرر وهذا بعد أن عاتبه النبي صلى الله عليه وسلم في قتل شخص يقال له مرداس بعد أن قال لا إله إلا الله , أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ماذا تصنع بلا إله إلا الله ومن ذلك الحين ودمام المسلمين في نفس أسامة لها شأن عظيم والأمر كذلك ويبقى أن المسألة مثل ما ذكرنا لن تترجح كفة أحد الفريقين فالمتعين العزلة , إذا ترجحت بأن كان هناك إمام للمسلمين وجماعة وأراد شخص أو اشخاص ولو كان من خير الناس بتأويل سائغ أن يخرج على هذا الإمام , الذي استتب له الأمر ولذم طاعته ولو كان من خير الناس فإنه حينئذ لا بد من إن لم يرضى بالصلح ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)(الحجرات: من الآية9) هذا متعين ( فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي)(الحجرات: من الآية9) فالبغاة يجب قتالهم ولو ترك البغاة إعتبار أنهم مسلمون , نعم بحجة أنهم مسلمون وترك البغاة ما استتب أمن إطلاقا , الملك الكل من يريدة , ولولا ما ورد في ذلك من النصوص التي تشدد في إراقة دماء المسلمين من جهة وفي حفظ حق ولي الأمر لحفظ حقوق المسلمين من جهة أخرى ما كان الأمر كما هو عليه الآن , الأمور مضبوطة ضبط متقن في الشرع , فقل له يقول لك لو كنت شدق الأسد لأحببت أن أكون معك كناية عن تمام الموافقة ولكن هذا يعني القتال بين المسلمين أمرا لن أراه فلم يعطي لي شيئاً , على رضي الله عنه في نفس الشأن يجلس في المدينة ويطلب مال , الناس في حروب فلم يعطه شيئا فذهب(1/143)
إلى الحسن والحسين يعني لما بينهم من سابقة , وعبدالله ابن جعفر وأوقري لي راحلتي , من الثياب وغيرها , حملوا الراحلة من الغطاء لأسامة ابن زيد .
الشيخ ( الشرح ) : ثم قال الإمام رحمه الله تعالى باب إذا قال عند قوم شئ ثم خرج فقال بخلافه , قال حدثنا سليمان ابن حرب الواشحي قال حدثنا حماد بن زيد ابن درهم عن أيوب السختياني عن نافع مولى بن عمر قال لما خلع أهل المدينة يزيد ابن معاوية جمع ابن عمر حشمة جماعته الملازمين لخدمته حشمه وولده فقال إني سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول ينصب لكل غادر لواء ليشهر به بين الخلائق يوم القيامة وإن قد بايعنا هذا الرجل , يزيد ابن معاوية , وإن قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله يعني على شروط ما أر الله به ورسوله من بيعة الإمام بايعنا يزيد لا شك أنه صاحب فسوق ليس على الجادة هو فاسق لكن هل هو مبرر لخلعه , لما خلع أهل المدينة زيد أنه فجور وفسوق فهل فسق الإمام مبرر لخلعه وما النتيجة التي حصلت من جراء خلعه , ما النتيجة تأتي النتيجة أهل العلم يختلفون في لعن يزيد الإمام , الإمام أحمد في رواية لا يرى في ذلك بأس حتى قال له ابنه لما لا تلعنه قال وهل رأيت أباك لعانا , المقصود ان مثل هذا ما لم يرى كفر بواح لا مبرر شرعي لخروج ولا مبرر شرعي لخلعه , فقال إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ينصب لكل غادر لواء ليشهر به بين الخلائق يوم القيامة وإن قد بايعنا هذا الرجل , يزيد ابن معاوية , وإن قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله يعني على شروط ما أر الله به ورسوله من بيعة الإمام وإني لا أعلم غدرا من ان يبايع رجل على بيعة الله ورسوله ثم ينصب له القتال وفي المسند وإن من أعظم الغدر بعد الإشراك بالله عز وجل أن بايع الرجل رجل على بيع الله ثم يمكث بيعه هذا من أعظم الغدر نسأل الله العافية , وإني لا أعلم أحد منهم خلعه يعني من ولده وحشمه الذين سبقت الإشارة إليهم , يقول(1/144)
ابن عمر وإني لا أعلم أحد منكم خلعه يعني يزيد ولا بايع أحد في هذا الأمر إلا كان في الفصيل يعني مقاطعة بيني وبينه ففيه وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة على ما عنده من فسوق على ما عنده من فجور على ما عنده من ظلم .
الشيخ ( الشرح ) : ما لم يرى كفر البواح هذا الحد الفاصل ومعه رؤية الكفر البواح لا بد من القدرة على التغيير وإلا إذا لم توجد القدرة عرضت دماء المسلمين للإهدار نصار طعام للسيوف من دون فائدة , فإذا وجد الكفر البواح ووجدت القدرة على التغيير حينئذ غير , اما إذا لم يرى الكفر البواح مهما بلغ من الفجور من الفسوق من الظلم لا يجوز أن تأخذ الطاعة من يده لا تجوز مخالفته إذا لم يرى كفر بواح وإذا رأى كفر بواح ينظر أيضا , يجوز الخروج عليه لكن مع القدرة .(1/145)
ففي ذلك وجوب طاعة الإمام التي انعقدت له البيعة والمنع من الخروج عليه و لو جار وإنه لا يخلع بالفسوق ولننظر نتيجة ما ذكر من نقض بيعة يزيد ما الذي حصل ؟ يعني يزيد عنده فسوق عنده فجور مولا على خيار الناس على الصحابة من المهاجرين والأنصار يعني على من بقي منهم , نعم ما الذي حصل نتيجة هذا الخلل ما ذكر من نقص البعة من استباحة المدينة , استبيحت المدينة وقتل من أخلاط الناس أكثر من عشرة آلاف منهم جمع من حملة القرآن وجالت الخيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أن المدينة خلت من أهلها وبقي ثمارها للعوافي من الطير السباع وكان ذلك سنة ثلاث وستين , هذه نتيجة الخروج على الإمام وكم من أمير تمنى الناس زواله بل قام الناس عليه وأطاحوا به فساروا يبكون عليه أشد البكاء في القديم والحديث ولا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه والله المستعان , على كل حال مطابقة الحديث للترجمة من حيث أن الذي ينقض البعة قال في الغيبة خلاف ما قاله في الحضور ترجمة باب إذا قال عند قوم شيء ثم خرج فقال خلافة عند قوم بايع فلما خرج نقض البيعة هذا وجه الطابق ثم قال الإمام رحمه الله حدثنا أحمد ابن يونس اليريوعي قال حدثنا أبو شهاب عبد رب ابن نافع حناط عن عوف ابن أبي جميلة الأعرابي عن أبي منهال سيار ابن سلامة قال لما كان ابن زياد يعني عبدالله ابن زياد ومروان ابن الحكم بالشام و وثب ابن الزبير بمكة , يعني خرج على يزيد .(1/146)
الشيخ ( الشرح ) : ووثب القراء بالبصرة القراء من هم الخوارج فانطلقت مع ابن أبي سرمة إلى أبي برذة نظلة ابن عبيد الأسلمي قال حتى دخلنا عليه في داره وهو جالس في ظل عُلّيه غرف من قصب في يوم شديد الحر فجلسنا إليه فأنشأ أبي يستطعمه الحديث يستدرجه ا لحديث , يستطعمه ا لحديث يطلب منه الحديث بالتدريج فقال أبا برزه ألا ترى ما وقع فيه الناس فأول شيء سمعت تكلم به إني احتسبت عند الله أني أصبحت ساخط على أحياء ثريش على قبائلها إنكم يا معشر العرب كنتم على الحال الذي علمتم من الزله والقلة والضلالة وإن الله أنقذكم من ذلك كله بالإسلام وبمحمد صلى الله عليه وسلم حتى بلغ بكم ما ترون من العزة والكثرة والهداية يعني خلاف ما تقدم , وهذه الدنيا التي أفسدت بينكم إن ذاك الذي بالشام يعني مروان ابن الحكم و الله إن يقاتل إلا على الدنيا يعني لما كان اجتماع على الدين والدنيا لا ينظر إليهم لعلمهم بحقيقتها وأنها دار ممر وأنها لا تستحق كل هذا النزاع والمشاحن وأنها لا تعدل عند الله جناح بعوضه أموركم مستقيمة مستقرة , وهذه الدنيا التي أفسدت بينكم إن ذاك الذي بالشام يعني مروان ابن الحكم و الله إن يقاتل إلا على الدنيا , ما يقاتل إلا على الدنيا , جاء أيضا في رواية ابن أبي ذر وإن هؤلاء الذين بين أظهركم والله إن يقاتلون إلا على الدنيا وإن ذاك الذي بمكة والله إن يقاتل إلا على الدنيا يعني ابن الزبير كل منهم يقاتل يريد الحكم , الحكم لا شك أنه مطلب من مطالب الدنيا إلا إذا تعين على شخص وألزم به مثل هذا يرى أنه خدمة للدين وأهله هذا لا يقاتل على الدنيا , عمر ابن عبدالعزيز رحمه الله عليه مثله لا يقاتل على الدنيا لكن في الجملة الملك من مطالب الدنيا ومما يتوصل به إلى أغراض الدنيا , فهذا الذي بالشام يقاتل على أش والله إن يقاتل إلا على الدنيا , ابن الزبير الذي في مكة يقاتل على الدنا يريد الملك غيره الذي بين أظهركم بالمدينة وغيره(1/147)
من القراء في البصرة كل هؤلاء يقاتلون على الدنيا .
الشيخ ( الشرح ) : هذا من وجهة نظر أبي برذة الذي لم يدخل في مثل هذه الأمور قد لا يقدر حقيقة الحال على وجهها هو حكم على هؤلاء أنهم يقاتلون من أجل الدنيا وقد يكون فيهم من يقاتل لإلحاق الحق يعني إذا قلنا مثل هذا فيه ابن الزبير مثلاً قد يقوله قائل في علي رضي الله عنه إن يقاتل إلا على الدنيا , قد يقوله في معاوية ضي الله عنه مع أن كل منهم مجتهد في قتاله ولا لا يؤثر بل يؤجر الفريقان لا سيما في مثلا على معاوية رضي الله عنه عن الجميع نعم الإصابة مع علي ومعاوية ومن معه مخطئون ولكن لا يكرمون أجر الاجتهاد هذا المقرر عند أهل العلم ومع ذلك الظاهر الذي يظهر للناس أن القتال من أجل الدنيا , هذا الذي يظهر للناس ولذا حكم أبو برذة على هؤلاء أنهم يقاتلون من أجل الدنيا , والله إن يقاتل إلا على الدنيا يعني ما ظهر بالقرائن وإلا فالنيات فالله أعلم بها وجه المطابقة للترجمة للذين عابهم أبو برذة كان ينظرون لأجل القيام بأمر الدين ونصر الحق هذا الذي أظهره وهم في الباطل إنما يقاتلون لأجل الدنيا , والترجمة إذا قالوا عند قوم شيء ثم خرج فقال بخلافة ,.يعني لو جاء محموعة وثاروا على إمام استتب له الأمن نعم هناك مبررات هناك تأويل سايغ وهؤلاء يسمون في عرف الشرع بغاة ثاروا على الإمام زظاهر عواهم أنهم يريدون إحقاق الحق مع أنهم بغاة يريدون إحقاق الحق هذا في الظاهر والله أعلم بالبواطن وقد يكونوا صادقين وإنما يحكم عليهم بظواهرهم , أبو برذة لما ظهر له من القارئن التي دلته على أن خروجهم وقتالهم من أجل الدنيا وأيضا الذي يريد الحق ليس هذا طريقه إنت ممنوع من هذا العلمل مهما كلن المبرر ما لم يرى الكفر البواح وإلا فأي فسق يصل إلى حد فسق يزيد وليس هذا بمبرر الخروج عليه كما تقدم من كلام ابن عمر وإن اجتهد من اجتهد وإن أراد الإصلاح من أراده مثل هذا لم يبرر ما لم يرى الحد الذي(1/148)
حدده الشارع لم يرى كفر بواح الذي فيه من الله برهان .
الشيخ ( الشرح ) : فوجه لومهم أنهم أظهروا انهم يريدون القيام بأمر الله وهم إنما أرادوا القتال من أجل الدنيا , ذكرنا مرارا الشخص قد يطالب ما هو مباح في أصله أو يعمل عمل مباح في الأصل كأن يهاجر كأن ينتقل من بلد إلى بلد يريد التجارة يلام ؟ ما يلام بحث عن زوجة في هذا البلد ما وجد انتقل إلى بلد آخر يريد أن يتزوج يلام ؟ لا يلام وثبقه في حديث الأعمال بالنيات على سبيل الذم من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها او امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه , قد يهاجر من اجل الدنيا وقد يهاجر من أجل الزواج ويؤجر على ذلك والسياق في يذم ولكنه إنما ذم لأنه أظهر خلاف ما يبطن أظهر للناس أنه هاجر لله بحث عن زوجة ما وجد في هذا البلد فأشاع في الناس أن هناك في البلد الفلاني أناس عباد أخيار يروح يتعبد معهم وهو ما قصده هذا هو قصده الزوجة , أشاع في الناس أن هناك من علماء من يلازمهم وهو أولى من غيرهم بالملازمة وأحق وهو يريد التجارة فإذا أظهر خلاف ما يبطن يأثم وإلا فالأصل أن الهجرة من أجل امرأة مباحة وذكرنا مثال لو أن شخص إذا بقي على آذان المغرب يوم الإثنين من كل أسبوع نصف ساعة أخذ التمر معه والماء والشاي والقهوة وجاء للمسجد وانتظر الأكل في المسجد مباح ما غيه شيء وما صام وكل من دخل تفضل يا أخي وانتظر الآذان لما أذن وقال بسم الله وأكل التمر وما صام هذا يذم ولاَّ ما يذم ؟ هذا يذم بلا شك وإن الأصل أن الأكل في في إشكال لكن ترتيب هذه الأمور ليدل الناس على أنه ليظهر للناس أنه صائم من هذه الحيثية يذم وإلا فالكل لا شيء فيه والأكل في المسجد أيضا مباح خاصة إذا كان من الأخيار مثل ابن الزبير وغيره , نعم إذا كان من أهل الفضل والخير .(1/149)
أبو برذة استدل بشيء إنه كان ظاهره الصلاح وقد نهي عن مثل ذلك القتال لأنه لم يرى كفر بواح , نهي عن مثل هذا القتال , دل على أنه لا يريد الخير إستنباط فكونك منهي عن هذا القتال وتقاتل رغم أنك منهي عنه شرعا و تريد الخير هذا قرية تدل على غير ذلك .؟
الشيخ ( الشرح ) : و لما يمنع أن يوجد أهل الغيرة والخير لا يعجبهم الوضع ولا يصبر ون على الظالم والظلم والأثره فيقول نريد إحقاق الحق أنت تريد إحقاق الحق من وجه إلى آخر لا من الوجوه التي نهى عنها كلُُ يريد الخير وكلُُ يريد الإصلاح لكن مع من الوجوه الشرعية والطرق المتاحة , ثم قال الإمام رحمه الله تعالى :(1/150)
حدثنا آدم ابن أبياس قال حدثنا شعبة ابن الحجاج عن واصل ابن حيان الأحدب عن أبي وائل شقيق ابن سلمة عن حذيفة ابن اليمان قال إن المنافقين اليوم شرُُ منهم على عهد النبي عليه الصلاة والسلام كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون وهذه سنة إلاهية أنه إذا قوي الحق اختفى الباطل والعكس , إذا ضعف الحق ظهر الباطل , فالمنافقون يخشون من سطوة الحق يسرون لكن إذا ضعف الحق برزوا ونجم النفاق قال إن المنافقين اليوم شرُُ منهم على عهد النبي عليه الصلاة والسلام كانوا يسرون الكفر فلا يتعد شرهم إلى غيرهم واليوم يجهرون إذا جهر المنافق اش صار نعم اش يصير كافرا أيهم أعظم شرا المنافقين ولا الكفار المنافق شره عليه الصلاة والسلام لى نفسه نعم ضرره على نفسه أعظم ولذا استحق أن يكون في الدرك الأسفل من النار لكن الشر إذا ظهر وأعلن تعدى ضرره إلى الآخرين فيجهرون بنفاقهم ويطعنون في الدين و أهله علنا ولا شك أن هذا نتيجة ضعف الحق وأهل الحق فاليوم يجهرون كانوا يسرون واليوم يجهرون كانوا يسرون لقوة الحق صاروا يجهرون به فيطعنون في الدين وأهله علنا هذا كلام من كلام حذيفة رضي الله عنه وما أشبه الليلة بالبارحة يطعنون في الدين وأهله علنا وذلك لضعف الحق وأهله وهذا قال حذيفة متى , في القرن الأول يعني فلا نستغرب أن يوجد مثل هؤلاء بين أظهرنا , لا تستغرب بعد ذه القرون بعد أن طال العهد بالناس واندرس كثير من العلم(1/151)
الشيخ ( الشرح ) : إندرس كثير من معالم الدين وصار جمهور الناس كلها موالاتهم ومعادتهم ومؤخاتهم كلا على أمر الدنيا , عامة مؤخاة الناس على أمر الدنيا , القرن الأول فكيف بوقتنا والله المستعان , هؤلاء الذي كانوا يسرون ويبطنون كفرهم صاروا يعلنونه ويظهرونه ويحرجون على الأئمة ومطابقة الحديث للترجمة من حيث أن جهرهم بالنفاق وشهر السلاح على الناس هو القول بخلافهم ما بذلوا من الطاعة بذلوا الطاعة بالبيعة فخروجهم على الأئمة وشهرهم السلاح في وجوه الناس هذا خرلاف ما بذلوا علنا حين بايعوا أولا وخرجوا عليه آخرا قال ابن بطان , على كل حال كلام حذيفة ظاهر وهو الواقع وهو الجاري على مر العصور والهر أنه إذا قوي الحق اختفي الباطل وأهله وأخفى الناس مع عندهم من دخن و دخن ودغل فإذا ضعف الحق برزوا وهما كفتان والدنيا الآخرة ضرتان كما هو مقرر عند أهل العلم لا شك أنه إذا رجحت كفة خفت الأخرى والصراع أمر لا بد منه وطريق الجنة ليس بالأمر السهل والجنة حفة بالمكارة لا بد أن يجد الإنسان في طريقه شيء لكن إن صبر وصابر وترسم النصوص الشرعية ورسم منهجه على مراد الله عز وجل مثل هذا يصل وهو على الصراط المستقيم لكن إذا تخبط يوم كذا ويوم كذا هذا في الغالب لا ينجح لا في أمور دينه ولا دنياه , ثم قال رحمه الله :
حدثنا خلاد يعني ابن يحي السلمي قال حدثنا مسعر ابن كدام عن حبيب بن أبي ثابت الكوفي عن أبي الشعث سليم ابن أسود المحاربي فيه أبو الشعث ثاني اسمه اش جابر ابن زيد هذا أبو شعثاء سليم ابن أسود المحاربي عن حذيفه ابن اليمان قال إنما كان النفاق يعني موجود عل عهد النبي عليه الصلاة والسلام يعني بخفائه فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان الآن ما في نفاق خلاص إذا ظهر المنافق بكفره وأعلن كفره انتهى النفاق لأن النفاق أن يبطن الإنسان خلاف ما يظهر وهذا يظهر ويبطن شيء واحد ما عنده شيء يخالف الظاهر الباطن .(1/152)
الشيخ ( الشرح ) : فصار كافرا ولذا فقال أما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان يعني لظهوره ثم بعد هذا قال رحمه الله تعالى :
باب لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور معلوم أن الغبطة تمني مثل ما للغير من غير طلب أو تمني لزواله حتى يغبط أهل القبور ذلك حينما لا يكون للحياة حلاوة ولا طعم يعني وجود الإنسان وعدمه بل عدمه أفضل وحينئذ يتمنى الموت والمسلم إنما يتمنى الزيادة في العمر ليعمر هذه الأيام والليالي بما يرضي الله عز وجل فإن كان لا يتمكن من ذلك فالموت خير له وإذا خشى أن يفقد ما هو أعظم من ذلك قد يفقد رأس ماله من الفتن حينئذ يسوغ له أن يتمنى ذلك وإلا فقد جاء النهي عن تمني الموت , لا يتمن أحدكم الموت لضر نزل به هذا في أمور الدنيا لكن إذا خشي على دينة من الفتن لا يصبر ولا يستطيع مقاومتها , حينئذ يسوغ له ذلك لأن طول الحياة إنما يطلب من أجل الزيادة والتزويد ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)(البقرة: من الآية197) إذا لم يتمكن من التزويد أو خشي على رأس المال الذي هو الدين فلا قيمة للبقاء في هذه الحياة ولا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور .
قال حدثنا إسماعيل ابن أب وليس قال حدثنا مالك وابن أنس عن أبي الزيناد عبدالله ابن زكوان عن الأعرج عبدالله ابن هرمز عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه . أي يا ليتني كنت ميتا , وذلكم عن ظهور الفتن وخوف ذهاب الدين لغبة الباطل وأهله فإذا خشي الإنسان على دينه ساغ له أن يتمنى الموت , وطلب الحياة وطول الأمل إنما يرجى لزيادة العمل فإذا لم تكن زيادة العمل ممكنة فلا مانمع من تمني هذا الموت ثم قال رحمه الله :(1/153)
باب تغيير الزمان يعني عن حالة الأول حتى يعبدوا الأوثان وفي رواية أبي ذر حتى تعبد الأوثان , حتى يعبدوا الأوثان , اعرب يعبدوا منصوب بحتى , كذلك ينصب بحذف النون , حتى يعبد الأوثان . حتى يعبدوا , الآن من الأفعال الخمسة حتى يقيموا , حتى يعبد الأوثان , والأوثان جمع وثن والوثن معروف مر مراراً .
الشيخ ( الشرح ) : فقال حدثنا أبو اليمان وهو الحكم ابن نافع قال أخبرنا شعيب وابن أبي حمزة عن الزهري قال قال سعيد ابن المسيب أخبرني أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية أبي ذر أنا أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى تضطرب يعني تتحرك الياتو نساء دوس يعني عجائز وهن , نساء دوس قبيلة أبو هريرة هو دوسي من دوس على ذي الخلاصة وذو الخلاصة طاغية دوس أي صنمهم , طاغية دوس التي كانوا يعبدونها في الجاهلية من دون الله عز وجل فذو الخلاصة طاغية دوس يعني الصنم نفسه أو موضع بلاد دوس , موضع ببلاد دوس فيه صنم امه الخلاصة وعلى هذا فالصنم الخلاصة والموضع ذو الخلاصة , يعني في كتاب المغازي من الصحيح ما يؤيد أن ذي الخلاصة وهنا الظاهر من اللفظ أن ذو الخلاصة طاغية دوس , هل يستقيم أن نقول ذو الخلاصة طاغية دوس , ونريد بذو الخلاصة المكان والطاغية الصنم يستقيم ولا ما يستقيم ؟ الآن طاغية دوس ذو الخلاصة طاغية دوس الآن هذا طاغية خبر عن ذو ؟ نعم ذو الخلاصة طاغية مبتدأ وخبر فيكون ذو الخلاصة هو الطاغية وعلى هذا يكون هو الصنم لكن إذا قلنا ذو الخلاصة طاغية دوس جعلنا طاغية وصف للخلاصة نفسه أو بدل منه أو بيان وحينئذ تتفق الرواية هنا مع التي في المغازي , لكن لا يوجد رواية بالجر من رواية الصحيح طاغية دوس أي صنمه التي كانو يعبدونها في الجاهلية وقد يطلق المحل ويراد به الحال والعكس فلعل هذا منه . نعم تغيير الزمان حتى يعبدوا الأوثان , هذا(1/154)
الحديث مناسب للشق الثاني من الترجمة وهو عبادة الأوثان ثم قال حدثنا عبدالعزيز يعني ابن عبدالله الأوسي قال حدثنا سليمان يعني ابن بلال عن ثور ابن زيد عن أبي الغيث سالم مولى عبدالله ابن المطيع عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه " هذا من تغيير الزمان .
الشيخ ( الشرح ) : ووجه كونه تغييرا للزمان أن هذا الذي يسوق الناس بعصاه بكونه واليا عليهم وهو من قحطان والأصل أن الأئمة من قريش فلا شك أن هذا فيه تغيير , يقول القسطلاني نقل عن التذكرة للقرطبي لعل هذا الرجل هو الرجل الذي يقال له الجهجاة القحطاني هذا يقال له الجهجات المذكور عند مسلم وأصل الجهجة الصياح , تعقبة ابن حجر لأن هذا قحطاني يعني من الأحرار وذاك من الموالي لا شك أنه غيره الآن أحاديث القحطاني التي جاءت فيه تدل على أنه ممدوح ولا مذموم " لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه " .
شرح كتاب الفتن
... ... للدكتور/ عبدالكريم الخضير
قال الشيخ : لا شك أنه غيره . الآن أحاديث القحطاني التي جاءت فيه تدل على أنه ممدوح لا مذموم ؟ " لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه .. نعم إما ان يسوقهم إلى الحق أو يسوقهم عنه نعم الاحتمال قائم ووجه إدخال المصنف لهذا الحديث في هذا الباب أن تولي غير قريشي من تغيير الزمن ( الأئمة من قريش ) جاء من طرق كثيرة جدا , قد تبلغ حد التواتر حديث الأئمة عن قريش , ولابن حجر جزء أسماه لذة العيش في طريق أحاديث الأئمة من قريش فهذا هو تغيير التغيير وهذا وجه إدخال الحديث في الباب .(1/155)
ثم بعد ذلك : باب خروج من أهل الحجاز وقال أناس قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أول أشراط الساعة ) : يعني علامة قيامها نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب . وهذا سبق موصولاً . أول أشرطة الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب . هذه النار التي هي في حديث أنس هل هي النار التي خرجت من المدينة . الواردة في حديث أبي هريرة ؟ غيرها لأن هذه التي في حديث أنس ما وقعت إلا الآن .
وفي حديث أبي هريرة يقول الإمام رحمه الله حدثنا أبو اليمان وهو الحكم بن نافع قال حدثنا شعيب عن أبي حمزة عن الزهري قال سعيد بن المسيب أخبرنا أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى تخرج : أي تنفجر نار من أرض الحجاز تضئ لها أعناق أو تضئ أعناق الإبل ببصرى وبصرى : بالشام قريبة جدا من حوران بينها وبين دمشق 3 مراحل . بصرى : بلد ابن كثير وغيرهم من أهل العلم ( نار من أهل الحجاز ) : وهي ثارة من المدينة تضئ أعناق الإبل ببصرى هذا حصلت سنة 654 هـ يعني قبل سقوط بغداد بسنتين . الحافظ بن كثير رحمة الله عليه أطال جدا في هذه النار وغيره من المؤرخين لأنها فيها شئ من يعني وقعت على طبق ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام بعد وفاته بستة قرون ونصف تقريبا 654 هـ يقول الحافظ بن كثير رحمه الله تعالى في تاريخه كلام طويل عن ابن كثير نقلا عن أبي شامة وغيره في تاريخه عن هذه النار ثم دخلت .(1/156)
قال المصنف : ثم دخلت سنة 654 هـ وفيها كان ظهور النار من أرض الحجاز التي أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى كما نطق بذلك الحديث المتفق عليه وقد بسط في ذلك الكلام الشيخ العلامة الحافظ شهاب الدين أبو شامة المقدسي في كتابه الذيل وشرحه واستحضره من كتب كثيرة وردت متواترة إلى دمشق من الحجاز بصفة أمر هذه النار التي شوهدت معاينة وكيفية خروجها وأمرها . وهذا محمد في كتاب دلائل النبوة من السيرة النبوية في أوائل هذا الكتاب ولله الحمد والمنة وملخص ما أورده أبو شامة لأنه قال وجاء إلى دمشق كتب من المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام بخروج نار عندهم في 5 جمادي الأخرى من هذه السنة وكتبت الكتب في 5 رجب والنار بحالها ووصلت الكتب إلينا في 10 شعبان ثم قال .....
قال الشيخ : أي شهر كامل . من 5 جمادي الأخرى إلى 5 رجب والنار بحالها والله المستعان .
قال المصنف : ثم قال بسم الله الرحمن الرحيم ورد : إلى مدينة دمشق في أوائل شعبان سنة 654 هـ كتب من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها شرح أمر عظيم حدث لها فيه تصديق لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أهل الحجاز تضئ لها أعناق الإبل ببصرى . فأخبرني من أثق به ممن شاهدها أنه بلغه أنه كُتب بتيماء على ضوءها الكتب .
قال الشيخ : كم تبعد تيماء على المدينة ؟ قال أحدهم 450 كم تقريبا .
قال الشيخ : كتبت الكتب على ضوء هذه النار التي خرجت من الحجاز وأبلغ من ذلك ما جاء في الحديث تضيء لها أعناق الأبل ببصرى أبعد اكثر من الضعف .
قال المصنف : وكنا في بيوتنا تلك الليالي وكأن في دار كل واحد منا سراج ولم يكن لها حر ولفح على عظمها إنما كانت آية من آيات الله عز وجل . قال أبو شامة : وهذه صورة ما وقفت عليه من الكتب الواردة فيها .(1/157)
لما كانت ليلة الأربعاء 3 جمادي الأخرى سنة 654 هـ ظهر بالمدينة المنورة دوي عظيم ثم زلزلة عظيمة رجفت منها الأرض والحيطان والسقوف والأبواب والأخشاب ساعة بعد ساعة إلى يوم الجمعة الخامس من الشهر المذكور ثم ظهرت نار عظيمة في الحرة القريبة من قريظة نبصرها من دورنا من داخل المدينة كأنها عندنا فهي نار عظيمة إشعالها أكثر من 3 منارات .
قال الشيخ : أي في الول لو جعل 3 منارات كل واحدة فوق الأخرى لكانت أعلى منها لها بهاء تصاعد في السماء أكثر من ذلك .
قال المصنف : وقد سالت أودية بالنار إلى وادي شطا مسيل الماء وقد مدت مثيل شظى وما عاد يسيل والله لقد طلعنا جماعة نبصرها فإذا الجبار تسيل نيرانا وقد سدت الحرة طريق الحاج العراقي فصارت إلى أن وصلت إلى الحرة فوقفت بعد أن أشرفت أن تجيء إلينا وجعلت تسيل في الشرق وخرج من وسطها سهود وجبال نيران تأكل الحجارة فيها نموذج عما أخبر الله عنها في كتابة ( إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ ) (المرسلات:33) وقد كتب هذا الكتاب يوم خامس رجب سنة 654 هـ والنار في زيادة ما تغيرت وقد عادت إلى الحرار في قريظة طريق عير الحاج العراقي إلى الحرة كلها نيران تشتعل مسرها من الليل من المدينة كأنها مشاعل الحاج وأما أم النار الكبيرة فهي جبال نيران حمر و الأم الكبيرة التي سالت النيران منها من عند قريظة وقد زادت وما عاد الناس يدرون ما يتم بعد ذلك والله يجعل العاقبة إلى خير فما أقدر أصف هذه النار .(1/158)
قال الشيخ : الله أكبر لا إله إلا الله ما أعظمه وما أهون الخلق عليه إذا هم عصوه . هذه نار قد لا يكون لها سبب إلا غضب الجبار جل وعلا . الله سبحانه وتعالى يغار إذا انتهكت محارمه . هذه نار تضيء تكتب عليها الكتب علامة . علم على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام فنخشى أن يعمنا بعقاب من نار أو بركان أو زلزال أو يسلط بعضنا على بعض بوجود هذه المنكرات التي عمت وصار إنكارها ممن يصعب تصوره على كثير من الناس والأمر يسير . لو تعاون الناس وتكاتفوا على الإنكار وتواطئوا عليه وتحملوا ما يصيبهم من سببه وجرائه فعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة . هذه النار أكثر من ألوف الكيلوات تضيء أعناق الأبل هناك أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون , يعني هزه خفيفة في الجزائر راح ضحيتها ألوف مألفة هزة يسيره وبعض المناطق مهدد والله المستعان .
قال المصنف : قال أبو شامة وفي كتاب آخر ظهر في أول جمعة من جمادي الأخرى سنة 654هـ وقع في شرقي المدينة المشرفة نار عظيمة بينها وبين المدينة نصف يوم انفجرت من الأرض وسال منها وادي من نار حتى حاذى جبل أحد ثم وقفت وعادت إلى الساعة ولا ندري ماذا نفعل . ووقت ما ظهرت دخل أهل المدينة إلى نبيهم عليه الصلاة والسلام مستغفرين تائبين إلى ربهم وهذه دلائل القيامة .
قال الشيخ : المطلوب في مثل هذه الظروف والأحوال الفزع إلى الله عز وجل فهو الكاشف في مثل هذه الأمور ولا كاشف سواه لا محمد عليه الصلاة والسلام أشرف الخلق ولا غيره إنما يكشف هذه الأمور الله عز وجل ولا غيره . نعم(1/159)
قال المصنف : قال وفي كتاب آخر لما كان يوم الاثنين مستهل جمادي الأخرى سنة 654 هـ وقع صوت يشبه صوت الرعد البعيد تارة وتارة . أقام على هذه الحالة يومين ولما كانت ليلة الأربعاء ثالث الشهر المذكور تعقب الصوت الذي كنا نسمعه زلزال ولما كان يوم الجمعة خامس اليوم المذكور انبجست الحرة بنار عظيمة يكون قدرها مثل مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام وهي برأي العين من المدينة فشاهدها وهي ترمي بشرر كالقصر كما قال تعالى .
قال الشيخ : قطع لهب . الله أكبر نعم
قال المصنف : وهي بموضع يقال له أجيدين وقد سال من هذه النار وادٍ يكون مقداره 4 فراسخ وعرضه 4 أميال وعمقه قامة ونصف وهي تجري على وجه الأرض ويخرج منها أمهار وجبال صغار تسير على وجه الأرض وهو صخر يذوب حتى يبقى مثل الآنك وإذا جمد صار أسود وقيل الجمود لونه أحمر . وقد حصل بسبب هذه النار إقلاع عن المعاصي والتقرب إلى الله عز وجل بالطاعات وخرج أمير المدينة عم مظالم كثيرة إلى أهلها .
قال الشيخ : هذه فوائد مثل هذه الأمور . هذه النذر التي يخوف الله بها عباده لو عقل الناس . لكن النذر لا تغني عن قوم لا يؤمنون حتى أهل النار لو ردوا لعادوا ومسخ القلوب لا حيلة معه . لا حيلة مع مسخ القلوب تحصل الكوارث والزلازل والبراكين والفيضانات والحروب ويعود الناس أسوأ مما كانوا نسأل الله العافية . ( وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ)(يونس: من الآية101) وجاء في بعض الآثار لأن الرجلان يمضيان – في آخر الزمان – فيمسخ أحدهم فنزيد فماذا يصنع الثاني ؟ هل يقول الحمد لله على السلامة ويرجع . لا يستمر في المعصية . ومسخ القلوب أعظم من مسخ الأبدان لأن مسخ البدن عقوبته في الدنيا ومسخ القلوب عقوبته آجلة في الآخرة . هؤلاء استفادوا . أقلعوا عن المعاصي وتقربوا إلى الله عز وجل بالطاعات والأمير خرج عن المظالم .
قال المصنف : وقد قال بعضهم فيها أبياتاً(1/160)
يا كاشف الضر صفحا عن جرائمنا ... لقد أحاطت بنا يا رب بأساء
نشكو إليك خطوبا لا نطيق لها ... حملا ونحن بها حقا أحقاء
زلازل تخشع الصم الصلاب لها ... وكيف يقوى على الزلزال شماء
أقام سبعاً يرج الأرض فانصرعت ... عن منظر منه عين الشمس عشواء
بحر من النار تجري فوقه سفن ... من الهضاب لها في الأرض أرساء
كأنما فوقه الأجبال طافية ... موج عليه لفرط البهج وعثاء
ترمي لها شرر كالقصر طائشة ... كأنها ديمة تنصب أقلاء
تنشق منها قلوب الصخر إن ظفر ... ت رعبا وترعد مثل للسعف أضواء
منها تكاثف في الجو الدخان إلى ... أن عادت الشمس منه وهي دهناء
قد أثرت سفعة في البدر لفتحها ... فليلة التم بعد النور ليلاء
تحدث النيران السبع ألسنها ... بما يلاقي بها تحت الثرى الماء
وقد أحاط لظاها بالبروج إلى ... إلى أن كاد يلحقها بالأرض إهواء
فيا لها آية من معجزات الرسول ... الله يعقلها القوم الألباء
فباسمك لأعظم المكنون إن عظ ... مت منا الذنوب وساء القلب أسواء
فاسمح وهب وتفضل وامح واعف ... وجد واصفح فكل لفرط الجهل خطاء
فقوم يونس لما آمنوا كشف العذاب ... عنهم وعم القوم نعماء
ونحن أمة هذا المصطفى ولنا ... منه إلى عفوك المرجو دعاء
هذا الرسول الذي لولاه ما سلكت ... محجة في سبيل الله بيضاء
فارحم وصلى على المختار ما ... خطبت على منبر الأوراق ورقاء
... ...
قال الشيخ : اللهم صلى وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال الشيخ : في الدرس الماضي في آخره بدأنا باب خروج النار الشراح يقولون من أرض الحجاز ومراد المؤلف ما هو أعم من ذلك لأن النار التي ذكرها في حديث أنس معلق . قال أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم " أو أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب وهذا سبق موشولا هذه النار ليست هي هذه النار التي جاءت في حديث أبي هريرة التي تخرج من أرض الحجاز , إنما هذه تكون في آخر الزمان .(1/161)
( تحشر الناس ) : تسوقهم من أرض المشرق إلى المغرب ثم حديث أبو هريرة يقول حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري قال سعيد ابن المسيب أخربني أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تقوم الساعة حتى تخرج : أي تنفجر نار من أرض الحجاز تضئ لها أعناق أو تضئ أعناق الإبل ببصرى وبصرى : بالشام قريبة جدا من حوران " وقد تقدم الحديث عليها ثم قال رحمه الله تعالى حدثنا عبدالله بن سعيد الأشج أبو سعيد الكندي قال حدثنا عقبة ابن خالد الكوفي قال حدثنا عبيد الله ابن عمر حفص ابن عاصم بن عمر بن الخطاب عن خبيب ابن عبدالرحمن الأنصاري عن جده ( الضمير يعود على جد عبدالله بن عمر لا جد شيخه خبيب ) عن جده حفص ابن عاصم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يوشك أن يقرب الفرات – النهر المشهور – أن يحسر : يكشف عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا )
إنما نهى عن الأخذ منه لما ينشأ عن ذلك من الفتنة والقتال عليه .
وفي مسلم : يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقبل الناس عليه فيقتل من المائة تسع وتسعون , ويقول كل واحد منهم مع كثرته – مع رؤيته كثرة القتلى – يقول لعلي أكون أنا الذي أنجوا لجمع !! يقتل من كل مائة تسع وتسعون ومع ذلك يقول لعلي أكون أنا الواحد الذي أنجو . هذا الباعث عليه الطمع . والطمع هو الذي وراء كثير من المشاكل , يحمل الناس على أن يقتتلوا .(1/162)
الطمع في الدنيا وحطامها وإثار العاجل على الآجل هو وراء هذه الفتن , حملهم الطمع على أن يقتل بعضهم بعضاً . وهنا يرى الناس يقتلون لا ينجو إلا الواحد من المائة ومع ذلك يقول لعلي أكون أنا الناجي فالناس يقتحمون هذه الغمرات , ولو وجدت الدراهم والدنانير في لا تتحموها ولو وجدت في بحر غاشم . والله سبحانه وتعالى يأمرهم بالواجبات وينهاهم عن المنكرات مع غير كلفة ولا مشقة . بيسر وسهولة ومع ذلك يؤثرون هذا العاجل الفاني على الآجل . قال عقبة ابن خالد اليشكري قال حدثنا عبيد الله بن عمر بن حفص ( السابق ) قال حدثنا أبو الزناد عبدالله بن ذكوان عن الأعرج ( عبدالرحمن بن هرمز ) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أي مثل الحديث السابق . إلا أنه قال يحسر عن جبل من ذهب وهناك قال عن كنز من ذهب. المعنى واحد . الجبل كنز . الشيء المدهون الذي لا يرى كنز يحسر عن جبل من ذهب : يعني بدل قوله عن كنز . وأشار أيضا أن لعبيد الله بن عمر أن له فيه إسنادين . هنا يرويه عن أبي الزناد وهناك يرويه عن خبيب بن عبدالرحمن .(1/163)
ثم قال رحمه الله تعالى باب : أي من غير ترجمة . حدثنا مسدد سبق ذكر ترجمته مرارا بن سرهد . قال حدثنا يحي بن سعيد القحطاني عن شعبة قال حدثنا معبد يعني ابن خالد الوقاص قال سمعت حارثة بن وهب الخزاعي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " تصدقوا فسيأتي على الناس زمان يمشي الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها " ما دامت الأبواب مفتوحة إعملوا قبل أن لا ينفع العمل قبل أن لا يتيسر العمل , وجود المال في وقت من الأوقات ينبغي أن يستغل وينبغي أن يجعل الإنسان نصب عينية أنه سيفقده في يوم من الأيام فيقدم منه ما ينفعه غداً . ويحتمل أن يكون الأمر كما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان يبحث عن من يأخذ المال فلا يجد . ويجد من يأخذ يقول الرجل لو جئت بها بالأمس لقبلتها . فأما اليوم فلا حاجة لي بها . جاء في بعض الرويات فلا يجد أحد يقبلها , وهذا في الوقت الذي ينشغل الناس فيه بأنفسهم بسبب الفتن ينشغلون بالفتن عن المال . وهذا في زمن الدجال أو يكون ذلك لفرط الأمن والعدل البالغ . بحيث يستغني كا أحد بما عنده عما عند غيره . وهذا يكون عند زمن المهدي وعيسى وقد حصل شيء من هذا في عصر عمر ابن عبدالعزيز رحمه الله .
جيء إلى عمر ابن عبدالعزيز بالأموال لفرقها فردت إلى صاحبها ما وجد من يقبلها !!
عَمّ الرخاء في زمنه بسبب العدل . وعَمّ الصلاح والدين والناس على دين ملوكهم . لكنه رجلا صالحا عم الصلاح والدين في الناس واقتدوا به فلا يأخذ الزكاة إلا المستحق ونَدُرَ المستحق لشمول العدل والله المستعان .(1/164)
قال مسدد . حارثة أقوى بالدلاء لعمر الأمة . أمه أم كلثوم بنت جرول الخزاعية . حارثة بن وهب الخزاعي أخو لعبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه . تزوجها عمر ثم أسلم ففرق بينهما الإسلام فتزوجها وهب الخزاعي فأتت بحارثة ثم بعض النسخ قالت هو أبو عبدالله يعني البخاري نقلا عن شيخه مسدد ثم قال حدثنا أبو اليمان وهو الحكم بن نافع قال أخبرنا شعيب وهو ابن أبي حمزة قال حدثنا أبو الزناد عبدالله بن ذكوات عن عبدالرحمن بن هرمز الأعرج المشهور بلقبه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان " يقول الشراح فئة علي رضي الله عنه وفئة معاوية رضي الله عن الجميع حتى تقتتل فئتان عظيمتان ويكون بينهما مقتلة عظيمة . يقول بلغ ما قتل في حروبها , أي حروب علي ومعاوية رضي الله عن الجميع بلغوا 70.000 ألفا خلائق .
مقتلة عظيمة دعوتهما واحدة أو دعواهما واحدة كما في بعض الرويات . كل منهما يدعوا نصر الحق ( لا تقوم الساعة حتى يُبْعث ) أي يظهر دجالون كذابون قريب من ثلاثين وجاء في بعض الرويات سبع وعشرين . منهم أربع نسوة كلهم يزعم أنه رسول الله وفي بعض الرويات ولا نبي بعدي .
من طالع كتب التواريخ والأدب يجد من أخبار المتنبئين الغرائب ويجدهم يبلغون هذه العدة . في نهاية الأدب للنويدي باب عن المتنبئين وطرائفهم وأخبارهم باب . ذكر من الطرائف المضحكة من هؤلاء الذين يذعمون أنهم أنبياء . ذكر عن بعضهم حيل . جيء لهارون الرشيد بواحد قال يزعمون أنك تزعم أنك نبي قال نعم قال ما اسمك قال أنا موسى بن عمران قال ما هذا العصا الذي بيدك قال هذه هي التي تنقلب حية . حية تسعى إذا وضعتها على الأرض . قال ضعها لنرى نشوف كلامك صحيح ولا لا . قال لا أضعها حتى تقول أنا ربكم الأعلى !! فإذا قلت أنا ربكم الأعلى وضعت العصا ومشت تسعى .(1/165)
سامة أخبارهم على أنها طرائف وهم دجالون كذابون وما زال المر حتى وقتنا الحاضر فبين فترة وأخرى واحد يزعم أنه نبي نسأل الله العافية .
( حتى يبعث دجالون ) جمع دجال . صيغة مبالغة ولا يجمع جمع تكسير عند جماهير النحاة لا يقال دجاجلة لئلا تذهب المبالغة لتبقى صيغة فعال على أصلها , دجال جمعه دجالون , قال الإمام مالك بن اسحاق : دجال من الدجاجلة قال عبدالله بن إدريس الأودي ما علمت أن دجال يجمع على دجاجلة حتى سمعت عنه مالك رحمه الله والفرق بين هؤلاء الدجالين وبين الدجال الأكبر المسيخ أن هؤلاء يدعون النبوة . وذلك يدعى الإلهية نسأل الله العافية .
( قريب من ثلاثين كلُُ يزعم أنه رسول الله و حتى يقبض العلم ) أي لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم ومعروف أن ذلك بقبض العلماء وتكثر الزلازل والآن تسمع في كل سنة زلزال أو أكثر هذه السنة تتابعت . لكن كل سنة نسمع واحدة اثنين أما هذه السنة فزادت ويذهب ضحيتها الغئام من الناس وتكثر الزلازل ( ويتقارب الزمان ) يتقدم . أي حتى تكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة . أي كالأسبوع والجمعة كاليوم الواحد واليوم كالساعة والساعة كإشعال سعفة .(1/166)
يعني من تقارب الزمان , منهم من يقول إنه تقارب حقيقي ومنهم من يقول التقارب معنوي بذهاب البركة من العمر فتجد الإنسان يمضي السنة في العمل الذي كان ينتهى منه في شهر ويمضي الشهر في العمل الذي ينته منه في أسبوع وهكذا وهذا ظاهر كثير من الناس تطلع عليها الشمس وتغرب ما استفاد شيئا هذا من نزع البركة . كثير من الناس يشوف اليوم غدا بعد غدا إلى أن تنتهي السنة وما صنع شيئا . لماذا يا فلان لا تجد في طلب العلم . إن شاء الله بداية السنة . جاءت بداية السنة وتصرمت الأيام لعله بعد رمضان إن شاء الله نتفرغ بعد رمضان نريد الحج وهكذا نذهب الليالي والأيام دون فائدة وإلا فالبركة موجودة عند من يستفيد من وقته . يعني من جلس بعد صلاة الصبح إلى العاشرة أو الحادية عشر ماذا ينجز من الأعمال . نعم الشيء الكثير لكن من نام من الصبح إلى الظهر ماذا يستفيد من بقية وقته , لا شيء !!
وهذا حلا كثير من الناس , كثير من الناس تنتهي أوقاتهم من بعد صلاة الصبح استعدادا إلى الدوام ثم الطريق إلى الدوام يحتاج إلى الوقت ثم الدوام يستغرق كل الوقت . ولا شك أن العمل في مصالح المسلمين العامة أمر لا بد منه وهو عمل خير مع النية الصالحة لكن أين النية الصالحة عند كثير من الناس إذا لم توجد النية الصالحة فهو يضيع الوقت بغض النظر عن أنه يجلب الراتب أو يوفر شيء من حطام الدنيا والله المستعان .
وتظهر الفتن أي تكثر ويكثر الهرْج وهو القتل وقد سبق الكلام في هذا كله . والهرْج . هو القتل بلسان الحبشة على ما تقدم .(1/167)
( وحتى يكثر فيكم المال فيفي حتى يهم رب المال أي يحزنه ويبعث الهم عنده و الغم ماله الذي لايجد منيقبله منه , يعني يوجد الصراع النفسي . هو مأمور بإخراج هذا المال بل الأمر به ركن من أركان الإسلام مأمور بإخراج الزكاة مأمور بإخراج الصدقة . لانفاق في سبيل الله لكن يبحث ما يجد وأنتم تعرفون أن الصدقة في وقت الحاجة أمرها عظيم . من الأمثلة على ذلك . الصدقة بالحم في الأيام العادية طول السنة تجد من يقبلها الكثير من يقبلها لكن أحيانا يوم العيد قد تأتي إلى فلان أو علان يقول لا حاجة لي بها فكيف إذا كان في آخر الزمان يدور الإنسان بصدقته وبزكاته فلا يجد من يقبلها . وهذا لا شك أنه يهم و يحزن لا سيما مَنْ فرط في الزكاة والصدقة في سبيل الله في الوقت الذي يوجد فيه من يقبلها .(1/168)
وحتى بعرضها فيقول الذي يعرضها عليه لا أرب لي فيه : يعني لا حاجه لي بها , وتقدم قول الرجل : لو جئت بها الأمس لقبلتها وأما في اليوم فلا . هذا زيادة في الهم ( وحتى يتطاول الناس في البيان ) مباهاة بكثرة الأدوار وهذا موجود فلان بنى عمارة عشرة أدوار ثم يقول فلان بنى 15 دور والثالث لا إحنا فوق ناطحات السحاب يتطاول الناس في البنيان مباهاة و إلا فإذا كان لحاجة لا بأس بها لحاجة : إذا كثر الناس وازدحموا والأرض يصعب فيهالا الامتداد الأفقي لضيقها لا مانع أن يرتفع البنيان لاستيعاب الناس لكن مع التوسط . لا مانع أن يبني الإنسان منزل يليق به من غير سرف ولا مخيلة . أما المراد بالتطاول في البنيان كما جاء في حديث جبريل وأن ترى الحفاة العراة الهم رعاء الشاء يتطاولن في البنيان ومثل هذا لا يحتاج إلى استشهاد شواهد كثيرة . ( وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول ياليتني مكانه ) أي ليته مات يتمنى الموت لما يرى من عظيم البلاء من الفتن والمحن . يقول القسطلاني لما يرى من عظيم البلاء ورياسة الجهلاء وخمول العلماء . يقول القسطلاني واستيلاء الباطل في الأحكام وعموم الظلم و استحلال الحرام والتحكم بغير حق في الأموال والأعراض والأبدان . يقول كما في هذه الأزمان في القرن التاسع وأوائل العاشر يتمنى الإنسان الموت لما يرى من هذه الأمور المألمة التي تعتصر القلب . مر بنا في درس سابق أنه لا يجوز تمني الموت لضر نزل به . وهذا الضر إن كان في أمور الدنيا . يتحسر على الدنيا على أمور الدنيا يتمنى الموت من أجل الدنيا إما في مال أو بدن لكن إذا كان يخشى على دينه الذي هو رأس ماله ويغلب على ظنه أنه لن يزداد من أعمال الخير يسوغ له ذلك .(1/169)
وعرفنا سابقا أن طول البقاء في الدنيا إنما يتمناه المسلم للإزدياد في العمل الصالح فإذا كان في سفال وفي نقص فالموت خير له وحتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت : أي من مغربها ورآها الناس أمنوا أجمعون : وأجمعون تأكيد لضمير الجمع , ولكن هل ينفع نفسا إيمانها . ثلاث علامات كما جاء في الحديث الصحيح . ثلاث علامات من علامات الساعة لا ينفع معها إيمان ولا تقبل منها توبة . الدجال . الدابة . طلوع الشمس من مغربها , في الصحيح . صحيح مسلم .
وهنا يقول فإذا طلعت ورائها الناس يعني آمنوا أجمعون .
فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها يعني لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا . يعني لا الدخول في الإسلام ينفع وهذا هو القسم الأول " لا ينفع نفسا إيمانها " أو كسبت في إيمانها خيرا يعني ولا العمل الصالح ينفع بعد فوات الأوان فالمسلم المفرط لا تنفعه التوبة حينئذ والكافر لا ينفعه الإسلام إذا طلعت الشمس من مغربها " ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه " الثوب منشور البائع ينشر الثوب ليراه الزبون ( المشتري ) ويخبره بسعره والثوب منشور فلا يتبايعانه . لا يتمكنان من البيع والشراء . إبرام العقد بالإيجاب والقبول ولا يتمكن البائع من طيه وإعادته إلى مكانه .(1/170)
" ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته : اللقحة : اللَّبُن من الإبل فلا يطعمه يعني فلا يشربه . في هذا كله إشارة إلى أن الساعة تقوم بغتة تفجأ الناس فجأة ولتقومن الساعة والرجل يليط حوضه أي يصلحه ويشق شقوقه فلا يسقي فيه فتقوم الساعة قبل ذلك . ولتقومن الساعة وقد رفع الرجل أُكلته أي لقمته إلى فيه فلا يطعمها رفعها إلى فيه ومع ذلك لا يستطيع أن يدخلها في فمه هذا صنف من الناس . وصنف تقوم الساعة ويده على الطعام أو في طريقها إلى الطعام وصنف تقوم واللقمة في فمه فلا يستطيع أن يمضغها كما جاءت في بعض الروايات , المقصود أنه إذا قامت الساعة هجد كل شئ خلاص والله المستعان . فالساعة لا تأتيكم إلا بغتة فجأة يفسرها مثل هذا الحديث وليس معناها كما قال بعضهم إن بغتة بحساب الجُمَّل 1407 بعض من كتب في أشراط الساعة قال إن الساعة تقوم سنة 1407 من أين قال إن بغتة كررت مرارا في القرآن وبغتة 1407 كيف 1407 هل هناك أحد يعرف حساب الجُمَّل أبجد هوز ؟(1/171)
نعم عدد الحروف عندنا 1407 ولا يحتاج إلى أن نفصلها لكن هل هذا هو المراد . لا والله ليس هذا هو المراد وإنما المراد بها فجأة ولا يعلم متى تقوم الساعة لا محمد ولا جبريل ولا أحد إلا الله عز وجل ولذا لما سأل جبريل النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح عن الساعة قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل يعني لست أنا وإياك على حد سواء لا أنت أعلم مني ولا أنا أعلم منك بل لا يعلمها إلا الله ( في خمس لا يعلمها إلا الله عنده علم الساعة إلى آخر الآية . فالساعة تقوم بغتة يعني فجأة والإنسان كما جاء في الأمثلة يرفع اللقمة إلى فيه فلا يستطيع أن يدخلها في فيه وإذا دخلها لا يستطيع أن يمضغها مثل هذا الكلام يذكرنا بقول أبو هذيل العلاف يعني استطراد , ماذا يقول بالنسبة لأهل النار في النار أنها تتعطل منهم الحركات في النار هو ممن يقول بفناء النار المعتزلة رأيهم أن الجنة والنار تفنيان والعلاف منهم .
تلطف كما يقول ابن القيم فأراد أن يأتي بقول وسط يكون كالحجارة تتعطل منهم الحركات والنار تخمد وبعد ذلك ما جاء بجديد , ابن القيم رد عليه في النونية بكلام طيب فليراجع باب ذكر الدجال لأن ابن القيم ذكر هذا المثال أن منهم من يرفع اللقمة وفي الجنة تتعطل الحركات وفي النار كذلك .(1/172)
ثم بعد ذلك باب ذكر الدجال . الدجال مبالغة في الدجل وهو الكذب والتلبيس والمراد به الدجال الأكبر وهو من الثلاثين الذين سبق الحديث عنهم . يقول الإمام رحمه الله تعالى حدثنا مسدد حدثنا يحيي بن سعيد القطان قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال حدثني قيس بن أبي حازم قال قال لي المغيرة بن شعبة ما سأل أحد النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال ما سألته إنه قال لي ما يضرك منه إن الدجال كأنه قال ما عليك منه أو ما الذي يضرك منه قال قلت إنهم يقولون إنه معه : يعني الذي يضره منه الخشية والخوف من أن يفتنه لأنه ما من نبي إلا حذر من فتنة الدجال . قال قلت إنهم يقولون إن معه جبل من خبز قدر الجبل من خبز ونهر ماء قال هو أهون على الله من ذلك . أهون : أحقر على الله من أن يفعل له شيئا يستطيع به أن يفتن المؤمن الموحد ومعه أشياء . لكن النفي هنا ما يفتن المؤمن الموحد وإلا معه أشياء يفتن بها من أراد الله فتنته .
( بل معه علامة يعرف به كذبه ) سيما بينتها الأحاديث الصحيحة أعور كما سيأتي في العين اليمنى مكتوب بين عينيه كافر يقرأها كل مؤمن سواء كان قارئ أو غير قارئ على ما سيأتي .(1/173)
قال الإمام رحمه الله تعالى حدثنا سعد بن حفص الطلحي قال حدثنا شيبان بن عبد الرحمن عن يحيي بن أبي كثير عن إسحاق بن أبي طلحة عن عمه أنس بن مالك قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ( يجئ الدجال : يعني من خراسات حتى ينزل في ناحية المدينة ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات فيخرج إليه كل كافر ومنافق لأنه ممنوع من دخول المدينة وعلى كل باب من أبوابها ملكان كما سيأتي فالذي في قلبه نفاق قي قلبه كفر يخرج إليه . لا يقول قائل أنا أسكن في المدينة في آخر الزمان لأسلم من فتنة الدجال !! إن كان بك شئ يتخرج نعم لاشك أن هذا فيه ترغيب لسكن المدينة نعم وجاء في الترغيب فيها أحاديث لكن هل البقاع تقدس أهلها نعم تقدس فالذي في قلبه شئ لابد أن يخرج إلى الدجال والذي عنده الإيمان والتوحيد ولو كان في أقصى الدنيا يعصمه الله من الدجال نعم .
قال الإمام رحمه الله تعالى حدثنا علي بن عبد الله هو ابن المديني قال حدثنا محمد بن بشر العيدي قال حدثنا مسعر بن كدام قال حدثنا سعد بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يدخل المدينة رعب المسيح ( المسيح ) بالحاء المعجمة وإن ضبطه بعضهم بالنقطة المسيخ . فهي المسيح وليست المسيخ فضلا عن شخصه وجسمه .(1/174)
وقال صاحب التاموس إنه اجتمع له من الأقوال في سبب تسمية المسيح اجتمع له 50 قولا . لماذا لا يدخل رعب المسيح المدينة ؟ لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب اثنان من الملائكة يحرسانها من دخول المسيح قال وقال ابن إسحاق محمد صاحب المغازي الذي قال فيه الإمام مالك دجال من الدجاجلة . سبق أن أشرنا إليه . وقال وقال صالح بن إسحاق عن صالح بن إبراهيم يعني ابن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال قدمت البصرة فقال لي أبي بكرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بهذا أي بما سبق وهذا متابع وليس بأصل وإلا فابن إسحاق لا يخرج له الإمام البخاري . وتمامه عند الطبراني فقال أبو بكرة أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( كل قرية يدخلها فزع الدجال إلا المدينة يأتيها ليدخلها فيجد على بابها ملكا مسلطا بالسيف فيرد عنها ) قال حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال حدثنا إبراهيم عن صالح عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن أباه عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال : هذا أصح الأسانيد عن الإمام أحمد تقدمت الإشارة إليه قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال إني لأنذركموه أي أخوفكموه وأحذركم منه وما من نبي إلا حذر قومه تحذيرا لهم من فتنته ولعلهم لم يعلموا وقت خروجه ولم يخبروا بوقت خروجه وأنه في آخر الزمان ولعظم فتنته وشدة خوفهم على أتباعهم صلوات الله وسلامه عليهم ( ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه أُخبر النبي صلى الله عليه وسلم بصفاته لأن أمته سوف تبتلى به دون أمم الأنبياء السابقين إنه أعور وإن الله ليس بأعور ) الأعور هو الذي لا يرى إلا بعين واحدة .
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري
للشيخ الدكتور : عبد الكريم بن عبد الله الخضير(1/175)
الشيخ ( الشرح ) : هذا لأن الحرب بين المسلمين فإذا دخل , ولكن ليس أقول لكم فيه قول لم يقوله نبي لقومه , أخبر النبي عليه الصلاة والسلام لأن أمته سوف تبتلى به دون أمم الأنبياء السابقين إنه أعور وإن الله ليس بأعور , الأعور هو الذي لا يرى إلا بعين واحدة . وسيأتي ما جاء في وصف عينيه قال حدثنا يحيي بن عبد الله بن المكير المخذمي قال حدثنا الليث عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن سالم ابن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بينما أنا نائم رأيتني " يعني في النوم أطوف بالكعبة فإذا برجل آدي أسمر سبط الشعر مسترسل الشعر غير جعد ينطف أو يهراقوا , ينطف يعني يقطر رأسه ماء قلت من هذا قالوا هذا عيسى ابن مريم عليه السلام , رآه النبي عليه الصلاة والسلام يطوف بالبيت , ثم ذهبت ألتفت فإذا برجل جثيم أحمر اللون جعد شعر الرأس أعور العين كأن عينه عين بدون طافية بارزة , عين طافية يعني بارزة وهي غير الممسوحة , التي لا ترى عين اليمنى ممسوحة وأعور العين اليمنى وهذه بارزة تتقد وفي هذا التصوير من القبح ما فيه كأن عينه بدون طافية قالوا هذا الدجال أقرب الناس به شبها ابن قطن عبد العزى ابن قطن ابن عمر هلك في الجاهلية رجل من خزاعة وهذا لأنه رجل كافر تشبه به كافر , وقد يقول قائل إن مثل هذا لو رأيت رجل من المسلمين عينه بارزة وعين لا يرى فيها هل تقول إن هذا مثل الدجال تشبه رجل مسلم بكافر وتكون بذلك قد عبته بخلقته التي لا يد له فيها لكن الكافر بكافر لا بأس من باب التشبيه والتقريب هو يشبهه من كل وجه كافر وهذا كافر .(1/176)
فالنبي عليه الصلاة والسلام رأى عيسى عليه السلام يطوف ورأى أيضا رجل جثيما أحمر الوجه جعد الرأس ومعلوم أن رؤيا الأنبياء حق وقد حرم على الدجال أن يدخل مكة أو المدينة فكيف رآه في الرؤيا بمكة , يقول بن حجر رحمه الله تعالى في دلالة على أن قوله عليه الصلاة والسلام حلمه من حديث أنه لا يدخل مكة دلالة على أن قوله عليه الصلاة والسلام من الدجال لا يدخل المدينة ولا مكة يعني في زمن خروجه , ولم يرد بذلك نفي دخله في الزمن الماضي يعني لا يدخل مكة والمدينة إذا خرج في آخر الزمان وأما قبل ذلك فلا مانع بدليل أن عليه الصلاة والسلام رآه في المنام , ورؤيا الأنبياء حق , أظن الجمع ظاهر , وقال أيضا غلط من استدل بهذا الحديث على أن الدجال يدخل المدينة أو مكة , إذ لا يلزم من كون النبي صلى الله عليه وسلم رآه في المنام أنه دخلها حقيقة ولو سلم أنه رآه في زمنه صلى الله عليه وسلم بمكة فلا يلزم أن يدخلها بعد ذلك إذا خرج في آخر الزمان , الظاهر يقول لا يلزم من كون النبي صلى الله عليه وسلم رآه في المنام أنه دخلها حقيقة ولو سلم أنه رآه في زمنه صلى الله عليه وسلم بمكة فلا يلزم أن يدخلها بعد ذلك إذا خرج في آخر الزمان . المقصود أن الجواب المرتضى أنه لا يمنع من دخولها قبل خروجه وإظهار دعوته , أما بعد ذلك فلا يمكن أن يدخل مكة ولا المدينة , الله سبحانه وتعالى حرم مكة والنبي عليه الصلاة والسلام حرم المدينة فلا يدخلها من ضمن التحريم .(1/177)
يقول رحمه الله تعالى حدثنا عبد العزيز ابن عبد الله الأويسي قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح ابن كيسان عن ابن شهاب عن عروة ابن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ يعني بالله في صلاته من فتنة الدجال , والنبي عليه الصلاة والسلام معصوم من الفتن لكن لا يمنع أن يكون من عصم أن يطلب النجاة في نفسه أو يقول ذلك تعليم لأمته عليه الصلاة والسلام ليقتدوا به في الاستعاذة كما أن من هدي يطلب الهدايا وطلب من المسلمين بما فيهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يقولوا في كل ركعة " اهدنا الصراط المستقيم " أحاديث اليوم أكثرها تقدم يا إخوان نقترب أن نكمل الشرح يعني ما نفصل لأنه مضى أكثرها .
يقول رحمه الله تعالى حدثنا عبدان عبد الله ابن عثمان بن جبله عتكي قال أخبرني أبي عثمان عن شعبة ابن الحجاج عن عبد الملك ابن عمير الكوفي عن ربعى ابن حراش عن حذيفة ابن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الدجال يعني في شأن الدجال " إن معه ماء ونار فناره التي يراها الرائي ماء بارد وماؤه التي يراها الرائي نار يعني يخيل للناس أن هذا نار وهذا ماء , والحقيقة عكس ذلك وهذا لعله من تمويه ودجل وابتلاء من الله عز وجل ابتلاء وامتحان من الله عز وجل . قال أبو مسعود عقبة ابن عمر البدري تصديق لحذيفة أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات ابن مسعود لكن الراجح أنه أبو مسعود قال سليمان حرب قال رحمه الله حدثنا سليمان ابن حرب الواشحي قال حدثنا شعبة ابن حجاج عن قتادة ابن دعامة عن أنس رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور , وإن بين عينيه مكتوب كافر بالحروف العربية . كاف , فاء , راء كافر يقرأه كل مؤمن قارئ أو غير قارئ حتى الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب يقرأ هذه .(1/178)
يقول الإمام رحمه الله تعالى فيه أبو هريرة وابن عباس يعني في الباب حديث يرويه أبو هريرة وحديث يرويه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم هذه طريقة الترمزي في الباب عن فلان وفلان وفلان إذا روى حديثا ويستعمله البخاري أحيانا كما هنا فيه أبو هريرة وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم تقدم حديث أبو هريرة في ترجمة نوح عليه السلام من أحد الأنبياء تقدم حديث ابن عباس في صفة موسى عليه السلام مثل هذا , هذه الفتنة عظيمة والشر المستطير الذي يبتلي به الله عباده في آخر الزمان من يعرض للفتنة من في قلبه دخل , وفي قلبه شئ من النفاق , من في قلبه خصلة من خصال الكفر , شعبة من شعب الجاهلية هؤلاء يفتنون معرضون للفتنة , أما من آمن بالله ورسوله وصدق بذلك وأيقن مثل هذا لا يفتن بالدجال , لأن الدجال فيه العلامات الواضحة الظاهرة بينها النبي صلى الله عليه وسلم في أجل بيان وكتب عينيه كافر فالذي يقرأ مثل هذه الحروف يوافق الدجال أو يخالفه مهما كان التهديد , وسيأتي قصة الرجل خير الناس من خير الناس وهو يقول له يأتي به الدجال على ما سيأتي ويقول أنت الدجال أشهد إنك أنت الدجال يصارحه بذلك , هل تنفع التقية هنا ونقول هذا مكره وقلبه مطمئن بالإيمان , نعم لا تنفع التوبة , من أجابه دخل النار ومن عصاه وكذبه دخل الجنة , نعم الدجال هو الذي عليه العلامات الظاهرة أما من عاداه إذا كان الإنسان قلبه مطمئن بالإيمان وخشي على نفسه " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان "
وإن ارتكب العزيمة وكذبه وتحمل ما يترتب على العزيمة كان أفضل , فأفضل الجهاد وأفض الشهداء حمزة رضي الله عنه وأيضا نعم من أنكر على إمام ظالم غاشم فقتله , كلمة حق عند سلطان جائر هذه عزيمة لكن هل يلزم الناس كلهم بهذه العزيمة من ارتكب العزيمة ثوابه أعظم ومن ترخص برخصة الله فهو معذور كبار من الأئمة صبروا وثبتوا الإمام أحمد ابن حنبل فنال الإمامة والله المستعان .(1/179)
يقول باب لا يدخل الدجال المدينة النبوية قال حدثنا أبو اليمان والحكم ونافع قال أخبرنا شعيب وابن أبي حمزة عن الزهري أخبرني عبيد الله عبدالله ابن عتبة ابن مسعود أن أبا سعيد سعد ابن مالك الخضري قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حديثا طويلا عن الدجال فكان فيما يحدثنا فيه أنه قال يأتي الدجال يعني إلى ظاهر المدينة خارج المدينة وهو محرم عليه أن يدخل المدينة , طرق المدينة وشوارع المدينة وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة والمراد بالأرض السبخة السبخة التي لا تنبت فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة من قبل الشام فيخرج إليه من المدينة يومئذ رجل يقول الشراح أنه الخضر وهو في صحيح مسلم ولكنه من قول أبي إسحاق إبراهيم ابن محمد ابن سفيان راوي الصحيح قال قيل هو الخضر كذا نسبه القرطبي إلى أبي إسحاق السبيعي وبه قال ابن العربي ولعل القرطبي وهم في نسبته إلى أبي إسحاق وإنما المراد به أبو إسحاق إبراهيم ابن محمد ابن سفيان راوي الحديث وبذلك قال ابن العربي يقول أنه الخضر وهو خير الناس أو من خيار الناس فيقول إلى آخره , الخضر يختلف الناس في وفاته وفي بقائه فكثير من أهل العلم يرون أنه موجود وأنه معمر من زمن موسى عليه السلام إلى آخر الزمان حتى يأتي الدجال ويمثل بين يديه ويقول له ما يقول والذي عليه جمع من أهل العلم التحقيق أنه قد مات , شيخ الإسلام رحمه الله له رسالتان في الباب إحداهما على جادة من يثبت حياته والأخرى على القول الأخر وهو الصواب أنه قد مات .(1/180)
الشيخ ( الشرح ) : ما من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة عام بما في ذلك الخضر وكثير من أهل الخرافة والبدع يقول بهذا القول ويزعمون أنهم يجتمعون به ويرونه ويستفيدون منه ولو وجد لما وسعه الخروج عن شريعة محمد عليه الصلاة والسلام ولما كان عنده من العلم ما يستفيده من غير الكتاب والسنة لو وجد ولذا من النواقد أن يزعم الإنسان أنه يسعه الخروج عن شريعة محمد عليه الصلاة والسلام كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام , إذا نزل عيسى عليه السلام في آخر الزمان يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى كل حال هذا قول وهو قول جمع من اهل العلم لكن الصواب أنه كغيره قد مات , قيل موسى بعث للناس كافة , لا موسى بعث لقومه يا بني إسرائيل , بس ما في إلا محمد عليه الصلاة والسلام بعث إلى الناس كلها , في زمانه لبني إسرائيل فقط عنوم الرسالة من خصائص النبي عليه الصلاة والسلام علم زمنهم , وهو خير الناس أو من خيار الناس فيقول أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فيقول الدجال يعني لأوليائه أرئيت إن قتلت هذا الرجل ثم أحييته هل تشكون في الأمر قيل الذي يدعيه من الألهية فيقولن لا هؤلاء هم أوليائه , فيقتله ثم يحييه فيقول الدجال أتئمنوا بي , يعني هذا الرجل يعني أن يقتله فيحييه , أتئمنوا بي , جاء بأمر لا يقدر عليه كل أحد بل لا يقدر عليه أحد إلا الله عز وجل وهذا من عظيم البلاء عظيم الفتنة لكن يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة هذا قتله شقه نصفين ثم أحياه حينما يقول هذه لمقالة أتئمنوا بي يغلب على ظنه أنه يقول أش ؟ ماذا سيقول ؟ نعم قل نعم إن لم يقسم على ذلك نعم فيقول الرجل والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم يعني يزداد يقيني بالله عز وجل وكفري بك بعد أن فعلت ما فعلت فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه نعم كما جاء في بعض الروايات بأن يجعل ما بين رقبته(1/181)
وترقته نحاس فلا يستطيع إليه سبيل والمقصود أنه لا يسلط عليه ثم قال حدثنا عبدالله ابن سلمه يعني القعنبي عن مالك ابن أنس إمام دار الهجرة نحم السنن النعيم ابن عبدالله المجمر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنقاب المدينة النبوية جمع نقبة وهو الطريق ملائكة يحرسونها لا يدخلها الطاعون ولا الدجال فالطاعون بسبب الدعوة النبوية اللهم انقل عنها الحمى حماها نعم فالطاعون أشد من خصائص المدينة انه لا يدخل مع الطاعون ولا الدجال ومكة مثلها .(1/182)
قال حدثني يحي ابن موسى ابن عبدربه المعروف بخت قال حدثنا يزيد ابن هارون السلمي قال أخبرنا شعبة وابن الحجاج عن قتادة ابن دعامة عن أنس ابن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المدينة يأتيها الدجال يدخلها فيجد الملائكة على أنقابها يحرسونها فلا يقربها الدجال والطاعون إن شاء الله عز وجل , يقول ما القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ( يثبت الله الذيسن آمنوا بالقول الثابت ) يعني يحيوا على لا إله إلا الله جميع ما تطلبه ويموتوا على لا إله إلا الله , ا يقربها الدجال قال ولا الطاعون إن شاء الله وهذا الاستثناء ليس للشك وإنما هو التبرك بذكر هذا الاسم المبارك , الحديث مر مرارا ثم قال , باب يأجوج ومأجوج مشتقان من أجيج النار أي ضوئها وزنهما يفعول ومفعول ممنوعان من الصرف للعلامية والتأنيث اسم قبيلتين وهما من نسل آدم من ولد يافخ ابن نوح , يقول الحافظ ابن كثير روى بن أحاديث غريبة في أشكالهم و طولهم وصفاتهم وقصر بعضهم وأذانهم لا تصح أسانيدها , يأجوج ومأجوج بغير همز ياجوج وماجوج قراءة السبعة إلا عاصم بدون همز قراءة عاصم كما هو معروف بالهمز , قال حدثنا أبو اليمان والحكم ابن نافع قال أخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري حاء التحويل من إسناد إلى آخر للإختصار وحدثنا إسماعيل ابن أويس , تقدم لنا مرارا أن البخاري يأتي لهذه الحاء حاء التحويل بعد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام وحينئذ لا تفيد الاختصار وإنما هي تقوم مقام الحديث اختصار الحديث كما يقول المغاربة , وحدثنا إسماعيل ابن أبي أويس قال حدثني أخي عبد الحميد عن سليمان ابن بلال عن محمد ابن عبد الله ابن أبي عتيق عن أبي شهاب عن عروة ابن الزبير أن زينب ابنة أبي سلمة حدثتهم عن أم حبيبه رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب عن زينب بنت جحش أم المؤمنين , يعني تقدم بأعلى من هذا الإسناد وتقدم سباعي وهنا كم : إسماعيل , أخوه , سليمان محمد ابن عتيق , أبي شهاب , عروة ,(1/183)
زينب بنت أبي سلمة , أم حبيبه زينب بنت جحش , نعم هذا تساعي وهو أنزل حديث في الصحيح على الإطلاق أنزل حديث في الصحيح تساعي ولا يوجد غيره , ما يوجد إلا هذا الحديث تساعي , يعني في حكم ما ينفع حكم نريد حقيقته يعني ما يضير أن يكون من التابعين ست من التابعين يروي بعضهم عن بعض . المقصود أنه تساعي فهو نازل نازل جدا يعني يوافقه الحافظ العراقي بعده بسبعمائة سنة أو ستمائة سنة عنده تسعيات وهي أعلى ما عنده وأنزل ما في البخاري هذا الحديث التساعي وأعلا ما فيه الثلاثيات يكون بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاثة وعدتها ثاني وعشرون حديثا غالبها من طريق المكي بن إبراهيم عن زيد ابن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوي , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها بعض الرواية استيقظ من نومه فزعا وهنا يقول دخل عليها وهو منفزعا , دخل عليها فزعا بعد أن استيقظ من نومه , استيقظ من نومه فزعا ودخل عليها فزعا خائفا يقول لا إله إلا الله وهذا حديث تقدم شرحه لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب هل أمة محمد عليه الصلاة والسلام العرب فقط ولماذا خص العرب . نعم كيف لا مثل الأمة من العرب وغيرها , نعم لعلى هذا الصنف من الناس يعني يأجوج ومأجوج إنما سلطوا على العرب إنما سلطوا على العرب فقط , فتنة لهم أو لأن العرب أسرع إليهم مثل هذه الفتن أو لأنهم هم أسرع للدخول في الفتن في ذلك الوقت من غيرهم . المقصود أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول " ويل للعرب من شر قد اقترب " فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج الذي بناه ذو القرنين بزبر الحديد جمع زبرة وهي القطعة , قالوا إن كل زبرة كل قطعة تزن قنطار والزبرة بمثابة لبنة لكنها تزن قنطار فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها , قالت زينب بنت جحش فقلت يا رسول الله أفنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث وهذا هو الأمر المخيف ذكرنا مرارا أن الخير موجود في(1/184)
أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأن هناك طائفة منصورة قائمة بالحق إلى قيام الساعة , وفي أمة محمد صلى الله عليه وسلم من خيار الناس في هذا الزمان وقبله وبعده من فيها , فيها العلماء , فيها الدعاة , فيها العباد , فيها طلاب العلم , فيها المحسنون , فيها المنفقون , فيها المجاهدون , لكن الهلاك علق بأمر ظهر وكثر وانتشر في هذه الأزمان وهوالخبث ثم قال وهذا تقدم كله مرارا .
حدثنا موسى بن اسماعيل التبوذكي قال حدثنا وهيب هو ابن خالد قال حدثنا عبد الله بن طاووس عن أبيه طاووس ابن كيسان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يفتح الردم ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقدة وهيب ابن خالد تسعين , قال يفتح الردم ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقدة وهيب التسعين مثل هذه يعني جعل طرف الإبهام بين عقدتين السبابة من باطنها وطرف السبابة عليها هكذا لا بس يقول مثل ناقد الدينار , ناقد الدينار إيش يسوي هكذا يضربه بطرفه السبابة هكذا هذا الخزف , ناقد الدينار هكذا تقدم حقيقة شرح التسعين والمائة نعم , هنا يقول عقد سفيان تسعين , تسعين بأن جاء جعل طرف إصبعه السبابة اليمنى في أصلها وضمها ضما محكما بحيث انعقدت وانطوت عقدتاها حتى صارت كالحية المطوية هكذا والمائة كالتسعين لكن بالخنصر اليسرى وهذا تقدم وكانوا يستعملونه قبل أن يعرفوا الحساب , نعم قبل أن يعرفوا الحساب , وبهذا تكون أحاديث الفتن من هذا الكتاب العظيم الصحيح انتهت والله أعلم وصلى اللهم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الشيخ ( سؤال ) : يقول ما الضابط في تنزيل أحاديث الفتن في الواقع ؟ فقد سمعنا في الأحداث الأخيرة من خاض الفتن إلى آخر الزمان وربط بالأحداث المعاصرة فما توجيهه ؟(1/185)
الشيخ : نقول هذا تسرع تسرع لأن تعريض الأحاديث النصوص الثابتة لمثل هذه الفتن وإن كان فيها وجه شبه إلا أنه قد يوجد من الفتن ما هو مطابق تمام المطابق فنعرض أحاديث الفتن للنفي كما عرضنا ما طبقت عليه نظير من ينزل الأحاديث والآيات على النظريات . ينزلونها على نظريات علمية فإذا كذبت هذه النظريات ماذا يكون مصير الخبر الذي نزل عليها , يصير عرضه للتكذيب وهنا إذا نزلنا أحاديث الفتن على ما وقع ولو من وجه , نعم ولو شابهه من وجه نكون بذلك إذا وقع ما يشبهها من كل وجه بحيث لا محيد تنزيلها عليها نكون بذلك عرضنا الأحاديث للنفي وبذلك نكون قد قلنا على الله بغير علم نقول إن هذا مراد النبي عليه الصلاة والسلام من هذا الحديث فنكون بذلك قد افترينا على الله عز وجل الكذب وعلى رسوله عليه الصلاة والسلام والله أعلم وصلى اللهم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .(1/186)
انتهى شرح كتاب الفتن من صحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى , ويسرنا أن نلفت انتباه للأخوة الأفاضل من طلبة العلم إلى أن تسجيلات الراية الإسلامية بالرياض تقوم بتسجيل دروس الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير , وقد صار منها : مقارنة بين شروح كتب السنة , اختصار علوم الحديث للحافظ بن كثير , شرح حديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم , شرح كتاب الصيام وكتاب المناسك وكتاب الزكاة من زاد المستغني , شرح كتاب الحج وكتاب البيوع من كتاب عمدة الأحكام , شرح الورقات لإمام الحرمين الجويني رحمه الله , مقدمة عن تفسير الجلالين وتفسير سورة الفاتحة , شرح كتاب بدأ الوحي من مختصر الزبيدي لصحيح البخاري رحمه الله ، شرح كتاب الطهارة لكتاب بلوغ المرام للحافظ ابن حجر رحمه الله ، كيف يستفيد طالب العلم من كتب السنن , شرح كتاب الفتن من صحيح الإمام البخاري رحمه الله , نسأله تعالى أن ينفع المسلمين بهذه الدروس وأن يجزي الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير خير الجزاء انتهت مادة هذا الشريط .
الشيخ : الحمد له رب العالمين وصلى اللهم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد(1/187)
فما أروي ما أقول في هذه الساعة لبيان فهم كتب السنة وكل كتاب يحتاج إلى ساعات لكن لابد من الكلام في ضوء ما حدد من موضوع وما أتيح من فرصة ووقت , السنة النبوية وهي ما يضاف للنبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير حجة ملزمة بإجماع من يعتد بقوله من المسلمين وهي ثاني مصادر التشريع بعد القرآن الكريم وهي المبينة للقرآن والموضحة له وحفظ السنة من حفظ القرآن الكريم لأنها بيانه , (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) فالسنة محفوظة بحفظ القرآن لأنه لا يتم فهم القرآن إلا ببيان النبي صلى الله عليه وسلم بقوله أو فعله أو تقريره فحفظ السنة من حفظ القرآن وللإهتمام اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بشأن القرآن والخوف من اختلاطه بغيره حتى يتم حفظه الموعود به نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة الحديث في أول الأمر , جاء في الصحيح في حديث أبي سعيد لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن ومن كتب شيئا غير القرآن فليمحه . مخرج في الصحيح صحيح مسلم وأهل العلم حملوا ذلك على وجوه مدارها على خشية اختلاط القرآن بغيره فالنهي عن كتابة السنة مع القرآن في صفحة واحدة وحينئذ يلتبس الأمر فيختلط القرآن بغيره ولا مانع على هذا القول من كتابة السنة مستقلة عن القرآن , ومنهم من يقول في أول الأمر والحافظه ملكه الحفظ عند الجيل الأول تسعف على حفظ جميع السنة ثم بعد ذلكم لما خشي من ضياع السنة أذن بالكتابة فالشخص الذي لا يحفظ يكتب وإذا تصورنا الأثار المترتبة على الكتابة وكل إنسان يدرك ذلك عرفنا أن النهي عن الكتابة في أول الأمر له مقصد ومغزى عظيم فلاشك أن الكتابة على حساب الحفظ . وكل واحد منا يدرك ذلك في أموره العادية الذي يكتبه لا يعتني به ولا يودعه سويداء قلبه ليحفظه ولتجد الإنسان إذا لم يكن معه قلم أو ورقة يكتب بها واحتاج إلى أمر من الأمور وأظهر ما يوجد الأن الأرقام , أرقام الهواتف التي(1/188)
صارت هي شغل الناس الشاغل , إذا لم يكن معه قلم حفظه هذا مجرب إذا سجله وكتبه هذا آخر عهد به فجاء النهي عن الكتابة خشية أن يعتمد الناس على الكتابة ويهمل الحفظ لكن لا مفر ولا مناص ولا محيص عن الكتابة ولا محيد لماذا ؟ لأن الناس دخلوا في دين الله وتعلموا ما تعلموا من كتاب الله وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام وكثر أعدادهم واختلطوا بغيرهم وأحتيج إلى التدوين لما كثر الناس ودخلوا في دين الله أفواجا أحتيج إلى التدوين , فجاء الأمر بالكتابة لبعض الناس , أكتبوا لأبو شاة وقال أبو هريرة ما كان أحد أكثر مني حديثا غير عبدالله ابن عمر فإنه كان يكتب ولا أكتب فتتابع الناس على الكتابة وأجمع أهل العلم على جوازها وارتفع الخلاف السابق بل وجد من يمنع الكتابة , استدلال بحديث أبي سعيد من المتقدمين تتابع الناس على الكتابة وتدوين الأحاديث في الصحف والكتب وحصل بذلك خير عظيم ولذا أو تبع لذلك تنوع الحفظ عند أهل العلم فمنهم من هو حفظ صدر , ومنهم من هو حفظ كتاب , وإن نازع بعض أهل العلم في الاعتماد على حفظ الكتاب وجعل الأصل حفظ الصدر لكن حصل الاتفاق على أن حفظ الكتاب لا يقل أهمية عن حفظ الصدر , إن لم يكن أقوى منه وأثبت لأن الحفظ خوان , استمر الأمر على ذلك في القرن الأول والثاني والثالث والرابع وجمعت السنة ولم يفت المة منها شيء لأن الأمة معصومة على أن تفرط في شيء من دينها , لكن قد يقول قائل ماذا عما يحفظه الأئمة من مئات الألوف من الأحاديث , الإمام أحمد يحفظ سبعمائة ألف حديث الإمام أبو دود يحفظ ستمائة ألف حديث وهكذا , أين ذهبت هذه الأحاديث , البخاري بالمقرر لا يزيد على سبعة آلاف ومئتين وخمسين حديث بالمكررات , مسلم قريب منه أو يزيد عليه قليلا أوصله بعض إلى الثمانية , أعظم دواوين الإسلام , المسند أوصلوه إلى أربعين ألف حديث وبالعدد الدقيق والتحري يبلغ الثلاثين , أين ذهبت مئات الألوف من الأحاديث ما ذهب منه شيء مما(1/189)
يحتاج إليه , لم يذهب من هذه الأحاديث شيء مما يحتاج إليه , فالعدد في عرف السلف بالطرق ربا حديث واحد يروى من مائة طريق فيعد مائة حديث , وإذا تصورنا أن أبا إسماعيل الهروي يقول إنه , إن حديث الأعمال بالنيات يروى عن يحي ابن سعيد الأنصاري من سبعمائة طريق إذن هذه سبعمائة حديث في عرف المتقدمين , وإذا نظرنا إلى ما دون في كتب السنة وحفظ ونظرنا إلى الطرق سواء كان المدون منها أو ما لم يدون مما لا يحتاج إليه لأن لا يدوم لما احتاج إليه فتبلغ هذه العدة فتؤيد إضافة إلى أن الحديث في عرف المتقدمين يشمل الآثار يشمل أقوال الصحابة وفتاويهم فلم يضع من سنة النبي عليه الصلاة والسلام شيء لأن الدين محفوظ والأمة معصومة من أن تفرط في شيء من دينها , بعد الكتابة , وضعف الحفظ ظهر ذلك جلي حينما اعتمد الناس على الكتابة , كل قرن يظهر فيه ضعف الحفظ أكثر لاعتماد الناس على الكتابة إلى أن ظهرت الطباعة ولا شك أن الطباعة يسرت وسهلت تحصيل العلم واقتناء الكتب لكنها عل حساب التحصيل لماذا ؟ لأن الشخص مريد العلم إذا احتاج إلى شيء من الكتب إما أن ينسخه لنفسه أو يدفع أجره لمن ينسخه له ويكون ورود الكتب إليه بالتدريج وحينئذ ينسنى له قراءة هذا الكتاب ومراجعته , فإذا نسخ الكتاب بيده نسخ الكتاب بالتجربة أفضل من قراءته عشر مرات , هذا بالتجربة وكذا لو دفع أجره لمن ينسخه له فإنه لم يفرط في هذا الكتاب الذي حرص عليه واستعاره ودفع أجره لمن ينسخه والنسخ كما تعلمون بالتدريج ما هو مثل المطابع وجدت المطابع والخلاف الحاصل في الكتابة في أول الأمر حصل في الطباعة في آخر الأمر ووجد من اهل العلم من يمنع طباعة الكتب الشرعية في المطابع لماذا لأن الناس يعتمدون على هذه المطبوعات ويقتنون الكتب المطولة بكميات وبإمكان الشخص أن يقتني في يوم واحد عشرات بل مئات المجلدات وما عليه إلا أن يرص هذه المجلدات في الدواليب ثم لا ينسنى لهم مراجعة الجميع .(1/190)
الشيخ : فصارت الطباعة مع تيسيرها وتسهيلها صارت على حساب التحصيل وهذا مشاهد , كان اهل العلم وطلاب العلم يعانون أشد المعاناه لنسخ الكتب يسهرون الليالي المقمرة على الأنوار الخافته ينسخون الكتب وبهذا حصلوا , لكن الآن من اليسير جدا أن تخرج إلى المكتبات وتشتري جميع ما تريد في ساعة لكن إذا رجعت ماذا تصنع ؟ ترص هذه الكتب في الدواليب ويبقى بقية يوم كله استجمام , الآن أنت ضمنت الكتب عندك ولا عليها فةات بدل اليوم غدا , وهذا شيء مجرب يا إخوان ما هو من فراغ ولذا منع بعض العلماء طباعة العلم الشرعي , قد يقول قائل هذا من جهلهم والناس أعداد لما يجهلون وبعض الناس عنده رد فعل من الأمور المحدثة سواء كانت تؤثر في أمور الدين أو لا تؤثر ؟ نعم بعض الناس عنده وقف لا يستعجل في الأمور وهذه محمده مع أن أثر الطباعة لوحظ في تخلف العلم والتحصيل وهذا شيء ظاهر . بعض شيخ الأسر قال تمنع طباعة كتب العلم الشرعي , أطبع كتب الأدب والتاريخ وإن شئتم اللغة أيضا لكن كتب الحديث والتفسير والعقائد لا تطبع من أجل أيش ؟ من أجل أن يعتني الناس بالكتابة ويتداولن الكتب بحرص وعناية وهذا أمر مشاهد , لما كانت الكتب قليلة والناس يحرصون على قراءتها واستعارتها ونسخها ويتداولونها , لكن لما كثرت أنظر ترى , ثم بعد ذلكم استسلم أهل العلم لأمر الواقع فأجمعوا على جواز طباعة الكتب , استمر الأمر على ذلك عقود بل قرون ثم جاءت هذه الحواسيب وهذه الآلات التي تيسر لك ما تريد وأنت جالس بضغط ذر تحصل على جميع ما تريد تبحث عن حديث تضغط ذر ويظهر جميع طرق الحديث مائة طريق خمسين طريق سبعين طريق إلى آخره , لكن النتيجة هل يحفظ العلم بهذه الطريقة لا يتخرج طالب علم بهذه الطريقة أبدا العلم لا بد له من معانهة , تضغط ذر يخرج لك الوارة رواة هذه الخبر بجميع ما قيل فيها من جرح أو تعديل ثم ماذا خلاص يطفي الكهرباء ثم يرجع بعد ذلك ترجع عامي لا تحسن شيء .(1/191)
وعمد كثير من أهل العلم إلى تعسير العلم سواء كان في وسيلةو الحصول على المعلومة فغير الترتيب عن الترتيب المألوف , ابن حبان في الأنواع والتقاسيم في صحيحه رتبه على طريقة غريبة مبتكره لم يصنعها غيره خشية أن يأتي الطلاب الذين يبحثون عن الحدبث فيجدوه بسهولة , الحديث في الطهارة في أول الكتاب , في الصلاة يفتح زيادة خمسين ستين صفحة وتجده وفي الزكاة وهكذا , وهذا مقصود ومنهم من عمد إلى تعسير العلم بطريقة أخرى وهي صعوبة الأسلوب بعضهم يعقد الأسلوب من أجل أن يعاني بها الطالب فهم هذا الكتاب فإذا فهمه بعد معاناة ثبت عنده ورسخ , وهذه طريقة مألوفة عند أهل العلم سواء كانت في الفقه أو أصول الفقه أو في العربية أو في غيرها من العلوم , وجاء في عصرنا من ذلل العلم لطلابه وسهله ويسره بنية صالحة وهو مأجور على ذلك لكن من يستفيد من مثل هذه الكتب المبتدئون من الطلبة وغي المتخصصين في علم الشرع أما من يريد أن يتخرج على طريقة أهل العلم وعلى جادتهم لا بد أن يسلك المسالك التي سلكوها , متى نحتاج إلى مثل هذه الآلات قد يقول قائل جامع السنة وفيه أكثر من نصف مليون حديث تحصل على جميع ما تريد وأنت جالس وأي شيء أيسر من هذا والنبي عليه الصلاة والسلام ما اختار , ما خير بين أمرين إلا واختار أيسرهما لكن ما النتيجة هل نقول لطالب العلم وأنت في عصر الحواسيب انسخ ا لكتب , نقول لا تنسخ الكتب , اقرأ الكتب أقل الأحوال , كان المتقدمون لا يفهرسون الكتب ولا يعنون بترقيمها وحسابها همتهم أعلى من ذلك , لأن طالب إذا أراد الفائدة وبحث عنها بنفسه من غير فهارس فإنه وهو في طريقه لتحصيل هذه الفائدة يستفيد عشرات الفوائد الفوائد كثيرة منها اهم من هذه الفائدة التي يبحث عنها , الآن اضغط الحاسب المسألة التي تريد أن تخرج لك نفس المسألة من غيرها , نعم نستفيد من هذه الآلات لكن لا نعتمد عليها نستفيد منها إذا ضاق الوقت خطيب جمعة , شخص له درس أو(1/192)
محاضرة وعنده حديث يريد أن يتأكد منه ولم يبقى من الوقت ما يسعف نقول اضرب الحاسب اضرب على الكمبيوتر وشوف هو صحيح لا لأن ما عندك وقت انت مضطر الأن , وآخر يريد أن يختبر عمله فخرج الحديث حسب قدرته واستطاعته وجمع ما استطاع بعد أن بذل وسعه واجتهد جمع الطرق التي في وسعه وفي مقدوره جمع عشرين طريق للحديث وأراد أن يختبر عمله هل هناك زيادة لا مانع من أن يضرب الحاسب ويطلع على ما فيه من زيادات وإذا وجد من الزيادات في هذا الحاسب زيادة على ما تعب عليه لا شك أنه سوف يعتني بهذه الزيادة ويحفظها بخلاف لو جاء ابتداء إلى هذا الحاسب وأنا أضرب مثال لمن يستعمل هذه الآلات ومن يعاني العلم من أبوابه , شخص مر بطريق شارع تجاري فيه تنبيهات ولوحات ومحلات أشياء مكتوبة كثيرة ألوف مألفة تصور لو مر مرة مع هذا الشارع على سيارة تمشي مائة كيلوا في الساعة ماذا سيحفظ في هذه اللوحات والمثال تقريبي الظاهر ما يحفظ ولا واحد منها لكن لو كان يمشي على رجليه وتلفت ونظر يحفظ الكثير وهذا مثل ما يقرأ ومثل ما يطلع على هذه الآلات هذا مثال محسوس ولا أستبعد أن يقول قائل الناس وصلوا ما وصلوا وأنتم تقولون انسخوا واقرأو إلى متى لكن ثقوا ثقة تامة أن العلم في الكتب , العلم متين ويحتاج إلى معاناة ويحتاج أيضا إلى تردد على الشيوخ أهل الخبرة أهل الدراية أهل العلم والعمل مع المراجعة بالإنفراد والمذاكرة مع الغير أما شخص يحضر الدروس وإذا خرج من الدرس هذا آخر عهده بالكتاب فمثل هذا لا يفلح غالبا كما قرر ذلك أهل العلم فعلينا ان نعتني العلم وأجره عظيم لا تظن أن تعبك على العلم سدى وهدر لا " من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة " الأمر ليس باليسير قد يقول قائل أنا الحافظ لا يسعف الفهم ضعيف أنا مجرد تردد علي وتردد على أهل العلم ولا أفهم ولا أحفظ ومتردد , الأجر والثواب مرتب على مجرد سلوك الطريق " من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل(1/193)
الله له طريقا إلى الجنة " , فعليك أن تسلك الطريق وتحضر الدرس قبل الحضور , قبل حضورك إلى الدرس تقرأ , قبل أن تحضر وتحفظ ما يحتاج إل حفظه وتراجع الشروح شرح ما تريد شرح الدرس الذي تريده أن تحضر بعد ذلك للشيخ , ثم بعد ذلك تحضر وتتأدب وتحسب أجرك عند الله عز وجل مخلصا لله عز وجل في جميع ذلك فالمدار على الإخلاص فتنصت للشيخ وتناقش بأدب ثم بعد ذلك إذا راجعت رتاجع ما سمعت وتدون الفوائد وبعض اهل العلم يمنع من تدوين الفوائد أثناء الدرس , يقول إنتبه الدرس عليك أن تصغي للشيخ ثم بعد ذلك إذا انصرفت بعد هذا الإصغاء والانتباه دون ما تشاء ومن جرب عرف صدق هذه المقالة , إن بعض الناس ينشغل بالتدوين ويفوت عليه أمور كبيرة وبعض الناس ينصت ويهتم ويلح على الله سبحانه وتعالىبأن يثبت هذا العلم في ذهنه وأن ينفعه به ثم بعد ذلك إذا انصرف دون ما فهمه وما علق بذهنه وذاكر إخوانه لا بد من مذاكرة الإخوان .(1/194)