|
الشارح : صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
تم استيراده من نسخة : المكتبة الشاملة المكية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نعمه وحديثاً . والصلاة والسلام على نبيه الظاهرة والباطنة(1) قديماً ورسوله محمدٍ وآله وصحبه الذين ساروا في نصرة دينه سيراً حثيثاً(2)، وعلى أتباعهم الذين ورثوا علمهم ـ والعلماء ورثة الأنبياء ـ أكرم بهم وارثاً وموروثاً .
أما بعد: فهذا مختصر يشتمل على أصول الأدلة الحديثية، للأحكام الشرعية، حررته تحريراً بالغاً، ليصير من يحفظه من بين أقرانه نابغاً(3)،ويستعين به الطالب المبتدي، ولا يستغني عنه الراغب المنتهي .
__________
(1) قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـ يعني عن قول الله تعالى: { وأصبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة } فقال: (( أما الظاهرة فما سوى من خلقك . وأما الباطنة فما ستر من عورتك، ولو أبدع لقلاك أهلك فمن سواهم )) .
(2) سيراً حثيثاً )): أي سريعاً .
(3) ليصير من يحفظه من بين أقرانه)) : أي أمثاله .(( نابغاً )): أي عظيم الشأن .
(1/1)
وقد بينت عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة، لإرادة نصح الأمة . فالمراد بالسبعة(1): أحمد والبخاري ومسلم أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وبالستة من عدا أحمد، وبالخمسة من عدا البخاري ومسلماً، وقد أقول الأربعة وأحمد، وبالأربعة من عدا الثلاثة الأول، وبالثلاثة من عداهم والأخير، وبالمتفق(2)البخاري ومسلم وقد لا أذكر معهما غيرهما، وما عدا ذلك فهو مبين . وسميته: بلوغ المرام من أدلة الأحكام .
والله أسأل أن لا يجعل ما علمناه عليناً وبالاً، وأن يرزقنا العلم بما يرضيه سبحانه وتعالى .
(1) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في البحر: (( هو الطهور ماؤه الحل ميتته)) أخرجه لأربعة وابن أبي شيبة واللفظ له، وصححه ابن خزيمة والترمذي .
درجة الحديث:
__________
(1) فالمراد بالسبعة )) : أي حيث يقول طيب الله ثراه : أخرجه السبعة . و (( أحمد )) هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، ولد في ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة، وتوفي سنة إحدى وأربعين ومائتين . والبخاري هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، ولد في شوال سنة أربع وتسعين ومائة، ومات سنة ست وخمسين ومائتين . ومسلم هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، ولد سنة أربع وائتين ومات سنة إحدى وستين ومائتين . وأبو داود هو أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، ولد سنة اثنتين ومائتين، وتوفي خمس وسبعين ومائتين . والترمذي هو أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، ولد سنة تسع ومائتين وتوفي سنة سبع وستين ومائتين والنسائي هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، ولد سنة خمس عشرة ومائتين، وتوفي سنة ثلاث وثلاثمائة . وابن ماجه هو أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني ولد سنة سبع ومائتين وتوفي سنة ثلاث وسبعين ومائتين .
(2) وبالمتفق )): أي حيث يقول رضي الله عنه: متفق عليه .
(1/2)
قال الصنعاني(1): قال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: حديث صحيح .
سبب ورود الحديث:
الحديث وقع جواباً عن سؤال، وهو أنه جاء رجل من بني مدلج اسمه عبد الله، إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر ؟
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الحديث .
شرح الغريب:
1ـ الطهور: بمعنى المطهر .
2ـ الحل: الحلال .
3ـ ميتته: الميتة: هي مأكول اللحم إذا مات حتف أنفه أو بغير ذكاة شرعية، وغير مأكول اللحم إذا مات على أي جهة كان .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ حرص الصحابة - رضي الله عنهم - على العلم والفتوى .
2ـ أن ماء البحر طاهر مطهر .
3ـ أن جميع حيوانات البحر حلال وإن كان كالكلب والخنزير .
4ـ جواز إجابة السائل بأكثر مما سأل تتميماً للفائدة .
اختلاف العلماء:
اختلف العلماء فيما يحل من ميتة البحر:
1ـ ذهب جمهور أهل العلم إلى أن جميع ميتات البحر ـ مما تعيش فيه ـ حلال، وإن كان كالكلب والخنزير .
2ـ وذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه لا يحل منها إلا السمك .
الترجيح:
والراجح إباحة جميع حيوان البحر بلا استثناء لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( الحل ميتته )) .
(2) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله :- صلى الله عليه وسلم - (( إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) أخرجه الثلاثة، وصححه أحمد .
درجة الحديث:
قال الألباني في صحيح سنن أبي داود (60): صحيح .
سبب ورود الحديث:
قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنتوضأ من بئر بُضاعة، وهي بئر يطرح فيها الحيض ولحم الكلاب والنتن، فقال: الحديث .
شرح الغريب:
__________
(1) سبل السلام (1/37) .
(1/3)
1ـ بئر بُضاعة: بئر في المدينة، قال أبو داود: سألت قيم بئر بُضاعة عن أكثر ما يكون فيها الماء، فقال إلى العانة، فقلت: فإذا نقص، فقال دون العورة، قال أبو داود: ذرعت بئر بُضاعة فإذا عرضها ستة أذرع، قال: ورأيت فيها ماءً متغيراً .
2ـ يطرح: يلقى .
3ـ الحيض: دم ينزل من المرأة يرخيه الرحم، يكون علامة على بلوغها وصحتها .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ الأصل في المياه الطهارة .
2ـ أن الماء لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه إلا إن تغير وصف من أوصافه الثلاثة: اللون أو الطعم أو الريح .
3ـ لا فرق في تنجيس الماء بين القليل والكثير، وإنما العبرة بالتغير .
(3) وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه )) أخرجه ابن ماجه، وضعفه أبو حاتم .
درجة الحديث:
قال صدّيق حسن خان في الروضة الندية: اتفق العلماء على ضعف هذه الزيادة، لكن وقع الإجماع على مضمونها . اهـ .
وعلة الحديث: أن فيه رشدين بن سعد وهو متروك الحديث .
فائدة: قال ابن حجر في النكت على كتاب ابن الصلاح:
إذا أجمعت الأمة على العمل بمعنى الحديث الضعيف يعمل بمعناه، ولا يكون ذلك تصحيحاً له .
وللبيهقي: (( الماء طاهر إلا إن تغير ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسةٍ تحدث فيه )) .
درجة الحديث:
الحديث ضعيف أيضاً، في سنده بقية بن الوليد، وهو مدلس وقد عنعنه .
(4) وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث )) وفي لفظ: (( لم ينجس )) أخرجه الأربعة وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم .
درجة الحديث:
قال الألباني في صحيح سنن أبي داود (56و58): صحيح .
سبب ورود الحديث:
أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الماء يكون في الفلاة وما ينوبه من السباع والدواب، فقال: الحديث ..
شرح الغريب:
(1/4)
1ـ قُلتين: بضم القاف: الجرة الكبيرةمن الفخار، والجمع قِلال بكسر القاف .
والقلتان: خمسمائة رطل عراقي، ما يعادل: 190 ليتر تقريباً .
2ـ الخبث: بفتحتين: هو النجس .
3ـ لم ينجس: لم: حرف نفي، وجزم، وقلب .
والنجاسة: كل عين يحرم تناولها، لا لحرمتها، ولا لضررها، ولا لاستقذارها .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ حرص الصحابة على العلم والفتوى .
2ـ أن سؤر السباع والدواب نجس .
3ـ أن الماء إذا بلغ قلتين فإنه يدفع عن نفسه النجاسة ولا تؤثر فيه غالباً، وهكذا كلما كان الماء كثيراً كلما تحمّل النجاسة وفتتها، وهذا منطوق الحديث .
4ـ ودل الحديث بمفهومه: أن ما دون القلتين قد تؤثر فيه النجاسة، فينجس بملاقاتها . وقد لا ينجس بذلك .
نبذة عن خلاف أهل العلم في هذا الحديث:
وقد اختلف أهل العلم في الماء إذا حلَّت فيه نجاسة وكان دون القلتين:
1ـ فذهب الشافعية، والمشهور من مذهب أحمد، إلى أنه يتنجس ولو لم يتغير فيه شيء عملاً بمفهوم الحديث .
2ـ وذهب الحنفية إلى أنه يفرّق بين القليل والكثير، ولكنهم حدّوا القليل بما إذا كان أقل من عشرة أذرع بعشرة أذرع، أو إذا حرَّكت أحد طرفيه تحرك الطرف الآخر، فهذا الذي ينجس بالنجاسة وإن لم يتغير عملاً بالنظر والرأي والاجتهاد .
3ـ وذهب المالكية، وقول في مذهب أحمد، والشوكاني، إلى أن العبرة بالتغير، ولا فرق بين قليل وكثير وهو ترجيح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى(1).
الترجيح:
والراجح ما ذهب إليه الإمام مالك والشوكاني وغيرهم، لأن الشريعة تبني الأحكام على الأوصاف المؤثرة، ولا وصف يحكم على الماء هنا إلا مفهوم الحديث المذكور، والمفهوم يعمل به ما لم يخالف نصاً منطوقاً، وقد خالف هنا حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - . فلا يعمل بالمفهوم .
__________
(1) انظر في الخلاف: المغني لابن قدامة (1/31) والهداية للمرغيناني (1/ 19ـ20) .
(1/5)
(5) وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب )) أخرجه مسلم . وللبخاري: (( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه )) . ولمسلم : (( منه )) ولأبي داود: (( ولا يغتسل فيه من الجنابة )) .
درجة الحديث:
حديث أبي داود: قال عنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (63): حسن صحيح .
شرح الغريب:
1ـ لا يغتسل: لا الناهية، يطلب بها ترك الفعل .
2ـ الدائم: الساكن الذي لا يجري .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ النهي عن الاغتسال في الماء الدائم .
2ـ أن النهي يقتضي التحريم فيحرم الاغتسال في الماء الدائم .
3ـ النهي عن البول في الماء الدائم ثم الاغتسال فيه .
4ـ ... أ ـ رواية مسلم تفيد النهي عن الاغتسال بالانغماس فيه .
... ب ـ رواية البخاري تفيد النهي عن الجمع بين البول والاغتسال .
... ج ـ رواية أبي داود تفيد النهي عن كل واحد منهما على الانفراد .
فحصل من جميع الروايات أن الكل ممنوع .
5ـ تحريم التغوط والاستنجاء في الماء الراكد الذي لا يجري .
6ـ تحريم أذية الناس وإلحاق الضرر بهم .
فائدة: يخص من ذلك المياه المستبحرة باتفاق العلماء .
(6) وعن رجل صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تغتسل المرأة بفضل الرجل، أو الرجل بفضل المرأة، وليغترفا جميعاً )) أخرجه أبو داود والنسائي، إسناده صحيح .
درجة الحديث:
قال النووي: اتفق الحفاظ على تضعيفه .
وقال ابن حجر في الفتح: وقد أغرب النووي حين حكى الإجماع على ضعفه، فرجاله ثقات، ولم أقف لمن أعله على حجة قوية .
فائدة: جهالة الصحابي لا تضر، لأنهم جميعاً عدول، وقد ذكر الشيخ الألباني في الإرواء أنه الحكم بن عمرو الغفاري - رضي الله عنه - .
شرح الغريب:
1ـ نهى: النهي: قول يتضمن طلب الكف على وجه الاستعلاء بصيغة مخصوصة: الفعل المضارع المقرون بلا الناهية .
(1/6)
2ـ المرأة: الأنثى من بني آدم بعد البلوغ .
3ـ بفضل: الماء الذي بقي بعد الاغتسال .
4ـ وليغترفا: الاغتراف: أخذ الماء بجميع اليد .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ نهي الرجل أن يغتسل بفضل طهور المرأة والعكس .
2ـ مشروعية اغتسال ووضوء الرجل مع زوجته جميعاً .
3ـ أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء، مأخوذ من قوله: وليغترفا جميعاً .
(7) وعن ابن عباس رضي الله عنهما: (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل بفضل ميمونة رضي الله عنها )) أخرجه مسلم .
ولأصحاب السنن: اغتسل بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في جفنة، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ليغتسل منها، فقالت له: إني كنت جنباً، فقال: (( إن الماء لا يجنب )) صححه الترمذي وابن خزيمة .
درجة الحديث:
قال الألباني في صحيح سنن أبي داود (61): صحيح .
شرح الغريب:
1ـ بفضل: ما بقي في الإناء بعد الاغتسال .
2ـ ميمونة: هي ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها، إحدى زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - .
3ـ جفنة: قصعة كبيرة .
4ـ الجنابة: حدث أكبر، وهو وصف يقوم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ جواز اغتسال الرجل بفضل طهور المرأة والعكس .
2ـ طهورية الماء المستعمل . لأنه لا يخلو أن يسقط ماء الاغتسال في الإناء .
3ـ استحباب أن يغتسل الرجل مع زوجته من إناء واحد .
فائدة:
الجمع بين النهي عن الاغتسال بفضل طهور المرأة، واغتساله - صلى الله عليه وسلم - بفضل ميمونة رضي الله عنها، يفيد: أن النهي للكراهة وليس للتحريم .
(8) وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب )) أخرجه مسلم، وفي لفظ له: (( فليُرِقه )) وللترمذي: (( أخراهن أو أولاهن بالتراب )) .
شرح الغريب:
1ـ ولغ: الولوغ: الشرب بأطراف اللسان .
2ـ فليرقه: إفراغ ما في الإناء .
(1/7)
ما يستفاد من الحديث:
1ـ أن لُعاب الكلب نجس، لأمره بالغسل منه، والأمر بالغسل للتنجيس .
قال صديق حسن خان في الروضة الندية (1/79): الدليل على النجاسة: إيجاب الغسل . لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( طهور )) والإناء لا يتعلق به حدث، فتعيّن حمل اللفظ على زوال الخبث .
2ـ وجوب غسل ما ولغ فيه الكلب سبع مرات بالماء، ومرة بالتراب تكون في الأولى، وفي رواية عند مسلم: (( وعفِّروه الثامنة بالتراب )) .
3ـ وجوب استعمال التراب في التطهير من ولوغ الكلب، ولا يقوم غير التراب مقامه .
4ـ وجوب إراقة الماء أو الطعام المتنجس، ويمكن إطعامه للكلاب والسباع .
قال ابن حجر في الفتح (1/275): فلو كان طاهراً لم يؤمر بإراقته للنهي عن إضاعة المال.
فائدة:
ذكر ابن حجر في الفتح أدلة القائلين بأن الأمر بغسل ما ولغ فيه الكلب للتعبد وليس للتنجيس، ثم تعقبها وردَّ عليها، فراجعه فإنه مهم .
(9) وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في الهرة: (( إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم )) أخرجه الأربعة، وصححه الترمذي وابن خزيمة .
درجة الحديث:
صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (68) .
شرح الغريب:
1ـ الطوافين: أي من يكثر الطواف والجولان .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ طهارة سؤر الهرة .
2ـ أن الهر وما دونه في الخلقة، كالفأرة وحشرات الأرض سؤره طاهر، يجوز التوضؤ به ولا يكره(1).
3ـ أن المشقة تجلب التيسير .
(10) وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس، فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما قضى بوله، أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذنوب من ماء فأهريق عليه . متفق عليه .
شرح الغريب:
1ـ طائفة المسجد: ناحية من نواحي المسجد .
2ـ زجره الناس: الزجر هو النهي بشدة .
3ـ ذنوب من ماء: دلو من ماء .
__________
(1) انظر المغني لابن قدامة المقدسي رحمه الله (1/45) .
(1/8)
4ـ أهريق عليه: أصله أريق، أي ألقي .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ أن بول الإنسان نجس نجاسة متوسطة، يكتفى في تطهيرها بالماء مرة واحدة حتى لا يبقى للنجاسة أثر .
2ـ أن الأرض تطهر بمكاثرة الماء عليها، ولا يشترط عدد غسلات أو دلاء معينة .
3ـ وجوب تطهير المساجد من الأنجاس .
4ـ هذا الحديث دليل لقاعدة: تدرأ أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما .
5ـ بيان رأفة النبي - صلى الله عليه وسلم - وحسن تعليمه وحكمته، حيث أنه لو تركهم يزجرونه أو يضربونه، لأدى ذلك إلى قطع بوله خوفاً، فيتضرر، ولوّث ثيابه، ومواضع أخرى من المسجد أيضاً، فأمر بدرء أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما .
(11) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( أحلت لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالجراد والحوت، وأما الدمان فالكبد والطحال )) أخرجه أحمد وابن ماجه، وفيه ضعف .
درجة الحديث:
صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه برقم (2607) .
شرح الغريب:
1ـ الميتتان: تثنية ميتة، وهي ما مات حتف أنفه أو من غير ذكاة شرعية .
2ـ الحوت: السمك .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ أن ميتة الجراد طاهرة حلال الأكل .
2ـ أن ميتة السمك طاهرة حلال الأكل .
3ـ أن الكبد والطحال طاهران حلال الأكل .
(12) وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء )) أخرجه البخاري وأبو داود، وزاد: (( وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء )) .
درجة الحديث:
رواية أبي داود صححها الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (3255) .
شرح الغريب:
1ـ فليغمسه: يدخله فيه .
2ـ لينزعه: يخرجه منه .
3ـ داء: مرض .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ أن ميتة ما لا دم له سائل طاهر، ولو كان نجساً لم يأمر بغمسه .
2ـ وجوب غمس الذباب إذا وقع على الطعام أو الشراب دفعاً للمرض عن النفس .
(1/9)
3ـ جواز قتل الذباب دفعاً للضرر عن النفس .
4ـ أن الذباب لا يؤكل .
5ـ إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن في أحد جناحي الذباب داء وفي الآخر شفاء .
قال الصنعاني في سبل السلام (1/ 59) . أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تقابل تلك السمية بما أودعه الله سبحانه وتعالى فيه من الشفاء في جناحه الآخر بغمسه كله، فتقابل المادة السمية المادة النافعة فيزول ضررها .
(13) وعن أبي واقد الليثي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت )) أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه واللفظ له .
درجة الحديث:
الحديث صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1197) .
شرح الغريب:
1ـ ما: اسم موصول يفيد العموم .
2ـ البهيمة: كل ذات أربع من غير المفترس .
3ـ حية: حال كونها فيها حياة .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ أن ما انفصل من الحيوان وهو حي فله حكم الميتة في نجاسته وتحريم أكله .
2ـ نجاسة الميتة وتحريم أكلها .
باب الآنية
الآنية: جمع إناء، وهي الأوعية، تكون من الحديد، والنحاس، والخشب، والجلد .
حكمها: الأصل في الأواني الإباحة والطهارة، لقوله تعالى: { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } . ولا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهي أواني الذهب والفضة .
(14) عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الاخرة )) متفق عليه .
شرح الغريب:
1ـ لا: الناهية .
2ـ تشربوا: مضارع مقرون بلا الناهية يفيد التحريم .
والنهي: قول يتضمن طلب الكف على جهة الاستعلاء بصيغة مخصوصة: المضارع المقرون بلا الناهية .
3ـ آنية: جمع إناء وهي الأوعية .
4ـ صحافها: بكسر الصاد، جمع صحيفة، وهي إناء من آنية الطعام .
ما يستفاد من الحديث:
(1/10)
1ـ النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة .
2ـ أن النهي عام في حق الرجال والنساء .
3ـ أن ما حرم استعماله، حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال .
(15) وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم )) متفق عليه .
شرح الغريب:
1ـ يجرجر: الجرجرة: صوت وقوع الماء في جوف البعير .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ تحريم الشرب في آنية الذهب والفضة .
2ـ إثبات العذاب يوم القيامة .
(16) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( إذا دبغ الإهاب فقد طهر )) أخرجه مسلم، وعند الأربعة: (( أيما إهاب دبغ )) .
شرح الغريب:
1ـ الدباغ: تنشيف رطوبة الجلد .
2ـ الإهاب: الجلد قبل الدباغ، فأما بعد الدباغ فلا يسمّى إهاباً، قاله النضر بن شميل، والنووي .
3ـ طهر: صار طاهراً .
اختلاف العلماء:
اختلف العلماء في تطهير الجلد بالدباغ:
1ـ مذهب الشافعي: طهارة جميع جلود الميتة بالدباغ إلا جلد الكلب والخنزير والمتولد منها أو من أحدهما .
2ـ مذهب أبي حنيفة: تطهر جميع جلود الميتة بالدباغ إلا الخنزير .
3ـ مذهب مالك: تطهر جميع جلود الميتة بالدباغ، ظاهرها دون باطنها، وتستعمل في اليابسات دون المائعات .
4ـ مذهب الظاهرية: تطهر الجميع، والكلب والخنزير أيضاً، ظاهراً وباطناً .
5ـ مذهب أحمد: عدم طهارة جلود الميتة بالدباغ .
الترجيح:
والراجح ما ذهب إليه الحنفية، لأن نجاسة الخنزير أصلية في الحياة، وليست طارئة بعلة الموت، قال تعالى: { أو لحم خنزير فإنه رجس } .
وأما نجاسة الكلب ففي لعابه فقط، واللعاب مادة تفرزها غدد معينة، ولا يقاس عليه العرق والجلد في الحياة .
(1/11)
(18) وعن ميمونة رضي الله عنها قالت: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بشاة يجرونها فقال: (( لو أخذتم إهابها )) فقالوا: إنها ميتة، فقال: (( يطهرها الماء والقرظ )) أخرجه أبو داود والنسائي .
درجة الحديث:
الحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (3474) .
(19) وعن أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب، أفنأكل في آنيتهم ؟ قال: (( لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها )) متفق عليه .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ النهي عن الأكل في أواني أهل الكتاب .
2ـ جواز الأكل في أواني أهل الكتاب للحاجة .
3ـ وجوب غسل أواني أهل الكتاب قبل الأكل فيها، إذا احتيج إليها .
4ـ أواني الكفار من غير أهل الكتاب أولى بالمنع منها .
5ـ أن العلة في تحريم استعمالها قبل الغسل، لأنهم يأكلون فيها النجاسات . فقد صرح بذلك في رواية أبي داود وأحمد، وفيها: (( إنا نجاور أهل الكتاب، وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ... )) الحديث .
(20) وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه -: (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه توضؤوا من مزّادة: امرأةٍ مشركة )) متفق عليه في حديث طويل .
شرح الغريب:
1ـ مزّادة: بفتح الميم وتشديد الزاي: القِربة .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ طهارة جلد الميتة بعد الدباغ، لأن المزادة كانت من ذبائح المشركين، وذبائحهم ميتة.
2ـ طهارة أواني المشركين، التي لم يستعملوا فيها النجاسات .
3ـ أن الدباغ لا يحتاج إلى نية، فلا يشترط وقوعه من المسلم .
فائدة: الجمع بين الحديثين:
ويجمع بين الحديثين: أن النهي يختص بمن يستحلون الميتات والنجاسات، وأما من لا يستحلون الميتات والنجاسات، ولا يستعملونها في أوانيهم، فيجوز استعمال آنيتهم قبل غسلها، لا سيما الأواني التي لا تستعمل إلا لشرب الماء .
(1/12)
(21) وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: (( أن قدح النبي - صلى الله عليه وسلم - انكسر، فاتخذ مكان الشعب سلسةً من فضة )) أخرجه البخاري .
شرح الغريب:
1ـ قدح: إناء يشرب به الماء .
2ـ انكسر: انشق .
3ـ الشعب: الشق والصدع .
4ـ سلسلة: سلك .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ بيان ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من الزهد والتقشف .
2ـ جواز إصلاح الأواني بضبة يسيرة من فضة للحاجة .
باب إزالة النجاسة وبيانها
(22) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخمر تتخذ خلاً؟ قال: (( لا )) أخرجه مسلم والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح .
شرح الغريب:
1ـ الخمر: ما خامر العقل وهو التغطية .
الخل: ما حمض من عصير العنب وغيره .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ تحريم الخمر .
2ـ تحريم اتخاذ الخمر ولو لغير الشرب، ومنها: أن ما حرم شربه واستعماله، يحرم اتخاذه على هيئته المحرَّمة .
3ـ تحريم تخليل الخمر، ولو خُللت بفعل فاعل فإنها تحل ويأثم الفاعل كما قال الإمام مالك رحمه الله: ( وبئس ما صنع ) .
وقد روى أبو داود والترمذي: أن الخمر لما حرمت سأل أبو طلحة - رضي الله عنه - النبي - صلى الله عليه وسلم - عن خمر عنده لأيتام هل يخللها ؟ فأمره بإراقتها .
اختلاف العلماء:
وقد اختلف العلماء في الخمر، هل هي طاهرة، أم نجسة؟
1ـ ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الخمر نجسة، مستدلين بقوله تعالى: { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } [المائدة/90]
2ـ وذهب بعض الفقهاء إلى القول بطهارتها، وأن المقصود بقوله: { رجس } النجاسة المعنوية، وممن قال بذلك:
(1/13)
ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ الإمام مالك، والليث بن سعد، والمزَني صاحب الإمام الشافعي، وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين، وهو مذهب الظاهرية(1).
3ـ ولما سأل أبو طلحة النبي - صلى الله عليه وسلم - عن خمر عنده لأيتام هل يخللها ؟ (( فأمره بإراقتها )) رواه أبو داود (3675) ولو كانت نجسة لأمره بغسل الآنية كما أمر بغسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب .
مسألة:
هل تطهر النجاسة بالاستحالة:
1ـ ذهب أبو حنيفة وأهل الظاهر إلى أن النجاسة تطهر بالاستحالة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
2ـ وذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أنها لا تطهر بالاستحالة .
والراجح الأول، لأن الوصف المحكوم به عليها زال، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
(23) وعنه - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم خيبر أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا طلحة فنادى:(( إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس )) متفق عليه .
شرح الغريب:
1ـ خيبر: بلدة تقع شمال المدينة نحو 160 كيلو متراً، وكان يسكنها اليهود، وفتحها النبي - صلى الله عليه وسلم - في السنة السابعة للهجرة .
2ـ الحمر جمع حمار .
3ـ الأهلية: مؤنث الأهلي، نسبة إلى الأهل، ضد الوحش .
ما يستفاد من الحديث:
__________
(1) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (6/186) والمجموع شرح المهذب للنووي (2/563 ) وسبل السلام للصنعاني (1/76) والروضة الندية لصدّيق حسن خان ( 1/ 86 ) .
وهو الراجح، ومن الأدلة على ذلك: 1ـ أن الصحابة رضي الله عنهم لما أراقوها في شوارع المدينة لم يأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغسل الأواني والظروف التي كان فيها الخمر، ولو كانت نجسة لبيّن لهم ذلك، إذ أنه وقت البيان، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة .
2ـ أن الخمر لما حرمت أراقها الصحابة رضي الله عنهم في شوارع المدينة، ولو كانت نجسة لم يجز لهم أن يجعلوا طرق المسلمين محلاً للنجاسة .
(1/14)
1ـ جواز رفع الصوت بالعلم، لقوله: فنادى .
2ـ أن النهي يقتضي التحريم، لقوله ينهيانكم، وقد حُرِّمت من وقتها .
3ـ تحريم لحوم الحمر الأهلية .
4ـ تقييده النهي بالأهلية، دليل على إباحة الحمر الوحشية .
اختلاف العلماء:
وقد اختلف العلماء في حكم الحمار والبغل الأهلي، هل هما طاهران أم نجسان ؟
1ـ ذهب أحمد بن حنبل إلى أنها نجسة .
2ـ وذهب مالك والشافعي إلى أنهما طاهران، وهو اختيار ابن قدامة المقدسي من الحنابلة . وهو الراجح، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يركبها ولو كانت نجسة لبيّن ذلك لأنه حتماً يصيبه من عرقها، ويجاب عن قوله (( رجس )) في الحديث، أي بعد ذبحها لأنها صارت ميتة .
(24) وعن عمرو بن خارجة - رضي الله عنه - قال: (( خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى وهو على راحلته ولعابها يسيل على كتفَيَّ )) أخرجه أحمد والترمذي وصححه .
درجة الحديث:
صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم ( 1722 ) .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ طهارة سؤر ولعاب الحيوان مأكول اللحم .
(25) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغسل المني ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه )) متفق عليه .
ولمسلم:(( لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فركاً فيصلي فيه )) .
وفي لفظ له: (( لقد كنت أحكه يابساً بظفري من ثوبه )) .
شرح الغريب:
1ـ المني: سائل أبيض ثخين تسبح فيه الحيوانات المنوية، منشؤوه: إفرازات الخصيتين .
2ـ أثر الغسل: علامة الغسل .
3ـ أفركه: الفرك: الدلك والحك .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ طهارة مني الآدمي، لأنه اكتفى بحكه، وتركه المني حتى ييبس ـ مع أن المعروف من هديه المبادرة إلى إزالة النجاسات ـ دليل على طهارته .
2ـ استحباب غسل المني رطباً، وفركه يابساً .
3ـ أن الفعل لا يدل على الوجوب .
اختلاف العلماء:
اختلف العلماء في طهارة المني:
(1/15)
1ـ ذهب الحنفية، ومالك، إلى القول بنجاسة المني، واستدلوا بغسله - صلى الله عليه وسلم - ثوبه، واكتفى أبو حنيفة بفركه يابساً .
2ـ وذهب الشافعي وأهل الحديث، وأصح الروايتين عن أحمد، إلى القول بطهارة المني، واستدلوا بما يلي:
أ ـ أنه لو كان نجساً لم يكتفِ بفركه .
ب ـ لو كان نجساً لبادر إلى إزالته ولم يؤخره حتى ييبس .
ج ـ أن الله تعالى قال: { ولقد كرّمنا بني آدم } والقول بنجاسة المني يتعارض مع التكريم.
د ـ ما رواه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (( المني بمنزلة المخاط فأمطه عنك ولو بإذخرة )) .
(26) وعن أبي السمح - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام )) أخرجه أبو داود والنسائي، وصححه الحاكم .
درجة الحديث:
صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (362) .
شرح الغريب:
1ـ الجارية: الفتية من النساء .
2ـ يرش: الرش: النضح، وهو دون الغسل بحيث لو عصر لا يعصر .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ أن بول الطفل نجس نجاسة مخففة .
2ـ أنه يُكتفى في تطهير بول الغلام بالنضح .
3ـ أن بول البنت نجس وإن كانت في سن الرضاع .
4ـ أن النضح في بول الصبي يجزئ ما دام يقتصر على الرضاع، أما إذا أكل الطعام على جهة التغذية فإنه يجب الغسل بلا خلاف . [ شرح النووي على صحيح مسلم 3 / 195] .
(27) وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في دم الحيض يصيب الثوب: (( تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه )) متفق عليه .
شرح الغريب:
1ـ الحيض لغة: السيلان، يقال: حاض الوادي إذا سال .
وشرعاً: دم يرخيه الرحم في أوقات معلومة بعد بلوغ المرأة .
2ـ تحتُّه: تفركه .
3ـ تقرصه: تدلكه بأطراف أصابعها .
4ـ تنضحه: تغسله .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ نجاسة دم الحيض وأنه لا يعفى عن يسيره .
2ـ وجوب فركه ليزول جرمه،ثم دلكه بالماء .
(1/16)
3ـ جواز الصلاة في الثوب الذي حاضت فيه المرأة بعد غسله .
4ـ أن الطهارة شرط من شروط صحة الصلاة .
5ـ أن الواجب إزالة النجاسة ولا يشترط العدد في تطهيرها .
6ـ أن الماء هو الأصل في التطهير ولا يكفي غيره .
7ـ وجوب استعمال الحاد لقطع أثر النجاسة .
(28) وعن أبي هريرة- رضي الله عنه - قال: قالت خولة رضي الله عنها: يا رسول الله: فإن لم يذهب الدم؟ قال:(( يكفيك الماء ولا يضرك أثره )) أخرجه الترمذي، وسنده ضعيف .
درجة الحديث:
الحديث في سنده ابن لهيعة، وقد ضعف لاختلاطه بعد احتراق كتبه، وقد رواه عن جماعة منهم: عبد الله بن وهب، وروايته عنه صحيحة، فالحديث حسن إن شاء الله .
ملاحظة: الحديث ليس عند الترمذي، ولكن رواه أبو داود وأحمد(1).
سبب ورود الحديث:
أن خولة بنت يسار رضي الله عنها، أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إنه ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه فكيف أصنع ؟ قال: (( إذا طهُرتِ فاغسليه ثم صلي فيه )) فقالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال: الحديث ...
شرح الغريب:
1ـ لا يضرك: لا ينقص من طهارة ثوبك .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ وجوب تطهير النجاسات بالماء ولا يكفي غيره .
2ـ أن بقاء أثر الدم بعد استعمال الحوادّ، لا يضر، جمعاً بين الدليلين .
باب الوضوء
(29) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء )) أخرجه مالك وأحمد والنسائي . وصححه ابن خزيمة، وذكره البخاري تعليقاً .
شرح الغريب:
1ـ الوضوء بالضم هو الفعل، وبالفتح: الماء الذي يُتوضأ به، وهو مشتق من الوضاءة، وسمي بذلك لأن المصلي يتنظف به فيصير وضيئاً(2).
__________
(1) كما أشار إلى ذلك فضيلة الشيخ عبد الله العبيلان حفظه الله في ( تنبيه الكرام على أحاديث في بلوغ المرام ) ص (11) .
(2) انظر: فتح الباري لابن حجر (1/280) .
(1/17)
2ـ لولا: حرف امتناع، وهو يفيد امتناع الثاني لوجود الأول .
3ـ أشق: الشِق: الجهد والمشقة، قال تعالى: { وتحمل أثقالكم إلى بلدٍ لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس } .
4ـ السواك: عود لتنظيف الأسنان، ويكون من شجرة الأراك .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ استحباب التسوك عند الوضوء .
2ـ بيان سهولة الشريعة، وأن الدين جاء لرفع الحرج .
3ـ أن الأمر يفيد الوجوب .
4ـ حث الشريعة على النظافة، والاهتمام بالآداب .
5ـ فضيلة السواك .
فوائد:
يستحب الاستياك في المواضع التالية:
1ـ عند الوضوء .
2ـ عند الصلاة .
3ـ عند القيام من النوم .
4ـ عند تغير رائحة الفم .
5ـ عند دخول البيت .
6ـ عند دخول المسجد .
7ـ عند قراءة القرآن .
(30) عن حمران مولى عثمان - رضي الله عنه -: أن عثمان - رضي الله عنه - دعا بوَضوء، فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ نحو وضوئي هذا )) متفق عليه .
شرح الغريب:
1ـ الوَضوء: بفتح الواو، الماء الذي يُتوضأ به .
2ـ المضمضة: تدوير الماء في الفم .
3ـ الوجه: ما تحصل به المواجهة، وحد الوجه: من منبت الشعر إلى أسفل الذقن طولاً، ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن عرضاً .
4ـ الكعبين: الكعبان، هما العظمان الناتِئان عند مفصل الساق .
5ـ نحو وضوئي: مثل وضوئي .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ أن التعليم بالفعل أقرب إلى الفهم من التعليم بالقول .
2ـ جواز الاستعانة في الوضوء، لقوله: دعا بوَضوء .
3ـ استحباب غسل الكفين ثلاثاً .
4ـ وجوب المضمضة:
... ... 1ـ لأن الفم من الظاهر .
... ... 2ـ لأنه من الوجه .
... ... 3ـ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( إذا توضأت فمضمض )) [ رواه أبو داود وهو صحيح ] .
(1/18)
والحديث، وإن ذكر المضمضة بصيغة الفعل، إلا أنها بيان لواجب .
5ـ وجوب الاستنشاق:
... ... 1ـ لأنه من الوجه .
... ... 2ـ لأن الأنف من الظاهر .
... ... 3ـ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر )) [ رواه البخاري]
6ـ وجوب غسل الوجه .
7ـ وجوب غسل اليد اليمنى مع المرفق ( إلى بمعنى: مع ) .
8ـ وجوب غسل اليد اليسرى مع المرفق ( إلى بمعنى: مع ) .
فائدة:
إلى: من الألفاظ المشتركة، فتأتي بمعنى: مع، وتأتي بمعنى: الغاية، وإذا كان اللفظ يحتمل معنيين، فإنه لا يصار إلى أحدهما إلا بدليل، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه غسل يده حتى شرع في العضد .
9ـ وجوب مسح الرأس، والمسح: إمرار العضو الماسح على العضو الممسوح .
فائدة:
الأذنان من الرأس، كما صح بذلك الحديث .
10ـ وجوب غسل الرجل اليمنى ثم اليسرى مع الكعبين .
11ـ استحباب التثليث في غسل الأعضاء .
12ـ الأولى للمسلم أن يمتثل أمر الشرع دون النظر إلى أن هذا واجب أو مستحب .
13ـ الحث على التأسي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - .
14ـ حرص الصحابة - رضي الله عنهم - على هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - .
(31) وعن علي - رضي الله عنه - ـ في صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - ـ قال: (( ومسح برأسه واحدة )) . أخرجه أبو داود، وأخرجه النسائي والترمذي بإسنادٍ صحيح بل قال الترمذي: إنه أصح شيء في هذا الباب .
درجة الحديث:
الحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (102) وهو جزء من حديث، ولفظه: (( ثم جعل يده في الإناء فمسح برأسه مرة واحدة )) .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ وجوب مسح الرأس مرة واحدة .
فائدة:
وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - مسح رأسه مرتين [انظر: صحيح سنن ابن ماجه 352 ] .
وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - مسح رأسه ثلاثاً [ انظر: صحيح سنن أبي داود 98 ] .
(1/19)
(32) وعن عبد الله بن زيد بن عاصم - رضي الله عنه - ـ في صفة الوضوء ـ قال: (( ومسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقبل بيديه وأدبر )) متفق عليه . وفي لفظ لهما: (( بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردّهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه )) .
شرح الغريب:
1ـ مقدم الرأس: ابتداؤه من منابت شعر الرأس المعتاد غالباً .
2ـ القفا: مؤخر العنق .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ أن الواجب في الرأس المسح وليس الغسل، وذلك يقتضي إمرار العضو الماسح على العضو الممسوح .
2ـ أن الواجب مسح جميع الرأس، وهو مذهب مالك وأهل الحديث، وقد سئل مالك عن مسح الرأس، فاستدل بحديث عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - .
فائدة: الباء في قوله: (( برأسه )) تفيد الإلصاق والتعميم، وقد ذهب الحنفية إلى أنها تفيد التبعيض، والحديث يرده .
وذهب الشافعية إلى أن الواجب مسح مقدار ثلاثة أصابع، واستدلوا بأنه - صلى الله عليه وسلم - مسح على الناصية وأكمل على العمامة .
وليس لهم في ذلك حجة، لأن مسحه على العمامة وعدم اقتصاره على الناصية، يدل على عدم جواز الاقتصار على بعضه، إلا لمن كان متأولاً . والله أعلم .
(33) وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ـ في صفة الوضوء ـ قال: (( ثم مسح برأسه وأدخل أصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه )) أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة .
درجة الحديث:
الحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (123) .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ وجوب مسح الأذنين، ظاهرهما وباطنهما .
ما يستدل به على الوجوب:
1ـ قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( الأذنان من الرأس )) صححه الألباني في صحيح الترمذي (34) وصحيح سنن ابن ماجه (357) .
2ـ قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه )) صححه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم (99) .
(1/20)
ووجه الاستدلال به: أنه جعلهما عضواً واحداً . وقد بوّب عليه النسائي ( باب مسح الأذنين مع الرأس، وما يستدل به على أنهما من الرأس ) .
(34) وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( إذا استيقظ أحدكم من منامه فلسيتنثر ثلاثا، فإن الشيطان يبيت على خيشومه )) متفق عليه .
شرح الغريب:
1ـ يبيت: المبيت: إدراك الليل .
2ـ خيشومه: أعلى الأنف من داخله .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ وجوب الاستنثار عند الاستيقاظ من نوم الليل، وإن صادف وضوءاً كفى .
2ـ وجوب الاستنشاق، لأن الأمر بالشيء أمر بلازمه .
3ـ أن الشيطان يبيت على الخيشوم حقيقة .
(35)وعنه - رضي الله عنه -: (( إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً فإنه لا يدري أي باتت يده )) متفق عليه وهذا لفظ مسلم .
شرح الغريب:
1ـ يغمس: يُدخل .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ وجوب غسل اليدين بعد القيام من نوم الليل ثلاث مرات .
2ـ تقييد الغسل بنوم الليل:
... ... أ ـ لقوله: (( أين باتت )) والمبيت لا يكون إلا بالليل .
... ... ب ـ ورد مقيداً في رواية الترمذي بلفظ : (( من نوم الليل )) .
3ـ تحريم غمس اليد في الإناء للمستيقظ من نوم الليل قبل غسلها ثلاثاً، لأن النهي يقتضي التحريم .
اختلاف العلماء:
اختلف العلماء في هذا الباب في مسائل:
1ـ اختلفوا هل هذا حكم عام في كل نوم، فيجب على كل مستيقظ من قائلةٍ ونحوها، أم هو خاص بنوم الليل ؟
قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله: قال الشافعي: وأحب لكل من استيقظ من النوم، قائلةً كانت أوغيرها: أن لا يدخل يده في وَضوئه حتى يغسلها، فإن أدخل يده قبل أن يغسلها كرهت ذلك، ولم يُفسد ذلك الماء إذا لم يكن على يده نجاسة .
وقال أحمد بن حنبل: إذا استيقظ من النوم من الليل، فأدخل يده في وَضوئه قبل أن يغسلَها، فأعجب إليّ أن يُهريق الماء .
(1/21)
وقال إسحاق: إذا استيقظ من النوم بالليل أو بالنهار، فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها .
الترجيح:
والراجح أنه مقيد بنوم الليل، لتقييده في رواية الترمذي وغيره بنوم الليل . ولا يقال هنا: نوم الليل فرد من أفراد النوم، والقاعدة: ذكر بعض أفراد العام بما يوافق حكم العام لا يكون تخصيصاً للعام .
لأن هذا الحكم وارد ابتداءً على نوم الليل، لقوله في الحديث: (( باتت يده )) والمبيت لا يكون إلا في الليل، فهو من العام الذي أريد به الخاص أصلاً .
2ـ واختلفوا في حكم الماء بعد غمس اليد فيه قبل غسلها ثلاثاً للمستيقظ من نوم الليل:
أ ـ فذهب الجمهور إلى أنه طاهر مطهر ولكنه يأثم بذلك .
ب ـ وذهب أحمد بن حنبل إلى أن الماء يكون طاهراً غير مطهر لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه .
الترجيح:
والراجح: ما ذهب إليه الجمهور، لأنه وصف نحكم به على الماء، والماء يحكم عليه بالأوصاف المؤثرة فيه فإذا لم يكن هناك وصف مؤثر في الماء يحكم عليه لأجله، فبماذا نخرجه من الطهورية ما دام مستجمعاً أوصافها ؟
3ـ واختلفوا في العلة التي أوجبت غسل اليدين:
أ ـ فذهب الجمهور إلى أن العلة، ملامسة يد النائم مكاناً قد تعلق به نجاسة .
ب ـ وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، إلى أن العلة بيتوتة الشيطان على أنف الإنسان ليلاً .
الترجيح:
والراجح ما ذهب إليه شيخ الإسلام، لأن التعليل بالنص أولى من التعليل بمجرد الرأي والاجتهاد .
ولعل ابن حجر رحمه الله قرن الحديثين هنا إشارة إلى تقارب المعنى بينهما . والله أعلم .
(36) وعن لقيط بن صبرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( أسبغ الوضوء، وخلل الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً )) أخرجه الأربعة وصححه ابن خزيمة . ولأبي داود في رواية: (( إذا توضأت فضمض )) .
درجة الحديث:
(1/22)
الحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم ( 129 ) . وأما حديث: (( إذا توضأت فمضمض )) فقد صححه الألباني أيضاً في صحيح سنن أبي داود برقم (131) .
شرح الغريب:
1ـ أسبغ الوضوء: الإسباغ الإتمام، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: الإسباغ: الإنقاء . [ البخاري تعليقاً ] .
قال ابن حجر: وهذا من باب تفسير الشيء بلازمه، إذ من لوازم الإتمام الإنقاء .
2ـ خلل: التخليل هو إدخال الماء بين الأصابع، والمقصود أصابع اليدين والرجلين، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( إذا توضأت فخلل بين أصابع يديك ورجليك )) [ رواه الترمذي وصححه الألباني ] .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ وجوب إسباغ الوضوء .
2ـ وجوب تخليل أصابع اليدين والرجلين، قال الترمذي: قال إسحاق: يخلل أصابع يديه ورجليه في الوضوء .
قال الشوكاني: قول إسحاق هذا هو الراجح المعوّل عليه، لإطلاق قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( فخلل الأصابع )) [ تحفة الأحوذي للمباركفوري 1/ 150 ـ 151 ] .
3ـ استحباب المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم .
4ـ كراهة المبالغة في الاستنشاق للصائم .
5ـ وجوب المضمضة في الوضوء، وهو مذهب أحمد وإسحاق وأهل الحديث .
(37) وعن عثمان - رضي الله عنه -: (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخلل لحيته في الوضوء )) أخرجه الترمذي وصححه ابن خزيمة .
درجة الحديث:
الحديث صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (28)
شرح الغريب:
1ـ يخلل لحيته: يدخل الماء إلى أصول شعر اللحية .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ ظاهر الحديث يفيد استحباب تخليل اللحية في الوضوء .
(1/23)
2ـ هذا الحديث وإن ورد بصيغة الفعل إلا أنه تنفيذ لواجب فيكون واجباً، وذلك لما رواه أبو داود من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كان إذا توضأ أخذ كفاً من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل لحيته وقال: (( هكذا أمرني ربي عز وجل )) [ انظر صحيح سنن أبي داود للألباني 132 ] .
صفة تخليل اللحية في السنة:
ورد في صفة تخليل اللحية في السنة طريقتان:
1ـ أن يأخذ كفاً من ماء فيدخله تحت حنكه ويخلل به لحيته .
2ـ أن يُدخل أصابعه في لحيته مفرّجة كهيئة المشط، لما رواه ابن ماجه من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأ خلل لحيته وفرّج أصابعه مرتين )) [ انظر صحيح سنن ابن ماجه 346 ] .
اختلاف العلماء:
اختلف العلماء في تخليل اللحية، فذهب جمهور أهل العلم إلى أن تخليل اللحية واجب إذا كانت اللحية خفيفة تظهر البشرة من تحتها، فأما اللحية الكثيفة فيستحب تخليلها ولا يجب .
وذهب الظاهرية وإسحاق بن راهويه إلى وجوب تخليل اللحية مطلقاً لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( هكذا أمرني ربي عز وجل )) .
قال الترمذي: وقال إسحاق: إن تركه ناسياً أو متأولاً أجزأه، وإن تركه عامداً أعاد . [انظر سنن الترمذي ( باب تخليل اللحية ) ] .
وهو مذهب أبي ثور أيضاً، فقد قال البغوي: وقال أبو ثور: يجب تخليل اللحية، وقال: إن تركه عامداً أعاد الصلاة وإن تركه ناسياً أو متأولاً أجزأه(1).
(38) وعن عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - : (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُتي بثلثي مد فجعل يدلك ذراعيه )) أخرجه أحمد وصححه ابن خزيمة .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ استحباب الاقتصاد في الوضوء وعدم الإسراف .
2ـ استحباب دلك أعضاء الوضوء .
__________
(1) شرح السنة للبغوي ( 1/ 422) .
(1/24)
(39) وعنه - رضي الله عنه -: (( أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذه لرأسه )) أخرجه البيهقي وقال: إسناده صحيح، وصححه الترمذي أيضاً .
وهو عند مسلم من هذا الوجه بلفظ: (( ومسح برأسه بماء غير فضل يديه )) وهو المحفوظ .
درجة الحديث:
قال الألباني في السلسلة الضعيفة (995): اللفظ الأول شاذ، وقد صرح بشذوذه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، ولا شك في ذلك عندي .
وقال ابن القيم في زاد المعاد (1/ 134):
ولم يثبت عنه أنه أخذ لهما ماءً جديداً .
وقد ثبت مسح الأذنين بماءٍ جديد من فعل ابن عمر رضي الله عنهما، فقد روى مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يأخذ الماء بأصبُعيه لأذنيه .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ السنة أن يمسح الأذنين بماء الرأس، لأنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أخذ لهما ماءً جديداً، وحديث: (( الأذنان من الرأس )) يدل على أنهما يُمسحان بماء الرأس، وحديث: (( فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه )) [ رواه النسائي وهو صحيح ] فجعلهما عضواً واحداً .
وقد ثبت أنه كان إذا مسح رأسه أمرَّ يديه بأذنيه [ صحيح سنن النسائي 97 ] .
2ـ يجوز أخذ ماءٍ جديد للأذنين لعدم ما يمنع منه مع ثبوت ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما فيكون مشروعاً .
3ـ أنه يستحب أخذ ماءٍ جديد للرأس، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - (( أنه مسح رأسه بماءٍ بقي من وضوءٍ في يده )) [ انظر صحيح سنن أبي داود (120) ] .
(40) وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل )) [ متفق عليه واللفظ لمسلم ] .
شرح الغريب:
1ـ غراً: الغرة: أصلها لمعة بيضاء في جبهة الفرس، فأطلقت على نور وجوه هذه الأمة المحمدية .
(1/25)
2ـ محجلين: التحجيل: أصله من الحجل، وهو الخلخال، والتحجيل هو بياض يكون في قوائم الفرس، والمراد به هنا: النور الكائن في هذه الأعضاء يوم القيامة تشبيهاً بتحجيل الفرس .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ فضيلة الوضوء وأنه سبب للنور في الوجه واليدين والقدمين .
2ـ فضيلة هذه الأمة .
3ـ أن الوضوء من خصائص هذه الأمة، ولو كان غيرهم يتوضأ، لصار لهم مثل ما لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم، ورجح الحافظ ابن حجر رحمه الله أن الوضوء ليس من خصائص الأمة، واستدل بأن سارة رضي الله عنها لما دنا منها الملك قامت تتوضأ وتصلي، وأن جريج الراهب قام فتوضأ وصلى ثم كلم الغلام، قال: فالظاهر أن الذي اختصت به هذه الأمة هو الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء [ الفتح 1/284] .
الخلاف في إطالة الغرة:
1ـ ذهب جمهور أهل العلم إلى استحباب إطالة الغرة عملاً بقوله: (( فمن استطاع منكم أن يطيل ... )) .
2ـ مذهب مالك ورواية عن أحمد، واختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم أنه لا يستحب ذلك، وأن الزيادة: (( فمن استطاع منكم أن يطيل ... )) مدرجة من كلام أبي هريرة - رضي الله عنه -، لا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - .
الترجيح:
والراجح أن قوله: (( فمن استطاع منكم أن يطيل غرته ... )) مدرج من كلام أبي هريرة - رضي الله عنه - لا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - .
1ـ قال في الفتح: لم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة، ولا ممن رواه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - غير رواية نعيم .
وقال: لكن رواه أحمد من طريق فليح عن نعيم، وفي آخره: قال نُعيم: لا أدري قوله: (( من استطاع ... )) .
2ـ وقال المنذري في الترغيب والترهيب: وقد قيل: إن قوله: (( من استطاع ...))
إلخ من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من قول أبي هريرة - رضي الله عنه - ؟
(1/26)
هو مدرج من كلام أبي هريرة موقوف عليه، ذكره غير واحد من الحفاظ، والله أعلم [ صحيح الترغيب75 ] .
3ـ واستدل شيخ الإسلام ابن تيمية بأن هذه اللفظة لا يمكن أن تكون من كلامه - صلى الله عليه وسلم -، فإن الغرة لا تكون إلا في الوجه، وإطالته غير ممكنة، إذ تدخل في الرأس فلا تسمّى غرة .
الروايات المصرّحة بأن العلة أثر الوضوء لا الزيادة فيه:
1ـ قوله - صلى الله عليه وسلم - في رواية الحوض: قالوا يا رسول الله أتعرفنا يومئذٍ ؟ قال: (( نعم، لكم سيما ليست لأحدٍ من الأمم، تردون عليَّ الحوض غراً محجلين من أثر الوضوء )) [ مسلم ] .
2ـ عن عبد الله بن بسر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( أمتي يوم القيامة غرٌ من السجود، محجلون من الوضوء )) [ صحيح سنن الترمذي 497 ] .
(41) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله )) [ متفق عليه] .
شرح الغريب:
1ـ تنعله: لبس نعله .
2ـ ترجله: تسريح شعر رأسه ولحيته .
3ـ طهوره: بضم الطاء، التطهر .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ كل فعل يحبه الله أو رسوله - صلى الله عليه وسلم - دليل على مشروعيته .
2ـ استحباب تقديم اليمنى في التنعل والترجل والطهور والأشياء المستطابة .
3ـ أن اليسار تجعل للأشياء المستقذرة .
قال النووي رحمه الله:
قاعدة الشرع المستمرة استحباب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم والتزين، وما كان بضدها استحب فيه التياسر .
4ـ قال الشوكاني في النيل (1/ 171 ): تأكيد الشأن بلفظ كل يدل على التعميم، وقد خص من ذلك:
1ـ دخول الخلاء .
2ـ الخروج من المسجد .
وقد أخرج البخاري في باب ( التيمن في دخول المسجد وغيره ) .
قال: وكان ابن عمر رضي الله عنهما يبدأ برجله اليمنى، فإن خرج بدأ برجله اليسرى .
قال الشيخ محمد ناصر الألباني في الإرواء ( 1/ 131 ):
(1/27)
روى الحاكم عن أنس - رضي الله عنه - أنه كان يقول: (( من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى )) وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي .
فائدة:
يستحب التيامن في كل شيءٍ حسن، ما عدا الكلام، ودفع السواك، فيسن الأكبر .
أما الكلام: فلحديث حويّصة ومحيّصة في القسامة، أنه قال لمحيّصة: (( كبّر كبّر )) رواه البخاري في الأدب ( باب إكرام الكبير ) .
وأما السواك: فعن عائشة رضي الله عنها قالت:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستن وعنده رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فأوحي إليَّ في فضل السواك: أن كبّر، أعطِ السواك أكبرهما )) .
وفي الحديث: (( كان إذا استنّ أعطى السواك الأكبر، وإذا شرب أعطى الذي عن يمينه )) [ صحيح الجامع 4668 ] .
(42) وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( إذا توضأتم فابدأوا بميامنكم )) أخرجه الأربعة وصححه ابن خزيمة .
درجة الحديث:
الحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داودبرقم ( 3488 ) ولفظه: (( إذا لبستم وإذا توضأتم فابدأوا بميامنكم )) .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ ظاهر الحديث يفيد وجوب التيامن في أعضاء الوضوء بين اليدين وبين الرجلين، وأغلب العلماء على الاستحباب .
قال شيخ الإسلام الموفق في المغني: لانعلم في عدم الوجوب خلافاً . اهـ
وما يروى عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: (( ما أبالي بدأت بيميني أو بشمالي إذا أكملت الوضوء )) رواه الدارقطني والبيهقي وفيه انقطاع وضعف، وضعفه ابن حجر في التلخيص ( 1/ 88 ) . فلا يصح الاستدلال به، قال الشوكاني في نيل الأوطار ( 1/ 171 ): والحديث يدل على وجوب الابتداء باليد اليمنى والرجل اليمنى في الوضوء .
2ـ أن اليمين تجعل للأشياء والأعمال الطاهرة .
(1/28)
(43) وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -: (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين )) أخرجه مسلم .
شرح الغريب:
1ـ بناصيته: الناصية: قصاص الشعر ومقدم الرأس .
2ـ العمامة: ثوب يلف ويدار على الرأس .
3ـ الخفين: مثنى خف، ما يلبس في الرجلين .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ جواز المسح على الناصية والعمامة إذا كانت مشدودة على الرأس .
2ـ عدم جواز الاقتصار على مسح بعض الرأس، قال ابن القيم: لم يصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه اقتصر على مسح بعض رأسه البتة .
3ـ جواز المسح على الخفين إذا لبسهما على طهارة .
(44) وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ـ في صفة حج النبي - صلى الله عليه وسلم - ـ قال - صلى الله عليه وسلم -: (( ابدؤوا بما بدأ الله به )) أخرجه النسائي هكذا بلفظ الأمر، وهو عند مسلم بلفظ الخبر .
درجة الحديث:
قال الألباني: الحديث بهذا اللفظ ( أي ابدؤوا ) شاذ غير صحيح، والمحفوظ إنما بلفظ: (( أبدأ )) بصيغة الخبر وليس بصيغ الأمر، هكذا رواه مسلم وغيره . ( انظر تمام المنة 88 ) .
( والإرواء 4 / 316 ـ 319 ) .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ استدل الحافظ رحمه الله بهذا الحديث على الترتيب في الوضوء، والحديث وإن ورد في الحج حين أراد السعي بين الصفا والمروة، وكان قصده أن يبدأ السعي بالصفا باعتبار أن الله قدّمه في الذكر بقوله: ( إن الصفا والمروة ) إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
قال المباركفوري في إتحاف الكرام في التعليق على بلوغ المرام:
( فهذا الأمر وإن كان قد ورد في مسألة السعي خاصة، لكنه بعموم لفظه يدل على قاعدة كلية تدخل تحتها آية الوضوء وهو قوله تعالى: ( فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ) فيجب البداءة بغسل الوجه في الوضوء ويكون ما بعده على الترتيب ) .
اختلاف العلماء:
اختلف العلماء في حكم ترتيب الوضوء:
(1/29)
1ـ ذهب الحنفية إلى أن الترتيب سنة في الوضوء وهو مذهب مالك .
2ـ وذهب الشافعي وأحمد إلى وجوب الترتيب واستدلوا بالآية وأنها وردت مرتبة .
الترجيح:
والراجح: ما ذهب إليه الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى، لما يلي:
1ـ أن الله ذكره مرتباً وقال - صلى الله عليه وسلم -: (( نبدأ بما بدأ الله به )) .
2ـ أن الوضوء لا يُعرف أنه وضوء إلا بالترتيب .
3ـ أن الله تعالى أدخل في آية الوضوء ممسوحاً بين مغسولين، والعرب لا تقطع النظير عن نظيره إلا لفائدة، وهي هنا: الترتيب .
4ـ أن هذه الجملة ( فاغسلوا وجوهكم ) وقعت جواباً للشرط، وما كان جوباً للشرط فإنه يكون مرتباً حسب وقوع الجواب .
(45) وعنه - رضي الله عنه - قال: (( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه )) أخرجه الدارقطني بإسناد ضعيف .
درجة الحديث:
الحديث رواه الدارقطني (1/83 ) وقال: ابن عقيل ليس بالقوي . وقال محققه: قوله: القاسم بن محمد بن عبد الله، قال الذهبي: قال أبو حاتم: متروك، وقال أحمد ليس بشيء، وقال أبو زرعة: أحاديثه منكرة .
(46) وعن أبي هريرة- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه )) أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه بإسناد ضعيف . والترمذي عن سعيد بن زيد وأبي سعيد نحوه، وقال أحمد: لا يثبت فيه شيء .
درجة الحديث:
قال أبو عيسى الترمذي: قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثاً له إسناد جيد.
وقد حسَّن الحديث الألباني في صحيح سنن الترمذي (24) وفي الإرواء برقم (81) .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ وجوب التسمية على الوضوء، لأن الأصل في النفي نفي الحقيقة لا الكمال . وهذا القول رواية عن الإمام أحمد، قال في منار السبيل (1/24 ):
(1/30)
تجب فيه التسمية لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً؛ (( لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه )) [ رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ] .
وتسقط سهواً نص عليه، لحديث: (( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان )) .
وإن ذكرها في أثنائه ابتدأ، صححه في الإنصاف، وقيل: يأتي بها حيث ذكرها ويبني على وضوئه .
اختلاف العلماء:
اختلف العلماء في التسمية في الوضوء:
1ـ فذهب الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي إلى أن التسمية عند الوضوء مستحبة، ليست بواجبة وهي رواية عن أحمد .
2ـ وذهب داود إلى أنها واجبة لا تسقط عمداً ولا سهواً .
3ـ وذهب إسحاق إلى أنها واجبة وتسقط سهواً، قال الترمذي:
وقال إسحاق: إن ترك التسمية عامداً أعاد الوضوء، وإن كان ناسياً أو متأولاً أجزأه . وهي رواية ثانية عن أحمد . [ انظر: رحمة الأمة في اختلاف الأئمة (14) وصحيح سنن الترمذي للألباني حديث رقم (24) ] .
الترجيح:
والراجح ما ذهب إليه إسحاق رحمه الله ورواية عن الإمام أحمد أن التسمية واجبة وتسقط سهواً . وقد صح الحديث بذلك ويدل على نفي الحقيقة .
وقد ثبت الأمر بها كذلك، ففي سنن النسائي عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وضع يده في الماء وقال: (( توضؤوا باسم الله )) [ صححه الألباني في صحيح سنن النسائي (76) ] .
ومما يدل على الوجوب كذلك، دلالة الاقتران، وذلك باقتران نفي الصلاة لمن لا وضوء له بنفي الوضوء لمن لم يقل باسم الله .
ودلالة الاقتران وإن كانت ضعيفة عند الأصوليين، لكن إذا ورد ما يقويها تتقوى وقد ورد ما يقويها ويشهد لها، وهو الأمر بها كما في سنن النسائي .
فالنتيجة أن الاستدلال على وجوب التسمية في الوضوء ما يلي:
1ـ نفي الصحة .
2ـ الأمر بها .
3ـ دلالة الاقتران .
وهذا إقرار للحكم بأبلغ الطرق .
(1/31)
(47) وعن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال: (( رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفصل بين المضمضة والاستنشاق )) أخرجه أبو داود بإسناد ضعيف .
درجة الحديث:
الحديث ضعيف، في سنده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف .
قال النووي: اتفق العلماء على ضعفه .
والحديث ضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود (24) .
وقال ابن القيم في زاد المعاد (1/132): ولم يجيء الفصل بين المضمضة والاستنشاق في حديث صحيح البتة .
(48) وعن علي - رضي الله عنه - ـ في صفة الوضوء ـ: (( ثم تمضمض - صلى الله عليه وسلم - واستنثر ثلاثاً، يمضمض وينثر من الكف الذي يأخذ منه الماء )) أخرجه أبو داود والنسائي .
درجة الحديث:
هو جزء من حديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (102) .
(49) وعن عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - ـ في صفة الوضوء ـ: (( ثم أدخل يده فمضمض واستنشق من كف واحدة يفعل ذلك ثلاثاً )) متفق عليه .
ما يستفاد من الحديثين:
1ـ ظاهر الحديثين يفيدان استحباب المضمضة والاستنشاق، لأنهما أحاديث فعل، والفعل يدل على الاستحباب، لكن ثبت الأمر بهما في قوله تعالى: { فاغسلوا وجوهكم } والفم والأنف من الوجه بدليل أنهما من ظاهر الوجه لا من باطنه، لأن الصائم إذا وضع في فمه وأنفه ماءً ثم مجَّه لا يفطر، فدل على أنهما من الظاهر المأمور بغسله .
والأحاديث وإن وردت بصيغة الفعل، إلا أنه تفسير لأمر وتنفيذ لواجب فيكون واجباً .
وقد ورد الأمر بهما .
أ ـ أما الفم فمن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( إذا توضأت فمضمض )) [ رواه أبو داود وهو صحيح ] .
ب ـ وأما الأنف، فمن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً ثم لينثر )) [ رواه البخاري ] .
2ـ استحباب المضمضة والاستنشاق من غرفة واحدة .
قال ابن القيم رحمه الله:
وكان يصل بين المضمضة والاستنشاق، فيأخذ نصف الغرفة لفمه، ونصفها لأنفه . ( زاد المعاد 1/ 131 ) .
(1/32)
اختلاف العلماء:
1ـ ذهب الحنفية إلى استحباب الفصل بين المضمضة والاستنشاق وهو رواية عن الإمام الشافعي نص عليها البويطي كما في المجموع شرح المهذب ( 1/358) .
وقال الترمذي: قال الشافعي: إن جمعها في كف واحد فجائز وإن فرقهما فهو أحب إلينا.
وقال الإمام مالك في الرجل يتمضمض ويستنثر في غرفةٍ واحدة: إنه لا بأس بذلك ( الموطأ1/ 15 ) . أي يجوز، وإن كان الأفضل خلافه .
2ـ وذهب الإمام أحمد والبخاري ورواية عن الشافعي نص عليها في الأم ومختصر المزني ( المجموع 1/ 358 ) إلى استحباب الجمع بين المضمضة والاستنشاق .
الترجيح:
والراجح الجمع بينهما لثبوت الأحاديث الصحيحة بذلك، ولم يثبت حديث في الفصل بينهما .
قال النووي في المجموع ( 1/ 359):
القول بالجمع أكثر في كلام الشافعي، وهو أيضاً أكثر الأحاديث، بل هو الموجود في الأحاديث الصحيحة .
ثم قال (1/360 ): وأما الفصل فلم يثبت فيه حديث أصلاً ثم قال ـ بعد تضعيف حديث طلحة ـ: والصحيح، بل الصواب تفضيل الجمع للأحاديث الصحيحة المتظاهرة، وليس لها معارض .
(50) وعن أنس - رضي الله عنه - قال: رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً وفي قدمه مثل الظفر لم يصبه الماء، فقال: (( ارجع فأحسن وضوءك )) أخرجه أبو داود والنسائي .
درجة الحديث:
صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (158) .
شرح الغريب:
1ـ لم يصبه الماء: لم يجر عليها الماء .
2ـ أحسن وضوءك: أي أتمَّه .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة .
2ـ وجوب تعميم أعضاء الوضوء، وإسباغه .
3ـ فيه دليل على عدم جواز الاكتفاء بالمسح في القدمين، بل لا بد من الغسل .
4ـ وجوب الموالاة بين أعضاء الوضوء .
5ـ وجوب المبادرة إلى إرشاد الجاهل وتعليمه . ...
(51) وعنه - رضي الله عنه - قال: (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد )) متفق عليه .
شرح الغريب:
(1/33)
1ـ المد بضم الميم: مكيال معروف وهو ربع الصاع النبوي، ويجمع على أمداد . وهو حفنة بكفي النبي - صلى الله عليه وسلم - أو: بكفي الرجل المعتدل . ومقداره بالغرامات: (600) غرام تقريباً .
2ـ الصاع: مكيال معروف، وهو الصاع النبوي، وهو أربعة أمداد، ومقداره بالغرامات: (2400) غرام تقريباً .
ملاحظة:
إن تقدير الصاع بالوزن أمر يختلف من صنف لآخر، والأفضل عند إرادة معرفة الصاع بالوزن، أن نكيل الصنف الذي يراد معرفة وزنه ثم نوزنه، وقد فعلنا ذلك مرةً فإذا هو يختلف من صنف لآخر؛ فالحمص بلغ: 2750غ والفاصوليا البيضاء الصغيرة: 2900غ لذلك، الأفضل عند إرادة الفتوى أن يُفتى في الصاع بأنه 3000 غ على الاحتياط، وإلا فلنتبع الطريقة المذكورة آنفاً والله وأعلم .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ استحباب الاقتصاد بالماء في الوضوء والغسل .
2ـ كراهة الإسراف بالماء قال البخاري: وكره أهل العلم الإسراف فيه، وأن يجاوزوا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - .
3ـ استحباب الوضوء بالمد، والاغتسال بالصاع لفعله - صلى الله عليه وسلم - مع وفرة شعره - صلى الله عليه وسلم - .
ويجوز الوضوء بأكثر من ذلك، قال الترمذي تعليقاً على الحديث في باب ( في الوضوء بالمد): وقال الشافعي وأحمد وإسحاق: ليس معنى هذا الحديث على التوقيت أنه لا يجوز أكثر منه ولا أقل منه، وهو قدر ما يكفي .
(52) وعن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة )) أخرجه مسلم والترمذي . وزاد: (( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين )) .
شرح الغريب:
1ـ يسبغ: الإسباغ الإتمام، وفسره ابن عمر: بالإنقاء وهو من باب تفسير الشيء بلازمه، إذ من لوازم الإتمام الإنقاء .
ما يستفاد من الحديث:
(1/34)
1ـ استحباب الذكر بهذا الدعاء بعد الفراغ من الوضوء .
2ـ أن الدعاء بعد الوضوء بهذا الذكر من موجبات دخول الجنة .
باب المسح على الخفين
(53) عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتوضأ فأهويت لأنزع خفيه فقال: (( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين )) فمسح عليهما . متفق عليه .
شرح الغريب:
1ـ أهويت: أهوى إلى الشيء بيده، مدها ليأخذه إذا كان عن قرب .
2ـ لأنزع: لأخلع وأقلع .
3ـ خفيه: تثنية خف، وهو ما يلبس في الرجل من جلد .
4ـ أدخلتهما طاهرتين: لبستهما بعد وضوءٍ كامل .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ مشروعية المسح على الخفين، وهو رخصة في الحضر والسفر، والصحة والمرض .
قال في الفتح: صرّح جمع من الحفّاظ بأن المسح على الخفين متواتر، وجمع بعضهم رواته فجاوزوا الثمانين، منهم العشرة .
وروى ابن أبي شيبة عن الحسن البصري قال:
حدثني سبعون من الصحابة بالمسح على الخفين .
2ـ اشتراط كمال الطهارة لجواز المسح على الخفين، وذلك بأن يُلبسا بعد وضوء كامل .
3ـ أن محل المسح أعلى الخف، لقوله: فمسح عليهما .
4ـ وجوب غسل الرجلين في الوضوء، لما استقر في ذهن الصحابي من نزع الخفين .
5ـ جواز الاستعانة بالغير في الطهارة .
6ـ جواز خدمة أهل العلم والفضل إذا كان الحامل على ذلك: لدينه، وعلمه، أو لحقه من أبوّة، أو ولاية عامة .
(54) وللأربعة عنه إلا النسائي: (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح أعلى الخف وأسفله )) وفي إسناده ضعف .
درجة الحديث:
الحديث ضعيف كما قال ابن حجر رحمه الله، فقد ضعفه الترمذي فقال: سألت أبا زرعة ومحمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقالا: ليس بصحيح .
اختلاف العلماء:
1ـ ذهب الشافعية إلى استحباب أن يمسح أعلى الخف وأسفله، وذلك بأن يضع يده اليمنى فوق الخف الأيمن واليسرى تحته، ويضع اليسرى فوق الخف الأيسر واليمنى تحته .
(1/35)
2ـ وذهب المالكية إلى أن من لم يمسح أعلى الخف لم يصح وضوءه، ومن مسح الأعلى وترك الأسفل يعيد الصلاة الحاضرة فقط .
3ـ وذهب جمهور أهل العلم إلى عدم استحباب مسح أسفل الخف، وأن السنة الاقتصار على مسح أعلى الخف فقط، ويؤيده حديث علي - رضي الله عنه - قال: (( لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على ظاهر خفيه )) رواه أبو داود وصححه الألباني في الإرواء برقم (103) .
وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: (( رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسح على الخفين ظاهرهما )) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (85) قال أبو عيسى الترمذي: وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري وأحمد .
(55) وعن علي - رضي الله عنه - قال: (( لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على ظاهر خفيه )) أخرجه أبو داود بإسناد حسن .
درجة الحديث:
الحديث صححه الألباني في الإرواء برقم ( 103 ) .
شرح الغريب:
1ـ الرأي: العقل دون النقل .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ أن الدين يؤخذ بالنقل، فيجب تقديم النقل على العقل في حال التعارض في الظاهر .
2ـ عدم مشروعية مسح أسفل الخف .
3ـ أن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - عام لجميع الأمة، والخصائص لا تثبت إلا بدليل، لقول علي - رضي الله عنه -: (( وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح ... )) .
4ـ أن محل المسح ظاهر الخف .
(56) وعن صفوان بن عسال - رضي الله عنه - قال: (( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم )) أخرجه النسائي والترمذي، واللفظ له، وابن خزيمة وصححاه .
درجة الحديث:
الحديث حسنه أيضاً الألباني في صحيح سنن الترمذي ( 84 ) .
(1/36)
شرح الغريب:
1ـ غائط: أصله المكان المنخفض، وسمي الخارج من الإنسان غائطاً لأنه يطلب مكاناً منخفضاً يستتر به عن أعين الناس .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ جواز المسح على الخفين في السفر .
2ـ أن السنة لمن كان لابساً للخف على طهارة أن لا ينزعهما ويمسح عليهما .
3ـ أن مدة المسح عليهما للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن .
4ـ أن المسح على الخفين بدل غسل الرجلين في الوضوء لا في الغُسُل .
5ـ أن البول والغائط والنوم من نواقض الوضوء .
6ـ عموم الحديث يفيد جواز المسح على الخفين سواءً كان مخرقاً أم لا، لأن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا في سفر وجهاد، وكانوا فقراء، فلا تسلم خفافهم من وجود الشقوق والخروق .
7ـ أن المسح على الخفين رخصة، والأصل في الرخص التسهيل، واشتراط شروط في الخف ينافي ذلك .
اختلاف العلماء في صفة الخف الصحيح والمخرّق:
1ـ مذهب الشافعي وأحمد منع المسح على الخف المخرق ولو يسيراً في محاذاة المغسول .
2ـ مذهب مالك أنه يمسح عليه ما دام الخرق يسيراً ـ يعني ما لم يتفاحش ـ .
3ـ مذهب أبي حنيفة أنه يمسح على الخف المخرق إذا كان أقل من ثلاثة أصابع .
4ـ مذهب الثوري أنه يمسح على الخف المخرق ما دام يسمّى خفاً وإن تفاحش خرقه . فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه (753) عن الثوري أنه قال:
(امسح عليها ما تعلّقت به رجلك، وهل كانت خفاف المهاجرين إلا مخرّقة مشققة مرقعة) [ راجع تمام النصح في أحكام المسح 84 ] .
وهو ترجيح شيخ الإسلام ابن تيمية، وبه قال داود الظاهري .
(57) وعن علي - رضي الله عنه - قال: (( جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم، يعني المسح على الخفين )) أخرجه مسلم .
سبب ورود الحديث عن علي - رضي الله عنه - :
(1/37)
عن شريح بن هانئ قال: أتيت عائشة رضي الله عنها أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بابن أبي طالب - رضي الله عنه - فسله فإنه كان يسافر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألناه فقال: الحديث .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ مدة مسح المقيم يوم وليلة، وتكون المدة من ابتداء المسح بعد الحدث إلى مثل مدته بعد ثلاثة أيام .
2ـ مدة مسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن، ويكون من ابتداء المسح بعد الحدث إلى مثل مدته بعد ثلاثة أيام .
اختلاف العلماء في التوقيت:
1ـ ذهب جمهور أهل العلم إلى أن المسح على الخفين موقت بثلاثة أيام في السفر، ويوم وليلة في الحضر .
2ـ وذهب الإمام مالك في المشهور عنه أنه يمسح بلا توقيت، واحتج بحديث أُبَيْ بن عماره الذي رواه أبو داود، أنه قال: يا رسول الله ! أمسح على الخفين؟ قال: (( نعم ))، قال: يوماً، قال: (( نعم ))، قال: ويومين؟ قال: (( نعم ))، قال: وثلاثة أيام ؟ قال: (( نعم، وما شئت )) .
لكنه حديث ضعيف، قال عنه الحافظ في البلوغ: ليس بالقوي، وقال النووي في شرح مسلم (3/176): حديث ضعيف باتفاق أهل الحديث .
3ـ ومن العلماء من فصَّل بين البريد وما في معناه، وبين غيره .
فقال في الأول: لا يتأقت المسح، وقال في الثاني: يتأقت المسح، وهذا ما ذهب إليه ابن تيمية كما في الفتاوى (21/215 ـ 217 ) لما روى ابن ماجه والدارقطني عن عقبة بن عامر الجهني - رضي الله عنه - أنه قدم على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من مصر فقال: (( منذ كم لم تنزع خفيك ؟ قال: من الجمعة إلى الجمعة، قال: (( أصبت السنة )) . وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (452) والسلسلة الصحيحة (2622) .
(1/38)
الترجيح: وما ذهب إليه شيخ الإسلام هو الصحيح لأنه يجمع الأدلة، والجمع أولى من الترجيح والعمل ببعض الأدلة وترك البعض الآخر، فيحمل حديث علي - رضي الله عنه - في التأقيت للمسافر سفراً عادياً، ويحمل حديث عقبة - رضي الله عنه - للمسافر في غزوة أو سرية وقد يكون مقارباً للعدو فلا يتمكن من خلع الخف بعد مضي الثلاث، وهذا في معنى البريد أيام عمر - رضي الله عنه - حيث يكلف المسافر بإيصال المعلومة بسرعة وقد يخاف النزول في الصحراء أو ما شابه فيمسح بلا توقيت، وهذا معنى قول عمر - رضي الله عنه - (( أصبت السنة )) وهو في حكم المرفوع كما لا يخفى . والله أعلم .
(58) وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: (( بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية فأمرهم أن يمسحوا على العصائب، يعني العمائم، والتساخين، يعني الخفاف )) رواه أحمد وأبو داود، وصححه الحاكم .
درجة الحديث:
الحديث صححه أيضاً الألباني في صحيح سنن أبي داود (133) .
شرح الغريب:
1ـ سرية: اصطلح علماء السيرة على تسمية كل جيش لم يكن فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( سرية ) وما كان فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (غزوة) .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ جواز المسح على العمامة والخف .
2ـ بيان ما في الشريعة من السهولة ورفع الحرج، وأن المشقة تجلب التيسير .
3ـ مشروعية المسح على الجوربين، لقوله : والتساخين، وهي أعم من الخف، لأنها تطلق على كل ما يسخن الرجل .
4ـ فيه تعليم الجيش والغزاة ما يحتاجون من العلم .
5ـ أن الأنسب في توجيه العامة وإرشادهم، أن يُعْطَوا من العلم ما هم بحاجة إليه في محيطهم الحاضر .
اختلاف العلماء في المسح على الجوربين:
1ـ ذهب أبو حنيفة إلى المنع من المسح على الجوربين كما هو المشهور عنه، ( انظر المجموع للنووي ( 1/ 500 ) وذكر في الهداية (1/31) عن أبي حنيفة أنه يجوز المسح على الجوربين إذا كانا مجلدين أو منعلين .
(1/39)
2ـ وذهب أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة إلى جواز المسح إذا كانا ثخينين لا يشفان ( الهداية 1/31 ) وإلى هذا ذهب الإمام أحمد، ونقله الترمذي عن سفيان الثوري وابن المبارك، وإسحاق، قالوا: يمسح على الجوربين وإن لم تكن نعلين، إذا كان ثخينين:
3ـ وذهب الشافعي إلى جواز المسح على الجوربين بشرطين:
أن يكونا ثخينين، وأن يكونا منعَّلين . ورجح النووي الجواز بشرط أن يكون صفّيقاً ( يعني ثخيناً ) يمكن متابعة المشي عليه وإن لم يكن منعّلاً ( انظر المجموع 1/499) .
4ـ وذهب عمر وعلي وداود إلى جواز المسح على الجورب وإن كان رقيقاً ( انظر المجموع للنووي 1 / 500 ) .
الترجيح:
والراجح ما ذهب إليه عمر وعلي رضي الله عنهما من جواز المسح مطلقاً ما داما يسميان جوربين، ولأنه قد ثبت حكم المسح على الجوربين والتساخين ولم يحدهما الشارع بحد،
والقاعدة:
أن كل ما حكم به الشارع ولم يحدّه وجب الرجوع فيه إلى العرف . فقد روى المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -: (( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح على الجوربين والنعلين )) رواه أبو داود (159) والترمذي (99) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح .
وقال أبو داود: ومسح على الجوربين: علي بن أبي طالب، وابن مسعود، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وأبو أمامة، وسهل بن سعد، وعمرو بن حريث، وروي ذلك عن عمر وابن عباس رضي الله عنهم جميعاً .
وقد أعل بعض العلماء هذا الحديث ـ حديث المغيرة ـ بما لا يدفع صحته، فقال أبو داود:
كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث، لأن المعروف عن المغيرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين .
(1/40)
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على حديث الترمذي (1/168):والصواب صنيع الترمذي في تصحيح هذا الحديث، وهو حديث آخر غير حديث المسح على الخفين، وقد روى الناس عن المغيرة أحاديث المسح في الوضوء، فمنهم من روى حديث المسح على الخفين، ومنهم من روى المسح على العمامة، ومنهم من روى المسح على الجوربين، وليس شيء منها بمخالف للآخر .
وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . انظر (الفتاوى 21/ 214) .
(59) وعن عمر - رضي الله عنه - موقوفاً، وأنس - رضي الله عنه - مرفوعاً: (( إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه فليمسح عليهما وليصل فيهما، ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة )) أخرجه الدارقطني والحاكم وصححه .
درجة الحديث:
قال النووي في المجموع (1/ 485): ضعيف .
ما يستفاد من الحديث:
هذا الحديث استدل به الإمام مالك رحمه الله على أنه لا توقيت في المسح على الخفين، بل يمسح ما بدا له ما لم ينزعه أو تصبه جنابة . ( انظر تفصيل الخلاف قبل حديثين ) .
(60) وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوماً وليلة، إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما )) أخرجه الدارقطني وصححه ابن خزيمة .
درجة الحديث:
قال الترمذي في علله الكبير: سألت محمداً يعني البخاري: أي حديث أصح عندك في التوقيت في المسح على الخفين ؟ فقال: حديث صفوان بن عسال، وحديث أبي بكرة حديث حسن . (انظر حاشية سنن الدارقطني 1/ 194) .
قلت: ويشهد له حديث علي - رضي الله عنه - فإنه بمعناه .
(61) وعن أبي بن عمارة - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله ! أمسح على الخفين؟ قال (( نعم ))، قال: يوماً ؟ قال: (( نعم ))، قال: ويومين؟ قال: (( نعم ))، قال: وثلاثة أيام؟ قال: (( نعم وما شئت )) أخرجه أبو داود وقال ليس بالقوي .
درجة الحديث:
الحديث ضعيف، قال عنه النووي: حديث ضعيف باتفاق أهل الحديث . (شرح مسلم 3/176) .
(1/41)
ما يستفاد من الحديث:
سبق وذكرنا هذا الحديث ضمن الكلام على اختلاف العلماء في توقيت المسح، وهو دليل لمذهب الإمام مالك رحمه الله في عدم توقيت المسح، لكنه حديث ضعيف لا يحتج به .
باب نواقض الوضوء
(62) عن أنس - رضي الله عنه - قال: (( كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عهده ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلون ولا يتوضؤون )) أخرجه أبو داود وصححه الدارقطني، وأصله في مسلم .
درجة الحديث:
الحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (184) .
شرح الغريب:
1ـ تخفق: تميل من النعاس .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ استحباب تأخير صلاة العشاء ما لم يشق على الناس .
2ـ فضل انتظار الصلاة وحرص الصحابة على ذلك .
3ـ أن النعاس لا ينقض الوضوء .
اختلاف العلماء:
1ـ ذهب الإمام مالك إلى أن من نام مضطجعاً أو ساجداً فعليه الوضوء، طويلاً كان النوم أو قصيراً، ومن نام جالساً فلا وضوء عليه إلا أن يطول به ذلك .
2ـ وذهب الإمام الشافعي إلى أن على كل نائم وضوء إلا من نام جالساً ممكناً لمقعدته من الأرض .
3ـ وقال أبو حنيفة: لا وضوء إلا على من نام مضطجعاً ، واستدل بحديث: (( إنما الوضوء على من نام مضطجعاً )) . رواه أبو داود والترمذي، قال أبو داود: هو حديث منكر، لم يروه إلا يزيد أبو خالد الدالاني عن قتادة . وقد ضعفه أحمد، والبخاري، والبيهقي، والحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (1/120) .
4ـ وذهب الإمام أحمد إلى التفريق بين النعاس، والنوم المستثقل، فلا ينتقض في الأول، وينتقض في الثاني .
وهذا هو الراجح لإمكان الجمع بين الأدلة، ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ )) رواه أبو داود وحسنه الألباني في الإرواء (113) . وحديث صفوان بن عسَّال - رضي الله عنه - مرفوعاً: (( ولكن من غائط وبول ونوم )) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، وحسنه في الإرواء برقم (112) .
(1/42)
(63)وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله ! إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: (( لا، إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي )) متفق عليه . وللبخاري: (( ثم توضئي لكل صلاة )) وأشار مسلم إلى أنه حذفها عمداً .
شرح الغريب:
1ـ أُستحاض: من الاستحاضة، وهي سيلان الدم في غير أوقاته المعتادة، من مرض وفساد .
2ـ عِرق: بكسر العين وسكون الراء، أي أن دمك هذا بسبب انفجار من عرق .
3ـ فإذا أقبلت حيضتك : أي حصل وقتها .
4ـ إذا أدبرت: أي وقت انقطاع الدم عنها أيام عادتها .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ أن ما خرج من السبيلين ناقض للوضوء، ومنه دم الاستحاضة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: توضئي لكل صلاة .
2ـ أن دم الاستحاضة ليس حيضاً .
3ـ أن دم الاستحاضة لا يمنع الصلاة، فتصلي ولو مع جريان الدم .
4ـ أن الحائض لا تصلي ويحرم عليها ذلك .
5ـ أن الحائض لا تقضي الصلاة بعد طهرها، أخذاً من عدم أمره لها بذلك .
6ـ وجوب الصلاة على الحائض إذا طهرت .
7ـ ونستفيد من هذا الحديث فائدة أصولية وهي:
أن الأمر بعد الحظر لرد الأمر كما كان، وليس للإباحة مطلقاً لأنه أمرها بالصلاة بعد نهيه عنها، والصلاة كانت واجبة قبل ذلك فتعود واجبة .
(64) وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: (( كنت رجلاً مذّاءً فأمرت المقداد أن يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسأله، فقال: فيه الوضوء )) متفق عليه، واللفظ للبخاري .
شرح الغريب:
1ـ مذاءً: بفتح الميم وتشديد الذال المعجمة: أي كثير المذي، والمذي هو ماء أبيض لزج يخرج عند الملاعبة ونحوها، ويكون خروجه من مجرى البول .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ إن خروج المذي ناقض للوضوء .
2ـ إن المذي يوجب الوضوء لا الغسل .
3ـ جواز التوكيل في العلم والفتيا .
(1/43)
4ـ أن من الأدب عدم التكلم مع صهره في الأمور المتعلقة بالشهوة .
5ـ فضيلة علي - رضي الله عنه -، لأنه ورد في بعض طرق الحديث: (( فاستحييت أن أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمكان ابنته مني )) فكان متصفاً بالحياء مما يستحيا منه، وأما الحياء مما لا يُستحيا منه، فإنه خَوَر وجبن .
تنبيه:
ورد في بعض الحديث (حديث سهل بن حنيف - رضي الله عنه - ): (( اغسل ذكرك أو مذاكيرك وتوضأ وضؤك للصلاة )) قلت فكيف بما يصيب ثوبي منه ؟ قال: (( خذ كفاً من ماء فتنضح حيث قد أصاب منه )) .
وفيه من الفوائد:
1ـ وجوب غسل الذكر كله من المذي، وهو مذهب أحمد .
2ـ وجوب غسل الأنثيين، وفائدته: قطع سبب نزول المذي بتبريد الأنثيين .
3ـ نجاسة المذي .
4ـ أنه يكفي في تطهيره من الثوب نضحه بالماء، وهذا من باب التيسير . والقاعدة: المشقة تجلب التيسير .
(65) وعن عائشة رضي الله عنها: (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَبَّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ )) . أخرجه أحمد وضعّفه البخاري .
درجة الحديث:
الحديث رواه أبو داود (179) والترمذي (86) وابن ماجه (502) وأحمد ( 6/210) من طريق الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة رضي الله عنها . وقد أُعِل الحديث بأن حبيباً لم يسمع من عروة شيئاً، وقال الزيلعي في نصب الراية (1/38 ):
وقد مال أبو عمر ابن عبد البر إلى تصحيح هذا الحديث فقال:
صححه الكوفيون، وثبتوه لرواية الثقات من أئمة الحديث، وحبيب لا ينكر لقاؤه عروة لروايته عما هو أكبر من عروة وأقدم موتاً . ولم ينفرد برواية هذا الحديث، فقد تابعه عليه هشام بن عروة عن أبيه، فقد روى الدارقطني (1/50) من حديث وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (( قبَّل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .... )) الحديث .
(1/44)
وقد جاء الحديث بإسناد آخر عن عائشة رضي الله عنها رواه البزار . وللحديث شواهد ومتابعات انظرها في نصب الراية ( 1/ 37 ـ 39 ) . وسنن الدارقطني ( 1/49 ) .
غريب الحديث:
1ـ بعض نسائه: هي عائشة رضي الله عنها، لقول عروة: وهل هي إلا أنت ؟ فضحكت .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ أن تقبيل المرأة ولمسها لا ينقض الوضوء .
2ـ جواز تقبيل الرجل زوجته وإن كان يريد العبادة .
3ـ فضل عائشة رضي الله عنها لنقلها الأحكام الشرعية التي لا يطلع عليها إلا نساؤه .
اختلاف العلماء:
1ـ مذهب الشافعي رحمه الله، أن مجرد اللمس بلا حائل ينقض الوضوء .
2ـ مذهب أحمد رحمه الله، أن اللمس الذي ينقض الوضوء ما كان بشهوة .
3ـ مذهب أبي حنيفة رحمه الله أنه لا ينقض الوضوء، مستدلاً بالحديث .
الترجيح:
وما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة هو الراجح، ويؤيد هذا الحديث أدلة أخرى، وهي:
1ـ عن عائشة رضي الله عنها قالت: (( إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي وأنا معترضة بين يديه اعتراض الجنازة، حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله )) رواه النسائي (1/101 ) وصححه الحافظ في التلخيص .
2ـ وعنها رضي الله عنها قالت: فقدت النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فجعلت أطلبه بيدي، فوقعت يدي على قدميه وهما منصوبتان وهو ساجد يقول: (( أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك )) رواه النسائي (1/102) وسنده صحيح .
3ـ تفسير ابن عباس رضي الله عنهما للمسيس بالجماع، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (( المسيس واللماس: الجماع )) رواه البخاري في النكاح تعليقاً بصيغة الجزم .
(66) وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه، أخرج منه شيء أم لا ؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً )) أخرجه مسلم .
غريب الحديث:
1ـ إذا وجد: أي أحس وشعر .
(1/45)
2ـ شيئاً: المراد به الحدث، وكنّى عنه بالشيء استحياءً .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ هذا الحديث دليل قاعدة شرعية وهي:
الأصل بقاء ما كان على ما كان واليقين لا يزول بالشك .
2ـ تحريم الخروج من الصلاة ما لم يتيقن، لقوله: (( لا يخرجن )) .
3ـ أن الريح ناقض للوضوء .
(67) وعن طلق بن علي - رضي الله عنه - قال: قال رجل: مسست ذكري، أو قال: الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه وضوء ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( لا إنما هو بضعة منك )) أخرجه الخمسة، وصححه ابن حبان، وقال ابن المديني هو أحسن من حديث بسرة .
شرح الغريب:
1ـ مسست ذكري: أي أفضيت بيدي من غير حائل .
2ـ بضعة منك: بفتح الباء، القطعة من اللحم، وهذا تعليل لعدم وجوب الوضوء .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ جواز أن يسأل الرجل عما يُستحيا منه لأجل دينه .
2ـ أن مس الذكر لا ينقض الوضوء، وبهذا قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله .
(68) وعن بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( من مس ذكره فليتوضأ )) أخرجه الخمسة، وصححه الترمذي وابن حبان، وقال البخاري: هو أصح شيء في هذا الباب .
غريب الحديث:
1ـ مسَّ: أفضى بيده بلا حائل .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ أن مسّ الذكر ينقض الوضوء .
اختلاف العلماء في نقض الوضوء بمس الذكر:
1ـ ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أن مسّ الذكر لا ينقض الوضوء مستدلاً بحديث طلق بن علي - رضي الله عنه - .
2ـ وذهب الإمام الشافعي رحمه الله إلى أن مس الذكر بباطن الكف ينقض الوضوء مستدلاً بحديث بسرة رضي الله عنها .
3ـ وذهب الظاهرية إلى أن مس الذكر ينقض الوضوء مطلقاً، سواء كان بباطن الكف أو بظاهره .
4ـ وذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى الجمع بين الحديثين، فقال: ينقض الوضوء إذا كان المس بشهوة، ولا ينقض الوضوء إذا كان بغير شهوة .
الترجيح:
(1/46)
والراجح ما ذهب إليه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، وهو نقض الوضوء بمس الذكر، لأن أبا هريرة - رضي الله عنه - قد رواه وهو متأخر الإسلام، وكان قدوم طلق بن علي - رضي الله عنه - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول زمن الهجرة حينما كان يبنى المسجد، وإنما يؤخذ بآخر الأمرين . (انظر شرح السنة للإمام البغوي 1/ 343) .
ومما يستدل به أيضاً، ما رواه النسائي عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: دخلت على مروان بن الحكم، فذكرنا ما يكون منه الوضوء فقال مروان: من مس الذكر الوضوء . فقال عروة: ما علمت ذلك، فقال مروان: أخبرتني بُسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( إذا مسَّ أحدكم ذكره فليتوضأ )) وفي رواية للنسائي أيضاً عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: ذكر مروان في إمارته على المدينة أنه يتوضأ من مس الذكر إذا أفضى إليه الرجل بيده، فأنكرت ذلك، وقلت: لا وضوء على من مسه، فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر ما يُتوضأ منه فقال: (( ويتوضأ من مس الذكر )) . فجعل نفس مس الذكر ينقض الوضوء .
ويحمل حديث طلق بن علي - رضي الله عنه - على الحال الأول قبل إيجاب الوضوء من مس الذكر لأنه موافق للبراءة الأصلية، وحديث بُسرة رضي الله عنها ناقل عن الأصل والبراءة .
ومن الأدلة على نقض الوضوء بمس الذكر، ما رواه مالك رحمه الله عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أنه قال: كنت أُمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -، فاحتككت فقال سعد: ( لعلك مسست ذكرك ) ؟ قال: فقلت نعم: فقال: ( قم فتوضأ ) فقمت فتوضأت ثم رجعت .
وروى مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان يقول: ( إذا مسَّ أحدكم ذكره فقد وجب عليه الوضوء ) .
(1/47)
وروى أيضاً عن ابن شهاب عن سالم أنه قال: رأيت أبي، عبد الله بن عمر يغتسل ثم يتوضأ، فقلت له: يا أبت أما يجزيك الغسل من الوضوء؟ قال: ( بلى، ولكني أحياناً أمسّ ذكري فأتوضأ ) .
وروى أيضاً عن نافع عن سالم بن عبد الله أنه قال: كنت مع عبد الله بن عمر في سفر، فرأيته بعد أن طلعت الشمس توضأ ثم صلّى، قال: فقلت له: إن هذه الصلاة ما كنت تصلّيها . قال: ( إني بعد أن توضأت لصلاة الصبح مسست فرجي، ثم نسيت أن أتوضأ، فتوضأت وعدت لصلاتي ) .
(69) وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( من أصابه قيء أو رعاف أو قَلَسٌ أو مذي، فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم )) أخرجه ابن ماجه وضعفه أحمد وغيره .
درجة الحديث:
الحديث ضعفه أيضاً الألباني في ضعيف سنن أبن ماجه برقم (89) وفي ضعيف الجامع برقم (5426) .
شرح الغريب:
1ـ القيء: طعام يخرج من المعدة متغيراً، ويخرج عن طريق الفم .
2ـ الرعاف: خروج الدم من الأنف .
3ـ قَلَسٌ: ما خرج من الجوف ملء الفم أو دونه وليس بقيء .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ الحديث استدل به الإمام أبو حنيفة رحمه الله على نقض الوضوء بالقيء إذا كان كثيراً، فإن كان القيء يسيراً لا ينقض .
وذهب الإمام مالك والشافعي إلى أنه لا ينقض الوضوء، قال مالك في الموطأ ( باب ما لا يجب منه الوضوء ) قال يحي: وسئل مالك هل في القيء وضوء؟ قال: لا، ولكن ليتمضمض من ذلك وليغسل فاه وليس عليه وضوء .
وعند الإمام أحمد، روايتان كالمذهبين .
والراجح عدم نقض الوضوء بالقيء، ولو كان ينقض لبيّنه - صلى الله عليه وسلم - ولنقِل إلينا، لا سيما وأنه تتوافر الدواعي على نقله لأنه مما تعم به البلوى ويكون من كل أحد، فلو كان ناقضاً لنُقل كما نُقل النقض بالريح .
(1/48)
وأما ما جاء من حديث ثوبان - رضي الله عنه - (( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاء فتوضأ )) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (76) وفي الإرواء(111) فهو فعل، والفعل لا يدل على الوجوب وإنما يدل على الاستحباب فقط، فيكون الوضوء من القيء مستحباً لا واجباً . والله أعلم .
2ـ وأما القَلَس، وهو ما خرج من الجوف ملء الفم أو دونه، فليس بنجس . قال مالك: إنه رأى ربيعةبن عبد الرحمن يقلس مراراً وهو في المسجد، فلا ينصرف، ولا يتوضأ، حتى يصلي. ومذهب الإمام مالك رحمه الله أن القَلَس إذا كان متغيراً عن حالة الطعام فهو نجس، فقد سُئل عن رجل قلَس طعاماً، هل عليه وضوء ؟ فقال: ( ليس عليه وضوء، وليتمضمض من ذلك وليغسل فاه ) .
والصحيح أن القلس طاهر سواء كان متغيراً أم لا لما سبق ذكره في القيء . والله أعلم .
3ـ وبهذا الحديث استدل الإمام أبو حنيفة على أن من انتقض وضوءه في الصلاة فإنه ينصرف ويتوضأ ويبني على صلاته ولا يعيد .
وذهب الجمهور إلى أن من انتقض وضوءه في الصلاة انصرف وتوضأ وأعاد صلاته من جديد، ـ يعني يستأنفها ـ واستدل الجمهور بحديث علي بن طلق - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف، وليتوضأ وليعد الصلاة )) رواه الخمسة . وهو حديث ضعيف، قال ابن حجر في التلخيص الحبير (1/274): أعله ابن القطان بأن مسلم بن سلام الحنفي لا يُعرف . وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود، وضعيف الجامع برقم (706) .
والراجح التفصيل:
1ـ أن من انتقض وضوءه في الصلاة كخروج الريح وما شابه فإنه ينصرف ويتوضأ ويعيد صلاته لأنه انتقض وضوءه وقد خرج من الصلاة بوضوء فاسد وقد حُكِم على صلاته بالبطلان .
(1/49)
2ـ وأما من خرج من أنفه الدم وهو الرعاف، فهو غير ناقض للوضوء، فإذا كان الدم لا ينقطع حتى يتوضأ أو يُبرِّد موضع النزف، فهذا ينصرف فيتوضأ أو يغسل بالماء ثم يرجع ويبني على ما قد صلّى، والفرق بين الأول والثاني: أن الأول خرج من الصلاة باطلةً فيعيد، وأما الثاني فصلاته صحيحة غير باطلة وإنما انصرف لأن الدم لا ينقطع إلا بالماء فإذا رجع بنى على ما قد صلّى بشرط أن لا يتكلم .
وهذه رخصة لمن ينزل من أنفه الدم .
وقد دل على ذلك آثار عن الصحابة والتابعين، ومنها:
1ـ ما رواه مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان إذا رَعَف، انصرف فتوضأ، ثم رجع فبنى ولم يتكلم .
2ـ وروى أيضاً عن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه رعف وهو يصلي، فأتى حُجرة أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأُتيَ بوضوء فتوضأ، ثم رجع فبنى على ما قد صلى .
(70) وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه -: (( أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال: (( إن شئت )) قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: (( نعم )) . أخرجه مسلم
شرح الغريب:
1ـ الغنم: اسم جنس يطلق على المعز والضأن، وسميت بذلك لأنها ليس لها آلة دفاع، فكانت غنيمة لكل أحد .
2ـ الإبل: اسم جنس، يطلق على المذكر والمؤنث من الجمال وليس له واحد من لفظه .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ إباحة الوضوء من لحوم الغنم، ولا يجب .
2ـ وجوب الوضوء من لحم الإبل وهو مذهب أحمد رحمه الله والحديث صريح في ذلك . وقد علّق الشافعي العمل بهذا الحديث على ثبوته، قال البيهقي: حكى بعض أصحابنا عن الشافعي قال: إن صح الحديث في لحوم الإبل قلت به .
قال البيهقي: قد صح فيه حديثان: حديث جابر بن سمرة - رضي الله عنه - وحديث البراء - رضي الله عنه -، قاله أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ( انظر تلخيص الحبير للحافظ ابن حجر 1/116 ) .
(1/50)
قال النووي: وهذا المذهب أقوى دليلاً وإن كان الجمهور على خلافه. (شرح مسلم 4/49).
فائدة: أخرج البخاري في الوضوء ( باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسَّويق ) قال البخاري: وأكل أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فلم يتوضؤوا .
وأخرج برقم (207) عن ابن عباس رضي الله عنهما: (( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل كتف شاةٍ ثم صلى ولم يتوضأ )) .
(71) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:(( من غسل ميتاً فليغتسل ومن حمله فليتوضأ )) أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه وقال أحمد: لا يصح شيء في هذا الباب .
درجة الحديث:
هو حديث صحيح، صححه ابن حبان، وابن دقيق العيد، والألباني .
وقال ابن دقيق العيد رجاله رجال مسلم .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ ظاهر الحديث يفيد وجوب الغسل من غسل الميت ووجوب الوضوء من حمله .
2ـ عموم الحديث يفيد عموم الأموات، كبير وصغير ذكر وأنثى .
فوائد:
1ـ وقد صُرف هذا الوجوب إلى الاستحباب بقول ابن عمر رضي الله عنهما: (( كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل )) رواه عبد الله بن الإمام أحمد .
2ـ قال الفقهاء: الغاسل هو من يقلبه ويباشره لا من يصب الماء ولا من ييممه .
(72) عن عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم: (( أن لا يمسَّ القرآن إلا طاهر )) رواه مالك مرسلاً ووصله النسائي وابن حبان وهو معلول .
درجة الحديث:
روي من طريق عمرو بن حزم، وحكيم بن حزم، وابن عمر وعثمان بن أبي العاص .
1ـ حديث عمرو بن حزم: ضعيف فيه سليمان بن أرقم، وهو ضعيف جداً .
2ـ وأما حديث حكيم بن حزام، فيه مطر الوراق وهو ضعيف .
3ـ وأما حديث ابن عمر، فيه ابن جريج وهو مدلس وقد عنعنه .
4ـ وأما حديث عثمان بن أبي العاص، فيه إسماعيل بن رافع وهو ضعيف .
قال الألباني في الإرواء ( 1/160 ـ 161 ) ما ملخصه:
(1/51)
وجملة القول: أن الحديث طرقه كلها لا تخلو من ضعف، ولكنه ضعف يسير، ليس في شيء منها من اتهم بكذب، وإنما العلة الإرسال أو سوء الحفظ .
ومن المقرر في علم المصطلح أن الطرق يقوي بعضها بعضاً إذا لم تكن فيها متهم . فالنفس تطمئن لصحة هذا الحديث .
غريب الحديث:
الطاهر: لفظ مشترك يطلق على الطاهر من الحدث الأكبر والأصغر ويطلق على من ليس على بدنه نجاسة .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ ظاهر الحديث تحريم مس المصحف بدون حائل لغير المتوضئ .
2ـ سبب ورود الحديث، هو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أرسل إليهم هذا الكتاب وهم بأرض جُهينة وفيها أهل كتاب مما يدل على أن المراد بالطاهر طهارة اعتقاد، فيكون المعنى: لا يمس القرآن إلا طاهر يعني مؤمن، فلا يمسه مشرك .
3ـ تعظيم القرآن، وأنه يجب احترامه فلا يجوز مسه بنجاسة، ولا يجعل في مكان لا يليق .
اختلاف العلماء:
1ـ جمهور العلماء: أن الوضوء شرط في مس المصحف .
استدلوا بقوله تعالى: ( لا يمسه إلا المطهرون ) وبالحديث .
2ـ مذهب الظاهرية: أن الوضوء ليس بشرط . وأجابوا عن الآية: بأن الضمير يعود على الملائكة . وعن الحديث بأنه ضعيف . والمراد بالطهارة طهارة اعتقاد .
(73) عن عائشة رضي الله عنها قالت: (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحيانه )) رواه مسلم وعلقه البخاري .
غريب الحديث:
1ـ أحيانه: جمع حين، وهو الزمان قل أو كثر .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ جواز ذكر الله تعالى بالتسبيح والتكبير والتحميد والتهليل ولو كان جنباً .
2ـ استحباب كثرة ذكر الله في كل وقت .
فائدة:
حكم قراءة القرآن عن ظهر قلب لغير المتوضئ:
عن ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استيقظ، ومسح النوم عن وجهه ثم قرأ الآيات العشر من آخر سورة آل عمران ثم قام إلى شنٍ فتوضأ .
(1/52)
(74) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وصلى، ولم يتوضأ . أخرجه الدارقطني، وليَّنه .
درجة الحديث:
رواه الدارقطني (1/151) والحديث رواه البيهقي أيضاً، وادعى ابن العربي أن الدارقطني صححه، وليس كذلك، بل قال البيهقي في الخلافيات؛ نا أبو عبد الله الحاكم: سألت الدارقطني عن صالح بن مقاتل بن صالح، فقال: يحدث عن أبيه ليس بالقوي . (انظر الدارقطني 1/151 ـ 152 ) .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ أن خروج الدم من البدن غير السبيلين غير ناقض للوضوء .
الأدلة على ذلك:
روى البخاري في الوضوء (باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين):
1ـ قال الحسن: ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم .
2ـ قال عطاء: ليس في الدم وضوء .
3ـ عصر ابن عمر - رضي الله عنه - بثرةً في وجهه فخرج منها الدم ولم يتوضأ .
4ـ أصيب عباَّد بن بشر بسهام وهو يصلي فاستمر في صلاته .
قال الإمام مالك رحمه الله: الأمر عندنا أنه لا يتوضأ من رُعافٍ، ولا من دمٍ، ولا من قيحٍ يسيل من الجسد، ولا يتوضأ إلا من حدثٍ يخرج من ذكرٍ أو دبرٍ، أو نوم . (الموطأ 1/ 22) .
(75) عن معاوية - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( العين وكاء السه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء )) رواه أحمد والطبراني وزاد (( ومن نام فليتوضأ )) .
وهذه الزيادة في الحديث عند أبي داود من حديث علي دون قوله: استطلق الوكاء، وفي كلا الإسنادين ضعف .
ولأبي داود أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: (( إنما الوضوء على من نام مضجعاً )) وفي إسناده ضعف أيضاً .
درجة الحديث:
حسنه الألباني في الإرواء برقم (113) .
(1/53)
قال: وبقية إنما يخشى من عنعنته،وقد صرح بالتحديث في رواية أحمد فزالت شبهة تدليسه . وأما رواية أبي داود، فقد تفرّد بها أبو خالد الدالاني، متفق على ضعفه، قال أبو داود: قوله: (( الوضوء على من نام مضطجعاً )) هو حديث منكر، لم يروه إلا يزيد أبو خالد الدالاني .
غريب الحديث:
1ـ وكاء: الخيط الذي تشد به الكيس أو القربة .
2ـ السه: بفتح السين وكسرها: حلقة الدبر .
3ـ استطلق: انحل الوكاء .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ أن العين تحفظ الدبر وتمنع خروج الخارج .
2ـ نقض الوضوء من النوم لأنه مظنة الحدث .
3ـ مثل النوم في النقض كل ما أزال العقل من جنون أو إغماء أو سُكر أو غيره بجامع زوال الإحساس في الكل .
اختلاف العلماء:
1ـ ذهب الحنفية إلى أن النوم لا ينقض الوضوء إلا إذا نام مضطجعاً أو متكئاً على شيء لو أُزيل لسقط، واستدلوا بحديث: (( لا وضوء على من نام راكعاً أو ساجداً، إنما الوضوء على من نام مضطجعاً )) رواه الدارقطني وقد تفرد به أبو خالد الدالاني وهو ضعيف، وقد ضعفه الحافظ في التلخيص (1/120) .
2ـ وذهب الإمام مالك إلى أن النوم قاعداً لا ينقض الوضوء إلا أن يطول به ذلك . واستدل بأن ابن عمر رضي الله عنهما: (( كان ينام جالساً ثم يصلي ولا يتوضأ )) [ الموطأ 1/22]
3ـ وذهب الإمام الشافعي إلى أن النوم الذي لا ينقض الوضوء إذا نام قاعداً ممكناً مقعدته من الأرض وإن طال ذلك .
4ـ وذهب الإمام أحمد إلى أن النوم ينقض الوضوء على أي حال كان عليها، وفرَّق بين النوم المستغرق والنعاس، فالأول ينقض والثاني لا ينقض، وهو الراجح الذي تجتمع عنده الأدلة ومنها:
1ـ (( وكاء السه العينان، فمن نام فليتوضأ )) رواه أبو داود وحسنه الألباني .
2ـ كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلون ولا يتوضؤون )) رواه مسلم .
(1/54)
وهذا يُحمل على النعاس أو الإغفاء، وعليه يُحمل فعل ابن عمر رضي الله عنهما الذي في الموطأ، وإلا فالحديث صريح في أن النوم المستغرق ناقض للوضوء . والله أعلم .
(76) وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( يأتي أحدكم الشيطان في الصلاة فينفخ في مقعدته، فيُخيَّل إليه أنه أحدث ولم يُحدث، فإذا وجد ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً )) أخرجه البزار .
وأصله في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد .
ولمسلم عن أبي هريرة- رضي الله عنه - نحوه .
وللحاكم عن أبي سعيد مرفوعاً: (( إذا جاء أحدكم الشيطانُ فقال: (( إنك قد أحدثت، فليقل: إنك كذبت )) . وأخرجه ابن حبان بلفظ: (( فليقل في نفسه )) .
درجة الحديث:
قوله: وأصله في الصحيحين، ولفظه: (( أنه شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل الذي يُخيَّل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: (( لا ينفتل أو لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) [ انظر البخاري 137 في الوضوء، باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن ] .
وقوله: ولمسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - نحوه، فقد مضى برقم (66) .
ما يستفاد من الحديث:
هذا الحديث أصلٌ للشك في الوضوء، فمن تيقن الوضوء ثم شك في الحدث فلا يخرج من الوضوء بهذا الشك حتى يستيقن، ومن تيقن الحدث، ثم شك هل توضأ بعده فالأصل أنه على غير وضوء حتى يتيقن أنه توضأ . فالأصل بقاء ما كان على ما كان واليقين لا يزول بالشك .
باب آداب قضاء الحاجة
(77) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء وضع خاتمه )) . أخرجه الأربعة وهو معلول .
درجة الحديث:
(1/55)
الحديث ضعفه أبو داود فقال عقب روايته له: هذا حديث منكر، وإنما يُعرف عن ابن جُريج، عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس: (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتماً من ورِق ثم ألقاه )) والوهم فيه من همَّام، ولم يروه إلا همَّام .
حكم دخول الخلاء ومعه شيء من ذكر الله:
لا ينبغي للإنسان إذا دخل الخلاء أن يكون معه شيء فيه ذكر الله، لأنه من تعظيم شعائر الله، ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) وقد روى ابن أبي شيبة عن عكرمة قال: (( كان ابن عباس رضي الله عنهما إذا دخل الخلاء ناولني خاتمه )) .
وروى عن مجاهد أنه كان يكره للإنسان أن يدخل الكنيف وعليه خاتم فيه اسم الله .
وروى أيضاً عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (( كان سليمان بن داود إذا دخل الخلاء نزع خاتمه فأعطاه امرأته )) [ انظر ابن أبي شيبة 1/136 ] .
فإن خشي عليه السرقة، أو الضياع إن نزعه جعله في حرز وأدخله معه، فقد روى ابن أبي شيبة عن عكرمة أنه كان يقول: إذا دخل الرجل الخلاء، وعليه خاتم فيه ذكر الله تعالى، جعل الخاتم مما يلي كفه ثم عقد عليه بإصبعه .
(78) وعنه - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء قال: )) اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث (( أخرجه السبعة .
شرح الغريب:
1ـ قوله إذا دخل: أي إذا أراد أن يدخل كقوله تعالى: ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله )
2ـ أعوذ: أي أعتصم وألجأ وأستجير .
3ـ الخبث: بضم الباء، جمع خبيث، وهم ذكور الشياطين .
4ـ الخبائث: جمع خبيثة وهم إناث الشياطين .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ الاستعاذة عند دخول الخلاء .
2ـ أن الأماكن النجسة هي أماكن الشياطين، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء، فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث )) [ رواه أحمد وأبو داود والنسائي . صحيح الجامع ( 2263 ) ] .
(1/56)
فائدة:التسمية عند دخول الخلاء، ومتى يقول ذلك:
1ـ عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول: بسم الله )) . [ صحيح ابن ماجه (242) والإرواء (50) .
2ـ في الأماكن المعدّة يقول ذلك قبل دخولها، وأما في غيرها فيقول في أول الشروع كتشمير ثيابه .
(79) وعنه - رضي الله عنه - قال: (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء )) [ متفق عليه ] .
شرح الغريب:
1ـ غلام: الصبي من الولادة إلى البلوغ .
2ـ نحوي: مقارب لي في السن .
3ـ إداوة: إناء صغير من جلد .
4ـ عنزة: بفتح العين والنون والزاي،عصا أطول من الحربة وأقصر من الرمح في رأسها زج .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ أن الاستتار عند قضاء الحاجة إما بالبعد وإما بإغلاق باب الكنيف . وعن ابن عمر رضي الله عنهما: (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: كان يذهب لحاجته إلى المغمَّس ))، قال نافع: ميلين أو ثلاثة من مكة . [ الصحيحة 1072 ] .
2ـ استعداد المسلم بطهوره عند قضاء الحاجة لئلا يحوجه إلى القيام فيتلوث .
3ـ جواز خدمة أهل العلم والفضل لدينهم .
4ـ أن الماء كاف في التطهير ولا يستحب الجمع بينه وبين الحجارة .
(80) وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خذ الإداوة، فانطَلق حتى توارى عني فقضى حاجته )) [ متفق عليه ] .
شرح الغريب:
1ـ توارى: غاب عن عيني واحتجب .
ما يستفاد من الحديث:
(1/57)
أنه ينبغي على قاضي الحاجة أن يبتعد عن أعين الناس إما بدخوله الكنيف، وإما بالبعد. وفي الحديث عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -: (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ذهب المذهب أبعد )) [ رواه أبو داود (1) وهو حسن ] . وعن جابر - رضي الله عنه -: (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد )) [ رواه أبو داود (2) وهو صحيح ] .
2ـ مشروعية خدمة أهل العلم والفضل لعلمهم ودينهم .
3ـ مشروعية الاستعانة بالغير في الوضوء وأنه لا يكره .
(81) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( اتقوا اللاعنين الذي يتخلى في طريق الناس، أو في ظلهم )) [ رواه مسلم ] .
وزاد أبو داود عن معاذ: (( والموارد )) ولفظه: (( اتقوا الملاعن الثلاثة، البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل )) .
ولأحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (( أو نقع ماء )) وفيهما ضعف .
وأخرج الطبراني النهي عن قضاء الحاجة تحت الأشجار المثمرة وضفة النهر الجاري من حديث ابن عمر بسند ضعيف .
درجة الحديث:
الحديث صححه الألباني في صحيح الجامع برقم (112 ـ 113) وأصله في مسلم (1/156)
شرح الغريب:
1ـ اللاعنان: ما يجلب اللعنة .
2ـ يتخلى: يقضي حاجته .
3ـ ظلهم: الأماكن التي يجلس فيها الناس ويستظلونها .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ تحريم قضاء الحاجة في طريق الناس، أو مكان اجتماعاتهم .
2ـ يلحق بها ما يشبهها من الحدائق والميادين العامة مما يرتاده الناس .
3ـ أن ذلك سبب للعن فاعله .
4ـ حث الشريعة على الأدب والنظافة .
5ـ تحريم إيذاء المسلمين .
(82) عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( إذا تغوط الرجلان فليتوار كل واحد منهما عن صاحبه، ولا يتحدثان فإن الله يمقُت على ذلك )) رواه أحمد وصححه ابن السكن وابن القطان وهو معلول .
درجة الحديث:
(1/58)
الحديث رواه أيضاً أبو داود برقم (15) من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - وقال أبو داود عقب روايته: ( هذا لم يُسنده إلا عكرمة بن عمَّار ) . قلت: وقد رواه عن يحي بن أبي كثير .
قال الحافظ في التقريب (2/ 30): (عكرمة بن عمار العجلي، أبو عمار اليماني، أصله من البصرة، صدوق يخلط، وفي روايته عن يحي بن أبي كثير اضطراب ) .
حكم الكلام عند قضاء الحاجة:
لا ينبغي الكلام عند قضاء الحاجة، لأن المسلم معتاد على ذكر الله يجري على لسانه مع كلامه فيقول: ما شاء الله، إن شاء الله، سبحان الله، فلا يأمن أن يخرج من كلامه ما فيه ذكر الله وهو يقضي حاجته، وقد قال تعالى: { ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب } .
وقد روى أبو داود وغيره (( أن رجلاً سلّم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول فلم يرد عليه )) . وهذا يدل على ترك الكلام، لأنه لو كان جائزاً لرد عليه شيئاً يُفهِم الانتظار أو الإعذار، فلما لم يرد عليه شيئاً دل على عدم الكلام في هذه الحال . وأما السلام على قاضي الحاجة فيحرم ابتداءً، فقد روى ابن ماجه عن جابر - رضي الله عنه -: أن رجلاً مر على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول فسلّم عليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم علي، فإنك إن فعلت ذلك، لم أردَّ عليك )) وهو صحيح .
(83) عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( لا يُمسكنَّ أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمينه ولا يتنفس في الإناء )) [ متفق عليه، واللفظ لمسلم ] .
شرح الغريب:
1ـ لا يُمسكنَّ: لا ناهية .
2ـ أحدكم: نكرة في سياق النهي تفيد العموم .
3ـ يتمسح: يستنج .
4ـ يتنفس: إدخال النفس إلى رئتيه وإخراجه منها .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ النهي عن مس الذكر باليمين حال البول .
2ـ النهي عن الاستنجاء باليمين .
(1/59)
3ـ النهي عن التنفس في الإناء . لئلا يقذره على من بعده .
4ـ تكريم اليمين وأنها جعلت لِما هو من باب التزين والتكريم .
(84) عن سلمان - رضي الله عنه - قال:((لقد نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو عظم )) [رواه مسلم ] وللسبعة من حديث أبي أيوب: (( لا تستقبلوا القبلة بغائط أو بول، ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا )) .
شرح الغريب:
1ـ الغائط: المكان المنخفض من الأرض، ثم أطلق على قضاء الحاجة لأن قاضي الحاجة يطلب مكاناً منخفضاً يستتر به عن أعين الناس .
2ـ الرجيع: روث ذي الحافر .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ النهي عن استقبال القبلة أثناء الغائط أو البول .
2ـ ظاهر الحديث يشمل الفضاء والبنيان .
3ـ تعظيم الكعبة المشرفة بتجنب كل ما يمس مقامها .
4ـ النهي عن الاستنجاء باليمين تكريماً لها .
5ـ النهي عن الاستجمار بأقل من ثلاثة أحجار منقية .
6ـ النهي عن الاستنجاء بالرجيع .
7ـ النهي عن الاستنجاء بالعظم .
8ـ قال العلماء: تخصيص النهي بالرجيع والعظم دل على أنه أراد غيرها مما يقوم مقامها، كالحجر، والخِرق، والخشب، بشرط أن لا تكون مطعوماً ولا محترماً، وأن تكون مزيلة للنجاسة، طاهرة، غير ملساء .
(85) عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( من أتى الغائط فليستتر )) رواه أبو داود .
درجة الحديث:
جزء من حديث رواه أبو داود برقم (35) وهو ضعيف، ضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود، وفي ضعيف الجامع (5468) والمشكاة (352) .
(1/60)
وتمام لفظ الحديث: (( من اكتحل فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، ومن استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، ومن أكل فما تخلّل فليلفظ، وما لاك بلسانه فليبتلع ، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، ومن أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رملٍ فليستدبره، فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج )) .
(86) وعنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: كان إذا خرج من الغائط قال: (( غفرانك )) . أخرجه الخمسة وصححه أبو حاتم والحاكم .
شرح الغريب:
1ـ الغائط: المكان المنخفض من الأرض، ثم أطلق على قضاء الحاجة لأنه يطلب مكاناً منخفضاً يستتر به عن أعين الناس .
2ـ غفرانك: طلب المغفرة . والغفران : مصدر كالشكران، والمغفرة في اللغة: الستر مع الوقاية، وهو مفعول به منصوب بفعل مقدر: أي أسألك غفرانك .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ استحباب قول: غفرانك بعد خروجه من قضاء الحاجة .
2ـ ذُكر في الحكمة من هذا الدعاء وجهان:
أ ـ أنه استغفر من الحالة التي اقتضت هجران ذكر الله فإنه يذكر الله تعالى في سائر حالاته .
... ب ـ أن القوة البشرية قاصرة عن الوفاء بشكر ما أنعم الله عليه من تسويغ الطعام والشراب وترتيب الغذاء على الوجه المناسب لمصلحة البدن إلى أوان الخروج، فلجأ إلى الاستغفار اعترافاً بالقصور عن بلوغ حق تلك النعم . [ تحفة الأحوذي 1/49 ] .
(87) وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين، ولم أجد ثالثاً ، فأتيته بروثة، فأخذهما وألقى الروثة وقال: (( إنها ركس)) أخرجه البخاري وزاد أحمد والدارقطني: (( ائتيني بغيرها )) .
درجة الحديث:
رواه البخاري(156) والزيادة التي عند أحمد، قال عنها الحافظ في الفتح (1/309): رجاله ثقات أثبات .
وقال الحافظ: زاد ابن خزيمة في رواية له في هذا الحديث أنها كانت روثة حمار .
(1/61)
شرح الغريب:
1ـ روثة: رجيع الدابة . قال الحافظ في الفتح (1/309): نقل التيمي أن الروث مختص بما يكون من الخيل والبغال والحمير .
2ـ ركس: نجس .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بشر يعتريه ما يعتري البشر من البول والغائط وما شابه ذلك .
2ـ جواز الاستعانة بالغير في الطهارة .
3ـ أن من شروط الاستجمار بالحجارة ونحوها أن تكون أقلها ثلاثة، فإن لم تكفِ الثلاث زاد اثنتين لتكون وتراً لحديث: (( من استجمر فليوتر )) وعلامة الاكتفاء: أن تخرج آخر مسحة ليس فيها بلَّة .
4ـ دل هذا الحديث على جواز الاستجمار بكل ما كان من جنس الحجر أو ما يقوم مقامه من كل طاهر جامد قالع للنجاسة غير محترم ولا مطعوم .
5ـ استدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على جواز الاقتصار على حجرين، وقد بوّب عليه النسائي (باب الرخصة في الاستطابة بحجرين ) والصحيح أنه لا يجوز الاقتصار على أقل من ثلاثة عند الاستنجاء بالحجر أو ما يقوم مقامه، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أخذ الحجرين وألق الروثة قال له: (( ائتني بغيرها )) فدل على عدم الاقتصار، وقد سبق من حديث سلمان - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار .
وأما الاستدلال بحديث: (( من استجمر فليوتر، فمن فعل فقد أحسن، ومن فلا حرج )) جزء من حديث رواه أبو داود وهو ضعيف كما مر معنا في الحديث رقم (85) فلا يصلح حجةً على ترك الثلاثة أو ترك الإيتار .
(88) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه )) رواه الدارقطني، وللحاكم: (( أكثر عذاب القبر من البول )) وهو صحيح الإسناد .
درجة الحديث:
الحديث صححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3002) بلفظ: (( تنزَّهوا )) من حديث أنس - رضي الله عنه - .
شرح الغريب:
1ـ استنزهوا: أي اجتنبوا .
2ـ عامّة: أكثر .
(1/62)
ما يستفاد من الحديث:
1ـ وجوب التنزه من البول .
2ـ وجوب التطهير من البول وأنه لا يُعفى عن يسيره .
3ـ أن ما أصاب الثوب من رذاذ البول لا يُعفى عنه .
4ـ أن عدم التنزه من البول موجب لعذاب القبر .
5ـ أن عدم الاستنجاء من البول من الكبائر لأنه رتَّب على تركه الوعيد .
6ـ ثبوت عذاب القبر .
(89) وعن سراقة بن مالك - رضي الله عنه -: قال: (( علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخلاء أن نقعد على اليسرى وننصب اليمنى )) رواه البيهقي بسند ضعيف .
درجة الحديث:
الحديث ضعيف في سنده مجهول .
قال الذهبي في اختصار السنن (1/116): رواه أبو نعيم عن زمعة فقال عن محمد بن أبي عبد الرحمن، وهذا مجهول كشيخه .
ما يستفاد من الحديث:
لقد علّل الفقهاء هذه الجلسة عند قضاء الحاجة بأنها أسهل لخروج الخارج، وهذا لم يثبت في السنة .
(90) وعن عيسى بن يزداد عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( إذا بال أحدكم فلينثر ذكره ثلاث مرات )) رواه ابن ماجه بسند ضعيف .
درجة الحديث:
الحديث ضعيف، يزداد لا تصح له صحبة، وزمعة بن صالح ضعيف، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه، والضعيفة (1621) . وانظر تضعيفه أيضاً في التلخيص لابن حجر (1/108) .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ ذكر ابن القيم أن نتر الذكر بعد البول لم يثبت، وهو من فعل الموسوسين، وقال: قال شيخنا: وذلك كله وسواس وبدعة، فراجعته في السلت والنتر، فلم يره، قال: لم يصح الحديث، قال: والبول كاللبن في الضرع، إن تركته قرّ، وإن حلبته درّ . قال: ومن اعتاد ذلك ابتلي منه بما عوفي منه من لها عنه .
( انظر إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان لابن قيّم الجوزية 1/225) .
2ـ ثبت في السنة (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضأ نضح فرجه )) رواه النسائي وهو صحيح، وهذا أذهب للوسوسة والله أعلم .
(1/63)
(91) وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل أهل قباء فقال: (( إن الله يثني عليكم )) فقالوا: إنا نتبع الحجارة الماء . رواه البزار بسند ضعيف . وأصله في أبي داود والترمذي، وصححه ابن خزيمة من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بدون ذكر الحجارة .
درجة الحديث:
قال البزار: لا نعلم أحداً رواه عن الزهري إلا محمد بن عبد العزيز . اهـ
قال الحافظ في التلخيص(1/ 112): ومحمد بن عبد العزيز ضعفه أبو حاتم .
وقال: قال النووي في شرح المهذب: المعروف في طرق الحديث أنهم كانوا يستنجون بالماء، وليس فيها أنهم كانوا يجمعون بين الماء والأحجار . اهـ .
وانظر تضعيفه أيضاً في الإرواء للألباني (1/83) .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ الجمع بين الحجارة والماء لا يشرع في الاستنجاء، لأنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك .
2ـ الذي ثبت في أهل قباء، أنهم كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية: { فيه رجال يحبون أن يتطهروا } [ سنن أبي داود (44) وهو صحيح ] .
3ـ ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إما أن يقتصر على الحجر وحده، أو على الماء وحده وفي الحديث: (( إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن، فإنها تجزئ عنه )) رواه أبو داود (40) وهو حسن . وثبت من حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستنجي بالماء . ومن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (( مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء فإني أستحييهم فإن رسول الله كان يفعله )) رواه النسائي .
وهذا يدل على أنه إذا وجد الماء فهو أفضل ويقتصر عليه .
باب الغسل وحكم الجنب
الغسل بضم الغين، اسم مصدر للاغتسال يعني الفعل .
وشرعاً: استعمال الماء في جميع البدن على وجه مخصوص، أو نقول: تعميم الشعر والرأس والبدن بالماء بنية .
والجنب: من أصابته جنابة، وأصل الجنابة البعد .
(1/64)
وسمي جنباً: لأنه يجتنب بعض العبادات وأمكنتها .
(92) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( الماء من الماء )) رواه مسلم وأصله في البخاري .
شرح الغريب:
1ـ الماء من الماء: مبتدأ وخبر، فالماء الأول ماء الاغتسال والثاني: المني النازل دفقاً بلذة .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ ظاهر الحديث يفيد أن الاغتسال يجب بنزول الماء، وأنه إن جامع ولم يُنزل فلا غسل عليه .
2ـ مفهوم الحديث معارض بمنطوق حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي بعده، وليس له محمل يوجه إليه لذا قال جمهور العلماء: إنه منسوخ .
فائدة: ومما يدل على النسخ: ما رواه مالك في الموطأ (1/47) وأبو داود (215) عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: إن الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعده . [ صحيح سنن أبي داود للألباني (199) ] .
(93) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( إذا جلس أحدكم بين شعبها الأربع ثم جهدها، فقد وجب الغسل )) متفق عليه وزاد مسلم: (( وإن لم ينزل )) .
شرح الغريب:
1ـ شعبها الأربع: قال ابن الأثير: الشعبة الطائفة من كل شيء، والمراد بالشعب: الأربع يداها ورجلاها، وهو كناية عن الجماع .
2ـ جهدها: أي بلغ جهده وكده بحركته، وفي رواية: إذا جلس بين شعبها الأربع وجاوز الختان الختان فقد وجب الغسل .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ أن الجماع موجب للغسل وإن لم يحصل الإنزال .
2ـ أن منطوق الحديث ناسخ لمفهوم حديث أبي سعيد السابق .
3ـ أن الجنابة تطلق على الجماع وإن لم يحصل الإنزال .
(94) عن أم سلمة رضي الله عنها، أن أم سليم وهي امرأة أبي طلحة قالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ قال: (( نعم، إذا رأت الماء )) الحديث . متفق عليه .
شرح الغريب:
(1/65)
1ـ احتلمت: أي إذا رأت المرأة في نومها مثل ما يرى الرجل من صورة الجماع وتمثيله .
2ـ رأت الماء: خرج مثل الماء، ورأت ذلك بعد الاستيقاظ .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ أن المرأة تحتلم في المنام كما يحتلم الرجل .
2ـ أن المرأة إذا احتلمت ورأت الماء فعليها الغسل .
3ـ أن الاغتسال مشروط برؤية البلل وإن لم تذكر احتلاماً .
4ـ إثبات صفة الحياء لله تعالى .
5ـ أن من الأدب وحسن المخاطبة تقديم مقدمة قبل الكلام الذي يستحيا منه ليخف وقعه .
6ـ جواز سؤال أهل العلم عن الأمور التي يستحيا منها .
(95) وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، قال: (( تغتسل )) . متفق عليه . وزاد مسلم: فقالت أم سلمة: وهل يكون هذا ؟ قال: (( نعم، فمن أين يكون الشبه ؟ )) .
شرح الغريب:
1ـ الشبه: أي شبه الولد لأحد والديه .
ما يستفاد من الحديث:
الحديث بمعنى حديث أم سلمة رضي الله عنها المتقدم، وفيه زيادة علم:
1ـ أن الاحتلام في النساء قليل، وربما منهن من لا تحتلم، ولذلك استغربته أم سلمة رضي الله عنها . وفي رواية عند أبي داود أن عائشة رضي الله عنها هي التي استغربت ذلك .
2ـ أن الشبه ـ شبه الولد ـ يكون لمن سبق ماؤه .
(96) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل من أربع:من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميت )) رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة .
درجة الحديث:
الحديث ضعيف، في سنده مصعب بن شيبة، يروي المناكير . قال ابن حجر في التقريب (2/ 251): ليّن الحديث .
(97) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في قصة ثمامة بن أثال عندما أسلم: (( وأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يغتسل)) رواه عبد الرزاق وأصله متفق عليه .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ وجوب غسل الكافر إذا أسلم .
الحكمة من إيجاب الغسل على الكافر إذا أسلم:
(1/66)
قال الفقهاء: الحكمة في وجوب الغسل عليه، أن الكافر لا يسلم غالباً من جنابة، فأقيمت المظنة مقام الحقيقة كالنوم .
اختلاف العلماء:
1ـ مذهب مالك وأحمد وجوب الغسل عند الإسلام من الكفر مطلقاً .
2ـ مذهب أبي حنيفة أن الغسل لا يجب على الكافر بحال .
3ـ مذهب الشافعي التفريق بين من أجنب قبل الإسلام ولم يغتسل، وبين من أسلم ولم يُجنب .
فأوجب الغسل في الأول، واستحبه في الثاني .
الترجيح: الراجح الوجوب مطلقاً، ومما يدل على ذلك:
1ـ ما رواه أحمد وأبو داود وغيرهما من حديث قيس بن عاصم قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أريد الإسلام، فأمرني أن أغتسل بماء وسدر . قال الشيخ ناصر وإسناده صحيح [ الإرواء 1/ 164]
2ـ ولأنه لم يستفصلهما عن حالهما، وترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال .
فائدة: متى يغتسل قبل الإسلام أو بعده؟ الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم أنه يغتسل بعد الإسلام، لأنه يجب المبادرة بالإسلام، ويحرم تأخيره تحريماً شديداً . لأنه لا يجوز البقاء على أعظم المنكرات ورأس الموبقات لتحصيل الغسل، ولأنه لو مات لمات كافراً .
وفي رواية عند أحمد وابن خزيمة في قصة ثمامة بن أثال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل )) [ راجع المجموع للنووي 2/154 ] .
(98) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم )) أخرجه السبعة .
شرح الغريب:
1ـ الواجب لغة: الساقط واللازم قال تعالى: ( فإذا وجبت جنوبها ) أي سقطت .
وشرعاً: ما أمر به الشارع على سبيل الإلزام بالفعل .
حكمه: يثاب فاعله امتثالاً ويستحق العقاب تاركه .
2ـ محتلم: بالغ .
ما يستفاد من الحديث:
(1/67)
1ـ يحتمل نسبة الغسل إلى الزمان وهو يوم الجمعة فيكون الغسل خاصاً لليوم، وفضيلته حاصلة وقع الغسل قبل الصلاة أو بعدها . ويحتمل أن تكون نسبته إلى صلاة الجمعة فهو من إضافة الشيء إلى سببه، وحينئذ لا تحصل فضيلة الغسل إلا إذا وقع للصلاة قبلها .
وهذا هو الراجح لما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل )) وهو مذهب الجمهور .
2ـ أن غسل الجمعة وإن كان واجباً للصلاة فإنه لا يجب على الصغار وإن أَتَوْا إليها لقوله: (( محتلم ))
3ـ أن التكاليف الشرعية يشترط لوجوبها البلوغ، وتصح من المميز .
4ـ تفضيل يوم الجمعة .
(99) عن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل )) رواه الخمسة وحسنه الترمذي .
شرح الغريب:
1ـ فبها ونعمت: فبالسنة أخذ ونعمت السنة .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ دل هذا الحديث بظاهره أن الغسل يوم الجمعة مستحب غير واجب .
2ـ أنه يجوز الاكتفاء بالوضوء لصلاة الجمعة .
اختلاف العلماء:
1ـ ذهب جمهور أهل العلم إلى أن غسل الجمعة مستحب غير واجب .
2ـ وذهب أهل الظاهر للوجوب . وحكاه الخطابي عن الحسن البصري، وحكاه ابن المنذر عن أبي هريرة وعمار، وحكاه ابن حزم عن عمر وجمع من الصحابة .
3ـ ذهب شيخ الإسلام إلى التفريق بين من كان له رائحة كريهة وعنده عرق يؤذي به المصلين، ومن لا . واستدل بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم من العوالي، فيأتون في العباء ويصيبهم الغبار فتخرج منهم الريح، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنسان منهم وهو عندي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( لو تطهرتم ليومكم هذا )) رواه مسلم.
الترجيح:
والراجح الوجوب لما يلي:
(1/68)
1ـ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم )) رواه مسلم .
2ـ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بينما عمر بن الخطاب يخطب الناس يوم الجمعة إذ دخل عثمان بن عفان فعرّض به عمر بن الخطاب فقال: (( ما بال رجال يتأخرون بعد النداء، فقال عثمان: يا أمير المؤمنين ما زدت حين سمعت النداء أن توضأت ثم أقبلت فقال عمر: والوضوء أيضاً ألم تسمعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل . رواه مسلم .
قال الشوكاني في النيل1/ 232: حكى ابن المنذر عن إسحاق بن راهويه: أن قصة عمر وعثمان تدل على وجوب الغسل لا على عدم وجوبه من جهة ترك عمر الخطبة واشتغاله بمعاتبة عثمان وتوبيخ مثله على رؤوس الناس ولو كان الترك مباحاً لما فعل عمر ذلك .
3ـ عن عبد الله بن أبي قتادة قال: دخل علي أبي وأنا أغتسل يوم الجمعة، فقال: غسلك هذا من جنابة أو للجمعة ؟ قلت: من جنابة، قال: أعد غسلاً آخر، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( من اغتسل يوم الجمعة كان في طهارة إلى الجمعة الأخرى )) [ رواه الطبراني في الأوسط . صحيح الترغيب (706) (1/297) ] .
(100) وعن علي - رضي الله عنه - قال: (( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرئنا القرآن ما لم يكن جنباً )) [ رواه أحمد والأربعة، وهذا لفظ الترمذي وحسنه، وصححه ابن حبان ] .
درجة الحديث:
الحديث مداره على عبد الله بن سَلِمَةَ بكسر اللام، وهو ضعيف، قال الحافظ في التقريب (1/420): صدوق، تغير حفظه .
وقال النووي في المجموع شرح المهذب (2/159): قال البيهقي: وإنما توقف الشافعي في ثبوته لأن مداره على عبد الله بن سَلِمَةَ وكان قد كبُر، وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة، وإنما روى الحديث بعد ما كبر، قاله شعبة .
وضعفه الألباني أيضاً في الإرواء (485) .
اختلاف العلماء في حكم قراءة القرآن للجنب:
(1/69)
قال النووي رحمه الله في المجموع شرح المهذب (2/158): في مذاهب العلماء في قراءة الجنب والحائض:
1ـ مذهبنا أنه يحرم على الجنب والحائض قراءة القرآن، قليلها وكثيرها حتى بعض آية، وبهذا قال أكثر العلماء، كذا حكاه الخطابي وغيره عن الأكثرين، وحكاه أصحابنا عن عمر ابن الخطاب وعلي وجابر - رضي الله عنهم -، والحسن والزهري والنخعي وقتادة وأحمد وإسحاق .
2ـ وقال داود يجوز للجنب والحائض قراءة كل القرآن، وروي هذا عن ابن عباس وابن المسيّب، قال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما: واختاره ابن المنذر .
3ـ وقال مالك يقرأ الجنب الآيات اليسيرة للتعوذ، وفي الحائض روايتان عنه، إحداهما: تقرأ، والثاني لا تقرأ .
4ـ وقال أبو حنيفة يقرأ الجنب بعض آية ولا يقرأ آية، وله رواية كمذهبنا .
ما ذهب إليه الإمام البخاري:
وإلى جواز القراءة مطلقاً، ذهب الإمام البخاري رحمه الله، فقد بوّب في صحيحه (باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف) قال: وقال إبراهيم: لا بأس أن تقرأ الآية، ولم ير ابن عباس رضي الله عنهما بالقراءة للجنب بأساً . وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله في كل أحيانه .
قال في الفتح (1/486):
والأحسن ما قاله ابن رشيد تبعاً لابن بطال وغيره:
إن مراده الاستدلال على جواز قراءة الحائض والجنب بحديث عائشة رضي الله عنها، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يستثن من جميع مناسك الحج إلا الطواف، وإنما استثناه لكونه صلاة مخصوصة، وأعمال الحج مشتملة على ذكر وتلبية ودعاء، ولم تُمنع الحائض من شيء من ذلك . فكذلك الجنب، لأن حدثها أغلظ من حدثه .
ومنع القراءة إن كان لكونه ذكراً لله، فلا فرق بينه وبين ما ذُكر، وإن كان تعبداً، فيحتاج إلى دليل خاص، ولم يصح عند المصنف شيء من الأحاديث الواردة في ذلك .
(1/70)
وإن كان مجموع ما ورد في ذلك تقوم به الحجة عند غيره، لكن أكثرها قابل للتأويل كما سنشير إليه . ولهذا تمسَّك البخاري ومن قال بالجواز غيره كالخطابي وابن المنذر وداود، بعموم حديث: (( كان يذكر الله على كل أحيانه )) لأن الذكر أعم من أن يكون بالقراءة أو بغيره .
فائدة:
أثر ابن عباس رضي الله عنهما، وصله ابن المنذر بلفظ: (( إن ابن عباس كان يقرأ ورده وهو جنب )) قاله الحافظ في الفتح (1/486) .
فائدة ثانية:
نُقل على هامش المجموع للنووي، من هامش الأذرعي قوله: مذهب داود قوي، فإنه لم يثبت في المسألة شيء يحتج به لنا كما أوضحه، وقد نقل البيهقي في معرفة السنن والآثار عن الشافعي أنه قال: أحب للجنب أن لا يقرأ القرآن لحديث لا يثبته أهل الحديث . وهذا المذهب هو اختيار ابن المنذر كما سبق، والأصل عدم التحريم . اهـ .
ما يستدل به أيضاً على جواز القراءة للجنب:
ما رواه أبو داود (228) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينام وهو جنب من غير أن يمسَّ ماءً )) وصححه الألباني .
مع ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها: (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما قل هو الله أحد، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات )) .
ففي الحديثين دلالة على أنه كان لا يدع قراءة قل هو الله أحد قبل أن ينام، وربما نام وهو جنب من غير أن يمس ماءً فثبت بذلك قراءته للقرآن وهو جنب .
(101) وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءاً )) رواه مسلم، زاد الحاكم (( فإنه أنشط للعود )) وللأربعة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينام وهو جنب من غير أن يمسَّ ماءً)) وهو معلول .
درجة الحديث:
(1/71)
حديث عائشة رضي لله عنها عند الأربعة، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (210) .
شرح الغريب:
1ـ يعود: يرجع إلى الجماع مرةً ثانية .
2ـ للعَوْد: أي إلى جماع امرأته .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ استحباب الوضوء لمن جامع أهله ثم أراد أن يعود إلى الجماع مرةً ثانية . وظاهر الحديث يفيد الوجوب لأمره - صلى الله عليه وسلم -: (( فليتوضأ بينهما وضوءاً )) لكنه مصروف إلى الاستحباب بفعله - صلى الله عليه وسلم -، أنه طاف على نسائه بغسلٍ واحد كما في البخاري .
ولا تعارض بين هذا الحديث، وحديث أبي رافع عند أبي داود برقم (219): (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف ذات يوم على نسائه، يغتسل عند هذه وعند هذه، قال: فقلت له: يا رسول الله ألا تجعله غسلاً واحداً، قال: هذا أزكى وأطيب وأطهر )) فيحمل الأول على بيان الجواز، والثاني على الاستحباب لعدم المنافاة .
2ـ أن الحكمة من الوضوء بين الجماعين كونه أنشط للعود، لأن المجامع يحصل له كسل وانحلال، والماء يعيد إليه نشاطه وحيويته .
3ـ قال الحافظ في الفتح (1/469): قال جمهور العلماء: المراد بالوضوء هنا، الشرعي، والحكمة فيه أنه يخفف الحدث، لا سيما على القول بجواز تفريق الغسل، فينويه فيرتفع الحدث عن تلك الأعضاء المخصوصة على الصحيح، ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة بسند رجاله ثقات، عن شداد بن أوس الصحابي قال: (( إذا أجنب أحدكم من الليل، ثم أراد أن ينام فليتوضأ فإنه نصف غسل الجنابة )) .
4ـ استحباب التنظف عند النوم قال ابن الجوزي: الحكمة فيه أن الملائكة تبعد عن الوسخ والريح الكريهة، بخلاف الشياطين فإنها تقرب من ذلك والله أعلم . ( انظر الفتح 1/470) .
(1/72)
(102) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه، ثم يتوضأ، ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر، ثم حفن على رأسه ثلاث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه )) متفق عليه واللفظ لمسلم .
ولهما في حديث ميمونة: (( ثم أفرغ على فرجه وغسله بشماله، ثم ضرب بهما الأرض )) .
وفي رواية: (( فمسحها بالتراب )) وفي آخره: (( ثم أتيته بالمنديل فردَّه )) وفيه: (( وجعل ينفض الماء بيده )) .
شرح الغريب:
1ـ الجنابة: أصله البعد، وسمي بذلك إما لأن الماء باعد محله، وإما لكون الجنب يجتنب بعض العبادات وأماكنها .
2ـ حَفَنَ: أفرغ .
3ـ حَفَنَات: جمع حفنة، الغرفة من الماء بملء الكفين .
4ـ أصول الشعر: أصل الشيء أساسه، والمراد هنا أسافله .
5ـ فرجه: أصل الفرج: الشق بين الشيئين، ويطلق على القُبُل والدُبُر .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ استحباب غسل اليدين قبل الوضوء والغسل لأنهما آلة غرف الماء .
2ـ عدم مس الفرجين باليمين .
3ـ استحباب البداءة بغسل الفرج .
4ـ استحباب تنظيف اليد بغسلها أو مسحها بالأرض بعد غسل الفرج لاحتمال أن يكون قد علق بها شيء من الأذى .
5ـ أن تنظيف النجاسة عن الفرج والبدن لا يشترط فيه لبس حائل على اليد، فلا يكون داخلاً في معنى الأمر بالتنزه من البول .
6ـ استحباب الوضوء قبل الاغتسال وبعد إزالة النجاسة عن الفرج والبدن .
7ـ استحباب البداءة في الغُسل بغَسل الرأس، ووجوب إيصال الماء إلى أصول الشعر، وظنه كافٍ .
8ـ استحباب التثليث في صب الماء على الرأس .
9ـ عدم اشتراط العدد في غسل الجسد .
(1/73)
10ـ جواز تأخير غسل الرجلين إلى آخر الغسل وقد ورد في حديث ميمونة رضي الله عنها: (( ثم تنحى من مقامه فغسل رجليه )) وفي هذا الحديث: أنه غسل رجليه، مرتين، مرة في الوضوء، ومرة في آخر الغسل لإزالة ما علق بهما مع الماء المنحدر من الجسد، أو من الأرض .
11ـ جواز ترك التنشيف بعد الغسل والوضوء، وأنه يُكتفى بنفض الماء باليد .
12ـ بيان فضيلة عائشة رضي الله عنها لنقلها من الأحكام ما لا يطلع عليها إلا زوجاته .
(103) وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله ! إني امرأة أشد شعر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة ؟ وفي رواية: للحيضة؟ فقال: (( لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات )) رواه مسلم .
درجة الحديث:
قوله في الحديث: وفي رواية: وللحيضة؟ قال مسلم: حدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق قالا أخبرنا الثوري عن أيوب بن موسى في هذا الإسناد . وفي حديث عبد الرزاق: فأنقضه للحيضة والجنابة، فقال: (( لا ))، الحديث .
قال الألباني في الإرواء( 1/168): ذكر الحيضة في الحديث، شاذ، لا يثبت، لتفرد عبد الرزاق بها عن الثوري .
وقال ابن القيم في تهذيب السنن: الصحيح في حديث أم سلمة الاقتصار على ذكر الجنابة دون الحيض، وليست لفظة الحيض بمحفوظة . اهـ .
قلت: وقد روى مسلم الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله، إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه لغُسل الجنابة؟ قال: (( لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين )) ( رواه مسلم 4/11 نووي ) .
شرح الغريب:
1ـ أشد شعر رأسي: أي أربطه وأوثقه .
2ـ أفأنقضه: أي أحله وأفكه .
3ـ حثيات: جمع حثية، وهي الحفنة ملء الكف .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ عدم وجوب نقض المرأة شعرها للغسل من الجنابة، إذا كان الماء يصل إلى أصول الشعر.
(1/74)
2ـ أن هذا الحكم خاص بالجنابة، وأما في الغسل من الحيض، فيجب عليها نقضه، لما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها لما شكت له الحيض: (( انقضي رأسك وامتشطي )) رواه البخاري .
حكمة التفريق بين غسل الحيض والجنابة:
عفي عن نقض الشعر في غسل الجنابة لأنه يكثر فيشق ذلك على النساء، لا سيما وقد كانت النساء تطيل شعرها وتجعله ضفائر، بخلاف الحيض فيكون مرة في الشهر على الغالب.
فائدة:
روى مسلم أن عائشة رضي الله عنها بلغها أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن . فقالت: (( يا عجباً لابن عمرو هذا، يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن، أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن، لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناءٍ واحد، ولا أزيد على أن أفرِغ على رأسي ثلاث إفراغات )) .
(104) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب )) رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة .
درجة الحديث:
الحديث ضعيف، في سنده جسرة بنت دجاجة، قال البخاري: عندها عجائب، وقد ضعف الحديث جماعة منهم البيهقي، وابن حزم، وعبد الحق الأشبيلي .
انظر إرواء الغليل (1/162) والمجموع للنووي (2/160) .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ يغني عن هذا الحديث، قوله تعالى: ( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ) .
وحديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: (( ناوليني الخمرة من المسجد، قالت: إني حائض، قال: إن حيضتك ليست بيدك )) رواه مسلم .
(1/75)
2ـ ظاهر الآية وحديث عائشة (( ناوليني الخمرة )) يفيدان جواز العبور دون المكث، وإلى هذا ذهب الإمام الشافعي، وقال النووي: وحكى ابن المنذر مثل هذا عن عبد الله بن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، وعمرو بن دينار ومالك .
وحكي عن سفيان الثوري، وأبي حنيفة وأصحابه وإسحاق بن راهويه أنه لا يجوز له العبور إلا أن يجد بداً منه فليتوضأ ثم يمر .
وقال أحمد: يحرم المكث، ويباح العبور لحاجة ، ولا يباح لغير حاجة، قال: ولو توضأ استباح المكث .
وقال المزني، وداود، وابن المنذر: يجوز للجنب المكث في المسجد مطلقاً . ( انظر المجموع للنووي 2/160) .
(105) وعنها رضي الله عنها قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناءٍ واحد، تختلف أيدينا فيه، من الجنابة )) متفق عليه، وزاد ابن حبان: (( وتلتقي )) .
شرح الغريب:
1ـ تختلف أيدينا: من إدخال اليد وإخراجها .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناءٍ واحد، وأن ذلك لا يؤثر في طهارة الماء .
2ـ إن إدخال اليد في الإناء لا يسلبه الطهورية .
3ـ لمس يد المرأة لا ينقض الوضوء .
4ـ جواز أن يرى كل واحد من الزوجين عورة الآخر .
5ـ فضل عائشة رضي الله عنها .
فائدة: روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل في القدح، وهو الفَرَق، وكنت أغتسل أنا وهو في الإناء الواحد )) .
قال سفيان: والفَرَقُ: ثلاثة آصع . [ صحيح مسلم 4/4 نووي ] .
(106) وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( إن تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشر )) رواه أبو داود، والترمذي، وضعفاه، ولأحمد عن عائشة رضي الله عنها نحوه، وفيه مجهول .
درجة الحديث:
(1/76)
الحديث ضعيف، فيه الحارث بن وجيه، ليس بذاك، وقد تفرد بهذا الحديث عن مالك بن دينار . قاله الإمام الترمذي . ( باب ما جاء أن تحت كل شعرةٍ جنابة ) . وقال أبو داود عقب روايته للحديث (248): الحارث بن وجيه حديثه منكر، وهو ضعيف .
فائدة: روى أبو داود بسنده عن علي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( من ترك موضع شعرةٍ من جنابةٍ لم يغسلها، فُعِل بها كذا وكذا من النار )) قال علي: فمن ثَمَّ عادَيْتُ رأسي، ثلاثاً وكان يجز شعره .
وهو ضعيف، ضعفه الألباني في الإرواء برقم (133) وفي الضعيفة (934) وفي ضعيف الجامع (5533) .
باب التيمم
التيمم لغة: القصد .
واصطلاحاً: قصد الصعيد الطاهر لمسح الوجه والكفين بنية . وهو ثابت بالكتاب والسنة .
وأجمعت الأمة على أن التيمم لا يكون إلا في الوجه واليدين سواء كان عن حدث أكبر أو أصغر .
(107) عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( أُعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل )) وذكر الحديث .
وفي حديث حذيفة عند مسلم: (( وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء )) وعن علي - رضي الله عنه - عند أحمد: (( وجعل التراب لي طهوراً )) .
درجة الحديث:
الحديث رواه البخاري (335) ومسلم (2/63 و64) .
وحديث حذيفة - رضي الله عنه - رواه مسلم (2/64) وحديث علي - رضي الله عنه - رواه أحمد (1/98) .
شرح الغريب:
1ـ أعطيت: مبني للمجهول، أي أعطاني الله تعالى .
2ـ خمساً: أي خمس خصال، وذكر منها في الحديث خصوصيتين، وأما الخصال الثلاث الباقية فهي: حل الغنائم، والشفاعة، وأنه - صلى الله عليه وسلم - بُعث إلى الناس عامةً .
3ـ طهوراً: الطاهر المطهر غيره .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ تفضيل النبي - صلى الله عليه وسلم - على سائر الأنبياء .
(1/77)
2ـ أن الله نصر نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالرعب، فيصاب عدوه بالخوف، وإن كان بينهما مسيرة شهر .
3ـ أن حلَّ الغنائم خاص بهذه الأمة .
4ـ أن الله شرَّف نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - فبعثه إلى الناس كافة .
5ـ اختصاص نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بالشفاعة الكبرى يوم القيامة .
6ـ أن الأرض جُعلت لهذه الأمة مسجداً، فيصلي المسلم في أي مكان تدركه فيه الصلاة .
7ـ أن الأصل في الأرض الطهارة، فلا ينجس منها شيء إلا بيقين .
8ـ أن الأرض كلها صالحة للطهارة، فيجوز التطهر بالرمل، والحجر، والصخر، والتراب، والجص .
9ـ عدم جواز تأخير صلاة النهار إلى الليل، وصلاة الليل إلى النهار، لإمكان الصلاة في أي مكان .
فائدة: عموم الأرض في هذا الحديث مخصوص بأحاديث أخرى، فقد نهى الشارع عن الصلاة في المقبرة والحمّام وفوق بيت الله، وفي معاطن الإبل .
(108) وعن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - في حاجة، فأجنبت، فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تمرَّغ الدابة، ثم أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له ذلك، فقال: (( إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه )) متفق عليه، واللفظ لمسلم .
وفي رواية للبخاري: (( وضرب بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه )) .
شرح الغريب:
1ـ تمرَّغت: تقلبت على الأرض، وذلك قياساً منه للتيمم من الجنابة على الغسل منها .
2ـ الصعيد: وجه الأرض .
3ـ تقول بيديك: أي تفعل هكذا بيديك، والعرب يكنون بالقول عن الفعل .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ أن التيمم أحد المطهرين، والمطهران: الماء والتراب .
2ـ بيان صفة التيمم، وهو أن يضرب بيديه ضربةً واحدة فيمسح بهما وجهه وظاهر كفيه .
3ـ جواز تخفيف الغبار العالق باليدين بالنفخ فيهما .
4ـ أن القياس مع الفارق فاسد .
(1/78)
5ـ أن من قام بعبادة على وجه غير مشروع جهلاً، فإنه يُعلَّم ولا يؤمر بالإعادة، إلا إذا كان وقت العبادة باقياً فيعيد التي وقتها باقٍ .
6ـ أن التعليم بالفعل أدعى إلى الفهم من التعليم بالقول .
7ـ سماحة هذه الشريعة ويسرها كما قال تعالى: ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) .
8ـ فضيلة عمار بن ياسر - رضي الله عنه - .
9ـ أن على طالب العلم أن يسأل عن الحكم الشرعي إذا أشكل عليه .
(109) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين )) رواه الدارقطني، وصحح الأئمة وقفه .
درجة الحديث:
الحديث ضعيف، فأحاديث الضربتين في التيمم كلها ضعيفة، ضعفها الحافظ في التلخيص الحبير، وابن القيم في زاد المعاد، والألباني في إرواء الغليل .
وذكر ابن القيم عن الإمام أحمد أنه قال: من قال إن التيمم إلى المرفقين، فإنما هو شيء زاده من عنده ) .
(110) وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( الصعيد وَضوء المسلم وإن لم يجد الماءَ عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله ولْيُمِسَّه بشرته )) رواه البزّار وصححه ابن القطان، ولكن صوّب الدارقطني إرساله، وللترمذي عن أبي ذر - رضي الله عنه - نحوه وصححه الحاكم أيضاً .
درجة الحديث:
الحديث إسناده صحيح، صححه ابن حبان، والترمذي، والدارقطني، وأبو حاتم، والحاكم، والذهبي، والنووي، وله شاهد من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وسنده صحيح، وصححه الألباني في الإرواء برقم (153) .
شرح الغريب:
1ـ الصعيد: وجه الأرض .
2ـ وَضوء: بفتح الواو: طهور، ما يتطهر به .
3ـ بشرته: جلده .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ أن التيمم خاص بهذه الأمة ( وهو رفع الحدث بالصعيد الطاهر ) .
2ـ جواز التيمم بكل ما هو من جنس الأرض لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( الصعيد )) والصعيد وجه الأرض.
(1/79)
3ـ أن التيمم يقوم مقام الوضوء، وله أن يفعل بالتيمم ما يفعل بالوضوء، من صلاة وطواف، ودخول مسجد، واللبث فيه، ومس مصحف والقراءة منه .
4ـ لا يشترط للتيمم دخول وقت الصلاة، ولا إعادتها، وله أن يصلي بالتيمم الواحد ما شاء من الفرائض والنوافل .
5ـ أنه لا توقيت في التيمم، فيتيمم ما دام فاقداً للماء، والعذر باقياً .
6ـ وجوب الوضوء أو الاغتسال عند وجود الماء أو زوال العذر .
7ـ أن من دخل في الصلاة ثم وجد الماء أو زال العذر، فلا إعادة عليه، لأنه صلى صلاةً صحيحةً بطهور صحيح مناسب لحاله حين الصلاة وقد حُكم له بصحتها قبل وجود الماء .
اختلاف العلماء:
اختلف العلماء في الذي يصلي بالتيمم ثم وجد الماء قبل الفراغ منها، وبعد دخوله في الصلاة:
1ـ فذهب الأئمة مالك والشافعي وداود إلى أنه لا ينقضها . قال مالك في رجلٍ تيمم حين لم يجد ماءً، فقام وكبَّر، ودخل في الصلاة، فطلع عليه إنسان معه ماء ؟ قال: ( لا يقطع صلاته بل يتمّها بالتيمم، وليتوضأ لما يُستقبل من الصلوات ) ( موطأ مالك، باب في التيمم ) .
2ـ وذهب الإمامان أبو حنيفة وأحمد إلى نقضها . وهو الأرجح والأحوط لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( فإذا وجد الماء فليتق الله وليُمسَّه بشرته )) وهو عام .
(111) وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة، وليس معهما ماء، فتيمما صعيداً طيباً فصليّا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: (( أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك، وقال للآخر: لك الأجر مرتين )) رواه أبو داود والنسائي.
درجة الحديث:
صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (327) .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ جواز سفر الرجلين، وإن كان خلاف الأولى، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( الراكب شيطان، والراكبان شيطانان ... )) الحديث .
(1/80)
2ـ جواز ترك التزود بالماء للمسافر إذا لم يغلب على ظنه أنه سيعدم الماء، فإن كان عالماً أنه سيدركه الوقت وليس أمامه ماء، وجب عليه التزود مع القدرة .
3ـ أن فقد الماء أحد الأعذار المبيحة للتيمم .
4ـ جواز التيمم بما تصاعد على وجه الأرض مما كان من جنسها .
5ـ أن المادة التي يتيمم بها لا بد أن تكون طاهرة .
6ـ أن من وجد الماء بعد الصلاة أجزأته صلاته .
7ـ أن من السنة ترك الإعادة في الوقت .
8ـ يشرع إعادة الصلاة في الوقت إذا وجد الماء .
9ـ أن ترك الإعادة في الوقت أفضل، لقوله: (( أصبت السنة )) .
10ـ أن الإعادة لواجد الماء بعد الصلاة مقيد بالوقت، فإذا خرج الوقت فلا إعادة وإن وجد الماء .
11ـ أن الإعادة في الوقت شرعت بإقراره - صلى الله عليه وسلم - عليها .
(112) وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل: (وإن كنتم مرضى أو على سفر) قال: (( إذا كانت بالرجل الجراحة في سبيل الله والقروح، فيجنب، فيخاف أن يموت إن اغتسل، تيمم )) رواه الدارقطني موقوفاً ورفعه البزار، وصححه ابن خزيمة والحاكم .
درجة الحديث:
الحديث رواه الدارقطني (1/177) وابن خزيمة (1/138) وقال أبو بكر ابن خزيمة بعد روايته: هذا خبر لم يرفعه غير عطاء بن السائب .
وقال الألباني في حاشية صحيح ابن خزيمة: ( ضعيف، عطاء كان اختلط، وجرير روى عنه بعد الاختلاط ) .
وقال الحافظ في التلخيص (1/146): ذكر ابن عدي عن ابن معين: أن جريراً سمع من عطاء بعد الاختلاط .
(113) وعن علي - رضي الله عنه - قال: (( انكسرت إحدى زندي، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمرني أن أمسح على الجبائر )) رواه ابن ماجه بسند واهٍ جداً .
درجة الحديث:
الحديث ضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه برقم (141) فقال: ضعيف جداً . وانظر أيضاً تمام المنة في التعليق على فقه السنة (133 ـ 134) .
شرح الغريب:
1ـ إحدى زندي: تثنية زند، وهو مفصل طرف الذراع .
(1/81)
2ـ الجبائر: جمع جبيرة، وهي ما يجبر المكسور ويلف عليه .
(114) وعن جابر - رضي الله عنه -، في الرجل الذي شُجَّ فاغتسل فمات: (( إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده )) رواه أبو داود بسند فيه ضعف، وفيه اختلاف على راويه .
تمام الحديث:
والحديث بتمامه: عن جابر - رضي الله عنه - قال: خرجنا في سفر، فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه، فاحتلم، فسأل أصحابه، هل تجدون لي رخصةً في التيمم ؟ قالوا: ما نجد لك رخصةً وأنت تقدر على الماء، فاغتسل ومات، فلما قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - أُخبر بذلك، قال: (( قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، وإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه ... الحديث .
درجة الحديث:
صح الحديث من رواية ابن عباس رضي الله عنهما إلى قوله: (( إنما شفاء العي السؤال )) وأما الزيادة الواردة في حديث جابر - رضي الله عنه - فهي ضعيفة لتفرد الزبير بن خُريق بها . وانظر إرواء الغليل حديث رقم(105) .
حكم المسح على الجبائر:
دلَّ على المسح على العصائب والجبائر حديث ثوبان - رضي الله عنه - قال: (( بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سريةً فأصابهم البرد، فلما قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - شكوا إليه ما أصابهم من البرد، فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين )) رواه أبو داود (146) وصححه الحاكم (1/169) ووافقه الذهبي . ووجه الاستدلال به: أنه إذا أباح لهم المسح على التساخين لأجل البرد وهي حاجة، فالمسح على الجبيرة أولى وهي ضرورة .
وروى البيهقي (1/228) عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفاً عليه بسند صحيح: (أنه كان يمسح على الجبائر) .
(1/82)
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أن طهارة المسح بالماء في محل الغسل الواجب عليه أولى من طهارة المسح بالتراب في غير محل الغسل الواجب، لأن الماء أولى من التراب، وما كان في محل الفرض فهو أولى به مما يكون في غيره، فالمسح على الخفين، وعلى الجبيرة، وعلى نفس العضو، كل ذلك خير من التيمم حيث كان .
أحكام المسح على الجبائر:
1ـ إن كان المصاب لا يتمكن من غسل العضو إلا بزيادة المرض أو تأخر الشفاء، فإن أمكنه أن يمسح بالماء على نفس العضو المصاب وجب ذلك، وإلا وضع عليه جبيرة .
2ـ لا يشترط تقدم الطهارة على الجبيرة على الراجح من أقوال أهل العلم، حكاه إمام الحرمين وجهاً عن والده(1)،وهو رواية عن أحمد(2) أنه لا يشترط تقدم الطهارة لها .
وليس هناك من دليل على ذلك، وقد مسح ابن عمر رضي الله عنهما على الجبيرة ولم يذكر تقدم الطهارة عليها .
3ـ لا يشترط أن يجمع مع المسح على الجبيرة، التيمم عن العضو المصاب ، لأن القاعدة: أنه لا يُجمع بين البدل والمُبدل منه، بل يمسح على كامل الجبيرة، ويغسل الصحيح ولا يزيد على ذلك .
4ـ لا إعادة على من مسح على الجبيرة إذا نزعها بعد الشفاء وهو إحدى الأقوال في مذهب الإمام الشافعي حكاه المتولي ( انظر المجموع شرح المهذب 2/329) .
والمشهور في مذهب الشافعية التفصيل، قال النووي: ( وإن كان وضعه على طهر، ففي وجوب الإعادة قولان، الصحيح منهما عند جمهور الأصحاب، لا يجب الإعادة، وقطع به جماعات، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد .
وإن كان وضعهما على غير طهر فطريقان، أصحهما القطع بوجوب الإعادة ) المجموع شرح المهذب (2/ 329) بتصرف يسير .
5ـ أنه لا توقيت في المسح على الجبيرة، فيمسح عليها ما دام العذر باقياً .
6ـ أنه يجب المسح على جميع الجبيرة .
7ـ أن المسح على الجبيرة يكون في الوضوء والغسل أيضاً .
__________
(1) انظر المجموع للنووي (2/ 326) ومنار السبيل لابن ضويان (1/32 ) ) .
(1/83)
(115) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (( من السنة أن لا يصلي الرجل بالتيمم إلا صلاة واحدة، ثم يتيمم للصلاة الأخرى )) رواه الدارقطني بإسناد ضعيف جداً .
درجة الحديث:
قال الدارقطني عقب روايته الحديث (1/185): والحسن بن عمارة ضعيف .
وقال في حاشية سنن الدارقطني: والحسن بن عمارة ضعيف، قال بعضهم: متروك، وذكره مسلم في مقدمة كتابه في جملة من تكلم فيه .
اختلاف العلماء:
1ـ ذهب الإمام مالك، والشافعي، وأحمد، إلى أنه لا يجوز الجمع بين فرضين بتيمم واحد، سواء في ذلك الحاضر والغائب، سئل الإمام مالك رحمه الله، عن رجل تيمم لصلاةٍ حضرت، ثم حضرت صلاة أخرى، أيتيمم لها أم يكفيه تيممه ذلك؟ فقال: بل يتيمم لكل صلاة، لأن عليه أن يبتغي الماء لكل صلاة، فمن ابتغى الماء فلم يجده، فإنه يتيمم . ( الموطأ باب في التيمم ) .
2ـ وقال أبو حنيفة: التيمم كالوضوء يصلي به من الحدث إلى الحدث أو وجود الماء، وبه قال الثوري والحسن . ( انظر رحمة الأمة في اختلاف الأئمة (19) ) .
وإلى قول أبي حنيفة رحمه الله، ذهب ابن القيم، فقال: لم يصح عنه التيمم لكل صلاة، ولا أمر به، بل أطلق التيمم وجعله قائماً مقام الوضوء، وهذا يقتضي أن يكون حكمُهُ حكمَهُ، إلا فيما اقتضى الدليل خلافه .
وهذا هو الراجح لحديث أبي ذر - رضي الله عنه - مرفوعاً: (( الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليُمسه بشرته )) رواه أبو داود والترمذي .
باب الحيض
الحيض في اللغة: السيلان، يقال: حاض الوادي إذا سال .
واصطلاحاً: جريان دم المرأة في أوقات معلومة يرخيه الرحم بعد بلوغها .
والاستحاضة: جريان الدم في غير أوانه .
ودم الحيض يخرج من قعر الرحم . ودم الاستحاضة يسيل من عرق في أدنى الرحم ويسمى العاذل .
(1/84)
(116) عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن فاطمة بنت أبي حُبيش كانت تُستحاض، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( إن دم الحيض دم أسود يُعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي )) رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم، واستنكره أبو حاتم .
وفي حديث أسماء بنت عُمَيْس رضي الله عنها عند أبي داود: (( ولتجلس في مركن، فإذا رأت صفرةً فوق الماء فلتغتسل للظهر والعصر غسلاً واحداً، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلاً واحداً، وتغتسل للفجر غسلاً واحداً، وتتوضأ فيما بين ذلك )) .
درجة الحديث:
حديث أسماء بنت عُميْس رضي الله عنها، رواه أبو داود برقم (296) وصححه الألباني . قال أبو داود: رواه مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما، لما اشتد عليها الغُسل أمرها أن تجمع بين الصلاتين .
شرح الغريب:
1ـ تستحاض: الاستحاضة: سيلان الدم في غير أوقاته المعتادة من نزيفٍ ونحوه .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ ثبوت الاستحاضة في حق بعض النساء .
2ـ بيان دم الحيض وأنه يتميز عن الاستحاضة بلونه، فدم الحيض أسود تعرفه النساء، ودم الاستحاضة أحمر .
3ـ أن الحائض تمتنع من الصلاة في وقت حيضها .
4ـ وجوب الوضوء على المستحاضة لكل صلاة .
5ـ أن المستحاضة تصوم وتصلي ويأتيها زوجها، وقد روى البخاري تعليقاً عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (( تغتسل وتصلي ولو ساعة، ويأتيها زوجها، إذا صلت الصلاة أعظم)) . ( باب إذا رأت المستحاضة الطهر ) وكانت أم حبيبة تستحاض وكان زوجها يغشاها . أبو داود (309) .
6ـ أن من به سلس دائم أو ريح، فعليه أن يتطهر ويتوضأ لكل صلاة .
(1/85)
(117) وعن حمنة بنت جحشٍ رضي الله عنها قالت: كنت أستحاض حيضةً كثيرةً شديدة، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أستفتيه فقال: (( إنما هي ركضة من الشيطان، فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام ثم اغتسلي، فإذا استنقأتِ فصلي أربعة وعشرين أو ثلاثة وعشرين وصومي وصلي، فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي كل شهر كما تحيض النساء، فإن قويتِ على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر، ثم تغتسلي حين تطهرين، وتصلي الظهر والعصر جميعاً، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الصبح وتصلين )) قال: (( وهو أعجب الأمرين إليّ )) رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي وحسنه البخاري .
درجة الحديث:
حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (267) .
شرح الغريب:
1ـ كثيرة شديدة: أي كثيرة في المدة، شديدة في الكيفية .
2ـ ركضة: أصل الركض: الضرب بالرجل، أي أن الشيطان لبَّس على هذه المرأة في أمر طهرها، أو أن هذه الاستحاضة كانت بسبب ضرب الشيطان .
3ـ تحيّضي: أي اجعلي نفسك حائضاً .
4ـ قوله: ستة أو سبعة أيام: إن كانت معتادة فتتحيّض ستة أيام إن اعتادتها أو سبعة أيام إن اعتادتها .
وإن كانت مبتدأة، فيكون ذكر العددين اعتباراً بالغالب من حال نساء قومها .
5ـ قوله: ثم اغتسلي: أي بعد الستة أو السبعة من الحيض .
6ـ استنقأت: النقاء هو الطهر وانقطاع الدم .
7ـ قوله: فصلي أربعة وعشرين: أي إن كانت مدة الحيض ستة أيام .
8ـ وقوله: أو ثلاثة وعشرين: أي إن كانت مدة الحيض سبعاً .
9ـ قوله: أعجب الأمرين إلي: أي الجمع بين الصلاتين بغسل واحد أحب إلي، والأمر الأول هو الوضوء لكل صلاة .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ ثبوت الاستحاضة في حق بعض النساء .
2ـ تفاوت المستحاضات في الاستحاضة .
3ـ جواز ذكر المرأة للحالة التي يستحيا منها إذا كان من باب الإخبار عن الحكم الشرعي .
4ـ جواز سؤال المراة أهل العلم عما يُستحيا منه .
(1/86)
5ـ أن الاستحاضة قد يكون سببها من الشيطان .
6ـ أن المرأة المستحاضة التي لها عادة متقررة تتحيض بترك الصلاة والصيام على قدر عادتها، وأن المرأة المستحاضة التي ليس لها عادة متقررة ـ كالمبتدأة ـ فتتحيّض بقدر عادة مثيلاتها .
7ـ أن المستحاضة إذا أتمت عادتها، أو عادة مثيلاتها، اغتسلت للحيض ثم صلت وصامت باقي الشهر، فإن كانت تحيض سبعة أيام، صلت وصامت ثلاثة وعشرين يوماً .
8 ـ أن دم الاستحاضة لا يمنع من الصلاة وغيرها من العبادات .
9ـ أن الدم الخارج من السبيلين ينقض الوضوء .
10ـ أنه يشرع للمستحاضة أن تؤخر الظهر إلى آخر وقته، وتقدم العصر إلى أول وقته، وكذلك المغرب والعشاء، فتغتسل لهما غسلاً واحداً .
11ـ استحباب أن تغتسل المستحاضة لصلاة الصبح .
12ـ أن الاغتسال والجمع بين الصلاتين بغسل واحد ـ للمستحاضة ـ أحب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعظم أجراً .
(118) وعن عائشة رضي الله عنها، أن أم حبيبة بنت جحشٍ شكت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدم، فقال: (( امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي )) فكانت تغتسل لكل صلاة. رواه مسلم، وفي رواية للبخاري: (( وتوضئي لكل صلاة )) وهي لأبي داود وغيره من وجه آخر .
شرح الغريب:
1ـ امكثي: توقفي وانتظري .
2ـ تحبسك: تمنعكِ .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ جواز أن تصف المرأة حالها وما يحدث معها لأهل العلم إذا كان للفتيا .
2ـ أن المستحاضة المعتادة تعمل على عادتها، فتترك الصلاة قدر عادتها ثم تغتسل عند انتهاء عادتها وتصلي .
3ـ أن دم الاستحاضة لا يمنع الصلاة والصيام .
4ـ استحباب الاغتسال للمستحاضة عند كل صلاة .
5ـ فضيلة أم حبيبة رضي الله عنها لأخذها بالعزيمة .
6ـ وجوب الوضوء لكل صلاة .
7ـ أن دم الاستحاضة ينقض الوضوء .
(119) وعن أم عطية رضي الله عنها قالت:(( كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً )) رواه البخاري وأبو داود واللفظ له .
شرح الغريب:
(1/87)
1ـ الكُدرة: بضم الكاف وسكون الدال المهملة: اللون الأحمر المائل إلى السواد .
2ـ الصُفرة: كذلك بضم فسكون، الأحمر المائل إلى بياض، وهو بلون الذهب .
3ـ الطهر: انقطاع دم الحيض، وخروج مادة بيضاء من فرج المرأة تكون علامةً على طهرها.
ما يستفاد من الحديث:
1ـ قول الصحابي كنا نفعل أو ما شابه ذلك له حكم الرفع .
2ـ أن نزول مادة الطهر ـ وهي مادة بيضاء ـ علامة على طهر المرأة .
3ـ أن الماء الذي ينزل من فرج المرأة بعد الطهر من الحيض لا يعتبر حيضاً .
4ـ أن نزول الماء ـ الصفرة أو الكدرة ـ في زمن الحيض وقبل رؤية الطهر فإنه يعتبر حيضاً .
(120) وعن أنس - رضي الله عنه -: (( أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم، لم يؤاكلوها )) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( اصنعوا كل شيءٍ إلا النكاح )) رواه مسلم .
شرح الغريب:
1ـ لم يؤاكلوها: لم يجلسوها إلى مائدتهم .
2ـ اصنعوا: افعلوا .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ وجوب مخالفة اليهود .
2ـ جواز الاستمتاع بجميع جسد الحائض إلا الجماع .
3ـ الاستمتاع بالمرأة الحائض بما بين السرة والركبة، ينبغي أن يقيد بمن لا يخاف على نفسه الوقوع في الحرام ـ أي الجماع في الحيض ـ فمن يملك نفسه جاز له ذلك، ومن لا فلا .
ذكره النووي رحمه الله تعالى، في روضة الطالبين .
4ـ تكريم الإسلام للمرأة، وعدم إهانتها واعتبارها جسداً مستقذراً كما فعلت أوروبا في عصورها الوسطى .
(121) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض )) متفق عليه .
شرح الغريب:
1ـ فأتزر: أي ألبس الإزار . وقد كان للنساء ثياب خاصة بالحيض، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (( بيْنا أنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مضطجعةٌ في خميلةٍ حضتُ، فانسللت فأخذت ثياب حيضتي، فقال: أنُفِسْتِ ؟ فقلت: نعم، فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة )) رواه البخاري (323) .
ما يستفاد من الحديث:
(1/88)
1ـ جواز الاستمتاع بالمرأة الحائض عدا الجماع .
2ـ أن الأفضل مباشرة الحائض من فوق ثيابها .
(122) وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذي يأتي امرأته وهي حائض، قال: (( يتصدق بدينار أو نصف دينار )) رواه الخمسة وصححه الحاكم وابن القطان ورجّح غيرهما وقفه .
درجة الحديث:
قال الألباني: قواه الإمام أحمد، وأخرجه أصحاب السنن، والطبراني، والحاكم، والبيهقي بإسناد صحيح على شرط البخاري، وصححه الحاكم والذهبي وابن دقيق العيد، وابن القيم وابن حجر العسقلاني . إرواء الغليل (1/218) .
شرح الغريب:
1ـ الدينار: نقد إسلامي زنته أربعة غرامات وربع من الذهب (4.25) .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ تحريم وطء الحائض .
2ـ أن كفارة جماع الحائض، الصدقة بدينار أو بنصف دينار .
3ـ أن الشرع إذا رتَّب الكفارة على فعل دل على حرمته .
4ـ أن الكفارة تكون على التخيير بدينار أونصفه .
5ـ أن الكفارة تجب على الرجل دون المرأة .
(123) وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( أليس إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم ؟ )) متفق عليه في حديث طويل .
ما يستفاد من الحديث:
1ـ أن المرأة الحائض لا تصلي لوجود مانع وهو الحيض .
2ـ أن المرأة الحائض لا تصوم لوجود مانع وهو الحيض .
3ـ اشتراط الطهارة الكبرى والصغرى للصلاة .
4ـ اشتراط الطهارة من الحيض بالنسبة للصيام .
(124) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما جئنا سرِف حضتُ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري )) متفق عليه في حديث طويل
شرح الغريب:
1ـ سرِف بفتح السين وكسر الراء: واد يبعد عن الحرم من جهة التنعيم بنحو عشر كيلومترات، وعن المسجد الحرام بنحو ثمانية عشر كيلو متر .
ما يستفاد من الحديث:
(1/89)
1ـ جواز إتيان الحائض بجميع شعائر الحج، من الوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، ورمي الجمار، والمبيت بمنى، والسعي بين الصفا والمروة لو سبق لها وطافت قبل الحيض، وصحة ذلك منها، حيث لا يشترط لها الطهارة، وهو محل اتفاق بين أهل العلم .
2ـ تحريم الطواف على الحائض، وعدم صحته منها .
3ـ احترام وتعظيم بيت الله، بأن لا يأتيه المسلم إلا على أحسن هيئة .
(125) وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ فقال: (( ما فوق الإزار )) رواه أبو داود وضعفه .
درجة الحديث:
قال أبو داود عقب رواية الحديث برقم (213): وليس هو بالقوي والحديث ضعفه أيضاً الألباني، والحديث فيه زيادة وهي: (( والتعفف عن ذلك أفضل )) .
ما يستفاد من الحديث:
هذا الحديث لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلى افتراض صحته، فمنطوقه أنه يحل للرجل الاستمتاع بما فوق الإزار، ومفهومه أنه لا يحل ما تحت الإزار .
والمفهوم يعمل به ما لم يخالف منطوقاً وقد خالف حديث: (( اصنعوا كل شيء إلا النكاح )) رواه مسلم . لكن ينبغي تقييد الاستمتاع بما بين السرة والركبة بمن لا يخاف على نفسه الوقوع في الحرام، وهو الجماع في زمن الحيض . والله أعلم .
(126) وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (( كانت النُفَساء تقعد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد نفاسها أربعين يوماً )) رواه الخمسة إلا النسائي، واللفظ لأبي داود، وفي لفظ له: (( ولم يأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقضاء صلاة النفاس )) وصححه الحاكم .
درجة الحديث:
قال الألباني في صحيح سنن أبي داود (304): حسن صحيح . وقوله: وفي لفظ له، رواه أبو داود وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (305) .
شرح الغريب:
1ـ النفاس: دم يرخيه الرحم مع الولادة أو قبله أو بعده .
2ـ تقعد: أي عن الصلاة والصيام .
ما يستفاد من الحديث:
(1/90)
1ـ عزو الصحابي الحديث إلى زمنه - صلى الله عليه وسلم - له حكم الرفع .
2ـ أن النفساء تترك الصلاة والصيام والعبادات التي يشترط لها الطهارة، ولا يجامعها زوجها، فهي كالحائض .
3ـ أن أقصى مدة النفاس أربعون يوماً .
4ـ لا حد لأقل النفاس، بل متى ما رأت الطهر وجب عليها الاغتسال والصلاة .
5ـ أن الدم الذي تراه النفساء بعد الأربعين يعتبر استحاضة .
اختلاف العلماء في أقصى مدة النفاس:
1ـ مذهب مالك والشافعي أن أكثر مدة النفاس، ستون يوماً، مستدلين لذلك بما روي عن الأوزاعي أنه قال:
(عندنا امرأة ترى النفاس شهرين)، وروي مثل ذلك عن عطاء أنه وجده ) المغني (1/209)
وقال الترمذي (1/259): ويروى عن عطاء بن أبي رباح، والشعبي: ستون يوماً .
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي (1/431): لم أجد على هذه الأقوال دليلاً من السنة، فالقول الراجح المعوّل عليه هو ما قال به أكثر الفقهاء . [ يقصد بذلك الأربعين ] .
2ـ مذهب أبي حنيفة وأحمد، أن أكثره أربعون يوماً وهو الصحيح الموافق للنص .
والله أعلم .
(1/91)