شرح كتاب الحج
من
أخصر المختصرات
لابن بدران الحنبلي
شرح فضيلة الشيخ
سليمان بن خالد بن ناصر الحربي
حفظه الله(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الصيام
الصيام في اللغة , الإمساك وفي الإصطلاح " التعبد لله تعالى بالإمساك عن شيء مخصوص في زمن مخصوص من شخص مخصوص .
{ يلزم كل مسلم } :
احترازاً من الكافر , لأنه لا يقبل منه ولا يصح منه , لأن من شرط قبول العمل الإسلام , قال الله تعالى " وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله ورسوله " ومع هذا فهو مؤاخذ عليها .
{ مكلف } :
التكليف عند الفقهاء يريدون به البلوغ والعقل دائماً , أما البلوغ فلأنه شرط التكليف , وكذلك العقل . لما جاء في مسند الإمام أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها وعبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رفع القلم عن ثلاث النائم حتى يستيقظ والمجنون حتى يفيق و الصبي حتى يحتلم " اسناده جيد .
{ قادر } :
كما قال الله سبحانه وتعالى : " وعلى الذين يطيقونه فدية " وكذلك قوله تعالى " فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر " .
{ برؤية الهلال ولو من عدل } :
بعد ما بين المؤلف رحمه الله تعالى على من يلزم الصوم , بدأ ببيان كيفية ثبوت الشهر فقال : برؤية عدل , لما في السنن بإسناد جيد من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال : " تراءينا الهلال على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فأمر الناس بالصيام " إسناده جيد .
وفي الباب من حديث ابن عباس رضي الله عنه عند أبي داود من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه بنفس المعنى والمحفوظ من حديث ابن عباس الإرسال .
واختلف أهل العلم في ثبوت الشهر على أقوال :-
1- أنه يثبت برؤية عدل , وهو المذهب وهو قول أكثر أهل العلم .
2- أنه يثبت برؤية عدلين , وهو قول الإمام مالك رحمه الله .
3- أنه يثبت بالشهرة , وهو مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله .
والصواب القول الأول , لأنه يعتمد على الدليل .(1/1)
- قوله " عدل " لأن الفاسق لا تصح شهادته .
{ أو بإكمال شعبان } :
هذا بإجماع المسلمين وهو أنه إذا اكتمل شهر شعبان وجب الصوم , لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه , وجاء أيضاً من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما واللفظ له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ... فإن غبي عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " فإذا اكتمل الشهر فلا شك أنه انتهى , ولقوله صلى الله عليه وسلم : " إنا أمة أمية , فالشهر هكذا وهكذا , وأشار بتسع وعشرين وثلاثين" .
وبالجملة فالأمر لا يتعدى ثلاثة أحوال :-
1- أن يكون دخول شعبان مبني على رؤية , فعندئذٍ فلا شك أنه يجب ألا يتجاوز ثلاثين يوماً .
2- أن يكون دخوله بالحساب فلا يثبت دخول رمضان بإكمال العدة .
3- أن يرى الهلال بعد الثلاثين فهذا يثبت دخول شهر رمضان .
{ أو وجود مانع من رؤيته ليلة الثلاثين منه كغيم وجبل وغيرهما }
هذا هو الأمر الثالث عند الحنابلة : وهو إذا حال عن رؤية الهلال غيم أو قتر ليلة الثلاثين , فإنه يجب الصوم , وهذه الرواية هي المشهورة عند الأصحاب وقد أنكر جماعة من محققي المذهب : أن تكون هذه الرواية نص عن الإمام أحمد رحمه الله .
وعلى كل فهذه المسألة
القول الثاني في هذه المسألة : وهو مذهب الجمهور أنه يحرم صومه .
القول الثالث : أنه لا يجوز صومه و لا يجب , وهذه رواية منصوصة عن الإمام أحمد , بل نسبت إلى الجمهور .
وهناك أقوال لا داعي لذكرها .
الصحيح أنه يحرم صومه , لأمور كثيرة , منها :
1- ما جاء في مسند الإمام أحمد وذكره البخاري في صحيحه معلقاً بصيغة الجزم عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال : " من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم " .(1/2)
2- ما ثبت في الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فإن غبي عليكم – وفي رواية عمي عليكم – فأكملوا العدة ثلاثين " واللفظ للبخاري . فهذا صريح بإكمال العدة .
3- ما ثبت في الصحيحين أيضاً , وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقدموا رمضان بيوم لا بيومين , إلا صوماً كان يصومه أحدكم ".
وهذه المسألة من أكبر مسائل الصوم .
{ وإن رؤي في نهار فهو للمقبلة } :
أي أنه يدخل رمضان بالليلة المقبلة وهذا هو مذهب الجمهور , وروي عن عمر رضي الله عنه وقيل هو لليلة الماضية .
والصحيح القول الأول وأنه لليلة المقبلة , ولم يأت دليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فرق في الرؤية .
{ و إن صار أهلاً لوجوبه في أثنائه , أو قدم مسافر مفطراً أو طهرت حائض أمسكوا وقضوا } :
هذه مسائل مجتمعة مردها أصل واحد , وهو من أفطر لسبب شرعي ثم زال السبب هل يلزمه الإمساك أم لا يلزمه ؟
اختلف في هذه المسألة على قولين :-
1- إذا زال السبب وجب الإمساك , وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة لقوله تعالى : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " وهذا قد شهد الشهر وليس له عذر .
وثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم عاشوراء أمر من أكل أن يمسك .
2- أنه لا يلزمه الإمساك إذا أفطر لسبب شرعي , كالحائض تطهر والمسافر يقدم ونحوهما , أما إذا كان لغير سبب شرعي فيجب عليه الإمساك .
وهذا القول هو مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى , واستدلوا :
بأن الرسول صلى الله عليه وسلم وجد في عهده كثير من هذا ولم ينقله عنه أمر بالإمساك وهذا القول هو الصحيح .
{ ومن أفطر لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم لكل يوم مسكيناً }
اختلف أهل العلم في المريض هل يجب عليه شيء أم لا ؟ على قولين :
1- أنه لا شيء عليه لا إطعام ولا صيام . وهذا ضعيف .(1/3)
2- يلزمه الإطعام إذا عجز عن الصيام , لقوله تعالى : " وعلى الذين يطيقونه فدية " . وفي القراءة الأخرى أن المراد بيطيقونه : يتكلفونه .
وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما كما في البخاري أنها ليست بمنسوخة , وإنما هي للكبير .
وهذه الفدية هي إطعام مسكين عن كل يوم , لقول الله تعالى : " فدية طعام مسكين " .
مسألة : اختلف أهل العلم في قدر طعام المسكين على أقوال /
1- أنها مد من الطعام ونصف مد من البر , وهو المشهور من المذهب , ورواه مسلم في صحيحه .
2- أنه نصف صاع من كل شيء .
3- أنه مد من كل شيء ,
4- وذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أن المناط في الإطعام هو العرف , فإطعام المسكين هو على ما تعورف عليه أنه طعام للرجل .
والراجح أنه لا يقل عن مد في غير البر , فإن كان العرف موافقاً فلا إشكال , وإن كان العرف أكثر فالأفضل الإحتياط وإلا ليست الزيادة واجبة .
والصاع في زماننا كيلوين وأربعين جراماً .
والصاع أربعة أمداد فتخرج ربع الصاع طعام المسكين .
{ ويسن الفطر لمريض يشق عليه ومسافر يقصر }
اختلف أهل العلم في المريض الذي يشق عليه الصوم , هل يجب عليه الفطر أم لا ؟ على أقوال :
1- ذهب داود الظاهري إلى أنه يجب عليه الفطر , وإن صام فلا يصح صومه .
2- أنه يجب عليه الفطر وهو رواية في المذهب .
3- أنه يسن له الفطر كما عند المؤلف .
والصواب : أنه إن كان يشق عليه الصوم فإنه يجب عليه الفطر , لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن أناس صاموا في السفر وقد تكلفوا ذلك , فقال : " أولئك العصاة " . فعدم قبول رخصة النبي صلى الله عليه وسلم فيه شك وريبة في عدم القبول , والله سبحانه وتعالى يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر .
وكذلك اختلف أهل العلم في المسافر هل يفطر أم لا على أقوال /
1- الأفضل أنه يفطر , وهو المشهور من المذهب .
2- الأفضل أنه يصوم , وهو مذهب الجمهور .
3- مذهب داود الظاهري أنه لا يصح منه الصوم .(1/4)
4- والصحيح / أن الأفضل النظر إذا كان الإنسان يتكلف الصوم , وأما إذا استوى الأمران عنده فالأفضل الصوم , لأمور :-
1- أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صام في السفر .
2- أن فيه اغتنام الوقت والزمان .
3- أنه أسرع في إبراء الذمة .
4- أنه أسهل على المكلف لأنه يصوم مع الناس .
{ وإن أفطرت حامل أو مرضع خوفاً على أنفسهما فضتا فقط } :
هذا هو القسم الثالث ممن يجوز لهم الإفطار في رمضان , ومذهب الحنابلة التفصيل في هذا القسم /
فإن خافت الحامل والمرضع على نفسيهما أو نفسيهما وولديهما أفطرتا وقضتا .
- وإن خافتا على ولديهما فقط , فاختلف في هذه المسألة على أقوال /
1- الحنابلة على أنهما تفطران وتقضيان وعليهما الإطعام , وهو مذهب الشافعية وجماعة من أهل العلم .
2- لا يجوز لهما الإفطار ما دام خوفهما على ولديهما فقط .
3- يجوز لهما الإفطار وعليهما القضاء فقط في المراحل الثلاث كلها وهي خوفهما على نفسيهما فقط أو نفسيهما وولديهما أو ولديهما فقط .
ودليل القول الثالث ثبوت ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه وعن غيره أيضاً من الصحابة رضي الله عنهم أنهم أفتوا بأن المرأة الحامل والمرضع يجوز لهما الإفطار , وقد روي أيضاً عن معاذ بن جبل رضي الله عنه . وهذا القول هو الراجح وهو اختيار شيخ الإسلام والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله .
{ أو على ولديهما مع الإطعام ممن يمون الولد } :
هذه المسألة خلافية في المذهب على القول المرجوح – وهو القول بوجوب الكفارة – وهي مسألة / من الذي تلزمه الكفارة هل هو الأب أو أنها من مال الطفل إن كان له مال أو على(1/5)
والصحيح أن هذه المسألة غير واردة علينا لأنه سبق لنا ترجيح عدم وجوب الكفارة . لكن عند من أوجب الكفارة فالراجح فيها أنها على الأب ونحوه ممن تلزمه النفقة لأن الله تعالى قال : " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " , وقال تعالى : " وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف " ثم قال تعالى : " وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم .. " .
{ ومن أغمي عليه } :
من أغمي عليه جميع النهار لزمه القضاء , كمن فقد الوعي قبل الفجر إلى بعد المغرب , وهذا مذهب الحنابلة , قالوا : لأنه لابد من حضور العقل حساً وحكماً , وهذا المغمى عليه فاقد للإحساس فهو لم يصم الصيام الشرعي .
وقيل : يصح صيامه فإذا نوى ثم فقد الوعي صح صومه قياساً على النائم فإنه انعقد الإجماع في الجملة أن النائم يصح صومه ولو لم يدرك جزءاً من النهار والمغمى عليه كالنائم .
وقيل : ليس عليه القضاء مطلقاً ولم يصح صومه قياساً على المجنون .
والصحيح القول الأول لأنه كالمريض , وقد ورد عن بعض الصحابة أنه أغمي عليهم فقضوا , وهو الأحوط في العبادة .
{ أو جن جميع النهار لم يصح صومه ويقضي المغمى عليه }
انعقد الإجماع في الجملة على أن المجنون لا يلزمه قضاء يوم لم يدرك جزءاً منه ولا يصح صومه فيه , لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " رفع القلم عن ثلاث .. وعن المجنون حتى يعقل " .
مسألة / لم يذكر المؤلف مسألة النوم :-
وانعقد الإجماع في هذه المسألة في الجملة على أن صوم النائم صحيح لأنه في منزلة العاقل .
مسألة / لو أدرك هؤلاء جزءاً من النهار فماذا عليهم :-
أما المغمى عليه فإن صومه يصح .
وأما المجنون فإن عليه القضاء على خلاف في المسألة .
{ ولا يصح صوم فرض إلا بنية معينة بجزء من الليل } :(1/6)
ذهب جماهير أهل العلم إلى أن النية فرض في صحة الصوم الواجب , وذلك لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل " وورد هذا عن حفصة وابن عمر رضي الله عنهما في السنن والصواب وقفه عليهما .
ولقوله تعالى " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل " فالله سبحانه وتعالى جعل للعبادة حداً معيناً لابد أن يسبقه نية , فمن نوى بعد طلوع الفجر لم يستكمل النهار , وجميع أجزاء النهار فرض , فمن ذهب عليه بعض أجزاءه فلم يستكمل الفرض .
وذهب بعض أهل العلم وهم قلة إلى أنه يصح ولو بدون نية , لكن هذا قول باطل وضعيف بل حتى نسبته إلى بعض أهل العلم غير صحيحة .
وقد نقل الإجماع على وجوب النية في الصوم الواجب .
مسألة : هل يلزم نية خاصة لكل يوم أم أنه يكتفي بنية واحدة لكل رمضان :
ثمرة الخلاف في هذه المسألة فيما لو أن إنساناً نام قبل أذان المغرب ولم يستيقظ إلا الساعة العاشرة صباحاً , فإن قلنا لا بد لكل يوم من نية لم يصح صومه , وإن قلنا تكفي النية من أول رمضان صح صومه .
فجمهور أهل العلم على أنه لا بد لكل يوم من نية من الليل , ويستدلون بما سبق من الأدلة .
والمالكية – وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله – أنه لا يلزمه نية لكل يوم وإن كان هو الأفضل , لأن رمضان عبادة واحدة فلا يحتاج كل جزء إلى نية كالصلاة والحج .
وهذا القول هو الراجح , لكن لا ينبغي أن يأخذ به إلا عند الحاجة , أما عند عدم الحاجة فينبغي للمفتي أن يحرص الناس على نية الصوم .
تنبيه : النية التي نقصد تكون بالفعل وتكون بالإعتقاد , فالفعل كأن يقوم يتسحر مثلاً , أو يذهب لشراء طعام ليتسحر به فلا يقوم إلا بعد طلوع الفجر , أو وضع المنبه على مؤشر قبل الفجر فلم يقم إلا بعده , أما الاعتقاد فأن يعزم على الصيام غداً .
{(1/7)
ويصح نفل ممن لم يفعل مفسداً بنية نهاراً مطلقاً } :
اختلف أهل العلم رحمهم الله في هذه المسألة :
فجمهور أهل العلم على أنه يصح صيام النفل بنية من النهار , واختلفوا فيما بينهم في وقتها , فمنهم من قال تكون النية قبل الزوال , ومنهم من قال بعده , لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فقال : " أعندك طعام " قالت لا , قال " إني صائم " .
وقيل لا بد من نية من الليل حتى للنفل , وهو مذهب الإمام مالك رحمه الله , قال لأنها عبادة مؤقتة , والصيام معروف أنه من أول النهار إلى غروب الشمس فكما أنه لا يجوز صيام جزء من النهار – من الفجر إلى الظهر مثلاً – فكذلك لا يجوز الصيام من الظهر إلى المغرب . لكن هذا الكلام في مقابل النص , وقد ردوا على الحديث بالرواية الأخرى " فإني أصبحت صائماً " , لكن هذا لا يصح والصحيح القول الأول .
- لكن هل الثواب يكون ثواب يوم كامل , هذا محل نظر , وهي نفس مسألة النوافل المعينة .
فصل
{ ومن أدخل إلى جوفه أو مجوف في جسده كدماغ وحلق شيئاً من أي موضع كان غير إحليله } :
الجوف هو باطن الجسم , أما المجوف فهو ما كان مجوفاً في الجسم من رأس وفم ومعدة إلا الإحليل فقد استثنوه مع أنه مجوف . فمن أدخل شيئاً في الجوف أو المجوف فقد أفطر سواء كان أكلاً أو شرباً أو في معناهما أو ليس كذلك كأن يدخل خرزاً لا ينتفع به الجسم فيفطر وهو قول الجمهور .
وقيل : يفطر إن دخل شيئاً من طريق الفم والأنف فقط .
وقيل : يفطر إذا أدخل الأكل والشرب وما في معناهما , أما ما عداه فلا يفطر .
والصحيح في هذه المسألة : أن ما دخل من الفم والأنف فلا شك في إفطاره وما كان من غيرهما فإن كان من الأكل والشرب فقد فسد صومه , أو وصل إلى المعدة شيء ولو من سوى الأكل والشرب فيفسد صومه أيضاً .
{ أو ابتلع نخامة بعد وصولها إلى فمه } :(1/8)
جمهور أهل العلم على أنه لا يفطر ببلعها , قالوا لأن النخامة في الجسم فهذا انتقال من موضع إلى موضع فهي انتقالات داخلية .
وأما الحنابلة رحمهم الله فشددوا فيها فقالوا يفطر ببلعها , قالوا لأنها كانت في حكم الداخل ثم خرجت ثم دخلت , لكن هذا غير صحيح وفيه تكلف ولا يسلم منه الإنسان وإن كنا نقول بكره بلعها .
أما حكم بلعها عند الحنابلة في غير الصوم فحرام لأنها مضرة والرواية الثانية في المذهب يكره بلعها وهو الصواب .
{ أو استقاء فقاء } :
اختلف أهل العلم رحمهم الله في هذه المسألة , فجمهور أهل العلم يفرقون بين من تعمد القيء وبين من غلب عليه .
وقيل يفطر مطلقاً سواء كان عامداً أو مغلوباً .
وقيل لا يفطر أبداً .
والصحيح قول الجمهور لحديث أبي هريرة رضي الله عنه " من استقاء فليفطر ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه " وهذا الحديث وإن كان في إسناده لين , إلا أنه يتمشى مع القاعدة وهي أنه مغلوب كمن دخل إلى جوفه شيء من غير إرادته .
{ أو استمنى } :
أي فأمنى , وجمهور أهل العلم على أنه يفطر , وذهب الظاهرية إلى أنه لا يفطر .
والصواب قول الجمهور للحديث القدسي " يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي "
والعطف يقتضي الاشتراك في الحكم .
{ أو باشر دون الفرج فأمنى } :
هذا هو الصواب أنه يفطر وهو قول الجمهور كما سبق .
{ أو أمذى } :
اختلف أهل العلم في هذه المسألة :
فذهب الحنابلة والشافعية إلى أنه يفطر بذلك وهذا القول منسوب للجمهور .
وقيل لا يفطر وهو مذهب الإمام مالك واختيار شيخ الإسلام , وهو الصواب لأنه لا يكاد يسلم منه أحد ويخرج من غير إرادة الإنسان والناس يختلفون .
والمني يخرج دفقاً يحتاج إلى أن يجمع الإنسان نفسه وأن يفعل ما يستوجب ذلك , أما المذي فإنه يخرج متسبباً , وهذا هو الصحيح وإن كنا نشدد بحيث يؤمر الناس باجتناب ما يسبب خروجه .
{ أو كرر النظر فأمنى } :
هذه المسألة اختلف فيها على قولين :(1/9)
والصواب فيها التفصيل فإن كرر النظر لأجل أن يخرج المني فإنه يفطر , أما إن كرر النظر ولا يقصد أن يخرج المني فخرج مغلوباً عليه فلا يفطر بذلك .
{ أو نوى الإفطار } :
من نوى الإفطار أفطر وهو أن ينوي قطع صومه مطلقاً دون شرط أو سبب أو تعليق , فمثلاً لو أن إنساناً صام ثم نوى أنه أفطر فهذا يفطر .
لكن لو قال إذا ذهبت إلى البيت سوف أفطر فلما ذهب عزم على أن لا يفطر فهذا لا يكون مفطراً , لأنه عند وقوع المعلق لا بد من نية جديدة .
{ أو حجم } :
جمهور أهل العلم على أن الحجامة لا تفطر , والمذهب أنها تفطر وهو الصواب ، والأحاديث متظافرة في قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " أفطر الحاجم والمحجوم " أما الأحاديث التي استدل بها الجمهور فسبق لنا أنها دائرة بين أمرين : إما أنها ضعيفة أو أن لفظ الحديث ليس بمحفوظ أو أن دلالتها ضعيفة .
{ أو احتجم عامداً مختاراً ذاكراً لصومه أفطر } :
سبق قريباً ذكر الخلاف بين الجمهور والحنابلة وهو خلاف قوي وسبق لنا أيضاً أن الراجح قول الحنابلة لعدة أحاديث .
{ لا إن فكر فأنزل } :
المؤلف رحمه الله خالف الرواية المشهورة في المذهب عند المتأخرين فذكر هنا أن من فكر فأنزل لا يفسد صومه , واستدلوا بما جاء في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله وضع عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم " .
والرواية الثانية في المذهب أنه يفطر لأنه هو الذي استجلب الإنزال .
والقول الأول رجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله , لقوله تعالى :" ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا " وهذا لا يكاد يسلم منه أحد .
{ أو دخل ماء مضمضة أو استنشاق حلقه ولو بالغ أو زاد على ثلاث } :
قاعدة : كل من تناول مفطراً وليس بعامد بسبب فعل مشروع فإنه لا يبطل صومه .(1/10)
فكذلك من دخل جوفه شيء بسبب المضمضة والاستنشاق صح صومه لأن كل ما ترتب على المأذون فهو غير مضمون , وهو أيضاً مما تعم به البلوى .
{ ومن جامع برمضان نهاراً بلا عذر شبق ونحوه فعليه القضاء والكفارة مطلقاً } :
الجماع في نهار رمضان يوجب عدة أشياء : أولاً : القضاء . ثانياً : الكفارة . ثالثاً : الإثم .
وذلك لما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة في قصة الأعرابي الذي جامع زوجته في نهار رمضان , قال يارسول الله هلكت " .
{ ولا كفارة عليها مع العذر كنوم وإكراه ونسيان وجهل وعليها القضاء } :
وفي رواية في المذهب أنه لا كفارة عليها مطلقاً , واستدلوا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمرها في قصة الأعرابي .
والصواب القول الأول فإن أحكام الرجال أحكام النساء .
{ وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين , فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً , فإن لم يجد سقطت } :
اختلف في سقوط الكفارة حال العجز فالمشهور عند الحنابلة أنها تسقط لأن النبي صلى الله عليه وسلم أسقطها عن الأعرابي في ظاهر الحال .
وقيل لا تسقط بل تبقى في الذمة وذلك أن الكفارات ديون , متى استطاع الإنسان أن يفي بها وفى , والصحيح القول الأول لظاهر حديث الباب فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى العذق الرجل , فلو كانت كفارة لما جاز له أخذها .
{ وكره أن يجمع ريقه فيبتلعه } :
لأنه تقصد شيئاً يبتلعه , ولم يفطر لأنه من جنس جسمه .
{ وذوق طعام , ومضغ علك لا يتحلل وإن وجد طعمهما في حلقه أفطر } :
لأنه دخل إلى جوفه شيء من غير جنس جسمه .
وذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أن الطعم في الحلق لا يفطر وإنما المناط وصول جرم إلى المعدة أما الطعم فليس بجرم ا.هـ .
ولا ينبغي لنا التكلف في هذا لأنا إذا أذنا له بالذوق فإنه سيدخل مع الريق .
{ والقبلة ونحوها ممن تحرك شهوته } :(1/11)
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ولكنه أملك الناس لإربه صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح .
أما إذا كان يعلم أنه إذا قبل أنزل فإنه يحرم عليه التقبيل . وثبت أن ابن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن القبلة فقال هي كالمضمضة , أما حديث أبي هريرة رضي الله عنه في التفريق بين الصغير والكبير فهو حديث ضعيف .
{ ويحرم إن ظن إنزالاً } :
وهذا تحت قاعدة أن الظن ينزل منزلة اليقين عند خوف فساد العبادة , لأن الوسيلة إلى الشيء المحرم محرمة , والوسائل لها أحكام الغايات .
وهذا على أصل بأن الإنزال بدون جماع مفسد للصوم خلافاً لمذهب الظاهرية .
وجمهور أهل العلم على أن الإنزال مفسد للصوم وهذا هو الصحيح للحديث القدسي " يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي " , والشهوة هنا مخصصة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم " وفي بضع أحدكم صدقة " قالوا ويأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال : " أرأيتم لو وضعها في حرام .. " الحديث . وقال الظاهرية إن الرد على هذا الحديث يسير , وقد صدقوا لكن هذه فتوى الصحابة رضي الله عنهم .
{ ومضغ علك يتحلل , وكذب وغيبة , ونميمة وشتم ونحوه بتأكد } :
الكذب والغيبة والنميمة والشتم ونحوها تحرم لكنها لا تفسد الصوم لحديث " من لم يدع قول الزور والعمل به – زاد أبوداود ( والجهل ) – فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " رواه البخاري .
{ وسن تعجيل فطر وتأخير سحور } :
لأنه ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور " .
{ وقول ما ورد عند فطر } :
لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث صحيح في دعاء الفطر , وإن كان أصحها قوله : " ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر " لكن فيه نكارة , ولا شك أنه يشرع للصائم الدعاء في آخر النهار خصوصاً أنه في آخر العبادة , فأواخر العبادات يشرع فيها الدعاء .
{ وتتابع القضاء فوراً } :(1/12)
هذا هو المشهور عند الحنابلة أن تتابع القضاء سنة لا واجب , وذهب بعض أهل العلم إلى أن المتابعة واجبة .
أما المذهب فاستدلوا بحديث ضعيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , وثبت عن عائشة رضي الله عنها هذا الحكم .
ومن قال بالوجوب استدل بقوله تعالى : " فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر متتابعة " هكذا قرأها أبي بن كعب وابن مسعود رضي الله عنهما : لكن مع أن إسنادها صحيح فالفتوى على غير هذه القراءة , ولعلهم استدلوا بالمعنى فإنه لما جاز تأخير القضاء جاز الفصل بين الأيام لأنه ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تؤخر القضاء إلى شعبان , ومع هذا فهذه المسألة تحتاج إلى متابعة لأنهم في مسألة اليمين استدلوا بالمتابعة فانخرم عليهم .
وقوله " فوراً " استحباباً لأن فيه تعجيل لإبراء الذمة .
{ وحرم تأخيره إلى آخرَ بلا عذر } :
للإنسان أن يؤخر قضاء رمضان إلى شعبان لأنه ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تؤخره إلى شعبان , أما تأخيره إلى أن يأتي رمضان آخر فهذا لا يجوز لأن مدة القضاء انتهت , وقد نقل ابن قدامة والنووي الإجماع على أنه يحرم تأخير القضاء إلى ما بعد رمضان , واختلفوا في الواجب عليه عند تأخيره .
{ فإن فعل وجب مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم } :
هذا هو المشهور من المذهب وهذا الإطعام كفارة عن التأخير , لما في سنن أبي داود " من أخر قضاء رمضان إلى رمضان آخر فعليه مع القضاء إطعام " وهو موقوف على ابن عباس رضي الله عنه .
وقيل لا يجب عليه الإطعام لأنه لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بالكفارة .
والأموال والكفارات لابد فيها من دليل قطعي وإلا فهو أخذ مال بغير حق , وأما ابن عباس رضي الله عنه فهو معروف بالتعزير بالفتوى وكان يحث المذنب أن يكفر لعلمه أن الصدقة تكفر الخطيئة .(1/13)
وقيل إن القضاء أيضاً لا يجب عليه وإن قضى فلا يقبل منه وهذا هو المشهور عند الظاهرية لأن العبادة إذا تجاوزت توقيتها لم تقبل , واستدلوا بالحديث المشهور عند الإمام أحمد وغيره " من ترك يوماً من رمضان لم يجزه صيام الدهر وإن صامه " وهذا الحديث ضعيف والدلالة فيه غير وجيهة .
ورجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله القول الثاني , وإن رأى المفتي القول الأول فله وجاهه .
{ وإن مات المفرط ولو قبل آخر أطعم عنه كذلك من رأس ماله ولا يصام } :
لا شك في أنه مفرط كمن كان عليه صيام ومات في رجب مثلاً فهو مفرط .
واختلف أهل العلم في الواجب في هذه المسألة :
فمذهب الحنابلة أنه يطعمون عنه من رأس ماله لأنهم شبهوه بالعاجز عن الصوم .
وقيل يصام عنه لحديث " من مات وعليه صوم صام عنه وليه " كما في صحيح مسلم .
وعلى كل فإن صاموا عنه فهو أفضل وإلا وجب على وليه الإطعام .
{ وإن كان على الميت نذر من حج أو من صوم } :
أجمع أهل العلم على أن من مات وعليه حج فإنه يحج عنه , وكذلك إن كان عليه صوم وقد خص الحنابلة رحمهم الله الصوم بالنذر فقط والصواب أنه يصام عنه مطلقاً سواءً كان نذراً أو واجباً لعموم قوله صلى الله عليه وسلم " من مات وعليه صوم صام عنه وليه " رواه مسلم .
{ أو صلاة ونحوها سن لوليه قضاؤه } :
اختلف أهل العلم في هل يصلي عنه أحد , فقيل لا يصلى عنه لأن الصلاة عبادة محضة يراد منها البدن ذاته وليس فيها بدل مال كالحج , وكذلك لم ينقل عن السلف رحمهم الله أنهم كانوا يصلون عن أحد .
وقيل : يصلى عنه صلاة النذر لعموم حديث " اقضوا الله فالله أحق أن تقضوا " ولأنه ثبت أن الرجل يصلى في الحج عن المحجوج عنه في الطواف . ولعل هذا هو الأقرب .
{ ومع تركةٍ يجب } :(1/14)
إذا كان عنده تركه فإنه يجب لأن الحقوق المتعلقة بالتركة خمسة , ومنها الديون والديون تنقسم إلى قسمين , حق لله تعالى , وحق للناس , فإذا مات وعليه شيء مما ذكر قضي من ماله بأن يستأجر أناس للحج وللصيام وللصلاة .
{ لا مباشرة ولي } :
أي لا يجب أن يكون الولي هو الذي يباشر النيابة عنه , لكنه يستحب لأنه من كمال البر , ولا يشترط إذن الولي لكنه أحق بذلك .
فصل
{ يسن صوم أيام البيض } :
لأنه ورد فيها أحاديث كحديث أبي ذر رضي الله عنه عند الترمذي , وحديث أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي داود " كان لا يدع أربعاً – وذكرت منها – أيام البيض " .
والذي يظهر أنه لا يصح في أيام البيض حديث , لكن الأئمة رحمهم الله أطبقوا على استحباب صيام أيام البيض , وقد ورد في الصحيحين أن أبا هريرة رضي الله عنه أخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاه أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر " قالت عائشة رضي الله عنها " فما يبالي أصام من أوله أو وسطه أو آخره " , وفيه أنه لم يكن يتقصد هذه الأيام لكن لا يلزم أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم لا يواضب على البيض ألا تكون مستحبة , لأن الأئمة استحبوا صيام البيض , فهي أيام فاضلة لإطباق الأئمة على فضلها .
{ والخميس } :
جاء في حديث عائشة رضي الله عنها وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه , بلفظ " إن الأعمال تعرض في كل يوم اثنين وخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم " هذا الحديث رواه أحمد وغيره وفيه علتان : 1- أحد رواته وهو رفاعة . 2- أن المحفوظ عن سهيل بن أبي صالح ما روى مسلم في صحيحه بلفظ تفتح الجنة في كل يوم اثنين وخميس " وليس فيه فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم .
وأما حديث عائشة رضي الله عنها " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام الاثنين والخميس " فهذا فيه علة ليست بشديدة .(1/15)
وفي حديث أبي قتادة رضي الله عنه في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عندما سئل عن صيام يوم الاثنين ؟ " ذاك يوم ولدت فيه وبعثت فيه " قال مسلم : " زاد شعبة لفظة " والخميس " , وعلى كل وإن كانت الأحاديث لا يخلوا إسنادها من مقال فإن ذهب ذاهب إلى أن الأحاديث يشد بعضها بعضاً فهو محتمل جداً وإلا فإن الإجماع منعقد على استحباب صيام الخميس .
{ والاثنين } :
ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه وسبق ذكره , وكذلك انعقد الإجماع على استحباب صيامه .
{ وست من شوال } :
اختلف أهل العلم رحمهم الله في حكم صيام ست من شوال على أقوال :
1- يكره صيام ست من شوال وهو رأي الإمام مالك رحمه الله لأنه ليس عليه عمل أهل المدينة .
2- مذهب أهل الحديث وعليه جمهور أهل العلم أنه يستحب صيامها لما في مسلم من حديث أبي أيوب رضي الله عنه " من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر " وهذا الحديث وإن كان أعله الإمام أحمد إلا أنه صحح حديث ثوبان بلفظ حديث الباب .
أما سبب ترك أهل المدينة لصيامها فإن الصحابة رضي الله عنهم تركوا صيامها خشية أن يفهم الناس أن صيامها واجب , هذا على التسليم بأن أهل المدينة كلهم لم يكونوا يصوموها , وهذا غير صحيح فقد ثبت عن بعضهم أنه كان يصوم .
{ وشهر الله المحرم } :
انعقد الإجماع على استحبابه وجاء في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم " وهو من الأشهر الحرم .
{ وآكده العاشر ثم التاسع }:
أما يوم عاشوراء فلما في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس بصيامه في أول الأمر ويستحب أن يصوم معه التاسع لما في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع " .
{ وتسع ذي الحجة } :(1/16)
جاء من حديث عائشة رضي الله عنها عند أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أربعاً وذكرت منها صيام أيام التسع " وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً إلا أنه انعقد الإجماع على استحباب صيام هذه الأيام لأنها أيام فا ضلة لما في الصحيحين " ما من أيام العمل فيهن أحب إلى الله من هذه العشر " .
{ وآكده يوم عرفة لغير حاج بها } :
ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله " . وانعقد الإجماع على استحبابه .
وأما الحاج فاختلف أهل العلم في حكم صيامه , والصواب أنه لا يصوم لأن هذا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم , وقد جاء في الصحيحين من حديث أم الفضل رضي الله عنها أنها رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب يوم عرفة , وجاء أيضاً من حديث ابن عباس وجابر رضي الله عنهم .
وأما من استحب صيامه فليس له دليل صريح صحيح , وقد ورد عند النسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم عرفة بعرفة " لكنه حديث ضعيف مرفوعاً . والحكمة من النهي أن الصيام يضعف الحاج ويكسله عن الدعاء وهذا هو المقصود .
والصواب أنه يكره صيام يوم عرفة بعرفة .
{ وأفضل الصيام صوم يوم وفطر يوم } :
لما في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أفضل الصيام صيام دواد كان يصوم يوماً ويفطر يوماً " , وجاء في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا أفضل من هذا " .
{ وكره إفراد رجب } :
لأن فيه مشابهة لأهل الأهواء والمبتدعة , ولم يثبت دليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام رجب , لكن موافقة أهل البدع تكره , لأنه قد يعتقد فيها شيئاً .(1/17)
ورجب من الأشهر الحرم وهي معظمة ولها خاصيتها , لكن تخصيصه بالصيام يكره , لما فيه من المشابهة , وقد ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت " ما استكمل رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام شهر غير رمضان " .
{ والجمعة } :
ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم الجمعة " ولما دخل على بعض أزواجه وجدها صائمة قال : " أصمت أمس " قالت : لا قال : " أتصومين غداً " قالت : لا قال : " فأفطري " , فإفراد الجمعة مكروه إذا قصد يوم الجمعة , أما إذا كان الإنسان لا يفرغ إلا هذا اليوم فلا بأس بصيامه لأن النهي عن تخصيصه لشرفه وفضله , ونظير هذا ما ثبت في الصحيحين من قول الرسول صلى الله عليه وسلم " لا تخصوا ليلة الجمعة بصلاة " فلو أن شخصا وافق تفرغاً في هذه الليلة , فلا يكره في حقه لأنه لم يخصص هذه الليلة .
{ والسبت } :
اختلف فيه أهل العلم فالأكثر على الكراهة لحديث عبدالله بن بسر الذي رواه أهل السننقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم فإن لم يجد أحدكم إلا عود عنب أو لحاء شجرة فليمصه " .
والصواب في هذا الحديث أنه ضعيف منكر , ويرى الإمام أبوداود أنه منسوخ ويرى الإمام مالك أنه كذب , وعلى كل فلا يثبت فيه حديث فهو على الأصل .
{ والشك } :
في أول الباب قال المؤلف رحمه الله " ويجب " وهنا قال ويكره , فهذا فيه تناقض في المذهب , ووجهه بعضهم بأن الواجب إذا حال عنه غيم أو قتر , والمكروه إذا لم يحل دونه شيء , وعلى كل فعلى القول الراجح لا يرد علينا هذا الكلام لأنه سبق لنا تحريم صومه .
{ وكل عيد للكفار } :(1/18)
كعيد النيروز وما شابهه , وذلك لأن فيه تعظيماً ومشابهة لهم , وقد ثبت في مسند الإمام أحمد رحمه الله من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من تشبه بقوم فهو منهم " وعليه فكل تشبه في مظاهر المشركين وأعيادهم فهو محرم .
{ وتقدم رمضان بيوم أو يومين ما لم يوافق عادةً في الكل } :
ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا أن يكون صوم أحدكم " وإذا صام فعليه أن يبين للناس سبب صومه إن كان ممن يقتدى به , فإن خشي لبساً فالأفضل ألا يصوم .
{ وحرم صوم العيدين مطلقاً } :
ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم العيد " وثبت أيضاً في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .
{ وأيام التشريق إلا عن دم متعة وقِران } :
وذلك لأنه ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : - " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله " زاد الترمذي " وبعال " أي جماع .
وثبت عن عائشة رضي الله عنه " لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي " فدل على أن الأصل في صيامها الحرمة .
{ ومن دخل في فرض موسع حرم قطعه بلا عذر } :
أجمع أهل العلم على أن الفرض لا يجوز قطعه . والمؤلف لم يذكر الفرض المضيق لأنه واضح ولا مجال لقطعه .
ويحرم قطع الموسع لأن هذا من التلاعب ولم يؤذن للمكلف بقطع فرضه , ولهذا ثبت في الصحيحين في قصة الرجل الذي صلى مع معاذ صلاة العشاء ثم قطع الصلاة لما أطال معاذ , قال الصحابة إنه منافق .
{ أو نفل غير حج وعمرة كره بلا عذر } :(1/19)
النفل سواء كان موسعاً أو مضيقاً يجوز قطعه مع الكراهة لقول الله تعالى " ولا تبطلوا أعمالكم " فإن تصور هذا الشيء كاف في قبحه , فإن الإنسان إذا شرع في عبادة فتركها مظهر للتذمر والتسخط وهذا شين , لكنه يجوز لأنه ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح سأل عائشة هل عندكم من طعام فإني أصبحت صائماً فقالت لا , ففيه دليل على أنها لوقالت عندنا طعام لقطع صومه .
وهذا هو مذهب جمهور أهل العلم .
وذهب بعض أهل العلم إلى أن النفل لا يجوز قطعه , واستدلوا بما جاء في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه لما صلى المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم فأطال النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال ابن مسعود : حتى هممت بأمر سوء , قالوا وبماذا هممت , قال هممت أن أجلس وأدعه فوصفه رضي الله عنه بأنه أمر سوء .
وعلى كل فالصواب جواز قطع النفل لأنه لا يجب ابتداءً ، إلا الحج والعمرة فإنهما يجبان بالشروع فيهما لقوله تعالى :" وأتموا الحج والعمرة لله " وجمهور المفسرين على أنها في الإتمام لا في أصل الفرضية .
...
فصل
{ والإعتكاف سنة } :
انعقد اجماع أهل العلم على أن الإعتكاف سنة , وأدلته كثيرة من القرآن والسنة كمافي قوله تعالى :" وطهر بيتي للطائفين والعاكفين .. " ومن السنة ما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان .
ولم يرد في فضل الإعتكاف حديث صحيح . وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله , أتحفظ فيه شيئاً صحيحاً ؟ قال أما صحيح فلا .
ومعنى الإعتكاف : لزوم مسجد لطاعة الله تعالى .
{ ولا يصح ممن تلزمه الجماعة إلا في مسجد تقام فيه إن أتى عليه صلاة } :
لا يكون الإعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الجماعة لأن الجماعة واجبة والإعتكاف سنة , ومن فعل سنة لترك الواجب فقد أثم لتركه الواجب , وذلك كأن يعتكف في مسجد مهجور لا تقام فيه الجماعة .
مسألة : هل له الإعتكاف في أي مسجد ؟(1/20)
هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم على أقوال والخلاف فيها كبير :
فقيل يعتكف في المساجد الثلاثة المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى .
وقيل يعتكف في مساجد الجمعة .
وقيل يعتكف في مساجد الجماعة .
والصواب أنه يصح الإعتكاف في كل مسجد تقام فيه الجماعة , وأما الجمعة فإنه يخرج إليها وهي مما يجب على الإنسان أن يخرج إليه لأنه من كمال الإعتكاف ومن كمال الطاعة , فإذا أجزنا له الخروج لما يحتاج إليه مع أنه لم يشترط فإن خروجه إلى الجمعة من باب أوجب .
{ وشرط له طهارة مما يوجب غسلاً } :
وهذا لا شك فيه فإن الحائض لا يجوز لها أن تعتكف لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إن حيضتك ليست في يدك " رواه البخاري ومسلم , ورويا أيضاً من حديث أم عطية " أمرت النساء وذوات الخدور أن يخرجن إلى المصلى في صلاة العيد ولتعتزل الحيض المصلى " . وقد انعقد الإجماع على أنه لا يجوز للحائض أن تمكث في المسجد .
وأما الجنب فجماهير العلماء على أنه لا يجوز له أن يمكث في المسجد لقوله تعالى : " ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " وقد ثبت عن عطاء رحمه الله أنه قال : " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانوا جنباً لا يجلسون في المسجد حتى يتوضئوا " .
وقد تكون عبارة المؤلف رحمه الله غير محررة لأن الشرط ما لا يصح معه العمل إلا بوجوده قبل العمل . مع العلم أن الجنب إذا توضأ ونوى الإعتكاف وهو جنب احتسب له الإعتكاف من نيته , بخلاف كلام المؤلف رحمه الله , إلا أن يكون أراد الحائض .
{ وإن نذره أو الصلاة في مسجد غير الثلاثة فله فعله في غيره , وفي أحدها فله فعله فيه وفي الأفضل , وأفضلها المسجد الحرام ثم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فالأقصى } :(1/21)
من نذر الإعتكاف في مسجد معين فإما أن ينذر في أحد المساجد الثلاثة فيعتكف في أيها شاء , فإن نذر أن يعتكف في المسجد الحرام فقد تعين عليه ولا يجوز له أن يرجع إلى غيره , وإن نذر أن يعتكف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الحرام فيعتكف في أحدهما وكذلك إن نذر أن يعتكف في المسجد الأقصى جاز له أن يعتكف في المسجد الحرام والمسجد النبوي .
وإن نذر أن يعتكف في مسجد من مساجد الجماعات جاز له الإعتكاف في أي مسجد , ومن باب أولى المساجد الثلاثة .
والدليل على هذا ما جاء في الصحيحين أن أعرابياً قال للنبي صلى الله عليه وسلم إني نذرت أن أمشي إلى المسجد الأقصى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " امشِ إلى المسجد الحرام " .
{ولا يخرج من اعتكف منذوراً متتابعاً } :
هذا يفسر لنا ما يفهمه بعض الناس من أنه لا يجوز له قطع الإعتكاف , وهذا غلط والصحيح أن من شرع في الإعتكاف لا يلزمه المضي فيه بل يجوز للإنسان أن يقطعه لأنه من النوافل , ولا يلزم بالشروع من النوافل إلا الحج والعمرة وما عداه فلا يجب وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة رضي الله عنها : " أعندك طعام " فلو قالت نعم لأفطر صلى الله عليه وسلم . ولهذا أعزوا أن عزوف كثير من الناس عن الإعتكاف بسبب هذا الوهم .
{ إلا لما لا بد له منه } :
انعقد الإجماع على أن خروجه للضرورة لا يقطع الإعتكاف , وأما الحاجة فيجوز الخروج لها كخروجه لأكل وقضاء حاجة ولبس ثياب وما شابه ذلك , والدليل ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف لا يخرج إلا لحاجة الإنسان " أي ما يحتاج إليه بطبعه .
{ ولا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة إلا بشرط } :(1/22)
هل يصح الإشتراط في الإعتكاف أم لا يصح , هذه المسألة مما اختلف فيه أهل العلم فقيل يصح الإشتراط وقيل لا يصح , والصواب أنه يصح الإشتراط لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير " اشترطي فقولي إن محلي حيث حبستني " زاد النسائي " فإن لك على ربك مااستثنيت " وهناك أصل في الإشتراط في الإعتكاف عند أبي داود عن عائشة رضي الله عنها قالت :" لا يخرج المعتكف ولا يعود جنازة ولا يزور مريضاً إلا أن يشترط " .
والصواب أنه يجوز الإشتراط إلا أن يكون الشرط منافياً للإعتكاف .
{ ووطء الفرج يفسده } :
انعقد الإجماع على أن الوطء مفسد للإعتكاف لقوله تعالى : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " .
{ وكذا إنزال بمباشرة } :
هذه الأشياء منافية للآية السابقة , وانعقد الإجماع عليه وأكثر المفسرين ينقل الإجماع على هذا .
{ ويلزم لإفساده كفارة يمين } :
بناءً على حديث في صحيح مسلم " كفارة النذر كفارة يمين " وهذا نذر وقد أفسده فلا بد له من كفارة , والصواب أنه لا كفارة , فإن كان الإعتكاف واجباٌ كالنذر لزمه الإعادة إلا أن يكون معيناً في نهار رمضان ولا يستطيع بعد ذلك أن يعتكف فيكفر كفارة يمين .
وإن كان مستحباً فسبق أنه لا يجب إكماله .
{ وسن اشتغاله بالقرب واجتناب ما لا يعنيه } :
لأن هذا هو مقصود الإعتكاف , وهذا الذي كان عليه السلف ورسول الله صلى الله عليه وسلم ويجتنب ما لا يعنيه لأنه من حسن إسلام المرء , وكان السلف إذا اشتغلوا بالإعتكاف لا يتكلمون في هذا الوقت .(1/23)
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الحج والعمرة
قال المؤلف رحمه الله تعالى :
} يجبان على المسلم { :
- أما وجوب الحج فبالإجماع , ومستنده قوله تعالى :
" ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً "
وقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين " بني الإسلام على خمس " وذكر منها " حج بيت الله الحرام " , فمن ترك الحج جحوداً لوجوبه فهو كافر وهذا مجمع عليه , وإن تركه تهاوناً وكسلاً فخلاف :
القول الأول وهو قول جمهور أهل العلم : أنه لا يكفر لأنه لم يثبت دليل على تكفيره , ولأن الأصل فيمن شهد الشهادتين أنه مسلم .
القول الثاني : ذهب بعض أهل العلم وهو رواية في المذهب أن تارك الحج كافر لقوله سبحانه وتعالى " ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " وهذا الاستدلال ليس بجيد لأن أصل الكفر الجحود , واستدلوا بأحاديث ضعيفة لا تثبت كحديث " من مات ولم يحج فليمت يهودياً أو نصرانياً " وهذا لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
مسألة : أما حكم العمرة فخلاف بين أهل العلم على أقوال :-
القول الأول : وهو قول المذهب أنها واجبة .
واستدلوا : أ- بأدلة الحج .
ب- وحديث عائشة رضي الله عنها في السنن " هل على النساء من جهاد ؟ قال : عليهن جهاد لا قتال فيه , الحج والعمرة " لكن الحديث بهذا اللفظ لا يثبت .
ج- حديث أبي رزيم العقيلي في السنن أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن والده توفي ولم يحج أفيحج عنه ؟ فقال صلى الله عليه وسلم " حج عن أبيك واعتمر " , قال الإمام أحمد : هذا أجود حديث في وجوب العمرة لكن بعض أهل العلم أعل رواية واعتمر وقال إنها شاذة , وهذا متوجه , وهذا الحديث ليس فيه دلالة قوية لأنه جواب على سؤال .
القول الثاني : وهو مذهب مالك وغيره : أن العمرة سنة , واستدلوا :
أ- حديث جابر بن عبدالله في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل هل العمرة واجبة ؟ فقال : لا , وأن تعتمر خير لك " وهذا ضعيف .(1/1)
ب- أنه لم يأت دليل على وجوب العمرة والأصل براءة الذمة .
القول الثالث : وهو رأي شيخ الإسلام : أن العمرة واجبة على الآفاقي وأما المكي فلا تجب عليه , واستدل :
أن أهل مكة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يؤمرون أن يخرجوا فيأتوا بعمرة بخلاف غيرهم فكانوا إذا قدموا أحرموا .
ولم أتأكد من نسبته لشيخ الإسلام فأخشى أنه يقصد أنها مشروعة للآفاقي لا واجبة .
= والأقرب سنية العمرة .
} يجبان على المسلم { :
فالكافر لا يصح حجه بالإجماع لكنه مؤاخذ عليه .
} الحر { :
احترازاً من العبد وهو يصح منه , لكن لا يجب عليه , وفيه مسألتان :
مسألة [1] هل يصح حجه :
ثبت بالإجماع صحة حجه وأنه مأجور عليه فإذا كان الصبي وهو لا يعقل يصح حجه فمن باب أولى العبد .
ولحديث ابن عباس رضي الله عنه " أيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى " .
مسألة [2] هل يجزأه عن حجة الإسلام : اختلف أهل العلم في هذا على أقوال :
القول الأول : قال ابن المنذر رحمه الله تعالى : " أجمع العلماء إلا من شذ منهم ممن لا يعتد بقوله خلاف أن العبد إذا حج عليه حجة أخرى إذا عتق " , ونقل الترمذي في جامعة الإجماع على أن العبد إذا حج عليه حجة أخرى , قال : وأجمعوا أن الصبي إذا حج ثم بلغ عليه حجة أخرى وكذلك العبد .
وهو قول سفيان وأحمد .
وكذلك نقل الإجماع ابن عبدالبر رحمه الله تعالى فقال : أجمع الأئمة من جميع الأمصار أن العبد إذا حج ثم عتق فعليه حجة أخرى , لحديث " وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى " وهذا الحديث الصواب أنه موقوف , لكن ابن أبي شيبة رواه في مصنفه عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : " احفظوا عني ولا تقولوا قال ابن عباس , فذكره " .
القول الثاني : ذهب داود الظاهري وابن حزم إلى أنه يصح حجه .
ورجح هذا القول السعدي وابن عثيمين رحمهما الله في موضع , واستدلوا بأدلة فمنها :
أ - أن العبد تصح منه العبادة ويحتاج عدم إجزائه إلى دليل .(1/2)
ب - أن الجمعة لا تجب عليه وتصح منه وتجزأه .
وقالوا عن حديث ابن عباس إنه موقوف بله منسوخ , والدليل أنه منسوخ أن الحديث جاء في آخره " وأيما أعرابي حج ثم ترك البادية فعليه حجة أخرى " فهذا منسوخ ولا أحد يقول بأن الأعرابي يعيد حجه .
= والصحيح أنه يجب عليه الحج إذا عتق .
{ المكلف } :
احترازاً من غير المكلف وهو غير البالغ أو المجنون , فأما الصبي فيصح حجه , وقد نقل الإجماع جماعة من أهل العلم على صحة حجة , وقد نسب قول لأبي حنيفة بأنه لا يصح لكنه أنكره الصحاوي وقال لا يمكن أن يكون لأبي حنيفة بل ثبت عنه أنه يصح .
وفي الباب حديث رفع المرأة الصبي للنبي صلى الله عليه وسلم , ولكن لا يجزأه عن حجة الإسلام .
وأما المجنون فلا يجب عليه , وهل يصح منه , روايتان في المذهب :
والمشهور في المذهب " لا يصح للمجنون والكافر " لأنه قد رفع التكليف عنه ولم يجر له الكتاب , أي أنه لا يثاب , أما الصبي فإنه يثاب لكنه لا يعاقب وقيل يصح لأنه يثاب والله أعلم .
{ المستطيع } :
احترازاً من غير المستطيع وسوف يأتي تفصيل المستطيع من هو .
ودليل الاستطاعة الإجماع ومستنده " من استطاع إليه سبيلاً " .
{ في العمر مرة } :
لما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا , قال رجل : أفي كل عام – ثلاث مرات – فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : لوقلت نعم لوجبت ولما استطعتم , إنما أهلك من كان قبلكم كثرة أسئلتهم واختلافهم على أنبيائهم " .
{ على الفور } :
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال :
القول الأول : جمهور أهل العلم أنه على الفور , واستدلوا :
أ- أن أوامر الله تعالى الأصل فيها الفورية وسرعة الاستجابة لله عز وجل " يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول " فالنصوص عامة .(1/3)
ب- حديث ابن عباس " تعجلوا الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض به " .
القول الثاني : ذهب الشافعي رحمه الله تعالى إلى أن الحج على التراخي وقال إنه لا يوجد دليل على وجوب التعجل , وقال إن الحج فرض في السنة التاسعة والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا في العاشرة .
والصواب قول الجمهور .
{ فإن زال مانع حج بعرفة وعمرة قبل طوافهما وفعلا إذن وقعا فرضاً }:
لو كانت عبارة المؤلف " فإذا وجد التكليف " أما زوال المانع فهي ليست بظاهرة مع الصبي والعبد ,
أو كذلك " فإن زال مانع وجوب " .
- إذا كلف الإنسان في يوم عرفة أو قبل طواف العمرة ففي حكمه خلاف بين أهل العلم :-
القول الأول : أن الحج والعمرة يقعان فرضاً ولو كان نوى في الصبا أو العبودية , فجعلوا عرفة والطواف مناط النية وليس لهم دليل .
القول الثاني : أنها لا تجزئ عن الفرض لأنه شرع في الإحرام .
القول الثالث : أنه يفسخ عمرته وحجه ويبدأ من جديد لأنه فرض زاحم نفلاً من جنس واحد , ولكن يشكل عليه قوله تعالى " وأتموا الحج والعمرة لله "
- والحقيقة أن المسألة محتملة .
- أما النية فلا نشترط أن تكون نية فرض أو نفل لأنه لو نوى عن غيره وهو لم يحج عن نفسه وقعت عن نفسه .
وكذلك الصلاة لو بلغ في أثنائها قالوا تصح مع أنه دخل غير مكلف وذهب بعض أركانها .
إذن لماذا خصصوا عرفة : قالوا لأنها ركن , فالمسألة محتملة .
وإن قال قائل تصح حجته ما لم يتم مناسك الحج فلهذا القول وجاهته .
{ وإن عجز لكبر أو مرض لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر } :
هذا هو الأرجح وهو قول جمهور العلماء لقوله تعالى :" من استطاع إليه سبيلاً " . وهذا مستطيع بماله , وقد ثبت في الصحيح أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت " إن أبي أدركته فريضة الحج وهو لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم " فكونه قال نعم يدل على الوجوب .
- أما العمرة فبناءً على القول بوجوب العمرة .
{(1/4)
من حيث وجبا } :
أي من في المكان الذي وجب فيه عليه الحج وهذا هو المشهور في المذهب .
وقيل وهو اختيار السعدي وابن عثيمين رحمهما الله أنه من أي مكان حتى ولو كان من مكة لأن السفر غير مقصود لذاته وإنما مقصود لغيره .
{ ويجزآنه ما لم يبرأ قبل إحرام نائب } :
هذه المسألة على أحوال :-
الحالة الأولى : أن يبرأ المريض قبل أن يسافر نائبه فلزمه – أي المريض – الحج .
الحالة الثانية : أن يبرأ قبل أن يحرم النائب فلا يجزئ عنه وهو قول الجمهور .
الحالة الثالثة : أن يبرأ بعد إحرام النائب وقبل الانتهاء من مناسك الحج ففيه خلاف والصواب أنه يصح عنه .
الحالة الرابعة : أن يبرأ بعد انتهاء النائب من الحج فهذا مجمع على وقوعه عنه .
{ وشرط لامرأة محرم أيضاً } :
اختلف أهل العلم في هذه الشرطية هل هو شرط وجوب أم شرط وجوب الأداء :-
فالقول الأول : وهو رواية في المذهب واختيار ابن عثيمين أنه شرط وجوب فلا يلزمها حتى بمالها والدليل على شرطية المحرم قوله صلى الله عليه وسلم " لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم , قال رجل يارسول الله إنني اكتتبت في غزوة كذا وكذا وإن امرأتي خرجت حاجة , قال : انطلق فحج مع
امرأتك " .
القول الثاني : وهو رواية في المذهب أيضاً وهو قول لبعض أهل العلم أنه شرط وجوب الأداء وليس شرط وجوب فيجوز لها أن تخرج مع النساء الصالحات , واستدلوا :
أ- بالحديث السابق وأن المرأة سافرت في بداية الأمر وحدها .
ب- أن كل نفس تكلف بنفسها فكيف يكون تكليف عبد مناطاً بشخص آخر , وهذا القول وإن كان له وجهة نظر إلا أن القول الأول هو الراجح لكن لو حجت صح حجها مع الإثم .
{ فإن أيست منه استنابت } :
بأن رفض أو لم تجد أحداً أنابت من يحج عنها فالمؤلف يرى أنه شرط وجوب الأداء .
{ وإن مات من لزماه أخرجا من تركته } :
أي الحج والعمرة على القول بوجوب العمرة أو كذلك لو كانا منذورين , وهذه المسألة اختلف فيها على أقوال :-(1/5)
القول الأول : وهو المذهب أنها تخرج من تركته أي من المال كله لا من الوصية , لأن حقوق الله تعالى مقدمة على الوصية والورثة , ولأنه من جملة الديون وفي الصحيح " اقضوا الله فالله أحق أن يقضى "
القول الثاني : لا يخرج عنه لأن التكليف عليه .
القول الثالث : ابن القيم فصل في هذا فقال : إن كان تركه تهاوناً وكسلاً فلا يستناب عنه , وإن كان من نيته الحج لكن تأخر لأسباب فإنه يحج , هذه قاعدة عند ابن القيم حتى في الزكاة يقول بهذا .
{ وسن لمريد إحرام غسل } :
شرع المؤلف رحمه الله بمسنونات الإحرام فالأول الغسل .
جاء عند الترمذي من حديث زيد بن ثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل " وإن كان فيه مقال , إلا أنه جاء في مسلم من حديث عائشة أن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر فأمر رسول الله صلى الله عليه أبا بكر أن يأمرها أن تغتسل .
وجاء عند ابن أبي شيبة أن ابن عمر قال : " من السنة إذا أراد الإحرام أن يغتسل وإذا أراد أن يدخل مكة أن يغتسل " فقوله من السنة مرفوع حكماً . وهذا هو أصرح وأصح دليل .
{ أو تيمم لعذر } :
لأن التراب بدل الماء .
{ وتنظف } :
التنظف وإزالة الشعث والأظفار وحلق العانة يستحب عند الحاجة إليه للأدلة الثابتة في أن هذا من الفطرة التي ليست إزالتها لخصوصية الإحرام .
قال شيخ الإسلام : هذا مستحب عند كل اجتماع لكن ليست من خصائص الإحرام .
{ وتطيب في بدن } :
هذه المسألة على قولين :-
القول الأول : جمهور أهل العلم على أنه يستحب التطيب لما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها : " كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه ولحله قبل أن يطوف " .
القول الثاني : وهو رأي الإمام مالك : لا يستحب واستدل بحديث صاحب الجبة في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له :" اخلع جبتك " .
والصحيح قول الجمهور .
{ وكره في ثوب } :(1/6)
هذا هو المذهب وهو أيضاً مذهب الشافعي خلافاً للحنفية والمالكية وقد استدل الحنفية والمالكية بحديث صاحب الجبة السابق .
أما المذهب فدليلهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى المسك في جبهته وقطعاً سوف ينتقل إلى ثوبه .
واعلم أن قوله " وكره في ثوبه " خاص بما كان قبل الإحرام أما بعد الإحرام فإنه يحرم بالإجماع .
والراجح في المسألة أن التورع عنه أولى .
{ وإحرام بإزار ورداء أبيضين } :
لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم بإزار ورداء ونعلين " صححه ابن المنذر , وأما أبيضين فللأدلة المتضافرة في فضل البياض كحديث أبي هريرة رضي الله عنه " البسوا من ثيابكم البياض " .
{ عقب فريضة أو ركعتين في غير وقت نهي }
مسألة الإحرام بعد صلاة , اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال :
القول الأول : وهو المذهب بل الجمهور يستحب الإحرام عقب فريضة أو نافلة لما جاء في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" أتاني آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك ثم قل " عمرة في حجة " .
وجاء في مسند الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل دبر الصلاة .
القول الثاني : وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم قالا : " لا توجد للإحرام صلاة تخصه ولم يأت دليل في ذلك لكن إن كان قرب فريضة فالأفضل أن يؤخر الإحرام إلى الفريضة .
القول الثالث : وهو اختيار ابن باز رحمه الله إذا جعلها بعد ركعتي الوضوء أو سنة الضحى فهذا أحسن .
والصحيح أن يصلي سواء نافلة أو فريضة .
{ ونيته شرط } :
أي شرط للإحرام فلا يصح الإحرام إلا بنية , فلو أن إنساناً ذهب إلى المناسك كسائق أجرة مثلاً , وهو لم ينو فلا يحسب له حج , وبعض الحنابلة يعبر بأنها ركن .
{ والاشتراط فيه سنة } :
هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم على أقوال :(1/7)
القول الأول : وهو المذهب على أن الاشتراط سنة وهو أن يقول " لبيك عمرة فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني "
واستدلوا , بما ثبت في الصحيح من حديث ضباعة بنت الزبير أنها قالت :" يا رسول الله إني إريد الحج وأجدني شاكية فقال : حجي واشترطي وقولي " فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني " زاد النسائي : " فإن لك على ربك ما استثنيت : .
القول الثاني : ذهب الشافعي إلى جوازه لأنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اشترط ولا عن أحد من أصحابه.
القول الثالث : ذهب الظاهرة إلى وجوبه لقوله صلى الله عليه وسلم : " حجي واشترطي " .
القول الرابع : ذهب الحنفية والمالكية إلى عدم صحته وأنه لا أثر له وضعفوا حديث ضباعة .
والصواب وهو رأي شيخ الإسلام أن الاشتراط سنة لمن احتاج وفائدته أنه لو حبس خرج من الحج بلا شيء – أي بلا دم ولا حلق –
{ وأفضل الأنساك التمتع } :
هذا هو المذهب .
وقيل وهو مذهب المالكية أن الإفراد أفضل .
وقيل وهو مذهب الحنفية أن القِران أفضل .
والصواب أن التمتع أفضل إلا لمن ساق الهدي , قال الإمام أحمد :
" لا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج قارناً والتمتع عندي أفضل لأنه آخر الأمرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل وتأسف أنه ساق الهدي " .
{ وهو أن يحرم بعمرة في أشهر الحج } :
هذا هو الشرط الأول .
{ ويفرغ منها } :
هذا هو الشرط الثاني . إذ لو أدخل الحج على العمرة صار قارناً .
{ ثم به من عامه } :
أي ثم يحرم بالحج من عامه , وهذا هو الشرط الثالث .
{ ثم الإفراد } :
هذا هو المذهب أن الإفراد بعد التمتع في الأفضلية وهو مذهب مالك رحمه الله تعالى .
والصواب أن القِران أفضل لأن فيه نسكين ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج قارناً .
{ وهو أن يحرم بحج ثم بعمرة بعد فراغه منه }
ليس شرط عند الحنابلة أن يتبعه بعمرة .(1/8)
والصواب : أنه غير مشروع إلا لمن لم يسقط عمرة الفرض عن نفسه على القول بوجوبها , فلم يكن السلف يفعلون هذا .
{ والقِران } :
سمي قِراناً لأنه قرن بين نسكين في حجة واحدة .
{ أن يحرم بهما معاً أو بها ثم يدخله عليه قبل الشروع في طوافها } :
لأنه شرع في ركن العمرة , والدليل قصة عائشة رضي الله عنها فإنها أحرمت بالعمرة ثم حاضت ثم أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تدخل الحج عليها .
وبعض أهل العلم يرى أن اشتراط الطواف ليس عليه دليل بل له ذلك ولو بعد الطواف . وهذا هو الراجح .
{ وعلى كل من متمتع وقارن إذا كان أفقياً دم نسك بشرطه } :
أجمعت الأمة على أن على المتمتع دم وكذلك القارن بدليل فعل النبي صلى الله عليه وسلم , ولقوله تعالى : " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي .. " وشرطه أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام .
{ وإن حاضت متمتعة فخشيت فوات الحج أحرمت به وصارت قارنة } :
سواءً عند الإهلال أو عند دخول الحرم بشرط : أن تكون خشيت فوات الحج فإن لم تكن خشيت فوات الحج بأن تكون متقدمة لم يجز لها .
وقيل يجوز لكل إنسان أن يدخل الحج على العمرة لأن الأكبر يدخل على الأصغر وهذا ظاهر كلام الفقهاء كقول المؤلف " أو بها ثم يدخله عليها " وهذا جيد .
{ وتسن التلبية وتتأكد إذا علا نشزاً أو هبط وادياً } :
التلبية مشروعة بالإجماع وقد لبى النبي صلى الله عليه وسلم وقبله إبراهيم صلى الله عليه وسلم , ومعنى لبى أي أجاب , ولبيك مثنى لبى أي إجابة بعد إجابة , وقد ذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها , ويعضهم يرى أنها ركن .
والصواب ما ذكره المؤلف أنها سنة وهي من شعائر الحج .
وقد جاء عند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ما أفضل الحج قال : " العج والثج " لكن الحديث ضعيف .
وصفتها الصفة المعروفة , وزاد عمر وابن عمر بعض الزيادات وزاد أنس كذلك , فهل الاقتصار على الوارد أفضل أم الأخذ بهذه الزيادة ؟(1/9)
نقول إن التلبية في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الأفضل وإن قال الإنسان ما زاده الصحابة فهذا مشروع أيضاً لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسمعهم فلم ينكر عليهم .
{ أو صلى مكتوبة , أو أقبل ليل أو نهار , أو التفت الرفاق , أو ركب , أو نزل , أو سمع ملبياً , أورأى البيت , أو فعل محظوراً ناسياً } :
هذه المواضع تشرع فيها التلبية ولم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم تحديد لأماكن التلبية , وأما إذا علا نشزاً فظاهر ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ركب دابته لبى – لأنه علا – ولما صعد البيداء أهل كما في حديث أنس في الصحيح وجاء في حديث مرسل أنهم كانوا يستحبون التلبية في هذه الأماكن وكلها مراسيل لم يثبت فيها شيء .
لكن هل يستديمها :-
خلاف عند الحنابلة والصواب أنها سنة مطلقاً متأكدة في بعض المواضع .
وذهب شيخ الإسلام إلى أنها مشروعة عند الانتقال من منسك إلى منسك .
والصواب الأول لأنها شعار الحج إلا إذا جاء ذكر مخصوص فإنه يقدم عليها .
لكن هل تشرع للحلال ؟ خلاف :
فالحنابلة على الجواز وأنكر ذلك مالك , قال ابن مفلح رحمه الله ويتوجه أنه يكره لأنها للحج .
{ وكره إحرام قبل ميقات } :
أجمع العلماء على صحة إحرام من أحرم قبل المواقيت المكانية , لكن اختلفوا في المشروعية :-
فالحنابلة يرون أنه مكروه لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أحرم بذي الحليفة مع أنه على مقربة من بيته .
وذهب الشافعي إلى أن الإحرام من دويرة الأهل أفضل وهو مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما .
والصواب الأول , لفعل الصحابة الذين حجوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم .
{ وبحج قبل أشهره } :
اختلف العلماء في مسألة الإحرام بالحج قبل أشهر الحج :-
القول الأول : وهو المذهب على أنه يصح حجه لكن عمله مكروه , واستدلوا بقوله تعالى " وأتموا الحج والعمرة لله " .
القول الثاني : أنه لا ينعقد لا عمرةً ولا حجاً .(1/10)
القول الثالث : وهو مذهب الشافعي ومالك أن الإحرام بالحج قبل أشهر الحج لا ينعقد به الحج بل يجب إتمامه عمرة , واستدلوا بما ذكره البخاري في صحيحه معلقاً من حديث ابن عباس أنه قال " من السنة ألا يحرم للحج قبل أشهره " فقوله من السنة أي أنه مرفوع وقد قال تعالى " الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج " وهذا هو الصواب وهو اختيار ابن عثيمين رحمه الله .
" فصل "
{ وميقات أهل المدينة الحليفة } :
بعد المواقيت الزمانية ذكر المواقيت المكانية .
والميقات : هو المكان الذي يهل منه الحاج وسمي بذي الحليفة لوجود شجر الحلفاء .
{ والشام ومصر والمغرب الجحفة } :
الجحفة : بلدة على بعد عدة أميال عن المدينة وهي بلدة خربة الآن وهي التي دعا الرسول صلى الله عليه وسلم أن تنتقل حمى المدينة إليها , ثم انتقل المحرم إلى رابغ وهذا الانتقال قديم جداً في القرن السادس أو السابع .
{ واليمن يلملم } :
أو ( ألملم ) ولا يحرمون منها الآن .
{ ونجد قرن } :
نجد اليمن والطائف ونجد المشهورة كلهم يحرمون من قرن المنازل ويسمى قرن وهو الآن السيل الكبير .
والدليل على هذه الأربعة السابقة ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس أنه قال " وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل اليمن يلملم ولأهل نجد قرن هن لهن ولمن مر عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة " .
{ والمشرق ذات عرق } :
أجمع العلماء على أن أهل المشرق ميقاتهم ذات عرق , نقل الإجماع ابن قدامة وابن المنذر , وأهل المشرق هم العراق وخراسان – إيران الآن – وغيرها .
واختلف أهل العلم فيمن الذي وقت ذات عرق :-
فالحنابلة يقولون كلها نص عن النبي صلى الله عليه وسلم , واستدلوا بما في صحيح مسلم من حديث جابر " قال أحسبه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر المواقيت الخمسة .
وشك أبو الزبير – الراوي عن جابر – في رفعه .(1/11)
والعجيب أن مسلم ذكره , وقد قال في التمييز " ولا يصح حديث في أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت ذات عرق لأهل المشرق , وكذا قال ابن خزيمة وهو الصواب , وحديث عائشة عند أحمد ضعيف .
والقول الثاني : أن الذي وقتها عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما في البخاري أن أهل المشرق شكوا إلى عمر بن الخطاب بعد الميقات عنهم فقال : " انظروا إلى حذوها فنظروا فوجدوه ذات عرق بإجماع الصحابة .
{ ويحرم من بمكة لحج منها } :
أي : أن أهل مكة عند إحرامهم للحج يحرمون من مكة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس السابق : " وأما أهل مكة فمنها " . وهذا عليه عامة العلماء .
واختلفوا في أفضل المواضع وذكروا فيه عجائب , والصواب أنه يحرم من أي مكان .
{ والعمرة من الحل } :
أي أنه يحرم من الحرم إلى الحل لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أخاها أن يخرج بها إلى التنعيم .
وقد نقل الإجماع ابن قدامة وابن المنذر وغيره على هذا الحكم .
والعجيب أن بعض أهل العلم نسب إلى ابن القيم أنه يرى أنه يحرم بالعمرة من مكة وهذا غير موجود في كتبه يرحمه الله , ونسب هذا القول للبخاري لكن الإجماع منعقد .
{ وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة } :
لقوله تعالى " الحج أشهر معلومات " , وهي شوال وذي القعدة وعشر من ذي الحجة والشافعي يرى أنه تسع ليال , وقيل إن ذي الحجة كله من أشهر الحج لأن فيه أيام التشريق كلها مناسك ويجوز تأخير طواف الإفاضة .
ولذا رجح ابن عثيمين أنه الشهر كله وأنه لا يجوز تأخير أعمال الحج إلى محرم إلا لمضطر كنفساء .
{ ومحظورات الإحرام تسعة } :
جمع محظور وهو الممنوع كما قال تعالى : " كل ذلك كان سيئه عند ربك محظورا " وهذه المحظورات ذكرها أهل العلم وأثبتوها بالاستقراء وإلا فلم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن محظورات الإحرام تسعة .(1/12)
والإضافة سببية أي بسبب الإحرام , أو الإضافة ظرفية .
{ إزالة الشعر } :
حلقه أو نتفه أو قلعه , واختلف في القص وقد نقل ابن المنذر على أن حلق الرأس من محظورات الإحرام لقوله تعالى " ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله " . وفي قصة الحديبية دليل ظاهر وكذلك في قصة كعب بن عجرة في الصحيح .
قال الحنابلة " حلق شعر رأسه وجميع بدنه " فكذلك حلق اللحية والقدم والعانة ... . وهذا قول الجمهور .
وخالف ابن حزم فذهب إلى أن شعر بقية البدن ليس داخلاً .
بل ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتجم وهو محرم , والمحتجم يحتاج إلى حلق بعض الرأس .
والراجح أن الحكم في جميع شعر البدن , لكن لو حلق شيئاً من غير الرأس فإنه يتسامح معه .
{ وتقليم أظفار } :
نقل ابن المنذر الإجماع على هذا وليس فيه شيء في الكتاب أو السنة نصوص ولهذا خالف ابن حزم وقال ليس منها .
واستدل الجمهور بما رواه الطبري في قوله تعالى : " ثم ليقضوا تفثهم .." قال ابن عباس إزالة الوسخ والأظفار .
وهناك دليل أحسن وهو ما جاء في صحيح البخاري من حديث أم سلمة " إذا أراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا ظفره ولا بشرته شيئاً " ووجه الدلالة أن المضحي متشبه بالمحرم وينتظر يوم العيد ويقرب قرباناً ويكبر , وهناك شبه كبير بين المضحي والحاج .
{ وتغطية رأس ذكر } :
لما جاء في الصحيح في قصة الذي وقصته ناقته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تخمروا رأسه " . وقد انعقد الإجماع على أنه ليس للمحرم أن يغطي رأسه فهو خاص بالرجال , أما النساء فلها أن تغطي رأسها كما ثبت من حديث عائشة " كنا نسدل خمارنا إذا حاذانا الرجال " .
والتغطية أقسام :
1- ما كان غير متصل بالبدن - مثل الخيمة ونحوها - فهذا جائز وفيه خلاف لكن القول الثاني مهجور .
2- ما كان متصلاً بالبدن وغير ملتصق بالرأس – كالمظلة أو ما يسمى بالشمسية - ففيه خلاف والصواب الجواز .(1/13)
3- أن يكون متصلاً بالرأس وليس بقاصد للتغطية – كمن حمل فوق رأسه متاعاً - ففيه خلاف والصواب جوازه .
4- أن يكون ملتصقاً بالرأس وقصد به التغطية – كمن حمل متاعاً للتغطية لا لأجل الحمل - فهذا لا يجوز .
وأما الوجه : فاختلف العلماء فيه والمشهور عند الحنابلة أنه يجوز .
وذهب مالك إلى المنع بدليل ما رواه مسلم في صحيحه من حديث الرجل الذي وقصته دابته
" لا تخمروا وجهه ولا رأسه "
وهذه اللفظة – وجهه – أعلت بالشذوذ , ولكن بعض أهل العلم قال : إنها تثبت بالأسانيد الأخرى .
والصواب أنها شاذة ولا تثبت , والصواب جواز تغطية الوجه لا سيما إذا احتاج لذلك .
{ ولبسه المخيط إلا سراويل لعدم الإزار } :
بالإجماع لحديث ابن عمر في الصحيحين " لا يلبس المحرم السراويل ولا القلانس ولا العمائم ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين " .
والمخيط : ما خيط على قدر العضو , وليس كما يفهم البعض وهو ما كان فيه الخياطة , ويقول ابن عثيمين رحمه الله : إن أول من تكلم بلفظ المخيط هو إبراهيم النخعي فأشكل على الناس .
{ وخفين لعدم نعلين } :
لما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه : " ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما " .
وهذا مذهب الجمهور أنه يقطعهما .
ومذهب الإمام أحمد أنه لا يقطعهما واستدلوا بما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب بعرفات – وذكر فيه – " من لم يجد نعلين فليلبس الخفين " ولم يذكر وليقطعهما .
وزيادة يخطب بعرفات : الحديث محفوظ من سبعة طرق عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس كلهم بلفظ " يخطب " , إلا شعبة زاد " يخطب بعرفات " ولهذا لما ساقه مسلم قال : " زاد شعبة بعرفات ولم يذكره غيره " .
- والفائدة من قوله بعرفات حتى نعلم النسخ .(1/14)
لكن نسأل الحنابلة : من قال إن حديث ابن عمر في المدينة ؟ روي ذلك في المسند أن ابن عمر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المنبر " .
ولم أقف على إسناد صحيح بتحديد المكان , إذن لم يصح حديث بتحديد المكان ولهذا يقول الخطابي : عجباً لأحمد فإنه ما علم بسنة وتركها إلا هذه السنة , وقال الزركشي : عجباً للخطابي كيف عجب من أحمد , لأنه لم يتركها بل جعل ناسخاً أو منسوخاً .
والمسألة محتملة والفتوى على المذهب .
{ والطيب } :
الطيب بالإجماع على أنه محظور من محظورات الإحرام , قال صلى الله عليه وسلم " ولا ثوب مسه ورس ولا زعفران ".
وقال في الذي وقصته دابته " ولا تحنطوه " .
وإن كان مالك كره الطيب قبل الإحرام , لكن الجمهور على استحبابه لفعل النبي صلى الله عليه وسلم .
{ وقتل صيد البر } :
لما في البخاري " إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرم " وقوله تعالى " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " وهذا مجمع عليه عند الأئمة .
{ وعقد نكاح } :
لحديث عثمان رضي الله عنه " لا ينكح المحرم ولا ينكح " .
{ وجماع } :
انعقد الإجماع على أنه من محظورات الإحرام لقوله تعالى : " فمن فرض فيهن الحج فلا رفث " قال ابن عباس وغيره :
" هو الجماع " .
{ ومباشرة فيما دون فرج } :
بالإجماع لقوله تعالى : " فلا رفث " .
{ ففي أقل من ثلاث شعرات وثلاثة أظفار في كل واحد فأقل طعام مسكين } .
وقال بعض الحنابلة " حفنة من طعام " .
والصواب : أنه لا يجب عليه شيء لأنه لا يسمى حالقاً والرسول صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم ولا بد له من حلق .
وكذلك الأظفار لا يجب عليه إلا من قلم متعمداً من باب الاحتياط .
{ وفي الثلاث فأكثر دم } :
لأنه جمع , وهذا خلاف , والراجح كما سبق في احتجام النبي صلى الله عليه وسلم .
{ وفي تغطية الرأس بلاصق ولبس مخيط وتطيب في بدن } :(1/15)
هذا بعد الإحرام وليس قبله واستدامته جائزة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم , لكن مالك كرهه كما سبق .
{ أو ثوب } :
سبق أن الحنابلة يكرهون تطييب الثوب والمقصود في هذه المسألة بعد الإحرام فالتطيب بعد الإحرام محظور بالإجماع , وقبله فيه خلاف , وإذا لبسه ثم خلعه فهل يرجعه ؟ عند الحنابلة أنه لا يرجعه وهو الصواب .
{ أو شم أو دهن الفدية } :
وهذا مذهب أكثر أهل العلم لأنه يقصد به الترفه والمحرم ممنوع من الترفه والتلذذ وذهب بعض أهل العلم إلى أنه ليس من المحظورات ورجح ابن القيم أنه من المحظورات وهو الراجح .
والصحيح في المطيبات كالصابون ونحوها الجواز مع أن الأولى تركها .
{ وإن قتل صيداً مأكولاً برياً أصلاً فعليه جزاؤه } :
لقوله تعالى : " فمن قتله منكم متعمداً فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم " .
{ والجماع قبل التحلل الأول في حج وقبل فراغ سعي في عمرة مفسد لنسكها مطلقاً }
لابد أن يكون قبل التحلل الأول , ويترتب عليه فساد النسك .
{ وفيه لحج بدنة } :
هذا هو الأمر الثاني مما يترتب على الجماع قبل التحلل الأول والصواب أنه مجمع عليه عند أهل العلم .
{ والعمرة شاة } :
بإجماع الصحابة وقيل بدنة .
{ ويمضيان في فاسده } :
هذا هو الأمر الثالث .
{ ويقضيانه مطلقاً إن كانا مكلفين فوراً } :
هذا هو الأمر الرابع .
{ و إلا بعد التكليف } :
هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم :
فالجمهور على أنه يلزم غير المكلف قضاء الحج .
وقيل وهو مذهب الحنفية أنه ليس عليهما قضاء لأن لهما رفض الإحرام , وهذا جيد .
{ وحجة الإسلام فوراً } :
يعني يقضي حجة الإسلام قبل هذا الحج الفاسد .
والصحيح وجوب الحج على الفور وهو مذهب الجمهور .
{ ولا يفسد النسك بمباشرة } :
هذا صحيح فلا يفسد الحج إلا شيء واحد وهو الجماع والمباشرة هي مادون الجماع .
{ ويجب بها بدنة إن أنزل } :
هذه مسألة خلافية فهذا المذهب وقيل عليه شاة , وليس فيها دليل .
{(1/16)
و إلا شاة } :
أي وإن لم ينزل فشاة ولا دليل عليها وبعضهم يرى أن لا شيء عليه .
{ ولا بوطء في حج بعد التحلل الأول وقبل الثاني لكن يفسد الإحرام فيحرم من الحل ليطوف للزيارة في إحرام صحيح } :
لأن طواف الإفاضة من مناسك الإحرام ولا بد أن يأتي بطواف الإفاضة بإحرام صحيح وهذه المسألة خلافية فبعض أهل العلم يرى أنه لا يجدد الإحرام وهذا القول له وجاهة .
{ ويسعى إن لم يكن سعى وعليه شاة } :
وهذا من فتاوى الصحابة ليس فيها دليل .
مسألة : لم يذكر المؤلف رحمه الله المباشرة بعد التحلل الأول :
فمذهب الحنابلة أنه لا يجوز وفيه فدية .
وقيل وهو رواية في المذهب أنه يفسد .
والصواب أنه لا يجوز ولكن ليس عليه شيء - أي تجديد الإحرام - .
والخلاف في الفدية هو الخلاف في أصل المحظورات , والراجح أنه لا شيء عليه إلا المتلاعب فإنه يؤدب .
{ وإحرام امرأة كرجل إلا في لبس مخيط وتجتنب البرقع والقفازين وتغطية الوجه فإن غطته بلا عذر فدت } :
بناء على حديث يروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " إحرام المرأة في وجهها " وهذا الحديث لا أصل له وإنما هو من كلام ابن عمر رضي الله عنه .
والصواب أن الأفضل عدم تغطية الوجه للمرأة إلا عند الأجانب لكن لو غطته فهذا جائز لعدم ورود نهي , وإذا كان الرجل يجوز له أن يغطي وجهه فالمرأة من باب أولى .
باب دخول مكة
{ يسن نهاراً } :
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين دخل نهاراً , وهل هو وقع قصداً أم وقع اتفاقاً فيه خلاف , والصواب أنه وقع اتفاقاً .
وقد يستدل بعض أهل العلم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يستحب الدخول نهاراً على البلد وعدم طرق أهله ليلاً , لكن هذا قياس مع الفارق لأن الحكمة في النهي عن طرق أهله ليلاً ليست موجودة هنا .
{ من أعلاها } :(1/17)
لفعل النبي صلى الله عليه وسلم أي من " كَدَى " , والصواب أن هذا أيضاً وقع اتفاقاً لأنه أسمح لدخوله , ولهذا أنكرت عائشة على من يتعمد الخروج من المحصب وقالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لأنه أسمح لخروجه .
{ والمسجد من باب بني شيبة } :
أي يسن الدخول منه وهو آخر الأبواب من جهة المسعى في قبالته البيت وهو في الأصل مقابل باب السلام , وقد ورد في ذلك حديث عند الطبراني بإسناد ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل من باب عبد مناف وهو الذي يسميه الناس باب بني شيبة " ولكنه ضعيف , وذكر صاحب الروض حديث وأخطأ فيه .
{ فإذا رأى البيت رفع يديه وقال ماورد } :
المقصود الكعبة , ورفع اليدين ورد في حديث مرسل عن ابن جريج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت قال : " اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتكريماً وتعظيماً ومهابة , وزد من شرفه تكريماً ومهابة وبراً " ولكنه مرسل .
ولهذا قال البيهقي لا أعلم في رفع اليدين والدعاء عند رؤية البيت حديث صحيحاً فلا آمر به ولا أنكره .
وقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنه بإسناد قابل للتحسين أنه كان إذا رأى البيت قال : " اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام " بدون رفع اليدين .
مسألة :- متى تنقطع التلبية ؟
اختلف أهل العلم في وقت انقطاع التلبية على أقوال :-
القول الأول : أنها تنقطع بدخول الحرم وورد ذلك في البخاري أن ابن عمر رضي الله عنه كان يفعله ويذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعله .
القول الثاني : إذا رأى البيت وشرع في الطواف , وهو المذهب , لما في السنن من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع التلبية عندما رأى البيت " ولكن الحديث ضعيف .
القول الثالث : عند رؤية عمران مكة .
القول الرابع : حتى ينتهي من العمرة , وهو مذهب ابن حزم .(1/18)
والصواب في حق المعتمر الأول , أما الحاج فلا ينقطع إلى رمي الجمرات والمراد بالحرم هنا : حدود الحرم .
{ ثم طاف مضطبعاً للعمرة المعتمر } :
والطواف في حقه ركن .
والاضطباع : أن يجعل طرف ردائه الأيمن تحت عضده الأيمن ويجمع الطرفين على كتفه الأيسر ودليل ذلك حديث يعلى عن أبيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعاً " رواه الترمذي بإسناد جيد .
{ وللقدوم غيره } :
اختلف أهل العلم في حكمه :
... (1) الجمهور أنه سنة لأن عائشة رضي الله عنها لم تطف طواف القدوم ولم تجبره بدم .
... (2) مالك يرى أنه يجبر بدم .
والصواب الأول , وفي هذا دليل على أنه لا يحيي البيت بركعتين وإنما تحية البيت الطواف خلافاً لمن ذهب إلى أنه يستحب صلاة ركعتين مطلقاً .
{ ويستلم الحجر الأسود و يقبله } :
الاستلام من السلام وقد ورد في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استلم الحجر بيده ثم قبلها وقد ورد ذلك أيضاً في الصحيح من حديث عمر أنه قال : والله إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك " .
{ فإن شق أشار إليه ويقول ما ورد } :(1/19)
فإن شق استلمه بشيء ثم قبله بدليل حديث أبي الطفيل عند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : استلم الحجر بمحجنه ثم قبله , ثم إن شق أشار إليه بدليل ما رواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشار بيده إلى الحجر وكبر , والذي ورد التكبير لحديث ابن عباس السابق , أما التسمية فلم ترد عن الرسول صلى الله عليه وسلم بل عن ابن عمر بإسناد صحيح أنه كان يقول في أول شوط " بسم الله والله أكبر " فكأنه سمى لأنها بداية , وكان يقول : " اللهم إيماناً بك وتصديقاً لكتابك واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم .." كل هذا ثابت عن ابن عمر ولم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله جيد أما التسمية فقد يقال لا يسم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل .
{ ويرمل الأفقي في هذا الطواف } :
الرمل سنة , وهو مقاربة الخطى , وليس الوثب هو الرمل ولا النزو , قال ابن عثيمين رحمه الله : " ولا هز الكتفين وإنما هو من فعل الجهال " .
ودليل الرمل ما في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رملوا في طوافهم .
مسألة : هل يكبر في كل شوط ؟
الصواب أنه كلما حاذى الحجر كبر , وقد ورد هذا عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كلما حاذى الحجر كبر في كل طوافه .
أما ما يقال بين الركنين : فالوارد فيه حديث ضعيف ولكن فعله لا بأس به .
والأظهر عدم التكبير في نهاية الشوط الأخير لأن التكبير إحرام للشوط .
{ فإذا فرغ صلى ركعتين خلف المقام } :
لحديث جابر في الصحيحين , والصواب أنه يقرأ سورتي التوحيد : الكافرون والصمد كما في حديث جابر رضي الله عنه .(1/20)
ثم يستلم الحجر الأسود لما في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه , قال أهل العلم وهي تحية المسعى , وهل يشرع تقبيل الحجر الأسود في غير طواف ؟ يقول ابن عثيمين رحمه الله : لا أعلم دليلاً في استحبابه ومن عنده دليل فليأتنا به .
{ ويخرج إلى الصفا من بابه } :
ويقرأ " إن الصفا والمروة من شعائر الله " وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أبدأ بما بدأ الله به " كما في صحيح مسلم .
وعليه : فهل قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لبيان سبب التشريع أو لأن قراءتها من المناسك , الصواب : أن قراءتها من المناسك .
ولهذا كان الصواب أيضاً من كلام أهل العلم أن الأفضل قراءة " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " عند الذهاب لصلاة ركعتين لأن هذا من التأسي .
غير أنه في المسعى لا يكون ذلك في كل طوافه بل لا يقوله إلا مرة واحدة عند صعوده الصفا قبل الشوط الأول .
{ فيرقاه حتى يرى البيت } :
ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه , وهذه أول سنة بعد صعوده للجبل .
{ فيكبر ثلاثاً ويقول ما ورد } :
الثاني من السنن رفع اليدين لما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه .
الثالث : يكبر ثلاثاً لما في مسند أحمد من حديث جابر رضي الله عنه وفيه أنه كبر ثلاثاً .
الرابع : يذكر الله جل وعلا بقوله : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير , لا إله إلا الله وحده , نصر عبده , وأعز جنده , وهزم الأحزاب وحده .
الخامس : يدعو بما أحب من خيري الدنيا والآخرة , يفعل ذلك - أي ماسبق من الذكر والدعاء - ثلاثاً .
واختلف في دعائه الأخير هل يدعو أولاً ؟ وظاهر حديث جابر رضي الله عنه يحتمل عدم الدعاء , فيكون قال الذكر ثلاث مرات ودعا مرتين .
{ ثم ينزل ماشياً إلى العلم الأول فيسعى شديداً إلى الآخر } :
كله ثابت في حديث جابر رضي الله عنه في صحيح مسلم .(1/21)
وأما ما بين العلمين فقد أجمع أهل العلم على استحباب الإسراع بينهما لما ثبت في حديث جابر رضي الله عنه , وأجمعوا على أن المرأة لا تركض وأنه خاص بالرجال .
{ ثم يمشي ويرقى المروة ويقول ما قاله على الصفا } :
هذا ثابت أيضاً في حديث جابر رضي الله عنه .
{ ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه إلى الصفا , يفعله سبعاً , ويحسب ذهابه ورجوعه } :
كله مجمع عليه .
{ ويتحلل متمتع لا هدي معه بتقصير شعره ومن معه هدي إذا حج } :
فيه مسائل :
أولاها : أن التحلل خاص بالمتمتع وهذا ثابت في حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين : " فأما من أهل بعمرة فحل , وأما من ساق الهدي أو أهل بالحج فلم يحل " .
ثانيها : تقصير الشعر عند المؤلف أفضل من الحلق وذلك من أجل أن يترك شعراً لنسك الحج , وهذا فيما إذا كان الوقت بين النسكين قريباً جداً وأما إذا كان طويلاً فالأفضل الحلق .
ثالثها : هل للمتمتع أن يسوق الهدي ؟
القول الأول : الحنابلة يرون أن له ذلك غير أنه لا يحل أي لا يحلق لأنه لا يحلق رأسه حتى يبلغ الهدي محله فيكون متمتعاً ومع ذلك لا يحل .
والمتمتع سمي بذلك لأنه يتمتع بالإحلال وهذا لم يتمتع .
القول الثاني : ذهب بعضهم إلى أنه ليس للمتمتع أن يسوق الهدي فإن فعله فنسكه القران فقط , ورجح هذا ابن عثيمين رحمه الله وقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم أسف على أنه ساق الهدي وتمنى أنه لو تمتع فلو كان سوق الهدي لا يمنع التمتع لفعله صلى الله عليه وسلم , وهذا قوي .
وقيل إن المتمتع إن ساق الهدي فإنه يتحلل لأن سوق الهدي للحج ولم يدخل في الحج حتى الآن .
{ والمتمتع يقطع التلبية إذا أخذ في الطواف } :
الحكم هنا خاص بالمتمتع , فالمشهور من المذهب ما ذكر واستدلوا بما رواه الترمذي , وقد سبق ذكر هذه المسألة .
فصل في صفة الحج والعمرة
{ يسن لمحل بمكة الإحرام بالحج يوم التروية } :(1/22)
أي المتمتع أو أهل مكة في الأنساك الثلاثة كلها يوم التروية : وهو اليوم الثامن , من مكة : لحديث ابن عباس في الصحيحين : " وأما أهل مكة فمن مكة " وليس هناك موضع خاص بالإحرام كما ذكره بعض أهل العلم بل هو من أي مكان .
وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أهلوا بالحج لما توجهوا إلى منى , والرسول صلى الله عليه وسلم توجه إلى منى ضحى , ولهذا يعبر بعض أهل العلم بأنه يسن الإحرام قبل الزوال , وهذا أحد الروايات , وقيل وهو رواية في المذهب بعد الزوال والأول أحسن .
{ والمبيت بمنى } :
ليته قال : والصلاة بمنى جميع الصلوات عدا الفجر .
والمبيت بمنى بالإجماع أنه من سنن الحج , لحديث عروة بن مضرس في قوله " صح حجه وقضى تفثه " ولم يشترط المبيت بمنى قبل الوقوف بعرفة فقط .
{ فإذا طلعت الشمس سار إلى عرفة } :
لحديث جابر رضي الله عنه في صحيح مسلم خلافاً للحنفية وهو رواية في المذهب أنه يذهب بعد الفجر لحديث ابن عمر رضي الله عنه عند الإمام أحمد رحمه الله لكن فيه كلام وتوجيهه سهل .
{ وكلها موقف إلا بطن عرنة } :
كما في حديث جابر رضي الله عنه " وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف " .
وأما عرنة فاختلف فيه هل هو من عرفة أم لا ؟ :
فالجمهور على أنه ليس منها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وارفعوا عن بطن عرنة " .
ومالك رحمه الله فيما نسب إليه يقول إنه من عرفة .
- ونمرة أيضاً ليست من عرفة لأن عرنة بين نمرة وعرفة , ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم انتقل منها .
{ وجمع فيها بين الظهر والعصر تقديماً } :
أجمع أهل العلم على هذا , لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر .
واختلفوا في الوجوب :-
فالجمهور على أنه يستحب الجمع بين الظهرين .
والحنفية يرون أنه يجب الجمع بينهما لأنه من أنساك الحج .
والراجح أنه سنة .
- ولم يذكر المؤلف حكم القصر : فالناس فيه على ثلاثة أقسام :(1/23)
1- من ليسوا من أهل مكة ولا قريباً منها , وبينهم وبينها مسافة قصر فهؤلاء يجمعون ويقصرون عند الجماهير .
2- من هم من أهل مكة أو بينهم وبينها أقل من مسافة قصر وهم حجاج , فاختلف أهل العلم فيهم :-
القول الأول : وهو رأي الجمهور على أنهم لا يقصرون ويجوز لهم الجمع .
القول الثاني : وهو مذهب الشافعي واختيار ابن عثيمين أنهم يقصرون ويجمعون بناءً على قولهم أن القصر للعرف .
والعجيب أن ابن باز رحمه الله يشترط المسافة للقصر ومع ذلك كان يأمر من معه من أهل مكة الحجاج أن يقصروا , فظاهره أنه يرى أنه نسك .
ولم يتبين لي في هذه المسألة شيء .
3- من هم من أهل مكة أو قريباً منها وليسوا حجاجاً فعلى الخلاف السابق وهؤلاء الصواب فيهم أنهم لا يقصرون ولا يجمعون .
{ وأكثر الدعاء مما ورد } :
ورد عند أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" خير الدعاء دعاء يوم عرفة , وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " .
هذا ضعيف ولم يثبت في الباب حديث في تحديد دعاء النبي صلى الله عليه وسلم .
{ ووقت الوقوف من فجر عرفة إلى فجر النحر } :
هذه مسألة كبيرة جداً , ولها ثمرة عظيمة فالحنابلة على ما ذكره المؤلف بدليل حديث عروة بن مضرس : " وشهد صلاتنا ووقف معنا وكان قد وقف قبل ذلك من ليل أو نهار فقد صح حجه وقضى تفثه " رواه أهل السنن بإسناد جيد .
وقيل إن وقت الوقوف يبدأ من زوال الشمس وهو مذهب الجمهور بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبدأ وقوفه إلا بعد الزوال .
وثمرة الخلاف :-
فيما لو وقف قبل الزوال , وتتصور هذه المسألة فيما لو مرض مثلاً وخرج من عرفة هل يصح حجه أو لا .
والصواب : أن وقت الوقوف يبدأ بعد زوال الشمس لكن من لم يقف إلا قبل الزوال فلا يمكن إفساد حجه .
{ ثم يدفع بعد الغروب إلى مزدلفة بسكينة } :(1/24)
هذا ثابت في حديث جابر رضي الله عنه : " وكان يمشي السكينة ويقول أيها الناس السكينة السكينة " . وفي البخاري : " فإن البر ليس بالإيضاع " أي سرعة الوصول والوضع .
{ ويجمع فيها بين العشاءين تأخيراً } :
هذا ثابت بالإجماع ومستنده حديث جابر رضي الله عنه فإنه أول ما وصل إلى مزدلفة صلى العشاءين وقوله تأخيراً :
ظاهره حتى لو جاء في أول الوقت لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم .
وقيل يصلي متى وصل سواء كان في المغرب أو في العشاء .
وقيل يصلي كل صلاة في وقتها إذا وصل مبكراً .
والصواب الثاني لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما وصل بدأ بالصلاة , وللمخالف أن يقول نظرتم إلى الدليل بنظرين : أنه صلى في وقت العشاء , ولم تنظروا أنه بدأ أعمال مزدلفة بالصلاة , وإن فعل فقد ترك شرطاً آخر وهو كونها صلاها في العشاء .
لكن المرجح هل الحكمة صلاتها في العشاء أو أن الناس يصلون ثم يرتاحون .
والراجح : أنه يصليها متى ما وصل .
{ ويبيت بها } :
قيل المبيت واجب وهذا هو المشهور في المذهب .
وقيل سنة .
وقيل ركن وهو مذهب بعض التابعين وهم قلة , ورجحه الألباني رحمه الله .
والصواب أنه واجب .
مسألة : لم يذكر المؤلف هل يوتر أم لا :-
وهذه المسألة في نظري ليست بحاجة إلى خلاف وذلك أن جابر رضي الله عنه لم يذكر أنه صلى أو لم يصل ولا غيره من الصحابة , والذي ينبغي أن يعلم أن جابر رضي الله عنه التزم بذكر ما فيه تعلق في الحج وغيره من الصحابة كذلك .
فلو وضعنا هذه القاعدة وهي أن كل ما لم يذكره فلم يفعله , لانخرم علينا الشيء الكثير , لكن ينبغي أن يكون الضابط : الأصل بقاء ما كان على ما كان إلا إذا جاء الدليل بنفيه .
فمثلاً لم يذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى راتبة الفجر , فلماذا لم يختلفوا فيها ؟ والمتأمل في حديث جابر رضي الله عنه يجد أن الذي ذكره جابر كله متعلق بالحج أو تشريع جديد أو نفي شيء سبق تشريعه .
{(1/25)
فإذا صلى أتى المشعر الحرام } :
وهو المسجد الآن فيذهب إليه إن تيسر له ذلك و إلا فمن مكانه , وأجمع أهل العلم على أنه سنة وليس بواجب .
ثم يستقبل القبلة كما في حديث جابر رضي الله عنه ويدعوا , والسنة رفع اليدين في الدعاء .
{ فرقاه ووقف عنده وحمد الله وكبر وقرأ " فإذا أفضتم من عرفات " الآيتين , ويدعو حتى يسفر ثم يدفع إلى منى } :
هذا بالإجماع وقصده مخالفة المشركين وكانوا يدفعون بعد طلوع الشمس وكان يقول قائلهم : أشرق ثبير – زاد النسائي : كيما نغير .
{ فإذا بلغ محسراً أسرع رمية حجر } :
الصواب فيه أنه برزخ بين منى ومزدلفة وهو رمية حجر .
{ وأخذ حصى الجمار سبعين أكبر من الحمص ودون البندق } :
ظاهره أنه يأخذها من محسر والمشهور من المذهب أنه يأخذها من أي مكان , وعند بعض المتأخرين من الحنابلة يأخذها من مزدلفة سبعين حصاة .
والصواب أنه لا يأخذ السبعين حصاة , ولم يرد دليل على هذا .
أما حصى جمرة العقبة فليس هناك دليل واضح في مكان أخذ النبي صلى الله عليه وسلم لها , وجاء في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من منى ولكنه معلول .
والمتأمل يجد أن السنة أن الأمر في ذلك واسع سواء من مزدلفة أو من منى أو عند الجمرة , وفي الباب أحاديث لكنها إما ضعيفة أو ليست بصريحة .
وثبت في مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بمثل هذه فارموا " وهي حصاة الخذف كما ذكر المؤلف .
{ فيرمي جمرة العقبة وحدها بسبع } :
هذا ثابت في حديث جابر وابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم كلها في الصحيح , قالوا : إن جمرة العقبة تحية منى .
وكونها سبع بالإجماع .
وإتيان الجمرة ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع منى عن يمينه ومكة عن يساره " .
أما ما روى الإمام أحمد من أنه استقبل البيت فهذا شاذ فيستحب فعل الأول إن تيسر و إلا فالأيسر على الإنسان أولى .
{(1/26)
يرفع يمناه حتى يرى بياض إبطه } :
هذا ثابت في الصحيح من فعل النبي صلى الله عليه وسلم : لكن كما قال ابن عثيمين رحمه الله لا يلزم إذا كان عند الجمرة قريباً منها فيجوز له حينئذ أن يلقيها فالرفع غير مقصود فلذلك يجوز وضعها وضعاً عند الشيخ رحمه الله وهو الصحيح .
ويجب وقوعها في المرمى ولا يفتِ الإنسان بخلافه إلا عند الحاجة .
{ ويكبر مع كل حصاة } :
هذا ثابت في حديث ابن عباس رضي الله عنه في الصحيح بدون تسمية .
{ ثم ينحر } :
لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم لما رمى الجمار , والصحيح أن النحر ليس له تعلق بالإحلال .
{ ويحلق } :
لفعله صلى الله عليه وسلم .
{ أو يقصر من جميع شعره } :
هذا مفضول وليس فاضلاً لما في الصحيحين : " اللهم اغفر للمحلقين .. " .
{ والمرأة قدر أنملة } :
ثبت هذا في حديث ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما .
{ ثم قد حل له كل شيء إلا النساء } :
وهذا مذهب الجمهور وهو أن يفعل اثنين من ثلاثة حتى يحل إحرامه ولم يثبت حديث واحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة وإنما هي سنته الفعلية صلى الله عليه وسلم , فإنه لم يحل حتى رمى وحلق .
فكلما رأيت حديثاً صريحاً في هذه المسألة فاحكم عليه بالضعف سواء كان للقول الأول أو الثاني , أما عمر رضي الله عنه فله رأيان , كلاهما صح عنه أنه قال : إذا رميت وحلقت أو إذا رميت فقد حل كل شيء .
{ ثم يفيض إلى مكة فيطوف طواف الزيارة وهو ركن } :
لحديث جابر رضي الله عنه , ونقل ابن المنذر أنه يستحب إذا أراد أن يطوف أن يغتسل ويقص أظفاره ويتنظف , وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يفعله .
{ ثم يسعى إن لم يكن سعى وقد حل له كل شيء } :
هذا السعي على المتمتع وهو قول أكثر أهل العلم أن عليه سعيان .
وذهب بعضهم إلى أن المتمتع والقارن عليه سعيان .
وقيل هو رواية في المذهب واختيار شيخ الإسلام أنه ليس عليهما إلا سعي واحد كالمفرد .(1/27)
والصواب الأول لحديث عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم .
{ وسن أن يشرب من زمزم لما أحب } :
ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه بعد طواف الإفاضة , أما في طواف العمرة وطواف القدوم فلم ينقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه شرب , وحديث جابر رضي الله عنه : " ماء زمزم لما شرب له " حديث ضعيف لكن معناه صحيح فإنه ماء مبارك ولكن في مسلم " ماء زمزم طعام طعم " زاد الطيالسي " وشفاء سقم " والزيادة جيدة .
{ ويتضلع منه ويدعو بما ورد } :
كل الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم لم تثبت بإسناد صحيح .
{ ثم يرجع فيبيت بمنى ثلاث ليال } :
لحديث جابر رضي الله عنه وغيره , والمبيت بمنى واجب على الصحيح من كلام أهل العلم والدليل : أن العباس استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السقاية بمكة فرخص له , فدل على أنه في الأصل واجب ويسقط بالعجز , فمن لم يجد مكاناً إلا الشارع فلا يبيت فيه .
والصواب في وقت جمرة العقبة أنه إلى طلوع الفجر من اليوم الثاني , بل إن ابن عمر رضي الله عنه كان يذهب بأهله عشاء .
{ ويرمي الجمار في كل يوم من أيام التشريق بعد الزوال وقبل الصلاة } :
لما في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة ضحى ورمى الجمرات الثلاث بعد الزوال .
وجاء في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال : " كنا نتحين زوال الشمس " .
وجاء في الصحيح أيضاً " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس وانتظر حتى زالت الشمس ثم رمى ثم صلى " , هذا هو الصحيح في الرمي .
وقيل يجوز الرمي قبل الزوال مطلقاً .
وقيل في النفر الأول والنفر الثاني وهو المشهور عند أبي حنيفة رحمه الله .
والصواب الأول , والأدلة فيه ظاهرة وهو ظاهر قصة جابر رضي الله عنه .
مسألة : طريقة الرمي :-(1/28)
يرمي الأولى بسبع ويكبر مع كل حصاة , أما إتيانها فلم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث صحيح صريح في طريقة الإتيان , خلافاً للحنابلة , ثم يمشى ثم يستقبل القبلة ويدعو دعاء طويلاً , ولم يرد شيء في مدته .
ثم يذهب إلى الوسطى ولم يرد أيضاً شيء في صفة إتيانها , ثم يأخذ ذات الشمال ثم يدعو دعاء طويلاً ثم يرمي جمرة العقبة ولا يدعو , واستنبط أهل العلم سبب تركه للدعاء بعد العقبة بأنه انتهى من العبادة والدعاء يكون في العبادة .
{ ومن تعجل في يومين إن لم يخرج قبل الغروب لزمه المبيت والرمي من الغد } :
وهذا منقول عن عمر رضي الله عنه ولم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث صحيح في هذا , وظاهر القرآن يدل على هذا : " فمن تعجل في يومين .. " .
لكن لو أن الإنسان تهيأ ولم يستطع الخروج كما يحصل في هذا العصر فإنه قد خرج في الحقيقة لأنه نوى , حتى لو تأخر عن الرمي إلى الليل خارجاً عن إرادته فله الخروج .
{ وطواف الوداع واجب } :
على الصحيح لحديث " أحابستنا هي " وقوله صلى الله عليه وسلم : " ولا ينفر أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت الطواف " رواه البخاري .
{ يفعله ثم يقف في الملتزم داعياً بما ورد } :
لم يرد شيء عن الرسول صلى الله عليه وسلم , وإنما عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما , لكن يجوز له الإقتداء بالصحابة .
{ وسن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه } :
بل هذا سفر منكر , وتعظيم المشاهد من فعل الجاهلية , وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ..." .
لكن له أن يشد الرحل إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويدخل فيه تبعاً .
{ وصفة العمرة أن يحرم بها من بالحرم من أدنى الحل } :(1/29)
نقل ابن قدامة وابن المنذر الإجماع على هذا , ونقله جماعة , لكن البخاري بوب تبويباً يدل على أن أهل مكة يحرمون من مكة للعمرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس في
الصحيحين : " وأما أهل مكة فمن مكة " .
ونقل الشنقيطي أنه قول ابن القيم لكن ما وجدناه في كتبه .
ودليل المؤلف فعل عائشة رضي الله عنها لما اعتمرت من التنعيم .
{ وغيره من دويرة أهله إن كان دون ميقات و إلا فمنه ثم يطوف ويسعى ويقصر }
18/11/1424هـ(1/30)
بسم الله الرحمن الرحيم
الأنساك في الحج ثلاثة أنواع :-
الأول : التمتع والثاني القران والثالث الإفراد .
وهذه الأنساك ليست من تقسيم الفقهاء بل استندت إلى دليل شرعي كما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت :
" خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج " .
ولفظ مسلم " فمنا من تمتع ومنا من قرن ومنا من أفرد " .
صفة التمتع : أن يحرم الإنسان بعمرة في أشهر الحج ثم يتحلل منها ثم يحرم بالحج من عامه .
وأما القران : فهو أن يهل الإنسان بالعمرة والحج معاً .
وأما الإفراد : فهو أن يهل الإنسان بحج في أشهر الحج .
وهذه الصفات كلها جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست عن طريق السبر كما يظن بعض الناس .
مسألة / اختلف أهل العلم رحمهم الله في أي هذه الأنساك الثلاثة أفضل على أقوال :-
القول الأول : وهو مذهب الحنابلة أن التمتع أفضل , واستدلوا على ذلك من وجهين :-
الأول : أن فيه زيادة عمل فيخرج الإنسان بعمرة وحجة .
الثاني : أن الرسول صلى الله عليه وسلم تأسف وتمنى أن يكون قد تمتع , ولا شك أن ما تمناه الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأفضل .
القول الثاني : وهو مذهب المالكية والشافعية أن الإفراد أفضل , واستدلوا على ذلك بأن الرسول صلى الله عليه وسلم حج مفرداً , لما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " حج رسول الله صلى الله عليه وسلم مفرداً " .
القول الثالث : وهو مذهب الحنفية أن القران أفضل , واستدلوا على ذلك بأن هذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم , بدليل ما رواه أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة .
- وهذا الخلاف مبني على مسألة : ما هو حج النبي صلى الله عليه وسلم .(1/1)
والصحيح في هذه المسألة أن التمتع أفضلها بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين : " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة " , ثم إنه صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة الذين ساقوا الهدي بأن يتمتعوا ويحلوا من العمرة , فهذا الصحابي الذي كان قارناً أو مفرداً لم يسق الهدي .
مسألة : ما هي حجة النبي صلى الله عليه وسلم ؟
اختلف الصحابة رضي الله عنهم في ذلك , والمرجح أن نقول : ما ذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أهل ؟
فوجدنا في صحيح البخاري رحمه الله من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جاءني جبريل فقال : صل في هذا الوادي المبارك وقل : عُمرة في حجة .
وثبت أيضاً في صحيح البخاري أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما جاء إلى الميقات لبى بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بما فعل قال له الرسول صلى الله عليه وسلم : إني أهللت بعمرة وحج .
مسألة :- أجمع أهل العلم كما نقل ذلك ابن قدامة والنووي وجماعة من أهل العلم على أنه يجوز الإهلال بأي واحد من هذه الأنساك الثلاثة .
مسألة :- ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن من اعتمر قبل أشهر الحج فإن الحج مفرداً أفضل في حقه باتفاق الأئمة .
وقد نقل هذا الكلام في أكثر من موضع , وكثير من الناس أخطأ في فهم هذا الكلام .
وقصده رحمه الله المقارنة بين عمرته الأولى وبين عمرة التمتع , فيكون سبك الكلام :
أن سفره لعمرة مستقلة ثم سفرة مرة أخرى للعمرة والحج أفضل .
مسألة : الانتقال من نسك إلى نسك آخر :-
أولاً : من أهل بعمرة – أراد التمتع – ثم أدخل عليها الحج – أي صار قارناً – فقد نقل القرطبي رحمه الله وجماعة من أهل العلم إجماع أهل العلم رحمهم الله على أن له ذلك , واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها وأنها أدخلت الحج على العمرة لما حاضت .(1/2)
إلا أن الحنفية رحمهم الله قالوا : وإن كان قد أساء أو أخطأ – أي أن الأفضل عندهم ألا يفعل ذلك , لكن لو فعله فإنه يصح عندهم .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بالمنع من ذلك وقال إن الدليل ثبت في حق من كان له عذر .
لكن نقول : إن ثبت الإجماع فالحكم للإجماع وإن كانت هذه الرواية محفوظة فلاشك أن قول الشيخ أصح وأقيس .
ثانياً : من أهل بالحج وحده ثم أدخل العمرة عليه فصار قارناً : فاختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال :
القول الأول : وهو قول الجمهور أنه لا يجوز له فعل ذلك ولا يصح منه وذلك لأن الأصغر لا يقوى على الأكبر , وقالوا : إنه لم يأت دليل واحد يجيز هذا الانتقال , والله سبحانه وتعالى قال :" وأتموا الحج والعمرة لله ". فإتمام الحج واجب لمن أهل به .
القول الثاني : وهو مذهب الحنفية وقول الشافعي رحمه الله في القديم أنه يصح هذا الإدخال , واستدلوا بأنه ثبت عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن رجل أهل بحج ثم أدخل العمرة عليه , فقال : يصح .
وهذه المسألة ليس فيها دليل قاطع يدل على ترجيح أحد القولين .
والذي يظهر والعلم عند الله أنه يصح الانتقال لأنه انتقال من مفضول إلى فاضل .
ثالثاً : رجل أهل بحج وعمرة أو أهل بحج قارناً أو مفرداً – فهل له أن ينتقل إلى عمرة – أي يفسخ حجه إلى عمرة وليس المراد الانتقال –
تحرير محل النزاع في هذه المسألة : لا يجوز فسخ الحج لمن لم ينوي الإتيان به بعد عمرته إلا في حالة الفوات .
أما في حال الاختيار فقد اختلف أهل العلم رحمهم الله في ذلك على أقوال :
القول الأول : وهو قول جمهور أهل العلم أنه لا يجوز له أن يفسخ الحج لقوله تعالى " وأتموا الحج والعمرة لله " .
القول الثاني : وهو مذهب الحنابلة – وهو من مفرداتهم رحمهم الله أنه يسن واستدلوا بفعل الصحابة رضي الله عنهم حيث أهلوا بحج أو حج وعمرة ثم فسخوها إلى عمرة , وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
{(1/3)
فائدة : في الغالب أن ما تفرد به الحنابلة يكون هو الراجح لأنهم يعتمدون على نص } .
القول الثالث : وهو مذهب الظاهرية واختيار ابن القيم رحمه الله أنه يجب الفسخ - وهو عند ابن القيم لمن كان مفرداً أما القارن فلا يلزمه عنده – وهذا رأي ابن عباس رضي الله عنه واستدلوا على ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة حيث أمرهم وغضب على من لم يستجب لأمره , ولما جاء في السنن من أن هذا الأمر كان للناس عامة وليس للصحابة رضي الله عنهم خاصة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عنه قال :" بل لأ بد " أي الفسخ , والصحيح في هذه المسألة والعلم عند الله أن القول الثاني هو الصحيح لفعل الصحابة رضي الله عنهم وقد سُئل أبو ذر رضي الله عنه – كما في صحيح مسلم – عن هذا الإحلال فقال كانت المتعة لنا خاصة وليست للناس عامة " وأما الحديث الذي استدل به أصحاب القول الثالث وهو عند أهل السنن , فإنه حديث منكر كما قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى , وأما أمر النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة فإنه كان خاصاً بهم والسبب أن أهل الجاهلية كان يكرهون ويستعيبون أن يتحلل الإنسان من عمرته ويخرج إلى منى وغيرها من مناسك الحج وهو متحلل , ولذلك قال الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم :" أنحل فيأتي أحدنا ومذاكيره تقطر منياً " .
رابعا : رجل أهل بعمرة ثم فسخها وجعلها حجاً :
تحرير محل النزاع في هذه المسألة : إن فسخها من غير إدخال الحج عليها فهذا لا يجوز بإجماع أهل العلم , لقوله تعالى :" وأتموا الحج والعمرة لله " .
أما إن كان سوف ينقلها من عمرة إلى حجة أي من الأصغر إلى الأكبر فهذه المسألة سماها بعض أهل العلم رفض العمرة , وهذا الاصطلاح يكثر عند الحنفية رحمهم الله .
وقد اختلف أهل العلم رحمهم الله في هذه المسألة على أقوال :
القول الأول : وهو قول جمهور أهل العلم أنه لا يصح فعله .
القول الثاني : وهو رأي لبعض الحنفية أنه يصح .(1/4)
والصحيح الذي لا شك فيه أنه لا يصح .
تنبيه : إدخال الحج على العمرة لا بد أن يكون قبل الطواف , فإن شرع في الطواف فقد اختلف أهل العلم فيها .(1/5)
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الجهاد
وضع المؤلف رحمه الله تعالى كتاب الجهاد بعد كتاب الحج لأنه من العبادات البدنية .
وهو من العبادات التي لها مكانة في الإسلام . وهذا مسلك من مسالك المؤلفين كابن قدامة في المقنع ومختصره في الزاد , وهو مسلك كثير من الحنابلة .
وهناك مسلك آخر وهو جعل هذا الكتاب بعد كتاب الحدود , وعليه الخرقي في مختصره وابن قدامة في الكافي , ومناسبته في آخر كتاب الحدود أنه يأتي من باب المجازات والقتل , ولأنه يأتي بعد قتال أهل البغي وقتل المرتد , وإن كان مسلك أفضل لأنه من العبادات المحضة , ولأن بعض العلماء يرى أنه الركن السادس من أركان الإسلام .
والجهاد ذروة سنام الإسلام بل عد أنه الركن السادس من أركان الإسلام وذهب الإمام أحمد إلى أنه أفضل العبادات البدنية لما جاء في فضله في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل أي الأعمال أفضل , قال : " الصلاة على وقتها " , قيل ثم أي ؟ قال :" بر الوالدين " قيل ثم أي ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله " , ولما في مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل هل يعدل الجهاد شيء , قال صلى الله عليه وسلم : " هل تستطيع إذا خرج الغازي أن تدخل المسجد فتقوم فلا تقعد , وتصوم فلا تفطر .. " .
تعريف الجهاد : هو بذل الوسع .
وفي الشرع : بذل الجهد في قتال الكفار .
{ هو فرض كفاية } :
هذا هو قول عامة أهل العلم وكافتهم , لقوله تعالى : " كتب عليكم القتال .. " ولا يجوز للأمة أن تفرط في هذا الفرض فإن فرطت فقد أثمت , وهي من فروض الكفايات لا الأعيان لقوله تعالى : " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله " ففيه أفضلية .
وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يخرج مع كل سرية وكذلك الصحابة رضي الله عنهم , ولقوله تعالى : " ما كان المؤمنون لينفروا كافة " .
{(1/1)
إلا إذا حضره أو حصره أو بلده عدو , أو كان النفير عاماً ففرض عين }:
شرع المؤلف في بيان حالات كون الجهاد فرض عين , فهو يجب على المكلف في ثلاث حالات :
1- إذا حضر المكلف الصف , فإن الجهاد في حقه فرض عين لا يجوز له أن ينصرف ولو كان الناس كثر ما دام في الصف لقوله تعالى :" يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا .." إلى قوله " ومن يولهم يومئذٍ دبره إلا متحرفاً لقتال .. " ولما في الصحيحين في ذكر السبع الموبقات ومنها " التولي يوم الزحف " .
2- إذا حضر العدو إلى بلده فإنه يتعين الجهاد عليه وذلك لأنه بمنزلة من حضر الصف , وكذلك إذا حاضر العدو البلد فيجب القتال للدفاع عن حرمات المسلمين .
3- إذا استنفرالإمام بأن قال الإمام على كل الناس أن يقاتلوا وما شابه ذلك , فإنه يجب عليه لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين " وإذا استنفرتم فانفروا " ولقوله تعالى " ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض .. " إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستخلف قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً " فهذه ثلاث حالات يتعين فيها الجهاد , والمؤلف قال أو حضره أو حصره أو بلده وهذا يدل على أن المقصود هو البلد الذي يسكنه لأن الجهاد يتعين عليه والكلام فيما إذا دخل العدو بلداً غير بلده من بلاد المسلمين , فهل يجب عليه .
وهذه مسألة خطيرة وكبيرة وتحتاج إلى عناية وتأمل وبحث لأنها قد ابتلي الناس بها في هذا الزمان .
والحنابلة لا يطلقون في قولهم " إذا حضر العدو بلده " وأصحاب المذاهب الأخرى أيضاً يقيدون هكذا , وكل من قرأت في كتبهم يجعلون البلد هو بلد الساكن فلا يلتفت إلا استطاعته وغيرها فما دام العدو حضر فلا بد من القتال .
ومؤلفات العلماء تدل على هذا , وهو أن المراد البلاد التي تسكن فيها , والدليل أن الأندلس سقطت من قديم ولم نر أحداً يقول أنه واجب .(1/2)
ونقل عبارات عن بعض العلماء واستدل بها على هذا المذهب كما نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية : وإذا دخل العدو بلد إسلامية فيتعين الجهاد – أو عبارة نحوها – ونقل الإجماع على هذا , وعندي أن العبارة تحتاج إلى تحرير , فأما إن كان البلد يتبع الدولة التي لإمام واحد فهذا واضح , فقد يفهم من كلام شيخ الإسلام أن المراد البلد الذي يتبع لحاكم واحد .
وأما إن كان يقصد بلد آخر في غير الإقليم الذي هو فيه فهذا حقيقة يحتاج إلى تحرير , وأهل العلم على كثرتهم وكثرة البلاد التي أخذت للمسلمين لم يصرحوا بهذا , أما كون المسلمين يداً واحدة والواجب عليهم أن يعينوا إخوانهم فهذا أمر آخر مناطه الاستطاعة , أما أن يتساوى مع الجهاد العيني فلم أعثر على هذا مع كثرة البحث , وبعضهم ينقل الإجماع على أنه إذا حصر بلد وجب عليه ثم على من جاوره ثم من بعده حتى ترتفع الكفاية , وهذا كما سبق يكون من جملة الواجبات معلق بالاستطاعة ويقوم عليه ما هو أوجب منه .
تنبيه : نقل ابن العربي الإجماع على أنه لم يقل أحد بوجوب الجهاد العيني على الأمة ولم يحدث هذا فدل هذا على أنهم ما رؤوا وجوب الجهاد .
قال النووي : والجهاد في وقتنا فرض كفاية .
والإشكال عندنا ما نقل من الإجماع ولكن لا بد من تحرير عبارة نقل الإجماع وتحريرها بمعرفة حال ناقلها هل عمل بها أو يكون قصده إذا حضر العدو بلده أي بلد الساكن نفسه , والأدلة على خلاف هذا الإجماع كقوله تعالى : " إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق " ففي واقعنا إما أن نلغي الآية أو الإجماع أو نفهم الإجماع فهماً آخر.
{ ولا يتطوع به من أحد أبويه حر مسلم إلا بإذنه } .
مسألة / إشتراط إذن الوالدين للجهاد , فأولاً نحرر كلام المؤلف :(1/3)
"ولا يتطوع" فدل على أن المراد جهاد التطوع لا الجهاد الواجب , فإذا كان واجباً فيرى أنه لا يشترط لذلك إذن الوالدين وهو كذلك وطاعة الوالي مقدمة على طاعة الوالدين لأن في طاعته مصلحة عامة وفي طاعة الوالد مصلحة خاصة , ولا شك أن المصالح العامة تقدم على المصالح الخاصة " يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض " , وفي الصحيحين " وإذا استنفرتم فانفروا "وهذا مجمع عليه بين أهل العلم وهو أن الجهاد إذا تعين فإن طاعة الوالي تقدم على طاعة الوالد , قال : " ولا يتطوع " وطاعة الوالد واجبة فيقدم الواجب على التطوع .
وجاء في الصحيحين في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل يستأذنه في الجهاد فقال : أحي والداك قال نعم قال ففيهما فجاهد .
ودليل كونه التطوع أنه جاء يستأذن ولو كان لما استأذن .
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه في الصحيحين عندما فال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام بلا محرم " فقال رجل يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا , قال انطلق فحج مع امرأتك " فإذاً ترك الغزو من أجل أن يحج بامرأته مع أنه لا يجب عليه بل هو تحصيل لواجب وإعانة لغيره فهذا من تقديم المصالح .(1/4)
قوله " حر " بدأ ببيان من هو الوالد الذي تجب طاعته في ترك الجهاد , فاشترط كونه حراً , والحنابلة مشوا على هذه القاعدة في باب الفقه في أن العبد أهليته ناقصة ليست بتامة وإذا كانت ناقصة فإن الابن سيكون أرفع من الأب , فلا يمكن أن يأمر الأنزل الأعلى , وولايته تكون غير تامة , قيل وهو رواية وعليه أكثر أهل العلم أنه لا يشترط أن يكون الأب حراً , وهذا هو الصحيح , والرسول صلى الله عليه وسلم عندما سأل الرجل " أحي والداك " ولم يستفصل من حيث الحرية والحاجة , بل جعل مناطاً واحداً للحكم وهو الولادة (أي الأبوة) .
قوله " مسلم " الإسلام شرط لطاعته في جهاد التطوع لأن الكافر لا يؤخذ عنه رأي في دين الله تعالى , فإذا كان الوالد الكافر إذا منع ابنه من صلاة التطوع لا يستجيب له فإن الجهاد من باب أولى .
وقيل لا يشترط أن يكون مسلماً بل يجب على المسلم طاعة أبيه الكافر لأن الأبوة باقية لقوله تعالى : " وصاحبهما في الدنيا معروفاً " والله سبحانه وتعالى إنما جعل عصيانهما إن جاهداك لتشرك سواءً بالفعل أو الترك , وأما ما عداه فليس داخلاً في الآية , وهذا له وجاهة .
والصحيح في هذه المسألة أن يقال إن الأب : إن منع ابنه من الجهاد خوفاً من الكفار وعلى دينهم فلا يجوز طاعته , وإن كان منعه له لحاجته وليس هناك من يقوم به مع رجاء إسلامه فهنا لا بد من إذنه , وهذا القول جيد .
{ وسن رباط }
الرباط ملازمة الثغور وبلاد المسلمين حماية لها من الأعداء , وسمي رباطاً من الربط والمرابطة وهي لزوم المكان والحدود والثغور , وقد جاء في صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها " وفي رواية " وما عليها " وفي الصحيح أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رباط يوم وليله كصيام شهر وقيامه , وإن المرابط في سبيل الله يكتب له رزقه وأجله وهو في الثغر "(1/5)
وشبه المرابط بالرباط كأنه قد ربط نفسه لما فيه من الشدة , فالمرابط على الثغر ينتظر كل شيء , ولهذا أجمع المسلمون على أن الرباط أفضل الأعمال نقل هذا ابن عبدالبر وشيخ الإسلام ابن تيمية , والإمام أحمد بكى لما ذكر الرباط .
{ وأقله ساعة }
هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم على أقوال /
والمذهب كما ذكر المؤلف وقال الإمام أحمد ولو لحظة , ومنتزع قول المذهب أن العبادة إذا لم تحدد يصدق عليها أقل شيء وهو الساعة .
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يوم أوليله استناداً للحديث السابق " رباط يوم وليله ... " وهذا عليه شراح الحديث .
وهذه المسألة تشبه مسألة الاعتكاف فالخلاف فيها نفس الخلاف هنا .
والصحيح في هذه المسألة هو ظاهر الحديث وأنه يوم أو ليله وهو الذي رجحناه في الاعتكاف .
{ وتمامه أربعون يوماً }
استدلوا بما رواه أبو الشيخ في كتاب الثواب أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " تمام الرباط أربعون يوماً " وهذا الحديث واهٍ جداً , ولايصح في الباب أي حديث في تحديد منتهى الرباط وعليه فالعمل غير محدد كلما كثر العمل كلما كثر الأجر .
فائدة الشريعة لم تضع عمل لا يستطيعه أحد , فمثلاً الذي لا يستطيع الصدقة ففي كل تسبيحة صدقة , ومن لم يستطع الجهاد ففيهما فجاهد .
{ وعلى الإمام منع مخذل ومرجف }
ابتدأ المؤلف بما يلزم الإمام , والمخذل : هو من يكسل الناس عن الخروج ويفل من عزائمهم , كأن يقول لماذا تخرجون , لو جلستم عند أهلكم , ويذكرهم بأطفالهم وأولادهم ..
والمرجف : هو من يرجف ويزيد من قوة الأعداء ويقلل من قوة المسلمين فيقول : لا طاقة لنا بالجيش الفلاني أو هم يملكون من الأسلحة كذا وكذا ونحن لا نملك شيئاً .(1/6)
والدليل على منع هؤلاء من الخروج قوله تعالى : " ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين * لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين , لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون "
خبالاً : أي فتنة , فهذه الآيات تدل على ذم خروج مثل هؤلاء لأنهم لو خرجوا لأوضعوا خلال المسلمين الفتنة .
قوله تعالى : " قلبوا لك الأمور " قلبوا الحقائق , ولم يقل قلبوها عليك بل لك لأنهم أرادوها عليه فصارت له صلى الله عليه وسلم .
{ وعلى الجيش طاعته والصبر معه }
ذكر المؤلف ما يلزم الجيش وهذا الذي ذكر – طاعته – انعقد الإجماع عليه بين علماء المسلمين لأنه لا يمكن أن تسير الأمور إلا بإمام وطاعة , وقد جاء الأمر بطاعة الإمام في نصوص كثيرة , كقوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول .. " وقوله " وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم .." وحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه في الصحيحين : " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة وإن تأمر علينا عبد حبشي كأن رأسه زبيبة " والعقل يؤيد هذا فإن الجيش إذا لم يطع الإمام صار الأمر فوضى , ولم يرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلا بأمير , وفي الصحيحين قصة الأمير الذي أمرهم بدخول النار .." والشاهد منه أنه أمرهم صلى الله عليه وسلم بطاعته في أول الحديث .
وقوله " والصبر معه " : سبق قوله تعالى : " واصبروا إن الله مع الصابرين " لأن المكلف قد يصعب عليه طاعة أميره في كل شيء فلهذا هو مأمور بالصبر " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا " .
{ وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار حرب }
مسألة / اختلف أهل العلم بما تملك الغنيمة على أقوال :-(1/7)
1- فمذهب الجمهور أنها تملك في دار الحرب فما دام المسلمون استولوا على الغنيمة الآن فقد ملكوها .
2- أنها لاتملك إلا إذا نقلت إلى بلاد الإسلام .
والصحيح أنها تملك بالاستيلاء عليها في دار حرب , وهذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق قبل أن ينقلها وكذلك في خيبر وحنين وجميع غزواته صلى الله عليه وسلم .
{ فيجعل خمسها خمسة أسهم : سهم لله ورسوله }
من حين ما تملك الغنيمة تقسم خمسة أسهم إن كانت نقوداً وإن كانت عيناً تثمن ثم تقسم .
فالخمس الأول يقسم خمسة أسهم : سهم لله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى :" واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل " .
واختلف أهل العلم في صرف هذا السهم من الخمس على قولين :-
1- وهو رأي جمهور العلماء أنه يصرف في الفيء لإعداد الجيوش والسلاح ونحوها , أي أنه خاص بالجهاد .
2- وهو مذهب الأحناف أن سهم الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم يلتغي بموت النبي صلى الله عليه وسلم , ولكن هذا خلاف عمل الصحابة رضي الله عنهم , والراجح القول الأول .
{ وسهم لذوي القربى وهم بنو هاشم والمطلب }
أي قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وهم بنو عبد المطلب وبنو هاشم , وأخرجوا بنو عبد شمس وبنو عبد نوفل , وقيل وهو للحنفية : أن ذوي القربى انتهوا بإعزاز الدين وموت النبي صلى الله عليه وسلم والصحيح القول الأول .
{ وسهم لليتامى والفقراء }
وهؤلاء هم أصحاب السهم الثالث والدليل ظاهر كما في الآية السابقة , وعند المؤلف يشترط كونهم فقراء , وفي رواية عن الإمام أحمد أنه لا يشترط , والصحيح أنه لا يشترط لأن الآية عامة , ولأنه لو كان يشترط لاكتفى بذكر المساكين دون اليتامى لأنهم يدخلون فيهم .
{ وسهم للمساكين }(1/8)
للآية السابقة , وسبق من هو المسكين وأنه من لا يجد كفايته ويدخل فيه الفقير من باب أولى على الصحيح من أقوال أهل العلم .
{ وسهم لأبناء السبيل }
ابن السبيل هو المسافر المنقطع .
{ وشُرط فيمن يسهم له إسلام }
الذي يسهم له من شارك في المعركة ويشترط أن يكون مسلماً لأن الغنيمة من حق المسلمين , والكافر ليس له حق التملك فيما غنمه المسلمون لأنه سيعود المال للكافر .
وقيل : يسهم للكافر إن كان قد خرج بأمر من الأمير , وهو متجه على القول بجواز الاستعانة بالكافر , لأنه لا يمكن أن يشارك الكافر إلا إذا كان يرجو شيئاً دنيوياً .
{ ثم يقسم الباقي بين من شهد الواقعة }
والباقي هو الأربعة أخماس الباقية .
{ للراجل سهم }
الراجل هو من يمشي على قدميه فله سهم واحد والفارس وهو من يمشي على خيل فله ثلاثة أسهم , له سهم وللخيل سهمان , واستدلوا على هذا بما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في يوم خيبر , وهذا رأي جمهور العلماء .
وقيل بل للفارس سهمان ولا يمكن أن تفضل البهيمة على الإنسان , ولكن هذا عليه ملحظان :-
1- أنه خلاف النص , 2- أن فيه تسوية للإنسان بالبهيمة , فهم فروا من التفضيل ووقعوا في التسوية , وإن كان عندهم دليل عند أبي داود في سننه لكنه ضعيف .
{ وللفارس على فرس عربي ثلاثة وعلى غيره اثنان }
العربي هو ما كان من نتاج خيل وفرس عربيين فإن كان ليس بعربي بأن كان هجيناً فاختلف فيه على /
1- الحنابلة يرون أن له سهمان فقط .
2- وهو رواية عن الإمام أحمد أنه لا يشترط أن يكون عربياً وليس هناك نص صحيح يخصص هذا , فما دام الخيل قوياً فله حكمه لأن العربي أقوى من غيره .
{ ويقسم لحر مسلم }(1/9)
مسألة / الصحيح من أقوال أهل العلم أن السلب يخرج قبل أن تقسم الغنيمة فلا يدخل السلب ضمن الأربعة أخماس وكذلك التنفيل بالربع أو الثلث , ومعناه مثلاً : لو قاتلنا الكفار ولا ندري ما أمامنا , فقال الإمام : إن ذهبت سرية قبلنا فلها الثلث ونحو هذا فيخرج قبل أن يخمس .
قوله : " الحر "
علم من هذا أن العبد لا يقسم له وذلك لأنه مال لا يملك , فهو ملك لسيده .
ولكن يرضح له , والرضح : هو نصيب أقل من السهم يقدره الإمام على ما يراه بشرط أن لا يصل إلى حد السهم , وهو قول جمهور العلماء , وملحظه ظاهر بأن العبد لا يملك .
{ ويرضح لغيرهم }
كالعبد والمرأة والصبي فهؤلاء يرضح لهم , لما جاء في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه سئل , هل كانت النساء تغزوا مع النبي صلى الله عليه وسلم , قال : نعم , قال : وهل يقسم لهن ؟ قال : لا , ولكن يرضح لهن " فأخذ من هذا الدليل أن غير المكلف بالجهاد لا يقسم له .
{ وإذا فتحوا أرضاً بالسيف خير الإمام بين قسمها ووقفها على المسلمين ضارباً عليها خراجاً مستمراً يؤخذ ممن هي في يده }
انتقل المؤلف رحمه الله من الغنائم المنقولة إلى الغنائم الثابتة , فبدأ بالأرض وهي المفتوحة عنوةً , فيعلم من ذلك أن هناك أرضاً تفتح صلحاً , فبدأ بالأولى في قوله :- " خير الإمام بين قسمها ووقفها " والدليل على ذلك تراجع
مسألة / لم يذكر المؤلف الأرض التي تفتح صلحاً , فهي مملوكة لصاحبها ولكنه يدفع خراجاً وهذا في قصة فتح خيبر .
- لكن هل ينقطع الخراج بإسلامه , قولين لأهل العلم :
1- قول الجمهور أن يدفع الخراج حتى يسلم .
2- أنه يبقى خراجها ولو أسلم لأنها ملك للمسلمين , والصحيح القول الأول .
3-
{ وما أخذ من مال مشرك بلا قتال كجزية وخراج وعشر فيء لمصالح المسلمين }
انتهى المؤلف رحمه الله من الأموال المغنومة وانتهى إلى ما ينتقل إلى بيت المال من غير الغنيمة .(1/10)
قوله " بلا قتال " بمعنى أن هذا المشرك ترك ماله وذهب , فيكون فيء للمسلمين وليس لمن وجده .
أما الجزية فيدفها أهل الذمة ويسكنون معنا ويدفعون قيمة الحماية .
والمراد بالخراج هنا : خراج الأرض المصالح عليها .
أما العشر فصورته : أن يأتي حربي ليتاجر عندنا فيؤمنه الإمام ويأخذ منه العشر .
تنبيه / بقي نصف العشر , وصورته أن يأتي شخص غير حربي ليتاجر عندنا فنأخذ منه نصف العشر .
{ وكذا خمسُ خمس الغنيمة }
المراد به الخمس الذي لله سبحانه وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وهو خمس الخمس الأول – وسبق الكلام عنه .
مسألة / جماهير أهل العلم على أن الجزية تؤخذ من ذميين فقط , أما غيره فلا نسمح لهم بالجلوس عندنا .
وقيل إن المشرك والمجوسي يأخذ حكم اليهود والنصارى , ورجحه سيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم رحمهما الله .
فصل
{ ويجوز عقد الذمة لمن له كتاب أو شبهته }
بدأ المؤلف ببيان منهم أهل الذمة الذين تؤخذ منهم الجزية .
وذكر المؤلف أنهم أهل الكتاب ومن له شبهة كتاب وهم المجوس فإنهم يدعون أن لهم كتاباً , والدليل على أن أهل الكتاب تؤخذ منهم الجزية قوله تعالى : " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله و لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون "
والرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من يهود خيبر .
وأما المجوس ففي الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر .
وعمر رضي الله عنه قال فيهم : سنوا بهم سنة أهل الكتاب , وقيل إن الجزية تؤخذ من كل كافر , ورجح هذا القول شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم والشيخ ابن عثيمين رحمهم الله , وقالوا : ليس هناك تخصيص لأهل الكتاب وما دام أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من المجوس فهم مثل المشركين , وهذا هو القول الراجح .
{ ويقاتل هؤلاء حتى يسلموا أو يعطوا الجزية }(1/11)
المراد بهم أهل الكتاب ومن له شبهة كتاب , لقوله تعالى : " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ... "
{ وغيرهم حتى يسلموا أو يقتلوا }
أي غير أهل الكتاب ومن له شبهة كتاب , فإما أن يسلم أو يقاتل ولا تؤخذ منه الجزية , وهذا على خلاف الراجح كما سبق والدليل على ذلك حديث بريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أرسل سرية قال : " ادعوهم إلى الإسلام فإن لم يستجيبوا فاضربوا عليهم الجزية فإن لم يستجيبوا فقاتلوهم " .
{ وتؤخذ منهم ممتهنين مصغرين }
بين المؤلف كيفية أخذ الجزية منهم : ممتهنة نفوسهم مصغرين محقرين في هيئة الأخذ , فالإمتهان لنفوسهم , والصغار لأبدانهم , لقوله تعالى : " حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " .
قيل معناها من حيث الإلزام ومن حيث الإذلال , وقيل أن يأتي بها بيده فلا يرسل رسولاً .
وذكر أهل العلم صفات صغارهم ومنها أن يوقف زماناً , وأيضاً لا تؤخذ من يده بل يضعها في يده , وذكروا أشياء .
{ ولا تؤخذ من صبي وعبد وامرأة وفقير عاجز عنها ونحوهم }
بدأ المؤلف رحمه الله بذكر من لا تؤخذ منه الجزية وهم :
الصبي : لأنه ليس بمكلف , وهذا هو رأي عمر رضي الله عنه أن لا تؤخذ الجزية ممن لم تجر عليه الموس , وجاء في السنن من حديث معاذ رضي الله عنه أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آخذ من كل حالم ديناراً أو عدله معافرياً "
وانعقد الإجماع على هذا .
وعبد : لأنه مال , وقد جرى الاتفاق على هذا .
وامرأة : لأنها ليست من أهل القتال , وهذا مجمع عليه . وفقير عاجز : هذه المسألة خلافية :-
1- إن كان عاجزاً عن العمل لم تؤخذ منه الجزية , وإن كان يستطيع العمل فيلزم الجزية بسبب إبقائنا له .
2- وقيل تجب عليه مطلقاً , وإذا أسقطناها عن الفقير تكاسل أهل الذمة عن العمل .
والصيحيح ما ذكره المؤلف وهو سقوطها عن الفقير العاجز ونحوهم : كالزمن والأعمى .
{(1/12)
ويلزم أخذهم بحكم الإسلام فيما يعتقدون تحريمه من نفس وعرض ومال وغيرها }
المراد بهم أهل الذمة ومن له شبهة كتاب على قول المؤلف , وكل مشرك على الصحيح .
ومعنى بحكم الإسلام : من حيث الإذعان بأن يقر بأنه تحت حكم الإسلام فلا يظهر شعائر الكفر , فإذا سرق مثلاً تقطع يده وهكذا , ما لم تجزه شريعته فله ذلك , فالمجوس مثلاً يجوز لهم زواج المحارم , والنصارى يجوز لهم شرب الخمر . وذلك لما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الرجل والمرأة اليهوديين الذين زنيا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمهما صلى الله عليه وسلم " , والرجل الذي قتل المرأة قتله كما في الصحيح .
وهذا تفسير لقوله تعالى : " لا إكراه في الدين ... " أي لا إكراه في دخول الدين .
وكذا قوله تعالى : " ويكون الدين كله لله " أي الحكم لدين الله تعالى . وهذا هو حرية الإعتقاد , لكن دخوله في حكم الإسلام ليس له الحرية لأن الله تعالى قال : " ويكون الدين كله لله " .
وما سبق لا بد أن يكون سراً , فإن جاهر به انفسخ عقد الذمة ويرجع أمره إلى الإمام لأنه صار حربياً .
{ ويلزمهم التميز عن المسلمين }
لأنه لا يجوز أن يكون الكافر كالمسلم . قال تعالى " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً ... " قيل في الآخرة وقيل في الدنيا والآخرة .
{ ولهم ركوب غير خيل بغير سرج }
هذا من المظاهر ولا دليل عليه وإنما هو اجتهاد من الفقهاء رحمهم الله وهو رأي عمر رضي الله عنه , وذكر الفقهاء أيضاً شد الزنار , ولبس منديل , ومنهم من فرق الشعر .
{ وحرم تعظيمهم }
لأن الله سبحانه وتعالى نهى عن محبتهم وعن إجلالهم , كما في قوله تعالى : " لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ... " .
{ وبداءتهم بالسلام }(1/13)
جماهير أهل العلم على عدم جواز بداءتهم بالسلام لما في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام , وإذا لقيتموهم في طريق فردوهم إلى أضيقه " .
وقيل وهو قول لبعض السلف تجوز بداءتهم بالسلام ووجهوا الحديث السابق بأنه كان مخصصاً في قوم وليس عاماً , وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم رد عليهم , والرد مثل البداءة لأن السلام عليكم مثل عليكم السلام وهذا متوجه ولكن الأول أقوى .
مسألة / هل تجوز مصافحتهم ؟
ابن عثيمين رحمه الله أفتى بجوازها لأنها غير السلام , وقد أفتى أهل العلم بجواز التحية .
{ وإن تعدى الذمي على مسلم أو ذكر الله أورسوله بسوء انتقض عهده , فيخير الإمام فيه كأسير حربي }
ذكر المؤلف الأشياء التي يسقط بها عهد الذمة أو يبطل وهي : أن يتعدى على مسلم أو يذكر الله تعالى بسوء أو رسوله صلى الله عليه وسلم .
الثلاثاء 2/8/1426هـ(1/14)