أَبواب الصوم عن رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1 - بابُ ما جاءَ في فَضلِ شَهرِ رَمضَانَ
بِسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيمِ
677 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ بنِ كُرَيبٍ أَخبرنَا أَبُو بكرٍ ابنِ عيَّاشٍ عن الأَعَمشِ عن أَبي صالحٍ عن أَبي هُريرةَ قَالَ:
- قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيلَةٍ من شَهرِ رَمضَانَ صُفَّدتِ الشَّياطينِ ومَردَةُ الجنِّ وغُلِّقتْ أَبوابُ النِيرانِ فلَمْ يُفتَحْ منها بابٌ وفُتِّحتْ أَبوابُ الجنَّةِ فلَمْ يُغلَقْ منها بابٌ ويُنَادِي مُنَادٍ يا بَاغِيَ الخيرِ أَقبِلْ ويا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقصِرْ. ولله عُتَقَاءٌ من النَّارِ وذَلكَ كُلَّ لَيلَةِ".
وفي البابِ عن عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ وابنِ مسعُودٍ وسَلْمَانَ.
678 - حَدَّثَنَا هَنَّادٌ أَخبرنَا عَبدَةُ والمحاربيُّ عن مُحَمَّدِ بنِ عَمرٍو عن أَبي سَلَمَةَ عن أَبي هُريرةَ قَالَ:
- قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من صَامَ رَمضَانَ وقَامَهُ إِيماناً واحتِسَاباً غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ من ذنبِهِ، ومن قَامَ لَيلَةَ القَدرِ إِيماناً واحتِسَاباً غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ من ذنبِهِ".
هَذَا حديثٌ صحيحٌ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: وحديثُ أَبي هُريرةَ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو بكرٍ بنِ عيَّاشٍ حديثٌ غريبٌ لا نَعرِفُهُ من رِوَايةِ أَبي بكرٍ بنِ عيَّاشٍ عن الأَعمَشِ عن أَبي صالحٍ عن أَبي هُريرةَ إِلاَّ من حديثِ أَبي بكرٍ. وسأَلتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسماعيلَ عن هَذَا الحديثِ فَقَالَ: أَخبرنَا الحَسَنُ ابنُ الرَّبِيعِ أَخبرنَا أَبُو الأَحْوَصِ عن الأَعمَشِ عن مُجَاهدٍ قَولَهُ قَالَ: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيلَةِ من شَهرِ رَمضَانَ" فَذَكَرَ الحديثَ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وهَذَا أَصَحُّ عِندِي من حديثِ أَبي بكرِ ابنِ عيَّاشٍ.
الشرح :(1/1)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد(1):
فمواصلة في شرح جامع أبي عيسى الترمذي رحمه الله تعالى نتواصل معكم في شرح كتاب الصيام ، ونحن لم نبلغ هذا الباب ولكنه لقرب شهر رمضان نقفز كتاب الصلاة وكتاب الزكاة ونشرع في شرح كتاب الصيام للحاجة إليه ، وقد لا أشرح كالطريقة الأولى كطريقة الأسانيد رواية ودراية ، أحاول أن أركز في شرح هذا الباب على الدراية أكثر من الراوية وأحرص على المتن وعلى ذكر مذاهب العلماء رحمهم الله تعالى ، ولعله إن شاء الله إذا تيسرت الأمور وتهيأت الأسباب حين نصل كتاب الصيام في شرح جامع أبي عيسى الترمذي نعيده مرة أخرى على نسق الشروح السابقة من التعمق في الحديث عن الرواة والرجال وما يتعلق بذلك.
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى :
أبواب الصوم :أبواب جمع باب ، والباب هو المدخل إلى الشيء ، وأبواب خبر لمبتدأ محذوف ، وأبواب مضاف ، ويجوز إعراب أبواب مبتدأ والخبر محذوف تقديره أبواب الصوم هذا مكانه ، والمبتدأ والخبر خبر عن المبتدأ الأول ، ويجوز إعرابه مفعولاً به لفعل محذوف يقدر اقرأ أبواب الصوم .
الصوم في اللغة هو : الإمساك ، قال تعالى : ( إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ) [مريم/26] ، أي إمساكاً عن الكلام .
وفي الشرع : إمساك بنية عن أشياء مخصوصة من شخص مخصوص في زمن مخصوص .
وقولنا (إمساك بنية): لا يختلف الفقهاء أنه يجب الإمساك في صيام الفرض قبل طلوع الفجر الثاني ، واختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في النفل ، فقالت طائفة حكمه حكم الفرض ، وقال الأكثرون بأنه يجوز قبل انتصاف النهار ، ونتحدث عن هذه المسألة إن شاء الله بتوسع في بابها حين نصل إلى حكم النية في النفل .
قوله (عن أشياء مخصوصة) :هذه الأشياء نوعان:
النوع الأول : المحرمات لذاتها .
__________
(1) - ألقي هذا الدرس في الأول من شعبان لعام 1424هـ .(1/2)
النوع الثاني : المحرمات في الصوم ، وهي نوعان:
النوع الأول / نوع مفطر بالاتفاق كالأكل والشرب والجماع .
النوع الثاني / نوع مختلف فيه كخروج المني بدون جماع وكالحجامة والقيء ونحو ذلك .
قوله ( في زمن مخصوص) / قال تعالى: ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) [البقرة/187]
هذا الزمن من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا فقد أفطر الصائم " متفق على صحته ، فيه استثناء من هذا الحكم فيما لو أفطر ناسياً أو جاهلاً أو يظن غروب الشمس ، تأتي إن شاء الله في بابها ، الصواب أن العذر للجميع ، قال تعالى ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) [البقرة/286] ،قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (إذا أكل أحدكم أو شرب ناسياً فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) متفق على صحته .
اختلف العلماء رحمهم الله في الجماع والصواب أن الجماع يلحق بالأكل والشرب لأن النسيان قد يوجد فيه كما قد يوجد في الأكل والشرب ، ولكن إذا ذكر وجب عليه أن ينزع وإذا واصل لزمته الكفارة المغلظة .
فيه شخص جامع في شهر رمضان عالماً بالحكم عامداً فما الحكم ؟ .
يعتق رقبة فإن لم يستطع يصوم شهرين متتابعين ، وإن عجز يطعم ستين مسكيناً لكل مسكين ما يشبعه " مد " أو شبهه ،نعم ما يشبعه ، وإذا عجز ليس عنده قدرة على الإطعام قيل تسقط عنه الكفارة وقيل تتعلق بالذمة .
قوله ( من شخص مخصوص ): هذا الشخص هو المسلم العاقل ولا يختلف العلماء رحمهم الله تعالى أن التكليف متعلق بالرجل والمرأة والخطاب للجن والإنس )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) [البقرة/183)، كُتب بمعنى فرض ، وقد فرض رمضان في السنة الثانية من الهجرة.(1/3)
هل كان يوجد صيام واجب قبل رمضان ؟
نعم ،صيام عاشوراء على الصحيح ، فلما فرض رمضان نسخ صيام عاشوراء .
ولا يختلف الفقهاء في أن النبي صلى الله عليه وسلم صام تسع رمضانات .
{ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }البقرة185
الشرط الثالث : المقيم لأن المسافر لا يجب عليه لكنه متعلق بالذمة .
الشرط الرابع : للمرأة الطهارة .
- هل يصح من الحائض أن تصوم ؟ هل يصح منها؟.
نقول لا يصح منها الصوم ولا يجزئ عن الفرض .لكن هل يجوز الفعل ؟ لا ، لأنه ابتداع في الدين وإحداث في الدين ما ليس منه .
مسألة/ بلغت المرأة بالحيض في أول شهر رمضان وطهرت في اليوم السابع لا يختلف العلماء في أنها تواصل الصوم لكن هل يجب عليها قضاء ما حاضت فيه أم لا ؟ وما هو الدليل ؟ .
تقضي هذه الأيام حكي في ذلك الإجماع ، والدليل حديث عائشة في الصحيحين وعموم الأدلة ، حقيقة هي بلغت ...
كافر أسلم في أول يوم من رمضان وهو مكلف ثم مرض يعفى عنه بالفطر وشفي بعد عشرة يقضي هذه الأيام بالاتفاق يقضي هذه العشرة .
-لماذا تؤمر الحائض بقضاء الصوم ولا تؤمر بقضاء الصلاة ؟ .
الحكمة اجتهادية ليست نصية ، لا يمكن القول أن فيه نص في هذا الموضوع ، تقول عائشة: (هكذا أمرنا ) والخبر في الصحيحين لا إشكال فيه ، لكن الفقهاء دائما يلتمسون العلة في الشئ قد يصيبون وقد لا يصيبون ولكن هنا التمس كثير من العلماء الحكمة .
لماذا تؤمر بقضاء الصوم ولا تؤمر بقضاء الصلاة ؟ .
قيل العلة المشقة لأن الصلاة تتكرر في اليوم خمس مرات وبالتالي لو كان حيضها عشرة أيام وضربنا عشرة في خمسة كان المجموع خمسون صلاة ، فيه مشقة بخلاف الصوم فإنه لا يجب في العام إلا شهر واحد وبالتالي لا يشق قضاء سبعة أيام من كل ثلاث مائة وستين يوما .
قوله ( باب ما جاء في فضل شهر رمضان ) : ( باب( : يعرب بنحو ما تقدم أي :هذا باب .
(ما جاء): أي من الأحاديث الصحاح في فضل شهر رمضان .
((1/4)
الشهر): مأخوذ من الشهرة .
_ لماذا سمي رمضان بهذا الاسم ؟.
قيل من الرمضاء ، فرض في شدة الحر كان الناس يشتد عليهم الصيام فسمي رمضان ، وقيل لأنه يحرق الذنوب وغير ذلك وهذا التماس ، وإلا لا دليل عليه ، لا يقطع بشئ من هذا إنما هو التماس لسبب وجود التسمية وإلا لم يثبت في ذلك شئ نعتمد عليه .
جاء في بعض نسخ جامع أبي عيسى الترمذي ( بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا أبو كريب ....):(1/5)
التسمية في أول الكتاب تغني عن التسمية تحت كل باب ، وقال بعض العلماء إن التسمية بمنزلة السورة من القرآن تسمي في أول الكتاب كتاب الطهارة وإذا فرغ من كتاب الطهارة إلى كتاب الصلاة يبسمل كما إذا فرغ من سورة البقرة ليقرأ سورة أل عمران فإنه يستعيذ ثم يبسمل ، وقلنا هذا الحكم يختلف عن القرآن لأن الكتاب بمنزلة الجزء الواحد ، التسمية في أوله تغني عن التسمية في أول الكتاب ،وقيل التسمية لأجل النطق لأنه إذا أراد أن يبدأ فإنه ينطق بذلك ،وأنا أكرر مرارا بأن النطق لا تشرع فيه التسمية كموعظة بل تشرع فيه الحمدله ،وأن المكاتبات تشرع فيها التسمية دون الحمدله ،خلاف ما اعتاده كثير من الناس اليوم فإنهم في مكاتباتهم ومراسلاتهم ومؤلفاتهم يكتبون البسملة ثم الحمدله ،ولا أعلم دليلا على هذا الثابت في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا كتب بسمل وإذا تكلم حمد هذا هو المحفوظ عن الرسول صلى الله عليه وسلم ،حين كتب إلى هرقل قال: (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله ورسوله) ،والخبر متفق على صحته ،والكتاب الذي كتبه أبو بكر في الزكاة وهو عن النبي صلى الله عليه وسلم في البخاري فيه (بسم الله الرحمن الرحيم) ،وهذا متواتر وثابت في الأحاديث الصحاح ولا أعلم حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حمد الله حين كتب ،جاءت أحاديث عامة كحديث ( كل أمر ذي بال لا يبدأ بالحمد فهو أقطع ) وهذا لا يثبت إلا مرسلاً ،وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة خطبة الحاجة هذا حديث صحيح جاء من رواية أبي عبيدة عن أبيه وأبو عبيدة وإن لم يسمع من أبيه فأنه يروي بواسطة أهل بيته ولذلك لم يمتنع الحفاظ من تصحيح هذا الخبر ،وجاء من رواية أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ولكن هذا محمول على الخطب الكلامية ،إذا أراد العالم أو الواعظ أن يتحدث فإنه يبدأ بحمد الله والثناء عليه وإذا كتب يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم ، لكن لو أنه(1/6)
جمعها في المكاتبات أنا لا أقول أنه بدعة لكن أقول أنه خلاف الصواب ،ولكن إذا استدام هذا الفعل حيث لا توجد كتابة إلا وفيها البسملة والحمدله فهذا في الحقيقة ليس ببعيد أن يقال بأن هذا العمل بدعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما فعله ،والمواظبة على هذا باعتقاد أنه سنة أيضا يحتاج إلى دليل ،أما حديث خطبة الحاجة فلا دلالة فيها البتة لأننا نفهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق فعله وعن طريق فعل الصحابة،فلماذا الصحابة لم يكونوا يكتبون الحمد له في المكاتبات ، ولماذا الصحابة لم يبدؤون الكلام بالبسملة ،والذين يقولون أن البسملة تشرع في كل كلام هؤلاء مجانبون للصواب ومع هذا هم لا يفعلون هذا ، الخطيب الآن إذا قام يخطب يقول بسم الله إن الحمد لله نحمده ،لا يقول هذا مباشرة يبدأ بالحمدله وهذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم ،لو أن شخص بسمل نقول له أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ونقل لنا ماذا صنع في خطبته ولا بسمل .
وحديث (كل أمر ذي بال لا يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع ( حديث باطل رواه الخطيب في الجامع والسبكي في طبقات الشافعية تفرد به ابن الجَنَدي وهو متهم ،وفي نفس الوقت الحديث فيه اختلاف واضطراب قد جاء برواية قرة بن عبد الرحمن المعافري عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقرة بن عبد الرحمن سئ الحفظ وقد أُختلف عليه في هذا الخبر .
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى :حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء بن كريب أخبرنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النيران فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة .
(كل): نصب على الظرفية بمعنى وذلك في كل ليلة .(1/7)
اَلظَّرْفُ وقتٌ أَوْ مَكَانٌ ضُمِّنَا ... ... فِي بِاطِّرَادٍ كَهُنَا امْكُثْ أَزْمُنَا
هذا الخبر أو هذا الإسناد معلول ،قال أبو عيسى حديث أبي هريرة الذي رواه أبو بكر بن عياش ـ أبو بكر لا يعرف له اسم وقد اختلف على اسمه على عشرة أقوال ـ قال أبوعيسى عن حديثه حديث غريب لا نعرفه من رواية أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة إلا من حديث أبي بكر ، وأبو بكر في حديثه عن الأعمش لين .
قال أبو عيسى وسألت محمد بن اسماعيل عن الحديث فقال أخبرنا الحسن بن الربيع أخبرنا أبو الأحوص عن الأعمش عن مجاهد قوله قال: إذا كان أول ليلة من شهر رمضان فذكر الحديث . قال محمد وهذا أصح عندي من حديث أبي بكر بن عياش .
حديث أبي بكر معلول لعلتين :
العلة الأولى/ أنه مخالف للأسانيد الصحيحة .
العلة الثانية / أن أبا بكر عن الأعمش فيه نظر وقد رواه أبو الأحوص عن الأعمش عن مجاهد من قوله ولم يذكر أبا صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد جاء بعض هذا الخبر في الصحيحين ، نشير إلى ما جاء في الصحيحين وذلك كقوله صلى الله عليه وسلم : إذا دخل رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النيران " هذا الخير متفق على صحته من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
قوله :( إذا كان أول ليلة من رمضان ) هذا موافق للأحاديث الأخرى وأن التصفيد يكون في أول ليلة من ليالي رمضان .
يؤخذ من هذا فضيلة هذا الشهر فلا تصفد الشياطين في شهر من الشهور ما عدا شهر رمضان وهذا دليل على فضله وعظم منزلته وكبير قدره ، وفيه ليلة خير من ألف شهر .
ولا حرج أن يقال من رمضان لا حرج أن تقول شهر رمضان أو تقول رمضان ، وقد كره بعض الفقهاء أن يقال هذا رمضان ويعلل بعضهم بأن رمضان أسماء من أسماء الله تعالى ويذكرون في ذلك خبراً ، وهذا باطل من وجوه :
الوجه الأول / أن رمضان ليس اسم من أسماء الله .
الوجه الثاني / أن الحديث الوارد موضوع .(1/8)
الأمر الثالث / قد جاءت الأحاديث الصحيحة مصرحة بالجواز .
الأمر الرابع / أن هذا ينسحب على كل الشهور كما يقال هذا رجب هذا شعبان ، دون أن يقال هذا شهر رجب هذا شهر شعبان فرمضان كبقية الشهور لا يختلف عنها ، ولا يجوز الاستثناء إلا بدليل ، والدليل معدوم في هذا الباب والأحاديث الضعيفة أو الموضوعة لا تجدي في هذا الأمر ، الأحكام التكليفية خمسة ولا يجدي فيها إلا الخبر الصحيح .
ما هي الأحكام التكليفية ؟ الواجب ـ المحرم ـ المكروه ـ المباح ـ السنة . ، ومنهم من يضيف إلى ذلك حكمين الصحيح والباطل ، ومنهم من يقتصر على أربعة : الواجب ـ السنة ـ المحرم ـ المكروه ، ويلغي المباح لأن في المباح تفصيلاً .
قول ( صفدت الشياطين ومردة الجن ) : صفدت بمعنى غلت وسلسلت .
وقول( الشياطين ومردة الجن ) : يحتمل أحد أمرين ، يحتمل أن هذا من باب عطف الخاص على العام ، والعام الشياطين والخاص المردة ، ويحتمل أنه عطف تفسير وبيان كالتوضيح والتتميم للحكم فحين يقال أن التصفيد يقع للمردة فهذا هو السر في وجود ووقوع الذنوب من العباد في شهر رمضان لأن بقية الشياطين لم تصفد وحين يقال بأن التصفيد للجنس لجنس الشياطين وليس للمردة فحسب ، فما هو السر في وقوع كثير من العباد في الذنوب أو ما هو السبب في وقوع كثير من العباد في الذنوب ؟ .
السر في هذا أمور :(1/9)
الأمر الأول / أن الذنوب تقع بسبب النفس الأمارة بالسوء ، تقع بسبب شياطين الإنس الذين هم أخبث من شياطين الجن ، تقع في غير ذلك ، لكن باعتبار أن الذنوب في رمضان أقل منها في غير رمضان ونحن نلحظ أن طوائف من البشر ممن قد لا يرتادون أبواب المساجد لا في رمضان ولا في غيره ، لا يتخلفون عن الصيام فهم يصومون ويبادرون إلى الصوم ، وعلى كل نحن نأخذ بالنص والحديث في الصحيحين أن الشياطين تصفد وتغلق أبواب النيران وتفتح أبواب الجنان ، ونحن نرى ان الذنوب تقل في رمضان أقل منها في بقية الشهور سواء كان التصفيد للمردة أو كان التصفيد لجنس الشياطين فإن الذنوب تقع بسبب النفس الأمارة بالسوء وبسبب شياطين الإنس .
قوله (مردة الجن ) : المارد هو المتجرد للشر ولذلك يقال للرجل الأمرد لتجرده من الشعر .
وفيه معنى قول جل وعلا {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ }الجن14 ،ففي الجن مسلمون وفيهم كفرة كالإنس ، لذلك جاء في الحديث " صفدت الشياطين ومردة الجن " على التغاير لأن الشياطين مغايرة للجن وأن الشيطان لا يكون إلا كافراً ، وأن الجن فيهم الصالح وفيهم الطالح فيصفد حينئذ ويغل المارد دون غيره .
قوله ( وغلقت أبواب النيران فلم يفتح منها باب ) : فيه أن النار مخلوقة وهذا متفق عليه بين أهل السنة خالف بذلك طوائف من أهل البدع الذين يقولون أن النار لم تخلق بعد ، وهذا مغاير ومخالف للأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن النار مخلوقة وموجودة الآن على خلاف بين أهل السنة أين توجد ،ويؤخذ من هذا أن للنار أبواب كما أن للجنة أبوابا .(1/10)
قوله ( فلم يفتح منها باب) : يحتمل أن هذه النار هي نار عصاة الموحدين ، تغلق أبواب نارهم ويحتمل أن الحديث عن جنس النار سواء كانت نار الموحدين أو غير ذلك ، باعتبار أنه شهر الصيام شهر التوبة وشهر الإقبال على الله ، لذا يكثر إسلام كثير من الكفار في هذا الشهر ، فهذا أحد المؤيدات للقول بالعموم ،ولا يعني هذا أن لا يدخلها أحد فهذا شيء والإغلاق شيء آخر .
وفيه معنى قوله صلى الله عليه وسلم : فيم يروي عن ربه والحديث متفق عليه ( إن رحمتي سبقت غضبي ) ،وفيه سعة فضل الله .
قوله ( وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ) فيه أن الجنة مخلوقة وهي موجودة ، وفيه أن للجنة أبواب .
كم عدد أبواب الجنة وكم عدد أبواب النار ؟ أبواب النار في القرآن سبعة {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ }الحجر44، عدد أبواب الجنة جاءت ثمانية لحديث "فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء " ،في السنة أنها ثمانية ،وجاء في الكتاب والسنة أيضاً أن للجنة أبواباً وأن للنار أبواباً .
قوله ( لم يغلق منها باب وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ) : يحتمل أن يكون المنادي هو ملك ، ويحتمل أن هذا يلقى في قلوب بعض العباد ، ممن أراد الله له التوفيق والهداية ، فعلى القول الأول لا يزال من ذلك سماع هذا الأمر ، وعلى القول الثاني فإن الناس يحسون من نفوسهم إقبالاً على الخير في رمضان إقبالاً على الصلاة إقبالاً على الصدقة إقبالاً على التقوى وبعداً عن كثير من المحرمات.(1/11)
قوله ( يا باغي الشر أقصر ) : يا باغي أي يا طالب ، الشر : أي الإثم ، سواء كان كبيرة أو صغيرة ،أقصر : بفتح الهمزة أي أمسك عن المعاصي وارجع إلى الله ، فإن الله يتوب على من تاب والله جل وعلا يمهل ولا يهمل ،قال تعالى {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ}هود102.
وقوله ( ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة ) : لله / جار ومجرور .
عتقاء / مبتدأ مؤخر والحديث فيه إشارة إلى أن العتقاء كثيرون فيجب البحث عن أسباب العتق ، والبعد عن الأمور الموجبة لدخول النار ، والأحاديث الواردة في العتق من النار وذلك في كل ليلة في أسانيدها نظر ، ولكن الله جل وعلا تفضل على العباد في شهر رمضان جعل لهم ليلة هي خير من ألف شهر .
" من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " وقال تعالى {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ }القدر3.
ويؤخذ من هذا ما دلت عليه الأحاديث الأخرى أنه يغفر لمن استوجب النار .
وأهل السنة لا يختلفون أن أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار ، فلا يخلد في النار إلا من حبسه القرآن أو الكافر أو المشرك .
وأما أصحاب الكبائر فمنهم من يدخل النار ولكن لا يخلد فيها ، فيخرج إما بشفاعة الشافعين أو باستيفاء العذاب أو بغير ذلك وفيهم من الموحدين من يستوجب دخول النار ولا يدخلها بشفاعة أو بغير ذلك .
قوله ( وذلك كل ليلة ) : كل / نصب على الظرفية ، أي في كل ليلة من ليالي رمضان .
وهذا كما قلت لم يثبت فيه حديث والصحيح أنه جاء من غير وجه لكن لم يثبت فيه حديث .(1/12)
قال المؤلف رحمه الله تعالى : وفي الباب عن عبدالرحمن بن عوف رواه النسائي وجماعة ، قوله وابن مسعود رواه البيهقي وغيره وسلمان رواه الأربعة وغيرهم .
قوله : حدثنا هناد أخبرنا عبده والمحاربي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله عليه وسلم / من صام رمضان وقامة إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " .
قال أبو عيسى : هذا حديث صحيح .
الإمام أبوعيسى رحمه الله يصحح لمحمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ، وقد اختلف العلماء في محمد بن عمرو منهم من ضعفه وقال على المديني رحمه الله تعالى سألت يحي عنه ، فقال: أشدد أم لا ، قال : تريد التشديد أم لا ، قال أريد التشديد ، قال : ليس بالذي تريد .
وقال الإمام يحي بن معين رحمه الله تعالى : كان الناس يتقون حديثه ، وفي رواية عن النسائي أنه ثقة ، وصحح له جمع من الحفاظ .
والصواب في محمد بن عمرو ـ أنا تحدثت عنه بتوسع في كتاب الطهارة ـ بأنه صدوق يخطئ في بعض الأحيان على أبي سلمة وحديثه حسن ما لم يتفرد بأصل أو يخالف غيره ، فإذالم يتفرد بأصل أو لم يخالف غيره فحديثه مقبول وقد صحح له أبو عيسى وجماعة ، وهذا المتن جاء في الصحيحين من رواية يحي عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه .
قوله ( من صام رمضان ) : من صيغ العموم يشمل الذكر والأنثى، ويشمل الإنس والجن ، وقد جزم جماعة من الأصوليين بأن (من) هي أبلغ صيغة من صيغ العموم ، ومنهم من قال بأن (كل) ابلغ من ( من) خلاف معروف بين الأصوليين ،لكن الذي يهمنا الآن أن (من ) أبلغ صيغ العموم .
(من صام رمضان ) : صام رمضان أي الصيام الشرعي في زمن مخصوص ، وصام عن أشياء مخصوصة ، وفيه أشياء يجب اجتنابها في رمضان وفي غيره ولكن يتأكد اجتنابها في رمضان أكثر من غيره كالغيبة والنميمة ونحو ذلك .
وقيل للإمام أحمد رحمه الله أتفطر الغيبة ؟(1/13)
قال: لو كانت تفطر لم تجدنا صائمين .
قال ذلك تواضعاً ، وقد عرف عنه رحمه الله تعالى حفظ اللسان ، وكان أئمة السلف رحمهم الله يجلسون في المساجد يقولون نحفظ صيامنا ويسلم الناس من شرنا ، ولكن فيه من قال بأن الغيبة تفطر وأن من اغتاب أحداً في رمضان يقضي يوماً مكانه ، وقد وقال بعض الفقهاء معللاً : الأكل والشرب يفطر الصائم والغيبة ما تفطره ، وهذا القياس فيه نظر .
والصواب أن الغيبة والأمور المحرمة التي لم ترد في النص ، أنها غير مفطرة والمفطرات توقيفية ولا نتجاوز هذا ، وقد يلحق ببعض المفطرات ما كان في معناها ، اشتراط أن يكون الجامع أقوى من الفارق ، وهذا قول الجمهور منهم الأئمة الأربعة رحمهم الله .
من هم الأئمة الأربعة ؟
ـ أبي حنيفة ولد ( 80) وتوفي سنة ( 150) .
ـ الإمام مالك ( 93) وتوفي سنة ( 179) .
ـ الإمام الشافعي ولد سنة (150) ولم يعمر رحمه الله وتوفي سنة (204) .
ـ الإمام أحمد ولد سنة ( 164) وتوفي سنة ( 242) قيل أقل وقيل أكثير بقليل .
من صام رمضان : أتى بالصيام على الوجه المشروع وابتعد عن الغيبة وكل المحرمات وأقبل على الطاعة وعلى الخير ، وحفظ جوارحه وحفظ سمعه عن كل ما يبغضه الله ويبغضه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(وقام ) : سواء قام مع الإمام أو صلى وحده .
الصلاة مع الإمام فيها فضل مستقل في أحاديث أخرى ، ولكن هذا الحديث فضله فيمن قام سواء قام وحده أو قام مع الإمام .
والسنة في رمضان أو في غيره أن يقوم بإحدى عشرة ركعة ، لحديث عائشة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد لا في رمضان ولا في غيره على أحدى عشرة ركعة ، كان يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهم وطولهن ، ثم يصلي ثلاثاً).
وإن صلى ثلاث عشرة ركعة فلا حرج من ذلك ، وإن زاد وصلى بعشرين أو بإحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو ست وثلاثين أو بأكثر من ذلك فلا حرج .(1/14)
الاختلاف اختلاف أفضلية وليس اختلاف تحليل وتحريم ، وقد حكى ابن عبد البر رحمه في الاستذكار الإجماع على جواز كل هذه الأمور وحكى غير واحد أيضاً ، لكن الأفضل هو ما ثابر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وثابر عليه الصحابة من بعده وذلك بالاقتصار على إحدى عشرة ركعة .
ودليل الجواز أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الليل مثنى مثنى- أي صل ما شئت- فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة " .
هذا أعرابي لا يعرف المطلق من المقيد ولا يفهم الأحاديث الواردة الأخرى ، ولو كان يعرفها ويفهمها ما سأل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة الليل مثنى مثنى وإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة " هذا دليل الجواز وذاك دليل الأفضلية والأولوية .
ونتحدث عنه في بابه ولكن هذا إشارة إلى قول المؤلف على قوله صلى الله عليه وسلم .
( من صام رمضان وقامه إيماناً ) :
الإيمان في اللغة : التصديق ، قال الله عز وجل : وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ }يوسف17 ، أي بمصدق لنا ، لكن في الشرع هو قول وعمل ، قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح .
من قام رمضان إيماناً بكل ما تحمله هذه الكلمة من الإيمان من التصديق وطلب الإحتساب ، والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والإيمان بهذا الثواب والأجر .
ومنهم من حمل هذا الخبر على الإيمان تصديقاً واحتساباً أي بحثاً عن الأجر وعن الثواب ، والقول بالعموم أولى ، بحيث أنه يطلب كل ما تحمله هذه الكلمة من معاني الإيمان وما يتطلبه هذا الصيام ويتطلبه هذا القيام ، واحتساباً بأن الإخلاص شرط للعمل ، قال الله جل وعلا {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ }البينة5 .(1/15)
الإخلاص هو إرادة وجه الله ولا يجتمع حب الثناء والإخلاص في قلب عبد أبداً إلا كما يجتمع الحوت والضب والماء والنار ، وقال تعالى { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }النساء114 ، فالله جل وعلا لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه ، أما الرياء فلا يقبله الله جل وعلا فيتركه وصاحبه .
وفي صحيح مسلم من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى " أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه " .
قوله ( غفر له ) : هذا جواب الشرط ، وفعل الشرط :صام وقام إيماناً واحتساباً ، جواب الشرط ( غفر له ) المغفرة أي الستر حين تكفر سيئاته ويستر عليه .
( غفر له ما تقدم من ذنبه ) وفي رواية في المسند ( وما تأخر ) وهذه رواية شاذة .
قال الإمامان ابن حزم وابن تيمية عليهما رحمة الله بأن المغفرة للصغائر وللكبائر .
وقال الجمهور بما فيهم الأئمة الأربعة رواية واحدة بأن المغفرة للصغائر دون الكبائر وقد سبق شرح الموضوع وذكر أدلة هؤلاء وأدلة هؤلاء وقلت بأن قول الإمام ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية قول قوي وأن الادلة تدل عليه لقوله صلى الله عليه وسلم " من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه " ومعلوم أن الأم تلده وليس عليه شيء ، فلا يقيد هذا بالصغائر دون الكبائر .
وأجبت عن حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة " رمضان إلى رمضان والجمعة إلى الجمعة مكفرات لما بينهم ما تغش الكبائر " .
ويؤخذ من هذا فضيلة الإخلاص وسعة فضل الله جل وعلا وفيه أن الأعمال سبب لدخول الجنة ، وفيه إثبات الجزاء والحساب وفيه إثبات الجزاء الأخروي وفيه البعث بعد الموت وفيه غير ذلك من الفوائد .(1/16)
قوله ( ومن قام ) : من اسم شرط جازم ومن صيغ العموم ،قام ليلة القدر ، لماذا سميت بليلة القدر ؟ قيل لكبير قدرها وقيل كما في آية الدخان {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ }الدخان4، وأن الله يقدر فيها أقدار العباد .
من قام ليلة القدر :
تقدم أن قيام رمضان كله مشروع وكله فاضل والإجماع منعقد على استحباب قيام الليل في كل ليلة بل فيمن قال بأنه واجب على أهل القرآن ، وفيه من قال أن الوتر واجب مطلقاً كقول أبي حنيفة وطائفة من العلماء ، إذن هم متفقون لا يختلفون في الاستحباب بل يختلفون في الإيجاب ، وقيام الليل وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار ، وقد تقدم في السنة القيام بإحدى عشرة ركعة ، وقيام آخر الليل أفضل من قيام أوله أو أوسطه لقول عائشة رضي الله عنها في الصحيحين واللفظ لمسلم " من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوله وأوسطه وآخره حتى أنتهى وتره إلى السحر " ، فمن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً ، تقدم معنى قوله صلى الله عليه وسلم " إيماناً واحتساباً " ، قيل الإيمان هو التصديق أي مصدقاً بوعد الله وثوابه وقيل بما تحمله كلمة الإيمان وما يتطلبه هذا الباب ، واحتساباً طلباً للأجر والثواب ، لان الإنسان قد يكون له حاجة يعني يطلب فلانأً مالاً فلا يجده إلا إذا صلى معه فصلى لأجل أن يأخذ حقه من غريمه ولم يصل إيماناً واحتساباً بحيث لو لم يرد هذا الحق ما صلى ، ولذلك في الليالي الأخرى ما كان يصلي وإنما صلى في هذه الليلة بحثاً عن ماله فمثل هذا لا يدخل في هذا الأجر وهذا الثواب وهذا الأجر الكبير إلا اللهم حين نوى غريمه احتسب وطلب الأجر المثوبة من الله وانه قد يحصل على الأجر لكن لا يكون بمنزلة من قام إيماناً واحتساباً بحيث لا يريد جزاءً ولا شيئاً من ذلك ، أما الذين يصلون لحاجة أو لغرض أو غير ذلك فهؤلاء لا يدخلون في هذا الأجر وفي هذا الثواب وفيه فضيلة الإخلاص ، الإنسان يحاسب نفسه وينظر(1/17)
في عمله ، لأن النية تتقلب على العبد كما قال بعض السلف " ما عالجت شيئاً من أمري أشد علي من نيتي تتقلب علي " ، فنحن بحاجة إلى معالجة النية ومحاسبة النفس وضرورة مراعاة الإخلاص والبعد عن الرياء وحق على الله لا يرتفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه الله ، ومن أحب أن يذكر لا يذكر ، ومن أخلص لله كان ذكره على لسان كل مؤمن ، المهم أن نراعي الإخلاص وأن ننظر في طاعة الله جل وعلا وأن نخلص له العبادة وأن نعلم أن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه .
والله جل وعلا يقول { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً }الملك2، ولم يقل أكثر عملاً ، نحن نعلم أن الخوارج أكثر من الصحابة أعمالاً بنص قوله صلى الله عليه وسلم " تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم " وهذا متواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ عشرة أحاديث في الصحيحين ـ ولكن قال " أحسن عملاً " .
الخالص ما كان له والصواب ما كان على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن العمل قد يكون خالصاً وليس بصواب فلا يقبل ، وقد يكون صواباً وليس بخالص فلا يقبل .
قوله " غفر له ما تقدم من ذنبه " : الصواب أنه يشمل الصغائر والكبائر ، وقال الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى رواية واحدة عنهم بأن هذا للصغائر دون الكبائر ، وهم يستدلون بحديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قوله صلى الله عليه وسلم " الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما لم تغش الكبائر " .
فتحدث الامام أبو عيسى رحمه الله تعالى عن حديث أبي بكر بن عياش الذي تقدم الحديث عنه ، نقف على قول المؤلف رحمه الله تعالى باب ما جاء لا تقدموا الشهر بصوم ، والله أعلم .
الأسئلة :
س: ...
ج: نعم الصواب أنهم تشمل أن الله يستر عليه ويغفر له ، "غفر له " بأن الله يستر عليه ويغفر له .
س: ...(1/18)
ج: الأحاديث الواردة أن النار ليس فيها أحد وتصفد أبوابها حملت على نار الموحدين ، هذا قول طائفة من السلف يرون أن المقصود نار الموحدين ، والأحاديث الواردة في لفظ الفناء هي في نار الموحدين ، أما نار الكفار فلا تفنى أبداً .
س: ...
ج: التصفيد يفهم منه هذا ولكن تخصيص النص القطعي بهذا لا نثبته إلا إذا فهمنا هذا النص على الفهم السابق .
س : ...
ج: كان يطلب غريماً ولا كان يقصد الله والدار الآخرة إنما لأجل الغريم ، هذا لا يدخل في الحديث ، لا يدخل إلا إذا قصد يعني الله والدار الآخرة وقصد أيضاً طلب الغريم أما إذا كان لا يريد إلا الغريم ومن قبل ما كان يصلي لكن صلى هذه الليلة وقام لأجل الغريم لا يجده إلا في هذه الليلة فهو يتحراه فهذا ما قام لا إيماناً ولا احتساباً حتى من صلى عادة ولم يقصد الإيمان والاحتساب ،لا بد أن ينوي الإنسان الإيمان والاحتساب لكن ليس معنى هذا أن بعض الناس يحاول أن يستحضر النية حتى يقع في الوسوسة ، النية القصد النية محلها القلب ، والتلفظ بالنية بدعة ، والله أعلم نكتفي بهذا ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
2 - بابُ ما جاءَ لا تَتَقَدَّمُوا الشَهرَ بصَومٍ
679 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ أَخبرنَا عَبدَةُ بنُ سُليمانَ عن مُحَمَّدِ بنِ عَمرٍو عن أَبي سَلَمَةَ عن أَبي هُريرةَ قَالَ:
- قَالَ النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تُقَدَّمُوا الشَهرَ بيومٍ ولا بيومينٍ إِلاَّ أَنْ يُوافِقَ ذَلكَ صَوماً كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُم. صُومُوا لِرُؤيتِهِ وأَفطِرًوا لِرُؤيتِهِ فإِنْ غُمَّ عَلَيكُم فَعُدُّوا ثلاثينَ ثُمَّ أَفطِرُوا".
وفي البابِ عن بعضِ أَصحابِ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخبرنَا منصورُ بنُ المُعتَمرِ عن رِبعِيِّ بنِ حِرَاشٍ عن بعضِ أَصحابِ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنَحوِ هَذَا.(1/19)
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ أَبي هُريرةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ عَلَى هَذَا عِندَ أَهلِ العلمِ: كَرِهُوا أَنْ يَتَعجَّلَ الرَّجلُ بصيامٍ قَبلَ دُخُولِ شَهرِ رَمضَانَ لمعنَى رَمضَانَ وإن كَانَ رَجُلٌ يصُومُ صَوماً فَوَافَقَ صِيَامُهُ ذَلكَ فلا بأْسَ بِهِ عِندَهُم.
680 - حَدَّثَنَا هَنَّادٌ أَخبرنَا وَكِيعٌ عن عليِّ بنِ المباركِ عن يَحيَى بنِ أَبي كثيرٍ عن أَبي سَلَمَةَ عن أَبي هُريرةَ قَالَ:
- قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تَقَدَّمُوا شَهرَ رَمضَانَ بصِيامِ قَبلَهُ بيومٍ أَو يومينِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يصُومُ صَوماً فَلْيَصُمْهُ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
الشرح :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في كتاب الصيام (باب ما جاء لا تقدموا الشهر بصوم ).
(باب) : أي هذا باب يعرب خبراً لمبتدأ محذوف تقديره هذا باب .
(ما جاء ): أي من قول النبي صلى الله عليه وسلم .
( لا تقدموا ) : بفتح التاء ، أصل هذا الفعل ( تتقدمون ) ، وجزم بلا الناهية وحذفت النون وأدغمت إحدى التاءين بالأخرى .
( لا تقدموا الشهر بصوم ) : أي إذا كان لمعنى رمضان لأن النبي صلى الله عليه وسلم استثنى في هذا الأمر وقال : إلا أن يكون رجل كان يصوم صوماً فليصمه ) ومن ذلك القضاء ، قضاء الفرض أو قضاء النذر وذلك من له عبادة يصوم يوماً ويفطر يوماً وغير ذلك مما نقرره إن شاء الله تعالى بعد قليل .
والمقصود بالشهر شهر رمضان بالاتفاق .(1/20)
حدثنا أبو كريب أخبرنا عبدة بن سليمان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، رواته ثقات ، ومحمد بن عمرو صدوق ما لم يخالف أو يتفرد بأصل لا يمكن أن يتفرد به مثله ، وهذا في الحقيقة ضابط لكل صدوق تكلم فيه جماعة من الأئمة ، تقدم بالأمس قول يحي : كان الناس يتقون حديثه وقول يحي بن سعيد لعلي بن المديني حين سأله عنه ، وقال: تريد التشديد فأجاب بنعم ، فقال : ليس هو ممن تريد ووثقه جماعة وصحح له أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى وليس أبو عيسى من المتساهلين كما يصوره الكثير فإنه رحمه الله تعالى يعتمد في كثير من أحكامه على شيخه أبي عبدالله البخاري رحمه الله تعالى .
ومن حفظ جامع أبي عيسى وقرأ العلل المطبوع في آخر الجامع أو درس جامع أبي عيسى دراسة دقيقة وعميقة لا أظنه يختلجه شك بأن أبا عيسى ليس بمتساهل وكونه يصحح بعض الأحاديث الضعيفة أو يوثق بعض الضعفاء هذا ليس بمسوغ لرميه بالتساهل والذين يسوونه بالحاكم غير مصيبين وكون العالم يصحح بعض الأحاديث الضعيفة لا يعني بأنه متساهل لأن هذا الوصف يصدق على البخاري وعلى أحمد وعلى مسلم قد يصححون ما يختلف معهم الآخرون في التضعيف فيأتي الذي يضعف الخبر يرى أن هذا الذي صحح قد تساهل وفي نفس الوقت الذين يصححون يرون أن الذي يضعف متشدد .
فإن قيل أن أبا عيسى قد يوثق بعض الرواة الذين يكاد يتفق الحفاظ على تضعيفهم فالجواب أن هذا قليل جداً في أثنين أو ثلاثة في جامعه ابن كثير ونحوه والبقية مختلف فيهم وفي نفس الوقت هو قد يضعف بعض الأحاديث التي جاءت في البخاري كحديث ابن مسعود فهل يعني هذا أنه متشدد .
فأبو عيسى رحمه الله تعالى ليس هو ( نعم ) بمنزلة البخاري وليس بمنزلة أحمد و علي بن المديني ويحي بن معين وفي نفس الوقت ليس هو بمنزلة الحاكم أو بمنزلة ابن حبان أو بمنزلة الخطيب ونحو هؤلاء .(1/21)
هو رحمه الله تعالى من الطبقة الوسطى ومن الذين لا يرمون بالتشديد ولا يوصفون بالتساهل ، وكثيراً ما يورد الراوي وينقل كلام شيخه عنه ، وفي بعض الرواة الذين وصف أبو عيسى بالتساهل بسببهم كان يعتمد في ذلك على كلام شيخه أبي عبدالله البخاري رحمه الله تعالى ، فمحمد بن عمرو صدوق شأنه في ذلك شأن محمد بن اسحاق وعبدالله بن محمد بن عقيل وعاصم بن أبي النجود وأمثال هؤلاء ممن تقبل أحاديثهم ما لم يكن للواحد منهم مخالفة أو تفرد بأصل لا يمكن أن يروى عن مثله .
وهذا الخبر لم يتفرد به محمد بن عمرو وقد جاءت معانيه في أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهما من رواية أبي هريرة ومن رواية ابن عمر وغيرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولذلك قال أبو عيسى رحمه الله تعالى على هذا لخبر هذا حديث حسن صحيح ، ومعنى قول أبي عيسى (هذا حديث حسن صحيح ) قيل حذفت أداة التردد أي حسن أو صحيح .
وإذا قال أبو عيسى هذا حديث حسن ولم يضف عبارة أخرى إلى هذا فيعني به ما جاء من غير وجه ولم يكن فيه كذاب ولا متهم وانتفى عنه الشذوذ .
وإذا أضاف إلى لفظ الحسن الغرابة أو الصحة فإن هذا التعريف ينتفي عنه.
حين يقول أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه لا ينافي كلام أبي عيسى تعريف الحسن لأنه عرف الحسن إذا تجرد من لفظ آخر وقيل في معنى ( قول أبي عيسى حسن صحيح ) حسن المعنى صحيح الإسناد وقيل حسن عند طائفة وصحيح عند طائفة أخرى ، وهذه المعاني متقاربة ، المهم أن نفهم أن قول أبي عيسى ( حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه ) لا ينافي تعريف الحسن بأنه يروى من غير وجه ، لأنه إذا أفرد .(1/22)
قوله صلى الله عليه وسلم "لا تقدموا " ، أصل الفعل تتقدمون حذفت إحدى التاءين وأدغمت أحداهما بالأخرى ، والفعل مجزوم بلا الناهية ، والأصل في النهي أنه يفيد التحريم ، وهذا قول الأكثر من الفقهاء والأصوليين ، إذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أو قال لا تفعلوا كذا وكذا فالأصل في هذا النهي الذي قد يكون صريحاً وقد يكون معروفاً من الصيغة والسياق فإنه يفيد التحريم ما لم يأت صارف لهذا واستثنى الجمهور وما لم يكن أدباً من الآداب لأن الجمهور يرون أن النهي في الآداب لا يفيد التحريم ـ يفيد الكراهة ـ ومن ذلك الأوامر ،الأوامر عند الجمهور تفيد الوجوب ما لم يصرف ذلك صارف وما لم يكن الأمر في الآداب ، ومختلفون في ضابط الآداب ، ومنهم من عمم قال الأصل في النهي التحريم مطلقاً والأصل في الأمر الوجوب مطلقاً ويعتبر في ذلك بالقرائن سواء كان أدباً أو حكماً . النهي الآن متعلق بحكم من الأحكام وليس مرتبطاً بأدب من الآداب .
( لا تقدموا الشهر بيوم ولا بيومين ) قيل أن المعنى في هذا : إذا كان لمعنى رمضان ، إذا تقدم رمضان بيوم أو يومين احتياطاً لاحتمال أن يكون من رمضان فهذا هو الممنوع فإن قيل جاء في جامع أبي عيسى وغيره من حديث العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب الحرقي مولاهم عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا انتصف شعبان فلا تصوموا . قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح ،قد صححه جماعة أبو داود وغيره ، الجواب عن هذا الخبر منهم من حمل إذا انتصف شعبان فلا تصوموا إذا كان بقصد الاحتياط لرمضان هو الذي ذكره الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى حول هذا الخبر حين قال : لمعنى رمضان . أما إذا أراد أن يستكثر من الصيام في شعبان أو أراد أن يصوم يوماً ويفطر يوماً فلم ينه عن ذلك أحد ومنهم من قال : بأن هذا الخبر منكر ومعلول بعلتين :(1/23)
العلة الأولى : أنه مخالف للأحاديث الواردة في الصحيحين كحديث أبي هريرة " لا تقدموا رمضان بيوم ولا يومين " .
العلة الثانية : أن العلاء قد تفرد به ، وذكر هذا الخبر يحي بن معين وأحمد وأبو حاتم وجماعة من الحفاظ بل طعن الإمام أبو حاتم رحمه الله في العلاء لروايته هذا الخبر ، العلاء رحمه الله ثقة قد خرج له الإمام مسلم رحمه الله في روايته عن أبيه عن أبي هريرة ما لا يقلّ عن خمسين حديثاً ، والحافظ لا يضعف في روايته ما ينكر من حديثه ما لم يكثر ويكن الغالب عليه رواية المنكرات ثم أنه يتضح من هذا أن التضعيف كان لمعنى المتن وهذا هو الذي أشار إليه الإمام أبو داود رحمه الله تعالى في سننه حين ذكر هذا الخبر وقال : وهذا عندي ليس بخلافه أي بخلاف حديث " لا تقدموا رمضان بيوم ولا يومين " ، ويحمل هذا على معنى ، وذاك على معنى بما يتوافقان ولا يتعارضان وإن كان الأكثر من المحدثين يضعفون حديث العلاء في هذا الباب ولا يضعفونه مطلقاً بل الأكثر يحتجون به باستثناء هذا الخبر في هذا الباب .(1/24)
ومفهوم هذا الحديث أنه يجوز تقدم رمضان بثلاثة أيام ، وقال بعض العلماء أي ولو كان لمعنى رمضان ، وهذا فيه نظر لأنه إذا وجدت العلة حتى لو انتصف شعبان إذن لا مفهوم لهذا الخبر مع وجود العلة وما دامت العلة موجودة فسواء تقدم رمضان باسبوع أو بأسبوعين ولكن الأكثرية قد يتقدمون رمضان إذا كان لمعنى رمضان بيوم أو يومين فنبه على هذا الأمر ، ولذلك قيل أنه قد يحصل الشك بيوم أو يومين وذلك بحصول الغيم ونحو ذلك ، ومنهم من قال أن ذكر اليوم واليومين لئلا يختلط صوم الفرض بصوم النفل ، وقيل غير ذلك والصواب ما تقدم التعليل به ، استثنى من هذا الحديث قوله (ألا يوافق ذلك صوماً كان يصومه أحدكم) ، أي كأن يصوم أحدكم يوماً ويفطر يوماً وهذا أفضل الصيام ، أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً في الحديث الصحيح ، أو أراد أن يصوم الفرض الواجب عليه ، أو كان هذا صيام نذر وهذا الاستثناء قد يُحتج به على منع تقدم الشهر بيوم أو يومين ما عدا ما استُثنى لأنه قد يقال ما فائدة الاستثناء إذا كنا نضيف أمراً آخر غير المذكور .(1/25)
الجواب : أن التعليل السابق لا ينافي هذا الاستثناء فإن قول " ألا يوافق ذلك صوماً " علم أنه ما لم يقصد لمعنى رمضان فيلحق بما يوافق صوماً ما كان بمعناه وإلحاق النظير بنظيره أمر مطلوب ، وهذه حقيقة الفقه فلا يمكن أن نغير بين متماثلين ولا أن نجمع بين متناقضين وقوله ( أحدكم ) فيه جواز إطلاق ( أحد) في الإثبات ، لأن بعض العلماء يمنع من إطلاق ( أحد ) إلا في سياق النفي أو النهي ،وعند الإثبات فلا تطلق إلا على الله جل وعلا وقد جاءت في أحاديث كثيرة إطلاق ( أحد) حتى في الإثبات وإن كان قد يجيب المعارض بأنه إلا إذا دلت قرينة ، وهنا دلت قرينة وذلك في قوله " كان يصومه أحدكم" فهؤلاء يمنعون أن تقول: في البيت أحد ، ولكن لا يمنعون أن تقول : ليس في البيت أحد ، لأنه في سياق النفي وهم يفرقون بين الإثبات وبين النفي وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم " إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين " قال : إلا أحد ، وهذا في الإثبات .
وقوله " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " :
صوموا لرؤيته: أي لأجل رؤية الهلال ، اللام في قوله لرؤيته للتعليل ، وأفطروا لرؤيته : أي لأجل رؤية الهلال ، اللام للتعليل.
وفيه أن المعتبر بدخول الشهر وخروجه هو الرؤية وهذا قول الجمهور فلا يعتبر في ذلك غير الرؤية ، وجزم بذلك الأئمة الأربعة رحمهم الله على خلاف بينهم بتقدير الشهور في دخول الشهر وفي خروجه فهم يتفقون في وجوب تحديد الرؤية ويختلفون في عدد الشهود الذين تثبت بهم الرؤية ، فإذا حال دون منظر الرؤية غيم أو غيره فهؤلاء يوجبون إكمال العدة ثلاثين يوماً وذلك لرواية مالك عن ابن دينار عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " وجاء نحوه في حديث أبي هريرة وكلاهما في صحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى .(1/26)
فهم بعض الأئمة من قوله صلى الله عليه وسلم " صوموا لرؤيته " أن كل بلد يستقل برؤيته ، وأن من رأى الهلال لزمه ولزم أهل بلده الصيام ولا يلزم هذا أهل البلاد الأخرى ، عكس هذا فهم آخرون بأنه إذا رؤي في بلد وجب على كل المسلمين الصوم ، وهؤلاء كلهم يحتجون بحديث واحد ، هؤلاء يقولون " صوموا لرؤيته " أن العبرة بالرؤية يقولون : إذا رآة شخص لزم الآخر الصوم سواء كان قريباً أو بعيداً ، وهم يقولون أن الحكم يتعلق بأهل البلد ، وهذه المسألة خلافية بين العلماء رحمهم الله تعالى وذلك على مذاهب :
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : تكفي رؤية أهل بلد عن أهل البلاد الأخرى ، وحكي عن بعض المالكية أنه يلزم ، وأنكر هذا الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى وحكي الإجماع على خلافه ، ومنهم من قال لكل بلد رؤيته وهذه رواية عن الإمام وهو مذهب الجمهور وهذا المحفوظ عن ابن عباس حين قيل له ألا تعتد برؤية معاوية ؟ قال : لا ، مع أن معاوية كان هو الإمام الأعظم آنذاك ،والخبر في صحيح مسلم فلم يأخذ ابن عباس رضي الله عنه برؤية معاوية كأنه اعتبر أن لكل بلد رؤيته ، وحكاه أبو عيسى عن أهل العلم ولم يحك قولاً غيره .(1/27)
ومنهم من قال أن الرؤية على حسب المطالع ، وهذا مذهب الشافعية وأهل الخبرة والمعرفة بمنازل القمر يعرفون هذا ، وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، لأنه قد يتحد المطلع ويختلف البلد ، فلا وجه حينئذ أن نقول لهؤلاء : يجب عليكم الصوم ولهؤلاء لا يجب عليكم الصوم والمطلع واحد ، وكثير من العلماء ينادون في هذا العصر بتوحيد الرؤية لأجل الانضباط ولأن الناس الآن منهم من يصوم في هذا اليوم ومنهم من يصوم في الغد ومنهم من يصوم في اليوم الثالث فإذا رؤي في بلد فإن من جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم أنهم يصومون معه ولا سيما أنه قد قال بهذا جماعة من الأئمة المتقدمين بل منهم من قال يجب وهذا مأثور عن بعض المالكية أما الإمام أحمد رحمه الله تعالى فقال : أن الرؤية تكفي ولم يوجبه ولكنه مذهب عنده ومنهم من أنكر هذا القول وأن لكل بلد رؤيته حيث اختلفت الآن البلاد ولكل بلد أميره والمسئول عنه وأن الأحكام تتعلق به دون غيره وهذا أيضاً فيه إشكالية أن البلاد قد تتحد مطالعها وتختلف رئاستها فكيف نربط الحكم بالرئاسة ؟ وهذا فيه نظر أيضاً .
ومنهم من قال يجب توحيد الرؤية بشرط أن يكون للمسلمين إمام أعظم فإنه هو الذي يستطيع أن يوحد الرؤية ولأن أمره هو النافذ ولا سيما في مثل هذه المسائل الاجتهادية وليست قطعية ولا نصية .
أريد أن أنبه أولاً أن هذه المسألة من مسائل الاجتهاد فلا تثريب على من خالف في شيء من هذه الأقوال فلم يزل أئمة السلف يقولون فيما يعرضون من مسائل الاجتهاد : كلامنا صواب يحتمل الخطأ وكلام غيرنا خطأ يحتمل الصواب .
الأمر الآخر : أن توحيد الرؤية قد يكون متعذراٌ في هذا الوقت لأن كل بلد يريد أن تكون رؤيته هي المعتبرة وحينئذ قد يتعذر لأنه لا يمكن أن نحيل الرؤية إلى من يرون الحساب ولا يرون الرؤية .(1/28)
فيه طائفة يعتمدون على الحساب ما يعتمدون على الرؤية وكل منا قد لا يرضى أن تحال الرؤية إلى الحساب وتعزل الرؤية جملة وتفصيلاً ، فلذلك القول برؤية المطالع أو باعتبار الرؤية بالمطالع هو قول قوي لأن هذا معروف لمن عنده معرفة ودراية بمنازل القمر وبولادة الهلال وما يتعلق به من الأمور الفلكية ، إذا كان هذا البلد قريباً من هذا المطلع فإنه يعتبر البلد الآخر الذي يعتبر أو رأى الهلال ، ولكن لو أن الناس كانوا متفقين على رؤية واحدة لم يكن في ذلك مخالفة للأدلة الشرعية إذا وجد إلى ذلك سبيل .
في قوله " فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ثم أفطروا " :
أخذ من هذه الرواية الجمهور إبطال الحساب وأن الحساب باطل جملة وتفصيلاً ، ومنهم من شدد في أمر الحساب جعلوه ضرباً من التقول على الله بلا علم ومنهم من غلا فيه فجعله نوعاً من أنواع الشعوذة والكهانة ونحو ذلك .
الصحيح أن الحساب الفلكي ليس من الكهانة في شيء وليس من الشعوذة في شيء هي أمور معروفة بالدراسة والفهم والمعرفة تبنى أيضاً على التجارب وغير ذلك مما هو معروف عند أصحاب الخبرة ولكن الحديث يفيد أن الاعتبار بالرؤية لا بالحساب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (فإن غم عليكم ) ، أي حال دون رؤية الهلال غيم فعدوا ثلاثين ثم أفطروا ففيه تحريم صوم يوم الشك وفيه أن العبرة بالرؤية لا بالحساب .(1/29)
وقال جماعة من العلماء وهذا الحكم لا يختص بشعبان بل هو عام في كل الشهور إذن يجب التحري في كل الشهور فإذا لم ير الهلال ليلة ثلاثين فإنه يكون اليوم الذي يليه تابع للشهر الذي قبله وكذلك في رمضان ، إذن تكتمل العدة في شعبان ونكمل العدة في رمضان حتى يرى هلال شوال وذهب طائفة من العلماء وهو مروي عن مطرف بن عبد الله وهو أحد أئمة التابعين وابن قتيبة وابن سريج من فقهاء الشافعية بأنه لا حرج من اعتبار الحساب إذا كان منضبطاً وهؤلاء يعللون بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ) ، فحين لم يكن عندهم معرفة للحساب كانوا يعتبرون الرؤية فإذا ضبط الحساب وعرفت مخارجه ، وكان القائمون عليه ثقات وموثوقاً بهم فإنه لا حرج من اعتبار الحساب .
وذهب فريق ثالث في المسألة بأن الحساب لا يعتبر إلا إذا اتفق الفلكيون على أن الهلال لا يمكن أن يولد هذه الليلة فأخبر مخبر بأنه قد رأى الهلال فإنه يعتبر كلام أهل الحساب في تكذيب الرائي وما عدا ذلك فلا يعتبر الحساب أي لا يمكن أن نكل الأمر للحساب الأصل في ذلك الرؤية ولكن لو اتفق أهل الحساب على أن هذا المخبر غير مصيب بأن الهلال لا يمكن أن يولد هذه الليلة فكيف يخبر بأنه قد رأى الهلال ؟ فنعتبر قولهم قرينة على تكذيب الرائي وفي غير هذا لا نعتبر كلام أهل الحساب في هذه المسائل .
أنبه إلى أن المقصود بهذا الحساب ليس هم الذين يضعون التقاويم الهجرية الموجودة الآن الذين منهم من يجعل شعبان تسعة وعشرين يوماً ومنهم من يجعله ثلاثين يوماً فيضطربون في ذلك اضطراباً كثيراً .(1/30)
علم الحساب الذي يخبر عن ولادة الهلال هو أدق من العلم الذي يخبر عن الشهور لمدة سنة أو سنتين أو ثلاثة أعوام ، هذه المراصد الفلكية توجد في حينها وفي وقتها فيخبرون عن الهلال هل ولد أو ما ولد ولا سيما بعد تطور الوسائل والأجهزة المعينة على رصد وضبط الأهلة وعلى كل الأصل في ذلك الرؤية ولكن إذا اتفق الفلكيون على أن هذا المخبر قد غلط باعتبار أن الهلال لم يولد يعتد بقولهم في هذه القضية دون غيرها ولكن كثيراً ما يختلف أيضاً الفلكيون ، لأنه في العام الماضي منهم من أخبر أن الهلال لا يمكن أن يولد الليلة القادمة ثم بعد ذلك ناقضه آخر بأنه يمكن أن يولد وأُعلِن بأنه من شوال فقد يختلفون وإذا اختلفوا فالأصل في ذلك الرؤية مطلقاً ، إذن نعتمد في ذلك الأصل النص ، ولكن إذا أخبر هؤلاء الذين يمكن أن ينضبط كلامهم واتفقوا على شيء معين بأن المخبر غلطان في هذه الحالة نعتبرهم ، فلذلك نقول :أن الرؤية لا يلزم أن تكون بصرية فإذا رؤي الهلال عبر المكبرات أو عبر المقربات فلا حرج من ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (صوموا لرؤيته ) وأنا قد رأيته فليس بلازم أن أراه بالعين المجردة ، ولم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته بالعين المجردة ، قال: (صوموا لرؤيته ) وأنا قد رأيته سواء بمكبرات أو بغيرها .
تعميم النص يشمل كل ما يقرب للعين المجردة ومنهم من منع المكبرات والمراصد ولو كانت على وجه التقريب وهؤلاء يلزمون بأن تكون العين المجردة حقيقة ما هناك نص يلزم بوجود العين المجردة فإن لفظ الحديث: (صوموا لرؤيته ) ، سواء كانت بالعين المجردة أو بالمكبرات لأن المقصود من ذلك الوصول إلى رؤية الهلال .
قوله ( في الباب عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بنحو هذا) :(1/31)
وهذا الخبر أيضا رواه أبو داود وجماعة عن طريق ربعي عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم : لا تقدموا الشهر إلى آخره " ، ولعل الصواب في هذا الخبر هو ما رواه ربعي بن حراش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم ،وإيهام الصحابي غير مؤثر لأن الصحابة كلهم عدول .
قال أبو عيسى حديث أبو هريرة حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول شهر رمضان لمعنى رمضان وإن كان الرجل يصوم صوماً فوافق صيامه ذلك أي اليوم فلا بأس به عندهم ، أو كان قد نذر أو أراد أن يقضي فرضه هذا كله لا حرج فيه .
حدثنا هناد أخبرنا وكيع عن علي بن المبارك عن يحي بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله عليه وسلم : لا تقدموا شهر رمضان بصيام قبله بيوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صوماً فليصمه .(1/32)
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وهذا الخبر متفق على صحته من رواية يحي بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا تقدموا شهر رمضان بصيام قبله بيوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صوماً فليصمه ) أي فلا حرج ، والأمر هنا فليصمه ليس للإيجاب ليس ..هو للإيجاب ،وذلك للقرينة المفيدة إلى أنه كان خبراً عن واقع الأمر ، وأنه لا حرج أن يصوم وأنه لا يمتنع ، كما لو سألك رجل قال : أأدخل ؟ تقول : أدخل ، وأنت لا تأمره بذلك وإنما وقع عن سؤال ووقع عن جواب لسؤال وهنا وقع عن إخبار لمن يظن الامتناع فجاء منع ثم جاء إذن فهذا الأمر لا يفيد الإيجاب ومن ذلك الأمر بعد الحضر لا يفيد الإيجاب { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ }المائدة2 ،والصواب أنه يرجع إلى ما كان عليه من قبل لا نقول يرجع إلى الإباحة ولا نقول بأنه واجب نقول يرجع إلى ما كان عليه من قبل والحديث هذا يفيد ما أفاده الحديث المتقدم ، وأنه لا يجوز تقدم شهر رمضان بيوم ولا يومين إذا كان لمعنى رمضان .
3 - بابُ ما جاءَ في كَراهيةِ صَومِ يومِ الشَّكِّ
681 - حَدَّثَنَا أَبُو سعيدٍ عَبدُ الله بنُ سعيدٍ الأَشَجُّ أَخبرنَا أَبُو خَالدٍ الأَحمرُ عن عَمرِو بنِ قَيسٍ عن أَبي إِسحاقَ عن صِلَةَ بنِ زُفَرَ قَالَ:
- "كُنَّا عِندَ عَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ فأَتَى بشاةٍ مَصلِيَّةٍ فَقَالَ: كُلُوا فَتَنَحَّى بعضُ القومِ فَقَالَ: إِنِّي صَائمٌ، فَقَالَ عمَّارٌ: من صَامَ اليومَ الَّذِي شُكَّ فِيهِ فقد عصَى أَبا القاسمِ".
وفي البابِ عن أَبي هُريرةَ وأَنسٍ.(1/33)
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ عمَّارٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ عَلَى هَذَا عِندَ أَكثرِ أَهلِ العلمِ من أَصحابِ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن بَعدَهُم من التَّابِعينَ. وبِهِ يقولُ سُفيَانُ الثَّوريِّ ومالكُ بنُ أَنسٍ وعَبدُ الله بنُ المباركِ والشَّافِعيُّ وأَحْمَدُ وإِسحاقَ:كَرِهُوا أَنْ يَصُومَ الرَّجُلُ اليومَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، ورَأَى أَكثرُهُم إِنْ صَامَهُ وكَانَ من شَهرِ رَمضَانَ أَنْ يَقضِي يوماً مَكَانَهُ.
الشرح:
قال أبو عيسى رحمه الله : (باب ما جاء في كراهية صوم يوم الشك )
(باب ) أي هذا باب .
(ما جاء ) أي من الأحاديث .
(في كراهية ) الكراهية عند السلف تطلق على نوعين .
النوع الأول : كراهية التحريم وهذا الأصل في الكراهية عند أئمة السلف ومنه قوله جل وعلا {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً }الإسراء38.
تطلق الكراهية على التنزيه وهذا الغالب في كلام المتأخرين ،والمكروه ما نهى عنه الشارع نهياً غير جازم ،حكمه أنه يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (إني كرهت أن أذكر الله وأنا على غير طهر ) ،هذه كراهية تنزيه والحديث صحيح .
(باب ما جاء في كراهية صوم يوم الشك ) والخلاف مشهور بين الفقهاء فمنهم من كره صوم يوم الشك ومنهم من حرمه ، ونذكر ما فيه إن شاء الله من خلاف .
( قوله في كراهية صوم ) كراهية مضاف ، صوم مضاف إليه وصوم مضاف ويوم مضاف إليه ويوم مضاف والشك مضاف إليه .
( يوم الشك ) هو يوم الثلاثين يحرم صومه في أصح قولي العلماء سواء حال دون منظره غيم أم لا ولكن إذا لم يحل دون منظره غيم يكون الامر أشد .(1/34)
قال أبو عيسى حدثنا أبو سعيد عبدالله بن سعيد الأشج أخبرنا أبو خالد الأحمر عن عمرو بن قيس عن أبي اسحاق عن صلة بن زفر قال كنا عند عمار بن ياسر فأتي بشاة مصلية فقال : كلوا فتنحى بعض القوم فقال إني صائم فقال عمار من صام اليوم الذين شك فيه –وفي رواية -يشك فيه فقد عصى أبا القاسم .
قال أبو عيسى حديث عمار حديث حسن صحيح . الحديث رواته ثقات وقد رواه ابن أبي شيبة بنحوه من طريق منصور عن ربعي عن عمار ولكن رواه عبد الرزاق عن منصور عن ربعي عن رجل عن عمار وهذا الخبر علقه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن صلة مجزوماً بصحته وفيه خلاف في سماع أبي إسحاق هذا الخبر من صلة ، ولكن البخاري حين علقه إلى صلة وحذف من قبله هذا يفيد أنه يرى صحة الخبر إلى صلة وهذا الذي جزم به غير واحد وأن أبا اسحاق سمع هذا الخبر من صلة ، وأن هذا الذي رواه غير واحد من الحفاظ فلا أطيل بهذا ، فالخبر صحيح .
قوله( كنا عند عمار بن ياسر): وهو الصحابي المشهور قتل مع علي رضي الله عنه في صفين سنة سبع وثلاثين .
وقوله ( أتي بشاة مصلية ) : أي مشوية .
(فقال كلوا ) : فيه إكرام الضيف وفيه الإذن لهم بالأكل ،قال غير واحد بأن هذا ليس بلازم لأن تقديم الطعام مؤذن بجواز الأكل ، ولكن هذا من الآداب ولا حرج منه ولا حرج أن الإنسان يتوقف عن الأكل حتى يؤذن له ، ولا سيما أن هذه عادة لكثير من القبائل والناس ولا سيما أنه لم يرد نص صريح في المسألة إنما فهم من بعض الأدلة أن تقديم الأكل يفيد الإذن بالأكل كما في قصة ابراهيم مع ضيوفه وقيل أن هذه كانت عادة لهم وليس هذا كالحكم الشرعي الملزم في هذه المسألة إذا كانت عادات القوم أنهم لا يأكلون حتى يأذن لهم رب المنزل فلا حرج من ذلك .
((1/35)
قوله فتنحى بعض القوم ) : لأن هذا اليوم كان يوم الشك ، وتنحى بعض القوم لأنه كان صائماً ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان مفطراً فليطعم وإن كان صائماً فليصل ) أي فليدع ، لأن الصلاة في اللغة تطلق على الدعاء كقول الله جل وعلا { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }التوبة103، وكما قال الشاعر :
(لها حارس لا يبرح الدهر بيتها وإن ذبحت صلى عليها وزمزما) ، صلى عليها : أي دعا لها ، وزمزما : هنا أي بمعنى صوت ، ولذلك سمي ماء زمزم ، وقيل من التصويت صوت النبع ، وقيل غير ذلك تسمية ماء زمزم بهذا الاسم .
قال له الرجل حين تنحى إني صائم ، فقال عمار : من صام اليوم الذي شك فيه " وفي رواية " الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم أي صلى الله عليه وسلم .
أخذ من هذا الحديث غير واحد من العلماء تحريم صوم يوم الشك ، وقد اختلف العلماء رحمهم الله في حكم صوم يوم الشك ، منهم من قال بأنه محرم ، وهذا القول الأول في المسألة ، ومنهم من قال على قول أبي عيسى والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين وبه يقول سفيان الثوري ومالك بن أنس وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق كرهوا أن يصوم الرجل اليوم الذي يشك فيه بأن هذه الكراهة كراهة تحريم ، ولكن نقل عن هؤلاء من كره كراهية تنزيه ، ولكن المحكي عن يوم الجمهور بأنهم يحرمون صوم يوم الشك ، ولكن أيضاً نقل عن أبي حنيفة بأنه قال : لا يجوز صومه ، أي صوم يوم الشك عن فرض رمضان ويجوز عما سوى ذلك .(1/36)
وأما الإمام أحمد رحمه الله تعالى فاختلف القول عنه في هذا وذلك لأنه قال إذا حال دون مطلع الهلال غيم أو غيره ليلة الثلاثين من شعبان فإنه يجب صومه على أنه من رمضان وهذا الذي نصره كثير من متأخري أصحاب الإمام أحمد ، ومنهم من ينكر أن تكون هذه الرواية عن أحمد وأنه قول الأصحاب وليست هي روايته ، ولكن هذه محكي عن الإمام أحمد رحمه الله ، والرواية الثانية عن أحمد أنه لا يجوز صوم يوم الشك سواء حال دون منظره غيم أم لا ،أي هذا موافق لقول الجمهور ومنهم من كره ذلك ومنهم من فصّل فقال :إذا حال دون منظره غيم فإنه يصام ، وهذا الذي كان يصنعه عبدالله بن عمر ، وإذا لم يحل دون منظره غيم ولا غيره وكانت السماء صحواً فإنه يجب الفطر .
ظاهر أثر عمار أنه يحرم صوم يوم الشك لأن هذا الذي يصدق عليه أنه عصيان ،والعصيان لا يطلق إلا على المحرم ، إما على ترك واجب أو على فعل حرام لكن أعترض على هذا آخرون وقالوا أن هذا من قول عمار وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن قال ابن عبد البر هو مسند عندهم لا يختلفون في ذلك ،والصواب أن هناك خلافاً فيه من قال بأنه موقوف ولكن الذي يقول بأنه موقوف يحتمل أنه موقوف لفظاً مرفوع حكماً ، وقد قال العراقي في ألفيته :
وما أتى عن صاحب بحيث لا يقال رأياً حكمه الرفع على
ما قال في المحصول نحو أتى فالحاكم الرفع لهذا أثبتا(1/37)
إذن هذا الخبر له حكم المرفوع ، فإنه وإن كان موقوفاً لفظاً هو مرفوع حكماً ، فإن قيل أيضاً لماذا قال عمار ( فقد عصى أبا القاسم) ما قال قد عصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو القاسم هي كنيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل إن هذا التخصيص إشارة إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يقسم الله به بين عباده الأحكام سواء كان في الزمان أو في المكان وقيل أن الكلمة كانت عفوية لم تكن مقصودة لهذا المعنى لأنه مجرد تعليل لم يرد به نص أو لم ترد قرينه تفيد هذا المعنى وهذا لا يهم ، الذي يهمنا الآن أنه لا يجوز صوم يوم الشك سواء حال دون منظره غيم أم لا ، ويتأيد هذا في الحديث السابق فعدوا ثلاثين ، ولقوله صلى الله عليه وسلم فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً " جاء هذا في حديث ابن عمر وجاء في حديث أبي هريرة ، وفي حديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم فهذا يفيد أنه يمتنع صيام يوم الشك ، والحديث صريح بأنه ولو كان فيه غيم " فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوماً " .
قال أبو عيسى في شرحه : ورأى أكثرهم - تقدم القول الأول- إن صام وكان من شهر رمضان أن يقضي يوماً مكانه /
أي ورأى أكثر العلماء بأنه إن صام يوم الشك على اعتبار انه يحتمل أن يكون من رمضان فتبين فيما بعد أنه من شهر رمضان أنه يقضي يوماً مكانه ولا يجزئه عن صيام يوم رمضان سواء كان حال دون منظره غيم أم لا .(1/38)
ومنهم من قال إذا حال دون منظره غيم فصام على أنه من رمضان أجزأ عن رمضان وإذا لم يحل دون منظره غيم فصام لا يجزئه ، قد يقال بأنه لا يجزئه مطلقاً لأنه عاص للرسول صلى الله عليه وسلم في صيامه ولأن النية تتبع العلم وهذا لا يعلم أنه من رمضان وهذا ينعكس على ما إذا لم يأته خبر بأنه من رمضان فحين أصبح قيل أنه من رمضان الأئمة يقولون يمسكون ، والجمهور يفتون بوجوب القضاء لكن شيخ الإسلام ابن تيمية لا يرى القضاء لأن النية تتبع العلم ولا يجب عليه القضاء وهذا إن شاء الله نتحدث عنها في بابها بأدلتها في أوسع من هذا .
إنما هو إشارة إلى قول المؤلف رحمه الله تعالى ورأى أكثرهم من صام وكان من شهر رمضان أن يقضي يوماً مكانه .
ونقف على قول المؤلف ( باب ما جاء في إحصاء هلال شعبان لرمضان ونزيد المسألة أيضاً حديثاً لأن المؤلف رحمه الله تعالى أشار إلى بعض الأحاديث المتقدمة بتبويب آخر وهي بمعنى الأحاديث المتقدمة ونتحدث عنها إن شاء الله تعالى .
الأسئلة :
س1 : من الكويت سائل يسأل عن صحة الحديث (أوله رحمه وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ) ؟
ج: هذا خبر منكر ويكثر ذكره على ألسنة الخطباء في نهاية رمضان ، ولا يصح الاستدلال به ، وفي الصحيح غنى عن الحديث الضعيف .
س2: هل توجد أحاديث مخصصة لفضل شهر شعبان وهل هناك أمر أو فضل معين للصيام في شهر شعبان ؟
ج2: تفضيل شهر شعبان لم يرد فيه نص ، بأن شهر شعبان أفضل من غيره كالأشهر الحرم ولكن ورد تخصيص شهر شعبان بالصيام وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله إلا قليلاً .(1/39)
وفي الصحيح فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص شعبان بمزيد من الصوم ، فقد يقال بأن هذا لفضل شعبان ولو لم يكن لشعبان فضل ما صامه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد يقال أنه لا يدل على فضل شعبان بقدر ما هو يدل على فضل رمضان كالاستعداد لرمضان ، وإنما يصوم ليس لمعنى رمضان ولكنه كالتوطئة ، والصيام إعلام الناس بقدوم رمضان وغير ذلك من المعاني الأخرى .
فالذي يهمنا أمران :
الأمر الأول / أنه لم يثبت نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه فضل شعبان على غيره من الشهور .
الأمر الآخر / أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله إلا قليلاً ، وأنه يخصه بمزيد من الصيام
س : ...
ج: نعم ، هو حديث محمد بن عمرو أنا أشرت أنه لا يقبل إذا تفرد ، وقوله ( فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ثم أفطروا ) هذه اللفظة شاذة لأن المحفوظ في حديث أبي هريرة وفي حديث ابن عمر ( فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ) وواضح من محمد بن عمرو بأنه تفرد (فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ثم أفطروا ) بأنه يقصد رمضان ، وهذه الراوية شاذة ولذلك أنا في الشرح لم أعلق عليها ، علقت على حديث أبي هريرة وحديث ابن عمر في الكلام على شعبان لأن هذه الرواية شاذة ، والشاذ منكر أوضعيف جداً .
وعموماً لا يعتبر بهذه اللفظة وهذه من تفردات محمد بن عمرو التي لا نقبلها لأنه مخالف للروايات الأخرى في الأحاديث الصحيحة .
س3: تقول الأخت حضرت عندي خادمة منذ يومين وهي لا تصلي ولا تعرف كيف تصلي فهل يجب عليها الصلاة حتى تتعلم الفاتحة ولو استغرق الأمر وقتاً بسبب أميتها أم يجب عليها الصلاة على الفور ؟(1/40)
ج3: يجب عليها الصلاة على الفور على قدر طاقتها ولا يلزم أن لا تصلي حتى تتعلم الفاتحة ، فإذا عجزت عن تعلم الفاتحة لو تقرأ آية من القرآن ، لو تقرأ( الحمد لله رب العالمين ) تكررها في كل صلاة لأجزأ هذا ، وجاء في حديث وفيه كلام ( الذي لا يحسن قراءة الفاتحة يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ) ويجزي هذا عن القراءة ، لكن الذي يُحسِن آية أو آيتين يكرر هذه الآية أو الآيتين ، وتُعلم الأشياء التي تستطيع أن تعرفها كسبحان ربي العظيم أو أي تسبيح في الركوع ، ولو عممت التسبيح في الركوع والسجود فلا مانع من ذلك أو دعت في الركوع وفي السجود لا مانع من ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه : (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي)، وهذا الخبر متفق عليه ، وبوب عليه البخاري ( باب الدعاء في الركوع )(1/41)
وعلى كل هذه المرأة تؤمر بالصلاة سواء أحسنت الفاتحة أو لم تحسن الفاتحة ، سواء أحسنت بعض آيات القرآن أو لم تحسن بعض آيات القرآن ، سواء قدرت على قول (سبحان الله ) أو لم تقدر ، لو تومئ إيماءً ، فتقوم وتركع وتسجد ، وتصلي خلف أحد بدون أي ذكر ، هذا واجب عليها ، لقول الله جل وعلا {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }التغابن16، ولكن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ما لا يتم أداء المطلوب حق رب العالمين الصلاة إلا بتعلم الفاتحة , وتعلم أحكام الصلاة ، إذن العلم في هذه الحالة يكون على هذه المرأة واجباً ودور هذه الأخت السائلة أن تعلمها وأن تفقهها ، ولا مانع أن تجعلها في هذه الفترة تصلي خلفها حتى تتعلم أحكام الصلاة ولا مانع من كون هذه الأخت تجهر بالقراءة لتتعلم هذه المرأة التي لا تحسن شيئاً من الصلاة كيفية الصلاة ، فإن الجهر للحاجة يجوز كما كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يجهر بالإستفتاح ليعلم الصحابة والأثر رواه مسلم في صحيحه ، وفيه علة الإنقطاع ، ووصله الدارقطني وهو حديث صحيح .
س:.....
ج : الصحيح تحريم صوم يوم الشك مطلقاً .
س: ...
الرواية السائل عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى قول الأصحاب ، بالذات المتأخرين منهم ، يقولون بأنه إذا حال دون منظره غيم فإنه يصوم ومنهم من قال بأنه واجب ومنهم من قال بأنه مستحب .
القول الثالث: منهم من قال بأنه يكره .
القول الرابع : بأنه يحرم مطلقاً .
ولكن المشهور عند المتأخرين بأنه يجب صوم يوم الشك إذا حال دون منظره غيم ، هذا قول الكثير من أصحاب الإمام أحمد ، ومنهم من أنكر الوجوب ، وقال بأنه يستحب على وجه الإحتياط .(1/42)
س: نود من فضيلتكم توجيه نصيحة للمسلمين المقيمين في الغرب بخصوص ثبوت شهر رمضان لأنه في كل سنة يحصل خلاف عظيم ج: الخلاف في الحقيقة سوف يوجد والذي نتوجه به في مخاطبة الأخوة المقيمين في الغرب وفي البلاد الأخرى بأنهم يتعاملون مع مسائل الخلاف تعامل رحمة لأن الله قدم الرحمة على العلم ، قال تعالى {فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً }الكهف65.(1/43)
وأنا قلت فيما سبق كان أئمة السلف يقولون فيم يوردون في مسائل الاجتهاد كلامنا صواب يحتمل الخطأ وكلام غيرنا خطأ يحتمل الصواب ،لأن بعض الناس يقول فيما يورد من مسائل الاجتهاد بأن هذا هو الواجب ويحاول أن يصادر آراء الآخرين وهو لا يملك نصاً لا من الكتاب ولا من السنة يملك مفهوم دليل ، وغيره قد يملك أكثر من مفهوم لبعض الأدلة فهذه من مسائل الاجتهاد فالذي نوصي به الأخوة وغيرهم بأن يبتعدوا عن مسائل النزاع ، والأمور المثيرة للخلاف لا مانع أن أختلف أنا وأنت هذا لا حرج منه لأن الأمور قد لا تتفق على رأي معين ، وأنا قد أشرت إليه قد تعذر الآن حقيقة توحيد الأمة في مثل هذه القضايا ولكن لا يتعذر وواجب علينا أن يحترم بعضنا بعضاً فيم يقولون من مسائل الاجتهاد ولا سيما من المنتسبين لأهل السنة حين يختلفون في بعض المسائل يجب أن يرحم بعضهم بعضاً ويوالي بعضهم بعضاً وينصر بعضهم بعضاً ، لأن الله جل وعلا {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ }آل عمران103 ، فإذا وجد في بلد من بلاد الغرب خلاف بين الأخوة المقيمين هناك ، مهم من يقول نكون لجنة ونحن نعتبر الرؤيا هذا أمر جيد لا حرج من ذلك فيعتبر الرؤيا ، طائفة أخرى يقولون لا نريد أن نكون لجنة نعتبر الرؤيا بأقرب بلد يجاور نقول لا حرج من هذا ، طائفة ثالثة يقولون نعتبر رؤيا أهل مكة كما قاله الإمام أحمد وجماعة فيمن يتعذر عليه الرؤية يعتبر رؤية أهل مكة(1/44)
هذه أقاويل لأهل العلم فأرى أن هؤلاء الأخوة يتفقون على رأي واحد يبحثون الموضوع للاتفاق على رأي لكن حين لا يتفقون على رأي واحد أرى أنه يعذر بعضهم بعضاً لا داعي أن يسب بعضهم بعضاً ويشتم بعضهم بعضاً أو يعادي بعضهم بعضاً أو يصنف بعضهم بعضاً ،هذا كله غلط وليس من الشرع في شيء ، والمسألة اجتهادية ولا يجوز الهجر ولا التغليظ ولا التبديع ولا التضليل في مسائل الإجتهاد التي ليس فيها نص واضح يمكن أن نصير إليه وأنا أشرت فيما سبق أن الأئمة مختلفون في هذه المسألة فالذي ننصح به الأخوة المحاولة على قدر الطاقة بتوحيد الصف ولا سيما في الظروف الحالية للمسلمين فإذا عجز الأخوة عن ذلك وعن توحيد رأي موحد لهذا البلد فلا أقل في كونهم يعذر بعضهم بعضاً ويرحم بعضهم بعضاً لأن هذا واجب عليهم .
س: ما الحكم للنساء باستعمال الحبوب خاصة في رمضان للصيام كاملاً ؟ .(1/45)
ج: الحبوب في الحقيقة ، الحكم الشرعي مربوط بوجود المضرة إذا قرر الطبيب أن المرأة تتضرر بأكل الحبوب فنقول يمتنع على المرأة أكل الحبوب سواء كان لمعنى رمضان أو كان لمعنى منع الحمل أو لمنع الحيض ، إذا قرر الطبيب أو الطبيبة أن هذه الحبوب مضرة لهذه المرأة فإنا نقول أن الشرع يقول ( لا ضرر ولا ضرار ) فنمنع هذه المرأة من أكل الحبوب وإذا قرر الطبيب بأن هذه الحبوب غير مضرة قد تكون مضرة لامرأة لأسباب ولا تكون مضرة للمرأة الأخرى ، إذا قرر الطبيب أن هذه الحبوب لهذه المرأة غير مضرة فالصواب أنه يجوز للمرأة أن تأكل الحبوب ، ولا يوجد هناك نص يمنع من كون المرأة تأكل الحبوب لأن الحكم مربوط بوجود الضرر أم لا ، إذا وجد الضرر فثم الحكم والمنع وإذا لم يوجد الضرر فثم الحكم الجواز ولكن هذا الجواز هل يعني أنه أفضل لا نقول أن الأفضل للمرأة أن لا تأكل الحبوب لأن هذا الأمر كتبه الله على بنات آدم وموانع الحيض كانت موجودة حتى في عصر الصحابة وفي عصر الأئمة وما كانت النساء تتعاطى مانعاً ، نعم قد لا تكون بالصورة الموجودة الآن ، قد تكون الموانع في عصرهم مضرة اكثر هذا ممكن ولكن أقول أن الأفضل للمرأة أن لا تأكل حبوباً لكن لو أكلت لا أقول لا أنه يحرم ولا أنه يكره ، ولكن الحيض أمر كتبه الله على بنات آدم .
س: ما حكم تعجيل السحور ؟ وهل يكفي أن نتجرع شربة ماء قبل الأذان ويكون سحوراً ؟.
ج: النبي صلى الله عليه وسلم شرع تأخير السحور ولم يشرع تعجيل السحور ، وإنما أمر بالمبادرة بالفطور والنبي صلى الله عليه وسلم قال (تسحروا ) ، وهذا أمر ( فإن في السحور بركة ) ، والخبر متفق على صحته فالإنسان إذا ما كان له حاجة بالطعام والأكل ، فلا أقل من أن يشرب شربة لبن لأنه نوع من أنواع الطعام إذا ما يريد اللبن فلا حرج أن يشرب شربة ماء كما قال الأخ
س:...(1/46)
ج: من صام على أنه يوم الشك يقضي يوماً مكانه ، وقلنا بقول الجمهور بأن النية في هذا الموطن قد لا تتبع العلم من كل وجه ، فبالتالي يقضي يوماً وهذا قول الجمهور سواء صام أم ما صام أما على رأي ابن تيمية بأن النية تتبع العلم فإنه لا يقضي ولو لم يصم وهذا رأي شيخ الإسلام ابن تيمية بمعنى أن الإنسان لو نام والناس يتحرون ولا يدري ماذا صار عليه ولم ينو شيئاً ثم أصبح مقطرا فليمسك بقية يومه ولا يقضي على رأي ابن تيمية ولكن الذي أراه أحوط للأخوة الذين يتحرون رؤية الهلال ثم صار للإنسان شغل أو في بر لا يدري فأرى أنه ينوي في قلبه ، النية محلها القلب ، والتلفظ بها بدعة ينوي بقلبه إنه إن كان غداً من رمضان فإنه صائم النية تكون تابعة حينئذ للعلم هذا إن كان من رمضان ,فإن لم يكن من رمضان لا يقضي يوماً على قول الجمهور ليس بمعنى أنه يصوم يوم الشك لا ، بمعنى أنه يصوم إن كان من رمضان . والله أعلم .
4 - بابُ ما جاءَ في إِحصَاءِ هِلالِ شَعبَانَ لِرَمضَانَ
682 - حَدَّثَنَا مُسلِمُ بنُ حَجَّاجٍ أَخبرنَا يَحيَى بنُ يَحيَى أَخبرنَا أَبُو مُعَاويةَ عن مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو عن أَبي سَلَمَةَ عن أَبي هُريرةَ قَالَ:
- قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَحصُوا هِلالَ شَعبَانَ لِرَمضَانَ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ أَبي هُريرةَ لا نَعرِفُهُ مِثلَ هَذَا إِلاَّ من حديثِ أَبي مُعَاويةَ. والصَّحيحُ ما رُوِيَ عن مُحَمَّدِ بنِ عَمرٍو عن أَبي سَلَمَةَ عن أَبي هُريرةَ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لا تَقَدَّمُوا شَهرَ رَمضَانَ بيومٍ ولا بيوميِن" وهَكَذَا رُوِيَ عن يَحيَى بنِ أَبي كثيرٍ عن أَبي سَلَمَةَ عن أَبي هُريرةَ نَحوُ حديثِ مُحَمَّدِ بن عَمرٍو واللَّيثيِّ.
الشرح :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .(1/47)
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في كتاب الصيام : باب ما جاء في إحصاء هلال شعبان لرمضان .
باب : أي هذا باب .
ما جاء : من الأحاديث والأخبار .
في إحصاء : أي عد وضبط هلال شعبان .
لرمضان :أي لأجل رمضان وللمحافظة على صومه ولكي يعلم الناس دخول الشهر بيقين ولا ترتب على ذلك لبس ولا خلط ولا اضطراب .
قال أبو عيسى حدثنا مسلم بن حجاج : هذا هو الإمام صاحب الصحيح ، ولم يرو الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في جامعه حديثاً لمسلم سوى هذا الخبر ، ولا يختلف أهل الحديث أن هذا الخبر ليس في صحيح مسلم فقد رواه مسلم رحمه الله تعالى خارج صحيحه .
قال أخبرنا يحي بن يحي أخبرنا أبو معاوية عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أحصوا هلال شعبان لرمضان " .
ظاهر الإسناد الصحة فرواته كلهم ثقات ما عدا محمد بن عمرو فهو صدوق ما لم يتفرد أو يخالف ، غير أن هذا الخبر معلول فلا يلزم من ثقة الرواة صحة الإسناد ، قال : رواته ثقات وله علة ، بل حين يقال اسناده صحيح لا يلزم منه صحة الخبر مطلقاً إلا إذا عُرف عن المحدث إطلاق هذا اللفظ على تصحيح الإسناد والمتن وحين يقال إسناده صحيح فهو يتحدث عن الإسناد ، قد يكون الخبر شاذاً أو يكون المتن منكراً .
قد اصطلح كثير من المتأخرين على إطلاق إسناد الصحيح على صحة المتن مع الخبر أو مع الإسناد وأما إذا قيل إسناده حسن فأيضاً على الاصطلاح ، فإذا قيل رواته ثقات فهذا حديث عن الرواة .
أبو عيسى الترمذي رحمه الله يقول عن هذا الخبر لا نعرفه مثل هذا إلا من حديث أبي معاوية/(1/48)
وقد قال الإمام ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى في كتاب العلل " سألت أبي عن حديث رواه أبو معاوية عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أحصوا هلال شعبان لرمضان فقال أبي هذا خطأ ، إنما هو محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تقدموا رمضان ..." ، قال أبو حاتم : أخطأ أبو معاوية في هذا الحديث .
أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير ، احتج به الشيخان في روايته عن الأعمش ، بأنه من أوثق الناس في الأعمش وفي غير الأعمش ، قد يخطئ وهو في الجملة صدوق ، وقد وهم في هذا الخبر لذلك قال أبو عيسى أيضاً والصحيح ما روي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا تقدموا شهر رمضان بيوم ولا يومين" ،وهكذا روي عن يحي بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة نحو حديث محمد بن عمرو الليثي ، وحديث يحي بن أبي كثير متفق على صحته .
نتحدث عن متن هذا الخبر باعتبار وجود ما يدل على صحة متنه ، الإسناد في هذا الخبر ضعيف ولكن جاء في الأحاديث الأخرى ما يفيد صحة المتن ففي سنن أبي داود من طريق معاوية بن صالح عن عبدالله بن أبي قيس قال سمعت عائشة رضي الله عنها تقول:( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره ، ثم يصوم لرؤية رمضان فإن غم عليه عد ثلاثين يوماً ثم صام ) ، وقد صححه ابن خزيمة وجماعة .(1/49)
قوله ( أحصوا هلال شعبان ): أحصوا بقطع الهمزة وهذا أمر بالإحصاء والمقصود بالإحصاء ( العد) ، وترائي الهلال فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين وإذا لم يقم به أحد أثم الجميع لأنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ولا يتأتى ضبط دخول رمضان إلا بإحصاء هلال شعبان فيجب على طائفة ممن له قدرة على الترائي أن يكلف نفسه بهذا ، ويجب على الحكام نصب أناس يتراءون الهلال وهذا دور القضاء ودور عامة الناس ، ولكن يتعين على أهل العلم أكثر من تعينه على غيرهم ،ويثبت دخول شهر رمضان بشاهد واحد في مذهب أبي حنيفة إذا كان فيه غيم ، إذا كانت السماء صحواً فلا بد من عدد إذ كيف تكون السماء صحواً ويتفرد به رجل واحد ويتفرد به رجل واحد .
وقال بقول شهادة رجل واحد الشافعي في الصحيح من مذهبه وأحمد وجماعة ، وقال مالك وغيره لا يدخل الشهر إلا بشاهدين ، وقال مالك وغيره لا يدخل الشهر إلا بشاهدين ، وقال أبو حنيفة كما تقدم بالتفصيل ، ونتحدث عن هذه المسألة إن شاء الله تعالى في بابها .(1/50)
والصحيح أنه يكتفي بدخول رمضان بشاهد واحد ما لم يتبين غلطه كما أشرت بالأمس أنه إذا دلت قرينة أن الهلال لم يولد وادعى شخص أنه رأى الهلال فيؤخذ بقول أصحاب الخبرة وأهل الحساب فإن الهلال لم يولد فكيف رآه ، هذه قرينة على تكذيبه وليس هو مجرد الاعتماد على مجرد الحساب إنما هذه قرينة أنه قد أخطأ في الرؤية كما أننا نعتمد على المكبرات فتوضع المراصد والمكبرات على رؤية الهلال فيأتي شخص أنه رأى الهلال بالعين المجردة فيقال له أين رأيته ، يقول : رأيته في الجهة الفلانية التي وضعت عليها المراصد ، هذه قرينة أنه ما رآه وأنه قد غلط في الرؤية ، إذاً كيف توضع المراصد التي تقرب الآف الكيلوات ولا يرى ثم يأتي شخص بالعين المجردة يدعي أنه قد رآه ، نحن لا ننفي الرؤية لكن نقول أن الرؤية غير صادقة ، إن الرؤية في هذا المجال غير صادقة ، وإلا في الأصل هو اعتبار الرؤية ، ولكن حين دلت قرينة على أن هذا الرائي قد غلط فنحن لا نقبل شهادته .
قوله ( أحصوا هلال شعبان لرمضان ) : ففيه وجوب التحري وفيه وجوب الترائي ودلت على ذلك الأدلة الأخرى كقوله صلى الله عليه وسلم " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " ، القاعدة تقول : ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وأفادت الرواية الأخرى رواية محمد بن عمرو ويحي بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا تقدموا شهر رمضان ) تقدم شرحه بدرس الأمس وأنه يحرم تقدم شهر رمضان بيوم ولا يومين إذا كان لمعنى رمضان ، أما من كان له عبادة يصوم يوماً ويفطر يوماً ، أو أراد أن يصوم كل شعبان إلا قليلاً فيكون قد ترك الصيام أول الشهر فصام أخره أو كان عليه صيام قضاء أو صيام نذر أو كفارة فلا حرج من هذا .(1/51)
وفيه الشمولية في هذه الشريعة حيث لم تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا ببيان وبتوضيح ، فإن الأحكام الشرعية لم توكل لآراء والاجتهادات والأقيسة النصوص واضحة لكن يبقى ما وراء ذلك من فهم النص ومعرفته وإلحاق النظير بنظيره ، وهذا دور العلماء ، وهذا هو الذي يميز العلماء عن غيرهم والعلماء يتفاوتون في هذا الباب ، يتفاوتون في الفهم يتفاوتون في الفقه يتفاوتون في معرفة صحة الحديث من ضعفه وعلى كل فالعلماء ورثة الأنبياء ، فإن الأنبياء لم يورثوا لا ديناراً ولا درهماً ولكنهم ورثوا هذا العلم ، ولذلك يقول العز بن عبدالسلام رحمه الله : يجب على العلماء مثل ما وجب على الأنبياء " أي من التبليغ ونشر العلم وقول الحق ونحو ذلك ،الناس بدون علماء ليس لهم أي قيمة لذلك يقول الحسن البصري رحمه الله : لولا العلماء لكان الناس مثل البهائم .
وحين سُئل سعيد بن جبير رحمه الله : ما هلاك الناس ؟ قال : موت علمائهم .
في الصحيحين من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبدالله بن عمرو عن عبدالله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالماً ، وفي رواية لم يُبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا بغير عل فضلوا وأضلوا " .
ويستفاد من هذا وجوب إحصاء هلال شعبان والتحفظ به لرمضان وقد تقدم حديث عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره " .
وهذا رواه أبو داود من طريق معاوية بن صالح عن عبدالله بن أبي قيس عن عائشة .
ويؤخذ من هذا أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان .
ويؤخذ من هذا أن الأصل في الأوامر الوجوب ما لم يمنع من ذلك مانع ، والصوارف متعددة قد أشرت إليها بالأمس .
ويؤخذ من هذا اعتبار الرؤية .
ويؤخذ من هذا تفضيل بعض الشهور على بعض .(1/52)
5 - بابُ ما جاءَ أَنَّ الصَّومَ لرُؤيةِ الهِلالِ والإِفطَارَ لَهُ
683 - حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ أَخبرنَا أَبُو الأَحْوَصِ عن سِمَاكِ بنِ حَربٍ عن عِكرِمَةَ عن ابنِ عبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تَصُومُوا قَبلَ رَمضَانَ، صُومُوا لِرُؤيتِهِ وأَفطِرُوا لِرُؤيتِهِ، فإِنْ حَالَتْ دُونَهُ غَيَايَةُ؟؟ فأَكمِلُوا ثلاثينَ يوماً".
وفي البابِ عن أَبي هُريرةَ وأَبي بَكرَةَ وابنِ عُمَرَ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ ابنِ عبَّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد رُوِيَ عَنهُ من غَيرِ وجهٍ.
الشرح:
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى( باب ما جاء أن الصوم لرؤية الهلال والإفطار له أي لرؤية الهلال )
حدثنا قتيبة أخبرنا أبو ألاحوص عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله عليه وسلم : لا تصوموا قبل رمضان صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حال دونه غياية فأكملوا ثلاثين يوما ) .
أبو عيسى حكم على هذا بأنه حسن صحيح وهذا قول طائفة من العلماء الذين يصححون أحاديث سماك بن حرب حتى ولو كانت عن عكرمة ، وقد قال علي بن المديني والإمام أحمد ويعقوب بن شيبة وطائفة من أكابر المحدثين : سماك عن عكرمة مضطرب ، وقد اختلف العلماء في سماك منهم من ضعفه مطلقاً ومنهم من ضعفه باستثناء رواية الأكابر من أصحابه ، ومنهم من وثقه مطلقاً باستثناء روايته عن عكرمة ولعله الأقرب إلى الصواب فمرويات سماك عن عكرمة مضطربة ولا يعني هذا أنه إذا روى سماك عن غير عكرمة يقبل مطلقاً ، قد يوجد الاختلاف قد يوجد ضعف ولكن ليس الضعف لازماً له في غير عكرمة ، ولذلك قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى حديث سماك عن عكرمة اتقه .
قال ابن المديني : مضطرب ، قال يعقوب : مضطرب .(1/53)
وقد احتج الإمام مسلم رحمه الله تعالى بسماك عن غير عكرمة والإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى يصحح حديث سماك ولا سيما هذا الخبر لأنه قد جاء من غير وجه وجاء بمعناه في صحيح مسلم من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله قد أمده لرؤيته فإن أغمي عليكم فأكملوا العدة " ، وهذا يؤكد أن سماك بن حرب لم يغلط في هذا الخبر وأنه قد جاء من غير وجه عن ابن عباس وعن غيره من الصحابة رضي الله عنهم .
ولكن يبقى معرفة هذا الإسناد بأنه ضعيف والعلة فيه أنه سماك عن عكرمة وإن جاء من وجه آخر صحيح فنصححه من الوجه الآخر الذي جاء في صحيح الإم ام مسلم .
قوله ( لا تصوموا قبل رمضان ) : تقدم ( لا تقدموا شهر رمضان بيوم أو يومين ) وتقدم حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) تقدم تخريجه والحديث عنه ،جاء من رواية العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي مولاهم عن أبيه عن أبي هريرة ، أخرجه أهل السنن ، ضعفه ابن معين وأبو حاتم وأحمد وجماعة ، بل أبو حاتم ضعف العلاء من أجل هذا الخبر ، وصححه أبو داود والترمذي حين قال هذا حديث حسن صحيح .(1/54)
هل هذا الخبر ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) ينافي على فرض صحته حديث ( لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين ) لا ينافيه لأنه إذا كان لمعنى رمضان ، طيب ، يفهم من هذا الحديث (لا تقدموا شهر رمضان بيوم ولا يومين ) أنه لا بأس أن تتقدم ثلاثة أيام ولو كان لمعنى رمضان ،لأننا نقول أن التقدم هنا لمعنى رمضان إذن إذا كان قبل هذه الأيام لمعنى رمضان لا حرج ، وضح الفهم هذا ،إذا قلنا ( لا تقدموا رمضان بيوم ولا يومين لمعنى) رمضان إذن يفهم من الحديث ونحن نعلل بأنه لمعنى رمضان أنه يجوز التقدم بثلاثة أيام إذا قلنا بأن للحديث مفهوماً ،فعليه لا حرج أن نتقدم بثلاثة أو بأربعة إذا كان لمعنى رمضان ونحن نفسر حديث " إذا انتصف شعبان فلا تصوموا " إذا كان لمعنى رمضان إذن ما الفائدة من هذا التفسير ، كيف نجيب عن هذا ؟ .
فيه من قال من العلماء أن حديث ( لا تقدموا رمضان بيوم ولا يومين ) أنه لا مفهوم له حتى لو تقدم بثلاثة أو بأربعة إذا كان لمعنى رمضان فإنه منهي عنه فعلى هذا يستقيم حديث العلاء ، وإذا ما حمل على هذا الفهم فنحن نضطر لتضعيف حديث العلاء عن أبيه فنحن نجمع على قدر الطاقة باعتبار صحة الإسناد إذا لم يستقم نضعف المتن لحديث يحي بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة
( لا تقدموا رمضان بيوم ولا يومين ) فإن هذا الإسناد أصح من إسناد العلاء عن أبيه عن أبي هريرة ، ولذلك أعرض الشيخان عن حديث العلاء مع أن مسلم رحمه الله يروي عن العلاء أحاديث كثيرة ، وهذا الخبر أعرض عنه ، وهذا هو السر في كون جماعة من الأئمة يطعنون في هذا الخبر كالبخاري وأبي حاتم وأحمد وابن معين ، أكابر المحدثين يضعفون هذا الخبر ، ويؤخذ من هذا الحديث إطلاق رمضان على شهر رمضان وأنه لا يلزم من ذلك تقدم لفظ شهر ، تقدم أن الحديث الوارد بأن رمضان اسم من أسماء الله ليس له اسناد يثبت وأنه منكر فلا حرج تقول شهر رمضان وتقول رمضان .(1/55)
قوله ( صوموا لرؤيته ) : فيه اعتبار الرؤيا وأخذ منه الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى إبطال الحساب وهذه رواية واحدة عن أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، حكي عن مطرف بن عبدالله ، وأنكر الإسناد ابن عبدالبر بأنه يعتبر الحساب وهذا قول ابن قتيبة وأبي العباس بن سريج من فقهاء الشافعية ومنهم من قال لا يعتد بالحساب إلا في المسألة السابقة ، أنه إذا اتفق أهل الحساب على عدم إمكانية ولادة الهلال فادعى شخص أنه رآه نعتد بالحساب هنا ليس لذات الحساب ولكن لاتفاق هؤلاء على أن هذا الرائي قد أخطأ ، وإلا فلا نعتبر الحساب ، المعتبر في ذلك الرؤية ( صوموا لرؤيته ) هذا أمر بوجوب اعتبار الرؤية ( وأفطروا لرؤيته ) هذا أمر بوجوب اعتبار الرؤية ، ولأن أهل الحساب قد يختلفون وأخذ جماعة من العلماء أنه إذا رؤي في بلد لزم البلاد الأخرى الصوم ، هذا مروي عن طائفة من المالكية وهم يتفردون بالوجوب عن بقية الأئمة الأربعة حتى أن ابن عبد البر رحمه الله أنكر هذا ، حكى الإجماع على خلافه ، لكن مذهب أحمد يقول لا تكفي الرؤية في بلد عن البلاد الأخرى ، ولكن لم يقل بالوجوب وأنه إذا رؤي مثلاً في بلاد فإنه يجب على البلاد الأخرى الصوم ، لكن قال يكتفي فرق بين مذهب أحمد وبين الرواية المنسوبة إلى مالك .
إعادة المذاهب :
المذهب الأول : مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه إذا رئي في بلد تكفي الرؤية عن البلاد الأخرى .
المذهب الثاني : ما حكي عن المالكية بأنه يجب إذا رئي في بلد أن يصوم أهل البلاد الأخرى .
المذهب الثالث : أن لكل بلد رؤيته وهذا مذهب ابن عباس والجمهور ولم يحك أبو عيسى الترمذي في جامعه قولاً غير هذا .(1/56)
المذهب الرابع : على حسب المطالع وهذا مذهب الشافعية واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وفي عصرنا هذا وجد قول أن لكل مملكة يرأسها رجل رؤية خاصة وهذا قد يرجع إلى قول بأن لكل بلد رؤيته مع أنه قد يقال بأن هذا مغاير لأن ابن عباس حين قال بأن لكل بلد رؤيته كانت البلاد كلها تحت حكم معاوية رضي الله عنه .
وعلى كل هذه المسألة من مسائل الاجتهاد ، وهذا دليل على من أخذ بهذا أو ذاك ، والذين لا يستطيعون الرؤيا يقتدون بأقرب بلد إليهم إذا كان المطلع واحد ، أما إذا اختلفت المطالع فإنهم يأخذون برؤية أهل مكة كما نص عليه الإمام أحمد رحمه الله تعالى .
فيه أناس لا يقدرون على ترائي الهلال أو يعيشون في بلاد الغرب فإنهم يأخذون برؤية أهل مكة ، والحقيقة أن القول بالمطالع قول قوي جداً حيث أن مطلع أهل الشرق يأخذ به أهل الشرق ، ومطلع أهل الغرب يأخذ به أهل الغرب بحيث يكون فيه ضابط قوي لأن ولادة الهلال تختلف حقيقة من بلد إلى بلد ، وهذا تابع في الحقيقة على القول بكروية الأرض فإنه يختلف من بلد إلى بلد .
قوله( صوموا لرؤيته ) : ماذا نستفيد ، فيه فوائد من هذا اللفظ :
فيه دلالة على قول الأئمة الأربعة بأنه لا يؤخذ بالحساب ، تقدم التفصيل في هذا ، الأخ محمد يقول يؤخذ من أن لكل بلد رؤيته ، والإمام أحمد أخذ من هذا الحديث أن الرؤية في بلد تكفي عن البلد الآخر ،لأنه قال: (صوموا) على لفظ الجمع الخطاب للمسلمين وقد احتج به طائفتان كما قال الأخ احتج به هؤلاء واحتج به هؤلاء .
يستفاد منه أيضاً وجوب الترائي ، كيف نصوم للرؤيا إذا ما كان هناك أحد يتراءى ، إذن نأخذ من ذلك القاعدة الأصولية القائلة بأن ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب .
قوله ( وأفطروا لرؤيته ) : وهذا أمر ، صوموا لرؤيته تقدم أنه يكتفى بشاهد واحد على القول الراجح ، وهو مذهب أبي حنيفة ، إذا كانت السماء غيماً ،وقال به الشافعي على الصحيح من مذهبه وأحمد .(1/57)
وقال مالك لا بد من شاهدين ، وقال أبو حنيفة إذا كانت السماء صحواً لا بد من جمع يتواطئون على هذا ويحصل بخبرهم العلم .
الإمام أحمد رحمه الله حين يجوز رؤية الواحد ليس معنى هذا أنه كل واحد ، لا بد أن يكون عدلاً فإذا مثلاً جاء للقاضي شخص ولاحظ عليه القاضي أنه لابس نظارات ورأى عليه أنه ضعيف البصر ، هل يقبل شهادته ؟ يرفضه ، ولماذا لا تقبل ؟ لوجود الاحتمال الخطأ الكبير لأنه واضح جداً أنه ليس لديه بصر حاد وبالتالي فيه علامة ليش يتفرد بهذا الخبر ، لكن لو جاء آخر نعلم أن هذا قد أصاب في الرؤيا فالذي لا يرى القريب كيف يرى البعيد ، فلذلك قد لا نقبل الشهادة ، لا نقول نرفض مطلقاً لكن الأصل فيه أننا نتحفظ من رؤيته ، وهو واضح جداً أنه ضعيف البصر بدليل لبس النظارات وواضح أيضاً أنه لا يمكن رؤية البعيد وهو لا يبصر القريب فحينئذ نتحفظ من رؤيته في هذا الباب .
إذن ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) حكى غير واحد من العلماء الاجماع أن خروج الشهر لا يكفي شاهد واحد ، صحيح هذا نعم الخروج لا بد من شاهدين ، الدخول الإمام أحمد لا يشترط أن يكون ذكراً يجوّز أن تكون امرأة ، إذن ما وجه تفريق الإمام أحمد بين الدخول وبين الخروج ؟ .
رواية واحدة عن الإمام أحمد أن الخروج لا بد من شاهدين ،الدخول يكفي بشاهد واحد ولو كانت امرأة ،طبعاً لا شك فيه الإمام أحمد يعتمد على النص ،حديث عمر في الباب وحديث ابن عباس وفيه نظر ونتحدث عنهما إن شاء الله في بابهما .
لكن نريد التعليل ما وجه التفريق بين الدخول وبين الخروج ؟ من باب الاحتياط لرمضان صحيح ، باعتبار أنه لا يضر إذا استعجل دخوله ولكن يضر إذا تأخر في خروجه ولكن هذا الإستعجال ليس معنى أن تقبل كل شهادة على حسب الضوابط الشرعية . نعم .
قوله ( فإن حالت دونه غياية ) : بفتح الغين وفتح الياء وفيه ياءان وهي السحاب .(1/58)
وفيه من قال غيابة ، بالباء الموحدة ـ غيابة من الغيب وهو ما خفي عليك واستتر ، وفي الحديث (كأنهم غيايتان أو كأنهما غيابتان ) والخبر في صحيح مسلم ،الغياية : السحابة .
(فإن حالت دونه غيابة فأكملوا ثلاثين يوماً):
هذا نص واضح ، شهد له حديث ابن عمر في البخاري وحديث أبي هريرة في البخاري بأنه إذا حال دونه غيم نكمل العدة ثلاثين فلا نرجع ولا نعتمد على الحساب ، نعتمد على الرؤية .
وقد قال ابن حجر وغيره من العلماء لا يختص هذا الحكم بإكمال شعبان بل هذا عام في بقية الشهور ،إذا لم يُر الهلال نكمل كل شهر ونحن نعلم أن الشهور لا يمكن أن تتواطأ على التمام .
وفيه أنه يحرم صوم يوم الشك ، تقدم قول عمار : من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم " وأن إسناده حسن أو صحيح ، وقد احتج به أو علقه البخاري رحمه الله تعالى مجزوماً بصحته إلى صلى وهو ابن زفر عن عمار .
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " فإن حال دونه غياية فأكملوا العدة ثلاثين " ولم يأذن بالصيام ، وقد تقدم أن أكثر العلماء يقولون بأنه لو صام يوم الشك ثم تبين أنه من رمضان لا يجزئه هذا اليوم عن رمضان لأن النية غير موجودة ، فلا بد أن تكون النية جازمة بأنه من رمضان وتقدم القاعدة والحديث عنها .
النية تتبع العلم ورأي ابن تيمية رحمه الله تعالى في هذه المسألة وأنه لو أصبح وتبين له أنه من رمضان ولم يعلم بأنه يمسك ولا يقضي ، والجمهور يقولون يقضي وجوباً حكاه بعض العلماء إجماعاً .
وفيه فوائد أيضاً ( فأكملوا ثلاثين يوماً ) ماذا نستفيد من هذا المقطع (إن حال دونه غياية فأكملوا ثلاثين يوماً ) بغير ما تقدم ذكره قريباً ؟
ـ وجوب إكمال ثلاثين يوماً .(1/59)
ـ فيه دلالة واضحة أن الشهر قد يكون تسعاً وعشرين وقد يكون ثلاثين وقد جاءت الأدلة الأخرى مصرحةً بهذا وهي ما ستأتي إن شاء الله في جامع الترمذي على قوله صلى الله عليه وسلم " الشهر تسع وعشرون " فيه دلالة على أن الشهر قد يكون تسعاً وعشرين وقد يكون ثلاثين ، وفيه دلالة أيضاً واضحة على ضرورة ترائي الهلال لأنه إذا حال دونه غيم إذا ما يتأتى الرؤية ، إذا ما حال دونه غيم تتأتى الرؤية ، نعم ، الاخ يقول : فيه الأخذ بالأحوط والخروج من الخلاف من أين أخذنا هذا ؟ ما وجه هذه الفائدة ؟
" فأكملوا " في الحقيقة ليس بالأحوط وإنما هو باليقين ،إن لم تحصل الرؤية نرجع إلى الأصل والأصل ما هو ؟ إكمال الشهر، ثم أن الأخذ بالأحوط هل هو على الإطلاق ، لو اختلف العلماء على قول من الأقوال هل هو على الإطلاق نأخذ بالأحوط ؟ .
كما قال الناظم : وإن الأورع الذين يخرج من خلافهم ولو ضعيفاً فاستبن ، لكن تارة بعض الناس يأخذ بالأحوط فيخرج عن السنة وتارة يختلف العلماء ، نعم كما تفضل الأخ في مسألة خلافية فالأحوط أن يعمل بهذا خروجاً من الخلاف بما لا يضره وتارة تستبين السنة فلا وجه للأحوط مع ظهور السنة ،ولأن الأحوط أن تعمل بالسنة ولا يتأتى أن يقال الأحوط على خلاف السنة هذا غلط إذن حقيقة نعتبر هذا يقيناً إلا باعتبار الأحوط بناء على خلاف العلماء كابن عمر أنه يصبح صائماً قيل أن الأحوط أن الإنسان يأخذ بهذا ،وجوب الترائي أشرنا إليه .
فيه أن الشهر لا يدخل إلا بالرؤية أو بالعد لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر في ذلك إلا أمرين ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ) لم يذكر إلا أمرين إما الرؤية وإما العد ، إذن لا اعتبار للحساب .(1/60)
لكن قد يقول قائل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " ، فهو يتحدث عن واقعهم لأن الإشكالية أن بعض العلماء رأيته يستنبط من هذا الحديث إبطال الحساب "حقيقة" ، إبطال الحساب مسألة أخرى ، لكن الإستنباط من هذا الحديث على إبطال الحساب غلط ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " إذا أخذنا منه إبطال الحساب نأخذ منه إبطال الكتابة ، إذاً نأخذ إبطال الحساب من أدلة أخرى ، أما من هذا الحديث ( نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ) نأخذ منه إبطال الحساب هذا غير صحيح لأن هذا خبر عن واقعهم ، وحين نأخذ منه الدلالة على إبطال الحساب نأخذ منه الدلالة الواضحة على إبطال الكتابة ، إذاً نأخذ إبطال الحساب من الأدلة الأخرى بالضوابط السابقة .
ولكن من حكى الإجماع على أن الحساب باطل هذا غير مصيب لأن الخلاف محفوظ ، ومن قال بأن الحساب ضرب من الكهانة أوالشعوذة أو التنجيم هذا غير مصيب هذا معروف في الدراسة .
فيه فوائد أخرى :
نأخذ منه قاعدة أن اليقين لا يُخرج عنه إلا بيقين مثله ، ما هو اليقين عندنا في هذا الباب ؟ هو إتمام الشهر لأنا قلنا أنا لا نخرج من شعبان إلا بشاهد في الدخول على رأي الإمام أحمد أو بالإتمام ، إذن هذا اليقين لا نخرج عن يقين إلا بيقين مثله ،إذا وجد الشك وطرأ الشك على اليقين فحينئذ نبطل الشك لأن اليقين لا يزول بالشك وهذا مطرد في كل مسألة .(1/61)
الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى يقول : وفي الباب عن أبي هريرة ، وتقدم الحديث عنه وهو متفق على صحته وأبي بكرة وهو متفق على صحته وابن عمر وهو متفق على صحته ، قال أبو عيسى حديث ابن عباس حديث حسن صحيح وقد روي عنه من غير وجه تقدمت الإشارة إلى أن الخبر وارد في صحيح الإمام مسلم بلفظ قريب منه ، تقدم الحديث عن قول أبي عيسى حديث حسن صحيح ، لعلنا نقف على قول المؤلف : باب ما جاء أن الشهر تسعاً وعشرين ، إذا أخذنا هذا الباب قد لا نستوفيه في الشرح لكن أريد الإشارة ، تقدمت الإشارة إلى معنى قول أبي عيسى : حديث حسن صحيح ، ما معنى هذا ؟ قبل أن نختم الباب نريد من الأخوة نريد من الأخوة المشاركة ... قيل حسن أو صحيح وقيل حسن من وجه صحيح من وجه ، لكن إذا قال أبو عيسى حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه كحديث : (إنما الأعمال بالنيات ) حين أورده الإمام أبو عيسى في جامعه قال وهذا حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه لأنه تفرد به عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وتفرد به علقمة عن عمر وتفرد به التيمي عن علقمة وتفرد به يحي عن التيمي وروى عن يحي جمع غفير ، كيف يقول حسن صحيح وهو عرف الحسن بأنه ما جاء من غير وجه ولم يكن في رواته لا كذاب ولا متهم ولم يكن شاذاً ، ماذا نقول عن هذا ؟ أنا قلت أن الإمام أبا عيسى عرف الحسن المفرد الذي لم يرتبط بلفظ آخر، إذا قال حسن غريب خرج هذا التعريف ، حسن صحيح خرج هذا التعريف ولذلك قد يقول حسن المتن صحيح الإسناد أو يقول حسناً عند طائفة صحيحاً عند طائفة أخرى ، نقف على هذا وننظر في أسئلة الأخوة .
س: ...(1/62)
ج: نعم الرجل الذي عليه نظارات ...نعم ، لأنه قرينة أنه لا يبصر بقوة لأن الهلال بعيد جداً ، فإذا كان لبس نظارات لأنه لا يبصر القريب فكيف يبصر البعيد ، لكن النظارة مهما كان لا تقرب البعيد ، ونحن ما قلنا يقطع برد شهادته ، قلنا هذا قرينة على عدم إمكانية الرؤية ، طيب أين الأخوة الذين يدركون ويبصرون ومع هذا لا يرون الهلال ، لأنه مهما لبس العبد من نظارات فإنه إذا كان لضعف بصر مهما كان لن تكون أقوى من بصر الآخرين أنا قلت أيضاً من القرائن أن الشخص لو ادعى وهو مبصر وقوي وحاد البصر أنه قد رأى الهلال وسئل عن رؤيته فقال أبصرته ، في الموقع الفلاني ثم تبين أن أصحاب المراصد قد وضعوا مراصدهم على هذا المكان ولم يُر ، قرينة على أن الرؤية غلط عنده ، نحن لا نقول لا نقبل الرؤية ، الرؤية مقبولة لكن فيه قرينة تفيد أنه ما رآه ، فرق بين المسألتين فرق بين إبطال الرؤية وبين وجود خلل في الرؤية لأن المراصد تقرب ألآلاف فلماذا لم يُر وهو قد رآه ، هذه قرينة على أن الرؤية غلط ليست دالة على إبطال الرؤية أو عدم قبول شهادة من يلبس نظارات ، لا نرد شهادته نقول فيه قرينة ، لو دلت القرينة على القبول لقبلناه .
صوموا لرؤيته : لا يلزم أن تكون الرؤية مجردة ، المقصود الرؤية سواء كان بالعين المبصرة أو بمكبرات أو بغير ذلك ، هذه رؤية ، أذا رأيت أنا بالدربيل مثلاً ، أليست رؤية بمكبرات ، هذه رؤية فيصدق ، أنا رأيته بعيني ولكن بوسيلة مكبرة ومقربة فلا يخالف هذا الحديث (صوموا لرؤيته ) لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال : صوموا برؤيته بالعين المجردة ولا تقبل شهادة من رأى بغير العين المجردة ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أتى بلفظ عام وهذا من جوامع الكلم (صوموا لرؤيته ) أنا رأيته بالعين المجردة بوسيلة تستعين بها على تقريب البعيد وتكبير الصغير نعم الاستعانة بالمراصد لا حرج في ذلك .(1/63)
النبي صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم وأتى بلفظ عام فحين قال (صوموا لرؤيته ) ليس لأحد أن يخصص هذا النص بدون دليل بدون مسوغ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن أشياء لم تقع في عصره وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كثيرة من المغيبات وبين حكمها فالنبي صلى الله عليه وسلم حين أتى بهذا النص (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) سواء كان بالعين المجردة أو بغير ذلك ما دامت رؤية فلا حرج بالاستعانة بوجود ما يقوي الرؤية ويكبر الصغير فليس لأحد أن يقيد النص يقول بالعين المجردة ، ما هو الدليل على أن الرؤية بالعين المجردة فنحن نأخذ بعموم النص حتى يثبت ما يقيده ، الأصل عند الأصوليين الأخذ بالعموم والأخذ بالمطلق حتى يثبت ما يقيده هذا ويخصص ذاك ، والأصل الأخذ بعموم النص ثم أيضاً في الحقيقة أنا رأيته بالرؤية التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم هذه رؤية لكن بالاستعانة بـ.. كما أن الإنسان يستعين يصعد فوق جبل يصعد فوق العمائر الشاهقة لماذا هو يستعين بالصعود على العمائر ، إذا الذي يستعين بالصعود على الشيء العالي نفس الشيء قال : أستعين بوجود ما يكبر الصغير ويقرب البعيد .
س: هل الذي يستحلم وهو صائم يفطر علماً أنه كان قبل النوم يفكر في الجماع ويتمنى ذلك ؟ .
ج: يعني الأخ يقصد بأنه يفكر ويتمنى ويستحلم ليستفرغ الشهوة ويذهب ويزول ما في نفسه ولكنه لم يحرك يده ولم يحتك بالفراش ولكنه فكر ثم بعد أن نام استحلم ، الصواب لا شيء عليه لا يجب عليه إلا أن يغتسل من أجل الجنابة أما قضاء هذا اليوم فلا يقضي ولو كان كما قال الأخ أنه كان قد فكر قبل النوم أن تمنى ذلك فهذا لا يؤثر .
س: رجل سافر هو وزوجته وقت الصيام فأفطر في السفر وعندما وصل لبلده لم يمسك بل جامع هل عليه شيء ؟ .(1/64)
ج: لا ، لا شيء عليه لأنه قد أفطر في السفر والصواب من قولي الفقهاء أن الحائض إذا طهرت في أثناء اليوم لا يجب عليه الإمساك وأن المسافر إذا أفطر في الطريق ثم قدم لا يجب عليه الصوم والإمساك ، ولكن لا يترائى أمام الناس لئلا يساء به الظن ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه : من أكل أول النهار فليأكل آخره . رواه ابن أبي شيبة وغيره وهذا مذهب مالك رحمه الله أنه لا يجب على الحائض الإمساك ولا يجب على المسافر الإمساك ، إذن فعل هذا الأخ لا شيء فيه ، والله أعلم ، نكتفي به وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
6 - بابُ ما جاءَ أَنَّ الشَهرَ يَكُونُ تِسْعاً وعِشرِينَ
684 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنيعٍ أَخبرنَا يَحيَى بن زكريا بن أَبي زَائِدةَ قَالَ: أَخبَرَنِي عِيسَى بنُ دينارٍ عن أَبِيهِ عن عَمرِو بنِ الحارثِ بنِ أَبي ضِرَارٍ عن ابنِ مسعُودٍ قَالَ: "مَا صُمْتُ مَعَ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعاً وعِشْرِينَ أَكْثَرُ مِمَّا صُمنَا ثلاثينَ".
وفي البابِ عن عُمَرَ وأَبي هُريرةَ وعائِشةَ وسعدِ بنِ أَبي وقَّاصٍ وابنِ عبَّاسٍ وابنِ عُمَرَ وأَنسٍ وجَابرٍ وأُمِّ سَلَمَةَ وأَبي بَكرَةَ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الشَّهرُ يَكونُ تِسْعاً وعِشرينَ".
685 - حَدَّثَنَا عليُّ بنُ حُجْرٍ أَخبرنَا إِسماعيلُ بنُ جَعفَرٍ عن حُمَيدٍ عن أَنسٍ أَنَّهُ قَالَ: "آلى رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نِسَائِهِ شَهراً فأَقامَ في مَشرُبَةٍ تِسعاً وعِشرينَ يوماً، قَالُوا يا رَسُولَ الله إِنَّكَ آلَيتَ شَهراً فَقَالَ: الشَّهرُ تِسعٌ وعِشرُونَ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
الشرح :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد :(1/65)
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في كتاب الصيام ( باب ما جاء أن الشهر يكون تسعا وعشرين ): أي هذا باب ما جاء في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين فإن الشهر لا يقل عن تسع وعشرين ولا يزيد عن الثلاثين، فتارة يكون ثلاثين يوماً وتارة يكون تسعاً وعشرين يوماً، والمنتهى في هذا برؤية الهلال فإذا رئي الهلال ليلة الثلاثين وإلا فيجب إكمال العدة لقوله صلى الله عليه وسلم ( فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ) رواه البخاري وغيره ولقوله صلى الله عليه وسلم :
( فأكملوا العدة ) جاء هذا عن جمع من الصحابة كابن عمر في البخاري وغيره وكابن عباس في مسلم وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم .(1/66)
أورد المؤلف رحمه الله تعالى تحت هذه الترجمة حديثين: الأول حديث أحمد بن منيع قال أبو عيسى :حدثنا أحمد بن منيع أخبرنا يحي بن زكريا بن أبي زائدة قال أخبرني عيسى بن دينار عن أبيه عن عمرو بن الحارث بن أبي ضرار عن بن مسعود قال : (ما صمت مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين ) هذا الخبر لم يحكم عليه الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى ورواته ثقات باستثناء دينار والد عيسى فقد روى له البخاري في خلق أفعال العباد وأبو داود والترمذي وذكره ابن حبان رحمه الله تعالى في ثقاته، ويختلف الحكم بين ذكر ابن حبان الراوي في الثقات وبين النص على توثيقه، فإذا نص الإمام بن حبان رحمه الله تعالى على توثيق الراوي فحسبك به فإنه بالنص يكون بمنزلة الأكابر، وإذا ذكره في ثقاته ولم يعينه فهذا هو الذي عيب عليه شيء من التساهل، وهذا نظير الحاكم رحمه الله تعالى في كتابه ( المدخل إلى الإكليل ) تقريرات جيدة ونافعة، وفي كتابه( المدخل إلى الصحيح) تقريرات جيدة ونافعة حكم على الرواة بقوة، ولكنه رحمه الله ناقض هذا في كتابه ( المستدرك )، وحين أتى في كتابه ( المدخل إلى الصحيح ) بترجمة عبد الرحمن بن زيد بن أسلم حكى الإتفاق على ضعفه، وحين يأتي عليه في مستدركه يصحح أحاديثه، فإذن العيب على الحاكم في المستدرك، وليس قذفه بالتساهل في كل الحالات أو أنه لا يعتمد عليه في كل كتبه، وهذا صنيع ابن حبان رحمه الله تعالى ينتقد صنيعه في كتابه ( الثقات ) وليس معنى هذا أنه لا يستفاد منه ففيه فوائد متعددة ولكنه تساهل في الحكم على كثير من الرواة يوردهم في ثقاته وقد حكم عليهم في كتابه ( الجرح والتعديل ) بالضعف وهجم عليهم وتحدث عنهم بقوة وقد يورد الراوي في الثقات وقد اتفق الحفاظ على ضعفه .(1/67)
وهذا الخبر رواه الدارقطني رحمه الله تعالى في سننه من طريق حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال لقد صمنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم تسعا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين ،وجاء نحوه عن عائشة عند الإمام أحمد قد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري إسناده جيد .
قال ابن مسعود رضي الله عنه ( ما صمت مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين ) .
( ما صمت ) ( ما ) هنا مصدرية والمعنى صومي تسعا وعشرين أكثر من صومي ثلاثين .
وقد قال غير واحد من العلماء بأن النبي صلى الله عليه وسلم صام تسع رمضانات، وهذا لا يختلف فيه الفقهاء لكن الزيادة "منها رمضانان فقط ثلاثون والبقية تسع وعشرون" وهذا الذي قصده ابن مسعود بدون تحديد العدد وقيل بمعنى كلام ابن مسعود بأن
((1/68)
ما ) نافية فيكون المعنى أن الناقص لم يكن بأكثر من الوافي ،ولعل الأول هو الأرجح أن (ما) مصدرية ويحتمل أن تكون في الموضعين ( ما صمت) و (أكثر مما صمنا ) موصولة والعائد محذوف فيقدر الخبر( ما صمته حال كونه تسعاً وعشرين أكثر مما صمته حال كونه ثلاثين، والمعتبر في هذا بالرؤية فيؤخذ منه الأخذ بالرؤية وأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يأخذون بالرؤية ولكن الشهر حين ينقص بالعدد يكمل بالأجر وسيأتي هذا في شرح حديث ( شهرا عيد لا ينقصان) أي لا ينقصان في الأجر والثواب وإن نقصا في العدد، وفيه دلالة على سعة فضل الله جل وعلا وعلى عظيم ثوابه وكثرة عطائه، وفيه معنى الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وفيه معنى حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) لأن كل مسلم ينوي إنه إذا كان ثلاثين سوف يصوم ولا يختلف في ذلك أحد من المسلمين فحين نوى هذه النية ونقص الشهر أكمل الله جل علا له الأجر وإن لم يصمه، وفي معنى الأثر المشهور وإن كان ضعيفاً لكن معناه صحيح ( نية المؤمن أبلغ من عمله ) لأن الإنسان يعمل عملا قد يرائي به ،قد يعجب به فيحبط وينويه ويتحسر على فواته فتكون نيته بهذا الاعتبار أبلغ من عمله، وليس على الإطلاق بأن النية أبلغ من العمل لو أن العبد فرط في العمل ونوى أن يعمله لأجزأ هذا عنه وكان مستحقا للذنب .
قال الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى وفي الباب عن عمر وأبي هريرة وعائشة وسعد: وهذه الأحاديث تقدم الإشارة إليها وأنا أشير إشارة عامة لا يلزم إذا قال أبو عيسى وفي الباب أن يكون بنفس اللفظ إذا كان بنفس المعنى فلا حرج من ذلك .(1/69)
حديث عمر في الصحيحين، وحديث أبي هريرة في الصحيحين، وحديث عائشة رواه أحمد وغيره، وحديث سعد أخرجه مسلم وحديث ابن عمر وأنس وجابر هذه كلها أحاديث صحيحة في صحيح الإمام مسلم ، حديث ابن عباس جاء في مسلم وحديث أبي بكره في الصحيحين بنحو المعنى وليس باللفظ فلم يرد هذا اللفظ في غير سنن الترمذي وأبي داود من حديث ابن مسعود وفي مسند الإمام أحمد من حديث عائشة، وتقدم الطريق الآخر طريق حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمه عن عبد الله هذا رواه الدارقطني رحمه الله تعالى في سننه .
قال الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى حدثنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس أنه قال آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرا فأقام في مشربة تسعا وعشرين يوما قالوا يا رسول الله إنك آليت شهرا فقال الشهر تسع وعشرون .
هذا حكم عليه أبو عيسى رحمه الله تعالى بأنه حديث حسن صحيح وقد رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه من طرق عن حميد عن أنس قال أنس( آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) . (آلى) بمعنى حلف أن لا يدخل على زوجاته .
قوله ( شهراً ): هذا فيه إشارة إلى أن الإيلاء في هذا الخبر هو الإيلاء اللغوي لأن الإيلاء في الشرع يكون بأربعة أشهر .(1/70)
قال تعالى : {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ }البقرة226 ،وقيل أن الإيلاء الشرعي لا حرج أن يكون في أقل من أربعة أشهر، والمقصود أن لا يتجاوز هذا العدد فإذا آلى شهراً كان مولياً إذا نقض إيلاءه قبل هذه المدة فإنه يكفر عن يمينه ، إذا زاد عن هذه المدة لا حرج بشرط أن لا يتجاوز أربعة أشهر لأن الله يقول : {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة226 ،إذا تجاوز أربعة أشهر فإن القاضي يوقفه ويأمره بالعدل والرجوع إلى الزوجة والانتصاف لها فإن امتنع لزمه أن يطلق لأن هذا إلحاق ضرر بالمرأة، والتحديد بأربعة أشهر لأن هذا هو أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها، وحين كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتجول في شوارع وأسواق المدينة سمع امرأة تنشد :
تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقني لا حبيب ألاعبه .
فوالله لولا الله أني أراقبه لزعزع من هذا السرير جوانبه .
فدعا عمر رضي الله عنه بابنته حفصة فقال: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها ؟ فقالت أربعة أشهر . فقال: والله لا أحبس الجيش أكثر من هذا . فكان زوجها خرج غازياً مجاهداً في سبيل الله ، هذا الأثر رواه سعيد بن منصور بسند قوي، ورواه البيهقي رحمه الله تعالى في السنن الكبرى، فهذا الأثر مع تحديد الإيلاء بأربعة أشهر إشارةً إلى أن المرأة لا تصبر أكثر من أربعة أشهر عن زوجها ما دام في ذمتها لأن النفس تتوق إلى ذلك ، وهذا ليس نصاً لكن يفهم منه، فإن زاد على الأربعة أشهر ربما يعرض المرأة للوقوع في الحرام من الفاحشة أو شبهها، فإذن يُلزم بالفيء أو بالطلاق .(1/71)
يؤخذ من هذا تأديب الرجل زوجته بالهجر ونحوه، وإذا كانت المرأة ناشزاً أو بدر منها عقوق لزوجها فنصحت ولم تنتصح فلا حرج أن يهجرها زوجها أو أن يضربها ضربا غير مبرح، ولكن لا يهجر ولا يقبح إلا في البيت، وترك الضرب مطلقاً أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا يضرب أحدكم زوجته ضرب عبد ثم يجامعها ) رواه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه، العفو أفضل ولكن إذا لم يحصل استقامة لاعوجاج المرأة فلا حرج أن الزوج يستعمل كل أسلوب لإصلاحها، وحذار حذار من التعجل بلفظ الطلاق فإن الأمور لا تعالج بالطلاق، فلو أن الرجل أراد أن يعالج المرأة بالطلاق لاحتاج في كل يوم إلى امرأتين أو ثلاثة، والمرأة ليست سلعة تباع وتشترى يطلق ويتزوج، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره خلقا رضي آخر ) هذا الخبر إفراد مسلم عن البخاري .
قوله ( شهراً ): لم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم الايلاء بثلاثين يوماً أو بتسعة وعشرين يوماً، حدد الايلاء بالشهر، ومن هذا القبيل من عليه كفارة صيام شهرين متتابعين فإذا كان الشهر الأول تسعة وعشرين فإنه لا يزيد يوماً لأن الله جل وعلا ما ذكر ستين يوماً ذكر شهرين متتابعين، ولو قُدِّر اتفق أن الشهرين ناقصان قلا حرج ولا يحتاج إلى زيادة يومين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الشهر تسع وعشرون ) إذاً صدق أنه صام شهران وأنه آلى شهران .(1/72)
قوله ( فأقام في مشربة تسعاً وعشرين يوماً ): ( المشربة ) بفتح الميم وسكون الشين وضم الراء ويجوز فتح الراء وهي الغرفة , قالوا (يا رسول الله) فيه الأدب في الخطاب، فينبغي للمرأة وإن هجرها زوجها أن تتأدب معه في الخطاب، قد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أيما امرأة صلت خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت ) حديث صحيح، وقد جاء عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الرحمن بن عوف وجماعة قالوا يا رسول الله -فيه الأدب في الخطاب -إنك آليت شهراً فإنهم يفهمون من الإيلاء شهرا أن يكون ثلاثين يوماً، فأزال النبي صلى الله عليه وسلم هذا التوهم وأفاد أن الشهر قد يكون تسعة وعشرين يوماً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤل ثلاثين يوماً إنما آلى شهراً فقال صلى الله عليه وسلم (الشهر تسع وعشرون) فلا ينقص الشهر عن تسع وعشرين ولا يزيد عن ثلاثين يوماً، ولو قدر أن الناس غلطوا في دخول شهر رمضان وتأخروا ثم خرج عليهم هلال شوال لثمانية وعشرين يوماً فقد ذهب أكثر العلماء إلى أنهم يضيفون يوماً، لأن الشهر تسع وعشرون، وهذا قول الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى .(1/73)
ويؤخذ من هذا الحديث بعض الفوائد نأخذ مشاركة الأخوة، الأخ يقول فيه دلالة على مشروعية تأديب الرجل زوجته لأن النساء حين ألححن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في النفقة آلى منهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،نعم ، فيه اختصار الجواب إذن فهم المقصود حين قالوا يا رسول الله إنك آليت شهرا قال (الشهر تسع وعشرون) لم يزد النبي صلى الله عليه وسلم على هذا، كذلك حين آلى شهراً في هذا الحديث فائدة في أوله فائدة مهمة ،الأخ يقول فيه سؤال العالم عما يشكل، وسؤال العالم عما يشكل فيه حالات، منه ما هو واجب ومنه ما هو مستحب على حسب نوعية المسألة ،نعم لا يلزم هذا أن الرجل يولي زوجته على حسب ما يراه رادعاً لها قد يهجر يوماً أو يومين ثلاثة، والهجر أنواع قد يهجر بالكلام وقد يهجر بالفراش وقد يهجر بالكلام وبالفراش معاً . نعم فيه التعدد تعدد الزوجات وهذا واضح من واقع الحال، لكن النبي صلى الله عليه وسلم يختص بأكثر من أربع والأمة لا تتجاوز أربعاً كما أفتى بذلك ابن عباس، وأجمعت الأمة على هذا باستثناء ما نقل عن الزيدية والرافضة وغير هؤلاء ،وهؤلاء لا يعتد بهم في مسائل الخلاف.
فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر هذا لا إشكال فيه وأنه يجري عليه ما يجري على البشر من الغضب ونحو ذلك وهذا لا إشكال فيه، جيد هذا .
أن أمهات المؤمنين غير معصومات، وأن الخطأ يجري منهن كما يجري من غيرهن، هذا صحيح ولكن كلما كان الإنسان اتقى لله وأعلم بأمر الله كلما كان غلطه أقل .(1/74)
يؤخذ من الحديث أيضا الهجر المشروع خلافاً للذين يخصصون الهجر بالكافرين، هذا غير صحيح فإن الهجر قد يكون للأتقياء والصالحين، فإن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من التقى والورع والعلم بمكانة عظيمة وفي نفس الوقت هجر النبي صلى الله عليه وسلم كما هجر صفية وكما هجر عائشة وكما هجر الثلاثة الذين تخلفوا هجرهم خمسين يوماً، والأحاديث في هذا متواترة فإن الهجر مشروع على وجه التأديب، والهجر قد يكون بمنزلة الدواء للمريض قد يصلح له وقد لا يصلح، والهجر مراتب كالهجر الجميل ، وهجر المجالسة ، كهجر المجالسة والكلام ، ويراعي الهاجر في ذلك المصلحة، فإن كان الهجر يعود على المهجور بفائدة ومصلحة فليبادر إلى ذلك، وهذا في الأمور الدينية فإن الهجر في الأمور الدينية لا يقيد بوقت قد يكون الهجر يوماً ، أسبوعاً ، شهراً ، سنتين ، إذا كان في الأمور الدينية ، أما إذا كان الهجر في الأمور الدنيوية فلا يجوز تجاوز ثلاثة أيام، وأما إذا كان الهجر في الأمور الدنيوية فيحرم تجاوز ثلاثة أيام، في هذا الحديث أيضا بعض الفوائد ، بلا شك أن الايلاء كان لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن للإماء ،الآية صريحة والحديث صريح في هذا .
نعم ، لا يلزم ذلك، لا يلزم أن يكون الضرب آخر الحلول، قد يكون الهجر أجدى من الضرب . بقي مناسبة الحديث للترجمة قوله صلى الله عليه وسلم ( الشهر تسع وعشرون ) إذن الشهر قد يكون تسع وعشرين وقد يكون ثلاثين.(1/75)
وفيه أن من نذر أن يصوم شهراً فكان الشهر تسعاً وعشرين فإنه يجزئه، وأن من صام كفارة شهرين متتابعين فلو نقص الشهران فإن الصيام يجزئه، ولكن لو حلف أن يصوم ثلاثين يوماً يجب أن يصوم ثلاثين يوماً ، بقية مسألة مهمة لو أنه آلى من وسط الشهر آلى شهراً أو بدأ بصيام الكفارة من وسط الشهر فما الحكم ؟ نعم، يتم ثلاثين هذا الأقرب، على الصواب بأنه يتم ثلاثين يوماً لأنه ما آلى من أول الشهر ولا بدأ بالصيام من أول الشهر، فلما بدأ من وسط الشهر أو من آخر الشهر لا يعتد بالنقص، ويحتمل الاعتداد بالنقص فيكون النصف الذي صامه من النصف الأخير الذي بقي، فإذا نقص الشهر فكأنه صام خمسة عشر يوماً وهذا في الحقيقة أيضا قول قوي في هذا المعنى، وهذا الفهم باعتبار أنه لما صام خمسة عشر يوماً يعتبر أربعة عشر يوماً لأنه صام خمسة عشر يوماً في الحقيقة لأن هذا بقية الشهر، والأصل أن بقية الشهر يكون النصف فلما نقص الشهر احتسب له هذا النقص ،ويحتمل القول الأول وإن كان الأحوط أن يصوم ثلاثين يوماً، لكن لو أن المرء أخذ بالقول الثاني لا حرج عليه في ذلك ولا تثريب عليه .
7 - بابُ ما جاءَ في الصَّومِ بالشَّهادَةِ
686 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسماعيلَ أَخبرنَا مُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ أَخبرنَا الوليدُ بنُ أَبي ثَورٍ عن سِمَاكٍ عن عِكرِمَةَ عن ابنِ عبَّاسٍ قَالَ:
- " جاء أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيتُ الهِلالَ، فَقَالَ: أَتَشهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ الله؟ أَتَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يا بلالُ أَذِّنْ في النَّاسِ أَنْ يَصُومُوا غداً".
687 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ أَخبرنَا حُسَينٌ الجُعِفيُّ عن زَائِدَةَ عن سِمَاكِ ابنِ حَربٍ نَحوَهُ.(1/76)
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ ابنِ عبَّاسٍ فِيهِ اختِلافٌ. ورَوَى سُفيَانُ الثَّوريُّ وغَيرُهُ عن سِمَاكِ بنِ حَربٍ عن عِكرِمَةَ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلاً وأَكثرُ أَصحابِ سِمَاكٍ رَوَوْا عن سِمَاكٍ عن عِكرِمَةَ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلاً.
والعملُ عَلَى هَذَا الحديثِ عِندَ أَكثر أَهلِ العلمِ، قَالُوا تُقبلُ شهادةُ رَجُلٍ واحدٍ في الصِّيَامِ. وبِهِ يقولُ ابنُ المباركِ والشَّافِعيُّ وأَحْمَدُ. وقَالَ إِسحاقُ: لا يُصَامُ إِلاَّ بشهادَةِ رجلينِ ولَمْ يختَلِفْ أَهلُ العلمِ في الإِفطَارِ أَنَّهُ لا يُقبلُ فِيهِ إِلاَّ شهادةُ رجُلينِ.
الشرح:
قال الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى ( باب ما جاء في الصوم بالشهادة ): فإن الشهر يثبت بإكمال العدة أو بالشهادة ،دخول رمضان يثبت على قول طائفة بشاهد عدل ولو امرأة أو بإكمال شعبان ثلاثين يوماً، فإذا وجدت الشهادة لا نحتاج إلى إكمال العدة وهذا التحري يؤخذ منه أن الشهر يكون تسعاً وعشرين، ولو لم يكن الشهر قد يكون تسعاً وعشرين ما كان للتحري معنى، وفيه الاعتداد بالشهادة، وفيه قبول خبر الآحاد سواء قبلنا الواحد أو قلنا بالاثنين، فان الاثنين يعتبران من أخبار الآحاد عند من يمنع قبول أخبار الآحاد ،لأن الذين يمنعون قبول الآحاد يعدون خبر الآحاد ما لم يبلغ حد التواتر ، يعني يعتبرون الواحد والاثنين والثلاثة من أخبار الآحاد، ويقبل خبر الآحاد ما لم يكن خطئه في المسائل الفقهيه والمسائل العقدية، ونحن نعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن يبلغ أهل اليمن الدين كله، ولم يعترض عليه أحد من أهل اليمن وكانوا أهل كتاب .(1/77)
وبعثه صلى الله عليه وسلم لأن خبر الآحاد مقبول في العقائد، وفيه الرد على الأشاعرة الذين لا يقبلون خبر الآحاد، وفيه الرد أيضا على بعض الفقهاء الذين لا يقبلون خبر الآحاد في بعض المسائل الفقهيه وهذا من التناقض عندما أقول في مسألة أقول في الأخرى والعجيب أن جماعة من الأحناف يتحدثون عن خبر الآحاد ومذهب إمامهم أنه يقبل شاهداً واحداً في دخول رمضان إذا كانت السماء غيماً، وتأتي إن شاء الله على مذاهب أهل العلم في هذه المسألة بعد قليل .
قال الإمام أبو عيسى حدثنا محمد بن إسماعيل :من محمد بن إسماعيل ؟ البخاري ،عن ابن عباس جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال إني رأيت الهلال قال : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله قال نعم قال يا بلال إذن في الناس أن يصوموا غدا ، هل هذا الحديث في البخاري - من سئل عما لا يعلم فليقل لا أدري هذا نصف العلم - ،نعم هذا ليس في البخاري ولا في مسلم ولا يلزم إذا روى الإمام أبو عيسى عن شيخه محمد بن إسماعيل أن يكون هذا الخبر موجوداً في البخاري ويأتي إن شاء الله أن هذا الخبر معلول فيه كلام .
قال أخبرنا محمد بن الصباح أخبرنا الوليد بن أبي ثور ( الوليد بن أبي ثور ) هو الوليد بن عبد الله بن أبي ثور، قال عنه الإمام ابن معين رحمه الله تعالى: ليس بشيء، وقال ابن نمير :كذاب، وقال الإمام أبو زرعه رحمه الله :منكر الحديث يهم كثيراً، وقال الحافظ العقيلي: يحدث عن سماك بمناكير لا يتابع عليها .
عن سماك عن عكرمة أحاديث سماك عن عكرمة مضطربة، قال ذلك ابن معين، والإمام أحمد، ويعقوب بن شيبة، وغير هؤلاء الأئمة وفيه علة ثالثة، الآن فيه علتان :
العلة الأولى : ضعف الوليد .
العلة الثانية : سماك عن عكرمة ضعيف .(1/78)
العلة الثالثة : أن الحفاظ يروونه عن سماك بن حرب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون ذكر ابن عباس، ولعل هذا هو الأقرب ، العلة الأولى يمكن أن نقول أنها منتفيه لأنه لا ينفرد به الوليد عن سماك وقد رواه سفيان الثوري وحماد وجماعة عن سماك بن حرب، وإلى هذا أشار أبو عيسى .
قال حدثنا أبو كريب أخبرنا حصين الجعفي عن زائدة عن سماك بن حرب نحوه فلم يتفرد به الوليد .
قال أبو عيسى حديث ابن عباس فيه اختلاف وروى سفيان الثوري وغيره أي كحماد عن سماك بن حرب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وأكثر أصحاب سماك رووا عن سماك عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً .
وقال أبو داود رحمه الله تعالى في سننه: رواه جماعة عن سماك عن عكرمة مرسلاً، وقال الإمام النسائي رحمه الله تعالى: هذا أولى بالصواب .
قوله ( جاء أعرابي ) : الأعرابي هو من سكن البادية، وإذا سكن الحاضرة انتفى عنه وصف الأعرابية وتعلقت به أحكام الحاضرة، هذا الأعرابي أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال، يعني هلال رمضان، وواضح أن الشاهد واحد ولم يذكر غيره وانه أعرابي لم يكن من أكابر الصحابة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( أتشهد أن لا إله إلا الله أتشهد أن محمداٍ رسول الله) فيه أن الإسلام شرط في قبول الشهادة . لم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أنك رأيت الهلال، لا يشترط في رؤية الهلال بلفظ الإشهاد، إنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتأكد من إسلامه، ولم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم تأتي بشاهدين يزكيانك هذا أمر ليس له أصل، وإن كان قد يؤخذ من بعض الأبواب وبعض المصالح العامة في بعض المسائل للحاجة إلى ذلك ولاسيما حين يشك بالرجل، أو لاسيما في مسائل الحقوق والأمور المتعلقة بالآخرين .(1/79)
نأخذ من هذا الحديث أن الإسلام شرط لقبول الشهادة ،يشترط أيضاً عند الجمهور العدالة الظاهرة، اختلف الفقهاء في العدالة الباطنة على قولين عندهم .
( قال نعم ) أي قال الأعرابي نعم ، قال الأعرابي أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (يا بلال أذن في الناس) ، المقصود بالأذان هنا هو الإعلام وليس هو الأذان المعروف بألفاظ مخصوصة بزمان مخصوص، المقصود بالأذان الإعلام أي ناد فيهم وأعلمهم أن يصوموا غداً، هذا الحديث كما تقدم بأن الإسناد ضعيف وأنه لا يصح إلا مرسلاً، وأن سماك بن حرب عن عكرمة مضطرب الحديث، ولكن نتحدث عن متنه باعتبار ارتباطه بمسألة مهمة جاءت أدلة أخرى في هذا المعنى والأمة بحاجة إلى فقه هذا الباب ومعرفة أحكام الشهادة ومن تقبل شهادته ومن لا تقبل شهادته، نتحدث عن ذلك على قول أبي عيسى رحمه الله تعالى قال والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم قالوا تقبل شهادة رجل واحد في الصيام، أي ذهب الجمهور الإمام أحمد في أصح الروايتين، والإمام الشافعي في أصح القولين عنه، وجماهير الأئمة إلى أنه تقبل شهادة رجل واحد في الصيام لحديث الباب وهو ضعيف، ولحديث ابن عمر رواه داود وغيره من طريق مروان بن محمد عن عبد الله بن وهب عن يحي بن عبد الله بن سالم عن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال "تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه" ورواه ابن حبان في صحيحه، وقال الإمام أبو محمد بن حزم رحمه الله هذا خبر صحيح فتقبل شهادة رجل واحد في دخول الصيام، وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى (ولو كان امرأة) أي ولو كان الشاهد امرأة إذا كانت عدلة قبلت شهادتها، ومن رأى الهلال وردت شهادته فقد قيل بأنه يصوم سراً وهذا أحد القولين عند الإمام أحمد رحمه الله، وقيل بأنه لا يصوم لاحتمال خطأه وأنه يصوم مع المسلمين (صومكم يوم(1/80)
تصومون وفطركم يوم تفطرون) وهذا اختاره طائفة كبيرة من العلماء .
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى: وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد: أي تقبل شهادة رجل واحد في الصيام ،وأحمد أي في رواية عنه .
قال أبو عيسى: وقال إسحاق لا يصام إلا بشهادة رجلين : وهذا مذهب مالك، ورواية عن الإمام أحمد، وهو أحد القولين عن الإمام الشافعي وإن لم يكن الصحيح عنه، بدليل حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب في اليوم الذي يشك فيه فقال ألا أتي قد جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألتهم وحدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وأنسكوا لها فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين يوما فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا .
قول ( فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا ) هذا دليل على اعتبار شاهدين وهذا الخبر رواه أحمد والنسائي وجماعة يجاب عن هذا الخبر بأن مفهومه انه لا يقبل الواحد والمنطوق عند الأصوليين مقدم على المفهوم، ومنطوق حديث ابن عمر مقدم على مفهوم هذا الخبر، فيبقى أن دخول الشهر يقبل فيه شاهد واحد، ويبقى مفهوم هذا الحديث في الخروج على الأصل أنه لابد من شاهدين ،تحدثنا الآن عن مذاهب الأئمة الثلاثة مذهب مالك والشافعي وأحمد، بقي مذهب أبي حنيفة رحمه الله مذهبه التفصيل في هذا الباب قال أبو حنيفة إذا كان في السماء غيم فتقبل شهادة رجل واحد وإذا كانت السماء صحواً فلا تقبل شهادة الواحد ولا تقبل إلا شهادة الجمع الذين يثبت العلم صدقهم وينفي غلطهم، ويستفاد من حديث ابن عمر قبول خبر الآحاد، تقدم أنه يقبل في العقائد وفي المسائل الفقهيه قد يعرض عارض لا نقبله ولكن ليس لذات أنه واحد إما لفسقه أو لتبين غلطه أو غير ذلك .(1/81)
وأخذ من هذا بعض الفقهاء بأن زيادة الثقة تقبل مطلقا وهذا فيه نظر، الصواب أن زيادة الثقة لا تقبل مطلقاً ولا ترد مطلقاً الصواب من مذاهب المحدثين أن الزيادة تقبل بالقرائن وترد بالقرائن فلا نقبلها مطلقاً ولا نردها مطلقاً، وهذا صنيع البخاري وأحمد وأكابر المحدثين .
ويؤخذ من حديث ابن عمر مشروعية ترائي الهلال لقول ابن عمر ترائي الناس الهلال ،وفيه مشروعية الإعلام حين الرؤية ،وفيه أن الإمام يأمر من ينادي بالصيام ،وفيه أن من رأى الهلال لا يأمر الناس بالصيام لابد أن يرجع إلى أهل الشأن من العلماء والقضاة ونحوهم ممن له حق الأمر بالصيام أما الذين لا يملكون هذا الأمر فهم لا يملكون أيضاً أمر الناس فبالتالي لا يلزم من ذلك ولا يجب إخبارهم إلا على اعتبار أنهم يرفعون الأمر على أهل الشأن من الحكام أو العلماء أو المسئولين عن هذا الأمر من قضاة وغيرهم .
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى ولم يختلف أهل العلم في الإفطار أي في شهر شوال أنه لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين، فهذا من أبي عيسى حكاية الإجماع أنه لا يختلف العلماء بأنه لا يقبل في هلال شوال إلا رجلان، وهذا الإجماع ينتقض بقول الإمام أحمد رحمه الله تعالى يقبل في هلال شوال عدل واحد بموضع ليس فيه غيره، وحكي عن أبي ثور أنه يقبل في هلال شوال عدلاً واحداً كهلال رمضان، وقد قال بعض فقهاء الشافعية لو قلت بما قاله أبو ثور لم أكن مبعداً .
ولكن نبقى في الحقيقة على قول الجمهور لكن أردت بهذا الكلام أن أؤكد أنه ليس في المسالة إجماع، هذا من التدقيق الفقهي لكن كحكم شرعي لا نقبل هلال شوال إلا بشهادة رجلين، لكن أردت بهذا أن أؤكد أن المسالة ليس فيها إجماع، وان العالم الكبير قد ينقل الإجماع ولا يكون هذا الإجماع صواباً و لا دقيقاً .
نقف على قول أبي عيسى ( باب ما جاء شهرا عيد لا ينقصان ) ننظر في أسئلة الأخوة .
س: الأخ يقول هذا سائل من أمريكا يقول هل الحجامة تفطر أم لا ؟(1/82)
ج: طبعا فيه خلاف في كون الحجامة تفطر أم لا سنأتي إن شاء الله على هذه المسألة في بابها، ولكن باعتبار أن السائل يسأل نجيب على سؤاله اختلف العلماء رحمهم الله في الحجامة هل تفطر أم لا ؟ على ثلاثة مذاهب :
المذهب الأول/ أن الحجامة تفطر، وهذا المشهور في مذهب الإمام أحمد لحديث ( أفطر الحاجم والمحجوم ) .
المذهب الثاني/ أن الحجامة لا تفطر ولكنها مكروهه .
المذهب الثالث / أن الحجامة لا تفطر وتجوز بدون كراهة ما لم تضعف وهذا قول الجمهور ، ذهب الجمهور إلى أن الحجامة لا تفطر وغير خاف علينا أن بعض العلماء الأكابر يحكي عن الجمهور أن الحجامة تفطر كشيخ الإسلام ابن تيمية وهذا غير صحيح وهذا النقل غير دقيق ، الذي ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين أن الحجامة لا تفطر وهذا هو الصواب ،وحين سئل أنس أكنتم تكرهون الحجامة للصائم قال: لا ،إلا من أجل الضعف . رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحة وقال أبو سعيد الخدري رخص للصائم في الحجامة والقبلة رواه ابن خزيمة في صحيحة والرخصة لا تكون إلا بعد عزيمة على قول طائفة من الأصوليين فهذا يعتبر ناسخاً لحديث ( أفطر الحاجم والمحجوم ) وهذا الذي نصره الإمام الشافعي بأن كون الحجامة مفطرة الحكم هذا منسوخ .
وبدليل حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال حدثني بعض أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحجامة والمواصلة للصائم ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه .
فيحمل النهي على الكراهية إذا كانت مضعفه وبحديث ما جاء في البخاري( أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم ) وهذا الحديث وإن كان في البخاري فيه خلاف طويل جداً في صحته ولكن هذه الأحاديث بمجموعها تفيد أن الحجامة لا تفطر الصائم وبالتالي إن سحب الدم في نهار رمضان لا يفطر الصائم .(1/83)
س: هذا سائل من كندا يقول أشهد الله على حبكم أحبك الله الذي أحببتني فيه وجزاك الله خيرا الأخ يقول هل يجوز للرجل أن يداعب زوجته عندما تكون تعمل في المطبخ مثلا وقد عاد من العمل وأراد أن يقوم بلمس أجزاء من جسمها هل هذا مفطر ؟
ج: عائشة رضي الله عنها تقول كان الرسول صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم، المباشرة قطعا بما دون الجماع، ويفهم من هذا أنه لا حرج أن يلمس الرجل زوجته وهو صائم أو وهي صائمة أو كلاهما صائمان، واختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى فيما لو أنزل ، إذا أنزل منياً فالأئمة الأربعة يرون القضاء، وإذا أنزل مذياً فالخلاف مشهور والصواب أن المذي لا يفطر ، لذلك بعض الفقهاء يقول إن كان الرجل سريع ثوران الشهوة يبتعد عن المرأة وإن كان بطيء الثوران لا حرج، ومنهم من فرق بين الرجل الكبير والشاب الصغير ،والصواب أن الرجل لا بأس أن يداعب زوجته ولكن إذا علم من نفسه أنه قد لا يملك نفسه وقد يجامع فهذا يجب عليه الابتعاد لحديث ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) ولقوله صلى الله عليه وسلم : (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ) . لكن لو لاعب لا نقول أنه يحرم لأننا لا نملك دليلاً على التحريم وأما قوله صلى الله عليه وسلم :( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ) فهذه الشهوة الصواب أن المقصود بها الجماع .
س: سائل من بريطانيا يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا أعمل في شركة ولدينا موظفون مدخنون ولا نستطيع منعهم ولا نستطيع أن نترك مكان العمل وقت تدخينهم هل يبطل صيامنا أفيدونا مأجورين مع العلم لا نستطيع تجنب هذا الوضع إلا بأن نترك ها العمل ؟(1/84)
ج: الصواب أن الإنسان إذا أصابه غبار أو دخان ودخل أنفه من غير قصد منه الصواب أنه لا يفطره، وهذا الذي نصره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، ولأن الصحابة رضي الله عنهم تعالى في أيام الشتاء ما كانوا يمتنعون عن إيقاد النار ويصيبهم دخانها ولذلك أجاز ابن تيمية رحمه الله تعالى البخور للصائم وله جرم يقصد التطيب به، ممكن أن نقول أن الإنسان على قدر الطاقة يحاول أن لا يستنشقه لكن لو غلبه الاستنشاق لا نقول بأنه يفطر .
قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ) يفهم من هذا ..... يحاول أن لا يستنشق شيئا - ولكن الأخ يقول ولدينا موظفون مدخنون ولا نستطيع منعهم - وبالتالي هو لا يستنشقه، وإذا أصابه شيء من هذا الدخان هو غير متعمد، فلذلك نقول لهذا الأخ بأن الصيام صحيح ولا يبطل صيامهم ولا حتى الكراهية، ولكن يجب على هؤلاء الأخوة مناصحة هؤلاء وتذكير هؤلاء بالله جل وعلا، فإن كانوا مسلمين يتهاونون في ترك الصيام فهذه مصيبة وإن كانوا من الكافرين على أقل تقدير يجب احترام واقع المسلمين وألا يدخنون معهم على أقل تقدير إذا استطاع هؤلاء الأخوة إذا دخن الذي يعمل يفارق العمل وقت التدخين ثم يرجع إذا قدر على ذلك فلا حرج من ذلك إذا ما قدر فلا نقول إلا: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، وعموما الجواب الفقهي أن هذا لا يفطر.
س: الأخ من الكويت يقول ما هو الفصل في الحجامة ؟
ج: تقدم الجواب على الأخ السائل الأول من أمريكا وقلت أن الصواب أن الحجامة لا تفطر وهذا الذي نصره الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وهو قول الجمهور والأحاديث الواردة في كون الحجامة تفطر منسوخة وهذا الصواب .
س: حكم الإبر هل هي من المفطرات ؟
ج: الإبر لصائم أنواع :(1/85)
النوع الأول/ أن تكون الإبرة مغذية حيث تقوم مقام الأكل والشرب، الصواب أن هذه الإبرة مفطرة لأنها تغني عن الأكل والشرب ونحن نعرف أن المغذي قد يكون على الإنسان ويكون شهراً ،سنة ،سنتين، ولا يتضرر وبالتالي هو قائم مقام الأكل والشرب وبالتالي فالمغذي نقول بأنه مفطر.
النوع الثاني / الإبرة التي تكون "لمرضى" السكَّر وشبهه حيث لا تكون مغذية وإنما هي لدفع ضرر، فالصواب أن هذه الإبرة غير مفطرة.
النوع الثالث / أن لا تكون لدفع الضرر، قد تكون مقوية في نفس الوقت ولدفع الضرر في وقت آخر وتعطي العبد قوة ولكنها تلج إلى المعدة فهذا في محل خلاف، منهم من يرى التفطير ومنهم من لا يرى التفطير الورع ترك هذا ولكن لو أمريء فعله إذا لم تكن مغذية وتلج المعدة فالصواب أنها لا تفطر ولكن ننصح الأخوة بالابتعاد عن ذلك ولا حرج أن يعمل الإنسان بالأحوط بحيث يقضي إذا فعل هذا، أما الإبر التي لدفع الضرر لا غير كإبرة لدفع التسمم وإبرة لتخفيف السكر أو غير ذلك فالصواب أن هذه الإبرة غير مفطرة .
س: الأخ هذا سائل من الإمارات يقول هل يجوز أن نصوم كثيراً في شعبان ؟
ج: نعم الاستكثار من صيام شعبان هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم فننصح بالاستكثار من صيام شعبان وقد قالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله إلا قليلاً وهذا دليل على مشروعية الاستكثار من صيام شعبان .
س: الأخ من مصر يقول أنا أسافر إلى الصعيد من مصر أربعة أيام في الأسبوع والمسافة تتجاوز الثمانين كيلو متر هل أفطر مع العلم أن هذا السفر على مدار العام؟(1/86)
ج: الصواب أن السفر لا يحد بالمسافة وأنه يرجع في ذلك إلى العرف، فالسفر الذي يعتبره الناس سفراً هو السفر، سواء بلغ ثمانين كيلو متر أو كان أقل أو كان أكثر، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من الأئمة المحققين، فإذا كان هذا الأخ يعتبر هذا سفراً فله رخصة أن يفطر، وإذا كان لا يعتبر هذا سفراً بأنه يذهب في يومه ويرجع في يومه ويعتبر أنه ذهب لقضاء حاجة ويرجع فالصواب أنه لا يترخص برخص السفر، وطائفة من العلماء يعتبرون السفر بأربعة بُرُد وهذا قول الجمهور فإذا كان هذا الأخ من أهل العلم أو من أهل الاجتهاد أو قلد مجتهدا من الذين يأخذون بتحديد المسافة فهذا لا تثريب عليه الذين يحددون المسافة بأربعة بُرُد وهي تبلغ ثمانين كيلو متراً، أما إذا كان يعني ليس من أهل الاجتهاد ويريد أن يقلد فننصح هذا الأخ بأنه يأخذ بقول من يقول أن السفر لا يحد بالمسافة وأنه يرجع في ذلك إلى العرف وبالتالي نعتبر هذا الأخ غير مسافر إذا كانوا يعتبرونه في عرفهم غير سفر وأنهم يذهبون ويرجعون في يومهم فبالتالي لا يترخص برخص السفر.
س: الأخ من الرياض يقول نحبكم في الله أحبكم الله الذي أحببتني فيه يقول ما حكم أن يدرب الطفل على الصوم ؟
ج: هذا جيد وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يأمرون الصبيان بالصيام، وهذا في البخاري وفي غيره، نعم ينبغي للآباء أن يحثوا الأبناء على الصيام وإن كانوا صغارا ما داموا مطيقين، فنحثهم على ذلك، ولا حرج أن يصوموا وإذا عجز عن مواصلة الصيام يفطر س:...
ج:الحقيقة لما قال الشهر تسع وعشرون فيه دلالة واضحة أن النبي صلى الله عليه وسلم آلى من أول الشهر لأنهم قالوا يا رسول الله الشهر ثلاثون ، يعني بقي يوم ولم يعلموا بطلوع الشهر وبهلوله يعني أن هذا الشهر نقص ولم يكن لهم علم بأنه قد نقص .
س: ...(1/87)
ج: الله تعالى لما قال " فاضربوهن " أنا قلت أن الأفضل تجنب الضرب الأخ يقول كيف نجمع بين هذا وبين الآية (فاضربوهن) ،هذا إذن بالضرب وليس استحباباً أو أمر إيجاباً بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم :( لا يضرب أحدكم زوجته ضرب عبد ثم يجامعها ) هذا في البخاري . النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خيركم خيركم لأهله ) .
والله أعلم نكتفي بهذا وصلى الله على نبينا محمد .
8 - بابُ ما جاءَ شَهْرَا عيدٍ لا يَنقُصَانِ
688 - حَدَّثَنَا يَحيَى بنُ خَلَفٍ البَصْريُّ أَخبرنَا بِشرُ بنُ المُفضَّلِ عن خالدٍ الحذَّاءِ عن عَبدِ الرَّحمنِ بن أَبي بَكرَةَ عن أَبِيهِ قَالَ:
- قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "شَهْرَا عيدٍ لا يَنقُصَانِ: رَمضَانُ وذُو الحِجَّةِ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ أَبي بَكرَةَ حديثٌ حسنٌ.
وقد رُوِيَ هَذَا الحديثُ عن عَبدِ الرَّحمنِ بنِ أَبي بَكرَةَ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلاً.
قَالَ أَحْمَدُ: معنَى هَذَا الحديثِ "شَهْرَا عيدٍ لا يَنقُصَانِ" يقولُ: لا يَنقُصَانِ مَعاً في سَنَةٍ واحدةٍ: شَهرُ رَمضَانَ وذُو الحِجَّةِ إِنْ نَقَصَ أَحَدُهُمَا تَمَّ الآخَرُ.
وقَالَ إِسحاقُ: معنَاهُ لا يَنقُصَانِ، يقولُ وإِنْ كَانَ تِسعاً وعِشرينَ فَهُوَ تَمَامٌ غَيرُ نُقصَانٍ. وعَلَى مَذهَبِ إِسحاقَ يَكونُ يَنقُصُ الشَّهرَانِ مَعاً في سَنَةٍ واحدةٍ.
الشرح:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد :(1/88)
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في كتاب الصيام ( باب ما جاء شهرا عيد لا ينقصان ) ترجم الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى بلفظ حديث ( شهرا عيد لا ينقصان ) وهو متفق على صحت،ه وهذا كثير في تراجم أبي عيسى رحمه الله تعالى يترجم بلفظ الخبر أو بمعنى ما دل عليه الحديث، وهذا عكس الإمام البخاري رحمه الله تعالى في تراجمه فإنه يستنبط معنى الحديث فيترجم له ولذلك قيل عن الإمام البخاري رحمه الله تعالى فقهه في تراجمه، والفائدة في تراجم البخاري كبيرة جداً فإنه يستنبط معنى من الحديث ويترجم له، وقد يكرر الحديث في مواضع ويترجم للمعنى الذي يريده في كل باب بما يناسبه تراه يتبع ذلك ببعض المعلقات وببعض كلام الأئمة حول المعنى المراد، والمحدثون أوالعلماء في هذا الباب ينقسمون إلى أقسام:
القسم الأول/ المحدثون الذين جمع الله لهم بين الفقه والحفظ والفهم، وهؤلاء كثيرون وهم مراتب في نفس الوقت فمن هؤلاء السفيانان والإمام مالك والشافعي والإمام أحمد والبخاري وأبو داود وطائفة .
القسم الثاني / الحفاظ الذين لم يشتهروا بالفقه ليس بمعنى أنهم ليسوا بفقهاء لا بمعنى أنهم لم يشتهروا بالفقه كعلي بن المديني ويحي بن معين وشعبة ونحو هؤلاء من الذين قد يبزون كثيراً من الأئمة بعلم الرجال وعلم العلل، ولكنهم لا يصلون مرحلة أو مرتبة الإمام أحمد أو الشافعي أو مالك في الفقه والاستنباط .
القسم الثالث / الذين لهم دراية وفهم وقدرة على إلحاق النظير بنظيره، ولكن ليس لهم كبير رواية، وقد يضعفون في الحديث كأبي حنيفة وحماد بن أبي سليمان وجماعة .(1/89)
وهذا التقسيم الذي يصدق على عدد كبير من الأوائل هو واقع في الواقع المعاصر، فيه أناس يحفظون ولكنهم لا يفهمون أو يكون فهمهم قليلاً ولا يحسنون الفقه بقوة وضبط مذاهب الأئمة وأقاويلهم وتفريعات مذاهبهم والراجح من المرجوح من مذاهبهم ، وطبقة يحفظون ويفهمون ويستنبطون ويستقلون بالاجتهاد والفهم ولا يقلدون أحداً ، وطبقة معنيون بالفقه معنيون بالاستنباط ولكن لا يفرقون بين ما رواه الدار قطني وبين ما رواه البخاري .
قال الإمام أبو عيسى رحمه الله حدثنا يحي بن خلف البصري أخبرنا بشر بن المفضل عن خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة ) قال أبو عيسى حديث أبي بكرة حديث حسن :هذا هو المحفوظ في نسخ أبي عيسى الترمذي رحمه الله فقد حكم على هذا الخبر بالحسن وقد رواه ثقة عن ثقة حافظ عن حافظ، ولم يضف أبو عيسى رحمه الله تعالى معناً أو حكماً آخر مع الحسن، فلم يقل حسن غريب، ولم يقل حسن صحيح، وقد تحدث الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى عن مراده بالحديث الحسن وذلك في أخر جامعه في كتاب ( العلل) وذكرته مراراً عن أبي عيسى ننظر الأخوة ماذا قال أبو عيسى رحمه الله تعالى عن الحديث الحسن؟ ما روي من غير وجه وليس فيه كذاب ولا متهم ولم يكن شاذا صحيح تعريف الحسن إذا أضيف إليه غريب هل يصدق عليه هذا التعريف ؟ لا، وإذا أضيف إليه الصحيح هل يصدق عليه التعريف ؟ لا يصدق عليه هذا التعريف.(1/90)
أبو عيسى يقول عن هذا الخبر قد روى هذا الحديث عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، ولعل هذا هو السر في كونه لم يحكم عليه بالصحة لكونه قد اختلف فيه منهم من وصله ومنهم من أرسله، ولكن فيه أحاديث كثيرة في جامع أبي عيسى يختلف فيها الأئمة ويحكم عليها أبو عيسى رحمه الله تعالى ولا سيما أن هذا الخبر رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحة من طريق معتمر قال سمعت إسحاق عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ورواه مسلم في صحيحة من طريق يزيد بن زريع عن خالد عن عبد الرحمن ورواه من طريق معتمر عن إسحاق بن سويد وخالد عن عبد الرحمن الخبر متفق على صحته ووصله أصح من إرساله ،من منكم يعرف المرسل عند السلف ؟
المرسل عند المتأخرين هو ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم، يحصرون المرسل في هذا، لكن المرسل عن السلف أعم منه ،المرسل عند السلف هو ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم أو كان منقطعاً أو كان معضلاً يسمى مرسلاً نعم هذا هو الصواب .
يقولون عن الحديث المنقطع بأنه مرسل، يقولون عن مرويات سعيد عن أبي بكر مرسلاً ، عن مروية الحسن عن عمر مرسل، فعند السلف المرسل أعم مما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيه هذا وغيره ، فلا يختص المرسل بما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والمرسل منه ما هو صحيح ومنه ما هو ضعيف سواءً كان بمعنى المنقطع أو بمعنى المرسل الخاص عند المتأخرين . فليس كل منقطع معلولاً وليس كل مرسل ضعيفاً ، فمرويات أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه مقبولة لأنه يروي بواسطة أهل بيته ،كذلك على بن أبي طلحة عن ابن عباس مقبولة يروي بواسطة مجاهد وبواسطة عكرمة وبواسطة سعيد .(1/91)
قوله صلى الله عليه وسلم ( شهرا عيد لا ينقصان ) : ( شهرا ) مثنى , أصله شهران حذفت النون لأجل الإضافة، وقد ساغ الابتداء بالنكرة من أجل الإضافة، ومسوغات الابتداء بالنكرة كثيرة جداً عند النحاة .
( شهرا عيد لا ينقصان ) رمضان وهل يسمى رمضان عيداً ؟ ونحن نعرف أن صيام يوم العيد محرم ولا يجوز ، فلماذا سمى رمضان عيداً ؟ أطلق على رمضان أنه شهر عيد لقربه من العيد وهذا كثير في السنة يطلق القريب من الشيء على الشيء، وتارة يطلق الحكم في الكتاب أو في السنة على ما يؤول إليه، حين قال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم ( ما شاء الله وشئت ) (قال أجعلتني لله نداً قل ما شاء الله وحده) ،و(ما شاء الله وشئت) من الشرك الأصغر، ومن جعل لله نداً هو من الشرك الأكبر، أطلق الشيء على ما يؤول إليه، وهذا كثير، فسمي رمضان بشهر العيد لأنه قريب من العيد، وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم صيام أيام العيد وأيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله لا يجوز صوما لا للحاج ولا لغيره في أصح قولي العلماء وهو قول الجمهور أما بالنسبة للحاج فهذا محل اتفاق، وأما بالنسبة لغير الحاج فهذا محل خلاف، لكن الجمهور يمنعون الصيام لأنها أيام عيد ، أيام العيد لا يجوز صيامها ولذلك أجمعت الأمة -حكاه ابن منذر وغيره- على تحريم صوم يومي عيد الفطر وعيد الأضحى، والفطر ليس له من العيد إلا يوم واحد خلاف للعامة الآن يجعلون ثلاثة أيام عيداً لعيد الفطر، وهذا غلط وليس له أصل، عيد الفطر ليس له إلا يوم واحد فقط وهو اليوم الذي يلي رمضان، وأما ما يليه فليس من العيد في شيء ولذلك أجمعت الأمة على جواز صيامه إذا أراد تطوعا أو غير ذلك باستثناء مذهب مالك رحمه الله تعالى في حكم صيام أيام الست .(1/92)
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى في حكاية مذاهب الأئمة في معنى هذا الحديث قال أبو عيسى قال أحمد وهو أحمد بن حنبل ،ولد سنة 164 ،توفي سنة ،242 ترتيبه الرابع في السن من الأئمة الأربعة ،الأول أبو حنيفة والثاني مالك والثالث الشافعي ولد الشافعي سنة 150 ، دائما أقول أن الشافعي ولد في السنة التي توفي فيها أبو حنيفة، ولم يعمر كثيراً عاش 54 عاما توفي سنة 204 رحمه الله تعالى
هنا قال أحمد أي قال الإمام أحمد معنى هذا الحديث ( شهرا عيد لا ينقصان ) يقول لا ينقصان معاً في سنة واحدة، شهر رمضان وذو الحجة، إن نقص أحدهما تم الآخر أي في العدد، إن نقص أحدهما بالعدد لزم أن يتم الأخر، وهذا ذكره البخاري رحمه الله تعالى في صحيحة واختاره، وهذا قول طائفة من الأئمة وأن معنى قوله صلى الله عليه وسلم ( شهرا عيد لا ينقصان ) أي لا ينقصان في العدد في سنة واحدة فإذا نقص رمضان تمَّ ذو الحجة وإذا تمًّ ذو الحجة نقص رمضان، وقد يتمان معاً ،لكن لا ينقصان معاً لأن الإمام أحمد قال لا ينقصان معاً في سنة واحدة وقد يتمان معاً في سنة واحدة . هذا القول الأول في المسألة .
القول الثاني في معنى هذا الخبر ، وهو قول إسحاق، وإليه أشار أبو عيسى رحمه الله تعالى في قوله وقال إسحاق معناه لا ينقصان يقول وإن كان تسعاً وعشرين فهو تمام غير نقصان ، معنى هذا أنهما لا ينقصان في الأجر وفي الثواب إن نقص رمضان في العدد فهو كامل في الأجر، وإن نقص ذي الحجة بالعدد فهو تام بالأجر، هذا دليل على سعة فضل الله وعلى رحمته بعباده .
قال أبو عيسى وعلى مذهب إسحاق يكون ينقص الشهران معا في سنة واحدة، يكون معنى قول إسحاق أنه قد ينقص الشهران في سنة واحدة، لأن إسحاق يفسر عدم النقص بعدم نقص الأجر، فقد ينقص رمضان وينقص شهر ذي الحجة وقد ينقص أحدهما ويتم الأخر هذا كله جائز عند إسحاق، ولكن الذي لا يجوز عند إسحاق أن ينقص الأجر .(1/93)
فيه قول ثالث / وقيل لا يكون رمضان ولا ذو الحجة أبداً إلا ثلاثين، وهذا ضعيف جداً مخالف للواقع والمحسوس والمشاهد ويرده قوله صلى الله عليه وسلم ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) لأنه لو كان رمضان لا ينقص عن ثلاثين يوماً لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته ولم نحتج إلى الرؤية لأن الإتمام هو الأصل، وهذا يؤكد ضعف هذا القول .
المذهب الرابع /قيل أنهما في الفضل سواء ، الفضل في رمضان كالفضل في شهر ذي الحجة، وهذا قول طائفة من الأئمة، وقالت طائفة أن شهر ذي الحجة أفضل من رمضان لأن رمضان لا يتميز عن شهر ذي الحجة إلا بإصابة ليلة القدر وإلا فالعشر الأول من ذي الحجة قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله تعالى من العمل في هذه أي أيام العشر قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء) .(1/94)
وهذا الخبر رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحة من رواية عبد الله بن عباس، هذه أربعة مذاهب، وقيل غيرها ولعل الأقرب من هذه الأقوال هو قول إسحاق وأن الشهرين قد ينقصان في العدد ويتمان في الأجر والثواب والحديث فيه عدة فوائد : ننظر مشاركة الأخوة ،نعم فيه دلالة واضحة على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان ،وفيه دلالة على أن الإيمان يزيد وفيه قول الله جل وعلا {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }القصص68 ،ما وجه الاستنباط ؟ وجه الدلالة من الاختيار وأن الله جل وعلا قد يخص بعض الشهور على بعض كما أنه يخص بعض الرجال على بعض، كما فضل جنس الرجل على جنس المرأة، وفضل الرجال بعضهم على بعض، ولا يلزم من ذلك تفضيل الفرد على الفرد، فإن الله جل وعلا خص بعض الأيام بالفضل على بعض، وخص بعض الأسابيع بالفضل على بعض، وخص بعض الأشهر على بعض، وخص بعض الأعوام على بعض، وهذا واضح والأدلة كثيرة ،نعم فيه دلالة على الرد على من قال لا يجوز أن يقال رمضان اسم من أسماء الله، تقدم أن هذا الخبر منكر باطل، لأن الصواب لا مانع أن تقول رمضان وأن رمضان ليس أسماً من أسماء الله تعالى، نعم فيه أن نية المؤمن أبلغ من عمله طبعاً فيه حديث رواه أبو نعيم في هذا المعنى لكنه ضعيف وقد ذكر ابن تيمية في الفتاوى ستة أوجه لصحة هذا المعنى ...ما وجه الاستنباط ؟ على قول إسحاق إذن ... بمعنى من نيته أن يصوم الإتمام هذا في رمضان طيب كيف وجه الاستنباط في شهر ذي الحجة قلنا هذا في رمضان واضح بنية أنه لو تم الشهر أن يصوم فبالتالي صار الأجر كاملاً لكن في شهر ذي الحجة ما وجه الاستنباط؟ هذه الفائدة عامة ، إذن مقيدة في رمضان الحديث فيه معان أخرى ، ...(1/95)
لا يقولون بالتحديد لأن الشهر قد يكون ثلاثين وقد يكون تسعاً وعشرين وفيه تفضيل بعض الشهور على بعض، الأخ يقول فيه الفرح المحمود وأن هذا من الفرح الذي يحمد عليه صاحبه .
الفرح نوعان :{ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ }يونس58 ،والآية الأخرى {إِنَّ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ }القصص76 ،هذا الفرح المذموم الذي يؤدي إلى الأشر والبطر والكبر والخيلاء والإسراف والتبذير وخروج العبد عن طوره ،وفيه أن الشيء ينسب إلى المجاور له ولا يأخذ حكمه من كل وجه، وفيه سعة فضل الله جل وعلا ،وفيه معنى قول الله جل وعلا في الحديث القدسي ( إن رحمتي سبقت غضبي )
وفيه فضيلة شهر رمضان، وفيه فضيلة شهر ذي الحجة، وفيه أن الأعوام تتفاضل .
9 - بابُ ما جاءَ لِكُلِّ أَهلِ بَلدٍ رُؤيَتُهُمْ
689 - حَدَّثَنَا عليُّ بنُ حُجْرٍ أَخبرنَا إِسماعيلُ بنُ جَعفَرٍ أَخبرنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبي حَرمَلَةَ أَخبَرَنِي كُرَيبٌ
- "أَنَّ أُمَّ الفَضلٍ بنتَ الحارثِ بعثَتْهُ إلى مُعَاويَةَ بالشَّامِ، قَالَ: فَقَدِمتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجتَها واستُهِلَ عَلَيَّ هِلالُ رَمضَانَ وأَنا بالشَّامِ فرأَيْنَا الهِلالَ لَيلَةَ الجُمعَةِ، ثُمَّ قَدِمتُ المدينةَ في آخرِ الشَّهرِ فَسَأَلنِي ابنُ عبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَ الهِلالَ فَقَالَ: متَى رأَيتُم الهِلالَ؟ فَقُلتُ: رأَينَاهُ لَيلَةَ الجُمعَةِ، فَقَالَ: أَنتَ رَأْيتُهُ لَيلَةَ الجُمعَةِ؟ فَقُلتُ رَآهُ النَّاسُ فَصَامُوا وصَامَ مُعَاويَةُ، فَقَالَ: لكِنْ رأْينَاهُ لَيلَةَ السَّبتِ فلا نَزَالُ نَصُومُ حتَّى نُكمِلَ ثلاثينَ يوماً أَو نَرَاهُ، فَقُلتُ أَلا تَكتَفِي برُؤيَةِ مُعَاويَةَ وصِيَامِهِ؟ قَالَ: لا هَكَذَا أَمرَنا رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ ابنِ عبَّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.(1/96)
والعملُ عَلَى هَذَا الحديثِ عِندَ أَهلِ العلمِ أَنَّ لِكُلِّ أَهلِ بلدٍ رُؤيَتَهُمْ.
الشرح:
قال الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى ( باب ما جاء لكل أهل بلد رؤيتهم ) :
هذا الباب معقود لتوضيح أن لكل أهل بلد رؤيتهم، وهذا مذهب الجمهور، وقد ذكره الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى ولم يحك عن أحد من أهل العلم خلافه، ونذكر إن شاء الله تعالى بعد قليل ما تيسر من مذاهب الأئمة في هذه المسألة.
فالإمام أبو عيسى يرى أنه إذا رئي في بلد لا يلزم البلاد الأخرى الصيام، وان كل بلد يستقل برؤيته، وإن كان الحاكم واحدا،ً قد يقال أن أبا عيسى قال بهذا القول لأنه لا يتأتى وصول الخبر إلى البلاد الأخرى كسهولته في هذا العصر يصل بأقل من الثانية ،من قبل ما كان يصل إليهم الخبر إلا باليوم واليومين فلذلك لم يكن من أبي عيسى بد أن يختار هذا المذهب ، ويحتمل أن أبا عيسى يرجح هذا المذهب ولو قدِّر احتمال القول الآخر بناء على أن هذا هو الذي اختاره ابن عباس وقال هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن هذا ينضبط في كل بلد ولاسيما أن هذا الباب واسع فلا يلزم التضييق على أهل البلاد الأخرى، ولأن المطالع تختلف وغير ذلك.(1/97)
قال الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى حدثنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل بن جعفر أخبرنا محمد بن أبي حرملة أخبرني كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام ، ويجوز (الشأم) بالهمز وبدون الهمز، قال فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستُهلّ –بضم التاء- علي هلال رمضان وأنا بالشام فرأينا الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني ابن عباس ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال فقلت رأيناه ليلة الجمعة فقال أأنت رأيته ليلة الجمعة فقلت رآه الناس وصاموا وصام معاوية قال لكن رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين يوماً أو نراه فقلت ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه قال لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو عيسى حديث ابن عباس حديث حسن صحيح غريب ،وقد رواه مسلم في صحيحه عن يحي بن يحي ويحي بن أيوب وقتيبة وابن حجر كلهم عن إسماعيل بن جعفر، وهذا الخبر إسناده صحيح ولا إشكال في هذا، لكن ما معنى قول أبي عيسى غريب ؟ ما وجه حكم أبي عيسى على هذا الخبر بالغرابة ؟ نعم لأنه تفرد به إسماعيل بن جعفر ثم تفرد به أيضا محمد بن أبي حرملة عن كريب فلهذا السر قال عنه غريب.
((1/98)
أخبرني كريب أن أم الفضل بنت الحارث) أم الفضل اسمها لبابة وهي أخت ميمونة وهي والدة لأحد أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من هو ؟ أم الفضل زوجة أحد الصحابة ووالدة لأحد أكابر أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأقاربه ؟ والدة لعبد الله بن عباس إذن هي زوجة العباس ، العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم . حين جاء الإسلام كان قد بقي من أعمام النبي صلى الله عليه وسلم، أربعة ، نعم أسلم اثنان وامتنع اثنان أسلم العباس وحمزة وكفر اثنان أبو لهب وأبو طالب، ومن العجيب في الأمر أن الذين أسلموا توافق أسمائهما أسماء أهل الإسلام وأن الذين امتنعا عن الإسلام لا توافق أسمائهما أسماء أهل الإسلام ، اسم أبي لهب عبد العزى واسم أبي طالب عبد مناف، أم الفضل هي أخت ميمونة بنت الحارث وهي زوجة العباس وهي والدة عبد الله بن عباس الحبر .
((1/99)
أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية) ، ذكر ابن حبان رحمه الله أن أم الفضل وهي لبابة بنت الحارث قد توفيت في خلافة عثمان رضي الله عنه قتل عثمان رضي الله عنه مظلوماً سنة أربع وثلاثين ،وقيل أخر سنة أربع وثلاثين وبالتالي بعض العلماء يطلق عليه سنة خمس وثلاثين، فعلى هذا توفيت أم الفضل قبل سنة خمس وثلاثين، لأنها في خلافة عثمان على ما ذكر ابن حبان، وهذا يعني أنها لما أرسلت كريباً إلى معاوية لم يكن معاوية حاكماً لكل المسلمين كان أميراً لأنه ولي على الشام قبل أن يكون أميراً للمؤمنين ولكن هذا فيه إشكال لأن سياق الخبر يفيد أن معاوية كان آنذاك هو الوالي على المسلمين وأن هذا الأمر وقع عقب سنة إحدى وأربعين لأن الحسن تنازل عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه سنة إحدى وأربعين ويسمى هذا العام عام الجماعة لاجتماع الناس على خليفة واحد، فيحتمل أن ابن حبان رحمه الله غلط في تحديد وفاة لبابة، ويحتمل والعلم عند الله أن هذه الحادثة -قصة كريب مع ابن عباس في الرؤية- وقعت قبل أن يكون معاوية خليفة للمسلمين وأنه حين كان أميراً على الشام، ولكن الإشكال حين قال ألا تكتفي برؤيته لأنه كان آنذاك فيه أكابر الصحابة وهم الذين يبتون في الأمر ، إذا قلنا في خلافة عثمان فيه عثمان، وإذا قلنا في خلافة علي فيه علي، فيه أكابر الصحابة رضي الله عنهم .(1/100)
قال كريب فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل علي هلال رمضان -بضم التاء- كما تقدم وذلك من الاستهلال قال وأنا بالشام فرأينا الهلال ليلة الجمعة، فيه اعتبار الرؤية، قال ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني ابن عباس ثم ذكر الهلال، فيه حرص الصحابة رضي الله عنهم على التباحث في العلم وعلى ترائي الهلال قال ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال، فقلت رأيناه ليلة الجمعة فقال أنت رأيته ليلة الجمعة قلت رآه الناس فصاموا وصام معاوية فقال لكن رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين يوما . فيه اعتبار الرؤية ،وفيه أنه إذا لم يُر الهلال ليلة ثلاثين يجب إتمام العدة لقول ابن عباس حتى نكمل ثلاثين يوماً أو نراه، إذن الشهر يعتبر بالرؤية أو بإكمال ثلاثين يوماً ،وفيه أنه لا يُلزَم العالم بمسائل الاجتهاد فلم يُلزِم معاوية ابن عباس ولم يُلزِم ابن عباس معاوية ، قد كان أئمة السلف يقولون فيما يوردون من مسائل الاجتهاد كلامنا صواب يحتمل الخطأ وكلام غيرنا خطأ يحتمل الصواب، وكان يعذر بعضهم بعضاً وليس معنى هذا أنه لا ينصح بعضهم بعضاً ولا يعظ بعضهم بعضاً ولا يذكر بعضهم بعضاً أو يذاكر بعضهم بعضاً هذا كان موجوداً بينهم، ولكن يعذر بعضهم بعضاً بمعنى أنهم لا يلجئون إلى السب والشتم والتبديع والتضليل، فإن بعض الناس من لا يوافقه فهو عدوه وإن قال برأيه رفع من قدره وعظم شأنه وفضله على غيره وقد يكون أقل قدراًً من الآخرين لكن لأنه يوافقه وإذا كان لا يوافقه حاول أن يتنقص من قدره ويقلل من شأنه، وهذا ليس من صفات أهل العلم ولا من صفات أهل التقوى والورع فلا يزال الناس يخالف بعضهم بعضاً، وإذا خرج الإنسان عن الدليل يجب مناصحته وتذكيره بالله وتخويفه، وفي نفس الوقت يجب البيان للناس والنصح للناس حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها.(1/101)
فقلت القائل كريب ألا تكتفي برؤية معاوية، هذا قرينة واضحة إلى أن هذا الحكم وقع في خلافة معاوية رضي الله عنه وأن
ابن حبان غلط في تحديد وفاة لبابة، لأنه قال ألا تكتفي برؤية معاوية هذا إشارة إلى أنه كان آنذاك حين لم يكن عثمان موجوداً ولم يكن علي رصي الله عنه موجوداً وأن معاوية هو الخليفة فقلت ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه لأن -ابن عباس- لو كان موجوداً أكابر الصحابة لقال لماذا معاوية لا يكتفى برؤية بقية الخلفاء الراشدين فهذا دلالة قوية على أن هذا الحكم وقع في خلافة معاوية قال لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا يحتمل أحد أمرين ( هكذا أمرنا رسول الله ) :
الأمر الأول: أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أي باعتبار الرؤية بألا نقتدي بأحد، والاحتمال الثاني أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نأخذ برؤيتنا دون رؤية أهل البلاد الأخرى فيكون الحكم لكل بلد رؤيتهم بنص كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا في الحقيقة فيه شيء من البعد، ولعل ابن عباس حين قال هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى حديث (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) ففهم منه ابن عباس أن لكل بلد رؤيته، فيبقى أن المسألة مسألة فهم وليست نصية من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقد أشرت فيما مضى إلى مذاهب العلماء في هذه المسألة ، واشير على عجل إلى مذاهبهم :
المذهب الأول / بكل بل رؤيته قال أبو عيسى في هذا الباب والعمل على هذا عند أهل العلم أن لكل بلد رؤيتهم .
المذهب الثاني/ أنه إذا رئي في بلدة لزم البلاد الأخرى الصوم وهذا المشهور عن المالكية ورواية عن الإمام أحمد، وهذا يؤيد ما ينادي به جماعة من أبناء عصرنا توحيد الأهلة ولهم سلف في هذا ، هذا مشهور عن المالكية ورواية عن الإمام أحمد، ويتفرع على هذا رواية عن أحمد تكفي رؤية أهل البلد عن البلاد الأخرى دون الإيجاب وهذا المشهور في مذهب أحمد .(1/102)
المذهب الثالث : أنه يبني في ذلك على اتحاد المطالع، فينظر في ذلك المطالع، فلكل رؤيته على حسب اختلاف المطالع وإذا تقاربت البلاد واتفقت مطالعها كان الحكم واحداً ولو اختلف حاكمها وإن تباعدت المطالع ولو كان الحاكم واحداً فلكل أهل بلد لهم مطلع رؤيته .
القول الرابع :أن لكل بلدة يحكمها حاكم الرؤية الخاصة ولو اختلفت مطالعها، وفيه مذاهب أخرى ولا تثريب على من ذهب إلى هذا أو ذاك، والذين يعيشون في بلاد الغرب ينصحون بالاقتداء بأقرب بلد يعتمد على الرؤية، إذا لم يوجد بلد يقرب منهم يعتمد على الرؤية فلا حرج أن يكونوا لجنة يتراءون الهلال ، قد نمى إلى علمي أن بعض الأخوة في بلاد الغرب يشكلون عدة لجان ولكل لجنة اختصاصها، فهم يعيشون في بلاد الغرب وفي بلد واحد فهؤلاء يصومون يوم السبت والبقية يصومون يوم الأحد وهذا في الحقيقة غلط لأنهم يعتمدون على الرؤية فكان يجب على هؤلاء أن يقتدوا بهؤلاء، وأن لا يتفرقوا، وإذا ما أمكنت الرؤية ولا أمكن تشكيل لجنة ولا أمكن أيضاً الاقتداء ببلد مجاور فيقتدون برؤية أهل مكة كما نص عليه الإمام أحمد وغيره، فيجب البعد عن الخلاف والنزاع والخصام والشجار في أمور كان لهم فيها سعة وأناة ، نقف على قول أبي عيسى ( باب ما جاء ما يستحب عليه الإفطار ) .
الأسئلة :(1/103)
الأخ يقول تحدثت عن القول بأن رؤية هلال رمضان بالمكبرات والمقربات يثبت بها دخول الشهر كرؤيته بالعين المجردة أخذاً من إطلاق الرؤية في الأحاديث الواردة في هذا الباب، يقول أنه لما عرضت مسألة لما جاء إلى القاضي رجل قد لبس النظارات شاهداً لرؤية الهلال يقول رأيتم بان شهادته ترد ، أنا ما قلت بأن شهادته ترد أنا قلت بأنه قد تكون قرينة على رد شهادته فرق بين العبارتين وأكدت هذا المعنى، أنا ما قلت ترد أنما تكون قرينة، قد تقبل وقد سألت القاضي عن ذلك قلت تقبلون أو لا تقبلون، وقلت أن الصواب لا نقبل ولا نرد، ولكن هذا اعتبار قرينة أنه ما شاهد إذا كانت السماء صحوا،ً أين البقية الذين لهم بصر حاد، كيف تفرد هذا بالرؤية، فهذا قرينة على أنه ما رأى ، هذا قرينة على الرد وليس هو الرد، فرق بين العبارتين والمعنيين شرعاً وعقلاً.(1/104)
ثم الأخ قال تُرد يقول هذا قرينة على ضعف نظره، ليس على الإطلاق الرد غير القرينة، قد نقبل وقد نرد لكن إذا دلت قرينة قد نرد نعم ثم ذكر بعض الكلام غير واضح السؤال طبعا الأخ في النهاية قال أريد أن تعيد ما تقدم كي أفهمه جيداً لأني لم أفهم ما سبق الذي أعيده أقول لما تحدثنا عن الحساب وعن إمكانية الاعتماد على الحساب في مسألة واحدة وهي مسألة النفي، وأنه إذا تواطأ أهل الحساب على أن الهلال لا يمكن أن يولد هذه الليلة واتفقوا على ذلك وادعى مدع واحد بأنه قد رأى الهلال، هذه قرينة على غلطه وليس معنى هذا أن يرد مطلقاً ولكن قرينة على الغلط ليس معنى اعتبار الحساب دون الرؤية، حاشا وكلا إنما هو قرينة على أن الرؤيا ما صدقت، وقلت لو تواطأ أهل الرؤية على الرؤية ولو أدعى أهل الحساب أنه لم يولد نعتمد رؤية الذين قد تواطؤا على الرؤية ثم عرَّضت وقلت أن رجلا ضعيف البصر يلبس نظارات ادعى أنه رأى الهلال وكانت السماء صحواً والبقية لم يروا ذلك وقلت أن المراصد وضعت ثم أتينا بهذا الرجل والمراصد وضعت على مكان الرؤية فما رئي الصواب نرد شهادته، نعم لكن ليس المعنى الرد لذات النظارات قد نرده ولو كان حاد البصر لأن المراصد وضعت على نفس الأماكن فلم تره فكيف رآه ؟ ولكن لما كان ضعيف البصر كانت الدلالة والقرينة قوية على الرد ولذلك لو لم توضع المراصد قد نقبله، فبالتالي نحن نبني لذلك على القرائن قد نقبل وقد نرد .(1/105)
وذكر أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول : إذا كانت السماء غيماً قبلت شهادة الواحد بالدخول وإذا كانت السماء صحواً لا يقبل إلا الجمع، الصواب نقبل شهادة الواحد في الدخول سواء كانت السماء غيماً أو صحواً ولكن الشاهد الواحد له شروط ليس على إطلاقه كل شخص يدلي بالشهادة نقبله هذا غير صحيح، يشترط في ذلك أن يكون حاد البصر وأن تتأتى إمكانية الرؤية، أما يأتي شخص مثلاً يقول أنا شاهدته، وأنا مثله في البصر وأنا معي الدربيل يقرب آلآف الكيلوات ولم أشاهده، هذه قرينة في الحقيقة على أنه ما رآه وأنه غلط في الرؤية ليس باعتبار أننا لا نقبل شهادته لكن باعتبار القرينة كذلك الذي يلبس النظارات ، هذا نوع قرينة وليس هو الرد .
س: الأخ يقول ما أضل شيء في صيام شعبان أن يصام كله أو يصام يوم ويفطر يوماً؟
ج: الأفضل في صيام شعبان أن يصوم أكثره لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله إلا قليلاً هكذا قالت عائشة والخبر متفق على صحته ، المرأة تصوم كل شعبان باستثناء أيام الدورة الشهرية والرجل يصوم كله أو يدع يوماً أو يومين لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم شهراً كاملاً إلا رمضان وإذا صام يوماً وأفطر يوما قد أحسن وإذا صام الأكثر فهذا الأفضل .
س: الأخ يقول والسائل من جدة هل اختلاف المطالع يعني أن هنالك أكثر من ليلة للقدر ؟(1/106)
ج: لا، ليلة القدر لا تتعدد في بلد دون بلد، فقد نرى الهلال في بلادنا ليلة السبت، في البلاد المجاورة ليلة الأحد، إذا كانت ليلة القدر عندنا ليلة سبعة وعشرين فعلى حسب اليوم الذي عندهم تكون هي ليلة القدر، لأن ليلة القدر لا تتعدد تكون ليلة واحدة "ليلة القدر خير من ألف شهر " ليلة واحدة في الشهر، فاختلاف المطالع لا يعني تعدد ليلة القدر ثم إن المطالع هذه أمور ظنيه ليست أموراً قطعية قد يصيبون وقد يخطئون في ذلك، فلذلك نعتمد الرؤية وقلت أن الرؤية تختلف من بلد إلى بلد آخر والخلاف مشهور في كلام العلماء
س: ......
ج: أنا قلت المشهور من مذهب الإمام أحمد تكفي في رؤية أهل البلد الرؤية في البلاد الأخرى وقلت هذا المشهور في مذهب أحمد . وإذا كنت قلت في الدروس الماضية ما وردت رواية بالوجوب فهذا سبق لسان ،فيه رواية ولا أظن قلته ، أذكر أني قلت مذهب مالك يوجب والحنابلة لا يوجبون في المشهور ، فيه رواية عن الإمام أحمد أنه إذا رئي في بلد لزم أهل البلاد الأخرى الصوم . نعم فيه رواية عن الإمام أحمد مذكورة في الإنصاف بالإلزام .
س: الأخ يسأل عن حديث ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان ) ؟
الخبر منكر .
س : ...
ج: حماد بن أبي سليمان صدوق على الصحيح وإن لم يكن مشهوراً بالحديث أنا ما قلت ضعيف لكن ليس بمشهور باستثناء أبي حنيفة سيء الحفظ حماد أحسن حفظاً من أبي حنيفة وليس بمشهور في الحديث .
س:....
ج: الإسناد إلى حماد يحتاج إلى بحث أكثر.
س:...
ج: نكتفي بالخروج بحيث لو أراد أن يزيد على إحدى وثلاثين يوماً ما استطاع فيكتفي بذلك ،الأخ يقول وسؤاله جيد يقول قال كريب ألا تكتفي برؤية ابن عباس يقول ذهب الدخول ،يستفيد من ذلك في الخروج ابن عباس إذا كان رآه من الغد فبالتالي سوف يصوم على رؤية معاوية إحدى وثلاثين يوماً يقتصر على ثلاثين يوما باعتبار أنه يصوم تسعة وعشرين يوما باعتبار أنه قد رئي قبله فيستفيد منه في الخروج ،واضح.(1/107)
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد .
10 - بابُ ما جاءَ ما يُستَحَبُّ عَلَيهِ الإفطَارُ
690 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ عليِّ المُقدَّميُّ أَخبرنَا سعيدُ بنُ عامرٍ أَخبرنَا شُعبَةُ عن عَبدِ العزيزِ بن صُهيبٍ عن أَنسِ بن مالكٍ قَالَ:
- قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من وَجَدَ تمراً فَلْيُفطِرْ عَلَيهِ ومن لا فَلْيُفطِرْ عَلَى ماءٍ فإِنَّ الماءَ طَهُورٌ".
وفي البابِ عن سَلْمَانَ بنِ عامرٍ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ أَنسٍ لا نَعلَمُ أَحداً رَوَاهُ عن شُعبَةَ مِثلُ هَذَا غَيرُ سعيدِ بنِ عامرٍ. وهُوَ حديثٌ غَيرُ محفوظٍ ولا نَعلَمُ لَهُ أَصلاً من حديثِ عَبدِ العزيزِ بنِ صُهيبٍ عن أَنسٍ. وقد رَوَى أَصحابُ شُعبَةَ هَذَا الحديثَ عن شُعبَةَ عن عاصمٍ الأَحوَلِ عن حَفصَةَ ابنةِ سِيرينَ عن الرَّبابِ عن سَلْمَانَ بنِ عامرٍ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهَذَا أَصَحُّ من حديثِ سعيدِ بنِ عامرٍ. وهَكَذَا رَوَوْا عن شُعبَةَ عن عاصمٍ عن حَفصَةَ ابنةِ سِيرينَ عن سَلْمَانَ بنِ عامرٍ ولَمْ يَذْكُرْ فِيهِ شُعبَةَ عن الرَّبابِ. والصَّحيحُ ما رَوَى سُفيَانُ الثَّوريُّ وابنُ عُيَينَةَ وغَيرُ واحدٍ عن عاصمٍ الأَحوَلِ عن حَفصَةَ بنتِ سِيرينَ عن الرَّبابِ عن سَلْمَانَ بن عامرٍ. وابنُ عَونٍ يقولُ: عن أُمِّ الرَّائحِ بنتِ صُلَيعِ عن سَلْمَانَ بنِ عامرٍ. والرَّبابُ هي أُمِّ الرَّائحِ.
691 - حَدَّثَنَا مَحمُودُ بنُ غَيلانَ أَخبرنَا وَكِيعٌ أَخبرنَا سُفيَانُ عن عاصمٍ الأَحوَلِ حَدَّثَنَا هَنَّادٌ أَخبرنَا أَبُو مُعاويَةَ عن عاصمٍ الأَحوَلِ عن حَفصَةَ ابنةِ سِيرينَ عن الرَّبابِ عن سَلْمَانَ بنِ عامرٍ الضَّبيِّ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(1/108)
- "إِذَا أَفطَرَ أَحَدُكًم فَلْيُفطِرْ عَلَى تمرٍ فإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفطِرْ عَلَى ماءٍ فَإِنَّهُ طَهُورٌ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حديثٌحسنٌ صحيحٌ.
692 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن رافعٍ أَخبرنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ أَخبرنَا جَعفَرُ بنُ سُلَيمَانَ عن ثابتٍ عن أَنسِ بنِ مالكٍ قَالَ:
- كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفطِرُ قَبلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ، فإِنْ لَمْ تكُنْ رُطَبَاتٌ فَتُمَيراتٍ، فإِنْ لَمْ تكُنْ تُمَيراتٌ حَسَا حَسَواتٍ من ماءٍ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
الشرح:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد :
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في كتاب الصيام ( باب ما جاء ما يستحب عليه الإفطار ) باب أي هذا باب ولعل (ما) هنا مصدرية أي باب ما يجيء ما يستحب عليه الإفطار و (ما ) الأخرى بمعنى الذي، فالمستحب مرادف للمسنون في قول جماعة من الفقهاء والأصوليين ،وقال بعض العلماء بأن المستحب أخص من المسنون وعرف المستحب أنه ما جاء من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأت من قوله، وعرف المسنون بأنه ما جاء من قوله وفعله، وهذا فيه نظر والصواب أن المستحب تارة يطلق مرادفاً للمسنون وتارة يطلق على ما جاء من فعل النبي صلى الله عليه وسلم دون قوله، وقد يطلقه جماعة على الأمر المختلف فيه، فالمستحب هو ما أثيب فاعله لأن الشرع ندب إليه وحث على فعله ولا يعاقب تاركه لأنه ليس بواجب .
المسنون إذا أطلق هذا سنة قد يطلق على الفرض، قد يطلق على الواجب، وقد يطلق على ما أثيب فاعله ولا يستحق العقاب تاركه يقال اللحية من سنن الأنبياء والمرسلين ليس بمعنى السنة المصطلح عليها عند المتأخرين، ولا يختلف الفقهاء أن إعفاء اللحية فرض على خلاف بينهم في القدر الواجب من الإعفاء .(1/109)
قوله ( ما يستحب عليه الإفطار) سواء كان الصيام مستحباً أو واجباً، فإن الفطر على التمر مستحب لقول أكثر العلماء، وقال بعضهم أهل الظاهر ابن حزم وغيره بأنه واجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به ، والصواب قول الجمهور ونذكر إن شاء الله تعالى بعد قليل الصارف للأمر .
قال الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى حدثنا محمد بن عمر بن علي المقدمي أخبرنا سعيد بن عامر أخبرنا شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من وجد تمرا فليفطر عليه ومن لا ( أي من لم يجد) فليفطر على ماء فإن الماء طهور .
قال أبو عيسى وفي الباب عن سليمان بن عامر حديث الباب معلول، وقد أخطأ فيه سعيد بن عامر، قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى حديث سعيد بن عامر وهمٌ وهِمَ فيه سعيد ، وقد ذكر الإمام أبو حاتم بأن سعيد بن عامر في حديثه بعض الغلط، ولهذا قال أبو عيسى حديث أنس قال لا نعلم أحدا رواه عن شعبة مثل هذا غير سعيد بن عامر وهو حديث غير محفوظ ولا نعلم له أصلاً من حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس، والخطأ في هذا الخبر من سعيد بن عامر، فإن الحفاظ أصحاب شعبة المعنيين بمروياته يروون هذا الخبر عن شعبة عن عاصم الأحول عن حفصة ابنة سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا المحفوظ وهذا أصح من حديث سعيد بن عامر، فإن سعيد بن عامر رواه عن شعبة فغلط فيه فقال عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس وهذا غلط فإن الخبر لم يثبت عن أنس ولم يأت من وجه صحيح عن أنس، ولم يثبت في الباب سوى حديث سلمان بن عامر .(1/110)
قال الإمام أبو عيسى وهكذا رووا عن شعبة عن عاصم عن حفصة ابنة سيرين عن سلمان بن عامر ولم يذكر فيه شعبة عن الرباب والصحيح ما رواه سفيان الثوري وابن عيينه وغير واحد عن عاصم الأحول عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر وابن عون يقول عن أم أُمِّ الرَّائحِ بنتِ صُلَيعِ عن سلمان بن عامر ، والرباب لا بأس بحديثها فلم تأت بشيء ينكر وقد روت عنها حفصة ابنة سيرين وهي ثقة وصحح لها الترمذي وابن خزيمة وابن حبان، وهذا ظاهر كلام أبي حاتم، وهذا يرفع جهالتها ويقوي أمرها، فإن الخبر إذا لم يرو إلا من طريق واحد وصحح أحد الأئمة الحديث فإن هذا توثيق لكل الرواة، فحين صحح الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى حديث الرباب عن سلمان فهذا توثيق للرباب لأن الخبر لم يثبت من وجه آخر عن غير الرباب .
أتبع المؤلف رحمه الله تعالى هذا الخبر المعلول بحديث حفصة عن الرباب قال حدثنا محمود بن غيلان أخبرنا وكيع أخبرنا سفيان عن عاصم الأحول حدثنا هناد أخبرنا أبو معاوية عن عاصم الأحول عن حفصة ابنة سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور) . فقد رواه سفيان عن عاصم الأحول، ورواه أبو معاوية عن عاصم الأحول، وقال أبو حاتم وروى هذا الحديث هشام بن حسان وغير واحد عن حفصة عن الرباب عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحين سئل الإمام أبو حاتم رحمه الله تعالى عن هذا الطريق وطريق حماد عن سلمه عن عاصم قال جميعاً صحيحان .
وقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى حديث سعيد بن عامر وهمٌ وهِمَ فيه سعيد بن عامر والصحيح حديث عاصم عن حفصة بنت سيرين، وأبو معاوية هذا محمد بن خازم الضرير وهو من أوثق الناس في الأعمش وفي غير الأعمش قد يغلط ويخطئ .(1/111)
قال أبو عيسى على هذا الخبر وهذا حديث حسن صحيح وجزم بصحته غير واحد وهذا الذي يفهم من كلام البخاري وأبي حاتم صححه ابن خزيمة وابن حبان وهذا أصح حديث في هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم .
( إذا ) ظرف لما يستقبل من الزمان وهي بمعنى الشرط .
( أفطر أحدكم ) أي عقب الصيام سواء كان الصوم نفلاً أم واجباً .
( فليفطر ) الفاء رابطة لجواب الشرط، وقوله فليفطر هذا أمر والأمر في قول الجمهور في هذا الحديث للندب، وقد قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحة ( باب يفطر بما تيسر بالماء وغيره ) وذكر حديث عبد الله بن أوفى قال سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم فلما غربت الشمس قال (أنزل فأجدح لنا ) الحديث . وقد أشار به البخاري رحمه الله تعالى إلى أن الأمر ليس للوجوب خلافاً لابن حزم رحمه الله تعالى حين قال بأن الأمر واجب وهذا فيه نظر من وجوه:
الوجه الأول :أن الفطر غير واجب لأنه قد يفطر حكما،ً فبالتالي يكون ما يترتب عليه غير واجب إذا لم يكن الفطر واجباً فكيف يقال بأنه يجب أن يفطر على كذا أو كذا ..
الأمر الثاني :أن الأحاديث الأخرى أفادت بأنه لا يجب الإفطار على التمر ولو مع وجوده، فعلم أن الأمر للندب وليس للإيجاب .
الأمر الثالث :أن ليس كل أمر يحمل على الوجوب بإطلاق، وإذا خلا الأمر عن القرائن وكان في الأحكام فإنه يفيد الوجوب عند الجمهور، وهؤلاء الجمهور يقولون بأن الأمر إذا كان في الآداب فإنه لا يفيد الوجوب أو إذا دلت قرينة على أن الأمر ليس للإيجاب وفيه صوارف أخرى تفيد أن الأمر للاستحباب، ولذلك من الوجوه في هذا الباب أن الأمر جاء في بيان ما يفطر عليه، ونحن نعلم أن الإفطار غير واجب هذه قرينة واضحة وقوية على أن التمر غير واجب .(1/112)
قوله ( فليفطر على تمر ) والفطر على تمر مسنون، وشُرِعَ الإفطار على التمر لأنه حلو والصيام يذهب المواد السكرية من الجسم وهذا هو الذي يسبب لبعض الصائمين الكسل والهزال، فحين يفطر على الحلو يعيد للجسم قوته وحيويته والسكريات التي يفتقدها الصائم في الصيام، وهذا ما أثبته الطب الحديث ففيه علم من أعلام النبوة، وفيه أن الاكتفاء بالعلم الموافق للأدلة والأخذ بالدليل نجاة سواء وافق ما دل عليه العلم الحديث أو لم يوافق، ولكن العلم المبني على أصول صحيحة لا يمكن أن يختلف مع الأحاديث والنصوص كما أن العقل السليم لا يختلف مع النصوص الصحيحة .
وإذا تعارض نص لفظ وارد والعقل حتى ليس يلتقيان
فالعقل إما فاسد ويظنه الرائي صحيح وهو ذو بطلان .
أو أن ذاك النص ليس بثابت ما قاله المعصوم بالبرهان .
كثير من الصائمين يفطرون على المواد الحارة لأن النفوس تتوق إليها وتشتهيها ويعرضون عن التمر والماء وهذا وإن كان مباحاً لكنه مضر طباً، لأن المعدة إذا كانت خالية بحاجة إلى ما يعيد قوتها ولا يمكن استعادة القوة إلا بالتمر أو بالماء، ولذلك ينصح الأطباء بالماء على الريق لأنه نافع للمعدة، والمواد الحارة عقب الصيام قد تضر بالمعدة ،" ولا ضرر ولا ضرار" ولذلك لو أن الأطباء يتفقون على وجود الضرر لقلنا يحرم الإفطار على المواد الحارة لأنه يجب على العبد أن يحافظ على صحته ونحن نعرف أن الضروريات الخمس منها حفظ النفس، وإذا لم يجد تمراً ولا ماءً ووجد شيئا من الحلوى فلا حرج أن يفطر عليه فإن الحلوى تقوم مقام التمر .
مسألة :إن تاقت النفس إلى الحلوى دون التمر مع وجود الأمرين ، هل يقال أن الحلوى تقوم مقام التمر من كل وجه ؟(1/113)
الصواب: أن الحلوى لا تقوم مقام التمر من كل وجه، فإن الشارع حكيم فحين ينبه على أمر ففيه فوائد متعددة والتمر يختلف عن الحلوى والفروق في ذلك متعددة، التمر أفضل وإن كانت الحلوى مجزئه وسواءً، أفطر على الرطب أو على التمر فالكل سنة والتمر حين يطلق يشمل الرطب وغير،ه وإن كانت بعض الأحاديث أشارت إلى أنه يطعم الرطب فإن لم يكن فالتميرات فهذا حين التفصيل نفصل وحين التعميم يدخل هذا في هذا الباب .
(فإن لم يجد) أي فإن لم يجد التمر أو الرطب.
(فليفطر) الأمر للندب .
(على ماء فإنه طهور) فيتفاءل بشربه لطهارة الظاهر والباطن ، ولأن الماء يزيل ما عساه علق في المعدة من أدواء وهو نافع للمعدة ومنظف لها ، الطب الحاضر يوافق ما دل عليه هذا الخبر فالسنة أن يفطر على تمر إذا لم يجد تمرا يفطر على ماء، وإذا أفطر على التمر أو على الماء وإن جمع بينهما فلا حرج، فإنه يقول ( ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله ) وهذا الخبر رواه أبو داود حديث سالم بن المقفع عن ابن عمر وإسناده جيد وفي الباب حديث معاوية بن زهرة أنه بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقول إذا أفطر (اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا ). وهذا مرسل ولا يصح في الباب سوى حديث ابن عمر، ولم يروه أبو عيسى الترمذي، ولذلك لم يذكر ماذا يقال عقب الإفطار ، وإنما رواه أبو داود رحمه الله تعالى من حديث عبد الله بن عمر يقول ذهب الظمأ، إذن فالمشروع أن يقول عند الإفطار ( ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله ) ولو لم يشرب ماء فإنه يقول هذا الذكر .
قوله ( ذهب الظمأ) فإن الطعام فيه مادة سائلة تذهب الظمأ، الذين يقولون أن هذا الذكر لا يقال في أيام الشتاء إذا لم يشرب ماء هؤلاء مخطئون ومجانبون للصواب لأسباب متعددة : السبب الأول:أن الأطعمة فيها مواد مائية .(1/114)
الأمر الأخر:أن هذا الذكر يقال للطعام وليس بلازم أن يقال للماء، لأنه إذا أفطر ذهب الظمأ وابتلت العروق .
الأمر الثالث :أنه يحتمل أن الإنسان يقوله ولو لم يشرب ماء لأنه كان يفطر على التمر ولا يلزم مزج الماء بالتمر .
الأمر الرابع :قوله ( وابتلت العروق ) أي بالطعام ولا يلزم أن تبتل بالماء، ذكر(اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا ) ضعيف كما تقدم بأنه مرسل .
مسألة : يغفل كثير من الصائمين وقت الإفطار عن متابعة المؤذن وهذا الغلط الذي يتتابع عليه كثير من الناس، فلا يشغلك الفطر عن متابعة المؤذن لأن متابعة المؤذن سنة مؤكدة بقول الجمهور وقيل واجب قاله أبو يوسف وجماعة قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا أذن المؤذن فقولوا مثل ما يقول) متفق على صحته .ولا حرج أن يطعم ويتابع المؤذن، إذا كان يشغله الإفطار عن المتابعة يقتصر على المتابعة ثم يطعم بعد المتابعة، بعض المؤذنين يفطر ثم يذهب ويؤذن، والذي ننصح المؤذنين به أن يؤذن قبل أن يفطر، لأن الناس ينتظرونه فلا يقدم نفسه على الآخرين، وإذا كان الناس يسمعون غيره إذن ما هي الفائدة من أذانه ، فأرى أنه إذا دخل الوقت فإنه يبادر بالأذان ثم يفطر بعد الأذان، ويستحب التعجيل بالإفطار ليس معنى التعجيل بالإفطار التعجيل بالأكل إنما المسارعة إلى الفطر قبل أن يدخل أو يستحكم دخول الليل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) ، ( ما) هنا مصدرية أي وقت تعجيلهم الفطر، وهذا خبر متفق على صحته .
وقد ذكر ابن عبد البر رحمه الله تعالى في ( التمهيد) ، أو الظاهر في ( الاستذكار ) بأن الأحاديث متواترة في استحباب تعجيل الفطر وتأخير السحور قد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( وهو درسنا في الغد إن شاء الله ) إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من
ها هنا فقد أفطر الصائم .(1/115)
قال الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى حدثنا محمد بن رافع أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات فإن لم تكن رطبات فتميرات فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء . قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب .
تقدم مراراً أن التحسين عند أبي عيسى إذا لم يقرن بمعنى أخر ولا بلفظ آخر فإنه ما جاء من غير وجه، وإذا قرن بالغرابة أو الصحة فإن هذا التعريف لا يصدق عليه، وإن كان في واقع الحال قد يكون هكذا لكنه خرج عن التعريف الذي أراده أبو عيسى رحمه الله تعالى .(1/116)
وهذا الخبر معلول وفيه نكارة قال الإمام أبو حاتم وأبو زرعه: لا نعلم روى هذا الحديث غير عبد الرزاق ولا ندري من أين جاء عبد الرزاق ، وقد روى هذا الخبر ابن عدي في الكامل عن الحسن بن سفيان قال حدثنا عمار بن هارون قال حدثنا جعفر بن سليمان وذكره بنحوه مختصراً . وعمار ضعيف الحديث ورواه العقيلي في ( الضعفاء ) والضياء المقدسي في ( المختارة) عن طريق عبد الواحد بن ثابت عن ثابت عن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يفطر على ثلاث تمرات أو شيء لم تصبه النار) ، وعبد الواحد قال عنه البخاري رحمه الله تعالى " منكر الحديث "، ولا يصح في الباب شيء غير حديث حفصة عن الرباب عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث عبد الرزاق غلط وقد أنكره الحفاظ وقول أبي عيسى (غريب) أي من حديث عبد الرزاق، وهذا هو ما قاله أبو حاتم وأبو زرعه ولا ندري من أين جاء ؟ أي جاء هذا الخبر الإمام عبد الرزاق ، فإن هذا ليس من حديثه، ولذلك هذا الخبر معلول ولا يصح، فله أن يفطر على الرطب وله أن يفطر على التمر وقوله في الحديث على ضعفه يفطر قبل أن يصلي على رطبات، وهذا الأصل لأن المبادرة بالإفطار من السنن المشروعة ومن أسباب بقاء الخيرية في هذه الأمة، فمن علامات بقاء الخير في هذه الأمة أن الناس يعجلون الفطر، وليس معنى تعجيل الفطر أنهم يفطرون قبل نداء المنادي الذي هو علامة على الإذن بالإفطار، هذا غلط ولذلك قال الأئمة الأربعة رحمهم الله إذا أكل ظناً منه أن الشمس قد غربت -وعلامة الغروب الآن الناس يتطلعون إلى نداء المنادي- وتبين أن الشمس لم تغرب وأن المؤذن لم يؤذن أو على قول الأئمة الأربعة إذا سمع نداء الرياض وهذا يوجد وبينه وبين الرياض حدود عشر دقائق ثم أفطر ظناً منه أن النداء نداء بلده فإن الأئمة الأربعة يوجبون عليه القضاء هذا بلا ريب إذا كان غير متعمد، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى إلى أنه لا يقضي إذا ظن أن(1/117)
الشمس قد غربت فأفطر أو ظن أن النداء قد نادى فأفطر أو أذن المؤذن على وجه الغلط فتبين أنه مخطئ ثم لما علم بخطئه أمسك حتى نادى المنادي على الوجه الصحيح فإنه لا يقضي في رأي شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، ولعله الأقرب إلى الصواب لقوله جل وعلا { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا }البقرة286، وهذه المسألة نأتي عليها إن شاء الله في بابها.
11 - بابُ ما جاءَ أَنَّ الفِطرَ يومَ تُفطِرُونَ والأَضحَى يومَ تُضّحُّونَ
693 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسماعيلَ أَخبرنَا إِبراهيمُ بنُ المُنذِرِ أَخبرنَا إِسحاقُ بنُ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدِ قَالَ: حدَّثني عَبدُ الله بنُ جَعفَرٍ عن عُثمانَ بنِ مُحَمَّدِ عن المَقبُرِيِّ عن أَبي هُريرةَ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
- "الصَّومُ يومَ تصُومُونَ، والفِطرُ يومَ تُفطِرُون، والأَضحَى يومَ تُضَحُّونَ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حديثٌ غريبٌ حسنٌ وفَسَّرَ بعضُ أَهلِ العلمِ هَذَا الحديثُ فَقَالَ: إِنَّمَا معنَى هَذَا، الصَّومُ والفِطرُ مَعَ الجَماعَةِ وعِظَمِ النَّاسِ.
الشرح:
قال الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى ( باب ما جاء أن الفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون ) .(1/118)
ترجم الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى للفطر، والحديث جاء أيضاً في أولة الصوم، والترجمة بالصوم هو الأنسب للباب لأن هذا حديث عن خروج رمضان، والآن نحن نتحدث عن واقع بداية الشهر لو أن أبا عيسى قال باب ما جاء أن الصوم يوم تصومون لكان هذا أنسب لأن الحديث عن دخول رمضان وعن بداية رمضان، وترجمة أبي عيسى تعني أن الفطر يوم تفطرون أي حين يخرج رمضان ويدخل شوال، وقد يكون الإمام أبو عيسى قصد ( أن الفطر يوم تفطرون ) وهذه إشارة وفهم دقيق أن ( الفطر يوم تفطرون) يقصد أنه لا فطر إلا حين يفطر الناس بخلاف دخول الشهر فإنه يكتفى به بشاهد واحد بخلاف خروج رمضان لا بد من جمع، فلذلك أشار إلى الفطر ولم يشر إلى الصوم الذي دل عليه الخبر لوجود أدلة أخرى .
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى : حدثنا محمد بن إسماعيل أخبرنا إبراهيم بن المنذر أخبرنا إسحاق بن جعفر بن محمد (وهذا هو الهاشمي ) وهو صدوق، قال حدثنا عبد الله بن جعفر وهذا هو بن عبد الرحمن بن المسور وهو من رجال مسلم والأربعة، عن عثمان بن محمد هذا هو الأخنسي عن المقبري، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون) ، قال أبو عيسى هذا حديث غريب حسن، وقد رواه أبو داود وغيره من طريق محمد بن المنكدر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون) .
وقد قيل بأن ابن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة نص عليه البزار وغيره، ورواه الترمذي من طريق يحي بن اليمان عن معمر عن ابن المنكدر عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم( الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس).(1/119)
ويحي بن اليمان كثير الغلط ولعله غلط في جعله من مسند عائشة، والصواب ما رواه يزيد بن زريع عن معمر عن بن المنكدر عن أبي هريرة، وابن المنكدر في سماعه من أبي هريرة نظر، ولا أعلم في هذا الباب شيئا ثابتاً إلا إن كان طريق عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد الأخنسي عن المقبري عن أبي هريرة وهو أصح شيء ورد في هذا الباب .
وقوله ( الصوم يوم تصومون ) قيل بأن معناه إشارةً إلى أن الخطأ مرفوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد، حين يجتهدون في رمضان فيخطئون فيعذرون حين يجتهدون في توقيت يوم عرفة فيخطئون فيعذرون ، وقيل أن المعنى هو الإشارة إلى أن يوم الشك لا يصام احتياطاً إنما يصوم حيث يصوم الناس .
وقال أبو عيسى في معنى هذا الخبر إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس وهذا يعني إنه إذا رأى الهلال وحده وتحقق الرؤية ولم تقبل شهادته أو لم يقدر على إيصالها إلى أهل الشأن فإنه لا يصوم وحده ولا يفطر إلا مع الناس، واختار هذا الفهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، لأن الله أمر بالصوم من شهد الشهر والشهود لا يكون إلا لشهر اشتهر بين الناس، وذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى إلى أنه يصوم سراً إذا رأى الهلال وحده ويفطر سراً ، وذهب الجمهور إلى أنه يصوم سراً ولا يفطر إلا مع الناس، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والمشهور عن الإمام أحمد، وهذا قول قوي فله إذا رأى الهلال وحده ثم لم تقبل شهادته أن يصوم وحده، وحين يرى الهلال هلال شوال وحده ولم تقبل شهادته يجب عليه أن يصوم مع الناس لأنه يجب في هذا شاهدان وفي الدخول يكتفى بشاهد واحد، والذي قاله غير واحد من الفقهاء بأنه يصوم سراً حتى لا يوجد تشويش على الناس .
- وهل يجب عليه أن يصوم سراً أم يستحب .(1/120)
قولان للعلماء منهم من أوجبه وقال يجب عليه أن يصوم سراً لأنه رأى الهلال وتحقق الرؤية فلزمه أن يصوم والله يقول{ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }البقرة185،وهذا شهده وتحققت رؤيته الله أمر بالصوم، وقالت طائفة أنه مستحب غير واجب لاحتمال خطأه في الرؤية ولأن الشهر من الشهرة، فيستحب في حقه ولا يجب عليه، وهذا الصوم يجزئه عن وجود غرة فيما لو وجدت في المستقبل، ولعل القول بالاستحباب قول قوي لا يقال بأنه واجب عليه أن يصوم، ومن قال بأنه واجب فله وجهه وله أدلته وهو مذهب قوي ، أنتم تعلمون قبل قليل أنه فيه من قال لا يصوم أبداً لأن الصوم حيث يصوم الناس وهذا ما تقدم هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أخذاً بظاهر حديث الباب وذلك بقول ( الصوم يوم تصومون ) ، هذا إشارة إلى الجمع وأن الشهر مأخوذ من الشهرة بين الناس ويؤخذ من هذا الحديث بعض المسائل:
المسألة الأولى : استحباب ترائي الهلال، وتقدم أنه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين.
ويؤخذ من هذا فقه أبي عيسى رحمه الله تعالى حيث بوب (أن الفطر حيث تفطرون) ولم يبوب أن الصوم حيث تصومون ، لأن الصوم قد يكتفى فيه بواحد بخلاف الفطر فلابد مع الناس، هذا الذي أرجحه في تبويب أبي عيسى رحمه الله تعالى حين أعرض عن أول الحديث وذكر آخره .
ويؤخذ من حديث الباب أنه لو أن قوماً اجتهدوا فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين فلم يفطروا حتى استوفوا العدد ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعاً وعشرين فإن صومهم وفطرهم ماضٍ لا شيء عليهم فيه .
وأخذ منهم الخطابي، وشيخ الإسلام، وجماعة، بأن الناس لو لم يقفوا بعرفات إلا اليوم العاشر غلطاً أن هذا يجزئ عنهم .(1/121)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( الفتاوى ) لو أن الناس وقفوا في اليوم الثامن ثم تبين غلطهم قال يجزئ على الصحيح ، والخلاف في هذه المسألة قوي لأنه يمكن تعويض هذا اليوم، لكن جزم شيخ الإسلام بأنه يجزئ عن الوقوف في الغد أخذاً من حديث الباب . ولكن قد يقال بان اليوم لم يفت يمكن أن يعوض من الغد بخلاف ما لو فات اليوم ووقفوا في اليوم العاشر .
ويؤخذ من هذا الحديث دلالة على أفضلية الجماعة وأن يد الله مع الجماعة، ولا يزال العلماء يقولون بأن الاجتماع على المفضول خير من الافتراق على الفاضل، نقف على هذا وعلى قول أبي عيسى رحمه الله تعالى (باب ما جاء إذا أقبل الليل وأدبر النهار فقد افطر الصائم ) .
الأسئلة :
س: ....
ج: أولاً سرر شعبان اختلف فيه الفقهاء رحمهم الله تعالى منهم من فسرة بأوله ومنهم من فسره بوسطه ومنهم من فسره بآخره ، والنهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين إذا كان لمعنى رمضان ، إذا لم يكن لمعنى رمضان فلا حرج أن يتقدمه هذا قول طائفة من العلماء وتقدم الحديث عن هذا ، فعلى هذا التفصيل لا حرج ولا اشكال في هذا .
س: الأخ يقول ما معنى قول الجمهور يصوم سرا ويفطر مع الناس في من رأى الهلال دون غيره ؟
ج: معنى هذا أنه إذا رأى الهلال رأى هلال رمضان وحده فيصوم سراً وإذا رأى هلال شوال وحده يحرم عليه أن يفطر فيصوم مع الناس ويفطر مع الناس .
س: ...
ج: لا داعي للاحتياط ، الأحتياط هو متابعة السنة كون بعض المؤذنين يؤخر يقول أريد أن أحتاط هذا غلط ، إذا أقبل الليل وأدبر النهار فإنه يؤذن إذا غاب القرص ، ونتحدث عن هذا إن شاء الله في الغد ولكن الاحتياط أن يتابع الإنسان السنة .
س: الأخ يقول هل الأفضل للصائم عند الفطر السكوت أم الحديث فوق الطعام ؟(1/122)
ج: هو أفضل شيء أن يقول الذكر الوارد ولم يرد أيهما أفضل أن يسكت أو يتحدث إن هذا لم يرد به شيء لكن بلا ريب أن الأفضل أن يكون ذاكراً الله ومعظما لله مثنيا عليه وهذا الأمر جميل وحين سئل الإمام أحمد رحمه الله أيهما أفضل على الطعام الحديث أم الذكر أم السكوت فقال رحمه الله الذكر أفضل من الكلام والكلام أفضل من السكوت بشرط طبعاً أن يكون الكلام مباحاً أو فيه تعلم أو تعليم أو نحو ذلك أما الكلام المحرم لا شك أنه محرم مطلقاً والكلام الفضولي لا داعي له وأنا قلت وأشرت بأنه يتابع المؤذن ويقول الذكر بعد ذلك، وجميل أن الإنسان إن كان عنده أولاد أن يعلمهم ماذا يقولون ويفهمهم ويحدثهم عن واقع السلف في الصيام لأنهم يتربون على هذا وينشئون على هذا والأفضل بكثير من واقع الناس اليوم يتحدثون على الطعام عن تنوع الأكلات وعن جمال هذا الأكل وعن روعة هذا الأكل وعن تنويع هذا الأكل ويتفننون في الأطعمة، ولهم إخوان في المشرق والمغرب يفترشون الأرض ويلتحفون السماء لا يجدون لقمة عيش ،جميل أن الناس يتذكرون واقع الآخرين من إخوانهم ويناصرونهم ويعينونهم على هذا
س: الأخ يقول في سؤاله من تابع المؤذن يقطع حديثه إلى أن ينتهي المؤذن من أذانه؟
ج: نقول نعم يقطع حديثه ويتابع المؤذن ولا يحول بينه وبين متابعة المؤذن شيء ..
س: الأخ يقول في بعض النسخ التي عندنا ( باب ما جاء الصوم يوم تصومون ) .
ج: هذا جيد على هذا يكون على التعريف الأول الذي أشرت إليه وذكرته على حذف هذا فهو ما أشار إليه أن الفطر لا يتعلق بهذا فحين يقال على هذا القول وأن الترمذي ترجم باب ما جاء أن الصوم يوم تصومون هذا إشارة إلى أن الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس حين فسر أبو عيسى هذا الخبر . وأما على حذف الصوم فإن الترمذي ترجم في الفطر إشارة إلى أن الفطر لابد مع الناس وأن الصوم لا يلزم أن يكون مع الناس على اختلاف النسخ في المعنى .(1/123)
س: الأخ يسأل عن الايتار في الفطر؟
ج: لا أعلم حديثاً ثابتا في هذا وإن كان بعض الفقهاء من استحب أن يوتر لقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله وتر يحب الوتر. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر إذا خرج يوم العيد وطَعِم فإنه يوتر وهذا مثل هذا ولأن الله وتر يحب الوتر ، الصواب أن هذا الخبر يصعب تعميمه الإنسان ربما يقال إذن إذا أكل يوتر وإذا شرب يوتر ويعمم هذا الخبر فنقول الأمر الذي انعقد سببه في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ووجد مقتضى النقل فلم ينقل كواقع هذا الحال فإننا لا نقول بالوتر والأمر الذي لم ينعقد سببه ولم يوجد مقتضان ممكن أن يقال أن الله وتر يحب الوتر. فوجد كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في أكله وفي شربه وكيف كان يفطر ولم ينقل واحد بأنه كان يوتر فبالتالي فإننا لا نستحب الايتار هنا لانعقاد السبب ولم ينقل أنه كان يوتر فالأصل عدمه . فما وجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوتر فيه فهذا لا شك أنه يقال فيه ،وما لم يوجد فإذا لم ينعقد سببه ولم يوجد مقتضاه هذا ممكن أن يقال فيه وينظر في حسب المقتضى.
س: ....
ج: المبادرة بالأذان أفضل لأن الظاهر من صنيع بلال بأنه كان يؤذن قبل أن يفطر هذا لعله الظاهر من صنيع أئمة السلف لأنه يعلم الآخرين بالفطر أما إذا دخل الوقت يجلس ثم يفطر ثم يؤذن فأرى أن هذا شيء فيه نظر .
س:....(1/124)
ج: الدعاء قبل الإفطار الأحاديث الواردة فيه فيها نظر منهم من صححها كابن حبان وجماعة ومنهم من حسنها بمجموع طرقها وشواهدها وبلا ريب أن الحديث جاء من طرق متعددة، ولكن في الحقيقة لا يصح في هذا الباب شيء فالدعاء إذا دعا باعتبار أنه صائم وباعتبار أن للصائم دعوة مستجابة ويرى أن هذا خبر حسن، هذا لا إشكال فيه ومن يعتقد أن الأخبار ضعيفة فإذا دعا دعاءً عاماً باعتبار حاجته إلى الدعاء هذا لا إشكال فيه . إما إن كان يعتقد أن الأخبار ضعيفة فهو يدعو لذات الشيء فهذا فيه نظر .... قلت لك أن جماعة من العلماء يحسنون الخبر بشواهده وطائفة كابن حبان يصحح الخبر لذاته والمحفوظ أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال ( ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله ) .
س:
ج: قلت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج للمصلى يوم العيد يوتر هذا ورد فيه النص هذا لا إشكال فيه ، قلت لك القياس لو لم يرد واقع الحال يعني لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الفعل وكان الأمر يستدعي إلى النقل أو كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر فبالتالي لا نقول باستحباب الإيتار في الفطر في رمضان لأن هذا وجد سببه وقام المقتضى للنقل لو فعله النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينقل إذن يبقى على الأصل أنه لا يوتر وأنه لا دليل على الإيتار لأن حين نقول بهذا نقول إذن في الطعام وفي الشراب وما يتعلق بذلك وأما الفعل الذي لم يوجب المقتضى للنقل أو أنه ما نقل واقع الحال عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم لم ينقل هذا قد يقال باستحباب الإيتار .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد .
12 - بابُ ما جاءَ إِذَا أَقَبلَ اللَّيلُ وأَدبَرَ النَّهارِ فقد أَفطَرَ الصَّائمُ
694 - حَدَّثَنَا هارونُ بنُ إِسحاقَ الهَمَدَانيُّ أَخبرنَا عَبدَةُ عن هشامِ بنِ عُروَةَ عن أَبِيهِ عن عاصمِ بنِ عُمَرَ عن عُمَرَ بنِ الخطَّابِ قَالَ:(1/125)
- قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا أَقبلَ اللَّيلُ وأَدبَرَ النَّهارِ وغَابَتْ الشَّمسُ فقد أَفطَرتَ".
وفي البابِ عن ابنِ أَبي أَوْفَى وأَبي سعيدٍ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ عُمَرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
الشرح:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد :
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في كتاب الصيام (ما جاء إذا اقبل الليل وأدبر النهار فقد افطر الصائم )
(باب ) أي هذا باب ( ما جاء ) أي في الباب من الأحاديث الصحيحة وقد ذكر المؤلف رحمه الله تعالى حديثا وأشار إلى حديثين ( إذا ) ظرف لما يستقبل من الزمن . وهي بمعنى الشرط .
( إذا أقبل الليل) إي ظلامه من جهة المشرق .
( وأدبر النهار ) أي ضياؤه من جهة المغرب .
( فقد ) الفاء رابطة لجواب الشرط .
(أفطر الصائم ) قيل أفطر حكما ،صار مفطراً في الحكم لأن الليل ليس ظرفاً للصيام الشرعي، وقيل معناه أي دخل في وقت الفطر وهذا إن شاء الله ما نتعرف عليه بمعنى حديث الباب، وأصح الوجهين عند الحنابلة أنه لا يجب في الصيام إمساك جزء من الليل، وهذا ظاهر تبويب الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه، وقد علق في الصحيح عن أبي سعيد أنه أفطر حين غاب قرص الشمس وهذا أثر رواه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وجماعة من طريق عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال (دخلنا على أبي سعيد فأفطر ونحن نرى أن الشمس لم تغرب) وظاهره أن أبا سعيد يرى أنه لا يجب إمساك جزء من الليل ، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى في ( الفتاوى ) أنه إذا غاب جميع القرص أفطر الصائم ولا عبرة بالحمرة الشديدة الباقية ، وإذا غاب جميع القرص ظهر السواد من المشرق .
القول الثاني في المسألة : أنه يجب إمساك جزء من الليل وأنه لا يصح صوم من لم يفعل ذلك ولعل هذا هو معنى قول من قال :( إنه إذا غاب جميع القرص أفطر ) بمعنى أنه ظهر الليل .(1/126)
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني أخبرنا عبدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عاصم بن عمر عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغابت الشمس فقد أفطرت .
وفي الباب عن ابن أبي أوفى وأبي سعيد قال أبو عيسى حديث عمر حديث حسن صحيح ، وقد رواه البخاري ومسلم من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عاصم بن عمر عن عمر .
وفي الباب عن ابن أبي أوفى، هذا متفق على صحته، وأبي سعيد، لعله يعني في ذلك الأثر الموقوف وقد علقه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه بصيغة الجزم ووصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أقبل الليل ) إذا ظرف لما يستقبل من الزمن وذلك بمعنى الشرط بخلاف إذ هي ظرف لما مضى من الزمن .
( إذا أقبل الليل ) بمعنى أقبل ظلامه من جهة المشرق، وهذا يختلف من بلد إلى آخر .
( وأدبر النهار ) أي أدبر ضياؤه وغربت الشمس، في بعض النسخ (وغابت الشمس) ، قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى إذا غاب جميع القرص أفطر الصائم ولا عبرة بالحمرة الشديدة الباقية في الأفق لأنه إذا غاب القرص ظهر السواد من المشرق .(1/127)
قوله ( فقد أفطرت) وفي رواية ( فقد أفطر الصائم ) اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في معنى قوله صلى الله عليه وسلم ( فقد أفطرت) ولفظ الشيخين ( فقد أفطر الصائم ) قيل أي دخل في وقت الفطر، وهذا على قول الذين لا يمنعون الوصال فإنه إذا أراد أن يواصل فله ذلك سواء واصل إلى السحر أو واصل أكثر من ذلك، وقيل معنى الخبر صار مفطراً في الحكم، لكون الليل ليس ظرفاً للصيام الشرعي وهذا قول الذين يمنعون الوصال مطلقاً فلا يجوزونه أبداً سواءً كان إلى السحر أو كان أكثر من ذلك من باب أولى قد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الوصال وحين امتنع بعض الصحابة عن ذلك قال (أيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر) وفي حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال حدثني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نهى رسول الله صلى عليه وسلم عن المواصلة والحجامة للصائم ، ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه) . رواه أبو داود وغيره بسند صحيح .
قوله : (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المواصلة ) وهذا دليل أن ترك المواصلة أفضل من المواصلة ولو كانت إلى السحر، والحديث فيه دلالة واضحة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم ذلك، ولعل هذا هو السر في كون بعض الصحابة كان يواصل ، الذين لا يرون المواصلة مطلقاً يحتجون بهذا الخبر ( فقد أفطر الصائم ) أي صار مفطراً في الحكم وإن لم يطعم لأن الليل ليس ظرفاً للصيام الشرعي، وقد ذهب أكثر العلماء إلى التفسير الأول لأنه قد جاء في بعض طرق الحديث ( فقد حلّ الإفطار) والراويات يفسر بعضها بعضا .
ويؤخذ من الخبر المبادرة إلى الإفطار إذا تحقق غياب القرص .(1/128)
ويؤخذ من الحديث أنه لا يلزم من التواطئ الكلي على فهم الخبر على العمل به، فإن حديث الباب اختلف فيه العلماء اختلافاً شديداً قد كان الاختلاف من عصر الصحابة رضي الله عنهم فمنهم من يفهم من هذا الحديث أنه لابد من إمساك جزء من الليل ، ومنهم من يفهم أنه لا يجب إمساك جزء من الليل وأن الليل إذا أقبل والنهار إذا أدبر وغابت الشمس فإنه يكتفى بهذا ولو كان الأمر ظنياً عند طائفة، فالاختلاف الموجود أوالواقع بين العلماء في هذه المسألة وغيرها لا يمنع من المصير إلى قول يراه العالم صواباً، فإن الناس لا يزالون يختلفون في مثل هذه المسائل ، وفيه دلالة واضحة أن المسميات الشرعية قد تكون قطعية في ثبوتها ولا تكون قطعية في دلالتها وهذا كثير جداً، ينبغي أن نفرق وأن نفهم بين ما يكون قطعي الثبوت قطعي الدلالة وبين ما يكون قطعي الثبوت ظني الدِلالة أو الدَلالة وجهان صحيحان، ولذلك في حديث عبد الواحد بن أيمن عن أبيه حين قال (دخلنا على أبي سعيد فأفطر ونحن نرى أن الشمس لم تغرب) فأبو سعيد رضي الله عنه أفطر حين غاب القرص وهذا على ظنه وعلى ظن الحاضرين أن الشمس لم تغرب فأفطر ولم يفطروا، ولم ينكر بعضهم على بعض أو يعب بعضهم على بعض، فالأدلة عند أبي سعيد والأدلة عند أيمن قطعية في الإفطار حين تغرب الشمس والاختلاف وجد هل غربت أم لم تغرب، وهذا كثير في الاختلافات الواقعة بين الناس فهم يتفقون على الأصل ولكن يختلفون في فهم الأصل، ويجب أن يعذر بعضهم بعضاً ماداموا يبحثون عن الحق يبحثون عن الصواب وما دام المنطلق هو الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح، وكان الشافعي وغيره من العلماء يقولون فيما يوردون من مسائل الاجتهاد (كلامنا صواب يحتمل الخطأ وكلام غيرنا خطأ يحتمل الصواب ) .
ويؤخذ من الحديث جواز الحكم الشرعي لغلبة الظن ونظائر هذا كثيرة في الشرع .(1/129)
ويؤخذ من هذا أن الحكم الشرعي قد يحال في تطبيقه والعمل به إلى واقع الناس ورؤيتهم، والناس على حسب التقوى والورع يتعاملون مع هذا النص، فإنه لا يختلف العلماء أن الناس يتفاوتون في قضية غروب الشمس أو عدم ذلك، ولكن ينبغي التحقق من الغروب ولاسيما في الذين يعيشون في المدن فإن البنيان قد يحول بينهم وبين تحقق الرؤية، وفي هذا العصر الناس يعتمدون في الرؤية وفي إقبال الليل وإدبار النهار وغروب الشمس على المؤذن، فالمؤذنون مؤتمنون على هذا الأمر، فإذا أذن المؤذن جاز الإفطار وقد يكون في نفس الأمر مخطئاً أو متقدماً على الوقت الشرعي وحينئذ لا تثريب على من أفطر على أذانه، وأما الذين يعيشون في البراري فالصواب أنه يجب عليهم التحقق من غياب جميع القرص، وإمساك جزء من الليل مذهب قوي وهو أحوط وأبرأ للذمة .(1/130)
ويؤخذ من هذا تعدد الأدلة والدلالة في المعنى الواحد الله يقول { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ }البقرة187،اختلف العلماء في معنى هذه الآية فقيل ( إلى الليل ) أي إلى دخول الليل وقيل إلى وقت دخوله، فعلى المعنى الأول إذا دخل وعلى المعنى الثاني إذا أوشك على الدخول، وهذا الحديث هو مفسر لمعنى الآية وأن معنى قوله(إلى الليل ) بمعنى إذا غابت الشمس، وتقدم بالأمس -ويأتي إن شاء الله أيضا تحقيق هذا بتوسع -أن من أفطر يظن دخول وقت الفطر أنه لا قضاء عليه، وإن كان قد أفطر وعلم بأنه قد تقدم على الوقت بالنداء الشرعي فإنه يواصل ولا شيء عليه، وإذا كان قد تحقق أنه قد أفطر قبل النداء فإنه يمسك حتى يدخل وقت الإفطار، وهذا مذهب أحمد في رواية واختار هذا القول الإمام ابن خزيمة ونصره شيخ الإسلام ابن تيمية وذهب الجمهور منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في المشهور عنهم إلى أنه يقضي مطلقاً، والصواب أنه لا يقضي، وأمثلة هذا متعددة كأن يسمع نداء يظن نداء بلده فإذا هو نداء الرياض قد سمع عبر الأجهزة أو الراديو، أو كأن يؤذن طفل يظنه نداء مسجده فتبين أنه أذان طفل قبل الوقت، أو يكون يعيش في بر وليس عنده ما يستدل به على تحقق الغروب وفيه غيم فأفطر فتبين له فيما بعد أنه قد أخطأ، أو كأن يكون قد نام بعد العصر فلما استيقظ ظن أن الليل قد دخل فأفطر ، ومنه إذا نسي فأكل أو شرب أو إذا أخطأ فأكل أو شرب أو إذا ذهل فأكل أو شرب، كل هذا لا يفطر ولا قضاء عليه بل يواصل بقية يومه .
13 - بابُ ما جاءَ في تَعجِيلِ الإفطَارِ(1/131)
695 - حَدَّثَنَا بُندَارٌ أَخبرنَا عَبدُ الرَّحمنِ بنُ مهديٍّ عن سُفيَانَ عن أَبي حازمٍ وأَخبرنَا أَبُو مُصعَبٍ قِرَاءَةً عن مالكِ بنِ أَنسٍ عن أَبي حازمٍ عن سَهلِ بنِ سعدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يَزَالُ النَّاسُ بخيرٍ ما عجَّلُوا الفِطرَ".
وفي البابِ عن أَبي هُريرةَ وابنِ عبَّاسٍ وعائِشةَ وأَنسِ بنِ مالكٍ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ سَهلِ بنِ سَعدٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وهُوَ الَّذِي اختَارَهُ أَهلُ العلمِ من أَصحابِ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغَيرِهِم استَحَبُّوا تَعجِيلَ الفِطرِ. وبِهِ يقولُ الشَّافِعيُّ وأَحْمَدُ وإِسحاقُ.
696 - حَدَّثَنَا إِسحاقُ بنُ مُوسَى الأَنصاريُّ أَخبرنَا الوليدُ بنُ مُسلِمٍ عن الأَوزَاعِيِّ عن قُرَّةَ عن الزُّهريِّ عن أَبي سَلَمَةَ عن أَبي هُريرةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ الله عزَّ وجلَّ: أَحبُّ عِبادِي إِليَّ أَعجَلُهُم فِطراً".
697 - حَدَّثَنَا عَبدُ الله بنُ عَبدِ الرَّحمنِ أَخبرنَا أَبُو عاصمٍ وأَبُو المُغِيرةِ عن الأَوزَاعِيِّ نحوَهُ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
698 - حَدَّثَنَا هَنَّادٌ أَخبرنَا أَبُو مُعَاويَةَ عن الأَعمَشِ عن عُمَارَةَ بنِ عُمَيرٍ عن أَبي عطيَّةَ قَالَ:
- دخلتُ أَنا ومَسرُوقٌ عَلَى عائِشةَ فقُلنَا يا أُمَّ المؤمنينَ رَجُلانِ من أَصحابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الفِطرَ ويُعَجِّلُ الصَّلاةَ، والآخرُ يُؤخِّرُ الإِفطَارَ ويُؤخِّرُ الصَّلاةَ. قَالتْ: أَيُّهُما يُعَجِّلُ الإفطَارَ ويُعَجِّلُ الصَّلاةَ؟ قُلنَا عَبدُ الله بنُ مسعُودٍ، قَالتْ: هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والآخرُ أَبُو مُوسَى".(1/132)
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وأَبُو عطيَّةَ اسمُهُ مالكُ بنُ أَبي عامرٍ الهَمَدَانيُّ. ويُقَالُ مالكُ بنُ عامرٍ الهَمَدَانيُّ وهُوَ أَصَحُّ.
الشرح:
قال الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى ( باب ما جاء في تعجيل الإفطار ) .
قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاح متواترة، ولا يختلف الفقهاء في مشروعية تعجيل الإفطار وتأخير السحور، ولا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الإفطار، وهذا دليل على بقاء الخيرية في المجتمعات حين يكونون مطبقين لهذه السنة، هذه علامة على بقاء الخيرية، وما من مجتمع يؤخر الإفطار حتى تشتبك النجوم إلا وكان فيه من الشر أكثر من الخير، وهذا واقع الرافضة فإنهم لا يفطرون حتى تشتبك النجوم وهم في هذا يشابهون اليهود والنصارى فإن اليهود والنصارى يؤخرون الإفطار حتى تشتبك النجوم، فمن تشبه بقوم فهو منهم، وقد جاء في مسند الإمام أحمد من حديث عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان عن حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم (بعثت بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الاقتضاء إسناده جيد وظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم وأقل أحواله التحريم، ومسألة التشبه مسألة خلافية بين الفقهاء، فمنها ما يصل إلى الكفر ومنها ما يصل إلى الكبيرة، وقد جزم غير واحد من العلماء بأن أقل أمر التشبه التحريم، وذهب طائفة إلى أنه يوجد من ما هو مكروه من ما هو تشبه بالكفار، وهذا قول طائفة كبيرة من الفقهاء، وهذا ما يعبر عنه أيضاً شيخ الإسلام في مواضع من كتبه ، بينما جزمت طائفة من العلماء أنه ليس في التشبه ما هو مكروه بل هو كله حرام إلا إذا دلت قرينة صارفة لهذا وإلا فالأصل التحريم .(1/133)
قال أبو عيسى حدثنا بندار أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي حازم وأخبرنا أبو مصعب قراءة عن مالك بن أنس عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر . هذا الخبر رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك بنحوه، ورواه مسلم من حديث يحي بن يحي عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد الساعدي، ورواه من حديث يعقوب وسفيان كلاهما عن أبي حازم، وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه أحمد وأبو داود وجماعة وصححه ابن خزيمة ولفظه ( لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر وإن اليهود والنصارى يؤخرون ) .
وفي الباب عن ابن عباس أخرجه أبو داود الطيالسي ولفظه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنا معاشر أو معشر الأنبياء أمرنا أن نعجل إفطارنا ونؤخر سحورنا ونضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة) .
وفي الباب عن عائشة قال رواه أبو عيسى رحمه الله تعالى في جامعه، وأنس بن مالك، حديث عائشة يأتي إن شاء الله، أيضاً أنه جاء في صحيح الإمام مسلم نعلق عليه إن شاء الله تعالى بعد قليل ، وعن أنس أيضا أخرجه الحاكم وابن عساكر ولفظه (من فقه الرجل في دينه تعجيل فطره وتأخير سحوره ، وتسحروا فإنه الغذاء المبارك) وفي صحته نظر .
قوله صلى الله عليه وسلم : (لا يزال الناس بخير ) الناس إسم (زال) و(بخير)الخبر ،جار وجرور متعلق بخبر محذوف .(1/134)
قوله ( ما عجلوا ) أي مدة تعجيلهم الفطر ، فالمعنى لا يزال الناس بخير ما كانوا يعجلون الفطر، (ما) هنا ظرفية وحين يكون هذا فعلهم فإن الناس لا يزالون بخير ،نظير قوله صلى الله عليه وسلم ( لا يزال الناس بخير ما عظموا الكعبة ) رواه ابن خزيمة وغيره، وقد جاء في رواية أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال الدين ظاهراً) فإذا وجد أن الناس متواطئون على تعجيل الفطر فإنه لا يزال الدين ظاهراً في عامتهم وهذا لا يعني أنه لا يوجد انحرافات وخروج عن الصراط المستقيم، وإذا كان هذا موجوداً في بلد فإنه لا يزال الدين ظاهراً في هذا البلد، فلا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر .
ويؤخذ منه استحباب تعجيل الفطر ، وقد جزم الشافعي رحمه الله تعالى بأنه لا يلزم من ذلك كراهية التأخير ، وقالت طائفة بأن التأخير مكروه، ولا أعلم أحدا صرح بالتحريم مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (فإن اليهود والنصارى يؤخرون) اللهم إلا أن هذا قد يجري على أصول من يقول بمنع الوصال مطلقاً فإنه إذا كان يؤخر بقصد التعبد فإنه يكون مبتدعاً، إذا أخر وهو لا يرى الوصال فإن هذا ابتداع في الدين .
ويؤخذ من هذا الخبر مشروعية مخالفة أهل الكتاب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى مشروعية تعجيل الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون فنحن نخالفهم، وليس معنى التعجيل أن يفطر قبل غياب جميع القرص، كما أنه ليس معنى التأخير أن ينتظر حتى تشتبك النجوم، السنة وسط بين نقضين هذا وذاك.(1/135)
وفيه أيضاً غير ذلك فيه معنى قول الله جل وعلا { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى }طه84،إذن العجلة نوعان، عجلة محمودة وعجلة مذمومة ، العجلة المحمودة هي معنى قوله تعالى { فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ }البقرة148 ، {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }آل عمران133 ،والعجلة المذمومة مراتب متعددة منها أداء الشيء قبل أوانه ، ومنها الاستعجال في الشيء الذي ما حان وقته ولا أتى حينه ، أيضاً نستفيد من حديث الباب أن الخير في الحقيقة باق لأن الأحاديث الأخرى المتواترة (أنه لا تزال عصابة من أمتي) ، وهذه العصابة لابد أنها عاملة بهذا الخبر ،والأحاديث الأخرى مفسرة أنه لابد أن يوجد ولكن يتنامى هذا الخير كلما وجد هذا أكثر، ففيه أنه قد تربط الأحكام بأداء السنة على ما وراءها، والأحاديث متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ولا تزال عصابة من أمتي على الحق منصورين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى)
فما دام الناس يؤدون هذه السنة ويعجلون الإفطار ويؤخرون السَحور فإن الخير لا يزال باق فيهم وحينئذ يصبح الخير أكثر من الشر وفي نفس الوقت يجب مخالفة أهل الكتاب في الجملة، وإن كان في واقع الحال أن هذه الأمة سوف تأخذ مأخذ الأمم السابقة كما في حديث زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي سعيد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) ،إذن لابد أن يوجد طائفة من هؤلاء ونحن نواجه هؤلاء ونبين للناس ونحذرهم من مغبة مشابهة أهل الكتاب وإن كان في واقع الأمر لابد أن يوجد ،فحسب الإنسان أن يجتهد في خلاص نفسه .
نعم ،يؤخذ أن الأصل في الأوامر المبادرة والمسارعة إلى هذا .(1/136)
ذكر المؤلف رحمه الله تعالى عقب هذا الخبر قال وهو الذي اختاره أهل العلم وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم يستحب تعجيل الفطر وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، وهذا على وجه التمثيل، فإن الأمة متفقه على هذا الحكم فلا يختص به الشافعي ولا أحمد ولا إسحاق ولكنه أشارة إلى أقوال طائفة من الأئمة المشهورين الذين لهم إتباع والناس يقتدون بهم ويثقون بعلمهم وعدالتهم وورعهم وتقواهم وأنهم لا يقولون الأقوال ولا يصدرون الفتاوى بمجرد الآراء وأنهم لا يحكمون إلا بما جاء في كتاب الله وعلى وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم من هذا اعتقاد العصمة لأحد منهم فهم بشر يصيبون ويخطئون ولكن هذا الحكم لا يختلف فيه الفقهاء، الصحابة والتابعين وأهل العلم متفقون على هذا الحكم والأئمة الأربعة متفقون على هذا، بتواتر الأدلة في هذا وقد تقدم قول ابن عبد البر رحمه الله تعالى : ( أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاح متواترة) .
ثم قال أبو عيسى رحمه الله تعالى : حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري أخبرنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل :( أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً)
حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أخبرنا أبو عاصم وأبو المغيرة عن الأوزاعي نحوه . أي نحو حديث قرة .(1/137)
قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب ، غريب لأنه من رواية قرة والخبر رواته ثقات ما عدا قرة بن عبد الرحمن المعافري، قال عنه الأمام أحمد رحمه الله تعالى (منكر الحديث جداً ) ، وقال ابن معين (ضعيف) ، وقال الإمام أبو زرعه رحمه الله تعالى (الأحاديث التي يرويها مناكير) ، وحكى يزيد بن السمط عن الأوزاعي أنه كان يقول (ما أحد أعلم بالزهري من قرة) فقد تعقبه ابن حبان وأصاب في تعقبه ،وقد وثقه يعقوب، والصواب في قرة أنه سيء الحفظ وليس بقوي في الحديث، ولكنه ليس ممن يتعمد الكذب فيعتبر به في المتابعات والشواهد والمتأمل في أحاديث قرة يرى أنه يخالف الأئمة، فكثيراً ما يرفع المرسل ويخالف الأئمة في أحاديثهم ففي حديث قرة عن الزهري عن أبي سلمه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعينه ) أخطأ فيه قرة قال عن الزهري عن أبي سلمه عن أبي هريرة وهذا غلط والصواب ما رواه مالك وغيره عن الزهري عن زين العابدين، وقد اتفق الحفاظ أبو حاتم وأحمد والبخاري والدارقطني وغير هؤلاء على أن هذا هو الصواب، وإن كان أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى صحح حديث قرة وقال وهذا حديث حسن صحيح . وهذا فيه نظر من وجهين :
الوجه الأول :أن قرة سيء الحفظ فلا يصحح حديثه .
الوجه الثاني : أنه خالف الحفاظ وجعله من مسند أبي هريرة وهذا وجه الغلط في أحاديث قرة ، والصواب أنه ليس من مسند أبي هريرة وأنه من مراسيل زين العابدين علي بن الحسين رحمه الله .(1/138)
قوله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل فيه إثبات القول لله جل وعلا وهذا ثابت في الكتاب والسنة والإجماع. قال الله جل وعلا { فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ }ص84 ،وصفة الكلام لا يختلف أهل السنة في إثباتها لله فإن الله يتكلم متى شاء إذا شاء والله جل وعلا موصوف بالكلام { وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً }النساء164، حين قال الله جل وعلا " تكليما " كان هذا التأكيد يبطل قول من قال بأن الكلام مجازي فإن التأكيد يمنع من وجود المجاز، وحين قال بعض أهل البدع " وكلم اللهَ موسى تكليماً " فجعل موسى هو المكلِّم للرب وليس الرب هو المكلم لموسى، مع أن هذا يمتنع لغة، لأنه في اللغة إذا كان فيه أسم مقصور واسم ظاهر فإنه يقدم الفاعل على المفعول حتى لا يوجد لبس . قال بعض أهل السنة حين ناظر هذا الجهمي: هب أني قرأت الآية كما تريد فما تصنع بقول الله جل وعلا {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ }الأعراف 143 ،فبهت هذا الجهمي ولم ينطق بشيء، لا يستطيع أن يقول وكلمه ربَّه لأن العرب تمنع هذا في لغتها بتاتاً ودائماً، الذي يرتبط بالفعل يكون مفعولاَ ولا يمكن أن يقول " وكلمه ربَّه " وهذا غلط يمتنع لغة من جميع الوجوه ولا سيما أن رَبّه أي رب موسى وكلمه ربه، فالضمير عائد إلى موسى إذن الله هو المكلِّم ، ولا يختلف أهل العلم من أهل السنة في هذا الأمر ، إذن الأدلة مصرحة بهذا وإن كان حديث الباب ضعيفاً نستغني عن ذلك بكتاب الله وسنة رسول الله وبما أجمع عليه العلماء .
( قال أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا ) فيه إثبات صفة المحبة لله جل وعلا قال الله جل وعلا { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ }المائدة54 .(1/139)
وقال تعالى {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ }البروج14 ،أي شديد المحبة ، والأشاعرة لا يثبتون لله المحبة ومن عجيب أمر الأشاعرة أن طائفة منهم يفسرون المحبة بأنها علامة على الرضا وهم لا يثبتون صفة الرضا لله جل وعلا، فهم يثبتون لله سبع صفات دون ما عداها والدليل الذي دلهم على إثبات سبع هو في الحقيقة الدليل الذي يدل على إثبات ما عداها والدليل الذي دلهم على نفي ما عدا السبع هو في الحقيقة الدليل الذي يستدل به على نفي السبع ،وصفة المحبة ثابتة لله جل وعلا ولا يختلف في ذلك أهل العلم بل يثبتون المحبة إثباتاً بلا تمثيل وتنزيها بلا تعطيل لأن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وهو السميع البصير ، ولكن لا مانع حين تثبت صفة المحبة أن تثبت لوازمها فلا يجوز إثبات اللوازم قبل إثبات الصفة هذا غلط فأهل السنة يثبتون الصفة ثم يثبتون لوازمها أما أن يأتي شخص فيثبت اللوازم قبل الصفة فهذا غلط.
قوله (عبادي إلي أعجلهم فطرا ) والمقصود بعبادي هنا المبادرون إلى طاعته المنقادون له، لأن العبودية بالمعنى العام تطلق على المسلم والكافر قال جل وعلا {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً }مريم93 ،المقصود إذاً بالعبودية هنا المعنى الخاص وليس هو المعنى العام .(1/140)
قوله ( أعجلهم ) خبر (أحب ) ، ( أعجلهم فطرا) أي أسرعهم امتثالاً ومبادرة إلى الفطر، تقدم قوله صلى الله عليه وسلم (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) فلما بادر هذا العبد وسارع إلى تعجيل الفطر حاز محبة الله ورضا الله عنه، ولا يصنع هذا إلا من شرح الله صدره للحق وأحب الله وأحب رسوله صلى الله عليه وسلم " وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم " وليس معنى هذا أن الإنسان يسرف على نفسه بالمعاصي ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وولغ فيها ثم يدعي فيما بعد أن هذا كاف للحصول على محبة الله هذا غير صحيح، وإن كان هذا الرجل قد لا يوفق إلى هذا العمل ولكنه قد يبادر إليه، ليس هذا المعنى كما يزعم فإنه لابد أن يؤدي الواجبات وينتهي عن المحرمات، وهذا يذكرنا بقصة الأصمعي ، الأصمعي يذكر عنه أنه رأى رجلاً يسرق فيسرق ويتصدق فتعجب منه فجعل الأصمعي يتابعه فكلما رأى شيئاً سرقه وتصدق به أوقفه الأصمعي رحمه الله وسأله لماذا رأيتك تسرق وتتصدق، قال أنا أسرق وأتصدق إذا سرقت سيئة واحدة وإذا تصدقت عشر حسنات فأنا أخذ عشراً بواحدة، فوضح له أنه ليس له هكذا لأن الصدقة لابد أن تكون من طيب والله لا يقبل إلا طيباً، إذن هذه الصدقة غير مقبولة أصلاً لأنها من مال خبيث مأخوذ بغير حق، فالذين الآن يسرفون على أنفسهم بالمنكرات والمحرمات ويأتون الموبقات ثم يؤدون بعض المستحبات هذا لا يغني عنهم من الله شيئا وإن كان هذا المستحب يؤجرون عليه ويثابون عليه لكن ليس معنى هذا أنهم ينالون محبة الله، وحين يؤدون المستحب كالذي يقوم الليل ولا يصلي الفجر والذي يصوم النفل ولا يصوم الفرض والذي يقتصر في صلاته على الجمعة ولا يصلي بقية الأسبوع هذا كله غلط وانحراف في فهم الشرع وانحراف في تطبيق ما أمر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه .(1/141)
قال أبو عيسى حدثنا هناد أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير (عمارة بن عمير) هو التيمي ثقة ثبت ،خرج له الستة وليس في الكتب أحد يوافقه في اسمه واسم أبيه بمعنى أنه ما هناك أحد اسمه عمارة بن عمير سواه ،عن أبي عطية (أبو عطية) كما قال عيسى اسمه مالك بن أبي عامر الهمداني ويقال مالك بن عامر الهمداني وهو أصح، قال أبو عطية دخلت أنا ومسروق على عائشة فقلنا يا أم المؤمنين، فيه أدب في الخطاب عائشة أم المؤمنين وإن رغمت أنوف الرافضة فهم لا يقرون بهذا ولا يزالون يصرون على ظلمهم وبغيهم وعدوانهم بأن عائشة بغي وأنها قد زنت، ولذلك هم متفقون على تفسير قول الله جل وعلا { أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ }النور26 ،أي عائشة على ما يقول أهل السنة وليس على اعتقادهم وما يرونه، ولذلك حين تنظر في كتب الرافضة يحكون الاتفاق والإجماع على ردة أبي بكر وعلى ردة عمر وعلى ردة عثمان وعلى ردة عائشة أنها بغي وزانية، وهذا طعن في الحقيقة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعائشة من أحب الناس إلى الرسول والحديث في الصحيحين وأبوها أحب الرجال إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا الخبر في الصحيحين، وليست موبقات الروافض في قذف عائشة فحسب ، الرافضة مخلطون في كل أقسام الوحيد ففي توحيد العبادة يفزعون إلى الأموات والغائبين ويعتقدون أن الأولياء يعلمون ما كان وما يكون وما لو كان سوف سيكون ويقولون عن جعفر أنه يعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء لذلك هو واقع منهم ينادون علياً ولا يسمون هذا شركاً ، وهم يسمون الآن الشرك توحيداً والتوحيد شركاً لذلك تراهم الآن يطوفون على القبور ويلجئون لآل البيت ويسألونهم إزالة الكربات وتفريج الملمات وإغاثة اللهفات هذا في توحيد العبادة، وأما في توحيد الربوبية فهم يزعمون أن الكون مخلوق من نور، وأما في توحيد الاسماء والصفات فهم معطلة، معطلة في الأسماء ومعطلة في الصفات، وأما في أصحاب رسول الله صلى الله(1/142)
عليه وسلم فحدث من كفرهم ونفاقهم ولا حرج من لعن الصحابة جملة وتفصيلاً باستثناء آل البيت وسلمان والمقداد وطائفة يسيرة وأما أئمة الصحابة وغيض العدا وأكابرهم وأحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم وفضلهم فهم يلعنونهم ليلاً ونهاراً ويسبونهم سراً وجهاراً، ويحكون الإجماع على كفرهم وردتهم، فلا يختلف الرافضة في كفر أبي بكر وعمر وعثمان وهذا بحد ذاته في الحقيقة كفر وناقض من نواقض الإسلام لأنه تكذيب للقرآن تكذيب للسنة طعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث إنه يتخذ أصحاباً مرتدين ويتخذ أصحاباً خونه ويتخذ أصحاباً ليسوا من الإسلام في شيء ، وطائفة من الرافضة أيضا بل كثير من الرافضة يزعمون تحريف القران وأن القران قد زيد فيه ونقص وألف أحد شياطينهم كتابا أسماه ( فصل الخطاب في تحريف كلام رب الأرباب ) ،وإذا كانت الرافضة يعتقدون أن هذا مذهب لطائفة منهم وليست لجماعتهم فلماذا لا يتواصون على دحض هذا الباطل والرد عليه فلماذا يحامون على هذا الكتاب ويدافعون عن صاحبه إذا كانوا يعتقدون بطلانه فلماذا لا يردون عليه ؟ أهل السنة حين يوجد شيء من هذا الخلل من أقاويل أئمتهم وعلمائهم يردون عليه حتى لو كان في أقل من هذا فكيف بهذه الموبقة والناقضة من نواقض الإسلام فهم لا يردون على هذا بل يحامون عنه ويناصرونه ويزعمون أن هذا اجتهاد فردي، وفي نفس الوقت يمتنعون من الرد عليه أو شجبه أو بيان ضلاله وانحرافه في هذه القضية ، الرافضة متفقون على أن السنة التي الآن نقرؤها في صحيح البخاري ومسلم باطلة لأنها جاءت من رواية المرتدين كأبي بكر وعمر وعثمان وأبي هريرة وأكابر الصحابة رضي الله عنهم وحسبك بهذا ناقض كما وضحه السيوطي رحمه الله تعالى في مقدمة (مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة) كذلك ينسبون البدء لله، فهم يشابهون اليهود في هذا ومعناه أن الله جل وعلا قد يحكم بشيء إلا أنه من قبل(1/143)
حَكَمَ بشيء فبدا له في الحاضر ما لم يبدو له في المستقبل وهذا قول اليهود والعياذ بالله ،وأشياء كثيرة جدا من الموبقات والنواقض الموجودة عند الرافضة فلا غرابة حينئذ حين يقذفون عائشة بالإفك إنه في الحقيقة الرافضة لا نسميه مذهباًً ،هو في الحقيقة دين مغاير لدين المسلمين وهذا ما صرح به الرضوي حين قال "الرب الذي يؤمن به أهل السنة لا نؤمن به" لأنهم-أهل السنة - يزعمون أن لهم رباً هو رب محمد الذي وزيره أبو بكر وهم لا يؤمنون بهذا .
قوله (فقلنا يا أم المؤمنين) قال الله جلا وعلا :" وأزواجه أمهاتهم " فلو كان الرافضة يؤمنون بالقرآن حقيقة لأمنوا بما دلت عليه هذه الآية { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ }الأحزاب6.
رجلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحدهما : يعجل الإفطار ويعجل الصلاة والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة قال فما تقولين يا أم المؤمنين في هذا الأول يعجل الفطر ويعجل الصلاة والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة ، قالت عائشة رضي الله عنها أيهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة ،يؤخذ من هذا سؤال أهل العلم عما يشكل ، ويؤخذ من هذا منزلة عائشة في العلم .(1/144)
ويؤخذ من هذا أنه لا حرج من كون المفتي يسأل عمن قال بهذا القول ، فإن عائشة رضي الله عنها سألت أيهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة ، فهي سألت عمن أصاب ولم تسأل عن الآخر فحين يسأل العالم ما تقولون في كذا وكذا وعارضه آخر فقال كذا وكذا فلا حرج طبعاً يكون أحدهما صواباً والآخر غلطاً ، يسأل عمن قال بكذا وكذا الذي هو أصاب حتى يثني عليه في ذلك وفيه نقاء قلوب الصحابة رضي الله عنهم وحب بعضهم بعضاً ومدح المصيب والثناء عليه ،قلنا عبد الله هو عبد الله بن مسعود هذا الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة فيه منقبة لعبد الله بن مسعود حيث وافق السنة وعبد الله بن مسعود من أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أفاضلهم وقد أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال (من أراد أن يقرأ القران غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد) .(1/145)
الحديث صحيح، وحين ضحك الصحابة من دقة ساقيه قال (هي أثقل عند الله من جبل أحد ) وهذه منقبة عظيمة لعبد الله بن مسعود، قالت عائشة (هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم) ،فعبد الله بن مسعود صنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيؤخذ من هذا الحديث فضيلة تعجيل الإفطار وتعجيل الصلاة , ويلاحظ في هذا العصر أن الناس يؤخرون الإقامة في صلاة المغرب مراعاة لكون الناس يفطرون، الحقيقة أن الناس الآن يفطرون ويتعشون بين الأذان والإقامة فلذلك يؤخرون الصلاة وهذا غلط ينبغي لأئمة المساجد أن لا يتغير الوضع في رمضان عن غيره فإن جماعة من أئمة المساجد في عصرنا في رمضان يؤخرون المغرب حتى تشتبك النجوم وهذا غلط وخلاف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكفي من الإفطار أن يتناول الإنسان تمرة أو تمرتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً أو ستاً ويشرب الماء ثم يبادر إلى الصلاة ثم بعد الصلاة يذهب ويأكل ما طاب له إلى صلاة العشاء، أما كونه يجلس يفطر ويتعشى بين الأذان والإقامة على حساب أن الإمام سوف يؤخر الصلاة ويخالف السنة فهذا غلط من الإمام فلا نعين الناس على تعطيل السنة أو الوقوع في الحرام.(1/146)
وقوله والآخر أبو موسى هو الأشعري رضي الله عنه، معروف قصة أبي موسى حين سُئِلَ عن بنت وبنت ابن وأخت وأخطأ في الفتوى فسئل عنها ابن مسعود فقال للبنت النصف ولبنت الابن السدس...الثلثين والباقي للأخت الشقيقة تعصيباً، فرجع السائل إلى أبي موسى قال سألت ابن مسعود، فقال لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم، فلم ير غضاضة أنه حين أخطأ قال لا تسألوني وهذا الحبر فيكم وأنه قد أصاب ولم يكترث من قول السائل سألت ابن مسعود ، الصحابة تطيب نفوسهم بمثل هذا ولا يجدون غضاضة في مثل هذا ، مالك رحمه الله تعالى حين سئل عن التخليل في أحد دروسه فقال أنكر أن يكون له أصل أو ورد في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان في الحاضرين ابن أخ ابن وهب أو ابن أخ الزهري الشك مني فلما انتهى الدرس أخبر قال ما تقول في كذا وكذا وأورد له إسنادا فقال هذا إسناد جيد فقال فيه التخليل فكان مالك يفتي فيما بعد في التخليل مع أن المحدثين مختلفون في أحاديث التخليل صحيحه أم لا باستثناء حديث لقيط بن صبرة ( خلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) فإنه حديث جيد .
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد رواه مسلم من حديث يحي بن يحي وأبي كريب عن أبي معاوية وهو محمد بن خازم الضرير ورواه من طريق بن أبي زائدة عن الأعمش بنحوه . نقف على قول المؤلف ( باب ما جاء في تأخير السحور) والله أعلم .
س: الأخ يقول نحبكم في الله سؤال الأخ من الكويت أحبك الله الذي أحببتني فيه يقول ما الحكم الشرعي في فتاة لم تصم القضاء أول ما بلغت إلى حد هذه السنة هل يجب عليها أن تصوم تلك السنوات الماضية أو يكتفى بأن تظهر مبلغا من المال ؟(1/147)
ج: المرأة إذا بلغت أو إذا حاضت في نهار رمضان فإنها تقضي الأيام التي حاضت فيها وهو وقت بداية البلوغ في المستقبل تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة وهذا لا يختلف فيه الفقهاء رحمهم الله تعالى فإذا وجد عن امرأة كفتاة ،كالسؤال الذي وجد في الورقة لم تقض فإن كان المانع من القضاء جهلا لا تعرف الحكم الشرعي وفاتها عدة رمضانات فالصواب أنها لا تقضي إلا ما كان في السنة الماضية التي لم تدخل السنة التي بعدها وإن كان هذا ناتجا عن حياء أو عن تفريط وليس عن جهل فالصواب أنها تقضي كل ما مضى من السنوات الماضية .
والله أعلم نكتفي بهذا وصلى الله على نبينا محمد .
14 - بابُ ما جاءَ في تأَخيرِ السَّحُورِ
699 - حَدَّثَنَا يَحيَى بنُ مُوسَى أَبو داوُدَ الطيالِسِيُّ أَخبرنَا هشامٌ الدَّستَوَائيُّ عن قَتَادَةَ عن أَنسٍ عن زيدِ بنِ ثابتٍ قَالَ:
- تَسَحَّرنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قُمنَا إِلى الصَّلاةِ قَالتْ: قُلتُ كَمْ كَانَ قَدرُ ذَاكَ؟ قَالَ: قَدرُ خَمسِينَ آيةً".
700 - حَدَّثَنَا هَنَّادٌ أَخبرنَا وَكِيعٌ عن هشامٍ بنحوهِ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: "قَدرُ قِرَاءةِ خَمسِينَ آيةَ".
وفي البابِ عن حُذَيفَةَ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ زيدِ بنِ ثابتٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وبِهِ يقولُ الشَّافِعيُّ وأَحْمَدُ استَحَبُّوا تأَخيرَ السَّحُورِ.
الشرح:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد :
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في كتاب الصيام( باب ما جاء في تأخير السحور ) باب أي هذا باب خبر لمبتدأ محذوف المبتدأ (هذا).
((1/148)
باب ما جاء ) أي من الأخبار الصحاح في تأخير السحور أي تأخيره بالوقت ، والسَحور بفتح السين هو ما يتسحر به من الطعام وبالضم السُحور هو المصدر تقدم بالأمس قول ابن عبد البر رحمه الله تعالى (بأن الأحاديث في تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاح متواترة) ولكن يقال بأن الأحاديث الواردة في تعجيل الفطور صحيحة صريحة والأحاديث الواردة في تأخير السحور صحيحة كثير منها غير صريح ،يفهم منه هذا .
قال الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى يحي بن موسى قال حدثنا أبو داود الطيالسي أخبرنا هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس عن زيد بن ثابت قال تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة قال قلت كم كان قدر ذلك قال قدر خمسين آية . وهذا الخبر رواه الإمام البخاري ومسلم من طريق هشام قال أبو عيسى حدثنا هناد أخبرنا وكيع عن هشام بنحوه إلا أنه قال قدر قراءة خمسين آية وهذا قد رواه مسلم من طريق وكيع عن هشام بلفظ خمسين آية . وعند البخاري من طريق همام عن قتادة عن أنس بلفظ قدره خمسين أو ستين يعني آية .(1/149)
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى حديث زيد بن ثابت حديث حسن صحيح قال وفي الباب عن حذيفة وأثر حذيفة جاء من رواية زر بن حبيش وقد رواه الطحاوي وغيره ولفظه قال زر ( تسحرت ثم انطلقت إلى المسجد فمررت بمنزل حذيفة فدخلت عليه فأمر بلقحة فحلبت وبقدر فسخنت ثم قال كل قلت إني أريد الصوم قال وأنا أريد الصوم قال فأكلنا ثم شربنا ثم أتينا المسجد فأقيمت الصلاة قال هكذا فعل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو صنعت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت بعد الصبح قال بعد الصبح غير أن الشمس لم تطلع) .(1/150)
وجاء بنحوه عن جماعة كأحمد والنسائي وغيرهما، ونتحدث إن شاء الله تعالى على حديث حذيفة نشرع الآن في الحديث على رواية زيد بن ثابت قال تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، السحور هو أكلة الطعام ، والسحور سنة قد حكى بن المنذر وغيره الإجماع على سنيته، وقوله ( تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) هذا أحد الأمور التي تثبت فيه الصحبة أن يقول الراوي سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم، قال لي الرسول صلى الله عليه وسلم، جلسنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، تسحرنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وصحبة زيد لا يختلف فيها أحد من الأئمة، وفيه كرم رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان جماعة من أصحابة يتسحرون معه، وفيه أن أبواب النبي صلى الله عليه وسلم كانت مفتوحة للذين يريدون الطعام معه والاستفادة منه ولم يكن يمنع الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم مانع وهو هو في المنزلة والقدر ،وفيه الأدب في الخطاب حيث قال تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل تسحرنا مع محمد قال تعالى { وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ }الأحزاب40 ، بخلاف شأن الأعراب حين أتى أحدهم يسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان جالساً بين أصحابه قال: أيكم محمد، تقدم أن الصواب في الرسول هو بشر أوحي إليه بشرع جديد وأمر بتبليغه، بخلاف النبي أوحي إليه بشرع من قبله وأمر بتبليغه، هذا أصح ما قيل، على وجود اختلاف في هذه المسألة ولاسيما في تعريف النبي، الله جل وعلا سمى في كتابه الأنبياء رسلاً باعتبار أنهم مرسلون ومأمورون بالتبليغ ومن أمر بالتبليغ فإنه يسمى رسولاً فهو باعتبار الرسالة والتبليغ، وأما التعريف المشهور وهو السائد الآن عند كثير من الناس بأن النبي بشر أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه فهذا ضعيف، إذن ما هي مهمته إذا أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه الله جل وعلا أخبر في كتابه أنه ما أرسل من رسول إلا أوحي إليه(1/151)
وأنه يأمره بالتبليغ وهذا صريح القران وهذا واقع الرسل بدلالات متعددة وأعظم مهمة للرسل هي التبليغ والدعوة إلى التوحيد ومطاردة الشرك والوثنية في كل مكان إلا أن كل رسول كان يبعث إلى قومه خاصة وبعث نبينا صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة .
قوله ( ثم قمنا إلى الصلاة ) وهذا القدر من الحديث لا يدل على تأخير السحور وإن كان يفهم منه قوله (تسحرنا ثم قمنا ) ثم هنا للتراخي والتعقيب يفهم من الحديث أن التراخي كان قريباً وقليلاً وحين لم يكن صريحاً قال انس لزيد بن ثابت كم كان قدر ذاك ؟ جاء في رواية في البخاري (كم كان بين الأذان والإقامة) ، قال (قدر خمسين آية) ،والرواية الأخرى (قدر قراءة خمسين آية) ،
(قدر) بالرفع ويعرب خبراً لمبتدأ ويجوز نصبه ( قدرَ) على أنه خبر كان المقدرة ( وقدر خمسين آية ) أي متوسطة لا بطويلة ولا بقصيرة من حيث القراءة لا بسريعة ولا ببطيئة، وحينئذ تكون دلالة الخبر قوية وواضحة في تأخير السحور، ولهذا قال الترمذي رحمه الله تعالى وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق :يستحب تأخير السحور .(1/152)
وقد جاء في البخاري من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهم قال: (كنت أتسحر في أهلي ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذه إشارة إلى أن الصحابة كانوا يتأخرون في السحور ولم يكن بينهم وبين الأذان إلا القليل، تقدم تحديد هذا بقدر خمسين آية، ولا حرج على المسلم أن يأكل وإن شك في بقاء الليل ولذلك قال الشافعي رحمه الله تعالى في ( الأم ) (إذا شك في بقاء الليل ولم يتسحر يستحب له ترك السحور وإن تسحر في هذه الحالة صح صومه لأن الأصل بقاء الليل ). قد قال ابن عباس رضي الله عنهما ( أحل الله الأكل والشرب ما شككت ) رواه الإمام عبد الرزاق رحمه الله تعالى في ( المصنف ) ، وذكر النووي رحمه الله تعالى في ( المجموع ) بأنه لو شك في طلوع الفجر جاز له الأكل والشرب والجماع بلا خلاف حتى يتحقق الفجر لقول الله جل وعلا (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) [البقرة/187] ،وكلام النووي لا ينافي كلام الشافعي فإنه يحي الإجماع على الجواز .(1/153)
والشافعي يرى أن الأولى ترك هذا فلا تنافي بين القولين، وأما حديث حذيفة فيفهم منه أن التسحر كان بعد الصبح (غير أن الشمس لم تطلع) هذا نصه قلت بعد الصبح قال بعد الصبح غير أن الشمس لم تطلع ،وقد اختلف جواب الأئمة عن هذا فمنهم من أخذ بظاهره وهذا مروي عند جماعة من الأئمة منهم الأعمش رحمه الله تعالى قد كان يقول (لولا الشهرة لصليت الغداة ثم تسحرت) وهؤلاء يقولون بأن المراد بتبين بياض النهار من سواد الليل، أن ينتشر البياض في الطرق والسكك والبيوت ،فهؤلاء يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق، ولذلك يذكر عن معمر أنه كان يؤخر السحور جداً حتى يقول الجاهل لا صوم له، وروى بن المنذر عن علي رضي الله عنه أنه صلى الصبح ثم قال (الآن حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود) ، وهذه الأقاويل المأثورة عن هؤلاء الأئمة هي مؤكدة أنه ليس في المسألة لكن إجماع، لأن كون العالم يختار قولاً وينصره هذا من حقه إذا كان يحفظ في نصرة هذا المذهب أدلة قوية ولكن ليس من حقه أن يصادر الآراء الأخرى، والخلاف محفوظ بين الأئمة، أقول اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في هذه الأقوال المنقولة وهي بلا ريب مشيرة إلى أن الخلاف محفوظ، فمنهم من ذهب إلى تضعيف حديث حذيفة لأنه هو الذي جاء مرفوعا وقالوا عن بقية الآثار هي اجتهادات معارضة للأدلة الصحيحة الصريحة في هذا الباب، ومنهم من قال بان حديث حذيفة منسوخ، ومنهم من قال بأن حديث حذيفة على الجواز، وتحمل الآية والأدلة الأخرى أن بلالاً يؤذن بليل على الأولوية والاستحباب، ونشير إن شاء الله على هذه المسألة تحت قول أبي عيسى ( باب ما جاء في بيان الفجر ) .(1/154)
وملخص هذا الباب أنه يستحب تأخير السحور وأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتسحرون قبل الأذان وهذا هو المشهور عن أكابرهم وهذا هو الذي صنعه زيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال أنس كم كان بين الأذان والسحور؟ قال قدر خمسين آية ،وهذا الذي ذهب إليه الجمهور بدليل ما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) متفق على صحته، وهذا حديث صحيح صريح إنه يجب التوقف عن الأكل والشرب حين ينادي المنادي ولذلك قال أبو هريرة رضي الله عنه جاء مرفوعاً وموقوفاً والراجح هو وقفه (إذا أذن المؤذن والإناء في يد أحدكم فلا يدعه حتى يقضي حاجته) منه فيفهم منه أنه لا يشرع في الأكل بعد الأذان ولا مع الأذان، ولكن إذا شرع في الأكل قبل النداء ونفسه تتوق إلى لطعام ثم أذن فإنه يواصل وهذا كله حين يكون المؤذنون ينادون إلى الصلاة في الوقت المشروع .
15 - بابُ ما جاءَ في بَيَانِ الفَجرِ
701 - حَدَّثَنَا هَنَّادٌ أَخبرنَا مُلازِمُ بنُ عَمرٍو قَالَ حدَّثني عَبدُ الله بنُ النُّعمانِ عن قَيسِ ابنِ طَلقٍ بنِ عليٍّ قَالَ حدَّثني أَبي طَلقُ بنُ عليٍّ
- أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كُلُوا واشرَبُوا يَهِيدَنَّكُمُ السَّاطعُ المُصعَدُ وكُلُوا واشرَبُوا حتَّى يَعتَرضَ لكُم الأَحمَرُ".
وفي البابِ عن عَدِيِّ بنِ حاتمٍ وأَبي ذَرٍّ وسَمُرَةَ.(1/155)
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ طَلقِ بنِ عليٍّ حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هَذَا الوجهِ. والعملُ عَلَى هَذَا عِندَ أَهلِ العلمِ أَنَّهُ لا يحرمُ عَلَى الصَّائمِ الأَكلُ والشِّربُ حتَّى يكونَ الفَجرُ الأَحمرُ المعترضُ. وبِهِ يقولُ عَامَّةُ أَهلِ العلمِ أَخبرنَا هَنَّادٌ ويُوسُفُ بنُ عِيسَى قَالا أَخبرنَا وَكِيعٌ عن أَبي هِلالٍ عن سَوَادَةَ بنِ حَنظَلَةَ عن سَمُرَةَ بنِ جُندُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يمنَعكُمْ من سُحُورِكُم أَذَانُ بلالٍ ولا الفَجرُ المُستَطيلُ ولكِنْ الفجرُ المُستَطيرُ في الأُفُقِ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حديثٌ حسنٌ.
الشرح:
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى ( باب ما جاء في بيان الفجر ) أي الفجر الصادق (باب ما جاء ) أي هذا باب ( ما جاء في بيان الفجر ) أي الصادق فإن الفجر فجران فجر كاذب يحل الطعام ويحرم الصلاة، وفجر صادق يحل الصلاة ويحرم الطعام، والفرض في ذلك كالنفل فرض الصيام كالنفل في هذا الحكم، وقد أجمع العلماء أن من أكل نهاراً وهو عالم عامداً ثم ادعى أنه يريد الصوم نفلاً فإنه لا يصح صومه، إنما يصح صومه إذا لم يأكل ولم يشرب ثم احدث نية هذا الذي جرى فيه الخلاف، إما إذا أكل أو شرب متعمداً ولم ينوي الصوم من الليل فإن هذا لا يصح صومه بالإجماع، والخلاف ليس في هذا إنما الخلاف فيما لو أصبح ولم يأكل ولم يشرب ونوى قبل الزوال، نعم صحح صومه الجمهور، بل فيه من صحح صومه ولو بعد الزوال، لأن بعض الأخوة يخلط بين المسألتين، بين ما إذا أكل وبينما إذا لم يأكل، وأعيد إذا أكل ثم قال لعلِّي أصوم نقول لا يصح صومه بالإجماع، وإذا لم يأكل ولم يشرب ولو لم ينو ثم نوى نفلاً فإن هذا الذي صحح صومه الجمهور، ومنهم من يشترط النية قبل طلوع الفجر الثاني في النفل والفرض وأنه لا فرق بينهما، وإن شاء الله نأتي على هذه المسألة في بابها .(1/156)
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى حدثنا هناد أخبرنا ملازم بن عمرو قال حدثني عبد الله بن النعمان عن قيس بن طلق بن علي قال حدثني أبي طلق بن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر قال وفي الباب عن عدي بن حاتم وأبي ذر وسمرة قال أبو عيسى حديث طلق بن علي حديث حسن غريب وجه الغرابة هو ما أشار إليه أبو داود رحمه الله تعالى في سننه قال (هذا مما تفرد به أهل اليمامة) ،وقد قال الدارمي رحمه الله تعالى قلت ليحي بن معين: عبد الله بن النعمان عن قيس بن طلق، فقال يحي: شيوخ يمامية ثقات، وجاء معنى هذا الخبر عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما أشار إليه الإمام في قوله (وفي الباب) فأما حديث عدي بن حاتم فقد جاء في البخاري ومسلم، وأما حديث أبي ذر فأخرجه الطحاوي، وأما حديث سمرة فقد رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه وأشار إليه أبو عيسى رحمه الله تعالى في جامعه وأورده بالإسناد، وفي الباب أيضا عن ابن عباس وهذا مما لم يذكره المؤلف وقد رواه ابن خزيمة في صحيحة، وفي الباب عن جابر رواه الحاكم رحمه الله في مستدركه .
قوله ( كلوا واشربوا ) الأمر هنا أمر إباحة، والإباحة نوعان إباحة شرعية وإباحة بمعنى استصحاب الأصل في كل مسألة .(1/157)
من منكم يمثل للنوع الأول الإباحة الشرعية بمعنى جاء الشرع بإباحتها ونص على إباحتها وهي بمعنى الأمر المذكورة في آية البقرة . النوع الثاني الأصل الإباحة باعتبار أنه لا يحتاج إلى دليل لأنه استصحاب للأصل في كل باب وجدت ماء الأصل فيها الطهارة لماذا لا يحتاج إلى دليل لأنه استصحب الأصل في هذا الباب . أريد الآية الدالة على الإباحة التي أمر الله جل وعلا بها في البقرة {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ}البقرة187، هذه إباحة شرعية، بمعنى الله جل وعلا ذكر الإباحة وجاء قول الله جل وعلا مبيناً أن هذا من الأمور المباحة الحلال التي لا يتحرج منها أحد سواءً جاء هذا بلفظ الأمر أو جاء هذا بلفظ الإباحة، لكن إن جاء بلفظ الأمر تقدم التفصيل في ذلك، أنه ما كان مسبوق بنهي فإن الأمر يرجع إلى ما كان عليه من قبل .
{ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ }المائدة2،لا نقول أن الأمر هنا للوجوب هذا غلط ولا نقول أن الأمر للإباحة هذا غلط نقول إن الأمر يرجع إلى ما كان عليه من قبل أي قبل النهي .
{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ}البقرة187 ،هذه إباحة شرعية .(1/158)
النوع الثاني الإباحة التي هي استصحاب الأصل في الباب ولذلك قال صلى الله عليه وسلم " كلوا واشربوا" ( ولا يهيدنكم الساطع المصعد ) إذن هذا الأمر للإباحة، وفيه في المقابل من يتصور أنه لا يجوز له أن يأكل ولا أن يشرب فنقول له كُل، ومن ذلك يعني الأمر إذا وقع عن سؤال فإنه لا يفيد الوجوب قال لك شخص: أأدخل ؟ تقول أدخل فإنك لا تأمره أمر إيجاب إنما هو جواب لسؤاله الأمر إذا وقع عن سؤال فإنه لا يفيد الوجوب، فإن قال قائل فلماذا إذن نقول بوجوب الوضوء من لحم الجزور؟ وقد جاء الأمر عن سؤال فقال أنتوضأ يا رسول الله من لحوم الإبل قال نعم، الخبر في مسلم ، الجواب أنه مسبوق بقرينة تفيد أن الأمر للوجوب ، أنتوضأ من لحوم الغنم ، قال نعم إن شئت . الحديث واحد في صحيح الإمام مسلم ( قال أنتوضأ من لحوم الغنم قال نعم إن شئت ) هذه إشارة إلى أنه مندوب وليس بواجب ( قال أنتوضأ من لحوم الإبل قال نعم ) فهذه إشارة إلى أن الأمر للوجوب، وفي الصحيحين قال عمر يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب ؟ قال (نعم إذا توضأ) لا يمكن أن نقول هنا بأنه واجب، وهذه قاعدة في الحقيقة مطردة ما لم تدل قرينة على نفي ذلك، وهذا استطراد في الحديث على قوله صلى الله عليه وسلم ( كلوا واشربوا ولا يهيدنكم ) أي ولا يزعجنكم .
( الساطع المصعد ) أي المرتفع والمعنى لا تنزعجوا بالفجر المستطيل فتمتنعوا به عن السحور فإن هذا هو الفجر الكاذب ( وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر ) قال تعالى ( كلوا واشربوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) [البقرة/187] .(1/159)
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم ( حتى يعترض لكم الأحمر ) المراد به الفجر الصادق، وقيل المعنى أن يستبطن البياض المعترض أوائل حمرة ، وهذا الحديث يفيد أنه إذا اعترض الأحمر وهو الفجر الصادق يجب الإمساك عن الأكل وعن الشرب وهذا الأحمر المعترض هو المؤذِن بدخول وقت الصلاة، فإن المؤذِّن لا يؤذن إلا حين يعترض له هذا . وهذا أحد أدلة الجمهور بأنه يأكل ويشرب حتى يؤذن المؤذن، فإن كثير من الناس في هذا العصر لا يميزون بين الساطع المصعد وبين الأحمر بمعنى لا يميزون بين الفجر الصادق وبين الفجر الكاذب فالواجب عليهم الاعتماد على المؤذنين فهم مؤتمنون في هذا الأمر، والمؤذن لا يؤذن حتى يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وإذا أذن المؤذن والحالة هذه فيجب على كل من سمعه أن يمسك وهذا نص الحديث المتفق على صحته.
( إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ..) حتى هنا بمعنى (إلى أن) ، أي إلى أن يؤذن ابن أم مكتوم . (إن بلال يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) ، مفهومه أنه إذا أذن وجب عليكم الإمساك تقدم أن بعض العلماء يقول أن هذا على الأولوية والصواب أنه على الإيجاب، ومنهم من قال بأنه واجب ولكن لا يلزم من ذلك أنه من خالف يعتبر مفطراً ،والاحتياط في هذا الباب مشروع لاسيما وأن الأدلة قوية وظاهرة وهو مذهب الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين ، إذا تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ، فإنه يجب الإمساك عن الأكل وعن الشرب، إذا كان قد شرع قبل التبين ثم تبين فلا حرج أن يواصل حتى يفرغ من الطعام .(1/160)
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى والعمل على هذا عند أهل العلم أنه لا يحرم على الصائم الأكل والشرب حتى يكون الفجر الأحمر المعترض (حتى يكون ) أي حتى يوجد يكون هنا تامة ما معنى تامة ؟ المعنى مستغنية بمرفوعها عن منصوبها . قال أبو عيسى وبه يقول عامة أهل العلم أي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن التابعين وغيرهم ولم يحك أبو عيسى رحمه الله تعالى خلافاً في المسألة وإن كان قوله ( وبه يقول عامة أهل العلم ) قد يفهم منه أنه يقصد الأكثر ويحتمل أنه يقصد الجميع كما قال في المقدمة والعمل على هذا عند أهل العلم والصواب أن يقال والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم . إذن الخلاف محفوظ وقد قررته قبل قليل . قال بذلك حذيفة وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال بذلك معمر والأعمش وجماعة من الحفاظ لأن هذا مبني على الاختلاف في معنى الفجر الصادق من الفجر الكاذب، لذلك قال أصحاب هذا القول (لم يكن يعدون الفجر فجركم إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق) وهذا هو الذي حدا بالأعمش أن يقول (لولا الشهرة لصليت الغداة ثم تسحرت) تقدم قول علي رضي الله عنه أنه صلى الصبح ثم قال (الآن حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود) ولكن الأحاديث في الحقيقة صريحة وقوية الدلالة بأنه إذا أذن المؤذن الثاني هنا يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ويجب الإمساك .(1/161)
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى أخبرنا هناد ويوسف بن عيسى قالا أخبرنا وكيع عن أبي هلال عن سوادة بن حنظلة عن سمرة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق ) . قال أبو عيسى هذا حديث حسن، بمعنى أنه جاء من غير وجه وهذا الإسناد فيه أبو هلال محمد بن سليم الراسبي، مختلف فيه ولم يتفرد به، وقد رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه من طريق عبد الوارث عن عبد الله بن سوادة القشيري قال حدثني والدي أنه سمع سمرة، ورواه مسلم أيضاً من طريق شعبة عن سوادة عن سمرة .
وقوله ( لا يمنعنكم من سحوركم ) لأن بعض الناس يعتقد أن الفجر المستطيل الذي هو (كذنب السرحان) يمنع من الأكل والشرب حين كان بعض الناس يعتقد ولا يميز بين الأمرين نبه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الأمر وهو بهذا يريد أن يقول صلى الله عليه وسلم أن الفجر فجران فجر صادق وفجر كاذب كما قاله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الأخرى في حديث ابن عباس وفي حديث جابر جماعة من الصحابة رضي الله عنهم (لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال) أي من مواصلة السحور ،قد تقدم أنه جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ) .
قوله ( ولا الفجر المستطيل ) فإن هذا لا يمنع من الأكل ولا من الشرب ولكن أي الذي يمنع من الأكل والشرب ويحل الصلاة هو الفجر المستطير في الأفق، وتقدم أن يستبطن البياض المعترض أوائل الحمرة وهذا موافق للآية ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) [البقرة/187] .(1/162)
ونأخذ أيضا من هذا فوائد ، ننظر مشاركة الأخوة الفائدة الأولى : أن العبرة أو الواجب والفرض في الإمساك هو الفجر الصادق ولكن إذا كان الناس لا يميزون كواقع الناس اليوم الكثير من الناس لا يميز أو ما يكلف نفسه بذلك فإنه يجب عليه أن يلتزم بكلام المؤذن، بعض الناس يقول الآن المؤذنين يؤذنون قبل الوقت صحيح أن بعض المؤذنين يؤذنون قبل الوقت لكن إذا كان بعض الناس ما عنده أيضاً معرفة حتى لو قدر أن بعض المؤذنين يؤذنون قبل الوقت هو غير متيقن طبعاً إنما يسمع من كلام الناس ولا عنده معرفة في التمييز فإنه يمسك على المؤذن الذي يسمعه ولا حرج أن يمسك مع آخر مؤذن لأن الاشكال أن الناس يتفاوتون في الأذان هذا يؤذن وبعد خمس دقائق يؤذن قريب منه كان مفروض أنه يوجد توحيد للأذان حين يدخل الوقت وندع الاجتهادات في هذا الباب والاحتياط في هذا الباب غير مشروع أن الإنسان يؤذن قبل الوقت يحتاط هذا غير مشروع، لأنه يحتاط للصيام ولا يحتاط للصلاة وهذا غلط الاحتياط للصلاة أولى من الاحتياط للصيام لأنه إذا أذن قد تريد المرأة أن تصلي ومن حقها إذا أذن تؤدي النافلة ثم تصلي الفريضة والوقت لم يزل باق ولم يدخل إذن هذا غلط الذين يحتاطون الآن هم مخطئون في الحقيقة في هذا الباب .(1/163)
الفائدة الثانية : نعم نأخذ من هذه الأحاديث بالذات حديث سمرة (لا يمنعنكم من سحوركم بلال) بمشروعية نداءين النداء الأول والنداء الثاني ومنه من خص كجماعة من الأحناف في رمضان، الصواب أن هذا الحكم لا يختص برمضان وأن إيجاد نداءين لا يختص به رمضان والحكم عام في رمضان وفي غيره ولكن لا يلزم من ذلك أن ينادى النداء الأول في كل مسجد إذا كان في كل حي والناس يسمعون يكتفي بهذا . كم بينهما ؟ الحقيقة لم يأت تقدير واضح ممكن أن نعتمد على في ( كم بينهما ) أما ما جاء في البخاري من رواية القاسم أن يبنهما أن ينزل هذا ويصعد هذا فهذه الرواية موقوفة وفي نفس الوقت في معناها نظر، لكن في رمضان بقدر ما يستيقظ النائم ويطبخ ويتسحر، والسحور يسمى غداء إذاً يوجد فرصة للقيام وقيام الليل لمن لم يصلِّ مع الإمام والطبخ والأكل..(1/164)
نعم الأخ يقول فيه من الأحكام الشرعية المتعلقة بالقضاء والنذر ونحو ذلك، بالفجر الثاني لكن اليوم يدخل من غروب الشمس حين نقول مثلا اليوم الاثنين يدخل يوم الثلاثاء متى ؟ بغروب الشمس فإن الليل تابع للنهار من الغد إذا نذر نذراً في اليوم يختلف عنه إذا نذر نذراً في ليلة فلو نذر ليلة هذا صحيح لأنه خرج الليل إذا نذر يوماً فإن اليوم يبدأ من غروب الشمس إلى غروب الشمس من الغد، نعم فيه ضرورة تنبيه أهل العلم على ما يشكل على الناس فإن النبي صلى الله عليه وسلم أشار في هذا الأمر للتنبيه وقال ( لا يمنعنكم ) فإن العلماء يراعون حاجة الناس فيما يتحدثون عنه ويولون هذا الباب عناية أكثر من غيره والناس بحاجة الآن في صيامهم إلى ما يتعلق بأحكام النساء مثل أكل الحبوب وما يتعلق بذلك أحكام الحيض المتعلقة بالصيام أحكام متعلقة بمن أكل وشرب الأحكام المتعلقة بمن ظن غروب الشمس ثم أكل وقيل له أن الشمس لم تغرب ومثل هذه الأحكام التي يحصل السؤال عنها بكثرة كذلك السؤال في الخارج يحصل بكثرة وتقدم بيانه بتوسع مسألة دخول الشهر وجواز توحيد الرؤية وتقدم أن مالكاً يوجب هذا ، وهذا رواية عن الإمام أحمد الحديث عن هذا أيضاً بذكر مذاهب الأئمة فإن المسائل التي يحتاج إليها الناس يكون الحديث عنها أكثر ولا حرج من التكرار لأن هذا باب للعلم وباب للتعلم والتكرار لا حرج من ذلك ولا يسأم الإنسان من التكرار ربما تكون فائدة لم توجد فيما مضى فتوجد في الحاضر وفي نفس الوقت يستذكر الإنسان العلم، نعم جواز اتخاذ مؤذنين لمسجد واحد بمعنى الذي يؤذن الأول غير الثاني هذا صحيح ( إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) ولو نادى النداء الأول هو الذي ينادي النداء الثاني لا حرج من ذلك ولكن من أذن فهو يقيم استحباباً وليس بواجب .(1/165)
نعم فيه مشروعية السحور ونتحدث عن هذا إن شاء الله في بابه وأنه مستحب . الأخ محمد هل يؤخذ من هذا قبول خبر الآحاد ؟ نعم يؤخذ لأن الناس يفطرون بقبول خبر واحد إذن فيه الرد على الأشاعرة وبعض الفقهاء الأشاعرة لا يقبلون خبر الآحاد لا في العقائد ولا في غيرها وبعض الفقهاء وبالذات بعض فقهاء الحنفية يرفضون خبر الأحاد في الأحكام بشروط وضوابط عندهم ..... .
فهذا الحقيقة إنه دليل واضح على قبول خبر الآحاد ونحن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى أهل اليمن يبلغهم الدين كله وهو واحد ولم يعترض عليه أحد من أهل اليمن بأن هذا أحاد .
نقف على هذا ونأخذ إن شاء الله تعالى غدا( باب ما جاء في التشديد في الغيبة للصائم ) نتناول الآن بعض الأسئلة الواردة في هذا الباب .
س: الأخ السائل من الرياض يقول هل الحجامة تفطر؟(1/166)
ج: في الحقيقة تحدثت عن هذه المسألة في أحد الأسئلة الماضية وقلت أيضاً نتحدث عنها إن شاء الله تعالى في بابها وأشير إلى هذه القضية على عجل فإن الخلاف مشهور منهم من قال إن الحجامة تفطر وهذا المشهور في مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى وحكاه شيخ الإسلام بن تيمية عن أكثر أهل الحديث ومنهم من قال إن الحجامة مكروهه ولا تفطر إذا كانت تضعف الصائم ومنهم من قال أن الحجامة لا تفطر مطلقاً وهذا مذهب الشافعي وقال عن الأحاديث الواردة ( أفطر الحاجم والمحجوم )ونحو ذلك بأنها منسوخة وهذا الصواب من مذاهب العلماء بأن الحجامة لا تفطر الصائم مطلقاً وفي نفس الوقت هو قول الجمهور الصواب أن هذا هو قول الجمهور، والذي حكاه ابن حجر وغيره عن عامة الصحابة أو عن أكثر الصحابة والتابعين وقد قيل لأنس رضي الله عنه( أكنتم تكرهون الحجامة للصائم ،قال: لا إلا من أجل الضعف ) جاء في صحيح البخاري من طريق شعبة عن ثابت البناني قال قلت لأنس أكنتم تكرهون الحجامة للصائم قال لا إلا من أجل الضعف) الذي عند أبو داود وهو الذي أشار إليه الأخ محمد جاء من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى قال حدثني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (أن الرسول نهى الحجامة ومواصلة الصوم ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه) وإسناده صحيح وقد قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه (رخص للصائم في الحجامة والقبلة) من العلماء من يقول بأن الرخصة مقابلها العزيمة فرخص للصائم إذن في الحجامة والقبلة إذن الصواب أن الحجامة لا تفطر وعليه أخذ الدم في نهار رمضان لا يضر الصيام .
س: الأخ يقول وإن كان السؤال غير متعلق في الصيام . هل تقول في حديث لأبي بردة في الأضحية بقول شيخ الاسلام بأنها ليست خصوصية له بل لكل من وافق حاله ؟ .(1/167)
ج: نعم هذا هو الأقرب على الصواب وأنا توسعت في هذه المسألة في الأضاحي وتحدثت عن هذا الموضوع وإن شاء الله إذا تيسرت الأمور ووصلنا إلى هذا الباب نعيد ما تقدم شرحه لكنه موجود ومقيد موجود في بعض الأشرطة وبعض الكتب في تقرير هذه القضية وخلاف العلماء في هذه المسألة ولكنه نعم ليس بخاص لأبي بردة وأنه لكل من وقع في مثل حاله .
س: الأخ السائل من الكويت يقول ما حكم التقبيل في أثناء الصيام للمتزوجين ؟(1/168)
ج: هذه المسألة أيضاً أحد المسائل التي تقدم الحديث عنها في أحد الأسئلة ونأتي عليها إن شاء الله في بابها وأشير أيضا على المسألة على عجل . منهم من حرم القبلة للصائم خشية أن يمذي ولأنه إذا أمذى أفطر ، ومنهم من فرق بين الشاب الصغير والشيخ الكبير ، ومنهم من قال بأن القبلة للصائم جائزة مطلقاً وهذا الصواب سواء كان شاباً صغيراً أو شيخاً كبيراً لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم . الحديث في الصحيحين كان يباشر وهو صائم والحديث متفق على صحته والله جل وعلا يقول {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }الأحزاب21 ،فإن قدر أنه أمذى حين يقبل فالصواب أنه لا يفسد صومه واختلف العلماء رحمهم الله تعالى فيما لو أمنى فقال الأئمة الأربعة بأنه يقضي يوماً مكانه يمسك بقية يومه ويقضي يوماً مكانه ،ومنهم من قال بأنه يصح صومه لأنه لما أبيح له هذا لحقته توابع القبلة من أبيحت له القبلة أبيحت له توابعها ولكن من علم من نفسه أنه قد يمني إذا قبل يتجنب التقبيل وإن كان الأصل في القبلة بأنها جائزة للصائم وأما قوله صلى الله عليه وسلم (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)،الصواب أن المقصود بالشهوة هو الجماع فإن من جامع في نهار رمضان وهو عالم ذاكر لصومه فإنه يمسك بقية اليوم ويقضي هذا اليوم على الصحيح وعليه أن يعتق رقبة وأن يصوم إذا عجز عن عتق رقبة يصوم شهرين متتابعين إذا عجز عن ذلك يطعم ستين مسكينا والمرأة في ذلك كالرجل إذا كانت مطاوعة لزوجها فحكمها حكم الرجل على الصحيح لأن في المرأة خلافا وإذا كانت مكرهه أكرهها زوجها ولا تعلم الحكم الشرعي أو كانت نائمة فلم تعلم فلا شيء عليها .
في كثير من الأسئلة أعتذر ...... غير متعلقة بالصيام نحن نحب أن نتناول الأسئلة المتعلقة بالصيام.
س: هل قطرة العين تفطر ؟(1/169)
ج: الصواب أن قطرة العين غير مفطرة ولو وجد طعمها في الحلق الإنسان حين يطأ بقدميه الحنظل يجد طعمه في الحلق وهو غير مفطر وليس كل شيء يوجد طعمه في الحلق يكون مفطرا .
س: الأخ يقول إذا خرج الفجر الصادق والإنسان في حالة جماع فما الحكم ؟
ج: قلنا أنه إذا كان يأكل ويشرب فإنه يواصل والصواب أن الجماع بمعنى الأكل والشرب تقدم قول ابن عباس (كل وأشرب ما شككت) فإذا تبين وتيقن أن الفجر الصادق لم يأت بعد فإنه يأكل ويشرب، وإن دخل عليه الفجر الصادق وهو يجامع فلا حرج أن يواصل حتى يقضي حاجته ما لم يكن الجماع طويلاً بحيث يؤدي إلى تفويت الصلاة أو غير ذلك يتجنب هذا الأمر وإن احتاط لنفسه ونزع فهذا جيد .
س:.....
ج: نعم ( إن بلالاً يؤذن بليل ) قلت أنهم يجيبون على هذا الذين يجوزون الأكل ولو بعد الصلاة يقولون هذا على الأولوية ليس على الإيجاب يقولون حتى يؤذن ابن أم مكتوم يقولون هذا على الاستحباب وذلك على الجواز ، هذا جوابهم على هذا الحديث .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد .
16 - بابُ ما جاءَ في التَّشديدِ في الغَيبَةِ للصَّائمِ
702 - حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى أَخبرنَا عثمانَ بنُ عُمرَ قَالَ وحَدَّثَنَا ابنُ أَبي ذئبٍ عن سعيدٍ المقبريِّ عن أَبِيهِ عن أَبي هُريرةَ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "من لَمْ يَدَعْ قَولَ الزُّورِ والعملَ بِهِ فلَيسَ لله حاجةٌ بأَنْ يَدَعْ طعامَهُ وشَرَابَهُ".
وفي البابِ عن أَنسٍ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
الشرح :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه:(1/170)
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في كتاب الصيام (باب ما جاء في التشديد في الغيبة للصائم ) هذا الباب معقود لبيان تحريم الغيبة وقول الزور والعمل به على الصائم وهي لغير الصائم محرمة غير أن ارتكاب هذه الأمور في الصيام أشد وقد كان أئمة السلف في رمضان يجلسون في المساجد ويقولون نحفظ صيامنا فكانوا يجتهدون في رمضان في العبادة ما لا يجتهدون في غيره ويجتهدون في حفظ اللسان وتطهيره من الغيبة و النميمة والكذب أكثر من الاجتهاد في غيره لأنه جاء من الترهيب من هذه الأمور في رمضان ما لم يأت في غيره من الشهور وقد ذهب الأئمة الأربعة وغيرهم إلى أن الغيبة وإن كانت محرمة للصائم وغيره إلا أنها لا تفطر لأنه لم يأت دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتفطير بالغيبة أو النميمة أو بشيء من المحرمات باستثناء ما جاء من الأكل والشرب والجماع فهذه الأمور مجمع على كونها تفطر الصائم وفيه بعض الأمور المختلف فيها ، الغيبة ذكرك أخاك بما يكره وقد جاء في صحيح مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي مولاهم عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنهم قال سئل رسول الله أو قال النبي صلى الله عليه وسلم أتدرون ما الغيبة ، قلنا الله ورسوله أعلم وفيه رد العلم إلى عالمه وأن من سئل عن ما لا يعلم من الأمور الشرعية يقول الله ورسوله أعلم وإذا سئل عن الأمور الكونية إذا سئل رجل هل قدم زيد يقول الله أعلم إذا كان لا يدري ويحرم عليه أن يقول الله ورسوله أعلم وما يدري الرسول عن قدوم زيد لأنه لا يعلم الغيب ومعنى الله ورسوله أعلم في الأمور الشرعية( الله ) أي الرد إلى كتابه ( ورسوله ) أي الرد إلى سنته ففيهما الهدى والنور قال صلى الله عليه وسلم ذكرك أخاك بما يكره قيل يا رسول الله أرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته قال تعالى {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ(1/171)
وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً }الأحزاب58 ،الغيبة تكون بالكلام وتكون بمحاكاة الفعل قد تكون بالإشارة بالطرف أو باليد والغيبة مراتب بعضها أشد من بعض وقد استثنى العلماء رحمهم الله تعالى بناء على الأدلة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بعض المسائل من الغيبة وذلك بضوابط عندهم وشروط قد قال بعضهم :
والقدح ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر .
ولمظهر فسقا ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر .
قال أبو عيسى حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى أخبرنا عثمان بن عمر قال وحدثنا بن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه . قال وفي الباب عن أنس حديث أنس أخرجه الطبراني في ( الأوسط ) قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح، وقد رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه وتفرد به عن مسلم قال حدثنا آدم بن أبي إياس قال حدثنا ابن أبي ذئب قال حدثنا سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه عن أحمد بن يونس قال حدثنا ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة وفيه (والجهل) . أي (من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به) .(1/172)
ترجم الإمام أبو عيسى ( باب ما جاء في التشديد في الغيبة ) وليس في الحديث لفظ الغيبة، وقد قال جماعة من العلماء إن المعنى أو المقصود بقول الزور أي الغيبة وغيرها من المحرمات فترجم أبو عيسى لبعض أفراد المعنى، وهذا كثير في كلام السلف سواء كان في تفسير كلام الله أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم يفسرون الشيء ببعض أفراده كما في تفسير قوله جل وعلا { يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ }النساء51 ،منهم من قال الجبت الشيطان ومنهم من قال السحر ومنهم من قال غير ذلك قال تعالى {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ }الفرقان72 ،قيل لا يشهدون شعانين المشركين ولا يحضرون أعيادهم وقيل " ولا يشهدون الزور " أي لا يشهدون شهادة الكذب ولا ينطقون بالباطل وهذا قول الأكثر لأن قول الزور هو الكذب، والكذب مراتب والغيبة هي من قول الزور فإن من قال الكذب أو نطق بما يبغضه الله أو يبغضه رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه قد قال الزور .
قوله ( من لم يدع ) أي يترك ( قول الزور ) أي الكذب وجميع ما يبغضه الله ويبغضه رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا الخبر ليس حصراً في هذه الأمور فهذا تنبيه على ما عداها ففيه ما هو أعظم من قول الزور كأكل الربا وكالزنا ،شرب الخمر فإن هذه الأمور يجب تركها والبراءة منها سواء كان في رمضان أو في غيره ولكن تعاطيها في رمضان أشد منه في غيره .
قوله وفي الرواية الأخرى ( والجهل ) الجهل أي السفه فلا يجهل على الآخرين ولا يجرح كرامات الآخرين ويسيء إليهم بالباطل أو يقول على الله ما لا يعلم .
(والعمل به ) أي العمل بالزور أو العمل بالجهل فهذا كله محرم وفي الصيام أشد حرمة غير أن هذه الأمور لا تفطر الصائم ولكنها تنقص ثوابه .(1/173)
قيل للإمام أحمد رحمه الله تعالى أتفطر الغيبة الصائم ، قال: (لو كانت الغيبة تفطر الصائم لم تجدنا صائمين) قال ذلك تواضعا وهو هو بحفظ لسانه وتقواه لربه، وهذا كثير في كلام السلف يتواضعون في ألفاظهم وفي تعاملهم وفي نفس الوقت يكون هذا تعليماً للآخرين بوجوب حفظ اللسان، وفي نفس الوقت هي فتوى شرعية بأن الغيبة لا تفطر وهذا الذي اتفق عليه الأئمة الأربعة رواية واحدة عنهم بخلاف الإمام أبي محمد بن حزم رحمه الله فإنه يرى أن الغيبة تفطر الصائم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( فليس لله حاجة بأن يدع طعامه وشرابه ) فترجم لهذا الخبر بأن الغيبة مفطرة للصائم وهذا فيه نظر .
وقوله ( فليس لله حاجة ) أي ليس له مفهوم لأن الله غني عن العباد وغناه مطلق من كل وجه قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }فاطر15 ، الغني : الغنى المطلق ، فإن الله غني عن العباد غناً مطلقاً سواء تركوا هذه الأمور أم لم يتركوها ولكن هذا إشارة إلى الوعيد الشديد على من لم يترك قول الزور والجهل والعمل بذلك لأن هؤلاء يمسكون عن الأكل والشرب وهما حلالان في غير وقت الصيام ويفطرون على ما حرم الله عليهم مطلقاً فيفرون في أعراض المؤمنين والمؤمنات ويأكلون الربا ويروجونه ويشاهدون الخنا في القنوات الفضائية .(1/174)
قوله ( فليس لله حاجة بان يدع طعامه وشرابه ) أي فليس لله في عبده حاجة بحيث يدع طعامه وشرابه وإن كان الصيام يُسقط عنه الواجب لكنه ناقص الأجر والثواب، والناس يتفاوتون في الصيام على قدر تفاوت أداء هذا الواجب وأداء هذا الفرض وهذا تابع لمعتقد أهل السنة والجماعة بان الناس يتفاوتون في الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص، ويؤخذ من هذا الحديث تفاضل أهل الإيمان بالإيمان ففيه الرد على المرجئه وفيه الرد على الخوارج وجه هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ، ففيه أنه لم يكفر بهذه الأمور لأنه لما قال فليس لله حاجة أن يدع ويدع أمره وشأنه فاقتصر الترك على الأكل وعلى الشرب ففيه الرد على الخوارج، ولا يختلف أهل السنة والجماعة بأن الإيمان قول وعمل قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح والتعريف المشهور أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان هذا تعريف ناقص لأنه أخرج من ذلك أعمال القلوب لأن قول القلب غير عمل القلب، قول القلب هو تصديقه وعمل القلب هو حبه وخوفه ورجاؤه وولاؤه وبراؤه ولا يختلف أهل السنة أن الأعمال شرط للإيمان ومعنى هذا عند أهل السنة أي أن جنس العمل ،وليس معنى هذا المفردات أن كل عمل شرط للإيمان المقصود الجنس لأنهم لا يختلفون أن من شرب الخمر لا يكفر أن من زنا لا يكفر أن من اغتاب لا يكفر أن من تعاطى النميمة لا يكفر ما لم يستحل محرماً مجمعاً على تحريمه، والإيمان عند أهل السنة يزيد وينقص ونقصه مراتب منه ما ينافي أصل الإيمان ومنه ما ينافي كماله الواجب ولا يختلف أهل السنة على أن من مات مصراً على كبيرة أنه تحت المشيئة لقول الله جل وعلا {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ }النساء48 ،فهذه الآية فيها رد على المرجئة ورد على الخوارج ، " ويغفر ما دون ذلك " رد على الخوارج " لمن يشاء" رد على(1/175)
المرجئة، وأن من عذب من أهل الكبائر فإنه لا يخلد في النار وهذا الحديث فيه الترهيب الشديد من المحرمات من تعاطي المحرمات وفعل المحرمات وقول الزور والغيبة والنميمة وأكل الربا ونحو ذلك وأن هذه الأمور محرمة في كل وقت وفي كل حين وهي في رمضان أشد حرمة، ويؤخذ من هذا أن بعض أئمة السلف يفسرون بعض المعاني ببعض أفرادها وهذا كثير في كلامهم ويؤخذ من هذا أن ليس لله حاجة بعبادة فهم الفقراء إليه ولكنه أمرهم ونهاهم ويحب الله جل وعلا من يطيعه ويبغض من يعصيه وهو في كل هذا مستغن عنهم لا يحتاج إلى أحد منهم فإنه قد خلقهم ليعبدوه كما في قول الله جل وعلا {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56 ، أي يوحدون ، وقيل لآمرهم وأنهاهم، فلم يخلقهم من قلة فيستكثر بهم ولا من ضعف فيستنصر بهم ولا من وحده فيستأنس بهم فهو الغني عنهم .
ويؤخذ من الحديث أن الذنوب والمعاصي تؤثر على الأعمال الصالحة ،ويؤخذ من هذا التفريق بين فعل الذنب وبين الإصرار على الذنب لقوله (من لم يدع ) ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم (من فعل ) إذن هو يعمل الحرام ويثابر على فعله ولا يتركه فالذي يفعل الحرام ويلازمه بلا ريب أنه أعظم ذنباً من الذي يفعله مرة واحدة لأن الذنوب تتفاوت وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (ويل لأقماع القول الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون) وهذا حديث صحيح جاء من رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وقد رواه أحمد وغيره.
ويؤخذ من الحديث وجوب حفظ الصيام مما ينافيه أو ينقص ثوابه ويؤخذ من هذا أن الشرائع تؤخذ من الكتاب والسنة ما تؤخذ من العقل ولا يقولن قائل إذا كان الأكل والشرب والجماع تفطر الصائم فالغيبة من باب أولى فإن المحرم في التفطير أولى من الحلال في غير الصيام وهذا باطل في الحقيقة شرعاً وعقلاً لأنه دائما الذي يخالف النقل هو في الحقيقة فاسد في العقل لأن العقل الصحيح يوافق النقل الصحيح.(1/176)
17 - بابُ ما جاءَ في فَضْلِ السُّحُورِ
703 - حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ أَخبرنَا أَبو عَوَانَةَ عن قَتَادَةَ وعَبدِ العزيزِ بنِ صُهيبٍ عن أَنسِ بنِ مالكٍ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تَسَحرُوا فإِنَّ في السُّحُورِ بَرَكَةٌ".
وفي البابِ عن أَبي هُريرةَ وعَبدِ الله بنِ مسعُودٍ وجَابرِ بنِ عَبدِ الله وابنِ عبَّاسٍ وعَمرِو بنِ العاصِ والعِرباضِ بنِ سَاريَةَ وعُتبَةَ بن عَبدٍ وأَبي الدَّردَاءِ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ أَنسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ورُوِيَ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "فَصْلُ ما بَينَ صِيَامنَا وصِيامِ أَهلِ الكتابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ".
704 - حَدَّثَنَا بذلكَ قُتَيبَةُ أَخبرنَا اللَّيثُ عن مُوسَى بن عليِّ عن أَبِيهِ عن أَبي قَيسٍ مَولَى عَمرُو بنِ العاصٍ عن عَمرٍو بنِ العاصِ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلكَ.
وهَذَا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وأَهلُ مصرَ يقُولُونَ: مُوسَى بنُ عليٍّ، وأَهلُ العراقِ يقُولُونَ: مُوسَى ابنُ عليِّ بنُ رَباحٍ اللخمِيُّ.
الشرح:
قال الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى ( باب ما جاء في فضل السحور ) السَحور بالفتح وهو ما يتسحر به من الطعام والشراب وبالضم الفعل نفسه، فهذا الباب معقود لبيان سنية أكلة السحر وقد حكى بن المنذر والنووي وغيرهما الإجماع على أن السحور سنة وليس بواجب وقد قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه (باب بركة السحور من غير إيجاب ) لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه واصلوا ولم يُذكر السَحور لعله يعني بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم واصل وأصحابه يوماً وثانياً فلو كان السحور واجباً لما نكل بهم صلى الله عليه وسلم في الحرام في ترك الواجبات وفعل المحرمات وعلم أن السحور ليس بواجب .(1/177)
قال أبو عيسى حدثنا قتيبة أخبرنا أبو عوانه عن قتادة وعبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال تسحروا فإن في السحور بركة . وهذا الخبر رواه مسلم في صحيحه من طريق أبي عوانه عن قتادة ورواه البخاري في صحيحه في موضع واحد من طريق شعبة قال حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس رضي الله عنه وذلك تحت ترجمة باب بركة السحور من غير إيجاب وقد أشار الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى إلى أحاديث متعددة في هذا الباب وأشار إلى حديث أبي هريرة وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله وبن عباس وعمرو بن العاص والعرباض بن سارية وعتبة بن عبد وأبي الدرداء ويضاف إلى ذلك .
وفي الباب أيضا عن المقدام بن معدي كرب وأبي سعيد الخدري وبعضها صحيح وبعضها ضعيف .
وقد قال أبو عيسى عن حديث الباب حديث حسن صحيح وهو حديث متفق على صحته وقد تقدم .
قوله صلى الله عليه وسلم ( تسحرو ا) هذا أمر وقد ذهب أكثر الأصوليين والفقهاء إلى أن الأمر في الأحكام للوجوب والأمر في الآداب للاستحباب وهذا يعتبر حكما والأصل في الأوامر والأحكام الوجوب ما لم يمنع من ذلك مانع والصوارف كثيرة وقد جزم غير واحد من الأئمة أنه لا يشترط في الصوارف أن تكون في القوة كقوة الأمر وهذا صنيع كثير من الأئمة يأخذون بأدنى صارف .
طائفة من العلماء يرون التفريق بين تواتر الأدلة في معنى معين بكثرة الأوامر وبين وجود معنى جاء في حديث واحد فإن هذا قد يقتصر فيه على صارف يسير بينما لو تواترت الأدلة في معنى من المعاني في الأمر أو في النهي فلا نكتفي بالصارف أن يكون أدنى شيء لا بد أن يكون الصارف قوياً إذن نعتبر ذلك في الحقيقة في سياق الكلام ومدى قوة الصارف فلا نحكم في ذلك بحكم مطلق عام قال وفي المراقي : وأفعل لدى الأكثر للوجوب وقيل للندب أو المطلوب
وقيل للوجوب أمر الرب وأمر من أرسله للندب(1/178)
هذا إشارة إلى مذاهب أهل العلم رحمهم الله تعالى ومعروف أن المراقي في المذهب المالكي في الأصول ولكنه يشير تارة رحمه الله تعالى إلى مذاهب الأئمة، ( وأفعل ) أي صيغة أفعل ليس المقصود هذا اللفظ أي صيغة أفعل ما كان أمراً لدى الأكثر في جميع المذاهب للوجوب، ( وقيل للندب ) ( أو المطلوب ) وقيل للوجوب أمر الرب وأمر من أرسله للندب وفيه غير ذلك لم يذكره المؤلف رحمه الله تعالى .
وقوله صلى الله عليه وسلم ( تسحروا ) هذا أمر الأصل فيه الوجوب ولكن أفادت الأحاديث الأخرى أن السحور غير واجب فبقي الأمر على الندب وحكاه ابن المنذر والنووي وجماعة إجماعاً .
السحور يتأتى في الطعام والشراب لأن السحور هو ما يتسحر به من الطعام أو الشراب .(1/179)
قوله ( فإن في السحور بركة ) بركة أي بركة دينية وبركة دنيوية وقد ندرك بعض معاني هذه البركة وقد لا ندرك بعض هذه المعاني فمن البركة تطبيق السنة والعمل بمقتضياتها فإن الناس لا يزالون بخير ما داموا يبحثون عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعملون بمقتضاها، ومن جميل كلام سفيان رحمه الله قال إن استطعت أن لا تحك رأسك إلا بأثر فأفعل .(1/180)
وحكي عن عدد كبير من أئمة السلف أنهم يقولون لم يبلغنا شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عملنا به، ومنهم من يستثني بعض المسائل اليسيرة ومنهم من استثنى أنه ما استطاع أن يطوف على الدابة، ومنهم من استثنى أنه ما استطاع أن يعتق أمه فيجعل عتقها صداقها، أشياء تعد بالأصابع ونحن الأشياء التي لم نعمل بها بقدر عدد شعر الرأس، والسر في هذا والفرق بين هؤلاء الأئمة وبين من جاء بعدهم أن هؤلاء يطلبون العلم للعمل كما قال الشعبي وغيره (كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به) فلا يطلبون العلم لوظيفة ولا لمنصب ولا لجاه ولا لشهرة ولا لكي يجاروا به السفهاء ولا ليماروا به العلماء أو يسترزقوا به إنما يطلبون العلم ابتغاء مرضاة الله، ومن البركة مخالفة أهل الكتاب فنحن مأمورون بمخالفتهم ومنهيون عن التشبه بهم، وإن كانت طائفة من هذه الأمة يأخذون مأخذ الأمم السابقة شبراً بشبر وذراعاً بذراع وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا وهو خبر من النبي صلى الله عليه سلم والخبر لابد أن يقع الخبر في الصحيحين من رواية زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي سعيد الخدري، إلا أن هذا لا يعني التسليم بالأمر أو عدم الإنكار على من فعل وتعاطى هذا فنحن مأمورون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومأمورون بالاجتهاد في مخالفة أهل الكتاب والبعد عنهم وكل منا يبحث عن نجاة نفسه لأن من تشبه بقوم فهو منهم، وقد جاء في حديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحديث وفيه (من تشبه بقوم فهو منهم) وهذا الخبر إسناده حسن وقال عنه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في الاقتضاء إسناده جيد، وظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم وأقل أحواله التحريم، ومن البركة أنه إذا تسحر دفع عن نفسه الجوع والعطش لأن الصائم إذا حصل له الجوع والعطش أدى به إلى الكسل والفتور وهذا يؤدي إلى تفويت كثير من العبادات إذن في(1/181)
السحور بركة وهي التقوي على العبادة، ومن فوائد السحور أنه قد يأتي ضيف فيتسحر معه فيأخذ أجره ويأتي فقير فيتسحر معه فينال ثوابه وفيه غير ذلك من معاني البركة .
ويؤخذ من هذا الحديث أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان ففيه الرد على المرجئة لأنه إذا تسحر أجر إذن هذا عمل يؤجر على العمل وأن العمل داخل في مسمى الإيمان، وفيه أنه لا يجوز عزل الحديث عن الأحاديث الأخرى وأن النصوص يضم يعضها إلى بعض ويستخلص من ذلك حكم شرعي، وطوائف من الناس لا يكلفون أنفسهم البحث أو لا يجدون سبيلا إلى التفقه في هذه المعاني فيأخذون بحديث ويبطلون معاني الأدلة الأخرى وهذا غلط وجهل فنضم هذا الحديث إلى غيره حتى نستخلص المعنى المطلوب فحين نأخذ بهذا الحديث ونعزله عن الأحاديث الأخرى نقول بأن السحور واجب وهذا خلاف ما حكاه بن المنذر وغيره من الاجماع الإجماع ولو لم يرد اجماع في هذا فالأدلة قوية في أن السحور غير واجب حين نضم هذا الحديث إلى الأحاديث الأخرى نستخلص أن السحور غير واجب إذن الأحاديث يضم بعضها إلى بعض وتستخلص المعاني من ذلك .
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فصل بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أَكَلَةُ السحر قوله ( وروي ) هذه الصيغة عند المتأخرين صيغة تمريض تطلق هذه الصيغة على الحديث الذي فيه ضعف وفيه لين، والإمام أبو عيسى قال (ورُوي عن النبي) وهو حكم على الحديث بأنه صحيح وهذه طريقة الأئمة السابقين يطلقون صيغة رُوي على الصحيح وهذا كثير في صنيع البخاري والأئمة المتقدمين حيث تطلق هذه الصيغة في كلام أحمد أو البخاري أو مسلم أو أبي عيسى أو أبي داود وهؤلاء الحفاظ هم لا يعنون بها الحديث الضعيف وإن كان الاصطلاح عند كثير من المتأخرين على أن هذه الصيغة للضعيف ولكن فيما ورد من كلام المتأخرين وليس فيما ورد في كلام المتقدمين .
((1/182)
حدثنا بذلك قتيبة علقه أبو عيسى )ثم وصله ،قال حدثنا بذلك أي بحديث (فصل ما بين صيامنا )،قتيبة وهو ابن سعيد أخبرنا الليث وهو ابن سعد عن موسى بن عُلي بضم العين على الصحيح عن أبيه عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص يقال العاصي عن عمرو بن العاصي عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، قال أبو عيسى وهذا حديث حسن صحيح وقد رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه قال حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث هذا رواه مسلم بنفس سند أبي عيسى قال أبو عيسى وأهل مصر يقولون موسى بن عَلي بفتح العين وأهل العراق يقولون موسى بن عُلي بن رباح اللخمي وقد كان أمير مصر لأبي جعفر المنصور ست سنين وقد وثقه الإمام أحمد وابن معين والبخاري وأبو حاتم وابن سعد وقد خرج له الإمام البخاري في الأدب المفرد ومسلم والأربعة .(1/183)
قوله ( فصل ما بين صيامنا ) يحتمل أن تكون ( ما ) هنا زائدة ويكون المعنى الفارق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب السحور وهذا الحديث يصلح دليلاً لما قررت فيما مضى أنه ليس كل تشبه بالكفار يكون محرما وهذا من أقوى الأدلة في هذا الباب لأن الذي لا يأكل أكلة السحور يكون قد تشبه بأهل الكتاب ولم يرتكب محرماً بالإجماع قرره ابن المنذر والنووي وجماعة، وقلت هذا الذي يعبر عنه بكثرة شيخ الإسلام وغيره من الأئمة ويعبرون عن بعض الأمور لتشبه بالكراهية كقول جماعة من الأئمة على قوله صلى الله عليه وسلم ( صلوا بالنعال فإن أهل الكتاب لا يصلون) يقولون يستحب الصلاة بالنعال ولا يقولون يجب مع أن الذي لا يصلي بالنعال يكون قد تشبه بأهل الكتاب ولم يأثم كقول طائفة من الأئمة منهم ابن تيمية وهو أكثر شخصية علمية تحدثت عن النهي عن التشبه بأهل الكتاب أنه يجوز إفراد عاشوراء مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) لماذا، مخالفة لأهل الكتاب مع هذا يقول شيخ الإسلام بجواز إفراد عاشوراء ومنهم من قال يجوز إفراده ، يجوز المخالفة ولو مرة واحدة في العمر بحيث أنه يخالف مرة واحدة في العمر وما عدا ذاك يجوز أن يفرد عاشوراء نحن نتحدث عن رأي ابن تيمية يقول يجوز إفراد عاشوراء ولكن الغالب على أن أمور التشبه تكون محرمة ومن ذلك البدعة لا تكون إلا محرمة في الأصل ومنهم من يمتنع عن هذا الإطلاق ،الأصل في ذلك التحريم لقوله صلى الله عليه وسلم ( إن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) نتحدث عن هذه المسألة إن شاء الله حين نصل لأدنى مناسبة في التعليق على هذه القضية .(1/184)
نحن نتحدث الآن على فضل أكلة السحر وأن السحور فيه مخالفة لأهل الكتاب وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى وفيه أن مخالفة هؤلاء غاية مقصودة للشارع ويؤخذ من هذا مشروعية الولاء والبراء ويؤخذ من هذا أن الولاء والبراء كما يكون بالقلب يكون بالفعل ، ويؤخذ من هذا أن دين الإسلام دين مغاير لما عليه اليهودية والنصرانية ولذلك لا يختلف العلماء أن من سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم من اليهود أو النصارى ثم لم يؤمن به أنه من أصحاب النار جاء هذا في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يسمع به أحد من هذه الأمة لا يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بما أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ) فالذين الآن يعممون ويقولون عن اليهود والنصارى بأنهم إخوان لنا ويقولون نخسر الأخوة الطينية هذا غلط وتلبيس والذين يقولون بأن اليهود والنصارى لا نختلف معهم لأنهم يؤمنون برب ونحن نؤمن برب ويحاولون التقريب بين اليهودية والنصرانية وبين الإسلام بمعنى يذوب كل دين بالدين الآخر هذا ضلال وانحراف والذين يمتنعون عن تكفير اليهود والنصارى ويسمونهم أهل الكتاب ويقولون لا نطلق عليهم بأنهم كفار هؤلاء ضالون ومنحرفون ومن قامت عليه الحجة من هؤلاء فهو كافر بالله جل وعلا لأن الله سماهم كافرين ولا يختلف العلماء أن هؤلاء هم أصحاب السعير لذلك أمر الله بقتالهم حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ومن امتنع عن دفع الجزية وجب قتاله نحن ندعوهم إلى لإسلام فإن امتنع يطلب منه الجزية فإن امتنع يقاتل إذا كان في ذلك قدرة وسبيل إلى قتالهم ويؤخذ من هذا الحديث أيضا زيادة على فضيلة السحور بأن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان وفيه أن الإيمان يزيد وينقص وفيه الرد على المرجئه وفيه الرد على الخوارج وفيه الرد على المعتزلة وفيه أن ليس كل تشبه محرما يعتبر في ذلك بالأدلة والقرائن والنصوص فنحن لا نقول بالتحريم إلا لدليل ،الأصل في التشبه(1/185)
التحريم حتى يثبت دليل بأنه للكراهية وليس للتحريم نقف على قول أبي عيسى ( باب ما جاء في كراهية الصوم في السفر ) وننظر في أسئلة الأخوة .
الاسئلة :
س: الأخ هذا سائل من الجوف يقول أولا إني أحبك في الله أحبك الله الذي أحببتني فيه وجزاك الله خيرا وثانيا إذا كان الأذان حسب توقيت مكة متقدما على الوقت الصحيح فهل من بأس على من أكمل السحور لمدة ربع ساعة تقريبا بعد الأذان ؟
ج: توقيت مكة يختلف عن توقيت الجوف والجوف يختلف عن توقيت القصيم والقصيم يختلف عن توقيت الرياض ولكل بلد توقيته فلعل الأخ يقصد أنه إذا كان في مكة وان النداء متقدم على الوقت الحقيقي إذا كان عند الأخ يقين بأن الأذان متقدم على الوقت الشرعي فلا حرج يأكل حتى يدخل الوقت الشرعي وتحدثت عن هذه المسألة في عدة مرات بالأمس وقبل الأمس وإذا كان عند الأخ مجرد تقليد للآخرين أو ما يسمعه من الآخرين أن الناس يتقدمون بالنداء فهذا غير صحيح فكوننا نعتمد على أصحاب الخبرة من الفلكين وغيرهم بدخول الوقت أولى من كوننا نأخذ بالرأي المجرد عن البرهان وهذا في الحقيقة قاعدة عامة في الذين يعيشون في مكة وفي الذين يعيشون في الجوف والذين يعيشون في الرياض والذين يعيشون في القصيم الأصل أنهم يمسكون مع الأذان وإذا كان عند الإنسان يقين بأن الأذان متقدم فلا حرج أن يأكل وان يمسك مع ما يعلم يقينا بأنه هو الوقت المشروع المذكور في قوله الله جل وعلا ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) [البقرة/187]
لأننا نلحظ على بعض الأخوة يتحدث عن المسألة بدون دليل ويقول بأن النداء متقدم نطلب منه البرهان نطلب منه الدليل على هذا لعله قد يقلد من ليس أهلا للتقليد أو أنه يقول سمعت هذا وهذا غلط .
س: ...(1/186)
ج: والله ما أعلم دليلا على مضاعفة كل عمل في رمضان العامة عندنا الآن يتقصدون تأخير الزكاة إلى رمضان معتقدين أن الزكاة في رمضان أفضل من غيرها والواجب في المزكي إذا حال على المال الحول أن يبادر إلى إخراجها ولا يجوز أن يتأخر شهرا أو شهرين أو ثلاثة أشهر بدافع أنه في رمضان وهذا غلط ونظير هذا ما فعله كثير من الناس يعتقد أن الأعمال تضاعف في مكة هذا غلط الذي يضاعف في مكة الصلاة فقط هذا الذي ورد فيه النص نتقيد بالنص ولا ننشئ شيئا جديدا .
س: ...
ج: نعم الصدقة في رمضان أفضل من غيرها بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحرص على الإكثار من الصدقة وكان أسرع من الريح المرسلة فنتبع النصوص في كل قضية وفي كل عبادة ما جاء دليل على أنه أفضل من غيره فنعم وما يقال بأن الفريضة في رمضان تعدل سبعين فريضة هذا لا يصح ولم يثبت به ثم جاء أن النافلة في رمضان أفضل من غير رمضان لم يثبت به دليل فنحن نقول بموجب كل مسألة بدليلها الخاص إذا ثبت وإلا فالأدلة العامة ما تفيد هذا المعنى نعم شهر رمضان له مزية في الصيام ونفضله على غيره من بقية الشهور لوجود أو لتواتر الأدلة في هذا بقية العبادات نتتبع الأدلة في مواطنها .
س: الأخ يسأل عن صحة حديث ( صوموا تصحوا )؟
ج: هذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق ولا يصح من ذلك شيء وأمثله أن يكون موقوفاً .
س: الأخ يقول ما حكم غيبة المجنون وهل له غيبة ؟(1/187)
ج: الحكم يتعلق بالمجنون وبالصغير الذي لا لم يدرك وأن الحديث عنه بدون حق محرم سواء كان في الصغير أو المجنون لأن هذا جرح لمشاعر والديه وأقاربه وليس لكل أحد أن يغتاب أحدا إلا ما استثني بدليل ولكن أنا قلت قبل قليل أن الغيبة مراتب متفاوتة مثلا غيبة العالم تختلف عن غيبة العامي وغيبة العالم أعظم والسب يختلف ونحن نعلم أن سب الصحابة بالجملة يعتبر نفاقاً ولكن لو سب قبيلة بالجملة ما كان هذا النفاق بمنزلة النفاق في سب الصحابة فالغيبة مراتب فسب الصحابة غير سب التابعي وسب التابعي غير سب من جاء بعده وسب العالم غير سب العامي وسب العامي الصالح غير سب العامي الفاجر بالجملة لأن سب الفاجر أيضاً لا يجوز بدون مبرر لأن سبه بحدود أو غيبته بحدود معينة وضوابط شرعية أما ما يفعله كثير من الناس فيقولون الآن أن الفاجر ليس له غيبة مطلقاً فهذا غير صحيح له غيبة وله حرمة ولكن بضوابط الشرع .
فيه بعض الأسئلة من بعض الأخوة من الكويت ومن غيرهم لكن غير متعلقة في الحقيقة بالصيام فنعتذر من الأخوة التي غير متعلقة بالصيام لأننا نستوفي ما عساه أن يند عن الدرس فنتناوله .
س: الأخ يقول عاجل وضروري الإجابة عليه والسائل من جدة يقول وإن كان خارج الدرس يقول لكن مهم لنا نحن معلمين يقول الطلاب حول مشروعية الاحتفال بيوم المعلم العالمي وقبول هدية من الطالب بهذه المناسبة ؟(1/188)
ج: الاحتفال باليوم العالمي في الحقيقة هذا من التشبه بالغرب وإن هذا عادة وافدة إلى بلادنا من الغرب وليس لذلك أصل ثم إن احترام المعلم وتقدير المعلم هذا مطلوب مطلقا ليس له يوم محدد فينبغي البعد عن هذا وإذا كان هذا يعود بعود العام أم بعود الشهر يكون في اتخاذ هذا اليوم عيدا يكون محرما من جهتين من جهة التشبه بالكفار ومن جهة اتخاذ هذا اليوم عيدا أما قبول هدية من الطالب فلا يجوز قبول هدية مطلقا ( هدايا العمال غلول) فلا يجوز قبول هدية من الطالب مطلقا اللهم إلا إذا كان ليس يدرس عندك الطالب كان تخرج من المدرسة ونحو ذلك فإن هذه الهدية لا بأس أن تقبل باعتبار أنه لا يمكن مثلاً أن يغششه أو يمكن أن يساعده أو غير ذلك ينبغي البعد عن هذا وعدم قبول الهدية، بعض الناس يقول أنا أقبل الهدية وليس باعتبار أنه طالب ولا يؤثر هذا علي ونقول لو لم تكن معلما ما أعطاك هدية هلا جلس في بيته لينظر أيهدى إليه أم لا .
س: هذا الأخ سؤاله وإن كان تقدم أيضا الجواب عليه في عدة مرات لكن ما الصحيح في دخول شهر رمضان ؟
ج:نقول يعتبر فيه أحد أمرين إما أن نكمل عدة شعبان ثلاثين يوماً أو بأن يرى ويكتفى بدخول رمضان بشاهد واحد ثم قال علما بأننا رأينا من يعتمد على الحساب الفلكي لا يجوز الاعتماد على الحساب الفلكي إلا في النفي كما تقدم ،وتقدم أيضاً بضوابط والتقييد في هذا الباب وتقدم الحديث عن هذه القضية بتوسع لكن لا يجوز الاعتماد على شهر رمضان بمجرد الحساب فنحن نعتمد على الرؤية سواء كانت عن طريق المكبرات والمراصد أو عن طريق الرؤية الشخصية ويكتفي بذلك شاهد واحد إذا لم نر الهلال فنكمل عدة شعبان ثلاثين يوما .
س: هذا سائل من فلسطين يقول هل يجوز صيام الحساب والمنجم وما حكمه ؟(1/189)
ج: السؤال غير واضح ،لعله يسأل عن الاعتماد على الصيام بالحساب أنا قلت لا يجوز الاعتماد على الصيام بالحساب نعتمد على الرؤية ولو كانت عن طريق المراصد أو نكمل عدة شعبان ثلاثين أما الاعتماد على الحساب وعلى التقاويم دون الرؤية ودون إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما فهذا غلط لقوله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته أما الاعتماد على المنجمين فهذا حرام ولا يجوز بل يجب البراءة من الكهان والمنجمين والعرافين ويجب الكفر بهم لان هؤلاء من الطواغيت الذين يجب أن نكفر بهم قال الله جل وعلا { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ }البقرة256، ومن قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله، فإن المنجم مدع لعلم الغيب يجب البراءة منه وما حكمه ؟ حكمه حرام لا يجب الاعتماد على هؤلاء مطلقا وتقدم التفصيل في الاعتماد على الحساب في قضية النفي كما لو اتفق أهل الحساب على أنه لا يمكن أن يولد الهلال فإدعى شخص يقول ولد الهلال نقول هذا قرينة على تكذيب هذا المدعي بشرط أن يتفق أهل الحساب على هذا .
س:...
ج: يقال أنه يستحب ترك السحور مكروه والله ممكن يقال بهذا نعم فبالتالي هذا على قول من يقول بأن الوصال مكروه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر .
س: الأخ يسأل يقول عن حديث ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ) هل هو حديث صحيح أم ثابت ؟
ج: هذا حديث ضعيف فلا يعتمد عليه وليس بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
18 - بابُ ما جاءَ في كَراهيةِ الصَّومِ في السَّفَرِ(1/190)
705 - حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ حَدَّثَنَا عَبدُ العزيزِ بنُ مُحَمَّدٍ عن جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدِ عن أَبِيهِ عن جَابرِ بنِ عَبدِ الله ،أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إلى مكَّةَ عامَ الفَتحِ فَصَامَ حتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الغَمِيمِ وصَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ قد شَقَّ عَلَيهِم الصِّيَامُ وإِنَّ النَّاسَ ينظُرونَ فِيمَا فَعَلْتَ، فَدَعَا بقدحٍ من ماءٍ بَعدَ العَصرِ فشربَ والنَّاسُ ينظرُونَ إِليهِ فأَفطرَ بعضُهُم وصَامَ بعضُهُم، فبلغَهُ أَنَّ ناساً صامُوا، فَقَالَ أُولئكَ هُم العُصَاةُ".
وفي البابِ عن كَعبِ بنِ عاصمٍ وابنِ عبَّاسٍ وأَبي هُريرةَ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ جابرٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رُوِيَ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَيسَ من البِرِّ الصِّيامُ في السَّفَرِ".
واختَلَفَ أَهلُ العلمِ في الصَّومِ في السَّفرِ، فرأَى بعضُ أَهلِ العلمِ من أَصحابِ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغَيرِهِم أَنَّ الفِطرَ في السَّفرِ أَفضَلُ، حتَّى رأَى بعضُهُم عَلَيهِ الإعادةَ إِذَا صامَ في السَّفرِ. واختارَ أَحْمَدُ وإِسحاقُ الفِطرَ في السَّفرِ.
وقَالَ بعضُ أَهلِ العلمِ من أَصحابِ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغَيرِهِم: إِنْ وَجَدَ قُوَّةٌ فَصَامَ فَحَسنٌ وهُوَ أَفضلُ، وإِنْ أَفطرَ فَحَسنٌ، وهُوَ قَولُ سُفيَانَ الثَّوريِّ ومالكِ بنِ أَنسٍ وعَبدِ الله بن المباركِ.
وقَالَ الشَّافِعيُّ: إِنَّمَا معنَى قَولِ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَيسَ من البِرِّ الصِّيامُ في السَّفَرِ" وقولِهِ حينَ بلغَهُ أَنَّ ناساً صامُوا فَقَالَ: "أُولئكَ العُصاةُ" فَوَجْهُ هَذَا إِذَا لَمْ يحتملْ قلبُهُ قَبُولَ رُخصةِ الله تعالى، فأَمَّا من رأَى الفطرَ مباحاً وصامَ وقَوِيَ عَلَى ذلكَ فَهُوَ أَعجبُ إِليَّ.(1/191)
الشرح:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد :
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في كتاب الصيام (باب : ما جاء في كراهية الصوم في السفر): أي هذا باب ما جاء من الأحاديث الواردة في منع الصوم في السفر سواءً كان نفلاً أم فرضاً ويحتمل أن يكون المقصود بالكراهية التحريم وهذا قول طائفة من العلماء فإنهم يحرمون الصوم في السفر ويرونه معصية غير مجزئ عن الفرض وإليه ذهب جماعة من أهل الظاهر ويحكي عن عمر وابن عمر وجماعة من الصحابة والزهري والنخعي مستدلين بقول الله جل وعلا { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }البقرة 184 ،قالوا أن ظاهر الآية تفيد أن عليه العدة، ويحتمل أن يكون المقصود بالكراهية التنزيه وسواءً كان هذا أو ذاك فهو لا يمثل رأي الترمذي رحمه الله لأنه يترجم لما دلت عليه الأحاديث بدليل أنه ذكر بعد هذا (باب ما جاء في الرخصة في الصوم في السفر ) ولكن الصواب أن الأحاديث التي أوردها في الباب تفيد تحريم الصوم في السفر إذا كان يشق أو كانت القلوب لا تحتمل قبول الرخصة .(1/192)
قال الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى حدثنا قتيبة قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس معه فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام وإن الناس ينظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه فأفطر بعضهم وصام بعضهم فبلغه أن ناساً صاموا فقال أولئك العصاة ثم قال وفي الباب عن كعب بن عاصم وبن عباس وأبي هريرة ثم قال وهذا حديث حسن صحيح ،وهذا الخبر قد أورده الإمام مسلم في صحيحه من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد قال حدثنا جعفر عن أبيه عن جابر وقوله حدثنا عبد العزيز بن محمد هذا هو الدراوردي قال عنه الإمام أحمد رحمه الله تعالى ثقة في كتابه ضعيف في حفظه وفي مروياته عن عبيد الله بن عمر العمري كلام لأنه يقلب فيروي عن عبد الله بن عمر ويجعلها عن عبيد الله بن عمر ولم يتفرد بهذا الخبر وفي نفس الوقت لم يحتج به الشيخان في الأصول . قوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح وذلك في السنة الثامنة من الهجرة قيل لعشر خلون من رمضان، أي الصيام الشرعي الذي هو إمساك بنية عن أشياء مخصوصة من شخص مخصوص في زمن مخصوص ، إمساك بنية أي بقصد التعبد لله جل وعلا عن أشياء مخصوصة عن الأكل والشرب والجماع ( من شخص مخصوص ) وهو المسلم ،وتخرج المرأة إذا كانت حائضا ( في زمن مخصوص ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) [البقرة/187] ،وقال صلى الله عليه وسلم والخبر في الصحيحين (إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا فقد أفطر الصائم) .
قوله ( حتى بلغ كراع الغميم ) كراع بضم الكاف وفتح الراء والغميم بفتح الغين وهو وادي أمام عسفان .(1/193)
قوله ( صام الناس معه ) لأنهم لا يختلفون عن رسول الله في أمر فعله وهم محبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومتشوقون لفعله ليقتدوا به وهم أكثر الناس عملا بقوله جل وعلا {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }الأحزاب21 ،ومن عجائب ما نقل عن هؤلاء القوم الذين اصطفاهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً.
أن عبد الله بن رواحه حين ذهب إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في المسجد ويقول أيها الناس اجلسوا فجلس خارج المسجد امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيما بعد بفعله فقال (زادك الله طواعية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم)، وهذا جاء من رواية عروة وعروة لم يحضر الواقعة لعله أخذ هذا عن بعض الصحابة فقيل له أي فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن الناس قد شق عليهم الصيام فهم يصومون اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ولحقهم من جراء ذلك مشقة ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يلحقه شيء من هذا في الصيام سواء كان في الحضر أو في السفر وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم (أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني) وليس هذا الطعام حسياً كما يتصوره البعض هذا غلط .
قوله ( وإن الناس ينظرون فيما فعلت) : وإن الناس لعله يتحدث عن الأكثرية ففيه جواز إطلاق الكل والمقصود البعض كقول الله جل وعلا {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ }التوبة30 ،أي قالت طائفة من هؤلاء وكقول الله جل وعلا {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ }آل عمران173 ،الذين قال لهم الناس قاله طائقة من الناس وليس كل الناس.(1/194)
قوله ( فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه ): فيه معنى قول الله جل وعلا {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }التوبة128، ( من أنفسكم ) أي من أنفسكم وقيل من أنفسكم أي من جنسكم ( عزيز عليه ما عنتم) أي يعز عليه ما يعنت أمته عليهم ويشق عليهم . ( حريص عليكم ) على هدايتكم (بالمؤمنين رؤوف رحيم ) فهذا وصفه في التوراة والإنجيل والقران فحين بلغه صلى الله عليه وسلم أن الناس قد شق عليهم الصيام وأنهم ينظرون في فعله دعا بقدح وشرب أمام الناس لكي يروه ويفطروا ويؤخذ من هذا أنه يجب على والي أمر المسلمين أو على أمير السرية والرعية أن ينظر في شؤونهم وأن يحرص على أن يبتعد عما يشق عليهم وأن لا يجلب عليهم الضرر ولا إليهم وأن يقوم على رعايتهم وعلى مصالحهم وفيه أن العالم إذا خرج ومعه أناس يقتدون فيه ويعمل أعمالا قد لا يطيقونها أنه يتركها مراعاة لمصالحهم لأن الذي يفعل الشيء ولا يطيقه قد يكون كالمنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهرا أبقى ويؤخذ من هذا أيضاً نقل الخبر إلى العلماء وإلى الولاة فيما فيه مصلحة للأمة، أما التجسس والنميمة والبحث عن إيقاع الناس فهذا حرام ولا يجوز ومن هذا القبيل الرجل المنافق الذي قال ما رأينا مثل قراءنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب السنا ولا أجبن عند اللقاء فقال له عوف بن مالك كذبت ولكنك منافق ولأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب واخبره فوجد القرآن قد سبقه فحين أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم لماذا تخبرني عن هذا نفاق أو هذه نميمة وسكت النبي صلى الله عليه وسلم وهذا إقرار منه.
وان أقر قول غيره جعل كقوله كذاك فعل قد فعل .
وما جرى في عصره ثم اطلع عليه إن أقره فليتبع .(1/195)
ففرق بين نقل الحديث على وجه الإفساد وعلى وجه النميمة والغيبة والتفكه في أعراض الناس أو الترفع في ذلك أو التقرب إلى الآخرين بإيقاع المؤمنين وبين نقل الحديث أو نقل الواقع لمصلحة شرعية أو لمصلحة الأمة ولهذا في هذا الحديث ينقل واقع الناس وفي نفس الوقت يصور له واقعهم على الظاهر وأن الناس قد شق عليهم هو يبحث عن مصالحهم ولذلك هو لم يسم أحداً يقول إن الناس ولم يقل إن فلاناً وفلاناً مع أنه يقصد بالناس البعض .
قوله ( فأفطر بعضهم وصام بعضهم ) هذا يؤكد أن المقصود بأن الناس قد شق عليهم أي أن بعض الناس قد شق عليهم ويحتمل أن يكون قصد أن الناس قد شق عليه فعلا ولكن لم يرد بعضهم الفطر وإن كان قد شق عليه ( فأفطر بعضهم ) إقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وصام بعضهم أي واصل بعضهم أي لم ينشئوا أصلاً لأنهم كانوا صائمين فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناساً صاموا فقال (أولئك العصاة) ولفظ مسلم (أولئك العصاة أولئك العصاة)كرر ذلك مرتين ولعل لفظ مسلم أصح لأن عبد الوهاب بن عبد المجيد أوثق من عبد العزيز بن محمد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أولئك العصاة ) لأنهم قد خالفوا فعله قد قال غير واحد من العلماء يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالفطر لمصلحة بيان جوازه والرفق بهم فخالف بعضهم هذا تأويلاً لا قصداً، ظناً منهم أن هذه رخصة للذين لا يطيقون وأما الذين يطيقون فلا حرج فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أولئك العصاة ) ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أولئك العصاة ) لأن المشقة قد لحقتهم وأصابهم الضرر وفي نفس الوقت لا يزالون صائمين ولأن من لحقه ضرر من الصوم يجب عليه الفطر لأن هذا يعتبر من باب الحاجة أو من باب الضرورة ولذلك جزم غير واحد من العلماء أن من اضطر إلى أكل ميتة فلم يأكل ثم مات من الجوع فإنه في النار منهم مسروق والإمام أحمد وجماعة.(1/196)
ويؤخذ من الحديث التغليظ في الإنكار وهذا الباب تراعى فيه المصالح وتُدرأ فيه المفاسد .
ويؤخذ من الحديث الفرق بين النوع وبين العين، فرق بين أن تقول فلان من العصاة وبين أن تقول أولئك العصاة هذا حديث عن النوع وليس عن العين، ولذلك يقال عمن أكل الربا لعن الله آكل الربا ولا يقال له أنت ملعون ، لعن الله النامصة والمتنمصة ، فإذا رأيت النامصة لا يقال للنامصة أنت ملعونة إنما يقال أنما لعن الرسول صلى الله عليه وسلم النامصة والمتنمصة فهذا حديث عن النوع دون العين والحديث عن العين له شروط وضوابط أدق من شروط النوع ومناسبة الحديث للترجمة قوله ( أولئك العصاة ) ففيه كراهية الصوم في السفر لمن لا يطيقه أو يلحقه من الصوم ضرر ومشقة وقد أشار الأمام أبو عيسى رحمه الله تعالى إلى بعض الأحاديث الواردة في الباب وقال وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ليس من البر الصيام في السفر ) .(1/197)
قوله ( قد رُوي ) هذه صيغة تمريض هذا الذي اصطلح عليه كثير من المتأخرين ولكن هذه الصيغة لا تعني التضعيف ولا تمريض الحديث عند المتقدمين وقد يطلقها أبو عيسى على الأحاديث المتفق على صحتها وأطلقه البخاري وجماعة من الحفاظ بدليل أن حديث الباب( ليس من البر الصيام في السفر) متفق على صحته من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه فقال ما هذا ؟ قالوا صائم فقال (ليس من البر الصوم في السفر) . فقد سيق الخبر لبيان واقع الحال وأن من لحقه في الصيام مشقة فليس من البر صومه في السفر وليس فيه دلالة على تحريم الصيام في السفر مطلقا ونظيره الحديث الأول ليس فيه دلالة على تحريم الصيام في السفر مطلقا لأن هذا وذاك قد قيل في واقع معين وواقع حال وقد جاء في مسند الإمام أحمد من حديث كعب بن عاصم الأشعري ( ليس من أمبر أمصيام في أمسفر) وهذه الرواية شاذة، وقد قيل أن هذه لغة لبعض أهل اليمن يجعلون لام التعريف ميماً فغير ذلك كعب بن مالك على لغته، وقيل أن النبي صلى الله عليه وسلم نطق بهذا وعلى كل سواء قيل هذا أو ذاك فالخبر ضعيف لأن الرواية شاذة وعلى فرض صحتها يحتمل أن يكون كعب بن عاصم نطق بها على ما يعرفه من لغتة فتلقى ذلك الراوي عنه ونقل ما سمع .
قال الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى اختلف أهل العلم في الصوم في السفر ،في الإشارة إلى مذاهب العلماء وإلى أقاويلهم فوائد متعددة فمن ذلك البعد عن توهم الإجماع في مسألة من المسائل لأنه إذا عرف الخلاف عرف أنه ليس بمسألة إجماع .(1/198)
الأمر الأخر : التأدب مع المخالفين ،الأمر الثالث: عذر الأئمة المجتهدين وأن هذه هي أدلتهم وهذه مآخذهم لأن الذي لا يعلم إلا قولاً واحداً يتعصب على الأقوال الأخرى . فإذا عرف الأقوال الأخرى وعرف أدلتهم عرف أنهم أئمة مجتهدون وأنهم يعذرون لذلك لأنهم لا يقصدون إلا الحق ولا يقصدون إلا الوصول إلى رضا الله ورضا الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يبحثون إلا عن إتباع الحق ولم يزل أئمة السلف يقولون فيما يوردون من مسائل الاجتهاد كلامنا صواب يحتمل الخطأ وكلام غيرنا خطأ يحتمل الصواب سواء كانت المسألة اجتهادية مبنية على استقراء النصوص وواقع معين أو مسألة اجتهادية مبنية على أدلة مختلفة وذهب بعضهم إلى بعضها وترك البعض الآخر لأسباب إما بدافع أنه يعتقد أنها منسوخة أو أنها ضعيفة أو غير ذلك أو أنها مبنية على الفهم فهذا يفهم من النص كذا وذاك يفهم من النص كذا وكذا، فمن علم تحرية للحق وعلم صدقه وورعه فإنه يعذر، فالحقيقة مهما كان حجم مخالفته مادام أنه يبحث عن الحق ويبحث عن الصواب ولا يتعمد المخالفة ولم تشم منه رائحة العبث أو الهوى ولا يعني هذا أنه لا يمكن نقده أو الرد عليه هذا لا مانع منه ولكن بأدب واحترام وحسن ظن بالمخالف .
دائماً ما أذكر شروط النقد وهي خمسة وذلك باستقراء أدلة النبي صلى الله عليه وسلم وواقع العلماء :
الشرط الأول: العلم وله جهتان جهة متعلقة بالراد وجهة متعلقة بالمردود عليه .(1/199)
الشرط الثاني : الإخلاص لأنه إذا كان رده للتكثر به أو لمجاراة العلماء أو لصرف الأنظار إليه كان وبالاً عليه ولم يكن فيه بركة وفي نفس الوقت لا يزال في سخط من الله ولاسيما والعياذ بالله إذا كان يقصد التشهير أو الترفع فكثير من الأقزام من صغار الأسنان من السفهاء يقفزون على أكتاف الأئمة والأكابر وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( حق على الله أن لا يرتفع شيء من أمر الدنيا إلا وضعه الله) قال صلى الله عليه وسلم ( إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ) وهذا وذاك حديثان صحيحان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الشرط الثالث: العدل الذي قامت به السموات والأرض العدل الذي يحبه الله ويحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحبه الناس أجمعون وضده الظلم والجور والحيد عن الصواب والبغي والعدوان وهذا مما يبغضه الله ويبغضه رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ }الأنعام152.
الشرط الرابع : الإنصاف وهو اخص من العدل .
الشرط الخامس : الرحمة فإنه لا يمنع وهو ينقُد وهو يرد عليه أن يتمنى له الهداية والتوفيق ويحسن إليه وأن يعتبره أخاً ويعرف قدره ومكانته وأن يرحمه ويشفق عليه أن تزل قدمه بخلاف كثير من الذين يزاولون الردود فقد يفرح بعضهم لزلة فلان أو خطأ الآخر ليرد عليه ولذلك من علامة هؤلاء أن العبارة تحتمل أمرين يحملها على مافي نفسه وهذا خلاف الإخلاص والصدق وقد كان أئمة الهدى يرحمون المخالفين ويشفقون عليهم، وقد قال أحد أكابر أصحاب ابن تيمية رحمه الله تعالى قال يصف شيخه يا ليتنا لأصدقائنا كابن تيمية لأشد أعداءه وخصومه . وأكرر أن هذا لا يمنع النقد ولا يمنع الرد ولا يمنع بيان الصواب ولكن بفهم وعلم وإخلاص وصدق ونصح لله وللرسول صلى الله عليه وسلم قال تعالى { آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً }الكهف65 .(1/200)
وقال أبو عيسى واختلف أهل العلم في الصوم في السفر فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الفطر في السفر أفضل هذا القول الأول في المسألة وهذا مذهب أحمد وإسحاق وجماعة يختارون الفطر في السفر مطلقاً ولا يوجيبونه لقوله صلى الله عليه وسلم ( إن الله يحب أن تؤتى رخصه ) وهو حديث جيد من حديث ابن عمر وقد صححه ابن خزيمة وجماعة .
القول الثاني : وإليه أشار بقوله / حتى رأى بعضهم عليه الإعادة إذا صام في السفر ،وهؤلاء يوجبون الفطر في السفر ويقول ليس من البر الصيام في السفر وأن الذين يصومون في السفر يعتبرون آثمين ويعدون هذا الصيام غير مجزئ عن الفرض وهذا قول طائفة من أهل الظاهر تقدم أنه محكي عن عمر وابن عمر وأبي هريرة ومن التابعين الزهري والنخعي وهؤلاء يستدلون بقول الله جل وعلا { وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }البقرة 185 ،وأن ظاهر الآية عليه العدة ،وأجاب عن هذه الآية أكثر الأئمة بأن التقدير ومن كان مريضا أو على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر.
قال أبو عيسى وهو القول الثالث : وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إن وجد قوة فصام فحسن وهو أفضل وإن أفطر فحسن وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وعبد الله بن مبارك ومعنى هذا القول أن من كان لا يشق عليه الصيام ويجد من نفسه قوة فإن الصيام أفضل من الفطر وإن أفطر لا حرج من ذلك وهؤلاء يعتبرون الصيام أفضل وهذا عكس مذهب الإمام أحمد أن الفطر في السفر أفضل .
القول الرابع في المسألة : هو مخير مطلقا إن شاء صام وإن شاء أفطر دون تفضيل لأحد القولين .
القول الخامس: أفضلهما أيسرهما .(1/201)
وملخص ذلك يقال أنه يجوز الصيام والفطر لمن لا يشق عليه ذلك وأما الذي يشق عليه الصيام فالفطر واجب أو كان لا يشق عليه الصيام ولكن يلحقه ضرر سواء كان الضرر في الحال أو في المستقبل فإنه يجب عليه الفطر وإذا استوى الأمران فيه قوة على الصيام ويقدر على الصيام فهو مخير ولكن الفطر لعله أفضل لعموم أحاديث ( إن الله يحب أن تؤتى رخصه ) إذا كان الله يحب هذا فنحن نفعل ونسارع إليه ولكن قد يقترن بالأمر ما يجعل الصوم أفضل كما لو أنه أفطر فشق عليه القضاء في المستقبل لأن بعض الناس يسهل عليه الصيام في السفر ولا يشق عليه ولكن إذا أفطر صعب عليه في المستقبل القضاء فحينئذ نقول في حق هذا بأن الصوم أفضل لأنه لا يشق عليه ولكن يشق عليه القضاء في المستقبل وقال الشافعي إن من معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس من البر الصيام في السفر ).
وقوله ( حين بلغه أن ناسا صاموا قال أولئك العصاة ) قال فوجه هذا إذا لم يحتمل قلبه قبول رخصة الله تعالى فأما من رأى الفطر مباحاً وصام وقوي على ذلك فهو أعجب إلي تقدم توجيه هذه الأخبار وأن قوله صلى الله عليه وسلم " أولئك العصاة " أنه يحتمل أحد أمرين أنهم أمروا بذلك وخالف البعض اجتهاداً منه وظن أن الأمر ليس بواجب أو أنه ظن أن الأمر وقع فيمن شق عليه أو يعتبرون أنفسهم غير شاق عليهم أو غير ذلك من الأسباب وأما حديث ( ليس من البر الصيام في السفر ) تقدم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رأى زحاماً ورأى رجلاً قد ظلل عليه والخبر في الصحيحين حين لاحظ عليه النبي صلى الله عليه وسلم المشقة قال ليس من البر الصيام في السفر لكن الذي لا يشق عليه لا حرج فهذه رخصة ، وإلى هذا أشار الإمام أبو عيسى رحمه لله تعالى بقوله ( باب ما جاء في الرخصة في الصوم في السفر).
19 - بابُ ما جاءَ في الرُّخصَةِ في الصَّومِ في السَّفرِ(1/202)
706 - حَدَّثَنَا هارونُ بنُ إِسحاقَ الهَمَدَانيُّ أَخبرنَا عَبدَةُ بنُ سُلَيمانَ عن هِشامِ بنِ عُروَةَ عن أَبِيهِ عن عائِشةَ أَنَّ حمزةَ بنَ عَمرِو الأَسلميِّ سأَلَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصَّومِ في السَّفرِ وكَانَ يَسرُدُ الصَّومَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنْ شِئتَ فَصُمْ وإِنْ شِئتَ فأَفْطِر".
وفي البابِ عن أَنسِ بنِ مالكٍ وأَبي سعيدٍ وعَبدِ الله بنِ مسعودٍ وعَبدِ الله بنِ عَمرٍو وأَبي الدَّردَاءِ وحمزةَ بن عَمرٍو الأَسلميِّ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ عائِشةَ أَنَّ حمزةَ بنَ عَمرٍو الأَسلميِّ سأَلَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
707 - حَدَّثَنَا نَصرُ بنُ عليٍّ الجهضَميُّ أَخبرنَا بِشرُ بنُ المُفضَّلِ عن سعيدِ بنِ يزيدَ أَبي مَسْلَمَةَ عن أَبي نَضرةَ عن أَبي سعيدٍ قَالَ "كُنَّا نُسافرُ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شَهرِ رَمضَانَ فما يُعَابُ عَلَى الصَّائمِ صَومُهُ ولا عَلَى المُفطرِ فطرُهُ".
708 - حَدَّثَنَا نَصرُ بنُ عليٍّ أَخبرنَا يزيدُ بنُ زُرَيعٍ أَخبرنَا الجُرَيريُّ وأخبرنا سفيانُ بنُ وكيعٍ أخَبرنَا عبدُ الأعْلَى عن الجُرَيريُّ عن أَبي نَضرَةَ عن أَبي سعيدٍ الخُدرِيِّ قَالَ: كُنَّا نُسافرُ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنَّا الصَّائمُ ومِنَّا المُفطِرُ فلا يَجِدُ المُفطِرُ عَلَى الصَّائمِ ولا الصَّائمُ عَلَى المُفطِرِ، وكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ من وَجَدَ قُوَّةً فصامَ فَحَسَنٌ، ومن وَجَدَ ضَعفاً فأَفطرَ فَحَسَنٌ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
الشرح :(1/203)
باب أي هذا باب ما جاء من الأحاديث والأخبار الصحيحة من الرخصة في الصوم في السفر والرخصة مقابلها العزيمة تقدم الأحاديث المتقدمة وهي مفيدة على منع الصيام في السفر لمن يشق عليه الآن الرخصة في الصوم في السفر وليس لمن يشق عليه لأنه يبقى الحكم الأول معللاً وعلى بابه تقدم قبل قليل أيضاً أن مذهب الجمهور أنه يجوز الصيام في السفر لمن لا يشق عليه ويجوز الفطر وذهب الأكثر بأن الصوم أفضل لمن قوي عليه ولم يشق عليه وقال الإمام أحمد بأن الفطر أفضل وهذا قول إسحاق وإذا استوى الأمران معا قد يرجح الفطر أفضل عملا بحديث ( إن الله يحب أن تؤتى رخصه ) ما لم يترتب على ذلك مشقة في المستقبل فيكون الصيام أفضل إذن قد يقال بأنه يختلف باختلاف الأحوال واختلاف الأشخاص .(1/204)
حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني أخبرنا عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر وكان يسرد الصوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت فصم وإن شئت فأفطر . وفي الباب عن أنس بن مالك وأبي سعيد وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وأبي الدرداء وحمزة بن عمرو الأسلمي قال أبو عيسى حديث عائشة أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا حديث حسن صحيح .(1/205)
وقد أخرجه الإمام البخاري من رواية يحي ومن رواية مالك عن هشام بن عروة عن أبيه ورواه مسلم من طريق الليث من رواية حماد بن زيد وأبي معاوية وآخرين عن هشام أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه السؤال عما يشكل وفيه معنى قول الله جل وعلا { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ } النحل 43 ،قوله عن الصوم في السفر أي عن حكم الصوم في السفر ولعله يسأل عن واقع وأنه كان يسرد الصوم ويتابعه وقد جاء في رواية لمسلم يا رسول الله إني رجل أسرد الصوم أفأصوم في السفر، وجاء في الصحيحين أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم أأصوم في السفر، وكان كثير الصوم، وقد قال جماعة بأنه كان يصوم الدهر باستثناء يومي العيدين وأيام التشريق حقيقة إن هذا الخبر لا دلالة فيه أنه كان يصوم الدهر كله ولكنه يفيد أنه كان يكثر الصوم والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم صيام شيء من الأيام إلا يومي العيدين فصومهما محرم بالاتفاق ويعتبر الصوم باطلاً ولو كان صوم نذر ويحرم أيضا على قول الجمهور صيام أيام التشريق ولو لغير الحاج للحاج محل اتفاق والصواب يحرم صيام أيام التشريق ولو لغير الحاج وهو قول الجمهور وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر للحاج أو يوم العيد لغير الحاج وكذلك يحرم أو يكره على قول طائفة تخصيص يوم الجمعة بالصيام لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام ) والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التخصيص أما من له عبادة يصوم يوماً ويفطر يوماً فإنه بلا ريب إذا أفطر الخميس يصوم الجمعة ثم يفطر السبت إذن لا حرج أن يفرد الجمعة على هذا الحديث المتفق على صحته قوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن شئت فصم وإن شئت فأفطر ) وهذا فيه دلالة لقول الجمهور بأن الصوم والفطر في السفر مباحان فمن شاء صام ومن شاء أفطر(1/206)
ولكن من كان يشق عليه الصوم هذا يحرم وقد احتج الشافعي رحمه الله تعالى بهذا الخبر أن صوم الدهر وسرده غير مكروه لمن لا يخاف ضرراً ولا يفوت به واجباً بشرط فطر يومي العيدين وأيام التشريق وهذا قاله طائفة من العلماء ولكن في الاحتجاج بحديث الباب نظر لأن هذا الحكم قد يلتمس من أدلة أخرى كما أنه يلتمس المنع من أدلة أخرى لكن لا نلتمس هذا الحكم من حديث الباب فإنه ليس فيه الدلالة الواضحة على كونه يصوم الدهر كله ومن الأدلة الدالة لقول الجمهور أن الصوم والفطر في السفر مباحان أورده المؤلف بقوله حدثنا نصر بن علي الجهضمي أخبرنا بشر بن المفضل عن سعيد بن يزيد أبي مسلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال : كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان فما يعاب على الصائم صومه ولا على المفطر فطره وهذا الخبر رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في مثل هذا الإسناد قال حدثنا نصر بن علي الجهضمي فذكره ويؤخذ من هذا الخبر حرص الصحابة رضي الله عنهم على نقل العلم الذي تستفيد منه الأمة وفيه الاستفادة من العلماء وأهل الفضل في أسفارهم وفي شئونهم ، وفيه حكاية واقع الصحابة من رحمة بعضهم بعضاً وعذر بعضهم بعضاً حيث قال فما يعاب على الصائم صومه ولا على المفطر فطره ، وفيه الأدب مع المخالف وفيه احترام وجهة نظر الآخرين ما دامت مبنية على أسس وعلى أصول واضحة وفيه أنه لا حرج من الصوم في السفر ما لم يشق ، وأنه لا حرج من الفطر ، إذن يبقى الخلاف في الأفضل وليس في الحلال أو الحرام ، وفيه أن هذا الحديث يوضح معنى قول الله جل وعلا { وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }البقرة 185 ، ليس المقصود من الآية فالواجب عدة ،وأن المعنى هو ما قاله الجمهور " ومن كان مريضاً أو على سفر فأفطر فعدة من أيام آخر" فالسنة توضح القرآن وتبينه وتوضحه، وفيه أيضاً أن الأحاديث لا تفهم معزولة عن نظائرها ،حقيقة الفقه في(1/207)
الدين وحقيقة المعرفة حقيقة التبصر أن تضم الأحاديث بعضها إلى بعض لأن الذين يفهمون الأحاديث بعزلها عن الثانية بلا ريب أنهم ينحون منحى آخر في الترجيح ،الصحيح أن تضم الأحاديث بعضها إلى بعض ، أما إذا لم يبلغه الحديث الآخر فمعذور عند الله جل وعلا ولا يقال عنه ليس بفقيه ، قد يكون فقيهاً لكن ما بلغه الحديث الآخر أما الذي يبلغه الحديث الآخر ، ويحاول أن يأخذ بهذا دون ذاك فهذا قد يكون ناتجاً وليس بلازم عن قلة فقه أو عدم بصيرة بمعرفة مذاهب الأصوليين في مسائل ومراعاة أمور الترجيح لأن المرجحات تجاوزت عند الأصوليين أكثر من ثلاثمائة .
قال أبو عيسى حدثنا نصر بن علي أخبرنا يزيد بن زريع أخبرنا الجريري وأخبرنا سفيان بن وكيع أخبرنا عبد الأعلى عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال : كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يجد المفطر على الصائم ولا الصائم على المفطر وكانوا يرون أن من وجد قوة فصام فحسن ومن وجد ضعفاَ فأفطر فحسن ، وهذا الخبر رواه مسلم أيضاً من طريق إسماعيل بن إبراهيم عن الجريري ورواه من طريق قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد دون آخره (وكانوا يرون) .(1/208)
وسفيان بن وكيع المذكور في سند أبي عيسى سيئ الحفظ وهو ابن الإمام المشهور والحافظ الثقة المتفق على إمامته وجلالته وذلك أن سفيان بن وكيع ...(1)وراقه فنصح فلم ينتصح فترك حديثه ،ولكنه لم يتفرد بهذا الخبر وهذا الحديث فيه دلالة لقول الجمهور بأن الصوم والفطر في السفر مباحان وأن الصحابة كانوا يسافرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنهم الصائم ومنهم المفطر فلا يجد أي لا يقع في قلب المفطر على الصائم ، ولا يغضب أو يجد الصائم في قلبه شيئاً على المفطر ففيه فقه الصحابة وفيه رحمة بعضهم بعضاً وفيه الحرص على العلم وفيه حكاية واقع حالهم وشأنهم وفيه أن من المسائل ما يعذربه المخالف وفيه من المسائل ما لا يعذر به على حسب المسألة وعلى حسب المتكلم والمفتي في هذه القضية ولكن في هذا وذاك يجب مراعاة أدب الخلاف ووجود الرحمة التي تكون منبعثة من قلب مخلص وصادق يبحث عن الخير للناس أجمعين " وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم "
__________
(1) - في تهيب التهذيب قال ابن خزيمة عن سفيان بن وكيع : أن ورَّاقه أدخل عليه أحاديث فرواها فكلمناه فلم يرجع عنها فاستخرت الله وتركته .(1/209)
قوله( وكانوا يرون أن من وجد قوة فصام فحسن ومن وجد ضعفا فافطر فحسن) وهذا دليل لقول من قال بتفضيل الصوم لمن أطاقه بلا ضرر ولا مشقة تقدم أن من العلماء من قال أن الفطر والصوم سواء وهو مخير بين الأمرين دون ترجيح أحدهما على الآخر وتقدم أن الراجح في هذا هو التفصيل وأنه قد يكون الصوم مكروه على فلان دون الآخر أو محرما على فلان دون الآخر ولكن الذي يهمنا الآن أن الصوم والفطر في السفر مباحان لمن لا يشق عليه الصوم يبقى الخلاف في الأكمل والأفضل ويؤخذ أيضا من الحديث أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان قال أبو عيسى عن حديث الباب وهذا حديث حسن صحيح تقدم قبل قليل أن مسلماً قد خرجه من طريق إسماعيل بن إبراهيم عن الجريري ومن طريق قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد دون آخره (وكانوا يرون ...) نقف على قول أبي عيسى ( باب ما جاء في الرخصة للمحارب في الإفطار ) ونكمل ذلك إن شاء الله تعالى يوم السبت.
الاسئلة :
س: ...
ج: نعم ، واضحة يحتمل أنه ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا يرون معشر الصحابة سواء كانت من كلام أبي سعيد أو من كلام أبي نضرة .. إن كان من كلام أبي سعيد فهو يتحدث عن واقع الصحابة وإن كان من كلام أبي نضرة فهو ممن تلقاه عمن لقي من الصحابة ولكن كانوا يرون بلا ريب أنها ليست محل اتفاق لأنه تقدم أن بعض الصحابة يرى أنه يجب الفطر في السفر قول يحمل على الأكثرية أو الأغلبية ولذلك أنا أعبر بقضية ذهب الجمهور قال الجمهور مراعاة للقول الآخر المأثور عن جماعة من الصحابة وجماعة من التابعين كالنخعي والزهري وآخرين من العلماء .
س:....(1/210)
ج: فيمن قال بأن هذه الزيادة وكانوا يرون أنها جاءت من رواية الجريري بدليل أن ما جاء في مسلم من طريق قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد دون آخره وكانوا يرون هذا يعني يؤكد أن اللفظ ليس من رواية سعيد بدليل أن قتادة من أوثق الناس وقد رواه عن أبي نضرة دون هذه الزيادة أضف إلى ذلك أن الزيادة جاءت في كلام أبي عيسى وهي من رواية نصر بن علي الجهضمي وهو ثقة . ويزيد بن زريع وهو ثقة الجريري أيضا ثقة ولكن سفيان بن وكيع وهو سيء الحفظ فيكون الإسناد جاءت من رواية نصر بن علي أخبرنا يزيد بن زريع أخبرنا الجريري عن أبي نضرة فرواه قتادة وهو أوثق من الجريري فقد يقال إن اللفظة شاذة ..ليس بلازم أن تكون مدرجة من الجريري بل قد تكون شاذة .
ننظر في أسئلة الأخوان في النت .
س: الأخ يسأل عن التطير وهو درسنا اليوم إن شاء الله ... نأخذ درس التوحيد .
فيه أسئلة كثيرة طبعا غير متعلقة بالصيام فاعتذر للأخوة نحاول أن نستوفي ما يتعلق بقضية الصيام .
س: الأخ هذا سمير من مصر إنني أحبك في الله احبك الله الذي أحببتني فيه يقول هل شرط الإفطار في السفر وجود المشقة ؟
ج: إذا قلنا بالشرطية على الصحيح نعم يعني أنه يجب الإفطار في السفر إذا وجدت المشقة إذا ما وجدت مشقة فليس بواجب الأخ سأل عن الشرطية ونحن نفصل في الموضوع الأخ يقول هل شرط الإفطار ؟ إذا وجدت مشقة فيجب الإفطار على الصحيح وإذا لم توجد مشقة فهو مخير بين الصيام وبين الفطر والفطر أفضل ما لم يكن في القضاء في المستقبل عليه مشقة فيكون الصيام أفضل وفيه من فضل الصوم مطلقا دون أن يوجبه فبالتالي إذا وجدت مشقة فالفطر واجب وإذا لم توجد مشقة فهو مخير على خلاف في الأفضل .
س: الأخ يقول ولو سافر شخص في طائرة هل يجوز له الإفطار ؟(1/211)
ج:نعم يجوز له الإفطار ولو لم يجد مشقة لكن ليس شرطا لما هو من باب المباح ويقول طائفة من باب المستحب لحديث ( إن الله يحب أن تؤتى رخصه ) ما دام هذا يسمى سفرا فلا حرج أن يفطر فيه المسلم .
س: هذه السائلة تقول وهي تقول أيضا السؤال خارج الدرس الأسئلة التي جاءت في النت هي خارج الدرس امرأة تعمدت إسقاط حملها بعد شهر ونصف من الحمل ما حكمها ؟
ج: اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في حكم إسقاط النطفة أو المضغة أو العلقة ما لم ينفخ في ذلك الروح ونفخ الروح لا يتأتى إلا بعد مائة وعشرين يوما والصواب أن الحمل إذا لم يبلغ مائة وعشرين يوما يجوز إسقاطه بشرط أن يتفق الطرفان على إسقاطه الزوج والزوجة وإذا وجد على المرأة مشقة في الحمل فيجوز أن تسقطه بدون إذن الزوج ما لم ينفخ فيه الروح فإذا نفخ الروح فقد أجمع العلماء على تحريم الإسقاط ،الإمام احمد يجوزه في الأربعين وطائفة تمنعه بعد الأربعين كالحنابلة طائفة أخرى تجوزه بعد الأربعين تجوزه في الفترة بين الأربعين إلى الثمانين والصواب والعلم عند الله أنه يجوز الإسقاط ما لم ينفخ فيه الروح لأنه إذا نفخ فيه الروح فهو الذي تكون له حرمة وتتعلق به الأحكام الشرعية كما لو أن المرأة نفخ في ابنها الروح وتوفي عنها زوجها ثم أسقطت ،الصحيح أنها تخرج من العدة بينما لو لم تنفخ فيه الروح فلا تخرج من العدة أما إذا كان لحاجة فيجوز قبل نفخ الروح عند كثير من العلماء وأما بعد نفخ الروح فلا يجوز بإجماع المسلمين إلا في حالة واحدة إذا قرر الأطباء أنه لا يعيش إلا احدهما إما الطفل وإما المرأة فهنا جوز طائفة من العلماء إسقاط الطفل .
س: الأخ يقول إني أحبك في الله أحبك الله الذي أحببتني فيه يقول هل الصائم يفطر بالحجامة .(1/212)
ج: الصواب أن الحجامة لا تفطر الصائم وهذا قول الشافعي رحمه الله تعالى والجمهور على الصحيح فيه من يحكي عن الجمهور أن الحجامة تفطر الصائم والصواب أن الجمهور يرون أن الحجامة لا تفطر الصائم هذا قول الجمهور من الصحابة والتابعين وجماعة من الأئمة والأدلة على هذا كثيرة قد قال أبو سعيد رخص للصائم في الحجامة والقبلة رواه أبو خزيمة في صحيحه وصححه وقد سئل أنس أكنتم تكرهون الحجامة للصائم قال (لا إلا من أجل الضعف) رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه والأدلة على هذا كثيرة وقال الإمام أحمد بأن الحجامة تفطر الصائم لحديث (أفطر الحاجم والمحجوم ) القول الأول لعلة الأقرب والأرجح لكثرة أدلته وحديث أفطر الحاجم والمحجوم ليس بضعيف وهو في الحقيقة صحيح وله طرق متعددة عن جماعة من الصحابة ولكنه منسوخ .
س: الأخ يقول في سؤاله هل انعقد الإجماع إذا ما وجد مشقة هل انعقد الإجماع أنه يجب عليه أو يجوز له الصوم ، الصوم ما فيه إجماع في هذه القضية لأن بعض الذين يقولون بأنه يفطر في الصوم هؤلاء يرون هذا هو الواجب لأن بعضهم في الحقيقة لا يقيد هذا بالمشقة لأن الله قال " من كان مريضا أو على سفر " ولم يذكر المشقة والصواب أنه ليس فيه إجماع .
20 - بابُ ما جاءَ في الرُّخصَةِ للمُحَاربِ في الإفطَارِ
709 - حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ أَخبرنَا ابنُ لَهِيعَةَ عن يزيدَ بنِ أَبي حبيبٍ عن مَعمَرِ بنِ أَبي حُيَيَّةَ عن ابنِ المسيَّبِ أَنَّه سأَلَهُ عن الصَّومِ في السَّفَرِ فَحَدَّثَ أَنَّ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ قَالَ غَزَونَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رَمضَانَ غَزوَتينٍ يومَ بدرٍ والفَتحِ فأَفطرنَا فِيهِما".
وفي البابِ عن أَبي سعيدٍ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ عُمَرَ لا نَعرِفُهُ إِلاَّ من هَذَا الوجهِ.(1/213)
وقد رُوِيَ عن أَبي سعيدٍ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنَّه أَمرَ بالفطرِ في غزوةٍ غَزَاها". وقد رُوِيَ عن عُمَرَ بنِ الخطَّابِ نحوُ هَذَا، أَنَّهُ رخَّصَ في الإفطارِ عِندَ لقاءِ العدُوِّ. وبِهِ يقولُ بعضُ أَهلِ العلمِ.
الشرح:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه:(1/214)
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في كتاب الصيام تحت الباب العشرين ( باب ما جاء في الرخصة للمحارب في الإفطار ) باب أي هذا باب ما جاء أي من الأخبار في الرخصة الرخصة تقابلها العزيمة لقول الجمهور ، للمحارب أي للمقاتل وإن لم يكن مسافراً لأن المحارب يحتاج على قوة في مواجهة العدو والصيام يضعفه أمام عدوه وهذا يختلف من شخص إلى آخر فمن أضعفه الصيام جاز له الفطر فقد يجب عليه إذا كان يؤدي إلى نفوذ العدو المسلمين قد لا يجب عليه بل يشرع له الصيام إذا كان مطيقا ولا يتأثر لقوله صلى الله عليه وسلم (من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً ) متفق على صحته وقوله صلى الله عليه وسلم (من صام يوماً في سبيل الله) فسر من صام يوما في الجهاد سواء كان مرابطاً أو كان مقاتلاً ( باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً ) لأنه استطاع أن يتغلب على شهوته وأن يكبت جماحها بالصوم وفي نفس الوقت هو يواجه العدو فقام بمهمتين فكان له هذا الأجر وهذا الثواب وقيل المعنى من صام يوما في سبيل الله أي في ذات الله بمعنى أنه يقصد الإخلاص ولا يريد من المخلوقين لا جزاء ولا شكورا وقد جزم بالأول أكثر العلماء وقال بالثاني طائفة ومنهم من رجح الأمرين معا أي أنه من صام في سبيل الله مخلصا فله هذا الأجر وهذا الثواب ومن عزم على أن يصوم يوما من الأيام يقصد من وراء ذلك ابتغاء مرضاة الله فإنه لا يعدم من هذا الأجر وهذا الثواب والمقصود أن المحارب له رخصة أن يفطر إذا شق عليه الصيام في الحضر وإذا كان مسافرا فإن الفطر أفضل له لأنه أقوى له في مواجهة العدو فيكون المبيح للفطر السفر والمشقة والسفر مبيح للفطر باتفاق العلماء وقد تقدم تقرير هذا والأدلة الواردة في هذا الباب وقد أشار إلى هذا الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى بقوله وفي الباب عن أبي سعيد ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم للصحابة (إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى(1/215)
لكم ) قال أبو سعيد فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر ثم نزلنا منزلاً آخر فقال (إنكم مصبحوا عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا ) فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالفطر خشية أن يضعفوا فيستحوذ عليهم العدو ويستأصل شأفتهم وينال منهم وأما الفطر في الحضر الأصل عدمه الأصل أن من شهد الشهر فليصمه وليس له أن يفطر إلا إذا كان مريضاً بنص القران { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }البقرة185، فإن كان مريضاً أو على سفر أو كانت المرأة حائضا فهؤلاء يفطرون ، المرأة يجب عليها الفطر والمريض يفطر إذا كان يلحقه ضرراً صار واجباً والمسافر تقدم أنه مخير والمجاهد إذا كان يلحقه مشقة بالصوم أو أن الصوم يطمع العدو فيه أو يكون الفطر أقوى له في مواجهة العدو وصد عدوانه فهذه رخصة له في الفطر وإذا كان لا يطمع العدو أو لا يعلم عنه العدو ولا يشق عليه الصيام فليس له أن يترخص في الفطر لأن الأصل عدمه .(1/216)
قال الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى حدثنا قتيبة وهو سعيد قال أخبرنا بن لهيعه وهو عبد الله بن لهيعه المصري وثقه طائفة وقالت طائفة بأنه حسن الحديث إذا روى عنه أحد القدامى من أصحابه بالذات العبادلة عبد الله بن وهب وعبد الله بن المبارك وعبد الله بن يزيد المقري وقال الجمهور بأنه ضعيف مطلقاً لأنه سيء الحفظ وهذا قول يحي ورواية عن احمد وجماعة ولعله الأقرب إلى الصواب فإن عبد الله بن لهيعه سيء الحفظ وقد تقدم الحديث عنه في أوائل الجامع بتوسع وأن رواية العبادلة أحسن من غيرها وليست بصحيحة وسواء روى عنه أحد العبادلة أو لم يرو هو ضعيف ولكن رواية أحد العبادلة أو القدامى من أصحابه هي أحسن من غيرها وأعدل وقد فهم جماعة من المتأخرين من قول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى ورواية العبادلة أعدل من غيرها أن رواية العبادلة صحيحة ويوردون كلام الحافظ على إنه من الذين يذهبون إلى تصحيح رواية العبادلة عن ابن لهيعه وهذا الفهم فيه نظر، وهذا نظيره قول الأئمة وهذا أصح شيء في الباب لا يلزم منه أن يكون صحيحاً هو أصح شيء في الباب وقد يكون ضعيفاً فإذا قيل عن رواية العبادلة بأنها أعدل من غيرها لا يلزم من ذلك أن تكون صحيحة كما أنه لو قيل أصح من غيرها لا يلزم أن تكون صحيحة هي ضعيفة ولكن إذا قورنت برواية غيرهم يتبين الفرق وأن رواية هؤلاء أضبط وأعدل وأصح وفي نفس الوقت هي ضعيفة وعبد الله بن لهيعه يحتج به في باب المتابعات والشواهد ولكن ليس حديثه بحجة، عن يزيد بن أبي حبيب عن معمر بن أبي حيية ويقال معمر بن أبي حبيبة روى عنه بكير بن عبد الله الأشج والليث بن سعد ويزيد بن أبي حبيب وقال عنه ابن معين ثقة وقال العجلي ثقة وقد ذكره ابن حبان رحمه الله تعالى في ثقاته، وليس له عند الترمذي سوى هذا الحديث، عن ابن المسيب سعيد وهو من كبار التابعين من علمائهم وفقهائهم قد جزم غير واحد من العلماء بأنه أفقه التابعين أنه سأله أي أن معمراً(1/217)
سأل سعيد بن المسيب عن الصوم في السفر فحدث سعيد أن عمر بن الخطاب قال سعيد سمع من عمر بالجملة لأن سعيداً ولد سنة خمس عشرة وقد قال سعيد ولدت قبل مقتل عمر بثمان سنين ومثله يسمع ويحفظ وحين سئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن رواية سعيد عن عمر قال إذا لم يكن سعيد سمع من عمر فمن يسمع، وليس معنى كلام الإمام أحمد رحمه الله تعالى بأن سعيد سمع من عمر كل شيء هذا غير مراد، مقصود الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن سعيداً سمع من عمر بالجملة ومراسيل سعيد عن عمر صحيحه، إذا قلت بالمراسيل فأقصد بذلك الأحاديث المنقطعة لأن هذا هو الإطلاق المعروف عن أئمة السلف، فحدث حين سئل سعيد أن عمر بن الخطاب قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فيه إثبات جهاد العدو والجهاد نوعان جهاد طلب وجهاد دفع وكلاهما مذكوران في كتاب الله جل وعلا .(1/218)
ولا يختلف العلماء رحمهم الله تعالى في هذا وذاك ولكن جهاد الطلب يشترط له عدة شروط وجهاد الدفع لا يشترط له شرط وكل يخرج في مواجهة العدو على قدر طاقته وعلى قدر الحاجة إليه فمن الأول قوله جل وعلا {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ }البقرة193 وقول الله جل وعلا {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }التوبة29 ،فيجب قتال اليهود والنصارى إلا أن يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون والدعوة قبل القتال يدعون إلى الإسلام فإن امتنعوا يدعون إلى دفع الجزية فإن امتنعوا فإنهم يقاتلون إذا وجد إلى قتالهم سبيل، ومن الثاني قوله جل وعلا {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ }النساء75 ،إلى آخر الآية فهذه في جهاد الدفع وقد حكى ابن عبد البر والبغوي والقرطبي وشيخ الإسلام وغيرهم الإجماع على أن العدو إذا نزل ببلد من بلاد المسلمين وجب على أهل البلد مقاتلته ومدافعته حتى يطرد فإن قامت بهم الكفاية سقط الإثم عن الآخرين من المسلمين وإن لم تقم بهم الكفاية وجب على من قرب منهم مناصرتهم والمقاتلة معهم حتى يطرد العدو لأن العدو ليس له قرار في بلاد المسلمين وإذا لم يقم هؤلاء بالواجب فإن المسلمين يأثمون جميعاً وقد جزم غير واحد من الفقهاء بأن العدو إذا نزل في بلد إسلامي وجب على أهل البلد مدافعته من الذكور والإناث وهؤلاء يجوزون للمرأة المقاتلة في مثل هذه الحالات ويستدلون بمقاتلة أم سلمه وأم سليم وأسماء بنت يزيد وعائشة وجماعة من نساء الصحابة رضي الله عنهن نقول إن المرأة تمنع من جهاد الطلب ولا تمنع من جهاد الدفع والذي لا يستطيع(1/219)
مدافعة العدو بنفسه يجب عليه مدافعة العدو بلسانه وماله فأما باللسان فقد قال تعالى " وحرض المؤمنين " من التحريض ورفع المعنويات والتشجيع والحث والترغيب وبيان ما أعد الله جل وعلا للمجاهدين وأما الدفع بالمال فهذا واجب لأن القتال لن تقوم له راية بدون مال وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( جاهدوا المؤمنين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ) رواه الامام أبو داود وغيره من طريق حماد بن سلمه عن حميد الطويل عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا إسناد صحيح .
قوله ( غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان غزوتين يوم بدر والفتح) وهذا يعني أنهم كانوا مسافرين، ولا يختلف العلماء رحمهم الله تعالى في جواز الفطر في السفر ومنهم من أوجبه تقدم الحديث عن هذه المسألة بقي الحديث عن حكم الإفطار في الحضر وحيثما وجدت المشقة فثم الحكم وإذا لم توجد مشقة فالأصل في ذلك الصوم وليس لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يفطر في الحضر بدون عذر لأن الله جل وعلا أمر بالصيام والصيام هو أحد أركان الإسلام { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }البقرة185، أي من حضر منكم الشهر ولم يكن له مانع يمنعه من الصوم فالفرض عليه أن يصوم وليس له أن يفطر فإن أفطر بدون عذر فقد عصا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد جزم ابن مسعود وطائفة من الأئمة أنه ليس له قضاء لان هذا ذنب لا يكفره القضاء ونصر هذا القول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى، نظير هذا القتل عمداً من قتل عمداً ثم عفي عنه جزم غير واحد من العلماء أنه ليس له أن يكفر لأن هذا ذنب لا تجدي معه الكفارة حينئذ يسارع في الاستغفار والتوبة والاستكثار من الطاعات لعل الله أن يغفر له.(1/220)
وقال وذهب الجمهور منهم الأئمة الأربعة إلى أن من أفطر عمداً بدون عذر فإنه عاص لله وللرسول صلى الله عليه وسلم ويجب عليه القضاء لأن الله جل وعلا فرض على العباد شهر رمضان ومن افطر عشرة أيام بدون عذر لم يكن هذا الرجل قد صام شهراً والفرض عليه أن يصوم شهراً وكونه تعمد يعتبر عاصياً ولكن تبقى الذمة مشغولة حتى يؤدي هذا الواجب ولإنه إذا لم يقض يسارع كثير من الجهال إلى التساهل باعتبار أنه سوف يتوب ولا قضاء عليه، إذا علم أن القضاء ملزم به وأنه متعلق بذمته ينكل عن الإفطار بدون عذر هذا إذا لم يكن فطره عن جماع، إذا كان فطره بجماع فعليه الكفارة المغلظة يعتق رقبة مؤمنة إذا لم يقدر على عتق الرقبة فإنه يصوم شهرين متتابعين إن عجز عن ذلك وليس له أن يعتذر بالعجز وهو مطيق فإنه حينئذ إذا عجز بعذر شرعي يطعم ستين مسكيناً والصحيح في هذه الكفارة أنها على الترتيب وليست على التخيير وقد بحث هذه المسألة العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في ( تهذيب السنن ) ورجح هذا القول لقوة أدلته .
قوله ( فأفطرنا فيهما ) أي أفطرنا في هاتين الغزوتين، إن كان مسافراً فالسفر يبيح الفطر، ويكون في الغزو الفطر أولى، ولأنه أقوى على مواجهة العدو، وإن كان في الحضر فإنه لا يفطر إلا حيث توجد المشقة .(1/221)
قال أبو عيسى وفي الباب عن أبي سعيد وقد رواه مسلم في صحيحه من طريق معاوية بن صالح عن ربيعة قال حدثني قزعة عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم قال فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر ثم نزلنا منزلاً آخر فقال إنكم مصبحوا عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا ) فهذا أمر من النبي صلى الله عليه وسلم وقد أفادت الأحاديث الأخرى أن هذا الأمر للندب وليس للإيجاب، ولكنه واجب حين يرى أمير الرعية أن الصيام قد بلغ منهم الجهد وأنه قد يضعفهم أمام عدوهم فله أن يأمرهم بالفطر إذا غلب على ظنه إذا كان عالماً أن الصيام ربما يطمع العدو فيهم ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالفطر ونظير هذا حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بالفطر وقد بلغ منهم الجهد مبلغه فحين لم يفطر بعضهم قال أولئك العصاة أولئك العصاة . نظير هذا قوله صلى الله عليه وسلم ( ليس من البر الصيام في السفر ) يُنظر في هذا الباب المصالح العامة وتدرأ المفاسد .
قال أبو عيسى حديث عمر لا نعرفه إلا من هذا الوجه إي من رواية عبد الله بن لهيعه عن يزيد عن معمر وعبد الله بن لهيعه سيء الحفظ .(1/222)
قوله وقد روي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالفطر في غزوة غزاها وهذا في السفر، ولا يمتنع هذا في الحضر حين توجد المشقة، وقد روي عن عمر بن الخطاب نحو هذا أنه رخص في الإفطار عند لقاء العدو وبه يقول بعض أهل العلم إن كان في السفر الأمة مجمعه عليه، وإن كان في الحضر فالحكم متعلق بوجود المشقة، فإذا لم توجد مشقة فليس لأحد أن يفطر لأن الأصل في الحضر الصوم وليس له أن يفطر بدون عذر، فإن وجد عذر من جهد أو مشقة أو ضعف في مقاتلة العدو فلهم أن يفطروا فمن ذلك واقع المجاهدين في العراق مثلاً وواقع المجاهدين في فلسطين وواقع المجاهدين في أفغانستان وواقع المجاهدين في الفلبين وواقع المجاهدين في الشيشان فإن هؤلاء يقاتلون في بلادهم فإذا وجدت مشقة عليهم في مواجهة العدو فلهم الرخصة في الفطر ويقضون فيما بعد وإذا لم يكن عليهم مشقة يقاتلون وهم صائمون فليس لأحد منهم أن يفطر ومن قدر على مواجهة العدو وهو صائم ولم يضعفه الصوم عن المواجهة فيعتبر في حقه أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم ( من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا) وهذا متفق على صحته ولأن الأصل في الحاضرة الصوم وهذا الفرض على كل مسلم إذا كان الصيام يضعفهم في مواجهة العدو في مقاتلة العدو أو أن الصيام يطمع العدو فيهم فلهم أن يروا العدو أنهم مفطرون حتى لا يطمع العدو فيهم .
21 - بابُ ما جاءَ في الرُّخصةِ في الإفطارِ للحُبْلى والمُرضِعِ(1/223)
711 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ ويُوسُفُ بنُ عِيسَى قَالَ أَخبرنَا وَكِيعٌ أَخبرنَا أَبُو هلالٍ عن عَبدِ الله بنِ سوادَةَ عن أَنسِ بن مالكٍ رجلٌ من بني عَبدِ الله بن كعبٍ قَالَ:أَغارتْ عَلَينَا خيلُ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأَتيتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجدتُهُ يتغدَّى، فَقَالَ: ادنُ فكُلْ، فقلتُ: إِنِّي صائمٌ، فَقَالَ: ادنُ أُحدِّثكَ عن الصَّومِ أَو الصِّيَامِ: إِنَّ الله وَضَعَ عن المسافرِ شطرَ الصَّلاةِ، وعن الحاملِ أَو المرضعِ الصَّومَ أَو الصِّيَامَ. والله لقد قَالَهُمَا النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كليهما أَو أَحدهما، فيا لَهُفَ نفسي أَنْ لا أَكُونَ طَعِمتُ من طعامِ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
وفي البابِ عن أَبي أُمَيَّةَ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ أَنسِ بن مالكٍ الكعبيِّ حديثٌ حسنٌ. ولا نعرفُ لأَنس بن مالكٍ هَذَا عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيرَ هَذَا الحديثِ الواحدِ.
والعملُ عَلَى هَذَا عِندَ بعضِ أَهلِ العلمِ.
وقَالَ بعضُ أَهلِ العلمِ: الحاملُ والمُرضعُ يُفطرانِ ويقضيانِ ويُطعِمانِ. وبِهِ يقولُ سفيانُ ومالكٌ والشَّافِعيُّ وأَحْمَدُ. وقَالَ بعضُهم: يُفطِرانِ ويُطعِمانِ ولا قَضَاءَ عَلَيهِما، وإِنْ شاءَتا قَضَتَا ولا إِطعامَ عَلَيهِما. وبِهِ يقولُ إِسحاقُ.
الشرح:(1/224)
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى( باب ما جاء في الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع ) (باب) أي هذا باب ( ما جاء ) أي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرخصة أي من الرخصة، الرخصة مقابل العزيمة وجزم غير واحد من العلماء بهذا وهو قول الجمهور وقال آخرون بأنه لا يلزم من الرخصة أن يقابلها عزيمة لأن الرخصة عند هؤلاء قد تطلق على الأمر المباح على حسب ما يتصورونه فحينئذ لا تكون الرخصة في مقابل العزيمة، والصواب أن الرخصة قد تطلق على مقابل العزيمة وقد تطلق على غير مقابل العزيمة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب أن تؤتى رخصه) الحديث رواه ابن خزيمة وغيره إسناده صحيح عن ابن عمر.
قوله (في الإفطار) : أي في الحضر للحبلى أي الحامل، والمرضع أي التي ترضع ولدها، فإذا خافت المرضعة على الرضيع والحامل على الجنين فلهما أن يفطرا وهذه رخصة من الله جل وعلا فإن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن الحامل أو المرضع الصوم أو الصيام قد قال الله جل وعلا{ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }البقرة 184 ،وقد ذهب الجمهور بأن الحامل إذا خافت على ما في بطنها والمرضع إذا خافت على الرضيع فإنهما يُلحقان بالمريض وحينئذ يجب عليهما ما يجب على المريض من القضاء وهذا قول الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى .(1/225)
قال أبو عيسى حدثنا أبو كريب ويوسف بن عيسى قال أخبرنا وكيع أخبرنا أبو هلال أبو هلال هذا اسمه محمد بن سليم الراسبي عَدَلَ عنه يحي بن سعيد، وقال عنه النسائي ليس بالقوي، وأدخله الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب ( الضعفاء) ، وقال أبو داود ثقة، وقال ابن طهمان ليس به بأس، وقد سئل الإمام أبو زرعة عن أبي هلال فقال: لين وليس بالقوي، قال الحافظ ابن حبان رحمه الله تعالى: والذي أميل إليه في أبي هلال ترك ما انفرد به من الأخبار التي خالف فيها الثقات والاحتجاج بما وافق الثقات وقبول ما انفرد من الروايات التي لم يخالف بها الإثبات التي ليس فيها مناكير، وأبو هلال يروي هذا الخبر عن عبد الله بن سواده عن أنس وقد غلط في الخبر، ورواه وهيب بن خالد عن عبد الله بن سواده عن أبيه عن أنس، وهذا هو المحفوظ.
قوله (عن أنس بن مالك) : رجل من بني عبد الله بن كعب، أي ليس هو أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم .(1/226)
قال ( أغارت علينا خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم) : أي أغارت على قومنا، لأن أنس بن مالك كان مسلماً من قبل فأغارت الخيل على قومه، ففيه وجوب جهاد العدو وإن كان مشركاً لم يقبل منه إلا الإسلام لا تقبل منه جزية ولا غير ذلك يجب قتاله حتى يكون الدين كله لله وهذا حيث القدرة على القتال وإذا لم توجد قدرة يجب الإعداد إرهاباً للعدو وحفظاً لهيبة هذه الأمة واستعداداً للملاقاة قال تعالى {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ }الأنفال60 ،والذين يعتذرون الآن بضعف الأمة وعدم القدرة على المواجهة قد يصيبون من هذا الوجه ويخطئون من عدم تأهيل الأمة للإعداد لأنه إذا وجد ضعف في الأمة فيجب الإعداد ولا يعني هذا أن الأمة لا تواجه ولو كانت ضعيفة في جهاد الدفع لأن الأمة حتى لو كانت ضعيفة يجب عليها المواجهة ولن تغلب أمة إسلامية محققه لتوحيدها من قلة لذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن خروج اثني عشر ألف مقاتل من عدن ينصر الله بهم الدين ورواه الإمام أحمد رحمه الله تعالى بسند حسن، الطائفة المنصورة لا تزال باقية يقاتلون على الحق حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى وهذا جاء في مسلم وجاء في سنن أبي داود (حتى يقاتل آخرهم الدجال) هذا إشارة إلى أن الجهاد باقٍ كوناً وشرعاً وأنه لا تزال طائفة من هذه الأمة يقاتلون وأنه لن يثني المجاهدين عن عزيمتهم أحد ومهما وضعت من العوائق أمام امتداده فإن الجهاد سوف يمضي في هذه الأمة ويبقى ما بقي الليل والنهار بعز عزيز أوبذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام أو ذلاً يذل الله به الكفار والمنافقين والمرجفين والمفسدين في الأرض، وأما إن كان العدو من أهل الكتاب فقد تقدم قبل قليل بأنه يدعى إلى الإسلام إذا استجاب بها ونعمت وإن لم يستجب تطلب منه الجزية فإن امتنع وجب الاستعانة بالله والقتال .(1/227)
قال أنس بن مالك أغارت علينا خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يتغدى فقال أدن فكل . فيه إكرام الضيف ، فيه إكرام من ضرب عليك الباب أو دق عليك الباب ودخل عليك وأن هذا من مكارم الأخلاق ومعالي الأمور وفيه أمره بالدنو بمعنى القرب، من جميل الشعر :
وما الخصب للأضياف يكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب .
فإذا لم يستطع العبد أن يكرم ضيفه أو الزائر فلا أقل من كونه يتلطف له بالعبارة ولا يشعره بالضيق، فقال: (ادن فكل) فقلت: (إني صائم) فيه إخبار المرء عن ما هو عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما فليصل وإن كان مفطراً فليطعم) رواه مسلم في صحيحه، قوله صلى الله عليه وسلم (إن كان صائما فليصل) هذا طبعاً في صيام النفل ومعنى فليصل أي فليدع لأن الصلاة في اللغة تطلق على الدعاء قال تعالى { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ }التوبة103 ،وكما قال الشاعر
لها حارس لا يبرح الدهر بيتها وإن ذُبحت صلى عليها وزمزما .
((1/228)
وإن كان مفطراً فليطعم) إجابةً للدعوة وتطييباً لقلب الداعي، وقال هذا الرجل (إني صائم) لأنه يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب امتناعه من الدنو ومن الأكل، ففيه أن الإنسان إذا دعي إلى أمر ولا يحب أن يجيب أن يبرر هذا لئلا يقع في قلب الآخر شيء لأن الشيطان ينزغ بين العباد، وقال صلى الله عليه وسلم (ادن أحدثك) في محل جزم جواب الطلب عن الصوم أو الصيام، فقال (إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة) الرباعية تكون ركعتين وهذا يفيد أن الصلاة حين شرعت كانت تامة، وعائشة تقول( فرضت الصلاة حين فرضت ركعتين ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر) والخبر متفق على صحته، وابن عبد البر وجماعة يطعنون في حديث عائشة يضعفونه وهذا ما قاله طائفة حيث يقدمون هذا الخبر على حديث عائشة ومنهم من يطعن في حديث الباب ويقدمون حديث عائشة عليه ، الله جل وعلا يقول {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ }النساء101 ،ربما يقال أن معنى هذه الآية ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة أي حين زيد فيها لئلا يظن ظان أن صلاة السفر لا تزال أربعاً فقيل (ليس عليكم جناح أن تقصروا) بمعنى أنه رخصة لمن أراد أن يقصر ولا حرج أن يتم وهذا قول الجمهور باعتبار انه لو أتم في السفر لا حرج من ذلك ولكن القصر أفضل، وفيه من أوجب القصر والخلاف هنا كالخلاف في قضية الصوم في السفر منهم من قال بأن الصيام أو الإتمام في السفر كالقصر في الحضر، ومنهم من يرى أن الأمر فيه سعة وأن القصر أفضل والإتمام مباح ومنهم من قال أن القصر واجب ولكن ليس شرطاً للصحة، ونظيره الصيام تقدم منهم من قال إن الصوم في السفر حرام وإن صام أجزأه ومنهم من قال إن الصوم في السفر حرام وإن صام لا يجزئه.(1/229)
أجمع العلماء رحمهم الله تعالى أنه لا يقصر في السفر إلا الصلاة الرباعية الظهر والعصر والعشاء، اتفق الفقهاء أن المغرب والفجر لا تقصران، يؤخذ من هذا يسر الشريعة وسماحتها وفيه معنى قول الله جل وعلا { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }الحج78 .
قوله (عن الحامل أو المرضع الصوم أو الصيام) : أي ووضع عن الحامل والمرضع الصوم أو الصيام، قال الجمهور معنى الوضع هنا بمعنى أنه رخص للحامل إذا خافت على الجنين والمرضع إذا خافت على الرضيع أن تفطر وهذا الذي أفتى فيه الأئمة الأربعة رحمهم الله وحين يذهب عذرهما يجب عليهما القضاء لأمور :
الأمر الأول: أن الحامل والمرضع ينزلان منزلة المريض والله جل وعلا قال { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }البقرة 184 .
الأمر الثاني : منهم من حكى الإجماع على هذا وهذا الإجماع لا يصح، والصواب أن الخلاف محفوظ، منهم من قال بالقضاء ومنهم من لم يقل بالقضاء، والذين يقولون بعدم القضاء هم أئمة كبار كابن عباس وابن عمر وجماعة من الأئمة والحفاظ .
الوجه الثالث :يستدلون بقوله صلى الله عليه وسلم (الشهر تسع وعشرون) إذن الشهر إما يكون ثلاثين وإما يكون تسعاً وعشرين فيجب صيام هذا أو ذاك ولا يجوز النقص عن هذا العدد .
الأمر الرابع :أن الصيام من دين المسلمين وقد أوجبه الله وفرضه على العباد وجعله أحد مباني الإسلام والأصل في ذلك إكمال الشهر وهذا حاصل بيقين في الأدلة المتواترة كتاباً وسنة فلا ننتقل عن اليقين إلا بيقين مثله، وهذا الحديث ليس بصريح على أن الحامل لا تقضي ومن ذلك المرضع، الخبر يحتمل أحد أمرين وإذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال أمام الأدلة اليقينية القطعية ومن ذلك أنه لو كانت الحامل لا تقضي أو المرضع أن النبي صلى الله عليه وسلم يبين ذلك بياناً عاماً يعلمه العام والخاص .(1/230)
قوله (والله لقد قاله النبي صلى الله عليه وسلم كليهما أو أحدهما) : فيه جواز الحلف من غير استحلاف، وفيه جواز الحلف في تأكيد الأمور المهمة، قد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حلف من غير استحلاف بحدود ثمانين موضعاً .
قوله (فيالهف نفسي أن لا أكون طعمت من طعام النبي صلى الله عليه وسلم) : فيه التحسر على هذه الأمور لأنه يمكن تدارك هذا في المستقبل فالأمر الذي يمكن تداركه لا حرج من القول لو أني قد فعلت كذا لكان كذا وكذا وأما الأمور التي لا يمكن تداركها فالتحسر نوعان إذا كان يؤدي إلى التسخط أو يؤدي إلى تفويت واجب أو حتى ترك مستحب فهذا أقل أحواله أن يكون مكروهاً وقد يكون محرماً وإذا كان لا يؤدي إلى هذا ولا إلى ذاك فإنه مباح .
قال أبو عيسى حديث أنس بن مالك الكعبي حديث حسن ولا نعرف لأنس بن مالك هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث الواحد، حديث حسن بمعنى أنه جاء من غير وجه ولم يكن في رواته لا كذاب ولا متهم، والخبر قد رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه من طريق أبي هلال عن عبد الله بن سواده عن أنس، ورواه النسائي من طريق وهيب بن خالد عن عبد الله بن سواده عن أبيه عن انس وهذا أصح، ورواه أحمد والنسائي من طريق أبي قلابة عن انس وفي سنده اختلاف.
قال أبو عيسى رحمه الله والعمل على هذا عند بعض أهل العلم: بمعنى أن الله وضع عن الحامل والمرضع الصوم حينئذ تفطر ولا تقضي لأن الله وضع ذلك عنها.
وقال بعض أهل العلم الحامل والمرضع يفطران ويقضيان ويطعمان أما القضاء فقد قال به الجمهور وأما الإطعام فقد قال به سفيان ومالك والشافعي واحمد ولم يقل به الإمام أبو حنيفة رحمه الله.(1/231)
قوله وقال بعضهم يفطران ويطعمان ولا قضاء عليهما وإن شاءتا قضتا ولا إطعام عليهما وبه يقول إسحاق فعند إسحاق لا يجمع بين القضاء والإطعام، فإذا أفطرت الحامل والمرضع قضتا ولا إطعام أو أطعمتا ولا قضاء وقد ثبت عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا (الحامل والمرضع تفطر ولا تقضي) رواه الدار قطني وصححه، وروى من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر أن امرأته سألته وهي حبلى فقال (أفطري وأطعمي عن كل يوم مسكيناً ولا تقضي) ، وقال ابن حزم رحمه الله في ( المحلى ) عن الحامل والمرضع والشيخ الكبير ( إذا عجزوا عن الصوم قال أفطروا ولا قضاء عليهم ولا إطعام فإن أفطروا لمرض بهم عارض فعليهم القضاء لقوله تعالى { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }البقرة 184 ،وإذا سقط الصوم فإيجاب القضاء عليهما شرع لم يأذن به الله ولم يوجب الله القضاء إلا على المريض والمسافر والحائض والنفساء ومتعمدي القيء فقط) والجمهور ينازعون في هذا الأمر فيقولون عن الحامل والمرضع بأنهما يلحقان بالمريض وكون هذا ما ذكر في القرآن ذكر في الأدلة الأخرى والنصوص العامة، قد تقدم أن القضاء واجب بيقين وأن كل من أفطر فإنه واجب عليه بيقين ولذلك ما ذكر المتعمد ولا ذكر المجاهد إذا أفطر في الحضر لأن الحديث الوارد في ذلك ضعيف فنبقى على الأصل أن من أفطر فإنه يقضي، وحديث أن الله وضع عن الحامل والمرضع الصوم ليس بصريح أنهما لا يقضيان واليقين حاصل بوجوب القضاء فإذا وجد الاحتمال سقط الاستدلال، فإن قال قائل الصحابة كابن عمر وابن عباس أفهم للنصوص من غيرهم فحين يفهم ابن عباس ويفهم ابن عمر أن الحامل والمرضع تفطران ولا تقضيان يقدم فهمهما على فهم أبي حنيفة وفهم مالك وفهم أحمد وفهم الشافعي وهما يدركان معنى الآية ولاسيما أن ابن عباس فسر قول الله تعالى { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ }البقرة184 ،وهذا هو الذي حدا بجماعة من الأئمة(1/232)
إلى نصرة هذا القول، لكن قد يجاب عن هذا فيقال أن المسألة متعلقة بصيام شهر وقد تكون دلالة الآية قوية على عدم القضاء ولكن تبقى النصوص الأخرى وهي التي يمتلكها الأئمة الأربعة وغيرهم كقوله صلى الله عليه وسلم ( الشهر تسع وعشرون ) كقوله صلى الله عليه وسلم ( بني الإسلام على خمس ) فحينئذ قد تلد المرأة دائماً في رمضان فحينئذ ترضع فعلى هذا ممكن لامرأة أن لا تصوم أربعين عاماً أو خمسين عاماً إذن أين هذا الفرض الذي فرضه الله عليها أين الركن الرابع على قول أو الخامس على القول الأخر من أركان الإسلام ، فهذه المرأة ما أدت هذا الركن أربعين عاماً ، خمسين عاماً ، على القول بأن المرأة قد تحمل هذا العدد وعلى كل ممكن ألا تؤديه عشرين عاماً ثلاثين عاماً فنكون قد أسقطنا ركناً بقول واحد أو اثنين من الصحابة، وفيه أدلة أخرى صريحة في هذا الباب فيه أن هذا الشهر فرضه الله فحينئذ ليس المقصود تقديم قول الأئمة الأربعة على قول ابن عمر وابن عباس وهما هما في العلم والمنزلة ونحو ذلك ،إنما المقصود الأخذ بالأدلة الأخرى وأن الأئمة يستصحبون أدلة قوية في هذا الباب، وإلا الأصل في ذلك القضاء بمنزلة المريض بمنزلة المسافر وبمنزلة المتعمد على الصحيح وبمنزلة المجاهد إذا أفطر في الحضر وإنما رخص لهما في الفطر وأن الله جل وعلا وضع عنهما الصيام أي في هذا الشهر باعتبار أن الله رخص لهما في الفطر وليس بمعنى أنهما لا تقضيان لأن القضاء يؤخذ من أدلة أخرى، وهذا القول أحوط، قول الأئمة الأربعة أحوط وأدلته قوية ولاسيما فيه احتمال أن المرأة تظل عشرين عاماً ثلاثين عاماً لا تصوم . نقف على هذا وعلى قول أبي عيسى ( باب ما جاء في الصوم عن الميت ) .
الأسئلة:
س: الأخ يقول في أي كتاب تنصحون به أئمة المساجد قراءته على المصلين ؟(1/233)
ج: الكتب كثيرة في هذا الباب وإذا رأى الإمام المصلحة في القراءة في هذا أو ذاك فعليه أن يبادر بهذا المقصود أن لا يتخلى عن توجيه المصلين والحاضرين وإن كان طالب علم ويستطيع أن يقرأ في بعض الأحاديث كأحاديث بلوغ المرام وأحاديث البخاري أو مسلم ويشرح ويعلق فهذا جميل إذا كان لا يستطيع هذا فأرى أن كتاب المختار كتاب جيد ونافع والحقيقة أنه شامل لكل ليالي رمضان وهو لمجموعة من طلبة العلم في القصيم لم تذكر أسماؤهم وهو كتاب جيد ونافع بحدود أربعمائة ورقة ننصح الأخوة بقراءة هذا الكتاب لأنه جيد ووعظه قيم والأحكام المتعلقة بهذا جيده ونافعة ويستفاد من هذا الكتاب ويستفاد أيضا من الكتب الأخرى المتعلقة بالوعظ في رمضان سواء كان الوعظ بعد العصر أو في الليل والأمور المتعلقة بالأحكام ويحرص أئمة المساجد على الأحكام والأمور المتعلقة بحاجات الناس وتلبية رغباتهم والطلبات ويمكن أن يستضيف في كل يوم أو في كل ليلة أو في كل نهار أحد طلبة العلم يتحدث ويعلق على بعض الأحاديث المتعلقة بما يحتاجون إليه .
س: هذا سائل من الكويت يقول هل ابن لهيعه سيء الحفظ قبل الاحتراق الكتب أم بعده وما هو قول المحققين في حديثه إذا توبع ؟(1/234)
ج: الصواب أن ابن لهيعه ضعيف الحديث مطلقا،ً سواء قبل الاحتراق أم بعد الاحتراق، هذا إذا صح أن الكتب قد احترقت طائفة من العلماء كيحي بن سعيد لا يؤيد هذا ويرى يحي بن سعيد أنه سيء الحفظ مطلقاً سواء احترقت الكتب أو بعد الاحتراق وهذا هو الواقع والحقيقة أشرت إلى هذا قبل قليل وقلت أن الذين يقبلون حديثه من القدامى باعتبار أنه قبل الاحتراق ولكن الصواب أنه ضعيف مطلقاً سواء قلنا بأن الكتب قد احترقت أو لم تحترق سواء روى عنه القدامى أولم يرو عنه القدامى، وأما قول المحققين في الحديث إذا توبع الصواب إذا تابعه يعني من تقبل متابعته فإنه يحتج به وأنا قلت بأن ابن لهيعة يُقبل في المتابعات والشواهد وهذا قول طائفة من الأئمة وقلت بأن بعض العلماء يقبله مطلقاً وأن بعض الأئمة يضعف حديثه مطلقاً وبعض العلماء يقبله في رواية القدامى من أصحابه .
والله أعلم نكتفي بهذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
22 - بابُ ما جاءَ في الصَّومِ عن الميِّتِ
712 - حَدَّثَنَا أَبُو سعيدٍ الأَشَجُّ أَخبرنَا أَبُو خالدٍ الأَحمرُ عن الأَعمشِ عن سَلَمَةَ بن كُهَيلِ ومُسلِمِ البطينِ عن سعيدِ بن جبيرٍ وعطاءٍ ومجاهدٍ عن ابنِ عبَّاسٍ قَالَ: جاءَتِ امرأةٌ إلى النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ أُختي ماتتْ وعَلَيها صومُ شهرينِ متتابعينِ؟ قَالَ: "أَرأيتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُختِكِ دينٌ أَكنتِ تَقضِينَه؟ قَالتْ: نَعَم، قَالَ: فَحَقُّ الله أَحَقُّ".
وفي البابِ عن بُرَيدَةَ وابنِ عُمَرَ وعائِشةَ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ ابنِ عبَّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
713 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ أَخبرنَا أَبُو خالدٍ الأَحمرُ عن الأَعمشِ بِهَذَا الإسنادِ نحوَهُ. قَالَ مُحَمَّدُ: وقد رَوَى غيرُ أَبي خالدٍ عن الأَعمشِ مثلَ رِوايةِ أَبي خالدٍ.(1/235)
قَالَ أَبُو عِيسَى: ورَوَى أَبو معاويةَ وغيرُ واحدٍ هَذَا الحديثَ عن الأَعمشِ عن مسلمٍ البطينِ عن سعيدِ بن جبيرٍ عن ابنِ عبَّاسٍ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يذكرُوا فيه عن سَلَمَةَ بن كُهَيلٍ ولا عن عطاءٍ ولا عن مجاهدٍ.
الشرح:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد :
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في كتاب الصيام (باب ما جاء في الصوم عن الميت ) هذا الباب الثاني والعشرون من الأبواب الواردة في كتاب الصيام .
(باب ) أي هذا باب خبر لمبتدأ محذوف وتقدم مراراً إعراب نظائره ( ما جاء) أي من الأحاديث الصحاح في الصوم عن الميت بمعنى إذا توفي وعليه قضاء وليس المعنى إذا توفي في أثناء رمضان فإنه يكمل عنه بقية الشهر، والإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى لم يعط حكماً أو اجتهاداً أو ترجيحاً في هذه الترجمة وهذا كثير رحمه الله تعالى في تراجمه يشير إلى ما دل عليه الخبر وحين الحديث يذكر وما يتعلق به من الروايات يذكر مذاهب العلماء في هذا الباب، ومن جميل صنع أبي عيسى رحمه الله تعالى في جامعه أنه يجمع بين الرواية والدراية يجمع بين الناحية الحديثية والناحية الفقهية وهذا مهم جداً حيث يعرف طالب العلم الحديث ودرجته ويعرف فقهه ومن ذهب إلى ذلك وتقدم من قبل أن الناس ينقسمون في هذا الباب إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول :المحدثون الذين ليسوا بفقهاء وهؤلاء كثيرون وليس معنى ليسوا بفقهاء أنه ليس عندهم علم بالفقه أصلاً عندهم علم بالفقه وعندهم معرفة ولكن لا يجارون الآخرين قد مثَّلتُ لذلك بشعبة وعلي بن المديني ويحي بن معين وأمثال هؤلاء أئمة حديث ولم يشتهروا بالفقه والأحسن أن نعبر ويقال أئمة الحديث الذين لم يشتهروا بالفقه ما يقال عنهم ليسوا بفقهاء هذا القسم الأول .(1/236)
القسم الثاني :الفقهاء الذين لم يبرزوا في علم الحديث أو كانت عنايتهم بعلم الحديث قليلة يمثل لذلك بأبي حنيفة رحمه الله وجماعة .
القسم الثالث :الذين جمعوا بين الأمرين اشتهروا بالحديث واشتهروا بالفقه كسفيان ومالك والشافعي وأحمد والبخاري وجماعة من الأئمة وهؤلاء يتفاوتون في قدر الفقه وفي المعرفة في الحديث حريّ بطالب العلم أن يجتهد أن يكون محدثا ويكون فقيها وجامع أبي عيسى رحمه الله تعالى مجال لمعرفة النوعين معرفة علم الحديث ومعرفة الفقه.
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى حدثنا أبو سعيد الأشج قال أخبرنا أبو خالد الأحمر عن الأعمش عن سلمه بن كهيل ومسلم البطين عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد عن بن عباس قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أختي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين قال أرأيت لو كان على أختك دين أكنت تقضينه قالت نعم قال فحق الله أحق وفي الباب عن بريدة وبن عمر وعائشة قال أبو عيسى حديث ابن عباس حديث حسن صحيح وقد رواه البخاري من طريق أبي خالد الأحمر بمثله ورواه من طريق زائدة عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن بن عباس رضي الله عنهما قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أ فأقضيه عنها قال (نعم). وهذا فيه اختلاف عن سياق أبي عيسى بأمور :(1/237)
الأمر الأول: في هذا الحديث قال (جاء رجل)، الحديث الأول قال (جاءت امرأة)، في هذا الحديث قال (إن أمي)، الحديث قال (إن أختي)، في هذا الحديث قال (وعليها صوم شهر)، الحديث الآخر وعليها (صوم شهرين)، وهذا في صحيح مسلم بمثله أي من طريق زائدة عن الأعمش من هذا الطريق، وجاء في الصحيحين من طريق عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة قال حدثنا الحكم قال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال (جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر)، وقد حكم على هذا الحديث بالاضطراب عياض والقرطبي وغيرهما وذلك للاختلاف الكثير في هذا الباب فمنهم من يقول جاء رجل ومنهم من يقول جاءت امرأة منهم من يقول وعليها صوم شهرين ومنهم من يقول وعليها صوم شهر ومنهم من يقول عليها صوم خمسة عشر يوماً ومنهم من يقول وعليها صوم نذر ومنهم من لم يذكر النذر، والذين يحكمون على هذا الخبر بالاضطراب يقولون بأن القصة واحدة وهذا الاختلاف في حديث واحد يوجب الحكم عليه بالضعف، وذهب أكثر أئمة الحديث إلى أن هذا الخبر محفوظ ولا أدلّ من هذا تخريج الشيخين لهذا الخبر، فقد رواه الإمامان البخاري ومسلم بنفس هذا الاختلاف وأورد هذه الروايات فمنهم من قال أن هذا دليل على اختلاف القصة وأن القصة قد تعددت ومنهم من قال أن هذا الاختلاف غير موجب للحكم عليه بالاضطراب فهو غير مؤثر على أصل القصة ولا مانع بأن الإنسان قد يغلط يقول جاء رجل وهي امرأة لكنهم لا يختلفون في السؤال عن كونها ماتت وعليها الصوم سواء صوم شهرا أو يوم أو يومين أو شهرين سواء كان الحكم يختلف لأن منهم من قال صوم شهرين يختلف عن مسألة صوم النذر ولاسيما مع رواية من روى شهر، ورواية من روى خمسة عشر يوماً.(1/238)
الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى حكم عليه بالصحة وقد أشار إلى بعض أسانيده قال حدثنا أبو كريب أخبرنا أبو خالد الأحمر عن الأعمش بهذا الإسناد نحوه قال محمد وهو محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى وقد روى غير أبي خالد عن الأعمش بمثل رواية أبي خالد قال أبو عيسى وروى أبو معاوية وغير واحد هذا الحديث عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه عن سلمة بن كهيل ولا عن عطاء ولا عن مجاهد وهذه الرواية التي قال أبو عيسى وروى أبو معاوية هي موجودة في صحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى .(1/239)
قوله ( جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت) فيه استفتاء المرأة للرجل وفيه أن صوت المرأة ليس بعورة وهذا قول الأكثر من العلماء، ولم يثبت دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم في كون صوت المرأة عورة، وقد جاء في مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين أخذ البيعة على النساء (ولا تكلمن من الرجال إلا المحرم) وهذا الخبر ضعيف، والصواب أن صوت المرأة ليس بعورة ولكنه فتنة وقد حرم الله جل وعلا على المرأة الخضوع بالقول فقال: { فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ }الأحزاب32 ،الخضوع بالقول محرم ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجل ولتصفق المرأة) والخبر متفق على صحته، فمنعت المرأة من التسبيح مع أنه عبادة ومشروعة في الصلاة لئلا تفتن الرجال وأُذِنَ لها بالتصفيق فكان هذا دليلاً على أن صوت المرأة فتنة وأن المرأة لا تخاطب الرجال إلا بقدر الحاجة وما زاد عن الحاجة فإنه قد يؤول إلى الحرام وإلى تعلق القلوب فإن الأذن قد تعشق قبل العين، وفيه يؤخذ من هذا الحديث أنه لا حياء في الدين قد قالت عائشة رضي الله عنها فيما روى عنها البخاري معلقا في صحيحه ووصله مسلم وغيره ( رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء من أن يتفقهن في الدين ) ولم يذكر في هذا الخبر من أن المرأة حين أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان معها محرم، فيحتمل أنها أتت لوحدها، ففيه دلالة حينئذ على جواز خروج المرأة وحدها إذا أمنت الفتنة لأن المرأة ما نهيت إلا عن السفر قال الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ) فحينئذ يجوز لها الخروج بدون محرم إذا لم تكن المسافة مسافة سفر بشرط أن تؤمن الفتنة ويحتمل أن هذه المرأة جاءت ومعها محرمها ولكنه لم يذكر لعدم الحاجة إليه وإن كان الأول لعله أقوى، ويؤخذ من الحديث حجية سكوت النبي صلى الله عليه وسلم(1/240)
والإقرار لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر المرأة أن تستفتي وقال الناظم :
وإن أقر قول غيره جعل كقوله كذاك فعل قد فعل .
وما جرى في عصره ثم أطلع عليه إن أقره فليتبع.
ويؤخذ من هذا الحديث سؤال أهل العلم والقصد إليهم للاستفتاء وقال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه (باب الرحلة في طلب العلم(1)ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد) وقد قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى (في مصر صحيفة لعلي بن أبي طلحة لو رحل رجل إلى مصر لكان مصيباً) وهذه الصحيفة تروى من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث عن معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، فهذا الإمام أحمد يقول لو أن رجلا رحل إلى مصر لطلب هذه الصحيفة لكان مصيباً أي ولم يكن في ذلك خسارة في رحلته لأن هذه الصحيفة مهمة وهذا الإمام أحمد نفسه رحل من بغداد إلى اليمن لأخذ العلم عن الإمام عبد الرزاق، وهذا عاصم الواسطي أعطى ابنه علياً مائة ألف درهم وأمره أن يخرج في طلب العلم وقال : (لا أرى وجهك إلا ومعك مائة ألف) حديث فرحل علي بن عاصم الواسطي فطاف البلاد شرقاً وغرباً ولم يرجع إلا وهو من أكابر الأئمة والحفاظ وقد ذكر الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى هذه الحكاية في تذكرة الحفاظ وقال: وكان له حلقة يحضرها ثلاثون ألفاً ولذلك يروي ويحكي عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه قال :
اصبرْ على مُرِّ الجفا من معلمٍ ... فإِن رسوبَ العلمِ في نَفَراتهِ
ومن لم يذقْ مُرَّ التعلم ساعةً ... تجرَّعَ ذلَّ الجهلِ طولَ حياتهِ
ومن فاتَه التعليمُ وقتَ شبابهِ ... فكبرْ عليه أربعاً لو فاتهِ
وذاتُ الفتى واللّه بالعلم والتقى ... إِذا لم يكونا له لا اعتبارَ لذاتهِ
__________
(1) - (باب الخروج في طلب العلم ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد) .(1/241)
وهذا الشافعي رحمه الله تعالى فإنه ولد بغزة وقيل ولد باليمن وهو قرشي وأمه حميرية فرحل إلى مكة وأخذ العلم ورحل إلى المدينة ومن المدينة رحل إلى البصرة وحين وصل إلى البصرة يريد أخذ العلم عن أبي يوسف لأن الشافعي ولد في نفس السنة التي توفي فيها أبو حنيفة رحمهما الله تعالى، ودخل على رجل يُرجِّله وكانت نفقة الشافعي قد انتهت ولم يبق معه سوى درهمين فامتنع الرجل أن يرجِّله إلا بخمسة دراهم فعرض عليه الشافعي درهمين فامتنع فخرج الشافعي رحمه الله وقال :
علي ثياب لو تباع جميعها بفلس لكان الفلس منهن أكثر.
وفيهن نفس لو تقاس ببعضها نفوس الورى كانت أجل وأكبرا .
يدل على هذا المعنى وعلى هذه المعاني قوله صلى الله عليه وسلم ( نظر الله أمريء سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع ) وهذا جاء عن جمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن عمرو وجماعة.
وقال أبو عيسى وهذا حديث حسن صحيح، قد رحل نبي الله موسى إلى الخضر ليأخذ عنه العلم ففيه رحلة الفاضل إلى من هو أقل منه فإن موسى بالاتفاق هو أفضل من الخضر، والصواب أن الخضر نبي وهو قول الجمهور ولكن رحل موسى إليه ليستفيد منه .
قالت هذه المرأة (إن أختي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين ) يؤخذ من هذا الإيجاز في السؤال بحيث يكون واضحاً فإن هذه المرأة أوجزت في السؤال وأتت بالمطلوب ولذلك لم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم منها ففيه ترك الاستفصال عند عدم الاحتمال ولو كان فيه احتمال لاستفصل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث ثابت بن الضحاك حين نذر الرجل أن ينحر إبلاً ببوانه استفصل النبي صلى الله عليه وسلم منه فقال (هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية هل كان فيها عيد من أعيادهم) كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفصل والاستفصال في مقام الاحتمال واجب .(1/242)
قولها ( وعليها صوم شهرين ) يحتمل أن هذين الشهرين نذر عليها ويحتمل أن هذين الشهرين كفارة وذلك لقولها شهرين متتابعين يحتمل أنها نذرت ويحتمل أن عليها كفارة، النذر هو إلزام المكلف نفسه بعبادة لم يوجبها عليه الشارع فإذا التزم وجب عليه الوفاء بشرط أن يكون النذر نذر طاعة لقوله صلى الله عليه وسلم ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ) والحديث في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها، فيجب الوفاء بنذر الطاعة ويحرم الوفاء بنذر المعصية، والصواب أن نذر المعصية فيه كفارة لحديث عقبة في صحيح مسلم (كفارة النذر كفارة يمين) فقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك باليمين ،ومعلوم أنه لو حلف أن يشرب الخمر يمنع من الشرب ويكفر عن يمينه، لو حلف وقال والله لأضربن عمروا، يحرم عليه أن يضرب عمرو لكن يجب عليه أن يكفر عن يمينه لأنه قد حلف، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم شبهه باليمين، كفارة النذر كفارة يمين، والمسألة خلافية وليست من بابنا لكن تمر إن شاء الله جل وعلا بنا نتحدث عنها بأوسع من هذا.(1/243)
قال النبي صلى الله عليه وسلم (أرأيت لو كان على أختك دين أكنت تقضينه) : يؤخذ من هذا القياس، وإليه ذهب الجمهور فإنهم يرون القياس بالشروط المعتبرة وامتنع من هذا الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى وأبطل القياس مع أنه رحمه الله تعالى قد وقع في أقيسه كثيرة في ( المحلى ) وإن كان هو يؤيد عدم القياس ولكن وقع في أقيسه كثيرة في المحلى، من لذلك رحمه الله تعالى يرى رفع اليدين في الأولى من تكبيرات الجنائز، ولم يرد في ذلك نص صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنما هو قياس على الفريضة أو الأخذ بأثر ابن عمر وهو لا يأخذ بقول الصحابي ولهذا نماذج وعلى كل الذي يهمنا الآن فيه مشروعية القياس بشرط أن تتوفر شروطه وان تنتفي موانعه وأن يكون القياس أقوى من الفارق، وأركان القياس أربعة: الأصل ، والفرع ، والعلة الجامعة التي تكون أقوى من الفارق، والحكم.
وفيه ضرب الأمثال فإن هذا أوقع في نفس السامع وأقرب إلى سرعة الفهم وبدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم حين ضرب هذا المثل للمرأة لم تستشكل فكان فهمها سريعاً لهذا الأمر وأدركت المقصود.
( قال أريت لو كان على أختك دين أكنت تقضينه قالت نعم) وفيه دلالة على أن الدين لا يسقط بوفاة من هو عليه، ويؤخذ من هذا مشروعية التناصر والتكافل وقضاء ديون الآخرين، يؤخذ من هذا فائدة الأخوة المرتبطة بالرحمة والدين والشفقة ونحو ذلك فإن هذه الأخت جاءت تسأل عن حال أختها تريد أن تعمل، وليس كحال كثير من الناس الذي يسأل عن وضع الآخرين وهو لا يقدم لهم شيئاً.(1/244)
قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( فحق الله أحق ) أي أحق أن يقضي و في رواية (فدين الله أحق أن يقضي) ففيه دلالة على أنه لا حرج من كونها هذه الأخت تصوم عن أختها شهرين متتابعين وهذا ليس بواجب على هذه المستفتية لأن الله جل وعلا يقول { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}الزمر7 ،كما أنه ليس بواجب أن تقضي دين أختها، ولكن هذا من الأمور المندوبه ومحمود أمرها في المجتمع والشرع ندب إلى هذا الأمر وحث عليه ورغب فيه ورتب على ذلك أجراً عظيماً وثواباً كبيراً، قد قال تعالى " إنما المؤمنون إخوة" قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( المسلم أخو المسلم) حقيقة الأخوة أن تنصره وأن تعينه وأن تذب عن عرضه وأن تحميه وأن لا تخذله وقت الحاجة إليك، فقد قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع) رواه أبو يعلى وجماعة. إذا كان على أخيك دين وأنت قادر على سداده ولم يكن عند هذا المدين تلاعب بحقوق الخلق ولكنه عجز عن ذلك فجميل أن تسارع إلى قضاء دينه ما دمت مطيقاً إلى هذا الأمر وما دمت تجد سبيلاً إلى القضاء، ومن العلماء من قال أنه يجب القضاء ونذكر إن شاء الله خلافهم على كلام أبي عيسى تحت (باب ما جاء في الكفارة)(1/245)
الصواب ما ذهب إليه الجمهور أن هذا القضاء مستحب غير واجب، ثم أنه يفصل في من كان عليه شهران متتابعان فإنه إذا كان مفرطاً ومتعمداً كأن يؤمر بالصيام فيقول لا أريد الصيام فهو لا يسوّف لا يمنتع من الصيام يقول لا أريد أن أصوم، فالصواب أنه إذا مات لا يصام عنه لأنه في حياته كان ممتنعا وأما الرجل أو المرأة التي تسوف أصوم غدا بعد العذر، لعله إذا جاء الشتاء فإذا جاء الشتاء قال لعله إذا جاء الصيف، وإذا جاء الصيف قال لعله إذا جاء الشتاء، فهي تسوف ثم توفيت وعليها هذا الصيام فلا حرج أن يقضي عنها لأنها لم تكن متعمدة للترك وإن كانت مفرطة ولكن لم تكن قاصدة ومتعمدة للترك المتعمد للترك الصواب أنه ما يقضي عنه والذي كان عنده نوع التفريط ولم يكن متعمدا من كل وجه أو عنده نوع تسويف في القضاء فهذا يقضي عنه .
قال الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى وفي الباب عن بريدة وابن عمر وعائشة ثم أشار إلى صحة هذا الخبر وقد تقدم ومما يرتبط بهذا الباب ما ترجم إليه أبو عيسى رحمه الله تعالى ( باب ما جاء في الكفارة ) منه مسائل متعلقة بالحديث الأول تذكر على حديث ابن عمر فإن هاتين الترجمتين مرتبطتان .
23 - بابُ ما جاءَ في الكفارةِ
714 - حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ أَخبرنَا عَبْثرٌ عن أَشعثَ عن مُحَمَّدٍ عن نافعٍ عن ابنِ عُمَرَ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "من ماتَ وعَلَيهِ صيامُ شهرٍ فليُطْعمْ عنه مَكَانَ كُلِّ يومٍ مسكيناً".(1/246)
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ ابنِ عُمَرَ لا نعرفُهُ مرفوعاً إِلاَّ من هَذَا الوجهِ. والصَّحيحُ عن ابنِ عُمَرَ موقوفٌ. قولُهُ واختلفَ أَهلُ العلم في هَذَا، فَقَالَ بعضُهم يُصامُ عن الميِّتِ، وبِهِ يقولُ أَحْمَدُ وإِسحاقُ قَالا: إِذَا كَانَ عَلَى الميِّتِ نذرُ صيامٍ يُصامُ عنهُ، وإِذَا كَانَ عَلَيهِ قَضَاءُ رَمضَانَ أُطعمَ عنهُ. وقَالَ مالكٌ وسفيانُ والشَّافِعيُّ لا يصومُ أَحدٌ عن أَحدٍ. وأَشعثُ هُوَ ابنُ سَوَّارٍ. ومُحَمَّدٌ هُوَ مُحَمَّدُ بن عَبدِ الرَّحمنِ بن أَبي لَيلَى.
الشرح :(1/247)
قال أبو عيسى حدثنا قتيبة أخبرنا عبثر وهو ابن القاسم الزبيدي وهو ثقة، عن أشعث وهو ابن سوار قال عنه الإمام أحمد (ضعيف الحديث) ،وقال أبو زرعه (لين الحديث) ، وضعفه النسائي ويعقوب والدار قطني، وقال ابن حبان (فاحش الخطأ كثير الوهم) ، وقد خرج له البخاري في الأدب ومسلم في المتابعات وأهل السنن ما عدا أبا داود، عن محمد وهو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال عنه الإمام احمد (سيء الحفظ مضطرب الحديث) ، وقال شعبة (ما رأيت أحداً أسوأ حفظا منه) ، وقال النسائي (ليس بالقوي في الحديث سيء الحفظ) وهو أحد الفقهاء، عن نافع وهو مولى ابن عمر عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكيناً) قال أبو عيسى حديث ابن عمر لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه والصحيح عن ابن عمر موقوف وقد رواه جمع عن نافع عن بن عمر وقد رجح وقفه الدار قطني في (العلل) وجاء نحوه عن بن عباس رواه عبد الرزاق في ( المصنف ) قال أبو عيسى رحمه الله تعالى واختلف أهل العلم في هذا أي في حكم الصوم عن الميت وذلك على مذاهب أشار الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى إلى مذهبين فقال رحمه الله تعالى فقال بعضهم يصام عن الميت وبه يقول أحمد وإسحاق قالا إذا كان على الميت نذر صيام يصام عنه وإذا كان عليه قضاء رمضان أطعم عنه، فالإمام أحمد رحمه الله تعالى يحمل حديث عائشة على صيام النذر، على الصيام الذي التزمه، ويحمل حديث ابن عمر على قضاء رمضان، فمن مات وعليه بقية من رمضان فإنه يطعم عنه ومن مات وعليه صيام نذر أو صيام كفارة فإنه يصام عنه وهذا مذهب أحمد وإسحاق والليث بن سعد وأبي عبيد وهؤلاء يحملون حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه على صوم النذر فهؤلاء يرون حمل المطلق على المقيد وقد قال ابن المراقي :
وحمل مطلق على ذاك وجب إن فيهما اتحد حكم والسبب .(1/248)
فيحملون حديث عائشة على حديث ابن عباس هذا القول الأول في المسألة، القول الثاني وإليه أشار أبو عيسى بقوله وقال مالك وسفيان والشافعي لا يصوم أحد عن أحد وهذا مذهب أبي حنيفة فهؤلاء الأئمة يأخذون بحديث ابن عمر وأنه لا يصوم أحد عن أحد وبآثار واردة عن ابن عباس أنه قال ( لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ) وهذا رواه النسائي في ( الكبرى ) بإسناد صحيح إلى ابن عباس، لم يذكر أبو عيسى رحمه الله تعالى في المسألة سوى قولين وفيه قولان آخران القول الثالث: أن من مات وعليه صوم فرض من قضاء رمضان أو نذر أو كفارة واجبة ففرض على أوليائه أن يصوموا عنه هم أو بعضهم ولا إطعام في ذلك أصلاً أوصى به أو لم يوص وهذا قول ابن حزم رحمه الله تعالى في ( المحلى ) .(1/249)
المذهب الرابع : أنه يصام عن الميت رمضان إذا توفي وعليه بقية لم يصمها، بمعنى أنه توفي ولم يصم رمضان أو بقي عليه أيام معدودة من رمضان فيصام عن الميت رمضان وغيره من النذر ونحوه وهذا قول أبي ثور وطائفة من أهل الحديث وجماعة من فقهاء الشافعية وعلّق الشافعي رحمه الله تعالى القول به على صحة الحديث، وهؤلاء يحتجون بحديث عائشة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال( من مات وعليه صيام صام عنه وليه ) من اسم شرط جازم تجزم فعلين الأول فعل الشرط والثاني جوابه وجزاؤه (مَن ) من صيغ العموم ( من مات ) أي توفي ( وعليه صيام ) لم يذكر في الحديث رمضان أو كفارة أو غير ذلك ( صام عنه وليه ) هذا جواب الشرط ولفظ الولي خرج مخرج الغالب فلو صام عنه قريبه أو صديقه أو أجنبي عنه لم يكن بذلك بأس فإن هذا بمنزلة الدين ولا حرج أن يقضي الدين عن المدين قريبه أو غيره، وهذا على الاستحباب وليس على الإيجاب، وحديث عائشة واقعه وحديث مستقل وحديث ابن عباس واقعه أخرى وحديث مستقل، فحديث ابن عباس في النذر والكفارة لأنه جاء في بعض طرقه بالنذر وجاء (وعليه صوم شهرين) هذا في الكفارة فيجوز القضاء، وحديث عائشة (صام عنه وليه) في قضاء رمضان، قد وضحت في بداية الشرح للترجمة أنه ليس المعنى أنه إذا توفي مثلاً في اليوم العشرين أنه يكمل عنه العشرة هذا غلط وليس له أصل إنما المعنى إذا توفي وقد فاته شيء من صيام رمضان فإنه يُقضى عنه على وجه الاستحباب وإذا لم يُقض عنه فإنه يُطعم عنه والإطعام يكون من تركته وإذا أراد أحد أن يتبرع عنه فلا حرج من ذلك، وأما ما ذهب إليه الإمام أحمد وإسحاق وجماعة بأنه إذا كان على الميت نذر صيام يصام عنه، إذا كان عليه قضاء رمضان أطعم عنه هؤلاء يحملون المطلق على المقيد فهذا فيه نظر من وجوه :
الوجه الأول : أنه لا يصح حمل حديث عائشة على حديث ابن عباس فهذه واقعه وتلك واقعه أخرى.(1/250)
الأمر الثاني : أنه لا يختلف صيام النذر وصيام الكفارة وصيام رمضان لأنها واجبات بالوفاة تسقط وإذا قيل بقضاء هذا دون هذا ففيه تفريق بين المتماثلات .
الوجه الثالث :أن هذا القضاء مستحب وليس بواجب وهؤلاء الأئمة يجوزون أن يصام عن الميت ويهدى إليه الثواب وهذا أولى بالجواز، الإمام أحمد وطائفة من الأئمة يجوزون الصيام عن الميت وإهداء الثواب له ، وإذا توفي وعليه بقية هي أولى بالجواز من إهداء الثواب له .
الوجه الرابع :أن هذا منطوق حديث عائشة ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه ) وعليه الصيام أي صيام سواءً كان كفارة أم نذراً أم غير ذلك ولم ترد رواية صحيحة تفسر نوعيه هذا الصيام فكان اللفظ عاماً، وأما مذهب مالك وسفيان والشافعي وأبي حنيفة بأنه لا يصوم أحد عن أحد فهذا يجاب عنه بحديث ابن عباس في الصحيحين حين قال النبي صلى الله عليه وسلم (أرأيت لو كان على أختك دين اكنت تقضينه) قالت: نعم، فقال (فحق الله أحق) ،فهذا صريح في الصيام عن الغير وأشير إلى ملخص فوائد هاتين الترجمتين .
الفائدة الأولى : سؤال أهل العلم عما يشكل .
الفائدة الثانية : أن صوت المرأة ليس بعورة .
الفائدة الثالثة : أنه لا حرج من كون المرأة تخرج وحدها إذا أمنت في ذلك الفتنة .
الفائدة الرابعة : جواز صيام الكفارة والنذر عن الغير والصواب أن هذا مستحب وليس بواجب .
الفائدة الخامسة : فيه ضرب الأمثلة .
الفائدة السادسة : في القياس .
الفائدة السابعة : في الكفارة لمن لم يقدر على القضاء ، ويؤخذ من هذا أيضا أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان ،ويؤخذ من هذا القياس في العبادات والقياس في العبادات له حالتان :
الحالة الأولى :أن تكون العبادة غير معلله، فهذا لا يجوز فيه القياس وهذا الذي قال عنه الفقهاء لا يصح القياس في العبادات.
النوع الثاني: أن تكون العبادة معلله فهذا لا حرج من القياس فيها لأن العبادة واضحة ومعلله، والأدلة على هذا كثيرة.(1/251)
ويؤخذ من هذا الحديث أيضاً إثبات القياس الصحيح ورد القياس الفاسد، ويؤخذ من هذا أنه لا يجب التفصيل إلا فيما وجد الاحتمال فيه، ويؤخذ من هذا حرص الصحابة رضوان الله عنهم على السؤال عما يشكل، وفيه غير ذلك من الفوائد، والله أعلم نأخذ غدا إن شاء الله ( باب ما جاء في الصائم يذرعه القيء ) .
الأسئلة :
س: ....
ج: الأخ يقول صام عنه وليه وأنا قلت في الشرح وليه أو غيره خرج الولي مخرج الغالب والصارف للولي الحديث الأخر أرأيت لو قضى عنه الدين صديقه ألا يجوز ؟ كذلك لو قضى عنه الصوم صديقه أو أخوه أو قريبه أو وليه أو غير ذلك .
س: هذا السائل يقول ما حكم إفراد يوم السبت بالصيام ؟ وهل الحديث الوارد فيه يصح ؟.
ج: الحديث الوارد في النهي عن صيام يوم السبت ولفظه ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ) رواه أبو داود وغيره هو حديث منكر وقد قال الإمام مالك عنه (هذا كذب) رواه عنه أبو داود في سننه، وأعله الإمام أحمد بالاضطراب، وأعله الخلال وجماعة ، تحدث عنه ابن القيم رحمه الله تعالى في تهذيب السنن بتوسع، والخبر مضطرب إسناداً منكر متناً فقد قال صلى الله عليه وسلم (أحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً) معلوم أنه إذا أفطر يوم الجمعة صام السبت وأفطر الأحد فقد افرده بالصوم، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان ثم اتبعه بست من شوال) فإنه قد يوافق سبتاً ولم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على جويرية وهي صائمة يوم الجمعة قال (أصمت أمس) قالت: لا، قال(أتصومين غداً) وهو يوم السبت، والخبر متفق على صحته والأدلة على هذا كثيرة وهي مفيدة لجواز صيام يوم السبت سواء كان مفرداً أو غير مفرد بل جاءت أحاديث أخرى تفيد أفضلية صوم السبت والأحد روى ذلك أبو داود وغيره والأسانيد فيها قوة .(1/252)
س: الأخ يقول لو فرضنا أن أناس اجتهدوا فلم يروا الهلال إلا بعد ثلاثين فصاموا بعد ذلك ثم تبين لهم أن شهر شعبان كان ناقصاً وصاموا رمضان وتبين لهم أن رمضان أيضاً ناقص بالتالي يصبح صومهم ثمانية وعشرين يوماً ومن المعروف أن الشهر إما أن يكون ثلاثين أو تسعة وعشرين فما الحكم ؟
ج: تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشهر تسع وعشرون والحقيقة شرحت هذه المسألة فيما مضى وذكرت كلام ابن تيميه وكلام الجمهور وقلت أن الجمهور يوجبون صيام ثلاثين أو تسعة وعشرين وأنه على رأي ابن تيميه احتمال أن يصوم الإنسان ثمانية وعشرين يوماً وضربت مثالا لذلك بأنه إذا أصبح الإنسان فقيل له اليوم من رمضان ولم يعلم فإنه يمسك بقية يومه ولا يجب عليه قضاء هذا اليوم وهذا اختبار ابن تيمية رحمه الله تعالى وقال الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة يجب قضاء هذا اليوم فإذا أُفتي الإنسان بقول الجمهور فإنه يضيف يوماً بحيث يصوم تسعة وعشرين وإذا أفتى بقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فإنه لا قضاء عليه والعامي مذهبه مذهب مفتيه لا نلزم أحداً نسأله نقول له أنت حنبلي فنفتيه بمذهب أحمد أو نقول للأخر أنت حنفي فنفتيه بمذهب أبي حنيفة أو للأخر أنت مالكي فنفتيه بقول مالك أو للأخر أنت شافعي فنفتيه بقول الشافعي، لا إذا استفتى العامي فهو على حسب مذهب مفتيه لأن العامي ليس له مذهب لأن الذي له مذهب هو الذي له معرفة في أصول هذا المذهب أما إذا جاء رجل يستفتي فيجب على المفتي أن يتقي الله جل وعلا وأن يفتيه بما يراه راجحاً في نظره قد يختلف معه غيره لا بأس ولكنه يفتي بما يراه راجحاً في نظره فحينئذ يقضي يومه وأما كوننا نسأله ما هو مذهبك ؟ هذا غير صحيح الذي ينبغي توحيد الرأي على قدر الطاقة وعدم إيجاد مشاكل ونزاعات وتعصب ونحو ذلك لأن هؤلاء الأئمة ما كانوا يأذنون بتقليدهم ولا التعصب لهم بل كانوا يذمون ذلك وكانوا يقولون خذوا من حيث أخذنا العامي نعم(1/253)
لا يستطيع أن يأخذ من حيث أخذ الأئمة فحينئذ قال الله له ولغيره { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }النحل43 ،فإذا سأل أهل الذكر فقد برئت ذمته وأهل الذكر يفتون بما يعتقدونه صواباً وراجحاً ومن جميل ما حكي عن بعض الأحناف حين كان متعصبا لمذهب ثم ترك التعصب فكان يقول :
وقول أعلام الهدى لا يعمل *** بقولنا بدون نص يقبل
فيه دليل الأخذ بالحديث *** وذاك في القديم والحديث
قال أبو حنيفة الإمام *** لا ينبغي لمن له إسلام
أخذ بأقوالي حتى تُعرَضَا *** على الكتاب والحديث المرتضى
ومالك إمام دار الهجرة *** قال وقد أشار نحو الحجرة
كل كلام منه ذو قبول *** ومنه مردود سوى الرسول
والشافعي قال إن رأيتم *** قولي مخالفا لم رويتم
من الحديث فاضربوا الجدارا *** بقولي المخالف الأخبارا
وأحمد قال لهم لا تكتبوا *** ما قلته بل أصل ذلك اطلبوا
فاسمع مقالات الهداة الأربعة *** واعمل بها فإنها منفعة
لقمعها لكـ ذي تعصب *** والمنصوفون يكتفون بالنبي (صلى الله عليه وسلم )
س: الأخ يقول إذا كان على الإنسان صيام وتواطىء مجموعة أن يصوموا يوماً واحداً عن هذا الرجل هل يجزئ عنه ؟
ج: ( فيه تفصيل ) إن كان عليه قضاء من رمضان كان يكون عليه ثلاثون يوما فتواطأ ثلاثون شخصاً أن يصوموا في يوم واحد فحينئذ يجزئ عنه وتبرئ ذمته وهذا الذي أفتى به الحسن البصري وجماعة من الأئمة وذكره البخاري في صحيحه معلقاً وأما إن كانت الكفارة من الكفارات التي يجب عليه التتابع فالإمام ابن حزم وجماعة يمنعون من هذا لأنه حينئذ يمتنع التتابع رمضان لا يجب التتابع أما في الكفارة يجب التتابع فحينئذ يجب عليه التتابع ولكن لا يلزم التتابع أن يكون من شخص واحد لو تواطأ مثلا زيد وعمرو وخالد وصالح وأحمد أن يتناوبوا في صيام هذه الأيام أجزى ذلك عنه .(1/254)
س: الأخ يقول سؤال مهم وعاجل إن أمكن يقول ليلة النصف من شعبان يغفر الله فيها لجميع الخلائق إلا لاثنين مشرك ومتناحر . رواه الطبراني والبزار سؤالي ما صحة هذا الحديث ؟
ج: الأحاديث الواردة في ليلة النصف من شعبان ضعيفة ولا يصح من ذلك خبر وهذا الذي ذهب إليه الأكابر البخاري وأحمد وجماعة من الحفاظ بعض العلماء ذهب إلى تصحيح بعض الأحاديث الواردة ولكن الأكثر وأئمة هذا الشأن يضعفون كل الأحاديث الواردة في ليلة النصف من شعبان، فحينئذ لا يشرع إحياء هذه الليلة ولا يشرع زيادة عبادة فيها ولم يرد فضل أو زيادة أجر في شعبان، باستثناء الصيام فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخص شعبان بمزيد من الصيام قالت عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله إلا قليلاً) والخبر متفق على صحته.
س: الأخ يقول هل صحيح (أن الله ينظر إلى عباده ليلة النصف من شعبان ويغفر لهم إلا مشاحن وقاطع رحم) أيضاً هذا حديث ضعيف، ولا يصح في الباب شيء قلت لا يصح في الباب شيء لا في الأحاديث الواردة بأن الله ينظر إلى عباده ليلة النصف من شعبان ولا إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان ولا أن الله يغفر ليلة النصف من شعبان لكل من يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا لرجلين متشاحنين أو مشرك، هذه الأحاديث كلها ضعيفة والثابت والمحفوظ والمتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة فيقول من يدعوني فاستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له) وقلت قبل قليل إن هذا قول الأكثر أي أن هذه الأحاديث ضعيفة، فيه نعم من ذهب إلى تحسين هذه الأحاديث وتقويتها ولكن الصواب أنها ضعيفة ومعلولة وهذا قول الأكثر من أئمة الشأن .(1/255)
س: الأخ يقول ما صحة هذا الحديث( لا يزال الجهاد حلواً خضراً ما قطر القطر من السماء وسيأتي زمان على الناس يقول فيه قراء منهم ليس هذا بزمان جهاد فمن أدرك ذلك الزمان فنعم زمان الجهاد) قالوا يا رسول الله أو أحد يقول ذلك قال (نعم من لعنه الله والملائكة والناس أجمعون) .
ج: هذا الخبر رواه الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى في تاريخه من رواية زيد بن أسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأت هذا الخبر إلا مرسلاً ولا يصح إلا مرسلاً وفي نفس الوقت هو ضعيف فهذا الخبر مرسل ضعيف .
س: سائل من الرياض يقول عبد الله بن شقيق هل هو صحابي أم تابعي ؟
ج: عبد الله بن شقيق هو العقيلي تابعي وليس بصحابي .
س: الأخ يقول هل صوم الواجب يقضي عنه وليه ؟
ج: تقدم هذا في حديث عائشة ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه ) بمعنى إذا فاته الصيام ليس بمعنى إذا مات في أثناء رمضان وبقيت عليه بقية حيث يكمل عنه ما تبقى من رمضان هذا غلط إذا مات وعليه قضاء من رمضان فلا حرج أن يقضي عنه وليه سواء كان واجبا أو غير واجب .
س: الأخ يقول طبعا أفضل الصيام صيام داود عليه السلام لكن لو صام رجل صيام داود ووافق يوما منهيا عنه مثل يوم رجب أو يوم الجمعة ومثل هذا فهل يصومه ؟
ج أولا لم يرد نهي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن صيام رجب ولا أصل له في هذا الباب، الأمر الأخر يقول أو يوم الجمعة، المنهي عن صيام يوم الجمعة إذا كان يخصه كقوله صلى الله عليه وسلم (لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام ليل ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام) هذا إذا كان لا يخص يوم الجمعة فلا حرج بدليل أنه إذا صام صيام داود ثم أفطر يوم الخميس صام يوم الجمعة ثم أفطر يوم السبت فلم يرد نهي عن هذا، إنما النهي لمن أراد تخصيص هذا اليوم للحديث السابق في صحيح مسلم .
طبعا فيه أسئلة كثيرة لكن هي غير متعلقة .(1/256)
س: الأخ يقول كيف نجمع بين حديث لا شؤم إلا في ثلاثة المرأة والمسكن والسيارة وتحريم الطيرة ؟
ج: تقدم شرح هذا مراراً في التوحيد وأن منهم من قال إن كان الشؤم في شيء لأن لفظ الحديث (الشؤم في ثلاث) لأنه ليس فيه لا شؤم إلا في ثلاث الشؤم في ثلاث... نعم جاء (إلا في ثلاث) أي إن يكن الشؤم في شيء ففي هذه الثلاث وأن منهم من حمله إن يكن الشؤم ومنهم من حمله على ما يعتقد الإنسان من نفسه لأن الطيرة محرمة مطلقا لقوله صلى الله عليه وسلم ( الطيرة شرك الطيرة شرك).
س: الأخ يقول هل يجوز للمسلم ( سائل من العراق )هل يجوز للمسلم أن يحمل جواز الأحزاب العلمانية المرتدة لأجل العمل الإسلامي أو لخداع هؤلاء ؟(1/257)
ج: هو الأصل أن الإنسان يحتفي بالإسلام ويفتخر به ويحمل هويته الإسلام ولا يحمل هوية الأحزاب ولا العلمانية ولا غير ذلك والإنسان يتجنس بجنسية أهل الإسلام ولا يتجنس بالكفر ولا المرتدين ما وجد إلى ذلك سبيلاً إذا تعذر كالذين ليس لهم قرار في بلاد المسلمين ولا يستطيعون العيش بين المسلمين فهم ينأون بأنفسهم في بلاد الغرب فيحملون جواز الغرب أو دولة كافرة فهؤلاء يعذرون لأنه ليس لهم قدرة على العيش في بلاد المسلمين، ثم الحالة الثالثة وهو ما أشار إليها الأخ في سؤاله أن الذي يحمل جواز الأحزاب العلمانية للمكر بهم وليس لغرض أخر إذا كان في ذلك مصلحة واضحة وانتفت في ذلك المفسدة حيث توجد مصلحة تنتفي بذلك المفسدة فلا حرج من ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين أذاه كعب بن الأشراف قال من لي بكعب بن الأشراف قال محمد بن مسلمة أنا له يا رسول الله ولكن إإذن لي فإذن له النبي صلى الله عليه وسلم فذهب محمد بن مسلمة إلى كعب بن الأشرف حين أراد أن يقتله أو يفتك به الجامع هو النكاية بالآخرين سواء كانت قتلاً أو فتكاً أو معرفة واقع تبصر بالواقع وإخبار الآخرين لاسيما إذا كانت بينه وبين الآخرين معارك وحروب فقال محمد بن مسلمة إلى آخر الحديث والخبر في صحيح الإمام البخاري ولكن على قدر الطاقة الإنسان يتجنب هذا ما وجد إلى هذا سبيلا ولا يلجا إلى هذا الأسلوب إلا إذا كان في ذلك مصلحة عامة للإسلام والمسلمين ونكاية بالعدو .
س: الأخ يقول هل المتطير يقال عنه طاغوت لأن بعض الأخوة قال ذلك ؟(1/258)
ج: ليس على إطلاقه لأنه قد يكون جاهلا وقد لا يتحقق المُطلِق بأن هذا من الطيرة الشركية لابد من التحقق وأنه قد يكون جاهلاً فيعذر في هذا الباب بجهله لأن هذا الباب قد يخفى على كثير من الناس ولذلك استشكل أمره طائفة من الناس واستشكلوا هل الشؤم في المرأة من الطيرة المذمومة أم لا حتى الفقهاء يستشكلون هذا الأمر، إذن ليس على إطلاقه أن الطيرة مراتب منها ما هو شرك ومنها ما هو محرم ولا يبلغ مرتبة الشرك وإذا وقع في شيء من الطيرة لا يطلق عليه أنه طاغوت لأن الصواب أن لفظ الطاغوت لا يشمل إلا من خرج عن الإسلام لكن ممكن أن يقال إن الطيرة ضرب من الطاغوت باعتبار الحديث عن النوع دون العين ثم الحديث عن نوع العين لا بد أن نستكشف وضع الرجل حين قال ذلك وهل كان جاهلا أو غير جاهل وفي نفس الوقت هذا اللفظ هو من الكفر البواح أم لا يحتاج إلى شروط وضبط لهذه القضية.
س: الأخ يقول ما درجة محمد بن عجلان عندكم ؟
ج: الصواب يبدو أن هذا السؤال تكرر وسبق أجبت عنه وقلت أن محمد بن عجلان له مراتب :
المرتبة الأولى : يجب التحفظ من حديثه في روايته عن المقبري .
الأمر الأخر: هو في الجملة صدوق وقد خرج له مسلم رحمه الله تعالى في باب المتابعات وصحح له أبو عيسى وجماعة من الحفاظ .
الأمر الثالث :إذا خالف فإذا خالف غيره ممن هو أوثق منه أو تفرد بأصل ، إذا خالف غيره فيترك حديثه لغيره ممن هو أوثق منه وإذا تفرد بأصل ينظر إلى نوعية هذا التفرد إذا تفرد في الفضائل ونحو ذلك يقبل حديثه إذا تفرد بأصل في الأحكام مما لا يحتمل تفرده به فإنه يعلق خبره في هذه الحالة شأنه في ذلك شأن محمد بن إسحاق وعبد الله بن عقيل وعاصم بن النجود وإن كان هؤلاء ممن يصدق عليهم هذا التقسيم .
( والله أعلم نكتفي بهذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد )
24 - بابُ ما جاءَ في الصَّائمِ يَذْرعُهُ القَيءُ(1/259)
715 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيدِ المحاربيُّ أَخبرنَا عَبدُ الرَّحمنِ بنُ زيدِ بن أَسلَمَ عن أَبِيهِ عن عطاءِ بن يسارٍ عن أَبي سعيدٍ الخُدرِيِّ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلاثٌ لا يُفطِرنَ الصَّائمَ: الحِجَامةُ والقيءُ والاحتلامُ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ أَبي سعيدٍ الخُدرِيِّ غَيرُ محفوظٍ.
وقد رَوَى عَبدُ الله بنُ زيدِ بنُ أَسلَمَ وعَبدُ العزيزِ بنُ مُحَمَّدٍ وغَيرُ واحدٍ هَذَا الحديثَ عن زيدِ بنُ أَسْلَمَ مُرْسَلاً ولم يذكُرُوا فيه عن أَبي سعيدٍ. وعَبدُ الرَّحمنِ بن زيدِ بنُ أَسْلَمَ يُضَعَّفُ في الحديثِ. سمعتُ أَبا داودَ السِّجزِيِّ يقولُ: سأَلتُ أَحْمَدَ بنَ حَنبَلٍ عن عَبدِ الرَّحمنِ بن زيدِ بنِ أَسلَمَ فَقَالَ: أَخوهُ عَبدُ الله بن زيدِ لا بأسَ بِهِ. وسمعتُ مُحَمَّداً يذكرُ عن عليٍّ بن عَبدِ الله قَالَ: عَبدُ الله بن زيدِ بن أَسلَمَ ثقةٌ. وعَبدُ الرَّحمنِ ابن زيدِ بن أَسلَمَ ضعيفٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: ولا أَروِي عنه شيئاً.
الشرح :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه:
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في كتاب الصيام الباب الرابع والعشرون ( باب ما جاء في الصائم يذرعه القي ) (باب ) أي هذا باب .
((1/260)
ما جاء ) في الأحاديث في حكم الصائم ( يذرعه ) أي يغلبه القي ، وقد حمل الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى حديث (ثلاثة لا يفطرن الصائم الحجامة والقيء والاحتلام) على من ذرعه القيء، في الحديث الأخر (من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمداً فليقض) ويأتي إن شاء الله تعالى بعد قليل ما في هذا الخبر من العلل وأنه غير محفوظ، وقد ترجم الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى لبعض المعاني الواردة في حديث الباب لأن الحديث هو عن القي فترجم للقي ولم يترجم للحجامة ولا للاحتلام، وقد ذهب الجمهور إلى أن من ذرعه القيء فلا قضاء عليه وحكاه طائفة من العلماء إجماعاً وهذا الإجماع المنقول فيه نظر، وذهب الجمهور إلى أن من استقاء عمداً فليقض وحكاه بن المنذر وغيره إجماعاً وهذا فيه نظر فلم ينعقد إجماع في هذه المسألة ولا تلك فالخلاف محفوظ في كلا المسألتين وإن كان الخلاف لمن استقاء عمداً أقوى في الخلاف فيمن ذرعه القيء لأن من ذرعه القي فإنه لا شي عليه لقول الكافة من الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين باستثناء ما حُكي عن الحسن البصري وفي نفس الوقت حكي عنه خلافه.
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى حدثنا محمد بن عبيد المحاربي أخبرنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث لا يفطرن الصائم الحجامة والقي والاحتلام) .(1/261)
قال أبو عيسى حديث أبي سعيد الخدري غير محفوظ لأنه قد رواه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقد ضعفه الإمام أحمد والبخاري وجماعة ،قال ابن معين ليس حديثه بشيء , وقال الحافظ البزار رحمه الله أجمع أهل العلم بالنقل على تضعيف أخباره وليس هو بحجة فيما ينفرد به, وقال ابن الجوزي أجمعوا على ضعفه, وحكى غير واحد من الحفاظ الاتفاق على ضعف عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقد قال أبو عيسى وقد روى عبدالله بن زيد بن أسلم وعبد العزيز بن محمد الدراوردي وغير واحد هذا الحديث عن زيد بن أسلم مرسلاً أي لم يذكر واحد من هؤلاء فيه عن أبي سعيد، وقد قال الترمذي سمعت أبا داود السجزي يقول سألت أحمد بن حنبل عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فقال (أخوه عبد الله بن زيد لا بأس به) وهو الذي رواه مرسلاً، ثم قال أبو عيسى سمعت محمد أي البخاري يذكر عن علي بن عبد الله أي المديني قال (عبد الله بن زيد بن أسلم ثقة) وهذا قول معن بن عيسى، وأحمد في رواية عبدالله وأبي طالب، وذهب ابن معين إلى أنه ضعيف وقال رحمه الله (بنو زيد ثلاثتهم حديثهم ليس بشئ) ونحوه عن أبي داود والجوزجاني وقال النسائي رحمه الله تعالى (ليس بالقوي) وقال ابن عدي (وهو مع ضعفه يكتب حديثه) وهذا الذي ذهب إليه الأكثر فإن أولاد زيد بن أسلم وهم عبد الله وعبد الرحمن وأسامة ضعاف وأمثلهم عبد الله وأضعفهم عبد الرحمن غير أن الحفاظ متفقون على ضعف عبد الرحمن ولم يتفقوا على ضعف البقية، ولا يختلف العلماء بأن حديث الباب لم يثبت متصلاً وقد قال الإمام أبو حاتم وأبو زرعة في حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه (هذا خطأ رواه سفيان الثوري عن زيد بن أسلم عن رجل من أصحابه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهذا الصحيح) وهذا مغاير لترجيح أبي عيسى وجماعة من روايته عن عبد الله بن زيد بن أسلم وعبد العزيز بن محمد الدراوردي عن زيد بن أسلم مرسلاً أي ولم يذكر فيه(1/262)
عن أبي سعيد وقد رواه الثوري وهو أوثق من رواه عن زيد بن أسلم عن رجل من أصحابه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعلة هذا الخبر الإبهام .
قوله (ثلاث لا يفطرن ) : أي ثلاثة خصال لا يفطرن الصائم ظاهر الخبر أن هذه الثلاث لا تفطر مطلقاً سواء كان صاحبها متعمداً أم ناسياً أم جاهلاً أولى هذه الثلاث الحجامة وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في حكم الحجامة للصائم ولم يورد الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى في حكم الحجامة للصائم شيئاً من الأحاديث الصحيحة، وقد اقتصر في هذا الباب على هذا الخبر الضعيف، وذهب الإمام أحمد وجماعة من العلماء إلى أن الحجامة تفطر الصائم اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم بدليل ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :(أفطر الحاجم والمحجوم ) وقد جاء هذا الخبر من رواية جمع من الصحابة يقدرون بنحو ثمانية عشر صحابياً وبعضها صحيح وبعضها ضعيف وقد صحح بعضها علي بن المديني وجماعة وهؤلاء الأئمة يذهبون إلى أن الحجامة تفطر الصائم مطلقاً سواء كانت مضعفة له في نهار رمضان أو لم تكن مضعفة وسواءً كان الصيام نفلاً أم فرضاً ومنه سحب الدم في نهار رمضان فإنه مفطر على هذا المذهب وهؤلاء مختلفون في الحاجم دون المحجوم فمنهم من قال إذا دخل جوفه شيء من الدم فإنه يفطر ومنهم من قال بأن الحاجم يفطر مطلقاً على خلاف بينهم في العلة التي من أجلها قيل عن الحاجم بأنه مفطر وهذا هو الذي حدا بجماعة من الأئمة إلى أن يقول بأن المحجوم لا يفطر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) يكون المعنى أي آل أمرهما إلى الفطر ولم يفطرا حقيقة لأن الذين يقولون بأن المحجوم يفطر يختلفون في فطر الحاجم ويختلفون في التعليل لسبب فطره وقد اقتصر جماعة من هؤلاء على أن المحجوم يفطر دون الحاجم ولفظ الحديث ( أفطر الحاجم والمحجوم ) وفي رواية (أفطر هذان)، وهؤلاء يقولون بأن الفطر يكون مما(1/263)
دخل ويكون مما خرج ويردون على من يقول بأن الفطر مما دخل دون مما خرج ويستدلون على ذلك بالحيض فإنه يخرج وتفطر به المرأة ويستدلون على ذلك بالمني فإنه يخرج ويفطر إذا كان صاحبه متعمداً باستثناء الاحتلام عندهم .
القول الثاني في المسألة / أن الحجامة لا تفطر الصائم على خلاف بين هؤلاء ، هل تكره في نهار رمضان أم لا تكره ؟ ولكنهم متفقون على أن الحجامة لا تفطر سواء كانت مضعفة له في نهار رمضان أو لم تكن مضعفة وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وقال والذي أحفظ عن الصحابة والتابعين وعامة أهل العلم أنه لا يفطر أحد بالحجامة واختار هذا القول أبو محمد بن حزم رحمه الله تعالى وحين نتحدث عن حديث ( أفطر الحاجم والمحجوم ) وأنه صحيح قال إن هذا الخبر منسوخ بحديث أبي سعيد ( رخص للصائم بالحجامة والقبلة ) وقال إن الرخصة لا تكون إلا عقب عزيمة فكان هذا دليلا على أن الحجامة لا تفطر الصائم ، ولعل هذا القول أقوى من القول الأول وذلك من وجوه :
الوجه الأول / جاء في البخاري من رواية عكرمة عن بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم. وهذا الخبر وإن كان في صحيح البخاري إلا أنه قد طعن فيه جمع من الحفاظ، وقد أورده البخاري في صحيحه على أنه صحيح عنده ووافقه على ذلك كثير من الأئمة .
الوجه الثاني / حديث أبي سعيد ( رخص للصائم في الحجامة والقبلة )، جاء هذا الخبر موقوفاً ومرفوعاً والراجح وقفه، رواه ابن خزيمه وغيره ولكن يأخذ حكم المرفوع لأنه لا مجال للاجتهاد في هذا لأن قول الصحابي أمرنا, أو نهينا أو رخص لنا أو من السنة كذا وكذا يأخذ حكم المرفوع كإخبار الصحابة عن الأمور الغيبية ونحو ذلك قد قال العراقي :
وما أتى عن صاحب بحيث لا * يقال رأيا حكمه الرفع على
ما قال في المحصول نحو من أتى * الحاكم الرفع لهذا اثبتا
وقال :
قول الصحابي من السنة أو * نحو أمرنا حكمه الرفع ولو(1/264)
بعد النبي قاله بأعصر * على الصحيح وهو قول الأكثر
الدليل الثالث / جاء في البخاري من رواية شعبة قال سمعت ثابتا البناني يقول سئل أنس بن مالك رضي الله عنه أكنتم تكرهون الحجامة للصائم وفي رواية في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (لا إلا من أجل الضعف) .
الوجه الرابع / روى أبو داود في سننه بسند صحيح من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى قال حدثني بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المواصلة والحجامة للصائم ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه .
الوجه الخامس / أفتى أبو هريرة وبن عباس بأن الفطر مما دخل لا مما خرج، وهما ينفيان بهذا أن تكون الحجامة والقي ء من المفطرات ولا يرد على هذا الحيض لأن الحيض مجمع عليه، فيكون قول أبي هريرة وبن عباس في الأمور المختلف فيها بأنها غير مفطره وأما إيراد من أورد عليهما المني هذا أيضا فيه خلاف معروف .(1/265)
معروف مذهب أبي محمد بن حزم وجماعة من الأئمة في هذا الباب فليس في المسألة إجماع، والدليل هو الفيصل في كل مسألة مختلف فيها فلا تهيب من قول الجمهور التهيب ينبغي أن يكون لمخالفة الأدلة المهم في هذا أن يكون البحث محرراً وأن يكون الذي يتبنى قولاً يحفظ أدلة وترجيحات هذا الباب وأن لا يقدم على قول ولا سيما حين يريد أن يخالف الأكثر حتى يحفظ من الأدلة القوية ما تكون مرجحة لقوله على القول الآخر وفي نفس الوقت يتأكد من صحة هذه الأدلة ومن دلالتها على المطلوب ولا يلزم من قول القلة أن يكون ضعيفاً ولا من قول الكثرة من أن يكون قوياً فكم من قول ذهب إليه الجمهور ولا دليل عليه، وكم من قول يعتبر مهجوراً عند طائفة من الناس هو الدليل، وقد يكون القول مهجوراً في وقت دون وقت لذلك فمن ذلك جعل الثلاث واحدة هذا القول يعتبر مهجوراً في قرون كثيرة لا يفتى به في كل عصر الا الواحد والاثنان وهذا الأمر في القرن الثالث والرابع والخامس والسادس وبداية السابع حين خرج شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى وتبنى القول بان الثلاث واحدة صار هذا القول مشهورا في عصره ثم جاء هذا القول من النسيان ما انتابه في القرون السابقة إلى أن جاء هذا الوقت فتبناه عدد كثير فصار مشهوراً وكان الذي يفتي من قبل بأن الثلاث واحدة يؤدب ويعزر ويعتدى عليه وقد سجن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى بسبب هذا القول ولكن هذا لا يثني العالم عن المضي فيما يراه صواباً وراجحاً وإن كان يجب عليه أن يراعي المصالح وأن يدرأ المفاسد لأن الفقيه كل الفقيه الذي يعرف خير الخيرين وشر الشرين ويميز بين هذه الأمور ولكن هذا لا يمنعه من قول الحق ومن الفتوى بما يراه صواباً ودل عليه الدليل لأن بعض المسائل التي تطرح الآن في كتب الفقهاء قد تكون مبنية على دليل ضعيف ككون الحائض مثلاً لا تقرأ القران ما هو الدليل على هذا ؟ قد ذهب الجمهور إلى أن الحائض لا تقرأ القران وما هو الدليل(1/266)
على هذا ، الدليل على هذا خبر متفق على ضعفه (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القران ) قال عنه الإمام أحمد باطل ، وحكى بن تيمية وبن القيم الإجماع على ضعفه لأنه جاء من رواية إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر وإسماعيل بن عياش إذا روى عن غير أهل الشام فإنه ضعيف . وقد روى هذا الخبر عن موسى وهو حجازي مدني ولا يختلف المحدثون بأن إسماعيل إذا روى عن غير أهل بلده فإنه ضعيف وإذا روى عن أهل بلده فمختلف فيه أيضا فهذا أحد المسائل التي يذهب إليها الجمهور ويستدلون على ذلك بأدلة ضعيفة لا تقوى أمام الأدلة الواضحة القوية ،كون الحائض لا تمنع من عبادة شرعت بالإجماع واليقين لا ينتقل عنه إلا بيقين والأحكام الشرعية من واجبات ومندوبات ومكروهات ومحرمات لا تبنى إلا على أدلة صحيحة ثابتة واضحة، وإن كان العلماء قد يختلفون في تصحيح بعض الأدلة فيذهب كل عالم بما وصل إليه اجتهاد وحينئذ لا تثريب على المخالف في مثل هذا ولكن يجب التحرير لأن بعض الناس يتبنى قولاً دون أن يبحثه ثم يتعصب له ويحاول أن يصادر أدلة الآخرين وحين تسأله عن أدلته وعن مذهبه لا يحفظ شيئا من هذا، ويعتبر هذا في الحقيقة جناية على الأدلة وعدوان على الآخرين وحاصل هذا أن الفقهاء مختلفون في الفطر بالحجامة، ولعل الأقرب من هذه الأقوال أن الحجامة لا تفطر الصائم وإذا وجد الصائم إلى تركها في النهار سبيلاً فهذا أفضل وأبعد عن الخلاف وإذا احتاج إلى تحليل في النهار أو إخراج دم أو حجامة فلا حرج من ذلك .(1/267)
قوله ( والقيء ) أي أن القيء غير مفطر، وقد حمله أبو عيسى في الترجمة حين يذرعه بمعنى يغلبه وذلك للأدلة الأخرى كحديث أبي هريرة ويأتي الحديث عنه إن شاء الله تعالى، وقال آخرون ليس على هذا التقييد مستند صحيح فإن حديث الباب ضعيف وهو مع ضعفه فيه شيء من العموم ، وحديث أبي هريرة الذي يحتج به على تقييد هذا الخبر لا يثبت بشهادة الإمام أحمد والبخاري وجماعة من الحفاظ وقد ذهب الجمهور إلى أن القيء لا يفطر إذا غلبه، وإذا تعمد القيء فإنه يفطر .
نتحدث إن شاء الله تعالى بعد قليل عن هذه المسألة وأنه لم يثبت دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم في كون القيء مفطراً وأن الأصل في هذا الباب أن القيء لا يفطر سواء كان متعمداً أو غير متعمد ، والفطر مما دخل لا مما خرج ، وفي نفس الوقت ليس كل شيء دخل يعتبر مفطراً إنما يعنى بذلك الذي يدخل إلى المعدة ويغذي البدن ، بدليل أن إبرة السكر تدخل ولكنها غير مفطرة فهي غير مغذية للبدن غير مختصة بتقوية المعدة لكنه بمنزلة المضاد .
قوله ( والاحتلام ) أي أن الاحتلام غير مفطر ومن ذلك من أدركه الفجر وهو جنب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم، متفق عليه من حديث عائشة وأم سلمه رضي الله عنهما ، ومن هذا الحائض إذا طهرت قبل الفجر فلم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر فإن هذا لا يؤثر على صومها وهذا قول الجمهور من الصحابة والتابعين وعامة أهل العلم وذهب أبو هريرة وطائفة يسيرة من أهل العلم إلى أن من أدركه الفجر وهو جنب لم يغتسل فإنه يصبح مفطراً وهذا قد قال به طائفة في العصر الأول ثم أندرس الخلاف في العصور المتأخرة فأصبح كالإجماع بأن من أصبح جنباً من احتلام أو غير ذلك أو لم تغتسل الحائض إلا بعد طلوع الفجر أن هذا لا يؤثر على الصوم لقوة الأدلة في هذا الباب كحديث عائشة وأم سلمه الوارد في الصحيحين .
25 - بابُ ما جاءَ في من استقاءَ عمداً(1/268)
716 - حَدَّثَنَا عليُّ بن حُجْرٍ أَخبرنَا عِيسَى بن يُونُسَ عن هشامِ بن حسَّانَ عن ابن سيرينَ عن أَبي هُريرةَ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَن ذَرَعَهُ القيءُ فلَيسَ عَلَيهِ قضاءٌ ومن استقاءَ عمداً فلْيَقضِ".
وفي البابِ عن أَبي الدَّردَاءِ وثَوبانَ وفَضَالَةَ بن عُبَيدٍ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ أَبي هُريرةَ حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نعرِفُهُ من حديثِ هشامٍ عن ابنِ سيرينَ عن أَبي هُريرةَ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ من حديثِ عِيسَى بن يُونُسَ. وقَالَ مُحَمَّدُ: لا أَراهُ محفوظاً.
قَالَ أَبُو عِيسَى: وقد رُوِيَ هَذَا الحديثَ من غَيرِ وجهٍ عن أَبي هُريرةَ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا يصحُّ إِسنادَهُ. ورُوِيَ عن أَبي الدَّردَاءِ وثَوبانَ وفَضَالَةَ بنِ عُبَيدٍ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فأَفطَرَ.
وإِنَّمَا معنَى هَذَا الحديثِ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ صائماً متطوعاً فقاءَ فَضَعُفَ فأَفطر لذلكَ هكذا رُوِيَ في بعضِ الحديثِ مُفسَّراً.
والعملُ عِندَ أَهلِ العلم عَلَى حديثِ أَبي هُريرةَ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الصَّائمَ إِذَا ذَرَعَهُ القيءُ فلا قضاءَ عليهِ، وإِذَا استقاءَ عمداً فليقضِ. وبِهِ يقولُ الشَّافِعيُّ وسفيانُ الثَّوريُّ وأَحْمَدُ وإِسحاقُ.
الشرح :
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى ( باب ما جاء فيمن استقاء عمداً ) باب أي هذا باب ما جاء في حكم من استقاء عمداً .(1/269)
حدثنا علي بن حجر أخبرنا عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من ذرعه القيء - أي غلبه وسبقه في الخروج- فليس عليه قضاء ) وهذا قول الجمهور وحكاه طائفة إجماعاً، وقد حكي عن الحسن خلاف في هذا ولكنه بلا ريب أن من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ، ولكن لو ازدرده مرة أخرى كأن يكون خرج على الفم ثم ابتلعه و يستطيع أن يدفعه فإنه في هذه الحالة يفطر لأنه أولج ولم يخرج .
قوله ( ومن استقاء عمدا فليقض ) أي من تسبب في بخروج القيء قصدا منه بعلم دون جهل لأن الصواب في هذا الباب أن الجاهل يعذر .
قوله ( فليقض ) دون كفارة في أصح قولي العلماء وهو قول الجمهور .
قال أبو عيسى وفي الباب عن أبي الدرداء وثوبان وفضالة بن عبيد ، حديث أبي الدرداء (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر) وهذا على خلاف في صحته فمنهم من يرويه (قاء فتوضأ) إلا أنه ليس صريحاً في كون القيء يفطر فيحتمل أنه (قاء فأفطر) هذا في النفل ، ويحتمل أن هذا على وجه الاستحباب وليس على وجه الإيجاب ومنه قاء فتوضأ ليس القيء ناقضاً من نواقض الوضوء في أصح قولي العلماء، فيحتمل أنه فعله على وجه الاستحباب، وهذا كله حين يثبت الحديث فإن فيه اختلافاً، قوله وفضالة بن عبيد أخرجه بن ماجه ولا يصح .
قال أبو عيسى عن حديث الباب حديث أبي هريرة حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث هشام عن بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث عيسى بن يونس لكن أشار أبو داود رحمه الله تعالى في سننه، قال رواه أيضاً حفص بن غياث عن هشام مثله . قوله وقال محمد أي بن إسماعيل الإمام البخاري رحمه الله تعالى لا أُراه محفوظاً -بضم الهمزة- أي(1/270)
لا أظنه، ويحتمل لا أَراه بمعنى لا أعلمه محفوظاً أي صحيحاً وهذا الصواب، فإن هذا الخبر معلول وقد أعله جماعة من الحفاظ وقد حكى الإمام الدارمي رحمه الله تعالى في سننه عن عيسى بن يونس قال: زعم أهل البصرة أن هشاماً أَوهم فيه، فهذا يفيد أن الغلط من هشام في هذا الخبر، وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى (ليس من ذا شيء) يعني بذلك أن الحديث غير صحيح، ومما يؤكد ضعف الخبر أن أبا هريرة كان يفتي بخلافه وقد قال أبو هريرة رضي الله عنه (إذا قاء فلا) يفطر علقه البخاري في صحيحه، وهو يعل المرفوع وحينئذ اتفق أهل البصرة والإمام أحمد والبخاري وأبو عيسى وآخرون على ضعف حديث الباب، وحينئذ لا يصح في الباب شيء من الأدلة الدالة على الأمر ، قد قال أبو عيسى قد روى هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح إسناده ومتابعة حفص بن غياث لعيسى غير مقوي للخبر لأن الخبر معلول بأكثر من علة ، معلول بوهم هشام على ما قاله أهل البصرة ، ومعلول بتفرد عيسى ومتابعة حفص غير مجدية ونافعة ، ومعلول بأن فتوى أبي هريرة بخلاف ما روى، ولا يقال بأن العبرة بما روى لا بما رأى، لأنا نقول إن ما رواه لم يثبت أصلاً وأنه غير محفوظ، وهذا كثير ما يعلل به الأئمة الكبار إذا أفتى الصحابي بخلاف ما رواه، فإن هذا قد يفيد -ليس على الإطلاق- أن ما رواه يعتبر ضعيفاً ولم يصح ، وعلل الإمام أحمد بأشياء كثيرة من هذا القبيل وأشار إلى هذا المعنى الحافظ بن رجب رحمه الله تعالى في شرح علل الترمذي .(1/271)
وقوله وروي عن أبي الدرداء وثوبان وفضالة أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر ، المحفوظ في هذا الخبر قاء فتوضأ، وحديث فضالة ضعيف، ولو ثبت هذا الخبر بأنه قاء فأفطر فإنه لا يفيد الوجوب قد يكون فعله في النفل ، وقد يكون فعله على وجه الندب وليس على وجه الإيجاب، فإن الصيام من دين المسلمين وهو احد أركان الإسلام فإذا دخله بيقين فلا يفطر إلا بيقين، وهذه المفطرات لا تثبت إلا بأدلة صحيحة واضحة جلية تكون الدلالة قوية لأنه قد يكون الإسناد صحيحاً وتكون الدلالة ضعيفة وقد تكون الدلالة صريحة ولكن يكون الإسناد ضعيفاً ويعتمد في هذا الباب على كون الإسناد صحيحاً وعلى كون الدلالة قوية .
قال أبو عيسى وإنما معنى هذا الحديث ( قاء فتوضأ ) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صائماً متطوعاً فقاء فضعف فأفطر لذلك ، هكذا روي في بعض الأحاديث مفسراً، جاءت الرواية في سنن ابن ماجه ولا يصح ، وفي هذا التفسير نظر أيضاً لأن الحكم إذا عقب بالفاء دل على أنه العلة كقولهم (سها فسجد) إذن ينظر من وجه آخر وهو أن الخبر يحفظ بلفظ ( قاء فتوضأ) ولو صح أنه قاء فأفطر فإنه ليس فيه دلالة قوية على الإيجاب والأصل عدم الوجوب حتى يثبت دليل بالوجوب ، ولهذا كان أبو هريرة وبن عباس وعكرمة وطائفة من الأئمة يفتون بأن القيء غير مفطر وأن الفطر مما دخل لا مما خرج .(1/272)
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى والعمل عند أهل العلم على حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصائم إذا ذرعه القيء فلا قضاء عليه ، وإذا استقاء عمداً فليقض وبه يقول الشافعي وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق وهذا قول الجمهور، وقد حكى بن المنذر الإجماع على بطلان الصوم بتعمد القيء وهذا فيه نظر ، وقد ذهب أبو هريرة وبن عباس ومالك في رواية إلى أن القيء لا يفطر لأنه لم يثبت حديث في الباب يعتمد عليه فبقي الأمر على الأصل وأن الفطر مما دخل لا مما خرج وأيضاً الذي يدخل مما يدخل المعدة ليس كل شيء يدخل الجوف يعتبر مفطرا وليس كل شيء يحس بطعمه الصائم يعتبر مفطراً . نقف على هذا وعلى قول المؤلف ( باب ما جاء في الصائم يأكل ويشرب ناسيا ) والله أعلم .
الأسئلة :
س: ...
ج: نعم ،( أفطر الحاجم والمحجوم ) أي آل أمرهما إلى الفطر أي أفطر الحاجم والمحجوم أي تسبب في الفطر هذا على قول طائفة
وطائفة من العلماء يقولون أفطر المحجوم دون الحاجم لأنهم يستشكلون أمر الحاجم ، ما وجه كونه مفطرا ً ؟ منهم من أخذ بظاهر الخبر ومنهم من امتنع عن الأخذ بظاهرة .
س/ هذا سائل من الإسكندرية يقول تحية حب وتقدير من الدعوة السلفية للإسكندرية وإلى جنابكم السؤال يقول هل الاستمناء يفسد الصوم قياسا على الجماع أم أنه قياس فاسد ؟(1/273)
ج/ ذهب الجمهور منهم الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى إلى أن الاستمناء المتعمد يفسد الصوم قياسا على الجماع بالفطر دون الكفارة ولقوله صلى الله عليه وسلم ( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ) يفسرون الشهوة بالمني ، وذهب آخرون من الأئمة منهم الإمام بن حزم وجماعة إلى أنه غير مفطر لأنه لم يثبت دليل على هذا وقياس هذا على الجماع في الحقيقة أنه يعتبر قياس ضعيف لأنه وإن وجد في بعض ذلك علة جامعة إلا أن الفارق أقوى من العلة لأن بعض الأخوة قد ينظر إلى بعض العلل الجامعة وينسى الفارق فإذا كان الفارق أقوى من العلة الجامعة فلا يصح حينئذ القياس ، وأما حديث ( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ) فالصواب أن المقصود بالشهوة الجماع يفسر هذا بالأحاديث الأخرى لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباشر وهو صائم ، ولذلك حين سئلت عائشة رضي الله عنها ما يحل للصائم من زوجته ، قالت اتق الفرج . أي افعل كل شيء إلا الفرج وهذا الإسناد صحيح إلى عائشة رضي الله عنها .
س/ السؤال وإن لم يكن متعلقا بباب الصيام يقول السائل هل يجوز إخراج زكاة المال لغير بلد صاحب الزكاة ؟(1/274)
ج/ إذا كان في ذلك حاجة لا حرج من ذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يأخذون الزكاة من أهل اليمن ويأتون بها إلى المدينة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عمالاً للقرى والأمصار ويجلبون إليه الزكاة ويفرقها في أهل المدينة وفيمن حول أهل المدينة وفيمن يحتاج إلى ذلك والصواب أنه لا حرج من نقل الزكاة من بلد إلى بلد إذا دعت الحاجة إلى ذلك وقد يكون نقل الزكاة من بلد إلى بلد واجباً وقد يكون مستحباً وقد يكون مباحاً، فإذا وجد بلد من البلاد يعاني من الفقر مدقع وأهل البلاد الأخرى مستغنون عن زكاة أموالهم فيجب عليهم نقل الزكاة إلى البلد الآخر معونة لإخوانهم ونصرة لهم وهذه حقيقة الأخوة الإيمانية ولا سيما لم يثبت دليل صحيح صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم في منع نقل الزكاة لأن غالبية ما يحتج به الذين يمنعون نقل الزكاة من بلد إلى بلد آخر هو قوله صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذاً إلى اليمن والخبر متفق عليه من حديث بن عباس، قال (وأخبرهم أن عليهم صدقات تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)، وهذا الحديث في فهمه خلاف لأنه يحتمل أن معنى الحديث تؤخذ من أغنيائهم أي أغنياء المسلمين فترد على فقرائهم أي فقراء المسلمين إذن لا حجة فيه في منع نقل الزكاة من بلد إلى بلد آخر ويحتمل أن يكون معنى الحديث تؤخذ من أغنيائهم أي من أغنياء البلد إلى فقراء البلد إذن الصواب أنه يجوز نقل الزكاة من بلد إلى بلد إذا دعت الحاجة وإذا كان أهل بلدك يعني يحتاجون إلى ذلك فأهل البلد أولى من غيرهم وإذا كان أهل البلد يستغنون أو كان أهل البلد الآخر أكثر حاجة فإنها تصرف في البلد الأكثر حاجة .
س: ...(1/275)
ج: الصحيح أن من قاء يتوضأ استحبابا وليس إيجاباً، وهذا الراجح من مذاهب العلماء وهذا الذي ذهب إليه جمع غفير من العلماء منهم أحمد في رواية والشافعي وجماعة. يعني أن القيء يوجب ...نعم فيه ، منهم من قال إن القيء يوجب الوضوء ويفطر الصائم ، فيه من قال ذلك .
س/ الأخ يقول ما قولكم في حديث ( من فطر صائماً فله مثل أجره ) ؟
ج/ الإمام أبو عيسى سوف يورد هذا الخبر إن شاء الله ونبين ما فيه إن شاء الله من الانقطاع بين عطاء وبين زيد بن خالد فيه انقطاع ولكن تحت هذا الحديث كلام طويل في صحة المعنى أتحدث عنه إن شاء الله تعالى في بابه . فلا تستعجل الحديث عن ذلك .
س/ الأخ يقول إذا جلس الرجل إلى العصر بدون أكل ومن ثم تذكر ذلك فنوى الصوم هل يجوز ؟
ج/ الصواب إذا انتصف النهار لا يصح صومه هذا الصحيح من قولي العلماء رحمهم الله .
س/ الأخ يقول هل هناك فرق بين من ترضع ولدها وبين من تؤجر نفسها للرضاع في جواز الفطر لهما ؟
ج/ العلة الجامعة في هذا الباب هي وجود ولحوق الضرر فإذا كان المرأة يلحقها ضرر فإنها تفطر سواء كانت سوف ترضع ولدها أو ابن غيرها لأنه قد يكون هذا مكسب عيشها فإذا لم تفعل هذا لحقها ضرر من حيث النفقة فحينئذ لها أن تأخذ بهذه الرخصة وقد تقدم أن الصواب تقضي فيما بعد . ثم قال الأخ وكذلك من حملت سفاحاً هل لها الفطر ؟ إذا وجد العذر فلها الفطر هذا بمنزلة من سافر لمعصية فلا حرج أن يترخص برخص السفر .
س/ الأخ يقول هل اللعن والسب من مفطرات الصائم وكذلك يقول متابعة التلفاز في نهار رمضان ؟(1/276)
ج/ هذه الأمور غير مفطرة للصائم اللعن والسب وفعل المحرمات غير مفطرة للصائم لأن ما يفطر الصائم إلا ما ثبت دليله من الأكل والشرب والجماع ، ولكن يجب على كل مسلم أن يحفظ صومه مما ينقص ثوابه ، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم ( من لم يدع قول الزور والعمل به وفي رواية والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) ، فيجب حفظ الصيام وكثرة قراءة القرآن والذكر والتسبيح والصدقة وما يتعلق بذلك فإن الناس يتفاوتون في رمضان منهم من قد لا يجلس ولا يعتكف على آلات الملاهي وعلى المحرمات ولا يكون عنده غيبة ولا نميمة ولكنه ينام من بعد صلاة الفجر ولا يستيقظ إلا عند الغروب فالحقيقة أن هذا ليس هو صوم أئمة السلف وليس هذا هو الصوم المطلوب الذي يكون الصائم أو تصحب الصائم خشية ورقة ودمعة عين على قراءة القران وكثرة الذكر وغير ذلك ، هذا يسهر كل الليل ثم ينام بعد الفجر وقد يصلي الظهر وقد لا يصلي وقد يجمع الظهر والعصر فهذا في الحقيقة صام عن الأكل والشرب لكن لم يصم عن فعل المحرمات والموبقات وكبائر الذنوب كتفويته لصلاة الظهر ، والآخر أيضاً قد لا يفوت صلاة الظهر ولكن يعكف عند آلات الملاهي وسماع الأغاني وعند الغيبة والنميمة وما يتعلق بذلك فيجب في الصيام أنه إذا ترك الأكل والشرب والجماع محبة لله ومحبة لرسوله صلى الله عليه وسلم وعملا بمقتضى الأدلة الشرعية أن يفارق المحرمات حبا لله وحبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبغضا لهذه المنكرات لأنها تعرض لمقت الله ولسخطه ، فيجب على كل مسلم انه إذا صام أن يحفظ الفرج وما حوى واللسان وما وعى وأن يبادر إلى الجلوس في المساجد وإلى أداء القرب والتقرب إلى الله جل وعلا بما أمكن فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) ، ( ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) .(1/277)
وهذا خبر متفق على صحته ، فقوله صلى الله عليه وسلم من صام رمضان ( مَن ْ) صيغة عموم ( صام رمضان ) أي الصوم الشرعي ليس المعنى أنه صام عن الأكل والشرب ثم نام ولم يستيقظ إلا عند الغروب فإن هذا غير داخل في هذا الأجر وفي هذا الثواب . ( صام رمضان إيمانا ) أي تصديقا بوعد الله وتصديقاً بثوابه واحتساباً طلباً للأجر من الله ، والذي يبحث عن الأجر حقيقة هو الذي يسارع في أداء الواجبات وترك المحرمات .
س/ الأخ هذا سائل من فلسطين يقول نهديكم من أرض الرباط سلاما من الله ولجنابكم . السؤال يقول هل يجوز للمرضع التي تخاف على طفلها الإفطار إذا كان لا يأخذ الحليب الصناعي .
ج/ يجوز للمرضع إذا خافت على طفلها أن تفطر حفاظا على صحة الطفل وتقضي فيما بعد ، وقال جماعة من الفقهاء تقضي وتطعم عن كل يوم مسكيناً ، وقال جماعة تفطر وتطعم ولا تقضي تقدم أن هذا مذهب بن عباس وابن عمر والصواب أن القضاء واجب وهو قول الجمهور وحينئذ لا حرج من كون هذه المرضع التي تخاف على طفلها أن تفطر لا حرج أن تفطر وتقضي فيما بعد ولها رخصة أن تؤخر القضاء إلى رمضان القادم والمسارعة إلى القضاء أفضل لأن الإنسان لا يدري ماذا يعرض له والله يقول " واستبقوا الخيرات " .
س/ وهذا أيضا سائل من فلسطين يقول ما هي الحكمة من النهي عن تقديم أو عن تقدم صوم رمضان بيوم أو يومين ؟(1/278)
ج/ اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في الحكمة من هذا منهم من قال أن الحكمة تعبدية قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( ولا تقدموا رمضان بيوم ولا يومين ) والخبر متفق على صحته من حديث أبي هريرة ، ومنهم من قال إذا كان لمعنى رمضان أي أنه إذا كان يتقدم رمضان بيوم أو يومين لكي يصل هذا برمضان فإن هذا منهي عنه لئلا يظن الجاهل أن رمضان أكثر من ثلاثين يوماً، وقيل أن الحكمة في هذا لأن الإنسان قد يتقصد بذلك صوم يوم الشك فسدا للذرائع نهى الإنسان عن تقدم رمضان بيوم أو يومين لئلا يصوم يوم الشك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لأن عمار بن ياسر قال من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصا أبا القاسم صلى الله عليه وسلم .
س/ سائل يقول هل يخرج زكاة على الديون التي لا يعلم متى يحصلها ؟
ج/ إذا كانت هذه الأموال عند مماطلين فلا زكاة فيه حتى يقبضها فإذا قبضها زكاها لسنة واحدة مما مضى هذا قول طائفة من العلماء منهم الإمام أحمد رحمه الله تعالى. منهم من قال إذا كانت هذه الأموال عند مماطل فإنه لا زكاة فيه مطلقاً وإن قبضها يستقبل بها حولا ،وبمنزلة المماطل الفقير الذي لا يقدر على السداد وأما إذا كانت هذه الأموال عند أغنياء يستحي أن يطالبهم إذن هو قادر على قبضها لكن يستحي أن يطالب بها الصواب أنه يزكيها كل عام لأنها بمنزلة المقبوض في يده .
س/ الأخ يقول عندما يدخل رمضان أنوي أن أصوم إن بقيت على قيد الحياة إلى آخر الشهر هل تكفي هذه النية ؟(1/279)
ج/ الصواب أن النية في أول الشهر تكفي عن النية في كل ليلة لأنه لو صام الإنسان في هذا اليوم ثم سئل أتصوم غدا قال نعم إذن هذه النية هي كافية فهو في الحقيقة يريد بنيته أن يصوم إذ لا يتصور عن رجل أنه ينوي في أول ليلة ولا ينوي في الليالي الأخرى إلا إذا أغمي عليه أو عرض له عارض زال به عقله من إغماء ونحوه وحينئذ يتصور معنى الخلاف ، أما إذا لم يحصل له إغماء فإنه من الأصل يقول غدا أصوم وينوي أن يصوم ولهذا الشافعي وغيره من الأئمة يجوزون النية من أول ليلة ، وجماعة من العلماء يقولون لابد أن ينوي كل ليلة وليس معنى ينوي كل ليلة أن يتكلف وأن يبتدع وأن يتلفظ ، النية محلها القلب لأن بعض الناس يؤول به هذا الأمر إلى الوسوسة فيجب الابتعاد عن هذا لأن النية محلها القلب فإذا كان من نيته ومن قصده أن يصوم فهذا كاف في هذا أم كونه يقول نويت أن أصوم غدا ونظير هذا إذا وقف في الصلاة رفع يده اللهم إني نويت أن أصلي لله أربعا هذا بدعة ولا يجوز فيجب الابتعاد عن هذا ، لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة يفعلون هذا .
والله اعلم نكتفي بهذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
26 - بابُ ما جاءَ في الصَّائمِ يأكُلُ ويَشرَبُ ناسياً
717 - حَدَّثَنَا أَبو سعيدٍ الأَشجُّ أَخبرنَا أَبو خالدٍ الأَحمرُ عن حجَّاجٍ عن قَتَادَةَ عن ابن سيرينَ عن أَبي هُريرةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أَكلَ أَو شَربَ ناسياً فلا يُفطِرْ فإِنَّما هُوَ رزقٌ رزقَهُ الله".
718 - حَدَّثَنَا أَبُو سعيدٍ أَخبرنَا أَبُو أُسَامَةَ عن عوفٍ عن ابن سيرينَ وخَلاسٍ عن أَبي هُريرةَ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثلَهُ أَو نحوَهُ.
وفي البابِ عن أَبي سعيدٍ وأُمِّ إِسحاقَ الغَنَويةِ.(1/280)
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ أَبي هُريرةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ عَلَى هَذَا عِندَ أَكثرِ أَهلِ العلمِ. وبِهِ يقولُ سفيانُ الثَّوريُّ والشَّافِعيُّ وأَحْمَدُ وإِسحاقُ.
وقَالَ مالكُ بن أَنسٍ: إِذَا أَكلَ في رَمضَانَ ناسياً فعَلَيهِ القضاءُ. والأَوَّلُ أَصحُّ.
الشرح:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد :
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في كتاب الصيام ( الباب السادس والعشرون )( باب ما جاء في الصائم يأكل ويشرب ناسياً ) (باب) أي هذا باب . ما جاء من الأحاديث في كون الصائم يأكل ويشرب ناسياً وأنه يتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه وقد ترجم الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى بنحو ما دل عليه الخبر بتحديد النسيان بالأكل والشرب ولم يذكر الجماع وبقية المفطرات وهذه مسألة خلافية بين العلماء وسيأتي إن شاء الله تعالى الحديث عنها وقد جاء ذكر الأكل والشرب لأنهما الأكثر نسياناً وقد ترجم المؤلف رحمه الله تعالى بما جاء لكون الصائم يأكل ويشرب ناسياً إفادة بما دل عليه الخبر ولفظ الترمذي فإنما هو رزق رزقه الله واللفظ الآخر (إنما أطعمه الله وسقاه ) .
حدثنا أبو سعيد الأشج أخبرنا أبو خالد الأحمر عن حجاج ظاهر الرواية أنه بن أرطأة وهو صدوق سيء الحفظ عن قتادة عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :من أكل أو شرب ناسياً فلا يفطر فإنما هو رزق رزقه الله .(1/281)
حدثنا أبو سعيد أخبرنا أبو أسامة عن عوف عن بن سيرين وخلاس عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أو نحوه وفي الباب عن أبي سعيد وأم إسحاق الغنوية قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح . وقد رواه البخاري ومسلم من طريق هشام عن بن سيرين عن أبي هريرة ورواه البخاري من طريق أبي أسامة قال حدثني عوف عن خلاس ومحمد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من أكل ناسيا وهو صائم فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) . ورواه أبو داود بلفظ (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أكلت وشربت ناسياً وأنا صائم فقال أطعمك الله وسقاك) وفي رواية عن الدار قطني (ولا قضاء عليه) وهذه الرواية شاذة ، ولفظ أبي داود (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أكلت وشربت) ، يحتمل الشذوذ أيضاً، ولفظ أبي عيسى (إنما هو رزق رزقه الله) فيه نظر، والصواب والمحفوظ إنما أطعمه الله وسقاه وهذا الذي رواه أبو أسامة عن عوف عن بن سيرين وخلاس عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قوله ( من أكل ) " مَن " مِن صيغ العموم تعم الذكر والأنثى والخطاب في ذلك للإنس والجن ، ومَن اسم شرط جازم تجزم فعلين الأول فعل الشرط والثاني جوابه وجزاؤه ( من أكل أو شرب ) " أو " هنا للتنويع وقد خص الأكل والشرب لأن النسيان فيهما أكثر من النسيان في غيرهما .(1/282)
قوله ( ناسياً ) أي ناسياً أنه في الصوم سواء كان الصوم فرضاً أم نفلاً والحديث في ذلك عام فلا يفطر " الفاء " رابطة لجواب الشرط أي فالحكم في ذلك أنه لا يفطر ففيه معنى قول الله جل وعلا قال تعالى ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) [البقرة/286] وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن من أكل أو شرب ناسياً أنه يتم صومه وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى إذا أكل في رمضان ناسياً فعليه القضاء ولا كفارة ، والمالكية يفرقون بين صوم النفل وبين صوم الفرض وقد قال طائفة من الفقهاء يلحق بالأكل والشرب الجماع وبقية المفطرات وهذا مذهب الشافعي ورواية عن الإمام أحمد وهو الذي أفتى به الحسن ومجاهد فقد روى عنهما الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه معلقاً (إن جامع ناسيا فلا شيء عليه) لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبر من أكل أو شرب، علل بأنه كان ناسياً فيلحق بالأكل والشرب بقية المفطرات يجامع النسيان ولذلك جاء في رواية محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي عن أبي سلمه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من أفطر في شهر رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة ). وقد اختلف في صحة هذا الخبر وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصحة وقوله (من أفطر) تشمل الأكل والشرب والجماع، وهذا الصواب من مذاهب العلماء أن من أكل أو شرب أو جامع ناسياً فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة ، الإمام مالك رحمه الله تعالى يقول عليه القضاء ولا كفارة ، والإمام أحمد رحمه الله تعالى يقول إن أكل أو شرب ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة ، وإن جامع ناسياً فعنه أنه بمنزلة الأكل والشرب وعنه عليه القضاء والكفارة . الصواب في هذا ما ذهب إليه الحسن البصري ومجاهد والشافعي وأحمد في رواية وشيخ الإسلام وبن القيم وجماعة من الأئمة بأن من أكل أو شرب أو جامع ناسيا فليتم صومه .(1/283)
وقال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه( وقال عطاء إن استنثر فدخل الماء في حلقه فلا بأس) وقيد ذلك فقال (إن لم يملك) ، وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى (إن دخل حلقه ذباب فلا شيء عليه) ثم قال: (وقال الحسن ومجاهد إن جامع ناسياً فلا شيء عليه) إذن إذا أفطر ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة سواء كان بأكل أو شرب أو جماع أو غير ذلك من المفطرات التي ذهب إليها بعض العلماء وكان التمثيل بالأكل والشرب والجماع لأن هذه الأمور هي المجمع عليها وما عدا ذلك فمختلف فيه باستثناء الحيض فإنه مجمع على أنه من المفطرات .(1/284)
قوله ( فإنما هو رزق رزقه الله ) واللفظ المحفوظ ( فإنما أطعمه الله وسقاه ) أي هذه منّة من الله عليه حيث أطعمه الله وسقاه ولا يؤاخذه بذلك ، ويؤخذ من ذلك التفريق بين العامد وبين الناسي، ويؤخذ من هذا يسر الشريعة وسماحتها، وأن اليسر متمش مع الأدلة الشرعية ويستمد يسر الشريعة من الكتاب ومن السنة ولا يرجع في ذلك إلى الأهواء المظلة وإلى تحكيم العقول كالذين يقدمون على مخالفة الأدلة القطعية تحت غطاء ومسمى سماحة الشريعة ، ويؤخذ من يسر الشريعة والسماحة أن من لم يجد الماء تيمم ، وأن من أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره ، وأن من عجز أن يصلي قائما صلى جالسا وإن عجز أن يصلي جالساً صلى مضطجعاً، وأن من أكل وشرب ناسياً فليتم صومه، ونظير هذا من فعل محظوراً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلا فلا شيء عليه ، هذا يؤخذ منه يسر الشريعة وسماحته، أما أن تأتي الأدلة القطعية فنخالفها تحت غطاء مسمى يسر الشريعة والسماحة ونحو ذلك فهذا ضرب من الغلط قد قال تعالى {وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ }النساء14 ،فيه طائفة من الفقهاء يفرقون بين النسيان وبين الجهل ويقولون بأن الخبر جاء في النسيان . ولم يأت في الجهل يرون أن من أكل أو شرب أو جامع ناسياً فإنه معذور وإذا كان جاهلاً فإنه لا يعذر لأن العلم فرض عليه فقد فرط في ذلك ومنهم من سوّى بينهما بشرط أن يكون الجهل مقبولا بمعنى أنه لا يكون الجهل ناتجا عن تفريط وإعراض لأن الجهل قد ينتج عن تأويل أو غفلة عن السؤال، لأنه لا يتصور وجوده وإن كان قد يكون طالب علم أو لا يتصور دخول هذه المسألة في الحكم فيكون هذا الجاهل جهلاً نسبياً، النووي رحمه الله تعالى يرى أن الجاهل المعذور هو حديث عهد بإسلام أو نشأ ببادية وأما من يعيش بين المسلمين فيهم العلماء وطلبة العلم فإنه لا يعذر .(1/285)
وطائفة من العلماء لا يفرقون في هذا الباب بين المسائل الفقهية والمسائل العقدية والحديث في هذا الباب عن حكم فقهي .
ما حكم من أكل أو شرب أو جامع جاهلاً، والصواب في هذا الباب التفريق بين الحكم عليه بالفطر وبين التأثيم بمعنى أنه يعذر بجهله بحيث لا يؤمر بالقضاء وإن كان هذا الجهل ناتجاً عن تساهل فإنه يأثم بذلك فلا تلازم بين رفع القضاء وبين رفع الإثم فيكون آثماً لتفريطه بالتعلم معذورا لاتصافه بالجهل وأن الله لا يؤاخذه بذلك بمعنى أن الله لا يأمره بالإعادة وذلك في قوله جل وعلا ) رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) [البقرة/286] ،منهم من قال على قول الله جل وعلا ( قد فعلت) أي في الإثم دون الإعادة ومنهم من يعكس القضية في بعض الصور وعلى كل ليس الشأن في تقرير المسألة الكلية بقدر ما هو تقرير هذه المسألة المطروحة في هذا الباب ، الصواب أن الجاهل في حكم يأخذ حكم الناسي ولكن إن كان جهله ناتجاً عن تساهل في التعلم فإنه لا يؤمر بالقضاء ولكن يأثم في تفريطه في العلم الواجب ، والعلم نوعان : علم مشروع وعلم غير مشروع ، والمشروع ينقسم إلى أقسام منه ما هو فرض عين كتعلم أحكام التوحيد وأحكام الصلاة والزكاة عند من عنده مال والصيام عند من وجب عليه الصيام والحج على من يريد الحج تعلم هذه الأحكام فرض عين .(1/286)
النوع الثاني / فرض كفاية إذا قام بذلك البعض سقط الإثم عن الباقين كأحكام البيوع ، إن تعلم هذه المسائل فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين ولكن من أراد أن يبيع وأن يشتري يكون علمه بأحكام البيوع فرضاً عليه ومن ذلك علم الفرائض وغير ذلك من العلوم وفيه قول آخر في المسألة يفرق بين من أكل كثيراً وبين من أكل قليلاً وأن من أكل أو شرب أو جامع كثيراً فإنه لا يعذر بالنسيان لأن مثل هذا لا ينسى، وأن من أكل أو شرب أو جامع يسيرا فإنه يعذر لأن مثل هذا ينسى، والصواب أنه حيث وجد النسيان أو الجهل فثمَّ الحكم والجامع في ذلك النسيان أو الجهل فمن أكل أو شرب فالخبر صريح بأنه معذور إذا كان عن نسيان وإن كان عن جهل فإن الجامع مع النسيان قوي وهو عدم العلم بالشيء وأما الجماع فإن الخلاف فيه أقوى من الخلاف في الأكل والشرب .
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى ( والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم) لم يحك الإجماع لأن المسألة خلافية ،قال وبه يقول سفيان الثوري والشافعي واحمد وإسحاق تبعهم على ذلك أو وهذا قول أبي حنيفة بأن هؤلاء الأئمة يقولون من أكل أو شرب ناسيا فليتمّ صومه ولا قضاء عليه ولا كفارة ،وقال مالك بن أنس إذا أكل في رمضان ناسيا فعليه القضاء أي دون الكفارة ، والمالكية يفرقون بين صوم النفل وبين صوم الفرض ،والصحيح ما ذهب إليه الجمهور،أعيد على عجل مذاهب الأئمة في هذا الباب ، من أكل أو شرب ناسيا فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة وهذا قول الجمهور ، وخالف في ذلك مالك فقال عليه القضاء .
الحالة الثانية/ من جامع ناسيا فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة في أصح قولي العلماء ، وخالف في ذلك الإمام مالك وقال عليه القضاء . وعن أحمد رواية عليه القضاء والكفارة .(1/287)
الحالة الثالثة / من أكل أو شرب أو جامع جاهلاً فالصواب أنه لا قضاء عليه ولا كفارة وإنما يستغفر الله ويتوب إليه وإن كان جهله عن تفريط في التعلم فإنه يأثم بذلك ، ومنهم من قال إن لم يكن في بادية وليس بحديث عهد بالإسلام فإنه يقضي يوماً، وقال طائفة وعليه الكفارة في الجماع ، ومسائل هذا الباب: أنه إذا دخل حلقه ذباب أو غبار فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة لأن هذا الأمر قد غلبه فلم يكن متقصدا لذلك .
مسألة / ما الحكم فيمن رأى رجلاً أو امرأة يأكل ويشرب وهو يعلم أنه ناسي ؟ الجواب أن الفقهاء قد اختلفوا في هذه المسألة فمنهم من قال وهو قول الجمهور يجب عليه أن يبادر ويسارع إلى الإنكار لأنه في الظاهر قد عمل معصية بفطره في نهار رمضان وإنما أطعمه الله وسقاه هذا فيما بينه وبين الله والذي بينه وبين الناس فإنه يجب الإنكار والتغيير وهؤلاء يستدلون بقوله صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ) الحديث رواه مسلم وهو في الظاهر قد عمل منكرا لأن الأكل أو الشرب أو الجماع في نهار رمضان منكر بالإجماع ولكن كان ناسيا فهذا فيما بينه وبين الله .(1/288)
القول الثاني في المسألة / التفصيل من حصل عنده اليقين بأن هذا الرجل يأكل ويشرب نسياناً فإنه يتركه لأن الله أطعمه وسقاه ولأن الله قد رأف بحال هذا الرجل باعتبار قد يكون عطشانا فأطعمه الله وسقاه على اعتبار أنه ناسي وحينئذ لا نحرمه هذا الرزق الذي منّ الله عليه به ، وإن كان الرجل لا يعلم أن هذا الرجل أكل أو شرب ناسيا لأنه لا يعرفه أو يحتمل أنه متساهل ومتلاعب فحينئذ يجب عليه الإنكار والمسارعة إلى الإنكار ولأن مثل هذا قد يفتح مجالا للآخرين تحت غطاء النسيان أو الجهل أو غير ذلك ، وإن كانت هذه العلة منسحبة على القسم الأول وهذه المسألة هي من مسائل الاجتهاد التي لم يكن الحديث عنها كثيراً في عصر أئمة السلف وقد كان الحديث عن هذه المسألة في القرون الوسطى أكثر ممن قبلهم ولعل التفصيل بين من يتيقن أنه صائم ولكن الله أطعمه وسقاه وبين من لا يعلم حاله أقوى من القول بالإنكار مطلقا لأنني أعلم في داخل نفسي بأنه لم يفعل منكرا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من رأى منكم منكراً ) وأنا أعلم أنه صائم مائة بالمائة فبالتالي إنما أطعمه الله وسقاه فإذن أتركه وشأنه بشرط ما لم يترتب على ذلك ضرر مثال الضرر أن يشرب عالم أمام جمع من العامة فيتصورون أنه لا بأس بشرب القليل شرب العالم نسيانا أو خطأ وفيه عامة لا يفقهون أحكام الصيام أو أنهم حديثو عهد بإسلام فحينئذ نسارع بتنبيه هذا العالم إلى الامتناع عن الأكل أو الشرب لئلا يراه من لا يفقه الأحكام الشرعية فيقتدي به باعتبار أنه عالم ، هذا لو فرض يترتب عليه ضرر فحينئذ يكون التنبيه لترتب الضرر وليس لذات المسألة .
27 - بابُ ما جاءَ في الإفطارِ متعمداً(1/289)
719 - حَدَّثَنَا بُندَارٌ أَخبرنَا يَحيَى بن سعيدٍ وعَبدُ الرَّحمنِ بنُ مهديِّ قَالا أَخبرنَا سفيانُ عن حبيبِ بن أَبي ثابتٍ أَخبرنَا أَبُو المطَوِّسِ عن أَبِيهِ عن أَبي هُريرةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أَفطرَ يوماً من رَمضَانَ من غَيرِ رُخصةٍ ولا مرضٍ لَمْ يَقضِ عنه صومُ الدَّهرِ كلِّهِ وإِنْ صامَهُ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ أَبي هُريرةَ حديثٌ لا نعرفُهُ إِلاَّ من هَذَا الوجهِ. وسمعتُ مُحَمَّداً يقولُ: أَبُو المطَوِّسِ اسمُهُ يزيدُ بنُ المُطَوِّسِ ولا أَعرِفُ لَهُ غَيرَ هَذَا الحديثِ.
الشرح :
قال الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى ( باب ما جاء في الإفطار متعمدا ) (باب ) أي هذا باب . (ما جاء ) من الوعيد الشديد في الإفطار أي في الأكل أو الشرب أو الجماع . ( متعمداً ) وهل يقضي يوما مكان ما أفطر أم لا ، فيه خلاف لا يختلف العلماء بأنه لا يجوز الفطر في نهار رمضان بدون عذر وقد اتفق الفقهاء بأن هذا الفعل يعد كبيرة من الكبائر .
قال أبو عيسى حدثنا بندار أخبرنا يحي بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي قالا أخبرنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت أخبرنا أبو المطوس عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقض عنه صوم أو صيام الدهر كله وإن صامه . قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وسمعت محمدا يقول أبو المطوس اسمه يزيد بن المطوس ولا أعرف له غير هذا الحديث . وأبو المطوس وثقة بن معين وقال اسمه عبد الله بن المطوس، ولكن قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى لا أعرفه ولا أعرف حديثه من غيره ، وقال البخاري رحمه الله تعالى لا أعرف له غير هذا الحديث ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا، وقال الحافظ بن حبان رحمه الله تعالى يروي عن أبيه ما لا يتابع عليه فقد أعل هذا الخبر بثلاث علل :(1/290)
العلة الأولى / الاضطراب وأشار إلى هذا المزي رحمه الله تعالى في تهذيب الكمال في ترجمة أبي المطوس . وأشار إلى هذه العلة غيره كالحافظ بن حجر في فتح الباري .
العلة الثانية / الجهل بحال أبي المطوس وأن مثله لا يقبل تفرده في هذا الخبر ولاسيما أن الإمام أحمد قال لا أعرفه ولا أعرف حديثه من غيره .
العلة الثالثة / الشك في سماع أبيه من أبي هريرة وهذا الذي أشار إليه البخاري في قوله ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا ، فهذا الخبر لا يثبت إسناده في قول الأكثر من أئمة الحديث وإن كان قد ذهب جماعة كابن خزيمة وطائفة إلى تصحيحه وهذا فيه نظر لأن تفرد أبي المطوس في هذا الخبر عن أبيه عن أبي هريرة غير مقبول . لذا قال بن حبان يروي عن أبيه ما لا يتابع عليه .
لم يعلق الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى على هذا الخبر من حيث الناحية الفقهية لأن منهم من احتج بهذا الخبر على من أفطر متعمداً بأكل أو شرب أو جماع فإنه لا يقضي هذا اليوم الذي أفطره فإن كان بأكل أو شرب فإنه لا يقضي مطلقاً وإن كان بجماع فإن هذا اليوم الذي أفطر فيه لا يقضيه ولكن تجب عليه الكفارة من عتق رقبة إذا لم يستطع يصوم شهرين متتابعين دون قضاء هذا اليوم . وهؤلاء يحتجون بأمور : الأمر الأول / أن هذا ردع له ولغيره حتى لا يحصل في ذلك تساهل في أمر الصيام .
الأمر الثاني / أن عدم القضاء يقولون ليس تخفيفا عنه إنما يقولون هذا بمنزلة الذي يقتل متعمدا إذا عفي عنه فإنه لا كفارة عليه وليس هذا تخفيفا عنه ولكن لعظم ذنبه لأنه ليس هناك ما يكفره إلا أن يتوب .
الأمر الثالث / يقولون هذا الذي أفتى به عبد الله بن مسعود وهو من كبار الصحابة ومن فقهائهم يقولون ولا يعلم له مخالف في هذا ويحكون عن علي وعن أبي هريرة بمثل ما جاء عن بن مسعود رضي الله عنه وقد نصر هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
والقول الثاني في المسألة / أنه يجب قضاء هذا اليوم وذلك لأمور :(1/291)
الأمر الأول / أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الشهر تسع وعشرون) فالشهر إما يكون ثلاثين وإما يكون تسعاً وعشرين فحين يفطر يوما أو يومين أو ثلاثة أو عشرة أو يفطر الشهر كله لا يكون قد أدى الركن المطلوب أداؤه فحينئذ يجب أن يتم الشهر وأن يأتي بما أمره الله به لقول لله جلّ وعلا { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }البقرة185 ،ولقوله صلى الله عليه وسلم ( بني الإسلام على خمس ومن ذلك صوم رمضان ) والخبر متفق على صحته من حديث عبد الله بن عمر .
الأمر الثاني / يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المجامع في نهار رمضان أن يقضي يوماً مكانه . يجاب عن هذا بأن الأحاديث الواردة في أمر المجامع بالقضاء أحاديث معلولة ، قد أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة ولم تثبت رواية في أمره بالقضاء ، كان الأمر بالقضاء من رواية هشام بن سعد عن الزهري عن أبي سلمه عن أبي هريرة، وهشام بن سعد لا يقبل تفرده عند الأئمة لأنه سيء الحفظ .(1/292)
الأمر الثالث / يحتجون برواية سعيد بن المسيب قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أفطرت يوماً من رمضان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (تصدق واستغفر الله وصم يوماً مكانه) . رواه ابن أبي شيبة في المصنف وغيره . يقول مراسيل سعيد من أقوى المراسيل فهذا يؤيد القول بالقضاء ويستدلون أيضا بالإجماع فقد حكاه غير واحد بأن من أفطر يوما متعمداً بأنه يقضي وهذا الإجماع فيه نظر وقد حكي عن علي وبن مسعود وأبي هريرة وجماعة بأنه لا يجب القضاء وليس تخفيفا عنه ولكن لعظم ذنبه ونظير هذه المسألة من ترك صلاة متعمداً فقال جماعة من العلماء بأن من ترك صلاة الظهر حتى يخرج وقتها أو العصر حتى يخرج وقتها أو العشاء حتى يخرج وقتها فإنه لا يقضي ، الذي ينام عن صلاة الفجر متعمداً ولا يستيقظ حتى تطلع الشمس فإنه لا يقضي على هذا القول لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة له إلا ذلك )قال ولم يذكر المتعمد، الخبر متفق على صحته ولكن قد يجاب أنه لم يذكر المتعمد لأن المتعمد عارض من العوارض فكان التنبيه على ما يقع كثيراً دون ما يقع نادرا لأن الأصل في المسلم أن يسارع إلى الصلاة ولا يتخلف عن أداء الواجب فحينئذ لم يُذكر لأن التنبيه على ما يقع بكثرة وعلى ما هو من طبيعة الإنسان وليس على ما هو خارج عن المقتضى الحكم الشرعي كالمتعمد فبالتالي ليس هذا الحديث صريحا بالاستدلال على أن المتعمد ليس عليه قضاء ولذلك ذهب الجمهور منهم الأئمة الأربعة على أن من أفطر في نهار رمضان متعمداً أو ترك الصلاة متعمدا أنه يقضي وهذا الذي أفتى به الأكابر من الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين وإن كان أيضاً قد يوجه أثر عبد الله بن مسعود (من أفطر يوماً في رمضان متعمداً من غير علة ثم قضى طول الدهر لم يقبل منه) ، يحتمل أن يكون مراده بهذا أن هذا لا يكفِّر عن هذا وليس المعنى أنه لا يقضي(1/293)
فحينئذ يكون أثر بن مسعود محتملاً ليس صريحا ولا يصح الجزم بأن هذا هو قول عبد الله بن مسعود أو هو قول أبي هريرة أو قول علي، فنظير هذا أن تقول مهما فعلت فلن يكون موازياً لهذا الترك وليس المعنى بأن لا تفعل ، لا افعل ولكن لن يكون موازيا لأن ذنب هذا أكبر من حسنة هذا وحينئذ الصواب في هذه المسألة أن من ترك صلاة متعمداً بأنه يقضي ومن ترك صياما متعمداً فإنه يقضي ولا كفارة عليه إلا القضاء وكفارته القضاء ويتوب إلى الله ويستغفره وأن يعزم على أن لا يعود إلى الذنب مرة أخرى ولكن كان لا يصوم في شهر من الشهور وهو في هذا الوقت كان لا يصلي الصواب أنه لا يقضي الصيام لأنه آن ذاك لم يكن مسلماً لأن من لم يصل بالكلية ليس بمسلم هذا الذي أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم حكى إجماعهم عبد الله بن شقيق العقيلي وإسحاق والمروزي وغير هؤلاء، أما إن كان يصلي تارة ويدع تارة فيعتبر مسلماً عاصياً ويؤخذ من الحديث وإن كان ضعيفاً ولكن يؤخذ منه ومن مجموعة ما ذكر من آثار كمرسل سعيد وأثر بن مسعود.
أولا/ يؤخذ أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان . فيه الرد على المرجئة .
الأمر الآخر / فيه الرد على الخوارج الذين يكفرون بمطلق الذنوب . البحث جار هل يقضي أم لا يقضي بين السلف، ولم يكن البحث جار هل كفر أم لم يكفر ، ففيه الرد على الخوارج الذين يكفرون بمطلق الذنوب وبالكبائر وأهل السنة متفقون على أن لا يكفر المسلم إلا إذا أتى بقول أو فعل أو اعتقاد ينافي أصل الإيمان كقوله صلى الله عليه وسلم :( إن لم تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان ) .
الأمر الثالث / من ترك صياماً أو صلاة متعمداً فإنه يقضي وهذا قول الجمهور .
الأمر الرابع / أن الذين لا يقولون بالقضاء ليس تخفيفا عن المفرط إنما هو لزيادة عقوبته وأن هذا الذنب لا يكفره القضاء .(1/294)
ويؤخذ من الحديث التفريق بين الذنوب وأن من الذنوب ما هو ينافي أصل الإيمان ومنه ما ينافي كماله الواجب ومنه ما ينافي كماله المستحب .
وفيه أن من ترك يوما من صيام رمضان متعمدا أنه مرتكب لكبيرة من الكبائر وحد الكبيرة ما ختمت بغضب أو لعن أو وعيد شديد أو ترتب على ذلك حد وفيه غير ذلك والله أعلم .
نقف على الباب الثامن والعشرين ( باب ما جاء في كفارة الفطر في رمضان ) .
الأسئلة:
س: ...
ج: نعم الصواب أن من تعمد ترك فريضة واحدة أنه لا يكفر لكن لو تعمد ترك الصلاة بالكلية هذا هو الذي يكفر. المسألة خلافية أيضا ، لكن الذي ذهب إليه الأكثر أن من ترك صلاة واحدة أنه لا يكفر، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم :( خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن أتى بهن كان حقا على الله أن يدخله الجنة ومن انتقص منهن شيئا فإن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة )، وقوله ( من انتقص منهن شيئا ) هذا فيه دلالة أن من أتى بالبعض وترك البعض أنه لا يكفر لأنه لو كان كافرا ما قال صلى الله عليه وسلم إن شاء أدخله الجنة وإن شاء عاقبه ، لو كان كافراً ما شم رائحة الجنة ، نظير هذا الذي يترك أو يمنع الزكاة ولا يقاتل عليها أي يمنعها بخلاً قال الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ولو كان كافرا ما شم رائحة الجنة . والخبر في صحيح مسلم ، أما إذا قاتل على منعها فالإجماع منعقد على كفره لأن هذا قرينة على جحد الوجوب ونحو ذلك .
س: ....
ج: ما يمكن حمل العهد على الخشوع لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال خمس صلوات الحديث عن الصلاة وليس الحديث عن الخشوع وليس الحديث عن أركان أو الواجبات، النبي صلى الله عليه وسلم قال خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فالحديث عن الخمس فمن أتى بهن أي الخمس ومن انتقص منهن شيئا أي انتقص من الخمس فيه من قال أنه انتقص من الواجبات أو الأركان وانتقص من الخشوع .(1/295)
س/ الأخ سائل من الرياض يقول من تعاريف العلم الإدراك الجازم . هل هذا التعريف صحيح ؟
ج/ الصواب أن تعريف العلم هو معرفة الشيء على ما هو عليه ، إن العلم هو معرفة الشيء على ما هو عليه فيدخل العلم الشرعي وغيره ,فمن عرف الشيء ما هو عليه فإنه يسمى عالما بهذا ولا يكون عالما مطلقا . ثم قال الأخ وما هو الفرق بين المعرفة والعلم ؟
فيه فرق بين المعرفة والعلم ، لأن العلم أعم من المعرفة فإن الإنسان قد يكون عارفا بالشيء ولا يكون عالما ، ولكن لا يكون عالما إلا إذا كان عارفا بالشيء .
س/ السائل من الكويت يقول وفقكم الله لكل خير يقول ذكرت أحد الرواة وهو ابن أرطاه هل هو الحجاج بن أرطاه الذي ضعفه الترمذي ؟
ج/ يحتمل والعلم عند الله الذي يظهر لي والعلم عند الله أن الحجاج المذكور هو بن أرطاه ، وقد جاء الظاهر مصرحاً به في بعض النسخ في جامع أبي عيسى الترمذي فهو الذي يروي عن قتادة ويروي عنه أبو خالد بعيد أن يكون هو المصيصي ،فهو بن أرطاه وهو سيء الحفظ ولذلك أورده أبو عيسى من طريق أخرى ، وهي التي جاءت في صحيح البخاري من طريق أبي أسامة والخبر متفق على صحته ، ولكن الحجاج بن أرطاه صدوق سيء الحفظ .
س/ سائل يقول ما هي كفارة الذي يأكل في رمضان متعمدا ؟
ج/ تقدم الحديث عن ذلك أنه لا كفارة إلا أن يقضي وأن يتوب إلى الله جلّ وعلا .
س/ هذا السائل من مصر يقول والدتي مصابة بالسكر وفيروس سي والأطباء نصحوها بعدم الصيام لكنها تتحامل على نفسها وتصوم بعض الأيام وعند قضاء الأيام التي أفطرت فيها تقضي البعض والبعض الآخر تقول مش قادرة ما استطيع ، فهل تطعم مسكينا عن هذه الأيام أم أن المفروض من الأصل أن تطعم فقط ولا تصوم ؟(1/296)
ج/ إذا قرر الأطباء بأن الصيام يضر بهذه المرأة نسأل الله جلّ وعلا أن يشفيها وأن يعافيها ، الفرض عليها حينئذ أن لا تصوم لأن الأطباء هم الذين يقدرون هذا الأمر وهم الأدرى بمصلحتها ،فإن الإنسان قد يتحامل على نفسه وتحصل له في المستقبل مضاعفات وهو لا يدرك هذا لأنه ليس بطبيب ولا يفهم في هذه الأمور فحينئذ إذا قرر الأطباء بأن الصيام يضاعف المرض فحينئذ لا يجوز لها الصيام بمنزلة ما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أمر الصحابة بالفطر حين لم يفطروا قال أولئك العصاة . وبمنزلة قوله صلى الله عليه وسلم : ( ليس من البر الصيام في السفر )، لأنه يشق عليهم فإذا وجدت المشقة فالفطر واجب ولاسيما إذا قرر الأطباء أنه يحصل من جراء ذلك مضاعفات أخرى ، وأما إذا قرر الأطباء بأنه لا يحصل من جراء ذلك مضاعفات ولكن هي يشق عليها في الحال ثم تحاملت على نفسها فصامت فإن صومها حينئذ يكون مقبولا فإذا عجزت عن البقية فيفصل في الموضوع إن كان هذا المرض يرجى برئه فإنه لا يطعم ، وإن كان المرض لا يرجى برئه فإنه يطعم عن كل يوم مسكينا ،أنس بن مالك رضي الله عنه حين تقدم به السن ولم يكن قادرا على الصيام كان يطعم عن كل يوم مسكينا والإسناد إليه صحيح .
وإن كان الإطعام في أول الشهر جميعا أو في وسط الشهر جميعا أو في آخر الشهر جميعا فلا حرج من ذلك ومقدار الإطعام ما يشبع الفقير ، والصواب من قولي العلماء أنه لو أطعم الفقير دفعة واحدة ما يكفي عن شهر فلا حرج من ذلك ولو دعاهم إلى وليمة واحدة دعا ثلاثين رجلا إلى وليمة واحدة أو بقدر الأيام التي عليه أجزئ ذلك في أصح قولي العلماء .
س/ الأخ يقول سائل يقول أفطرت في نهار رمضان وأنا مسافر وكان سبب الإفطار هو الجماع . فهل يلزم الأكل قبل ذلك أم لا ؟
ج/ الجواب لا يلزم ذلك الأكل ما دام أنه مسافر فله أن يفطر سواء كان بالأكل أو بالشرب أو بالنية أو بالجماع فحينئذ لا يلزمه شيء .(1/297)
س/ الأخ يقول الجاهل إذا جهل الصيام وتركه سنين كي يبلغ الثلاثين ولم يصم هل يجب عليه قضاء السابق ؟
ج/ تقدم أن من العلماء من فصّل قال إن كان جهله عن إعراض فإنه يقضي إذا كان جهله عن عدم علم أو يكون حديث عهد بالإسلام فإنه لا يقضي والصواب أنه إذا لم يكن الجهل عن تفريط فإنه لا يقضي وهذا واضح لأنه لم يبلغه ولأن الناس يتفاوتون في هذا ويختلفون من بلد إلى آخر، فبلد يعني فيه العلماء متكاثرون دعاة ومصلحون ووعاظ ثم إن الإنسان لا يلقي لذلك بالا يختلف عن بلد أو عن شخص يعيش في الصحراء لم يبلغه وجوب الصيام ،أو أنه حديث عهد بإسلام ،أو أنه أسلم وبلغ بالصلاة والزكاة ولم يبلغ بالصيام فظل فترة من العمر على هذا الشيء ، فالصواب أنه لا يقضي ، ونظير هذا المرأة بعض النساء وهذا يوجد حتى في بعض البلاد التي يتنامى ويتكاثر فيها العلماء إذا حاضت لا تقضي ، التي حاضت فيها باعتبار أنه لا قضاء عليها في ذلك ، الصواب أنه يعني ما مضى لا تقضي ولكن تقضي الأيام التي أخبرت عنها قبل بلوغ رمضان الثاني .
ثم قال آخر والكافر إذا أسلم هل يؤدي السابق ؟ لا الكافر إذا أسلم لا يؤدي ما مضى من الأعوام لأن الله عفا عما سلف ،نعم كأن يتعمد الترك وكان يصليها مثلا الصواب أنه يقضي .
س: الأخ يسأل عن رجل كان يتعمد ترك رمضان وكان مسلما وكان يصلي ويحافظ على الصلاة ولكن كان لا يصوم وكان متعمدا ومضى عليه عدة أعوام وكان لا يصوم ؟
ج/ الصواب أنه يقضي كل ما مضى ولو كانت كثيرة يقضي على قدر الطاقة ولا يلزم في ذلك التتابع .
س/ أولا الأخ يسأل عن المرتد هل يلزم بقضاء ما فاته من العبادات ؟(1/298)
ج/ هذه مسألة خلافية بين الأئمة وهي أيضا مسألة خلافية بين الحنابلة والشافعية ، الله جلّ وعلا يقول { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ }البقرة217 ، الحبوط مقيد فيمن مات على هذا الأمر ولذلك الصواب من قولي العلماء أن من ارتد عن دين الله وكان قد سبق أنه قد حج وصام ثم عاد إلى الإسلام أنه لا يعيد حجه ولا يعيد صيامه لأن العمل لم يحبط وأنه يكتفى بما مضى لظاهر آية البقرة { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ }البقرة217 .
( فيمت وهو كافر) جملة اعتراضية بين فعل الشرط وجواب الشرط وهذا القول الصائب من قولي العلماء .
القول الثاني في المسألة / أنه يقضي ما فات .
س/ الأخ يقول أنا رجل صائم ثم سألت هل يوجد لديكم غداء فلم أجد شيئا ثم أتممت الصوم فهل صومي صحيح ؟
ج/ هذا نظير فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يسأل هل عندكم من شيء فحين يقولون لا فكان يواصل صومه لأنه هنا لم يجزم بقطع النية وإنما علّق النية بوجود الطعام فحين لا يوجد الطعام واصل الصيام وهذا طبعا في صيام النفل .
س/ الأخ يقول هذا سؤال عن مسألة سبق شرحكم لها وهي ما يتعلق في اختلاف المطالع ، لو أن شخصا في بلد ما دخل عليه رمضان فصام مع الناس في ذلك البلد ثم سافر إلى بلد آخر يختلف مطلعه عن البلاد الأخرى فوجدهم قد صاموا بعد الذي جاء منه بيوم واحد وفي نهاية الشهر في البلد الثانية كان الشهر تاما بحيث صاموا ثلاثين يوما لكنه بالنسبة لهذا الرجل سيكون صام واحد وثلاثين يوما ، فهل يفطر قبلهم أو يصوم معهم فيكون في حقه الصيام أكثر من ثلاثين يوما ؟(1/299)
ج/ هذا سؤال جيد ويوجد بكثرة في واقعنا وفيه هذه المسألة وفيه عكس لهذه الصورة أما فيما يتعلق بالسؤال فإن هذا الأخ يفطر سرا لأنه لا يصوم واحدا وثلاثين يوما لان هذا يعتبر في حقه هو يوم العيد ولأنه لو صام مثلا هم أفطر مثلاً في تسع وعشرين وبقي عليه يوم لوجب عليه الفطر معهم ثم فيما بعد يقضي وهذه عكس هذه المسألة فحين يتجاوزون يفطر سرا وحين ينقصون يجب عليه الإتمام وحين يعيدون قبل أن يتم الشهر كأن يكون في بلد قد تأخر في الصيام ثم ذهب إلى بلد قد تقدم في الصيام فعيدوا ولم يصم سوى ثمانية وعشرين يوما وهم قد صاموا تسعة وعشرين يوما فإنه يعيّد معهم وجوبا ثم في المستقبل يقضي هذا اليوم .
س/ الأخ يقول ما حكم من تعمد ابتلاع ما ليس بمعنى الأكل والشرب كالتراب وبقايا السواك ونحو ذلك ؟
ج / كل الأمور المتعلقة التي تدخل إلى المعدة لا يجوز تعمد ابتلاعها، ما كان يدخل إلى المعدة لا يجوز تعمد ابتلاعه وإن لم يحصل فيه شيء من التغذية، فما دام أنه يسمى أكلاً أو شرباً كالذي يشرب الدخان مثلاًَ ، الدخان قد لا يكون يقوم مقام الأكل والشرب يسمى شرباً فهو حينئذ يحرم تعاطيه في نهار رمضان لأنه دخل في قوله صلى الله عليه وسلم :( من أكل أو شرب ) الحديث .
والله أعلم نكتفي بهذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
28 - بابُ ما جاءَ في كفارةِ الفطرِ في رَمضَانَ(1/300)
720 - حَدَّثَنَا نصرُ بنُ عليٍّ الجَهضَميُّ وأَبُو عمَّارٍ، المعنَى واحدٌ واللَّفظُ لفظُ أَبي عمَّارٍ قَالَ: أَخبرنَا سفيانُ بن عُيَينَةَ عن الزُّهريِّ عن حُمَيدِ بنِ عَبدِ الرَّحمنِ عن أَبي هُريرةَ قَالَ: أَتاهُ رجلٌ فَقَالَ: يا رَسُولَ الله هلكتُ، قَالَ: وما أَهلككَ؟ قَالَ: وقعتُ عَلَى امرأتي في رَمضَانَ، قَالَ: هل تستطيعُ أَنْ تعتِقَ رَقَبَةً؟ قَالَ: لا، قَالَ: فهل تستطيعُ أَنْ تصومَ شهرينِ متتابعينَ؟ قَالَ: لا؟ قَالَ: فهل تستطيعُ أَنْ تُطعِمَ ستِّينَ مسكيناً؟ قَالَ: لا؟ قَالَ: اجلس فجلس، فأَتى النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فيه تمرٌ، والعَرَقُ المكتلُ الضَّخمُ، قَالَ: فتصدَّقَ بِهِ، فَقَالَ: ما بين لابتيها أَحدٌ أَفقرَ منَّا، قَالَ: فضحكَ النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتَّى بدتْ أَنيابُهُ، قَالَ: خُذْهُ فأَطعِمهُ أَهلَكَ". وفي البابِ عن ابنِ عُمَرَ وعائِشةَ وعَبدِ الله بن عَمرٍو.
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ أَبي هُريرةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ عَلَى هَذَا عِندَ أَهلِ العلم في من أَفطرَ في رَمضَانَ متعمداً من جماعٍ.
وأَمَّا من أَفطرَ متعمداً من أَكلٍ أَو شربٍ فإِنَّ أَهلَ العلم قد اختَلَفُوا في ذَلكَ، فَقَالَ بعضُهُم: عَليهِ القضاءُ والكفَّارةُ، وشبَّهُوا الأَكلَ والشُّربَ بالجماعِ. وهُوَ قَولُ سفيانَ الثَّوريِّ وابنِ المباركِ وإِسحاقَ.
وقَالَ بعضُهُم: عَلَيهِ القضاءُ ولا كفَّارةَ عليهِ، لأَنَّه إِنَّمَا ذُكِرَ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكفَّارةُ في الجماعِ ولَمْ يُذكرْ عنهُ في الأَكلِ والشُّربِ، وقَالُوا: لا يُشبِهُ الأَكلُ والشُّربُ الجِماعَ. وهُوَ قَولُ الشَّافِعيُّ وأَحْمَدُ.(1/301)
وقَالَ الشَّافِعيُّ: وقَولُ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للرَّجُلِ الَّذِي أَفطَرَ فتصدَّقَ عَليهِ "خُذْهُ فأَطعِمهُ أَهلَكَ" يَحتَملُ هَذَا معاني، يَحتَملُ أَنْ تكونَ الكفَّارةُ عَلَى من قَدَرَ عليها، وهَذَا رجلٌ لَمْ يَقدِر عَلَى الكفَّارةِ فلمَّا أَعطاهُ النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً ومَلَكَهُ قَالَ الرَّجُلُ "مَا أَحدٌ أَفْقَرَ إِليهِ منَّا" فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خُذْهُ فأَطعِمهُ أَهلَكَ" لأَنَّ الكفَّارةَ إِنَّمَا تكونُ بعدَ الفَضلِ عن قُوتِهِ. واختارَ الشَّافِعيُّ لمن كَانَ على مثلِ هَذَا الحالِ أَنْ يأكلَهُ، وتكونَ الكفَّارَةُ عليهِ ديناً فمتى ما مَلَكَ يوماً كَفَّرَ.
الشرح :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد :
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في كتاب الصيام ( باب ما جاء في كفارة الفطر في رمضان ) ( باب ) أي هذا باب . ( ما جاء ) في الأحاديث الصحاح في كفارة الفطر أي بالجماع في نهار رمضان، ولم يذكر الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى الجماع لعلة اكتفاء بما دل عليه حديث الباب أو بقصد الإشارة إلى الخلاف المشهور في هذه المسألة فإن جماعة من العلماء يلحقون الأكل والشرب بالجماع ويرون الكفارة على من أكل أو شرب متعمداً، ولذلك عمم الإمام أبو عيسى الترجمة واكتفى بحديث الباب إشارة إلى أن البقية تلحق بحديث الباب قياسا والصواب في هذه المسألة أنه لا كفارة إلا على المجامع لأن قياس الأكل والشرب على الجماع فيه بعد والفارق أقوى من الجامع وهذا الذي ذهب إليه أكثر الأئمة .(1/302)
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى حدثنا نصر بن علي الجهضمي وأبو عمار المعنى واحد واللفظ لفظ أبي عمار ، أبو عمار هذا هو الحسين بن حريث وثقه النسائي وروى عنه الجماعة سوى بن ماجه ،قال أخبرنا سفيان بن عيينه عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: أتاه رجل فقال يا رسول الله هلكت قال: (وما أهلكك) ، قال: وقعت على امرأتي في رمضان قال: (هل تستطيع أن تعتق رقبة) ،قال: لا قال (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين) قال: لا، قال: (فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً) قال: لا، قال: (أجلس) فجلس فأُتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر والعرق المكتل الضخم قال (تصدق به) فقال ما بين لابتيها أحد أفقر منا قال فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه فقال (فخذه فأطعمه أهلك) .
في الباب عن ابن عمر وعائشة وعبد الله بن عمرو، قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح ، وقد رواه البخاري ومسلم من طرق عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ، ورواه هشام بن سعد عن بن شهاب عن أبي سلمه بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أفطر في رمضان) ، وفيه (وأتي بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعاً)، وقال فيه (كله أنت وأهل بيتك وصم يوماً واستغفر الله)، رواه أبو داود في سننه ، وقد أخطأ هشام بن سعد في أمرين : الأول / قوله (عن ابن شهاب عن أبي سلمه) والحفاظ متفقون على روايته عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن، وذكر أبي سلمه غلط، والغلط من هشام .(1/303)
الخطأ الثاني/ قوله (وصم يوماً) فهذه الزيادة شاذة، وقد روى الخبر نحو من أربعين نفساً عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، ولم يذكر واحد منهم وصم يوماً، يحكم على هذه الرواية بالشذوذ لأن هشام بن سعد خالف بذلك من هو أوثق منه وأكبر قدراً وأقوى حفظاً، وقد ذهب الجمهور إلى أنه يقضي يوماً مكان ما أفطر فيه، لأن الشهر إما أن يكون ثلاثين وإما يكون تسعاً وعشرين، فإذا أفطر يوماً وجب عليه قضاؤه لإنه متعلق بالذمة فلا يسقط الصيام عن أحد إلا من لم يطق ولم يستطع الصيام .
قوله ( أتاه رجل ) وفي رواية ( بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه رجل) ولم يثبت في حديث تسمية هذا الرجل وقد جزم جماعة بأنه سلمه بن صخر البياضي وهذا غير ثابت وليس في معرفة اسم الرجل كبير فائدة .
قوله ( فقال يا رسول الله ) فيه الأدب في الخطاب وفيه التأدب مع أهل العلم .
قوله ( هلكت ) وقد جاء في حديث عائشة ( احترقت ) ظاهر هذا أنه كان متعمداً ولم يكن ناسياً ولا جاهلاً فإن الكفارة في الجماع لا تثبت إلا على المتعمد والعالم، أن يكون قاصداً للفعل وأن يكون عالماً بالحكم وليس بلازم أن يعلم العقوبة ، وأهل العلم يفرقون بين الجهل بالحكم وبين الجهل بالعقوبة، فلو أن امرئ محصناً زنا وأدعى أنه جاهل بعقوبة الزاني وأنه الرجم فإن هذا لا يقبل عذره ما دام أنه يعلم الحكم الشرعي .(1/304)
كذلك لو أن شخصاً سرق بما يوجب قطع اليد فأدعى فيما بعد أنه عالم بحرمة السرقة ولكن ما علم أن هناك قطعاً، لا يعذر بذلك ، فإن الجهل بالحكم يختلف عن الجهل بالعقوبة مثل ذلك لو أن رجلاً قتل متعمداً قال أنا قتلت متعمداً ولست بجاهل بهذا الباب ولكن ظننت أن القاتل لا يقتل يعزر أو يسجن فلا يقبل قوله، أهل العلم يفرقون بين الجهل بالحكم والجهل بالعقوبة، فمن جامع في نهار رمضان وتبين فيما بعد أنه جاهل بالحكم يظنه حلالاً إذا لم ينزل مثلاً وإذا أنزل لزمته الكفارة فبالتالي كان يجامع ولا ينزل خشية أن تلزمه الكفارة فحينئذ يعذر في أصح قولي العلماء .
أخر يجامع في نهار رمضان ويقول أنا أعلم أنه حرام ولكن ظننت أنه يقضي يوماً مكانه ما علمت أن هناك عقوبة مغلظة أُعتق رقبة فإن لم أستطع أصوم شهرين متتابعين إن لم استطع أطعم ستين مسكيناً فهذا لا يعذر لأنه جهل العقوبة ولم يجهل الحكم .
قوله ( قال وما أهلكك ) فيه الاستفصال من السائل فحين قال الرجل هلكت سأله النبي صلى الله عليه وسلم (وما أهلكك)، أي ما هو سبب هلاكك ، احتمال أنه يظنه هلاكاً وليس بهلاك ، فقال وقعت على امرأتي في رمضان، وقد أجمع العلماء على تحريم الجماع في نهار رمضان ومن فعل ذلك عالماً متعمداً لزمته الكفارة، ومن فعل ذلك جاهلاً بالحكم أو ناسياً فلا شيء عليه في أصح قولي العلماء، وهذا مذهب الحسن البصري ومجاهد ورواية عن الإمام أحمد، وقال آخرون لا يُنسى الجماع في نهار رمضان ، فمن جامع في نهار رمضان لزمته الكفارة ، واستدل هؤلاء بأمرين :
الأمر الأول / أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل من السائل هل كان جاهلاً ، هل كان متعمداً ، قالوا أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال .
الدليل الثاني / أن الجماع لا يُنسى قد يشرب الشربة يأكل الأكلة يكون ناسيا لكنه يجامع ويعتذر بالنسيان فلا يقبل قوله .(1/305)
والجواب عن الدليل الأول / بأنه جاء في الحديث قرينة بأنه عالماً متعمدا فلم يكن فيه للسؤال معنى فإن الرجل قال (هلكت) هذه قرينة قوية على أنه كان عالماً متعمداً وأن الشهوة قد غلبته، أما دعوى أن الجماع لا ينسى فهذا فيه نظر لأن الافتراض أنه قد ينسى وكونه لا ينسى لا علاقة له بالحكم لأنه إذا ادعى النسيان وكان كاذباً يستطيع أن لا يسأل أصلاً وبالتالي هو يفطر ولا يبالي لأن الصيام سر بينه وبين الله والكلام فيمن وجد فيه النسيان فإذا وجد النسيان فثم الحكم، ودعوى أنه لا يمكن أن ينسى هذا وإن وجد في فلان أوعلان قد لا يوجد في الثالث ولا في الرابع لأنه قد يذهل يستيقظ من النوم فيغيب عن عقله أنه صائم فيجامع وهذا ملحوظ في أسئلة كثيرة من الناس أنه يجامع ناسياً ولاسيما في بداية الشهر، والكفارة لا تجب إلا على من جامع عالماً متعمداً في شهر رمضان ، فلو جامع في صيام واجب في غير رمضان لم يلزمه إلا القضاء فإن الكفارة لحرمة الشهر وليست لمجرد حرمة الصيام بدليل أنه لو جامع في قضاء واجب في شوال لم يجب عليه إلا القضاء ولم تجب عليه الكفارة .
قوله ( هل تستطيع أن تعتق رقبة ) أي ذكر أو أنثى قال الجمهور يشترط في هذه الرقبة أن تكون مؤمنة قياساً على الرقبة في الظهار والرقبة في القتل، وخالف في ذلك الإمام أبو حنيفة رحمه الله وقال لا تجب في المؤمنة ولا يحمل المطلق على المقيد إلا إذا اتحد الحكم والسبب وهذه مسألة أصولية خلافية ،( متى يحمل المطلق على المقيد ) ويؤخذ من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم رتب له الكفارة وقال هل تستطيع أن تعتق رقبة فلم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم اعتق رقبة أو صم أو أطعم فكان هذا دليلاً على أن الكفارة على الترتيب وهذا الصواب من قولي العلماء وهو مذهب الجمهور خلافا لمالك رحمه الله فإنه يرى أن الكفارة على التخيير فله أن يعتق وله أن يصوم وله أن يطعم هو مخير بين هذه الأمور .(1/306)
وذهب جماعة من العلماء إلى أنه مخير بين العتق والصيام إذا عجز عن هذا أو ذاك صار إلى الإطعام فهذه ثلاث مذاهب في هذه المسألة والأقرب من ذلك أن الكفارة على الترتيب لأن أكثر الرواة يقولون بذلك .
المالكية يقيسون هذه الكفارة على كفارة اليمين فإن الله جلّ وعلا { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ }المائدة89 ، يجاب عن هذا يقال إن قياس كفارة المجامع في نهار رمضان على المظاهر وعلى القاتل ألصق من القياس على كفارة اليمين ، وحينئذ يعتبر القياس في هذا الباب عند المالكية ضعيفاً، ويؤخذ من هذا الرفق بالسائل حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم هل تستطيع أن تعتق رقبة، وفي نفس الوقت حين جاء يستفتي وقد وقع في نهار رمضان،لم يعنفه لأنه جاء تائباً، وقد أخذ من هذا الحديث بعض العلماء إسقاط العقوبات عن العصاة وهذا فيه نظر لأن العقوبة إصلاح ولا إصلاح مع الصلاح لأن هذا الرجل جاء نادماً تائباً يبحث عن مخرج لذنبه.(1/307)
قال (لا) ، أي لا استطيع أن اعتق رقبة لأنه كان فقيراً, انتقل معه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمر آخر قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين، فيه إشارة إلى أن الصيام يشترط فيه التتابع وأنه يصام عن اليوم الواحد شهران متتابعان لا فطر بينهما، وقد جزم الجمهور بأنه لو أفطر يوماً بينهما أعاد، فمنهم من قال إذا أفطر في الشهر الثاني يعيد من بداية الشهر الثاني ومنهم من قال يعيد من بداية الشهر الأول، وقال طائفة من العلماء إن صيام شهرين متتابعين على الوجوب وليس على الشرطية، والأدلة قوية بأن الصيام واجب وأنه يجب في ذلك التتابع لكي ينكل في المستقبل عن فعل الحرام وليكون هذا كفارة له عن ذنبه لأنه قد ارتكب كبيرة من الكبائر لأن الجماع في نهار رمضان من الكبائر، وحين قيل للرجل هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ، قال (لا )أشارة إلى أنه غير مطيق وهذا أمر بينه وبين الله، ولكن حذار حذار من كون الرجل يدعي أنه لا يطيق وهو مطيق أو يعتذر بأعذار غير مسوغة لهذا
وفيه إشارة إلى أن المفتي يفتي بظاهر قول السائل لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل له لماذا لا تطيق وما عذرك وما وما ؟ وكَلَهُ النبي صلى الله عليه وسلم إلى ظاهره لأنه جاء مستفتياً وبإمكانه ألا يستفتي أصلاً لو كان لا يبالي ، فحين جاء مستفتياً ، هو ما أتي إلا خوفاً من الله وحباً في التطهير ،الخيار الثالث وهو الأخير قال فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً ؟ قال لا ، لأن هذا الرجل غير مطيق للصيام وعاجز عن العتق وعن الإطعام قد كان ضعيفاً وفقيراً فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (اجلس فجلس) ، يؤخذ من ذلك الرفق بالمستفتي والرحمة والحلم .ويؤخذ من هذا أنه ليس بلازم للمؤمن أن لا يقع في الذنب . ويؤخذ من هذا وجوب التوبة .(1/308)
ويؤخذ من هذا أن الذنوب إذا لم يتب منها فإنها مهلكة ومحرقة .ويؤخذ من هذا الرد على المرجئة الذين يقولون لا يضر مع الإيمان ذنب ، فهذا الرجل حين أذنب وجاء تائبا في نفس الوقت قال هلكت فهو يبحث عن المخرج.وفيه ما عليه الصحابة رضي الله عنهم من الإقبال على الله والإنابة إليه والتعلق به وفي نفس الوقت ما هم عليه من الخشية والإنابة إلى الله . وفيه حرص الصحابة على السؤال .وفيه أهمية العلماء في المجتمعات وأنهم يرشدون من ضلّ ويهدون من حاد عن الصراط المستقيم . الأمر كما قال الحسن البصري رحمه الله تعالى : لولا العلماء لكان الناس مثل البهائم.وحين سئل سعيد بن جبير رحمه الله ما هلاك الناس قال موت علمائهم .
قوله ( فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فيه تمر) : فسر العرق بأنه المكتل الضخم، والمكتل هو المعروف بالزنبيل قال فتصدق به أي تبرع به النبي صلى الله عليه وسلم بما يتصدق به، ففيه كرمه صلى الله عليه وسلم، وفيه إعانة المستفتي حين لا يقدر على الكفارة، فقال السائل: ما بين لابتيها أحد أفقر منا ، ( لابتيها ) أي لابتي المدينة يعني بذلك الحرتين، قال فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه, فإن هذا الرجل جاء وهو يقول هلكت ثم أخبر بالكفارة فلم يطق ولم يستطع شيئاً من ذلك ثم جاءت كفارة فأعطي الرجل ليكفر بها فاعتذر بأنه أفقر من الذي سوف يعطى فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكفارة لذلك ضحك النبي صلى الله عليه وسلم من حال الرجل ، وفي هذا المقطع فوائد :(1/309)
الفائدة الأولى / أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعب على السائل حين قال (والله ما بين لا بتيها أحد أفقر منا ) . وفيه أنه لا حرج من إخبار المرء عن واقعه وحاله ، وأخذ من هذا جماعة من العلماء أن من لم يقدر على الكفارة فهي تسقط عنه فإن الكفارة على من قدر عليها ، وهذا مذهب الأوزاعي وأحد قولي الشافعي وإليه صار الإمام أحمد ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرجل أن يطعم التمر أهله .
ويؤخذ من هذا أن ذكر ستين مسكيناً ليس شرطاً بحيث لو أطعم ما يكفي ستين لشخص واحد أجزأ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (خذه وأطعمه أهلك) ولم يبلغ أهله ستين نفساً، وفيه التفريق بين ما يكفي الستين وبين إطعام الستين فيجب الإطعام بما يكفي الستين، وتحديد الستين فيه خلاف فمنهم من قال بأنه واجب، ومنهم من قال بأنه ليس بواجب، ومنهم من قال لو أطعم فقيراً في ستين يوماً أجزأ، وهذا مبني على قوله صلى الله عليه وسلم (خذه فأطعمه أهلك)، فإن قيل إن هذه هي الكفارة الواجبة وأنها سقطت عنه باعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم حين ملكه الصدقة وكان فقيراً فقال (خذه فأطعمه أهلك) باعتبار أن الأهل نيابة عن الفقراء الآخرين، وهذا صريح بأنه يطعم ما يكفي ستيناً ولو لشخص واحد، وإن قيل بأن الكفارة لا تزال متعلقة بالرجل ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قدم إطعام أهله على الكفارة فحين ادعى الحاجة والفقر كان قضاء حاجته أولى من قضاء الكفارة باعتبار العجز ، والله يقول {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا }البقرة286 ،فحينئذ لا يكون فيه دلالة على إطعام أقل من ستين مسكيناً ولو أطعمهم ما يكفي الستين .(1/310)
قال الإمام أبو عيسى رحمه الله (والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم فيمن أفطر في رمضان متعمدا من جماع): أي عليه الكفارة المغلظة بشرط أن يكون فطره في نهار رمضان، أما لو كان فطره في صيام واجب في غير رمضان فلا كفارة عليه . وبشرط أن يكون فطره عن علم مع التعمد ، وبشرط أن يكون جماعاً والجماع هو الإيلاج، إذا لم يكن إيلاجاً فلا كفارة، كأن يستمني بين فخذي زوجته فهذا لا كفارة عليه لأن الكفارة مرتبطة بالإيلاج، قال الجمهور يقضي يوماً، قوله أما من أفطر متعمداً من أكل أو شرب، أي من أفطر متعمداً في أكل أو شرب فإن أهل العلم قد اختلفوا في ذلك فقال بعضهم عليه القضاء والكفارة وشبهوا الأكل والشرب بالجماع وهو قول سفيان الثوري وابن مبارك وإسحاق وهو مذهب مالك رحمه الله تعالى وهذا القياس فيه نظر والفارق في هذا القياس أقوى من الجامع وأركان القياس أربعة: الأول / الأصل . الثاني / الفرع . الثالث/ العلة الجامعة ، والشرط في العلة الجامعة أن تكون أقوى من العلة الفارقة والعلة الفارقة في هذا الباب أقوى من العلة الجامعة وقد تقدمت الإشارة إلى هذا .
الركن الرابع / الحكم .
قال أبو عيسى (وقال بعضهم عليه القضاء ولا كفارة عليه): وهذا مذهب الجمهور، عليه القضاء فيمن أكل أو شرب متعمداً ولا كفارة عليه لأنه لم يثبت في الكفارة دليل .
قوله : علل لأنه إنما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم كفارة الجماع ولم يذكر عنه في الأكل والشرب هذا قد يجاب عنه بأنه لم يذكر عن الرجل أنه أكل أو شرب متعمداً، فالجواب عمن جامع ولم تأت قضية بأن هناك من أفطر بأكل أو شرب متعمداً ، قالوا لا يشبه الأكل والشرب الجماع وهذا بلا شك لمعان أخرى وليس لمعنى أن الحديث جاء في الكفارة ولم يأت في الأكل والشرب لأن هذا لم يأت سببه ولا ما يوجب الحديث عنه .(1/311)
قال أبو عيسى وهو قول الشافعي وأحمد ، أي والجمهور وقول الشافعي وقل النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي أفطر فتصدق عليه خذه فأطعمه أهلك يحتمل هذا معاني يحتمل أن تكون الكفارة على من قدر عليها ، وهذا أحد قولي الشافعية وهو مذهب أحمد وصار إليه الأوزاعي وغيرهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرجل أن يطعم التمر أهله .
قال أبو عيسى وهذا الرجل لم يقدر على الكفارة فلما أعطاه النبي صلى الله عليه شيئا وملكه قال الرجل ما أحد أفقرَ إليه منا ، يختلف الحكم من حيث الناحية الإعرابية، أول كنت أقرأ ما بين لابتيها أحدٌ أفقرُ مع أن التشكيل ربما في كل النسخ أفقرَ وهذا غلط لأن أفقر بدل من أحد . قرأت في المرة الأخرى قلت ما أحدٌ أفقرَ لأن ( ما ) هنا يحتمل أن تكون التي بمعنى ليس .
ما التي تنفي كليس الناصبة في قول سكان الحجاز قاطبة .
فقولهم ما عامرٌ موافقَا كقولهم ليس سعيد ٌ صادقا .(1/312)
فلذلك هنا ( ما ) بمعنى ( ليس ) فلذلك تقرأ أفقرَ . الأول بدل ( ما ) بمعنى لأن من شروط ( ما ) التي تعمل أن لا يفصل بينها وبين اسمها فاصل هنا المرة الأولى فيه فاصل والمرة الثانية ليس فيه فاصل . فقال النبي صلى الله عليه وسلم (خذه فأطعمه أهلك) لأن الكفارة إنما تكون بعد الفضل عن قوته، واختار الشافعي لمن كان على مثل هذا الحال أن يأكله وتكون الكفارة عليه ديناً فمتى ما ملك يوما كفّر وهذا قول الجمهور فلا تسقط الكفارة بالإعسار سواءً كانت الكفارة كفارة يمين أو كفارة ظهار أو كفارة جماع في نهار رمضان فيكون قوله صلى الله عليه وسلم (خذه فأطعمه أهلك) باعتبار أنه طعمة للفقير، وقدم النبي صلى الله عليه وسلم طعمة الفقير على الكفارة باعتبار أنها غير واجبه عليه ما دام عاجزاً، فقد تبرع له النبي صلى الله عليه وسلم من قبل وقال (فتصدق به) أي على ستين مسكيناً فحين اعتذر الرجل أن (ما بين لا بتيها أحد أفقر منا) قال له الرسول صلى الله عليه وسلم (خذه فأطعمه أهلك) ولكن يبقى إذا قيل بما قال الشافعي بأن الكفارة تكون ديناً، وهذا قول الجمهور، لم يخبره النبي صلى الله عليه وسلم، والرجل لم يكن عالماً حتى يقال بأنه عالم بالحكم الشرعي ولم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم : أطعمه أهلك وإذا اغتنيت فكفر ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز لأن الرجل إذا كان يجهل كفارة الجماع فهو في جهل هذه المسألة أولى وهذا يؤيد قول من يقول بأن الكفارة قد سقطت عنه أو قول من يقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم حين تبرع له يجوز أن يدفع الكفارة لأهله فيأكل مع أهله تبعاً .
ويؤخذ من هذا القاعدة الأصولية ( إن الشيء يدخل ضمنا وتبعا ما لا يدخل استقلالاً) .
29 - بابُ ما جاءَ في السِّواكِ للصَّائمِ(1/313)
721 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن بشَّارٍ أَخبرنَا عَبدُ الرَّحمنِ بن مهديِّ أَخبرنَا سفيانُ عن عاصمِ بن عُبَيدِ الله عن عَبدِ الله بن عامرِ بن رَبِيعَةَ عن أَبِيهِ قَالَ: "رأيتُ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لا أُحصي يتسَوَّكُ وهُوَ صائمٌ".
وفي البابِ عن عائِشةَ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ عامرِ بنِ رَبِيعَةَ حديثٌ حسنٌ. والعملُ عَلَى هَذَا عِندَ أَهلِ العلم لا يَرَوْنَ بالسِّواكِ للصَّائمِ بأْساً إِلاَّ أّنَّ بعضَ أَهلِ العلمِ كَرِهُوا السِّواكَ للصَّائمِ بالعودِ الرَّطبِ وكَرِهُوا لَهُ السِّواكَ آخرَ النَّهارِ. ولَمْ يَرَ الشَّافِعيُّ بالسِّواكِ بأْساً أَوَّلَ النَّهارِ وآخرَهُ. وكَرِهَ أَحْمَدُ وإِسحاقُ السِّواكَ آخرَ النَّهارِ.
الشرح:
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى ( باب ما جاء في السواك للصائم ) .
(باب ما جاء) أي هذا باب ما جاء من الأحاديث الصحاح بمشروعية السواك للصائم أو في الأخبار الدالة على السواك للصائم وأن السواك للصائم مشروع سواء كان قبل الزوال أم بعد الزوال .
حدثنا محمد بن بشار أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي قال أخبرنا سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم ، وفي الباب عن عائشة رواه بن ماجه من طريق مجالد عن شعبة عن مسروق عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من خير خصال الصائم السواك) وهذا معلول .(1/314)
قال أبو عيسى حديث عامر بن ربيعة حديث حسن والخبر في إسناده عاصم بن عبيد الله وقد أخرج حديثه بن خزيمه في صحيحه وقال: (كنت لا أخرج حديث عاصم ثم نظرت فإذا شعبة والثوري قد رويا عنه) ، والخبر علقه البخاري في صحيحه بصيغة (ويذكر عن عامر بن ربيعة) وقد وصله الإمام أحمد وأبو داود وجماعة من طريق عاصم، وعاصم سيء الحفظ ضعيف الحديث ، قد قال عنه الإمام أحمد (كان بن عيينه يقول كان الأشياخ يتقون حديث عاصم)، وقال مالك (شعبتكم تشدد في الرجال) ، وقد روى عن عاصم بن عبيد الله، وقد جاء عن شعبة أنه قال: لو قيل لعاصم من بنى مسجد البصرة لقال فلان عن فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم، إشارة من شعبة إلى أنه سيء الحفظ، وأن شعبة حين روى عنه ليس هذا توثيقاً له وقد قال أبو زرعه: عاصم منكر الحديث في الأصل وهو مضطرب ، فحديث عاصم حديث ضعيف، ودلالته واضحة وصريحة على جواز السواك للصائم، ولم يرد في هذا الحديث أن الصيام كان صيام فرض فيحتمل أنه صيام فرض ويحتمل أنه صيام نفل وهذا الحكم يلتمس من الأدلة الأخرى الصحيحة ولا يؤخذ من حديث الباب فإنه ضعيف.
وأشار أبو عيسى قال وفي الباب عن عائشة وفي نفس الوقت هو ضعيف لأنه جاء من رواية مجالد وهو سيء الحفظ، عن الشعبي عن مسروق عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم (قال من خير خصال الصائم السواك) . رواه بن ماجه وغيره ، ويقرأ رواة بن ماجة بالتسكين لأنه اسم أعجمي وتكون الهاء غير مربوطة .(1/315)
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بالسواك للصائم بأساً ، أبو عيسى أشار إلى أن العلماء لا يختلفون في جواز السواك للصائم ولكنهم يختلفون في تحديد نوعية السواك وفي حكمه بعد الزوال، شَرَعَ رحمه الله تعالى يفصِّل فقال إلا أن بعض أهل العلم كرهوا السواك للصائم بالعود الرطب وهذا مذهب المالكية، والصواب أنه لا حرج من السواك بالعود الرطب لأن الرخصة حين جاءت بالسواك لم يرد تحديد بشيء ، من هذا قال صلى الله عليه وسلم ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ) متفق على صحته، ولم يقل إلا في رمضان، فتدخل صلاة الفجر وهذا قبل الزوال وتدخل صلاة الظهر والعصر وهما بعد الزوال، ففيه دلالة على مشروعية السواك للصائم وإن كان بعد الزوال ، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء ) رواه البخاري في صحيحه معلقاً ووصله النسائي وغيره بسند صحيح، وفيه دلالة على مشروعية السواك في رمضان وأنه لا يختلف رمضان عن غيره بل قال بعض العلماء أن السواك في رمضان آكد منه في غيره ومن ذلك قول عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ( السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ) علقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم ولذلك قال البخاري في صحيحه (قال ابن سيرين لا بأس بالسواك الرطب، قيل له طعم قال: والماء له طعم وأنت تمضمض به) ولذلك كان ابن عمر يستاك أول النهار وآخره . وجاء في البخاري عنه معلقاً قال: (يستاك أول النهار وآخره)، ولكن يجب اجتناب السواك الذي فيه مادة إضافية ، وأما المادة الموجودة في أصل السواك فلا حرج منها ولو كثر الريق من أجله أو من أجلها ولذلك قال عطاء: من ازدرد ريقه لا أقول يفطر .(1/316)
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى وكرهوا له السواك آخر النهار قاله الإمام أحمد وغيره وقد ورد في الباب حديث( إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي) وهذا رواه الطبراني وغيره وهو خبر منكر، واحتج جماعة من العلماء بحديث ( لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ) وهذا لا دلالة فيه، وإن كان فيه دلالة فإنه يدل على منع السواك قبل الزوال وبعده ولاسيما إن الرائحة التي تخرج من الفم قد تكون من المعدة وليست من الأسنان .
قال أبو عيسى ولم ير الشافعي بالسواك بأساً أول النهار وأخره ، هذا أحد القولين عند الشافعي وقد حكى عن الشافعي جماعة من أصحابه بأنه يكره السواك آخر النهار .
القول الثاني عنه أنه لا بأس بالسواك في أول النهار وفي آخره وهذه رواية عن الإمام أحمد .
قال أبو عيسى (وكره أحمد وإسحاق السواك آخر النهار) : هذا أحد القولين عن أحمد وعنه رواية لا حرج من السواك في أول النهار وفي آخره لقوة الأدلة في هذا الباب وأن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب, ولم يرد في رواية تقييد ذلك في غير رمضان أو تقييد ذلك فيما بعد أو فيما قبل الزوال دون ما بعده ، الأدلة قوية بمشروعية السواك للصائم وغيره سواء كان قبل النهار أم بعده وإذا ابتلع الصائم ريقه من أثر السواك فلا حرج عليه في ذلك ولا يفطر لأن الصواب أن الريق لا يفطر الصائم سواء كان الريق من أثر السواك أو لم يكن من أثر السواك، وعلى الصحيح أيضاً بأن النخامة لا تفطر الصائم سواء كانت من النخاع أو من غير النخاع لأن الصيام من دين المسلمين فلا يجوز الفتوى بأن هذا يفطر بدون دليل وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن المفطرات وما عدا ذلك تقع على الأصل إلا إذا كان القياس واضحاً جلياً كالإبر المغذية التي تقوم مقام الأكل والشرب هذه تلحق بالأكل والشرب .
ونقف على هذا ويكون الدرس القادم ( باب ما جاء في الكحل للصائم ) .
والله أعلم نتناول أسئلة الإخوة :
س:...(1/317)
ج: هذه رواية عن أحمد وهذا أيضاً فيه نظر لأن الصيام إذا كان فاسداً الصواب أنه لا كفارة عليه بمعنى هذا لو أن رجلاً أفطر بأكل أو شرب في نهار رمضان، العلماء يقولون يجب عليه الإمساك والقضاء فلو جامع في هذا الصيام الذي أفسده الصواب أنه لا كفارة عليه لأن الصيام فاسد وشرط ذلك أن يكون الصيام صحيحاً، وهذا يذكرنا بمسألة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرض للمرأة بحكم في حديث الباب، فمن العلماء من قال هذا دليل على أن المرأة لا تجب عليها الكفارة، وهذا مذهب الشافعي وخالفه في ذلك الجمهور فقال إن المرأة بمنزلة الرجل ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحكم على المرأة لأنه احتمال أن تكون مكرهه ويحتمل أن الحكم لمن استفتى فحين أنها لم تستفت لم يحكم لها النبي صلى الله عليه وسلم بحكم، وهذا الصواب أن النساء شقائق الرجال فإذا كانت المرأة مطاوعة للرجل غير مكرهه فتجب عليها الكفارة كما تجب على الرجل لأن النساء شقائق الرجال فلا تختص المرأة بحكم دون الرجل إلا بدليل .
س:...
ج: إذا لم يكن عن جماع وقد استمنى تقدم أن الجمهور يوجبون عليه القضاء وخالف في ذلك الإمام محمد بن حزم رحمه الله تعالى والله أعلم .
س:...
ج: القول بسقوط الكفارة قول قوي إذا لم يكن قوله صلى الله عليه وسلم (خذه فأطعمه أهلك) هو الكفارة فالصواب أن الكفارة تسقط، وإذا كان هذه هي الكفارة فهذا فيه دلالة واضحة أنه لا يجب إطعام ستين مسكيناً.
س:...
ج:إذا جامع في قضاء واجب فإنه آثم بل يجب عليه إذا شرع في الواجب أن يتمه وهذا قول الجمهور، ولكن إذا افطر فإنه لا كفارة عليه يجب عليه قضاء هذا اليوم فقط .
س:...
ج: يجب عليه القضاء ويجب عليه الكفارة لأن هذا بفعله .
ننظر في أسئلة الأخوة من الموقع :
س/ هذا سائل من الكويت يقول في الدرس السابق ذكرت أن من نسي وأكل أو شرب وهو صائم يأثم ولا يقضي وعلقت على ذلك بالأدلة إذا أمكن يا شيخ إعادة ما ذكرت ؟(1/318)
ج/ أولاً هذا الإطلاق لم أقله، إنما قلت إذا كان أكله وشربه عن جهل وهذا الجهل ناتج عن تفريط فقلت بأنه يأثم ولا يقضي باعتبار أنه فرط في العلم الواجب هذا الذي قلته، وأما إذا أكل أو شرب ناسياً فإنه لا إثم عليه ولا كفارة، وأنا فرقت بين النسيان وبين الجهل
س/ السائل هذا من العراق يقول هل يجوز للمرأة أن تحج أو تعتمر بدون محرم ؟
ج/ إذا أرادت أن تحج وحدها بدون محرم فهذا حرام لقوله صلى الله عليه وسلم (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ) والخبر متفق على صحته، وإذا أرادت أن تحج أو تعتمر العمرة الواجبة مع نساء ثقات فهذا فيه خلاف بين الفقهاء، والصواب من هذا المنع أيضاً لأن المرأة التي خرجت حاجة مع الصحابة مع مجتمع من أفضل المجتمعات ونساء من أزكى النساء وكان زوجها قد اكتتب في الجهاد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يلحق بامرأته فأمره أن يترك الجهاد ليلحق بامرأته فكان دليلاً على أن المرأة لا تحج وحدها، وأن المحرمية من الواجبات لكن لو حجت بدون محرم تكون آثمة والحج صحيح، ولكن لا يجب عليها الحج ولا يجب عليها العمرة حتى يوجد محرم
س/ هذا سائل من جدة يقول هل هذا الحديث صحيح ( لا يقبل الله تعالى صلاة رجل في جسده شيء من خلوق )؟
ج/ هذا الحديث رواه الإمام أبو داود رحمه الله تعالى من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن جديه زيد وزياد عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو جعفر الرازي سيء الحفظ فالخبر ضعيف .
س/ هذه سائلة من المغرب تقول امرأة اكتشفت بعد الزواج أن زوجها صوفي يقدس الشيخ وحاولت ردعه لكنها لم تفلح فهل يجب عليها أن تطلب الطلاق ؟(1/319)
ج/ إذا كان هذا الصوفي من الذين يقدسون الأضرحة ويقدسون المشايخ بحيث ينزلونهم منزلة الأنبياء أو أعظم كما يقول جماعة من الصوفية بأن الولي أعظم من النبي وعنده ناقض من نواقض الإسلام فيجب على هذه المرأة أن تبتعد عنه وأن تفارقه ولا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تجلس مع رجل ينزل الأولياء منزلة الأنبياء أو يعتقد بأن الأولياء يعلمون الغيب أو تجلس مع رجل يطوف على القبور أو ينذر أو يذبح لغير الله تعالى ولاسيما أن هذه المرأة قد نصحت زوجهافلم يتمثل فلم يبق بعد ذلك إلا الفراق .
س/ هذه سائلة تقول ما حكم من نام عن صلاة الفجر ؟ متى يؤديها إذا صحا على وقت النهي ؟
ج/ إذا كان النوم متعمداً بحيث أن الإنسان يتعمد أن لا يستيقظ لا ريب أن هذا عصيان مبين إذا كان النوم غلبه ثم لم يستيقظ إلا مع وقت النهي فإنه يسارع إلى أداء صلاة الفجر لأنه من أدرك ركعة من صلاة الفجر في غير وقتها فقد أدرك الصلاة ويؤخر النافلة إلى أن تطلع الشمس أما إذا طلعت الشمس أو استيقظت المرأة قبل الفجر وفي الوقت بقية حينئذ تقدم النافلة على الفريضة أما إذا كان الاستيقاظ في وقت لا يتسع إلا لأداء ركعة من الفريضة ثم يخرج الوقت فالمسارعة إلى الفريضة ثم تؤدي النافلة بعد الفريضة .
س/ هذا سائل يقول والدي كبير في السن وفيه مرض البروستات وفيه قرحة في المعدة هل أخرج عنه الإفطار علماَ أنه في بلاد ثانية ؟
ج: لا حرج بشرط أن يعلم ذلك ، لأن النية معتبرة في هذا الباب .
س: هذا سائل يقول من رياض الخبراء ما حكم استخدام البخاخ لتغيير رائحة الفم في رمضان وكذلك ما حكم استخدام السواك وفرش الأسنان ؟ .(1/320)
ج: تقدم الحديث عن السواك وأنه من خير خصال الصائم ولا حرج من فرش الأسنان لأن هذا من تنظيف الأسنان ولا وجه لمنع ذلك ولأن الرائحة تخرج من المعدة وليست من الأسنان ، وأما استخدام البخاخ لتغيير رائحة الفم فإذا كان السائل يسأل هل يفطر أم لا ، الصواب أنه لا يفطر نظير ذلك بخاخ الربو ، فإن هذا لا يفطر الصائم إن كان قليلاًَ أو كثيراًَ وإن كان السائل يسأل عن أيهما أولى فعله أو تركه ، فالصواب أن ترك هذا أولى لأنه ليس مطلباًَ أن الإنسان يبحث دائماَ عما يزيل الروائح إلا باعتبار ما شرع من تطهير الأسنان كالسواك وفرش الأسنان وما يتعلق بذلك ولأن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك مع أن الرائحة قلت قبل قليل تخرج من المعدة وعموماَ لو فعل ذلك لا يفطر لأن هذا ليس من الأمور المفطرة .
س : ...
ج: إذا تصدق الرجل على أهله صارت صدقة ، هو إشارة ذكرت في الدرس أن هذا أحد الأوجه قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (خذه فأطعمه أهلك) هذه إشارة إلى أن الكفارة مجزئة وأن هذه كفارة وليست على مجرد الفقر بدليل أنه قال : (أطعمه أهلك) فيدخل هو ضمناًَ وتبعاً وهذا هو أحد الأقوال في المسألة لأن المسألة ليست بصريحة في هذا الباب، والخلاف مشهور .
س : ...
ج: الصواب أن المجامع يقضي هذا اليوم كالذي يتعمد الفطر ويجب عليه قضاء هذا اليوم وهذا قول الجمهور .
س : الأخ من رياض الخبراء يقول : امرأة عندها آلام في الكتف والظهر فهل يجوز لها العلاج عند طبيب شعبي ، مع وجود المحرم وهل يجوز أن يمس المرأة ؟ .(1/321)
ج : الطبيب الشعبي مثل الطبيب الآخر إذا وجدت الحاجة إلى هذا الأمر واستدعى الأمر إلى الكشف فلا حرج من ذلك ، وإذا وجدت المرأة مندوحة أو حلاًَ آخر عن كشف كتفها أوظهرها ،هذا هو الأصل وأن المرأة لا تكشف هذا إلا لزوجها فيجب على كل امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ألا تكشف شيئاَ من جسدها لأحد وألا يمسها ولكن الضرورة تبيح المحرم ، كما أن الطبيب قد يمس بدن المرأة لعلاجها ونحو ذلك فلا حرج من الطبيب الشعبي إذا كان في ذلك حاجة ملحة ، أما الكشف للرقاة ، أن المرأة تكشف كتفها أو ظهرها للرقاة ويأتي الراقي ويمس الكتف أو الظهر فهذا غلط ولا يجوز بأي حال من الأحوال لأن الراقي يرقي بالقرآن وليس له أن يمس بدن المرأة ويجب على المرأة أن تجتنب ذلك .
وإذا وجد من يطالب المرأة بكشف الكتف أو الظهر وهو يريد الرقية لا غير يجب اجتنابه والتحذير منه والبعد عنه لأن هذا ليس من الأمور التي تستدعي الكشف بخلاف الطبيب الذي يريد أن يعالج ويضع الدواء وأن ينظر في موضع الداء فهذا بحاجة إلى الكشف أما الراقي فليس له حاجة في هذا الباب .
والله أعلم نكتفي بهذا وصلى الله على نبينا محمد .
30 - بابُ ما جاءَ في الكُحلِ للصَّائمِ
722 - حَدَّثَنَا عَبدُ الأَعلى بنُ واصلٍ أَخبرنَا الحَسنُ بنُ عطيَّةَ أَخبرنَا أَبُو عَاتِكةَ عن أَنسِ بن مالكٍ قَالَ: جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اشْتَكَتْ عَيْنَيَّ أَفأَكتحلُ وأَنا صائمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ".
وفي البابِ عن أَبي رافعٍ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ أَنسٍ حديثٌ إِسنادُهُ لَيسَ بالقويِّ ولا يصِحُّ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هَذَا البابِ شيءٌ. وأَبُو عاتكَةَ يُضَعَّفُ.(1/322)
واختَلَفُ أَهلُ العلمِ في الكُحلِ للصَّائمِ، فكَرِهَهُ بعضُهُم، وهُوَ قَولُ سفيانَ وابنِ المباركِ وأَحْمَدَ وإِسحاقَ. ورَخَّصَ بعضُ أَهلِ العلمِ في الكُحلِ للصَّائمِ، وهُوَ قَولُ الشَّافِعيِّ.
الشرح:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه:
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في كتاب الصيام (باب : ما جاء في حكم الكحل للصائم ) (باب ) أي هذا باب . ما جاء من الأحاديث والأخبار في حكم الكحل للصائم سواءً كان الصيام فرضاً أم نفلاً، وقد جاءت الأحاديث الواردة في هذا الباب مختلفة فبعضها أفاد جواز الكحل للصائم وبعضها أفاد المنع، وقد أشار الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في هذه الترجمة إلى حديثين في جواز الكحل للصائم، وأشار في خلاف العلماء إلى قول من كره وإلى قول من أجاز، بينما ذكر الإمام أبو داود رحمه الله تعالى في سننه الأحاديث الواردة في الجواز والواردة في النهي ، كحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالإثمد المُرَوَّح عند النوم وقال (ليتقه الصائم) . وقد رواه أبو داود من طريق عبد الرحمن بن النعمان بن معبد عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا خبر منكر، وقد قال الإمام أبو داود قال لي يحي بن معين: هو حديث منكر، والأحاديث الواردة في هذا وذاك معلولة ويأتي إن شاء الله تعالى بيان هذا بعد قليل .(1/323)
قال أبو عيسى حدثنا عبد الأعلى بن واصل أخبرنا الحسن بن عطية بن نَجيح القرشي الكوفي، قال أبو حاتم صدوق، ولم يرو له الترمذي إلا هذا الحديث وليس له رواية في الكتب الستة . قال الحسن أخبرنا أبو عاتكة، أبو عاتكة اسمه طَريف بن سلمان ويقال سلمان بن طريف، لم يرو له الترمذي سوى هذا الحديث ، قال البخاري في أبي عاتكة (منكر الحديث) ، وقال أبو حاتم (ذاهب الحديث)، وضعفه النسائي، والدارقطني، والعقيلي، وقال ابن حبان :منكر الحديث جداً يروي عن أنس ما لا يشبه حديثه وربما روى عنه ما ليس من حديثه، قال أبو عاتكة عن أنس بن مالك قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اشتكت عيني أفاكتحل وأنا صائم قال (نعم) . هذا الخبر معلول ويكاد يتفق الحفاظ على ضعفه ، وقد قال أبو عيسى حديث أنس حديث إسناده ليس بالقوي ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء ( في هذا الباب) أي من المرفوع، سواء كان بالإذن بالكحل أو في منع الكحل للصائم .
وقد قال أبو عيسى وفي الباب عن أبي رافع وهذا أخرجه البيهقي من طريق محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل وهو صائم) ، وهذا خبر منكر، وقد قال الإمام أبو حاتم في محمد بن عبيد الله: منكر الحديث، وقال عن هذا الخبر: هذا حديث منكر.
قوله ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ) فيه سؤال أهل العلم عن ما يشكل، والأحاديث الصحيحة متواترة في هذا، وتقدم في الدرس الماضي حديث الذي جامع في نهار رمضان وهو حديث متفق على صحته من رواية الزهري عن حميد عن عبد الرحمن عن أبي هريرة (أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هلكت قال وما أهلكك قال وقعت على امرأتي ) الحديث .(1/324)
يؤخذ من هذا أهمية العلم وأن الحياة بدون العلم الذي هو موروث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا قيمة لها، فإن العلم حياة القلوب والمقرب إلى علام الغيوب وهو الفيصل بين الحلال والحرام وهو المبين لذلك والخير كله عائد إلى العلم والشر كله عائد إلى الجهل قال تعالى { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ }الزمر9 ،وقال تعالى في أهل العلم الذين يعملون بعلمهم { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات}المجادلة11 ،يرفعهم في الدنيا بالذكر الحسن والجميل وفي الآخرة بالثواب العظيم والأجر الكبير، فإن العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ولكنهم ورثوا هذا العلم .
قوله ( قال اشتكت عيني أفأكتحل وأنا صائم قال نعم ) يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص له في الكحل لأنه مريض فيكون جواز الكحل للحاجة .
ويحتمل أن الصائم لا يمتنع من الكحل مطلقاً لأنه لم يرد دليل للمنع والبراءة الأصلية مقتضية لجواز الكحل للصائم مطلقا لأنه لم يرد شيء بالمنع ، والأصل في ذلك الجواز سواء قيل بأن العين منفذ أم لم نقل بذلك ، وقد أشار الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى إلى الاختلاف في هذه المسألة فقال واختلف أهل العلم في الكحل للصائم فكرهه بعضهم وهو قول سفيان وبن المبارك وأحمد وإسحاق، وهذا ما لم يصل إلى الحلق فإن وصل إلى الحلق فسد الصوم في مذهب أحمد وجماعة لأن العين منفذ ولحديث (ليتقه الصائم) وهذا الخبر رواه أبو داود وتقدمت الإشارة إلى نكارته، وقد قال أبو داود قال لي يحي بن معين هو حديث منكر .(1/325)
قال أبو عيسى ورخص بعض أهل العلم في الكحل للصائم وهو قول الشافعي أي سواءً وجد طعمه في حلقه أم لا لأن الكحل لا يغذي البته، وهذا قول أحمد في رواية واختار ذلك ابن حزم وابن تيمية وجماعة، وقد روى الإمام أبو داود رحمه الله تعالى في سننه بإسناده عن سليمان بن مهران المعروف بالأعمش قال: (ما رأيت أحداً من أصحابنا يكره الكحل للصائم)، وقد ولد الأعمش رحمه الله سنة ستين ليس له سماع من بعض الصحابة ولكن أثبت له رؤية جماعة وقد أدرك أكابر أئمة التابعين (وكان إبراهيم -تابع لرواية- أبي داود يرخص أن يكتحل الصائم بالصبر) سواء وجد طعم الكحل في الحلق أو لم يوجد، لأن الطعم غير مؤثر ولذلك رخص جماعة من الصحابة في تذوق الطعام في نهار رمضان منهم عبد الله بن عباس لأن هذا يكون باللسان ولا يدخل المعدة وما كان على اللسان فإنه لا يفطر، وقول أبي هريرة رضي الله عنه وجماعة الفطر مما دخل لا مما خرج، المقصود بدخول الشيء النافذ إلى المعدة بدليل أن الذي قال الفطر مما خرج منهم ابن عباس وهو الذي يفتي بجواز تذوق الطعام للصائم فهذا دليل على التفريق بين ما كان على اللسان وبين ما كان يدخل إلى الجوف والمعدة، ولهذا لا يفطر الصائم بشم الطعام ولا بشم العطور سواء كان العطور بخوراً أو غيره إلا أن الصائم لا يبالغ في الاستنشاق لأن الأنف منفذ للمعدة وإذا بالغ فإنه لا يفطر، ولكنه يحتمل أنه قد عصا ويحتمل أنه قد ارتكب للمكروه في قول طائفة، وملخص هذا أن الكحل غير مكروه للصائم سواء اكتحل لحاجة أو لغير حاجة، والنساء في ذلك شقائق الرجال فلا يختلف الحكم في هذه المسألة بين الرجل والمرأة فالكحل لكل منهما مباح ولا كراهة في شيء من ذلك لأنه لم يثبت في كراهيته حديث صحيح والأكثر من العلماء يجوزونه ، قد تقدم قول الأعمش ما رأيت أحداً من أصحابنا يكره الكحل للصائم .(1/326)
ويستفاد من هذا أن الصيام أحد أركان الإسلام فلا يجوز تفطير أحد إلا بدليل فمن صام بيقين فلا يجوز تفطيره بمجرد الشك أو التوهم فلا يفطر إلا بيقين واليقين لا يتأتي في هذا الباب إلا بكتاب أو سنة ثابتة أو إجماع صحيح والقياس معتبر بشرط أن يكون الجامع أقوى من الفارق فإنه يلحق بالأكل والشرب ما كان في معناهما كالمغذي الذي يعيش معه الإنسان أعوام يستغني به عن الأكل وعن الشرب فإنه يأخذ حكم الأكل وحكم الشرب وأما القياس الذي يكون الفارق فيه أقوى من الجامع فلا يعتد به ومن الفوائد في هذا الباب أنه لا يجوز اتخاذ الخلاف مطية لتمرير الأقوال والآراء الشاذة ونظير هذا الذين يقولون بالأخذ بالأحوط في تفطير المسلمين بدون مبرر ولا مسوغ وطائفة يتخذون من الخلاف تمريراً للأقوال الشاذة وطائفة أخرى لا تطيب نفوسهم بالأخذ بالبراءة الأصلية فيلجئون إلى دعوى الأخذ بالأحوط، والأخذ بالأحوط مراتب منه ما يكون نسبياً حيث يرجع إلى الشخص فإن الشخص قد يتقي الصوم خروجاً من الخلاف هذا راجع إليه لكن ليس له أن يكرهه على أحد أو أن يشرِّع بذلك لأحد آخر يخرج من الخلاف بالأخذ بالأحوط حقيقة فيقع في الغلط ويترك السنة، الثالث حين تختلف الأدلة وتكون الأدلة صحيحة فهذا يحتج بأدلة صحيحة والآخر يحتج بأدلة صحيحة فهذا ممكن أن يتقي أحد القولين أخذاً بالأحوط كقضية الحجامة في نهار رمضان، من العلماء من أجاز الحجامة وهذا قول الجمهور وتقدم أنه هو الراجح وقد قال أبو سعيد ( رخص للصائم في الحجامة والقبلة) وهذا حديث صحيح جاء مرفوعاً وموقوفاً والصواب وقفه، ولا يرخص في هذا الباب إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه بن خزيمة وغيره، ومنهم من قال أن الحجامة تفطر وهذا مذهب أحمد وجماعة فلا حرج أن يأخذ الإنسان بالأحوط الذي يراه باعتبار أنه لو لم يحتجم في نهار رمضان لم يقل له أحد بأنك قد أفطرت بخلاف العكس ولكن ليس له أن يصادر آراء الآخرين وأن يلزمهم(1/327)
بقوله فهذه المسألة خلافية ولا تثريب على من ذهب إلى هذا أو ذاك، ولكن التثريب حين يأخذ الإنسان بقول عالم بمجرد الهوى ليس بمقتضى الأدلة الشرعية وأما العامة والذين ليس عندهم قدرة على الاستدلال فإنهم يأخذون بقول من يرونه عالماً وورعاً فالعلم يرشده إلى قول الصواب والورع يمنعه أن يقول على الله ما لا يعلم .
31 - بابُ ما جاءَ في القُبْلَةِ للصَّائمِ
723 - حَدَّثَنَا هَنَّادٌ وقُتَيبَةُ قَالا أَخبرنَا أَبُو الأَحْوَصِ عن زيادِ بن عِلاقَةَ عن عَمرِو بنِ مَيمُونٍ عن عائِشةَ :أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ في شهرِ الصَّومِ".
وفي البابِ عن عُمَرَ بن الخطَّابِ وحفصةَ وأَبي سعيدٍ وأُمِّ سَلَمَةَ وابنِ عبَّاسٍ وأَنسٍ وأَبي هُريرةَ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ عائِشةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
واختَلَفَ أَهلُ العلمِ من أَصحابِ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغَيرِهِم في القُبلَةِ للصَّائمِ فرَخَّصَ بعضُ أَصحَابِ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القُبلَةِ للشَّيخِ ولَمْ يُرَخِّصُوا للشَّابِ مخافةَ أَنْ لا يَسْلَمَ لَهُ صَومُهُ. والمُبَاشَرَةُ عِندَهُم أَشدُّ وقد قَالَ: بعضُ أَهلِ العلم: القُبلَةُ تُنقِصُ الأَجرَ ولا تُفطرُ الصَّائمَ، ورَأْوا أَنَّ للصَّائمِ إِذَا مَلَكَ نفسَهُ أَنْ يُقَبَّلَ، وإِذَا لَمْ يأَمَنْ عَلَى نفسِهِ تَرَكَ القُبلَةَ لِيَسلَمَ لَهُ صَومُهُ. وهُوَ قَولُ سفيانَ الثَّوريِّ والشَّافِعيُّ.
الشرح:
قال الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى ( باب ما جاء في القبلة للصائم ) .
((1/328)
باب )أي هذا باب (ما جاء) في حكم القبلة للصائم لم يجزم الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى بالترجيح في هذا الباب وقد أشار إلى الخلاف عقب سياق الأحاديث الواردة ولم يرجح شيئاً، قال رحمه الله تعالى حدثنا هناد وقتيبة قالا أخبرنا أبو الأحوص عن زياد بن علاقة عن عمرو بن ميمون عن عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل في شهر رمضان) ، وهذا الخبر رواه مسلم عن يحي بن يحي وقتيبة وبن أبي شيبة ثلاثتهم عن أبي الأحوص بمثل رواية أبي عيسى رحمه الله، ورواه من طريق أبي بكر النهشلي قال حدثنا زياد بن عِلاقة عن عمرو بن ميمون عن عائشة قالت( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل في رمضان وهو صائم) ، وجاء في الصحيحين من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت (كان رسول اله صلى الله عليه وسلم يقبل إحدى نسائه وهو صائم ثم تضحك) ، وروى أبو داود من طريق سعد بن أوس العبدي عن مصدع عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها) وهذا الخبر ليس بثابت ، وقد قال ابن الأعرابي بلغني عن أبي داود أنه قال هذا الحديث أو هذا الإسناد ليس بصحيح وكل من روى هذا الخبر يذكر أنه يقبل ولا يذكر مص اللسان فالرواية شاذة .(1/329)
قال أبو عيسى وفي الباب عن عمر بن الخطاب وحفصة وأبي سعيد وأم سلمه وابن عباس وأنس وأبي هريرة وآخرين ممن لم يذكرهم الإمام أبو عيسى فهؤلاء يروون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبل وهو صائمطريف بن سلمان ومنهم من ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أجاز هذا، كقول عمر قبلت وأنا صائم فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وقلت له صنعت اليوم أمرا عظيما قبلت وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم( أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم) قلت لا بأس فقال صلى الله عليه وسلم (ففيم) . وهذا الخبر أعله الإمام النسائي رحمه الله تعالى وقال عنه بأنه منكر، وجاء في حديث أبي هريرة أيضاً عند أبي داود (أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخص له وأتاه آخر فسأله فنهاه فإذا الذي رخص له شيخ وإذا الذي نهاه شاب) وهذا معلول الأحاديث المرفوعة الواردة في التفريق بين الشيخ الكبير والشاب غير صحيحة قد جاء هذا محفوظاً عن ابن عباس رواه مالك وغيره وأما الأحاديث المرفوعة فلا يصح من ذلك شيء .
قال أبو عيسى في حديث الباب حديث عائشة حديث حسن صحيح تقدم الإشارة قبل قليل إلى بعض روايات مسلم والشيخين وجاء في الباب غير حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم) فحديث حفصة رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم كحديث أم سلمه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم والخبر متفق على صحته.(1/330)
قوله ( عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل في شهر الصوم ) فيه فضيلة عائشة ، قد كان جماعة من الصحابة رضي الله عنهم يرجعون إليها فيما أشكل عليهم ، وفيه أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم لهن الرواية في هذا الباب أكثر من غيرهن لأن هذا الأمر يخصهن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ويؤخذ من ذلك عدم كتم العلم وليس من الحياء في شيء أن تمتنع المرأة عن تبليغ هذا العلم فهذه عائشة رضي الله عنها تخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه كان يقبل إحدى نسائه وهو صائم ثم تضحك . لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقبلها كما دلت على ذلك الروايات الأخرى ، ويؤخذ من هذا جواز التقبيل للصائم سواء كان شاباً أم شيخاً كبيراً لأنه لم يثبت التفريق بين هذا ولا ذاك ولاسيما أن قوة النبي صلى الله عليه وسلم كانت أضعاف أضعاف قوة الشاب وقد كان يقبل ، أجاب عن هذا جماعة بأن هذا خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم فيجاب عن هذا بأمور :
الأمر الأول / أن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل ودون ذلك خرق القتاد .
الأمر الثاني / أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين ذلك وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .
الوجه الثالث / أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم حين نقلن هذا الحكم كعائشة وأم سلمه وحفصة لم تذكر واحدة منهن الخصوصية ولذلك حين سئلت عائشة رضي الله عنها ما يحل للرجل من امرأته صائماً ، فقالت كل شيء إلا الجماع . وهذا رواه عبد الرزاق في ( المصنف ) وابن حزم في ( المحلى ) وغيرهما بإسناد صحيح، وأما قول عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشرني وهو صائم وكان أملككم لأربه) ، فالمباشرة أعم من القبلة هذا الأمر الأول .(1/331)
الأمر الثاني / أن الصواب في قول عائشة وكان أملككم لأربه أي لذَكره، بمعنى أنه لا يجامع حين تثور شهوته، وحين تباح القبلة للصائم لا يضر بعد ذلك ما ترتب على القبلة ما لم يكن في ذلك جماع فقد أجمع المسلمون على تحريم الجماع في نهار رمضان، ومن جامع في نهار رمضان عالماً متعمداً فيجب عليه قضاء هذا اليوم وأن يعتق رقبة فإن لم يستطع فإنه يصوم شهرين متتابعين فإن عجز عن ذلك فإنه يطعم ستين مسكيناً .
أشار الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى إلى خلاف العلماء في هذه المسألة فإن الأئمة مختلفون في هذه القضية مع كثرة الأدلة الدالة على النبي صلى الله عليه وسلم في جواز القبلة للصائم سبب الخلاف أمور :
الأمر الأول / الاختلاف في هذا النص هل هو عام أم خاص ، حيث ينشأ منه خلاف بين العلماء وهذا يوجب عذر الأئمة المجتهدين
الأمر الآخر / النصوص الأخرى الدالة على التفريق بين الصغير والكبير أو بين الشيخ والشاب وينشأ من ذلك الاختلاف في صحتها من ضعفها .(1/332)
الأمر الثالث / الاختلاف في فهم النص وهذا أكثر ما يرد في كلام العلماء في المسائل المختلف فيها فإن الأئمة قد يختلفون في فهم النص ومنهم من يرى العموم ومنهم من يرى الخصوص منهم من يرى الإطلاق ومنهم يرى التقييد منهم من يرى أن هذا على الوجوب ومنهم من يرى أن هذا على الاستحباب ومنهم من يقول هذا إذا ثارت شهوته ومنهم من يقول هذا إذا لم تثر شهوته وغير ذلك من أسباب الاختلاف ، ومن ذلك الأحاديث الأخرى الدالة على ضرورة حفظ الصوم كحديث (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) ، وهذا راجع في الحقيقة لاختلاف الفهم فإن الأئمة مختلفون في معنى قوله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه ( وشهوته من أجلي ) منهم من قال الشهوة الجماع ومنهم من قال يدخل في ذلك القبلة إذا كانت عن شهوة والمس ونحو ذلك ، فبالتالي ذهب الجمهور إلى أنه لو قبّل فأمذى أو أمنى فإنه يفطر ومنهم من فرق بين ما إذا فكر فأمذى أو أمنى وبين ما إذا قبل فأمذى أو أمنى .ومنهم من فرق أيضا بين ما إذا احتك بشيء فأمنى وبين ما إذا فكر فأمنى ومنهم من فرق أيضا بين المذي والمني في هذه الصور .
والحديث في هذا الباب عن القبلة للصائم، والصواب أنه لا حرج من القبلة للصائم ولا يضره ما ترتب على ذلك فيما بعد ولا يفسد صومه إلا الجماع، ولكن إذا علم من نفسه أن الشهوة قد تثور وتهيج وترتب على ذلك جماع فيجب عليه أن يبتعد عن القبلة لأن القبلة تكون وسيلة إلى فعل الحرام قد قال في المراقي :
سد الذرائع على المحرم **** حتم كفتحها إلى المنحتم
وبالكراهة وندب وردا **** وألغ إن يك الفساد أبعدا
أو رجح الإصلاح كالأسارى **** تفد بما ينفع للنصارى
وانظر تدلي دوالي العنب **** في كل مشرق وكل مغرب(1/333)
وفي الحديث ( دع ما يريبك إلا مالا يريبك ) حديث صحيح رواه أحمد والترمذي وجماعة وقال صلى الله عليه وسلم ( فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ) وهذا حديث متفق على صحته من حديث النعمان بن بشير .
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى في الإشارة إلى خلاف العلماء في هذه المسألة قال رخص بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في القبلة للشيخ ولم يرخصوا للشاب وهذا مشهور عن بن عباس رواه عنه مالك في ( الموطأ) وجاء في ذلك حديثان مرفوعان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء حديث أبي هريرة رواه أبو داود وغيره، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رواه أحمد وغيره وكلاهما ضعيفان وهؤلاء مختلفون في الكراهية فمنهم من أطلق كراهية التحريم ومنهم من صّرح بأن الكراهية كراهية تنزيه وفي نفس الوقت هؤلاء مختلفون هل القبلة تفطر الصائم أم لا ، أم تنقص الأجر ولا تفطر الصائم .
قال بعض أهل العلم القبلة تنقص الأجر ولا تفطر الصائم، وقال آخرون إن القبلة مكروهه للصائم ما لم يمذي أو يمني فإنه يفطر ، وقال آخرون بالتفصيل فللصائم أن يقبل إذا كان يملك نفسه ويجب عليه ترك القبلة والمباشرة إذا لم يأمن على نفسه وهذا مذهب سفيان الثوري والشافعي وهؤلاء لا يعتبرون التفرقة بين الشاب والشيخ وينظرون في هذا الباب إلى التأثر فيمنعون الذي يتأثر بالقبلة ويأذنون للذي لا تؤدي به القبلة إلى هيجان الشهوة .(1/334)
وقال ابن حزم رحمه الله تعالى في ( المحلى ) وأما القبلة والمباشرة للرجل مع امرأته وأمته المباحة له فهما سنة حسنة نستحبها للصائم شاباً كان أو كهلاً أو شيخاً ولا نبالي -اللفظ له- أكان معها إنزال مقصود إليه أو لم يكن . ابن حزم رحمه الله تعالى لم يكتف بالإباحة ويرى أنها سنة فهي لا تختلف حينئذ عن سنة السواك ونحو ذلك، وهذا فيه نظر لأن القبلة ليست عبادة حتى يقال بالسنية وغاية ما في ذلك الإباحة وقد ثبت عن مسروق قال سألت عائشة أم المؤمنين ما يحل للرجل من امرأته صائماً، فقالت (كل شيء إلا الجماع) . وهذا رواه عبد الرزاق وابن حزم في ( المحلى ) وإسناده صحيح فعائشة رضي الله عنها لم تمنع إلا الجماع في نهار رمضان وهذا الأثر يصلح دليلاً لما هو أعم من القبلة من المباشرة بدليل قول الله جل وعلا { فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ }البقرة187 ,أي جامعوهن فعلم أن المنهي عنه في النهار هو المأذون فيه بالليل وهو الجماع لأن المباشرة في لغة العرب تطلق على الجماع وتطلق على ما دون الجماع ولعله هو المذكور في حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشرني وهو صائم . يمكن أن نأخذ هذا الباب .
32 - بابُ ما جاءَ في مُبَاشَرَةِ الصَّائمِ
724 - حَدَّثَنَا ابنُ أَبي عُمَرَ أَخبرنَا وَكِيعٌ أَخبرنَا إِسرائيلُ عن أَبي إِسحاقَ عن أَبي مَيسَرَةَ عن عائِشةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُباشِرُني وهُوَ صائمٌ وكَانَ أَملَكَكُم لأَرَبِهِ".
725 - حَدَّثَنَا هَنَّادٌ أَخبرنَا أَبُو معاويةَ عن الأَعمشِ عن إِبراهيمَ عن عَلقَمةَ والأَسودِ عن عائِشةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ ويُبَاشِرُ وهُوَ صائمٌ وكَانَ أَملَكَكُم لأَرَبِهِ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وأَبُو مَيسَرَةَ اسمُهُ عَمرُو بنُ شَرْحَبِيلَ. ومعنى لأَرَبِهِ يعني لنفسِهِ.
الشرح:(1/335)
قال أبو عيسى ( باب ما جاء في مباشرة الصائم) المباشرة أعم من القبلة تستعمل المباشرة في الجماع لقول الله جل وعلا{ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ }البقرة187 ،المقصود في هذه الآية الجماع وتطلق المباشرة على مس الرجل لامرأته فيما دون الفرج وهذا المقصود في هذا الباب، والإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى كعادته لم يبدِ رأيه في هذه القضية فأجمل فقال ( باب ) أي هذا باب ( ما جاء ) أي في حكم مباشرة الصائم لزوجته واقتصر في ذلك على إيراد الأدلة الواردة في هذا الباب ولم يحك خلاف العلماء في هذه القضية ولعله اكتفى بالخلاف المتقدم في حكم القبلة وإن كانت المباشرة أعم من القبلة .
قال أبو عيسى حدثنا بن أبي عمر أخبرنا وكيع أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشرني وهو صائم وكان أملككم لإربه . ورواه مسلم من طريق إبراهيم عن الأسود عن عائشة ورواه من طريق عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلني وهو صائم وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه .(1/336)
قال أبو عيسى حدثنا هناد أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم وكان أملككم لإربه . وهذا الخبر رواه مسلم من طريق أبي معاوية، ورواه من طريق زائدة حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة، ورواه البخاري من طريق شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة، وفيه الجمع بين كونه صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر، وأن المقصود بالمباشرة غير القبلة فإن المباشرة أعم من القبلة وتفسر المباشرة في هذا الباب بمس الرجل امرأته في كل موضع دون الفرج، وهذا أفتى به طائفة منهم الإمام بن حزم رحمه الله تعالى وتقدم قوله (ولا نبالي أكان معها إنزال مقصود إليه أو لم يكن) لأن المحظور عند أبي محمد هو الجماع فقط، وهذا الذي صار إليه الإمام ابن خزيمة رحمه الله تعالى في صحيحه، وقال أن المباشرة بما دون الجماع(1)
__________
(1) - قال ابن خزيمة:باب الرخصة في المباشر التي هي دون الجماع للصائم و الدليل على أن اسم الواحد قد يقع على فعلين أحدهما مباح و الآخر محظور إذ اسم المباشر قد أوقعه الله في نص كتابه على الجماع و دل الكتاب على أن الجماع في الصوم محظور قال المصطفى صلى الله عليه و سلم : إن الجماع يفطر الصائم و النبي المصطفى صلى الله عليه و سلم قد دل بفعله على أن المباشرة التي هي دون الجماع مباحة في الصوم غير مكروهة .(1/337)
لقوله جل وعلا { فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ }البقرة187 ،وأن ما حظر عليه في النهار هو الجماع الذي أذن له في الليل، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباشر وهو صائم، وهذا هو المفهوم من قول عائشة وجوابها لمسروق حين قال ما يحل للرجل من امرأته صائما فقالت (كل شيء إلا الجماع) . وجاء هذا عن عائشة من غير وجه بأسانيد صحيحه، وهؤلاء يفسرون قول عائشة وكان أملككم لإربه أي لذكره فهي تعني بالإرب هنا العضو وعنت من الأعضاء الذكر أي كان أملككم لكونه لا يواقع ، ومنهم من يروي هذا بفتح الهمزة والراء يعنون بذلك الحاجة ، ومنهم من كسر الهمزة وفسره أيضا بالحاجة ، وطائفة يضبطون هذا بكسر الهمزة وسكون الراء ولعله الأقرب والمقصود من ذلك أنه كان أملك لذكره . وقد فهم طائفة من قول عائشة أن المباشرة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه هو الذي يأمن على نفسه ويلحق به من كان يأمن على نفسه ومن عدا هؤلاء فالمباشرة في حقهم محظورة وهؤلاء يفسرون قولها (وكان أملككم لإربه) أي لشهوته وهذا مذهب الجمهور وفيه طائفة من العلماء يجوزون القبلة ولكن يمنعون المباشرة ،والمالكية يكرهون القبلة والمباشرة مطلقاً وقد روى بن أبي شيبة بسند صحيح عن عمر أنه يكره القبلة والمباشرة ، وحكى ابن المنذر رحمه الله تعالى عن جماعة تحريم المباشرة للصائم ، وطائفة من العلماء يجوزون المباشرة ويحتجون بظاهر حديث الباب وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل ويباشر وهو صائم الخبر فرق بين القبلة وبين المباشرة وهؤلاء يقولون بأن الخصوصية تحتاج إلى دليل هذا الأمر الأول .
الأمر الثاني / أن الأصل في الأحكام التشريع دون الخصوصية .(1/338)
الأمر الثالث / أن عائشة أفتت لمسروق أن الصائم يحل له كل شيء إلا الجماع وهذا كالمفسر والمبين لقولها (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم) وهذا أيضاً كالمبين لأن عائشة تعني بقولها (وكان أملككم لإربه) أي لذكره وإلا لم يكن لقول عائشة كل شيء إلا الجماع معنى أو كان هذا مخالفاً لقولها (وكان أملككم لإربه) لو كانت تعني الشهوة .
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وأبو ميسرة اسمه عمرو بن شرحبيل، ومعنى لأربه يعني لنفسه، هذا على قول من فسر بفتح الهمزة وبفتح الراء لأربه يعني لنفسه أي كان أمللكم لنفسه وهذا قول طائفة من العلماء ولكن خير من فسر قول عائشة بقول عائشة نفسها لأن عائشة رضي الله عنها لو كانت تعني فكان أملككم لأربه أو الضبط الآخر لإربه أو لأًَرَبه كانت تعني الشهوة لبينت هذا في فتاواها وحين سألها مسروق عما يحل للرجل من امرأته صائماً فقالت (كل شيء إلا الجماع) ولم تستثن أحداً دون أحد، وهذا الذي نصره ابن حزم وابن خزيمة وجماعة من الأئمة، ومن كان يعلم من نفسه بأن الشهوة قد تثور وتهيج وقد يقع في الجماع فيجب عليه الابتعاد عن تقبيل أو مباشرة امرأته .
مسائل هذا الباب نذكرها على عجل المسألة الأولى: ذهب الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى إلى أنه لو قبل أو باشر فأمنى فإنه يفطر ولا يلزمه القضاء، وهؤلاء يقولون عن الإمناء بأنه أحد المفطرات ويستدلون بحديث ( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ) وخالفهم في ذلك الإمام ابن حزم وطائفة وقال إن هذا لم يثبت به نص، وهؤلاء يحكون عن عائشة أنها تجيز هذا لما يفهمونه من فتواها لمسروق ( كل شيء إلا الجماع ) ويأخذون هذا في التجويز من قول عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم) ولهذا قال ابن حزم ولا نبالي أكان معها إنزال مقصود إليه أو لم يكن .
المسألة الثانية :(1/339)
الصواب أن المذي لا يفطر سواءً كان من أثر القبلة أو المباشرة أو غير ذلك وسواءً كان متعمداً أو قاصداً إليه أو لم يكن قاصداً إليه لأنه لم يثبت دليل في هذا ، والصيام من دين المسلمين من يدخل الصيام بيقين لا يخرج عنه إلا بيقين مثله .
ومن مسائل هذا الباب أن القبلة مباحة للصائم، فليست بمحرمة أو مكروهه كقول طائفة، وليست بسنة حسنة كقول أبي محمد بن حزم هي من المباحات ومن كان يعلم من نفسه أنه قد تثور شهوته ويقع في الجماع يجب عليه الابتعاد عن القبلة ولكن حين يقبل ويترتب على ذلك نزول المذي فالصواب أنه لا شيء عليه .
ويؤخذ من هذا أن المباشرة في لغة العرب تطلق على معنيين :
تطلق على معنى الجماع كقول الله جل وعلا { فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ }البقرة187،وتطلق على المباشرة بما دون الفرج ، ومنه قول عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم) .
ويؤخذ من هذا أن المقصود بالمباشرة غير القبلة لأن طائفة من العلماء يفسرون المباشرة في الحديث بالقبلة فحين جمعت عائشة الأمرين قالت ( كان يقبل ويباشر وهو صائم) دل على التفرقة بين الأمرين ،وفيه غير ذلك والله أعلم .
...(1/340)
نعم هذا قول طائفة من العلماء الأخ محمد يقول أنه يصعب فهم أثر عائشة أنه يكون معه إنزال ولكن الذين يقولون إنه ولو كان معه إنزال هم ما يجزمون بأن عائشة تفتي بالإنزال، لكن يقولون يفهم من أثر عائشة فإن مسروقاً قال ما يحل للرجل من امرأته صائماً قالت (كل شيء إلا الجماع), فلما نهت عن الجماع علم أنه ما عدا الجماع جائز ،ما هو الذي عدا الجماع ، هو المباشرة والقبلة ولو كان معها إنزال، بدليل أن عائشة لم تنه إلا عنه، والغالب أن الإنسان حين يباشر كأن يتفخذ زوجته بأنه لابد أن يحصل معه مذي وقد تغلبه شهوته فينزل المني وهذا الذي فهمه ابن خزيمة من قوله صلى الله عليه وسلم كان يباشر ويقبل، يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباشر ويقبل فالمباشرة إذن هي ما دون الجماع، إذن ما نهي إلا عن الجماع لقوله جل وعلا { فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ }البقرة187،وما عدا الجماع فإنه جائز , أما القول بحديث ( كان يدع طعامه وشرابه وشهوته ) أن كل شهوة تمنع هذا غير صحيح لأن الأحاديث يفسر بعضها بعضاً فعلم أن المقصود بقوله تعالى في الحديث القدسي ( يدع طعامه وشرابه وشهوته ) أن المقصود بالشهوة هنا الجماع بدليل أن النبي كان يباشر، وهل نقول أن النبي كان يباشر بغير شهوة ما هو الدليل ، ولأن الأصل أن الإنسان ما يقدم على تقبيل زوجته ولا يقبل على مباشرتها إلا والدافع هي الشهوة، فبالتالي ما يترتب على الشهوة من مذي أو مني هو تابع للشهوة هذا وجه قول ابن حزم وابن خزيمة، الجمهور الذين يمنعون من هذا منهم من قال تجوز المباشرة والقبلة بشرط أن لا ينزل فإن أنزل أفطر لكن ما هو الدليل على أنه يفطر يأتون بدليل محتمل ( يدع طعامه وشرابه وشهوته ) يقولون شهوته هنا أعم من الجماع تشمل الإنزال وغيره يقولون فلما كان الخبر عاماً يشمل الإنزال وغيره وجاءت الأدلة الأخرى تفيد المباشرة تحمل المباشرة على ما دون الإنزال تحمل الشهوة على الإنزال هذا وجه دليل(1/341)
الجمهور طبعاً المسألة تقدم فيها أكثر من مذهب وأشير إلى هذه المذاهب على عجل منهم من منع مطلقاً يكره القبلة والمباشرة للصائم مطلقا وتقدم المحكي عن ابن عمر وهذا مذهب مالك هذا المذهب الأول .
المذهب الثاني :منهم من فرق بين الشاب والشيخ الكبير وهذا إسناده صحيح إلى ابن عباس .
ومنهم قال تجوز القبلة والمباشرة بشرط أن لا يمذي ولا يمني .
المذهب الرابع : منهم من قال تجوز المباشرة والقبلة بشرط أن لا يمني لكن لو أمذى ما فيه بأس هذا يفرق بين المذي والمني .
المذهب الخامس : منهم من أجاز المباشرة والقبلة للصائم وما يترتب على ذلك وفيه أيضاً غير هذا .
.... نعم فيه من قال أن القبلة تنقص الأجر ولا تفطر الصائم وهذا الذي حكاه أبو عيسى عن طائفة من العلماء وذلك بقوله وقد قال بعض أهل العلم القبلة تنقص الأجر ولا تفطر الصائم ، هؤلاء يحتجون أن الأصل في القبلة أنها تثير الشهوة إذا كانت تثير الشهوة فهي تقلل الأجر والثواب لأن الأصل في الصائم أن يحفظ صيامه عن الأكل وعن الشرب وعن الشهوة يستدلون بحديث ( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ) .
الاسئلة:
س: هذا سائل يقول شخص يقبل في رمضان بشهوة بدون إنزال هل هو مفطر ؟
ج/ تقدم الحديث عن هذه القضية وأن هذا غير مفطر ولاسيما الأخ يقول دون إنزال.
س/ الأخ يقول الاسم عامر من المنطقة الشمالية عرعر بينما أنا وأخي الأكبر نمشي إذ إذن مؤذن المغرب وقال اللهم أني أفطرت ، فهل يصلح ذلك علما أنه لم يكن لدينا في السيارة لا أكل ولا ماء ؟(1/342)
ج/ قول هذا الأخ اللهم إني أفطرت . هذا الأمر لا أصل له وهذا من محدثات الأمور لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا فقد أفطر الصائم) سواء قلنا بأنه أفطر معنى أو لم نقل ذلك فالمعنى أنه دخل في الفطر فإذا وجد أكل وشرب وقد دخل في الفطر يأكل أو يشرب وإذا لم يكن معه لا أكل ولا شرب فإنه إذا لم يرد المواصلة على قول من يجيزها فإنه قد أفطر حكما فحينئذ يكون هذا الرجل مفطر أما قول اللهم أني أفطرت هذا أمر ليس له أصل فلا تجوز العودة إلى هذا فيما بعد
س/ هذا الأخ من أمريكا يقول هل المغذي الذي يعطى في الوريد من المفطرات مع العلم بأنه يغني عن الغذاء . ولكن لا يصل إلى المعدة بل في العروق مباشرة ؟
ج: إذا كان هذا المغذي يغني عن الأكل وعن الشرب فإنه يعتبر مفطراً وإذا كان لا يعوض لا عن الأكل ولا عن الشرب بحيث لا يستطيع الإنسان أن يعيش معه فإن هذا غير مفطر إنما يلحق بالأكل والشرب ما كان في معنى الأكل والشرب .
س/ هذا الأخ السائل من استراليا يقول بسبب قرحة عندي في المعدة نسأل الله جل وعلا أن يشفيه ويعافيه يقول وأن الجوع يزيد بجروح المعدة بسبب تآكل الغازات للمعدة وقد أجبرني الطبيب على الإفطار ورمضان الأخير صمته متحاملا على نفسي قليلا لكن هذا رمضان قال لي الطبيب لا تستطيع الصوم لأن إفراغ المعدة عندي لا يساعد الأدوية التي آخذها هل آثم إذا استطعت أن أتحامل على المرض ولم أصم ؟ وإذا لم آثم هل أعيد أم أتصدق وما هي نوعية هذه الصدقة أو ما قيمتها علما أن الصيام عندنا يكون أكثر من ثمانية عشرة ساعة ؟(1/343)
ج: أولا إذا قرر الطبيب وكان الطبيب حاذقاً بأن هذا السائل لا يطيق الصوم فيجب عليه الفطر , الأمر الأخر أن قول الأخ هل آثم إذا استطعت أن أتحامل على المرض ولم أصم ، الجواب لا تأثم بل تأثم إذا صمت وكان يترتب على الصوم مضاعفة للمرض لأن الأخ يقول إذا كان إفراغ المعدة عندي لا تساعد الأدوية التي أخذها وإذا ترتب على الصيام عدم ضرر ولكن فيه نوع مشقة يسيرة ولكن لا يترتب على ذلك الضرر فإنه يصوم وفي هذه الحالة في الحقيقة لا يجب عليه لأن المشقة موجودة فإذا صام كان اتقى لربه وإذا أفطر كانت رخصة في الفطر ، وإذا صام في هذه الحالة فإن الصوم يعتبر صحيحا بشرط أن لا يتضاعف المرض أما إذا كان يتضاعف المرض فيجب عليه الفطر . الأخ يقول هل أعيد أم أتصدق ؟ إن كان هذا المرض يرجى برئه فإن الأخ لا يتصدق بل يعيد ما فاته من الصيام وإن كان هذا المرض لا يرجى برئه بتقرير الأطباء فإنه يطعم عن كل يوم مسكينا مقدار هذا الإطعام ما يشبعه بحيث لو دعاه إلى أن يتغدى أو يتعشى معه فيما بعد رمضان أو في أثناء رمضان يفطره أو يغديه بمعنى السحور فإن هذا يكون عن يوم إذا دعا خمسة يكون عن خمسة أيام إذا دعا عشرة عن عشرة أيام بقدر ما يشبعهم .
س/ هذا سائل من الرياض يقول رجل جامع زوجته وهو في نشوة الجماع أذن المؤذن لصلاة الفجر وأكمل بعد الأذان ما رأيكم في صيامه ؟
ج/ هذا فيه تفصيل إن كان قد شرع في الجماع قبل الأذان ثم أذن المؤذن وهو يجامع ثم نزع من الجماع بعد فراغ المؤذن من أذانه مباشرة فهذا لا شيء عليه . وقد قال أبو هريرة جاء مرفوعاً وموقوفاً والصواب وقفه (إذا أذن المؤذن والإناء في يد أحدكم فلا يدعه حتى يقضي حاجته منه) ولا فرق بين الأكل والشرب والجماع هذه الحالة الأولى .
الحالة الثانية / إذا كان هذا المؤذن يبادر بالأذان بدليل أن المؤذنين يؤذنون بعده بدقيقتين أو بثلاث دقائق أربع دقائق حينئذ يكون هذا الجماع لا حرج منه مطلقا .(1/344)
الحالة الثالثة / إذا كان هذا المؤذن يؤذن في نفس الوقت المحدد المشروع ثم بعد ذلك شرع هذا الأخ في الجماع بعد الأذان أي بعد فراغ المؤذن من أذانه هذا يعتبر مفطراً وعليه الكفارة ، ولكن هذا ما لم يقع من الأخ لأن الأخ جامع قبل الأذان بدليل قوله وهو في نشوة الجماع أذن المؤذن لصلاة الفجر , ثم أن قول الأخ أيضا التفصيل الأخير يقول و أكمل بعد الأذان إذا كان بعد الأذان بفترة طويلة بحدود يعني دخول الوقت يعني بقرب الإقامة مثلا فيعتبر على هذا الأخ الكفارة لأنه جامع في وقت لا يحل له الجماع ولا يختلف في ذلك الحكم إذا أنزل أو لم ينزل . وأما إذا كان جماعه كما تقدم على التفصيل السابق أنه بعد الأذان بقليل ولاسيما أن بعض المؤذنين يبادرون هذا لا شيء عليه مطلقا تنزيلا له على فتوى أبي هريرة إذا أذن المؤذن والإناء في يد أحدكم الأكل والشرب والجماع في معنى واحد فلا يدع حتى يقضي حاجته منه وإن كان قد يفهم من هذا الأثر فلا يدع حتى يقضي حاجته أي حتى يقضي من جماعه وإن تأخر قليلا . ولكن إذا كان يعني الوقت قريبا بمعنى حتى يؤذن قد يؤذن آخرون بعده أو كان بخمس دقائق أو بقدر ما لا تقام الصلاة فهذا يعني يحتمل أما إذا كان على قدر الإقامة الصواب أن هذا لا يحتمل .
س/ هذا سائل يقول هل المذي مفطر؟
ج: تقدم أنه غير مفطر.. وهذا سؤال غير متعلق بالصيام .
س/ امرأة من مصر تقول وتسأل وهي عندها خمسة من الأولاد هل يجوز عدم الإنجاب بسبب قلة الدخل الشديد أي الفقر من الأسرة بل يأكلون بالدين أي بالقرض مع العلم بأن الولادة بالفلوس الكثيرة ؟(1/345)
ج: نسأل الله جل وعلا أن يغني هذه الأخت وأن يجعل لها من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية وأن يرزقها من حيث لا تحتسب والله جل وعلا هو الرزاق وما عند الله اقرب مما عند المخلوق وما على العبد إلا أن يؤم باب الرحمن بإذن الله يرى الإجابة لأن الله قال:" وقال ربكم ادعوني استجب لكم " وقال تعالى :" وإذا سألك عبادي عني فإني قريب اجب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " وفي مسند أحمد من حديث علي بن علي الرفاعي عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما من مسلم يدعو بدعاء ليس فيه إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله به إحدى ثلاث إما أن تعجل له دعوته وإما يصرف عنه من السوء مثلها وإما يدخرها له إلى يوم يلقاه) قالوا يا رسول الله إذن نكثر قال (الله أكثر) ، أي كلما أكثرتم من دعائه كلما استجاب الله لكم فهذه الأخت إذا كانت تعتذر بعدم الإنجاب لصعوبة التربية ونحو ذلك فهذا ممكن أن يكون لها رخصة في هذا الباب ولكن تعتذر بقلة النفقة هذا له حالتان :
الحالة الأولى :أن تعتذر لوضعها الحالي أنها عاجزة عن الموجودين عندها فهذا لها أن تمتنع عن الإنجاب للأمر المستقبل أما إذا كانت لا تمتنع عن الموجودين عندها هي قادرة لكن تخشى أنها لا تستطيع عما في بطنها فهذا لا يجوز لأن هذا من قلة التوكل وضعف الإيمان إما إذا كان العجز عن الموجودين عندها فهي الآن عاجزة عن الإنفاق عليهم فبالتالي إذا أضيف إليهم آخر فهي في الحقيقة تعجز عن ذلك قد يعتبر مبررا ومسوغا . أما إذا كانت لا قادرة الآن على أن تنفق على من تحت يدهها بأكل وشرب وملابس ولكن تخشى إذا زاد الأولاد لا تستطيع هذا من ضعف الإيمان لأنه ما من مولود يولد إلا ويأتي رزقه معه . فيجب التوكل على الله والتعلق بالله .(1/346)
س/ هذا سائل من فرنسا سأل عدة أسئلة طبعا غير متعلقة بالصيام السؤال الأول يقول ما رأيكم بخصوص رجل أراد أن يتزوج ثانية ولكن ليس عنده قدرة مادية ؟
ج: إذا كان يترتب على زواجه إلحاق ضرر بالأولى والثانية فإن هذا يمتنع معه الزواج لقوله جل وعلا { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً }النساء3 ،أن لا تعدلوا في الجماع أن لا تعدلوا في النفقة أن لا تعدلوا في الكسوة أن لا تعدلوا فيما يجب فيه العدل . الله جل وعلا يقول :" فواحدة " وإن كان عنده قلة مادة ولكنه إذا تزوج يستطيع العدل على قدر حاله ولا يظلم أحدا فهذا لا حرج أن يتزوج ولكن لا يرغب في الزواج في الحالة لأنه قد يؤدي الأمر بعد الزواج إلى تكاليف مادية وديون ونحو ذلك ويترتب على ذلك إلحاق الضرر بالأولى أو بالثانية أو قد يؤول به هذا الأمر إلى الجور وتفضيل إحدى الزوجتين على الأخرى وهذا حرام ولا يجوز .
س/ الأخ يقول ألا ترون أن مسروقاً يسأل عائشة عما يحل له من امرأته لا عن ما يخرج منه . ويقول هذا ظاهر سؤاله حيث قال من امرأتي فأجابته على قدر سؤاله فأباحت له كل شيء من امرأته بغض النظر عن الرجل ثم منعته من ...لكن عموما واضح سؤال الأخ يقول مسروق يسأل عن ما يحل له من امرأته فأجابته على قدر سؤاله وهذا في الحقيقة ما يتعلق بكلام الشيخ محمد قبل قليل حين قال هذه المسألة وهو الذي تقدم الجواب عنه لكن عائشة لما إجابته قالت يحل له كل شيء إلا الجماع فمعلوم أنها أباحت له المباشرة أباحت له القبلة وعائشة لم تقل له بشرط أن لا تنزل لأن في الغالب يترتب عن المباشرة شيء من المذي أو شيء من الإنزال وهو في الحقيقة نعم سؤال مسروق ليس بصريح أنه يترتب عليه إنزال لكنه هو من دواعي الإنزال ولم تمنع عائشة من ذلك . وعائشة حين قالت ( وكان أملككم لأربه ) تقدم أن المقصود بذلك الذكر .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .(1/347)
33 - بابُ ما جاءَ لا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَعزِمْ منَ اللَّيلِ
726 - حَدَّثَنَا إِسحاقُ بنُ منصورٍ أَخبرنَا ابنُ أَبي مريمَ أَخبرنَا يَحيَى بنُ أَيُّوبَ عن عَبدِ الله أَبي بكرٍ عن ابنِ شهابٍ عن سالمِ بنِ عَبدِ الله عن أَبِيهِ عن حفصَةَ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
- "مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبلَ الفَجرِ فلا صِيامَ لَهُ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ حفصةَ حديثٌ لا نعرِفُهُ مرفوعاً إِلاَّ من هَذَا الوجهِ وقد رُوِيَ عن نافعٍ عن ابنِ عُمَرَ قولُهُ وهُوَ أَصحُّ: وإِنَّمَا مَعْنَى هَذَا عِندَ بعضِ أَهلِ العلمِ: لا صِيامَ لِمَنْ لَمْ يُجمِعْ الصِّيَامَ قَبلَ طُلُوعِ الفَجرِ في رَمضَانَ أَو في قَضَاءِ رَمضَانَ أَو في صِيامِ نَذرٍ إِذَا لَمْ يَنوِهِ من اللَّيلِ لَمْ يُجزِهِ.
وأَمَّا صِيَامُ التَّطَوُّعِ فمباحٌ لَهُ أَنْ يَنوِيَهُ بَعدَمَا أَصبَحَ. وهُوَ قَولُ الشَّافِعيِّ وأَحْمَدَ وإِسحاقَ.
الشرح:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه:(1/348)
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى في كتاب الصيام الباب الثالث والثلاثون (باب ما جاء لا صيام لمن لم يعزم من الليل) . أي لمن لم يعزم الصيام من الليل ، باب أي هذا باب ما جاء من الأحاديث والآثار في هذا الباب ( لا صيام ) لا نافية للجنس ( لمن لم يعزم ) العزم هو الجزم وإجماع الرأي والمعنى من لم يجمع أي يحكم النية قبل الفجر فلا صيام له وقوله ( من الليل ) أي في أي جزء من الليل ومن هنا تبعيضيه فمن نوى من الليل أنه يصوم غداً ثم نام ولم يستيقظ حتى طلع الفجر فإنه يصح صومه ومن قال إن كان غداً من رمضان فأنا صائم فإنه يصح صومه على الصحيح، وإن قال إن كان غداً من رمضان وهو يعلم أن غداً من رمضان فأنا صائم ففعله غلط والصوم صحيح لأنه يقينا غداً من رمضان من علم أن غداً من رمضان فيجب عليه الجزم بالنية لأن الصيام إمساك بنية عن أشياء مخصوصة من شخص مخصوص في زمن مخصوص، ولذلك ذهب أكثر العلماء بأن من نوى الفطر في نهار رمضان أفطر ووجب عليه قضاؤه أما لو ترددت نيته فإنه لا يفطر على الصحيح كأن يقول إن وجدت طعاما سوف آكل ثم لم يأكل فإنه لا يفسد صومه وإن كان هذا في سفر فلا شيء عليه مطلقاً وإن كان في الحضر فإنه آثم بقوله لأنه لا يحق له الفطر إلا بعذر ولكنه لا يفطر ولكن إن قال أو نوى بقلبه أنه قد أفطر فإنه يجب عليه قضاء هذا اليوم في قول الجمهور السبب في ذلك أن الصوم إمساك بالنية فإن انقطعت هذه النية وجب عليه القضاء .(1/349)
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا ابن أبي مريم أخبرنا يحي بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم ورواه الليث وإسحاق بن حازم وابن لهيعه عن عبد الله عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له) وظاهر الإسناد الصحة ورواته كلهم ثقات ولم يتفرد به يحي بن أيوب عن عبد الله وقد تابعه الليث وإسحاق وابن لهيعه غير أن الخبر معلول بالوقف، قال أبو عيسى حديث حفصة حديث لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه، وقد قال أبو داود في سننه وأوقفه على حفصة، معمر والزبيدي وابن عيينه ويونس الأيلي كلهم عن الزهري وهذا هو المحفوظ، وقد رجح وقفه أبو حاتم وأبو داود والترمذي، وقال البخاري والصحيح عن ابن عمر موقوف وهذا الذي أشار إليه أبو عيسى في قوله وقد روى عن نافع عن ابن عمر قوله وهو أصح وقد وصله مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر موقوفاً وهذا إسناد صحيح ، هذا الخبر ثابت عن حفصة ومحفوظ عن ابن عمر، ولم يثبت في الباب شيء مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد ذهب الحاكم رحمه الله تعالى إلى تصحيح الخبر وقال جماعة بأن زيادة الثقة مقبولة وأشار إلى هذا ابن حزم والحاكم وجماعة، فإنهم يذهبون إلى تصحيح الخبر مرفوعاً وقد رفعه عبد الله بن أبي بكر عن الزهري وهو ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة وهذا الإطلاق فيه نظر فإن زيادة الثقة غير مقبولة مطلقاً والقول بأن زيادة الثقة مقبولة مطلقاً هو قول جماعة من الأصوليين والفقهاء وليس هو بقول الأكابر من أهل الحديث، فإن هؤلاء كالبخاري وأحمد ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي والدارقطني يفصِّلون في هذا الباب فلا يقبلون زيادة مطلقاً ولا يردونها مطلقاً فهم يقبلون بالقرائن ويردون بالقرائن، وقد دلت القرائن في هذا الباب أن رفع هذا الخبر غلط فإن الحفاظ كابن عيينه ويونس ومعمر والزبيدي وهؤلاء(1/350)
من أعلم الناس بحديث الزهري يروونه موقوفاً ولا يمكن تقديم رواية عبد الله على رواية هؤلاء فهم أحفظ وأكثر وفي نفس الوقت هم أعلم بحديث الزهري من عبد الله حينئذ يحكم على رواية عبد الله بالشذوذ، وأن الصواب وقف هذا الخبر ويحتمل أن يكون له حكم المرفوع لأنه لا مجال للاجتهاد في هذا ولاسيما في التحديد وأن من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له وقد اتفقت حفصة وابن عمر على هذا الحكم فيكون موقوفاً لفظاً مرفوعاً حكما وقد قال العراقي في ألفيته :
وما أتى عن صاحب بحيث لا يقال رأيا حكمه الرفع على
ما قال في المحصول نحو من أتى فالحاكم الرفع لهذا أثبت
فيحتمل أن يكون هذا الخبر من الأمور الاجتهادية التي بنيت على عموم النصوص ومنهم من قال هذا في الفرض دون النفل ، ومنهم من قال هذا في الفرض وفي النفل ، واذكر إن شاء الله تعالى بعد قليل مذاهب الأئمة في هذا والقول بأن هذا الخبر من ما لا مجال للاجتهاد فيه قول قوي وذلك بقرينة التحديد قبل طلوع الفجر وهذا يفيد أن جميع الزمان يجب فيه الصوم والنية لا تنعطف على الماضي وهذا الذي صار إليه أكثر الأئمة سواء الذين يرون رفعه أو الذين يرون وقفه وقال به الشافعي وأحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وآخرون .(1/351)
قوله ( من لم يجمع الصيام ) الإجماع هو إحكام النية والعزيمة، والنية محلها القلب والتلفظ بالنية بدعة، فالذين يقولون نويت أن أصوم هذا اليوم أو نويت أن أصلي صلاة الظهر أربع ركعات فتقبل مني إنك أنت السميع العليم أو الذين يقولون نويت أن أحج متمتعاً أو قارناً أو مفرداً هؤلاء مخطئون وليس لهذا أصل فإن النية محلها القلب والتلفظ بالنية بدعة لقوله صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) . متفق على صحته، وفي رواية عند مسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) أي مردود على صاحبه وقوله صلى الله عليه وسلم : (من أحدث في أمرنا ) من عمل عملا ليس عليه أمرنا . هذا تعريف للبدعة : إحداث في الدين بدون دليل والأصل في العبادة البطلان حتى يثبت دليل عليها .
قوله ( الصيام ) قال الجمهور هذا في الواجب دون النفل .
قوله ( قبل الفجر ) أي قبل طلوع أو خروج الليل ودخول النهار، والنية تتبع العلم فمن علم أن غداً من رمضان وجب عليه أن ينوي ومن لم يعلم فلا شيء عليه فإن الله جل وعلا لا يكلف نفسا إلا وسعها.
وقد قال الجمهور إن كل يوم يفتقر إلى نية سواء نية صوم رمضان أو القضاء والكفارة وقال مالك وأحمد في رواية إذا نوى في أول ليلة من رمضان صوم جميعه كفاه لجميعه ولا يحتاج إلى النية لكل يوم لأنه عبادة واحدة فتكفيه نية واحدة كالحج .(1/352)
وقال الجمهور إن كل يوم عبادة مستقلة لا يرتبط بعضه ببعض ولا يفسد بفساد بعضه والخلاف في هذا كالخلاف فيمن جامع في نهار رمضان في يومين متتابعين ، قال الجمهور تلزمه كفارتان لأن كل يوم عبادة مستقلة وكفارة مرتبطة بإفساد اليوم فمن أفسد يومه لزمته الكفارة ، ومالك في هذه المسألة وافق الجمهور وقال تجب عليه كفارتان بخلاف النية فإنه يقول إذا نوى في أول ليلة من رمضان صوم جميعه كفاه ، وعن أحمد في ذلك روايتان وهؤلاء متفقون بأنه لو كفر عن اليوم الأول ثم جامع من الغد فإنه تجب عليه الكفارة الثانية .
قوله ( فلا صيام له ) الفاء رابطة لجواب الشرط فالحكم أنه ليس له صيام ، وظاهر هذا أنه لا يصح الصوم بلا نية وظاهره العموم فلا يختلف النفل عن الفرض وقد ذهب إلى هذا جماعة من الأئمة منهم الإمام مالك والظاهرية وآخرون، وقد أشار الأمام أبو عيسى رحمه الله تعالى إلى الخلاف في هذه المسالة فقال وإنما معنى هذا عند بعض أهل العلم لا صيام لمن لم يجمع الصيام قبل طلوع الفجر في رمضان أو في قضاء رمضان أو في صيام نذر إذا لم ينوه من الليل لم يجزئ السبب لأن جميع الزمان يجب فيه الصوم والنية لا تنعطف على الماضي وهذا مذهب الشافعي وأحمد وأكثر الأئمة واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية كقول حفصة وابن عمر .(1/353)
وأما صيام التطوع فمباح له أن ينويه بعد ما أصبح بشرط أن لا يكون قد أكل أو شرب أو جامع أو أتى بمفطر وهذا قول الشافعي وأحمد وإسحاق وإليه ذهب أكثر العلماء، قال مجاهد رحمه الله الصائم بالخيار أي صائم النفل بالخيار ما بينه وبين نصف النهار فإذا جاوز ذلك فإنما له بقدر ما بقي من النهار، وقال الشعبي من أراد الصوم فهو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار وروى ابن أبي شيبة من طريق ابن حزم عن وكيع عن الأعمش عن عمارة عن أبي الأحوص قال قال ابن مسعود رضي الله عنه (إن أحدكم بأحد النظرين ما لم يأكل أو يشرب) وروى ابن حزم من طريق بن أبي شيبة عن يحي بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن الأعمش عن طلحة عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن حذيفة رضي الله عنه (أنه بدا له في الصوم بعد أن زالت الشمس فصام) والمذهب الثالث في المسألة أنه لا يجزئ الصوم إلا بنية من الليل فرضاً كان الصيام أو نفلاً على ظاهر قول حفصة وبن عمر وهذا مذهب مالك وقال أبو حنيفة رحمه الله يجزئ كل صوم فرضاً كان أو نفلاً بنية قبل الزوال لحديث (صوم في عاشوراء) ويجاب عنه لأنه إنما وجب عليه من النهار لأنهم لم يعلموا قبل ذلك فلا دلالة فيه على هذه المسألة لأن النية تتبع العلم، ولعل الأقرب من هذه المذاهب هو ما ذهب إليه الجمهور وأنه لا صيام في الواجب إلا بنية قبل الفجر وأما النفل فإنه يجوز ما لم ينتصف النهار لأنه إذا انتصف النهار لا يصدق عليه أنه صام يوماً وقد يفصل في هذا الباب بين التطوع المطلق والتطوع المقيد فيلحق التطوع المقيد بالواجبات فلا يصح الصوم إلا بنية من الليل ويصح التطوع المطلق بنية من النهار .
34 - بابُ ما جاءَ في إِفطارِ الصَّائمِ المتَطَوِّعِ
727 - حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ وأَخبرنَا أَبُو الأَحوَصِ عن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ عن ابنِ أُمِّ هانئٍ عن أُمِّ هانئٍ قَالَتْ:(1/354)
- "كنتُ قاعدةً عِندَ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأُتِيَ بشرابٍ فشربَ منه ثُمَّ نَاوَلَني فشربتُ منهُ فقُلتُ إِنِّي أَذنَبتُ فاستغفرِ لي قَالَ: وما ذَاكَ؟ قَالَتْ كنتُ صائمةً فأَفطرتُ، فَقَالَ: أَمِنْ قضاءٍ كنتِ تَقضِينَهُ؟ قَالَتْ: لا، قَالَ: فلا يَضُرُّكِ".
وفي البابِ عن أَبي سعيدٍ وعائِشةَ.
حديثُ أُمِّ هانئٍ في إِسنادِهِ مَقَالٌ والعملُ عَليهِ عِندَ بعضِ أَهلِ العلمِ من أَصحَابِ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغَيرِهِم، أَنَّ الصَّائمِ المتطَوَّعِ إِذَا أَفطَرَ فلا قضاءَ عَلَيهِ إِلاَّ أَنْ يُحِبَّ أَنْ يَقضِيَهُ. وهُوَ قَولُ سفيانَ الثَّوريِّ وأَحْمَدَ وإِسحاقَ والشَّافِعيِّ.
728 - حَدَّثَنَا مَحمُودُ بن غَيلانَ أَخبرنَا أَبُو دَاودَ أَخبرنَا شُعبَةُ قَالَ: كنتُ أَسمعُ سِمَاكَ بنَ حَربٍ يقولُ:
- "أَحَدُ بَني أُمِّ هانئٍ حدَّثني فلَقيتُ أَنا أَفضلَهُم وكَانَ اسمُهُ جَعدَةَ، وكَانَتْ أُمِّ هانئٍ جَدَّتَهُ فحدَّثني عن جَدَّتِهِ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيهِا فَدَعَا بشرابٍ فشَربَ ثُمَّ نَاولَهَا فشَربتْ، فَقَالَتْ: يا رَسُولَ الله أَمَا إِنِّي كنتُ صَائِمةً، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصَّائمُ المتَطوَّعُ أَمينُ نَفْسِهِ إِنْ شَاءَ صَامَ وإِنْ شَاءَ أَفطَرَ".
قَالَ شُعبَةُ: قُلتُ لَهُ: أَنتَ سمعتَ هَذَا من أُمِّ هانئٍ؟ قَالَ: لا أَخبرني أَبو صالحٍ وأَهلْنَا عن أُمِّ هانئٍ.(1/355)
ورَوَى حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ هَذَا الحديثَ عن سِمَاكٍ فَقَالَ عن هارونَ بنِ بنتِ أُمِّ هانئٍ عن أُمِّ هانئٍ. وروايةُ شُعبَةَ أَحسنُ. هَكَذَا حَدَّثَنَا مَحمُودُ بن غَيلانَ عن أَبي داودَ، فَقَالَ "أَمينُ نَفْسِهِ" وحَدَّثَنَا غَيرُ مَحمُودٍ عن أَبي داودَ فَقَالَ: "أَميرُ نَفسِهِ أَو أَمينُ نَفسِهِ" عَلَى الشَّكِّ. وهَكَذَا رُوِيَ من غَيرِ وجهِ عن شُعبَةَ "أَميرُ أَو أَمينُ نَفسِهِ" عَلَى الشَّكِّ.
الشرح :
قال الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى ( باب ما جاء في إفطار الصائم المتطوع ) أي هذا باب ، ( ما جاء ) من الرخصة في الفطر للصائم المتطوع وهذا الباب يقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : صيام رمضان فالمسلمون مجمعون أنه لا يجوز الفطر في هذا اليوم إلا لمن له رخصة شرعية ومن أفطر في نهار رمضان عالماً متعمداً بدون رخصة فإنه يفسق بذلك وقال جماعة من الأئمة بأنه يستتاب فإن تاب وإلا وجب قتله قال الجمهور يقتل تعزيراً ومنهم من قال يقتل مرتداً .
القسم الثاني : الواجب في غير رمضان كالقضاء والنذر والكفارة ونحو ذلك فهذا لا يجوز الفطر فيه في قول الجمهور لأنه من دخل في الواجب وجب عليه إتمامه ولكن من أفطر فإنه لا يأخذ حكم الذي يفطر في نهار رمضان .
القسم الثالث :الصائم المتطوع وهذا فيه خلاف والصواب أن المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر والصوم أفضل له ومن أفطر فلا يجب عليه القضاء في قول الجمهور .(1/356)
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى حدثنا قتيبة وهو بن سعيد أخبرنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن بن أم هانئ عن أم هانئ قالت كنت قاعدة عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بشراب فشرب منه ثم ناولني فشربت منه فقلت إني أذنبت فاستغفر لي قال وما ذاك قالت كنت صائمة فأفطرت فقال أمن قضاء كنت تقضينه قالت لا قال فلا يضرك . قال أبو عيسى وفي الباب عن أبي سعيد وعائشة ويضاف إلى ذلك وفي الباب عن ابن عباس في قصة دخول النبي صلى الله عليه وسلم على جويرية والخبر متفق على صحته، ومنه حديث أبي جحيفة قال آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها ما شأنك قالت أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فجاء أبو الدرداء صنع له طعاماً فقال كل، فقال إني صائم قال سلمان ما أنا بآكل حتى تأكل قال فأكل الحديث، وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم (صدق سلمان) رواه البخاري وغيره، فقد أفطر في النفل ولو كان يرى أنه يجب عليه الإتمام ما افطر وفي نفس الوقت حين أفطر كان الحق مع سلمان حين أمره بالفطر وقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق سلمان وهو الفارسي رضي الله عنه، وحديث أبي سعيد الذي أشار إليه أبو عيسى أخرجه البيهقي قال صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً فلما وضع قال رجل أنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعاك أخوك وتكلف لك أفطر فصم مكانه إن شئت) ومنهم من حسَّن هذا الخبر وفيه نظر .
قوله وفي الباب عن عائشة هذا رواه مسلم وأورده المؤلف رحمه الله تعالى تحت ترجمة ( باب صيام المتطوع بغير تبييت ) وهذه الترجمة غير موجودة في بعض نسخ جامع أبي عيسى.(1/357)
قال أبو عيسى حديث أم هانئ في إسناده مقال وهذا قول الأكابر من الحفاظ فإن حديث الباب غير صحيح وقد أحسن ابن التركماني في الجوهر النقي حين قال :هذا الحديث مضطرب سنداً ومتناً وأما اضطراب متنه فظاهر وقد جاء في بعض رواياته أنه كان يوم الفتح وهي أسلمت عام الفتح وكان الفتح في رمضان أي فكيف يتصور قضاء رمضان في رمضان وأما اضطراب سنده فاختلف على سماك فيه فتارة يرويه عن أبي صالح وتارة عن جعده وتارة عن هارون وهذا الاختلاف غير مقبول .
قال أبو عيسى -قبل الحديث عن الفقه- حدثنا محمود بن غيلان أخبرنا أبو داود أخبرنا شعبة قال كنت أسمع سماك بن حرب يقول أحد بني أم هانئ حدثني فلقيت أنا أفضلهم وكان اسمه جعده قد قال البخاري رحمه الله تعالى عن جعده " لا يعرف إلا بحديث المتطوع أمير نفسه وفيه نظر" ، هذا قول البخاري رحمه الله تعالى وقوله وكانت أم هانئ جدته فحدثني عن جدته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فدعا بشراب فشرب ثم ناولها فشربت فقالت يا رسول الله أما إني كنت صائمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصائم المتطوع أمين نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر) قال شعبة فقلت له أأنت سمعت هذا من أم هانئ قال لا ، أخبرني أبو صالح وأهلنا عن أم هانئ، وصالح هذا هو باذان مولى أم هانئ وهو ضعيف الحديث، ومن قال أن أبا صالح هذا هو السمَّان فقد غلط الصواب أن أبا صالح هذا هو باذان وهو ضعيف الحديث .(1/358)
قال أبو عيسى وروى حماد بن سلمه هذا الحديث عن سماك فقال عن هارون بن بنت أم هانئ عن أم هانئ قال أبو عيسى ورواية شعبة أحسن وفي نفس الوقت رواية شعبة ضعيفة قال هكذا حدثنا محمود بن غيلان عن أبي داود فقال أمين نفسه وحدثنا غير محمود عن أبي داود فقال أمير نفسه أو أمين نفسه على الشك وهكذا روي من غير وجه عن شعبة أمير أو أمين نفسه على الشك وهذا الخبر كما قال الإمام أبو عيسى حديث أم هانئ في إسناده مقال وهذا المقال مضطرب سندا ومتنا.
تقدم قبل قليل قول بن التركماني رحمه الله تعالى في ( الجوهر النقي ) وقد ضعف هذا الخبر أكثر أئمة الحديث منهم البخاري وأبو عيسى وأشار إلى علته أبو حاتم وابن التركماني في ( الجوهر النقي ) وغير هؤلاء، وعلة الخبر واضحة بل له أكثر من علة في الإسناد والمتن ، قال أبو عيسى والعمل عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الصائم المتطوع إذا افطر فلا قضاء عليه إلا أن يحب أن يقضيه، وهو قول سفيان الثوري واحمد وإسحاق والشافعي وهذا قول أكثر العلماء وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى إن أفطر ناسياً يتم صومه ولا شيء عليه وإن أفطر فيه عمدا فقد أساء ويقضي وقد قال في المراقي وهو نظم مالكي :
و النفل ليس بالشروع يجب بغير ما نظمه مقرب
قف واستمع مسائل قد حكموا بأنها بالابتداء تلزموا
صلاتنا وصومنا وحجنا كذا عمرة لنا واعتكاف(1/359)
الشاهد (وصومنا) فإن المالكية يرون وجوب القضاء فيمن أفطر في صيام النفل ،وقال أبو حنيفة إن أفطر يلزمه القضاء ،وقال الأمام أبو محمد بن حزم للمرء أن يفطر في صوم التطوع إن شاء لا نكره له ذلك إلا أن عليه إن أفطر عامداً قضاء يوم مكانه واحتج بحديث عائشة قالت( أصبحت صائمة أنا وحفصة فأهدي لنا طعام فأعجبنا فأفطرنا فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فبدرتني حفصة فسألته قال صوما يوماً مكانه) وهذا الخبر معلول وقد أعله أبو حاتم وغيره، ويأتي إن شاء الله تعالى الحديث عنه في جامع أبي عيسى، وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم على جويرية وهي صائمة يوم الجمعة فقال (أصمت أمس) يعني الخميس قالت لا قال أتصومين غداً يعني السبت قالت لا قال فأفطري) والخبر متفق على صحته، ولم يقل فصومي يوماً مكانه، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وتقدم حديث أبي جحيفة حين آخى النبي صلى اله عليه وسلم بين سلمان الفارسي وأبي الدرداء وقد أفطر أبو الدرداء في صيام النفل ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء يوم مكانه ولو كان هذا واجباً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .
ملخص هذا الباب :
أن حديث أم هانئ مضطرب سنداً ومتناً فلا يثبت وأن الصحيح في المسألة أن المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر وهذا مذهب الجمهور، وإذا أفطر فلا قضاء عليه إلا أن يحب ذلك والأدلة في هذا قوية ، والأدلة الواردة بأنه يجب قضاء يوم مكانه لم يثبت منها شيء ، الأدلة صريحة ولكن ليست بصحيحة ويؤخذ من هذا التفرقة بين صوم الصوم الواجب والصوم التطوع .
ويؤخذ من هذا أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان .
ويؤخذ من هذا أن الفروق بين صوم الواجب وصوم النفل تتمثل في أمور :
الأول : أن صوم الفرض لا يصح إلا بنية من الليل ، بخلاف صوم التطوع ولاسيما المطلق بأنه يصح بنية قبل الزوال بل فيه جماعة يقولون بجواز صوم التطوع ولو بنية بعد الزوال .(1/360)
قد تقدم نحو ذلك (... صام بعد أن زالت الشمس ).
الثاني :أن صوم الفرض يحرم قطعه بخلاف صوم النفل يجوز قطعه بقول الجمهور .
الثالث : أنه لا يجب قضاء قطع التطوع بخلاف الفرض فإنه يجب القضاء سواء كان من رمضان أو في نذر أو في كفارة أو في غير ذلك من الواجبات.
في بعض نسخ جامع أبي عيسى قال حدثنا هناد أخبرنا وكيع عن طلحة بن يحي عن عمته عائشة وفي بعض النسخ تبويب قال (باب صيام المتطوع بغير تبييت) وأورد حديث عائشة بإسنادين إلى طلحة بن يحي عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، وجاء في بعض النسخ أيضا تقديم وتأخير في قول أبي عيسى حديث أم هانئ بإسناده مقال والعمل عليه عند بعض أهل العلم جاء في بعض النسخ تأخير هذا عقب الحديث عن الأسانيد وجاء في بعض النسخ التقديم .
أقف على هذا الباب ( باب صيام المتطوع بغير تبييت ) ويأتي إن شاء الله تعالى شرحه غداً والله أعلم أنظر في أسئلة الأخوة :
س: ...
ج: إذا جزم بهذا ممكن أن يجدد النية على القول الآخر بأن صيام التطوع يجوز بنية قبل الزوال . والصواب في هذا أن النفل المطلق أما النفل المقيد فالقول بأنه يجب بنية من الليل قول قوي .
س: هذا سائل من مصر يقول فيه شخص يبالغ في المضمضة متعمدا والماء يدخل إلى حلقه لكنه لا يتعمد الفطر هل يفطر؟(1/361)
ج: النبي صلى الله عليه وسلم قال (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) هذا حديث صحيح لأن الأنف منفذ للمعدة فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المبالغة فأي أمر يكون منفذاً للمعدة فإنه ينهى عن المبالغة فيه سواء كان مضمضة أو استنشاقاً والصواب أنه يتمضمض بنحو ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يرد مبالغة في المضمضة إنما جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم المبالغة في الاستنشاق بخلاف وقت الصوم وهذا نص الحديث ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) فإذا بالغ في المضمضة كأن يكون عنده وسواس أو بالغ جهلا منه ودخل الماء إلى حلقه فإنه لا يفطر ،وعلى الصحيح وإن كان متعمداً، فإن هذا لا يأخذ ولا يُعطَى معنى الأكل والشرب لأنه لم يتعمد إدخاله الجوف وإنما تعمد المبالغة في المضمضة وهذا يختلف عن الحكم يختلف الحكم عمن تعمد المبالغة في المضمضة وعمن تعمد إدخاله للجوف، من تعمد المبالغة في المضمضة ننهاه عن المبالغة فإذا دخل جوفه شيء من الماء فإنه لا يفطر لأنه لم يتعمد إدخاله للجوف ولكنه أخطأ حين بالغ ومن تعمد إدخال الماء للجوف ولو لم يبالغ في المضمضة فإن هذا هو الذي يفطر وتقدم بالأمس أيضاً التفريق بين ما كان يدخل الجوف وبين ما كان على طرف اللسان وأنه لا بأس بالشيء الذي يكون على طرف اللسان ليس بمعنى الأكل ولا بمعنى الشرب ومن ذلك لو أن امرأ بالغ أيضا في الاستنشاق نقول بأنه مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم لكن في الحقيقة لا يفطر لأن النهي شيء والإفطار شيء آخر .
س: وهذا أيضا سائل من مصر يقول السلام عليكم ، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يقول طبعا باللغة العامية عاوز أعرف أنواع الصدقات الجارية ؟(1/362)
ج: الأخ يسأل عن أنواع الصدقات الجارية .. الصدقة الجارية لها تعريف شامل لأن الصدقة الجارية ما بقيت المنفعة فهي تسمى صدقة جارية سواء طبع كتاباً ما بقي الكتاب فإنه صدقة جارية ، حفر بئرا ما بقي البئر فإنه صدقة جارية عمر مسجدا ما بقي المسجد فإنه صدقة جارية ، أوقف أرضاً ما بقيت الأرض فهذا صدقة جارية هذا التعريف الجامع للصدقات الجارية إذن لا يتقيد الحكم بمسالة دون أخرى إذن الصدقة الجارية ما بقيت المنفعة ولكن هذه المنفعة منها ما يعلم بالاستقراء والتتبع والمعرفة أنها تبقى ويكون بقاؤها أكثر من غيرها ، ومنها ما يعلم أنها تنقطع عن فترة قريبة كشخص مثلا تبرع بمسواك وأعطاه شخص ونوى وقف هذه المساويك شجر المساويك فإنه ما استعمله الرجل يكون صدقة جارية إذا انقطع الاستعمال انقطع الثواب ما بقيت الشجرة يكون صدقة جارية ما تلفت الشجرة تنقطع الصدقة الجارية . آخر حفر بئراً ما دام الناس ينتفعون به يعتبر صدقة جارية إذا انقطع الانتفاع فإنه انقطعت الصدقة الجارية ، يعلم من هذا مثلا أن بناء المساجد هذا من أعظم الصدقات الجارية ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، أي ما بقيت ليس معنى أنه هناك جنس من الصدقات تبقى ما بقي الليل والنهار وهذا الحكم مقيد ببقائها ، وعلم ينتفع به ، ما بقي العلم ينتفع به . وولد صالح يدعو له ما دام وجد هذا الولد ويعمل طاعة فإن هذا من كسب أبيه فيعتبر من الصدقات الجارية . لكن الصدقات الجارية تختلف باختلاف المنفعة فننصح هذا الأخ وغيره من الأخوة الذين يبحثون عن الصدقات الجارية أن يراعوا الوقف لأن العامة عندنا في نجد يحرصون على الصدقات الجارية المتعلقة بالماء كبرادة أو ماء في مسجد مع أن معنى الصدقة الجارية أعم من هذا كبناء المدارس وتعليم الدين كشراء الأسلحة للمجاهدين كالأوقاف المتعلقة بالدر والنفع للدعوة وكبناء المساجد ...(1/363)
وكحفر الآبار ، كطبع الكتب ، كبعث الدعاة والمصلحين يعلمون الناس فإنه متى انتفع رجل بهذا الداعي إلى الله فإن الدافع له الأجر لأنه هو الذي سيره وهو الذي أعطاه هذا المال ليذهب فلولا وجود هذا المال ربما ما ذهب لذلك هذا من الصدقات الجارية . إذن فلا نقصر الصدقات الجارية في نوع دون نوع فينظر في ذلك أيضاً المنفعة، الناس بحاجة الآن إلى دعوة بحاجة إلى نفع الناس بحاجة إلى دعوتهم وتوجيههم ووعظهم وإرشادهم إذن أيضا إيقاف الأجهزة المتعلقة بالبث المباشر مثلا يعتبر من الصدقات الجارية ما بقي هذا إذا تلف انقطعت الصدقة الجارية لكن تبقى من وجه أخر النفع فإذا وجد أناس قد كان لهم سبق الانتفاع عن طريق هذه الأجهزة فإن الصدقة الجارية تكون باقية ما بقي الانتفاع .
س: ...
ج: المقيد : ما ورد عنه نص عن النبي صلى الله عليه وسلم كيوم عاشوراء كيوم عرفة كصيام الست هذا من النفل المقيد الذي يجب استيعاب هذا اليوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم مثلا يقول والحديث في مسلم عن أبي أيوب ( من صام رمضان ثم اتبعه بست من شوال ) إذا كان لا ينوي بالنية إلا من الزوال أو قبل الزوال بقليل أو بعد الزوال بقليل على قول جماعة حقيقة إنه ما يصدق عليه أنه صام اليوم كله والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ثم اتبعه بست من شوال ، والنفل المطلق لو أن شخصاً الآن مثلا نوى أن يصوم قربة لله على قوله صلى الله عليه وسلم ( من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً ) متفق على صحته فإن هذا يصدق عليه على رأي الجمهور .
س: ...(1/364)
ج: الأيام البيض على الاختلاف في صحة الأحاديث الواردة فيها لأن الأحاديث المرفوعة معلولة ثبت هذا عن عمر رواه الحارث بن أبي أسامة جاء هذا عن بن عباس، الآثار الواردة في ذلك موقوفة ولهذا تقول عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر قيل لها من أي الأيام قالت لا يبالي . هذا الخبر رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه قد يكون مطلقاً من وجه مقيداً من وجه .
س: الأخ يقول الرجاء شرح قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا يرقون ولا يرتقون ولا يتطيرون ) وفي لفظ البخاري ( ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون ) يقول لما فيه من أهمية ؟(1/365)
ج: أشير على عجل أما لفظه لا يرقون هذه اللفظة جاءت في صحيح الإمام مسلم وهي شاذة وقد أعرض عنها البخاري عمداً . المحفوظ في ذلك لا يرتقون أي لا يبحثون عن أحد يرقيهم وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى عن من بحث عمن يرقيه وكان قلبه معلقاً بالله هل يخرج من السبعين ألف ، منهم من قال أنه لا يخرج وأن هذا الحكم متعلق فيما لو تعلق قلبه بغير الله أما إذا كان قلبه معلقا بالله فإنه لا يخرج عن السبعين ألفاً ولو بحث عمن يرقيه بدليل ( وعلى ربهم يتوكلون ) وبدليل قرنه بالطيرة التي هي شرك ، ومنهم من قال بمجرد أن يطلب من أحد أن يرقيه فإنه يخرج هن هذا الخبر وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى هل الحكم يختص بهذه الثلاثة بمعنى ( لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ) اللفظ المحفوظ ( لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ) منهم من قال أن هذا الحكم مختص بهذه الثلاثة ، ومنهم من قال يلحق بهذه الثلاثة ما كان في معناها لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذه الأمور الثلاثة لأن القلوب قد تتعلق بالغير في هذه الأمور الثلاثة فيلحق إذن بحكمها ما كان في معناها وهذا قول قوي وأما الكي بمجرد أن يكتوي يخرج والتطير لأن الطيرة شرك لقوله صلى الله عليه وسلم ( الطيرة شرك الطيرة شرك ) .
س: ...
ج: نعم بعد الزوال لأنه انتصف النهار ففات أكثر النهار فلا يعتبر صام يوماً بخلاف لو أنه نوى قبل الزوال فإن بعض العلماء يقولون أنه صام يوما لأنه صام الأكثر، والعرب تطلق إذا أتى بالأكثر أطلقت الكل على الأكثر إذا صام الأقل ما يصدق عليه أنه صام يوما هذا وجه عند هؤلاء .
س: سائل يقول ما الدليل على أن المني يفطر ؟
ج: تقدم الخلاف في هذه المسألة . المسالة خلافية تقدم الحديث عنها ويمكن مراجعة ما تقدم فلا داعي للإعادة لأنه بسط في ذكر العلماء وأدلتهم .
س: الأخ يقول هل السارق يبطل صيامه ؟(1/366)
ج: الجواب لا لأنه معصية لا تبطل الصيام إنما يبطل الصيام بالأكل والشرب والجماع على ما جاء النص بذلك وما عدا ذلك مختلف فيه أما المعصية فلا تبطل الصيام ولكن تنقص الثواب لقوله صلى الله عليه وسلم ( من لم يدع قول الزور والعمل به ) وفي رواية ( والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه ) رواه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه .
س: الأخ يقول ذكرتم بالأمس بأن قصة إبراهيم مع جبريل غير صحيحة حين قال ألك حاجة ثم قال السائل وهو الآن يعلل حقيقة لا يسأل ولكن الصواب يقول أنها من الاسرائليات قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج )
ج: بكل أسف أقول أن هذا السائل جاهل وذلك من وجوه :
الوجه الأول:أن هذه القصة باطلة ولا يصح أن نقول عنها الاسرائليات من الذي حكاه عن بني إسرائيل .
الأمر الثاني : أن قول النبي صلى الله عليه وسلم ( حدثوا عن بني إسرائيل ...) ليس بمعنى أن تكذب على بني إسرائيل أن تختلق الحكايات ثم تقول حدثوا عن بني إسرائيل، إذن يحدث كل شخص عن بني اسرائيل بالكذب، وهذا من الكذب المعلوم بدليل أنه ما رواه أحد من الأئمة والمشاهير .
الأمر الثالث :أن هذا حكم شرعي متعلق بالاعتقاد ولذلك الصوفية يتعلقون بذلك في ترك الأسباب فكيف يقول حدثوا عن بني إسرائيل ، حدثوا عن بني إسرائيل في الأشياء غير المتعلقة في الاعتقاد غير متعلقة في الأمور والأحكام الشرعية .
الأمر الرابع :التحديث عن بني إسرائيل في الذي لا يخالف شرعنا وهذا باطل في شرعنا .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد .
35 - بابُ صيام المتطوع بغير تبييت
729 - حَدَّثَنَا هَنَّادٌ أَخبرنَا وَكِيعٌ عن طَلحَةَ بنِ يَحيَى عن عَمَّتِهِ عائِشةَ بنتِ طَلحَةَ عن عائِشةَ أُمِّ المُؤمِنينَ قَالَتْ: "دَخَلَ عليَّ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً فَقَالَ: هل عِندَكُم شيءٌ؟ قَالَتْ: قُلتُ: لا، قَالَ: فإِنِّي صائمٌ".(1/367)
730 - حَدَّثَنَا مَحمُودُ بن غَيلانَ أَخبرنَا بِشرُ بنُ السَّرِيِّ عن سفيانَ عن طلحةَ بن يَحيَى عن عائِشةَ بنتِ طلحةَ عن عائِشةَ أُمِّ المؤمنين قَالَتْ: "إِنْ كَانَ النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأَتيني فيقولُ أَعِندَكِ غَدَاءٌ؟ فأَقولُ: لا، فيقولُ: إِنِّي صائمٌ، قَالَتْ: فأَتانِي يوماً فقُلتُ: يا رَسُولَ الله إِنَّهُ قد أَهُديتْ لنَا هَدِيةٌ، قَالَ: وما هي؟ قُلتُ: حَيْسٌ، قَالَ: أَمَا إِنِّي أَصبحتُ صائماً، قَالَتْ: ثُمَّ أَكلَ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حديثٌ حسنٌ.
الشرح :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه:(1/368)
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في كتاب الصيام الباب الخامس والثلاثون باب صيام المتطوع بغير تبييت وهذه الترجمة غير موجودة في بعض نسخ جامع أبي عيسى ولم يذكر هذه الترجمة صاحب تحفة الأحوذي وأدخل الأحاديث الواردة في هذا الباب تحت ترجمة (باب ما جاء في إفطار الصائم المتطوع) والأحاديث الواردة في باب صيام المتطوع بغير تبييت هي متضمنة لجواز إفطار الصائم المتطوع والمعنى في هذا الباب صريح وأما المعنى المتعلق بصوم المتطوع بغير تبييت فذلك مبني على الفهم وخبر عائشة في هذا الباب ليس صريحاً والعلماء مختلفون في هذه المسالة وقد قال أكثر العلماء بأن النية لا تشترط أن تكون من الليل فمباح له أن ينوي الصيام بعد ما يصبح بشرط أن لا يكون قد أكل أو شرب أو جامع وهذا مذهب الشافعي وأحمد والجمهور ، قد قال مجاهد الصائم بالخيار ما بينه وبين نصف النهار فإذا جاوز ذلك فإنما له بقدر ما بقي من النهار وقال ابن مسعود رضي الله عنه (إن أحدكم بأحد النظرين ما لم يأكل أو يشرب) رواه بن أبي شيبة وغيره، وقال أبو عبد الرحمن السلمي عن حذيفة (بأنه بدا له في الصوم بعد أن زالت الشمس فصام) رواه بن أبي شيبة، ومن طريقه أبو محمد بن حزم واختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وخالف في ذلك جمع فمنهم من قال لا يجزئ الصوم إلا بنية من الليل سواء كان فرضاً أم نفلاً على ظاهر قول حفصة وابن عمر وهذا مذهب مالك واختار هذا القول أبو محمد بن حزم وقال أبو حنيفة رحمه الله يجزئ كل صوم فرضا كان أو نفلاً بنية قبل الزوال وتقدم بالأمس الحديث عن هذه المسألة .(1/369)
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى ( باب صيام المتطوع بغير تبييت ) باب أي هذا باب ، باب مضاف وصيام رمضان مضاف إليه وصيام مضاف والمتطوع مضاف إليه والمقصود بالمتطوع الذي ينشئ عبادة لم يوجبها عليه الشارع فإن العبادات إما أن تكون واجبه ولا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وإما أن تكون مستحبة رغب في ذلك الشارع وحث عليه ولم يوجبه فإن الواجب ما أمر به الشارع أمراً لازماً والمستحب ما أمر به الشارع أمرا غير لازم ولا جازم أو ما رغب فيه الشارع دون أمر .
قوله ( بغير تبييت ) أي بغير نية من الليل ، والجمهور يجوزون هذا في صوم التطوع لأن النفل أوسع من الواجب وهذا لا ينافي أن ما صح في النفل صح في الفرض لأنه في النظر في الأدلة الشرعية سواء كان هذا في أبواب الصلاة أو الصيام أن يعلم أن النفل أوسع من الفرض وأنه يجوز في النفل ما لا يجوز في الفرض على وفق ومقتضى الأدلة الشرعية فمن ذلك، القيام بصلاة الفريضة هذا ركن من أركان الصلاة لكن في النفل ليس بركن له أن يصلي جالساً ولكن على النصف من أجر القائم ، وأما بالنسبة للصيام فقد أجمع العلماء أنه يحرم على كل مسلم أن يفطر في نهار رمضان بدون عذر وذهب الجمهور إلى أن له أن يفطر في صوم النفل ولو بدون عذر والأدلة صريحة في هذا ولكن بالنسبة للمفطرات وما يتعلق بذلك هي بمعنى واحد فالذي يفطر في الفرض هو الذي يفطر في النفل والذي يفطر في النفل يفطر في الفرض.(1/370)
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى حدثنا هناد أخبرنا وكيع عن طلحة بن يحي عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال هل عندكم شيء قلت لا قال فإني صائم . وقد رواه الإمام مسلم في صحيحه قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع وقد جاء الخبر من طرق كثيرة عن طلحة عن عمته عائشة بنت طلحة عن أم المؤمنين، وطلحة قال عنه الإمام أحمد صالح الحديث، ووثقة ابن معين ويعقوب والعجلي، وقال عنه الإمام أبو داود رحمه الله تعالى ليس به بأس، وقال يحي بن سعيد القطان لم يكن بالقوي، وقال البخاري منكر الحديث، وقد روى له الجماعة ما عدا البخاري وملخص حاله أنه صدوق وليس بالثقة وقد يخطئ ، وقد قال ابن حبان كان يخطئ وأما عمته عائشة فقد روى لها الجماعة وكانت من أجمل نساء قريش أصدقها مصعب ابن الزبير ألفا ألف درهم وقال بعض الشعراء في ذلك :
بضع الفتاة بألف ألف كامل وتبيت سادات الجيوش جياع .
قال يحي بن معين رحمه الله تعالى ثقة حجة عن عائشة أم المؤمنين قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ،الأخ محمد عن عائشة أم المؤمنين، أم المؤمنين بالفضل والاحترام والتقدير، أَم أُم المؤمنين بمعنى أن عائشة لا تحتجب عن آحاد الناس باعتبار أنها أُماً لهم لقوله جل وعلا " وأزواجه أمهاتهم " وفي قراءة (وهو أب لهم) ؟
..إذن أُماً لهم بالاحترام والتقدير وليس هذا في المحرمية، نعم ،قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ }الأحزاب59(1/371)
هل هذا يختص بعائشة أم أن الحكم عام في جميع زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ نعم، عام هذا صحيح، ولذلك الإمام أحمد حين سئل عن معاوية أهو خال للمؤمنين قال نعم باعتبار أن أخته تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أي في يوم من الأيام فقال هل عندكم شيء وفي رواية يحي عن طلحة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيها وهو صائم فقال أصبح عندكم شيء تطعمينيه فتقول لا فيقول إني صائم) الحديث ، رواه النسائي وغيره فهذه الرواية تفيد أنه أصبح صائماً ولم يصبح مفطراً وهذا الذي نصره أبو محمد بن حزم في ( المحلى ) وهو مذهب مالك وجماعة قال ابن حزم في ( المحلى) وهذا الخبر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه ليس فيه أنه عليه السلام لم يكن نوى الصوم من الليل ، ولا أنه عليه السلام أصبح مفطراً ثم نوى الصوم بعد ذلك ولو كان هذا في ذلك الخبر لقلنا به لكن فيه أنه عليه السلام كان يصبح متطوعاً صائماً ثم يفطر وهذا مباح عندنا لا نكرهه كما في الخبر ، فلما لم يكن في الخبر ما ذكرنا وكان قد صح عنه عليه السلام لا صيام لمن لم يبيته من الليل لم يجز أن نترك هذا اليقين لظن كاذب ، وقال بعض العلماء بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن نوى الصوم لقول عائشة في الحديث قال فإني صائم ، وفي رواية فإني إذن صائم أي فإني في الحال أنوي الصيام باعتبار أنه لا يوجد طعام وهذا الذي فهمه الجمهور منهم الشافعي وأحمد وإسحاق وغير هؤلاء رواية النسائي المتقدمة من طريق يحي عن طلحة تفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح صائماً ففيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيها وهو صائم وقال أصبح عندكم شيء تطعمينيه فتقول لا فيقول إني صائم ،أي إذن لا أزال صائما فحينئذ لا ينوي الإفطار وهذا يؤيد فهم الإمام مالك وابن حزم وجماعة من العلماء وأن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح صائماً ولكن هذا لا يعني أن(1/372)
صيام النفل لا يصح بنية من النهار لأن ابن حزم وجماعة يعتمدون على هذا الخبر في إثبات الحكم أو عدمه لكنه ثبت عن جمع من الصحابة أنهم يرخصون في صيام التطوع بنية من النهار كابن مسعود وهو من أكابر الصحابة وكأبي الدرداء وكحذيفة وآخرين من التابعين والأئمة المتبوعين .
قال أبو عيسى حدثنا محمود بن غيلان أخبر بشر بن السري عن سفيان عن طلحة بن يحي عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت (إن كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيني فيقول أعندك غداء فأقول لا فيقول إني صائم) , هذا يحتمل أحد معنيين على الخلاف المتقدم : يحتمل أنه أحدث النية حين لم يجد غداء ،ويحتمل أن النية مبيته من الليل وحين قال إني صائم إعلام لعائشة بأنه صائم في هذا الوقت وأن النية مبيته من الليل .(1/373)
وقد قالت طائفة هذا يعني أن من نوى الفطر لا يفطر، وهذا فيه نظر لأنه ليس في الحديث صراحة أنه نوى الفطر وإنما نية الفطر معلقة بوجود الطعام ، قد فصلت بالأمس بين من نوى الفطر وبين من علق الفطر على وجود الشيء ، فمن نوى الفطر أفطر في رأي الجمهور ومن علق الفطر على وجود الشيء باعتبار أنه من نيته إذا وجد طعاماً أفطر أو يريد الأكل ولم ينوي الفطر فلا يفطر حتى ولو وجد الطعام إلا إذا أكل أو شرب ولكن هذه النية المترددة لا تجوز في الفرض ولكن باب النفل أوسع من باب الفرض ، قالت (فأتاني يوماً أي اتاني في يوم فقلت يا رسول الله إنه قد أهديت لنا هدية) النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها جاء هذا في البخاري من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها) ولم يكن صلى الله عليه وسلم يقبل الصدقة لأن الصدقة لا تحل له سواء كانت صدقة زكاة أو صدقة تطوع فلا تحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم (وجعل رزقي تحت ظل رمحي) والحديث من طريق عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر (إسناده حسن) وقد قال عنه شيخ الإسلام إسناده جيد .(1/374)
قال وما هي ؟ أي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة عن جنس هذه الهدية قلت حيس بفتح الحاء وسكون الياء ، والحيس هو التمر المخلوط بالسمن والاقط ، ويقال أن الحيس هو الطعام المتخذ من الزبد والتمر ، فقال أما إني أصبحت صائماً قالت ثم أكل، في هذا دلالة على أن الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال أما إني أصبحت صائما قالت ثم أكل وهذا الذي ذهب إليه أكثر العلماء وتقدم بالأمس قول أبي عيسى والعمل عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الصائم المتطوع إذا أفطر فلا قضاء عليه إلا أن يحب أن يقضيه وهو قول سفيان الثوري وأحمد وإسحاق والشافعي وهذا قول الجمهور وقال مالك إن أفطر ناسيا يتم صومه ولا شيء عليه ، وإن أفطر عمدا فقد أساء ويقضي ، وقال أبو حنيفة يقضي يوما مكانه ، وقال بن حزم لا نكره له أن يفطر ولكن إذا أفطر وجب عليه القضاء .
قال أبو عيسى عن حديث الباب هذا حديث حسن عرف الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى الحديث الحسن بأنه ما جاء من غير وجه ولم يكن فيه كذاب ولا متهم ولم يكن شاذا هذا ما لم يقترن لفظ الحسن بصيغة أخرى كحسن غريب كحسن صحيح أو غير ذلك وهذا الخبر رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى بنحوه .
قال حدثنا أبو كامل وهو فضيل بن حسين قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا طلحة بن يحي ، فمدار الخبر على طلحة بن يحي عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين ، ويؤخذ من هذا الحديث عدة فوائد :(1/375)
الفائدة الأولى :حرص الصحابة رضي الله عنهم على نقل الخير والعلم للآخرين وهذا الذي ينبغي على من كان عنده علم أن يعلمه وينشر علمه على حسب القدرة والاستطاعة فإن العلم لا يندرس حتى يكون سراً وحتى يمتنع أهله من بذله فمادام العلم يبذل والجاهل يتعلمه فإن الخيرية باقية في هذه الأمة لأن الجهل حين يحل محل العلم فإن الشرك يحل محل التوحيد والبدعة تحل محل السنة والمعصية تحل محل الطاعة والظلم يحل محله العدل فقد جاء في الصحيحين من طريق عبدالوارث بن سعيد عن أبي التياح الضبعي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل ويشرب الخمر ويفشو الزنا)، فإذا رفع العلم حل محله الجهل وحين يحل الجهل محل العلم فإن الخمر يشرب والزنا ينتشر وهو باب عظيم يؤدي إلى سقوط الدول والمجتمعات .
الفائدة الثانية :فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينوي صيام التطوع من الليل وهذا هو الراجح من مجموع طرق الحديث ولكن هذا لا يعني أنه شرط ولكنه أفضل لأن تواطيء جمع غفير من الصحابة على جواز تبييت النية نهاراً دليل على أنه من الليل مستحب وليس بواجب وهو شرط لصحة الصيام في رمضان أو بقية الفروض والواجبات كالنذر والكفارة ونحو ذلك .
الفائدة الثالثة : احترام الزوجة لزوجها حيث لم تقل عائشة يا محمد، فقد قالت (يا رسول الله) فإن المرأة يستحب لها أن تنادي زوجها بما يحب . يستفاد من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية وهذا مشروط ما لم تكن فيها منة فإن كانت فيها منة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يقبلها، دلت على ذلك الروايات والأحاديث الأخرى .
ويؤخذ من الحديث جواز الفطر في صيام التطوع ولو بدون عذر وذلك من قوله ( أما إني أصبحت صائما قالت ثم أكل ).
36 - بابُ ما جاءَ في إِيجابِ القَضَاءِ عَلَيهِ(1/376)
731 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنيعٍ أَخبرنَا كَثيرِ بنِ هشامِ أَخبرنَا جَعفَرُ بنُ بُرقَانَ عن الزُّهريِّ عن عُروَةَ عن عائِشةَ قَالَتْ:
- "كُنتُ أَنا وحفصَةَ صَائِمتينِ فَعُرِضَ لنا طعامٌ اشتَهَينَاهُ فأَكلنَا مِنهُ فجاءَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبَدَرتني إِليهِ حفصَةَ وكَانَتْ ابنةُ أَبِيهَا، فَقَالَتْ: يا رَسُولَ الله إِنَّا كُنَّا صَائِمتينِ فَعُرِضَ لنا طعامٌ اشتَهَينَاهُ فأَكلنَا مِنهُ، قَالَ: اقضِيَا يوماً آخرَ مَكَانَه".
قَالَ أَبُو عِيسَى: ورَوَى صالحُ بنُ أَبي الأَخضَرِ ومُحَمَّدُ بنُ أَبي حفصَةَ هَذَا الحديثَ عن الزُّهريِّ عن عُروَةَ عن عائِشةَ مثلَ هَذَا. ورَوَى مالكُ بن أَنسٍ ومَعمَرٌ وعُبَيدُ الله ابنُ عُمَرَ وزيادُ بنُ سعدٍ وغَيرِ واحدٍ من الحُفاظِ عن الزُّهريِّ عن عائِشةَ مُرْسَلاً ولَمْ يذكُرُوا فيه عن عُروَةَ وهَذَا أَصحُّ لأَنَّهُ رُوِيَ عن ابنِ جُرَيْحٍ قَالَ: سأَلتُ الزُّهريِّ فقُلتُ أَحدَّثَكَ عُروَةُ عن عائِشةَ؟ قَالَ: لَمْ أَسمعَ من عُروَةَ في هَذَا شيئاً، ولكن سمعتُ في خلافةِ سليمانَ بنِ عَبدِ الملكِ من ناسٍ عن بعضِ من سَأَلَ عائِشةَ عن هَذَا الحديثِ.
732 - حَدَّثَنَا بِهَذَا عليُّ بنُ عِيسَى بنُ يزيدَ البَغدَادِيُّ أَخبرنَا رَوحُ بنُ عُبَادَةَ عن ابنِ جُرَيحٍ فَذَكَرَ الحديثَ.
وقد ذَهَبَ قومٌ من أَهلِ العلمِ من أَصحابِ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرِهِم إِلى هَذَا الحديثِ فَرَأَوْا عَلَيهِ القَضَاءَ إِذَا أَفطَرَ، وهُوَ قَولُ مالكِ بنِ أَنسٍ.
الشرح:(1/377)
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى ( باب ما جاء في إيجاب القضاء عليه ) :أي باب ما جاء من الأحاديث في إيجاب القضاء على من أفطر في صيام التطوع . في الحديث المتقدم لم يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى هذا اليوم على أنه قضاء ولو كان القضاء مشروعا لبُين في الأحاديث الأخرى ولكن أورد أبو عيسى رحمه الله تعالى حديث عائشة في هذا الباب ليبين ما له وما عليه .
قال حدثنا أحمد بن منيع أخبرنا كثير بن هشام أخبرنا جعفر بن برقان عن الزهري عن عروة عن عائشة والحديث رواته ثقات ما عدا جعفر بن برقان قال عنه الإمام أحمد إذا حدث عن غير الزهري فلا بأس به وفي حديث الزهري يخطئ ، وقال ابن معين يضعف في روايته عن الزهري وقال مره ليس هو في الزهري بشيء ولم يتفرد بالخبر فقد قال أبو عيسى وروى صالح بن أبي الأخضر ومحمد بن أبي حفصة هذا الحديث عن الزهري عن عروة عن عائشة مثل هذا، ورواه أيضاً أبو داود في سننه من طريق حيوه بن شريح عن ابن الهاد عن زميل مولى عروة عن عروة عن عائشة وقال أبو سعيد بن الأعرابي هذا الحديث لا يثبت، وقال أبو عيسى وروى مالك بن أنس ومعمر وعبيد الله بن عمر وزياد بن سعد وغير واحد من الحفاظ عن الزهري عن عائشة مرسلاً ولم يذكروا فيه عن عروة وهذا أصح والزهري لم يسمع من عائشة ويعد الحديث منقطعاً والسلف يسمونه المعضل والمنقطع وما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً لأن المرسل عند أئمة السلف أعم من المرسل عند المتأخرين الذين يحصرونه في رواية التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم ،قال ابن جريج سألت الزهري فقلت أَحدَثَك عروة عن عائشة قال لم أسمع من عروة في هذا شيء ولكن سمعت في خلافة سليمان بن عبد الملك من ناس عن بعض من سأل عائشة عن هذا الحديث .
قال أبو عيسى حدثنا بهذا علي بن عيسى بن يزيد البغدادي أخبرنا روح بن عبادة عن بن جريج فذكر الخبر .(1/378)
قالت عائشة كنت أنا وحفصة صائمتين فعُرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدرتني إليه حفصة وكانت ابنة أبيها تعني على خصال أبيها في الجرأة فقالت يا رسول الله إن كنا صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه فقال أقضيا يوما آخر مكانه) وهذا الخبر يكاد يتفق الحفاظ على ضعفه وقد ضعفه الإمام أبو داود والنسائي وقال الإمام الحافظ الخلال رحمه الله اتفق الثقات على إرساله وقد توارد الحفاظ والأئمة المتقنون والعلماء الراسخون في علم الحديث على ضعف هذا الخبر وشذ عنهم جماعة منهم ابن حزم والحاكم وذهبوا إلى تصحيح هذا الخبر وهذا فيه نظر لأنه لا يمكن صف جعفر بن برقان وصالح بن أبي الأخضر ومحمد بن أبي حفصة في صف مالك بن أنس ومعمر وعبيد الله وآخرين من الحفاظ الذين يروونه عن الزهري عن عائشة ولم يذكر واحد من هؤلاء عروة والزهري لم يسمع من عائشة شيئا أبدا وقد ولد الزهري قيل سنة خمسين .(1/379)
قال أبو عيسى رحمه الله وقد ذهب قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلى هذا الحديث فرأوا عليه القضاء إذا أفطر قال وهو قول مالك بن أنس وهذا الذي صار إليه أبي حنيفة وقال ابن حزم لا نكره له الفطر في صوم التطوع إلا أن عليه إن أفطر عامداً قضاء يوم مكانه والصواب في هذا أنه لا يقضي لأنه لم يثبت في القضاء حديث والأحاديث الواردة في القضاء كلها معلولة، وتقدم أيضا إعلال حديث أم هانئ ( الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر) وتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم حين آخى بين سلمان وأبي الدرداء وكان أبو الدرداء يسرد الصوم سرداً فأمره سلمان أن يفطر فحين أفطر هذا دليل على جواز الفطر في صوم التطوع ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق سلمان ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم وأقض يوماً مكانه وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يحوز ولذلك الحديث الوارد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل على جويرية وهي صائمة يوم الجمعة فقال (أصمتي أمس يعني الخميس) قالت لا قال (أتصومين غداً) يعني السبت قالت لا قال (فأفطري) ولم يقل وأقض يوماً مكانه وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وحديث الباب صريح في وجوب القضاء ( اقضيا يوماً مكانه ) ولكنه غير صحيح والأحكام الشرعية المتعلقة بالتحليل والتحريم مبنية على الأحاديث الصحيحة والأحاديث الضعيفة غير مجدية في هذا الباب ولاسيما مع قوة المعارض فالأحاديث الأخرى وإن كانت غير صريحة إلا أن هذا الذي يفهم منها فهي صحيحة غير صريحة والأدلة الدالة على القضاء صريحة ولكنها غير صحيحة ويجب الأخذ بالصحيح وإن لم يكن صريحا لأنه هو الأصل ، الأصل أن من أفطر في صيام التطوع لا يقضي إلا أنه يجب ذلك وهذا الذي صار إليه أكثر العلماء منهم الشافعي وأحمد وإسحاق وأكثر الأئمة من الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين، نقف على هذا ونأخذ غدا إن شاء الله تعالى ( باب ما جاء(1/380)
في وصال شعبان برمضان ) .
الاسئلة:
س:...
ج : نعم، لأنه في لفظ الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيها وهو صائم ليس فيه دلالة حتى عائشة ما ذكرت عن النبي حتى في الثانية ، تقول إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليأتيني ويقول أعندك غداء فأقول لا فيقول إني صائم قالت فأتاني يوماً فقلت يا رسول الله انه قد أهديت لنا هدية فقال ما هي قلت حيس قال (إني أصبحت صائماً) ، فعائشة ما فصلت في ذلك . حتى في الثانية ما علمت أنه صائم قالت إنه أهديت لنا هدية هو الذي أخبرها إذن هي ما أطلعت على هذا . عائشة ما علمت من النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان صائما في الثانية لأن الحديث ليس فيه دلالة واضحة على أن عائشة تعلم من النبي صلى الله عليه وسلم أنه في الثانية كان صائماً . حتى يحتج به على الأولى انه ليس بصائم بل عكس الذي يمكن أن يقال ما قاله بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صائماً في الأولى بدليل أن عائشة لم تضع له غداء لأنها تعلم أنه صائم فلما أتى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال عندكم غداء قالت لا .(1/381)
لماذا ما حطت له غداء، لأنه كان صائماً، فقال إني صائم أما رواية يحي عن طلحة بصرف النظر عن صحتها من شذوذها لأن الكلام الآن بأن اللفظ ليس بصريح وفي نفس الوقت الإمام ابن حزم لم يحتج بالرواية، أنا الذي أوردتها عند النسائي رحمه الله تعالى اجعلها دليلاً على قول ابن حزم وعلى قول مالك لم يتفرد بذلك ابن حزم قاله مالك وقاله جماعة من الأئمة فعلى كل فِهم مالك من الحديث وفِهم ابن حزم هو المعتمد فليس في الحديث دلالة صريحة أنه كان صائماً ولا أنه كان مفطراً ولكن الأدلة تفيد أنه لا صيام لمن لم يبيت النية من الليل نخرج عن هذه الأدلة بفعل الصحابة، إذن الإمام ابن حزم لم يأخذ بفعل الصحابة لأنه لا يرى أن قول الصحابي حجة لكن الصحابة حيث يتواطؤن كحذيفة وبن مسعود وأبي الدرداء يعتبر قولهم في هذه الحالة حجة وأنه ليس معارضة لكلام النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يكون مفسراً يكون تواطئ الجمع من الصحابة وتواطيء جمع التابعين على هذا المعنى يكون مفسراً لقول النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه قد تقدم أن الأحاديث المرفوعة لا صيام لمن لم يبيت النية من الليل كلها معلولة وأن الصواب وقف هذا على حفصة وابن عمر ولكنه يحتمل أن لذلك حكم المرفوع .
س: هذا السائل أيضا من مصر يسأل عن حديث وقد أشار إلى سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ الألباني رحمه الله تعالى ( لا تصوموا يوم السبت إلا فريضة ) ؟.(1/382)
ج: ( رواية لا تصوموا يوم السبت إلا فريضة ولو لم تجد إلا لحاء شجرة فأفطر عليه) هذا الخبر منكر ولعل السائل أراد أن يذكر بأنه فيه من صححه ولكن الذي صححه قد أخطأ في ذلك لأن الأئمة الحفاظ الأكابر متفقون على نكارة الخبر حتى قال مالك وهو هو قال هذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال عنه الإمام أحمد هذا الخبر مضطرب وقال ذلك الخلال وجماعة وفي نفس الوقت هو منكر المتن، تقدم في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل على جويرية وهي صائمة يوم الجمعة قال (أتصومين غداً) السبت فيه دلالة على جواز صيام يوم السبت وهو متفق عليه فكيف يؤخذ بالحديث الذي رواه أبو داود وغيره في مقابل الحديث المتفق على صحته وقال صلى الله عليه وسلم ( أحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً) إذا أفطر يوم الجمعة سوف يصوم السبت ثم يفطر الأحد وفي روايات أيضاً مختلف فيها لكن أفضل من هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم السبت والأحد .
س: الأخ يقول من المنطقة الشمالية يقول إذا جامع في صوم قضاء واجب هل عليه كفارة ؟.
ج: الجواب لا لأن الكفارة تلزم لمن جامع في صيام رمضان في شهر رمضان لا غير إذا كان عليه قضاء فجامع في صيام القضاء فلا كفارة عليه ولكن يحرم عليه أن يفطر في الصيام الواجب ويجب عليه الإتمام في قول الجمهور فإذا أفطر وجب عليه قضاؤه ولا كفارة عليه .
س: الأخ سائل من عمان يقول نحن نعيش في منطقة حدودية مع الإمارات ليس بيننا وبينهم إلا دقائق معدودة ومع ذلك فعمان تتأخر عن بقية الدول في الصوم بيوم فهل نتبع صوم أهل عمان أم بقية البلدان الإسلامية لاسيما الإمارات مع العلم أننا من أهل السنة والجماعة ودائما نواجه هذه المشكلة بين من يقول لنا صوموا وخالفوا أهل البدع وبين من يقول لا تحدثوا بلبلة وفتنة في المجتمع ؟(1/383)
ج: هذه المسألة من مسائل الاجتهاد التي لا تثريب على المخالف فيها فإن من الصحابة من قال لكل بلد رؤيته وهذا مذهب بن عباس وطائفة ومنهم من قال إذا رئي في بلد فإنه يجب على أهل البلاد الأخرى الصوم وهذا مذهب مالك وطائفة من العلماء فهؤلاء يرون أنه يكتفي برؤيته في بلد دون الآخر ومنهم ينظر إلى المطالع ومنهم من قال لكل بلد له حاكمه وله رؤيته، إذن هذه المسألة اجتهادية حيث يقول الأخ نحن نعيش في منطقة حدودية مع الإمارات ليس بيننا وبينهم إلا دقائق معدودة ومع ذلك يقول بعض المرات نتأخر عن بعض الدول في الصوم بيوم إذا كانت عمان تعتمد على الرؤية فيجب الصوم معاهم لأنهم يعتمدون على الرؤية وإذا كانت عمان تعتمد على الحساب والإمارات تعتمد على الرؤية فإن هؤلاء الأخوة يصومون بصوم الإمارات لأنهم يعتمدون على الرؤية . قوله فهل نتبع صوم أهل عمان أم بقية البلدان الإسلامية لاسيما الإمارات إذا كانت الإمارات تعتمد على الرؤية وعمان تعتمد على الحساب فإنه يصام على الذين يعتمدون على الرؤية ولكن إذا كان البلدان يعتمدان على الحساب فإنه يقتدى بأقرب بلد مجاور يعتمد على الرؤية ولا تثريب على المخالف لأنه لا داعي أن تكون في ذلك بلبلة أو نزاعات أو خصام أو مشاكل .
س: هذه سائلة تقول سؤالي هو خارج الدرس تقول إذا قدم للشخص هدايا تقدم للجميع في العمل هل يقبلها أم لا ؟(1/384)
ج: الصواب أن المعلم والموظف لا يقبل الهدية من الطالب ومن المراجعين لأن هؤلاء يهدون له لأنه في هذا العمل وهدايا العمال غلول قال أرأيت لو أن هذا الرجل لم يكن موظفاً أيهدى إليه وهو في بيته أيبحث عنه في البيت أو أن هذه المعلمة لم تكن معلمة كأن تكون قد تقاعدت أيهدى لها وهي في بيتها فإن الذين يهدون يهدون باعتبار الوجود في هذا العمل إذن يجب رفض هذه الهدية وعدم قبولها ولو كانت مقدمة لجميع المدرسين ولجميع الموظفين ما لم تكن الهدية وقفا لم تكن مشتراه بمبلغ من المال كأن تكون هذه الهدية وقفا كالكتاب وقف يوزع هذا لا حرج من قبوله لأنه لا يختص بواحد دون الأخر .
س: ...
ج: الإنسان إذا صام في رمضان أو صيام قضاء وسافر يجوز له الفطر .
س: الأخ يقول ما وجه التفريق بين الفرض والنفل في التردد في نية الفطر ؟
ج: وجه التفريق أن الجمهور يفرقون باعتبار أن صوم النفل يجوز بنية من النهار فجاز التردد في ذلك لأن بعض العلماء يحصره إلى ما قبل الزوال وبعض العلماء يجوزه ولو بعد الزوال بخلاف الفرض لا يصح إلا بنية من الليل فلم يجز في ذلك التردد ولكن التردد لا يفطر إنما الذي يفطر الجزم بالفطر .
س: الأخ يقول ما كفارة شخص أفطر ولم يعرف أن رمضان في هذا اليوم ؟
ج: هو لا شيء عليه إذا لم يعرف أنه رمضان ثم أفطر يجب عليه أن يمسك بقية يومه ثم في المستقبل يقضي يوما مكان هذا اليوم .
س: سائل من الرياض يقول من أذن المؤذن عنده المغرب وهو صائم ولا يوجد عنده إفطار فهل ينوي الفطر ويصح صومه ويتلفظ بذلك ؟(1/385)
ج: إذا أذن المؤذن سواء عنده إفطار أو لم يكن عنده إفطار يكون قد أفطر فإذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا فقد أفطر الصائم وليس بشرط أن ينوي الإفطار لأنه باعتبار أنه لو وجد طعاماً أفطر وهو في الحقيقة يعتبر نفسه مفطراً تلقائياً لأنه لا يريد الوصال أما إذا كان يريد الوصال فهذا على قول من يقول بجواز الوصال إلى السحر ومنهم من يجوز الوصال إلى أكثر من السحر ولكن الأفضل للإنسان أن لا يواصل وأنه إذا غربت الشمس يفطر إن كان عنده شيء يفطر عليه فليبادر إلى ذلك وإذا لم يكن عنده شيء يفطر عليه فإنه يعتبر قد أفطر لأنه لم ينو الوصال وأما قوله وإن تلفظ بذلك لا أصل للتلفظ في هذا التلفظ ليس له أصل في هذا الباب .
س: الأخ يقول إذا أراد الإنسان السفر في نهار رمضان هل له أن يفطر قبل أن يسافر؟
ج: الجواب لا ليس له أن يفطر كما لأنه ليس له أن يقصر فليس له أن يقصر حتى يفارق العمران وليس له أن يفطر حتى يشرع في السفر ويفارق العمران أما حديث أنس الذي رواه الترمذي وغيره فهو حديث مضطرب لا يصح لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك الصواب أنه لا يجوز له أن يفطر في بلده لأنه قد ينقض النية وحينئذ يبقى ولا يسافر فيكون قد أفطر في الحضر ولاسيما كما قيل لبعض السلف بما عرفت ربك ؟ قال بنقضه للعزائم .
س: الأخ يقول غابت عليه الشمس فأفطر ثم ركب الطائرة فرأى الشمس ؟(1/386)
ج: الجواب لا يضره هذا الأمر لأن الحكم المعتبر على حسب رؤيته وعلى حسب مشاهدته ولأن الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون فإذا أذن المؤذن وهو علامة على غروب الشمس فإنه يسارع إلى الإفطار في هذا ولا شيء عليه فيما بعد إذا ركب الطائرة فتبين أن الشمس لم تغرب أو في نفس الوقت تبين في الحقيقة أن المؤذن قد اخطأ بدليل أنه أذن مؤذن آخر وهو الذي تقيد بضبط الوقت، الصواب أنه لا قضاء عليه وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ورواية عن الإمام أحمد بخلاف الجمهور فإنهم يوجبون عليه القضاء والصواب أنه لا قضاء عليه في هذا الباب .
والله أعلم نكتفي بهذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
37 - بابُ ما جاءَ في وِصَالِ شَعبَانَ برَمضَانَ
733 - حَدَّثَنَا بُندَارٌ أَخبرنَا عَبدُ الرَّحمنِ بن مهديِّ عن سفيانَ عن منصورٍ عن سالمِ ابنِ أَبي الجَعدِ عن أَبي سَلَمَةَ عن أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ:
- "ما رَأَيتُ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصومُ شهرينِ متتابعينِ إِلاَّ شَعبَانَ ورَمضَانَ".
وفي البابِ عن عائِشةَ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ أُمِّ سَلَمَةَ حديثٌ حسنٌ.
وقد رُوِيَ هَذَا الحديثُ أَيضاً عن أَبي سَلَمَةَ عن عائِشةَ أَنَّها قَالَتْ: "ما رأَيتُ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شهرٍ أَكثرَ صِياماً منهُ في شَعبَانَ، كَانَ يصومُهُ إِلاَّ قليلاً بل كَانَ يصومُهُ كُلَّهُ".
734 - حَدَّثَنَا بذلكَ هَنَّادٌ أَخبرنَا عَبدَةُ عن مُحَمَّدِ بنِ عَمرٍو أَخبرنَا أَبو سَلَمَةَ عن عائِشةَ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلكَ.
ورَوَى سالمٌ أَبُو النَّضرِ وغَيرُ واحدٍ هَذَا الحديثَ عن أَبي سَلَمَةَ عن عائِشةَ نحوَ روايةِ مُحَمَّدِ بنِ عَمرٍو.(1/387)
ورُوِيَ عن ابنِ المباركِ أَنَّهُ قَالَ في هَذَا الحديثِ: وهُوَ جائزٌ في كلامِ العَرَبِ إِذَا صامَ أَكثرَ الشَّهرِ أَنْ يُقَالَ صَامَ الشَّهرَ كُلَّهُ، ويُقَالُ: قَامَ فُلانٌ لَيلَتَهُ أَجْمَعَ ولَعلَهُ تَعَشَّى واشتغَلَ ببعضِ أَمرِهِ، كأَنَ ابنَ المُبَارَكِ قد رأَى كِلاَ الحديثينِ مُتَّفِقَينِ، يقولُ: إِنَّمَا معنى هَذَا الحديثِ أَنَّه كَانَ يصومُ أَكثرَ الشَّهرِ.
الشرح:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد :
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في كتاب الصيام الباب السابع والثلاثون (باب ما جاء في وصال شعبان برمضان ) أي هذا باب ما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من وصله شعبان برمضان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخص شعبان بمزيد من الصيام وقد قيل بان الحكمة في هذا أن هذا الشهر شهر يغفل فيه الناس وجاء هذا مصرحاً به في بعض الأحاديث ومن ذلك حديث أسامة بن زيد رواه النسائي وأبو داود وجماعة قال أسامة قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم في شعبان قال (ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) وروى أبو يعلى وغيره نحوه من حديث عائشة وفيهما لين، وقد أفادت الأحاديث الصحاح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله إلا قليلاً وما كان يصوم شهراً كاملاً إلا رمضان ولا كان صلى الله عليه وسلم يصوم في شهر من الشهور أكثر منه في شعبان وهذا يفيد أنه لم يثبت نهي عن صيام شعبان وأن الأحاديث الواردة في هذا منها ما جاء مقيدا في النصف من شعبان ومنها ما جاء مقيدا بقبل رمضان بيوم أو يومين ويأتي إن شاء الله تعالى عن قريب ما فيهما من الكلام .(1/388)
قال أبو عيسى حدثنا بندار -يقال عنه بندار لقوة حفظه وسرعة استحضاره - قال أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبي سلمه وهو بن عبد الرحمن عن أم سلمه قالت : (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان) قال وفي الباب عن عائشة حديث عائشة متفق على صحته ويأتي إن شاء الله الحديث عنه، قال أبو عيسى حديث أم سلمه حديث حسن وقال رحمه الله في ( الشمائل المحمدية ) إسناده صحيح، وروى غير واحد هذا الحديث عن أبي سلمه عن عائشة ويحتمل أن يكون أبو سلمه قد روى هذا الحديث عن عائشة وأم سلمه عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى كلامه .
والخبر رواه النسائي من طرق في ألفاظ مختلفة عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمه بن عبد الرحمن عن عائشة ورواه من طريق ثوبة العنبري عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمه عن أم سلمه قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصل شعبان برمضان) وهو بنحوه سنداً ومتناً في سنن أبي داود ولفظه (انه لم يكن يصوم من السنة شهراً تاما إلا شعبان يصله برمضان) وهذا اللفظ الذي رواه النسائي وأبو داود ألصق بترجمة أبي عيسى من حديث الباب وهذا الخبر وإن كان ظاهره الصحة ورواته كلهم ثقات حفاظ إلا أن له علة وذلك ما أشار إليه أبو عيسى بقوله وقد روي هذا الحديث أيضاً عن أبي سلمه عن عائشة أنها قالت (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياماً منه في شعبان) كان يصومه إلا قليلا بل كان يصومه كله .(1/389)
حدثنا بذلك هناد أخبرنا عبده عن محمد بن عمرو أخبرنا أبو سلمه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وروى سالم أبو النضر وغير واحد هذا الحديث عن أبي سلمه عن عائشة نحو رواية محمد بن عمرو ، وقد رواه مسلم من طريق سفيان بن عيينه عن ابن أبي لبيد عن أبي سلمه عن عائشة وفيه (كان يصوم شعبان كله يصوم شعبان إلا قليلاً) ورواه البخاري ومسلم من طريق مالك عن أبي النضر عن أبي سلمه عن عائشة رضي الله عنها قالت (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان) وهذا هو المحفوظ فلم يصم النبي صلى الله عليه وسلم شعبان كله ولم يكن يصل شعبان برمضان ولم يصم شهرين متتابعين أبداً ولهذا جاء في مسلم أيضا من طريق عبد الله بن شقيق قال سألت عائشة عن صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقالت (كان يصوم حتى نقول قد صام ، قد صام ويفطر حتى نقول قد أفطر ، قد أفطر وما رأيته صام شهرا كاملاً منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان) وهذا كله يؤكد ضعف حديث الباب وأن ذكر أم سلمه غلط والصواب في هذا الخبر أنه من حديث عائشة باللفظ المتقدم المخرج في الصحيحين .(1/390)
قال أبو عيسى وروى عن بن المبارك أنه قال في هذا الحديث وهو جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال صام الشهر كله وهذا محفوظ عن جمع من العلماء فالأحاديث الواردة في أنه صلى الله عليه وسلم صام شعبان كله مفسرة بالأحاديث الأخرى أنه يصوم أكثره والعرب في لغتها تغلب فمن صام سبعاً وعشرين يوماً أو ثمانية وعشرين أو تسعاً وعشرين يوماً يقولون صام ثلاثين وإذا صام واحداً وعشرين يوماً أو اثنين وعشرين يوماً أو ثلاثاً وعشرين يوماً يقولون صام عشرين ويقولون في لغتهم عندي خمسون درهما إذا لم يكن عنده إلا ثمانية أو سبعة وأربعون وعندي أربعون درهماً إذا كان عنده ستة أو سبعة وثلاثون أو أكثر من الأربعين بقليل وهذا الفهم الذي ذكره عبد الله بن مبارك من كلام العرب هو المصرح به في الروايات الأخرى فاتفقت اللغة والروايات الثابتة الصحيحة الصريحة أنه لم يكن يصوم شعبان كله وأنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم أكثره وما جاء من الروايات أنه صام أو يصوم كله فهذا على وجه التغليب ، قال ويقال قام فلان ليله أجمع ولعله تعشى واشتغل ببعض أمره لأن الكل يطلق على البعض وكونه تعشى واشتغل ببعض أمره لا ينافي كلامهم بأنه قام الليل أجمع أو قام الليل كله .(1/391)
قال أبو عيسى كأن ابن المبارك قد رأى كلا الحديثين متفقين يقول إنما معنى هذا الحديث أنه كان يصوم أكثر الشهر بمعنى أن حديث الباب (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان) رمضان على الأصل وشعبان على التغليب وهذا حيث يثبت الحديث جمعاً بينه وبين الأخبار الأخرى ولكن الخبر معلول والصواب أن الخبر خبر عائشة وليس هو خبر أم سلمه ويكون جواب ابن المبارك على ما جاء في بعض ألفاظ حديث عائشة بأنه كان يصوم شعبان كله مع أنه جاء في بعض الأحاديث كان يصوم شعبان إلا قليلاً لأن هذا معروف في لغتهم ، من صام ثلاثة وعشرين يوماً لا حرج أن يقول صمت عشرين يوماً على التغليب ، ومن صام سبعة أو ثمانية أو تسعة وعشرين يوماً فلا حرج أن يقول صمت ثلاثين يوماً على وجه التغليب ، كما أن الشهر قد يكون ثلاثين وقد يكون تسعة وعشرين فلا حرج أن تقول صمت شهراً والمسلمون يصومون شهراً وقد يكون الشهر ناقصاً لقوله صلى الله عليه وسلم الشهر تسع وعشرون فإن قيل لو أن امرأً نذر أن يصوم شهراً كاملاً وأخر نذر أن يصوم ثلاثين يوماً هل يصح أن يصوم على التغليب ؟ الجواب أن من نذر أن يصوم شهراً فإن نقص الشهر يصح صومه وأما الذي نذر أن يصوم ثلاثين يوماً فيجب عليه أن يستوفي العدد لأن الفعل متعلق في هذا الباب باللفظ فيجب إحصاء اللفظ ولأن الأصل في هذه الألفاظ على حقيقتها وليست على وجه التغليب ولعدم وجود معارض في هذا الباب لاسيما أن الألفاظ يجب التعامل معها على وجه الظاهر حتى لا يوجد لبس في المعاملات اللغوية أو المعاملات الشرعية أو الألفاظ اللغوية والألفاظ الشرعية، فمن نذر أن يصوم ثلاثين يوماً يجب عليه أن يستوفي العدد ولا يحق له أن يقول صمت سبعة وعشرين أو ثمانية وعشرين، ويكفي هذا لأن المقصود التغليب ولكن لو كان من نيته أن يقول لله علي أن أصوم ثلاثين يوماً وهو يقصد على وجه التغليب ومن نيته أن يصوم ثمانية وعشرين فإنما(1/392)
الأعمال بالنيات ، وإلا فالأصل أن يصوم ثلاثين يوما وأما إطلاق الكل وإيراده البعض فهذا كثير في الكتاب والسنة من ذلك قوله تعالى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ }التوبة30 ،فإن هذا القول لم يكن قولا لعامة اليهود ولا قولا لعامة النصارى إنما هو قول طائفة منهم وقالت بعض اليهود وقالت بعض النصارى ،ومن ذلك قوله جل وعلا {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ }آل عمران173 ، لم يقل ذلك كل الناس إنما قال لهم بعض الناس { إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ } لم يجمعوا لهم إلا قليل من الناس . " فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل " .
ملخص هذا الباب أن حديث أبي سلمه عن أم سلمه قالت ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان، هذا ضعيف والمحفوظ في هذا الباب ما رواه البخاري وغيره من طريق مالك عن أبي النضر عن أبي سلمه عن عائشة قالت (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان) .
الأمر الأخر أن العرب تغلب في لغتها فيقول صمت شعبان كله وقد صام أكثره قمت الليل أجمع وتخلل ذلك عشاء وشغل بحاجة الأهل وهذا على وجه التغليب .(1/393)
يؤخذ من الحديث فضيلة الصوم في شعبان وأن الصوم في شعبان أفضل منه الصوم في رجب وغيره من الشهور ولا يفضل شعبان في الصوم إلا شهر الله المحرم لقوله صلى الله عليه وسلم حين سئل أي الصيام أفضل بعد رمضان قال شهر الله المحرم رواه مسلم وغيره ، لكن من فعل النبي صلى الله عليه وسلم كان يستكثر في شعبان ما لا يستكثر في غيره وقد نقل عنهم الاستكثار في شعبان ما لم ينقل عنه الصيام في شهر الله المحرم ، وإنما جاء في شهر الله المحرم قوله صلى الله عليه وسلم (أنه أفضل الصيام بعد رمضان) ،وحينئذ يقدم القول على الفعل لان كونه صلى الله عليه وسلم يستكثر من الصيام في شعبان لا يعني أن الصيام في شعبان أفضل منه في شهر الله المحرم ، وقد قالت عائشة عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام كان يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وهذا متفق على صحته .
ويؤخذ من ذلك أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان وهذا لا يختلف فيه أهل السنة بأن الإيمان بإجماع الصحابة والأئمة المتبوعين قول وعمل قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح وهذا التعريف للإيمان أصح من التعريف المشهور قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان لأن هذا التعريف ليس فيه أعمال القلوب وهذا عيب هذا التعريف لأنه قال قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان ، أما التعريف الذي ذكرته عن الأئمة هو الذي ادرك على البخاري أكثر من ألف شيخ وهو الذي حكاه غير واحد إجماعا لأهل السنة قول وعمل قول القلب واللسان قول القلب هو تصديقه وعمل القلب هو حبه وخوفه ورجاؤه وولاؤه وبراؤه عمل القلب واللسان والجوارح هذا التعريف أتى على كل شيء فهو تعريف جامع مانع .
ويؤخذ من الحديث أيضا أن العرب تغلب في لغتها ويجب معرفة وفي نفس الوقت العرب تطلق الكل على البعض .(1/394)
ويؤخذ من هذا أنه ليس بلازم من صحة أو من ثقة الرواة صحة الإسناد وثبوت المتن فإن رواية مالك ورواية بن عيينة عن ابي لبيد أصح من رواية من رواه كسالم بن أبي الجعد عن أبي سلمه عن أم سلمه .
ويؤخذ من هذا الترجيح بين الروايات .
ويؤخذ من هذا أن الروايات تفسر بعضها بعضا .
ويؤخذ من هذا كثرة صومه صلى الله عليه وسلم لان الصيام جنة ووقاية للعبد قد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً ) متفق على صحته ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله قيل في الجهاد وقيل في سبيل الله أي في ذات الله أي تقصّد أن يصوم هذا اليوم بحثاً عن الإخلاص ويريد بذلك وجه الله فمن صنع هذا وصام يوما يقصد به وجه الله فإن الله جل وعلا يباعد وجهه عن النار سبعين خريفاً، العلماء مختلفون في هذا منهم من ذهب إلى الأول ومنهم من ذهب إلى الثاني ومنهم من قال ولعله الأقرب إلى الصواب أن الخبر يحتمل المعنيين .
فمن صام في الجهاد فإن الله يباعد وجهه عن النار سبعين خريفاً بشرط أن لا يؤدي به الصوم إلى الضعف الذي يُطمع العدو فيه فحينئذ يكون صومه حراماً لأنه تسبب في هزيمة المسلمين وفي ضعف المسلمين وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم ( أولئك العصاة أولئك العصاة ) وتقدم قوله صلى الله عليه وسلم ( ليس من البر الصيام في السفر ) وتوجيه هذا فيمن يشق عليه والذين يصومون ابتغاء وجه الله ويرجون الله واليوم الأخر فإنهم يدخلون في هذا الخبر وأن الله يباعد وجوههم عن النار سبعين خريفاً، وكثير في السنة يطلق في سبيل اله ويقصد في ذلك في ذات الله كقول النبي صلى الله عليه وسلم( لم يكذب ابراهيم في ذات الله ) وكقول علي حين قال ولست أبالي حين أقتل مسلما ??? على أي جنب كان لله مصرعي ???وذلك في ذات الإله .(1/395)
ويؤخذ من كل ذلك إثبات الذات لله جل وعلا وقد حكى ابن تيمية الإجماع على تفسير قول الله جل وعلا { وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ }آل عمران28 ،أي ذاته ، حكاه بن تيميه إجماعاً وهذا في نفس الوقت لا ينافي إثبات صفة النفس لله جل { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ }المائدة116،ويؤخذ من ذلك مشروعية التقرب بالنوافل وقد جاء في الحديث القدسي الذي رواه البخاري وغيره من طريق خالد بن مخلد القطواني قال حدثنا سليمان بن بلال عن شريك عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه (قال الله تعالى من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه وما ترددت عن شيء ترددي عن قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته) .
قوله جل وعلا ( ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل ) أي من صدقة أو صلاة أو صيام أو ذكر أو نفع للآخرين حتى أحبه فإن التقرب إلى الله جل وعلا بالطاعات سبب لمحبة الله للعبد .
ويؤخذ من هذا أن الأعمال سبب لدخول الجنة قال تعالى { جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }السجدة17،فالباء سببيه جزاء بما كانوا يعملون . الباء في هذا الموضع باء السببية ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم (لا يدخل الجنة أحد منكم بعمله) قالوا ولا أنت يا رسول الله قال (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)، وهذا حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمنفي هنا هو باء العوض .
38 - بابُ ما جاءَ في كَراهيةِ الصَّومِ في النِّصفِ البَاقي من شَعبَانَ لِحَالِ رَمضَانَ(1/396)
735 - حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ أَخبرنَا عَبدُ العزيزِ بنُ مُحَمَّدٍ عن العلاءَ بنِ عَبدِ الرَّحمنِ عن أَبِيهِ عن أَبي هُريرةَ قَالَ:
- قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا بقي نصفٌ من شَعبَانَ فلا تصُومُوا".
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ أَبي هُريرةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ لا نَعرِفُهُ إِلاَّ من هَذَا الوجهِ عَلَى هَذَا اللَّفظِ.
ومعنى هَذَا الحديثِ عِندَ بعضِ أَهلِ العلمِ أَنْ يكونَ الرَّجُلُ مُفْطراً فإِذَا بقي شَيءٌ من شَعبَانَ أَخَذَ في الصَّومِ لِحَالِ شَهرِ رَمضَانَ.
وقد رُوِيَ عن أَبي هُريرةَ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُشبِهُ قَولَهُ، وهَذَا حَيثُ قَالَ النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تَقَدَّمُوا شَهرَ رَمضَانَ بصَيامٍ إِلاَّ أَنْ يُوافِقَ ذَلكَ صَوماً كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ". وقد دَلَّ في هَذَا الحديثِ إِنَّمَا الكَرَاهِيةُ عَلَى من يَتَعَمَّدُ الصِّيَامِ لِحَالِ رَمضَانَ.
الشرح:
قال الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى الباب الثامن والثلاثون ( باب ما جاء في كراهية الصوم في النصف الباقي من شعبان لحال رمضان ) باب أي هذا باب . ما جاء في الحديث، لأنه لم يرد في هذا الباب إلا حديث واحد (في كراهية) اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في هذه الكراهية منهم من قال بأن هذا للتحريم وإليه صار جماعة ، ومنهم من قال بان الكراهية هنا للتنزيه، والتحريم (لا تقدموا رمضان بيوم ولا يومين) ، ومنهم من لم يثبت لا هذا ولا ذاك لأن الخبر منكر في رأيهم .
قوله ( في النصف الباقي من شعبان ) لأن النصف الأول لا يختلف العلماء في استحبابه .(1/397)
قوله ( لحال رمضان ) بمعنى أنه يكره استقبال رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان، وهذا اختيار أبي عيسى رحمه الله تعالى وقد ترجم له واختاره في قوله ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن يكون الرجل مفطراً فإذا بقي شيء من شعبان أخذ في الصوم لحال شهر رمضان، لأن أبا عيسى رحمه الله تعالى يصحح حديث الباب .
قال رحمه الله حدثنا قتيبة وهو بن سعيد أخبرنا عبد العزيز بن محمد - من هو عبد العزيز بن محمد - هو الدراوردي وهذا هو الصواب ، حاله قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى (ثقة في كتابه ضعيف في حفظه)، إذا ثبت أنه روى من كتابه فهو ثقة، في نفس الوقت هو يخطئ في أحاديث عبيد الله بن عمر العمري فإنه يروي عن عبد الله بن عمر العمري يجعلها عن عبيد الله، ويختلف عبيد الله الثقة الذي خرج له الجماعة عن عبد الله الذي هو موصوف بسوء الحفظ، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي مولاهم عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا) .
قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه إلا على هذا اللفظ .
كيف يستقيم قول أبي عيسى لا نعرفه إلا من هذا الوجه وهو يقول عن الحديث الحسن ما جاء من غير وجه ؟(1/398)
أجبت عن هذا مراراً أن تعريف أبي عيسى ينطبق على إفراد اللفظ الحسن، أما إذا قُرن بالصحيح فإن التعريف لا يصدق عليه، والدليل على هذا أنه كثيراً ما يقول هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه أو من حديث فلان بن فلان كما قال ذلك في حديث عمر (إنما الأعمال بالنيات)، قال وهذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه، لأنه لا يعرف ولا يروي إلا من رواية يحي بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمه بن وقاص الليثي عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رواه عن يحي بن سعيد جمع غفير، وقال أبو داود رحمه الله تعالى في سننه لم يجيء به غير العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه ، وقد احتج بالعلاء مسلم وغيره وقال الإمام أحمد (ثقة لم أسمع أحد ذكره بسوء )، وقال النسائي (ليس به بأس) ، وقال ابن عدي( وللعلاء نسخ عن أبيه عن أبي هريرة يرويها عنه الثقات وما أرى به بأس) ، ووثقه ابن حبان وابن سعد وروى له البخاري في كتاب (القراءة خلف الإمام) ومسلم وأهل السنن، وتكلم فيه ابن معين، وقد أنصفه الإمام أبو حاتم رحمه الله تعالى فقال (صالح روى عنه الثقات ولكنه أنكر من حديثه أشياء) فالعلاء صدوق، وقد صحح له مسلم عن أبيه عن أبي هريرة ما لا يقل عن خمسين حديثاً، وصحح له جمع غفير من الحفاظ، فهو ثقة في حديثه وليس من شرط الثقة أن لا يخطئ، وقد قال أبو حاتم (أنكر من حديثه أشياء) من ذلك حديث الباب، فإن الإمام أحمد رحمه الله تعالى يقول عن العلاء (ثقة لم أسمع أحداً ذكره بسوء ) وقد طعن في خبره هذا، وقد ذهب إلى تضعيف هذا الحديث أكثر الحفاظ منهم الإمام أحمد وابن معين وغيرهما وقد حكم ابن معين على هذا الخبر بالنكارة، وطعن في الحديث أيضاً الإمام أبو حاتم، وكان الأمام عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث به، والنكارة في هذا الخبر من تفرد العلاء عن أبيه ومخالفة الأئمة الثقات في هذا فالإمام أبو عيسى وأبو داود وجماعة من الحفاظ يذهبون إلى تصحيح هذا(1/399)
الخبر وأنه ليس بمخالف لحديث يحي بن أبي كثير عن أبي سلمه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تقدموا رمضان بيوم ولا يومين)، وهو متفق على صحته .
قال أبو عيسى ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن يكون الرجل مفطرا فإذا بقي شيء من شعبان أخذ بالصوم لحال شهر رمضان بمعنى أنه يريد استقبال رمضان بالصوم على نية الاحتياط لرمضان وهذا منهي عنه سواء تقدم رمضان بيوم أو يومين أو بأكثر من ذلك، وحينئذ يكون حديث الباب غير مخالف لحديث (لا تقدموا رمضان بيوم ولا يومين) لأن لفظ اليوم واليومين في حديث أبي هريرة المتفق على صحته ليس قيداً، فمن تقدم رمضان لحال رمضان فهذا منهي عنه .
قال أبو عيسى وقد روى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يشبه قوله أي قول بعض أهل العلم الذي أشار إليه أبو عيسى، وهذا حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقدموا شهر رمضان بصيام إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم) وهذا الخبر متفق على صحته من رواية يحي بن أبي كثير عن أبي سلمه عن أبي هريرة، وقد قيل أن الحكمة من النهي في قوله صلى الله عليه وسلم ( لا تقدموا رمضان بيوم ولا يومين ) أن الحكم عُلق بالرؤيا (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، فمن تقدم بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك، قال الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى على هذا التوجيه في فتح الباري وهذا هو المعتمد .(1/400)
قال أبو عيسى وقد دل في هذا الحديث إنما الكراهية على من يتعمد الصيام لحال رمضان فهذا يعني في كلام أبي عيسى أن قوله صلى الله عليه وسلم (إذا بقي نصف شعبان فلا تصوموا) إذا كان لحال رمضان، فحينئذ على هذا التعريف وعلى هذا التوجيه يوافق قول الجمهور بأنه لا حرج من الصيام بعد انتصاف شعبان لأن الجمهور يقولون يجوز الصوم تطوعاً بعد النصف من شعبان وإذا كان لمعنى رمضان فإنهم ينهون عن ذلك وأن لفظه أو قوله صلى الله عليه وسلم (لا تقدموا رمضان بيوم ولا يومين) ليس قيداً حيث لو تقدم بثلاثة لمعنى رمضان كان النهي متوجهاً، وفيه قول من الأقوال بمنع هذا المعنى وقال حين قال صلى الله عليه وسلم (لا تقدموا رمضان بيوم ولا يومين ) لأنه يتأتى يوم الشك في هذا ، فقوله صلى الله عليه وسلم (بيوم أو يومين) إذا كان الشهر ناقصاً فبيوم وإذا كان الشهر تاماً فبيومين ،ولأن الحكمة من النهي أن الحكم علق بالرؤية فمن تقدم بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك ، فيكون هذا قيدا ، وأما من صام قبل رمضان بثلاثة أيام فإنه لا حرج من هذا على هذا المعنى، ولكن لو نوى لحال رمضان ربما يُنهى لمعنى آخر وليس لفهم هذا الخبر، وفيه قول في هذه المسألة بأنه يحرم التقدم بيوم أو يومين لحديث أبي هريرة في الصحيحين ويكره التقدم من النصف من شعبان لحديث العلاء فهم يحملون حديث العلاء على الكراهية للتنزيه، ويحملون حديث يحي بن أبي كثير عن أبي سلمه عن أبي هريرة على التحريم، وعلى كل فحديث العلاء فيه نظر وحين يثبت فقد تقدم توجيهه.
المعتمد في هذا الباب على الأخبار الصحيحة ولاسيما الذين يوثقون العلاء كالإمام أحمد ، وجماعة يطعنون في حديث الباب، فهذا أبو حاتم يقول (صالح روى عنه الثقات ولكن أنكر من حديثه أشياء) وجعل من المنكرات حديث الباب .
نقف على هذا نأخذ إن شاء الله غدا باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان والله أعلم .
الأسئلة :(1/401)
س: الأخ يقول هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه إذا فاته اجتمعت عليه الأيام والشهور ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم من كل شهر إذا فوت هذا الشهر ثم فوت ما بقي يجمع هذه الأيام في شعبان ؟
ج: لم يثبت في هذا شيء والأحاديث صريحة بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الصيام في شعبان لفضل الصيام في هذا الشهر فيعتبر شهر شعبان من الأشهر الفاضلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتزود فيه من الصوم، وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في الحكمة من هذا منهم من قال يتقوى به على رمضان ، ومنهم من قال أن هذا الشهر يغفل فيه الناس ، ومنهم من قال إن هذا للتذكير بقرب رمضان ، ومنهم من قال إن هذا للتقوي والتمرن على الشهر ، ومنهم من قال إن هذا نوع استقبال لرمضان بعبادات وبصيام ونحو ذلك ومنهم من ذكر غير هذا المعنى .(1/402)
نعم هذا أحد الأقوال في المسألة وأن بعض العلماء يفضل صيام شعبان على صيام شهر الله المحرم ويقولون بأن الأحاديث الواردة في صيام شعبان متفق على صحتها ولا يختلف الحفاظ في صحتها بخلاف الحديث الوارد بأن أفضل صيام بعد رمضان شهر الله المحرم ففيه خلاف منهم من ضعفه ومنهم من قال إن فعله صلى الله عليه وسلم يُقدم في هذا الموضع على قوله باعتبار أنه كان يستكثر ولا ذُُكر عنه أنه كان يستكثر من شهر الله المحرم إلا ما جاء من صيام وفضل صيام عاشوراء، والقول الثاني في المسألة أن الحديث ثابت بدليل تخريج الإمام مسلم رحمه الله تعالى له وهذا قول أكثر الحفاظ بأن الخبر محفوظ ويقدم قوله صلى الله عليه وسلم على فعله، والحقيقة أنه لا تنافي بين القول وبين الفعل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الصيام في شهر الله المحرم أفضل من الصيام في بقية الشهور ما عدا رمضان وقد كان صلى الله عليه وسلم يستكثر من شعبان باعتبار أن الناس قد يغفلون عن هذا فيكون كالتذكير بخلاف شهر الله المحرم فإن الناس يذكرون الصيام فيه باعتبار وجود عاشوراء، فلذلك القول بأن الخبر ضعيف فيه نظر، قد يقال إن الخبر محفوظ والصيام في شهر الله المحرم أفضل من الصيام في شعبان ويبقى الفضل الكثير والأحاديث الصحيحة في فضل أيضا صيام شعبان .
س: ...
ج : نعم ليس الترجيح للاختلاف في اسم الصحابي، إنما طائفة يروونه عن أبي سلمه عن أم سلمه طائفة عن أبي سلمه عن عائشة والذين يروونه عن أبي سلمه عن عائشة أضبط الترجيح لأنه أضبط ، ليس الاختلاف في الاسم ليس بمعنى الاسم لكن المحفوظ في هذا الحديث عن عائشة وليس عن أم سلمه ولفظ حديث عائشة مغاير للفظ حديث أم سلمه المحفوظ حديث عائشة وهو المتفق على صحته وأما حديث أم سلمه فلم يروه الشيخان ولا أحدهما وهو معلول .(1/403)
س: سائل يقول منع الصيام قبل رمضان للعلة التي ذكرت لكن يقول ما توجيه فعل بعض الصحابة كابن عمر وعائشة هل هو للاحتياط إذا كان كذلك فهل يجوز النية المترددة ؟
ج: النية المترددة، تقدم في رمضان أنها لا تجوز إلا لمن لم يعلم، فإن النية تتبع العلم أما توجيه فعل بعض الصحابة كابن عمر وعائشة ما أدري ما يريد الأخ بالضبط من هذا كأن الأخ يقصد يعني أن ابن عمر كان يصوم الشك، ابن عمر كان يصوم يوم الشك إذا كان في ذلك غيم إما إذا كانت صحواً فإنه يصبح مفطراً، وفي نفس الوقت الأحاديث الصحيحة الأخرى مغايرة لهذا قد قال صلى الله عليه وسلم (فأكملوا عدة شعبان)، وفي رواية (أكملوا ثلاثين يوماً)ولهذا قال عمار (من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصا أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) رواه الخمسة وغيرهم بسند قوي، فلا يجوز صيام يوم الشك سواء كان غيماً أو لم يكن غيماً لقوله صلى الله عليه وسلم (فإن غم عليكم)، هذا لفظه صحيح(1)إذا وجد غيم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين إذا كان لمعنى رمضان فمنهي عنه نعم ورد عن بن عمر بأسانيد صحاح عن ابن عمر كان يصوم يوم الشك إذا كانت غيم، ولكن هذا اجتهاد منه تقدم الجواب عن هذا في بابه والحديث عن صيام يوم الشك وان الأحاديث صريحة صحيحة في النهي عن صيام يوم الشك .
س:...
ج: نعم قلت ذلك فيه طائفة من العلماء يطعنون في حديث العلاء عن أبيه منهم الإمام أحمد وأبو حاتم وابن معين وغير هؤلاء من الحفاظ ومنهم من يصححه ويحمل على ما ذكر، وأما الحديث الأخر –أيضاً- هو حديث عبد الرحمن بن مهدي أبيه عن سفيان عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبي سلمه عن أم سلمه قالت (ما رأيت رسول الله يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان) . فهذا الصواب أيضاً أنه معلول .
س:...
__________
(1) - أو قال صريح .(1/404)
ج: قلت المحفوظ ما جاء في الصحيحين حديث سالم عن أبي سلمه عن أم سلمه معلول، حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة معلول ولكن حين يصح هذا أو ذاك فإنه يوجه (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان) على الأغلب، خرج الأغلب في شعبان للأدلة، ورمضان بقي على الأصل وحديث العلاء ولفظه (إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا) يحمل على ما قاله جمع من العلماء وأنه يكره استقبال رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان .
هو الأصل أن القول يقدم الفعل هذا قول الأصوليين .
س: الأخ يسأل هل يقدم القول على الفعل ؟ وهل يصدق هذا يقول على قيام الليل صلاة الليل مثنى مثنى يقدم على فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي إحدى عشرة ركعة ؟
ج: أولا ليس إطلاق أن القول يقدم الفعل الأمر الأخر أنا ذكرته عن جمع من العلماء طبعاً هو قول الجمهور في هذا الباب ولكن فيه مسألة معينه وليس على قاعدة مطردة في كل قضية .
الأمر الثالث/ أن في قيام الليل ليس فيه تنافي بين القول وبين الفعل فحين قال صلى الله عليه وسلم (صلاة الليل مثنى مثنى) والخبر متفق على صحته، لا ينافي قول عائشة (ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) هذا يمكن يقال إن حديث أن صلاة الليل مثنى مثنى مطلق وحديث عائشة مقيد فيحمل المطلق على المقيد فيزول الإشكال .
وحمل مطلق على ذاك وجب إن فيهما اتحد حكم والسبب(1/405)
ويمكن أن يقال (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) على الأفضل بخلاف قوله (صلاة الليل مثنى مثنى) على الجواز، ولهذا حكى بن عبد البر في الاستذكار الإجماع على أنه يجوز الزيادة في رمضان على إحدى عشرة ركعة والذي جاء في حديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة فهذا فيه زيادة على حديث عائشة ، وحكى أيضاً الاتفاق ابن تيمية وإنما الخلاف أي هذه الأقوال أفضل ، منهم من يرى أن الإنسان يصلي بإحدى عشرة ، منهم من يصلي بثلاث عشرة ،منهم من يصلي بأكثر من عشرين ، منهم من كان يصلي بأكثر من ثلاثين ، ومنهم من كان يصلي بأكثر من أربعين فهذا الاختلاف اختلاف أفضلية وليس اختلاف حل وحرمه والصواب من هذا الصلاة بإحدى عشرة ركعة لأن عمر رضي الله عنه كان يقوم بالصحابة بإحدى عشرة ركعة والرواية الواردة أن عمر كان يقوم بثلاث وعشرين كلها معلولة ومن زاد على إحدى عشرة ركعة فلا تثريب عليه لأن طائفة من العلماء يحكون الإجماع نازع في ذلك بعض المتأخرين ولكنه يقال أحد أمرين إما أنه مسبوق بالإجماع أو أن الأدلة على خلاف قوله، لأن الأعرابي حين أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن صلاة الليل قال (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح...(1/406)
) هذا لو كان يعرف المطلق من المقيد أو كان يعرف أن الإنسان كان يقوم بإحدى عشرة ركعة ما أتى يسأل لأنه لا يصح يقال يحمل المطلق على المقيد بالنسبة للأعرابي حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم (صلاة الليل مثنى مثنى) كانه أرشده إلى الإطلاق لأنه لا يعرف المقيد فإذا خفت الصبح يعني تصلي عشرين ثلاثين أربعين فأوتر بواحدة وبقي فعله على الأولوية والأفضلية ومن هذا القبيل –يعني إشارة إلى الجمع بين النصوص وأنه ليس دائما يرجح القول على الفعل -أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الشرب قائماً والأحاديث في هذا صحاح وفي نفس الوقت شرب النبي صلى الله عليه وسلم قائماً والأحاديث في هذا صحاح في البخاري وغيره منهم من حمل شرب النبي صلى الله عليه وسلم قائما على الخصوصية لأنه يرى أن الفعل إذا خالف القول يحمل على الخصوصية وهذا أحد الأقوال عند الأصوليين وهذا فيه نظر ومنهم من قال يقدم القول على الفعل فيأخذون بالتحريم ويلغون الفعل وهذا على الإطلاق فيه نظر ومنهم من قال يمكن الجمع بين النصوص كما قال في المراقي :
وربما يفعل للمكروه مبينا أنه للتنزيه .
فصار في حقه من القرب كالنهي أن يشرب من فم القرب .
حينئذ يحمل نهيه صلى الله عليه وسلم على التنزيه وفعله على الجواز إذن يكون الأولى أن تشرب جالسا ومن شرب قائماً فلا حرمة في هذا والرواية الواردة في مسلم من شرب قائما فليستقيئ منسوخة بالأحاديث الأخرى .
س: ...(1/407)
ج: نعم ، يحمل أن أبا حاتم لم يضعفه مطلقاً، أبو حاتم رحمه الله تعالى لم يضعف العلاء مطلقاً، وقول أبي حاتم (صالح) يحتمل أحد أمرين أي صالح في نفسه بمعنى أنه لا يتقصد الكذب ولكنه يغلط ولكن حين قال (روى عنه الثقات ولكنه أُنكر من حديثه أشياء) عُلِمَ أن بعض أحاديثه لم تُنكر ولاسيما ما رواه عنه الثقات الحفاظ فأبو حاتم ينكر على العلاء بعض الأحاديث وهذا الصواب، أخطأ العلاء في بعض الأحاديث ومن ذلك حديث الباب ووافقه على ذلك جمع غفير من الحفاظ منهم يحي بن معين الإمام أحمد وجماعة من الحفاظ .
س: ...
ج: المسلسلات في رمضان وكون الرجل يشاهد النساء هذا حرام مطلقاً في رمضان أو في غيره لأن الرجل لا يجوز أن يرى المرأة عارية كاشفة متبرجة فاتنة هذا حرام في رمضان وفي غيره ولكنه في رمضان أشد حرمة .(1/408)
تقدم في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يدع قول الزور والعمل) وفي رواية (والجهل)،(فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه) ، الذين يشاهدون المسلسلات يرتكبون لآثام متعددة من رؤية النساء المتبرجات وفيه تضييع الوقت فيما حرم الله ومن استماع النغمات الموسيقية ومن وجود الحب والغرام في هذه المسلسلات وقد تكون في بعض المسلسلات أشياء محاربة للشريعة ويوجد فيها بعض الألفاظ الشركية كبعض المسلسلات يوجد فيها القسم بغير الله حقيقة نحن نجتهد في إقصاء بعض المحرمات في بعض المسلسلات تصل إلى المئات . يجب اجتناب ذلك ومطاردة المسلسلات ومحاربتها في رمضان وفي غيره وهذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .(1/409)
قد كان أئمة السلف يحفظون صيامهم والرجال كانوا يجلسون في المساجد حتى لا يغتابوا أحدا فكيف بالإنسان الذي يذهب ويأتي بالفساد إلى بيته فهذا في الحقيقة غاش لرعيته يجب عليه التوبة إلى الله والاستغفار فانه يفسد صومه يفسد صوم غيره وبعض الناس قد يجلس في المسجد ويقرأ القران ولكنه أتى بالدش أو بالتلفاز إلى أولاده ليفسدهم وهم يعكفون على التلفاز في الصباح وفي الظهر وفي العصر فهم يمسكون عن الأكل والشرب وعن الجماع ولكن لا يمسكون عن الغيبة وعن النميمة وعن مشاهدة المحرمات والموبقات وقد يكون في ذلك تربية سيئة للأولاد من الحب والغرام والتعلق بالنساء والمردان ومن الحلف بغير الله ومن الاستهزاء بالدين والصالحين وبغير ذلك هذه أمور محرمة يجب مطاردتها وحربها واجتنابها وتحذير الآخرين من ذلك وهذا من الغزو الفكري لأبناء المسلمين وللفتيات ، والمسلمين يجب أن يكون عندهم حرص وحماية لثوابت الشريعة ولما أمر الله به وانتهاء عما نهى الله عنه ولا تكون لهم استجابة وسرعة للمحرمات التي يريدها العلمانيون وأبناء العلمانيون يريدها التغريبيون ويفسدون في الأرض وهذا من المخططات فإن بعض الناس يشتغل بمتابعة البرامج أو بمطاردة ومشاهدة اللاعبين وهم يطاردون " الجلدة المنفوخة " في الليالي ويقضون في ذلك الساعة والساعة والنصف والساعتين وقد تمتد المباراة إلى أوقات إضافية وإلى غير ذلك وهذا كله مما حرم الله مما نهى عنه ويجب الاجتهاد في البعد عن هذا .
س: الأخ يقول ما حكم المرأة إذا فرغت من عمرتها وأخرت قص شعرها حتى عادت إلى الفندق فنسيت وجامعها زوجها فماذا عليها ؟(1/410)
ج: هو لا حرج أن المرأة تؤخر قص الشعر ولا حرج أن المرأة تقص الشعر في مكة أو في جدة أو في الطائف ما بقيت على إحرامها فإذا نسيت أن تقص شعرها وجامعها زوجها وكان هذا عن نسيان فإن الله يقول { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا }البقرة286،فإذا ذكرت وجب عليها (القص) فإذا ذكرت في حال الجماع يجب عليها النزع، فإذا سكتت وهي قد ذكرت في حال الجماع فيجب عليها الكفارة في قول الجمهور فإذا ذكرت ونزعت فلا شيء عليها وإذا لم تذكر إلا بعد الجماع، فالصواب من قولي العلماء أنه لا شيء عليها في ذلك ويجب عليها المبادرة إلى القص .
والله أعلم نكتفي بهذا وصلى الله على نبينا محمد .
39 - بابُ ما جاءَ في لَيلَةِ النِّصفِ من شَعبَانَ
736 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن مَنيعٍ أَخبرنَا يزيدُ بن هارُونَ أَخبرنَا الحجَّاجُ بنُ أَرطأةَ عن يَحيَى بنِ أَبي كَثيرٍ عن عُروَةَ عن عائِشةَ قَالَتْ:
- "فقدتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيلَةً فَخَرَجتُ فإِذَا هُوَ بالبقيعِ، فَقَالَ: أَكنتِ تَخَافينَ أَنْ يَحيفَ الله عَليكِ ورَسُولُهُ؟ قُلتُ: يا رَسُولَ الله ظَنَنتُ أَنَّكَ أَتَيتَ بعضَ نِسائِكَ، فَقَالَ: إِنَّ الله تَبَارَكَ وتَعَالى يَنزِلُ لَيلَةَ النِّصفُ من شَعبَانَ إلى سماءِ الدُّنيا فيغفرُ لأَكثرَ من عددِ شعرِ غَنَمِ كَلبٍ".
وفي البابِ عن أَبي بكرٍ الصِّدِّيقِ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ عائِشةَ لا نعرِفُهُ إِلاَّ من هَذَا الوجهِ من حديثِ الحجَّاجِ. وسمعتُ مُحَمَّداً يقولُ يُضَعِّفُ هَذَا الحديثَ. وقَالَ يَحيَى بنُ أَبي كثيرٍ لَمْ يَسمَعْ من عُروَةَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: والحجَّاجُ لَمْ يَسمَعْ من يَحيَى بنِ أَبي كثيرٍ.
الشرح :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه(1):
__________
(1) - تاريخ الدرس 26ـ شعبان ـ 1424هـ .(1/411)
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في كتاب الصيام الباب التاسع والثلاثون ( باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان) وقد جاء في فضلها أحاديث كثيرة وقد ضعفها أكثر الأئمة وصحح بعضها ابن حبان وكان بعض الأئمة يعظمون هذه الليلة ويجتهدون فيها بالعبادة، وحكي هذا عن خالد بن معدان ومكحول وجماعة وتلقى ذلك عنهم جماعة من عباد أهل البصرة وأنكر ذلك أكثر الأئمة وحكموا على هذا العمل بأنه بدعة منهم فقهاء أهل مكة وعلماء أهل المدينة كمالك وأصحابه، وحكي في هذا الباب عن علماء الشام قولان، ولا يختلف العلماء أن العبادات لا تثبت إلا بأدلة صحيحة ونتعرف على ذلك حتى يكون الحكم على هذه المسألة جلية وواضحة، وقد ذكر الإمام أبو عيسى رحمه الله حديثا وأشار إلى أخر في قوله وفي الباب عن أبي بكر الصديق قال حدثنا أحمد بن منيع أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا الحجاج بن أرطأة عن يحي بن أبي كثير عن عروة عن عائشة قالت فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فخرجت فإذا هو بالبقيع فقال أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله قلت يا رسول الله ظننت أنك أتيت بعض نسائك فقال إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب، وفي الباب عن أبي بكر الصديق حديث أبي بكر الصديق رواه البزار وغيره عن عبد الملك عن مصعب بن أبي ذئب عن القاسم عن محمد عن أبيه أو عمه عن أبي بكر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا كان ليلة النصف من شعبان ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيغفر لعباده إلا ما كان من مشرك أو مشاحن لأخيه) وقد ضعفه البزار والعقيلي وآخرون وقال العقيلي رحمه الله تعالى في النزول ليلة النصف من شعبان أحاديث فيها لين والرواية في النزول في كل ليلة أحاديث ثابتة صحاح وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله ينزل كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من(1/412)
يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له . وهذا الحديث يشمل ليلة النصف من شعبان ويعم غيرها .
قال أبو عيسى حديث عائشة لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث الحجاج وسمعت محمدا أي البخاري يقول بضعف هذا الحديث ، قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى في الحجاج كان من الحفاظ قيل فلم ليس هو عند الناس بذاك قال لأن في حديثه زيادة على حديث الناس ليس يكاد له حديث إلا فيه زيادة ، وقال النسائي ليس بالقوي وقال يعقوب واهي الحديث في حديثه اضطراب كثير وهو صدوق .
العلة الأولى : في الخبر سوء حفظ الحجاج .
العلة الثانية: في الخبر أن الحجاج بن أرطأة لم يسمع هذا الحديث من يحي بن أبي كثير، وقد قال جماعة من الأئمة عن الحجاج بأنه مدلس ، وقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى والحجاج لم يسمع من يحي بن أبي كثير .
العلة الثالثة: يحي بن أبي كثير لم يسمع من عروة قاله البخاري وأشار إلى ذلك الحافظ المزي في ( تهذيب الكمال ) .(1/413)
العلة الرابعة :جاء الحديث في صحيح مسلم من طريق حجاج بن محمد قال حدثني بن جريج عن عبد الله رجل من قريش عن محمد بن قيس بن مخرمة عن عائشة دون آخره (إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان) وهذا موافق لقول الإمام أحمد عن الحجاج في حديثه زيادة على حديث الناس ليس له حديث إلا وفيه زيادة، وقد زاد في هذا الخبر على رواية الحفاظ فهذه أربع علل في هذا الخبر والأحاديث الواردة في الاجتهاد في العبادة ليلة النصف من شعبان أو تخصيص هذه الليلة بقيام من بين الليالي أو تفضيل هذه الليلة على غيرها من الليالي لا يصح من ذلك شيء ولا يصح تحسين ذلك في مجموع الطرق لأن أكثر الطرق في هذا الباب منكره وجاء بعضها عند ابن حبان بأسانيد لينه ولا ترتقي بمجموعها إلى درجة الحسن لأن الحديث الضعيف لا يرتقي بمجموع طرقه إلى درجة الحسن إذا كان أصلاً في الباب، بل ذهب كثير من الأئمة إلى أنه لا يقبل حديث الصدوق إذا تفرد بأصل من الأصول وحينئذ لا نقبل الحديث الضعيف في هذا الباب ولو كان له أكثر من طريق بأصل من الأصول وليس في ليلة النصف من شعبان أصل يرجع إليه حتى نقول بأن هذه الأحاديث ترتقي بمجموعها إلى درجة الحسن، ولا يختلف العلماء أن الله جل وعلا ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الأخر فلا تختص بذلك ليلة النصف من شعبان ولهذا ذهب أكثر الأئمة من أهل مكة ومن أهل المدينة ومن البلاد الأخرى إلى أنه لا يصح في ليلة النصف من شعبان حديث سواء كانت الأحاديث الواردة بأن الله يطَّلع على عباده في ليلة النصف من شعبان أو الأحاديث الواردة في الاجتهاد في العبادة في ليلة النصف من شعبان ومن قال بان المعنى في قول الله جل وعلا {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ }الدخان4 ،هي ليلة النصف من شعبان فهذا غلط وأكثر الأئمة على خلاف هذا القول وظاهر القرآن بل صريح القران بأن هذه الليلة هي ليلة القدر وهي التي أنزل فيها القران وهي التي يفرق فيها(1/414)
كل أمر حكيم ، جاء في حديث عائشة قالت : فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة خشيت عائشة رضي الله عنها أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بعض نسائه وهذا من شدة غيرتها وهذا الجزء من الحديث جاء في صحيح الإمام مسلم ، ويؤخذ من ذلك جملة من الفوائد :
الفائدة الأولى : فيه مشروعية زيارة المقابر وأكثر زيارة النبي صلى الله عليه وسلم للمقابر كانت ليلاً لأن الزيارة ليلاً أكثر تأثيراً وأكثر تخويفاً وزيارة المقابر على أقسام :
القسم الأول : الزيارة المشروعة وهي زيارة قبور المسلمين لتذكر الآخرة والدعاء لهم وهذه الزيارة مختصة بالرجال في أصح قولي العلماء فإن المرأة ممنوعة من زيارة المقابر لحديث عمر بن أبي سلمه عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور) وهذا حديث جيد، وقد صححه ابن حبان وجماعة والفقهاء لا يرون زيارة المقابر على وجه الدوام لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تتخذوا قبري عيدًا) . ولا يرون تخصيص يوم من بين الأيام فإن هذا من المحدثات .
النوع الثاني : زيارة محرمة كزيارة المقابر لتحري الدعاء عند القبور هذا بدعة أو لقراءة القران في المقابر فهذا بدعة أو ما هو أكبر من ذلك كدعاء أصحابه فهذا شرك أكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة .
القسم الثالث : الزيارة المباحة / كزيارة قبور المشركين وأهل الفترة ونحوهم وقد زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه والحديث في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم (استأذنت ربي أن استغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنت ربي أن أزور قبرها فإذن لي)، رواه مسلم في صحيحة هذا دليل على جواز زيارة قبور غير المسلمين ذلك للاتعاظ والتذكير ومعرفة فضل الله عليك .(1/415)
ويؤخذ من هذا المقطع الغيرة الموجودة عند النساء وإن كانت المرأة صالحة فقد خرجت عائشة من بيتها ليلاً ترصد رسول الله صلى الله عليه وسلم تظنه أتى بعض نسائه حين رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله) أي أن يحصل لكِ ظلم فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يظلم أحداً ولا يفضل زوجة على زوجة في القسم وأما أمر القلب فلا يملكه أحد .
ويؤخذ من هذا الحديث أنه لا حرج من خروج المرأة من بيتها إذا أمنت الفتنة وقد يقول قائل إن عائشة خرجت بدون إذن من زوجها وهذا صحيح وهو يحتمل أحد أمرين : الأمر الأول/ أن عائشة حين غلبت عليها الغيرة خرجت بدون إذن وحين رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعنفها فهذا عفو عن حقه وإلا فالأصل أن المرأة لا تخرج إلا بإذن زوجها ويحتمل أن عائشة تعلم من خلقه صلى الله عليه وسلم أنه لا يخالف في مثل هذا .
ويؤخذ من ذلك نفي الظلم عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى :" وما ظلمناهم " وقال تعالى :" وما ظلمهم الله " وقال تعالى :" وما كنا ظالمين " في الحديث القدسي ( قال الله تعالى يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ) رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه من حديث أبي ذر، قد قال الإمام أحمد وغيره هذا أفضل حديث لأهل الشام
ويؤخذ من الحديث التعدد وذلك من قول عائشة (ظننت أنك أتيت بعض نسائك) ففيه التعدد والأمة مجمعة على أن آحاد الناس لا يتزوج بأكثر من أربع ويختص النبي صلى الله عليه وسلم بالزيادة وقوله صلى الله عليه وسلم فقال (إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان) الثابت في الأحاديث المتواترة أن الله تعالى تبارك وتعالى ينزل في كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الأخر، وأهل السنة يثبتون نزول الرب ذاتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل .(1/416)
ويؤخذ من هذا إثبات العلو لله جل وعلا لأن النزول لا يكون إلا من أعلى ولا يختلف أهل السنة في إثبات العلو علو القدر، علو الشرف، وعلو الذات، وهذا الذي يختلف فيه أهل السنة مع الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وطوائف أهل البدع والضلال قال تعالى {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء }الملك16 ، {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ }المعارج4 ،وقال صلى الله عليه وسلم( ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء) ، وقال صلى الله عليه وسلم للجارية (أين الله) ؟ قالت في السماء . رواه مسلم والذي قبله حديث صحيح رواه البخاري وغيره .
قوله ( فيغفر ) فيه إثبات صفة المغفرة لله جل وعلا ولا يختلف أهل السنة في إثبات صفة المغفرة وإثبات صفة الرحمة وإثبات صفة العفو لله تعالى ولا يختلف أهل السنة أن الله تعالى لا يسمى ولا يوصف إلا بما سمى أو وصف به نفسه أو سماه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحاح ولا يدخل القياس في هذا الباب وقد ذكر بعض المتكلمين أن القياس يجدي في هذا الباب وهذا غلط وحكاه بعض العلماء قولاً لأهل السنة وهذا غلط أخر، ليس هذا قولاً لأهل السنة إنما هو قولا لبعض الناس حكاه ابن تيميه عن بعض الناس وإذا قيل عن بعض الناس فلا يعني أنه من قول أهل السنة فغلط بعض المتأخرين فحكاه قولاً لأهل السنة وهذا غلط، هذا من أقوال المتكلمين الاعتماد في هذا الباب على الكتاب وعلى السنة الصحيحة , قوله ( لأكثر من عدد شعر غنم كلب ) أي قبيلة بني كلب وقد خصهم لأنهم أكثر غنما من سائر العرب .
ففيه ضرب الأمثال للتقريب للأفهام .
وفيه دخول الأعمال في مسمى الإيمان وهذا لا يختلف فيه أهل السنة والأدلة في هذا كثيرة جداً قد دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأئمة السلف .(1/417)
ملخص هذا أن حديث الباب فيه أربع علل وقد جاء أوله في صحيح الإمام مسلم ولم يثبت في ليلة النصف من شعبان حديث ، وأما عفو الله ومغفرته لعباده فهذا ثابت في الكتاب والسنة {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً }الزمر53 ،وقال تعالى {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى }طه82 ، {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }الفرقان68 ،وقال تعالى { وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ}التوبة72 ،وقال تعالى { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }الفتح29.
40 - بابُ ما جاءَ في صومِ المُحَرَّمِ
737 - حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ أَخبرنَا أَبُو عَوَانَةَ عن أَبي بِشرٍ عن حُمَيدِ بنِ عَبدِ الرَّحمنِ الحِميَرِيِّ عن أَبي هُريرةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفضلُ الصِّيامِ بعدَ صِيامِ شهرِ رَمضَانَ شهرُ الله المُحَرَّمُ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: حديثُ أَبي هُريرةَ حديثٌ حسنٌ.
738 - حَدَّثَنَا عليُّ بنُ حُجرٍ قَالَ أَخبرنَا عليُّ بنُ مُسهِرٍ عن عَبدِ الرَّحمنِ بنِ إِسحاقَ عن النُّعمَانِ بن سعدٍ عن عليٍّ قَالَ:(1/418)
- "سأَلَهُ رجلٌ فَقَالَ: أَيُّ شهرٍ تأَمُرُني أَنْ أَصومَ بعدَ شهرِ رَمضَانَ؟ فَقَالَ لَهُ: ما سمعتُ أَحداً يسأَلُ عن هَذَا إِلاَّ رجلاً سمعتُهُ يسأَلُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَنا قاعدٌ عِندَهُ فَقَالَ يا رَسُولَ الله: أَيُّ شهرٍ تأَمُرُني أَنْ أَصومَ بعدَ شهرِ رَمضَانَ؟ قَالَ: إِنْ كنتَ صائماً بعدَ شهرِ رَمضَانَ فَصُمْ المُحَرَّمِ فإِنَّهُ شهرُ الله، فِيهِ يومٌ تابَ الله فِيهِ عَلَى قومٍ ويتوبُ فِيهِ عَلَى قومٍ آخرينَ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
الشرح:
قال الامام أبوعيسى رحمه الله تعالى ( باب ما جاء في صوم المحرم ) .
هذا الباب الأربعون من كتاب الصيام ، (باب) أي هذا باب (ما جاء) أي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (في صوم المحرم) أي شهر الله المحرم وأنه أفضل ما تطوع به من الصيام المطلق ولا يلزم من ذلك تفضيل كل يوم من صيام محرم على كل يوم من الشهور الأخرى ، وقد جاء فضل صوم يوم عرفة وانه يكفر سنتين، وقد قال الحسن البصري رحمه الله تعالى (إن الله تعالى افتتح السنة بشهر حرام وختمها بشهر حرام فليس شهر في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرم)، والأشهر الحرم أربعة رجب - ذو القعدة - ذو الحجة - ومحرم , قال الله جل وعلا { مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }التوبة36 .(1/419)
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى حدثنا قتيبة أخبرنا أبو عوانه عن أبي بشر عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الصيام بعد صيام شهر رمضان شهر الله المحرم ) قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن. بمعنى أنه جاء من غير وجه وليس في رواته لا كذاب ولا متهم ولم يكن شاذاً، وهذا الخبر رواه مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه بمثل هذا الإسناد، قال حدثني قتيبة قال أخبرنا أبو عوانه إلى أخره ، ورواه في صحيحه عن زهير بن حرب قال حدثنا جرير عن عبد الملك بن عمير عن محمد بن المنتشر عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ورواه من طريق زائدة عن عبد الملك بمثله ورواه النسائي من طريق شعبة عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية أنه سمع حميد بن عبد الرحمن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ،قال النسائي أرسله شعبة وقد وصله أبو عوانه ومحمد بن المنتشر ،أورده الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه وذهب إليه أكثر الأئمة وأن أفضل الصيام بعد صيام شهر رمضان هو صيام شهر الله المحرم .(1/420)
قوله ( أفضل الصيام ) أفضل مبتدأ وخبره شهر الله المحرم، وقد جاز الابتداء بالنكرة للإضافة إلى المعرفة ولا يختلف العلماء بأنه لا يجب صيام شهر من الشهور إلا رمضان ،وذهب أكثر العلماء إلى أن أفضل الشهور بعد رمضان هو شهر الله المحرم وإن لم يكن واجباً وهذا لا ينافي إكثاره صلى الله عليه وسلم من الصيام في شعبان ،وقد قيل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بفضل شهر الله المحرم إلا متأخراً وهذا الجواب فيه نظر، وقيل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم من شعبان تذكيراً للناس ولأن هذا الشهر يغفل فيه الناس بخلاف شهر الله المحرم فقد نبه على فضله بقوله ولم ينقل عنه لأنه كان يصوم ذلك، وعدم النقل ليس نقلاً للعدم، ولاسيما أن عائشة تقول (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم) وهذا متفق على صحته ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم شهر الله المحرم لوجود موانع وأعذار تمنع من إكثار الصوم فيه كالسفر والمرض ونحو ذلك ، ويحتمل غير ذلك والذي عليه الأكثر أن صيام شهر الله المحرم أفضل من صيام شعبان بدليل أن يوماً واحداً من شهر الله المحرم يكفر سنة كاملة، وهذا لم يرد في صيام شعبان فلا تنافي حينئذ بين فعله صلى الله عليه وسلم وبين قوله فيحمل هذا على وجه وذاك على وجه آخر، وتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم شهراً كاملاً قط إلا رمضان، ويؤخذ من هذا الحديث أن الواجب أفضل من المستحب وهذا واضح لقوله (أفضل الصيام بعد صيام شهر رمضان) لأنه لم يذكر واجباً آخر فقد ذكر شهراً مستحباً وفيه تفضيل بعض الشهور على بعض فإن الله جل وعلا فضل بعض الشهور على بعض، وفضل بعض الأيام على بعض، وفضل بعض الساعات على بعض كآخر ساعة من يوم الجمعة، كما أنه جل وعلا فضل الرجال على النساء أي جنس الرجل على جنس المرأة ومايز وفرق بين الرجال وفضل بعضهم على بعض، وفرق بين النساء وفضل بعضهن على(1/421)
بعض، وتفضيل جنس الرجل على جنس المرأة لا يلزم منه أن يكون كل رجل أفضل من كل امرأة فهذا غلط فعائشة تزن الملايين من الرجال، هذا تفضيل الجنس على الجنس كتفضيل العرب على العجم لا يلزم أن يكون كل عربي أفضل من كل أعجمي فسلمان أيضا يزن الملايين ومن ذلك أيضاً تفضيل شهر الله المحرم لا يلزم منه تفضيل كل يوم من صام محرم على كل يوم من بقية الشهور لأن صيام يوم عرفة يكفر سنتين بخلاف يوم عاشوراء يكفر سنة واحدة .(1/422)
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى حدثنا علي بن حجر قال اخبرنا علي بن مسهر عن عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي قال سأله رجل فقال أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان فقال له ما سمعت أحدا يسأل عن هذا إلا رجلا سمعته يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قاعد عنده فقال يا رسول الله أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان قال إن كنت صائما بعد شهر رمضان فصم المحرم فإنه شهر الله فيه يوم تاب الله فيه على قوم ويتوب فيه على قوم آخرين ، قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب وقد تفرد به عبد الرحمن بن اسحاق عن النعمان بن سعد، ولا يختلف الحفاظ في تضعيف عبد الرحمن قال عنه الإمام أحمد رحمه الله (ليس بشيء منكر الحديث) ، وقال ابن معين (ليس بشيء )، وقد ضعفه البخاري وأبو زرعه والنسائي وآخرون، وأما خاله النعمان بن سعد لم يرو عنه سوى ابن أخته عبد الرحمن وقد ذكره بن حبان في ثقاته ولم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة سوى الترمذي، وقد اتفق الحفاظ على أن هذا الخبر ضعيف وقد تفرد به عبد الرحمن بن إسحاق وهو متفق على ضعفه، وفيه علة أخرى أنه لم يرو عن علي إلا النعمان بن سعد وهو غير معروف، ولم يرو عنه سوى عبد الرحمن الضعيف، فلا يقبل تفرد النعمان عن علي ولا تفرد ابن أخته عن خاله، وهذا الحديث يفيد فضيلة شهر الله المحرم ولم يذكره الإمام أبو عيسى رحمه الله تعالى أصلاً في الباب وقد أورد قبله حديث أبي بشر عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة والخبر وارد في صحيح مسلم وأن أفضل الصيام بعد شهر رمضان هو شهر الله المحرم ، وقوله في هذا الحديث الضعيف (فيه يوم تاب الله على قوم وهم قوم موسى قد نجاهم الله جل وعلا من فرعون وأغرقه، ويتوب فيه على قوم آخرين) وهذا لم يثبت في شيء من الأحاديث وقد ذكر غير واحد من شراح جامع أبي عيسى أن الترمذي رحمه الله تعالى حسن هذا الخبر ويحكون عن المنذر في الترغيب بأنه نقل تحسين الترمذي وأقره وهذا(1/423)
فيه نظر من وجوه :
الوجه الأول: أن الترمذي ضعفه ولم يحسنه لأنه قال حسن غريب وهذا تضعيف .
الأمر الثاني: أن الاصطلاح المشهور عن الترمذي بتعريفه للحسن الذي إذا لم يقرن معه لفظ آخر ،وقال أبو عيسى حسن غريب .
الوجه الثالث : أن في إسناد الخبر عبد الرحمن بن إسحاق، ولا يختلف الحفاظ في ضعفه وهذا غير خاف على أبي عيسى رحمه الله تعالى، وحينئذ لا يمكن لأبي عيسى أن يحسنه وفيه هذا الراوي .(1/424)
الأمر الرابع : أن بعض العلماء نازع في فهم كلام أبي عيسى في الحديث الحسن هل هو بمعنى المقبول أو بمعنى التعريف الذي لا يجيز لا قبولاً ولا رداً، حين قال عنه بأنه ما جاء من غير وجه ولم يكن في رواته لا كذاب ولا متهم ولم يكن شاذاً ، ولكن جاء في جامع أبي عيسى في كتاب العلل (وهذا الذي يقبله الناس)، وعلى كل الحفاظ يتنازعون في هذا لأن هذا التعريف ليس هو الضابط الدقيق لتعريف الحديث الحسن ولأن تعريف الحديث الحسن بالمعنى الاصطلاحي لم يكن معروفاً قبل أبي عيسى، وإن كان جاء لفظ الحسن قبل أبي عيسى ولكن لم يكن على وجه التحديد والمعنى الاصطلاحي، وعلى كل حديث الباب ضعيف بالاتفاق ولم يحسنه أبو عيسى بل ضعفه، وفيه أمر مهم أنبه عليه أن جماعة من المتأخرين ينقلون الخبر عن جامع أبي عيسى وقد أشار إلى ضعفه ولا يحكون تضعيفه فيقولون رواه أبو عيسى، وهذا غلط تجب حكاية كلام أبي عيسى بأنه قد ضعفه اللهم إلا أنه قد يغتفر بمن له إلمام وعلم واسع بعلم الحديث فيرى أن الخبر صحيح فيحكي الحديث ويقول رواه أبو عيسى ثم يشير إلى صحته باعتبار انه يخالف أبا عيسى فهذا قد يقال به وان كنت أرى أن الإنسان يشير إلى تضعيف أبي عيسى ثم بعد ذلك يبدي رأيه أن كان من أهل الرأي، أما كونه يحكي عن أبي عيسى بأنه قد رواه ويكون أبو عيسى قد أنكره فلا يشير إلى هذا فهذا غلط ومن ذلك الذين يحكون أو يرون الأحاديث عن جامع أبي عيسى ويقولون حديث صحيح وقد صححه الترمذي ولا يشيرون إلى تصحيحه فمن الأدب في علم الحديث إذا خرَّجت الحديث عن كتاب أن تشير إلى قول صاحب الكتاب لأنه أحق بهذا من غيره، إذا كان الحديث في جامع أبي عيسى وقد حكم عليه بالصحة تذكر قوله ثم بعد ذلك تذكر رأيك إن كان هذا الذي يتحدث من أهل العلم، والمصيبة أن بعض الناس قد لا يكون من أهل هذا الاختصاص وليس من أهل هذا العلم فيقدم رأيه على رأي أبي عيسى وعلى رأي الأئمة ولا يشير إلى كلام أئمة هذا(1/425)
الشأن في الحكم على هذه الأحاديث وهذا من الأخطاء الموجودة في المنهج وفي الأدب في التعامل مع الأئمة رحمهم الله تعالى، ومن الأخطاء في هذا الباب أن أبا عيسى رحمه الله تعالى كثيراً ما يحكي اتفاق الحفاظ على ضعف هذا الخبر فيأتي بعض المتأخرين فيقول قلت وهذه غفلة أو هذا غلط أو له طريق آخر لم يطلع عليه أبو عيسى، أو نحو هذه العبارات وهذا كله غلط فإن المتقدمين حين يتفقون على ضعف خبر فلا تحفل أن تجده من طريق صحيح فهم أهل الشأن في هذا الباب، وفي نفس الوقت حين يتفقون على تصحيح حديث فلا يمكن أن تجده ضعيفاً فاتفاقهم حجة في هذا الباب وليس لأحد أن ينازعهم فيه ولا يمكن لشخص أن يقول أن هذا من التقليد فيريد أن يجتهد ويأتي بالطوام كصنيع كثير من المعاصرين حين يخالفون الأئمة في منهجهم ويخالفون الحفاظ في أحكامهم يأتون بالعجائب ويقع منهم من التخليط ما الله به عليم فيصححون الأحاديث المنكرة ويضعفون الأحاديث الصحيحة ويأتون إلى الأفراد والغرائب والزيادات الواردة على ما في الصحيحين فيحكمون عليه بصحتها، وهذا كله ناجم في الحقيقة عن الغلط في المنهج وعلى جهل هؤلاء بأصول هذا الباب، وأئمة الحديث حين يختلفون في حديث فإنه لا حرج من قول العالم يميل إلى أحدهما بناء على ما تحصل له من الأدلة والقرائن على ترجيح هذا القول على الأخر، والويل ثم الويل لمن يصحح بالهوى أو يضعف بالهوى إذا كان الحديث يوافق هواه حكم عليه بالصحة تمشية لمذهبه أو لرأيه وإذا كان الحديث لا يوافق هواه طعن فيه ولو بمجرد الظن فلا يجوز هذا فإن الإنسان لا يجوز له أن يقدم على هذا إلا إذا حصل عنده اليقين وعلى أقل تقدير غلبت الظن بأن هذا الخبر ضعيف وذاك صحيح، أقف على قول أبي عيسى ( باب ما جاء في صوم يوم الجمعة )، ربما أن الدرس يتوقف إن شاء الله تعالى إلى ما بعد رمضان إن شاء الله بعد رمضان نواصل شرح جامع أبي عيسى لأن كان الوقوف على كتاب الطهارة ولكن حين(1/426)
أتى رمضان كانت فرصة لأخذ كتاب الصيام ويكون فيه فرصة إن شاء الله نكمل بقية كتاب الصيام ليكون مستوفى مع كتاب الطهارة .
نأخذ الأسئلة الآن :
س: الأخ السائل من مصر يسأل عن حديث الحجامة على الريق أمثل في الشفاء والبركة تزيد في العقل وفي الحفظ فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت ؟
ج: هذا الحديث الصواب أنه ضعيف وهذا الذي ذهب إليه الأكثر من أهل هذا الشأن ثم إن الأخ يقول يريد تفسيرا لهذا الحديث ( اجتنبوا الحجامة الأربعاء والجمعة والسبت ) هذا إذا كان ثابتاً ولكن الصواب أنه ضعيف وعلى قول الذين يصححون يقولون أنه يترتب على ذلك ضرر وأن الحجامة لا تصلح في هذه الأيام لأن الدم لا يهيج والحجامة لا تصلح إلا عند هيجان الدم .
س: هذه سائلة تقول صلينا مع إمام نسي أن يبدأ بتكبيرة الإحرام ونحن بدأنا بها فهل نعيد الصلاة ؟
ج: المفروض من قبل أن يكون في ذلك تنبيه للإمام لأنه لم يدخل في الصلاة ومن تابعه وكبر تكبيرة الإحرام فإن صلاته صحيحه في أصح قولي العلماء ولكن في المستقبل حين تحدث مثل هذه الحادثة يجب على المأموم أن ينبه الإمام ويحتمل تقول السائلة صلينا مع الإمام يحتمل الإمام قد كبر فسمعه من خلفه ولم يسمعه البعيد باعتبار المرأة تكون خلف الرجال وعلى كل هي تسأل عن سؤال سواء كان واقعياً أو افتراضياً من صلى خلف إمام نسي أن يكبر تكبيرة الإحرام يجب عليه أن ينبهه ولكن إذا كانت الصلاة قد انتهت ولاسيما إذا مضى الوقت وانتهى فإن الصلاة تكون صحيحة .(1/427)
س: هذه سائلة من الرياض تقول روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم . رواه أبو داود . تقول الأخت كيف نجمع بين الكفر وعدم قبول الصلاة ؟ .
الجواب : لا تنافي بين الخبرين فإن حديث لم تقبل له صلاة أربعين يوماً هذا الذي يسأل فيه في بعض الأمور الماضية فإن أتى إليه وسأله عن بعض الأمور الماضية فإن هذا لم تقبل صلاته أربعين يوماً، أما الذي يسأله عن الغيب المطلق أو عن الأمور المستقبلية التي لا يعلمها إلا الله فهذا كافر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم .
س: هذا السائل رمز لاسمه بزورق من القاهرة هل تمني الشخص تعجل رحيله عن الدنيا ابتغاء النجاة من المدح والتزكية تحوطه من الناس هل يعتبر هذا يتناوله النص؟(1/428)
ج: النبي صلى الله عليه وسلم يقول (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به) هذا نص عام فإن كان متمنياً لا محالة فليقل (اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)، وهذا الخبر في الصحيح ، منهم من أجاب عن هذا الخبر قال لضر نزل به أي من الأمور الدنيوية ومن المصائب أما إذا خشي على نفسه الفتنة في الدين فلا حرج أن يتمنى الموت قد كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يقول (اللهم إني أسألك قتلاً في سبيلك وشهادة في بلد رسولك محمد صلى الله عليه وسلم)، وهذا صحيح عن عمر رضي الله عنه، فمنهم من ذهب إلى القول الأول وهم الجمهور وأنه لا يجوز تمني الموت مطلقاً سواء كان لمصيبة دنيوية أو خشية الافتتان في الدين وأن الإنسان يقول اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي، فهذا دعاء جامع مانع ، ومنهم من قال لا يجوز تمني الموت إذا كان في الأمور الدنيوية وأما إذا خشي على نفسه الوقوع في الفتنة فقد صنع ذلك كثير من أئمة السلف وقد يقال في الحقيقة بالعموم وأن هذا الدعاء جامع مانع سواء في الأمور الدنيوية أو في الدينية اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( خيركم من طال عمره وحسن عمله ) وهذا حديث جيد والإنسان دائما يسأل الله جل وعلا الثبات وأن الله جل وعلا يعينه على ذكره وشكره وحسن عبادته .
س: وهذا أيضا سؤال من القاهرة مرموز للاسم بأشواق تقول ما حكم من يجد حرارة الشوق في قلبه إلى شيء معين فهل ضبط الجوارح هو المطلوب أقصد عن المحرم فما عبودية القلب حين ذلك ؟(1/429)
ج: الأصل أن يكون القلب متوجها إلى الله جل وعلا وأن لا يكون فيه شعبة إلى المخلوق إلا في المحبة الطبيعية التي لا تقتضي فعل الحرام ولا ترك الواجبات ، طبيعة المسلم أن يجد شوقا لمن يحب ولا لوم في ذلك ما لم يكن هذا الشوق مقتضيا لفعل حرام أو لترك واجب أو يكون هذا الشوق يخرج عن الآداب الشرعية أو يكون في القلب تعلق محرم كتعلق شركي كالعشق الذي الإنسان يتلذذ بالمعشوق ما لا يتلذذ بذكر الله ولا بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا أشرت إلى هذه القضية في كتاب التوحيد في كلام ابن القيم رحمه الله تعالى حين ذكر قصة أسلم كيف حصل له من الضلال والانحراف حين كان تعلقه لغير الله وعلامة ذلك أن الإنسان لا يتأذى يعني إذا كان يحب لله حقيقة ولا يعشق وليس هذا من باب الإعجاب المحرم أنه لا يتأذى بمفارقة هذا ما دام يحبه لله وإن كان يحصل في القلب شيء يسير من ذلك ولكن سرعان ما يتجاوزه ، وأما إذا كان العشق لغير الله وأن هذا من الأمور المحرمة فإنه يحصل له من الهم والغم ما يجعله يتأذى فيما لو فاتته صلاة ما حصل له من الهم والغم كما حصل له بفوات محبوبه.
س: الأخ يقول من الزلفي هل الإجماع يستقل بنفسه عن الكتاب والسنة أو أنه لا إجماع إلا وله دليل خاص أو عام من الكتاب أو السنة ؟
ج: الاجماع نوعان، يمكن تقسيم الإجماع إلى قسمين :
النوع الأول : الإجماع الضروري القطعي الذي لا يختلف فيه أحد من العلماء كالإجماع بأن عدد صلاة الظهر أربع ركعات وأن صلاة المغرب ثلاث وأن صلاة الفجر ركعتان فهذا إجماع قطعي لا يختلف فيه العلماء رحمهم الله تعالى وهذا هو الذي قال عنه العلماء بأن مخالفه يكفر طبعا بشروط التكفير .(1/430)
النوع الثاني : الإجماع الضني / الإجماع القطعي يعتمد على الكتاب وعلى السنة ولا يمكن أن يوجد إجماع قطعي ليس عليه دليل لا من الكتاب ولا من السنة وهذا لابد أن يكون الدليل صريحا أما ما بني على الفهم أو ما بني على الاستنباط فهذا يلحق بالإجماع الضني إذن الإجماع القطعي ما دل عليه دليل من الكتاب أو من السنة أو من كليهما ، فالإجماع أيضا على تحريم الزنا ، الإجماع على تحريم الخمر ، الإجماع على تحريم الربا ، الإجماع على تحريم الغيبة ، الإجماع على تحريم النميمة وغير ذلك من الأمور القطعية وإن كان فيه تفصيل في بعض مسائل الغيبة لكن هذا في الجملة.(1/431)
أما الإجماع الضني فهو الذي لم يحك في الباب غير هذا القول وهذا الذي يعبر عنه بعض العلماء "لا يعلم في ذلك خلافاً " كصنيع الإمام ابن قدامه رحمه الله تعالى في ( المغني ) وهذا جيد يقول لا أعلم في الباب خلافاً لا أحفظ عن أحد من أهل العلم هذا الإجماع الضني، وهو عدم العلم بالمخالف ومثل هذا كثير ما يحكى ويعلم في الباب خلاف لذلك يجب التفريق بين مسألة قتلت بحثاً في عصر السلف ولا يعلم في الباب مخالف فهذا نعم يحكي فيه الإجماع وبين مسألة لم تكن متداولة بين أئمة السلف وإنما حكي عن الواحد وعن الاثنين فيأتي من جاء بعد هؤلاء ويبحث المسألة ولا يجد مخالفاً فيقول أجمع العلماء باعتبار أنه وجد واحداً واثنين ولم يجد مخالفاً لهما وحكاية هذا الإجماع في هذا الباب غلط وهذا هو الإجماع الذي لا يعتمد لا على دليل لا من الكتاب ولا من السنة كحكاية الإجماع مثلا عن نجاسة الدم هذا من الإجماع الضني لأنه ليس في ذلك دليل واضح، كحكاية الإجماع على أن الماء إذا خالطته نجاسة تنجس هذا من الإجماعات الضنية في الحقيقة فيه من خالف كأبي ثور وجماعة وإن كان الشافعي وجماعة يحكون الإجماع في هذا الباب فهذا يسمى من الإجماعات الضنية فهذا لا يكفر المخالف ولا يبدَّع ما دام يعتمد في نقض هذا الإجماع على أدلة واضحة أو ظواهر أدلة أو نقل عن الأئمة يخرق هذا الإجماع حين يقولون مثلاً أن الدم نجس ويحكون الإجماع على أن الدم نجس، الدم كم له من جهة الدم له جهة واحدة، أنا لا أريد تقرير طهارة الدم نأتي إلى هذه المسألة في بابها نبحث عنها لكن أريد فقط نقض الإجماع هنا وأن الإجماع ليس بصحيح فجماعة من الأئمة يحكون الإجماع على نجاسة الدم ويعممون ، ومنهم من يحكي الإجماع على نجاسة دم الآدمي وهذا هو محل الحديث حقيقة ليس بذلك إجماع لأن الدم ليس له إلا جهة واحدة والإمام مالك يرى أن دماء المعارك أو أن الدماء في المعارك طاهرة إذا كانت طاهرة في المعارك لماذا(1/432)
لا تكون طاهرة في غير المعارك لأن الدم ليس له إلا جهة واحدة ليس له جهتان حتى نقول جهة نجسه وجهة طاهرة ، أمر أخر الإمام أحمد رحمه الله تعالى يقول عن دم الشهيد بأنه طاهر إذن ما فيه إجماع في المسألة ، زيادة أيضا على أن بعض العلماء يحكي قولا بأن الدم طاهر مطلقاً فليس في المسألة إجماع ولعل هذا هو الذي حدا بالإمام أحمد إلى أن يقول من ادعى الإجماع فقد كذب وما يدريه لعلهم اختلفوا وهذه دعوة المريسي وأضرابه، ومنهم من حمل كلام الإمام احمد الذين يحكون الإجماع في العقائد بدون مسوغ كأهل البدع والضلال والمنحرفين .
س: هذا السائل مستعجل سأجيب عليه يقول قصة ذبح القسري للجعد بن درهم يقول هل تصح ؟(1/433)
ج: الأسانيد في ذلك ليست بذاك القوية لأن في بعضها عيسى بن أبي عمران وفي بعضها أيوب بن سويد ولكن الأسانيد في الحكايات والقصص لا تعتمد على الأسانيد في تصحيح الأحاديث أو الأخبار المروية عن الصحابة رضي الله عنهم هذه قصة تاريخية ولا يزال الأئمة في تعاملهم ومنهجهم يتسامحون ويتساهلون في هذا الباب وتارة الحكاية والنقل المعروف عن أئمة هذا الشأن يغني عن صحة الإسناد كما أشار إلى ذلك بن عبد البر وغيره فهذه الحكاية ذكرها الإمام الدارمي في رده على الجهمية وليس بين الإمام الدارمي وبين خالد القسري الجعدي سوى ثلاثين عاماً ومع هذا يحكي عن الأئمة ويحكي عن مشايخ وعن علماء في هذا الباب فهذه القصة مشهورة وفي نفس الوقت ليس الاعتماد في هذا الباب على هذه القصة فإن الإمام مالك مثلاً يرى قتل المبتدع الداعي إلى بدعته، وطائفة من العلماء لا يرون هذا وأنه يحبس ويعزر كصنيع عمر في صبيغ الصواب في هذا الباب أنه إذا وجد مبتدع يدعو إلى بدعته أنه يعزر بما يراه أهل الحل والعقل الذين لا يخالطهم الهوى في هذا الباب بما يرونه رادعا له ولغيره سواء كان بحبس وسجن أو بقتله وقد يحضر هذا الباب في هذا العصر لأن الأهواء تتلاعب وقد يسجن العلماء الصادقون تحت غطاء بأن هؤلاء يثيرون الفتن لكن لو وجد حاكم مسلم مطبق لشرع الله وعنده علماء يقولون الحق حيثما توجهت ركائبهم لا يخافون في الله لومة لائم ويتفقون على أن هذا مبتدع ويدعو إلى بدعته ويثير الفتن وأنه استتيب فلم يُفِد ورُد عليه فلم ينتصح ومُنع فأبى أنه قد يكون الحد في هذا الباب أن يقتل مراعاة للمصلحة ودرأ للمفسدة فإذن هذا الباب تراعى فيه المصالح والمفاسد أما إذا كان الحاكم ظالماً ومنحرفاً أو جائراً أو أن العلماء يفتون بما يقول لهم السلطان وفتوى حسب الطلب فيجب إغلاق هذا الباب نهائياً ولاسيما نحن نعرف أن في القرن الثالث والرابع عشرات بل مئات من البدع والدعاة إلى البدع ولم يكن أئمة(1/434)
السلف يذهبون إلى قتلهم كشبابة بن سوار ، الأئمة الستة يخرجون له وهو أحد الدعاة إلى مذاهب أهل البدع ، أبو معاوية محمد بن خازم الضرير ، كذلك ينبغي التفريق أولا بين مبتدع داع و مبتدع داع أخر .
الأمر الثاني: يختلف من مبتدع يريد التشويش وليس عنده علم وبين مبتدع عنده علم وعنده تقوى وورع ولكن هذا اجتهاده في هذه المسألة فهذا لا يجوز الاعتداء عليه بخلاف الأول .
الأمر الثالث : التفريق بين حاكم يريد أن يقتله لأمور سياسية أو لأن هذا مثلاً لا يرتضي سياسته فيريد أن يقتله بسيف الإسلام ينبغي أن نمنعه من هذا الباب ، وبين حاكم مسلم مطبق لشرع الله عنده علماء يفتونه في هذا الباب إذن هذا الباب يحتاج إلى ضوابط وقيود ولكن الجعد بن درهم لم يكن من العلماء أصلا وليس من الفقهاء وليس من أهل العلم ومن أهل التقوى ومن أهل الورع هذا الأمر الأول .
الأمر الثاني : أنه يدعو إلى نقض الإجماع القطعي لأنه يقول إن الله لم يتكلم وهذا مناقض للأدلة القطعية من الكتاب ومن السنة وهو في الحقيقة يناقض الاجماعات القطعية التي يعلمها صبيان أهل التوحيد .
الأمر الثالث : سواء قتل بسيف السياسة كما يقال أو قتل بسيف الإسلام فنحن لا ندخل في النيات كنية القسري ، نعم من هو القسري ومعروف سياسة القسري ! وليس هذا تزكية للقسري ولكنه في الحقيقة إن كانت القصة ثابتة قد أصاب في هذا الباب لأن الجعد بن درهم خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والأئمة المتبوعين ودعا إلى بدعة وليس من أهل العلم الذين يمكن أن يلتمس لهم العذر في هذا الباب أما لو كان من أهل العلم ومن أهل التقوى ومن أهل الورع قد يلتمس له الباب في بعض المسائل وإذا أصر بعد ذلك قد يلجأ إلى سجنه دون قتله وعلى كل الضابط في هذا الباب مراعاة المصالح ودرء المفاسد وعدم فتح الباب للحكام الظلمة في هذا الباب .
والله أعلم نكتفي بهذا وصلى الله على نبينا محمد .(1/435)