المقامة بجامع الراجحي
الدورة العلمية السادسة
(الفترة ما بين 13/2- 23/3/ 1428هـ)
شرحه فضيلة الشيخ / عبد الرحمن العقل
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده ، وبعدُ ؛ فدونك ياطالب العلم شرح كتاب الصيام من بلوغ المرام " نضعها بين يديك راجين لك بها النفع في الدنيا والآخرة ، وقد قمنا بإعداد هذه الشرح بعد أن فرغ فضيلة الشيخ : عبد الرحمن بن عبد العزيز العقل من شرحهما في درسه الذي شارك به ضمن الدورة العلمية السادسة من سلسلة الدورات العلمية الفصلية الشاملة لعلوم الشريعة ، والتي أقيمت في جامع الراجحي ببريدة من تاريخ 13/2/1428هـ وحتى 23/3/1428هـ ، والله نسأل أن يجعل هذا العمل صالحاً ولوجهه خالصاً ، وأن يكتب الأجر لشيخنا الكريم وكل من ساهم في كتابته وإعداده .
وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد
جوال الدورة : 0559772740
بريد الدورة الإلكتروني : alodah1426@hotmail.com
إخوانكم
اللجنة المنظمة للدورات
كتاب الصيام
لما فرغ المؤلف من كتاب الزكاة وما يتعلق به انتقل إلى كتاب الصيام.
الصيام في اللغة : مطلق الإمساك ,كالإمساك عن الأكل والشرب وكذا الكلام إذا أمسك عنه الإنسان فيقال له صائم , قال تعالى: (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً [مريم:26]. وتقول العرب : خيل صائمة أي ممسكة عن الحركة والجري, وتقول العامة هذه أرض صائمة أي ملتبدة متماسكة .
والصيام في الشرع : الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر حتى غروب الشمس, تعبداً لله تعالى .
قولنا: تعبداً لله , أي أن الإمساك لا يكون صياما ً إلا إذا كان على جهة التعبد لله, فلو أن أحداًًَ أمسك عن الأكل لأجل الصحة فليس بصيام . والمفطرات : يدخل فيها الأكل وما في معناه, والشرب وما في معناه والجماع ودواعيه.
الحكمة من فرض الصيام :(1/1)
بينها الله تعالى بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] فهو طريق للتقوى ولا ريب أن التقوى منزلة عظيمة سامية, علق الله قبول العمل عليها , كما قال سبحانه وتعالى : {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] أوصى بها الأولين والآخرين قال تعالى:{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ}, وأخبر أنها ميزان التفاضل {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} وثمة حكم وفوائد كثيرة في الصيام من ذلك :
الصحة البدنية وهذا أمر متقرر معلوم بأن الصيام يخرج الرطوبات وما يتعلق بها.
إضعاف داعي الشهوة لأن الصيام يغلق مجرى الشهوات والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم...والطعام والشراب يقويها .
تذكر حالة الفقراء فحينما يحس الصائم بالجوع والعطش يشعر بمعاناة إخوته الفقراء.
تربية الإنسان على الصبر ولذلك سمي شهر الصبر والصبر من أعظم صفات المؤمن .
شعور الإنسان بالنعم التي أسداها الله عليه, فالصيام له اثر كبير في هذا لأن الإنسان حينما يعتاد على النعم لا يشعر بقيمتها وحينما يفقدها يشعر بقيمتها كما
قيل : وبضدها تتميز الأشياء, فالصحة مثلاً من أعظم النعم ولا يشعر بها الإنسان حتى يفقدها ويمرض ، وهكذا جميع النعم مثل لايشعر المرء بفقدها إلا إذا افتقدها .(1/2)
عموماً الصيام له حكم كثيرة جداً ويكفي المؤمن أن الله تعالى فرضه والله عليم حكيم فيما فرض ، ولا يوجب على المسلمين إلا ما فيه صلاحهم و على المسلم أن يسلم لحكم الله ، ولو لم يدرك هذه الحكمة , وينبغي أن لا يكون تعبد الإنسان مربوطاً بظهور الحكمة, لكن إن أدرك الحكمة فذلك خير ، وإن لم يدركها فليس له إلا التسليم كما قال تعالى : { {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء
وقد شرع الصيام في السنة الثانية من الهجرة ومر بمراحل في مشروعيته كما يلي :
التخيير بين الصيام والإطعام مع تفضيل الصيام كما في قوله تعالى : {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة : 184].
تحتم الصيام على المكلف لكن إذا نام الإنسان الليل ولم يطعم فإنه يواصل إلى الليلة القادمة, ولذلك جاء في البخاري من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائماً فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائماً, فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها : أعندك طعام ؟ قالت: لا ولكن انطلق فأطلب لك , وكان يعمل يومه فغلبته عيناه , فجاءته امرأته, فلما رأته قالت: خيبة لك فلما انتصف النهار غشي عليه, فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ} ففرحوا بها فرحاً شديداً ونزلت: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}(1/3)
المرحلة التي استقر عليها الأمر إلى يوم القيامة ، وهي وجوب الصيام في النهار فقط دون الليل .
ذكر المؤلف رحمه الله أحاديث كثيرة في كتاب الصيام :
الحديث الأول :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صوما فليصمهُ " متفق عليه.
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري حـ 1914- ومسلم 2/762 من طريق أبي سلمه بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الحديث الثاني:
عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: "من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم " .
تخريج الحديث :
اخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم 4/143 فتح - ووصله أبو داود حـ 2334- والترمذي حـ 686 والنسائي 4/153، كلهم من طريق أبي اسحاق عن صلة بن زفر قال كنا عند عمار فأتي بشاة مَصْليةٍ ، فقال: كلوا فتنحى بعض القوم فقال: إني صائم، فقال عمار: " من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم .
حكم الحديث :
حديث عمار صححه جماعة من أهل العلم، قال الترمذي:" حديث عمار حديث حسن صحيح"، وصححه أيضاً الدارقطني والبيهقي والحاكم وابن حجر- رحمهم الله-
الحديث الثالث:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا رأيتموهُ فصوموا، وإذا رأيتموهُ فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا لهُ ". متفق عليه .
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحه حـ1900 ـ ومسلم 2/ 760 من طريق ابن شهاب قال أخبرني سالم عن ابن عمر رضي الله عنه وجاء الحديث عن أبي هريرة في الصحيحين بلفظ " فأكملوا عدة شعبان ثلاثين "
هذه الأحاديث الثلاثة اشتملت على جملة من المسائل:
مسائل الحديث :
المسألة الأولى: حكم تقدم رمضان بالصوم :
دلت السنة على المنع من ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث الباب : {لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين}(1/4)
قال الإمام مالك رحمه الله في الموطأ : "ولم أرى أحداً من أهل العلم والفقه يصومها ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف ، وأهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته وأن يُلْحِقَ برمضانَ ما ليس منه أهلُ الجهالة والجفاء".
قال الإمام المنذري رحمه الله:" والذي خشي منه الإمام مالك قد وقع بالعجم ومراده بذلك أن الأعاجم كانوا يصومون قبل رمضان ظناً منهم أنه من رمضان"
وقد ذهب داود الظاهري إلى أن من صام يوماً أو يومين قبل رمضان فصيامه باطل لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
وذهب جمع من أهل العلم إلى عدم جواز ذلك إلا في حالة واحدة وهي ما جاءت في هذا الحديث حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم { إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه} والمعنى أن من اعتاد صياماً لا لأجل رمضان فليصم وهذا القول الأخير روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن علي وعن عمار وابن مسعود وحذيفة وابن المسيب والنخعي والشعبي وابن سيرين وبه قال الشافعي رحمه الله وقد روى أبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان وأحمد من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم { إذا انتصف شعبان فلا تصوموا} .وسيأتي معنا هذا الحديث
وقد أخذ بعض أهل العلم بظاهر الحديث ومنعوا الصيام من اليوم السادس عشر من شعبان إلى آخر الشهر ولكن ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز الصيام بعد النصف من شعبان وضعفوا الحديث الوارد في ذلك {إذا انتصف شعبان فلا تصوموا} وقال الإمام أحمد وابن معين عن هذا الحديث [إنه منكر] ، وسيأتي تفصيل ذلك
المسألة الثانية : الحكمة من النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين.(1/5)
ذكر ابن الملقن رحمه الله في الإعلام أن بعض أهل العلم يرى أن الحكمة من المنع لأجل التقوي على صيام رمضان ولكن هذه الحكمة بعيدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم أكثر شعبان كما سيأتي ، وأهل العلم يستحبون ذلك . ولعل الأقرب أن الحكمة ما أشار إليه الإمام مالك في الموطأ أن الحكمة لكي لا يلحق برمضان ما ليس منه ، ولكي لا يفهم عامة الناس أنه يشرع صوم آخر شعبان لأجل رمضان .
وأيضاً لئلا لا تُلحق النوافل بالفرائض وقد أيد هذا القول الإمام ابن القيم كما في تهذيب السنن , واستدل بما رواه أبو داود في سننه أن رجلاً دخل المسجد وصلى الفرض ثم قام بتنفل فوثب إليه عمر فأخذ بمنكبيه فهزه ثم قال اجلس فإنه لم يهلك أهل الكتاب إلا أنه لم يكن بين صلواتهم فصل فرفع النبي صلى الله عليه وسلم بصره فقال " أصاب الله بك يا ابن الخطاب)) والحديث تكلم فيه أئمة الحديث ، لكن جاء في صحيح مسلم ما يغني عنه من حديث معاوية
عقب الإمام ابن القيم رحمه الله على هذا الحديث بقوله: "ومقصود عمر أن اتصال الفرض بالنفل إذا حصل معه التمادي وطال الزمن ظن الجهال أن هذا من الفرض".
المسألة الثالثة : هل يجوز الاعتبار بصيام رمضان بالحساب دون الأهلة ؟
هذا غير جائز لأن المعول عليه في الصيام الأهلة لقوله تعالى : (( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ)) ولحديث الباب حيث جاء فيه {إذا رأيتموه فصوموا} المراد الهلال فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الاعتبار في الصيام برؤية الهلال ، وقد نُقل الإجماع على أنه لا يجوز الاعتماد في الصيام على الحساب وأنه يجب الرجوع إلى الأهلة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله في المجلد (25) من الفتاوى "والنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كثيرة وقد أجمع المسلمون عليه"(1/6)
بل اعتبر شيخ الإسلام من يعتمد على الحساب دون الأهلة محدثاً في الدين ، قال رحمه الله "ما زال العلماء يعدون من خرج إلى ذلك قد أدخل في الإسلام ما ليس منه فيتعاملون مع هذه الأقوال بالإنكار الذي يقابل به أهل البدع".
المسألة الرابعة : حكم صوم يوم الشك:
وهو إذا ما حال دون مطلع الهلال غيم أو قتر ليلة الثلاثين من شعبان .
وهذه المسألة التي هي صيام يوم الشك فيها سبعة أقوال , جاء عن الإمام أحمد رحمه الله منها خمسة أقوال لكن لعلها أقوال في المذهب :
القول الأول: القول بالوجوب وهذا القول نفى شيخ الإسلام رحمه الله نسبته إلى الإمام أحمد وكأنه أراد رحمه الله أنه قول لأصحابه.
القول الثاني: القول بتحريم صيام يوم الشك وهو رواية عن الإمام أحمد وهو مذهب الأئمة الثلاثة.
القول الثالث : القول بالكراهة .
القول الرابع : استحباب صيام يوم الشك .
قال شيخ الإسلام رحمه الله "وأكثر نصوص الإمام أحمد إنما تدل على هذا القول وأنه كان يستحبُ صومه ويفعلُه إلا أنه لا يوجبه"
القول الخامس : القول بالإباحة ، وهذا أيضاً نسب للإمام أحمد رحمة الله تعالى.
والصحيح في هذه المسألة مذهب الأئمة الثلاثة تحريم صيام يوم الشك وقد رجح هذا القول جمع من المتقدمين والمتأخرين و ممن انتصر لهذا القول سماحة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله والأدلة الدالة على ترجيح هذا القول كثيرة منها :
الدليل الأول : حديث عمار رضي الله عنه {من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم}.
الدليل الثاني: حديث ابن عمر رضي الله عنه في الصحيحين{الشهر تسع وعشرون ليلة فلا تصوموا حتى
تروه فإن غم عليكم فأكلموا العدة ثلاثين} فقوله أكملوا العدة أمر من النبي صلى الله عليه وسلم بإكمال العدة والأصل في الأمر أنه للوجوب فإذا وجب إكمال شعبان ثلاثين يوماً فالصوم محرم.
الدليل الثالث : حديث أبي هريرة رضي الله عنه حديث الباب ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين...)).(1/7)
الدليل الرابع : ما جاء في مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه {هلك المتنطعون} ووجه الدلالة أن في صيام يوم الشك تنطع بشيء لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه.
نقل ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد عن ابن عبد البر أن القول بكراهة صوم يوم الشك هو رأي عمر وعلي وابن مسعود وحذيفة وابن عباس وأبي هريرة وأنس رضي الله عنهم.
وقد توسع في هذه المسألة الإمامان شيخ الإسلام ابن تيمية في (الفتاوى المجلد25) وتلميذه ابن القيم في زاد المعاد (المجلد الثاني) فليرجع إليهما من أراد الاستزادة .
الحديث الرابع
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : تراءى الناس الهلال، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيتهُ، فصام، وأمر الناس بصيامهِ . رواه أبو داود، وصححه الحاكم وابن حبان.
تخريج الحديث :
أخرجه أبو داود في سننه حـ 2342- والدارمي 2/4 والدارقطني 2/156- كلهم من طريق ابي بكر بن نافع عن ابيه عن ابن عمر ~، والحديث إسناده صحيح وقد صححه ابن حبان والحاكم وابن حزم والنووي وغيرهم.
الحديث الخامس :
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال، فقال: "أتشهد أن إله إلا اللهُ ؟ قال: نعم . قال : أتشهد أن محمداً رسولُ اللهِ ؟ قال: نعم . قال: فأذن في الناس يا بلالُ، أن يصوموا غداً . رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، ورجح النسائي إرسالهُ .
تخريج الحديث :
أخرجه أبو داود في سننه حـ 234- والترمذي في جامعه حـ 691 والنسائي 4/131 - وابن ماجه حـ 1652 - كلهم من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه.
حكم الحديث :
والحديث قد اختلف في وصله و إرساله، لأن سماك بن حرب راويه قد اضطرب فيه، فرواه مرة مرسلاً ورواه مرة موصولاً، والصواب أنه مرسل، كما رجح ذلك النسائي وغيره، وقال الترمذي 3/50 - " وأكثر أصحاب سماك رووا عن سماك عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً "(1/8)
إذاً الحديث ضعيف، لكن يشهد له حديث ابن عمر السابق والحديثان، حديث ابن عمر وحديث ابن عباس اشتملا على مسألة واحدة وهي:
مسائل الحديث :
هل يكفي في دخول رمضان شهادة رجل واحد ؟
دل الحديثان على انه يكتفى في دخول رمضان بشهادة واحد، فإذا جاءنا رجل من المسلمين وأخبرنا بأنه رأى الهلال فيعتد برؤيته , بدلالة حديث ابن عمر رضي الله عنه فإنه رأى الهلال وحده، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فصام وأمر الناس بالصيام.
ولحديث الباب الثاني حديث ابن عباس أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : إني رأيتُ الهلال، فقال:" أتشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وأني رسولُ اللهِ " قال:" يا بلال ناد في الناس فليصومُوا غداً." وسبق أن الراجح إرسال الحديث .
فالنبي صلى الله عليه وسلم اعتد برؤية شخص واحد , ولكن لابد أن يكون من رأى الهلال أهلا لذلك بأن يكون لديه القدرة على الرؤية فلا يكون ضعيف الرؤية يخشى منه التوهم , يحكى أن شيخاً كبيراً أتى القاضي وشهد أنه رأى الهلال فشك القاضي في رؤيته , فخرج معه وكان ذكيا فنظر الرجل إلى الهلال وقال للقاضي : انظر إليه فلم ير شيئا, فتيقظ القاضي أن هذا الشيخ قد غلط وتوهم أن شيئا من حاجبه قد سقط على عينه, فينظر إليه كأنه هلال, فمسح القاضي على عينه وقال: هل ترى شيئا ؟ قال: لا فعلم أنه قد وهم في رؤيته .
والقول بالاكتفاء برؤية الواحد في دخول شهر رمضان هو قول ابن المبارك والإمام أحمد, ورواية عن الإمام الشافعي.
القول الثاني: قول مالك والأوزاعي والليث ورواية ثانية عن الإمام الشافعي أنه لابد من شهادة رجلين في دخول شهر رمضان .
واستدلوا :(1/9)
1) بما جاء عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب الناس يوم الشك في مكة فقال: إني جالست أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وسألتهم, فقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته, فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا" فقوله "فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا" دليل على اعتبار شاهدين, لكن الحديث من طريق الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف .
2) واستدلوا أيضاً بحديث الحارث بن حاطب أمير مكة أنه قال:" عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما " أخرجه
أبو داود والدار قطني, وقال: "إسناده صحيح متصل".
فهذان الحديثان يدلان على أنه لابد من شاهدين في دخول رمضان .
أجاب القائلون بالاكتفاء بشهادة واحد عن هذين الحديثين فقالوا : إن حديث ابن عمر وحديث ابن عباس في قصة الأعرابي دلا على أنه يكتفى بشهادة واحد دلالة منطوق, وحديث عبد الرحمن بن زيد والحارث بن حاطب دلا على أنه لا يكتفي بشهادة الواحد من حيث المفهوم , ومن المقرر في القواعد الأصولية أن دلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم.
والراجح : هو القول الأول أنه يكتفى في دخول شهر رمضان بشهادة رجل واحد .
يقول ابن القيم رحمه الله:" وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه يكتفي في دخول شهر رمضان بشهادة رجل واحد".
أما خروج شهر رمضان : فالجماهير من أهل العلم على أنه لابد فيه من شهادة رجلين بدليل حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب السابق, وحديث الحارث بن حاطب أمير مكة, وأحاديث أخرى في الباب, ولأنه أحوط في الأمر حيث أن الأصل بقاء الشهر فلا يترك هذا الأصل الا لأمر بيِّن.
وذهب أبو ثور إلى أنه يكتفى بشهادة رجل واحد حتى في خروج شهر رمضان خلافا لما عليه الجمهور لكن الأدلة تؤيد رأي الجمهور.
الحديث السادس(1/10)
عن حفصة أم المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له. رواه الخمسة، ومال الترمذي والنسائي إلى ترجيح وقفه، وصححه مرفوعاً ابن خزيمة وابن حبان، وللدارقطني: لا صيام لمن لم يفرضهُ من الليل.
تخريج الحديث :
أخرجه أبو داود حـ 2454ـ والنسائي 4/ 196 ـ والترمذي حـ 730ـ وأحمد 6/ 286 ـ كلهم من طريق ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر عن حفصة رضي الله عنها بلفظ" من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له "
حكم الحديث :
وهذا الحديث قد اختلف في رفعه ووقفه, والصواب أنه موقوف على حفصة وابن عمر، نقل شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة في كتاب الصيام 1/183- عن الميموني أنه قال: سألت أحمد عنه فقال: " أخبرك ماله عندي ذاك الإسناد إلا أنه عن ابن عمر وحفصة إسنادان جيدان " وقال النسائي في الكبرى 2/177- " والصواب عندنا موقوف، ولم يصح رفعه "
ورجح ذلك ايضاً الترمذي في العلل الكبير 1/348- ونقل هذا الرأي عن شيخه أبي عبد الله البخاري، ورجح الموقوف أيضاً ابن التركماني كما في الجوهر النقي 4/202- وابن القيم كما في تهذيب السنين 3/331- والزيلعي كما في نصب الراية 2/434- .
والخلاصة أن الصواب في هذا الحديث انه موقوف كما هو رأي حذاق الحديث .
مسائل الحديث :
وحديث الباب مشتمل على مسألة واحدة وهي:
هل يلزم تبييت النية في الصيام من الليل ؟
للعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:
1) قال مالك إن تبيت النية شرط لصحة الصيام سواء كان الصيام نفلا أو فرضا فلا بد من تبيت النية من الليل, وإذا صام الإنسان ولم يبيت النية فصيامه غير صحيح, واستدلوا بحديث حفصة رضي الله عنها, وحديث الباب"من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له".
2) ذهب أبو حنيفة إلى أنه يصح الصيام ولو لم تبيت نيته من الليل, فيصح بنيته قبل الزوال فرضاً أو نفلاً , وله في ذلك دليلان :(1/11)
ـ ما جاء في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع والربيع بنت معوذ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً يوم عاشوراء إلى أحياء المدينة بأن من لم يطعم فلا يطعم ومن طعم فليمسك " فهذا دليل على صحة الصيام ولو لم يبيت من الليل .
ـ حديث عائشة في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها ذات يوم فقال: أعندكم شيء ؟ قالت: لا, قال:" إني إذاً صائم" ، وسيأتي معنا هذا الحديث
3) ذهب الإمام الشافعي وأحمد إلى أن النية في الفرض لابد أن تقع في جزء من أجزاء الليل وإذا لم تقع في جزء من أجزاء الليل فالصيام غير صحيح, وأما بالنسبة لصيام النفل فالأمر فيه واسع فيجوز بنية في أثناء النهار, فهم يتوسطون ويفرقون في هذه المسألة بين الفرض والنفل.
ويرون أن الأدلة السابقة تنزل على هذا التفصيل فحديث حفصة رضي الله عنها يحمل على صيام الفرض, بينما حديث عائشة السابق وحديث صيام عاشوراء يحمل على النفل .
ـ ومن جهة أخرى قالوا إنه من الملاحظ في الشرع التفريق بين الفريضة و بين النافلة فهناك أشياء تشترط في الفريضة ولا تشترط في النافلة, فمثلاً في الصلاة يشترط القيام في الفريضة للقادر وهو ركن فيها, وأما النافلة فلا يشترط فيها القيام, ومثله استقبال القبلة في النافلة على الراحلة في السفر ، لا يلزم فيه الاستقبال خلافاً للفريضة ، وهكذا يوسع في النافلة ما لا يوسع في الفريضة ، وهكذا بالنسبة للصيام فيجري فيه التفصيل السابق ، ولا شك أن هذا من باب التيسير والتوسيع على المكلفين لأن الإنسان قد يعن له في أثناء النهار الصوم فله أن يصوم نفلاً ولو كانت النية متأخرة .
والتفريق بين صيام النافلة والفريضة تؤيده الأدلة, وأما ما استدل به الإمام مالك فيقال : إن حديث حفصة محمول على صيام الفريضة لأنه جاءت أحاديث أخرى تدل على أن صيام النافلة يصح بنية أثناء النهار.(1/12)
وأما ما استدل به أبو حنيفة في قصة صيام الصحابة يوم عاشوراء, فيقال : أولاً هل كان صيام عاشوراء واجباً ؟ هذه مسألة خلافية, وعلى التسليم بأنه كان واجباً, فإنه لم يأت الوجوب إلا في أثناء النهار, وهذا الذي كان بوسعهم لأنه قد فات الليل, والإنسان يمتثل حينما يأتيه الأمر, والصحابة قد فعلوا ما بوسعهم وصاموا حينما جاءهم الأمر في أثناء النهار ولا يمكنهم أكثر من ذلك .
وبهذا يتبين لنا أن الراجح: هو القول الثالث وهو التفريق بين صيام الفريضة وصيام النافلة، ولكن من العلماء من ألحق النفل المعين بصيام الفريضة، فإذا أردت أن تصوم نفلاً معيناً وليس نفلاً مطلقاً فلا بد من تبيت النية في جزء من أجزاء الليل، فالنفل المعين عندهم يأخذ حكم الفريضة، ومن العلماء من يقول لا يشترط ذلك ولعله الأقرب إلحاقاً له بالنفل المطلق من حيث هو نفل وليس بفرض وبالنسبة للحنفية أيضاً فرقوا بين صيام الواجب الذي في الذمة وبين الصيام المعين كصيام رمضان فقالوا : إن الصيام الواجب في الذمة لا بد فيه من تبيت النية في جزء من أجزاء الليل ، وأما بالنسبة لصيام رمضان فهم كما سبق لا يشترطون تبيت النية .
بالنسبة للأجر هل يكتب له حينما ينوي في أثناء النهار: اختُلِفَ فيه فمنهم من قال إنه يكتب له أجر صيام اليوم كاملاً، لأنه ليس هناك ما يسمى صيام نصف يوم أو ثلثي يوم فله الأجر كاملاً ومنهم من قال: لا يثبت الأجر كاملاً وإنما يثبت من حين النية لحديث:" إنما الأعمال بالنيات....." وهذا الصائم لم ينو الصيام إلا بعد مضي جزء من النهار فيكتب له من حين نوى وهذا أقرب ، والله أعلم لعموم "إنما الأعمال بالنيات"
الحديث السابع:
عن عائشة رضي الله عنها قالت : "دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال : هل عندكم شيء ؟ قلنا : لا. قال : فإني إذاً صائم ثم أتانا يوماً آخر، فقلنا : أهدي لنا حيس ، فقال : أرينيه ، فلقد أصبحت صائماً فأكل " .
تخريج الحديث :(1/13)
أخرجه مسلم في صحيحه في الصوم من طريق طلحه بن يحيى عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها .
مسائل الحديث :
المسألة الأولى : أن صيام النفل تكفي فيه النية من النهار ؟
وهذا هو مذهب جمهور أهل العلم لقوله:" هل عندكم شيء" ؟ قلنا لا قال " فأني إذاً صائم"
والقول الثاني : أنه لا بد من النية من الليل لقوله في آخر الحديث: " أرينيه فلقد أصبحت صائماً " وقد سبق بحث هذه المسألة
والحديث دليل على جواز الإفطار في صوم التطوع ولو بدون عذر، وعند الترمذي وغيره من حديث أم هاني (الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر ) وهو حديث مختلف في صحته وقد حسنه الحافظ العراقي وفيه نظر فقد ضعفه البخاري والترمذي وهو الصحيح ، وقد ذهب أكثر أهل العلم أحمد وإسحاق والشافعي وغيرهم إلى أن الصائم المتطوع إذا أفطر فلا قضاء عليه .
وذهب الإمامان أبو حنيفة ومالك إلى أنه لا يجوز الإفطار بصوم التطوع إلا من عذر وقد قال صاحب مراقي السعود:-
والنفل ليس بالشروع يجب
قف واستمع مسائلاً قد حكموا
صلاتنا وصومنا وحجنا ... في غير ما نظمه مُقَرب
بأنها بالإبتداء تلزم
وعمرة لنا كذا اعتكافا
الشاهد (وصومنا) وناظم هذه الأبيات مالكي .
والصوم عند المالكية يلزم بالشروع فيه وإن كان نفلاً، أما الحنابلة فلا يرون شيئاً من النوافل يلزم بالشروع إلا الحج والعمرة بل فقد أجمع العلماء على أن الحج والعمرة يلزمان بالشروع فيها .
المسألة الثانية : هل تكفي النية لصيام رمضان في أول ليلة من رمضان أم لكل ليلة نية مستقلة ؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة فذهب الإمام أحمد والجمهور إلى أنه يلزم تجديد النية كل ليلة لأن لكل ليلة حكمها ، ولكل ليلة نية مستقلة ولكن ليس معنى هذا أن الإنسان يتكلف النية فمجرد قيامه للسحور كافٍ في نية الصيام.(1/14)
وذهب الإمام مالك وأبو الوفاء بن عقيل إلى أن النية في أول ليلة تكفي عن سائر الشهر، واختار هذا القول طائفة من المحققين ، ويظهر الخلاف في هذه القضية فيما لو أن صائماً نام قبل غروب الشمس بدقائق ولم يستيقظ إلا في نهار الغد فعلى قول من قال لكل ليلة نية ، لا يصح ذلك وعليه القضاء، وعلى القول الآخر أن النية من أول الشهر كافية و يكون الصوم صحيحاً.
الحديث الثامن:
عن سهل بن سعد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ". متفق عليه .
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحه حـ 1957- ومسلم في صحيحه 2/771- من طريق أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه .
وللترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله عز وجل : أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً "
هذا الحديث أخرجه الترمذي حـ 700- وابن خزيمة 3/276- وابن حبان حـ 886- كلهم من طريق الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه، ومدار هذا الحديث على قرة بن عبد الرحمن، قال عنه الإمام احمد : " منكر الحديث جداً " وقال أبو زرعة: " الأحاديث التي يرويها مناكير " ، ولهذا فالأقرب أن الحديث ضعيف .
مسائل الحديث :
حديث سهل وحديث أبي هريرة يدلان على مشروعية تعجيل الإفطار، وهو على سبيل الاستحباب عند الجمهور ، وفيه مخالفة لليهود والنصارى لأنهم كانوا يؤخرون الإفطار، ولهذا أكد النبي صلى الله عليه وسلم على تعجيل الفطر في أحاديث كثيرة , كي لا يقع المسلمون في التشبه بهم، وقد روى الإمام احمد -رحمه الله- من طريق حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من تشبه بقوم فهو منهم " قال شيخ الإسلام في الاقتضاء عن هذا الحديث " إسناده جيد "
والمقصود أن الحديث يدل على مشروعية تعجيل الفطر بعد تحقق الغروب لأن النبي صلى الله عليه وسلم ربط خيرية هذه الأمة به(1/15)
وفي الأمر بتعجيل الفطر عدة حكم منها :
الأولى : إظهار السنة بمخالفة اليهود والنصارى لما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا ً " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر إن اليهود والنصارى يؤخرون " . صححه النووي و البوصيري وغيرهمما .
الثانية : كي لا يزاد في النهار من الليل, فيكون فيه زيادة في فريضة, ومثل هذا قد يشتبه على الجهال خاصة ، وربما فهم أحدهم بتأخير الفطر أن المشروع صيام أول الليل بعد الغروب إلى وقت الصلاة.
الثالثة : أن ذلك أرفق بالصائمين وإنما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ميسراً ولم يبعث معسراً.
وفي الحديث رد على الروافض الذين يؤخرون الفطر حتى تظهر النجوم, وعند ابن خزيمة وابن حبان عن سهل مرفوعاً " لا تزال أمتي على سنتي مالم تنتظر النجوم ". والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان .
ويؤخذ من الحديث كراهية الوصال ؛ لأنه مناقض للأمر بتعجيل الفطر, وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه في آخر الأمر فلما أصر بعض الصحابة واصل النبي صلى الله عليه وسلم بهم يوماً ثم يوماً كالمنكل لهم.
ويؤخذ من الحديث أيضاً مشروعية تأخير صلاة المغرب إلى ما بعد الإفطار, قال أنس رضي الله عنه كما عند ابن خزيمة والبزار: [ما رأيت رسول الله صلى الله عليه قط صلى صلاة المغرب حتى يفطر ولو على شربة ماء].
الحديث التاسع
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تسحروا فإن في السحور بركة "
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحه حـ1923 ومسلم في صحيحه أيضا 2/ 770 ـ من طريق شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس رضي الله عنه
مسائل الحديث :
المسألة الأولى : حكم السحور :
وأجمع أهل العلم على أن السحور مستحب وليس بواجب, وقد نقل الإجماع جمع من أهل العلم منهم القاضي عياض -رحمه الله- وغيره .(1/16)
والسحور من خصائص هذه الأمة ، و يدل لذلك ما رواه مسلم من حديث عمرو بن العاص " فصل مابين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور".
وحديث الباب " تسحروا فإن في السحور بركة .." رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم عشرة من الصحابة كما ذكر ذلك ابن منده -رحمه الله- والسحور مشتمل على فضائل :
أولاً: أن فيه اتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانياً : أن فيه مخالفة لأهل الكتاب, ومخالفة هدي الكفار من مقاصد الشريعة .
ثالثاً : أن وقت السحور هو وقت النزول الإلهي, وهو وقت يستجاب فيه الدعاء, ويستحب في مثل هذا الوقت الذكر والتسبيح والتحميد؛ لأنه وقت الأسحار؛ والله تعالى يقول : (والمستغفرين بالأسحار).
رابعاً : أن السحور قد يكون سبباً لحسن خلق المسلم, ويتبين هذا إذا أدركنا أن الجوع عند بعض الناس سبب للفضاضة وسوء الخلق فإذا تسحر الإنسان ونوى اتباع النبي صلى الله وسلم فإنه يوفق لحسن الخلق والتعامل الحسن مع الناس.
المسألة الثانية : استحباب تأخير السحور إلى قبيل طلوع الفجر الثاني .
والحكمة من تأخير السحور أنه أقرب لحصول التقوي والنشاط في النهار, لأنه كلما أخر الإنسان طعام السحور إلى قريب الفجر؛ كان ذلك أنشط له في النهار, أما إذا تقدم السحور في أول الليل أو في وسطه فإنه قد لا ينشط ولا يكون قوياً في وسط النهار أو في آخره لأن أكلة السحور كانت متقدمة فكان أثرها على الجسد ضعيف.
ومن الحكم في تأخير السحور: أنه أبلغ في مخالفة أهل الكتاب واتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم.(1/17)
والمشروع الفراغ من السحور قبيل طلوع الفجر, لما رواه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه عن زيد بن ثابت قال : تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة ، قال أنس قلت لزيد بن ثابت:" كم بين الآذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية " والمراد بذلك أنه قدر ما بين الانتهاء من السحور وأذان الفجر الثاني خمسين آية, وذلك من الآيات المتوسطة كما ذكر أهل العلم ، ويؤخذ من ذلك :
استحباب الاجتماع على السحور, ونأخذ هذه الفائدة من قول زيد: تسحرنا, وكان هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في طعامه, كان يشرك معه غيره وهذا دليل على كرمه صلى الله عليه وسلم وحسن تعامله ومحبته للناس, وهذا هو الذي ينبغي لطالب العلم أن يكون كريماً وأن يحرص على أن يجتمع بالناس وليكرمهم وينفعهم ولو لم يكن في ذلك إلا الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم لكان كافياً.
الحديث العاشر :
وعن سلمان بن عامر الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر,فإن لم يجد فليفطر على ماء,فإنه طهور".
تخريج الحديث :
رواه الإمام أحمد والنسائي والترمذي وابن حبان وابن خزيمة والحاكم كلهم من طريق عاصم الأحول قال حدثتني حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر, وقد جاء في بعض نسخ البلوغ سليمان بن عامر وصوابه سلمان بن عامر.
ورواه أحمد وابن حبان في صحيحه من طريق هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين به.
حكم الحديث :
قال أبو عيسى " هذا حديث حسن صحيح". وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم , ورواه النسائي في السنن الكبرى وابن حبان وغيرهما من طريق شعبة عن خالد الحذاء عن حفصة بنت سيرين عن سلمان به, وهذا إسناد منقطع بين حفصة وسلمان ويتضح هذا بالطرق السابقة التي دلت على أن الواسطة بينهما الرباب , والرباب لم يرو عنها غير حفصة بنت سيرين ولكن صحح لها الترمذي وغيره فمثلها يستحق وصف الصدق.
مسائل الحديث :(1/18)
والحديث يدل على مشروعية الإفطار على التمر وقد جاء في مسند الإمام أحمد وجامع الترمذي من طريق عبد الرزاق قال حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات فإن لم تكن فعلى تمرات فإن لم تكن حسا حسوات من ماء ".
قال الترمذي " هذا حسن غريب" ,وقال الإمام الدار قطني ـ رحمه الله ـ "هذا إسناد صحيح" فهذا يدلنا على فضيلة الفطر على الرطب إن تيسرت وإلا على تمر فإن لم يتيسر لا هذا ولا هذا فلا أقل من أن يفطر على ماء : " فإنه طهور " كما قال - صلى الله عليه وسلم -
وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة فإن الماء نافع للمعدة مع خلوها من الطعام كما قرر ذلك الطب الحديث وهو موافق لما قرره نبي الهدى صلى الله عليه وسلم فقد جاء ديننا الحنيف بطب القلوب وطب الأبدان ، أما الفطر على تمر , فقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله أن للتمر مع الريق مصالح متعددة ذكر منها رحمه الله :
قتل الدود وتقوية الفم وإعادة الجسم إلى قوته, وقد قرر الطب الحديث أن الصيام يذهب سكريات الجسم أن التمر يعيد للصائم قوته ومافقده من السكريات لأن في التمر فتامينات كثيرة أما الإفطار على المأكولات الحارة فإنها تؤثر على المعدة وبعض الناس لا يراعي مصلحة جسمه فيفطر على تلك الحوار التي ربما تكون شهية ولكن مغبتها ضارة ومصالحها معدومة ، واتباع الشرع وتطبيق السنة مصلحة محضة فعلينا مراعاتها والسير على منوالها.
الحديث الحادي عشر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال, فقال رجل من المسلمين : فإنك تواصل يارسول الله ؟ فقال: وأيكم مثلي ؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما , ثم يوما , ثم رأوا الهلال , فقال : لو تأخر الهلال لزدتكم كالمنكل , لهم حين أبوا أن ينتهوا ".
تخريج الحديث :(1/19)
أخرجه البخاري في صحيحه حـ 1965 ـ ومسلم في صحيحه 2/774 ـ من طريق الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه.
شرح الحديث :
" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال" حقيقة الوصال هو أن يستمر الإنسان في الصيام, بعد الغروب ويواصل إلى نهار الغد بنية المواصلة ، أما إذا لم يكن بنية المواصلة فلايدخل في ذلك كمن لم يجد طعاماً أو شراباً يفطر عليه حتى طلع عليه الفجر ، فهذا ليس وصالاً .
قوله : "وأيكم مثلي" هذا استفهام إنكار وتوبيخ , والاستفهام يأتي لأغراض متعددة ومنها الإنكار والتوبيخ.
ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم عدم المثلية بينه وبينهم بقوله : "إني أبيت..." وفي بعض الروايات : "إني أظل...."
"فلما أبو أن ينتهوا" : أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول به تقديره الانتهاء.
قوله : " ثم رأوا الهلال " هو هلال شوال .
قوله : " كالمنكل لهم" هذا من كلام راوي الحديث, ويسمى إدراجاً عند علماء الحديث, وأراد الراوي أن يبين أن مواصلة النبي صلى الله عليه وسلم تنكيل, والإدراج يكون في السند ويكون في المتن وإدراج المتن ثلاثة أقسام : في أول الحديث ووسطه وآخره .
مثال الإدراج في أول الحديث ـ وهو قليل جداً ـ قول أبي هريرة رضي الله عنه : " أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار"
فقوله " أسبغوا الوضوء " من كلام أبي هريرة وليس من الحديث.
ومثال الإدراج في وسط الحديث : قول الزهري في حديث عائشة رضي الله عنها في الوحي : "والتحنث هو التعبد" أخرجه البخاري , وفي الغالب يكون تفسيراً.
ومثال الإدراج في آخر الحديث مثل حديث الباب, "كالمنكل لهم" .
مسائل الحديث :
المسألة الأولى : المراد بالطعام والسقي في هذا الحديث ؟
اختلف العلماء فيهما على عدة آراء :(1/20)
الرأي الأول : أن المقصود بالطعام والشراب هنا أنه طعام وشراب حقيقي, وقالوا إن هذا مقتضى اللفظ ولا صارف له عن ذلك, وقالوا بأنه يأتي من الجنة ، وحكمه يختلف عن حكم الطعام والشراب الدنيوي فلا يفطر الصائم, ولكن هذا القول ليس صحيحاً لأن الطعام والشراب ينافي حقيقة الصيام, وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يُطعم ويُسقى فلا يكون مواصلاً.
والرأي الثاني : إن المقصود بالطعام والشراب أن الله يخلق في نبيه الري والشبع فيجدهما من غير أن يطعم ويشرب, وهذا القول أيضاً بعيد ، لأنه جاءت أحاديث متعددة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يجوع , بل كان يربط على بطنه الحجر من الجوع, بل قد ظاهر - صلى الله عليه وسلم - بين حجرين كما في الخندق, ولو كان يخلق فيه الري والشبع لما وجد الجوع, إذاً هذا تفسير لا يستقيم.
وقال الجمهور: ليس المقصود بالطعام والشراب ، الطعام والشراب الحسي وإنما المراد لازم الطعام والشراب وهو القوة, فالمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم يُعطي قوة عند الوصال, فلا يتأثر بالمواصلة فيكون المقصود بالطعام والشراب أنه يجد لازمهما من القوة والتحمل .
وثمة رأي رابع وهو: أن المقصود بذلك ما يفضيه الله عليه من الأنس واللذة والطمأنينة التي يجدها فإنها تنسيه الطعام والشراب وتغنيه عنهما ولا ريب أن للطاعة لذة وأنساً , والنبي صلى الله عليه وسلم في أعلى ذروة اللذة والأنس بطاعة الله عزوجل وقد جاء في أشعار العرب مايدل على أن المحبة أحيانا تغني عن الطعام والشراب كقول الشاعر:
لها من ذكراك أحاديث تشغلها عن الشراب وتلهيها عن الزاد(1/21)
وإذا كان هذا في المحبة بين المخلوقين , فما بالك بالمحبة واللذة التي يفيضها الله على نبيه صلى الله عليه وسلم , وهذا ماذهب إليه ابن القيم رحمه الله وقرره في كتابيه:" زاد المعاد", و "مفتاح دار السعادة" , قال: "وكيف لا يكون ذلك ونحن نجد من أحوال السلف رحمهم الله ما يتعجب منه الإنسان كقول بعضهم لو يعلم" الملوك وأبناء الملوك مانحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف" وهم في السعادة والطمأنينة واللذة والأنس في طاعة الله عز وجل, فلو يعلم الملوك الذين غرهم ما هم فيه هذه اللذة الحقيقية لجالدوهم عليها ."
وقال آخر : مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما وجدوا ألذ ما فيها....
واللذة هنا طاعة الله عز وجل, وهذا أمر معلوم ومستفيض في أحوال السلف والصحابة أنهم كانوا يجدون من طاعة الله عز وجل حلاوة ولذة, وللنبي صلى الله عليه وسلم أعلاها وذروتها, ولا مانع أن يقال أن المقصود بالطعام والشراب هو لازمه وهو القوة, مع ما يفيضه الله على نبيه من الأنس واللذة بالطاعة وأن مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم أعلى من مرتبتهم فإنه يجد ما لا يجدون ويقدر على ما لا يقدرون . فهذه مجمل الأقوال في هذه المسألة ، وأقربها آخرها .
المسألة الثانية : حكم الوصال :
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
1) القول الأول : مذهب ابن الزبير وأبي الجوزاء وعدد من السلف أن الوصال جائز لمن قدر عليه ولم يجد فيه مشقة, ولذلك روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح كما ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح أن عبدالله بن الزبير كان يواصل خمسة عشر يوماً وهذا من الغرائب و العجائب, وهناك روايات أخرى أنه كان يواصل سبعة أيام .
واستدل أصحاب هذا القول القائلين بجواز الوصال : بحديث الباب , وقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم واصل بأصحابه ولو كان الوصال محرماً لما واصل بهم ولما ساغ له ذلك.(1/22)
واستدلوا أيضاً بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم" , فقالوا إذا كان النهي لمجرد الرحمة فهذا يدل على أنه ليس نهي تحريم وإنما نهي إرشاد للأفضل .
وكما استدلوا بما جاء عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحجامة والمواصلة ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه فقوله: "ولم يحرمهما " دليل على ذلك , وهذا إسناد صحيح صححه الحافظ ابن حجر وغيره , فهذه ثلاثة أدلة على هذا القول .
2) القول الثاني : قول الجمهور مالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم قالوا بأن الوصال محرم , واستدلوا لما ذهبوا إليه بحديث الباب لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال ,و النهي إذا أطلق فهو للتحريم و لاصارف له عن ذلك , ويؤكد هذا إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على من قال له : " إنك تواصل يارسول الله , قال: وأيكم مثلي؟ " فدل على أن الوصال من خصائصه صلى الله عليه وسلم , وإذا كان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم فلا يسوغ لغيره أن يواصل .
3) القول الثالث: قول الإمام أحمد وإسحاق و ابن المنذر وابن خزيمة قالوا: بأن الوصال يجوز إلى السحر , وما عدا ذلك فلا يجوز, واستدلوا بما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر", قوله: " فليواصل حتى السحر" نص في محل النزاع , دل على جواز المواصلة إلى السحر, رجح هذا ابن القيم رحمه الله : وأشار إلى أنه أعدل الأقوال في المسألة وهو أسهل على المكلف وغاية ما فيه أنه يؤخر عشاءه إلى الفجر.
4) وهناك قول رابع لبعض الشافعية قالوا إن النهي هنا ليس نهي تحريم وإنما هو نهي للكراهة .(1/23)
والراجح: القول الثالث , وهو جواز المواصلة إلى السحر لحديث أبي سعيد وهذا على سبيل الجواز, لكن المستحب للصائم أن يعجل الفطر لقوله صلى الله عليه وسلم:" لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ", لقوله صلى الله عليه وسلم قال: الله عز وجل: "أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً "، والحديثان سبقا.
والقائلون بالجواز استدلوا بحديث الباب وقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم واصل بهم ، ولو كان الوصال محرماً ما واصل بهم فيقال إن الحديث يفيد بأن مواصلة النبي صلى الله عليه وسلم إنما كانت للتنكيل, ومن باب أن يقفوا على الحكمة من النهي, وأحياناً نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الشيء ثم يجد بأصحابه رغبة فيجعلهم يفعلونه لكي يقفوا على الحكمة التي من أجلها نهي عن هذا الأمر, أو من أجلها فعل هذا الأمر, ومن ذلك على سبيل المثال :
ـ لما حاصر النبي صلى الله عليه وسلم ثقيفاً في الطائف ثم أراد أن يرتحل, وجد في نفس الصحابة حرجاً من ذلك ووجد منهم رغبة في أن يقاتلوا ثقيفاً ويدخلوا الطائف , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغدوا على القتال فغدوا عليه, فأصابهم جراح فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا قافلون غداً , فأعجبهم ذلك فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم " فعند ذلك أدركوا حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في ارتحاله.
ومثل هذا أيضاً مواصلة النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث الباب، فهو ليس من باب الإقرار ولكنه من باب إيقاف أصحابه على الحكمة , ومن باب التنكيل بهم كما صرح به الراوي , وأما الاستدلال بحديث عائشة , وأنه نهى عن الوصال رحمة بهم, فلا يخرج الوصال عن التحريم لأن المناهي الشرعية رحمة بالمكلفين ولا ريب في ذلك , فقول عائشة هنا لا يخرج الوصال عن التحريم .
وأما قول الصحابي الذي قال: " ولم يحرمهما " :يعني الحجامة والمواصلة ، فيقال بأنه فهم منه رضي الله عنه , وقد خالفه غيره فيه.(1/24)
أما الحكمة من النهي عن الوصال فهي مركبة من عدة أمور هي:
1ـ من أجل أن لا يمل المكلف من العبادة , فإنه إذا واصل قد يصيبه ملل وسآمة .
2ـ ان مواصلة الصيام قد تؤدي إلى التفريط في شيء من الواجبات فعلى سبيل المثال أنه لو واصل يومين فقد يضعف عن إكمال اليوم التالي فيفطر في وسط النهار ، كما يضعف أيضاً في بقية العبادات .
3ـ أنه قد يكون سبباً في الغلو في الدين وهذا أمر خطير, وطريق إلى التشقيق بالنفس.
من فوائد الحديث :
جواز استخدام " لو" حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم:" لو تأخر لزدتكم " وقد جاء في أحاديث استخدام "لو" وجاء في أحاديث النهي عنها وعلل النبي صلى الله عليه وسلم لذلك بأنها تفتح عمل الشيطان.
والجمع بينهما : أن النهي عن استخدام "لو" فيما إذا استخدمها المتكلم من باب الاعتراض على أقدار الله عز وجل, أومن باب التأسف والتأسي على أمور لا يمكن إدراكها, فيكون ذلك فتحاً لعمل الشيطان , ويكون من الأسباب التي يتسلط فيها الشيطان على المسلم فيحزنه , وأما ماعدا ذلك فيجوز استخدامها من باب الإخبار ، كما استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الباب, وفي قوله صلى الله عليه وسلم " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ...." الخ من الأحاديث. كما دل الحديث على أن الأصل في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم عدم الخصوصية, وهذا يؤخذ من قول الصحابي للنبي صلى الله عليه وسلم : " إنك تواصل " ولا يخصص إلا ما قام الدليل على تخصيصه.
الحديث الثاني عشر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل,فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". رواه البخاري وأبو داود , واللفظ له.
هذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه حـ 1903 من طريق المقبري عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه -
شرح الحديث :(1/25)
قوله (من لم يدع قول الزور) أي : من لم يترك قول الزور ، والزور يطلق على الكذب ويطلق على ما هو اعم من الكذب ، كقول الباطل والعمل بمقتضاه ، وقوله جل وعلا (والذين لا يشهدون الزور ) قيل لا يشهدون شعانين المشركين ولا أعيادهم والحق أن الآية أعم من هذا ، والصحيح في معنى الزور أنه يشمل كل باطل مخالفاً لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه في الشهادات أخص منه في غيره ، فمن يشهد شهادة كذب فهذا يدخل في الزور دخولاً أولياً.
قوله (والجهل) أي : ضد الحلم وهو السفه من شتم وسب ولعن وغيره ، وفي دعاء الخروج من المنزل ( اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أُضل أو أزل أُزل أو أظلم أو أُظلم – الشاهد – أو أجهل أو يجهل علي) ، ومن الجهل الإساءة إلى الآخرين والتعرض لحرمات المؤمنين ، وليس المراد بالجهل هنا الذي هو ضد العلم ، فهذا وإن كان مذموماً إلا أنه غير مراد في الحديث ، فالمراد بالجهل هنا السفه والوقوع في الخطأ في حق الآخرين .
قوله (فليس لله حاجة ) : هذا لا مفهوم له فلا يقال يفهم منه أنه إذا ترك قول الزور والعمل به والجهل فلله فيه حاجة هذا الحديث لا مفهوم له لأن الله غني عن العباد . قال الله تعالى :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر : 15]
فالله غني غنىً مطلقاً من جميع الوجوه فلا يحتاج ربنا جل وعلا إلى أحد من عباده ، وإنما خلقهم ليعبدوه لم يخلقهم من قلة فيستكثر بهم ، ولا من ضعف ليستنصر بهم ، ولا من وحشة فيستأنس بهم ، فمن ظن هذا فقد ظن بربه ظن السوء ، وهذا من أقبح أنواعه وهو كفر باتفاق أهل العلم ، فالمعنى إذاً أن من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فالله غني عن إمساكه عن الطعام والشراب .
الحديث الثالث عشر(1/26)
عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان النبي رضي الله عنه يقبل وهو صائم , ويباشر وهو صائم , ولكنه كان أملككم لإربه". متفق عليه واللفظ لمسلم , وزاد في رواية : "في رمضان" .
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحة حـ 1927- ومسلم في صحيحة 2/777- من طريق إبراهيم النخعي عن الأسود قال: انطلقت انا ومسروق إلى عائشة رضي الله عنها فقلنا لها : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم؟ قالت: نعم ولكنه كان أملككم لإربه أو من أملككم لإربه"
شرح الحديث :
قوله: (لإربه) : تضبط على وجهين :
إِرْبه : بكسر الهمزة وسكون الراء , ويصح فتح الهمزة والراء ( أَرَبه)
وفيها معنيان:
المعنى الأول : أن المقصود الحاجة أي لأملككم لحاجته .
المعنى الثاني : أن المقصود به نفس العضو أي أملككم لعضوه ، والمعنى الأول أرجح.
قوله: (ويباشر و هو صائم ) : المباشرة : تطلق على الجماع كما في قوله تعالى: " فالآن باشروهن" فالمقصود بالمباشرة هنا الجماع، والجماع يكنى عنه بأشياء : كالمباشرة والملامسة ، والعرب تكني عن الأمور التي لا يحسن ذكرها كالجماع، كالغائط وهو المكان المنخفض من الأرض ويكنى به عن الخارج ، والمباشرة في الحديث المراد بها ما دون الجماع قطعاً وعند الطحاوي عن حكيم بن عقال أنه قال لعائشة رضي الله عنها : ما يحرم على الصائم من امرأته؟ قال: فرجها. وهذا الأثر صحح إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح، وأخرج أيضاً عبد الرزاق في المصنف من طريق مسروق بإسناد صحيح أنه سأل عائشة رضي الله عنها فقال: ما يحل لرجل من امرأته إذا كان صائماً ؟ قالت: كل شيء إلا الجماع. فهذان الأثران مع حديث الباب يدلان على أن المقصود بالمباشرة ما دون الجماع .
مسائل الحديث :
وحديث الباب اشتمل على مسألتين :
المسألة الأولى : حكم التقبيل والمباشرة للصائم :
وهذه المسألة خلافية بين أهل العلم، اختلفوا فيها على أقوال كثيرة :(1/27)
القول الأول: أن القبلة والمباشرة للصائم مكروهة وهذا قول المالكية، وقد أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن عمر أنه كره القبلة والمباشرة للصائم.
القول الثاني: أن القبلة والمباشرة للصائم محرمة لقوله تعالى : {فالآن باشروهن} حيث أباح المباشرة بالليل دون النهار, فدل على أنها لا تجوز في النهار, وهذا الاستدلال لا يستقيم لأن المقصود بالمباشرة في الآية الجماع .
القول الثالث: إن المباشرة والقبلة للصائم جائزة وهذا القول يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه واستدلوا:
بحديث عائشة حديث الباب .
وحديث حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم ، أخرجه مسلم.
وفي صحيح مسلم عن عمر بن أبي سلمه ربيب النبي صلى الله عليه وسلم أنه سَألَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم : " َيُقَبلُ الصائمُ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم سل هذه- لأم سلمة - فأَخْبَرْتهُ أَن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك فقال: يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم لهُ .
ما أخرج أبو داود من حديث رجل من الصحابة أنه قال لامرأته انطلقي إلى رسول الله فسليه عن القبلة للصائم، فذهبت وسألت إحدى أمهات المؤمنين، فقالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصنع ذلك، فرجعت إلى بيتها وأخبرته بذلك فقال: إن الله عز وجل يحل لنبيه ما شاء فرجعت تلك المرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرت النبي بذلك فقال:" أما أني أخشاكم وأتقاكم ". وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة .
القول الرابع في المسألة : قول الظاهرية إن القبلة والمباشرة للصائم مستحبة، وهذا قول غريب، وحجتهم إن هذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم فلا أقل من دلالته على الاستحباب(1/28)
القول الخامس في المسألة : التفريق بين الشاب والشيخ، فإن كان شاباً يخشى ألا يملك نفسه فلا تجوز له القبلة، وأما إذا كان شيخاً كبيراً قد ضعفت همته وشهوته فإنه يباشر ويقبل، وهذا التفريق بين الشيخ وبين الشاب قد صح عن ابن عباس رضي الله عنه ، وكما جاء عنه ذلك في الصحيح، وجاء في هذا التفريق حديثان ضعيفان:
أ/ حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة
للصائم ؟ فرخص لهُ وأتاهُ آخر فسألهُ فنهاهُ فإذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه شاب، وهذا الحديث أخرجه أبو داود وغيره، وهو ضعيف لأنه جاء من طريق أبي العنبس الحارث بن عبيد وهو ضعيف عند أهل الحديث .
ب/ وجاء مثله أيضاً من حديث ابن عباس وهو ضعيف كسابقه .
فالقول بالتفريق بين الشاب والشيخ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما صح عن ابن عباس، و الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على عدم التفريق بين الشيخ والشاب كحديث عائشة في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم، وعائشة رضي الله عنها كانت شابة، وحديث عمر بن أبي سلمه ربيب النبي صلى الله عليه وسلم وكان شاباً وأفتاه صلى الله عليه وسلم بجوازها .
القول السادس في المسألة :أنه لا ينظر إلى الشيخ ولا الشاب وإنما يقال من يستطيع أن يملك نفسه وشهوته فله أن يقبل، وأما من لم يستطع ولا يأمن أن يتجاوز إلى الإنزال أو الجماع فإنه لا يجوز.
وهذا القول قوىٌ في هذه المسألة ويدل عليه حديث الباب لأن عائشة قالت: "ولكنهُ أملككم لإربه" فدل على أن المدار هو هذا، فإذا كان يملك نفسه جاز له وإلا فلا .
ولعل هذا القول هو الراجح في هذه المسألة، والآثار تفسر المقصود بالمباشرة كما سبق ولكن تقيد بالقيد الذي ذكر في الحديث ، في قولها " ولكنه أملككم لأربه "
المسألة الثانية : إذا قبل وباشر وترتب على هذا إنزال فما الحكم ؟(1/29)
قال بعض العلماء : عليه القضاء فقط، وذكر ابن قدامه - رحمه الله - أنه لا خلاف بين أهل العلم أنه يجب عليه القضاء .
وقال ابن حزم: أنه لا يلزمه شيء لا القضاء ولا غيره بل صيامه صحيح وهذا قول ضعيف
وقال بعض العلماء : أنه عليه مع القضاء الكفارة وهي كفارة المجامع في نهار رمضان.
والراجح: القول الأول أن عليه القضاء فقط دون الكفارة ولا يقاس هذا على المجامع في نهار رمضان، وهناك فرق بين القبلة والمباشرة وبين الجماع فعلى هذا يقال بأن عليه القضاء دون الكفارة.
ثم ذكر المؤلف بعد ذلك ثلاثة أحاديث في الحجامة للصائم وهي :
الحديث الرابع عشر:
عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن النبي احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم". رواه البخاري.
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحه حـ 1938- من طريق أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه بهذا اللفظ الذي ذكر المصنف.
وقد رجح الإمام أحمد أن لفظة "احتجم وهو صائم" غير محفوظة، و نقل شيخ الإسلام في الفتاوى 25/253 عن مهنا أنه قال: سألت أحمد بن حنبل عن حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم صائم، فقال: "ليس فيه صائم إنما هو محرم " قال شيخ الإسلام : "وهذا الذي ذكره الإمام احمد هو الذي اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم ، ولهذا أعرض مسلم عن الحديث الذي ذكر حجامة الصائم، ولم يثبت إلا حجامة المحرم..."
الحديث الخامس عشر
عن شداد ابن أوسٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم في رمضان.فقال:"أفطر الحاجم والمحجوم". رواه الخمسة إلا الترمذي، وصححه احمد وابن خزيمة وابن حبان .
تخريج الحديث :
أخرجه أبو داود في سننه حـ 2369- والنسائي في الكبرى 2/218- واحمد 4/23- وابن حبان 8/32- كلهم من طريق أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد ابن أوسٍ رضي الله عنه.
حكم الحديث :(1/30)
وهذا الحديث صححه جماعة من أهل الحديث، نقل ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق 2/319 أنه صححه احمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه والدارمي وابن حبان، وقال الترمذي في العلل1/362-"سألت البخاري فقال : ليس في هذا الباب شيء أصح من حديث شداد بن أوس"
الحديث السادس عشر:
وعن أنس بن مالك قال : أول ما كرهت الحجامة للصائم :أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم ,فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " أفطر هذان " ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم, وكان أنس يحتجم وهو صائم . رواه الدار قطني وقواه.
تخريج الحديث :
أخرجه الدارقطني2/182- والبيهقي4/268 كلاهما من طريق خالد بن مخلد عن عبد الله البناني عن أنس رضي الله عنه
حكم الحديث :
والحديث ضعيف لأنه من رواية خالد بن مخلد القطواني وعبد الله بن المثنى البناني وقد تكلم فيهما، كما أن متن الحديث شاذ ، فهو منكر سنداً ومتناً.
قال ابن عبد الهادي ’ في التنقيح2/326- " هذا حديث منكر لا يصح الاحتجاج به لأنه شاذ الإسناد والمتن ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ولا أحد من أصحاب المسانيد المعروفة، ولا يعرف في الدنيا أحد رواه إلا الدار قطني"
مسائل الحديث :
هذه الأحاديث الثلاثة اشتملت على مسألة الحجامة للصائم هل تفطر أم لا ؟
وهذه المسألة اختلف فيها العلماء على قولين:
القول الأول : إن الحجامة تفطر وهذا قول الإمام احمد وإسحاق بن راهوية واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم فقد أطال في كتابه "تهذيب سنن أبي داود" في تقرير هذا المذهب. واستدلوا: بحديث : " أفطر الحاجم والمحجوم" وهو حديث صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
القول الثاني : وهو قول جمهور أهل العلم منهم الأئمة الثلاثة أبوحنيفة ومالك والشافعي قالوا : بأن الحجامة لا تفطر، واستدلوا بأدلة منها :(1/31)
حديث الباب حديث ابن عباس رضي الله عنه في صحيح البخاري أنه قال: "احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم، وفي بعض الروايات:" وهو محرم صائم"، وفي رواية:" احتجم وهو صائم واحتجم وهو محرم"
ما جاء عن أنس رضي الله عنه عندما قيل له: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا إلا من أجل الضعف. رواه البخاري
ماراه النسائي بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة.
ما أخرجه الدار قطني من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: أول ما كرهت الحجامة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يحتجم فقال: "افطر الحاجم والمحجوم"، ثم بعد ذلك رخص في الحجامة" ، وغيرها من الأدلة .
فهذه الأحاديث بمجموعها تفيد أن الحجامة لا تفطر الصائم، فهذا ما استدل به الجمهور.
وأما موقفهم من الأحاديث التي استدل به الإمام أحمد ومن معه فقد أجابوا عنها بعدة أجوبة منها :
منهم من قال بأن حديث " أفطر الحاجم والمحجوم " ضعيف ولا يحتج به, وهذا القول لا يصح لأن الحديث له شواهد وطرق كثيرة يشد بعضها بعضا ً,وقد صححه جم غفير من العلماء كما سلف.(1/32)
ومنهم من قال بأن الحديث منسوخ بأحاديث أخرى منها حديث: "احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم ", وهذا الحديث يرى الشافعي أنه وقع في حجة الوداع لأن ابن عباس يحكي أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم, -وفي رواية- وهو صائم محرم, فقالوا: إن هذا كان في حجة الوداع بينما حديث : "أفطر الحاجم والمحجوم " كان قبل ذلك في عام الفتح حيث جاء في بعض الروايات أنه كان في السنة الثامنة , ومما يدل على أن حديث : " أفطر الحاجم والمحجوم " منسوخ ما جاء في حديث أبي سعيد حيث قال : "رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة " والرخصة لا تكون إلا بعد العزيمة , فدل على أن إفطار الحاجم والمحجوم منسوخ. وكذلك حديث أنس رضي الله عنه فإنه قال" ثم رخص بعد ذلك في الحجامة" فدل على نسخ الفطر بالحجامة.
ومن العلماء من قال إن حديث : " أفطر الحاجم والمحجوم" ليس على ظاهره، وإنما معناه أن الحاجم والمحجوم قد تعرضا للفطر, فبالنسبة للحاجم لأنه لا يأمن وصول شيء إلى حلقه,وبالنسبة للمحجوم فإنه عندما يخرج الدم فإنه سيصيبه ضعف, وهذا الضعف ربما يؤدي به إلى الإفطار .
ومن العلماء من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أفطر الحاجم والمحجوم" حينما مر على حاجم ومحجوم عند غروب الشمس, فأخبر بأن الحاجم والمحجوم قد أفطرا أي أن الغروب قد قارب وسوف يفطرا, وهذا تأويل بعيد ينزه كلام النبي صلى الله عليه وسلم عنه.
ومنهم من قال إنه قال : "أفطر الحاجم والمحجوم" حينما مر على رجلين وهما يغتابان الناس فأخبر أنهما أفطرا بالغيبة, وهذا بعيد ضعيف, يقول ابن خزيمة: "إنه قول عجيب لأن من يقول بهذا القول لا يقول بأن الغيبة مفطرة للصيام, فكيف يقول هذا".(1/33)
فهذه مسالك العلماء في الإجابة, وأقواها القول بنسخ الفطر بالحجامة لصراحة الأدلة في ذلك, ولذلك يقول ابن حزم: "قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أفطر الحاجم والمحجوم", ولكن صح عنه أنه رخص بعد ذلك بالحجامة فيكون الحكم قد نسخ. والإمام أحمد يقول إن لفظة "احتجم وهو صائم" ليست بمحفوظة ورد الحديث مع أن البخاري قد أخرجه في صحيحه ، يقول الحافظ ابن حجر "إن الإمام أحمد رد الحديث لضعف أحد الطرق, ولكن البخاري أخرجه من طريق آخر عن ابن عباس وهو صحيح".
الحديث السابع عشر:
عن عائشة رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل في رمضان، وهو صائم. رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف. وقال الترمذي: لا يصح في هذا الباب شيء.
تخريج الحديث :
أخرجه ابن ماجه في سننه حـ 1678- والبيهقي في سننه أيضاً 4/262- كلاهما من طريق الزبيدي عن هشام بن عروه عن أبيه عن عائشة وهو ضعيف, لأنه من رواية الزبيدي، وهو مجمع على ضعفه كما قال ابن عبد الهادي في التنقيح2/317
وروى الترمذي من طريق أبي عاتكة عن انس رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله " إن عيني تشتكي أفكتحل وأنا صائم قال نعم" وقد ضعفه الترمذي من أجل أبي عاتكة وقال ’ "ولا يصح في الباب شيءً".
وكذا قال الإمام احمد والبخاري وغيرهما.
وجاء عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الإثمد "ليتقه الصائم" قال أبو داود قال لي يحيى بن معين "هذا خبر منكر"
مسائل الحديث :
حكم الكحل للصائم :(1/34)
وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في الكحل للصائم : فذهب إلى منعه الإمام سفيان وإسحاق واحمد رحمهم الله ولكنهم لم يذكروا دليلاً صحيحاً في هذا الباب , والعين ليست منفذاً للمعدة . ولذلك ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الكحل لا يفطر الصائم مطلقاً سواء اكتحل لحاجة أو لغير حاجة ، وسواء اكتحل في صيام النفل أم في صيام الفرض , وبهذا قال الإمام احمد في رواية عنه، وهو مذهب عامة التابعين وأكابر العلماء .
وقد روى أبو داود في سننه عن الأعمش رحمه الله ، وهو أحد أئمة التابعين أنه قال: (مارأيت أحداً من أصحابنا يكره الكحل للصائم) وهذا نقل عن أكابر أهل العلم من التابعين ومن بعدهم ممن أدرك الأعمش، بأنهم لا يكرهون الكحل للصائم . والسبب في هذا أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بمنع الكحل شيءٌ .
ثانياً : أن الأصل البراءة الأصلية, والصيام من شرائع أهل الإسلام الظاهرة ، فلو كان الكحل مفطراً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم بياناً عاماً يعلمه العام فضلاً عن الخاص.
ثالثاً : أن العين ليست منفذاً للمعدة كالأنف ، أما كون الإنسان إذا اكتحل يشعر بالطعم في الحلق ، فهذا لا يدل على أن العين منفذٌ للمعدة ، فلو أن امراءً وطأ بقدمه حنظلاً وتركه بقدمه لشعر بالطعم في حلقه, فهل يدل هذا على أن وطأ الحنظل يفطر ، كلا فوجود الطعم بالحلق ليس مفطراً إنما المفطر الأكل والشرب وما يقوم مقامهما, أما الكحل والطيب وما شابههما فلا تفطر الصائم ، لعدم الدليل الدال على ذلك و للبراءة الأصلية, وليس لنا أن نقول بأن هذا يفطر بدون دليل , وليس هذا خاصاً بالكحل بل بكل ما يمر بنا مما يذكره بعض الفقهاء مفطراً ، علينا أن نبحث عن الدليل وننظر في صحته أيضاً فربما كان الدليل ضعيفاً أو موضوعاً أو كانت الحجة غير مستقيمة ، والخلاصة أن الكحل لا يفطر مطلقاً والله أعلم .
الحديث الثامن عشر:(1/35)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه".متفق عليه .
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحه حـ 1933- ومسلم في صحيحه2/9- من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة. وأخرجه الحاكم في المستدرك 1/595- والدار قطني في سننه 178/2- وابن حبان في صحيحه8/287- من طريق أبي حاتم عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن محمد بن عمرو عم أبي سلمه عن أبي هريرة بلفظ " من أفطر في رمضان ناسياً، فلا قضاء عليه ولا كفارة " وهذا اللفظ أعم من لفظ الصحيحين .
مسائل الحديث :
المسألة الأولى: لِم خص النبي صلى الله عليه وسلم الأكل والشرب دون سائر المفطرات؟
لأن الأكل والشرب أكثر المفطرات وقوعاً, وأكثر ما يحتاج الصائم إليه من المفطرات, ولذلك يرد النسيان في حقهما أكثر, ولا يفهم من هذا أن سائر المفطرات لا تأخذ حكم الأكل والشرب. بدليل رواية "من أفطر في رمضان ناسياً....., فهذه الرواية شاملة لجميع المفطرات
روى البخاري معلقاً عن الحسن ومجاهد أن من جامع ناسياً لا شيء عليه, وقد وصلهما عن الحسن ومجاهد عبدالرزاق في مصنفه, وروى الثوري عن رجل عن الحسن أنه قال: [هو بمنزلة من أكل أو شرب ناسياً]
المسألة الثانية : حكم القضاء على أكل أو شرب ناسياً:
دل ظاهر الحديث على أن من أكل أو شرب ناسياً وهو صائم؛ أن عليه الإتمام وليس عليه القضاء, لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالإتمام فقال "فليتم صومه..."؛ ولو كان القضاء واجباً لأمره به أيضاً, وجاء التصريح بذلك في رواية ابن حبان والدارقطني [إذا أكل الصائم ناسياً أو شرب فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه]. قال الدارقطني: "إسناده صحيح ورجاله ثقات".(1/36)
وجاء الحديث عند الدارقطني وابن حبان وابن خزيمة والحاكم, وبلفظ:[من أفطر في نهار رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة], فهذه الرواية شملت جميع المفطرات, ودلت على أن من فعل مفطراً منها ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة.
والقول بعدم وجوب القضاء هو القول الصحيح وبه أفتى أكثر الصحابة كما ذكر ذلك ابن المنذر وابن حزم ، وممن أفتى بذلك من الصحابة علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبو هريرة وابن عمر -رضي الله عنهم - وهذا هو مذهب جمهور أهل العلم وهو الموافق لقوله تعالى (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطئنا) ، وقد خالف في هذه المسألة الإمام مالك وشيخه ربيعة, وقالا بوجوب القضاء إذا كان الصوم فرضاً؛ لأن ركن الصوم الإمساك وقد بطل بالأكل أو الشرب ونحو ذلك من المفطرات فيلزم من أجل ذلك القضاء وهذا قول مرجوح لأنه مقابل نص صحيح.
المسألة الثالثة : هل يجب القضاء على من جامع ناسياً؟
الجماع في نهار رمضان نسياناً: كالأكل والشرب في نهار رمضان نسياناً، وهذا على القول الصحيح الذي دل عليه عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم [من أفطر في نهار رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة],وهذا مذهب كثير من أهل العلم, وبه قال الشافعي وأبو حنيفة.
وخالف في هذه المسألة الإمام أحمد وعطاء والأوزاعي والليث؛ فأوجبوا القضاء على من جامع في نهار رمضان ناسياً, والقول الأول أن القضاء ليس بواجب اصح لرواية الدارقطني التي صححها " من افطر في نهار رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة "
المسألة الرابعة : هل الأكل والشرب الكثير حال النسيان كالأكل والشرب القليل أم بينهما فرق؟(1/37)
أكثر أهل العلم على أن الحكم عام سواء كان الأكل في حال النسيان كثيراً أو قليلاً, وذلك للإطلاق الوارد في حديث الباب في قوله: [من نسي وهو صائم فأكل أو شرب]؛ حيث لم يخص النبي صلى الله عليه وسلم الحكم بالأكل والشرب القليل. وعليه لو أن صائماً نسي أنه في نهار رمضان فأفطر في الصباح وأكل أكلاً ذريعاً ثم تناول وجبة الغداء فأكل أكلاً ذريعاً وأكل ما بينهما وأكل ما بعدهما وكان ناسياً في ذلك فهل هو معذور أم لا؟
دل حديث الباب على أنه معذور؛ لأنه ناسي وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناسي بالإتمام في قوله: [فليتم صومه] ثم علل بقوله: [إنما أطعمه الله وساقه] وفي رواية [رزق ساقه الله إليه].
الحديث التاسع عشر
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء" رواه الخمسة، وأعله احمد، وقواه الدارقطني .
تخريج الحديث :
أخرجه أبو داود حـ 2380- والترمذي حـ 720- والنسائي 2/215- كلهم من طريق عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه .
حكم الحديث :
والحديث ظاهر إسناده الصحة، ورجاله كلهم ثقات لكن لا يلزم من توثيق رجال الإسناد أن يكون الحديث صحيحاً، وهذه فائدة حديثية هامة, وهي أنه لا يلزم من كون رجال الإسناد ثقات أن يكون الحديث صحيحاً كما في هذا الحديث، فعيسى بن يونس ثقة ، و هشام بن حسان ثقة ، ومحمد بن سيرين ثقة ، فهؤلاء كلهم ثقات، ومع ذلك أعل أكابر المحدثين هذا الحديث.
فنقل أبو داود في مسائله عن احمد أنه سئل عن الحديث فقال:" ليس من ذا بشيء " قال الخطابي " يريد أن الحديث غير محفوظ "
ونقل الترمذي 2/72- والإشبيلي 2/221- عن البخاري أنه قال:" لا أراه محفوظاً ولما ذكر ابن مفلح هذا الحديث في الفروع3/49- قال : "وهو ضعيف عند أحمد والبخاري والترمذي والدارقطني"(1/38)
ولعل علة الحديث أن هشام بن حسان وهم فيه, كما أشار إلى ذلك الدارمي وابن القيم وذكر في تهذيب السنن3/260- أن الثابت عن أبي هريرة رضي الله عنه كما في صحيح البخاري موقوفاً عليه أنه قال: "إذا قاء فلا يفطر، إنما يخرج ولا يولج " والمقصود أن الثابت من فتوى أبي هريرة أن القيء لا يفطر ولو كان هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم مستقراً عند أبي هريرة لما أفتى بخلافه .
مسائل الحديث :
حكم صوم من ذرعه القيء :
قد جاء القول بعدم الفطر بالقيء عن ابن عباس وابن مسعود و عكرمة وغيرهم .
وذهب جمهور أهل العلم إلى التفصيل في هذه المسألة، بأنه إذا ذرعه القيء ولم يكن باختياره، فصومه صحيح، أما إذا استقاء عمداً وطلب التقيء فإن صومه فاسد، قال ابن قدامه : "هذا قول عامة العلماء" ولكن سبق معنا أن أبا هريرة وابن عباس وابن مسعود وعكرمة لا يرون أن القيء يفطر سواء كان عمداً أو دون عمد.
الحديث العشرون
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة، في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم ، ثم قيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام. فقال: " أولئك العصاة، أولئك العصاة". وفي لفظ : فقيل له : إن الناس قد شق عليهم , وإنما ينتظرون ما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب ...
تخريج الحديث :
أخرجه مسلم في صحيحه2/785- من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابررضي الله عنه.
الحديث الحادي والعشرون
عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، إني أجد بي قوة على الصيام في السفر. فهل علي جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسنٌ ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه". رواه مسلم. وأصله في المتفق عليه من حديث عائشة أن حمزة بن عمرو سأل.
تخريج الحديث :(1/39)
أخرجه مسلم في صحيحه2/790- من طريق عروة بن الزبير عن أبي مراوح عن حمزة بن عمرو الأسلمي .. وقد جاء الحديث عن عائشة في الصحيحين بلفظ: أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم أأصوم في السفر ؟ وكان كثير الصيام قال (إن شئت فصم وإن شئت فأفطر) وحمزة بن عمرو هو الذي بشر كعب بن مالك بالتوبة رضي الله عنهما.
من مناقب حمزة بن عمرو الأسلمي راوي الحديث :
قد روى البخاري في التاريخ الكبير حديثاً فيه كرامة لحمزة -رضي الله عنه- والحديث كما في التاريخ الكبير : أن حمزة قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فتفرقنا في ليلة ظلماء حسيمة (شديدة الظلمة) فأضاءت أصابعي حتى حملوا عليها ظهرهم وما هلك منهم وإن أصابعي لتُنير.
وهذا فيه كرامة لهذا الصحابي الجليل, والله سبحانه وتعالى قادر حكيم, ومن حكمته سبحانه أنه يجري بعض الكرامات لبعض أوليائه, ولكن ليعلم أن عدم ثبوت الكرامة لأحد من الصالحين والعلماء؛ لا ينفي فضله وكونه من أولياء الله تعالى, بل قال بعض أهل العلم "إذا لم يكن العلماء من أولياء الله فليس لله ولي".
مسائل الحديث :
المسألة الأولى : هل الحديث في صوم النفل أو في صوم الفرض:
روى أبو داود في سننه من حديث حمزة بن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي عن أبيه عن جده ما هو صريح أنه سأله عن صيام رمضان, وقد أعل ابن حزم -رحمه الله- هذا الحديث, وضعف حمزة بن محمد وأبيه وهناك ما هو صريح وواضح الدلالة في هذه المسألة وهو رواية الإمام مسلم لحديث الباب وسياقه يفيد أن الصوم المسئول عنه في الحديث صوم رمضان لأن حمزة بن عمرو لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أجابه بقول [هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ] وقوله هي رخصة من الله الرخصة لا تكون إلا من عزيمة ولا عزيمة ثابتة في الصيام إلا في صوم رمضان.
المسألة الثانية : ما حكم الصوم في السفر؟(1/40)
اختلف أهل العلم في هذه المسألة فجاء عن ابن عمر و عبد الرحمن بن عوف المنع من الصوم في السفر, وروى عن أبي هريرة أنه أبطل الصوم في السفر وروى نحواً منه عن عمر رضي الله عنه , فهؤلاء أربعة من الصحابة جاء عنهم المنع من الصوم في السفر: عمر وابن عمر وعبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة.
لكن أسانيد هذه الآثار إليهم ليست بالقوية , وبهذا القول قال الإمام ابن حزم -رحمه الله- واستدل من قال بهذا استدل بأدلة منها :
قوله تعالى (فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر) ففهموا من هذه الآية أن المشروع الفطر في السفر وقضاء ما أفطره الإنسان من رمضان بعده.
كما استدلوا بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما, في الصحيحين قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه فقال ما هذا؟ قالوا: صائم قال (ليس من البر الصوم في السفر)
واستدلوا ايضاً بحديث الباب لقوله صلى الله عليه وسلم في حق من صام في السفر"أولئك العصاة أولئك العصاة ".
وذهب جمهور أهل العلم إلى صحة الصوم في السفر لأحاديث كثيرة منها :
حديث الباب حديث حمزة وحديث أنس بن مالك في البخاري ومسلم قال رضي الله عنه : "فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم "
كما استدلوا بما رواه البخاري ومسلم عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر شديد حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبدالله بن رواحة.
وكل هذه الأحاديث فيها رد على ابن حزم حيث أبطل الصيام في السفر , وما ذهب إليه الجمهور هو الذي تدل عليه السنة .
المسألة الثالثة : أيهما أفضل لمن سافر في نهار رمضان الصيام أم الفطر؟
هذه المسألة لها ثلاثة أحوال:(1/41)
الحالة الأولى: أن يجد المسافر مشقة شديدة في الصوم ومثل هذا الصيام في حقه حرام ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن صام في السفر مع المشقة بعدما قيل له أن الناس قد شق عليهم الصيام قال [أولئك العصاة أولئك العصاة] ولا يخفى أنه لا يطلق على الشيء معصية إلا إذا كان محرماً .
الحالة الثانية: أن يكون الفطر أرفق بالمسافر ففي هذه الحالة الفطر أفضل من الصيام, أما إذا كان المسافر يجد في الصوم مشقة يسيرة, فالأقرب في هذه الحالة أن يقال الصوم في حقه مكروه.
الحالة الثالثة: أن يستوي عند المسافر الصيام والفطر فهذه الحال هي موضع البحث وفيها خلاف قوي بين أهل العلم على قولين :
القول الأول : ذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأبو حنيفة إلى أن الصوم في هذه الحالة أفضل من الفطر وقد نسب هذا القول إلى أنس بن مالك وعمر بن عبد العزيز ونسب النووي هذا القول إلى أكثر أهل العلم وهو اختيار سماحة الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- كما في الممتع, وقد استدل أصحاب هذا القول بعدة أدلة منها :
صوم النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي الدرداء السابق " وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة".
حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- في البخاري ومسلم, قال كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا الصائم ومنا المفطر فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.
أن الصيام في هذه الحالة أسرع في إبراء الذمة.
أنه أسهل على المكلف وذلك لموافقته الناس لأن صوم الإنسان مع الناس بلا شك أيسر من صومه بعد ذلك إذا أفطر الناس.
أنه بذلك يدرك زمن الصوم الفاضل وهو رمضان. هذه أبرز الأدلة.
القول الثاني : أن الفطر أفضل وهذا هو مذهب ابن عباس وابن عمر رضي الله عنه وقال [رخصة ربي أحب إلي]. وبه قال سعيد بن المسيب وأحمد والأوزاعي وهو ظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية .(1/42)
وقد تأملت كثيراً في هذه المسألة وبدا لي والله أعلم بالصواب أن القول الثاني أقرب إلى الصواب بدليل رواية الإمام مسلم -رحمه الله- وهي رواية مهمة في حديث الباب وفيها أن حمزة بن عمرو قال للنبي صلى الله عليه وسلم أجد بي قوة في الصيام في السفر أأصوم يا رسول الله فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقول [هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه] وهذه الرواية قد غفل عنها من قال بالقول الأول, والشاهد قوله : "من أخذ بها فحسن " وهذا في حق الفطر , أما الصيام فقال في حقه "ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه "
قال شيخ الإسلام في الفتاوى في 25/210 "ومن قال بأن الفطر لا يجوز إلا لمن عجز عن الصيام فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل" ثم قال "وكذلك من أنكر على المفطر فإنه يستتاب من ذلك ومن قال إن المفطر عليه إثم فإنه يستتاب من ذلك فإن هذه الأحوال خلاف كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأئمة"
الحديث الثاني والعشرون
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: رخص للشيخ الكبير "أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا، ولا قضاء عليه" رواه الدارقطني والحاكم وصححاه.
تخريج الحديث :
أخرجه الدارقطني 2/205- والحاكم 1/607- من طريق خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما .
حكم الحديث :
قال الدارقطني2/205- " إسناده صحيح" وقال الحاكم1/607"هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه".وفي صحيح البخاري من حديث عمرو بن دينار عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقرأ {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} قال ليست بمنسوخة إنما هي في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان عن كل يوم مسكينا.
مسائل الحديث :
كيف يفعل الكبير والمريض اللذان لا يستطيعان الصيام ؟(1/43)
فالكبير الذي لا يستطيع الصوم وكذلك المريض الذي لا يرجى برؤه يفطران ويطعمان عن كل يوم مسكينا, ولو أطعما ثلاثين مسكينا في جفنة أجزأ ، وقد فعله أنس رضي الله عنه كما جاء ذلك عند الدارقطني. وقد ذكر ابن القيم وغيره أنه لا يصار إلى الإطعام إلا عند اليأس من القضاء، وأما المريض الذي يرجى برؤه فلا فدية عليه, فإذا قدر على الصوم لزمه وجوباً لقوله تعالى: {فعدة من أيام أُخر}
المرضع والحامل إذا أفطرتا هل عليهما القضاء ؟
ثبت عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنه أنهما قالا في المرضع والحامل يفطران ويطعمان عن كل يوم مسكينا ولا قضاء عليهما رواه الدارقطني وصححه, وظاهر هذا يخالف ظاهر قول الله تعالى{فعدة من أيام أُخر}
والجواب على ذلك أن العلماء رحمهم الله مختلفون في مسألة القضاء في حق الحامل والمرضع .
فذهب الأئمة الأربعة إلى أنهما يقضيان إلحاقاً لهما بالمسافر والمريض, حيث دلت الأدلة السابقة على وجوب القضاء على المريض والمسافر, وهذا مما أجمع عليه أهل العلم رحمهم الله ولكن اختلفوا في الحامل والمرضع فألحقهما الأئمة الأربعة بالمريض والمسافر فهم بمنزلة واحدة, والصيام فرض على الجميع فلا يسقط إلا عن الذي لا يطيق فحينئذٍ يعدل إلى الفدية , وما ثبت عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنه أنهما قالا "لا قضاء عليهما" يمكن أن يكون اجتهاداً منهما ويمكن أن يكون عن أمر توقيفي لأن ابن عباس فسر آية البقرة بالشيخ الكبير والمرأة الكبيرة فكأنه يرى خصوصيتها للمريض والمسافر ، ولا يبعد أن يقال لا مجال للاجتهاد في هذه المسألة وكيف يتفق صحابيان فقيهان على هذا الأمر إلا عن أمر توقيفي.
لكن قول الجمهور أقوى وأصرح وأصح دليلاً فالأولى للحامل والمرضع إذا أفطرتا أن تقضيا لأن الصيام فرض يجب أداؤه بيقين فلا يترك لأمر مظنون , وأما الإطعام فلا يجب عليهما على القول الراجح إذا قضتا وإنما يلزم عند عدم القدرة على القضاء.
الحديث الثالث والعشرون(1/44)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هلكت يا رسول الله . قال : "وما أهلكك ؟" قال: وقعت على امرأتي في رمضان. فقال : "هل تجد ما تعتق رقبة؟" قال: لا. قال : "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟" قال: لا. قال : "فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟" قال: لا، ثم جلس، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر. فقال : "تصدق بهذا" فقال : أعلى أفقر منا؟ فما بين لا بتيها أهل بيتٍ أحوج إليه منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه. ثم قال : "اذهب فأطعمه أهلك". رواه السبعة واللفظ لمسلم .
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحه حـ1936- ومسلم في صحيحه 2/781- من طريق الزهري قال أخبرني حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه.
هذا الحديث جاء بروايات متعددة .
جاء في بعض روايات الحديث , أن هذا الرجل قال [يا رسول الله هلكت واهلكت] اختلف في زيادة "أهلكت " فمن أهل العلم من صححها كابن خزيمة وابن التركماني وغيرهما, وضعف هذه الزيادة جماعة من أهل العلم كالبيهقي والخطابي.
وجاء في بعض الروايات تسمية هذا الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم وأنه سلمان البياضي وفي بعضها أنه سلمة بن صخر وهو أشهر.
وجاء في رواية الإمام مسلم أنه قال: [ احترقت, قال رسول الله: "ولِم" قال: وطئت أهلي في رمضان نهاراً].
وجاء في رواية عند الإمام مالك في موطئه : [ جاء أعرابي يضرب فخذه وينتف شعره يقول هلك الأبعد] ولكن هذه الرواية مرسلة.
شرح الحديث :
قوله (أتُي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق) : هي بفتح الراء عَرَق على المشهور, وروي بإسكان الراء عرْق, ولعل الأول أصوب .
والعرق : المكتل -كما فسر في الحديث- وهو الزنبيل الذي يحمل فيه التمر.(1/45)
قوله (فوالله ما بين لابتيها) : اللابتان هما الحرتان, في شرق المدينة وفي غربها ,حرة شرقية وحرة غربية, والقادم من مكة إلى المدينة ومن القصيم إلى المدينة يمر بهما .
مسائل الحديث :
حديث الباب اشتمل على العديد من الأحكام والفوائد والمسائل لعلي أذكر أبرز وأهم المسائل وهي ست مسائل :
المسألة الأولى: ما حكم من جامع في نهار رمضان عمداً هل عليه كفارة؟
نقل جمع من أهل العلم- ومنهم البغوي- أن من جامع أهله في نهار رمضان عامداً فصومه فاسد, وتجب عليه الكفارة, وهذا رأي أهل العلم عامة, ولم يخالف في ذلك أحد إلا من شذ كالشعبي -رحمه الله- فإنه لم يرى وجوب الكفارة على من جامع في نهار رمضان, قياساً عنده على الصلاة حيث لا كفارة بإفسادها, ولكن هذا قياس مردود لأنه مخالف لنص صحيح صريح.
وهل يجب على من جامع في نهار رمضان القضاء؟
هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم:
فذهب جمهور أهل العلم إلى وجوب القضاء, لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أبي داود في مراسيله, وجاء أيضاً عند الإمام مالك -رحمه الله- من مرسل سعيد بن المسيب وجاء أيضاً عند أبي داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال للرجل : "صم يوماً مكان ما أصبت" وأما رواية الإمام الزهري -رحمه الله- للحديث فجاء فيها هذه الزيادة من طريق هشام بن سعد قال ابن القيم -رحمه الله- في تهذيب السنن "هذه الزيادة طعن فيها غير واحد من الحفاظ وطريق مسلم أصح وأشهر وليس فيها صم يوماً" ,ثم قال "إنما يصح حديث القضاء مرسلا" ,ثم قال "وأصحاب الزهري الثقات الأثبات كيونس وعقيل ومالك والليث بن سعد وشعيب ومعمر...لم يذكر أحد منهم هذه اللفظة وإنما ذكرها الضعفاء عنه كهشام من سعد" ثم قال "وهم أربعون نفساً لم يذكرها أحد منهم هذه اللفظة.. ".(1/46)
وقد ذهب بعض أهل العلم, وهو أقرب : إلى عدم وجوب القضاء لمن جامع أهله في نهار رمضان عمداً, لأنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم بطريق صحيح أنه أمر هذا الرجل السائل بالقضاء, واكتفاء النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة دون القضاء دليل على وجوب الكفارة فقط, لأنه لا يمكن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يؤخر البيان عن وقت الحاجة إليه كما في حاجة هذا الرجل إلى البيان والتوضيح ، ويمكن أن يقاس ذلك على من ترك الصلاة عمداً ، فإنه عند جماعة من أهل العلم لا يقضيها ، لأنه أذنب ذنباً لا يجبر بالقضاء ، وإنما عليه التوبة الصادقة من هذا الذنب الكبير .
المسألة الثانية : هل كفارة المجامع في نهار رمضان على الترتيب أو التخيير؟
فيه خلاف بين أهل العلم كما يلي :
القول الأول: للإمام مالك أن الكفارة وهي عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا على التخيير لا على الترتيب, بمعنى أن المكفر يختار ما يشاء من هذه الثلاث, وقد أخذ مالك -رحمه الله- بالرواية التي جاءت بالتخيير في حديث الباب كما رواها -رحمه الله- في موطئه.
القول الثاني: وهو الراجح أن الكفارة ليست على التخيير بل هي لازمة على الترتيب فإن كان مستطيعاً لإعتاق الرقبة فيجب عليه ذلك؛ فإن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين؛ فإن عجز فيلزمه إطعام ستين مسكيناً, ودليل هذا القول حديث الباب حيث جاء فيه الترتيب صريحاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هل تجد رقبة فتعتقها قال: لا ,ثم قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال: لا, ثم قال: هل تجد إطعام ستين مسكيناً قال: لا ", وهذه الرواية الدالة على الترتيب هي الرواية الصحيحة.
قال الحافظ بن حجر "رواها عن الزهري تمام ثلاثين نفساً أو أزيد".(1/47)
وهؤلاء الذين رووا القصة كما في حديث الباب, رووها على وجهها وأتوا بها بلفظها الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم , أما رواية الحديث بلفظ التخيير؛ فالأقرب أنه تصرف من بعض الرواة , ولهذا فالصواب وجوب الترتيب, وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وكثير من أهل التحقيق.
المسألة الثالثة : هل على المرأة كفارة إذا جامعها زوجها في نهار رمضان أم الكفارة خاصة بالرجل؟
هذه المسألة لأهل العلم فيها نزاع وخلاف :
القول الأول: وهو قول للشافعي في رواية عنه وهو مذهب داود , أنه ليس على المرأة كفارة, لأن النبي صلى الله عليه وسلم ألزم الرجل بالكفارة ولم يلزم المرأة ولم يذكر للسائل إلا كفارة واحدة ، وقالوا لا كفارة على المرأة لأنه لم يذكر في هذا الحديث أن عليها كفارة, ولو كانت واجبة عليها لأخبر النبي صلى الله عليه وسلم زوجها لكي يخبرها بوجوب الكفارة عليها وقد علمنا أن ترك البيان في وقت الحاجة لا يجوز. قال الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- في الممتع5/ (416): "الصحيح أنه لا قضاء عليها ولا كفارة".
القول الثاني : وهو رأي الأكثر وهو الأقرب أن على المرأة كفارة كما على الرجل ولكن بشرط: أن تطاوعه على الجماع, وهذا هو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد والشافعي في رواية, وحجتهم أن الأصل في الأحكام استواء الرجال والنساء, وتأول هؤلاء حديث الباب وقالوا : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر فيه أن على المرأة كفارة, لأنها كانت مكرهة أو ناسية .
المسألة الرابعة : إذا كرر الرجل الجماع في نهار رمضان فهل يكفيه كفارة واحدة أم عليه أكثر من ذلك ؟
هذه المسألة فيها تفصيل كما يلي:
إن كرر الرجل الجماع في يومين بمعنى أنه جامع في اليوم الأول ثم جامع ثانية في اليوم الثاني ، ففي هذه الحالة عليه كفارتان كفارة لجماعه في اليوم الأول , وكفارة لجماعه في اليوم الثاني.(1/48)
أما إن جامع في يوم واحد مرتين ولم يكفر قبل الجماع الثاني فعليه كفارة واحدة, لأن الجماعين في يوم واحد؛ فيكون كحكم الجماع الواحد فليس عليه إلا كفارة واحدة, وما الحكم لو جامع في يوم واحد جماعين وكفر بعد الجماع الأول فهل عليه كفارة للجماع الثاني؟
فيه خلاف, والأقرب أن هذه المسألة كالأولى فلا يلزمه إلا كفارة واحدة والتعليل: لأن الصوم بطل بالجماع الأول .
هل يلزمه الإمساك في بقية اليوم بعد الجماع أو لا يلزمه الإمساك ؟
في المسألة خلاف وعلى مذهب الإمام أحمد يلزمه الإمساك والراجح : أنه لا يلزمه إمساك بقية يومه لأن الصيام بطل بالجماع وذلك لقول عبد الله بن مسعود كما عند ابن أبي شيبة [من أفطر أول النهار فليفطر آخره].
المسألة الخامسة : قوله صلى الله عليه وسلم (أطعمه أهلك) هل يفهم منه سقوط الكفارة عن هذا الرجل؟
القول الأول : فهم بعض أهل العلم من هذا الحديث أن سقوط الكفارة خاص بهذا الرجل كما في حديث علي بن أبي طالب في هذه القصة - عند الدارقطني- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : "انطلق فكله أنت وعيالك فقد كفر الله عنك" ولكن هذه الزيادة إسنادها ضعيف لأنها من رواية ابن عقده وهو مضعف عند أهل الحديث.
القول الثاني : أن الكفارة باقية في ذمته متى ما أيسر؛ لعدم ورود الدليل على سقوطها وقد دل هذا الحديث على أنها واجبة, والواجب لا يسقط إلا بالأداء فيبقى في ذمته حتى يتيسر له الأداء, وأصحاب هذا القول رأوا أن الطعام الذي كان في المكتل إنما قدمه النبي صلى الله عليه وسلم للرجل ليأكل منه وأهله وليس بكفارة؛ بدليل أنه أذن له أن يطعم أهله منه ولو كان الطعام كفارة لما أذن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
القول الثالث : أن الكفارة قد سقطت عنه لعدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بالإخراج حال اليسر وهذا في حق هذا الرجل وفي حق كل من وقع في مثل ما وقع فيه.(1/49)
قال ابن الوزير : "أجمعوا على أنه إذا عجز عن كفارة الوطء حين الوجوب سقطت إلا الشافعي في أحد قوليه" وهذه المسألة تحتاج إلى مزيد نظر وتأمل .
المسألة السادسة : من جامع في صيام قضاء رمضان هل عليه كفارة؟
الجواب : ليس عليه كفارة إنما الكفارة خاصة بنهار رمضان, وذلك لحرمة هذا الشهر, ولأن الحديث إنما جاء في حق من جامع في نهار رمضان وأما قاعدة (القضاء يحكي الأداء) فهذه لا ترد في مثل هذه الصورة التي نتحدث عنها لوجود فروق كثيرة بين صيام الفرض وصيام النفل كما هو مبسوط في كتب الفقه.
الحديث الرابع والعشرون
عن عائشة وأم سلمه رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جُنباً من الجماع، ثم يغتسل ويصوم. متفق عليه، وزاد مسلم في حديث أم سلمة: "ولا يقضي" .
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري حـ 1925- ومسلم 2/780 من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن عائشة عن أم سلمه زوج النبي صلى الله عليه وسلم .
مسائل الحديث :
وهذا الحديث قد اشتمل على مسألة مهمة في الصيام, وهي:
ما حكم صوم من أصبح جنباً ؟ وهل يعتبر هذا الصيام صحيحاً أم فاسداً ؟
فيه تفصيل لأهل العلم كما يلي :
أولاً : من أصبح جنباً من احتلام؛ فصومه صحيح إجماعاً, نقل الإجماع جماعة منهم الماوردي وغيره, وتعليل ذلك : أن ذلك ليس باختياره, وهو معذور في هذا.
ثانيا : من أصبح جنباً من جماع هل صومه صحيح أم لا ؟
في هذه المسألة قولان :
القول الأول : أن صومه ليس بصحيح, وجاء هذا الرأي عن أبي هريرة رضي الله عنه . كما عند مسلم في صحيحه, وقد رواه أبو هريرة عن الفضل بن العباس, ونص الحديث الذي رواه أبو هريرة عن الفضل مرفوعاً [من أدركه الفجر جنباً فلا يصوم] , قال أبو هريرة : "سمعته من الفضل ولم أسمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم". قال الإمام مسلم في صحيحه : [رجع أبو هريرة عما كان يقوله في ذلك].(1/50)
القول الثاني : أن صومه صحيح, وبه قال الجماهير من الصحابة والتابعين وأهل العلم سلفاً وخلفاً .
والدليل على صحة هذا القول: حديث الباب, حيث جاء فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم
وقد استدل بعض أهل العلم كالشيخ عبدالرحمن السعدي -رحمه الله- وغيره لهذه المسألة بقوله تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) إلى أن قال سبحانه: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر), وجه الدلالة : أن الله أباح الجماع والأكل والشرب في الليل , وهذه الإباحة تقتضي أن هذه المفطرات جائزة من حين أن يدخل الليل حتى يخرج الليل ويطلع الفجر؛ ومقتضى هذا أنه يجوز للإنسان أن يجامع أهله في أي وقت من الليل حتى يبزغ الفجر؛ فيلزم من هذا أن يخرج عليه الفجر وهو جنب, وبذلك نكون قد استدلينا لهذه المسألة بدليل من القرآن والسنة.
ومثل هذه المسألة، لو أن حائضاً طهرت في آخر الليل وطلع عليها الفجر قبل أن تغتسل جمهور أهل العلم أنه لا قضاء عليها, سواء تركت الاغتسال عمداً أو نسياناً, وقد خالف في هذا محمد بن مسلمة فأوجب عليها القضاء, وما ذهب إليه الجمهور هو الصحيح.
الحديث الخامس والعشرون
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه " . متفق عليه .
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري حـ 1952- ومسلم في صحيحه 2/803 من طريق محمد بن جعفر عن عروة بن الزبير عن عائشة .
مسائل الحديث :
اشتمل الحديث على مسائل مهمة وهي:
المسألة الأولى : ما حكم النيابة في الصيام ؟
في هذه المسألة ثلاثة أقوال لأهل العلم:(1/51)
القول الأول : أنه لا يقضى عن الميت مطلقاً سواءً كان صياماً واجباً أو صيام نذر , وهذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحاب هذا القول استدلوا بعموم النصوص التي دلت على أن الصيام كسائر العبادات التي لا تدخلها النيابة ومنها : قوله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) ، وأجاب المالكية عن حديث الباب بأنه خلاف عمل أهل المدينة .
القول الثاني : وهو مقابل القول الأول أنه يقضى عن الميت الصيام مطلقاً, سواءًا كان صيام فرض أو صيام نذر, وبهذا قال أبو ثور والشافعي في رواية عنه ورجحه فضيلة شيخنا ابن عثيمين -رحمه الله- وهؤلاء أخذوا بعموم حديث الباب حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخصص حالةً في القضاء عن الميت دون أخرى فقال [من مات وعليه صيام صام عنه وليه] فهو شامل لكل صيام فرضاً أو نفلاً.
القول الثالث : وسط بين القولين, أنه يصام عنه النذر دون الفرض, وبه قال أحمد وأبو عبيد والليث وهو المنصوص عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنها ورجحه من المتأخرين الإمام ابن القيم كما في تهذيب السنن فقال -رحمه الله- : "هو مقتضى الدليل والقياس لأن النذر ليس واجباً بأصل الشرع وإنما أوجبه العبد على نفسه فصار بمنزلة الدين الذي استدانه وأما الصوم الذي هو أحد أركان الإسلام فلا يدخله النيابة" .(1/52)
وأصحاب هذا القول أجابوا عن حديث الباب؛ بأن عمومه محمول على ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أرايت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان ذلك يؤدي عنها" قالت: نعم, فقال: "فصومي عن أمك " , وفي الرواية الأخرى : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها فقال [لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها] قالت:نعم , قال "فدين الله أحق أن يقضى "، والراجح القول بقضاء الصيام مطلقاً لعموم حديث الباب فهو شامل لكل صيام فرضاً أو نفلاً .
المسألة الثانية : ما المقصود بالولي المذكور في قوله:" صام عنه وليه "؟
ـ من العلماء من قال إن المقصود بالولي مطلق القرابة، من كان بينه وبين الميت قرابة .
ـ ومنهم من قال إن المقصود بالولي الوارث .
ـ ومنهم من قال إن المقصود بالولي العاصب .
فهذه ثلاثة أقوال وأقوى الأقوال هو القول الأول وهو أن المقصود به القريب مطلقاً، وقول من قال بأنه العاصب يرده حديث ابن عباس وفيه:" إن أمي ماتت...".
وأما القول بأنه الوارث فليس بعيد ونعلم أن الورثة يتفاوتون قرباً وبعداً ويجمعهم بأنهم أولياء للميت وقرابات له .
ـ وعلى ما سبق هل للأجنبي عن الميت أن يقضي عنه ؟
اختلف العلماء في ذلك :
أ- فمنهم من رأى اختصاص القضاء بالولي القريب دون غيره، وأما الأجنبي فلا يقضي عنه ، وقالوا إن الأصل في العبادات أنه لا يصوم أحد عن أحد، ولكن النص جاء بهذا الاستثناء وهو صيام الولي عمن مات وعليه صيام فلذلك نتوقف حيث دل النص فيكون القضاء مختصاً بالولي .(1/53)
ب- ومنهم من قال: يجوز أن يقضي الأجنبي عن الميت كالصديق الذي ليس بينه وبين الميت قرابة ، فيجوز أن يصوم عنه، وقالوا إن الحديث جاء على سبيل الغالب : أن العادة أن الذي يقضي عن الميت هم قرابته وهم الذين يتولون شئون الميت، ولكن إذا جاء أجنبي وتبرع بالصيام عنه فلا مانع لاسيما أنه جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنه :"اقضوا الله فدين الله أحق بالقضاء" فشبه من مات وعليه صيام بمن عليه دين، ومن المعلوم أنه لو مات رجل وعليه دين فيجوز أن يؤدي عنه أولياؤه أو غيرهم من الناس، وكذلك الصيام فلا يختص بالأولياء بل يتعدهم إلى غيرهم، ولعل هذا القول أقوى من هذا الجانب .
المسألة الثالثة : بالنسبة للقضاء عن الميت هل هو على سبيل الوجوب فيلزم الأولياء أو هو على سبيل الاستحباب ؟
جمهور العلماء على أنه على سبيل الاستحباب لأن الله تعالى يقول : {ولا تزرُ وازرةٌ وزِرَ أُخرى }، فالقضاء ليس على سبيل الوجوب، وبالغ إمام الحرمين فقال: إن هذا إجماع أي القول بالاستحباب ، والصحيح أنه نُقل خلافٌ في ذلك عن بعض العلماء، فخالف أهل الظاهر فقالوا: إن الميت يقضي عنه أولياءه وجوباً، فهو على سبيل الوجوب عندهم.
المسألة الرابعة : هل يلزم بأن يكون الذي يتولى الصيام واحد أم يجوز أكثر من واحد ؟
الأمر في ذلك واسع، فالمقصود أنه يُؤدى عنه الصيام سواء أكان الذي صام واحد أو أكثر كأن يقوم جماعة من أقربائه فيصومون عنه قدر الأيام التي عليه .
بَابُ صَوْمِ التطَوعِ ، وَمَا نُهِيَ عَنْ صَوْمِهِ
الحديث السادس والعشرون
عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة. فقال : "يكفر السنة الماضية والباقية " وسئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: "يكفر السنة الماضية " وسئل عن صوم يوم الإثنين، فقال: " ذلك يوم ولدت فيه، وبعثت فيه وأنزل علي فيه ". رواه مسلم.
تخريج الحديث :(1/54)
أخرجه مسلم في صحيحه 2/818- من طريق غيلان بن جرير عن عبد الله بن معبد الرماني عن أبي قتادة أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف تصوم؟ فغصب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رأى عمر رضي الله عنه غضبه. قال : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا. نعوذ بالله من غضب رسوله. فجعل عمر يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه. فقال: عمر يا رسول الله! كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: لا صام ولا أفطر، أو قال لم يصم ولم يفطر، قال: كيف من يصوم يومين ويفطر يومين؟ قال وددت أني طوقت ذلك. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله ، وصيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله " هكذا رواه مسلم مطولا.
بعد أن ذكر المصنف كتاب الصوم وما يتعلق به شرع في صيام التطوع والنافلة، ومعلوم أنه وردت أحاديث عديدة في صيام التطوع، وهذا الحديث في صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء ويوم الاثنين.
شرح الحديث :
قوله: "يوم عرفة" هو يوم التاسع من ذي الحجة.
قوله: "يكفر السنة الماضية والباقية" تكفيره للسنة الماضية ظاهر، وأما تكفيره للسنة الباقية مع أنها لم تأت قال بعض العلماء : إنه من باب أن الشخص يوفق لعمل صالح في تلك السنة يكفر الله بتلك الأعمال ما قد يحصل منه.
وقال بعض العلماء: بأن الله عز وجل يوفق الشخص فلا يذنب ذنباً، وهذا بعيد لأن كل ابن آدم خطاء، والذنب من طبيعة البشر، ولكن يمكن أن يقال: أن الله يدخر له من الأجر ما يكون تكفيراً للسنة الباقية وما فيها من ذنوب.
صوم يوم عاشوراء : هو يوم العاشر من شهر محرم وهو على وزن فاعولان.
فعلى هذا يكون يوم عرفة أفضل من يوم عاشوراء لأن يوم عرفة يكفر بصومه سنتين، وأما عاشوراء فيكفر به سنة واحدة، كما جاء في رواية أُخرى: "أحتسب على الله كفارة سنتين"(1/55)
قوله: "ذلك يوم ولدت فيه ويوم بعثت أو أنزل علي فيه" كل هذه الأمور مجتمعة في يوم الاثنين فإنه بعث فيه وولد فيه وأنزل عليه فيه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الخميس والاثنين ويقول: "تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم"
مسائل الحديث :
الحديث فيه مسائل أهمها :
ما حكم صيام يوم عرفة للواقف بها . ولغير الواقف ؟
الحديث دليل على مشروعية صيام يوم عرفة وتأكيده وأنه يكفر السنة الماضية والباقية، ولكن هذه المشروعية لغير الواقف بها، وأما الواقف بعرفة وهو الحاج فالسنة له الإفطار، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أفطر ذلك اليوم كما في حديث أم الفضل رضي الله عنها قالت: شك الناس يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم فبعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشراب فشربه، فعلم منه أنه كان مفطراً في ذلك اليوم ، وسيأتي معنا هذا الحديث .
والحكمة من إفطار الحاج في يوم عرفة : ليتقوى على العبادة في ذلك اليوم، ولذلك شرع الجمع، وتقديم العصر مع الظهر لكي يتفرغ الإنسان في ذلك اليوم العظيم للدعاء والابتهال إلى الله عز وجل، وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل فإنه ما زال رافعاً يديه حتى غربت الشمس حتى أنه إذا احتاج إحدى يديه ليمسك بزمام ونحوه أبقى الأخرى مرفوعة، وإذا كان الإنسان صائماً فإنه لا يتقوى على ذلك.
وذكر شيخ الإسلام حكمة أُخرى وهي : أن يوم عرفة هو يوم اجتماع الحجاج وهو عيد لهم، والأعياد والمناسبات لا يناسبها الصيام، لما رواه أصحاب السنن : "يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب " .
بعض الإشكالات في صيام عاشوراء والإجابة عليها(1/56)
الإشكال الأول : حديث ابن عباس أنه قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء, فسئلوا عن ذلك فقالوا: هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون ونحن نصومه تعظيماً له, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن أولى بموسى منكم ثم أمر بصومه فقوله: " لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة " من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة في ربيع فكيف يقال أنه أول ما قدم المدينة وجدهم يصومون يوم عاشوراء مع أن عاشوراء في الشهر المحرم ؟
ويجاب عن ذلك : بأن ابن عباس يعني بذلك أنه أول ما قدم المدينة ودارت السنة ثم صام اليهود. وقد يكون تأريخ اليهود يختلف فإنهم يؤرخون بالسنة الشمسية بينما العرب كانت تؤرخ بالسنة الهلالية ومنازل القمر , ولذلك فلا يبعد أن يكون وافق قدوم النبي صلى الله عليه وسلم صيامهم .
الإشكال الثاني : حديث عائشة رضي الله عنها وفيه : "كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية .....", فإذا كان عاشوراء معروفاً في الجاهلية فكيف يسأل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود عنه أول ما قدم المدينة مع أنه كان معروفا ًعندهم؟
ويجاب عن ذلك : بأنه قد يكون مراد النبي صلى الله عليه وسلم، أو ربما يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد بهذا السؤال تقرير اليهود والتأكيد بعظمة هذا اليوم.
ولا يمنع أبداً أن يكون السؤال يخرج عن معناه الأصلي إلى أغراض متعددة فقد يكون الغرض من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم هنا هو التقرير والتأكيد.(1/57)
الإشكال الثالث : ورد في أحاديث كثيرة أن الأعمال الصالحة تكفر الذنوب كما في عاشوراء أن صيامه يكفر السنة الماضية , وكما في عرفة أن صيامها يكفر السنة الماضية والقابلة كما في حديث عثمان رضي الله عنه أنه توضأ وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه"، و" من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه "، و"من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، وحديث " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"، وأحاديث أخرى كثيرة فما المقصود بتكفير الذنوب في هذه الأحاديث؟ ،
هل التكفير يختص بالصغائر أم يتناول الكبائر والصغائر؟
للعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول : أن الأعمال الواردة تكفر الصغائر فقط بشرط أن تجتنب الكبائر ، واستدلوا بدليلين:
1- الآية الكريمة في سورة النساء: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً} فالتكفير مشروط باجتناب الكبائر.
2- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر " فدل الحديث على أن هذه الأعمال المذكورة مكفرات إذا اجتنب الكبائر أي بهذا الشرط ..
القول الثاني : أن الأعمال الصالحة تكفر الصغائر ولا يشترط اجتناب الكبائر بل إذا كان عند الإنسان كبائر وصغائر , فإن الأعمال الصالحة هذه تكفر الصغائر مع وجود الكبائر.(1/58)
وقالوا بأن النصوص الواردة في هذا الباب تكفر الذنوب من غير اشتراط ، ولم يأت فيها اشتراط ترك الكبائر كحديث أبي قتادة في صيام عرفة ، وحديث صيام رمضان وقيامه ، وحديث العمرة ونحوه، وأجابوا عما استدل به أصحاب القول الأول بما يأتي :
بالنسبة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر" فقد ذكر النووي في شرح مسلم : أن المقصود بالاستثناء استثناء الكبائر وأنها غير داخلة بالتكفير.
أما استدلالهم بآية النساء فقالوا إن الآية فيها أن مجرد اجتناب الكبائر مكفر من مكفرات الذنوب وليس فيها إشارة إلى أنه إذا كان هناك أعمال صالحة زائدة على اجتناب الكبائر لا تكفر الصغائر إلا باجتنابها، بل فيها دلالة على أن مجرد اجتناب الكبائر مكفر للذنوب، والأعمال الصالحة رفعة في الدرجات. فعلى سبيل المثال: لو وجد شخص يجتنب الكبائر وهو مقتصر على الواجبات وعنده صغائر فالآية دالة على تكفير الصغائر بسبب اجتناب الكبائر أما لو كان عنده كبائر وصغائر وعنده أعمال صالحة زائدة على الواجبات فالآية لا تشمله فبقي أن نقول أن الأعمال الصالحة عنده تكفر الصغائر والآية لا تتناوله إذ أنها خاصة فيمن يجتنب الكبائر.
على أننا لو تأملنا تأملاً دقيقاً لو جدنا أن الحديث مفسرٌ للآية لأن الحديث ليس فيه شيء زائد على الواجبات ( صيام رمضان- الصلاة- الجمعة) فتركها كبائر واجتناب تركها اجتناب للكبائر, فعلى هذا يكون الحديث مفسراً للآية, والحديث والآية أفادا أن اجتناب الكبائر مكفر للذنوب.
القول الثالث : أن الأعمال الصالحة تكفر الصغائر وقد تصل إلى تكفير الكبائر وعلى رأس القائلين بهذا شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم,ولذلك ذكر ابن القيم أن الأعمال في هذا الشأن تنقسم إلى ثلاثة أقسام باعتبار قوة الإخلاص:(1/59)
قسم لا يكفر ولا حتى الصغائر لضعفه وضعف الإخلاص فيه,فقد يعمل عملاً صالحاً ولكنه لا يكفر الصغائر لضعف الإخلاص.
وقسم منها يكفر الصغائر فحسب.
وقسم منها لقوته وقوة الإخلاص يتناول أيضاً الكبائر. هذا الذي ذكره ابن القيم وقرره باعتبار قوة الإخلاص.
واستدل أصحاب القول الثالث بأدلة منها :
الدليل الأول : قول النبي صلى الله عليه وسلم:"وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدراً فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ....",وهذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم في قصة حاطب بن أبي بلتعة .
وجه الاستدلال: أن أهل بدر قدموا عملاً صالحاً وهو المشاركة في هذه المعركة العظيمة وكانت هذه المشاركة سبباً في تكفير الذنوب عنهم,ولا يقال أنها لا تكفر إلا الصغائر وإلا فلا يكون لأهل بدر مزية على غيرهم ولا يكون بينهم وبين غيرهم فرقاً , بدليل ما وقع من حاطب بن أبي بلتعة من مولاته للمشركين وإخبارهم بغزو النبي صلى الله عليه وسلم فأراد عمر أن يقتله, وقال:نافق يا رسول الله , وليس معنى هذا أنه لا يشاركهم غيرهم فيها , وإنما المقصود أنهم قدموا عملاً صالحاً كان سبب في مغفرة ذنوبهم , ويمكن أن يشاركهم غيرهم في هذه الخصلة.
الدليل الثاني : من القواعد المقررة عند أهل السنة والجماعة أن صاحب الكبيرة تحت المشيئة, فإن شاء الله عذبه, وإن شاء غفر له لقوله تعالى:{ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء}, ومذهب أهل السنة في ذلك هو الحق خلافا للمعتزلة والخوارج , فإذا كان من فعل الكبيرة تحت المشيئة من غير أن يقدم عملاً صالحاً , فما بالك إذا قدم عملاً صالحاً, فلا يبعد أن تكون سبباً في تكفير الكبائر.(1/60)
الدليل الثالث : أن النصوص الكثيرة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها دلالة على التكفير , ولا يمكن أن نخصصها بالصغائر من غير دليل ظاهر بين , فبهذا تكون عامة للصغائر والكبائر, وما استدل به على تخصيص المغفرة بالصغائر كالآية وحديث أبي هريرة , فليس فيهما دليل على أن التكفير مختص بالصغائر , فإذا لم يكن هناك دليل فلا يصار إليه بلا دليل, وهناك مئات الأدلة الدالة على أنه تغفر ذنوبه.
فهذه خلاصة القول في هذه المسألة, وما ذكره ابن القيم تقسيم جيد ومهم يجعل الإنسان بين الخوف والرجاء.
فإذا قدم عملاً صالحاً فإنه يقال : إن تكفير الأعمال للسيئات , مبني على قبول الأعمال وقوة الإخلاص فيها والله أعلم.
الحديث السابع والعشرون
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر كله".رواه مسلم.
تخريج الحديث :
أخرجه مسلم في صحيحه 2/822 - من طريق سعد بن سعيد عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب رضي الله عنه .
شرح الحديث :
قوله:"كان كصيام الدهر" المقصود بذلك أن له من الأجر مثل أجر من صام السنة كلها, وذلك كما ورد في بعض الروايات:" كصيام السنة" وذلك أن صيام رمضان مضاعف الأجر فيعتبر بصيام عشرة أشهر لقوله تعالى:{ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها }, وصيام ستة من شوال يعدل شهرين, وإذا تكرر هذا الأمر من المكلف بأن يصوم رمضان ويتبعه ستاً من شوال يكون كصيام الدهر.
قوله : " ثم أتبعه ستاً من شوال" هل المقصود أن يبدأ به بعد العيد تباعاً أم أنه يحصل له الأجر ولو فرقها؟
الجواب / يحصل له الأجر ولو فرقها لأنه قال: "من شوال" ولم يحدد بأنه من أوله أومن أوسطه أو آخره فيحصل له هذا الفضل من صام هذا المقدار من شوال سواءً من أوله أو آخره .(1/61)
قوله: "ثم أتبعه" لو أن شخصاً بقي عليه أيام من رمضان لم يصمها ثم أراد أن يصوم ستاً من شوال قبل أن يستكمل الشهر فهل يعتبر متبعاً لرمضان ستاً؟
بالتأمل نجد أنه لا يكون قد أتبعه ستاً من شوال لأن قوله : "من صام رمضان" أي استكمل شهر رمضان كله ثم أتبعه ستاً من شوال, وأما من لم يستكمل شهر رمضان بأن بقي عليه بعض الأيام لم يصمها فهذا لا يصدق عليه أنه استكمل شهر رمضان وأنه صامه,
ولكن يبقى أن من اعتاد صيام هذه الستة وحصل له عذر أو مرض فإن الله يكتب له الأجر والثواب بحسب نيته لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا مرض العبد أو سافر كتب له من الأجر مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً" ، فإذا حال بينه وبين صيام هذه الست قضاء رمضان فإنه يكتب له أجره كاملاً ، ويرى بعض أهل العلم كابن سعدي أن له أن يقضيها بع شوال ، لأنه كان معذوراً في ذلك .
مسائل الحديث :
ما حكم صيام ستة أيام من شوال ؟
أفاد الحديث بأن من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام السنة كلها , وهذا مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما من العلماء .
وذهب أبو حنيفة ومالك إلى عدم مشروعية صيام ستة أيام من شوال, وقد صرح الإمام مالك في الموطأ وقال: "إنه لم يبلغني عن أحد من أهل العلم أنه صامها وأخاف أن يعتقد الناس وجوب صيام هذه الأيام", وجاء عن أبي حنيفة قريباً من هذا وأنه يرى عدم صيامها .
وكلام الإمام مالك فيه غرابة حيث قال: "لم يبلغني عن أحد من أهل العلم أنه صام ستة أيام من شوال" أجاب ابن عبد البر - رحمه الله – أن الحديث لم يبلغ الإمام مالك, أو بلغه ولم ير صحته وثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم ,(1/62)
وأما قوله : إنه يخشى أن يعتقد الناس وجوبه , فيقال: إنه بعد أن استقرت الأحكام وعلم الواجبات من المستحبات فهذه الخشية زائلة ولا حقيقة لها, وإذا كان يخشى أن يظن أنها من رمضان فهذه الخشية غير موجودة وممتنعة لوجود الفاصل بين صيام رمضان وهذه الست وهو عيد الفطر وهو ظاهر جدا في أن الناس لا يعتقدون انه واجب, وهذه المسألة قد نظر إليها الشارع في دخول الشهر حيث نهى عن تقديم رمضان بيوم أو يومين حتى لا يختلط رمضان بغيره ولا يدخل فيه ماليس منه كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه :"لا تقدموا بين يدي رمضان بيوم ولا يومين ......."
الخلاصة في ذلك: أن الحديث دل على مشروعية صيام ست من شوال, وأما ما ورد عن مالك فيجاب عنه بأن الحديث ثابت صحيح , وأما التعليل فإنه في مقابل النص , ولعل الحديثَ لم يبلغ الإمام مالك .
وما ورد في هذا الحديث جاء عن غير أبي أيوب فقد جاء عن ثوبان ، أخرجه ابن ماجه والنسائي وأبو داود وغيرهم وكذلك جاء من حديث جابر وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنه وإن كان في بعضها ضعف,
وحديث أبي أيوب فيه رجل متكلم فيه ولكنه توبع على رواية الحديث وهذا الرجل اسمه سعيد بن أبي سعيد الأنصاري وهو ضعيف وللحديث شواهد فلذلك يكون صحيحاً.
الحديث الثامن والعشرون
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم :" ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله في ذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً " . متفق عليه واللفظ لمسلم.
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحة حـ 2840 - ومسلم في صحيحة2/808 - من طريق سهيل بن أبي صالح عن النعمان بن أبي عباس عن أبي سعيد رضي الله عنه .
شرح الحديث :
ما المراد بقوله صلى الله عليه وسلم (في سبيل الله) ؟
القول الأول: معناه الجهاد لإعلاء كلمة الله, وإطلاق سبيل الله على الجهاد كثير في النصوص الشرعية, ومن قال بهذا المعنى فالتفضيل عنده لأمرين:(1/63)
الجهاد و الصيام: حيث وجد في وقت واحد في مكان واحد عبادتين.
القول الثاني : إخلاص القصد والنية لله تعالى في إرادة الصوم وبهذا جزم الإمام القرطبي رحمه الله وعليه يختلف عن المعنى الأول.
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم (باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)؟
المباعدة عن النار : المعافاة والنجاة منها, والمراد بوجهه : أي شخصه, عبر بالجزء عن الكل, وإنما خصص الوجه لشرفه وفضيلته على سائر الجسد.
والمراد بقوله سبعين خريفاً يعني سبعين عاماً, فيكون المعنى أبعده عن النار مسيرة سبعين عاماً, والتعبير بالسبعين يأتي كثيراً في نصوص الكتاب والسنة ويراد به التكثير كما في قوله الله( إن تستغفر لهم سبعين مرة) وحديث [إني لأستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة].
الحديث التاسع والعشرون
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر, ويفطر حتى نقول لا يصوم, وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان, وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان. متفق عليه . واللفظ لمسلم .
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحه حـ 1969 - ومسلم في صحيحه 2/810 - من طريق مالك عن أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها .
والحديث دليل على فضيلة الاستكثار من الصيام, وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم ويسرد الصوم سردا حتى يقول القائل لا يفطر أبداً ولكنه يفطر فإذا أفطر يقول القائل لايصوم أبداً .
فإن قال قائل لماذا يفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا ؟ فالجواب أنه كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينشغل فلا يصوم فتتابع أشغاله حتى يقول القائل لا يصوم أبداً فإذا فرغ بعد ذلك سرد الصوم تعويضاً لما فات, فيقول القائل لا يفطر أبداً ثم ينشغل فيفطر وهكذا.(1/64)
وقول عائشة ( وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان) ، دليل على أنه لا يشرع صيام شهر كامل إلا رمضان ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ما صام شهراً كاملاً إلا رمضان .
قولها ( وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان) وفي رواية عند مسلم من طريق ابن عيينة عن ابن أبي لبيد عن أبي سلمة عن عائشة قالت: (ولم أره صائماً من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلاً) , وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أنه يجري في كلام العرب أن يقال لمن صام أكثر الشهر قد صام الشهر كله ، وفي الحديث دليل على فضيلة الاستكثار من الصيام في شعبان .
وهل يعني هذا أن الصيام في شعبان أفضل من غيره ؟
الجواب لا , لأن ليس كذلك لقوله عليه الصلاة والسلام :كما في صحيح مسلم ( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ) , فالاستكثار من الصيام في شهر الله المحرم أفضل من الاستكثار من الصيام في شعبان، وأما حديث الباب دليل على فضيلة صيام شعبان، وفضيلة الاستكثار منه .
فإن قال قائل لماذا يستكثر صلى الله عليه وسلم الصيام في شعبان؟
قيل فرحاً بقدوم رمضان وقيل للتدرب على الصيام, وقيل للتذكير برمضان وقيل غير ذلك وربما لجميع هذه الأمور, إلا أنه تقدم عندنا النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين فلا يشرع له حينئذٍِ الصيام إلا إذا كان فرضاً أو له عادة كمن يصوم يوماً ويفطر يوماً.
الحديث الثلاثون
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام : ثلاث عشرة, وأربع عشرة, وخمس عشرة". رواه النسائي والترمذي وصححه ابن حبان.
تخريج الحديث :
أخرجه النسائي 4/ 222 - والترمذي حـ 761 - وأحمد من طريق يحيى بن بسام عن موسى بن طلحة عن أبي ذر رضي الله عنه .
حكم الحديث :
والحديث صححه ابن حبان وابن خزيمة والحاكم, ولكن وقع في إسناد الحديث اختلاف(1/65)
كما أشار إلى ذلك النسائي والدار قطني , وبينا أنه أختلف فيه على موسى بن طلحة, وأنه رواه مرة عن أبي ذر, وروى عنه مرة عن "أبي هريرة, وروى عنه مرة ثالثة عن ابن الحوتكية عن أبي ذر , ولهذا الاختلاف والاضطراب تكلم بعض أهل الحديث في هذا الحديث.
وأيد بعضهم ذلك بأن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، والترغيب في ذلك من غير تخصيص لأيام البيض المنصوص عليها في حديث الباب.
ومما جاء من الأحاديث بعدم التخصيص لأيام البيض:
1) مارواه مسلم في صحيحه من طريق يزيد الرشك قال حدثتني معاذة العدوية أنها سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: "نعم" فقلت لها: من أي أيام الشهر كان يصوم؟ قالت " لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم".
2) مارواه البخاري حـ 1976 - ومسلم من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له :"صم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها ..."
3) مارواه البخاري حـ 1981 - ومسلم من طريق أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: "صيام ثلاثة أيام من كل شهر, وركعتي الضحى, وأن أوتر قبل أن أنام" ، وقد بوب البخاري ’ على هذا الحديث باب صيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة, وخمس عشرة .
4) مارواه مسلم في صحيحه من طريق عبد الله بن معبد عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان, فهذا صيام الدهر"
5) مارواه مسلم أيضاً من طريق أبي مرة مولى أم هانئ عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال :" أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث لن أدعهن ماعشت, بصيام ثلاثة أيام من كل شهر, وصلاة الضحى, وأن أوتر قبل أن أنام".
والخلاصة مما سبق:(1/66)
أن الأحاديث قد تكاثرت في الوصية بصيام ثلاثة أيام من كل شهر, واختلف في تحديدها وتسميتها من الشهر, والذي مال إليه البخاري وأكثر أهل العلم أنها أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة.
الحديث الحادي والثلاثون
عن أبي هريرة رضي الله عنه , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه" . متفق عليه, واللفظ للبخاري, زاد أبو داود "غير رمضان".
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحه حـ 5195 - من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرةرضي الله عنه ، وزيادة أبي داود " غير رمضان " صحح إسنادها النووي في المجموع 6/ 392
مسائل الحديث :
يحرم على الرأة أن تصوم النفل إلا بإذن زوجها .
قوله:" لا يحل للمرأة" أي: يحرم على المرأة أن تصوم النفل إلا بإذن زوجها لأن حق الزوج واجب وصيام غير الفرض مستحب , ومن الفقه تقديم الواجبات ومن ذلك طاعة الزوج على فعل المستحبات كصيام النفل ونحوه وكذلك يحرم على المرأة أن تصوم ستاً من شوال وأن تصوم الاثنين والخميس إلا بإذن الزوج سواء كان الإذن صريحاً أم تلويحاً فلو صامت وأمرها زوجها بالفطر , فيجب عليها حينئذٍ الفطر فإن أبت فقد عصت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وهذا يدل أيضاً على قلة فقه من تفعل ذلك لأنها تعمل سنة , وترتكب محرماً والحاصل أن طاعة الزوج مقدمة على صيام النوافل وفعل المستحبات العامة , وإنما تصوم الفرض سواء كان رمضان أو قضاء أو نذراً ؛ لأن صيام رمضان فرض فرضه الله فهي حينئذٍ تقدم طاعة الرب على طاعة زوجها ،
وفي الحديث إشارات:
منها عظم حق الزوج على الزوجة .
ومنها وجوب تقديم الواجبات على المستحبات .
ومنها جواز صيام الفرض بدون إذن الزوج .(1/67)
ومنها أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان لأن المرأة إن أطاعت زوجها فهذا من الواجب وهو من الإيمان وإن عصت أثمت وهذا من نقص الإيمان, ومعناه أيضاً أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، كما قرر ذلك أهل الإيمان
الحديث الثاني والعشرون
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين : يوم الفطر ويوم النحر. متفق عليه.
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري حـ 1991 - ومسلم 2/800 - من طريق عمر بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد رضي الله عنه .
الحديث الثالث والثلاثون
عن نبيشة الهذلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أيام التشريق أيام أكل وشرب , وذكر الله عز وجل ". رواه مسلم .
تخريج الحديث :
أخرجه مسلم في صحيحه 2/800 - من طريق أبي المليح عن نبيشة الهذلي رضي الله عنه
الحديث الرابع والثلاثون
عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما قالا:لم يرخص في أيام التشريق أن يصام إلا لمن لم يجد الهدي . رواه البخاري.
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحه حـ 1997 - 1998 - من طريق الزهري عن عروة عن عائشة, وعن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما .
مسائل الحديث :
هذه الأحاديث الثلاثة اشتملت على مسائل :
المسألة الأولى : ما حكم صيام يومي العيد؟
محرم إجماعاً وبكل حال سواء كان تطوعاً أو نذراً أو كفارةً أو قضاءً.
ولو نذر المسلم صيام يوم فوافق ذلك عيد الفطر أو الأضحى؛ فلا يجوز له أيضاً الصيام إجماعاً ,لكن هل يجب عليه القضاء أو لا يجب؟ فيه خلاف, ولعل الأحوط القضاء, لأن الناذر في هذه الحالة لم يرد الصيام يوم العيد وإنما أراد صيام يوم وقع العيد فيه بمعنى أنه لم يتقصد صيام يوم العيد.
المسألة الثانية : ما حكم صيام أيام التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ؟(1/68)
الصحيح أن صيامها محرم, وبه قال الإمام مالك والشافعي وأحمد وأبو حنيفة, وهو المأثور عن بعض الصحابة كابن عمر وابن عمرو وعلي بن أبي طالب وعائشة, ولهذا الترجيح أدلة منها:
الدليل الأول: حديث الباب حديث نبيشة الهذلي [أيام التشريق أيام أكل وشرب].
الدليل الثاني: حديث كعب عند مسلم [أيام منى أيام أكل وشرب].
الدليل الثالث: حديث عمرو بن العاص أنه قال لابنه عن أيام التشريق [إنها الأيام التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صومهن وأمر بفطرهن] أخرجه أبو داود وابن المنذر وصححه ابن خزيمة والحاكم.
الدليل الرابع: حديث عائشة حديث الباب [لم يرخص في أيام التشريق إلا لمن لم يجد الهدي] , والترخيص لا يكون إلا من عزيمة , والعزيمة هنا تحريم صيام أيام التشريق .
الحديث الخامس والثلاثون
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تخصوا ليلة الجمعة من بين الليالي, ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام , إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم ". رواه مسلم .
تخريج الحديث :
أخرجه مسلم في صحيحه 2/ 801 - من طريق زائدة عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه .
الحديث السادس والثلاثون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يصومن أحدكم يوم الجمعة , إلا أن يصوم يوماً قبله, أو يوماً بعده". متفق عليه .
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري حـ 1985 - ومسلم 2/ 801 - من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه .
مسائل الحديث :
دل الحديثان على عدم مشروعية إفراد الجمعة بالصوم ,وهذا مذهب عامة أهل العلم .
وذهب الجمهور إلى أن هذا النهي للكراهة .
واختلف في علة النهي عن صيام يوم الجمعة :
فقيل: لأن يوم الجمعة يوم عيد , لما رواه الحاكم عن أبي هريرة مرفوعاً [يوم الجمعة عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله وبعده](1/69)
وقيل العلة في النهي: لأن يوم الجمعة يوم دعاء وعبادة وتبكير إلى الجمعة وإكثار من ذكر الله تعالى كما قال سبحانه (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ..)
وقيل العلة في النهي: مخافة تعظيمه والمبالغة فيه, ومشابهة أهل الكتاب بتعظيمهم يوم السبت والأحد حيث تركوا العمل فيهما تعظيماً لهذا اليوم وتفرغاً للعبادة , وقد أشار بعض أهل العلم إلى هذه العلة ورجحها الشيخ : محمد بن إبراهيم -رحمه الله- كما في فتاويه 5/37، وغيره من أهل العلم .
متى يجوز صيام يوم الجمعة ؟
جواب ذلك في حديثِ الباب حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يصومن أحدكم يوم الجمعة , إلا أن يصوم يوماً قبله, أو يوماً بعده"
فهذا الحديث فيه تفصيل للإجمال الوارد في بعض الأحاديث التي جاء فيها النهي عن صيام يوم الجمعة مطلقاً ، وهذا الإطلاق جاء تقييده وتفصيله في هذا الحديث حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز صيام يوم الجمعة في حالة صيام يوم قبله أو بعده.
وفي صحيح البخاري: أن جويرية بنت الحارث؛ صامت يوم الجمعة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم "أصمتِ أمس قالت: لا قال: أتصومين غداً قالت: لا قال: فأفطري" , وهذا الحديث قد تضمن ما دل عليه حديث أبي هريرة وهو الإذن بصيام يوم الجمعة إذا سبق بصيام قبله أو نوى الصائم أن يصوم يوماً بعده ،
والحكمة من الإذن بصيام يوم الجمعة مع يوم قبله أو بعده انتفاء المحذور في هذه الحالة والمحذور سبق الإشارة إليه وبيان كلام أهل العلم من حكمة النهي في إفراد يوم الجمعة.
ما حكم صيام يوم الجمعة إذا وافق عرفه لغير الحاج هل يصومه ؟
الجواب / صيامه مشروع ، والعلة في هذا أن الصائم في هذه الحالة لم يصم لأجل أنه يوم الجمعة إنما لأجل أنه يوم عرفه فلا نهي في هذه الحالة.
الحديث السابع والثلاثون(1/70)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ". رواه الخمسة واستنكره أحمد .
تخريج الحديث :
أخرجه أبو داود في سنته حـ 2337 - والترمذي في جامعه حـ 738 - والنسائي 2/ 172 - وابن ماجه حـ 1651 - من طريق العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه
حكم الحديث :
الحديث صححه بعض الأئمة كالترمذي وابن حبان والحاكم والطحاوي وابن عبد البر وغيرهم، ولكن جهابذة الحديث ، وصيارفته يضعفون الحديث.
قال أبو داود، قال احمد بن حنبل:" هذا حديث منكر" ( سنن البيهقي4/209) ونقل الزيلعي في نصب الراية2/441- أن احمد ’ قال :"هذا حديث ليس بمحفوظ , سألت عنه ابن مهدي فلم يصححه، ولم يحدثني به، وكان يتوقاه" قال احمد: "والعلاء ثقة لا ينكر من حديثه إلا هذا "،
وأنكره أيضاً أبو زرعة الرازي كما نقله عنه البرذعي، وضعفه العقيلي كما في كتاب الضعفاء، ونقل ابن حجر في الفتح4/129 أن ابن معين أنكره.
وقال ابن رجب كما في لطائف المعارف ص 159- " واختلف العلماء في صحة هذا الحديث ، فصححه غير واحد منهم الترمذي وابن حبان والحاكم والطحاوي وابن عبد البر، وتكلم فيه من هو أكبر من هؤلاء وأعلم، وقالوا: هو حديث منكر منهم عبد الرحمن بن مهدي والإمام أحمد وأبو زرعة الرازي والأثرم ، وقال الإمام احمد: لم يرو العلاء حديثاً أنكر منه، ورده بحديث لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ أو يومين، فإن مفهومه جواز التقدم بأكثر من يومين، وقال الأثرم : "الأحاديث كلها مخالفة" قال ابن رجب "يشير إلى أحاديث صيام النبي صلى الله عليه وسلم شعبان كله، ووصله برمضان ونهيه عن التقدم على رمضان بيومين فصار الحديث حينئذٍ شاذاً مخالفاً للأحاديث الصحيحة"(1/71)
ومن الأحاديث الدالة على شذوذ هذا الحديث، حديث عائشة السابق المخرج في صحيح البخاري حـ1969 ومسلم2/810- من طريق أبي سلمه بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت: " وما رأيته أي النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر منه صياماً في شعبان"
وفي رواية أُخرى عند مسلم قالت:" ولم أرهُ صائماً من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلا"
ومما يدل على ضعف هذا الحديث ما رواه الإمام مسلم رحمه الله من حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل هل صمت من سرر شعبان قال: لا فقال النبي صلى الله عليه وسلم:{إذا أفطرت من رمضان فصم يوماً وفي رواية يومين} وسرر شعبان الأيام الأخيرة منه فلذلك أخذ بعض أهل العلم كالبيهقي من هذا الحديث تضعيف حديث {إذا انتصف شعبان فلا تصوموا..} .
وقد جمع الترمذي في جامعه3/87- بين حديث الباب وهذه الأحاديث بقوله :" ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم، أن يكون الرجل مفطراً فإذا بقي من شعبان شيء أخذ في الصوم لحال شهر رمضان، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يشبه قولهم حيث قال صلى الله عليه وسلم:" لا تقدموا رمضان بصيام إلا أن يوافق ذلك صوماً كان يصومه أحدكم " وقد دل هذا الحديث على أنما الكراهية على من يعتمد الصيام لحال رمضان"
ولكن لعل الأقرب في الحديث أنه ضعيف، كما هو رأي احمد وبن معين وأبي زرعة وبن مهدي والعقيلي والأثرم وغيرهم والله أعلم.
الحديث الثامن والثلاثون
عن الصماء بنت بسر رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تصوموا يوم السبت, إلا فيما افترض عليكم, فإن لم يجد أحدكم , إلا لحاء عنب, أو عود شجرة فليمضغها". رواه الخمسة ورجاله ثقات, إلا أنه مضطرب, وقد أنكره مالك, وقال أبو داود: هو منسوخ.
تخريج الحديث :(1/72)
أخرجه أبو داود في سنته حـ 2421 - والترمذي حـ 744 - والنسائي في الكبرى 2/ 143 - وابن ماجه حـ 1726 - من طريق ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بسر عن أخته الصماء أن رسول الله قال :"لا تصوموا يوم السبت....."
حكم الحديث :
وقد جاء الحديث من وجه آخر عند النسائي عن عبد الله بن بسر عن عمته الصماء , وجاء من وجه ثالث عند ابن أبي عاصم عن خالته الصماء , وجاء من وجه رابع عند أحمد 6/ 368 من مسند عبد الله بن بسر نفسه, وهذا يدل على أن الحديث وقع فيه اضطراب شديد,
قال ابن حجر في التلخيص 2/229 : " أعل بالاضطراب"
ونقل المنذري عن النسائي قوله: "هذه أحاديث مضطربة " ونقل أبو داود حـ 2424 - عن الإمام مالك أنه قال عن الحديث :" هذا كذب" وقال الأوزاعي : مازلت له كاتماً حتى انتشر"
وقال ابن القيم في تهذيب السنن 3/297 - " وقد أشكل هذا الحديث على الناس قديماً وحديثاً, وقال أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله - يعني أحمد- يسأل عن صيام يوم السبت يفرد به فقال :" أما صيام يوم السبت يفرد به, فقد جاء في الحديث حديث الصماء, يحيى بن سعيد ينفيه , أبى أن يحدثني به " ثم أشار ابن إلى القيم أن هذا تضعيف من الإمام لهذا الحديث.
ثم قال ابن القيم بعدما ساق القرائن الدالة على ضعف الحديث: " فدل على أن الحديث غير محفوظ وأنه شاذ" ، وقال شيخه شيخ الإسلام في الاقتضاء2/573- " إسناده ضعيف " ،
ومن أهل العلم من يرى أن الحديث منسوخ. قال ابو داود 1/731- " هذا الحديث منسوخ" ، وقال ابن مفلح في الفروع2/124- " الحديث شاذ أو منسوخ "
وعلى ما سبق من كلام الأئمة فالحديث لا يصح، وعليه يجوز إفراد يوم السبت بالصيام، ويدل على ذلك الحديث الذي بعده
الحديث التاسع والثلاثون(1/73)
عن أم سلمة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر ما يصوم من الأيام يوم السبت، ويوم الأحد، وكان يقول: "إنهما يوما عيد للمشركين، وأنا أريد أن أخالفهم". أخرجه النسائي، وصححه ابن خزيمة، وهذا لفظه.
تخريج الحديث :
أخرجه النسائي في الكبرى2/146- واحمد في مسنده والحاكم في مستدركه1/602- وابن خزيمة3/318 كلهم من طريق كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنه.
حكم الحديث :
والحديث صححه ابن حبان والحاكم وابن خزيمة والذهبي، وقال ابن مفلح في الفروع3/123- "صححه جماعة وإسناده جيد"
وتكلم فيه آخرون لأنه من رواية محمد بن عمر بن علي بن ابي طالب، لا تعرف حاله، قال ابن القيم ’ في الهدي2/78- " في صحة هذا الحديث نظر، فإنه من رواية محمد بن عمر بن علي بن ابي طالب وقد استنكر بعض حديثه...."
والحديث يدل على جواز صيام يوم السبت بل يدل الخبر على استحباب ذلك مخالفة لليهود فإنهم يعظمون يوم السبت والأحد ويجعلونها عيداً لهم ، ومعلوم عندنا أن العيد لا يشرع صيامه فشرع لنا مخالفتهم وصيام هذين اليومين فدل هذا الخبر عن نكارة حديث الصماء. وأم سلمه رضي الله عنها أدرى بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم من الصماء.
ويدل الخبر أيضاً على أن مخالفة اليهود والنصارى غاية مقصودة للشارع ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم
( وأنا أريد أن أخالفهم) فلذلك كان صلى الله عليه وسلم يحرص كل الحرص على مخالفة أهل الكتاب يقول شيخ الإسلام ’:" لأن المشابه في الظاهر تورث المودة في الباطن ، ومن هنا شرع لجميع المسلمين مخالفة اليهود في أعيادهم وجميع أحوالهم ومن تشبه بقومٍ فهو منهم كما جاء هذا في مسند الإمام احمد من طريق عبد الرحمن بن ثابت ابن ثوبان عن حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم به.(1/74)
قال شيخ الإسلام ’ في الاقتضاء" إسناده جيد ، وظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم وأقل أحواله التحريم".
والمقصود أنه يشرع للمسلم أن يخالف المشركين و يعتز بدينه وشرع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وألا يشابههم فإن مشابهتهم قد تورث مودتهم ، والعجيب أن الكفار لا يرضون بأي حالة من الأحوال مشابهة المسلمين ولكن تجد بعض المنتسبين للإسلام يتشبه بهم وبزيهم أما جهلاً وإما افتخاراً ، وقد جاء في صحيح الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أبغض الرجال إلى الله ثلاثة ذكر منهم مبتغ في الإسلام سنة الجاهلية..."
والشاهد قوله {ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية}.
الحديث الأربعون
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة. رواه الخمسة غير الترمذي، وصححه ابن خزيمة والحاكم واستنكره العقيلي .
تخريج الحديث :
أخرجه احمد في مسنده 2/ 304 - وأبو داود حـ 2440 - والنسائي في الكبرى 2/ 155 - وابن ماجه حـ 1732 - كلهم من طريق حوشب بن عقيل قال حدثني مهدي العبدي عن عكرمة قال: دخلت على أبي هريرة في بيته فسألته عن صوم يوم عرفة بعرفات؟ فقال أبو هريرة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفات "
حكم الحديث :
قال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى 2/ 246 - " في اسناده مهدي بن حرب البحري وليس بمعروف "وقال يحيى بن معين عن مهدي :" لا أعرفه" وقال ابن حجر في التلخيص 2/ 326 "مجهول"
والصحيح في هذا الباب, أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن صيام يوم عرفة .
إنما الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لم يصم يوم عرفة بعرفة وقد جاء هذا في أحاديث عديدة منها:(1/75)
أولاً: حديث أم الفضل رواه البخاري "1661-1988"ومسلم 2/791وأحمد6/340 وأبو داود"2441"والبيهقي4/283كلهم من طريق مالك بن النضر عن عمير مولى عبيد الله بن عباس عن أم الفضل بنت الحارث,أن ناساً تماروا عندها, يوم عرفة في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم:هو صائم.وقال بعضهم:ليس بصائم فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره بعرفة, فشربه".
ثانياً : حديث ميمونة رواه البخاري"1989"ومسلم2/791 من طريق ابن وهب. أخبرني عمرو يعني ابن الحارث عن بكير بن الأشج عن كريب مولى ابن عباس عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم , أنها قالت: إن الناس شكُّوا في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة. فأرسلت إليه ميمونة بحلاب اللبن. وهو واقف في الموقف,فشرب منه. والناس ينظرون إليه".
مسائل الحديث :
ما حكم صيام يوم عرفة بعرفة ؟
اختلف الفقهاء رحمهم الله في صوم يوم عرفة بعرفة بعد اتفاقهم على فضيلة صيام يوم عرفة لغير الحاج ، فقد تقدم في أول الباب حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عرفة فقال ( يكفر سنتين السنة الماضية والسنة القابلة )
القول الأول : أخذ بعض الفقهاء بعموم حديث أبي قتادة ، فرأوا مشروعية الصيام في يوم عرفة للحجاج وغيرهم.
القول الثاني: من كان مطيقاً للصيام بدون مشقة فالأفضل له الصيام ، وأما إن كان يشق عليه أو يضعفه عن الدعاء ، فإنه يكره في حقه الصيام ، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.(1/76)
القول الثالث : أن الصيام محرم ، وإن كان مطيقاً له وهذا مروي عن يحيى بن سعيد وهو قول طائفة من أهل الظاهر, وهذا ما يدل عليه حديث الباب لو كان صحيحاً فإن الأصل في النهي التحريم ، سيما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم يوم عرفة ، ففي الصحيحين وغيرهما من حديث أم الفضل قالت تنازع الناس يوم عرفات هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (صائماً أم لا فبعثت إليه بإناء فيه لبن فشرب وهو واقف على بعيره). فهذا الحديث يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم يوم عرفة والله يقول:{ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة }
ومما يشهد لهذا القول أن عمر رضي الله عنه ( كان ينهى عن صوم يوم عرفة ). رواه النسائي ’ في الكبرى. وجاء هذا عن ابن عمر عند النسائي أيضاً.
وروى النسائي أيضاً عن نافع عن ابن عمر أنه سئل عن صوم يوم عرفة بعرفات فقال:( لم يصم النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان) .
يقصد ابن عمر رضي الله أن هؤلاء أحرص الناس على الخير ولم يصوموا وهم خيار الأمة واحرصهم على الخير.
القول الرابع : استواء الأمرين الصيام والفطر.
القول الخامس : استحباب الصيام وهذا مروي عن عبد الله بن الزبير وعن عائشة وعن جماعة من أهل العلم .
والقول الصحيح أن الصيام في يوم عرفة للحاج غير مشروع والفطر أفضل ليتقوى الحاج على الدعاء والعبادة وهذا الفعل هو الموافق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
الحديث الحادي والأربعون
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا صام من صام الأبد" متفق عليه.
تخريج الحديث :(1/77)
أخرجه البخاري في صحيحه حـ 1979 - ومسلم في صحيحه 2/ 815 - من طريق حبيب بن أبي ثابت قال سمعت أبا العباس المكي أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا عبد الله بن عمرو! إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل. وإنك إذا فعلت ذلك، هجمت له العين.ونهكت, لا صام من صام الأبد.صوم ثلاثة أيام من الشهر, صوم الشهر كله "قلت" فإني أطيق أكثر من ذلك.قال: فصم صوم داود.كان يصوم يوماً ويفطر يوماً.ولا يفر إذا لاقى" هذا لفظ مسلم .
وعند البخاري بمثله إلا أنه قال: " إنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين ونَفهت له النفس,لا صام من صام الدهر .." ،ومعنى نفهت له النفس أي :كلت وتعبت. واختصره ابن ماجه فذكره بلفظ الباب فقط .
ورواه مسلم2/816 وغيره من طريق سفيان عن عمرو عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو بنحوه ، وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم "فإنك إن فعلت ذلك هجمت عيناك ، ونَفهت نفسك ، لعينك حق, ولنفسك حق, ولأهلك حق، قم ونم ، وصم وافطر"
رواه البخاري"1980"ومسلم2/817 كلاهما من طريق خالد بن عبد الله عن خالد,عن أبي قلابة قال أخبرني أبو المليح قال دخلت مع أبيك على عبد الله بن عمرو فحدثنا,إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له صومي. فدخل علي ، فألقيت له وسادة من أدم حشوها ليف, فجلس على الأرض. وصارت الوسادة بيني وبينه ، فقال لي:"أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام؟ قلت:يا رسول الله! قال!خمسا قلت:يا رسول الله! قال! سبعا.قلت: يا رسول الله. قال تسعا.قلت:يا رسول الله!قال أحد عشر! قلت:يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"لا صوم فوق صوم داود,شطر الدهر.صيام يوم وإفطار يوم".(1/78)
ورواه مسلم 2/817 وغيره من طريق سليم بن حيان. حدثنا سعيد بن ميناء قال:قال عبد الله بن عمرو: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :"يا عبد الله بن عمرو!بلغني أنك تصوم النهار وتقوم الليل.فلا تفعل.لأن لجسدك عليك حظا.ولعينك عليك حظا وإن لزوجك عليك حظا، صم وأفطر، صم من كل شهر ثلاثة أيام، فذلك صوم الدهر"قلت:يا رسول الله إن بي قوة.قال" فصم صوم داود" عليه السلام "صم يوماً وأفطر يوماً ". "فكان يقول: يا ليتني أخذت بالرخصة". وللحديث طرق أخرى عند مسلم وغيره.
ولمسلم من حديث أبي قتادة بلفظ "لا صام ولا أفطر ".
تخريج الحديث :
رواه مسلم 2/818 والترمذي "767" والنسائي في الكبرى 2/124 وأحمد 5/296-297 والبيهقي 4/300 وابن أبي شيبة 2/491 كلهم من طريق غيلان بن جرير عن عبد الله بن معبد الزماني, عن أبي قتادة قال: رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما رأى عمر غضبه قال: رضينا بالله ربا, وبالإسلام دينا, وبمحمد نبيا. نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله, فجعل عمر يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه.فقال عمر: يا رسول الله! كيف بمن صام الدهر كله؟قال:لا صام ولا أفطر. أو قال: لم يصم ولم يفطر, قال: كيف من يصوم يومين ويفطر يوماً! قال: ويطيق ذلك أحد؟ قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يوما! قال: ذاك صوم داود عليه السلام,قال:كيف من يصوم يوما ويفطر يومين!قال:وددت إني أطيق ذلك,ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ثلاث من كل شهر. ورمضان إلى رمضان. فهذا صيام الدهر كله، صيام يوم عرفة, أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله،والسنة التي بعده،وصيام يوم عاشوراء, أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".
قوله ( لا صام من صام الأبد ) .(1/79)
لفظ مسلم (لا صام ولا أفطر ) فقيل عن هذه الجملة بأنها دعائية فيكون المعنى بأن النبي صلى الله عليه وسلمدعا عليه بأنه لا صام ولا افطر ,ولا يخفى أن من دعا عليه النبيصلى الله عليه وسلمفإنه لا يفلح ولا يكون إلا في تباب ,وقيل معنى (لا صام ولا أفطر) أي أنه لم يطعم ولم يشرب ولم يصم صوماً شرعياً, وعلى المعنيين جميعاً يكون الخبر خرج مخرج الذم لمن صام الدهر، وهذا بلا ريب باستثناء العيدين وأيام التشريق، لأنه لو كان المعنى مع صيام هذه الأيام لما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا صام ولا أفطر) لأن صيام العيدين محرم إجماعاً وقد تقدم أيضاً أن الجمهور يحرمون أيضاً صيام أيام التشريق للحاج وغيره وإنما اختلفوا في المتمتع إذا لم يجد الهدي.
مسائل الحديث :
من صام الدهر هل فعله محمود ؟
قد اختلف الفقهاء فيمن صام الدهر باستثناء العيدين هل فعله محمود أم مذموم على مذاهب:
المذهب الأول: استحباب صيام الدهر وهذا اختيار ابن المنذر وأصحاب هذا القول احتجوا بحديث حمزة الأسلمي ( أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إني أسرد الصوم فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم بالصيام) ، وقد سبق تخريجه والكلام عليه .
ويمكن الإجابة عن هذا الحديث بأن سرد الصوم لا يقتضي صيام الدهر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى يقول القائل لا يفطر.
واستدلوا أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم ( من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر). وفي هذا نظر لأن التشبيه بالثواب لا يقتضي وقوع التشابه أو التناسب من كل وجه واستدلوا أيضاً بأدلة أخرى لا يتسع المقام لذكرها.
المذهب الثاني: تحريم صيام الدهر وهذا مروي عن ابن حزم وطائفة من أهل العلم لحديث أبي سعيد الخدري عند احمد والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من صام الدهر ضيقت عليه جهنم).(1/80)
إلا أن العلماء اختلفوا في تفسير هذا الحديث فقيل المعنى (ضيقت عليه جهنم) أي فلا يدخلها من أجل صومه فإن الصيام جنة.
وقيل المعنى يدخل جهنم فتضيق عليه لمخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم لمن يصوم الدهر (ومن رغب عن سنتي فليس مني). ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هديه فقال: " أما أنا فأصوم وأفطر" والحديث في الصحيحين من حديث أنس.
كما استدل أصحاب هذا القول بحديث الباب حديث عبد الله بن عمرو .
المذهب الثالث : أن الحكم يختلف باختلاف الأشخاص فمن كان لا يشق عليه الصيام أذن له وإلا منع منه.
والأظهر في المسألة من حيث الأدلة منع صيام الدهر وذلك لوجوه.
الوجه الأول: عموم قوله صلى الله عليه وسلم" لا صام ولا أفطر" يمنع من صيام الدهر.
الوجه الثاني: حديث" من صام الدهر ضيقت عليه جهنم". فإن هذا الحديث فيه وعيد لمن صام الدهر.
الوجه الثالث: أن صيام الدهر يخالف هديه صلى الله عليه وسلم فقد كان صلى الله عليه وسلم يصوم ويفطر.
الوجه الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في حق من يصوم الدهر متعبداً بذلك،"من رغب عن سنتي فليس مني"
الوجه الخامس: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل أفضل الصيام صيام داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً " وقد قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو"لا أفضل من ذلك".
باب الاعتِكَافَ وَقِيَامِ رَمَضَانَ
ذكر المؤلف ’ في هذا الباب جملة من الأحاديث المتعلقة بقيام رمضان، لأن القيام متأكد في شهر الصيام وقد ذكر المؤلف ’ في ذلك حديثين:
الحديث الثاني والأربعون
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه.
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحه حـ 2009- ومسلم في صحيحه أيضاً1/523- من طريق مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الحديث الثالث والأربعون(1/81)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلمإذا دخل العشر-أي العشر الأخيرة من رمضان- شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله.متفق عليه.
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحه حـ 2024- ومسلم 2/832- من طريق مسلم بن صبيح عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها.
مسائل الحديث :
المسألة الأولى : أن الأفضل في صلاة الليل الثلث الأخير لأنه وقت نزول الرب جل وعلا ،والحديث في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
وجاء في صحيح الإمام مسلم من طريق حفص و أبي معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أوله ، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر بالليل مشهودة وذلك أفضل )) وقال أبو معاوية محضورة .
ومن قام أول الليل أو أوسطه فلا مانع من ذلك وفي كل خير غير أن آخر الليل أفضل لأنه الأمر الذي استقر عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق مسلم عن مسروق عن عائشة قالت :( من كل الليل قد أوتر رسول الله فانتهى وتره إلى السحر) وفي رواية لمسلم من طريق يحي بن وثاب عن مسروق عن عائشة قالت : (من كل الليل قد أوتر رسول الله من أول الليل وأوسطه وآخره فانتهى وتره إلى السحر )
وذهب أكثر أهل العلم إلى أن الوتر من بعد صلاة العشاء ، سواء جمعت جمع تقديم مع المغرب ، أو أخرت إلى منتصف الليل ، وأما قبل صلاة العشاء فلا يصح على الراجح ، وقد جاء في مسند الإمام أحمد من طريق ابن هبيرة عن أبي تميم الجيشاني رضي الله عنه أن عمرو بن العاص خطب الناس يوم جمعة فقال : إن أبا بصرة حدثني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن الله زادكم صلاة ، وهي الوتر ، فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر .......) إسناده صحيح . وقال عنه ابن رجب في فتح الباري (9/146) إسناده جيد .(1/82)
ومن نام عن وتره أو نسيه ، فله صلاته بعد طلوع الفجر ، قبل صلاة الصبح . فقد روى أبو داود بسند قوي والحاكم ]1 /302[، وقال صحيح على شرط الشيخين من طريق محمد بن مطرف المدني عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره ) .
وهذا القول مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين ، وهو قول الإمام مالك ، وقول للشافعي و أحمد رحمهم الله تعالى .
وأما إذا فاته حتى طلعت عليه الشمس فقد قال أهل العلم: يقضيه شفعاً . واستدلوا بما رواه مسلم في صحيحه (746) من طريق قتادة عن زرارة عن سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله إذا غلبه النوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة ).(1/83)
والقول الثاني في المسألة : أنه يقضيه وتراً قاله طاووس ومجاهد والشعبي وغيرهم ، وحجتهم في ذلك حديث أبي سعيد ، وقدسبق ذكره ( من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره ) فهذا الخبر يدل مشروعية قضاء الوتر بعد طلوع الشمس لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : (إذا ذكره) وقد قال الأوزاعي : ( يقضيه نهاراً وبالليل مالم يدخل وقت الوتر بصلاة العشاء الآخرة ، ولا يقضيه بعد ذلك لئلا يجتمع وتران في ليلة . وأما خبر عائشة السابق فقد قيل ليس فيه نفي الوتر ، فلعله أوتر أول الليل مقتصراً على أقل العدد لغلبة النوم أو الوجع ، فلما أصبح صلى قيام الليل ، وفي التوجيه نظر ، ويبعد حمل حديث عائشة على أنه أوتر أول الليل فإن هذا الأمر لو حدث لبينت ذلك عائشة فإن هذا الحكم من الأهمية بمكان ، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم لم يوتر ... وقول عائشة رضي الله عنها "صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة" يدل على ذلك فإنه لو أوتر أول الليل لصلى من النهار عشر ركعات فقد قالت عائشة رضي الله عنها "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة" متفق عليه .
ويجاب عن حديث أبي سعيد بأنه لم يقل بعمومه أحد من الصحابة والمنقول عن بعضهم الوتر بعد طلوع الفجر قبل صلاة الصبح فيحمل الحديث على قضاء الوتر في هذا الوقت ، فإنه لا تعارض بين قوله صلى الله عليه وسلم وفعله والله أعلم .(1/84)
وأما من ترك الوتر متعمداً حتى طلوع الفجر ، فالحق أنه قد فاته ، وليس له حق القضاء . ففي حديث أبي سعيد وقد تقدم ، تقييد الأمر بالقضاء فيمن نام عن وتره أو نسيه ، فدل مفهوم الخبر أن العامد بخلاف ذلك ، وقد روى ابن خزيمة في صحيحه (1092) من طريق أبي داود الطيالسي عن هشام الدستوائي عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ]من أدركه الصبح ولم يوتر فلا وتر له) وأصل الحديث في صحيح مسلم (754) بدون هذا اللفظ وهو محمول على التعمد دون النوم والنسيان في أصح أقاويل أهل العلم والله أعلم .
المسألة الثانية : في عدد ركعات قيام الليل .
ثبتت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنه لا يزيد في قيام الليل لا في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ، فقد جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه أخبره أنه سأل عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : ( ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن و طولهن ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً......)
قال ابن عبد البر رحمه الله : ( وأكثر الآثار على أن صلاته كانت إحدى عشرة ركعة )
وروى مالك في الموطأ بسند صحيح عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أنه قال: أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة.....)
وما جاء أن الناس كانوا يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة فلا يصح ، رواه مالك وغيره بسند منقطع، وجاء عند عبد الرازق عن داود بن قيس وغيره عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أن عمر جمع الناس في رمضان على أبي بن كعب وعلى تميم الداري على إحدى وعشرين ركعة.....).(1/85)
وهذا الخبر غير محفوظ . ورواية مالك عن محمد بن يوسف بإحدى عشرة ركعة أصح من رواية داود . وأهل العلم بالحديث يقدمون مثل مالك على من دونه بالحفظ فتقرر بهذا أن السنة عدم الزيادة على إحدى عشرة ركعة ، لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي داوم عليه ولم يذكر عنه خلافه ، وعليه جرى العمل في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ووافقه عليه الصحابة ولم يأت عن أحد منهم شيء صحيح يخالف هذا ، وغاية ما يحتج به القائلون بسنية ثلاث وعشرين ركعة عمومات صح تقييدها ، واجتماع الناس في عهد عمر على ذلك وهذا لا يصح ، والمحفوظ أنه جمعهم على إحدى عشرة ركعة
وقد تقدم على أن ترجيح هذا القول لا يجعل القول الآخر بدعة أو ضلالة فالمسألة اجتهادية والخلاف فيها محفوظ .
وقد قال أكثر أهل العلم بالزيادة ورأوا أن من صلى عشرين ركعة أو ثلاثا وعشرين أو أكثر أنه مصيب أو مأجور، واستدل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله للجواز بقول النبي ((صلاة الليل مثنى ......)) حيث أطلق ذلك ولم يحدده بعدد ، وذكر الإمام ابن عبد البر رحمه الله إجماع العلماء على هذا فقال ( وقد أجمع العلماء على أن لا حدّ ولا شيء مقدراً في صلاة الليل، وأنها نافلة ، فمن شاء أطال فيها القيام وقلت ركعاته ومن شاء أكثر الركوع والسجود )(1/86)
غير أن البحث عن الراجح والعمل بالأفضل مطلب من مطالب الشريعة ، وقد بينت السنة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي داوم عليه حتى فارق الحياة ، وجرى عليه عمل أصحابه من بعده أن قيام الليل إحدى عشرة ركعة في رمضان وغيره . ولم يصح عن أحد منهم التفريق في رمضان بين أول الشهر وآخره على عادة الناس اليوم بل كانوا يقومون بهذا العدد طوال حياتهم ويجتهدون في العشر الأواخر في الكيفية دون الكمية ، فيطيلون القيام والركوع والسجود متلذذين بتدبر القرآن فهو حياة قلوبهم ومتنعمين بالوقوف بين يدي رب العالمين ، ولم تكن همة أحدهم مصروفة إلى هذه القراءة ابتغاء الختمة التي لم يثبت فيها شيء .
المسألة الثالثة: في كيفية صلاة الليل
ذهب الإمام مالك والشافعي وأحمد وطائفة من السلف إلى أن صلاة الليل مثنى مثنى إلا ركعة الوتر ، على خلاف بينهم هل هذا على الوجوب أم على الاستحباب . وحجتهم في هذا ما جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى ) وقوله : (مثنى مثنى ) معدول عن اثنين اثنين ،
والمراد أن تسلم في كل ركعتين قيل وجوباً وقيل استحباباً ،
وقال المبدع : فإن زاد على ذلك فاختار ابن شهاب والمؤلف أنه لا يصح ، قال أحمد فيمن قام في التراويح إلى ثالثة : يرجع وإن قرأ ، لأن عليه تسليماً ، ولا بد . للخبر . وعنه يصح مع الكراهة ذكره جماعة ، وهو المشهور(1/87)
القول الثاني : جواز صلاة أربع ركعات بتسليم واحد ، وهو رواية عن أحمد وهو مذهب أبي حنيفة قال رحمه الله في صلاة الليل (إن شئت ركعتين وإن شئت أربعاً وإن شئت ستاً وثمانياً لا تسلم إلا في آخرهن ) والأفضل في مذهبه صلاة أربع بسلام واحد لخبر عائشة في الصحيحين حين سألها أبو سلمة بن عبد الرحمن عن كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل قالت : يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً) .
وهذا الحديث مجمل ليس فيه التصريح بصلاة أربع بسلام واحد والاحتمال فيه وارد
وحديث ابن عمر ((صلاة الليل مثنى مثنى )) لا يدل على وجوب التسليم في كل ركعتين ولفظه لا يساعد على ذلك فيحمل على الاستحباب وأنه الأكثر استعمالاً ، وغيره من الأحاديث تحمل على السنية في بعض الأحيان .
والعبادات الواردة على وجوه متنوعة يعمل بها كلها وهذا أفضل من المداومة على نوع وهجر غيره فإن هدي النبي صلى الله عليه وسلم عمل الأمرين على نوع المداومة على نوع مراعاة للمصلحة ودرءاً للمفسدة قد تكون أفضل في وقت دون آخر كما أن المفضول يكون فاضلاً وهذا أمر عام في كل العبادات الواردة على هذا الوجه والقول الجامع فيها مراعاة المصالح وهذا يختلف باختلاف الأحوال والبلاد والأشخاص والله أعلم .
المسألة الرابعة : فيما يقرأ في الوتر .
السنة لمن أوتر بثلاث أن يقرأ بعد الفاتحة (سبح اسم ربك الأعلى ) وفي الثانية ( قل يا أيها الكافرون ) وفي الثالثة ( قل هو الله أحد ) . لحديث سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب قال : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم .(1/88)
واستحب الإمامان مالك والشافعي رحمهما الله قراءة المعوذتين بعد الإخلاص . وذلك لما روى أبو داود والترمذي وابن ماجه من طريق خصيف عن عبد العزيز بن جريج عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يقرأ في الركعة الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحدوالمعوذتين" .
وروى ابن حبان في صحيحه والطحاوي والحاكم وغيرهم من طريق يحي بن أيوب عن يحي بن سعيد عن عمرة عن عائشة به ، وصححه الحاكم ولم يتعقبه الذهبي بشيء ، وحسنه ابن حجر في نتائج الأفكار ، لكن الصواب انه لم يثبت في الحديث زيادة المعوذتين ولا تشرع قراءتهما بعد الإخلاص ، وقد أنكر الإمام أحمد وابن معين زيادة المعوذتين.
المسألة الخامسة : في القنوت .
القنوت في الوتر لم يثبت فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا من قوله ولا من فعله . قال الإمام أحمد : لا يصح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء......).
وقال الإمام ابن خزيمة رحمه الله : ( ولست أحفظ خبراً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر ....). غير أنه ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم كما قال عطاء حين سئل عن القنوت قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يفعلونه. وجاء عن بعض الصحابة أنه لا يقنت إلاّ في النصف من رمضان . صح هذا عن ابن عمر . رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن علية عن أيوب عن نافع عن ابن عمر.(1/89)
وقال الإمام الزهري رحمه الله : ( لا قنوت في السنة كلها إلاّ في النصف الآخر من رمضان) رواه عبد الرازق في المصنف ، بسند صحيح ، وقال الإمام أبو داود قلت لأحمد : القنوت في الوتر السنة كلها ؟ قال : إن شئت ، قلت : فم تختار ؟ قال : أما أنا فلا أقنت إلاّ في النصف الباقي ، إلا أن أصلي خلف الإمام فيقنت فأقنت معه ، وذكر ابن وهب عن مالك في القنوت في رمضان أنه قال إنما يكون في النصف الآخر من الشهر ، وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله ، وفي وجه عنده يستحب القنوت في الوتر بالسنة كلها وهذه آخر الروايات عن الإمام أحمد رحمه الله.
الحديث الرابع والأربعون
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده. متفق عليه.
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحه حـ 2052- ومسلم في صحيحه 2/831- من طريق الليث عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها .
الحديث الخامس والأربعون
عن عائشة رضي الله عنها قالت:"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفهُ. متفق عليه".
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحه حـ2041- ومسلم في صحيحه 2/831- من طريق يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها.
الحديث السادس والأربعون
عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علي رأسه- وهو في المسجد- فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجه، إذا كان معتكفاً. متفق عليه، واللفظ للبخاري.
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحه حـ2029- ومسلم في صحيحه1/244- من طريق ابن شهاب عن عروة عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها.
مسائل الأحاديث :
وهذه الأحاديث اشتملت على جملة من المسائل ولعلي أذكر أبرز وأهم هذه المسائل :
المسألة الأولى: ما حكم الاعتكاف؟(1/90)
الاعتكاف سنة مؤكدة, وذلك لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليه حتى توفي وقد انعقد الإجماع على استحبابه وعدم وجوبه قال الإمام أحمد :"لا أعلم عن أحداً من العلماء إلا أنه مسنون".
وأثر عن الإمام مالك قوله : "فكرت في الاعتكاف وترك الصحابة له، مع شدة اتباعهم للأثر، حتى وقع في نفسي أنه كالوصال وتركهم له لشدته، ولم يبلغني عن أحد من السلف أنه اعتكف إلا ما روي عن أبي بكر بن عبد الرحمن".
قال ابن حجر في الفتح : "لعل مالكاً أراد صفة مخصوصة وإلا فقد نقل عن غير واحد من الصحابة أنه اعتكف" ، إذاً يكون الإجماع قد انعقد على السنية.
المسألة الثانية : مكان الاعتكاف.
اختلف فيه على أقوال.
القول الأول: لا يصح إلا في المساجد الثلاثة نسب هذا القول إلى حذيفة -رضي الله عنه- ولكن جاء عن ابن مسعود -رضي الله عنه- كما عند عبد الرزاق أنه استدرك ذلك على حذيفة حين سأله حذيفة عن قوم اعتكفوا في غير هذه المساجد فقال ابن مسعود -رضي الله عنه- "لعلهم أصابوا وأخطأت فذكروا ونسيت".
القول الثاني : أنه لا اعتكاف إلا في مسجد مكة والمدينة.
القول الثالث : أنه لا اعتكاف إلا في مسجد المدينة نسب إلى ابن المسيب وهو قول شاذ.
والصواب في هذه المسألة أنه لا اعتكاف إلا في مسجد تصلى فيه الفرائض, ولا يشترط أن يكون جامعاً لقوله (ولا تباشروهن وأنت عاكفون في المساجد) و (أل) في المساجد للعموم, فتشمل كل مسجد ولا يخفى أن القول الأقرب في ما يسمى مسجداً ما يصلى فيه الصلوات الخمس.
المسألة الثانية : في مدة الاعتكاف وفي وقته.
قال ابن حجر "اتفقوا على أنه لا حد لأكثره واختلفوا في أقله". وعن يعلى بن أمية قال "إني لأعتكف في المسجد الساعة وما أمكث إلا لأعتكف".(1/91)
وقد ذهب جمع من العلماء ، إلى أن الاعتكاف مشروع في كل وقت سواء في رمضان أو في غيره ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بإيفاء النذر حين سأله فقال: "إني نذرت أن أعتكف ليلةً" وفي -رواية- "يوماً" وقد جاء هذا الحديث عن عمر بألفاظ متعددة:
ولعل الراجح في مسألة الاعتكاف وزمانه أن يقال الاعتكاف الأفضل والأكمل هو اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم وكان اعتكافه صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان ، فهذا هو الأفضل قد كان اعتكف قبل ذلك صلى الله عليه وسلم في العشر الأوائل من شوال ثم العشر الأواسط من رمضان ثم ترك ذلك لما أخبر أن ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان, اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يعهد عنه صلى الله عليه وسلم خلاف هذا، بعد ما علم النبي صلى الله عليه وسلم بأن ليلة القدر في العشر الأواخر .
هل ينكر على من اعتكف في غير رمضان؟
لا ينكر عليه استأنساً بإذن النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه.
المسألة الثالثة : متى يدخل المعتكف المسجد ومتى يخرج منه؟
اختلف في هذه المسألة على أقوال :
القول الأول : للأوزاعي والليث والثوري إلى أن دخول المسجد بعد صلاة الصبح من اليوم الحادي والعشرين من رمضان استدلالاً بحديث عائشة حديث الباب "كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه يعني من اليوم الحادي والعشرين".
القول الثاني : في هذه المسألة ما ذهب إليه جماهير أهل العلم بما فيهم الأئمة الأربعة أن الدخول إلى المسجد للاعتكاف يكون قبيل غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين ، وأما ما استدل به أصحاب القول الأول فيجاب عنه : بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل المسجد قبيل غروب الشمس من اليوم العشرين, هذا الدخول إلى المسجد ثم يدخل بعد ما يصلي الغداة معتكفه الخاص ومكانه المخصص للاعتكاف ,لذلك عبرت عائشة رضي الله عنها بالمعتكف ولم تعبر بالمسجد ، وهذا الجواب قد أشار إليه جمع من أهل العلم.(1/92)
وأما خروج المعتكف فهو عند الأئمة الأربعة ، بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث ، أنه لم يرد عنه أنه كان يعتكف ليلة العيد والثابت عنه أنه كان يعتكف عشرة أيام أو عشر ليالي ولم يجيء في حديث واحد أنه اعتكف إحدى عشرة ليلة أو أحد عشر يوماً وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
المسألة الرابعة : ما هي العبادات التي يستحب الانشغال بها في الاعتكاف؟
يشرع للمعتكف أن ينشغل بالعبادات الخاصة كقراءة القرآن والذكر ، والصلاة في غير أوقات النهي ، ولسائل أن يسأل ويقول : أليس العلم أفضل من العبادات الخاصة ؟
نعم العلم أفضل الإجمال ، لكن في حالة الاعتكاف فيقدم عليه العبادات الخاصة ، لأن المقصود من الاعتكاف الانقطاع عن الناس للخلوة بالله والإكثار من العبادات و الطاعة في المعتكف ، ولكن لو أن معتكفاً طلب العلم في اعتكافه فلا تثريب عليه ولا يؤثر على اعتكافه ولكن الأفضل ما سبق ذكره.
المسألة الخامسة : هل للمعتكف الخروج من المسجد؟
ليس له ذلك إلا لما لابد منه حساً أو شرعاً ، فأما ما لابد منه حساً؛ كالأكل والشرب وقضاء الحاجة ونحو ذلك , وأما ما لابد منه شرعاً؛ كغسل الجنابة والوضوء ونحو ذلك ، وأما ما سوى ذلك؛ كعيادة المريض وصلاة الجنازة فليس للمعتكف ذلك؛ لأن هذه العبادات وقتها موسع وهنا تنافي المسجد والمكث فيه , ويستثنى من ذلك إذا تعين الأمر على المعتكف الخروج من المسجد كتغسيل ميت لا يستطيع تغسيله إلا هو ، فيجوز له الخروج في هذه الحال ومثل ذلك إذا تعين عليه عيادة المريض كأن يكون في ترك زيارته قطيعة كالوالدين ونحوهما فيجوز له الخروج من المسجد وأما الاشتراط في الخروج فهذا والله أعلم لا دليل عليه، وقياسه على الإشتراط في الحج قياس مع الفارق ، وسيأتي تفصيل هذه المسألة .
المسألة السادسة : هل للمرأة أن تعتكف في المسجد؟(1/93)
نعم لها ذلك, استدلالاً باعتكاف زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وبهذا قال جمهور أهل العلم والأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد ,وأما أبو حنيفة فيرى أنها تعتكف في مصلاها الذي في بيتها ، ولكن الصواب ما ذهب إليه جمهور أهل العلم, لكن ينبغي أن يقيد ذلك بأمن الفتنة عليها أو بها ، فإذا خيف الفتنة على المرأة أو الافتتان بها ، ففي هذه الحالة لا يجوز لها الاعتكاف ولا يجوز لوليها أن يأذن لها في ذلك.
الحديث السابع والأربعون
وعنها قالت:السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازةً، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد له منه ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامعٍ . رواه أبو داود ولا بأس برجاله إلا أن الراجح وقف آخره.
تخريج الحديث :
أخرجه أبو داود في سننه حـ2473- من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت:" السنة على المعتكف ....."
حكم الحديث :
قال أبو داود : "عقبة غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه : قالت : السنة، جعله قول عائشة" ونقل ابن رشد في بداية المجتهد5/260- عن ابن عبد البر أنه قال: " لم يقل أحد في حديث عائشة هذا (السنة) إلا عبد الرحمن بن إسحاق " ، وهذا هو الراجح عند أئمة الحديث أن الحديث لا يصح مرفوعاً، والراجح أنه موقوف، وقد اختلف في ذلك فقيل هو موقوف على عائشة، وقيل هو موقوف على الزهري، وقيل هو موقوف على عروة وهو الأصح وهو مذهب أكثر الحفاظ كما أشار إلى ذلك البيهقي في السنن4/321
الحديث الثامن والأربعون
عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه". رواه الدارقطني والحاكم، والراجح وقفه أيضاً.
تخرج الحديث :
أخرجه الدارقطني في سننه 2/199-والبيهقي في سننه أيضاً 4 /319- والحاكم في مستدركه كلهم من طريق أبي سهيل عم مالك بن انس عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنه.(1/94)
حكم الحديث :
وقد اختلف في رفعه ووقفه , والراجح وقفه على ابن عباس كما بين ذلك الدارقطني وعبد الحق الإشبيلي والبيهقي وغيرهم.
مسائل الحديثين :
هذان الحديثان فيهما ثلاث مسائل .
المسألة الأولى : في خروج المعتكف.
خروج المعتكف ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
خروج لابد للمعتكف منه كقضاء الحاجة وهذا بالإجماع يجوز له أن يخرج ,وقد ثبت في صحيح في البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج لحاجة الإنسان ,ومما يدخل في حاجة الإنسان : الأكل والشرب إذا لم يجد من يأتيه به في معتكفه ,كمن يعتكف في المسجد الحرام فإنه أحياناً يمنع من دخول الأكل والشرب ، ففي هذه الحالة له أن يخرج ليأكل.
خروج ينافي الاعتكاف كالخروج للبيع والشراء ، وقد سئل الإمام أحمد عن رجل خياط لا طريق له للرزق إلا هذا العمل هل يجوز أن يخيط في معتكفه؟ فقال : إن كان ولا سبيل للرزق إلا هذا فهذا لا يعتكف " ومما ينافي الاعتكاف الخروج لمباشرة زوجته ونحوه فهذا ينافي الاعتكاف ويبطله.
خروج لا ينافي الاعتكاف ولكن للمعتكف فيه بد كالخروج لعيادة المريض وشهود الجنازة ونحوها, وهذا النوع اختلف فيه العلماء على أقوال:
القول الأول : قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد قالوا : لا يخرج المعتكف لعيادة المريض ولا لشهود الجنازة, لأن المعتكف ينبغي له أن ينصرف إلى اعتكافه والخروج لهذه الأمور يؤثر على اعتكافه , واستدلوا فيما ذهبوا إليه بدليلين:
ما جاء في صحيح البخاري أن عائشة رضي الله عنها قالت :"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف لم يخرج من المسجد إلا لحاجة الإنسان ",وقد فسر الزهري وهو أحد رواة الحديث حاجة الإنسان بالبول والغائط.
بما ذكرته عائشة رضي الله عنها عن نفسها قالت:" كنت أدخل البيت وأنا معتكفة والمريض فيه فلا اسأل إلا وأنا ماره" رواه البخاري ومسلم ، فهذا يدل على أنه ليس للمعتكف شهود جنازة أو عيادة مريض.(1/95)
القول الثاني: أن عيادة المريض وشهود الجنازة من جنس المقربات إلى الله، فيجوز للمعتكف أن يخرج لعيادة المريض وشهود الجنازة ونحو ذلك من القربات، ولكن هذا القول ليس معه دليل.
القول الثالث : القول بالتفصيل: إن شرط المعتكف حين دخوله للاعتكاف أن يعود مريضاً أو يشهد جنازة فله ذلك، وإذا لم يشترط فليس له ذلك. مثال ذلك: موت مريض له فيشترط في بداية الاعتكاف أن يشهد جنازته.
واستدل أصحاب هذا القول بقياس الاعتكاف على الحج كما في قصة ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب حينما قالت: يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية ؟ فقال صلى الله عليه وسلم:" حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني"، فقاسوا الاعتكاف على الحج في ذلك. ولكن الأولى للمعتكف عدم الاشتراط لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اشترط أو أرشد أحداً إلى الاشتراط ، وأما القياس فغير وجيه ، لوجود فوارق عديدة بين المقيس والمقيس عليه .
المسألة الثانية : موضع الاعتكاف وأين يكون؟
اجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد لعموم قوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد }
واختلفوا في نوع المسجد الذي يصح الاعتكاف فيه على ثلاثة أقوال:
القول الأول : قول سعيد بن المسيب وحذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنهما قالا: لا اعتكاف إلا في مسجد نبي، وهي المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، فلا يصح إلا فيها، وقد أخرج البيهقي والطحاوي والذهبي في السير وغيرهم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه نظر إلى قوم معتكفين في الكوفة، فأتى إلى ابن مسعود رضي الله عنه فقال له : أعكوف بين داركم ودار أبي موسى؟ أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة " فقال ابن مسعود رضي الله عنه لعلهم أصابوا وأخطأت، وحفظوا ونسيت.(1/96)
القول الثاني : أن الاعتكاف لا يكون إلى في مسجد جامع تقام فيه الجمعة, استناداً لما جاء في حديث عائشة :"ولا اعتكاف إلى في مسجد جامع "وقالوا بأن المقصود بالمساجد في الآية (وأنتم عاكفون في المساجد) المساجد التي يقام فيها الجمعة لأن هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف في مسجده فيكون الاعتكاف في المساجد التي تشبه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لأن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم تقام فيه الجمعة .وهذا القول يروى عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه, وهو قول الزهري و الإمام مالك.
القول الثالث : أن الاعتكاف عام في كل مسجد تقام فيه الجماعة وهذا قول الجمهور والأئمة الثلاثة : أبو حنيفة والشافعي واحمد ورواية ثانية عن الإمام مالك ، وقال به جمع من العلماء، وقالوا: لأن الآية عامة، وقالوا: إننا اشترطنا أنه تقام فيه صلاة الجماعة لأن صلاة الجماعة واجبة والمعتكف بين أمرين: أما أن ينقطع ويترك صلاة الجماعة فيكون أتى بأمر مستحب وترك أمر واجباً أو أن يضطر للخروج في كل وقت وهذا الخروج بهذا التعدد ينافي الاعتكاف.
وهذا القول - القول الثالث - هو الصواب وعليه عمل الأمة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، أما القول الأول : تخصيص الاعتكاف في المساجد الثلاثة : فهو قول بعيد جداً ويلاحظ أن ابن مسعود أنكر على حذيفة في الأثر الذي رواه البيهقي والطحاوي ، وهذا الحديث يروى مرفوعاً ، ويروى موقوفاً على حذيفة ، وعلى تقدير صحة الحديث فيحمل على نفي الكمال ، وليس نفي الصحة وتبقى الآية {وأنتم عاكفون في المساجد} على عمومها.(1/97)
أما القول الثاني : وهو أن الاعتكاف لا يصح إلا في مسجد جامع، فدليله حديث عائشة "لا اعتكاف إلا في مسجد جامع" وهذا الحديث ليس بمرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكون المعتكف يخرج إلى الجمعة فهذا أمر لا ينافي الاعتكاف، وكوننا نقصر الاعتكاف في المساجد التي يقام فيها الجمعة فهذا أمر فيه تكلفة على الناس، وتقليل للاعتكاف، لأنه لا يتوفر لكل معتكف مسجد جامع .
المسألة الثالثة : هل يشترط الصوم للاعتكاف أم لا ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول : قول الجمهور،: أبو حنيفة ومالك واحمد في رواية قالوا: أن الصوم شرط في صحة الاعتكاف فلا يصح اعتكاف إلا بصوم.
القول الثاني : قول الإمام الشافعي والرواية المشهورة في مذهب الإمام احمد: أن الصوم ليس شرط في الاعتكاف، فيصح الاعتكاف ولو لم يكن معه صوم.
أدلة الجمهور : استدلوا بأن مشروعية الاعتكاف لا تعرف إلا مع الصوم، فإنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف من غير صيام، فاعتكف العشر الأواخر ولا ريب أنه صائم، وقالوا إن ذكر الاعتكاف جاء في آيات الصيام في قولة تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم....} إلى أن قال: { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} فدل على ارتباط الاعتكاف بالصوم وأنه لا انفصال بينهما واستدلوا بما جاء في حديث عائشة رضي الله عنه :" ولا اعتكاف إلا بصوم" وسبق ترجيح وقفه .
أدلة من قال بعدم اشتراط الصيام في الاعتكاف : ما جاء في الصحيح أن عمر رضي الله عنه قال:"يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام قال النبي صلى الله عليه وسلم : فأوفِ بنذرك " ومعلوم أن الليل ليس محلاً للصوم فدل على صحة الاعتكاف بدون صوم، والراجح مذهب الجمهور لقوة أدلتهم
ثم ذكر المؤلف بعد ذلك جملة من الأحاديث المتعلقة بليلة القدر.
الحديث التاسع والأربعون(1/98)
عن ابن عمر رضي الله عنه أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام، في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر،فمن كان متحريها فليتحريها في السبع الأواخر ". متفق عليه.
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحه حـ2015- ومسلم في صحيحه 2/822- من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه .
الحديث الخمسون
عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال في ليلة القدر:" ليلة سبع وعشرين ". رواه أبو داود، والراجح وقفه، وقد اختلف في تعيينها على أربعين قولاً أوردتها في الفتح.
تخريج الحديث :
أخرجه أبو داود في سننه حـ1386- من طريق شعبة عن قتادة أنه سمع مطرفاً عن معاوية رضي الله عنه ، ومطرف هذا هو ابن عبد الله بن الشخير وهو ثقة. والحديث قد اختلف في رفعه ووقفه ، سئل عنه الدار قطني في العلل 7/65 فرجح وقفه، وقال ابن رجب في لطائف المعارف ص 235- :"وله علة ، وهي وقفه على معاوية، وهو أصح عند الإمام احمد والدارقطني "
الحديث الحادي والخمسون
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله، أرأيت أن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال:"قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فأعفُ عني".رواه الخمسة، غير أبي داود، وصححه الترمذي والحاكم.
تخريج الحديث :
أخرجه النسائي في الكبرى4/407- وفي عمل اليوم والليلة حـ878-880- وابن ماجة في سننه حـ 3850- واحمد في مسنده 6/183- كلهم من طريق كهمس بن عبد الله بن بريده عن عائشة ، وكهمس هذا هو ابن الحسن، نقل الأزدي عن ابن معين تضعيفه، لكن جمهور المحدثين على توثيقه، فقد وثقه احمد وأبو داود وابن أبي خيثمه وغيرهم ، وفي الحديث علة أُخرى وهي الانقطاع بين عبد الله بن بريدة وبين عائشة ،كما أشار إلى ذلك النسائي في عمل اليوم والليلة حـ 878- وقال الدارقطني:" عبد الله بن بريدة لم يسمع من عائشة"(1/99)
مسائل الأحاديث :
هذه الأحاديث التي ساقها المؤلف فيها جملة من المسائل المتعلقة بليلة القدر نقتصر على أهم هذه المسائل :
المسألة الأولى : لم سميت ليلة القدر بهذا الاسم؟
سميت بهذا الاسم لعظم قدرها وشرفها, وذلك لنزول القرآن فيها جملة واحدة ,وقال بعض أهل العلم سميت بذلك لما يكتب الله فيها من الأقدار والآجال والأرزاق وغير ذلك وقيل في سبب التسمية أقوال كثيرة غير ما ذكرت وأهم ما قيل في ذلك هذين السببين أو القولين.
المسألة الثانية : في بقاء ليلة القدر إلى آخر الدهر؟
أجمع أهل العلم على هذا, ولم يخالف في هذا إلا الروافض, بدليل ما جاء في الصحيحين لما تلاحا رجلان رفعت قال النبي صلى الله عليه وسلم [وعسى أن يكون خيراً لكم] ودليله من قوله [رفعت] يعني لم تبقى ولن تبق بعد ذلك ,ولكن هذا الاستدلال باطل, وآخر الحديث رد عليهم حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: [وعسى أن يكون خيراً لكم] قال [فالتمسوها في السبع والتسع والخمس] قال ابن كثير -رحمه الله-: [ وفيه أنها تكون باقية إلى يوم القيامة وفي كل سنة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لا كما زعمه بعض طوائف الشيعة من رفعها بالكلية].
ما معنى الرفع في قوله رفعت؟
رفعت تحديداً وتعيناً فأخفى الله تحديد عينها فهو المرفوع أما هي فباقية.
المسألة الثالثة : في تحديد ليلة القدر.
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال كثيرة أوصلها ابن حجر في الفتح إلى ستة وأربعين قولاً وأهم هذه الأقوال ما يلي:
القول الأول : أنها تكون في السنة كلها وبهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه ، وقال "من يقم الحول يصب ليلة القدر" ، وهذا القول هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله .
القول الثاني : أنها في شهر رمضان وبهذا قال عمر وغيره من الصحابة استدلالاً بقوله (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن).
القول الثالث : أنها في العشرين الأخيرة منه.
القول الرابع : أنها في العشر الأواخر منه.(1/100)
القول الخامس : أنها في ليلة سبع وعشرين, وهذا قول أبي بن كعب يحلف على ذلك, ومثله ابن عباس ,وهذا هو مذهب أحمد ورواية عن أبي حنيفة.
القول السادس : أنها في أوتار العشر الأواخر, تنتقل بينها, فتكون في سنة ليلة إحدى وعشرين وفي أخرى ليلة ثلاث وعشرين ، وهكذا وبهذا القول قال أبو ثور والمزني وابن خزيمة وجماعة من المتقدمين والمتأخرين, وعلى هذا القول تقوم الأدلة ، وبهذا يمكن الجمع بين الأدلة المتكاثرة التي جاء في بعضها أنها ليلة إحدى وعشرين؛ كما في حديث أبي سعيد وجاء في بعضها في ليلة ثلاث وعشرين, وجاء أنها في ليلة سبع وعشرين ...
ولا يمكن الجمع إلا بهذا القول وعلى هذا يكون هو الراجح.
المسألة الرابعة : ما الحكمة من إخفاء ليلة القدر؟
لأمرين :
الأول : ليجتهد المسلم في إحياء العشر كلها.
الثاني: ليتبين الصادق في طلبها ممن ليس بصادق لأنها لو عينت في ليلة واحدة لأكب الناس جميعاً صادقهم وكاذبهم صالحهم وفاجرهم لكن حكمة الله اقتضت عدم التحديد لهذه الغاية والحكمة الكبيرة.
المسألة الخامسة : ما العمل الذي يشرع الإكثار منه ليلة القدر؟
الأول: القيام لقوله صلى الله عليه وسلم "من قام رمضان إيماناً .....".
الثاني: قول : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ؛لسؤال عائشة أرأيت إن أدركت ليلة القدر؛ ماذا أقول؟ قال: [قولي اللهم إنك عفو تحب العفو ...].
وسبق الكلام على هذا الحديث من حيث الثبوت .
المسألة السادسة : علامات ليلة القدر.
ذكر لها علامات كثيرة أغلبها لا تصح مثلاً :
أولاً : أن مياه البحر تكون ليلتها عذبة والأشجار ليلتها تكون ساجدة والكلاب ساكنة ، وهذا لا يصح فيه دليل ، والصحيح الثابت من علامات ليلة القدر ما يلي:
ثانياً : أن الشمس تطلع صبيحتها ليس لها شعاع ، كما في صحيح مسلم .(1/101)
وقد ذكر بعض أهل العلم والصالحين بالتجربة أن المؤمن الصالح يجد انشراحاً في صدره وإقبالاً في على عبادة ربه ليلتها وهذا من توفيق الله لعبده المؤمن والله أعلم
الحديث الثاني والخمسون
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى " متفق عليه
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحه حـ 1864 ومسلم 2/976 من طريق شعبة عن عبد الملك بن عمير عن قزعة عن أبي سعيد رضي الله عنه .
شرح الحديث :
قوله : "لا تشد الرحال" تشد بضم التاء والدال ، و (لا) هنا نافية ، والنفي أقوى من النهي ، قال الطبري : "النفي أبلغ من صريح النهي ، كأنه لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذه البقاع لاختصاصها بما اختصت به" وقد جاء الحديث عند مسلم من طريق جرير عن عبد الملك بن عمير عن قزعة عن أبي سعيد بلفظ "لا تَشدوا الرحال ... " أي بلفظ النهي ، لكن النفي أبلغ كما سبق .
مسائل الحديث :
المسألة الأولى : تحريم شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة
وهذا هو مدلول حديث الباب ، ومنه نعرف فضل هذه المساجد الثلاثة ، واختصاصها بجواز شد الرحال ، أما غيرها من بقاع الدنيا فلا يجوز تعظيمه ولا شد الرحال إليه ، فإن كان شد الرحال لأجل صاحب قبر فالتحريم أشد . لأن هذا قد يكون من وسائل الشرك .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن شد الرحل إلى غير هذه المساجد الثلاث مكروه وليس بحرام ، وقالت طائفة ثالثة من أهل العلم . بجواز شد الرحال وحملوا النهي في حديث الباب على حالة خاصة وهي : حالة النذر ، كأن ينذر شخص الصلاة في بقعة معينة ، فلا يلزمه الوفاء إلا إذا نذر الصلاة في المساجد الثلاثة . ففي هذه الحالة يجب عليه الوفاء ، ويحرم عليه مخالفة ذلك .(1/102)
والصواب في هذه المسألة تحريم شد الرحال لتقصد بقعة معينة إلا أن تكون المساجد الثلاثة وبهذا قال الإمام أحمد رحمه الله وأبو محمد الجويني ، وانتصر له بقوة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، بل لقد ابتلي بسبب هذه المسألة بلاء عظيما ، وأوذي وسجن رحمه الله
المسألة الثانية : ما حكم شد الرحال لطلب العلم أو لصلة الرحم أو للصلاة على جنازة ؟
الصحيح جواز ذلك ، وأنه غير داخل في النهي وذلك لأمرين :
الأمر الأول : أن الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم من السلف قد كثرت منهم الرحلات إلى سائر الأقطار والأمصار لأجل طلب العلم وهذا أمر معهود معلوم قد تكاثرت فيه المصنفات
الأمر الثاني : أن المرتحل للعلم أو للصلاة على قريب أو صديق أو صاحب فضل وعلم ، أو لأجل صلة رحم ، لا يتقصد مكانا معينا وبقعة مخصصة ، وإنما سافر لأداء عبادة طلب العلم أو صلة الرحم أوالصلاة على الجنازة وهي من العبادات التي يتقرب بها إلى الله ، والمرتحل في ذلك لم يقصد ذات البقعة وإنما قصده العلم الموجود في البقعة وهكذا ، ومما يدل على ذلك مثلا ، أن المرتحل للعلم أو الصلة أو صلاة الجنازة ، لا يعنيه المكان وإنما يعينه من سكن المكان ، ولذا هو يرتحل لأجل العلم في المكان الذي يتوافر فيه العلماء فإن وجدوا في الحجاز ارتحل إليها ، وإن كانوا في الشام ارتحل إليها وهكذا ، وهذا يدل دلالة بينة على أنه لم يقصد بقعة معينة .
المسألة الثالثة : فضائل المساجد الثلاثة ؟
سبق بحث هذه المسألة بأدلتها في شرح كتاب الحج في الدورة الخامسة ، وبيان أن المضاعفة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة ، وفي مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة ، وأما المسجد الأقصى فالصحيح أن المضاعفة فيه بمائتين وخمسين صلاة فيما سواه من المساجد سوى المسجدين ، وتفصيل ذلك في مذكرة شرك كتاب الحج من البلوغ .(1/103)
وبالله التوفيق ، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد .
الفهارس
كتاب الصيام…1
والصيام في الشرع :…1
الحكمة من فرض الصيام :…1
الحديث الأول :…3
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صوما فليصمهُ " متفق عليه.…3
تخريج الحديث :…3
الحديث الثاني:…4
عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: "من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم " .…4
تخريج الحديث :…4
حكم الحديث :…4
الحديث الثالث:…4
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا رأيتموهُ فصوموا، وإذا رأيتموهُ فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا لهُ ". متفق عليه .…4
تخريج الحديث :…4
مسائل الحديث :…5
المسألة الأولى: حكم تقدم رمضان بالصوم :…5
المسألة الثانية : الحكمة من النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين.…6
المسألة الثالثة : هل يجوز الاعتبار بصيام رمضان بالحساب دون الأهلة ؟…7
المسألة الرابعة : حكم صوم يوم الشك:…7
الحديث الرابع…9
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : تراءى الناس الهلال، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيتهُ، فصام، وأمر الناس بصيامهِ . رواه أبو داود، وصححه الحاكم وابن حبان.…9
تخريج الحديث :…9
الحديث الخامس :…10
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال، فقال: "أتشهد أن إله إلا اللهُ ؟ قال: نعم . قال : أتشهد أن محمداً رسولُ اللهِ ؟ قال: نعم . قال: فأذن في الناس يا بلالُ، أن يصوموا غداً . رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، ورجح النسائي إرسالهُ .…10
تخريج الحديث :…10
حكم الحديث :…10
مسائل الحديث :…10
هل يكفي في دخول رمضان شهادة رجل واحد ؟…10
الحديث السادس…13(1/104)
عن حفصة أم المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له. رواه الخمسة، ومال الترمذي والنسائي إلى ترجيح وقفه، وصححه مرفوعاً ابن خزيمة وابن حبان، وللدارقطني: لا صيام لمن لم يفرضهُ من الليل.…13
تخريج الحديث :…13
حكم الحديث :…13
مسائل الحديث :…14
هل يلزم تبييت النية في الصيام من الليل ؟…14
الحديث السابع:…16
عن عائشة رضي الله عنها قالت : "دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال : هل عندكم شيء ؟ قلنا : لا. قال : فإني إذاً صائم ثم أتانا يوماً آخر، فقلنا : أهدي لنا حيس ، فقال : أرينيه ، فلقد أصبحت صائماً فأكل " .…16
تخريج الحديث :…16
مسائل الحديث :…16
المسألة الأولى : أن صيام النفل تكفي فيه النية من النهار ؟…16
المسألة الثانية : هل تكفي النية لصيام رمضان في أول ليلة من رمضان أم لكل ليلة نية مستقلة ؟…17
الحديث الثامن:…18
عن سهل بن سعد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ". متفق عليه .…18
تخريج الحديث :…18
مسائل الحديث :…18
الحديث التاسع…21
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تسحروا فإن في السحور بركة "…21
تخريج الحديث :…21
مسائل الحديث :…21
المسألة الأولى : حكم السحور :…21
المسألة الثانية : استحباب تأخير السحور إلى قبيل طلوع الفجر الثاني .…22
الحديث العاشر :…24
وعن سلمان بن عامر الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر,فإن لم يجد فليفطر على ماء,فإنه طهور".…24
تخريج الحديث :…24
حكم الحديث :…24
مسائل الحديث :…24
الحديث الحادي عشر:…25(1/105)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال, فقال رجل من المسلمين : فإنك تواصل يارسول الله ؟ فقال: وأيكم مثلي ؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما , ثم يوما , ثم رأوا الهلال , فقال : لو تأخر الهلال لزدتكم كالمنكل , لهم حين أبوا أن ينتهوا ".…25
تخريج الحديث :…25
شرح الحديث :…26
مسائل الحديث :…27
المسألة الأولى : المراد بالطعام والسقي في هذا الحديث ؟…27
المسألة الثانية : حكم الوصال :…29
من فوائد الحديث :…31
الحديث الثاني عشر:…33
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل,فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". رواه البخاري وأبو داود , واللفظ له.…33
هذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه حـ 1903 من طريق المقبري عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه -…33
شرح الحديث :…33
الحديث الثالث عشر…34
عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان النبي رضي الله عنه يقبل وهو صائم , ويباشر وهو صائم , ولكنه كان أملككم لإربه". متفق عليه واللفظ لمسلم , وزاد في رواية : "في رمضان" .…34
تخريج الحديث :…34
شرح الحديث :…34
مسائل الحديث :…35
المسألة الأولى : حكم التقبيل والمباشرة للصائم :…35
المسألة الثانية : إذا قبل وباشر وترتب على هذا إنزال فما الحكم ؟…38
الحديث الرابع عشر:…38
عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن النبي احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم". رواه البخاري.…38
تخريج الحديث :…39
الحديث الخامس عشر…39
عن شداد ابن أوسٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم في رمضان.فقال:"أفطر الحاجم والمحجوم". رواه الخمسة إلا الترمذي، وصححه احمد وابن خزيمة وابن حبان .…39
تخريج الحديث :…39
حكم الحديث :…39
الحديث السادس عشر:…40(1/106)
وعن أنس بن مالك قال : أول ما كرهت الحجامة للصائم :أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم ,فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " أفطر هذان " ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم, وكان أنس يحتجم وهو صائم . رواه الدار قطني وقواه.…40
تخريج الحديث :…40
حكم الحديث :…40
مسائل الحديث :…40
هذه الأحاديث الثلاثة اشتملت على مسألة الحجامة للصائم هل تفطر أم لا ؟…40
الحديث السابع عشر:…44
عن عائشة رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل في رمضان، وهو صائم. رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف. وقال الترمذي: لا يصح في هذا الباب شيء.…44
تخريج الحديث :…44
مسائل الحديث :…44
حكم الكحل للصائم :…44
الحديث الثامن عشر:…45
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه".متفق عليه .…45
تخريج الحديث :…46
مسائل الحديث :…46
المسألة الأولى: لِم خص النبي صلى الله عليه وسلم الأكل والشرب دون سائر المفطرات؟…46
المسألة الثانية : حكم القضاء على أكل أو شرب ناسياً:…46
المسألة الثالثة : هل يجب القضاء على من جامع ناسياً؟…47
المسألة الرابعة : هل الأكل والشرب الكثير حال النسيان كالأكل والشرب القليل أم بينهما فرق؟…48
الحديث التاسع عشر…48
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء" رواه الخمسة، وأعله احمد، وقواه الدارقطني .…48
تخريج الحديث :…48
حكم الحديث :…48
مسائل الحديث :…49
حكم صوم من ذرعه القيء :…49
الحديث العشرون…50(1/107)
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة، في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم ، ثم قيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام. فقال: " أولئك العصاة، أولئك العصاة". وفي لفظ : فقيل له : إن الناس قد شق عليهم , وإنما ينتظرون ما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب ...…50
تخريج الحديث :…50
الحديث الحادي والعشرون…51
عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، إني أجد بي قوة على الصيام في السفر. فهل علي جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسنٌ ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه". رواه مسلم. وأصله في المتفق عليه من حديث عائشة أن حمزة بن عمرو سأل.…51
تخريج الحديث :…51
من مناقب حمزة بن عمرو الأسلمي راوي الحديث :…51
مسائل الحديث :…52
المسألة الأولى : هل الحديث في صوم النفل أو في صوم الفرض:…52
المسألة الثانية : ما حكم الصوم في السفر؟…52
المسألة الثالثة : أيهما أفضل لمن سافر في نهار رمضان الصيام أم الفطر؟…53
الحديث الثاني والعشرون…55
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: رخص للشيخ الكبير "أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا، ولا قضاء عليه" رواه الدارقطني والحاكم وصححاه.…55
تخريج الحديث :…55
حكم الحديث :…56
مسائل الحديث :…56
كيف يفعل الكبير والمريض اللذان لا يستطيعان الصيام ؟…56
المرضع والحامل إذا أفطرتا هل عليهما القضاء ؟…56
الحديث الثالث والعشرون…57(1/108)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هلكت يا رسول الله . قال : "وما أهلكك ؟" قال: وقعت على امرأتي في رمضان. فقال : "هل تجد ما تعتق رقبة؟" قال: لا. قال : "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟" قال: لا. قال : "فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟" قال: لا، ثم جلس، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر. فقال : "تصدق بهذا" فقال : أعلى أفقر منا؟ فما بين لا بتيها أهل بيتٍ أحوج إليه منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه. ثم قال : "اذهب فأطعمه أهلك". رواه السبعة واللفظ لمسلم .…57
تخريج الحديث :…58
هذا الحديث جاء بروايات متعددة .…58
شرح الحديث :…58
مسائل الحديث :…59
المسألة الأولى: ما حكم من جامع في نهار رمضان عمداً هل عليه كفارة؟…59
وهل يجب على من جامع في نهار رمضان القضاء؟…59
المسألة الثانية : هل كفارة المجامع في نهار رمضان على الترتيب أو التخيير؟…60
المسألة الثالثة : هل على المرأة كفارة إذا جامعها زوجها في نهار رمضان أم الكفارة خاصة بالرجل؟…61
المسألة الرابعة : إذا كرر الرجل الجماع في نهار رمضان فهل يكفيه كفارة واحدة أم عليه أكثر من ذلك ؟…62
هل يلزمه الإمساك في بقية اليوم بعد الجماع أو لا يلزمه الإمساك ؟…63
المسألة الخامسة : قوله صلى الله عليه وسلم (أطعمه أهلك) هل يفهم منه سقوط الكفارة عن هذا الرجل؟…63
المسألة السادسة : من جامع في صيام قضاء رمضان هل عليه كفارة؟…64
الحديث الرابع والعشرون…64
عن عائشة وأم سلمه رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جُنباً من الجماع، ثم يغتسل ويصوم. متفق عليه، وزاد مسلم في حديث أم سلمة: "ولا يقضي" .…64
تخريج الحديث :…64
مسائل الحديث :…64
ما حكم صوم من أصبح جنباً ؟ وهل يعتبر هذا الصيام صحيحاً أم فاسداً ؟…64
الحديث الخامس والعشرون…66(1/109)
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه " . متفق عليه .…66
تخريج الحديث :…66
مسائل الحديث :…66
المسألة الأولى : ما حكم النيابة في الصيام ؟…67
المسألة الثانية : ما المقصود بالولي المذكور في قوله:" صام عنه وليه "؟…68
المسألة الثالثة : بالنسبة للقضاء عن الميت هل هو على سبيل الوجوب فيلزم الأولياء أو هو على سبيل الاستحباب ؟…69
المسألة الرابعة : هل يلزم بأن يكون الذي يتولى الصيام واحد أم يجوز أكثر من واحد ؟…69
بَابُ صَوْمِ التطَوعِ ، وَمَا نُهِيَ عَنْ صَوْمِهِ…70
الحديث السادس والعشرون…70
عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة. فقال : "يكفر السنة الماضية والباقية " وسئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: "يكفر السنة الماضية " وسئل عن صوم يوم الإثنين، فقال: " ذلك يوم ولدت فيه، وبعثت فيه وأنزل علي فيه ". رواه مسلم.…70
تخريج الحديث :…70
شرح الحديث :…70
مسائل الحديث :…71
الحديث فيه مسائل أهمها :…71
ما حكم صيام يوم عرفة للواقف بها . ولغير الواقف ؟…71
بعض الإشكالات في صيام عاشوراء والإجابة عليها…72
الإشكال الأول…72
الإشكال الثاني…73
الإشكال الثالث…73
هل التكفير يختص بالصغائر أم يتناول الكبائر والصغائر؟…73
الحديث السابع والعشرون…77
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر كله".رواه مسلم.…77
تخريج الحديث :…77
شرح الحديث :…77
مسائل الحديث :…78
ما حكم صيام ستة أيام من شوال ؟…78
الحديث الثامن والعشرون…81
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم :" ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله في ذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً " . متفق عليه واللفظ لمسلم.…81
تخريج الحديث :…81(1/110)
شرح الحديث :…81
ما المراد بقوله صلى الله عليه وسلم (في سبيل الله) ؟…81
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم (باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)؟…81
الحديث التاسع والعشرون…82
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر, ويفطر حتى نقول لا يصوم, وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان, وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان. متفق عليه . واللفظ لمسلم .…82
تخريج الحديث :…82
الحديث الثلاثون…83
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام : ثلاث عشرة, وأربع عشرة, وخمس عشرة". رواه النسائي والترمذي وصححه ابن حبان.…83
تخريج الحديث :…83
حكم الحديث :…84
ومما جاء من الأحاديث بعدم التخصيص لأيام البيض:…84
الحديث الحادي والثلاثون…85
عن أبي هريرة رضي الله عنه , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه" . متفق عليه, واللفظ للبخاري, زاد أبو داود "غير رمضان".…85
تخريج الحديث :…85
مسائل الحديث :…85
يحرم على الرأة أن تصوم النفل إلا بإذن زوجها .…86
الحديث الثاني والعشرون…87
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين : يوم الفطر ويوم النحر. متفق عليه.…87
تخريج الحديث :…87
الحديث الثالث والثلاثون…88
عن نبيشة الهذلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أيام التشريق أيام أكل وشرب , وذكر الله عز وجل ". رواه مسلم .…88
تخريج الحديث :…88
الحديث الرابع والثلاثون…88
عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما قالا:لم يرخص في أيام التشريق أن يصام إلا لمن لم يجد الهدي . رواه البخاري.…88
تخريج الحديث :…88
مسائل الحديث :…88
المسألة الأولى : ما حكم صيام يومي العيد؟…88(1/111)
المسألة الثانية : ما حكم صيام أيام التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ؟…89
الحديث الخامس والثلاثون…89
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تخصوا ليلة الجمعة من بين الليالي, ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام , إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم ". رواه مسلم .…89
تخريج الحديث :…90
الحديث السادس والثلاثون…91
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يصومن أحدكم يوم الجمعة , إلا أن يصوم يوماً قبله, أو يوماً بعده". متفق عليه .…91
تخريج الحديث :…91
دل الحديثان على عدم مشروعية إفراد الجمعة بالصوم ,وهذا مذهب عامة أهل العلم .…91
متى يجوز صيام يوم الجمعة ؟…92
ما حكم صيام يوم الجمعة إذا وافق عرفه لغير الحاج هل يصومه ؟…92
الحديث السابع والثلاثون…93
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ". رواه الخمسة واستنكره أحمد .…93
تخريج الحديث :…93
حكم الحديث :…93
الحديث الثامن والثلاثون…95
عن الصماء بنت بسر رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تصوموا يوم السبت, إلا فيما افترض عليكم, فإن لم يجد أحدكم , إلا لحاء عنب, أو عود شجرة فليمضغها". رواه الخمسة ورجاله ثقات, إلا أنه مضطرب, وقد أنكره مالك, وقال أبو داود: هو منسوخ.…95
تخريج الحديث :…95
حكم الحديث :…95
الحديث التاسع والثلاثون…96
عن أم سلمة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر ما يصوم من الأيام يوم السبت، ويوم الأحد، وكان يقول: "إنهما يوما عيد للمشركين، وأنا أريد أن أخالفهم". أخرجه النسائي، وصححه ابن خزيمة، وهذا لفظه.…96
تخريج الحديث :…96
حكم الحديث :…96
الحديث الأربعون…99(1/112)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة. رواه الخمسة غير الترمذي، وصححه ابن خزيمة والحاكم واستنكره العقيلي .…99
تخريج الحديث :…99
حكم الحديث :…99
مسائل الحديث :…100
ما حكم صيام يوم عرفة بعرفة ؟…100
الحديث الحادي والأربعون…101
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا صام من صام الأبد" متفق عليه.…101
تخريج الحديث :…102
ولمسلم من حديث أبي قتادة بلفظ "لا صام ولا أفطر ".…103
تخريج الحديث :…103
مسائل الحديث :…104
من صام الدهر هل فعله محمود ؟…104
باب الاعتِكَافَ وَقِيَامِ رَمَضَانَ…107
الحديث الثاني والأربعون…107
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه.…107
تخريج الحديث :…107
الحديث الثالث والأربعون…107
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلمإذا دخل العشر-أي العشر الأخيرة من رمضان- شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله.متفق عليه.…107
تخريج الحديث :…107
مسائل الحديث :…107
المسألة الأولى : أن الأفضل في صلاة الليل الثلث الأخير…107
المسألة الثانية : في عدد ركعات قيام الليل .…110
المسألة الثالثة: في كيفية صلاة الليل…112
المسألة الرابعة : فيما يقرأ في الوتر .…113
المسألة الخامسة : في القنوت .…114
الحديث الرابع والأربعون…114
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده. متفق عليه.…115
تخريج الحديث :…115
الحديث الخامس والأربعون…115
عن عائشة رضي الله عنها قالت:"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفهُ. متفق عليه".…115
تخريج الحديث :…115
الحديث السادس والأربعون…115(1/113)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علي رأسه- وهو في المسجد- فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجه، إذا كان معتكفاً. متفق عليه، واللفظ للبخاري.…115
تخريج الحديث :…115
مسائل الأحاديث :…116
المسألة الأولى: ما حكم الاعتكاف؟…116
المسألة الثانية : مكان الاعتكاف.…116
المسألة الثانية : في مدة الاعتكاف وفي وقته.…117
المسألة الثالثة : متى يدخل المعتكف المسجد ومتى يخرج منه؟…118
المسألة الرابعة : ما هي العبادات التي يستحب الانشغال بها في الاعتكاف؟…118
المسألة الخامسة : هل للمعتكف الخروج من المسجد؟…119
المسألة السادسة : هل للمرأة أن تعتكف في المسجد؟…120
الحديث السابع والأربعون…120
وعنها قالت:السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازةً، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد له منه ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامعٍ . رواه أبو داود ولا بأس برجاله إلا أن الراجح وقف آخره.…120
تخريج الحديث :…120
حكم الحديث :…120
الحديث الثامن والأربعون…121
عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه". رواه الدارقطني والحاكم، والراجح وقفه أيضاً.…121
تخرج الحديث :…121
حكم الحديث :…121
مسائل الحديثين :…121
المسألة الأولى : في خروج المعتكف.…121
المسألة الثانية : موضع الاعتكاف وأين يكون؟…123
المسألة الثالثة : هل يشترط الصوم للاعتكاف أم لا ؟…125
الحديث التاسع والأربعون…127
عن ابن عمر رضي الله عنه أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام، في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر،فمن كان متحريها فليتحريها في السبع الأواخر ". متفق عليه.…127
تخريج الحديث :…127
الحديث الخمسون…127(1/114)
عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال في ليلة القدر:" ليلة سبع وعشرين ". رواه أبو داود، والراجح وقفه، وقد اختلف في تعيينها على أربعين قولاً أوردتها في الفتح.…127
تخريج الحديث :…127
الحديث الحادي والخمسون…127
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله، أرأيت أن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال:"قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فأعفُ عني".رواه الخمسة، غير أبي داود، وصححه الترمذي والحاكم.…128
تخريج الحديث :…128
مسائل الأحاديث :…128
المسألة الأولى : لم سميت ليلة القدر بهذا الاسم؟…128
المسألة الثانية : في بقاء ليلة القدر إلى آخر الدهر؟…128
المسألة الثالثة : في تحديد ليلة القدر.…129
المسألة الرابعة : ما الحكمة من إخفاء ليلة القدر؟…130
المسألة الخامسة : ما العمل الذي يشرع الإكثار منه ليلة القدر؟…130
المسألة السادسة : علامات ليلة القدر.…130
الحديث الثاني والخمسون…131
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى " متفق عليه…131
تخريج الحديث :…131
شرح الحديث :…131
مسائل الحديث :…131
المسألة الأولى : تحريم شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة…132
المسألة الثانية : ما حكم شد الرحال لطلب العلم أو لصلة الرحم أو للصلاة على جنازة ؟…132
المسألة الثالثة : فضائل المساجد الثلاثة ؟…133
الفهارس…134(1/115)