شرح كتاب الحج من بلوغ المرام
الشيخ عبدالله العتيبي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
مقدمة
فهذا شرح متوسط لكتاب الحج لبلوغ المرام عقدناه في ست مجالس في أحد مساجد الرياض وقد ضمنته كثيراً من فوائد شرح شيخنا ابن باز وشيخنا ابن عثيمين رحمهما الله وأضفت فوائد حديثية وفقهية كثيرة نسأل الله أن ينفع به ولا يفوتني أن أشكر الأخوة الذين قاموا بتفريغ الأشرطة وطباعتها فجراهم الله خيراً وأجزل مثوبتهم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال المؤلف رحمه الله كتاب الحج باب فضله وبيان من فرض عليه... [عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة] متفق عليه. [وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ يا رسول الله : على النساء جهاد؟ قال: نعم عليهن جهاد لا قتال فيه.. الحج والعمرة] رواه أحمد وابن ماجة واللفظ له وإسناده صحيح وأصله في الصحيح.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: يا رسول الله أخبرني عن العمرة أواجبة هي؟ فقال: لا، وأن تعتمر خير لك] رواه أحمد والترمذي والراجح وقفه وأخرجه ابن عدي من وجه آخر ضعيف.
عن جابر مرفوعاً: (الحج والعمرة فريضتان). وعن أنس رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله ما السبيل؟ قال:" الزاد والراحلة" رواه الدار قطني وصححه الحاكم والراجح إرساله وأخرجه الترمذي من حديث ابن عمر أيضاً وفي إسناده ضعف.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركباً بالروحاء فقال من القوم؟ قالوا: المسلمون، فقالوا: من أنت؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت: ألهذا حج؟! قال: نعم ولك أجر] رواه مسلم.
بسم الله الرحمن الرحيم(1/1)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد
الشرح: يقول المؤلف رحمه الله: كتاب الحج أي هذا كتاب الحج ثم بدأ بفضله وبيان من فرض عليه، والحج لا شك أنه ركن من أركان الإسلام فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بني الإسلام على خمس.. وذكر الصيام الركن الرابع وذكر الحج، وفي رواية أنه ذكر الحج ثم ذكر بعده الصيام، وعلى هذا مشى البخاري في صحيحه فإنه قدم الحج ثم أخر الصيام بعد ذلك، ولكن المشهور في الأحاديث في ترتيب أركان الإسلام أن الحج هو آخرها.وعلى هذا مشى مسلم في صحيحه فإنه قدم الصيام على الحج وكذلك أصحاب السنن.والحجُّ نحن لا نطيل الكلام في مسألة الفرضية، إنما المسائل التي تحتاج تدقيق وبحث ننظر فيها. ومن المسائل المهمة متى فرض الحج؟ وعلى هذا ينبني الخلاف في مسألة وجوب الحج هل هو على الفور أم على التراخي. الصحيح أن الحج فرض سنة 9هـ ، وأما قوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) فهذه الآية نزلت في صلح الحديبية سنة 6هـ، هذه الآية إنما فيها الإتمام كما فسرها جماعة من السلف من الصحابة والتابعين فيها إتمام الحج، إتمام فرائضه، إتمام فرائض العمرة كذلك وسننها.وأما فرض الحج فهو في آية آل عمران (ولله على الناس حِج البيت) هكذا الأفصح ذو الحجة وحِج البيت (من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) آخر الآية هل يدل على أن من لم يحج كافر؟ -من باب الاستطراد النافع- الأمر كما قال ابن عباس فيما رواه عنه علي بن أبي طلحة، ورواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس منقطعة عند أهل العلم ولكنها وجدت بالتتبع والاستقراء موافقة للصحيح.عن ابن عباس ومستقيمه _ وعلي ابن أبي طلحة لا بأس من رجال مسلم _ والمعنى كما قال ابن عباس : (من لم ير حجه براً ولا تركه إثماً) هذا لا شك أنه كافر، الذي لا يرى الحج(1/2)
براً ولا يرى تركه إثماً فهذا كافر.
وآية آل عمران هذه (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) نزلت في السنة 9هـ في عام الوفود باتفاق أهل السير، وأما قوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) حينما نزلت سنة 6هـ كانت مكة في قبضة المشركين سنة 6 وسنة 7هـ وكان النبي صلى الله عليه وسلم أتى بعمرة القضية سنة 7هـ وسنة 8هـ كان فتح مكة وسنة 9هـ كان عام الوفود وكان النبي عليه السلام ماكثاً في المدينة مشتغلاً باستقبال الناس لدخولهم في الإسلام زرافات ووحدانا، وكان هذا أنفع، أيضاً هناك مانع آخر من كونه يحج عليه السلام سنة 9هـ من أن المشركين كانوا يحجون ولهذا بعث النبي عليه السلام علي بن أبي طالب وأتبعه بأبي بكر، فكانوا يعلنون أنه لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عُريان ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة. فكان هذا إعلاناً من الله ورسوله إلى أن الحج في السنة القادمة لا يحج إلا المسلمون، وهذان مانعان مشهوران عند أهل العلم من عدم حج النبي عليه السلام سنة تسع للهجرة :-
أولاً: أن الحج كان فيه مشركون كثير سنة 9هـ. الأمر الثاني: أن النبي اشتغل سنة 9هـ بالوفود وعدد الوفود قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم أفاد الحافظ أنهم بلغوا ستين وفداً كما ذكره في فتح الباري في باب حج أبي بكر بالناس من كتاب المغازي (8/83) . و هناك أمر ثالث ذكره شيخ الإسلام والحافظ ابن حجر وغيرهم وهو أن الزمان لم يكن قد استدار وكانت قريش وغيرها من مشركي العرب يعبثون في الزمان كما قال تعالى (إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً).(1/3)
فكانوا يؤخرون الشهور، فكانت الأيام لم تقع على هيئتها كما خلقها الله عز وجل، لهذا النبي عليه السلام لما خطب سنة 10هـ في حجة الوداع قال: إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض. يعني: وقعت الأيام موقعها وكان شهر ذي الحجة موافق لأول ابتداء الخلق فكان الحج حقيقياً وإن كان هذا في كونه مانع نظراً من حيث إن الناس -كما أجمع أهل العلم- لو وقفوا في اليوم الثامن أو اليوم العاشر بعرفة لصح حجهم باتفاق. هذا الوجه فيه ضعف من هذه الحيثية ،ويمكن أن يقال بالفرق فإنما صح حج الناس في مثل هذه الصورة لعدم العلم .
فالصحيح أن الحج فرض سنة 9هـ وعلى هذا ما يكون النبي تركه إلا بأعذار فيكون الأصل الحج على الفور وقد حكى شيخ الإسلام اتفاق الصحابة والسلف أنه على الفور كما في شرح العمدة (1/215) ويدل عليه أثر عمر ، وقد روي عنه من غير وجه وهو ثابت عنه قوله "من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً" وفي لفظ عنه "ولقد هممت أن ابعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل رجل ذا جِدة لم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين " قال شيخ الإسلام في شرح العمدة وهذا قول عمر ولم يخالفه مخالف من الصحابة أ.هـ . والمشهور عند الشافعية أن الحج فرض في سنة 6هـ وعلى هذا جرى قولهم واشتهر عنهم أن الحج ليس بواجب على الفور وإنما على التراخي، والعجيب أنهم يقولون: الحج ليس بواجب على الفور ولكن من مات علمنا أنه واجب عليه فيلزمه إن كان ترك مالاً أن يخرج من تركته من يحج عنه.
واحتج بعض الشافعية وغيرهم بأنه في قراءة بعض أصحاب ابن مسعود كعلقمة وغيره من أصحاب ابن مسعود وصح عن إبراهيم النخعي أنه قرأ قوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) بلفظ (وأقيموا) ولكن هذه القراءة ضعيفة من وجهين:
الأول:أنها تخالف الرسم العثماني فتكون شاذة.(1/4)
الثاني:أنها تفسيرية (أقيموا) و(أتموا) متقاربان. والصحيح أنها تفسيرية للآية بالرسم المشهور (وأتموا الحج.. الآية).
وعلى هذا لا حجة لمن قال أن الحج واجب على التراخي، فالصحيح أن الإنسان إذا بلغ سنة بلوغه كما لو بلغ في شوال أو في ذي القعدة وكان موسراً تلك السنة فيجب عليه أن يحج في أول سنة يصادفه فيها الحج،ومن مات وقد فرط في أداء الحج بعد القدرة عليه فيخشى ألا ينفعه تأديته عنه بعد موته ( انظر كلام ابن القيم في تهذيب السنن (3/282)).
وهل الحج عبادة بدنية أو مالية؟! الأصل فيه أنه عبادة بدنية ولكن قد يحتاج الإنسان فيه إلى المال ولكن المال ليس فيه على وجه اللزوم مثل الجهاد، فالجهاد عبادة مالية وبدنية لما يحتاج إليه من المركوب والسلاح وما أشبه ذلك وأما الحج فبإمكان الحاج أن يحج ولا ينفق شيئاًً. هذا هو الأصل ولكن الغالب على أهل الآفاق أنهم يحتاجون إلى مال فهذا لا يخرجه عن الأصل.
شروط الحج:
1-
1- الإسلام..
2- البلوغ.
3- العقل.
4- الحرية.
5- القدرة.
ونظمها بعضهم في بيتين قال:
الحجُّ والعمرة واجبان
شرط إسلامٍ كذا حرية
في العمر مرة بلا تواني
عقل بلوغ قدرة جلية
** الحديث الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له إلا الجنة " متفق عليه.
في هذا الحديث من الفوائد:
إن فضل العمرة دون فضل الحج ولهذا عبر بأن العمرة تكفر ما بينها وبين العمرة التي تليها وأما الحج المبرور فليس له جزاء إلا الجنة وهذا لا شك فيه فالحج والعمرة لا يستويان لا في الأجر ولا في الوجوب فالحج واجب بالنص والإجماع والعمرة فيها خلاف يأتي ذكره إن شاء الله والعمرة أقل أعمالاً ولهذا كانت العمرة كفارة لما بينها وبين العمرة التي تليها.
قال (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (والحج المبرور ما اجتمع فيه أمور:(1/5)
أولاً: أن يكون خالصاً لله عز وجل وهذا شرط في كل عبادة.
ثانياً: أن يكون بمال حلالٍ فإن كان بمال حرام فليس بمبرور، بل قال بعض أهل العلم: إن الحج بمال حرام لا يقبل، والصحيح أنه صحيح مع الإثم لأن الجهة منفكة لأن المال الحرام لا يطرأ على شرائط الحج، ولا على أركانه ولا على واجباته، أشبه الصلاة في الدار المغصوبة على القول الراجح بل هو أولى من ذلك.
ثالثاً: أن يقوم بفعل ما يجب وأن يترك ويجتنب كل ما يحرم لقوله تعالى (الحج أشهر معلومات ... الآية) فإذا اجتمعت هذه الأشياء في الحج يرجى للإنسان أن يكون حجه مبروراً.
هل الحج يكفر السيئات الصغائر فقط دون الكبائر؟
اشتهر عند أكثر أهل العلم أن الحج يكفر الصغائر فقط وذهب بعضهم أن الحج يكفر حتى الكبائر واحتجوا بما أخرجه البخاري في صحيحه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه).
ولا شك أن الإنسان تلده أمه ليس عليه من الذنوب لا صغائر ولا كبائر واحتجوا أيضاً بما رواه مسلم من طريق عبد الرحمن بن شماسة المهري قال: (حضرنا عمرو بن العاص في الوفاة فحول وجهه تجاه الجدار فأخذ يبكي ثم قال: إني كنت على أطباق ثلاثة ثم ذكر أنه أتى النبي يريد أن يبايعه فقال: يا رسول الله أبسط يدك لأبايعك! فبسط النبي صلى الله عليه وسلم يده فقبض عمرو يده فقال عليه الصلاة والسلام: مالك يا عمرو؟ قال: أردت أن اشترط! قال : تشترط بماذا؟ قال: اشترط أن يغفر الله لي. فقال: أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الحج يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها).(1/6)
وليس في هذا الحديث أن التوبة تهدم ما قبلها. بل لا يصح بهذا اللفظ حديث والشاهد أن الحج يهدم ما كان قبله ولا شك أن الصغائر تمحوها الصلاة والوضوء وما أشبه ذلك فلا يعبر بشيء أنه يهدم إلا بشيء قائم وهو الذنوب الكبار. والاستدلال بهذا ظاهر على أن الحج يكفر الذنوب الكبار. وهذا مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في الجملة فشيخ الإسلام يرى أن من الأعمال الصالحة ما يكفر حتى الكبائر. قالوا : لهذا غزوة بدر كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى لله عليه وسلم قال : (لعل الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)كفرت عمن شهدها ما عمل بعد ذلك على أحد التفاسير المشهورة للخبر وهو الصحيح.
فالحسنات العظام تكفر ما تصادف من السيئات. قد تمحو كل السيئات وقد تمحوا أكثرها دون كونها مختصة بالصغائر وهذا هو القول الراجح في الغزو، وفي بر الوالدين، وفي الحج وفي العمرة إذا كانت خالصة لله وقد يكون هذا حتى في الصلوات التي يكون فيها خشوع واستحضار لعظمة الله عز وجل لكن:
قال أهل العلم: إنه لا يكفر من السيئات إلا المقبول من العمل الصالح فلو أن إنساناً قام يصلي وقلبه ليس بخاشع بل في أودية الدنيا فحسب هذه أن يسقط بها الفرض فضلاً عن أن تكفر شيئاً من السيئات كما قال شيخ الإسلام وابن القيم والحافظ ابن حجر قال وإنما يكفر من الذنوب ما استجيب وما قبل من الأعمال الصالحة وهذا ينبغي أن يكون معلوماً.(1/7)
** الحديث الثاني:عن عائشة رضي الله عنها قالت " قلت يا رسول الله ، على النساء جهاد ؟ قال : نعم عليهن جهاد لا قتال فيه : الحج والعمرة ". وراه أحمد وابن ماجه واللفظ له ، وإسناده صحيح وأصله في صحيح البخاري ؛ (أنها قالت: نرى الجهاد أفضل الأعمال. أفنجاهد؟ قال: لكن أفضل الجهاد حج مبرور) وقد احتج بهذا اللفظ الذي في السنن وفي مسند الإمام أحمد وابن ماجة على أن العمرة واجبة لأن النبي صلى عليه وسلم قال : [عليهن] وهذه الصيغة عند أهل العلم ليست صريحة في الوجوب ولكنها ظاهرة فيه ففي حديث . (يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة) ليس كل الخصال المذكورة واجبة.
…فهذا الحديث أحد الأحاديث التي استدل بها من قال بأن العمرة واجبة كالحج وهذا اختيار شيخنا ابن باز رحمه الله واختيار الشيخ محمد وهو مذهب البخاري كذلك في صحيحه قال: باب وجوب العمرة وفضلها واحتج بحديث الترجمة حديث الباب الأول (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) فلم يصح على شرط البخاري حديث في وجوب العمرة فاكتفى بالترجمة وهذه عادته رحمه الله أنه إذا لم يصح الحديث على شرطه إما أن يذكر اختياره في الترجمة أو يسند إلى بعض الصحابة والتابعين اختياره هذا ومن درس البخاري علم هذا.ولكن الحديث بهذا اللفظ غير محفوظ فإن هذا اللفظ جاء من طريق محمد بن فضيل عن حبيب بن أبي عمرة عن عائشة بنت طلحة عن عائشة زوج النبي عليه الصلاة والسلام قال : فذكره. ولكن خالف محمد بن فضيل
جماعة من الرواة منهم:
1.
1. جرير بن عبد الحميد.
2. عبد الواحد بن زياد.
3. يزيد بن عطاء اليشكري.
4. خالد الطحان.
هؤلاء الأربعة يروونه بلفظ البخاري فهذا اللفظ الصحيح أنه غير محفوظ فلم يتم الاستدلال به على وجوب العمرة.(1/8)
هذا أحد الأدلة التي استدل بها من قال إن العمرة واجبة وكذلك استدلوا بحديث عمر الذي أصله في مسلم في سياق أركان الإسلام قال (وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة) بهذا اللفظ رواه ابن حبان والدار قطني وابن خزيمة ولكنه بهذا اللفظ (تحج وتعتمر) تفرد به سليمان التيمي ومسلم رحمه الله رواه بدون هذه اللفظة وساق إسناده من طريق سليمان التيمي نفسه لكن لم يسق لفظه فقال: بنحوه. يعني كما تقدم بلفظه الأول الذي ليس فيه زيادة (وتعتمر) فمسلم عدل عن هذه اللفظة وهذا هو الحديث رقم (2) الذي استدل به من قال بوجوب العمرة وهو معلول بتفرد سليمان التيمي فقد خالفه جماعة من الحفاظ.
وكذلك استدلوا بحديث الصُّبي ابن معبد عند أبي داود وغيره أنه أتى عمر فقال: إني وجدت الحج و العمرة مكتوبين عليّ في كتاب الله! فقال: هديت لسنة نبيك).
فهذا مع كونه غير صريح إلا إنه اختلف في لفظة بهذا السياق (إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليّ) فهو بهذا الحرف فيه نظر ثم إنه لو كان محفوظاً (إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليّ) ليس المراد بالكتابة: الفرض فهو قابل للتأويل بمعنى أنها مشروعة ثم أنه أحال على كتاب الله وليس في كتاب الله وجوب العمرة كما هو معلوم!. وإن أُريد به في حكم الله وأقره عمر ، فيكون قولاً له رضي الله عنه .
وأصح ما استدل به على وجوب العمرة ما أخرجه أصحاب السنن من حديث أبي رزين العقيلي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : حج عن أبيك واعتمر).(1/9)
(وقد أخرج البيهقي بسنده من طريق مسلم قال: سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: لا أعلم حديثاً أصح وأجود إسناداً في إيجاب العمرة من هذا) هكذا قال الإمام أحمد وقد روُي عنه بالإسناد الصحيح ولكن نازع الإمام أحمد جماعة من الحفاظ المتأخرين كابن دقيق العيد، وقالوا لمن هذا فيه مشروعية العمرة عن الأموات ليس فيه أنها واجبة ابتداءً وإنما فيه الإذن بالحج عنه والاعتمار هذا مجمل الأدلة على وجوب العمرة.
وشيخنا ابن باز رحمه الله يحتج بزيادة (تحج وتعتمر) وبهذا اللفظ (عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة) والبخاري كما ذكر قال: باب وجوب العمرة وفضلها.
ومسألة وجوب العمرة تكاد تكون مناصفة بين أهل العلم ليس فيها جمهور. هذه الأدلة وفيما تقدم كنا نميل إلى الوجوب لكن الآن أقل ما يقال (وفي الوجوب نظر) الأحوط ألا يدع الإنسان العمرة ولكن مع القول بأنها واجبة فهي ليست ركناً من أركان الإسلام باتفاق العلماء فقد يكون الشيء واجباً وليس ركناً وهذا يكون في كثير من التكاليف الشرعية تكون واجبة ولكنها ليست من الأركان فالواجبات في العبادات غير الأركان كثيرة فهذه زكاة الفطر ليست ركن من أركان الإسلام وهي واجبة بالنص والإجماع.
** الحديث الثالث: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : " أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال يا رسول الله، أخبرني عن العمرة ، أواجبة هي ؟ فقال : لا وإن تعتمر خير لك" رواه أحمد والترمذي والراجح وقفه. وأخرجه ابن عدي من وجه آخر ضعيف.
** الحديث الرابع: وعن جابر رضي الله عنه مرفوعاً "الحج والعمرة فريضتان ".
هذان الحديثان وما جاء في معناهما أما الحديث الأول في نفي وجوب العمرة ولا يصح في نفي وجوب العمرة حديث كما قال الشافعي وغيره، وتقدم أن الأحاديث التي فيها وجوب العمرة فيها مقال على ما تقدم وأما الحديث الآخر (الحج والعمرة فريضتان) فلا يثبت ولا يصح.
والعمرة العلماء فيها على ثلاثة أقوال:(1/10)
* منهم من يرى أنها سنة.
* ومنهم من يرى أنها واجبة مطلقاً.
* ومنهم من يرى أنها واجبة على غير أهل مكة وإنما هي مستحبة لهم لأنهم أهل البيت ويطوفون وهذا أعظم أركان العمرة والبيت عندهم فالعمرة ليست واجبة عليهم.
والصحيح:أن العمرة إما يقال أنها واجبة مطلقاً أو ليست واجبة أما التفريق بين أهل مكة وغيرهم ففيه نظر وقد اختلف الصحابة في العمرة فعلق البخاري في صحيحه ما يدل على وجوبها عن ابن عمر وابن عباس وصح عن جابر عدم الوجوب .
** الحديث الخامس: عن أنس رضي الله عنه قال : " قيل يا رسول ما السبيل ؟ قال الزاد والراحلة " رواه الدار قطني وصححه الحاكم والراجح إرساله . وأخرجه الترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، وفي إسناده ضعف.
هذا الحديث وما جاء في معناه جاء من طرق لا يثبت فيها شيء يعني: لا يثبت فيها أن تفسير السبيل: الزاد والراحلة) فهذا حديث أنس لا يثبت وكذلك حديث ابن عمر.
وما جاء عن الحسن مرسلاً فيه إبراهيم بن يزيد الخوزي، ولا يصح في هذا الباب حديث .
ولكن عند أهل العلم أن الحج يحتاج إلي الاستطاعة ولهذا نص الله عز وجل وعليها وإن كانت الاستطاعة واجبة في كل عبادة ولكن إنما نص الله عز وجل على الاستطاعة في الحج لأنها تحتاج إلى الشخوص إلى البيت ولأن هذه العبادة لا تصح إلا بمكان واحد في الدنيا بخلاف الصلاة والصيام والعبادات الأخرى فالإنسان يعبد الله في أي مكان فجاء النص عليها في كتاب الله تعالى ولأن قاصد بيت الله الحرام يحتاج غالباً مالاً ومركوباً فهنّ على الاستطاعة لأنها لا تنفك غالباً عن قاصد البيت الحرام.
** حديث السادس:عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن النبي صلى اله عليه وسلم لقي ركباً بالروحاء فقال : من القوم ؟ فقالوا المسلمون ، فقالوا من أنت ؟ فقال رسول الله . فرفعت إليه امراة صبياً فقالت ألهذا حج؟ قال : نعم ولك أجر" رواه مسلم.(1/11)
هذا الحديث يروى من طرق عن إبراهيم ومحمد وموسى بني عقبة ثلاثتهم عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس مرفوعا : -
* فرواه عن إبراهيم مالك والثوري وابن المبارك وابن عيينة وزهير بن معاوية ومعمر ابن الماجشون وابن إسحاق كلهم متصلاً سوى رواية مالك والثوري وزهير بن معاوية ؛ فمالك اختلف عليه في وصل هذا الحديث فرواه جماعةً مرسلا وآخرون متصلاً ، وممن وصله عن مالك ابن وهب في الرواية المحفوظة عنه وأبو مصعب والشافعي وابن عثمة وعبد الله بن يونس.
* وأما الثوري فوصله عنه أبو نعيم الفضل بن دكين وأرسله وكيع والقطان وابن مهدي .
* وأما رواية محمد بن عقبة فرواه عن الثوري واختلف عليه فرواه محمد بن كثير العبدي ويحيى القطان وابن مهدي موصولاً وأرسله وكيع ، فرواية القطان وابن مهدي عن الثوري موصولة بطريق محمد ومرسله بطريق إبراهيم ، وطريقا ابن مهدي كلاهما عند مسلم , ورواية الثوري في مسلم الغالب أن مسلماً بينه وبين الثوري واسطتان وابن عيينه واسطة واحدة .
* وأما رواية موسى بن عقبة فقد رواه عنه ابن جريج مرسلاً.
* وأما رواية حاتم بن إسماعيل عنه عن أخيه إبراهيم متصلاً .
* وقد سأل الأثرم أحمد رحمه الله عن هذا الحديث هل هذا عن كريب مرسلاً أم متصلا عن ابن عباس فقال : هو عن ابن عباس صحيح ، قيل لأبي عبد الله أن الثوري ومالكاً يرسلانه ، فقال معمر وابن عيينة وغيرهما قد أسندوه وقال البخاري في البخاري في تاريخه (1/198-199) بعدما طرقه ومن أرسله ومن أسنده قال: أخشى أن يكون مرسلاً في الأصل .
وقال ابن عبد البر في الاستذكار (13/329) .هو حديث مسند صحيح لأنه حديث قد أسنده ثقات ليسوا بدون من قطعة , وقال في التمهيد (1/100) والحديث مسند ثابت الاتصال لا يضره تقصير من قصر به لأن الذين أسندوه حفاظ ثقات. قلت : لا ريب في أن الحديث محفوظ مسنداً و والبخاري شك فيه ، فأعرض عن إخراجه في صحيحه فكان ماذا ؟.(1/12)
الروحاء اسم محل بين مكة والمدينة، والركب جمع راكب وأقله ثلاثة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من القوم؟ يعني: حتى يتبين أمرهم خشية أن يكونوا من العدو. في غير هذا الحديث (فقالوا: من أنت؟ قال رسول الله) في بعض ألفاظ هذا الحديث (فقالوا: المسلمون) كأنها سقطت للمؤلف والحقيقة أن الحافظ ابن حجر -عندي- أنه ما حرر البلوغ كما ينبغي- وقد ذكرنا هذا مراراً في شرح البلوغ من أوله إلى أن وصلنا. وقد قيل أن الحافظ ابن حجر ألف البلوغ لولده ثم ولده بعد ذلك حفظ قرابة ثلاثين حديثاً ثم ترك. كما ذكر هذا السخاوي في اليواقيت والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر.
على كل حال هو قال (لقد حررته تحريراً بالغاً. إلى أن قال .. يصبح من يحفظه بين أقرانه نابغاً) لكن عندنا في هذا نظر!.
فقالوا : من أنت؟!
قال : رسول الله.
لما أخبرها أنه هو الرسول رفعت إليه صبياً فقالت : ألهذا حج؟ قال : نعم.
وفي الحديث من الفوائد:
1- أن صوت المرأة ليس بعورة فإن هذه المرأة قد حادثت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت أحاديث كثيرة جداً فيها محادثة النسوة للنبي صلى الله عليه وسلم وللصحابة وهذا أمر مشهور في السنة يخلص الإنسان ببضع مئات من الأحاديث فيها ذكر النساء وأنهن يتكلمن بحضرة الرجال. ولكن إنما نهيت عن الخضوع بالقول (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) والأصل جواز محادثة الرجال للنساء إذا دعت الحاجة، وقد روى أحمد (34/395) من حديث أم عطية: (أنه أخذ عليهن في البيعة وألا يحادثن من الرجال إلا من كان محرماً) ولكن هذا الحديث لا يصح لأن في إسناده غسان بن الربيع والحديث جاء من مرسل الحسن أيضاً ولا يصح.(1/13)
2- أن الصبي يصح إحرامه ولو في المهد ويُحرم به وليه ويلزمه ما يلزم البالغ وينهاه عن ما ينهى عن البالغون ولكن هناك مسألة شهيرة وهي مهمة جداً، في حج الصبي هل إذا دخل في النسك -حجاً كان أو عمرة- يلزم التكميل أم لا؟ الجمهور على أنه يلزم ولابد من إتمام النسك وقالوا يجب إتمام الحج من البالغين وغير البالغين وذهب بعض أهل العلم -وهو مشهور عن أبي حنيفة رحمه الله- أن الحج لا يلزم الصبي إكماله لأنه نفل في حقه وهو كان واجباً إتمامه على البالغ سواء أكان فرضاً أو نفلاً لقوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) وأما الصبي فهو لما لم يجب عليه أصلاً لم يجب عليه تكميله. والعجيب أن جمهور أهل العلم يقولون أن الصبي لو نذر لا يلزمه أن يفي بالنذر وأن دخل في النذر لا يلزمه تكميله. فيلزمهم أن يقولوا هنا كما قالوا هناك هذا هو القول الصحيح وهو أن الحج لا يجب تكميله على الصبي ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "رفع القلم عن ثلاثة وذكر منهم الصبي" فإنه أحياناً قد يتعسر عليه إكمال النسك فقد يتضايق ثم كذلك لو وقع في محذورات فليس على وليه فدية مثلاً يخرجها سوى إتلاف الصيد فإن هذا يستوى فيه الكبير والصغير لأنه من باب الضمان ، وقد أفتى ابن عباس أن على غلام شاه لما ذبح حمامة في الحرم رواه البيهقي بإسناد صحيح (5/106) فينبغي إفتاء الناس بمثل هذا القول الذي فيه سهولة للناس وأفعال الصبي تنقسم إلى أقسام :
1) شيء يفعله بنفسه كالوقوف والمبيت.
2) شيء يفعله وليه له كعقد الإحرام.
3) شيء يفعله وليه به مثل حمله أثناء الطواف.(1/14)
وقوله في الحديث " نعم أي له حج ولك أجر" فقوله له حج " مثل قولنا له صلاة وذلك إذا كان مميزاً وليست الصلاة واجباً عليه ، فإذا بلغ خوطب به ، ولهذا عامة أهل العلم على أن الصبي لا يجزي أن يحج عن ميت حجة الإسلام وقد ذكر الطحاوي (2/257) أن حج الصبي قبل بلوغه مثل صلاته ثم بلوغه في الوقت بعد ذلك وأن عليه أن يعيدها وأنه في حكم من لم يصليها ونقل الإجماع على هذه الصورة الأخيرة وهذا غريب فخلاف الشافعي في المسألة مشهور وأنه يجزيه ، ولا يلزمه الإعادة لأن الصلاة وظيفة الوقت وقد أداها ، وعلى كل حال مذهب الجمهور في هذه المسألة وجوب الإعادة ( المغني(2/50) ، والصبي يكتب له حسنات ولا يكتب عليه سيئات حتى يبلغ ولهذا أمر بالصلاة لسبع ، فوضوءه إذا مّيز وصلاته صحيحه ، وقبل التمييز لا يصح.
سؤال (إذا الحج كان في السنة 9هـ ألا يكون هذا قولاً بكونه على التراخي)؟
قد ذكرنا أنه إذا كان في السنة 9هـ وعن تأخير النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجوبة، وقد كان هناك أناس يحجون بإذن النبي عليه الصلاة والسلام ففي الصحيحين عن ابن عباس (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن امرأتي انطلقت حاجة وإني أكتتبت في غزوة كذا وكذا) وهذا في حياة النبي عليه الصلاة السلام وهذا قطعاً ليس في السنة العاشرة إذْ لم يكن فيها غزو فقد دانت له الجزيرة عليه الصلاة والسلام فهذا كان قبل السنة العاشرة في التاسعة ومحتمل قبل ذلك:(1/15)
وفي سنة 8 لما فتح النبي مكة لم يكن يستطيع النبي أن يحج وكانت مكة وهو مكث في فتح مكة في رمضان ومكث أشهراً يوطئ الأمن لدولة الإسلام الجديدة أو المتوسعة حتى افتتحت مكة لذلك ذكر أهل السيرة أنه استعمل عتاب بن أسيد على الحج وكان يحج في سنة 8هـ فحج المسلمون والمشركون فاستعمل واحداً لأنه عليه الصلاة السلام كان ولي المسلمين فحينئذ أخذ يولي على الحج لكنه ما بادر عليه السلام لأن الحج خوطب أولاً في سنة 9هـ في (ولله على الناس حج البيت).
الأمر الثاني: أن في سنة ثماني للهجرة كان هناك مشركون كثير يحجون وكانت الأمور فيها شيء من الاختلاط بالكفار وفي سنة تسع للهجرة دانت الجزيرة ودخل الناس في دين الله أفواجاً فلما جاءت سنة عشر للهجرة وعد الناس وانتشر عنه أنه سيحج هذه السنة حتى وافى المدينة خلق كثير كما في حديث جابر -وسيأتي إن شاء الله- ثم بعد ذلك حج حجة الوداع السنة التي ودع فيها الناس عليه الصلاة والسلام وإلا الحج كان سنة ست وسبع وثمان وقبل ذلك كان فيه من يحج بعضه بإذن النبي عليه الصلاة والسلام كما في سنة ثمان وتسع وبعضه لم يكن بإذن النبي لكنه إن وافق الحق فهو مقبول وإلا فهو مردود. وأما العمرة فكان مأذوناً لهم قديماً ففي صحيح البخاري في باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من يُقتل في بدر من أبواب كتاب المغازي أن سعد بن معاذ اعتمر قبل غزوة بدر وأخبر بمقتل أمية بن خلف والقصة معروفة .
سؤال من أحد الأخوة (ما الحكمة من إرسال معاذ إلى اليمن من عدم إيراد الصوم والحج مع أنهما من أركان الإسلام)؟(1/16)
طبعاً هذا الحديث اقتصر على جزء من أركان الإسلام و المشهور أنه بعث معاذ إلى اليمن كان متأخراً سنة عشر قبل حجة الوداع ونحن نعلم أن السنة ما جاءت في حديثين أو ثلاثة وإنما يؤخذ مجموع الدين من مجموع الأحاديث فقد يذكر بعض الأحاديث الصلاة والصيام ولا يذكر مثلاً الحج كما في حديث ابن عباس في إرسال معاذ إلى اليمن فذكر الصلاة والزكاة ولم يذكر الصوم والحج على أن بعض أهل العلم قال : إن عدم ذكر الصوم والحج من تقصير بعض الرواة واختصاره وهذا ضعيف ، وقال آخرون أن عادة الشارع ذكر التوجيه وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والاقتصار على ذلك ففي التوبة " فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ..." في موضعين من السورة والسورة قد نزلت بعد فرض الصوم والحج على خلاف في الثاني ، وفي حديث ابن عمر " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك ...الحديث " ، والصلاة عمل بدني والزكاة عمل مالي ومن أذعن لهذين أذعن لما سواها. ذكره الحافظ في شرخ البخاري وهو قوي .
** الحديث السابع: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( كان الفضل ابن عباس رضي الله عنه رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه ، النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت يا رسول اله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراملة : أفأ حج عنه ؟ قال : نعم ، وذلك في حجة الوداع ) متفق عليه واللفظ للبخاري.(1/17)
1- النبي عليه السلام أردف الفضل بن عباس وهو أكبر من أخيه عبد الله. وإذا أطلق ابن عباس فالمراد به عبد الله وإذا أطلق ابن عمر فالمراد به عبد الله وإذا أطلق ابن الزبير فالمراد به عبد الله وإذا أطلق ابن عمرو بالمراد به عبد الله وهؤلاء هم العبادلة و ابن مسعود ليس منهم فالعبادلة في الصحابة كثير لكن المصطلح عليهم أربع:
أبناء عباسٍ وعمروٍ وعمر
وابن الزبير هم العبادلة الغررَ
وقد نقلت عنهم سنن كثيرة من ضمنها الاقعاء بين السجدتين رواه البيهقي عن العبادلة فهي من السنن التي ثبتت عن الصحابة وأصله في صحيح مسلم عن ابن عباس في رواية طاووس عن ابن عباس قال إننا نراه جفاءاً بالرجل؟
قال: تلك سنة نبيك.
2- أردف النبي عليه السلام الفضل وكان إردافه من مزدلفة إلى منى وإردافه لأسامة كان من عرفات إلى مزدلفة.
3- المرأة هنا أبهمت ولا يضر ذلك لأن الأحكام لا ينفيها تعيين الأشخاص إنما الأحكام عامة.
4- قوله (جعل ينظر): يعني أدام النظر لأن (جعل) من ألفاظ الشروع.
5- قولها (فريضة الله): يعني وجوب الحج وكان أبوها شيخاً كبيراً والنبي عليه السلام أقرها على هذه اللفظة.
6- وقوله (نعم) أي حجي عنه، وحجة الوداع لم يحج قبلها بعد هجرته وهل حج قبل الهجرة؟
فيها حديث ظاهره نعم حج لأنه كان في بعض المواسم يدعوهم، والصحيح أنه حج عليه السلام قبل الهجرة حتى رآه بعض الصحابة فقالوا: ما لهذا واقفاً هنا، هم الحمس، والحمس هم قريش كانوا يقفون ولا يجاوزون الحرم وكانوا يقفون بمزدلفة ويقولن: نحن أهل الحرم وكان النبي عليه السلام يخالفهم.
ومن فوائد الحديث:
1- جواز الإرداف على الدابة إن كانت مطيقة وقوية.
2- حرص النبي عليه السلام على تبليغ العلم وإيصاله إلى الرجال والنساء.(1/18)
3- عدم جواز نظر الرجل إلى المرأة -كما هو متقرر في كتاب الله- وكشف المرأة هنا يحتمل لأنها يشرع لها الكشف لأنها محرمة وقد جاء في حديث عائشة (كُنَا إذا حاذانا الرجال سدلنا وإذا جاوزونا كشفنا) وجاء من حديث فاطمة بنت المنذر مع أسماء بنت أبي بكر فهو حديث موقوف على أسماء وهو صحيح. قالت فاطمة: (كنا نكون مع أسماء بنت أبي بكر فإذا حاذانا الركبان سدلت إحدانا خمارها على وجهها). أما حديث عائشة في ستر الوجه فيه (يزيد بن أبي زياد) ضعيف. وأقل ما يقال في هذا الحديث في كشف المرأة الخثعمية أنه مجمل وكم من حديث في السنة بل كم من آية من الكتاب فيجيء بيانها في كتاب الله وفي سنة النبي عليه السلام والقاعدة عند أهل العلم أن المجمل يرد إلى المبين والمشتبه يرد إلى المحكم لأن المحكم هو أم الكتاب وأم الكتاب وأم الشيء هي المرجع وهي الأصل فكلما تعسر كشفه يرد إلى أم الكتاب وهي الآيات الموضحة وقد روى أبو يعلى من طريق يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : " كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم وإعرابي معه بنت له حسناً فجعل الإعرابي يعرضها لرسول الله صلى الله علية وسلم رجاء أن يتزوجها وجعلت ألتفت إليها ويأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسي فيلويه..." رواه الطبراني في معجمه (18/288) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق ثم رواه من طريق يونس وأحال على لفظ إسرائيل ، ورواه أحمد (1/211) من طريق إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق به بلفظ " كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم حين أفاض من مزدلفة وأعرابي يسايره وردفه ابنة له حسناء قال الفضل : فجعلت انظر إليها فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهي يصرفه عنها " .(1/19)
ولفظ إسرائيل عن أبي إسحاق هو المحفوظ بلا شك ، فإسرائيل كان يحفظ حديث جدة كما يحفظ السورة من القران ...وكان قائد جده ، وأما أبوه يونس ففي حديثه عن أبي إسحاق اضطراب وزيادة أحياناً ويونس كان يحيل على ابنه إسرائيل في روايته عن أبي إسحاق وأيضاً الحديث مخّرج في الدواوين من مسند ابن عباس ليس فيه هذا الحرف "يعرضها لرسول الله رجاء أن يتزوجها " وما الحج بوقت نكاح ولا خطبة.
4- وتقدم فائدة أن صوت المرأة ليس بعورة وهذا ظاهر كذلك.
5- في الحديث أنه لا يشترط في وجوب الحج القدرة البدنية إذا كان هذا الإنسان معضوباً غير قادر بدنياً وعنده مال، فإذا كان عنده مال لزمه إذا كان عجزه مستمراً إما معضوباً أو مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه ولا يستطيع معه الشخوص إلى المسجد الحرام أنه يلزمه أن يقيم من يحج عنه إذا كان قادراً بماله وعاجزاً ببدنه. أما إن كان عاجزاً بماله وقادراً ببدنه فينظر فإن كان يستطيع الحج ببدنه كما لو كان في مكة أو قريباً منها فهذا يستطيع المشي بين المشاعر فيلزمه الحج أما إذا كان بعيداً لا يستطيع فهذا لا حج عليه. فالحج يشترط له الاستطاعة المالية والبدنية.
والاستنابة في الحج في حق النائب تنقسم إلى أقسام:
الأول:أن يحج مجاناً وهذا فعل السلف كما قال شيخ الإسلام وهذا مشهور عن السلف أنه كانوا يحجون عن موتاهم مجاناً.
الثاني:(من أخذ المال لأجل الحج) لأنه ليس عنده مال ليحج به فهذا مأجور وغير مأزور لأنه يستعين بالمال لشهود الحج وشهود المشاعر ويستفيد هناك وإيمان وخير.
الثالث:من حج ليأخذ (عكس الثاني) قال شيخ الإسلام : (والأشبه في هذا أنه ليس له في الآخرة من خلاق).(1/20)
فإذا كان قصده المال فإن حجه غير صحيح. وفي هذه الحالة من حج لأجل المال فهل نقول إن عليه أن يرد المال لمن استنابه؟ نعم إذا حج لا يريد وجه الله ولا الدار الآخرة. يريد المال فهذا حجه غير صحيح ويلزمه أن يعيد المال لأن ذمة أخيه لن تبرأ بهذا الحج ويلزمه أن يعيد المال لمن استنابه.
وقد تساهل الناس الآن في مسألة الاستنابة فبعضهم الآن يشارط يعطى مبلغاً يكفيه وقد يفضل له فضل ومع ذلك يشارط ويطلب زيادة ووجد في بعض السنين إنسان أخذ (10) أو (15) حجة فأخذ من هذا ومن هذا فربما حج بـ(100) ألف عن (10) أشخاص أو أكثر. في هذه الحالة ماذا نقول؟ نقول:
الحج يقع عن نفسه هو وعليه أن يعيد المال لكل من أخذ منه المال فإن كان حج للمال فالحج لا يجزئ عنه ولا عن غيره من باب أولى.
6- ومن الفوائد أيضاً جواز حج المرأة عن الرجل ومن باب أولى حج الرجل عن المرأة فحج المرأة عن أحد من أقاربها مجزئ والرجل عن المرأة من باب أولى.
** الحديث الثامن: عن ابن عباس رض الله عنه ( أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أمي نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت ، أفأ حج عنها ؟ قال : نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت دين قاضيته : أقضوا الله ، فالله أحق بالوفاء). رواه البخاري.
هذا الحديث فيه إن امرأة جاءت النبي عليه السلام وأخبرته أن أمها نذرت: أي ألزمت نفسها عبادة الحج التي لم تجب عليها بأصل الشرع ولكنها لم تحج لأنها ماتت فقالت الابنة (أفأحج عنها؟ قال: نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيتة؟! هذا استفهام تقريري. يعني نعم. فقالوا: أقضوا الله فالله أحق بالوفاء).(1/21)
وفيه أن من نذر الحج يلزمه فمن نذر أن يطيع الله فليطعه. وحكم النذر في الأصل قال بعضهم أنه مستحب -وعندي- أن هذا القول شاذ، وقال بعضهم أنه مكروه وهذا هو الصحيح أن الأصل في النذر أنه مكروه لأنه تكليف للعبد فوق ما كلفه الشارع والعبد حسبه أن يقيم ما لزمه من الواجبات الشرعية وإذا أراد بعد ذلك فليأت بالنوافل أما كونه يأتي بشيء يفرضه على نفسه فهذا أقل ما يقال فيه: الكراهة. لهذا في حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن النذر وقال أنه لا يأت بخير وإنما يستخرج به من البخيل). وقال بعضهم أن النذر المكروه هو الذي جاء في الحديث وهو أنه ينذر ويظن أن النذر له سبب في القدر ولهذا قال (إن النذر لا يأت بخير وإنما يستخرج به من البخيل) والغالب أن الذين ينذرون يعلقونه على شفاء مرضاهم وعودة غيابهم وما أشبه ذلك والصحيح أن النذر في الأصل مكروه ، لما تقدم ، والمذكور في الحديث أشد كراهيه
…وقد قال تعالى (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة) تأمل قوله تعالى (طاعة معروفة) بإزاء قوله (وأقسموا بالله جهد أيمانهم) علم أن إقسامهم جهد إيمانهم -بالمفهوم- ليست طاعة معروفة، وأقل ما يقال في الطاعة التي غير معروفة في الشرع ولم يذكرها الشارع من المعروف أن تكون مكروهة وقد استدل غير واحد من أهل العلم بهذه الآية على أن النذر مكروه.
ومن الفوائد فيه حرص الصحابة رضي الله عنهم على السؤال عن أحكام الدين المتعلقة بهم وبأقاربهم.
وفيه إثبات القياس فالنبي صلى الله عليه وسلم شبه الواجب الشرعي بالدين المالي ، وفيه حسن تعليم النبي عليه الصلاة والسلام.
سؤال من أحد الأخوة: (هل يقاس على الحج عن الميت الأجر في الصيام والصلاة الخ)؟(1/22)
نعم كما في حديث عائشة في الصحيحين (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) لكن المشهور في المذهب حمل هذا على النذر وهذا اختيار شيخ الإسلام وابن القيم ولكن أيهم أكثر موتاً؟ من يموت وعليه صيام رمضان أم من يموت وعليه نذر؟
الجواب: من يموت عليه فرض الله الصيام بل النذر مكروه، والعجب من شيخ الإسلام والأصحاب كيف يحملون هذا الحديث على النذر -طبعاً لهم أدلة لكن لا تقوى- لهذا لما سألت الشيخ محمد قال (كما قلت لكم): الآن يعمدون إلى حمل الحديث على حالة صغيرة بل ومكروهة ونادرة ويتركون باباً واسعاً من الأبواب التي يقع فيها الناس وهي أن الناس يموتون وعليهم فرض الصيام.
وهذه يسمونها [أن العلة المستنبطة إذا عادت على النص بالإبطال فإنها تبطل] مثل قول بعضهم في حديث (لعن الله السارق يسرق البيضة تقطع يده يسرق الحبل) قالوا : الحبل هذا حبل السفن الكبار يبلغ النصاب وزيادة ولا يحملونه على مطلق الحبل. يريدون أن يقولوا كيف تقطع يده وهذا أقل من 3 دراهم؟! نقول: يتوصل بسرقة هذا الحقير إلى سرقة الكثير فتقطع يده، وهذا مهم في فهم النصوص.
سؤال من الأخوة: (النيابة للقادر أن ينيب وهو قادر جائزة)
النيابة جاءت في الحي العاجز ببدنه القادر بماله وجاءت عن الأموات واختلف في النيابة في الحج عن القادر إذا حج فرضه فقال بعض أهل العلم: يجوز فإنه إذا جاز في الفرض جاز في النفل.
وقال بعضهم : لا يجوز وهذا هو الصحيح والعبادات توقيفية فالحي القادر ليس له أن يستنيب من يحج عنه إذا كان قد حج .
سؤال من أحد الاخوة (لو حج عن متوفي خمس من أبنائه)؟!(1/23)
يكتب لهم مثل لو صام عنه عشرة أو عشرين في يوم واحد إلا إذا كان الصوم هذا مما يطلب فيه التتابع مثل كفارة الجماع في نهار رمضان أو القتل الخطأ فإن هذا ينبري له واحد من الورثة ثم يصوم متتابعاً ولا يجزئ أن يصوم زيد (10) أيام، ثم (عمرو) 10 لأن هذه صورة ملفقة فالذمة مختلفة هنا لابد أن يكون شخص واحد ثم هذا ما يصير فيه التتابع شهرين يصير فيه التتابع عشرة ثم تتابع عشرة ثم تتابع عشرة، ومن أفتى بمثل هذا فقد غلط فلا بد أن يشرع في الصيام واحد ويصوم شهرين متتاليين فإذا لم يصوموا عنه يطعموا.
** الحديث التاسع: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى" رواه ابن أبي شيبة والبيهقي ورجاله ثقات ، إلا إنه اختلف في رفعه ، والمحفوظ أنه موقوف .(1/24)
هذا الحديث رواه البيهقي (4/325) من طريق محمد بن المنهال عن يزيد زريع عن شعبة الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا مرفوعاً ، وخالفه عبد الوهاب بن عطار الخفاف فرواه عن شعبة موقوفاً ، ورواه ابن أبي شيبة عن طريق أبي معاوية عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس أنه قال : احفظوا عني ولا تقولوا قال ابن عباس : وأيما عبد حج به أهله ...وفيه أيما إعرابي حج اعرابياً ثم هاجر فعليه حجة المهاجرين ..قال البيهقي : وتفرد برفعة محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع عن شعبة ورواه غيره عن شعبة وكذلك رواه سفيان الثوري عن الأعمش موقوفاً وهو الصواب ، وقلت ورواه ابن أبي عدي عن شعبة موقوفاً كما عند ابن خزيمة (4/350) وقد رواه البيهقي من وجه آخر عن ابن عباس (5/179) وذلك من طريق الوهبي عن يونس عن أبي السفر وهو عند الطحاوي في شرح المعاني من طريق إسرائيل عن أبي السفر...(2/257) وأخرجه البيهقي (5/156) من طريق الثوري عن مطرف عن أبي السفر واسمه سعيد بن يُحمِد قال : وأيها الناس اسمعوا مني ما أقول لكم ، واسمعوني ما تقولون ولا تذهبوا فتقولوا ، قال ابن عباس قال ابن عباس : من طاف بالبيت فليطف من وراء الحجر ، ولا تقولوا الحطيم فإن الرجل في الجاهلية كان يحلف فيلقي سوطه أو نعله أو قوسه ، وأيما صبي حج به أهله فقد قضى حجه ما دام صغيراً ، فإذا بلغ فعليه حجة أخرى ، وأيما عبد ....." الحديث . ومن طريق الثوري أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب مناقب الأنصار باب القسامة في الجاهلية ولم يسق الحديث بتمامه بل اقتصر على الشطر الأول وهذه الزيادة حذفها البخاري عمداً لعدم تعلقها بالترجمة ، ووقعت للإسماعيلي والبرقاني كما قال الحافظ ، وقال الحافظ أيضاً ، وهذه الزيادة عند البخاري أيضاً في غير الصحيح . قلت : ذكرها في التاريخ (1/199) من طريق أبي السفر وأبي ظبيان ورجح الوقف والبخاري ذكر هذا ليعلل به حديث ابن عباس المرفوع(1/25)
أن امرأة رفعت صبياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : ألهذا حج ؟ قال نعم ولك أجر ..وتقدم الكلام على ذلك ، وأما قوله " ولا تقولوا قال ابن عباس فإن عباس أراد أن الحكم مرفوع لا اللفظ , فهو أراد حكم اللفظ لا رفع اللفظ فافهم وقد أشار إلى هذا الحافظ في شرح البخاري ، والخلاصة أن هذا الأثر موقوف كما قال البخاري والبيهقي وابن خزيمة وعامة أهل العلم على معنى ما جاء في هذا الحديث على مسألة الصبي وكذلك مسألة العبد، فإيما صبي كان حج في صباه ثم بلغ فعليه أن يحج حجة الإسلام لأنه حينما حج صغيراً حج قبل أن يخاطب بالحج ولكنه إذا حج قبل ذلك فحجه صحيح لأنه قال (أيما صبي حج) فاعتبر له الحج إن قلنا بأنه مرفوع وإن قلنا بأن موقوف فعامة علماء الأمصار على معنى هذا الحديث أما في مسألة الصبي فأظنها مسألة إجماع في أن حجه لا يجزئ عن حجة الإسلام؛
أما في مسألة العبد ففيه خلاف فذهب جماعة من أهل العلم أن العبد إذا حج بإذن سيده قبل أن يعتق فإنه حجه صحيح. والصحيح ما دل عليه ظاهر الحديث.
تنبيه : قوله أيما إعرابي حج ثم هاجر ... المراد : ثم أسلم فعبر عن الإسلام بالهجرة ...هكذا نقله ابن مفلح عن ابن الوليد (3/213).
ومن فوائد هذا الحديث صحة حج الصبي كما تقدم وأنه إذا بلغ في عرفات فإن حجه مجزئ عن حج الفرض ويتصور البلوغ في عرفات بأن يكون نام فاحتلم فيها أو ضبط بالسن وأتم 15 سنة في نهار عرفات أو في ليله قبل طلوع الفجر وكان قد تأخر وكان في تلك الليلة في عرفات فحينئذ يكون حجه فرضاً.(1/26)
فإن بلغ بمزدلفة هل نقول أرجع أو أكمل؟ نقول لابد أن يرجع إذا بلغ في مزدلفة وأمكنه الرجوع إلى عرفات وسبب الإيجاب أنه أي الحج واجب على الفور وهو قادر الآن فيلزمه الرجوع إلى عرفات ليقف بها لحظات ويدعو الله ثم يرجع ويكون قد حج فرضه ولا نقول أن ما مضى نفل وما يأتي فرض بل ينسحب الوجوب على الجميع وهذا يكون من خصائص الحج فيما هو أوسع من ذلك فلما أتى الصحابة و أطافوا بالبيت طواف قدوم ثم سعوا للحج قال النبي: اجعلوها عمرة! قالوا : كيف وقد سمينا الحج؟ قال : افعلوا ما أمرتكم به!.
فأمرهم أمر إلزامي وإيجابي بأن يجعلوها عمرة فقصروا فاعتبر الطواف الذي كان نفلاً والسعي الذي كان للحج على العمرة وهذا من خصائص الحج والعمرة لا يشركهما غيرهما في كثير من الأحكام من وجوب الإتمام بالشروع ومن الانقلاب بعد فعل العبادة.
** الحديث العاشر: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: " لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ، فقام رجل فقال : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة ، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا ، فقال : انطلق فحج مع امرأتك " متفق عليه واللفظ لمسلم.
هذه الخطبة التي خطبها النبي عليه السلام يحتمل أنها خطبة عامة (جمعة) ويحتمل أنها عارضة وخطب النبي عليه السلام قسمين : راتبة، وعارضة.
قوله (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعه ذو محرم) هذا نهي مؤكد وقوله (رجل) أي البالغ وقوله (امرأة) الأصل في المرأة في اللغة: البالغة (المحرم) هو الزوج أو من تحرم عليه المرأة على التأبيد بنسب (كالأخ والعم) أو بسبب مباح (كالرضاع) وقولنا (على التأييد) يخرج ما تحرم المرأة عليه إلى أمد مثل ماذا.
في الحديث من الفوائد:
1- حرص النبي عليه السلام على إبلاغ الشريعة حتى أنّه خطبهم في مثل هذا الأمر الذي هو حكم من الأحكام لكن خطب فيه.(1/27)
2- تحريم خلوة الرجل بالمرأة إلا مع ذي محرم والمحرم عند أهل العلم إن كان في السفر يشترط وجود المحرم وهو الزوج ومن تحرم عليه المرأة بالتأبيد بسبب مباح أو نسب ويشترط أن يكون ذكراً بالغاً عاقلاً وقال بعضهم وهو مروي عن أحمد رحمه الله ولا بأس أن يكون ابن عشر سنين لأن المحرم المراد به أن يكون حافظاً للمرأة ولهذا لو وجد مع المرأة صبي لا يكون محرماً وكذا لو وجد معها مجنون فهذا لا ينفع أن يكون محرماً فالمحرم لابد أن يكون بالغاً على القول الراجح ذكراً عاقلاً فالمجنون لا خير فيه ولا ينفع بشيء ولو أرادت المرأة أن تفجر ربما أعانها.
وهل يشترط أن يكون المحرم للمرأة المسلمة مسلماً؟ قال بعضهم:نعم لأن محرمها لو كان كافراً قد لا يغار عليها والصحيح أنه لا يشترط إسلامه لأن الوازع الطبعي يقوم مقام الوازع الشرعي لهذا الكافر -في الجملة- يغار على محارمه زوجته وابنته كما يغار في القرابة المسلم على محارمه فهذا مركوز في قلوب العباد من أجل القرابة وإن كان قد يكون حال الكفار في كثير من أحوالهم على غير هذا لكنهم إذا عاداهم أحد على محارمهم فإنهم يدافعونه فالصحيح أنه لا يشترط هذا الشرط.
عموم هذا النهي لكل رجل ولكل امرأة يعني لا يخلون رجل بامرأة أياً كان حال هذا الرجل وأياً كان حال هذه المرأة وقد قيل:
لكل ساقطة في الحي لاقطة
وكل كاسدةٍ يوماً لها سوقُ(1/28)
وهذه المرأة قد تكون دميمة لكن قد يأتي من يعلقها ويحبها ويريد الفجور بها وقد ذكر الشيخ حمود التويجري عليه رحمة الله في كتابه (الصارم المشهور على أهل التبرج والسفور) قصصاً كثيرةً في مثل قصص التبرج فذكر أن رجلاً خلا بامرأة عجوز فقالت (وقد خلا بها شاب يريدها) فقالت: إني عجوز فقال: إن ذكري لا يعجز عنك، فهو لم يترك هذه المرأة رغم أنها كبيرة وقد قيل: المرأة لحم على وضم إلا ما ذب عنه والوضم هو خشب يوضع عليه اللحم من أجل تقطيعه فيأتي عليه الذباب، العرض مثل اللحم إن لم تذب عنه وغفلت تعدو الذئاب عليه ، وفي الحديث جواز خلوة المرأة بالصغير لأنه لا يسمى رجلاً. وفي قوله (لا يخلون رجل بامرأة) فإذا قيل رجلان وامرأة أو امرأتان ورجل فهل يجوز أو لا؟!
قال بعضهم: إنه لا يجوز لأن هذا يمنع من باب أولى. والصحيح أنه جائز حيث لا ريبة، كيف لا ريبة؟ يكون رجلان خيران مع امرأة أو امرأتان مع رجل ودل عليه ما أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يخلون رجل بهؤلاء المغيبات إلا ومعه رجل أو رجلان).
وفي الحضر يشترط عدم الخلوة امرأتين مع رجل ثلاث مع رجل رجلين أو أكثر مع امرأة لا بأس أما في السفر فلا بد لكل امرأة من محرم حتى ولو عشر نساء لابد أن يكون لكل امرأة محرم.
وفي الحديث عناية الشارع بالمرأة. وفيه أن الحج لا يجب على المرأة التي لا تجد محرماً فإذا وجدت امرأة قادرة ببدنها قادرة بمالها لكن لم يتيسر لها محرم فهل المحرم يكون شرطاً للوجوب أو شرطاً للأداء؟؟!
قال بعضهم: إنه شرط للوجوب يعني إذا لم يوجد المحرم لا يجب، وقال بعضهم: شرط للأداء .(1/29)
وثمرة المسألة من كونه شرطاً للوجوب أو شرطاً للأداء أنها لو ماتت إن قلنا إن المحرم شرط للوجوب وقد ماتت علمنا أنه لم يجب عليها فلا يؤخذ من مالها بل يجب أن يوفر للورثة وإذا قلنا أن هذا شرط للأداء ولم تؤده بنفسها فإنه يؤديه عنها غيرها فإذا ماتت يؤخذ من تركتها ما يحج به عنها والصحيح أنه شرط للوجوب.
سؤال (مسألة تكرار الحج خلال 5 سنوات)؟
ما في بأس (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبيث الذهب والحديد والفضة).
وقد جاء حديث فيه ذكر الخمس سنين أخرجه البيهقي في سنه (5/262) من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وهو حديث قدسي ولفظه " إن عبداً أصححت له جسمه وأوسعت عليه في المعيشة فأتى عليه خمسة أعوام لم يفد إليّ لمحروم وهو حديث واه تتابع الأئمة على الطعن فيه كالبخاري والدار قطني والبيهقي وابن عدي وغيرهم ، وهو آخر حديث في كتاب الحج عند البيهقي ، وولاة الأمر في عصرنا رأوا تنظيم الحج بهذه المدة فلا يكرر الحج إلا من أتى عليه خمس سنين مراعاة لما صار عليه عدد الناس في الأزمنة المتأخرة من الكثرة والزحام الشديد.
سؤال: هل هناك وقت بين العمرتين:
للعلماء كلام كثير لكن جاء عن بعض السلف أنس وغيره إذا حتم رأسه، قال بعضهم: يجب أن يكون بينهما وقت يتسع لنبات الشعر واستحسنها الإمام احمد رحمه الله وأخذ بعضهم بأثر أنس والمقصود أنه لا يأت بعمرة مكية أي (تكرار العمرة المكية) يذهب إلى التنعيم ويأت بعمرة فهذه التي أنكرها السلف وشيخ الإسلام رحمه الله لكن لو اعتمر الإنسان ثم ذهب إلى بلده ثم عنت له حاجة في مكة وكان بينهما أسبوع أو أيام ينبت فيها الشعر فهذا لا إشكال فيه.(1/30)
وبعضهم كره أن تكون في السنة أكثر من مرة وهذا ضعيف. وتكرار العمرة المكية ليس بمشروع فهذا ما فعله إلا عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم عندما أخبرها أن طوافها وسعيها بين الصفا والمروة ... الخ فقالت: إني أجد في نفسي أني لم أطف حينما قدمت بعدما راجعته قال لعبد الرحمن أخيها: أذهب بأختك فأعمرها من التنعيم. ولم يعتمر عبد الرحمن هذا هو الظاهر أما ما وقع في صحيح البخاري: هل فرغتما من طوافكما؟ فهذه اللفظة عند البخاري من طريق أبي نعيم عن أفلج بن حميد عن القاسم عن عائشة ، وقد خالف أبا نعيم أبو بكر الحنفي عند البخاري فرواه عن أفلج مطولا ً دون هذه اللفظة برقم 1560 والذي يظهر لي أن الحمل فيها ليس على أبي نعيم فإنه حافظ بل على أفلح بن حميد فإنه مختلف فيه وأيضاً الحديث يروي عن عائشة عن غير وجه دون هذا اللفظ، وهذه اللفظة وإن صحت فهذا من باب التغليب ويحتمل أنه طافا بالبيت فالطواف عبادة منفردة عن الحج والعمرة لكن لم ينقل أن عبد الرحمن حينما ذهب إلى التنعيم ثم أحرمت أنه أحرم معها ما نقل هذا ولا قصر ولا سعى ما نقل هذا إنما نقل أنما أعمرها هي، ونقل عن ابن الزبير أنه لما فرغ من بناء الكعبة على قواعد إبراهيم أنه ذهب إلى التنعيم فأحرم فهذه عمرة عارضة شكر لله عز وجل هذا الذي بلغنا في العمرة المكية لكن أنكرها طاووس وجماعة من أصحاب ابن عباس انكروا على من يفعل هذا.
سؤال من الأخوة : بالنسبة لمن جاء من بعيد قد لا يتيسر له الحضور مرة أخرى؟
يطوف من يأت من بعيد يلتزم بما شرعه رب العبيد ويكثر من الطواف وقراءة القرآن والصدقة في مكة، هذا الذي يظهر لكن لو أن إنساناً حج من بعيد ومعه شخص قال: أنا من بعيد وأجد في نفسي أني ما أفردت بعمرة (هذا في الحج) أو امرأة حجت متمتعة فحاضت قبل الشروع في العمرة ووجدت في نفسها فنقول: إذا كانت الحال مثل الحال فلا بأس.(1/31)
سؤال من الشيخ: ما هي العبادة التي لا يفعلها إلا عبد واحد في الدنيا كلها في وقت واحد؟
تقبيل الحجر ومسّ الركن فائدة : كان ابن عمر يزاحم على الحجر حتى يدمي (جاء ذلك في البخاري) فقال له رجل ذات يوم أرأيت إن زحمت؟ أرأيت .. أرأيت فقال: أجعل أرأيت باليمن فكان ابن عمر يأخذ الأمور بقوة فربما اجتهد وشدد على نفسه فربما زاحم حتى يُدمى.
** الحديث الحادي عشر: عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول : لبيك عن شبرمة ، قال : من شبرمة ؟ قال : أخاً لي , أو قريب لي ، قال : حججت عن نفسك قال : لا ، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة. رواه أبو داود، وابن ماجه، وصححه ابن حبان، والراحج عند أحمد وقفه.(1/32)
هذا الحديث من الأحاديث المشهورة في الحج وأيضاً في سنده كلام كثير في الاحتجاج به , هذا الحديث يرويه أبو داود وابن ماجة والبيهقي عن طريق عبده بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عزرة بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً ورواه غندر (محمد بن جعفر) عن سعيد بن أبي عروبة فوقفه. واختلف في رفع الحديث ووقفه و الصحيح أنه موقوف كما رجحه أحمد والطحاوي وابن المنذر . وبناء على الاختلاف في هذا الحديث نشأ الخلاف في الحج عن الغير فيمن لم يحج عن نفسه فعلى قول جمهور أهل العلم سواءً صح الحديث مرفوعاً أو قالوا بأنه موقوف له حكم المرفوع يقولون: من حج عن غيره بأجره ولم يكن حج عن نفسه فإنه يكون عن نفسه ويلزمه إرجاع المال الذي أخذه إلى الذي استنابه وهناك قول آخر بناءاً على ضعف الحديث وأن هذه المسألة يدخلها الاجتهاد وهو رواية عن أحمد رحمه الله أن الحج يقع عن المستنيب وهو إذا حج عن غيره ولم يكن قد حج من قبل عن نفسه فإنه يقع عن المستنيب ولكنه يأثم هو لعدم البدار إلى الحج. وشيخنا ابن عثيمين رحمه الله يميل إلى هذا القول ويقول: عندنا حديث (إنما الأعمال بالنيات) في الصحيحين فكيف نقدم حديث ابن عباس المضطرب على حديث من أصول الإسلام ويقول: أنه إذا نوى عن غيره فإن النية تكون عن الغير والحج يكون عن الغير. وستأتي صورة إن شاء الله ينبغي ألا يختلف فيها وهي صورة (إذا كان الإنسان فقيراً والحج يشترط له الاستطاعة كما ثبت في الكتاب والسنة، ويحتاج في أداء الحج إلى زاد وراحلة وأموال فأتاه شخص قادر بماله وعاجز ببدنه فاستنابه) نقول: هذا الفقير لا يجب عليه الحج لعدم القدرة المالية فحينئذ يجوز أن يحج عن ذلك القادر بماله العاجز بدنه وهذا القول صححه الجمهور في مثل هذه الصورة أو أن يستنيبه شخص ولي لميت في الحج عن الميت فلا نزاع في المسألة لأنه لا يجب على هذا الفقير أصلاً أن يحج فهو نائب عن الميت أو نائب عن(1/33)
الحي أما إذا كان قادراً فسيأتي في شرح الحديث والذي أرى في هذه المسألة أن مذهب الجمهور أحوط إلا في صورة الفقير التي ذكرنا فإن الحج يكون عن المستنيب لدلالة الحديث (إنما الأعمال بالنيات) وينبغي ألا يختلف في ذلك)
أما إذا كان في غير هذه الصورة فالأحوط ألا يفعل الإنسان إذا لم يكن قد حج الإنسان عن نفسه بل إذا كان قادراً نقول عليه يجب أن يحج عن نفسه ولا تقبل النيابة عن غيرك لا مجاناً ولا بمال.
ولهذا الحديث مسائل ملحقة به (من حج نفلاً ولم يحج الفرض) لكنه حج يريد النفل أو نذر الحج ولم يكن قد حج الفرض فهذه شبه اتفاق بين أهل العلم على أنه حجة تصادف ذمة الإنسان وقد وجب عليه الحج بأن هذه الحجة تقع عن الفرض وهذا قد أفتى به ابن عمر كما عند البيهقي وغيره بسند صحيح أن رجلاً نذر أن يحج ولم يحج حجة الإسلام فقال : اجعل هذه عن نفسك ثم حج عن النذر.
وكذلك إذا إنسان حج على أنه بنية النفل ولم يحج الفرض فإن هذه الحجة تقع عن الفرض والإنسان إذا حج ينوي نفلاً، ولم يكن قد حج فرضاً فإن الحج الأول يكون به سقوط الفرض أما إذا حج الإنسان عن غيره ولم يكن حج عن نفسه فعندنا هذا الحديث وشيخنا ابن باز رحمه الله يصحح هذا الحديث ويقول هذا الحج ينقلب عن النفس وانقلاب الحج سواءً عن الغير أو كونه يخالف كثير من الأحكام هذا يخص الحج ولهذا نقول: من حج عن غيره ولم يحج عن نفسه فالأحوط أن المستنيب لا يعتد بهذه الحجة ولأنه قول الجمهور أنها تكون عن النائب إذا لم يكن حج عن نفسه ويلزمه إعادة مال المستنيب إن كان أخذ مالاً.
وفي الحديث من الفوائد الجهر بالتلبية لأن النبي عليه السلام سمعه وهذه سنة ويأتي حديث يخصه. وفيه تسمية الإنسان من يحج عنه فيقول (لبيك عن فلان) والظاهر أنه لا يكررها بل يكتفي بها عند الميقات وسيأتي مواضع التلبية.(1/34)
على القول بصحة الحديث أنه لا يجوز أن يحج الإنسان عن غيره ولم يكن حج عن نفسه. وفيه أن الحج يمتاز عن غيره بجواز قلب النية.
** الحديث الثاني عشر:عن ابن عباس رضي الله عنه قال : " خطبنا رسول الله صلى الله عيه وسلم فقال : إن الله كتب عليكم الحج ، فقام الأقرع بن حابس فقال : أفي كل عام يا رسول قال : لو قلتها لوجبت الحج مره فما زاد فهو تطوع" رواه الخمسة غير الترمذي ، وأصله في مسلم من حديث أبي هريرة.
الحديث يروى من طريق سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي سنان الدؤلي عن ابن عباس وسفيان روايته عن الزهري مضعفه ، وقد روي من وجه أخر عن الزهري وأصله في مسلم من طريق الربيع بن مسلم القرشي عن محمد بن زياد عن أبي هريرة بنحوه فالحج مرة واحدة في العمر فالنبي خطب الصحابة وقال لهم (إن الله كتب عليكم الحج) والمؤلف عدل عن حديث أبي هريرة والمخرج في الصحيح إلى حديث ابن عباس هذا، والنبي خطب فقال (إن الله كتب عليكم الحج) لقوله تعالى (ولله على الناس حج البيت) فقام الأقرع بن حابس فقال : ... الحديث
وفي الحديث أن الحج لا يجب إلا مرة في العمر وكذا العمرة على القول بوجوبها، وفيه أن الإنسان إذا حج أو اعتمر ثم جاوز الميقات لا يلزمه الإحرام وكثير من أهل العلم قال إنه لا يجاوز الميقات إلا بإحرام عمرة واستثنوا من تكرر دخوله كالحطايين والحشاشين وما أشبه ذلك ولكن القول الصحيح أنه لا يلزم الإحرام بعمرة إذا مر الإنسان بالميقات.(1/35)
واختار الشيخان ابن باز وابن عثيمين أن من مر بالميقات ولم يكن قد اعتمر فإنه يلزمه العمرة إذا استطاع إذا قلنا بوجوب العمرة إذا مر قاصداً المسجد الحرام ومستطيعاً للعمرة فإنه لا يحل له مجاوزة الميقات إلا بإحرام لأن هذا يؤدي فرضاً وهو قادر عليه وإذا اعتمر عمرة الإسلام فلا يلزمه بعد ذلك الإحرام. وفيه إعلان الأحكام الشرعية عن طريق الخطابة. وفيه ترك الاختلاف والسؤال وأن الإنسان يقبل ما أُمر به ولا يزيد ولا يقول كما قال هنا: (أفي كل عام) إنما الواجب مرة واحدة هذا هو الأصل لهذا قال النبي (اتركوني ما تركتم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة أسئلتهم واختلافهم على أنبيائهم) وفي الحديث الآخر حديث سعد (أن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء فحرم من أجل مسألته).
باب المواقيت
** الحديث الثالث عشر: عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم هن لهن ، ولمن أتى عليهن من غيرهن ، ممن أراد الحج والعمرة , ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ ، حتى أهل مكة من مكة " متفق عليه.
** الحديث الرابع:وعن عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق" رواه أبو داود والنسائي وأصله عند مسلم من حديث جابر, إلا أن راويه شك في رفعه , وفي صحيح البخاري : أن عمر هو الذي قت ذات عرق.
وعند أحمد وأبي داود والترمذي عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق.(1/36)
هذا باب المواقيت يتحدث عن مواقيت الحج المكانية والحج له مواقيت مكانية ومواقيت زمانية أما المكانية فهي في حديث ابن عباس ذكر أربعاً وفي ما بعده من الأحاديث ذكر الخامس حديث عائشة وحديث جابر وحديث ابن عباس في السنن و الزمانية شوال وذو القعدة وذو الحجة واختلف هل هو 10 ذي الحجة أو ذي الحجة كاملاً؟ والصحيح أنه كاملاً فيكون ثلاثة أشهر لأن أقل الجمع ثلاثة ولهذا قال تعالى (الحج أشهر معلومات).
وفيه من الفوائد توقيت المواقيت وبضم ما سيأتي من أحاديث إلى حديث ابن عباس ستكون المواقيت المكانية خمسة وهي محيطة بالبيت الحرام بالكعبة من جهات الشرق والغرب والشمال والجنوب والمار لا يخلو أن يكون يمر بالميقات نفسه أو ميقات غيره أو أن يمر بينهما وقد جاء تفصيل هذه الأحكام في أحاديث المواقيت.
قول النبي عليه السلام (وقت لأهل المدينة ذا الحليفة) هذا الميقات قريب من المدينة وهو أبعد المواقيت عن مكة وهو الذي أهل منه النبي عليه الصلاة و السلام ويسمى الآن أبيار علي (ولأهل الشام الجحفة) والآن يهل الناس من رابغ وكانت الجحفة قديماً قرية ثم خربت ثم صار الميقات الآن قبلها بقليل من جهة الساحل (رابغ). ولأهل نجد (قرن المنازل) وهذه المناطق معروفة والآن يسمونه السيل وله طرفان طرفي شمالي يسمى (السيل الكبير) وطرف جنوبي يسمى (وادي محرم) وهو وادي طويل له طرفان يمتد من الشمال إلى الجنوب وليس بميقاتين بل هو ميقات واحد.
ولأهل اليمن (يلملم) وهو معروف الآن (بالسعدية) وهو معروف لمن يقصد مكة من جهة الجنوب، ثم قال عليه السلام (هن لهن) وفي لفظ هن لهم، وفي لفظ هن لأهلهن، أي هذه المواقيت لأهل هذه الجهات ولمن أتى عليهن) أي: لمن أتى على هذه المواقيت ممن هو ليس من أهلها فإنه يحرم منه، وقوله (ممن أراد الحج والعمرة) فيه دلالة على أنه لا يلزم من لم يرد الحج والعمرة أن يحرم وتقدم الكلام على هذا.(1/37)
في هذا الحديث من الفوائد ثبوت المواقيت المكانية وأنها خمسة بضمها على ما سيأتي وهذه المواقيت الأربعة المذكورة هنا اتفق على أنها مرفوعة إلى النبي عليه السلام واختلف في الميقات الخامس، وهو ميقات أهل العراق أو المشرق وسيأتي الكلام عليه أن شاء الله وهذه المواقيت مختلفة في البعد والقرب.
وفيه أن الإنسان لا يجاوز المواقيت وهو مريد للحج أو العمرة إلا بإحرام. وفيه أن من كان مكانه دون المواقيت أي بين الميقات وبين المشاعر (مكة) فإنه يكون ميقاته من مكانه هو فإذا أراد العمرة أو الحج فإنه يحرم من مكانه ولا يتجاوزه وعند أهل العلم أنه إذا تجاوز مكانه وهو مريد للنسك ومشى حكمه حكم من تجاوز الميقات وهو مريد للنسك.
وهنا هل لهؤلاء إن مروا بالمواقيت وهم يريدون نسكاً أن يؤخروا الإحرام إلى منازلهم التي في مكة أو دون المواقيت أم يلزمهم الإحرام من الميقات؟
فيه خلاف بين أهل العلم, فمنهم من قال: إن شاء أحرم من الميقات الذي مر عليه أو من منزله . ومنهم من قال: يلزمه الإحرام من الميقات والأول أصح وهو اختيار شيخنا ابن باز و شيخنا ابن عثيمين رحمهما الله.
وهذا معنى (من كان دون ذلك من حيث أنشأ) قال (حتى أهل مكة من مكة) هذا الأصل حيث ينتظم الحج والعمرة، لقوله قبل ذلك (ممن أراد الحج والعمرة) غير أن جمهور أهل العلم يرون أن الحج يحرم به من (مكة) وأما العمرة فلابد من الخروج إلى الحل واحتجوا بالأثر والنظر.
أما الأثر: فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة أن تعتمر من التنعيم وأما النظر أن العمرة زيارة فيكون قدوم من الحل إلى الحرم.(1/38)
فلابد أن يقدم على الحرم من غيره وإلا لم يكن زائراً وقالوا إن هذا موجود في الحج ففيه الذهاب إلى عرفة وكل نسك من حج أو عمرة قالوا يجمع فيه بين الحل والحرم، وهو كذلك في الحج الناس يذهبون إلى عرفات وهي من الحل ثم يقدمون فيطوفون ويسعون بعد ذلك فيكونون قد وفدوا إلى البيت بعد أن خرجوا إلى الحل. وذهب بعض أهل العلم إلى أن الإنسان إذا كان في مكة سواءً كان آفاقياً أو من أهل مكة أن له أن يحرم بالعمرة من مكة ولا شيء عليه ولكن الصحيح أنه عمرته صحيحة ليست باطلة ولكن يكون كمن ترك الإحرام من الميقات لا يعني أنه لابد يحرم من الميقات لكن يذهب إلى أدنى الحل سواءً التنعيم أو عرفات أو طرف الحديبية الذي في الحل، فمن أي مكان في الحل يحرم منه.
وأما حديث عائشة: النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق، وحديث جابر في توقيت المواقيت الخمسة فيه أن الرواي قال: ولأهل العراق ذات عرق، قال: (أحسبه) الراوي شك في رفعه قال: أحسبه رفعه إلى النبي عليه السلام ومن هنا اختلف أهل العلم في هل توقيت ذات عرق مسند إلى النبي عليه السلام؟! أم من توقيت عمر؟!.
أما حديث عائشة فهنا ضعفه الإمام أحمد وغيره لأنه يرويه أفلح بن حميد عن القاسم بن محمد عن عائشة و(أفلح) هذا لا بأس به ولكن له بعض المناكير، و نقل ابن عدي في الكامل أن هذا الحديث أنكره عليه الإمام أحمد وأنكر قوله لأهل العراق ذات عرق فهذا اللفظ منكر.
وكذلك من الأحاديث التي فيها أن توقيت ذات عرق من النبي عليه السلام حديث أبي الزبير عن جابر ولكن هذا وقع فيه الشك ولم يجزم به راويه.
وكذلك حديث ابن عباس الذي عند أحمد وأبي داود وهذا الحديث ضعيف كذلك فيه يزيد بن أبي زياد يرويه عن محمد بن علي عن ابن عباس ويزيد هذا ضعيف وفيه انقطاع كذلك، وأيضاً في متنه نكاره لقوله العقيق ، وأيضاً في الصحيح من حديث ابن عباس نفسه وليس فيه ذات عرق .(1/39)
وقال بعضهم لا منافاة فإن العقيق هذا وادي كبير فيسمى بعض أطرافه العقيق ويسمى ذات عرق.
وجاءت أحاديث أخرى مرفوعة أن النبي هو الذي وقت لأهل العراق ذات عرق لكن كلها ضعيفه فالأحاديث كما ترى في توقيت ذات عرق والصحيح هو ما أخرجه الشيخان: أن عمر هو الذي وقت لأهل العراق ذات عرق أتاه لما فتح هذا المصران البصرة والكوفة أهلهما فقالوا: إن النبي عليه السلام لم يحد لنا حداً فقال: فحد لهم ذات عرق. هذا هو المحفوظ هذا لم يختلف في إسناده وهو مخرج في الصحيحين. وعلى القول بأن ذات عرق مرفوع للنبي يكون هذا مما وافق فيه اجتهاد عمر الوحي والمحفوظ أن توقيت ذات عرق من حد عمر رضي الله عنه.
وقد يأتي إنسان من ناحية البحر الأحمر فإن كان يأتي من جهة اليمن فإنه سيحاذي يلملم ولابد حينئذ نقول عليه إذا حاذى الميقات (يلملم) أن يحرم بالحج والعمرة حسب نسكه وإن أتى من ناحية مصر فإنه يحاذي الجحفة (رابغ) فإنه يحرم من هناك وإن أتى من الغرب مباشرة بشكل عمودي فحينئذ هذا يحرم من جدة كما قال الشيخ محمد بن عثيمين قال: ولهذا أهل سواكن في السودان وهي تحاذي جدة على الساحل فهي غرب جدة فحينئذ يحرمون من الساحل لأنهم لا يحاذون أياً من المواقيت وقول الشيخ محمد قوي في النظر، وبعضهم قال يحرم من البحر قبل الرسو على الساحل.
وأما جعل جدة ميقاتاً لكل من يأتي بالطائرة ، فهو قول واه مصادم للنصوص ، ينبغي هجره والرد على قائله فالسنة واضحة في هذا الأمر، والأحكام لا تختلف بالطيران والارتفاع عن الأرض عن القرار عليها في مثل هذا.
هنا مسألة: لو أن إنساناً أتى من غير ميقاته ولكنه سيمر بميقاته. كما لو أتى الشامي من طريق المدينة وهو يريد الحج والعمرة فهل يلزمه الإحرام من ذي الحليفة أم له تأخير الإحرام إلى أن يأتي (رابغ) الآن؟!(1/40)
جمهور أهل العلم على أنه لابد من الإحرام من الميقات الذي حاذاه لقوله عليه السلام (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) وهذا أتى الميقات وهو من غير أهله فيلزمه الإحرام وذهب مالك رحمه الله وشيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن للشامي تأخير الإحرام إذا مر بميقات المدينة إلى ميقاته والشيخان ابن باز وابن عثيمين على أنه ليس له ذلك وهذا من باب الاحتياط من ناحية وللأخذ بظاهر النص (ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) لكن لو أن إنساناً أحرم وأخذ بقول شيخ الإسلام ثم جاءنا يسأل: نقول لا شيء عليك لأن المسألة خلافية والأمر فيها سهل وإذا مر الإنسان بالهواء على المواقيت، هل يلزمه الإحرام أم ينتظر حتى يهبط في مطار جدة؟!
بعضهم يقول إن شيخ الإسلام ابن تيمية يقول إذا كان الإنسان يطير وحاذى الميقات يلزمه الإحرام. وتفسير قول شيخ الإسلام: ما ذكره رحمه الله في معرض كلامه عن هؤلاء الذين يحضرون إلى عرفات أو مزدلفة قال: فنرى أحدهم يأتي وتطير به الجن فلا يحرم كما ينبغي ويمر بالميقات ولا يحرم انظر مجموع الفتاوى (19/48) . يقول الشيخ محمد بن عثيمين: استفدنا من هذا أن الإنسان إذا حاذى الميقات يحرم إذا كان في طائرة وهذا معلوم بالأدلة وشيخ الإسلام أومأ إليه.
ولو أن إنساناً لبس ملابس الإحرام (الإزار والرداء) وهو الآن مريد للنسك ولكنه ما دخل في النسك بعض الناس يغلط ويظن أن مجرد اللبس هو الإحرام؟
المسألة هذه مثل كون الإنسان خرج من بيته يريد المسجد فهو مريد للصلاة وكذلك لابس الإزار والرداء، مريد للنسك فإذا كبر دخل في الصلاة وكذلك إذا لبى دخل في النسك.(1/41)
** الحديث الخامس عشر" أنواع الأنساك": عن عائشة رضي الله عنها قالت: " خرجنا مع رسول صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحج , وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج ، فأما من أهل بعمرة فحل عند قدومه ، وأما من أهل بحج ، أو من جمع بين الحج والعمرة ، فلم يحلوا حتى كان يوم النحر" متفق عليه.
هذا الحديث يتكلم فيه أنواع الأنساك وهي ثلاثة: إما (حج مفرد) وإما (حج وعمرة فعلهما واحد) وهو قران وإما (حج وعمرة منفصلان) وهو التمتع وهما باقيان إلى قيام الساعة وقد أخرج مسلم وأحمد وغيرهما من طرق عن الزهري عن حنظله الأسلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء ، حاجاً أو معتمراً أو ليثنينهما ، واختلف في الأفضل فقال بعضهم: الإفراد وقال بعضهم التمتع وقال بعضهم: القران والخلاف في هذه المسألة طويل ولكن الذي يظهر أن التمتع أفضل لكن إن ساق الهدي فينبغي أن يكون قارناً.
وقد يقول قائل (إذا ساق الهدي ما يمكن إلا أن يكون قارناً)؟ نقول: لا. يمكن أن يكون مفرداً ويسوق الهدي حينئذ وليس بواجب لكنه يمكن أن يسوق الهدي وليس بقارن فإذا ساق الهدي يستحب أن يكون قارناً تأسياً بالنبي عليه الصلاة والسلام.
وقول عائشة رضي الله عنها (وأهل النبي عليه الصلاة والسلام بالحج) هذا في ظنها وعلمها لأنه لما جمع بين الحج والعمرة وكان فعلهما واحداً ظنت أنه أهل بالحج، وإلا قد جاء في حديث ابن عمر في الصحيحين وحديث ابن عباس أنه قال سمعت عمر يقول: لما أتى النبي وادي أتاه جبريل في هذا الوادي وقال: صل فيه وقل عمرة في حجة) وجاء كذلك في حديث أنس وغيره كثير تدل على النبي عليه السلام جزماً إنما كان قارناً، ففي هذا الحديث التخيير بين الأنساك الثلاثة التي لا رابع لها.(1/42)
وفيه أن المتمتع إذا قدم يبدأ بالعمرة مباشرة لا يتشاغل بغيرها وأما قولها (أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحل حتى كان يوم النحر) هذا مخصوص بمن ساق الهدي ليس عاماً إنما هو خاص بمن ساق الهدي.
وفيه أن الإنسان يسمي نسكه وتسمية النسك ليس جهراً بالنية كما يقول بعضهم (لبيك حجاً) أو (لبيك عمرة) أو (لبيك حجاً وعمرة) فالإفراد يقول (لبيك حجاً) والتمتع يقول (لبيك عمرة) والقران يقول (لبيك عمرة وحجاً) وأما قول بعضهم (التمتع لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج) فهذا لم يثبت ولا نعلم له أصلاً.
وفي حديث ابن عمر في الصحيحين قال: لما أراد النبي عليه السلام أن يهل سبح الله وحمده وكبره بعد أن قامت به راحلته استقبل القبلة وفعل هذا، أي فيه حكاية ابن عمر أن النبي فعل هذا ثم أهل بالحج، وقال هكذا رأيت النبي يفعل وهذا في البخاري وغيره ومثله حديث أنس وبوب عليه البخاري : باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال ...
قال ابن حجر (وقل من تعرض لها مع أنها في الصحيح) فقل من يتعرض لهذه السنة وهي قول (سبحان الله والحمد لله والله أكبر) وما أشبه ذلك قبل أن يحرم قل من تعرض لها من الفقهاء مع أنها ثابتة في الصحيح، وهذا يدل على أن طالب العلم في العبادات يقرأ في كتب الأثر (كتب الحديث) مع أما في المعاملات يضم إلى كتب الأثر كتب الفقه لأن الأحاديث في المعاملات قليلة أنما هي ضوابط للعبد لأن الأصل في المعاملات الحل مثل (البيعان بالخيار) (لا تبع ما ليس عندك) والأحاديث في البيوع قليلة ربما لا تجي بقدر ما جاء في بعض أبواب العبادات لا أقول كتب بل أبواب!.(1/43)
أما أحاديث الصلاة في كتب الفقه فمساحتها كثيرة جداً لأن العبد في العبادات ما يتحرك إلا بأثر (بحديث) لأنه يتعبد الله عز و جل بقيامه بقعوده بكلامه بسكوته وما أشبه ذلك أما المعاملات فالأصل فيها الحل فجاءت الشرائع بوضع ضوابط فإذا أردت أن تدرس العبادات فأنظر كتب الحديث ثم لا بأس من فهم كلام أهل العلم والاستفادة منهم وفي المعاملات أهل العلم يشققون في المسائل ويقعدونها ولهذا الإنسان إذا درس المعاملات من كتب الحديث قد يفوته بعض الأشياء المهمة في البيوع أو الأنكحة لأنها تحتاج إلى فهم وشرح وأما في العبادات فهي تكاد تكون مشروحة لو اعتمد الإنسان على الآثار النبوية لم يحتج إلى شرح . (فصفة الحج) حديث جابر فهو منسك لو أن الإنسان فقهه وزاد عليه بعض الأحاديث اليسيرة فقط في تكميل النسك لأكتفى بهذا بينما في البيوع وفي صحتها وشرائطها هذا يحتاج لتجميعها من كتب الفقه المعتمدة على النصوص لكن يحتاج إلى فهم أهل العلم في المعاملات أكثر بكثير منه في العبادات. ولعل المراد فُهم . والإهلال هو رفع الصوت بالتلبية وهو سنة في حق الرجال وأما المرأة لا ترفع بها صوتها إنما تهل بقدر ما تسمع نفسها، أو تسمع صاحبتها والتلبية قيل إنها واجبة وقيل إنها ركن وقيل إنها سنة؟(1/44)
والصحيح أنها سنة وإنما النية هي التي ركن وهي التي فرض والتلبية تكون دائماً وتتأكد في مواضع منها وعند التقاء الرفاق ودبر الصلاة وأحسن ما روي فيها أثر عند أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سابط قال "كان السلف يستحبون التلبية في أربعة مواضع في دبر الصلاة وإذا هبطوا وادياً أو علوا وعند التقاء الرفاق" وهو تابعي أدرك قله من الصحابة ونقل أكثر رواياته عن التابعين وإسناده صحيح إليه ورى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس وفيه (وأما موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخلبة كأني انظر إليه إذا انحدر في الوادي يلبي ) وبوب البخاري : باب التلبية إذا انحدر في الوادي . وشيخ الإسلام يرى أن التلبية إنما تكون في التنقل أما إذا قر في المكان لا يلبي يرى أن التلبية تكون إذا شخصت من منى إلى عرفات فإذا قريت بعرفات لا تلبي فإن قيل فقد أخرجه مسلم والنسائي من طريق أبي الأحوص عن حصين عن كثير بن مدرك عن عبد الرحمن بن يزيد قال : قال عبد الله ونحن بجمع : سمعت الذي أُنزلت عليه سورة البقرة يقول في المقام " لبيك اللهم لبيك " ومثله من طريق زياد والبكائي عن حصين ، فهذا ظاهره التلبيه وهو قار بمزدلفه لكن أخرجه مسلم عن طريق هشيم عن أبي الأحوص به ولفظه أن عبد الله لبّى حين أفاض من جمع فقيل أعرابي هذا ؟ فقال عبد الله أنسى الناس أم ضلوا ؟ سمعت الذي أُنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المكان : لبيك اللهم لبيك " ورواه أيضاً من حديث سفيان عن حصين ولم يسق لفظه وهذا اللفظ مقيد لما أطلق قبله فصح ما قال شيخ الإسلام ، لكن أخرج النسائي من طريق علي بن صالح وهو أخو الحسن بن صالح بن حي عن ميسره بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال كنت مع ابن عباس بعرفات فقال مالي لا أسمع الناس يلبون قلت يخافون من معاوية فخرج من فسطاطه فقال : لبيك اللهم لبيك فإنهم قد تركوا السنة من بغض علي .واسناده لا بأس به ، وعلق عليه شيخنا في شرح النسائي :(1/45)
معاوية لم يكن يمنع ذلك ولعل بعض الناس ممن لا بصيرة عنده ترك التلبية في ذلك المحل حول ابن عباس . أ.هـ قلت ظاهره التلبيه في عرفات وبوب عليه النسائي فإذا تحركت من عرفات إلى مزدلفة تلبي فإذا استقريت بمزدلفة وأنت قار (بائت) تلبي فإذا أفضت من مزدلفة إلى منى فإنك تلبي هكذا ، وسألت شيخنا ابن باز رحمه الله عن قول شيخ الإسلام فقال: ضعيف والصحيح أنه يستديم التلبية ، قلت : ما صححه شيخنا هو ما دلت عليه السنة، وبالنسبة لصيغة التلبية، وهل كان النبي يلبي غيرها ستأتي إن شاء الله تعالى.
باب الإحرام وما يتعلق به
** الحديث السادس عشر:عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد " متفق عليه
هذا حديث ابن عمر وفيه إثبات أن النبي أهل من عند المسجد وكونه يأتي من المسجد جاء تبيينه في الصحيحين عن ابن عمر كذلك قال (فأهل من عند المسجد) الحديث.
فلا يفهم من عند المسجد أنه يعني بعد الصلاة صلى الظهر في المدينة أربعاً والعصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات تلك الليلة ثم أحرم فإنه أحرم عندما انبعثت به راحلته هذا هو الصحيح وفي لفظ عن ابن عمر كذلك (ثم يركب فإذا استوت به راحلته قائماً أحرم) وفي حديث جابر (حتى إذا استوت به على البيداء) وهذا لا ينافي أن يكون احرم عندما أول ما ركبها فإما أن يكون استوى عليها وهي على البيداء فالمكان هناك كله صحراء أو يكون مشى شيئاً ثم رفع صوته فسمعه جابر وهذا هو الصحيح أنه لم يحرم عليه الصلاة والسلام بعد الصلاة ولم يشرع في التلبية وعقد الإحرام حتى مشى بل منذ أن ركب راحلته واستوت به أهل عليه الصلاة والسلام.(1/46)
وبعضهم رام جمع الآثار في هذا وقال إن الحديث الذي رواه أبو داود من طريق خصيف بن عبد الرحمن الجزري عن سعيد بن جبير قال: (عجبت لاختلاف أصحاب النبي في نسكه) قال ابن عباس: (إنه أهل بعد الصلاة فسمعه قوم فنقلوا عنه ثم أهل بعد ما ركب دابته فأدركه قوم فأخذوا عنه ثم أهل بعدما علت به على البيداء فأدركه قوم فأخذوا عنه) وهذا لا يثبت خصيف ضعيف ولو صح لكان فيصلاً في المسألة ولكان الصواب أنه أهل عليه السلام حينما استوت به الناقة وكان عند المسجد.
وفي الحديث أن الإنسان يؤخر التلبية حتى يركب السيارة ويستقبل القبلة ثم يحرم لأنه قد يكون نسي شيئاً.
وهل للإحرام صلاة تخصه؟
الجمهور على أن للإحرام صلاة تخصه والقول الثاني ليس له وهذا هو الصحيح لكن إن صلى عند الميقات فرضاً فالأفضل أن يحرم عقيب الفرض على الوجه الذي ذكرنا هنا ولكن كونه يمشي ويريد أن يميل إلى مسجد الميقات ثم يصلي ركعتين ثم يهل بعدهما فهذا لا أصل له أما حديث ابن عباس (صل في هذا الوادي المبارك ثم قل: عمرة في حجة) فهو صلى عليه الصلاة والسلام أي وافق صلاة الفرض فصلاها عليه الصلاة والسلام. فإن رتب الإنسان أنه يمر بالميقات فرضاً من الفروض ثم يحرم عقيبه فلا بأس وفيه من الفوائد رفع الصوت بالتلبية لأنهم سمعوه.
** الحديث السابع عشر: وعن خلاد بن السائب عن أبيه رضي الله عنه " أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : أتاني جبريل ، فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال" رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن حبان(1/47)
هذا الحديث يروى من طريق عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن خلاد بن السائب عن أبيه ، وقد اختلف في صحابيه والمحفوظ أن صحابيه السائب والد خلاد كما قال مالك والبخاري والترمذي وغيرهم ، له شواهد من حديث أنس عند البخاري وفيه قوله : "وسمعتهم يصرخون بها جميعاً أي التلبية" وهي تدل على أن رفع الصوت من المسنون في حدود الاستطاعة.
** الحديث الثامن عشر: وعن زيد بن ثابت رضى الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله ، واغتسل " رواه الترمذي وحسنه.
هذا الحديث يروى من طريق عبد الله بن يعقوب المدني عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن طارق بن زيد عن أبيه ، وعبد الله بن يعقوب فيه جهاله وعبد الرحمن ضعيف وابن يعقوب قد توبع لكن مدار الحديث على أن أبي الزناد فالحديث لا يثبت وفي صحيح مسلم حديث جابر وسيأتي أن أسماء بنت عميس لما ولدت محمد بن أبي بكر قال لها النبي (اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي).
وهذا الاغتسال عند الميقات للدخول في النسك حجاً كان أو عمرة هل هو لأجل النظافة أو هو عبادة محضة؟
قال بعضهم: إن هذا معقول لأجل النظافة وحصول النشاط على هذا لو عدم الماء فإنه لا يتيمم لأن المقصود التنظيف لا رفع الحدث وهذا اختيار شيخ الإسلام والدليل معه حديث أسماء بنت عميس أمرها النبي وهي نفساء والمعلوم أن النفساء لو اغتسلت ما ينفعها الغسل فلا يرتفع حدثها لتجدده ولكن المقصود النظافة. وهذا هو الصحيح وصح عن ابن عمر قوله :" إن من السنة أن يغتسل إذا أراد أن يحرم...." فهذا الاغتسال سببه عقد الإحرام فهو عام لكل محرم.(1/48)
** الحديث التاسع عشر: وعن ابن عمر رضي الله عنهما " أن رسول الله سئل ما يلبس المحرم من الثياب قال : لا يلبس القميص ، ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحداً لا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ، ولا تلبسوا شيئاً من الثياب مسه الزعفران ولا الورس " متفق عليه.
هذا الحديث فيه بيان ما يلبس المحرم، سأل الرجل عن بيان ما يلبس. فأجابه النبي عما لا يلبس لأن الذي يلبس كثير فقال له: لا تلبس كذا وكذا والباقي مباح.
وهذا الحديث كان بالمدينة عندما خطب الناس وعلمهم، وأمر فيه بقطع الخفين وأما في عرفات في حديث ابن عباس أنه قال (ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين) فدل على أن قطع الخفاف إذا لم يجد النعال منسوخ وقطع الخفاف إفساد لها، وجاء نحو حديث ابن عباس حديث جابر أخرجه مسلم في صحيحه في أول كتاب الحج.
والقميص مثل الثياب والعمائم معروفة والسراويلات، وهي التي تلبس على العورة والرجلين وكذلك إذا كانت قصيرة يسمونها (التبان)، والبرانس هي ثياب رؤوسها منها، والخفاف تكون من الجلود وغيرها وتلبس على الأرجل.
فما شابه هذه الملابس مما يكون في معناها فأن حكمه حكمها والتعبير النبوي واضح في عدم لبس كذا وكذا ولا شك أن الشريعة لا تفرق بين المتماثلين فإذا وجد لباس (الفانيلة) مثل القميص والطاقية مثل العمامة والسروال الصغير مثل السراويل الكبيرة والمشلح مثل البرنس أو قربياً منه والشرابات مثل الخفاف وهكذا وعلى ذلك فقس.
فلا تلبس هذه الملابس وما في معناها مما يحدث عند الناس، فإذا لم يجد الإنسان النعلين يلبس الخفين بلا قطع وكذلك إذا لم يجد الإزار يلبس السراويل.
وهل عليه فدية أم لا؟ كثير من أهل العلم يقول: عليه فدية ولكن النبي عليه السلام لم يذكر الفدية.
وقوله (لا تلبسوا شيئاً من الثياب مسه زعفران ولا ورس) هل نهى النبي عن لبس الثياب التي مسها الزعفران والورس لأجل اللون أو الريح؟(1/49)
الصواب: أنه نهى عنهما جميعاً لأن الزعفران ليس من طيب الرجال بل من طيب النساء لهذا في حديث أنس عند مسلم (نهى النبي عليه السلام أن يتزعفر الرجل) ولما رأى على عبد الرحمن بن عوف ردعة من زعفران: قال: مهيم قال: إني كنت تزوجت فقال : لا بأس أو كما قال عليه السلام لأنه أصابه من مخالطة المرأة فلا يجوز للرجل أن يلبس ثوباً مسه زعفران سواءً كان محرماً أو غير محرم.
فالصفرة هذه صفرة الزعفران ليس من طيب الرجال وكذلك المحرم لا يلبس ثوباً مسه الطيب لأن الزعفران طيب والورس كذلك نبت طيب الرائح
وفيه من الفوائد حرص الصحابة على التعليم حيث سألوه عما يلبس وفيه حسن تعليم النبي عليه السلام. وفيه تحريم لبس المذكورات.
وهنا مسألة الإزار (ما يغطي الشق التحتي من البدن) لو أن إنساناً خاطه مثل (الوزرة) التي يلبسها الناس الآن وجعل له مغّاط بحيث يستقر على الحقو يكون شاداً عليه لكنه مخيوط خاطه من فوق وخاطه بالطول فلا يحتاج إلى مسك ولا ربط يخلعه إن شاء ويلبسه إن شاء، هل يجوز لبسه؟ الشيخ محمد بن عثيمين يقول: هذا إزار ويسمونه العامة (وزرة) ولم يرتكب المحرم شيئاً منهياً.
وسئل شيخنا أن ابن باز رحمه الله فقال: هذا ما يجوز هذا مثل السراويل مابقى إلا خياطته في الوسط فيصير مثل السراويل فالمسألة محل خلاف بين الشيخين والأحوط ألا يلبس هذا وإن كان فيه راحة في اللبس ولكن قد لا تكون راحة في الشرع فالأحوط تركه.
وعائشة رضي الله عنها علق لها البخاري أنها كانت لا ترى بأساً بلبس التبان لمن يرحلون هودجها أي (يحملونه) إذا لبس الإزار يمكن أن تنكشف عورتهم فكانت تفتى بلبس التبان للحاجة فهذا قوي لمن يتعاطى مثل هذا ولكن الأصول تمنع هذا والشيخان على أنه لا يجوز لبس هذا التبان.والتبان السروال القصير.(1/50)
ومما يكمل هذا الحديث حديث الذي مات ووقصته الدابة قال (لا تخمروا رأسه ولا وجهه) فهل تثبت هذه الزيادة وهي أصل هذا الحديث ما رواه الستة وأحمد وغيرهم من طرق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قصة الرجل الذي كان واقفاً مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة فوقع من راحلته فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه طيباً ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً " .
وهذا الحديث له ألفاظ متقاربة ويرويه عن سعيد بن جبير اثنا عشر راوياً وهذا تفصيل رواياتهم :
1 ـ أبو الزبير :
أخرجه مسلم ( 2900 ) عن هارون بن عبدالله عن أسود بن عامر عن زهير عنه وفيه ذكر الوجه ولفظه " وأن يكشفوا وجهه حسبته قال ورأسه " قال البيهقي " ذكر الوجه على شك فيه في متنه ورواية الجماعة الذين لم يشكوا وساقوا المتن أحسن سياقة أولى أن تكون محفوظة أ هـ كلام البيهقي ويأتي مزيد بيان إن شاء الله .
2 ـ ابراهيم بن أبي حرة : أخرجه أحمد عن سفيان بن عيينة عنه بدون ذكر الوجه .
3 ـ عمرو بن دينار واختلف عليه في ذكرها كثيراً فالحديث يرويه عن عمروأكثر من أربع عشرة نفساً
أ ) الثوري :
أخرجه مسلم عن أبي كريب عن وكيع ح وأخرجه ابن ماجة عن علي بن محمد الطنافسي كلاهما ( الطنافسي وأبو كريب ) عن وكيع عن الثوري عن عمرو بذكر الوجه وتابع وكيعاً أبو داود الحفري : أخرجه النسائي ( 2714 ) عن عبدة بن عبدالله الصفار عن الحفري عن سفيان وفيها ذكر الوجه ورواه محمد بن كثير عند أبي داود ( 3238 ) والبيهقي ( 3/391 ) عن الثوري بدون ذكر الوجه .
ومن طريق مسلم المذكورة أخرجه البيهقي ( 5 / 53 ) وابن حزم ( 7/92 ) وقال ابن حزم خبر ثابت وقال البيهقي ورواه محمد بن عبدالله بن نمير عن وكيع دون ذكر الوجه فيه وكذا رواه محمد بن كثير وعبدالله بن الوليد العدني عن سفيان دون ذكر الوجه أ.هـ .
ب ) ابن عيينة :(1/51)
روى الحديث عنه أربعة أحمد في المسند ( 1914 ) والحميدي في مسنده ( 466 ) وابن أبي شيبة عند مسلم ( 2891 ) وابن أبي عمر عند الترمذي ( 951 ) وليس في شيء من ذلك ذكر الوجه .
ج ) يونس بن نافع :
أخرجه النسائي ( 1904 ) أخبرنا عتبة بن عبدالله حدثنا يونس وليس فيها ذكر الوجه .
د ) ابن جريج :
أخرجه احمد ( 323 ) عن يحيى عنه وليس فيها ذكر الوجه وكذلك أخرجه النسائي
( 2858 ) اخبرنا عمران بن يزيد حدثنا شعيب بن اسحاق اخبرنا ابن جريج وليس فيها ذكر الوجه .
هـ ) عمرو بن الحارث :
اخرجه ابن حبان ( 3928 ) اخبرنا ابن سلم عن حرملة عن ابن وهب عن عمرو وليس فيها ذكر الوجه .
و ) حماد بن زيد :
أخرجه مسلم ( 2892 ) حدثنا أبو الربيع الزهراني قال حدثنا حماد ليس فيها ذكر الوجه وأخرجه البخاري ( 1849 ) حدثنا سليمان بن حرب ح وحدثنا مسدد ( 1268 ) كلاهما سليمان ومسدد عن حماد عن عمرو وليس فيها ذكر الوجه .
ز ) سليم ( بفتح السين ) بن حيان:
أخرجه الطبراني في الصغير ( 2 /188) برقم (1004) وليس فيها ذكر الوجه .
ورواها أعني ذكر الوجه عن عمرو كل من عبدالله بن علي الأزرق وأبان العطار وأشعث بن سوار وأبان بن صالح وابن أبي ليلى وأبو مريم وعمر بن عامر وكل رواياتهم عنه عند الطبراني ( 12/ 76 فما بعدها ) ورواية عمر بن عامر أخرجها كذلك الدارقطني ( 2/295 )
4 ) رواية أيوب السختياني:
أخرجها البخاري ( 1265 ) حدثنا أبو النعمان عن حماد عن أيوب ليس فها ذكر الوجه وأخرجه النسائي عن قتيبة عن حماد ليس فيها ذكر الوجه وبمثل طريق النسائي أخرجها البخاري بسنده ومتنه سواء ( 1266 ) وأخرجها احمد ( 3076 ) عن عبدالرزاق عن معمر عن أيوب ليس فيها ذكر الوجه وكذلك أخرجها احمد ( 2591 ) عن محمد بن جعفر عن سعيد بن أبي عروبه عن ايوب ليس فيها ذكر الوجه .
5 ) رواية الحكم بن عتيبة :
اخرجه ا البخاري ( 1839 ) عن قتيبة عن جرير عن منصور عن الحكم ورواها النسائي(1/52)
( 2856 ) اخبرنا محمد بن قدامة عن جرير به ليس فيها ذكر الوجه وكذا رواها أبو داود ( 3241 ) عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير دون ذكر الوجه .
ورواها احمد عن حسين عن شيبان عن منصور عن الحكم ليس فيها ذكر الوجه ثم أردفه أحمد برواية أسود حدثنا إسرائيل بإسناده إلا أنه قال " ولا تغطوا وجهه " ورواه مسلم في الصحيح ( 2901 ) عن عبد بن حميد عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن منصور عن سعيد وفيها ذكر الوجه فأسقط إسرائيل الحكم وقد خالفه عمرو بن أبي قيس عند أبي عوانة برقم ( 2/ 273 ) وعبيدة بن حميد عن الدارقطني ( 2 / 295 ) فهؤلاء أربعة جرير وشيبان وعمرو بن أبي قيس وعبيدة بن حميد كلهم يذكرون الحكم ولا يذكرون الوجه إلا في رواية عبيدة قال البيهقي ( 3 / 393 ) هذا هو الصحيح منصور عن الحكم عن سعيد وفي متنه ولا تغطوا رأسه ورواية الجماعة في الرأس وحده وذكر الوجه غريب أ.هـ .وتعقبه ابن التركماني في الجوهر النقي بقوله " قد صح النهي عن تغطيتهما فجمعها بعضهم وأفرد بعضهم الرأس وبعضهم الوجه والكل صحيح ولاوهم في شيئ منه وهذا أولى من تغليط مسلم .
6 ) ـ عبدالكريم الجزري : أخرجها أحمد ( 3077 ) حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن عبدالكريم الجزري وليس فيها ذكر الوجه ، وكذا رواية عبيد الله بن عمرو عن الجزري عند الطبراني ( 12/80 ) ليس فيها ذكر الوجه .وروى الطبراني ( 12/80 ) من طريق قيس بن الربيع عنه وبها ذكر الوجه وقيس ضعيف وقد خولف .
7 ) طريق ابي بشر :
واختلف عليه في ذكر الوجه فيرويه عن أبي بشر :
أ ـ شعبة :(1/53)
أخرجه مسلم ( 2899 ) عن محمد بن بشار وأبو بكر بن نافع كلاهما عن محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي بشر بذكر الوجه وعن محمد بن جعفر أخرجه أحمد ( 2600 ) بذكر الوجه وأخرجه النسائي ( 2854 ) ( 5/696 ) عن محمد بن عبد الأعلى عن خالد الحذاء عن شعبة بذكر الوجه وأخرجه ابن ماجة ( 3084 ) حدثنا علي بن محمد عن وكيع عن شعبة بذكر الوجه ورواه ابن حبان ( 3960 ) من طريق أبي اسامة عن شعبة بذكر الوجه فهؤلاء أربعة يروونه عنه شعبة بذكر الوجه محمد بن جعفر وهو من أثبت الناس فيه ووكيع وخالد الحذاء وأبو أسامة .
ب ـ هشيم :
أخرجه النسائي ( 2853 ) والبخاري ( 1851 ) كلاهما عن يعقوب بن ابراهيم عن هشيم به دون ذكر الوجه ، وأخرجه مسلم ( 2897 ) عن محمد بن الصباح ويحيى بن يحيى كلاهما عن هشيم به دون ذكر الوجه ، وأخرجه أحمد ( 1850 ) عن هشيم به دون ذكر الوجه
ج ـ خلف بن خليفة :
أخرجه النسائي ( 2857 ) حدثنا محمد بن معاوية عن خلف بن خليفة عن أبي بشر وفيه ذكر الوجه .
د ـ أبو عوانه :
أخرجه مسلم ( 2898 ) حدثنا أبو كامل الجحدري عن ابي عوانة به دون ذكر الوجه ، وأخرجه( 3031 ) عن عفان حدثنا أبوعوانة به دون ذكر الوجه وأخرجه البخاري ( 1267 ) حدثنا أبو النعمان أخبرنا أبو عوانة به دون ذكر الوجه .
8 ) ـ قتادة بن دعامة
أخرجه أحمد ( 2591 ) عن محمد بن جعفر عن سعيد عن قتادة وأيوب عن سعيد بن جبير به دون ذكر الوجه وقتادة لم يسمع من سعيد في قول يحي بن معين واحمد لكنه هنا مقرون فرجع الحديث إلى أيوب .
9 ) عطاء بن السائب :
أخرجه الطبراني ( 12/79 ) من طريقه عنه عن سعيد ليس فيها ذكر الوجه .
10 ) فضيل بن عمرو :
أخرجها الطبراني ( 12/73 ) من طريق شريك عن سعيد بن صالح عنه دون ذكر الوجه وفيه شريك .
11 ) مطرالوراق :
أخرجها الطبراني ( 12/81 ) من طريق فضيل بن عياض عن هشام بن حسان عنه وفيها ذكر الوجه وكذا أخرجها أبو عوانة ( 2/272 ) ومطر ضعيف .(1/54)
12 ) سالم الأفطس :
أخرجها الطبراني (11/436) عن سعيد دون ذكر الوجه وبها قيس بن الربيع وفيه كلام .
خلاصة ما مضى :
أولاً :
طريق ابي الزبير عن سعيد وقد وقع فيها الشك أخرجها مسلم وتقدم كلام البيهقي وقد اضطرب حفظ أبي الزبير لها فحفظ الوجه وشك في الراس مع أن الراس لا خلاف في ذكره فهذا مما يدل على أنه لم يحفظ كما ينبغي .
ثانياً :
طريق عمرو بن دينار عن سعيد .
أ ـ من طريق الثوري ذكرها وكيع عنه واختلف عليه فذكرها الطنافسي وأبو كريب ولا يذكرها عن الثوري عبدالله بن الوليد ولا محمد بن كثير ويذكرها أبو داود الحفري فكونها محفوظة في طريق الثوري محل نظر .
ب ـ ورواها عن عمرو من تقدم ذكرهم وأما سائر أصحاب عمرو من كبار الحفاظ كابن عيينة وحماد وابن جريج ويونس وعمرو بن الحارث وقيس بن سعد لا يذكرونها أصلاً .فهي منكرة من طريق عمرو .
ثالثاُ :
طريق الحكم عن سعيد جاءت الزيادة عنه من طريق اسرائيل عن منصور عنه وخالف اسرائيل شيبان فلم يذكرها وكذا لا يذكرها جرير ولا عمرو بن أبي قيس فالزيادة في طريق الحكم غير محفوظة وكلام ابن التركماني المتقدم ليس بشئ ولا يجيء على طريقة الأوائل في مثل هذا الموضع .
رابعاً :
طريق منصور بن المعتمرعن سعيد وجاءت الزيادة عند مسلم من طريق عبد بن حميد عن عبيد الله بن موسى عن اسرائيل عن منصور وهذه الرواية وقع وهم فيها في السند والمتن فرجعت إلى طريق الحكم دون ذكر الوجه كما تقدم .
خامساً : طريق ابي بشر عن سعيد :
أ ـ الزيادة من هذا الطريق رواها عن شعبة وكيع ومحمد بن جعفر وخالد الحذاء وأبو أسامة .(1/55)
ب ـ طريق خلف بن خليفة جاءت من طريق واحد عند النسائي أخرجها عن محمد بن معاوية عن خليفة وأما سائر أصحاب أبي بشر كهشيم وأبي عوانة فلا يذكرونها وكونها محفوظة عن أبي بشر إنما هذا من ناحية التحمل عنه لكن من جهة حفظه إياها فمحل نظر فسائر الرواة عن سعيد كأيوب وابراهيم بن أبي حرة وعبدالكريم الجزري فلا يذكرونها أصلاًُ إذاً شعبة بريء من العهدة والحمل في ذلك على أبي بشر في ذكرها ومما يدل على ذلك أنّ هشيماً وأبا عوانه لا يذكرون الزيادة وهما من هما قال علي بن حجر هشيم في أبي بشر مثل أبن عيينه في الزهري سبق الناس هشيم في أبي بشر وقال ابن المبارك : من غير الدهر حفظه فلم يغير حفظ هشيم ، وقال أبن مهدي حفظ هشيم أثبت من حفظ أبي عوانه وكتاب أبي عوانه أثبت من حفظ هشيم أ . هـ . تهذيب الكمال ( 30/ 282 ) قلت قد أجتمعا .
والحقيقة أن القول بأنها محفوظة في الحديث قول فيه بعد مع أن مسلماً رحمه الله اخرج الحديث عن أصحاب عمرو كسفيان بن عيينة وحماد وابن جريج ثم جعل طريق الثوري عن عمرو آخر ما ذكر ثم أخرج مسلم الحديث عن أصحاب ابي بشر فبدأ برواية هشيم ثم أبي عوانة ثم جعل طريق شعبة عن أبي بشر آخر ما ذكر . ثم أخرج في آخر الباب حديث أبي الزبير عن سعيد وحديث منصور عن سعيد ، والمتتبع لطريقة مسلم في كتابه الصحيح يجده يقدم الأصح أولاً في الأغلب ثم يردفه بما دونه كما في مقدمته لصحيحه فمسلم مع إخراجه له قد صنع به ماترى وقد بوب النسائي للحديث باب ( النهي عن أن يخمر وجه المحرم ورأسه إذا مات ) وقال ابن حزم إنه خبر ثابت عن رسول ا لله صلى الله عليه وسلم في أمره في الذي مات محرماً ألا يخمر رأسه ولا وجهه رويناه من طرق حجة منها من طريق مسلم : حدثنا أبو كريب فذكره أ .هـ .
وحكى ابن المنذر الخلاف ولم يرجح ( 5/345 ) .(1/56)
وقال البيهقي ( 5/53 ) : باب لا يغطي المحرم رأسه وله أن يغطي وجهه وذكر بعض الطرق عن سعيد عن ابن عباس والاختلاف في الزيادة .. وقد مررنا على ذلك بتمامه ثم أسند عن عبدالله بن عامر بن ربيعة أنه قال رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه بالعرج وهو محرم في يوم صائف قد غطى وجهه بقطيفة أرجوان ..... وكذا أخرجه ابن حزم ( 7/ 91 ) قلت أثر عثمان أخرجه مالك ( 1/327 ) .
وأسند البيهقي أيضاً من طريق ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت ومروان بن الحكم كانوا يخمرون وجوههم وهم حرم .
وأسند أيضاً عن يعلي بن عبيد عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال يغتسل المحرم ويغسل ثيابه ويغطي أنفه من الغبار ويغطي وجهه وهو نائم . أ . هـ .ثم قال البيهقي خالفهم ابن عمر ، وأسند من طريق مالك عن نافع أن عبدالله بن عمر كان يقول ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم . أ . هـ .(1/57)
وأثر جابر أخرجه ابن حزم أيضاً وأخرج كذلك من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن الفرافصة بن عمير قال كان عثمان وزيد بن ثابت وابن الزبير يخمرون وجوههم وهم محرمون وأسند ابن حزم من طريق عبدالرزاق عن الثوري عن ابي الزبير عن جابر وابن الزبير أنهما كانا يخمران وجوههما وهما محرمان ومن طريق حماد عن عيسى بن سعد عن عطاء عن ابن عباس أنه قال : المحرم يغطي ما دون الحاجب . ثم قال ابن حزم : وعن عبدالرحمن بن عوف أيضاً إباحة تغطية المحرم وجهه وهو قول عطاء وطاووس ومجاهد وعلقمة وابراهيم النخعي والقاسم بن محمد كلهم أفتى المحرم بتغطية وجهه وبيَن بعضهم من الشمس والغبار والذباب وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأبي سليمان وأصحابهم ، وروي عن ابن عمر لا يغطي المحرم وجهه ،وقال به مالك ولم ير على المحرم إن غطى وجهه شيئاً لا فدية ولا صدقة ولا غير ذلك إلا أنه كرهه فقط بل قد روي عنه ما يدل على جواز ذلك . أ . هـ . وقال أبو الطيب في تعليقه على الدارقطني ( 2 / 296 ) وقال الحاكم في كتاب علوم الحديث وذكر الوجه في الحديث تصحيف لرواية الجماعة الثقات من أصحاب عمرو بن دينار على روايته ولاتغطوا رأسه . أ . هـ والمرجع في ذلك إلى مسلم لا إلى الحاكم فإن الحاكم كثير الأوهام وأيضاً فالتصحيف إنما يكون في الحروف المتشابهة وأي مشابهة بين الوجه والرأس في الحروف . إلى آخر كلام أبي الطيب .(1/58)
وقال ابن عبد البر في الاستذكار ( 11/45 ) اختلف العلماء في تخمير المحرم وجهه بعد إجماعهم أنه لا يخمر رأسه فكان ابن عمر فيما رواه مالك وغيره عنه يقول : ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم ولذلك ذهب مالك وأصحابه وبه قال محمد بن الحسن من غير خلاف عن أصحابه ، قال ابن القاسم : كره مالك للمحرم أن يغطي ذقنه أو شيئاً مما فوق ذقنه لأن إحرامه في وجهه ورأسه ، قيل لابن القاسم : فإن فعل أترى عليه فدية ؟ قال : لم أسمع من مالك فيه شيئاً ولا أرى عليه شيئاً لما جاء عن عثمان في ذلك ، وقد روي عن مالك : من غطى وجهه وهو محرم أنه يفتدي ، وفي موضع آخر من كتاب ابن القاسم . أرأيت محرماً غطى وجهه ورأسه في قول مالك .قال : قال مالك : إن نزعه مكانه فلا شيء عليه وإن تركه فلم ينزعه مكانه حتى انتفع بذلك افتدى قلت : وكذلك المرأة إذا غطت وجهها ؟ قال : نعم إلا أن مالكاً كان يوسع للمرأة أن تسدل رداءها فوق رأسها على وجهها إذا أرادت ستراً وإن كانت لا تريد ستراً فلا تسدل ، قال أبو عمر : روي عن عثمان وابن عباس وعبد الرحمن بن عوف وابن الزبير وزيد بن ثابت وسعد بن أبي وقاص وجابر بن عبدالله : أنهم أجازوا للمحرم أن يغطي وجهه فهم مخالفون لابن عمر في ذلك ، وعن القاسم بن محمد وطاووس وعكرمة أنهم أجازوا للمحرم أن يغطي وجهه ، وقال عطاء : يخمر المحرم وجهه إلى حاجبيه ، وبه قال الثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود ، وذكر عبد الرزاق عن ابن عيينه عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال :كان عثمان وزيد بن ثابت يخمران وجوههما وهما محرمان ، وكل من سمينا في هذا الباب من الصحابة ففي كتاب عبد الرزاق أ . هـ .قلت الآثار عن الصحابة وغيرهم أنظرها في المصنف ( 3 / 273 ) لابن أبي شيبة .
وقال أبو محمد في المغني ( 5 / 153 ) و في تغطية المحرم وجهه روايتان :(1/59)
إحداهما : يباح ذلك ، روي ذلك عن عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف وزيد بن ثابت وابن الزبير وسعد بن أبي وقاص وجابر والقاسم وطاووس والثوري والشافعي .
الثانية : لا يباح ، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك لما روي عن ابن عباس أن رجلاً وقع عن راحلته فوقصته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا وجهه ولا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة يلبي " . ولأنه محرم على المرأة فحرم على الرجل كالطيب ولنا ما ذكرنا من قول الصحابة ولم نعرف لهم مخالفاً في عصرهم فيكون إجماعاً ولقوله عليه الصلاة والسلام " إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها " وحديث ابن عباس المشهور فيه " ولا تخمروا رأسه " هذا المتفق عليه وقوله " ولا تخمروا وجهه " فقال شعبة حدثنيه أبو بشر ثم سألته عنه بعد عشر سنين فجاء بالحديث كما حدث إلا أنه قال " ولا تخمروا وجهه ورأسه " وهذا يدل على أنه ضعف هذه الزيادة وقد روي في بعض ألفاظه " خمروا وجهه ولا تخمروا رأسه ( 1 )فتتعارض الروايتان وما ذكره يبطل بلبس القفازين . أ . هـ .
وقال في الفروع ( 3/271 ) ويجوز تغطية الوجه في رواية اختارها الأكثر وفاقاً للشافعي وفعله عثمان ورواه أبوبكر النجادعنه وعن زيد وابن الزبير وأنه قاله ابن عباس وسعد بن أبي وقاص وجابر وعن ابن عمر روايتان ، روى النهي عن مالك ولأنه لم تتعلق سنة التقصير من الرجل فلم تتعلق به حرمة التخمير كسائر بدنه وعنه لا يجوز . أ . هـ .
قلت الروايتان عن ابن عمر أخرجهما مالك عن نافع عن ابن عمر كان يقول : ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم والرواية الثانية من الطريق نفسها أن عبدالله بن عمر كفن ابنه واقد بن عبدالله ومات بالجحفة محرماً وخمر رأسه ووجهه وقال : لولا أنا حرم لطيبناه .(1/60)
قال مالك : وإنما يعمل الرجل ما دام حياً فإذا مات فقد انقضى العمل .أ . هـ .قلت قول مالك هذا يرده الحديث الثابت في الباب وتعليل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً "ولهذا قال ابن القيم في الهدي ( 2/245 ) على فوائد القصة وأحكامها الحكم الثاني عشر : بقاء الإحرام بعد الموت وأنه لا ينقطع به وهذا مذهب عثمان وعلي وابن عباس وغيرهم رضي الله عنهم وبه قال أحمد والشافعي وإسحاق وقال أبو حنيفة ومالك والأوزاعي فينقطع الإحرام بالموت وصنع به كما يصنع بالحلال لقوله عليه الصلاة والسلام " إذا مات أحدكم انقطع عمله إلا من ثلاث " قالوا " ولا دليل في حديث الذي وقصته راحلته لأنه خاص به كما قالوا في صلاته على النجاشي إنها مختصة به وقال الجمهور دعوى التخصيص على خلاف الأصل فلا تقبل وقوله في الحديث " فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً " إشارة إلى العلة . أ . هـ .
ثم قال ابن القيم قبل ذلك الحكم الحادي عشر : منع المحرم من تغطية وجهه وقد اختلف في هذا المسألة فذهب الشافعي وأحمد في رواية إباحته ومذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد ( 1 ) في رواية المنع منه وبإباحته قال ستة من الصحابة عثمان وعبد الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت والزبير ( 2) وسعد بن أبي وقاص وجابر رضي الله عنهم وفيه قول ثالث شاذ إن كان حياً فله تغطية وجهه وإن كان ميتاً لم يجز تغطية وجهه قاله ابن حزم وهو اللائق بظاهريته واحتج المبيحون بأقوال هؤلاء الصحابة وبأصل الإباحة وبمفهوم قوله " ولا تخمروا رأسه " وأجابوا عن قوله " ولا تخمروا وجهه " بأن هذه اللفظة غير محفوظة قال شعبة : حدثنيه أبو بشر ثم سألته عنه بعد عشر سنين فجاء بالحديث إلا أنه قال : ولا تخمروا رأسه قالوا وهذا يدل على ضعفها قال وقد روي في هذا الحديث فخمروا وجهه ولا تخمروا رأسه أ .هـ . وأنظر تهذيب السنن له (4/352) .
…(1/61)
وقال النووي رحمه الله في المجموع ( 7/280 ) ( فرع ) مذهبنا أنه يجوز للرجل المحرم ستر وجهه ولا فدية عليه وبه قال جمهور العلماء وقال أبو حنيفة ومالك : لا يجوز كرأسه واحتج لهما بحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الذي خر من بعيره " ولا تخمروا وجهه ولا رأسه " رواه مسلم وعن ابن عمر أنه كان يقول " ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم " رواه مالك والبيهقي وهو صحيح عنه .
واحتج أصحابنا برواية الشافعي عن سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن ابن القاسم عن أبيه " أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت ومروان بن الحكم كانوا يخمرون وجوههم وهم حرم " وهذا إسناد صحيح وكذلك رواه البيهقي ولكن القاسم لم يدرك عثمان وأدرك مروان واختلفوا في مكان إدراكه زيداً وروى مالك والبيهقي بالإسناد الصحيح عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال : " رأيت عثمان بالعرج وهو محرم في يوم صائف قد غطى وجهه بقطيفة أرجوان " ( والجواب ) عن حديث ابن عباس أنه إنما نهى عن تغطية وجهه لصيانة رأسه لا لقصد كشف وجهه فإنهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطوا رأسه ولا بد من تأويله لأن مالكاً وأبا حنيفة يقولان : لا يمتنع من ستر رأس الميت ووجهه والشافعي وموافقوه يقولون : يباح ستر الوجه دون الرأس فتعين تأويل الحديث ( وأما ) قول ابن عمر فمعارض بفعل عثمان وموافقيه والله أعلم ) .(1/62)
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح ( 4/54 ) وقوله " يبعث ملبياً " أي على هيئته التي مات عليها واستدل بذلك على بقاء إحرامه خلافاً للمالكية والحنفية وقد تمسكوا من هذا الحديث بلفظة اختلف في ثبوتها وهي قوله " ولا تخمروا وجهه " فقالوا : لا يجوز للمحرم تغطية وجهه مع أنهم لا يقولون بظاهر هذا الحديث فيمن مات محرماً وأما الجمهور فأخذوا بظاهر الحديث وقالوا : إن في ثبوت ذكر الوجه مقالاً وتردد ابن المندر في صحته قال البيهقي : ذكر الوجه غريب وهو وهم من بعض رواته وفي كل ذلك نظر فإن الحديث ظاهره الصحة ولفظة عند مسلم من طريق إسرائيل عن منصور وأبي الزبير كلاهما عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فذكر الحديث قال منصور " ولا تغطوا وجهه " وقال أبو الزبير" ولا تكشفوا وجهه " وأخرجه النسائي من طريق عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير بلفظ " ولا تخمروا وجهه ولا رأسه " وأخرج مسلم أيضاً من حديث شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير بلفظ " ولا يمس طيباً خارج رأسه " قال شعبة ثم حدثني به بعد ذلك فقال خارج رأسه ووجهه انتهى .
وهذا الرواية تتعلق بالتطيب لا بالكشف والتغطية وشعبة أحفظ من كل من روى هذا الحديث .. أ .هـ من الفتح .
قلت : هذا على لفظ مسلم وفيه تقديم وتأخير و إلا فسياق النسائي وغيره يدفع كلام الحافظ من أصله وهو صريح وقول الحافظ وشعبة أحفظ .. إن أراد أصل الحديث فلا وإن أراد طريق أبي بشر فنعم فكان ماذا وجل أصحاب سعيد لا يذكرونها ؟!
والذي يتحرر لي جواز التغطية للوجه من حاجة كحر أو غبار أو نحو ذلك وقد جاء هذا عن بعض الصحابة وحكي مذهب الجمهور بلا تقييد كما تقدم فأما من غير حاجة فتوقيه أفضل وأحوط وهذا نوع من الجمع بين الآثار والحديث على مافي الزيادة من كلام كما تبين لك .
هذا من ناحية أما من ناحية إيجاب الفدية في تغطية الوجه فلا أرى ذلك أصلاً فلا تشغل ذمة مسلم بحديث هذا حاله( 1 )(1/63)
حديث عائشة فيه في قولها (كنت أطيب رسول الله لإحرامه قبل أن يحرم) يعني أنها طيبت النبي عليه الصلاة السلام بيديها لإحرامه يعني أن الطيب عند عقد الإحرام سنة لأنها قالت لإحرامه: أي لأجل إحرامه قبل أن يحرم يعني قبل أن يدخل في النسك (ولحله): أي بعد إحرامه (قبل أن يطوف في البيت) بعد أن رمى ثم ذبح ثم حلق طيبته ويأتي الخلاف متى يحصل التحلل الأول في أخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
في الحديث سنية التطيب عند الإحرام وهل يكون الطيب في البدن والثياب؟ قال بعض أهل العلم: نعم والإجابة عن حديث (ولا تلبسوا شيئاً من الثياب مسه الزعفران أو الورس) الذي ذكره المؤلف سابقاً فهذا في الابتداء فالمحرم ممنوع من ابتداء الثياب الملبوسة المطيبة أما استدامة الثوب المطيب فإنه لا بأس وعندنا قاعدة أن أحكام الاستدامة أقوى من أحكام الابتداء فقد يجوز استدامة الشيء ولكن لا يجوز ابتداؤه. هذا المحرم له أن يراجع زوجته إذا طلقها لأن المراجعة من قبيل الاستدامة وليس من باب الابتداء لأنها فرع عن النكاح كما قال تعالى (وبعولتهن أحق بردهن) فهو بعل لا يزال بعلاً في مدة العدة وأما النكاح ابتداءً فإنه ممنوع كما سيأتي في الحديث الذي يليه.
هذا على القول بأن الإزار والرداء يطيبان ولكن القول الصحيح أن الإزار والرداء لا يطيبان وأن هذا الطيب في البدن على القول الراجح وأن المحرم يتطيب في بدنه ورأسه ولحيته ولكن لا يلبس ثوباً مسه طيب سواء كان لابساً له قبل الإحرام أو بعد الإحرام على القول الراجح في المسألة ومنهم من أجاز أن يكون ابتدأه مطيباً فإذا خلعه أو أراد لبسه مرة ثانية فإنه ليس له ذلك ولكن هذا القول ضعيف وهذا هو الصحيح في المسألة أن الطيب يكون في البدن وعلى هذا من طيب ثوبه أو رداءه قبل الإحرام فإنه يجب عليه أن يغسله أو يستبدله.(1/64)
وفيه من الفوائد استدامة الطيب تبقى وفي الحديث الآخر عنها قالت (كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله مفرق الرأس) كان يفرق رأسه من وسط الرأس فكان يضع مسكاً كثيراً عليه السلام لأن المسك أطيب الطيب وكانت تقول (كان يسيل على إحدانا) فلا ينكره النبي فاستدامة الطيب في البدن جائزة.
فإن قال قائل من المعلوم أن الطيب إذا كان كثيراً في الرأس واللحية فإنه سيعلق باليدين بسبب الحك أو بسبب الوضوء وما أشبه ذلك؟
نقول : انتقال الطيب في البدن له ثلاثة أحوال:
1- أن يتعمد نقله إلى بقعة أخرى من البدن لتتسع مساحة الطيب وهذا ما يجوز وحكمه حكم المتطيب بعد الإحرام.
2- أن يسيل الطيب بنفسه لأجل الحر أو ما أشبه ذلك فيسيل من اللحية على الصدر مثلاً فهذا لا بأس به وجاء به النص.
3- أن ينتقل الطيب بمقتضى ما يسوغ شرعاً (كالوضوء) فمسح رأسه ثم غسل رجليه فانتقل الطيب لهما فهذا بمقتضى أمر الشارع بالوضوء , وكذلك انتقل بما يسوغ عادة كحك رأسه فيعلق بيده فلا بأس وفيه أن التطيب عند التحلل الأول سنة قد يغفل عنها كثير من الناس فإذا رمى وحلق فإنه يتطيب وهذا سنة وقد كان النبي يتطيب وهي عبرت بقولها (كنت) مع أن هذا لم يقع منها إلا مرة واحدة والأصل في لفظ (كان، يكون، كنت) أنها تدل على الشيء الأغلبي لا الشيء الدائم ولا على الشيء الذي يقع مرة أو مرتين ما لم يقيد بقرائن وهنا مقيد بالواقع.
** الحديث العشرون : عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:" لا ينكح المحرم ، ولا يُنكح ، ولا يخطب" رواه مسلم.(1/65)
هذا الحديث في سياق ما يحرم على المحرم لا ينكح المحرم هذا ينتظم الزوج وينتظم الزوجة فإن النكاح يكون منهما فلا تقبل المرأة النكاح ولا يقبله الزوج وهنا النفي (لا ينكح) متضمن للنهي والشارع حينما يأتي بـ (لا) النافية فهي أبلغ كثيراً مما يأتي بـ (لا) الناهية لأن النفي يقتضي النهي، وفيه إخبار على أنه هذا لا يكون شرعاً أي (النكاح) للمحرم وإذا نهى عنه الشرع ونفاه فإنه يطلب إعدامه ومن هنا ذهب بعض أهل العلم أن نكاح المحرم باطل وأن الإنسان إذا عقد على امرأة وهما محرمان أو هو محرم أو المرأة محرمة فإن النكاح باطل وعلى هذا فتوى كبار الصحابة.
وقوله (ولا ينكح) هذا يتناول الولي فهذا خطاب للولي بأن لا يزوج موليته فالمرأة لا تقبل ولا الزوج ينكح ولا الولي يعقد للمرأة ولا يخطب فهذا نهي عن النكاح ووسائله وينهي عن الجماع من باب أولى هذا بالإجماع في هذه المسألة فالجماع ووسائله وذرائعه كلها محرمة لأن الجماع أعظم مفسدات الحج بل أعظم ما نهي عنه في الحج ولا يفسد النسك حجاً أو عمرة شيء من المناهي إلا الجماع ولهذا أكد النهي عنه بالنهي عن وسائله وذرائعه. وقد تكون ذريعة وذريعة أخرى فالجماع محرم والذريعة إليه النكاح والذريعة إلى النكاح الخطبة وكلاهما محرمان.
وفي الحديث تحريم هذه الثلاثة أشياء والمباشرة وهذه بالنص (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ... الآية) والرفث هو الجماع ودواعيه إذا جامع الإنسان قبل التحلل الأول ترتب عليه خمسة أمور:
الإثم، وفساد النسك، ووجوب المضي فيه، ووجوب الفدية وهي بدنة، ووجوب القضاء من العام القادم.(1/66)
وهذه الأشياء الخمسة أما الأول فهو بالنص والإجماع لأنه مرتكب للنهي وأما الباقية فهي من فتاوى الصحابة كعمر وعلي و ابن عباس، وابن عمر، عبد الله بن عمرو وأبو هريرة وغيرهم ونقله شيخ الإسلام إجماع الصحابة والتابعين وعلى هذا عامة العلماء وأما ابن حزم فقال: لا يجب المضي في النسك الفاسد وهذا القول فاسد . وفيه أن العقد باطل وأما الخطبة فقيل مكروهة لأنها وسيلة إلى النكاح والنكاح محرم.
وقال بعضهم هي محرمة لأن الحديث سيق مساقاً واحداً وهذا هو الصحيح أن الخطبة محرمة.
وهل هناك فدية في النكاح أو الخطبة؟ الصحيح أنه ليس هناك في النكاح ولا في الخطبة فدية. إذاً الخطبة والعقد محرمان ولا فدية فيها.
فإن قال قائل هذا الحديث عارضه ما رواه البخاري من حديث ابن عباس أن النبي تزوج ميمونة وهو محرم؟
فالجواب من وجوه :
1- أن ميمونة نفسها كما في صحيح مسلم قالت (أن النبي تزوجها وهو حلال).
2- قول أبي رافع أنه قال (تزوج النبي ميمونة وهو حلال وكنت السفير بينهما) أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما وفي إسناده مطر الوراق .
3- أن زواج النبي وهو حلال موافق للنهي هنا عن نكاح المحرم ، وما توهمه بعضهم من التخصيص ليس بشيء انظر سنن البيهقي (7/58)
4- أن يزيد بن الأصم ابن أخت ميمونة يخبر عن خالته أن النبي تزوجها وهو حلال كما أخرج مسلم في كتاب النكاح وليته أخرجه في كتاب الحج وأخبر بذلك عمر بن عبد العزيز حينما سأله عن هذا وقبل عمر بن عبد العزيز قوله كما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح ولا شك أن الإنسان إذا كان من أهل البيت فهو أعلم بحال قريباته .
5- وجاء عن سعيد بن المسيب أنه قال (وهم ابن عباس) رواه في المسند أحمد وغيره وفي سنده بعض مقال.
والخلاصة أن أهل العلم أجمعوا على أن ابن عباس وهم في هذا الحديث.(1/67)
وعند الأصحاب أنه إذا حل التحلل الأول وبقي التحلل الثاني فإنه أيضاً لا يجوز النكاح بعد هذا التحلل وذهب شيخ الإسلام وجماعة من أهل العلم إلى أنه إذا حل التحلل الأول فإن له أن يتزوج وهو الصحيح لأنه إنما نهى عن النكاح وهو محرم فإذا حل التحلل الأول لم يبق عليه إلا تحريم جماع النساء والأصحاب احتجوا بحديث (حل له كل شيء: قال إلا النساء) وقالوا : النساء يشمل الجماع والعقد وبعضهم قال حتى المباشرة والصحيح أن العقد جائز ولكن هل يباشر أولاً؟ يقبل أو لا؟ محل خلاف بين أهل العلم وسيأتي تحقيق القول في ذلك.
سؤال يتعلق عن الجماع قبل الوقوف بعرفة وبعد الوقوف بعرفة؟
أما المشهور عن الحنفية أنه إذا جامع بعد الوقوف فإن الحج صحيح وقالوا بأنه أمن الفوات فأمن الفساد فالنبي يقول (الحج عرفة) فإذا جامع بعد الوقوف بعرفة فإن حجه صحيح والجمهور على أن من جامع قبل التحلل الأول فإن حجه فاسد وإن جامع بعد التحلل الأول فإن حجه صحيح و لكن إحرامه فاسد عليه أن يجدد الإحرام يذهب إلى الحل ويحرم من جديد حتى يطوف ويسعى بإحرام صحيح والجمهور أجابوا عن حديث (الحج عرفة) قالوا كون الحج عرفة لا يمنع أن الإحرام بعد عرفة إحرام كامل لم يدخله النقص حتى يتحلل وكونه أمن الفوات لا يعني أنه أمن الفساد فإن حاله بعد عرفة مثل حاله قبلها ولا يخف الإحرام إلا بالرمي أو الحلق أو الطواف والسعي إذا فعلها كلها جاز له كل شيء وقول الجمهور أصح وأنه إن جامع بعد التعريف (الوقوف بعرفة) فإن حجه فاسد حتى يحل الإحرام بما يحل به التحلل الأول وسيأتي إن شاء الله.
** الحديث الحادي والعشرون : عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه في قصة صيد الحمار الوحشي وهو غير محرم قال ( فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه وكانوا محرمين هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء ؟ قالوا : لا قال : فكلوا ما بقي من لحمه ) متفق عليه.(1/68)
** الحديث الثاني والعشرون : وعن الصعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه ، وقال : " إنا لم نرد عليك إلا أنا حرم " متفق عليه.
هذان الحديثان يتعلقان بالصيد وهو منهي عنه للمحرم أي (صيد البر) لقوله تعالى (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً... الآية) فإذا أحرم الإنسان حرم عليه الصيد وفي حديث أبي قتادة وكان هذا في سنة صلح الحديبية وكان أحرم الصحابة وهو لم يحرم فرأى حماراً وحشياً فأراد صيده فركب خيله وطلب من أصحابه أن يعطوه سوطه وقد سقط منه أو نسي أن يأخذه فلم يعطوه ثم ذهب واصطاده ثم أتى النبي فقال النبي هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء؟ قالوا : لا. قال: فكلوا ما بقي من لحمه.
هنا لم يصد أحد من المحرمين بل صاده أبو قتادة وهو حلال وأيضاً المحرمون لم يشيروا وأيضاً شيء ثالث الظاهر أنه لم يصده لهم ودل على الأمر الثالث حديث الصعب بن جثامة وهذا هو الجمع بين الحديثين في حديث الصعب بن جثامة أن النبي لم يقبله منه لأن صاده له عليه السلام فالمحرم إذا صاد صيداً فإن الصيد ميتة فإنه لا يحل له وإذا أعان على صيده فإنه لا يحل له وإذا صيد له فإنه لا يحل له وما سوى ذلك فحلال كما لو صاده حلال وأهداه لمحرم ولم يكن صادرة لأجله فإنه حلال وفي هذا الباب الحديث الذي رواه أحمد وأهل السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو عن مطلب عبد الله بن حنطب عن جابر: (أن النبي قال : صيد البر حلال لكم ما لم تصيدوه أو يصاد لكم) ولكن الحديث مع أن في متنه الفيصل وأخذ العلماء بمعناه لكن في سنده (المطلب عبد الله بن حنطب لم يسمع من جابر) ولكن العلماء أخذوا بمعناه رغم ضعفه.
فالصيد لا يحرم على المحرم إلا إذا صاده أو أعان على صيده أو صيد لأجله. وفيما سواى ذلك فإنه حلال.(1/69)
والحمار الوحشي معروف وسمعت شيخنا ابن باز يقول: هو ما يسمى بالوضيحي (نوع من الغزلان) ونوقش في ذلك والصحيح أنه: هو مثل الحمار الأنسي ولكنه متوحش يفر من الآدميين ومخطط البدن بالسواد ونص على ذلك الزركشي بن بهادر الشافعي في كتابه (المنثور في القواعد) ج2، ص223، وقال (إن هذا هو المؤثر في الحكم مع الاستيحاش).
فبعض أهل العلم نحى منحى الجمع بين حديث أبي قتادة وحديث الصعب ابن جثامة وقالوا إن حديث الصعب بن جثامة متأخر وحديث أبي قتادة في صلح الحديبية سنة 6هـ وحديث الصعب سنة 10هـ فهو ناسخ وفيه أن الصيد يحرم إذا أهدي للمحرم وهذا على أحد القولين في المسألة
والقول الثاني أن الجمع ممكن ولا يُصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع والمراتب: الجمع ثم النسخ ثم الترجيح والجمع ممكن وهو أنه في حديث أبي قتادة لم يعنه أحد ولم يصده لأجلهم وأما في حديث الصعب فإنه صاده لأجل النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه من الفوائد أن الإنسان إذا أهديت له هدية وهي لا تحل له يردها ويعتذر ويبين سبب عدم القبول كما بين النبي للصعب وقد كان كريماً مضيافاً فدفع للنبي الحمار الوحشي ولكن النبي اعتذر له وقال إنا محرمون.
وفيهما من الفوائد أن الإنسان المحرم يحل له الصيد الحلال إذا لم يصد له ولم يعن أحداً في صيده. ولو أن المحرم رأى صيداً فضحك وأخذ ينظر فنظر إليه الحلال فإذا هو يضحك وينظر فنظر إلى جهة نظره فإذا هو إلى الصيد فصاده هل يحرم أو لا؟
الجواب:
لا يحرم وهذه قصة أبي قتادة ولهذا البخاري بوب باباً (باب إذا رأى المحرمون صيداً فضحكوا ففطن الحلال). وهذا الضحك لا يعتبر إعانة.
سؤال: (جميع أنواع الإشارة تعتبر إعانة)؟
كل ما يمكن أن يسمى إشارة أو إعانة وما أشبه ذلك ممنوع.(1/70)
فائدة أًخرى في حديث أبي قتادة في صيد الحمار الوحشي جواز أن يستوهب من صاحبه شيئاً ، وبوب البخاري في كتاب الهبة : باب من استوهب من صاحبه شيئاً ..فهذا جائز إذا علم طيب نفوسهم كأن يقول الشخص ناولني كذا وكذا فلا بأس قد بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على ألا يسألوا الناس شيئاً فكان سوط أحدهم يسقط فينزل فيأخذه وهذا مبالغة في الاستغناء و إلا فهو جائز وقد ذكر البخاري في الترجمة المذكورة حديث سهل بن سعد في طلب النبي صلى الله عليه وسلم من المرأة أن تعمل له أعواد المنبر .
وكتاب البخاري كتاب عظيم أعظم كتب السنة فقهاً وحديثاً ولن تجد في كتب السنة مثل كتاب البخاري ونصيحتي لطلبة العلم أن يحفظوه أن استطاعوا لأن البخاري فقيه محدث ، فإن أبو ا فليكثروا من النظر فيه ومدارسته.
** الحديث الثالث والعشرون: عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" خمس من الدواب كلهن فواسق يقتلن في الحل والحرم (العقرب ، والحدأة , والغراب , والفأر , والكلب العقور )"متفق عليه.
هذا الحديث قوله (خمس) هذا مفهوم عدد ليس فيه الحصر وقد جاء في بعض طرق البخاري (والحية) وعند أبي داود (السبع العادي) وقوله (كلهن فواسق) الفاسق هو الخارج عن حد الاعتدال، والفسوق (الخروج) (إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه) أي خرج عن طاعة ربه وما أراده منه.
فهذه الدواب يقتلن في الحل والحرم لأذيتهن والغراب معروف: طائر خبيث يؤذي المزارعين والحدأة كذلك طائر معروف ينتشل اللحم ويسرقه وفي قصة عائشة في قصة المرأة التي كانت لها حفش في المسجد وكانت تتمثل بأبيات كثيرة منها البيت:
…ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا……إلا إنه من بلدة الكفر انجاني(1/71)
…وكانت عائشة ما جلست معها إلا تسمع هذا البيت فقالت : ما قصته؟ قالت: أني كنت عند أناس وفقدوا وشاحاً أحمر كان على إحدى جواريهم أتته الحدأة فأخذته تظنه لحماً قالت: ففتشوني حتى فتشوا (قبلها) قالت: بينما هم كذلك أتت الحدأة فرمت بالوشاح وبوب عليه البخاري (باب نوم المرأة في المسجد).
والعقرب هي الدابة المعروفة ذات السم وهذه تُقتل حتى في الصلاة والنبي أمر بقتل الأسودين كما في حديث يحيى بن أبي كثير عن ضمضم بن جوس عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو حديث صحيح والفأرة هي الدابة التي تخرق وتشق الأقمشة وتسرق الذهب كما قال بعضهم ، وتفسد الأطعمة ، وتقذر بفضلاتها . والكلب العقور قد يقال أنه اسم جنس فيشمل الأسد والنمر وفي الباب أن النبي عليه السلام قال: اللهم سلط عليه كلباً من كلابك في قصة بعض ولد أبي لهب فقتله الأسد خرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي في دلائل النبوة وهو مشهور في أخبار السيرة لكن ليس له إسناد قائم.وقيل أنه الكلب والصحيح أنه يشمل كل كلب عقور يفترس ويعدو ويؤذي ويعقر الدواب والناس .
والدواب قال أهل العلم فيها إنها ثلاثة أقسام من حيث القتل وعدم القتل:
1) قسم أمر بقتله (كهذه الخمس والوزغ كذلك وسماه فويسقاً كما في حديث أم شريك رواه البخاري فيه وقال كان ينفخ النار على إبراهيم ، وقاس عليها العلماء كل مؤذي من الدواب.
2) قسم ينهى عن قتله (النملة، النحلة، الهدهد، الصُرد) .(1/72)
3) قسم مسكوت عنه: فقال بعضهم يباح قتلها لأن سكوت الشارع عفو.وقال بعضهم: لا تقتل لأن الله خلقها لحكمة ما لم يكن حصل ضرر منها وأذية وإن كان الأصل أنها غير مؤذية والأولى تركها إذا لم تؤذ لهذا جاء النهي عن قتل الهدهد والنملة والنحلة وقد لا يكون في بعضها فائدة كالصرد وهو طائر أكبر من العصفور قليلاً والنملة قد لا يكون فيها فائدة بل قد يصير بها شيء من الإفساد بحق الأرض، والأصل في النمل أنه لا يقتل وإن أمكن دفع أذيته بغير القتل كالكنس أو النفخ بالهواء فلا يقتل إلا إذا لم يندفع شرها بالقتل قتلت.
وهل تقتل هذه الدواب الخمس ابتداءً:
تقتل ابتداءً وليس معنى هذا إن الإنسان يكون من همته طردها والبحث عنها لكن إذا عرضت له قتلها ويكون في قتلها امتثالاً لأمر النبي عليه الصلاة والسلام لهذا لما كان الصحابة بمنى خرجت عليهم حية فابتدروها يقتلوها فدخلت الجحر فقال النبي (كفيت شركم وكفيتم شرها).
وجاء في بعض الأحاديث تقييد الغراب بالأبقع والصحيح كل الغربان وإن صحت فيكون لشدة أذيته وجاء الأبقع في مسلم.
** الحديث الرابع والعشرون: عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم إحتجم وهو محرم " متفق عليه.(1/73)
هذا الحديث المؤلف ليته أتى بسياق يدل على تعلق الحجامة بالرأس ولا أدري ما السبب في أن المؤلف اختصره وإلا لفظ البخاري (أنه احتجم في رأٍسه وهو محرم) وجاء عن ابن بحينه كذلك في الصحيحين (أنه احتجم في وسط رأسه) والزيادة هذه مهمة جداً لأنه لو لم تأت هذه الزيادة لما كان للاتيان به في هذا المكان معنى لأنه حينما كان في الرأس والرأس ينهى عن حلقه إذا كان الإنسان محرماً فلما حلقه واحتجم وقد علمنا أن الحجامة لابد فيها من أخذ الشعر كان هناك تنصيص على فائدة وهي جواز الاحتجام للمحرم وجواز أخذ بعض الشعر من الرأس إذا احتاج للحجامة لأنه لا يمكن الحجامة في الرأس إلا بأخذ الشعر بحلق جزء منه وهذا إذا فعله المحرم فهل يفدي أو لا؟ الصحيح أنه لا يفدي لأمرين:
1) أن النبي لم يفد ولم يقضي فيه بشيء.
2) أنه حلق لجزء يسير واليسير مغتفر فإنما هو بقدر المحاجم وقوله تعالى (ولا تحلقوا رؤوسكم) هذا في جميع الرأس.
** الحديث الخامس والعشرون: عن كعب بن عجرة قال : حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي , فقال : ما كنت أري الوجع بلغ بك ما أرى ، أتجد شاة ؟ قلت : لا . قال فصم ثلاثة أيام , أو أطعم ستة مساكين لكل نصف صاع . متفق عليه.
كعب بن عجرة أحد الصحابة كان أصابه قمل كثير في رأسه فحمل إلى الرسول عليه السلام والقمل يتناثر على وجهه فقال: ما كنت أرى أي: أظن (أرُى) بالضم يعني أظن أما (أرى) بالفتح فهو البصر العيني. فقال أتجد شاة؟(1/74)
وقوله تعالى في التنزيل (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) على التخيير فلعله إنما قال شاة على سبيل التخيير أو الأفضلية لا على سبيل الترتيب بسبب صريح القرآن وفي حديث كعب بن عجرة (أنسك شاة أو أطعم ستة مساكين أو صم ثلاثة أيام) في بعض سياقاته وهو صريح والسياق الذي ساقه المؤلف يوهم الترتيب ومن هنا ينبغي أن يعلم أن الحافظ لم يحرر البلوغ كما ينبغي.وفيه الفدية أن الإنسان إذا حلق شعره من أجل وجود قمل أو ما أشبه ذلك لأن هذا الشعر يتعلق به النسك فكان فيه الفدية وهي على التخيير ويسمونها أهل العلم (فدية أذى) إما يذبح شاة تجزئ في الأضاحي سليمة من العيوب الممنوعة شرعاً وبلغت السن المجزية وهكذا كل دم واجب أو مستحب كالهدايا والأضاحي والعقيقة أو يطعم 6 مساكين لكل واحد نصف صاع أو يصوم 3 أيام والذبح والإطعام قال أهل العلم بمكة والصيام حيث شاء.وقعد أهل العلم قاعدة هنا وهي:
إن الإنسان إذا أتلف شيئاً لدفع أذاه له فإنه لا يضمن وإذا أتلفه لدفع أذاه به فإنه يضمن).
وهنا أتلف الشعر لدفع أذاه به فإن الأذى متعلق بالقمل لا الشعر ولا يمكن إذهاب القمل إلا بحلق الشعر فأتلف الشعر لدفع أذى القمل له ومثل ذلك لو أن إنساناً صال عليه جمل أو شاه ولم يكن يستطيع دفع أذاها إلا بالقتل فإنه لا يضمن لأنه أتلفها لدفع أذاها له فهي مؤذية له لم يندفع شرها إلا بالقتل.
ولكن لو أنه جاع جوعاً شديداً وأراد دفع أذى الجوع عنه بذبح هذا الجمل أو الشاة فإنه يضمن لأنه دفع أذى الذي لحقه بإتلاف هذا الجمل أو الشاة وهي للغير فإنه يكون ضامناً. وعليه كما قال أهل العلم: لو أن إنساناً انكسر ظفره وآلمه أو سقطت شعرة في عينه وكانت الشعرة هي المؤذية فقطعها وقطع الأظفر فلا فديه لكن لو أصابه القمل فلا يمكن اتلاف هذا القمل إلا بحلق الشعر فالشعر لم يحصل منه أذى فعندها يضمن والضمان هنا الفدية كما تقدم.
وقد قسم أهل العلم فعل المحظور إلى ثلاثة أقسام:(1/75)
1. أن يفعله عالماً ذاكراً مختاراً غير معذوراً. فهذا عليه الإثم وما يترتب عليه فعل ذلك المحظور.
2. أن يفعله معذور بجهل أو نسيان أو إكراه، فهذا لا إثم ولا فدية عليه .
3. أن يفعله عالماً ذاكراً مختاراً ولكنه معذور مثل قصة كعب بن عجرة فهذا عليه فدية وليس عليه الإثم.
** الحديث السادس والعشرون: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " لما فتح الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنون , وإنها لم تحل لأحد كان قبلي وإنما أحلت لي ساعة من نهار , وأنها لا تحل لأحد بعدي فلا ينفر صيدها ولا يختلى شوكها ولا تحل ساقطها إلا لمنشد ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين , فقال العباس إلا الإذخر يا رسول الله فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا فقال : إلا الإذخر " متفق عليه.
هذا الحديث يتعلق بالمناسك في مسألة (ولا يختلى شوكها) و(لا يحل ساقطتها) وفتح النبي مكه أسبابه معروفة في السيرة وهي نقض العهد فسلط الله رسوله على المشركين وصار الفتح عنوة بالسيف والغلبة والقهر سنة 8هـ وقوله (إن الله حبس عن مكة الفيل) قصة معروفة في كتاب الله (وسلط الله عليها رسوله والمؤمنين) وذلك في سنة الفتح ولهذا قال (وإنها لم تحل لأحد قبلي وإنما أحلت لي ساعة من نهار).
وجاء في مسند أحمد: أن الساعة من النهار كانت من طلوع الشمس إلى صلاة العصر كأنها قطعة من الوقت ثم بعد ذلك عادت حرمتها كحرمتها يوم خلق السماوات والأرض أي أنها محرمة وإنما لم تحل لأحد غير النبي عليه الصلاة والسلام من الأنبياء.
(لا ينفر صيدها) أي لا يزجر ولا يطرد كما لو رأى ظبياً أو صيداً في ظل فليس له أن ينفره ويجلس مكانه في الظل (ولا يختلي خلاها) والخلا هو الحشيش.(1/76)
والمراد به ما أنبته الله لا ما تسبب الآدميون في إنباته فغرسوه وبعض الحكمة التي ظهرت لأهل العلم من ذلك حتى يتوفر ذلك لدواب الحجاج والعمار تكون الأرض كثيفة لا يجوز لأحد أن يختليها بنفسه لكن لو أن الدواب رعت فيها من أبل وبقر وغنم وغيرها فلا بأس ولهذا لم ينقل أن أحداً من الحجاج والعمار يكممون أفواه الدواب عن الاحتشاش وأكل ما انبتته الأرض.
ولكن أن يأتي الإنسان ويحتطب أو يحتش أو يكسر الشوك فهذا كله لا يجوز بل يتوفر هذا الظلال وذلك الحشيش للناس ودوابهم.
وهل في قطعه كفارة؟
الصحيح لا كفارة فيه وهو مذهب الجمهور وذهب بعض أهل العلم ويروى عن ابن عباس وتلاميذه مجاهد وعطاء ويروى عن ابن الزبير في الدوحة الكبيرة (الشجرة العظيمة) أن فيها بقرة والأسانيد إليهم فيها مقال ولو صحت فإن هذا القول ضعيف. والصحيح أنه آثم وليس عليه فدية.
وقوله (لا يحل ساقطها إلا لمنشد) الساقطة أي اللقطة لا تحل إلا لمنشد (أي لمعرف) يعرفها الدهر كله ليس كسائر الأمصار لأن سائر الأمصار تعرف سنة واحدة ثم بعد التعريف تكون ملكاً للمعرف.
…ثم قال (من قتل له قتيل فهو بخير النظرين) النظرين أي إما أن يقتل القاتل أو أن يقبل الدية.فقال العباس (إلا إذا الأذخر) أي رخص لنا يا رسول الله فيه وهذا معطوف على قوله (لا يختلى شوكها) وفي رواية (خلاها) فسمح فيه عليه الصلاة والسلام لأنه يكون في البيوت يخلطونه بالطين فيقوى الطين ويضعونه على قبورهم يغلقون به قبورهم. وفيه تحريم القتال في مكة لكن إذا قوتل فللإنسان أن يقاتل كما قال تعالى (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام ... الآية).
** الحديث السابع والعشرون: عن عبد الله بن زيد بن عاصم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها ، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة , وأني دعوت في صاعها ومدها بمثل ما دعا به إبراهيم لأهل مكة" متفق عليه.(1/77)
** الحديث الثامن والعشرون : عن علي ابن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" المدينة مابين عير إلى ثور " . رواه مسلم.
هذان الحديثان يتعلقان بالحرم لا الإحرام وقوله عليه السلام: إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها ثبت في الصحيحين أن النبي قال (إن الله حرم مكة) ولا منافاة لأن الله أنشأ التحريم وإبراهيم أظهره وبلغه ثم دعا لأهلها.
ثم قال وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ألا يجري فيها القتال وأن تكون أحكامها كما مر معنا.
ودعا لأهلها (وارزق أهله من الثمرات من أمن منهم ... الآية) والنبي عليه السلام دعا لأهل المدينة وحرمها كما دعا إبراهيم لأهل مكة وحرمها وقال (إني دعوت في صاعها ومدها بمثلي ما دعا إبراهيم لأهل مكة) وبمثلي : أي ضعفي.
ولهذا يوجد من البركة في الطعام في مكة والمدينة ما ليس في غيرهما وفي الحديث أن هاتين المدينتين حرمهما الخليلان مكة حرمها إبراهيم خليل الله وهو أفضل الخلق بعد محمد عليه الصلاة والسلام والمدينة حرمها النبي عليه السلام وهما عاصمة الإيمان وإليها يجتمع ويأزر كما قال عليه السلام (إن الإيمان ليأرز إلى مكة والمدينة كما تأرز الحية إلى جحرها) أي ينضم ويجتمع ففي آخر الزمان لا يكون هناك إيمان إلا في مكة والمدينة وهما المدينتان اللتان تحفظان من الدجال فإنه سيطأ الأرض كلها إلا هاتين فلهما أبواب وأسوار في آخر الزمان حينما تعود الأوضاع كما كانت سيوف وخيول يحتاط الناس لبلدهم كما هو الحال في سالف الدهر أسوار تمنع من نفوذ العدو واللصوص.(1/78)
ويكون على أنقابها ملائكة بسيوف مصلتة لا يدخلها الدجال ومن سكنهما عرف بركة المطاعم وسمعت شيخنا ابن باز وقد استوطن المدينة دهراً حيمنا كان نائباً ثم رئيساً للجامعة الإسلامية قال ( من سكن المدينة يعرف ذلك) أي بركة الطعام الذي يكال ويصاع ولا شك أن من شرب من ماء زمزم في مكة وأكل من طعام مكة واستوطن المدينة يعرف البركة في المأكل والمشرب.
وقال بعضهم إن جو المدينة من أصح بلاد الله فلا تدخلها الأوبئة. وفي الصحيح من حديث أنس وغيره أن المدينة لا يدخلها الدجال ولا الطاعون ، وفي حديث علي تحديد الحرم المدني ما بين عير إلى ثور وثور هو جبل خلف أحد وعير كذلك جبل في المدينة قبل الميقات على يسار الذاهب إلى المقيات وهذا لا ينافي أن النبي حرم ما بين لابتيها فاللابتين شرقية وغربية والجبلان شمالي وجنوبي.
باب صفة الحج ودخول مكة
** الحديث التاسع والعشرون: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج فخرجنا معه حتى إذا أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس ، فقال واغتسلي واستثفري بثوب و أحرمي........الحديث).
الحديث هذا نقرأه في مقاطع لأنه طويل وسنقف فيه وقفات كثيرة وهذا الحديث انفرد بإخراجه بطوله الإمام مسلم عن البخاري وأخرجه كذلك أبو داود وهو أطول حديث روي في الحج وسرده أبو داود نحو رواية مسلم مطوله.
وقد رواه عن جابر نحو سبعه من التابعين ,أشهرهم رواية (جعفر بن محمد عن أبيه) وهي التي ساقها مسلم والبخاري روى قطعة منه من غير طريق جعفر بن محمد رواه من طريق محمد بن المنكدر عن جابر رواه كذلك (أبو الزبير) ورواه جماعة من أصحاب جابر ومسلم ساقه بطوله.(1/79)
وهذا السياق مختصر يعني فيه بعض الحذف عن سياق الحديث المطول والمؤلف اجتزى بهذا ، وقول النبي عليه الصلاة والسلام (اغتسلي واستشفري بثوب وأحرمي): تقدم الكلام عليه وأن الاغتسال سنة ، وقد روى ابن أبي شيبة وغيره عن ابن عمر (من السنة أن يغتسل المحرم) وقوله عليه الصلاة والسلام (واستشفري بثوب) وفي بعض الألفاظ (تلجمي) والتلجّم هو التحفظ وهذا الاغتسال ليس لرفع الحدث وإنما هو للنظافة وإن كان يتعبد به فيجتمع التعبد مع النظافة.
(..... وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ثم ركب القصواء ثم أهل عليه الصلاة والسلام بعد ما استوت به راحلته ، حتى إذا استوت به على البيداء أهل بالتوحيد : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك...)
و(لبيك) التلبية بمعنى الإجابة وأيضاً تأتي بمعنى الإقامة (لأنها من ألب بالمكان) أي (أقام به) ومن (لبى الشخص) أي (أجاب نداءه) وثنيت (لبيك) ليس للتثنية بل لمطلق التكرار ومنه قوله تعالى (ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير) ليس يعني كرتين بل لمطلق التكرار ، والإنسان يلبي ربه في كل طاعة هو ملبي وإن كان الحج اختص بهذا اللفظ ، وقوله (اللهم) يعني يا الله و(لبيك) تأكيد ثم قال (لبيك لا شريك لك لبيك) هذا تأكيد آخر.
و(إن الحمد) هو هكذا بالكسر وهو المشهور في الرواية ، وقال بعض أهل اللغة : ومن قال (أن الحمد) فقد خص أي (ألبيك لأن الحمد لك) فتكون تعليلية والصواب بالكسر ألبيك تلبية مطلقة ثم أقول (إن الحمد والنعمة) والحمد هو الثناء على المحمود والله عز وجل يستحق الحمد المطلق فهو يُحمد سبحانه وتعالى على كل شيء والحمد هو وصف المحمود بالكمال على كماله وعلى إنعامه.
و(النعمة) هي العطاء و(المُلك) فاللهُ عز وجل مالك للذوات والأعيان ومتصرف فيهما سبحانه وتعالى.(1/80)
ولم يثبت على القول الراجح أن النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام لبى تلبية غير هذه وقد جاء عن أنس أنه كان يقول (لبيك إله الحق) وجاءت مرفوعة وموقوفة ولكن الموقوف أصح ، وروى النسائي من حديث أبي هريرة أن : النبي صلى الله عليه وسلم قال (لبيك إله الحق) ولكن الصحيح أنه لا يثبت بل أعله النسائي بالإرسال في السنن نفسها.
والصحابة لبوا تلبية مثل تلبية النبي عليه الصلاة والسلام وابن عمر كان يقول (لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل ) وجاءت تلبيات أخرى لبيك ذا المعارج ، روي عن سعد هذا وإن كان في إسناده أيضاً مقال فقد رواه أحمد عن القطان عن ابن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة (الماجشون) عن سعد ولم يدرك سعداً فهو منقطع) . حتى إن سعداً أنكر على من قال ذلك وقال (إنه ذو المعارج) ولكن ما هكذا كنا نقول مع النبي عليه الصلاة والسلام ومما يخالفه ما أخرجه أحمد عن القطان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر في بيان حجة النبي صلى الله عليه وسلم وتلبيته وفيه والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه وبكل حال فإذا لبى بمعنى صحيح لا بأس ولكن السنة أن يأتي بهذا الذي ثبت عنه عليه الصلاة والسلام في الصحاح والسنن.
وأما من لم يبلغ من الصحابة من لم يميز فكما جاء في حديث جابر الذي رواه أحمد وابن أبي شيبة والترمذي من طريق عبد الله بن نمير عن أشعث بن سوار عن أبي الزبير عن جابر قال: (حججنا مع النبي عليه الصلاة والسلام ومعنا النساء والصبيان فكنا نلبي عن الصبيان ونرمي عنهم) هكذا إسناده عند أحمد وابن أبي شيبة.(1/81)
لكن رواه الترمذي من طريق (محمد بن إسماعيل الواسطي البختري) عن عبد الله بن نمير عن أشعث بن سوار عن أبي الزبير عن جابر قال: حججنا مع النبي عليه الصلاة والسلام ومعنا النساء والصبيان فكنا نلبي عن النساء ونرمي عن الصبيان) هو بهذا اللفظ غير محفوظ على أن الحديث فيه (أشعث) وهو ضعيف لكن هذا اللفظ كما قال الذهبي ونقله عنه الحافظ في تهذيب التهذيب قال محمد بن إسماعيل الواسطي البختري (غلط غلطة ضخمة) فقال (نلبي عن النساء) والمحفوظ سياق أحمد وابن أبي شيبة الذين روياه عن عبد الله ابن نمير عن أشعث عن أبي الزبير عن جابر.
(.....حتى إذا أتينا البيت استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعًا , ثم أتى مقام إبراهيم فصلى , ثم رجع إلى الركن فاستلمه ....... )
(وأهل الناس بهذا الذي يهلون به) يعني أشياء كانت موجودة ومواضع التلبية نقلت لكم فيما تقدم ما رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن سابط قال : (أدركت الناس أو قال السلف يلبون إذا علو نشزاً وإذا نزلوا وادياً و دبر الصلاة وعند التقاء الرفاق) في هذه المواضع الأربعة .
وقوله (فرمل ثلاثة ومشى أربعاً) هذا هو السنة أنه يرمل في الثلاثة اشواط كلها وفي عمرة القضية كان أمر أصحابه أن يرملوا من الحجر إلى الركن اليماني ثم بين الركنين يرفقوا بأنفسهم فيمشوا وكان المشركون حينئذ على جبل قعيقعان (هو مما يلي الشامية الآن ) فكانوا لا يرون الصحابة و النبي عليه الصلاة والسلام أمرهم أن يرفقوا بأنفسهم لكنه في حجة الوداع رمل عليه الصلاة والسلام من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود في الثلاثة الأولى ومشى في الأربع , والسنة الرمل , لكن إذا كان الإنسان إذا دنا من الكعبة لا يرمل وإذا ابتعد رمل أيهما أفضل الدنو من البيت مع المشي أو البعد مع الرمل ؟(1/82)
نقول لا شك إن الرمل أفضل لأن هنا قاعدة فقهية مراعاة المزية الراجعة إلى ذات العبادة مقدمة على مراعاة المزية الراجعة إلى مكان العبادة أو زمن العبادة ما دام الزمن والمكان باقيين ومن ذلك هنا فإنه يرمل لأن المطاف لا زال موجوداً كونه يطوف بالبيت قرب أو بعد عارضه مزية أخرى في ذات العبادة وهي الرمل.
ومن ذلك الإبراد بصلاة الظهر فإن الإبراد لأجل تحصيل الخشوع وهو في ذات العبادة فهو يؤخر الصلاة عن أول وقتها ، والصلاة في أول وقتها أفضل ومن ترك أول الوقت مع بقاء الوقت وصلى بعد ذلك في وقت الإبراد بالظهر من أجل تحصيل الخشوع فهو أفضل.
ومن ذلك (ومن ذلك ما قاله شيخنا ابن عثيمين رحمه الله) لو أن إنساناً يصلي خلف إمام وإذا صلى بطرف الصف الأول من اليمين أو الشمال لا يسمع صوت الإمام لبعده عن الإمام فكونه يصلي في الصف الثاني من أجل سماع الصوت الذي يتعلق بالمتابعة أفضل من كونه في طرف الصف ويخفى عليه حال الإمام والركوع والسجود وهذا المتوجه وإن كان الصف الأول أفضل, لكن عارض مكان العبادة وهو في الصف الأول شيء آخر هو كيف يعرف حال الإمام ؟ وهذا راجع إلى حال العبادة. …
ومن ذلك مسألة مهمة المقام بمكة عند أهل العلم أفضل إذا كان الإنسان يُحصّل خير ويطلب علم لكن إذا كان أقام بالثغور أو بلده الذي هو فيه ويكون له من طلب العلم والاشتغال به ما يعود عليه عائدة حسنة في إيمانه وتقواه وورعه دون أن يحصل له ذلك بمكة لو أقام بمكة تشتت ذهنه ولم يجد قلبه مجتمعا عليه حينئذ يكون المقام ببلدة أفضل من المقام بمكة في مثل هذه الصورة.
في قوله (ثم أتى مقام إبراهيم فصلى) قرأ عليه السلام (بقل يا ايها الكافرون) و(قل هو الله احد) وهذه لم تقع في مسلم ولكنها جاءت في غيره.(1/83)
وفيه من الفوائد أنه جهر بها جهراً سمعه أصحابه مع العلم أن النبي عليه الصلاة والسلام طاف في وقت النهار فحينئذ قد يقال هذا إن دعت الحاجة إلى ذلك كما لو أراد أن يعلم الناس السنة فلا بأس وقوله: [ورجع إلى الركن فاستلمه] فيه من الفوائد استلام الركن والمراد بالركن الحجر الأسود في غير الطواف لأن استلام الركن عبادة مستقلة فهو يستلم لوحده وفي الطواف و في العمرة والحج مما يدل على ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عبدة بن سليمان عن عبيد الله عن نافع قال: كان ابن عمر يستلم الركن طائفاً أو غير طائف. فهذا من العبادات التي تفعل حتى لو كان الإنسان في غير الطواف.
وروى أحمد والفاكهي (1/133) كذلك (أن ابن الزبير صلى صلاة المغرب فسلم من ركعتين فقام واستلم الحجر- فأخبروه- فعاد إلى تتمة صلاته).
فعلى كل حال استلام الحجر الأسود سنة مستقلة سواء كان في طواف أو في غير طواف ، لكن في هذه الصورة وهي استلامه بعد الطواف إذا لم يستطع استلامه فلا يشير بيده ولا يكبر لعدم النقل.
وإذا حاذى الحجر الأسود يكبر في أول طوفه وهل يكبر في آخرها؟
قال بعضهم: إنه يكبر في ابتداء كل شوط و عليه لا يكبر في نهاية الشوط السابع حتى تكون التكبيرات والأشواط سبعة . وقال بعضهم: بل يكبر لعموم قوله (كلما حاذى الركن كبر) هذا من ناحية وكذلك أن المقصود من الطواف والسعي ورمي الجمار إقامة ذكر الله وجاء في حديث عائشة في السنن وغيرها (إنما جعل الطواف بالبيت والسعى بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) ولكن هذا الحديث الصحيح أنه موقوف على عائشة وفيه (عبيد الله بن زياد القداح) رفعه ورواه عنه سفيان ، قال البيهقي نقلاً عن يحيى القطان أنه كان يتهيب رفع هذا الحديث ثم المحفوظ عنها من رواية عطاء وجاء من طريق عبيد الله القداح عن القاسم بن محمد عن عائشة من قولها وهذا يوافق رواية الثقات عن عائشة في أن هذا الحديث من كلام عائشة .(1/84)
والذي يظهر لي في مسألة التكبير في آخر الشوط السابع أنها مسألة اجتهادية من كبر فله ظاهر الحديث ومن ترك فلا شيء عليه.
تنبيه :
وقع في مسند الإمام أحمد في هذا الوضع من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل ثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر وصلى ركعتين ثم عاد إلى الحجر ثم ذهب إلى زمزم فشرب منها وصب على رأسه ثم رجع فاستلم الركن ثم رجع إلى الصفا...الحديث .
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (294/3) : حدثنا موسى بن داود حدثنا سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر به ، وهذا الزيادة في ذكر شرب ماء زمزم وصب الماء على رأسه عليه الصلاة والسلام في هذا الموضع غريبة تفرد بها موسى بن داود الضبي روى له مسلم حديثاً واحداً ، وهو ثقة وثقة ابن نمير وابن سعد وابن عمار الموصلي والعجلي وأثنى عليه الدار قطني ، وقال أبو حاتم شيخ في حديثه اضطراب .
والحديث كالمتواتر عن جعفر بن محمد ليس فيه هذا الحرف , نعم شربه من ماء زمزم ثابت بعد طواف الإفاضة والأكل والشرب أثناء الطواف مباح وقد نقل أبو العباس اتفاق العلماء على ذلك في مجموع الفتاوى (125/26) وإن كان قد يكره إذا لم يكن حاجة كما قال رحمه الله (26/198-199) .
فائدة : ماء زمزم طعام طعم أخرجه مسلم عن أبي ذر وفيه قصة زاد الطيالسي والبيهقي وغيرهما وشفاء سقم وهي زيادة ثابتة .(1/85)
فائدة أخرى : حديث ماء زمزم لما شُرب له أخرجه ابن ماجة من طريق عبد الله ابن المؤمل عن ابن الزبير عن جابر مرفوعاً ، وعبد الله بن المؤمل ضعيف ، وجاء في معناه حديث ابن عباس عند الدار قطني لكنه لا يثبت ، وأحسن ما جاء في هذا الباب ما أخرجه الفاكهاني في أخبار مكة (2-37) قال حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا يعقوب عن أبيه قال : لما حج معاوية رضي الله عنه حججنا معه ....وفيه ومن ثم مر بزمزم وهو خارج إلى الصفا فقال : انزع لي منها دلواً يا غلام قال : فنزع له منها دلواً فأتى به فشرب منه وصب على وجهه ورأسه وهو يقول : زمزم شفاء هي لما شرب له .
وهذا إسناد صحيح والفاكهي عده ابن حجر من الحفاظ الذين رووا عن البخاري ، وقد روى الفاكهي واسمه محمد بن إسحاق عن جماعة من الحفاظ المشاهير كمسلم وأبي حاتم وجماعة آخرين فهو مشهور بالطلب وقد روى عنه الحافظ العقيلي فلا شك في توثيقه أما شيخه في كتابه فهو محمد بن إسحاق الصاغاني الصينى والحافظ ابن حجر حسن هذا الطريق بقوله : هذا إسناد حسن مع كونه موقوفاً وهو أحسن من كل إسناد وقفت عليه لهذا الحديث كما ذكره عنه تلميذه السخاوي في المقاصد الحسنة ، وابن إسحاق صرح بالتحديث وبقية الإسناد ثقات فهذا إسناد ثابت موقوف على معاوية الخليفة المشهور يجهر به بين بقية أصحاب محمد وجمهرة التابعين ، ومثله لا يقال بالرأي ، فلا أشك في صحته ونقل معاوية رضي الله عنه من شربه وصبه على رأسه ووجهه هو ما وقع في رواية موسى بن داود......
فائدة أُخرى :(1/86)
جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من زمزم ثم مّج في الدلو ثم صب في زمزم .رواه أحمد في مسنده من طريق حماد بن سلمه عن قيس بن سعد عن مجاهد عن ابن عباس وهو غريب من هذا الوجه ، وهو أقوى ما في الباب . وروى أحمد أيضاً والفاكهي في أخبار مكة من طريق مسعر عن عبد الجبار بن وائل قال حدثني بعض أهل العلم عن أبي قال :" أتى النبي صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء زمزم فشرب منه ثم مج في الدلو ثم صب في البئر ..." إسناده ضعيف عبد الجبار لم يسمع من أبيه ولا أدركه مات أبوه وهو حمل .
وروى الفاكهي في أخبار مكة من طريق يوسف بن عبده البصري عن ثابت عن أنس قال جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زمزم فنزع دلواً فشرب منه ثم مج من ثم صبه في زمزم ، وإسناده ضعيف قال أحمد : يوسف بن عبده له أحاديث مناكير عن حميد وثابت قلت : وهذا منها.
(.....ثم خرج من الباب إلى الصفا ،فلما دنا من الصفا قرأ "إن الصفا والمروة من شعائر الله " ابدأ بما بدأ الله به .....)
المؤلف قال هنا (أبدأ بما بدأ الله به) والإنسان إذا صعد الصفا يقرأ أول الآية فقط ثم يقول (نبدأ بما بدأ الله به) هكذا رواه مسلم بلفظ (نبدأ) وهي أصح الروايات (نبدأ) بلفظ الجمع وجاء (أبدأ) وجاء (ابدءوا) أما رواية (ابدأوا) فهذه شاذة وقعت للنسائي ووقع للنسائي الحرفان جميعاً ولكن رواية الأمر هذه روايه شاذة والصحيح (نبدأ) وأما رواية (أبدأ) فهي وإن كانت لا خلاف كبير فيها لكن المحفوظ بالجمع ، أما ما ذكره الحافظ في كتاب الطهارة (أبدأ بما بدأ الله به) قال: هو عند النسائي بلفظ الأمر وعند مسلم بلفظ الخبر): هو كذلك لكنه بلفظ الخبر (نبدأ).
وهذه صارت قاعدة عند أهل العلم أنه يبدأ الإنسان بما بدأ الله به في الوضوء (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) وهنا فما قدم الله يقدم وما أخره الله يؤخر هذا هو الأصل ولا يُتِم الآية ولم أر في خبر صحيح مسند أنه أتم الآية عليه الصلاة السلام.(1/87)
(....فرقى الصفا حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شي قدير " لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك ثلاث مرات.....)
الذكر ثلاث مرات والدعاء هل هو ثلاث مرات؟!
قال بعضهم: الدعاء حينما دعا بين ذلك وكانت الأذكار ثلاثة وما يتخللها اثنان ما بين الأول والثاني وما بين الثاني والثالث فلا يكون دعا إلا مرتين وهذا اختيار الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله وقال بعضهم: بل يدعو ثلاثاً لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا دعا ثلاثاً وهذه الرواية لا تدل على أنه اقتصر على الدعاء بين ذلك بل ربما زاد وإنما نقل جابر ما جهر به النبي عليه الصلاة والسلام فالسنة أن الإنسان إذا رقى على الصفا يرفع يديه ويستقبل الكعبة ثم يجهر بالذكر ويسر الدعاء ويقول (لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده) ثم يسر الدعاء ثم يعود فيجهر بالذكر ثم يسر الدعاء ثم يرجع ويجهر بالذكر ثم يسر الدعاء هذا هو الأفضل.
(.....ثم نزل على المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى ، حتى إذا صعدتا مشى إلى المروة.... )
والعجلة في الوادي ما بين العلمين وقد روى النسائي عن طريق صفية بنت شيبة أنها رأت النبي عليه الصلاة والسلام وفي سنن النسائي تروي عن النبي بواسطة امرأة (أنه قال لا يقطع الأبطح إلا شداً) وجاء عنه عليه السلام أنه إذا سعى تدور به إزاره وذلك في خبر لا يثبت فالسنة الإسراع مع عدم المشقة هذا في حق الرجال أما في حق النساء فلا يشرع وقد صح عن ابن عمر وغيره من الصحابة أنه قال (ليس على النساء رمل) ونقل ا بن المنذر الاتفاق على هذا.(1/88)
أما سعي هاجر فإنه قد يقال لم يكن بحضرتها أحد من الرجال البته ثم نقول ثانياً أن الشريعة استقرت على عدم رمل النساء أما الآن إذا رملت ففيه من المحاذير ما لا يخفى.
(....ففعل ذلك على المروة كما فعل على الصفا.....وذكر الحديث )
لكن لا يكرر ذكر الآية إذا أتى المروة فلا يقول (نبدأ بما بدأ الله به ) لكنه يدعو نحو الدعاء الذي تقدم ويستقبل القبلة ويرفع يديه، وقوله وذكر الحديث يعني أن النبي عليه الصلاة والسلام أمرهم بأنهم يحلوا ويجعلوها عمرة وقال افعلوا ما آمركم به ثم ترددوا ثم فعلوا ما أمرهم به عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم) ثم اقتطع المؤلف هذا الحديث ثم قال وفيه:
(....فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس...... )
يصليها عليه الصلاة والسلام قصراً بلا جمع الرباعية ثنتين الظهر والعصر والعشاء لأنه قار وهذا هو السنة أن الإنسان المسافر إذا كان قاراً يقصر بلا جمع وإذا جد في السيرفإنه يسن له الجمع ولكن على القول الراجح يجوز للمسافر المستقر أن يجمع لاسيما إذا دعت الحاجة وأما إذا لم تدع حاجة فتركه أفضل.
(....فأجاز حتى أتى عرفة , فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها ، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس ......)
الوادي هذا وادي عُرنة فالنبي صلى الله عليه وسلم نزل يوم عرفة ثلاثة منازل المنزل الأول بنمرة وهذا قبل الوادي وهذا نزل به للإرتفاق والراحة ثم لما زالت الشمس أتى بطن الوادي ثم خطب ثم صلى الظهر ركعتين ثم العصر ركعتين ثم دخل عرفة.
(....ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصلي بينهما شيئاً......)(1/89)
وكان هذا يوم جمعة في وقفته عليه الصلاة والسلام ولم يصل الجمعة لأن المسافر لا يصلي الجمعة وهذا باتفاق العلماء بل لو صلى الإنسان الجمعة وهو مسافر فإنها لا تصح منه لقوله عليه الصلاة والسلام (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) لكن إذا كان المسافر نازلاً ببلد وسمع أذان الجمعة فهل يلزمه أم لا؟
وقبل الشروع في هذه المسألة أقول إن المسافر له حالتان :-
* حال استقلال بجماعة المسافرين وانفصاله عن البلد .
* حال استقرار في بلد لا يقطع حكم السفر.
ففي الصور ة الأولى :-
هل تجب الجمعة على المسافرين وحدهم ؟
والجواب يقال إن الجمعة لا تجب على المسافرين بل لوصلوها جمعة لا تصح منهم والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سافر أسفاراً كثيرة في حياته عليه الصلاة والسلام ولم ينقل عنه حرف واحد أنه جمع بأصحابه، وقد صادفته الجمعة في أسفاره كثيراً ولو صلى الجمعة في أسفاره لكانت الهمم متوافرة على نقل ذلك.
ولا أدل على ذلك من سفره لحجه عليه الصلاة والسلام فقد وافق يوم عرفه يوم الجمعة ومع ذلك فقد صلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً وقد سماها جابر الظهر كما في صحيح مسلم (1218) ولم يجهر بالقراءة وأيضاً خطب قبل الأذان خطبة واحدة ثم أذن وصلى وهذا العلم به ظاهر لأهل العلم لا يكادون يختلفون في ذلك.(1) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر الموطأ (1/107) ومجموع الفتاوي (17/480) وكذلك (24/ 177) فما بعدها ( مهم جدا) و(ج/16) من فتاوى ابن عثيمين.
وإنما محل البحث في:-
الصورة الثانية :-
وهي إذا كان المسافر مستقراً في بلد استقراراً لا يقطع أحكام السفر فهل يجب عليه حضور الجمعة أم لا ؟
وسيأتي الكلام على هذه المسألة لاحقاً.(1/90)
وقد وردت آثار في نفي وجوب الجمعة عن المسافر لا بأس بذكرها مع الكلام على أسانيدها ثم نذكر إن شاء الله كلام أهل العلم .
أولاً :- حديث تميم الداري.
أخرجه البيهقي (3/184) من طريق محمد بن طلحة عن الحكم عن ضرار بن عمرو عن أبي عبد الله الشامي عن تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الجمعة واجبة إلا على امرأة أو صبي أو مريض أو عبد أو مسافر " وهذا الحديث واه جداً فضرار بن عمرو منكر الحديث كما قال البخاري وأورد له العقيلي هذا الحديث في ضعفائه (2/222) وقال : لا يتابع عليه وأبو عبد الله الشامي لا يعرف كما قال الذهبي في الميزان . والحديث قال عنه أبو زرعه الرازي عبيدا لله بن عبد الكريم قال : هذا حديث منكر ( علل ابن أبي حاتم (2/212) ).
ثانياً :- حديث جابر.
أخرجه الدار قطني في السنن (2/3) والبيهقي ( 3/174) وابن عدي في كامله ( 2425) وابن الجوزي في التحقيق (788) من طريق ابن لهيعه عن معاذ بن محمد الأنصاري عن أبي الزبير عن جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا مريض أو مسافر أو امرأة أو صبي أو مملوك فمن استغنى بلهو أو تجارة استغنى الله عنه والله غني حميد " وهذا الحديث كسابقه واه جداً.
ابن لهيعة ضعيف ومعاذ بن محمد قال العقيلي في حديثه وهم ، وقال ابن عدي منكر الحديث وذكر حديثه هذا وضعفه الحافظ في التلخيص (2/65) ، وقال ابن عبد الهادي لا يصح ، وكذا قال الذهبي .انظر التحقيق لابن الجوزي ( 4/121).
ثالثاً:- حديث أبي هريرة.
أخرجه الطبراني في الأوسط (2/196) من طريق إبراهيم بن حماد بن أبي حازم المديني ثنا مالك بن أنس عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم " خمسة لا جمعة عليهم المرأة والمسافر والعبد والصبي وأهل البادية " قال الطبراني لم يروه عن مالك إلا إبراهيم .(1/91)
والحديث أخرجه الدار قطني في غرائب مالك كما ذكره الحافظ في لسان الميزان (1/268) قال الدار قطني تفرد به إبراهيم وكان ضعيفاً.
رابعاً :- حديث ابن عمر.
أخرجه الدار قطني في السنن (2/4) والطبراني في الأوسط (882) من طريق عبد الله بن نافع عن أبيه عن أبن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس على المسافر جمعة " وهذا إسناده ضعيف جداً كذلك فعبد الله بن نافع قال أبو حاتم فيه منكر الحديث وهو أضعف ولد نافع وقال البخاري منكر الحديث ، والمحفوظ في هذا الحديث الوقف على ابن عمر، أخرجه البيهقي (3/184) من طريق ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال لا جمعة على مسافر قال البيهقي هذا هو الصحيح موقوف ورواه عبد الله بن نافع عن أبيه فرفعه.أ.هـ. وقد رواه ابن المنذر(4/19) وعبد الرزاق (5198) (3/172) موقوفاً.
خامساً:- مرسل الحسن :-
روى عبد الرزاق (3/174) عن ابن عيينة عن عمرو (هو ابن دينار) عن الحسن قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم " ليس على المسافر جمعة " وهو ضعيف لإرساله ، والحسن هو ابن محمد بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي مدني تابعي ثقة ، وأبوه هو ابن الحنفية.
وأما الآثار عن الصحابة والتابعين
فمنها أثر ابن عمر المتقدم وهو صحيح ثابت.
* أثر علي :-
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (4/19) من طريق أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال ليس على المسافر جمعة ، والحارث واه . وروى عبد الرزاق (3/168) وابن أبي شيبه ( 2/101) وغير هما من طريق سعد بن عبيده عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي أنه قال " لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع" إسناده صحيح.
* أثر عبد الرحمن بن سمرة :-(1/92)
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه ( 4352) وابن المنذر في الأوسط (4/ 360) من طريق هشام بن حسان عن الحسن قال : كنا مع عبد الرحمن بن سمرة في بعض بلاد فارس سنتين وكان لا يجمع ولا يزيد على ركعتين . وإسناده صحيح ، وأخرجه البيهقي (3/185) من طريق يونس بن عبيدة عن الحسن قال: كنا مع عبد الرحمن بن سمرة بخراسان نقصر الصلاة ولا نجمع . قال البيهقي هكذا وجدته في كتابي ولا نجمع بالتشديد ورفع النون.
* أثر أنس : -
وأخرج ابن المنذر (4/20) من طريق يونس عن الحسن أن أنساً أقام بنيسابور سنه أو سنتين وكان يصلي ركعتين ولا يجمع ، إسناده صحيح .
* أثر عمر ابن عبد العزيز :-
وأخرج ابن أبي شيبه من طريق رجاء بن أبي سلمة عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك قال : خرج عمر بن عبد العزيز من دبق وهو يومئذ أمير المؤمنين فمر بحلب يوم الجمعة فقال الأمير ؟ " جمع فإنا سفر" وإسناده لأبأس به.
* أثر مسروق وعروة بن المغيرة وجماعة من أصحاب ابن مسعود :-
وأخرج ابن أبي شيبه (2/104) عن أبي أسامة عن أبي العميس عن على أبن الأقمر قال : خرج مسروق وعروة بن المغيرة ونفر من أصحاب عبد الله فحضرت صلاة الجمعة فلم يجمعوا وحضروا الفطر ولم يفطروا . إسناده ثابت.
وأخرج عبد الرزاق عن الثوري عن مغيرة عن إبراهيم ( وهو النخعي ) قال : كانوا لا يجمعون في سفر ولا يصلون إلا ركعتين. صحيح ، ورواه ابن أبي شيبه عن أبي الاحوص عن المغيرة به بلفظ كان أصحابنا يغزون فيقيمون السنة أو نحو ذلك يقصرون الصلاة ولا يجمعون.
* أثر طاووس :-
وأخرج عبد الرزاق ( 3/172) عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال " ليس على المسافر جمعة".
* أثر الزهري :-
وأخرج عبد الرزاق ( 3/174) برقم (5205) عن معمر عن الزهري قال : سألته عن المسافر يمر بقرية فينزل فيها يوم الجمعة ؟ قال" إذا سمع الأذان فليشهد الجمعة ". صحيح.(1/93)
وعلقه البخاري في صحيحه من رواية إبراهيم بن سعد عنه ويأتي الكلام عليه وله سياق آخر عند عبد الرزاق برقم (5188) بالإسناد نفسه.
فصل في أقوال أهل العلم
قال الشافعي في الأم (1/327)" وليس على المسافر أن يمر ببلد جمعة إلا أن يجمع فيه مقام أربع ، فتلزمه الجمعة إن كانت في مقامه " أ. هـ .
وقال ابن المنذر رحمه الله (4/20) في الأوسط :- ومما يحتج به في إسقاط الجمعة عن المسافر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مر به في أسفاره جمع لا محالة فلم يبلغنا أنه جمع (1) وهو مسافر بل أنه ثبت عنه أنه صلى الظهر بعرفة وكان يوم الجمعة فدل ذلك من فعله على أنه لا جمعة على المسافر لأنه المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد بكتابه فسقطت الجمعة عن المسافر استدلالاً بفعل النبي عليه الصلاة والسلام وهذا كالإجماع من أهل العلم لأن الزهري مختلف عنه في هذا الباب حكى الوليد بن مسلم عن الأوزاعي أنه قال لا جمعة على المسافر وإن سمع المسافر أذان الجمعة وهو في بلد فليحضر معهم يحتمل أن يكون أراد استحباباً ولو أراد غير ذلك كان قولاً شاذ خلاف قول أهل العلم وخلاف ما دلت عليه السنة.أ.هـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/94)
(1) قلت ذكر ابن الهمام فتح القدير (2/33) ما نصه :" وفي الكافي صح أنه صلى الله عليه وسلم أقام الجمعة بمكة مسافراً " ا.هـ. وفي بدائع الصنائع (1/430) مثله. قلت : فإن كان انتزعه من إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة كما ثبت في البخاري عن ابن عباس فقد أطلق جماعة من أهل العلم عدم إقامته الجمعة في سفره ولو قدر أنه أقام الجمعة فغاية ما في الأمر أنه إمام فيها وإلا فهي قائمة مفروضة على أهل مكة وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم شاهدا لها فمن الذي سيتقدم بين يديه في إقامتها وكذلك هو عليه الصلاة والسلام إمام المسلمين ولهذا قال السر خسي في المبسوط (2/130) ما نصه " ولو أن أمير الموسم جمع بمكة وهو مسافر جاز لأنه فوض إليه أمر المسلمين " أ.هـ. ومراده في " الموسم " الحج والجهاد مثله ومعلوم أنه شهود المسافر المستقر للجمعة أفضل وأعظم أجراً حيث لا مشقة لكن الكلام في الوجوب وقد عقد عبد الرزاق(3/360) باب الإمام يجمع حيث كان وذكر آثاراً عن السلف والصحيح في هذا المسألة أن الإمام له أن يتولى إقامة الجمعة في البلد الذي يمر به أو ينيب غيره لا أنه تلزمه الجمعة حيث كان إذا كان مسافراً .(1/95)
قلت : وقول الزهري علقه البخاري في صحيحه تحت باب ( المشي إلى الجمعة وقول الله جل ذكره" فاسعوا إلى ذكر الله " ) وعلق آثاراً ثم قال وقال إبراهيم بن سعد عن الزهري : إذا أذن المؤذن يوم الجمعة وهو مسافر فعليه أن يشهد.قال الحافظ ما نصه (2/391) لم أره من رواية إبراهيم وقد ذكره ابن المنذر عن الزهري وقال إنه أختلف عليه فقيل عنه مثل قول الجماعة إنه لا جمعة على المسافر كذا رواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري . قال ابن المنذر : وهو كالإجماع من أهل العلم على ذلك لأن الزهري أختلف عليه فيه .أ.هـ. ويمكن حمل كلام الزهري على حالتين : فحيث قال " لا جمعة على المسافر" أراد على طريق الوجوب وحيث قال " فعليه أن يشهد" أراد على طريق الاستحباب(2) ويمكن أن تحمل رواية سعد بن إبراهيم هذه على صورة مخصوصة وهو إذا اتفق حضوره في موضع تقام فيه الجمعة فسمع النداء(3) لها لا إنها تلزم المسافر مطلقاً حتى يحرم عليه السفر قبل الزوال من البلد الذي يدخلها مجتازاً مثلاً وكأن ذلك رجح عند البخاري ويتأكد عنده بعموم قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله )
فلم يخص مقيماً من مسافر وأما ما احتج به ابن المنذر على سقوط الجمعة على المسافر بكونه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر جمعاً بعرفة وكان يوم الجمعة فدل ذلك من فعله على إنه لا جمعة على المسافر فهو عمل صحيح إلا انه لا يدفع الصورة التي ذكرتها.أ. هـ .(1/96)
وقال الموفق (3/216) وأما المسافر فأكثر أهل العلم يرون أنه لا جمعة عليه كذلك قاله مالك في أهل المدينة والثوري في العراق والشافعي وإسحاق وأبو ثور وروي ذلك عن عطاء وعمر بن عبد العزيز والحسن والشعبي وحكي عن الزهري والنخعي أنها تجب عليه لان الجماعة تجب عليه فالجمعة أولى ولنا أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يسافر فلا يصلي الجمعة في سفره وكان في حجة الوداع بعرفة يوم الجمعة فصلى الظهر وجمع بينها ولم يصل جمعة والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم كانوا يسافرون للحج وغيره فلم يصل أحد منهم الجمعة في سفره وكذلك غيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم. وقد قال إبراهيم كانوا يقيمون بالري السنة وأكثر من ذلك وبسجستان السنين لا يجمعون ولا يشرقون ( ثم ذكر أثر أنس وعبد الرحمن بن سمرة وتقدما) ثم قال : وهذا إجماع مع السنة الثابتة فيه فلا يسوغ مخالفته .... إلى أن قال (3/220) والأفضل للمسافر حضور الجمعة لأنها أفضل
ونقل ابن عبد البر في الاستذكار (5/ 76) الإجماع على أنه ليس على المسافر جمعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) هذا الحمل من الحافظ ضعيف غريب وكلام الزهري واضح من نقله عن ابن المنذر فالمسافر عند الزهري له حالتان :-
أ - أن يكون حاضرا فيسمع النداء فعليه الحضور( وهو محل البحث) ونقول الأئمة عن الزهري إنما في هذه الصورة .
ب - إلا يكون كذلك فليس على المسافر جمعة.
وقد فطن ابن المنذر وحمل قول الزهري فليحضر معهم يعني إذا كان في بلد على الاستحباب حتى لا يخالف قول أهل العلم في إسقاط الجمعة عن المسافر فافهم .
( 3) قلت : هذا صريح فتوى الزهري لمعمر عند عبد الرزاق والحافظ لم ينسبه له وتقدم.
قال ابن حزم في المحلى (5/49) :-(1/97)
وسواء فيما ذكرنا في وجوب الجمعة للمسافر في سفره والعبد والحر والمقيم إلى قوله ( ص51) قال تعالى " يا أيها الذين أمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع" قال علي : فهذا خطاب لا يجوز أن يخرج منه مسافر ولا عبد بغير نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم. أ . هـ .
وقال البغوي في شرح السنة (4/226) :-
ولا تجب على المسافر وذهب النخعي والزهري إلى أن المسافر إذا سمع النداء (1) فعليه حضور الجمعة.
وقال النووي في المجموع(4/351) :-
لا تجب الجمعة على المسافر هذا مذهبنا لا خلاف فيه عندنا وحكاه ابن المنذر وغيره عن أكثر العلماء وقال الزهري والنخعي : إذا سمع النداء لزمه قال أصحابنا ويستحب له الجمعة للخروج من الخلاف ولأنها أكمل هذا إذا أمكنه .... أ . هـ .
قال العمراني في البيان (2/543) :-
ولا تجب الجمعة على المسافر وبه قال عامة الفقهاء ، وقال الزهري والنخعي إذا سمع النداء وجبت عليه ، دليلنا حديث جابر ، ولأنه مشغول بالسفر ويستحب له إذا كان في بلد وقت الجمعة أن يحضرها.
وقال ابن هبيره في الإفصاح (2/93) :-
" واتفقوا على أن الجمعة لا تجب على صبي ولا عبد ولا مسافر ولا امرأة إلا رواية عن أحمد رواها في العبد خاصة " أ .هـ. ونقل الاتفاق صديق حسن خان عن صاحب المسوي ....انظر الروضة الندية(1/341).
وقال المجد في المحرر(1/142):-
" ولا تجب على مسافر له القصر" .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع (24/184) :-(1/98)
" وكذلك يحتمل أن يقال بوجوب الجمعة على من في المصر من المسافرين وإن لم يجب عليهم الإتمام كما لو صلوا خلف من يتم فإن عليهم الإتمام تبعاً للإمام كذلك تجب عليهم الجمعة تبعاً للمقيمين.... لأن قوله تعالى " إذا نودي للصلاة " ونحوها يتناولهم وليس لهم عذر ولا ينبغي أن يكون في مصر المسلمين من لا يصلى الجمعة إلا من هو عاجز عنها كالمريض والمحبوس وهؤلاء قادرون عليها . لكن المسافرون لا يعقدون جمعة لكن إذا عقدها أهل المصر صلوا معهم وهذا أولى من إتمام الصلاة خف الإمام المقيم" أ . هـ . ونقله عنه في الاختيارات ملخصاً (ص119).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سماع النداء محله :-
أ. إذا كان المؤذن صيتاً.
ب. والأصوات هادئة .
ج. والرياح ساكنه.
د. والموانع منتفية . أ.هـ.من الإنصاف (5/66) زاد في المغني .(3/244 - 245).
هـ. والمستمع غير ساه ولا غافل.
و . وفي موضع عال ، ولم يذكر الموفق الموانع فحاصل ما ذكر ستة وحدوه بفرسخ. قلت : الفرسخ خمسة كيلو مترات.
وقال في الفروع (2/74) :-
ويحتمل أن يلزمه تبعاً للمقيمين خلافاً لهم قاله شيخنا وهو متجه. أ. هـ . يعني بشيخنا شيخ الإسلام ونقله ابن قاسم عن الشيخ وصاحب الفروع قال وهو من المفردات.
وقال الحافظ ابن رجب في شرحه على البخاري المسمى فتح الباري
(1/403) :-
على قول البخاري " باب من أين تؤتى الجمعة وعلى من تجب " لقول الله عز وجل ( إذا نودي للصلاة يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) وقال عطاء إذا كنت في قرية جامعة ، فنودي بالصلاة من يوم الجمعة ، فحق عليك أن تشهدها ، سمعت النداء أو لم تسمعه .
وكان أنس ابن مالك في قصره ، أحياناً يجمع ، وأحياناً لا يجمع ،وهو بالزاوية على فرسخين.
قال :- تضمن الذي ذكره مسألتين :-(1/99)
المسألة الأولى / أن من هو في قرية تقام فيها الجمعة ، فإنه إذا نودي فيها بالصلاة للجمعة وجب عليه السعي إلى الجمعة ، وشهودها سواء سمع النداء أو لم يسمعه ، وقد حكاه عن عطاء .
وهذا الذي في القرية ، إن كان من أهلها المستوطنين بها ، فلا خلاف في لزوم السعي إلى الجمعة له ، وسواء سمع النداء أو لم يسمع ، وقد نص على ذلك الشافعي وأحمد ، ونقل بعضهم الاتفاق عليه. وإن كان من غير أهلها ، فإن كان مسافراً يباح له القصر ، فأكثر العلماء على أنه لا يلزمه الجمعة مع أهل القرية ، وقد ذكرنا فيما تقدم أن المسافر لا جمعة عليه . وحكي عن الزهري والنخعي ، أنه يلزمه تبعاً لأهل القرية . وروي عن عطاء ـ أيضا ًـ ، أنه يلزمه.
وكذا قال الأوزاعي : إن أدركه الأذان قبل أن يرتحل فليجب .........الخ.
وقال الصنعاني في سبل السلام (2/157) :-
في شرح حديث ابن عمر " ليس على مسافر جمعة" ما نصه : " والمسافر لا يجب عليه حضورها وهو يحتمل أن يراد به : مباشر السفر وأما النازل فتجب عليه ولو نزل بمقدار الصلاة والى هذا جماعة من الآل وغيرهم ، وقيل لا تجب عليه لأنه داخل في لفظ المسافر واليه ذهب جماعة من الآل أيضاً وغيرهم وهو الأقرب لان أحكام السفر باقية له من القصر ونحوه ، ولذا لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة بعرفات في حجة الوداع لأنه كان مسافرا ، وكذلك العيد تسقط صلاته على للمسافر ، ولذا لم يرو أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة العيد في حجته ، وقد وهم ابن حزم رحمه الله فقال إنه صلاها في حجته ، وغلطه العلماء " أ .هـ .
وقال في مطالب النهى في شرح غاية المنتهى (1/758):-(1/100)
( ولا تجب على مسافر أبيح له القصر) لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون في الحج وغيره فلم يصل أحد منهم الجمعة فيه مع اجتماع الخلق الكثير ، وكما لا تجب عليه لا تلزمه بغيره نص عليه فلو أقام المسافر ما يمنع القصر لشغل أو علم أو نحوه . ولم ينوا استيطاناً لزمه بغيره لعموم الآية والأخبار. أ .هـ .
وفي الدرر السنية (5/6) :-
سئل الشيخ عبد الله بن محمد عن المسافر إذا أدركته الجمعة ؟ فأجاب المسافر إذا قدم ولم ينو إقامة تمنع القصر والفطر في رمضان فهذا لا جمعة عليه بحال فإذا صلى الجمعة مع أهل البلد أجزأته والأفضل في حقه حضورها إذا لم يمنع مانع فإن كان المسافر قد نوى إقامة مدة تمنع القصر والفطر فهذا تلزمه بغيره فإذا كان في بلد تقام فيها الجمعة وجب عليه حضورها. أ.هـ.
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (5/15) :-
بعدما قرر عدم وجوب الجمعة على المسافر بل بعدم صحتها من المسافرين قال ما نصه : " أما المسافر في بلد تقام فيه الجمعة كما لو مر إنسان في السفر ببلد ودخل فيه ليقيل ويستمر في سيره بعد الظهر فإنها تلزمه الجمعة لعموم قوله تعالى (يا أيها الذين أمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) وهذا عام ولم نعلم أن الصحابة الذين يفدون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويبقون إلى الجمعة يتركون صلاة الجمعة بل إن ظاهر السنة أنهم يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم. أ هـ . وقرر في فتاويه مثله (16/74) .
* وحاصل ما قيل في هذه المسألة : -
1- وجوب حضور الجمعة وأدائها وقال به النخعي والزهري وعطاء والأوزاعي والبخاري وابن حزم وشيخ الإسلام وابن حجر وصاحب الفروع وابن عثيمين وغيرهم.
2- عدم وجوب حضور الجمعة وقال به جماهير الأمة كما نقله ابن المنذر وابن رجب وغيرهم .(1/101)
3- استحباب حضور الجمعة لأنه أولى وأكمل وخروجاً من الخلاف ومما قال به الموفق (3/220) ونقله النووي عن بعض أصحابه من الشافعية وقال في الإنصاف (5/175) . فائدة كل من لا لم تجب عليه الجمعة لمرض أو سفر أو اختلف في وجوبها عليه كالعبد ونحوه فصلاة الجمعة أفضل في حقه وذكره ابن عقيل وهذا القول لا ينافي ما قبله .
وخلاصة حجج الموجبين :-
* عموم قوله تعالى " يا أيها الذين أمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله.....الآية " وهذا في البلد يسمع النداء ، فهذا العموم يتناوله وليس له عذر في التخلف .(1/102)
* أن الصحابة في المدينة كانوا يفدون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويشهدون الجمعة ولا يتخلفون عنها...... وبينوا ذلك فقالوا : - لما كان مسافراً جاداً به السير كان له الترخص بكامل رخص السفر من القصر والجمع والفطر والتنفل على الدابة ، وإذا نزل في مكان فإن جماعة من أهل العلم يقولون يقصر مع التوقيت إما وجوباً وإما استحباباً. ويمنعونه من التنفل على الدابة ومع ترخيصهم له بالفطر والقصر ويقولون إن الفطر والقصر مشروع له في الاقامات التي تتخلل في السفر بخلاف الصلاة على الراحلة فإنه لا يشرع إلا في حالة السير ، ولأن الله علق الفطر والقصر بمسمى السفر بخلاف الصلاة على الراحلة ، فليس فيه لفظ عام بل فيه الفعل الذي لا عموم له ، فهو من جنس الجمع بين الصلاتين الذي يباح للعذر مطلقاً .وقالوا أيضاً : إن نزول المسافر في مصر ومكثه مدة لا تمنع القصر ، فما الذي يخرجه من عموم قوله تعالى " يا أيها الذين أمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع" وهو من الذين آمنوا وهو شاهد يسمع النداء معافى ، فما الذي يحجزه عن شهود هذا الخير وامتناعه من السعي إلى ذكر الله؟ قالوا : وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العيد بخروج العواتق وذوات الخدور والحيض ليشهدن الخير ودعوة المسلمين ، وأيضاً والجمعة عيد المسلمين في الأسبوع ، وهي عيد بالنص والإجماع ، فلا بد أن يخرج لها من كان بالمصر من الذكور البالغين غير المعذورين والمسافر المستقر غير معذور ، وكيف يأمر النساء بالخروج من خدورهن والحيض ليشهدن العيد ويدع المسافرين فلا يأمرهم بشهود الجمعة ؟ بل أمرهم بشهود الجمعة أولى ، وأيضاً لم نعلم أن الصحابة الذين كانوا يفدون على النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يتخلفون عن الجمعة معه ، وقد أخرج مسلم من طريق سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال : قال أبو رفاعة : انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو(1/103)
يخطب قال فقلت : يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه ؟ قال فأقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك خطبته حتى انتهى إلي فأتي بكرسي حسبت قوائمه حديداً قال فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى خطبته فأتم أخرها " ومسلم أخرجه في أبواب الجمعة (1) وهذا هدي محمد صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه ،وقالوا إن من القواعد المقررة عند علماء الملة أنه يثبت تبعاً مالا يثبت استقلالا ، وهذه قاعدة صحيحة عند جماهير علماء الأمة على اختلاف مذاهبهم وقد اختلفت تعبيراتهم عنها، فعند الحنابلة ما قدمناه من لفظ القاعدة وعند الشافعية يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها ، وعند الأحناف الأصل أنه قد يثبت الشيء تبعا وحكماً وإن كان قد يبطل قصدا ، وقد ضرب العلماء لهذا القاعدة أمثله كثيرة في العبادات والمعاملات وقد دلت عليها الأدلة الشرعية وجاءت بتقريرها ومسألتنا فرد من أفراد تلك القاعدة : فلما كان المسافر قاراً في البلد ، كان حكمه في إجابة نداء الجمعة حكم المقيمين كما لو صلى المسافر خلف من يتم كان عليه أن يتم تبعا للإمام ، كذلك يجب عليهم الجمعة تبعاً للمقيمين ، بل شهودهم الجمعة أولى من إتمامهم الصلاة خلف المقيم.(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. برقم (876).
2. انظر كلام شيخ الإسلام المتقدم.(1/104)
قال المسقطون : مهلاً مهلاً فقد أجلبتم علينا بخيلكم ورجلكم وقد قلتم فأكثرتم وأحسنتم فأنصفونا فإنا نقول إن الله قد علق أحكاماً كثيرة بمسمى السفر من القصر والفطر والمسح ثلاثاً على الخفين ، والعفو عن الجمعة والاستعاضة عنها بالظهر مقصورة رحمة من الله وتخفيفاً ، وكل ذلك صدقة من الله على عباده فاقبلوا صدقته واكلفوا من الأعمال ما تطيقون فو الله لا يمل الله حتى تملوا .........وهذه المسامحة والعفو والتخفيف لا يحل رفعها عن عباد الله والاشقاق عليهم إلا بحجه بينه من كتاب الله وسنة نبيه أو أجماع متيقن أو قياس صحيح يجب المصير إليه ، وأين هذا في مسألتنا ؟
فأما قولكم عموم الآية وشمولها للمسافر القار فنحن نمنع ذلك . فكما لم يجب عليه الصوم ولم يدخل في قوله تعالى " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " كذلك لم يدخل في عموم آية الجمعة ، وسبب سقوط الصوم عنه السفر بنص الآية قال تعالى " ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من عدة أخر " فكذا في مسألتنا ونحن معنا فهم السلف وجمهورهم فهذا ابن عمر يقول" لا جمعة على مسافر" فهذا عذرهم الذي عذرهم به السلف، وأنتم أبيتم ذلك.!!
وأما قولكم إن المسافر إن مكث بمكان لا يقطع حكم السفر فإنه لا يتنفل على الدابة ما دام نازلاً وتتوصلون بهذا إلى أن أحكام المسافر القار تتبعض! فنعم فلا حاجة له إلى ركوب دابته والتنقل عليها ما دام نازلاً ، وإنما رخص له في حال السير وهكذا ثبتت به السنة . فكان ماذا ؟ !!(1/105)
وأما قولكم فكيف يأمر الحيض وذوات الخدور بالخروج للعيد ليشهدن الخير ودعوة المسلمين ، فكيف لا يشهد المسافر القار الخير في الجمعة ودعوة المسلمين وذكر الله ؟ فالجواب أننا نحاكمكم إلى أنفسكم فالعيد أنما هو مرتان في السنة ومجمعه أكبر مجامع المسلمين بعد مشهد عرفة فشرع لعامة المسلمين شهوده ومنهم المذكورات لقلة دورانه في الحول ، أما الجمعة فإنها تتكرر في السنة نحواً من خمسين مرة ، وأيضاً العيد لو لم تشهده المرأة فإنه لا بدل له ، والجمعة لها بدل مفروض فلم يستويا.
وأما قولكم لم نعلم أن الصحابة الذين كانوا يقصدون النبي صلى الله عليه وسلم ويفدون إليه أنهم كانوا يتخلفون عن التجميع معه ، فنعم فلعمرو الله لقد كانوا يشهدونها ويحرصون عليها ، فلقد كان نظرهم إليه وسماع كلامه أحب أليهم من آبا ئهم وأمهاتهم والناس أجمعين ، ونحن نشهد الله على ذلك فإنه أحب إلينا من آبائنا وأمهاتنا وأولادنا والناس أجمعين ولو خيرنا بين لقياه عليه الصلاة والسلام مع ذهاب الأهل و الأولاد والأموال وأهل الأرض كلهم لاخترنا لقياه عليه الصلاة والسلام على ذلك بأبي هو وأمي ، على أن الصحابة رضي الله عنهم كان لزاماً عليهم إذا كانوا معه صلى الله عليه وسلم على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ، قال تعالى " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم " النور (آية 62) . وقد فسر الأمر الجامع بشهود الجمعة أو كانوا في زحف ، صح التفسير بذلك عن الزهري وابن جريج كما رواه ابن جرير عنهما واختاره وهذا يعم أصحابه المقيمين والوافدين إليه وقد التزم نظير ذلك بعض أهل العلم في مسألتنا فقالوا : إذا حضر المسافر المسجد الجامع لزمته صلاة الجمعة(1/106)
وقد لام النبي عليه الصلاة والسلام من دخل المسجد ولم يصل وقال : ما منعكما أن تصليا معنا . مع أنهما قد صليا في رحالهما .... وهذه المسالة أخص من المسالة المتنازع فيها.
وأما قولكم إنه يثبت تبعاً مالا يثبت استقلالاً وأن المسافر يأخذ حكم المقيم إن كان ماكثاً نازلا في وجوب إجابة النداء فنحن نسلم بصحة هذه القاعدة ولكننا نقول إن محلها مالم يكن استقل التبع بحكم آخر يمنع إلحاقه بالمتبوع واعتبر هذا بالبهيمة المذكاة إن وجد جنين في بطنها أنه إذا خرج ميتاً فهو كجزء من أجزائها وإن خرج حياً فلا بد من تذكيته ولا يتبع أمه ، وفي مسألتنا فإن المسافر مستقل بأحكام خاصة تناسب حاله فلا يخرج عنها إلا بدليل ، وإنما يثبت تبعاً هنا أهل مصر ممن لا يسمع النداء ومن كان حوله وحده كثير منهم بفرسخ.
فهذا نهاية إقدام الفريقين وغاية سجال الطائفتين ، وأنا على مذهب جماهير الأمة (1) من عدم الوجوب والإلزام ، نعم يستحب شهودها من غير حرج وانحتام . قال الشاطبي في الموافقات (1/443) : وأما الرابع فكأسباب الرخص هي موانع من الانحتام بمعنى أنه لا حرج على من ترك العزيمة ميلا ً إلى جهة الرخصة كقصر المسافر وفطره وتركه الجمعة وما أشبه ذلك .
نعود إلى سياق حديث جابر قال :
(.....ثم ركب حتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس ، وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص , ودفع , وقد شنق للقصواء الزمام حتى وإن رأسها ليصيب مورك رحله , ويقول بيده اليمنى " أيها الناس السكينة السكينة " وكلما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد.......)(1/107)
ووقف النبي عليه الصلاة والسلام ذلك اليوم مفطراً كما ثبت عنه في الصحيح أنه شرب شيئاً من اللبن وجاء عنه في السنن أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة لكن في إسناده إبراهيم بن مهدي الهجري وضعفه غير واحد وذكر العقيلي هذا في منكراته فالحديث لا يثبت لكن الصيام مكروه وروى مالك في موطئه عن عائشة بإسناد صحيح (أنها كانت تصوم يوم عرفة بعرفة) والسنة خلاف هذا , فهذا من اجتهادها.
وهذا اليوم هو من أعظم الأيام وينبغي للإنسان أن يهتبل هذه الفرصة العظيمة وهذا اليوم وهذه العشية فلا تذهب عليه سُدى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. قال القرافي في الفروق (2/557) :- والحق لا يفوت الجمهور غالباً .
(...حتى أتى مزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً.... )
في مزدلفة أتاها عليه الصلاة والسلام ثم بادر بصلاة المغرب ثم بعد ذلك صلى العشاء عليه الصلاة والسلام ولكن ثبت في الصحيح أنهم أناخوا دوابهم بين المغرب والعشاء (ولم يسبح بينهما) يعني لم يصل بينهما صلاة النافلة (والسبحة) هنا النافلة.وفي البخاري عن ابن مسعود أنه صلى بعد المغرب ركعتين وهذا من اجتهاده وكذلك أذانه للعشاء ، والسنة خلافه.
وجاء عن ابن عمر عند البخاري (ولا على إثر كل واحدة منهما) فلا يصلي بعد المغرب ولا بعد العشاء شيء لكنه أوتر عليه الصلاة والسلام لعمومات الأحاديث ولأنه الأصل وقوله (ثم اضطجع حتى طلع الفجر) هو عليه السلام أذن للظعن أن يسيروا والظاهر أنه في آخر الليل كان استيقظ بعض الوقت وأذن لبعض أزواجه كسودة وأم حبيبه , وكذلك بعث ابن عباس في ضعفة أهله فليس فيه دليل على ترك صلاة الوتر في تلك الليلة لكنه يأتي بأصل الوتر ولا يطيل حتى يرتاح و أعمال يوم العاشر يوم العيد يوم الحج الأكبر يوم النحر(1/108)
وهو أفضل الأيام كما في حديث عبد الله بن قرط: (أفضل الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر) يعني يوم الحادي عشر يوم الاستقرار بمنى. . وأيضاً زيادة ولا على إثر كل واحدة منهما تفرد بها ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن ابن عمر فالحفاظ من أصحاب الزهري كمالك ويونس ومعمر ليس أحد منهم يذكر هذه الزياده , وأيضاً أصحاب سالم لا يذكرونها , وكذا أصحاب ابن عمر لا يذكرونها كسعيد بن جبير و نافع ولا يذكرها سليم والدالأ شعث , فالقدر المحفوظ في الخبر ولم يسبح بينهما حسب وهو المذكور في حديث جابر حيث قال : حتى أتى مزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين , ولم يسبح بينهما شيئاً ثم اضطجع وأيضاً في رواية ابن أبي ذئب عن الزهري كلام يقع فيها اضطراب وقد قيل إنها عرض والخلاصة أن الوتر مشروع في كل السنة ومن خالف ذلك فإنما هو شي زاده من عنده
(....ثم اضطجع حتى طلع الفجر, وصلى الفجر, حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام, فاستقبل القبلة, فدعاه وكبره وهلله.... )
وفي رواية عند غير المؤلف (حتى أتى المشعر الحرام فرقِي عليه) وقوله في الحديث (صلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ) هذا هو السنة وهذا أصح ما جاء في صفة الأذان والإقامة يعني في عدد الأذان ، فالأذان لا يؤذن مرتين, إنما يؤذن أذان واحداً ويقيم إقامتين، وما سوى ذلك فهو وهم وإن وقع في الصحيح شيء منه عن ابن مسعود فهو من اجتهاده، وأما عن ابن عمر فوقع اضطراب كثير وهكذا السنة للمسافر أنه إذا صلى صلاة مجموعة يؤذن للأولى ويقيم للأولى والثانية وهو ما جاء في حديث جابر لأن الأذان دعوة غائبين وقد حضروا به ، فلم يحتج إلى تكراره وأما الإقامة تأهب للدخول في الصلاة فهو دعوة حاضرين فاحتيج إلى ذلك فافهم.
(.....فاستقبل القبلة , فدعاه وكبره وهلله , فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً, فدفع قبل أن تطلع الشمس , حتى أتى بطن محسر فحرك قليلاً......)(1/109)
هذا هو السنة أنه يدفع قبل طلوع الشمس كما أن السنة أنه يدفع في عرفة بعد غروب الشمس واختفاء القرص فلا يدفع في عرفة قبل غروب الشمس فيشابه المشركين ولا يدفع من مزدلفة بعد طلوع الشمس فيتشبه بالمشركين فالنبي صلى الله عليه وسلم خالفهم في هذين الموقفين وهكذا استقر الحج على مخالفة المشركين، كان المشركون لا يخرجون إلى عرفة وهو خرج عليه الصلاة والسلام ودفع بعد ما غربت الشمس وكانوا يدفعون قبل ذلك وأفاض من مزدلفة قبل طلوع الشمس وكانوا يفيضون بعد طلوع الشمس.
ومحسر من منى كما ثبت في حديث الفضل بن عباس عند مسلم ومحسر من منى وقال ابن القيم في الهدي: ومحسر حرم وليس بمشعر وهو برزخ بين مزدلفة ومنى.وهذا وهم منه وإلا هو من منى وإذا قلنا هو من منى فهو مشعر يعني: مكان للنسك , والمشعر هو المكان للنسك.
(.... ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى , حتى أتى على الجمرة التي تخرج عند الشجرة ، فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاه منها , مثل حصى الحذف , رمى من بطن الوادي ..... )
انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من مزدلفة إلى منى راكباً وفي حديث كريب أنه سأل أسامه بن زيد كيف صنعتم حين ردف رسول الله فذكر الحديث فكيف فعلتم حين أصبحتم ؟ قال ردفه الفضل بن عباس ، وانطلقت أنا في سباق قريش على رجلى .أخرجه مسلم وبعض أصحابه رموا راكبين وبعضهم رموا على أقدامهم.
والحصيات أخذها عليه الصلاة والسلام من الطريق ،لم يثبت أنها أخذها من مزدلفة فالظاهر أنه أخذها من الطريق قبيل رمي الجمرة وإن أخذها من مزدلفة على وجهٍ لا يقصد به التسنن بل يقصد التهيؤ حتى يكون أول ما يأتي منى يرمي ولأنه قد لا يجد مكاناً يأخذ منه فلا بأس ، أما جمع السبعين حصاة لمن يتأخر فيمكث ثلاثة أيام وَصرُّها معه هذا كله خلاف السنة.(1/110)
(....ثم انصرف إلى المنحر فنحر , ثم ركب رسول الله صلى اللله عليه وسلم ، فأفاض إلى البيت ، فصلى بمكة الظهر.) رواه مسلم مطولاً.
لما أتى منى عليه الصلاة والسلام كانت تحية منى رمي الجمار وكان يلبي حتى شرع في رمي الحصاة الأولى وجاء عند ابن خزيمة فلم يزل يلبي حتى رمى الجمرة ولم يقطع التلبيه حتى آخر حصاه ، ولكن هذه الرواية شاذة والصحيح أنه قطع التلبية مع أول جمرة فكان يكبر، كبر عند رمي الحصاه الأولى وقطع التلبية لأنه شرع في أسباب التحلل ، ولما رمى عليه الصلاة والسلام ذهب و نحر ثلاثاً وستين بدنه وكان قد أهدئ مائة بدنة فنحر ثلاثاً وستين بيده عليه الصلاة والسلام. قال ابن حبان وفيه إشارة إلى سني عمره. وكمل الباقي علي رضي الله عنه , ثم بعد ذلك حلق رأسه ثم طيبته عائشة ثم ذهب إلى البيت فطاف عليه الصلاة والسلام ولم يسع لأنه قد تقدم سعيه بعد طواف القدوم وفي حديث جابر هنا (فصلى الظهر بمكة) وحديث ابن عمر في مسلم من طريق عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى" ولم يروه البخاري وإنما علقه عن ابن عمر موقوفاً فقال: وقال لنا أبو نعيم حدثنا سفيان (وهو الثوري ) عن عبيد الله به موقوفاً وليس فيه ذكر الصلاة ثم قال البخاري ورفعه عبد الرزاق عن عبيد الله , مشيراً إلى رواية مسلم فلا يصح أن يقال عن الحديث متفق عليه.وطريق الجمع على كل حال ممكن لعل أصحابه انتظروه فجاء فصلى بهم ، وإلا بعض أهل العلم رجح لفظ حديث جابر لأنه ضبط الحج وحفظه..
وهذا اليوم العاشر يسمى يوم النحر والحادي عشر يوم القر و الثاني عشر يسمى يوم النفر الأول عند أهل العلم والثالث عشر يسمى يوم النفر الثاني ويوم الثامن يسمى يوم التروية ويوم التاسع يسمى يوم عرفة فكل يوم من أيام الحج له اسم. و الفوائد في هذا الحديث كثيرة ولكن سياقه وما تقدم من فوائد فيها الكفاية.(1/111)
** الحديث الثلاثون:عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من تلبية في حج أو عمرة سأل الله رضوانه والجنة، واستعاذ برحمته من النار ) رواه الشافعي بإسناد ضعيف.
هذا الحديث ليس بشيء ضعيف في إسناده شيخ الشافعي إبراهيم بن محمد الأسلمي (تالف) وكذلك فيه (صالح بن محمد بن زائدة) منكر الحديث وهو يرويه عن عمارة عن خزيمة ابن ثابت عن أبيه عن النبي عليه الصلاة والسلام فلا يشرع هذا الذكر بعد التلبية والمؤلف ذكره لأنه ورد في الباب ولم يرد أن هذا صحيح ولذلك قد نص على ضعفه.
**الحديث الحادي والثلاثون: وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نحرت هاهنا ، ومنى كلها منحر , فانحروا في رحالكم , ووقفت هاهنا وعرفة كلها موقف , ووقفت هاهنا وجمع كلها موقف " رواه مسلم .
طبعاً بهذا السياق مقطع من الحديث أجزاء مجموعة , و إلا هذا التركيب لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم بهذا النسق فقوله (نحرت هاهنا ومنى كلها منحر) وجاء في لفظ (وفجاج مكة طريق منحر) وهذا من تيسير الله عز وجل.
إن النحر ينحر الإنسان بمنى وينحر بمزدلفة و ينحر بمكة في حدود الأميال في (الحرم) فالذبح ذبح الهدايا لابد أن يكون في الحرم ولا يجزئ عند أهل العلم أنه يذبح في الحل يذبح في (عرفة) أو التنعيم لابد أن يذبح في الحرم والمشهور عند أهل العلم أنه إذا ذبح في الحل أن هذا لا يجزئ ولابد من الإعادة.
وقوله (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) كذلك يعني أن الإنسان يقف في أي مكان إن تيسر له المكان الذي وقف فيه النبي عليه الصلاة السلام وإلا ففي أي مكان من عرفة وكذلك في (جمع) وهي مزدلفة.
** الحديث الثاني والثلاثون: وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى مكة دخل من أعلاها وخرج من أسفلها. متفق عليه(1/112)
أعلاها يسمى الحجون ويسمى الآن (آبار الزاهر) وأسفلها يسمى (المسفلة) وهل هذا على سبيل السنية أو فعله لأنه أسمح لدخوله وخروجه؟
فيه خلاف بين أهل العلم وقال بعضهم إن هذا من جنس الدخول من طريق والرجوع من آخر نظير ما يفعل في العيد والأقرب والله أعلم أنه سنة ثم إن فيه سهولة أيضاً فإنه يأتي من شرق الكعبة من وجهها من جهة الباب ويخرج من دبر الكعبة.
** الحديث الثالث والثلاثون: وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ويذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم . متفق عليه
هذا (ذي طوى) يسمى الآن آبار الزاهر وفيه شرعية الاغتسال لدخول مكة , وفيه جواز غسل المحرم ولو من غير جنابة والنبي عليه الصلاة والسلام بات بذي طوى وهو (الأبطح) وهو الدخول من الحجون الذي ذكرناه فيما تقدم ويسمى (كداء) ويسمى الخروج من أسفلها من مكان يقال له (كُدي) قال بعضهم (افتح وادخل وأضمم واخرج).
** الحديث الرابع والثلاثون: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقبل الحجر الأسود ويسجد عليه . رواه الحاكم مرفوعاً والبيهقي موقوفاً .
هذا الحديث يرويه الحاكم من طريق جعفر بن عبد الله عن محمد بن عباس ابن جعفر بن عباس وجعفر بن عبد الله ظن الحاكم أنه ابن عبد الله بن الحكم الثقة والصحيح أنه جعفر بن عبد الله بن عثمان كما في سنن الدارمي نص عليه غير واحد كالبيهقي والحافظ وغيرهم والحديث هذا لا يثبت فيه أكثر من علة:
1) فيه جعفر هذا في حديثه وهم واضطراب كما قال العقيلي وذكر هذا الحديث في ترجمته.
2) وأيضاً الصحيح عن ابن عباس الوقف كما رواه عبد الرزاق عن ابن جريح قال أخبرنا محمد بن عباد بن جعفر عن ابن عباس ووقفه وهذا إسناد صحيح فالصحيح وقفه على ابن عباس.(1/113)
3) ويمكن أيضاً يضاف علة ثالثة أن المحفوظ في الأحاديث الصحيحة (التقبيل فقط) وليس في الدنيا شيء يقبل على وجه التعبد إلا الحجر الأسود وليس في الدنيا شيء يستلم ويمسح على وجه التعبد إلا الحجر الأسود والركن اليماني وبهذا يعلم أن ما يفعله الآن كثير من العوام من تقبيل المصحف ووضعه على الجبهة أو وضعه على الوجه أو السجود عليه كله من البدع ليس له أصل.
وقد روى الدارمي في (سننه) عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن أيوب عن ابن أبي مليكة أن عكرمة بن أبي جهل كان يضع المصحف على وجهه يقول: كلام ربي، كلام ربي لكن هذا لا يثبت لأن ابن أبي مليكة لم يدرك عكرمة بن أبي جهل، الانقطاع بينهما ظاهر ، فعلى هذا لا يجوز تقبيل المصحف ولا وضعه على الوجه لضعف هذا الأثر ثم هو عن صحابي والأصل أن العبادات توقيفيه.
وحديث الباب فيه تقبيل الحجر الأسود وأما السجود عليه فهو مروي عن ابن عباس موقوفاً كما تقدم لكن لا يقال إنه (بدعة) لأنه جاء عن صحابة , ومن فضائل الحجر الأسود ما رواه أحمد (1/307) والنسائي من طريق حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : نزل الحجر الأسود من الجنة . وهذا إسناد صحيح .
** الحديث الخامس والثلاثون : عن ابن عباس رضي الله عنه قال: أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواطٍ ويمشوا أربعاً ما بين الركنين. متفق عليه.(1/114)
تركيب الحديث هذا فيه شيء من النظر لأنه قال ( أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا أربعاً ما بين الركنين) فيوهم أنه يمشي أربعاً بين الركنين ولكن السياق الصحيح بإسقاط لفظة (أربعاً) فيكون (أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا ما بين الركنين) وهذا كان في عمرة القضية كانوا يمشون بين الركنين ولكن استقرت السنة في حجة الوداع عنه عليه الصلاة والسلام أنه رمل في الثلاثة كلها من الحجر إلى الحجر ومشى في الأربعة الباقية ، عندنا زيادة عن ابن عمر رضي الله عنهما (أنه كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول أي (طواف القدوم) خب ثلاثاً ومشى أربعاً وفي رواية رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا طاف في الحج والعمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت ثم يمشي أربعة) فيه شرعية الرمل في طواف القدوم خاصة في الثلاث الأشواط الأولى , وأما إذا كان الإنسان أتى البيت بعد أن أتاه أول مرة في طواف القدوم كما يفعل الآن الحجاج في طواف الإفاضة أو طواف الوداع فإنهم لا يرملون في الثلاثة الأشواط الأولى لأن الرمل إنما هو مشروع في طواف القدوم خاصة.
** الحديث السادس والثلاثون :عن ابن عباس رضي الله عنه قال : لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت غير الركنين اليمانيين . رواه مسلم.(1/115)
هذا هو السنة استلام الركنين اليمانيين بتخفيف الياء الأولى لأنها لا تشدد وإنما استلمهما النبي عليه الصلاة السلام لأنهما على القواعد على قواعد إبراهيم وقبل الركن الذي فيه الحجر لوجود الحجر واستلم الركن اليماني لأنه على قواعد إبراهيم فاستقرت السنة على هذا فالحجر الأسود ُيقِّبل ويستلم فإن لم يستطيع تقبيله مسحه بيده وقبل يده فإن لم يستطع مسحه بيده وكان بيده آله كمحجن أو عصا استلمه بالعصا أو بالمحجن وقبل المحجن فإن تعسر أو تعذر ذلك فإنه يشير إليه ويكبر هذا كله اختص به الحجر وليس للركن اليماني من هذا سوى المسح فقط فإنه يُمسح ، فإذا تعسر عليه فلا يشير إليه ولا يكبر وليس له إلا المسح فقط وما ذكره ابن القيم في الهدي من قوله : وذكر الطبراني عنه (أي النبي صلى الله عليه وسلم ) بإسناد جيد أنه كان إذا استلم الركن اليماني قال : بسم الله والله أكبر... " ففي هذا نظر فالصحيح أن هذا الأثر موقوف على ابن عمر كما رواه أحمد والطبراني في كتاب الدعاء له ( 2/1201) والبيهقي ( 5/79) وثانياً : أن هذا عند الحجر الأسود ففيه عند من أخرجه فيأتي البيت ويستلم الحجر ويقول "بسم الله والله أكبر " وليس في الخبر زيادة اليماني وابن القيم ساقه من حفظه ، وشيخنا ابن باز رحمه الله ذكر نحو كلام ابن القيم في منسكه فالقول فيه كما تقدم , وزيادة البسملة قبل التكبير من اجتهاد ابن عمر رضي الله عنه. أما الأركان الشامية والعراقية فإنها لا يشار إليها ولا يُكبَّر عندها ولا يلتفت إليها في أثناء الطواف ولهذا أنكر ابن عباس على معاوية لما قال (ليس شيء من البيت مهجوراً) قال: صدقت ولكن ما كنا نفعل هذا مع النبي عليه الصلاة والسلام وقد قال الله تعالى:(( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)) فرجع إليه معاوية وهل معنى هذا أن الكعبة لو كانت على (قواعد إبراهيم) أنها تستلم؟(1/116)
هذا هو الأصل ولكن هذه المسألة الآن غير متصورة لأن الكعبة على ما تعلمون الآن ناقصة البناء فهذا هو البناء هو الذي كان على عهده عليه الصلاة والسلام.
ولما مات النبي عليه الصلاة والسلام حدّثت عائشة ابن الزبير بعدما ولي خلافة الحجاز وما والاه فمدها على الأركان الأربعة ثم بعد ذلك لما صار بينه وبين عبد الملك ما صار وانتهى بقتله ردها عبد الملك بن مروان على ما كانت عليه , وزعم أن ابن الزبير كذب في خبره عن عائشة في بناء الكعبة , ثم ندم على ما وقع منه لما حدثه الحارث بن عبدالله بن أبي ربيعة أنه سمع عائشة تذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم وده بناء الكعبة على قواعد إبراهيم وخبر ندمه عند مسلم .
ثم لما جاء بعض خلفاء بني العباس استفتى مالكاً في ذلك فقال:أخشى أن يصير ملعبة للملوك ، فتركها فكانت على ما هي عليه إلى الساعة قال الحافظ : ولم أقف في شيء في التواريخ على أن أحد من الخلفاء ولا من دونهم غير من الكعبة شيئاً مما صنعه الحجاج إلى الآن.......0 أ.هـ , ولعل في ذلك حكمة حتى يكون الإنسان يدخل الإنسان ويخرج من باب هذا الذي تمناه النبي عليه الصلاة والسلام قال (لولا أن قومك حُدثاء عهد بكفر لنقضت الكعبة ولألصقت بابها بالأرض ولجعلت لها بابين باب يدخل منه الناس وباب يخرجون منه) هم الآن يدخلون ويخرجون من الفتحات التي عند الحِجر هكذا يقال (الحجر) ولا يقال (حِجر إسماعيل) لأن إسماعيل ليس مدفوناً هناك ولم يصح هذا وكيف يصح هذا فيكون المسجد الحرام مبنياً على قبر؟ إنما يقال له: الحِجر يعني المحجور ويقال له (الحطيم ) أي المحطوم.
** الحديث السابع والثلاثون:عن عمر رضي الله عنه أنه قبل الحجر الأسود فقال : إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك . متفق عليه.(1/117)
ما يقبل إلا الحجر الأسود كما تقدم ولا يمسح إلا هو والركن اليماني وهذا التقبيل تأسياً بالنبي عليه الصلاة والسلام وعبادة لرب العالمين وأما ما بين الحجر الأسود والركن اليماني وحيطان الكعبة فإنها لا تستلم ولا تقبل غاية ما فيه جاء في الملتزم أن الصحابة فعلوه عبد الله ابن عمر و عبد الله ابن عمرو في بعضها التقييد بطواف الوداع وفي بعضها الإطلاق في الملتزم ما بين الباب وما بين الحجَر ، وجاء التزام الكعبة في الخارج في غير الملتزم من جماعة من السلف والاقتصار على ما ورد عن الصحابة وهو المتعين.
وروي كذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة التزم جدارها من الداخل والالتزام أن يضع اليدين والصدر والخدين وهذا جاء عند أحمد (5/209) والنسائي (5/220) من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء ابن أبي رباح عن أسامة.
وبعضهم أجاز الاستسلام من الخارج قياساً على هذا الحديث من الداخل قالوا: لما استلمها من الداخل جاز استلامها من الخارج! ولكن نقول الحديث أصلاً لا يثبت ولو ثبت فهو من الداخل والحديث فيه انقطاع بين عطاء وأسامة.
** الحديث الثامن والثلاثون: عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه , ويقبل المحجن . رواه مسلم.
** الحديث التاسع والثلاثون : وعن يعلى أمية رضي الله عنه قال: طاف النبي صلى الله عليه وسلم مضطبعاً ببرد خضر . رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي
هذا الحديث يرويه هؤلاء من طريق سفيان عن ابن جريح عن عبد الحميد وهو ابن جبير عن ابن يعلى عن أبيه وابن يعلى هذا هو صفوان لا بأس به فالحديث صحيح.
والاضطباع هو أن الإنسان يجعل الرداء وسطه تحت يده اليمنى وطرفاه على عاتقه الأيسر وهذا يكون في طواف القدوم في الأشواط السبعة كلها وأما الرمل في الثلاثة الأولى وفيه أيضاً لبس الأخضر فلا بأس.(1/118)
** الحديث الأربعون: وعن أنس رضي الله عنه قال: كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه , ويكبر منا المكبر فلا ينكر عليه . متفق عليه.
هذا الحديث جاء في صفة غدوه من منى إلى عرفات ففيه مشروعية التكبير ومشروعية التلبية للحاج أما التلبية فلأنه حاج وأما التكبير فلأنها من أيام التكبير والتكبير المطلق يبدأ عند جماهير أهل العلم من دخول ذي الحجة حتى نهاية اليوم الثالث عشر من ذي الحجة تكبير مطلق في كل وقت ولكن ليس في هذا التكبير المقيد في أدبار الصلاة فإنه يبدأ من فجر يوم عرفة كما صح ذلك عن ابن مسعود وعن جماعة من السلف يبدأ من فجر عرفة يكبر دبر كل صلاة بعد الاستغفار ثلاثا، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ويكبر ويستمر التكبير المطلق فيجتمعان يجتمع التكبير المطلق والمقيد من فجر يوم عرفة وقال بعضهم إن كان الإنسان حاجاً من ظهر يوم النحر لأنه قبله مشتغل بالتلبية ولكن الصحيح أن الحاج يخلط التلبية بالتكبير كما دل عليه الحديث.
وصفة التكبير كما روى ابن مسعود عند عبد الرزاق وعن سلمان (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد).
ومن أحسن من تكلم على مسألة التكبير الحافظ ابن رجب في فتح الباري وقال إن هذا العمل الذي ينقل عن السلف جيلاً بعد جيل يجري مجرى الخبر المسند وإن لم يكن فيه حديث مرفوع فالصحابة أسوة , ونقل إجماع الصحابة على هذا بل نقل الإجماع عن غير واحد كأحمد رحمه الله في التكبير المقيد .
** الحديث الحادي والأربعون: وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بعثني النبي الله صلى الله عليه وسلم في الثقل , أو قال : في الضعفة , من جمع , بليل. متفق عليه.(1/119)
هذا فيه إذن النبي عليه الصلاة والسلام للضفعاء وقوله (الثقل) المتاع والنساء وما أشبه ذلك إذا كن ضعيفات وجاء كذلك في حديث أسماء عند البخاري (أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للظعن) وظاهر الحديث هذا أنه إذا أذِن لمن تعجل في آخر الليل أنه يقدَم فيرمي حتى لا يدركهم الأقوياء ولأن الرمي تحية منى فلا ينبغي أن يبدأ بغيره فهذا هو الأقرب بل هو ظاهر السنة، وفي حديث أسماء أنها رمت ثم أتت إلى مكانها ثم قال لها مولاها عبد الله وهو ابن كيسان (وما أرانا إلا قد غلّسنا) قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن للظعن فلا إشكال عندي في جواز الرمي لمن تعجل و ذهب آخر الليل حتى لا يدركه الأقوياء , وأما أحاديث النهي عن الرمي قبل طلوع الشمس يأتي الكلام عنها.
** الحديث الثاني والأربعون: وعن عائشة رضي الله عنها قالت : استأذنت سودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة مزدلفة أن تدفع قبله ,وكانت ثبطة , يعني ثقيلة فأذن لها . متفق عليه
وعند مشايخنا أن من كان مع الضعيف من الأقوياء فإن حكمه كحكمه لأنه قد يشق عليه الانفصال عنه فيرمي الضعيف ولا يرمي القوي فالأشبه أن هذا من باب (يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً) والأفضل للقادر أن يؤخر لكن إن كان مع ضعفاء وشق كما عليه في مثل هذه الأزمنة من الزحام الشديد فلا بأس.
** الحديث الثالث والأربعون: وعن ابن عباس رضي اله رضي الله عنهما قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس" رواه الخمسة إلا النسائي . وفيه انقطاع.
لا داعي لاستثناء النسائي ، الحديث أخرجه النسائي وهذا سبق قلم من الحافظ فالصحيح رواه الخمسة فقد أخرجه في سننه والحديث منقطع لأنه من طريق الحسن العرني عن ابن عباس كما قال أحمد إنه منقطع.(1/120)
والحديث هذا ضعفه البخاري في التاريخ الأوسط المسمى (بالصغير) غلظاً (مطبوع في مجلدين) باسم (التاريخ الصغير) صوابه (التاريخ الأوسط) وهذا الحديث جاء من طرق عن ابن عباس ولكن كلها معلولة وكلها لا تسلم من مقال، وقول الحافظ : وهذه الطرق يقوي بعضها بعضا فيه نظر , حتى لو سلم ذلك ففيها مخالفة لما في الصحيح!! والصحيح أن من تعجل من الضّعفة إنه يجوز له أن يرمي قبل طلوع الشمس وشيخنا ابن باز رحمه الله يحمل هذا الحديث لو صح على أنه على الاستحباب فالأفضل ترك الرمي حتى تطلع الشمس ولو رمى قبل ذلك لا بأس.
** الحديث الرابع والأربعون: عن عائشة رضي الله عنها قالت : أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت . رواه أبو داود وإسناده على شرط مسلم .
حديث عائشة رواه أبو داود والبيهقي من طريق الضحاك بن عثمان عن عائشة ووقع في هذا الحديث اضطراب في السند والمتن جاء في بعض ألفاظ الحديث (أن النبي أمرها أن توافيه في صلاة الصبح بمكة) وهذه اللفظة منكرة استنكرها الإمام أحمد ويحيى بن سعيد وغيرهم والنبي كان يصلي الفجر بمزدلفة فكيف بأمرها أن توافيه بمكة؟ وكذلك أعل الحديث بالإرسال.
وبكل حال مسألة تعجل النساء أن كن ضعيفات في آخر الليل إلى مزدلفة هذا جاء في أحاديث صحاح كما في حديث أسماء تقدم ذكره وفي الصحيحين عن ابن عمر أنه كان يقدم ضعفة أهله إلى منى وفي صحيح مسلم من حديث أم حبيبة قالت: كنا نغلس من جمع إلى منى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن لازم التعجيل -كما تقدم- أنهم يرمون الجمار ومن أحب أن يطوف بعد ذلك ولو قبل طلوع الشمس فلا بأس على القول الراجح والحديث على ما فيه شواهده في الصحيح والمحفوظ أنه من مسند أم سلمة.(1/121)
** الحديث الخامس والأربعون: وعن عروة بن مضرس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من شهد صلاتنا هذه يعني بمزدلفة فوقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه . رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن خزيمة.
الحديث رواه أهل السنن من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عروة ابن مضرس وقد صححه ابن خزيمة والدار قطني والترمذي وغيرهم.
سبب هذا الحديث أن عروة بن مضرس قدم من حائل من جبال طيء فجاء إلى النبي عليه السلام في مزدلفة وقال له: أتعبت نفسي وأكللت راحلتي وما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج.
فقال النبي عليه السلام: من شهد صلاتنا (صلاة الفجر في مزدلفة) ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه، وقضى تفثه. وقوله (ليلاً أو نهاراً) استدل به الحنابلة على أن الوقوف بعرفة قبل الزوال مجزيء.
وأخذوا بعموم هذا الحديث وقالوا إن (نهاراً) تشمل من طلوع الشمس إلى الزوال إلى الغروب وخالفهم الجمهور وقالوا إن هذا الحديث بينه عليه الصلاة والسلام بفعله وأن قوله (ليلاً أو نهاراً) أي في وقت وقوفه وهو لم يقف إلا بعد الزوال.
وثمرة المسألة:
لو أن إنساناً وقف قبل الزوال ودفع قبل الزوال إلى مزدلفة فما حكم حجه؟ على قول الحنابلة حجه صحيح وعليه دم وعلى قول الجمهور حجه غير صحيح وقول الجمهور أحوط.
وفيه من الفوائد امتداد وقت الوقوف حتى طلوع الفجر فمن وافى عرفة قبل طلوع الفجر وهو من أهل الوقوف فقد تم حجه وقضى تفثه.
وفيه من الفوائد أن من تأخر عن مزدلفة بسبب أو عذر فلم يوافها حتى طلع الفجر فإنه ليس عليه شيء فالنبي قال (تم حجه وقضى تفثه) فلو أن إنساناً حبس في الناقلات أو الطرق أو تأخر ما عقد النية إلا قبل طلوع الفجر فوقف بعرفات لحظات ثم أتى مزدلفة والناس يصلون أو بعد الصلاة فإنه يقف ما تيسر حتى يسفر جداً ثم يذهب إلى منى.(1/122)
** الحديث السادس والأربعون:وعن عمر رضي الله عنه قال : "إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس ويقولون : أشرق ثبير , وإن النبي صلى الله عليه وسلم خالفهم , ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس " رواه البخاري.
سبق بيان هذا في حديث جابر وأن المشركين كانوا ينتظرون طلوع الشمس وقولهم (أشرق ثبير) هذا خطاب لجماد ولكن هذا عند أهل اللغة إذا طلب من الجماد شيء فهو من باب التمني كقولك :
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي
بصبح وما الإصباح منك بأمثل
والنبي خالفهم فأفاض قبل أن تطلع الشمس.
ومن فوائده المنع من التأخر وأن الإنسان يفيض إلى منى قبل طلوع الشمس إلا إذا تأخر بسبب زحام مثلاً فلا بأس.
وعن ابن عباس وأسامة بن زيد رضي الله عنهم قالا : " لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة " رواه البخاري.
هذا السياق الصحيح وقوله (حتى رمى) هل هو حتى شرع أو حتى أتم؟ الصواب: حتى شرع لأنه جاء في حديث جابر كما تقدم (يكبر مع كل حصاة) فانقطعت التلبية بالتكبير فانقطعت مع أول حصاة وشرع بالتكبير وهذا ظاهر سياق الصحيح ورواه النسائي وابن خزيمة بلفظ (فلم يزل يلبي حتى رمى الجمرة حتى قطع التلبية مع أخر حصاة) ولكن لفظ الصحيح أصح وأن التلبية تنقطع بمجرد الشروع في الرمي ، ولأنه شرع في أسباب التحلل.
وعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أنه جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ورمى الجمرة بسبع حصيات وقال : هذا مقام الذي أُنزلت عليه سورة البقرة " متفق عليه.
هذه السنة عند رمي جمرة العقبة يجعل مكة البيت عن يساره ومنى عن يمينه ويستقبل الجمرة والأصحاب يقولون: يجعل الجمرة عن يمينه ويستقبل البيت فيصبح يرمي عن يمين ولكن هذا ضعيف وهذا هو صفة رمي جمرة العقبة في يوم العيد والأيام بعده وقول ابن مسعود هذا مقام الذي أُنزلت عليه سورة البقرة خصها بالذكر لأن أحكام الحج وآيات الحج نزلت في سورة البقرة.(1/123)
** الحديث السابع والأربعون :وعن جابر رضي الله عنه قال : رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى , وأما بعد فإذا زالت الشمس " رواه مسلم.
في هذا تحديد الرمي أما رمي جمرة العقبة فقد رماها عليه السلام ضحى ووقع في صحيح البخاري (رميت بعدما أمسيت) في حديث ابن عباس كأنه بعد الزوال فلا بأس في ذلك اليوم حتى ولو في ليلة الحادي عشر إن تأخر وأما الأيام الأخرى يرمي بعد زوال الشمس يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر لمن تأخر ولا يرمي قبل الزوال في أيام التشريق ولو كان الرمي في هذه الأيام قبل الزوال سائغاً لبينه النبي عليه السلام ولما ترك الأمة تنتظر في وقت الضحى وهو وقت البراد والسعة إلى زوال الشمس وتكون الهاجرة فلما عدل عن هذا الوقت علم أنه غير مشروع وإثم وكان النبي إذا خير بين أمرين اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فعلم أن وقت الرمي في وقت الضحى إثم وإذا علم أنه إثم وغير طاعة فتعين أنه معصية وغير مجزئ واستثنى بعضهم يوم النفر من تعجل يوم الثاني عشر ولكن الصحيح أنه لا استثناء في ذلك ولا ينبغي أن تطوع الفتيا لأفعال الناس فإن الناس لا يقفون عند شيء ، ولهذا في حديث ابن عمر قال (كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا) أي: نتحرى ونبحث عن هذا الوقت وننتظر فكيف يدع النبي هذا الوقت مع سعته فيجعل الوقت بعد الزوال ومعلوم أن وقت ما بعد الزوال فيه شيء من التضييق في الوقت، فعلم أن الرمي قبل الزوال لا يصح .
والخلاصة أنه لا يجوز ولا يجزئ الرمي قبل الزوال وقد بالغ شيخ شيوخنا محمد بن إبراهيم رحمه الله في الرد على قول من أجاز الرمي قبل زوال الشمس في رده على الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود , وأصاب. ولنا كتابه مفردة في هذا الموضوع يسر الله إتمامها ، وقد كان الصحابة ينهون عن الرمي قبل الزوال وقد صح عن ابن عمر في الموطأ انظر الاستذكار (13/214) .(1/124)
أما الرمي بالليل يوم الحادي عشر يرمي ليلة الثاني عشر أو يوم الثاني عشر يرمي ليلة الثالث عشر أن تأخر لا بأس به لأن العبادة لا تجوز قبل وقتها كما قال شيخ الإسلام في الفتاوى (26/203) : " إن المناسك لا تجزيء قبل وقتها" أ.هـ. وتجوز بعد وقتها في الجملة، فلا يمكن أن تصح صلاة الظهر قبل وقتها ولكن قد تؤخر للعصر للعذر ، وفي الباب حديث ابن عباس في البخاري (رميت بعدما أمسيت) والمساء يطلق على آخر النهار وأول الليل وكذلك أثر عبد الرحمن بن سابط أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح قال (كان أصحاب النبي عليه السلام يدعون ظهرهم ويرمون بالليل) وإن كان هذا احتمال أنهم متعجلين لأنهم كانوا على ظهور يركبونها (على دواب) وأما إذا قروا بمنى فالغالب أنهم يمشون وقد صح أن صفية زوج ابن عمر رمت جمرة العقبة ليلة الحادي عشر أخرجه مالك في المؤطأ وانظر التمهيد (7/268) فظاهر هذا اتساع وقت رمي يوم الحادي عشر إلى ليلة الثاني عشر والثاني عشر إلى ليلة الثالث عشر وأما الثالث عشر فلا يجوز أن يرمي بعد غروب شمسه لأن أيام الرمي انتهت بعد الغروب.
**الحديث الثامن والأربعون : وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاه ثم يتقدم ثم يسهل فيقوم فيستقبل القبلة فيقوم طويلاً ويدعو ويرفع يديه ، ثم يرمي الوسطى , ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل ، ويقوم مستقبل القبلة , ثم يدعو فيرفع يديه ويقوم طويلاً , ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها ، ثم ينصرف ، فيقول : هكذا رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يفعله " رواه البخاري.
هذا السياق ظاهر في صفة الرمي وقوله (يكبر على أثر كل حصاة) في حديث جابر ( مع كل حصاة) والأمر سهل إما يكبر مع الرمي أو إثر الرمي (بُعيده) فالخطب يسير وفيه أن الجمرة الأولى والثانية يدعى بعدهما أما الثالثة الكبرى فيرميها وينصرف.(1/125)
وفيه أنه يتقدم لقوله (ثم يتقدم) أي يبتعد عن مكان الرمي وحطمة الناس وكذلك في الجمرة الوسطى غير أنه يأخذ ذات الشمال ولم يقع التحديد بعد الجمرة ا لأولى هل يأخذ ذات الشمال أم ذات اليمين المقصود أن يتعدى إلى مكان لا يشق فيه على الناس وأما الثانية إذا رماها يأخذ ذات الشمال حتى يتهيأ له أن يرمي الجمرة الكبرى وتكون قبالته ومنى عن يمينه والبيت عن يساره.
الحديث التاسع والأربعون : وعن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم ارحم المحلقين " قالوا: والمقصرين يا رسول الله . قال في الثالثة :"والمقصرين" متفق عليه.
…فيه أن الحلق أفضل من التقصير وقد وقع في مسند أحمد وغيره من حديث ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس أنه في صلح الحديبية دعا للملحقين ثلاثاً والمقصرين واحدة. قالوا: لم ظاهرت للمحلقين؟ قال: أنهم لم يشكوا. فقد يقول قائل: تفضيل الحلق على التقصير من وجوه:
* أنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
* أنه فعل الصحابة الذي لم يشكو مع نبيهم في صلح الحديبية.
* أن فيه المبالغة في الأداء فهذا وجه ترتيب الدعوات الثلاث للمحلقين وأما المقصرين فأتوا بأصل الأخذ من الرأس فكانت لهم دعوة واحدة.
** الحديث الخمسون : وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع ، فجعلوا يسألونه فقال : لم أشعر ، فحلقت قبل أن أذبح ؟ قال " اذبح ولا حرج " وجاء آخر فقال : لم أشعر ، فنحرت قبل أن أرمي ؟ قال : " ارم ولا حرج " فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أُخر إلا قال : افعل ولا حرج . متفق عليه.(1/126)
أما أفعاله عليه الصلاة والسلام يوم العيد فإنه كان رمى ثم نحر ثم حلق ثم طاف ومن كان عليه سعي فليسع فالنبي سعى بعد طواف القدوم، هذا هو الترتيب يرمي ثم يذبح إن كان متمتعاً أو قارناً ثم يحلق ثم يطوف، ثم يسعى إن كان متمتعاً أو كان قارناً أو مفرداً ولم يسع بعد طواف القدوم وإن قدم هذه الأفعال بعضها على بعض فلا حرج وهذا الحديث حديث ابن عمرو يرويه الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو وجاء كذلك نحوه من حديث ابن عباس، وجاء في سنن أبي داود وغيره حديث أسامة بن شريك (سعيت قبل أن أطوف) ولكن هذه اللفظة شاذة والمحفوظ في حديث أسامة في سنن أبي داود عدم هذه الزيادة ، وعلى كل حال فإنه لو قدم السعي على الطواف فإنه داخل تحت عموم هذا الحديث (ما سئل شيء يومئذ قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج) وسواء وقع في ذلك اليوم أو في الأيام بعده (11، 12، 13)وهل ينجر هذا الحكم في هذه العمرة إذا قدم السعي على الطواف جاهلاً ؟
محتمل وأفتى به الشيخ ابن عثيمين مرة وقد يقال: لو أن إنساناً جاهلاً سعى ثم طاف ثم قصر وقال: ما كنت أظن إلا أن السعي قبل وكنت أظن أن الأمر واسع فنقول: لا بأس، وفتوى الشيخ محمد موجوده في كتابه فرائد الفوائد.
** الحديث الحادي والخمسون :وعن المسور بن مخرمة رضي الله عنه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر قبل أن يحلق " وأمر الصحابة بذلك . رواه البخاري.(1/127)
هذا الحديث في صلح الحديبية والنبي عليه السلام لما أحصر نحر عليه الصلاة والسلام ثم حلق وأمر أصحابه بذلك، وذكر المؤلف له هنا فيه شيء من الإيهام فمن قرأ ظن أن هذا في حجة الوداع، وعلى كل حال إن كان الإنسان قد أحصر عن البيت فإنه ينحر إن كان معه شيء قد أهداه وإن لم يكن معه يلزمه عند أهل العلم أن يشتري هدياً (شاة) فإن لم يكن معه مال ، لفقره فإنه يصوم عشرة أيام قياساً على هدي التمتع، وهذا ذهب إليه الأصحاب ولكن الصحيح إن المحصر إذا لم يكن عند شيء يشتري به الهدي فإنه يكتفي بحلق رأسه ولو كان الصوم واجباً لأمر به النبي صلى اله عليه وسلم وبينه ثم إن أكثر الصحابة الذين حجوا مع النبي كانوا فقراء، وفرق بين الهدي في الإحصار والهدي في التمتع، فدم التمتع دم شكران على إتمام النسك وأما دم الإحصار فهو هدي عن الحصر في النسك فلا يمكن القياس ، وهنا نحب أن نيبن أقسام الدماء : -
* فقسم يذبح في الحرم ويجوز أن يوزع خارج الحرم كهدايا التمتع والقران ففي حديث جابر " كلوا وتزودوا".
* وقسم يذبح داخل الحرم ويوزع داخل الحرم كالدماء التي لترك واجب .
* وقسم يسوغ ذبحه خارج الحرم ، كهدي الإحصار حينما يذبح في محل الحصر ، وكفدية الجزاء فهذا يوزع حيث يذبح ، ولا مانع من نقله إلى مكان آخر.
** الحديث الثاني والخمسون:وعن عائشة رصي اله عنها قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب وكل شي إلا النساء " رواه أحمد وأبو داود , وفي إسناده ضعف.(1/128)
هذا الحديث جاء عن طريق الحجاج بن أرطأة عن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة واضطرب فيه الحجاج اضطراباً كثيراً والحجاج ضعيف وجاء من طريق الحجاج عن الزهري عن عمرة عن عائشة وفيه انقطاع الحجاج لم يسمع من الزهري، وجاء في بعض ألفاظه (إذا رميتم فقد حل لكم كل شيء) أي من اللباس الصيد والطيب والحلق والخطبة والنكاح والمباشرة وجماع النساء ثم جاء الاستثناء ( إلا النساء) وهذا يشمل الجماع فإن هذا لا يحل إلا إذا طاف وسعى واختلف فيما فوق ذلك من عقد النكاح والمباشرة , واختلف أهل العلم فيما يحل به الإنسان؟ قال بعضهم: يحل بالرمي وحده واحتجوا ببعض ألفاظ هذا الحديث (إذا رميتم .. الحديث) وكذلك روى الحسن العرني عن ابن عباس قال (إذا رميتم فقد حل لكم كل شيء) ولكن هذا منقطع ولا يصح، واحتجوا بحديث أم سلمة عند أبي داود من حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أبيه وعن أمه زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة وفيه (إن هذا يوم رخص لكم فيه إذا أنتم رميتم جمرة العقبة أن تحلوا من كل ما حرمتم منه) ولكن هذا الحديث فيه أبو عبيدة (فيه جهاله) وهذا الحديث هو الذي فيه (فإذا لم تطوفوا قبل أن تمسوا عدتم حرماً كهيئتكم قبل أن ترموا جمرة العقبة) وهذا فيه نكارة كبيرة جداً.
واحتج بعض المتأخرين بما رواه أحمد وغيره من حديث عروة والقاسم عن عائشة قالت (طيبت النبي حين أحرم وحين رمى جمرة العقبة) احتج بهذا الشيخ ناصر قال: حين رمى جمرة العقبة صريح أنه تطيب وهذا يدل على أن الإحلال يحصل بالرمي وحده!.
ونقول: لكن هذا الحديث أصله في الصحيحين (طيبت النبي لإحرام حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت) وفرق بين السياقين! ولفظ أحمد شاذ والمحفوظ ما في الصحيحين.(1/129)
ثم نقول: كيف يتطيب النبي ويذهب إلى بدنه ويذبح ثلاثاً وستين بدنة، وما فيها من الدماء والتعرض للروائح ومخالطة الدواب ؛ لا يمكن أن يكون ولذا قال البخاري في صحيحه باب الطيب بعد الحلق قبل الإفاضة وذكر حديث عائشة الذي ذكرته قريباً هذا وكذلك احتج من قال بأنه يتحلل بالرمي وحده بأثر عمر عند مالك والبيهقي (إذا رمى الرجل الجمرة فقد حل له كل شيء) ولكن هذا الحديث رواه مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر (إذا رميتم وحلقتم) ففيه إضافة وحلقتم فيحمل اللفظ الأول على هذا وجاء عن عائشة وابن الزبير (إذا رمى الجمرة فقد حل له كل شيء) والخلاصة: أنه ليس هناك حديث قائم صريح في الاكتفاء بالحل برمي الجمرة وحدها أي الحل الأول والاحوط أن الإنسان لا يحل إلا بالرمي ثم الحلق والأحاديث الآنف ذكرها فيها كلها مقال والمشهور عند أهل العلم أنه يحل بفعل اثنين من ثلاثة الرمي والحلق والطواف وهذا على بابه ليس فيه كبير إشكال فإذا رمى وحلق حل التحلل الأول أو رمى وطاف أو حلق وطاف فلا بأس.
وقال بعضهم: يجوز بفعل واحد من اثنين كما ذكر صاحب الفروع وغيره يحل بفعل واحد من اثنين على القول بأن الرمي وحده يكفي، فيحل بالرمي وحده وبالطواف وحده، قالوا: لما كان الطواف يحصل به التحلل الثاني كان له علاقة وتأثير في التحلل الأول فإذا طاف جاز له التحلل الأول وإذا رمى حل التحلل الأول وهذا على القول بتصحيح ما جاء في الحل بالرمي وحده، وفيه ما فيه! والأحوط ألا يتحلل إلا الذي رمى ثم حلق، وأما الذبح فلا علاقة له في حصول التحلل الأول.
…وشيخنا ابن باز يرى أن التحلل بالرمي وحده جائز لكن الأفضل أن يرمي ثم يحلق وحديث أم سلمة كنت كتبت فيه بحثاً (إن هذا يوم رخص لكم فيه إذا أنتم رميتم جمرة العقبة أن تحلوا) هذا السياق قد يقال أنه محفوظ وأما زيادة الإحرام فهو منكر والحديث قد يكون جزء منه محفوظ والآخر غير محفوظ، فهذا يمكن ولكن أنا أقول من باب الاحتياط.(1/130)
** الحديث الثالث والخمسون :وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " ليس على النساء حلق ، وإنما يقصرون " .رواه أبو داود بإسناد حسن .
الحديث هذا قواه أبو حاتم والبخاري في التاريخ ونقل الحافظ هذا في التخليص ومفهومه أنهن لا يحلقن وأن الحلق إنما هو على الرجال. وقدر تقصيرهن تأخذ قدر أنملة من رأسها من كل خصلة أو ضفيرة تقصها، وحلق النساء شعور رؤوسهن فيه تشبه بالرجال.
** الحديث الرابع والخمسون :وعن ابن عمر رضي الله عنهما " أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى ، من أجل سقايته , فأذن له " متفق عليه.
العباس كان يتولى السقاية لأهل مكة يسقيهم من زمزم لأن النبي عليه السلام وكل ذلك إليهم فأستأذن العباس أن يبيت بمكة لأجل السقاية ليلاً ونهاراً.
فيه مشروعة المبيت بمنى ليالي أيام التشريق بل هو واجب لأن النبي رخص له، ومفهوم الترخيص المنع لولا هذا العذر ومن هذا استنبط أهل العلم وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق وهذا هو الصحيح.
وفيه أن المبيت يسقط بالأعذار ومن ذلك سقاية الحجيج وهذا قد رخص فيه النبي عليه السلام وكذلك لو أن إنساناً احتاج لحراسة مال أو لمرافقة مريض في المستشفى فإنه يسقط عنه المبيت لعذره ولا يلزم بدم.(1/131)
الواجب عند أهل العلم معظم الليل والليالي كلها واجب واحد عند جمهور القائلين بأن ترك النسك فيه دم وهم جماهير أهل العلم واحتجوا بما أخرجه مالك عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفاً عليه (ومن ترك نسكاً أو نسيه فليهرق دماً) وهذا الحديث موقوف وأخذ به جماهير أهل العلم ورواه ابن حزم مسنداً إلى النبي ولكن فيه مجهولان فهو لا يثبت مرفوعاً، فمن ترك المبيت بمنى لعذر فيرخص له وإلا لا يرخص له وإن ترك الليالي كلها أو ليلتين من ثلاثة عليه دم وإن كان تعجل يلزمه مبيت ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر فإن ترك ليلة فعليه دم وإن بات ليلة وأكثر الليلة الأخرى فلا بأس , المقصود إن ترك الأكثر فعليه دم وإلا فلا. بهذا لو بات أكثر الليل وخرج فليس عليه شيء هكذا قالوا.
** الحديث الخامس والخمسون: وعن عاصم بن عدي رضي الله عنه:" أن رسول الله صلى عليه وسلم أرخص لرعاة الإبل في البيتوتة عن منى يرمون يوم النحر ثم يرمون الغد { ومن بعد الغد } ليومين ، ثم يرمون يوم النفر " رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن حبان.
فيه أن النبي رخص في ترك المبيت بمنى للرعاة وهم الذين يرعون إبل الحجاج والحجاج وهم نازلون بمنى لا يحتاجون إلى إبلهم.
والإبل تحتاج إلى الرعي وتحتاج إلى أكل النبات فيذهبون إلى مواقع الكلأ القريبة فترعى منها.
وقوله (عن منى) هنا تتضمن معنى الخروج وترك منى فالنبي عليه السلام أذن لهم في ترك المبيت ويبيتون مع الإبل يحرسونها.(1/132)
وقوله (يرمون يوم النحر) لأن الحجاج يأتون على رواحلهم يحتاجون للرواحل فهم لا حاجة لهم في تركها لأنهم قدموا عليها من عرفات لمزدلفة فيرمون مع الناس أي (الرعاة) يرمون مع الناس يوم العاشر، فالرعاة لم يستلموا الإبل بعد ثم يرمون يوم الغد ومن بعد الغد ليومين أي يجمعون رمي يوم الحادي عشر والثاني عشر فيرمونه يوم الثاني عشر فسيتركون المبيت ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر، والترك يفوت لا يمكن قضاؤه، أما الرمي فيمكن قضاؤه ولهذا رخص لهم النبي في البيتوتة ولم يأمرهم بها لأنها تفوت وأما الرمي فأذن لهم فإنه لا يفوت يرمونه يوم الثاني عشر عن يوم الحادي عشر والثاني عشر لمن تعجل ويرخص لهم كذلك وإذا تأخروا يرمون يوم الحادي عشر والثاني عشر في يوم الثالث عشر لمن تأخر.
…وفيه أن المشتغل بمصالح عامة -كما قال شيوخنا- للمسلمين فإنه يرخص له في ترك المبيت ولكن لا يرخص له بترك الرمي وله أن يؤجل الرمي. ومن هنا قال بعض مشايخنا في إن الإنسان إذا كان الرمي بعيداً عليه كمن يكون في أطراف مزدلفة أو في أطراف منى يشق عليه التردد إلى الجمرات فإنه له أن يؤخر إلى اليوم الآخر إن كان تأخر وإن كان تعجل إلى يوم الثاني عشر، ثم إذا أتى يرتب رميه يرمي اليوم الأول ثم يعود ويرمي الثاني ثم يعود ويرمي اليوم الثالث فيقضيه لأن هذا له عذر في مشقة التردد على الجمرات فيجوز له التأخير.
…والمشهور في المذهب جوازه ولو بلا حاجة، ولكن الصحيح جواز تأخير الرمي لحاجة فيجمعه في يوم واحد.
…وفيه وجوب الرمي وهو واجب من الواجبات عند أهل العلم وفي تركه عندهم دم والرمي كله واجب واحد ليس الرمي يوم العيد به دم وسائر الأيام بها دم، وبعضهم قال: رمي يوم كامل فيه دم والصحيح أنه واجب واحد، فإن ترك بعض الشيء وقع الخلاف عند أهل العلم على نحو ما قيل في ترك المبيت.(1/133)
…ومشايخنا منهم من يفتي إذا ترك يوم كامل - ولم يمكنه استدراك الرمي لفوات زمانه أيام التشريق أو ترك المبيت ليلة من غير عذر- أنه يتصدق بشيء ويستغفر الله عز وجل إذا كان من غير عذر كما تقدم.
سؤال: لو رمى بأقل من سبع:
الجواب:
…جاء في حديث سعد قال: رجعنا من حجة الوداع وفينا من يقول بست ومنا من يقول: رميت بسبع ولم يعب بعضنا بعضاً لكن أظن إسناده منقطع ولكن رخص بعض مشايخنا ولهم سلف من التابعين بترك الحصاة الواحدة ورخص بعضهم بترك الحصاتين وعلى كل حال إذا كان الوقت باقياً فينبغي أن يرمي الرمي كاملاً ولكن إذا فات الوقت لا نستطيع أن تؤثمه أو نلزمه بدم إذا كان المتروك حصاة أو حصاتين.
** الحديث السادس والخمسون: وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر " الحديث .متفق عليه.
…هذه الخطبة خطبهم ذلك اليوم وذكرهم عظمة ما يكون فيه وذكرهم عظمة الدماء والأعراض وفيه أن الإمام يستحب له أن يخطب في هذا اليوم ويؤكد على حرمة اليوم والدين والمال والعرض ويعلم الناس ما يكون في يومهم هذا من النسك في يومهم هذا من الرمي وأحكام التقديم والتأخير وأحكام يوم الحادي عشر والثاني عشر لأن الجمع عظيم والحاجة متجددة.
** الحديث السابع والخمسون:وعن سراء بنت نبهان رضي الله عنها قالت : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرءوس فقال:" أليس هذا أوسط أيام التشريق ؟ " الحديث . رواه أبو داود بإسناد حسن .(1/134)
وهذا الحديث يروى من طريق أبي عاصم النبيل عن ربيعة بن عبد الرحمن بن حصين عن جدته السراء بنت نبهان وربيعة كالمجهول والسراء لا تعرف صحبتها إلا من هذا الطريق وقد حسن حديثها المصنف وحفيدها تابيعي وقد جاء لهذا الخبر ما يشهد له ، وسمي يوم الحادي عشر بيوم الرؤوس لأن الناس يأكلون من الهدايا التي أهدوها يوم العاشر ويوم الحادي عشر يأكلون ما تبقى منها وكانوا يبقون الرؤوس لهذا اليوم، وقوله عليه السلام (أليس هذا أوسط أيام التشريق) يوهم أن العيد منها لأنه إذا كان أوسطها يوم الحادي عشر يدل على أن العيد فيها ولكن هذا من باب التغليب والصحيح أن يوم العيد غير أيام التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر, فالأوسط هنا هو يوم الحادي عشر بالاتفاق كما قال ابن القيم في الهدي (2/289) ولعل وصفه بالأوسط يعني الأفضل مثل قوله تعالى " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " أي خياراً فيكون موافق لحديث عبدالله بن قرط " أفضل الأيام عند يوم النحرثم يوم القّر".
** الحديث الثامن والخمسون : وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها :" طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك " رواه مسلم
أن عائشة كانت أهلت بعمرة ثم حاضت بسرف فأتت أيام الحج ولم تطهر ثم بعد ذلك أمرها النبي عليه السلام أن تدخل الحج على العمرة وتصبح قارنة ثم لما طافت وسعت مرة واحدة قال لها: طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك. ثم أنها وجدت في نفسها أنها لم تطف حين قدمت فأمر أخاها عبد الرحمن أن يعمر من التنعيم.(1/135)
فيه أن القارن يكفيه طواف واحد بالبيت وسعي واحد بين الصفا والمروة، وفيه أن الطواف والسعي لا يسقط عن الحائض ولكنها تفعله بعد أن تطهر، وفيه أن الطواف ركن واختلف في السعي مع اتفاقهم على أن الطواف والوقوف والنية كلها من أركان الحج والصحيح أن السعي ركن وقيل أنه واجب يجبر بدم والصواب: أنه ركن وعليه تكون أركان الحج الأربعة (نية، وقوف بعرفة، طواف، سعي).
** الحديث التاسع والخمسون : وعن ابن عباس رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه " رواه الخمسة إلا الترمذي , وصححه الحاكم.
الذي أفاض فيه لأنه عليه السلام كان قد تحلل والنبي في حجه طاف ثلاثة أطوافة طواف القدوم، والإفاضة، والوداع ولم يزد النبي عليه السلام عن هذا الأطوفة , وأما حديث كان يزور البيت ليالي منى فهو ضعيف.
ولعل هذا تشريع لأمته لأنها ستكون أكثر وإكثار الإنسان من الطواف في هذه الأيام يشق على الناس فالسنة أن الإنسان لا يزيد على الطواف المسنون في الحج.
** الحديث الستون : وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء , ثم رقد رقدة بالمحصب , ثم ركب إلى البيت فطاف به . رواه البخاري.(1/136)
عندما رمى النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الثالث عشر الجمار ركب وترك منى وغادرها بعد الزوال فأتى المحصب وهو الأبطح وسمي بذلك لأن فيه حصى كثيرة وصلى فيها الظهر في وقتها ركعتين، والعصر في وقتها ركعتين والمغرب والعشاء ثم رقد رقدة في المحصب ثم ركب إلى البيت وطاف به طواف الوداع ثم غادر إلى المدينة فجر الرابع عشر وارتحل من آخر الليل من الأبطح (المحصب) وكان معه أم سلمة وسائر أزواجه وكانت شاكية فقال لها: طوفي من وراء البيت والناس يصلون فطافت على بعير وهي شاكية ثم كان واعد عائشة في تلك الليلة أمرها أن تذهب مع أخيها إلى التنعيم ليعتمر بها ثم واعدها في المكان فلما أتت أذن بالرحيل فارتحلوا إلى البيت فطافوا به ثم ارتحلوا إلى المدينة.
** الحديث الأول والستين : وعن عائشة رضي الله عنها أنها لم تكن تفعل ذلك - أي النزول بالأبطح - وتقول إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان منزلاً أسمح لخروجه . رواه مسلم.
…والصواب رواه مسلم والبخاري وعزوه إلى مسلم قصور وهذا اختيار عائشة في أن النزول بالأبطح إنما كان لأنه أسمح وعلى هذا لو كان الآن أسمح غير هذا المكان فينزل فيه، وذهب بعض أهل العلم إلى أن هذه سنة ولهذا قال النبي عليه السلام أنا نازلون غداً بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر فهو مقصود أي الذهاب إلى هذا المكان وهذا هو الراجح فالنبي عليه السلام علله بعلة قال (حيث تقاسموا على الكفر) وأراد الذهاب للبقعة ليعمرها بالتوحيد هذا هو الأقرب.
** الحديث الثاني والستين : وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت , إلا إنه خفف عن الحائض. متفق عليه.(1/137)
وقول ابن عباس (أمر) له حكم الرفع إلى النبي بل جاء في بعض ألفاظه (لا ينفرن أحد حتى يكون أخر عهده بالبيت ) وقد أخرج مسلم اللفظين من وجهين عن طاووس عن ابن عباس وفيه الأمر بطواف الوداع لمن أراد الارتحال لأن طواف الوداع ليس من مناسك الحج فهو ليس من أعمال الحج ولكن: إذا فرغ الإنسان من أعمال الحج وأراد أن يسافر فإنه يطوف الوداع وإذا قلنا أن هذا من واجبات الحج فليزمه وإن مكث بعد الحج شهر أو شهرين يلزمه طواف الوداع ولكن الصحيح إنه أن كان حاجاً فأراد أن يرجع فعليه أن يطوف وأما إذا كان معتمراً أو أقام إقامة طويلة ثم ارتحل فليس حينئذ حاجاً فلا يلزمه طواف الوداع إلا على القول بوجوبه مطلقاً والصحيح أنه واجب في الحج لمن أرتحل أما في العمرة أو من أتى مصلياً أو مجاوراً فارتحل فليس عليه طواف وداع وفي الحديث أن طواف الوداع يسقط عن المرأة الحائض وكذا النفساء فينفران ولا وداع عليهما..
وفيه أن طواف الوداع يكون أخر العهد ولا يكون بعده إقامة ولا معاملة أو بيع أو شراء بل يرتحل مباشرة ولكن إذا أطال المكث فإنه يعيد لكن لو طاف ثم استراح حتى ينام لشدة التعب في مثل هذه الأزمنة فلا نلزمه بالإعادة كذلك لو اشترى هدايا في طريقه أو تغدى فإنه بعد ذلك يرتحل وليس عليه شيء.
** الحديث الثالث والستين : وعن ابن الزبير رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه , إلا المسجد الحرام , وصلاة في المسجد الحرام , أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة" رواه أحمد وصححه ابن حبان.(1/138)
هذا الحديث يروى من طرق حماد بن زيد عن حبيب المعلم عن عطاء عن أبيه الزبير مرفوعاً وإسناده صحيح , قال : ابن عبد البر اسند حبيب المعلم هذا الحديث وجوده ولو يخلط في لفظه ولا في معناه أ.هـ قلت : والصحيح أن الحديث مرفوع. وفي هذا الحديث فضل المسجد الحرام وأنه بمئة ألف صلاة لما كان مسجده بألف صلاة وهذا يفضل بمائة كان المسجد الحرام بمئة ألف صلاة وتفضيل المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والمسجد النبوي بألف صلاة.
وهذا التفضيل في المسجد يشمل الحرم كله أم يقتصر على المسجد الحرام، الصحيح أنه يشمل الحرم كله وهذا مذهب الجمهور واختيار شيخنا ابن باز رحمه الله، فإن قال قائل: قد روى مسلم والنسائي من حديث ميمونة في تسمية المسجد (إلا مسجد الكعبة)؟. والجواب أن مسلم أخرجه من طريق الليث عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس عن ميمونه , وقال البخاري في التاريخ بعد أن روى حديثه عن ميمونة حدث نافع عن ابن عباس عن ميمونة ثم قال لا يصح فيه ابن عباس أ.هـ. ولهذا ادخل ابن حبان إبراهيم في اتباع التابعين وقال : و قيل أنه سمع من ميمونة زوج الني صلى الله عليه وسلم وليس ذلك بصحيح عندنا . وذكر مغلطاي في الإكمال أنه لم يصرح بسماع إبراهيم من ميمونة أحد المتقدمين وأكد ذلك أن ابن سعد حيث ذكره في الطبقة الرابعة من المدنيين الذين ليس عندهم إلا صغار الصحابة فصار الحديث منقطعاً.
والخلاصة أن هذا اللفظ غير محفوظ فالتضعيف يشمل الحرم كله.
أما في المدينة فالمضاعفة بالمسجد خاصةً والصلاة في المسجد الحرام تفضل عن الصلاة في مساجد الحرم الأخرى لشرف الكعبة مع ثبوت التضعيف في الحرم كله.
وقال أهل العلم أن الزيادة لها حكم المزيد فلما زيد في المسجدين كانت الصلاة مضاعفة أما المسجد الحرام فلا إشكال إذا كانت المضاعفة منتشرة في الحرم لكن نستفيد أنه لو كبر المسجد فإنه يكون محلاً للطواف فيطوفون فيه ولو بعدت عن الكعبة.(1/139)
باب الفوات والإحصار
** الحديث الرابع والستين : عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قد أحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه ، وجامع نساءه , ونحر هديه , حتى اعتمر عاماً قابلاً . رواه البخاري
هذا الباب في باب الفوات والإحصار والفوات: من فاته الحج والإحصار: من حصر عن دخول مكة ومنع من الإتيان بالنسك ........ والمحصر كما قال تعالى (فإن أحصرتم ... الآية) تقدم الكلام عن المحصر أن الإنسان إذا أحصر عن الكعبة أو عرفات في الحج حتى فاته أو العمرة عن الكعبة فإن كان معه هدي فليذبحه وإن لم يكن فليشتر وليذبح وإلا فليحلق ثم يتحلل، وأما اعتماره عليه السلام عمرة قابلة ليس هذا من باب القضاء وإنما سميت عمرة القضاء من القضية لا من القضاء فليست هذه العمرة حتم ولهذا لم يعتمر هذه كثير من أصحابه الذين حضروا معه. والإنسان إذا أحصر إنما يلزمه الهدي والحلق فإن كان معه كفى وإن لم يكن معه فالمشهور عند الأصحاب أنه يصوم عشرة والصحيح عدم اللزوم -كما تقدم- ولكن يتحلل وحينئذ لا يكون حاجاً ولا معتمراً ولا يلزمه القضاء ويكون الإحصار مخصص من قوله تعالى "وأتموا الحج والعمرة لله "إلى قوله تعالى " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي " .
** الحديث الخامس والستين وعن عائشة رضي الله عنها قالت دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب رضي الله عنها ., فقالت : يا رسول الله ! إني أريد الحج , وأنا شاكية , فقال النبي صلى الله عليه وسلم " حجي واشترطي أن محلى حيث حبستني" متفق عليه.(1/140)
ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب حجت مع النبي ولكنها كانت مريضة فاستفتت النبي عليه السلام فقال لها: حجي واشترطي، أي قولي (اللهم محلي حيث حبستني) ففيه من الفوائد أن الإنسان إن كان شاكياً في الحج والعمرة فإنه يشترك وفائدة الاشتراط أنه يحل مجاناً إذا حصل له عائق عن تكميل نسكه فإن يحل بلا ذبح أو حلق ولا يلزم بالإكمال وفيه من الفوائد أنه يشرع الشرط حيث شرع بسببه من الشكوى أو المرض.
وهل ينفع الاشتراط إذا كان الإنسان غير شاك؟
قال بعضهم ينفع لأنه اشترط ولقوله عليه السلام (فإن لك على ربك ما استثنيت) وهذا له على ربه ما استثنى وقال بعضهم: إنما ينفع حيث كان الإنسان شاكياً وإلا فلا ينفع لو اشترط وليس به علة وهذا يميل إليه الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله وظاهر كلام شيخنا ابن باز أن الإنسان لو اشترط في هذه الأزمنة خصوصاً مع كثرة الحوادث فإنه ينفعه الشرط وقال الشيخ محمد: نسبة الحوادث إلى عدد الحجيج في عهد النبي كنسبة الحوادث إلى عدد الحجيج في زمننا هذا فالمسألة بحالها. كذا قال رحمه الله يعني وإن قال الناس: الآن حوادث كثيرة نقول: الذين يسلمون أضعافاً مضاعفة ملايين، وكانوا قبل على دواب ويحصل لهم حوادث مع قلة عددهم ومع ذلك لم يشرع الاشتراط إلا في حق من كانت به علة.
وفيه من الفوائد أنه لا يشرع الاشتراط في غير الشكوى والعلة وهذا تجتمع به الأخبار فالنبي لم يشترط وعامة أصحابه وهذا هو القول الفصل في المسألة فلا يسن إلا لمن به علة وشكوى.
** الحديث السادس والستين: وعن عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من كسر أو عرج فقد حل ، وعليه الحج من قابل " قال عكرمة : فسألت ابن عباس وأبا هريرة عن ذلك , فقالا : صدق . رواه الخمسة ، وحسنه الترمذي.(1/141)
هذا الحديث يرويه الخمسة من طريق (يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن عبد الله بن رافع عن الحجاج بن عمرو) وفيه كلام كثير وأعله شيخنا ابن باز رحمه الله من وجوه:
1) يحيى بن أبي كثير عنده شيء من التدليس.
2) لم يذكر عليه الهدي والهدي موجود في النصوص.
3) أن من كسر أو عرج قد يكون يستطيع أن يطاف به محمولاً ويحل.
4) (وعليه الحج من قابل) هذا لا يحب إلا إذا كان الإنسان لم يحج حجة الإسلام فوجوبها بحالة على الفور.
والحديث لابد من حمله على ما يوافق النصوص.
وفيه - لو صح- دلالة على أن الحصر يكون بغير العدو وهذه مسألة مشهورة وقوله تعالى (فإذا أمنتم ... الآية) ليس له مفهوم بأن الحصر بالعدو فهو أعم فيكون بضياع نفقة أو ضلال طريق وكذلك إذا كان كسر أو مرض فإنه يتحلل ويفعل ما يفعل المحصر فإن كان لم يحج حجة الإسلام فليحج حجة الإسلام.
وإلى هنا ننتهي من تعليق ما أردنا تعليقه على كتاب الحج من بلوغ المرام والله ولي التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
( 1 ) أخرجه الشافعي في مسنده ( شفاء العي ) ( 1 / 381 ) عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال ابن عيينة وزاد ابراهيم بن أبي حرة عن سعيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره . ومن طريقه أخرجه الشافعي في السنن ( 3 / 393 ) وهو حديث منكر بهذا اللفظ وابن عيينة لم يسق إسناده وتقدم لفظ إبراهيم بن أبي حرة أول البحث وليس فيه ذكر الوجه أصلاً
( ! ) فإن قلت كيف يتفق هذا مع قولهم بانقطاع الإحرام بالموت فإن عجبت فقد عجب أهل العلم قبلك قال ابن القيم في الأعلام(1/142)
( 2/198 ) في ذكر طرف من تخبط المقلدين في الأخذ ببعض السنة وترك بعضها قال رحمه الله " واحتجو على منع المحرم من تغطية وجهه بحديث ابن عباس في الذي وقصته ناقته وهو محرم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تخمروا رأسه ولا وجهه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً " وهذا من العجب فإنهم يقولون إذا مات المحرم جاز تغطية رأسه ووجهه وقد بطل إحرامه .أ . هـ .
( 2) كذا والمعروف ابنه فلعلها سقطت
( 1 ) على أن في إيجاب الفدية في غير حلق الرأس ما هو معلوم .
??
??
??
??
1
(13)(1/143)