بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الحج والعمرة
قال المؤلف رحمه الله تعالى :
} يجبان على المسلم { :
- أما وجوب الحج فبالإجماع , ومستنده قوله تعالى :
" ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً "
وقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين " بني الإسلام على خمس " وذكر منها " حج بيت الله الحرام " , فمن ترك الحج جحوداً لوجوبه فهو كافر وهذا مجمع عليه , وإن تركه تهاوناً وكسلاً فخلاف :
القول الأول وهو قول جمهور أهل العلم : أنه لا يكفر لأنه لم يثبت دليل على تكفيره , ولأن الأصل فيمن شهد الشهادتين أنه مسلم .
القول الثاني : ذهب بعض أهل العلم وهو رواية في المذهب أن تارك الحج كافر لقوله سبحانه وتعالى " ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " وهذا الاستدلال ليس بجيد لأن أصل الكفر الجحود , واستدلوا بأحاديث ضعيفة لا تثبت كحديث " من مات ولم يحج فليمت يهودياً أو نصرانياً " وهذا لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
مسألة : أما حكم العمرة فخلاف بين أهل العلم على أقوال :-
القول الأول : وهو قول المذهب أنها واجبة .
واستدلوا : أ- بأدلة الحج .
ب- وحديث عائشة رضي الله عنها في السنن " هل على النساء من جهاد ؟ قال : عليهن جهاد لا قتال فيه , الحج والعمرة " لكن الحديث بهذا اللفظ لا يثبت .
ج- حديث أبي رزيم العقيلي في السنن أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن والده توفي ولم يحج أفيحج عنه ؟ فقال صلى الله عليه وسلم " حج عن أبيك واعتمر " , قال الإمام أحمد : هذا أجود حديث في وجوب العمرة لكن بعض أهل العلم أعل رواية واعتمر وقال إنها شاذة , وهذا متوجه , وهذا الحديث ليس فيه دلالة قوية لأنه جواب على سؤال .
القول الثاني : وهو مذهب مالك وغيره : أن العمرة سنة , واستدلوا :
أ- حديث جابر بن عبدالله في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل هل العمرة واجبة ؟ فقال : لا , وأن تعتمر خير لك " وهذا ضعيف .(1/1)
ب- أنه لم يأت دليل على وجوب العمرة والأصل براءة الذمة .
القول الثالث : وهو رأي شيخ الإسلام : أن العمرة واجبة على الآفاقي وأما المكي فلا تجب عليه , واستدل :
أن أهل مكة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يؤمرون أن يخرجوا فيأتوا بعمرة بخلاف غيرهم فكانوا إذا قدموا أحرموا .
ولم أتأكد من نسبته لشيخ الإسلام فأخشى أنه يقصد أنها مشروعة للآفاقي لا واجبة .
= والأقرب سنية العمرة .
} يجبان على المسلم { :
فالكافر لا يصح حجه بالإجماع لكنه مؤاخذ عليه .
} الحر { :
احترازاً من العبد وهو يصح منه , لكن لا يجب عليه , وفيه مسألتان :
مسألة [1] هل يصح حجه :
ثبت بالإجماع صحة حجه وأنه مأجور عليه فإذا كان الصبي وهو لا يعقل يصح حجه فمن باب أولى العبد .
ولحديث ابن عباس رضي الله عنه " أيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى " .
مسألة [2] هل يجزأه عن حجة الإسلام : اختلف أهل العلم في هذا على أقوال :
القول الأول : قال ابن المنذر رحمه الله تعالى : " أجمع العلماء إلا من شذ منهم ممن لا يعتد بقوله خلاف أن العبد إذا حج عليه حجة أخرى إذا عتق " , ونقل الترمذي في جامعة الإجماع على أن العبد إذا حج عليه حجة أخرى , قال : وأجمعوا أن الصبي إذا حج ثم بلغ عليه حجة أخرى وكذلك العبد .
وهو قول سفيان وأحمد .
وكذلك نقل الإجماع ابن عبدالبر رحمه الله تعالى فقال : أجمع الأئمة من جميع الأمصار أن العبد إذا حج ثم عتق فعليه حجة أخرى , لحديث " وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى " وهذا الحديث الصواب أنه موقوف , لكن ابن أبي شيبة رواه في مصنفه عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : " احفظوا عني ولا تقولوا قال ابن عباس , فذكره " .
القول الثاني : ذهب داود الظاهري وابن حزم إلى أنه يصح حجه .
ورجح هذا القول السعدي وابن عثيمين رحمهما الله في موضع , واستدلوا بأدلة فمنها :
أن العبد تصح منه العبادة ويحتاج عدم إجزائه إلى دليل .(1/2)
أن الجمعة لا تجب عليه وتصح منه وتجزأه .
وقالوا عن حديث ابن عباس إنه موقوف بله منسوخ , والدليل أنه منسوخ أن الحديث جاء في آخره " وأيما أعرابي حج ثم ترك البادية فعليه حجة أخرى " فهذا منسوخ ولا أحد يقول بأن الأعرابي يعيد حجه .
= والصحيح أنه يجب عليه الحج إذا عتق .
{ المكلف } :
احترازاً من غير المكلف وهو غير البالغ أو المجنون , فأما الصبي فيصح حجه , وقد نقل الإجماع جماعة من أهل العلم على صحة حجة , وقد نسب قول لأبي حنيفة بأنه لا يصح لكنه أنكره الصحاوي وقال لا يمكن أن يكون لأبي حنيفة بل ثبت عنه أنه يصح .
وفي الباب حديث رفع المرأة الصبي للنبي صلى الله عليه وسلم , ولكن لا يجزأه عن حجة الإسلام .
وأما المجنون فلا يجب عليه , وهل يصح منه , روايتان في المذهب :
والمشهور في المذهب " لا يصح للمجنون والكافر " لأنه قد رفع التكليف عنه ولم يجر له الكتاب , أي أنه لا يثاب , أما الصبي فإنه يثاب لكنه لا يعاقب وقيل يصح لأنه يثاب والله أعلم .
{ المستطيع } :
احترازاً من غير المستطيع وسوف يأتي تفصيل المستطيع من هو .
ودليل الاستطاعة الإجماع ومستنده " من استطاع إليه سبيلاً " .
{ في العمر مرة } :
لما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا , قال رجل : أفي كل عام – ثلاث مرات – فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : لوقلت نعم لوجبت ولما استطعتم , إنما أهلك من كان قبلكم كثرة أسئلتهم واختلافهم على أنبيائهم " .
{ على الفور } :
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال :
القول الأول : جمهور أهل العلم أنه على الفور , واستدلوا :
أ- أن أوامر الله تعالى الأصل فيها الفورية وسرعة الاستجابة لله عز وجل " يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول " فالنصوص عامة .
ب- حديث ابن عباس " تعجلوا الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض به " .(1/3)
القول الثاني : ذهب الشافعي رحمه الله تعالى إلى أن الحج على التراخي وقال إنه لا يوجد دليل على وجوب التعجل , وقال إن الحج فرض في السنة التاسعة والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا في العاشرة .
والصواب قول الجمهور .
{ فإن زال مانع حج بعرفة وعمرة قبل طوافهما وفعلا إذن وقعا فرضاً }:
لو كانت عبارة المؤلف " فإذا وجد التكليف " أما زوال المانع فهي ليست بظاهرة مع الصبي والعبد ,
أو كذلك " فإن زال مانع وجوب " .
- إذا كلف الإنسان في يوم عرفة أو قبل طواف العمرة ففي حكمه خلاف بين أهل العلم :-
القول الأول : أن الحج والعمرة يقعان فرضاً ولو كان نوى في الصبا أو العبودية , فجعلوا عرفة والطواف مناط النية وليس لهم دليل .
القول الثاني : أنها لا تجزئ عن الفرض لأنه شرع في الإحرام .
القول الثالث : أنه يفسخ عمرته وحجه ويبدأ من جديد لأنه فرض زاحم نفلاً من جنس واحد , ولكن يشكل عليه قوله تعالى " وأتموا الحج والعمرة لله "
- والحقيقة أن المسألة محتملة .
- أما النية فلا نشترط أن تكون نية فرض أو نفل لأنه لو نوى عن غيره وهو لم يحج عن نفسه وقعت عن نفسه .
وكذلك الصلاة لو بلغ في أثنائها قالوا تصح مع أنه دخل غير مكلف وذهب بعض أركانها .
إذن لماذا خصصوا عرفة : قالوا لأنها ركن , فالمسألة محتملة .
وإن قال قائل تصح حجته ما لم يتم مناسك الحج فلهذا القول وجاهته .
{ وإن عجز لكبر أو مرض لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر } :
هذا هو الأرجح وهو قول جمهور العلماء لقوله تعالى :" من استطاع إليه سبيلاً " . وهذا مستطيع بماله , وقد ثبت في الصحيح أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت " إن أبي أدركته فريضة الحج وهو لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم " فكونه قال نعم يدل على الوجوب .
- أما العمرة فبناءً على القول بوجوب العمرة .
{ من حيث وجبا } :(1/4)
أي من في المكان الذي وجب فيه عليه الحج وهذا هو المشهور في المذهب .
وقيل وهو اختيار السعدي وابن عثيمين رحمهما الله أنه من أي مكان حتى ولو كان من مكة لأن السفر غير مقصود لذاته وإنما مقصود لغيره .
{ ويجزآنه ما لم يبرأ قبل إحرام نائب } :
هذه المسألة على أحوال :-
الحالة الأولى : أن يبرأ المريض قبل أن يسافر نائبه فلزمه – أي المريض – الحج .
الحالة الثانية : أن يبرأ قبل أن يحرم النائب فلا يجزئ عنه وهو قول الجمهور .
الحالة الثالثة : أن يبرأ بعد إحرام النائب وقبل الانتهاء من مناسك الحج ففيه خلاف والصواب أنه يصح عنه .
الحالة الرابعة : أن يبرأ بعد انتهاء النائب من الحج فهذا مجمع على وقوعه عنه .
{ وشرط لامرأة محرم أيضاً } :
اختلف أهل العلم في هذه الشرطية هل هو شرط وجوب أم شرط وجوب الأداء :-
فالقول الأول : وهو رواية في المذهب واختيار ابن عثيمين أنه شرط وجوب فلا يلزمها حتى بمالها والدليل على شرطية المحرم قوله صلى الله عليه وسلم " لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم , قال رجل يارسول الله إنني اكتتبت في غزوة كذا وكذا وإن امرأتي خرجت حاجة , قال : انطلق فحج مع
امرأتك " .
القول الثاني : وهو رواية في المذهب أيضاً وهو قول لبعض أهل العلم أنه شرط وجوب الأداء وليس شرط وجوب فيجوز لها أن تخرج مع النساء الصالحات , واستدلوا :
أ- بالحديث السابق وأن المرأة سافرت في بداية الأمر وحدها .
ب- أن كل نفس تكلف بنفسها فكيف يكون تكليف عبد مناطاً بشخص آخر , وهذا القول وإن كان له وجهة نظر إلا أن القول الأول هو الراجح لكن لو حجت صح حجها مع الإثم .
{ فإن أيست منه استنابت } :
بأن رفض أو لم تجد أحداً أنابت من يحج عنها فالمؤلف يرى أنه شرط وجوب الأداء .
{ وإن مات من لزماه أخرجا من تركته } :
أي الحج والعمرة على القول بوجوب العمرة أو كذلك لو كانا منذورين , وهذه المسألة اختلف فيها على أقوال :-(1/5)
القول الأول : وهو المذهب أنها تخرج من تركته أي من المال كله لا من الوصية , لأن حقوق الله تعالى مقدمة على الوصية والورثة , ولأنه من جملة الديون وفي الصحيح " اقضوا الله فالله أحق أن يقضى "
القول الثاني : لا يخرج عنه لأن التكليف عليه .
القول الثالث : ابن القيم فصل في هذا فقال : إن كان تركه تهاوناً وكسلاً فلا يستناب عنه , وإن كان من نيته الحج لكن تأخر لأسباب فإنه يحج , هذه قاعدة عند ابن القيم حتى في الزكاة يقول بهذا .
{ وسن لمريد إحرام غسل } :
شرع المؤلف رحمه الله بمسنونات الإحرام فالأول الغسل .
جاء عند الترمذي من حديث زيد بن ثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل " وإن كان فيه مقال , إلا أنه جاء في مسلم من حديث عائشة أن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر فأمر رسول الله صلى الله عليه أبا بكر أن يأمرها أن تغتسل .
وجاء عند ابن أبي شيبة أن ابن عمر قال : " من السنة إذا أراد الإحرام أن يغتسل وإذا أراد أن يدخل مكة أن يغتسل " فقوله من السنة مرفوع حكماً . وهذا هو أصرح وأصح دليل .
{ أو تيمم لعذر } :
لأن التراب بدل الماء .
{ وتنظف } :
التنظف وإزالة الشعث والأظفار وحلق العانة يستحب عند الحاجة إليه للأدلة الثابتة في أن هذا من الفطرة التي ليست إزالتها لخصوصية الإحرام .
قال شيخ الإسلام : هذا مستحب عند كل اجتماع لكن ليست من خصائص الإحرام .
{ وتطيب في بدن } :
هذه المسألة على قولين :-
القول الأول : جمهور أهل العلم على أنه يستحب التطيب لما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها : " كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه ولحله قبل أن يطوف " .
القول الثاني : وهو رأي الإمام مالك : لا يستحب واستدل بحديث صاحب الجبة في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له :" اخلع جبتك " .
والصحيح قول الجمهور .
{ وكره في ثوب } :(1/6)
هذا هو المذهب وهو أيضاً مذهب الشافعي خلافاً للحنفية والمالكية وقد استدل الحنفية والمالكية بحديث صاحب الجبة السابق .
أما المذهب فدليلهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى المسك في جبهته وقطعاً سوف ينتقل إلى ثوبه .
واعلم أن قوله " وكره في ثوبه " خاص بما كان قبل الإحرام أما بعد الإحرام فإنه يحرم بالإجماع .
والراجح في المسألة أن التورع عنه أولى .
{ وإحرام بإزار ورداء أبيضين } :
لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم بإزار ورداء ونعلين " صححه ابن المنذر , وأما أبيضين فللأدلة المتضافرة في فضل البياض كحديث أبي هريرة رضي الله عنه " البسوا من ثيابكم البياض " .
{ عقب فريضة أو ركعتين في غير وقت نهي }
مسألة الإحرام بعد صلاة , اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال :
القول الأول : وهو المذهب بل الجمهور يستحب الإحرام عقب فريضة أو نافلة لما جاء في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" أتاني آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك ثم قل " عمرة في حجة " .
وجاء في مسند الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل دبر الصلاة .
القول الثاني : وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم قالا : " لا توجد للإحرام صلاة تخصه ولم يأت دليل في ذلك لكن إن كان قرب فريضة فالأفضل أن يؤخر الإحرام إلى الفريضة .
القول الثالث : وهو اختيار ابن باز رحمه الله إذا جعلها بعد ركعتي الوضوء أو سنة الضحى فهذا أحسن .
والصحيح أن يصلي سواء نافلة أو فريضة .
{ ونيته شرط } :
أي شرط للإحرام فلا يصح الإحرام إلا بنية , فلو أن إنساناً ذهب إلى المناسك كسائق أجرة مثلاً , وهو لم ينو فلا يحسب له حج , وبعض الحنابلة يعبر بأنها ركن .
{ والاشتراط فيه سنة } :
هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم على أقوال :(1/7)
القول الأول : وهو المذهب على أن الاشتراط سنة وهو أن يقول " لبيك عمرة فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني "
واستدلوا , بما ثبت في الصحيح من حديث ضباعة بنت الزبير أنها قالت :" يا رسول الله إني إريد الحج وأجدني شاكية فقال : حجي واشترطي وقولي " فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني " زاد النسائي : " فإن لك على ربك ما استثنيت : .
القول الثاني : ذهب الشافعي إلى جوازه لأنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اشترط ولا عن أحد من أصحابه.
القول الثالث : ذهب الظاهرة إلى وجوبه لقوله صلى الله عليه وسلم : " حجي واشترطي " .
القول الرابع : ذهب الحنفية والمالكية إلى عدم صحته وأنه لا أثر له وضعفوا حديث ضباعة .
والصواب وهو رأي شيخ الإسلام أن الاشتراط سنة لمن احتاج وفائدته أنه لو حبس خرج من الحج بلا شيء – أي بلا دم ولا حلق –
{ وأفضل الأنساك التمتع } :
هذا هو المذهب .
وقيل وهو مذهب المالكية أن الإفراد أفضل .
وقيل وهو مذهب الحنفية أن القِران أفضل .
والصواب أن التمتع أفضل إلا لمن ساق الهدي , قال الإمام أحمد :
" لا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج قارناً والتمتع عندي أفضل لأنه آخر الأمرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل وتأسف أنه ساق الهدي " .
{ وهو أن يحرم بعمرة في أشهر الحج } :
هذا هو الشرط الأول .
{ ويفرغ منها } :
هذا هو الشرط الثاني . إذ لو أدخل الحج على العمرة صار قارناً .
{ ثم به من عامه } :
أي ثم يحرم بالحج من عامه , وهذا هو الشرط الثالث .
{ ثم الإفراد } :
هذا هو المذهب أن الإفراد بعد التمتع في الأفضلية وهو مذهب مالك رحمه الله تعالى .
والصواب أن القِران أفضل لأن فيه نسكين ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج قارناً .
{ وهو أن يحرم بحج ثم بعمرة بعد فراغه منه }
ليس شرط عند الحنابلة أن يتبعه بعمرة .(1/8)
والصواب : أنه غير مشروع إلا لمن لم يسقط عمرة الفرض عن نفسه على القول بوجوبها , فلم يكن السلف يفعلون هذا .
{ والقِران } :
سمي قِراناً لأنه قرن بين نسكين في حجة واحدة .
{ أن يحرم بهما معاً أو بها ثم يدخله عليه قبل الشروع في طوافها } :
لأنه شرع في ركن العمرة , والدليل قصة عائشة رضي الله عنها فإنها أحرمت بالعمرة ثم حاضت ثم أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تدخل الحج عليها .
وبعض أهل العلم يرى أن اشتراط الطواف ليس عليه دليل بل له ذلك ولو بعد الطواف . وهذا هو الراجح .
{ وعلى كل من متمتع وقارن إذا كان أفقياً دم نسك بشرطه } :
أجمعت الأمة على أن على المتمتع دم وكذلك القارن بدليل فعل النبي صلى الله عليه وسلم , ولقوله تعالى : " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي .. " وشرطه أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام .
{ وإن حاضت متمتعة فخشيت فوات الحج أحرمت به وصارت قارنة } :
سواءً عند الإهلال أو عند دخول الحرم بشرط : أن تكون خشيت فوات الحج فإن لم تكن خشيت فوات الحج بأن تكون متقدمة لم يجز لها .
وقيل يجوز لكل إنسان أن يدخل الحج على العمرة لأن الأكبر يدخل على الأصغر وهذا ظاهر كلام الفقهاء كقول المؤلف " أو بها ثم يدخله عليها " وهذا جيد .
{ وتسن التلبية وتتأكد إذا علا نشزاً أو هبط وادياً } :
التلبية مشروعة بالإجماع وقد لبى النبي صلى الله عليه وسلم وقبله إبراهيم صلى الله عليه وسلم , ومعنى لبى أي أجاب , ولبيك مثنى لبى أي إجابة بعد إجابة , وقد ذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها , ويعضهم يرى أنها ركن .
والصواب ما ذكره المؤلف أنها سنة وهي من شعائر الحج .
وقد جاء عند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ما أفضل الحج قال : " العج والثج " لكن الحديث ضعيف .
وصفتها الصفة المعروفة , وزاد عمر وابن عمر بعض الزيادات وزاد أنس كذلك , فهل الاقتصار على الوارد أفضل أم الأخذ بهذه الزيادة ؟(1/9)
نقول إن التلبية في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الأفضل وإن قال الإنسان ما زاده الصحابة فهذا مشروع أيضاً لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسمعهم فلم ينكر عليهم .
{ أو صلى مكتوبة , أو أقبل ليل أو نهار , أو التفت الرفاق , أو ركب , أو نزل , أو سمع ملبياً , أورأى البيت , أو فعل محظوراً ناسياً } :
هذه المواضع تشرع فيها التلبية ولم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم تحديد لأماكن التلبية , وأما إذا علا نشزاً فظاهر ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ركب دابته لبى – لأنه علا – ولما صعد البيداء أهل كما في حديث أنس في الصحيح وجاء في حديث مرسل أنهم كانوا يستحبون التلبية في هذه الأماكن وكلها مراسيل لم يثبت فيها شيء .
لكن هل يستديمها :-
خلاف عند الحنابلة والصواب أنها سنة مطلقاً متأكدة في بعض المواضع .
وذهب شيخ الإسلام إلى أنها مشروعة عند الانتقال من منسك إلى منسك .
والصواب الأول لأنها شعار الحج إلا إذا جاء ذكر مخصوص فإنه يقدم عليها .
لكن هل تشرع للحلال ؟ خلاف :
فالحنابلة على الجواز وأنكر ذلك مالك , قال ابن مفلح رحمه الله ويتوجه أنه يكره لأنها للحج .
{ وكره إحرام قبل ميقات } :
أجمع العلماء على صحة إحرام من أحرم قبل المواقيت المكانية , لكن اختلفوا في المشروعية :-
فالحنابلة يرون أنه مكروه لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أحرم بذي الحليفة مع أنه على مقربة من بيته .
وذهب الشافعي إلى أن الإحرام من دويرة الأهل أفضل وهو مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما .
والصواب الأول , لفعل الصحابة الذين حجوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم .
{ وبحج قبل أشهره } :
اختلف العلماء في مسألة الإحرام بالحج قبل أشهر الحج :-
القول الأول : وهو المذهب على أنه يصح حجه لكن عمله مكروه , واستدلوا بقوله تعالى " وأتموا الحج والعمرة لله " .
القول الثاني : أنه لا ينعقد لا عمرةً ولا حجاً .(1/10)
القول الثالث : وهو مذهب الشافعي ومالك أن الإحرام بالحج قبل أشهر الحج لا ينعقد به الحج بل يجب إتمامه عمرة , واستدلوا بما ذكره البخاري في صحيحه معلقاً من حديث ابن عباس أنه قال " من السنة ألا يحرم للحج قبل أشهره " فقوله من السنة أي أنه مرفوع وقد قال تعالى " الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج " وهذا هو الصواب وهو اختيار ابن عثيمين رحمه الله .
" فصل "
{ وميقات أهل المدينة الحليفة } :
بعد المواقيت الزمانية ذكر المواقيت المكانية .
والميقات : هو المكان الذي يهل منه الحاج وسمي بذي الحليفة لوجود شجر الحلفاء .
{ والشام ومصر والمغرب الجحفة } :
الجحفة : بلدة على بعد عدة أميال عن المدينة وهي بلدة خربة الآن وهي التي دعا الرسول صلى الله عليه وسلم أن تنتقل حمى المدينة إليها , ثم انتقل المحرم إلى رابغ وهذا الانتقال قديم جداً في القرن السادس أو السابع .
{ واليمن يلملم } :
أو ( ألملم ) ولا يحرمون منها الآن .
{ ونجد قرن } :
نجد اليمن والطائف ونجد المشهورة كلهم يحرمون من قرن المنازل ويسمى قرن وهو الآن السيل الكبير .
والدليل على هذه الأربعة السابقة ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس أنه قال " وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل اليمن يلملم ولأهل نجد قرن هن لهن ولمن مر عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة " .
{ والمشرق ذات عرق } :
أجمع العلماء على أن أهل المشرق ميقاتهم ذات عرق , نقل الإجماع ابن قدامة وابن المنذر , وأهل المشرق هم العراق وخراسان – إيران الآن – وغيرها .
واختلف أهل العلم فيمن الذي وقت ذات عرق :-
فالحنابلة يقولون كلها نص عن النبي صلى الله عليه وسلم , واستدلوا بما في صحيح مسلم من حديث جابر " قال أحسبه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر المواقيت الخمسة .
وشك أبو الزبير – الراوي عن جابر – في رفعه .(1/11)
والعجيب أن مسلم ذكره , وقد قال في التمييز " ولا يصح حديث في أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت ذات عرق لأهل المشرق , وكذا قال ابن خزيمة وهو الصواب , وحديث عائشة عند أحمد ضعيف .
والقول الثاني : أن الذي وقتها عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما في البخاري أن أهل المشرق شكوا إلى عمر بن الخطاب بعد الميقات عنهم فقال : " انظروا إلى حذوها فنظروا فوجدوه ذات عرق بإجماع الصحابة .
{ ويحرم من بمكة لحج منها } :
أي : أن أهل مكة عند إحرامهم للحج يحرمون من مكة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس السابق : " وأما أهل مكة فمنها " . وهذا عليه عامة العلماء .
واختلفوا في أفضل المواضع وذكروا فيه عجائب , والصواب أنه يحرم من أي مكان .
{ والعمرة من الحل } :
أي أنه يحرم من الحرم إلى الحل لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أخاها أن يخرج بها إلى التنعيم .
وقد نقل الإجماع ابن قدامة وابن المنذر وغيره على هذا الحكم .
والعجيب أن بعض أهل العلم نسب إلى ابن القيم أنه يرى أنه يحرم بالعمرة من مكة وهذا غير موجود في كتبه يرحمه الله , ونسب هذا القول للبخاري لكن الإجماع منعقد .
{ وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة } :
لقوله تعالى " الحج أشهر معلومات " , وهي شوال وذي القعدة وعشر من ذي الحجة والشافعي يرى أنه تسع ليال , وقيل إن ذي الحجة كله من أشهر الحج لأن فيه أيام التشريق كلها مناسك ويجوز تأخير طواف الإفاضة .
ولذا رجح ابن عثيمين أنه الشهر كله وأنه لا يجوز تأخير أعمال الحج إلى محرم إلا لمضطر كنفساء .
{ ومحظورات الإحرام تسعة } :
جمع محظور وهو الممنوع كما قال تعالى : " كل ذلك كان سيئه عند ربك محظورا " وهذه المحظورات ذكرها أهل العلم وأثبتوها بالاستقراء وإلا فلم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن محظورات الإحرام تسعة .(1/12)
والإضافة سببية أي بسبب الإحرام , أو الإضافة ظرفية .
{ إزالة الشعر } :
حلقه أو نتفه أو قلعه , واختلف في القص وقد نقل ابن المنذر على أن حلق الرأس من محظورات الإحرام لقوله تعالى " ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله " . وفي قصة الحديبية دليل ظاهر وكذلك في قصة كعب بن عجرة في الصحيح .
قال الحنابلة " حلق شعر رأسه وجميع بدنه " فكذلك حلق اللحية والقدم والعانة ... . وهذا قول الجمهور .
وخالف ابن حزم فذهب إلى أن شعر بقية البدن ليس داخلاً .
بل ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتجم وهو محرم , والمحتجم يحتاج إلى حلق بعض الرأس .
والراجح أن الحكم في جميع شعر البدن , لكن لو حلق شيئاً من غير الرأس فإنه يتسامح معه .
{ وتقليم أظفار } :
نقل ابن المنذر الإجماع على هذا وليس فيه شيء في الكتاب أو السنة نصوص ولهذا خالف ابن حزم وقال ليس منها .
واستدل الجمهور بما رواه الطبري في قوله تعالى : " ثم ليقضوا تفثهم .." قال ابن عباس إزالة الوسخ والأظفار .
وهناك دليل أحسن وهو ما جاء في صحيح البخاري من حديث أم سلمة " إذا أراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا ظفره ولا بشرته شيئاً " ووجه الدلالة أن المضحي متشبه بالمحرم وينتظر يوم العيد ويقرب قرباناً ويكبر , وهناك شبه كبير بين المضحي والحاج .
{ وتغطية رأس ذكر } :
لما جاء في الصحيح في قصة الذي وقصته ناقته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تخمروا رأسه " . وقد انعقد الإجماع على أنه ليس للمحرم أن يغطي رأسه فهو خاص بالرجال , أما النساء فلها أن تغطي رأسها كما ثبت من حديث عائشة " كنا نسدل خمارنا إذا حاذانا الرجال " .
والتغطية أقسام :
1- ما كان غير متصل بالبدن - مثل الخيمة ونحوها - فهذا جائز وفيه خلاف لكن القول الثاني مهجور .
2- ما كان متصلاً بالبدن وغير ملتصق بالرأس – كالمظلة أو ما يسمى بالشمسية - ففيه خلاف والصواب الجواز .(1/13)
3- أن يكون متصلاً بالرأس وليس بقاصد للتغطية – كمن حمل فوق رأسه متاعاً - ففيه خلاف والصواب جوازه .
4- أن يكون ملتصقاً بالرأس وقصد به التغطية – كمن حمل متاعاً للتغطية لا لأجل الحمل - فهذا لا يجوز .
وأما الوجه : فاختلف العلماء فيه والمشهور عند الحنابلة أنه يجوز .
وذهب مالك إلى المنع بدليل ما رواه مسلم في صحيحه من حديث الرجل الذي وقصته دابته
" لا تخمروا وجهه ولا رأسه "
وهذه اللفظة – وجهه – أعلت بالشذوذ , ولكن بعض أهل العلم قال : إنها تثبت بالأسانيد الأخرى .
والصواب أنها شاذة ولا تثبت , والصواب جواز تغطية الوجه لا سيما إذا احتاج لذلك .
{ ولبسه المخيط إلا سراويل لعدم الإزار } :
بالإجماع لحديث ابن عمر في الصحيحين " لا يلبس المحرم السراويل ولا القلانس ولا العمائم ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين " .
والمخيط : ما خيط على قدر العضو , وليس كما يفهم البعض وهو ما كان فيه الخياطة , ويقول ابن عثيمين رحمه الله : إن أول من تكلم بلفظ المخيط هو إبراهيم النخعي فأشكل على الناس .
{ وخفين لعدم نعلين } :
لما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه : " ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما " .
وهذا مذهب الجمهور أنه يقطعهما .
ومذهب الإمام أحمد أنه لا يقطعهما واستدلوا بما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب بعرفات – وذكر فيه – " من لم يجد نعلين فليلبس الخفين " ولم يذكر وليقطعهما .
وزيادة يخطب بعرفات : الحديث محفوظ من سبعة طرق عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس كلهم بلفظ " يخطب " , إلا شعبة زاد " يخطب بعرفات " ولهذا لما ساقه مسلم قال : " زاد شعبة بعرفات ولم يذكره غيره " .
- والفائدة من قوله بعرفات حتى نعلم النسخ .(1/14)
لكن نسأل الحنابلة : من قال إن حديث ابن عمر في المدينة ؟ روي ذلك في المسند أن ابن عمر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المنبر " .
ولم أقف على إسناد صحيح بتحديد المكان , إذن لم يصح حديث بتحديد المكان ولهذا يقول الخطابي : عجباً لأحمد فإنه ما علم بسنة وتركها إلا هذه السنة , وقال الزركشي : عجباً للخطابي كيف عجب من أحمد , لأنه لم يتركها بل جعل ناسخاً أو منسوخاً .
والمسألة محتملة والفتوى على المذهب .
{ والطيب } :
الطيب بالإجماع على أنه محظور من محظورات الإحرام , قال صلى الله عليه وسلم " ولا ثوب مسه ورس ولا زعفران ".
وقال في الذي وقصته دابته " ولا تحنطوه " .
وإن كان مالك كره الطيب قبل الإحرام , لكن الجمهور على استحبابه لفعل النبي صلى الله عليه وسلم .
{ وقتل صيد البر } :
لما في البخاري " إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرم " وقوله تعالى " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " وهذا مجمع عليه عند الأئمة .
{ وعقد نكاح } :
لحديث عثمان رضي الله عنه " لا ينكح المحرم ولا ينكح " .
{ وجماع } :
انعقد الإجماع على أنه من محظورات الإحرام لقوله تعالى : " فمن فرض فيهن الحج فلا رفث " قال ابن عباس وغيره :
" هو الجماع " .
{ ومباشرة فيما دون فرج } :
بالإجماع لقوله تعالى : " فلا رفث " .
{ ففي أقل من ثلاث شعرات وثلاثة أظفار في كل واحد فأقل طعام مسكين } .
وقال بعض الحنابلة " حفنة من طعام " .
والصواب : أنه لا يجب عليه شيء لأنه لا يسمى حالقاً والرسول صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم ولا بد له من حلق .
وكذلك الأظفار لا يجب عليه إلا من قلم متعمداً من باب الاحتياط .
{ وفي الثلاث فأكثر دم } :
لأنه جمع , وهذا خلاف , والراجح كما سبق في احتجام النبي صلى الله عليه وسلم .
{ وفي تغطية الرأس بلاصق ولبس مخيط وتطيب في بدن } :(1/15)
هذا بعد الإحرام وليس قبله واستدامته جائزة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم , لكن مالك كرهه كما سبق .
{ أو ثوب } :
سبق أن الحنابلة يكرهون تطييب الثوب والمقصود في هذه المسألة بعد الإحرام فالتطيب بعد الإحرام محظور بالإجماع , وقبله فيه خلاف , وإذا لبسه ثم خلعه فهل يرجعه ؟ عند الحنابلة أنه لا يرجعه وهو الصواب .
{ أو شم أو دهن الفدية } :
وهذا مذهب أكثر أهل العلم لأنه يقصد به الترفه والمحرم ممنوع من الترفه والتلذذ وذهب بعض أهل العلم إلى أنه ليس من المحظورات ورجح ابن القيم أنه من المحظورات وهو الراجح .
والصحيح في المطيبات كالصابون ونحوها الجواز مع أن الأولى تركها .
{ وإن قتل صيداً مأكولاً برياً أصلاً فعليه جزاؤه } :
لقوله تعالى : " فمن قتله منكم متعمداً فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم " .
{ والجماع قبل التحلل الأول في حج وقبل فراغ سعي في عمرة مفسد لنسكها مطلقاً }
لابد أن يكون قبل التحلل الأول , ويترتب عليه فساد النسك .
{ وفيه لحج بدنة } :
هذا هو الأمر الثاني مما يترتب على الجماع قبل التحلل الأول والصواب أنه مجمع عليه عند أهل العلم .
{ والعمرة شاة } :
بإجماع الصحابة وقيل بدنة .
{ ويمضيان في فاسده } :
هذا هو الأمر الثالث .
{ ويقضيانه مطلقاً إن كانا مكلفين فوراً } :
هذا هو الأمر الرابع .
{ و إلا بعد التكليف } :
هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم :
فالجمهور على أنه يلزم غير المكلف قضاء الحج .
وقيل وهو مذهب الحنفية أنه ليس عليهما قضاء لأن لهما رفض الإحرام , وهذا جيد .
{ وحجة الإسلام فوراً } :
يعني يقضي حجة الإسلام قبل هذا الحج الفاسد .
والصحيح وجوب الحج على الفور وهو مذهب الجمهور .
{ ولا يفسد النسك بمباشرة } :
هذا صحيح فلا يفسد الحج إلا شيء واحد وهو الجماع والمباشرة هي مادون الجماع .
{ ويجب بها بدنة إن أنزل } :
هذه مسألة خلافية فهذا المذهب وقيل عليه شاة , وليس فيها دليل .
{ و إلا شاة } :(1/16)
أي وإن لم ينزل فشاة ولا دليل عليها وبعضهم يرى أن لا شيء عليه .
{ ولا بوطء في حج بعد التحلل الأول وقبل الثاني لكن يفسد الإحرام فيحرم من الحل ليطوف للزيارة في إحرام صحيح } :
لأن طواف الإفاضة من مناسك الإحرام ولا بد أن يأتي بطواف الإفاضة بإحرام صحيح وهذه المسألة خلافية فبعض أهل العلم يرى أنه لا يجدد الإحرام وهذا القول له وجاهة .
{ ويسعى إن لم يكن سعى وعليه شاة } :
وهذا من فتاوى الصحابة ليس فيها دليل .
مسألة : لم يذكر المؤلف رحمه الله المباشرة بعد التحلل الأول :
فمذهب الحنابلة أنه لا يجوز وفيه فدية .
وقيل وهو رواية في المذهب أنه يفسد .
والصواب أنه لا يجوز ولكن ليس عليه شيء - أي تجديد الإحرام - .
والخلاف في الفدية هو الخلاف في أصل المحظورات , والراجح أنه لا شيء عليه إلا المتلاعب فإنه يؤدب .
{ وإحرام امرأة كرجل إلا في لبس مخيط وتجتنب البرقع والقفازين وتغطية الوجه فإن غطته بلا عذر فدت } :
بناء على حديث يروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " إحرام المرأة في وجهها " وهذا الحديث لا أصل له وإنما هو من كلام ابن عمر رضي الله عنه .
والصواب أن الأفضل عدم تغطية الوجه للمرأة إلا عند الأجانب لكن لو غطته فهذا جائز لعدم ورود نهي , وإذا كان الرجل يجوز له أن يغطي وجهه فالمرأة من باب أولى .
باب دخول مكة
{ يسن نهاراً } :
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين دخل نهاراً , وهل هو وقع قصداً أم وقع اتفاقاً فيه خلاف , والصواب أنه وقع اتفاقاً .
وقد يستدل بعض أهل العلم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يستحب الدخول نهاراً على البلد وعدم طرق أهله ليلاً , لكن هذا قياس مع الفارق لأن الحكمة في النهي عن طرق أهله ليلاً ليست موجودة هنا .
{ من أعلاها } :(1/17)
لفعل النبي صلى الله عليه وسلم أي من " كَدَى " , والصواب أن هذا أيضاً وقع اتفاقاً لأنه أسمح لدخوله , ولهذا أنكرت عائشة على من يتعمد الخروج من المحصب وقالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لأنه أسمح لخروجه .
{ والمسجد من باب بني شيبة } :
أي يسن الدخول منه وهو آخر الأبواب من جهة المسعى في قبالته البيت وهو في الأصل مقابل باب السلام , وقد ورد في ذلك حديث عند الطبراني بإسناد ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل من باب عبد مناف وهو الذي يسميه الناس باب بني شيبة " ولكنه ضعيف , وذكر صاحب الروض حديث وأخطأ فيه .
{ فإذا رأى البيت رفع يديه وقال ماورد } :
المقصود الكعبة , ورفع اليدين ورد في حديث مرسل عن ابن جريج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت قال : " اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتكريماً وتعظيماً ومهابة , وزد من شرفه تكريماً ومهابة وبراً " ولكنه مرسل .
ولهذا قال البيهقي لا أعلم في رفع اليدين والدعاء عند رؤية البيت حديث صحيحاً فلا آمر به ولا أنكره .
وقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنه بإسناد قابل للتحسين أنه كان إذا رأى البيت قال : " اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام " بدون رفع اليدين .
مسألة :- متى تنقطع التلبية ؟
اختلف أهل العلم في وقت انقطاع التلبية على أقوال :-
القول الأول : أنها تنقطع بدخول الحرم وورد ذلك في البخاري أن ابن عمر رضي الله عنه كان يفعله ويذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعله .
القول الثاني : إذا رأى البيت وشرع في الطواف , وهو المذهب , لما في السنن من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع التلبية عندما رأى البيت " ولكن الحديث ضعيف .
القول الثالث : عند رؤية عمران مكة .
القول الرابع : حتى ينتهي من العمرة , وهو مذهب ابن حزم .
والصواب في حق المعتمر الأول , أما الحاج فلا ينقطع إلى رمي الجمرات والمراد بالحرم هنا : حدود الحرم .(1/18)
{ ثم طاف مضطبعاً للعمرة المعتمر } :
والطواف في حقه ركن .
والاضطباع : أن يجعل طرف ردائه الأيمن تحت عضده الأيمن ويجمع الطرفين على كتفه الأيسر ودليل ذلك حديث يعلى عن أبيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعاً " رواه الترمذي بإسناد جيد .
{ وللقدوم غيره } :
اختلف أهل العلم في حكمه :
... (1) الجمهور أنه سنة لأن عائشة رضي الله عنها لم تطف طواف القدوم ولم تجبره بدم .
... (2) مالك يرى أنه يجبر بدم .
والصواب الأول , وفي هذا دليل على أنه لا يحيي البيت بركعتين وإنما تحية البيت الطواف خلافاً لمن ذهب إلى أنه يستحب صلاة ركعتين مطلقاً .
{ ويستلم الحجر الأسود و يقبله } :
الاستلام من السلام وقد ورد في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استلم الحجر بيده ثم قبلها وقد ورد ذلك أيضاً في الصحيح من حديث عمر أنه قال : والله إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك " .
{ فإن شق أشار إليه ويقول ما ورد } :
فإن شق استلمه بشيء ثم قبله بدليل حديث أبي الطفيل عند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : استلم الحجر بمحجنه ثم قبله , ثم إن شق أشار إليه بدليل ما رواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشار بيده إلى الحجر وكبر , والذي ورد التكبير لحديث ابن عباس السابق , أما التسمية فلم ترد عن الرسول صلى الله عليه وسلم بل عن ابن عمر بإسناد صحيح أنه كان يقول في أول شوط " بسم الله والله أكبر " فكأنه سمى لأنها بداية , وكان يقول : " اللهم إيماناً بك وتصديقاً لكتابك واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم .." كل هذا ثابت عن ابن عمر ولم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله جيد أما التسمية فقد يقال لا يسم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل .
{ ويرمل الأفقي في هذا الطواف } :(1/19)
الرمل سنة , وهو مقاربة الخطى , وليس الوثب هو الرمل ولا النزو , قال ابن عثيمين رحمه الله : " ولا هز الكتفين وإنما هو من فعل الجهال " .
ودليل الرمل ما في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رملوا في طوافهم .
مسألة : هل يكبر في كل شوط ؟
الصواب أنه كلما حاذى الحجر كبر , وقد ورد هذا عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كلما حاذى الحجر كبر في كل طوافه .
أما ما يقال بين الركنين : فالوارد فيه حديث ضعيف ولكن فعله لا بأس به .
والأظهر عدم التكبير في نهاية الشوط الأخير لأن التكبير إحرام للشوط .
{ فإذا فرغ صلى ركعتين خلف المقام } :
لحديث جابر في الصحيحين , والصواب أنه يقرأ سورتي التوحيد : الكافرون والصمد كما في حديث جابر رضي الله عنه .
ثم يستلم الحجر الأسود لما في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه , قال أهل العلم وهي تحية المسعى , وهل يشرع تقبيل الحجر الأسود في غير طواف ؟ يقول ابن عثيمين رحمه الله : لا أعلم دليلاً في استحبابه ومن عنده دليل فليأتنا به .
{ ويخرج إلى الصفا من بابه } :
ويقرأ " إن الصفا والمروة من شعائر الله " وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أبدأ بما بدأ الله به " كما في صحيح مسلم .
وعليه : فهل قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لبيان سبب التشريع أو لأن قراءتها من المناسك , الصواب : أن قراءتها من المناسك .
ولهذا كان الصواب أيضاً من كلام أهل العلم أن الأفضل قراءة " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " عند الذهاب لصلاة ركعتين لأن هذا من التأسي .
غير أنه في المسعى لا يكون ذلك في كل طوافه بل لا يقوله إلا مرة واحدة عند صعوده الصفا قبل الشوط الأول .
{ فيرقاه حتى يرى البيت } :
ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه , وهذه أول سنة بعد صعوده للجبل .
{ فيكبر ثلاثاً ويقول ما ورد } :(1/20)
الثاني من السنن رفع اليدين لما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه .
الثالث : يكبر ثلاثاً لما في مسند أحمد من حديث جابر رضي الله عنه وفيه أنه كبر ثلاثاً .
الرابع : يذكر الله جل وعلا بقوله : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير , لا إله إلا الله وحده , نصر عبده , وأعز جنده , وهزم الأحزاب وحده .
الخامس : يدعو بما أحب من خيري الدنيا والآخرة , يفعل ذلك - أي ماسبق من الذكر والدعاء - ثلاثاً .
واختلف في دعائه الأخير هل يدعو أولاً ؟ وظاهر حديث جابر رضي الله عنه يحتمل عدم الدعاء , فيكون قال الذكر ثلاث مرات ودعا مرتين .
{ ثم ينزل ماشياً إلى العلم الأول فيسعى شديداً إلى الآخر } :
كله ثابت في حديث جابر رضي الله عنه في صحيح مسلم .
وأما ما بين العلمين فقد أجمع أهل العلم على استحباب الإسراع بينهما لما ثبت في حديث جابر رضي الله عنه , وأجمعوا على أن المرأة لا تركض وأنه خاص بالرجال .
{ ثم يمشي ويرقى المروة ويقول ما قاله على الصفا } :
هذا ثابت أيضاً في حديث جابر رضي الله عنه .
{ ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه إلى الصفا , يفعله سبعاً , ويحسب ذهابه ورجوعه } :
كله مجمع عليه .
{ ويتحلل متمتع لا هدي معه بتقصير شعره ومن معه هدي إذا حج } :
فيه مسائل :
أولاها : أن التحلل خاص بالمتمتع وهذا ثابت في حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين : " فأما من أهل بعمرة فحل , وأما من ساق الهدي أو أهل بالحج فلم يحل " .
ثانيها : تقصير الشعر عند المؤلف أفضل من الحلق وذلك من أجل أن يترك شعراً لنسك الحج , وهذا فيما إذا كان الوقت بين النسكين قريباً جداً وأما إذا كان طويلاً فالأفضل الحلق .
ثالثها : هل للمتمتع أن يسوق الهدي ؟(1/21)
القول الأول : الحنابلة يرون أن له ذلك غير أنه لا يحل أي لا يحلق لأنه لا يحلق رأسه حتى يبلغ الهدي محله فيكون متمتعاً ومع ذلك لا يحل .
والمتمتع سمي بذلك لأنه يتمتع بالإحلال وهذا لم يتمتع .
القول الثاني : ذهب بعضهم إلى أنه ليس للمتمتع أن يسوق الهدي فإن فعله فنسكه القران فقط , ورجح هذا ابن عثيمين رحمه الله وقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم أسف على أنه ساق الهدي وتمنى أنه لو تمتع فلو كان سوق الهدي لا يمنع التمتع لفعله صلى الله عليه وسلم , وهذا قوي .
وقيل إن المتمتع إن ساق الهدي فإنه يتحلل لأن سوق الهدي للحج ولم يدخل في الحج حتى الآن .
{ والمتمتع يقطع التلبية إذا أخذ في الطواف } :
الحكم هنا خاص بالمتمتع , فالمشهور من المذهب ما ذكر واستدلوا بما رواه الترمذي , وقد سبق ذكر هذه المسألة .
فصل في صفة الحج والعمرة
{ يسن لمحل بمكة الإحرام بالحج يوم التروية } :
أي المتمتع أو أهل مكة في الأنساك الثلاثة كلها يوم التروية : وهو اليوم الثامن , من مكة : لحديث ابن عباس في الصحيحين : " وأما أهل مكة فمن مكة " وليس هناك موضع خاص بالإحرام كما ذكره بعض أهل العلم بل هو من أي مكان .
وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أهلوا بالحج لما توجهوا إلى منى , والرسول صلى الله عليه وسلم توجه إلى منى ضحى , ولهذا يعبر بعض أهل العلم بأنه يسن الإحرام قبل الزوال , وهذا أحد الروايات , وقيل وهو رواية في المذهب بعد الزوال والأول أحسن .
{ والمبيت بمنى } :
ليته قال : والصلاة بمنى جميع الصلوات عدا الفجر .
والمبيت بمنى بالإجماع أنه من سنن الحج , لحديث عروة بن مضرس في قوله " صح حجه وقضى تفثه " ولم يشترط المبيت بمنى قبل الوقوف بعرفة فقط .
{ فإذا طلعت الشمس سار إلى عرفة } :(1/22)
لحديث جابر رضي الله عنه في صحيح مسلم خلافاً للحنفية وهو رواية في المذهب أنه يذهب بعد الفجر لحديث ابن عمر رضي الله عنه عند الإمام أحمد رحمه الله لكن فيه كلام وتوجيهه سهل .
{ وكلها موقف إلا بطن عرنة } :
كما في حديث جابر رضي الله عنه " وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف " .
وأما عرنة فاختلف فيه هل هو من عرفة أم لا ؟ :
فالجمهور على أنه ليس منها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وارفعوا عن بطن عرنة " .
ومالك رحمه الله فيما نسب إليه يقول إنه من عرفة .
- ونمرة أيضاً ليست من عرفة لأن عرنة بين نمرة وعرفة , ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم انتقل منها .
{ وجمع فيها بين الظهر والعصر تقديماً } :
أجمع أهل العلم على هذا , لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر .
واختلفوا في الوجوب :-
فالجمهور على أنه يستحب الجمع بين الظهرين .
والحنفية يرون أنه يجب الجمع بينهما لأنه من أنساك الحج .
والراجح أنه سنة .
- ولم يذكر المؤلف حكم القصر : فالناس فيه على ثلاثة أقسام :
1- من ليسوا من أهل مكة ولا قريباً منها , وبينهم وبينها مسافة قصر فهؤلاء يجمعون ويقصرون عند الجماهير .
2- من هم من أهل مكة أو بينهم وبينها أقل من مسافة قصر وهم حجاج , فاختلف أهل العلم فيهم :-
القول الأول : وهو رأي الجمهور على أنهم لا يقصرون ويجوز لهم الجمع .
القول الثاني : وهو مذهب الشافعي واختيار ابن عثيمين أنهم يقصرون ويجمعون بناءً على قولهم أن القصر للعرف .
والعجيب أن ابن باز رحمه الله يشترط المسافة للقصر ومع ذلك كان يأمر من معه من أهل مكة الحجاج أن يقصروا , فظاهره أنه يرى أنه نسك .
ولم يتبين لي في هذه المسألة شيء .
3- من هم من أهل مكة أو قريباً منها وليسوا حجاجاً فعلى الخلاف السابق وهؤلاء الصواب فيهم أنهم لا يقصرون ولا يجمعون .
{ وأكثر الدعاء مما ورد } :(1/23)
ورد عند أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" خير الدعاء دعاء يوم عرفة , وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " .
هذا ضعيف ولم يثبت في الباب حديث في تحديد دعاء النبي صلى الله عليه وسلم .
{ ووقت الوقوف من فجر عرفة إلى فجر النحر } :
هذه مسألة كبيرة جداً , ولها ثمرة عظيمة فالحنابلة على ما ذكره المؤلف بدليل حديث عروة بن مضرس : " وشهد صلاتنا ووقف معنا وكان قد وقف قبل ذلك من ليل أو نهار فقد صح حجه وقضى تفثه " رواه أهل السنن بإسناد جيد .
وقيل إن وقت الوقوف يبدأ من زوال الشمس وهو مذهب الجمهور بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبدأ وقوفه إلا بعد الزوال .
وثمرة الخلاف :-
فيما لو وقف قبل الزوال , وتتصور هذه المسألة فيما لو مرض مثلاً وخرج من عرفة هل يصح حجه أو لا .
والصواب : أن وقت الوقوف يبدأ بعد زوال الشمس لكن من لم يقف إلا قبل الزوال فلا يمكن إفساد حجه .
{ ثم يدفع بعد الغروب إلى مزدلفة بسكينة } :
هذا ثابت في حديث جابر رضي الله عنه : " وكان يمشي السكينة ويقول أيها الناس السكينة السكينة " . وفي البخاري : " فإن البر ليس بالإيضاع " أي سرعة الوصول والوضع .
{ ويجمع فيها بين العشاءين تأخيراً } :
هذا ثابت بالإجماع ومستنده حديث جابر رضي الله عنه فإنه أول ما وصل إلى مزدلفة صلى العشاءين وقوله تأخيراً :
ظاهره حتى لو جاء في أول الوقت لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم .
وقيل يصلي متى وصل سواء كان في المغرب أو في العشاء .
وقيل يصلي كل صلاة في وقتها إذا وصل مبكراً .(1/24)
والصواب الثاني لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما وصل بدأ بالصلاة , وللمخالف أن يقول نظرتم إلى الدليل بنظرين : أنه صلى في وقت العشاء , ولم تنظروا أنه بدأ أعمال مزدلفة بالصلاة , وإن فعل فقد ترك شرطاً آخر وهو كونها صلاها في العشاء .
لكن المرجح هل الحكمة صلاتها في العشاء أو أن الناس يصلون ثم يرتاحون .
والراجح : أنه يصليها متى ما وصل .
{ ويبيت بها } :
قيل المبيت واجب وهذا هو المشهور في المذهب .
وقيل سنة .
وقيل ركن وهو مذهب بعض التابعين وهم قلة , ورجحه الألباني رحمه الله .
والصواب أنه واجب .
مسألة : لم يذكر المؤلف هل يوتر أم لا :-
وهذه المسألة في نظري ليست بحاجة إلى خلاف وذلك أن جابر رضي الله عنه لم يذكر أنه صلى أو لم يصل ولا غيره من الصحابة , والذي ينبغي أن يعلم أن جابر رضي الله عنه التزم بذكر ما فيه تعلق في الحج وغيره من الصحابة كذلك .
فلو وضعنا هذه القاعدة وهي أن كل ما لم يذكره فلم يفعله , لانخرم علينا الشيء الكثير , لكن ينبغي أن يكون الضابط : الأصل بقاء ما كان على ما كان إلا إذا جاء الدليل بنفيه .
فمثلاً لم يذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى راتبة الفجر , فلماذا لم يختلفوا فيها ؟ والمتأمل في حديث جابر رضي الله عنه يجد أن الذي ذكره جابر كله متعلق بالحج أو تشريع جديد أو نفي شيء سبق تشريعه .
{ فإذا صلى أتى المشعر الحرام } :
وهو المسجد الآن فيذهب إليه إن تيسر له ذلك و إلا فمن مكانه , وأجمع أهل العلم على أنه سنة وليس بواجب .
ثم يستقبل القبلة كما في حديث جابر رضي الله عنه ويدعوا , والسنة رفع اليدين في الدعاء .
{ فرقاه ووقف عنده وحمد الله وكبر وقرأ " فإذا أفضتم من عرفات " الآيتين , ويدعو حتى يسفر ثم يدفع إلى منى } :
هذا بالإجماع وقصده مخالفة المشركين وكانوا يدفعون بعد طلوع الشمس وكان يقول قائلهم : أشرق ثبير – زاد النسائي : كيما نغير .
{ فإذا بلغ محسراً أسرع رمية حجر } :(1/25)
الصواب فيه أنه برزخ بين منى ومزدلفة وهو رمية حجر .
{ وأخذ حصى الجمار سبعين أكبر من الحمص ودون البندق } :
ظاهره أنه يأخذها من محسر والمشهور من المذهب أنه يأخذها من أي مكان , وعند بعض المتأخرين من الحنابلة يأخذها من مزدلفة سبعين حصاة .
والصواب أنه لا يأخذ السبعين حصاة , ولم يرد دليل على هذا .
أما حصى جمرة العقبة فليس هناك دليل واضح في مكان أخذ النبي صلى الله عليه وسلم لها , وجاء في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من منى ولكنه معلول .
والمتأمل يجد أن السنة أن الأمر في ذلك واسع سواء من مزدلفة أو من منى أو عند الجمرة , وفي الباب أحاديث لكنها إما ضعيفة أو ليست بصريحة .
وثبت في مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بمثل هذه فارموا " وهي حصاة الخذف كما ذكر المؤلف .
{ فيرمي جمرة العقبة وحدها بسبع } :
هذا ثابت في حديث جابر وابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم كلها في الصحيح , قالوا : إن جمرة العقبة تحية منى .
وكونها سبع بالإجماع .
وإتيان الجمرة ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع منى عن يمينه ومكة عن يساره " .
أما ما روى الإمام أحمد من أنه استقبل البيت فهذا شاذ فيستحب فعل الأول إن تيسر و إلا فالأيسر على الإنسان أولى .
{ يرفع يمناه حتى يرى بياض إبطه } :
هذا ثابت في الصحيح من فعل النبي صلى الله عليه وسلم : لكن كما قال ابن عثيمين رحمه الله لا يلزم إذا كان عند الجمرة قريباً منها فيجوز له حينئذ أن يلقيها فالرفع غير مقصود فلذلك يجوز وضعها وضعاً عند الشيخ رحمه الله وهو الصحيح .
ويجب وقوعها في المرمى ولا يفتِ الإنسان بخلافه إلا عند الحاجة .
{ ويكبر مع كل حصاة } :
هذا ثابت في حديث ابن عباس رضي الله عنه في الصحيح بدون تسمية .
{ ثم ينحر } :(1/26)
لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم لما رمى الجمار , والصحيح أن النحر ليس له تعلق بالإحلال .
{ ويحلق } :
لفعله صلى الله عليه وسلم .
{ أو يقصر من جميع شعره } :
هذا مفضول وليس فاضلاً لما في الصحيحين : " اللهم اغفر للمحلقين .. " .
{ والمرأة قدر أنملة } :
ثبت هذا في حديث ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما .
{ ثم قد حل له كل شيء إلا النساء } :
وهذا مذهب الجمهور وهو أن يفعل اثنين من ثلاثة حتى يحل إحرامه ولم يثبت حديث واحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة وإنما هي سنته الفعلية صلى الله عليه وسلم , فإنه لم يحل حتى رمى وحلق .
فكلما رأيت حديثاً صريحاً في هذه المسألة فاحكم عليه بالضعف سواء كان للقول الأول أو الثاني , أما عمر رضي الله عنه فله رأيان , كلاهما صح عنه أنه قال : إذا رميت وحلقت أو إذا رميت فقد حل كل شيء .
{ ثم يفيض إلى مكة فيطوف طواف الزيارة وهو ركن } :
لحديث جابر رضي الله عنه , ونقل ابن المنذر أنه يستحب إذا أراد أن يطوف أن يغتسل ويقص أظفاره ويتنظف , وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يفعله .
{ ثم يسعى إن لم يكن سعى وقد حل له كل شيء } :
هذا السعي على المتمتع وهو قول أكثر أهل العلم أن عليه سعيان .
وذهب بعضهم إلى أن المتمتع والقارن عليه سعيان .
وقيل هو رواية في المذهب واختيار شيخ الإسلام أنه ليس عليهما إلا سعي واحد كالمفرد .
والصواب الأول لحديث عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم .
{ وسن أن يشرب من زمزم لما أحب } :
ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه بعد طواف الإفاضة , أما في طواف العمرة وطواف القدوم فلم ينقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه شرب , وحديث جابر رضي الله عنه : " ماء زمزم لما شرب له " حديث ضعيف لكن معناه صحيح فإنه ماء مبارك ولكن في مسلم " ماء زمزم طعام طعم " زاد الطيالسي " وشفاء سقم " والزيادة جيدة .
{ ويتضلع منه ويدعو بما ورد } :(1/27)
كل الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم لم تثبت بإسناد صحيح .
{ ثم يرجع فيبيت بمنى ثلاث ليال } :
لحديث جابر رضي الله عنه وغيره , والمبيت بمنى واجب على الصحيح من كلام أهل العلم والدليل : أن العباس استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السقاية بمكة فرخص له , فدل على أنه في الأصل واجب ويسقط بالعجز , فمن لم يجد مكاناً إلا الشارع فلا يبيت فيه .
والصواب في وقت جمرة العقبة أنه إلى طلوع الفجر من اليوم الثاني , بل إن ابن عمر رضي الله عنه كان يذهب بأهله عشاء .
{ ويرمي الجمار في كل يوم من أيام التشريق بعد الزوال وقبل الصلاة } :
لما في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة ضحى ورمى الجمرات الثلاث بعد الزوال .
وجاء في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال : " كنا نتحين زوال الشمس " .
وجاء في الصحيح أيضاً " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس وانتظر حتى زالت الشمس ثم رمى ثم صلى " , هذا هو الصحيح في الرمي .
وقيل يجوز الرمي قبل الزوال مطلقاً .
وقيل في النفر الأول والنفر الثاني وهو المشهور عند أبي حنيفة رحمه الله .
والصواب الأول , والأدلة فيه ظاهرة وهو ظاهر قصة جابر رضي الله عنه .
مسألة : طريقة الرمي :-
يرمي الأولى بسبع ويكبر مع كل حصاة , أما إتيانها فلم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث صحيح صريح في طريقة الإتيان , خلافاً للحنابلة , ثم يمشى ثم يستقبل القبلة ويدعو دعاء طويلاً , ولم يرد شيء في مدته .
ثم يذهب إلى الوسطى ولم يرد أيضاً شيء في صفة إتيانها , ثم يأخذ ذات الشمال ثم يدعو دعاء طويلاً ثم يرمي جمرة العقبة ولا يدعو , واستنبط أهل العلم سبب تركه للدعاء بعد العقبة بأنه انتهى من العبادة والدعاء يكون في العبادة .
{ ومن تعجل في يومين إن لم يخرج قبل الغروب لزمه المبيت والرمي من الغد } :(1/28)
وهذا منقول عن عمر رضي الله عنه ولم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث صحيح في هذا , وظاهر القرآن يدل على هذا : " فمن تعجل في يومين .. " .
لكن لو أن الإنسان تهيأ ولم يستطع الخروج كما يحصل في هذا العصر فإنه قد خرج في الحقيقة لأنه نوى , حتى لو تأخر عن الرمي إلى الليل خارجاً عن إرادته فله الخروج .
{ وطواف الوداع واجب } :
على الصحيح لحديث " أحابستنا هي " وقوله صلى الله عليه وسلم : " ولا ينفر أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت الطواف " رواه البخاري .
{ يفعله ثم يقف في الملتزم داعياً بما ورد } :
لم يرد شيء عن الرسول صلى الله عليه وسلم , وإنما عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما , لكن يجوز له الإقتداء بالصحابة .
{ وسن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه } :
بل هذا سفر منكر , وتعظيم المشاهد من فعل الجاهلية , وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ..." .
لكن له أن يشد الرحل إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويدخل فيه تبعاً .
{ وصفة العمرة أن يحرم بها من بالحرم من أدنى الحل } :
نقل ابن قدامة وابن المنذر الإجماع على هذا , ونقله جماعة , لكن البخاري بوب تبويباً يدل على أن أهل مكة يحرمون من مكة للعمرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس في
الصحيحين : " وأما أهل مكة فمن مكة " .
ونقل الشنقيطي أنه قول ابن القيم لكن ما وجدناه في كتبه .
ودليل المؤلف فعل عائشة رضي الله عنها لما اعتمرت من التنعيم .
{ وغيره من دويرة أهله إن كان دون ميقات و إلا فمنه ثم يطوف ويسعى ويقصر }
18/11/1424هـ(1/29)