شرح كتاب بلوغ المرام (الجزء السادس)
كتاب الجنايات
حديث: لا يحل قتل مسلم إلا بإحدى ثلاث
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب الجنايات.
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة " متفق عليه.
وعن عائشة -رضي الله عنها-، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا يحل قتل مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال: زان محصن فيرجم، ورجل يقتل مسلما متعمدا فيقتل، ورجل يخرج من الإسلام فيحارب الله ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض " رواه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم.
ـــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
.....................................................................................
ـــــــــــــــ
فيقول المصنف ابن حجر -رحمه الله تعالى-: كتاب الجنايات, هذا الكتاب يسميه بعض أهل العلم كتاب الجنايات كما هنا، وبعضهم يسميه كتاب القصاص، ومنهم من يقول: كتاب الدماء، ومنهم من يقول: كتاب الديات، ومنهم من يجعل الديات بابا من كتاب الجنايات، والمعنى واحد.
والجنايات جمع جناية، تشمل الجناية على النفس، والجناية على ما دون النفس كالأطراف ونحوها, وكذلك الجناية على العرض بالقذف وغيره, فكله داخل في باب الجنايات.
حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ذكره المصنف رحمه الله، وذكر الرواية الثانية عن عائشة مبينة موضحة لهذه الرواية.(1/1)
قوله: " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث " وهذا متفق عليه بين أهل العلم أن المسلم من الرجال والنساء من عموم المسلمين أن دمه حرام، ولا يجوز التعرض له، ولا يجوز الاعتداء عليه، إنما يجوز حينما يوجد سبب, إقامة الحد عليه، أو القصاص، أو ما أشبه ذلك، كل هذا بشروطه كما بينه أهل العلم من خلال الأخبار في هذا الباب, فقوله: " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث " هذا هو الأصل أن العصمة لدم المرء المسلم كما في هذا الخبر.
(إلا بإحدى ثلاث) بواحدة من ثلاث، (الثيب الزاني) بين في الرواية الثانية عن عائشة -رضي الله عنها-: " زان محصن فيرجم " وأن الثيب يراد به هو المحصن الذي جامع في النكاح الصحيح وهو بالغ عاقل، فهذا هو الذي يحل دمه؛ ولهذا بين أن قتله يكون بالرجم يعني عند ثبوته بشرطه فإذا ثبت ذلك حل دمه.
(والنفس بالنفس) يعني من قتل نفسا متعمدا، وهذا عند جمهور أهل العلم, خص في الرواية الثانية في حديث عائشة -رضي الله عنها-: " رجل يقتل مسلما متعمدا " وشرطه أن يكون القتل تعمدا, أما لو وقع القتل خطأ فإن هذا لا يوجب الدم ولا يريق الدم، وهذا محل اتفاق عند أهل العلم من حيث الجملة مع خلاف في وصف العمد عندهم، ولعل يأتي الإشارة إلى شيء من هذا.
.....................................................................................
ـــــــــــــــ
(والنفس بالنفس) وخرج من النفس بالنفس صور: منها قتل الوالد ولده, ومنها قتل المسلم للكافر, ومنها قتل الحر للملوك، وهذه الصور خارجة بعضها عند الجمهور وبعضها باتفاق أهل العلم، ويأتي الإشارة إلى شيء منها في الأحاديث التي ستأتي في كلام المصنف رحمه الله.
((1/2)
والتارك لدينه المفارق للجماعة) التارك لدينه هو المرتد، كما جاء في الرواية الثانية: " ورجل يخرج من الإسلام " في حديث عائشة، في حديث عثمان: " ورجل كفر بعد إسلامه " في لفظ: " أو ارتد بعد إسلامه " فبين أنه لا يحل دمه إلا إذا ارتد أو كفر بعد إسلامه, ومن ذلك أيضا الزنديق فكله داخل في وصف المرتد, (المفارق للجماعة) أيضا هذا وصف آخر، التارك لدينه يشمل الترك الكلي بالردة، ويشمل ترك الدين ببدعة ونحوها؛ ولهذا قال: المفارق للجماعة. الذي يفارق الجماعة ويخرج عليها.
وكذلك في حديث عائشة -رضي الله عنها- وصف لهذا التارك لدينه المفارق للجماعة ثبت في حديث عائشة، ولهذا المصنف رحمه الله ساق حديث عائشة وقد رواه مسلم حديث عائشة، والمصنف ما عزاه إليه؛ لأن مسلم لم يسق لفظه رحمه الله, إنما ساقه بعد حديث ابن مسعود فقال: بمثله. فلم يسق لفظه، ثم لفظ ابن مسعود مختلف عن لفظ حديث عائشة هذا, وأيضا رواه النسائي من حديث عثمان - رضي الله عنه - بإسناد صحيح، فهو من حديث ابن مسعود ومن حديث عائشة ومن حديث عثمان رضي الله عن الجميع.
وفي قوله: " ورجل يخرج فيحارب الله ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض " هذا بيان لصفة الرواية الأخرى المفارق للجماعة.
ولهذا اختلف العلماء في قوله: (التارك لدينه المفارق للجماعة) هل هو وصف واحد؟ أو وصف لكل مفارق؟ أو المراد به المرتد؟ والأظهر أنه شامل للجميع، فالترك للدين يشمل الترك الكلي وترك بعض الدين بنوع خلاف خاص ببدعة وضلالة؛ ولهذا أخذ بعض أهل العلم من هذا وهو قول مالك وقول الجماهير كثير من أهل العلم في هذا أن المفارق للجماعة ببدعة أو ضلالة أو فساد في الأرض؛ فإنه يقتل.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ(1/3)
لكن اختلف في المحارب هل الإمام مخير فيه؟ أو يختلف فيما إذا قتل؟ ذهب جمع إلى أن الإمام مخير فيه إن شاء قتله، وإن شاء صلبه، وإن شاء نفاه من أرضه بحسب ما يرى، إلا إذا وقع القتل وكان القتل لشخص وطالب بدمه ولي المقتول فإنه في هذه الحال له الحق، لكن هو الكلام من حيث الجملة فيما إذا وقع محاربة وفساد في الأرض فإن له الخيار في مثل هذا إذا لم يقع قتل, فهذا الخبر أصل في هذا الباب، وأن الأصل حرمة دم المسلم وعصمة دم المسلم إلا ببينة تدل على هذا كما تقدم.
حديث: أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء " متفق عليه.
ــــــ
نعم حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - متفق عليه كما ذكر المصنف -رحمه الله-، وفيه: " أول ما يقضي بين الناس يوم القيامة في الدماء " فيه تعظيم أمر الدماء، وأن أمرها شديد وعظيم؛ ولهذا جاء الشارع بتحريم الدماء والاعتداء على النفوس المسلمة والمعصومة، كل هذا يدل على أنها محرمة ومعصومة " أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء " وذلك لعظم شأنها.
وجاء في رواية أخرى من حديث تميم الداري ومن حديث أبي هريرة -رضي الله عنهم-، أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: " أول ما يحاسب العبد من أعماله يوم القيامة صلاته " في حديث تميم، وفي حديث أبي هريرة أنه يبدأ بالصلاة، ثم الزكاة، ثم تؤخذ الأعمال على ذلك؛ يعني على هذا النحو، ثم يقال: انظروا هل لعبدي من تطوع.(1/4)
اختلف العلماء في أيهما يبدأ: بالدماء أو بالمحاسبة على الصلاة ونحوها؟ الأظهر -والله أعلم- أن يقال: إن القضاء يكون في الدماء؛ يعني أول ما يبدأ في القضاء في الدماء، وأول المحاسبة في الصلاة ونحوها, فرق بين القضاء والمحاسبة، فعلى هذا يكون البداءة في حقوق العباد في أمر الدماء، أعظم حقوق العباد أمر الدماء فيبدأ بها, وكذلك حق الخالق سبحانه وتعالى أمر العبادات وشأنها، وشأن العبادات وأعظمها وأجلها شأنا وأعظمها خطرا الصلاة.
فلهذا هي أول ما يكون القضاء في حقوق العباد يكون في الدماء؛ لأن هذا أمر يتعلق بحقوق العباد، والمحاسبة تكون في حقوق الله - عز وجل - والمراد الخالصة، وإلا ما من أمر يأمر الله به أو نهي ينهي عنه سبحانه وتعالى إلا وله فيه حق؛ لكن المراد الحقوق الخالصة أو التي يغلظ فيها حقه سبحانه وتعالى، أو الحقوق التي يغلظ فيها حق العباد.
.....................................................................................
ـــــــــــــــ
فأول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء؛ وذلك لأن حقوق العباد مبنية على المشاحة فابتدئ بها, وفي الصحيحين عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: أنا أول من يجثو بين يدي الله للخصومة يوم القيامة. يعني: في شأن بدر قتلى يوم بدر؛ لما قَتَلَ هو وأصحابه -رضي الله عنهم- لما وقعت مبارزة بينه وبين كفار قريش، وأنهم أهل الحق وخصومهم أهل الباطل، فأول من يجثو للخصام هو - رضي الله عنه - ومن معه؛ فيجثون للمخاصمة، وجاءت الأخبار في هذا الباب كثيرة تبين أمر الدماء وشدة أمر الدماء.(1/5)
وكذلك جاء من حديث ابن عباس عند النسائي بإسناد جيد أنه قال: " يأتي المقتول يوم القيامة ممسكا رأسه بيده، وبيده الأخرى القاتل، وأوداجه تشخب دما فيقول: يا رب سل هذا فيم قتلني " فلهذا المصنف -رحمه الله- ذكر هذا الخبر في هذا الباب؛ لأجل تعظيم شأن الدماء، وأن أمرها خطير، وأن أمرها عظيم في الشرع؛ ولهذا جاء في الخبر الأول في بيان أن الأصل العصمة في الدماء؛ إلا من وجب قتله أو جاز قتله بسبب الشرع.
حديث: من قتل عبده قتلناه
عن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه " رواه أحمد والأربعة، وحسنه الترمذي، وهو من رواية الحسن البصري عن سمرة، وقد اختلف في سماعه منه، وفي رواية أبي داود والنسائي بزيادة: " ومن خصى عبده خصيناه " وصحح الحاكم هذه الزيادة.
ــــــ
نعم حديث سمرة - رضي الله عنه - في هذا الخبر: " من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه " وفي لفظ آخر: " ومن خصى عبده خصيناه " من رواية الحسن عن سمرة والحسن عن سمرة مختلف في سماعه منه على ثلاثة أقوال: قيل لم يسمع منه مطلقا، وقيل سمع منه، وقيل سمع منه حديث العقيقة, وهنالك قول رابع: أنه سمع منه حديث العقيقة وسمع غيره أيضا مما صرح فيه بالسماع وهذا أظهر، يقال: إن الأصل عندهم أنه لم يسمع إلا إذا صرح بالسماع منه، مثل ما جاء في حديث العقيقة: يذبح عنه يوم سابعه ويسمى، وجاء في رواية الحسن عن سمرة بعض الأخبار التي صرح فيها بالسماع؛ فلهذا ما جاء أنه صرح بالسماع فإنه محكوم بوصله؛ لأن الحسن -رحمه الله- أيضا مدلس, وهو كما قالوا لم يسمع منه، فاجتمع هذا وهذا، فالأصل فيه عدم سماعه منه إلا ما صرح فيه بالتحديث؛ لكن حديث العقيقة جاء النص عليه وذكر سماعه منه في البخاري؛ ولهذا اشتهر عند العلماء.(1/6)
وهذا الخبر أورده المصنف -رحمه الله- بالإشارة إلى الخلاف فيمن قتل مملوكه أو قتل مملوك غيره، ذهب الجمهور إلى أنه لا يقتل به، قالوا: إنه لا يقتل به، وذهب آخرون إلى أنه يقتل به بعموم الأدلة في هذا الباب، ومنها هذا الخبر: " من قتل عبده قتلناه " جعله مساويا له في باب القتل, وكذلك الجدع وهو: قطع الأطراف كالأنف والأذن, والمخالفون ذكروا أدلة من جهة المعنى، ومن جهة النقل عدة أخبار في هذا الباب أنه -عليه الصلاة والسلام- لم يسو بين الحر والمملوك، وفي لفظ: أن رجلا قتل مملوكه فلم يقده به، بل محا سهمه من سهم .....................................................................................
ـــــــــــــــ
المسلمين ونفاه سنة وأمر بجلده، لكن كلها أخبار لا تثبت, وقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ } (1) .
والذين خالفوا استدلوا بأدلة مثل قوله تعالى: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } (2) من آية المائدة، لكن من خالف قالوا: إن هذا لأهل الكتاب، أما التي في آية البقرة فهي خطاب لأهل الإسلام, وفي دلالة الآية نزاع للطرفين من هنا ومن هنا، في دلالة الآية لا هذه ولا هذه فيه نزاع كبير، والأظهر أنه يستدل بأدلة أخرى لا نزاع فيها، لأنه ما استدل+ استدل هذا الطرف وهذا الطرف فإن فيها نزاعا كبيرا لا يقوى على المقابلة بين المتنازعين، والأظهر أن يستدل بأدلة أخرى.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 178.
(2) - سورة المائدة آية : 45.(1/7)
وعلى هذا من قال: إنه يقتل به؛ قال: الأصل عندنا العموم، الأصل العموم في هذا الباب، من جهة عموم الأدلة أنه يقتل به, وسيأتي في حديث علي - رضي الله عنه - " أن المسلمين تتكافأ دماؤهم " هذا عام، (تتكافأ دماؤهم) يعني معنى أنها تتكافأ في القصاص وفي الدية، فلا فرق بين حر وعبد، ولا شريف ومشروف، ولا رجل ولا امرأة، كلهم تتكافأ دماؤهم, فذكرهم في باب العهد وفي باب المكافئ في الدم والقصاص والدية، فدل على المساواة، وهذا هو الأقرب.
وأيضا من جهة أيضا عموم الأدلة القاعدة الأصولية عند أهل العلم: أن المكلفين يدخلون في خطاب الشرع؛ ولهذا أوردوا قاعدة: هل يدخل المملوك في خطاب الشرع أم لا؟ أوردوا القاعدة هذه على سبيل التساؤل؛ من جهة أنهم رأوا أنه لا يدخل في بعضها بلا خلاف، ويدخل في بعضها بلا خلاف، وفي بعضها فيه خلاف.
.....................................................................................
ـــــــــــــــ
فلهذا نقول: الأصل دخوله؛ إلا ما دل الدليل على أنه لا يدخل، مثلا: الحج لا يجب على المملوك؛ لا يجب حتى بمعنى أنه ليس مخاطبا، فلو حج وهو مملوك وجب عليه إذا عتق؛ لحديث ابن عباس في هذا الباب عند ابن أبي شيبة وغيره: " أيما مملوك حج ثم عتق فعليه حجة أخرى " مثلا, وكذلك أمور أخرى اختلف فيها.
نقول: ما دل النص مثل مثلا قذف الحر، أو قذف السيد لعبده هل يقاد به؟ لا يحد به لقوله -عليه الصلاة والسلام-: " من قذف مملوكه وقف له يوم القيامة حتى يقام عليه الحد " فدل على أنه ليس داخلا في عموم الأدلة في وجوب حد القذف لهذا الخبر.(1/8)
فنقول: إن قولهم: هل يدخل الخطاب؟ نقول: الأصل الدخول في هذه القاعدة الأصولية؛ الأصل الدخول إلا ما دل الدليل، وفي خطابات داخل مثل: وجوب الصلاة عليه، الزكاة لا يدخل من جهة أنه لا يملك؛ إلا إذا قيل بالتمليك، فلا يدخل ولو كان له مال؛ لأن ماله لسيده، فلا يدخل في خطابات الشرع في باب الزكاة.
وهكذا إذا تأملت هذه المسألة وجدت أنه في بعضها لا يدخل بلا خلاف، وفي بعضها يدخل بلا خلاف، وفي بعضها مختلف فيه, المختلف فيه أيش نقول؟ نقول: الأصل دخوله في عمومات خطاب الشارع, هذا هو الأصل، فمن قال: لا يدخل. أيش الدليل عليه؟ ما هو الدليل عليه؟ ولهذا نازع كثير من أهل العلم في عموم هذه القاعدة، وفي تخريج كثير من الفروع على هذه القاعدة الأصولية.
وقالوا: الأصل هو الدخول، ولهذا الذين يقولون: لا يقتل به، يقولون: حتى ولو قتله كافر، لا يقتل الكافر الحر بالمملوك المسلم، والله -سبحانه وتعالى- يقول: { وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ } (1) فكيف يقال: لا يقتل به وهو خير منه؟! فدل على أن في الدلالة في الأدلة + نظر، والأظهر فيه مثل ما تقدم هو الدخول، وأنه يقتل به مثل ما تقدم في عموم الأدلة وخصوصها أيضا، منها هذا الدليل، هذا الدليل شاهد في هذا الباب لكن عمومات الأدلة مستقرأة من الشريعة في هذا الباب، وهي تدل على أنه يقاد به وإن خالف في ذلك الجمهور.
حديث: لا يقاد الوالد بالولد
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لا يقاد الوالد بالولد " رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وصححه ابن الجارود والبيهقي، وقال الترمذي: إنه مضطرب.
ــــــ
__________
(1) - سورة البقرة آية : 221.(1/9)
نعم حديث عمر - رضي الله عنه - " لا يقاد الوالد بالولد " اختلف في ثبوته؛ حديث عمر من هذا الطريق + ضعيف، حيث جاء من رواية المثنى بن الصباح ومن رواية غيره عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ورواه الترمذي من حديث ابن عباس أيضا، ورواه من حديث سراقة، وهذه الروايات كلها ضعيفة؛ رواية عمر وسراقة وابن عباس عند الترمذي كلها ضعيفة؛ لكن بمجموعها تتقوى, وأيضا حديث عمر - رضي الله عنه - جاء له طريق جيد أجود طرقه عند ابن الجارود في المنتقى برواية: محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عمر - رضي الله عنه - ولقد تابع المثنى بن الصباح وغيره من الرواة الضعفاء، والرواية هذه رواية جيدة حسنة الإسناد؛ فعلى هذا تكون حجة في هذا الباب، وحجة للجمهور في أنه لا يقاد الوالد بالولد، معناه لا يقتل به، لا يقتل الوالد بالولد.
وخالف في ذلك جماعة كمالك -رحمه الله- قال: لا يقتل به إذا كان قتله على غير الصبر، أما إذا قتله صبرا كأن ذبحه مثلا عمدا قصدا لا يحتمل أي خطأ فهذا يقتل به، وإن كان لا على سبيل المخاصمة والمنازعة حذفه بشيء رماه بشيء ولو كان يقتل مثله فإنه لا يقتل به.
وقول الجمهور استدلوا بعموم هذا الخبر وقالوا: إنه لا يقاد به، وقالوا: إنه هو السبب في وجوده؛ فلا يكون السبب سببا في عدمه, وهذا عند الجمهور في الوالد والوالدة، ومنهم من ألحق به جميع الأصول من الأجداد والجدات وإن علوا بالأولاد وإن سفلوا؛ فلهذا أخذوا بعموم هذا اللفظ، والخبر كما تقدم جيد بالنظر إلى طرقه، وبعض الروايات +بالحسن إلى غيرها بالنظر إلى مجموعها.
حديث: لا يقتل مؤمن بكافر(1/10)
وعن أبي جحيفة قال: قلت لعلي - رضي الله عنه - هل عندكم شيء من الوحي غير القرآن؟ قال: لا والذي خلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يعطيه الله تعالى رجلا في القرآن، وما في هذا الصحيفة. قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وألا يقتل مسلم بكافر. رواه البخاري.
وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي من وجه آخر عن علي - رضي الله عنه - وقال فيه: " المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، ولا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده " وصححه الحاكم.
ــــــ
نعم حديث أبي جحفية - رضي الله عنه - هذا جاء عن علي - رضي الله عنه - من عدة طرق، جاء أنه سأله عن ذلك الأشتر النخعي، وسأله أيضا غيره هذه المسألة, وذلك أن الشيعة كانوا يظنون أن عنده علما خاصا، فأبطل هذا وقال: إنه ليس عندهم شيء من ذلك، ليس عندهم شيء من ذلك من الوحي غير القرآن، ليس هنالك شيء ولم يخص بشيء من ذلك؛ ولذا أقسم قال: (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة) النَّسَمَة والنَّسْمَة أقسم - رضي الله عنه - قال: (إلا فهما) بالنصب على الاستثناء، أو (إلا فهمٌ) على أنه بدل من قوله: (شيء).
(يعطيه الله سبحانه وتعالى رجلا في القرآن) يعني إلا الفهم في القرآن، وهذا باب واسع، وفهم الناس يختلف اختلافا عظيما في الفهم في كتاب الله؛ ولهذا ربما استنبط بعض الناس فائدة من آية، ومنهم من يستنبط مائة فائدة: { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } (1) فلهذا بين أن هذا الفهم ليس خاصا بأحد دون أحد.
__________
(1) - ##سورة المائدة آية : 54.(1/11)
قال: (وما في هذه الصحيفة. قلت: وما في هذه الصحيفة؟) يبين أنه كان كتب أشياء - رضي الله عنه - دلالة على أنه لا بأس بالكتابة، وأنه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكتب، وفي حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - أنه كان يكتب، وكما في ..................................................................................... ـــــــــــــــ
حديث أبي هريرة عندما كان عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " اكتبوا لأبي شاة " حديث أبي هريرة في صحيح البخاري، حديث أبي سعيد الخدري: " لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن، ومن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه " هذا محمول حينما خشي اختلاط الوحي القرآن بالسنة، أما إذا تبين ثم تحقق الأمر فلا نهي، فلهذا وقعت الكتابة في عهده عليه الصلاة والسلام.
قال: (العقل) العقل هو الدية، ولهذا في لفظ ابن ماجه: (فيها الديات) يعني: أحكام الديات مقاديرها أثمانها مقادير الديات، وماذا يجب، وهذا سيأتي في الخبر في باب الديات. (العقل وفكاك الأسير) يعني حكم فكاك الأسير، والحث على فك الأسير، قوله عليه الصلاة والسلام: " فكوا العاني " كما في حديث أبي موسى - رضي الله عنه - " فكوا العاني وعودوا المريض وأطعموا الجائع " فيها فكاك الأسير، يعني الحث عليه وبيان فضله.
((1/12)
وألا يقتل مسلم بكافر) أيضا كذلك فيه ألا يقتل مسلم بكافر، وأنه لا يجوز قتله به، هذا قول جمهور أهل العلم، أجروا العموم في أنه لا يقتل مسلم بكافر سواء كان حربيا أو معاهدا أو مستأمنا، من جهة أنه لا يجوز قتل مسلم بكافر، وفي اللفظ الآخر: ( ولا ذو عهد في عهده) يبين أنه وإن كان المسلم لا يقتل بكافر فيبين أنه لا يجوز حتى لا يوهم جواز قتل كل كافر، وفي رواية علي - رضي الله عنه - في هذا الباب بإسناد صحيح قال: " المؤمنون تتكافأ دماؤهم " يعني أنها تتساوى، تتساوى دماؤهم، وأن كل مسلم مساو لأخيه المسلم في باب الدماء والديات, وكذلك ما تقدم، حتى ولو كان مملوكا لظاهر هذه الرواية.
" ويسعى بذمتهم أدناهم ويرد عليهم أقصاههم " أدناهم يسعى بذمتهم، ويسعى بذمتهم بمعنى أنه إذا أمن مسلم كافرا وجب تأمينه، ولهذا في حديث أم هانئ أنه عليه الصلاة والسلام قال: " أجرنا من أجرت يا أم هانئ " .
" وهم يد " أي جماعة، متفقون " على من سواهم " من عداهم من أهل الكفر، وهكذا المشروع لأهل الإسلام أن يكونوا يدا واحدة على من سواهم ومن عداهم، وأن تكون كلمتهم كلمة واحدة مؤتلفة متفقة؛ حتى يحصل لهم النصر والعز والتمكين، قوله: (يد) خبر بمعنى الأمر يعني: ليكونوا كذلك، ليكونوا يدا على من .....................................................................................
ـــــــــــــــ
سواهم، " ولا يقتل مؤمن بكافر " أيضا تأكيد لهذا، ولا يقتل مؤمن بكافر، لا يجوز قتل المسلم بالكافر مهما كان الكافر كما تقدم، أما الحربي بإجماع.(1/13)
قال: " ولا ذو عهد في عهده " قوله: (ولا ذو عهد في عهده) حتى لا يوهم أن كون المسلم لا يقتل بكافر فلا يوهم أنه يجوز قتل الكافر, الكافر الذي يجوز قتله الحربي الذي لا عهد له ولا أمان، فلا يقتل الكافر الذمي الذي يكون بالذمة وهي الجزية، وكذلك الكافر المعاهد في بلاده من قوم عاهدوهم، وكذلك أيضا صاحب الأمان والمستأمن، كلهم لا يقتلون ولا يجوز قتلهم.
(ولا ذو عهد في عهده) قوله: (في عهده) اختلف هنا: هل هو نفس معناه؟ والأظهر والله أعلم أنه أي: بسبب عهده، أن العهد يكون عاصما له ومانعا له، وأنه لا يجوز التعرض له, ولا يجوز قتله, وقيل: يعني أن في عهده بسبب عهده، وقيل: في عهده أي: مدة العهد، (في عهده) وتكون (في) على هذا على بابها ظرفية.
(ولا ذو عهد في عهده) فينفي أمرين وهو جواز قتله ولو كان له عهد من جهة عموم قوله: " ولا يقتل مسلم بكافر " كون المسلم لا يقتل بكافر لا يدل على جواز قتل الكافر مطلقا؛ بل إذا كان له عهد فلا يجوز, الأمر الثاني: في قوله: (في عهده) أن الكافر يمتنع عن قتله ما دام في العهد، أما إذا انتهى عهده إذا كان له مدة أو أمان، يعني إذا كان له عهد أو عهد بين المسلمين والكفار فإنه بمجرد انتهاء العهد يسقط الأمان بينهم وبين الكفار، هو + أو كان له أمان ولم يكن له عهد دخل إلى بلاد المسلمين بالأمان، فإنه مادام في الأمان فإنه لا يقتل، وإذا انتهى أمانه وعهده فإنه يجوز قتله إذا بلغ مأمنه، فلا يجوز التعرض له ما دام في العهد أو في مدة العهد، فأراد دفع هذا التوهم بقوله: (في عهده ).
وخالف في ذلك الأحناف وخالف في ذلك + فقالوا: يجوز قتل المسلم بالذمي إذا قتله, إذا قتله يجوز قتله به، وأما في المستأمن فلا، وخالفهم الجمهور وقالوا: الحديث عام، ولا فرق بين أصناف الكفرة.
حديث: أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين(1/14)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - " أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين فسألوها: من صنع بك هذا فلان؟ فلان؟ حتى ذكروا يهوديا؛ فأومأت برأسها، فأخذ اليهودي فأقر، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرض رأسه بين حجرين " متفق عليه، واللفظ لمسلم.
ــــــ
حديث أنس - رضي الله عنه - فيه فوائد أولا: مثل ما تقدم أن القصاص جار بين الرجال والنساء، وفي هذا أن الجارية لما رض رأسها قتله النبي عليه الصلاة و السلام بها، وفيه أن القتل يكون بالمماثلة، وأن من قتل شخصا واعتدى عليه في القتل مثل أن رض رأسه أو قطع أطرافه ثم قتله أو قتله تعذيبا وخزا مثلا قتله وخزا أو قتله ضربا بحجر حتى مات فإنه يعمل به كما عمل به، هذا هو الأظهر لقوله تعالى: { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } (1) وقوله سبحانه: { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } (2) وقوله: { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } (3) فالجروح قصاص.
فإذا كان هذا في باب الجروح أيضا كذلك أيضا في الجرح الأكبر وهو القتل، يكون الحكم حكم ما فعل به، ويدل عليه أنه عليه الصلاة والسلام رض رأسه بين حجرين، وكذلك من حديث العرنيين أنه عليه الصلاة والسلام سمل أعينهم وتركهم يستسقون فلا يسقون، فيه أنه القصاص بالمماثلة، هذا هو الصواب في هذه المسألة.
إلا إذا كان الفعل محرما, الفعل محرم مثل أن سقاه خمرا حتى هلك مثلا، واختلف في التحريق بالنار، وبعض أهل العلم قال: إذا سقاه خمرا فإنه يقتل بأن يسقى شيئا مائعا حتى يهلك، كما قتله به، فيسقى مثلا مشروبا أو نبيذا لا يكون محرما لكنه يسقى به حتى يهلك، كما قتله بالشرب لكنه بأمر محرم.
..................................................................................... ـــــــــــــــ
__________
(1) - سورة البقرة آية : 194.
(2) - سورة الشورى آية : 40.
(3) - سورة المائدة آية : 45.(1/15)
واختلف في القتل بالنار ذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا يقتل به؛ لحديث ابن عباس وحديث ابن مسعود وحديث أبي أسيد وحديث أبي هريرة في هذا الباب حديث ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام قال: " لا يقتل بالنار إلا رب النار " أما حديث أبي هريرة، فقال: لا يقتل بها ولا يعذب بالنار إلا رب النار، لكن الأصل هو جواز المقاصة والقتال والقتل بالمثل، هذا هو الأظهر.
وفيه: القتل بالمثقل كما سيأتي في الحديث، القتل بالمثقل وأن لو إنسان قتل إنسانا بشيء مثقل ما هو محدد مثلا بحجر غير محدد أو بعصا تقتل فإنه يقتل به، وهو قول الجمهور خلافا للأحناف, والأحناف حملوا هذا لما قيل لهم هذا الخبر؛ قالوا: أنه رضه، والرض بالرأس حصل معه جرح، فلم يحصل مجرد أنه قتل بمثقل بلا جرح، فحصل معه جرح يقوم مقام المحدد.
وكل هذا في الحقيقة يعني هروب من القول بالخبر والحديث، مثل مراعاة هذه الأمور مما يضعف القول أو يبطله، ولو كان مثل هذا التفصيل وارد لكان بيانه من أهم المهمات، لو قتل إنسانا بحجرين أو بشيء مثقل إن جرحه فإنه يقتل به، وإن لم يجرحه فإنه لا يقتل، والصواب هو أنه يقتل أو يقتص ممن قتل بالمثقل، وإلا يلزم عليه أن تحصل الدماء والمصائب؛ يقتل بالمثقل ولا يجرح وحتى لا يقتل، ولا شك أن في هذا فساد عظيم.
حديث: أن غلاما لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء
وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - " أن غلاما لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء، فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يجعل لهم شيئا " رواه أحمد والثلاثة بإسناد صحيح.
ــــــ(1/16)
نعم حديث عمران - رضي الله عنه - هذا إسناده صحيح كما ذكر المصنف رحمه الله هنا، لكن هو عزاه للثلاثة مع أحمد إلى أبي داود والترمذي والنسائي، وعزوه للترمذي موضع نظر يحتاج إلى بحث؛ لأن جمع ممن ذكر هذا الخبر لم يذكروا عزوه للترمذي، كابن عبد الهادي في المحرر، وابن دقيق العيد في الإلمام، والحافظ كأنه والله أعلم يأخذ عنهم كثيرا خاصة صاحب المحرر في عزوه للترمذي نظر.
وهذا الخبر أورده المصنف رحمه الله من جهة أنه لم يجعل عليهم شيئا، (إن غلاما لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء فلم يجعل عليهم شيئا) فأشكل هذا الخبر على جمع من أهل العلم من جهة أن الأصل أنه يجب إما القصاص وإما الدية، المقاصة وإما الدية على خلاف في مسألة القصاص، والخلاف في مسألة إذا قطع من أطرافه، وهذا الخبر محمول على أمور: إما أنه هذا الغلام مملوك، والمملوك لا تضمنه العاقلة؛ فلا تتحمل صلحا ولا اعترافا ولا عبدا ولا عمدا+، كما هو معروف من كلام أهل العلم.
أو أنه مثل ما تقدم أنهم أناس فقراء غلام لأناس فقراء قطعه وكان القطع خطأ قطعه كان من باب الخطأ فوجبت دية الأذن لكنهم فقراء فلم يجعل لهم شيئا فلم يجعل بمعنى أنه لم + عنهم؛ لأنهم فقراء فأسقطها عنهم أو أنه لم يجعل لهم شيئا في ذلك الوقت فتحملت ودفعت عنهم فالمقصود أن هذا الخبر يعني يحمل على الأخبار الأخرى والأدلة الأخرى في أن الأصل هو الوجوب وأنها سقطت بسبب من الأسباب مثل ما تقدم أنه كان القطع خطأ فوجبت دية الأذن ثم هو فقير وليس له شيء وعاقلته أيضا فقراء؛ لأن الأذن على العاقلة؛ لأنها أكثر من الثلث والعاقلة@ عند الجمهور تتحمل الثلث فما فوق تتحمل الثلث فما فوق فهي على العاقلة وكانوا فقراء وإذا كانوا فقراء فليس عليهم شيء في هذه الحالة إما أن تكون من بيت المال أو أنه ينتظر به.
حديث: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه(1/17)
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - " أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أقدني. فقال: حتى تبرأ. ثم جاء إليه فقال: أقدني فأقاده, ثم جاء إليه فقال: يا رسول الله عرجت. فقال: قد نهيتك فعصيتني، فأبعدك الله وبطل عرجك. ثم نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه " رواه أحمد والدارقطني، وأعل بالإرسال.
ــــــ
نعم هذا الخبر أعل بالإرسال وفيه ضعف لأنه من طريق ابن إسحاق عند أحمد وهو مدلس ولم يصرح بالسماع لكن تابعه ابن جريج عند الدارقطني فيقوى بهذه المتابعة +أنه مدلس فإن تدليسه قليل مما يدل على أن ابن إسحاق حفظه من جهة المتابعة أيضا جاء عند أبي شيبة بإسناد في الظاهر على شرطهما في الظاهر على شرطهما لكن أعله بعضهم بأنه أخطأ فيه ابن أبي شيبة -أبي بكر- وهذا فيه نظر من جهة التعريف+ فإسناد ابن أبي شيبة إسناد قوي وإسناد صحيح يشهد له رواية عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - ومن هذا الطريق وفيه أن النبي عليه السلام أنه جاء إليه وقال أقدني فقال حتى تبرأ فيه دلالة على مشروعية القصاص في الضرب بالقرن, القرن واحد القرون من البهائم فيه أنه يقتص به فيه دلالة لما اختار جمع من أهل العلم أن يقتص من اللطمة والضربة ونحوها كما قرره ابن القيم وانتصر له خلافا للجمهور ولذلك أقره النبي عليه السلام في الاقتصاص بالقرن فقال حتى تبرأ فيه دلالة على أن الجرح لا يقتص منه حتى يبرأ.(1/18)
واختلف هل يجب؟ فلو أن إنسان جرح إنسانا ما يجب جرح إنسان في ذراعه مثلا ++ فعالجها ووضع عليها رباط فجاء مثلا وقطع مع المفصل حتى يخلص من الخلاف من قال لا قصاص إلا في المفصل قطع مع المفصل من جهة المرفق قطع المرفق فربطه ربط هذا الجرح فقال أقيدوني لأنه من المفصل وعند الجمهور يقص له منه قطع عمدا + أريد أن أقتص منه ولا يزال الجرح حتى لم يندمل فالمشروع أن ينتظر حتى يبرأ الجرح وييبس ويذهب أثر ..................................................................................... ـــــــــــــــ
الجرح تماما ما دام ما اندمل ولا شفي منه فلا يقتص منه, اختلف هل هو يجب ولّا ما يجب لماذا لأنه ربما انتفض الجرح وانتقض وربما سرى إلى جسمه ولهذا لو انتقض الجرح وسرى إلى جسمه وهلك ومات إيش حكم القاتل يقتل ولَّا ما يقتل. نعم قطعه عمدا من قواعد أهل العلم سراية الجرح مضمونة ولَّا غير مضمونة؟ مضمونة, مضمونة ولهذا إذا قطعه عمدا وسرى وقتله قتل به.
قتل به يقتل به ولهذا لو أن إنسان جرح إنسانا مثلا جرح إنسانا وجعله ينزف حتى مات إيش حكمه عمد ولَّا ما هو بعمد ؟ عمد حكمه عمد فلا فرق بين أن يكون مثلا سراية الجرح مثلا في الحال أو بعد وقت لأنه أثر جرح, هذا إذا كان أثر السراية بعد الجرح وتبين ذلك أما لو شفي منه تماما ++ هذا وضع نظر لو شفي منه تماما ثم انتفض وانتقض هذا موضع خلاف هل يقتص به وهل يقتل به موضع خلاف , لكن إذا كان الجرح لم يبرأ فانتفض وانتقض فإنه يقتص به ولهذا لو أنه قال أقيدوني قطع يده مثلا فاستعجل.(1/19)
فظاهر النص يحتمل أنه قد يجاب يحتمل أنه يجاب إلا إن ثبت هذا اللفظ ثم أنه نهى أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه فإن ثبتت هذه اللفظة فإنه لا يجوز أن يقتص من الجرح لكن لو أنه اقتص له اقتص له منه وقطعت يده من المرفق يد الجاني يد الجاني ثم بعد ذلك انتفض جرح الذي اعتدي عليه أولا المجني عليه أولا هل يقتل به ذهب بعض أهل العلم إلى انه يقتل به لأنه لا يمكن أن يسقط حقه لكونه استعجل لكن مثل ما تقدم نفهم من هذا أنه لا يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه لهذا الخبر فقال فأتاه فقال يا رسول الله أقدني قال عرجت + قال عرجت عرجت بالفتح عرج بالفتح إذا أصابه شيء بقي أثره أما عرج بالكسر إذا كان خلقة من الأصل خلقة قال عرجت قال قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله وأبطل عرجك.
ولهذا لو أنه اقتص له مثلا منه ثم بعد ذلك جاء إنسان بعد القصاص قال صارت يدي معيبة الآن صحيح إنها شفيت لكنها معيبة أريد مقابل هذا العيب نقول لا شيء لك بطل مثل ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - بطل عرجك بطل هذا العيب ما دمت استعجلت وهذا قد يكون فيه قوة لقول من قال إنه إذا برأ صاحبه + إذا قطعه ثم طلب المجني عليه القصاص ثم بعد ذلك شفي منه وانتقض أنه لا يعود بخلاف ما إذا كان لم يندمل هذا موضع نظر لكن إذا ..................................................................................... ـــــــــــــــ(1/20)
شفي فالأظهر أنه لا تضمن السراية بعد الشفاء لأنه لم يتحقق أنه يكون منه ثم قال نهى أن يقتص من جرح حتى يبرأ وهذا هو الأصل أنه لا يقتص منه حتى يبرأ لأنه ربما سرى الجرح وربما امتد فلهذا ربما مثلا قطع أصابع إنسان قطع أصابع إنسان واستعجل نقول لا تستعجل ربما قد يسري الجرح مثلا إلى الكف وقد يسري إلى الذراع فينتظر فلو أنه قطع كفه فسرى حتى وصل إلى المرفق وانتهى إلى المرفق نقول في هذه الحالة يكون القصاص من المرفق لأن سراية الجرح مضمونة سواء كان بقطع أو بقتل إذا كان عمدا.
حديث: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال " اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورثها ولدها ومن معهم، فقال حمل بن النابغة الهزلي: يا رسول الله كيف يغرم من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يطل؟! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما هذا من إخوان الكهان. من أجل سجعه الذي سجع " متفق عليه وأخرجه أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما " أن عمر - رضي الله عنه - سأل: من شهد قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنين؟ قال: فقام حمل بن النابغة فقال: كنت بين يدي امرأتين فضربت إحداهما الأخرى " فذكره مختصرا وصححه ابن حبان والحاكم.
ــــــ(1/21)
نعم حديث أبي هريرة ثبت معناه من حديث المغيرة ومن حديث محمد بن مسلمة رضي الله عنهم في الصحيحين هذا المعنى أنه قضى في ميراث المرأة بغرة غرة عبد أو أمة وفي هذا الخبر أن امرأتين وفي رواية أخرى أنه بين المصنف الرواية الثانية وهي رواية جيدة رواية أبي داود والنسائي أنهما زوجتان لحمل بن النابغة الهذلي وأنه ضربتها بمسطح وبعمود الخبا فقتلتها وجنينها.
ففيه فوائد الأول أن الجنين فيه الغرة والغرة تثبت في الجنين إذا سقط ميتا إذا سقط ميتا وفيه غرة والغرة اختلف فيها وعند الجمهور قدروها بخمس من الإبل وهو عشر دية الأم عشر دية أمه لأنها خمسون من الإبل واستدلوا بهذا بأن هذه قيمة الغرة يعني هذا قدرها هذه قيمتها في ذلك الزمن وأنها تعادل وهي يعني الغرة يعني أمة أو يعني رجل أو إمرة مملوك أو مملوكة والغرة من غرة الشيء وهو الشيء النفيس ويدل له أيضا رواية أبي
.................................................................................. ـــــــــــــــ
داود من حديث بريدة أنه جعل فيها مائة شاة مائة شاة ++ خمس مائة شاة وقال أبو داود أنه وهم عباس بن عبد العظيم العنبري + العنبري.
والصواب أنه مائة شاة مائة شاة عشر دية الأم لأن الدية من الشياة ألفا شاة للرجل والمرأة ألف شاه لكن أختلف هل هي أصول أو بدل والصواب أنها بدلا جميع أنواع الديات بدل إلا دية الإبل وما سواه بدل كالذهب والفضة ومائتا بقرة وألفا شاة ومائتي حلة وألف مثقال أو ألف دينار اثنا عشرة ألف درهم كلها أبدال والأصل هو الإبل وسيأتي الإشارة إلى هذا في حديث الديات إن شاء الله.(1/22)
فيها خمس من الإبل عشر دية الأم وهي تقدر الآن إن كان خطأ فالدية خمسون ألف للمرأة وخمس وخمسون ألف لدية شبه العمد وفي حق الرجل مائة ألف الدية الخطأ والعمد مائة وعشرة فهذا هو المعمول به وهي دية مقدرة قديما لأنه نوزع فيها يعني من جهة النظر في هذه الدية وتقديرها لأن الإبل ارتفعت أثمانها جدا فالمقصود أن هذا وعلى هذا يكون مقدارها عشر الدية العشر يعني خمسة آلاف إذا كان خطأ وإن كان القتل شبه عمد القتل شبه عمد فإنه فيها الخمس, الخمس خمس وخمسون ألف فالمقصود أنها غرة عبد أو أمة وأنها مقدرة بخمس من الإبل وإنها تكون لورثة الجنين لورثة الجنين.
وإذا كان القاتل من ورثته فإنه لا يرث بل تكون موروثة عنه كأنه ولد حيا ثم مات ثم ورث عنه هذا المال فقتل فقاتله لا يرث، فلو أن أمه أسقطته عمدا أسقطت جنينها عمدا فإن الدية تكون موروثة عنه ولا شيء لها، بل تكون موروثة لورثته سوى أمه، وهكذا لو كان أبوه فإنه يكون موروثة عنه ولا يرث أبوه منها شيئا ولا يرث منها أبوه شيئا، بل تكون لأمه ولورثته من غير أمه.
وهكذا فالمقصود أنها تكون موروثة عنه كأنه ورثت عنه وهو حي وهذا فيما إذا كان الجنين سقط ميتا أما إذا سقط حيا فإن كان حياة يعيش بمثلها وهو ما تم تسعة أشهر ثم مات فإنه تلزم فيه الدية كاملة, لكن هذا فيما إذا كان سقط ميتا أو سقط حيا حياة ليست مستقرة مثل أن يكون سقط لأقل من تسعة أشهر @ فإن هذا فإن هذا
...................................................................................
ـــــــــــــــــ
لا يموت في الغالب نتيجة الضربة فلهذا يكون حكمه حكم يجب فيه الغرة ثم الغرة تجب فيما إذا تخلق عند الجمهور فيما إذا تخلق فيه يد أو رجل.(1/23)
وفيه من الفوائد أنه @لا يقتل بالمثقل كما تقدم أنه في القتل بالمثقل هذا الخبر استدل به أنه لا يقتل بالميثاق أخذ به بعض من قال لا يقتل بالمثقل قال إنه ضربتها بعمود الخبا والمسطح والنبي - صلى الله عليه وسلم - قضى فيها بالدية على العاقلة والدية لا تكون إلا في قتل الخطأ في قتل الخطأ أو شبه العمد وأنها على العاقلة عند الجمهور أيضا لا فرق بين دية الخطأ أو دية شبه العمد فكونه لم يقدها بهذا ++ الدية على العاقلة دل على +.
والأظهر والله أعلم عن هذا عنه جوابا أول إنما أن يكون نفس العمود هذا لا يقتل في الغالب وذلك أن العرب كانت هذه العمد عمد يعني صغيرة كانوا يجعلون لبيوتهم العمد التي لم تكن @كبيرة ولم تكن بتلك القوة وبتلك المتانة والسمك الكبير بل هي لا تقتل غالبا, أو جواب آخر وهو أظهر أنها لم تتعمد قتلها لم تتعمد قتلها ولهذا هذا لعله الجواب أظهر وهذا الجواب قال به جمع من أهل العلم هذا الجواب قال به جمع من أهل العلم.
وفيه أيضا مثل ما تقدم مسألة الجنين وأنه إذا كان نطفة أو علقة فإنه لا شيء فيه بل لا بد من وجود التخلق واختلف فيما إذا كان مضغة ولم يتخلق هل تثبت فيه أو لا تثبت فيه والأظهر أنه إذا كان قد ظهر فيه شيء وتبين مبدأ خلقه واتضح مبدأ خلقه فإنه يقتل به.
وفيه أيضا أنه قال ورثها ولدها ومن معهم اختلف العلماء في العاقلة هل يدخل فيهم الوالدان الوالد والولد أو لا يدخلون أو يدخل الوالد دون الولد والأظهر أن جميع العصبة كلهم من العاقلة وما جاء في الحديث أنه برأ ولدها يظهر والله أعلم أن ولدها إذا كان من غير عصبة إذا كان من غير عصبتها وهذا هو الأقرب ولهذا قال ورثها ولدها ومن معهم.(1/24)
فإذا كان الولد من عصبتها فإنه داخل لكن كأنه أراد قضية الحال وقضية الواقع لأن ولدها ليس من عصبتها فإذا كان ولد الجانية إذا كان من عصبتها فإنه يكون داخلا من ضمن العصبة كما يدخل الوالد هذا هو الأقرب وهو الذي يقوم عليه الدليل وهو الذي يقوم عليه الدليل في هذه المسألة.
..........................................................................
ـــــــــــــــــ
ويدل عليه أنه عليه الصلاة والسلام بين أن المرأة يعقلها عصبتها من كانوا كما رواه أهل السنن إلا الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال " أنه قضى بالدية على العصبة من كانوا " من كانوا سواء كانوا من جهة آبائها أو أبنائها، وهذا الخبر أنه حديث جابر برأ ولدها برأه؛ لأنه لم يكن من عصبتها فهذا هو الأقرب في هذه المسألة، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
حديث: أن الربيع بنت النضر عمته كسرت ثنية جارية
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعن أنس - رضي الله عنه - " أن الربيع بنت النضر عمته كسرت ثنية جارية فطلبوا إليها العفو فأبوا، فعرضوا الأرش فأبوا، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبوا إلا القصاص، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقصاص, فقال أنس بن النضر: يا رسول الله أتكسر ثنية الربيع؟! لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أنس كتاب الله القصاص. فرضي القوم فعفوا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره " متفق عليه واللفظ للبخاري.
ــــــ(1/25)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين. في هذا الخبر خبر أنس - رضي الله عنه - قصة الربيع مع تلك الجارية التي كسرت ثنيتها دلالة على القصاص في السن وأنه يؤخذ السن بالسن؛ لقوله تعالى: { وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ } (1) وفيه أيضا دلالة على أنه إذا أخذ جميع السن فإنه يؤخذ، وهذا محل اتفاق إذا كان قد خلع من أصله، وأخذ من أصله بالاتفاق إذا كان قد أخذ من أصله ولم يكن من الأسنان اللبنية التي لم تسقط، أما إذا كان من غير أصله مثل أن كسر سنه أو كسرت سنها أو كسرت سنه أو سنها ففيه خلاف، والأظهر هو وجوب القصاص لصاحب الحق إذا أراد ذلك سواء كان أخذ بعض السن النصف أو الثلث.
لأنه في هذا الخبر كسرت ثنيتها؛ فقال النبي عليه الصلاة والسلام لما أبوا إلا القصاص كتاب الله القصاص كتاب الله هذا مبتدأ وخبر كتاب الله وجاز الابتداء به؛ لأنه تخصص بالإضافة القصاص يعني أنه مثل ما جاء في
..........................................................................
ـــــــــــــــــ
كتاب الله { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } (2) وذلك أنه إذا كان على وجه الابتداء والاعتداء مثل ما تقدم فيؤخذ السن بالسن، ويؤخذ نصف السن بنصف السن لا بالمساحة لكن بالقدر، لا أنه يؤخذ من سن المجني عليه مقداره من سن المجني, لا, يؤخذ بالنصف مثلا لو أن الجاني كسر نصف سن المجني عليه يؤخذ نصف سن الجاني لا بالقدر؛ لأن قد يكون سن الجاني أكبر أو الجاني عليه أصغر قيل لأحمد رحمه الله كيف يفعل ذلك؟ قال يبرد, يبرد والمقصود أنه يؤخذ، والآن في وسائل الطب قد يقال إنه يبرد بردا حتى يذوق الألم مثل ما يذوق من جهة أنه اعتدى عليه، وقد يقال إنه لو أخذ بوسيلة أخرى أيضا أجزأ.
__________
(1) - سورة المائدة آية : 45.
(2) - سورة المائدة آية : 45.(1/26)
لكن المقصود أنه من جهة أصله أنه له حق الاقتصاص بأخذ السن بالسن، وأنه يكسر سنه بسنه +الثلث أو الربع؛ ولهذا أمر بذلك كتاب الله القصاص ولم يحاب أحدا عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الواجب، ثم أنس - رضي الله عنه - قال: تكسر ثينة ربيع لا والله, هو قال حسن ظن بالله - عز وجل - حسن ظن لا اعتراضا على الحكم لم يقله اعتراض على الحكم قال: لا والله لا تكسر ثنيتها لم يقله اعتراضا يدل عليه آخر الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره + وقع في ظنه أن الله يبر قسمه حسن ظنه بالله - عز وجل - وأنه وقع في نفسه مثلا أنهم يعفون ، أو أن الله يلقي في قلوبهم العفو أو ما أشبه ذلك؛ فقال: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره أقسم حسن ظن بالله - عز وجل - فألهم الله أهل الجارية أن عفوا وتنازلوا ورضوا كما في الخبر.
حديث: من قتل في عمية
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من قتل في عمية أو رمية بحجر أو سوط أو عصا فعقله عقل الخطأ، ومن قتل عمدا فهو قود، ومن حال دونه فعليه لعنة الله " أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه بإسناد قوي.
ــــــ(1/27)
نعم حديث ابن عباس حديث جيد لا بأس به من جهة سليمان بن كثير عن غير الزهري، سليمان بن كثير ثقة من رجال الشيخين وغيرهما لكنه في روايته عن الزهري فيها ضعف، وهذا من غير الزهري وهي رواية جيدة، وفيه من قتل في عمية أو رمية بحجر أو سوط أو عصا فعقله عقل الخطأ، ومن قتل عمدا فهو قود، ومن حال دونه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين كما في الرواية, هذا فيه فائدة أنه من قتل في عمية أو رمية العمية هو الأمر الذي يعمى أمره مثل أن يترامى قوم، أو يحصل بينهم قتال بالحصى أو بالعصا أو ما أشبه ذلك فيحصل من قتالهم ومن نزاعهم بالعصا ونحوها يسقط بينهم قتلى ويعمى أمرها ما يدرى من الذي قتل، مَن القاتل؛ فهذا يجري لا تسقط ديته ولا تطل ولا تهدر دية امرئ مسلم قتله قتل الخطأ حكمه حكم القتل الخطأ.
اختلف العلماء في هذا خلافا كثيرا نعم اختلف العلماء خلافا كثيرا في هذه المسألة, لكن الأظهر -والله أعلم- أنه مثل ما قال عليه الصلاة والسلام عقله عقل الخطأ بمعنى أنه يعني الظاهر من قوله -عليه الصلاة والسلام- في هذا أن الواجب ديته خطأ، وأنها تجب على الحاضرين إما على عواقلهم وإما على من سقط القتيل بينهم، أو على القوم الآخرين المقابلين لهم، أو على الجميع، والأقرب أن يقال: إن عقله على الجميع، وعقله على عواقلهم إن أمكن ذلك؛ وإلا وجب عليهم لأنه لا يطل امرئ مسلم. هذا هو الصحيح في المسألة ما إذا لم يوجد عاقلة، أو وجدت فلم يستطيعوا، أو ما أمكن كما هو الواقع الآن.
ومن زمن بعيد أن العاقلة في الغالب قد لا يتيسر + أو لا يتيسر اجتماعهم أو لا يتيسر توافقهم، أو لا يمكن أن تجمع بينهم لأسباب فهذه لأن وجوبها اختلف هل اليد تجب على العاقلة ابتداء أو تجب على القاتل، والأظهر
...................................................................................
ـــــــــــــــــ(1/28)
لنا أنها تجب عليه يعني يعود وجوبها عليه وأنها تلزمه، وإن لم يمكن فإذا أمكن من بيت مال المسلمين. فهذا هو الواجب .
"ومن قتل عمدا فهو قود"، هذا يبين أن من عرف قاتله أن فلانا قتل فلانا ولو في عمية أو رمية عرف قاتله أن فلان قتله عمدا فهو قود, قوله: "فهو قود" هذا لأحد القولين المسألة من جهة أن ولي القتيل الواجب له القصاص عينا، وهذا الخبر لو ذكر مع الخبر الأخير فأهله بين خيرتين أو خيرتين كما سيأتي لكان أولى.
لأنه فيه إشارة إلى أن الولي يختار أن الولي له الخيار فإن شاء الولي طلب القصاص، وإن شاء طلب الدية، وهذا قول الجمهور يخير كما قال سبحانه وتعالى: { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } (1) .
والأظهر من جعل السلطان له أنه يخير إن شاء طلب القصاص وإن شاء طلب القود. قال بعضهم: الواجب القود عينا، أما الدية فلا تجب إلا برضا الجاني؛ لقوله: "قال فهو قود" وأنه إذا اختار الدية اختار الدية والجاني أبى دفع الدية، أو لم يرض بالدية فإنه برضا الجاني والأقرب أن الخيار للولي إن اختار الجناية وجبت الجناية، وإن لم يختر الجناية وجبت الدية، وإن قال المجني عليه إنه يختار القصاص، وهذا هو الظاهر من الأحاديث حديث أبي هريرة في الصحيحين حديث أبي شريح الخزاعي وأحاديث في هذا المعنى بأن أهله بين خيرتين.
__________
(1) - سورة الإسراء آية : 33.(1/29)
@ أنبه إلى في درس الأمس عند ذكر الجنين والغرة + جرى في الكلام أنه إذا سقط الجنين لدون تسعة أشهر أن في الغالب أنه يكون يعني لا يحيا، وهذا إن كان جرى فهو سبق لسان؛ لأن هذا معلوم أن الجنين قد يسقط بدون ستة أشهر إلى ثمانية أشهر وقد يحيا, إذا كان جرى فالمقصود منها أنه أن الجنين إذا تجاوز ستة أشهر أنه إذا تجاوز ستة أشهر فصاعدا، ثم كانت حياته حياة مستقرة ثم مات قريبا فإن ديته دية كاملة، لكن إذا كان سقط لأقل من ستة أشهر ففي الغالب هذا في الغالب أنه لا يحيا ولا يعيش، فهذا هو الذي يكون فيه الغرة, إن وجد كلام غير هذا فهو خطأ، وإن كان قد سجل فيغير ويوضع هذا محله، وهذا واضح لا إشكال أن الجنين قد يعيش
...................................................................................
ـــــــــــــــــ
لثمانية أشهر يعني هذا واضح، ومعلوم عند الناس والغريب أنه ما أحد نبهني بعد الدرس إن كان هذا قد صدر مني هذا الكلام هو سبق لسان، والمقصود أنه إذا كان ابن ستة أشهر فصاعدا وعاش، ثم مات وغلب وتبين أنه مات من أثر الضربة فإن فيه الدية كاملة، وإن كان من دون ستة أشهر فالغالب أنه لا يعيش، وفيه الغرة على تفصيل أو شيء مما أشير إليه في الدرس السابق.
حديث: إذا أمسك الرجلُ الرجلَ وقتله الآخر
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا أمسك الرجلُ الرجلَ وقتله الآخر يقتل الذي قتل، ويحبس الذي أمسك " رواه الدارقطني موصولا ومرسلا، وصححه ابن القطان، ورجاله ثقات؛ إلا أن البيهقي رجح المرسل.
ــــــ(1/30)
نعم حديث ابن عمر هذا في ثبوته نظر كما ذكر المصنف -رحمه الله- أن جمع من أهل العلم رجحوا المرسل على المتصل وضعفوا المتصل، وهذا الخبر أخذ به جمع من أهل العلم، وهو المشهور في المذهب أنه إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الآخر قالوا: يقتل الذي قتل لماذا؟ لأنه مباشر ويحبس الذي أمسكه حتى الموت. قالوا: لأنه حبسه حتى ماذا؟ حتى الموت فيحبس الممسك حتى الموت هكذا وهم قالوا هذا لأنه إذا وجد المتسبب والمباشر يقدم ماذا؟ المباشر على المتسبب, والقول الثاني أنهما يقتلان جميعا الممسك والقاتل، وهذا القول أظهر هذا القول أظهر من جهة أنهما في الحقيقة قاتلان جميعا، أنهما قاتلان جميعا.
وفي ثبوت الخبر هذا فيه نظر؛ وذلك لأن الممسك واضح أنه من أعظم الإعانة؛ لأنه لولا إمساكه ما قتله وإلا يلزم عليه أنه تصير الدماء وإزهاق أرواح من جهة بعض الممسكين ويدعي أنه ما قتل, والشارع الحكيم جاء بصد مثل هذا ورد مثل هذا وجاءت أدلة تدل على أن المشتركين أنهما يقتلان جميعا ولا ينظر إلى أفعالهم. هذا إذا أمسكه ليقتله إذا علم أنه أمسكه ليقتله واضح أنه لم يحصل قتله ولم يتمكن قتله إلا بإمساكه، ولولا إمساكه لما قتله.
لكن لو أنه لحقه، إنسان أمسك بإنسان ثم لحقه آخر وقتله والممسك ما علم أنه من باب المزح واللعب وقتله الثاني يقتل ولَّا ما يقتل؟ نعم ما يقتل نقول: لا يقتل؟ لماذا لأن القصد في هذا معتبر؛ ولأنه لم يعلم بالحال، هو لم يعلم بالحال، في هذه الحال لا يقتل به إلا إذا علم أنه قتله أمسكه لأجل أن يقتله، والقصود في مثل هذه معروفة ومعلومة من جهة الأدلة، فالأظهر والله أعلم هو القول الثاني، وهذا الخبر في ثبوته نظر، أو يحمل على وجه يتفق مع بعض الصور التي لا يقتل فيها كما لو أمسكه وهو لم يعلم بأنه سوف يقتله.
حديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل مسلما بمعاهد(1/31)
وعن عبد الرحمن بن البيلماني " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل مسلما بمعاهد وقال: أنا أولى من وفى بذمته " أخرجه عبد الرزاق هكذا مرسلا، ووصله الدارقطني بذكر ابن عمر فيه، وإسناد الموصول واه.
ــــــ
هذا الحديث لا يصح عبد الرحمن بن البيلماني ضعيف + متروك، والحديث مرسل والمتصل أضعف لأنه من طريق إبراهيم بن أبي يحيى + بذكر ابن البيلماني عبد الرحمن بن البيلماني عن ابن عمر، والصواب مثل ما تقدم قول الجمهور أنه لا يقتل مسلم بالكافر، وجاءت أخبار في هذا الباب في قتل المسلم بغير المسلم لكن كلها أخبار لا تثبت، وقول الجمهور لحديث علي وما جاء في معناه كما تقدم.
قول عمر: لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم به
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قتل غلام غيلة، فقال عمر - رضي الله عنه - لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم به. أخرجه البخاري.
ــــــ(1/32)
نعم حديث ابن عمر هذا أخرجه البخاري قال قال لي ابن بشار قال لي ابن بشار وهذه الصيغة ربما استخدمها رحمه الله في بعض الأخبار التي تكون موقوفة سواء كانت قولية أو فعلية، وهذا الخبر قال إذا اشترك فيه أهل صنعاء لقتلهم هذا يؤيد ما تقدم أن الاجتماع على القتل يقتل به، وهذا هو الصواب وهو قول الأكثر؛ وإن خالف فيه جمع من أهل العلم، وهذا له قصة أن رجلا من أهل اليمن كان له زوجة من أهل صنعاء في اليمن له زوجة وله ولد من غيرها، فسافر وترك المرأة والغلام فاتخذت خليلا، فقالت لخليلها وصديقها إن هذا الغلام يفضحنا؛ فاقتله فأبى أن يقتله، فامتنعت منه المرأة فعند ذلك أجابها فاجتمع على الغلام المرأة وخليلها ورجل آخر فقتلوه ووضعوه في عيبة في جلد ثم رموه في بئر غير مطوية مهجورة، ثم بعد ذلك اطلع عليه وظهر وتبين أمره وكان يعلى بن أمية على اليمن وال على اليمن من قبل عمر - رضي الله عنه - فأرسل إليه بالأمر يخبره بالواقع فكتب إليه عمر - رضي الله عنه - بقتلهم قتل المرأة وصاحبها والرجل الآخر، فهم ثلاثة أو أربعة، وأمره أن يقتلهم به.
وقال: لو اجتمع عليه أهل صنعاء لقتلتهم به؛ وهذا يبين أنه إذا اجتمع قوم على قتل رجل أو امرأة أو رجال أو نساء اشتركوا فإنه يقتل الجميع، وإن اختلفت أفعالهم؛ لأنه ما قتل إلا بهم ما حصل قتل إلا بتعاونهم وتعاضدهم، فلو أمسك هذا وهذا جرح جرحا وهذا جرح جرحا وهذا يضرب وهذا يرفس وما أشبه ذلك حتى قتلوه فإنهم يقتلون جميعا؛ لاجتماعهم وإن اختلفت وتفرقت أفعالهم ما دام أنه حصل بقتلهم جميعا، ولو لم يقتلوا به فإنه من الفساد أن يجتمع كل من أراد قتل إنسان دعا جماعة معه وقتلوه حتى لا يثبت القصاص عليه؛ ولهذا كان الصواب ما دل عليه هذا الأثر، ودلت عليه معاني ومقاصد الشريعة.
حديث: فمن قتل له قتيل بعد مقالتي هذه فأهله بين خيرتين(1/33)
وعن أبي شريح الخزاعي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فمن قتل له قتيل بعد مقالتي هذه؛ فأهله بين خيرتين إما أن يأخذوا العقل، أو يقتلوا " أخرجه أبو داود والنسائي وأصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة بمعناه.
ــــــ
نعم حديث أبي شريح هذا كما ذكر المصنف شاهده حديث أبي هريرة وفيه مقال من طريق ابن أبي العوجاء سفيان ابن أبي العوجاء لكن شاهده في الصحيحين، وجاءت أيضا أدلة أخرى تشهد له، وأنه عليه الصلاة والسلام قال كما في الصحيحين قال في قصة قتيل خزاعة لما خطب الناس عند الكعبة، أو على درج الكعبة فقال: من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يودى أو يقتل يودى يعني يؤدى الدية وهو العقل كما في هذا الخبر، وهذا مثل ما تقدم يبين أن أهل القتيل لهم الخيرة، وأنهم يختارون وأن الخيار لهم كما تقدم إن اختاروا الدية فإنه لا يجوز لهم القتل، وإن اختاروا القتل فإن لهم أن يأخذوا الدية؛ لأنه انتقال إلى ما هو أقل فلهم أن @يأخذوه أما من أخذ الدية فلا أعفي من قتل بعد أخذ الدية فلهذا لأنه يسقط به القود بعد العفو.
باب الديات
حديث: من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود
باب الديات :(1/34)
عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن فذكر الحديث وفيه: أن من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود إلا أن يرضى أولياء المقتول، وإن في النفس الدية مائة من الإبل، وفي الأنف إذا أوعب جدعه الدية، وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي البيضتين الدية، وفي الصلب الدية، وفي العينين الدية، وفي الرجل الواحدة نصف الدية، وفي المأمومة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل، وفي كل إصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل، وفي السن خمس من الإبل، وفي الموضحة خمس من الإبل، وإن الرجل يقتل بالمرأة، وعلى أهل الذهب ألف دينار " أخرجه أبو داود في المراسيل والنسائي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان وأحمد واختلفوا في صحته.
ــــــ
نعم هذا الخبر خبر مشهور، وله طرق عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وجاء أيضا بروايات أخر من طرق أخرى، ورواه أبو داود أيضا في السنن لكن مختصر أيضا من طريق عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- والخبر بالنظر إلى طرقه وشواهده أيضا فإنه صحيح؛ لأن الشواهد تدل على المعنى جاءت أدلة تشهد له في المواضح وفي الأصابع أصابع اليدين والرجلين من حديث عبد الله بن عمرو، ومن حديث ابن عباس ومن حديث أبي موسى الأشعري ومن حديث أيضا عبد الله بن عمرو في الأصابع، فألفاظه والأخبار المعاني التي فيه كلها دلت عليها الأخبار مما يدل على ثبوته: من اعتبط مؤمنا قتلا فإنه قود مثل ما تقدم في حديث ابن عباس؛
...................................................................................
ـــــــــــــــــ(1/35)
اعتبط يعني قتله ظلما، وقيل: اغتبط بالمعجمة يعني قتله مغتبطا بقتله فإنه قود يجب فيه يعني للولي أن يقتص إنما جاء في كثير من الأخبار ذكر القود؛ لأنه هو الذي يطلب في الغالب وأيضا ولأنه هو الأعلى من جهة أنه هو حقه فله أن يختار القود وله كما تقدم أن يختار الدية.
ولهذا قال: إلا أن يرضى أولياء المقتول هذا واضح شاهد لقول الجمهور، إلا أن يرضى أولياء المقتول في لفظ عند أبي داود أيضا أنه: إن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا عفو إلى الدية أيضا، فالأخبار كثيرة في هذا بيان أن له الخيار مثل ما تقدم, وفي النفس الدية مائة من الإبل، وهذا محل اتفاق من أهل العلم، وسيأتي حديث ابن مسعود وما جاء في معناه ذكر أصناف الإبل التي فيها الدية وفي الأنف إذا أوعب جدعا جميعه يعني أخذ عظمه جميعا والغضروف من عند حاجب العينين فإذا أوعب جدعا ففيه الدية كاملة.
وهذه قاعدة أن ما في الإنسان منه شيء واحد فيه الدية، وما فيه شيئان ففيه نصف دية الواحد، وما فيه عشرة أشياء ففي كل واحد عشر الدية كأصابع اليدين وأصابع الرجلين. كذلك في العينين الدية وفي العين الواحدة نصف الدية وفي اللسان الدية وفي الذكر الدية الكاملة، وكذلك في الشفتين في كل شفة نصف الدية، وقيل: إن في الشفة السفلى ثلثا الدية؛ لأنها أنفع وهي التي تحمل الطعام وتمسك الطعام، والصواب أن ما دل عليه الخبر أنه فيهما الدية وفي الواحدة @نصف الدية، وكذلك في البيضتين وفي الصلب يعني في الظهر إذا كسر ظهره فإن فيه الدية، وإن كان بعد ذلك يعني بقي نسله وبقي المني يعني لم يذهب فإنه كما قال عليه الصلاة والسلام: وفي الصلب الدية وفي البيضتين الدية يعني في كل بيضة @نصف دية، فالمقصود أن فيهما الدية كاملة، وكذلك أيضا في الرجل الواحدة نصف الدية، وفي اليد الواحدة نصف الدية وفي الهاشمة عشر من الإبل التي تهشم العظم والتي توضح يعني يضربه مثلا ثم يهشم رأسه فيوضح العظم ويهشمه يعني يكسر العظم.
...................................................................................(1/36)
ـــــــــــــــــ
وفي المنقلة حينما تنتقل العظام تتكسر وتنتقل فيها خمسة عشر وفي المواضح خمس كما في حديث عبد الله بن عمرو فيهما خمس المواضح التي توضح العظم بمعنى أنه يجرحه، ولو كان العظم الذي ظهر بمقدار الإبرة. المقصود أنه إذا اتضح العظم ولو شيء يسير ولو شيء يسير فهذه المواضح ولو أوضح موضحتين في الرأس فإن فيه عشرا من الإبل في كل موضحة خمس ولو كانت الموضحة يعني وهذا لا فرق بين الموضحة الكبيرة والصغيرة كل موضحة فيها خمس والقاعدة في الشرع أن الشيء الذي قد يختلف يضع فيه شيئا ضابطا يضع فيه شيئا ضابطا مثل ما جاء في جنين المرأة إذا سقط جنين المرأة فيه سواء كان ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا ما دام أنه سقط ميتا أو سقط في وقت لا يعيش مثله ثم مات فإن فيه الغرة كما تقدم ضبطه بضابط.
كذلك مثل ما ورد يعني فيمن اشترى مسراة من اشترى مسراة وفيها صاع من تمر يعني ما عندي حكمة في مثل هذا، والمناسبة واضحة لكن يضع ضابطا ولا فرق بين القليل والكثير في مثل هذا ومثل اللبن المسراة القلة والكثرة سدا لباب النزاع والخلاف مع أن الحكمة ظاهرة واضحة في مثل هذه الأمور.
كذلك في المأمومة وفي الجائفة ثلث الدية، المأمومة التي تصل إلى أم الدماغ وتبقى بينها وبين الدماغ قشرة رقيقة الثلث, وفي الجائفة أي التي تكون في الجوف في الظهر، أو في البطن واختلف في الجائفة في العظام الأخرى في الفخذ وفي الساق وفي غيرها قالوا: إنه خاص بالجائفة في الجوف وذلك ما إذا جرحه ووصل إلى جوفه بسكين ونحوها أو مثلا لو اخترق جلده برصاص مثلا دخلت رصاصة في جوفه أيضا فإن فيه ثلث الدية؛ لأنها جائفة وإن اخترقت الرصاصة مثلا البطن وخرجت من ظهره، أو من ظهره وخرجت من بطنه ففيه جائفتان؛ لأنه شقه من الأمام وشقه من الخلف. المقصود أن في الجائفة الواحدة ثلث الدية كما في الموضحة ثلث الدية وفي الموضحتين خمس وخمس.
...................................................................................(1/37)
ـــــــــــــــــ
وفي الأصابع عشر، عشر في الأصابع عشر لا فرق بين الإبهام وغير الإبهام والصغير والكبير وما هو مفصل واحد ومفصلان فإن فيه عشرا من الإبل عشرا، وهذا كما في الحديث سيأتي حديث أبي موسى وحديث ابن عباس وحديث عبد الله بن عمرو كلها في أنه فيه عشر من الإبل، وإن الرجل يقتل بالمرأة، وهذا محل اتفاق حكاه ابن المنذر وجماعة من أهل العلم الرجل يقتل بالمرأة كما تقتل المرأة بالرجل، وعلى أهل الذهب ألف دينار هذا يعني أنها بدل منها في الدية بدل الإبل، وأنها تقوم في ذلك الوقت بألف دينار وفي الفضة باثني عشر ألف كما سيأتي، وأيضا اختلف هل هذا أصل وإلا بدل كما سيأتي الإشارة إليه.
حديث: دية الخطأ
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " دية الخطأ أخماسا؛ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنات مخاض، وعشرون بنات لبون وعشرون بني لبون " أخرجه الدارقطني، وأخرجه الأربعة بلفظ: " وعشرون بني مخاض " بدل " بني لبون " وإسناد الأول أقوى، وأخرجه ابن أبي شيبة من وجه آخر موقوفا وهو أصح من المرفوع، وأخرجه أبو داود، والترمذي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - رفعه: " الدية ثلاثون حقة وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة في بطونها أولادها " .
ــــــ
حديث عبد الله بن مسعود هذا اختلف في ثبوته وصحته هل هو موقوف أو مرفوع؟ وهو عند من ذكر من طريق الحجاج بن أرطاة عن زيد بن جبير عن خشف بن مالك، وهذا السند فيه ضعف وجاء بإسناد أقوى عند الدارقطني.
هنا ذكر دية الخطأ أنها عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنات مخاض وعشرون بنات لبون.
واختلف في الخامس هل هو عشرون بني مخاض أو عشرون بني لبون؟ اختلف فيه.(1/38)
عند الأربعة أنه عشرون بني مخاض، ولهذا ذكر المصنف -رحمه الله- في الدارقطني. أخرجه الدارقطني؛ يعني هذا لفظه أنه قال: عشرون بني لبون عند الأربعة بني مخاض، بعضهم أنكر هذا وقال: لا يعرف سن الذكر مما له سنة في الديات، ولا في الزكاة. إنما أعلى سن هو بنات، أو أنزل سن هو بنات لبون. ما فيه بنات مخاض، ما فيه بنو مخاض، ليس فيه بنو مخاض، إنما فيه بنت مخاض بنت مخاض؛ ولهذا أنكروه، ورواية ابن مسعود عند رواية الدارقطني رجحوها؛ ولهذا جاء عند ابن أبي شيبة موقوفا وهو أصح، وبالجملة الأحاديث في الديات وفي تقسيمها مختلف فيه. أما الذي ثبت والذي استقر عليه الأمر والذي لا إشكال فيه أنها مائة من الإبل؛ لكن الإشكال في تقدير أسنانها هذا موضع النظر هل هي ثابتة أم لم تثبت؟
..........................................................................
ـــــــــــــــــ
أكثر الأخبار في هذا الباب مختلفة ومضطربة، والمنقول في هذا كثير محتاج إلى تحقيق المقام في هذا، ولابن أبي عاصم كتاب في باب الديات يمكن أنه اعتنى بالمقام -رحمه الله- فالمقام يحتاج إلى عناية ونظر وبسط من جهة النظر في الروايات.
لكن المتحقق والمتحصل الآن من الروايات في هذا الباب أن دية الخطأ أخماسا، ودية العمد وشبه العمد كما في الرواية الثانية أنها ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة في بطونها أولادها.
وجاء في الرواية الثانية أنها أرباع: عشرون حقة، عشرون جذعة، عشرون بنات مخاض، عشرون بنات لبون، أنها أرباع، وعلى هذا إذا ثبتت هذه الروايات كان مخيرا في دية الخطأ؛ في دية العمد أو شبه العمد إما أثلاثا، وإما أرباعا.
أما الخطأ فهي أخماس: عشرون حقة، عشرون جذعة، عشرون بنات مخاض، عشرون بنات لبون، عشرون بنو لبون، أو بني لبون.
وقيل: إنها بنو مخاض كما تقدم، لكن رواية أنها ابن لبون أنها أرجح؛ لأن لها سنتين.(1/39)
والمصنف -رحمه الله- أيضا ذكر حديث عبد الله بن عمرو وأخره؛ لأنه الآتي حديث عبد الله بن عمرو الثاني أخره، ولو أنه ذكره مع هذه الأخبار لكان أحسن كما سيأتي في الخبر.
فالمقصود أن الدية على هذا التقسيم؛ أن الدية هذا هو المشهور وفيه خلاف كثير في هذا الباب، وجاء ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وثلاثون بنات مخاض، وعشر بنات لبون؛ يعني: جاءت أرباعا مقسمة أربعة ثلاثون، وثلاثون، وثلاثون، وعشر، وهذه أنكرها بعضهم أنها تكون أربعة أقسام على السواء ثلاثون ثلاثون ثلاثون وعشر. وجاء غير ذلك.
وفي الجملة مثلما تقدم الروايات في هذا الباب مختلفة؛ لكن حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أنها أخماس أثبتها جمع من العلم وقالوا: إنه محفوظ عن عبد الله بن مسعود.
..........................................................................
ـــــــــــــــــ
ومثل هذه القسمة لا تكون إلا مرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم.
وأما العمد أو شبه العمد فغلظت، وكانت أكثر؛ ولهذا كانت أكثر في هذا الباب من جهة الأسنان، وغلظ فيها، وحكم شبه العمد حكم العمد في باب التغليظ في الدية. نعم.
حديث: إن أعتى الناس على الله ثلاثة
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أعتى الناس على الله ثلاثة: من قتل في حرم الله، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذحل الجاهلية " أخرجه ابن حبان في حديث صححه .
ــــــ(1/40)
نعم حديث ابن عمر هذا "إن أعتى الناس على الله ثلاثة"، وكما قال المصنف -رحمه الله- أنه عند ابن حبان، وأخرجه أحمد وهو حديث جيد، ويشهد -أيضا- له حديث ابن عباس في الباب عند البخاري: " أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ ليهريق دمه بغير حق؛ أو مطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه " وفي هذا إشارة إلى تعظيم القتل في هذه الأشياء. من قتل في حرم الله يعني: في الحرم قيل: إنها خاص بحرم مكة، وقيل: يشمل حرم مكة وحرم المدينة لتعظيم الحرمة، لقوله تعالى: { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) } (1) خبر ابن مسعود في هذا الباب قد يروونه موقوفا أو مرفوعا من طريق السدي؛ عبد الرحمن بن أبي تميم السدي، وقيل: وهم فيه، والصواب أنه موقوف على ابن مسعود: " لو أن رجلا بعدن عاديا هم بقتل امرئ مسلم -يعني: في الحرم- لأذاقه الله من عذاب أليم " ؛ تعظيم القتل في الحرم.
كذلك -أيضا- قتل غير قاتله يعني: بمعنى أنه كما يفعل بعض أهل الجهل وأهل البغي والاعتداء حينما لا يجد قاتله فإنه يقتل من جماعته، أو من قبيلته، أو من بني قومه؛ يقتل واحدا منهم، وهذا من أعظم الاعتداء والظلم { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } (2) كما في الآية ولا يؤخذ الرجل إذا كان الرجل لا يؤخذ بجريرة أبيه ولا
..........................................................................
ـــــــــــــــــ
بأخيه؛ كما سيأتي في الأحاديث حديث معديكرب وغيره، وحديث أبي الأحوص عن أبيه أنه -عليه الصلاة والسلام- قال للرجل وهو معروف أنه لا يجني عليك ولا تجني عليه، لا يجني عليك ولا تجني عليه، هذا لا يجوز فكيف إذا كان قريبا لك فكيف إذا كان -أيضا- بعيدا فالأمر أشد.
__________
(1) - سورة الحج آية : 25.
(2) - ##سورة الأنعام آية : 164.(1/41)
أو قتل لذحل الجاهلية. الذحل هو العداوات والخصومات التي تكون بين. .. القتل لأجل العداوات فإن هذا كله من أمر الجاهلية الذي لا يجوز. نعم.
وأصله في البخاري من حديث ابن عباس.
عندك نعم، هذه نعم موجودة وقلت حديث ابن عباس مثلما تقدم إن أبغض الناس على الله ثلاثة نعم.
حديث: ألا إن دية الخطأ وشبه العمد
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ألا إن دية الخطأ وشبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل؛ منها أربعون في بطونها أولادها " أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان.
ــــــ
نعم الحديث هذا جيد وهو مثلما تقدم دية الخطأ وشبه العمد واحد، لكن ذكر أن أربعين في بطونها أولادها، وثلاثون حقة، وجاءت الثانية أنه معلوم، وأنه علم عنده فلهذا هو معنى ما ذكر في الروايات الأخرى. نعم.
حديث: الأصابع سواء والأسنان سواء
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم قال: " هذه وهذه سواء " يعني: الخنصر والإبهام رواه البخاري ولأبي داود والترمذي: " الأصابع سواء والأسنان سواء الثنية والضرس سواء " ولابن حبان " دية أصابع اليدين والرجلين سواء عشرة من الإبل لكل إصبع " .
ــــــ
نعم حديث ابن عباس لبيان أن الأصابع سواء الخنصر والإبهام؛ يبين أنه لا فرق بين الإصبع الصغير والكبير، وبين الإصبع الذي له ثلاث مفاصل، وبين الإصبع الذي له مفصل واحد، والذي له مفصلان لا فرق بينهما، أن الدية فيها واحدة عشر من الإبل، ولهذا بين في رواية أبي داود كما ذكر أي: أبو داود والترمذي، وهذه قوله الترمذي مثل...؛ راجعت المحرر فلم يذكر؛ لم يعزه الترمذي -رحمه الله- أيضا ففي عزوه للترمذي نظر، لكنه عند أبي داود، وهي الرواية الصحيحة، عند أبي داود وهي دية الأصابع سواء، والأسنان سواء، الثنية والضرس سواء، ما في فرق بين جميع الأسنان، كما لا فرق بين الأصابع.(1/42)
قد يتوهم مثلا إنسان يقول: الأسنان يختلف نفعها وعملها، فالأسنان التي تطحن مثلا أو الثنايا أنفع فتكون الدية أكثر، لا.
الشارع جعل في الجميع دية واحدة؛ الأسنان خمس خمس، ففيها تقريبا نحو جميع الأسنان أكثر من دية ونصف الدية وزيادة، إذا كانت اثنتين وثلاثين سنا، فهي فيها الدية والنصف والعشر.
وأما أصابع اليدين والرجلين ففي أصابع اليدين الدية كاملة؛ يعني: كل أصبع عشر، وأصابع الرجلين الدية كاملة؛ في كل أصبع عشر، وفي الجميع ديتان، الجميع ديتان.
هذا في الأصابع، فلو قطعها مع الكف فالواجب نصف الدية في الكف الواحدة، وفي الكفين دية كاملة.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
يبين أنه لا فرق بين ما إذا قطع خمسة أصابع، فإذا قطع خمسة أصابع فيها نصف الدية خمس خمس من الإبل، وإذا قطعها من الكف فيها نصف الدية. إذا قطع من الكفين -اليدين- فإن فيها الدية كاملة.
كذلك الرجل إذا قطع الأصابع فيها كل أصبع خمس، وإذا قطعها من جهة الكعب ففي الرجل نصف الدية، مثل ما تقدم في الرجل الواحدة الدية.
وكذلك -أيضا- مثل ما تقدم في الثنية والضرس سواء، مثل ما قال: الأصابع سواء جاء هنا خلاف يروى عن بعض السلف التفريق بين أنواع الأصابع، لكن الصواب ما دلت عليه الأخبار.
قول ابن حبان: هذه الرواية -أيضا- أخرجها الترمذي وهي الرواية الصحيحة أيضا. نعم.
حديث: من تطبب ولم يكن بالطب معروفا فأصاب نفسا
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - رفعه قال: " من تطبب ولم يكن بالطب معروفا فأصاب نفسا فما دونها فهو ضامن " أخرجه الدراقطني وصححه الحاكم، وهو عند أبي داود والنسائي وغيرهما إلا أن من أرسله أقوى ممن وصله.
ــــــ
نعم هذا الخبر رواه + عن ابن جريج فوصله، وكثير ممن روى حديث ابن جريج أرسلوه ولهذا ضعفوه لهذه العلة.(1/43)
ومنهم من قواه لرواية عند أبي داود من رواية عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: حدثني الوفد الذين، أو القوم الذين وفدوا على أبي أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: " من تطبب ولم يكن به طب فهو ضامن " أو نحو هذا اللفظ الذي ذكره المصنف -رحمه الله- وهذا أخذ به أهل العلم، وهو أن من تطبب؛ صيغة تَفعَّل تدل على التكلف، فمن تطبب مثلا في إنسان وعالج وهو لا يعلم بالطب فأصاب نفسه ضمنها، ضمنها، ولو علم أنه قصد قتله فهو عمد، + الغالب أنه إذا تطبب ما يقصد القتل، فأصاب مثلا نفسا فإن فيه الدية، وإن أصاب مثلا عضوا ففيه دية إن كانت مقدرة، ففيه ديته.
قوله: " من تطبب " أي: تكلف الطب دل على أن من عُرف بالحذق ومهر في صنعته فإنه لا شيء عليه ولو أنه أصاب شيئا، فلو أنه بطَّ فيه جرحا مثلا أو ختنه، فالجرح سَرى مثلا إلى عضو آخر وكان معروفا بالطب فإنه لا يضمن، لكن بشرطين: الأول يعني لا يحكم بسراية الجناية، لا يحكم بسراية الجرح أو التطبب بشرطين إذا كان هذا الطبيب حاذقا ليس متطببا، حاذقا.
الشرط الثاني: ألا تجني يده مثل أن يكون مثلا مقدار الجرح هذا القدر، فيزيد في مساحة الجرح وجنى، في هذه الحال يضمن.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
أما إذا أخذ بمقتضى أصول الطب المعروفة وهو حاذق فيها، ولم يتجاوز القدر المعروف فإنه لا يضمن ولو تسبب على الجرح سراية وزيادة فيه. نعم.
حديث: في المواضح خمس من الإبل
وعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " في المواضح خمس، خمس من الإبل " رواه أحمد والأربعة، وزاد أحمد " والأصابع سواء كلهن عشر، عشر من الإبل " وصححه ابن خزيمة وابن الجارود.
ــــــ(1/44)
نعم حديث وعنه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - وفيه: " أن المواضح خمس " مثل ما تقدم. المواضح التي توضح، وأنه لا فرق بين الصغير والكبير كما تقدم -وأيضا- هذا في المواضح.
لكن إذا كان الجرح دون الموضحة؛ مثل إذا كانت الحارصة أو البازلة أو الدامعة أو المتلاحمة أو السمحاق، هذه الخمسة اختلف فيها، هذه الخمسة الحارصة التي تحرص الجلد، البازلة التي يخرج منها الدم، لكن لا يسيل، الدامعة التي يسيل منها الدم، المتلاحمة التي تغوص في اللحم، السمحاق التي تصل قريبا من العظم؛ عظم الرأس لكن بقيت القشرة الرقيقة التي على العظم.
هذه الخمس اختلف فيها، منهم من قال: في كل واحدة بعير في الحارصة بعير وفي البازلة، وفي الدامعة بعيران، بل وفي المتلاحمة، وفي الحارصة الأولى بعير، وفي الدامعة بعيران، وفي البازلة ثلاثة أبعرة، وفي السمحاق أربعة، نعم، وفي المتلاحمة ثلاثة، المتلاحمة ثلاثة، وفي الحارصة بعير واحد، وفي الدامعة والدامية بعيران؛ جعلوها مرتبة؛ لأن المواضح فيها خمس، لكن هذا فيه نظر. الصواب أنه لا تقدير فيها؛ لكن اختلف هل يجعل حكومة؟ بمعنى أن يقوم المجني عليه كأنه مملوك، كأنه عبد مملوك، ثم يقال: كم قيمته وفيه الجرح؟
لكن يقومونه بعد البرء يعني: بعدما يبرأ، يقومونه بعد ما يبرأ، وكم قيمته بدونها؟ فينظر الفرق، يقال: قيمته مثلا نقص العشر، نقص واحد من عشرين، فإنه يعني حاله يؤخذ إلا أن تزيد القيمة عن دية المواضح، فلو كانت مثلا دية؛ نقص من قيمته أكثر من واحد على عشرين يقول: لا نعطيه؛ لأنه ما يستزيد على دية الموضحة، فهذه تزيد على دية الموضحة فلا بد أن تكون أقل منها.
..........................................................................
ـــــــــــــــــ(1/45)
ومنهم من قال: إننا ننظر في مساحة الجرح، والجلد مثلا، ونسأل أهل الخبرة، فلو جرحه مثلا في رأسه. المواضح تكون في الرأس إنما اختلف في سائر العظام في الفخذ، وفي الذراع؛ لكن في الرأس متفق عليه عندهم، فقالوا: نسأل أهل الخبرة، فقالوا: إن الجرح غاص في اللحم مقدار الثلث، قالوا: نأخذ ثلث دية الموضحة قالوا: الخمس نأخذ الخمس بعير واحد، وهذا كان يقول به الشيخ سعد بن حمد العتيق -رحمه الله- ويقول: الذي نفتي به أننا نسأل أهل الخبرة، ونقول: إنه يُسألون كم غاص في الجرح؟ قدر الثلث، الربع، الخمس، ويكون بقدرها من دية الموضحة.
وما دام أنه ليس فيه نص فالقول بهذا جيد من جهة أن هذا أقرب إلى العدل؛ لأن المواضح خمس، ولأن الحكومة في الحقيقة لا تنضبط. كلهم يقولون: يقوم وهو بريء قد يكون الإنسان يجرح، ثم بعد ما يبرأ يكون أحسن منه قبل الجرح، قد يكون في جلده شيء ثم يكون مثلا، يبرأ تماما كم يساوي؟
لو إنسان جرح مثلا ثم برأ الجرح قلنا: كم يساوي؟ كم يعني يقوم من الحكومة كما يقولون.
ما يمكن؛ ولهذا قالوا: إذا ما يبغي دمان فالتقويم الآن، أو صار موضع الجرح أفضل وأحسن لو كان مملوكا وقوم كم يقوم والجرح يسيل، أو قرب البرء؛ اضطربوا في مثل هذا، اضطربوا، وهذا لا يكاد ينضبط خاصة التقويم مثلا بعد البرء.
ولهذا كان الأقرب تقويمه بمقدار ما يغوص في الجرح مثل ما تقدم الثلث، الربع الخمس. نعم.
حديث: عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين
وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين " رواه أحمد والأربعة ، ولفظ أبي داود: " دية المعاهد نصف دية الحر " وللنسائي: " عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها " وصححه ابن خزيمة.
ــــــ(1/46)
نعم. حديث عبد الله بن عمرو هذا في عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين بلفظ: " عقل الكافر نصف عقل المسلم " استدل به أهل العلم في أن دية الكافر على النصف من دية المسلم، ودية الكافرة على النصف من دية المسلمة، واختلف هل هو خاص باليهود والنصارى أو عام في الكفرة.
الأظهر -والله أعلم- أنه عام في جميع الكفرة؛ لا فرق؛ لأن الكفر ملة واحدة؛ لا فرق بين الوثني، والمجوسي، واليهودي، والنصراني.
في الجهة الأخرى عقل الكافر مثل نصف عقل المسلم، وليس هذا الباب تقييد المطلق في الحقيقة؛ لأن هذا مفهوم لقب، أو من باب ذكر بعض أفراد العام، ومثل هذا لا تخصيص فيه، كونه قال في بعض الألفاظ: أنه عقل أهل الذمة أو ما أشبه ذلك، فهذا من باب ذكر بعض أفراد العام من جهة أنه ذكر هذا الصنف؛ لأنه ربما هم الذي احتيج إلى..؛ أو لأنهم هم الذين احتيج لذكرهم فخرج على الغالب.
ومثل هذا المفهوم لا يؤخذ به سواء كان مفهومه لقب، أو مفهوم على الأغلب، أو كان من باب ذكر بعض أفراد العام فذكر بعض أفراد العام، هو كذلك -أيضا- فلهذا كان فيه الدية على النصف في الكافر أو الكافرة ديته نصف دية المسلم أو المسلمة.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
أما رواية النسائي: " عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها " هذه من طريق إسماعيل بن عياش عن ابن جريج، وإسماعيل بن عياش كما هو معروف الشامي العنسي ضعيف الرواية عن أهل الحجاز كابن جريج ونحوه، وأخذ بها كثير من أهل العلم وقالوا: إن دية المرأة كدية الرجل ففي أصبعها عشر من الإبل، وفي الأصبعين عشرون، وفي الثلاثة ثلاثون.
طيب كم في الأربعة؟ إذا قطع منها أربعة أصابع كم ديتها إذا كان...؟ نعم، نعم قال: عشرين؟ نعم. يعني هل هو مثلا يضيف؛ ماذا نقول؟ هو يقول: إن عقلها مثل عقل الرجل إلى الثلث.(1/47)
فعلى هذا إذا زادت على الثلث اختلف فيه الثلثان؛ لكن إذا زاد على الثلث قالوا: إنها إذا كان زاد على الثلث نرجع إلى أن تكون ديتها نصف دية الرجل، ففي الواحد عشرة، في الأصبع عشرة، وفي الأصبعين عشرون، وفي الثلاثة ثلاثون، وفي الأربعة عشرون؛ قال: رجل عند أبي عبد الرحمن سأل سعيد بن المسيب عن عقل المرأة قال: كم في الأصبع؟ قال: عشرة، قال: في الأصبعين؟ قال: عشرون. قال: في الثلاثة؟ قال: ثلاثون. قال: في الأربعة؟ قال: عشرون. قال: لما عظم جرحها واشتدت مصيبتها قل عقلها؟! يعني ديتها، قال: أعراقي أنت؟ لأنه عرف عن بعضهم الاعتراض على السنة، أو القول بالرأي. قال: لا؛ عالم متثبت، أو جاهل متعلم. يقول هذا ابن أبي عبد الرحمن، قال: تلك السنة يا ابن أخي.
لكن هذا ينظر في ثبوته، هو في لفظه غرابة في الحقيقة، يعني:كيف يكون في ثلاثة أصابع ثلاثون، وفي أربعة عشرون؟
إن ثبت الخبر فعلى العين والرأس، ما فيه إشكال، ونقول: هذا هو، وإن لم يثبت أو يقال كما قال بعض أهل العلم، يقال: كما قال، والحق ليس ظاهر الخبر هذا.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
يقال: إن في الإصبع عشرة، وفي الإصبعين عشرون، وفي الثلاثة ثلاثون، وفي الأربعة نجعل في الثلاثة ثلاثين. بس كم نجعل في الأربعة؟ إذا جعلنا ما فوق الثلث على النصف كم يصير؟ نعم؟ خمسا نعم، خمسا وثلاثين كما يقولون فيها، وهذا قول جيد إن قيل به، وهذا أشار إليه بعض أهل العلم؛ فيقولون: نبقي الدية كاملة في الإصبع والإصبعين والثلاثة إلى الثلث؛ لأن عندنا ثلاثة أقل من الثلث واحد ثلاثة ما فيها إشكال؛ لأن ثلاثة فيها ثلاثين أقل من الثلث؛ لأن الثلث ثلاثة وثلاثين وثلث، وفي الأربعة يكون خمسا وثلاثين؛ يعني: نجعل النصف لا نجعله على ما مضى؛ لا على ما زاد على الثلث.(1/48)
وهذا قول جيد إن ثبت الخبر، وإن لم يثبت فيقال: إنها على النصف مطلقا. نعم.
حديث: عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد
وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه، وذلك أن ينزو الشيطان فتكون دماء بين الناس في غير ضغينة ولا حمل سلاح " أخرجه الدارقطني وضعفه.
ــــــ
نعم هذا مثل ما تقدم هذا من طريق محمد بن راشد +، ولا بأس به، وهو شاهد لما تقدم؛ أن عقل شبه العمد مثل عقل العمد، وذلك لينزو الشيطان فتكون قتال بغير ضغينة ولا حمل سلاح مثل ما تقدم، ويحصل قتل بينهم ولا يعلم القاتل، فيها تكون الدية مغلظة مثل ما تقدم مثل شبه العمد، مثل العمد. نعم.
حديث: فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ديته اثني عشر ألفا
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: " قتل رجل رجلا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ديته اثني عشر ألفا. " رواه الأربعة، ورجح النسائي وأبو حاتم إرساله.
ــــــ
نعم. حديث ابن عباس فيه أنه جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الدية اثني عشر ألفا، وهذا استدل به من قال: إن الدية تكون بالدراهم، وأنها أصول.
والصواب أن الأصل الإبل وأن ما سواها أبدال هذا هو الصواب، وفي هذا الخبر أنه جعل الدية اثني عشر ألفا، ورجح جمع من أهل العلم إرساله؛ لأنه رواية محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس، وقد رواه سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة مرسلا؛ لم يذكر ابن عباس؛ مرسل، ولا شك أن سفيان بن عيينة لا يقارن بابن مسلم الطائفي فرواية المرسل أثبت؛ ولهذا رجح أبو حاتم إرساله، لكن الدية مثل ما تقدم، الدية تقوم كم تساوي.
فإن ثبت فهذا فيه تقويم للدية في عهده- عليه الصلاة والسلام- وأنها بهذا القدر اثنا عشر ألفا وفي بعض الروايات أنها...، وبعض ما جاء أنها عشرة آلاف.(1/49)
فهذا يبين أنها تختلف، تارة تكون هكذا وتارة تكون هكذا بحسب أقيام الإبل، إن ارتفعت وغلت قيمتها ارتفع بدلها وإن رخصت رخص بدلها.
حديث: أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه
وعن أبي رمثة قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعي ابني فقال: " من هذا؟ فقلت: ابني وأشهد به فقال: أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه " رواه النسائي وأبو داود، وصححه ابن خزيمة وابن الجارود.
ــــــ
نعم. حديث أبي رمثة - رضي الله عنه - هو رفاعة قيل إن اسمه رفاعة اليثربي وفيه أنه لما جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه ابنه فقال: " أتشهد به؟ قال: هذا ابني أشهد به قال: فإنه لا يجني عليك ولا تجني عليه " وهذا المعنى جاء في عدة أخبار مثل ما تقدم في رواية عمرو بن أبي الأحوص عن أبيه وأنه قال: " لا يجني الجاني إلا على نفسه " وفيه حديث آخر أيضا أنه " لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه ولا جريرة أخيه " وهذا محل اتفاق بين أهل العلم؛ أنه لا يجوز أن يؤخذ إنسان بجناية الغير، كما كان أهل الجاهلية ومن أشبههم ممن يأخذ بجناية الغير، بل كل إنسان يتحمل جنايته؛ كل إنسان يتحمل جنايته { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } (1) .
__________
(1) - ##سورة الأنعام آية : 164.(1/50)
والعاقلة ليست من باب حمل الجناية. العاقلة من باب التعاضد والتناصر والتعاون، ولهذا كانت من أعظم المصالح الشرعية في دفع الدماء؛ ولهذا لم تأتِ إلا في قتل الخطأ. تأتي في قتل الخطأ، هذه في الدية، كذلك شبه العمد من جهة أنها يقع كثير خاصة قتل الخطأ، والدية ربما ثقلت وشقت على نفس القاتل الذي وقع منه القتل خطأ؛ فلهذا شرع إعانته ومعاونته، وأيضا إذا أعانوه وتحملوا الدية تكون سببا...؛ يكون سببا منهم في العناية بهذا الأمر، وأن الإنسان يترفق إذا علم أنه سوف يُحَمِّل قومه، وكذلك قومه -أيضا- يحاولون أن يدفعوا ما يحصل من الفتن والقتال، فيكون سببا للتناصر والتعاون ودفع الخلاف والنزاع، فهي من أعظم المصالح التي يحصل بها التعاون والتناصر بين أهل الإسلام، والله أعلم.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
الأسئلة
أحسن الله إليكم. سائل يقول: هل في اللحية دية؟ وما مقدارها؟ وجزاكم الله خيرا.
اللحية يقولون: إذا اعتدى عليه فنزع لحيته فإن كان يرجى عودها فإنه لا شيء فيها؛ لأنها تكون حكمها حكم الأسنان التي تعود، الأسنان اللبنية مثلا التي تعود، فليس فيها كما يقولون إلا حكومة، والحكومة كما تقدم يقوم كأنه مملوك وفيه جناية ويقوم وبدونها، بدون الجناية، وينظر نسبة القيمة فتؤخذ من الدية. إذا كان نسبة القيمة الربع أو الخمس تؤخذ الدية، وإن نزع لحيته نزعا ثم لم تعد قالوا: فيه الدية، كما قالوا: في أهداب العينين الدية، كذلك هذه الشعور وفي الحاجب في الشعر هذا؛ هذه فيها الدية، ومنهم من قال: إنه لا دية فيها، ولم يثبت فيها دليل؛ إنما ينظر ما يقوم ويعرف القيمة والبدل التي تؤخذ؛ إما عن طريق الحكومة كما قالوا؛ لكن أكثر أهل العلم أو كثيرون قالوا: إن فيها الدية إذا نزعت نزعا ثم أُيس من رجوعها ومن عودها. نعم.(1/51)
أحسن الله إليكم، وهذا يقول: هناك في بعض المستشفيات يوجد قانون بأنه لو جاء رجل وهو مريض يحتاج إلى إجراء عملية جراحية فيأخذون منه عهد بأنه لو مات أثناء العملية أو بعدها فإن الأطباء لا يكونون مسئولين عنه، وعن ضياع أحد أعضائه، وقد يشاركهم في هذه العملية الجراحية بعض الطلاب الممارسين غير المعروفين بالحذق والمهارة، فماذا عليهم في هذه الحالة؟ وجزاكم الله خيرا.
نقول: هذا إن كان فيه بعض الطلاب الذين يشرفون عليه في العملية الجراحية أو غيرها وهم لم يحسنوا الصنعة فلا يجوز له الإقدام على هذا العمل، ولا يجوز لهم الإقدام عليه كلهم. هو يحرم عليه وهم يحرم عليهم لا يجوز؛ لأنه اعتداء وتعدٍّ وظلم ولا يجوز، فلا يجوز أن يسلم نفسه لأناس يتعلمون ويتطببون.
وإن كان الذين يعملونها هم من حذق وعرف صنعته؛ عرف بالطب وهؤلاء الطلاب مجرد مطلعين وينظرون كيف العمل وليس لهم أي شيء إلا في أمور لا تتعلق بالأمور الدقيقة في هذه العملية التي لا يترتب عليها ضرر إما في إحضار شيء أو مناولة شيء أو وضع شيء بمقدار معين أو ما أشبه ذلك مما هم أعلم به، في هذه الحالة لا بأس.
..........................................................................
ـــــــــــــــــ
المقصود أنه إذا كان احتاج إلى إجراء عملية أو إجراء شيء من العلاج والتداوي؛ احتاج ثم هم لم يعلموا ولم يدروا كيف يجرون العملية؛ لأن النسبة عندهم لا يعلمون بها ويخشون أن يموت، أو يتعرض مثلا لضرر، أو سراية الجرح ما في مانع لا بأس من ذلك. هم حتى ولو أنه سلم نفسه مثلا لهم وهم حاذقون في صنعتهم، ولو لم يكتب توقيعا بمثل هذا فلا شيء عليه حتى ولو لم يكتب شيئا، يعني مثل ما تقدم عندنا أنه شرطان: أن يكون حاذقا لصنعته، وأن لا تجني يده.(1/52)
ففي هذه الحالة لا يضمن ولو أنه ما وقع، المقصود أنه يكون عاقلا باختياره وبرضاه، ويكون هذه العملية التي يعلم أنها ليس فيها ضرر، فإذا حصل هذا المقصود فلا شيء عليه، لا شيء عليه لو بعد ذلك أنه حصل له ضرر؛ إلا إذا غلب على ظنهم أن هذه العملية يحصل فيها تلف أو ضرر فلا يجوز إجراؤها؛ لأن هذه مبنية على قضية المصالح والمفاسد، وهي أمور معروفة في الشريعة، فإذا غلب على الظن أنها يتم؛ إلا إذا كان هو دائر بين أمرين: إما الهلاك في الغالب، أو إجراء العملية والهلاك أقرب والعملية ربما يحصل فيها. أيضا هذا باب آخر؛ إنسان مثلا في مرض شديد واشتد الأمر عليه وفي الغالب أغلب الظن هلاكه؛ عملية ولازمة له لكن يخشى من إجرائها هلاكه، فدار الأمر مثلا بين هذا وهذا. أيضا هذا له تقديره ينظر ما هو الأصلح له. نعم.
أحسن الله إليكم، وهذا يقول: هل صحيح بأن رواية عمرو بن شعيب من قبيل الحديث الحسن وما المقصود بأبيه عن جده؟
الحسن نعم؛ الرواية من قبيل الحسن؛ عمرو بن شعيب عن أبيه شعيب عن جده جد شعيب؛ الذي هو عبد الله بن عمرو. عمرو عن أبيه؛ يرجع إلى عمرو أبيه. شعيب عن جده؛ يرجع إلى شعيب، وهو عبد الله بن عمرو وهو شعيب وهو عبد الله بن عمرو بن شعيب بن محمد، وهو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله. عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص؛ عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، فقوله: عمرو بن شعيب عن أبيه شعيب عن جده يرجع إلى شعيب جد شعيب إلى جد شعيب من يكون على هذا؟
......................................................................................
ـــــــــــــــــ(1/53)
عبد الله لم يرو عن أبيه؛ لأن أباه محمد مات وهو صغير فرباه أبوه عبد الله بن عمرو، وثبت بإسناد صحيح عند البيهقي وغيره أنه كان أدركه وأنه أدرك جده عبد الله عمرو والرواية عنه. رواية عمرو بن شعيب الصحيح أنها حسنة لكن الأظهر أنه لا يطلق، وفي التحقيق فيها أن روايات عمرو بن شعيب مختلفة؛ لأن عمرو بن شعيب روايته كما قال عنه أبو زرعة -رحمه الله:- روايته عن أبيه من كتاب، رواية عمرو بن شعيب عن أبيه شعيب من كتاب، فإذا روى عن أبيه شعيب من كتابه فإنه لا بأس به، وإذا قال: حدثني أبي شعيب فهذه أرفع، هذه يعني: رواية.
الرواية الثانية إذا قال عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أو سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضا صريحة وواضحة لا إشكال فيها لأن بعض أهل العلم قال: عن أبيه عن جده محتمل أنه مرسل فإذا قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أو سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن هذا لا إشكال فيه، مثل أنه كان يصلي حافيا؛ رأيته يصلي حافيا ومنتعلا كما في رواية. فهذا واضح أنه عبد الله بن عمرو أنه عبد الله بن عمرو وأن الرواية مرسلة، وأن الرواية المتصلة ليست مرسلة. الأمر الآخر إذا كان عمرو بن شعيب عن غير أبيه عن جده؛ عمرو بن شعيب عن غير أبيه مثلا، مثل عن ابن عمر أو غيره فهذه أقوى؛ لأنه واضح أنه أدرك ابن عمر وأدرك غيرهما فروايته عنه أقوى وأظهر من روايته عن أبيه عن جده، يعني: رواية عمرو بن شعيب عن غير شعيب عن غير جده عبد الله بن عمرو أظهر؛ لأن روايته عن جده مختلفة؛ أما روايته عن ابن عمر وغيره فهي أقوى من روايته عن جده عبد الله بن عمرو؛ لأنه مختلف في هذه الرواية.(1/54)
كذلك إذا كان روى عمرو بن شعيب مثلا عن غير صحابي عن تابعي عن صحابي آخر فهي -أيضا- رواية جيدة، فالأظهر أن رواية عمرو بن شعيب في هذا التفصيل لا يطلق بأنها مستوية؛ وأنها رواية واحدة لا، مختلفة بحسب روايته عن أبيه ورواية أبيه عن غير جده.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
ورواية جده هل هي بصيغة مثلا السماع عن النبي- عليه الصلاة والسلام- أو رؤيته للنبي -عليه الصلاة والسلام- أو مثلا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لأن هذه محتملة فإذا لو تحصل أنها تأتي على عدة أنحاء، والرواية الدارجة هي رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
وأيضا في هذا الباب إذا روى عن عمرو غير، إذا روى عن عمرو بن شعيب الثقات فإنها -أيضا- فإن روايته كما قال العلماء رواية صحيحة يعني: إذا كان الإسناد إلى عمرو صحيح فبقية السند حسن، لكن على التفصيل المتقدم. نعم.
أحسن الله إليكم وهذا يقول: ما المقصود بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وهل لكل أحد أن يخرجهم أو يقتلهم؟
هذا ليس لأحد أن يخرجهم أو يقتلهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما قال: اقتلوا، قال: أخرجوا ما قال: اقتلوا؛ اقتلوا اليهود اقتلوهم؛ قال: أخرجوا هذا هو، لم يقل اقتلوهم، ثم هذه مثلما تقدم في كلام، أو معروف في كلام أهل العلم في هذه المسألة أن هذا حسب القدرة وحسب الاستطاعة. ثم أيضا لو فرض أن أمرا من الأمور منكر وأن الأمر مثلا لا يجوز، ليس لكل أحد أن ينكره، وإنكاره يكون بحسب الاستطاعة وبحسب القدرة ولو كان ينكر؛ أراد أن ينكر مثل هذه الأمور سواء في هذا الأمر أو في غيره حصل الفساد والشر خاصة الذي يترتب عليه حمل سلاح، فباتفاق أهل العلم أنه ليس لآحاد الناس، ليس لأحد مثل هذا.(1/55)
ثم أيضا إذا دخل هؤلاء مما ينبغي أن يتبين أن دخول مثلا اليهود أو النصارى أو غيرهم دخلوا حتى ولو كان في نفس الأمر عقد أو عهدهم باطل، وأنه لا يصح فإنه يعامل بمقتضى اعتقاده هو؛ الذي دخل على مثله فلو كان مثلا حصل فيه شيء من الإخلال بمقتضى اعتقاده ويوفى له؛ ولهذا النبي -عليه الصلاة والسلام- وفَّى للمشركين ببعض العقود التي هي في حقيقة نفسها لا تصح؛ لكن لأن المسلمين التزموها كما في قصة حذيفة مع أبيه لما أنهم لما أمسكه المشركون، فعاهده المشركون أن لا يقاتلوا معه عليه الصلاة والسلام؛ عاهدهم وهم حربيون؛ عاهدوه وأباه أن لا يقاتلوا مع النبي عليه الصلاة والسلام، فجاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يقاتلون معه ماذا قال عليه الصلاة
..........................................................................
ـــــــــــــــــ
والسلام وهم حربيون؟ قال نفي لهم بعهدهم، نفي لهم ونستعين الله عليهم، فهو عليه السلام وفى. فأمر العهود وأمر العقود أمر عظيم وشأنه عظيم.
أسأله سبحانه لي ولكم التوفيق والسداد آمين إنه جواد كريم، وصلى الله وبارك على نبينا محمد.
باب دعوى الدم والقسامة
حديث: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب دعوى الدم والقسامة:(1/56)
عن سهل بن أبي حثمة، عن رجال من كبراء قومه " أن عبد الله بن سهل، ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم، فأتي محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في عين فأتى يهود فقال: أنتم والله قتلتموه؛ قالوا: والله ما قتلناه فأقبل هو وأخوه حويصة وعبد الرحمن بن سهل فذهب محيصة ليتكلم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر كبر -يريد السن- فتكلم حويصة ثم تكلم محصية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يأذنوا بحرب فكتب إليهم في ذلك فكتبوا: إنا والله ما قتلناه فقال لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن بن سهل: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ قالوا: لا، قال: فيحلف لكم يهود؟ قالوا: ليسوا مسلمين، فوداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عنده فبعث إليهم مائة ناقة. قال سهل: فلقد ركضتني منها ناقة حمراء " متفق عليه.
وعن رجل من الأنصار: " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية، وقضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على اليهود " رواه مسلم.
ــــــ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.
هذا الخبر في دعوى باب: دعوى الدم والقسامة.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
القسامة مصدر أقسم يقسم قسما وقسامة، وهي الأيمان التي يحلفها أولياء المقتول، فيقتسمونها، ثم يقسمون على رجل معين: أنه هو الذي قتل فلانا قريبهم.
وقد اختلف أهل العلم في الحكم بالقسامة بحسب النظر في الأخبار من جهة دلالتها، ثم اختلفوا في الحكم بها، هل القسامة توجب القَوَد أو توجب الدية؟
على قولين: والصواب هو مشروعية القول بالقسامة أولا.(1/57)
الثاني: أنها توجب القود للأولياء إذا اجتمعوا على ذلك؛ إذا اجتمع أولياء الدم على ذلك فإن لهم أن يأخذوه وأن يقتلوه.
حديث سهل بن أبي حثمة - رضي الله عنه - في قصة عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود حينما ذهبا إلى خيبر لأجل العمل من مشقة وجهد بهما، تفرق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود كل واحد مهما ذهب في ناحية؛ فجاء محيصة إلى عبد الله بن سهل فوجده قتيلا قد قتل، فذهب إلى يهود فقال: أنتم قتلتموه فنفوا وقالوا: ما قتلناه؛ ما قتلناه فأُتي النبي -عليه الصلاة والسلام- فأتى هو وعبد الرحمن بن سهل ومحيصة بن مسعود، عبد الرحمن بن سهل وابنا عمه حويصة ومحيصة فعند ذلك قال: هل عندكم بينة؟ فقالوا: لا يا رسول الله هم ما شهدوه، ثم قال: يحلفون؟ قال: إنهم قوم يهود يحلفون على ما هو أقل من هذا؛ لا يضرهم أن يقتلونا ثم يحلفون، فأخبر -عليه الصلاة والسلام- أنه ليس لهم إلا هذا.
وجاء في الرواية الثانية أنه -عليه الصلاة والسلام- أمرهم أن يحلفوا أو سألهم أن يحلفوا، أمرهم أن يحلفوا، وفي رواية أنه سألهم البينة. اختلفت الروايات في هذا، وفي رواية البشير بن يسار، سعيد بن عبيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة - رضي الله عنه - أنه سألهم البينة، ثم لم يثبتوها، فقال: يقسم أو يحلف يهود، وهذه الرواية بعضهم ضعفها، وقال: إن سعيد بن عبيد وهم فيها، والصواب ما رواه يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة أنه -عليه الصلاة والسلام- سألهم القسامة؛ لأنهم ليس عندهم بينة، وفي رواية عند النسائي أنه سألهم البينة، ثم قالوا: ليس عندنا بينة، فسألهم القسامة، وفي هذا جمع بين الروايتين حيث لا توهيم لأحد من الرواة،
..........................................................................
ـــــــــــــــــ(1/58)
وهذا هو الأظهر؛ يجمع بين رواية سعيد بن عبيد ذكرت بعضا ورواية يحي بن سعيد ذكرت البعض، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- عند النسائي وغيره ذكر الجميع، وذلك أنه سألهم البينة فلما لم يكن عندهم بينة أمرهم أن يقسموا خمسين يمينا.
وهذا هو الواجب حينما يقتل إنسان فإن كان هنالك بينة عليه حكم بها، فإن لم توجد بينة فالقسامة بشرطها، واختلف العلماء في الحكم بالقسامة. رواية في صحيح مسلم جاءت في هذا المعنى وأنه -عليه الصلاة والسلام- وفي الصحيحين أنه أمرهم أن يحلفوا كما تقدم.
لكن بشرط وجود اللوث، اللوث وهو العداوة الظاهرة وقيل: إن اللوث هو ما يغلب على الظن صحة الدعوى وهذا أظهر؛ كل ما يغلب على الظن صحة الدعوى فهو لوث، وهو من التلوث والتلطخ يقال: هذا شيء متلوث، وهو ما يكون به لطخ وتهم وعداوت؛ سواء كانت قديمة أم حديثة، فكل ما يغلب على الظن صحة الدعوى فهو لوث، فإذ وجد هذا جاز للأولياء أن يقسموا خمسين يمينا، وهذا هو الصواب والصواب الحكم بها خلافا لأهل الكوفة وجماعة.
اختلف الإمام البخاري -رحمه الله- في القول بها، وفيها خلاف قديم.
لكن الصواب هو الحكم بها لدلالة الأخبار عليها، وأنه -عليه الصلاة والسلام- أمر أن يقسموا فقالوا: هذا أمر لم نشهده، فعند ذلك وداه من عنده؛ لأنهم لم يقسموا رضي الله عنهم.(1/59)
ثم الخبر الثاني شاهد له في هذا الباب، فعلى هذا إذا وجد قتيل، ثم ادعى أولياء الدم على أهل محلة أو أهل بلد أو جماعة؛ نقول: عينوا شخصا معينا، فإذا أقسموا خمسين يمينا فإنه يؤخذ برمته ويساق إليهم؛ لكن كما تقدم بشرط وجود ما يغلب الظن لصحة الدعوى، وهذا قد يكون عداوة وقد يكون مثلا هذا الشخص. .. قد يتفرق مثلا جماعة عن قتيل، يتفرق جماعة عن قتيل، فيعرفون وإن لم تعرف عداوة؛ لكن تفرقهم عن هذا القتيل ووجود هذا القتيل بعدهم وتفرقهم فإنه يغلب الظن أنهم قتلوه، أو أن واحدا قتله أو أنه يوجد إنسان متلطخ بدمه وقد قتل وفر إنسان ومعه سكين أو معه سلاح وفر هاربا من هذا المكان، وإن لم يشهدوه لكن رأوه ولى هاربا مثلا
..........................................................................
ـــــــــــــــــ
وجدوه. مثلا في هذا البيت أو تحت هذه الشجرة أو في هذا المكان، ثم هرب إنسان من هذا المكان الذي فيه القتيل ومعه سلاح أو معه سكين ملطخة بالدم أو سيف؛ فهذا يغلب على الظن صحة الدعوى؛ لكن لا يكفي مجرد هذا الظن بل لا بد ما يقوي الظن وهو القسامة والأيمان.
وعلى هذا يكون وجود ما يغلب صحة الدعوى يكون كالشاهد، ثم القسامة وهي اليمين كالشاهد الثاني، وهذا من أحسن ما يكون في الحكم بها، والشرع لم يأت...؛ لم يقل إن البينة مثلا على شخص معين. البينة في الشرع على من كان جنبه أقوى؛ من كان جهته وجانبه أقوى فإن اليمين تشرع في جانبه؛ لأن من خالف قال: البينة على المدعي هذا هو المتقرر نقول: هذا هو الأصل؛ لكن البينة على المدعي هذا إذا لم يكن عند المدعي إلا مجرد الدعوى؛ هذا هو الصواب والجواب على الحديث في هذا الباب، إذا لم يكن عند المدعي إلا مجرد الدعوى بس، أما إذا كان هنالك شيء غير الدعوى يغلب صحة الدعوى فإن جانبه أقوى؛ ولهذا نحكم باليمين ونضع اليمين في جانبه.(1/60)
وقد جاءت اليمين في جانب من كان جانبه أقوى وفي جانب المدعي في مواضع في الشرع منها أولا أن الشرع قضى باليمين مع الشاهد. لو أن إنسانا ما عنده إلا شاهد واحد لا يحكم له؛ لكن لما كان معه شاهد الآن وقصر + احتاج إلى شاهد ثاني. نقول: الشاهد يقوي جانبه، فيحلف مع شاهده. الرسول -عليه الصلاة والسلام- قضى باليمين مع الشاهد؛ في حديث ابن عباس وحديث عبادة بن الصامت وحديث أبي هريرة وحديث جابر كلها جاءت في هذا بالقضاء باليمين مع الشاهد، وأيضا قضى في أيمان الزوج في باب اللعان.
في باب اللعان جعلت الأيمان في جانبه مع أنه المدعي، فجعلت الأيمان به، وبدئ به ولم يسأل البينة ابتداء؛ لأن إقدام الزوج على مثل هذا بتهمة زوجته مع ما يورثه من إفساد للفراش والفضيحة، وما أشبه ذلك هذا أمر لا يمكن أن يقدم عليه الزوج إلا لأنه علم ذلك، فلهذا وإن لم يكن عنده بينة لكن غلبنا جانبه وقوي جانبه، فلما قوي جانبه بدعواه وقوة دعواه قوي -أيضا- به ولم يحكم به إلا بأن يشهد أربع شهادات، وكذلك ثم يدعو على نفسه باللعنة في الخامسة، ولهذا كان الصحيح أنه إذا شهد على نفسه أربع شهادات ودعا على نفسه بالغضب؛
...................................................................................
ـــــــــــــــــ
أي: تشهد المرأة أربع شهادات بما في دعواه وتدعو على نفسها بالغضب، وهو يدعو على نفسه باللعنة؛ فإذا دعا على نفسه وشهد أربع شهادات ودعا على نفسه باللعنة ثم شهدت أربع شهادات ودعت على نفسها بالغضب ثبتت؛ يعني: انتهى الحكم وما تعلق به؛ لكن لو أنه شهد على نفسه أربع شهادات والخامسة على نفسه باللعنة، ثم أبت هي أن تشهد ورفضت؛ أبت ونكلت هل يحكم عليها بالقتل؟(1/61)
ذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا يحكم به، وذهب آخرون إلى أنه يحكم بوجوب القتل في باب القسامة واللعان، في باب القسامة واللعان، ومنهم من لم يثبت بها قتلا، ومنهم من أثبت بالقسامة دون اللعان وهو مذهب الإمام أحمد -رحمه الله- قال: فالقسامة توجب القتل دون اللعان؛ بل تحبس حتى تشهد، ومنهم من حكم فيها باللعان دون القسامة وهو الشافعي -رحمه الله- الشافعي يجعل في اللعان القتل في حق الزوجة إذا نكلت؛ لقوة جنبه، ويقال لها: إن كنت صادقة فاشهدي ما الذي منعها من أن تشهد على نفسها، وأن تشهد الخامسة أو تدعو على نفسها بالغضب؟
الامتناع والتلكؤ والتردد يدل على صحة الدعوى، فإذا أرادت تبرئ ساحتها فلتكمل؛ فلتشهد هذه الشهادات وتبرأ ساحتها.
فلهذا كان الصواب الحكم بها في القسامة وفي باب اللعان، فلهذا حكم به عليه الصلاة والسلام، وأمرهم أن يقسموا خمسين يمينا.
فكما تقدم اليمين في جانب صاحب من كان جانبه أقوى، وهذا لا شك إذا عرض على -كما يقول بعض أهل العلم- على الفطر السليمة والعقول السليمة قبلته وعلمت أنه عين الحكمة، وأنه عين الصواب في مثل هذا المكان.
والقسامة لها أحكام كثيرة لا يمكن استيفاؤها في مثل هذا، وما دل عليه الخبر من وجوب خمسين يمينا على أولياء المقتول، ثم الصحيح أنه لا يختص بالورثة من الرجال بل بالعصبة، بالعصبة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: " يقسم خمسون رجلا منكم على رجل منهم فيدفع إليكم برمته " وقد علم أنه لم يكن لعبد الله
...................................................................................
ـــــــــــــــــ(1/62)
بن سهل من يرثه لا يوجد هذا العدد، إنما الذي يرثه أخوه وقد يكون معه آخر ولم يوجد هذا العدد؛ والرسول -عليه الصلاة والسلام- لم يشترط أن يكونوا من الوارثين، ولهذا كان الصواب أنه يقسم الوارثون وغير الوارثين، وإن كان لم يقسم إلا الورثة فتقسَّم، تقسم. إذا لم يقسم أو لم يوجد إلا الورثة أو لم يقسم إلا هم فتقسم، فلو كانوا مثلا ثلاثة أبناء، فإنها تقسم بينهم أثلاثا وليس فيه كسر؛ يقسم كل واحد سبعة عشر يمينا، سبعة عشر يمينا؛ يعني: يجبر القسم لو كان فيه... ولو زادت عن خمسين.
وحديث رجل من الأنصار بأنه -عليه الصلاة والسلام- أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية، وقضى بها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هذا الخبر في قوله: قضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الأنصار في قتيل ادعوه على اليهود، وهو نفس الخبر السابق عن سهل بن أبي حثمة؛ ولهذا قال: في قتيل ادعوه على اليهود، وقال: قضى به وهذا واضح؛ لأنه قضى به -عليه الصلاة والسلام- مثل ما تقدم، وهو إن لم يحكم بها من جهة، وإن لم يعني: أنه يتم الأمر لأنهم لم يقسموا وقالوا: لم نشهده.
وقوله: أقر القسامة على ما كانت في الجاهلية. كانت في الجاهلية يعملون بها، وثبت في صحيح البخاري أن رجلا من قريش استأجر رجلا من بني هاشم معه؛ يسوق إبلا معه، فبينما هو في الطريق، وكان معه يخدمه ويقوم عليه، فبينما هو في الطريق ونام صاحب الإبل الذي من قريش، وكان معه الأجير يقوم عليها، فجاء رجل إلى الأجير وسأله عروة جوالق؛ سأله يعني: حبلا من جلد؛ سأله واحدا منها حتى يربط به واحدا من إبله، فأخذ واحدا من قيود الإبل هذه وأعطاه إياه، فلما استيقظ الرجل من قريش رآها في القيود إلا واحدة قال: أين قيد هذا الجمل؟(1/63)
قال: أعطيته لإنسان وسائلا سألني احتاج إليه فأعطيته، فأخذ عصاة أو حصى، عصا أو حصاة فحذفه بها فمات فساق، فبقي به رمق ولم يمت؛ بقي به رمق فمر به رجل؛ مر به رجل فوقف عليه قال: هل أنت هل تشهد الموسم؛ يعني الحج؟ قال: لا وربما شهدته قال: هل أنت مبلغ عني رسالة يوما من الدهر؟ قال: نعم، قال: إذا
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
جئت في المجمع في منى فناد يا أهل فهر، ثم ناد يا أهل قريش فإذا اجتمعوا فقل: يا بني هاشم، فإذا اجتمعوا فقل: أين أبو طالب؟
فإذا رأيته وكلمته فقل له: إن فلانا قد قتلني في عروة جوالق، في سير من جلد؛ قال: نعم.(1/64)
فجاء ذلك الرجل الموسم فنادى في قريش فقالوا: نعم هؤلاء قريش، ثم نادى: يا بني هاشم قالوا: نعم هؤلاء بنو هاشم فقال: أين أبو طالب؟ قالوا: هو هذا الرجل فقال: إن فلانا إن فلانا، لأن الذي من قريش جاء إلى مكة الذي من قريش جاء إلى مكة، ثم لما جاء إلى مكة سأله أبو طالب عن الرجل؛ لأنه استأجره قال: أين فلان؟ قال: قد مرض فقمت عليه، وأحسنت القيام عليه فمات فدفنته وأحسنت دفنه. قال أبو طالب: ذاك الظن بك، فظنوا أنه مات وأنه دفنه، ولم يعلموا بالأمر، فلما جاء ذلك الرجل فسأل حتى قال: جاء أبو طالب، فقال له: إن فلانا قد أبلغني رسالة وهو في رمق الموت، ومثل هذا يعلم ويغلب على الظن أنه لا يكذب عليه في رمق الموت؛ إن فلانا قال: قتلني في عروة جوالق فدعاه أبو طالب فقال: يا فلان: إنك بين إحدى ثلاث؛ إما أن تقتل، وإما أن تدي صاحبنا -يعني الدية- وإما أن يقسم خمسون رجلا خمسين يمينا، فاختاروا القسامة -هذا في الجاهلية- فأقسم فحضر القوم فأبى ثمان وأربعون، وجاءت امرأة لها ابنان أو ابن أو أكثر+ فقالت: يا أبا طالب: إنك جعلت الأيمان خمسين يمينا، وهي في مائة بعير فأنا أفتدي يمين ابني ببعيرين، يعني مقابل اليمين بعيرين؛ لأنها خمسون والدية كانت مائة من الإبل، وهكذا كانت في الجاهلية قال: نعم، ففدته ببعيرين.
قال الراوي: فما مضى الحول ومنهم عين تطرف؛ كلهم قد هلكوا هؤلاء الخمسون؛ إلا ابن المرأة الذي افتدته تلك المرأة فسلم ولم يمت.
فالشاهد هذا هو معنى قوله: قضى بها وأقر القسامة على ما كانت في الجاهلية؛ لكن العبرة، والعبرة بحكم الشرع بها وإمضاء الشرع بها، ولهذا كان الصواب هو القول بها كما تقدم نعم.
باب قتال أهل البغي
حديث: من حمل علينا السلاح فليس منا
باب قتال أهل البغي.
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من حمل علينا السلاح فليس منا " متفق عليه.
ــــــ(1/65)
نعم. هذا في قتال أهل البغي. إن بغى عليه، وقتال أهل البغي مشروع حينما يمتنعون عن الرجوع إلى الحق، وعدم الالتزام بالحق وطريق الحق.
فإذا أصروا قوتلوا، ولهذا ذكر المصنف -رحمه الله- هذا الخبر وجاء معه عدة أخبار: " من حمل علينا السلاح فليس منا " ؛ لأنه حمل بغير بحق.
وأهل البغي أقسام: منهم من يعني: من خرج بتأويل، فهذا ينظر إن ذكر شبهة فإنه تبين له وتكشف له وتوضح له شبهته، فإن رجع فالحمد لله، وإن أصر فلا يقر على ما هو عليه؛ لأنه وإن ذكر مثلا شبهة فبينت له أو أمرا من الأمور ثم أصر فإن في قتاله فسادا كثيرا؛ ولهذا يمنع.
وأهل البغي هم من يكون لهم صولة ولهم قوة ويخرجون على الناس، فلهم قوة وصولة؛ فهؤلاء هم أهل البغي، فأما إن لم يكن لهم قوة وصولة فإنهم يكونون؛ يأخذون حكم أهل الفساد وأهل البغي من جهة أنه يقدر عليهم. على تفصيل كثير في هذه المسألة وفي أحكامها.
وقوله: " من حمل علينا السلاح فليس منا " هذا يشمل الجميع؛ وذلك أن من حمل السلاح على أهل الإسلام فليس منهم، وهذا قوله: " فليس منا " على ظاهره، بخلاف من قال: يعني ليس من خيارنا لا، ليس منا على ظاهره، وهذه اللفظة تأتي من الشارح (من) على ما قال -عليه الصلاة والسلام- وذلك أنه لا يلزم منه أنه
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
لا يقال: إن ليس منا ليس من خيارنا، وليس معنى ليس منا يعني: ليس من أهل الإسلام لا، وليس في كلام الشرع مثل قوله: " من حلف بالأمانة فليس منا " وما أشبه ذلك، والأحاديث التي جاءت في نفي الإيمان مثلا عمن فعله: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " وما أشبه ذلك فليس فيه أنه كافر وهذا محل إجماع من أهل السنة، وفيه كلام معروف لأهل العلم.(1/66)
لكن الشاهد في هذا الخبر: " من حمل علينا السلاح فليس منا " وذلك كما يقول الإنسان مثلا حينما يعمل يستأجر إنسان أجراء أو موظفين يعملون عنده فيعملون فيعمل بعضهم جميع النهار وبعضهم يعمل مثلا نصف النهار؛ فيأتي ويعطيهم أجورهم فيقول مثلا: الذين عملوا جميع النهار هؤلاء ليسوا منا؛ بمعنى أنهم لا يستحقون الأجر الكامل؛ لأنهم لم يعملوا جميع النهار وإن كانوا يستحقون ماذا؟ أصل الأجر يعني: ليسوا منهم في الاستحقاق وفي الثناء عليهم من جهة أنهم عملوا يعني طوال النهار وجميع النهار وإن كانوا مستحقين.
كذلك -أيضا- من وقع في مثل هذه الأمور ليس من أهل الإسلام: " ليس منا " يعني: ليس من أهل المدح الذين أتوا بالواجبات؛ لكن هو ليس منهم من جهة أنه ترك واجبا ووقع في محرم، ولا يلزم أن يكون من غيرهم؛ لا يلزم أن يكون من غيرهم؛ ولهذا ضل في هذه الأخبار فريقان؛ ضل فيها فريقان: من حملها على وجه لا تحتمله كالخوارج وأمثالهم ممن كفر بالمعاصي، وأيضا أسرف فيها قوم من أهل الإرجاء ممن قالوا: إنها بمعنى ليس من خيارنا، وأثبتوا لهم ما أثبتوا لغيرهم من صفة المدح، لكن لم يجعلوهم من خيارهم.
والحق هدى بين ضلالتين كما تقدم وهذا المعنى جاء في عدة أخبار عنه عليه الصلاة والسلام نعم.
حديث: من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: " من خرج عن الطاعة، وفارق الجماعة، ومات فميتته ميتة جاهلية " أخرجه مسلم.
ــــــ(1/67)
نعم. حديث أبي هريرة هذا جاء في معناه -أيضا- عدة أخبار عن ابن عباس في الصحيح: " من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة وخرج مات ميتة جاهلية " ، وفي حديث ابن عمر في صحيح مسلم " من لقي الله وليس في عنقه بيعة لقي الله ولا حجة له، أو من مات وليس في عنقه بيعة لقي الله ولا حجة له " وهذا الخبر: " من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة... " ذكر خرج عن الطاعة وفارق الجماعة ومات ميتة جاهلية، وفي لفظ: فميتته ميتة جاهلية، وليس معناه أنه كافر لا؛ لكنه أشبه أهل الجاهلية؛ فقوله قال: ميتته ميتة جاهلية؛ أشبه أهل الجاهلية الذين لا يطيعون أميرا ولا يكونون تحت ولاية أحد؛ بل إنهم على الثورات والعصبيات والنزاع والخلاف، فلا يطيعون ولا يستجيبون فأشبه أهل الجاهلية في وجود الثارات والنزاع والخلاف هذا هو، ولهذا دل على أن فراق الجماعة ونزع الطاعة أنه تشبه بأهل الجاهلية، ولهذا جاءت الأحاديث الكثيرة بالتحذير والتشديد منه ولزوم جماعة المسلمين والقيام معهم؛ لما فيها من المصالح العظيمة في جمع الكلمة ولم الشمل.
وإن كان فيه بعض التقصير وبعض الفساد فعلى المسلم وعلى طالب الحق الموفق أن يجعل يده مع الجماعة، وأن ينصح وأن يبين حتى يظهر الحق ويتبين؛ لما يترتب على الخلاف والنزاع من الشر والفساد كما هو مشاهد في تاريخ الإسلام منذ زمن بعيد؛ يترتب عليه مفاسد كثيرة واضحة وبينة، وذلك أن قاعدة الشرع أن النزاع والخلاف في الغالب لا يجلب إلا شرا وفسادا.
ومن رأى أمرا منكرا فعليه أن ينكر بالأصلح، وإذا ترتب عليه أمور منكرة فإنه ينظر، ينظر في هذا الأمر المنكر فإن كان أمرا منكرا كبيرا فإنه لا يجوز الإنكار على وجه يحصل به الفساد، وأعظم الفساد هو النزاع
......................................................................................
ـــــــــــــــــ(1/68)
والخلاف وشق عصا الطاعة، فهذه مثل ما تقدم فيها من المفاسد كما أخبر -عليه الصلاة والسلام- في هذا الخبر، وأنه يتشبه بأهل الجاهلية من جهة المنازعة والخلاف نعم.
حديث: تقتل عمارا الفئة الباغية
وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " تقتل عمارا الفئة الباغية " رواه مسلم.
ــــــ
نعم حديث أم سلمة -رضي الله عنها- أيضا متعلق بالخبر الذي قبله، والمصنف -رحمه الله- كما تقدم يعني في الغالب أنه يذكر الأخبار بحسب ما سنح في الخاطر وهي تأتي أحيانا غير مرتبة، وربما فرق شمل بعض الأخبار وإلا كان الأولى أن تذكر بعض الأخبار التي تكون مثلا جميعا معناها واحد؛ تذكر جميعا، وهذا يقع له أحيانا؛ لكن الأمر قريب؛ خاصة إذا كانت في باب واحد أو في كتاب واحد.
قوله في حديث أم سلمة: " تقتل عمارا الفئة الباغية " هذا حديث أم سلمة جاء عن عدة من الصحابة؛ عن عشرة أو أكثر من الصحابة كثير من طرقها جيد، وكذلك في الصحيحين حديث أبي سعيد الخدري أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: " ويح عمار تقتله الفئة الباغية. يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار " ؛ لأنه قتل من جهة جيش معاوية؛ من جهة أهل الشام، وجاء في معناه حديث عبد الله بن عمرو، وحديث أبي هريرة، وأحاديث هذا الباب عن جمع من الصحابة -رضي الله عنهم- وهذا يدلل القول الصواب أن عليا - رضي الله عنه - كان على الحق؛ أن عليا كان على الحق، وأن مخالفوه كانوا هم الباغين وهم المعتدين؛ ولهذا جموع السنة على هذا القول في مثل هذا، وأنه هو الصواب؛ لكن كانوا يقولون: لو أن عليا لم يقاتل كان أولى، ولهذا ندم علي - رضي الله عنه - على قتاله لأهل الشام؛ ندم على قتال غيره.
وفي هذا بيان الفرق بين من يقاتل من أصناف أهل البغي والاعتداء، وأنهم أصناف:
الصنف الأول: المحاربون.
الصنف الثاني: أهل البغي.
......................................................................................(1/69)
ـــــــــــــــــ
الصنف الثالث: الخوارج، وأخطأ من أدخل الخوارج ضمن البغاة، فإن الخوارج صنف غير البغاة، والبغاة صنف غير المحاربين؛ هذه أصناف؛ ولهذا أنكر جمع من أهل العلم حينما أدخل الخوارج ضمن البغاة؛ لأن الخوارج لهم وصف خاص، والبغاة لا يشرع ابتداء قتالهم؛ بل يدعون وإن حصل رجعوا سواء قاتلوا جماعة المسلمين أو قاتلوا فئة أخرى فإنهم في هذه الحالة ينتهوا ويفض النزاع، ولهذا علي ندم على قتاله؛ بخلاف الخوارج فإنه فرح - رضي الله عنه - بذلك، ولم يندم بل أمر أن يخرج الثدية منهم حتى تبين له، وكبر - رضي الله عنه - لأنه تبين له أنه حينما قتلهم أنهم هم الذين أخبر بهم النبي -عليه الصلاة والسلام- تمرق مارقة + فرقة من المسلمين؛ تواترت فيهم الأخبار وجاءت من أكثر من عشرة طرق؛ روى كثيرا منها مسلم -رحمه الله- في الصحيحين من حديث علي، ومن حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنهم، أو سهل بن سعد. الأحاديث في هذا الباب كثيرة كلها في قتالهم.
والخوارج هم أعظم أصولهم هو التكفير بالذنوب؛ ولهذا يخلط كثير من الناس بينهم وبين البغاة أو المفسدين في الأرض، فلهذا كان تصنيفهم على هذا التصنيف؛ على هذا التصنيف من هذه الجهة.
والبغاة لهم أحكام كثيرة ذكرها أهل العلم؛ لكن الشاهد في هذا أنه أخبر -عليه الصلاة والسلام- أن ما وقع في عهد الصحابة -رضي الله عنهم- هو من هذا الصنف، وأن ما وقع منهم من البغي لا يلزم منه أن يكونوا مثلا مذمومين في الآخرة لا، ولهذا قد يكون الإنسان من أهل البغي ويدفع شره، ويدفع فساده ويكون سعيدا من أهل الجنة كما وقع من أهل الشام.
فالبغي وقتال أهل البغي لدفع شرهم وفسادهم، ولا يلزم مثلا أن يكونوا مثلا من أهل النار لا؛ لدفع شرهم وفسادهم، لدفع الشر والفساد؛ كما يدفع شر المجنون والصبي وإن لم يكن محكوما عليه مثلا بفسق أو ضلال يدفع شره؛ كما يدفع شر مثلا من تأول إذا كان تأويله سائغا ومقبولا.(1/70)
فالمقصود يفرق في هذه المسائل ، فدفع أهل البغي لدفع شرهم وفسادهم؛ أما أهل البدع الكبار وأهل الضلال هذا لفسادهم ولسوء انحرافهم وضلالهم في باب أصول الدين، وما أشبه ذلك من المعتقدات الفاسدة.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
فهذا الباب على هذا التقسيم كما ذكر أهل العلم، وإن كان بعضهم يذكرهم في باب واحد ومن جهة الأحكام يرتب عليها الأحكام المتعلقة والتفريق بين الخوارج وبين البغاة وبين المحاربين نعم.
حديث: حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " هل تدري يا ابن أم عبد كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها، ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيئها " رواه البزار والحاكم وصححه فوهم لأن في إسناده كوثر بن حكيم وهو متروك، وصح عن علي - رضي الله عنه - من طرق نحوه موقوفا أخرجه ابن أبي شيبة والحاكم.
وعن عرفجة بن شريح - رضي الله عنه - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يفرق جماعتكم فاقتلوه " أخرجه مسلم .
ــــــ
نعم حديث ابن عمر هذا في البغي والاعتداء، وهذا الخبر مثل ما تقدم يتعلق بأهل البغي ومن بغى على هذه الأمة، قول النبي - صلى الله عليه وسلم - يا ابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود، وما دل عليه من أحكام هذا معلوم عن جمع من الصحابة؛ لكن هذا الخبر لا يثبت ولا يصح من طريق كوثر بن حكيم وهو متروك.(1/71)
هذا حكم على هذا الخبر بأنه لا يصح؛ بل إن إسناده ساقط من جهة هذا الرجل، وما دل على أحكام ثبت عن علي - رضي الله عنه - كما قال المصنف علي - رضي الله عنه - وأن هذه سيرته فيمن بغى، وأنه لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها، ولا يقسم فيئها ولا يطلب هاربها؛ هذا هو الواجب، وهذا محل اتفاق بين الصحابة في ذلك الوقت رضي الله عنهم.
ولهذا لما أراد، قال بعض الناس أنهم يقتسمون الفيء الذي أخذوه ويقتسمون الفيء من جهة أهل الشام في بعض الوقائع أنكر علي -رضي الله- عنه فلما طالبوه قال: اقتسموا على عائشة؛ يعني معناه فعند ذلك قالوا: نستغفر الله ونتوب إليه؛ يعني: قد يلزمكم ذلك؛ إذا أجريتموه مجرى في الحكم وأجريتموه في قسمة الفيء؛ يجري الحكم في سبي رجالهم وسبي نسائهم وما يتبع ذلك من أحكام؛ تبين أن هذا الحكم لا يجوز في البغاة بل إنهم
................................................................................
ـــــــــــــــــ
يقاتلون حتى إذا اندفع شرهم أو انكف شرهم أو فروا أو هربوا تركوا، تركوا؛ ولهذا إذا انضموا مثلا إلى فرقة أو إلى فرقة ثم عاودوا القتال، فإنهم يقاتلون حتى يندفع شرهم ويندفع فسادهم، وهذا الذي ثبت وصح عن علي - رضي الله عنه - .
ولهذا -أيضا- قالوا: لا يضمنون ما وقع على مسلم من دم أو مال أو ما أشبه ذلك؛ لأنها دماء وقعت بتأويل فقضى الصحابة -رضي الله عنهم- أنها هدر، بخلاف السيرة في الخوارج اختلف الحكم في ذلك، ولهذا اختلف العلماء من جهة الأدلة الواردة في هذا الباب قوله: " تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق " ، وقتلهم علي -رضي الله عنه-؛ قتلهم علي - رضي الله عنه - كما تقدم أنه اغتبط بذلك حينما قتلهم ولم يبق منهم إلا اليسير، ولم يقتل من جيشه إلا اليسير - رضي الله عنه - .(1/72)
حديث عرفجة بن شريح - رضي الله عنه - " من أتاكم وأمركم جميع " عند مسلم: " على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه " لفظ آخر: " فاقتلوه كائنا من كان " عند مسلم، وهذا يبين أيضا، وأن هذا شاهد الأخبار السابقة وهذا مما تبين يعني أن الأخبار مثل ما في مسلم رحمه الله ربما فرق بعض الأخبار التي هي تكون في معنى واحد، والأمر في هذا قليل.
وهذا شاهد لما تقدم من أنه لا يجوز النزاع والخروج على جماعة المسلمين، وأن هذا من شق العصا وتفريق الكلمة؛ ولهذا جاءت الأخبار كالعيان في هذا الباب أنه، أن من أراد مثل شق عصا المسلمين وتفريق جماعتهم فيدفع شره ولو بالقتل، وفي لفظ عند مسلم: " إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما " يعني المتأخر منهما لأن هذا من أعظم الشق والنزاع على جماعة المسلمين. نعم.
باب قتال الجاني وقتل المرتد
حديث: من قتل دون ماله فهو شهيد
باب: قتال الجاني وقتل المرتد.
عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من قتل دون ماله فهو شهيد " رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه.
ــــــ(1/73)
نعم حديث باب قتال الجاني: قال: قتال الجاني وقتل المرتد قتال الجاني؛ لأن الجاني لا يقتل ابتداء إنما يدفع شره فإذا جنى إنسان واعتدى إنسان على إنسان فإنه لا يقتله ابتداء بل يدفع شره. لو جاء إنسان هجم على إنسان وأراد الاعتداء عليه يدفع شره بالكلام إن أمكن، ما أمكن دفعه بالكلام بالدفع الخفيف، شيئا فشيئا، هذا هو الواجب لا يقتله ابتداء ولو قتله ابتداء ومباشرة ويمكن دفعه كان قتله عمد وحكمه حكم القود، بخلاف لو بادره وخشي أن يقتله ولم يكن له دفعه إلا بالقتل في هذه الحال له ذلك؛ لكن الشاهد أن يأخذه بالأسهل، فالأسهل وهو دفع الصائل كما قال -عليه الصلاة والسلام- في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم : " أن رجلا قال: يا رسول الله أرأيت رجلا يريد أن يأخذ مالي؟ قال: قاتله " في لفظ " انشد الله " يعني: طالبه حتى يكف عن شره.
قال: " قاتله، قال: فإن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: فإن قتلته؟ قال: فهو في النار " وفي لفظ: " قال: أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: قاتله ، قال: فإن قتلني؟ فأنت شهيد، قال: فإن قتلته؟ قال: فهو في النار " فبين أنه قال: قاتله ودافعه، في لفظ قال: أمره بأن ينشده الله وأن يطلب مثلا دفع شره أو ينشد أهل الإسلام لدفع شره؛ حتى يتوقف فإذا توقف شره انتهى الأمر والحمد لله.
...................................................................................
ـــــــــــــــــ(1/74)
وفي حديث عبد الله بن عمرو، في بعض النسخ عبد الله بن عمر، والأظهر أنه عبد الله بن عمرو، عبد الله بن عمرو؛ لأن هذا هو المعروف في الرواية، يعني الحديث هذا الحديث معروف عن عبد الله بن عمرو " من قتل دون ماله فهو شهيد " لكن المصنف -رحمه الله- عزاه لأبي داود والنسائي، وهو في الصحيحين بهذا اللفظ: " من قتل دون ماله فهو شهيد " حديث معروف عن عبد الله بن عمرو، لكن يظهر والله أعلم أن الحافظ، وهذا تبين لي بالتتبع أن الحافظ -رحمه الله- يقلد صاحب المحرر كثيرا، أو أنه علق المحرر في ذهنه فكان يملي من المحرر لابن عبد الهادي كثيرا، ولهذا ربما تبعه في الوهم، وإن كان أوهام المحرر قليلة.
صاحب المحرر-رحمه الله- عزاه إلى هؤلاء وعزاه من طريق حديث عبد الله بن عمرو؛ مع أنه بالصحيحين، في الصحيحين وهو عند أهل السنن عند أبي داود والترمذي من حديث سعيد بن زيد مطولا: " من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، مون قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد " ذكر هذه الخصال وهو بإسناد جيد، والذي في الصحيحين أن عبد الله بن عمرو؛ من قتل دون ماله فهو شهيد وهذا مثل ما تقدم في قتال الجاني وأن الجاني يدفع، فلو جاء إنسان جاني وأراد أن يأخذ المال فإنه يدفع شره.
كذلك أراد أن يعتدي على أهله، أو أراد أن يعتدي على عرضه وعلى حريمه يدفع. كذلك من قتل دون دينه فهو شهيد؛ لأن من أعظم مثل أن يقتل الإنسان دون دينه.
ثم اختلف العلماء في هذا. فيه خلاف هل قتالهم واجب أو مستحب؟(1/75)
منهم من فرق بين حال الفتنة وحال الأمن، ومنهم من فرق بين القتال دون عرضه وبين القتال دون المال، وظاهر النصوص هو أنه لزوم الدفع، لزوم الدفع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالقتال، وقد يقال: إنه خرج على سؤال في قوله: إن رأيت الرجل يريد أخذ مالي قال: أريت الرجل يريد أخذا قال: لا تعطه الحديث متقدم قال: قال: أريت إن قاتلني قال: قاتله قال: إن قتلني قال فهو في النار فقال فإن قتلني قال: فأنت شهيد قال: إن قتلته قال: هو في النار المتقدم، فخرج على الجواب على السؤال، وهذا -أيضا- فيه مدح: من قتل دون ماله، من قتل دون ماله .
................................................................................
ـــــــــــــــــ
ولا شك أنه مشروع الدفع، وذلك أن لا يجوز بذل المال لمثل هذا لأن في الحقيقة إعانة على المنكر؛ لأنه أعظم من السرقة؛ من جهة أن هذا أخذه على سبيل المكابرة والبغي والاختيال والفخر، فهو من أعظم المنكرات.
والمنكرات الأصل فيها أنه لا يجوز إقرارها؛ بل يجب دفعها، فالقاعدة في المنكر يجب إنكاره ويكون إنكاره قدر استطاعته، فإن كان لا يستطيع قتاله لقوته أو قوة سلاحه أو ما أشبه ذلك فإنه لا يجرؤ، فإنه في هذه الحالة لا يقاتله إذا خشي على نفسه؛ لكن الأصل هو مشروعية القتال فإن أمكنه ذلك وله قوة فوجب على الصحيح في هذه الأشياء، وإن كان في باب العرض، والاعتداء على حريمه وأهله فإنه يجب ويكون أوجب، بل يعني: ظاهر كلام أهل العلم أنه آكد بكثير، وهو قول جماهير أهل العلم أو هو أبلغ من هذا؛ إلا في حال الفتنة فجاءت النصوص أنه على لسان النبي عليه الصلاة والسلام: كن كخير ابني آدم في حال الفتنة؛ كما وقع لعثمان - رضي الله عنه - أنه استسلم ولم يقاتل؛ لأنها حال فتنة، ثم هذا في غير قتال السلطان.(1/76)
والآثار كالعيان على أنه في غير قتال السلطان؛ في أخذ ماله، ولهذا أمر بالصبر عليه حتى يستريح بر، ويستراح من فاجر، فأمر بالصبر، فهي كما تقدم العيان فيه أو كالمتواترة في هذا الباب؛ إنما هذا إذا كان على اعتداء أو بغي من جماعة أو من شخص فإنه على ما تقدم نعم.
حديث: يعض أحدكم كما يعض الفحل لا دية له
وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: قاتل يعلى بن أمية رجلا فعض أحدهما صاحبه فانتزع يده من فمه فنزع ثنيته فاختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " يعض أحدكم كما يعض الفحل لا دية له " متفق عليه واللفظ لمسلم.
ــــــ
حديث عمران بن حصين - رضي الله عنه - ثبت معناه -أيضا- في حديث يعلى بن أمية؛ في حديث يعلى بن أمية أن رجلا كما في الخبر، وجاء في اللفظ الآخر أنه أجير، وجاء في رواية ما يدل على أنه يعلى بن أمية نفسه، وأنه هو الذي سأل عن هذا، وأنه كان أو كان عنده أجير عض أحدهما صاحبه فانتزع يده فأندر ثنيته فجاء فقال: " يعض أحدكما كما يعض الفحل لا دية له " فأهدر ديته، وهذا واضح؛ لأنه معتدي العاض معتدي فلو أن إنسانا عض إنسانا في يده أو في جسمه، فانتزعه فسقط سن من أسنانه فلا دية له؛ لأنه معتدي والبادي أظلم، وهذا في القول والفعل.
وفرق أهل العلم بين ما إذا أمكن أن ينتزعها دون سقوط الثنية وبين ما إذا كان لا يمكن إلا بسقوط السن من ثنية ونحوها، فإذا أمكن مثلا نزعها بلا سقوط سن فإنه يكون في هذه الحال اعتداء عمد؛ مثل أن يكون عضه عضا يسيرا يمكن أن يخرج يده بلا كسر سن ولا فك؛ لكنه أمسك بفمه وأمسك بأسنانه وانتزعها. هذا واضح أنه اعتداء، وزاد في باب الظلم.
فالمقصود أنه إذا كان على سبيل الدفع فلا شيء عليه، كما أسقط النبي - صلى الله عليه وسلم - ديته نعم.
حديث: لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة(1/77)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - " لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح " متفق عليه، وفي لفظ لأحمد والنسائي وصححه ابن حبان: " فلا دية له ولا قصاص " .
ــــــ
أي نعم حديث، نعم، هذا اللفظ في هذا الخبر، في هذا الخبر في الاطلاع على بيت الإنسان، وهذا الخبر إذا ثبت معناها عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من حديث سهل بن سعد وجاء من حديث أنس " أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اطلع عليه إنسان من جحر في بعض حجر أزواجه -عليه الصلاة والسلام- فجعل يختله بمدرى معه " وفي لفظ قال: " لو علمت أنك اطلعت لحذفت هذا أو لفقأت عينك " وفي هذا الخبر أنه لو اطلع عليه إنسان ففقأ عينه لم يكن عليه جناح. له عند أحمد والنسائي " فلا دية له ولا قصاص " واللفظ عند أحمد والنسائي لفظ صحيح، وهذا يبين أن من اطلع في بيت إنسان من خصاص أو من جحر أو من كوة أو من نافذة أطل عليه ففقأ عينه أنه لا شيء عليه؛ بل إنه فإنه يشرع له دفع شره؛ لأنه منكر وهل يشرع عن أن يحذره وأن ينذره ويقل: كُفه، الصواب أنه لا يشرع، لا يشرع؛ بل لو أنه ابتدأ ففقأ مباشرة فلا شيء عليه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أطلق ذلك ولم يأمر بتحذيره ولا إنذاره، ثم -أيضا- أحكم الأمر عليه قال: " فلا دية له ولا قصاص " بلفظ، بل ثبت في الصحيح ما هو أبلغ أنه كان ختله -عليه الصلاة والسلام- والختل هو كونه جعل يختفي عنه حتى لا يراه.
هذا واضح لأنه أبلغ من جهة أنه ختله، وبهذا حماية الشرع في حماية العورات وحماية المحارم، وهذا لا شك أن الناس كلهم لا يرضون إلى مثل هذا، فلو أن إنسانا في بيته وفي داره وبين حريمه وبين أولاده وجاء إنسان يطلع من خصاص أو من خلل في الجدار أو من خلل في النافذة أو من الباب، فجعل ينظر لا شك أن هذا من أعظم الهتك للحرمات.
...................................................................................(1/78)
ـــــــــــــــــ
ولهذا كان فعله محرما ولا يجوز وسقطت حرمته، وهو الذي يعني أهدر نفسه بنفسه حينما طل ونظر بعينه، فالصواب أنه مثل ما تقدم لا دية له.
واختلف العلماء في مسائل كثيرة فيما إذا كان الباب مفتوحا، أو النافذة مثلا مفتوحة ثم مر ونظر فقالوا: إذا كان الباب مفتوحا فقد فرط صاحب البيت؛ لكن هذا في ما إذا كان اطلع عليك بغيره، والاطلاع يكون بقصد النظر من خلل ومن جحر وما أشبه ذلك؛ أما إذا كان الباب مفتوحا فينبغي الاحتياط مثل هذا، وإن كان ينبغي أن يحفظ الإنسان نظره وبصره عن العورات.
والصواب أنه مطلقا حتى ولو لم يكن في البيت أحد من النساء، ولو لم يكن أحد مثلا ما دام الإنسان في بيته أشياء لا يريد أن يطلع عليها أحد، ولو كان هو خاليا في البيت وحده ولو كان؛ لعموم النصوص.
ثم اختلف العلماء هل يلحق به السمع؟ ولو إنسان جلس يستمع ويتنصت على إنسان ويستمع له هل، هل أنه يضربه مع أذنه؟ هل له ذلك ولو أصابه بسمعه؟ بعضهم ألحقه بالقياس، وآخرون قالوا: إنه لا يلحق؛ لأن من شرط القياس هو مساواة الفرع للأصل أو أن يكون أبلغ، وهذا ليس مساويا ولا أبلغ، وبشرط الفرع أن يكون مساويا؛ فإلحاق الفرع لا يصح، والقياس غير مساوي، فالصواب أنه لا يلحق به؛ وذلك أن مفسدة النظر أعظم من مفسدة الاستماع. نعم.
حديث: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: " قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها، وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها، وأن على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل " رواه أحمد والأربعة إلا الترمذي، وصححه ابن حبان، وفي إسناده اختلاف.
ــــــ(1/79)
هذا الحديث حديث جيد بإسناده اختلاف؛ يعني جاء برواية البراء بن عازب - رضي الله عنه - برواية حرام بن محيصة حرام عن البراء، وبرواية حرام عن أبيه، فمن هذة الجهة جاء الاختلاف في سنده، ممن روى عن البراء، والحديث هذا جيد، مهما يعني اختلف إسناده فإنه جيد، ومداره على ثقة.
وفيه أنه -عليه السلام- قضى أن حفظ الحوائط على أهلها بالنهار، وأن حفظ المواشي على أهلها بالليل، وذلك لأن المواشي في الغالب تنطلق بالنهار فليس على أهلها حفظها بالنهار لأنها تنطلق بالنهار وترعى بالنهار، أما أهل الحوائط فإنهم في حوائطهم بالليل، وهذا هو الصواب في هذه المسألة، أنها لا تضمن ما أتلفت المواشي بالنهار، إنما تضمن ما أتلفت بالليل.
ثم أيضا كيف الضمان؟ اختلف العلماء؛ ذهب الجمهور من الفقهاء إلى أن الضمان بالقيمة، يقال: كم أتلفت هذه الماشية من هذا الزرع؟ يضمن القيمة، وذهب آخرون إلى أنه يضمن بالمثل، وهذا هو الصواب، كما قضى به سليمان -عليه الصلاة والسلام- فيمن أتلفت ماشيته زرع أناس، فقضى سليمان -عليه السلام- بأن أهل الزرع يأخذون المواشي، وأن على أهل المواشي أخذ الحوائط وإصلاحها حتى يعود الزرع كما كان، وينتفع أهل الحوائط بالماشية بلبنها ودرها حتى ينتهي إصلاح البساتين، وهذا مثل هذا، لأن هذا ضمان الجنس بالجنس.
وهذا هو الأقرب بل هو الصواب في هذه المسألة، أو هو أولى من أن يكون بالقيمة، ضمان الجنس بالجنس أولى؛ لأن إذا قلت يضمن بالقيمة فات الجنس، وإذا قلت مثلا يضمن بالجنس بأن يقوم من أفسده بالقيام عليه وزرعه كما كان وافقت القيمة ووافق الجنس، فكان أقرب وأولى.
...................................................................................
ـــــــــــــــــ(1/80)
ولهذا استدل جمهور العلم في هذا بالقصاص في الضربة واللطمة وشق الثوب، فلو أن إنسانا شق ثوب إنسان، فالجمهور يقولون: يضمنه بالقيمة، كم قيمة هذا الشق؟ وذهب آخرون إلى أنه قال: لا، أنا أريد أن أشق ثوبه كما شق ثوبي، ما أريد قيمته بالدراهم، ضرب إنسان قال: نعزره، ذهب جمهور العلم إلى أنه يضربه كما ضربه، يضربه كما ضربه بعصا أو باليد، وأنه يشق ثوبه كما شقه، وهذا هو الصواب لأنه ضمان بالجنس، وهذا أقرب إلى العدل والموازنة نعم.
حديث: من بدل دينه فاقتلوه
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - في رجل أسلم ثم تهود: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - . فأمر به فقتل. متفق عليه. وفي رواية لأبي داود: وكان قد استتيب قبل ذلك.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من بدل دينه فاقتلوه " رواه البخاري.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، فلما كانت ذات ليلة أخذ المعول فجعله في بطنها واتكأ عليها فقتلها، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " ألا اشهدوا فإن دمها هدر " رواه أبو داود ورواته ثقات.
ـــــــــــــــــــــ
حديث معاذ المتقدم متفق عليه، ورواية: (وكان قد استتيب) رواية عند أبي داود وهي جيدة، وجاء عند أبي داود أنه ما استتابه؛ لكنه ضعيف من رواية المسعودي.
الحديث الآخر لابن عباس: الرجل اللي كانت له جارية وهو الأعمى حديث صحيح أو حسن، من رواية عثمان الشحام عن عكرمة عن ابن عباس، وعثمان لا بأس به روى له مسلم.(1/81)
وهذا أنه رجل كانت له جارية أمة كانت تشتم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكان ينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، فلما كان ذات ليلة جعلت تسب النبي -عليه السلام-، فنهاها فلم تنته، وزجرها فلم تنزجر، فأخذ المعول وهو حديدة لها نصل -طرف مدبدب- أو سيف قصير، فأخذه -وكان أعمى- فوضعه في بطنها فاتكأ عليه حتى قتلها، وسقط من بطنها غلام، قال: فلطخت ما هنالك، فلما أصبح ذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس وذكر له ذلك، وأن رجلا قتل جاريته، فقال: أسأل رجلا فعل كذا إلا قام. فقام رجل أعمى يتدلدل ويهتز وجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله: إنها أمة لي، كانت بي رفيقة، وكانت تشتمك، وأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، فلما كانت البارحة جعلت تشتم فنهيتها، فأبت، ثم أخذت المعول فوضعته في بطنها
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
فقتلتها، وإن لي منها ابنين كاللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة. يعني: يذكر من حسن معاملتها لكنه غار وثأر لحرمات الله - عز وجل - ولحرمته -عليه الصلاة والسلام- من جهة أنه سب وشتم فقتلها، فقال -عليه الصلاة والسلام-: " ألا اشهدوا أن دمها هدر " .
وهذه الأخبار فيها أحكام كثيرة ومسائل شريفة، ويشير إليها على الإجمال، وفيه دلالة على أن المرتد يقتل، عن ابن عباس: " من بدل دينه فاقتلوه " وفي حديث معاذ أيضا: قضاء الله ورسوله. وأنه يجب قتل المرتد.(1/82)
وقد اختلف العلماء: هل يستتاب أو لا يستتاب؟ ظاهر الروايات أنه يستتاب، وهذا هو الأظهر، ولقوله تعالى: { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) } (1) فذكر التوبة في حق المرتدين فدل على أنه يستتاب، فهذا هو المشروع توبته، وأيضا ما روي عن عمر - رضي الله عنه - رواه مالك في الموطأ وغيره بإسناد فيه ضعف، أنه قال: اللهم إني لم أشهد. لما قال: هلا استتبتموه ثلاثا، وأعطيتموه كل يوم رغيف. حينما ذكر ذلك الرجل الذي قتلوه ولم يستتيبوه.
فالمقصود أن الاستتابة مشروعة، خاصة حينما تكون الردة وقعت من أول مرة، ويخشى أن يكون عنده شبهة فيستتاب، فإن تاب وإلا قتل، ووجب قتله، أما إذا كان زنديقا لا تعلم توبته؛ فإن الزنديق في الحقيقة لا تعلم توبته مثل ما تقدم فلهذا يقتل مطلقا.
وحد الردة ذكر لها العلماء أحكاما كثيرة، وذكروا بابا خاصا قالوا: باب حكم المرتد، وذكروا فيه أنواعا من المكفرات التي يجب فيها قتل المرتد بشرطه، وفي هذا الخبر أنه -عليه الصلاة والسلام- - خبر ابن عباس- أنه قال: " ألا اشهدوا أن دمها هدر " وفي هذا أن الرجل كان يستتيبها، وأهدر النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعل ذلك الرجل وثأر وقام لحرمته صلوات الله عليه وسلم.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
وهذا هو الواجب، والله إن هذا هو الواجب، له -عليه الصلاة والسلام- بأبي هو وأمي أن يكون المسلم حرمة النبي - صلى الله عليه وسلم - في قلبه هكذا، حينما يذكر عنده أو يقع إساءة له -عليه الصلاة والسلام- يجب القيام بحقه، نصرة لدينه ونصرة لشرعه.
__________
(1) - ##سورة آل عمران آية : 89.(1/83)
ومن أعظم الضلال والفساد أن تضيع مثل هذه الحدود، فإنها من أعظم الفساد في الأرض، ومن أعظم الفتن في الأرض أن توجد الزندقة والردة، ولا شك أن المسلمين ابتلوا في هذا الزمان بكثير من أهل الزندقة والإلحاد؛ لكن مثل ما قال ابن عقيل وجماعة عن كثير من الزنادقة في زمن بعيد ممن يلبسون ويظهرون الزندقة بأثواب مختلفة ماتوا كما مات غيرهم، مثل المعري وأمثاله وابن الراوندي وغيرهم ماتوا، وحملت جنائزهم كما حمل غيرهم، وهذا من البلاء العظيم.
لكن الواجب: من علم شيئا من ذلك هو الإنكار بحسب ذلك والبيان والإبلاغ نصرة لديننا. وأسأل الله -سبحانه وتعالى- لي ولكم التوفيق والسداد.
أحسن الله إليكم. هذا سائل يقول: ما هو القول الراجح في الخوارج؟ هل هم كفار أم عصاة؟ وما هو التفصيل في ذلك؟ والله يحفظكم؟
الخوارج أولا ينبغي أن يعلم أن الخوارج هم الذين يكفرون بالذنوب، يقولون: الزاني كافر، شارب الخمر كافر، الكاذب كافر، المغتاب كافر وما أشبه هذا هم الخوارج.
أما الحكم فاختلف العلماء: ذهب جمهور الفقهاء والعلماء إلى أنهم ليسوا بكفار، وهو المشهور عن علي - رضي الله عنه - قال: من الكفر فروا، وقال: إخواننا بغوا علينا. كما روى محمد بن نصر المروزي بإسناد صحيح، هذا هو المشهور عن علي - رضي الله عنه - .
......................................................................................
ـــــــــــــــــ(1/84)
وذهب جمهور أهل العلم إلى أنهم كفار، واستدلوا بالأدلة التي جاءت أنه قال: " تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين " ثم إنهم لم يتعلقوا من الإسلام بشيء سبق الفرث والدم، وأنه يعني مثل السهم الذي ترمى به البهيمة من شدة نفوذه خرج ولم يصبه لا من دمها ولا من فرثها كذلك هو لم يتعلق من الإسلام بشيء، هذا هو يعني قول جمع من أهل العلم في هذه المسألة، وكان يقرره شيخ الإسلام ابن باز -رحمه الله تعالى- على البخاري، يقدم هذا مرارا -رحمه الله- من جهة الأخبار وظواهر اقتضاها الأخبار؛ ولكن جمهور العلماء وجمهور المحدثين وجمهور الفقهاء وهو المنقول عن علي - رضي الله عنه - ولم ينكره أحد أنهم لم يكفروهم، ولهذا قال: من الكفر فروا. نعم.
أحسن الله إليكم. وهذا يقول: من هم البغاة؟ ومن هم المحاربين؟ ومن هم الخوارج؟ وكيف يفرق بينهم؟
مثل ما تقدم، البغاة هم الذين لهم قوة ولهم جماعة ولهم نفوذ يخرجون على الناس ولا يمكن إلا أن يقاتلوا، هؤلاء هم البغاة، ويخرجون بتأويل سائغ، فهو بشرطين: إن كان لهم تأويل سائغ، مع القوة والغلبة، بكثرة جماعتهم وقوة سلاحهم فبهذا الجمع هم بغاة.
أما إذا كانوا خرجوا بغير تأويل، أو خرجوا بتأويل لكنهم قوم قليل لا عدة لهم لا منعة لهم ولا قوة فهؤلاء حكمهم حكم المحاربين، أما إن كانوا لهم قوة وخرجوا وكان لهم تأويل سائغ يقبل فإن حكمهم حكم البغاة، والمحاربون هم الذين يخرجون على الناس بقصد الإفساد وبقصد قتالهم، وأيضا قالوا: حتى ولو كان هنالك تأويل إذا لم يكن قوة ومنعة. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
كتاب الحدود
باب حد الزاني
حديث: إن ابني كان عسيفا على هذا فزنا بامرأته
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين.(1/85)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وزيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - " أن رجلا من الأعراب أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله، فقال الآخر -وهو أفقه منه-: نعم فاقض بيننا بكتاب الله وأذن لي. فقال: قل. قال: إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها. " متفق عليه وهذا اللفظ لمسلم.
ــــــ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
كتاب الحدود:
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
الحدود: جمع حد، والحدود المراد بها من كلام الفقهاء: الحدود المقدرة التي جاءت في الكتاب والسنة كحد الزنا وحد القذف، وكذلك ما كان فيها قطع كقطع يد السارق والمحارب، قطع المحارب وما أشبه ذلك، على تفصيل في المحاربين.(1/86)
وأما في كلام الشارع وفي الكتاب والسنة فإن الحدود نوعان: حدود بمعنى الحد المقدر، وحدود بمعنى الجنايات وهي العقوبة؛ لقوله: { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا } (1) { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا } (2) هذه يعني { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا } (3) هو الحدود المحرمة التي حرم الله -سبحانه وتعالى- انتهاكها، { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا } (4) حدود الحلال التي حدها الله -سبحانه وتعالى- وحرم مجاوزتها، فالحدود كل شيء حده -سبحانه وتعالى- فإنه من الحدود ، فجميع المحرمات حدود.
فإذا انتهك العبد أمرا محرما سواء كان فيه حد مقدر أو لم يكن فيه حد مقدر فإنه من حدود الله، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: " إن الله حد حدودا فلا تضيعوها " حديث أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - كذلك حدود الحلال التي حدها -سبحانه وتعالى- فلا يتجاوز العبد حد الحلال إلى حد الحرام، لا يتجاوز حد الحلال في المأكل والمشرب والمنكح والملبس فلا يتجاوز الحلال إلى الحرام، فلا تطلق الحدود في الشارع إلا في الحدود المقدرة، مثل قوله -عليه السلام- لأسامة: " أتشفع في حد من حدود الله " .
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - سورة البقرة آية : 229.
(2) - سورة البقرة آية : 187.
(3) - سورة البقرة آية : 187.
(4) - سورة البقرة آية : 229.(1/87)
وكذلك حديث أبي بردة هانئ بن نيار: " لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله " حدود الله المراد به الأمور التي حرم تجاوزها، ليس المراد الحدود المقدرة، لأن التعذير يزاد فيه على عشرة أسواط في الأمور المحرمة، إنما أنه قال: " في حد من حدود الله " في تأديب الرجل يعني أصح ما قيل في هذا الخبر: أن المراد به تأديب الرجل مثلا لأهله لأولاده تأديب الأستاذ لطلابه، وكذلك لأجيره أو لمملوكه وما أشبه ذلك، فإنه لا يتجاوز هذا الحد فوق عشرة أسواط، لا يجلد إلا عشرة أسواط فأقل.
حد الزنا محل إجماع بين أهل العلم، ودل عليه قوله تعالى: { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } (1) يتعلق بالبكر، وفي الثيب الرجم.
حديث أبي هريرة هذا وزيد بن خالد -رضي الله عنهما- حديث عظيم وفيه فوائد كثيرة، فيه أنه ربما خفي الحكم حتى على بعض الناس حتى في عهد الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولهذا وقع ما وقع في هذه المسألة، وفيه أن النزاع إذا وقع فإن الذي يفصل هو كتاب الله وسنة الرسول -عليه الصلاة والسلام- { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } (2) { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } (3) هذا هو الرد في حال النزاع، الرد إلى كتاب الله والرد إلى سنته -عليه الصلاة والسلام-، الرد إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته.
وفيه أنه قال: (كان عسيفا) العسيف هو الأجير وزنا ومعنى، لأنه يعسفه على العمل الذي يريد أن يعمله، وفيه أنه عند الخلاف يرجع إلى أهل العلم، ولهذا قال ذلك الرجل قال: فسألت أهل العلم فأخبروني. لما حصل مخالفة سألهم في هذه المسألة لما وقع الزنا، زنا ابنه مع امرأة ذلك الرجل، فأخبروه أن على ابنه جلد مائة وتغريب عام؛ لأنه بكر.
......................................................................................
__________
(1) - سورة النور آية : 2.
(2) - سورة الشورى آية : 10.
(3) - سورة النساء آية : 59.(1/88)
ـــــــــــــــــ
وفيه أيضا أنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أقسم، قال: " والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله " لا بأس أن يقسم على الأمر الحق، خاصة حينما يكون المسألة فيها نزاع، وتكون أمرا مفصولا واضحا لا إشكال فيه، فيقسم المرء على الحق وعلى قول الحق، تعظيما لحكم الله، ولكتاب الله، ولسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-.
وفيه أنه لا يجوز أخذ المال بغير حكم الله، لا يجوز، وأنه من الرشوة المحرمة، ومن السحت والمال الحرام أخذ المال لإسقاط الحدود، وأنه لا يجوز، إنما في بعض الأحوال الخاصة حينما يحصل شيء من هذا وتكون الحدودلم تصل إلى الولاية فلا بأس، أما إذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفع، وجاء عنه -عليه السلام- عدة أخبار في هذا الباب، وأنه إذا بلغه الحد فإنه ينفذ ويقام، هذه الحدود المقدرة التي يجب إقامتها، فلهذا أقسم -عليه الصلاة والسلام- وأبطل هذا الصلح، وقال: " إنه رد " يعني رد مردود، ومنه قوله -عليه الصلاة والسلام-: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " .
وفي قوله: " واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " أنيس هو أنيس بن الضحاك الأسلمي، غير أنس بن مالك، هذا أسلمي وأنس أنصاري، أنيس بن الضحاك الأسلمي، وفيه أنه حينما يدعى على إنسان أمر من الأمور أنه يسأل، ولهذا أرسل إليها -عليه الصلاة والسلام- " فإن اعترفت " فيه دلالة لقول جماعة من أهل العلم أنه لا يشترط في الإقرار بالزنا الاعتراف أربعا، وأنه يكفي الإقرار مرة، ولها أدلة كثيرة، وهذا هو الصواب، وإن خالف فيه من خالف، يكفي الإقرار مرة، من جهة أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: " فإن اعترفت فارجمها " .
سيأتي مزيد بيان في الحديث في هذا الباب وحديث أبي هريرة الآتي -إن شاء الله- نعم.
حديث: البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة(1/89)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " خذوا عني، خذوا عني، فقد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " رواه مسلم.
ــــــ
وفي هذا حديث عبادة رواه مسلم كما ذكر المصنف -رحمه الله-، وفي هذا بيان لهذا الحكم، ونسخ لما كان قبل ذلك في قوله تعالى: { وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ ِNà6ح !$|،خpS فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) ؤNَ،خ/ } (1) هذا هو السبيل، بين النبي -عليه الصلاة والسلام- الحكم في حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - وأن الحكم يختلف من جهة البكر والثيب، وأن البكر جلد مائة ونفي سنة، وأن على الثيب الرجم، كما في هذا الخبر.
وفي حديث عبادة بن الصامت هذا أيضا زيادة الجلد في حق الثيب كما هو في حق البكر، أما في قوله: " البكر بالبكر جلد مائة " فهذا خرج إما على الأغلب وإلا فإن البكر يجلد، سواء وقع الزنا مثلا مع ثيب أو مع بكر، كذلك البكر تجلد -المرأة- إذا زنت سواء كان مع بكر أم ثيب، هذا هو الحكم، فالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب الرجم.
لكن اختلف في الجلد، في حديث عبادة أنه ذكر الجلد، والأظهر والله أعلم أنه لا يجمع بين الجلد والرجم، لا يجمع بينهما، هذا هو الأظهر وإن كان خلاف لبعض أهل العلم في هذه المسألة، لا يجمع بينهما لأنه في عدة قصص أن النبي -عليه الصلاة والسلام- في قصة ماعز وقصة اليهوديين وقصة المرأة الجهنية وهي الغامدية أنه -عليه الصلاة والسلام- لم يجمع بين الجلد والرجم؛ بل اكتفى بالرجم -عليه الصلاة والسلام-.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - سورة النساء آية : 15.(1/90)
أما حديث عبادة فالأظهر أنه كان قبل ذلك، كان متقدما، ويدل عليه أنه حينما نزلت هذه الآية، نزلت هذه الآية ثم جاءت الأحكام بعد ذلك فتقررت أنه في حق الثيب يكون الرجم، وفي حق البكر يكون الجلد مع النفي، والنفي نفي سنة، وهذا خاص فيما يظهر بالرجل عند جمع من أهل العلم ودون المرأة، كما هو مذهب مالك وجماعة، لأنه يترتب في حق المرأة طلب المحرم وما أشبه ذلك، ومنهم من قال: إذا أمكن نفيها فإنها تنفى أو تحبس.
وذهب آخرون إلى أنه مخصص من جهة أن هذا العموم مخصص بالأدلة الأخرى الدالة على أنه لا يجبر غيرها أن يكون معها، وهي تحتاج إلى محرم، وربما ترتب على نفيها شيء من الشر والفساد، فالمقصود أن الأمر يتحقق في حق الرجل دون المرأة كما تقدم نعم.
حديث: اذهبوا به فارجموه
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: " أتى رجل من المسلمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد فناداه فقال: يا رسول الله، إني زنيت. فأعرض عنه، فتنحى تلقاء وجهه فقال: يا رسول الله إني زنيت. فأعرض عنه، حتى ثنى ذلك عليه أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أبك جنون؟ قال: لا. قال: فهل أَحْصَنْتَ؟ قال: نعم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - اذهبوا به فارجموه " متفق عليه.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: " لما أتى ماعز بن مالك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت. قال: لا يا رسول الله. " رواه البخاري.
ــــــ
نعم. حديث أبي هريرة فيه أنه -عليه الصلاة والسلام- لما جاءه ماعز - رضي الله عنه - جعل يسأله: لعل كذا، وأنه تنحى عنه، تنحى عن وجهه من هنا ومن هنا؛ تنحى عنه، فصار يأتيه من هنا ومن هذا الجانب، يعني: لأنه جاء نادما تائبا - رضي الله عنه - حتى ثنى على نفسه أربع مرات.(1/91)
في ذكر حديث ماعز هذا في لفظ أنه مرتين، وفي لفظ أنه ثلاث مرات، وفي لفظ أنه اعترف مرتين في مجلس ومرتين في مجلس فاختلف فيه، فلهذا كان اعترافه هذا والتكرار عليه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - شك فيه، قال: لعلك.. وفي لفظ قال: " استنكهوه " لعله شرب الخمر، دلالة على أنه إذا شك في أمر الرجل أو المرأة يستثبت، ويكرر عليه الإقرار أكثر من مرة.
أما إذا كان لا أنه لم يحصل شك من ذلك، وأن الأمر واضح وبين، في هذه الحالة يكفي الإقرار مرة واحدة، ولكن عند الشك وعند ورود شيء من اللبس فالواجب هو التثبت، كما أمر النبي -عليه السلام- بالتثبت في الأمر، وكما سأله واجتهد في سؤاله، والبحث عن حاله، حتى تبين أنه في صحة من عقله، وصحة من إدراكه، وأنه لا شيء فيه.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
ثم بعد ذلك أقام عليه الحد -عليه الصلاة والسلام-، وقال: " اذهبوا به فارجموه " وهذا أيضا فيه دليل لما سبق أنه يكفي الرجم، دليل لما سبق لأن النبي لما قال: اذهبوا لأنه قد يؤخذ من هذا الخبر من الفعل من نفس إقامة الحد أنه لم يذكر فيه جلد، وأيضا من قوله -عليه الصلاة والسلام-: " اذهبوا به فارجموه " ولم يقل: فاجلدوه ثم ارجموه. دل على أنه اكتفى بالرجم في حق الثيب.
أما حديث علي - رضي الله عنه - في البخاري أنه أتي بشراحة فجلدها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة فقال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله -عليه الصلاة والسلام-. فهذا لا دلالة فيه لأنه من فعله - رضي الله عنه - ولم يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكتاب الله جاء بالجلد، والسنة جاءت بالرجم، والجمع بينهما يحتاج إلى دليل، وهو كان في أول الأمر كما تقدم، ثم استقر على الجلد والنفي للبكر، والرجم للثيب.(1/92)
الحديث الثاني عند البخاري قال: " لعلك غمزت لعلك قبلت " حتى صرح له -عليه الصلاة والسلام-، في عدة أخبار قال: " حتى غاب ذاك منك في ذاك منها " وفي لفظ: " كما يغيب الرشاء في البئر " وفي لفظ قال: " أنكتها " لا يكني -عليه الصلاة والسلام-، سأله سؤالا صريحا حتى يتبين، قال: هل تعرف الزنا؟ قال: نعم جئت منها حراما ما يأتي الرجل من أهله حلالا فأمر به أن يرجم -عليه الصلاة والسلام-.
وبهذا أنه لا بأس بمثل السؤال لأنه ظن أنه ظن أن القبلة أو ما أشبهها من المضاجعة أنها هي الزنا، وإن كانت نوعا من الزنا لكن الزنا المترتب عليه الحد هو بصفة خاصة، فلما تثبت من أمره -عليه الصلاة والسلام- وأصر وقام على إقراره ولم يتراجع أقام عليه الحد -عليه الصلاة والسلام- نعم.
قول عمر: فكان فيما أنزل الله عليه آية الرجم
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه خطب فقال: إن الله بعث محمدا بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل الله عليه آية الرجم، قرأناها ووعينها وعقلنها، فرجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله. فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم حق في كتاب الله على من زنا إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف. متفق عليه.
ــــــ
حديث عمر - رضي الله عنه - فيه بيان أن الرجم كان يوجد في كتاب الله، وأنه مما نسخ لفظه وبقي حكمه، وذكرت هذه الآية: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم) وأنها كانت تتلى وكان يعمل بها، فخشي عمر - رضي الله عنه - أن يقول بالناس ويقول: لا أجد الرجم في كتاب الله. وهذا قد وقع من بعض الناس، ووقع من الخوارج ممن أنكر الرجم.(1/93)
وهذا أيضا مما يتبين ما سبق أنه من أنكر أمرا مجمعا عليه معلوما وزالت شبهته فإنه يكفر، وهذا يبين تفصيل مسألة كفر -مثلا- بعض أهل البدع إذا كانوا ضموا إلى بدعهم وضلالهم مثلا إنكار أمر من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، ولم يكن هناك شبهة يعني: شبه لها محل، وأما مجرد الشبه فليست كل شبهة تقبل، ثم إذا تبين الأمر وأصر على ذلك وأصر عليه جماعة وهذه مبتدعة كالخوارج وأشباههم على بدعة وضلالة مثل إنكار الرجم فإن هذا بعد الإصرار يكون كفرا، ولهذا وقع ما خشي - رضي الله عنه - من جهة إنكارهم للرجم، قال: فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله في كتابه.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
ثم بين الحكم كما تقدم، ثم بين أيضا أن الحد يكون بالبينة والاعتراف، ويكون بالحبل أيضا، وهو إذا وجدت المرأة حاملا وهي ليست ذات زوج، وليست مملوكة لسيد ثم حملت، فهذا الحمل يبين أنه من زنا، إلا أن تدعي شبهة، أو أنها غصبت، أو ما أشبه ذلك، أو أكرهت، ففي هذه الحالة لا يقام عليها الحد؛ لكن لو وجد الحبل ولم تدَّعِ شيئا من ذلك، وإن كان الجمهور أنهم يقولون: لا يقام الحد إلا بالبينة والاعتراف.(1/94)
والصحيح أنه إذا وجد الحبل ولم تدَّعِ أمرا آخر يدفع عنها؛ فالصواب أنه يقام عليها الحد، وهذا واضح وبين، وقاله عمر - رضي الله عنه - في مشهد من الصحابة، وهذا على الصحيح مثل ما لو إنسان تقيأ الخمر؛ فإنه يقام عليه الحد ولو لم يعترف، ولو لم يشهد عليه بشربها، كما وقع عن عبد الله في قصة في البخاري -رحمه الله- عن عبد الله بن مسعود أنه ذلك الرجل يتقيأ الخمر عنده، أو وجد كان يقرأ في سورة يوسف، فقال رجل عنده: ما هكذا أنزلت، فالتفت إليه فتبين وظهرت منه رائحة الخمر، اعترض لأنه كان مخمور، ثم قال: تعترض على كتاب الله وأنت مخمور، أو تنكر كتاب الله وتشرب المسكر، أو نحوا من ذلك، ثم أمر به فأقيم عليه حد شرب الخمر، وإن كان لم يعترف لوجود الرائحة، وهو قول جيد لبعض أهل العلم. نعم.
حديث: إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثالثة وتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر " متفق عليه وهذا لفظ مسلم.
ــــــ
نعم. حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في زنا الأمة، وأنها إذا زنت فتبين زناها فليقم عليها الحد؛ لكن لا يثرب عليها، أخذ جمع من أهل العلم أن السيد له أن يقيم الحد على مملوكيه؛ خاصة إذا كان الحد جلدا فإنه يقيمه عليه، أما إذا كان قطعا فذكروه بشروط ولم يجيزوه، وجوزه بعض أهل العلم.
ولكن الذي ورد في حد الجلد، ولهذا قال: " ولا يثرب عليها " لا يعيرها، وفي لفظ آخر: لا يعنفها، يعني لا يسبها ولا يشتمها، لأن الحد كفارة، والحد مطهرة من الذنب، فإذا حصلت التوبة أيضا فإنه مطهر آخر.(1/95)
وفي هذا الخبر النبي أمر أن يبيعها بعد الثالثة، وفي لفظ آخر: بعد الرابعة عند مسلم، وقد جاء عند أحمد بسند أيضا جيد بسند صحيح، وفي هذا أنه يقيم عليها الحد ولا يثرب عليها ولا يعيرها، وقد جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- في عدة أخبار أنه أقام الحد على شارب الخمر ثم قال: " لا تعينوا الشيطان على أخيكم " لما سبه رجل نهاهم -عليه الصلاة والسلام- وقال: " لا تعينوا الشيطان على أخيكم " فالجلد وإقامة حد الجلد في شرب الخمر مثلا وإن كان فيه اختلاف عند جمع من أهل العلم أنه ليس فيه الحد وإنما فيه التعزير، وكذلك حد الزنا في الأمة إذا أقامه فإنه وفي الحر للرجال والنساء لا يجوز الزيادة على ذلك بالتعيير والتثريب وما أشبه ذلك لأن هذا ربما يدعوهم إلى الزيادة والتمادي فيه، ولذا قال: " ولا تعينوا الشيطان على أخيكم " في الحديث السابق، وفي هذا قال: " لا يثرب عليها " وهذا لا ينافي النصح والكلام الطيب بعد ذلك وقبل ذلك نعم.
حديث: أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم
وعن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " رواه أبو داود وهو في مسلم موقوف.
ــــــ
الحديث عند أبي داود من طريق عبد الأعلى بن عامر الثعلبي وفيه ضعف، وهو عند مسلم موقوف على علي - رضي الله عنه - أنه قال: أقيموا الحدود على أرقائكم من أحصن منهم ومن لم يحصن. يعني: سواء كان محصنا أو لم يحصن.(1/96)
وهذا واضح من جهة وجوب إقامة الحد، لكن اختلف هل في إقامة الحد تعزير أو أنه يقام عليها الحد الجلد مطلقا سواء كانت محصنة متزوجة أو محصن متزوج مطلقا وهذا هو قول الجمهور، وأن الحد على الأمة والمملوك على المحصن كما قال: { فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ } (1) والذي في كتاب الله ويتنصف هو الجلد، وهو خمسون جلدة، فالمملوك يجلد خمسين جلدة سواء كان امرأة أم رجل، سواء كان محصنا أم ليس بمحصن، ولا يقام حد الرجم لأن حد الرجم لا يتنصف.
وقاله جمع من أهل العلم يروى عن بعض السلف أنهم بعد أن قالوا: يقام الحد، يروى عن جماعة أبي ثور، لكن الجمهور على هذا لظاهر الآية ولأنه لم يأت ذكر إقامة الرجم إلا على وجه التنصيف في الحد، وهو الجلد وهو الذي يتنصف كما تقدم نعم.
حديث: أن امرأة من جهينة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي حبلى من الزنا
وعن عمران بن حُصَيْن - رضي الله عنه - " أن امرأة من جهينة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي حبلى من الزنا فقالت: يا نبي الله أصبت حدا فأقمه علي، فدعا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وليها فقال: أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني بها، ففعل فأمر بها فشكت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم صلى عليها، فقال عمر - رضي الله عنه - أتصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟! فقال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله " رواه مسلم.
ــــــ
__________
(1) - سورة النساء آية : 25.(1/97)
وهذا الخبر جاء من حديث بريدة أيضا عند مسلم، وفيه أنها: " لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له " وفيه: أنها جاءت وهي حبلى من الزنا، وفيه: أنه أمر وليها أن يحسن إليها يعني: أن يحسن إليها ولا يسيء إليها بالجلد بالإيذاء، وفيه أنه أمر أن تجمع عليها ثيابها حتى لا تنكشف عورتها وهذا هو الواجب، وفيه: أنه صلى عليها، يصلى على الزاني، والنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى عليها، ولما قال: أتصلى عليها وقد زنت؟! فقال: " لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له " كما تقدم، وفي لفظ: " لو تابها سبعون من أهل المدينة لوسعتهم " بمعنى أنها توبة صادقة.
وفي هذا أيضا كما تقدم أنه قال: جاءت وهي حبلى من الزنا واعترفت، وكأنها رأت أن الأمر يتطلب منها الاعتراف والإخبار بالأمر فجاءت وأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بإقامة الحد عليها، ولهذا أمر بها فرجمت ولم يذكر معه الجلد، فدل على ما تقدم أنه لا يجب الجمع بين الجلد مع الرجم، كما تقدم في الأحاديث في رجمه -عليه الصلاة والسلام- لبعض الزناة ولم يجلدهم نعم.
حديث: رجم النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا من أسلم
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: " رجم النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا من أسلم، ورجلا من اليهود، وامرأة " رواه مسلم وقصة اليهوديين في الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
ــــــ(1/98)
كذلك أيضا في هذا الخبر أنه -عليه الصلاة والسلام- رجمهما ولم يذكر الجلد، وفيه أنه رجم اليهوديين، وكذلك في حديث ابن عمر - رضي الله عنه - أنه رجم اليهوديين، فيه دلالة على أن الحد يقام على اليهود وعلى النصارى وأنه ليس من شرط الإحصان الإسلام على الصحيح كما هو مذهب مالك وجماعة، فلو زنا اليهودي أو اليهودية فإنه يقام عليه الحد إن كان ثيبا فإنه يرجم، وإن كان بكرا فإنه يجلد، وأنه ليس من شرط الإحصان ليس الإسلام شرطا في الإحصان، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: " إني أول من يقيم الحد في الأمتين " فأقامه -عليه الصلاة والسلام-.
وأن الواجب هو الحكم بكتاب الله، وأن حكم التوراة كان موافقا لحكم كتاب الله فأقامه -عليه الصلاة والسلام-، وبين في حديث ابن عمر أنهم جحدوه، وأن القارئ جاء وقرأ التوراة وأراد أن يخفي آية الرجم، وأنهم اعترفوا بذلك، وأنه كان بينهم وأنهم جعلوا حدا يقيمونه على الشريف والوضيع فأنكر النبي ذلك وأقام الحد عليه كما تقدم، وهذا هو الواجب إذا جاءوا فإنه يحكم عليهم بكتاب الله وبشريعة الله، ولا يجوز الحكم بغير ذلك؛ ولكن وافق ما عندهم ما في كتاب الله؛ فلهذا أقامه النبي -عليه الصلاة والسلام-. نعم.
حديث: خذوا عثكالا فيه مائة شمراخ ثم اضربوه به ضربة واحدة
وعن سعيد بن سعد بن عبادة -رضي الله عنهما- قال: كان في أبياتنا رويجل ضعيف، فخبث بأمة من إمائهم، فذكر ذلك سعد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " اضربوه حده. فقالوا: يا رسول الله إنه أضعف من ذلك. فقال: خذوا عثكالا فيه مائة شمراخ ثم اضربوه به ضربة واحدة. ففعلوا " رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وإسناده حسن، لكن اختلف في وصله وإرساله.
ــــــ
حديث سعيد هذا -سعيد بن سعد بن عبادة صحابي صغير - رضي الله عنه - حديث جيد جاء من عدة طرق، جاء من رواية أبي أمامة بن سهل بن حنيف وهو مرسل لكنه جيد في بعض طرقه جيد بنفسه.(1/99)
وفيه ذلك الرجل الذي زنى بامرأة، وأنه رجل ضعيف البدن، خبث بها يعني: جاءت ودخلت عليه أمة من الإماء فهش لها فزنا بها، فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بجلده مائة جلدة، فقالوا: إنه ضعيف لا يتحمل ولو حملناه إليك لتفسخت عظامه. فقال -عليه الصلاة والسلام-: " خذوا شمراخ " وهو العذق + والنخلة.
" فاضربوه به " دل على أنه لا يؤخر الحد على المريض الذي كان لا يرجى برؤه، في هذا إذا كان لا يرجى برؤه فإنه لا يؤخر الحد، والواجب إقامة الحد عليه، وأنه لا يؤخر، وأنه يؤخذ شمراخ، العذق الذي فيه مائة شمراخ، وأن يضرب به ضربة واحدة، ولا يشترط أن تأتي جميع الشماريخ وأنها تصيب بدنه لأن هذا ليس معتادا الشماريخ أن تكون على صف واحد، بل يضرب ضربة واحدة ويكفي كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-.
ولكن إن كان يرجى برؤه فإنه ينتظر حتى يشفى من مرضه، أو إن كان مثلا خيف من حر أو برد فإنه ينتظر حتى يذهب الحر والبرد، أما إذا كان أنه لا يرجى برؤه فإنه يقام عليه الحد على هذه الصفة، على وجه يؤمن فيه ضرره وهلاكه نعم.
حديث: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به، ومن وجدتموه وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة " رواه أحمد والأربعة ورجاله موثقون إلا أن فيه اختلافا.
ــــــ
نعم, حديث ابن عباس اختلف فيه من رواية عمرو بن أبي عمرو واختلف في ثبوته، فمنهم من أنكر هذا الخبر وقال: إنه لا يصح، خاصة أنكروا فيه ذكر الوقوع على البهيمة، وقالوا: إنه لا يثبت. وجاء أيضا عند أبي داود عن ابن عباس أنه من أتى بهيمة فإنه لا حد عليه. يعني: تعزير، وقال أبو داود وجماعة: إن هذا يضعف هذا الخبر.(1/100)
وجملة الخبر في ثبوته نظر لكن حد اللواط اختلف فيه: قيل: إنه كحد الزنا كما هو المذهب، كحد الزنا إن كان ثيبا فإنه يقام عليه الرجم، وإن كان بكرا فإنه يجلد، والقول الثاني: أنه حد القتل. وهذا هو الصواب، وهو الذي ثبت عن جمع من الصحابة كأبي بكر وجماعة من الصحابة -رضي الله عنهم-، والصحابة اتفقوا على القتل؛ لكن اختلفوا في صفته وحكى بعضهم الاتفاق عنهم؛ لكن اختلفوا في صفته: هل يرمى من على شاهق، هل يرجم بالحجارة، أو ما أشبه ذلك، أو يقتل قتلا يعني بالسيف، فاختلفوا، ولهذا كان الصواب أنه إقامة الحد على الفاعل والمفعول به، وأن هذا هو اتفاق الصحابة -رضي الله عنهم-، وهذا الحديث يؤيد هذا القول الذي نقل عن الصحابة -رضي الله عنهم-.
ولكن كثير أنكره من جهة ذكر البهيمة، وفيه: أنها تقتل وإن ثبت هذا الخبر كأنه والله أعلم لأنها إذا بقيت قد تلد يعني ولدا مشوها، هذه تحمل به فيكون مشوها، وقد أيضا إذا بقيت مثلا تعرف وخاصة إذا عرف من فعل بها، فعل بها فلان، فيكون فيها بقاء هذه الشنعة وهذة الجريمة فلهذا أمر بقتلها، وإذا قتلت فقالوا: إنها لا تؤكل، لأن القاعدة أن ما أمر بقتله فإنه لا يؤكل، كما أنه ما نهي عن قتله فإنه لا يؤكل نعم.
حديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرب وغرَّب
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرب وغرَّب، وأن أبا بكر ضرب وغرب، وأن عمر - رضي الله عنه - ضرب وغرب " رواه الترمذي ورجاله ثقات إلا أنه اختلف في رفعه ووقفه.
ــــــ
نعم. حديث ابن عمر حديث جيد، اختلف في رفعه وهذا ينافي أنه موقوف عليه والذي جاء في نفس الخبر ذكر أنه مرفوع إلى النبي -عليه السلام-، وكذلك أيضا إلى أبي بكر وعمر.(1/101)
وأنه يشرع الجمع بين الجلد والتغريب، وأنه هو الذي فعله الصحابة -رضي الله عنهم- وأمر به النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأن التغريب واجب، وأنه يغرب إلى بلد غير البلد الذي هو فيه، غير البلد التي زنا فيها، هذا هو السنة، حتى يذوق ألم الغربة.
وإذا خشي مثلا أنه لا يمكن تغريبه أو فراره من البلد ذهبوا إلى أنه لا بأس أن يسجن بالبلد الذي يغرب إليه، إذا خشي أنه لا يمكن حفظه، وإن لم يمكن تغريبه قالوا: يعمل عمل يحصل به وقوع الألم زيادة على الجلد، فهذا إذا أمكن العمل به فإنه هو الواجب، وهذا يبين أنه ليس بمنسوخ وأنه مستقر؛ ولهذا فعله أبو بكر وفعله الصحابة، فعله أبو بكر وفعله عمر؛ فكان أمرا مستقرا واقعا في السنة، وأيضا والصحابة عملهم دل على استقراره وعدم نسخه نعم.
حديث: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المخنثين من الرجال
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: " لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء، وقال: أخرجوهم من بيوتكم " رواه البخاري.
ــــــ
نعم. حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المخنِّثين. (قال المخنِّثين على صيغة اسم الفاعل، والمخنَّثين على صيغة اسم المفعول) المخنثين من الرجال، وقال: " أخرجوهم من بيوتكم " المخنث هو من التخنث وهو التكسر وهو الذي يتشبه بالنساء في هيئته أو في مشيه أو في ملبسه، فإن هذا لا يجوز، لا يجوز تشبه الرجال بالنساء ولا تشبه النساء بالرجال، ولهذا قال: " أخرجوهم من بيوتكم " وأخرج عمر جمعا منهم.(1/102)
وجاء في عدة أخبار عنه -عليه الصلاة والسلام- ذكر هذا المعنى، وأنه نفى رجلا مخنَّثا أو مخنِّثا كان يتشبه بالنساء، والتخنيث حرام، لأنه ربما لو بالغ فيه يفضي إلى أن يتشبه بهم حتى يؤتى كما تؤتى المرأة، فلهذا ناسب ذكره في هذا الموطن في كتاب الحدود. إلا إذا كان هذا الشخص مثلا يتشبه بالنساء خلقة، ليس عن تقليد وإنما خلقة في بعض الرجال ربما يكون يشبه فعله فعل النساء فإنه لا لوم عليه، لكن يؤمر ويبين أنه يبتعد عن هذا، وأنه يحاول أن يزيل مثل هذه التصرفات ومثل هذه الأفعال، والمقصود أن كونه يتشبه بهن في أفعالهن وفي أقوالهن كمشيهن أو ما أشبه ذلك، فإن هذا من الأمور المحرمة، ولهذا في اللفظ الآخر: " والمترجلات من النساء " وفي لفظ عند أبي داود : " لعن الله الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل " وفي لفظ عند أبي داود أنه -عليه الصلاة والسلام- أنه " لعن الرجِلَة من النساء " يعني التي تتشبه بالرجال، فهذا يدل على أنه من الكبائر، فالمقصود أنه جميع أنواع التشبه مثلا بالقول أو بالفعل أو ما أشبه ذلك كله من التخنيث المحرم.
ومن ذلك أيضا التشبه بهن فيما يتعلق بأمور ثانية، ولهذا أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- الرجال بإعفاء اللحى وحف الشوارب، وأن هذا من زينة الرجال، وأن من حلق لحيته فإنه يتشبه بالنساء، فلهذا جاء الشرع بأن يكون الرجل له شخصيته المستقلة، والمرأة لها شخصيتها المستقلة، فلا يتشبه أحد الصنفين بالآخر فيحصل الفساد والشر كما هو معلوم أو هو واقع نعم.
حديث: ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعا
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعا " أخرجه ابن ماجه بإسناد ضعيف.
وأخرجه الترمذي والحاكم من حديث عائشة -رضي الله عنها- بلفظ: " ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم " وهو ضعيف أيضا.(1/103)
ورواه البيهقي عن علي - رضي الله عنه - بلفظ: " ادرءوا الحدود بالشبهات " .
ــــــ
نعم. حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - هذا رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف، وأيضا اللفظ الثاني: " ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن الإمام أو الحاكم أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة " كونه يخطئ في العفو: كونه يخطئ ولا يعاقب خير من كونه يخطئ ويعاقب غير مذنب أو يعاقب بريئا، ولهذا قال: " ادفعوا الحدود عن المسلمين " .
والأحاديث ضعيفة في هذا الباب، حديث: " ادرءوا الحدود بالشبهات " ضعيف ولا يثبت، عن علي - رضي الله عنه - من رواية مختار بن نافع وهو متروك، وأصح ما ورد فيه: " ادرءوا الحدود عن المسلمين " بلفظ: " ادرءوا الحدود ما استطعتم " عن عبد الله بن مسعود كما رواه ابن أبي شيبة ، وذكره البيهقي -رحمه الله- من طريق سفيان عن عبد الله بن مسعود: ادرءوا الحدود بالشبهات. عن عبد الله بن مسعود موقوفا عليه.
فأصح الأخبار في هذا ما جاءت موقوفة عن الصحابة -رضي الله عنهم-؛ لكن هذا المعنى متفق عليه، يعني من جهة درأ الحدود بالشبهات هو واجب، يجب درأ الحدود بالشبهات، والمراد الشبهة التي لها مكان ليس الشبهة الضعيفة الباطلة، لا، الشبهة التي لها مكان، أو لها قبول، ولهذا النبي -عليه الصلاة والسلام- في عدة أخبار توقف وسأل، قصة ماعز المتقدمة معنا؛ أبك جنون؟ استنكهوه. سأله -عليه الصلاة والسلام-، فدل على التحري في أمر الحدود خاصة في أمر الزنا، كذلك غيره من الحدود حتى يثبت الأمر ثم يقام الحد بعد ذلك. نعم.
حديث: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألم بها فليستتر بستر الله - عز وجل - " رواه الحاكم وهو في الموطأ من مرسل زيد بن أسلم - رضي الله عنه - .
ــــــ(1/104)
نعم. حديث ابن عمر مثل ما تقدم، وهو: " اجتنبوا هذه القاذورات " هذا دل على أنه يجب اجتناب القاذورات، وهي أمور مستقذرة من الوقوع في الخنا والمعاصي من الربا، هذه كلها من القاذورات، وأنه يجب اجتنابها، ويجب الابتعاد عنها، هذة القاذورات قال: " اجتنبوا هذه القاذورات " ما حرم الله.
" فمن ألم بها فليستتر بستر الله " وأنه يجب على المسلم وأنه يشرع له أن يستر على نفسه، لهذا يشرع الستر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر ذلك الذي جاءه أن يستر على نفسه، أو أمره لما أحاله-عليه الصلاة والسلام- في أن لا يقيم على اعترافه وأن يعود، وقال سأله: أبك كذا؟ أبك كذا؟ ثم رده مرارا -عليه الصلاة والسلام-، ولما جاءته الغامدية أو الجهنية قالت: تريد أن تردني كما رددت ماعزا. فقالت يعني: إنها حبلى من الزنا.
فالمقصود أنه علم من هديه وسيرته -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يدفع الحدود ما استطاع -عليه الصلاة والسلام- إلا أن يصر صاحبها فإنه يقيم، ولهذا قال: " من يبدي لنا صفحته نقيم عليه كتاب الله " يقام عليه كتاب الله إذا أصر.
وهذا الخبر حديث ابن عمر حديث صحيح، وهو جاء مرسلا في الموطأ من مراسيل زيد بن أسلم، وجاء أيضا متصلا بذكر ابن عمر، وهو جاء عند الطحاوي بسند جيد، وجاء عند غير الطحاوي وعند الحاكم كما هنا، فجاء له طرق، فالحديث حديث صحيح بالنظر إلى مجموع طرقه، وهو في بعض طرقه جيد كما تقدم.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ(1/105)
دل على مشروعية الستر، وكذلك يشرع للمسلم أن يستر على أخيه، يشرع لك أن تستر على أخيك ولا تفضحه، إلا إذا كان الشخص مستهترا متعدد الحرمات وأنه وقع منه هذا مرارا وتكرارا، وأصر وكان في تركه فساد وشر؛ فإن هذا لا يترك، إنما يكون يستر على نفسه، وكذلك تستر على أخيك إذا وقع في الهنة مرة أو مرتين فهذا يشرع الستر عليه، فإنه سبب في رجوعه وتوبته وندمه، والله أعلم.
الأسئلة
أحسن الله إليكم. سائل يقول: إذا اعترفت المرأة بزناها هل تسأل عن من زنا بها أم لا؟
لا تسأل عن من زنا بها، لأنها إذا سئلت عن من زنا بها قذفته، هذا لا يجوز، لأنها إذا قالت: فلان الزاني، فإنه يدعى فإذا أنكر فإنها تكون قاذفة، وتحتاج إلى إثبات الحد، إثبات الحد بشهود أربعة، فيقال تأتي بالشهادة الدالة على الإثبات، فلهذا لا تسأل.
لكن لو أنها هي ذكرت إنسانا معينا زنا بها سئل أو أرسل إليه، كما أرسل النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى تلك المرأة، -حديث قصة أُنيس في حديث أبي هريرة خالد بن زيد الجهني- أرسل إليها أنيس -عليه الصلاة والسلام- حتى يتبين الأمر لأنه قذفها، فإما أن تعترف فيقام عليها الحد، وإما أن تنكر فيقام حد القذف على من رماها.
ثم اختلف هل يجمع له بين الحد حد الزنا وحد القذف هذا هو موضع خلاف، ففيما جاء عن ابن عباس أنه جمع بينهما عليه، كما رواه أبو داود وغيره. نعم.
أحسن الله إليكم. وهذا يقول: إذا حبلت المرأة ثم وضعت فهل يقام الحد بعد وضعها مباشرة أم ينتظر بها حتى ترضع ولدها حولين؟
......................................................................................
ـــــــــــــــــ(1/106)
هذا الأظهر أنه ينتظر بها حتى تقوم عليه وترضعه، حتى ترضعه وحتى يعني يأكل الطعام، مثل ما جاء في حديث تلك المرأة كما جاء في حديث بريدة - رضي الله عنه - كما تقدم، وكما جاء في حديث عمران بن حصين، وأنه -عليه الصلاة والسلام- أمرها أن تذهب وأن ترضعه، وفي اللفظ الثاني أنه أقام الحد عليها -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، وأنه جاء رجل وقال: عليَّ فطامه يا رسول الله، فإذا جاء إنسان وتكفل به وتكفل بالقيام عليه وبطعامه وتكفل به فلا بأس من إقامة الحد عليها إذا أمكن على وجه لا يحصل الضرر بها، لا يقيم عليها الحد مثلا وهي نفساء لأنه ربما ضرها، فحتى تتماثل كما في حديث علي - رضي الله عنه - أنه لم يقم ذلك الحد على تلك الأمة حتى تماثلت للشفاء، وأنه وجدها في نفاسها، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: " أحسنت " فهذا هو الواجب. نعم.
أحسن الله إليكم. هذا يقول: عند بيع الأمة التي وقعت مرارا في الزنا هل يبين عيبها أن فيها كذا وكذا أم لا؟
لا، لا يبين، مثل ما قال -عليه الصلاة والسلام- قال: " فليبعها ولو بحبل من شعر " ولم يذكر أنه يبين -عليه الصلاة والسلام-، فلو كان الأمر يبين فإنه لبين؛ يعني لذكره، بل قال: " فليبعها " دل عليه لا يجوز لأن فيه أعظم التثريب عليها، وأعظم التعيير عليها، ولأنه ربما تكون تلك المرأة عند ذلك الرجل وقعت في الزنا لأسباب إما أنه لا يعفها، أو أنه لأسباب أخرى لوجود فتنة أو شر مثلا عنده فإنها تقع في الزنا، فإذا باعها لإنسان آخر ربما وقع يعني أنها تعف نفسها، وأنها يقع لها العفاف والسلامة من الشر.(1/107)
فالمقصود أنه لا يبين ويبيعها؛ لأن الأمة تؤخذ للخدمة ولغير ذلك، هذا هو الأظهر، ويحتمل أن يقال: إن كانت تألف الزنا وأنها واقع وأنها مصرة أنه يبين، يحتمل؛ لكن إذا كان الرجل الذي يريد أن يشتريها هو الذي سأله أو علم أنه مثلا طلبمنه النصيحة فيها وسأله فيها فيبين، أما إذا سكت فالأظهر أنه لا يخبر ولا يبين، كما في الخبر لم يأتي بشيء بذلك، بل قال: " فليبعها ولو بحبل من شعر " دل قوله: " فليبعها ولو بحبل من شعر " أن هذه هي قيمتها ولم يذكر شيئا معه كما تقدم. نعم.
أحسن الله إليكم. وهذا يقول: من زنا وهو قد طلق زوجته هل يجلد مائة أو يقام عليه الرجم؟
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
المحصن هو الحر البالغ العاقل الذي دخل بزوجته وجامعها في نكاح صحيح، فإذا كان قد دخل بزوجته وجامعها فإنه ثيب، ولو كان لم يكن معه زوجة الآن، المقصود أن الثيب هو الحر البالغ العاقل الذي تزوج ودخل بزوجته في نكاح صحيح ليس فيه شبهة عقد ولا شبهة اعتقاد فهذا هو الثيب، وهذا إذا وقع منه الزنا فإنه يقام عليه حد الرجم، نعم وهذا محل اتفاق من أهل العلم، ما فيه خلاف.
+السرية عند الجمهور ما تحصن، إنما الإحصان يكون في نكاح، سواء تزوج أمة، إذا تزوج سواء كانت حرة أو أمة، أما السرية فإنه ذهب جماعة من أهل العلم ويروى عن بعض التابعين أنها تحصنه، لكن الصواب أنها لا تحصن، لأن الأمة تراد للفراش وتراد لغيره، والأظهر مثل ما تقدم وهو قول الجمهور ومنهم من حكى الاتفاق أنه يكون في الزواج خاصة، أما الأمة فلا تحصن.
وإن اختلفوا أيضا في الكتابية هل تحصنه أو لا تحصنه؟ الصواب أنها تحصنه سواء كانت مسلمة أم كتابية، أمة أو غيرها، إذا تزوج سواء كان التي تزوجها مسلمة أو كتابية حرة أم أمة. نعم.
أحسن الله إليكم. من زنا في غير بلاده فكيف يغرب؟(1/108)
يغرب في غير البلد الذي زنا فيه، فإذا زنا مثلا في هذا البلد في الرياض مثلا وهو من غير الرياض يغرب إلى بلد آخر غير بلده التي جاء منها، وغير البلد التي زنا فيها، يغرب إلى بلد آخر غير البلد التي زنا فيها، لأن هذا هو الذي يقع به الغربة. نعم.
أحسن الله إليكم. إذا تراجع الرجل عن الاعتراف بالزنا أثناء الرجم فهل يوقف الرجم؟ وهل يقاس عليه القتل؟
لا، القتل والقذف لا يقاس على الزنا، لأن القذف والقتل حقوق للعباد، حق العبد ما يسقط بالتراجع باتفاق، فالإنسان إذا ثبت عليه حد القذف أو حد القتل وحد القصاص فهذا يثبت عليه ويجب إقامته، لأن هذه حقوق للعباد، مثل كمن اعترف بمال وجب عليه تأديته، ولو تراجع ما ينفع.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
أما حقوق الله يعني فيما يتعلق مثلا بشرب الخمر والزنا، فهذا إذا تراجع فإنه يرفع عنه الحد، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة ماعز قال: " هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه " فأمر -عليه الصلاة والسلام- بتركه، وكذلك أيضا جاء عند أبي داود وغيره فإذا نزع أو تراجع؛ هو بين أمرين إما أن يتراجع صراحة هذا يترك ولا يوضع عليه الزنا.(1/109)
ولهذا النبي -عليه الصلاة والسلام- في قصة ماعز مع أنه هرب ما اعترف؛ هرب قال: " هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه " فاختلف العلماء فيما إذا هرب ولم يتراجع هل يترك أو لا يترك؟ بعضهم قال: يترك لأن هذا نوع تراجع، وقال بعضهم: لا يترك إلا بالرجوع الصريح، لكن ظاهر الخبر أنه إذا هرب فإنه يترك، وأن هذا من رحمة الله من جهة أنه ربما يكون عرض له شيء من الأمور، وقد يتراجع لو شوهد يسأل: لماذا هرب؟ إذا قال: أنا ما وقعت في الزنا. وأنكر، في هذه الحال يترك، لأنه وقعت عندنا شبهة في هروبه، هل هو رجوع أو غير رجوع، والقاعدة أنه إذا وقعت الشبهة فإنه لا يقام الحد، فيستفسر إن أمكن استفساره، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه " كما تقدم. نعم.
أحسن الله إليكم. يقول: أنا إمام مسجد في عمارة في الطابق الأسفل، وهو في سوق، وكثيرا ما يمكث النساء على أبواب الأسواق، فهل يمكن أن أجعل مصلى لهن خارج العمارة؛ لأنه لا يمكن وضعه داخلها لاتفاق النساء والرجال في باب واحد، علما أنه يلزم وضع المصلى أمام الإمام، والله يحفظكم ويرعاكم؟
إذا فوضع المصلى للنساء خاصة بهم وإن كان مثلا في مكان منعزل عن الرجال منفصل لا بأس، فإن لم يجد إلا مكان مثلا أمام الرجال لكنه منفصل عن المسجد منفصل مثلا بجدار، تماما منفصل؛ يجوز التقدم للحاجة، فإذا كان مثلا وجودهن في هذا المكان فيه ضرر وربما يحصل فتنة وشر بوقوفهن في الأسواق وانتظارهن، وأراد أن يضع لهن مكانا يصلين فيه حتى لا تفوت الصلاة عليهن؛ فيشرع مثل هذا فلا بأس أن يقيم، ومثل ما تقدم الأولى أن يكون يصلين خلف الإمام خلف الرجال؛ لكن إذا لم يوجد مكان صلين في مكان منعزل أو منفصل؛ ولو أمام الرجال، لأن الصلاة خلف الإمام واجب، والواجب يعمل به مع القدرة، ولا تسقط الواجبات في صلاة الجماعة عند عدم القدرة؛ ومن ذلك هذه الصورة. نعم.
......................................................................................(1/110)
ـــــــــــــــــ
أحسن الله إليكم. إذا زنت المرأة خفية ثم وضعت وقتلت ولدها فما الحكم في ذلك؟ والله يحفظكم؟
الحكم مثل ما تقدم، يعني أن الوالدات بالولد، جمهور العلماء قالوا: إن هذا ولا شك جريمة عظيمة، والولد ينسب إلى أمه، وهي أمه حقيقة، والوالد لا يقتل بالولد مثل ما تقدم، وهو قول جمهور أهل العلم، فإذا علم ذلك ينظر عدل الإمام والحاكم والوالي في هذا الأمر من جهة التعزير، ومن جهة النظر في العقوبة المناسبة، هذا هو الذي يفعل، لكن إقامة الحد متقررة، إذا اعترفت بذلك؛ اعترفت بالزنا فإقامة الحد ثابتة ومتقررة عليها نعم.
أحسن الله إليكم. هل وضع الحنة في الرِّجْل للرَّجُل من التشبه بالنساء؟
نعم من التشبه بالنساء، ولهذا أُتي النبي -عليه السلام- برجل قد خضب رجليه يتشبه بالنساء، كما رواه أبو داود في حديث أبي هريرة فقال: " يتشبه بالنساء، ثم قالوا: ألا نقتله يا رسول الله؟ قال: إني نهيت عن قتل المصلين " .
وجاء في عدة أخبار أنه -عليه الصلاة والسلام- أمر النساء أن يتحنين، أمر النساء بالتحني، وقال في بعض الألفاظ: كأنها يد سبع كما رواه أبو داود عن عائشة ورواه أيضا عن عدة من الصحابة -رضي الله عنهم-.
لكن إذا كان الحناء المقصود بها العلاج، يتعالج بها ويتداوى بها، في هذه الحالة لا بأس، باب العلاج والتداوي فإنه لا بأس في وضع العلاج للتداوي، وعند التداوي فلا بأس به لأنه حاجة، وفي هذه الحاجة يكون الأمر يعني يزول التحريم في مثل هذا، لأنه يجوز كشف العورة وإن كان العلاج ليس واجبا يجوز كشف العورة لأجل العلاج، ويجوز تداوي الرجل عند المرأة إذا لم يجد الرجل الذي يعالجه. نعم.
أحسن الله إليكم. إذا رُؤيَ رجل خرج من بيته ومعه امرأة أجنبية، وليس في البيت إلا هما، وقد علم من حاله أنه يفعل ذلك مرارا، فما العمل به؟ وماذا يجب على من رآه مع العلم أنه علم أنه رآه؟(1/111)
إذا رؤي الرجل مع امرأة أجنبية فإنه لا يقر؛ لكن في مثل هذا الحالة ينبغي التثبت في أمره مثلا، وإقامة ما يلزم من التعزير له، ورفع أمره إلى الجهات المسئولة، وإذا اعترف مثلا بشيء من ذلك فإنه يقام عليه، ولكن لا يشدد عليه خاصة إذا كان أول مرة يقع منه هذا الشيء، ولم يكن من عادته ولا ديدنه هذا الفعل؛ إنما وقع منه أول مرة؛ في هذه الحالة لا يشدد عليه ولا يشدد على المرأة.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
وإن كان عرف أن هذا ديدنه، أو أنه رجل يخدع النساء؛ في هذه الحالة يشدد عليه، فالمقصود أن أمر حد الزنا أو أمر الحدود يعني المبالغة في استخراج الاعتراف هذا لا ينبغي، إلا في شخص علم منه الفساد والشر، وتكرر منه ذلك، وعلم أنه يقع منه، هذا يعامل ما يعامل به أمثاله من الرجال والنساء الذين يقعون في مثل هذه القاذورات. نعم.
أحسن الله إليكم. يقول: ما حكم ولد الزنا؟ هل هو في الجنة أم في النار؟
ولد الزنا لا شيء عليه من الزنا والحمد لله، إذا أحسن فهو من أهل السعادة { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } (1) ولا يجني الجاني إلا على نفسه، فالجناية على أبويه على أبيه وأمه الذين وقع منهم الفاحشة، أما هو فليس عليه شيء، بل قد يكون خيرا من كثير من ولد الرشدة، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " ولد الزنا شر الثلاثة " يعني إذا عمل بعمل أبويه، أما هو فلا شيء عليه، وهو كما تقدم من أهل السعادة ومن أهل الخير إذا عمل بالخير و الصلاح، فلا شيء عليه ولا وزر عليه كما تقدم، وهذا محل اتفاق من أهل العلم. نعم.
أحسن الله إليكم. يقول: يا شيخ قتل القاتل هل هو حد وإذا كان حدا فلماذا تجوز الدية وأخذ المال وأما لدفع الحدود لا تجوز؟
__________
(1) - ##سورة الأنعام آية : 164.(1/112)
لا قتل القاتل قصاص ليس حدا، قتل القاتل قصاص لأنه إلى الأولياء إن شاءوا قتلوا،مثل ما سبق. إن شاءوا أخذوا الدية، وإن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا عفوا، فهو قصاص، والأمر إلى الأولياء، ليس من الحدود الواجب إنفاذها، وإنما يكون حدا إذا كان حقا لله؛ مثل حد الحرابة والحدود التي تكون لله، أما هذا فهو إلى الأولياء كما تقدم، ولهذا تكون فيه الدية، ويكون فيه العفو، ويكون فيه القصاص فالولي مخير بين هذه الثلاثة أشياء، كما تقدم من حديث أبي هريرة وحديث أبي شريح الخزاعي كما في الأحاديث السابقة نعم.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
أحسن الله إليكم. وهل يدخل في حديث المتشبهين من الرجال بالنساء من يتشبه بالنساء في التمثيل والمسرحيات؟
نعم بلا شك يدخل، من يتشبه بالرجال في المسرحيات فإنه يدخل في ذلك، فالمتشبهون في المسرحيات والتمثيليات فإنهم داخلون في ذلك، بل هذا أعظم، إذا كان يتشبه بالنساء في التمثيل لأنها في الحقيقة مجاهرة، يقول -عليه الصلاة والسلام-: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين، ومن المجاهرة أن يعمل الرجل عملا بالليل ثم يصبح وقد ستره ربه، فيقول: يا فلان فعلت كذا. فيبيت يستره ربه، ثم يصبح يكشف ستر الله عنه " فكيف إذا كان هذا مجاهرة أمام الناس في الشاشات؟! هذا من أعظم ما يكون، ومن أقبح ما يكون.
فالواجب على من وقع في مثل هذا التوبة وهذا تشبه، ومجاهرة، وأيضا قدوة سيئة، ودعوة إلى الشر والفساد، ودعوة إلى التشبه بالنساء، هذا كله من الأمور المنكرة التي لا تجوز وهو من أعظم التشبه كما تقدم. نعم.
أحسن الله إليكم. يقول: ما معنى الشمراخ الذي ورد في الحديث آنفا؟(1/113)
الشمراخ هو العذق، العود الذي فيه الشماريخ، فهذا هو الشمراخ، وهو الذي جاء في الخبر أنه يؤخذ وأنه يجلد مائة جلدة، كما تقدم، ولا يشترط أن تصيبه جميع الشماريخ بل لو أصابه بعضها أجزأ كما تقدم نعم.
أحسن الله إليكم. هل يجوز الزواج من فتاة زنت إذا استقامت؟
نعم إذا تابت فالحمد لله، إذا تابت جاز، يعني العبرة بالتوبة، وإنما النهي عن الزانية، { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) } (1) وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- لمرثد بن أبي مرثد الغنوي لما قال: أنكح عناقا؟ قال: " إن الله حرم الزنا " فدل على أن الزانيات لا يجوز نكاحها وهذا هو الصحيح.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
وإذا كانت حامل بالزنا فهذا ما فيه إشكال، واضح وإن خالف فيه من خالف، ولكن إذا تابت فالحمد لله، من تاب تابَ الله عليه، والعبرة بالتوبة، فمن تاب تاب الله عليه، ولكن يشترط أن تُعلَم التوبة.
واختلف هل ينتظر سنة؟ والصحيح أنه إذا علمت التوبة فيجوز لكن بشرط الاستبراء، استبرئت فإن كانت حاملا من الزنا حتى تستبرأ، وإن كانت غير حامل حتى تطهر، وفي هذه الحالة يجوز أن يتزوجها.
وكذلك الزاني إذا تاب من الزنا، يجوز أن يتزوج من العفيفة، والعفيفة يجوز أن تتزوج الزاني إذا تاب من الزنا، هذا هو الذي دلت عليه النصوص والأدلة في هذا الباب، وقوله -عليه السلام-: " إن الله حرم الزنا " في الحديث المتقدم.
نسأله سبحانه وتعالى لي ولكم التوفيق والسداد آمين، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
باب حد القذف
حديث: لما نزل عذري قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر
بسم الله الرحمن الرحيم.
__________
(1) - سورة النور آية : 3.(1/114)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب حد القذف.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: " لما نزل عذري قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فذكر ذلك وتلا القرآن، فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا الحد " أخرجه أحمد والأربعة وأشار إليه البخاري.
ــــــ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
هذا الباب باب حد القذف، والقذف كما قال العلماء: هو الرمي بالزنا أو باللواط أو نحوه من العبارات التي فيها قذف بهذه الفواحش صراحة.
والقذف محرم، وهو من كبائر الذنوب، كما قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) } (1) وأجمع العلماء على ذلك، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- في الصحيحين عن أبي هريرة : " اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال:
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات " هذا محل إجماع من أهل العلم في تحريمه، والأدلة في هذا كثيرة أيضا.
وهذا الخبر عن عائشة -رضي الله عنها- رواه الأربعة كما قال المصنف من طريق ابن إسحاق، وقد جاء له براوية من حديث عن أبي هريرة، وجاء أيضا عن البزار، وجاء أيضا رواه الحاكم في الإكليل، وبعضهم حسنه.
__________
(1) - سورة النور آية : 23.(1/115)
وما دل عليه هذا المعنى من جهة أنه -عليه الصلاة والسلام- لما حصلت قصة عائشة -رضي الله عنها- ، فتلا القرآن في قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } (1) لما حصل فيه مصالح عظيمة لأهل الإسلام، وبعد ذلك أمر برجلين جاء أنهما مسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، والمرأة هي حمنة بنت جحش، كانت تدافع عن أختها زينت رضي الله عن الجميع، فكانت طهارة لمن وقع له ذلك.
قال: فضربوا الحد. وفي هذا إقامة الحد على من وقع في مثل هذا، كما قال سبحانه: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) } (2) فهذا هو الحد الواجب بإجماع أهل العلم، واختلفوا: هل هو يجب بالمطالبة، أو يكفي بمجرد القذف؟ محل خلاف بين أهل العلم لا نفصله؛ لا بد من مطالبة المقذوف وإلا لا يقام إلا به، فإن لم يطالب فلا يقام نعم.
حديث: أول لعان كان في الإسلام
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: أول لعان كان في الإسلام أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أمية بامرأته، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - " البينة وإلا فحد في ظهرك " الحديث أخرجه أبو يعلى ورجال ثقات، وفي البخاري نحوه من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
ــــــ
__________
(1) - سورة النور آية : 11.
(2) - سورة النور آية : 4.(1/116)
نعم. وهذا الخبر إسناده صحيح، وقد رواه النسائي أيضا فكان العزو إليه أولى، وكأنه ذكر -رحمه الله- في مثل قوله: (كان أول لعان) لأجل هذه اللفظة، وإلا فهو في البخاري كما ذكر المصنف رحمه الله، هو في البخاري لكن بدون ذكر قوله: (أول لعان) لما قذف امرأته بشريك بن سحماء وفي هذا إشارة إلى أن الآيات نزلت في شريك بن سحماء في قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) tbqçFدY"s% } (1) اختلف هل هي في هلال بن أمية، وقيل: إنها نزلت فيه وفي غيره وتوافق أن سأل عنها الجميع على خلاف مبسوط ذكره أهل العلم في هذا.
لكن مثل ما قال المصنف رحمه الله أنه قال: " البينة وإلا حد في ظهرك " بمعنى أنه الواجب البينة وإلا حد، ثم نزلت الآيات فخصت الزوج من سائر القذفة وأنه إن لم يأت بالبنية فإن شهادته تقوم مقام البينة، شهادته أربع شهادات تقوم مقام البينة، كل يمين بمثابة الشاهد، حينما أربع شهادات يشهد أنه صادق فيما رمى به امرأته، فلهذا له مخلص من هذا من جهة أن الأمر يختلف في حق الرجل مع امرأته، فيما إذا كان الرمي لزوجته، بخلاف ما إذا كان الرمي للأجانب، فالحكم المتقدم أنه البينة بالشهود وإلا فالحد كما قال -عليه الصلاة والسلام-. نعم.
حديث: فلم أرهم يضربون المملوك في القذف إلا أربعين
__________
(1) - سورة النور آية : 6-9.(1/117)
وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: لقد أدركت أبا بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- ومن بعدهم فلم أرهم يضربون المملوك في القذف إلا أربعين. رواه مالك والثوري في جامعه.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من قذف مملوكه يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال " متفق عليه.
ــــــ
حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة هذا لا بأس به، وفيه إشارة إلى أن المملوك إذا قذف أن حده على النصف من الحر، وهو قول جمهور العلماء، واستدلوا بهذا الأثر عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أنه فعله أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عن الجميع ومن بعدهم أيضا.
وأيضا الحديث الذي بعده أنه يؤيده وذلك أن من قذف مملوكه يقام عليه الحد يوم القيامة، من جهة أنه إذا قذف من سيده لا يقام عليه الحد إلا على نفسه عن الحر، كذلك إذا قذف غيره فإنه لا يكون حكمه حكم الحر بل على النصف، لقوله تعالى: { فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ } (1) في الزنا، فإذا كانت في باب الزنا عرف هذا الحكم كذلك في باب القذف وقالوا: إن هذا في الأمة فيلحق بها الرجل الرقيق، ويكون الحكم ساريا في القذف من باب القياس الواضح الصحيح، هذا موضع لكن يتقيد أن الفعل أنه روي عن الصحابة -رضي الله عنهم-، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أنه رواه عن جمع من الصحابة، وكذلك أثر أبي هريرة في هذا الباب يؤيد قول الجمهور في هذا المعنى، ويدل على أن الحكم في الرقيق في الأحكام مختلف عن الحر، وإن كان الأصل أن المملوك داخل في العمومات والخطابات الشرعية، هذا هو الأصل، داخل في الخطابات الشرعية لكن إذا جاء نص خاص واضح أو استنباط يعني فيه شيء من + فإنه يعمل به كما تقدم، في بعض المسائل نعم.
باب حد السرقة
حديث: تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا
باب حد السرقة.
__________
(1) - سورة النساء آية : 25.(1/118)
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا تقطع يد سارق إلا في ربع دينار فصاعدا " متفق عليه واللفظ لمسلم.
ولفظ البخاري: " تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا " .
وفي راوية لأحمد : " اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا في ما هو أدنى من ذلك " .
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم " متفق عليه.
ــــــ
هذا هو حد السرقة، والسرقة هي أخذ المال خفية على وجه خاص من حرز وأن يبلغ النصاب، وثبت في الأخبار أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: " لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا " وفي اللفظ الآخر: " اقطعوا في ربع دينار، ولا تقطعوا فيما دون ذلك " عند أحمد ، وفي حديث ابن عمر: " أنه قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم " .
اختلف العلماء والسرقة معلوم محرمة ولا تجوز ويترتب الأحكام المتعلقة عليها من جهة أنه أخذ لمال الغير، لكن تختلف كما سيأتي عن النهبة وعن الاختلاس، وعن الخيانة.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
فإذا سرق هذا القدر فإنه تقطع يده بالشروط التي ذكرها أهل العلم، ومن ذلك: هذا القدر وهو أن يكون المسروق ربع دينار، والدينار كم قدر الدينار بالغرامات؟ الدينار أربع غرامات وربع، على هذا ربع الدينار كم يساوي؟ غرام وربع الربع، فعلى هذا من سرق مثلا غراما من الذهب -نعم- وربع ربع غرام فإنه يجب عليه القطع، نقوم مثلا كم يساوي؟ هذا إذا سرق من الذهب، إذا جعلنا مثلا النصاب هو الذهب -نعم-.
على هذا لو إنسان مثلا سرق كتابا متى نقطعه إذا بلغ كم؟ إذا بلغ قيمة كم؟ ربع دينار وربع الربع، ولو سرق مثلا متاعا، أو سرق مثلا دراهم ريالات مثلا قدرها غرام من الذهب وربع ربع غرام.(1/119)
طيب ومن الفضة كم؟ ثلاثة دراهم، والدرهم كم جرام؟ نعم الدرهم سبعة أعشار الدينار، سبعة من عشرة، يعني النصف: نصف دينار وخمسا دينار، سبعة أعشار كم تساوي؟ نصف دينار وخمسا دينار يعني سبعة أعشار، الدرهم نحو ثلاث غرامات تنقص شيء يسيرا.
على هذا إذا قلنا: إن الذهب أصل قائم بنفسه؛ فعلى هذا إذا سرق من الذهب كم فيقطع؟ إذا بلغ كم من الغرامات؟ عندنا الدرهم ثلاث غرامات، والرسول -عليه الصلاة والسلام- قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم، إذا قلنا مثلا: الدرهم ثلاث غرامات، جبرناه لأنه تقريبا غرامين وسبع تسعين في المائة من الغرام، شيء يسير؛ يعني لكن لو جبرناه جعلناه ثلاث غرامات، ثلاث دراهم كم غرام؟ تسعة غرامات. على هذا من سرق من الفضة بمقدار كم؟ تسعة غرامات يقطع، ومن الذهب كم؟ غرام وربع ربع الغرام، يعني نسبة الذهب إلى الفضة تقريبا كم؟ تقريبا التسع أو يقل شيئا يسيرا.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
على هذا إن قلنا: إن الذهب أصل بنفسه، والفضة أصل بنفسها؛ فمن سرق مقدار مثلا غرام من الذهب وربع ربع غرام يقطع، ومن سرق تسعة غرامات من الفضة فإنه ماذا؟ يقطع، فهذا هو المذهب، يقولون: إن الذهب أصل بنفسه، وأن الفضة أصل بنفسها.(1/120)
ومنهم من قال: لا، الذهب هو الأصل بنفسه، وأن الفضة تقوم بماذا؟ بالذهب. على هذا لو سرق مثلا أربع غرامات من الفضة، قيمتها مثلا غرام من الذهب، يقطع ولا ما يقطع؟ لماذا؟ أقل من النصاب، وإن قلنا: إن الفضة أصل بنفسها نعم فإنه يقطع. أليس كذلك؟! لكن ظاهر حديث عائشة -رضي الله عنها- أنه لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا، ظهر التقدير بماذا؟ بالذهب، التقدير بالذهب دون الفضة، ولهذا ساق المصنف رواية أحمد، رواية أحمد فيها أن الصريح أيضا كما ذكرها المصنف -رحمه الله- قال: " اقطعوا في ربع دينار، ولا تقطعوا فيما دون ذلك " وفي رواية " فيما هو أدنى من ذلك " وهذه يعني الرواية تؤيد القول في أن الذهب أصل بنفسه.
وأن الفضة بماذا تُقَوَّم؟ بالذهب.
طيب، لو أن إنسان سرق مثلا طعاما، أو سرق مثلا خضرة مثلا من محل مُحرَز، سرق مثلا حبحب مقداره يساوي مثلا تسع جرامات من الفضة، لكنه لا يبلغ ربع دينار، يُقطع ولَّا ما يقطع؟ ما يقطع؛ على القول بأن الذهب هو ماذا؟ هو الأصل كما هو الظاهر، وإن قلنا: إن هذا أصل وهذا أصل فإنه... نعم, إن قلنا: إن الأصل هو الذهب والباقي تقويم فإنه لا يقطع إلا إذا بلغ قيمته ربع دينار، كما هو ظاهر هذه الرواية التي ذكرها المصنف -رحمه الله-.
لكن المجن قطع في مجن يقول: " قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم " -عليه الصلاة والسلام- شو الجواب عنه طيب؟ لو قال إنسان: لماذا لا نقطع إذا بلغ قيمته مثلا ثلاث دراهم أي تسع جرامات, شو الجواب عن حديث ابن عمر؟ من يظهر له الجواب في هذا؟ لو قال إنسان: حديث ابن عمر حجة، في أنه يقطع في ثلاثة دراهم، " قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم " -عليه الصلاة والسلام- نعم.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ(1/121)
يعني يقال مثلا: إن قيمة المجن إن كان قيمته ثلاثة دراهم؛كانت الثلاثة دراهم قيمتها كم؟ قيمتها ماذا؟ ربع دينار،كان قيمة المجن ربع دينار،كان قُوِّم بربع دينار، وبلغ قيمة المجن ثلاثة دراهم لأنها يُتعامل بها كثيرا، وقيمة ثلاثة دراهم في ذلك الوقت كم؟ ربع دينار؛ لأن نسبة قيمة الدرهم إلى الدينار في الغالب قيمته الربع في ذلك الوقت، وقيمته ثلاثة دراهم، نعم ثلاثة دراهم، لا بل قيمتها واحد إلى اثني عشر، قيمة الدرهم إذا قلت ثلاثة دراهم ربع دينار كم يعادل الدرهم من الدينار؟ واحد إلى اثني عشر، ولهذا قومت الدية باثني عشر ألف درهم, وألف مثقال في بعض الروايات، وفي هذا خلاف بين أهل العلم، لكن هذا هو الأظهر كما تقدم. نعم.
حديث: لعن الله السارق يسرق البيضة
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لعن الله السارق يسرق البيضة؛ فتقطع يده, ويسرق الحبل؛ فتقطع يده " متفق عليه أيضا.
ــــــ
نعم، وفي هذا بيان أن الشيء الحقير لا تقطع فيه اليد، وأنه مقدر بهذا النصاب، وأن الإنسان لو سرق شيئا حقيرا؛ فإنه لا تقطع يده، بل لا يقطع إلا في الشيء الذي له ماذا؟ له ثمن وله خطر وله وقع، لا تقطع في الشيء اليسير، وقدره بربع دينار -عليه الصلاة والسلام-، قدره بربع دينار، في لفظ: بثلاثة دراهم.(1/122)
لا بد من شيء يكون له قيمة وله وقع؛ فلهذا لا تقطع في الشيء اليسير، ولذا قال: " لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده, ويسرق البيضة, فتقطع يده " بعضهم قال: إن الحديدة حديدة السفن، والحبل حبل السفن، والبيضة بيضة ماذا؟ بيضة الحديد، فقالوا: إن هذا تقدير لما تقطع فيه اليد، لكن يظهر والله أعلم أنه يعني يتدرج من سرقة ماذا؟ الحقير إلى سرقة الكثير، يتدرج من سرقة القليل والحقير إلى سرقة الكثير، فكأنه يعني استمرأ السرقة؛ حتى صار يسرق، فسرق ما هو أكبر حتى قطعت يده، دلالة على أن الشيء القليل لا تقطع يده -كما تقدم- إلا في ربع دينار فصاعدا، نعم.
حديث: كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فخطب فقال: أيها الناس إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد " الحديث متفق عليه واللفظ لمسلم.
وله من وجه آخر عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: " كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقطع يدها " .
ــــــ
نعم، هذا الحديث يدل على تحريم الشفاعة في الحدود، وقوله: " أتشفع في حد من حدود الله " سبق معناه أن الحدود نوعان: حدود مقدرة، وحدود بمعنى العقوبات والمعاصي وهي غير مقدرة، قوله: " أتشفع في حد من حدود الله " هل هو من الحدود المقدرة أو الحدود غير المقدرة؟ الحدود المقدرة، وذلك أنه شفاعة في ماذا؟ في حد السرقة، والسرقة فيها حد مقدر، فقال: " أتشفع في حد من حدود الله " .(1/123)
أما الحدود التي هي غير مقدرة والحدود التي بمعنى المحارم، كقوله: " لا تجلدوا فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله " يعني ما حرم الله، من الحدود التي حرم -سبحانه وتعالى- تجاوزها، وأنه لا يجوز للعبد تجاوزها، لكن لو كان في غير الحدود المقدرة؛ تجوز الشفاعة، بمعنى أنه يشفع مثلا في أبواب التعازير وما أشبه ذلك، ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: " إذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفع " لا يجوز، وقال: " من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره " فلا يجوز الشفاعة بعد أن تصل إلى الحاكم والوالي؛ ولهذا قال لأسامة: " أتشفع في حد من حدود الله " .
وفيه تحريم الشفاعة، وفيه بيان أن الحدود يجب أن تقام على الشريف والوضيع لا فرق بينهما، هذا محل اتفاق بين أهل العلم، قال: " وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت " وقد أعاذها الله من ذلك " لقطعت يدها " وهي بنته -عليه الصلاة والسلام-.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ(1/124)
وفي الرواية الثانية: أنها كانت تستعير المتاع وتجحده، فيها دلالة على أن جاحد العارية أيش حكمه؟ جاحد العارية يقطع ولّا ما يقطع؟ نعم، ظاهر النص أنه يقطع، لكن كيف جحد العارية؟ يعني هل من استعار على لسان غيره ولّا استعار مثلا هو؟ نعم، هو المستعير، ولهذا قال في نص الخبر: كانت تستعير المتاع وتجحده. تستعير مثلا الشيء، تستعير القِدر، تستعير الإناء، تستعير اللباس مثلا، أو الفراش أو ما أشبه ذلك، أو الثياب، فتجحده، تقول: ما لكم شيء. ظاهر النص أن من جحد العارية أنه أيش حكمه؟ أن حكمه القطع، هذا قاله جمع من أهل العلم، وذهب آخرون إلى أنه لا يقطع إلا السارق، قالوا: لأن هذا في الحقيقة أنت أعطيته إياه باختيارك. هذا موضع نظر، يعني: هل يقال مثلا: إن جاحد العارية يقطع؟ اختاره ابن القيم رحمه الله، وأيده -رحمه الله- بأدلة.
لكن يمكن يقال: إن من جحد العارية, بمعنى أنه استعار، يعني استعار على لسان غيره، إذا قال: فلان يطلب منك كذا فأعرني. استعار على لسان غيره، هذا ممكن يقال إنه يقطع، أما بغير ذلك ففسرت بأنها بالسرقة، فسرت -جحد العارية- فسرت بالسرقة، كما جاء في بعض الألفاظ الأخرى، لكن استعار على لسان غيره ثم قال: فلان يستعير منك كذا. ثم سئل فقال: ما استعرت شيئا، فإذا ثبت أنه جحدها؛ فإنه تقطع يده، يعني هذا واضح، نعم.
حديث: ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع
وعن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع " رواه أحمد والأربعة وصححه الترمذي وابن حبان.
ــــــ
نعم، حديث جابر لا بأس به، جاء من طريق ابن جريج عن أبي الزبير، صرح في بعض الطرق وتوبع، وكذلك أبو الزبير توبع، فهو حديث جيد.(1/125)
" ليس على خائن " من هو الخائن؟ الخائن من هو؟ هل هو المستعير ولّا المستأمن؟ المستأمن، إنسان يأخذ منك كتابا، يأخذ منك مثلا متاعا ثم يجحده، لماذا ليس عليه قطع؟ لأنك أنت المفرط في حقك، أعطيته أنت لأجل أن تستأمنه، استأمنته، بخلاف العارية، فأنت أعطيته لأجل حاجته هو، أما الأمانة فأنت الذي أعطيته لحاجتك أنت، فهذا لا قطع فيها.
كذلك المنتهب، المنتهب هو الذي ينتهب مكابرة أمام الناس، يأتي وينهب الشيء أمام الناس، طيب أليس المنتهب سارقا, ولّا ليس بسارق؟ هو سرق بخفية ولّا أمام الناس؟ انتهب ماذا؟ أمام الناس، انتهب نُهبة، يعني يلقطها لقطا من بين الناس أو من يد صاحبها، منتهب في الغالب أن هذا يعلم به، ويصاح به الناس ويلحق.
الفرق بينه وبين المختلس أن المختلس يحاول أن يحتال؛ حتى لا يعلم فينتهب، ثم إذا انتهب علم به، المختلس, إذا اختلس علم به، في هذه الحال يعلم به، بخلاف السارق يسرق في خفيه من حرزه أما هذا فلا، وفي الغالب أنه يكون نتيجة تفريط، ولهذا لم يكن على هؤلاء قطع، لا الخائن ولا المنتهب ولا المختلس، وهذا في بعضها يعني ذكروا الاتفاق عليه، وظهر هذا النص عن جابر - رضي الله عنه - نعم.
حديث: لا قطع في ثمر ولا كثر
وعن رافع بن خديج - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لا قطع في ثمر ولا كَثَر " رواه المذكورون وصححه أيضا الترمذي وابن حبان.
ــــــ
نعم، حديث رافع لا بأس به، والمذكورون: أحمد والأربعة الذين سبقوا.
الثمر مثل الرطب والتمر، يعني إنسان سرق مثلا تمرا من رؤوس النخل، أو العنب من شجره مثلا أو الفاكهة من شجرها، لا قطع فيها؛ لأنها في رؤوس النخل، لكن إذا أحرزت وأخذت ووضعت مثلا في المخازن والمستودعات أو في الجرين يقطع، كما في حديث عبد الله بن عمرو: " وما آواه الجرين " يعني: ففيه القطع.(1/126)
وإن كان هذا له ثلاث حالات: تارة يسرق يأخذ من النخل فيأكل " فمن أخذ بفيه غير متخذ خبنة فلا شيء عليه " هذا لا شيء عليه. وإن أخذ منه لغير الأكل ووضع في ثوبه وهرب به دون أكل؛ فهذا عليه العقوبة، ويغرم قيمة مثليه، إذا هرب به مثلا، لكنه من رؤوس النخل ما أكل.
الحال الثالثة: أن يأخذ من المخازن والمستودعات، أو المحل الذي يوضع فيه، وهو الموضع الخاص، وهو الحرز، فهذا فيه القطع كما في حديث عبد الله بن عمرو، هذا هو يعني ما جاء في تفصيل الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.
لكن بعض أهل العلم قال: إذا كان النخل مغلقا بحائط, ومغلقا بالأبواب؛ فإنه يقطع.
إذا كان قد أغلق، بخلاف ما إذا كان مثلا ثمره ظاهر وواضح مفتوح؛ فإن هذا لا قطع فيه، أما إذا كان في برية في مكان في الغالب لا يحرس فهذا لا شيء فيه، أما إذا كان مقفلا -بستان مسكر- وفيه حارس فإن هذا يقطع ولو أخذ من رؤوس النخل، فإنه حكمه حكم الحرز.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
مثل لو سرق من مسجد مثلا مقفل المسجد؛ فإنه ذهبوا إلى أنه يقطع، لأنه ثبت حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع ذلك الذي سرق من صفة النساء، وذكروا أنها في المسجد. إذا سرق من المسجد الحصر وكان مغلقا أو كان ما فيه حارس أيضا هذا أيضا أبلغ، إذا كان فيه حارس يقوم عليه في هذه الحال يكون هذا حرزه. بعض أهل العلم قال: إن ما في المسجد ليس بحرز لأنه للجميع, ويصلى فيه، لكن إذا كان مغلقا وكان فيه حارس الأظهر فيه قطع؛ لأن حرز كل شيء بحسبه.(1/127)
طيب لو إنسان مثلا جاء إلى بيت، جاء إلى بيت؛ الباب الذي على الشارع وفكه؛ دش باب الشارع, وحطه على ظهره، ومشى، أيش حكمه؟ أيش نقول؟ يقطع ولّا ما يقطع؟ نعم, يقطع، نعم؟ حرز، بيسرقونا بعض الناس يقولون: ما نحن بسراق يعني ما لاقاته أيش نعمل؟ نحط جدارنا على الباب, يعني: ألسنا نقول: حرز كل شيء بحسبه؟ طيب لو صار إنسان الباب مفتوح، باب الشارع مفتوح، ودخلوا على الباب الداخلي، وشاله وجاب معاه واحد وقال له: يلا شيل هذا الباب، وجاب واحد تاني وقال له: شيل الباب الثاني، قال: شيلوا هذه الأبواب، لكن الباب من حد الشارع مفتوح، أيش تقولون؟ نعم، هو باب الشارع، أبواب الشارع أيش انتهينا عليه، باب الشارع يقطع ولا ما يقطع؟
أليس حرز كل شيء بحسبه؟ بلا شك حرز الباب هو كونه موضوع ملحم أو مربوط أو مسمر، هذا حرز الباب، هذا حرز، هذا هو الحرز، مثل السيارة لو جاء إنسان وفتح السيارة وسرق الدروج اللي فيها. حرزها تقفلها؛ لكن لو سابها مفتوحة مهمل صاحبها؛ لكن لو جاء وفتح الشنطة وسرق منها، سرق منها شيء، سرق منها عدة، أيش حكمه سارق ولّا ما هو سارق؟ هذا حرز ولّا لا؟ حرز، لكن لو كان مثلا اختلال أمني، مثلا علم أن هذا ما هو بحرز، وأن اللي يحط سيارته برة مفرط مثلا في الغالب، هذا حرز ولّا ما هو بحرز، ما هو بحرز، لكن الحرز يختلف بحسبه، ولهذا قال: يختلف بحسب قوة السلطان وضعفه ومن بلد إلى بلد. لكن ما دام مثلا هذا هو الحرز في العادة، فمن سرق منه يقطع.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ(1/128)
كذلك الباب -باب الشارع-، لكن لو كان باب الشارع مفتوحا -الباب الخارجي- هو سرق الباب الداخلي أيش حكمه؟ يجي يقول اللي سرق الباب اللي بره تقطعوا له والداخلي ما تقطعوا له إيش لونك؟ مهمل، لأنه كان مفرطا، نقول لصاحبه: أنت ما أحرزته في الحقيقة، أنت الآن ما أحرزت البيت. لو جاء إنسان وطل من على الباب ونظر يكون لك أن تفقأ عينه، لكن لو صار الباب مفتوحا ونظر أنت مفرط، ما اتخذت الاحتياط، ولهذا هذه فيها مباحث كثيرة من الحرز وحكمه وتفاصيل في هذا، لكن هذا هو يعني الأظهر في هذه المسألة.
وعلى هذا حرز كل شيء بحسبه, يختلف، ولهذا مثلا فيه أشياء تحرز مثلا تكون بالخارج، فيه أشياء تحرز مثلا بالأقفال من الداخل، بحسب الأموال وكثرتها وخطرها، نعم.
أما الكثر فهو شحم النخل اللي يكون في وسط النخلة، لا قطع فيه على هذا الصنف كما تقدم.
حديث: أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بلص قد اعترف
وعن أبي أمية المخزومي - رضي الله عنه - قال: " أُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بلص قد اعترف اعترافا, ولم يوجد معه متاع، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما إخالك سرقت. قال: بلى. فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا، فأمر به؛ فقطع، وجيء به فقال: استغفر الله وتب إليه. فقال: أستغفر الله وأتوب إليه. فقال: اللهم تب عليه ثلاثا " أخرجه أبو داود واللفظ له، وأحمد والنسائي ورجاله ثقات.
وأخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فساقه بمعناه، وقال فيه: " اذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه " وأخرجه البزار أيضا وقال: لا بأس بإسناده.
ــــــ
نعم، حديث أبي أمية المخزومي فيه ضعف عن مولى أبي ذر وهو ضعيف بهذا الطريق.
لكن ما جاء به دل عليه من جهة أنه يشرع التعريض بالسارق، خاصة إذا كان غير معروف بالشر والفساد، التعريض بالرجوع.(1/129)
سبق معنا في حديث ماعز - رضي الله عنه - عن النبي ماذا؟ عرّض له لعله ماذا؟ لعله يرجع، عرض له، التعريض في الشخص إذا كان لم يعرف بالشر والفساد لا بأس لعله أن يرجع، لعله ينزع عن اعترافه.
والنبي عرض لهذا قال: " ما إخالك " يعني ما أظنك اعترفت، وفي هذا أن الرسول كرر عليه، وليس تكرار الإقرار شرطا، إنما من باب التثبت، ولهذا إذا أقر مرة ثبت عليه فيكفي، فإنه يكفي مثل ما سبق، المعنى على الصحيح في مسألة الزنا قلنا إنه يكفي ماذا؟ الاعتراف مرة واحدة، نعم فيه قول يقول: إنه لا بد ماذا؟ أن يكون أربعا، لكن الأظهر أنه مرة واحدة، وهذا أيضا كذلك في السرقة، لكن إذا شك في الأمر, وحصل عنده توقف؛ فإنه عليه أن يتثبت.
وحديث الرواية الثانية جاءت مرسلة، جاءت مرسلة لأنها رواها الداروردي متصل عن ابن فضيل متصلا، لكن رواه الثوري مرسلا، ورواية الثوري أرجح من رواية الداروردي، ولهذا ضعفها بعضهم.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
استدلوا به على أن السارق إذا قطعت يده؛ أيش يجب؟ يجب حسمها، ولا يجوز تركها الدم ينزف؛ لأنه لو نزف الدم قد يؤدي ماذا؟ إلى هلاكه وتلفه، والمصنف -رحمه الله- ذكر هذا الحديث: قال: " احسموه " إشارة إلى أن الخلاف لأنه كانوا يحسمون بماذا في الأول؟ بالزيت، يحسمون فم العروق حتى لا يسيل الدم، حتى تنسد منافذ العروق, ولا ينزل الدم، قالوا: الزيت الآن, مئونته وثمنه على السارق ولّا على بيت المال؟(1/130)
نعم، أيش ظاهر الخبر، على بيت المال ولّا على السارق؟ على بيت المال، وعلى هذا مثلا يقاس عليه كذلك ما إذا أريد مداواته في الوقت هذا بدلالة الحديث؛ فإنه يكون على بيت المال، لأن الواجب إقامة الحد عليه، هذا هو الواجب, إقامة الحد عليه, ولا زيادة، ولا يزاد بعد ذلك؛ لأن هذا هو الذي عليه، يعني حينما اعترف وثبت عليه تقطع يده، فإذا قطعت يده فقد أقيم الحد وحصلت له الطهرة من جهة هذه السرقة التي وقع فيها نعم.
حديث: لا يغرم السارق إذا أقيم عليه الحد
وعن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا يغرم السارق إذا أقيم عليه الحد " رواه النسائي وبين أنه منقطع، وقال أبو حاتم: هو منكر.
ــــــ
نعم، الحديث منكر؛ لأنه مخالف من جهة أن يغرم السارق، لأنه سرق مالا في حكم كما يغرم الغاصب وغيره، كذلك السارق، لكن الحديث ضعيف منكر، لأنه من رواية المسور بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن جده عبد الرحمن بن عوف وهو لم يدركه، وأيضا مسور هذا فيه جهالة، فهو فيه علتان: كونه منقطع، ولو كان متصلا فإن هذا المسور مجهول.
وهذا قال به الأحناف، قالوا: إنه إذا كان قد تلف المال, فإنه لا يغرمه، لا يغرمه السارق، قالوا: إذا قطعت يده لا يغرم.
لكن الصحيح أنه يغرم؛ لأنه لو الآن سرق مالا ثم هذا المال أحضره الآن، وجدنا المال معه الآن، سرق مثلا دراهم, ثم قبض عليه, ووجد الدراهم معه، الآن إذا صارت موجودة ما تلفت, تؤخذ منه ولَّا ما تؤخذ, ولَّا تقر في يده؟ نعم؟ تؤخذ، محل اتفاق، تؤخذ منه، هم قالوا: إذا كان قد تلفت, إذا كانت تؤخذ منه ويغرمها إذا وجدت؛ كذلك إذا كانت تلفت، وعلى هذا يجتمع عليه القطع والغرم؛ لأن القطع حق لله، والمال حق للمسروق منه، فإنه يغرمه والخبر لا يصح نعم.
حديث: أنه سئل عن التمر المعلق(1/131)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أنه سئل عن التمر المعلق فقال: من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة؛ فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه؛ فعليه الغرامة والعقوبة، ومن خرج بشيء منه بعد أن يؤويه الجرين, فبلغ ثمن المجن فعليه القطع " أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم.
ــــــ
هذا سبق الخبر الإشارة إليه، وأنه قسم السراق اللي أخذوا المال على ثلاثة أقسام، وهو حديث جيد حديث عبد الله بن عمرو حديث صحيح، حسن، رواية عبد الله بن عمرو، والحديث كما ذكر المصنف -رحمه الله-، أخرجه أبو داود والنسائي.
وأنه إذا أخذ إنسان بفيه فلا بأس، "خبنة" هو معطف الثوب أو معطف الإزار، يعني يأخذ ثوبه ويجمع " غير متخذ خبنة " إذا صار يأخذ للأكل والطعام فلا بأس، هذا قد جاء في عدة أخبار عنه -عليه السلام- أنه أمر بإطعام الجائع، وأن من أتى أكل من ذلك الثمر؛ فرماه فقال: ما علمته إذ كان جاهلا ولا أطعمته إذ كان جائعا. أما إذا أخذ وخرج فعليه غرامة مثليه والعقوبة، وإذا أخذ بعد أن يواريه الجرين وهو البيدر كالبيدر -للحنطة- فإن عليه القطع كما تقدم، نعم.
حديث: هلا كان ذلك قبل أن تأتيني به
وعن صفوان بن أمية - رضي الله عنه - " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لما أمر بقطع الذي سرق رداءه فشفع فيه: هلا كان ذلك قبل أن تأتيني به " أخرجه أحمد والأربعة وصححه ابن الجارود والحاكم.
ــــــ
نعم، حديث صفوان حديث جيد أيضا.(1/132)
وفيه مثل ما تقدم أن حرز كل شيء بحسبه، هو أخذ رداءه منه وكان ماذا؟ كان متكئا أي وضع رداءه تحت رأسه - رضي الله عنه - في المسجد، فجاء ونزع رداءه، فعلى هذا لو كان الإنسان مثلا في مكان في برية، وكان معه.. أو إنسان مثلا في بر ونزل متاعه في مكان في سفر، ونزل متاعه هنا وهنا، وجاء إنسان وسرق وهو عنده وهو نائم عند متاعه، أيش حكمه يقطع ولّا ما يقطع؟ يقطع؟ طيب هل هو محرز الآن؟ نعم؟ البر هل له حرز؟ + نعم بس نائم هاالحين هو. نعم ما يقطع؟ نعم، +أحسنت، نعم، يعني لو شاله أيش + يعني لو شاله والدراهم مثلا يعني أنا ما اشتركت، اشتركت مع الدراهم عليه ما سرق يعني الدراهم + كان مع الدراهم، ++هيقول نومي ثقيل نعم لو شالني ثلاثة مثلا، أبقى يومين أو ثلاثة أيام.
هذا نقول في هذه الحال نقول إن كان المال محرزا، بمعنى أن يعني كان تحت يعني حفظه ومسكه بيده،أو تحته فهو محرز، هذا هو المنصوص عليه، وإن كان مثلا غير ذلك يكون غير محرز، يكون غير محرز، ولهذا إذا صفوان سرقه من تحته وكان واضع + رديما تحته، ولهذا قطعه النبي -عليه الصلاة والسلام-.
دل على أن حرز كل شيء بحسبه، لهذا ذكروا أن الغنم إذا كانت مع الراعي وسرقت إن كان الراعي حارسا متيقظا واعيا؛ أحرز، وإن كان نائم وتركها؛ فهي غير محرزة، فهي مهملة غير محرزة، وهذا مثل ما تقدم أن الحرز يختلف بحسب الحفظ وبحسب البلد وبحسب قوة السلطان وضعفه واختلال الأمن وضبطه وهكذا، نعم.
حديث: جيء بسارق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: اقتلوه(1/133)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: " جيء بسارق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: اقتلوه. فقالوا: إنما سرق يا رسول الله. قال: اقطعوه. فقطع، ثم جيء به الثانية فقال: اقتلوه. فذكر مثله، ثم جيء به الثالثة فذكر مثله، ثم جيء به الرابعة كذلك، ثم جيء به الخامسة فقال: اقتلوه " أخرجه أبو داود والنسائي واستنكره، وأخرج النسائي من حديث الحارث بن حاطب نحوه ، وذكر الشافعي وأن القتل في الخامسة منسوخ.
ــــــ
نعم، حديث جابر من طريق مصعب بن ثابت فيه ضعف، لكن شهد حديث الحارث بن حاطب الجمحي ظاهر سنده الصحة عند النسائي حديث الحارث هذا، هذا جمهور علماء يقول: الخبر لم يؤخذ منه إلا قول منسوخ، من + قالوا: إن السارق إذا سرق بعد الثالثة فيه خلاف، تقطع يده إذا سرق المرة الأولى تقطع يده اليمنى، فإن سرق الثانية اختلفوا؛ هل تقطع رجله اليسرى؟ ثم يده اليسرى ثم رجله اليمنى، اختلفوا، بعضهم قال: تقطع يده اليمنى ثم بعد ذلك يعزر، ومنهم من قال: لا تقطع يده+ رجله اليسرى, ثم إن قطع الثالثة يده اليسرى ثم الرابعة: رجله اليمنى، وخالف في هذا آخرون، من قال به أخذ بهذا الخبر.
والخبر هذا حديث الحارث جيد، لكن هناك ما يتعلق بالسارق إذا كثرت سرقته ثم عثر عليه ولا أمكن دفع شره إلا بالقتل, ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقتل لحديث الحارث بن حاطب، ومنهم من قال: هذا خاص به عليه السلام بذلك الرجل؛ لأنه علم -عليه السلام- علم حاله، منهم من قال لا مثل ما جاء في شارب الخمر في عدة أخبار من حديث عبد الله بن عمرو وحديث أبي هريرة أنه يقتل في الخامسة، حديث صحيح من ثلاث طرق، وإن خالف فيه من خالف، ليس بمنسوخ ، فضرب السارق كذلك مثله أو أشد، مثله أو أشد منه، وهو قياس اختيار تقي الدين -رحمه الله-، بل نص عليه -رحمه الله- في جميع الحدود، قال -رحمه الله-: إن كل من لم يزجره الحد وتكرر منه ورأى الحاكم أو الوالي أنه يقتل؛ فإنه يقتل.
......................................................................................(1/134)
ـــــــــــــــــ
هذا القول تؤيده بعض الأدلة، وما جاء في شارب الخمر، وأيضا يؤيده قول بعض أهل العلم: إن التعزير لا حد له؛ التعزير يبلغ به القتل، يبلغ به القتل، ومن أخذ به فإن هذا القول يؤيد قوله، من جهة أنه عليه السلام أمر به أن يقتل كما في هذا الحديث، و+الشواهد تؤيد هذا الخبر، وإن كان خلاف قول الجمهور.
الأسئلة
أحسن الله إليكم، سائل يقول: لماذا تقطع يد السارق ولا يقطع المختلس؟ مع أن كلاهما يتفقان في الأخذ بخفية، وأن المختلس إذا نجح في هذا الاختلاس؛ يعتبر سارقا؟
لا، المختلس يختفي في ابتداء الأمر لكن يسرق من أمام الناس، يعني يأتي يتغافل مثلا صاحب المحل، يتغافل مثلا الموجودين فيختلس، فإذا اختلس انتبه له، ولهذا ما يأتي يختلس مثلا ببصره من هنا ومن هناك، بخلاف السارق يأتي من مداخل، ويأتي في أحوال في ظلام، يأتي في أماكن يتحراها، ما في أحد، يأتي إلى حرز, إلى مكان محرز، فجاءت السنة بالفرق بين الخائن والمختلس والمنتهب وبين السارق، فقال تعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } (1) .
الفرق واضح، الفرق بينهما واضح؛ لأنه ما سرق من حرز من جهة أن الآن موجود عندي يعني الحرز مقفل، لكن هو حرز من جهة لو أنه مثلا ما كان عنده أحد حفظه, وأغلقه هذا المحل، ثم جاء وسرق، كل حرز بحسبه، لا حيلة، لو قيل بعدم القطع؛ لحصل فساد، لو قيل مثلا بالقطع في المنتهب لكان فيه شر، ربما يعني يحصل تطاول وشر؛ لأنه يمكن دفع هذا المنتهب بالانتباه له وبالصياح عليه وبإدراكه وباللحاق به، نعم.
أحسن الله إليكم، وهذا يقول: الدينار كم يساوي بالريال أثابكم الله؟
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - سورة المائدة آية : 38.(1/135)
الدينار أربعة أسباع الجنيه، فعلى هذا يكون ربع الدينار سبع الجنيه السعودي؛ لأن الدينار -مثل ما تقدم- أربعة أسباع الجنيه، وأربعة أسباع الجنيه إذا قلت ربع دينار هو سبع جنيه، فإذا بلغ المسروق سبع جنيه فإنه تقطع يده، وتقوم بحسب قيمته؛ لأن الدراهم هذه تقوم بما تساوي، ما في حد محدود.
مثل ما نقول في نصاب الذهب والفضة مثلا مائتا درهم وعشرون مثقالا، لكن تقوم بما تساوي مثلا، كم يبلغ منهم مثلا خمسة وثمانين جرام، اللي هو عشرين مثقال، على الخلاف من ثمانين أو خمسة وثمانين أو أقل أو أكثر، نقوم نصاب الذهب، ونصاب الفضة مثلا مائتا درهم تبلغ نحو ستمائة جرام، خمسمائة وسبعة وتسعين جراما مائتا درهم، فيقوم هذا إذا بلغ المقدار ثم يحتاط، فإذا شك فيه فيحتاط حتى يبلغ هذا القدر، نعم.
أحسن الله إليكم، الذي يأخذ التمر من أشجار النخل التي في الشارع هل يدخل في السرقة؟
لا، ما يدخل في السرقة، هذا الذي في الشارع ليس مملوكا لأحد، هذا لا بأس أن يحمل؛ لأن الذي ينهى أن يحمل إذا كان شيئا مملوكا، أما إذا كان غير مملوك، وكان لعموم الناس فلا بأس بأن يأخذ لحاجته، يأكل إذا أراد أن يأخذ ويحمل لا بأس؛ لأنه ما وضع إلا للأكل، فيأخذ بقدر حاجته، فهذا شيء غير محرز وغير مملوك، لا يقطع إلا في الشيء المملوك.
واختلفوا في السرقة في بعض الأشياء، فيه أشياء كثيرة اختلف فيها أهل العلم خلافا كثيرا، من جهة أنها يعني له شبهة الملك فيها، من جهة أنه مشاع، فهذا لا شبهة الملك أيضا لأنه موضع للجميع، وليس مملوكا لأحد، فلا بأس أن يأخذ بقدر حاجته، ولو أراد أن يحمل شيئا إلى بيته يحتاج فلا بأس على وجه لا يحصل به فساد أو إضرار للغير ممن هو محتاج مثل حاجته، نعم.
أحسن الله إليكم، ما حكم من يكرر السرقة كثيرا, ولكن سرقته تكون دون النصاب، وكلما سرق؛ وجد أن ما سرق دون النصاب؟
......................................................................................(1/136)
ـــــــــــــــــ
إن كان حيلة هذا منه مثل إنسان جاء إلى حرز فيه مائة ألف ريال، جاء وفتح الحرز هذا صار يسرق على عشرة، يسرق ويطلع ويدخل، يطلع ويدخل، كون هذا حيلة ما تنفع، تقطع يده، لكن لو سرق اليوم, وجاء بكرة وسرق, هذا موضع الخلاف؛ لأنه لو سرق اليوم وبعد أن فات اليوم؛ فقد انتبه أهله وقد علم، لكن لو كان سرق في نفس الحال، سرق ثم خرج ثم سرق، هذا تقطع يده بلا شك، لكن لو سرق مرات عديدة منفصلات، كل سرقة منفصلة عنها في يوم مستقل مثلا يمكن، فهذا يعني يمكن يحتاط، يمكن أن ينتبه له، هذا دون النصاب، بخلاف ما إذا كان حيلة فلا تنفعه فإنه يقطع إذا بلغ المسروق نصابا من المجموع في كل مرة نعم.
أحسن الله إليكم، سائل من الجزائر يقول: ما معنى قوله تعالى: { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } (1) ؟
{ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } (2) يعني لا إكراه في الدين، الدين قد وضح وتبين، وتبين الحق، هذا عند جمهور أهل العلم لمن تؤخذ منهم الجزية، أن من تؤخذ منه الجزية؛ فإنه لا يكره على الدين, إذا كان من أهل الكتاب اليهود والنصارى، فإما أن يخيروا بين الإسلام أو القتال أو الجزية، فإذا سلموا الجزية؛ فبها.
وعلى القول الثاني تكون عامة لجميع الكفرة، هذا اختاره الإمام ابن القيم -رحمه الله-، وقال: لا إكراه في الدين لعموم الكفرة. هذا القول قول جيد قوي أنه نقول لا بأس أن تؤخذ الجزية من جميع الكفرة إذا أذعنوا تحت حكم الإسلام ودخلوا تحت الذمة { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } (3) إذا دخلوا بالصغار، فإنه لا إكراه في الدين، ويدل عليه أن آية التوبة نزلت بعد ذلك، نزلت بعدها حينما دخل عموم الكفرة والوثنيين، حينما دخل المشركون في الإسلام، ولم يبق من الطوائف التي لها قوة إلا بلاد الروم، ولهذا جاءت الآية فيهم.
......................................................................................
__________
(1) - سورة البقرة آية : 256.
(2) - سورة البقرة آية : 256.
(3) - سورة البقرة آية : 256.(1/137)
ـــــــــــــــــ
فإذا قيل بالعموم كان عاما لعموم الكفرة والوثنيين، وهذا قد يقويه من جهة العموم أن كثير من الكفرة اليوم وثنيين، خاصة الهندوس وبلاد الصين، لا يمكن أن يقال أن يدعوا إلى الإسلام أو القتال، فالقول أنهم يكونون بالجزية قول قوي، وأنهم يكونون كاليهود والنصارى، ومن جهة أيضا عموم حديث بريدة في صحيح مسلم، أنه إذا أتيت لما ذكر له قال: " ادع إلى ثلاث خصال " وذكر عموم الكفرة ولم يخص -عليه الصلاة والسلام- صنفا من صنف، دل على أن في عموم الكفرة يدعوهم إلى أخذ الجزية، يدعوهم إلى الجزية وإلى الإسلام وإلى القتال، فأيتهن أجابوا فاقبل منهم، عمم -عليه الصلاة والسلام-، دل على ذلك وهذا قول قوي.
وقول آخر { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } (1) بمعنى أن الدين قد وضح وظهر، فلا إكراه في الدين في الحقيقة، وإذا قيل إن الجزية خاصة لأهل الكتاب, ويكره غيره؛ فلا يكره إلا بحق إكراهه بحق، كالمرتد الذي يكفر على بينة حقا ما فيه إكراه، الإكراه حينما يكون إكراها على غير بينة.
لكن إذا كان عن بصيرة لا إكراه, بحيث يدعى إلى الصلاة, ويدعى إلى التوبة؛ فيأبى، وقد علم أنه على باطل { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } (2) ومع ذلك أصر على الكفر، في الحقيقة ما أكره، الإكراه حينما يكون على غير بصيرة، فإن قيل مثلا بخصوصها لليهود والنصارى فالإكراه من جهة الأمور واضحة والحجة واضحة، فلا إكراه إلا بحق، ثم أيضا مخير، ما أكره، خُيَّر بين هذا وهذا، وإن قيل بالعموم كما تقدم؛ فيكون عاما، ويكون الأمر فيه أوضح، إما بالعهد بينهم وبين أهل الإسلام, وهذا واضح، وإما تحت الذمة والجزية وهذا أوضح، نعم.
...................................................................................
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - سورة البقرة آية : 256.
(2) - سورة النمل آية : 14.(1/138)
أحسن الله إليكم سائل من السويد يقول: ما حكم من يقول: يا ابن الحرام, هل هو قذف؟
ابن الحرام, هذا يعني قد يكون قذفا، لو قذف للوالدة أو الوالدين قذف له، وهذا فيه تفصيل؛ لأن هذا عند الناس أنه قذف، هذا عند الناس أنه قذف، فإذا تبين أنه قذف عوقب، وإذا كان قذفا: يا ابن الحرام, يعني أن والدك من حرام، جاء من حرام، أو أنت من حرام، أو أنت ابن حرام، بمعنى أن أبوك زان، أو أمك زانية، فهذا فإن دلت القرائن فإنه يحكم به لأنه قذف.
ولهذا قال العلماء: لو قال الإنسان تخاصم إنسان قال: أنا لست بزان وليست أمي بزانية، قال: هذا نوع من القذف، ولهذا الكنايات التي تدل على القذف فإنها في حكم القذف، ثم العبارات تختلف من بلد إلى بلد، فإذا كانت كناية واضحة؛ تعمل، كذلك إذا كانت أمرا صريحا في مثل هذا؛ فإنها في حكم القذف الذي يعمل به، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
باب حد الشارب وبيان المسكر
حديث: أُتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب حد الشارب وبيان المسكر
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - " عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُتي برجل قد شرب الخمر, فجلده بجريدتين نحو أربعين. قال: وفعله أبو بكر، فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون، فأمر به عمر - رضي الله عنه - " متفق عليه ولمسلم عن علي - رضي الله عنه - في قصة الوليد بن عقبة: " جلد النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين " وكلٌ سنة وهذا أحب إلي، وفي الحديث أن رجلا شهد عليه أنه رآه يتقيأ الخمر فقال عثمان - رضي الله عنه - إنه لم يتقيأها حتى شربها.
ــــــ(1/139)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
هذا الباب فيه بيان المسكر أو الشارب، وحد الشارب وبيان المسكر، المراد شارب الخمر، والمسكر جميع أنواع المسكرات، وكما سيأتي أن المسكر -على الصحيح- يشمل جميع كل مسكر يغطي العقل، كما قال عمر - رضي الله عنه - والخمر ما خامر العقل.
...................................................................................
ـــــــــــــــــ
ذكر المصنف -رحمه الله- حديث أنس في الجلد، وأن النبي -عليه السلام- جلد أربعين، وهذا الخبر الذي ساقه هو لفظ مسلم، هو في الصحيحين، لكن هذا لفظ مسلم، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلد أربعين، وأبو بكر جلد أربعين، وكذلك أيضا اللفظ الآخر أن عمر جلد ثمانين، فقال: وكلٌّ سنة وهذا أحب إلي.
يظهر والله أعلم بالسنة يعني في نفس جالد الخمر أن جلده أربعين دلت عليه السنة، وكذلك من فعل النبي -عليه السلام- وأبي بكر، وكذلك ثمانين بفعل عمر - رضي الله عنه - وهو إمام يقتدى به - رضي الله عنه - وكل سنة, وهذا أحب إلي.
ومن هذا أخذ العلماء أن الجلد في الخمر ليس فيه عدد محدود، وأنه من باب التعزير، اختلف العلماء في هذا اختلافا كثيرا طويلا في هذه المسألة، والأظهر هو ما جاء في هذه الأخبار أن الخمر ليس فيها حد محدود، ولهذا جاء في أثر عمر - رضي الله عنه - أيضا حينما قال: في آخره إنه رآه يتقيأها، وقال: إنه لم يتقيأها حتى شربها، لما قال وهذا كله سنة, وهذا أحب إلي. فدل على أن جلده واجب، لكن صفة العدد أو قدر العدد الأظهر أنه لم يثبت شيء معين، أو حد محدود لا يجوز تجاوزه.(1/140)
ولهذا -كما سيأتي في حديث معاوية- أنه ربما وصل إلى القتل؛ لأنه من باب التعزير، وعلى هذا نقول إنه يجلد، ويكون النظر في الجلد إلى الوالي والحاكم فيما يجلده به، وينبغي ألا يقتصر على أربعين جلدة، كما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- جاء في حديث عقبة بن الحارث وحديث أبي هريرة أنهم يجلدون بأطراف الثياب والنعال، ويضربون الشارب، ثم بعد ذلك يقوم وينهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن سبه -عليه الصلاة والسلام-.
لكن على هذا يفرق بين مثلا من عتا وأكثر من الشرب وبين من لم يقع منه إلا المرة والمرتين مثلا، فإنه يخفف عليه في مسألة الجلد، وعلى هذا يكون من باب التعزير الذي ينظر فيه بحسب المصلحة المتعلقة بالشارب، وما يردعه عن شرب الخمر، وهذا هو المتحصل بالأخبار، فالصحابة -رضي الله عنهم- لما اختلفوا في شارب الخمر, وفي جلده دل على أنه ليس فيه عدد محدود، وإلا لم يختلفوا.
وفي قصة عمر - رضي الله عنه - قال لما استشار الصحابة -رضي الله عنهم- قال عثمان - رضي الله عنه - أخف الحدود كم؟ ثمانون، أخف الحدود ثمانون، الثمانون جلدة حد من؟ نعم. القاذف، حد القاذف، فالقاذف يجلد ثمانين، وهو أخف
................................................................................
ـــــــــــــــــ
الحدود، ويروى عن علي - رضي الله عنه - قال: إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وحد المفتري ثمانون. لكن هذا في ثبوته نظر، رواه مالك والدارقطني جميعا، وفي ثبوته نظر، وأنكره جماعة كابن حزم وقالوا: إن الهاذي لا شيء عليه, ولا يكون مفتريا لأنه هاذ. ولهذا قالوا: ثبت في الصحيح أنه قول عبد الرحمن بن عوف أنه قال: أخف الحدود ثمانون، فجعله ثمانين، هذا من باب سياسته - رضي الله عنه - في جلد شارب الخمر.(1/141)
في قول عثمان - رضي الله عنه - لم يتقيأها حتى شربها, أيش يؤخد منه؟ هل يشترط في شارب الخمر أن يعترف ولّا ما يشترط؟ نعم؟ لا يشترط، نعم يعمل بالقرينة، لو قال هذا ما هو بخمر, لو قال: هذا ما هو خمر, أيش تقول؟ أيش تقول له, لو قال هذا ما هو بخمر؟
نعم +اترك تعريفه, عرفتم الخمر، نعم يمكن يحتج عليك وقعد يقول يمكن يحتج عليك بمثل هذا كيف عرفتم أنه خمر كيف عرفتم؟
نعم يقول ألستم تقولون: تدرأ الحدود بالشبهات وتجيبون أو تخبروني بهذا هل هذا إلا من أعظم الشبهات، أنا أمامكم الآن وأنتم ما عرفتم, كيف تجعلون هذا مقياسا؟ نعم ماذا؟ هو الآن..نفرض أنه أنكر مثلا أنه الآن ساكت +.
نقول في هذه الحال إن كان الخمر المعروف مثلا الخمر المعروف رائحته + وإن لم يكن يعرف, يؤتى بمن يعرفه ممن قد شربه وتاب منه ويسأل عنه، ويسأل عنه مثلا، إذا ثبت أنه خمر، لكن لو أنكر قال أنا ما أدري أنها خمر ما علمت أنها خمر, أيش نقول؟ ندرأ عنه الحد أم لا ندرأ؟
نعم يقول: أنا كنت, شربت من هذا ولم يعرف أنه خمر، أو شربه هذه حالة شرب ولم يعلم الخمر وأنكر.
نقول: القول قوله.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
كذلك لو إنسان وجد منه رائحة الخمر، نقيم الحد ولّا ما نقيم الحد عليه؟ نعم رائحة الخمر، وجد منه رائحة الخمر الآن، نعم مثل ما قلنا في مسألة من تقيأها، في مسألة من تقيأها أننا إذا ثبت مثلا أن هذه رائحة الخمر فإننا نقيمه، إلا أن ينكره، أن ينكر مثلا أو يدعي دعوى تصدق، ولهذا قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - في ذلك الرجل حينما قرأ السورة وقال: لا يسعك + سورة يوسف ثم قال أحسنت ثم رأى وقد وجد منه رائحة الخمر فأقام عليه الحد - رضي الله عنه - نعم.
حديث: إذا شرب الرابعة فاضربوا عنقه(1/142)
وعن معاوية - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في شارب الخمر: " إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب الثالثة فاجلدوه، ثم إذا شرب الرابعة فاضربوا عنقه " أخرجه أحمد وهذا لفظه والأربعة وذكر الترمذي ما يدل على أنه منسوخ وأخرج ذلك أبو داود صريحا عن الزهري.
ــــــ
حديث معاوية - رضي الله عنه - فيه قتل شارب الخمر في الرابعة, وبعضهم في الثالثة، حديث معاوية هذا حديث جيد، وله شواهد من حديث عبد الله بن عمرو، من حديث عبد الله بن عمر، ومن حديث أبي هريرة، وأحاديث كثيرة في هذا الباب، ولهذا الصواب أن الحديث صحيح بالنظر إلى طرقه.
واختلف العلماء فذهب الجمهور إلى أن القتل منسوخ، واستدلوا بأحاديث هذا الباب، حديث قبيصة بن ذؤيب: رفع القتل بعد ذلك، وحديث جابر، والصواب أنه لا نسخ، والأحاديث التي جاءت بالنسخ ضعيفة، أو لا دلالة فيها، وهذا هو الصواب، وعلى هذا يتأيد ما تقدم أن الخمر أنه من باب ماذا؟ باب التعزير لا من باب الحد، ولهذا قال: فاجلدوه، ولم يذكر حدا معينا في الجلد، ولم يأت في السنة، دل على أن "اجلدوه" يعني الجلد الذي يردعه، ثم يجلد, ثم يجلد, ثم بعد ذلك إن أصر؛ فإنه يقتل.
مر معنا حديث في حد آخر ما هو أيضا فيه ذكر القتل؟ نعم في السرقة، وعن النبي -عليه السلام- قال في الخامسة إنه يقتل، وهذا يبين أيضا أن حد القتل جار في حدود التعزير, وفي الحدود المقدرة، وهذا يبين أنه إذا لم يندفع الضرر إلا بالقتل؛ فإنه يقتل، وهذا بحسب ما يراه الإمام والحاكم في مسألة شارب الخمر، فإن كان لا يردعه إلا القتل, وتكرر منه فإنه له أن يقتله، وعلى هذا أيش يكون التعزير؟ يكون التعزير بابه واسع، من الكلمة التي هي التوبيخ إلى القتل، كما في هذه الأخبار نعم.
حديث: إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه(1/143)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إذا ضرب أحدكم؛ فليتق الوجه " متفق عليه.
ــــــ
نعم، حديث أبي هريرة هذا عند مسلم، في لفظ البخاري: " إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه " أيش مناسبة الذكر هنا؟ هل يظهر مناسبة للذكر في باب الحدود هنا " إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه " ؟ نعم، في الجلد، سواء كان حدا أو تعزيرا، أنه إذا ضرب لا يضرب مع ماذا؟ لا يضرب مع الوجه، لا يضرب مع الوجه؛ لأن الوجه مجمع المحاسن فقد يؤذي، فلهذا نهى عن الضرب في الوجه، والمقاتلة لو حصل بين إنسان مقاتلة ومضاربة، وإن كان مثلا أراد أن يقتص؛ فإنه إذا قاتل؛ فإنه يجتنب الوجه، إنه إذا قاتل وإنه إذا ضرب، يشمل الحدود والتعزير والتأديب الذي يؤدب الإنسان به ولده وأهله، كل هذا يجب اجتناب الوجه كما في هذا الخبر، نعم.
حديث: لا تقام الحدود في المساجد
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا تقام الحدود في المساجد " رواه الترمذي والحاكم.
ــــــ
نعم، حديث ابن عباس هذا من طريق إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف لكن له شاهد من حديث حكيم بن حزام من طريق زفر بن وثيمة ولا بأس به.
وهو النهي عن إقامة الحدود في المساجد، فالحدود لا تقام في المساجد، ولا يجوز إقامتها في المساجد؛ لأنه ربما يحصل تقذير للمسجد بشيء يكون من المقام عليه الحد، خاصة في قضايا القتل أو القطع؛ تجنيبا لها وصيانة لها، فإنها إنما تبنى للصلاة وقراءة القرآن والذكر، كما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- نعم.
حديث: كل مسكر خمر
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: " لقد أنزل الله تحريم الخمر وما بالمدينة شراب يشرب إلا من تمر " أخرجه مسلم.
وعن عمر - رضي الله عنه - قال: " نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل " متفق عليه.(1/144)
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " كل مسكر خمر, وكل مسكر حرام " أخرجه مسلم.
ــــــ
نعم، هذه الأحاديث كلها أحاديث صحيحة كما ذكر المصنف، وفيها بيان المسكر، وأن المسكر يكون من العنب, ومن غير العنب، هذا إشارة إلى الرد على من خالف في المسكر من غير العنب، مثل التمر والشعير والحنطة, وخالف فيها، والصواب أن كل مسكر خمر كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: " كل مسكر حرام, كل مسكر خمر, وكل خمر حرام " .
فالمسكر من جميع الأشياء التي تسكر كما قال عمر - رضي الله عنه - ونزل تحريم الخمر وما بالمدينة من العنب منها شيء، إنما غالب الخمر عندهم من التمر وما أشبه ذلك، وعلى هذا لو أن إنسان مثلا شرب مسكرا، شرب مثلا مسكرا من غير العنب ولم يسكره مثلا ولم يسكره أيش حكمه؟ هل يقام عليه الحد ولّا ما يقام عليه الحد؟ هو ما سكر, نعم لو ما سكر؟ نعم " ما أسكر كثيره؛ فقليله حرام " خالف في هذا بعض أهل الكوفة وقالوا إن غير العنب لا يجلد منه إلا إذا شرب ما يسكر من غير العنب.
والصواب أنه يجلد من الجميع ويقام الحد عليه؛ لأنها لم يكن في المدينة من الخمر إلا من غير العنب، من التمر والحنطة والشعير كما ثبت في الحديث، ولعموم الأخبار أيضا: " كل مسكر خمر وكل خمر حرام " ولهذا كان الصواب هو قول الجمهور في هذا لعموم الأدلة في هذا الباب، وهي حقيقية شرعية، بل حقيقية لغوية في هذا الباب، ولم يعرف الصحابة -رضي الله عنهم- هذا التفصيل، بل لما نزل تحريم الخمر هل سألوا واستفسروا عن الخمر, ولَّا أراقوها؟ نعم أراقوها، فيستدل على أن الخمر شامل للجميع، نعم.
حديث: ما أسكر كثيره فقليله حرام
وعن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما أسكر كثيره فقليله حرام " أخرجه أحمد والأربعة وصححه ابن حبان.
ــــــ(1/145)
بمعنى أحاديث صحيحة، وبمعنى حديث عائشة أيضا " ما أسكر ملء الفرق فملء الكف منه حرام " لكن لو أن إنسانا أخذ خمرا فتمضمض بها أيش حكمه أيش تقولون؟
ما يحد لماذا؟ إنما يحد متى؟ إذا شربها، كذلك لو أن إنسانا مثلا صائم وتمضمض هل يفطر ولَّا ما يفطر؟ ما يفطر، دل على أن الحكم متعلق بماذا؟ بإدخالها الجوف، كذلك الخمر الحكم متعلق بماذا؟ بإدخالها الجوف، فلا يقام عليه، فلا يأخذ حكم مسكر, أو شارب مسكر إلا إذا وصلت إلى جوفه، لكن لو تمضمض بالمسكر, أيش حكمه؟ ما يترك، يعزر، لو إنسان تمضمض بها عابثا, فإنه يعذر؛ لأنه يجب عليه اجتنابها، فلا يجب ملامستها، إذا فعل فإنه يؤدب بالأدب اللائق بأمثاله، نعم.
حديث: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينبذ له الزبيب في السقاء فيشربه
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينبذ له الزبيب في السقاء فيشربه يومه والغد وبعد الغد، فإذا كان مساء الثالثة شربه وسقاه، فإن فضل شيء أهراقه " أخرجه مسلم.
ــــــ
هذا المصنف -رحمه الله- أشار إلى أنه ليس كل نبيذ أو ينبذ يكون خمرا لا، هناك بعض الأنبذة لا بأس من شربها، فنبيذ الزبيب مثلا والتمر، لو إنسان وضع مثلا زبيب في ماء لأجل أن تظهر طعم التمر مثلا أو العنب فلا بأس في ذلك، يكون عصيرا يشربه لا بأس.
ولهذا كان النبي ينبذ له -عليه الصلاة والسلام- في ماء إما تمر أو زبيب، فيشربه اليوم ومن الغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة، فإما أن يشربه " شربه وسقاه " يعني شرب أو سقى يعني يسقيه أحد خادم أو غيره، فإن فضل شيء أهراقه خشية أن يتغير، وينبغي الاحتياط في مسألة ما ينبذ، وهو يدل على أنه النبيذ ما دام أنه لم يتغير؛ فلا بأس من شربه بجميع أنواعه، وينبغي التحري إذا نبذ نوعين تمر وزبيب وما أشبه ذلك؛ فإنه يسرع إلى الإسكار، وجاءت الأخبار في النهي عن ذلك لأنه إذا اجتمعا فإنه يكون أبلغ في تغير الماء، نعم.(1/146)
حديث: إنها ليست بدواء ولكنها داء
وعن أم سلمة -رضي الله عنها- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم " أخرجه البيهقي وصححه ابن حبان.
وعن وائل الحضرمي " أن طارق بن سويد -رضي الله عنهما- سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الخمر يصنعها للدواء فقال: إنها ليست بدواء ولكنها داء " أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما.
ــــــ
نعم، حديث أم سلمة " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم " والحديث معنا طارق بن سويد، لا يجوز التداوي بالخمر، وهذا هو الصحيح، و " إنها داء وليست بدواء " كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- ولهذا قال: " لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم " وهذا من طريق حسان بن مخارق وفيه بعض الضعف، لكن ثبت له طرق وثبت موقوفا من حديث ابن مسعود عند البخاري معلقا مجزوما به، وجاءت الأخبار عند أبي داود وغيره في النهي عن الدواء الخبيث، فلا يجوز التداوي بها وجعلها دواء، للنهي عنها وأنها من الدواء الخبيث، وأنها داء.
لكن لو أراد إنسان أن يشربها، إنسان اشتدت به ذروة العطش وأراد أن يشرب الخمر، أيش نقول؟ هل يجوز ولَّا ما يجوز؟ هل نقول تحل له الخمر الآن كما تحل الميتة ويجوز أن يشرب الخمر كما يجوز أن يأكل الميتة, في حال المخمصة؟ نعم؟ يجوز، لماذا ؟ لأنه مضطر، ولا يجوز لماذا؟ بعض الإخوان يقول: يجوز، والبعض يقول: لا يجوز نعم؟ نعم كيف؟ أي يعني هذا حال ضرورة، طيب نعم يعني تزيده عطشا ما تنفعه، على هذا نستفسر، نقول الخمر هذه هل تزيد عطشه ولَّا تروي عطشه؟ إن كانت تزيده عطشا فلا يجوز، وإن كانت لا تزيد عطشه فلا بأس، مثل لو كانت مثلا ممزوجة بماء كثير وممكن تزيل عطشه وإلا فلا يجوز.(1/147)
طيب لو كان عند إنسان ماء نجس, وماء خمر، ماء نجس وخمر أيهما يقدم؟ يقول: الخمر تسكر نعم يقول: ما أدري + يقول: علموني يقول ما أدري أشرب الماء النجس ولّا الخمر، يقول + عنها يعني أثرها، يعني في حال ضرورة الآن، ولا شك إن كان مثلا النجاسة ثبت إنها فيها ضرر وتزيده ضرر, ما في إشكال لكن نبهم الأمر ما ندري، نعم + ومحتمل يعني مثل ما اختلفتم في هذا فالخمر لا يجوز شربها؛ لأنه في الحقيقية ربما يقع في سكر ويقع في ضرر، وما دامت النجاسة لنجاسة هي ليست نجاسة عينية ماء نجس مثلا فالأمر فيه أخف، ليست نجاسة عينية إلا إذا فرض أنها لم تقبلها نفسه، هو لم تقبلها نفسه، هذا قد يعفى عنه لأنه لا بأس أن يشرب، يدفع الضرر بالخمر إذا كان ثبت أنها تدفع الضرر، إذا كان لم تقبلها نفسه، نعم.
باب التعزير وحكم الصائل
حديث: لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله
باب التعزير وحكم الصائل.
عن أبي بردة الأنصاري - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله " متفق عليه.
ــــــ
نعم، حديث أبي بردة سبق الإشارة إليه, وأنه في التعزير، التعزير وحكم الصائل، وأنه " لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله " وسبق معنى هذه الحدود حدود الله، ما المراد بالحد من حدود الله؟ هل المراد الحدود المقدرة أو حدود الله بمعنى التي حدها وحرم تجاوزها؟ نعم.
" لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله " .
إذا كانت المقدرة لو إنسان شهد زورا + نجلده؟ هل نزيد على عشرة أسواط إذا قلنا إن الحد من الحدود مقدرة ولَّا ما نزيد؟(1/148)
لكن الخبر سبق أن ذكرنا أن الأظهر فيه ماذا؟ أن المراد بالحدود هنا الحدود التي هي بمعنى حدود المعاصي التي منع تجاوزها، سواء تجاوز حدود الحلال أو حدود الحرام، هذا هو الصواب فيه، وعلى هذا يجوز في التعازير أن تتجاوز العشرة أسواط، وسبق -كما ذكرنا- عن بعض أهل العلم أنه حملها على أشياء خاصة ما هي؟ نعم تأديب الرجل، نعم تأديب الرجل ولده, وأهله, وخادمه, وما أشبه ذلك، وهذا هو الصواب، نعم.
حديث: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود " رواه أبو داود والنسائي.
ــــــ
نعم، حديث عائشة من طريق عبد الملك بن زيد بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وفيه كلام لكن قواه بعضهم كالنسائي وقال: لا بأس به.
وفيه: " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود " وذلك الرجل الذي له هيئة وله شرف تقع منه الزلة, فهذا يعفى عنه، خلاف المتهتك المنهمك في المعاصي؛ فهذا يقام عليه الحد، يقام عليه حد الله بمعنى ما يجب من التعزير.
أما الحدود المقدرة فهذه يجب إقامتها على الشريف والوضيع؛ ولهذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: " لو أن فاطمة بنت محمد سرقت؛ لقطعت يدها " وقد برأها الله من ذلك -رضي الله عنها-، والمراد مثل ما تقدم من تقع منه الزلة والهفوة سواء كان من أهل الصلاح أو من أهل الشرف والهيئة؛ ولهذا قال: " إلا الحدود " فإنه يجب إقامتها وعدم التساهل فيها نعم.
قول علي: ما كنت لأقيم على أحد حدا فيموت فأجد في نفسي إلا شارب الخمر
وعن علي - رضي الله عنه - قال: ما كنت لأقيم على أحد حدا فيموت فأجد في نفسي إلا شارب الخمر فإنه لو مات وديته. أخرجه البخاري.
ــــــ
كذلك أخرجه مسلم أيضا، لكن هذا لفظ البخاري، وأخرجه مسلم وفيه: ( لإنه إن مات وديته ) مثل ما تقدم.(1/149)
وهذا أيضا شاهد لما تقدم أن الخمر حد مقدر ولَّا تعزير؟ تعزير +على الأقل هي سنة, ولهذا اختلف الصحابة فيه، قال: "فأجد في نفسي شيئا" يعني فإنه لو مات وديته، لكن لو أن جاء شارب خمر مثلا وجلد أربعين جلدة جلدا معتادا فمات، هل تجب ديته على الحاكم والوالي؟ جلد أربعين جلدة، هل تجب ديته ولّا ما تجب، فمات لما جلد؟
نعم، يعني لا يودى إلا إن كان فيه تفريط، إذا جلده وهو شديد المرض أو في حال برد شديد، إذا حصل فيه التفريط وهذا هو الصواب.
ولهذا قال علي - رضي الله عنه - اجتهادا منه، وظاهر النصوص أنه لا شيء عليه، لأننا نقول إن مات بلا تفريط فالحق ماذا؟ قتله، وهو قتيل الرحمن ولا يودى، وهذا هو الصواب، وهو قول الجمهور سواء كان في الحدود المقدرة, أو الحدود غير المقدرة، ما دام إنه ما فيه تعدي ولا مجاوزة للقدر المحدد في حد أو تعزير، نعم.
حديث: من قتل دون ماله فهو شهيد
وعن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: " من قتل دون ماله فهو شهيد " رواه الأربعة، وصححه الترمذي.
ــــــ
وهذا مثل ما ذكر حديث صحيح، سبق الإشارة إلى هذا الخبر، والمصنف -رحمه الله- ذكره في حد الصائل لماذا؟ إشارة إلى أن الصائل من صال عليك، صال على إنسان في أهله وماله فإنه يدافع، فقال " من قتل دون ماله فهو شهيد " قال: " يأتي الرجل يقاتلني؟ قال: قاتله. قال: فإن قتلته؟ قال: فهو في النار. قال: فإن قتلني؟ قال: فأنت شهيد " .(1/150)
ولهذا قال: " من قتل دون ماله " وسبق ذكره بشيء من التفصيل فيما يتعلق بمشروعية المقاتلة أو من عدمها، وأن الأصل هو مشروعية المقاتلة، وكما قال -عليه الصلاة والسلام- قال: " قاتله " حديث سعيد بن زيد هذا هو الذي رواه الأربعة، وسبق أن الحافظ -رحمه الله- ذكر حديث عبد الله بن عمرو، وأن الصواب عزوه إلى الصحيحين " من قتل دون ماله فهو شهيد " وهذا هو في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو " من قتل دون ماله فهو شهيد " دون أربعة، دون أهله ونفسه ودينه، زيادة هذه الثلاثة نعم، عند الأربعة من حديث سعيد بن زيد، عند الأربعة من قتل دون ماله وأهله ونفسه ودينه فهو شهيد، نعم.
حديث: تكون فتن فكن فيها عبد الله المقتول ولا تكن القاتل
وعن عبد الله بن خباب - رضي الله عنه - قال: سمعت أبي - رضي الله عنه - يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " تكون فتن؛ فكن فيها يا عبد الله المقتول ولا تكن القاتل " أخرجه ابن أبي خيثمة والدارقطني. وأخرج أحمد نحوه عن خالد بن عرفطة - رضي الله عنه - .
ــــــ
حديث عبد الله بن خباب هذا، عبد الله بن خباب تابعي مشهور، أبوه خباب صحابي - رضي الله عنه - والحديث الشاهد حديث خالد بن عرفطة من طريق علي بن زيد بن جدعان وله شواهد كثيرة في الباب، حديث سعد بن أبي وقاص عند أحمد والترمذي شواهد، والمصنف -رحمه الله- أورد هذه الأخبار " فكن عبد الله المقتول ولا تكن القاتل " ولفظ حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - " كن كخير ابني آدم " يعني لا تقاتل وسلم نفسك في حال الفتنة.
وهذه إشارة من المصنف -رحمه الله- إلى أن المقاتلة إذا كانت في حال الفتنة؛ فالعبد عليه ألا يقاتل، اختلف العلماء في هذا، هل يقاتل أم لا يقاتل؟(1/151)
والصواب أنه إن كان دخل عليه بيته، إن كانت فتنة, وشملت البيوت, فيعرض ويسلم حتى تزول الفتن، وإن كانت الفتن يعني إذا كانت الفتن عامة وشاملة كما فعل عثمان - رضي الله عنه - " كن عبد الله المقتول لا عبد الله القاتل " خاصة إذا لا يدري القاتل فيم قتله والمقتول فيم قُتل، في حال الفتن, والخلاف.
أما في حال النهب والسلب وما أشبه ذلك وهو يريد المال وما أشبه ذلك فالإنسان يدفع عن أهله وماله، كما جاءت النصوص في هذا الباب، في الدفع عن الأهل والمال كما تقدم، والله أعلم.
الأسئلة
سائل يقول: أحسن الله إليكم. ما حكم التجارة في الخمور وما حكم شرائها إذا كانت خمورا مخففة؟
...................................................................................
ـــــــــــــــــ
الخمور محرمة لا يجوز، التجارة فيها حرام بإجماع المسلمين، مخففة وغير مخففة، ما دام هذا خمر فلا يجوز البيع فيها ولا الشراء، بل لا يجوز حملها، لعن الله الخمر، حاملها، شاربها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وآكل ثمنها وبائعها ومبتاعها، وآكل ثمنها، كلهم ملعونون على لسان النبي -عليه الصلاة والسلام-، حديث ابن عمر وحديث ابن عباس وحديث أنس، وهذا محل اتفاق ولا + مسلم في تحريمه, ما في إشكال في مثل هذا، نعم.
أحسن الله إليكم: ما حكم الوضوء بالخمر إذا ما علمنا أنها طاهرة بدليل رائحتها أو إراقتها في شوارع المدينة وهل تصح الصلاة بهذا الوضوء؟
الوضوء بالخمر لا يصح، الوضوء يكون بالماء، إنما اختلف العلماء في مسألة النبيذ، حديث عبد الله بن مسعود أنه قال شراب طهور وحديثه لا يصح استدل به أهل الكوفة أنه يجوز الوضوء به في حال السفر إذا عدم الماء، إذا عدم الماء قالوا لا يتيمم، والصواب هو قول الجمهور بأنه لا يجوز التوضؤ.(1/152)
أما النجاسة فيها بحث طويل معروف لأهل العلم في هذا الباب، والجمهور على نجاستها، أما إراقتها في المدينة لا يدل على طهارتها، لأن إراقتها لأجل إشاعتها ولأجل أن تشتهر وتظهر وتشتهر، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإراقتها حتى تظهر للناس ويتبين، وإن كان فيها نجاسة وإن كانت نجسة على قول الجمهور، لكن مصلحة إشاعتها وإظهار تحريمها يغلب على ما يحصل من نجاستها، هذا على قول الجمهور، والمسألة فيها بحث معروف ذهب ربيعة وجماعة كالصنعاني وجماعة من أهل العلم إلى طهارتها، لكن الجمهور أخذوا بعموم الأدلة التي جاءت فيما يدل على نجاستها، نعم.
أحسن الله إليكم: البنج الذي يستعمل في المستشفيات هل هو مسكر أم لا وما حكم استخدامه؟
البنج مرقد وليس مسكرا، من المرقدات، فيجوز استخدامه للحاجة، لأنه من المرقدات، المسكر يسبب يعني شيئا من النشوة والطرب هذا هو المسكر، أما المرقدات هذه إن كان لحاجة فلا بأس، وثبت احتياج إليها كالبنج ونحوه، أما مع عدم الحاجة؛ فلا يجوز مثلا شرب أو تناول بنج، فهذا لا يجوز؛ لأن تغييب العقل حرام، ولو فعل؛ فإنه يعزر، إلا ما كان من أنواع المخدرات؛ فإنها أقبح من المسكرات.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
فعندنا أنواع ثلاثة: مرقدات ومسكرات ومفسدات، مفسدات كالمخدرات وأنواعها، والمرقدات هذه تجعل الجثة هامدة، هذا مثل ما تقدم يجوز استخدامها للحاجة كالبنج ونحوه، نعم.
أحسن الله إليكم: شراب الشعير وعصير التفاح تأخذ مدة وهي في العلب وتشرب فما حكمها؟
المقصود المعول على الإسكار، إذا قذف بالزبد وأسكر فلا يجوز، وإن كان ما أسكر ولم يتغير فلا بأس، وإن أشكل الأمر فيجتنبه، ولهذا النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يهريقه، يهريقه -عليه الصلاة والسلام- من باب الاحتياط.
أحسن الله إليكم: وحكم شرب البيرة؟(1/153)
المانع الإسكار، جاء في حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الجعة وهو نبيذ الشعير، فإذ كان الشعير مسكرا أو يتغير؛ فلا يجوز، أو تبين مثلا أنه ظهر فيه الإسكار؛ فلا يجوز، فالمعول على التغير، وإذا أشكل الأمر فإنه يجتنبه، والأصل في النبيذ الجواز, مثل ما تقدم إلا في ظهور الإسكار أو عند الإشكال.
أحسن الله إليكم: ما الفرق بين الحد والتعزير؟
الحد: الذي ثبت فيه الحد من الحدود - مثل القذف والسرقة سواء كان قطعا أو جلدا، والتعزير ما لم يثبت فيه شيء، ما لم يثبت فيه شيء مثل أنواع المعاصي، يقول العلماء: كل معصية لا حد فيها ولا كفارة؛ فإنها من أنواع التعزير، وبعضهم قال: لا حد فيها، وإن كان فيها كفارة, مثل مثلا جامَع في رمضان أو ظاهر من أهله فإن فيه كفارة لكن مع ذلك آثم، فيجتمع التعزير والكفارة على الصحيح، قولهم: "ولا كفارة" موضع نظر، والصواب أنه كل معصية لا حد فيها وإن كان فيها كفارة.
أحسن الله إليكم: هل يشترط لشارب الخمر أن يعترف أم لا؟
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
نعم، يشترط أن يعترف كما تقدم, إلا إذا ظهرت رائحتها, وتبين أنها خمر، أو تقيأها أو تبين أنها خمر، ولم يذكر شيئا وعذرا يمنع إقامة الحد عليه، فإنه يقام عليه الحد كما هو مذهب مالك -رحمه الله ورضي عنه- كذا وقول ابن مسعود، وكما تقدم هو قول مالك، نعم.
أحسن الله إليكم: هل يجوز السفر للسياحة في بلد يباع فيه الخمر علانية؟(1/154)
لا يجوز، بلاد المعاصي لا يجوز السفر إليها إلا على جهة الإنكار للمنكر أو الدعوة إلى الله، أما السياحة في البلاد التي تظهر فيها المعاصي ظهورا واضحا بيِّنا ويشاهدها, فالأصل فيها عدم الجواز، أما إذا كانت مستترة, وليست ظاهرة؛ فلا بأس، أما إذا كانت ظاهرة وعلنا فهو حرام ولا يجوز؛ لأنه يجب عليه الإنكار، ويذهب إلى هذه البلاد ويسكت فلا، فإن كان لمصلحة شرعية, لعلاج مثلا أو مصلحة تتعلق بعموم+ الدعوة إلى الله وما أشبه ذلك فلا بأس، أما لغير ذلك مع الظهور فلا.
أحسن الله إليكم: هل تدخل شجرة القات في المسكرات, ويعزر، وما حكم بيعه مع الدليل أحسن الله إليكم؟
نعم، ما يجوز لأنها حقيقة أشد من الدخان، وفيها من الفساد والشر الشيء الكثير، فهذا لا يجوز تناولها، لا يجوز تناولها وفيها من الإفساد ربما كان أبلغ من الدخان، فلا يجوز تناولها لما فيها من أضرار، وذكروا فيها أضرارا كثيرة، ومن اعتادها لم يصبر عنها؛ فلهذا هي تحرم وفيها التعزير، وإذا ثبت أنها تسكر يقام عليه حد السكر، + من أهل العلم أنه يجب إقامة حد شارب الخمر على شارب الدخان، كتاب لجمع من أئمة الدعوة قال إنها تسكر، والرسول نهى عن كل مسكر ومفتر كما في حديث أم سلمة، فالمقصود من هذا يبين التشديد في أمثال هذه الأشياء، نعم.
أحسن الله إليكم: هل يقام حد شارب الخمر على من شربها متأولا كأن يشربها للعلاج؟
...................................................................................
ـــــــــــــــــ(1/155)
إن كان يعلم أنه لا يجوز شربها؛ يقام عليه الحد، وإن كان شربها متأولا أو مقلدا؛ ففي هذه الحال الجمهور على أنه يقام عليه الحد؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما عذر قدامة بن مظعون وأصحابه حينما شربوها، وأمر بإقامة الحد عليهم، لكن إن شربها مقلدا، إن شرب مثلا من غير العنب مثلا مقلدا محتمل، والأظهر -والله أعلم- أن التقليد في المسائل الخلافية التي الخلاف فيها ضعيف لا يجوز، خاصة أن الخمر يدعو قليلها إلى كثيرها، بخلاف غيرها من المسائل الخلافية لا يدعو قليلها لكثيرها، فالخمر يقام حد الشارب ولو كان متأولا من جهة أن الخلاف ضعيف، وأن قليلها يدعو إلى كثيرها.
أحسن الله إليكم: لدي أخ شقيق يكبرني بثلاث سنوات لا يصلي، وإن فعل ففي البيت، رغم أني لا أراه يفعل فأكره منه ذلك، خاصة إذا سمعنا نداء الأذان، فأقوم وأذهب إلى المسجد وأعود وهو على جلسته وكأن الأمر لا يعنيه، فيتضح الغضب على وجهي... إلى أن يقول: فتقاطعنا لفترات طويلة، فهل أنا آثم في ذلك رغم أني حاولت ألا أغضب منه ولكني لم أستطع ؟
الواجب المناصحة، أن تناصحه ولا تقاطعه لعل الله يهديه، وإذا رأيت أنك تناصحه أحيانا وتبين له أحيانا فلا بأس، تجتهد في باب النصيحة له لعل الله يهديه، لعل الله يمن عليه بالهداية، وإن قاطعته أحيانا لأجل المصلحة، لعله مثلا يرجع، ولعله يؤثر عليه فلا بأس، ترى ما هو الأصلح في ذلك، لأن الهجر في هذا والوصل مبني على المصلحة، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
كتاب الجهاد
حديث: من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه به
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب الجهاد.(1/156)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه به مات على شعبة من نفاق " رواه مسلم.
ــــــ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
يقول المصنف -رحمه الله-: كتاب الجهاد.
قبل ذلك بعض الإخوان كان يرغب لو أخذنا أحاديث أكثر، لاحظوا انقطاعا وأيضا اختصارا في الكلام عن بعض الأحاديث كذلك، وأنا أعتذر للإخوان من جهة أنه حصل لي بعض الجهد، عندي شيء من الالتهاب في الأذن قديم من حدود سنة، ولهذا مع الدروس يصل لي بعض الجهد والتعب فلقد لاحظت العام الماضي في بعض دورات رمضان وبعض الدروس وفي الحج، بعض الدروس المتواصلة يحصل بعض التعب، وربما يشق علي بعض الكلام.
...................................................................................
ـــــــــــــــــ
ولهذا ربما احتجت إلى الانقطاع عن الدروس حصل اختصار الكلام على بعض الأحاديث مع أنها مهمة، لكن نقول الحمد لله على كل حال، ولهذا سوف نأخذ ما تيسر خاصة من بعض الأبواب المهمة.
والكتاب كتاب الجهاد كتاب مهم، ونتكلم على ما تيسر من الأخبار والأحاديث في هذا الباب نسأله -سبحانه وتعالى- أن يرزقنا التوفيق والسداد آمين، إنه جواد كريم.
الجهاد: لا شك أنه جهد النفوس، والجهاد باب عظيم من أبواب الجنة، وقد جاءت الأدلة الكثيرة في فضل الجهاد وعظيم عاقبته الحميدة في الدنيا والآخرة، ولهذا قال سبحانه وتعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ } (1) .
لأنه كره من جهة للنفوس؛ لأنه يشق على النفوس أن تبذل, وأن يجاهد الإنسان، ربما فاتت نفسه، ربما فات شيء منه، فلا شك ربما فيه فوات النفوس وفوات الأموال.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 216.(1/157)
ولكن لما فيه من المصالح العظيمة شرعه -سبحانه وتعالى- وقتال الكفار، ولهذا أجمع المسلمون عليه وعلى مشروعيته، وقد جاء في الأخبار عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه بني الإسلام على خمس ولم يذكر فيها الجهاد مع أنه سنام الإسلام.
قال بعض أهل العلم: إنه لم يذكر لأن وجوبه ليس وجوبا عاما عينيا، إنما يجب عينيا في بعض الأحوال، هذا هو السبب الأول، السبب الثاني: أن الجهاد لا يستمر إلى قيام الساعة، وليس من الشرائع المستمرة التي تستمر إلى قيام الساعة وخراب الدنيا، إنما يستمر إلى نزول عيسى بن مريم -عليه الصلاة والسلام- ويضع الجزية، وتكون ملة واحدة في الأرض كلها، ولا يقبل إلا الإسلام كما هو، ولكن حتى يكون حجة على اليهود والنصارى، حجة عليهم. فالمقصود أنه بهذا جاء في حديث ابن عمر وغيره ذكرت أركان الإسلام ولم يذكر معها مع ما فيه من الأدلة العظيمة.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
وهذا الحديث حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - " من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق " استدل به من قال إن الجهاد واجب على العين، واجب عينا على كل شخص، هذا قاله بعض أهل العلم، قالوا: يجب الجهاد عينا على كل شخص، قالوا يجب عليه، وقالوا من مات ولم يغز, ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق، وقالوا إنه يجب عينا.
والأظهر مثل ما تقدم أنه يجب وجوبا كفائيا؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يخرج بأصحابه ويبقى بعض أصحابه.
وقال -سبحانه وتعالى-: { فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ ×pxےح !$sغ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) } (1) .
__________
(1) - سورة التوبة آية : 122.(1/158)
دل على أن طائفة تخرج وطائفة تبقى، والنبي -عليه الصلاة والسلام- في عدة أخبار جاء ما يدل على هذا، فدل على أن وجوبه وجوبا كفائيا.
إلا أنه يجب عينا في بعض الأحوال، مثل ما لو دهم العدو بلاد المسلمين، أو عند استنفار الإمام، وكذلك إذا تقابل الصفان والتقى الزحفان كان الجهاد عينيا في هذه الثلاثة أحوال، ومثله مثل ما تقدم إذا عينه، إذا نص عليه سواء كان عاما أو تعيينا خاصا.
وهذا الحديث يدل على أن جنس الجهاد واجب عيني، جنس الجهاد، وهذا هو الصحيح أن جنس الجهاد يجب عينا على كل شخص، كل مكلف يجب عليه جنس الجهاد، لأن الجهاد يطلق على جهاد الكفار، وهو جهاد بالنفس وجهاد بالمال وجهاد باليد وجهاد بالبدن وجهاد بالمال وجهاد باللسان، جنس الجهاد واجب، لكن جهاد الكفار في بعض الأحوال يكون عينا كما تقدم، نعم.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
وقال سبحانه وتعالى: { فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ ×pxےح !$sغ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) } (1) دل على أن طائفة تخرج، وطائفة تبقى والنبي -عليه الصلاة والسلام - في عدة أخبار جاء على ما يدل على هذا، ودل على أن وجوبه وجوبا كفائيا؛ إلا أنه يجب عينا في بعض الأحوال؛ مثل ما لو دهم العدو بلاد المسلمين، أو عند استنفار الإمام، وكذلك إذا تقابل الصفان، والتقى الزحفان؛ كان الجهاد عينيا في هذه الثلاثة أحوال.
__________
(1) - سورة التوبة آية : 122.(1/159)
ومثله ما تقدم إذا عينه إذا نص عليه سواء كان عاما، أو تعيينا خاصا، وهذا الحديث يدل على أن جنس الجهاد واجب عين، جنس الجهاد، وهذا هو الصحيح، أن جنس الجهاد يجب عينا على كل شخص، كل مكلف يجب عليه جنس الجهاد، لأن الجهاد يطلق على جهاد الكفار، وهو جهاد بالنفس، وجهاد بالمال، وجهاد باليد, وجهاد بالبدن، وجهاد بالمال، وجهاد باللسان , جنس الجهاد واجب؛ لكن جهاد الكفار في بعض الأحوال يكون عينا كما تقدم، نعم.
حديث: جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم
وعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم " رواه أحمد والنسائي وصححه الحاكم.
ــــــ
حديث أنس حديث صحيح، وهذا فيه الأمر بالجهاد " جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم " وفي لفظ: " وأيديكم " ما معنى بأنفسكم؟ جاهدوا المشركين، هذا أمر بالجهاد، والجهاد بالأموال من أعظم الجهاد، ولهذا قدم على الجهاد بالنفس في بعض الآيات: { بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ } (1) تجاهد بنفسك في سبيل الله، يجعلها ويبيعها رخيصة في سبيل الله، وألسنتكم: جاهد الكفار بلسانك، بالقلم، بالخطبة، بالكتابة بالكلمة، كل هذا من الجهاد الذي يحصل به الخير للمسلمين، من جهة الأمر به، وكل إنسان عليه من الجهاد بحسب حاله، بحسب ما يستطيعه، نعم.
حديث: يا رسول الله على النساء جهاد
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: " قلت: يا رسول الله، على النساء جهاد؟ قال: نعم. جهاد لا قتال فيه، هو الحج والعمرة " رواه ابن ماجه، وأصله في البخاري.
ــــــ
__________
(1) - ##سورة التوبة آية : 41.(1/160)
نعم، حديث صحيح هذا، قال: لما أخبر النبي أن جهادهن لا قتال؛ الحج والعمرة، وفي لفظ عند النسائي: " جهاد الصغير والكبير، والضعيف، الحج. -أو قال: الحج والعمرة- " حديث أم سلمة وفي لفظ عن أم سلمة، عند ابن ماجه بسند ضعيف: " الحج جهاد كل ضعيف " كل ضعيف، لا شك أن الحج جهاد؛ لأن فيه مشقة، وفيه يعني بذل الجهد؛ ولهذا كان جهاد كل ضعيف الحج.
وإذا قال: " جهادكن الحج والعمرة " ؛ أخذ العلماء من هذا أن جهاد الكفار لا يجب على النساء؛ لكن هل يشرع لهن؟ هل يشرع للمرأة أن تجاهد؟
الأظهر أن لها أن تجاهد إذا أمكن ذلك، هذا الأقرب إذا أمكن ذلك، بأن تكون امرأة -مثلا- احتيج لها مع حلول شوكة الكفار، لعلاج الجرحى، لمداواة المرضى، للإعانة، لتسليم السهام والسلاح، مناولة السلاح، دلالة على بعض الأمور التي يمكن أن تدل عليها -كما كانت أم سليم مع النبي -عليه السلام- وكان مع أم عطية، كانت أم سليم -رضي الله عنها- معها خنجر فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - " ما هذا يا أم سليم؟ قالت: إن دنا مني أحد من المشركين بعجت، أو قالت: شققت به بطنه " فلم ينكر عليها النبي عليه الصلاة والسلام ذلك.
وكانت عائشة -رضي الله عنها- ومن معها من النساء كن يملأن القرب، وربما قال: كنت أرعى خدم سوقهن، وهن ينقلن القرب يفرغنها في أفواه الجرحى وأفواه المحتاجين من المجاهدين؛ فهي إذا حضرت وأعانت فهي على خير؛ لكن ليس بواجب عليها لكن، لو حضرت وأعانت فيما تستطيعه؛ فلا بأس منه؛ لهذه الأخبار. وقد بوب البخاري عدة أبواب فيما يتعلق بجهاد المرأة، أبواب يتعلق بإعانتها في أمر الجهاد. نعم.
حديث: ففيهما فجاهد(1/161)
وعن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: " جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأذنه في الجهاد، فقال أحي والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد " متفق عليه ولأحمد وأبي داود من حديث أبي سعيد نحوه، وزاد: " ارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك وإلا فبرَّهما " .
ــــــ
حديث عبد الله بن عمرو كما ذكر - صلى الله عليه وسلم - متفق عليه، وفيه أنه سأل المستأذن، قال أحي والداك؟ فقال: " فيهما فجاهد " دل على أن الجهاد لا يجب على من منعه والداه إذا لم يكن متعينا، وهذا يدل عند الجمهور على أن الجهاد لا يجب عينا إلا في أحوال، ولهذا قال: " فيهما فجاهد " .
وفي الرواية الثانية عن أبي سعيد الخدري " ارجع فاستأذن أبواك وإلا فبرهما " يعني: أمره أن يبرهما، + في الورد الراجع+ المفيد ابن سمعان أن الحديث فيه ضعف، هذه رواية أبي سعيد، وفي حديث عبد الله بن عمر عند أبي داود في لفظ آخر أنه قال: " ارجع فأضحكهما " ؛-لأنه أبكاهما- " ارجع فأضحكهما كما أبكيتهما " دل على أنه يجب استئذان الوالدين -الوالد والوالدة- في الجهاد؛ فإن أذنا له وإلا لا يجوز أن يجاهد إلا بإذنهما؛ ما دام أنه لم يتعين عليه. نعم.
حديث: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين
وعن جرير البجلي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين " رواه الثلاثة وإسناده صحيح، ورجح البخاري إرساله.
ــــــ(1/162)
رجح البخاري إرساله-رحمه الله- من جهة قيس بن أبي حازم عن جرير؛ لكن المعتمد ثبوت وصله، مثل ما في هذا قال: أنا بريء ممن يقيم بين المشركين يعني: المسلم الذي يقيم بين المشركين برئ منه -عليه السلام- " أنا بريء من كل مسلم " أدخل "من" على "كل" و"كل" من أبلغ صيغ العموم؛ بل قال علماء الأصول: إن سورها أعظم الأسوار؛ ولهذا يدخل فيها ما لا يدخل فيه غيرها " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين " يعني نهى عن الإقامة بين المشركين، هذا بحث فيه كلام طويل + لأهل العلم في هذه المسائل.
هذه المسائل من الأشياء المهمة، لا يحل لمسلم أن يقيم بين المشركين بلا حاجة؛ ولهذا في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عند أحمد والنسائي وابن ماجه بإسناد حسن، قال عليه الصلاة والسلام: " لا يقبل الله من مشرك بعدما أسلم عملا أو يزايل المشركين " أو بمعنى: "حتى" يعني: حتى يزايل المشركين، يعني إلى أن يزايل المشركين، وعند النسائي بإسناد صحيح عن جرير قال: " بايعت رسول -صلى الله عليه وسلم-على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم " في الصحيحين، وكلاهما عند النسائي بسند صحيح قال: " وعلى فراق المشرك " في رواية الحسن عن سمرة عند أبي داود أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: " من جامع المشرك أو سكن معه فهو مثله " دل على أنه لا يجوز الجلوس مع المشرك إلا لمصلحة شرعية دعوته أو مخالطتهم لأمر في مصلحة لأمر من حاجات الدنيا، ويجوز بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يكون عنده دين يمنعه من الوقوع في الشبهات، وكذلك عدم الوقوع في الشهوات، دين لديه دين معنى تقوى تحميه وتمنعه يعني يجتهد.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
الأمر الثاني: أن يكون لديه علم دين يمنعه من الوقوع في الشهوات، وعلم يمنعه من الوقوع في الشبهات.(1/163)
والثالث: الحاجة، إذا كان هناك ذي حاجة، وأعظم الحاجات الحاجة الشرعية، هذه لا إشكال فيها؛ فإذا انتهت حاجته فإنه يفارق ويزايل المشركين، يجب عليه أن يزايل المشركين. نعم.
حديث: لا هجرة بعد الفتح؛ لكن جهاد ونية
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا هجرة بعد الفتح؛ لكن جهاد ونية " متفق عليه.
ــــــ(1/164)
نعم، حديث ابن عباس " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية " وثبت أيضا معناه في الصحيحين من حديث ابن عمر وعائشة موقوفا عليهما، قال: " لا هجرة بعد الفتح " وثبت في صحيح مسلم مرفوعا عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: " لا هجرة بعد الفتح " وعنه -عليه الصلاة والسلام- قال: " لا هجرة بعد الفتح؛ ولكن جهاد ونية " في حديث مجاشع بن مسعود، عند البخاري: أنه جاء بأخيه مجالد لكي يبايعه النبي ـ عليه الصلاة والسلام- على الهجرة فقال: " قد مضت الهجرة لأهلها " لكن عند البخاري " لا هجرة بعد الفتح؛ ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا " دل على أنه لا هجرة، هذا فيه بشرى كما قال بعض أهل العلم: أن مكة تصير دار إسلام، قال: لا هجرة بعد الفتح. وبعضهم قال: لا يلزم لكن هو إخبار عن الواقع في تلك الحال، الواقع في تلك الحال من جهة أنها أصبحت دار إسلام بعد الكفر، وهكذا كل دار صارت دار إسلام؛ فلا هجرة منها، خلاص انتهى. لا هجرة بعد الفتح؛ ولكن جهاد ونية، بقي الجهاد -للجنس- جهاد الكفار مشروع؛ والنية الحسنة؛ العمل الخير مشروعة، أعمال البر والخير موجودة؛ قال: " وإذا استنفرتم فانفروا " إذا دعيتم، واستنفرتم فانفروا، سواء كان نفيرا خاصا، لأشخاص معينين أو نفيرا عاما لعموم المسلمين؛ فيجب النفير، قال: { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } (1) وقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا } (2)
__________
(1) - سورة التوبة آية : 41.
(2) - سورة التوبة آية : 38-39..(1/165)
يعني: أخبر بوجوبه بعد النفير، وفيه من الوعيد على عدم النفير، يعني إذا + ولأنه قال: " إذا استنفرتم فانفروا " .
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
المقصود: لا هجرة بعد الفتح؛ ولكن جهاد، بعد فتح مكة؛ لأن الهجرة إلى المدينة كانت واجبة، الهجرة إليه -عليه الصلاة والسلام- في المدينة كانت واجبة؛ ليه لأن نصرة النبي-عليه الصلاة والسلام-، وأيضا كان المشركون يؤذون من يسلم ولا يهاجر؛ حتى يسلم بدينه ونفسه فأمر بالهجرة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- سلامة بدينه ونصرة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، نعم.
حديث: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " متفق عليه.
ــــــ
نعم. هذا كما هو في الصحيحين عن أبي موسى: " أنه سئل عن الرجل يقاتل شجاعة، والرجل يقاتل حمية، والرجل يقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " فهو في سبيل الله، جاء بكلمة جامعة -عليه السلام-؛ لأن الشجاعة قد تكون لله وقد تكون لغيره؛ فجاء بكلمة عامة، وقد أوتي -عليه الصلاة و السلام- جوامع الكلم واختصر له الكلم اختصارا، فقال: " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " الحمد لله.(1/166)
ولو أنه بعد ذلك أظهر شجاعته أمام إخوانه حتى يكون فيه دفع تشجيع لإخوانه فلا بأس؛ ما دام نيته وقصده لله - عز وجل - فلا بأس ما دام القصد الأول هو الجهاد في سبيل الله؛ فلا ضرر بعد ذلك؛ لو قصد مغنما أو قصد مالا، لا بأس ما دام نيته وقصده الأول هو الجهاد في سبيل الله، وقد ثبت في الأخبار الصحيحة الكثيرة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقرهم على القتال للغنيمة وللمغنم، قال +: جهدنا جهد مغنم.
والنبي -عليه الصلاة والسلام-: " أيما سرية غازية غزت فغنمت فقد تعجلوا ثلثي أجرهم فإن لم يغنموا تم لهم أجرهم " ؛ لكن من غنم أو يريد الغنيمة لا شك أن أجره أقل، يعني: يكون له -مثلا- إذا غنم يصير له ثلث الأجر؛ فلو فرض أن له -مثلا- ثلاثمائة حسنة، يكون له مائتا حسنة مثلا، يكون له مائة حسنة؛ ولكن بحسب الجهاد قد يكون الجهاد -مثلا- الصحابة -رضي الله عنهم- قاتلوا في بدر وغنموا، وقاتلوا في أحد ولم يغنموا؛ ومع ذلك فقد أجمع المسلمون على أن قتالهم في بدر أفضل من قتالهم في أحد، وأن أجرهم فيها أفضل وأعظم؛ لأن نفس الجهاد أو نفس القتال يختلف بحسب جهاد العدو، بحسب حال المجاهد، وبحسب نكايتك في العدو، فالمقصود أن من يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله، كما قال -عليه الصلاة والسلام-. نعم.
حديث: لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو
وعن عبد الله بن السعدي-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو " رواه النسائي، وصححه ابن حبان .
ــــــ(1/167)
حديث عبد الله بن السعدي فيه بعض الكلام، لكن الشاهد حديث معاوية عند النسائي أنه-عليه الصلاة والسلام- قال: " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها " فيبين أن الهجرة مستمرة، قد يستدل بهذا على أن جنس الهجرة مشروعة، ولا شك أنها مشروعة حتى تطلع الشمس من مغربها، وهذا يبين أيضا أن جنس هجرة المعاصي مشروعة؛ لأن الجهاد كما قال كثير من أهل العلم: ينقطع بنزول عيسى -عليه السلام- أما الهجرة فمستمرة دل على أنه ربما يحتاج الإنسان إلى الهجرة حتى في بعض بلاد الإسلام التي مثلا يكون فيها بعض المعاصي الظاهرة ويحتاج إلى الهجرة أو يؤذى في دينه، قد يؤذى -مثلا-، قد نص على هذا جماعة؛ كالبغوي-رحمه الله- في معالم التنزيل، في بعض كلام له وذلك في قوله -تعالى- { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } (1) في سورة الروم أو في غيرها، ونص العلماء وغيرهم على ذلك؛ فبينوا أن جنس الجهاد مشروع، وكذلك جنس الهجرة مشروع حتى من بلاد البدع والمعاصي؛ لكن ينوي الأصلح؛ قد يكون البقاء فيه مصلحة؛الأصلح والأولى له من جهة الدعوة، ونشر العلم -وما أشبه ذلك- خاصة في مثل هذا الزمن اختلفت الأحوال كثيرا، واختلفت الأمور كثيرا. نعم. ولا حول ولا قوة إلا بالله، نعم.
حديث: أغار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بني المصطلق وهم غارون
وعن نافع - رضي الله عنه - قال: " أغار رسول الله -صلى الله عليه وسلم-على بني المصطلق، وهم غارون؛ فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم " حدثني بذلك عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- متفق عليه.
ــــــ
ما عندكم زيادة؟ لا ما فيه.
وفيه: " وأصاب يومئذ جويرية " عندكم؟ في بعض النسخ موجودة. نعم.
__________
(1) - سورة الروم آية : 41.(1/168)
حديث نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه أغار على بني المصطلق وهم غارون، يعني: غافلون، منه أخذ بعض العلماء يجوز أن الإغارة على المشركين بغير إنذار ولاإعلان، واختلف العلماء، فقيل: يجوز مطلقا، وقيل: لا يجوز، وقيل: يجوز إذا كانت قد بلغتهم الدعوة على سبيل العموم، وإن لم يكن يبلغهم إنذار خاص، وهذا هو الصحيح؛ ولهذا دعوة النبي -عليه الصلاة والسلام- بلغت واشتهرت وظهرت في أحياء العرب وتبينت فلم يبق عذر لأحد، فلم يبق إلا الإسلام؛ فإذا لم يستجيبوا ولم يسلموا فليس لهم إلا القتال؛ ولهذا أغار عليهم -عليه الصلاة والسلام-.
فمن ظاهر هذا الذي تقدم فلا بأس بالإغارة على العدو -وإن كانوا غافلين- إذا لم يكن بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق؛ فلا بأس؛ ولهذا أغار عليهم -عليه الصلاة والسلام-.
ومثل هذا عموم المشركين في كل زمان، وكل مكان؛ إذا كان قد بلغتهم الدعوة وظهرت، وقال جماعة من أهل العلم: أنها ظهرت، دعوة النبي وتبينت وظهرت، وليس فيها غموض، يعني ولا خفاء، وليس أحد معذورا في عدم الإسلام؛ فلهذا جاز أن يُغار عليهم، وجاز يعني تحين الغفلة. وقد كان -عليه الصلاة والسلام- يغزو كما جاء في صحيح البخاري، ويغير، ربما أغار عليهم في أول النهار، وكان ينتظر -عليه الصلاة والسلام- فإن سمع مناديا بالأذان لم يُغر -عليه الصلاة والسلام- فإن لم يسمع دل على أنها بلاد الشرك فأغار عليهم ولم ينذرهم؛ لسبق الإنذار العام لهم ولغيرهم. نعم.
حديث: كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أو سرية أَوْصَاهُ(1/169)
وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ, عَنْ أَبِيهِ-رضي الله عنه- قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أو سرية أَوْصَاهُ في خاصته بِتَقْوَى اَللَّهِ, وَبِمَنْ مَعَهُ مِنْ اَلْمُسْلِمِينَ خَيْراً, ثُمَّ قَالَ: "اُغْزُوا بِسْمِ اَللَّهِ, قَاتِلُوا مِنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ, اُغْزُوا, وَلَا تَغُلُّوا, وَلَا تَغْدُرُوا, وَلَا تُمَثِّلُوا, وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيداً, وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ اَلْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ, فَأَيَّتُهُنَّ أَجَابُوكَ إِلَيْهَا, فَاقْبَلْ مِنْهُمْ, وَكُفَّ عَنْهُمْ: اُدْعُهُمْ إِلَى اَلْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ. ثُمَّ اُدْعُهُمْ إِلَى اَلتَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ اَلْمُهَاجِرِينَ, فَإِنْ أَبَوْا فَأَخْبَرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ اَلْمُسْلِمِينَ, وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي اَلْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ اَلْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْأَلْهُمْ اَلْجِزْيَةَ, فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ, فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اَللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ, فَلَا تَفْعَلْ, وَلَكِنْ اِجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ; فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ؛ أهون من أن تخفروا ذمة الله، أن تُخفروا-من الرباعي من أخفر، خفر الثلاثي معناه الحراسة والحماية، أما أخفر يسمونها همزة السلب والإزالة، تسلب المعنى الأول لخفر وتعطيها معنى آخر، أخفر تقلب المعنى، أخفر نقض العهد، أما خفر فهو من الحراسة والعناية والحماية، أن تخفروا أن هنا مصدرية تؤول بمعنى المصدر يعني: خفركم،نعم-.(1/170)
وَإِذَا أَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اَللَّهِ, فَلَا تَفْعَلْ, بَلْ عَلَى حُكْمِكَ; فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ اَللَّهِ أَمْ لَا" " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
ــــــ
حديث بريدة - رضي الله عنه - بريدة بن حصيب حديث عظيم، وفيه فوائد كثيرة، منها ما أوصى به النبي - صلى الله عليه وسلم - اغزوا في سبيل الله،اغزوا بسم الله، اغزوا في سبيل الله، اغزوا بسم الله يعني: يغزو بسم الله، ويستعين بالله - عز وجل - من أعانه الله فهو المعان.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
ثم أوصاهم -عليه الصلاة والسلام- بهذه الوصايا العظيمة؛ لأن قوله: " في سبيل الله " مثل ما تقدم؛ " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا " في سبيل الله؛ هذا مقصوده: يقاتل في سبيل الله والموفق والمسدد لا تكون نيته لمقصد آخر من مقاصد الدنيا أو إظهار الحمية أو الشجاعة أو الرياء أو ما أشبه ذلك؛ لكن مثل ما تقدم نيته لله ثم لا يضره بعد ذلك ما +فر وما هرب وما حصل؛ وفعل بعد ذلك من الخير، والقتال يكون لمن كفر بالله، " قاتلوا من كفر بالله " ثم +أمرهم بالغزو " ولا تغلوا " من الغلول، وهو لا شك جاءت أخبار بتحريمه وتشديده، وكذلك نهى عن الغصب و الغلول، وكذلك قتل الصبيان، وما أشبه ذلك وقتل الشيوخ، وقتل النساء؛ إلا أن العلماء استثنوا من ذلك الصبي الذي يقاتل، وله جلد على القتال، فهذايدفع شره ولو بالقتل، وكذلك الشيخ الكبير الذي يقاتل، أو له رأي ومكيدة، ربما كان أعظم.
الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهي المحل الثاني
فإذا اجتمعا لنفس مرة ... بلغا من العلياء كل مكان(1/171)
إذا اجتمعا لنفس مرة، مرة يعني: الحرة، بلغا من العلياء كل مكان؛ فلهذا ربما كان رأيه أنفذ من جيش أو أفضل من سرية أو من قوة أو جماعة لشدة قوة رأيه، مثل ما وقع لدريد بن الصمة في غزو الطائف، وقتل وكان شيخا كبيرا تجاوز المائة والعشرين أو نحوها، كذلك المرأة لا تقتل، النبي -عليه الصلاة والسلام- حين مر رأى امرأة مقتولة فأنكر قتلها -عليه الصلاة والسلام- وفي لفظ عند أبي داود من حديث ابن عمر وفي لفظ آخر أيضا في حديث آخر أنه قال: " ما كانت هذه لتقاتل " تعليل، انظر للتعليل، والحكم المعلل يقتضي أن من العلة مقصود، قال: " ما كانت هذه لتقاتل " -عليه الصلاة والسلام- يدل على أنها لو قاتلت قتلت.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
والقصص مشتهرة في هذا الباب قصة تلك " المرأة التي طلعت على جيش المسلمين، وأبدت بعض سوأتها تعير المسلمين فرماها رجل من المسلمين بسهم فما أخطأ ذاك منها " مرسل ضعيف لكن له شواهد من جهة المعنى الدال على هذا أنه إذا كان منها مكيدة، أو قتال قتلت، فيه عند مسند أحمد أيضا حديث آخر عن ابن عباس وغيره " أن رجلا من المسلمين أسر امرأة -أو أخذ امرأة- من المشركين وأردفها معه، ثم أخذت سلاحا معها فقامت لتقتله؛ فقتلها، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - خبرها فأخبره فقال:أرادت أن تقتلني " أو تقتلني أو نحو ذلك، فأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - وسكت عليه. نعم.(1/172)
المقصود أنها إذا خشي من شرها أو قتالها قتلت هذا هو الأصل كما تقدم كذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- في قوله: " إذا لقيت عدوك من المشركين " فيه الشاهد لما تقدم؛ أن المشركين يدعون إلى هذه الخصال الثلاث؛ لعمومها، استدل بها من قال: إن الجزية تأخذ من عموم المشركين من اليهود والنصارى، وليست خاصة بهم لقوله تعالى: { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) } (1) قالوا: { مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ } (2) قالوا: إن هذه الآية نزلت بعد ذلك؛ الجمهور الذين قالوا: إنها تؤخذ من أهل الكتاب قالوا إنها بخصوص أهل الكتاب، الخطاب لأهل الكتاب، دل على أن الجزية تؤخذ من أهل الكتاب، أخذوا من هذه الآية.
والذين خالفوا قالوا: إن تلك الآية نزلت بعد ذلك لما دخل عموم المشركين، ولم يبق ممن حولهم من أهل الشرك ممن يريد القتال إلا هؤلاء، وهم من أهل الكتاب من اليهود والنصارى؛ فنزلت على الواقع؛ وقالوا: أنه-عليه السلام- الأدلة جاءت عنه عامة في مثل هذا الباب.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
وكذلك حكم الكفار والمشركين واحد في هذا الباب؛ لكن قد يشكل عليه حديث عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أن عمر - رضي الله عنه - توقف في أخذها من المجوس؛ حتى جاء عبد الرحمن بن عوف فأخبره أن النبي -عليه الصلاة والسلام - أخذ الجزية من مجوس هجر.
__________
(1) - سورة التوبة آية : 29.
(2) - ##سورة البقرة آية : 101.(1/173)
قد يقول: إنه كان معلوما عندهم أنه لا تؤخذ الجزية من المشركين، ولذا توقف, ولهذا أشكل على عمر - رضي الله عنه - أخذها من المجوس فلم يأخذها منهم، بينما لو كان هناك دليل عموم لأخذها من المجوس، قد يقال: إن هذا في المجوس خاصة +الكتاب فمرسل، مالك في الموطأ ++وغيره مرسل الذي جاء به أنه أخذ الجزية خصوصا، وفي لفظ آخر " غير ناكح نسائهم ولا آكل طعام ذبائحهم " ؛ لأنه لا تأكل ذبائحهم، ولا تنكح نساؤهم، هذا فيما يتعلق بالجزية، وأن لهم شبهة كتاب، ولما كان لهم شبهة كتاب أخذت منهم كما أخذت من اليهود والنصارى.
فمن خالف قال: هذا في المجوس، أوأنه مثل ما تقدم أخذهم من المجوس يدل على أنها تؤخذ منهم ومن غيرهم، وأنهم كالمشركين في الحقيقة؛ كعموم المشركين، في حديث بريدة أيضا " وإذا لقيت عدوكم " هذا رجحه ابن القيم -رحمه الله- في أول كتاب أحكام أهل الذمة -رحمه الله- وأشار إلى ترجيح هذا والقول بعمومه، من جهة أنها تؤخذ من جميع المشركين.(1/174)
وفي الحديث روايات كثيرة، وفيه أنه: أن المشركين والكفار إذا دعواأهل الإسلام إلى النزول على حكم الله، فلا ينزلون على حكم الله، لا تنزلهم على حكم الله، هذا في مسائل الاجتهادية؛ يبين السبب يقول هذا حكم الله، أو يقول: أنزلكم على حكمه، ما تدري أن هذا الذي تجتهد فيه هو حكم الله أم لا؟، إنما ينزل على حكمك أو على حكم ما يصح، " فإياكم أن تخفروا " الخفر يكون.. فلربما يأتي تعطيهم عهد -مثلا- يقول لكم حكم الله، ولكم كذا وتعطيهم عهد، والعهود موثقة في حكم الله، ثم يأتي رجل من أطراف المسلمين؛ فينقض العهد ويخفر الذمة وينقضها ممن لا يقيم هيبة لهذه الأحكام العظيمة لحكم الله، فأعطيهم حكمك وحكم أصحابك، وعهدك وعهد أصحابك، قال: " أن تخفروا " مع أن إخفار الذمة ونقضها لا يجوز؛ حتى ولو لم يقل: أنزلكم على حكم الله؛ لكنه أهون، قال: أن تخفروا أهون، دل على أن من العهود ما هو أهون وأشد، دل على أن المسلم يعطي عهدا له ولأصحابه، دل على أن المجتهد يثق من أنه ليس كل مجتهد مصيب، الإنسان يجتهد في حكم الله لكن لا حكم الله ولا يدري؛ لكن يجتهد في مثل هذا، لكنه لا يدري سيصيب حكم الله أما لا؟ ما ذكره هذا هو خطاب قائد الجيش والسرية حينما يريد أن ينزلهم على حكم أو على عهد أو ميثاق، والله أعلم.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
الأسئلة
أحسن الله إليكم، يقول السائل: ما حكم الجهاد في هذا الزمان، أحسن الله إليكم وأثابكم؟(1/175)
الجهاد لا شك أن في كثير من بلاد المسلمين الجهاد يتعين على أهل تلك البلاد، في بعض البلاد التي نزل بهم الكفار واستباحوا دماءهم وأموالهم، ولا شك فالجهاد يختلف بحسب اختلاف المسلمين، لأن بلاد المسلمين منذ زمن صارت دولا؛ ليست دولة واحدة، صارت دولا؛ صار كل دولة لها حكمها الخاص من جهة ما يتعلق بها، فالجهاد واجب، وإذا استنصرهم أهل الإسلام في بلد من بلادهم فيجب على المسلمين أن ينصروا، لذا قال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً } (1) دل على أنه يجب قتال كل بلد والوجوب على البلد الذي يلي البلاد، المسلمون الذين يلون الكفار يكون أقرب إليهم، وهم يلونهم يقول: { قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ } (2) .
قال العلماء: أخذ العلماء من هذه الآية- أن العدو الكافر إذا نزل بالمسلمين فهذا من أحد الصور التي يجب فيها قتاله ودفعه، وأنه إن كفوا بذلك وقاموا بأداء الجهاد، ومنع الله بهم الكفار، ودحروا والحمد لله، فإن لم يتمكنوا من ذلك وجب على من يليهم -وهكذا- ثم من يليهم ثم من يليهم؛ فإن لم يكتف بمن يليهم إلى من يليهم وهكذا شيئا فشيئا. نعم.
أحسن الله إليكم، هل للجهاد شروط؟ وهل يشترط إذن الأمام في ذلك ؟
الجهاد له شروط لا شك، ذكر العلماء شروطا كثيرة للجهاد، ومما ينبغي ملاحظته في أمر الجهاد من أعظم الشروط التي يغفل عنها كثير من الإخوان هو السلامة، السلامة من الضرر أيضا شرط من شروط الجهاد، نفرض أنه -مثلا- لا يأمن الضرر في الجهاد أو+ في الجهاد؛ فلا يجب عليه الجهاد، ولو يتعين إذا كان يجب.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - سورة التوبة آية : 123.
(2) - سورة التوبة آية : 123.(1/176)
فإذا كان فيه ضرر عليه من جهاده أو في قتاله أو في خروجه للجهاد لا يجب عليه، السلامة من الضرر أيضا من الشروط التي يجب ملاحظتها والعناية بها في أمر الجهاد؛ لكن لو أن الإنسان تحمل الضرر وتحمل الشدة في سبيل ذلك فله ذلك على وجه لا يحصل به ضرر على غيره من المسلمين؛ فإذا انتفى الضرر عليه وعلى غيره من المسلمين، وتحمل الضرر فلا بأس ؛ لأن غايته يكون ضارا بنفسه؛ ولهذا كلمة الحق قال:النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث طارق بن عبد الله أو غيره، جاء في الحديث عند أبي سعيد الخدري عدة أخبار - رضي الله عنه - أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " هو من أفضل الجهاد؛ لكن ليس بمعجز.
ولكن إنسان ضر بنفسه وقال كلمة الحق وقتل في سبيل الله؛ فله ذلك، كلمة حق يقولها ما يحصل؟ يحصل بها الخير، ولا يحصل بها ضرر ولا شر على المسلمين، يحصل بها الخير والمصلحة للمسلمين كلمة الحق التي يبين بها الحق، كلمة الحق التي يزال بها الشبهة والفساد، ويحصل بها الخير، ويترتب عليها مصالح عظيمة للمسلمين؛ فلو أنه ضرر بهم+ كذلك إذا ضرر بنفسه بجهاده وخروجه للجهاد في سبيله.
لكن إذا كان فيه ضرر كما تقدم كان فيه ضرر عليه فلا يجوز له، ولهذا اختلف العلماء عند قتال العدو -مثلا- لو تقابل المسلمون والكفار وخرج وفد من المسلمين يقتحم حصن الكفار أو أن يدخل في جيش الكفار؛ لأجل أن يفتح لهم ثغرة أو يتسبب -مثلا- في إقدامهم ويغلب على الظن التلف والهلاك، هل يجوز له؟ صحيح أنه يجوز عند الجمهور. يقولون: يجوز التغرير بالنفس عند ظهور المصلحة؛ وإن غلب على ظنه هلاكه عند ظهور المصلحة؛ فلهذا ينبغي مراعاة هذه الأمور. نعم.
أحسن الله إليكم، هل ما يحدث لرجال الأمن في هذا الزمان يعتبر جهادا؟ وهل من يقتل منهم يكون شهيدا؟(1/177)
كل من+، النبي-عليه الصلاة والسلام- أجاز هذا -عليه الصلاة والسلام- " سئل عن الرجل يقاتل حمية، وعن الرجل يقاتل شجاعة، وعن الرجل يقاتل رياء، قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " كل من قاتل الكفار، قاتل المشركين، دفع الشر والفساد عن المسلمين، كل شيء يحدث فيه مصلحة لدفع شر أو فساد في قتال الكفار، قتال البغاة، قتال المفسدين في الأرض، كل قتال يحصل به حصول مصلحة وخير للمسلمين فإن المقتول على خير عظيم.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
واختلف العلماء في بعض المسائل -مثلا- في قتال البغاة هل يكون كالشهيد؟ منهم كشهيد المعركة، أو شهيد من جنس الشهيد الذي يكون شهيدا في الآخرة، ليس شهيدا في الدنيا مثل من قتل ظلما، ولذلك الشهداء أنواع: شهيد في الدنيا و الآخرة فمن قتل في سبيل الله، وهذا هو شهيد في الدنيا والآخرة، حكمه حكم الشهداء في الدنيا وهو شهيد في الآخرة، وشهيد في الآخرة مثل المطعون والمبطون والغريق والحريق خمسة في حديث أبي هريرة، وفي حديث آخر سبعة، وشهيد في الدنيا النوع الثالث: الشهيد في الدنيا وهو الذي يقتل رياء أو سمعة، هذا شهيد في الدنيا؛ يعني حكمه؛ لكن في الآخرة، يعني يجري عليه أمر الشهادة في الدنيا من جهة يعامل معاملة الشهداء فيما يتعلق بالصلاة وعدم التغسيل؛ لأنه قتل في الظاهر في سبيل الله؛ فأمره إلى الله؛ وما دام قاتل رياء وسمعة فليس من الشهداء في سبيل الله، الذين لهم الآخرة، وكذلك المطعون اختلف العلماء في المطعون، من مات بسبب الطاعون، هل حكمه حكم الشهيد؟(1/178)
جاء في حديث العرباض بن سارية عند أحمدبسند لا بأس به، له شاهد آخر أيضا، أنه يوم القيامة يقول -عليه الصلاة والسلام-: " يختصم الشهداء في سبيل الله، والذين ماتوا على فرشهم، في من مات بالطاعون، الشهداء في سبيل الله يقولون: إخواننا جراحهم كجراحنا، والمتوفون على فرشهم يقولون: إخواننا ماتوا على فرشهم كما متنا، يقول الله -تعالى-: انظروا إلى جراحهم، -وهو يعرفهم سبحانه وتعالى- فإن كانت جراحهم مثل جراح المجاهدين فهم، فنظروا فإذا جراحهم تشبه جراح المجاهدين في سبيل الله " فأخذ العلماء من هذا أن حكمهم في الآخرة حكم الشهداء أيضا، وهم أرفع وأفضل درجة، ولهذا أنه حديث أنس: "ما من رجل يصيبه الطاعون في بلده فيصبر؛ فيمكث محتسبا". يعني ذكر أن له أجر المجاهد في سبيل الله.
من ضمنه أيضا حديث رواه النسائي بإسناد جيد أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: " من قتله بطنه فهو في سبيل الله " هذا عام فهو شهيد، "من قتله بطنه فهو شهيد" هذا يشمل كل من قتله بطنه؛ لكن الشهيد يتعلق بحكم الآخرة، نعم.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
أحسن الله إليكم، هل يشترط في الجهاد أن يكون عند المسلمين قوة الاستطاعة على ذلك ؟(1/179)
نعم، هذا هو الواجب في قوله تعالى: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } (1) هذا واجب، فإذا فرط المسلمون في هذا كان التفريط منهم، لا بد أن يكون الجهاد مع القوة، أما الجهاد بلا قوة جهاد بلا إعداد، يذهب إلى العدو ويجاهد وليس عنده عدة، هذا ليس أخذا بالأسباب؛ لأن الأسباب أسباب شرعية وأسباب حسية؛ فإذا اجتمعا مع الإخلاص -لا شك من أعظم الأسباب الشرعية الإخلاص- حصل النصر بإذن الله { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ } (2) { إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ } (3) { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) } (4) .
فمن نصره الله -سبحانه وتعالى- وأعد العدة واجتهد فإنه على خير، لا شك الجهاد لا يكون إلا من إعداد العدة؛ ولهذا كون الإنسان -مثلا- يقاتل ويعلم أن قتاله في الحقيقة لا يحصل فيه مصلحة إلا لمجرد بس قتل، لمجرد ذهاب مال والأنفس، هذا خلاف ما جاءت به النصوص، خلاف المشروع، ما دام ما يحصل به نكاية، أو يحصل به بيان الحق.
فإذا لم يحصل به المقصود من نكاية في العدو؛ فلا يحصل المقصود من الجهاد في سبيل الله؛ فالمقصود من الجهاد في سبيل الله هو حصول النكاية في العدو؛ وإن حصل تلف في النفوس، وإزهاق للنفوس فالحمد لله فهي من أعظم النفوس، فهي من أعظم النفوس التي يعني جعلها العبد وباعها لله -عز و جل- رخيصة في سبيل الله؛ فالمقصود أنه إذا حصل العدة وإعداد العدة وصار في المسلمين قوة شرع الجهاد؛ ولهذا النبي تارة كان يقاتل وتارة يسالم؛ لما قابل المشركين -عليه الصلاة والسلام- في صلح الحديبية صالحهم -عليه الصلاة والسلام-.
......................................................................................
__________
(1) - سورة الأنفال آية : 60.
(2) - سورة الحج آية : 40.
(3) - سورة محمد آية : 7.
(4) - سورة الروم آية : 47.(1/180)
ـــــــــــــــــ
روى أبو داود وغيره: أنه جعل الصلح عشر سنين. الحديث في الصحيحين، ليس فيه ذكر الصلح عند أبي داود أيضا وغيره:" وضع الحرب عشر سنين -عليه الصلاة والسلام-".
فالمسلمون حينما يضعفون يرون الأصلح في المسالمة، ثم لهم أن يضعوا سلما مطلقا؛ ليس سلما دائما؛ السلم المطلق. أما ما يأتي -مثلا- عبارات: حينما تأتي السلام الدائم الشامل، وما أشبه ذلك هذه عبارات غير شرعية إنما إذا أريد السلم مطلق السلم هذا لا بأس، مطلق السلم -مثلا- إنما المراد بمطلق السلم يعني بمعنى أنه أن يكون السلم بين المسلمين والكفار حتى يُعِد المسلمين العدة ويجتهدوا في إعداد العدة ويجتهدوا في ذلك فلا بأس، ولهم أن يصالحوا على الوجه الذي يكون فيه مصلحة لهم، تحديد المدة أو إطلاق المدة، وإذا أطلقوا المدة ولم يقيدوها، ثم بعد ذلك كان لهم عدة وقوة فإنهم ينبذون { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ tûüدYح !$sƒّ:$# (58) } (1) .
{ فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ } (2) حتى تكون أنت وإياهم على سواء فينبذ إليهم، ويخبرهم أنه ما دام السلم مطلقا غير مقيد، إذ السلم المطلق يجوز نبذه ونقضه؛ ولكن بالإخبار بشرطين:
__________
(1) - سورة الأنفال آية : 58.
(2) - سورة الأنفال آية : 58.(1/181)
الشرط الأول: الإعلان، الشرط الثاني: أن يكون عند العدو عدة يستعد للمواجهة، شوف الشرع الحكيم حتى مع+ يعني لو كان بين المسلمين والمشركين من عهد -مثلا- عهد مطلق ثم نبذ المسلمون إليهم العهد؛ لكن مشى جيش إليهم ولما كان بقرب منك بينهم وبينكم مثلا لما كان بالخيف ولم يبق بينهم وبينكم إلا مسافة أيام أرسل رسول قال: قد نبذنا إليكم، ونحن قادمون مثلا.. ليس بينهم وبينهم إلا خمسة أيام، وكان بالأصل أن بينهم وبين بلادهم مسيرة شهرين مثلا..لا يجوز هذا؛ لأن ما لحق بالعقد فهو من ضمن العقد. فلو أن -مثلا- كان مطلقا وكان بعد نبذ العهد لو سار المسلمون إليهم ساروا إليهم مدة أربعة أشهر -مثلا- هذه الأربعة أشهر داخلة في العقد.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
ولهذا في حديث المقدام بن معدي كرب عند أبي داود..المقدام أو غيره، حديث العائذ بن عمرو غير حديث المقدام - رضي الله عنه - لأن عائذ بن عمرو وغيره -لا أذكره الآن-. أن معاوية - رضي الله عنه - " كان بينه وبين المشركين عهد فأراد أن يسير إليهم -رضي الله عنه-؛ فكان فكان قبل العقد بمدة سار إليهم ولم يعلنهم فلما كان بقربهم ولم يكن بينه وبينهم إلا أيام أرسل رسولا قال: قد نبذنا إليكم العهد فجاء الصحابي عائذ بن عمرو-أو غيره- يصيح في الجيش -رضي الله عنه-؛ فقال: وفاء لا غدر، وفاء لا غدر قال: ما هذا؟-سيدنا معاوية- قال: إني سمعت رسول الله -صلى عليه وسلم- يقول: من كان بينه وبين المشركين عهد فلا يحلن عقدة ولا يعقدنها حتى ينبذ إليهم على سواء " ينبذ إليهم قبل، يعني: يخبرهم قبل أن يسير إليهم؛ لأن هذا يعتبر داخلا ضمن العقد والعهد؛ وإن لم يشرط من جهة كالمشروط عرفا وهو داخل في العقد.(1/182)
هذا يدلك عظمة العقود في الإسلام، والشروط وأن أمرها عظيم في الوفاء بها، وعدم الغدر بها، ودين الإسلام هو دين الوفاء حتى مع ألد الأعداء، فمن تأمل الشريعة، وتأمل النصوص، وتأمل هديهم، وجد العجب العجاب في هذا الحال؛ بل إنه يفي للحربيين الذين يعاهدون بعض المسلمين يفي لهم ويقول: نفي إليهم عهدهم ونستعين الله عليهم صلوات الله عليه وسلامه.
أسأل الله لكم التوفيق والسداد إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على نبيا محمد. والسلام عليكم.
حديث: كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها " متفق عليه.
ــــــ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:(1/183)
هذا الحديث عن كعب بن مالك - رضي الله عنه - وهو في قصة توبته - رضي الله عنه - الطويلة العظيمة التي بها العبر والفوائد الكثيرة، وأخذ المصنف -رحمه الله- الشاهد منها وهو أنه -عليه الصلاة والسلام-.... الشاهد لما أراد أن يذكره في هذا الباب وهو أنه كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها -عليه الصلاة والسلام-، والتورية: هو أن يظهر الإنسان معنى بلفظ قريب ويريد معنى آخر أبعد وهو صحيح؛ لكن السامع يظن أنه قصد هذا المعنى، كان -عليه الصلاة والسلام- مثلا إذا قصد إلى جهة من الجهات سأل عن غيرها وإذا أراد -مثلا-جهة الشرق سأل عن الغرب، وإذا أراد الجهاد-مثلا- في الشمال سأل عن الجنوب أو بالعكس؛ لأن الحرب خدعة كما قال -عليه الصلاة والسلام- في حديث جابر وحديث أبي هريرة: " الحرب خدعة " ؛ ولهذا ربما كان فيها من المصالح شيء كبير سواء في ابتداء الحرب؛ قبل الدخول بها أو كان بعد ذلك؛ فمن خدع برأيه ونظره فإنه يغلب قرنه ونظيره؛ ومع الصبر على ذلك؛ لأن الظفر والنصر صبر ساعة، مع حسن رأي.
ولربما طعن الفتى أقرانه ... بالرأي قبل شجاعة الشجعان
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
ربما يكون طعنه برأيه أشد نفاذا من طعنه بالسلاح، بالسنان.
وفي القصة المشهورة عن علي - رضي الله عنه - في الأحزاب حينما خرج عمرو بن عبد ود فقال: هل من مبارز؟ وكان رجلا شجاعا ذا دهاء، ويطوي على مكر؛ فقال: خرج علي - رضي الله عنه - وكان عمرو أسن منه بكثير؛ فلما خرج قال: إني لا أريد أن أقلتك.- يقول عمرو بن عبد ود، يقوله يعني: نوع من الاستكبار والترف في شجاعته وما أشبه ذلك- فقال علي- رضي الله عنه-: لكني أريد أن أقتلك. -يقول علي رضي الله عنه-.(1/184)
فلما دنا كل منهم إلى قرنه قال -علي رضي الله عنه-: ما خرجت لأقاتل اثنين؛ فالتفت عمرو فضربه بالسيف فقده به؛ فقال: خدعتني. وكانت الكلمة التي قالها علي - رضي الله عنه - الحرب خدعة.
المقصود هنا كما في هذا الخبر كان يوري بغيرها؛ إذا أراد شيئا ورى بغيره. جاء في رواية أنه في غزوة تبوك -عليه الصلاة والسلام- أظهر الأمر ولم يوره؛ بل أظهره للناس، وبين أنه يريد تبوكا، يريد تلك البلاد؛ لأنه كان في حر شديد، وكان في وقت نضوج الثمار، وكان الصحابة -رضي الله عنهم-على كثير منهم شدة؛ فأظهر الأمر حتى يستعدوا لهذه الغزوة. نعم.
حديث: شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال
وعن معقل، أن النعمان بن مقرن - رضي الله عنه - قال: " شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الرياح، وينزل النصر " رواه أحمد والثلاثة وصححه الحاكم وأصله في البخاري.
ــــــ
نعم هذا أصله في البخاري وهو أنه عليه الصلاة و السلام -حديث النعمان بن مقرن- كان إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات، لأن الريح كان بها نصر المسلمين في غزوة الأحزاب، وحضور الصلوات وقت يرجى فيه الإجابة خاصة وقت صلاة الظهر، وأنه تفتح فيها أبواب الرحمة عند زوال الشمس؛ فكان -عليه الصلاة السلام- يؤخر إذا لم يقاتل أول النهار، وكما في هذا الحديث أيضا فصرح قال: حتى تزول الشمس، وتهب الأرواح، وينزل النصر؛ فبين ما اختصر في رواية البخاري، وأنه حتى تزول الشمس، وأن قتاله يكون بعد زوال الشمس -عليه الصلاة والسلام-.(1/185)
وهذا الحديث عن النعمان بن مقرن، هنا قال: عن معقل. في بعض النسخ وهو موجود عندي في نسخة: عن معقل بن نعمان بن مقرن، كان موجود أيضافي نسخة صاحب السبل -رحمه الله- الصنعاني عن معقل بن النعمان، والأظهر أنه عن معقل عن النعمان وأن هذا هو بالأصل، وأنه في الأصل عن معقل أي: معقل بن يسار وهكذاهو في مسند أحمد -رحمه الله- عن معقل بن يسار عن النعمان بن مقرن. ذكر عن معقل، وكذلك راجعتها في المحرر؛ وجدته في المحرر كذلك، أي أنه يبين أيضا ربما نقل يعني أو أخذ كما ذكر المحرر معقل رواه معقل بن يسار - رضي الله عنه - عن النعمان بن مقرن، نعم.
الثلاثة + رواية جيدة، رواية السنن والحديث أصله في البخاري كما تقدم، نعم.
حديث: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم
وعن الصعب بن جثامة - رضي الله عنه - قال: " سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم فقال: هم منهم " منهم. متفق عليه.
ــــــ
نعم والحديث متفق عليه -كما يقول المصنف- حديث الصعب بن جثامة الليثي - رضي الله عنه - .
سئل عن أهل الدار عن أهل المنزل والجماعة وفي اللفظ الآخر عند مسلم: عن الذراري. كله بمعنى واحد، مسألة الذراري، يبيتون فيصيبون من نسائهم؛ فقال: هم منهم، يعني: هم منهم في أنهم لا دية لهم، ولا كفارة ولا إثم على من قتلهم إذا كان لم يقصد إلى أعيانهم؛ إنما كان القتل جاء تبعا لا قصدا -جاء قتلهم تبعا لا قصدا- فإذا تعين قتلهم طريقا إلى قتل الكفار جاز بطريق التبع.(1/186)
أما إذا وجد طريق آخر ولم يتعين هذا الطريق فلا يجوز؛ إلا من كان من المقاتلة من الصبيان أو من النساء أو من في حكمهم، أما إذا لم يمكن ذلك أو كان في سلوك طريق آخر حذرهم وعلمهم مع أنه قد بلغهم العلم قبل ذلك؛ فلا بأس أن يبيتوا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- مثل ما في هذا الخبر، وفي مثل هذا الحديث، حديث ابن عمر: أنه أغار على بني المصطلق وهم غارون غافلون؛ قد بلغتهم الدعوة، وهذا لأنه سئل فثبت بسنة فعلية-كحديث ابن عمر- وسنة قولية. في ال+ الثاني هذا المعنى ولا بأس أن يبيت المشركون وهم غارون إذا كانت الدعوة قد بلغتهم ولو أصيب من أصيب من الذراري فمن أصيب فلا دية له ولا كفارة، ولا إثم، ولو كان أنه لو تميز وانفصل، لم يجز القصد له؛ لكن لما أنه لم يمكن قتل الكفار إلا بقتلهم فلا بأس وإن كانت مفسدة, لكن مفسدة يسيرة في ظلها مصلحة عظيمة؛ وهي دحر رءوس الكفر والشرك، نعم.
وهذا أيضا قوله: منهم هذا في أمور الدنيا، ليس من أمر الآخرة في شيء؛ إنما في أمر الدنيا، أما الذراري ومن قتل من صبيان المشركين فأمره إلى الله، والمذاهب فيهم عشرة كما ذكر ابن القيم -رحمه الله-وغيره في حكمهم.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
في هذا المراد منهم: يعني: في حكم الدنيا، أما أمر الآخرة فإلى الله، فمن علم الله، أنه لو جاءه رسوله لأطاع كان من أهل السعادة، من كان في علم الله أنه لو جاءه رسوله لأبى وامتنع كان من أهل النار والشقاوة -والعياذ بالله- وهذا هو أصح المذاهب كلها وهو أن الله -سبحانه وتعالى- يرسل لهم رسولا، ويدعون يوم القيامة؛ فيختبرون.(1/187)
وهنالك قول جيد في الصبيان في من مات قبل ذلك، سواء مات حتف أنفه، أو قتل كما لو قتل ذراري المشركين في باب القتال والجهاد في الحديث الصحيح الطويل في قصة الإسراء والمعراج " أنه عليه الصلاة السلام رأى أطفال المسلمين وأطفال المشركين عند إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- " والمذاهب فيهم كثيرة هي عشرة أصحها وأقربها هذا المذهب- مذهب الاختبار-، والمذهب الثاني خاصة فيما يتعلق بأطفالهم وصبيانهم نعم.
حديث: ارجع فلن أستعين بمشرك
وعن عائشة -رضي الله عنها- : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل تبعه يوم بدر: ارجع فلن أستعين بمشرك " رواه مسلم.
ــــــ
نعم، الحديث هنا مختصر وهو مطول في مسلم وهو وأنه -عليه الصلاة والسلام- جاءه رجل من حضرة الوبرة يذكر منه نجدة وجرأة حتى إن بعض المسلمين فرح بذلك، وقال: إنه جاء لكي يعين النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه، ويصيب المغانم؛ فقال: " ارجع فلن أستعين بمشرك " كذلك يقول.
وجاء في الرواية عند أحمد من طريق آخر أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: " إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين " وهذا هو أحد قولي مذهب الإمام أحمد، وقول جماعة من أهل العلم، أنه لا يستعان بهم؛ وهناك قول: أنه يجوز الاستعانة بهم عند الحاجة، وقيل: عند الضرورة، وهذا خبر منه -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يستعين بالمشرك؛ ولكن لا يلزم أنه لا يجوز, مثل قوله: أنا لا أفعل كذا أنا لا آكل متكئا؛ لكن قوله -عليه الصلاة والسلام-: " فلن أستعين بمشرك " هذا إذا كانت الاستعانة بالمشرك للحاجة، أو في حال الضرورة.(1/188)
ذهب بعض أهل العلم أنه لا بأس لما جاء في عدة أخبار أنه -عليه الصلاة والسلام- ذكر أنه استعان ببعض المشركين وفيه قصة صفوان بن أمية في هذا الباب لها طرق أنه استعار منه أدرعا، وهذه استعارة الأدراع ثابتة قبل إسلامه أما استعانته به هو، استعانة به -بنفس صفوان- هذه فيها نظر..لكن استعان بهذه الأدراع قال: أغصبا يا محمد؟، قال: بل عارية مضمونة.
وأهل العلم متفقون عند جواز الاستعانة بهم أن يؤمن غدرهم ومكرهم ، وأيضا أن لا يكون فيهم كثرة حتى لو حصل غدر منهم فيغلبون، ويصير منهم شر، أما إذا كان مجرد استعانة، وحاجة بهم مع أمن الغدر والمكر بهم؛ فلا بأس به عليهم. ومن ذلك أيضا-من هذا الباب- الاستعانة بأهل الأهواء، وفرق أهل العلم، بالاستعانة-مثلا- بأهل الأهواء وأهل البدع، ذكروا أنه لا يجوز الاستعانة بهم في أي عمل من الأعمال؛ لأن أهل الأهواء
................................................................................
ـــــــــــــــــ
يظهرونه دينا، ويظهرونه نصحا؛ فلهذا لا يجوز الاستعانة بهم في أمور المسلمين؛ لأن صاحب البدعة والهوى يجب هجره وإبعاده حتى يتوب من بدعته, ففي الاستعانة به -الاستعانة برأيه وما أشبه ذلك- إظهار له، وأخذ برأيه، وفي هذا ظهور بدعته، وظهور شره وفساده، ولهذا فرقوا -مثلا-في الاستعانة مثلا فيما يتعلق مثلا بأمور خاصة مثلا في كتابة أو ما أشبه ذلك بين المشرك والمبتدع، وقالوا: إن المبتدع أشد خلافا من المشرك إذا كان في أمر لا يتعلق مثلا بكتاب وجهاد؛ إنما في أمر يتعلق في بعض أمور المسلمين التي يحتاج إليها، أما المبتدع فالأصل هجره وردعه وعزله؛ حتى يتوب من بدعته، كما ثبت ذلك من الأدلة والنصوص وعمل السلف -رضي الله عنهم-. نعم.
حديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى امرأة مقتولة في بعض مغازيه(1/189)
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " رأى امرأة مقتولة في بعض مغازيه؛ فأنكر قتل النساء والصبيان " متفق عليه.
ــــــ
نعم، حديث ابن عمر - رضي الله عنه - مثل ما تقدم وسبق الإشارة إليه أنه -عليه الصلاة و السلام- أنكر قتل النساء والصبيان هذا واضح، وحديث بريدة المتقدم أيضا، وصية عمر - رضي الله عنه - ليزيد بن معاوية، ولأمرائه في النهي عن قتل الصبيان والشيوخ وأصحاب الصوامع، هذا أمر متقرر في الشريعة، مستقر مستمر جاري في أحكام الجهاد، والقتال في سبيل الله؛ فلا تقتل المرأة ولا الصبي؛ لكن هذا مثل ما تقدم فيما إذا لم تكن من المقاتلة، أما إذا كانت من المقاتلة فإنها تقتل لدفع شرها. نعم.
حديث: اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم
وعن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم " رواه أبو داود وصححه الترمذي.
ــــــ
نعم، هذه رواية الحسن عن سمرة، الحسن -كما هو معروف- في روايته عن سمرة - رضي الله عنه - ثلاثة مذاهب معروفة، وأقربها أنه سمع منه اليسير حديث العقيقة، سمع أيضا أحاديث أخرى صرح بسماعه منها غير حديث العقيقة، كما صرح بسماعه وإلا فالأصل عدم سماعه وإن كان مدلسا؛ لكن تدليسه قليل حتى جعله البعض في الطبقة الثانية من المدلسين. " اقتلوا شيوخ المشركين " هذا المراد -والله أعلم- الشيوخ الذين لهم رأي أو مكيدة، أو لهم قوة وجلد على القتال، إما قوة في الرأي أو قوة في البدن، إن كان له قوة في البدن يقاتل يقتل، فإن قوة في الرأي والمكيدة فيقتل.(1/190)
" واستبقوا شرخهم " أو يكون: -والله أعلم- يعني: حينما ذكر الشرخ وهو الشباب يكون في الأسرى مثلا حينما يرى المصلحة -مثلا-أنه يرى المصلحة في قتل هذا الأسير أو يرى استبقاء هذا الأسير، ويرى أن شره طائل، وأن بقاءه يترتب عليه فساد وشر، قد يكون هذا في حال الحرب، وقد يكون بعد أن تضع الحرب أوزارها، { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } (1) وبعدين الحديث في ثبوته نظر، والمتقرر بالأدلة أنهم لا يقتلون إلا أن الشيوخ والكبار، لا يقتلون إلا إذا كانوا ذوي رأي ومكيدة أو قوة في القتال، أما شبابهم فمن أمكن منهم مداراته ولا يقتل فلا بأس؛ لأن الشباب قريب ويمكن أن يأخذ ويداول معك القول والرأي ويسلم، أما الشيخ ففي النادر أن يسلم، كبير السن من شيوخ المشركين نشأ على الكفر هذه السنوات الكثيرة، مع تعصبه وتشدده برأيه، أما الشباب ربما يكون قريبا؛ فلهذا يكون في استبقائه مصلحة، ويكون قوة للمسلمين ولأهل الإسلام. نعم.
قول علي: أنهم تبارزوا يوم بدر
وعن علي - رضي الله عنه - " أنهم تبارزوا يوم بدر " رواه البخاري و أخرجه أبو داود مطولا.
ــــــ
نعم، هذا هو الحديث رواه البخاري، وأخرجه أبو داود مطولا وهو أنه قال-رضي الله عنه-: " أنا أول من يجثو للمخاصمة بين يدي الله -سبحانه وتعالى- وذلك أنه في غزوة بدر خرج عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة ثلاثة من صناديد الكفر، عتبة وأخوه شيبة والوليد بن عتبة؛ فقالوا: هل من مبارز؟ فخرج لهم فتية من الأنصار؛ فقالوا: إنما نريد أبناء عمنا وأثنوا عليهم، قالوا: نريد أبناء عمنا؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - قم يا علي، قم يا حمزة، قم يا عبيدة؛ فأمرهم النبي بأن يبارزوهم؛ فقام حمزة لعتبة، وعبيدة لشيبة، وعلي للوليد " وقيل: غير ذلك.
__________
(1) - سورة محمد آية : 4.(1/191)
" فقتل علي وحمزة -رضي الله عنهما- أقرانهما، واختلف عبيدة بن الحارث والوليد ضربتين فأثخن كل منهما صاحبه؛ فجاء حمزة وعلي -رضي الله عنهما- إلى الوليد فقتلاه " لأنه لما أثخن عبيدة - رضي الله عنه - وجب إعانة له؛ لأنه لم يكن مبارزة انتهى وقت المبارزة، دل على مشروعية المبارزة، لكن اختلف العلماء هل هي مشروعة مطلقا أو مباحة؟ الأظهر أنه إذا خرج المشركون وطالبوا المبارزة فتشرع؛ لأنه لو لم يخرج لهم صف من المسلمين أو من يبارزهم ربما حصل شيء من الوهن والضعف؛ فيشرع, وإن كانت ابتداء من المسلمين فهذه بحسب المصلحة، إذا رأوا المصلحة؛ لكنه إذا خرج المشركون، خرج صف منهم جميعا؛ فلا بد أن يخرج لهم من أهل الشجاعة أهل القوة من يبارزهم؛ لأن الحرب في ابتدائها -وخاصة المبارزة- مما يقوي النفوس, ويشد من عزمها إذا حصل فيها قوة وإثخان في صناديد الكفر في أول الأمر؛ ولهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - علي وحمزة وعبيدة بالخروج فقتلوهم.
ودل أيضا على أن المشرك إذا تبارز هو والمسلم ثم أثخن أحدهما صاحبه؛ فإنه لا بأس من المساعدة، أما في حال المبارزة فلا يُساعد، في حال المبارزة لو خرج إلى قرنه الكافر وتبارزا لا يجوز أن يخرج له أحد آخر مادام كل
منهم الآن قائم بنفسه؛ لأنه يجب الوفاء بمثل هذا وهو خرج مع واحد، فإذا أثخنه فإنه يعان ويقتل مثل ما قام حمزة وعلي -رضي الله عنهما- فقتلا الوليد بن عتبة نعم.
قول أبي أيوب في قوله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة
وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - قال: " إنما نزلت هذه الآيات فينا معشر الأنصار يعني { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } (1) قال: هو ردعلى من أنكر على من حمل على صف الروم حتى دخل فيهم " رواه الثلاثة وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم.
ــــــ
__________
(1) - سورة البقرة آية : 195.(1/192)
نعم، حديث أبي أيوب - رضي الله عنه - حديث صحيح و فيه أن هذه الآية نزلت فيما وقد جاء قوله - رضي الله عنه - لما خرج لما كانوا في قتال الروم بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- خرجوا لقتال الروم فخرج رجل من المسلمين فدخل عليهم ورمى بنفسه عليهم فقال بعضهم: يلقي بنفسه إلى التهلكة؛ فأنكر عليهم، وبين أن هذه الآية نزلت في النفقة أو نزلت حينما-قالوا إنه- : لما كثر الإسلام، وكثر مناصروه؛ اجتمعنا وقلنا: قد كثر الإسلام وكثر ناصروه فلو رجعنا إلى زروعنا وأموالنا فأصلحناها؛ فنزلت هذه الآية وفي صحيح البخاري عن حذيفة أنها نزلت في النفقة يعني: في إمساك النفقة، يعني النفقة في سبيل الله والبخل بها، يشرع باب النفقة في سبيل الله، وأن تركها من التهلكة، وأن هذه تهلكة، وهي تشمل كل إلقاء بالنفس إلى التهلكة.
حديث: حرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخل بني النضير وقطع
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: " حرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخل بني النضير وقطع " متفق عليه.
ــــــ
نعم، حديث ابن عمر هذا دليل على أنه لا بأس من التحريق والقطع والإتلاف في أرض العدو إذا كانت فيه مصلحة، والتحريق أنواع: تارة يحرم إذا كان ما فيه مصلحة، وفيه ضرر على المسلمين هذا لا يجوز. وإن كان فيه مصلحة للمسلمين وفيه إغاظة للكفار، مثل يكون هذا النخل أو هذا الشجر أو هذه الثمار إزالتها يفتح الطريق لجيش المسلمين،فهذا من المشروع؛ بل ربما وجب عليهم ذلك.
الحال الثالث: إذا لم يكن فيه إلا إغاظة الكفار ما فيه حاجة للمسلمين من جهة فتح طريق أو غيره إلا إغاظة الكفار, والإتلاف في بلادهم حتى يقع الوهن والهزيمة عليهم، هذاالأظهر أنه مشروع, وهو الذي وقع عليه الصحابة -رضي الله عنهم- وفي حديث ابن عمر أنه: " حرق نخل بني النضير وقطع " نعم.
حديث: لا تغلوا فإن الغلول نار وعار(1/193)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا تغلوا فإن الغلول نار وعار على أصحابه في الدنيا والآخرة " رواه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان.
ــــــ
نعم هذا الحديث عند أحمد برواية إسماعيل بن عياش عن أبي بكر بن أبي مريم، والثاني يبين أن هذا فيه ضعف، وينبغي مراجعة لفظه هل هو عند النسائي بهذا اللفظ؟ الحديث جاء مطولا عند ابن حبان، ينظر هل ذكره النسائي يعني: بهذا اللفظ وهو عند أحمد، فينبغي التحقق من وجود هذا اللفظ؛ لأنه جاء مطولا وجاء مختصرا، وفيه النهي عن الغلول، والغلول هو الأخذ من الغنيمة بغير إذن، وهو خيانة، ثبتت الأخبار بذلك, وتواتر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وأنه شهر بصحابه يوم القيامة، أنه عار ونار وفضيحة على صاحبه مهما كانت, ولو كانت شيئا يسيرا,فإنه لا يجوز؛ ولهذا إذا أخذ منها فله +إذا أخذ، أما إذا كان بعد قسمة الغنائم وانتهى الأمر، ولكن ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يخرج من الخمس, والباقي يتصدق به عن المسلمين؛ لأنه لعموم المسلمين, وتفرقوا ولا يعلمون، والمقصود أنه من الكبائر وجاءت فيه الأخبار والحديث عنه -عليه الصلاة والسلام-. نعم.
حديث: قضى بالسلب للقاتل
وعن عوف بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " قضى بالسلب للقاتل " رواه أبو داود وأصله عند مسلم.
ــــــ
نعم. هذا قول المصنف عند مسلم، فيه نظر، الحديث في الحقيقة عند مسلم بهذا اللفظ " قضى بالسلب للقاتل " لكن هذا موضع مما يتبين بهما، ظهر قبل أن الحافظ -رحمه الله- يأخذ أو يعتمد على صاحب المحرر كثيرا؛ لأنه، صاحب المحرر ذكر هذا اللفظ وذكر لفظا قبله عند مسلم ليس فيه هذا اللفظ.(1/194)
كأن الحافظ -رحمه الله والله أعلم- لما رأى أن صاحب المحرر ذكره بهذا اللفظ عند أبي داود وذكره بلفظ آخر مطولا عند مسلم بدون هذا اللفظ فعزا اللفظ الأول إلى مسلم، واللفظ الثاني إلى أبي داود، فكأنه يعني أخذ ذلك عنه، وظن أنه ليس في مسلم بهذا اللفظ، ومسلم رواه من طريقين وكلاهما مطول وأحدهما في آخره هذا اللفظ، وهو:أنه قضى بالسلب للقاتل وفيه أنه -عليه الصلاة والسلام- في قصة عوف بن مالك لما كان مع خالد بن الوليد - رضي الله عنه - لما أرسله بالجيش وكان معه مدد يعني: جاء مدد للجيش وكان- ثم- قاتل هذا المدد، فنظر إلى رجل من المشركين قد أثخن وقد بالغ في المسلمين فاختبأ له تحت شجرة فعرقب فرسه ثم سقط، ثم جاء وقتله، قتل هذا المددي وكان معه سلب كثير، هذا المشرك؛ فجاء به إلى خالد والنبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بالسلب للقاتل فأخذه منه ولم يعطه السلب خالد -رضي الله عنه-؛ فقال عوف بن مالك: قد علمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بالسلب للقاتل قال: نعم ولكني استكثرته -اجتهدت فاستكثرته- وفي رواية أنه قال: أنه سوف يخبر النبي بذلك فأخبر عوف - رضي الله عنه - النبي بذلك فقال: " لم أخذته يا خالد؟ السلب قال: يا رسول الله استكثرته قال: أعطه إياه- أو أرجعه له- يعني: أعطه السلب فأعطاه إياه، أرجع السلب إلى هذا المددي الذي أخذه؛ فقال عوف - رضي الله عنه - ألم أقل لك إني أوفي لك بما قلت لك، يعني: يخبر النبي بفعلك، وأنه سوف يقضي بخلاف ما فعلت؛ فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - كلام عوف، فقال ما هذا؟ استفهمه-عليه الصلاة والسلام- فأخبره بالأمر؛ فقال: لا تعطه يا خالد، لا تعطه يا خالد، لأنه أنكر ما
......................................................................................
ـــــــــــــــــ(1/195)
فعله عوف - رضي الله عنه - ثم قال: هل أنتم تاركو لي أمرائي؟ هل أنتم تاركو لي أمرائي؟ هل أنتم تاركو لي أمرائي؟ ثم قال: إن مثلكم ومثل أمرائي كمثل رجل كان له غنم فأوردها حتى شربت صفوه وبقي كدره؛ فصفوه لكم وكدره عليهم " لأن الأمراء في الحروب والسرايا لا شك أنهم يتكلفون مهاما عظيمة في الجيش، في جمع الجيش والسير بالجيش، مسئولية عظيمة ويبذلون جهدا عظيما، فصفوه وما يحصل للجيش, وكدره والمشقة للأمراء؛ فقضى به -عليه الصلاة والسلام- ورد الأمر على ما قضى به خالد - رضي الله عنه - والمقصود أنه موجود عند مسلم بهذا وأنه قضى بالسلب للقاتل -عليه الصلاة والسلام- نعم.
حديث: كلاكما قتله
وعن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - في قصة قتل أبي جهل قال: فابتدراه بسيفيهما حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبراه فقال: أيكما قتله؟ هل مسحتما سيفيكما؟ قالا: لا. قال: فنظر فيهما فقال: كلاكما قتله. فقضى - صلى الله عليه وسلم - بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح متفق عليه.
ــــــ(1/196)
نعم. هذا الحديث فيه فوائد كثيرة؛ منها مثل ما سبق أنه قضى بالسلب للقاتل -عليه الصلاة والسلام- الحديث الذي+ في الصحيحين عن أبي قتادة أنه -عليه الصلاة و السلام- قال: " من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه " "فله سلبه" قضى بالسلب للقاتل، وفي هذا دلالة على أنه إذا اشترك في قتل المشرك رجلان فإن سلبه لأحدهما، فيه شاهد ما قاله جمع من أهل العلم أن السلب لا يكون لاثنين إنما لواحد، ولم يعهد أنه -عليه الصلاة والسلام- قضى بالسلب لاثنين في غزواته عليه الصلاة والسلام، بل يكون لواحد؛ لأنه إذا كان لاثنين ما يكون فيه التغرير بالنفس، إنما التغرير بالنفس يكون فيما إذا كان واحد معه كل منهما يريد أن يقتل صاحبه؛ ولهذا قضى به -عليه الصلاة والسلام- لأحدهما لما قال: " هل مسحتما سيفكما؟ " فأخذه فنظر فيهما -عليه الصلاة والسلام- فرأى أن سيف أحدهما أبلغ في الجرح، الدم فيه مرتفع أكثر، دل على أنه أبلغ في الضربة، وهذا فيه دلالة على أن من اشترك فيه اثنان، يُنظر فيمن أثخنه أو من كانت ضربته أقوى فإن السلب له.
والسلب هو ما مع المقاتل من سلاح أو مال أو لباس كله يسمى سلب؛ لأن السلب فعل بمعنى مفعول يعني مسلوب يسلب يأخذ منه سمي سلبا؛ لأنه يسلب منه ويأخذ منه، والسلب يأخذ بشروط يستحقه القاتل للمشرك بشروط؛ الأول: أن يكون المقتول من المقاتلة ما يقتل -مثلا- امرأة أو صبي؛ فيقتله ويأخذ سلبه، لا يكون غنيمة؛ لأن هذا ما فيه التغرير بالنفس؛ لأن هذا مأمون شرها وشر من قتلها، إنما يكون فيما إذا كان فيه دعوة إلى الإقدام والشجاعة بأن ينفرد به وأن يقتله في هذه الحال، هذا الشرط الأول: أن يكون المقتول من المقاتلة.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ(1/197)
الشرط الثاني: أن يثخنه فلو أنه ضربه فقطع يده؛ لكنه قائم وسيفه بيده الثانية ويقاتل، ثم جاء إنسان آخر فقتله؛ السلب لمن؟ للأول ولّا للثاني؟ السلب للثاني. لماذا؟ لأنه هو الذي قتله في الحقيقة، أما ذاك ما أثخنه؛ لأن قوته لا زالت، كما لو ضربه فقطع كفه، أو ضربه فقطع أصابعه -مثلا- أو ذراعه هذا؛ طيب لكن لو ضربه فقطع رجله، ثم جاء إنسان ثان فقتله لمن السلب؟ نعم. للأول ولّا للثاني؟ للثاني مطلقا ولّا نقول فيه، نعم؟ في الغالب أنه إذا قطع رجله أنه ماذا؟ خاصة إذا قطع معها الوسط، في الغالب أنه يقعده. أليس كذلك؟ لا يستطيع الحراك؛ فإذا ما استطاع الحراك الإثخان أيش يكون من الأول أم من الثاني؟ من الأول. فإذا أثخنه بقطع رجله؛ فصار يدافع بالسيف وهو جالس أيش يكون؟ يكون ضعيفا ما يستطيع الفرار، إنما في مكانه؛ فمن أقعده فالسلب له، ولو كان في كامل حياته؛ لأنه أثخنه فإن ضرب الرجل -مثلا- فجرحه أو قطع أصابعه مثلا؛ لكنه في قوته ثم جاء إنسان آخر فقتله فالسلب لمن؟ للثاني.
الشرط الثالث: ألا يكون المقتول مثخنا بمعنى ما يأتي إلى إنسان قد أثخنته الجراح ثم يقتله؛ فإنه لا يكون السلب له، ننظر من أثخنه.(1/198)
الشرط الرابع: أن يغرر بنفسه ما يأتي -مثلا- يرمي بسهم من الصف فيقتل المشرك من بعيد إذا رمى بسهم أو رمى -مثلا- بالسلاح مثلا بالسلاح رمى رصاصا عليه فقتله من بعيد؛ أيش يكون سلبا ولّا غنيمة؟ غنيمة؛ لأنه رماه من بعيد؛ لأنه ما فيه تغرير بالنفس ولا فيه مخاطرة، التغرير :المخاطرة؛ ما في مخاطرة، فيكون غنيمة. ولو أنه هو الذي قتله وعرف أنه قتله وانفرد بقتله فإذا اجتمعت هذه الشروط استحق السلب، وهذه الشروط مأخوذة من الأخبار من جهة أن السلب يكون لمن قتل، والرسول -عليه الصلاة والسلام- قضى بالسلب للقاتل، ولا يمكن أن يكون قاتلا إلا إذا اجتمعت هذه الشروط وإلا يكون غنيمة؛ لأن عند التقاء الصفوف كلهم يقتل، ومن ذلك إذا التقى الصفان صار هذا يقتل هذا، هذا يكون كله غنيمة لكن لو انفرد -مثلا- بمشرك وحده فقتله؛ فإنه يكون سلبا كما تقدم. نعم. والله أعلم.
أحسن الله إليكم وبارك الله فيكم وفي علمكم، فضيلة الشيخ -غفر الله لك-.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ
الأسئلة
ما أفضل وقت لبدء القتال في الجهاد؟ وهل هناك وقت لا يقاتل فيه ؟(1/199)
القتال في كل وقت، إذا كان مناسبا -كما قال عليه السلام-: " الحرب خدعة " ينظر هو الأصلح والأنسب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقاتل أول النهار، في حديث النعمان عند البخاري كان إذا لما يقاتل أول النهار، وكان إذا أغار؛ أغار صباحا -عليه الصلاة والسلام- كان إذا أغار أغار صباحا، مثل ما في الحديث البخاري وغيره: كان إذا سمع صوتا أو أذانا أمسك -عليه الصلاة والسلام- وإلا أغار في وقت الغفلة، وإن كان إذا لم يغر أول النهار أخر القتال. يعني: إذا لم يغر أول النهار وكان ليس هنالك ما يدعو إلى القتال مثل أن يكون العدو قريبا، ويخشى من مباغتته فيؤخر القتال إلى نصف النهار، مثل ما كان في حديث النعمان أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يؤخر حتى ينتصف النهار، حتى تزول الشمس وتهب الأرواح وينزل النصر وتحضر الصلوات. نعم.
أحسن الله إليكم، وهل يجب على من يريد أن يجاهد في سبيل الله أن يكون عالما بأحكام الجهاد ؟
العلم لا بد منه، لا بد من العلم بأحكام الجهاد من حيث الجملة؛ ليس المراد به علم التفاصيل مثل ما يعلم أحكام الصلاة من حيث الجملة، يعلم الحكم الواجب، يعلم أولا مَنْ يقاتل إذا أراد ليقاتل لا بد أن يعلم الأحكام.
من أحكام الجهاد -مثلا- أن فرقا بين مقاتلة أهل الحربي ومقاتلة الذمي أو المعاهد أو المستأمن مثلا، وكذلك لا بد أن يعلم مثلا ما يتعلق بالقتال حال الحرب، وأنه لا يقتل مثلا النساء والصبيان والشيوخ ممن يؤمن شرهم حال القتال؛ لا بد من العلم بالأحكام التي يحتاج إليها، الأحكام التي يحتاج إليها، لا بد من العلم بها، سواء تعلمها -مثلا- قبل قتاله أو تعلمها -مثلا- وهو سائر إلى الجهاد أو تعلمها -مثلا- في حال المرابطة، المقصود يتعلم ما به يكون قتاله وجهاده على الوجه الشرعي. نعم.
......................................................................................
ـــــــــــــــــ(1/200)
أحسن الله إليكم، وهل يجوز القتل بالسكين للأسير وغيره ؟
الأسير له أحكام عند أهل العلم فيما يتعلق بأنه، كما قال تعالى: { $¨Bخ*sù $CZtB ك‰÷èt/ $¨Bخ)ur ¹ن!#y‰دù 4س®Lym yىںزs? ـ>ِچptّ:$# $ydu'#y-÷rr& } (1) فالنبي -عليه الصلاة والسلام- تارة كان يمن على الأسرى بلا فداء وبلا مال، وتارة كان يمن بالمال - عليه الصلاة والسلام- وتارة ربما قتل الأسير صبرا؛ إذا كان ذا شر, كما قتل النبي -عليه الصلاة والسلام- أبا عزة الجمحي لما أُسِر؛ فجاء وكان قد من عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل ذلك؛ لأنه أظهر الحاجة والمسكنة فَمَنّ عليه -عليه الصلاة والسلام- ثم أمسك به ثانية، وأظهر الحاجة والمسكنة والصبية فرد -عليه الصلاة والسلام- وقال: تذهب، يروى أنه قال: تحك عارضيك وتقول: فعلت كذا وخدعت محمدا وأصحابه؟! كما قال -عليه الصلاة والسلام- فقتله صبرا؛ لأنه ظهر فساده وشره؛ فالأسير الذي يظهر شره وفساده وتكون المصلحة في قتله يقتل، والذي -مثلا- يكون في بقائه خير أو مصلحة ينظر؛إما مصلحة له لعله يسلم، أو مصلحة للمسلمين أو ما أشبه ذلك، وأحكام الأسير أحكام كثيرة عند أهل العلم، وكل قضية لها حكمها الخاص المتعلق بها. نعم.
__________
(1) - سورة محمد آية : 4.(1/201)