شرح عمدة الطالب
كتاب البيع
الجزء الأول
لفضيلة الشيخ /
أ.د خالد بن علي المشيقح
جمع وترتيب
محمد بن عبدالله الشنو
شبكة نور الإسلام
www.islamlight.net
ملاحظة : هذه المذكرة لم تراجع من قبل الشيخ
مقدمة
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على إمام المتقين , وقدوة الناس أجمعين وبعد.....
إلحاحاً من الطلاب , وحرصا منهم على الخير , حيث كانوا سببا في طباعة هذه المذكرة على هذا الوجه , بأسرع وقت ممكن , خاصة ونحن في استقبال الإجازة الصيفية , نزلت لرغبتهم , راجيا منهم أن يعذرونا ببعض النقص الذي حصل في أول باب الخيار وباب الربا بعد الضوابط , وهو نقص يسير إلى حين رجوعهم بعد الإجازة لأتمم لهم ما نقص , علماً بأن باب الصلح لم يكمل بعد , وبناء على هذا لم أرقم المذكرة في الأعلى , بل جعلت الترقيم في الأسفل , حتى انتهي من كل العمل ,
وبهذه المناسبة أشكر الاخوة الذين تعاونوا معي على إخراج هذه المذكرة وعلى رأسهم الشيخ /ابو هيثم الذي قام بتفريغ هذه الدروس , وقر الله عينه بشفاء والدته ... آمين
وكذلك الإخوة الفضلاء ابراهيم الخالدي الذي قام على إخراج باب الخيار والأخ أحمد صلاح الذي قام على إخراج باب الربا والصرف شاكراً لهم سعيهم , وبذلهم ,
ووفقهم الله لكل خير
كتبه / أبو عبدالله
كتاب البيع
لما انتهى المؤلف رحمه الله من أحكام العبادات شرع في أحكام المعاملات وشرع من أحكام المعاملات بأحكام المعاوضات ، فالعلماء بعد العبادات يشرعون في أحكام المعاملات ويبدأون بأحكام المعاوضات ثم بعد أحكام المعاوضات يتكلمون عن أحكام التبرعات ثم ينتقلون إلى أحكام الأنكحة .
وبدأ المؤلف بأحكام المعاملات من المعاوضات والتبرعات قبل أحكام الأنكحة لأن حاجة الإنسان إلى هذه العقود أشد من حاجته إلى عقد النكاح فعقد النكاح لا يحتاجه إلا في فترة معينة من العمر بخلاف ما يتعلق بالبيع والشراء فإنه يحتاجه في سائر عمره من الصغر .(1/1)
البيع لغة: يطلق على مطلق المبادلة ، وقال بعض العلماء كابن هبيرة البيع لغة: أخذ شيء وإعطاء شيء.
وسمي بيعاً لأن كل واحد من المتابيعين يمد باعه للأخذ والإعطاء ، فالبائع يمد للإعطاء السلعة وأخذ الثمن والمشتري يمد لأخذ السلعة وإعطاء الثمن .
اصطلاحاً : عرف بتعاريف من هذه التعاريف أنه مبادلة مال بمال ، وهذا من أخصر التعاريف .
وعرف أيضاً : أنه مبادلة مال ولو في الذمة أو منفعة مباحة بمثل أحدهما على التأبيد غير ربا وقرض .
وهذا التعريف يحتاج إلى شرح :
قولنا مبادلة مال : المقصود بالمال هنا العين يعني المُعَيّن .
ولو في الذمة : المقصود به غير المعين ، الموصوف في الذمة يعني الموصوف غير المعين .
أو منفعة : مبادلة مال بمنفعة مباحة .
أو بمثل أحدهما : متعلق بمبادلة أي يبادل المال ولو في الذمة أو المنفعة بمثل أحدهما يعني يقع العقد على ثلاثة أشياء :
مال معين ، ومال في الذمة ، ومنفعة ، إذا ضربت بعضها في بعض ( ثلاثة في ثلاثة ) صار الناتج تسع صور :
عين بموصوف في الذمة ( دين ) بعت عليك هذا الكتاب ( معين ) ( موصوف في الذمة ) بعت عليك كتاباً صفته كذا وكذا ، فإذا قلت لك بعت لك هذا الكتاب وعينته أصبح هذا عين .
وإذا قلت بعت عليك كتاباً صفته كذا وكذا أصبح هذا مال في الذمة ، بعت عليك مال في الذمة يعني غير معين ويسميه العلماء رحمهم الله ( بالدين ) .
أو منفعة ، فعندنا تسع صور وهي :
الصورة الأولى : عين بعين ( بعت عليك هذا الكتاب بهذه المائة كلاهما معينين ).
الصورة الثانية : عين بموصوف ( بعت عليك هذا الكتاب بكتاب صفته كذا وكذا ) أو بعت عليك هذه السيارة بعشرة آلاف ريال ، السيارة معينة والعشرة موصوفة وصفتها بأنها عشرة آلاف ريال ، فهذا عين بدين أو بموصوف .
الصورة الثالثة : عين بمنفعة ( بعت عليك هذا الكتاب أو هذه السيارة عينتها بمنفعة سطح بيتك انتفع به استخدمه للإيداع الأشياء أو للنوم أو لغير ذلك من الأغراض )(1/2)
وقل في ذلك في بقية الصورة ، فنأتي إلى الدين الذي هو الموصوف في الذمة .
الصورة الرابعة : دين موصوف في الذمة بعين ( بعت عليك كتاباً صفته كذا وكذا بهذه المائة دين أو موصوف بعين )
الصورة الخامسة : دين موصوف بالذمة بموصوف بالذمة موصوف بدين ( بعت عليك كتباً صفته كذا وكذا بسيارة صفتها كذا وكذا )
الصورة السادسة : دين موصوف ، موصوف في الذمة بمنفعة ( بعت عليك سيارة صفتها كذا وكذا بالانتفاع بعقارك أو سطح بيتك ونحو ذلك .
الصورة السابعة : منفعة بمنفعة .
الصورة الثامنة : منفعة بعين .
الصورة التاسعة : منفعة بدين .
والبيع الأصل فيه الحل دل على ذلك القرآن في قوله تعالى :( وأحل الله البيع ).
وأما السنة فكما سيأتي كثير من الأحاديث ومن ذلك حديث حكيم بن حزام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار )
والإجماع منعقد على ذلك في الجملة .
وكذلك النظر الصحيح يدل لهذا فإن الإنسان يحتاج ما بيد غيره أو غيره يحتاج ما بيده .
فأنت تحتاج إلى الطعام عند صاحب الأطعمة والثوب عند صاحب الأقمشة وهو يحتاج إلى ما بيدك من نقود ونحو ذلك .
قال المؤلف رحمه الله تعالى :
" ينعقد بإيجاب وقبول "
شرع المؤلف رحمه الله في بيان صيغة البيع والبيع له صيغتان :
الصيغة الأولى : الصيغة القولية وهي تكون من الإيجاب والقبول .
الإيجاب : هو اللفظ الصادر من البائع أو من يقوم مقامه .
والقبول : هو اللفظ الصادر من المشتري أو من يقوم مقامه .
من الذي يقوم مقام البائع والمشتري ؟
الوكيل والوصي والولي والناظر .
الوكيل : هو الذي استفاد التصرف في حال الحياة من المالك .
الوصي : هو الذي استفاد التصرف من المالك بعد الوفاة .
الولي : هو القائم على القصر من الصغار والمجانين .
الناظر : هو القائم على الأوقاف المتولي شؤنها .
فهؤلاء يقومون مقام المالك في الإيجاب والقبول .
والإيجاب والقبول يشترط لها شروط :(1/3)
الشرط الأول : تقدم الإيجاب على القبول يقول بعت هذا إيجاب ، قبلت هذا قبول ، فإن تقدم القبول على الإيجاب لا يصح على المشهور من المذهب .
والرأي الثاني : يصح إذا كان بلفظ الطلب .
صحيح ولا بأس به ويدل لهذا حديث سهل بن معد في قصة الواهبة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( زوجتكها بما معك من القرآن ) لما قال الرجل زوجنيها يا رسول الله ، ولم يرد أن الرجل قال بعد أن قال النبي صلى الله عليه وسلم زوجتكها ، لم يرد أن الرجل قال قبلت وإنما اكتفى بالقبول المقدم وهنا تقدم القبول على الإيجاب .
فدل ذلك على أنه يصح أن يتقدم القبول على الإيجاب إذا كان هذا بلفظ الطلب وعلى هذا لو قال المشتري بعني السيارة فقال بعتك هل يحتاج إلى أن يقول المشتري بعد ذلك قبلت ؟ لا يحتاج .
الشرط الثاني : التوافق بين الإيجاب والقبول فلو اختلفا لا يصح ، فلو قال بعتك السيارة بعشرة الآف قال قبلت بالتسعة لا يصح ، فلابد أن يكون هناك توافق بين الإيجاب والقبول .
الشرط الثالث : الاتصال بين القبول والإيجاب ، فلو قال : بعتك ، وبعد فترة قال : قبلت ، حيث أنه حصل انقطاع بين القبول والإيجاب لا يصح إلا ما ذكر المؤلف رحمه الله
" ولا يضر تراخيه عنه بالمجلس مالم يتشاغلا بما يقطعه "
فتحقق شرط الاتصال بين القبول والإيجاب .
قال المؤلف : إذا عدم الاتصال ( التراخي ) بين الإيجاب والقبول في مجلس العقد جائز ولا يمنع من صحة الإيجاب .
ولنفرض أن البائع والمشتري في مجلس العقد ، قال بعتك أرضي الفلانية وهما في مجلس العقد وبعد فترة نصف ساعة ساعة قال المشتري قبلت ، هل يصح البيع ؟
على كلام المؤلف رحمه الله ما دام أنهما في المجلس فإن البيع يصح لكن بشرط ألا يتشاغلا بما يقطعه ، فلو أنه قال وهما في المجلس بعتك السيارة ثم تشاغلا بشيء آخر تحدثا في الزراعة أو الصناعة ونحو ذلك ثم بعد ذلك قال قبلت وهما في مجلس العقد هل يصح ذلك أو لا يصح ؟(1/4)
المؤلف رحمه الله لا يصح .
والأقرب في هذه المسألة أن يقال : أنه يشترط الاتصال بين القبول والإيجاب مالم يكن هناك فاصل طويل عرفاً فإن كان هناك فاصل طويل عرفاً فإنه لابد من تجديد الإيجاب أما إذا لم يكن هناك فاصل طويل عرفاً كفاصل يسير لا يضر .
فمثلاً لو قال بعتك السيارة وهما في المجلس وبعد ساعة قال قبلت هنا بطل الإيجاب السابق فلابد أن يجدد الإيجاب .
لكن لو كان الفاصل يسير دقيقة دقيقتين ثلاث أربع وقال قبلت ، فنقول أن هذا لا يضر هذه هي الصيغة القولية .
الصيغة الفعلية : بينها المؤلف رحمه الله فقال :
" وبمعاطاة كأعطني بهذا كذا فيعطيه ما يرضيه "
ويعقد بها البيع وعليه الجمهور خلافاً للشافعية لا يرون أن العقود تنعقد بالفعل فهم يضيقون في هذه المسألة .
والصواب : ما عليه الجمهور لقوله عز وجل :( وأحل الله البيع وحرم الربا ) وهذا يشمل القبول بالقول والقبول بالفعل .
والمسلمون في بيوعهم كانوا يتبايعون بالقول ويتبايعون بالفعل والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها ، ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشترط الإيجاب والقبول .
فالصواب : أن البيع ينعقد بالصيغة الفعلية وعلى هذا جرى عمل الناس اليوم يأتي إلى البقال ويأخذ السلعة ويضع الدراهم وينصرف وكذلك صاحب الخضروات ولم يرد أنهم كانوا يشترطون إيجاباً أو قبولاً .
وشيخ الإسلام رحمه الله اختصر الكلام كله وقال :( وينعقد البيع والهبة بكل ما دل عليه العرف من قول أو فعل متعاقب أو متراخي )
فكل ما دل عليه العرف أنه بيع فهو بيع سواء كان ذلك قولاً أو كان فعلاً .
" وشروطه الرضى "
يعني شروط صحة البيع ، هذه شروط الصحة وستأتي الشروط في البيع يعني شروط البيع والشروط في البيع والفرق بين الشرط للعقد والشرط في العقد من وجوه :
الوجه الأول : أن شرط العقد من وضع الشارع هو الذي وضع الرضى ووضع أن يكون العاقد جائز التصرف وأن المعقود عليه معلوماً .(1/5)
وأما الشرط في العقد فمن وضع المتعاقدين المتبايعين .
الوجه الثاني : أن شرط العقد لا يصح إسقاطه .
والشرط في العقد يصح إسقاطه .
الوجه الثالث : أن شرط العقد يكون قبل العقد .
وأما الشروط في العقد فإنها تكون قبل العقد وتكون في صلب العقد وتكون في زمن الخيار كما سيأتي فمثلاً لو أراد أن يشترط بعتك السيارة بشرط أن استعملها لمدة يوم يصح أن يكون هذا الشرط قبل العقد أو في صلب العقد بعتك بشرط أن استعملها ، أو في زمن الخيار خيار المجلس وخيار الشرط .
إذا باعه وهو في المجلس له حق الفسخ فإذا قلت بعتك السيارة بعشرة آلاف ريال ثم قال لي أن استعملها لمدة يوم أو يومين صح ذلك مادام أنه في مجلس العقد لأن له أن يفسخ .
أو مثلاً قال بعتك السيارة ولي الخيار لمدة ثلاثة أيام ثم بعد أن مضى يوم قال اشترط أن استعملها لمدة أسبوع ، شرط صحيح .
الوجه الرابع : الإخلال بشرط البيع يترتب عليه فساد العقد والإخلال بالشرط في البيع أو بالشرط في العقد لا يترتب عليه فساد العقد وإنما يترتب عليه عدم الإلزام به .
الشرط الأول من شروط صحة البيع : الرضى ، والرضى قاعدة عامة في سائر العقود ليست خاصة بالبيع ، في عقد البيع الإجارة وعقد التركة وعقد النكاح سائر العقود لابد فيها من الرضى .
ويدل لذلك قول الله عز وجل :( إلا أن تكون تجارة عن تراض ٍ منكم ) .
وحديث جابر أن دمائكم وأعراضكم وأموالكم عليكم حرام )
وفي الصحيحين ( لا يجلبن أحدكم شاة أحد إلا بإذنه )
وفي المسند ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه )
قال عز وجل :( فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً )
فهذا يدل على أن الرضى قاعدة عامة لكن يستثنى من ذلك قال المؤلف رحمه الله :
" إلا من مكره بحق "
يعني إذا كان الإكراه بحق فلا بأس به .(1/6)
أكره على أن يبيع وكان الإكراه بحق مثاله القاضي رجل مدين فيحجر على أمواله ويقوم ببيع العقار الذي له الأرض السيارات الزائدة كما سيأتي في باب الحجر فهذا إكراه بحق .
أو يقوم القاضي ويبيع مال الشخص لكي ينفق على أهله منه هذا إكراه بحق .
ومثل ذلك ما يوجد الآن سلع وبضائع تكون في الموانئ ، شخص يأتي بسلع تجارة ثم بعد ذلك لا يستطيع أن يسدد فتباع من قبل الحكومة ، فنقول هذا إكراه بحق .
" وكون عاقد جائز التصرف فلا يصح من صغير وسفيه بغير إذن وليه "
الشرط الثاني من شروط صحة البيع قال المؤلف : وكون عاقد جائز التصرف فلا يصح من صغير وسفيه بغير إذن وليه .
هذا الشرط الثاني وهذا الشرط ليس خاص في البيع بل في سائر العقود لابد أن يكون العاقد جائز التصرف ، ومن هو جائز التصرف ؟
هو البالغ العاقل الحر الرشيد المالك فهذه خمس صفات .
الصفة الأولى : البلوغ وعلى هذا الصبي لا يصح بيعه ، أما إن كان غير مميز لا يصح بيعه بالاتفاق وإن كان مميز لا يصح بيعه لكن يستثنى الأمور اليسيرة عرفاً ، فمثلاً هذا الصبي يصح أن يكون في البقالة ويبيع أو في المكتبة هذه أمور يسيرة عرفاً لكن كونه يتولى بيع العقار الأراضي والسيارات والمزارع الأمور التي فيها خطر نقول لا يتمكن من ذلك لأن هذه الأمور لها خطر لا يمكن منها واستثنى بعض العلماء إذا راهن أي قارب البلوغ فقالوا لا بأس أن يؤذن له في التجارة لكي ينظر هل رشد أو لم يرشد يؤذن له أن يبيع وأن يشتري فإذا بلغ فإنه يدفع إليه ماله ، ويدل لهذا أن الله عز وجل قال :( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم )
ابتلوا اليتامى : أي اختبروهم .
ولا يكون ذلك إلا بأن يسند إليهم شيئاً من التصرف .
واليتيم : هو الذي مات أبوه وهو لم يبلغ .
الصفة الثانية : أن يكون عاقلاً وعلى هذا المجنون لايصح بيعه ولا تصح عقوده وهذا يشمل القليل والكثير لأن عبارته ملغاة .(1/7)
وإذا كان معتوهاً ليس مجنون فالمجنون فقد العقل ، والعته نقص في العقل ، فإن كان معتوهاً فحكمه حكم الصبي المميز .
الصفة الثالثة : الحرية وعلى هذا الرقيق لا تصح تصرفاته لا تصح عقوده إلا بإذن السيد لأن الرقيق لا يملك وملكه يؤول إلى سيده لكن إذا أذن له سيده فإنه يصح تصرفه في القليل والكثير لأنه بالغ عاقل مكلف ، وإلا فهو محجور عليه لحظ السيد .
الصفة الرابعة : الرشيد يخرج السفيه وهو الذي لا يحسن التصرف في ماله كما سيأتي بيانه في باب الحجر ، فالسفيه لا يصح تصرفه فلو باع أو اشترى لا يصح تصرفه إلا في الأمور اليسيرة عرفاً فهذا نقول يصح .
الصفة الخامسة : المالك يخرج غير المالك إذا كان غير مالك فإنه إذا باع ملك غيره لا يصح إلا أنه سيأتينا أنه يصح التصرف الفضولي فإذا كان التصرف فضولياً نقول هذا صحيح .
" وكون مبيع مباحاً نفعه بلا حاجة "
هذا الشرط الثالث : أن يكون المبيع مباح نفعه .
والضابط في ذلك أن يقال : {كل ما أبيح نفعه أبيح بيعه إلا ما استثناه الشارع } ،وهذا الضابط يبين لك ما هو الشيء الذي تبيعه والذي لا يصح أن تبيعه فكل شيء نفعه مباح فالشريعة تقول لك بعه وإذا كان نفعه محرم الشريعة تقول لا تبعه ويدخل في هذا أشياء كثيرة كل ما أبيح نفعه أبيح بيعه فسائر ما ينتفع به من المطاعم والمشارب والملابس والمراكب والعقارات .. إلخ هذه الأشياء نفعها مباح فنقول يصح العقد عليها إلا ما استثناه الشارع ، هناك أمور نفعها مباح ورخص الشارع أن ينتفع بها لكن لا يجوز لك أن تعقد عليها ( أن تبيعها ) مثل كلب الصيد الحرث الماشية الميتة لك أن تنتفع بها لكن بيعها ليس لك .
فالشرط الثالث من شروط صحة البيع : أن يكون المبيع مباح النفع وسبق أن ذكرنا قاعدة
{ ما أبيح نفعه أبيح بيعه إلا ما استثناه الشارع }
ومثل المؤلف رحمه الله قال :
" كبغل وحمار ودود قز وبزره وفيل "
فالبغل يصح بيعه لأن نفعه مباح .(1/8)
والحمار كذلك ، كذلك دودة القز وبزره أي ولده هذه الأشياء يباح بيعها لأن لها نفع مباح .
فدودة القز حشرة ينتفع منها فيما يستخرج منها من الحرير والفيل يباح نفعه لحمل الأثقال .
" وسباع بهائم "
التي تصلح للصيد كالفهد نفعه مباح .
" وطير تصلح لصيد "
كالصقر والبازي يصح بيعها لأن نفعها مباح .
" لا كلب "
وإن كان ينتفع به ككلب الصيد والحرث والماشية لكن لا يصح بيعه لحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب في الصحيحين .
" وحشرات "
لا يصح بيعها ويستثنون الديدان لصيد السمك ، فبعض الديدان تستخدم لصيد السمك يقولون يصح بيعها أو العلق لمص الدم يستثنونها .
والصواب : أنه داخل تحت القاعدة فما ينتفع به من الحشرات فإن بيعه يصح المهم عندنا الضابط
{ ما أبيح نفعه أبيح بيعه إلا ما استثناه الشارع }
فالحشرات قد يكون لها نفع مباح بسبب ترقي العلم والطب اليوم قد يستفاد من هذه الحشرات ولهذا كما ذكرنا أنهم يستثنون بيع الديدان لصيد السمك يقولون لا بأس ببيعها لأنه ينتفع بها فمتى وجدت المنفعة صح البيع .
" وميتة "
يقول المؤلف رحمه الله : الميتة لا يصح بيعها ، ويدل لهذا حديث جابر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن الله حرم بيع الميتة والخمر والأصنام ) فقالوا يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس ، فقال :( لا هو حرام ).
فبيع الميتة لا يجوز يستثنى من الميتة استثناءان :
الأول : ما يتعلق بأجزاء الميتة فالعلماء استثنوا من الميتة ما لا تحله الحياة فهذا ظاهر يصح الانتفاع به والعقد عليه مثل الشعر والوبر والريش والصوف والقرون والأظلاف يستثنى .
الثاني مما يستثنى من أجزاء الميتة : الجلد إذا دبغ فالصحيح أنه يطهر وتقدم ما هو الذي يطهر من الجلود بالدبغ وما هو الذي لا يطهر ، فإذا دبغ طهر ويصح العقد منه .(1/9)
الثالث : استثنى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عظام الميتة فيرى أن عظام الميتة يصح أن تباع لأنها لا تحلها الحياة ، وكذلك استثنى لبن الميتة لأن القاعدة عند شيخ الإسلام أن المائعات لا تنجس إلا إذا تغيرت بالنجاسة وهذا فيما يتعلق بلبن الميتة ، فيه نظر لأن النجاسة محيطة به من كل جانب لأن هذا الحيوان إذا مات يتنجس والنجاسة تكون محيطة به من كل جانب فهذا الاستثناء الذي ذكره شيخ الإسلام فيه نظر .
وهذا ما يستثنى من أجزاء الميتة هذه الأشياء يصح بيعها أما ماعدا ذلك من كبد الميتة وشحمها ولحمها ونحو ذلك فلا يجوز بيعها لقوله صلى الله عليه وسلم ( أن الله حرم بيع الميتة )
الاستثناء الثاني : يتعلق بأعيان الميتات فأعيان الميتات يستثنى منها :
أولاً : ميتة البحر لأنها حلال ويصح الانتفاع منها بالأكل لقوله تعالى:( أحل لكم صيد البحر وطعامه )
قال ابن عباس صيده ما أخذ حياً ، وطعامه ما أخذ ميتاً .
فحيوان البحر يصح بيعه .
ثانياً : ما لا نفس له سائلة من الحيوانات لأنه ظاهر فيدخل في ذلك الجراد والحشرات لا نفس لها سائلة إذا قتلت لا يخرج منها دم يسيل فيصح بيع ميتتها وسبق أن ذكرنا أن الحشرات يصح بيعها إذا كان ينتفع بها .
" وسرجين "
وهو الروث الخارج من الحيوان ، والخارج من الحيوان ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : خارج طاهر كالذي يخرج من مأكول اللحم كالبقر والإبل والغنم يصح بيعه .
القسم الثاني : خارج نجس كالذي يخرج من محرم الأكل من الحمار والبغل والإنسان فهذا السرجين هل يجوز بيعه أو لا يجوز بيعه ؟
المؤلف رحمه الله : لا يجوز بيعه ويقيسون هذا النجس على شحوم الميتة ، شحوم الميتة لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعها قال ( لا هو حرام ) فقالوا يقاس على ذلك السرجين فلا يجوز أن يباع .(1/10)
أبو حنيفة : يجوز أن يباع السرجين النجس وكانوا يتبايعونه في الأعصار والأمصار بلا نكير ولأن الأصل في ذلك الحل ولأنه ينتفع به في تسميد الزروع والأشجار فيصح بيعه ، وهو الأقرب والله أعلم لأن الأصل في ذلك الحل .
" ودهن بخسين "
والدهن ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أن يكون دهناً نجساً وهو الذي أصله وذاته من عين نجسة مثل شحم الميتة دهن نجس ، شحم الحيوان الذي لا يؤكل لحمه ، شحم الحمار الأسد النمر ونحو ذلك شحم الخنزير ، فالمؤلف رحمه الله على أنه لا يصح بيعه ويدل لهذا ما تقدم من حديث جابر رضي الله تعالى عنه وفيه قول الصحابة رضي الله تعالى عنهم ( أرأيت شحوم الميتة فإنها تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( لا هو حرام ) .
القسم الثاني : دهن متنجس يعني أصله وذاته طاهر ولكن طرأت عليه النجاسة .
ولنفرض عندنا دهن شاة أو بقر أو إبل ذكي ذكاة شرعية وأخذنا الشحم وأذبناه فصار دهن هذا الدهن وقعت عليه نجاسة من البول ونحو ذلك من النجاسات فهل يصح بيعه ؟
المشهور من المذهب : أن الدهن حتى ولو كان متنجساً لا يجوز بيعه ولا يصح وعلتهم أن الدهن المتنجس لا يطهر بالغسل .
والرأي الثاني : يصح بيعه الدهن المتنجس ، وهو الصواب لأنه يطهر بطرق التطهير المختلفة ، يطهر بالغلي والطبخ بالإضافة إلى غير ذلك من طرق التطهير المختلفة ، وسبق أن بينا أن النجاسة عين مستقذر شرعاً تطهر بأي مطهر فإذا طهرت بأي مطهر كفى ذلك .
" ويجوز استصباح بمتنجس في غير مسجد "
المؤلف رحمه الله والمشهور من المذهب : يرون أن الدهن المتنجس لا يصح بيعه لكن يقولون يجوز الانتفاع به فالفرق بين الدهن النجس والدهن المتنجس أولاً : من حيث التعريف كما سلف .
ثانياً : من حيث انتفاع فالدهن النجس لا ينتفع به وأما الدهن المتنجس يجوز الانتفاع به وكل منهما لا يصح بيعه فينتفع بالمتنجس لا بالنجس .(1/11)
قال المؤلف : في غير مسجد على وجه لا تتعدى نجاسته فينتفع به في الاستصباح ، وقود في المصباح في غير المسجد لا بأس على وجه لا تتعدى نجاسته ينتفع به مثلاً في الآلات ونحو ذلك جائز ولا بأس به إذا كان على وجه لا يتعدى .
والصواب في هذه المسألة : أنه ينتفع بسائر النجاسات فرق بين عقد البيع والانتفاع ، فالدهن النجس لا يباع لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك لكن الانتفاع أوسع فيصح أن ينتفع به ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة على قولهم تدهن به الجلود ويستصبح به الناس وتطلى به السفن فأقر الصحابة على ذلك .
فالنجاسات يصح أن تنتفع بها لكن على وجه لا يتعدى لا تدخل في الأكل أو الشرب لا يلامسها الإنسان أثناء الصلاة ماعدا ذلك يصح .
فهذه النجاسات حتى الميتة شحوم الميتة لحومها ينتفع بها إذا كان فيه إمكانية أن ينتفع بها في الآلات الصناعات وكما تقدم في لوازم العيادات ذكرنا الانتفاع بها في المطهرات كالآت التطهر كالصابون ونحو ذلك فإن مثل هذه الأشياء يصح الانتفاع بها إذا كان على وجه لا يتعدى فهذا جائز ولا بأس به .
" وحرم بيع مصحف "
يؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله لا يصح بيع المصحف وهو المشهور من المذهب ، ويستدلون بقول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما :( وددت أن الأيدي تقطع في بيعها ) وهذا أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وإسناده صحيح .
الرأي الثاني : الجمهور أن بيع المصحف جائز ولا بأس به ، واستدلوا بالأصل وهو أن الأصل جواز البيع وحله لقوله تعالى:( وأحل الله البيع وحرم الربا ) واستدلوا أن المصاحف كانت تباع في عهد عثمان رضي الله عنه أثر ضعيف .
واستدلوا وارد عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ضعيف الأثر .
لكن عندنا الأصل وأن الأصل في ذلك الحل ، مع أن المصاحف في وقتنا الحاضر تشتمل على المداد والورق وعلى الجلد وتكلفة الطباعة وهذه تكاليف مالية وهي أموال فإذا كان كذلك يصح العقد عليها.(1/12)
وقولهم ( يلزم من ذلك أن تبتذل ) لا يلزم من كونها تباع أنها تبتذل ، وما ورد من الأثر عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فإن هذا محمول على ما كان هذا البيع يؤدي إلى محذور شرعي كما لو كانت تباع إلى أناس يبتذلونها أو إلى كافر أو تباع إلى أهل البدع الذين يقوون بها بدعتهم .
ويؤيد قول الجمهور أن الحنابلة قالوا يحرم بيع المصحف ومع ذلك يصح البيع فالحكم التكليفي عندهم يحرم لكنه لو باعه الإنسان وعقد عليه فيقولون هذا عقد صحيح .
" ولا يصح لكافر "
لا يصح بيعه لكافر العقد يصح للمسلم أن تبيعه مع الحرمة لكن الكافر يحرم ولا يصح العقد .
ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالمصحف إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو .
فالعلة في ذلك : مخافة أن يناله العدو وإذا باع المصحف إلى الكافر فإن العدو سيناله .
" وكون عاقد مالكاً أو مأذوناً "
هذا الشرط الرابع من شروط صحة البيع : أن يكون العاقد مالكاً للمعقود له أو مأذوناً له فيه والمأذون له فيه كما سلف هو الوكيل ، الوصي ، الناظر ، الولي .
وعلى هذا لو أنه باع ملك غيره فلا يصح بيعه .
ولهذا قال المؤلف رحمه الله :
" فلا يصح من فضولي "
الفضولي : هو الذي يتصرف في مال الغير بالبيع ونحو ذلك من العقود دون أن يكون هناك إذن ، فهل يصح عقد الفضولي ؟
المشهور من المذهب ومذهب الشافعي : بيع الفضولي لا يصح وكذلك بقية عقوده لا يصححونها لو أجر أو عقد عقد شركة ، عقد مساقاة أو هبة أو وقف لا يصححون تصرفات الفضولي .
واستدلوا بحديث حكيم بن حزام ( ولا تبع ما ليس عندك ) ت وصححه الترمذي .
وقبل ذلك قال الله تعالى :( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) وكونه يبيع ملك غيره هذا من أكل أموال الناس بالباطل .(1/13)
الرأي الثاني : رأي الحنفية والمالكية في الجملة ينفذ تصرف الفضولي بالإجازة ، فإذا أجيز فإنه ينفذ تصرفه إذا باع سيارة صديقه ينظر إلى إذن الصديق إن أذن الصديق وأجاز البيع نفذ وإن لم يجز البيع فإنه لا ينفذ .
واستدلوا بحديث عروة البارقي رضي الله عنه فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً ليشتري له شاة أضحية فذهب عروة واشترى شاة بدينار وفي الطريق باع الشاة بدينارين واشترى بدينار شاة فرجع للنبي صلى الله عليه وسلم بشاة ودينار ، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على هذا التصرف .
فهذا يدل على أن تصرف الفضولي ينفذ بالإجازة .
وهو الصواب .
ويؤيد ذلك أن الأصل في البيع هو الصحة والحل .
" إلا إذا اشترى في ذمته لمن لم يسمه في العقد فيصح له بالإجازة "
يقول المؤلف رحمه الله : تصرف الفضولي لا يصح لكنهم يستثنون بعض الصور :
الصورة الأولى : إلا إذا اشترى في ذمته ، يصح التصرف الفضولي بشرطين :
الشرط الأول : أن يشتري في ذمته لهذا الشخص ، يعني أن لا يشتري بمال زيد ، اشترى هذا الكتاب لزيد فيصح أن يشتريه لزيد إذا اشترى في ذمته لم يشتريه بعين مال زيد ، لا يقول بعني هذا الكتاب بمائة وهذه المائة لزيد وإنما اشترى هذا الكتاب بعشرة ريالات لزيد في ذمته وهو سيسدد هذا المال للبائع ، فمعنى في ذمته يعني لم يشتريه بعين مال لأحد وإنما اشترى في ذمته وسيسدد المال .
الشرط الثاني : أن لا يسمه في العقد يعني لا يقول بعني هذا الكتاب لزيد وإنما ينوي أنه لزيد .
فإذا توفر هذان الشرطان نقول أن هذا التصرف صحيح وهذا مما يؤيد ما ذهب إليه الحنفية والمالكية أنه يصح التصرف الفضولي .
فالخلاصة في ذلك : أن التصرف الفضولي صحيح ولا حاجة لهذه الشروط وعندنا قاعدة التصرف الفضولي .(1/14)
الصواب : أن التصرف الفضولي في كل ما تدخله النيابة من العبادات والمعاملات والأنكحة ، فمثلاً في العبادات لو على زيد زكاة وأخرج عمرو عن زيد الزكاة ، نقول إن أجازه زيد نفذ وإن لم يجزه لا ينفذ .
وفي المعاملات مثلاً لو باع سيارته أجر عقاره عقَد عقد مزارعة على مزرعته نقول الصواب ينفذ بالإجازة .
وفي الأنكحة كما لو طلق زوجة زيد فإن أجاز زيد الطلاق نفذ وإن لم يجزه فإنه لا ينفذ ، وعلى هذا فقس .
" بالإجازة وإلا لزم المشتري "
قال المؤلف رحمه الله : يصح التصرف الفضولي بشرطين :
الأول : أن يشتري في ذمته .
والثاني : أن لا يسمه في العقد .
وينفذ هذا التصرف بالإجازة من قبل من اشترى له ، فهذا الكتاب اشتراه لزيد فإن أجاز الشراء نفذ وإن لم يجزه لا ينفذ ، إذا لم ينفذ يلزم من هذا الكتاب ؟
المؤلف : يلزم المشتري .
" ولا يباع غير المساكن مما فتح عنوة كأرض مصر والشام بل تؤجر "
تقدم لنا في كتاب الجهاد أن الغنيمة لا تخلو من أقسام :
القسم الأول : أن تكون من العروض .
القسم الثاني : أن تكون من العقار كالأراضي والدور .
القسم الثالث : أن تكوم من بني آدم .
وإذا كانت من العقار فإن الإمام مخير فيها بين أن يقسمها بين الغانمين وبين أن يوقفها .
وذكرنا أن عمر رضي الله عنه وقف أراضي مصر والشام والعراق وهذا الوقف يضرب عليه خراج مستمر يكون في بيت المال يصرف في مال المسلمين .
يقول المؤلف رحمه الله أرض مصر والشام لا تباع ، لماذا ؟
لأنها وقفها عمر رضي الله عنه والوقف لا يباع ولا يوهب ولا يورث كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر لما أراد أن يوقف أرضه في خيبر نصيبه من الأرض في خيبر ، قال ( إن شئت تصدقت بأصلها غير أنها لا تباع ولا توهب ولا تورث ) فعمر رضي الله عنه وقف أرضه في خيبر فقال صلى الله عليه وسلم ( لا تباع ) فكذلك قالوا هنا أرض مصر والشام والعراق قالوا أنها لا تباع .(1/15)
والرأي الثاني : يصح بيعها ، اختيار شيخ الإسلام ودليله أن الإجماع منعقد على أنها تورث والوقف الاصطلاحي لا يورث فدل على أن هناك فرقاً بين الوقف الاصطلاحي وما وقفه عمر رضي الله تعالى عنه ، فعمر رضي الله عنه وقف هذه الأراضي ليس المراد به الوقف الاصطلاحي الذي لا يباع ولا يورث ولا يوهب وإنما المراد استمرار الخراج استمرار الريع لبيت المال ويصرف في مصالح المسلمين .
فالصواب : أنه يجوز بيعها وشراؤها وهبتها ، وهو مذهب الحنفية واختيار شيخ الإسلام رحمهم الله بخلاف ما ذهب إليه المؤلف عدم الجواز وهو قول الجمهور أحمد ومالك والشافعي لكن هم نقلوا حكم الوقف الاصطلاحي لحكم الأرض الخراجية وهذا غير صواب .
فالصحيح : أن هناك فرقاً ولهذا فالعلماء مجمعون على أن الأرض الخراجية تورث والوقف الاصطلاحي بالإجماع لا يورث فدل على أن هناك فرق بين الوقف الاصطلاحي وما وقفه عمر رضي الله عنه من أرض السواد .
وكذلك ورد عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه اشترى الأرض الخراجية .
وقول المؤلف رحمه الله : غير المساكن ، يعني الأراضي أما المساكن الدور فيرى المؤلف أنه يجوز بيعها لأن الصحابة رضي الله عنهم اقتطعوا الخطط وبنوها وتبايعوها فيما بينهم .
" ولا رباع مكة ولا تؤجر "
أيضاً يقول المؤلف رحمه الله : رباع مكة يعني منازل مكة لا تباع ولا تؤجر واستدلوا بحديث عمرو بن شعيث عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن مكة :( لا تباع رباعها ولا تكرى بيوتها ) وهو المشهور من المذهب ، وهذا الحديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
واستدلوا على ذلك بقول الله عز وجل :( والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد)
فقال الله عز وجل :( الذي جعلناه للناس ) فالله سبحانه وتعالى جعل الحرم لجميع الناس فلا يختص به أحد دون أحد .(1/16)
وكذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها لما قالت : يا رسول الله ألا نبني لك بيتاً بمنى أو بناء يظلك من الشمس ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( إنما هو مناخ من سبق ).
يعني من سبق إليه فهو أحق به .
وهذا ما ذهب إليه المؤلف : أن بيوت مكة لا تباع ولا تؤجر .
والرأي الثاني : رأي الجمهور أن بيوت مكة تباع وتؤجر ، واستدلوا بقوله تعالى :( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم )
فقال :( وأموالهم )، أضاف المال إليهم وأضاف الديار إليهم والعقار من المال .
واستدلوا بما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( وهل ترك لنا عقيل رباع أو دور ) حديث أسامة وعقيل بن أبي طالب رضي الله عنه لما خرج الصحابة رضي الله عنهم وخرج النبي صلى الله عليه وسلم وأقاربه باع عقيل نصيبهم ، فهذا يدل على أن بيعه ماض .
واستدلوا أن عمر رضي الله عنه اشترى داراً للسجن بمكة .
فالصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه جمهور العلماء وأن رباع مكة تباع وتؤجر .
" ولا نقع بئر ونحوه قبل حوزه "
وهو الماء المنتقع المتجمع يعني إذا حفرت البئر ستجد الماء متجمعاً منتقعاً ، فالمؤلف رحمه الله هذا الماء الذي يتجمع في جوف البئر إذا حفرت لا يجوز لك أن تبيعه .
ودليل ذلك أن الناس شركاء في ثلاث ومنها الماء والكلأ والنار .
فإذا حفر الإنسان بئراً ووجد الماء فإنه لا يجوز له أن يبيعه لكن إذا أخرجه ووضعه في الخزانات والأواني له أن يبيعه ، لكن يقولون العلماء هذا الذي حفر هو أحق به من غيره يعني يستقي فإن فضل شيء فإنه لا يمنع الناس منه ولا يحق له أن يبيعه .
والماء يقسمه العلماء إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : المياه العامة كماء الأنهار والأودية والبحار ونحو ذلك ، فهذه المياه الناس شركاء فيها .
القسم الثاني : المياه المحوزة التي يحوزها الإنسان بالظروف والأواني والخزانات ونحو ذلك هذه المياه ملك لمن حازها .(1/17)
ويدل لهذا ما في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لو أن أحدكم أخذ أحبُله واحتطب وباع خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه ) فهذا يدل على أن الإنسان إذا جمع الحطب يملكه بذلك ويكون أحق به والناس شركاء في الحطب فكذلك أيضاً الماء .
القسم الثالث : الماء الذي يكون في ملك الشخص مثل الماء المجتمع في ملك الشخص بسبب المطر أو ما يحفره من البئر فيجد هذا الماء المتجمع فهذا ليس له الحق أن يبيعه لكنه كما سلف هو أحق به من غيره.
" ولا كلأ ونحوه قبل حوزه ويملكه آخذه " ** هذه العبارة لا توجد في المتن **
الكلام في الكلأ كالكلام في الماء ، فنقول الكلأ ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : الكلأ العام الذي يكون في البراري والصحاري ومثل ذلك الأشجار والحطب فالناس شركاء فيه لما تقدم من الحديث .
القسم الثاني : الكلأ الذي بحوزة الإنسان يملكه بحوزه كما تقدم من الحديث ( لأن يأخذ أحدكم أحبله ...)
القسم الثالث : الكلأ الذي يكون في ملكه كما لو كان له أرض ونبت فيها الكلأ والحطب والعشب أو الكمأة ونحو ذلك فنقول هو أحق به من غيره فيأخذ حاجته منه ومازاد لا يملكه.
استثنى ابن القيم رحمه الله إذا استنباط هذا الكلأ هيأ الأمر وسوى الأرض وصرف إليها الماء ووضع الذرا ، فيرى أنه يملكه بذلك .
" وقدرة على تسليمه "
هذا الشرط الخامس من شروط صحة البيع : القدرة على تسليم المبيع وعلى هذا إذا كان لا يقدر على تسليمه فإنه لا يصح .
ودليل ذلك قول الله عز وجل :( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل )
فإذا لم يقدر على تسليم المبيع فهذا من أكل مال الناس بالباطل ، ويدل لهذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر وهذا فيه غرر .
وقوله عز وجل :( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه )(1/18)
والذي يشتري الذي لا يقدر على تسليمه ولنفرض أن رجلاً له سيارة مسروقة إذا أراد أن يبيعها نفرض أن قيمتها قبل السرقة عشرون ألف وبعد السرقة خمسة آلاف فالمشتري سيدخل هنا إما غانم وإما غارم ، إن وجد السيارة فهو غانم وإن لم يجدها فهو غارم فهو يدخل وهو مخاطر إما أن يربح وإما ألا يربح وهذا ميسر .
ولهذا قال المؤلف رحمه الله :
" فلا يصح بيع آبق "
يعني الرقيق الآبق .
" وشارد "
الجمل الشارد .
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله لا يصح بيع الآبق ولا الشارد ومثله السيارة المسروقة والمنتهبة والمختلسة ونحو ذلك لا يصح أن يبيعها ، وظاهر كلامه لا يصح لك أن تبيع هذه الأشياء ولو على شخص يقدر على تحصيلها .
ولنفرض أن إنسان له بقرة شردت أو شاة ندّت وهذا الشخص يقدر أن يحصلها أو سيارة سرقت وهذا يقدر أن يذهب ويحصلها .
والرأي الثاني : يصح وهو الصواب فإذا كان يقدر على التحصيل انتفت العلة وهي المغامرة .
فإذا قدر على تحصيله صح البيع وفيه فائدة للمشتري والبائع ، فيسلم مال البائع والمشتري يستفيد .
فيستفيد قيمة التحصيل الرخص ففيه فائدة لكل منهما .
فإن ظن المشتري أنه يقدر على التحصيل ثم تبين أنه لا يقدر على تحصيله يثبت له الخيار .
" وطير بهواء "
ولنفرض أن إنساناً عنده حمام وهي تذهب وتأتي في البيت والمزرعة فلا يصح أن يبيع هذه الحمام مادام في الهواء لابد أن يمسكها أولاً .
وإذا لم يمسكها لا يصح أن يبيعها لأنها قد تخرج ولا ترجع .
والرأي الثاني : يصح بيعها إذا اعتادت الرجوع .
" وسمك بماء "
لا يصح أن يبيعه إلا إذا كان في مكان يحيط به ويحوزه ويسهل أخذه منه ، ولنفرض أنه في بركة يصح بيعه لأنه يمكن أن يؤخذ من هذه البركة ، لكن في البحر اشتريت منك هذه السمكة صدها لي لا يصح لأنه غرر .
" ومغصوب إلا لغاصبه أو قادر على أخذه منه "
ولنفرض أن رجلاً له أرض وجاء رجل وغصبها وأخذها قهراً فهذا المالك هل له أن يبيع هذه الأرض المغصوبة ؟(1/19)
المؤلف رحمه الله : إذا كان على شخص يقدر على تحصيلها منه يصح ، إذا كان على الغاصب يصح ، إذا كان على غيرهما لا يصح ، لأنه إذا كان على غيرهما هذا حكمه ميسر وغرر لأنه يدخل إما غارم أو غانم ، إن حصلها فهو غانم وإن لم يحصلها فهو غارم .
ولنفرض أن هذه الأرض بمائة ألف وجاء شخص وقال بعها علي وهي في يد الغاصب الظالم قال سأجتهد في تحصيلها إذا كانت مغصوبة سننزل قيمتها إلى عشرة آلاف وهو مخاطر إما أن يحصل وإما أن لا يحصل ، وكلام المؤلف في المغصوب يؤيد ما تقدم في المسروق والمنتهب والمختلس والآبق والشارد ، فهذه الأشياء إذا اشتراها من يقدر على تحصيلها يصح أو للسارق نفسه صحيح .
" وكون مبيع معلوماً "
هذا هو الشرط السادس من شروط صحة البيع : أن يكون المبيع معلوماً وعلى هذا إذا كان مجهولاً لا يصح ، ودليلهم ما تقدم من الأدلة قوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه )
فإذا كان مجهولاً هذا من الميسر ، قال بعتك الساعة التي في يدي ، والساعة لا يدري عنها قال اشتريتها بمائة ريال قد تكون قيمتها أكثر من مائة ريال فيكون المشتري غانماً وقد تكون قيمتها خمسون ريال فيكون غارماً فهو يدخل في الميسر مغامرة ، فيقول المؤلف رحمه الله : لابد أن يكون المبيع معلوماً .
وما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر .
" برؤية أو وصف "
شرع المؤلف رحمه الله في ذكر الصفات وكما تقدم أن يكون المبيع معلوماً فهذا قول جمهور العلماء ، وعند الحنفية يصح أن يشتري شيئاً لم يره ولم يوصف له وله خيار الرؤية ، واختاره شيخ الإسلام وهو قريب لأن الغرر انتفى إذا أثبتنا له الخيار .(1/20)
قال عندي سيارة كم قيمتها ؟ قال عشرة آلاف ريال ، لم ير هذه السيارة ولم توصف له يصح وله خيار الرؤية فإذا رآها فهو بالخيار إما أن ينفذ يمضي البيع وأما ألا ينفذ بمضي البيع .
" برؤية أو وصف "
هنا ذكر المؤلف رحمه الله طرق العلم بالمبيع .
أولاً : الرؤية .
ثانياً : الوصف .
فالرؤية أن يرى المبيع أو بعضه الذي يدل عليه ليس شرط أن يراه جميعاً فمثلاً البر يرى شيئاً منه ونحو ذلك .
أو الوصف يصف له السلعة المباعة صفتها كذا وكذا .
" بما يكفي في سلم "
وما هو الذي يكفي في السلم ؟ أن يذكر جميع الصفات التي يختلف فيها الثمن اختلافاً ظاهر ، يعني إذا أراد أن يبيع السيارة عن طريق الوصف لابد أن يذكر جميع الصفات التي يختلف بها الثمن اختلافاً ظاهراً .
فمثلاً متى صنعت هذه السيارة ؟ اللون إذا كان يختلف به الثمن ، ما يتعلق بدولة الإنتاج ، الشركة التي أنتجتها .
وهذا فيما يصح السلم فيه يعني فيما يدخل تحت الوصف لأن السلم كما سيأتي يكون في أشياء ولا يكون في أشياء .
مثلاً العقارات لا يصح بيعها بالوصف لأنه لا يصح السلم فيها .
لا يصح بيعها بالوصف عند أكثر أهل العلم .
مثلاً لو باع أرض قال صفتها كذا وكذا وعلى شارع كذا لا يصح ، لماذا ؟
لأنه لا يصح السلم فيها فلابد في العقار من معاينته .
والرأي الثاني : الشافعي حتى العقار يصح بالوصف وخصوصاً في وقتنا الحاضر عن طريق البنايات التي تبنى الآن لا تكاد تختلف .
ذكر المؤلف طريقين من طرق العلم وهما : الوصف والرؤية .
والصواب : أن طريق العلم بالثمن يرجع ذلك إلى العرف فقد يكون طريق العلم هو الرؤيا أو الوصف وقد يكون الشم وقد يكون الذوق ، اللمس ، وقد يكون بطرق أخرى غير هذه الأشياء كما تعلمون اليوم بسبب ترقي العلم يمكن معرفة المبيع بطرق أخرى .
المهم أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، فمتى وجد العلم بالمبيع زالت الجهالة وصح البيع .(1/21)
وكما أسلفنا في الدرس الماضي أن العلماء يقولون بالنسبة للوصف يشترط أن يكون الوصف مما يكفي في السلم والذي يكفي في السلم ذكر جميع الصفات التي يختلف بها الثمن اختلافاً ظاهراً وتكلمنا عن بيع العقارات بالوصف وفيه رأيان :
الرأي الأول : على كلام المؤلف والمشهور من المذهب لا يصح بيع العقار عن طريق الوصف لأن السلم لا يصح في العقار كما سيأتي .
الرأي الثاني : الشافعي أنه يصح بيع العقار عن طريق الوصف .
والصواب : أن ذلك يرجع إلى زوال الجهالة فإذا زالت الجهالة صح .
مثل عقدنا اليوم بيع المحلات عن طريق الوصف وبيع الأراضي يوضع لها رسوم بحيث يتضح هذا العقار ويتبين .
" فلا يباع حمل ببطن "
الفاء للتفريع تفريعاً على ما ذكر المؤلف أنه يشترط أن يكون المثمن المبيع معلوماً .
وبيع الحمل في البطن قسمان :
القسم الأول : أن يباع على سبيل الاستغلال فهذا لا يصح .
عند إنسان شاة أو بقرة حامل ثم باع حملها لا يصح لأن الحمل مجهول فلا يدري هل هو ذكر ، أنثى ، واحد ، متعدد ، حي أو ميت وكما أشرنا فيما تقدم أن العلم ترقى فإذا كان يعرف هذا الحمل عن طريق العلم وعن طريق الآلات ينظر هذا الحمل هل هو حي أو ميت ذكر أو أنثى واحد أو متعدد تعرف الأوصاف الذي يختلف بها الثمن إذا كان هذا ممكن فقد زالت الآن الجهالة فلم يصبح الآن مجهول بل أصبح معلوم فإن البيع يصح .
القسم الثاني : أن يباع الحمل تبعاً كأن يبيع الحيوان الشاة وما في بطنها البقرة وما في بطنها فهذا جائز.
والقاعدة { أنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً }
" ولا لبن بضرع "
لأنه مجهول مادام أنه في جوف الضرع وفي محيطه فلا يباع .
واختار شيخ الإسلام أنه لا بأس أن تبيع مداً من هذه الشاة بكذا ، احلب مداً من هذه الشاة بريال ، مدين بريالين جائز ولا بأس به وما ذكره الشيخ صواب لعدم الجهالة .
" ولا مسك في فأرته "
المسك نوع من الطيب معروف ، وفي فأرته أي في وعائه .(1/22)
المؤلف رحمه الله : لا يباع المسك في وعائه لابد أن يفتح هذا الوعاء حتى ينظر في هذا المسك وما هي درجته من الجودة وعدمها .
والرأي الثاني : رأي ابن القيم رحمه الله جائز بيع المسك في فأرته ولا بأس به .
وأهل الخبرة يعرفون مثل هذه الأشياء .
وذكر ابن منظور صاحب لسان العرب رحمه الله أن هناك نوع من الغزلان تسمى بغزال المسك تؤخذ هذه الغزلان وتجري فإذا أشتد جريها ينزل من عند السرة دم فيأتون إلى هذا الدم الذي تحجر ويربطونه بخيط قوي فإذا ربط بخيط قوي وشد هذا الخيط شد الربط بعد فترة تسقط هذه السرة وهذا الدم يتحول إلى أجود أنواع المسك وهذا الجلد يسمى بفأرة هذا المسك فهذا الدم انتقل إلى كونه طيباً والجلد الذي كان موجود بداخله الدم هو فأرة المسك ووعاءه .
المؤلف : إذا أردت أن تبيع المسك لابد أن تفتح هذا الوعاء .
الرأي الثاني : ليس شرطاً كما سلف .
" ونحوه "
لأن أن تخرجه مثل النوى في التمر لابد أن تفتح التمرة وتخرج النوى .
والصحيح : أن هذا ليس بلازم إن كان مثل هذا النوى يعرف فلا حاجة إلى ذلك ، لأن بيع النوى في التمر قد يحتاج إليه وهو لا يزال داخل التمرة وإننا إذا فتحنا التمرة قد يسبب فساد هذا التمر .
ومثله الخضار التي المقصود منها مستتر داخل الأرض مثل البطاطس والجزر والبصل .
على كلام المؤلف رحمه الله هذه لابد أن تخرجها فإذا كان عندك أرض قد زرعتها بطاطس أو من البصل أو من الجزر أو نحو ذلك مما كان المقصود به مستتراً داخل الأرض فهذه لابد أن تنبش أولاً .
هذا ما ذهب إليه المؤلف وهو قول أكثر أهل العلم .
لأنها إذا كانت داخل الأرض فإن المقصود الذي يبيع مجهول .
الرأي الثاني : رأي مالك واختاره ابن القيم رحمهم الله أن ما ظهر منه يستدل به على ما بطن ولا حاجة أن تنبش مثل هذه الأشياء ، وهو الصواب .(1/23)
وخصوصاً في زماننا اليوم لما انتشر العلم وترقيه الآن تزرع مزارع بالكيلوات تجد مزرعة طولها ثلاثين كيلو في ثلاثين كيلو تكون مزروعة بالبطاطس فلو قلنا انبش البطاطس أو الجزر لكي تبيعه أدى إلى فساد مثل هذه الأشياء قد يكون المشتري ليس عنده الآلات والمراكب التي تنقل مثل هذه الأشياء وقد لا تستهلك هذه الأشياء إلا بعد فترة طويلة .
فمثل هذه الأشياء الصواب : ما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله في هذه المسألة وهو اختيار ابن القيم أن ما ظهر من هذه الأشياء يستدل بها على ما بطن فلا حاجة لنبشها .
" ولا نحو عبد من عبيده "
" ولا استثناؤه إلا معيناً "
الاستثناء في المبيع ثلاثة أقسام :
القسم الأول : الاستثناء المعين كأن يبيع عليه البقالة أو المحل التجاري ، بعت عليك البقالة بخمسون ألف لكن استثني هذه الثلاجة ، هذا استثناء معين فهو صحيح ولا بأس به .
القسم الثاني : أن يكون الاستثناء مشاعاً وكيف ذلك ؟
أن يقول بعت عليك هذا الدكان إلا نصفه أو إلا ربعه ونحو ذلك ،هذا جائز ولا بأس به لعدم الجهالة .
القسم الثالث : أن يكون الاستثناء ليس معيناً ولا مشاعاً كأن يقول بعت عليك هذه المكتبة إلا كتاباً من الكتب لم يعين إلا كتاباً من الكتب أو قلماً من الأقلام فنقول بالنسبة لهذا الاستثناء :
أولاً : إن كانت السلعة المباعة بمرتبة واحدة أو بمرتبة متقاربة فإن هذا جائز ولا بأس به .
ثانياً : إن كانت متفاوتة لا يصح ولابد من التعيين .
" ويصح بيع حيوان دون رأسه وجلده وأطرافه لا استثناء شحمه أو حمله "
يعني إذا باع الحيوان واستثنى شيئاً منه يقول المؤلف رحمه الله أن هذا ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أن يكون المستثنى ظاهراً مثل الرأس والأطراف والجلد هذه أشياء ظاهرة فلا بأس أن تستثنيها ، ليست مجهولة معلومة مستثنى معلوم .(1/24)
القسم الثاني : أن يكون المستثنى باطناً مثل لو استثنيت القلب الكلية الشحم اللحم هذه باطنة لا يصح أن تستثنيها ، لماذا ؟
لأنها مجهولة .
أما الظاهر فهذا صحيح وأما بالنسبة للباطن نقول الصحيح إذا عين فإن هذا جائز ولا بأس به .
مثلاً لو قال استثني كيلو لحم من لحم الرجل جائز ولا بأس به وليس هنا غرر .
مثلاً بعتك هذا البعير لكن استثني اثنين كيلو من لحم الرجل أو كيلو من شحم الظهر جائز ولا بأس به.
ومن باب أولى إذا استثنى شيئاً من الكبد أو القلب أو الكلية ونحو ذلك جائز ولا بأس به .
" ويصح بيع باقلاء في قشرها وحب مشتد في سنبله "
يعني ما مأكولة في قشرة مثل الرمان الباقلاء الحب في السنبل الحبحب ونحو ذلك مما مأكولة ما في جوفه .
فالمؤلف يصح .
لو قلنا بالنسبة للرمان اكسر الرمان إذا أردت أيها البائع أن تبيع لابد أن تكسر هذه الرمانات أو تكسر الأشياء التي مقصودها في جوفها ، هذا يؤدي إلى الضرر والفساد ، وهذا يؤيد ما سبق عن الإمام مالك رحمه الله أنه يرى أن يبيع هذه الخضروات التي المقصود منها مستتر في الأرض أنه يستدل ما ظهر منها على ما بطن أنه لا حاجة أن تخرج مثل هذه الأشياء .
" وكون ثمن معلوماً "
هذا الشرط السابع والأخير من شروط صحة البيع : يشترط أن يكون الثمن معلوماً .
ودليل هذا الشرط ما تقدم في الشرط السابق فإنه يشترط أن يكون المثمن المبيع معلوماً وذكرنا الدليل قوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر )
وإذا كان المثمن مجهولاً فإن كلاً من البائع والمشتري يدخل في هذه المعاملة وهو إما غانم أو غارم .
لو قال بعتك السيارة بما في جيبي أو بما في رصيدي في المصرف ، لا ندري كم الرصيد قد يكون عشرة آلاف وقد يكون ألفاً لا ندري فيدخل البائع وهو مخاطر فقد يكون عشرة آلاف والسيارة بخمسة آلاف فيكون غانماً أو العكس فيكون غارماً .(1/25)
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن بيع الغرر وبيع الملامة والمنابذة وحبل الحبلة ) كلها تدل على أنه يشترط انتفاء الغرر .
" فإن باعه برقمه "
إذا باعه برقمه بثمنه المكتوب عليه ، المؤلف رحمه الله لا يصح .
الآن كثير من السلع تجد عليها سعر قال بعني الكتاب بكم ، قال سعره مكتوب عليه مسعرينه .
المؤلف لا يصح لابد أن نحضر الكتاب وننظر السعر قد يتوهم السعر بثلاثين وهو مكتوب أربعين فلابد أن يكون السعر معلوماً عند العقد للمتعاقدين ، ودليلهم ما سلف من أنه يشترط أن يكون الثمن معلوماً
والأقرب في هذه المسألة : أن يقال بأنها لا تخلو من ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أن يكون السعر متفقاً على الرضا به كأن يكون من قبل جهة رسمية ولي الأمر الإمام ونواب الإمام كالوزارات والمؤسسات مثل السلع التي تأتي ومكتوب عليها أسعارها مثل الصيدليات تكون مسعرة إما من وزارة الصحة أو نحو ذلك فهذا جائز ولا بأس به لعدم الغرر متفق عليه بين المتعاقدين .
الحالة الثانية : إثبات الخيار ألا يكون البيع قد انتفى عنه الخيار ، لو اتفقا أنه لا خيار وأن البيع ينقطع على هذا السعر هذا سيأتي ، لكن إذا كان هناك خيار للمشتري إذا علم السعر هذا جائز ولا بأس به .
وشيخ الإسلام يُجوّز أن يشتري الإنسان الشيء ويكون عليه بثمن المثل ، تشتري السيارة ولم تتفاصل أنت والبائع على شيء من الثمن تكون بثمن المثل ، جائز ولا بأس به .
ويستدل على هذا بقول الله عز وجل :( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء مالم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة )
فالإنسان يتزوج المرأة دون أن يفرض لها مهراً ويكون لها مهر المثل وتسمى بالمفوضة فلا بأس أن يشتري الشيء ولم يذكر له الثمن ويكون بثمن المثل .
مثل هذا لو اشترى هذا الشيء على أن له الخيار وإن كان الثمن مجهولاً جائز ولا بأس به .(1/26)
الحالة الثالثة : أن يشتري هذا الشيء ولا يكون شيئاً من الخيار وإنما ينقطع البيع بانتهاء العقد هذا لا يجوز لأنه غرر وداخل في الجهالة .
" أو بما ينقطع به السعر ونحوه "
يعني إذا باعه بما ينقطع به السعر ، المؤلف لا يصح .
فمثلاً باعه السيارة بما ينقطع به السعر قال : اعرض السيارة على السوم وبما ينقطع به سعرها وما يتوقف عليه فأنا اشتري به .
الرأي الأول : المؤلف رحمه الله لا يصح ، والعلة لأن هذا مجهول فلا ندري بما ينقطع به السعر هل ينقطع بقليل أو بكثير وإذا كان كذلك فإنه لا يجوز .
والرأي الثاني : أن البيع بما ينقطع به السعر جائز ولا بأس به وهذا اختاره ابن القيم رحمه الله ، فكونه يشتري بما ينقطع به السعر هذا أكثر طمأنينة للمشتري لأن المشتري إذا اشترى بهذا فإنه يعلم أو يغلب على ظنه أن البائع لم يغبنه وإنما هو ثمن السلعة في السوق وهو الأقرب .
هذا القول لأن الغرر منتف والثمن وإن كان مجهولاً إلا أن الجهالة مُنع منها إذا ترتب عليها غرر وهنا لا يترتب عليه غرر لما ذكرنا من التعليل .
" أو بألف ذهباً وفضة لم يصح "
لو قال بعتك هذه السيارة بألف ريال جنيهات وريالات .
الرأي الأول : المؤلف رحمه الله لا يصح ، والعلة أن قدر كل منهما مجهول .
الرأي الثاني : صحيح ولا بأس به وحينئذ ينتظر إلى الصرف وقت المبايعة فيقول بعتك بألف ريال ريالات وجنيهات فيحمل على المناصفة هذه الألف نصفها من الريالات خمس مائة ريال والنصف الآخر من الجنيهات ، كم تساوي الخمس مائة ريال جنيهات ؟
فإذا قالوا تساوي خمس مائة جنيه ، أعطاه خمس مائة ريال وخمس مائة جنيه ، وإذا كانت تساوي أربع مائة أعطاه كذلك فحينئذ لا غرر يترتب عليه .
" ويصح بيع الثوب ونحوه كل ذراع بدرهم "
يقول المؤلف رحمه الله : يصح بيع الثوب ونحوه مما يذرع أو مما يكال أو مما يوزن أو مما يعد إذا كان المعدود متساوياً ومتقارباً كل ذراع بدرهم تذرع هذا الثوب وكل ذراع بدرهم .(1/27)
أو كل كيلو من هذا السكر بدرهم .
المؤلف : يصح ولا بأس به .
القسم الثاني : ذكره المؤلف رحمه الله بقوله :
" لا منه كذلك "
لو باع من هذا الثوب كل ذراع بدرهم ، عندنا ثوب قماش يساوي مائة ذراع فقال : أريد أن أبيعك من هذا الثوب كل ذراع بدرهم .
أو أبيعك من هذا السكر كل كيلو بريال .
الصورة الأولى : باع الجميع ، بعتك جميع هذا الرز أو هذا السكر ، كل كيلو من هذا السكر بريال أو كل مد من هذا الرز بريال ، باعه الجميع .
وفي الصورة الثانية : فإنه باعه البعض ، فإذا باع البعض فيقول المؤلف رحمه الله : بأن هذا لا يجوز .
وعلتهم في ذلك : أن من للتبعيض ، وكل للعدد ، فيكون مجهولاً .
قال مثلاً : بعتك كل ذراع بدرهم من هذا الثوب ، لا ندري كم يأخذ ، قد يأخذ خمسة أذرع أو عشرة ، قد يأخذ أقل أو أكثر ، فمن للتبعيض ، وكل للعدد فيكون مجهولاً .
فيشترط أن يكون معلوماً .
والصحيح : أن الصورتين جميعاً جائزة ، فسواءً باعه الجميع كل ذراع ، كل كيلو بكذا ، أو باعه البعض ، لأنه وإن كان مجهولاً فإنه يؤول إلى العلم فلا غرر .
" ومن باع معلوماً ومجهولاً لا صفقة صح في المعلوم بقسطه مالم يتعذر علم المجهول "
إذا باع معلوماً ومجهولاً صفقة ، هذه المسألة إحدى مسائل تفريق الصفقة ، ومسائل تفريق الصفقة : أن يجمع في عقد واحد بين ما يصح العقد عليه وبين ما لا يصح العقد عليه في عقد واحد وفي ثمن واحد .
ومسائل تفريق الصفقة ذكر المؤلف رحمه الله المسألة الأولى قال المؤلف :
" ومن باع معلوماً ومجهولاً لا صفقة صح في المعلوم بقسطه مالم يتعذر علم المجهول "
صفقة : عقداً واحد ، فباع المعلوم والمجهول في عقد واحد .(1/28)
مثاله : بعتك هذا الكتاب ، والكتاب الذي في البيت بمائة ريال ، هذا الكتاب الذي بين أيدينا معلوم ، والذي في البيت مجهول ، لا ندري هل هو صغير هل هو كبير هل طباعته جيدة أو ليست جيدة ، فهنا جمع في عقد واحد بين ما يصح العقد عليه وهو المعلوم وبين ما لا يصح العقد عليه وهو المجهول ، فما الحكم ؟
نقول هذه المسألة إذا جمع بين معلوم ومجهول تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أن يمكن معرفة المجهول ، فإذا كنا نتمكن من معرفة المجهول ، فيصح البيع في المعلوم بقسطه من الثمن ، وأما المجهول فلا يصح البيع فيه .
مثاله : باعه هذا الكتاب والكتاب الذي في البيت بمائة ريال ، نقول يصح البيع في المعلوم ـ الكتاب الذي بين أيدينا ـ بقسطه من الثمن ، لأن الكتاب الذي في البيت نتمكن من إحضاره ومعرفة قيمته كم يساوي .
فنقول يصح في المعلوم بقسطه من الثمن ، كيف نخرج ثمن المعلوم ؟ أما المجهول الذي في البيت وعقد عليه لا يصح العقد عليه ، فكيف نخرج ثمن المعلوم ؟
الطريقة : أن ننظر إلى قيمة المعلوم وقيمة المجهول .
المجهول أتينا به ، كم قيمة الكتاب الذي بين أيدينا عند التجار ، فقالوا قيمته تساوي خمسون ريالاً ، والمجهول كم قيمته تساوي لما أحضرناه قالوا تساوي مائة ريال ، فالمعلوم بخمسين ريال ، والمجهول بمائة ريال ، والثمن الذي جرى عليه العقد يساوي مائة ريال ، مجموع القيمتين : مائة وخمسون ريال ، فننظر إلى قيمة المعلوم وننسبه إلى مجموع القيمتين ونأخذه من الثمن .
فعندك خمسون ريال إلى مائة وخمسون ريال يساوي الثلث فيكون ثمن المعلوم ثلث المائة ريال الثمن الذي جرى عليه العقد ، ويكون ثمن المجهول الثلثان بالنسبة للمائة ريال .
هذا إذا كان المجهول لا يتعذر علمه .(1/29)
القسم الثاني : أن يكون المجهول مما يتعذر علمه لا يمكن معرفته ، لا يصح العقد لا في المعلوم ولا في المجهول ، لأنه إذا لا يمكن أن تعرف قيمة المجهول لا يمكن أن تخرج ثمن المعلوم ، لأن ثمنه بالقسط بالنسبة للثمن ، فإذا كنا لا نعرف قيمة المجهول فإننا لا نتمكن من معرفة ثمن المجهول ، وحينئذ لا يصح العقد فيهما .
ومثاله : بعتك هذه الناقة أو هذا الحيوان والحمل الذي في بطن الناقة ، فهو مجهول ولا نتمكن من معرفته فلا يصح العقد .
" فيبطل فيهما إن لم يبين ثمن كل "
يعني في القسم الثاني إن لم يبين ثمن كل .
يعني إذا بين ثمن المعلوم وثمن المجهول فيصح المعلوم في الثمن المبين وأما المجهول فلا يصح لأنه مجهول .
" وإن باع مشاعاً بينه وبين غيره أو عبده وعبد غيره مثلاً بلا إذنه "
هذه الصورة الثانية من صور تفريق الصفقة : أن يبيع ملكه وملك غيره جميعاً في عقد واحد .
مثاله : باع سيارته وشياة صديقه بعشرة آلاف ريال ، فيصح العقد في سيارته وأما سيارة صديقه فلا يصح إلا إذا أذن ، فيصح ويكون هذا تصرف فضولي ، والتصرف الفضولي يصح بالإجازة ـ بالإذن ـ .
باع سيارته الآن وسيارة صديقه ولنفرض أن صديقه رفض البيع ، فنقول يصح العقد في سيارته بأي شيء ؟
بالقسط من الثمن ، الآن جرى العقد على السيارتين بعشرة آلاف ريال ، صديقه رفض أن يبيع ، فنقول يصح في ملك البائع ـ سيارته ـ بالقسط من الثمن ، كيف تخرج القسط من الثمن ؟
الثمن الآن الذي جرى عليه العقد عشرة آلاف ، فننظر إلى قيمة سيارته وإلى قيمة سيارة صديقه ، ولنفرض أن قيمة سيارته خمسة آلاف ، وقيمة سيارة صديقه عشرون ألف ، مجموع القيمتين يساوي خمسة وعشرون ألف ، ننسب قيمة ملكه إلى مجموع القيمتين ، خمسة آلاف إلى خمسة وعشرين ألف يساوي الخمس ، فيكون ثمن سيارته التي يملكها عشرة آلاف في خمس يساوي ألفين ريال .(1/30)
وهنا فرق بين الثمن وبين القيمة ، فالثمن هو الذي جرى عليه العقد واتفق عليه المتبايعان ، وأما القيمة فهي ما تساويه السلعة عند التجار ، قد تساوي أكثر وقد تساوي أقل .
ومثاله : لو باع متاعاً بينه وبين غيره ، يصح في نصيبه فقط إلا إذا أذن الآخر ، وقلنا يصح التصرف الفضولي .
" أو عبداً وحراً أو خلاً وخمراً صح في ملكه بقسطه "
هذه الصورة والمسألة الثالثة من صور تفريق الصفقة : لو جمع بين حلال وحرام في عقد واحد .
قال : بعتك هذا الكتاب وهذا الدخان بعشر ريالات ، يصح بالمباح بقسطه من الثمن ، الثمن الذي جرى عليه العقد عشر ريالات ، ننظر إلى قيمة الكتاب وننظر إلى قيمة الدخان ، مع أن الدخان ليس له قيمة شرعية لكن ننظر كم يساوي ، لو كان مباحاً أو مثله من المباحات ، فمثلاً قالوا الكتاب يساوي عشرون ريال ، والدخان لو كان مثله من المباح الذي ينتفع به يساوي خمس ريالات ، مجموع القيمتين يساوي خمس وعشرون ريال ، كم يصير ثمن الكتاب 20 إلى 25 = 4/5 ، القيمة تساوي 4/5 ، كم تساوي من الثمن ال(10) ؟
8 ريال .
" ولمشتر الخيار "
إذا كان المشتري يجهل ، اشترى السيارتين بعشرة آلاف ثم تبين أن إحدى السيارتين للبائع والأخرى لغيره ، نقول يصح البيع في سيارته أما سيارة غيره لا يصح ، لأنه لم يأذن إلى الآن .
فقال : لي الخيار لأنه دخل في هذا العقد على أنه اشترى هاتين السيارتين ثم تبين له أن البائع لا يملك إلا سيارة واحدة .
فصل
هذا الفصل عقد المؤلف فيه موانع صحة البيع قال المؤلف رحمه الله :
" ولا يصح البيع ممن تلزمه الجمعة بعد ندائها الثاني "
ومن هو الذي تلزمه الجمعة ؟
هو المسلم ، الذكر ، البالغ ، الحر ـ على رأي الجمهور ـ والصحيح : لا يشترط ، المستوطن ببناء يشمله اسم واحد ، هذا تلزمه الجمعة .
فيقول المؤلف رحمه الله : من تلزمه الجمعة لا يصح البيع بعد ندائها الثاني .(1/31)
ولنفرض أن رجلاً بالغاً حراً مستوطناً ذكراً باع بعد نداء الجمعة الثاني أو اشترى ، ولنفرض أنه في الطريق اشترى مسواكاً بعد نداء الجمعة الثاني .
الحكم : البيع والشراء باطل لا يصح ، ويدل لهذا قوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) .
لو أن امرأة اشترت بعد نداء الجمعة الثاني ، الحكم : شراء هذه المرأة صحيح لأنها لا تلزمها الجمعة .
لو أن صبياً اشترى بعد نداء الجمعة الثاني ، الحكم : شراؤه صحيح لأنه لا تلزمه الجمعة .
وعلى هذا فقس .
" إلا لحاجة "
فإذا كانت هناك حاجة ، فالضرورات تبيح المحذورات ، احتاج إلى طعام بعد نداء الجمعة الثاني ، احتاج إلى ماء ليشرب ، احتاج إلى ثوب ليستر عورته ، تقدر بقدرها ، فهذا جائز ولا بأس به .
" ويصح النكاح وسائر العقود "
تصح الإجارة مع أنها نوع من البيع ، يعني بعد نداء الجمعة الثاني يصح أن يؤجر بيتاً ، لا يصح أن يشتري مسواكاً بريال ويصح أن يؤجر بيتاً بعشرة آلاف ريال .
المؤلف رحمه الله يقول : يصح النكاح وعقد الشركة ، يعقد مشاركة بمليون أو بمليونين ريال ويصح عقد المساقاة والمزارعة ، المؤلف هذه الأشياء تصح ، والذي لا يصح هو عقد البيع فقط .
وكأن المؤلف رحمه الله اقتصر على مورد النص لأن النص إنما ورد في البيع فقط .
والرأي الثاني في هذه المسألة : أن كل ما يلهي من العقود فإنه لا يصح لأن المطلوب بعد نداء الجمعة الثاني هو استماع الذكر وحضور الخطبة وهذه الأشياء تلهي ، فالقاعدة في ذلك : الإلهاء فكل ما يشغل ويلهي عن حضور الجمعة لا يصح ، وهو الصواب .(1/32)
والشريعة لا تفرق بين المتماثلات وأيهما أشد إلهاءً هل مجرد أن يشتري الإنسان بريال أو ريالين أو يعقد عقد نكاح الذي يحتاج إلى شهود ويحتاج إلى ولي ورضا المرأة وغير ذلك من الأشياء مما يدل على عظم هذا العقد ، ومع ذلك يقولون يصح ، وهذا الكلام فيه نظر ، والصحيح : لا يفرق .
ومما يدل على ضعف ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، إنهم يقولون الإجارة تصح ، والإجارة بيع منافع .
والله عز وجل يقول :( وذروا البيع ) .
والصواب في هذه المسألة : أن كل ما يلهي فإنه لا يجوز أما الأشياء التي لا تلهي مثل لو تصدق بعد نداء الجمعة الثاني ، أو وفى القرض الذي عليه ، أحد يريد منه دراهم فأعطاه ، فهذه الأشياء التي لا تلهي نقول هذه جائزة ، أما العقود التي تحتاج إلى عقد وإلى إبرام ونحو ذلك لا يصح أن نقيدها بالبيع فقط .
" ولا يصح بيع زبيب ونحوه لمتخذه خمراً "
هذه قاعدة : تقدم لنا أن الأصل في البيع الحل وأن الأصل في الشروط في البيع الحل هذا الأصل لكن إذا كان البيع وسيلة إلى محرم فإن الوسائل لها أحكام المقاصد ، فإذا كانت وسيلة إلى محرم لا يجوز ، لأن الوسائل لها أحكام المقاصد ، فإذا كان البيع وسيلة إلى حرام فإنه يحرم .
قال العلماء : ولو ظناً .
إذا ظن أن هذا يستخدم في حرام فإنه حرام .
لكن إذا علم أنه يستخدمه في مباح أو شك ، فنقول الأصل في ذلك الحل .
فمثلاً كما مثل المؤلف رحمه الله : الزبيب أحد يشتري الزبيب ليأكله وآخر ليصنعه خمراً فإذا كان وسيلة إلى فعل محرم فيكون محرم ولا يجوز .
أو اشترى هذا المسجل ليسمع فيه الغناء ، حرام ولا يجوز .
لكن لو اشترى المذياع ليسمع فيه القرآن والأحاديث والكلام المباح فإنه جائز ولا بأس به .
" ولا سلاح في فتنة "
لا يصح بيع السلاح في الفتنة ، قال الإمام أحمد رحمه الله : ربما قتل به .
ويدل لذلك قول الله تعالى :( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ).
" ولا عبد مسلم لكافر "(1/33)
يقول المؤلف رحمه الله : لا يصح أن تبيع الرقيق المسلم لكافر لشخص الكافر ، لقوله عز وجل :( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) .
وإذا كان هذا الرقيق تحت يد الكافر فإننا جعلنا سبيلا للكافر على المؤمن ، ولأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه .
واستثنى المؤلف رحمه الله :
" إن لم يعتق عليه "
فإذا كان إذا ملكه يعتق عليه العلماء يقولون :
{ كل ذي رحم محرم إذا ملكه الآخر عتق عليه }
يعني كل من يحرم عليك التناكح بينك وبينه سواء كان أنثى أو كان ذكراً ، لو فرضنا أنه أنثى فإنك إذا ملكته يعتق عليك .
مثلاً أبوك إذا ملكت أباك ، إذا كان أبوك رقيقاً يباع ثم اشتريته وملكته فبمجرد أن تملكه عتق عليك لأن بينك وبين أبيك رحم محرم .
ومثلاً أختك إذا ملكتها عتقت عليك ، أخوك ، عمك ، عمتك إذا ملكت هؤلاء عتقوا عليك لأن بينك وبينهم رحم محرماً .
فبيع الرقيق المسلم لكافر إن كان يعتق عليه جائز ، لأن هذا سبيل إلى عتقه .
بيع الرقيق المسلم إلى أخيه الكافر يجوز أو لأبيه أو لابنه يجوز لأنه يعتق عليه .
" وإن أسلم على يده أجبر على إزالة ملكه "
إذا أسلم الرقيق وهو عند كافر تحت يد كافر فإننا نجبر هذا الكافر على أن يرفع يده عن هذا الرقيق لما تقدم من قول الله عز وجل :( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) ولأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه .
فلابد أن يرفع يده عنه إما أن يبيعه أو يعتقه أو يهبه ، المهم لابد أن يرفع يده عنه .
" ولا تكفي كتابته "
لا تكفي المكاتبة ، لو قال الكافر أنا سأكاتبه ، يعني يشتري نفسه مني بدين مؤجل .
المؤلف رحمه الله : الكتابة لا تكفي ، مكاتبته لا تكفي ، لماذا ؟
لأن المكاتب رقيق ما بقي عليه درهم .
" وإن جمع بين بيع وغيره بعقد صح إلا الكتابة "
يعني صفقة واحدة جمع بين بيع وغيره ، مثاله : قال بعتك هذه السيارة وأجرتك هذا البيت بعشرة آلاف .(1/34)
المؤلف رحمه الله : هذا صحيح ولا بأس به ، لأن الأصل في المعاملات الحل ، وهم يفرقون بين مسألتين :
المسألة الأولى : اشتراط عقد في عقد آخر ، فلا يجيزونه ، مثاله : أن يقول بعتك هذه السيارة على أن تبيعني بيتك أو سيارتك ، يقولون : هذا غير جائز وسيأتي بيانه إن شاء الله في الشروط في البيع .
المسألة الثانية : أن يجمع بين عقدين في عقد واحد ، صفقة واحدة فإن هذا يرونه جائز .
مثاله : كما سلف بعتك هذه السيارة وأجرتك هذا البيت لمدة سنة بعشرة آلاف ، فإن هذا جائز ولا بأس به .
والصحيح في هذه المسألة : أنه لا فرق بين المسألتين وأن كل منهما جائز ، إلا أنه إذا اشترط عقداً في عقد آخر وتضمن محذوراً شرعياً فإنه لا يجوز .
مثل : قال أقرضتك على أن تبيعني ، أو زوجتك على أن تبيعني ، نقول : هذا غير جائز ، لماذا ؟
لأنه إذا قال أقرضتك على أن تبيعني هذا يكون من القرض الذي جرت نفعاً .
أو قال زوجتك على أن تبيعني ، نقول هنا لم ينظر الولي إلى مصلحة موليته وإنما نظر إلى مصلحته هو فمن يبيعه يزوجه .
فالخلاصة في هذه المسألة : أن جمع عقدين في عقد واحد جائز واشتراط عقد في عقد آخر جائز كما هو مذهب الإمام مالك رحمه الله وكما سيأتي إن شاء الله .
وقول المؤلف رحمه الله : إلا الكتابة ، يعني لو جمع بين بيع وكتابة .
مثاله : قال لرقيقه كاتبتك وبعت عليك البيت بعشرين ألف .
المؤلف رحمه الله : لا يصح ، لماذا ؟
لأن المكاتب رقيق ما بقي عليه درهم ، فالمكاتب حتى الآن رقيق ، والرقيق مال لسيده ، فكأنه باع ماله ـ البيت ـ لماله ـ الرقيق ـ .
لكن الكتابة تصح بقسطها من الثمن لعدم المانع ، فنقول : الجمع هذا غير صحيح لكن تبقى الكتابة صحيحة بقسطها من الثمن .
وتدخل هذه المسألة في مسائل تفريق الصفقة .
وصورة المسألة : قال لرقيقه كاتبتك وبعت عليك البيت بعشرين ألف ، نقول : لا يصح إلا الكتابة والبيع غير صحيح لما سبق من التعليل .(1/35)
" ويحرم بيع على بيع مسلم وشراء على شرائه "
ويدل لهذا قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين :( لا يبيع بعضكم على بيع بعض ) ، والبيع على بيع المسلم له صورتان :
الصورة الأولى : في الكمية ، أن يقول بعتك هذه السيارة بعشرة آلاف فيأتي شخص ويقول بعتك مثل هذه السيارة بتسعة آلاف ، هذا لا يجوز .
الصورة الثانية : أن يكون في الكيفية ، مثاله : أن يقول بعتك هذه السيارة بعشرة آلاف فيأتي شخص ويقول بعتك هذه السيارة التي هي أحسن منها بعشرة آلاف ، محرم ولا يجوز .
ومثله الشراء على شرائه محرم ولا يجوز سواء كان ذلك في الكمية أو كان في الكيفية .
مثاله في الكمية : أن يشتري السيارة بعشرة آلاف فيأتي شخص ويقول أشتريها بإحدى عشر ألف ريال ، لا يجوز .
مثاله في الكيفية : يأتي شخص ويشتري السيارة بعشرة مؤجلة فيأتي شخص ويقول أشتريها بعشرة معجلة حالة ، محرم ولا يجوز .
متى يكون التحريم ؟
يكون في زمن الخيارين ، زمن خيار المجلس وخيار الشرط ، لأنه في زمن الخيارين يتمكن العاقد من الفسخ .
أما بعد انتهاء زمن الخيار فإنه لا يتمكن من الفسخ .
فلو اشترى على شرائه أو باع على بيعه لا يتمكن من الفسخ .
ولهذا قالوا يحرم إذا كان في زمن الخيارين وهذا ما ذهب إليه أكثر أهل العلم .
وذهب بعض العلماء إلى أن التحريم يستمر حتى بعد زمن الخيارين ، يحرم أن يشتري على شراء أخيه أو أن يسوم على سومه لأن العلة موجودة وهي : إيجاد البغضاء ، التباغض والتشاحن والتنازع .
والبائع قد يتحيل على فسخ العقد بأي حيلة لأنه إذا باع السيارة بعشرة ثم جاء شخص وقال اشتريها بإحدى عشر سيدعي اغبن ، أو عدم معرفة الثمن ، ويؤدي هذا إلى الشقاق والنزاع والبغضاء ، فتحصل العلة التي من أجلها نهى الشارع ، وهذا هو الصواب .
" وسوم على سومه بعد صريح الرضى "
السوم على سوم المسلم قسمان :(1/36)
القسم الأول : أن يكون في بيوع المزايدة ، جائز ولا بأس به لأن النبي صلى الله عليه وسلم باع فيمن يزيد ، قال :( من يزيد على درهم ).
فمثلاً : إذا عرض السلعة وكل يزيد فيها جائز .
القسم الثاني : أن يكون في غير بيوع المزايدة بعد الرضى يحرم أن يسوم على سوم أخيه .
مثاله : سام منه السيارة بعشرة آلاف البائع رضي بالثمن ، والمشتري رضي بالسلعة ، وقبل العقد جاء شخص وقال : أزيد هو سامها بعشرة أنا أسومها بإحدى عشر ، محرم ولا يجوز .
فالسوم على سومه قبل العقد ، لكن بعد العقد يسمى بيع على بيعه أو شراء على شرائه .
لكن قبل العقد سوم على سوم أخيه فلا يجوز ولهذا قال المؤلف رحمه الله : بعد صريح الرضى يعني بعد أن رضي البائع بالثمن والمشتري بالسلعة .
ويؤخذ من كلام المؤلف في قوله : بعد صريح الرضى .
أنه إذا لم يكن هناك رضى فهذا جائز ولا بأس به .
مثاله : سام منه السيارة بعشرة آلاف لكن البائع لم يرضى فجاء شخص وزاد ، نقول جائز ولا بأس به .
وقول المؤلف رحمه الله : بيع على بيع مسلم وشراء على شرائه .
يؤخذ منه أنه لا بأس أن تبيع على بيع النصراني أو اليهودي وأن تسوم على سومه وأن تشتري على شرائه ، لأن المؤلف قيد ذلك بالمسلم .
فمثلاً : لو أن نصرانياً باع سيارته بعشرة آلاف فلا بأس أن تأتي وتقول للمشتري أنا أبيعك مثلها بتسعة آلاف .
يقولون أن هذا جائز ولا بأس به .
ومثله الشراء على شرائه والسوم على سومه .
ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :( لا يسوم الرجل على سوم أخيه ) فقال : أخيه ، واليهودي والنصراني ليس أخاً لنا .
الرأي الثاني : أن هذا غير جائز لما فيه من الظلم والاعتداء ، والظلم محرم حتى على الكافر لا يجوز لك أن تظلمه ولهذا حرمه الله عز وجل على نفسه ، وهو الأقرب .
" ومن باع ربوياً لم يجز أن يعتاض عن ثمنه قبل قبضه ما لا يباع به نسيئة "(1/37)
إذا قالوا ربوي فالمراد : بالربوي على المذهب المكيل والموزون ، فكل مكيل يسمى على المذهب ربوي عند الحنابلة ، والموزونات يسمونها ربويات ، ومن أين جاءت هذه التسمية ؟
كما سيأتي في باب الربا حديث عبادة وحديث أبي سعيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( الذهب بالذهب والفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء ) .
هل هذه الأشياء الستة هي معدودة أو محدودة ؟ هل الربا لا يجري إلا في هذه الأشياء الستة أو يجري في غيرها ؟
جمهور العلماء رحمهم الله ومنهم الأئمة الأربعة : أن الربا يجري في هذه الأشياء الستة وفي غيرها .
غيرها الذي يقاس عليها ما هو ؟
لابد أن نفهم العلة ، لماذا الشارع جعل الربا في هذه الأصناف الستة دون غيرها ؟
فلابد أن نفهم العلة لكي نلحق غيرها بها .
فاختلف العلماء في علة الربا في هذه الأصناف الستة .
المشهور من مذهب الإمام أحمد وأبي حنيفة : أن العلة هي الوزن والكيل ، الوزن في الذهب والفضة والكيل في الأصناف الأربعة الباقية ، وعلى هذا قالوا يجري الربا في كل مكيل وكل موزون ، ويسمون المكيلات والموزونات يسمونها بالربويات ، لأن الربا يجري في المكيلات والموزونات .
قالوا العلة في الذهب والفضة أنهما موزون فيجري الربا في كل موزون .
والعلة في الأصناف الأربعة كونها مكيلة فيجري الربا في كل مكيل .
وعند الشافعي رحمه الله : أن العلة في الذهب والفضة جوهر الثمنية يعني كونها ذهباً وفضة .
والعلة في الأصناف الأربعة : الطعم كونها مطعومة ، وعلى هذا يجري الربا عندهم في الذهب والفضة وفي سائر المطعومات .
وعند الإمام مالك رحمه الله : العلة في الذهب والفضة جوهر الثمنية ، وأما العلة في بقية الأصناف الأربعة : الاقتيات والادخار كونها مقتات مدخرة ، وعلى هذا يجري الربا عندهم في الذهب والفضة ويجري في القوت المدخر .(1/38)
وعند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أن العلة في الذهب والفضة : الثمنية كونها ثمناً للأشياء ، وأما الأصناف الأربعة الباقية فالعلة منها : الطعم مع الكيل أو الوزن ، كونها مطعومة مكيلة أو مطعومة موزونة ، وهو أقرب الأقوال .
المهم : نفهم كلام المؤلف رحمه الله في قوله : من باع ربوياً ، فمقصود المؤلف رحمه الله : المكيل الموزون ، فإذا وجدت في كتبهم ربوي فيقصدون به المكيل الموزون .
" ومن باع ربوياً لم يجز أن يعتاض عن ثمنه قبل قبضه ما لا يباع به نسيئة "
قلنا المراد بالربوي المكيل الموزون .
مثاله : البر ، ربوي لأنه مكيل ، إذا بعت ربوياً مكيلاً مثلاً براً لا يجوز لك أن تعتاض عن ثمنه ما لا يباع به نسيئة ، بعت براً بمائة ريال بعد يوم جئت للمشتري قلت له أعطني المائة ثمن البر قال ما عندي مائة لكن أريد أن أعطيك شعيراً بدلاً من المائة .
المؤلف رحمه الله : لا يجوز ، لماذا ؟
لأن الصورة كأنك بعت بر بشعير ، وعند مبادلة البر بالشعير يشترط التقابض لأنه كما سيأتي في باب الربا ، إذا اتحد العوضان في العلة واختلفا في الجنس فإنه يشترط التقابض فقط .
أي كانت علتهما واحدة ، وهنا العوضان بر مع شعير اختلفا الجنس لا يشترط التساوي لكن نشترط التقابض ، والعلة واحدة وهي المكيل على المذهب .
وعلى ما ذهب إليه شيخ الإسلام المكيل مع المطعم .
فهما يتفقان في العلة ، فإذا اتفقا في العلة فإننا نشترط أن يكون ذلك يداً بيد .
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم :( فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد ) .
فيقول المؤلف رحمه الله : ما دام باعه بر ولا قبض الثمن ثم أخذ بدل الثمن أخذ عوضاً لا يبادل بالسلعة التي باعها إلا يداً بيد لا يباع به نسيئة مؤجلاً لابد أن يكون يد بيد فإن هذا لا يجوز .(1/39)
لأن الصورة تصبح : شعير ببر مع عدم التقابض وهنا يشترط أن يكون يداً بيد لقول النبي صلى الله عليه وسلم :( فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد ) .
والرأي الثاني في هذه المسألة : أن هذا جائز وأنه إذا باعه ربوياً فإنه يجوز أن يعتاض عن ثمنه أي عن ثمن الربوي ما لا يباع به نسيئة مؤجلاً ، فإذا باع شعير بمائة ريال فإنه لا بأس أن يأخذ بدلاً من المائة براً ، وأنه جائز ولا بأس به .
وهذا ذهب إليه ابن قدامة رحمه الله بشرط ألا يكون هذا حيلة ويكون هناك تواطؤ على مبادلة البر بالشعير بدون قبض .
لأن صورة الربا هنا بعيدة فهو باعه بر بمائة ريال ولا يشترط التقابض بين البر والمائة ولا التساوي لأنهما يختلفان في العلة والجنس ثم أخذ شعيراً بدل المائة وهذا جائز ولا بأس به لأنه صورة التحايل على الربا لم يكن مراداً .
" وكذا شراؤه ما باعه بدون ثمنه قبل قبضه نقداً وعكسه "
هذه المسألة تسمى بمسألة العينة .
والعينة : هي أن يبيع سلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها ممن باعها عليه بأقل من ثمنها نقداً .
صورتها : يبيع السيارة على شخص بعشرة آلاف ريال مؤجلة ثم يذهب ويشتريها منه بثمانية آلاف ريال نقداً ، تسمى مسألة العينة .
فالربا فيها واضح كأنك أعطيته عشرة آلاف بثمانية ودخلت السيارة بينهما ، فأنت تريد أن تطالبه بعد سنة بعشرة وقد أعطيته ثمانية آلاف وهذه العينة تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أن يكون هناك اتفاق ومواطأة فهذه محرمة باتفاق الأئمة .
القسم الثاني : أن لا يكون هناك اتفاق ومواطأة فهذه موضع خلاف .
الجمهور : على أنها محرمة ولا تجوز وإن لم يكن هناك اتفاق ولا مواطأة .
الرأي الثاني : الشافعي : جائز ولا بأس به .
والصواب : رأي الجمهور ، ولهم على ذلك أدلة كثيرة منها :(1/40)
قوله صلى الله عليه وسلم :( إذا تبايعتم بالعينة ، وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد ، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ) .
ومنها حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا ) .
أوكسها : يعني الناقص ، يعني إن أخذ بالزائد أخذ بالربا ، وهنا باع بيعتين في بيعة ، باع السيارة بثمن مؤجل عشرة آلاف ثم اشتراها بأقل من ثمنها نقداً وأعطى المشتري ثمانية آلاف هذه البيعة الثانية وهي بيعة النقد بيعتان في بيعة ، والبيعة واحدة وهي السيارة ( فله أوكسهما ) هذا البائع إذا حل الأجل إن أخذ العشرة أخذ بالربا وإن أخذ الثمانية التي دفعت له لم يأخذ بالربا .
ولهذا قال عليه الصلاة والسلام :( فله أوكسهما ) يأخذ بالناقص أو الربا : أي يقع في الربا .
ومن الأدلة كما ذكر ابن القيم رحمه الله : حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة .
وحمل ابن القيم رحمه الله بيعتين في بيعة التي نهى عنها النبي صلى الله عيه وسلم هي بيع العينة .
فبيع العينة فيه البيعتان ، بيعة التأجيل وبيعة الحاضرة في بيعة واحدة .
وهو الوارد عن الصحابة رضي الله عنهم ، كعائشة رضي الله عنها وغيرها .
ولأن صورة الربا عشرة آلاف بثمانية آلاف .
" وكذا شراؤه ما باعه بدون ثمنه قبل قبضه نقداً وعكسه "
يعني إذا قبض الثمن فإن هذا جائز ولا بأس به .
يعني باعه السيارة بعشرة آلاف ريال مؤجلة ثم قبض العشرة ثم اشترى هذه السيارة بأقل من ثمنها ، نقول : جائز ولا بأس به لأن العقد الأول انتهى .
فهو باعه السيارة بعشرة آلاف مؤجلة ثم قبضها ، ثم ذهب واشترى منه السيارة بأقل من ثمنها نقداً ، نقول هذا جائز ولا بأس به .
كذلك لو كان المشتري أبوه ، فإن هذا جائز ولا بأس به ما لم يكن هناك مواطأة .(1/41)
باع السيارة بعشرة آلاف ثم جاء أبوه واشتراها بثمانية آلاف نقداً أو ابنه أو زوجته فإن هذا جائز ولا بأس به ما لم يكن هناك مواطأة .
لكن لو كان المشتري رقيقه : لا يصح لأن الرقيق وما ملك لسيده فكأن المشتري هو السيد .
لو كان المشتري وكيله : لا يصح لأنه نائب منابه .
" وعكسه "
يعني عكس مسألة العينة ، قلنا في مسألة العينة : أن يبيع سلعته بثمن مؤجل ثم يشتريها البائع ممن باعها عليه بأقل من ثمنها نقداً .
المؤلف رحمه الله عكس العينة لا يجوز .
العينة أن يبيع سلعة بثمن مؤجل ، عكسها أن يبيع سلعة بثمن حاضر معجل ثم يشتريها بأكثر من ثمنها نسيئة .
المؤلف رحمه الله : محرمة ولا تجوز .
الرأي الثاني : أن هذا جائز ولا بأس به .
صورة عكس العينة : أن يبيع سلعة بثمن حاضر ولنفرض أنه باع السيارة بعشرة آلاف ريال نقداً ثم اشتراها نفس البائع ممن باعها عليه بثنا عشر ألف مؤجلة بأكثر من ثمنها مؤجلة .
المؤلف رحمه الله : محرم ولا يجوز .
الرأي الثاني : عكس العينة جائز ولا بأس به ، لأن صورة الربا لا تكون موجودة ما لم يكن هناك مواطأة ، وهذا القول هو الأقرب .
" ويصح بغير جنسه وقبل قبض ثمنه "
المؤلف رحمه الله : يصح في مسألة العينة وعكسها يصح بغير جنسه .
مثال ذلك : باع السيارة بعشرة آلاف ريال مؤجلة ثم اشتراها ممن باعها عليه بأقل من ثمنها لكنه بالدولار أو بالدينار أو بالجنيه هنا تغير جنس الثمن .
المؤلف : جائز ولا بأس به .
لأنك عندما تبادله ريالات بجنيهات يجوز التفاضل ما لم يكن هناك حيلة ، فإذا كان هناك حيلة فلا يجوز لكن لو حصل ذلك دون قصد فإنه جائز ولا بأس به .
" أو تغير صفته "
يعني باعه السيارة بعشرة آلاف ريال مؤجلة ثم استعملت السيارة ، استعملت وأصبحت تساوي ثمانية آلاف ريال ثم اشتراها بأقل من ثمنها نقداً ، فهل هذا جائز أو ليس جائز ؟
المؤلف رحمه الله : جائز .
وبعض العلماء : غير جائز .(1/42)
والأقرب : جائز إذا نقص من الثمن بمقدار ما حصل من تغير الصفة .
يعني إذا كانت الآن بعد تغير الصفة أصبحت تساوي ثمانية آلاف ريال واشتراها بثمانية جائز لو اشتراها بسبعة غير جائز .
" ومن غير مشتريه "
اشترى السيارة من غير من اشتراها ، فإنه جائز ولا بأس به وتسمى مسألة التورق .
يعني باعه السيارة بعشرة آلاف ريال مؤجلة ، وهذا الذي اشتراها ذهب وباعها على أبيه ثم البائع الأول ذهب واشتراها من أب البائع الثاني ( المشتري ) بأقل من ثمنها نقداً .
المؤلف رحمه الله : جائز .
" وإن اشتراه أبوه أو ابنه جاز "
ما لم يكن حيلة ، يعني إذا كان المشتري الأب أو المشتري الابن كما سلف أو الزوجة جائز .
مثاله : باعه السيارة بعشرة آلاف مؤجلة ثم جاء أبو البائع واشتراها بأقل من ثمنها نقداً أو ابنه أو زوجته أو صديقه ، نقول : جائز ولا بأس به .
لأن مال كل واحد مستقل عن الآخر .
وقفنا على مسألة التورق وتكلمنا على مسألة العينة وهي أن يبيع بثمن مؤجل ثم يشتريه ممن باعه عليه بأقل من ثمنه نقداً .
وذكرنا أن الصواب : أنها محرمة ولا تجوز .
فالعينة مأخوذة من العين وهو الذهب لأن من سلك هذه المعاملة إنما يقصد العين الذهب .
والتورق : مأخوذ من الورق وهو الفضة لأن الذي يسلك هذه المعاملة يقصد الورق .
والتورق هو أن يشتري سلعة بثمن مؤجل ثم يبيعها على غير من اشتراها منه بأقل من ثمنها نقداً .
إذا باعها على من اشتراها منه فهذه العينة .
لكن إذا باعها على غير من اشتراها منه فهذه تسمى التورق .
مثاله : أن يشتري السيارة بثمن مؤجل بعشرة آلاف ثم يذهب ويبيع السيارة على غير من اشتراها منه بثمانية آلاف حاضرة .
ومن سلك هذه المعاملة إنما أراد النقد لكي يتوسع به .
ومسألة التورق اختلف فيها العلماء على ثلاثة آراء :
الرأي الأول : أكثر أهل العلم مباحة ولا بأس بها .
ويستدلون على ذلك : أن الأصل في المعاملات الحل .(1/43)
ولأن الإنسان يسلك مثل هذه الطريقة قد يقصد ذات السلعة ، وقد يقصد النقد وكلاهما مقصد صحيح .
ولأن شبهة الربا بعيدة .
فالذي سلك هذه المعاملة باع هذه السلعة على غير من اشتراها منه .
بخلاف العينة : اشتراها بثمن مؤجل عشرة آلاف ريال ثم باعها عليه بثمانية آلاف فأصبح يطالبه بعشرة وقد دفع له ثمانية .
أما هنا فالأمر مختلف ، فالذي سلك هذه المعاملة تعامل مع اثنين ولم يتعامل مع واحد .
الرأي الثاني : ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله وأن هذه المعاملة محرمة ولا تجوز .
وذكر ابن القيم رحمه الله : أن شيخ الإسلام رحمه الله كان يراجع فيها لكي يحلها وكان يأبى ويقول إنها أخت العينة أو أخية العينة .
لأن الصورة صورة العينة إلا أن العينة المعاملة مع واحد ، والتورق التعامل مع اثنين ، وإلا هي دراهم مؤجلة بدراهم حاضرة أقل منها .
وبعض الباحثين المتأخرين : يرجح ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله ، ويقول : إن الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الربا موجودة في مسألة التورق .
الرأي الثالث : التوسط بين القولين ، وأنها تباح عند الحاجة ، فإذا كانت هناك حاجة فلا بأس بذلك وهو اختيار شيخنا الشيخ محمد رحمه الله .
فإذا احتاج الإنسان أن يسلك هذه الطريقة كأن يسلكها لكي يشتري سكناً أو مركوباً أو لكي يتزوج أو ليوفي ديوناً لحقته ونحو ذلك ، جائز ولا بأس به .
ويشترط لسلوك هذه الطريقة شروط :
الشرط الأول : ألا يجد أحداً يقرضه بغير هذه الطريقة أو يستطيع أن يسلك معاملة السلم .
الشرط الثاني : أن يقبض السلعة وأن يبيعها .
الشرط الثالث : البعد عن صورة الربا بحيث يعرف البائع قيمة السلعة ويبيعها بزيادة على ثمنها مقابل التأجيل ثم يشتريها المشتري ويبيعها على غيره .
الشرط الرابع : أن يكون هناك حاجة .
ولعل هذا القول هو أقرب الأقوال وإن احتاط الإنسان وتركها هذا جيد .(1/44)
أقرب الأقوال لأن الناس يحتاجون إلى النقد وقد لا يجدون أحداً يقرضهم أو لا يجدون طريقة السلم المشروعة .
فمنعها على سبيل الإطلاق فيه تضييق وإذا سلك الإنسان بهذه الشروط التي ذكرها الشيخ ، فهذا لعله أقرب .
فصل
في الشروط في البيع
الشروط في البيع : هو ما يشترط أحد المتعاقدين مما له به منفعة ومصلحة ، كأن يشترط البائع أن يستعمل السيارة لمدة يوم .
مثاله : بعتك السيارة بعشرة آلاف على أن استعملها لمدة يوم ، أو اشتريت منك السيارة بعشرة آلاف على أن تغسلها أو تصلح مكينتها ونحو ذلك .
وسبق بيان الفرق بين شرط العقد ، والشرط في العقد وذكرنا هناك فروقاً مما يقرب من خمسة أوجه .
محل الشروط في البيع : أما قبل العقد أو في صلب العقد أو في زمن الخيارين .
قبل العقد مثاله : أبيعك السيارة على أن استعملها لمدة يوم فيتفقان على ذلك ثم يعقدان .
في صلب العقد مثاله : بعتك السيارة بعشرة آلاف على أن استعملها لمدة يوم .
في زمن الخيارين مثاله : زمن خيار المجلس وزمن خيار الشرط .
في خيار المجلس : بعتك السيارة بعشرة آلاف وهما في المجلس اشترط البائع قال اشترط أن استعملها لمدة يوم أو يومين لأن البائع يملك ما هو أعظم من ذلك يملك فسخ العقد .
وفي زمن خيار الشرط : أن يقول بعتك السيارة بعشرة آلاف ولي الخيار لمدة ثلاثة أيام ، ثم بعد ذلك مضى يوم أو يومان قال اشترط أن استعملها لمدة يوم أو يومين فهذه كلاهما شروط صحيحة .
الشروط في البيع تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : شروط صحيحة .
القسم الثاني : شروط فاسدة .
والشروط الصحيحة أنواع :
وقبل أن نبين هذه الأنواع نذكر قاعدة وهي :
{ أن الأصل في الشروط في البيع الحل والصحة } لقوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) .
والأمر بإيفاء العقد يتضمن إيفاء أصله ووصفه .
ومن وصفه الشرط فيه .
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه ( المسلمون على شروطهم ) .(1/45)
وأيضاً حديث عقبة بن عامر ( أن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ) .
فهذه تدل على أن الأصل في الشروط في العقد الصحة فلا يحرم منها ولا يبطل إلا ما دل الدليل على إبطاله ، وهو قول الجمهور خلافاً لما ذهب إليه ابن حزم أن الأصل في الشروط البطلان وأنه لا يصح منها إلا ما جاء في القرآن والسنة وهو غير صواب .
ودليله قوله صلى الله علي وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل )
فيقول : لابد أن يكون الشرط ورد في القرآن والسنة .
والجواب على هذا سهل : يقال أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم ( ليس في كتاب الله ) المراد ليس في شرع الله .
والشرع نص على إباحة هذه الشروط كما ذكرنا في أدلة الجمهور السالفة .
نقول الشروط الصحيحة لها أنواع :
النوع الأول : شرط يقتضيه العقد ، شرط مقتضى العقد وهذا النوع لا يذكرونه في المختصرات الغالب وإنما يذكرونه في الشروح لأنه معلوم علمه بين المتعاقدين أغنى عن ذكره .
ومن أمثلته : اشتريت منك السيارة بشرط أن استعملها هذا الشرط يقتضيه العقد ، العقد يقتضي أن الإنسان إذا اشترى السيارة أو السلعة أنه ينتفع بها .
أو اشتريت السيارة بشرط أن أبيعها ، هذا شرط يقتضيه العقد .
أو يقول بعتك السلعة بشرط أن يكون الثمن حالاً هذا مقتضى العقد ، مقتضى العقد أن يكون الثمن حالاً والسلعة حالة .
النوع الثاني : أشار إليه المؤلف رحمه الله بقوله :
" يصح شرط تأجيل ثمن ورهن أو ضمين معين به "
هذا شرط المصلحة أن يشترط أحد المتعاقدين مصلحة تعود على العقد أو العاقد وذكر المؤلف رحمه الله أمثلة لذلك .
قال : شرط تأجيل الثمن .
هذا يشترطه المشتري ، قال المشتري اشترط أن يكون الثمن مؤجلاً جميعه أو بعضه لا بأس به المسلمون على شروطهم .
قال : أو رهن .(1/46)
هذا يشترطه البائع ، وكذلك الضمين أو الكفيل ، قال المشتري : اشترط أن يكون الثمن مؤجلاً ، قال البائع : اشترط أن تعطيني رهناً بهذا الثمن المؤجل أو تعطيني ضميناً أي ضامناً يضمنك ، أو كفيلاً يكفلك ، هذه الشروط صحيحة .
" وكون العبد كاتباً أو خصياً أو مسلماً والأمة بكراً ونحوه "
هذا النوع الثالث شرط صفة في المبيع ، فيشترط أن يكون العبد كاتباً خصياً ونحو ذلك من الشروط ، ومثله لو اشترط أن تكون السيارة سرعتها كذا وأن تكون جودة إطاراتها كذا ، وتكون مراتبها كذا ومكينتها كذا وصناعتها كذا ، اشتراط صفات كلها شروط صحيحة ولو ذكر مائة شرط ، وهذه الأنواع الثلاثة محل اتفاق بين الأئمة .
" وشرط بائع سكنى مبيع شهراً مثلاً وحملان البعير إلى موضع معين وشرط مشتر على بائع حمل حطب أو تكسيره وخياطة ثوب أو تفصيله "
هذا النوع الرابع : شرط المنفعة ، منفعة البائع أو منفعة المبيع ، ولهذا قال المؤلف رحمه الله : سكنى مبيع ، هذه منفعة المبيع .
وحمل حطب وتكسيره ، منفعة البائع .
بعتك البيت بشرط أن اسكنها لمدة شهر ، منفعة مبيع .
منفعة البائع اشتريت منك السيارة بشرط أن تغسلها ، الحطب بشرط أن تكسره ، أن تحمله إلى البيت ، المهم يصح شرط واحد أما منفعة البائع أو المبيع .
واستدلوا أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من جابر جمله واشترط حملانه إلى المدينة .
الشافعي : وهو أضيق المذاهب في هذه المسألة يرى أنه لا يصح ولا شرط واحد لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط . ضعيف .
وكما ذكرنا أن الحنابلة يقولون : يصح شرط واحد أما الشرطان لو جمع شرطين لا يصحان لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو ( نهى عن سلف وبيع وعن شرطين في بيع ) .
الحنفية : يصح من الشروط ما جرى تعامل الناس به .(1/47)
شيخ الإسلام وابن القيم : تصح سائر الشروط التي لا تخالف الشرع ، وأن ذلك لا يقيد فلو كان شرط أو شرطين أو ثلاثة أو أربعة كلها صحيحة .
وعلى هذا لو قال اشتري منك السيارة واشترط عليك أن تغسلها وأن تصلح إطاراتها وأن تصلح أنوارها ومكينتها ، كلها شروط صحيحة .
لكن على المذهب لا يصح لك إلا شرط واحد فقط .
والصواب : أن ذلك لا يقيد .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو ( نهى عن سلف وبيع وعن شرطين في بيع ) فحمله ابن القيم رحمه الله على العينة ، قال أن المراد بهذا بيع العينة .
وأيضاً كما تقدم أن المشهور من المذهب لا بد أن يكون الشرط في المبيع أو في البائع شرط المنفعة .
والصواب : ما ذهب إليه ابن القيم حتى لو كان في غير المبيع ، قال بعتك السيارة بشرط أن استعمل سيارتك لمدة يوم ، أو بشرط أن اسكن بيتك ، هذا شرط منفعة في غير البائع وهذا صحيح .
" وإن جمع بين شرطين كحمل حطب وتكسيره بطل البيع "
كما تقدم إذا جمع شرطين في النوع الرابع شرط المنفعة بطل ، أما إذا جمع شرطين من النوع الأول أو الثاني والنوع الثالث لا بأس به .
لكن يقولون إذا جمع شرطين من النوع الرابع وهو شرط المنفعة هذه هو موضع الخلاف يقولون لا يصح .
ودليلهم حديث ابن عمر قال صلى الله عليه وسلم :( لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا بيع ما ليس عندك ) د.ت.وصححه .
" كاشتراط عقد آخر من سلف وقرض وإجارة وصرف "
هنا المؤلف بدأ في القسم الثاني من أقسام الشروط وهي الشروط الفاسدة .
تقدم لنا الشروط الصحيحة وهي أربعة أنواع .
القسم الثاني : الشروط الفاسدة وهي أنواع :
النوع الأول : قال المؤلف رحمه الله :
" كاشتراط عقد آخر من سلف وقرض وإجارة وصرف "(1/48)
أن يشترط عقد آخر كأن يقول بعتك على أن تبيعني ، بعتك على أن تصرف لي هذه الدراهم ، على أن تعقد معي عقد شركة ، بعتك على أن تؤجرني ، أو أجرتك على أن تبيعني ، المهم تشترط مع العقد الذي تعقده عقد آخر ، فهذا المؤلف رحمه الله : لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( نهى عن بيعتين في بيعة ) وهذا هو بيعان في بيعة الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم .
وهو المشهور من المذهب وقول أكثر أهل العلم رحمهم الله .
الرأي الثاني : مالك رحمه الله ، واختيار الشيخ السعدي ، والشيخ محمد : جائز ولا بأس به .
ودليلهم : الأصل في المعاملات الحل ، وأجاب ابن القيم رحمه الله على حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( نهى عن بيعتين في بيعة ) المراد بذلك بيع العينة ، وهو الصواب .
وعلى هذا لو قال بعتك السيارة على أن تبيعني سيارتك أو على أن تؤجرني بيتك أو على أن تعقد معي عقد شركة أو مساقاة أو مزارعة ، جائز ولا بأس به إلا إذا تضمن محذوراً شرعياً فلا يجوز .
مثاله : لو قال أقرضتك على أن تبيعني ، لأن القرض يراد به وجه الله عز وجل ، كما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم ( أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا ) .
فإذا قال أقرضتك على أن تبيعني ، نقول : لا يجوز .
أو قال : زوجتك على أن تبيعني أو على أن تؤجرني ، لا يجوز لأن الولي لا ينظر إلى مصلحة موليته وإنما ينظر إلى مصلحته ، فالذي يبيعه هو الذي يزوجه سواء كان كفؤاًَ أو ليس بكفؤ سواء كان ذا دين وخلق أو لم يكن كذلك .
" وكتعليقه على شرط مستقبل "
النوع الأول : شرط فاسد مفسد على المذهب .
النوع الثاني : تعليق البيع على شرط مستقبل ، بعتك السيارة إذا دخل شهر رمضان ، بعتك على رضا أبي أو أمي ونحو ذلك .
فتعليقه على شرط مستقبل سواء شرطاً محضاً كما لو قال : بعتك السيارة إذا دخل رمضان .
أو على شرط غير محض كما لو قال : بعتك السيارة إن رضي أبي أو رضيت أمي ونحو ذلك .(1/49)
المؤلف رحمه الله : لا يصح لأن الأصل في العقود أن تكون منجزة ، والتعليق ينافي التنجيز وهذا ما عليه أكثر أهل العلم رحمهم الله أنه لا يصح تعليق العقود .
الرأي الثاني : شيخ الإسلام وابن القيم رحمهم الله : تعليق العقود جائز ولا بأس به وعلى هذا يصح العقد .
وقد ورد التعليق في السنة في قوله صلى الله عليه وسلم :( إن أصيب زيد فجعفر وإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة ).
والنوع الثاني يعتبرونه شرط فاسد مفسد .
" وإن شرط أن لا خسارة عليه أو متى نفق المبيع وإلا رده "
النوع الثالث : إذا شرط متى نفق المبيع وإلا رده ، يقول المشتري يشترط إن راج المبيع وأخذه الناس وإلا رددته عليك .
المؤلف رحمه الله : شرط فاسد غير مفسد .
والدليل على أنه شرط فاسد أنه يخالف حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( الخراج بالضمان ) ومعناه : أنه كما أن لك خراج الشيء عليك ضمانه .
فمثلاً : المبيع لك خراجه وهو ربحه وأن كان حيوان خراجه اللبن الولد الصوف أيضاً عليك ضمانه هذا مقتضى العدل ، فكيف تشترط أيها المشتري إن ربحت وإلا رديته ، فكما أنك إذا ربحت لك الربح أيضاً إذا خسرت عليك الخسارة ، فهذا شرط فاسد .
والقاعدة { الغنم بالغرم }
فكما أن الإنسان له غنمه أيضاً عليه غرمه .
ونظير ذلك ما يوجد اليوم أن بعض الشركات تضع عند بعض المحلات التجارية أنواعاً من السلع كالخبز واللبن ونحو ذلك ويشترط المشتري أنه إن أخذه الناس وإلا رد الفاضل ، فنقول : هذا شرط فاسد .
والصحيح في هذه المسألة : أن يكون هذا من باب الوكالة ، فالبائع صاحب هذه الشركة يوكل صاحب المحل التجاري على أن يبيعه هذا اللبن أو الخبز ونحو ذلك ، والفاضل يرده وله جزء من الربح حسب ما يتفقان .
فالأمر في هذه المسألة سهل يكون عن طريق الوكالة .
" أو أن لا يبيعه أو يهبه ونحوه "(1/50)
هذا الشرط الرابع : إذا شرط البائع على المشتري ألا يبيع السلعة ، قال : أبيعك هذا البيت لكن بشرط ألاّ تبيعه ، ألاّ تهبه ، ألاّ توقفه لله عز وجل .
أو يبيعه الرقيق ويقول : بشرط أن تعتقه ، فهذه شروط فاسدة ، لماذا ؟
لأنها تخالف مقتضى العقد .
فمقتضى العقد أن الإنسان إذا اشترى السلعة فإنه يملك تمام التصرف فيها ، يملك أن يبيعها يهبها يوقفها يوصي بها ، له سائر التصرفات لأنه ملكها ، وهذا هو مقتضى الملكية في الشريعة ، فكونك تحجر عليه هذا شرط فاسد ، وهذا هو ما ذهب إليه أكثر أهل العلم رحمهم الله .
الرأي الثاني : أن هذا شرط صحيح إذا كان هناك مصلحة ، ويكون من الشروط الصحيحة وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
ومثاله : أن يكون المشتري لا يحسن التصرف ، فيشترط عليه البائع : أبيع عليك البيت بشرط ألاّ تبيعه لأنه لا يحسن التصرف ، يريد مصلحته وأن يبقى هذا البيت يسكنه هو وأولاده .
أو يقول : أبيع عليك هذه الأرض لكن إن احتاجها المسجد فأنت تبيعها على أهل المسجد ، ونحو ذلك .
فهذه شروط صحيحة ، لأن هذا وارد عن الصحابة رضي الله عنهم .
وهذا القول هو الأقرب .
فإذا كان هناك مصلحة فالحجر على العاقد في بعض التصرفات صحيحة .
" أو إن أعتقه فولاؤه لبائع فسد الشرط وصح البيع "
الشرط الخامس الفاسد وغير مفسد للعقد : أن يشترط البائع على المشتري إذا باعه الرقيق ، يقول : إن أعتقته فولاؤه لي ليس لك أيها المشتري ، وهذا شرط فاسد ، لأنه مخالف للنص كما هو في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها لقوله صلى الله عليه وسلم :( إنما الولاء لمن أعتق ) .
فيدل الحديث على الولاء للمعتق وليس لمن اشترط وإن لم يعتقه .(1/51)
فهذا شرط فاسد لأنه يخالف الشرع ، ولأن الولاء لحمه كلحمة النسب وإذا كان كذلك التحام بين المعتق والمُعتق كيف يشترط الذي لم يعتق أن الولاء له ، فيكون هناك ارتباط بين المعتق والمعتق وسبق أن ذكرنا جملة من الأحكام بين المعتق والمعتق فمثلاً : التوارث يكون بينهما بشروط يذكرها العلماء في باب الميراث .
مثلاً : ولاية النكاح إذا كانت المعتقة امرأة ، فالمعتق إذا لم يكن هناك عصبة بالنسب فإن المعتق هو الذي يتولى نكاح هذه المرأة .
فكون غير المعتق يشترط الولاء لا يجوز ولا يصح لما تقدم .
" ولمن فات غرضه الفسخ "
يعني لو شرط شرطاً فاسداً ثم قلنا له هذا الشرط فاسد فيقول المؤلف رحمه الله : له حق الفسخ .
مثاله : قال اشترط أنه لا خسارة علي أو متى نفق المبيع وإلا رددته ، ثم تبين أن الشرط فاسد ، وقال ما علمت أن الشرط فاسد ، نقول : له حق الفسخ .
" ويصح شرط عتق "
المؤلف رحمه الله يقول : يصح شرط العتق ، معنى ذلك : لو أنه باعه الرقيق وقال : اشترط عليك أن تعتقه ، يقول المؤلف رحمه الله : هذا شرط صحيح ، مع أنه فيما تقدم أنه لو شرط أن لا يبيعه أن لا يهبه فإن هذا شرط فاسد ، لكن هنا قال : لو شرط عليه أن يعتقه فإن هذا شرط صحيح .
وما ذكره المؤلف رحمه الله من أن شرط العتق صحيح ، صحيح لأمرين :
الأمر الأول : أن المسلمين على شروطهم ، وقد دخل المشتري على بصيرة وأنه سيعتق هذا الرقيق .
الأمر الثاني : أن الشارع يتشوف إلى العتق كثيراً .
وعلى هذا لو قال : بعتك هذا الرقيق على أن تعتقه في كفارة اليمين التي عليك ، أو في كفارة الظهار التي عليك ، إن كنت تريد أن تشتريه لكي تعتقه في كفارة الظهار أو في كفارة الوطء في نهار رمضان أو في كفارة القتل فأنا بعته عليك ، فهذا شرط صحيح ، لما ذكرنا من الدليل .
" وبعتك على أن تنقدني الثمن إلى كذا وإلا فلا بيع بيننا "(1/52)
قال : بعتك على أن تنقدني الثمن بعد يوم أو بعد يومين أو الثمن مؤجل لمدة ثلاثة أيام وإلا فلا بيع بيننا ، هذا شرط صحيح لما تقدم من أن المسلمين على شروطهم ، وهذه الشروط لا تخالف الشرع .
" فإن لم يفعل انفسخ "
إن لم يفعل المشتري وينقده الثمن انفسخ العقد .
بعتك على أن تسلمني الثمن بعد ثلاثة أيام فإن لم تسلمني الثمن بعد ثلاث فلا بيع بيننا .
المؤلف رحمه الله : ينفسخ .
" لا قول لمرتهن إن جئتك بحقك في وقت كذا وإلا فالرهن لك "
هذه المسألة يسميها العلماء رحمهم الله : ( غلقُ الرهن ) .
والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ، فقال عليه الصلاة والسلام :( لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه ) .
وصورة ذلك : أن يبيعه السلعة ، ولنفرض أنها سيارة بثمن مؤجل عشرة آلاف ريال مؤجلة ، ويطلب البائع من المشتري رهناً ، فالثمن مؤجل يرهن به حقه من الثمن المؤجل فيأتيه بقطعة أرض يقول هذه الأرض رهن ، فيقول البائع للمشتري إن لم تأت بالثمن ـ بحقي ـ بعد أسبوع وإلا فهذه الأرض لي يسمونه بغلق الرهن .
وكان هذا العمل موجوداً في الجاهلية ، فهل هذا صحيح ؟
المؤلف رحمه الله : ليس صحيحاً ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :( لا قول لمرتهن ) .
سواءً قاله المرتهن للراهن إن جئتني بحقي وإلا فالرهن لي ، أو يقول الراهن للمرتهن إن جئتك بحقك وإلا فالرهن لك .
وهذه المسألة اختلف فيها العلماء رحمهم الله :
المشهور من مذهب الحنابلة والمؤلف : أن هذا الشرط غير صحيح لما تقدم من الحديث ( لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه ) .
والرأي الثاني : رواية عن الإمام أحمد رحمه الله : أن هذا صحيح ولا بأس به .
وقد ورد أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى ذهب إلى بقال وأخذ منه حاجات وأعطاه نعليه ، فقال : إن جئتك بالثمن وإلا فالنعلان لك .(1/53)
والأقرب في هذه المسألة : أن يقال بالتفصيل فينظر إلى الرهن ، فإن كان الرهن مساوياً للثمن أو قريباً أو أقل فهذا صحيح ، لأنه لا إكراه حينئذ .
وإن كان الرهن أكثر من الثمن فإنه لا يصح لما فيه من إكراه الراهن على هذا .
" ونحوه "
يعني كل بيع علق على شرط مستقبل لا يصح ، لأن غلق الرهن من البيع الذي علق على شرط مستقبل .
وتقدم أنه لا يصح تعليق العقود على شرط مستقبل .
" غير إن شاء الله " * غير موجود في المتن *
يعني يستثنون التعليق بالمشيئة فإذا علق على المشيئة فإن هذا جائز ولا بأس به .
لو قال : بعتك إن شاء الله هذه السيارة ، يقولون هذا جائز ولا بأس به .
لأنه لا يقصد حقيقة التعليق ولكن يقصد التبرك .
وكذلك يستثنون مسألة العربون ، واختلف فيه العلماء رحمهم الله :
المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله : جائز ولا بأس به .
والجمهور : غير جائزة .
ومسألة العربون : أن يعطيه ألف ريال يشتري هذه السيارة أو هذه الأرض ويعطيه من الثمن ألف ريال فيقول إن جئتك ببقية الثمن وإلا فهذا لك .
جائز ولا بأس به وقد ورد حديث في النهي والإباحة وهي غير ثابتة ، لكنه وارد عن الصحابة رضي الله عنهم ، كعمر رضي الله عنه أنه اشترى من صفوان داراً للسجن بملكه ودفع أربع مائة فإن جاء عمر بالباقي وإلا فلصفوان .
أنها مقابل حبس المبيع فإن المبيع سيكون محبوساً فترة من الزمن عن البيع والتصرف .
فيشتري أو يستأجر هذا البيت ويقول هذه ألف ريال إن جئتك بالباقي وإلا فهو لك ، فيكون هذا البيت محبوساً عن البيع والتأجير حتى يسدده البقية .
فهاتان المسألتان يستثنونهما من التعليق على شرط مستقبل ، وكما تقدم أن التعليق على شرط مستقبل أن هذا جائز ولا بأس به .
" ومن باع بشرط البراءة من كل عيب لم يبرأ "(1/54)
إذا باعه بشرط البراءة ، أبيعك السيارة بشرط أن تبرأني من كل عيب فيها ، أو مثل ما يفعلونه في بيوع المزايدة بعض العامة ، أبيعك السيارة على أنها وجملة كومة من حديد ، أبيعك هذا الحديد الذي تراه ، أو هذا البيت على أنه جملة من الإسمنت ، فهل يصح شرط البراءة من العيوب ؟
المؤلف رحمه الله : لا يصح لما فيه من الغش والتدليس .
استثنى المؤلف رحمه الله قال :
" مالم يعينه "
إذا عينه فهذا صحيح لأنه دخل على بصيرة ، قال : فيها العيب الفلاني ، صحيح دخل على بصيرة .
" أو يبرئه بعد البيع "
فبعد أن تم البيع قال فيها العيب الفلاني قال أبرأتك .
فإذا عينه أو أبرأه بعد البيع فهذا جائز ولا بأس به ، أما إذا عينه فالمشتري دخل على بصيرة ، وإذا أبرأه بعد البيع فقد أسقط حقه .
أما إذا لم يعين أو يبرئ ، قال : أبيعك هذه السيارة على أنها قطعة من الحديد أو هذا البيت على أنه قطعة من الإسمنت أو الثوب قطعة من القماش لا تطالبني بالعيوب التي فيه .
فما ذهب إليه المؤلف رحمه الله : أنه لا يصح ، والدليل ظاهر ، لما فيه من الغش والتدليس ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :( من غشنا فليس منا ) .
وثانياً : أنه أبرأه قبل أن يملك حق الإبراء لأنه لا يملك حق الإبراء إلا بعد العقد وهنا لم يتم العقد .
الرأي الثاني : التفصيل في هذه المسألة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : إن كان البائع يعلم أن فيها عيباً فإنه لا يبرأ ، وإن كان البائع يجهل لا يدري هو فيها عيباً أو ليس فيها عيباً فإنه يبرأ .
فالمرجع في ذلك إلى علم البائع وهو الأقرب ، وهو الوارد عن الصحابة رضي الله عنهم .
" وإن باع ثوباً ونحوه على أنه عشرة أذرع فبان أقل أو أكثر صح بقسطه "
ونحوه من المذروعات وهذا يحصل في بيع الأراضي ، يبيعه قطعة أرض على أنها ألف متر أو خمسمائة متر ثم تبين أنها ستمائة متر أو أنقص أربعمائة متر ، فما الحكم هنا ؟(1/55)
وصورة المسألة : باعه الأرض جملة لم يبيعه كل متر بخمسين ريال مثلاً ، فلو باعه كل متر بخمسين أو مائة ريال فالأمر ظاهر ، تحسب ويدفع الثمن .
لكن الآن باعه هذه القطعة من الأرض على أنها كذا وكذا من الأمتار بكذا من الدراهم ثم تبين أنها أقل أو أكثر فما الحكم ؟
الحكم : العقد صحيح .
ولهذا قال المؤلف رحمه الله : صح البيع .
أن الزيادة للبائع والنقص عليه ، فإذا باعه الأرض على أنها خمسمائة متر فتبين أنها ستمائة متر نقول المائة متر الزائدة للبائع ، والنقص عليه فلو باعها على أنها خمسمائة متر ثم تبين أنها أربعمائة متر ، نقول النقص عليه .
ويجب على المشتري أن يدفع قيمة الزائد ، مائة متر إن اختار الاستمرار في العقد ، فقال لن افسخ نقول ادفع قيمة المائة متر للبائع لأن البائع باعك على أنها خمسمائة متر وتبين أنها ستمائة ، ادفع قيمة هذه المائة بقسطه من الثمن ، ولنفرض أن الخمسمائة متر باعه على أن الخمسمائة بألف ريال ، ثم تبين أنها ستمائة متر المائة متر قيمتها مائتي ريال بقسطه من الثمن .
فالمائة متر إلى الخمسمائة تساوي الخمس فخمس الثمن يساوي مائتين ، نسبة زيادة الأمتار إلى الأمتار الحقيقية المباعة ثم ننسبه إلى الثمن فيكون قيمة الزائدة ، نقول له ادفع مائتين ريال ، قال لن أدفع ، نقول لك حق الفسخ ، تفسخ العقد وترد الأرض وتأخذ دراهمك فإذا قال أريد الاستمرار ، نقول لك أن تستمر وادفع قيمة الزائد ( بالقسط من الثمن ) .
مثله النقص يكون على المشتري ، نقول يجب على البائع أن يدفع قيمة الناقص مائة ناقص خمسمائة تساوي خمس ، خمس الألف يساوي مائتين ، فيدفع البائع مائتين للمشتري .
فنقول للبائع : أما أن تدفع الناقص ويلزم العقد ، وإلا تفسخ .
فإذا قال سأفسخ نقول لك حق الفسخ ورد الثمن للمشتري .
" ولمن جهل وفات غرضه الفسخ "(1/56)
إذا قال المشتري أنا سأفسخ بعد أن تبين أنها زائدة ولن أدفع قيمة المائتين ، نقول لك حق الفسخ ، لكن لو قال البائع : لك المائة الزائدة ولا تفسخ ، يلزم العقد ، والعكس بالعكس .
لو قال البائع لن أدفع قيمة النقص وأريد أن أفسخ ، قال المشتري أنا لا أريد النقص فإن العقد يلزم .
باب الخيار
... " الرابع : خيار التدليس كتسويد شعر "
هذا القسم الرابع من أقسام الخيارات 4- خيار التدليس .
التدليس : في اللغة مأخوذ من الدلسة وهي الظلمة.. لأن البائع جعل المشتري في ظلمة .. بتدليسه .
اصطلاحاً : ما يزيد به ثمن المبيع.. أي أن يفعل البائع بالسلعة ما يزيد به ثمن المبيع وليس كذلك * والتدليس قسمان :
أ) القسم الأول : تدليس المغيب: بأن يظهره صحيحا- وهذا يثبت به خيار العيب .
ب) القسم الثاني : التدليس بما يزيد به ثمن السلعة. كأن يظهر الجيد بصورة الأجود. والرديء بصورة الجيد... ومثل المؤلف أمثلة قال : التسويد شعر الجارية .. يجعل على شعر الجارية السواد لكي يوهم أنها صغيرة فيزيد الثمن لأنها إذا كانت كبيرة ينقص ثمنها..
"وتجعيدة " جعله جعداً.. والجعد : ضد السَّبط.. والسبط المسترسل.. فيجعله البائع غير مسترسل – لأنه إذا كان جعداً يدل على القوة - قوة البدن –
" وتصرية لبن في ضرع "
وتصرية اللبن في الضرع- أن يجمع اللبن في ضرع البهيمة بان يترك حلبها مدة .. فيجتمع اللبن فيظن المشتري أن هذا عادة – فيزيد في الثمن – ويتبين أنه ليس عادة .
" ونحوه "(1/57)
ونحو هذه الأشياء .. ومن الأمثلة الموجودة الآن.. * تغيير تاريخ السلعة.. هذه السلعة أنتجت في تاريخ كذا يؤخر تاريخ الإنتاج ؛ فيزيد الثمن * أو تغيير بلد إنتاج هذه السلعة.. فهذه السلعة أنتجت في هذا البلد الفلاني فيكتب عليها أنها أنتجت في البلد الفلاني ولا شك أن هذا يختلف عند الناس. لأن البلدان تختلف في قوة الإنتاج * أو يغير اسم المصنع الذي قام بصناعة هذه السلعة أو الشركة التي أنتجت هذه السلعة فتنتج هذه السلعة شركة فيجعل على هذه السلعة أن الذي أنتجها الشركة الفلانية من الشركات التي عرفت بجودة الإنتاج.. فهذا نوع من التدليس * ومثل ذلك في السيارات – السيارة قطعت كذا من الكيلوات فيدلس ويغير في العداد الذي يعد الكيلوات بحيث يظهر أن هذه السيارة لم تقطع إلا مسافة قليلة فهذا داخل في التدليس – المهم الصور في هذه كثيرة والضابط كما سلف.. أن يظهر الجيد بصورة الأجود ويظهر الرديء بصورة الجيد بما يزيد به الثمن . فهذا كله محرم ، فحكم التدليس محرم ولا يجوز لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الغش ففي الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(من غش فليس مني ) وحديث أبي هريرة في الصحيحين ( لا تصاروا الإبل والغنم فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعاً من تمر ) فقال - صلى الله عليه وسلم - (لا تصاروا ) وهذا نهي والنهي يقتضي التحريم (فٍإذا ثبت التدليس) فالمشتري له الخيار.. سواء كان التدليس في السلعة فيثبت الخيار للمشتري – أو كان التدليس في الثمن فيثبت الخيار للبائع.
وخيار التدليس على التراخي.. متى علم من دُلِّس عليه أنه دلس عليه فإن له حق الفسخ.. فهو على التراضي قبل العلم.. لكن بعد العلم _ يجب عليه أن يبادر إما بالإمضاء أو الفسخ.. فحينئذ يكون له قسمان :
1) على التراضي ما لم يعلم .(1/58)
2) بعد العلم يجب عليه أن يبادر وليس له أن يتراخى لأنه إذا تراخى يكون فيه مضرة على البائع.
" ويرد مع مصراة بدل اللبن صاع تمر "
المصراة يردها إذا تبين له التصرية – فإنه يرد البهيمة المصراة وبدل الحليب الذي حلبه .. يرد بدله صاعاً من تمر .. هكذا قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - دفعاً للخلاف والنزاع * وعلى هذا لو أن المشتري رد المصراة ورد معها الحليب الذي حلبه.. فإن قبله البائع فذاك وإن رده البائع فيلزم بما حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو صاع من تمر - * لو قال البائع: رد الحليب وقال المشتري: لا أرد الحليب.. أرد صاعاً من تمر نقول يرد صاع من تمر – لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم بذلك* المهم:مع الخلاف القول قول من حكم له النبي - صلى الله عليه وسلم - * وبدون خلاف إذا تراضيا على شيء فالأمر إليهما، لو تراضيا أن يرد اللبن فالحمد لله * لم يتراضيا على ذلك .. نقول: القول من حكم له النبي - صلى الله عليه وسلم - * واختيار شيخ الإسلام .. قال يرد صاع من تمر .. قال: لو رد صاعاً من غالب قوت البلد فإنه مجزئ لأن التمر هو القوت في ذلك الزمن أو من الأقوات في ذلك الزمن .
... " الخامس : خيار العيب وهو ما نقص قيمة المبيع "
القسم الخامس من الخيارات 5- خيار العيب.
العيب في اللغة : النقص ، وفي الاصطلاح: فعرفة المؤلف رحمه الله، بأنه ما نقص قيمة المبيع ... (عرفاً ).
والرأي الثاني : ما نقص القيمة، أو العين ، هذا داخل في العيب.. والعيب في السلعة محرم ولا يجوز.. وتقدم قوله - صلى الله عليه وسلم - (من غش فليس مني – فليس منا)
... " كمرضه "
وهنا ذكر المؤلف أمثلة – والصواب في ذلك أنه يرجع إلى العرف .
عرف الناس – فما تعارف الناس على انه ينقص القيمة . كما ذكر المؤلف رحمه الله .. فإنه يكون عيباً وإن كان شيئاً يسيراً لا ينقص القيمة – حسب ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله – لا يكون عيباً.. وما ذكره أمثلة.(1/59)
*- والأمثلة تختلف .. ومثل المؤلف... بزيادة عضو وهذا في الرفيق. وكان هذا في الزمن الأول ، لما كانت تجارة الرقيق سارية، أما الآن ممكن أن يمثل بشيء آخر من الأمثلة .
" كمرضه وزيادة عضو أو سن أو فقدهما وحول وقرع وعثرة مركوب وزنا من له عشر وسرقته وإباقة وبوله في فراشه ونحوه "
.. إلى آخره.
هذه أمثلة ، ومثله لو مثل الكتاب * لو اشترى الكتاب يجد فيه سقط ورقة – طمس صفحة – أو بعض صفحة ... إلخ. نقول هذا عيب * ومثله السيارة إذا اشترى السيارة فوجد خللاً في محركاتها ونحو ذلك تقول: إن هذا عيب..* ومثله السيارة إذا اشترى السيارة فوجد خللاً في محركاتها ونحو ذلك نقول: إن هذا عيب...
... " فإذا علمه مشتر خير بين إمساك مع أرش أو رد وأخذ ما دفع من ثمن "
إذا علمه المشتري نقول أيها المشتري أنت بالخيار إما أن ترد السلعة- وتأخذ ما دفعت من الثمن وإما أن تمسك السلعة وتأخذ الأرش والأرش هو قسط ما بين قيمة الصحة والفساد وكيفية إخراج الأرش.. عندنا ثمن وعندنا قيمة .. الثمن هو ما جرى عليه العقد واتفق عليه المتعاقدان * والقيمة هي ماتساويه السلعة في عرف التجار * فعندنا ثمن وعندنا قيمة فكيف نخرج الأرش نقول/ ننظر إلى القيمة .. قيمة السلعة صحيحة.. ثم ننظر إلى قيمتها معيبة ثم نخرج الفرق بين قيمة الصحة وقيمة العيب ثم ننسب هذا الفرق إلى قيمة الصحة ويكون الأرش / هو مقدار تلك النسبة من الثمن وليس من القيمة . مثاله/ رجل اشترى سيارة بـ(50)ألف ريال (هذا الثمن) ثم وجدها معيبة. نقول / كم تساوي صحيحة وكم تساوي معيبة .. الثمن (50) ألف صحيحة/ تساوي (40)ألف معيبة تساوي (30) ألف الفرق بينهما (10) آلاف انسب العشرة إلى قيمة الصحة يساوي ربع يكون الأرش ربع الـ (50) ألف = 12500 ريال.(1/60)
وعلى هذا ففي مثال آخر اشترى كتاب بـ(15) ريال وجده معيباً-كم قيمته صحيحاً قالوا قيمته (10) كم قيمته معيباً قال (8) بين الصحة والفساد (2) انسب (2) إلى القيمة الصحية 2 -10 = خمس انسب الخمس إلى الثمن خمس – 15 = يكون الأرش (3) ريال . فنقول أنت مخير أيها المشتري .
2)* والرأي الثاني .. أن المشتري ليس مخيراً.. ليس له أن يأخذ الأرش.. إلا إذا رضي البائع .. فله ذلك وإلا للبائع أن يأخذ سلعته ويرد الثمن..
والصواب في هذه المسألة .. ننظر .. إن كان البائع غش ودلس.. فإننا نعامله بأضيق الأمرين.. فنقول للمشتري أنت بالخيار إما أن ترد وتأخذ الثمن وإما أن تمسك وتأخذ الأرش.. وإذا لم يغش ولم يدلس ؛ فلا يلزم بالأرش .. نقول رد الثمن على المشتري وخذ السلعة – وهذا ظاهر كلام المؤلف إن الأرش يثبت في خيار العيب ولا يثبت في خيار التدليس ولا خيار الغبن .. فلو وجد أنه مغبون يربع القيمة أو يخمسها.. أو دلس عليه.. لا يثبت له أرش ..
والصواب / القاعدة كما تقدم ..
أنه إن غش أو دلس البائع فإنه نعامله بأضيق الأمرين، نقول: إن كان غاشا أو مدلس يثبت الأرش للمشتري حتى في خيار الغبن / أعطه مقدار ما غبنته – للمشتري أن يمسك ويعطيه مقدار ما غبنته .. وفي التدليس مقدار ما دلس عليك .
" وإن تلف أو عتق تعين أرش "
يعني إن تلف المعيب . مثاله: إن رجلاً اشترى سيارة ثم تلفت هذه السيارة باحتراق أو حادث – ثم تبين أن فيها عيب . نقول: المشتري هنا لا يتمكن أن يرد السيارة فيثبت له الأرش . أو مثلاً اشترى برا ً ثم أكل البر ثم تبين أن هذا البر معيب. نقول : يثبت له الأرش لأنه لا يتمكن من رده.
" أو عتق "
أيضاً اشترى رقيقاً ثم أعتقه ثم تبين أنه معيب. نقول : يثبت له الأرش . أو اشترى سيارة ثم جعلها وقفاً على طلاب العلم أو باعها ثم تبين له انها معيبة نقول : يثبت له الأرش.. فنقول يثبت الأرش في صور أو يتعين الأرش في صور :(1/61)
الصورة الأولى/ إذا نقل الملك المشتري في السلعة .
الصورة الثانية/ إذا تلف المبيع يتعين الأرش
الصورة الثالثة/ إذا استهلكه ففي هذه الصور يثبت الأرش – وفيه صورة اختلف فيها العلماء وهي ما إذا علم في السلعة عيباً ثم لم يفسخ . نحن نقول الفسخ ينقسم إلى قسمين :
1) القسم الأول قبل العلم . هذا على التراخي ، فقبل أن يعلم فهذا على التراخي – متى ما علم فإنه يفسخ .
2) القسم الثاني بعد العلم هل هو على التراخي أو على الفور ؟
الصحيح أنه على الفور. هذا رجل علم أن السيارة معيبة واستعملها ،ولم يبادر بالفسخ ، ونحن نقول يجب أن تبادر بالفسخ – المذهب/ لا يجب أن تبادر بالفسخ لكن لا تستعملها – فلو علمت أن السيارة معيبة وركنتها يوماً أو يومين يجوز لك أن تفسخ - لكن هذا ليس صواباً.. الصواب : كما هو مذهب الشافعية / إنك متى علمت بالعيب تبادر بالفسخ. فهذا رجل علم أن السيارة معيبة . نقول له : لك حق الفسخ ثم بعد ذلك استخدمها . نقول له.. ليس الآن لك حق الفسخ . لكن هل له حق الأرش أو يسقط الأرش .. موضع خلاف .
1) بعض العلماء يقولون سقط الأرش لأن استعماله لها دليل على الرضا
2) والرأي الثاني: إن الأرش لا يسقط – يسقط الفسخ.. أما الأرش فإنه لا يسقط .
والأقرب : إن الأرش يسقط إلا إذا كان البائع قد غش ودلس فإنه لا يسقط.
" وإن تعيب عند مشتر أو اشترى جوز هند أو بيض نعام فكسره فوجده فاسداً ، فإن أمسكه فله أرشه ، وإن رده رد معه أرش عيبه أو كسره "
(أو اشترى جوزهند ) .. هنا لما ذكر المؤلف إنه يرد العين ويأخذ الأرش .. ذكر مسألة وهي تتعلق بكسر المبيع.. فالآن إذا كسر المبيع فوعاء المبيع قد يكون له ثمن – وقد لا يكون له ثمن * فالمبيع لا يعلم ما فيه جوفه إلا بكسره – فكسره المشتري ، هذا الكسر ينقسم إلى قسمين :(1/62)
1) القسم الأول أن يكون وعاء المبيع له ثمن.. ويكسره المشتري كسراً يتلفه ، فهذا يرد المشتري أرش الكسر . * ومثل المؤلف ببيض النعام وجوز الهند ، فبيض النعام لا تعرف ما بداخله حتى تفتحه.. لكن بيض النعام .. يستفاد من وعائه لقوته كوعاء حفظ الأشياء. المشتري كسر بيضة النعام كسراً بحيث أنه يتلف هذا الوعاء فوجد البيضة فاسدة.. فرد البيضة إلى البائع لا بأس لكن عليك أرش الكسر لأن هذا الوعاء له قيمة ، لماذا تتلف الوعاء ؟
فالبائع يملك أن يطالبك بقيمة الوعاء. * ومثله/ بعض الأطعمة التي توجد في بعض الزجاجات.. هذه الزجاجة لها قيمة فأنت إذا كسرتها كسراً ؛ للبائع أن يطالبك بقيمة هذا الوعاء ، وإن كسره كسراً لا تزول معه ثمنية ليس عليه شيء ، جاء لبيضة النعام وقصها قصاً ولم يتلفها إتلافاً.. بحيث يستفاد منها بعد ذلك فوجد ما بداخلها فاسد فإنه يردها ويأخذ الثمن أو الأرش.. لكن هل يطالبه البائع بقيمة الفتح أو لا يطالبه؟ لماذا؟ لأنه لم يتلف هذا الوعاء.
2) القسم الثاني : أن يكون الوعاء ليس له ثمن وهذا غالب الأوعية في الأطعمة فهذه العلب ونحو ذلك ترمى.. الناس لا يحتاجونها.. فلو فتحت من وسطه لم يفتحه من الأعلى .. ثم وجد ما بداخله فاسداً .
س/ فهل يطالب البائع بقيمة الوعاء .. العلبة (العلبة) أو لا يطالبه ؟
لا يطالبه وقد مثل المؤلف ببيض الدجاج .
" بخلاف نحو بيض دجاج يجده فاسداً فيرجع بكل ثمنه "
يعني / إن البائع لا يطالبه .. بقيمة قشور البيض لماذا ؟ لأنها ترمى الناس لا يحتاجونها.
ومثله / هذه العلب التي كثيراً ما تحفظ فيها الأطعمة وهذه ترمى فلو فتحها من المنتصف ،نقول لا شيء على البائع.
" وخياره متراخ "
(يعني خيار العيب)
" مالم يوجد دليل رضاه "
وقلنا التراخي قسمان :(1/63)
1) التراخي إلى العلم بالعيب .. فهذا على التراخي .. فلو أنه اشترى الكتاب وجلس عنده الكتاب شهر .. ما علم أن فيه طمس وبعد شهر أو شهرين- أو سنة أو سنتين – تبين أن فيه طمساً – له الخيار أو ليس الخيار.. له الخيار .
2) القسم الثاني /التراخي بعد العلم .
أ) المذهب/ له أن يتراخى بعد أن يعلم – فلو لم يرد الكتاب إلا بعد يوم أو يومين أو ثلاثة جاز لكن لا يستعمله لأنه إذا استعمله دليل على الرضا .. يحفظه .
ب) الرأي الثاني .. الشافعية يجب عليه أن يبادر برده وهو الصواب . فلو قلنا لا يجب أن يبادر بردة لتضرر البائع.
" ولا يفتقر إلى حكم ولا رضى رفيقه "
إذا فسخ في خيار العيب لا يفتقر إلى القاضي في المحكمة فيذهب إلى القاضي ولا يفتقر أيضاً إلى رضا رفيقه . المشتري فسخ وإن سخط البائع – نقول هذا ليس شرطاً.
قال المؤلف – في خيار العيب ( ولا يفتقر إلى حكم ولا رضى رفيقه الذي لا يفتقر إلى حكم القاضي .. فإذا وجد المشتري في السلعة عيبا أو البائع في الثمن عيباً ؛ فله حق الفسخ – ولا حاجة أن يفسخ الحاكم، و( ولا رضى رفيقه) .. أيضاً لو سخط رفيقه كما لو سخط البائع عند فسخ المشتري – فإن هذا السخط لا أثر له .. وله حق الفسخ ولو لم يرض الآخر، (وحضوره) ليس شرطا.. فله حق الفسخ ولو كان الآخر غائبا.
" وإن اختلفا عند من حدث العيب "
إذا اختلف المتعاقدان عند من حصل العيب ، فهذا له ثلاثة أقسام :
1)القسم الأول/ ألا يحتمل إلا قول البائع .. تقول إن القول قوله..(1/64)
مثاله: اشترى سيارة وهذه السيارة الزجاج الأمامي مكسور، فاختلفا عند من حدث البيع ،قال البائع: حدث عند المشتري ، وقال المشتري حدث عند البائع . نقول : هذا لا يحتمل إلا قول البائع.. لأن العيب ظاهر ،المشتري يرى العيب إما إنه دخل على بصيرة وإلا إن الكسر حصل عنده. ومثله/ اشترى البهيمة ثم بعد ذلك جاء بها المشتري وهي تثعب دماً، فيها قطع.. فقال المشتري / حصل عندك.. وقال البائع/ حصل عندك. فالقول قول البائع ، لا يحتمل إلا قول البائع – لأن كون الجرح طريا يدل على أن القول قول البائع وإن هذا الجرح حادث وقريب.
2) القسم الثاني: ألا يحتمل إلا قول المشتري .. نقول إن القول قوله. مثاله / لو اشترى كتاباً فوجد فيه طمساً – فاختلف عند من حدث العيب – فهنا الخلاف لا يحتمل إلا قول المشتري ؛ لأن كون الصفحة مطموسة هذا لا يحدث عند المشتري وإنما من أصل الطباعة .
3) القسم الثالث: أن يحتمل حدوث العيب عند كل واحد منهما.
مثاله/ وجد في الكتاب صفحة مقطوعة .. يحتمل القطع عند المشتري ويحتمل حدث عند البائع ، فمن القول قوله ؟
" وإن اختلفا عند من حدث العيب مع احتمالٍ فقول مشترٍ بيمينه ، فإن لم يحتمل إلا قول أحدهما قُبل بلا يمين "
يقول المؤلف : إذا كان العيب يحتمل حدوثه عند البائع وعند المشتري فالقول قول المشتري بيمينه .
والعلة في ذلك / أن الأصل عدم القبض في الجزء الغائب والجزء الغائب هو المعيب . فمثلاً هذه الصفحة ساقطة الأصل لم يقبض هذه الصفحة التي سقطت فيكون القول قول المشتري بيمينه.(1/65)
2) القول الثاني/ إن القول قول البائع / لأن الأصل السلامة – سلامة المبيع/ والأقرب في هذا أن يقال/ ينظر إلى القرائن والبينات فإن كان هناك بينات أو قرائن تعضد قول أحدهما يرجع إليها فإن لم يكن ؛ فقول البائع أقرب من قول المشتري لأن البائع والمشتري كل منهما يتمسك بأصل – فالبائع يتمسك بأصل السلامة.. ولمشتري يتمسك بأصل القبض – وأصل البائع أقوى من أصل المشتري فأصل السلامة أقوى من أصل عدم القبض. بل الأصل القبض ما دام أنه أقبضه ا لسلعة وكونه تخلف شيء من هذه السلعة يحتاج إلى بينة؛ فنقول جانب البائع يترجح إذا كان يحتمل قول كل منهما قول البائع ونقول المشتري قول
1) إن كان هناك قرائن وبينات تعضد قول أحدهما يرجع إليه
2) لم يكن هناك شيء من البينات والقرائن يقدم قول البائع بيمينه ؛ لأنه وإن كان كل منهما يتمسك بأصل إلا أن أصل البائع أقوى من أصل المشتري .
" السادس : خيار في البيع بتخيير الثمن إذا اشتراه من لا تقبل شهادته له "
هذا القسم السادس من أقسام الخيارات .
6- خيار التخير بالثمن ..
أن يخبر البائع المشتري بالثمن ثم يتبين أن الثمن أنقص مما أخبر به البائع . نقول : يثبت الخيار للمشتري وخيار التخيير بالثمن له صور :
الصورة الأولى / أن يخبره بالثمن ثم يتبين كذب البائع .. نقول، يثبت الخيار للمشتري .
مثاله / قال اشتريته بـ(10) البائع يقول للمشتري ثم يتبين أنه اشتراه بـ (9) وأنه كاذب في ذلك ؛ فنقول / الخيار يثبت للمشتري.
الصورة الثانية / أن يخبره بالثمن ويصدقه في ذلك لكن يتبين أنه اشتراه كما قال المؤلف : ممن لا تقبل شهادته له كأبيه وابنه وزوجته , ولم يبين ذلك للمشتري فيثبت له الخيار .(1/66)
مثاله / يبيع عليك السيارة بما اشتريتها به/ بكم اشتريتها قال بـ(10) آلاف – فالمشتري يقبل إذا كان برأس المال؛ لأنه عرف أنه لم يربح عليه فهو كاسب لكن يتبين أن البائع صادق – اشتراها بـ(10) آلاف ولم يكذب لكنه اشتراها/ ممن لا تقبل شهادته له(ولم يبين ذلك للمشتري _ فالمشتري له حق الخيار/ لماذا له حق الخيار مع أن البائع صادق ؟
لأنه قد يحابيه فتكن السلعة قيمتها (9) ويحابي أباه يزيده فيشتريها منه بـ (10) فيقول للمشتري اشتريتها بعشرة – لكنه لو بين وقال إنه اشتراها من ابنه أو أبيه دخل المشتري على بصيرة ، لكن كونه يقول اشتريت بـ(10) وأبيع عليك بـ (10) ثم يتبين أنه اشتراها من ابنه ربما أنه قد حابى ابنه – فالسلعة قد تكون قيمتها (9) ويحابي ابنه ويزيده (10) ثم يقول للمشتري أبيعك برأس مالي الذي اشتريت به – ولم يبين للمشتري فيثبت حق الخيار للمشتري / والصواب في هذه المسألة أن ينظر – إذا كانت العلة هي المحاباة – أن ينظر – هل هناك محاباة أو ليس هناك محاباة . إذا كان الشراء وقع بثمن المثل فالعقد صحيح – ولا يثبت حق الخيار – وإذا كان البائع قد حابى من اشتراها منه – من أبيه وابنه- فنقول: حق الخيار ثابت للمشتري .
الصورة الثالثة: قال المؤلف :
" أو بأكثر من ثمنه حيلة "
قال اشتريت برأس مالي قال رأس مالي (10) آلاف ريال- وهو صادق أن رأس المال (10) ولكن فعل ذلك تحيلاً على من يشتري منه بأن يتفق مع أحدٍ من الناس .. ويقول: السلعة قيمتها (9) وأشتريها منك بـ(10) ويعني صورة العقد بـ(10) وفي الباطن (9) والزيادة سنكون شركاء فيها ، فإذا جاء مشترٍ قال اشتريت منك بـ(10)،وهو في الظاهر اشترى بـ(10) وباطناً (9) تحيلاً.(1/67)
يقول المشتري : بعني .. قال أبيعك برأس مالي وبما اشتريت به – المشتري – يقوم – لأنه يعلم أن هذا الذي باع عليه لم يربح عليه ،ثم يتبين أنه قد تحيل عليه ، وزاد عند الشراء في ثمنها – تحيلاً على من اشترى منه.. فهو يتفق مع صاحب سلعة على أن يشتري هذه السلعة في الباطن بـ(كذا) وفي الظاهر بزيادة ويعقدان على أن ثمنها كذا وكذا ، ثم يذهب ويبيعها برأس المال ثم يتبين للمشتري أن هذا تحايل عليه ،وأنه قد اتفق مع شخص على أن يكون هناك زيادة وهو في الظاهر عقد على (10) آلاف ريال ويقول : أبيعك برأس المال (10) لكنه زاد تحيلاً .. نقول ما دام أن ذلك عن طريق الحيلة هذا محرم ولا يجوز ويثبت الخيار للمشتري .
الصورة الرابعة : قال المؤلف :
" أو لرغبة تخصه "
قال أبيعك الأرض برأس مالي ، كم (10) آلاف وهو صادق لكنه اشترى هذه الأرض لكونها قريباً من بيته – فهو يرغب فيها – وإذا كان الشخص يرغب في الشيء يزيد في سعره – فكونه يزيد في السعر ولم يبين ذلك للمشتري يثبت الخيار للمشتري ؛ لأن المشتري حصل له تغرير.. فإذا قال له أبيعك تولية ( يعني برأس المال) لكنه يوم اشتراها لرغبته بها ولا شك إذا رغب في الشيء يزيد في السعر فلابد أن يبين لمن اشتراها منه أنه قد زاد في سعرها مقابل الرغبة التي حدثت عنده – فما دام أنه لم يبين فيثبت للمشتري الخيار .
" أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن ونحوه ولم يبين ذلك في إخباره بثمنه فلمشتر الخيار بين رد وإمساك "(1/68)
هذه الصورة الخامسة ، الصورة الخامسة / أن يبيع ببعض الصفقة بقسطها من الثمن .. ولم يبين ذلك للمشتري .. نقول يثبت له الخيار.. مثال ذلك: اشترى كتباً مختلفة ثم باع نصف هذه الكتب المختلفة.. وابقى النصف الآخر .. اشتراها بـ(10) آلاف ريال.. باع النصف الأول وبقي النصف الأخير وجاء رجل وقال : بعني هذه الكتب – قال : أبيعك هذه الكتب برأس مالي – رأس ماله (5000) ريال ويشتريها إذا قال برأس مالي .. ثم يتبين للمشتري أن البائع .. قد باع النصف الأول ولا ندري بكم باع النصف الأول ولم يبين له أنه باع النصف الأول .. نقول : يثبت له الخيار، لماذا يثبت له الخيار ؟
لأن النصف الأول الذي بيع قد تكون الرغبة فيه أكثر فلابد أن يبين هذا .
*- لماذا احتاط الفقهاء في هذه المسائل ؟
حينما يقول البائع للمشتري – بعتك تولية (برأس المال) بالثمن الذي اشتريت به... لابد أن يكون البائع صادقاً من جميع الجهات ولابد أن يبين الأمر من جميع الجهات .. لماذا ؟ لأن المشتري إذا قيل له برأس المال.. سيقدم .. لأنه علم الآن أن البائع ما ربح عليه وأنه كاسب. فإذا تبين أنه اشترى من أبيه ، اشتراها رغبة ، اشتراها حيلة ، باع بعض المبيع وقد يكون الذي باعه ثمنه أكثر * وإن كان الباقي النصف قد يكون ثمنه نقص الآن فلابد أن يبين ذلك * وهذا كما ذكرنا . حينما يقول بعتك ، برأس مالي ، تولية ... * أما لو قال بعتك السيارة ولم يقل برأس مالي ثم تبين للمشتري أنه اشتراها من أبيه ، أخيه ، أو لرغبة، هل له حق الفسخ ؟
ليس له حق الفسخ . المهم / إذا حصل التخيير بالثمن – قال برأس مالي ، اشتريتها بكذا ، ثم تبين أنه كذب ونحو ذلك فهذا يثبت الخيار.
" وأما بيع المرابحة "
* بيع المرابحة : هي أن يبيعه برأس ماله وربح معلوم
" ونحوه "
كبيع المواضعة وهي أن يبيعه برأس ماله وخسارة معلومة * (والتولية) هي أن يبيعه برأس ماله ( والشركة ) هي أن يبيعه بعضه بقسطه من الثمن .(1/69)
*- بيع المرابحة : أن يقول بعتك السيارة بنصف مالي ولي ربح (100)ريال كم رأس مالك ؟ قال:(10) آلاف ريال ( 100) ريال ربح أعطني (10) و(100) ريال .. ثم يتبين للمشتري أن البائع قد كذب وأن رأس ماله (9) آلاف فما الحكم ؟
قال المؤلف :
" إذا بان خلاف إخباره سقط زائد "
نقول للمشتري / يسقط عن المشتري الزائد الذي زاده البائع.. كم الزائد الذي زاده البائع في إخباره (1000) ريال * وفي المرابحة.. قال بعتك برأس مالي (10) آلاف ولي ربح (100) ثم يتبين أن رأس ماله تسعة – المؤلف: ( يسقط عنه الزائد ) كم الزائد (1000) ريال .
والصواب في ذلك – كما سلف – ( ذكرنا القاعدة إنه إذا غش أو دلس نعامله بأضيق الأمرين ) فنقول للمشتري أنت بالخيار إما أن تأخذ الزائد الذي زاد عليك – يسقط عنك – وإما أن تفسخ هذا في بيع في بيع المرابحة.
*- بيع المواضعة / هي البيع برأس المال وخسارة معلومة .. يقول أبيعك برأس مالي وخسارة (1000) – كم رأس مالك ؟ قال (10) آلاف أعطني (9) آلاف – ثم يتبين أن رأس ماله (9) آلاف وليس (10) آلاف ؛ نقول يسقط عن المشتري الزائد
والصواب /أنه غش ودلس يعامل بأضيق الأمرين.
3) الصورة الثالثة : ( التولية) : وهي أن يبيعه برأس ماله – فمثلاً يقول : بعتك السيارة برأس مالي – كم رأس مالك – قال : (10) آلاف ثم يتبين أن رأس ماله (9) آلاف .. نقول كما سلف .
4) الصورة الرابعة : الشركة.. يقول أنا اشتريت هذه البضاعة بـ(10) آلاف أبيعك نصفها برأس مالي – رأس مالي (10) آلاف أعطني (5) ثم يتبين أن رأس ماله (9) – كم يرد عليه – (5000) ريال لأنه اشترى النصف ؛ ولهذا قال المؤلف: ( إذا بان بخلاف إخباره سقط زائد )
" وقسطه من ربح "
ويسقط قسطه وأخذه مشتر بالباقي.
" وأخذه مشتر بالباقي "
يعني أخذ المشتري المبيع بالباقي من الثمن .
" وأُجِّل في مؤَجَّلٍ ولا خيار "(1/70)
صورة المسألة : قال بعتك برأس مالي (10) آلاف ثم تبين أنه صادق لكنه اشترى بثمن مؤجل ليس حالاً – وإذا اشترى بثمن مؤجل يكون فيه زيادة والواجب أن يبين هذا – فلما تبين أن هناك تأجيل ؛ يقول المؤلف: (نقول للمشتري الـ(10) آلاف كما أنه اشترى بالمؤجل أيضاً أنت تعطيه بالمؤجل فيبقى الثمن مؤجلاً على البائع – يعني المشتري يدفع الثمن مؤجلاً على البائع .. كما أنه اشترى بالمؤجل ولهذا قال المؤلف (وأجل في مؤجل ولإخبار ) يعني لا يثبت له الخيار .. يعني في هذه الصور .. في بيع.
التولية * والمرابحة * والمواضعة * والشركة * والتأجيل .
تسقط الزائد في بيع التولية والمواضعة والمرابحة والشركة كما تقدم وتؤجل / كما ذكرنا في القاعدة { إن غش أو دلس نعامله بأضيق الأمرين }
" وما يزاد في ثمن أو مثمن أو خيار زمن الخيارين "
( ما يزاد في ثمن أو مثمن في زمن الخيارين ) .. هذا يجب أن يخبر به مثاله/ اشترى السيارة بـ (10) آلاف .. وهي في مجلس العقد قال البائع ما يكفي (10) لا يكفي إلا (11) وهي في مجلس العقد – البائع يملك الفسخ فقال المشتري رضيت بـ(11) المشتري الآن قبض السيارة وأراد أن يبيعها، هل يقول المشتري إذا أراد أن يبيع تولية برأس المال بـ(10) أو بـ(11) يقول بـ(11) ما دام إنه في زمن الخيارين أو زمن الخيار يقول بـ(11) لأنه الآن التزم بـ (11) ألف ريال –قال المؤلف : ( أو خيار )
أيضاً لو كان الخيار للبائع .. قال البائع بعتك السيارة بـ (10) آلاف ولي الخيار لمدة يومين . بعد أن مضى يوم قال البائع : لا تكفي الـ(10) لابد أن تدفع (11) ، قال المشتري رضيت بـ (11) ، إذا أراد أن يبيع لمشتري تولية .. برأس المال.. رأس ماله (11) ما دام في زمن الخيارين.(1/71)
عكس الزيادة والنقص .. لو أنه اشترى السيارة بـ(10) ثم قال المشتري الـ(10) كثيرة قال البائع نجعلها بـ(9) فأخذها بـ(9) إذا أراد المشتري أن يبيع تولية و شركة أو مواضعة .. هل يقول بـ(9) أو يقول بـ(10).. نقول يجب أن يخبر بالحال بـ(9) ما دام أنه قبل لزوم العقد .. يخبر يجب عليه أن يخبر بالحال ... مثله .
" أو يؤخذ أرشاً لعيب أو جناية عليه يلحق بعقد أو يخبر به "
هذا يجب أن يخبر به .
اشترى السيارة بـ(10) آلاف وهي معيبة .. وأخذ (1000) ريال مقابل الأرش – إذا أراد أن يبيع تولية برأس المال ، جاء رجل وقال أبيعك برأس مالي ،هل يقول بـ(10) ويسكت أو يبين أنه أخذ (1000) على العيب ؟
يجب أن يبين لأن العيب بمنزلة الفائت فهذا لابد أن يبينه أو أن السيارة صدمت –اشتراها بـ (10) وصدمت وأخذ قيمة الصدمة الحاديث (2000) ريال ثم باعها برأس المال (10) عندما يبيع برأس المال يقول بعتك برأس المال ولقد اشتريتها بـ(10) لابد أن يبين أنه جرى عليها حادث وأخذ مقابل الحادث (2000) ريال – لأن المشتري إذا قال اشتريتها برأس المال يظن أن البائع اشتراها بـ(10) وعليها هذا العيب (الجناية) فلابد أن يبين .
*- ما كان بعد العقد .. لا يجب أن يبين لكن لو أخبر لكان أحسن.
مثاله / اشترى السيارة بـ (10) وتم العقد وتفرقا لما أراد أن يسدد المشتري قال البائع (يكفي (9) أعطني الـ(9) ) ،إذا أراد المشتري أن يبيع تولية برأس المال هل يقول بـ(9) أو بـ(10) يقول بـ(10) لأنه صحيح اشتري بـ (10) وكونه أسقط عنه (1000) ريال هذا إحسان منه، بعد تمام العقد والعكس أيضاً . لو أن المشتري اشترى السيارة بـ(10) ولزم العقد ولما أراد أن يسدد زاد البائع وقال خذ (11) ألف .. إذا أراد أن يبيع المشتري تولية برأس المال هل يقول بعتك بـ(11) أو بـ(10) يقول بـ(10) لأنه هذا الذي لزم عليه العقد وكونه زاده هذا إحسان وتبرع منه.
ولهذا قال المؤلف:(1/72)
" وإن أخبر بالحال فحسن لا نماء ونحوه "
يعني نماء المبيع – هذا لا يجب أن يخبر به.
مثلاً/ اشترى الشاة بـ(500) ريال ،وحلبها ثم أراد أن يبيعها تولية برأس المال – أو مواضعة أو شركة أو مرابحة كما في الصور التي ذكرناها..
بعتك برأس مالي ..(500) ريال هل يجب أن يقول لو حلبتها (3) أيام أو لا يجب أن يخبر .. لا يجب أن يخبر بذلك فهذه أمور معتادة معروفة.
" السابع إذا اختلف البيعان في ثمن ولا بينة تحالفا ثم لكل فسخه إن لم يرض أحدهما بقول الآخر "
... هذا هو القسم السابع من أقسام الخيارات وهو فيما إذا حصل خلاف بين المتبايعين – والخلاف بين المتبايعين له صور:
الصورة الأولى- قال المؤلف (في ثمن ..) اختلف في الثمن قال البائع بعته بـ(100) وقال المشتري اشتريته بـ(80).. فما الحكم؟ العلماء لهم أقوال في هذه المسألة :
الرأي الأول : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله قال ( وبينة تحالف.. ) إن كان هناك بينة يرجع إلى البينة – لكن إذا لم يكن بينة .. فإنهما يتحالفان ، ولابد في التحالف من أمرين : الأمر الأول/ أن يبدأ البائع . والأمر الثاني / أن يجمع كل واحد منهما في حلفه بين الإثبات والنفي- فيبدأ البائع ويقول والله ما بعته بـ (80) وإنما بعته بـ(100) ثم بعد ذلك المشتري يقول والله ما اشتريته بـ(100) وإنما اشتريته بـ(80).. إذا حصل ذلك.. يقول المؤلف (ثم لكل فسخه إذا لم يرض بقول الآخر).
بعد التحالف/ كل منهما بالخيار له الفسخ وإن رضي البائع بعد التحالف قال أنا أرضى بـ(80) فإنه يلزم أو رضي المشتري قال أرضى أن يكون بـ100) فإنه يلزم –
... هذا ما ذهب إليه المؤلف/ أنهما يتحالفان.(1/73)
والرأي الثاني : أن القول قول البائع لحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:( إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بينة فالقول ما يقول رب السلعة ) وهذا ظاهر فنقول : القول قول البائع وهذا القول هو الأقرب لدلالة الحديث وهو صريح في هذا .
" وإن اختلفا في صفته "
هذه الصورة الثانية من صور الاختلاف .
2- الصورة الثانية : أن يختلفا في صفة الثمن .
مثاله/ قال البائع بعته بريالات سعودية وقال المشتري بعته بجنيهات مصرية .
من القول قوله – أو قال البائع بعته بذهب ، قال المشتري اشتريته بفضة..
" أخذ نقد البلد "
لأن الأخذ بنقد البلد قرينة ظاهرة على صدق مدعي نقد البلد.. فإذا كان نقد البلد ريالات.. فكونه يباع بالريالات هذه قرينة على صدق مدعي نقد البلد ؛لأن الناس يتعاملون بنقد البلد
"ثم غالبه ثم الوسط "
يعني.. إذا اختلفا في صفة المثمن .. نأخذ بنقد البلد فالذي يدعي نقد البلد يكون القول قوله..
*- إذا تعددت النقود في البلد.. مثلاً أهل البلد يتعاملون بعدة نقود .
المؤلف/ نأخذ بالغالب.. فمثلاً إذا كانوا يتعاملون بالريالات والجنيهات،والغالب الريالات نأخذ بالريالات.
قال: ( ثم غالبه ...) يعني الغالب رواجاً؛ لأن الغالب أن العقد وقع به .
قال: ( ثم الوسط) .. يعني إذا كان أهل البلد يتعاملون بعدة نقود . وهذه النقود متساوية في الرواج . المؤلف: (نأخذ بالوسط).. لأن الوسط عدل بين المتعاقدين .(1/74)
*- إذا كان في البلد النفد الفلاني والنقد الفلاني والنقد الفلاني وكلها يتبايعون فيها لكن هذه النقود مختلفة القيمة . المؤلف: (تأخذ بالوسط) لأن الوسط تسوية بين حقيهما ، وعدل بينهما. الظاهر والله أعلم/ إذا اختلفا في صفة الثمن ، إن كان هناك قرينة كما ذكر المؤلف رحمه الله . أما لكونه نقد البلد ، أو كونه غالباً في الرواج ؛ يؤخذ بهذا هذا قرينة على صدق مدعي هذا النقد – وإن لم يكن شيء من ذلك؛ فالقول قول البائع- إذا لم يكن شيء من القرائن لأنه إذا كان القول قول البائع في قدر الثمن فكذلك في صفته .
" وفي أجل أو شرط فقول من ينفيه "
هذه الصورة الثالثة : إذا اختلفا في الأجل ، قال البائع : الثمن حال، قال المشتري الثمن مؤجل . نقول: القول قول البائع فيها / ما يقتضيه العقد ومما يقتضيه العقد أن يكون الثمن حالاً – محلول الثمن هذا يقتضيه العقد – فإذا ادعى المشتري أن الثمن مؤجلاً فلابد من بينة – على هذا التأجيل..اللهم إلا إذا كان هناك قرينة تدل على التأجيل .. الأصل عدم التأجيل إلا إذا كان هناك قرينة تدل على التأجيل فنأخذ بهذه القرينة، كما لو كان الثمن كثيراً – الثمن حالا بـ (1000) ومؤجل لمدة شهرين أو شهر بـ(1100) فهذه قرينة كون الثمن زائداً هذه قرينة على وجود التأجيل.
قال المؤلف:(أو شرط .... ) يعني إذا اختلفنا في شرط فمن القول قوله؟ المؤلف:(القول قول من ينفيه ) لأن الأصل عدم الشرط. مثاله/ قال المشتري أنا اشترطت على البائع أن يغسل السيارة – أو أن يصلح فيها كذا وكذا.. فقال البائع لم تشترط...
فالقول قول / من ينفي هذا الشرط.. لأن الأصل عدمه وبراءة الذمة منه –ج وكما سلف إلا إذا كانت هناك قرينة – تؤيد هذا الشرط فإنه يعمل بهذه القرائن وإن كان هناك بينات تشهد لقول أحدهما فالمرجع إلى البينات/ لكن هنا ليس بينة ... لكن إن كان هناك قرائن تعضد قول أحدهما فالقرينة من البينة .
"كمفسد "
هذه الصورة الخامسة :(1/75)
5)- إذا اختلفا في صحة العقد أو فساده.. قال البائع إن العقد صحيح.. وقال المشتري العقد فاسد لأن العقد حصل عن (إكراه).. قال البائع.. لأن لا- لم يحصل عن إكراه وإنما عن رضا من المشتري .. فمن القول قوله؟ تقول/ القول قول من يدعي الصحة – لأن الأصل السلامة وصحة العقد .
" وفي عين مبيع أو قدره فقول البائع "
هذه الصورة السادسة من صور الاختلاف 6)- إذا اختلفا في عين المبيع – قال البائع بعتك هذه السيارة فقال المشتري بل اشتريت هذه السيارة.. فمن القول قوله ؟ المؤلف: قول البائع، ... وهذا كما أسلفنا – قول البائع يشهد له ما تقدم .
*- إن الشارع اعتبر البائع في قدر الثمن فكذلك أيضاً في عين المبيع.. ويؤيد ذلك / أنهم يقولون أن البائع كالغارم، فالبائع يقول هذه السيارة ، والمشتري يقول هذه السيارة.. لا شك أن المشتري سيدعي سيارة أعلى ثمناً.. فهما يتفقان على شيء ويختلفان في الزائد ، فالبائع ينكره والمشتري يدعيه . نقول: إن القول قول البائع لما ذكرنا من الحديث ؛ولأنه كالغارم ،والأصل براءة ذمته .
" أو قدره فقول بائع "
نقول- القول قول بائع ما لم يكن هناك قرينة ، فإذا كان هناك قول قرينة تؤيد قول احدهما فترجع للقرائن – فمثلاً البائع يقول هذه السيارة والمشتري يقول هذه السيارة – والقرينة تؤيد قول المشتري؛لأن الثمن يبذل في هذه السيارة ولا يبذل في تلك السيارة . كذلك إذا كان هناك بينات فنرجع للبينات –الخلاصة/ إن كان هناك بينة رجعنا للبينة ، إن كان هناك قرائن رجعنا للقرائن ، لم يكن هناك بينة ولا قرائن – ترجع لما ذكره المؤلف رحمه الله وتقول القول قول البائع – قوله بيمينه ويؤخذ به.(1/76)
قال المؤلف:( أو قدره....) هذه الصورة السابعة 7- الصورة السابعة في قدر المبيع . قال البائع بعتك كتاباً قال المشتري / بعتني كتابين – اختلفا- المؤلف إن القول قول البائع.. والكلام في هذه المسألة كالكلام في المسألة السابقة – فيما إذا اختلفا في عين المبيع.
" وإن أبى كل التسليم حتى يُقبضه الآخر "
هذه الصورة الثامنة من صور الاختلاف بين المتبايعين.
8- الصورة الثامنة .. ما إذا اختلفا في التسليم- تسليم الثمن وتسليم المثمن- اختلفا أيهما يسلم أولاً – قال البائع للمشتري سلم الثمن لأسلمك السلعة ، قال المشتري سلمني السلعة لأسلمك الثمن- فذكر المؤلف في هذه الصورة إن الاختلاف في التسليم له أقسام.
" وإن أبى كل التسليم حتى يقبضه الآخر ، والثمن عين "
هذا القسم الأول – فيما إذا اختلفا في التسليم .
1- القسم الأول / أن يكون الثمن عيناً – معين – مثاله قال بعتك هذه السيارة بهذه السيارة – معينة الثمن عين ، أو بعتك هذه السيارة بهذه الـ(10) آلاف .. عينها هذه العشرة التي معه ، أو يقول اشتريت سيارتك بهذه العشرة أو بهذه السيارة .. هنا الثمن عين (معين) ليس موصوفاً في الذمة – فما الحكم إذا كان معيناً ؟
" نصب عدل يقبض منهما ويسلم المبيع ثم الثمن "
يعني شخص عدل ينصبه القاضي – نذهب إلى المحكمة والقاضي ينصب عدلاً ، ماذا يعمل العدل ؟ يقبض منهما- يقول البائع أعطني الثمن ( الثمن معين ) – ويقول للمشتري أعطني السلعة فيأخذ من البائع السلعة ومن المشتري الثمن ، ثم بعد ذلك يسلم المبيع للمشتري أولاً والثمن للبائع .. هذا القسم الأول وهذه فيه صعوبة- كونهما يذهبان إلى القاضي ويطلبان من القاضي.. إلخ..
والصواب في هذه المسألة / إذا اختلفا أنه يجبر البائع أن يسلم أولاً للمشتري – لأن عادة الناس جرت بهذا.. فلا حاجة إلى الذهاب إلى القاضي .. وتبصت رجلاً.. ثم بعد ذلك يجبر المشتري أن يسلم الثمن
2) القسم الثاني :(1/77)
" وإن كان ديناً حالاً بيده أجبر البائع ثم مشتر "
بيد المشتري
2) القسم الثاني : الثمن ليس عيناً وإنما هو دين حالاً
/ ما معنى دين ؟ يعني لم يعينه – لم يقل بعتك- لم يقل بعتك . هذه السيارة بهذه السيارة – وإنما قال : بعتك هذه السيارة بـ(10)آلاف – لم يقل بهذه (الـ(10)) يعينها وإنما قال بـ(10) آلاف – فالثمن موصوف.. فالثمن وصف بأنه عشرة آلاف .
قال المؤلف (وإن كان ديناً حالاً بيده..) يعني بـ(10) آلاف.. ولم يقل بأنها مؤجلة.. وهو معه (10) آلاف أو (20) ألف فما العمل؟
قال المؤلف: ( يجبر البائع أن يسلم المشتري أولاً ثم بعد ذلك نجبر المشتري على أن يسلم البائع الثمن.. فالقسم الثاني / أن يكون الثمن ديناً حالاً بيد المشتري – وقلنا (دين .. معناه يقابل العين.. ليس معين وإنما قال (10) آلاف موصوف وصف بأنه (10) آلاف.وليس مؤجلاً لم يتفقا على التأجيل فالأصل الحلول.. فالدراهم الآن بيده يخبر البائع أن يسلم أولاً – ثم يخبر المشتري أن يسلم ثانياً ولا حاجة في هذه الصورة على رأي المؤلف أن يذهب إلى القاضي.
" وإن كان دون مسافة قصر حجر عليه في كل ماله حتى يحضره "
هذا القسم الثالث 3) القسم الثالث: أن يكون الثمن ديناً حالاً ولكنه غائب دون مسافة القصر.
فالقسم الثالث- أن يكون المثمن ديناً ليس عيناً قال بعتك السيارة بـ(10) آلاف.. حالا لم يتفقا على مؤجل – والثمن غايته دون مسافة القصر.. يعني الثمن الـ(10) آلاف ليست معه لكنها في البيت فالثمن غائباً في البيت عنده في الصندوق (100) ألف وقال بعتك هذه السيارة بـ(10) آلاف – قال اشتريت – فالمشتري الآن ليس معه دراهم الدراهم بالبيت أو بالمصرف – فالثمن دين (يعني موصوف)- وحال (ليس مؤجلاً) – ودون مسافة القصر – يعني في البيت خارج البلد لكنه دون مسافة القصر- فما الحكم ؟
المؤلف : ( حجر عليه في كل ماله حتى يحضره )(1/78)
اشترى سيارة بعشرة آلاف وهو يملك (مليون) نحجر عليه في كل أمواله ، والحجر يمنع من التصرف في أمواله لا يبيع ولا يهب ولا يوقف حتى يحضر الـ(10) آلاف ويسلمها للبائع .. ولو كان عنده شركة ، نحجر على الشركة لا تبيع ولا تشتري وهذا صعب – يقول لا حاجة للحجر أن يحجر عليه بل نقول: يؤمر بإحضار المبلغ دون الحجر عليه والبائع له أن يحبس السلعة – حتى يحضر المبلغ أو يحضر كفيل أو ضمين أو رهن يرضى به المشتري – أما كونه نحجر عليه قد يكون الثمن (1000) ريال وعنده (100) مليون فنحجر على هذه الشركة التي رأس مالها (100) مليون ولا يبيع ولا يهب ولا يوقف.. يتضرر المشتري..
فالصحيح لا حاجة إلى هذا ونقول للمشتري أحضر الثمن / والبائع له أن يحبس السلعة .
حتى يحضر الثمن – فإذا أحضر الثمن – فإنه يجبر البائع على أن يسلم السلعة ثم المشتري أن يسلم الثمن .
" وإن كان بعيداً أو المشتري مفلساً فلبائع الفسخ "
هذا القسم الرابع 4) القسم الرابع .. أن يكون الثمن ديناً حالاً لكنه غائب فوق مسافة القصر.. مسافة قصر فأكثر .. الفقهاء إذا قالوا (بعيد) يقصدون مسافة قصر فأكثر . وإذا قالوا (قريب) يقصدون به دون مسافة القصر. يقول المؤلف: ( فلبائع الفسخ..) فالبائع له حق الفسخ .. باعه السيارة بـ(10) آلاف ريال وثمن دين (غير معين ، حال ، غير مؤجل) ، قال : العشرة غير موجودة معي في مكة ومكة فوق مسافة القصر (أو في المدينة) – مسافة قصر فاكثر .. نقول / إن البائع له حق الفسخ إذا تبين له أنه بعيد ، لك حق الفسخ والأقرب في هذه المسألة أن يقال: يُمهل – العادة عرفاً- إن كان سيأتي به قريباً عرفاً لا يُمكَّن البائع من الفسخ لكن يمكن البائع أن يحبس السلعة أما الفسخ يُمهل لفترة ، إن أتى به وإلا فله حق الفسخ.(1/79)
القسم الأخير: ( أو المشتري مفلساً ...) 5) القسم الخامس باعه السلعة ثم تبين أن المشتري ليس عنده شيء ... ليس عنده دراهم / نقول: له حق الفسخ ، وله حق أن يحبس السلعة لا يسلمها المشتري.. فإذا باعه الأرض بـ(100) ألف قال أعطني الـ(100) ألف ، قال ما عندي مفلس ليس عنده شيء أو عنده النصف ؛ نقول للبائع حق الفسخ وله حق حبس السلعة لكن لو طلب المشتري أن يمهل يمهل عرفاً فترة يسيرة بحيث لا يتضرر المشتري .
" الثامن : خيار للخلف في الصفة "
هذا القسم الثامن والأخير من أقسام الخيارات .
8) القسم الثامن – الخلف في الصفة .
فإذا اختلفا في الصفة فيثبت الخيار ... مثاله : قال المشتري أنا اشترطت أن تكون صفة السيارة كذا وكذا لونها مثلاً كذا قال البائع: لا أنت قلت اللون كذا وكذا .. فيثبت الخيار له حق الفسخ .
" وتغير ما تقدمت رؤيته"
في العقد يعني المشتري رأى السلعة قبل شهر .. ثم بعد ذلك اشتراها بناءاً على الرؤية السابقة ،وبعد أن استلمها وجدها أنها قد تغيرت.. نقول له حق الفسخ للمشتري الفسخ. إذا اختلفت في الصفة كما تقدم يثبت الخيار . والاختلاف في الصفة.. الصحيح يقال/ كما لو اختلف في عين المبيع كما تقدم لنا ، لكن / لو اشترط المشتري صفة ثم تخلفت هذه الصفة فله حق الفسخ. لكن لو اختلفا في الصفة . قال البائع : صفته كذا وكذا – قال المشتري صفته كذا وكذا قال المشتري أنا اشترطت أن يكون صفته كذا وكذا قال البائع: أنت اشترطت أن يكون صفته كذا وكذا .
*- فالكلام فيه كما لو اختلفا في عين المبيع أو في قدره ، لكن لو اشترط المشتري صفة ثم تخلفت هذه الصفة فله حق الفسخ – أو رآه فتبين أنه تغير – بعد أن استلمه فله حق الفسخ.
فصل
في أحكام القبض
" وما اشتري بكيل ونحوه لزم بعقد "(1/80)
هذا الفضل عقده المؤلف لبيان – حكم التصرف في المبيع قبل قبضه وبأي شيء يحصل القبض – مثاله/ رجل اشترى سيارة فهل له أن يتصرف في هذه السيارة بالبيع أو الهبة أو التوقيف قبل أن يقبضها – أو ليس له ذلك؟ نقول المبيع ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول .. أشار إليه المؤلف بقوله (وما اشترى بكيل ونحوه... ) يعني المبيع الذي اشترى بتقدير – يحتاج إلى توفية فهذا له أحكام.
القسم الثاني المبيع الذي اشترى بغير تقدير هكذا (جزافاً) هذا له أحكام .
فالقسم الأول : المبيع الذي اشترى بتقدير – كالذي يشتري ثوباً كل متر بريال أو ريالين- التقدير بالذراع وقد يكون التقدير بالوزن – يشتري هذا اللحم كل كيلو بريال أو ريالين. وقد يكون التقدير بالعد ويشتري هذه البضاعة كل كذا بكذا ، وقد يكون التقدير بالكيل مثلاً – يشتري هذا البر كل صاع بريال – هذا هو القسم الأول الذي أشار إليه المؤلف بقوله:
( وما اشترى بكيل ) / أي القسم الأول ما اشتري بتقدير – سواء أكان التقدير كيلاً أو وزناً أو عداً أو ذرعاً – فما هي الأحكام المترتبة على ذلك – قبل القبض .
" لا يصح تصرفه فيه حتى يقبضه "
هذا هو الحكم الأول 1) أن المشتري ليس له أن يتصرف في هذا الشيء الذي اشتراه بتقدير – ولنفرض اشترى براً – كل صاع بريال.. وحتى الآن لم يقبض البر من البائع – المؤلف: 1) الحكم الأول.. ليس له أن يتصرف فيه .. ليس له أن يبيعه – يهبه – يوقفه – يتصدق به حتى يقبضه – وظاهر كلام المؤلف / ليس له أن يتصرف فيه مطلقاً هبة – صدقة – وصية = وقفاً – بيعاً – ودليل ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين: ( من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه) *-(1/81)
والرأي الثاني/ ليس له أن يتصرف فيه بالبيع – أما بقية التصرفات فهذا جائز ولا بأس به – لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما نهى عن البيع فقال: " من ابتاع طعاماً... فلا يبيعه حتى يستوفيه ) وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وهو الصواب ، فله أن يتصرف فيه قبل أن يستوفيه إلا بالبيع فهو الذي نهى عنه - صلى الله عليه وسلم - . واستثنى شيخ الإسلام من البيع مسألتين: أ) إذا باعه تولية – برأس ماله يقول. هذا جائز. فمثلاً لو اشترى هذا الأثواب كل ثوب بـ (10) ريالات وقبل أن يقبضها ذهب وباعها برأس مالها ، أو باعها على نفس البائع- يقول هذا جائز ولا بأس به.
... ما ذهب إليه شيخ الإسلام إنما المنهي البيع أما بقية التصرفات فله .. أما ما استثناه شيخ الإسلام .. فيه نظر – إذا باعه تولية برأس ماله جائز ولا بأس به / فيه نظر لأن الحديث عام سواء باعه تولية أو أقل من رأس ماله أو بأكثر .
فالصواب – حتى لو باعه تولية لا يجوز له ذلك حتى يقبضه – حتى يقبض السلعة – لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك ، وأما إذا باعه على البائع عليه فهذا الأمر يسير.
" وتلفه قبله من ضمان بائع "
2) هذا الحكم الثاني ، إن هذا الذي بيع بتقدير – بعدد أو كيل أو وزن أو ذرع – والمشتري لم يقبضه ثم تلف فإنه من ضمان البائع وكذلك لو تعيب فإنه من ضمان البائع .
*- وقياس ذلك على بيع الثمر بعد بدو الصلاح .
بيع الثمر بعد بدو الصلاح جائز . والمشتري سيبقي هذا الثمر حتى يبدو صلاحه وإذا تلفت هذه الثمرة قبل أن يقبضها المشتري فهي من ضمان البائع. قال - صلى الله عليه وسلم - :" إذا بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا تأخذ منه شيء بم تأخذ مال أخيك بغير حق ".(1/82)
والمشتري ممنوع – أن يبيعه ويربح فيه قبل أن يقبضه فكان هذا ليس من ضمانه ولكن من ضمان البائع – فإذا تلف أو تعيب فمن ضمان البائع بمعنى إن تلف بالكلية يرجع الثمن جميعه للمشتري – وإن تعيب يرجع أرش العيب للمشتري .
... " ويبطل البيع بتلفه بآفة "
هذا الحكم الثالث
3)- إذا تلف هذا المبيع بآفة سماوية فإن البيع يبطل ولنفرض / اشترى برا كل صاع بريال وقل أن يقبضه المشتري جاءت أمطار أو رياح فأتلفت هذا البر ... يقول المؤلف .. يبطل البيع بمعنى / إن البائع يرجع الثمن للمشتري، وفي المسألة السابقة قال: إذا تلف من ضمان بائع لم يقل يبطل البيع.. وهنا قال في الآفة السماوية يبطل البيع لأنه هنا لا يمكن التضمين – لا يمكن أن تضمن المتلف أما في المسألة السابقة – فإن المتلف فإنه أدعى – فنقول: البائع يضمن والمشتري مخير بين أن يضمن البائع ،والبائع يرجع على من أتلفه أو يضمن المتلف.. فهذه الأحكام الثلاثة فيما بيع بتقدير (1- فالحكم الأول : ليس له أن يتصرف فيه 2- الحكم الثاني : إذا تلف قبل القبض فإنه من ضمان البائع 3- الحكم الثالث: إذا تلف بآفة سماوية؛ فإن البيع يبطل ويرجع المشتري على البائع بالثمن .
القسم الثاني : قال المؤلف :
" وما عداه يصح التصرف فيه قبل قبضه "
هذا القسم الثاني .
" ومن ضمان مشتر ما لم يمنعه بائع "(1/83)
هذا الحكم الثاني 2- إن هذا الذي بيع بغير تقدير أنه إذا تلف فإنه من ضمان المشتري (الغنم بالغرم فكما له ان يربح فيه – الشارع مكنه أن يبيع – فكذلك لو لحقه تلف فإنه يكون من ضمان المشتري – بخلاف القسم الأول- فإنه من ضمان البائع – لكن هنا لو تلف فإنه من ضمان المشتري (الغنم بالغرم) وفي حديث عائشة رضي الله عنها وإن كان فيه ضعف (الخراج بالضمان) يعني كما أن لك خراج الشيء عليك ضمانه. الشاة هذه لك خراجها.. لك لبنها .. ولدها.. ما يخرج منها – لك سمنها أيضاً عليك ضمانها لو تلفت أو تعيبت – فهنا للمشتري أن يتصرف في هذا البيع الذي بيع بغير تقدير فكذلك عليه ضمان.
قال المؤلف : ( ما لم يمنعه البائع ...) إذا منعه البائع من القبض فإن الضمان يكون على البائع لأنه كالغاصب فليس له حق أن يمنع المشتري من أن يقبض سلعته فإذا منعه كان معتدياً فلو حصل تلف نقول من ضمان البائع – وإذا تلف بآفة سماوية يكون من ضمان المشتري.
" ويحصل قبض ما يبع بكيل أو وزن أو عدّ أو ذرع بذلك "(1/84)
الشارع نهى كما سيف ما بيع بتقدير أن تبيعه حتى تستوفيه حتى تقبضه فما هي كيفية القبض ؟ أراد المؤلف أن يبين كيفية القبض قال المؤلف : (ويحصل ما بيع ... بذلك ) يعني ما بيع بتقدير يحصل قبضه بذلك التقدير فمثلاً – ما بيع بعد – باعه هذه الشياة كل شاة بـ(100) ريال فإذا أراد المشتري أن يقبض هذه الشياة فقبضها بكون بعدها – إذا باعه الثوب كل ذراع بكذا ، متر بكذا ، إذا أراد المشتري أن يقبض يكون بالذرع والكيل بكيله والذي يوزن بالوزن – وظاهر كلام المؤلف أنه يكتفي بالتقدير ولا يزاد على ذلك يعني : لا يشترط أن ينقله المشتري من مكان البائع . 2) والرأي الثاني في هذه المسألة أنه لا يكتفي بالتقدير بل لابد أن ينقله المشتري من مكان البائع – وهذا هو الرواية عن الإمام أحمد ، ودليل هذه الرواية حديث زيد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (نهى التجار أن يبيعوا السلع حتى يحوزوها إلى رحالهم).
" وصبرة وما ينقل بنقله ، وما يتناول بتناوله ، وما عداه بتخلية "
الصبرة : الكومة من الطعام – أو مجموعة من الثياب – يعني المقصود بالصبرة- الذي بيع بغير تقدير – بغير كيل ولا وزن ،ولا عد ولا ذرع/ فهذه الصبرة
بيعها بنقلها- والذي ينقل مثل الثياب – الحيوان – بنقله – وما يتناول بتناوله – وما عداه بتخليته يعني ما عدا هذه الأشياء – كالعقار- الذي لا يتناول ولا ينقل هذا بالتخلية/ أن يخلي البائع بين المشتري وبين السلعة .
* والضابط في مثل هذه المسائل/ أنها راجعة للعرف والأعراف تختلف – فقد تكون السلع يسيرة فتكون بالتناول كالثوب والكتاب فالقبض هنا بالتناول.
لكن قد تكون السلع كبير مثل أخشاب أرز جديد مثل سيارات ضخمة – السيارات ممكن تنقل – ولكن صعب نقلها وتحريكها – فهذه تلحق بالعقار – فقبضها بالتخلية – فالبضائع الكبيرة قد يصعب نقلها فنقول هذه بالتخلية.(1/85)
وينبه إلى مسألة / قد يكون البيع في مكان عام ليس في مكان البائع – فنقول يكتفي فيه بالتخلية – لأنه لا فرق بين البائع والمشتري في هذا المكان مثلاً في السوق – الذي لا يختص به البائع ولا المشتري فيكفي التخلية – إذا خلى البائع بين المشتري وبين السلعة يكتفي بذلك .
" والإقالة فسخ وتندب إقالة نادم "
الإقالة: مصدر ، أقال الله عثرتك أزالها ، فالإقالة تطلق في اللغة على الإزالة – اصطلاحاً: فسخ العقد بعد لزومه بطلب العاقد الآخر – والإقالة مستحبة – لما في ذلك من تفريج كربة المسلم ( ومن فرج عن أخيه كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب الآخرة) -ولما فيه من التيسير على المعسر- لأن المشتري أو البائع قد يحصل له عسر بهذا العقد – وكما أسلفنا- ان من حكم مشروعية الخيار أن الإنسان يكون راغباً في الشيء قبل أن يحصل عليه بيده ، فإذا حصل بيده حصل له شيء من الندم فشرع له الشارع الخيار -خيار المجلس وخيار الشرط – فكذلك من حكمة الشارع – أنه رغب في الإقالة – لكن الخيار ملك له إذا شرط الخيار أو كان في خيار المجلس .. لكن الإقالة لا يملكها إلا برضا الآخر- والإقالة/ حكمها التكليفي إنها مستحبة لما سبق من الدليل ، أما حكمها الوضعي – ذكر المؤلف أنها فسخ وليس بيعاً –ج وهذه المسألة هل الإقالة فسخ أو بيع – خلاف بين العلماء ويترتب عليها مسائل كثيرة – ذكرها ابن رجب رحمه الله في كتابه (القواعد) – وما ذهب إليه المؤلف – بأنها فسخ وليست بيعاً – هذا القول – هو الأقرب – ويترتب عليها مسائل إذا قلنا أنها فسخاً وليست بيعاً :
المسألة الأولى – إنها تجوز بعد نداء الجمعة الثاني – إذا قلنا إنها فسخ وليست بيعاً – لكن لو قلنا إنها بيع لا يجوز لما تقدم ..
ومن المسائل المترتبة عليها إذا قلنا إنها بيع – فإنه يثبت فيها خيار البيع – وإذا قلنا إنها فسخ لا يثبت فيها خيار المجلس.
" وتصح قبل قبض مبيع وبعده "(1/86)
... يعني تصح الإقالة – قبل قبض المبيع وبعده .
× لو قلنا إنها بيع – ما صحت إلا بعد قبض المبيع
× وإذا قلنا إنها فسخ – صحت قبل قبض المبيع وبعده.
فهذه ثلاثة مسائل مترتبة على إنها هل هي فسخ أو بيع
1) خيار المجلس هل يثبت فيها أو لا يثبت
2) كونها بعد نداء الجمعة الثاني – هل تصح أو لا تصح
3) إنها تصح قبل قبض المبيع وبعده – وهناك مسائل أخرى ذكرها (ابن رجب في القواعد).
" لا مع تلفه أو موت عاقد "
يعني ٍإذا كان المبيع قد تلف لا تصح الإقالة ؛ لأن محل الفسخ قد فات.. ولنفترض إنه اشترى سيارة فاحترقت أو بر وأكل البر فكونه يطلب الفسخ وقد تلف نقول فات محل الفسخ فلا فائدة من الفسخ – (أو موت عاقد) لو أن البائع قد مات أو المشتري قد مات ) المؤلف: لا تصح الإقالة، ولنفرض اشترى سيارة ، والبائع مات ، فالوارث لا يصح أن يفسخ مع وارثه – المؤلف ( لا يصح)
والصواب : أن هذا صحيح – يصح الإقالة مع العاقد أو وارثه إذا رضي – وتصح مع العاقد إذا كان بائعاً أو مشترياً سواء كان معه أو مع وارثه.
" أو زيادة على ثمن "
(....هذه مسألة تكثر....) الإقالة مع نقص الثمن هل هذا جائز أو ليس جائز – مع زيادة الثمن .
مثلاً : اشترى منه سيارة .. وجاء إليه وقال : أقلني – خذ السيارة ورد علي الدراهم – اشتراها بـ (10) آلاف – قال رد علي (9) آلاف وخذها لا أريدها أو العكس - يقول البائع/ أقلني خذ (1000) ريال زيادة على ما دفعت وأعطني السيارة . المؤلف: لا يصح .
والذي يكثر عند الناس أن البائع هو الذي ينقض بعض الثمن – أنا آخذ منك السلعة اشتريت بـ (100) أعطيك (90) ريال – المؤلف : لا يصح – لماذا – لأنها فسخ والفسخ يكون بمثل الثمن لا زيادة ولا نقص هذا مقتضى الفسخ – أن يكون بمثل الثمن .(1/87)
*- والرأي الثاني/ إن هذا جائز نزولاً بأمرين – وفيه مصلحة للبائع وقيمة مصلحة للمشتري – أما مصلحة البائع فإن السلعة قد حبست – حبسها المشتري يوماً أو يومين وفيه مضرة على البائع – كونه حبسها عن البيع والشراء فترة وهذه السلعة – إذا ردت نقصت في أعين الناس فكون البائع يطلب ثمناً جبراً لهذا النقص – هذا من حقه وجائز ولا بأس به – وفيه مصلحة / للمشتري – فكونه تفرج كربته ولو دفع شيئاً من المال وخسره هذا جائز ولا بأس به .
" أو نقصه بغير جنسه "
يعني – فسخ – قال : أعطني بدل الدراهم دينارات قال أنا أفسخ لك – أنت اشتريت السيارة بـ(10) آلاف ريال – أعطني بدل الريالات دراهم أو دينارات – المؤلف – غير جائز.
والصواب : جائز ليس فيه محذور – وهم يمنعون لأن هذه فيه زيادة – وهم يمنعون الزيادة والنقص من الثمن .
والصواب / أن النقص من الثمن والزيادة فيه جائز لما ذكرنا من المصلحة – فإذا كان كذلك فتغير جنس الثمن أيضاً جائز.
باب الربا والصرف
الربا في اللغة : الزيادة ، ومنه قوله تعالى : ? فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ? أي : عَلَتْ .
واصطلاحاً : زيادة في أشياء مخصوصة ، ونسأ في أشياء مخصوصة .
والصرف لغةً : يطلق على معانٍ منها : التصويت .
واصطلاحاً : بيع نقد بنقد .
والربا قسمان : ربا الفضل ، وربا النسيئة . ولهذا قال المؤلف رحمه الله : « يحرم ربا الفضل والنسيئة »
والفضل لغة : الزيادة .
واصطلاحاً : الزيادة في أحد الربويين المتحدي الجنس .
ومثال ربا الفضل : مبادلة صاع بر بصاعين ، فهذا ربا فضل لأن البر من الأموال الربوية ، وأنت بادلت ربوياً بجنسه مع الزيادة ، وكذلك مثله لو بادلت ريالا بريالين أو جنيها بجنيهين ، فهذا من ربا الفضل لأنك بادلت ربوياً بجنسه مع الزيادة ، وسيأتي بيان الأموال الربوية التي يجري فيها الربا.
والنسيئة لغة : التأخير .(1/88)
واصطلاحاً : تأخير القبض في أحد الربويين الذيْن اتفقا في علة ربا الفضل .
ومثال ربا النسيئة : مبادلة صاع بر بصاع بر مع تأخير القبض ، أو مبادلة ريالات بريالات مع تأخير القبض ، أو ذهب بذهب مع تأخير القبض ، فهذا نقول أنه ربا نسيئة ؛ لأنك أخّرت القبض في أحد الربويين الذيْن اتفقا في علة ربا الفضل . ومثل ذلك عندما تبادل ذهبا بفضة وتؤخر القبض ، فقد وقعت في ربا النسيئة ، أو تبادل ريالات بجنيهات ولم يكن ذلك يدا بيد ، فنقول أنك وقعت في ربا النسيئة ؛ لأنه إذا اتحد الربويان في علة ربا الفضل فإنه يجب أن يكون يدا بيد ، أي أنه لابد من القبض ، وسنذكر ضوابط تعين على فهم الباب إن شاء الله .
- قال المؤلف : « فلا يبيع مكيل بجنسه »
ربا الفضل والنسيئة محرم ، وكان قد وقع خلاف قديماً في ربا الفضل هل هو جائز أو ليس بجائز؟
فربا الفضل فيه رأيان :
الرأي الأول : أنه محرم ولا يجوز ، وهذا رأي جمهور أهل العلم .
واستدلوا بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة :
أما القرآن : فقوله تعالى : ? وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ? ، وقوله تعالى : ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ? .(1/89)
ومن السنة : كحديث عبادة - رضي الله عنه - ، وحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلاً بمثل ، سواءً بسواء " . ومما يدل على ذلك حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - لما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع التمر بالرطب ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : " أينقص الرطب إذا جف؟ " قالوا : نعم ، فنهى عن ذلك . وحديث فضالة - رضي الله عنه - في مسألة مدّ عجوة ودرهم . وحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - في تمر خيبر . فالأحاديث كثيرة في تحريم ربا الفضل .
الرأي الثاني : أن ربا الفضل مباح ، وورد هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وزيد بن أرقم - رضي الله عنه - ، وفيه خلاف قديم لبعض السلف .
واستدلوا على ذلك :
بحديث زيد - رضي الله عنه - ، وحديث أسامة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنما الربا في النسيئة " ، " لا ربا إلا في النسيئة " ، فحصر النبي - صلى الله عليه وسلم - الربا في النسيئة .
وأجاب العلماء عنه : أن المراد بذلك أن الربا الأشد والأغلظ هو ربا النسيئة .
وعلى كلٍّ فرأي جماهير أهل العلم رحمهم الله : الأخذ بالنصوص الكثيرة في تحريم ربا الفضل .
وقبل أن ندخل في ضوابط الربا لابدّ أن نفهم مسألة مهمة ، وهي : ما هي الأموال الربوية ؟ هل كل مال حصلت فيه المبادلة يقع فيه الربا ؟ سيارة بسيارتين ، سيارة بسيارة بعد شهر ، هل نقول وقعت أم لم تقع في الربا ؟
فما هي الأموال الربوية ؟(1/90)
نقول : الأموال الربوية نص النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعضها ، وألحق العلماء أنواعاً أخرى مما يشاركها في العلة التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم .. " الذهب – الفضة – البر – الشعير – التمر – الملح – الكرم .. " ، وحديث معمر في مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الطعام بالطعام مثلاً بمثل " ، فهذه التي نص عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - هل هي معدودة أو محدودة ؟ ، هل هي مضبوطة بضابط ؟ أو نقول بأنها معدودة ؟
الرأي الأول : الظاهرية يقولون أنها معدودة ، والربا يجري في هذه التي نصّ عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وما عدا ذلك فلا يجري فيه الربا. وذهب إليه ابن عقيل من الحنابلة .
الرأي الثاني : أنها ليست معدودة ، وإنما هي مضبوطة بضابط ، فإذا وجد هذا الضابط فإن هذا المال يكون ربوياً ، وعلى هذا اختلف الأئمة رحمهم الله تعالى في تحديد العلة ، ما هي العلة في هذه الأصناف التي نصّ عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - لكي نلحق بها ما يشاركها في العلة فيكون ربوياً ؟ ، وكما ذكرنا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - نصّ على : الذهب ، والفضة ، والبر ، والشعير ، والتمر ، والملح .
فاختلفوا في العلة :
الرأي الأول : قالوا بأن العلة في الذهب والفضة الوزن ، وفي الأصناف الأربعة الكيل . وهو مذهب أبي حنيفة ، وأحمد .(1/91)
وعلى هذا يجري الربا عندهم في كل الموزونات – سواءً كانت مطعومة أو غير مطعومة - ، وفي كل المكيلات – سواءً كانت مطعومة أو غير مطعومة - . وعلى هذا يجري الربا عندهم في الحديد ، فإذا بادلت حديداً بحديد لا بد أن يكون مثلاً بمثل يداً بيد ؛ لأنه اتفق الجنس – كما سيأتي في الضوابط أنه إذا اتفق الجنس لا بد أن يكون مثلاً بمثل يداً بيد - ، فيجري عندهم الربا في الذهب ، والحديد ، والنحاس ، والصفر ، والرصاص ، ...إلخ ، فيجري في هذه الموزونات ، وكذلك في الشعر ، والحرير ، والصوف ، والوبر ، والقطن ... كلها موزونات يجري فيها .
أيضاً يجري في المكيلات : في البر ، والشعير ، والتمر ، وسائر المائعات كالدهن ، والحليب ، واللبن ...كلها يجري فيها الربا ، الرز ، والدخن ،..... إلخ .
هذه العلة الأولى : الوزن والكيل ، فيجري الربا في الموزونات ، وأيضاً في المكيلات ، سواء كانت مطعومة أو غير مطعومة .
الرأي الثاني : رأي الشافعي رحمه الله تعالى : أن العلة في الذهب والفضة جوهر الثمنية ( أي أنها ثمناً للأشياء ) ، والعلة في الأصناف الأربعة الباقية هي الطُعْم .
وعلى هذا يجري عنده الربا في الذهب والفضة فقط ، فلا يجري في الرصاص والحديد والنحاس ... ، ويجري في المطعومات ، فيجري في كل مطعوم ولا يتقيّد ذلك بكونه موزوناً أو مكيلاً ، فكل مطعوم يجري فيه الربا : التفاح ، البرتقال ، .... ، حتى المعدودات يجري فيها الربا
الرأي الثالث : رأي الإمام مالك رحمه الله : أن العلة في الذهب والفضة غلبة الثمنية – يعني أن الربا لا يتجاوزهما - ، وأما في الأصناف الأربعة الباقية ، فالعلة هي القوت والادّخار – يعني أن يكون مقتاتاً ويكون مدّخراً – مثل البر ، فهو قوت ، ومدّخر يبقى مدة طويلة ، ومثل الشعير ، والذرة ، والدخن ... إلخ .(1/92)
الرأي الرابع : رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : يقول أن العلة في الذهب والفضة الثمنية – كونهما ثمناً للأشياء - ، وأما العلة في الأصناف الأربعة الباقية فهي الطُعم مع الكيل أو الطُعم مع الوزن .
* نضرب لذلك أمثلة :
مبادلة تفاحة بتفاحتين ، هل يجري الربا ؟
عند الحنفية والحنابلة : لا يجري ؛ لأنها ليست مكيلة ولا موزونة ، بل معدودة .
وعند الشافعية : يجري ؛ لأنها مطعومة .
وعند الإمام مالك : لا يجري ؛ لأنها ليست ذهباً ولا فضة ، وليست مقتاتة تدّخر .
صاع برّ بصاعين :
عند الحنابلة والحنفية : يجري ؛ لأنها مكيلة .
وعند الشافعية : يجري ؛ لأنها مطعومة .
وعند المالكية : يجري ؛ لأنها مدّخرة ومقتاتة .
وعند شيخ الإسلام : يجري ، لأنها مطعومة ومكيلة .
كيلو حديد بكيلوين حديد :
عند الحنفية والحنابلة : يجري ؛ لأنها موزونة .
وعند الشافعية : لا يجري فيها الربا ؛ لأنها ليست ذهباً ولا فضة ، ولا مطعومة .
وعند الإمام مالك : لا يجري ؛ لأنها ليست ذهباً ولا فضة ، ولا يقتات ولا يدّخر .
وعند شيخ الإسلام : لا يجري ؛ لأن العلة عنده الثمنية ، أو الطعم مع الكيل أو الطعم مع الوزن .
قلم بقلمين :
عند الحنفية والحنابلة : لا يجري ؛ لأنها ليست مكيلة ولا موزونة ، بل معدودة .
وعند الشافعية : لا يجري ؛ لأنها ليست ذهباً ولا فضة ، وليست طعماً ؛ لأن العلة عندهم غلبة الطعم أو غلبة الثمنية – الاقتصار على الذهب والفضة - .
وعند المالكية : لا يجري ؛ لأنها ليست ذهباً ولا فضة ، وليست مقتاتة ولا مدّخرة .
وعند شيخ الإسلام : لا يجري ؛ لأنه يرى أن العلة الثمنية ، والطعم مع الوزن أو الطعم مع الكيل .
ضوابط في باب الربا
عرفنا أن المال الربوي عند شيخ الإسلام :
1- ما كان ثمناً للأشياء ، كالريالات والدينارات والجنيهات ، فهو شامل لكل ما اتخذه الناس ثمناً للأشياء .
2- ما كان مطعوماً مكيلاً ، أو مطعوماً موزوناً .(1/93)
وهذا القول هو الراجح في هذه المسألة .
الضابط الأول :
« أن كل ربويين اتحدا في الجنس والعلة ( علة ربا الفضل ) ، فإنه يشترط عند مبادلة أحدهما بالآخر شرطان : التماثل ، والحلول والتقابض »
فعلى كلام شيخ الإسلام : الريالات ربوية ، فعندما تبادل ريالات بريالات ، الآن اتحدت في الجنس واتحدت في العلة ( العلة : الثمنية ) ، فعندما تبادل ريالات بريالات ، فلا بد من أمرين:
التماثل : 10ريالات بـ 10ريالات ، 50 ريالاً بـ 50 ريالاً ، .....
التقابض والحلول : فلا بد أن تكون حالّة ، وأن يقبض – فقد تكون حالة ولا يقبضها ، بحيث يتفقان على أنها حالة ولكن يؤخر القبض فيقول له مثلاً : بعد ساعتين تأتي وتقبضها - ، فقد تكون مؤجلة ويقبضها ، وقد تكون حالة ولا يقبضها . فلا بد من الحلول والتقابض .
مثال آخر : اللحم :فعلى رأي شيخ الإسلام يعتبر ربوياً ؛ لأنه مطعوم موزون ، فعندما تبادل لحم إبل بلحم إبل فلا بد من الشرطين : 1- التماثل . 2- الحلول والتقابض .
السكر : ربوي ؛ لأنه مطعوم موزون ، فعندما تبادل سكراً بسكر لا بد من الشرطين ، وعلى هذا فقس .
الضابط الثاني :
« كل ربويين اتحدا في علة ربا الفضل واختلفا في الجنس ، فيشترط عند مبادلة أحدهما بالآخر شرط واحد ، وهو : الحلول والتقابض »
مثاله : ريالات بجنيهات : العلة هي الثمنية ، فهما يتحدان في علة الثمنية ، فيشترط عند مبادلتها الحلول والتقابض فقط ، أما التماثل فليس شرطاً .
مثال آخر : لحم إبل مع لحم غنم : العلة واحدة ، وهي الوزن مع الطعم ، والجنس اختلف ، فيجب أن يكون يداً بيد ( الحلول والتقابض ) ، ويجوز التفاضل ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد "(1/94)
مثال ثالث : شعير ببر : العلة واحدة ، وهي الطعم مع الكيل ، فعندما تبادل شعيراً ببر نشترط شرطاً واحداً وهو الحلول والتقابض ، أما التساوي والتماثل فليس شرطاً ، بع كيف شئت .
الضابط الثالث :
« كل ربويين اتحدا في علة ربا الفضل واختلفا في الجنس ، وكان أحدهما نقداً ، فإنه لا يشترط شيء »
هذا الضابط على المذهب ، وقد سبق لنا أن المذهب مرجوح .
مثاله : فضة بنحاس : فالعلة على المذهب هي الوزن ، فالفضة موزونة ، والنحاس موزون ، فبع كيف شئت ؛ لا يشترط التقابض ، ولا يشترط التساوي والتماثل ، فلو بعت كيلوين من النحاس بكيلو من الفضة مؤجلاً ، نقول أن هذا جائز ولا بأس به .
مثال آخر : ذهب بحديد : فالمذهب أن العلة الوزن ، واتفقتا في العلة ، فكل منهما موزون ، فبع كيف شئت .
الضابط الرابع :
« عن مبادلة نقد بنقد ، أو أوراق نقدية بأوراق نقدية ، أو عملات معدنية بأخرى ، فإذا اتحد الجنس ، فإنه يشترط شرطان : 1- التماثل والتساوي . 2- الحلول والتقابض .
وأما إذا اختلف الجنس ، فإنه يشترط شرط واحد فقط ، وهو الحلول والتقابض »
هذا الضابط سهل .. عندما تبادل نقداً بنقد ، أو أوراقاً نقدية بأوراق نقدية ، أو تبادل عملات معدنية بعملات معدنية ، فإذا اتحد الجنس نشترط شرطين : الحلول والتقابض ، والتساوي والتماثل . وإذا اختلف الجنس نشترط شرطاً واحداً ، وهو الحلول والتقابض .
مثال اتحاد الجنس : ريالات بريالات سعودية ، هنا اتحد الجنس .
مثال نقد بنقد ( العلماء إذا قالوا : نقد ، فإنهم يقصدون الذهب والفضة ) : ذهب بذهب .
فإذا اتحد الجنس ( عملات معدنية بعملات معدنية ، أو أوراق نقدية بمثلها ، أو نقد بنقد ) فإننا نشترط شرطين ، وإن اختلف الجنس فإننا نشترط شرطاً واحداً وهو الحلول والتقابض .
مثاله ( إذا اختلف الجنس ) : ذهب بفضة : فنشترط شرطاً واحداً وهو الحلول والتقابض .(1/95)
مثال للأوراق النقدية : دراهم بدولارات : نشترط شرطاً واحداً فقط ، وهو الحلول والتقابض .
ومثله أيضاً : إذا بعت ذهباً بأوراق نقدية ، هنا اختلف الجنس ، والعلة واحدة – وهي الثمنية - ، فنشترط شرطاً واحداً ، وهو الحلول والتقابض . أو بعت فضة بأوراق نقدية ، فنشترط شرطاً واحداً فقط ، وهو الحلول والتقابض .
الضابط الخامس :
« كل ربويين اختلفا في العلة ، فلا يشترط عند مبادلة أحدهما بالآخر لا الحلول والتقابض ، ولا التساوي والتماثل »
فإذا بادلت ربوياً بربوي آخر ، واختلفا في العلة ، فإننا لا نشترط شيئاً .
مثاله : ريالات بتمر : العلة في الريالات الثمنية ، وفي التمر الكيل والطعم ، فلا نشترط شيئاً.
مثال : بر بذهب : البر علته الطعم مع الكيل ، والذهب علته الثمنية .
مثال : شعير بفضة : لا نشترط شيئاً .
الضابط السادس :
« عند مبادلة ربوي بغير ربوي ، أو مبادلة عوضين غير ربويين ، فإنه لا يشترط الحلول والتقابض ولا التساوي والتماثل »
ففي هذا الضابط صورتان :
1- مبادلة ربوي بغير ربوي : لا نشترط شيئاً .
مثاله : ذهب بأثواب ، ذهب ببرتقال ، ريالات بأثواب ، .... فلا نشترط شيئاً ، بِع كيف شئت ، لا يشترط التماثل ، ولا الحلول والتقابض .
2- مبادلة مال غير ربوي بمال غير ربوي : لا نشترط شيئاً ؛ فكل منهما ليست فيه العلة .
مثاله : أثواب بكتب : كلاهما ليس ربوياً ، سيارة بكتب ، بأثواب ، بعقار ، ... هذه ليست ربوية ، فعندما تبادل ربوياً بغير ربوي ، أو غير ربوي بغير ربوي لا نشترط شيئاً .
الضابط السابع :
« لا أثر لاختلاف النوع أو الجودة والرداءة عند اتحاد الجنس الربوي ، ففي هذه الحال يشترط التساوي والتماثل ، وكذلك الحلول والتقابض »
يجب عندما تبادل ربوياً بجنسه التساوي ، والحلول والتقابض ، ولو اختلفا في الجودة ، في الرداءة ، في النوع ... لا ننظر إلى هذه الاختلافات .(1/96)
فمثلاً : مبادلة تمر بتمر : الجنس واحد ، فيجب أن يكون يداً بيد ( الحلول والتقابض ) ، ومثلاً بمثل ( التساوي والتماثل ) ، صاع بصاع ، ولو كان هذا التمر فاخراً – ولنفترض انه من التمر السكري - ، وهذا التمر أقل منه من حيث النوع – من التمر الشقر مثلاً - ، فلا نقول : تبادل صاعاً من السكري – لجودته – بصاعين من النوع الآخر ، هذا ليس له أثر ، فاختلاف النوع في الجنس الواحد ليس له أثر .
كذلك الجودة والرداءة ليس لها أثر ، هذا جيد وهذا رديء ، هذا سكري جيد وهذا سكري رديء ، لا أثر لها . فحتى لو اختلفت الجدّة والقدم ،الجودة والرداءة ... لابُدَّ من التساوي .
ويدل لذلك : حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - لما أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - خيبر ، فجيء بتمر جنيب جديد ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أَكُلُّ تمر خيبر هكذا ؟ " قالوا : لا يا رسول الله ، إننا نأخذ الصاع من الجنيب بالصاعين من الجمع ( الرديء ) ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : " أَوَّه ، عين الربا " . فيدلّ هذا على أنه لا أثر لاختلاف النوع ، المهم أن الجنس متحد .
أمثلة :
البر : البر أنواع ( الحنطة ، اللقيمي ، المِعَيّة ) ، فعندما تبادل حنطة بحنطة ، لا بد أن يكون يداً بيد مثلاً بمثل .
اللحم : إذا اختلف النوع ( البقر أنواع .... ) ، هذا عِراب وهذا جواميس ، عندما تبادل هذا بهذا ، ما دام أنه كله لحم بقر ، فلا بد أن يكون مثلاً بمثل يداً بيد .
الحليب : وهكذا ....
الغنم : تبادل لحم ضأن بلحم غنم مع الزيادة ، هذا ربا ، فكونه اختلف في النوع هذا لا ينظر إليه ، لابد أن يكون يداً بيد مثلاً بمثل .
الضابط الثامن :
« ما اشترط فيه التماثل والتساوي ، فلا بُدَّ أن يكون التساوي والتماثل بمعياره الشرعي: كيلاً في المكيلات ، ووزناً في الموزونات »
ما يشترط فيه التماثل ، لا يتحقق التماثل إلا بالمعيار الشرعي .
س/ متى نشترط التماثل ؟(1/97)
ج/ إذا اتحد الجنس الربوي .
فإذا اشترطنا التماثل فلا بد أن يكون التماثل بالمعيار الشرعي ، لا يكفي بأي معيار ؛ لأن هذه الأموال الربوية لها معايير شرعية ، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - : " الذهب بالذهب ، وزناً بوزن ، والفضة بالفضة ، وزناً بوزن " . وعلى هذا لو بادلت صاع ذهب بصاع ذهب ، فهو ربا مع أنها متماثلة ، لماذا ؟ لأنه ليس بالمعيار الشرعي ، ولو جئت به للمعيار الشرعي ، وأفرغت هذا الصاع من الذهب ووزنته ، وجئت بالثاني وأفرغته ووزنته ، لوجدت اختلافاً في الوزن ، فعندما تكيل الموزون أو توزن المكيل تقع في الربا .
الفضة : معيارها الشرعي الوزن ، ويأتي ضابط المعيار الشرعي .
فعندما تبادل (10 كيلو) بر بـ (10 كيلو) بر : ربا ؛ لأنك وزنت ، والبر معياره الشرعي الكيل ، أما الكيلو والغرام فوزن – من آلات الوزن - ، فالمبادلة لابد أن تكون بالمعيار الشرعي ، كيلاً في المكيلات ، ووزناً في الموزونات ، والبر من المكيلات ، فنضبطه بآلة الكيل ( الصاع ، الوسق ، المد ، .... ) ، والوزن ( الكيلو ، الغرام ، الرطل ، .... ) .
الضابط التاسع :
« عند مبادلة ربوي بربوي آخر، لا يُشترط المعيار الشرعي عند عدم اشتراط التساوي »
وكذلك عند مبادلة ربوي بغير ربوي ، فإنه لا يُشترط المعيار الشرعي .
عندما تبادل ربوياً بآخر لا نشترط المعيار الشرعي ، لماذا؟ ؛ لأنه لا يشترط التساوي ، فنشترط المعيار الشرعي فقط عند اتحاد الجنس الربوي ؛ لأنه هو الذي يُشترط فيه التساوي ، أما إذا بادلنا ربوياً بآخر فلا نشترط التساوي ، فكِل أو زِن كما تريد ، سواءً كان المعيار الشرعي كيلاً أو وزناً .(1/98)
مثاله : ربوي بربوي آخر : ذهب بتمر ، بادلنا ربوياً بربوي آخر – سواءً كان جزافاً ، أو كيلاً أو وزناً - ، فالتمر مكيل ، لكن لو وزنته عندما تبادله بذهب أو ريالات يجوز ، والذهب موزون ، لكن لو كِلته عندما تبادله بربوي آخر فلا نشترط المعيار الشرعي ، فالمعيار الشرعي لا يُشترط إلا عند التساوي ، والتساوي يكون عند اتحاد الجنس الربوي .
شعير ببر : كلها مكيلة ، بكن لا بد أن يكون يداً بيد ، وعلى هذا إذا كنا لا نشترط التساوي لا نشترط المعار الشرعي ، بِع صاع شعير بصاعين من البر ، أو 10كيلو شعير بـ 20كيلو بر ، أو صاع شعير بـ 10كيلو بر ، تضبط بالوزن أو بالكيل ، كله جائز .
فإذا اختلف الربويان ولم يتحدا في الجنس ، كالتمر بالريالات : تذهب إلى البقال فلا يكيل لك كيلاً بالصاع ، لكن يزن لك التمر ، فلا بأس ، لماذا؟ ؛ لأننا لا نشترط التساوي ؛ لأنهما لم يتحدا في الجنس الربوي ، تذهب إلى البقالة فيعطيك كيلوين من الرز ، لا يعطيك بالصاع ؛ لأنك لم تشتر ربوياً بجنسه ، بل اشتريته بغير جنسه ، فهنا لا يُشترط المعيار الشرعي ؛ لأننا لا نشترط التساوي إلا عند اتحاد الجنس الربوي .
كذلك إذا بادلت ربوياً بغير ربوي ، أو بادلت مالين غير ربويين ، فلا نشترط المعيار الشرعي، فإذا بعت تمراً بأثواب لا نشترط المعيار الشرعي ؛ لأننا لا نشترط التساوي ، فالتمر سواءً كِلته أو وزنته جائز ، كذلك لو بعت أثواباً بأثواب ، فليس لها معيار شرعي .
ولماذا اشترط العلماء المعيار الشرعي عند اتحاد الجنس الربوي ؟ ؛ لتحقيق المساواة ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " مثلاً بمثل سواءً بسواء " ، ولا تتحقق هذه المثلية والمساواة إلا بالمعيار الشرعي .
الضابط العاشر :
« ما كان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أهل المدينة مكيلاً فهو مكيل ، وما كان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أهل مكة موزوناً فهو موزون إلى يوم القيامة »(1/99)
هذا الضابط أراد أن يبين لك ما هو الشيء الذي يُضبط بالكيل ، وما هو الشيء الذي يُضبط بالوزن .
يعني عندما تبادل ربوياً بجنسه نشترط المعيار الشرعي ، ما هو الشيء الذي معياره الكيل ؟ وما هو الذي معياره الوزن ؟
فنقول أن هذا الضابط تحته ضوابط :
1- جميع الحبوب مكيلات : وتشمل أشياءً كثيرة ( البر ، الشعير ، الذرة ، الدخن ، العدس ، ..... إلخ )
2- جميع المائعات مكيلات : ( الحليب ، الدهن ، اللبن ، العسل ، .... إلخ ) ، فعندما تبادل العسل بالعسل لابد أن تضبطه بالكيل ، وعندما تبادل ذرة بذرة لا بد أن تضبطها بالكيل .
3- جميع المعادن موزونات : مثل ( الحديد ، النحاس ، الصفر ، .... ) ، وهذا على المذهب، وإلا فعلى الصحيح : لا يجري الربا إلا في الذهب والفضة من المعادن – على كلام شيخ الإسلام – وما كان ثمناً للأشياء .
4- الشعر ونحوه من الموزونات : نحوه مثل ( الصوف ، الوبر ، الحرير ، القطن ، .... إلخ ) ، الأشياء التي تكون مادة للملابس ، هذه موزونة ليست مكيلة .
5- التمر ونحوه مكيل .
ما سبق من الضوابط تبين لك ما هو مكيل ، وما هو موزون .
الضابط يقول أن ما كان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - مكيلاً عند أهل المدينة فهو مكيل إلى يوم القيامة ، وأنت إذا تأملت المكيلات في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أهل المدينة تجد أنها الحبوب ، والمائعات ، وما كان موزونا عند أهل مكة فهو موزون إلى يوم القيامة ، كالمعادن ، والذهب ، والفضة.
ويدل لذلك : حديث ابن عمر { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " المكيال مكيال أهل المدينة ، والميزان ميزان أهل مكة " .
وقال بعض العلماء : الذهب والفضة موزونان ، والأصناف الأربعة الباقية مكيلة ، وما عدا ذلك نرجع فيه إلى العرف .
مبادلة كيس بر بكيس بر : لا يجوز ؛ لأن الجزاف لا يجوز أن يتبادل به في الربويات ، بل لابد من المعيار الشرعي .
الضابط الحادي عشر :(1/100)
« كلُّ ما حرم فيه التفاضل حرم فيه النسأ ، لا العكس »
النسأ : التأخير . ومتى يحرم التفاضل ؟ عند اتحاد الجنس ، فيحرم التأخير .
مثاله : ذهب بذهب : يحرم التفاضل - فلا تبيع 100غرام ذهب بـ 120غرام ذهب - ، فيحرم التأخير ، فلا يجوز لك أن تبيع ذهباً بذهب مؤجل ، لا العكس ، فقد يحرم التأخير لكن لا يحرم التفاضل ، فذهب بفضة : التأخير محرم ، فيشترط أن يكون يداً بيد ، لكن التفاضل ليس محرماً – فيصح أن تبيع 100غرام من الذهب بـ 200غرام من الفضة - .
الضابط الثاني عشر :
« الزيادة في الدين مقابل الأجل ربا »
وهذا هو ربا الجاهلية ، كان يُقرض الرجل ، وعند السداد يقول : إما أن توفي وإما أن تربي ، يُقرضه 100غرام من الذهب ، وعند السداد يقول : إما أن توفي وإما أن تزيد ، فالزيادة هنا مقابل الأجل ، هذا من الربا .
الضابط الثالث عشر :
« إذا تعذّر التساوي في الربوي من جنس واحد لسببٍ في الجنس أو لسببٍ خارج لم تصحّ المعاوضة »
لأنه إذا اتحد الجنس الربوي يشترط التساوي ، وأن يكون يداً بيد ، فإذا تعذر التساوي في الربوي من جنس واحد لسبب في الجنس أو سبب خارج لم تصح المعاوضة ؛ لأنه كما سلف يشترط في مبادلة الجنس الربوي بمثله : التماثل وأن يكون يداً بيد ، فإذا تعذر ذلك نقول أنه لا يصح .
مثاله : عندما تبيع خبز بر ببر : هنا يتعذر التساوي ؛ لأن البر يُكال لكن الخبز لا يمكن أن تكيله ، وسيأتي حكم ما إذا خرج الربوي عن الكيل أو الوزن بالصنعة ، هل يبقى على ربويته ؟ أو يصبح غير ربوي ؟ هذا موضع خلاف ، المهم أنك عندما تبادل خبز بر ببر نقول أن التساوي هنا متعذّر ؛ لأن البر يمكن أن تكيله ، لكن الخبز لا يمكن أن تكيله .
الضابط الرابع عشر :
« كل شيئين جمعهما اسم واحد من أصل الخلقة فهما جنس واحد ، فالجنس : ماله اسم خاص يشمل أنواعاً ، والنوع : هو الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها »
يراد من هذا الضابط تعريف الجنس ، وتعريف النوع .(1/101)
فالجنس : هو المتضمن لأشياء مختلفة بأنواعها .
والنوع : هو المتضمن لأشياء مختلفة بأشخاصها وأفرادها .
مثاله : البر جنس يتضمن أشياءً مختلفة بأنواعها ، فهناك نوع الحنطة ، ونوع اللقيمي ، ونوع المعية ، .... ، والتمر جنس يتضمن أشياءً مختلفة بأنواعها كالعجوة ، والسكري ، والبرحي ، .... ، هذه أنواع ، فالتمر جنس وهذه أنواع . لو فرضنا أن السكري تحته أنواع ، لسمينا السكري جنساً .
اللحم : جنس تحته أنواع : الإبل ، الغنم ، البقر ، .... إلخ .
الغنم : جنس تحته أنواع : الضأن ، المعز .
وأما النوع : فهو المشتمل على أشياء مختلفة بأشخاصها وأفرادها .
فمثلاً : الحنطة نوع من البر ، فالبر جنس ، والحنطة نوع ، عندنا كيس من الحنطة وآخر من الحنطة ، فهذا الكيس وهذا الكيس نوعهما واحد لكنها اختلفت بالذات ، أشخاصها مختلفة ، فهذا الكيس يسمى نوع . فالنوع هو المشتمل على أشياء مختلفة بأشخاصها وليست مختلفة بأنواعها ، وإذا اختلفت الأنواع فهذا جنس .
مثال آخر : التمر السكري ، عندنا كيس سكري وآخر سكري وكيس ثالث سكري ، تسمى الأكياس أنواعاً ، لماذا؟ ؛ لأنها مختلفة بأشخاصها وأفرادها .
وسبق أن ذكرنا أنه عند اتحاد الجنس لا ينظر إلى اختلاف النوع ، فعندما تبادل براً ببر لا تنظر إلى اختلاف النوع ، فعندما تبادل حنطة بمعية أو لقيمي لا بد أن يكون يداً بيد مثلاً بمثل ، وهكذا ، ومن باب أولى إذا اتحد النوع ، عندما تبادل هذا النوع من الحنطة بهذا النوع من الحنطة .
الضابط الخامس عشر:
« فروع الأجناس إذا بيعت بجنسها اشترط فيها التساوي في الصفة المقصودة بالعقد »
فدقيق البر إذا بيع بدقيق البر اشترط التساوي في النعومة ، فلا يجوز بيع صاع من دقيق البر بصاع من جريش البر ؛ لعدم التساوي .(1/102)
فعندما تبيع حنطة بحنطة ، أو معية بمعية ، ونحو ذلك كما سلف لا أثر لاختلاف النوع ، فاختلاف النوع عند اتحاد الجنس الربوي لا أثر له ، أو عندما تبع لحم ضأن بلحم معز ، هنا لا أثر لاختلاف النوع ، فيجب التساوي ، والحلول والتقابض .
الضابط السادس عشر :
« ما خرج عن القوت بالصنعة فليس بربوي ، بل هو جنس قائم بنفسه »
وهذا الضابط عند شيخ الإسلام ~ .
أما المشهور من المذهب : فهو أنه ليس على إطلاقه ، فله قسمان :
1- مبادلته بجنس آخر ( وإن كان أصلهما واحداً ) :فهذا جائز ، كمبادلة خبز بهريسة .
2- مبادلته بجنس مثله : كمبادلة خبز بخبز ، أو هريسة بهريسة ، فهنا نشترط التساوي .
المهم : هذا الضابط : إذا خرج عن الكيل بالصنعة ، وإذا خرج عن الوزن بالصنعة ، فهل يبقى على ربويته ؟ أو نقول انتقل عن ربويته ؟
عند شيخ الإسلام : ما خرج عن الكيل أو الوزن بالصنعة فإنه ليس بربوي ، حتى لو بيع بجنسه . مثلا لو خبزنا صاعاً من البر وبادلناهما بصاع بر لم يخبز ، فعند شيخ الإسلام تصح مبادلة الخبز بالبر ؛ لأنه يقول أن الذي خُبز أصبح غير ربوي ما دام أنه جرت عليه الصنعة ، حتى لو بعته بمثله – خبز بخبز – يرى أنها ليست ربوية ، فما دام دخلت عليه الصنعة فإنه ليس بربوي . ومثله الوزن – وشيخ الإسلام لا يرى العلة فيه ، فلا يرى أن الموزونات ربوية - ، كما لو بعت إناءً من الحديد بحديد ، فالحديد الآن لما صنعناه إناءً خرج عن كونه ربوياً ، فيصح أن تبيع هذا الإبريق من الحديد بهذا الحديد الخام ، سواءً كان بالتساوي أو بالتفاضل ، بالحلول أو بالتأجيل ، كله جائز . فشيخ الإسلام يرى أنه إذا خرج بالصنعة عن كونه ربوياً فإنه لا يجري فيه الربا .(1/103)
المشهور من المذهب : أن المكيل إذا خرج بالصنعة فإنه يبقى على ربويته ، فلا يصح أن تبادل براً بخبز ، ولا خبزاً بخبز إلا مع التساوي ، فالخبز بالخبز يصح لكن لا بد أن يتساويا في النشاف ، أما خبز ببر فلا يصح على المذهب ، وأما بالنسبة للموزون فيرون أن يخرج عن ربويته بالصنعة ، فعندما تُصَنِّع حدياً إبريقاً وحديداً آخر إبريقاً ، يقولون : يصح أن تبادل إبريقين بإبريق ، مع أنها كلها من الحديد ، فهم يفرقون بين الوزن وبين الكيل ، أما شيخ الإسلام فيرى أنه ما دام خرج بالصنعة عن كونه ربوياً – مكيلاً كان أو موزوناً – فإنه لا يحصل فيه الربا .
الضابط السابع عشر :
« لا أثر للصياغة المباحة عند المبادلة »
وهذا الضابط على خلاف ما يذهب إليه شيخ الإسلام ~ ، فهو يرى أن الصياغة لها أثر ، والجمهور يرى أن الصياغة ليس لها أثر ، فعندما تبادل ذهباً مُصَنَّعاً بذهب غير مُصنّع فلو كان هناك زيادة مقابل التصنيع فإنه ربا ولا أثر للصياغة .
ويدل لهذا : حديث فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - أنه اشترى قلادة بدنانير فيها خرز ، ولما فصلها وجد الزيادة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا ، حتى تفصل بينهما " ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " الذهب بالذهب وزناً بوزن ، والفضة بالفضة وزناً بوزن " فالصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه جمهور أهل العلم ، خلافاً لشيخ الإسلام ، وأن الصياغة ليس لها عبرة ، فكونك تريد مقابل الصياغة نقول : هذا غير جائز ، وتقع في الربا ، لأن الحديث صريح : " الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة مثلاً بمثل ، سواءً بسواء " .
الضابط الثامن عشر :
« مبادلة الربوي بجنسه ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسهما »
هذه يسميها العلماء ( مسألة مدّ عجوة ودرهم ) ، والعجوة نوع من أنواع تمر المدينة .
والمراد هنا : عندما تبادل ربوياً بجنسه – وانتبه للضابط – ومع أحدهما أو مع كل منهما من غير جنسهما .(1/104)
فمسألة مد عجوة ودرهم لها صورتان :
الصورة الأولى : أن تبادل ربوياً بجنسه ، ومع كلٍ منهما من غير جنسهما .
الصورة الثانية : أن تبادل ربوياً بجنسه ، ومع أحدهما من غير جنسهما .
مثال الصورة الأولى : مبادلة مد عجوة تمر بمد عجوة تمر ، ومع كل منهما من غير جنسهما ، الأول معه درهم ، والثاني معه درهم . فالجمهور : لا يجوز ؛ لأنه حيلة على بيع الربوي بجنسه مع التفاضل ، وشيخ الإسلام : جائز إذا كان المد مقابل المد ، والدرهم مقابل الدرهم.
مثال الصورة الثانية : مد عجوة ومعه درهم ، بمدين من العجوة . الجمهور : لا يجوز ، بادلت مداً بمدين والمد الأول معه درهم ، والرأي الثاني : إذا كان المد مقابل المد ، والدرهم مقابل المد الآخر – ثمنه - ، فجائز ولا بأس به .(1/105)
ومن صورها اليوم : عندما تشتري حليّاً من الصائغ : تعطيه الحليّ القديم وتأخذ حليّاً جديداً ، يطلب منك الصائغ أن تزيد ، أو تعطيه 20غراماً وتأخذ 15غراماً جديداً مصنعاً ، هل هذا جائز ؟ هذا يدخل في مسألة مد عجوة ودرهم ؛ لأنك بادلت ربوياً بجنسه ومع أحدهما الدراهم الزائدة من غير جنسهما ، فالجمهور على أنه جائز ، وشيخ الإسلام يقول أن الزيادة إن كانت مقابل الصنعة فجائز ، والصواب في هذه المسألة أنه غير جائز ؛ لأن الحديث كما ذكرنا صريح : " الذهب بالذهب وزناً بوزن ، والفضة بالفضة وزناً بوزن مثلاً بمثل " ، وقصة حديث فضالة - رضي الله عنه - لما اشترى القلادة من الذهب وفيها خرز بدنانير قال - صلى الله عليه وسلم - : " لا ، حتى تفصل بينهما " ، فالصحيح أنه عندما تبادل ربوياً بجنسه لا يصح أن يكون هناك زيادة ، بل لابد أن يكون مثلاً بمثل بالوزن ، ولا أثر للصناعة والصياغة ، كما قلنا بالنسبة للنوع لا أثر له . والطريق : تبيع القديم وتقبض الدراهم ، وتشتري جديداً ، لكن بعض الصّاغة يشترط ( أشتري منك بشرط أن تشتري مني ) ، نقول : هنا وقعت في الربا ، يعني أنك بادلت ذهباً بذهب مع الزيادة ؛ لأن الشرط أن تبيع عليه وتشتري منه ، هذا كأنك بادلت ذهباً بذهب مع الزيادة ، لكن كما قال الإمام أحمد ~ أنك تبيع وتقبض الثمن ، ثم تبحث عن مكان آخر ، كذل ذلك بُعداً عن شبهة الربا ، فإذا لم تجد حاجتك إلا في هذا المكان فلا بأس أن ترجع إليه .
الضابط التاسع عشر :
« الشكّ في المماثلة كتحقّق المفاضلة »
إذا حصل شك في المماثلة ، فهذا كتحقق المفاضلة ، ولهذا قلنا عند مبادلة الربوي بجنسه : لا بد أن يكون بمعياره الشرعي ، فإذا كان هناك شكٌ هل حصلت المماثلة أم لم تحصل نقول : هذا كتحقق المفاضلة ، وبعبارة أخرى يقولون : " الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل " .
الضابط العشرون :
« قبض الشيك أو السند عند صرف العملات ، هل يقوم مقام العملة ؟ »(1/106)
هذه المسألة من النوازل ، وهي عندما تبادل ما يجب فيه التقابض ، مثلاً ذهب بريالات ، الآن اشتريت ذهباً ويجب أن تعطيه ريالات يداً بيد ؛ لأنه عندما يتفق الربويان في العلة نشترط أن يكون يداً بيد ( التقابض ) ، لكن أعطيته بدل الريالات شيكاً ، هل هذا الشيك يقوم مقام الريالات ؟ أو مثلاً أخذت منه ريالات وأعطيته شيكاً، هل يقوم هذا الشيك مقام التقابض ؟ ... خلاف بين أهل العلم المتأخرين :
فبعض العلماء : يرى أن هذا الشيك يقوم مقام الريالات ، فعرف الناس أنهم يثقون بهذه الشيكات في الغالب ويتبايعون بها ، فهي تقوم مقام الدراهم ، فعندما تشتري ذهباً وتعطيه الشيك فهذا جائز .
والرأي الثاني : أن مثل هذه الشيكات لا يقوم مقام الدراهم ، فعندما تشتري ذهباً أو فضة ، أو تشتري جنيهات بريالات سعودية ، لا يكفي أن تعطيه شيكاً ؛ لأن هذا الشيك لا يقوم مقام التقابض ؛ بدليل : أن هذا الشيك لو ضاع أو احترق ، هل يرجع على من أعطاه أو لا يرجع ؟ يرجع ، هذا يدل على أنه ما قبض ، لكن في حال الدراهم ، لو أخذت منه ذهباً وأعطيته 1000ريال فضاعت الألف أو احترقت هل يعتبر قبضاً ؟ نعم ، يعتبر قبضاً ، فهل يرجع على المشتري أو لا يرجع ؟ لا يرجع ، لكن الشيك يرجع عليه، فهذا يدل على أن هذا الشيك لا يقوم مقام الدراهم .
الرأي الثالث : التفصيل في المسألة ، وأن الشيك إذا كان مُصدَّقاً فإن هذا جائز ولا بأس به ، وإن كان غير مُصدَّق فإنه غير جائز ؛ لأنه إذا كان مُصدَّقاً فالثمن مضمون ومحجوز ، وهذا أقرب .
قال المؤلف : « يحرم ربا الفضل والنسيئة ، فلا يباع مكيل بجنسه ، ولا موزون بجنسه ، إلا مثلاً بمثل يداً بيد »
تقدّم الكلام عليه ، وقلنا : إذا اتحد الجنس الربوي فإنه يشترط شرطان :
1- التساوي والتماثل . ... ... ... 2- الحلول والتقابض .
قال المؤلف : « ولا يباع مكيل بجنسه وزناً ولا جزافاً »(1/107)
وهذا تقدم الكلام عليه في الضوابط ، وقلنا بأنه عند اشتراط التساوي فإنه يشترط أن يكون التساوي بالمعيار الشرعي ، ولهذا قال : « ولا يباع مكيل بجنسه وزناً » ، فالمكيل يباع بجنسه كيلاً لا وزناً ، قال : « ولا يباع موزون بجنسه كيلاً .. » ، فالموزون معياره الشرعي الوزن ، « ولا جزافاً » بلا تقدير ، مثلاً : كيس البر هذا بكيس البر هذا ، كيس الرز بكيس الرز ، لا يجوز ، فلابد أن تضبطه بالمعيار الشرعي ما دام أنه اتحد في الجنس الربوي .
قال المؤلف : « وإن اختلف الجنس كَبُرٍّ بشعير جاز كيلاً ووزناً وجزافاً »
يعني إذا لم نشترط التساوي فبِع كيف شئت ، قدِّر بالكيل ، قدِّر بالوزن ، بِع جزافاً ، كله جائز ، فإن اختلف الجنس فبع كيف شئت ؛ لأننا لا نشترط التساوي .
بر بشعير : قدِّر بالوزن ، قدِّر بالكيل ، بِع جزافاً ...
رز بريالات : قدِّر الرز بالوزن ، بالكيل ، بِع جزافاً .. كله جائز .
تمر بريالات : قدِّر كيف شئت ، كيلاً أو وزناً أو جزافاً ، كله جائز .
قال المؤلف : « ولا يصح بيع لحم بحيوان من جنسه »
عندما تبادل لحماً بلحم ويتحد الجنس ، فلابد أن يكون يداً بيد مثلاً بمثل .
مثل : لحم ضأن بلحم ضأن : لابد أن يكون مثلا بمثل ، يداً بيد .
لكن عندما تبادل حيواناً بلحم من جنسه ، بادلت بقرة بلحم بقر ، بادلت بعيراً بلحم بعير ، ضأناً بلحم ضأن ، .... فهل هذا صحيح ؟ أو ليس بصحيح ؟
المؤلف : ليس صحيحاً ، فلو بادلت ضأناً بـ 20كيلو من الضأن لا يصح ، لماذا ؟ ؛ لأن الصورة كأنك بادلت لحم ضأن بلحم ضأن ، وهذا الحيوان لا ندري كم كيلو فيه ، واللحم 20كيلو ، فيقول : لا يجوز ، وورد في حديث مرسل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع اللحم بالحيوان .(1/108)
الرأي الثاني : أن هذا جائز ، لا بأس أن تبيع حيواناً بلحم من جنسه ؛ لأن الحيوان هذا ليس موزوناً ، انتفت منه العلة ، فهو معدود الآن ؛ لأنه تقدم لنا أن العلة هي الكيل مع الطعم أو الوزن مع الطعم على رأي شيخ الإسلام ، فقالوا أن العلة هنا انتفت ، فالحيوان هنا معدود ، انتفت العلة من أحد العوضين ، فبِع كيف شئت .
الرأي الثالث : رأي شيخ الإسلام : التفصيل في المسألة ، فإن كان البيع بقصد اللحم فلا يجوز ، فإذا بادل ضأناً بلحم ضأن بقصد اللحم ، فيأخذ الضأن قاصداً لحمه فلا يجوز ، وإذا كان ليس مقصوده اللحم ، بل يقصد أن يستفيد من لبنه ، أو أن يربيه ويستفيد من نسله ونحو ذلك ، فهذا جائز . وهذا التفصيل هو الأقرب في هذه المسألة .
وقوله : « بجنسه » لو بعت حيواناً بلحم من غير جنسه ، فهذا جائز ولا بأس به ، بعت ضأناً بلحم بقر أو لحم إبل ، فهذا جائز .
قال المؤلف : « ولا بيع حب بدقيقه أو سويقه »
هنا تعذّر التساوي ، وتقدم في الضوابط أنه إذا تعذّر التساوي فلا يصح ، فحب بدقيقه مطحون لا يمكن التساوي هنا ، وتقدم أنه إن تعذر التساوي في الجنس فلا يجوز ، فعندما يبيع صاع بر ببر مطحون لا يمكن التساوي ؛ لأنه عندما يطحن هذا البر لا يمكن أن يكون هناك تساوي ، فيكون المطحون أكثر من الحب ، فصاع طحين بصاع بُرٍّ حبّ ، قطعاً يكون المطحون أكثر من الحب ، فهنا التساوي متعذّر ، وإن جعلت صاعاً من الحب بنصف صاع من الطحين لم يحصل التساوي . « أو سويقه » يعني الحب المحموس ، عندك حبٌّ غير محموس ، وسويق حُمس ، فهنا يتعذر التساوي ؛ لأن النار تأخذ من الحب ، فالتساوي بين الحب المحموس والحب غير المحموس متعذّر ، فلا يصح .
قال المؤلف : « ولا نيّه بمطبوخه » كما تقدم ..(1/109)
بر بخبز : لا يصح ؛ لأنه يتعذر التساوي ؛ لأن النار تعقد أجزاء المطبوخ ، لكن كما سلف أن شيخ الإسلام يرى أنه إذا خرج عن القوت بالصنعة لا يكون ربوياً ، لكن على كلام المؤلف هو ربوي ، فلا يصح أن تبادل بُرّاً بخبز بُرّ .
« ولا خالصه بمشوبه » مثلاً بر ببر فيه شعير ، هذا داخل تحت الضابط الذي سبق ، وهو أنه إذا تعذّر التساوي فلا يصحّ ، وقد يكون التعذّر في التساوي من نفس الجنس ، وقد يكون تعذّر التساوي من خارج الجنس ، وهنا تعذّر التساوي من الخارج ، فعندما تبادل بُرّاً ببرّ مشوب بشعير نقول أنه لا يصحّ ؛ لأن التساوي هنا غير ممكن ، فلا بد أن تزيل هذا الشعير الزائد .
باب بيع الأصول والثمار
" من باع داراً شمل أرضها "
تقدم لنا من باع داراً ماذا يشمل ؟
وذكرنا أنه يشمل أموراً :
الأمر الأول : الأرض ، وذكرنا أنه يشمل الأرض إلى الأرض السابعة ، وذكرنا الدليل على ذلك وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم :( من ظلم قيد شبر طُوِّقَه من سبع أرضين ) ، وذكرنا ما يترتب على هذا .
الأمر الثاني : الهواء إلى السماء ، وذكرنا ما يترتب على هذا .
الأمر الثالث : قال المؤلف رحمه الله تعالى :
" وبناءها "
هذا الأمر الثالث فإذا باع داراً فإنه يشمل البناء .
" وبابها المنصوب وسلماً ورفاً منصوبين وخابية مدفونة "
هذا الأمر الرابع مما يشمله البيع .
فالأمر الرابع : ما كان متصلاً بهذه الدار فالبيع يشمله .
فمثلاً ذكر المؤلف رحمه الله : الباب المنصوب متصل ، والرف متصل ، لأنه يكون مثبتاً بالحائط ، ومثل ذلك اليوم بعض الأدوات الكهربائية مثل : المراوح تدخل في البيع وآلات التكييف تدخل في البيع لأنها متصلة ومثل الآلات التي تكون للماء تدخل في البيع لأنها تكون متصلة .
" دون حبل ودلو وبكرة ومفتاح وكنز ونحوها "
هذا الأمر الخامس : المنفصل هل يدخل أو لا يدخل ؟(1/110)
المؤلف رحمه الله يقول : المنفصل لا يدخل في البيع ، فمثلاً إذا كان في هذا البيت آلة تبريد كالثلاجة أو آلة غسيل أو كتب أو فرش أو أواني منفصلة ، نقول : لا تدخل في البيع إلا إذا كان هناك شرط لفظي أو عرفي ، فالمسلمون على شروطهم .
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن هذه الأشياء المنفصلة لا تدخل في البيع ولو كانت تابع المتصل ، كالمفتاح إذا بعت البيت ، هل هو للبائع أم للمشتري ؟
على كلام المؤلف : للبائع لأنه منفصل ، وهو يقول الذي يدخل في البيع الأشياء المتصلة ، أما الأشياء المنفصلة ولو كانت تابعة لمتصل فإنها لا تدخل في البيع .
هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والصواب في هذه المسألة : أن المنفصل إذا كان تابعاً لمتصل فإنها تكون داخلة في البيع وعلى هذا عرف الناس .
فمثلاً المفتاح منفصل لكنه تابع لمتصل وهو الباب ، فنقول بأنه داخل في البيت .
فتلخص لنا : الذي يدخل في بيع الدار ، الأرض والهواء والبناء ، ما كان متصلاً بها ، أما المنفصل لا يدخل إلا إذا كان تابعاً لمتصل ، هذه خمسة أمور .
بقينا في الأمر السادس والسابع ، وهو إذا كان فيها غراس أشجار أو كان فيها زروع هل تدخل أو لا تدخل ؟
الأمر السابع : إذا كان فيها أشجار كشجر النخيل ، البرتقال ، التفاح ، الزيتون ، ونحو ذلك ، فهل هي داخلة في البيع أو ليست داخلة ؟
نقول : نعم داخلة في البيع لأن الأشجار تبقى وتدوم .
الأمر الثامن : الزروع ، والزروع تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول ك ما يحصد مرة واحدة مثل البر والشعير والرز ، فنقول : الذي يحصد مرة واحدة هذا لا يدخل في البيع يكون للبائع .
فإذا كانت هذه الدار فيها فناء وزرع فيها شعير أو رزاً أو براً ونحو ذلك ، فنقول إذا كان يحصد مرة واحدة فإنه لا يدخل في البيع ويكون للبائع ، إلا إذا شرط المشتري ، فالمسلمون على شروطهم .(1/111)
القسم الثاني من أقسام الزروع : الزروع التي تجزُّ مرة بعد مرة وتلقط مرة بعد مرة ، كالبرسيم والكراث .
والذي يلقط مثل : الطماطم ، والخيار .
فما يجز مراراً ويلقط مراراً أصوله للمشتري وأما الجزة واللقطة الظاهرة المتهيأة للحصد تكون للبائع .
فتلخص لنا : إذا باع داراً ونحوها أنه يدخل فيها هذه الأمور السبعة ، وهذا ليس خاصاً بالبيع مثلاً لو وقف الدار قال : هذا البيت وقفاً لله عز وجل ، فنقول يشمل هذه الأشياء ، فالأشياء المتصلة تكون داخلة في الوقف ، أما الأشياء المنفصلة كالأواني ونحو ذلك ، نقول ليست داخلة في الوقف .
والزروع والثمار والأشجار تكلمنا عليها ، ومثله لو باع أو وقف أو وهب أو أوصى ونحو ذلك فإنه يدخل فيه ما ذكر من الأمور .
هذا القسم الأول إذا باع داراً .
" وأرضاً شمل غراسها وبناءها وإن لم يقل بحقوقها دون زرع نحو بر وشعير ، ويبقى لبائع وإن كان يجز أو يلقط مراراً فأصوله لمشتر وجزه ولقطة ظاهرتان عند بيع لبائع "
هذا القسم الثاني .
القسم الثاني : إذا باع أرضاً ، فنقول يشمل أمور :
الأمر الأول : القرار إلى الأرض السابعة كما سلف .
الأمر الثاني : الهواء إلى السماء الدنيا .
الأمر الثالث : ما كان متصلاً فيها من بناء ونحو ذلك .
الأمر الرابع : الأشياء المنفصلة ، هل هي داخلة أو ليست داخلة ؟
ليست داخلة إلا إذا كانت تابعة لمتصل على الصحيح ، فلا تدخل في البيع ولا الوقف ولا الهبة ولا الوصية إلا إذا كانت تابعة لمتصل تكون داخلة ، مثل مفتاح الدار ، الرحى ، والرحى قسمان :
رحى تحتاني يكون متصلاً ، ورحى فوقاني يكون منفصلاً ، وهم يقولون بأن الرحى التحتاني متصل داخل في البيع ، والرحى الفوقاني منفصل ليس داخل في البيع .
والصواب في ذلك : أنه داخل في البيع فمادام أن المنفصل تابعاً لمتصل .
بقي فيما فيها من أشجار وغراس ، نقول هذا داخل .
الأمر الخامس : الأشجار داخلة في البيع .(1/112)
الأمر السادس : الزروع ، وذكرنا أن الزرع قسمان :
القسم الأول : زرع يجز مرة واحدة مثل البر والشعير والرز ونحو ذلك ، فهذا يكون للبائع ، وله أن يبقيه إلى الحصاد ، إلا إن اشترط المشتري وقال ما فيها من الزرع لي فالمسلمون على شروطهم .
القسم الثاني من أقسام الزروع : أن يكون هذا الزرع مما يجز مراراً أو يلقط مراراً كالبرسيم ونحوه ، أو يلقط مراراً كالطماطم ونحوه ، فهذا نقول الجزة واللقطة الظاهرة تكون للبائع المتهيأة للأخذ ، فنقول للبائع خذها ، وأما الأصول فإنها تكون للمشتري ، أما الجزة واللقطة التي لم تظهر فهذه تكون للمشتري .
" إن لم يشترط مشتر "
فإذا اشترط مشتر فالمسلمون على شروطهم .
" ونخلاً تشقق طلعه فلبائع مبقي إلى جذاذه ، مالم يشترطه مشتر "
هذا القسم الثالث .
القسم الثالث : إذا باع شجراً ، القسم السابق إذا باع الأرض وقد يكون في الأرض أشجار ، لكن هنا باع الشجر دون الأرض .
مثلاً : باع أشجار النخيل ، البرتقال ، التفاح ، الزيتون ونحو ذلك دون الأرض ، ماذا يشمل إذا باع هذا الشجر ؟
نقول يشمل أموراً :
الأمر الأول : يشمل ذات الشجر ، يعني ما فيها من جريد وأغصان وورق ونحو ذلك .
الأمر الثاني : الأرض هل هي داخلة أو لا ؟
نقول ليست داخلة .
البقعة التي فيها هذه الشجرة ، نقول : ليست داخلة في البيع وليست داخلة في الوقف ، ويترتب على ذلك أنها لو بادت وهلكت لا يملك المشتري أن يغرس مكانها أخرى .
الأمر الثالث : الثمر إذا كان فيها ثمر .
قال المؤلف رحمه الله :
" تشقق طلعه فلبائع مبقي إلى جذاذه "
يقول المؤلف : الثمر إذا كان تشقق طلعه ، تشقق أكمامه ، فالنخل الآن تخرج له أكمام ثم تتشقق هذه الأكمام ، فنقول : إذا كانت الأكمام تشققت فالثمرة تكون للبائع ، وإن كان الطلع والكم لم يتشقق حتى الآن فالثمر يكون للمشتري ، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .(1/113)
الرأي الثاني : ما ذهب إليه الشافعي واختاره شيخ الإسلام رحمهم الله : أن العبرة ليست بالتشقق ، العبرة بالتأبير بالتلقيح لأن هذا هو الذي نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، قال عليه الصلاة والسلام :( من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع ) .
فنقول إذا كان البائع قد أبرها ، يعني لقحها فله ثمرتها ، وإن كان لم يؤبر ، فالثمرة تكون للمشتري .
وهذا القول هو الصواب .
أما بالنسبة لبقية الأشجار فالعبرة بظهور الثمرة .
والحنابلة طردوا هذه المسألة : جعلوا العبرة بالظهور مطلقاً في النخيل وفي غيرها .
فمثلاً شجر الموز وشجر البرتقال العبرة بالظهور ، فما ظهر يكون للبائع ، ومالم يظهر يكون للمشتري .
والصحيح : يتوقف على الدليل ، فنقول : أما النخيل فالعبرة بالتأبير ، وأما غير النخيل فالعبرة بالظهور ، ولهذا قال المؤلف رحمه الله :
" مالم يشترطه مشتر "
فلو قال المشتري الثمرة لي فالمسلمون على شروطهم .
" وكذا شجر عنب وتوت ورمان ونحوه "
يعني شجر العنب إذا ظهرت الثمرة تكون للبائع الذي لم يظهر للمشتري ، التوت مثله والرمان .
" وما خرج من نوره كمشمش "
يعني من زهره كالمشمش إذا خرج من الزهر يكون للبائع إلا أن يشترط المشتري .
" أو أكمامه كورد وقطن "
للبائع .
" وما قبل ذلك فلمشتر كورق "
يعني الورق يكون للمشتري .
فتلخص لنا إذا باع شجراً ، ذات الشجرة ، الأرض ، الثمرة .
فذات الشجرة تكون للمشتري .
والأرض البقعة للبائع .
بالنسبة للثمرة نقول الثمار تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : ثمر النخيل ، العبرة بالتأبير فما أبر فللبائع ، وما لم يؤبر فهو للمشتري .
والقسم الثاني : ما عدا ذلك من الأشجار فالعبرة بالظهور ، فما ظهر فللبائع وما لم يظهر فللمشتري .
" ولا يباع ثمر قبل بدو صلاحه "
هذا القسم الرابع .(1/114)
القسم الرابع : بيع الثمار ، فالمؤلف رحمه الله : يتدرج بدأ ببيع الدور ثم الأراضي ثم الأشجار ثم شرع في بيع الثمار .
أراد الآن أن يبيع الثمرة دون الشجرة ، هذه النخيل الآن عليها ثمر ، فالآن أريد أن أبيع الثمر ، أشجار البرتقال فيها ثمار ، أريد الآن بيع ثمرة البرتقال ، ثمرة التفاح ، الموز ، التوت .
نقول يقول المؤلف رحمه الله : لا يباع ثمر قبل بدو صلاحه ، فبيع الثمرة قبل بدو الصلاح هذا لا يجوز .
وإن كان بعد بدو الصلاح فجائز .
وسيأتي ضابط بدو الصلاح .
والخلاصة في ذلك : ضابط بدو الصلاح يختلف النخيل عن بقية الأشجار ، فالنخل إن تحمر أو تصفر ، فإذا بدا فيها الاحمرار ولو بسرة واحدة يجوز أن تبيع ، وأما بقية الأشجار مثل البرتقال والتفاح والموز ونحو ذلك أن تنضج وتطيب ، فإذا نضجت وطابت وصلحت للأكل جاز لك أن تبيع .
فلا يجوز بيع الثمرة قبل بدو الصلاح ، ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم :( نهى أن تباع الثمار قبل بدو صلاحها نهى البائع والمبتاع ) .
وبدو الصلاح أشرنا إليه .
واستثنى العلماء رحمهم الله من هذه المسألة ثلاث مسائل : فلا يجوز بيع الثمرة قبل بدو الصلاح إلا أنه يستثنى من ذلك ثلاث مسائل وسيأتي بيانها .
" ولا زرع قبل اشتداد حبه "
هذا القسم الخامس .
القسم الخامس : بيع الزرع ، لا يجوز لك أن تبيعه قبل أن يشتد ، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحب حتى يشتد .
فإذا أراد أن يبيع البر ، عنده مزرعة وفيها بر ، شعير ، أرز ، ( نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الحب حتى يشتد ) ومعنى يشتد : يقوى ، تكون الحبة قوية صلبة ، إذا ضغطتها لا تنضغط ، فإذا كانت الحبة صلبة قوية يصح لك أن تبيعها ، وقبل ذلك لا يصح أن تبيعها حتى تشتد .
" ولا بقل وقثاء ونحوه دون أصله "
هذا القسم السادس .
القسم السادس : البقول والخضروات ونحوها .(1/115)
المؤلف رحمه الله : لا يصح لك أن تبيعها دون أصلها ، وهذه البقول والخضروات تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : البقول والخضروات التي تكون مستترة في الأرض مثل الجزر ، البطاطس ، البصل .
المؤلف وأكثر العلماء : لا يجوز لك أن تبيعها وهي مستترة في الأرض حتى تنبشها وتخرجها أو تبيعها مع أصلها مع الأرض .
الرأي الثاني : أنه لا بأس أن تبيعها وهو رأي الإمام مالك واختاره شيخ الإسلام وابن القيم : إن الأشياء المستترة في الأرض يجوز لك أن تبيعها وما ظهر منها يدل على ما بطن منها .
وهذا القول هو الصواب .
لأننا إذا قلنا لابد أن تنبشها وتخرجها ربما أدى ذلك إلى فسادها وخصوصاً في مثل وقتنا الآن كان في الزمن الأول تكون المساحات يسيرة أما الآن في زماننا فالمساحات كبيرة ، فإذا قلنا لابد أن تخرج وتنبش هذا يؤدي إلى فسادها .
هذا القسم الأول : أن يكون المقصود فيها مستتراً في الأرض .
القسم الثاني : أن يكون المقصود منها ظاهراً مثل الذي يجز ويلقط ، فهذا يقولون : لك أن تبيع الجزة الظاهرة واللقطة الظاهرة المتهيأة للأخذ .
المشهور من المذهب : يقولون أن الشيء المتهيء للأخذ لك أن تبيعه ، أما الذي ليس متهيئاً للأخذ فإنه ليس لك أن تبيعه .
الجزة الظاهرة واللقطة الظاهرة المتهيأة للأخذ تبيعه ، المعدوم ليس لك أن تبيعه .
وعلى هذا لا تبيع جزتين ثلاث جزات .
لو قلت البرسيم أبيعك منه جزتين أو ثلاث جزات ، يقولون : لا البرسيم تبيع الجزة الظاهرة فقط ، الطماطم تبيع اللقطة الظاهرة فقط .
أما ما عدا ذلك فإنه ليس لك ذلك ، وهذا هو المشهور من المذهب .
والرأي الثاني : أنه لا بأس أن تبيع جزتين أو ثلاث جزات ، لقطتين أو ثلاث لقطات .. إلخ .
وهذا ما ذهب إليه بعض الحنابلة ورجحه ابن القيم رحمه الله ، وهو الصواب في هذه المسألة .
" إلا بشرط قطعه في الحال أو جزه جزة أو لقطه لقطة "(1/116)
تقدم أن المؤلف رحمه الله ذكر أنه لا يصح بيع الثمار قبل بدو صلاحها ولا بيع الزروع قبل اشتدادها ، وأما المستتر في الأرض فأمره ظاهر عندهم لا يصح بيعه إلا مع أصله أو نبشه ، كذلك ما يلقط مراراً أو يجز مراراً تبيع الظاهر فقط ماعدا ذلك ليس لك أن تبيعه ، هنا استثنوا ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : إذا كان بشرط القطع في الحال ، يقولون صحيح ولا بأس به ، يعني إذا بعت الثمرة قبل بدو صلاحها لنفرض ، باع البرتقال وهو أخضر أو ثمر النخيل وهو أخضر ، فيقولون إذا كان بشرط القطع في الحال فلا بأس .
أو ما يلقط مراراً أو يجز مراراً وهو غير ظاهر غير متهيئ للأخذ فيقولون إذا كان بشرط القطع في الحال جائز .
المسألة الثانية : إذا باعه على مالك الأصل فإن هذا جائز ولا بأس به .
مثاله : هذا رجل يملك النخيل ، والآخر يملك الثمار ، ثمرة النخيل ، ولنفرض أن هذا الرجل يملك النخيل وزيد من الناس يملك ثمرة النخيل – لأن أبا الرجل أوصى بهذه الثمرة لزيد – قال زيد يأخذ الثمرة هذا العام ، ومات وورثه ابنه فورث هذه النخيل ، فيقولون : يصح لمن يملك الثمرة أن يبيعها قبل بدو صلاحها على شخص يملك الأصل .
أو هذا له الزرع وهذا له الأرض ، فيصح أن تبيع الزرع قبل اشتداده على مالك الأصل ، ومثله ما يلقط يصح أن تبيعه على مالك الأصل .
والصحيح : أنه لا يصح لعموم النهي لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ) ( ونهى عن بيع الزروع حتى تشتد ) .
فنقول هذا الاستثناء الصحيح : أنه لا يصح .
المسألة الثالثة : إذا باعه مع الأصل فإن هذا صحيح .
لو بعت النخيل هي وما عليها من الثمر أو المزرعة وفيها نخيل وفيها أشجار وهذه الأشجار حتى الآن لم يبدو صلاحه ، هل يصح ذلك ؟
نقول يصح إذا بعته مع الأصل ، فهذا يصح .
أو بعت الأرض والأرض فيها زرع حتى الآن لم يشتد ، نقول أن هذا صحيح .
والقاعدة { أنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً } .(1/117)
" وحصاد ولقاط على مشتر "
المشتري إذا اشترى الزرع بعد اشتداده فإن الحصاد عليه ، وكذلك إذا اشترى الثمر الذي يلقط مرة بعد مرة مثل الطماطم والخيار .
تقدم كيفية بيع ما يلقط مرة بعد مرة ، فإذا اشترى هذا الذي يلقط مرة بعد مرة فإن اللقط يكون على المشتري ، فحصاد الزرع ولقاط الثمر ، ومثله جذاذ الثمر إذا اشترى ثمر النخيل بعد بدو الصلاح فإن جذاذه هذا الثمر يكون على المشتري .
والعلة : أن هذا نقل لملكه وتفريغ لملك البائع ، ما لم يكن هناك شرط لفظي أو عرفي ، فالمسلمون على شروطهم .
لكن إذا لم يكن هناك شرط فما يتعلق بالحصاد والجذاذ واللقاط كلها على المشتري ، لما ذكرنا من العلة .
" وإن اشترى ثمراً لم يبد صلاحه بشرط القطع ثم تركه حتى زاد أو رطباً عرية وتركه حتى أثمر بطل البيع "
تقدم أن الثمر لا يصح البيع حتى يبدو صلاحه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمبتاع .
فمثلاً : إذا اشترى ثمر النخيل ولم يبدو صلاحها – لم تحمر ولم تصفر – فالبسرة خضراء ، هذا لا يصح ، إلا أننا ذكرنا ثلاث مسائل :
الأولى : إذا باعه بشرط القطع .
الثانية : إذا باعه على مالك الأصل .
الثالثة : إذا باعه مع الأصل .
وذكرنا أنه في مسألتين يصح وأما في مسألة لا يصح .
فيصح إذا باعه بشرط القطع ، فهذا لا بأس ، فإذا بعت الثمرة قبل بدو صلاحها فالبرتقال أخضر والموز أخضر أو التفاح لم يبدو صلاحه نقول لا بأس بشرط القطع أو بعته مع الأصل بعت الثمرة مع النخيل جاز ولا بأس به .
لكن لو بعته على مالك الأصل نقول أن هذا لا يصح .
فإذا باعه قبل بدو صلاحه بشرط القطع في الحال ، والمشتري يستفيد منه بأن يجعله علفاً ونحو ذلك ثم تركه حتى بدا صلاحه ، نقول أن البيع يبطل ، ولهذا قال المؤلف رحمه الله : حتى زاد .... بطل البيع .
والعلة في بطلان البيع : لئلا يكون ذلك ذريعة لبيع الثمرة قبل بدو صلاحها .(1/118)
يعني يشتري الثمر الأخضر الذي لم يبدو صلاحه بشرط القطع ثم يتحيل على ذلك ويتركه حتى يبدو صلاحه ، فالشارع سداً لهذه الحيلة أبطل البيع .
ومثله قال المؤلف رحمه الله : أو رطباً عرية وتركه حتى أثمر بطل البيع .
تقدم لنا مسألة العرايا وأنها مستثناة من مسألة المزابنة ، وأن الإنسان إذا باع ربوياً بجنسه فلابد أن يتفقان في الرطوبة واليبوسة فكونك تبيع ثمر رطب بثمر يابس هذا ربا .
وذكرنا أن مسألة العرايا مستثناة ، يعني يشتري الرطب على رؤوس النخل بالثمر اليابس ، يشتري الرطب على رؤوس النخل بمثل ما يؤول إليه إذا جف ليلاً .
يشتري الرطب على رؤوس النخل بثمر يابس ويقدر الرطب كم يساوي إذا جف فإذا كان يساوي مائة صاع يعطيه من اليابس مائة صاع .
هنا تحقق المساواة منتفي .
فجاز مثل هذا العمل مع أن تحقق المساواة منتفي فأنت تبيع رطب فقد يصير مثل اليابس ، وقد يصير أقل وقد يصير أكثر فجاز هنا للحاجة .
لأن الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا العمل هم فقراء الأنصار الذين ليس عندهم دراهم يشترون رطباً ، لكن عندهم ثمر يابس من العام الماضي ، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يرخص لهم أن يشتروا بالثمر اليابس رطباً ، فرخص النبي صلى الله عليه وسلم .
فإذا عمل هذا العمل واشترى بالثمر اليابس رطباً ثم تركه حتى ييبس فإن هذا لا يجوز ، لأنه رخص له أن يعمل هذا العمل لكي يتفكه ويأكل مع الناس رطباً ، أما إذا تركه ييبس لا يجوز ، ولهذا قال المؤلف رحمه الله : أو رطباً عرية وتركه حتى أثمر .
يعني حتى أصبح يابساً ، نقول لا يجوز .
" لا إن حدث مع مشتراة بعد صلاحها ثمرة أخرى "
يعني إذا اشترى الثمر بعد بدو صلاحه ثم حدثت مع الثمرة ثمرة أخرى ، مثلاً : اشترى الطماطم بعد بدو الصلاح وسيأتي ضابط الصلاح ، ثم حصلت مع هذه الثمرة ثمرة أخرى ، فهل هذا يقتضي بطلان البيع أو لا يبطل ؟(1/119)
نقول أن البيع لا يبطل لعدم ما يقتضي ذلك ، ولهذا قال المؤلف رحمه الله :
" ولو اشتبهت "
يعني لم تتميز الحادثة بالمشتراة .
" ويصطلحان "
يعني المالك والمشتري يصطلحان كم يكون للمشتري ، مثل يكون للمشتري تسعين بالمائة ، والبائع الذي حدث له عشرة بالمائة .
" وما بدا صلاحه جاز بيعه مطلقاً ويشترط التبقية "
يعني الثمرة إذا بدا صلاحها يجوز أن تبيعها مطلقاً ويجوز أن تشترط التبقية ، ولو لم تشترط التبقية فإن لك الحق في أن تبقي ، لأن هذا هو عرف الناس ، إذا اشترى الثمرة بعد بدو صلاحها فله أن يبقيها إلى وقت أخذها .
فمثلاً : يشتري ثمرة النخل بعد أن تحمر أو تصفر ، فإذا بدأ بها الاحمرار أو الاصفرار حتى الآن لم يحن وقت الأخذ ، فللمشتري أن يبقي هذه الثمرة حتى يأتي وقت أخذها ، وقت الجذاذ ، ولو لم يشترط ، وإذا اشترط أن يبقيها نقول هذا من الشروط التي يقتضيها العقد .
وتقدم في البيع أن الشروط في العقد أقسام :
ما يقتضيه العقد شرط المصلحة ، شرط الصفة ، شرط المنفعة ، وهذا شرط يقتضيه العقد .
فلو أن المشتري لم يشترط أن يبقيه إلى وقت أخذه فله أن يبقيه إلى وقت أخذه ، لأنه كونه يأخذه في هذه الحالة هذا فيه إفساد له .
" وعلى بائع سقيه إن احتاجه ولو تضرر أصله "
باع الثمر ، ثمر النخيل بعد بدو الاحمرار والاصفرار ، نقول يجب على البائع أن يسقيه حتى لو حصل ضرر على الأصل ، لأن البائع يجب أن يسلمه كاملاً ، ولا يحصل تسليمه كاملاً إلا بسقيه حتى يأتي وقت أخذه .
" وإن تلف بآفة فعلى بائع "
اشترى الثمرة بعد بدو صلاحها وحتى الآن لم يأتي وقت الأخذ ، فتلفت الثمرة ، أصابت النخيل جوائح ، مثل : رياح أو جراد أو شدة حر أو شدة برد أو نحو ذلك من الآفات السماوية أتلفت المحاصيل ، هذه يسميها العلماء بمسألة ( وضع الجوائح ) ، فهل توضع الجوائح أو لا توضع ؟
فيه خلاف(1/120)
المشهور من مذهب الإمام أحمد ومذهب مالك رحمهما الله : أنها توضع الجوائح ، يعني إذا اشتريت ثمرة بعد بدو الصلاح وحتى الآن لم يأخذها المشتري فأصابتها جانحة ، فتكون على رأي الحنابلة والمالكية أنها تكون من ضمان البائع .
لحديث جابر في مسلم ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح ) .
وأيضاً في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا تأخذ منه شيئاً بم تأخذ مال أخيك بغير حق ) .
الرأي الثاني : رأي الشافعية والحنفية : تكون من ضمان المشتري .
واستدلوا بما في صحيح مسلم ( أن رجلاً ابتاع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تمراً فكثر دينه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم غرماؤه أن يخففوا عنه ) .
فقوله ( كثر دينه ) هذا يدل على أنه لا توضع الجوائح ، فلو كانت توضع لكان من ضمان الذي باع عليه وليس من ضمان هذا المشتري .
والجواب عن هذا سهل : نقول أن هذا الحديث ليس فيه نص أنه كثر دينه بسبب جائحة اجتاحت هذا الثمر .
والصحيح في ذلك : ما ذهب إليه الحنابلة والمالكية أنها توضع الجوائح ، لكن لهذا شروط :
الشرط الأول : أن لا يكون هناك تفريط من المشتري في أخذ الثمرة ، فلو أن المشتري ترك أخذ الثمرة بعد أوان الأخذ حتى أصابتها الجائحة فالضمان على المشتري فهو الذي فرط ، والواجب عليه أن يبادر بأخذها ، لكن التأخير اليسير الذي دل عليه العرف يتسامح فيه .
لكن لو أخر الأخذ حتى أصابته الجوائح ، نقول هذا هو الذي فرط .
الشرط الثاني : أن لا يكون يسيراً ، فإن كان يسيراً فهو من ضمان المشتري وليس من ضمان البائع ، فلو أن بعض الثمرة أصابتها جائحة أصابها عطش وأصبحت يابسة لا ينتفع بها نقول هذه يسيرة عرفاً فتكون من ضمان المشتري .
ولنفرض أنه لو كان في الطلع الواحد شمراخ أو شمراخان هذه الأمور اليسيرة عرفاً ، نقول من ضمان المشتري وليست من ضمان البائع .(1/121)
المالكية يحدونه بالثلث ، فيقولون : إذا كان أقل من الثلث فمن ضمان المشتري وإن كان الثلث فأكثر فمن ضمان البائع .
والصحيح : أن التحديد بالثلث يحتاج إلى دليل ، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح أمراً مطلقاً فالثلث وأقل من الثلث .
فالصحيح : لا يقيد بالثلث لأن التقييد بالثلث يحتاج إلى دليل .
الشرط الثالث : أن يكون ذلك في الثمار ، وهذا موضع خلاف ، هل هذا خاص بالثمار أو يشمل الثمار والزروع أو أنه يشمل الثمار والزروع وغيرهما ؟
الصواب : القول الثالث أنه يشمل الثمار والزروع وغيرهما ، لأن بعض العلماء رحمهم الله حده بالثمار وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة ، فلو اشترى براً بعد أن اشتد ولم يأخذه المشتري ثم جاءت رياح فأتلفته ، أو برد وثلج فأتلفه ، أو رز ونحو ذلك ، قبل أن يأخذه فهو ذهب ليحضر الحصاد لحصده ولم يتأخر ثم جاءت الرياح فأتلفته ، فعلى كلام الحنابلة يكون من ضمان المشتري .
والرأي الثاني : بعض الحنابلة يشمل الزروع والثمار وليس خاصاً بالثمرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح .
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : لا يحده بالزروع والثمار بل حتى في غير ذلك .
فالشارع أمر بوضع الجوائح فعلى كلام شيخ الإسلام رحمه الله ، لو أن شخصاً استأجر مكاناً لكي يبيع فيه وقبل أن يشرع في البيع احترق متاعه ، هل تلزمه بعقد الإجارة أو نقول له حق الفسخ ؟
له حق الفسخ لأن الشارع أمر بوضع الجوائح وهذا أصابته جائحة في ماله فلا تلزمه بالعقد فهو لن يستفيد ، ومثلاً : الجوائح التي تصيب المصانع والشركات هذه كلها على كلام شيخ الإسلام يقول بأن وضع الجوائح ليس خاصاً بالزروع والثمار .
" وبفعل آدمي يخير مشتر "
يعني إذا كان الذي أتلف آدمي الآن هو اشترى الثمرة أو الزروع ، نقول أنت بالخيار إن شئت أن تضمن هذا المتلف أو إن شئت ترجع على البائع .(1/122)
في الآفة السماوية يكون الضمان من البائع ، لكن بفعل الآدمي نقول للمشتري أنت بالخيار .
لماذا قلنا له أنت بالخيار ؟
لماذا لا نقول حتى إذا كان المتلف آدمياً فهو من ضمان البائع ، لماذا إذا كان بفعل آدمي تثبت الخيار للمشتري ؟
لأنه إذا أثبتنا له الخيار نقول أنت بالخيار إما أن تضمن البائع ، والبائع يرجع على المتلف ؟ أو تضمن المتلف ؟
فما الفائدة من أن المؤلف أثبت الخيار إذا كان الإتلاف بفعل آدمي ؟
العلماء يقولون قد يكون تضمين البائع صعباً فقد يكون البائع شديداً فيضمن المتلف ، وقد يكون تضمين المتلف صعباً فيضمن البائع ، فيثبت له الخيار .
فيكون هناك سعة للمشتري في تضمين أيهما .
" وصلاح بعض شجره صلاح لجميع نوعها بالبستان "
بم يكون الصلاح ، وهل صلاح بعض الشجرة صلاح لجميع الشجر أو لا ؟
هاتان مسألتان :
المسألة الأولى : صلاح بعض الشجرة ، هل هو صلاح لجميع الشجر من النوع أو من الجنس ؟ أو لجميع الشجر من النوع ومن الجنس ومن غير الجنس ؟
هذه ثلاثة آراء للعلماء رحمهم الله :
الرأي الأول : الذي ذهب إليه المؤلف رحمه الله صلاح بعض الشجرة صلاح لها ولسائر النوع .
ولنفرض أن المزرعة فيها نخل ( سكري ، عجوة ، شقر ) أنواع من التمور ، وعندنا نخلة السكري بدأت تصفر ، اصفرت بسرة واحدة ، فنقول : صلاح لسائر النخلة ولسائر النوع ، فإذا كان في المزرعة ألف نخلة أخضر إلى هذه البسرة ، نقول صلاح للشجرة ولسائر النوع ، وهذا هو المشهور من المذهب .
الرأي الثاني : أنه صلاح للشجرة وسائر الجنس ، والجنس يشمل جميع النخيل ، مثل لو كان هناك أنواع أخرى مثل ( برحي ، عجوة ، شقر ) فإذا عندنا ثمرة واحدة اصفرت أو احمرت ، صلاح لجميع النخيل .
الرأي الثالث : أوسع من هذا ، صلاح لجميع أشجار البستان .
ولنفرض أن البستان فيه نخيل وفيه أشجار أخرى مثل برتقال أترج ليمون ، فيقول : صلاح لها وصلاح لسائر الشجر .(1/123)
والصواب في هذه المسألة : القول الثاني وهو قول وسط ، وهو أن صلاح بعض الشجرة صلاح لها ولسائر الجنس ، أما غير الجنس فكل على حدته .
بقينا في مسألة : نحن نقول صلاح بعض الشجرة صلاح لها ولسائر الجنس ، هذا إذا أراد أن يبيع جميع الثمرة جميع ثمرة النخل ، أما إذا أراد أن يبيع البعض فصلاح كل شجرة على حده .
بقي عندنا مسألة أخرى : بقية النخيل هل تلحق أو لا تلحق ؟
ونحن الآن رجحنا أن صلاح بعض الشجرة صلاح للشجرة ولسائر الجنس ، لكن يقيد هذا بما إذا باع جميع ثمرة النخيل .
ولنفرض أن رجلاً عنده ألف نخلة في البستان ، صلاح شجرة واحدة صلاح لها ولسائر الألف ، ولو اختلفت الأنواع ، إذا كان يريد أن يبيع الجميع ، أما إذا كان يريد أن يبيع البعض ولنفرض أنه سيبيع مائة نخلة فقط ، نقول كل نخلة على حدة ، فلابد من بدو الصلاح في كل نخلة – أن يبدأ فيها الاحمرار أو الاصفرار ولو في بسرة واحدة .
" وصلاح نحو بلح وعنب طيب أكله وظهور نضجه ونحو قثاء أن يؤكل عادة "
عندنا صلاح الثمار وصلاح الزروع ، أما صلاح الثمار فإن الثمار تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : ثمرة النخيل ، نقول صلاح ثمرة النخيل أن تحمر أو تصفر ، فإذا بدا الاحمرار أو الاصفرار في ثمرة النخلة ولو في بسرة واحدة ، هذا هو الصلاح .
ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم ( أن تحمر أو تصفر ) .
القسم الثاني : صلاح بقية الثمار غير ثمرة النخيل مثل البرتقال والتفاح والعنب حتى الثمار التي تلقط لقطة لقطة ، فنقول صلاحها أن يبدأ فيها النضج ويطيب أكلها فإذا طاب أكل العنب والبرتقال ونحو ذلك ، هذا هو صلاحها .
وأما بالنسبة للزروع ، قال المؤلف رحمه الله :
" وحب أن يشتد أو يبيض "
فصلاح الحب لكي تبيعه أن يشتد يعني أن يقوى ويصلب بحيث إذا ضغطت الحبة لا تنضغط ، فهذا يجوز لك أن تبيع في هذه الحالة .
" ويشمل بيع دابة عذاراً "
يعني لجاماً ، يعني اللجام الذي على الدابة .
" أو مقوداً "(1/124)
ما تقاد به .
" وقن لباساً معتاداً لا ما لجمال ولا مالاً معه إلا بشرط "
يعني إذا أراد أن يبيع دابة ما الذي يشمل بيع هذه الدابة ، وإذا باع رقيق ما الذي يشمل ؟
ومثل اليوم إذا أراد أن يبيع سيارة ما الذي يدخل في بيع السيارة ؟
فنقول مثل هذه المسائل مرجعها إلى عرف الناس .
فمثلاً في عرف المؤلف رحمه الله : أنه إذا باع الدابة فإنه يشمل اللجام الذي على الدابة فهو للمشتري ، والمقود أيضاً يكون للمشتري ، وإذا كان عليها رحل فهو للمشتري .
وإذا باع رقيقاً يشمل الثياب العادية وأما الثياب الذي يلبسها البائع للرقيق لكي يتجمل بها تكون للبائع .
المهم مثل هذه الأشياء المرجع فيها إلى العرف فإذا كان هناك شرط لفظي أو شرط عرفي فالمسلمون على شروطهم .
مثله اليوم لو باع سيارة ما الذي يشمل ؟
ذات السيارة لا شك لكن لو كان في السيارة آلات ، هل هي داخلة أو ليست داخلة ؟
عرف الناس أنها داخلة .
مادام أنها تستعمل للسيارة ، فهي داخلة مثل آلات التي تفك بها العجلات أو يحتاج إليها لإصلاح ما يصلح ونحو ذلك ، هذه عرف الناس أنها داخلة في البيع ، لكن لو كان بداخل السيارة كتاب ، هل هو داخل أو ليس داخل ؟
ليس داخل .
باب السلم
السلم : لغة أهل الحجاز ، والسلف : لغة أهل العراق .
والسلم لغة : التقديم .
وفي الاصطلاح : عرفه العلماء رحمهم الله أنه عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد .
والاختصار : تقديم الثمن وتأخير المثمن .
عكس البيع .
تقديم الثمن : أعطيك ألف ريال وتعطيني بعد شهر أو شهرين مائة كتاب صفتها كذا وكذا ، مائة إناء صفته كذا وكذا ، مائة صاع من البر .. إلخ .
تقديم الثمن وتأخير المثمن .
ما الفائدة منه ؟
أن المسلم يتوسع بالثمن ، مثلاً إنسان فلاح ويحتاج إلى دراهم لكي يسير المزرعة ، فيذهب إلى التاجر ويأخذ الدراهم فهو استفاد من الدراهم ليشتغل وليعمل في المزرعة ، والتاجر ماذا يستفيد ؟
رخص الثمن وزيادة السلعة .(1/125)
مثلاً إذا كان يشتري الآن ألف صاع من البر بألف ريال إذا كانت مؤخرة سيكون ألف ومائة صاع بألف ريال .
استفاد مائة صاع .
ومثله أيضاً الذي يحتاج إليه أصحاب المصانع وأصحاب الشركات ، وباب السلم هذا من أوسع الأبواب لترك الربا ، لو أن الناس الآن يسلكون باب السلم ويطبقون باب السلم ما احتجنا للبنوك ولا احتجنا لمسألة التورق والعينة أو التحايلات على الربا ، أمره سهل وواضح .
التاجر يعطيك بدل أن تذهب وتأخذ بالتورق وتبيع وتشتري وتأخذ السلعة ، أو البنك قد يعطيك دراهم بزيادة .
فالتاجر يعطيك مائة ألف ريال وتتوسع به أنت وبعد سنة تعطيه سيارة أو سيارتين أو ثلاث سيارات بمائة وعشرون ألف فهو استفاد وأنت استفدت فهو يقفل باب الربا ولا حاجة للربا ومشاكل الربا ونحوه ذلك وما يترتب عليه من مفاسد .
والأصل في السلم القرآن والسنة وإجماع العلماء .
القرآن قوله عز وجل :( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ) .
فهذه الآية استشهد بها ابن عباس رضي الله تعالى عنهما على حل السلم .
أما السنة فحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ) .
والعلماء رحمهم الله مجمعون على جوازه في الجملة .
" يصح بلفظه ولفظ سلف وبيع "
يقول المؤلف رحمه الله : بم ينعقد السلم ، نقول أن السلم ينعقد ( بلفظه ) بلفظ السلم ، يقول : أسلمتك ، وينعقد بلفظ السلف ، أسلفتك هذه الدراهم على أن تعطيني كذا وكذا .
وينعقد بلفظ البيع لأنه بيع ، فيقول مثلاً : بعت عليك كذا وكذا من الثمر أو من الكتب أو من الأواني بعد سنة بألف ريال مقبوضة .
وكذلك ينعقد بالفصل .
المهم القاعدة في ذلك { أنه يرجع إلى العرف } .(1/126)
وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وسبق أن ذكرنا أن شيخ الإسلام يرى أن العقود تنعقد بكل مادل عليه العرف من قول أو فعل متعاقب أو متراخي ، كما ذكر ذلك في البيع والهبة .
" وشروطه سبعة "
يعني شروط السلم وهذه شروط خاصة بالسلم ، ويشترط له أيضاً ما يشترط للبيع على وجه العموم .
" أحدهما انضباط صفاته كمكيل وموزون ومذروع "
الشرط الأول : أن تنضبط صفاته .
وقوله : كمكيل ، يعني أن تنضبط صفاته بالكيل أو بالوزن أو بالعد أو بالذراع .
والقاعدة في هذا : { أن كل ما أمكن ضبطه صح السلم فيه }
ولا يختص هذا بالمكيلات والموزونات والمذروعات أو المعدودات التي لا تختلف بل القاعدة { أن كل ما أمكن ضبطه صح السلم فيه } .
وضبط السلع اليوم متهيأ أكثر من الزمن السابق بسبب وجود الصناعات ، فالمصانع تخرج لك سلعاً متماثلة تماماً وتخرجها بالوصف أيضاً ، فإذا اشترطت أنها تكون كذا وكذا فإنها تخرجها بحسب الشرط وحسب الوصف ، فاليوم ضبط السلع على اختلافها متهيئ أكثر مما سبق .
كان في الزمن السابق يكون باليد وقد تختلف وأما الآن عن طريق الآلات ، والآلات تضبطها ضبطاً تاماً لا تكاد تختلف .
فمثلاً لو سلم ألف ريال على أن يعطيه ألف قلم صفته كذا ، أو أسلف ألف ريال على أن يعطيه مائة ثوب صفته كذا وكذا ، أو مائة ساعة ، يصح ذلك .
ولهذا السلم الآن يصح في أشياء كثيرة سائر المصنوعات يصح السلم فيها لأنها الآن تنضبط .
فالقاعدة { أن كل شيء يمكن ضبطه فالسلم فيه صحيح } .
" فلا يصح في معدود مختلف كفواكه وبقول "
يؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أن المعدود إذا كان لا يختلف فإنه يصح السلم فيه ، وعلى هذا نقول : المعدود ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : معدود لا يختلف في الحجم ، فهذا يصح السلم فيه .
القسم الثاني : معدود يختلف ، فهذا لا يصح السلم فيه .(1/127)
والصواب : أن المعدود حتى ولو كان يختلف في الحجم ممكن الآن أن يضبط ، ممكن أن يضبط عن طريق الكراتين والصناديق .
يسلمه برتقال قد يختلف هذه صغيرة وهذه كبيرة ، لكن ممكن أن يضبط عن طريق الكراتين ، فيقول : تعطيني أربعين كرتون من البرتقال ولو اختلفت أحجامها ، نقول أن هذا صحيح .
والآن حتى المعدودات التي تختلف الشركات تقوم بضبطها ، فهي تفرز الصغار على حدة والكبار على حدة .
فنقول : هذه المختلفة يمكن أن تضبط عن طريق الحجم && بالصناديق ، ويمكن أن تضبط عن طريق الوزن ، ممكن يقول تعطيني البرتقال أو الموز ونحو ذلك فإذا لم يمكن ضبطه عن طريق الحجم مع أنه الآن يمكن ضبطه عن طريق الحجم فإنها تضبط عن طريق الوزن أو عن طريق الصناديق والكراتين ، فأي وسيلة تؤدي إلى الضبط فإن هذا يجوز السلم في هذه الأشياء .
ومثله البقول ، الجزر ، الكراث ، البصل ، ونحو ذلك .
ممكن أن تضبط بالحزم ولو اختلفت ، فإذا لم يمكن أن تضبط بالحزم تضبط بالوزن .
المهم عندنا قاعدة { أي شيء أمكن ضبطه أو ضبط صفاته فإنه يصح السلم فيه }
ويقول المؤلف رحمه الله : البقول لا يصح مثل البصل الكراث ونحو ذلك .
المؤلف : لا يصح أن تسلف فيها لأنها لا يمكن أن تضبط .
والصحيح : أنها يمكن أن تضبط ، أما بالوزن أو بالحزم أو أي طريقة .
" وجلود ورؤوس ونحو قماقم وأسطال ضيقة الرؤوس "
يقول المؤلف رحمه الله : الجلود لا يصح السلم فيها لماذا ؟
العلة : لأنها لا تنضبط ، أيضاً الرؤوس تختلف هذا صغير وهذا كبير لا يصح السلم فيها .
الأسطال الضيقة القماقم .. إلخ ، يظهر لأنها تصنع باليد فتختلف .
فيقول المؤلف : لا يصح السلم فيها وهذا كما أسلفنا في الزمن السابق أما الآن مع تطور الصناعات ممكن أن تضبط هذه الأشياء كلها فيصح السلم فيها حتى في الجلود تفرز الصغيرة من الكبيرة ، المصانع تفرز الأشياء الكبيرة والأشياء الصغيرة ، ممكن تضبط عن طريق الوزن .(1/128)
أيضاً القماقم والأسطال الضيقة والرؤوس ، القماقم نوع من أنواع الأواني .
المؤلف رحمه الله : لا يصح أن تسلم فيها لأنه لا يمكن أن تضبطها لأنها تصنع عن طريق اليد سابقاً أما الآن فبالمصانع تخرج الأواني لا تختلف تماماً .
" ولا فيما يجمع أخلاطاً غير متميزة كمعاجين "
المعاجين جمع معجون ، وهي أشياء يتداوى بها .
يقول الأشياء التي تجمع أخلاطاً غير متميزة ، كالمعاجين اختلط بعضها ببعض ولم يكن متميزاً لا يصح السلم فيه .
فمثلاً عندنا دواء أو طعام مركب من نوعين من ثلاثة من عشرة وهذه الأشياء اختلطت ولا تتميز .
المؤلف رحمه الله : لا يصح السلم فيها ، لماذا ؟
لأنه لا يمكن أن تتميز .
والصواب : أنه يصح السلم فيها ، وكما ذكرنا الآن المصانع تضبط هذه الأشياء بالدقة حتى ولو اختلفت مركباتها .
فنجد بعض الأدوية وبعض الأطعمة وأدوات التجميل وبعض المنظفات تجد أنها تجمع أخلاطاً ، وهذه الأخلاط مقدرة بالملي ، فهذا يدل على الضبط ، فيصح السلم في هذه الأشياء .
" ويصح في حيوان "
ويدل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكراً . رواه مسلم .
فيقول المؤلف رحمه الله : يصح في حيوان ، فلو قال : هذه مائة ألف ريال تعطيني بعد سنة أو سنتين أو شهر أو شهرين مائتين شاة ، نقول : هذا صحيح ، المهم تضبط بالوصف .
" وثوب منسوج من نوعين "
يعني لو كان هناك ثياب منسوجة من نوعين ، مثل القطن والكتان ، يصح .
وكما ذكرنا الآن الصناعات تنسج لك من أنواع وتضبطها ضبطاً تاما .
" الثاني : ذكر جنسه ونوعه ووصف يختلف به ثمنه ظاهراً كحداثة وجودة "
هذا هو الشرط الثاني .
الشرط الثاني : ذكر الجنس والنوع وكل وصف يختلف به الثمن اختلافاً ظاهراً .(1/129)
فمثلاً إذا أسلم في تمر ، يقول الجنس تمر ، النوع من السكري ويذكر الصفات الأخرى من البلد الفلاني جديد أو ليس جديد فكل وصف يختلف به الثمن اختلافاً ظاهراً فمثلاً إذا أسلف في سيارات بقول جنسها كذا ونعها كذا .
وقال بعض العلماء رحمه الله : أنه لا حاجة لذكر الجنس فإذا ذكرت النوع يكفي إذا قلت سكري يكفي عن قول تمر ليس شرطاً ، فذكر النوع شامل لذكر الجنس فلا حاجة .
وعلى هذا نقول القاعدة في هذا { أنه تذكر كل الصفات التي يختلف بها الثمن اختلافاً ظاهراً }
وقولنا جميع الصفات التي يختلف بها الثمن اختلافاً ظاهراً يخرج الصفات التي لا أثر لها في الثمن .
فهذه لا يمكن أن نستقصيها أو يختلف بها الثمن اختلافاً يسيراً هذه لا يمكن أن يستقصى الجميع .
" ولا يصح شرط أجود أو أردأ بل جيد أو رديء "
يعني لا يصح أن نقول أسلفتك ألف ريال أو أعطيتك ألف ريال ، تعطيني أجود أنواع التمر أو أردأ أنواع التمر .
بل نقول تمر جيد سكري جيد ، لا نقول أجود السكري ، ولا نقول أردأ ، ولا نقول أجود الثياب التي من نوع كذا أو نقول أردأ .
فيقول المؤلف رحمه الله : يصح أن تشترط جيد ورديء أما أجود وأردأ لا يصح .
والصواب : أنه صحيح يصح أن نقول أجود التمر وأردأ ، ويعطيه الجيد والناس يعرفون ما هو الأجود ، وما هو الأردأ لأنه حتى كلمة جيد يتفاوت الجيد درجات كما أن الأجود درجات ، فنقول أن عرف الناس إذا قال أجود التمر أو أردأ التمر ، نقول بأن هذا صحيح ، ويعطيه الأجود .
" الثالث : ذكر قدر كيل في مكيل أو وزن في موزون فإن أسلم في مكيل وزناً أو عكسه لم يصح "
هذا هو الشرط الثالث .
الشرط الثالث : ذكر القدر فإذا كان مما يكال يقول عشرين صاعاً من البر ، عشرين صاعاً من الشعير ، من الرز والتمر وإذا كان مما يوزن كالحديد والصوف والشعر ، يقول مثلاً : عشرين كيلاً من الحديد من النحاس من الرصاص .
وإن كان يعد بقول : عشرين من كذا .(1/130)
وإن كان يذرع يقول : عشرون ذراعاً أو متر ونحو ذلك .
فلابد أن يذكر قدره لكن أشار المؤلف رحمه الله إلى مسألة وهي : هل يشترط في باب السلم المعيار الشرعي أو نقول ليس شرطاً ؟
ففي باب الربا تقدم لنا أنه يشترط المعيار الشرعي ، في باب السلم هل يشترط أو لا يشترط ؟
المؤلف رحمه الله : يرى أنه شرط وعلى هذا إذا أسلمت في شيء يكال لابد أن يكال بالكيل وإذا أسلمت في شيء يوزن لابد أن يقدر بالوزن .
وهذا هو المشهور من المذهب .
والرأي الثاني في المذهب : أن المعيار الشرعي ليس شرطاً لسنا بحاجة إلى المعيار الشرعي لأن المعيار الشرعي تحتاج إليه عند اتحاد الجنس الربوي لكي تحقق التساوي والتماثل أما هنا فلسنا بحاجة .
فمثلاً : لو قال : أسلفتك في البر وزن صح ذلك ، أعطني ألف ريال وأعطيك مائة كيلو من البر أو أعطيك مائة كيس من الرز ، نقول هذا جائز .
المهم أن تضبطه بالوزن بالأكياس المعروفة كله جائز لا نحتاج إلى المعيار الشرعي .
وهذا القول هو الصواب ، لأنه هنا لا يشترط التساوي فنحتاج المعيار الشرعي .
" الرابع : ذكر أجل معلوم له وقع في الثمن عادة فلا يصح حالاً ولا إلى نحو الحصاد "
هذا الشرط الرابع .
الشرط الرابع : ذكر الأجل ، فقوله : ذكر أجل معلوم ، يؤخذ منه مسألتان :
المسألة الأولى : لابد أن يكون مؤجلاً ، المسلم فيه لابد أن يكون مؤجلاً لأنه إذا كان حالاً فيعقد عليه عقد بيع ليس بحاجة أن يعقد عليه عقد سلم ، السلم بيع للمؤجلات بل قد تكون هذه المؤجلات معدومة ليست موجودة .
مثل : لو أسلمه ألف ريال على أن يعطيه من تمر هذه السن ، تمر هذه السنة حتى الآن لم يخرج ، فنقول يشترط أن يكون مؤجلاً وهذا هو المشهور من المذهب .
والرأي الثاني : رأي الشافعية يصح حالاً ، مثل يقول : أسلمتك ألف ريال تعطيني الآن ألف صاع من التمر أو كذا .(1/131)
الحنابلة قالوا : يشترط أن يكون مؤجلاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ).
قال :( إلى أجل معلوم ) ولأنه إذا كان ليس مؤجلاً يعقد عليه عقد بيع ليس في حاجة أن يعقد عليه عقد سلم ، فيشترط أن يكون مؤجلاً .
الشافعي : يقول يصح أن يكون حالاً لأن السلف بيع سواء كان بلفظ السلم أو بلفظ البيع ، المهم أنه مبادلة مال بمال .
والرأي الثالث : اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يصح أن يكون حالاً بشرط أن لا يكون المسلم فيه معدوماً بأن يكون موجوداً ، فإذا كان موجوداً صح .
{ والعبرة بالمعاني لا بالألفاظ والمباني } .
والمقصود مبادلة مال بمال سواء بادلته بشيء حال أو بشيء مؤجل ، فالعبرة بالمعاني والمقاصد لا بالألفاظ والمباني .
وقوله :( معلوم ) يخرج الأجل المجهول فلو قال : أسلفتك ألف ريال إلى وقت الجذاذ أو إلى وقت حصاد الزرع .
المؤلف رحمه الله : لا يصح لابد أن يكون معلوماً ، أو أسلفتك ألف ريال إلى بعد مدة من الزمن .
لكن يظهر والله أعلم مسألة الحصاد والجذاذ أمرها واضح ومعروفة عند الناس ، وإن كان الناس يختلفون في وقت الحصاد قد يتقدم هذا بعض الأيام وقد يتأخر هذا بعض الأيام .
المهم هذه الأشياء أسهل فوقت الحصاد والجذاذ أسهل من كون المدة مجهولة .
مثل يقول : أسلفتك ألف ريال على أن تعطيني مائة من ثياب كذا وكذا صفتها كذا وكذا فلابد أن يكون معلوماً .
" ولا إلى يوم "
ذكر المؤلف رحمه الله أنه يشترط أن يكون مؤجلاً وأن يكون الأجل معلوماً ، وقال : ولا إلى يوم ، هذا شرط ثالث في الأجل ، يعني يشترط أن يكون الأجل له وقع في الثمن ، له تأثير في الثمن ، فإذا كان الأجل ليس له وقع في الثمن لا يصح .
ولهذا قال : ولا إلى يوم .(1/132)
لا يصح فاليوم وجوده كعدمه لا يؤثر لأن السلم كما تقدم الفائدة منه : أن المسلِم يستفيد بالثمن من المال ، والمسلَم إليه يستفيد الرخص ، رخص السلع ، فإذا كان الأجل يوم يومين ونحو ذلك ما استفاد ولهذا يشترطون أن يكون الأجل له وقع في الثمن ، يعني يؤثر في الثمن ، بحيث أن المسلم يستفيد رخص السلع أما إذا كان الأجل بعد يوم أو يومين ما استفاد ، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
خلافاً للظاهرية فإنهم يأخذون بالظاهر أي أجل ، لكن هذا ليس صواباً .
فإذا قلنا باشتراط الأجل فلابد أن يكون الأجل له تأثير في الثمن بحيث أن المسلم يستفيد رخص السلع .
استثنى المؤلف رحمه الله من هذا فقال :
" ويصح في نحو خبز ولحم يأخذه كل يوم "
يعني الأشياء التي يأخذها كل يوم يصح أن تسلم فيها ولو كان الأجل قريباً ، مثلاً : تعطي الخباز مائة ريال وفيها أربعمائة خبزة لكن إذا عجلت الثمن وقلت تعطيني خمسمائة خبزة أو أربعمائة وخمسون خبزة مقابل تقديم الثمن ، فهذا يصح أن تعطيه اليوم وتأخذه منه اليوم وغداً .. إلخ .
أو مثلاً الجزار تعطيه ألف ريال والألف فيها مائة كيلو من اللحم تقول له يزيدني مائة وعشرون كيلو ، فيقول المؤلف رحمه الله : يصح ولو كان الأجل قريباً في أول ما سيأخذه لأنه سيأخذ اليوم وغداً وبعد غد .
فقال المؤلف إذا كان في مثل هذه الأشياء التي يحتاجها كل يوم مثل الخبز واللحم واللبن ونحو ذلك هذه يحتاجها كل يوم ، يقول : لا بأس ولو كان الأجل قريباً .
" كذا وإن جاءه به قبل محله ، ولا ضرر لزم أخذه "
يعني إذا جاء المسلَم إليه للمسلِم بالمسلِم فيه قبل محله يعني قبل وقت حلوله ، مثلاً : اتفقا على أن يأتيه بالمسلم فيه في شهر رمضان ثم أتاه به في شهر شعبان أو في رجب ، فهل يجب عليه أن يأخذه ؟
المؤلف رحمه الله : إذا لم يكن هناك ضرر عليه فيجب عليه أن يأخذه.
ولهذا قال : ولا ضرر لزم أخذه .(1/133)
لأنه جاءه بما اتفق عليه وزيادة ، وهما اتفقا على أن يكون التأجيل إلى كذا زاده وقدم ما اتفقا عليه ، لكن إذا كان هناك ضرر فلا يلزمه أن يأخذه ، كما لو كان يخشى المسلم على المسلم فيه من اللصوص أو لا يجد مكاناً يحفظه فيه ونحو ذلك فإنه لا يلزمه أن يأخذه .
" كأجود منه من نوعه "
يعني إذا جاءه بما يخالف ما اتفقا عليه فهذا ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : أن يكون المخالفة في الزمن ، كما سلف أن يأتيه بما اتفقا عليه جنساً ونوعاً وصفة لكن تكون المخالفة في الزمن .
المذهب : يجب عليه أن يأخذه مادام أنه ليس هناك ضرر .
القسم الثاني : أن تكون المخالفة في النوع ، اتفقا على تمر سكري فأتاه بتمر برحي ، ظاهر كلام المؤلف رحمه الله : أنه لا يلزمه أن يأخذه لأنه قيد ذلك بقوله : كأجود منه من نوعه .
فعلى كلام المؤلف رحمه الله لا يلزمه أن يأخذه ، وهذا صحيح اتفقا على هذا النوع من السلع ثم جاءه بنوع آخر ، مثل : اتفقا على نوع من الثياب ثم جاءه بنوع آخر ، واتفقا على نوع من الآلات ثم جاءه بنوع آخر ، نقول : لا يلزمه أن يأخذه لكن يجوز له أن يأخذه .
القسم الثالث : أن تكون المخالفة في الصفة ، يعني أن يتفقا على بر متوسط فيأتيه ببر جيد ، اتفقا جاءه بما اتفقا عليه جنساً ونوعاً إلا ما يتعلق بالصفة جاءه بأجود .
وإن جاءه بأقل لا يلزمه أن يأخذه ، ويجوز أن يأخذه .
مثلاً : إذا اتفقا على جيد ثم جاءه بمتوسط لا يلزم المسلم أنم يأخذ المسلم فيه لكن يجوز له أن يأخذه ، فإن جاءه بأجود يعني أن المسلم إليه جاء المسلم بأجود مما اتفقا عليه فهما اتفقا على متوسط فجاءه بجيد ، فهل يجب عليه أن يقبله أو لا يجب ؟
المؤلف رحمه الله : يجب عليه أن يقبله لأنه زاده خيراً .
وقاعدة على المذهب { وهي أن هبة الأوصاف والمعاني واجب قبولها }(1/134)
وهذه المسألة من هذه القاعدة يعني هما اتفقا الآن على نوع من الثياب من النوع المتوسط فجاءه المسلم إليه بالنوع الجيد أو من الآلات المتوسطة فجاءه من النوع الجيد ، يقولون : يجب عليه أن يأخذه لأن هذا من قبيل هبة الأوصاف والمعاني .
والصحيح : أنه لا يجب إذا كان هناك ضرر يخشى المنة ، فإذا كان يخشى المنة فإنه لا يجب ، وإذا كان لا يخشى المنة فإنه يجب .
القسم الرابع : أن تكون المخالفة في الجنس ، يعني يتفقا على ثياب ويأتيه بطعام ، يتفقا على بر ويأتيه بشعير ، هنا اختلف الجنس ، يقولون هنا لا يجوز له أن يقبل .
وقولهم لا يجوز لأنهم يضيقون في باب السلم كما سيأتي في آخر الباب .
يقولون المسلم فيه لا يجوز أن تبيعه ولا أن ترهنه ولا الحوالة به ، ولا الحوالة عليه ، ونحو ذلك يضيقون في دين السلم .
أما القرض لا يضيقون فيه يجوز أن تبيعه ويجوز لك الحوالة به والحوالة عليه وأخذ الرهن عليه .
والصحيح في ذلك : أن دين السلم يصح أن تبيعه وعلى هذا يصح أن تأخذ جنساً آخر .
يعني إذا اتفقا على جنس فإنه يصح أن تأخذ جنساً آخر .
فمثلاً اتفقا على أن يكون براً فيصح أن يأخذ تمراً وكما تقدم بالشرطين .
بيع الدين على من هو عليه يكون داخلاً في بيع الدين على من هو عليه بشرطين :
الشرط الأول : أن يكون بسعر يومه .
الشرط الثاني : التقابض إذا كان يجرى بينهما ربا النسيئة .
" الخامس : وجوده غالباً في محله "
هذا هو الشرط الخامس .
يقول المؤلف رحمه الله : الشرط الخامس وجوده : أي وجود المسلم فيه ، غالباً في محله : أي وقت حلوله ، في الزمن الذي يحل فيه .
فمثلاً : إذا سلمه ريالات على أن يعطيه تمراً رطباً في الشتاء لا يصح ، لأن الرطب لا يكون في الشتاء ، وقته يكون في الصيف .
على أن يعطيه رطباً من نتاج هذا العام في الشتاء ، نقول : لا يصح .(1/135)
أو مثلاً عنباً في الشتاء ، فلا يصح لابد أن يكون وقت الحلول زمن الحلول لابد أن يكون موجوداً ، فإذا كان متعذراً زمن الحلول لا يصح لأنه لا يمكن التسليم .
" لا وقت عقد "
يعني لا يشترط أن يكون موجوداً وقت العقد .
فمثلاً : تعاقد في الشتاء على أن يعطيه في الصيف تمراً رطباً يصح مع أنه وقت العقد ليس موجوداً .
خلافاً للحنفية يقولون : يشترط أن يكون موجوداً وقت العقد .
وهذا ليس بصواب ، لأن السلم نوع من أنواع بيع المعدوم ورخص فيه للحاجة .
" فإن تعذر فله الصبر والفسخ "
إذا تعذر المسلم فيه ، مثلاً اتفقا على أن يعطيه كذا وكذا من الأقلام من إنتاج المصنع الفلاني أو الشركة الفلانية أو البلد الفلاني ، ثم تعذر ، أصابت المصنع جائحة ، أو تعذر بسبب المواصلات وغير ذلك من الجوائح التي تحصل ، نقول : إن المسلم مخير ، قال : فله الصبر أو الفسخ .
نقول مخير بين أمرين : أما أن يصبر حتى يأتي المسلم فيه ، وإما أن يفسخ ويأخذ ما دفع للمسلم إليه .
* لو عاوضه بشيء آخر هل له ذلك ؟
المذهب : ليس له ذلك ، لأنه إذا اختلف الجنس فإنه لا يجوز عندهم كما سيأتي .
والصواب في ذلك : أنه حتى لو عاوضه على جنس آخر ، مثلاً اتفقا على بر ما أنتجت المزارع هذه السنة لكن أنتجت شعيراً ، نقول يأخذ الشعير لا بأس ونحو ذلك .
أو تعذر الثياب وجاء غيرها من الآلات ، نقول إذا عاوضه على شيء آخر من غير الجنس جائز ، لكن المشهور من المذهب لا يجوز .
" السادس : قبض ثمنه قبل تفرق "
هذا الشرط السادس .
الشرط السادس : أن يقبض الثمن قبل التفرق ، ويدل لهذا : حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من أسلف في شيء فليسلف ـ يعني فليعط ـ في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ) .
ولأنه لا يقع عليه اسم السلف حتى يعطيه ما أسلفه قبل أن يفارقه ، ولأنه يدخل في بيع الدين بالدين إذا تفرقا قبل القبض .
وهذا هو المذهب ومذهب الشافعية .(1/136)
وعند المالكية : إذا كان التفريق يسيراً ، يعني تأخر القبض لمدة يوم أو يومين فإن هذا جائز وإن كان كثيراً فإنه لا يجوز .
والأقرب في هذا : أنه لابد من القبض في مجلس العقد كما هو رأي المؤلف ، وهو المذهب ومذهب الشافعية .
" وشُرِط عِلمُ قدره ووصفه "
يعني يشترط في المال المسلم أن يكون معلوماً قدره ووصفه .
يعلم قدره يعني إذا كان دراهم كم قدره ، ألف أو ألفين أو ثلاثة آلاف ريال ، كم أسلفه ؟
ووصفه الدراهم هذه ما هي ؟
هل هي دراهم نقد البلد الفلاني أو البلد الفلاني ، لابد من معرفة الوصف .
أيضاً إذا أسلفه براً ، الثمن بر لابد من معرفة قدر البر هذا كم صاع ؟
أو كان الثمن ثياباً لابد من معرفة كم الأثواب وصفة الأثواب ؟
لأنه قد يتعذر المسلم فيه ونحتاج إلى الفسخ ، فإذا كان الثمن مجهولاً تعذر رد الثمن إلى المسلم ، فلابد أن يكون المال المسلم معلوماً .
وهذا مما يفرقون به بين البيع والسلم .
يعني في البيع يصح أن تشتري السيارة بهذه الصرة من البر غير مقدرة .
أعطني السيارة وخذ هذا الطعام يصح .
بل قالوا يجوز أن تشتري السيارة بهذه الصرة من الدراهم ، وهذا فيه نظر .
ممكن الصرة من البر أمرها ظاهر ومعرفتها ظاهرة .
لكن الصرة من الدراهم لا يجوز لأن فيه غرر ، لكن بيع السلم لابد من ضبطه ، لا يصح أن تسلم مجموعة هذه الأثواب بسيارة بعد سنة لا يجوز ، لابد من معرفة قدرها .
فهم يفرقون هنا بين البيع وبين بيع السلم .
السلم ثمنه لابد أن يكون مضبوط ، أما في البيع فتصح فيه الرؤية ولو لم يعرف القدر ، لكن كما سلف يفرقون .
" فإن تأخر في بعضه بطل فيه فقط "
إن تأخر في بعضه يعني قبض نصف الثمن والنصف الآخر لم يقبض ، نقول : يصح السلم فيما قبض ، وما لم يقبض لا يصح السلم فيه .(1/137)
مثلاً اتفق أن يسلمه ألف ريال ويعطيه بعد سنة مائة صاع من البر ، وقبض خمسمائة ريال ولم يقبض الخمسمائة ريال الأخرى إلا بعد يوم أو يومين ، نقول يصح في الخمسمائة ريال المقبوضة ، أما الخمسمائة ريال التي لم تقبض فإنه لا يصح فيها .
" كصرف "
يعني الصرف لابد فيه من القبض ، فلو قبض البعض وترك البعض ، نقول : يصح فيما قبض وأما ما لم يقبض فإنه لا يصح فيه .
" وإن أسلم في جنس إلى أجلين "
أسلم في جنس إلى أجلين كالبر إلى أجلين قال : هذه ألف ريال تعطيني مائة صاع من البر الخمسين الأولى في رجب والخمسين الثانية في شعبان ، هنا أسلم جنساً في أجلين .
" أو عكسه بين كل قسط وثمنه "
في الصورة الأولى : إذا أسلم جنساً في أجلين لابد أن يبين قدر كل أجل في الأولى ، يعني لا يصح أن يقول أسلمتك ألف ريال في مائة صاع من البر إلى أجلين ، لا بد أن يبين .
يقول : الخمسين الأولى موعدها في رجب ، والخمسين الثانية في شعبان .
أو يقول : ثلاثين صاع في رجب والسبعين الباقية تكون في شعبان .. إلخ .
لابد أن يبين قدر كل أجل .
وقول المؤلف رحمه الله : أو عكسه .
يعني أسلم جنسين إلى أجل واحد .
قال : هذه ألف ريال تعطيني بها براً وشعيراً في شعبان ، فلابد أن يبين في هذه الصورة كل جنس وثمنه ، ولهذا قال المؤلف رحمه الله : وثمنه .
هو قال : أسلفتك ألف ريال على أن تعطيني براً وشعيراً في شعبان ، أسلم جنسين إلى أجل لابد أن يبين كم قدر الشعير ، وكم قدر البر ، وما هو ثمن الشعير ، وما هو ثمن البر ؟
قد يقول خمسمائة ريال في مائة صاع من البر ، خمسمائة ريال في خمسين صاع من الشعير في رجب .
" السابع : أن يسلم في ذمة لا عين "
هذا الشرط السابع .(1/138)
الشرط السابع : أن يسلم في ذمة ، يعني أن يكون المسلم فيه موصوفاً لا يكون معيناً لا يصح أن يقول : أسلفتك ألف ريال على أن تعطيني من هذا البر أو من هذه الثياب هذا لا يصح ، يعني يقول : أسلفتك ألف ريال على أن تعطيني من هذا البر وهذا الشعير ، هنا عين الآن هذا ، يقولون : لا يعقد عليه عقد سلم وإنما يعقد عليه عقد بيع ، فالسلم : هو بيع لما في الذمم ، لما في الذمة .
فيقول أسلفتك ألف ريال على أن تعطيني براً صفته كذا وكذا أو ثياباً أو أقلاماً ونحو ذلك ، لا يقول من هذا الشيء ، هو إذا قال من هذا الطعام أو من هذا البر أو من هذه الأواني أو من هذه الثياب ، يقول المؤلف : لا يصح لأن السلم بيع لما في الذمة ، ليس بيعاً لمعين ، لأن المعين يعقد عليه عقد بيع .
لو قال من البلد الفلاني ، هل يصح ؟
يصح .
لو قال : من المزرعة الفلانية أو من الحائط الفلاني ، أو قال من المصنع الفلاني ، أو من إنتاج الشركة الفلانية ،هل يصح أو لا يصح ؟
هذا موضع خلاف .
الرأي الأول : لا يصح أن يقول من هذه المزرعة أو من مزرعة فلان ونحو ذلك ، لأن هذه المزرعة قد لا تنتج .
أنت اشترط المواصفات ، لكن لا تعين المصنع المعين المزرعة ونحو ذلك .
أنت اشترط من بلد كذا صفته كذا .. إلخ .
لكن لا تشترط أن يكون من المزرعة الفلانية أو من المصنع الفلاني .
ويستدلون على ذلك : بما في سنن ابن ماجه وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم :( أما حائط بني فلان فلا ) .
ولأن هذا الحائط أو هذه المزرعة قد لا تنتج ، قد تصيبها جائحة من الجوائح ونحو ذلك .
الرأي الثاني : أن هذا جائز ولا بأس به وهو نوع من الوصف ولأن هذا يختلف قد تكون هذه المزرعة وهذا المصنع إنتاجه ليس كالمصنع الثاني وإن كانت السلعة واحدة والجنس واحد .
وهذا القول هو الصواب .
أنه يصح أن تشترط وأما الحديث فضعيف ( وأما حائط بني فلان فلا ) .
" ويعين مكان الوفاء إن عقد بنحو برية "(1/139)
لماذا قال المؤلف رحمه الله يعين المكان إذا عقد بنحو برية أو بحرية أو في الجو لو عقد ؟
لأنهم يرون يجب الوفاء في مكان العقد .
والصواب : لا يجب الوفاء في مكان العقد وإنما يجب الوفاء في مكان المسلم .
عرف الناس أنه في مكان المسلم ، لأنه أسلمه فيعطيه في مكانه إلا إذا كان هناك عرف أو شرط لفظي فالمسلمون على شروطهم .
" وإلا وجب موضع عقد إن لم يشترط في غيره "
هذا هو المذهب : يجب الوفاء في مكان العقد .
وعلى هذا إذا عقداه في برية أو بحرية أو في جو لابد أن يشترطا أن يعينا مكان الوفاء لأنه لا يمكن أن توفي في البر أو البحر أو في الجو ونحو ذلك .
والصحيح : أنه يكون في مكان المسلم إلا إذا كان هناك عرف أو شرط لفظي فالمسلمون على شروطهم .
" ولا يصح تصرف في مسلم فيه قبل قبضه "
هذا كما أسلفنا أنهم يشددون في دين السلم وهذا التشديد مبني على ما في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره ) ضعيف لا يثبت .
وعلى هذا يقول المؤلف رحمه الله : لا يصح أن تبيع المسلم فيه قبل أن تقبضه .
وذكرنا الصواب : أنه يصح أن تبيعه قبل أن تقبضه بالشرطين السابقين ، وإذا بعته على غير من هو عليه بثلاثة شروط ( بيع الدين على غير من هو عليه كما تقدم ) ، وإذا بعته على من هو عليه فيشترط شرطان كما سلف .
" ولا أخذ عوضه ولا رهن أو كفيل به "
يقول المؤلف رحمه الله : لا يصح أخذ عوضه ، وأيضاً هبته يرى المؤلف أنها لا تصح .
فمثلاً أسلفه ألف ريال على أن يعطيه مائة صاع بر ثم قال أعطني عوض هذا البر دراهم قيمتها ...
المؤلف : لا يصح وهو داخل في بيع الدين على من هو عليه بالشرطين السابقين .
كذلك أخذ رهن أو كفيل به .
أسلفه ألف ريال على أن يعطيه كذا وكذا من البصل أو من البطاطس .
قال المسلم : أعطني رهناً ، ارهنّي هذه الأرض التي لك أو ارهنّي بيتك لأنك ربما لا تعطيني المسلم فيه .(1/140)
يقول المؤلف رحمه الله : أخذ الرهن على دين السلم لا يصح ، لماذا ؟
لأن هذا طريق إلى أن يصرفه إلى غيره لأنه إذا تعذر المسلم فيه نرجع إلى الرهن .
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :( من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره ) .
ومثله أخذ الكفالة عليه ، قال المسلم أعطني كفيل ربما لا توفي فأعطني كفيلاً .
المؤلف رحمه الله : لا يجوز ، لماذا ؟
لأنه كما قال صلى الله عليه وسلم :( فلا يصرفه إلى غيره ) .
مع الدين ـ القرض ـ يصح أن تأخذ الرهن عليه ، لو أقرضتك ألف ريال تعطيني رهناً يصح ، تعطيني كفيلاً يصح ، وكما تقدم بيع الدين ... إلخ .
والصواب في ذلك : لا فرق وأنه يصح أخذ الرهن على دين السلم ، ويصح أخذ الكفيل ، وتصح هبته ، وتصح المعاوضة عليه ، ويصح البيع ، لأن الأصل في ذلك الحل .
باب القرض
القرض في اللغة : القطع .
وفي الاصطلاح : دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله .
حكم القرض : أما بالنسبة للمقرض فهو مندوب ، كونه يقرض أخاه المسلم ، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم :( ما من مسلم يقرض مسلماً مرتين إلا كان كصدقة مرة ) وهذا في سنن ابن ماجه .
ويدل أن فيه تفريج لكربة أخيه المسلم وتنفيساً لعسرته .
وأما بالنسبة للمقترض : فهذا لا ينبغي له أن يقترض إلا عند الحاجة ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدمت له جنازة سأل هل عليه دين أو لا ؟ في أول الأمر فإن كان عليه دين قال :( صلوا على صاحبكم ) وإن لم يذكر شيء تقدم وصلى عليه ، ثم بعد ذلك لما أفاء الله عليه وفتحت الفتوح ، قال :( من ترك مالاً فلورثته ومن ترك ديناً أو عيالاً فإليّ و علي ) .(1/141)
ويدل لهذا حديث سهل بن سعد في قصة الواهبة ، المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فلما لم يرغب فيها النبي عليه الصلاة والسلام قال رجل : يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( التمس ولو خاتماً من حديد ) فذهب فلم يجد شيء ، رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : لم أجد شيئاً .
لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم : يبقى في ذمتك .
قال :( ما تحفظ من كتاب الله ) قال : أحفظ سورة كذا وكذا .
قال :( زوجتكها بما معك من القرآن ) .
ولهذا نص بعض أهل العلم رحمهم الله أنه يكره إلا لحاجة .
والأصل في القرض من حيث القرآن قوله تعالى :( وأقرضوا الله قرضاً حسناً ) .
والسنة : تقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه :( ما من مسلم يقرض مسلماً مرتين إلا كان كصدقة مرة ) .
ومن الأدلة أن في ذلك تفريجاً لكربة المسلم .
وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم :( من نفس عن مسلم كربة نفس الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ).
وأما بالنسبة لحكم القرض ، فالقرض له حكمان :
حكم تكليفي وحكم وضعي .
أما الحكم التكليفي بالنسبة للمقرض مستحب ومندوب ، لما تقدم من الأدلة وما فيه من تفريج كربة أخيه المسلم .
وأما بالنسبة للمقترض لا ينبغي أن يقترض إلا عند الحاجة ، وذكرنا الدليل على ذلك .
ولهذا نص بعض أهل العلم على كراهته إلا عند الحاجة .
ويدل لهذا ما سبق من الأدلة وحديث سهل بن سعد في قصة الواهبة التي جاءت تهب نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رجل يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها ، فقال : ما تصدقها .(1/142)
قال : إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك ـ قال الراوي : عليه إزار وليس عليه رداء ـ اذهب التمس ولو خاتم من حديد ، فذهب ولم يجد ، فقال : يا رسول الله لم أجد ، فجلس ولما طال به المقام قام ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما تحفظ من كتاب الله ؟ قال : سورة كذا وسورة كذا ، قال : زوجتكها بما معك من القرآن .
الشاهد : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل يبقى المهر في ذمتك مؤجلاً ، وإنما زوجه النبي عليه الصلاة والسلام بمنفعة ما يحفظه من كتاب الله عز وجل .
أما بالنسبة للحكم الوضعي ، نقول يصح إذا توفرت شروطه وينعقد .
" ويملك بقبضه "
فالقرض يشترط لصحته شروط :
الشرط الأول : أن يكون من جائز التبرع ، وجائز التبرع هو البائع ، العاقل ، الحر ، الرشيد ، المالك ، البالغ ، يخرج الصبي ، وتقدم أن الصبي لا تصح تصرفاته إلا في الأمور اليسيرة عرفاً ، فالصبي إن كان غير مميز لا يصح قرضه مطلقاً ، وإن كان مميز فإنه لا يصح قرضه إلا في الأمور اليسيرة عرفاً ، هذا الصبي .
العاقل : يخرج المجنون لا يصح قرضه .
الحر : يخرج الرقيق ، فالرقيق لا يصح قرضه إلا بإذن سيده ، إذا أذن له سيده صح .
الرشيد : يخرج السفيه ، فالسفيه الذي لا يحسن التصرف في ماله كما سيأتي في باب الحجر ، هذا لا يصح قرضه .
المالك : يخرج غير المالك فلو أقرض مال غيره فقرضه غير صحيح .
ويأتي ما يسمى بالتصرف الفضولي ، مثلاً هذه مائة ريال أقرضها زيداً من الناس ، وسبق أن التصرف الفضولي يصح بالإجازة كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله .
هذا الشرط الأول .
الشرط الثاني : معرفة قدر القرض ووصفه ، فلابد من معرفة قدره لكي يتمكن من رده ، وإلا لزم من ذلك الغرر .
وكذلك وصفه لو أقرضه ريالات ما هي هذه الريالات ، ما هو وصفها ، هل هي من عملة هذا البلد أو من هذا البلد .
إذا أقرضه براً ما هو وصفه لكي يتمكن من رده .
وبقي من الشروط كما سيأتي .
قال المؤلف رحمه الله :(1/143)
" ويملك بقبضه "
القرض هل يملك بمجرد العقد أو لابد فيه من القبض ؟
المؤلف رحمه الله : لابد فيه من القبض ، وعلى هذا لو قال : أقرضتك هذا الكتاب والمقترض حتى الآن لم يقبضه ، فهل المقترض ملكه أو لا يملكه إلا بالقبض ؟
للعلماء في ذلك رأيان :
الرأي الأول : لابد فيه من القبض ، وهذا قول جمهور أهل العلم .
يعني أن المقترض لا يملك القرض إلا بقبضه ، وهو المذهب .
وقاسوا ذلك على الهبة ، وقالوا الهبة لابد فيها من القبض فكذلك القرض .
والرأي الثاني : يملك بمجرد العقد ، ابن حزم وقال به الإمام مالك واختاره شيخ الإسلام رحمهم الله ، لأن الله عز وجل قال :( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) وكونه يرجع ليس فيه إيفاء بالعقد .
وقوله :( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ) وكونه يرجع فيه ليس فيه رعاية للأمانة .
وأما القياس على الهبة ، نقول من شروط صحة القياس : أن يكون المقيس عليه عند الأصوليين متفق عليه ليس موضع خلاف ، فإذا كان موضع خلاف فإنه لا يصح القياس عليه والهبة موضع خلاف .
المالكية في الجملة يرون أن الهبة تملك بمجرد العقد وإن لم يحصل قبض .
فالصواب : إذا تم العقد فإن المقترض ملك القرض وإن لم يقبضه المقرض للمقترض ، وهذا هو الصواب في هذه المسألة .
" ويثبت البدل "
قال : يثبت البدل ، يعني إذا تم العقد أو أن المقترض قبض القرض يملكه بذلك ، إما يملكه بالعقد على قول ، أو يملكه بالقبض على القول الثاني .، فإذا تم العقد أو تم القبض على القول الثاني فإنه يملكه المقترض ولا يلزم أن يرد عينه .
لو قال المقترض أنا أقرضتك هذا الكتاب رد علي هذا الكتاب الذي أقرضتك أياه أريد ، هل يلزم المقترض أن يرده أو لا يلزم ؟
المؤلف : لا يلزم يثبت البدل ، بدل القرض أما عينه فلا يلزم .
لو طالب المقرض المقترض أن يرد عين ما أقرضه فإنه لا يلزمه وإنما يجب عليه أن يرد البدل ، ولهذا قال : ويثبت البدل .(1/144)
والبدل : المثل إن كان مثلياً ، والقيمة إن كان متقوماً .
" حالاً في الذمة ولو أجله "
يعني يقول المؤلف أن القرض لا يقبل التأجيل وهذا من الفروق بين دين السلم ودين القرض .
دين السلم مؤجل ، أما دين القرض فهو حال لا يقبل التأجيل .
مثال : أقرضتك ألف ريال لمدة سنة فملك الألف المقرض له أن يطالب الآن ، يقولون أن القرض لا يتأجل بالتأجيل بخلاف دين السلم ، وتقدم أن دين السلم يتأجل بالتأجيل ، بل التأجيل شرطاً .
لكن القرض لا يتأجل بالتأجيل ، أنا أقرضتك لمدة شهر لي أن أطالبك الآن ، ولهذا قال المؤلف رحمه الله : حالاً ولو أجله .
ولماذا لا يتأجل بالتأجيل ؟
يقولون لأنه عقد منع فيه من التفاضل تعطيه مائة وتأخذ مائة فلا نجمع على المقرض أمرين :
الأول : يمنع من الفضل ـ الزيادة ـ .
الثاني : يؤخر عليه ويلزم بالأجل .
فلا نجمع على المقرض وهو محسن أمرين ، فلو اشترط الزيادة لكان ربا ، فلا نجمع عليه نقول له مؤجل ولا يجوز تأخذ زيادة ، وهذا ما عليه أكثر أهل العلم .
الرأي الثاني : ما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله وهو قول ابن القيم ، أنه يتأجل بالتأجيل ، ويدل لهذا قول الله عز وجل :( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) ، وقد تم العقد أنه مؤجل .
وحديث ( المسلمون على شروطهم ) وقد اشترط المقترض على المقرض أن يكون مؤجلاً ، وقد يكون الإنسان ليس عنده شيء يريد أن يتزوج ، اقترضت ألفين ريال لأتزوج ليس عندي شيء كيف تطالبني الآن ، أو أريد أن ألشتري بيتاً أو سيارة أو نحو ذلك .
فالصواب في هذه المسألة : أنه يتأجل بالتأجيل .
أما قولهم منع فيه من الفضل فيمنع فيه من الأجل ، نقول نعم هذا عقد إرفاق وإحسان وتبرع وهو يريد الأجر من الله عز وجل فليس من عقود المعاوضات .
" وإن رده مقترض لزمه قبوله إن كان مثلياً ولم يتغير "(1/145)
يعني لو أن المقترض رد القرض بعينه ، مثلاً اقترض منه براً ثم رده ، أو ذهباً ثم رده بعينه ، فهل يلزم المقرض أن يقبله أو لا يلزم ؟
قال المؤلف : يقبله ، إن كان مثلياً هذا الشرط الأول .
والشرط الثاني : أن لا يتغير .
فإذا رده بعينه فإنه يقبله بشرطين ، وسيأتي ما هو المثلي وما هو القيمي .
" إلا فلوساً أو مكسرة حرمها السلطان "
الفلوس : ما اتخذه الناس ثمناً من غير الذهب والفضة مثل الآن ما يوجد ما يتخذه الناس من أثمان من النحاس والمعدن ونحو ذلك هذه يسميها العلماء فلوس .
النقود : هي الدينار والدرهم ، والدينار ما اتخذه الناس ثمناً من الذهب ، والدرهم ما اتخذه الناس ثمناً من الفضة .
العملة : من غير الذهب والفضة .
بقينا في المكسرة ، ما هي المكسرة ؟
هي أجزاء من الدينار ومن الدرهم يعني قطع قطعة من الدينار وقطعة من الفضة يشتري بها ، كانوا في الزمن الأول عندما يستخدمون الدينار يشتروا به ، ويستخدمون الدرهم يشتروا به يكون هناك قطع من هذا الدينار أو قطع من هذا الدرهم ويشترون بهذه القطعة ، فهذه يسميها العلماء مكسرة .
فتبين لنا ما هو الفلوس وما هي المكسرة وما هي النقود الدراهم والدنانير .
وقال المؤلف رحمه الله : إلا فلوساً أو مكسرة حرمها السلطان ، ولم يقل المؤلف : دنانير أو دراهم ، لأن الدنانير والدراهم لا يحرمها السلطان هي باقية بقيمتها ، قيمتها في ذاتها وعينها لا يحرم السلطان التعامل بها لكن السلطان يحرم التعامل بالفلوس مثل هذه الريالات ، السلطان يملك أن يغير هذه الريالات أو هذه المكسرة ، يملك السلطان أن يمنع التعامل بها .
لكن بالنسبة للدنانير والدراهم لا يملك السلطان أن يغير فيها وحتى لو غير فهي باقية في ذاتها وقيمتها في عينها .
ولهذا السلاطين لا يغيرون الدنانير والدراهم وإنما يغيرون الفلوس والمكسرة يمنعون التعامل بها .
" إلا فلوساً أو مكسرة حرمها السلطان فقيمتها وقت عقد "(1/146)
يعني الفلوس إذا ألغى السلطان التعامل بها فإنها تجب قيمتها يوم العقد .
فمثلاً هذه الريالات ألغى السلطان التعامل بهذا الجنس من هذه الريالات وقد أقرضه ألف ريال فكم تساوي هذه الريالات يوم العقد ؟
هذه المكسرة ألغى السلطان التعامل بها ، كم تساوي يوم العقد ؟
فيعطيه كم تساوي هذه الريالات أو كم تساوي هذه المكسرة ، فينظر إلى قيمة هذه الريالات التي ألغيت الآن فيعطيه من العملة الجديدة كم تساوي ؟
" ويردَّّ مثل مِثْليّ وقيمة غيره "
الواجب على المقترض أن يرد مثل المثلي وغير المثلي يرد قيمته هذا عند التنازع أما إذا اصطلحا على أي شيء فالأمر إليهما لكن إذا تنازعا فالواجب في المثل أن يرد المثليات ، وفي القيمة يرد المتُقوّمات .
لكن ما هو المثلي ؟ وما هو القيمي ؟
المشهور عند الشافعية والحنابلة : أنهم يضيقون المثلي ، يقولون المثلي : هو كل مكيل أو موزون لا صناعة فيه مباحة يصح السلم فيها ، فلابد أن يكون مكيلاً أو موزوناً لم تدخله الصناعة المباحة أيضاً يصح السلم فيه ، يعني تنضبط أوصافه .
فمثلاً إذا أقرضه براً ، الواجب أن يرد براً لأن البر مكيل ، أقرضه سكر ، الواجب أن يرد سكر لأنه موزون ، أقرضه حديداً يجب أن يرد حديد لأن الحديد موزون ، أقرضه كتاباً يجب عليه أن يرد القيمة لأن الكتاب ليس مكيلاً ولا موزوناً .
لو قال أنا أقرضتك كتاب أعطني كتاباً ، هل يلزمه أن يعطيه كتاباً ؟
نقول لا يلزمه ، الواجب القيمة .
لو اتفقا على الكتاب فالحمد لله لكن لو اختلفا ، نقول القول قول المقترض ، لأن الكتاب ليس مكيلاً ولا موزوناً .
أقرضه إناء يجب أن يرد القيمة ، لماذا ؟
لأنه دخلته الصناعة وأصله موزون ، المعدن موزون والنحاس موزون ، لكن لما دخلته الصناعة انقلب من كونه مثلياً إلى كونه قيمياً .
أقرضه أدوية من أخلاط متنوعة يجب عليه القيمة ، لماذا ؟
لأنه لا يصح السلم فيه لا تنضبط أوصافه .(1/147)
أقرضه ثوباً ، الواجب أن يرد القيمة ، لماذا ؟
لأن الثوب ليس مكيلاً ولا موزوناً دخلته الصناعة ، قد يكون من صوف ، والأصل في الصوف أنه موزون لكن دخلته الصناعة فأصبح قيمياً ، وهكذا .
نقول : إذا اختلفا الواجب أن يرد المثل في المثليات ، والقيمة في المقيمات ، لكن ما هو المثل ؟
وما هو القيمة ؟
المثل يحصرونه بالمكيلات والموزونات التي لم تدخلها الصناعة المباحة ويصح السلم فيها .
هذا هو رأي الشافعية والحنابلة وأنهم يضيقون .
الرأي الثاني : رأي الحنفية وهو قول شيخ الإسلام رحمه لله وأيضاً السعدي أن المثلي ماله مثل في الأسواق .
والقيمي ما ليس له مثل في الأسواق .
ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكراً ورد خيراً منه رباعياً .
ويدل لهذا حديث عائشة رضي الله عنها لما ضربت يد الخادم فسقط الإناء وانتشر الطعام ، لما أرسلت إحدى أمهات المؤمنين للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً وهو عند عائشة فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( طعام بطعام وإناء بإناء ) مع أن الطعام دخلته الصناعة ، فالواجب أن يكون قيمياً على رأي الشافعية والحنابلة ، ومع ذلك جعله النبي صلى الله عليه وسلم مثلياً ، والإناء دخلته الصناعة فعلى رأي الشافعية والحنابلة يكون قيمياً ، والنبي صلى الله عليه وسلم أوجب المثلي ، فدل على أن المثل ماله مثل ، والقيمي ما ليس له مثل .
وعلى هذا لو أقرضه ثوباً وقال أعطني ثوباً ، الواجب ثوب .إذا تراضيا على القيمة فالحمد لله .
وهذا القول هو الصواب .
" فإن أعوز المثل فقيمته إذن "
يقول المؤلف رحمه الله كما سلف أنه يجب المثل في المثليات ، والقيمة في المتقومات وسبق أن ذكرنا ما هو المثلي وما هو القيمي .
ثم قال المؤلف تفريعاً على ما سبق : فإن أعوز المثل فقيمته إذن ، إذا أعوز المثلي يصار إلى القيمة ، فمثلاً إذا أقرضه نحاساً لأن النحاس موزون على المذهب ثم بعد ذلك تعذر النحاس فإنه يجب قيمته .(1/148)
" ويحرم شرط جر نفعاً "
فإذا اشترط المقرض على المقترض منفعة فنقول هذه المنفعة محرمة .
فمثلاً لو قال : أقرضتك بشرط أن استعمل سيارتك يوم أو يومين أو بشرط أن أسكن بيتك لمدة كذا ، أو أقرضتك بشرط أن تبيع علي بيتك ونحو ذلك من الشروط محرم والأدلة كثيرة على ذلك منها قوله صلى الله عليه وسلم :( لا يحل سلف وبيع ) .
ومن ذلك أيضاًً وروده عن الصحابة رضي الله عنهم كما ورد عن سلمان رضي الله عنه في البخاري ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما بإسناد صحيح ( أن رجلاً له على رجل عشرون درهماً فكان يهديه سمكاً وكان يقوم ذلك حتى بلغ ثلاثة عشر درهماً ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما لا تأخذ منه إلا سبعة دراهم ) .
وأيضاً القرض مما يراد به الإرفاق والإحسان وإرادة وجه الله عز وجل ، فإذا شرط فيه النفع خرج عن موضوعه وهو الإرفاق والإحسان ، فنقول كل قرض جر نفعاً فهو ربا .
" لا فعله بلا شرط أو إعطاء أجود أو هدية بعد الوفاء ، وإن هداه قبل الوفاء حرم إن لم ينو احتسابه أو مكافأته أو تجر عادته به قبل "
تقدم أن الشرط في القرض من قبل المقرض شرط المنفعة في القرض من قبل المقرض محرم ولا يجوز وذكرنا الدليل على ذلك .
المنفعة بالنسبة للمقرض من المقترض تنقسم إلى أقسام :
القسم الأول : أن تكون بشرط ، أن يشترط المقرض على المقترض منفعة ، فهذا محرم كما سبق تقريره .
القسم الثاني : أن يكون بغير شرط ، ويعطيه أجود مما أقترض منه فجائز ولا بأس به ، ولهذا قال المؤلف رحمه الله : بلا شرط أو إعطاء أجود .
مثاله : اقترض منه براً متوسطاً فأعطاه براً جيداً ، أو اقترض منه ثوباً صناعته كذا فأعطاه ثوباً صناعته أجود ، فهذا جائز ولا بأس به .
ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكراً ورد خيراً منه رباعياً ، وسبق أن ذكرنا أن هبة الأوصاف والمعاني على المذهب يلزم قبولها .
القسم الثالث : أن يعطيه أكثر مما أعطاه بعد الوفاء .(1/149)
القسم الثاني الزيادة في الكيفية فهذه يقولون جائزة ولا بأس بها .
والقسم الثالث الزيادة في الكمية يعني اقترض منه ألف ريال فسدد له ألف ومائة ، وهذا بلا شرط .
ظاهر كلام المؤلف لا يجوز لأنه قال : أو أجود .
والرأي الثاني : جائز ولا بأس به ولا فرق بين الزيادة في الكمية أو الزيادة في الكيفية ، فمادام أنه ثبت الزيادة في الكيفية فكذلك الزيادة في الكمية .
القسم الرابع : أن يعطيه هدية من الهدايا بعد الوفاء ، فهذا جائز ولا بأس به ، فمثلاً أقرضه ألف ريال فرد عليه الألف ومعه كتاباً هدية ، فجائز ولا بأس به ( فخيركم أحسنكم وفاء ) .
القسم الخامس : أن تكون الهدية قبل الوفاء ، مثلاً أعطاه كتاباً قبل الوفاء أو قلماً أو دراهم ، فهذا لا يجوز له أن يقبله إلا إذا كان ينوي أن يحتسبه من الدين أو كانت جرت العادة بينهما في المكافأة هذا يهديه وهذا يهديه جرى بينهم التهادي قبل القرض ، فهذا جائز .
القسم السادس : أن يعطيه منفعة من المنافع قبل الوفاء ، بعد الوفاء جائز ، مثل أن يركبه في السيارة أن يسافر به يسكنه في بيته .. إلخ .
إن كان بعد الوفاء جائز ولا بأس به ( خيركم أحسنكم قضاء ) .
وأما إن كان قبل الوفاء فإن كان من الأمور التي جرت العادة بين الناس فيها فهذا جائز ولا بأس به ، وإن كانت لم تجر به العادة فيحتسب هذه المنفعة من الدين .
القسم السابع : ما يتعلق بالدعوات ، كما لو دعاه وأطعمة وأدخله في بيته وقدم له طعاماً ، فهل يحتسب هذا الطعام أو لا يحتسب هذا الطعام ؟
نقول الدعوات قسمان :
الأُول : الدعوات العامة التي لا يقصد بها المقرض ، مثل دعوة العرس ، دعا الناس ومن ضمنهم المقرض ، فجائز ولا بأس به ولا يحتسب هذا من الدين .
الثاني : أن تكون الدعوة خاصة ، أن يدعو المقرض ويقدم له طعاماً ، وهو موضع خلاف هل يحسبه أو لا يحسبه ؟(1/150)
والأقرب : ما ذهب إليه ابن مفلح أنه إن كان مما جرت به العادة فإنه لا يحسب ، وإن كان مما لم تجر العادة به فإنه يحسب ، جرت العادة أنه إذا أدخله عنده وقدم له شيء من القهوة ونحو ذلك هذه أمور جرت بها عادة الناس فهذه لا يحسبها ، لكن لو كان قدم له طعاماً خاصاً لم تجر العادة أنه من يدخل عنده لا يقدم له الطعام فإنه يحتسبه من الدين .
" وإن طولب ببدل قرض "
يقول المؤلف : إن طولب المقترض من قبل المقرض ببدل القرض ، وبدل القرض المثل في المثليات والقيمة في المتقومات .
" ونحوه "
نحو القرض مثل ثمن المبيع بدل الغصب .
" ببلد آخر لزم إلا ما لحمله مؤونة "
نفرض أن العقد تم في المدينة ثم أن المقرض طالب المقترض بالقرض في مكة ، يقول المؤلف : يجب عليه أن يدفعه في مكة إلا ما لحمله مؤونة ، مثل : أقرضه خشباً أو أقرضه أكياساً من الأرز أو من البر هذا لحمله مؤونة ، هذا لا يجب عليه أن يعطيه إلا القيمة إذا طالبه في غير بلد القرض ، بلد الوفاء يجب عليه أن يعطيه القرض إلا إذا كان هذا القرض لحمله مؤونة كما مثلنا سابقاً .
فإنه لا يجب عليه أن يحمله لكن يعطيه القيمة .
" فقيمته إن كانت ببلد قرض أنقص "
وعلى هذا القيمة لا تخلو من ثلاث حالات :
الحالة الأولى : إما أن تكون في بلد الوفاء أكثر فهنا لا يلزمه ، مثلاً أقرضه في المدينة أرزاً ثم بعد ذلك طالبه في مكة أن يعطيه الأرز ، نقول لا يجب عليك أن تعطيه الأرز ، أعطه قيمة الأرز .
فإذا كانت قيمة الأرز بمكة أكثر من المدينة لا يلزمه .
الحالة الثانية : أن تكون أنقص ، مثلاً في المدينة الكيس بمائة وفي مكة بتسعين يجب عليه .
الحالة الثالثة : إن كان مساوية يجب .
فأصبح لا يجب إذا كان في البلد التي طولب فيها بالوفاء أكثر ، أما إن كانت مساوية أو أنقص فإنه يجب عليه أن يوفي .
بقينا في مسألة في باب القرض :(1/151)
وهي إذا ما ارتفعت الأسعار ، أسعار السلع أو ارتفعت العملات أو انخفضت ، فهل ينظر إلى هذا الارتفاع والانخفاض أو لا ينظر ؟
مثاله : أقرضه عشرين صاعاً من البر في وقت القرض الصاع من البر يساوي ثلاث ريالات ، وعند الوفاء انخفضت قيمة البر فأصبح قيمة الصاع الواحد تساوي ريالاً واحداً ، فهل ينظر إلى هذا الارتفاع والانخفاض أو لا ينظر ؟
ومثله : ارتفاع العملات ارتفاع الذهب ، أقرضه مائة غرام من الذهب قيمة الغرام تساوي أربعين ريالاً عند الوفاء ارتفع الغرام أصبح يساوي تسعون ريالاً ، فهل يجب عليه أن يأتي بهذه الغرامات مع أن أسعارها الآن ارتفعت أو لا يجب ؟
وينظر إلى وقت القرض ، خلاف بين أهل العلم .
الرأي الأول : جمهور العلماء : لا ينظر إلى اختلاف الأسعار إلى الزيادة والنقصان ، أقرضه عشرين صاعاً يجب عليه أن يرد عشرين صاعاً ، سواء ارتفعت أو انخفضت .
أقرضه مائة غرام من الذهب يجب عليه أن يرد مائة غرام من الذهب ارتفعت أو انخفضت .
مائة ريال سعودي يجب عليه أن يرد مائة ريال سعودي .
واستدلوا بأدلة كثيرة منها :
يقولون القرض لا يربط بالأسعار وتغير الأسعار لأنه ليس من عقود المعاوضات وإنما هو من عقود الإرفاق والإحسان ، والمقرض لما أقرض يريد بذلك وجه الله عز وجل لا يريد أن يحفظ سلعته ، ولو قلنا ينظر إلى الارتفاع والانخفاض لكان المقرض ما قصد الإرفاق والإحسان ، وإنما يقصد أن يحفظ السلعة .
فلو قلنا الآن لما انخفض الذهب يجب على المقترض أن يسدد القيمة وقت القرض مثلاً الغرام قيمته خمسون ريالاً وقت القرض .
وقت القرض يساوي ثلاثين أو أربعين ريالاً ، نقول يجب أن تسدد وقت القرض يساوي خمسون ريال ، أصبح المقرض لا يقصد بعمله الإرفاق والإحسان وإنما يقصد أن يحفظ ماله من الزيادة والنقص ، وهذا ليس مراداً في القرض .
القرض يراد به الإرفاق والإحسان .(1/152)
الرأي الثاني : ينظر إلى الارتفاع والانخفاض وأنه يراعى فإذا أقرضه عشرين اعاً من البر قيمة الصاع يوم القرض يساوي ثلاث ريالات وأصبحت الآن قيمته ريالاً واحداً فإنه يزيد ، فهو الآن أقرضه عشرين صاعاً من البر قيمته ثلاث ريالات ، فقيمة الأصواع تساوي ستون ريالاً ، وعلى هذا يشتري له براً بستون ريالاً .
لو قلنا أعطه عشرين صاعاً هذه الأصواع قيمتها الآن تساوي عشرين ريالاً ، لا أعطه ما يساوي من الأصواع ستون ريالاً ، وهذا هو الرأي الثاني وهو قول أبي يوسف من الحنفية ويذهب إليه بعض المتأخرين ، ويقولون أن الله عز وجل يقول :( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) وهو الآن أقرضه هذا البر وهذه قيمته ، أو هذا الذهب أو هذه العملات ، وهذه قيمتها فيجب عليه أن يوفي .
ويستدلون أن عدم اعتبار مثل هذه الأشياء يمنع القرض الحسن .
ويقولون أن المقرض محسن وما على المحسنين من سبيل .
والقاعدة { ما يرى فيها من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( لا ضرر ولا ضرار ) والمقرض يلحقه ضرر }
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله لقوة دليلهم وأن القرض يخرج موضوعه عن موضوع المعاوضات .
اللهم إلا إذا كانت الزيادة فاحشة ، فإذا كانت هناك زيادة فاحشة أو غير فاحشة فهو من صالح المقرض ، لكن إذا كان النقص شديداً فاحشاً فهذا يكون من باب وضع الجوائح .
مثلاً أقرضه عشرون ريالاً أصبحت الريالات الآن لا تساوي شيئاً نزلت القيمة أصبحت الريالات الآن في الوقت الحاضر لا تساوي إلا ريالاً واحداً ، فإذا كان من هذا الجنس فإنه يصار إلى اعتبار القيمة وقت القرض .
أو أقرضه عشرون صاعاً من البر ، أصبحت الآن العشرون صاعاً لا تساوي شيئاً تساوي ريالاً واحداً وكانت قيمتها عند القرض عشرون ريالاً أما الآن نزلت لقيمة وانخفضت الأسعار ، فيكون هذا من قبيل وضع الجوائح .
باب الرهن(1/153)
الرهن من عقد التوثيقات ، وعقود التوثيقات : الرهن الضمان الكفالة .
والرهن : نعمة الثبوت والدوام ، يقال : ماء راهن أي راكد ، ونعمة راهنة أي دائمة .
واصطلاحاً : توثقة دين أو عين بدين أو عين أو منفعة ، هذا أحسن التعاريف .
والأصل فيه القرآن والسنة والإجماع .
أما القرآن قوله تعالى :( فرهان مقبوضة ) .
والسنة فقوله صلى الله عليه وسلم :( الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً وعلى الذي يشرب ويركب النفقة .
والإجماع قائم عليه .
والرهن يشترط له شروط :
قال المؤلف رجمه الله :
" يصح في كل عين يصح بيعها حتى المكاتب "
هذا الشرط الأول من شروط صحة الرهن : أن يكون الرهن مما يصح بيعه ، لأن الذي لا يصح بيعه لا فائدة من رهنه ، لأن الفائدة من الرهن أنه إذا تعذر توفية الحق من الراهن فإن المرتهن يتمكن من بيع الرهن ويستوفي حقه من هذه الوثيقة .
فمثلاً لو أرهنه خمراً ، الخمر لا يصح بيعه وتعذر الحق من الراهن فهل يتمكن المرتهن من بيع الرهن وأن يستوفي حقه أو نقول لا يتمكن ؟
نقول لا يتمكن فلابد أن يكون الرهن مما يصح بيعه ، وما لا يصح بيعه لا يصح الرهن .
وهذا في الجملة لأن عقود التوثيقات أوسع من عقود المعاوضات وإلا هناك أشياء ينصون عليها لا يصح بيعها ومع ذلك يصح رهنها .
مثلاً الثمرة قبل بدو صلاحها لا يصح بيعها كما سلف لنا لكن يصح الرهن لأن البيع منع خشية العاهة والتلف ، والرهن لو تلفت هذه الثمرة ، فهذه الثمرة مجرد توثيقة فإن حق المرتهن لا يفوت .
المهم الشرط الأول : أن تكون العين المرهونة مما يصح بيعها في الجملة .
الشرط الثاني : أن يكون الراهن جائز التصرف .
وجائز التصرف : البالغ العاقل الحر الرشيد .
فالبالغ يخرج الصبي وسبق أن ذكرنا القاعدة في الصبيان وأنهم لا يملكون التصرفات إلا في الأمور اليسيرة عرفاً .
والعاقل يخرج المجنون فلا يصح رهنه .(1/154)
والحر يخرج الرقيق ، فالرقيق لا يصح رهنه إلا بإذن سيده .
والرشيد يخرج السفيه .
الشرط الثالث : أن يكون مالكاً للعين المرهونة أو مأذوناً له في ذلك ، لا يرهن سيارة صديقه إلا إذا أذن له ، ولو لم يأذن يكون هذا من قبيل التصرف الفضولي فينفذ بالإجازة ، إن أجاز نفذ وإن لم يجز لم ينفذ .
وقولنا أن يكون مالكاً أو مأذوناً له إذا أعاره رفيقه سيارته لكي يرهنها جائز ولا بأس به .
الشرط الرابع : أن يكون الرهن معلوماً صفة وقدراً ونوعاً .
" مع الحق وبعده "
يعني يصح الرهن مع الحق .
مثاله : أقرضتك ألف ريال على أن ترهنني بيتك أو سيارتك هذا مع الحق ، بعد الحق ، قال أقرضتك ألف ريال ، قال قبلت ، ثم قال أعطني رهناً هذا بعد الحق ، فقال خذ هذا الثوب أو هذه السيارة رهناً ونحو ذلك .
وظاهر قول المؤلف : أنه لا يصح قبل الحق .
والصواب : يصح حتى قبل الحق .
مثلاً قال : أقرضني ، قال أعطني رهناً لكي أقرضك فرهنه ثم أقرضه ، فتقدم الرهن على القرض ، نقول هذا صحيح .
" ويصح رهن مبيع غير نحو مكيل على ثمنه وغيره "
رهن المبيع على ثمنه .
صورة ذلك : اشترى منه السيارة قال : أعطني الثمن ، قال اجعل السيارة رهناً ، قال المشتري اجعل السيارة رهناً حتى آتيك بالثمن .
المؤلف يقول أنه ينقسم إلى قسمين :
رهن المبيع على ثمنه ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أن يكون مما بيع بتقدير كالمكيل والموزون والمعدود والمزروع ، فيقول لا يصح ، لماذا لا يصح ؟
لأن هذا الذي بيع بتقدير لا يصح بيعه قبل قبضه ، وقبضه بتقديره ونقله كما سلف فلا يصح قبل قبضه بيعه فكذلك لا يصح رهنه .
القسم الثاني : أن يكون مما بيع بغير تقدير مثل لو باعه سيارة كتاباً قلماً بغير تقدير لا يحتاج إلى توثيقة لا يحتاج إلى تقدير ، يقول المؤلف يصح .
والصواب : أنه لا فرق بين هذين القسمين .
كل منهما يصح رهنه على ثمنه .(1/155)
وكما أسلفنا أن عقود التوثيقات أوسع من عقود المعاوضات ، يتوسع فيه ما لا يتوسع في المعاوضات .
وعقود التبرعات أوسع من عقود التوثيقات ، فأوسع شيء هي عقود التبرعات ثم التوثيقات ثم المعاوضات .
وأوسع عقود التبرعات عقد الوصية يتوسع العلماء فيها كثيراً ، ولهذا يجوزونها في المجهول والمعدوم ، كما سيأتي .
" ويلزم في حق راهن فقط "
عقد الرهن اللازمة من طرف الجائزة من طرف آخر ، يعني عقد البيع لازم من الطرفين ، وعقد الوكالة جائز من الطرفين ، وعقد الرهن لازم من طرف جائز من طرف آخر ، فالعقود من حيث اللزوم وعدمه تنقسم ثلاثة أقسام :
القسم الأول : عقد لازم من الطرفين كالبيع .
القسم الثاني : عقد جائز من الطرفين كالوكالة ، وعقد الشركة .
القسم الثالث : عقد لازم من طرف جائز من طرف آخر وهو عقد الرهن .
فعقد الرهن لازم من طرف الراهن أما بالنسبة للمرتهن فهو في حقه جائز لأن المرتهن هو الذي له الوثيقة ، فله أن يبطل عقد الرهن الحق له فلو قال المرتهن للراهن أنا لا أريد رهناً خذ رهنك أنا لا أريد التوثقة لكن بالنسبة للراهن هل له ذلك أو ليس له ذلك ؟
نقول جائز من جهته .
" بقبض "
يعني المؤلف يلزم الرهن بالقبض ، يصح بالعقد لكن متى يكون لازماً يكون لازماً بقبض المرتهن أو بقبض ما يسميه العلماء بالعدل الذي يتفق عليه الراهن والمرتهن ، قبل القبض على رأي المؤلف وهو رأي الجمهور ، أن العقد ليس لازماً .
ما معنى ليس لازماً ؟
يعني أن الراهن له أن يتصرف بالعين المرهونة مثلاً اقترض منه ألف ريال وقال أعطني رهناً فأعطاه رهناً السيارة واتفقا على ذلك .
المرتهن حتى الآن لم يقبض العين المرهونة من الراهن .
يقولون له أن يتصرف فيها ، لو أن الراهن ذهب وباع السيارة على رأي الجمهور : يصح البيع ويبطل الرهن ، يعني تصرف فيها تصرفاً ينقل الملك ، باعها وهبها وقفها .. إلخ .(1/156)
يقولون أن هذا التصرف صحيح ويبطل الرهن مادام أن المرتهن لم يقبض العين المرهونة .
والرأي الثاني : وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وقول كثير من المالكية واختيار شيخ الإسلام : أن الرهن يلزم بمجرد العقد يكون الرهن لازماً ولا يملك الراهن بعد ذلك أن يتصرف في العين المرهونة .
ويدل لهذا أن الله عز وجل قال :( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) .
ومقتضى ذلك أن يوفي الراهن بالعقد لا يتصرف فيه لأنه إذا تصرف في العين المرهونة يؤدي ذلك إلى إبطال العقد والله سبحانه وتعالى يقول : ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) .
ويقول سبحانه :( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ) .
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :( المؤمنون على شروطهم ) .
فكون الراهن يتصرف في العين المرهونة هذا خلاف للأمانة ، وخلاف رعاية العهد .
وأما الذين قالوا أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض وهم الجمهور استدلوا بقول الله عز وجل :( فرهان مقبوضة ) يعني أن الله عز وجل وصف هذه الرهان بأنها مقبوضة فدل ذلك على أن القبض لابد منه للزوم الرهن .
والجواب عن هذا سهل نقول : وصف الرهن بأنه مقبوض هذا لتأكيد القبض ، ولأن تمام الإستيثاق لا يحصل إلا بالقبض ، لأن الرهن عقد وثيقة .
فالصواب في هذه المسألة : أن الرهن يلزم بمجرد العقد ، وأن القبض زيادة توثيق فقط .
" واستدامته شرط للزومه "
يعني أن استدامة المرتهن بقبض العين المرهونة شرط ، وعلى هذا لو أن المرتهن أخرج العين المرهونة ودفعها للراهن يبطل اللزوم ، مثلاً : أقرضه ألف ريال وأخذ سيارته رهناً ثم بعد ذلك احتاج الراهن السيارة وطلبها من المرتهن ، فدفعها المرتهن للراهن ، فلما دفعها المرتهن للراهن ، يقولون بطل اللزوم لأنه لا يكون لازماً .
فلو أن الراهن تصرف في العين المرهونة ببيع أو وقف أو نحو ذلك يقولون هذا التصرف صحيح ، ويبطل حق المرتهن .(1/157)
والصواب : ما ذكرنا وذهب إليه كثير من المالكية وهو رواية عن الإمام أحمد وهو عمل الناس اليوم .
تجد أن الإنسان يقترض ألف ريال ويرهن بيته وهو ساكن فيه ومع ذلك يكون العقد لازماً فعرف الناس اليوم أن العقد يكون لازماً .
وأن الراهن لا يملك أن يتصرف في العين المرهونة لأن حق المرتهن تعلق به التوثق .
" ولا ينفذ تصرف راهن فيه بغير إذن مرتهن إلا العتق وتؤخذ قيمته رهناً مكانه "
التصرف في العين المرهونة أما تصرف المرتهن في العين المرهونة فهذه التصرفات باطلة ، لماذا ؟
لأنه ليس مالكاً للعين الذي يملك العين هو الراهن هو له حق التوثقة فقط .
فلو أقرض شخصاً ألف ريال وأخذ السيارة رهناً ثم ذهب وباع السيارة أو أجرها ، نقول : أن هذه التصرفات غير صحيحة مادام أن الراهن لم يأذن فيها لأنك أنت أيها المرتهن لست مالكاً للعين أنت تملك التوثق فقط .
هذه العين المرهونة وثيقة عندك فقط .
فنقول : التصرفات في الرهن :
القسم الأول : إن كانت هذه التصرفات من قبل المرتهن فهذه التصرفات باطلة لأن المرتهن ليس له حق إلا الوثيقة فقط .
القسم الثاني : أن تكون التصرفات من قبل الراهن وهو مالك العين وهو الذي اقترض أو اشترى بثمن مؤجل ودفع ماله رهناً ، فالراهن إذا تصرف في العين المرهونة فتصرفات الراهن تنقسم إلى أقسام :
القسم الأول : أن يتصرف تصرفاً ينقل الملك مثل البيع والوقف والهبة ، فما حكم هذه التصرفات ؟
نقول هذه التصرفات باطلة لماذا ؟
لأن هذا يؤدي إلى إبطال حق المرتهن من الوثيقة .
وعلى هذا الذين يقترضون قروضاً ويجعل بيته رهناً ثم يذهب ويبيع البيت هذا التصرف باطل لأنه يبطل حق المرتهن من الوثيقة .
القسم الثاني : التصرف بالعتق ، يعني لو كان الرهن رقيقاً فذهب الراهن وأعتقه ، يقول المؤلف : ينفذ العتق ويأثم ويطالب الراهن أن يعطينا قيمة هذا الرقيق لكي يكون رهناً مكانه .
وهذا ما ذهب إليه المؤلف وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد .(1/158)
والرأي الثاني : أن هذا العتق لا ينفذ ، فكيف نقول محرم وأنه ينفذ ؟
فالصواب : أنه لا ينفذ لأن هذا إبطال لحق المرتهن من الوثيقة فهو جناية على حق المرتهن ، وقد يكون هذا الراهن ليس عنده قيمة الرقيق ، لتأخذ قيمة هذا الرقيق لنجعلها رهناً .
فالصحيح : أن هذا القسم يلحق بالقسم الذي قبله وأن تصرفات الراهن بعتق العين المرهونة تصرفاً باطل ولا يصح .
القسم الثالث : التصرف في منافع العين المرهونة بأن تؤجر ، نفرض إن العين المرهونة بيت ويؤجر هذا البيت أو يعار ، فهل يملك الراهن أن يتصرف هذه التصرفات أو لا يملك ؟
نقول يفرق .
أما العارية فلابد من إذن المرتهن فلا يملك الراهن أن يعير العين المرهونة إلا بإذن المرتهن لأن العارية قد تتلف باستيفاء المنفعة منها فلابد من إذن من له الحق وهو المرتهن .
وأما الإجارة فالصحيح أن الراهن يملك أن يؤجر العين المرهونة بل لو طلب المرتهن أن تؤجر العين المرهونة له ذلك .
ويجبر الراهن على الإذن لماذا ؟
لأن فيه فائدة للراهن والمرتهن .
أما فائدة الراهن فإن هذه المنافع لا تضيع .
وفائدة المرتهن أن هذه الإجارة تكون رهناً مع العين المرهونة فما نأخذه من أجرة لا يأخذها الراهن وإنما تكون رهناً مع العين المرهونة .
القسم الرابع : التصرف بالوصية ، فلو وصى الراهن أن هذا البيت المرهون يكون في سبيل الله أو يكون للفقراء أو وصى به على أولاده بعد موته ، نقول هذه الوصية صحيحة ونافذة ، فإذا كان بعد موته أن فك الرهن إزاء الدين فالحمد لله ، وإذا لم يفك الرهن يباع وما فضل من المال بعد لدين فيكون حسب الوصية .
" ونماؤه وكسبه "
نماؤه يعني نماء العين المرهونة تكون تبعاً له وإذا كانت تبعاً له تكون رهناً وهما ملك للراهن لأنه نماء ملكه ، فمثلاً لو كانت العين المرهونة بقرة وولدت فنقول : هذا الولد يبقى رهناً مع أمه وهو ملك للراهن لأنه نماء ملكه .(1/159)
كذلك كسبه ، لو أن هذا الرهن سيارة ، وهذه السيارة أجرناها ، نقول : هذه الأجرة تكون رهناً مع السيارة ملك للراهن .
أو كان الرهن رقيقاً واكتسب هذا الرقيق ، نقول : يكون رهناً مع العين المرهونة .
" وأرش جناية عليه تبع له "
أيضاً لو كان الرهن سيارة ثم حصل عليها حادث وأخذنا قيمة هذا الحادث ، مثلاً خمسة آلاف ريال فإنها تكون رهناً مع السيارة .
" ومؤونته على راهن "
المؤونة إذا كان الرهن مما يحتاج إلى مؤونة فهذا على الراهن لأنه المالك وكما له الغنم أيضاً عليه الغرم .
والقاعدة { الغنم بالغرم }
وتقدم حديث عائشة رضي الله عنها ( الخراج بالضمان )
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه ) .
فنقول : المؤونة تكون على الراهن ، فمثلاً لو كان الرهن بقرة وتحتاج إلى علف فنقول هذا العلف يكون على الراهن ، فكما أن نماء هذا الرهن يكون للراهن ويكون رهناً أو كان الرهن رقيقاً ونحو ذلك .
نقول المؤونة على الراهن لما سبق من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه ) .
" ككفنه "
يعني لو مات العين المرهونة ، لو أن العين المرهونة رقيقاً ثم مات فإن كفنه يكون على سيده وهو الراهن .
" وأجرة مخزنه "
لو كان الرهن طعاماً يحتاج إلى مخزن لحفظه ، نقول يكون هذا على الراهن ، لأن الرهن كما أن له الغنم فعليه الغرم .
" وهو أمانة "
الرهن أمانة في يد المرتهن ، يعني لو أن المرتهن قبض العين المرهونة ، نقول أنه أمانة في يده وسبق أن عرفنا الأمانة وهي كل من قبض المال بإذن الشارع أو بإذن المالك ، فنقول أنه أمانة في يد المرتهن لو تلف ننظر إن تعدى أو فرط المرتهن فإنه يضمن .
إن لم يتعدى ولم يفرط فإنه لا ضمان عليه .
والتعدي هو فعل ما لا يجوز .
والتفريط هو ترك ما يجب .(1/160)
فمثلاً التعدي : أخذ السيارة رهناً ثم بعد ذلك جعل يستعملها يذهب بها ويجيء هذا متعدي لو صار عليها حادث يضمن المرتهن .
التفريط : أخذ السيارة وتركها مفتوحة فعبث بها الأطفال أو سرقت هنا نقول ترك الواجب عليه يضمن .
" لا يسقط بتلفه شيء من دينه "
يعني لو أن العين المرهونة تلفت بلا تعدي ولا تفريط من المرتهن فإنه لا ضمان عليه ولا يسقط شيء من الدين لأنه غير ضامن وهو أمين والأمين لا يضمن إلا بالتعدي والتفريط .
" ولا ينفك بعضه مع بقاء بعض دينه "
مثاله الدين مائة ألف ريال والرهن سيارتان كل سيارة بخمسون ألف ريال ، الراهن سدد المرتهن خمسون ألف ريال وقال : أعطني إحدى السيارتان فأنا سددت خمسون ألف ، والدين مائة ألف ، والرهن سيارتان وأنا سددت النصف فأعطني إحدى السيارتين ، هل يلزم المرتهن أن يجيبه أو لا يلزم ؟
المؤلف : لا يلزم المرتهن أن يجيبه فمادام بقي من الدين ريال واحد فالسيارتان رهن لهذا الريال لابد أن يسدد جميع الدين .
لو انفك بعض الدين فإن الرهن يبقى بحاله .
والعلة في ذلك : أن جميع الرهن تعلق بجميع الدين فلا ينفك شيء من الرهن بانفكاك شيء من الدين إلا إذا أذن المرتهن لأن الحق له .
" وتصح زيادة رهن لا دينه "
تصح زيادة الرهن أما زيادة الدين فلا تصح ، فمثلاً لو اقترض مائة ألف ريال وأخذ المرتهن سيارة رهناً ، وبعد يوم أو يومين قال المرتهن للراهن : لا تكفي سيارة واحدة أعطني زيادة رهناً فزاده سيارة أخرى صح ذلك ، لأن هذه زيادة استيثاق .
الصورة الثانية : الزيادة في الدين ، يقول المؤلف : لا يصح ، لا دينه .
صورة ذلك : اقترض منه مائة ألف ريال وأخذ سيارة رهناً ، وبعد يوم أو يومين احتاج إلى زيادة عشرة آلاف ريال فقال : أعطني عشرة آلاف ريال تكون زائدة على المائة ، وتكون السيارة التي أخذتها رهناً بالمائة وعشرة آلاف ، هل يصح هذا ؟
المؤلف : لا يصح لماذا ؟(1/161)
قال : لأن الرهن تعلق بالدين الأول ، فالدين الثاني لابد له من رهن مستقل .
فالمؤلف يصح الزيادة في الرهن لكن الزيادة في الدين لا يصححه .
والصواب في هذه المسألة : أنه إذا رضي المرتهن فإن هذا جائز ولا بأس بذلك لأن الحق له .
" وإذا حل الدين وامتنع من أدائه بيع رهن بإذنه وإلا أجبره حاكم "
هذه فائدة الرهن ، هنا بين المؤلف فائدة الرهن ، فما هي فائدة الرهن ؟
فائدة الرهن : لو أن الراهن لم يسدد الحق الذي عليه ، قد يكون الحق ديناً قرضاً وقد يكون الحق دين سلف كما تقدم لنا ، قد يكون الحق ثمن مبيع ، قد يكون أرش جناية ، والحقوق كثيرة فإذا لم يسدد ما عليه من الحق فإننا نرجع إلى الوثيقة ، نأخذ الحق من الوثيقة ، هذه فائدة الرهن .
" وإذا حل الدين وامتنع من أدائه بيع رهن بإذنه وإلا أجبره حاكم فإن أصر باعه عليه ووفى "
إذا متنع الراهن من سداد ما عليه من الحق ، نقول عندنا مراتب :
المرتبة الأولى : نجبره الراهن على السداد فإن امتنع ننتقل إلى
المرتبة الثانية : نجبره على بيع الرهن لكي يوفي الدين الذي عليه أو يأذن للمرتهن بالبيع فإذا امتنع أن يبيع بنفسه أو يأذن لغيره بالبيع ، بيع العين المرهونة ننتقل إلى
المرتبة الثالثة : أن القاضي يقوم ببيع العين المرهونة أو يأذن لمن يبيع العين المرهونة فتباع العين المرهونة ويؤخذ من ثمنها ما يسدد به الحق الذي على الراهن ، وإذا بيعت العين المرهونة فإن هذا لا يخلو من ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أن يكون الثمن مساوياً للحق فهنا الراهن لا له ولا عليه .
الحالة الثانية : أن يكون الثمن أكثر من الحق فيؤخذ للحق والباقي يرد على الراهن .(1/162)
الحالة الثالثة : أن يكون الثمن أقل من الحق ، ولنفرض أن الثمن عشرة آلاف ريال والدين إثنا عشر ألف ريال ، نقول يسدد للمرتهن عشرة آلاف ويبقى ألفان في ذمة الراهن ليس المعنى أن ذمته تبرأ بالرهن ، تبرأ ذمته إذا سدد الرهن ما عليه ، فإن فضل شيء فإن ذمته تبقى مشغولة بهذا الفاضل للمرتهن .
" ويقبل قول راهن في قدر رهن "
هنا شرع المؤلف رحمه الله فيما يتعلق في الاختلاف بين الراهن والمرتهن و الاختلاف بين الراهن والمرتهن له صور :
الصورة الأولى : قال المؤلف : يقبل قول راهن في قدر رهن .
إذا اختلف الراهن والمرتهن في قدر الرهن ، فقال المرتهن : أنت رهنتني سيارتين ، العقد على أن الرهن سيارتان ، قال الراهن : بل سيارة وحدة .
المؤلف : يقبل قول الراهن .
لأن القاعدة على المذهب { أن القول قول الغارم }
وسبق أن تكلمنا عن هذه الصور صور الاختلافات وذكرنا القاعدة : أنه إن كان هناك بينة يرجع إلى البينة إذا لم يكن هناك بينة نرجع إلى القرائن .
فالمؤلف يقول : القول قول الراهن ، لكن قد تقوم القرينة على أن القول قول المرتهن .
المرتهن يقول أنت رهنتني سيارتين وإذا نظرنا إلى الدين الذي أخذه الراهن من المرتهن إذا هو يقارب للسيارتين فهذه قرينة تؤيد قول المرتهن .
إذا لم تكن هناك بينات ولا قرائن نرجع إلى ما ذكره العلماء رحمهم الله .
" ودين "
هذه الصورة الثانية من صور الاختلاف .
فالصورة الثانية : إذا اختلفا في قدر الدين ، قال المرتهن أنا أقرضتك ألفين ريال ، قال الراهن أنت أقرضتني ألف .
قال المؤلف : القول قول الراهن لأنه غارم ، وكما تقدم لنا إن كان هناك بينة أو قرائن تشهد للظاهر .
" ورده "
هذه الصورة الثالثة من صور الاختلاف .
الصورة الثالثة : إذا اختلف في رد العين المرهونة ، قال المرتهن : رددت العين المرهونة لك .
قال الراهن : لم تردها علي .
المؤلف : القول قول الراهن لأن الأصل عدم الرد .(1/163)
والصواب في هذه المسألة : أن القول قول المرتهن ، لماذا ؟
لأنه أمين وإذا قلنا نقبل قوله في تلف العين المرهونة وقال لم أعدّ ولم أفرط ، فكذلك من باب أولى أن نقبل قوله في الرد ، فإذا قال رددت العين المرهونة ، فالقول قول المرتهن ما لم يكن هناك بينة أو قرائن ، فإذا لم يكن هناك بينة ولا قرائن فالصواب قول المرتهن لأنه أمين ومن الأمانة أن يقبل قوله .
" لا أنه ملك غيره "
لو قال الراهن السيارة التي رهنتها ليست لي لأبي ، قال المرتهن بل هي ملك لك ، قال الراهن السيارة التي رهنتها ليست ملك لي بعتها لأبي أو لابني ، قال المرتهن بل هي ملكك ، نقول : نقبل قول المرتهن ، لأنه لا يقبل قول الراهن في إبطال حق الغير ، فلو قلنا يقبل قول الراهن لأدى إلى إبطال حق المرتهن من الوثيقة فلا نقبل قولك أيها الراهن ، فالقول قول المرتهن .
وأبوك إن كنت صادقاً يطالبك يعد أن تباع السيارة إذا لم تسدد .
" أو جنى "
لو قال الراهن أن هذه العين الراهنة جنى جناية ، ولنفرض أن الرهن رقيق ، إذا جنى الرقيق ولم يسدد سيده يباع ثم بعد ذلك يؤخذ من قيمته ويعطى للمجني عليه إن فضل شيء رد على سيده ، وإن لم يفضل شيء لا يطالب السيد .
فإذا قال الراهن أن الرقيق هذا قد جنى فمن تقبل قوله ؟
نقول القول قول المرتهن ، فلو قلنا قول الراهن لأدى إلى إبطال حق المرتهن من الوثيقة .
" ويؤاخذ به بعد فك "
قال الآن أن هذا الرهن ليس لي أو جنى ، قلنا لا يقبل منك والقول قول المرتهن ويؤاخذ بذلك ، هو أقر أن السيارة ليست لي لأبي ، نقول لا يقبل قوله وتبقى رهناً ثم إن فك الرهن بسبب الدين أبوه يطالبه لأنه أقر أنه لأبيه ، إذا لم يفك الدين وبيعت السيارة سدد الحق من ثمن هذه السيارة فإنه يطالبه بالقيمة .
" ما لم يصدقه مرتهن "
أن هذه السيارة ليست لك أو أن هذا الرقيق قد جنى ، فنقول القول قول الراهن .
" ولمرتهن ركوب وحلب بقدر نفقته بلا إذن متحرياً للعدل "(1/164)
هذه المسألة تتعلق بانتفاع المرتهن بالعين المرهونة لأن هذا المرتهن أخذ السيارة أو البقرة رهناً بدل ثمن المبيع أو بدل القرض ، فهل له أن ينتفع بلبنه أو السيارة أو الكتاب الذي أخذه رهناً أو ليس له ذلك ؟
نقول هذا ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : أن يكون الرهن حيواناً يركب أو يحلب ، نقول له أن ينتفع بقدر النفقة ، لما ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً ولبن الدر يشرب بنفقته إن كان مرهوناً ) .
وهذا أذن فيه الشارع حتى لو لم يأذن فيه الراهن .
لو قال الراهن لا تنتفع به علي أنا نفقته سآتي بها لا تركب .
نقول أذن له الشارع .
وهذا مذهب الإمام أحمد خلافاً للجمهور يقولون : لابد من إذن الراهن .
والصواب : ما ذهب إليه الإمام أحمد أنه له أن ينتفع به مادام أذن له الشارع ولو لم يأذن الراهن .
وحينئذ الركوب والحليب لا يخلو من ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أن يكون بقدر النفقة ، فالراهن لا له ولا عليه.
مثلاً هذه البقرة تحتاج إلى عشرون ريال نفقة في اليوم ويخرج منها حليب بقدر عشرون ريال ، فنقول الراهن لا له ولا عليه .
الحالة الثانية : أن يكون الركوب والحلب أكثر من النفقة ، نقول الفاضل يكون للراهن لكن يبقى رهناً .
مثلاً حلبها بعشرون ريال ما تحتاجه هذه البقرة عشر ريالات ، نقول يحسب عشرة ريال للراهن وتبقى رهناً مع العين المرهونة .
الحالة الثالثة : أن تكون النفقة أكثر من الحليب والركوب .
فنقول يحسب المرتهن الزائد ويكون على الراهن .
القسم الثاني : أن يكون الرهن حيواناً لكنه لا يركب ولا يحلب وإنما ينتفع به كما لو كان رقيقاً ، فهل للمرتهن أن يستخدمه مقابل أن ينفق عليه أو ليس له ذلك ؟
الجمهور على قاعدتهم ليس له ذلك لأنهم يشترطون حتى فيما يركب ويحلب الذي أذن فيه الشارع يشترطون إذن الراهن .
والحنابلة يوافقونهم في هذه المسألة فهم يتقيدون بما ورد فيه النص .(1/165)
فأصبح الأئمة الأربعة كلهم يقولون أن المرتهن لا يملك أن ينتفع بالعين المرهونة إذا كانت حيواناً كالرقيق يحتاج إلى نفقة لابد من إذن الراهن .
والرأي الثاني : اختيار شيخ الإسلام أن المرتهن له أن ينتفع بالعين المرهونة إذا كان مما يحتاج إلى نفقة كالرقيق مقابل أن ينفق عليه .
وتقدم لنا قدر الانتفاع وقدر النفقة وتأتي فيه الحالات الثلاث التي سبق أن بيناها ، وما ذهب إليه شيخ الإسلام أقرب لأن الشريعة لا تفرق بين المتماثلات ، فإذا كان الشارع أجاز بالانتفاع بالحيوان الذي يركب والذي يحلب مقابل النفقة فكذلك ينتفع بالحيوان الذي يستخدم مقابل أن ينفق عليه .
القسم الثالث : أن يكون الرهن غير حيوان كما لو كان الرهن سيارة أو كتاباً أو ثوباً ونحو ذلك ، فهنا ليس للمرتهن أن ينتفع به إلا بإذن الراهن ، فليس له أن يقرأ في الكتاب المرهون ولا أن يستعمل السيارة المرهونة أو يلبس الثوب المرهون إلا بإذن الراهن .
وأيضاً إذا أذن الراهن يشترط أن لا يكون سبب الرهن القرض ، فإن كان سبب الرهن القرض لا يجوز حتى لو أذن له الراهن ، لماذا ؟
لأنه يكون قرضاً جر منفعة ، لكن لو كان سبب الرهن البيع كما لو كان الرهن مقابل الثمن المؤجل أو مقابل الصداق المؤجل أو مقابل أرش الجناية ونحو ذلك .
فهنا يجوز له أن ينتفع بإذن الراهن .
فتلخص لنا أن الانتفاع بالعين المرهونة من قبل المرتهن ينقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة .
" وإن أنفق عليه بنية رجوع وتعذر استئذان مالك رجع "
إذا أنفق المرتهن على العين المرهونة ، هل يملك أن يرجع على الراهن أو لا يملك الرجوع على الراهن ؟
مثلاً السيارة المرهونة احتاجت إلى إصلاح لو لم تصلح لفسدت ، أو مثلاً الرهن دابة وأنفق عليها ولم يستخدمها المرتهن وتحتاج إلى نفقة وأنفق عليها فهل يرجع المرتهن على الراهن أو نقول لا يرجع ؟
المؤلف رحمه الله فصل قال : وتعذر استئذان مالك .(1/166)
فالمؤلف يرى أن المرتهن يرجع على الراهن بشرطين :
الشرط الأول : أن ينوي الرجوع .
الشرط الثاني : أن يتعذر استئذان المالك .
فإذا توفرت الشرطان فإنه يرجع .
يعني احتاجت السيارة إلى نفقة وكونها تظل واقفة تحتاج إلى تحريك الدابة التي لا ينتفع بها المرتهن احتاجت إلى نفقة ونحو ذلك فأنفق عليه .
فالمؤلف يقول : إذا توفرت الشرطان فإنه يرجع ، أما إذا لم يتوفر الشرطان فإنه لا يرجع .
ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أنه إذا لم ينو الرجوع فإنه لا يرجع ، أو نوى التبرع فإنه لا يرجع .
والأقرب في هذه المسألة أن يقال : بأن إنفاق المرتهن وغير المرتهن ممن حصل بيده مال أخيه ، نقول بأن إنفاقه لا يخلو من ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أن ينوي الرجوع ، نقول يرجع ، أنفق على العين المرهونة أنفق على الوديعة كما لو كان عنده وديعة احتاجت إلى النفقة أو عارية ، فنقول : إن نوى الرجوع فإنه يرجع .
الحالة الثانية : أن ينوي التبرع ، نقول لا يرجع وكل ما أخرج مالا على سبيل التبرع فإنه لا يملك الرجوع فيه ( العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه ) .
الحالة الثالثة : أن يطلق فلا ينوي رجوعاً ولا تبرعاً ، فهذا موضع خلاف والأقرب أنه يرجع ( ما على المحسنين من سبيل ) .
ولأن الأصل أن الإنسان لا ينفق على مال غيره إلا وهو يقصد عوضاً مادام أنه لم ينو التبرع .
" كوديعة وعارية ومؤجرة "
يعني الوديعة إذا أنفق عليها المودع كما تقدم ، المؤلف يرجع على المودع بالشرطين السابقين ومثله العارية والعين المؤجرة إذا أنفق عليها المستأجر أو المستعير بالشرطين وكما تقدم في الحالات الثلاثة .
" لا إن خربت فعمرها بلا إذن "
يعني يقول المؤلف إن خربت الدار المرهونة فقام المرتهن فعمرها بلا إذن مالكها فيكون متبرعاً لا يملك الرجوع على الراهن .
فلو أن الرهن دار وهذه الدار خربت فقام المرتهن وعمرها دون أن يستأذن الراهن ، فهل يرجع عليه أو لا يرجع ؟(1/167)
المؤلف : لا يرجع عليه بقيمة العمار ، وهذا ما ذهب إليه المؤلف وتقدم أنه من أنفق على مال غيره تنطبق عليه الأحوال الثلاثة فإذا كانت هذه الدار تحتاج إلى عمارة ، مثلاً لو لم يقم المرتهن بإصلاح ما فيها من خلل ونحو ذلك لأدى ذلك إلى فسادها .
مثلاً قد تتلفها الأمطار وتحتاج إلى أن تصان ونحو ذلك ، فنقول :
الصحيح : إن كانت الدار محتاجة فإن نوى التبرع لا يرجع وإن نوى الرجوع يرجع ، وإن أطلق فالصحيح يرجع .
باب الضمان
الضمان من عقود التوثقة ، فالمؤلف رحمه الله ذكر باب الرهن وهو من عقود التوثقة كذلك الضمان فهذا من عقود التوثقة .
فمناسبته لما قبله : أن كلاً منهما عقد توثقة .
والضمان لغة : مأخوذ من الضمن لأن ذمة الضامن في ذمة المضمون عنه .
واصطلاحاً : فهو التزام ما وجب على غيره ، وما قد يجب مع بقائه .
والفقهاء يعبرون إذا كان الملتزم ديناً يعبرون بلفظ الضامن أو ضمين .
وإذا كان الملتزم دية يعبرون بلفظ حميل ، وإذا كان الملتزم بدن يعبرون بلفظ كفيل ، وإذا كان الملتزم ثمن مبيع يعبرون بلفظ قبيل ففي أثمان المبيعات يعبرون بلفظ قبيل .
و التزام ما وجب على غيره ، وما قد يجب مع بقائه هاتان صورتان :
التزام ما وجب يعني أقرضه ألف ريال قا أعطني ضامناً ، قال يضمنني فلان ، هذا التزام ما وجب .
أو اشترى منه سيارة بعشرة آلاف ريال فقال أعطني ضامناً ، قال يضمنني فلان ، فهذا التزام ما وجب .
التزام ما قد يجب يقول بع عليه السيارة وأنا ضامن ، أو أقرضه ألف ريال وأنا ضامن ، فهذا التزام ما قد يجب .
فالضمان يصح سواء كان التزام ما وجب أو التزام ما قد يجب .
( مع بقائه ) يعني أن كون الضامن يضمن لا يلزم أن تبرأ ذمة المضمون عنه بل الدين باقٍ في ذمة المضمون عنه كما سيأتي .
والأصل فيه من حيث الدليل من القرآن قوله تعالى :( ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم ) .(1/168)
وأيضاً من السنة حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنهم قدّموا للنبي صلى الله عليه وسلم جنازة لكي يصلي عليها ، فقال عليه الصلاة والسلام :( هل ترك شيئاً ) قالوا : لا ، قال :( هل عليه دين ؟ ) قالوا : ثلاث دنانير ، فتأخر النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو قتادة رضي الله عنه : صلِ عليه يا رسول الله وأنا ضامن .
قال المؤلف رحمه الله :
" يصح من جائز التصرف "
هذا الشرط الأول من شروط صحة الضمان : أن يكون الضامن جائز التصرف لأن الضمان عقد تبرع فلابد أن يكون ممن هو أهل للتبرع وجائز التصرف كما تقدم لنا هو : البالغ العاقل الحر الرشيد .
فقولنا البالغ يخرج الصبي ، فالصبي لا يصح ضمانه إلا في الأمور اليسيرة عرفاً .
العاقل يخرج المجنون ، فالمجنون لا يصح ضمانه .
والحر يخرج الرقيق ، فالرقيق لا يصح ضمانه إلا بإذن سيده .
والرشيد يخرج السفيه ، فالسفيه لا يصح ضمانه إلا في الأمور اليسيرة لأن السفيه حكمه حكم الصبي المميز ، أما الصبي غير المميز لا يصح ضمانه لا في قليل ولا في كثير .
" بلفظ أنا ضمين أو كفيل بما عليه ونحوه "
كما لو قال أنا قبيل أو حميل ونحو ذلك .
المهم القاعدة في صيغ العقود أنها تعقد بما دل عليها العرف كما ذكر شخ الإسلام رحمه الله .
فالعقود تنعقد بما دل عليه العرف من قول أو فعل متعاقب أو متراخي يرجع في ذلك إلى العرف لأن الشارع أطلق .
فالله عز وجل قال :( وأحل الله البيع وحرم الربا ) ولم يقيد البيع بلفظ خاص ، لم يقل بلفظ كذا أو بلفظ كذا .
" ولرب الحق طلب أيهما شاء "
لرب الحق أن يطالب من شاء منهما .
رب الحق : هو المضمون له ، فعندنا ضامن ، ومضمون عنه ، ومضمون له .
فيقول المؤلف : لو قال أقرضه وأنا ضامن فحل الأجل ولم يسدد المضمون فرب الحق المقرض له أن يطالب الضامن ، وله أن يطالب المضمون عنه .
يطالب المضمون عنه لأن هذا هو الأصل هو المدين هو الذي لزمه الحق .
ويطالب الضامن لأنه غارم .(1/169)
ويدل على أن الضامن غارم قوله صلى الله عليه وسلم :( الزعيم غارم ) .
قال له بع السيارة وأنا أضمنه أكفله فإذا حل الأجل ولم يسدد فالمضمون له لهُ أن يطالب هذا ولهُ أن يطالب هذا .
هذا ما عيه أكثر العلماء وتقدم الدليل على ذلك .
والرأي الثاني : الإمام مالك واختاره ابن القيم رحمه الله أن المضمون له لا يملك أن يطالب الضامن حتى يتعذر عليه مطالبة المضمون عنه .
أولاً : لأن الضامن محسن ( وما على المحسنين من سبيل ) .
ثانياً : أنه فرع ولا يصار إلى الفرع حتى يتعذر الأصل ، مثل التراب مع الماء لا يصير الإنسان للتطهر بالتراب حتى يتعذر عليه التطهر بالماء .
وهذا أقرب .
فنقول : ابدأ بالمضمون عنه وطالبه بمالك عليه من حق فإن سدد فالحمد لله وإن لم يسدد ماطل أو تبين أنه معسر أو نحو ذلك فإنك ترجع إلى الضامن إلى الوثيقة لكي تأخذ حقك منه .
وأيضاً يؤيد ذلك الرهن : المرتهن يبدأ أولاً بالراهن يطالبه بالسداد إن سدد فالحمد لله وإن لم يسدد فإنه يرجع إلى الرهن الوثيقة ولا يبدأ بالعين المرهونة أولاً .
وقوله : في الحياة وفي الممات .
في الحياة كما تقدم ، وفي الممات لو أن الضامن مات للمضمون له أن يرجع إلى الورثة يطالب في التركة ثم الورثة يرجعون على المضمون عنه .
وإذا سدد الضامن عن المضمون عنه فإنه يرجع عليه ، وإن سدد المضمون عنه فالأمر ظاهر .
" ويبرأ ضامن ببراءة مضمون "
إذا برئ المضمون عنه برأ الضامن لأن المضمون عنه أصل فإذا برئ الأصل برئ الفرع ، فلو أن المضمون سدد ما عليه من الحق برئت ذمته فيبرأ الضامن .
أو أن المضمون له أبرأ المضمون ، فنقول يبرأ المضمون بإبراء المضمون له ، فإذا برئ المضمون يبرأ الضامن لما سبق أن ذكرنا أن المضمون عنه أصل فإذا برئ فإنه يبرأ الفرع .
" لا عكسه "(1/170)
يعني إذا برأ الضامن فإنه لا يبرأ المضمون عنه ، فلو أن المضمون له قال للضامن أنت ضمنت فلان بعت عليه بثمن مؤجل وأنت ضمنته وأنا أبرأتك لا أريد هذا الضمان فإنه يبرأ .
لكن هل يلزم من ذلك أن يبرأ المضمون ؟
لا يلزم أن يبرأ المضمون .
" ولا تعتبر معرفة مضمون له أو عنه "
هذا الشرط الثاني ، وتقدم الشرط الأول وهو أن يكون الضامن جائز التصرف .
الشرط الثاني : معرفة الضامن للمضمون له وللمضمون عنه ، هل هي شرط أو ليست شرط ؟
شرطاً هذا موضع خلاف .
فبعض العلماء اشترطها ، وبعض العلماء لم يشترطها ، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
يصح أن الضامن يضمن شخصاً لا يعرفه يجهله ، ويضمنه لشخص يجهله لا تشترط معرفة المضمون له ولا المضمون عنه .
ودليل ذلك ما تقدم من حديث سلمة رضي الله عنه فأبو قتادة رضي الله عنه ضمن لصاحب الدين وهو هل يعرف صاحب الدين أو لا يعرفه المضمون له ؟
لا يعرفه .
وكذلك ضمن الميت هل يعرف الميت ؟
يحتمل أنه لا يعرفه .
فنقول كما ذهب إليه المؤلف : لا تشترط معرفة الضامن للمضمون له ولا للمضمون عنه .
" بل رضى ضامن "
هذا هو الشرط الثالث : يشترط رضى الضامن لأن الضمان تبرع ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً )
لأن الضامن إذا لم يسدد المضمون عنه فإنه سيسدد هو ، وهو متبرع الآن بالضمان .
الشرط الرابع : رضا المضمون عنه ، هل هو شرطاً ؟
لو مثلاً قال أقرضه وأنا ضامن ، قال المضمون عنه لا أريدك أن تضمنني ، ظاهر كلام المؤلف في قوله : بل رضى ضامن .
لا يشترط رضى المضمون عنه .
وظاهر كلامه لا يشترط رضى المضمون له ، لأنه اشترط رضا الضامن ، أما المضمون عن لا يشترط رضاه ، حتى لو قال أنا لا أريد الضامن ، فيصح الضمان .(1/171)
قال للمضمون له أقرضه وأنا ضامن ، قال لا أريد أن تضمنني ، فعلى كلام المؤلف لا يشترط رضى المضمون عنه ولا المضمون له ، فإذا قال أقرضه وأنا أضمنه ورضى المضمون عنه ولم يرضى المضمون له ، على كلام المؤلف لا يشترط رضا المضمون له الذي يشترط رضاه هو الضامن لأنه هو المتبرع .
أما المضمون له و المضمون عنه هؤلاء لا يشترط رضاهم لعدم التبرع .
وهذه المسألة موضع خلاف وكلام المؤلف وجيه إلا مع حصول الضرر ، لأنه قد يلحق المضمون عنه ضرر بالضمان ، قد تكون شركة كبيرة وإذا قيل أن هذه الشركة قد ضمنت يلحقها ضرر وتنخفض قيمتها المالية ونحو ذلك .
فما ذهب إليه المؤلف صواب إلا مع وجود الضرر .
فإذا كان سيلحق المضمون عنه ضرر فلابد من رضاه ، أو سيلحق المضمون له ضرر نقول لا بد من رضاه .
" ويصح ضمان المجهول إن آل إلى العلم "
هذا ما عليه جمهور أهل العلم خلاف ما عليه الشافعي .
يعني يصح أن تضمن المعلوم ويصح أن تضمن المجهول بشرط أن يؤول إلى العلم ، ودليل ذلك :( ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم ) وحمل البعير غير معلوم لكنه يؤول إلى العلم .
ومثاله : إذا قلت زيد أعطه من البقالة لمدة شهر وأنا ضامن أعطه ما يحتاجه من البقالة لمدة شهر وأنا ضامن فهذا ضمان صحيح ، وما يأخذه زيد من البقالة هذا مجهول لكنه يؤول إلى العلم لأنه في نهاية الشهر سيحصي صاحب البقالة ما أخذه زيد فقد يكون أخذ بألف أو ألفين ريال ويكون الذي تكفل بالضمان ضامناً فهذا مجهول يؤول إلى العلم فهذا صحيح .
أو قال بع عليّ السيارة وأنا ضامن للثمن لا ندري بكم يبيع عليه قد يبيع عليه بعشرة آلاف أو إحدى عشر ألف ، فهذا ضمان مجهول يؤول إلى العلم .
فإن كان المجهول لا يؤول إلى العلم فلا يصح .
مثلاً له عليه دين وهذا الدين مجهول والوثيقة قد ضاعت وطالبه بالدين وقال أنا ضامنه ، نقول نعم أنت ضامن ولكنه ضمان مجهول ولا يؤول إلى العلم كيف سيطالب الضامن والمضمون عنه .(1/172)
فتبين لنا أنه يصح ضمان المعلوم أما لمجهول ففيه تفصيل
إن كان يؤول إلى العلم فهذا صحيح ، وإن كان لا يؤول إلى العلم فإنه لا يصح .
" وما لم يجب إن آل إليه "
يعني إذا آل إلى العلم ، يعني يصح ضمان المجهول إذا آل إلى العلم وكذلك ما لم يجب إن آل إلى العلم ، فمثلاً يقول أقرض زيداً وأنا ضامن ، فهذا القرض حتى الآن لم يجب ويؤول إلى العلم لأنه إذا أقرضه سيتبين قدر هذا القرض .
" وضمان نحو عارية "
على المذهب : أنها مضمونة وليست من قبيل الأمانات ، فالمستعير على المشهور من المذهب يضمن إذا تلفت العارية ولو لم يتعد ولو لم يفرط إلا في مسائل يستثنونها .
لكن الأصل عندهم : أن العارية مضمونة وإذا كانت مضمونة فإنه يصح أخذ الضمان عليها .
مثلاً أعرتك الكتاب لكن تأتي بضامن يضمنك لأنه لو تلف الكتاب عنده سيضمن قيمته .
فأنا أرجع على الضامن فيصح .
فيقول : أعيرك الكتاب وتأتي بمن يضمنك .
على رأي المؤلف : هذا جائز ولا بأس به .
وإذا قلنا أن العارية أمانة وأن المستعير لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط يكون أخذ الضمان على العارية لا يصح .
إلا إذا أخذ الضمان على التعدي والتفريط .
فأقول أنا أعيرك الكتاب وتأتي بمن يضمنك لو تلف الكتاب بتعدي أو تفريط فحينئذ يصح كما سيأتي فيما يتعلق بالأمانات .
فالصحيح : أن العارية غير مضمونة وأن حكمها حكم سائر الأمانات ، وأخذ الضمان على الأمانة لا يصح لكن أخذ الضمان على التعدي والتفريط في الأمانة هذا صحيح .
" لا أمانة "
يقول المؤلف : الأمانة لا يصح أخذ الضمان عليها ، مثل الوديعة لا يصح أخذ الضمان عليها .
مثلاً أقول : أودعتك ألف ريال وأعطني ضامناً يضمنك ، هذا لا يصح لأنها أصلاً غير مضمونة فكيف تطلب ضامناً يضمنك .
ومثله مال الشركة ، يعطي الشريك المال لكي يعمل فيه فيقول أعطني ضامناً هذا لا يصح لماذا ؟
لأن الأمانة ليست مضمونة .
وعلى الصحيح العارية أنها أمانة وأنها ليست مضمونة .(1/173)
وعلى هذا كل ما قبض بإذن الشارع أو بإذن المالك فهو أمانة لا يصح أخذ الضمان عليه لأنه ليس مضموناً على من ليس بيده .
" بل التعدي فيها "
هنا يصح أخذ الضمان على التعدي أو التفريط .
مثلاً أؤجره السيارة وقبض السيارة ، والسيارة ليست مضمونة على المستأجر فلو تلفت بلا تعدي ولا تفريط منه ليست مضمونة ، لكن لو اشترط على المستأجر أن يعطيني ضامناً يضمن السيارة إن تعدى أو فرط فهذا صحيح .
أو أعطيته مال الشركة لكي يعمل فيه ، مال الشركة بيد الشريك أمانة لو تلف لا يضمن الشريك إلا بالتعدي أو التفريط .
فلا يصح أخذ الضمان على مال الشركة ، لكن يصح أخذ الضمان على التعدي أو التفريط .
فأقول تأتي بمن يضمنك إذا تعديت أو فرطت ربما أنك تتعدى أو تفرط فتأتي بضامن .
وقل مثل ذلك في الوديعة والعارية وفي سائر الأمانات التي قبضت بإذن الشارع أو بإذن المالك .
" وتصح كفالة ببدن "
الكفالة لغة : مصدر كفل وهي الالتزام .
واصطلاحاً : فهي التزام رشيد بإحضار من عليه حق مالي لربه .
والفرق بين الضمان والكفالة من وجهين :
الأول : أن الضمان ضمان للمالك وأما الكفالة فهي ضمان للبدن .
يعني أنت تكفل إحضاره فإذا تعذر على الكفيل إحضار المكفول فإنه تنتقل المطالبة من إحضار البدن إلى إحضار المال .
يعني يضمن ما عليه من مال .
الثاني : أن المكفول إذا مات فإن الكفيل يبرأ ، وهي موضع خلاف سيأتي بيانها ، لأن الكفيل تكفل بإحضار البدن ، والبدن هلك ومات .
وأما بالنسبة للضمان فإن المضمون عنه لو مات هل يبرأ الضامن أو لا يبرأ ؟
لا يبرأ الضامن .
المضمون له لهُ أن يطالب الضامن والمضمون عنه في الحياة والممات .
" من عليه حق مالي "
يعني تحضر بدن من عليه حق مالي ، فإن كان عليه حق بدني ، يقول المؤلف : لا تصح الكفالة .(1/174)
أكفل زيداً وأحضره لك إذا كان عليه حق مالي عليه دين ثمن مبيع قرض ونحو ذلك من الحقوق المالية ، فأنا أكفل المال إذا ما سدد أنا أسدد عنه هذا هو الضمان .
لكن الكفالة أنا أكفل لك البدن ثم أنت تطالبه .
فالكفالة يقول المؤلف ( ببدن ) يعني بإحضار البدن .
(من عليه حق مالي ) فإن كان عليه حق بدني فهل تصح الكفالة أو لا تصح ؟
قال المؤلف رحمه الله :
" لا حد ونحوه "
يعني هذا الرجل لزمه حد ، كقطع اليد أو الرجم في الزنا فجاء شخص فقال أنا أكفله للقاضي يخرج من السجن وأرجعه ، فهل تصح الكفالة إذا كان عليه حق بدني ؟
أو عليه قصاص هذا الرجل قتل شخصاً ولزمه القصاص ، وجاء رجل فقال أنا أكفله ، فهو الآن عليه حق بدني وليس عليه حق مالي ، فقال أنا أكفل هذا الشخص يخرج وأحضره بعد يوم أو يومين أو أسبوع أو أسبوعين ، فهل تصح الكفالة لمن عليه حق بدني أو لا تصح ؟
يقول المؤلف : لا تصح وهذا هو رأي الجمهور الحنفية والمالكية والحنابلة ، كلهم يقولون من عليه حق بدني كالقصاص أو حد لا يصح .
واستدلوا بما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( لا كفالة في حد ) وهو حديث ضعيف لا يثبت .
وأيضاً يقولون إذا تعذر على الكفيل أن يحضر المكفول لا يمكن أن يستوفى من الكفيل .
قال : أكفل زيداً أطلقوه وعليه قصاص قتل ومضى زمن الكفالة أسبوع لم يحضره هل نستوفي من الكفيل ؟
لا يستوفى من الكفيل .
فدمه معصوم ، هل تقطع يده ، هل نرجمه ؟
لا يمكن أن نستوفي .
بخلاف ما إذا كان عليه مال ، إذا لم يستطع أن يحضر البدن يقوم بإحضار المال ، لكن هنا إذا كان الحق بدنياً لا يمكن أن نستوفي من الكفيل ، ولهذا الجمهور يمنعون هذا .
الرأي الثاني : رأي الشافعية يقولون إذا كان حد لله عز وجل لا يجوز ، وإن كان قصاصاً جائز .
والرأي الثالث : قالوا يجوز مطلقاً .
واستدلوا بهذا بقصة أخوة يوسف حيث ضمنوا لأبيهم إتيانهم بيوسف وهذه كفالة بدن .(1/175)
واستدلوا بما في البخاري أن حمزة الأسلمي رضي الله عنه بعثه عمر رضي الله عنه مُصدّقاً يعني يأخذ الصدقة فوقع رجل على أمة امرأته فأخذ حمزة من الرجل كفلاء حتى يقدم على عمر رضي الله عنه فهنا كفالة في حق بدني .
واستدلوا بما في صحيح البخاري بما في قول جرير بن الأشعث لابن مسعود في المرتدين استتبهم وكفلهم عشائرهم ولا شك أن المرتد عليه حق بدني وليس مالي .
والأقرب في هذه المسألة : أن يقال يرجع إلى اختلاف الزمان والمكان والأحوال .
فمثلاً إذا كان البلد مضبوط أمنياً ويمكن إذا تخلف هذا المكفول ممكن أن يؤتى به ، فنقول هنا تصح الكفالة .
أما إذا كان قد يؤدي هذا إلى تخلفه وتغيبه وهروبه ، نقول لا يجوز .
فترجع هذه المسألة إلى اجتهاد القاضي ونحو ذلك ممن بيده الأمر فإن رأى أنه يتمكن من تحصيلها فتصح وإلا فلا تصح وبهذا يجمع بين الأدلة .
" ويعتبر رضى كفيل فقط "
الكلام في هذه المسألة كالكلام فيما تقدم رضى الضامن والمضمون عنه والمضمون له .
فالكفيل هذا يشترط رضاه لأنه لا يلزمه الحق ابتداءً إلا برضاه .
المكفول هل يشترط رضاه ، المكفول له هل يشترط رضاه ؟
المؤلف يقول أن المكفول عنه و المكفول له لا يشترط رضاه .
والكلام في هذه المسألة كالكلام في مسألة الضمان كما سلف .
وإن تعذر إحضار مكفول به مع حياته أخذ كفيله بما عليه " يعني الكفالة هي التزام إحضار البدن فإذا لم يتمكن الكفيل من إحضار البدن فإنه يلزم بما عليه من حق مالي .
مثلاً كفل هذا الشخص أن يحضره وعليه دين ألف ريال ولم يتمكن من إحضاره تغيب هذا الشخص ، نقول ينتقل الحق من المطالبة بالبدن إلى المطالبة بالمال .
نقول يجب أن تدفع ما عليه من مال إذا تعذر عليك أن تحضره .
ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم ( الزعيم غارم ) فهو غارم يجب ما عليه .
" وإن ضمن معرفته أخذ به "(1/176)
يعني لو أن هذا الشخص قال : أنا أضمن تعريفه لكم ، معرفته جاء شخص لكي يشتري من شخص بثمن مؤجل أو لكي يستدين قال : أنا لا أعرفك ، قال شخص : أنا أضمن لك معرفته ، آتي لك باسمه وعنوانه ونحو ذلك .
فيقول المؤلف : إذا حل الأجل فإنه يطالب من ضمن المعرفة أن يحضر البدن ولا يكفي أن يقول اسمه كذا وعنوانه كذا مع أنه ضمن المعرفة .
فيقول المؤلف : لا يكفي أن يعرف به بل لابد أن يحضر البدن ، إذا لم يتمكن من إحضار البدن فإنه يلتزم بما عليه من حق مالي .
والصحيح في هذه المسألة : الرأي الثاني وأنه إذا ضمن المعرفة فإن المسلمين على شروطهم ، فإذا قال أنا أضمن لك اسمه وأين مكانه ، فالمسلمون على شروطهم .
" وإن مات أو سلم نفسه أو تلفت العين بفعل الله تعالى برئ كفيله "
ذكر المؤلف رحمه الله ما يبرئ به الكفيل .
فنقول أن الكفيل يبرأ بعدة أمور :
الأمر الأول : قال إن مات المكفول ، كفل الشخص أن يحضره لصاحب الحق للدائن أو البائع بثمن مؤجل ، ثم أن المكفول قد مات ، فيقول المؤلف : يبرأ الكفيل لأنه التزام إحضار البدن والآن تعذر إحضار البدن لموته ، فيبرأ الكفيل لأنه تعذر عليه إحضار البدن وهو لم يتعدى ولم يفرط هذا من الله سبحانه وتعالى .
وعند شيخ الإسلام أنه لا يبرأ الكفيل إذا تعذر عليه أن يحضر البدن فإن الحق ينتقل إلى المطالبة بالمال .
يجب عليه أن يدفع ما عليه من الحق هذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم :( الزعيم غارم ) .
فأنت غارم إذا لم تتمكن من أن تحضر بدنه فعليك أن تحضر ما عليه من حق مالي وترجع على تركته .
" أو سلم نفسه "
إذا سلم المكفول نفسه برئ الكفيل لأن الأصل أدى ما على كفيله كما لو قضى المضمون عنه الدين يبرى الضامن .
فإذا سلم المكفول نفسه للمكفول له برئ الكفيل .
" أو تلفت العين بفعل الله "(1/177)
استأجر هذه السيارة وقال المؤجر للمستأجر تأتي بكفيل يكفلك على أنك ترد العين المؤجرة ، فتلفت هذه السيارة بفعل الله عز وجل ، احترقت أو أصابتها أمطار فأتلفتها ونحو ذلك بفعل الله عز وجل ، فإنه تعذر على الكفيل أن يرد المكفول بها فإنه يبرأ الكفيل لأنه تعذر إحضار العين المؤجرة ، والعين المؤجرة ليست مضمونة لأنها أمانة ، والأمانة لا تضمن إلا بالتعدي والتفريط ، وهنا لم يتعد ولم يفرط .
ومثل ذلك العارية على الصحيح ، لأن العارية أمانة وإذا تلفت بفعل الله عز وجل لا ضمان فيها وتفوت على صاحبها .
وكذلك من المسائل التي يبرأ فيها الكفيل : إذا أبرأه المكفول له فإنه يبرأ الكفيل .
وقول المؤلف : بفعل الله تعالى .
يخرج ما لو تلفت بفعل آدمي .
جاء آدمي فأتلفها فإن الكفيل لا يبرأ بل يطالب هذا الآدمي ببدل هذه العين والكفيل يحضر هذه العين للمكفول له .
باب الحوالة
الحوالة : مشتقة من التحول لأنها تُحوّل الحق من ذمة إلى ذمة أخرى .
واصطلاحاً : نقل الحق من ذمة إلى ذمة أخرى .
والأصل فيها : قول النبي صلى الله عليه وسلم :( مطل الغني ظلم وإذا أحيل أحدكم على مليء فليحتل وإذا اتبع أحدكم على مليء فليتبع ) .
والنظر الصحيح يقتضي الحوالة ، فهي طريق من طرق قضاء الدين ففيها تيسير على المدين بأن يقضي دينه عن طريق الحوالة وفيها تيسير على الدائن بأن يستوفي حقه عن طريق الحوالة .
فالحوالة من عقود الإرفاق وكما ذكرنا النظر الصحيح يقتضيها لما فيها من مصلحة المدين ومصلحة الدائن ، فالمدين يسدد ما ذمته ، والدائن يستوفي حقه .
" لا تصح إلا على دين مستقر "
هذا هو الشرط الأول من شروط صحة الحوالة : أن تكون على دين مستقر ، والدين المستقر هو الذي لا يكون عرضة للسقوط .
ونفهم من هذا أن الديون قسمان :
الأول : ديون مستقرة ، وهي التي ليست عرضة للسقوط .
الثاني : ديون غير مستقرة ، وهي التي تكون عرضة للسقوط .(1/178)
فيشترط المؤلف الشرط الأول : أن تكون على دين مستقر .
مثال ذلك : الثمن في زمن الخيار هذا غير مستقر لأنه قد يفسخ البيع وإذا فسخ البيع يبطل ما يترتب عليه من ثمن .
ومثال ذلك : عمرو اشترى سيارة من زيد وقال المشتري لي الخيار لمدة ثلاثة أيام والثمن عشرة آلاف ، فالمشتري عمرو والبائع زيد ، فزيد يريد من عمرو عشرة آلاف ، وصالح يريد من زيد خمسة آلاف ، فجاء صالح إلى زيد وقال : أعطني الخمسة آلاف ، قال له زيد : اذهب إلى عمرو لي عنده عشرة آلاف فقد اشترى مني السيارة أحيلك عليه اذهب وخذ منه عشرة آلاف ، هل يصح ؟
المؤلف : لا يصح ، لماذا ؟
لأن الدين هنا غير مستقر ، فالمشتري الذي هو عمرو قد يفسخ وهو له الخيار لمدة ثلاثة أيام ، وهناك لن يكن دين يحال عليه .
فلابد أن يكون الدين مستقراً فإن كان الدين المحال عليه غير مستقر لا يصح أن تحيل عليه لأنه قد يسقط .
ومثله دين الكتابة الرقيق اشترى نفسه من سيده بعشرة آلاف منجمة كل شهر ألف ريال جاء رجل إلى السيد يريد منه ديناً فقال السيد : أحيلك على رقيقي أنا أريد منه عشرة آلاف ريال دين كتابة ، اشترى نفسه مني بعشرة آلاف ريال خذ منه مالك عندي ألف ريال ، هل يصح ؟
المؤلف : لا يصح ، لماذا ؟
لأن الدين هنا غير مستقر ، الرقيق يملك أن يعجز نفسه وحينئذ يعود رقيقاً .
والنبي صلى الله عليه وسلم قال :( المكاتب رقيق ما بقي عليه درهم ) فيملك أن يعجز نفسه هذا المكاتب ويعود إلى كونه رقيقاً .
فيقول المؤلف : لابد أن يكون على دين مستقر ، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : أن هذا ليس شرطاً إذا أحال عليه إن استقر فالحمد لله ، وإذا لم يستقر فإنه يرجع المتحال على المحيل .
وهذا القول هو الأقرب : لا يشترط أن تكون على دين مستقر ، لأن الحوالة من عقود الإرفاق التي يقصد منها التخفيف على المدين وعلى الدائن وإبراء الذمم ونحو ذلك .(1/179)
والصواب في ذلك : أن هذا ليس شرطاً ، وحينئذ نقول المحال إن استوفى من المحال عليه فالحمد لله فإن لم يستوفي وسقط الدين فإن حقه لن يضيع يرجع إلى المحيل .
" مماثل للمحال به قدراً وجنساً ووصفاً وحلولاً وأجلاً "
هذا هو الشرط الثاني : لابد من التماثل بين الدينين ، المحال عليه والمحال به في أمور : القدر والجنس والوصف والحلول والأجل ، هذه أربعة أمور لابد أن يتماثلا الدينان فيها :
الأمر الأول : لابد أن يتماثلا قدراً ، الدين المحال ألف ريال والمحال عليه ألفين ، فإذا أحاله بألف على ألفين يقول المؤلف : لا يصح .
مثاله : زيد يريد منه صالح ألف ريال وزيد يريد من عمرو ألفين ريال ، جاء صالح لزيد وقال : أعطني مالي عندك ألف ، قال زيد : اذهب إلى عمرو فأنا أريد منه ألفين خذ الألفين ريال ، يقول المؤلف : لا يصح .
يعني أحال ألف على ألفين لا يصح .
لكن لو أحال ألف على ألف من ألفين يصح وجائز ولا بأس به .
فكونه يحيل الألف على الألفين بالكلية هذا لا يجوز لأنها ليست معاوضة هي عقد إرفاق لكن لو قال أحيلك على ألف من الألفين التي عند عمرو ، هذا جائز ولا بأس به .
والحقيقة أن مسألة الفضلان الصواب فيها : إن كان شرطاً لا يجوز ، وإن كان غير شرط جائز .
لو قال لا أتحول على فلان حتى تعطيني جميع الدين الألفين ريال هذا لا يجوز .
لكن إذا كان غير شرط فهذا من إحسان القضاء ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :( خيركم أحسنكم قضاءً ) .
" وجنساً "
يعني ً لابد أن يتفقا الدينان جنساً ، فلو اختلفا جنساً فإن هذا غير جائز .
مثال ذلك : يريد منه دنانير فأحاله على دراهم لا يجوز لأنه إذا اختلف الجنس أصبحت معاوضة ولم تكن عقد إرفاق .
أو مثلاً يريد منه ريالات فأحاله على جنيهات لا يصح ، لابد أن يتفقا الدينان في الجنس .
أو يريد منه براً فأحاله على شعير ، نقول هذا لا يصح ، لابد أن يتفقا الدينان في الجنس .(1/180)
والعلة : كما سلف أنه إذا اختلف الجنس فإنها تنتقل إلى كونها عقد معاوضة ، فلو كان يريد منه ريالات ، قال أنا أريد من زيد جنيهات أو دينارات أو دراهم اذهب وخذها منه ، نقول بأن هذا لا يصح بل لابد أن يتفق الدينان في الجنس .
" ووصفاً "
إذا اختلفا في الصفة ، يقول المؤلف : لا يصح ، وهو قول أكثر أهل العلم .
مثاله : يريد منه براً متوسطاً فأحاله على من يريد منه براً جيداً ، اتفق الجنس لكن بالنسبة للصفة اختلفت ، هذا جيد وهذا متوسط ، يقول المؤلف رحمه الله : لا يصح .
والرأي الثاني : رأي بعض الشافعية ، أن هذا صحيح ولا بأس به ، وهو الصواب .
وكما أسلفنا أن الحوالة عقد إرفاق وإذا أحاله على أجود يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم :( خيركم أحسنكم قضاءً ) .
" وحلولاً وأجلاً "
أيضاً لابد أن يتفقا الدينان في الوقت في الحلول والأجل .
فمثلاً لو كان أحدهما حالاً والآخر مؤجلاً ، أو كان أحدهما يحل بعد أسبوع والآخر يحل بعد أسبوعين ، لا يصح لابد أن يتفقا في الحلول ، أن يكون كلاً منهما حالاً .
أو يتفقا في الأجل كل منهما يحل بعد شهر .
فلو اختلفا في الحلول والأجل : لا يصح .
وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو المشهور من المذهب .
والخلاف في هذه المسألة كما في الخلاف في المسألة السابقة .
والصحيح : أنه إذا اختلف الحلول والأجل أن هذا لا يؤثر .
فلو أنه أحاله بدين حال على دين مؤجل أو أحاله بدين مؤجل على دين حال فإن هذا لا يضر لما ذكرنا أن الحوالة من طرق استيفاء الديون وإذا كان كذلك فإن الشارع يخفف فيها ويسهل ويوسع لأن اشغال الديون بالذمم ليس مراداً للشارع .
الشارع لا يريد مثل هذه الأشياء ، ولهذا تقدم لنا في القرض أنه يكره إلا لحاجة .
فنقول الصحيح في ذلك : أن الاختلاف في الحلول والأجل أن هذا لا يضر لأنه كما أسلفنا هذه كلها من قبيل مصلحة المحيل ومصلحة المحال لما في ذلك من إبراء ذمة المدين واستيفاء الدائن .(1/181)
ولأن الأصل في المعاملات الحل ، وحينئذ لا يبقى عندنا إلا صفة واحدة فقط وهي الجنس ، فجميع الصفات التي ذكرها المؤلف أنه لا بد أن يتفق فيها الدينان هذه كلها فيها نظر لا يبقى عندنا إلا صفة واحدة لابد أن يتفق فيها الدينان وهي الجنس ، فإذا اتفقا في الجنس فما عدا ذلك لا يضر اختلفا في الوقت ، اختلفا في الصفة ، اختلفا في القدر هذا كله لا يضر .
" ولا يؤثر فاضل "
تقدم أن المؤلف يشترط أن يتحد الدينان المحال به والمحال عليه في القدر ، فقال : لا يؤثر الفاضل .
فلو أحاله على عشرة من خمسة ، هو يريد منه خمسة فأحاله على خمسة من عشرة فهذا جائز ولا بأس به .
زيد يريد من عمرو خمسة آلاف ، وعمرو يريد من صالح عشرة آلاف ، فأحال عمرو زيد الذي يريد من خمسة أحاله بهذه الخمسة على خمسة من العشرة التي يريدها من صالح .
فنقول هذا جائز ولا بأس به ولا يؤثر الفاضل .
ولو أن عمراً يريد من صالح خمسة ، وزيد يريد من عمرو عشرة فأحاله بخمسة من هذه العشرة على الخمسة التي له عند صالح .
نقول لا يؤثر الفاضل .
المهم : أن الدينان اتفقا في القدر المحال به والمحال عليه سواء زاد المحال به أو زاد المحال عليه .
" ويعتبر رضى محيل لا محال عليه ولا محتال إن أحيل على قادر "
هذا الشرط الثالث : يشترط رضا المحيل .
عندنا محيل ومحال أو محتال يقال له ومحال عليه .
فالمحيل لا بد من رضاه لأن الإنسان لا يلزمه أن يسدد ما عليه من حق من جهة معينة ، فله أن يسدد عن طريق الحوالة ، ومباشرة لا عن طريق الحوالة .
فنقول المحيل يشترط رضاه لأن الإنسان لا يلزمه أن يسدد ما عليه من حق من جهة معينة ، فله أن يسدد عن طريق الحوالة ، ومباشرة لا عن طريق الحوالة بل إذا سدد من أي جهة فنقول هذا جائز ولا بأس به .
وقول المؤلف : لا محال عليه .
هل يشترط رضى المحال عليه ؟(1/182)
المؤلف : لا يشترط رضا المحال عليه لأن المحيل له أن يستوفي الحق بنفسه وله أن يستوفيه بنائبه ، ونائبه المحال أو المحتال .
وإذا كان كذلك فإن المحال عليه لا يشترط رضاه .
بقينا في المحال هل يشترط رضاه ؟
قال المؤلف : لا يشترط رضاه إن أحيل على مليء ، وهذا هو المشهور من المذهب .
بل يجب عليه أن يتحول إذا كان المحال عليه مليئاً ، وسيأتي تفسير المليء .
والرأي الثاني : رأي أكثر أهل العلم : أن المحال يشترط رضاه .
ولكل منهم دليل :
أما دليل الحنابلة الذين قالوا لا يشترط رضا المحال فاستدلوا : بالحديث قوله صلى الله عليه وسلم :( وإذا أحيل أحدكم على مليء فليحتل وإذا اتبع أحدكم على مليء فليتبع ) والحديث صريح بالأمر .
وأما دليل الجمهور الذين قالوا يشترط رضاه قالوا : إن الله عز وجل يقول :( ما على المحسنين من سبيل ) والمحال محسن أحسن عليك بالقرض فلا يلزمه أن يتحول ويأخذ حقه من ير الجهة التي أقرضها .
وقالوا أيضاً : أن الذمم تختلف وتتفاوت من حيث العسر واليسر وسهولة الاستيفاء وعدمه ، فقد يكون المحيل أسهل من المحال عليه فلا يلزمه أن يستوفي حقه من غير الجهة التي عقد معها .
وكلا القولين قول الجمهور والحنابلة قول قوي ويمكن أن يقال بالتفصيل :
إن كان سبب الحق قرضاً فإنه لا يلزمه أن يتحول لأنه محسن ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال :( خيركم أحسنكم قضاءً ) وما دام أنه لا يرغب أن يتحول على هذا ، فنقول لا يتحول لأن هذا من سوء القضاء ، مادام أنه لا يرغب أن يتحول وهو محسن ( وما على المحسنين من سبيل ) .
وإذا كان سبب الحق ليس قرضاً كثمن مبيع أو قيمة متلف أو أرش جناية أو نحو ذلك فإنه يلزمه أن يتحول لعموم الحديث .
" إن أحيل على قادر "
يعني يجب عليه أن يتحول كما سبق في المذهب لكن يشترط أن يكون المحال عليه قادر على الوفاء .
أما إذا كان غير قادر على الوفاء فإن المحال لا يجب عليه أن يتحول .
*من هو المليء ؟(1/183)
يقول العلماء المليء القادر على الوفاء بقوله وماله وبدنه .
بقوله : لا يكون مماطلاً ، فإن كان مماطلاً فإنه ليس مليئاً لا يجب التحول عليه .
بماله : يكون عنده قدرة على الوفاء ، مثلاً : إذا كان الدين ألف يكون المحال عليه عنده ألف يستطيع أن يسدد .
أما إذا كان معسراً لا يجد قدر الدين فإنه لا يكون مليئاً ولا يجب التحول عليه .
ببدنه : يعني يمكن إحضاره إلى مجلس القاضي إذا تعذر أن يسدد فإن كان لا يمكن أن يحضره إلى مجلس القاضي عرفاً أو شرعاً فإنه لا يلزمه أن يتحول .
شرعاً كما لو كان المحال عليه والده لا يمكن أن يحضره .
أو عرفاً كالأمير ، لأنه إذا لم يسدد لا يمكن عرفاً أن يحضر إلى مجلس القاضي .
" فتنقل الحق إلى ذمة محال عليه ويبرأ محيل "
هذه فائدة الحوالة وأنها إذا تمت تنقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه .
فهذا زيد يريد من عمرو ألف ريال ، وعمرو يريد من صالح ألف ريال ، فأحال عمرو زيداً على صالح .
فنقول : برئت ذمة عمرو من دين زيد ، وزيد يتبع صالح .
" ويبرأ محيل "
وعلى هذا لا يملك المحال الرجوع على المحيل .
" ولو أفلس محال عليه "
يعني المحيل أحال المحتال على مليء قادر أن يوفي بماله ولما تمت الحوالة أصابت أموال المحال عليه جوائح وأفلس ، فهل يرجع المحال على المحيل أو لا يرجع ؟
نقول : لا يرجع لأنه أحاله على مليء وبرئت ذمة المحيل .
ولو قلنا بأنه يرجع ما كان للحوالة فائدة ، أو أن المحال عليه كان مليئاً بقوله ثم بعد ذلك أصبح يماطل ولما أحيل المحتال على المحال عليه كان مليئاً بقوله لا يماطل لكنه ماطل ، فهل يرجع ؟
نقول لا يرجع .
" أو جحد ونحوه "
كما لو مات المحال عليه ، أحاله على شخص مليء بقوله وبدنه وماله ثم لما تمت الحوالة مات المحال عليه ، نقول لا يرجع المحتال على المحيل .
لكن لو كان يجهل أنه مماطل أو معسر ونحو ذلك ، فنقول يرجع .(1/184)
لكن لو كان يعلم أنه مليء ثم تغير الحال بعد أن تمت الحوالة ، نقول لا يرجع .
" ومن أحيل بثمن مبيع أو عليه فبان البيع باطلاً فلا حوالة لا إن فسخ "
هذا فرق بين فسخ العقد وبين بطلان العقد ، فإذا تبين بطلان العقد فما ترتب عليه فهو باطل .
وإذا فسخ العقد فما ترتب عليه من عقود فإنها غير باطلة ، وهذه القاعدة ذكرها ابن رجب رحمه الله .
الفرق بين مسألة بطلان العقد وبين مسألة فسخ العقد .
إذا تبين بطلان العقد فما ترتب عليه نقول أنه باطل ، وإذا فسخ العقد فسخاً ولم يبطل نقول ما ترتب عليه فإنه يكون غير باطل صحيح .
ومن المسائل المترتبة على البطلان والفسخ مسألة الحوالة .
مثال ذلك : زيد يريد من عمرو ألف ريال ، وعمر قد باع سيارته على صالح بعشرة آلاف ريال ، فعمرو يريد من صالح عشرة آلاف ريال ، وزيد يريد من عمرو ألف ريال .
جاء زيد إلى عمرو وقال : أعطني الألف ريال .
قال : أنا بعت سيارتي على صالح بعشرة آلاف خذ الألف منه ، أحاله الآن وتمت الحوالة ، وبعد أن تمت الحوالة تبين أن هذا العقد باطل لأنه اختل شرط من شروط صحته فالثمن مجهول ، نقول ما ترتب عليه من عقود باطلة ، فتكون الحوالة باطلة لأنها ترتبت على باطل .
لو فسخ ما بطل البيع .
جاء زيد إلى عمرو وقال : أعطني الألف .
قال عمرو : أحيلك على صالح اشترى مني السيارة بعشرة آلاف خذ الألف منه فتحول عليه ثم بعد ذلك صالح بعد أن تمت حوالة زيد على صالح ، صالح قال لعمرو الذي باعه السيارة أنا لا أريد السيارة أريد أن تفسخ العقد .
رضى عمرو بالفسخ ففسخ وأرجع السيارة ورد عليه الدراهم ، بالنسبة للحوالة صحيحة .
زيد يطالب صالح بألف ريال وصالح يرجع إلى عمرو وله أن يحيل .
العلماء يقولون له أن يحيل فمادام أن صالح يطالب عمرو له أن يحيل زيد على عمرو مرة أخرى فما ترتب على العقد إذا فسخ فإنه لا يبطل يكون صحيحاً .(1/185)
ما يتعلق بالحوالات المصرفية والضمانات البنكية والكفالات المصرفية هذه لا حاجة لطرقها لأنا تطرقنا لها في دروس النوازل ، ودروس شرح منار السبيل تطرقنا لها كثيراً مثل هذه المسائل .
باب الصلح
الصلح لغة : قطع المنازعة .
اصطلاحاً : هو معاقدة يتوصل بها إلى إصلاح بين متخاصمين .
والأصل فيه من القرآن أدلة كثيرة منها قول الله عز وجل :( والصلح خير ) .
( إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم ) .
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( وإن تعدل بين اثنين صدقة ) .
وفي البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى بني عمرو بن عوف لكي يصلح بينهم .
والصلح من العقود المأمور بها والمرغّب فيها .
والمقصود هنا : الصلح في الأموال وإلا فإن الصلح ينقسم إلى أقسام ، ويبحثه العلماء في مواضعه من أبواب الفقه :
القسم الأول : الصلح في الأموال يبحثونه هنا فهنا يعنونون باب الصلح ، المقصود الصلح في الأموال .
القسم الثاني : الصلح بين الزوجين ، هذا يطرقونه في باب عشرة النساء والنشوز وما يتعلق به من أحكام .
القسم الثالث : الصلح بين المتخاصمين ، وهذا في كتاب القضاء ، القاضي متى يصلح بين المتخاصمين ومتى لا يصلح ؟
القسم الرابع : الصلح بين أهل البغي وأهل العدل ، وهذا يبحثونه في حكم البغاة .
القسم الخامس : الصلح بين أهل الإسلام والكفار ، وهذا يبحثونه في أحكام الجهاد .
المهم المراد به هنا الصلح في الأموال .
" يصح على إقرار وإنكار "
الصلح من حيث الجملة ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : صلح إقرار .
القسم الثاني : صلح إنكار .
" فإذا أقر له بدين أو عين "
هذا القسم الأول صلح الإقرار ، وصلح الإقرار يكون في أمرين :
الأمر الأول : في الأعيان .
الأمر الثاني : في الديون .
في الأعيان : يدعي عليه بقوله هذه الأرض لي أرضنا أرض جدنا ورثناها من جدنا ، أو هذه السيارة لي أو هذا الكتاب الذي بين يديك لي .(1/186)
فيقول المدعي عليه : أنا أقر أنه لك ، فهذه الأرض أرضكم وهذه السيارة لك وهذا الكتاب لك فيتصالحان .
يدعي عليه عين من الأعيان فيقر المدعى عليه ثم بعد ذلك يتصالحان .
فصلح الإقرار أما أن يكون في الأعيان أو في الديون .
في الأعيان : يدعي عليه عيناً من الأعيان فيقر له لا ينكر ثم بعد ذلك يصالحه .
يقول : نعم أنا أقر أن هذه الأرض لكم ولكن هذه عشرة آلاف ريال بدلاً عنها ، أو أقر أن هذا الكتاب لك لا أنكر وجدته وأقر أنه لك لكن هذه عشر ريالات عن الكتاب ، فما الحكم ؟
نقول هذا الصلح جائز .
إذا ادعى عيناً إما أن يصالحه على نفس العين ، وإما أن يصالحه على عين أخرى .
فنحن قلنا أن صلح الإقرار يكون في الأعيان وفي الديون .
في الأعيان هذا هو الأمر الأول .
إذا ادعى عليه عيناً فأقر له بهذه العين فالمدعى عليه لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : إما أن يصالحه على نفس العين ، قال : نعم أنا أقر أن الأرض لكم لكن خذ النصف وأنا النصف هنا مصالحة على نفس العين .
أو قال : أنا أقر أن هذه الأرض لكم لكن خذ بدلها عشرة آلاف ، هنا مصالحة على عين أخرى .
أو قال : أعطيك الأرض الفلانية ، أو أعطيك سيارة هنا مصالحة على عين أخرى ، فإذا صالحه على نفس العين يقول المؤلف :
" فأسقط أو وهب البعض وأخذ الباقي صح بلا شرط وبلا لفظ صلح "
يشترط شرطان :
الشرط الأول : أن لا يكون ذلك شرطاً .
الشرط الثاني : أن لا يكون بلفظ الصلح .
أن لا يكون ذلك شرطاً لا يقول أنا أقر لك بشرط أن تعطيني النصف أو تسقط عني النصف ، فإذا قال ذلك نقول : هذا شرط باطل ولا يسقط شيء لأنه مادام أنه يقر يجب أن يخرج الحق لأهله .
إذا صالحه على نفس العين وأسقط أو وهب البعض إن كان بشرط كما ذكر المؤلف لا يصح .
ويشترط أن لا يكون بلفظ الصلح فإن كان بلفظ الصلح لا يصح .
والصحيح : أنه يصح حتى لو كان بلفظ الصلح ، لأن العبرة بالمعاني ليست العبرة بالألفاظ والمباني .(1/187)
سواءً كان بلفظ الصلح أو بلفظ الإسقاط أو بلفظ الهبة ونحو ذلك ، كل ذلك جائز .
لكن الذي يشترط ألا يكون هناك شرط ، فإن كان هناك شرط لا يجوز لأنه يجب عليه أن يخرج الحق لأهله .
وهذا الشرط من أكل أموال الناس بالباطل ، وقال الله عز وجل :( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) .
هذا إذا كان الصلح على نفس العين أو نفس الدين .
فإن كان الصلح على عين أخرى كما لو قال : أنا أقر لك بهذه الأرض لكن أعطيك بدلاً عنها أرضاً أخرى أو بدلاً عنها سيارة ونحو ذلك .
أو قال أقر لك بهذا الدين لكن أعطيك بدلاً عنه سيارة أو أرضاً ونحو ذلك .
فنقول : هذا حكمه حكم البيع لأنه مبادلة مال بمال ، وهذا هو البيع وعلى هذا تثبت فيه أحكام البيع يثبت فيه خيار المجلس خيار الشرط خيار العيب وغير ذلك من الأحكام ، فمثلاً لو أنه أقر له بهذه الأرض ثم صالحه على أرض أخرى قال أٌعطيك بدلاً عنها الأُرض الفلانية فاتفقا على ذلك ، ثم بدا له أن يفسخ المدعي ، أو المدعى عليه ، يصح ذلك لأن هذا بيع يثبت فيه خيار المجلس .
أو قال أعطيك بدل هذه الأرض التي تدعيها سيارة ، فقال لي الخيار لمدة ثلاثة أيام أو يوم أو يومين ، حكم ذلك : صحيح ، لأن هذا في حكم البيع فتثبت له أحكام البيع .
" وإن وضع بعض حال وأجل باقيه صح الوضع لا التأجيل "
يعني هذا رجل يريد من آخر ديناً فجاءه وقال أعطني الدين الذي أريده منك ، فقال : نعم أنت تريد مني ديناً لكن ليس عندي شيء ، فقال : أسقط عنك بعضه وأؤجل البعض الآخر .
الدين ألف ريال أسقط عنك خمسمائة وأؤجل الباقي إلى بعد شهر .
المؤلف يقول : الإسقاط صحيح مادام أنه ليس شرط الإقرار ، وأما التأجيل فهو غير صحيح .
لو قال : أؤجل الباقي أو قال الباقي تأخذه بعد شهر ، يقول المؤلف : التأجيل غير صحيح .
وتقدم أنهم يرون أن القرض هل يتأجل بالتأجيل ؟
المذهب : لا يتأجل بالتأجيل .(1/188)
اقترضت منك ألف ريال على أن أعطيك إياه بعد شهر ، يقولون : أن القرض لا يتأجل بالتأجيل .
" وإن صالح عن مؤجل ببعضه حالاً أو عكسه "
هذه المسألة يسمونها مسألة ضع وتعجل ، رجل يريد من آخر حقاً مؤجلاً ، يريد منه ألف ريال مؤجل ، باعه سيارة بعشرة آلاف ريال إلى رمضان ثم بعد ذلك ، قال البائع للمشتري عجل العشرة وأسقط عنك ، أنا أريد منك عشرة آلاف في رمضان عجلها الآن وأعطني تسعة آلاف ، أسقط الأجل وأسقط عنك بعض الدين .
يقول المؤلف : لا يصح .
يعني أن يعجل المؤجل مقابل أن يسقط شيئاً من الدين .
يقول : لا يصح .
ودليلهم على ذلك : حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه أنه فعل ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( أكلت ربا يا مقداد وأطعمته ) وهذا الحديث ضعيف لا يثبت .
واستدلوا قالوا : كما أن الإنسان لا يجوز أن يزيد في الأجل ويزيد في العوض فكذلك لا يسقط الأجل ويسقط في العوض .
مثلاً أنا أريد منك ديناً ، قلت : أعطني الدين ، قلت : نؤخره بزيادة ، هذا ربا ، فكذلك لا يجوز أن تسقط الأجل وتسقط بعض العوض ، وهذا قول المؤلف وقول جمهور أهل العلم .
والرأي الثاني : أنه يصح ، مسألة ضع وتعجل صحيحة وبه قال محمد بن سيرين رحمه الله ورواية عن الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية : وأن هذا جائز ولا بأس به .
واستدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنه وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم :( ضعوا وتعجلوا ) وهذا ضعيف غير ثابت .
واستدلوا أنه وارد عن ابن عباس رضي الله عنهما وكذلك يقال ليس فيه محذور شرعي ، ليس فيه ربا هو عكس الربا بل فيه مصلحة لكل ممن له الحق أو عليه الحق ، فالذي عليه الحق يعجل الحق ويبرئ ذمته ويسقط عنه بعض الدين ، فاستفاد براءة ذمته ويسقط عنه بعض الحق ، وأما من له الحق فإنه يستفيد بأن يتعجل حقه ويستفيد منه وقد يكون محتاجاً إليه .
فالصواب في هذه المسأًلة : أن هذا جائز ولا بأس به ، أن يعجل الحق مقابل إسقاط بعضه .(1/189)
" أو عكسه "
يعني لو صالح عن الحال ببعضه مؤجلاً ، يريد منه ألف ريال فاتفقا أن تؤجل هذه الألف ـ السداد ـ إلى شهر وتكون خمسمائة ريال ، فهو صالح عن الحال ببعضه مؤجلاً .
المؤلف : لا يصح .
والصحيح : أن هذا صحيح فكونه اشتمل على الإسقاط والتأجيل جائز ولا بأس به ، وليس هناك محذور شرعي بل من له الحق رضي أن يسقط شيئاً من حقه ورضي أن يؤخر حقه .
نقول : أن هذا جائز ولا بأس به ، صحيح لو كان ربا لا يجوز .
مثلاً لو قال أعطني حقي فقال تؤجل بزيادة ، لكن هنا قال نؤجل بنقص .
" أو أقر له ببيت فصالحه على سكناه مدة أو بناء غرفة له فوقه "
أقر له ببيت ، قال : أنا أقر بالبيت ثم بعد ذلك صالحه على أن يسكنه ، المدعى عليه المقر أن يسكنه لمدة شهر ، شهرين ، يقول المؤلف : لا يصح ، لماذا ؟
لأنه كما سلف لنا هم يقولون يشترط ألا يكون شرطاً ، وألا يكون ذلك بلفظ الصلح .(1/190)