شرح بلوغ المرام
( كتاب الحج )
للشيخ الدكتور عبد الكريم الخضير حفظه الله
ملاحظة : الشرح لم يراجع من قبل الشيخ وإنما نُقل كما هو موجود في موقع الشيخ
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام _ كتاب الحج (1)
شرح حديث: (العمرة إلى العمرة..) وحديث: عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: "يا رسول الله أعلى النساء جهاد.."وحديث: أنس -رضي الله عنه- قال: قيل: يا رسول الله ما السبيل؟.. وحديث: ..فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت: ألهذا حج؟... وحديث: ...إن فريضة الحج على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً... وحديث: ...إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟... وحديث: (أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى..) وحديث: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم..) وحديث: "لبيك عن شبرمة"... وحديث: (إن الله كتب عليكم الحج..).
طالب: يقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في كتابه (بلوغ المرام) كتاب الحج: باب فضله وبيان من فرض عليه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) [متفق عليه].
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:(1/1)
فقد قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: كتاب الحج، ونظراً لضيق الوقت فلا مقدمات، ولا إجابة على كثير من الأسئلة إلا ما تمس إليه الحاجة، فالمدة خمس أيام، والقدر المقرر شرحه طويل، ولو لم يكن في هذه الأحاديث إلا حديث جابر في صفة حجة النبي -عليه الصلاة والسلام- لما كفاه الوقت المقرر؛ لكن ما لا يدرك كله لا يترك بعضه، لا أقول: جله، أقول: بعضه، فكتاب الحج والكتاب سبق الكلام عنه مراراً فيما تقدم من كتب، والحج بفتح الحاء وكسرها لغتان وقراءتان، الحج مصدر حج يحج حجاً ويعرفونه في اللغة: بأنه القصد، وفي اصطلاحهم: قصد بيت الله الحرام لأداء النسك الأكبر، واقتصر الحافظ ككثير من المؤلفين على الحج، والعمرة داخلة في الحج، وإلا فالكتاب معقود للنسكين الحج والعمرة، ولذا يعدل بعضهم عن الحج إلى المناسك وهي أشمل.
الحج ركن من أركان الإسلام بالإجماع، ومن مبانيه العظام، ففي حديث عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)) تقدم ما في تقديم الحج على الصيام أو العكس في الدورة السابقة في شرح كتاب السير، ولا أرى ما يدعو إلى إعادته؛ لأنه كلام فيه شيء من التفصيل والطول وقد مضى.(1/2)
الحج جاء في شأنه والتشديد والتأكيد في أمره ما جاء من نصوص الكتاب والسنة، ولو لم يرد فيه إلا ما جاء في قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [(97) سورة آل عمران] والجملة التي تليها {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [(97) سورة آل عمران] هذا مما يشدد ويؤكد ويبين أهمية هذا الركن؛ لأن ارتباط جمل القرآن وعطف بعضها على بعض ليس عبثاً أن يعطف قوله --جل وعلا--: {وَمَن كَفَرَ} على بيان فرض الحج، ولذا يرى بعض أهل العلم أن الذي لديه مقدرة باستطاعته الحج ولم يحج أنه يكفر، فيه رواية عند الحنابلة الإمام أحمد ينصرها، بعض المالكية كبقية الأركان؛ لكن الجمهور على أنه لا يكفر تارك الأركان الثلاثة، والخلاف في الصلاة؛ لكن جاء فيها من النصوص الخاصة ما جاء (( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) بين العبد أو المرأة والكفر ترك الصلاة، المقصود أن تارك الأركان الثلاثة على خطر عظيم، وإن كان الجمهور على أنه لا يكفر، سمعنا هذا أن الإنسان كونه لا يكفر، ولا يخرج من الدين بالكلية أن الأمر سهل لا، جاء عن عمر -رضي الله تعالى عنه- أنه كتب إلى الأنصار: "أن ينظروا من كان ذا جده فلم يحج أن تضرب عليه الجزية" ويروى أيضاً مرفوعاً ((من استطاع الحج ولم يمت فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً)) لكن رفعه ضعيف جداً، بل أدخله ابن الجوزي في الموضوعات، ولا يصل إلى حد الوضع، المقصود أنه ضعيف مرة، فشأن الحج كغيره من الأركان عظيم جداً، وكثير من الشباب المكلفين الذين لديهم الاستطاعة، بل الذين لا يكلفهم الحج شيئاً يتبرع أبوه أن يحج به، ومع ذلك يقول: والله السنة هذه ربيع نريد نستغل الوقت، وليس هناك دراسة ويروح رحلة أو نزهة، أو يتعلل بدراسة وبعض الشباب مع الأسف أنهم طلاب الكليات الشرعية، يقول: والله تسليم البحث في أول الدراسة بعد الحج، ولا(1/3)
أستطيع أن أحج، وكل هذا من إيثار الفانية، يا أخي لماذا تدرس أنت؟! تترك فريضة من فرائض الإسلام، ركن من أركان الإسلام تقول: تسليم البحث في أول الدراسة! هذه سمعناها مراراً، فضلاً عمن يقول: هذه الأيام ربيع ولا أستطيع، لما يجي الحج في سنة ما فيها ربيع نحج، مع أن الحج لا يكلفه شيء البتة، كثير من الشباب يتبرع آباؤهم أن يحجوا بهم، ومع ذلك يتعللون بهذه الأعذار الواهية، فالحذر الحذر، والمبادرة المبادرة، الآن تستطيع أن تحج ما يدريك عن المستقبل، يمكن يجي وقت من الأوقات لا سمح الله ما تستطيع، أمن الطريق الذي نعيشه ونتفيؤه نعمة لا يقدرها إلا من عرف ما كان عليه الناس في الزمن الماضي، تصلي المغرب في هذه البلاد وتصلي الفجر في البيت الحرام، وأنت مرتاح، مرتاح جداً، تتصل بمن تريد، تأكل ما تشاء، وتشرب ما شئت، وتقرأ إن شئت، وتسمع إن شئت، وتنام أيضاً وأنت في الطريق، فعلى من كلف أن يبادر، ويتعين هذا في حق طلاب العلم مهما كانت أعذارهم، إذا كان يستطيع فعليه أن يبادر، على خلاف بين أهل العلم في الحج، هل هو على الفور أو على التراخي؟ وهل كان فرضه سنة ست أو تسع أو عشر خلاف؟ لكن الذي رجحه ابن القيم أنه فرض سنة تسع، وكثير من أهل العلم يرون أنه على التراخي؛ لكن ومع ذلك على الإنسان أن يتعجل بالحج؛ لأنه لا يدري ما يعرض له، وكونه فرض سنة تسع على القول المرجح والنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يحج سنة تسع، إنما بعث أبا بكر وعلياً وحجا بالناس، وحج -عليه الصلاة والسلام- في السنة التالية سنة عشر لأمور، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يتلقى أفعاله وأقواله من الوحي، فمضمون أنه يحج من قابل؛ لكن أنت ما يدريك أن تعيش إلى قابل أو لا؟ وأيضاً النبي -عليه الصلاة والسلام- قدم بين يديه أبا بكر وعلي ليأذنا في الناس: "أن لا يحج بعد العام مشرك، وأن لا يطوف بالبيت عريان" كانوا يطوفون عراة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يطيق رؤية هذه(1/4)
المناظر، وكل إنسان سوي لا يطيق هذه المناظر، إلا بعد أن استمرأ الناس، وألفوا هذه المناظر، كما ألفها أهل الجاهلية، في وسائل الإعلام تجد من يتعلل بمشاهدة الأخبار، وسماع الأخبار، ويرى المومسات من غير أن يتمعر وجهه، ويرى العراة، وأشباه العراة من غير أن يتأثر، النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يحج في السنة التاسعة مع أنه فرض، وبعث أبا بكر وعلي فحجا بالناس، وبلغاهما ما ينبغي تبليغه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فحج النبي -عليه الصلاة والسلام- من قابل، من أهل العلم من يرى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يحج في السنة التاسعة؛ لأن الحج في هذه السنة لم يكن في وقته المحدد له شرعاً، بسبب النسيء الذي يفعله العرب في جاهليتهم؛ لكنه في السنة العاشرة استدار الزمان، فصادفت الحجة وقتها المحدد لها شرعاً، منهم من يقول هذا، حج النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل ذلك، قبل حجة الوداع، قبل أن يفرض الحج، ووقف مع الناس في عرفة، واستغرب الناس وقوفه مع عامة الناس وهو من الحمس، ولذا جاء في حديث جبير بن مطعم لما أضل دابته وبحث عنها، فرأى النبي -عليه الصلاة والسلام- واقفاً بعرفة فاستغرب، وهذه في حجة سابقة على حجة الوداع، وهل حج مرة أو مرتين؟ مسألة خلافية بين أهل العلم، أعني قبل فرض الحج، وأما بعد فرضه فلم يحج إلا حجة الوداع، الحجة التي ودع فيها الناس -عليه الصلاة والسلام-.(1/5)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: بيان فضله، وبيان من فرض عليه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) جاء في الصلاة نظير ذلك ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)) وفي رواية: ((ما لم تغش كبيرة)) ولنعلم أن هذه العبادات المكفرة المراد بها العبادات التي تؤدى على مقتضى نظر الشارع، بحيث يؤتى بها على المقتضى الشرعي بأركانها وشروطها وواجباتها، أما الصلاة التي لم يخرج منها صاحبها إلا بعشرها، ما الذي يرجى منها؟! هذه كما ألمح شيخ الإسلام إلى أنها إن كفرت نفسها فبها ونعمت، فلنحرص على أن نؤدي العبادات التي تؤتي ثمارها، وتترتب عليها آثارها، الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، الصيام: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] ومع ذلك بعد أن يسلم من صلاته يزاول المحرمات، هل هذا خُلْفٌ في الخبر؟ لا؛ لكن المراد بالصلاة الصلاة التي أديت كما أمر بإقامتها، والصيام المورث للتقوى هو الذي يؤدى بواجباته وآدابه وسننه، ليس المراد من الصيام مجرد الإمساك، ثم بعد ذلك افعل ما شئت، ذكرنا في الدورة الماضية أن ممن اعتزل الدنيا على حد زعمه، وانقطع وتفرغ للعبادة من يفطر على الخمر، هل هذا الصيام يورث التقوى؟ لا والله، الصلاة التي ينشغل صاحبها عنها بالتخطيط لبعض الأمور المحرمة، أما الأمور المباحة قد لا يسلم منها أحد، القلب لا بد أن يعمر بذكر الله --جل وعلا-- لكي يقبل على الله، أما إذا عمر بالقيل والقال والشبهات والمكروهات والاسترسال في المباحات فضلاً عن المحرمات ينشغل؛ لأن القلب ما سمي قلب إلا لتقلبه، تحرص أشد الحرص على أن يجتمع قلبك في أضيق الظروف والأحوال في ليالي العشر وأنت معتكف ما تستطيع، تريد أن تجمع قلبك وتستحضر الذكر والصلاة والتلاوة ما تجد شيء؛ لأنك طول العام في القيل والقال، ومثل هذا(1/6)
لا يعان على اجتماع القلب، فمثل هذه العبادات التي فيها هذا الانصراف القلبي يندر أن تترتب عليها آثارها، يترتب عليها بقدر ما يستحضر منها، وما عدى ذلك فات الشخص تسعة أعشار الأجر، تسعة أعشار صلاته هذه مشغولة أو معمورة بالخطرات، بالخواطر والهواجس، ولذا لا يترتب من آثارها في إصلاح النفس إلا بقدر ما حضر من قلبه، وبقدر نيته، وبقدر إتباعه للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا الموضوع يطول.
المقصود أن في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) الجمهور على أن الذنوب المكفرة بهذه العبادات هي الصغائر، وأما الكبائر لا بد فيها من التوبة، ((كفارة لما بينهما)) يستدل بهذا من يرى من أهل العلم أن تكرار العمرة مشروع، ولا حد لأقل مدة بين عمرتين، ولا كراهة في ذلك، ولا تحديد، وإن كان الإمام مالك يرى كراهة التكرار، ومنهم من يرى أنها لا تكون إلا في السنة مرة واحدة، كما حصل للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنهم من يرى التكرار لا يكون إلا بعد نبات الشعر، المقصود أن هذه أقوال لا دليل عليها، ومجرد فعله -عليه الصلاة والسلام- أو تركه للفعل لا يقتضي التخصيص؛ لأنه قد يحث على الشيء ولا يفعل رفقاً بالأمة، حث على العمرة في رمضان وبين أنها تعدل حجة، ومع ذلك ما اعتمر في رمضان، هل نقول: أن العمرة في رمضان ليست مشروعة؟ لا مشروعة؛ لكن ينبغي أن يلاحظ مع ذلك أن تنوع العبادات من مقاصد الشرع، يعني ما ينشغل الإنسان كل يوم يأخذ عمرة ويعطل العبادات الأخرى، الأمر الثاني: أنه لا يفوت بهذا العمل الصالح ما هو أهم منه من أعمال، فإذا وازن الإنسان بين أمور دينه ودنياه فلا أحد يمنعه من عبادة جاء الحث عليها، والإكثار من التعبد ليس ببدعة، وإن زعم بعضهم ذلك.(1/7)
((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) الحج المبرور يقول أهل العلم: هو الذي لا يخالطه إثم، ومنهم من يرى أن الحج المبرور هو المقبول، طيب وما يدريك عن القبول؟ قال: هناك علامات وأمارات في القبول بأن تكون حال الإنسان بعد العبادة أفضل من حاله قبلها، هذا مؤشر إلى أن عبادته مقبولة؛ لكن ماذا عن الذين يستغلون أيام العيد التي تعقب هذه العبادات العظيمة بارتكاب المحرمات، هذه أمارة على عدم القبول، والدين -ولله الحمد- فيه فسحة، توسع المباحات في الأعياد لا بأس به؛ لكن ارتكاب المحرمات دليل والعلم عند الله --جل وعلا-- على عدم القبول، الحج المبرور الذي لا يخالطه إثم، أو هو المقبول، وأمارة القبول أن تكون حال الحاج بعد الحاج أفضل من حاله قبله ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) كثير من الناس يقول: الحج أربعة أيام لو الإنسان يخيط الفم خياطة، ما يتكلم أبداً، أربعة أيام ما يضره؛ لكن مثل من استغل طول العام بالقيل والقال يعان على حفظ النفس وحفظ اللسان هذه الأربعة الأيام؟ ما يمكن، كل إنسان يجد هذا من نفسه، يعني الشخص الذي يستثقل بعض الناس؛ لأنهم لا يقعون في بعض الأمور التي يزاولها كثير من الناس في مجالسهم، إما دلالة على خير، وتوجيه ونصح وإرشاد، أو ذكر، أو سكوت، مثل هذا يستثقله كثير من الناس، ويزعمون أنه ثقيل، وقد لا تتسع له مجالسه، ويعتذرون إذا أراد أن يزورهم، ويتعللون إذا طلب زيارتهم، بينما الشخص الذي ما شاء الله يكون خفيف هو صاحب القيل والقال والنكت والتفكه بأعراض الناس، يعني مثل هذا إذا كان عاش على هذه العيشة هل يستطيع أن يمسك عن الكلام في الأربعة الأيام؟ ما يمكن، والتجربة أكبر برهان.(1/8)
((والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) جاء في حديث جابر عند أحمد أنه -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الحج فقال: ((إطعام الطعام، وإفشاء السلام)) ولكن الحديث فيه ضعف، ولا شك أن إطعام الطعام مطلوب، وإفشاء السلام جاءت النصوص بالحث عليه، فهو مما يعين على بر الحج، والخبر ضعيف، والعمرة: الزيارة، والمراد بها زيارة البيت للطواف والسعي، المقصود أنه لأداء النسك الأصغر، زيارة البيت لأداء النسك الأصغر، المكون من طواف وسعي، وحلق أو تقصير.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله أعلى النساء جهاد؟ قال: ((نعم عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة)) رواه أحمد وابن ماجه، واللفظ له وإسناده صحيح، وأصله في الصحيح، وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- أعرابي فقال: يا رسول الله أخبرني عن العمرة أواجبة هي؟ قال: ((لا، وأن تعتمر خير لك)) رواه أحمد والترمذي، والراجح وقفه، وأخرجه ابن عدي من وجه آخر ضعيف عن جابر -رضي الله عنه- مرفوعاً: ((الحج والعمرة فريضتان)).(1/9)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث السابق عرفنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحج إلا مرة واحدة بعد فرض الحج، وهي حجة الوداع، وأما بالنسبة للعمرة فقد اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- كم؟ أربع مرات، الأولى: الحديبية، والثانية: القضاء، والثالثة: الجعرانة، والرابعة: التي مع حجه -عليه الصلاة والسلام-، وكلها في القعدة، كما في حديث عائشة في الصحيح الذي استدركت فيه على ابن عمر حينما زعم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر في رجب، قالت: إنه ما اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا وهي معه، وما اعتمر في رجب قط، وإن كان بعضهم يجعل المثبت مقدم على النافي، ويقول أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر في رجب لقول ابن عمر، وتكون عائشة -رضي الله عنها- نسيت هذه العمرة؛ لكن الجمهور على أنه لم يعتمر في رجب، موافقة لعائشة -رضي الله تعالى عنها-.(1/10)
يقول: وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول الله على النساء جهاد؟ تسأل لتشارك في الجهاد، لما ورد في الجهاد في فضله، وأنه ذروة سنام الإسلام، ومصدر عز المسلمين، فتريد أن تشارك، على النساء جهاد؟ قال: ((نعم عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة)) والجهاد وبذل الجهد واستفراغ الوسع في طاعة الله -عز وجل- لا سيما ما فيه مشقة كالجهاد الشرعي الاصطلاحي، والحج والعمرة فيهما بذل جهد ومشقة فهي جهاد، وكلما يحتاج إلى معالجة مع النفس ومجاهدة فهو جهاد؛ لكن هنا يقول: ((عليهن جهاد)) هذه الصيغة تدل على الوجوب {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ} [(97) سورة آل عمران] صيغة وجوب عند أهل العلم ((عليهن جهاد لا قتال فيه)) والمقصود أنه لا قتال ولا مقاتلة مقصودة لذاتها، كما هو شأن الجهاد، وإن حصل قتل وموت في الحج بسبب زحام وشبهه، هذا ليس بقتال ولا مقاتلة، في السنوات الأخيرة بعض ما يتطلبه الحج من أعمال قريبة من القتال، من ذهب ليرمي الجمرة ضحى يوم العيد مثلاً، أو بعد الزوال في الثاني عشر جهاد؛ لكنه لا قتال فيه مقصود لذاته بسل السيوف وشبهها، وإن حصل فيه ما يحصل في القتال من موت، والله المستعان.(1/11)
((عليهن جهاد)) {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ} [(7) سورة النحل] وشخص من المترفين من أبناء الملوك قال: أحج بدون شق الأنفس، ما يلزم، أنا ابن ملك، تيسر له جميع أسباب ووسائل الراحة، فحمل في هودج، والناس يحتفون به من يمين وشمال، وبينما هو سائر إذ مر بشجرة فأخذت إحدى عينيه، والآن يعلن عن بعض الحملات أنها بالراحة التامة، وييسرون ويوفرون بعض وسائل الراحة؛ لكن الخبر لن يتخلف، لا بد من شق الأنفس، مهما بذلت من الأموال، لا بد من المشقة في الحج ((عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة)) أما وجوب الحج بالإجماع، والعمرة محل خلاف بين أهل العلم، يستدل بهذا الحديث من يقول: بوجوب العمرة، وسيأتي في حديث لاحق أن الحج والعمرة فريضتان؛ لكنه ضعيف، ومما يستدل به لوجوب العمرة الأمر بالإتمام {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] وفيه أيضاً على ما سيأتي ((حج عن أبيك واعتمر)) كل هذا مما يستدل به من يقول: بوجوب العمرة، وهو المرجح.
يقول: "رواه الإمام أحمد وابن ماجه، واللفظ له، وإسناده صحيح، وأصله في الصحيح" يعني صحيح البخاري من حديث عائشة قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد؟ قال: ((لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور)) لماذا أورد الحافظ رواية أحمد وابن ماجه وترك رواية البخاري؟ نعم ليس فيه ذكر للعمرة، ولذا قال: أصله في الصحيح، لو كان فيه ذكر العمرة لصار في الصحيح؛ لكن إذا وجدت أصل القصة، أو بعض ما يشهد لشيء من جمل الحديث في الصحيح صار أصله في الصحيح، كما هنا.(1/12)
يقول: "وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- أعرابي فقال: يا رسول الله أخبرني عن العمرة أواجبة هي؟ فقال: ((لا، وأن تعتمر خير لك)) رواه أحمد والترمذي، والراجح وقفه، هو على كل حال هو ضعيف مرفوعاً وموقوفاً، هو ضعيف، ويستوي في ذلك المرفوع والموقوف، ولو صح لكان نصاً في أن العمرة ليست بواجبة؛ لكنه لم يصح، كما أن الحديث الذي يليه أيضاً ضعيف جداً، والراجح وقفه، وأخرجه ابن عدي من وجه آخر ضعيف عن جابر مرفوعاً: ((الحج والعمرة فريضتان)) وعلى كل حال لا يوجد في الباب أصرح من الآية: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] والحديث السابق: ((عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة)) وفيه أيضاً: ((حج عن أبيك واعتمر)) وما عدا ذلك فهو ضعيف، وحكم العمرة مسألة خلافية بين أهل العلم فالحنفية والمالكية يقولون: بسنيتها، وهي واجبة عند الحنابلة، ولا يعني أن وجوبها مثل وجوب الحج، يأثم من تركها؛ لكن ليس مثل وجوب الحج، الحج ركن من أركان الإسلام، والعمرة كما سمعنا مختلف فيها، غاية ما هنالك أن من تركها يأثم، والشافعية قولهم كقول الحنابلة أنها واجبة يأثم تاركها، ومن لا يقول بالوجوب يقول: أن الآية ليست أمر بالحج والعمرة، ليس فيها الأمر بالحج والعمرة، إنما فيها الأمر بالإتمام، والنسك إذا شرع فيه لزم إتمامه، الحجة الثانية واجبة أم نفل؟ نفل؛ لكن من دخل فيها لزمه إتمامها، الثانية نفل اتفاقاً، ومع ذلك من دخل فيها لزمه الإتمام، ويحتجون بمثل الحديث الذي سبق حديث جابر على ضعفه، ومعهم أيضاً الأصل الأصل عدم الوجوب الأصل عدم الوجوب فلا بد من ناقل عن هذا الأصل، وسمعنا أدلة من يقول بالوجوب المسألة كما ذكرنا خلافية؛ لكن المرجح عند أهل التحقيق وجوبها.(1/13)
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قيل: يا رسول الله ما السبيل؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: (( الزاد والراحلة(( رواه الدارقطني، وصححه الحاكم، والراجح إرساله، وأخرجه الترمذي من حديث ابن عمر أيضاً وفي إسناده ضعف.
نعم يقول -رحمه الله تعالى-، وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: قيل: يا رسول الله، ما السبيل؟ المشار إليه في قوله: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [(97) سورة آل عمران] ما السبيل؟ قال: ((الزاد والراحلة)) يعني كل من وجد زاد وراحلة يلزمه الحج؟ أو مما تتطلبه الاستطاعة الزاد والراحلة؟ يعني هل تفسير السبيل بالزاد والراحلة يعني على فرض ثبوته وإلا فهو ضعيف؛ لأنه من طريق مرسل، وطريق آخر من حديث ابن عمر في سنده متروك، تفسير السبيل بالزاد والراحلة هو تفسير بالمثال أو تفسير بالمطابقة؟ يعني من وجد زاد وراحلة يلزمه الحج، افترضنا أن شخص وجد زاد وراحلة؛ لكنه لا يثبت على هذه الراحلة يلزمه الحج أو لا يلزمه؟ نعم طيب شخص بمكة ويستطيع أن يصل إلى المشاعر بنفسه من غير راحلة، هل نقول: لا يلزمه إلا أن يجد راحلة؟ يلزمه ولو لم يجد راحلة، فعلى كل حال الخبر ضعيف؛ لكن جل الناس لا يتمكن من أداء الحج إلا بالزاد والراحلة، وهي مما يتطلبه الوجوب، وعلى كل الحال الوجوب إما بالنفس أو بالغير؛ لأنه قد يجد زاد وراحلة، يجد نفقة، يجد قدرة واستطاعة للحج لا بنفسه، عنده زاد وراحلة؛ لكن لا يثبت على الراحلة، كما سيأتي في حديث من سألت عن أبيها الذي لا يثبت على راحلة، فلا يلزم من وجود الزاد والراحلة القدرة والاستطاعة بالنفس، كما أنه لا يلزم من عدمهما عدم القدرة على الحج، كما نظرنا فيمن لا يحتاج إلى راحلة من أهل مكة مثلاً، بل من المسلمين من حج على الأقدام من أقاصي الدنيا، والخلاف في المفاضلة بين الركوب والمشي إلى الحج معروف بين أهل العلم، النبي -عليه الصلاة والسلام- حج على رحل، كما في الصحيح: "حج النبي -عليه الصلاة(1/14)
والسلام- على رحل، وحج أنس على رحل ولم يكن شحيحاً" لا شك أن الرحل مركوب متواضع، وهكذا ينبغي أن تكون حال المسلم لا سيما في مواطن العبادة، أن يسلك هذا المسلك، مسلك التواضع بينما تجد كثيراً من الناس العكس يبالغون في الترفه، وإذا اعتمر بحث عن الفنادق الراقية، وإذا أراد أن يحج بحث عن الحملات الغالية، يبالغون مبالغ خيالية، ويوفر لهم على حد زعمهم ما يفتخرون به، إذا رجعوا إلى أهليهم، هذا لا شك أنه ينافي المقصود من العبادة التي فيها العبودية واستشعار الذل والخضوع لله --جل وعلا--.
لا شك أنه ينبغي على ولي الأمر أن يحد من هذه المبالغات التي توجد في بعض الحملات، تجد في إعلاناتهم توفير كل ما يطلبه الحاج، وشاركوا بعض الناس يعني حتى في أقسام النساء ما يوجد عندهن في بيوتهن وفي دوائرهن فيما بينهن يوفرون أكلات الضحى، وأكلات العصر، وأكلات مدري إيش؟ يعني شيء عندهم فيه مبالغة حقيقة؛ والله المستعان.
فالإشارة في الحديث إلى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حج على رحل، وحج أنس على رحل ولم يكن شحيحاً، دليل على أن التواضع مطلوب في كل حال، لا سيما في مواطن العبادات، ومنهم من يفضل المشي إلى العبادة، والرجال قدموا على الركبان {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [(27) سورة الحج] نعم قدموا على الركبان، فيرى بعضهم أن المشي أفضل؛ لكن لا أفضل من عمله -عليه الصلاة والسلام- وما أختاره من الركوب، ولا شك أن الزاد أمر لا بد منه، إن لم يتيسر له الزاد عاش عالة على الناس، وكثير من المتصوفة الذين يظهرون التوكل على الله --جل وعلا-- ويقطعون الفيافي والمفاوز بدون زاد يزعمون أنهم يتوكلون على الله -جل وعلا- ومع ذلك إذا حضر وقته تكففوا الناس يسألوهم، هؤلاء توكلوا على الناس، والله المستعان.(1/15)
وعلى كل حال الحديث ضعيف، وليس السبيل هو الزاد والراحلة لا طرداً ولا عكساً، فقد يجب الحج من غير راحلة، وقد لا يجب مع وجود الراحلة، أعني وجوبه بالنفس، منهم من يرى أن هذا الحديث جاء من طرق متعددة ومتباينة، وفيها الموصول، وفيها المرسل، وبعضها يشد بعضاً، فيجعله من قبيل الحسن لغيره، ويجعله من باب التفسير بالمثال، يعني أهم ما يحتاج إليه في هذا السفر الزاد والراحلة، ببعض الأفراد، بل هي من أهم ما يحتاج إليه، كتفسير القوة بالرمي، القوة تتنوع المأمور بإعدادها، ليست الرمي وحده، وإنما الرمي وغير الرمي، والتنصيص على الرمي للعناية به، وهنا من أولى ما يهتم به في هذا الباب الراحلة التي تنقله من مكان إلى آخر، والزاد الذي يبلغه.
طالب:.........(1/16)
ولأن الاستطاعة شرط لوجوب الحج ولزومه فمن استطاع لزمه أن يحج، والذي لا يستطيع لا يلزمه الحج، ولا يلزمه السؤال، بل ولا قبول الهبة لما فيها من المنة، وبعض الناس يحرص على الحج للمرة الثانية والثالثة والعاشرة بالمنن، يقول: نحج وإذا وصلنا هناك تيسرت الأمور، فتجده إما أن يحرج أناس يجلس معهم، أو مع بعض الدوائر الحكومية من غير إذنهم، وأحياناً يكون بغير رضاهم، أو بإذن من لا يملك الإذن، إذا جاء شخص وأعطاك مبلغ، وقال: حج، هذا فيه منة وإلا ما فيه منة؟ فيه منة، لا يلزمك أن تحج من أجل هذه المنة، فكيف أن تبدأ الناس، وتؤذي الناس، وتحرج الناس، والله -جل وعلا- قد عفاك، وأنت معذور؛ لأن كثير من الناس يتصرفون تصرفات غير لائقة، لا تليق به، كثير منهم، بس أنت وصلنا هناك، هذا بداية السؤال، وصلنا إلى مكة ويسهل الله، وإذا راح أحرج الناس، مثل ما ذكرنا، وأحياناً الدوائر الحكومية تحرج بكثير من أمثال هؤلاء، وهناك أعمال قد لا يرضون اطلاع كثير من الناس عليها، ومع ذلك يحرجهم، وقد يستأذن أدنى واحد فيهم، وقد لا يملك الإذن، وهو من الأصل معافى، لو اتجه إلى عبادات أخرى يتقرب بها إلى الله -جل وعلا- بغير هذه الطريقة؛ لأن أصل السؤال ممنوع، فكيف إذا سألت سؤال تتوصل به إلى عبادة؟ وبعض الناس يرتكب بعض المحرمات من أجل تحصيل نفل، فيتأذى ويؤذي، ويعرض نفسه وغيره لارتكاب بعض ما حرم الله، ومع ذلك يزعم أنه يتطلب ما رتب على الحج المبرور، بعض الناس يتحايل على أن يصرف له مبلغ باسم انتداب، وهو يريد يحج، مصروف الانتداب إلى جهة ما من أجل عمل، يترك هذا العمل ويحج، بعضهم يتحايل لاستخراج المال من بيت المال بأي طريقة كانت من أجل أن يحج، هذه مخالفات، هذا فساد في التصور، تريد أن تتقرب إلى الله -جل وعلا- بما حرم الله عليك، بعضهم يترك العمل الواجب، موظف يترك العمل ومع ذلك لماذا؟ يريد أن يعتمر، ليس معنى هذا أن الموظف خلق من أجل هذه(1/17)
الوظيفة، وصارت له كالظل، بمعنى أنه لا يتركها البتة، لا، يستأذن ممن يملك الإذن، والمسألة عرفية، نعم طلب براءة الذمة هو الأصل؛ لكن إذا كان المسئول يملك الإذن ليوم أو يومين أو أكثر أو أقل، إذا كان يملك ممن منحه وخوله ولي الأمر بالإذن لمن تحت يده في اليوم واليومين، يستفيد منها في دينه أو دنياه لا بأس، والإجازة الاضطرارية تتفاوت فيها وتتباين أنظار الناس، منهم من يجعلها من حق الموظف، له خمسة أيام خمسة أيام لو يجلس في البيت، ومنهم من يفهم من مسماها اضطرارية أنها في حال الضرورة، والضرورة معروفة عند أهل العلم بأنها ما لا تبقى الحياة بدونها، والمسألة من خلال ما عرف من المسئولين أنها لا هذا ولا هذا، لا تأخذ إجازة اضطرارية وتجلس في البيت وتقول: من حقي، ولا تنتظر إلى أن تصل حد الهلاك وتقول: إجازة اضطرارية، كأن الاضطرار هنا معناه الحاجة، فإذا دعت الحاجة لمثل هذه الإجازة فلا بأس، ليس معناها الضرورة المعروفة عند أهل العلم التي تتوقف عليها الحياة، لا، وهذا كالإقرار من ولاة الأمر في هذا الباب، لا ينتظرون إلى أن يشرف المرء إلى الهلاك ثم يأخذ هذه الإجازة، بناء على أنها ضرورية واضطرارية، لا، إنما المقصود بها الحاجة، فإذا دعت الحاجة إليها لا مانع من أن تمنح لمستحقها.
إذا حج بدابة مسروقة أو مغصوبة أو مال مسروق، لا شك أنه ارتكب محرم، والحج صحيح وإلا غير صحيح؟ هذا شخص وقف عند بقالة ترك السيارة شغالة مر واحد قال: والله أنا بحاجة إلى راحلة، تبلغني إلى بيت الله، فأخذ هذه السيارة وامتطاها إلى تلك الأماكن المقدسة، وأدى الحج، فلما رجع بحث عن صاحبها سلمه إياها، الحج صحيح وإلا غير صحيح؟
إذا حججت بمال أصله سحت
... فما حججت ولكن حجت العير
على كل حال الجهة منفكة عند أهل العلم، وعندهم أن الحج صحيح مع الإثم، ورواية عند الإمام أحمد وهو مقتضى قول الظاهرية أن الحج ليس بصحيح.(1/18)
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لقي ركباً بالروحاء، فقال: ((من القوم؟)) قالوا: المسلمون، فقالوا: من أنت؟ فقال: ((رسول الله)) فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال: ((نعم ولك أجر)) [رواه مسلم].
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لقي ركباً بالروحاء، محل قريب من المدينة، يبعد عنها ما يقرب من خمسين كيلو، أو يزيد قليلاً، لقي ركباً بالروحاء فقال: ((من القوم؟)) يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من القوم؟)) قالوا: المسلمون، وهم من المسلمين، فهو من العام الذي أريد به الخصوص، فقالوا: من أنت؟ ما عرفوا النبي -عليه الصلاة والسلام- إما لكونهم لم يتقدم رؤية له -عليه الصلاة والسلام-، أو لأن الوقت ليل في ظلام ما رأوه، المقصود أنهم سألوا عنه: من أنت؟ قال: ((رسول الله)) -عليه الصلاة والسلام-، وبعض الناس يأنف أن يقال له: من أنت؟ كأنه يفترض في الناس كلهم أن يكون معروفاً لديهم، يستثقل أن يقال له: من أنت؟ ووجد الإنكار حتى من بعض طلاب العلم أنه يستثقل أن يسأل عنه من أنت؟ بعد أن صار علم، كيف يسأل عنه؟ والرسول -عليه الصلاة والسلام- قالوا له: من أنت؟ قال: ((رسول الله)) فرفعت إليه امرأة صبياً، صبي صغير لم يكلف، سواء كان مميزاً أو غير مميز؛ لكن رفعه يدل على أنه صغير جداً، فقالت: ألهذا حج؟ قال: ((نعم)) يعني حجه صحيح؛ ((ولك أجر)) فإن كان هذا الصبي مميز يلقن النية، ويأتي بما يستطيع فعله، وإن كان غير مميز ينوى عنه، ويدخل في النسك، ويجرد إن كان ذكراً، ويفعل به ما يفعله الكبير مما يستطاع، والذي لا يستطاع يعني تأتي لصبي غير مميز وتقول له: صل ركعتين، الذي لا يستطاع يسقط، فدل على أن الصبي نسكه صحيح، حجه صحيح، عمرته صحيحة، ولمن أدخله في النسك، ونوى عنه، وطاف به، وسعى به، له الأجر، فإذا أدخل في النسك لزمه الإتمام، ولزم(1/19)
وليه أن يتم ما أدخله فيه، هذه مسألة يكثر السؤال عنها، يحرمون للصبي أو للصبية فإذا وصلوا وجدوا زحام تركوه، قالوا: هذا الصبي غير مكلف ما يلزم، بل يلزم {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] بطوعكم واختياركم أدخلتوه في النسك، أتموا، ويترتب على ذلك ما يترتب على نسك الكبير، من ارتكاب لمحظورات وغيرها، فلا يحلق شعره، ولا يقص ظفره، ولا يلبس مخيط، كل ما يجتنبه الكبير يجتنبه هذا الصغير، يكثر سؤال بعض العوائل يذهبون في أوقات الزحام الشديد بأطفالهم، ويدخلونهم في النسك، ثم إذا رأوا الزحام ألبسوهم ثيابهم، ورجعوا بهم إلى بلدانهم، وهم ما زالوا محرمين؛ لأنه يلزمهم الإتمام في قول جماهير أهل العلم؛ لكنه إذا حج الصبي وقلنا: أن حجه صحيح ولوليه الأجر، فإن هذه الحجة لا تجزئه ولا تسقط عنه حجة الإسلام، بل إذا بلغ -كما سيأتي- عليه أن يحج حج الفريضة.(1/20)
إذا أدخل الصبي في النسك وارتكب محظور أو فعل به أهله ما يفعله كثير من الناس مما ذكرناه آنفاً، وجدوا زحام فلبسوه الثياب، ورجعوا به إلى بلدهم، ثم قيل لهم: لا بد..، هو الآن محرم يجرد من المخيط، ويلبس الإحرام، ويطاف به ويسعى، ويكمل نسكه، التكاليف تكاليف الإرجاع إلى مكة على من؟ نعم هم يقولون: لا ينوي عنه إلا وليه في المال، أو وصيه؛ لأنه يتحمل مسئوليات، يعني الآن افترضنا صبي وارث عنده مال وله حج بهذا الحديث، ثم ارتكب ما ارتكب من المحظورات، يفترض أن مثله يطأ، أهل العلم يقررون أن من بلغ العاشرة يطأ، أو حلق شعره، أو قصر أظفاره، ارتكب محظور، أو قتل صيد، ما يترتب على هذه المحظورات؟ هل هي على الصبي أو على وليه الذي أدخله في النسك؟ أجرة إرجاعه إلى مكة على من؟ في مال الصبي وإلا في مال وليه الذي أحرم له؟ يعني كونهم يشترطون أن الذي يحرم له وليه في المال؛ لأن وليه في المال ينفق عليه من هذا المال، ومن ضمن النفقة ما يتطلبه ما أذن به شرعاً، فهي على كلامهم من مال الصبي؛ لكن لو أحرم له، وأدخله في النسك غير وليه، يعني أمه أدخلته في النسك، وهي ليس لها أن تتصرف من ماله، أو أخوه مع وجود الأب الذي هو ولي المال، تكون التبعات كلها على من أدخله في النسك، بعض الأسر إذا اعتمروا بالأطفال وزع هؤلاء الأطفال، كلهم يدخلون في النسك، فلان حجه لجده فلان، وفلان لجدته فلانة، وفلان حجه لعمته فلانة وفلان عمرته لكذا باعتبار أن هذا الطفل ما جرى عليه قلم التكليف لا يكتب له حسنات ولا عليه سيئات، ما حكم هذا العمل؟ في الحديث: ألهذا حج؟ قال: ((نعم ولك أجر)) وإذا حج المكلف عن غيره أو اعتمر وأهدى ثواب عمرته لغيره معروف عند أهل العلم الحكم؛ لكن هذا يقولون: لا مكتوب له شيء ولا عليه شيء، وما دام هذا الأجر ثبت، وهذا الصبي لا يكتب له أجر لماذا لا نصرفها لشخص ينتظر هذا الثواب وهذا الأجر كالجد والجدة والعم والعمة والخال والخالة(1/21)
والأب والأم مثل هذا العمل شرعي وإلا غير شرعي؟ الآن لو أن الولي الذي أحرم لهذا الصبي قال: اللهم اجعل حجتي أو عمرتي أجرها لفلان لأبي أو لأمي، ((حج عن أبيك واعتمر)) ما فيه إشكال، وهذا الولي قال: هذا الصبي الذي أدخلناه في النسك له حج؛ لكن الحج أجره لمن؟ للصبي نفسه؟ ((ولكِ أجر)) ولكن له حج، إيش معنى له حج؟ يعني أجر بدون حج أو الأجر بثوابه؟ وهذا الثواب هل يصرف للطفل الذي لم يجر عليه قلم التكليف أو أين يذهب؟ أنا أريد أن أقرر مسألة يفعلها كل الناس، إذا حجوا بالصبيان قالوا: فلان حجته لفلان، وجد فلان وفلانة حجتها لجدتها فلانة، وهكذا، فهل يصل هذا الثواب إلى المهدى إليه أو لا يصل؟ باعتبار أن الحج يقبل النيابة ((حج عن أبيك واعتمر)) والعمرة كذلك، فهل هذا العمل شرعي أم أنه ليس شرعي؟ نحن لا ننظر إلى أن الرسول فعل أو ما فعل، ننظر من أصل المسألة الحج يقبل بالنيابة فهذا حجه صحيح، وعمرته صحيحة لكن لا يجري عليه قلم التكليف، لماذا لا يصرف هذا الحج إلى من يحتاج إلى مثل هذا الأجر؟
طالب:.........
وين؟
طالب:.........
هو ليست المسألة أن الحج فرض نقول: يريد ينوب، هذا ثواب رتب على هذا الحج الذي حجه من لم يجر عليه قلم التكليف، وليس بحاجة إلى هذا الأجر؛ لأنه لم يجر عليه قلم التكليف، فبدلاً من أن يكون هذا الأجر له صاحب وإلا ماله صاحب؟ يعني غير المكلف المرفوع عنه القلم ما معنى رفع القلم؟
طالب:.........
غير المكلف يعني لم يجرِ عليه قلم التكليف، ومرفوع عنه القلم، يعني لا يكتب له ولا عليه، هذا الأصل، ما معنى له حج؟ حج بدون ثواب، وثوابه لمن؟
طالب: للصبي.
للصبي؟ ما كلف إلى الآن الصبي.
طالب:.........(1/22)
في أنه إيش؟ أجر إيش؟ إدخاله... وأيضاً ما يفعل معهم متعب الطفل، ما معني له حج؟ يعني هل نقول: أن حجه من باب التمرين؟ يعني إذا أمرنا الطفل بالصلاة لسبع وصلى الطفل تكتب له حسنات وإلا ما تكتب أو مجرد تمرين؟ هو مجرد تمرين عند أهل العلم، وكذلك الحج مجرد تمرين، إذاً هل له أجر أو ما له أجر؟ وإذا ثبت له أجر هل يستطيع وليه أن يهديه إلى غيره يهدي هذا الأجر؟
طالب:.........
الطفل طفل مرفوع باليد له حج.
طالب:.........
ما يفرق ترى، له عشر أو عشرين.
طالب:.........
كيف؟ يعني إذا ما ثبت الأجر للطفل فلن يثبت لغيره من باب أولى.
طالب: يا شيخ يثبت للطفل الأجر -والله أعلم- لكن ليس لوليه يأخذ هذا الأجر فيهديه لغيره.
لا هو الذي يظهر أن المهدى هو الأجر المرتب على إدخال الطفل المنصوص بقوله: ((ولكِ أجر)) الأجر الذي ملكه الولي بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ولكِ أجر)) هو المهدى، وليس المراد الحج ولا العمرة، إنما الأجر المرتب على إدخال هذا الصبي في النسك هذا الذي يظهر.(1/23)
فيما يذكر في فضل الحج مما هو في معنى حديث: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) الآية الأولى التي قرأها الإمام وفقه الله {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] معنى الآية أن من حج واتقى الله في حجه فلا إثم عليه، يعني فقد ارتفع الإثم عنه سواء تعجل أو تأخر، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه شريطة أن يتقي الله -جل وعلا-، فلا يرفث ولا يفسق كما في الحديث، ومثله إذا تأخر، يعني الظاهر من الآية المتبادر الذي يفهمه الناس كلهم من هذه الآية أن الآية فيها التخيير والتسوية بين التعجل والتقدم؛ لكن هل يكفي أن نقول: من ذكر الله في هذه الأيام يرتفع عنه الإثم لا بأس أن يتقدم ولا بأس أن يتأخر ويكفي هذا؟ هل يكفي أن يقال: من حج لا إثم عليه في حجه؟ يعني تأمل معنى الآية: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} [(203) سورة البقرة] يعني لا حرج عليه في تعجله هذا المقصود؟ من تعجل في يوم فلا إثم عليه لأنه تعجل؟ بسبب تعجله ما عليه إثم؟ وكذلك إذا تأخر ما عليه إثم؟ وهل يحج الإنسان ليرتفع عنه إثم الحج؟
طالب:.........(1/24)
كيف؟ نعم هو يرجو ثواب الله -جل وعلا- بهذا الحج، الآية مطابقة لحديث: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ارتفع عنه الإثم السابق شريطة أن يتقي الله في حجه، من تأخر ارتفع عنه الإثم شريطة أن يتقي الله في حجه، فيكون معنى الآية معنى الحديث، وعلى هذا يعني الآية بظاهرها لا فرق فيها بين التعجل والتأخر، فلا يؤخذ من الآية تفضيل التأخر، إنما يؤخذ تفضيله من فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو أنه لم يتعجل، فيكون التأخر أفضل من التعجل، وأما الآية ففيها أن من اتقى الله -جل وعلا- في حجه ارتفع عنه الإثم، وهو معنى قوله: ((رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) يعني هل هذا المعنى هو الظاهر الذي يفهمه الناس من هذه الآية؛ لأن قوله: {لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] جاءت بعد من تأخر، فالذي يفهمه الناس من هذه الآية أن التأخر أفضل من التعجل، ما فيها دلالة على هذا؛ لأن (لمن اتقى) يرتفع الإثم عن الحاج إذا اتقى الله -جل وعلا- في حجه، سواء تعجل أو تأخر؛ لأن السياق واحد، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى، هل نقول: لا إثم عليه إذا تأخر شريطة أن يتقي ولا نشترط هذا في التعجل؟ لا، إذ لا يرتفع عنه الإثم إلا إذا اتقى الله -جل وعلا- فلم يرفث ولم يفسق، فيكون معنى الآية هو معنى الحديث.
قال الإمام الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: وعنه -رضي الله عنهما- قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها، وتنظر إليه، وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الحج على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً، لا يثبت على الراحلة، أفحج عنه؟ قال: ((نعم)) وذلك في حجة الوداع" [متفق عليه واللفظ للبخاري].(1/25)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- وعنه يعني ابن عباس صحابي الحديث السابق يقول: وعنه -رضي الله عنهما- يعني الضمير المجرور يعود إلى ابن عباس، والترضي عنه وعن أبيه، وهذا إنما يحسن إذا ذكر الابن مع الأب يعود الضمير إلى الاثنين، أما هنا ما ذكر إلى واحد، على كل حال الأصل أن يقال: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وإلا إذا قال: وعنه -رضي الله عنه- لتتحد الضمائر، تقول: مثلاً عن أبي هريرة وابن عمر -رضي الله عنهم- أنهما قالا، الضمائر غير متحدة، فالترضي عن الثلاثة ابن عمر وعمر وأبو هريرة، والخبر عن اثنين فقط، وهذا ما فيه لبس؛ لكن تقول: وعنه -رضي الله عنهما- الذي يقرأ الخبر على انفراده فيه لبس، قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا في حجة الوداع في أي وقت؟ السنة العاشرة؛ لأن حجة الوداع ما تجي غير العاشرة؛ لكن رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- في أي ظرف من ظروف الحج؟ في انصرافه من مزدلفة إلى منى.
طيب كان الفضل بن عباس رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني ركب معه على دابته، والإرداف على الدابة إذا كانت تطيق لا بأس به، رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاءت امرأة من خثعم، خثعم قبيلة معروفة من قبائل العرب، وهل هي بطن من جهينة أو قبيلة مستقلة؟ أو من جهينة من يقال لهم: فخذ يقال لهم: خثعم غير القبيلة الكبيرة المعروفة، مسألة يشير إليها بعض أهل العلم، خثعم الآن ترجع إلى ماذا؟
طالب:.........
إلى ماذا؟ أكيد، وإلا لا؟
طالب:.........
شمران ترجع إلى خثعم، طيب وهناك الارتباط بجهينة مع الغامدية غامد، يعني مع أن غامد قبيلة كبيرة جداً بعضهم يقول: غامد من جهينة، يقول: امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها، في بعض الروايات: "كانت وضيئة" ويستدل بهذا بعض من يتتبع المتشابه ليرد به المحكم.
طالب:.........(1/26)
من نصوص الحجاب يقول: كيف ينظر إليها وتنظر إليه وهي متحجبة، النظر لا يلزم أن يكون إلى البشرة كثير من الناس يستهويهم الحجم، الطول والعرض، ويمكن النظر إلى الطول والعرض، ولو كانت متحجبة، والمحرمة لا تلبس القفازين فيبدو من بشرتها الوضاءة، ولو كان وجهها مغطى، المقصود أنه ليس فيه دليل على عدم الحجاب، والنصوص المحكمة تدل على وجوب الحجاب، وأن وجه المرأة عورة، يجب ستره، وفي حديث الإفك: "وكان يعرفني قبل نزول الحجاب" في حديث عائشة تبين أنه إذا حاذوا الرجال سدلت إحداهن جلبابها، المقصود أن أدلة الحجاب المحكمة كثيرة جداً، ومن يتتبع المتشابه يقول: أن الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، مع أن الواجب على الطرفين الغض غض البصر، بعض الناس يقول: إذا كانت متحجبة فالبصر يغض عن من؟ يغض عن مثل هذه، النبي -عليه الصلاة والسلام- يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فلا يجوز النظر إلى النساء، ولو كن متحجبات نظر شهوة وتلذذ، أما مجرد نظرة عابرة من غير شهوة ولا تلذذ(1/27)
ومن غير حاجة، الحاجة إذا دعت الحاجة لذلك شريطة أن تؤمن الفتنة لا بأس، النساء يتولين البيع والشراء مع الرجال؛ لكن مع الاحتشام التام، وتؤدي المرأة شهادتها عند القضاة؛ لكن لا يعني هذا أنها تفتن الناس ومثل هذا النص الذي معنا، وقد استدل به من يستدل على أن الوجه ليس بعورة، وأنه لا يلزم حجبه؛ لكن ليس هناك ما يدل على أنها كاشفة للوجه أبداً، والرجال كما يستهويهم الوجه يستهويهم أيضاً الحجم، ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يصرف وجه الفضل إنكار وتغيير باليد يصرفه بيده -عليه الصلاة والسلام- إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج، يعني هذه العبادة المفروضة من قبل الله -جل وعلا- على عباده أدركت أبي شيخاً، أدركته وإلا هو أدرك الفريضة؟ نعم، عندنا مدرِك ومدرَك، المدرِك هو اللاحق، والمدرَك هو السابق، وهذا الشيخ الكبير بلغ هذا السن قبل فرض الحج، ففريضة الحج أدركت هذا الشخص بعد أن كبر أدركته حال كونه شيخاً كبيراً، لا يثبت على الراحلة، فدل على أن مجرد وجود الزاد والراحلة لا يكفي في وجوب الحج بالنفس، بل لا بد أن يكون ممن يثبت على الراحلة، في بعض الروايات إن شددته خشيت عليه، الآن الشخص الذي لا يثبت على الراحلة كيف يشد؟ يحتاج إلى شد مثل شد العفش، شخص ما يثبت مثل العفش، وإذا شد مثلما يشد العفش يخشى عليه، فمثل هذا تقول: أفأحج عنه؟ قال: نعم، يعني وضع السيارات يختلف عن وضع الرواحل، مهما ثبت المركب على الراحلة إلا أنه عرضة لأن يتخلخل فيسقط من عليه، إذا كان لا يثبت، في أول الأمر أول ما جاءت المراكب المريحة من السيارات وغيره، كان كثير من الناس لا يستطيع الركوب، والسفر على السيارة، يتصور هذا ولا ما يتصور؟ يدوخ من ركوب السيارة؛ لكن الآن صار عادي، أفأحج عنه؟ قال: ((نعم)) يعني مع وجود الزاد والراحلة تحج عنه، وذلك في حجة الوداع، فالحج على المكلف الذي لا(1/28)
يستطيعه مجزئ إذا كان ميئوساً من الاستطاعة، ويحج عنه إن وجد من يتبرع من يحج عنه من أهله أو من غيرهم، وإلا فمن ماله؛ لأن هذا حق الله ودين الله، كما سيأتي في الحديث الذي يليه، فإذا تبرع الابن أو البنت فالحج يقبل النيابة ويصح حج المرأة عن الرجل، كما في هذا الحديث، ويصح حج الرجل عن المرأة في بعض الروايات: إن أمي نذرت قال: رجل أمي نذرت أفأحج عنها؟ قال: ((نعم)) كما سيأتي فيصح حج الرجل عن المرأة والمرأة عن الرجل، ولا فرق، وهما أمام التكليف في هذه العبادة سيان، فإذا كان الشخص المكلف لا يثبت على الراحلة صار ذلك له عذر في النيابة، والحج كما ذكرنا يقبل بالنيابة، فقال: ((نعم حجي عنه)) في بعض الروايات أن السائل رجل والمسئول عنه امرأة، في بعض الروايات فيحمل هذا على تعدد القصة إذا كان الحج يقبل النيابة، وهنا النيابة مع وجود الحاجة إليها، وهذا في حج الفريضة، حج الفريضة الأصل أن يباشرها الإنسان بنفسه، يباشر الفريضة إذا كان لا يستطيع ينيب غير الفريضة، يعني إذا حج أحد عن أحد في فريضة ما أجزأ إلا إذا كان عاجزاً عنها؛ لكن في غير الفريضة حج حجة الإسلام، ويستطيع أن يحج فناب عنه أحد أولاده فحج عنه، يعني هذه مسألة مسألة الباب فيمن لا يستطيع الحج في الفرض يحج عنه في النفل، وهو لا يستطيع يعني من باب أولى إذا كان لا يستطيع والمسألة نفل فإذا جاز في الفريضة جاز في النافلة، إذا كان يستطيع في الفريضة لا يجوز النيابة، وفي النافلة هل يحج عنه ولا ما يحج عنه؟
طالب:.........(1/29)
نافلة، الأب حج مراراً وقال: هذه السنة سأرتاح، حج عني يا فلان، أو قال: أحج عنك يا أبي يقبل وإلا ما يقبل مع القدرة؟ عند الحنابلة والحنفية النفل فيه سعة يقبل النيابة المطلقة؛ لأن النفل مبني على التوسعة، الناس الآن ينيبون في الحج؛ لأنه يوجد ناس يحجون بأجور زهيدة جداً، طلاب مغتربون في مكة مثلاً بإمكانه أن يحج عنك أو عن أبيك أو عن من شئت بثلاثمائة ريال، عمرة في رمضان مائة ريال، حاصل هذا، بمائة ريال عمرة في رمضان، فهل نقول: أن هذا فيه سعة باعتباره نفل، وفضل الله واسع، ونتعرض لهذه النفحات ما دام الإنسان حج الفريضة ويريد الثواب، فهل نقول: مثل ما يقول الحنفية والحنابلة بأن الأمر فيه سعة، وأصل الحج الفريضة يقبل النيابة، فكيف بالنافلة؟ أو نقول: ندور مع النصوص؟ العاجز يناب عنه، غير العاجز يتولى العبادة بنفسه لأنه إيش البديل إذا قلنا: ما يقبل النيابة؟ البديل لا شيء، نعم إما أن تدفع هذا المبلغ الزهيد ليحج عنك أو عن أبيك أو يعتمر عنك أو عن أبيك في رمضان أو لا شيء، جالس أنت، ليس بالخيار أنك تحجج عنك أو تحج بنفسك بالأشكال أفضل، فمن رأى أن النفل مبناه على التوسعة، وأن الأصل في هذه العبادة أنها تقبل النيابة أجاز ذلك، ومنهم من قال: أن النيابة جاءت عند العجز عنه عن القيام بالعمل فهي تبقى النيابة وهي على خلاف الأصل فيما ورد فيه النص، منهم من يرى أن هذه العبادة كالصلاة لا تقبل النيابة أصلاً حتى مع العجز، ولا يجزئ أحد يحج عن أحد، كما أنه لا يجزئ أن يصلي أحد عن أحد، وأن ما حصل في هذا الحديث خاص بصاحبة القصة؛ لكن الأصل عدم الخصوصية، وإن جاء زيادة بلفظ: ((حجي عنه، وليس لأحد بعدك)) لأن إسنادها ضعيف، يعني لو صحت هذه الزيادة لصارت نصاً في الباب، ولا اجتهاد لأحد مع النص؛ لكنها ضعيفة، فمن رأى أن المسألة فيها سعة في النفل وأراد أن يبر بوالديه ويحج عنهما أو يحجج عنهما فالأمر -إن شاء الله- فيه سعة.(1/30)
وعنه -رضي الله عنه- أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: ((نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته اقضوا الله فالله أحق بالوفاء)) [رواه البخاري].
يقول: وعنه يعني ابن عباس -رضي الله عنهما- أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقالت: إن أمي نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: ((نعم حجي عنها)) العبادات الواجبة إما أن يكون وجوبها بأصل الشرع كالفرائض التي افترضها الله -جل وعلا- على عباده، أو تكون مما أوجبها الإنسان على نفسه، ومضى الكلام على هذه المسألة في الصيام ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) وعرفنا أن القول المرجح أنه في صيام النذر؛ لأنه جاء في بعض الروايات ((من مات وعليه صوم نذر)) فما أوجبه الإنسان على نفسه يقبل النيابة، ما وجب بأصل الشرع لا يقبل النيابة، أمي نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ والحديث السابق وجبت بأصل الشرع؛ لأنها قالت: إن فريضة الله، فهل نقول: أن النيابة في الحج أوسع منها في الصيام، كما أن النيابة في الصيام أوسع من الصلاة؟ وماذا عن الزكاة؟ لو وجبت زكاة على شخص فتبرع أحدهم بإخراجها عنه تبرأ ذمته أو لا تبرأ؟ نعم، وأما العباس فهي علي ومثلها، الصلاة لا يصلي أحد عن أحد، هي أضيق العبادات في النيابة، يليها الصيام ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) وفرق العلماء بين ما وجب بأصل الشرع، وما أوجبه الإنسان على نفسه، فجعلوا ما وجب بأصل الشرع مثل الصلاة وإن حمله بعضهم على إطلاقه؛ لكن شيخ الإسلام حمله على النذر، كما جاء في بعض الروايات هو الموافق للقواعد الشرعية، ثم الحج أوسع من الصيام، فالفريضة تقبل النيابة عند العجز والنفل الذي هو النذر والنذر، كما في هذا الحديث قالت: إن ِأمي نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: ((نعم حجي عنها، أرأيت لو(1/31)
كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله فالله أحق أن بالوفاء)) فديون الله كالنذور والكفارات تجب على المكلف، وتجب في ماله إذا مات قبل إخراجها، ولذا ينص أهل العلم في الحقوق المتعلقة بتركة الميت خمسة يقولون: الأول مئونة التجهيز، والثاني: الديون المتعلقة بعين التركة، كالديون التي فيها رهن لأعيان التركة، أو لبعضها، الثالث: الديون المطلقة، سواء كانت لله -جل وعلا- كالكفارات والنذور، أو كانت للمخلوقين، والخلاف بين أهل العلم أيهما مقدم إذا كان الدين لمخلوق أو لله -جل وعلا-؟ هنا يقول: ((اقضوا الله فالله أحق بالوفاء)).
طالب:.........
كيف؟ يعني مبني على المسامحة، وحق المخلوق مبني على المشاحة؛ لكن ما معنى قوله: ((اقضوا الله فالله أحق بالوفاء)) نعم هذا دين ثبت على هذه المرأة، هذا النذر يعني عموم النصوص تدل على أن حقوق العباد مبنية على المشاحة، وأنه لا بد من أدائها بخلاف حقوق الله -جل وعلا- مبنية على المسامحة، هذا الذي يجعل الأكثر على أن حقوق العباد عند ضيق التركة عن وفاء الجميع تقدم، ومنهم من يأخذ من قوله: ((فالله أحق بالوفاء)) تقديم الحقوق الإلهية على الحقوق الآدمية، مسألة مفترضة في الشخص نذر أن يعتق رقبة، وهو مدين بمبلغ يساوي قيمة الرقبة، وقد ترك من المال بقدر هذا الدين فقط، أو بقدر رقبة فقط، هل نقول: هذا الذي تركته يشترى به رقبة وتعتق أو نقول: يسدد به الدين؟ يعني مقتضى قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((اقضوا الله فالله أحق بالوفاء)) أحق أفعل تفضيل، يعني أولى بالوفاء من حقوق الآدميين؛ لأنه نص على الدين، والدين للآدمي، ((أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء)).
طالب:.........(1/32)
يعني الحث، الحث بالمسارعة مسارعة بإبراء الذمة، افترض أن شخص نذر أن يحج، وما تبرع أحد من ورثته أن يحج وترك ماله، هل نقول: هذا النذر من ماله يعطى من يحج عنه وإلا ما يعطى من تركته؟ نعم من تركته، لو افترضنا أن الحجة مثلاً بألف وهو مدين بألف، وقد ترك ألف، ماذا نقول في هذا؟ يحج عنه أم يسدد الدين؟ مقتضى قوله: ((فالله أحق بالوفاء)) أفعل تفضيل، يعني أحق من الدين الذي ذكر في النص مقتضاه أن يقدم الحج على دين الآدمي فهو دين الله، وقال بهذا بعض العلماء استدلالاً بمثل هذا الحديث، والجمهور على أن دين الآدمي مقدم؛ لأنه مبني على المشاحة، وجاء أن من السجلات ما لا يقبل الغفران وهو حقوق الآدميين، والشهادة والقتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين، نعم المقصود أن حقوق الآدميين مبنية على المشاحة، فهي مقدمة عند الأكثر، وقوله: ((فالله أحق بالوفاء)) هذا من أجل المبادرة بقضاء حقوق الله -جل وعلا-، وعدم التسامح فيها؛ لأن بعض الناس إذا كان الشيء لله قال: الله غفور رحيم، ويتسامح ويترك، الله -جل وعلا- غفور رحيم؛ لكن هو أيضاً شديد العقاب، وجاء مثل هذا النص لتأكيد الوفاء بالنسبة لحقوق الله -جل وعلا-.(1/33)
((أرأيت لو كان على أمك دين أكنت..)) فيه استعمال للأقيسة، وضرب الأمثلة، فالأمثال جاءت في النصوص {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [(43) سورة العنكبوت] عني أهل العلم عناية فائقة، وألفوا فيها المؤلفات، وعلى طالب العلم أن يعتني بها؛ لأن فيها العبر، وبها يتضح المقال، الله -جل وعلا- ضرب الأمثلة {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [(26) سورة البقرة] ضرب المثال بالبعوض وبالذباب وبالعنكبوت وبغيرها، والمقصود أن الأمثلة لها شأنها، ولذا جاء قوله -جل وعلا- {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [(43) سورة العنكبوت] فعلى طالب العلم أن يعنى بها، وفيه أيضاً إشارة إلى شرعية القياس، وأنه مأخذ شرعي، ومسلك شرعي لتقرير الأحكام، وعليه جماهير أهل العلم، خلافاً لأهل الظاهر.
وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه حجة أخرى)) رواه ابن أبي شيبة والبيهقي، ورجاله ثقات، إلا أنه اختلف في رفعه، والمحفوظ أنه موقوف.(1/34)
يقول: وعنه عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أيما صبي حج ثم بلغ الحنث)) الحنث: الإثم، والمقصود أنه بلغ مبلغاً يكتب عليه الإثم، إذا عصى ويكتب له الأجر إذا أطاع، إذا بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة الوداع؛ لأن تلك الحجة التي حجها قبل أن يكلف هي نافلة إتيانه بها على سبيل التمرين، فلا تجزئ عن حجة الإسلام، ((وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى)) كذلك ليس بمطالب بالحج أثناء الرق، فإذا حج كان كالصبي الذي يحج قبل أن يطالب بالفريضة، يقول: رواه ابن أبي شيبة والبيهقي ورجاله ثقات، إلا أنه اختلف في رفعه، والمحفوظ أنه موقوف، ابن حجر صححه مرفوعاً وموقوفاً، صححه في التلخيص مرفوعاً وموقوفاً، وهنا قال: المحفوظ أنه موقوف، ما الذي يقابل المحفوظ؟ الشاذ، يعني رفعه شاذ، رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- شاذ، والمحفوظ أنه موقوف من كلام ابن عباس؛ لكن هل للاجتهاد في مثل هذا مدخل أو ليس للرأي فيه مجال؟ فيه مجال، بمعنى أن ابن عباس يجتهد ويرى أن الصبي الذي حج نافلة لا تجزئه عن الفريضة، كمن صلى قبل العصر أربعاً وجاء بها بسلام واحد، فأعجله رفقته قال: تكفينا هذه عن الفريضة، تكفي وإلا ما تكفي؟ ما تكفي، الفرض لا يتجه إلى غير المكلف بالنسبة للصبي ظاهر في كون حجه نفل قبل التكليف؛ لكن العبد إذا حج قبل أن يعتق هو مكلف صلاته فريضة، صيامه فريضة، ما المانع أن يكون حجه فريضة؟ ويكون كمن لا يجب عليه الحج لعدم استطاعته؟ الفقير إذا حج هو لا يجب عليه الحج؛ لكن إذا حج يجزئ عن حجة الإسلام وإلا ما يجزئ؟ تجزئ عن حجة الإسلام، ما الفرق بين هذا الفقير الذي لا يستطيع الحج فحج تسقط عنه حجة الإسلام، العبد إنما لم يجب عليه الحج بناء على حقوق سيده، وأذن له سيده، وحج مع كون الحج لا يجب عليه هو بعدم المستطيع من المكلفين أشبه منه بالصبي؛ لأن الرقيق قلم التكليف يجري عليه مكلف، صلاته فريضة، صيامه رمضان فريضة؛(1/35)
لكن الحج هل يلحق العبد هذا بالصبي، أو يلحق بغير المستطيع من المكلفين؟ نعم هو بغير المستطيع أشبه، ومثل هذا يسمى قياس الشبه، إذا تردد فرع بين أصلين، فإذا صححناه موقوف عن ابن عباس، كما وهو مقتضى صنيع الحافظ هنا قلنا: أن ابن عباس اجتهد، ورأى أن العبد مثل الصبي، فالصبي لا يختلف أحد في أن هذه الحجة لا تجزئه عن حجة الإسلام؛ لكن العبد في اجتهاد ابن عباس وهو المحفوظ لأنه موقوف عليه في اجتهاده أنه كالصبي، فرأى أنه بالصبي أشبه؛ لكن من قاسه على المكلف غير المستطيع، ورأى أنه به أشبه قال: إذا حج حال رقه أجزأه عن حجة الإسلام، ومن صححه مرفوعاً وموقوفاً قال: ما دام صح مرفوعاً لا مجال للاجتهاد، وعليه حينئذ أن يحج مرة أخرى، ولذا قال: ((وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج مرة أخرى)) وابن خزيمة وغيره صححوا أنه موقوف، يقول ابن خزيمة: الصحيح أنه موقوف، وهنا يقول ابن حجر: والمحفوظ أنه موقوف.
جاء في المراسيل لأبي داود من طريق محمد بن كعب القرظي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أيما صبي حج به أهله فمات أجزأت، فإن أدرك فعليه الحج)) ومثله قال في العبد، هذا في المراسيل عند أبي داود، والشافعي خرج مثله عن ابن عباس، يعني مثل ما عند أبي شيبة، يقول ابن تيمية: والمرسل إذا عمل به الصحابة صار حجة اتفاقاً؛ لأن مما يتقوى به المرسل عمل الصحابة، المرسل المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- الخلاف في قبوله معروف.
ورده جماهر النقادِ
… ... للجهل بالساقط في الإسنادِ
ج(1/36)
والشافعي وضع لقبول المراسيل شروط منها: أن يثبت مرفوعاً موصول، ومنها: أن يروى مرسلاً عن رجال غير رجال المرسل الأول، ومنها: أن يعمل به عوام أهل العلم، أو يفتي بمقتضاه بعض الصحابة، وهنا أفتى به ابن عباس، فخبر ابن عباس الموقوف المحفوظ إذا أضيف إلى مرسل محمد بن كعب القرظي المرفوع المرسل يتقوى به هكذا، قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- فإذا ثبت فلا كلام لأحد، والقياس في مقابل النص فاسد الاعتبار لأننا قسناه على المكلف غير المستطيع فإن ثبت الخبر مرفوعاً فلا مجال للقياس، ولا اعتبار له، يسمونه فاسد فاسد الاعتبار؛ لأنه في المقابل نص، وإن لم يثبت المرفوع وكان من اجتهاد ابن عباس، ورأى ابن عباس أن العبد أشبه بالصبي إذا حج قبل أن يكلف فهذا اجتهاده، ولغيره اجتهادهم.
وعنه -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب ويقول: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)) فقام رجل وقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: ((انطلق فحج مع امرأتك)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.(1/37)
وعنه -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب ويقول: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم)) لأنه ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، فلا تجوز الخلوة بحال مهما كان العذر، ومهما كان السبب، وما يتعذر به الناس من ادعاء الحاجة سواء كانت الخلوة في البيوت، كما يفعله بعض الشباب مع الخادمات، أو يفعله بعض النساء مع الخدم في البيوت، هذا خطر عظيم، كم من كارثة حصلت بسبب هذه الخلوة، من الخلوة أيضاً أن ينفرد السائق بالمرأة في السيارة، وبعضهم يقول: أن السيارة ليست خلوة، هي خلوة، والوقائع التي يندى لها الجبين تقرر ذلك، ويتسامح كثير من الناس، تذهب المرأة إلى المدرسة مع السائق وحدها، ثم يحصل ما يحصل، يذهب بها إلى المستشفى وحصل ما حصل، ومع الأسف الشديد أن يذهب السائق بالمرأة إلى المسجد، حضور درس، أو محاضرة، أو لصلاة التهجد في العشر الأواخر من رمضان، ويحصل ما يحصل، تساهل الناس في هذا الباب، وإن قال من قال: أن الثقة موجودة، وثقتنا بنسائنا، لا ما فيه ثقة أبداً، ما فيه ثقة بين رجل أجنبي وامرأة إطلاقاً؛ لأن هذه النصوص قيلت لمن؟ لأفضل القرون، ومعلوم أنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه، فكيف نقول: ثقتنا بنسائنا وبناتنا؟ كيف والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما))؟ وللأسف أن يتبنى بعض طلاب العلم من يقول مثلاً الحمد لله الآن السيارة ما هي بوحدها في الشارع، كيف ما هي بوحدها في الشارع؟ لكن هو والمرأة وحدهما في هذا الظرف، في هذا الحيز، يتكلم بما شاء لا يسمعه أحد، والذي يقول مثل هذا الكلام بمعزل تام إن كان صادق النية عما يحدث ويقع في الأسر من خلال المخالفات الشرعية، وهي عقوبات يجرها شؤم المخالفة للنصوص الشرعية، لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ذو محرم هو زوجها، أو من تحرم عليه على(1/38)
التأبيد، من أب، أو أخ، أو عم، أو خال، أو ما أشبه ذلك، هذا المحرم، إذا نظرنا إلى المحرم ومعها ذو محرم لها، لا بد من تقدير جار ومجرور إلا ومعها ذو محرم، هل نتصور أنه محرم له أو محرم لها؟ يعني إذا كان السائق معه زوجته، والمرأة راكبة معهم، هل نقول: معها ذو محرم؟ يعني محرم له، أو المقصود محرم لها؟ الفرق بين هذه المسألة والمسألة التي تليها ((ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)) ما هو الفرق بينهما؟ أنه في المسألة الأولى يلاحظ أهل العلم مسألة الخلوة، (لا يخلون) وهذا الوصف الذي هو الخلوة يرتفع بوجود طرف ثالث، يعني إذا لاحظنا اللفظ: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم)) قال: إن الخلوة ترتفع بوجود طرف ثالث، طيب إذا قلنا: بوجود طرف ثالث، وأن الخلوة إذا لم تكن بين اثنين فقط فلا بأس بها، يعني إذا وجد اثنين مثلاً سائق يريد يودي البنت للمدرسة، وقال لسائق الجيران: والله الآن أخو البنت هذا ليس موجود اليوم تعال معي نودي البنت يكفي؟ ثلاثة هم السائق سائق الأسرة، المحرم محرم البنت أخوها الذي يروح مع السائق يومياً ما هو بحاضر اليوم، أو مريض، قال هذا السائق لسائق الجيران: تعال على أساس ترتفع الخلوة نمشي مع النص تحليل؛ لأن عندنا إلا ومعها ذو محرم من أهل العلم من يقول: الملحوظ الخلوة، فمسألة السفر غير، لا بد من المحرم؛ لكن في الحضر هل المحظور أكثر من الخلوة أو الخلوة فقط؟ الخلوة ترتفع بوجود طرف ثالث، إذا قلنا: أن الشيطان ثالثهما وجد ثالث ما فيه مجال للشيطان، فقال لسائق الجيران: تعالى على أساس ما تصير خلوة، ومثل هذا إذا قال لزوجته مثلاً: نريد أن نرفع الخلوة، أو أخت البنت هذه، أو أم البنت يكفي وإلا ما يكفي؟ أو لا بد من محرم لها، والمحرم هو زوجها ومن تحرم عليه على التأبيد؟ وهل يرفع الخلوة غير المكلف صبي وإلا صبية وما أشبه ذلك؟ يعني عندنا مسألتان: مسألة من غير سفر، والمسألة الأخرى مع السفر، السفر لا(1/39)
يجوز بحال إلا مع محرم، ولو كان ألف امرأة، لا يجوز أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم لها، أما بالنسبة للحضر فالمحظور الخلوة، إذا ارتفعت هذه الخلوة انتهى الإشكال، هذا ما يقرره كثير من أهل العلم؛ لكن يبقى أن حرفية الخلوة منعت من أجل ماذا؟ من أجل وجود الفتنة، لو وجد اثنين كلهم من ذئاب البشر، نقول: يجوز يروحون بهذه البنت ويجيبونها؟ لا، أبداً، يعني مع وجود مظنة الفتنة لا يجوز بحال ولو ارتفعت الخلوة، طيب هل مفاد هذا الخبر أن للناس أن يتساهلوا؟ الآن إذا وجدت الأسرة في مكان وعندهم الخادمة تخدمهم بما فيهم من رجال وشباب ومراهقين وغيرهم، هل نقول: الآن ما فيه خلوة إذاً تخدم المرأة بكل راحة وبكل حرية، أو نقول: السائق يدخل البيت ويخرج كواحد من أفراد الأسرة؛ لأن ما فيه خلوة، المحظور من الخلوة، نقول: أن التساهل في مثل هذه الأمور يجر إلى أمور لا تحمد، وإلى مصائب وكوارث وإلى تشتيت للأسر، ويكون منع مثل هذه التصرفات من باب سد الذرائع، وقطع دابر الفساد، وعلى هذا لا يكفي أن يقال: يأتي رجلان ليذهبا بامرأة؛ لأن الخلوة ارتفعت لا، والاحتمال والشيطان أيضاً لا شك أنه مثل ما يسول ويوسوس للواحد يسول ويوسوس للثاني، فلا بد من محرم ليحفظ هذه البنت، يتساهلون في زوجة السائق، ويقولون: أنها تغار عليه أكثر مما يغار عليه رجل الحسبة، غيرة ليست لله، يعني إذا كان السائق معه زوجته يتسامحون في هذا كثيراً، الأم والأخت ما يعنيهما الأمر مثل ما يعني الزوجة، الزوجة تغار عليه غيرة كبيرة، فيجعلون الزوجة ترفع الخلوة، ويتسامحون في مثل هذا، وهذا له وجه، يعني لو سائق معه زوجته يوصل ويجيب داخل البلد الأمر فيه سعة؛ لكن إذا وجد أكثر من شخص ممن يخشى منهم الشر مثل هؤلاء لا شك أنهم لا يدخلون في ارتفاع الخلوة في أكثر من واحد؛ لأن الفتنة موجودة، وإذا خشيت الفتنة وإذا هناك مظنة لفتنة لا يجوز ولا للمحرم أن يخلو بالمرأة، إذا وجدت فتنة بين أخ(1/40)
وأخته يجوز أن يخلو بها؟ لا يجوز وهي أخته، إذا وجد فتنة بين رجل وأمه أو بنته لا يجوز أن يخلو بها، هذا أمر مفروغ منه فكيف إذا وجدت فتنة بين رجل وامرأة؟ ولو وجد من يدعى أنه يرفع الخلوة، فمدار الأمر كله وملاكه على وجود الفتنة، ويبقى التمسك أيضاً بحرفية النص، واحترام النص، قد يقول قائل: هذا شخص كبير السن لا حاجة له بالنساء، تعطلت منافعه من هذا الباب، يذهب بالمرأة ويخلو بها؟
طالب:.........
نعم لكن إذا كان من التابعين من غير أولي الإربة لو افترضنا عنين أو مجبوب، عنين أو مجبوب، نقول: يسافر بهذه المرأة؟ لا يسافر بها، يخلو بها؟
طالب:.........
نعم ما فيه غير ال......، فيه أمور ثانية يا إخوان فيه، فيه يا إخوان، مسألة هذا الباب يجب على المسلم أن يحتاط له أشد الاحتياط؛ لأنه إذا وقعت الكارثة والمصيبة...
هذا يطلب تحديد موعد لإنهاء الدرس والإعلان عنه، كم تبغون مدة الدرس؟
ثمان ونصف؟ لأنه يقول: فيه ناس مرتبطين بمواعيد، وناس أيضاً بالموضوع الي تحدثنا عنه، لهم ناس يجيبونهم ويردونهم؛ لكن نرجو أن لا يكون هناك خلوة.(1/41)
((ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)) مع ذي محرم، يعني لها، وإن كان في بعض المذاهب يرون أن المحرم لا يمنع أن يكون سواء كان له أو لها، ولذا يجيزون للمرأة أن تسافر مع جمع من النساء معروف عند الشافعية، وليس كل قول يقول به إمام يكون راجحاً، بل قد يكون لا حظ له من النظر؛ لأنه يؤثر عن سعيد بن جبير: أنه لها أن تسافر مع مسلم ثقة، يعني إذا قلنا: بهذا القول ماذا تركنا لهذا النص؟ ما تركنا له شيء، ((ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)) تسافر سفر مطلق، أي شيء أي سفر، يمكن أن يقال له: سفر، والسفر أصله من الإسفار، ومثله السفور، وهو البروز والخروج عن البلد، هذا الأصل فيه، وجاء تحديده بيوم وليلة، وجاء تحديده بيومين، وجاء تحديده بثلاثة، وجاء الإطلاق، فدل على أن العدد ليس بمراد، مجرد ما يسمى سفر، لا يجوز أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم لها، ولو كثر الرفقة، وعلى هذا الذين يسافرون بالمدرسات إلى البلدان والقرى عليهم أن يتقوا الله -جل وعلا- أن لا يسافروا بامرأة إلا ومعها محرم لها، وهو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد، ولا بد أن يكون المحرم نبيه مكلف؛ لأن غير المكلف وغير النبيه يمكن خداعهم، وهل يشترط أو يكون مبصراً أو يكفي ولو كان أعمى؟ اشترط بعضهم البصر، وبعضهم قال: بعض العميان لا شك أنهم أنبه من كثير من المبصرين، فهذا الشرط لا يوجد ما يدل عليه؛ لكن إذا خشيت الفتنة معروف ما هو الحكم، فلا يكون المحرم مغفل ينزل ويذهب ويروح ويجي ويترك موليته التي من أجلها سافر مع الأجنبي، الأسفار التي هي في عرف الناس وجرت العادة بأنها قصيرة الزمن كالسفر بالطائرة، بعضهم يتسامح في هذا، يقول: يا أخي هو سفر ساعة ما يضر، ومع جمع من الناس، ما يحتاج، المحرم يوصلها المطار، وإذا دخلت باب الطيارة سهل -إن شاء الله- ما عليها شيء، تصل إلى المكان الثاني المطار الثاني المحرم أيضاً ينتظرها، وإذا أردنا بعد هذا أن نتوسع في الأمر قلنا: من(1/42)
البلد إلى المطار ليس بسفر ما يحتاج محرم، تذهب مع جمع من النسوان، وتركب الطائرة لأن الزمان يسير، ومثله في المطار الثاني ما فيه سفر، والأمور يجر بعضها بعضاً إلى أن نتنازل عن قيمنا وأخلاقنا، الآن الطائرة أقلعت من مطار الدمام تريد الرياض مثلاً بنصف ساعة، حالة المؤثرات عن نزول الطائرة، الجو ما يسمح بأن تنزل الطائرة في مطار الرياض، قالوا: حائل، يحصل وإلا ما يحصل؟ حصل كثير هذا، حصل في القطار، يودع المحرم في محطة القطار وتركب للرياض، ومع جمع غفير من النساء الفتنة مأمونة، وتعطل القطار في آخر الشهر في ظلام دامس، في شدة الحر قال: اخرجوا؛ لأن داخل القطار متعطل وحر شديد، اخرجوا، هل هذا تؤمن فيه الفتنة؟ والأعراض مما يجب حفظها، وحفظها من الضرورات، فالتساهل في مثل هذا لا شك أنه يجر إلى ويلات وكوارث، يعني حالت المؤثرات عن هبوط الطائرة في المكان، ونزلت في مكان آخر تؤمن عليها الفتنة، الآن ما فيه أيضاً رحلة تريد تنتقل إلى البلد في مثل هذا اليوم، أو مع الاتصالات قالوا: أيضاً إلى الآن الجو ما يسمح، ومكثت يوم أو يومين بمفردها، لا بد من أن نحسب لمثل هذه الأمور حساب، وهو أيضاً سفر، ولو قصرت المدة، والفقهاء ينصون على المسافة ولو قطعها في ساعة، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: (( ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)) فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، سفر عبادة بعض الناس يقول: البنت أو الزوجة تدرس في بلد آخر مائتين كيلو، وأنا والله ما عندي استعداد أعطل أعمالي ومصالحي وأروح أوديها، إما أن تعطل مصالحك أو تعطل مصالحها هي، لا بد من هذا، تريد أن تحوش الدنيا كلها، الأمور لو حسبت حتى بمقاييس الدنيا بموازين الدنيا، امرأة تسافر يومياً –عجوز- تسافر يومياً سبعمائة كيلو، يعني بأي عقل؟ بأي عرف؟ بأي تسافر عجوز مسكينة تروح مع السائق توديها وترجع تسوي الغداء وترجع.......، مثل هذه الأمور لا بد أن يحتاط(1/43)
لها أشد الاحتياط، قال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، هي في عبادة، وهو في عبادة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((انطلق وحج مع امرأتك)) اترك الغزوة، اترك الجهاد وحج مع امرأتك، هذا أهم، يعني ويش الضرورات التي جاءت الشرائع بحفظها منها: حفظ العرض، وهذا منه، والعرض يخدشه ويدنسه أدنى شيء، وليس بخاص في الشخص نفسه إذا تساهل ضرره يتعدى إليه وعلى ولده وعلى أصهاره، وعلى أقاربه كلهم، ولذا جاء اهتمام الدين والإسلام على وجه الخصوص بهذا الباب.
قال: ((انطلق فحج مع امرأتك)) [متفق عليه واللفظ لمسلم] ومنهم من يفرق نظراً للمعنى مثلاً يقول: إذا كانت المرأة شابة تلفت أنظار الناس فلا بد من محرم، أما إذا كانت عجوز لا يلتفت إليها، ولا تلتفت لها همة الناس مثل هذه يتسامح في حقها، يعني أصل هذا القواعد مثلاً اللاتي لا يرجون نكاحاً هؤلاء أمرهن مخفف؛ لكن لا يعني أنها تسافر بدون محرم، يعني تخفف من حجابها لا بأس؛ لكن لا يخلى بها، لا يجوز الخلوة بها ولو كانت عجوز، ولا يجوز سفرها من غير محرم ولو كانت عجوز، كل صنف من الناس له جنس يريده ويهواه، ومن الناس من سرت في عروقه محبة المعصية، وعاش عليها واستمرأها بحيث صار لا يكف عن شيء، نسأل الله السلامة والعافية، وهذا الباب على وجه الخصوص في الظروف التي نعيشها مع وجود هذه الوسائل التي تؤجج هذه الغريزة، ينبغي أن يزاد في مسألة الحرص على الموليات، سواء كن كبيرات أو صغيرات.
طالب: سفر الخادمات بدون محرم؟(1/44)
ما يجوز، الخادمات مسلمات وهن مطالبات بهذا، وإن كن كافرات فالأمر أشد، لا تسافر امرأة بدون محرم، لكن الشيء الذي حقيقة ابتلي به كثير من الناس أنها إذا جاءت الخادمة أو قال: أنقل كفالتها من الداخل ولا تحتاج إلى سفر من غير محرم، ثم وجدت في البيت لا خلوة ولا سفر ولا شيء، اضطر أن يسافر هو يتركها في البيت وحدها وإلا يسافر بها؟ يجوز وإلا ما يجوز؟ ما معها محرم، معها أهله؟
طالب:.........
هو الإشكال أننا نرتكب أمور ونبني عليها أمور أخرى، أمور غير شرعية مثل من يسأل شخص عنده عشر مدرسات ينقلهن بباص بمسافة مائتين كيلو، يقول: لا بد أن نخرج قبل صلاة الفجر بساعة، ثم بعد ذلك لا نستطيع أن نقف في الطريق ونصلي الفجر حتى نصل إلى المدرسة، من يأمن أننا نجلس ومعي عشر من النساء يمكن يعتدى عليهم، ويؤخر الصلاة حتى تطلع الشمس، هو يريد جواب شرعي نتيجة صحيحة مبنية على وسيلة الغير صحيحة، يعني ظلمات بعضها فوق بعض، مسألة الخادمات وما ابتلي به الناس، ويتساهلون في هذا الباب، وكون بعض الناس يحتاط ولا يحضرها إلا بمحرم، أو ينقل كفالتها من الداخل، بحيث لا يكون سبباً في ارتكابها المحرم، فيكون شريكاً لها، تأتي مسألة السفر يروحون يسافرون، وفي الصيف يروحون يعتمرون، ويش يسوون يتركونها في البيت وحدها أو عند الجيران أو عند الأقارب؟ مثل ما قال أهل العلم: ارتكاب أخف الضررين، كونها معه ومع نسائه وأولاده أحفظ لها من كونه يتركها عند غيره؛ لكن أيضاً يبقى في النفس ما فيه، يبقى مخالفة النص ((لا تسافر المرأة)) فكون الإنسان يرتكب أخف الضررين، ويعرف أنه مخالف، ويتوب ويستغفر من الله -جل وعلا- أسهل من كونه أيضاً يفرط بها، أو يعرضها لما يضر بها، والله المستعان، وكل هذا سببه شؤم المخالفة، شؤم المخالفات.(1/45)
وعنه -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، قال: ((من شبرمة)) قال: أخ أو قريب لي، قال: ((حججت عن نفسك؟)) قال: لا، قال: ((حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة)) رواه أبو داود وابن ماجه، وصححه ابن حبان، والراجح عند أحمد وقفه.
يقول -رحمه الله تعالى-: وعنه -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، قال: ((من شبرمة؟)) يسأله النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من شبرمة؟)) قال: أخ لي، أو قريب لي، فقال: ((حججت عن نفسك؟)) قال: لا، قال: ((حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة)) هذا الحديث مخرج في السنن، وصححه ابن حبان، وأيضاً رجح الإمام أحمد رفعه، في رواية ابنه صالح، وهنا يقول: الراجح عند أحمد وقفه، فثبت عنه تصحيحه مرفوعاً، وثبت عنه أيضاً ترجيح الوقف، ولا يمنع من صحة الرفع والوقف؛ لكن بهذا السياق، يعني ابن عباس سمع رجلاً يقول: "لبيك عن شبرمة" هذا مقتضى الوقف مقتضى ترجيح الوقف أن ابن عباس سمع رجلاً يقول: "لبيك عن شبرمة" فقال: ((من شبرمة؟)) قال: أخ لي أو قريب، بهذا السياق، ومقتضى تصحيح الرفع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سمع رجل يقول: "لبيك عن شبرمة" يعني هل نقول: أنها قصة واحدة أو أكثر من قصة؟ قصة واحدة، ثبتت مرفوعة للنبي -عليه الصلاة والسلام- أو موقوفة؟ إما هذا أو هذا، أو نقول: هما قصتان إحداهما ثبتت مرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- والأخرى ثبتت موقوفة على ابن عباس؟ أو نقول: الأصل أنها مرفوعة، وبعض من روى الخبر قصر بها فوقفها؟ أو نقول: هي قصة واحدة، والأصل أنها موقوفة، وهذا من كلام ابن عباس، ثم بعض الروايات جرى بها على الجادة، فرفعها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه في رواية صالح حكم الإمام أحمد أنه مرفوع، وهنا يقول: الراجح عند أحمد وقفه، هل نقول: أن الإمام أحمد ثبت عنده أنه مرفوع، وثبت عنده أنه موقوف؟
طالب:.........(1/46)
القصة واحدة، القصة واحدة وإلا أكثر من قصة؟ يعني بهذا السياق الذي يغلب على الظن أنها قصة واحدة؛ لكن المرجح عند أحمد الوقف، كما قال المؤلف، مع أنه ثبت في رواية صالح أنه صحح المرفوع، يعني أحمد -رحمه الله-، فهل نقول: أن هذه القصة رويت من طريقين طريق مرفوع وطريق موقوف؟ وكلاهما صحيح ثابت عند أحمد، فيكون من رواه مرفوعاً بناء على الأصل، ومن بناه موقوفاً قصر به فجعله من قول ابن عباس؟ يعني نظير ما جاء في رفع اليدين بعد الركعتين، بعد التشهد الأول، المرجح عند البخاري الرفع، ولذا خرجه مرفوعاً، المرجح عند الإمام أحمد الوقف، ولذا لم يقل به، وليس من مواضع الرفع عنده بعد الركعتين، هذا يتصور أنه يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما فعل البخاري، ويتصور أن يثبت عن ابن عمر موقوفاً عليه؛ لكن قصة بهذا السياق: "لبيك عن شبرمة" ((من شبرمة؟)) أخ لي إلى آخره، يعني هل هذا من الأسماء المطروقة شبرمة، أو من الأفراد؟ نعم يندر أن يتفق في التسمية على هذا بمثل هذه القصة وبهذا السياق؛ لكن هذه القصة الواحدة رويت من طريقين أحدهما مرفوع، والثاني موقوف، وفي هذا ما يسمى عند طلاب العلم تعارض الوقف والرفع، وإذا تعارضا فهي مسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يقول: العبرة بالرفع؛ لأن من رفع معه زيادة علم، ومنهم من يقول: لا العبرة بالوقف؛ لأن الوقف متيقن، ذكر ابن عباس متيقن، متفق عليه، ذكره من رفع ومن وقف؛ لكن ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- مختلف فيه، والأصل عدمه، فالمرجح الوقف، ومنهم من يقول: يحكم للأحفظ، ومنهم من يقول: يحفظ للأكثر؛ لكن طريقة الأئمة الكبار أنهم لا يحكمون بحكم عام مطرد، بل يجعلون القرائن ترجح، فمرة القرائن عند الإمام أحمد رجحت الوقف، ومرة رجحت الرفع، وحينئذ يكون له أكثر من قول في هذا الحديث، وعلى كل حال الكلام في الحديث طويل، وهو عمدة من يقول: أنه لا تصح النيابة في الحج ممن لم يحج عن نفسه، وهم(1/47)
جمهور العلماء، خلافاً للحنفية، وهو حديث مختلف فيه، وهو مضعف عند جمع من أهل العلم، يعني رفعه ضعيف، وهو عمدة الجمهور في عدم تصحيحهم النيابة قبل الحج، يقول الإمام أحمد: رفعه خطأ، ويقول ابن المنذر: لا يثبت رفعه.
إذا أحرم عن غيره كما هنا هل يجزئه هذا الإحرام عن نفسه، أو عليه أن يجدد الإحرام ليحرم عن نفسه؟ يجزئ؛ لأن الإحرام ثابت ثابت، الإحرام التلبية بالحج ثابتة؛ لكن ما الذي تغير؟ نية الدخول في النسك ثابتة ما تغيرت؛ لكن الذي تغير كون هذا النسك لفلان أو فلان، شخص حج نيابة عن شخص عن زيد من الناس قال: هذه ثلاثة آلاف حج عني، فقال في المحرم: لبيك عن زيد، صاحب هذه الدراهم، اتصل زيد بالجوال وقال: والله هذه السنة استخرت أنا حاج الفرض، ومتطوع مراراً، وأنا ما أريدك تحج عني، فكان شخص موجود وقال: هذه ثلاثة آلاف بدالها، هو ناوي للدخول في النسك؛ لكن بدل من أن يحج عن زيد يحج عن عمرو، يصح وإلا ما يصح؟ على مقتضى هذا الحديث؟ أو نقول: أن زيد ليس له أن يرجع باعتبار أن نائبة دخل في النسك فيلزمه الإتمام، الآن عندنا ثلاثة أشخاص زيد وعمرو وبكر، هذا زيد جالس في بلده، دفع لعمرو ثلاثة آلاف، وقال: حج عني، ذهب عمرو لما تلبس بالإحرام قال: لبيك عن زيد، اتصل زيد بعد مدة يسيرة، وقال: والله أنا احتجت الدراهم، ابعثهن لي، حولهن لي، ما أحتاج الحج هذه السنة، فإذا بكر موجود قال: هذه ثلاثة آلاف، هذا التنظير يمشي على الحديث؛ لأن الدخول في نسك هذا الرجل الذي هو عمرو دخل في النسك؛ لكن هل هو عن فلان أو عن فلان هذا الذي تغير مثل ما معنا، هذا دخل في النسك؛ لكن هل هو عن شبرمة وإلا عنه؟ هذا الذي سيتغير هل نقول: أن حكم الوكيل حكم الأصيل؟ الآن الذي أثر في التغير كون الذي دخل في النسك ما حج عن نفسه، فإحرامه عن موكله ليس بصحيح؛ لكن هذا إحرامه عن زيد صحيح ولا مو صحيح؟ صحيح فهل يغير هذا الإحرام إلى بكر ولا ما يغيره؟ أنتم أدركتم(1/48)
الفارق ولا ما أدركتموه؟ الآن هذا شخص ما حج عن نفسه، وكل بالحج وقيل له: ما يجوز أن تحج عن غيرك وأنت ما حجيت عن نفسك، حج عن نفسك ثم حج عن زيد، المسألة التي افترضناها شخص حاج عن نفسه تصح نيابته لأنه حج عن نفسه فقبل النيابة عن زيد بمبلغ معين، ثم لما دخل في النسك: لبيك عن زيد اتصل عليه زيد حول لي المبلغ، أنا محتاج، حج عن نفسك وإلا حج عن غيرك، دبر نفسك، وبكر موجود هذا المبلغ حوله، يعني التنظير مطابق لما معنا أو غير مطابق؟ غير مطابق، لماذا؟ لأن المانع من النيابة في الصورة الأولى صورة حديث الباب مانع شرعي، يمنع من النيابة أصلاً، هذا ما فيه ما يمنع من النيابة، والنائب له حكم من ينوب عنه، فلا يغيره خلاص، ما دام دخل نائب في النسك لا يجوز له أن يغير ولا يرجع، بالنسبة للنية النية في الحج نية الدخول لا بد منها ركن من أركان الحج؛ لكن التعديل في هذه النية فيه شيء من السعة، ما هو مثل الصلاة أو مثل الصيام، لا، فيه شيء من السعة، بمعنى أنه لو حج أحرم إحرام مطلق، ثم صرفه لما شاء لما وصل إلى البيت أو أحرم بما أحرم به فلان يصح وإلا ما يصح؟ يصح، أحرم بالحج مفرداً، فلما وصل إلى البيت قلبه عمرة، ثم أتى بالحج بعده يصح وإلا ما يصح؟ يصح، فنية الدخول في النسك ركن لا تتغير ولا بد من الإتمام؛ لكن التصرف في هذه النية فيما يتيحه الشرع، أما ما لا يتيحه الشرع فلا، يعني أحرم متمتع، أراد أن يقلبه إلى مفرد، يصح وإلا ما يصح؟ يعني من الأقل إلى الأكمل، هذا ما فيه إشكال، دلت عليه الأدلة؛ لكن العكس ترى بيجينا مسائل كثيرة من مثل هذا النوع؛ لكن شخص أحرم مفرد، فلما أحرم بالحج جاء وقال: لا أنا أريد الأكمل أنا بأحرم بعمرة، أنا أريد أن أحرم بعمرة، أحرم بعمرة؛ لكن لما أنهى العمرة قال: من يلزمني بالحج؟ أنا الآن أتممت النسك وبيرجع، يجوز وإلا ما يجوز؟ أقول: هذا أحرم بالحج أو أحرم قارن، قال: والصورة تصير مطابقة لأمر النبي(1/49)
-عليه الصلاة والسلام- لما أحرم قارن وقدم مكة قيل له: هل معك هدي؟ قال: لا والله ما معي هدي، قلنا: اجعلها عمرة، قال: طيب أجعلها عمرة، لما حل من العمرة قال: الآن الحل كله أريد أرجع لأهلي، أنا لست حج يجوز وإلا ما يجوز؟
طالب: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة].
أتم العمرة، والحج ما بعد دخل، ما دخل في الحج إلى الآن، هو لو كان عمله ابتداء أحرم بعمرة ولو كان في نيته أن يحج لو كان ابتداء جاء ليتمتع، فلما أدى العمرة وحل الحل كله، ورأى الزحام الشديد، قال: والله أنا لبست ثيابي برجع إلى أهلي، الحج ما بعد تلبست به، هذا يجوز، هذا ما فيه إشكال، وإن كان في نيته أن يحج لكن هذا الذي قلب الحج إلى عمرة ليبحث عن الأكمل ثم يرجع؟ نقول: لا يا أخي، ومن باب أولى إذا فعل ذلك حيلة، بعض الناس يقولون: ورطنا الحين تلبسنا بالحج وبعدين عشرة أيام على الحج وزحام، خلي عمرة ونرتاح، من باب الحيلة نقول: لا، هذا يعامل نقيض قصده، وعلى كل حال مسائل النية يأتي كثير منها -إن شاء الله تعالى-.
وعنه -رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إن الله كتب عليكم الحج)) فقام الأقرع بن حابس فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ قال: ((لو قلتها لوجبت، الحج مرة فما زاد فهو تطوع)) رواه الخمسة غير الترمذي، وأصله في مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.(1/50)
وعنه يعني ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إن الله كتب عليكم الحج)) كتب يعني أوجب وفرض، عليكم الحج وللتردد في الأمر هل يقتضي التكرار أو لا يقتضيه؟ ومن باب التأكد قام الأقرع بن حابس فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ قال: ((لو قلتها لوجبت، الحج مرة)) وهذا يدل على أن الأمر لا يقتضي التكرار، ويخرج المكلف من عهدته بأدائه مرة واحدة، إلا إذا دل دليل يقتضي التكرار، هنا قال: ((إن الله كتب عليكم الحج)) فقام الأقرع بن حابس فقال أفي كل عام يا رسول الله قال لو قلتها لوجبت في رواية: ((ولو وجبت لم تقوموا بها)) وفي رواية: ((لما استطعتم)).(1/51)
((لو قلتها لوجبت، الحج مرة، فما زاد فهو تطوع)) يعني من نعم الله -جل وعلا- على المسلمين أن الحج ليس بكل سنة لا يتكرر مثل الصلاة والصيام، رواه الخمسة، ويقول: غير الترمذي وأصله في مسلم، لفظ مسلم خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا)) فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال: ((لو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم)) ثم قال: ((ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبياءهم)) وفيه: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) والأسئلة في الأمور التي فيها شيء من السعة الخالية من القيود والشروط لا شك أنها قد تكون سبباً في التضييق، وهذا المحظور إنما هو في وقت التشريع، وأما الاستفصال بعد استقرار الأمر وانقطاع الوحي، الاستفصال من أجل أداء العبادة بيقين على وجهها، هذا مطلوب وفيه {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [(43) سورة النحل] لكن في وقت التشريع احتمال أن هذا كان مباح، ثم يحرم من أجله، وهذا من أعظم الناس جرماً، من سأل عن شيء مباح ثم حرم من أجله، اليهود لما قال لهم موسى -عليه السلام-: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} [(67) سورة البقرة] لو ذبحوا أدنى بقرة وجدوها كفت؛ لكن شددوا فشدد عليهم، ولولا أنهم استثنوا ما ذبحوها، {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} [(67) سورة البقرة] فسألوا عن سنها ما هي؟ لا فارض ولا بكر، سألوا عن لونها؟ صفراء، عاملة وإلا غير عاملة؟ لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث، المقصود أنهم سألوا عن بعض القيود فألزموا بها، ولولا أنهم استثنوا ما ذبحوها، وهي أمة بكاملها، تتردد على طريقة اليهود، على طريقتهم في التلكؤ وعدم القبول، أمة تؤمر بذبح بقرة فذبحوها وما كادوا يفعلون، بعد تردد طويل، وفرق بينهم وبين من يؤمر بذبح ابنه(1/52)
فيتله للجبين، يعني الناس يتفاوتون، فهذه أمة كاملة، الشاهد أن مثل هذه الأسئلة في وقت التشريع لا شك أنها مذمومة، وإنما هلك بنو إسرائيل -أو من قبلنا عموماً- بكثرة سؤالهم، جاء النهي عن ذلك: {لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [(101) سورة المائدة] وأما بعد الاستقرار، استقرار التشريع، وعدم الزيادة فيه بانقطاع الوحي، فلا مانع من الاستفصال لتؤدى العبادة على وجهها.
وصلى لله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام _ كتاب الحج (2)
المواقيت وأنواع الأنساك وباب الإحرام وما يتعلق به...
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على خاتم النبيين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً وبعد:
فقد قال الإمام الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: باب المواقيت: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن، ولمن أتى عليهن من غيرهن، ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة" متفق عليه، وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقت لذات العراق ذات عرق" رواه أبو داوود والنسائي، وأصله عند مسلم من حديث جابر، إلا أن راويه شك في رفعه، وفي البخاري أن عمر هو الذي وقت ذات عرق، وعند أحمد وأبي داود والترمذي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقت لأهل المشرق العقيق.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:(1/53)
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب المواقيت، جمع ميقات، والميقات والتوقيت التحديد، التوقيت التحديد فالميقات ما حدد لهذه العبادة، من زمان ومكان، وهنا يتحدث أو يذكر المؤلف الأحاديث التي فيها تحديد مكان الدخول في النسك، وهناك مواقيت زمانية هذه المواقيت المكانية التي ذكر فيها الحافظ -رحمه الله تعالى- هذه المواقيت بالأحاديث المرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأما بالنسبة للمواقيت الزمانية فهي المشار إليها في قوله -جل وعلا-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [(189) سورة البقرة] فوقت الحج الزماني شوال وذي القعدة وعشر من ذي الحجة أو شهر الحجة كامل، كما هو عند المالكية والجمهور على أن العشر مع الشهرين شوال والقعدة هي مواقيت الحج الزمانية، والعمرة لا وقت لها، على ما تقدم، فهي مشروعة في كل وقت، ما لم يتلبس مريدها بنسك، ولذا يقولون: أن العمرة لا تصح في يوم عرفة، ولا في يوم الحج الأكبر، وهو يوم النحر، ولا أيام التشريق؛ لأنه متلبس بنسك، ذكر الحافظ -رحمه الله تعالى- حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وقت يعني حدد لأهل المدينة ذا الحليفة، يحرمون منه، بمعنى أنهم يدخلون في النسك في هذا المكان، ينوون الدخول في النسك في هذا المكان ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، الميقات الأول ذو الحليفة يعرف بأبيار علي، قريب جداً من المدينة، يمكن يبعد عشرة كيلو أو أقل، وهو أبعد المواقيت عن مكة، على نحو عشر مراحل، ووقت لأهل الشام الجحفة، قرية خربة من الأزمان المتباعدة، سميت بذلك لأنه اجتحفها السيل، ولعل السبب في خرابها الدعوة النبوية بنقل حمى المدينة إلى الجحفة؛ لأن سكانها في ذلك الوقت كانوا من اليهود، هذا ميقات أهل الشام، وحدد ووقت لأهل نجد قرن المنازل وبإسكان الراء خلافاً لما زعمه الجوهري في صحاحه حيث قال: هو بتحريك الراء، وزعم أن(1/54)
أويس القرني ينسب إليه، ووهم في الأمرين، قرن المنازل يعرف الآن بالسيل، ولأهل اليمن يلملم، الجحفة على نحو ثلاث مراحل من مكة، وقرن المنازل على مرحلتين، ولأهل اليمن يلملم وهو أيضاً على مرحلتين من مكة، ثم قال: "هن لهن" هن: أي هذه المواقيت أو هذه الأماكن لهن لهذه البلدان، وفي رواية: "هن لهم" أي لأهل هذه البلدان، "ولمن أتى عليهن" يعني ممن مر على هذه المواقيت من غيرهن، من غير أهل هذه الجهات والبلدان، ممن أراد الحج والعمرة، هن لهن أهل هذه الجهات أهل المدينة لهم ذو الحليفة، وأهل الشام لهم الجحفة، وأهل اليمن لهم يلملم، ولأهل نجد قرن، هذا التحديد الأصل، "ولمن أتى عليهن من غيرهن" بمعنى أنه لو مر الشامي بالمدينة قبل أن يدخل في النسك في حقه الجملة الأولى والجملة الثانية أيضاً، وفيهما عمومان متعارضان، منطوق الجملة الأولى "هن لهن" أن الشامي أو النجدي إذا مر بالمدينة قبل مكة أنه لا يحرم من الحليفة "هن لهن" لأنه ليس من أهل المدينة، إنما يحرم من ميقاته المحدد له شرعاً؛ لكن منطوق الجملة الثانية "ولمن أتى عليهن من غيرهن" أنه يحرم من الميقات الذي يمر به أولاً، فإذا مر النجدي بالمدينة هل له أن يتجاوز ذا الحليفة إلى أن يصل إلى قرن؟ وهل للشامي إذا مر بالمدينة أن يتجاوز ذا الحليفة إلى الجحفة أم ليس له ذلك؟ الجملة الأولى: "هن لهن" تدل على أنه يجوز له ذلك للنجدي أو للشامي أن يقول: والله أنا حدد لي شرعاً ميقات تبرأ ذمتي بإحرامي منه بالنص، له ذلك، وإن أحرم من ذي الحليفة تناولته الجملة الثانية "لمن أتى عليهن من غير أهلهن" فهل الحاج الذي يمر بغير ميقاته مخير بين أن يحرم من أي ميقات أراد ما مر به أو ميقاته المحدد له شرعاً أو ليس له ذلك؟ نأخذ مثال بنجدي مر بالمدينة وترك الإحرام، وهذا يحصل كثيراً ممن يذهبون على الطائرة مثلاً يشق عليه أن يلبس الإحرام في بيته والطائرة لن تنزل تحاذي الميقات، نعم لكن إذا مرت بذو(1/55)
الحليفة ونزلت بجده مثلاً وهو ما أحرم هل نلزمه بالرجوع إلى ذو الحليفة أو نقول: يكفيك تذهب إلى السيل؟
طالب: يكفيه يذهب إلى السيل.
يكفيه يذهب إلى السيل بمنطوق الجملة الأولى؛ لكن منطوق الجملة الثانية "لمن أتى عليهن من غيرهن" الآن الجملتان بينها اتفاق أم بينها اختلاف؟ اختلاف لأن مفاد الجملة الأولى ألا يحرم من أراد الحج والعمرة إلا من ميقاته المحدد له شرعاً، "هن لهن" ومنطوق الجملة الثانية أنه يلزمه أن يحرم من الميقات الذي يمر به أولاً، فإذا أحرم النجدي من ذو الحليفة خالف الجملة الأولى "هن لهن" وإذا أحرم من السيل خالف الجملة الثانية فما العمل؟
طالب:........
نعم من باب الاختيار، لو أخر الإحرام إلى السيل ما عليه شيء.
طالب:........(1/56)
احتياط؟ المقصود أن الجمهور على أنه يلزمه أن يحرم من الميقات الذي يمر به ولو مر الشامي أو النجدي بالمدينة وتجاوز ذو الحليفة ولم يحرم منه وأخر الإحرام إلى ميقاته الأصلي يلزمه دم عندهم؛ لأنه تجاوز الميقات من غير إحرام، وخالف قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) والمالكية يرون أن له أن يؤخر إلى ميقاته، وأقول مثل قول المالكية هذا يحتاج إليه فيمن تجاوز الميقات، لا سيما الذين يأتون عن طريق الجو وما ينتبه الواحد منهم إلا وقد نزل في جدة، وليرجع قليلاً إلى الجحفة، والناس يحرمون من رابغ، ولا يلزمه أن يرجع إلى ذي الحليفة، أو يحرم من السيل، أو يفعل الأرفق به، كلها مواقيت شرعية، ثبتت بالنص الصحيح، فرأي المالكية لا شك أنه أرفق بالناس، والمسألة بالنسبة لهذه المواقيت فيها طرفان ووسط، عندنا رأي سعيد بن المسيب يقول: "من تجاوز الميقات لا شيء عليه" يقابله رأي سعيد بن جبير: "من تجاوز الميقات فلا حج له" لكن الجمهور على أن من تجاوزه يجبر ذلك بدم، فهل تجاوز مر بذا الحليفة وتجاوزه الجمهور يلزمونه بدم، ولو أحرم من ميقات شرعي معتبر؛ لأنه مر بالميقات فتجاوزه، فيلزمه دم على قول الجمهور، والمالكية يقولون: ما دام تجاوز الميقات الذي هو في الأصل ليس له والمحدد له إنما هو الميقات الآخر، الذي رجع إليه وأحرم منه، فلا شيء عليه، ولا شك أن هذا أرفق بالناس؛ لكن هل الملاحظ في تحديد هذه المواقيت سكنى هذه البلاد أو المرور مع هذه المواقيت؟ يعني هل الملحوظ في النص أن يكون هذا الميقات لساكن المدينة؟ يعني هل السكن سكن البلد هذا مقصود شرعي وإلا ما هو مقصود؟ أو أن هذه بمثابة المعالم التي تحدد تعظيم هذا البيت بحيث لا تتجاوز هذه المعالم إلا بالإحرام؟
طالب:........(1/57)
نعم السكن غير منظور له أصلاً كون الإنسان ساكن في المدينة أو ساكن الشام أو ساكن نجد هذا لا علاقة له، ولا ارتباط له بالنسك، إنما الملحوظ أن ساكن هذا البلد لا بد وأن يمر من هذا الطريق، فحدد له هذا المكان ليحرم منه، ولذا لما فُتح العراق -البصرة والكوفة- قالوا لعمر -رضي الله تعالى عنه- النبي -عليه الصلاة والسلام- وقت لأهل نجد قرن، وهو جور علينا، يعني ميل، فيه ميل، نحتاج إلى أن ننحرف عن طريقنا فنحرم منه فوقت لهم ذات عرق، فهذه المواقيت وقتت وحددت رفقاً بالناس؛ لئلا يلزم الإنسان أن يحيد عن طريقه يمين ولا شمال، وما دام الأمر كذلك فليس المنظور ليس الوصف المؤثر سكن هذه البلدة أو المرور بها، على كل حال رأي الجمهور أحوط، وأن لا يتجاوز الميقات الذي مر به إلا المحرم؛ لكن لو وقع هذا الأمر من شخص قال: والله تجاوزت ووصلت جدة الآن، والأرفق بي أن أذهب إلى رابغ، أو إلى السيل، وأفتي بقول مالك، له وجه، والجملة الأولى تؤيده "هن لهن" وإن كان سكنى البلد وصف غير مؤثر، إلا أنه لأنه أرفق بهم.
((هن لهن، ولمن أتى عليهن، من غير أهلهن، ممن أراد الحج والعمرة)) هذه المواقيت التي حددت بعض الناس يحتار، عرفنا أن مجاوزة الميقات دون إحرام لا تجوز، وعند الجمهور يلزمه دم؛ لكن إذا أحرم قبل الميقات ماذا عليه؟
طالب:........
لا، المقصود أحرم نوى الدخول في النسك، المقصود في الإحرام نية الدخول في النسك، أنت أحرمت من الدمام، لبست الإحرام، وقلت: لبيك عمرة، أو لبيك حج ومشيت، ويش تعديت يعني باقي على الميقات كم كيلو؟ أنت محرم من بلدك خلاص الحين نويت الدخول في النسك اشلون تتعدى الميقات، أنت محرم من قبل الميقات.
طالب:........
يعني خالف السنة.
طالب:........
كيف؟ كراهة.
طالب:........
في أيش؟ لا، لا يقول: مانا بواقع بمحظورات حرام، أبغي ألبس إحرامي في البيت، وأتطيب وأتنظف، وأنوي أركب الطائرة وساعة وأنا بجدة.
طالب:........(1/58)
جواز مع الكارهة، يعني الاحتياط في مثل هذه الأمور مقبول شرعاً، يعني فعل أكثر مما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- والزيادة على ما حدده -عليه الصلاة والسلام-، يعني لو لا ما نقل من الإجماع على جواز مثل هذا كان المتجه التحريم والمنع؛ لأن الأمور المحددة شرعاً بحيث لا يجوز النقص منها، إذاً لا تجوز الزيادة عليها، افترض المسألة في صلاة الظهر يجوز تصلي ثلاث، يجوز تصلي خمس؟ لا يجوز الزيادة ولا النقصان، فالمقدرات الشرعية لا يجوز الزيادة عليها ولا النقص منها، فكما أنه لا يجوز أن تتجاوز الميقات أيضاً لا يجوز أن تحرم قبل الميقات؛ لكن نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على جواز مثل هذا، وفعله بعض الصحابة، ويذكر عن علي -رضي الله تعالى عنه- في تأويل قوله -جل وعلا-: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] قال: "إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك" وجاء أيضاً عند أحمد وأبي داود وغيرهما ((من حج أو اعتمر من بيت المقدس غفر له ما تقدم من ذنبه)) ويبقى أن الأصل الإحرام من الميقات، وإذا تعبد الإنسان بأن ما صنعه أفضل مما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- يكون حينئذ دخل في حيز الابتداع، أنت مأمور في حيز المشروع في الوضوء أن تغسل العضو ثلاث مرات تقول: لا، أنا باحتاط باغسله أربع مرات، أو خمس مرات، قلنا: لا، أنت مبتدع إذا كنت تتعبد بهذا، المقصود أنه لولا ما ذكر من الإجماع لكان التحريم هو المتجه، ويبقى أن أفضل ما يفعل في العبادات ما يتلقى عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه هو الأسوة والقدوة، وقد حدد ذلك بقوله وفعله -عليه الصلاة والسلام-، يعني لبس التجرد من المخيط، ولبس ثياب الإحرام، لا يعني نية الدخول في النسك، يعني لك أن تتجهز في بيتك، وتلبس الإحرام، وتركب الطائرة قبل ألف كيلو عن الميقات هذا ما يضر؛ لكن الكلام في نية الدخول في النسك، يلاحظ في المسجد النبوي مثلاً بعض الناس يدخل المسجد(1/59)
وهو محرم، يعني عليه ثياب الإحرام، لا يدرى هل نوى ولا ما نوى؟ هذا يلاحظ وكل سنة أكثر من التي قبلها، يدخلون المسجد النبوي وعليهم ثياب الإحرام، يعني الفرق بين المدينة وبين الميقات عشرة كيلو، خمس دقائق، يقول: أتجهز في السكن وألبس الإحرام، وأؤدي الصلاة في المسجد وأستمر في طريقي، ولا أقف مرة ثانية، المسألة لو وقفت عند هذا الحد ما فيه إشكال؛ لكن ينوي إذا حاذى الميقات؛ لكن يرد على مثل هذا لا سيما في المسجد النبوي أن يخطر على بال بعض الناس أو يتصور أن الزيارة، زيارة النبي -عليه الصلاة والسلام- تحتاج إلى إحرام، وإذا تتابع الناس على مثل هذا وفعلوه من غير نكير، يمكن أن يتصور في يوم من الأيام مع اندراس العلم أن يقال: أن المسجد النبوي يحتاج إلى إحرام، أو زيارة قبره -عليه الصلاة والسلام- يحتاج إلى إحرام، مثل زيارة بيته ألا يمكن أن يقال مثل هذا؟ فالأولى أن لا يصنع مثل هذا، ومن بيده منع مثل هؤلاء يتجه للمنع سداً للذريعة، الناس اليوم يعرفون أن الإحرام للحج والعمرة فقط؛ لكن فيما بعد وما يدريك أنه يتوالى أناس والبدع من أسرع الأمور في دخولها إلى القلوب، بعض الناس يدور حول المقبرة على الرصيف من برع، باسم التخفيف أو اللياقة أو الرياضة وكذا، وهذا الحد ما فيه إشكال، والدوران حول المقابر باعتبار أن ما حولها سيارات ولا سكان ولا شيء مناسب لهم؛ لكن يأتي في يوم من الأيام من يقول: أن الناس كانوا يطوفون حول المقابر، ولا أحد ينكر عليهم، يكتسب شرعية بهذا، فمثل هذا ينبغي أن يمنع سداً للذريعة، فالإحرام يكون من الميقات، لتحديده -عليه الصلاة والسلام- ولفعله، كونه جاء عن بعض الصحابة من أحرم من بيت المقدس، أو من أحرم كرمان أو من أحرم من كذا، هذه أفعال صحابة، ما يعارض بها الأحاديث المرفوعة.(1/60)
((هن لهن ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة)) فلا يلزم الإحرام إلا من أراد الحج والعمرة، وعلى هذا يجوز أن يدخل المسلم مكة إذا كان لا يريد حجاً ولا عمرة من غير إحرام، ودلالة الحديث عليه ظاهرة ((ممن أراد)) مفهومه أن الذي لا يريد الحج والعمرة فإنه لا يحرم، وبعض أهل العلم أنه لا يجوز دخول مكة من غير إحرام، إلا لمن تتكرر حاجته لدخولها للمشقة وإلا فالأصل أن يحرم؛ لكن الحديث صريح في الدلالة على عدم لزوم الإحرام إلا لمن أراد الحج أو العمرة.(1/61)
((ومن كان دون ذلك)) دون المواقيت بالنسبة لمكة، يعني سكنه بين مكة والميقات، ((ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ)) فمن حيث أنشأ سواء كان سكنه دون الميقات، أو ذهب إلى هذا المكان من غير نية للنسك ثم طرأت عليه النية، حينئذ يحرم من حيث أنشأ، ((حتى أهل مكة من مكة)) يعني حتى أهل مكة يحرمون من مكة، من داخلها، وعموم اللفظ يشمل النسكين الحج والعمرة، حتى أهل مكة من مكة يحرمون من مكة بالعمرة والحج، فعموم الخبر يشمل النسكين الحج والعمرة، ونقل الإجماع، المحب الطبري وغيره نقلوا الإجماع على أن المكي إذا أراد العمرة يلزمه أن يخرج إلى الحل، ولا يحرم من داخل مكة، وعمدتهم في ذلك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر عائشة من التنعيم، فيكون هذا مخصص لعموم حديث الباب، فيبقى حديث الباب بالنسبة إلى الحج، وأما العمرة فلا بد من الخروج إلى الحل، وأهل العلم يقولون: لا بد من الجمع في النسك بين الحل والحرام، والحاج لا بد أن يخرج إلى الحل للوقوف بعرفة؛ لأنها من الحل، والمعتمر لن يخرج مرة ثانية، فيلزم بالخروج للإحرام، وحديث عائشة، وأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بها إلى التنعيم صريح في هذا، وإن قال من قال: إنما أمره أن يخرج بها إلى التنعيم جبراً لخاطرها، كي تدخل من خارج الحرم بنسك كصواحبها؛ لأنها أحرمت بالعمرة في أول الأمر، ثم حاضت فأدخلت عليها الحج، فصارت قارنة، وهي تريد عمرة مستقلة كصواحباتها، فأرادت أن تدخل إلى البيت من خارجه، وهي معتمرة جبراً لخاطرها، النبي -عليه الصلاة والسلام- جبر خاطرها بالعمرة بعد الحج وإلا فالأصل أنها لما أدخلت الحج على العمرة، وصارت قارنة أنها اعتمرت، ولذا النبي -عليه الصلاة والسلام- والصحيح في نسكه أنه قارن، عدت العمرة التي مع حجه -عليه الصلاة والسلام- عمرة فلها عمرة لما أدخلت الحج على العمرة وصارت قارنة لها عمرة، وجبر خاطرها(1/62)
بالإتيان بعمرة مفردة؛ لكن لو كان الإحرام من الحرم من داخل مكة بالنسبة للعمرة سائغة يحبس الناس إلى هزيع من الليل في انتظارها، ألا يمكن أن يقول: أحرموا من هنا، وطوفوا واسعوا ونمشي، يحبس الناس كلهم من أجل أن تخرج إلى التنعيم، ثم تعود إليه، ولا تأتي إلا بعد هزيع من الليل، لولا أن هذا واجب لما حبس الناس من أجل ذلك، فالمصحح قول جماهير أهل العلم أن العمرة عمرة أهل مكة لا بد لها من الخروج إلى الحل.
طالب:........
نعم وشوه؟ نعم العمرة بالنسبة لأهل مكة، هل عليهم عمرة وإلا ما عليهم عمرة؟(1/63)
أصل النصوص العامة في الترغيب في الحج والعمرة شامل لجميع الناس ((والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) وهذا يشمل المكي وغير المكي، والخلاف في مرجع الضمير في قوله -جل وعلا-: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(196) سورة البقرة] هل يعود إلى التمتع والإتيان بالعمرة مع الحج أو يعود إلى الدم؟ ولو حصلت العمرة مع الحج فلا دم عليهم، مسألة خلافية بين أهل العلم؛ لكن عمومات النصوص التي ترغب في الحج والعمرة تشمل المكي وغير المكي، وكونه يرد عن بعض الصحابة من بعض السلف أنهم لاموا بعض المكيين في خروجهم إلى الحل، ودخولهم للإتيان بالعمرة، وتضييع الوقت بمثل هذا، وترك الطواف والصلاة في المسجد، والمكث فيه، لا يعني أن العمرة ليست مطلوبة منهم، المسألة مسألة مفاضلة، والمكي وغير المكي واحد، أنت افترض أن واحد جالس بالحرم، وقال: الأفضل أن أمكث وأقرأ قرآن، وأصلي ما شئت، وأطوف بالبيت، أو أخرج إلى التنعيم وآتي بعمرة، يحتاج إلى كم؟ يحتاج إلى ساعتين ليأتي بعمرة يخرج إلى التنعيم ويرجع ويطوف ويسعى يحتاج إلى ساعتين، هو في هاتين الساعتين بإمكانه أن يقرأ خمسة أجزاء، ويطوف أسبوع كامل، ويصلي عشر ركعات مثلاً أيهما أفضل؟ مسألة مفاضلة بين عبادات، فالإنكار من هذه الحيثية، ولذا يقول طاووس: "لا أدري الذين يعتمرون من التنعيم يؤجرون أو يعذبون" قيل له: فلم يعذبون؟ قال: لأنه يدع البيت والطواف ويخرج إلى أربعة أميال ويجيء أربعة أميال وقد طاف مائتي طواف، فهو وازن بين ما فعل وبين ما ترك، ولا يعني هذا أن العمرة ممنوعة، بل يشملهم مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)).
طالب:........(1/64)
هذا التعريف اللغوي، طيب والذي داخل مكة يزور وإلا ما يزور؟ وهو ما هو من أهلها، جاي من نجد ولا من الشرقية، يزور وإلا ما يزور؟ وهو داخل البيت وعائشة زارت ثانية وإلا ما زارت؟ زارت، المقصود أن العمرة بمكة منهم من يختارها على المكث في المسجد، والطواف فيه، وقراءة القرآن، والصلاة، ومنهم من يرجح هذه الأمور عليها، والمسألة موازنة بين فضائل، أحياناً يضيق الوقت لاستيعاب جميع الفضائل، هذه مسألة ضربناها فيما سبق فيمن دخل المسجد الحرام بعد إقامة الصلاة، هل نقول: الأفضل أن تتقدم إلى الصفوف الأولى ولو فاتك ما فاتك، أو نقول: تصلي في الصفوف الدنيا تدرك الصلاة كاملة، ولا تعرض صلاتك للنقص بمرور الناس بعد سلام الإمام، ولا يفوتك صلاة الجنازة، ولا شيء، المسألة موازنة بين فضائل، وهذا منه.
طالب:........
نعم أيش فيه؟ الحج من مكة نعم، العمرة يخرجون إلى التنعيم.(1/65)
يقول: وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقت لأهل العراق ذات عرق، رواه أبو داود والنسائي، وأصله عند مسلم من حديث جابر، هذا حديث عائشة، والثاني حديث جابر، هل يكون حديث جابر أصل لحديث عائشة، أو شاهد لحديث عائشة؟ ذكرنا مراراً أن الأصل يكون نفس الحديث، إلا أنه تتفاوت جمله، فهذه الجملة التي لها أصل، يعني الحديث مكون من جمل مثلاً، مخرج في الصحيح، أو يشتمل على بعض الجمل دون بعض، وجملة من هذا الحديث التي لم تخرج في الصحيح موجودة عند أبي داود وهناك خرجه أبو داود، وأصله في مسلم حديث واحد مكون من جمل؛ لكن حديث آخر حديث جابر غير حديث عائشة، فالتعبير بقوله: وأصله عند مسلم ليس بدقيق، إنما الأصل أن يقال: ويشهد له ما عند مسلم من حديث جابر، إلا أن الراوي شك برفعه، قال: وغالب ظني وأحسبه أن جابر -رضي الله عنه- رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، شك في رفعه، وفي صحيح البخاري أن عمر هو الذي وقت ذات عرق، ذات عرق مكان بينه وبين مكة مرحلتان، والعرق الجبل الصغير، وحديث الباب دليل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي وقت لأهل العراق ذات عرق، وفي حديث جابر ما يدل له إلا أن راويه شك في رفعه راويه عن جابر أبو الزبير المكي، شك في رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أحسب أو أظن أن جابر -رضي الله عنه- رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فشك في رفعه، ولولا هذا الشك لكان نصاً في الموضوع، وفي الصحيح، وهنا في السنن وهو أيضاً صحيح، ويشهد له حديث جابر، بعضهم يقول: كيف يوقت النبي -عليه الصلاة والسلام- لأهل العراق ذات عرق والعراق ما فتح أصلاً؟ والشام مفتوح وإلا ما فتح؟ مثل ما وقت لأهل الشام يوقت لأهل العراق، ولو لم تفتح، وهذا من دلائل نبوته -عليه الصلاة والسلام-، وفي صحيح البخاري أن عمر هو الذي وقت ذات عرق، ولا يمنع أن يخفى توقيت النبي -عليه الصلاة والسلام- على عمر، وعلى بعض(1/66)
الصحابة، ويطلب من عمر أن يوقت لأهل العراق، ويصيب اجتهاد عمر ما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أفي ما يمنع؟ وموافقات عمر كثيرة، جاء الوحي مؤيد لكلامه، واجتهد اجتهادات نزل الوحي بموافقتها، وحكم النبي -عليه الصلاة والسلام- بمقتضاه، فكونه يجتهد ويوافق هذا ليس ببدعة، وهناك الموافقات التي تزيد على عشرين من موافقات عمر -رضي الله تعالى عنه- نعم التنصيص على توقيت النبي -عليه الصلاة والسلام- لأهل العراق ذات عرق ليس في القوة بمثابة التوقيت ذا الحليفة لأهل المدينة، والجحفة لأهل الشام، ويلملم لأهل اليمن، أو نجد لهم قرن، هذا ليس بالقوة بمثابة ما وقت بالنص الصحيح الصريح، هذا في السنن وليس في الصحيح، وينتابه ما ينتابه من تردد الراوي عن جابر، وعلى كل حال ما في ما يمنع من رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما في ما يمنع من نسيان عمر، وبعض الصحابة بتوقيت النبي -عليه الصلاة والسلام- وطلبهم من عمر، ولا يوجد ما يمنع من موافقة عمر للنص.
يقول: وعند أحمد وأبي داود والترمذي عن ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وقت لأهل المشرق العقيق، وهذا الحديث ضعيف، مداره على يزيد بن أبي زياد، ضعفه غير واحد من الأئمة، وخرج له مسلم في الشواهد، وفيه أيضاً انقطاع، فالذي يرويه عن ابن عباس محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، ولا يصح له سماعه من جده، فهو منقطع وضعيف، وإن قال بعضهم: أن العقيق جزء من ذات عرق، فالإحرام من العقيق إحرام من ذات عرق؛ لكن التنصيص على ذات عرق والعقيق ضعيف.(1/67)
قال الحافظ -رحمه الله-: باب وجوه الإحرام وصفته: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بحج، وأهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحج، فأما من أهل بعمرة فحل، وأما من أهل بحج، أو جمع الحج والعمرة فلم يحل حتى كان يوم النحر" متفق عليه.
هذا يقول: كيف يصح دعوى الإجماع، وقد حفظ عن مالك إنكار ذلك، وأنه مخالف للسنة، خصوصاً مع ملاحظة ما ذكر أهل العلم بخصوص إجماعات ابن المنذر، مع ما في هذه المسألة من مخالفة القواعد الشرعية؟
دعاوى الإجماع التي ذكرها ابن المنذر، وقل مثله بالنسبة لابن عبد البر أو النووي أو ابن قدامة أو غيرهم لا شك أن كثير منها منقوض لوجود المخالف، ولا يعني أن نقض هذا الإجماع بوجود المخالف أنه يبطل بالكلية لا، يبقى أقل الأحوال أنه قول الجمهور، أقل الأحوال إن لم يثبت إجماع فهو قول عامة أهل العلم، هب أنه وجد مخالف؛ لكن وجود المخالف يسوغ الخلاف؛ لكن لا يبطل أقوال الآخرين، يسوغ الخلاف، ويبقى أن هذا القول له هيبته؛ لأنه أقل الأحوال هو القول الأكثر، فإذا وجد مثل هذا الإجماع إن لم يوجد مخالف لا محيد ولا مناص منه ولا مفر لا بد من العمل به؛ لأن الأمة بكاملها معصومة من الخطأ، إذا وجد مخالف ساغ للمخالف أن يحكم؛ لكن يبقى أن كونه قول عامة أهل العلم له هيبته، الشوكاني يقول: "كثير من دعاوى الإجماع تجعل طالب العلم لا يهاب الإجماع" إن كان المقصود أنه لا يهاب الإجماع باعتباره إجماع، وأنه لا تسوغ ولا تجوز مخالفة هذا شيء، أما كونه لا قيمة له، له قيمة، أقل الأحوال أنه قول الجماهير.
هنا أيضاً يقول: في مسألة الإحرام من ذي الحليفة أو ما دونه من المواقيت، هل الملاحظ عند الجمهور في ذا الحليفة خصوص المسافة كونه أبعد المواقيت أم غيره من المواقيت فله أن يحرم من أيها شاء؟(1/68)
يعني لو النجدي تجاوز قرن منازل (السيل)، وأحرم من غيره، أحرم من الجحفة أو أحرم من يلملم نفس الكلام، أو مثلاً هو من نجد يريد الحج أو العمرة ومر بالسيل، ثم قال: أنا لا أريد أن أحرم من السيل الآن، فقد بقي على الحج عشرة أيام، عشرين يوم، أروح إلى المدينة وأحرم من ذا الحليفة، وهو مريد من الأصل ما نهزه من بلده إلا الحج، هل نقول: يلزمك أن تحرم من السيل أو تنتظر حتى تذهب إلى المدينة وتحرم من ميقاتهم؟ مقتضى قول الجمهور أنه تجاوز ميقاته المحدد له شرعاً، كما لو تجاوز الشامي ذا الحليفة وأحرم من الجحفة، وهكذا.(1/69)
يقول: باب وجوه الإحرام وصفته: الوجوه يراد بها الأنواع، أنواع النسك: التمتع والقران والإفراد، يقول: وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة" تقصد عمرة ويرجع أو عمرة ثم يتحلل منها التحلل الكامل ثم يحرم بالحج فيكون متمتعاً؟ "ومنا من أهل بحج وعمرة" يعني قوله: فمنا من أهل بعمرة، يعني عمرة مفردة ويرجع أو إذا أحل منها أحرم بالحج؟ فيكون تكون هذه الجملة في الدلالة على الوجه الأول وهو التمتع، "ومنا من أهل بحج وعمرة" يعني قرن بينهما، هذا القران، "ومنا من أهل بحج" يعني مفرد، وهذا الإفراد، ففي هذا الحديث وجوه الإحرام الثلاثة وأنواعه، "وأهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحج"، يعني جاء ما يدل على أنه أهل بالحج، كما هنا، والحديث في الصحيحين، وجاء ما يدل على أنه جمع بينهما، وهو المرجح في حجه -عليه الصلاة والسلام- أنه حج قارناً، وجاء ما يدل على أنه تمتع "تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتمتعنا معه" وهنا يقول: أهل بالحج، والإهلال بالحج، يعني مفرداً، هذا الذي يتبادر منه، وجاء ما يدل على أنه حج قارناً، وجاء ما يدل على أنه حج متمتعاً، ما في هذا الحديث أهل بالحج، من قال: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حج مفرداً نظر إلى حقيقة فعله، وأن فعله وإن كان قارناً فإنه لا يزيد على فعل المفرد، فكأنه لم يأت إلا بالحج فقط، والعمرة داخلة في هذا الحج، ومن قال: حج قارناً، وهذا هو آخر حجه -عليه الصلاة والسلام-، وما منعه أن يقلب القران إلى تمتع إلا سوق الهدي، ولذا تأسف -عليه الصلاة والسلام- ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي)) يعني هو أمر أصحابه أن يهلوا بعمرة، يقلبوا نسكهم إلى عمرة ثم يحل منها الحل كله، وأكد على هذا، وغضب -عليه الصلاة والسلام- بالنسبة لمن لم يسق الهدي، أما من ساق الهدي فإنه لا يحل حتى يوم النحر، إذا نحر هديه كفعله(1/70)
-عليه الصلاة والسلام-، فالذي قال: أنه أهل بالحج فقط نظر إلى صورة العمل الذي جاء به -عليه الصلاة والسلام- صورة حج فقط، والعمرة داخلة إذ لا فرق بين حج القران والإفراد من حيث الصورة إلا الهدي، ومن قال: حج قارناً فحكى الواقع النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بين الحج والعمرة وأهدى ومن قال حج متمتعاً نظر إلى المعنى الأعم للتمتع التمتع أن يأتي بنسكين في سفر واحد وقد جاء بنسكين في سفر واحد، فمن ترفه بترك أحد السفرين فهو متمتع بالمعنى الأعم، سواء كان قارناً أو كان متمتعاً فاصلاً بين حجه وعمرته، أهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحج، منهم من يقول: أنه في أول عمره أهل بالحج فقط، مفرد ثم جاءه الملك وقال له: "صل في هذا الواد المبارك وقل: حجة وعمرة" يعني اقرن بينهما، فإهلاله في أول الأمر بالحج مفرد، ثم بعد ذلك لما جاءه الملك وقال له ما قال جمع بينهما.(1/71)
"فأما من أهل بعمرة فحل" أهل بالعمرة، وهذا متجه بالنسبة لمن لم يسق الهدي وهو الأرجح من أنواع النسك لمن لم يسق الهدي عند الحنابلة، وجمع من أهل العلم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر أصحابه به، وتأسف -عليه الصلاة والسلام- على سوق الهدي، فيكون حينئذ أرجح من غيره، ومنهم من يرجح القران لأنه هو الذي فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل، ومنهم من يختار الإفراد، ولكل قول وجه، واختيار التمتع لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر أصحابه به فهو الأفضل مطلقاً لمن لم يسق الهدي ولا ينوي أن يأتي بالنسكين في سفرين؛ لكن من أراد أن يأتي بالنسكين في سفرين المسألة مفترضة في شخص يقول: لن أزيد على الواجب سأعتمر مرة واحدة في عمري، وأحج مرة واحدة في عمري، هل الأفضل أن أتمتع وآتي بالنسكين في سفر واحد، أو الأفضل أن أنشيء للعمرة سفر مستقل وللحج سفر مستقل؟ هذه الصورة هي التي يرى شيخ الإسلام أنها أفضل اتفاقاً، الإفراد أفضل اتفاقاً في هذه الصورة، ما هي المسألة في شخص يقول: لن آتي بأكثر من الواجب أبداً، أحج مرة واحدة، وأعتمر مرة واحدة، نقول: الإفراد أفضل، وهو الذي نقل عليه شيخ الإسلام الاتفاق لأنك تريد تأتي بسفر مستقل للحج وسفر مستقل للعمرة؛ لكن الذي يريد أن يكرر في عمره نقول التمتع أفضل لأنك تأتي بنسكين أفضل من أن تأتي بنسك واحد والذي ساق الهدي يتعين في حقه القران لأنه لن يحل قبل أن يبلغ الهدي محله يوم النحر فلا بد أن يقرن كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-.(1/72)
"فأما من أهل بعمرة فحل" حل الحل، كل الحل بمعنى أنه إذا أهل بعمرة ثم طاف وسعى وحلق وقصر له أن يأتي ما شاء من المحظورات حتى النساء، له أن يجامع زوجته، حل الحل كله، هل له أن يرجع إلى بلده ولا يحج أو ليس له ذلك؟ له ذلك ما لم يكن حيلة، يعني شخص جاء وأحرم بالحج أو أحرم قارن، ثم قال: لا الرسول -عليه الصلاة والسلام- أمر أصحابه أن يحلوا بالعمرة، ثم لما حل من هذه العمرة قال: أنا بالخيار العمرة وانتهت، والحج ما بعد دخلت فيه، وفي نيته أن يصنع هذا، نقول: لا يا أخي أنت تتحايل لإسقاط ما دخلت فيه، وقد أمرت بإتمامه؛ لكن ابتداء جاي في نيته أن يحج هذه السنة، وأحرم بالعمرة متمتعاً، فلما فرغ من أعمالها رأى الزحام الشديد، أو وجد ظرف في بلده يتطلب رجوعه، ما الذي يلزمه بالحج ولم يدخل فيه؟ ذكر صاحب الإنصاف أنه لا يجوز له ذلك بلا نزاع، يعني في المذهب لوجود الارتباط بين الحج والعمرة، وإن وجد الانفكاك؛ لكن الارتباط قائم بدليل أن لزوم الهدي سببه الإحرام بالعمرة، لزوم هدي التمتع سببه الإحرام بالعمرة التي ينوي بعدها الحج، هذا سبب الوجود فهناك ارتباط بين الحج والعمرة، وإن كان هناك فاصل يفصل بينهما فصل تام، والأكثر وهو المفتى به الآن أنه لا يلزمه ما دام حل الحل كله، ما الذي يلزمه بنسك إن لم يدخل فيه؟.(1/73)
تقول -رضي الله عنها-: "فأما من أهل بعمرة فحل" عرفنا أنه الحل كل الحل، وأما من أهل بحج يعني مفرد أو جمع الحج والعمرة يعني قرن بينهما فلم يحل حتى كان يوم النحر، أما المانع بالنسبة للقارن فمعروف أنه حتى يبلغ الهدي محله، وأما بالنسبة للمفرد فإنه لم يأت بما يتحلل به؛ لأن أعمال الحج يوم العيد هل يتصور التمتع مع سوق الهدي؟ يتصور تمتع مع سوق الهدي؟ يعني بالمعنى الخاص أما المعنى العام الذي يشمل القران القران نوع من التمتع؛ لكن بالمعنى الخاص يتمتع مع سوق الهدي ممكن؛ لأنه لن يحل بين الحج والعمرة حتى يبلغ الهدي محله، لن يتمكن من الحل من العمرة، ولن يقصر شيئاً من شعره بالنسبة للعمرة حتى يأتي وقته، الذي هو وقت نحر الهدي، قد يقول قائل: أنه يأتي بعمرة مفردة يطوف ويسعى، ثم يستمر في إحرامه إلى أن يبلغ الهدي محله، ثم يطوف ويسعى يوم العيد للحج، وبهذا يختلف فعله عن فعل القارن، لأن القارن لا يلزمه إلا سعي واحد، هو في الصورة قارن شاء أم أبى؛ لأنه لم يحصل له ما يميز التمتع، وما أمر به النبي -عليه الصلاة والسلام- من الحل كله، أهل بالقران ولم يسق الهدي، شخص ما ساق الهدي فأهل قارناً، قال: النبي -عليه الصلاة والسلام- حج قارناً، وأنا ما سقت الهدي، هل يلزم بأن يقلب الإحرام إلى عمرة كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه بذلك؟ هل يُلزم؟ منهم من يرى وجوب قلب الإحرام إلى عمرة؛ ليكون متمتعاً، وبهذا أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه، وأكد عليهم، ومنهم من يقول: لا يجوز، بل قلب النية بالإحرام خاص بالصحابة، أمرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- وليس لأحدهم بعدهم لماذا؟ لأنهم كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يجتث هذا الزعم وهذا التصور من جذوره، فأمرهم بالعمرة في أشهر الحج عمرة مستقلة في أشهر الحج، يعني القران فيه عمرة، فيه رد على هذا القول؛ لكن ما يكفي(1/74)
لأنها ليست بعمرة مستقلة، لو قيل مثلاً: أنه خلاص ما داموا قارنين اعتمروا مع الحج يقول قائل مثلاً: يثبت تبعاً أما لا يثبت استقلالاً، هذه عمرة داخلة في الحج، ولا وجود لها، والعمرة المستقلة من أفجر الفجور، نقول: لا يا أخي النبي -عليه الصلاة والسلام- أمرهم أن يعتمروا عمرة مستقلة؛ ليجتثوا هذا التصور من جذوره؛ لكن هل هذا خاص للصحابة أم يصوغ لمن بعدهم؟ الأكثر على خصوصيته، وأن من أحرم بشيء لزمه أن يستمر عليه، ولزمه إتمامه، والمعروف عند الحنابلة وعند جمع من أهل العلم من أهل التحقيق أن ذلك إلى قيام الساعة، للإنسان أن يقلب نسكه من الأدنى إلى الأعلى؛ لكن ما ينزل، أحرم متمتع يقول: لا أنا بحج فقط، نقول: لا، يلزمك التمتع، أحرم قارن يقول: أنا بأفرد، نقول: لا، يلزمك القران عند من يرجح القران على الإفراد وهكذا؛ لكن ينتقل إلى الأعلى لا بأس، يغير النية.
طالب:........
يحرم في الحج؟ يحرم من مكة، حتى لو كان ناوي من الأصل الإحرام بالحج من مكة، ما فيه إشكال.
باب الإحرام وما يتعلق به:
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "ما أهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من عند المسجد" [متفق عليه].
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- باب الإحرام وما يتعلق به: والمراد بالإحرام نية الدخول في النسك: ونية الدخول في النسك واجب يجبر بدم وإلا ركن من أركان الحج؟ ركن يعني حينما يقول العلماء: أن من تجاوز الميقات من دون إحرام يجبر بدم لا يريدون بذلك أن هذا يغني عن نية الدخول في النسك؛ لأن عملية الدخول في النسك ركن من أركان الحج، لا يصح إلا به طيب نية الدخول في النسك مصنف عند أهل العلم من الشروط أو من الأركان؟ نعم شرط وإلا ركن؟ يعني نية الدخول في الصلاة؟
طالب: شرط.
بالنسبة للصلاة ركن وإلا شرط؟
طالب: شرط.(1/75)
وبالنسبة للحج؟ نية الدخول في النسك؟ نية الدخل في الصلاة؟ نية الدخول في الصيام؟ شرط وإلا ركن؟ عندك شروط الصلاة التسعة أليس بآخرها النية؟ الآن أنا أناقشكم حول ما يكتبه أهل العلم في الأركان والشروط، النية في الصلاة من شروطها أو من أركانها؟ من شروط الصلاة، استقبال القبلة والنية هذا آخر شيء، من الشروط، وفي الحج جعلوها من الشروط أو من الأركان؟ قالوا: أركان الحج أربعة أو كم؟ أولها: الإحرام، هل يريدون الإحرام من الميقات أو نية الدخول في النسك؟ نية الدخول، لماذا صارت هنا ركن وهناك شرط؟
طالب:........
لا ما له علاقة التلفظ، ولا يتلفظ ولا شيء أبد، التلفظ بالنية بدعة، ولا في الحج بدعة، لو قال: نويت أن أحج بدعة؛ لكن لبيك عمرة، لبيك حجة ما فيه إشكال.
طالب:........
جزء في الصلاة وإلا جزء في الحج؟
طالب:........
نعم كيف؟ طيب.
طالب:........
ما يلزم من وجودها وجود، الآن نتفق على أنه جعلوها في الصلاة من الشروط، وفي الحج من الأركان، ولماذا جعلوها من الشروط ومعروف أن الشرط خارج الماهية والركن داخل الماهية؟ هذا شيء مفروغ منه هذا تعرضنا له في مسألة تكبيرة الإحرام، هل هي شرط أم ركن؟ الحنفية يقولون: شرط، والجمهور يقولون: ركن، كيف جعلوا النية وهي شيء واحد، النية القصد، تقصد هذه العبادة تقصد الدخول فيها، جعلوها بالنسبة للصلاة شرط وبالنسبة للحج ركن؟ فيه جواب؟
طالب:........
لا ما فيه ارتباط بين النية ولبس الإحرام، ما فيه ارتباط، لو أحرم بثيابه، لو نوى الدخول في النسك بثيابه.
طالب:........
طيب والصلاة بعيد، ينوي قبل دخول الوقت، وإلا قبل يجي للمسجد، وهو ببيته ينوي الصلاة، ينوي الدخول في الصلاة؟
طالب:........
كثرة تكرار الصلاة هي النية تكلف شيء؟.
طالب:........
أنت افترض التلبية بمثابة التكبير، لبيك عمرة، لبيك حجاً، بمثابة قولك في الصلاة: الله أكبر، نعم
طالب:........(1/76)
وفي الصلاة؟ يعني قبل أن يكبر ما يلزمه؟ نوى أن يصلي؛ لكن قبل تكبيرة الإحرام لو أجل الصلاة، قال: سأنتظر خمس دقائق، أو نوى الدخول في النسك فسمع واحد قال: أريد أتوضأ وأصلي معك جماعة، ما يلزمه.
طالب:........
لا هو أقرب ما يقال مثل ما ذكر الأخ أنه بنيته في النسك شرع فيه، بينما نية الصلاة وقصد الصلاة مثل .... لو يريد يصف ناوي للدخول في الصلاة، ثم قال واحد: عن إذنك أريد أتوضأ من أجل أن نصلي جماعة وينتظر، ما المانع؟ يلزم أن يدخل في صلاته فور النية؟ هو في الحج باشر العمل بدخوله، بالنية باشر العمل؛ لكن النية بالنسبة للحج بمثابة تكبيرة الإحرام بالنسبة للصلاة.
طالب:........
ما بعد نوى هو طالع من بيته من الدمام يريد يحج؛ لكن قبل دخوله الميقات له أن يرجع، قبل وصوله إلى الميقات ودخوله النسك له أن يرجع، النية من بيته إلى الدخول هذه ليست شيء، هذه ليست بنية.(1/77)
يقول: باب الإحرام وما يتعلق به: عرفنا أن المراد بالإحرام نية الدخول في النسك، عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: "ما أهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من عند المسجد" يقول ابن عمر هذا رد على من قال: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أحرم من البيداء، يقول ابن عمر: "بيداؤكم هذه التي تكذبون فيها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنه أحرم منها ما أهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من عند المسجد" جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أحرم في المسجد بعد فراغه من الصلاة، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أحرم وأهل ورفع صوته بالتلبية حينما استقلت به دابته، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أهل بالبيداء، في حديث ابن عباس، وفيه جمع بين هذه الروايات كلها أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أهل بالمسجد، وحينما استقلت به دابته، وحينما علا على البيداء، فمن سمعه يهل، والإهلال هو رفع الصوت بالتلبية من سمعه يهل بالمسجد قال: هل بالمسجد، ومن سمعه -عليه الصلاة والسلام- يهل ويرفع صوته بالتلبية حينما استقلت به دابته قال: أهل حينما استقلت به دابته، ومن سمعه يلبي بالبيداء قال: أهل -عليه الصلاة والسلام- بالبيداء، ولا يلزم من هذا كذب، ولا من ذاك كذب، كل يذكر ما سمع، وفي حديث ابن عباس هذا توفيق بين الروايات، كل يذكر ما سمع، صلى الركعتين فأهل بالنسك لما استقلت به دابته واقفة قال: لبيك اللهم لبيك، أهل بالنسك، ولما علا على البيداء أهل بالنسك، وكل يذكر ما سمع، ولا اختلاف، وابن عباس حينما ذكر هذا قريب من النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الحديث عند أبي داود والحاكم أنه -صلى الله عليه وسلم- لما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين أهل بالحج حين فرغ منهما، فسمع ذلك قوم فحفظوه، فلما استقرت به راحلته أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوا إهلاله بالمسجد فحفظوه ورووه، وهكذا حينما علا على البيداء، وهذا الكلام كلام حسن، كلام(1/78)
ابن عباس فيه جمع من الروايات، وكلها صحيحة، "ما أهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من عند المسجد" وبهذا يرد ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- القول بأنه أخر الإهلال، يعني لقائل أن يقول: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أهل لما دخل مكة، يعني طرداً لهذا، هل نقول: أن في أحد ما سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يهل إلا لما دخل مكة، ما في أحد، خلاص، نعم الجموع الغفيرة قد يخفى عليهم الإهلال أول مرة وثاني مرة؛ لكن ما يخفى عليهم الثالثة والرابعة والعاشرة إلى أن يدخل مكة، ولا يتصور مثل هذا؛ لأنه مأمور برفع الصوت، والإهلال هو رفع الصوت.
وعن خلاد بن السائب عن أبيه -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال)) [رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن حبان].(1/79)
يقول: وعن خلاد بن السائب عن أبيه -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أتاني جبريل فأمرني أن آمر)) هنا الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به أو لا؟ يعني هل النبي -عليه الصلاة والسلام- مأمور بأن يرفع صوته بالتلبية أو مأمور بأن يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية؟ يعني الأمر بالأمر بالشيء ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع)) لنفترض مثلاً أن زيداً من الناس قال لابنه الأكبر: قل لأخيك: يفعل كذا، هل هذا أمر يتناول الأخ الأكبر أو خاص بالأصغر، الأمر بالتبليغ يتناول الأكبر؛ لكن الأمر بالتنفيذ يتناول الأكبر وإلا ما يتناول؟ لنفهم ونتصور المسألة، يعني إذا قال زيد لابنه عمرو: قل لبكر ينام مبكر، هل هذا أمر من الأب للابن الأكبر أن ينام مبكراً أو أمر بتبليغ ابنه الأصغر أن ينام مبكراً لكن ما يتناول الثاني أن ينام مبكر مثل أخوه؟ يعني الأكبر يتناوله الأمر بالتبليغ والأصغر يتناوله الأمر بالتنفيذ، يعني الأمر بالأمر بالشيء هذه مسألة خلافية في الأصول، الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به أو أمر بتبليغه فقط؟ مثل ما عندنا الآن ((أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي)) هل نقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- عليه أن يرفع صوته بالتلبية، أو نقول: عليه أن يأمر أصحابه وهو حر إن شاء رفع وإن شاء خفض، أو نقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو القدوة والأسوة أولى من ينفذ هذا الأمر، يعني إذا قيل: آل فلان هل يتناول فلان نفسه؟ نكثر من التنظير علاشان تفهم المسألة، يعني حينما قال الله -جل وعلا-: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [(46) سورة غافر] هل هذا يتناول فرعون وإلا ما يتناوله؟ يتناوله من باب أولى؛ لأنهم به نكبوا.(1/80)
نأتي مسألة ثانية، لو قيل: يا فلان واحد من المشايخ عنده طلاب، هذه مجموعة من الكتب وزعها على طلابك، عندك مائة طالب هذه نسخ كثيرة جداً وزعها على الطلاب، الشيخ ما عنده نسخة له أن يأخذ أو لا يأخذ؟ الموصي قال للطلاب، وزعها على طلابك، هل نقول: أنك أنت أولى من طلابك بأن تأخذ نسخة أو نقول خاص بطلابك؟ أنت افترض أوصى فلان من الناس عنده وقف قال: غلته للمحتاج من طلاب فلان الشيخ نفسه محتاج يأخذ وإلا ما يأخذ؟ يعني مثل ما قلنا في آل فرعون فهو أولى منهم، يعني هذا في السوء وهذا في الخير؛ لكن هذا تنظير بحيث نقرب هذا من هذا، ولذا عندنا النبي -عليه الصلاة والسلام- أمره جبريل أن يأمر أصحابه، وننظر إلى أن هذا الأمر أمر بخير، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى من يفعل الخير، فإذا أمر أصحابه أن يرفعوا أصحابهم بالتلبية بالإهلال، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى من يفعل وأولى من يبادر إلى امتثال هذا الأمر، وقد تدل القرائن إلى أن المأمور بالتبليغ لا يتناوله الأمر، لو قال الأب: يا فلان لابنه الأكبر قل لفلان يحضر لنا خبز مثلاً، يروحون كلهم يشترون خبز؛ لكن لو كان أمر مما يطلبه الوالد، ومما يحرم فعله مثلاً، يا فلان قل لفلان لا يدخن، هل نقول: أن هذا الأمر ما يتناول الأكبر، له أن يدخن، لا ما نقول هذا، نعم قد تدل القرائن على إرادة المأمور بالتبليغ كإرادة المأمور بالتنفيذ، وقد تدل القرائن على عدمه، ولذا الأصوليون اختلفوا في تقرير هذه المسألة.
طالب:........(1/81)
المسألة خلافية بين أهل العلم؛ لكن في مثل هذا يتناوله باعتبار أنه فعل خير، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى من يفعل الخير، الصحابة امتثلوا ذلك، فكانوا يرفعون أصواتهم حتى تبح أصواتهم، وجاء في الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سئل عن أفضل الحج، أي ألحج أفضل؟ فقال: ((العج والثج)) فالعج هو رفع الصوت بالتلبية، فإذا كان أفضل فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى من يفعل هذا الأفضل، وإن كان الأصل أن رفع الصوت في الجملة ليس بممدوح عموماً؛ لكن في موطنه في مثل هذا ممدوح، يعني أهل العلم قرروا في التفسير عند قوله -جل وعلا-: {إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [(19) سورة لقمان] أنه لا يمدح أحد بقوة صوته؛ لأن الأصل الهون والرفق واللين ورفع الصوت هذا كما قال الله -جل وعلا-: {إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [(19) سورة لقمان] لكن أحياناً الأمر الشرعي يتطلب رفع الصوت شيخ عنده ألف طالب هو معروف بهدوئه ورزانته ولا عنده مكبرات ولا عند شيء نقول: الأفضل بحقه أن يخفض صوته لأن أنكر الأصوات صوت الحمير، أو مؤذن يحتاج أن يبلغ الناس بالأذان مطلوب يرفع صوته، ولا يعني أن رفع الصوت في كل مقام هو الأولى، لا لكن إذا احتيج إليه صار الأولى، وذكر عن العباس أن صوته يبلغ تسعة فراسخ -رضي الله عنه وأرضاه- المقصود أن مثل هذه العبادة ما نقول: أن اللين والرفق لا، رفع الصوت هو المطلوب، ولذا جاء لما سئل عنه -عليه الصلاة والسلام- أي الحج أفضل؟ قال: ((العج والثج)) والعج: هو رفع الصوت بالتلبية، والثج: نحر الهدي والبدن.
بسم الله الرحمن الرحيم(1/82)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فقد قال الإمام الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في ضمن باب الإحرام وما يتعلق به، وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تجرد لإهلاله واغتسل" [رواه الترمذي وحسنه].
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن زيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنه-: "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تجرد لإهلاله واغتسل" رواه الترمذي وحسنه، وقال: أنه حسن غريب، والغالب أن ما يأتي من قبل الترمذي بهذا الحكم أنه لا يسلم من ضعف، ولولا أن له ما يشهد له لحكم بضعفه؛ لكنه بطرقه يرتقي إلى الحسن بغيره، من أراد أن يدخل في النسك يستحب له أن يغتسل، ويلبس ملابس الإحرام، ومن لازم الاغتسال التجرد مع الاستتار، إذا تجرد من ثيابه التي لا يجوز له لبسها، ولا يتم الواجب إلا بهذا، لا يتم له إلا بالتجرد؛ لأنه لا يلبس المحرم القميص ولا العمائم ولا السراويل، هذا على ما سيأتي في الحديث اللاحق، ولا يتم له ترك هذه الأمور إلا بالتجرد؛ لكن لو افترضنا أن شخصاً لباسه في حله هو لباسه في إحرامه، يعني المعترف عندهم في بلدهم أنهم بالإزار والرداء طول العام سفراً وحضراً هذا لباسهم، وأراد أن يدخل في النسك، هل يلزمه أن يتجرد إن أراد الاغتسال من لازمه التجرد، وإن لم يكن على التجرد كامل؛ لكن هذه حكاية واقع، تجرد النبي -عليه الصلاة والسلام- وخلع ملابسه التي لا يجوز له أن يلبسها في إحرامه، واغتسل والاغتسال سنة؛ لكن لو كان لباسه مناسب للإحرام مما يصح لبسه في الإحرام، وقال: الجو بارد لا أريد الاغتسال، و لا أتجرد ولا شيء، نقول: ترك السنة.(1/83)
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال: ((لا تلبسوا القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا شيئاً من الثياب مسه الزعفران، ولا الورس)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.
يقول -رحمه الله تعالى-: "وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل: ما يلبس المحرم من الثياب؟ سؤال عما يلبسه المحرم، والجواب المطابق أن يقال: يلبس كذا وكذا، يلبس إزار ورداء، فالجواب جاء بما لا يلبسه المحرم؛ لأن الذي لا يلبسه المحرم محصور، يمكن حصره والذي يلبسه المحرم لا يمكن حصره، والجواب دائماً يكون بالمحصور، فمثلاً لو قيل: هل زيد ثقة أو ليس بثقة؟ وأردت أن توثقه أو تجرحه بكلام مقبول؛ لأنك لو تقول: ثقة قال لك: لماذا؟ تقول: غير ثقة؟ قال لك: لماذا؟ أهل العلم لا يقبلون الجرح إلا مفسر، فأنت تقول: فلان ليس بثقة؛ لأنه يفعل كذا، ليس بثقة لأنه يشرب الخمر مثلاً، هل يحتاج أن تقول: زيد ليس بثقة يصوم ويصلي ويزكي ويحج ويبر والديه، ولا يسرق ولا يزني ولا يشرك ولا يفعل ولا يترك إلا أنه يشرب الخمر، أو تقول: ليس بثقة لأنه يشرب الخمر، ومعروف أن الباقي على الأصل أنه مسلم؟ نعم فأنت في جوابك تذكر ما يمكن حده، أما ما لا يمكن حده لو قال: يلبس إزار ورداء، لقيل: نعم إزار صوف، وإلا رداء قطن، وإلا أسود، وإلا أحمر، وإلا أبيض، وإلا أخضر، وإلا من أي نوع كان، فجاءك بما يمكن حصره، ويسمى بالأسلوب الحكيم، يعني الأصل أن يسأل الإنسان عما يمنع منه؛ لأن الأصل الإباحة، ما عدا ذلك مباح، والمباح لا يمكن حصره، والممنوع يمكن حصره، فيكون الجواب بالممنوع، وهذا من الأسلوب الحكيم أن يجاب السائل بغير ما سأل مما هو أهم منه، سئل ما يلبسه المحرم -عليه الصلاة والسلام- من الثياب، فقال:(1/84)
((لا تلبسوا القميص)) وهو مخيط على قدر البدن، وله أكمام، وله جيب، فتحة يدخل منها الرأس، هذا القميص، ((ولا العمائم)) وهي ما يلف على الرأس، لا يلبسه المحرم، فلا يجوز للمحرم أن يغطي رأسه، له أن يغطي بدنه بغير القميص، بغير ما استثني؛ لكن ليس له أن يغطي رأسه، ((ولا السراويلات)) السراويلات: جمع سراويل، السراويل جمع وإلا مفرد؟ مفرد، جمعه سراويلات، السراويل معروف ما يلبس على النصف الأسفل من البدن، وله كمان، هذا واضح ومعروف، ويشمل الطويل والقصير، وإن كان القصير جداً يسمى التبان، وجاء عن عائشة أنها رخصت في لبس التبان لكن الجمهور على منعه؛ لأنه نوع من السراويل، من السراويل ما يسميه أهل العلم أهل اللغة كالأزهري وابن سيدة وغيرهم النقبة، نوع من السراويل، سروال مفتوح ما له أكمال، سروال مفتوح بدون كرسي ولا أكمام، يسمونه نقبة، وهو نوع من السراويل يدخل في المنع هنا.(1/85)
((ولا البرانس)) البرانس أيضاً تغطي الرأس كالعمامة إلا أنها ملتصقة في القميص بالثوب، فالعمائم كانت شائعة، والبرانس نادرة فنص على ما شاع استعماله، وما ندر استعماله مما يغطي الرأس، ((ولا الخفاف)) الخف: الذي يلبس على القدم مما يستر الكعبين، ((إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين)) هذا الحديث قيل بالمدينة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- في خطبته المشهورة التي حضرها الجموع الغفيرة بعرفة ذكر أن من لا يجد النعلين يلبس الخفين، ولم يذكر القطع، فشخص أراد أن يحرم ما وجد نعلين ومعه خفان هل يلزمه القطع كما في هذا الحديث ((فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين)) أو لا يلزمه باعتبار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أطلق في الحديث المتأخر ((فليلبس الخفين)) وليس فيه إشارة إلى القطع، لذا اختلف العلماء هل مثل التعارض في مثل هذين الحديثين من باب الإطلاق والتقييد فيحمل المطلق على المقيد، فيلزم القطع، الحديث مقيد بالقطع حديث الباب، الحديث الآخر مطلق، فيحمل المطلق على المقيد واتحد الحكم والسبب، أو نقول: من باب المتقدم والمتأخر فيكون المتأخر ناسخ؟ فالأكثر على أنه يلزم القطع، وهو مما يقتضيه قاعدة الإطلاق والتقييد؛ لأن الحكم واحد والسبب واحد، ومن أهل العلم كما معروف عن الإمام أحمد أنه لا يلزم القطع؛ لأنه لو كان القطع لازم للزم بيانه بعرفة؛ لأنه حضرها من الحجاج من لم يحضر، حينما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((وليقطعهما أسفل من الكعبين)) فدل على أن الأمر بالقطع منسوخ في عرفة، نعم تم البيان في المدينة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- عليه أن يبين، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، هل يكفي مثل هذا البيان الذي بينه في المدينة وحضره جمع من الصحابة ونقلوه؟ يكفي مثل هذا البيان أو لا بد من البيان لكل من لم يبلغه الخبر الأول، ويغلب على الظن أن من لم يبلغه أكثر ممن بلغه؟ وعندنا حديث(1/86)
الباب، وفيه الأمر بالقطع متقدم، الحديث الثاني بعرفة متأخر وليس فيه أمر بقطع، ولذا اختلفت مآخذ أهل العلم ومسالكهم بالنسبة لهذين الحديثين، يعني مثل ما يقال في لحم الإبل: أنتوضأ من لحم الغنم؟ قال: ((إن شئت)) أنتوضأ من لحم الإبل؟ قال: ((نعم)) الحديث الآخر كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مسته النار، فهل نقول: أن ترك الوضوء ناسخ للأمر بالوضوء من لحم الإبل؛ لأنه متأخر، كان آخر الأمرين، أو نقول: أن هذا بعمومه يتناول الإبل وغير الإبل، والتنصيص على الإبل يدل على أنه مخرج من العموم، فهناك تعارض عموم وخصوص مع تقدم وتأخر، وهنا تعارض إطلاق وتقييد مع التقدم والتأخر، عرفنا ما بين المسألتين من وجه الشبه؟ واضح؟ الآن الحنابلة ماذا يقولون بالنسبة للحم الإبل؟ ينقض الوضوء، طيب لماذا ما عملوا بكونه آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، خاص وعام، صحيح، وهنا مطلق مقيد، لماذا ما عملوا بالمقيد؟ لأن هذا فيه إضافة إلى التقدم والتأخر فيه مسألة البيان، وكونه بُين على وجهٍ كافٍ في وقته، المدينة كافي، يعني لو كان العدد هو العدد ما اختلف قلنا: يكفي، ما يلزم أن يكون النص يبلغ كل فرد فرد، ما يلزم؛ لكن لما حضرة الجموع الغفيرة التي تحتاج إلى بيان ولا بين -عليه الصلاة والسلام- دل على أنه عدل عن الحكم الأول إلى الثاني، ولهذا هو المرجح، وإلا بإمكان مثلاً شافعي ولا حنفي ولا مالكي يلزم الحنابلة بمثل هذا في مسألة لحم الإبل، أنتم عملتم بالناسخ بعرفة، ولا عملتم بالمقيد بالمدينة، وعملتم بالمخصص بالنسبة للحم الإبل، ولم تعملوا بالآخر من حاله -عليه الصلاة والسلام- في ترك الوضوء مما مسته النار، لماذا فرقتم بين هذا وهذا والمسألة متطابقة؟ هذا عام وخاص، وهذا مطلق ومقيد، هذا متأخر، وهذا متقدم، يعني أن المسألة هذه نظير تلك؛ لكن يبقى أن المرجح لقول الحنابلة في هذه المسألة مسألة البيان(1/87)
حصل البيان في المدينة لكن يبقى أنه هناك جموع غفيرة تحتاج إلى بيان ولم يبين لها -عليه الصلاة والسلام- ولو كان مطلوباً لبينه في وقته، والأكثر على أنه لا بد من القطع عملاً بقاعدة المطلق والمقيد، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ والآن تقطع ولا ما تقطع؟ يعني الحنابلة يدعمون قولهم بأمور الأول أن هذا مسألة البيان التي أشرنا إليها مع التأخر يضاف إلى ذلك أنه إتلاف وإضاعة للمال، وقد نهى عن إضاعة المال، فكل هذه مما يرجح قول الحنابلة.
((ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران)) الرجال منهيون عن لبس المزعفر من الثياب ((ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران)) للونه ولرائحته، ولو غرسه ونبته طيب الرائحة معروف؛ لأن المحرم ممنوع من الطيب وهذا منه، طيب عبد الرحمن بن عوف لما تزوج وجاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وعليه ثوب به ردع من الزعفران، ولا أنكر عليه، ما أنكر عليه، لماذا ما أنكر عليه؟ المتزوج يفعل ما يشاء، العلماء أجابوا بأجوبة منهم من قال: أن هذا الزعفران الذي لحق بثوبه ليس مقصوداً، وإنما هو بسبب المعاشرة، والمرأة تتزعفر وتتصنع وتتزين؛ لأن الظرف ما هو بعادي، المقصود أن النهي عن الثوب المزعفر معروف، ولا يجوز للرجل أن يلبس الثوب المزعفر، ويؤكد عليه هنا في حال الإحرام، لما ينهى عنه في حال الإحلال إضافة إلى أن رائحته طيبة.
طالب:........
فيه المعصفر، وفيه الزعفران، كل اللونين، والأحمر أشد.
طالب:........
الأصفر الغامق مو بالفاتح، وش تسمي هذا؟ أصفر ولا أيش؟ أصفر عرفاً، هذا عند الناس يسمونه أصفر؛ لكن مو بأصفر.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كنت أطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت" [متفق عليه].(1/88)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كنت أطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإحرامه قبل أن يحرم" ويستمر الطيب في مفرقه -عليه الصلاة والسلام- "كنت أرى وبيص المسك في رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذا قبل الإحرام، ويستمر الطيب في البدن، في الرأس لا في الثوب، ولذا أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- من أراد العمرة وهو متضمخ بالطيب أن يغسل الجبة، يغسل ما لحق بثوبه لإحرامه، ونساءه -عليه الصلاة والسلام- كن يتطيبن، ويسيل الطيب على وجوههن ويراهن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا ينكر، فكونه ينتقل من مكان إلى آخر بنفسه؛ لكن لو حك رأسه ولصق به الطيب، ثم حك وجهه وإلا بدنه عليه شيء وإلا ما عليه شيء؟ هو الذي نقله ما انتقل بنفسه، كونه ينتقل يتسرب هذا شيء ما فيه إشكال، ونص عليه في حديث أمهات المؤمنين؛ لكن كون الإنسان ينقله من مكان إلى آخر محظور من محظورات الإحرام، هل من الأولى والأحوط أن يترك الطيب لئلا ينقله من غير أن يشعر؟ لأن بعض الناس ما يتطيب، يقول: أنا ملزوم أن أتحكك، وملزوم أن....
نعم كيف؟ يقول: بعض الناس يقول: من باب الاحتياط أنا والله ما أقدر يتحكك الواحد يمين ويسار، وينقله من مكان إلى آخر، وهو لا يشعر فمثل هذا الاحتياط ينفع نعم؟ أنت افترض الطيب دهن عود مثلاً تطيب وإلا ما تطيب؟ طيب وإذا حك رأسه وصار بيده إلى الثوب؟
طالب:........
إذاً تلزمه إزالته، إذا نقله من مكان إلى آخر من غير عمد يستمر ولا يزيله، لا الأصل باقي، الأصل يسمونه أيش؟ يعني عندك شيء ابتداء يمنع من ابتدائه ولا يمنع من استمراره، المحرم لا يتطيب؛ لكن يستديم الطيب، المحرم لا ينكح ولكن يستديم النكاح.
طالب:........(1/89)
لو نقله بنفسه من غير أن يشعر لزمه إزالته، إذا شعر معفو عنه؛ لكنه يلزمه إزالته، كما لو تطيب ناسياً يلزمه إزالته، فبعض الناس يتورع ويحتاط ويقول وهذا ليس من الورع بشيء، ليس من الورع لا من قبيل ولا من دبير أبداً، الأكمل أن يفعل ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- وهذه سنة، يتطيب ويحتاط بقد الإمكان، وإذا وقع شيء أو حصل شيء من غير قصد معفو عنه، وإذا نقله بنفسه إلى موضع آخر يبادر بإزالته.
((قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت)) بعد أن يفعل ماذا؟ الرمي فقط، وأيضاً والنحر، كل هذه فعلها قبل أن يطوف، ولو كان طيبه قبل أن ينحر وقبل أن يحلق لقالت: "ولحله قبل أن يطوف بالبيت" وهذا يستدل به من يستدل بأن الحل لا يحصل إلا باثنين، على خلاف فيما بينهم في إدخال النحر لكن الجمهور على أنه لا يدخل النحر؛ ليس من أسباب التحلل، يعني لو ترك النحر إلى آخر شيء.
طالب:........
نعم كيف؟ إذا فعل الثلاث وما نحر، ترك النحر آخر شيء، نعم الآن هذا فعل ثلاثة أو أربعة، فعل الرمي والحلق والطواف والسعي، ما بقي إلا النحر، يعني مقتضى كلامه أنه يحل؛ لأنهم ما علقوا الإحلال بالنحر؛ لكن النصوص أليس فيها دلالة يعني {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [(196) سورة البقرة] يعني هذا ماله أثر في النصوص؟ ما الذي يمنع القارن من أن يحل؟ الهدي، يعني الهدي لا أثر له في الحل.
طالب:........(1/90)
يعني يجوز أن يحلق قبل أن ينحر، وفعله -عليه الصلاة والسلام- ماذا فعل، أول ما بدأ رمى الجمرة، ثم... نعم طيب المقصود أن الأكثر على أنه لا يتحلل إلا بفعل اثنين من ثلاثة، وليس منها نحر الهدي، وجاء ما يدل على أن التحلل يحصل برمي جمرة العقبة فقط، وهذا الحديث لأنها قالت: "ولحله قبل أن يطوف بالبيت" يعني الطيب ارتباطه بالحل واضح؛ لكن ارتباط الحل بالطواف وكونه قبل الطواف يدل على أن ما قبله داخل في المنع، يعني قبل الحل، ما قبله، انتبه للعبارات، الآن العلماء استنبطوا من هذا الحديث أنه لا يحل إلا باثنين، استنبطوا منه أيضاً ضعف الحديث الذي فيه: "أن من رمى جمرة العقبة حل له كل شيء، على أن يطوف قبل غروب الشمس من يوم العيد" نعم الحل مشروط على أن يطوف، وعائشة -رضي الله عنها- تطيب الرسول -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يطوف، يعني الحل المؤقت، يعني الآن رمى الجمرة ولبس ثيابه ما طاف قبل غروب الشمس ينزع الثياب، هذا مقتضى الحديث، بل هو منصوصه، هو منصوص الحديث، يعني جاء الأمر بنزع الثياب في الحديث، الحديث حكم بشذوذه لمعارضة هذا الحديث الصحيح، أولاً حديث مختلف في صحته وضعفه؛ لكن حتى على القول بأن إسناده لا بأس به معارض لهذا الحديث.
طالب:........(1/91)
نعم القارن؟ مثل غيره، إذا فعل الاثنين خلاص رمى وحلق يحل، ولا يلزمه النحر باعتبار أن النحر جاء تقديمه وجاء تأخيره، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((افعل ولا حرج)) ولولا مثل هذا النص لكان للنحر أكبر الأثر في الحل {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [(196) سورة البقرة] والمحل: هل هو مكان الإحلال، أو وقت الإحلال؟ يعني مسألة طويلة الذيول، لو بسطناها تحتاج إلى أوقات ما هو بوقت؛ لأن مقتضى النحر وتقديمه على الحلق وتقديمه على الرمي، ما قدم على شيء، جواز تقديمه تأخيره أنه يجوز أن ننحر قبل الصلاة، ألا يجوز لنا أن نرمي قبل الصلاة؟ ويجوز لنا أن نقدم النحر على الرمي، إذاً يجوز لنا أن ننحر قبل الصلاة؛ لكن أهل العلم قالوا: أن وقت نحر الهدي هو وقت الأضحية، على خلاف بينهم في مسألة التقديم في نحر الهدي معروف، قبل وقت نحره، يمكن قبل يوم العيد بعض أهل العلم يقولون؛ لأن السبب انعقد ولا يلزم وقت الوجوب.
طالب:........
هو من أعمال الحج؛ لكن هل هو من الأعمال المؤثرة في الحل أو غير مؤثر في الحل؟ الجمهور ما هو مؤثر، ما عدوه منها.
طالب:........
إيش هو؟ القارن إذا فعل اثنين يحل {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [(196) سورة البقرة] وقت حلوله، بلغ وقت حلوله، "ولحله قبل أن يطوف بالبيت" فيستحب لمن أراد الإحرام أن يتطيب، وأيضاً يتطيب إذا أراد الطواف.
طالب:........
ما فيه شيء، على الخلاف بينهم في الحاج، هل عليه أضحية أو ليس عليه أضحية؟
طالب:........
إيه، البدن لا الثوب، البدن لا الثوب.
طالب:........
هو ينتقل للثوب، والأصل لا ينتقل للثوب، ولذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- ما عرف عنه إلا أنه يطيب رأسه، البدن أمره سهل؛ لكن يبقى أن الثوب لا، فيمنع بقية البدن من أجل الثوب.(1/92)
وعن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يَنكح المحرم، ولا يُنكح، ولا يخطب)) [رواه مسلم].
يقول -رحمه الله تعالى-: وعن عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ينكح المحرم)) نفي وإلا نهي؟ نفي، عندكم جزم وإلا رفع؟ مجزوم وإلا مرفوع؟ إذاً نفي وليس بنهي، ويراد من النفي هنا النهي، بل هو أبلغ من النهي الصريح، ((لا ينكح المحرم ولا ينكح)) يعني لا يتزوج بنفسه، ولا يزوج غيره، ولا يخطب، لا لنفسه ولا لغيره، ما دام محرماً، فالمحرم ممنوع من النكاح، والنكاح المنهي عنه يتناول العقد والوطء معاً، ويتناول كل واحد منهما على انفراده، فلا يعقد ولا يطأ، ولا ينكح أيضاً، لا يزوج غير موليته، ولا يخطب امرأة جديدة، لا له ولا لغيره، جاء في الصحيح من حديث ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوج ميمونة وهو محرم؛ لكن هذا وهم من ابن عباس -رضي الله عنهما- فالثابت عن ميمونة نفسها، وعن أبي رافع السفير بينهما أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوجها وهو حلال، إذا عقد المحرم على محرمة مثلاً، والخاطب والسفير محرم، وتم العقد والعاقد محرم، العقد صحيح وإلا باطل؟ صحيح وإلا باطل؟ الزوج محرم، والزوجة محرمة، والخاطب محرم، والعاقد محرم، نعم أنت افترض الأربعة كلهم محرمون، والشهود أيضاً محرمون، والولي محرم، كلهم محرمون، كل الشلة محرمون، وهل يختلف هذا في كون الزوج فقط محرم أو الزوجة فقط محرمة؟ يختلف الحكم؟ ما يختلف الحكم، المقصود أن العقد فيه مخالفة شرعية، فيه مخالفة لما جاء في هذا الحديث؛ لكن هل هذه المخالفة تقتضي ببطلان العقد؟ يعني هل النهي يعود إلى ذات العقد أو إلى شرطه أو يعود إلى أمر خارج؟
طالب:........
العقد صحيح؛ لأن النهي يعود إلى أمر خارج، لا إلى ذات المنهي عنه، ولا إلى شرطه، معنى مقتضى القاعدة.
طالب:........(1/93)
الكلام في العقد، العقد يلزم تجديده وإلا يكفي العقد الأول؟ على مقتضى قول من يقول: كل نهي يقتضي الفساد والبطلان وعدم الصحة هذا باطل، فما حصل نكاح أصلاً يحتاج إلى عقد جديد، والذي يقول: أن النهي لا يقتضي البطلان إلا إذا عاد إلى ذات المنهي عنه، مثل نكاح الأخت، أو الجمع بين الأختين، بطلان لأنه عاد إلى ذات المنهي عنه.
طالب:........
هاه؟ باطل وإلا صحيح العقد مع التحريم الإثم لا بد منه؟
طالب: يا شيخ منهي عن ذات النكاح في الإحرام.
لا لو قلنا بهذا كل شيء أجل منهي عنه، أنت انظر إلى أن ذات المنهي عنه، العقد متكامل بشروطه وأركانه وانتفاء الموانع؛ لكن بعضهم يذكر من الموانع أن لا يكون أحدهم متلبس بالإحرام، فيكون المحل غير قابل، وعلى هذا لا بد من تجديده، ولا شك أن تجديده أحوط، باطل على قول من يرى أن كل نهي يقتضي البطلان، هذا الظاهر، أما من يرون جهة الانفكاك أمر ثاني.
وعن أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه- في قصة صيده الحمار الوحشي، وهو غير محرم، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه، وكانوا محرمين: ((هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء)) قالوا: لا، قال: ((فكلوا ما بقي من لحمه)) [متفق عليه] وعن الصعب بن جثامة الليثي -رضي الله عنه- أنه أهدى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حماراً وحشياً، وهو بالأبواء، أو بودان فرده عليه، وقال: ((إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم)) [متفق عليه].(1/94)
حديث أبي قتادة الحارث بن ربعي حينما صاد حمار الوحش، الحمار الوحشي وهو غير محرم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- مع صحابته محرمون، واستشكل كونه لم يحرم، وقد جاوز الميقات؛ لكن الجواب عنه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بعثه مع مجموعة من أصحابه لاستكشاف حال العدو من جهة الساحل، فلم يحرم إلا بعد، المقصود أنه وقت صيده للحمار الوحشي ليس بمحرم، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما استفصل من صحابته، هل منكم أحد أمره بأن يصيد، أو أشار إليه بشيء، يعني أعانه على صيده، قالوا: لا، قال: ((فاكلوا ما بقي من لحمه)) وفي بعض الروايات: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سألهم هل معكم منه شيء؟ قالوا: معنا رجله، فأخذها النبي -عليه الصلاة والسلام- فأكلها، هذا الحديث يدل على أن من لم يصد الصيد وهو محرم، ولم يصد من أجله، ولم يعن على الصيد أنه له أن يأكل، وحديث الصعب بن جثامة أهدى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حماراً وحشياً، وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه، وقال: ((إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم)) يعني هل العلة كونه محرم -عليه الصلاة والسلام-؟ يعني هل علة الرد كونه محرم؟ هذه العلة موجودة في حديث أبي قتادة، النبي محرم -عليه الصلاة والسلام-، يعني هل هي هذه العلة المؤثرة في الحكم؟ النص على: ((إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم)) المحرم ممنوع، يحرم عليه {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [(96) سورة المائدة] وهو محرم في حديث أبي قتادة، وهو محرم في حديث الصعب، قبل في حديث أبي قتادة، ورد في حديث الصعب، قالوا: الوصف المؤثر هنا أنه في حديث أبي قتادة ما صيد من أجله، وفي حديث الصعب أنه صيد من أجله {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ} [(96) سورة المائدة] المراد بالصيد هنا هل هو المصيد أو الاصطياد؟ هل هو المصيد حرم عليكم {مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [(96) سورة المائدة] أو هو الاصطياد حرام؟ لأنه يصح يأتي هذا وهذا،(1/95)
واللفظ يحتمل هذا وهذا، فالصيد كما يطلق على المصيد، شوف مع واحد حيوان أرنب وإلا طائر مما يؤكل، تقل له: وش هذا؟ يقول: صيد، فأطلق الصيد على المصيد، وتسأل: وين فلان؟ قالوا: راح للصيد، راح يصطاد، فإطلاق الصيد على المصيد ظاهر، وإطلاقه على الاصطياد ظاهر، وفي قوله -جل وعلا-: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [(96) سورة المائدة] يحتمل هذا وهذا، حديث أبي قتادة يدل على أن الممنوع الاصطياد، وحديث الصعب يدل على أن الممنوع الصيد، والفرق المؤثر بينهما أنه في حديث أبي قتادة عند أهل العلم ما صيد من أجل المحرم، وفي حديث الصعب صيد من أجله، ولا يمكن أن يوجد وصف مؤثر غير هذا؛ لأن قوله: ((إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم)) هذه العلة موجودة في حديث أبي قتادة، لو كانت موجودة في حديث الصعب لأثرت في حديث أبي قتادة؛ لكن من باب اللطف والتلطف في الرد ذكرها؛ لأن الإحرام يمنع من أكل الصيد في الجملة، ونحن محرمون، والنص من القرآن ظاهر، فهذا من باب التلطف في الرد؛ لأن من أهدي له شيء ينبغي أن يقبله، ولو كان شيئاً يسيراً حقيراً، في نظره، ((لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسٍ شاه)) فالهدية النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقبل الهدية، ويثيب عليها، فكونه رد هذا واعتذر بهذا العذر المقبول جبراً لخاطر المهدي، أليس بإمكان الصعب أن يقول: أنت حرم صحيح أنت محرم وقبلت من أبي قتادة وأنت حرم؟ ألا يمكن أن يقول هذا؟ لنفترض أن المسألة في غير الرسول -عليه الصلاة والسلام-، اثنين جايبين لك هدية، واحد رجل حمار وحشي، والثاني أرنب، تأخذ من واحد وتأكل، وتقول للثاني: أنا حرم، إذا كنت تعرف أن الظرف الذي من أجله صاد هذا مثل الظرف صار الوصف غير مؤثر؛ لكن إذا كان عندك خبر أن هذا صاحب الأرنب صادها من أجلك، وصاحب الحمار صاده له، ثم بعد ذلك طرأ أن يهديه لك، الوصف مؤثر عند أهل العلم.(1/96)
"أهدى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حماراً وحشياً" وفي بعضها: "عضد من لحم حمار" وفي بعضها: "عجز حمار وحشي" المقصود أن يطلق الكل ويراد به البعض، إطلاق صحيح في لغة العرب، "بالأبواء أو بودان" موضعان معروفان، فرده -عليه الصلاة والسلام- للعلة المذكورة, وقال: "إنا لم نَرُدَه" كذا (نردَه) أو (نردُه) أو (نردِه)؟
طالب: نردُه.
اثبتوا على رأي، بفتح الدال؟ الآن العامل (لم) أثر العامل على ما بعده، (لم) ماذا تفعل في الفعل المضارع؟ تجزم، هنا يمكن الجزم؟ لو قال: لم نقبلْه، فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ ما فيه إشكال؛ لكن الحرف المضعف المشدد، والحرف المشدد عبارة عن حرفين، ساكن ومتحرك، (لم نردَه) المحدثون يفتحون الدال، والمحققون من أهل العربية يضمونها، يعني لو كان الإدغام مفكوك (لم نردده) صار مثل: (لم نقبلْه) ما فيه إشكال؛ لكن في حال الإدغام الجزم لن يظهر، كالتقاء الساكنين {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ} [(11) سورة المجادلة] الأصل مجزوم جواب الطلب (يفسحْ) لكن لالتقاء الساكنين حرك بأي شيء؟ بالكسرة {يَرْفَعِ اللَّهُ} [(11) سورة المجادلة] حرك بالكسرة لتعذر السكون، وهنا تعذر السكون نحركه بأيش؟ بالفتح أو بالكسر؟ مثل (يفسحِ الله) (يرفعِ الله) أو بالضم؟ هم يقولون: فيه ثلاثة أوجه: الضم، وعند المحققين في اللغة العربية هو أقواها، وأضعفها عندهم الفتح، عندهم الكسر أسهل من الفتح، مع أنه يمكن ينطق به الكسر؟ (لم نردِه) لو كان الضمير ضمير مؤنث أهدى إليك أرنب فرددتها، فقلت: (لم نردَها) ما فيه إشكال إنك تفتح بدون تردد؛ لكن باعتبار أن الضمير مرفوع مبني على الضم، ومن باب الاتباع عندهم تُضم الدال المشددة، عندهم شيء يسمى الاتباع، كما تقول: الحمد لله، كسرت الدال وأتبعت اللام، أو تضم اللام لتتبعها الدال، الحمد لله، وكل هذا معروف، من باب الإتباع قالوا: تضم الدال، عندنا(1/97)
الأمر يبنى على ماذا؟ على ما يجزم به مضارعه، اشتريت آلة أو اشترى أبوك آلة وما صلحت، وجد فيها عيب، وقال لك: أعطها صاحبها، وش سيقول لك: (ردِه) وإلا (ردَه) ولا (ردُه) وش بيقل لك؟ الآن عندنا أمر والأمر يجزم على ما يبنى به مضارعه، وش بيقول؟
طالب:........
الهاء مبنية على الضم ما فيها إشكال في المضارع وفي الأمر مبنية على الضم.
طالب:........
انتهينا من المؤنث ما فيه إشكال، حتى عندنا في الحديث لو كانت مؤنث ما عندنا إشكال (ردَها) (لم نردَها) هذا ما فيها إشكال في المؤنث، الإشكال في المذكر الضمير مبني على الضم، نضم الفعل وإلا إيش نسوي؟ طيب ضم لي الأمر، وهو يبنى على ما يجزم به مضارعه، وش بيقل لك أبوك: ردُه وإلا ردَه؟ أنتم تسخرون من الذي يقول: ردُه.
طالب:........
لا، لا، دعنا من فك الإدغام، إذا فككنا انتهينا من كل شيء، فكينا الإدغام ما عندنا مشكلة أصلاً؛ لكن الآن الحديث مدغم، وأمرك أبوك أن تعيد الآلة التي فيها عيب وش بيقل لك؟
طالب:........
يا أخي دعونا من الفك، لو الحديث مفكوك ما صار عندنا مشكلة، الآن عندنا إدغام، والأمر يبنى على ما يجزم به مضارعه، كيف نصوغ الأمر من هذا؟
طالب:........
لا، لا، القاعدة هكذا، متفق عليه أنه يبنى على ما يجزم به مضارعه، أنا أريد أن أقرر أن كلام المحدثين صحيح، ولو تحامل عليهم النووي وخطأهم، ونقول: لم نردَها، أحياناً يتعذر عمل العامل كالتقاء الساكنين، الآن هل يجوز جر الفعل؟ ما يجوز جر الفعل بالكلية، وليس الفعل مما يدخله الجر، الجر من علامات الأسماء، لماذا قلنا: (يفسحِ الله) (يرفعِ الله) والفعل أصلاً ما يجر،
طالب: للتخلص...(1/98)
نعم، ولبيان أثر العامل، لماذا؟ لأننا لا نستطيع أن نرفع، لأننا إذا رفعنا ألغينا أثر العامل، هنا لا بد أن يوجد للعامل أثر، صار ما فيه فرق أن يكون الفعل مجزوم وإلا مضموم، أنا أريد أن أقرر بهذا أن كلام المحدثين صحيح، المحدثون يروونه بفتح الدال، وتحامل النووي وقال: المحققون من أهل العربية، أبداً ولا محققون ولا شيء، في شرح مسلم يقول: "في (رده) ونحو للمذكر ثلاثة أوجه: أوضحها الضم، والثاني: الكسر، وهو ضعيف، والثالث: الفتح، وهو أضعف منه" جاء ما يدل على أن الصعب بن جثامة صاده من أجل النبي -عليه الصلاة والسلام- عند أحمد وابن ماجه، وهذا هو الوصف الحقيقي المؤثر كما ذكرنا.
طالب:........
المؤنث؟ يعني ضمير المؤنث؟
طالب:........
إيه، نعم، وش فيه؟
طالب:........
وين الجمع؟ لم نردَه لم نردَه.
طالب:........
إيه، ما هو بجمع، هو مفرد، المردود شيء واحد.
طالب:........
النون هذه ما لها أثر، أردَه يردَه نردَه، ما يختلف الوضع فيها.
طالب:........
أصلها تضارِر أو تضارَر؟
طالب:........
معروف هذا؛ لكن الأصل في تضارر إذا فككنا وإن كان ما له علاقة، الاحتمال قائم في أن الراء الأولى مكسورة أو مفتوحة، تضارَر، وهذا متجه أن الوالدة ما تضارَر بولدها، إذا طلبت إرضاعه ما يمكن تقول لها: لا؛ لأنه يلحقها الضرر به، كما أن الوالدة لا ترفض إرضاعه ولا حضانته إذا لم يجد غيرها؛ لأنها تضارِر بهذا، المقصود أن كلامهم من حيث التأصيل صحيح؛ لكن ما هو متعارض مع ما قلناه.
طالب:........
هذا أنا أردت أن أقرر الكلام الطويل هذا الذي كثير من الإخوان كأنه مل من تكراره لأقرر أن المحدثين على الجادة.
طالب:........
((ولا ينكح)) يعني ما يتزوج ولا يزوج غيره، لا يكون طرف في العقد باعتباره متزوج سواء ذكراً كان أو أنثى، ولا يكون عاقد ما يزوج موليته وهو محرم.(1/99)
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خمس من الدواب كلهن فاسق، يقتلن في الحرم، الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور)) [متفق عليه].
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خمسة من الدواب)) (من) هذه تبعيضية وإلا بيانية؟
طالب:........
يعني هؤلاء الخمس بعضاً من الدواب، وليس من جنس الدواب لنقول بيان، هي بيانية تبعيضية، خمس من الدواب، الأصل في الدابة كل ما يدب على وجه الأرض يقال له: دابة، وخصه العرف بذوات الأربع؛ لكن هل الاصطلاح العرفي -العرف الخاص- هو المراد في الحديث؟ المراد الإطلاق، كل ما يدب على وجه الأرض، {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [سورة هود:6] {وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} [(60) سورة العنكبوت] طيب الطيور من الدواب وإلا ليست من الدواب؟ {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ} [(38) سورة الأنعام] هذه من الدواب وإلا ليست من الدواب؟ يعني العطف يقتضي المغايرة هنا وإلا تنصيص على بعض أفراد العام؟ مغايرة، يعني الدابة غير الطائر، خمس من الدواب وفيهن الغراب والحدأة طيور وإلا ما هي بطيور؟ إذاً الطائر من الدواب صح وإلا لا؟ إذاً وعطف الطائر على الدابة مغايرة وإلا تنصيص على خاص بعد عام؟ نعم تنصيص وإلا مغايرة؟ نعم تنصيص، وقد يقال: أن الطائر في هذه الآية ليست من الدواب؛ لأن الدابة تطلق بإطلاقات كثيرة؛ لكن الأصل فيها الشمول، كل ما يدب على وجه الأرض يقال له: دابة، وفي الحديث يقال: ((خمس من الدواب كلهن فواسق)) جمع فاسق، والفاسق والفسق أصله الخروج، فسقت الرطبة من قشرها يعني خرجت، والفاسق فاسق لأنه خرج عن الطاعة، وهذه الدواب فواسق، يقتلن في الحل والحرم، ثم ذكر العقرب، وهي المعروفة، والحدأة والغراب والفأرة والكلب العقور، جاء(1/100)
زيادات في روايات منها: "الحية" ومنها: "السبع" وجاء في بعض الروايات: "الذئب والنمر" المقصود أن العلة المؤثرة هنا لنقيس عليها ما يشاركها في العلة، أو نقول: تنصيص وخلاص ما نقيس ما يقتل إلا هذه الخمس؟ وما جاء في النصوص يلحق بها؛ لكن الفسق الوصف هذا له أثر.
طالب:........
العلة منصوصة، وهي الفسق؛ لكن هل يتفق على معنى الفسق هنا؟ الفاسق الخارج، هؤلاء الخمس وما جاء في بعض الروايات من الزيادات خروجهن وفسقهن على ماذا؟ في كونها مؤذية أو في كونها خرجت عن الجادة في أن كل ما خلق للإنسان وهذه لا تُؤكل فهي ليست له؟ أو نقول: العلة الأذى أو نقول: توقيف ما فيه قياس لعدم الاتفاق على العلة؟ منهم من يقول: العلة عدم الأكل في كونها لا تُؤكل، فيقاس عليها كل ما لا يُؤكل إلا ما جاء النهي عن قتله، ومنهم من يقول: العلة الأذى بجامع الأذى كلها مؤذية، فيقتل كل مؤذي؛ لكن هناك أشياء جاء الأمر بقتلها وإن لم تكن مؤذية، الوزغ مثلاً يقتل في الحرم وإلا ما يقتل؟
طالب: يقتل.
والعلة؟
طالب:........
هو القتل والأمر به في الحل هذا ظاهر، والعلة معروفة.
طالب:........
دعونا من الوزغ، ما فيه غير الوزغ، عندك صراصير في البيت تجيب بخاخ وتقتلها، أيش يصير؟ تقتل وإلا ما تقتل؟
طالب:........(1/101)
المذكورة كلها أذاها ظاهر، العقرب والحدأة والفأر والغراب كلها مؤذية، والكلب العقور والسبع والنمر كلها مؤذية، كلها مفترسة عادية؛ لكن يبقى التنصيص على العلة وهي الفسق إذا قلنا: تقتل لأنها فاسقة فسقها هو أشد من فسق من يعصي الله -جل وعلا- على بصيرة؟ ما هو بأشد، فهل نعتبر هذه علة مؤثرة، أو نقول: فسق لكل شيء بحسبه؟ هذه فسقها بالأذى؛ لأن من أهل العلم من يرى أنها يجمعها عدم الأكل، كلها ما تؤكل إذاً كل حيوان ما يؤكل يجب قتله؛ لكن هذا فيه توسع، توسع غير مرضي، ينافي مقتضى كونه حرم آمن، يعني لو شخص رأى حمار يقتله وإلا ما يقتله لأنه لا يؤكل؟ مقتضى هذه العلة، ولا يستفاد منه، لا يركب وتعطلت منافعه، مقتضى قولهم أنه يقتل؛ لكن هذا ليس بصحيح، والذي يظهر وهو الأقرب أنه الأذى، كل مؤذي يقتل، ولذا القاعدة المقررة عند أهل العلم أن كل ما آذى طبعاً يعني طبعه الأذى فإنه يقتل شرعاً. العقرب والحدأة والغراب، جاء تقييده في بعض الروايات بالأبقع، الغراب الأبقع، وهنا مطلق، عندنا مطلق ومقيد، فهل نقيد بالأبقع أو نقول: الأبقع فرد من أفراد الغراب والتنصيص على الفرد لا يقتضي التخصيص؟ على أنه خص اللفظ بغراب الزرع الصغير، هذا نص على أنه لا يقتل، وقال بعضهم: أنه يقتل، والغراب والفأرة مؤذية بطبعها، والكلب العقور لا شك أنه يغشى على الناس منه، يغشى من ضرره فيبادر بالقتل. ((يقتلن في الحل والحرم)) الذي في الصحيحين: ((يقتلن في الحرم)) أما زيادة الحل فهي موجودة في بعض روايات مسلم، وهي من باب الأولى، إذا قتلت في الحرم تقتل في الحل من باب أولى.
طالب:........
سرقت الأمتعة، مؤذية قد تعدو على الأطفال أحياناً مقلقة، نعم، المقصود أنها مؤذية يجمعها الأذى، نعم، الأسد جاء ذكره في بعض الروايات، وهو في حقيقته كلب، كما في حديث: ((اللهم سلط عليه كلباً من كلابك)) فيدخل في الكلب العقور.
طالب:........(1/102)
ثابت أصلاً، مثل هذه الأمور المنصوصة ثابتة، فسقها ثابت هي تقتل مباشرة.
طالب:........
لا، لا، معروف مميز، العقور هذا لا بد أن يستكشف، هذا لا بد من اكتشافه.
طالب:........
عاد الصائل له حكم، لو صال غيره من الأمور التي ليس من أصلها، لو صال أدنى حيوان، وليس من عادته الأذى، الصائل له حكمه، فهذا العقور من وصفه أنه يصول ويهجم.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو محرم" [متفق عليه].
الحديث تقدم في الصيام، احتجم وهو صائم، احتجم وهو محرم، تقدم الكلام فيه؛ لكن يهمنا هنا أن الحجامة بالنسبة للمحرم لا بأس بها؛ لكن إن تطلبت حلق الشعر حلق الشعر محظور من محظورات الإحرام، والمحظور إذا احتيج إليه يفعله من غير إثم؛ لكن مع فدية، بدليل الحديث الذي يليه، فمن احتاج إلى ارتكاب المحظور يرتفع عنه الإثم، وتبقى عليه الفدية، بخلاف من فعل المحظور من غير حاجة، عليه الفدية وعليه والإثم، يحتاج إلى لبس ثوب أو سراويل للتدفئة مثلاً يلبس ولا إثم؛ لكنه مع ذلك يلزمه الفدية، الحديث الذي يليه هو شارح للذي معنا؛ لأن الحجامة لا أثر لها في الأصل إلا باعتبار أنها أحياناً تطلب حلق الشعر، وإذا حلق الشعر للحاجة فدليلها هو حديث كعب بن عجرة الذي يليه.
وعن كعب بن عجرة -رضي الله عنه- قال: "حملت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ((ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى، تجد شاة؟)) قلت: لا، قال: ((فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع)) [متفق عليه].(1/103)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن كعب بن عجرة الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- قال: حملت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ((ما كنت أرى أظن الوجع بلغ بك ما أرى)) لكن هل القمل وجع وإلا سبب الوجع؟ وهنا يكون من باب إطلاق المسبب وإرادة السبب ((ما كنت أرى)) يعني أظن الوجع بلغ بك ما أرى، أتجد شاة؟ الوجع مع القمل، القمل هل هو وجع أو مسبب للوجع أو مسبب عن الوجع؟ يعني هل من الأمراض والأوجاع ما يوجد بسببه القمل، أو أن القمل يوجد ابتداء من غير مرض ولا وجع، ثم ينشأ عنه الوجع؟
طالب:........
أنتم لا تنظرو إلى الظروف التي تعيشونه، نِعم وتيسر أسباب، انظروا إلى بعض المجتمعات تجدوا أن القمل بهذه المثابة، لا عندهم وسائل تنظيف، ولا عندهم... شغلوا بما هو أهم من فلي الرأس، أو فلي الثوب، هذا معروف حتى عند العرب، والرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يفلل -عليه الصلاة والسلام-، مثل الظروف التي نعيشها عندك الوقت أربعة وعشرين ساعة تصرف فيها كما شئت؛ لكن كانت الظروف إلى وقت قريب والناس على عاداتهم وعلى سجيتهم، لا يستحم إلا لموجب صحيح، فيكثر فيهم مثل هذه؛ لكن يبقى السؤال الأصلي وهو لا شك أن القمل يوجد مع ترك النظافة في الجملة، يكثر ويقل بسببها؛ لكن هل هو ناشئ عن وجع في البدن، أو يكون مسبباً لوجع؟ لأن التنصيص على أنه: ((ما كنت أرى الوجع)) يعني هل النبي -عليه الصلاة والسلام- استدل بكثرة القمل على وجود وجع عنده بسبب القمل؟
طالب:........(1/104)
من آثاره، بسببه، ((ما كنت أرى)) يعني أظن ((الوجع بلغ بك ما أرى)) يعني أشاهد ((أتجد شاة؟)) قلت: لا، قال: ((فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع)) هذا فيه دليل على أن الفدية على الترتيب، هنا قال: ((أتجد شاة؟ )) قال: لا، قال: ((فصم)) مفهومه على أنه لو كان يجد شاة للزمته، وأنه لا يعدل إلى الصيام والإطعام إلا إذا لم يجد الشاة؛ لكن ماذا عن الآية التي نزلت بسببه {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [(196) سورة البقرة] و(أو) هنا للتخيير، فلا شك أن التخيير إجماع بين أهل العلم، فمن لزمته فدية الأذى الثابتة بهذه الآية وهذا الحديث فهو مخير إن شاء ذبح، وإن شاء صام، وإن شاء أفطر، طيب عندنا الحديث: ((أتجد شاة؟)) قلت: لا، قال: ((فصم ثلاثة أيام، أو أطعم)) ظاهره الترتيب؛ لكن الترتيب هنا ليس على سبيل الإلزام، وإنما هو من باب المشورة، يعني إن كنت تجد شاة فهي أنفع للفقراء فاذبح من باب المشورة لا على سبيل الإلزام بدليل الآية، والتخيير إجماع عند أهل العلم.
((فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين)) يذكر عن الحسن وعكرمة أنهما قالا: الصيام عشرة أيام؛ لكن الحديث رد عليهم، ((فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع)) ومنهم من يرى أن الإطعام صاع كامل من غير البر، وأن البر نصف صاع، قياساً على الفطرة، زكاة الفطر من رمضان، ومنهم من يرى أنه نصف صاع من غير البر، ومن البر مد؛ لكن الحديث نص في أن الفدية هنا: ((لكل مسكين نصف صاع)) ولذا المتجه في الكفارات كلها أن لكل مسكين نصف صاع.
وصى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بلوغ المرام _ كتاب الحج (3-أ)
حرمة مكة وصفة الحج ودخول مكة(1/105)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً وبعد فقد قال: الإمام الحافظ ابن حجر -رحمه الله- أثناء أحاديث باب الإحرام وما يتعلق به:
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لما فتح الله على رسوله مكة، قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لم تحل لأحد كان قبلي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي، فلا ينفر صيدها، ولا يختلى شوكها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين)) فقال: العباس إلا الإذخر يا رسول الله؛ فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا، فقال: ((إلا الإذخر)) متفق عليه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: لما فتح الله على رسوله مكة: وذلك في السنة الثامنة من الهجرة في رمضان، قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الناس خطيباً، ومن متطلبات الخطبة الحمد والثناء على الله -جل وعلا-.
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: كعادته -عليه الصلاة والسلام- في خطبه، ((أما بعد، فإن الله حبس)):
اختصر هذا، واقتصر على المطلوب، كما أن الراوي لم يسق لفظ الحمد والثناء الذي بدأ به النبي -عليه الصلاة والسلام-.
قال: ((إن الله حبس عن مكة الفيل)): في القصة المشهورة التي استفاضت بل توارت، وذلك لما أراد أبرهة هدم الكعبة، فأنشأ كعبة في بلده؛ ليصرف الناس عن هذه فلم ينصرف الناس، فصمم وعزم على هدم الكعبة، وسار بجيشه إليها، فحبسه الله -جل وعلا- في الوادي المعروف، وادي محسر.(1/106)
((حبس عن مكة الفيل)): هذه القصة أشار إليها النبي -عليه الصلاة والسلام- إشارة هنا، ونزل فيها سورة كاملة، والإشارة هنا باعتبار أنها قضية استفاضت وانتشرت بينهم، ومثل هذه القصة التي تستفيض وتنتشر بين الناس، وتبلغ مبلغ التواتر الذي يفيد العلم القطعي يعبر عنها بالرؤية، كأنها مرئية عندهم، ولو لم يدركوها؛ لأن بعضهم ما أدركها، فجاء الخطاب بقوله -جل وعلا-: {أَلَمْ تَر} [(1) سورة الفيل]، النبي -عليه الصلاة والسلام- ولد عام الفيل، وخوطب بهذا {أَلَمْ تَر}؛ وذلكم لأنها استفاضت واشتهرت، وعرفها الخاص والعام فصارت بمنزلة المشاهد في القطعية، وقل مثل هذا في ما حل بالأمم السابقة: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [(6) سورة الفجر] إلى غير ذلك من القصص التي تستفيض وتشتهر ويعرفها الخاص والعام، تنزل منزلة المشاهد.
قال: النبي –عليه الصلاة والسلام-: ((إن الله حبس عن مكة الفيل))؛ لأنهم مفسدون، ((وسلط عليها رسوله والمؤمنين)) لأنه مصلح.
((وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لم تحل لأحد كان قبلي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار)): فقط، استثناء من الحكم العام؛ لأن الله -جل وعلا- حرم مكة، وجعلها حرماً بلداً آمناً.
وحرمها إبراهيم -عليه السلام- بتبليغ تحريم الله لها: {رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا}[(126) سورة البقرة]، في آيتين: {اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا} و:{اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا}[(35) سورة إبراهيم]، فيه فرق بينهما ولا ما فيه فرق؟
طالب: .......
ما الفرق؟ نعم.
طالب: ..........
يعني اجعل هذا المكان قبل أن يكون بلداً يُجعل بلد موصوف بكونه آمن، فلما قامت بلدة متكاملة أشير إليها، فالإشارة في الأولى إلى المكان، وفي الثانية إلى البلد.(1/107)
((وإنها لم تحل لأحد كان قبلي))؛ لأنها محرمة، ومقتضى التحريم ألا يسفك بها دم، وألا يختلى الخلا -الذي هو الحشيش الرطب- ولا ينفر الصيد، ولا تحل لقطتها وضالتها، إلا لمنشد، حيث لا يتملكها، كما جاء في الحديث وغيره.
((أحلت لي ساعة من نهار)): الساعة هي مدة الفتح، الساعة مقدار من الزمان، وليس المراد بها الساعة الفلكية بحيث يقال أنه أحلت له ستين دقيقة، لا، مقدار من الزمان كافي لإنجاز المهمة.
((وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي)): فلا يحل القتال فيها، لا يحل القتال بعد الفتح، ولا القتل، أما البداءة بالقتال فلا إشكال فيها فإنها لا تجوز، وإذا خرج على الإمام أحد واحتيج إلى قتاله أو ارتكب ما يوجب القتل من قتله لنفس معصومة، مع توافر الشروط وطلب القوَد أو الردة مثلاً، أو زنا مع إحصان، أو غير ذلك مما يوجب القتل، فالمسألة خلافية بين أهل العلم، هل يقتل فيها من استحق القتل أو يضيق عليه حتى يخرج فيقتل خارج الحرم؟ مسألة معروفة عند أهل العلم، لكن القتل بحق يرى جمع من أهل العلم أن من استحق القتل شرعاً لا يدخل في التحريم؛ لأنه ليس له حرمة، فيكون قتله كقتل بهيمة الأنعام، حلال ما دام مستحقاً للقتل.
((فلا ينفر صيدها)): الصيد الآمن المستقر لا يتعرض له بحيث ينتقل من مكان إلى آخر، ومن باب أولى إذا كان بقصد الإخراج من الحرم حتى يقتل، حتى قال بعض العلماء أنه لو وقع صيد على ثوبه فأراد أن يلبس هذا الثوب، ومن مقتضى ذلك أن الطائر يطير، فيعرض له ما يقتله يكون مسئولاً عنه؛ لأنه متسبب، يعني افترض أنك علقت ثوبك في مكان، فجاءت حمامة وقعت عليه، أردت الثوب فطارت، ضربت الحمامة بالمروحة وماتت، عند بعض العلماء تضمن؛ لأنك نفرته، فأنت متسبب في قتله، وهذا من المبالغة في تعظيم هذا البلد الآمن، فما أعظم جرم من يخيف الناس فيه، نسأل الله السلامة والعافية.(1/108)
((ولا يختلى خلاها)): يعني لا يقطع شوكها، لا يقتلع شوكها، يعني لا يقطع، والخلا: الذي جاء في بعض الروايات هو الحشيش الرطب، فإذا يبس قيل له حشيش، فلا يختلى ولا يقطع، ولا الشوك وإن زعم بعضهم أن الشوك يقطع؛ لأنه مؤذي كالفواسق قياساً على الفواسق، لكنه قياس فاسد الاعتبار لماذا؟ لأنه في مقابل النص، قياس في مقابل النص فهو فاسد.
((ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد)): الضالة، اللقطة لا تحل إلا لمنشد لمن يعرفها أبد الدهر، بحيث لا يتملكها بعد التعريف، بخلاف اللقطة في غير مكة، تعرف سنة ثم تملك.
((ومن قتل له قتيل فهو -أي ولي الدم- بخير النظرين)): بخير النظرين، يعني له الخيار، له الخيار، إما أن يفدي القتيل ويدفع الدية إذا اختار ذلك ولي الدم، وإما أن يقيد من نفسه فيقتل به، يعني مع الكفاءة وتوافر الشروط وطلب ولي الدم، وكأن في هذا إشارة إلى أن القصاص يجوز في مكة؛ لأنه سيق مع تحريم مكة، وأنها محرمة أبد الآباد إلا في هذه الساعة التي أبيحت وأحلت للنبي -عليه الصلاة والسلام-.
فقال: العباس: ابن عبد المطلب عم النبي -عليه الصلاة والسلام-: "إلا الإذخر يا رسول الله": هو عم النبي -عليه الصلاة والسلام- وجاء في الحديث الصحيح بشأنه أن عم الرجل صنو أبيه، لكن هل لهذه القرابة أثر في تقرير حكم شرعي؟(1/109)
قال العباس: إلا الإذخر: يعني لو قاله شخص من أبعد الناس قال: إلا الإذخر يا رسول الله، فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا، هل يتأثر الحكم، يعني قال: فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إلا الإذخر)) يعني لو تصورنا أن شخصاً من أبعد الناس، من أطرف القبائل، فقال: يا رسول الله، إلا الإذخر فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا، يتصور أن يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- لا؟ وهل إجابة الطلب والاستثناء نزولاً على رغبة العباس برأيه -عليه الصلاة والسلام- مراعاة لخاطر عمه أو بوحي من الله -جل وعلا-؟ أو باجتهاد أقر عليه -عليه الصلاة والسلام-؟؟ ليست مجاملة أبداً، يسمى عند أهل العلم الاستثناء التلقيني، لكن الوحي نزل بالاستثناء؛ نظراً للحاجة الداعية إليه.
وهل يمكن أن يقال: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يخطر بباله حينما تكلم بما ذكر ولا يختلى شوكها ولا يختلى خلاها، والإذخر حشيش نبت طيب الرائحة يجعلونه في القبور بين اللبِن؛ لئلا يتسرب التراب إلى الميت إذا نصب اللبن على اللحد يجعل بينه أذخر، وكذلك في البيوت يجعلونه بين الأخشاب؛ لئلا يتسرب الطين وينزل من بين الخشب، المقصود أنهم يستفيدون منه وإلا فهو داخل في الخلا والحشيش الذي لا يقطع ولا يختلى، لما ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- أنها لا ينفر صيدها ولا يختلى خلاها ولا يقطع شوكها ولا كذا ولا كذا يعني هل في ذهنه استثناء الإذخر أو ليس في ذهنه؟
المقصود أن إقرارا الاستثناء بوحي من الله -جل وعلا-: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3-4) سورة النجم]، ولا لأحد أي مدخل في التشريع وفي الوحي.(1/110)
بعض الكُتَّاب يكتب في الصحف أن بعض الأحاديث وبعض الأحكام اكتسبت من الحضارات الأخرى، واستفيدت من الأمم المجاورة، ويستدل على ذلك بحديث: ((كنت قد أردت أن أنهى عن الغيلة -يعني الرضاعة وقت الحمل- فإذا فارس والروم يغيلون فلا يضرهم)) تأثر النبي -عليه الصلاة والسلام- بفعل فارس والروم، وعدل عن الحكم وبيانه، هل هذا الكلام صحيح؟
هذا الكلام يكتبه بعض أهل الزيغ الذين يتتبعون أمثال هذه المتشابهات، علماً بأن الحديث ليس من المتشابه، واضح الغيلة تضر، لكنها بالنسبة لبعض الناس دون بعض، والشرع للجميع، الرسالة عامة لجميع من على وجه الأرض بعد بعثته -عليه الصلاة والسلام-، ليست للعرب خاصة، هي في بلاد العرب وفي بيئتهم قد تضر، والذي يضر ينهى عنه، لكن لما كان التشريع عاماً للناس كلهم عربهم وعجمهم، العرب وفارس والروم والبربر والترك وغيرهم، وما نسبة العرب بالنسبة لغيرهم؟ نسبتهم قليلة، والحكم للغالب، لما رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- أن الغالب لا يتضرر عدل عن النهي؛ لأن الحكم للغالب، ويبقى الأمر بالنسبة لمن يتضرر ينهى عن ذلك للضرر، فلا مدخل لأحد في تشريع حكم كائناً من كان، لا العباس ولا غير العباس، ولولا أن هذا نزل الوحي بإقراره، أو اجتهاد من النبي -عليه الصلاة والسلام- ووفق عليه ولم يعاتب عليه، على الخلاف بين أهل العلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كل ما يقوله وما يحكم به ينزل به الوحي أو يجتهد، له أن يجتهد ويقر على اجتهاده، أو يعاتب عليه كما جاء في بعض المسائل.(1/111)
المقصود أن هذا مقر شرعاً، وقل مثل هذا في الرؤيا، عبد الله بن زيد بن عبد ربه في الأذان، قد يقول: قائل هل الرؤيا يثبت فيها حكم شرعي؟ نقول لا، لا يثبت فيها حكم شرعي، هذه الرؤيا رؤيا الأذان اكتسبت الشرعية من إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو لا يقر على باطل، وعلى هذا من جاء برؤيا تخالف ما جاء في النصوص فلا التفات إليها، مهما بلغت منزلة رائيها.
"إلا الإذخر يا رسول الله، فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا فقال: ((إلا الإذخر)) متفق عليه: هناك نصوص قد يتذرع بها بعض من يتتبع المتشابه.
هناك كلمة أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن ينهى عنها فمنعه الحياء، اللي هي "ما شاء الله وشئت"، وهل الحياء يمنع من إقرار الحكم؟ نعم؟
ليس فيها حكم شرعي، ما ورده عن الله -جل وعلا- ما يقتضي المنع، وأراد أن ينهى عنها لما فيها من المبالغة في تعظيمه الذي لم يرد الشرع بالنهي عنه.
كل إنسان سوي لا يحتمل المبالغة في تعظيمه، لكنه لما كان الدافع إلى ذلك التعظيم يخجل الإنسان أن يرد مثل هذا، وهذا في المسائل التي لا دليل فيها، أراد أن ينهى عنها لما فيها من المبالغة في تعظيمه -عليه الصلاة والسلام- ولم يأت إليه ما يقتضي التحريم، فلما قيل له إنكم تقولون كذا وكذا جاء الخبر بتحريمها فحرم وجزم بالتحريم، فأراد أن ينهى عنها لما فيها من المبالغة.
وبعض الناس لا يحتمل بعض أنواع التقدير والاحترام الذي يقدم عليه، لا سيما من الكبار، فيتمنى أن يكف هذا عن مثل هذا، إلا أنه يخجل يعني ما فيه مبرر أن يمنعه، وإن كانت المسألة نفسية.
لما جاء الخبر أو جاء الوحي بتحريم هذا اللفظ ما تردد في تحريمه -عليه الصلاة والسلام-.
فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((إلا الإذخر)): فالبيت معظم والحرم محترم فلا يجوز انتهاكه بحال من الأحوال.(1/112)
من أفسد واعتصم به ولم يخرج أو بغى على الإمام وخرج عليه، الجمهور على أنه يقاتل؛ لأنه مستحق للقتل، ولا حرمة له، وإن ضيق عليه حتى يخرج كما يقول بعض أهل العلم، ففيه أيضاً تحصيل لمصلحة تعظيم البيت، وتحصيل لمصلحة قمع مثل هذا، أما إلا إذا كان هناك من يمده بالمؤونة بحيث يبقى أطول مدة ويسري فساده ويعرض فساده، مثل هذا يبادر والله المستعان.
في قوله -عليه الصلاة والسلام: ((سلط عليها رسوله..)) ((أحلت له)) مع ما يعرف من أنه -عليه الصلاة والسلام- دخل وعليه المغفر، هو دخل من جهة وخالد من جهة، وحصل قتل يستدل بها الجمهور على أن فتح مكة كان عنوة، والشافعي -رحمه الله- يرى أنها فتحت صلحاً ويستدل ويؤيد كلامه بأنها لم تقسم بين الغانمين، والجمهور على أنها فتحت عنوة، والأدلة على ذلك ظاهرة، وكونها لم تقسم تكون مما منَّ به النبي -عليه الصلاة والسلام- على أهل هذا البيت من أقاربه وعشيرته وغيرهم منَّ بذلك كما منَّ عليهم بذواتهم، وأنهم طلقاء منَّ عليهم بممتلكاته كما فعل في غنائم حنين قسمها ثم أعادها.
وعن عبد الله بن زيد بن عاصم -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها ومدها بمثلي ما دعا إبراهيم لأهل مكة)) متفق عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن عبد الله بن زيد بن عاصم: هذا راوي حديث الوضوء، وهو غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي خبر الأذان، وإن زعم بعضهم أنهما واحد -.(1/113)
رضي الله عنه-أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن إبراهيم)) الخليل -عليه الصلاة والسلام- ((حرم مكة)): في بعض الروايات: ((إن الله)) -جل وعلا- ((حرم مكة)): والأحكام مردها إلى الله -جل وعلا- فهو الذي يحرم وهو الذي يبيح ويحلل، لكن الأنبياء يبلغون عن الله -جل وعلا- هذه الأحكام، فإذا نسب التحريم والتحليل إلى من الله -جل وعلا- فهو الأصل، وإذا نسب إلى أحد من أنبيائه ورسله فباعتبار التبليغ، والله -جل وعلا- يتوفى الأنفس حقيقة، ويتوفاها رسله على سبيل النيابة.
((إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها)): {رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [(126) سورة البقرة].
((ودعا لأهلها، وإني حرمت المدينة)): المدينة: هذا اللفظ إذا أطلق يراد به مدينة النبي -عليه الصلاة والسلام- طيبة، مهاجر النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا على الإطلاق.
وبعضهم يدلس إذا اشتهرت المدينة النبوية بشيء يمتاز عن غيره ووجد في غيرها ما هو دونه من السلع، بعضهم ينادي هذا مثل أن يقول: هذا نعناع المدينة، هذا وجد فإذا شممته ما وجدت رائحة نعناع المدينة، فإذا نوقش قال: نعم، هذا نعناع المدينة، أنا أقصد الرياض أو الخرج أو القصيم أو كذا المدينة.
فالمدينة إذا أطلقت يراد بها المدينة النبوية، ((وإني حرمت المدينة))، يعني هل لأهل جدة أن يقولوا لنا نصيب من هذا الحديث؛ النبي حرم المدينة وجده مدينة أو الرياض مدينة؟
ليس لهم نصيب من هذا.
((وإني حرمت المدينة، كما حرم إبراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها ومدها)): يعني بالبركة فيما يكال بالصاع والمد أن يبارك فيه، ودعا -عليه الصلاة والسلام- بنقل الحمى منها إلى الجحفة، فدعا بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة.
والبركة ظاهرة بسبب الدعوة النبوية، يلمسها كل من يسكن في المدينة أو يفد إلى المدينة، ولو قصرت مدت إقامته.(1/114)
مقتضى التحريم ((وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة)) من بعض الوجوه، لا من جميع الوجوه، صيد المدينة حرام وإلا حلال؟ نعم؟
طالب:..........
والشجر نعم؟
طالب:..........
هم يختلفون بالنسبة لتحريم هذه الأمور بالنسبة في المدينة مع اتفاقهم على النص الوارد في مكة، أما بالنسبة للتحريم بعضهم يرى أن هذه الأمور محرمة لكن لا جزاء فيها، هي محرمة لا جزاء فيها، مع تحريمها لا جزاء فيها، وأقيمت الحدود بالمدينة ولا خلاف في إقامة الحدود في المدينة كالخلاف في إقامتها بمكة؛ الحدود بمكة بعضهم يخالف.
حدود المدينة النبوية:
وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: قال: النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((المدينة حرم ما بين عير إلى ثور)) رواه مسلم.
يقول -رحمه الله تعالى-: وعن علي -رضي الله تعالى عنه- قال، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
((المدينة حرم ما بين عير إلى ثور)): هما جبلان بالمدينة في شمالها وجنوبها، وبعضهم يشكك في ثور ويجعل هذه الكلمة وهم؛ لأن جبل ثور معروف أنه بمكة، فيقول: هذا وهم، لكن بالتحري والتأكد، وسؤال أهل البلد من قبل أهل العلم وجد أن بالمدينة جبلاً يقال له ثور، قريب من أحد، فحدودها من الشمال إلى الجنوب ما بين عير إلى ثور، ومن الشرق إلى الغرب ما بين اللابتين، ما بين لابتيها.
طالب:.........
نعم الجبلين نعم ومن الشرق إلى الغرب اللابتين، والصنعاني يرى أن هذا الحديث مفسر للابتين، أي ما بين عير إلى ثور تفسير لما بين اللابتين، لكن هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن الحرتين شرقية وغربية، وهذان الجبلان يكتنفان المدينة من الشمال إلى الجنوب.
قال: الإمام الحافظ بن حجر -رحمه الله-:
باب صفة الحج ودخول مكة:(1/115)
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حج فخرجنا معه، حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس، فقال: ((اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي))، وصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، ثم ركب القصواء، حتى إذا استوت به على البيداء أهلَّ بالتوحيد: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك))، حتى إذا أتينا البيت استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم أتى مقام إبراهيم فصلى ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: (({إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ}[(158) سورة البقرة]، أبدأ بما بدأ الله به)) فرقي الصفا حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على شيء قدير، لا إله إلا الله أنجز وعده، ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده))، ثم دعا بين ذلك ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعد مشى إلى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا" فذكر الحديث وفيه: "فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، وركب النبي -صلى الله عليه وسلم- فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، فأجاز حتى أتى عرفه، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس، ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر، ولم يصلِّ بينهما شيئاً، ثم ركب حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً، حتى غاب القرص ودفع وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده اليمنى: (( يا أيها الناس، السكينة، السكينة)) كلما(1/116)
أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وأقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح، بأذان وإقامة، ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا وكبر وهلل، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، فدفع قبل أن تطلع الشمس حتى أتى بطن محسر، فحرك قليلاً ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر، ثم ركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر" [رواه مسلم مطولاً].
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب صفة الحج ودخول مكة: وذكر فيه أحاديث منها ومن أشملها حديث جابر في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو حديث جليل عظيم عني به أهل العلم وصنفوا في شرحه المؤلفات، واستنبطوا منه الفوائد، وهو بمجموعه وبرواياته منسك متكامل لنسك صحيح كامل.
يقول: وعن جابر-رضي الله تعالى عنهما-: جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حج: يعني أذن بالحج وأمر بتبليغ الناس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- عازم على الحج، فاجتمع بالمدينة خلق كثير؛ كلهم يريد أن يأتم ويقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ليؤدي هذه الفريضة العظيمة والركن من أركان الإسلام على مراد الله -جل وعلا- على وجه مرض لله تعالى.
فخرجنا معه: يعني من كان من أهل المدينة ومن وفد إليها من الأطراف.
حتى أتينا ذا الحليفة: الميقات، فولدت أسماء بنت عميس: زوجة أبي بكر الصديق، وكانت قبله تحت جعفر بن أبي طالب، وبعد أبي بكر تزوجها علي بن أبي طالب.(1/117)
فولدت أسماء بن عميس، خرجوا من المدينة مسافة قصيرة ويسيرة، فولدت هذه المرأة، والذي يغلب على الظن أن مقدمات الولادة بدأت قبل خروجها من بيتها، ومع ذلك حرصها وهي تمثل النساء في زمنه -عليه الصلاة والسلام- بحرصها على دينها وعلى الاقتداء والائتساء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- خرجت وهي في الطلق، والناس اليوم يسوفون ويتعللون ويعتذرون، تقول للواحد أو للواحدة: حج هذا العام ما تدري ما يعرض لك، ومع ذلك يقول -مثل ما ذكرنا سابقاً-: تسليم البحث في أول يوم من الدارسة، هذه امرأة في الطلق تخرج عشرة كيلو ثم تلد.
كثير من الناس مجرد ما يعرف أن المرأة حامل، مجرد ما يخرج التحليل يقول: خلاص ما فيه امكثين في المكان، لا روحة ولا جية، لا حج ولا غيره، وكل هذا يعبر عن الاهتمام والتساهل، فالذي يهتم بالأمور الدنيوية تجده يحتاط لها أشد الاحتياط، وأمور العبادات على التراخي.
ذكرنا أن بعض الناس يتعذر بالبحث وبعضهم يقول: هذه السنة ربيع، أعذار واهية، وأسماء بنت عميس بعد أن أخذها الطلق تمشي للحج، ولا شك أن الاعتماد على الله والارتباط به له أثر كبير في حياة الناس.
يذكر الجيل الذي قبلنا أن المرأة في الشهر التاسع وقبيل الولادة تزاول من الأعمال ما لا يستطيع كثير من الرجال في هذا الوقت، تجذ النخل الطوال وهي في التاسع من الحمل، نعم، وتجلب الماء من الأماكن البعيدة وتحمل الثياب لغسلها في موارد المياه، وتخدم زوجها وضيوفه، ومع ذلك هي على هذه الحالة، ومع ذلك لما فتحت الدنيا واسترخى الناس صار أدنى شيء يؤثر، فالله المستعان.(1/118)
ولدت أسماء بنت عميس: في آخر القعدة قبل دخول الشهر بخمس ليالي ولدت، طيب، متى يتوقع أن تنتهي من النفاس؟، يعني إذا كان نفاس عادي أربعين يوم، فهي لن تنتهي من نفاسها إلا بعد خروج شهر ذي الحجة، مع أن النفاس لا حد لأقله، فلم يذكر في قصتها أنها أخرت الرفقة أو تأخرت عن الرفقة، فلعلها طهرت في مدة يسيرة ولحقت بالناس، لكن اليوم يحسب لهذه الأمور حسابات طويلة، كثير من الناس إذا ذهب بموليته من زوجته أو ابنته يسأل عن الاستثناء، يقول: احتمال تنزل الدورة الشهرية ثم تحبسنا، المشقة اللاحقة بالناس قبل شيء ما يتصور يعني، بعض الجهات أشهر حتى يصل إلى مكة، نحن في سويعات نذهب ونرجع، ومع ذلك نحتاج نستثني ونحتاج نحتاط على شان ما تحبس الرفقة، وبعضهم بينه وبين مكة ساعتين أو ثلاث أو خمس ثم بعد ذلك يلجأ إلى القول بأن الحائض تطوف لئلا تحبس الرفقة!!
الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أحابستنا هي))، دلَّ على أنها تحبس الرفقة، الناس ما يصبرون على مثل هذا ولا زمن يسير؟
فعلى المسلم أن يهتم بدينه ويعظم شعائر الله في نفسه، لا يتساهل بمثل هذا التساهل، أما أن يستثني ويعود بها بعد أن أحرمت، وبعضهم يقول: لا ما يحتاج تحرم، يحتاج عمرة؛ لئلا تحبسنا، كل هذا من التساهل والتفريط بالأجور العظيمة المرتبة على هذه الأعمال.
ولدت أسماء بنت عميس فقال: ((اغتسلي))، قال -عليه الصلاة والسلام-: ((اغتسلي)) كما يغتسل من أراد الإحرام، فدل هذا على أن الحائض والنفساء تغتسل عند إرادة الإحرام، وأنها تحرم مثل الناس إحرام عادي، تدخل في النسك، وتفعل جميع ما يفعله الحاج إلا الطواف.(1/119)
((افعلي ما يفعله الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)): وهذا العموم يشمل جميع ما يتطلبه الحج من أركان وواجبات وسنن ولا يستثنى من ذلك إلا الطواف، ولا يعني أنه بعمومه يتناول قراءة القرآن كما قال البعض، يقول: الحاج يقرأ القرآن إذن الحائض تقرأ القرآن، إذ أنه يقول: افعل جميع ما يفعله الحاج ومن ذلك قراءة القرآن! لكن قراءة القرآن ليست من أعمال الحج المقصودة، فلا تحتاج إلى استثناء في مثل هذا.
((اغتسلي واستثفري)): يعني تحفظي، الاستسفار عندهم أن يربط حبل في وسط البدن، ثم يؤتى بخرقة يلف بها الفرج وما حوله وترتبط بهذا الحبل.
((استثفري بثوب وأحرمي)): دليل على أن الحائض والنفساء تحرم؛ إحرامها صحيح وتغتسل قبله على سبيل الندب.
وصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد: خرج من المدينة، بعد مدة يسيرة وصل إلى المحرم -ذي الحليفة- صلى بالمدينة الظهر أربعاً، ثم صلى بذي الحليفة العصر ركعتين ثم المغرب ثم العشاء ثم الفجر ثم الظهر، ثم أحرم وإحرامه بعد صلاة الظهر، وإن قال بعضهم إنها بعد الفجر، هو صلى ركعتين سواء كانت الظهر أو الفجر.
وصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد: ووقع إحرامه بعد صلاة، ولذا يستحب العلماء أن يكون الإحرام بعد صلاة، إن كانت فريضة فبها ونعمت، وإلا صلى ركعتين نافلة، ومنهم من يرى أن الإحرام ليس قبله صلاة، وإنما وقع هذا اتفاقاً من النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر ثم أحرم، لكن مقتضى حديث صل في هذا الواد المبارك وقل، مقتضاه أن الإحرام يكون بعد صلاة؛ للربط بين الأمر بالصلاة والأمر بالإحرام، وهذه حجة من يقول: هناك سنة للإحرام، إن لم يكن هناك فريضة تغني عنها، وله وجه.(1/120)
وصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به على البيداء أهل بالتوحيد: وعرفنا في حديث ابن عباس السابق أنه بعد أن صلى في المسجد أحرم أهل، ثم لما استقلت به دابته أهل، ثم لما استوت به على البيداء أهل بالتوحيد، وكل ذكر ما سمع.
أهل بالتوحيد: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك)): أهل بالتوحيد، بتوحيد الله -جل وعلا- خلافاً لما كان عليه الناس في الجاهلية من الشرك بالله تعالى، لبيك لا شريك لك إلا شريكاًَ هو لك، تملكه وما ملك، هذا الشرك بعينه، ولذا جاءت تلبيته -عليه الصلاة والسلام- بالتوحيد: ((لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك)): إن وأن روايتان، وهي جملة تعليلية, لا شريك لك. حتى إذا أتينا البيت استلم الركن: المراد به الحجر الذي في الركن، استلم الركن، ثم شرع في الطواف استلام الركن سنة، يحرص عليها الحاج والمعتمر؛ اقتداء به -عليه الصلاة والسلام- إن لم يتيسر له الاستلام بيده استلمه بما في يده من عصا ونحوه، وإن لم يتيسر أشار إليه.
ثم شرع في الطواف فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً: الرمل الإسراع، الهرولة ثلاثاً: يعني ثلاثة أشواط، وإذا حذف التمييز جاز التذكير بالتأنيث، فرمل ثلاثاً، والرمل سنة؛ وسببه أن المشركين في عمرة القضاء قالوا: يأتي محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، وجلس المشركون مما يلي الحجر، فرمل النبي -عليه الصلاة والسلام- الشوط الأول والثاني والثالث، ثم يمشي بين الركنين؛ لأن المشركين لا يرونهم، وليس في هذا مراءات وإنما هي إغاظة للكفار: {وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ} [(120) سورة التوبة]، هذا من إغاظتهم، فهو مشروع.
يقول: حتى إذا أتينا البيت استلم الركن: والبيت: المراد به الكعبة وتحيتها الطواف، والمسجد أوسع، وتحيته الركعتان.(1/121)
حتى إذا أتينا البيت استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً: ولم يمنعه -عليه الصلاة والسلام- من الرمل في الأشواط السبعة إلا الإبقاء عليهم؛ لأنه بعد السفر وبعد التعب شاق، فيشق على بعضهم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- نبي الرحمة، نبي الرأفة يعز عليه ما يشق على أمته، ولذا ندم على دخوله البيت؛ لئلا يشق على أمته -عليه الصلاة والسلام-.
والسبب والباعث والعلة في مشروعية الرمل قول المشركين، ارتفع هذا السبب بعد ذلك، فهل ارتفع الحكم؟
لا، لمَّا جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع رمل ثلاثة أشواط، لكن بدلاً من أن يمشي بين الركنين استوعب الأشواط الثلاثة بالرمل، وهذا هو الفرق، وهذا في أول طواف، الرمل يشرع في أول طواف بعد ما يقدم الإنسان، ويكون معه الاضطباع: بأن يخرج منكبه الأيمن، ويجعل طرفي الرداء فوق منكبه الأيسر.
مشى أربعاً ثم نفر إلى مقام إبراهيم: مقام إبراهيم، ويطلق على المكان الذي قام فيه، كما أنه يطلق على الحجر الذي في هذا المكان.
وهل السنة متعلقة بالمكان أو بالحجر؛ لأن الصيغة مقام تشمل المكان كما هو الأصل الذي قام فيه، والحجر الذي قام عليه، فهل الحكم مرتبط بالحجر أو بالمكان؟
في وقته -عليه الصلاة والسلام- الحجر في مكانه ملاصق للكعبة، ثم أبعد عنه قليلاً في زمن عمر -رضي الله تعالى عنه- فهل الحكم متعلق بالمكان والمقام يتناوله أو هو متعلق بالحجر؟
يعني لو اقتضت المصلحة أن الحجر يبعد أيضاً ويكون في الأروقة، تكون السنة تتبع هذا الحجر في الأروقة وتترك المساحة الطويلة بينه وبين الكعبة، أو أن الحكم متعلق بالبقعة التي قام فيها؟
طالب: ..........(1/122)
لأن الأصل أن يبقى الحجر في مكانه؛ لأنه ترتبت عليه أحكام شرعية، لكن لما اجتهد الخليفة الراشد وأبعده عن مكانه صار للاجتهاد فيه مسرح، يأتي من يأتي فيما بعد يقول: أنه الآن حجر ضيق على الناس، وألف في هذه المسألة رسائل، مقام إبراهيم وهل يجوز تقديمه وتأخيره مسألة معروفة عند أهل العلم، وكتب فيها المعلمي بهذا الاسم "مقام إبراهيم"، ثم رد عليه "نقض المباني من فتوى اليماني" ثم رد على من رد عليه، المقصود أن المسألة طال فيها الكلام، فإذا قلنا أن المسألة تقبل الاجتهاد، فإذا كان وجوده مضر بالناس وتسبب في وفيات وزحام وما أشبه ذلك ورأى المجتهدون -مجتهدو الأمة في عصر من العصور- واتفقت كلمتهم على أنه ينقل، مسألة خلافية بين أهل العلم، لكن الذي يهمنا الحكم الشرعي: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة]، هل نتبع الحجر أينما ذهب به؛ لأن الأحكام متعلقة به أو المكان الذي قام فيه إبراهيم -عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا- أو نقول يبقى الحجر في مكانه، ولا يجوز أن نتعرض له بشيء والحكم متعلق به؟
طالب:.........
يكون الحجر الذي هو المقام بين المصلي والقبلة، لكن أنت افترض أنه اجتهد العلماء وقالوا: هذا الحجر الذي ضيق المقام يبعد ويدخل في الأروقة..
طالب: ..........
وراء الأروقة، يعني ولو اقتضى الأمر أن الناس يصلون وراءه مع شدة الزحام وخرجوا عن المسجد.
طالب:.........
إي لكن أين مقام هذه الكلمة، بتصريفها تشمل البقعة، يعني لولا أن الاجتهاد من الخليفة الراشد عمر -رضي الله تعالى عنه- لكان المتجه أن يبقى في مكانه؛ لأنه تعلقت به أحكام شرعية، وجد هذا الاجتهاد من هذا الخليفة الراشد الذي أمرنا بالاقتداء به والعمل بسنته، فيه أحد يتطاول على عمر بن الخطاب ويقول: فعل عمر أو اجترأ عمر، لا ما هو بصحيح، خلافاً لما يقول:ه بعض الناس البدعة سيئة ولو كانت من عمر، هذا ليس بصحيح.
طالب: ..............(1/123)
يعني الآن خلِّ الحجر وراءنا، ونصلي إلى القبلة.
طالب: ...........
طيب المكان هو الأصل، الآن الحجر ليس في مكانه.
طالب: ...........
الآن منقول الحجر عن مكانه الأصلي، نستدبر الحجر ونصلي إلى الكعبة نفس المقام مكان المقام الأول؟
طالب: ............
هذا بناء على أن المقام المكان الذي قام فيه، وأن الحجر كغيره من الأحجار، لكن أيضاً كما يتناول المكان يتناول الحجر الذي قام عليه هو مقام، نعم، يعني مثل ما تقول لهذا الكرسي هذا مقعد فلان، أزيل هذا الكرسي وجيء بكرسي آخر، نعم، يستمر مقعد فلان باعتبار ما كان؟.
طالب: يا شيخ بارك الله فيك، لو نظرنا إلى التنويه الذي وقع في الآية، لعلمنا أن الله نوه على هذا المكان لما حصل فيه، وهو البناء –بناء البيت- فينظر إلى المكان بغض النظر عن الحجر الذي كان قد اعتلاه إبراهيم عليه السلام.
يعني أننا نقول هذا الحجر كغيره من الأحجار.
طالب: نعم، والعبرة بالبقعة.
لكن يبقى أنه على هذا أننا نستدبر المقام الآن؛ لأن مكانه والمكان الذي قام فيه قريب جداً من الكعبة.
طالب:..........
خلنا من ظروف الزحام وغيرها، ما صليت خلف المقام، لو استدبرت ما صليت خلفه صليت أمامه.
طالب:..........
إيه هذا يضطر إليه إما للزحام الشديد، أو للاتقاء عن الشمس في صلاة العصر مثلاً في ظل الكعبة، المسألة كلها سنة يعني صليت خلف المقام، أو صليت بعيد عنه في المسجد أو صليت خلف المسجد -الركعتين- عمر -رضي الله تعالى عنه- صلى الركعتين بذي طوى، لكن المسألة في تحقيق السنة، كونهم صلوا أمامه أقرب إلى الكعبة خالفوا {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [125) سورة البقرة]، لكن تبقى أن مخالفة السنة قد يعتريها ما يعتريها قد يوجد ما يرجحه عند الحاجة.
طالب: .........(1/124)
أنا أقول لا بد من اعتبار الأمرين معاً، فإذا كان وجود المقام باجتهاد، ممن له الاجتهاد، في المكان الذي تمكن الصلاة فيه لا شك أن هذا هو الأصل؛ لأن الأمر مرتبط بالأمرين كلاهما يقال: لهما مقام، لكن لو قدر أن هذا الحجر وهو المعتبر -النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى خلف هذا الحجر- وهو معتبر وملحوظ في النص لو أبعد عن مكانه ما صار مقام، فالمعتبر الأمرين معاً.
يقول: ثم نفر إلى مقام إبراهيم -عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا- فصلى: صلى الركعتين ركعتي الطواف، الطواف الذي طافه النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا طواف القدوم، وهو سنة، فصلى الركعتين، وهما ركعتا الطواف خلف المقام؛ امتثالاً للأمر، وهاتان الركعتان سنة عند جمهور أهل العلم، ويرى بعضهم الوجوب؛ لأنه ما ثبت أنه طاف ولم يصلِّ -عليه الصلاة والسلام- ومنهم من يرى أن حكم هاتين الركعتين حكم الطواف، فإن كان الطواف واجباً كانت الركعتان واجبتين، وإلا فهما سنة تبعاً للطواف.
فصلى ثم رجع إلى الركن فاستلمه: رجع إلى الركن، والمراد به الحجر الأسود فاستلمه، كل ما حاذى الركن استلمه إن أمكن، وإلا فبالمحجن، وإلا أشار إليه وكبر، وهذا يقتضي أنه يكبر في الأشواط السبعة بداية ونهاية، ففي الطواف في الأشواط السبعة يكبر سبع وإلا ثمان؟
كل ما حاذى الركن كبر.
طالب: ثمان؟
نعم ثمان؛ لأنه في البداية والنهاية، كما جاء في حديث جابر في المسند وغيره: "كنا نطوف مع النبي -عليه الصلاة والسلام- فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة" يعني في البداية والنهاية، ومقتضى هذا أنه يكبر ثمان في الأشواط السبعة في الفاتحة والخاتمة.
ثم خرج من الباب إلى الصفا: من أجل السعي، والسعي هذا هو سعي الحج والعمرة المقرونة معه بالنسبة للنبي -عليه الصلاة والسلام- لأنه اكتفى به، فإذا قدم السعي الركن بعد طواف القدوم أجزأ عن السعي يوم النحر.(1/125)
فلما دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ} [(158) سورة البقرة]، أبدأ بما بدأ الله به: على صيغة الخبر، وعند النسائي: ((ابدأوا بما بدأ الله به)) على صيغة الأمر، والله -جل وعلا- بدأ بالصفا، فبداية السعي من الصفا، وعلى هذا من بدأ بالمروة الشوط الأول لاغي، نعم، لاغي يأتي ببدل، فالبداية بالصفا.
فرقي الصفا حتى رأى البيت: استقبل البيت، والآن تشق رؤية البيت من كثرة الأعمدة، قد يراه من يتحراه -يرى شيئاً يسيراً منه- وإلا فجل الناس لا يستطيعون رؤيته لكثرة الأعمدة.
حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره: وفسر ذلك بقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على شيء قدير، هذا التوحيد، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.
لا إله إلا الله وحده: هذا التهليل والتوحيد، وفي ضمن ذلك يقول: الله أكبر ترجمة لقوله وكبره.
لا إله إلا الله وحده المتفرد بالألوهية، أنجز وعده: أنجز لنبيه ما وعده به، ونصر عبده: على أعدائه وهزم الأحزاب الذين اجتمعوا لحرب الدين وأهله وحده.(1/126)
وهزم الأحزاب وحده: هذا يجعل المسلم يتعلق بربه ويعتمد عليه ويتوكل عليه، ولا ينظر إلى قوته ولا إلى ضعفه، ولا ينظر إلى قوة عدوه وكثرة جنده وعدده، فمن توكل على الله كفاه، ومن اعتمد عليه وقاه، هذا يفتح آمالاً واسعة للأمة مهما بلغت من الضعف إذا اعتمدت على الله -جل وعلا- ومهما بلغ عدوها من القوة؛ لأن الله –جل وعلا- هزم الأحزاب، فإذا اعتمدنا على الله -جل وعلا- كفانا، أما أن نعترف بالضعف ونستسلم للعدو، العدو عنده قوة، لكن هل هذه القوة تقابل قوة الله -جل وعلا-{كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةًِ} [(249) سورة البقرة]، ولم نؤمر إلا بإعداد ما استطعنا على أن نرتبط بالله -جل وعلا-، ما ننصرف عن دينه، وننتهك المحرمات، ونعين العدو على أنفسنا ونقول إن الله -جل وعلا- ينصرنا: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [(7) سورة محمد]، لا بد من أن نعود إلى ديننا، فالله -جل وعلا- هو الذي هزم الأحزاب وحده، وإلا فالقوة بالنسبة لقوة الكفار في ذلك الوقت ما في مقارنة؛ أحاطوا بالمدينة من جميع الجهات، واستنفروا جميع القبائل، لكن الله -جل وعلا- سلط عليهم الريح فشردتهم.
ثم دعا بين ذلك ثلاث مرات: يعني يكرر التوحيد والتكبير والدعاء ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة: يعني شرع في السعي، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي: بين العلمين المعروفين.
سعى: يعني جرى جرياً شديداً -عليه الصلاة والسلام- حتى أن الركب تبين من تحت الإزار من شدة السعي، حتى إذا صعدتا: يعني وصل الميل الثاني مشى، حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا، استقبل البيت ووحد وكبر ودعا ثلاثاً.
فذكر الحديث: يعني ذكر بقية الحديث.(1/127)
وفيه فلما كان يوم التروية: الآن القارن يكتفي بهذا، إذا وصل البيت طاف وسعى، ثم ينتظر وهو في إحرامه؛ لأنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله من ساق الهدي، أما من لم يسق الهدي فيقصر ويحل الحل كله وهذا هو المتمتع، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، وهو اليوم الثامن من الحجة يسمونه يوم التروية؛ لأنهم يتروون فيه ويتزودون من الماء؛ لأن المشاعر ليس فيها ماء.
توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج: أحرموا بالحج، مقتضى ذلك أنهم بعد أن توجهوا إلى منىً أهلوا؛ لأن العطف بالفاء يقتضي التعقيب وأنهم أحرموا من منى، وعلى كل حال الإحرام بالحج يكون من الحرم، سواء كان من منى أو من غيرها، فيهلون بالحج.
وركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني إلى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر: الخمسة الأوقات في اليوم الثامن وليلة التاسع وفجر التاسع، ثم مكث قليلاً بعد صلاة الفجر؛ كعادته -عليه الصلاة والسلام- يذكر الله في مصلاه حتى طلعت الشمس.
فأجاز: وهو من الجواز والعبور. حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها بهذه القبة حتى إذا زاغت يعني زالت الشمس أمر بالقصواء -بفتح القاف والمد- وقال: بعضهم بالقصر، وهو لقب دابته -ناقته -عليه الصلاة والسلام- فرُحلت: وضع عليها الرحل.
فرحلت له فأتى بطن الوادي، فخطب الناس: وهذه خطبة من الخطب المشروعة في اليوم الثامن وقبلها بعد صلاة الظهر من اليوم السابع، وبعدها خطبة يوم النحر، وبعدها في يوم النفر الأول، أربع خطب مشروعة في الحج.
فأتى بطن الوادي فخطب الناس ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر بأذان واحد وإقامتين، ولم يصلِّ بينهما شيئاً؛ لأن هذا مقتضى الجمع أن لا يصلى بين الصلاتين المجموعتين.(1/128)
ثم ركب -عليه الصلاة والسلام- حتى أتى الموقف: ويلاحظ أنه -عليه الصلاة والسلام- يركب بين المشاعر، من مشعر إلى مشعر يركب، وبهذا قال جمع من أهل العلم أن الركوب أفضل؛ لفعله -عليه الصلاة والسلام- وإن رأى بعضهم أن المشي أفضل؛ لأنه أكثر مشقة، لكن لنعلم أن المشقة ليست مطلوبة طلباً شرعياً لذاتها، وإنما إذا جاءت تبعاً للمطلوب شرعاً للعبادة صار الأجر على قدر النصب.
ثم ركب -عليه الصلاة والسلام- حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات من الجبل المعروف بجبل الرحمة.(1/129)
وجعل حبل المشاة بين يديه: طريق المشبه بالحبل بين يديه: يعني أمامه واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً -عليه الصلاة والسلام- يذكر الله -جل وعلا- ويثني عليه ويدعوه، لم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، و((خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له...)) فيحرص الإنسان على استغلال هذا اليوم، لا سيما عشية عرفة، ويتعرض لنفحات الله في هذا المكان وفي هذا الزمان، ويوجد بين المسلمين وقد يوجد من بين طلاب العلم من يضيع مثل هذه الأوقات بالقيل والقال، وبعضهم يصطحب معه آلات ويشاهد ما يشاهد، وبعضهم يرتكب بعض المحرمات من الأقوال والأفعال وهو في هذا متعرض لسخط الله -جل وعلا- والنبي -عليه الصلاة والسلام- استغل هذا الوقت فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، ويدعو ويلح في الدعاء، والإشكال في كثير من الحملات أن هذا الوقت المستغل في الذكر والدعاء -نظراً لكثرة الحجيج- يستغلونه في ترتيب الناس، يعني قبل الغروب بساعة أو أكثر ينفرون الناس إلى السيارات ويرتبونهم وينظمونهم حتى تغرب الشمس، نعم الركوب على السيارات مثل الركوب على الدابة، لكن ينبغي أن يستغل الوقت، وحضرنا بعض الحملات يعني الوقت المطلوب وقت الحاجة كلهم بمكبرات الصوت أنت رقم الباص كذا وأنت مقعد كذا وينتهي الوقت على هذه الطريقة، يعني يعطى الناس تعليمات قبل هذا الوقت، وأنه بمجرد ما تكون الساعة كذا كل واحد ينزل مكانه من دون فوضى ومن دون تشويش، ومن دون ... يعني رأينا مثل هذه الأوقات التي لا تعوض ما تدري أنت يمكن ما تقف غير هذه الوقفة كثير منها يضيع، عند كثير من الناس يوجد ولله الحمد أهل الخير وفضل وحرص موجود وبكثرة ولله الحمد، لكن يراد من الأمة أن تكون كلها بهذا المستوى.(1/130)
فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص: قرص الشمس، يقول: حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص، بعضهم يقول: إن حتى هنا مصحفة وأصلها حين، يعني حين غاب قرص الشمس، ودفع -عليه الصلاة والسلام- من عرفة قاصداً جمعاً –مزدلفة- وقد شنق: يعني ضيق الزمام على دابته القصواء، الزمام: الحبل الذي تربط به، فإذا شنقه وضيقه كفت عن الإسراع، بخلاف ما إذا أرخاه، ما تسرع -لعل الإخوان ما يصلون تقام الصلاة الآن طيب جيد- وقد شنق للقصواء الزمام؛ من أجل أن لا تسرع.
حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله: يعني يرد الرأس إلى الخلف، حتى أنه ليصل إلى مورك الرحل الذي يثني عليه الراكب رجله إذا تعب وهو راكب.
ويقول بيده اليمنى يشير إلى الناس: ((أيها الناس السكينة السكينة)): إلزموا السكينة، ويشاهد من كثير من الناس المخالفة الظاهرة لهذا التوجيه النبوي، فيأمرهم بلزوم السكينة، وكم يكون من حادث، ومن اعتداء من مشاكل ومضاربات في هذا الظرف، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((السكينة السكينة))، وكل واحد من الحجيج يريد أن يصل الأول إلى مزدلفة؛ ليتحدث بذلك إذا وصل إلى أهله، أو يكلمهم أثناء وصوله ويقول: وصلنا، وما قبلنا أحد، هذا ليس مقصد من مقاصد الشرع، المقصود أن تلزم السكينة وتؤدي العبادة على الوجه الشرعي.
كلما أتى حبلاً أرخى لها قليلاً: حبلاً من الحبال الرمل التي يكون فيها شيء من الصعود؛ لأنها تحتاج إلى أن يرخى له لتأخذ عزم، هي يشنق لها الزمام ويضيق عليها من أجل أن لا تسرع، والآن السرعة مطلوبة لتأخذ عزم لتصعد مع هذا الحبل من الرمل.(1/131)
أرخى لها قليلاً حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين: كالظهر والعصر، وهذا في حديث جابر، وهو من أفراد مسلم وجاء في حديث ابن مسعود حديث أسامة ما يخالف ذلك في البخاري وغيره، لكن المرجح عند أهل العلم ما جاء في حديث جابر، وإن كان من أفراد مسلم، والأصل أن ما يرويه البخاري أرجح مما يرويه مسلم، لكن قد يعرض عند أهل العلم للمفوق ما يجعله فائقاً، فيرجحون ما جاء في حديث جابر؛ لأنه اعتنى بالحجة النبوية وضبطها وأتقنها وفصلها من خروجه -عليه الصلاة والسلام- من بيته إلى رجوعه، وهذا يكون مرجح، هذه الأوصاف الدقيقة التي جاءت في حديث جابر بجميع رواياته تدل على مزيد عناية منه -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- فرُجِّح قوله بأذان واحد وإقامتين.
بعض الروايات بإقامتين فقط بعضها بأذانين وإقامتين والمقصود كلها صحيحة لكن يبقى أن المرجح هو ما جاء في حديث جابر.
ولم يسبح بينهما شيئاً: يعني لم يصل نافلة سبحة يعني النافلة، ثم اضطجع حتى طلع الفجر: اضطجع: يعني نام -عليه الصلاة والسلام-.
بلوغ المرام - كتاب الحج (3- ب)
باب صفة الحج ودخول مكة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
يقول جابر -رضي الله تعالى عنه- ثم اضطجع: يعني النبي عليه الصلاة والسلام، حتى طلع الفجر: يعني صلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ثم اضطجع.(1/132)
حتى طلع الفجر: فهم من ذلك بعضهم أنه ترك صلاة الليل، وترك الوتر، والمعروف عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه لم يترك الوتر لا سفراً ولا حضراً، فهل نقول إن هذه الليلة على وجه الخصوص لا صلاة فيها غير الفرائض، حتى الوتر الذي كان يلازمه النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أو نقول إن جابراً ما أطلع على ذلك، كما أنه خفي عليه بعض الأشياء؛ لأن كونه لازم النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يعني أنه لازمه ملازمة الظل، ما يلزم هذا، فالملازمة تعني طول المكث والبقاء، لكن لا يعني أنها ملازمة تامة مائة بالمائة، ولذا خفي عليه بعض الأمور مما ذكره غيره حتى في هذه الليلة، ولعل النبي -عليه الصلاة والسلام- استيقظ وصلى وجابر نائم.
فالقاعدة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما ترك الوتر لا سفراً ولا حضراً، وعدم الذكر لا يعني عدم الوجود، لا سيما في ما دل الدليل على وجوده بنصوص أخرى.
فصلى الفجر: لما طلع الفجر، صلى الفجر حين تبين له الصبح: يعني في أول وقتها بأذان إقامة كالمعتاد.
ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام: جبل هناك يقال له قزح, فأتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا وكبر وهلل؛ لأنه مع زحمة الناس وكثرتهم لا يتمكن جميع الناس من الوقوف عند هذا المشعر، فلو وقف كل إنسان في مكانه وذكر الله -جل وعلا- ودعاه وهلل وكبر حتى يسفر جداً، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا ديدنه -عليه الصلاة والسلام- بعد صلاة الصبح يجلس في مصلاه، ويذكر الله -جل وعلا- حتى تنتشر الشمس، أما في هذا المكان استقبل القبلة فدعا وكبر وهلل، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، فدفع قبل أن تطلع الشمس؛ مخالفة للمشركين الذين كانوا لا ينصرفون من مزدلفة حتى تطلع الشمس، وينتظرون طلوعها فيقولون: "أشرق ثبير"؛ كي ما نغير، فخالفهم النبي -عليه الصلاة والسلام- فدفع قبل أن تطلع الشمس.(1/133)
حتى أتى بطن محسر فحرك قليلاً: أسرع من نحو رمية حجر؛ لأن هذا محل عذاب، فمثل أماكن العذاب والغضب لا ينبغي البقاء والمكث فيها، ولذا جاء النهي عن دخول بلاد المعذبين إلا باكين أو متباكين، والصلاة في مواضع الخسف والعذاب ترجم الإمام البخاري بهذا وذكر بعض ما يدل على ذلك.
فحرك قليلاً ثم سلك الطريق الوسطى: التي تخرج إلى الجمرة: الكبرى غير الطريق التي خرج منها من منى إلى عرفة، تخرج على الجمرة الكبرى.
حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة: أتى الجمرة جمرة العقبة، وهي كالحد بين منى ومكة، ولذا يختلف أهل العلم، يعني هل هي في منى أو خارج منى مما يلي مكة؟ محل خلاف بين أهل العلم، من يقول أنها من منى يقول إن رمي الجمرة تحية منى، فكيف تحيا وهي خارج منى؟ وأهل القول الآخر يقولون الطواف تحية البيت وهو خارج البيت، الطواف تحية البيت، والطواف يكون خارج البيت وأيش المانع من أن يكون تحية الشيء خارجه؟ وعلى كل حال هي من الحرم سواء كانت من منى أو من مكة هي من الحرم، وأنتم ترون الحدود قريبة جداً منها.
حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة مثل حصى الخذف: مثل البندق، مثل الباقلا، مثل الحمص كبير الحمص، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما جمع له الحصى رفعه بيده وقال: ((بمثل هذا فارموا، إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو))، وبعض الناس يرمي بالحجارة الكبيرة وبعضهم بقطع الحديد وبعضهم بالنعال، وكل هذا من الغلو الذي جاء النهي عنه.
مثل حصى الخذف: حصى الخذف الذي يرمى به بين الأصابع صغير، وقد جاء النهي عن الخذف، وليس فيها إقرار لجوازه لكنه مثل ما هو معروف عندهم ويتداولونه بالخذف وإن كان منهياً عنه.(1/134)
رمى من بطن الوادي: رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر فنحر: -عليه الصلاة والسلام- نحر البدن التي جاء بها من المدينة، والتي جاء بها علي -رضي الله تعالى عنه- من اليمن فنحر بيده الشريفة ثلاثاً وستين، وترك الباقي لعلي -رضي الله تعالى عنه- وذبح عن نسائه البقر.
فنحر ثم ركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأفاض إلى البيت: يعني بعد أن رمى ونحر وحلق شعره أفاض إلى البيت فطاف به طواف الإفاضة، هو طواف الركن -ركن الحج والذي لا يصح إلا به-.
فصلى بمكة الظهر: بعد أن طاف طواف الإفاضة صلى الظهر، وجاء من حديث ابن عمر - وهو صحيح- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر بمنى، وهنا يقول صلى بمكة الظهر، ولعله -عليه الصلاة والسلام- صلاها بمكة ثم أعادها بأصحابه لما رجع إليهم بمنى، والحديث على طوله محل عناية من أهل العلم، منهم من تكلم على فقهه، ومنهم من جمع طرقه ورواياته، وللشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- كتاب اسمه حجة النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر فيه هذا الحديث برواياته فأجاد وأحسن -رحمة الله عليه-، وابن المنذر صنف فيه جزءاً كبيراً تكلم على فوائده واستنبط منه ما يزيد على مائة وخمسين فائدة، وبعضهم ضعف هذا العدد ذكر، وأجملنا الكلام فيه؛ لأن ظرف الدورة ما يسمح للإفاضة وهناك أربعة أشرطة متداولة ومعروفة في شرح حديث جابر في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- من أراده رجع إليها.
قال الإمام الحافظ ابن حجر: وعن خزيمة بن ثابت -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "كان إذا فرغ من تلبيته في حج أو عمرة سأل الله رضوانه والجنة، واستعاذ برحمته من النار" [رواه الشافعي بإسناد ضعيف].(1/135)
هذا الحديث الذي ذكره الحافظ عن خزيمة بن ثابت -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا فرغ من تلبيته في حج أو عمرة: يعني فرغ من التلبية كلها، والفراغ من التلبية إنما يكون برؤية البيت أو بالاستلام أو بمباشرة رمي الجمرة، إذا فرغ منها سأل الله رضوانه والجنة، واستعاذ برحمته من النار، والخبر ضعيف لا يثبت بمثله حكم، ضعيف؛ لأنه من رواية أبي واقد صالح بن محمد بن أبي زائدة، وهو ضعيف عند أهل العلم.
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نحرت هاهنا ومنىً كلها منحر، فانحروا في رحالكم، ووقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، ووقفت هاهنا وجمع كلها موقف)) [رواه مسلم].
هذا جزء من حديث جابر الطويل في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نحرت هاهنا)): وهذا من التوسعة على الناس، من شفقته -عليه الصلاة والسلام- ورحمته بأمته، ولو لم يقل مثل هذا الكلام -عليه الصلاة والسلام- لتحرى الناس النحر في المكان الذي ينحر فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو لا يستوعب الناس، ولو لم يقل مثل هذا الكلام لتحرى الناس المكان الذي وقف فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- سواء كان بعرفة أو بجمع، والمكان إن قصدوا نفس المكان فهو لا يستوعبه، قد يقتتلون عليه، لكن من شفقته -عليه الصلاة والسلام- أن قال مثل هذا، ((نحرت هاهنا ومنىً كلها منحر)) يعني مكان للنحر.(1/136)
((فانحروا في رحالكم)): كل إنسان ينحر هديه في رحله في مكانه الذي أقام فيه بمنى، وهذا من التوسعة على الناس، وكونه يمنع مثل هذا ويجبر الناس على النحر في مكان معين لا شك أن الداعي إليه مراعاة المصلحة؛ لأنه مع كثرة الناس وازدحامهم لا شك أن الناس يتأذون بهذا، الإنسان ما يجد مكان يجلس فيه فكيف ينحر والدم يسيل والمخلفات وأمور، وينبعث منها روائح في اليوم الثاني والثالث، فمع الكثرة لا يتسن هذا ولذا رأى القائمون على هذه الأعمال تحديد أماكن للنحر، ولا بأس فيه؛ لأن المنظور فيه إلى المصلحة.
((ووقفت هاهنا)): كما وصف جابر -رضي الله تعالى عنه- أن بطن دابته إلى الصخرات، ومستقبل القبلة -عليه الصلاة والسلام-.
((وعرفة كلها موقف)): نعم، بحدودها، ومعروف أن الحج عرفة، فإذا وقف الإنسان في مكان لا يجزم بأنه في عرفة، فهذا يعرض حجه للخطر والبطلان، فعليه أن يتأكد أنه داخل حدود عرفة، وليرفع عن بطن عرنة؛ فلا يجزيء الوقوف فيه عند جماهير أهل العلم، ولذا جاء قوله: ((وارفعوا عن بطن عرنة))، وإن كان هناك قول للإمام مالك أنه من عرفة والوقوف فيه يجزئ مع التحريم فهو من عرفة، ولو لم يكن من عرفة ما احتيج إلى الإشارة إليه، ما قال: لا تقفوا في مزدلفة ولا تقفوا بمنى؛ لأنها ليست من عرفة، لكن المرجح هو قول الجمهور، عامة أهل العلم على أن بطن عرنة ليس من عرفة.
((ووقفت هاهنا)): يعني بمزدلفة، ((وجمع)): وهو اسم لها؛ لأنه يجتمع فيه الناس، ((كلها موقف)): جمع يجتمع فيه الناس، الحمس وقريش وغيرهم كلهم يجتمعون بمزدلفة، لكن عرفة الحمس لا يخرجون إلى عرفة.(1/137)
المقصود أن مزدلفة كلها موقف من أولها إلى آخرها هي داخل الحدود، والوقوف بعرفة ركن من أركان الحج لا يصح إلا به، والحج عرفة كما جاء في الحديث، وأما الوقوف بمزدلفة والمبيت بها فهو واجب من واجبات الحج، ولذا رخص النبي -عليه الصلاة والسلام- للسقاة والرعاة، لمَّا استأذنوه رخص لهم، ولو لم يكن واجباً لما احتاجوا إلى الإذن، ولو كان ركناً -كما يقول بعض أهل العلم- لما رخص لهم؛ لأن الركن جانب الشيء الأقوى الذي لا يتم إلا به، لا يمكن أن يرخص لشخص عن الوقوف بعرفة، فدل على أن المبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج، وليس بركن، وليمس بمستحب كما يقول بعضهم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى مكة دخلها من أعلاها وخرج من أسفلها. [متفق عليه].
يقول -رحمه الله تعالى-:
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما جاء إلى مكة: عام الفتح، دخلها من أعلاها: من ثنية يقال لها كداء -بالفتح والمد- من أعلاها، وخرج من أسفلها: من كُدى -بالضم والقصر- هناك محل ثالث يقال له تصغير كُدَيْ.
المقصود أن الدخول إلى مكة من أعلاها والخروج من أسفلها، هذا ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- وهل هذا الأمر مقصود شرعاً فيستحب أو ليس بمقصود؛ لأنه هو طريقه وهو الأيسر له -عليه الصلاة والسلام- ؟
الدخول من الأعلى يتطلب النزول إليها وهذا سهل، بينما الخروج من أسفلها أيسر، لو صار العكس لو دخل من الأسفل وخرج من الأعلى لتطلب ما يشق عليه، ويجور عن طريقه، فمن رأى إلى هذه المسألة من هذه الحيثية قال هذا حصل اتفاقاً، فالحاج يفعل الأرفق به، ومنهم من يقول أن الدخول من أعلاها يقتضي أن يدخل إلى البيت مستقبلاً البيت، وبعضهم يستحب هذا، ويقول الحنابلة وغيرهم يستحب دخول مكة من أعلاها، والمسجد من باب بني شيبة، يعني كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنهم من يقول يفعل الأرفق ولا يترتب عليه شيء.(1/138)
الدخول من الأعلى من ثنية كداء بالفتح والخروج من كدى بالضم، ولذا يقولون افتح وادخل، واضمم واخرج، ومثل هذا الكلام يوردونه لضبط الكلمات، لضبط بعض الكلمات التي تحتاج إلى ضبط تضبط بمثل هذا؛ لأن الضبط بالشكل يعتريه ما يعتريه، ومع تناقل الرواة يحصل فيه التصحيف، لكن إذا قيل مثل هذا خلاص انضبطت الكلمة ما تحتاج إلى شكل ولا غيره، افتح وادخل واضمم واخرج، يقول عثمان بن حرام، أو حرام بن عثمان بلفظ ضد الحلال، خلاص ما فيه أحد بيقول حزام ولا خزام ولا أبداً؛ خلاص انضبطت ولهم تصرفات في ضبط الكلمات تدل على عنايتهم بها، التصحيف والتحريف ما يتطرق إلى اللفظ يتطرق إلى المعنى يتبعه المعنى، فعلى طالب العلم أن يعنى بالضبط، ولذا يرى جمع من أهل العلم أن كل كلمة تضبط، وكل حرف يضبط؛ لأن التبين وعدمه أمور نسبية، يعني تكون هذه الكلمة واضحة عندك تقرؤها قال بدون إشكال، لكن يأتي من يقرؤها على غير هذا، لكن الأكثر من أهل التحقيق على أنه إنما يُشْكَل المشكِل، وبقية الكلمات ما تحتاج إلى ضبط.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى، حتى يصبح ويغتسل، ويذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. [متفق عليه].
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- انه كان: ابن عمر، لا يقدم مكة: لا يقدم إليها، ويرد عليها، إلا بات بذي طوى: ذي طوى مكان معروف من أحياء مكة، في المناسك عند المتأخرين يقولون: هو المكان المعروف الآن بالزاهر.
إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل: الطرق كانت وما زالت طويلة، لكن الوسائل بعض الناس بهذا المبيت وهذا الانتظار للصبح والاغتسال يذهب إلى مكة ويؤدي النسك ويرجع إلى بلده، لكن لطول المسافات ومشقة الانتقال بين البلدان يحتاجون لمثل هذا، الآن بإمكانك تحضر الدرس بعد العشاء وتروح إلى مكة وتصلي الصبح هناك وتؤدي النسك وترجع بكل راحة في الفترة التي بات فيها ابن عمر.(1/139)
النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بذي الحليفة خمسة أوقات، وبعض الناس يتصور هذا في زمن الذي يعيشون فيه الآن زمن السرعة والعجلة وزمن يسمونه زمن الاتصالات والتقارب، بإمكانه الخمسة الأوقات يؤدي النسك ويرجع، لكن هناك فوائد تترتب على مثل هذا التريث وهذا التأني؛ لأن وجوده -عليه الصلاة والسلام- في ذي الحليفة مثل وجوده في المدينة، هو القدوة والأسوة هنا وهناك، وأفعاله شرع -عليه الصلاة والسلام- يمكن بعض الناس نسي حاجة ضرورية في المدينة بإمكانه أن يرجع ويأخذ أو يوصي أو يفعل ما يشاء، فهذه العجلة التي توجد الآن بين الناس ما لها مبرر، يعني هم مستعجلون على أي شيء على أيش؟(1/140)
نعم جاء في السفر وأنه قطعة من العذاب، ويمنع الإنسان نومه وراحته، لكن يبقى أن العجلة التي يستعملها الناس!! بعض الناس يحتاج إلى راحة ولا يرتاح، يحتاج إلى راحة ويعرض نفسه للخطر ويقول لا زمن السرعة حتى توطن الناس على هذا وتربوا بحيث لو وجد أدنى عائق لهم ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت، تجد كثيراً من الناس إذا أراد أن يلف يمين -والأصل أن اليمين ما يحتاج إلى انتظار- وجد أمامه سيارة ضاقت به الدنيا كأن القيامة قامت، والسبب هو هذه السرعة المتلاحقة التي تربى الناس عليها، أعمر وقتك بطاعة الله واذكر الله وسبح بهذه المدة ولا يفوتك شيئاً، لكن الناس تربوا على هذا، وإذا ركب السيارة كأن وراءه سبع أو عدو أو حريق أو شيئاً من هذا، ثم إذا وصل إلى المكان الذي يريد لا شيء، والله المستعان يبيت بذي طوى حتى يصبح ويغتسل والدنيا ملحوق عليها، يؤدي العبادة براحة وطمأنينة بعد أن أخذ ما يكفيه من الراحة، ليس معنى هذا أن الإنسان يضيع وقته بنوم وروحات وجيات ويجعل الطريق أيام من أجل أيش؟ لا هذا ولا ذاك؛ المسألة تحتاج إلى توسط، لا عجلة تشبه عجلة المجانين ولا أيضاً تريث يضيع الأوقات بدون فائدة، أقصد من هذا أن الإنسان يلزم الهدوء والطمأنينة والرفق في أموره كلها، ويتوسط أيضاً في أموره كلها، يصبح ويغتسل.
ويذكر ذلك عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: يعني من فعله ويرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فيستحب فعل مثل هذا لا سيما إذا كان تعقب هذا السفر تعب يحتاج معه إلى راحة.
منهم من يرى أنه لا يدخل مكة بالليل حتى يصبح أخذاً من هذا الحديث، لكن المسألة مسألة حاجة إلى الراحة وعدمها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل مكة من الجعرانة ليلاً.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه كان يقبل الحجر الأسود ويسجد عليه، [رواه الحاكم مرفوعاً والبيهقي موقوفاً].(1/141)
أما بالنسبة للتقبيل فهو ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وجاء الحث عليه وأن الحجر الأسود يمين الله، المقصود أن له فضائل، وهذا الحديث اختلفوا في رفعه ووقفه، هل هو موقوف على ابن عباس من فعله، أو هو مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- والوقف هو المتيقن.
وعنه -رضي الله عنه- قال: "أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا أربعاً ما بين الركنين" [متفق عليه].
وعنه: يعني ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال أمرهم النبي -عليه الصلاة والسلام-: أمرهم، والأصل في الأمر الوجوب، والرمل عند عامة أهل العلم مستحب، فالأمر هنا أمر ندب.
أن يرملوا: بمعنى أنهم يهرولون في الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا الأربعة الباقية، وأن يمشوا ما بين الركنين، وهذا في عمرة القضاء؛ لأن المشركين مما يلي الحجر، لا يرونهم إذا مشوا بين الركنين، وعرفنا أنه في حجة الوداع استوعب من الركن إلى الركن الشوط كامل بالرمل، والعلة التي من أجلها شرع الرمل ارتفعت، وبقي الحكم كعلة القصر سببها الخوف ثم ارتفع الخوف وأمن الناس واستمر الحكم.
حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثاً ومشى أربعاً، وفي رواية رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت ويمشي أربعة" متفق عليه.(1/142)
يعني هو بمعنى حديث ابن عباس، لكن الذي يرجح عدم وجود حديث ابن عمر في الأصل في البلوغ قوله في الحديث الذي يليه: وعنه، يعني لو كان حديث ابن عمر ثابت لقال: وعن ابن عباس ما قال وعنه، وإلا اقتضى قوله وعنه أي عن ابن عمر وهو يريد حديث ابن عباس في الذي بعده، فهذه قرينة على أن حديث ابن عمر لا يوجد في النسخ الأصلية، يعني وجد في بعضها دون بعض لكن يبقى أنه مرد الضمير إلى ابن عباس الذي هو راوي حديث الذي قبل الذي قبله، نعم يدل على أن حديث ابن عمر ما هو موجود، وإلا لصرح بذكر ابن عباس، وقال في الحديث الذي يليه وعنه.
انظر في الكتاب الحديث الذي يليه وعنه مقتضاه أنه عن ابن عمر، لو وجد هذا الحديث لكان المقتضى أن يكون ابن عمر، لكن مع عدم هذا الحديث يصح أن يقول وعنه ويريد ابن عباس راوي الحديث الذي قبله.
على كل حال حديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما يقول -رضي الله عنهما- أنه كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول، يعني أول ما يقدم مكة -سواء كان طواف عمرة أو طواف قدوم- فإنه يخب ثلاثاً يرمل يهرول يسرع ثلاثاً ويمشي أربعة ثلاثة أشواط ويمشي أربعة، وفي رواية رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أشواط في البيت ويمشي أ ربعة، وهذا الحديث يغني عنه الحديث الذي قبله ولذا لا يوجد في كثير من النسخ.
وعنه -رضي الله عنه- قال: "لم أر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستلم من البيت غير الركنين اليمانيين" [رواه مسلم].
وعنه: يعني عن ابن عباس، وذكرنا أنه لو كان حديث ابن عمر موجود لما قال وعنه، لأعاد صرح، قال وعن ابن عباس، وإلا لاقتضى أن يكون هذا الحديث عن ابن عمر؛ لأنه أقرب مذكور.(1/143)
وعنه -رضي الله عنه- قال: لم أرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستلم من البيت غير الركنين اليمانيين: وهما الركنان الباقيان على قواعد إبراهيم -عليه السلام- بخلاف الركنين الآخرين؛ فإن قريشاً لما بنوا البيت قصرت بهم النفقة فقصروا به دون القواعد وبقي جزء من البيت دون قواعد إبراهيم، معروف بالحجر ستة أذرع تقريباً من البيت لكن قصرت بهم النفقة، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت البيت وأعدته على قواعد إبراهيم)) هذه أمنيته -عليه الصلاة والسلام- ومنعه من ذلك التشويش على الناس واضطرابهم ودخول الشك إلى بعضهم، ولذا ينبغي أن يجتنب مثل هذا التصرف إذا خيفت المفسدة، وأي بيت أعظم من بيت الله، فإذا خشيت المفسدة يترك الأمر على ما كان. يستلم الركن اليماني والركن الذي يليه الذي فيه الحجر، ويقال لهما اليمانيان من باب التغليب، وبعضهم يستلم الأركان الأربعة ويدعي أنه لا يهجر شيئاً من أركان البيت، لكن الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام- هو الأصل فيبقى أن الاستلام لهذين الركنين، أما استلام الركن الذي فيه الحجر تقبيل الحجر واستلامه والإشارة إليه والتكبير عند محاذاته هذا كله ثابت، وفي هذا الركن أكثر من مزية؛ كونه على قواعد إبراهيم وكونه فيه الحجر، الركن الذي قبله هو على قواعد إبراهيم ولذا من تمكن أن يستلمه استلمه، وإلا لا يفعل غير ذلك، لا يشير ولا يكبر؛ لأنه لم يثبت في حقه إشارة ولا تكبير، لكن إذا أمكن استلامه فالنبي -عليه الصلاة والسلام- استلمه، أما الأركان الباقية فليست على قواعد إبراهيم ولذا لا تستلم ولا يشار إليها غير الركنين اليمانيين بتخفيف الياء، والأصل في ياء النسب أنها مشددة: ياء كيا الكرسي زيدت للنسب، يعني مشددة والياء هنا ياء نسب، وينصون على أنه لا بد من التخفيف؛ لأن الألف قامت مقام إحدى اليائين، الحرف المشدد عبارة عن حرفين وإلا لو قلت اليمني أو(1/144)
اليمنيين لا بد من التشديد، الألف هذه المزيدة قامت مقام الياء التي حذفت مع التخفيف، الأصل أن ياء النسب مشددة تقول ابن تيميّة وإلا ابن تيمية؟ تيميَّة ياء نسب.
فكونه لا يستلم من البيت غير هذين الركنين فلا يستلم بقية الأركان ومن باب أولى غيرهما، فلا يمسح مقام ولا يمسح باب ولا يمسح عمود ولا شيء، كل هذه من البدع المحدثة بل من وسائل الشرك وادعاء النفع من غير الله -جل وعلا-.
امرأة تقبل وتتمسح بالمقام يقال لها هذا شبك حديد يعني جيء به من المصنع جديد بعد، ما ينفع، تقول عندكم ما ينفع وإلا عندنا ينفع، هذا هو ردها نسأل الله السلامة والعافية.
ونحن نعيش ولله الحمد في تحقيق للتوحيد بسبب الدعوة المباركة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وإلا أهل هذه البلاد وغيرهم كلهم دخلهم ما دخل لكن التجديد الذي قام به الإمام المجدد -رحمة الله عليه- ما زلنا نتفيأ ظلاله ونرجو الله -جل وعلا- أن يديم هذه النعمة التي هي السبب الحقيقي للأمن، {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًاَ} لماذا؟ {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النور].
فالشرك هو السبب الحقيقي لاختلال الأمن، ويأتي الوافدون إلى هذه البلاد ببدعهم وشركهم أحياناً الشرك الأكبر، والمأمول أن تكثف الجهود لنفعهم ودعوتهم والحيلولة أيضاً بينهم وبين شركهم؛ لأنه أعظم المنكرات وإنكاره من أوجب الواجبات، فلا يستلم غير هذين الركنين، نعم، ولذا أردف الحافظ هذا الحديث في الاستلام قول عمر -رضي الله تعالى عنه- بعد أن قبل الحجر.
طالب:.......
لا هو من رواية ابن عباس وعن ابن عباس والشارح نص على هذا.
طالب:......(1/145)
وين؟ هو مروي عن ابن عمر هذا اللفظ، لكن ما هو بنفس اللفظ يعني، المقصود أنه جاء من حديث ابن عمر ومن حديث ابن عباس لكن قوله وعنه والشارح نص على أنه ابن عباس يدل على أن حديث ابن عمر أيضاً، حديث ابن عمر ترى لا حاجة إليه زايد.
وعن عمر -رضي الله عنه- أنه قبل الحجر الأسود وقال: "إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك" [متفق عليه].
مناسب جداً أن يردف الكلام السابق والأحاديث السابقة بمثل هذا؛ لئلا يرد على بعض القلوب أن الحجر ينفع، للعناية به والاحتفاء به فالنصوص الصحيحة الصريحة قد يقول قائل إنه ينفع ولولا أنه ينفع ما أمرنا بتقبيله ولا مسحه ولا، أردفه بقول عمر -رضي الله تعالى عنه- بعد أن قبل الحجر:
إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع: فالنافع والضار هو الله -جل وعلا- لا غيره، ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك: هذا اقتداء وائتساء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- هذه أمور شرعية يقتدى بها، لكن حق الله -جل وعلا- لا بد من العناية به والتنبيه عليه، وهذا من احتياطه -رضي الله تعالى عنه- واهتمامه بحماية التوحيد وسده الذرائع الموصلة للشرك.(1/146)
يذكرون عن علي -رضي الله عنه- أنه لما قال عمر هذا الكلام قال فيما يرويه الأزرقي: "بلى يا أمير المؤمنين هو يضر وينفع" وهذا لا يصح ولا يثبت عن علي، ولا يمكن أن يقول علي -رضي الله عنه- الإمام الموحد مثل هذا الكلام؛ الذي نشأ على التوحيد وما سجد لغير الله -جل وعلا- يمكن أن يقول بلى يضر وينفع ليس بصحيح، بل هذا من وضع من أشربوا عبادة غير الله -جل وعلا- من الأحجار وغيرها، كما قال أمير المؤمنين وهو في الصحيحين: "لا تضر ولا تنفع" هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة أن النافع والضار هو الله -جل وعلا- لا أحد يضر، ولو أن الأمة اجتمعت لنفع أحد لم يرد الله -جل وعلا- نفعه ما نفعوه بشيء، وبالمقابل لو اجتمعوا على ضره ما ضروه كما جاء في الحديث القدسي.
وعن أبي الطفيل -رضي الله عنه- قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن" [رواه مسلم].
يقول: وعن أبي الطفيل: اسمه عامر بن واثلة آخر الصحابة موتاً على الإطلاق.. متى مات؟
سنة عشر ومائة، على رأس مائة سنة من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ما من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة)) -يعني من مقاله إلى وفاة أبي الطفيل، هذا المرجح عند أهل العلم، ومنهم من يقول مات على رأس المائة- المقصود أنه آخر الصحابة موتاً -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-.
قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن؛ لأنه يطوف على البعير، فإذا حاذى الركن استلمه بالمحجن، والمحجن هو العصا معكوف الرأس فيستلمه ويقبل المحجن، وعلى هذا إن أمكن التقبيل مباشرة فهو الأصل، إن استلمه بيده قبل يده، وإن استلمه بالمحجن قبل المحجن، إن لم يتيسر له كل هذا أشار إليه.
التقبيل مع كونه مشروعاً مطلوباً هل هو مقرون بالطواف أو هو مشروع بالإطلاق ولو من غير طواف؟
طالب: مقرون بالطواف.
فقط يعني الذي ما يطوف ما يشرع له يقبل الحجر؟(1/147)
طالب:..........
نعم؛ لأنه جاءت أحاديث مطلقة غير مقترنة بطواف، نعم بعد ما صلى عاد واستلم فما في طواف، فهو مشروع مطلقاً، لكن ينبغي أن لا يترتب على هذه السنة محظور من مزاحمة الرجال للنساء أو التضرر بأن يتضرر في نفسه أو يضر غيره، ولذا جاء في الحديث ما يدل على نهي عمر -رضي الله تعالى عنه- من مزاحمة الناس؛ لأن الرجل قوي وكان ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- يحرص على تقبيله ومع ذلك يزاحم وليس هذا من السنة، السنة يحرص عليها بأن لا يتضرر ولا يضر غيره، وبعض الناس يحرص على السنة ويخفى عليه فقه تطبيق السنة، قد يفقه السنة لكن لا يفقه كيف يطبق السنة، بعض الناس يحرص على الصف الأول ثم بعد ذلك يأتي ويؤذي الناس يزاحم الناس حتى يصل إلى الصف الأول، وبعض الناس يفعل من السنة ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- كالمجافاة مثلاً ثم يؤذي من بجواره، وبعض الناس تجده إذا تورك اعتمد على جاره بحيث لو قام جاره سقط.
التورك سنة لكن كيف تطبق السنة؛ لأن بعض الناس يخالف السنة يعني نجد شخص بدين ومتين ولا يعرف كيف يطبق السنة ويتورك حتى بين السجدتين ثم عاد الذي بجانبه ما يصدق أن الصلاة تنتهي.(1/148)
فعلى الإنسان أن يحرص على العلم بالسنة وعلى تطبيق السنة وعلى فقه التطبيق، المجافاة مع الإمام يعني بالنسبة للمأموم إذا كان يتضرر بها من بجواره لا شك أنه تركها أولى هي سنة لكن أيضاً أذية المصلين لا تجوز بحال، فلنفهم هذا ونعيه جيداً، مثل ما قلنا في الصف الأول بعض الناس يجي ويزاحم الناس ويتخطى الصفوف ويصف بين اثنين عرضه متر والمكان ما يسع قدم هذا ليس بصحيح هذا يشغل نفسه ويشغل غيره ويذهب بلب الصلاة الذي هو الخشوع، وإلصاق القدم بالقدم كانوا يفعلونه في عهده -عليه الصلاة والسلام- وكان يأمر بالتراص، لكن ليس هذا التراص الذي يضيق النفس ويذهب بلب الصلاة حتى وجد بعض الناس عنده ردة فعل من هذا الأمر حيث يترك فجوة كبيرة ويعرض صلاته وصلاة جاره للبطلان أحياناً، بعض الناس ما يتسع خلقه وصبره على مثل هذه التصرفات، وبعض الناس عنده حساسية تامة في الرجل قد يخرج من صلاته إذا أوذي بمثل هذا، لكن يبقى أن السنة سنة ويبقى أن دين الله -جل وعلا- وسط وهذا قلناه في مسائل الصلاة السابقة في التراص في الصف وسد الفرج وخلل الصفوف ومن وصل صفاً وصله الله، لكن يبقى أننا بالقدر المطلوب ما نزيد على هذا.
فابن عمر -رضي الله تعالى عنه- كان يزاحم وأحياناً يرعف خشمه أنفه يخرج منه الدم ويعود لكن هذا ليس من السنة في شيء، ولذا جاء في الخبر يا عمر -في الخبر المسند وغيره- يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعفاء، ومن باب أولى المنع إذا ترتب على ذلك محظور من التصاق بين الرجال والنساء ويوجد من مرضى القلوب من يستغل مثل هذه الظروف، فمثل هذا يجب منعه وجميع الوسائل الموصلة إلى تحقيق بعض الرغبات من مرضى القلوب.
هذا يقول: نأمل إبلاغ الأخوات بموعد انتهاء الدرس لكي يمكن لهن الاتصال بأهلهن الساعة الثامنة والنصف.(1/149)
يقول: هذا ماذا يقول من استلم الحجر الأسود بيده وإذا لم يتمكن من استلامه وأشار إليه بيده أو عصى هل يقول بسم الله والله أكبر أو يقول بسم الله أو أنه يقول الله أكبر؟
الأصل أن يكبر كل ما حاذى الركن كبر، وجاء في حديث عمر وغيره عند البيهقي استقبله وقال: بسم الله والله أكبر، فإن سمى فلا بأس وإن اقتصر على التكبير فهو الأصل.
يقول: هل التكبير ثمان مرات هو قول واحد عند العلماء أم أن هناك تفصيل وخلاف؟
من أهل العلم من يرى أن التكبير لبداية الطواف وأنه لا داعي له عند نهايته، لكن إذا استحضرنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كلما حاذى الركن كبر فالنهاية كالبداية، وفي حديث جابر في المسند وغيره بإسناد حسن أنهم كانوا يطوفون مع النبي -عليه الصلاة والسلام- فيمسحون الركن الفاتحة والخاتمة ولا مسح دون تكبير.
طالب:.............
ابحث وأت به غداً.
يقول: كيف يجعل الأذخر في القبور وهل وضع بعض النباتات الخضراء كالريحان والبرسيم فيه شيء؟
الآن لو عرفنا لماذا يضعون الأذخر في القبور، ولماذا يوضع في أسقف البيوت؟ يوضع في القبور بين اللبن؛ لئلا ينهال التراب إلى الميت فليس مقصوداً لأنه، لكن هو حشيش ناعم يمنع انهيال التراب إلى الميت؟
يقول هل الخط الأسود الممتد من الحجر الأسود له أصل؟(1/150)
ليس له أصل هو حادث، لكن الحاجة داعية إليه؛ لأن كثيراً من الناس لا يدري من أين يبدأ الطواف، لا يدري ولا يعلم من أين يبدأ الطواف، لكن سائل يسأل يقول انه ابتدأ الطواف من رجل إسماعيل وين رجل إسماعيل، يعني يقصد من المقام مثل هذا يعرف كيف يبدأ؟ ما يعرف، فرأى أهل العلم في وقت من الأوقات أنه من المصلحة أن توضع علامة تدل على بداية الطواف، فإذا كانت المصلحة راجحة والمفسدة مغمورة فالدين دين مصالح ودرء مفاسد، لكن إذا زادت المفسدة -كما يلاحظ الآن- يوجد زحام شديد بسببه يقف الناس عليه وبعضهم يصلي يقصد هذا الخط ويصلي عليه، ولذلك فيه من يطالب بإزالته ووضع علامات تخلو من المفاسد، وحكمه حكم الخطوط ألي الآن المستعملة في الصفوف كلها حادثة، لكن إذا حققت مصلحة اتجه القول بها.
يقول: هل للعمرة طواف وداع وهدي؟
الهدي النفل لا بأس، أما الواجب فلا يجب إلا بموجب، والعمرة ليس لها طواف وداع؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتمر مراراً ولم يذكر أنه قال: ليكن آخر عهدكم بالبيت، ولم يأمر عائشة لما طافت وسعت أن تطوف للوداع.
المقصود أن العمرة ليس لها طواف، وبعض العلماء يرى أن النص عام شامل، فإن تيسر أن يطوف الإنسان إذا أراد أن ينصرف سواء كان في حج أو عمرة فهو أحوط، وإلا فالأصل أن العمرة ليس لها وداع.
طالب: حديث "إن عبداً أصححت له جسمه لا يفد لي كل خمسة أعوام فهو محروم".
هذا صححه بعضهم، ومعناه صحيح، حتى الذي لا يفد وهو يستطيع وهو صحيح البدن ويتيسر له يحج كل سنة محروم الذي لا يحج كل سنة محروم، الحرمان نسبي، نعم، فالحرمان نسبي.
طالب: ما يؤخذ منه تأثيمه....؟
لا لا ما يؤخذ، لا لا الحرمان لا لأنه لا يجب الحج إلا مرة واحدة؛ النصوص القطعية تدل على هذا.
يقول: هل من الممكن أن يكون الدرس ليوم غد بعد الظهر إلى العصر بدلاً من المغرب؟
بعد الظهر يعني لو قال من العصر إلى أذان العشاء ممكن، أما الظهر ما هو محل الدرس.(1/151)
طالب:.........
لا الظهر ما هو محل للدرس؛ لأنه يشق على كثير من الناس، قل مثل هذا في الجمعة لو تركنا غداً يكون الدرس بعد العصر إلى أذان العشاء ومثله يعني يمكن لكن الأصل على ما هو عليه، فإن كانت هذه رغبة الجميع فينزل عند رغبتهم فالدرس لكم، وإن كان هناك أحد يستفتي ويأخذ بقول يكون راجح فلا بأس.
يقول: ألا يكون ارتباط الناس بالرحلات الجوية والبحرية وغيرها وخاصة من يأتي من خارج المملكة وجاهة في الاشتراط؟
يعني ما حسب حسابه أنه لما قدم إلى الحج أنه سينتهي في يوم كذا؟ إذا كانت المسألة مسألة فريضة وركن من أركان الإسلام، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أحابستنا هي)) ما يقف أمام هذه شيء أبداً، مهما كانت الظروف؛ يعني الحج ركن الإسلام والطواف ركن الحج وإذا فرطنا بالركن شو يبقى؟
كذلك بالنسبة لشدة الزحام للمرأة الحامل ألا يكون ذا وجاهة؟
أنت بتشترط وهي فرض لا بد أن تلاحظ أمرها وتأتي في الأوقات التي يخف فيها الزحام وتسدد وتقارب؛ لأنه لا بد أن نستشعر عظمة هذه العبادة، وأنها ركن من أركان الإسلام أما التساهل متى ما بغى جاء متى ما بغى، رجع... من كانت عليه أمارات التعب ويخشى عليه أن يفوته الحج بسبب المرض يشترط مثل ضباعة على ما سيأتي.
هذا يسأل عن حديث الحجر الأسود يمين الله؟
هذا يبحث عنه بعض الإخوان ويأتي به غداً، ولو بحثه أكثر من واحد عاده يصير أحسن.
يقول: هل الأئمة الإثني عشر من نسل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- من أهل السنة، وإذا كان الجواب نعم لماذا لا نرى في الصحاح مرويات لهم خصوصاً أن هناك مرويات كثيرة لجعفر الصادق؟(1/152)
أما بالنسبة لأوائلهم كعلي والحسين وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي وجعفر الصادق كلهم أئمة، أئمة هدى ومروياتهم في الصحيحين وغيرها ولا نقاش فيه، من مرويات جعفر عن أبيه الباقر عن جابر حدبث حجة النبي -عليه الصلاة والسلام- وخرجها الأئمة في كتبهم، وأهل السنة أهل عدل وإنصاف، ما قالوا أن جعفر الصادق عمدة الشيعة ووضع عليه الشيء الكثير، ما عليه ذنب مما وضع عليه، الكلام فيما يضعه هو، وهو عدل ثقة عند أهل العلم لا يوجد ما يمنع من تقرير حديثه، أما من جاء بعدهم فهم كغيرهم من عادي الناس لهم وعليهم.
يقول: هل نوم الرسول -عليه الصلاة والسلام- بذي طوى سنة يقاس عليه أن النوم قبل أداء العمرة سنة أيضاً؟
النوم عند الحاجة إليه لكي يقبل على العبادة وهو مرتاح ومطمئن مطلوب.
هذه الأمور تأتي في وقتها -إن شاء الله تعالى- بعض المسائل يشار إليها في أوقاتها من الدروس اللاحقة إن شاء الله تعالى.
يقول: نحن مجموعة من الزملاء في العمل عملنا جمعية بجزء من الراتب على أن يأخذها كل واحد شهر فهل عليها زكاة خاصة الذي يأخذها بالأخير مع العلم بأنه حال عليها الحول؟
هذه ديون على أملياء تزكى إذا حال عليها الحول الدين إذا كان عند مليء يزكى كل ما حال عليه الحول بخلاف الدين الذي على معسر.
طالب:........
وش فيه؟
طالب: ...........
وأنت تتصور أن السجود يكون على الأعضاء السبعة؟ الوجه الوجه فقط.
طالب: يعني مشروع؟
فعله ابن عباس ويذكر عن عمر -رضي الله عنه- لكن المعروف التقبيل.
يقول: هل إذا نوى ولي الصبي أن يكون أجر حجة الصبي لأحد أقاربه فهل هذا جائز وهل يثبت الحج لمن أهدي له؟(1/153)
المسألة ذكرناها في درس مضى، وقلنا أن الصبي لم يجر عليه قلم التكليف، من أهل العلم من يرى أنه لا يثبت له أجر ولا عليه وزر وإنما يؤمر وينهى من أجل التمرين، فهذه الحجة إذا كان ليس فيها أجر لا تهدى، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ولك أجر)) يعني الأم، فالأم تهدي ثوابها هذا الأجر الذي ثبت لها لمن شاءت.
هذا يقول: عندي سؤال ولكني لا أتجرأ على قوله ولكني لا أدري ما حكمه ما المطلوب عمله؟
المطلوب عمله عند الطواف، هو يقول لا أتجرأ على قوله، هو كلام شنيع يعني بجانب الرب -جل وعلا- سب لله -جل وعلا- في الطواف، فماذا يفعل من سب الله ورسوله، نسأل الله العافية يكفر، هذا يكفر، عليه أن يأتي بالشهادة من جديد إذا كان في حج أو عمرة بطل، بطل النسك كله، وعليه أن يعيده نسأل الله السلامة والعافية، وإذا كان بعد النسك فيعتريه من الخلاف ما يعتري من ارتد ثم عاد إلى الدين، هل يحبط عمله بمجرد الردة أو لا بد أن يموت على كفره؟ المسألة معروفة عند أهل العلم لكن إعادتها هو الأحوط.
يقول: حججت عام حريق منى ولم نبت ولا ليلة في منى وكنا نبيت في الأبطح لعدم وجود مكان في منى؟
إذا كان الكلام مؤكد وأنه بالفعل بحثتم عن مكان ولم تجدوا فلا شيء عليكم، وإن كان المسألة مسألة تفريط سمعتم الناس يقولون ما فيه مكان وصدقتم فعليكم بترك هذا النسك دم عند جمهور العلماء؛ لأنه واجب، المبيت واجب.
يقول: ما هو الملتزم؟
الملتزم بين الركن والباب، وحكم الدعاء عنده الالتزام إلصاق الصدر والبدن بهذه بهذا الجزء من الكعبة ما بين الركن والباب، والدعاء عنده يتحرى، فعله ابن عمر وابن عباس وجمع من الصحابة وليس فيه شيء مرفوع.
يقول: ما حكم التمسح بأستار الكعبة أو ببابها؟
كل هذا من البدع.
هذا يسأل عن سفر المرأة مع الحملات بدون محرم؟(1/154)
المسألة تكلمنا عليها في درس مضى، ويذكر أن بعض المشايخ أفتوا بأن لها ذلك، لكن المرد في هذا والحكم إلى النص، وأنه لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم.
يقول: هل يقول الذكر الوارد في نهاية الشوط السابع من السعي عند المروة؟
نعم.
طالب: الدعاء رعاك الله عند الصفا والمروة يرفع كفيه ويدعو؟
يدعو نعم يرفع يديه ويدعو.
يقول: هل ينبغي إنقاص عدد الحجاج من مليونيين إلى مليون لكي تؤدى المناسك بخشوع وبدون أذىً للناس وبدون مفاسد أخرى؟
الأصل أن العبادات المفروضة من قبل الله -جل وعلا- على عباده أن لا يتدخل فيها أحد، هذا الأصل، لكن إذا رأى ولاة الأمر باستشارة أهل العلم ممن تبرأ الذمة بتقليدهم رأوا أن المصلحة ظاهرة في التحديد وأن الخطر محقق مع عدمه لهم ذلك، فلهم ذلك.
شخص أحرم بالعمرة ثم بعد إحرامه بها ودخوله في النسك لم يؤد العمرة ورجع إلى أهله فماذا عليه؟
عليه أن يعود وهو مازال محرماً حتى يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر.
يقول: أشرطة شرح بلوغ المرام توقفت عن الظهور فما السبب؟
لا علم لي بالأشرطة، والإخوان عندهم الأخبار والأشرطة التي ظهرت أخيراً صلاة الجمعة والخوف حذف منها الأسئلة القبلية والبعدية.
ما حاجة طلاب العلم لتوجيهات -مدري والله- ماحاجة طلاب العلم التوجيهات والمطبات الصناعية التي تصحح السير في الطلب؟
المقصود أن التوجيه مقبول طيب.
يقول: بعض الإخوان الذين في الأمام يوقفون الأسئلة وذلك يوغر صدورنا عليهم؟
على كل حال.
يقول: نرجو أن يكون الدرس غداً بعد الظهر إن أمكن.
هذا يقول: في الأصل في التقويم حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال للوزغ فويسق ولم أسمعه أمر بقتله" [أخرجه البخاري].
السائل يقول كيف نوفق بين هذا الحديث أعلاه مذكور في أصل التقويم وبين حديث الخمس الفواسق الذي ثبت وصفه بأنه فاسق والعلة منصوصة فيقتل لا سيما وقد جاء الحث على قتله من غير تقييد.(1/155)
يقول: أنا طالب للعلم مغرم به وعندي مشكلة أريد الإرشاد والدلالة للأصلح مشكلتي أنني منقطع لطلب العلم حفظاً للقرآن ولحفظ المتون ولكني لا أشارك في أي مجال من غير طلب العلم كثير من الإخوان يطلبون مني المشاركة في الدعوة والأنشطة الدعوية فأمتنع لا رغبة عن ذلك ولكن لعلمي من نفسي أن ذلك يشغلني عن التأصيل فهل ذلك حسن أو هو من حيل الشيطان ومكره علماً أن لي معلماً ولي مجلس شهري فهل أنا مصيب؟
على كل حال إذا انشغل بطلب العلم.
يقول: توضيح أكثر جعلت لي حد عشر سنوات وبعدها أبدأ في إلقاء الكلمات العامة فقط المشكلة أخشى من الإنقطاع والقعود والخمول وعدم الظهور..
كلام بعضه مكرر..
المشكلة أخشى من الظهور يعني مرة ثانية والمشاركة من القطع بطلب العلم والانشغال عن ذلك لأنني لا أستطيع أن أجمع بين عملين أو مجالين؟
على كل حال الأصل التعلم قبل كل شيء، أن يبدأ بالعلم ثم العلم، وعلى الإنسان أن يحرص بقدر الإمكان أن يعلم ما تعلمه، وأن يبلغ ما بلغه؛ لأن العمر ليس بمضمون الإنسان يقول أعكف على العلم عشر سنوات خمس سنوات عشرين سنة ثم بعد ذلك أفيد، لا؛ وما يدريك أنك تموت قبل ذلك، فاحرص بقدر الإمكان ولا تعرض نفسك لمواقف تحرج فيها ويطلب منك أكثر مما عندك، وإذا طلب منك مثل هذا قل الله أعلم ولا يضيرك، فعلى الإنسان من تعلم شيئاً أن يبلغه لغيره.
يقول: إذا حلفت بالله وحنثت ولم أكفر ثم حلفت بالله مرة أخرى هل أكفر مرة أو مرتين؟
إذا كان الباعث على اليمين....
بلوغ المرام _ كتاب الحج (4-أ)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(1/156)
الحديث الذي ذكر بالأمس: ((الحجر الأسود يمين الله)) في كتاب القواعد المثلى للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- يقول: "المثال الأول: ((الحجر الأسود يمين الله في الأرض)) الجواب عنه يقول الشيخ: أنه حديث باطل لا يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم خُرّج، أخرجه الخطيب في تاريخه، وابن عدي في الكامل، وعزاه الألباني في الضعيف لأبي بكر بن خلاد، وابن بشران في الأمالي، وفي إسناده إسحاق بن بشر الكاهلي، كذبه أبو بكر بن أبي شيبة إلى آخر ما قال، والحديث ضعفه المناوي في فيض القدير، ونقل هناك تضعيف ابن الجوزي في العلل المتناهية يقول ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، قال ابن العربي: حديث باطل، فلا يلتفت إليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: روي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بإسناد لا يثبت، يقول الشيخ: وعلى هذا فلا حاجة للخوض في معناه؛ لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والمشهور -يعني في هذا الأثر- إنما هو عن ابن عباس، قال: "الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله، وقبل يمينه" يقول أيضاً: ضعيف، الأثر ضعيف، أخرجه ابن قتيبة في غريب الحديث، ثم نقل عنه الألباني -رحمه الله- أنه قال: "إذا عرفت ذلك فمن العجائب أن يسكت الحافظ بن رجب عن الحديث في ذيل الطبقات، ويتأول ما روي عن ابن الفاعوس الحنبلي أنه كان يقول: الحجر الأسود يمين الله حقيقة، بأن المراد بيمينه أنه محل الاستلام والتقبيل، وأن هذا المعنى هو حقيقة في هذه الصورة، وليس مجازاً، وليس فيه ما يوهم الصفة الذاتية أصلاً، وكان يغنيه عن ذلك كله التنبيه على ضعف الحديث، وأنه لا داعي لتفسيره أو لتأويله؛ لأن التفسير فرع التصحيح، كما لا يخفى، هذا كلام الشيخ الألباني -رحمه الله-، الشيخ ابن عثيمين كأنه ينقل عن الفتاوى يقول: لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والمشهور -يعني في هذا الأثر- إنما هو عن ابن عباس قال: "الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن صافحه(1/157)
أو قبله فكأنما صافح الله، وقبل يمينه" ومن تدبر اللفظ المنقول تبين له أنه لا إشكال فيه، فإنه قال: يمين الله في الأرض، ولم يطلق فيقول: يمين الله، وحكم اللفظ المقيد يخالف حكم المطلق، ثم قال: فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله، وقبل يمينه، وهذا صريح في أن المصافح لم يصافح يمين الله أصلاً؛ ولكن شبه بمن يصافح الله، فأول الحديث وآخره يبين أن الحجر ليس من صفات الله تعالى، كما هو معلوم عند كل عاقل.
يعني التأويل الذي ذكره شيخ الإسلام هو نفس ما انتقد على ابن رجب، يعني إذا كان الحديث بهذه المثابة من الضعف فلا يتكلف اعتباره، ولا يتكلف تأويله، ولا يتكلف التوفيق بينه وبين غيره من النصوص، هذه الجادة، لكن كأن الشيخ يميل إلى أن الخبر عن ابن عباس يعني قد يقبل، وإذا ثبت عن ابن عباس مثل هذا الخبر، وهو لا مجال للرأي فيه فإنه له حكم الرفع، وهذا بحث من بعض الإخوان يقول: ذكر الحديث عن حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً، أخرجه ابن خزيمة والطبراني والحاكم والبيهقي، وجميع أسانيدها مدارها على عبد الله بن المؤمل، وهو ضعيف، ثم حديث جابر بن عبد الله مرفوعاً أخرجه ابن عدي والخطيب وأبو بكر بن خلاد وابن بشران جميع أسانيدهم مدارها على إسحاق بن بشر الكاهلي، وهو وضاع؛ لكن لم ينفرد به فقد تابعه أحمد بن يونس الكوفي، وهو ثقة كما عند ابن عساكر، وفي إسناد المتابعة أبو علي الأهوازي، وهو متهم، على كل حال إذا كان في طريق وضاع وفي طريق متهم هذا لا يقبل الانجبار شديد الضعف، حديث ابن عباس مرفوعاً، أخرجه الفاكهي في تاريخه، وإسناده ضعيف جداً، حديث أنس مرفوعاً، أخرجه الديلمي في مسند الفردوس بإسناد فيه متهم أيضاً، حديث ابن عباس موقوفاً، أخرجه عبد الرزاق في المصنف، وفي إسناده إبراهيم بن يزيد، وهو منكر الحديث، وأخرجه عبد الرزاق بعده من حديث ابن جريج عن محمد بن عباد عن ابن عباس به، ورواه ابن جريج عن علي بن عبد الله عن ابن عباس، وأخرجه(1/158)
الفاكهي إلى آخره، ولعل هذا هو الراجح في الحديث، أنه من قول ابن عباس، حتى ما نسب إلى ابن عباس ما يسلم طريق من ضعف؛ لكن لتعدد الطرق عن ابن عباس يمكن احتماله موقوفاً عن ابن عباس، كما يفهم من كلام شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-، وإذا ثبت عن ابن عباس وهو مما لا مجال للرأي فيه يكون له حينئذ حكم الرفع، يقول: ولعل هذا هو الراجح في الحديث أنه من قول ابن عباس، حديث أبي هريرة مرفوعاً أخرجه ابن ماجه والفاكهي وابن عدي، وإسناده فيه حميد بن أبي سوية، وهو ضعيف، هذا الذي بحث يقول: الخلاصة أن الحديث ضعيف مرفوعاً، صحيح موقوفاً، هذا ما ترجح لي في هذه العجالة، والأمر يحتاج إلى بحث وتأمل؛ لكن من ضعف المرفوع والموقوف باعتبار أن جميع طرقه لا تسلم له وجه، وممن نظر إلى اعتبار تعدد هذه الطرق، ولو كان ضعفها شديداً، فإن بعض أهل العلم إذا تعددت الطرق وتباينت وكثرت، ولو كان الضعف شديداً، وفي اصطلاح أهل العلم أن الضعف الشديد لا ينجبر، بعضهم يرى أنه ينجبر، على كل حال لو صح فمعناه مثل ما ذكر شيخ الإسلام أنه من باب أن من صافحه فكأنما كما هو نص الخبر، وحينئذ إذا كان من صافحه فكأنما صافح يمين الله، وبعدين هو يمين الله في الأرض، والله -جل وعلا- في السماء، فلا يخطر على البال أنه هو اليمين التي ثبتت في النصوص، في نصوص الكتاب والسنة، وإثباتها لله -جل وعلا-، فاليد ثابتة على ما يليق بجلال الله وعظمته، وهذا من باب التقريب والتشبيه، "فكأنما" ومعلوم أن المشبه لا يلزم منه مطبقة المشبه به من كل وجه، ففي رؤية الباري -جل وعلا- شبهت بالحديث الصحيح كأنما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في ذلك، المقصود أن تشبيه رؤية الباري برؤية القمر ليست من كل وجه، إنما في الوضوح والظهور، وإن كان المشبه غير المشبه به.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:(1/159)
فيقول الإمام الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في كتابه بلوغ المرام في باب صفة الحج ودخول مكة:
وعن يعلى بن أمية -رضي الله عنه- قال: "طاف النبي -صلى الله عليه وسلم- مضطبعاً ببرد أخضر" رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- وعن يعلى بن أمية -رضي الله تعالى عنه- قال: "طاف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مضطبعاً ببرد أخضر" بالنسبة للون ليس هناك لو متعين بحيث لا يجوز سواه، إلا ما ورد النهي عنه من الأصفر، المعصفر المزعفر، الأحمر، كل هذه ورد النهي عنها بالنسبة للرجال، وما عدا ذلك يجوز لبسه، "مضطبعاً" حال كونه مضطبعاً، والاضطباع كما ذكرناه بالأمس أن يبدي ضبعه الأيمن، ويدخل الرداء من تحته، من تحت إبطه الأيمن، ويرسل طرفيه على منكبه الأيسر؛ ليكون طرف على صدره، وطرف على ظهره من جهة الظهر، الاضطباع سنة في جميع الأشواط السبعة، يلاحظ أن بعض الناس منذ أن يعقد النية يضطبع حتى يتحلل ويلبس ثيابه، ولذا تلاحظون أن بعض الحجاج اليد اليمنى قد أثرت عليها الشمس، وضعها على هيئة ولم يغيرها، مع أن الاضطباع في الطواف، في السبعة الأشواط، ومنهم من خصه بالثلاثة الأُول كالرمل؛ لكن المرجح أنه في السبعة، فإن انتهى من الطواف ستر منكبيه؛ ليصلي ركعتي الطواف، وجاء في الحديث الصحيح: ((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء)) والرواية الأخرى: ((ليس على عاتقه)) فعلى هذه الرواية يكفي أحدهما، فلا ينكر على من فعله؛ لكن الأصل أن الاضطباع ينتهي بانتهاء الطواف.
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه" متفق عليه.(1/160)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: "كان يهل منا" يعني الصحابة في مسمع منه -عليه الصلاة والسلام-، "كان يهل منا المهل"، والإهلال رفع الصوت بالتلبية، "فلا ينكر عليه" لماذا؟ لأنه محرم، والتلبية بالنسبة للمحرم سنة، ويأتي متى يقطع التلبية، "ويكبر منا المكبر فلا ينكر عليه" لأن أيام الحج أيام تكبير، فمن كبر فقد أحسن، ومن أهل ولبى فقد أحسن، وهذا صنيع بمسمعه -عليه الصلاة والسلام-.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "بعثي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الثقل، أو قال: في الضعفة من جمع بليل"، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "استأذنت سودة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة المزدلفة أن تدفع قبله، وكانت ثبطة -تعني ثقيلة- فأذن لها" متفق عليهما.(1/161)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "بعثني النبي -صلى الله عليه وسلم- في الثقل" في المتاع، ثقل المرء متاعه، "أو قال: في الضعفة" يعني من أهله من نساء وذرية "من جمع" يعني من مزدلفة "بليل" يعني بعد منتصفه، وبعد مغيب القمر يسوغ لأهل الأعذار أن ينصرفوا من جمع بعد أن يجلسوا فيها غالب الليل، والحكم للغالب، في حديث أسماء أنها كانت ترقب القمر، ولا يغيب القمر إلا بعد مضي غالب الليل، فإذا غاب انصرفت، وهنا بعثهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بليل، يعني قبل طلوع الفجر، وعلى هذا من كان معذوراً بحيث لا يستطيع مزاحمة الناس له أن ينصرف، ومنهم من يطرد يقول: الحكم للغالب، فإذا جلس، مكث الحاج بمزدلفة إلى نصف الليل، وزاد على ذلك قليلاً فطرداً لقولهم: أن الحكم في المسائل للغالب أنه ينصرف الجميع، هذا القول معروف عند الحنابلة والشافعية، الانصراف من منتصف الليل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما تقدم مكث في مزدلفة حتى صلى الصبح، اضطجع حتى طلع الفجر، ثم صلى الصبح، وذهب إلى المشعر، فقام يذكر الله عند المشعر الحرام، حتى أسفر جداً، ثم دفع، وهذه هي السنة، وأوجب بعضهم البقاء إلى صلاة الصبح، بل جعل صلاة الصبح بعضهم بمزدلفة ركن من أركان الحج، لما سيأتي في حديث عروة بن مضرس، وفيه ما فيه على ما سيأتي، وفي الحديث الذي يليه حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "استأذنت سودة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة المزدلفة أن تدفع قبله، وكانت ثبطة" الأصل في الثبط: البطيء الحركة، وفي الحديث الصحيح: "وكانت ثبطة ثقيلة" وهنا يقول "وكانت ثبطة" تعني ثقيلة، ولا شك أن الثقل سبب لبطء الحركة، فكونها ثبطة سببه أنها كانت ثقيلة، ومعروف أن الثقل في البدن سواء كان بسبب الزيادة في الوزن أو بسبب الإرهاق، أو بسبب المرض، أو كبر السن كل هذا يجعل الإنسان ثبطاً، يعني بطيء الحركة، وعلى كل حال هي كبيرة السن، وهي(1/162)
ثقيلة، فنشأ عن ذلك بطء الحركة، فصارت من الضعفاء، فاستأذنت، فأذن لها، وعائشة في ذلك الوقت كانت شابة نشيطة قوية ما استأذنت؛ لكنها تمنت فيما بعد أنها استأذنت كما استأذنت سودة، فاستدل بعضهم من كلامها أن المرأة عموماً لها أن تنصرف، ولا شك أن جل النساء ضعيفات، والضعف ملازم لهن، فمن قال: أن النساء عموماً ينصرفن، لهن الانصراف، فله وجه؛ لأن عائشة ما لاحظت كونها ثقيلة كون سودة ثقيلة، وإنما تمنت لو استأذنت كما استأذنت سودة، ومع ذلك هي شابة خفيفة نشيطة، ليست بثبطة، ولا ثقيلة، ففهمت أن سبب الانصراف هو كونها من جنس النساء، وعلى كل حال من احتاج إلى أن ينصرف قبل الناس هذا عذره، أو كان معه من الضعفة ما يستحق أن ينصرف من أجله له ذلك؛ لكن لا يُتحايل بهذا على إسقاط السنن، لا يُتحايل بهذا على التنصل من السنن والاتباع، قد رأينا باص فيه ما يقرب من خمسين شخص، وليس معهم إلا امرأة واحدة، مكثوا قليلاً، قالوا: ننصرف، كيف تنصرفون وأنتم أقوياء أشداء؟ قالوا: معنا امرأة، وليس في الباص إلا هذه المرأة، وكأنهم جعلوها معهم للاحتيال على تطبيق السنة، ديننا -ولله الحمد- ليس بدين آصار، ولا أغلال، الدين يسر -ولله الحمد والمنة- لكن التحايل على التنصل من الأحكام الشرعية لا شك أنه مذموم، وما حرف اليهود -بنو إسرائيل- ما حرفوا النصوص إلى بالحيل، بالتحايل عليها، لارتكاب المحرمات، والتنصل على الواجبات، فكون الإنسان يحتال من أجل أن ينصرف الأمور بمقاصدها، وأنت تتعامل مع من لا تخفى عليه خافية، يعلم السر وأخفى؛ لكن إذا وجد معك من له الانصراف بالدليل الشرعي، وليس له من يقوم به سواك حينئذ لا بأس أن تنصرف معه، المبيت بالمزدلفة محل خلاف بين أهل العلم، منهم من يرى أنه ركن من أركان الحج، وهذا معروف عن علقمة والنخعي وبعض السلف لحديث عروة بن المضرس، وسيأتي، ومنهم من يرى أنه سنة كالمبيت في منى، والأكثر على أنه واجب من واجبات الحج،(1/163)
كونه واجب هو القول الوسط، ويدل له الإذن؛ لأن السنة لا يحتاج إلى إذن ولا استئذان، المندوب إذا احتيج إليه لا يحتاج إلى إذن ولا استئذان، والركن لا يؤذن فيه، مهما بلغ العذر، لو أن شخصاً في طريقه إلى عرفة حصل له ما حصل حادث أدخل إلى المستشفى إلى أن انتهى الوقوف، نقول: هذه حاجة؟ هذه ضرورة؛ لكن أدرك الحج وإلا فاته الحج؟ فاته الحج، الركن لا يؤذن فيه، والسنة لا يحتاج إلى إذن ولا استئذان، إذاً المبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج، وهذا هو القول المعتمد، ومن فاته الوقوف بتفريط منه يلزمه عند أهل العلم دم يجبره به، وأما مقداره فمن إمكان الوصول؛ لأن من الناس من لا يصل إلى مزدلفة إلا قرب الفجر، يُلزم بشيء؟ ما يلزم بشيء، ومنهم من يصل إلى المزدلفة بعد غروب الشمس بقليل على كل حال من إمكان الوصول إلى أن يسفر جداً، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن دفع بعد منتصف الليل، بحيث يمضي غالب الليل فالأمر فيه سعة عند جمع من أهل العلم، ولكن الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام-، ومبيته بها من وصوله إلى الإسفار مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((خذوا عني مناسككم)) هذا يجعل الأمر مما ينبغي أن يهتم به، ويعتنى به، ومن الناس لا سيما من يرتبط بحملة أو غيرها، تجد صاحب الحملة مجرد ما ينزلون قليلاً يركبهم في السيارات، ويتأهبون للانصراف، مع أنه في الطريق يوجد أناس كثير منهم نايم، ولن يتهيأ، ولن يتيسر له أن ينطلق إلى منى لوجود من في الطريق من النوام وغيرهم؛ لكن بعض الناس يحرص على أن يتخلص من هذه العبادة بأي وسيلة، ليس البر بالإيضاع، الكلام في تطبيق السنة، وأن يأتي بهذه العبادة على وجه كامل بقدر الإمكان، أهل الحملات أحياناً يلزمون من يحج معهم بمثل هذا، تجدهم من صلاة العصر أو من وقت صلاة العصر يبدؤون بركوب الناس وإشغالهم عن أذكارهم بعرفة على ما أشرنا أمس، ثم بعد ذلك يدفعونهم إلى مزدلفة، ثم يشغلونهم قبل منتصف الليل(1/164)
بالركوب، وهذا حصل، يركبون من الساعة الحادي عشرة، وينطلقوا لا يمكن المسير بحال من الأحوال ولا خلال ثلاث ساعات؛ لأن الناس نوام قدامك في الطرق؛ لكن مع ذلك تجد صاحب الحملة يحرص أن تنتهي هذه الحجة بأقرب فرصة، مع أنه لن ينته، يعني هذا نظير الذي يسابق الإمام، هل يمكن أن يسلم قبل الإمام؟ ما يمكن يسلم قبل الإمام، وهذا الذي أركب الناس، والناس نوام قدامه في الطرقات لا يمكن أن ينصرف قبل الناس؛ لكن بعض الناس عنده طبع، طبع في نفسه قبل الموعد المحدد بأوقات لا بد يصير جاهز، وهذا يتعب نفسه، ويتعب غيره، وخير الأمور أوسطها، أيضاً التريث الزائد على المطلوب يفوت كثير من المصالح، فخير الأمور أوسطها.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس)) رواه الخمسة إلا النسائي، وفيه انقطاع.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت" رواه أبو داود وإسناده على شرط مسلم.(1/165)
حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: "قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا ترموا الجمرة)) وابن عباس في الحديث السابق الذي يقول فيه: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعثه في الثقل، أو قال: في الضعفاء من جمع بليل، وهو ما يحتاج إلى عذر، يناهز الاحتلام، يعني شاب قوي نشيط؛ لكن بعثه معهم، وهو ليس من أصحاب الأعذار، ولذا قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا ترمي الجمرة حتى تطلع الشمس)) مثل فعله -عليه الصلاة والسلام-، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما رمى إلا بعد ما طلعت الشمس، فمثل هذا القوي النشيط يرتكب العزيمة، وليس بحاجة إلى رخصة، على أن في الخبر انقطاعاً؛ لكن له أكثر من طريق، بحيث يصل إلى أن يحكم عليه بأنه صحيح لغيره، فالذي ليس بحاجة إلى رخصة الأولى أنه لا ينصرف قبل الإسفار، ولا يرمي إلا بعد طلوع الشمس كفعله -عليه الصلاة والسلام-، وهنا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا ترموا حتى تطلع الشمس)) ومنهم من يحمل هذا النهي على الكراهة، والانتظار إلى طلوع الشمس من باب الاستحباب، بدليل حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت" فإذا أذن بالانصراف بليل كما هو شأن سودة وأم سلمة، إذا أذن بالانصراف بالليل من مقتضى هذا الانصراف أن تكون التحية بمجرد وصول منى برمي الجمرة، ثم بعد ذلك أفاضت، وعلى هذا من انصرف بعد منتصف الليل، ثم مر بالجمرة فرماها، ثم ذهب إلى البيت فطاف قبل الفجر فعله صحيح أم ليس بصحيح؟ يعني عند من يقول بالانصراف بمضي غالب الليل، فعله صحيح وإلا ليس بصحيح؟ صحيح؛ لأن أم سلمة إسناده على شرط مسلم، رواه أبي داود وإسناده على شرط مسلم، وأنكره الإمام أحمد وغيره؛ لكن يقول البيهقي وغيره: إسناده صحيح لا غبار عليه، إسناده جيد ما فيه إشكال -إن شاء الله تعالى-؛ لكن يبقى أنه بالنسبة لمن له الانصراف،(1/166)
وعرفنا أن من أهل العلم من يرى أنه لا يجوز الانصراف إلا بعد الإسفار، لفعله -عليه الصلاة والسلام-، وقوله: ((خذوا عني مناسككم)) إلا للمعذورين، وقد أذن النبي -عليه الصلاة والسلام- لسودة وغيرها، وممن أذن له أم سلمة، وعرفنا أن المعروف عند الشافعية والحنابلة أن الانصراف بعد منتصف الليل لا إشكال فيه للجميع، فإذا ساغ الانصراف تبعه ما بعده من الأعمال، رمي الجمرة تحية منى، إذا انصرف من منتصف الليل له أن يرمي قبل الفجر، كما فعلت أم سلمة، وله أيضاً أن يطوف قبل الفجر؛ لكن هل له أن ينحر قبل الفجر وإلا لا؟ أنت افترض عندنا أعمال يوم النحر: الرمي والنحر والحلق أو التقصير والطواف، فإذا استصحبنا هذه الأشياء، وأجزنا بعضها قبل الفجر، ثم استصحبنا أيضاً حديث ما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج)) على ما سيأتي شخص انصرف بعد منتصف الليل له أن يرمي قبل الفجر، له أن يطوف قبل الفجر، افترض أن هذا قدم الحلق، أو قدم النحر قبل رمي الجمرة، يعني لو قدم النحر قبل الرمي بعد طلوع الشمس، وبعد صلاة الإمام هذا ما فيه إشكال؛ لكن لو قدم قبل طلوع الفجر هل له ذلك أو ليس له ذلك؟ يعني ما سئل عن شيء قدم ولا أخر.
طالب:.......
طيب أنت الآن المتقرر عند جمع من أهل العلم على حديث عائشة في قصة أم سلمة أن لها أن ترمي قبل الفجر، والرسول -عليه الصلاة والسلام- ما سئل عن شيء قدم، يعني لك أن تقدم النحر قبل الرمي؟
نحرت قبل أن أرمي، قال: ((افعل ولا حرج)) هل يدخل في مثل هذا أو لا يدخل؟
طالب:.......(1/167)
خلنا نتعامل مع نصوص الآن عندك شيء، أنت افترض مثلاً أن هذه الآلة جيدة، وهذه أجود منها، فجيء بآلة ثالثة صارت أجود من هذه، ألا يمكن أن تقول: أنها أجود من هذه؟ لك أن تقول، هذه رقم واحد اثنين أجود منها، ثلاثة أجود من اثنين، إذاً ثلاثة أجود من واحد، صح وإلا لا؟ الرمي يجوز قبل الفجر، والنحر يجوز تقديمه على الرمي بدليل: ((افعل ولا حرج)) إذاً يجوز النحر قبل...، ما سئل عن شيء قدم ولا أخر في ذلك اليوم إلا قال: ((افعل ولا حرج)) لكن هل المقصود باليوم النهار، أو يبدأ اليوم الشامل لليل والنهار من غروب الشمس؟ الآن الرمي ما هو من أعمال يوم النحر؟ من أعمال يوم النحر، ليلة العيد تابعة ليوم عرفة وإلا تابعة ليوم النحر؟
طالب:.........
هو الأصل، الأصل في أن اليوم الشرعي يبدأ بغروب الشمس؛ لكن هم استثنوا ليلة النحر باعتبار أنه يصح فيها الوقوف، والوقوف لا يصح إلا في يوم عرفة، فقالوا: أن ليلة عيد النحر تابعة ليوم عرفة حكماً، وإلا حقيقة بغروب الشمس يبدأ اليوم، فما سئل عن شيء قدم ولا أخر في ذلك اليوم إلا قال:
((افعل ولا حرج)) يعني من أعمال يوم النحر، فإذا أجزنا الرمي قبل الفجر، وأجزنا في النحر أن يقدم عليه.
طالب:.........(1/168)
يلزم من هذا جوازه؛ لكن الخلاف في وقت النحر معروف بين أهل العلم، وهو تابع لقاعدة شرعية؛ لأن له سبب وجوب، ووقت وجوب، سبب وجوبه الإحرام بالعمرة في التمتع، أو الإحرام بهما معاً في القران، ووقت وجوبه بعد صلاة العيد كالأضحية، والعبادة إذا كان لها وقت وجوب وسبب وجوب القاعدة أنه لا يجوز فعلها قبلهما، لا يجوز أن تذبح الهدي وتقول: أنا لم أحرم بعد؛ لكن أقدمها وأرتاح منهاـ كما أنه لا يجوز لك أن تدفع كفارة اليمين قبل أن تنعقد اليمين قبل ما تحلف تقول: والله فرصة أنا عندي الآن طعام كثير أوزع كفارات احتمال أني أحلف فيما بعد ولا أجد كفارة، قبل انعقاد السبب لا يجوز اتفاقاً، وبعد السبب والوقت يجوز اتفاقاً؛ لكن الخلاف فيما بينهما، الآن السبب منعقد، والوقت لم يحن، فهل يجوز أن تفعل هذه العبادة بينهما أو لا تجوز؟ افترض أنت حلفت وقلت: والله لا أدخل هذه الدار، رأيت من المصلحة أنك تدخل، ((إني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني، وأتيت ما هو خير)) وفي رواية: ((لأتيت الذي هو خير، ثم كفرت عن يميني)) يجوز عند أهل العلم أن تكفر قبل أن تحنث، وهذا من فروع هذه القاعدة، فهل يجوز لك أن تنحر قبل وقت النحر، وألف في هذا رسالة: (القول اليَسِر في جواز نحر الهدي قبل وقت النحر) لكنها رد عليها، ما نحتاج إلى اسمه، رد عليها برسالة اسمها: (إيضاح ما توهمه صاحب اليسر في يسره) على كل حال القول بالجواز هو قول الشافعي، تنحر قبل يوم النحر، ومقتضى القاعدة العامة أنه ما سئل عن شيء قدم ولا أخر، وما دام يجوز تقديم الرمي قبل الفجر إذاً يجوز تقديم الذي يجوز تقديمه عليه، تبعاً للقول العام الشامل على ما سيأتي؛ لكن أهل العلم يقررون أن وقت النحر هو وقت الأضحية، والمسألة ما تسلم من خلاف، ومردها القاعدة التي أوردناها من أرادها يرجع إلى قواعد بن رجب.
طالب:.......(1/169)
إحنا قلنا لك: إن الشافعية والحنفية أطلقوا أهل الأعذار غيرهم ينصرفون بعد منتصف الليل؛ لأن الحكم للغالب وهم جلسوا غالب الليل، والمكث بعد ذلك مستحب، وعلى كل حال على المسلم أن يعنى بعباداته، وأن يؤديها على الوجه الكامل بقدر الإمكان، وأن يقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، لا سيما فيما أكد عليه ((خذوا عني مناسككم)) والنبي -عليه الصلاة والسلام- وقف إلى أن أسفر جداً، ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فالأصل هو القدوة والأسوة -عليه الصلاة والسلام-، فالانصراف وقت انصرافه -عليه الصلاة والسلام- لا يسوغ لا سيما لطلاب العلم الذين هم قدوة للناس وأسوة، يعني إذا لم يقتدِ بالنبي -عليه الصلاة والسلام- أهل العلم وطلاب العلم من يقتدي به، يقول: "أرسل النبي -عليه الصلاة والسلام- بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت" رواه أبو داود، وإسناده على شرط مسلم، سيأتي وقت قطع التلبية، وفيه إشكال أيضاً نورده في محله، وله ارتباط بهذا الحديث.
وعن عروة بن مضرس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من شهد صلاتنا هذه -يعني بالمزدلفة- فوقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه، وقضى تفثه)) رواه الخمسة، وصححه الترمذي وابن خزيمة.(1/170)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن عروة بن مضرس الذي جاء من جبل طي، وذكر أنه أتعب نفسه، وأكل راحلته، ولم يترك جبل إلا وقف عنده، فيسأل هذا حجه صحيح وإلا؟ يقول: فهل لي من حج؟ فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- بجواب عام شامل يشمله ويشمل غيره ((من شهد صلاتنا هذه)) صلاة الصبح بالمزدلفة، ((من شهد صلاتنا هذه)) يعني بالمزدلفة ((فوقف معنا حتى ندفع)) إلى هذه الغاية ((وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه، وقضى تفثه)) والحديث مصحح عند أهل العلم، ما ذُكر، الآن عندنا شرط وجزاء من شهد، فوقف إلى هذه الغاية، شهود الصلاة، والانتظار حتى يدفع النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد الإسفار مع الوقوف، من فعل هذا فحجه صحيح، فقد تم حجه، مفهومه مفهوم الشرط أن من لم يشهد الصلاة، ولم ينتظر حتى يدفع النبي، أو في وقت دفعه -عليه الصلاة والسلام- وهو الإسفار، أو لم يقف بعرفة قبل ذلك أن حجه صحيح وإلا ليس بصحيح؟ ليس بصحيح، وهذا الحديث حجة من يزعم أن المبيت بمزدلفة ركن من أركان الحج كالوقوف بعرفة، وهو أيضاً حجة من يرى ركنية الصلاة -صلاة الفجر- بالمزدلفة، هذا مفهوم الشرط، ((من شهد صلاتنا، فوقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه، وقضى تفثه)) هذا مفهوم الشرط، فماذا عن مفهوم الشرط؟ هل هو حجة أو ليس بحجة؟ وماذا عن دلالة الاقتران في مثل هذه الأمور؟ يعني لو قيل مثلاً: شخص أحرم من الميقات، أو قال شخص من أحرم من الميقات، وطاف وسعى وحلق وبات وجمع جميع أفعال الحج، الأركان والواجبات والمستحبات نسقها كلها، عد عشر خصال، منها الأركان، ومنها والواجبات، ومنها المستحبات، فحجه صحيح، هل يفهم من هذا أن من أخل بشيء منها أن حجه ليس بصحيح؟ يعني لو قال قائل: من كبر للإحرام ثم دعا دعاء الاستفتاح، ثم قرأ الفاتحة وسورة بعدها، ثم ركع، ثم رفع، ثم سجد، ثم كذا صلاته صحيحة، هل المفهوم من هذا أنه إذا لم(1/171)
يستفتح صلاته غير صحيحة؟ من لم يقرأ سورة بعد الفاتحة صلاته ليست بصحيحة؟
طالب:.........
نعم هذا نظير ما عندنا، فقد ينسق المستحب على الواجب، وقد يعطف الواجب على الركن، ولذا يرى أهل العلم ضعف دلالة الاقتران، أنتم معي وإلا لا؟ يعني كون الإنسان يعطف أمور: واجبات وأركان ومستحبات، ويبين الهيئة الكاملة للفعل، ويحكم بأن هذا صحيح، هل معنى هذا أنه لو أخل بشيء منه أنه ليس بصحيح؟ ولذا ينازعون في مفهوم الشرط، ويضعفون دلالة الاقتران، الآن التنظير بالصلاة ((من شهد صلاتنا)) يعني الصلاة التنصيص عليها باعتبارها الحد الفاصل لإدراك الحج من عدمه، صلاة الصبح ليلة المزدلفة، أنت افترض أنه جاء قبيل طلوع الصبح ووقف بعرفة، يترتب عليه أن لا يشهد صلاته، تقول: حجه صحيح وإلا ليس بصحيح؟ ((وكان قد وقف قبل ذلك ليلاً أو نهاراً)) بعض الروايات: ((أية ساعة من ليل أو نهار)) يعني أدنى جزء من ليل أو نهار، وأنت افترض أن شخص جاء في آخر جزء من أجزاء الليل، مقتضى الجملة هذه الأخيرة ((وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه)) يريد أن يجعل صلاة الصبح هي الحد الفاصل للإدراك والفوات؛ لأن من لم يدرك صلاة الصبح خلاص فاته الحج، تأملوا في الحديث يا إخوان؛ لأنه من يتمسك به للقول بركنية المبيت بمزدلفة، أو ركنية صلاة الصبح يقول مثل هذا، مفهومه أن من لم يشهد الصلاة، أو يقف معهم حتى يدفعون، هذا مقرون بالوقوف بعرفة، والوقوف بعرفة ركن بالإجماع، إذاً ما ذكر معه ركن مثله، هذه حجة من يقول بالركنية؛ لكن النبي قال: ((من شهد صلاتنا)) باعتبار أن الصلاة هي الحد الفاصل لإدراك الحج من فواته، ((من شهد صلاتنا، وقد وقف قبلها)) يعني قبل الصلاة وقف بعرفة، افترض أنه قبل الصلاة وقف بعرفة بلحظة قبل طلوع الفجر، هل يدرك الصلاة بالمزدلفة معهم؟ لن يدرك الصلاة معهم، لا سيما والنبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها في أول وقتها، فدل على أن الحج كما في(1/172)
الحديث الآخر عرفة، والحد الفاصل للإدراك والفوات هو صلاة الصبح، يعني من صلى الصبح وما وقف بعرفة قبل ذلك فاته الحج، أرجو أن يكون الكلام واضح ومفهوم؛ لأن الاستدلال بعضهم يرى فيه قوة بهذا الحديث، فكون الأمور تُذكر، تُبسط العبادة مثلاً إذا قلت مثلاً: إذا أمسك الشخص من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وأدى الصلوات مع الجماعة، ولا كذب، ولا اغتاب، ولا فعل، ولا قال زور صومه صحيح، هل معنى هذا أنه لو أخل بشيء من هذه الأمور أن صيامه غير صحيح؟ لا يلزم، وهذا نظير ما عندنا.
وعن عمر -رضي الله عنه- قال: "إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، ويقولون:
"أشرق ثبير" وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- خالفهم، ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس" رواه البخاري.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عمر -رضي الله تعالى عنه- قال: إن المشركين كانوا لا يفيضون" يعني من مزدلفة إلى منى "حتى تطلع الشمس" ويقولون مقالتهم: أشرق ثبير، وهو جبل أكبر، أو من أكبر جبال مكة، أشرق ثبير، أمر بالإشراق، ثبير يعني يا ثبير، الزيادة في بعض الروايات: "كي ما نغير" وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- خالفهم فأفاض بعد أن أسفر جداً، ودعا الله، وذكره عند المشعر الحرام امتثالاً للأمر، ومع ذلك خالف المشركين فأفاض قبل أن تطلع الشمس، فيحرص الإنسان على تطبيق السنة بقدر إمكانه؛ لكن لو طلعت الشمس وهو بمزدلفة نظراً لزحام سيارات، المقصود أنه يتهيأ للانصراف قبل طلوع الشمس، ويركب دابته أو سيارته قبل طلوع الشمس، فإذا أعاقه أمر خارج عن إرادته فلا شيء عليه.
قال المصنف -رحمه الله- وعن ابن عباس وأسامة بن زيد -رضي الله عنهم- قالا: "لم يزل النبي -صلى الله عليه وسلم- يلبي حتى رمى جمرة العقبة" رواه البخاري.(1/173)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن ابن عباس وأسامة بن زيد" ابن عباس هو الفضل، مع أنه إذا أطلق ينصرف إلى عبد الله حبر الأمة، وترجمان القرآن، والمراد به هو الفضل، وأسامة بن زيد وابن عباس يروي عنهما، يروي عن أخيه الفضل وأسامة ابن زيد؛ لأن أسامة كان رديف النبي -عليه الصلاة والسلام- من عرفة إلى مزدلفة، والفضل رديفه من مزدلفة إلى منى -رضي الله عنهم-، الترضي عن أربعة، قالا والرواية عن اثنين، لم يزل النبي -عليه الصلاة والسلام- يلبي حتى رمى جمرة العقبة، رواه البخاري، لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، استمر في التلبية إلى أن رمى، وهل المقصود برمى شرع أو فرغ؟ قولان لأهل العلم، الأصل في الفعل الفراغ منه؛ لأنه فعل ماضي، يعني هل الفعل الماضي حتى رمى، يعني حتى شرع يقطع التلبية مع بداية الرمي أو في نهايته؟ الفعل محتمِل؛ لأنه جاء الفعل الماضي مع إرادة الفعل، إذا قرأت القرآن، إذا قمتم إلى الصلاة، يعني إذا أردتم قبل وقوعه، ويأتي الفعل الماضي -وقد ذكرنا هذا مراراً- ويراد به الشروع، إذا ركع فاركع، إذا شرع في الركوع، والأصل في الماضي أنه الفراغ منه، يعني بعد فراغه، إذا قلت: جاء زيد، خلاص انتهى جاء، إذا قلت: شربت الماء، تقول: هذا والماء في الكوب أم في جوفك؟ خلاص منتهي، الفراغ من الفعل، هذا الأصل فيه، وهنا حتى رمى جمرة العقبة، هل المراد به شرع بالرمي فيقطع التلبية مع أول حصاة، أو فرغ منه فلا يزال يلبي حتى يفرغ من الرمي؟ على كل حال الجمهور يقولون: يقطع التلبية بالشروع، كما أنه في العمرة يقطع التلبية برؤية البيت، أو بالشروع في الطواف؛ لكن لا يلبي وهو يطوف، وهنا لا يلبي وهو يرمي، وإلى الثاني ذهب أحمد وبعض الشافعية إلى أنه لا يزال يلبي حتى يفرغ من الرمي، ويدل له رواية عند النسائي: "فلم يزل يلبي حتى رمى الجمرة، فلما رجع قطع التلبية" فدل على أنه كان يلبي وهو يرمي، لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، الذي(1/174)
يبدأ برمي جمرة العقبة من أعمال يوم النحر هذا ما عنده إشكال، ما فيه مشكلة أن الإنسان لا يزال يلبي حتى يرمي؛ لكن افترض المسألة في شخص قدّم، أول ما بدأ بالطواف، ثم الحلق، ولبس ثيابه هل يلبي حتى يرمي جمرة العقبة، أو يقطع التلبية قبل ذلك؟ مقتضى الحديث: "لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة" يعني فيه احتمال أن الإنسان يلبي وعليه ثيابه؟
طالب:.......
ما فيه إشكال؟ الآن هو محرم؟ ما هي التلبية للإحرام؟
طالب:.......
كيف غير متصور؟ الآن طاف وحلق شعره ولبس ثيابه، له أن يلبس الثياب وإلا ليس له؟ له أن يلبس الثياب، مقتضى هذا الحديث أنه لا يزال يلبي وعليه ثيابه حتى يرمي جمرة العقبة؛ لأنه أخر الرمي، الرمي زحام، والبيت ما بعد وصل الناس فاضي، أريد أطوف أول، ثم أحلق، وألبس ثيابي، بعدين أروح وأنا مرتاح أرمي في العصر.
طالب:.......
من أسباب التحلل، أول عمل من أسباب التحلل يقطع التلبية فيه، صحيح وإلا مو صحيح؟ أو لا يزال يلبي حتى يرمي جمرة العقبة؟ لم يزل النبي -صلى الله عليه وسلم- يلبي حتى رمى جمرة العقبة، مقتضاه أنه لا يزال يلبي حتى ولو باشر جميع أسباب التحلل، ما عدا الرمي لا يزال يلبي، ولو كان عليه ثيابه، ومعلوم أن التلبية حال الإحرام، فإذا باشر أسباب التحلل والبدل له حكم المبدل، الأصل أن يبدأ بالرمي فإذا بدأ بالطواف قطع التلبية كالعمرة إذا بدأ بالحلق قطع التلبية.
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه جعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ورمى الجمرة بسبع حصيات، وقال: "هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة" متفق عليه.(1/175)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- أنه جعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه" واستقبل إيش؟ نعم استقبل الجمرة، يعني منى عن يمينه، والبيت عن يساره استقبل الجمرة، فرماها بسبع حصيات، هذا فعل ابن مسعود، ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: "هذا مقام الذي أنزلت علي سورة البقرة" وأنزل عليه غيرها من السور؛ لكن التنصيص على البقرة باعتبار أنها أكثر الأحكام لا سيما أحكام الحج فيها، أو لأهميتها، أو لكونها أطول سورة في القرآن، المقصود أن التنصيص عليها له وجه، "هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة" هل قال أحد بكراهية أن يقول الإنسان: سورة البقرة؟ نعم عرف عن الحجاج وغيره أنهم قالوا بكراهية القول بسورة البقرة، وإنما يقال: السورة التي تذكر فيها البقرة، السورة التي يذكر فيها كذا؛ لكن جاء في النصوص في هذا وغيره، فدل على جوازه، والبخاري رد على من قال بمثل هذا الحديث، أدخل هذا الحديث في الرد على من كره أن يقال: سورة البقرة.
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "رمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس" رواه مسلم.(1/176)
نعم هذا وقت الرمي، النبي -عليه الصلاة والسلام- رمى الجمرة يوم النحر ضحىً؛ لأنه مكث عند المشعر حتى أسفر جداً، وطلعت عليه الشمس وهو في الطريق إلى منى، ووصل إلى الجمرة في وقت الضحى فرماها، وأما بعد ذلك في أيام التشريق فالرمي يكون بعد الزوال، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- رمى بعد الزوال، وقال: ((خذوا عني مناسككم)) وكانوا يتحينون الزوال فدل على أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال، كانوا يتحينون الزوال، ولو جاز ذلك لفعلوه كما فعلوا في جمرة العقبة، ففعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتحينوا وتحروه، مع ما يترتب على ذلك من مشقة شديدة، ومع ذلك قال: ((خذوا عني مناسككم)) فلا يجوز الرمي قبل الزوال، والرمي يستمر إلى غروب الشمس عند جمع من أهل العلم، ومنهم من يجعله يستمر حتى ولو دخل الليل لحديث: "رميت بعد ما أمسيت" قال: ((افعل ولا حرج)) (أمسيت) يعني دخل في المساء، كقوله: أظلمت دخلت في الظلام، والمساء يبدأ من زوال الشمس إلى اشتداد الظلام.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة، ثم يتقدم، ثم يسهل، فيقوم فيستقبل القبلة، فيقوم طويلاً فيدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل، ويقوم مستقبل القبلة، ثم يدعو فيرفع يديه ويقوم طويلاً، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها، ثم ينصرف فيقول: هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعله" رواه البخاري.(1/177)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يرمي الجمرة الدنيا" التي هي الصغرى، "الدنيا مما يلي منى بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة، ثم يتقدم، ثم يسهل" يعني يصل إلى المكان السهل؛ لأن المنطقة كانت وعرة، فيقصد المكان السهل المريح البعيد عن محل الرمي؛ لئلا يتأذى بازدحام الحجيج؛ لأنه يريد أن يطيل الدعاء، "فيقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلاً ويدعو" (طويلاً) وصف دعاؤه ومكثه في هذا الدعاء بأنه قريب من قراءة سورة البقرة، طويل جداً، أطال -عليه الصلاة والسلام- الدعاء، ولذا قال: "فيقوم طويلاً ويدعو ويرفع يديه" في هذا الدعاء "ثم يرمي الوسطى" التي تليها "ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل" ويبعد عن مكان الرمي لئلا يصيبه شيء من الحصى أو يتأذى بازدحام الناس "ويقوم فيستقبل القبلة ويقوم طويلاً فيدعو ويرفع يديه" كما فعل بعد الأولى "ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها" ولا يدعو بعدها؛ لأن الدعاء القاعدة فيه أنه في أثناء عبادات لا بعدها "ثم ينصرف فيقول: هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعله" هو الأصل فعل ابن عمر، ثم يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فكل هذا مستحب الرمي والتكبير مع كل حصاة، والدعاء بعد الأولى والثاني، ورفع اليدين فيه، وإطالة الدعاء، والله المستعان.
والإمام مالك لا يرى رفع الدعاء في هذا الموطن؛ لكن الحديث حجة عليه.
وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اللهم ارحم المحلقين)) قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال في الثالثة: ((والمقصرين)) متفق عليه.(1/178)
وعنه يعني ابن عمر راوي الحديث السابق، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اللهم ارحم المحلقين)) الذين حلقوا رؤوسهم تعبداً لله -جل وعلا-، ولذا رتب عليه الثواب الناشئ عن هذا الدعاء، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ في قوله -جل وعلا-: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [(27) سورة الفتح] الواو هذه محلقين ومقصرين معناها؟
طالب: بمعنى (أو).
بمعنى أو التي هي للتنويع والتقسيم، فقسم منكم محلقون، وقسم منكم مقصرون، هذا ما يفهمه جمهور أهل العلم، وعليه هذا الحديث حيث جعل الحجاج والعمار أيضاً على قسمين: قسم محلقون، وقسم مقصرون، ودُعي للمحلقين ثلاثاً، وللمقصرين في الثالثة أو بعد الثالثة على اختلاف الروايات فدل على أن حلق الشعر أفضل من التقصير، وعلى هذا الفهم أن الواو بمعنى (أو) وتأتي الواو بمعنى (أو) وتأتي (أو) بمعنى الواو، ومن معاني (أو) التي الواو هنا بمعناها التقسيم، وهذا ما يفهمه الجمهور؛ لكن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- يرى أن هذه الواو للجمع، وأن من حج أو اعتمر عليه أن يجمع بين الحلق والتقصير، محلقين ومقصرين في آن واحد، وفعل ذلك -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- كيف فعل ذلك؟
طالب:.........(1/179)
لا، حلق رأسه، وقصر من لحيته، أخذ من لحيته ما زاد على القبضة، وهذا فهمه للآية، يعني إذا كان مقتضى العطف الجمع هنا، وأنه لا بد من فعل الأمرين فالحلق هل يتصور أن يقال: أن الحلق للحية والتقصير للرأس؟ ما يتصور، إذاً الحلق للرأس، والتقصير للحية، وهذا فهم فهمه ابن عمر من الآية، وتشبث به بعض الناس، وقصروا من لحاهم اقتداء بابن عمر، وتركاً للنصوص الصحيحة الصريحة الملزمة ((أعفوا)) ((أرخوا)) ((أكرموا)) تعرف قراءته -عليه الصلاة والسلام- باضطراب لحيته، كان كث اللحية، ومع ذلك يتشبثون بمثل هذا، وما الداعي لذلك إلا الهوى، ابن عمر مجتهد، هذا فهم للنص، وهو مأجور على هذا الاجتهاد؛ لكن من دفعه الهوى إلى أن يرجح هذا القول على غيره، ويعارض به النصوص الصحيحة المرفوعة الملزمة من القدوة والأسوة اتباعاً للهوى، مع الأسف أن إذا دخل المقص في اللحية لا شك أنه.. هذه أمثلة كثيرة في الواقع، تجده في أول الأمر ما شاء الله اللحية كثة، ثم بتأثير وضغوط يسميها ضغوط يقتدي بابن عمر هذا في أول الأمر، ثم بعد ذلك طال يمين اللحية، وقصر شمالها، ويواسي ويضبط، ويوظب ثم بعد ذلك يزعم أن القبضة غير قبضة اليد، وهذا قاله كثير ممن اتبع هذه الخطوات، وما حلق المسلمون لحاهم إلا بعد أن قصروها، يعني لو تشوف تواريخ الأمة المسلمة المصورة قبل مائة سنة ما تجد حليق؛ لكن اختلطوا بالأعاجم وبالمستعمرين، واقتدوا بهم، وبحثوا عن الأقوال المرجوحة، وأخذوا يتأولون، وطال اليمين، وقصر الشمال، والعكس وينظم ويوظب على ما يقولون إلى أن تنتهي، حتى وجد من يقول: أن القبضة بالأصبع هكذا، هذا وجد، وتخصصه شرعي، وهذه هي خطوات الشيطان.(1/180)
((اللهم ارحم المحلقين)) قالوا: يا رسول الله، الحلق هو ما يكون بالموس بحيث لا يبقى شيء من الشعر، ولذا المكاين ولو كانت واحد، رقم واحد أو صفر ما دامت الجذور موجودة فهو تقصير، فالحلق إنما يكون بالموس، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: ((اللهم ارحم المحلقين)) ثم قال: ((اللهم ارحم المحلقين)) وفي الثالثة قال: ((والمقصرين)) عطفاً على المحلقين، بعض الروايات دعا للمحلقين ثلاثاً، ثم قال: ((والمقصرين)) المقصود أن الحلق والتقصير نسك واجب عند جماهير أهل العلم، يجب بتركه دم كسائر الواجبات، ومقتضى اللفظ العموم والشمول، فالحلق لجميع الرأس، والتقصير من جميعه، هذا هو المقتضى، كمسحه في الوضوء، ومنهم من يرى أنه يكفي قياساً على الوضوء حينما قالوا: إن الباء للتبعيض يمسح ما يطلق عليه مسح، منهم من حدده بالربع، ومنهم من حدده بأقل من ذلك، حتى قالوا: ثلاث شعرات، وقال بعضهم: شعرة؛ لكن هل يمكن أن يقال: لغة أو عرفاً أو شرعاً أن من حلق شعرة أو قصر شعرة أو ثلاث شعرات أنه محلق أو مقصر؟ لا يمكن، {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [(27) سورة الفتح] يعني جميع الشعر، هذا مقتضى اللفظ، والحلق والتقصير واجب من واجبات الحج والعمرة، أيضاً يجب على من تركه دم، بعض الناس ينسى فإذا طاف وسعى لبس ثيابه، ورجع إلى بلده، هذا انتهى وقته يلزمه دم؛ لكن لو ذكر ذلك وهو في مكة بعد ما لبس ثيابه ما عليه إلا أن يخلع الثياب ويلبس الإحرام ويحلق شعره، هذا بالنسبة للرجال، وأما النساء فليس عليهن حلق، إنما هو التقصير، تقصر من كل ظفيرة مقدار أنملة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بلوغ المرام _ كتاب الحج (4- ب)
ترتيب أعمال يوم النحر - وبم يكون التحلل؟ والحلق والتقصير - والرخصة عن المبيت في منى للعباس وأهل الأعذار - وخطب النبي في الحج...(1/181)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيقول الإمام الحافظ بن حجر -رحمه الله- في كتابه بلوغ المرام، في باب صفة الحج ودخول مكة:
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقف في حجة الوداع فجعلوا يسألونه، فقال رجل: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، قال: ((أذبح ولا حرج)) وجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، قال: ((ارمِ ولا حرج)) فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج)) [متفق عليه].
وعن المسور بن مخرمة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نحر قبل أن يحلق، وأمر أصحابه بذلك" [رواه البخاري].
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقف في حجة الوداع في يوم العيد، فجعلوا يسألونه" عن ما يشكل عليهم، وعما أشكل من متطلبات هذه العبادة العظيمة، "فقال رجل" لم يعرف اسمه، ولم يرد في شيء من الطرق تسميته: "لم أشعر" وهذه تساوي النسيان؛ كأنه نسي وغفل عن الترتيب المطلوب، فحلق قبل أن يذبح، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اذبح ولا حرج)) الآن ظاهر اللفظ أن الشخص ليس بمتعمد في التقديم والتأخير؛ لأنه قال: "لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح" حلق، ظاهر اللفظ أنه حلق، فعل هذا النسك، وهو الحلق؛ لكن هل فيه ما يدل على أنه ذبح بعد ذلك أو ليس فيه ذلك؟ يعني هل فعل الأمرين قبل السؤال وإلا فعل الأول ثم سأل؟ نعم.
طالب:........
"لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح" الحلق ظاهر؛ لأنه حصل منه، هل يقول قائل: أنه ما بعد فعل شيء، لا، نعم.
طالب:........(1/182)
لا، الآن يقول: "حلقت قبل أن أذبح" الحلق لا إشكال في كونه حصل منه؛ لكن هل ذبح أو لم يذبح؟ احتمال أنه سأل قبل أن يذبح، أو أنه ذبح قبل أن يسأل، قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((اذبح)) هل يشير به إلى ما تقدم، أو إلى المستقبل ((اذبح ولا حرج)) يعني المستقبل، إذا قلنا: أنه حلق ولم يذبح إلى الآن يتجه أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((اذبح)) ولو قدمت عليه الحلق في حجتك هذه ولا حرج عليك؛ لأنك لم تقصد المخالفة، فقدمت وأخرت وحينئذ من غير قصد فعلك صحيح، ولا حرج عليك، ولا إثم، أنا أريد أن أسأل من خلال هذا أن قوله: ((اذبح)) لما يلزمك في هذه الحجة أو في حجة أخرى؟ يعني إن كان ذبح قبل أن يسأل ما الداعي لقوله: ((اذبح)) أنا أقول: إذا كان للمستقبل فهذا يستفاد منه أن قوله: "لم أشعر" وصف كاشف، لا مفهوم له، "لم أشعر" يعني هل هذا الوصف مؤثر؟ بمعنى أن الذي يشعر ويذكر لا يجوز له أن يقدم ويؤخر؟ يعني من أهل العلم من يوجب الترتيب، النبي -صلى الله عليه وسلم- رمى الجمرة، ثم نحر، ثم حلق، ثم طاف، هذا الترتيب؛ لكن قوله: "لم أشعر" يعني ذهل، نسي، لم يقصد المخالفة، فقدم الحلق على الذبح، وعرفنا أنه لا بد أن يكون قد حلق بالفعل، وليس فيه ما يدل على أنه ذبح قبل السؤال أو لم يذبح قبل السؤال؛ لأنه يقول: "حلقت قبل أن أذبح" فإذا كان فيه أنه حلق قبل السؤال، أو ذبح قبل السؤال، حلق قبل السؤال قطعاً؛ لكن هل ذبح قبل السؤال؟ هذا محل الاحتمال، فقوله: ((اذبح)) هذه النسيكة التي قدمت عليها الحلق، أو مستقبلاً، افعل ولا حرج، اذبح مستقبلاً ولا حرج عليك؟ فيكون قوله: "لم أشعر" وصف كاشف، لا مفهوم له، فيجوز التقديم والتأخير في أعمال يوم النحر للعامد والجاهل والناسي، لم يشعر، شعر، قصد، عمد، ما فيه إشكال، اللفظ محتمل وإلا ما هو محتمل؟ اللفظ محتمل.(1/183)
"فجاء آخر، فقال: لم أشعر نحرت قبل أن أرمي" عرفنا الترتيب: الرمي، ثم النحر، ثم الحلق، ثم الطواف، "نحرت قبل أن أرمي" هذا نحر بالفعل قبل أن يسأل؛ لكن هل رمى قبل أن يسأل، أو سأل قبل أن يرمي؟ محل احتمال، ويتجه الاحتمال السابق في قوله: ((اذبح ولا حرج)) أيضاً هنا في قوله: ((ارمِ ولا حرج))، فإن كان رميه قبل السؤال فيكون قوله: ((ارمِ)) مستقبلاً ولا حرج عليك، ويتقرر ما قررناه في الجملة السابقة، وإن كان نحر قبل السؤال، وأجل الرمي إلى أن يسأل فيكون قوله: ((ارمِ)) في هذه الحجة ولا حرج عليك، فلا إثم عليك؛ لأنك لم تشعر، ((ارمِ ولا حرج)) لو كان الحديث انتهى إلى هذا الحد لاتجه القول بأن التقديم والتأخير مربوط بالنسيان على الاحتمال الأول؛ لكن بعد هذه المسائل التفصيلية تجيء القاعدة العامة، نعم هذا واحد لم يشعر، ثاني لم يشعر؛ لكن عموم السائلين ماذا عنهم؟ فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج)) أقول: من أهل العلم من يرى أن قوله: "لم أشعر" وصف مؤثر، فلا يجوز التقديم والتأخير إلا مع النسيان، وفي حكمه الجهل، ومنهم من يقول: أبداً هذه الأعمال يجوز تقديمها سواء شعر أو لم يشعر، عمد أو نسي، علم أو جهل، القاعدة العامة التي تعقبت الأسئلة التفصيلية في قوله: "فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج)) ومقتضى قوله: ((لا حرج)) نفي الإثم، وإذا ألزم مع نفي الإثم بالدم فقد ألزم بالحرج، إذاً لا إثم، ولا دم بسبب هذا التقديم والتأخير، فالمتجه أنه يجوز التقديم والتأخير للعامد والناسي، للعالم والجاهل، لمن يشعر ولمن لم يشعر؛ لأنه أردف الأسئلة التفصيلية بقوله: فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال:
((افعل ولا حرج)).
النبي -عليه الصلاة والسلام- رتب، وقال: ((خذوا عني مناسككم)) بين بفعله المجمل، ودل قوله:
((افعل ولا حرج)) أن هذا الترتيب على جهة الاستحباب، لا على سبيل الوجوب.(1/184)
"وعن المسور بن مخرمة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نحر قبل أن يحلق، وأمر أصحابه بذلك" نحر قبل أن يحلق وأمر أصحابه بذلك، [رواه البخاري] ففعله ظاهر في كونه نحر قبل أن يحلق، والأمر للوجوب أو للاستحباب؟ الأصل في الأمر الوجوب، فهل يجب النحر قبل الرمي؟ وقد قال -عليه الصلاة والسلام- لمن حلق قبل أن ينحر: ((انحر ولا حرج))، فالحديث السابق يدل على أن الأمر هنا للاستحباب، ويبقى أن الترتيب بين أعمال الحج للاستحباب، وهذا من باب التوسعة على الناس، يعني لو ألزم الناس في وقت واحد، في آن واحد أن يتجهوا إلى عمل واحد للزم من ذلك الحرج، لو قيل للناس: لا يجوز لكم أن تقدموا على الرمي شيئاً، اتجهوا كلهم إلى الجمرة، لو قيل: لا تقدموا على الحلق اتجهوا كلهم إلى الحلاقين، وهكذا، وهذا التقديم والتأخير لا شك أن فيه توسعة على الناس، وهو الموافق ليسر الشريعة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما سئل عن شيء إلا قال: ((افعل ولا حرج))، فمن ألزمه بدم ويرفع عنه الإثم ((لا حرج)) يعني لا إثم، ويلزمه بالدم {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحج] والدم حرج، المقصود أنه لا شيء عليه، والترتيب مستحب.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب وكل شيء إلا النساء)) [رواه أحمد وأبو داود، وفي إسناده ضعف].(1/185)
هذا الحديث ضعفه بسبب راويه الحجاج بن أرطأة، مضعف عند أهل العلم، ولو صح لكان نصاً قاطعاً رافعاً للخلاف في أن التحلل لا يحصل إلا بأمرين: الرمي والحلق؛ لأنه يقول: ((إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب -والثياب- وكل شيء إلا النساء)) وجاء عند أبي داود: ((إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء)) وجاء الحديث الذي سبق ذكره وهو أن الإنسان إذا رمى جمرة العقبة فقد حل، وأبيح له كل شيء، شريطة أن يطوف من يومه قبل أن تغرب الشمس، وقلنا: أنه معارض بحديث أن عائشة -رضي الله عنها- كانت تطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت، فقرنت الحل بما قبل الطواف، "ولحله قبل أن يطوف بالبيت" وقد تقدم قبل الطواف الرمي والحلق، وهذا أصح ما في الباب، إلا أنه مفهوم ليس بمنطوق، والحديث -حديث أبي داود-: ((إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء)) منطوق، إذا نظرنا إلى الأحاديث من حيث القوة فأقواها حديث عائشة، أنها كانت تطيب النبي -عليه الصلاة والسلام- لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف، مفهومه أنها تطيبه إذا رمى وحلق، يعني فعل شيئين؛ لأنها لو طيبته قبل ذلك، قبل، لأنها قالت: "ولحله" لو قالت: ولحله قبل أن يحلق، ويكون ما تقدم له إلا الرمي، نعم، لقلنا: أنه يحصل بواحد؛ لكن لما طيبته لحله، وهذا اللفظ مقصود، ما قالت: ولطوافه، قالت: ولحله، والحل لفظ مقصود، فدل على أنه قبل أن يفعل هذين الأمرين، نعم، لم يتصف بهذا الوصف المؤثر الذي هو الحل، يعني مفهوم حديث عائشة "ولحله قبل أن يطوف" ما الفائدة من قولها: "ولحله" وقد تحلل قبل ذلك بالرمي فقط؟ فمفهوم الخبر، وهو أقوى ما في الباب أن الحل لا يكون إلا بفعل شيئين: الرمي والحلق، وحديث الباب: ((إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب –والثياب- وكل شيء إلا النساء)) أما النساء فلا يحل ما يتعلق بهن إلا بعد التحلل الثاني،(1/186)
وهو فعل ما بقي من الثلاثة.
ظاهر وإلا مو بظاهر؟
طالب:.........
{حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [(196) سورة البقرة] فهل المحل له وقت حلوله -الذي هو يوم النحر- أو مكان حلوله؟ نعم، هذه مسألة خلافية بين أهل العلم معروفة، ولذا الجمهور لم يدخلوا النحر في أسباب التحلل.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس على النساء حلق وإنما يقصرن)) [رواه أبو داود بإسناد حسن].
يقول -رحمه الله تعالى-: وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس على النساء حلق، وإنما يقصرن)) والحلق بالنسبة للنساء مثلة، محرم عند عامة أهل العلم؛ لكن هل يحصل به تحلل لو حصل؟ هل يجزئ أو لا يجزئ؟ عليهن التقصير، يقصرن من كل ظفيرة أنملة؛ لكن لو حلقن رؤوسهن، جاءت امرأة فقالت: النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا للمحلقين ثلاثاً، والمقصرين واحدة، أنا أريد هذه الدعوة الثلاث، اجتهدت فحلقت رأسها، مع أن تصور هذا بعيد؛ لأن كثير من الرجال لا يحلق؛ لأن الحلق في عرفهم مشوه، نعم في عرف كثير من الناس اليوم الحلق مشوه، وهو نسك وعبادة، بالنسبة للمرأة الحلق مثلة، ولا يجوز؛ لكن لو حصل هل يحصل به المقصود، باعتبار أنه تقصير وزيادة، أو نقول: أن المطلوب منها التقصير ولم يحصل عليها دم؟
طالب:........
نعم، كيف؟
طالب:........
هل لنا أن نقول: أن الحلق تقصير وزيادة، فحصل النسك وزيد عليه؟ أو نقول: إن المطلوب، الواجب على النساء التقصير، وما حصل، فيه قاعدة: القدر الزائد على الواجب، القدر الزائد على الواجب إن كان متميزاً له حكم، وإن كان غير متميز له حكم، هذا متميز وإلا غير متميز؟ على قدر الواجب؟
طالب: غير متميز.(1/187)
لا، هو متميز، لو قصرت ثم حلقت، هذا يدخل في القاعدة وإلا ما يدخل؟ نعم ما يدخل؛ لأن الخلاف في مثل هذا هل يجب تبعاً للأصل، أو يبقى الواجب واجب وما زاد عليه مستحب؟ هذا ما يدخل في هذه القاعدة الذي معنا، يعني شخص وجب عليه صاع زكاة الفطر، ثم أخرج كيس، هل نقول: الكيس كله واجب، أو الصاع واجب، والزائد نفل؟
طالب:........
طبقنا عليه القاعدة ما قلنا هذا الكلام؛ لأن الزيادة غير متميزة إذاً كله واجب، إيش معنى هذا؟ معنى هذا أن لو أخرج فطرة شخص واحد كيس، ثم فرط في حفظه فسرق قبل أن يدفعه، يضمن كيس ما يضمن صاع؛ لأن الزيادة غير متميزة، وإن كان الأصل واجب عليه صاع فقط، فالذي معنا بالنسبة لحلق النساء هذا لا يدخل في هذه القاعدة؛ لأن القدر الزائد على الواجب ليس بواجب ولا مستحب، بل محرم، فعلى كل حال فالمسألة خلافية، وبعض أعداء الدعوة السلفية، دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولهم كتب تتداول، قالوا في دعاواهم زوراً وبهتاناً أن الشيخ -رحمه الله تعالى- يأمر من دخل في دعوته، واستجاب له من النساء بحلق رؤوسهن، وهذا من ضمن ما يقال في تشويه هذه الدعوة السلفية النقية الصافية، وعلى كل حال حلق المرأة لشعرها مثلة، حرام لا يجوز، فإذا حصل فالخلاف موجود بين أهل العلم، هل يجزئ عن التقصير أو لا يجزئ؟ من يقول: أنه يجزئ قال: إنه تقصير وزيادة، ومن قال: لا يجزئ قال: إنه ارتكب محظور، محرم، ارتكبت محرم، ولا تحصل القربة بالحرام، فلن تحصل هذه القربة، إذاً لا يجزئ.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له" [متفق عليه].(1/188)
وعن عاصم بن عدي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرخص لرعاة الإبل في البيتوتة عن منى، يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد، ومن بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر" [رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن حبان].
يرمون يوم النحر؟
طالب: بين معقوفين يا شيخ (ومن بعد الغد).
ومن بعد الغد؟ يعني هذا في بعض النسخ؛ لأن بعضها يقول: ثم يرمون الغد ليومين، والفرق بينهما أنه على ما ذكرت أنت، أن الرمي يُجمع تأخير، نعم، وعلى ما عندنا وهو موجود في بعض النسخ، أن الرمي يقدم، في اليوم الحادي عشر يرمى عن الحادي عشر والثاني عشر.(1/189)
يقول -رحمه الله تعالى-: وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن العباس بن عب المطلب، وله السقاية، استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سقاية الحاج من زمزم، استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له، والحديث الذي يليه استأذن الرعاة فأذن لهم، الاستئذان والإذن كما تقدم في مزدلفة في المبيت بمزدلفة الاستئذان يدل على أنه واجب، والإذن يدل على أنه ليس بركن، واجب، إذ المستحب لا يُستأذن فيه، ولا يحتاج إلى إذن، والركن لا يؤذن فيه، فاستأذن العباس أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له، يوجد من يبيت بمكة ليالي منى، وهو ليس بصاحب سقاية ولا رعاية، ولا كان دخوله لمكة لمصلحة عامة من مصالح المسلمين، يتساهلون، ويكتفون بعموم الأخبار أن منى لا يوجد فيها مكان، يعني يستفيض عند الناس، ويتداولون أن منى خلاص ما دام الحجيج بلغ هذا العدد لن يكون فيها مكان، ولا يكلف نفسه بالبحث عن مكان، أو يربأ بنفسه من أن يجلس في بعض الأماكن، هذا واجب من واجبات الشرع، يأثم بتركه، وهذا التساهل جر إلى تساهل في أمور أخرى، حتى جاء حج كثير من الناس مقتصر على الأركان، وعلى وجه لا يدرى أيضاً يجزئ أو لا يجزئ؟ كل هذا سببه التساهل، وهذه أمور مطردة، الذي يتساهل في المستحبات، ولا يرفع بها رأساً، ولا يلقي لها بالاً هذا قد يجره هذا التساهل إلى التساهل بالواجبات، أما الأركان ما يتصور أن الحاج يتساهل بالأركان إلا إذا كان جاهل، ما يعرف أن هذا ركن لا بد منه، من يعرف أنه ركن يجلس في بيته أفضل.(1/190)
أقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أذن للعباس أن يبيت بمكة من أجل السقاية، والسقاية نفعها عام، وأذن أيضاً -عليه الصلاة والسلام- للرعاة، رخص لهم -رعاة الإبل- في البيتوتة عن منى، يرمون يوم النحر إلى آخره، يدل على أن من يحتاجه الناس، من يحتاجه الناس أنه يرخص له، يعني في بعض المصالح والدوائر الحكومية فيها موظفون، ويذهبون إلى تلك الأماكن فترة الحج، ويكون عملهم مثلاً في عرفة، يوم عرفة؛ لكن ليلة مزدلفة يؤمرون بالذهاب إلى مكة لتصريف الطرقات، أو لحفظ الأمن، وقل مثل هذا في منى، مثل هؤلاء يرخص لهم؛ لأن السقاية ومثلها رعاية الإبل ليست بأعظم مصلحة من بعض المصالح الأخرى كحفظ الأمن مثلاً، أو تصريف الناس وتوجيههم، الذين يحفظون الأمن، ويسيرون الناس، ويسعون في راحتهم، وفي مصالحهم هؤلاء لا شك أنهم إن لم يكونوا أعظم من رعاة الإبل فليسوا دونهم؛ لكن هل لمن يفتي الناس مثلاً طالب علم، أو عالم اُنتدب لفتوى الناس وقيل له: أنت كرسيك بالحرم، لا بأس نمكنك من الوقوف بعرفة؛ لكن ليلة المزدلفة الناس ينزلون إلى الحرم ويطوفون، وليالي منى لا تخرج، هل يرخص لمثل هذا باعتبار أن الحاجة داعية لمثله؟ نعم؛ لكن الذي يفتي الناس، وهو إمام المفتين وين جلس؟ نعم، في المشاعر، في مزدلفة، وفي منى، وهو قدوة هؤلاء، قل مثلاً مثل هؤلاء الذين يذهبون إلى الحج، ويساهمون في توعية الناس، وتوجيههم وإفتائهم، هل لهم حكم السقاة؟ السقاية مرتبطة بمكان من زمزم، الرعاية لا بد أن يخرجوا عن منى؛ لئلا يضيقوا على الناس بالإبل، لا بد أن يخرجوا؛ لكن الفتوى؟ لا تلزم مكان معين، وإمام المفتين وجوده في المشاعر، إذاً من أراد، أو عين له مكان خارج منى مثلاً يلزمه في وقت المبيت أن يدخل، وليس حكمه حكم السقاية والرعاية.
طالب:.......
هذا فرط في واجب، مادام تقرر أنه واجب، وأهل العلم يقررون ما جاء في خبر ابن عباس: ((من ترك النسك فعليه دم)).
طالب:.......(1/191)
المسألة مفترضة في طلاب علم، ما هم يستفتون طالب العلم، إحنا نفترض أن السقاة والرعاة هؤلاء أذن لهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، من كانت حاجة الأمة إليهم أعظم من حاجتهم إلى السقاية والرعاية، هؤلاء من قياس الأولى، ما في إشكال؛ لكن إذا كانت الحاجة أقل، وتتم في أي مكان كالفتوى وإمام المفتين ما راح إلى مكة، جلس في منى.
طالب:.......
كل شيء متيسر، ولله الحمد، وعلى هذا إذا باتوا خارج منى يلزمهم ما يلزم من ترك الواجب، أرخص... نعم.
طالب:.......
المبيت غالب الليل، الحكم للغالب.
"أرخص لرعاة الإبل في البيتوتة عن منى يرمون يوم النحر" يرمون جمرة العقبة يوم النحر، ثم بعد ذلك يرمون الغد ليومين، يرمون الحادي عشر، للحادي عشر والثاني عشر تقديماً، وعلى ما جاء في الرواية الأخرى أنهم يرمون من بعد الغد، في اليوم الثاني عشر لليوم الحادي عشر والثاني عشر، وفي نسخة الشارح: "ثم يرمون الغد -يرمون يوم النحر- ثم يرمون الغد، ومن بعد الغد ليومين" كيف يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين؟
طالب:........
ثم يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد الذي هو الحادي العشر، ثم يرمون من بعد الغد ليومين، يعني للثاني عشر والثالث عشر؟ نعم.
طالب:........
دعنا من الحادي عشر انتهى في الغد، هذا الي مشى عليه الشارح، إيش يقول؟
طالب:........
متى؟ إيه؛ لكن تقديم وإلا تأخير؟ يرمونها في الحادي عشر أو في الثاني عشر؟ ويش قال في الحديث عندك؟
طالب:.......(1/192)
يعني النسخة التي معك موافقة لنسخة الشارح؛ لكن إذا رموا يوم النحر انتهى، نعم ثم يرمون الغد، وش هو الغد؟ الحادي عشر، ثم يرمون من بعد الغد ليومين، يعني الثاني عشر والثالث عشر، الذي يطلب الرخصة هل يتوقع منه أن يتأخر؟ ما يتوقع منه أن يتأخر، يتوقع منه أن يتأخر إلى اليوم الثالث؟ ما يتوقع منه أن يتأخر، وعلى كل حال تراجع الأصول، وتراجع السنن، ويثبت منها ما في الأصول، تراجعها غداً -إن شاء الله-، وإلا مقتضاه أنهم يرمون يوم النحر، ثم يرمون من الغد الحادي عشر، ثم يرمون من بعد الغد ليومين، ما صار عليهم تخفيف، صاروا كل يوم بيطلعون يرمون، فما صار عليهم تخفيف، والفائدة في الجمع هنا يرمون ليوم النحر، ومن الغد، ومن بعد الغد ليوم واحد، وينتهون، رموا ثلاثة أيام، نعم.
طالب:........
أيوه، وش النسخة التي عندك التي قررت على أساسها؟ وش قال؟ حنا عندنا ثلاثة ألفاظ، والنسخ كلها متفاوتة، يرمون يوم النحر، ويرمون الغد ليومين، على أساس أنه يقدم الرمي الحادي عشر والثاني عشر في الحادي عشر، النسخة الثانية: يرمون يوم النحر، ثم يرمون من بعد الغد ليومين، يعني يرمون الثاني عشر للحادي عشر والثاني عشر تأخير، وعلى الروايتين واللفظين ما في إشكال، حصل التخفيف؛ لكن الإشكال كونهم يرمون يوم النحر، ومن الغد، يوم النحر والحادي عشر، ومن بعد الغد ليومين هذا المشكلة، ما حصل لهم تخفيف، اللهم....
طالب:........
على كل الألفاظ الثلاثة فيه جمع يومين؛ لكن هل الرمي في الحادي عشر أو في الثاني عشر، أو في الثاني عشر للثاني عشر والثالث عشر؟ لا بد من الرجوع إلى الأصول.
طالب:........(1/193)
الآن من أهل العلم من يرى أن أيام التشريق كلها وقت للرمي، ولو جمعها كلها في آخر لحظة من أيام التشريق أجزأه ذلك، ويكون أداء على كلامهم، وهذا لغير أهل الأعذار عند بعض العلماء؛ لكنها عبادات مؤقتة بوقت، والنبي -عليه الصلاة والسلام- فعلها في الوقت المحدد، وقال: ((خذوا عني مناسككم)) ورمى ضحى، ورمى بعد ذلك بعد الزوال، وكانوا يتحينون الزوال، المقصود أن أوقاتها محددة، دعونا ممن يرى أن أيام التشريق باعتباره وقت للرمي لا فرق بين أوله وآخره؛ لكن نناقش اللفظ الذي عندنا، يقول: يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر، وعلى كل حال إذا جاءت لفظ أصحاب الكتب الخمسة حلت الإشكال -إن شاء الله تعالى-، وعلى كل حال يجوز لأهل الأعذار من السقاة والرعاة ترك المبيت بمنىً فأذن لهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعرفنا أنه واجب، من فرط فيه من غير عذر يلزمه دم، عند أهل العلم.
وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: "خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر ...الحديث. [متفق عليه].
وعن سراء بنت نبهان -رضي الله عنها- قالت: "خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الرؤوس فقال: ((أليس هذا أوسط أيام التشريق؟)) الحديث.. [رواه أبو داود بإسناد حسن].(1/194)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: "خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر" خطب الحج أربع، هل منها خطبة العيد؟ صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- العيد؟ ما صلى العيد، إذاً ليس منها خطبة العيد، خطب في اليوم السابع، وخطب في يوم عرفة -عليه الصلاة والسلام-، وهنا خطب يوم النحر، وخطب في الثاني عشر، يوم النفر، أربع خطب، منها: ما في حديث أبي بكرة، وعند الحنفية والمالكية ثلاث خطب، وأسقطوا خطبة يوم النحر، الخطبة المشهورة في الصحيحين وغيرهما: ((أي يوم هذا؟)) ((أي شهر هذا؟)) نعم متى كانت؟ أليس يوم النحر؟ هم يقولون: ثلاث خطب، في السابع والتاسع والثاني عشر، وأشهر الخطب هي خطبة يوم النحر، خطبة يوم عرفة معروفة، يعني قبل الصلاة، واليوم السابع أيضاً ثابتة، وخطبة يوم النفر أيضاً هي الرابعة.
وفي الحديث الذي يليه: عن سراء بنت نبهان -رضي الله تعالى عنها- قالت: "خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الرؤوس" يوم الرؤوس أي يومٍ يومُ الرؤوس؟ نعم.
طالب: الثاني عشر.
يعني مقتضى قوله: ((أليس هذا أوسط أيام التشريق؟)) يعني مقتضى اللفظ: أليس هذا هو أوسط أيام التشريق؟ أيام التشريق ثلاثة: الأوسط أيام التشريق، الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، أوسطها؟ الثاني عشر؛ لكن هل يوم الرؤوس هو اليوم الثاني عشر؟
طالب: هو الحادي عشر.
هو يوم الحادي عشر هو يوم الرؤوس، إيش معنى الرؤوس؟
طالب: ذبح الهدي.(1/195)
الذبح يوم العيد وإلا يوم الحادي عشر؟ هو جل الهدي إنما يذبح في يوم العيد، ثم في اليوم الحادي عشر تفرغ الناس للرؤوس وتنظيفها، فسموه يوم الرؤوس، المقصود أنه هو اليوم الحادي عشر، وتسميته أوسط أيام التشريق، أوسطها، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة] أي عدولاً خياراً، ولذا قال بعضهم: إن أفضل أيام التشريق هو اليوم الحادي عشر، يعني أفضلها، ويحتمل أن يكون لأنه وسط بين طرفين، بين يوم العيد وبين يوم النفر الثاني عشر، فهو وسط بينهما؛ قد يأتي مثل هذه الألفاظ، وتكون مشكلة، وتحتاج إلى تأويل، مثل ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو: "وصلاة العشاء من مغيب الشفق إلى نصف الليل الأوسط" الأوسط معروف أنه ما يكون إلا فيما فيه طرفان، فيه طرفان ووسط، إذا كان ثلاثة أجزاء، صار فيه أوسط، إذا كان خمسة أجزاء فيه أوسط، سبعة أجزاء فيه أوسط؛ لكن إذا كان مكون من جزأين، فيه أوسط؟ ما فيه إلا أول وإلا ثاني، أول وآخر، على ما يخرج؟ نعم، نصف الليل الأوسط،.... إيش معنى نصف الليل الأوسط؟
طالب:........
نعم، قسمناها نصفين، إما نصف الليل أو نصف الليل الآخر، كيف نصف الليل الأوسط، يعني هذا نظير ما عندنا، ولا نستطيع أن نقول: النصف الأول هو الخيار، وهو الأفضل؛ لأن النصف الثاني أفضل، وقت النزول الإلهي أفضل، ما فيه إلا ما قيل: لأن نهايته تقع في وسط الليل؛ لأن نهايته تقع في وسط الليل، وأحياناً يوصف الشيء بما يجاوره، هو مجاور للوسط، يوصف الشيء بما يجاوره، مثال ذلك، ها؟(1/196)
"صلاة المغرب وتر النهار" صلاة المغرب بالليل وإلا بالنهار؟ بالليل، كيف صارت وتر النهار؟ لوقوعها ملاصقة لآخر جزء من النهار، كوقوع وتر الليل في آخر جزء منه، ((شهرا عيد لا ينقصان)) عيد الأضحى في نفس الشهر، ما فيه إشكال؛ لكن عيد الفطر، رمضان وذي الحجة، عيد الأضحى في ذي الحجة؛ لكن عيد الفطر هل هو في رمضان؟ كيف شهرا عيد؟ إنما لوقوع العيد ملاصقاً له، أضيف إليه.
((أليس هذا أوسط أيام التشريق؟)) الجواب: لا بد أن يكون بلا، خطبنا، والمقصود إثبات أن هذا اليوم فيه خطبة، خطبنا رسول الله يوم الرؤوس، فقال: ((أليس هذا أوسط أيام التشريق؟)) فعلى هذا كم تكون الخطب؟ هل الخطبة يوم الرؤوس هي الرابعة، ويوم النفر تكون خامسة؟ كم يكون عدد الخطب؟ إذا قلنا: خطبة اليوم السابع، ثم خطبة اليوم التاسع، ثم خطبة يوم النحر، ثم يوم الرؤوس، الحادي عشر، ثم خطبة يوم النفر، خمس، العلماء يقررون الخطب أربع، ومنهم من يقول: ثلاث.
طالب:.......
نعم، فإذا قلنا: أن هذه في اليوم الحادي عشر خطبة يوم الرؤوس لا بد أن تكون الخطب خمس، نعم، وراه يعتبر الثاني عشر.
طالب:........
الثاني عشر فيه خطبة لتعليم الناس أحكام النفر، والحادي عشر بهذا الحديث، حديث سراء، والعاشر الخطبة المشهورة خطبة يوم النحر، والتاسع خطبة عرفة قبل الصلاتين، والسابع معروفة، يعني فتكون الخطب خمساً، والذي يقول: أربع كأنه لم يثبت عنده هذا الخبر؛ لأن في إسناده ربيعة بن عبد الرحمن، قال الحافظ ابن حجر عنه: "مقبول" إيش معنا مقبول؟ متى يقال عن الراوي: مقبول؟
طالب:........(1/197)
يعني متى يستحق الراوي أن يوصف بكونه مقبول عند الحافظ بن حجر؟ إذا لم يكن له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، مقل في الرواية؛ لكن ما ثبت ما يترك حديثه من أجله، يقول: "فإن توبع فمقبول، وإلا فلين" هذا الحديث إن كان له متابع لين ضعيف، إن كان له متابع يقبل بالمتابع، وإن لم يكن له متابع فهو لين، يعني ضعيف، فهل لهذا متابع؟ ابن حجر يقول: "بإسناد حسن" يعني هل مقبول عنده إذا استحق الوصف الراوي الوصف بمقبول، يعني تساوي عنده كلمة صدوق، أو أن مقبول لا بد من أن يتابع وإلا فيرد حديثه يعود لكونه لين؟ نقول: المسألة تحتاج إلى شيء من البسط والتمثيل والتنظير، المسألة كبرى بالنسبة للرواة، المقصود أن الذي لا يثبت خطبة الحادي عشر كأن هذا الخبر لم يثبت عنده، وفيه هذا الراوي الذي يحتاج إلى متابع، المخرجون وش حكموا عليه؟
طالب: سكت.
حكموا عليه عندكم؟ لا، لا، في السبل طبعة..
طالب: سكت.
لا بد أن يذكروا الحكم.
طالب: الألباني يقول: ضعيف.
من الي ضعفه؟
طالب:.......
كلهم ضعفوه، إيه بناء على أنه لم يتابع، فمثل هذا الراوي إذا لم يتابع عاد إلى الضعف، يكون لين، ما يكون مقبول.
طالب: يا شيخ هنا يقول: ويوم الرؤوس ثاني يوم النحر.
الحادي عشر إيه.
طالب: ثاني يوم النحر.
الحادي عشر، يوم النحر كم؟ العاشر.
طالب: العاشر.
إيه.
طالب: وهو الثاني بعد......
لا ما هو بثاني أيام التشريق، لا، ثاني أيام النحر، يعني يكون الحادي عشر.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: ((طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك)) [رواه مسلم].(1/198)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: ((طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك)) [رواه مسلم] عائشة -رضي الله تعالى عنها- أحرمت بالعمرة، ثم حاضت بسرف، وقال لها النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((افعلي ما يفعله الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)) ضاق عليها الوقت ولم تطهر، أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة، وهذا هو المرجح في نسكها، وأما ما جاء من رفضها للعمرة، فالمراد به رفض أعمالها المستقلة، وقولها: "يذهب الناس بحج وعمرة وأرجع بحج فقط؟" يعني بعمرة مستقلة، كعمرة المتمتع، ولذا اعتمرت بعد حجها، فالمرجح في نسكها أنها أدخلت الحج على العمرة؛ لأن النسك إذا تلبس به لا يمكن رفضه {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] فهي قارنة، ولذا قال في الحديث: ((طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك)) يعني الطواف التي طافته، والسعي الذي سعته، يعني يكفيها لحجها المفرد والعمرة مرفوضة، يكفيها لهذا الحج المفرد، والعمرة التي أتت بها بعد الحج؟ هذا المقصود؟ أو أن طوافها هذا وسعيها يكفيها للحج والعمرة المقرونين ؟ نعم، المقرونين، الآن عرفنا أنها أحرمت بعمرة، ثم حاضت لم تتمكن من أداء العمرة المستقلة لتكون متمتعة، أدخلت الحج على العمرة وصارت قارنة، القارن ما الذي يلزمه من الأعمال؟ المتمتع يطوف ويسعى للعمرة ويقصر، ثم يطوف ويسعى ويحلق للحج، أعمال منفصل بعضها من بعض، المفرد يطوف للقدوم ويسعى بعده، ثم يطوف طواف الإفاضة في يوم العيد، هذا إن كان معه سعة في الوقت، ولو أجل الطواف ترك طواف القدوم لأنه سنة، وأجله إلى طواف الإفاضة، ثم سعى بعده كفاه طواف وسعي واحد، القارن الذي جمع بين الحج والعمرة أشبه بالمتمتع وإلا أشبه بالمفرد؟ نعم أشبه بالمفرد، أعمال القارن هي أعمال المفرد؛ لأن طوافه وسعيه يكفيه لحجه ولعمرته(1/199)
كالمفرد، ظاهر وإلا ليس بظاهر؟ عرفنا أن المتمتع يطوف للعمرة، ويطوف للحج، يسعى للعمرة، ويسعى للحج، من أهل العلم من يرى أن المتمتع يكفيه سعي واحد، وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فطافوا بين الصفا والمروة طوافاً واحداً، جمعوا يشمل التمتع لأنه جمع بينهما في سفرة واحدة؛ لكن هذا القول مرجوح؛ لأن المراد بالذين جمعوا الذين قرنوا بينهما، فالقارن يكفيه سعي واحد كالمفرد، ودليله ((طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك)) فدل على أنها اعتمرت مع حجها، وبعد أن أكملت نسكها اعتمرت ثانية، وبهذا يستدل من يقول بأن تكرار العمرة لا بأس به.
طالب: عائشة -رضي الله عنها-، الرسول -صلى الله عليه وسلم- لما أمر الصحابة أن يجعلوها عمرة دخل عليها وهي تبكي، فسألها: ما يبكيك؟ قالت: سمعتك ذكرت العمرة، وأنا لا أصلي، فهذا يدل على أنها أحرمت بالحج؟
وماذا عن: ((ارفضي عمرتك)) في الصحيح؟ وش هي العمرة التي بترفض؟ وش هي؟ وش تصير ذي؟
طالب:......
محرمة بدون عمرة؟ ما في إشكال كونها محرمة بعمرة، ثم أدخلت الحج عليها صارت قارنة، ما فيه إشكال، لكن ماذا عن إدخال العمرة على الحج ليصير المفرد قارناً؟ ممكن وإلا غير ممكن؟
طالب:......
أما إدخال الحج على العمرة هذا ما فيه إشكال، والدليل خبر عائشة؛ لكن إدخال العمرة على الحج؟ هذا أعلى وإلا أدنى؟
طالب: أعلى.
أدنى، كيف أعلى؟ لأنه إذا أتى بحج مفرد والعمرة لازمة واجبة عليه لا بد أن يأتي بعد هذا الحج بعمرة كاملة، بينما لو أدخلها مع الحج لصارت عمرة، هي عمرة على كل حال؛ لكن ليست كاملة كمال العمرة المفردة، ولذا الجمهور لا يجيزون إدخال العمرة على الحج.
يقول: حججت أنا مع الأهل سنة خمس عشرة، ولم نبت في منى أبداً؛ لأنها كانت زحمة، ولم نبت بناء على فتوى أحد المشايخ، وكان بجانبنا في الأبطح، ما الذي علينا؟
ما عليكم شيء، ما دام أفتاكم من تبرأ الذمة بتقليده ما عليكم شيء.(1/200)
يقول: هل يلزم النوم، أو لو بقي بها مستيقظاً؟
على كل حال يكفي.
يقول: هل يجوز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق، وهل ننكر على من فعل ذلك؟
لا يجوز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- انتظر إلى الزوال، وتحينوا الزوال، ورموا بعد ما زالت الشمس.
يقول: من رمى الجمرة الصغرى، وبقيت بعض الحصى على الحوض، ولم تسقط بالداخل، فماذا عليّ حيث أني لا أميز، هل سقطت في داخل الحوض أم لا؟
على كل حال المسألة معلقة بغلبة الظن، إذا غلب على الظن أنها سقطت يكفي.
يقول: ما حكم ذهاب امرأتين مع السائق داخل المدينة؟
مع أمن الفتنة لا بأس به؛ لأن الخلوة معدومة، ولا سفر، إذاً لا بأس به، ويبقى أن مثل هذا هؤلاء الذين السائقين في البداية تحصل خلوة، وفي النهاية تحصل خلوة، السائق معه باص، ومعه عشر من الطالبات، أو من المدرسات، هو في البداية واحدة يخلو بها إلى أن يصل إلى الثانية، وفي النهاية أيضاً إذا أنزل ما قبل الأخيرة في بيتها يخلو بالأخيرة، فالمسألة مشكلة، لا بد أن يحتاط الإنسان لعرضه.
يقول: نذر صاحبه أنه إذا عمل معصية معينة، فإنه يصوم أربعة شهور متتالية، وهو شاب فماذا عليه؟
((من نذر أن يطع الله فليطعه)).
يقول: من قدم على بلد، ثم تأخروا في الفطر في رمضان، في الفطر نهاية الشهر، يعني زادوا يوماً مثل أهل مصر هل يصوم معهم؟
نعم يصوم معهم، والفطر يوم يفطر الناس، وحكمه حكم البلد الذي يدخل فيه رمضان وهو فيه، أو يخرج وهو فيه.
يقول: يقول: بعض أهل العلم أن هناك فرقاً في التقويم المعتمد والواقع، أي أن هناك فرق ما يقارب سبع عشرة دقيقة بين التقويم والواقع في صلاة الفجر، فهل هذا صحيح؟ وما هو الأحوط؟
على كل حال الكلام في هذه المسألة كثير، وهناك لجان تبحث وترقب طلوع الصبح، وتقارن في مختلف فصول السنة، ونسأل الله -جل وعلا- أن يدلهم على الحق.
هل يجوز الاستراحة بعد دخول الحرم وقبل الطواف؟(1/201)
لكن لا يجلس حتى يصلي ركعتين، والاستراحة بعد الطواف وقبل البدء بالسعي، لا بأس إذا احتاج إلى ذلك.
طفت بالبيت ولم أكبر عند الحجر الأسود في شوطين للنسيان، فماذا علي؟
لا شيء عليك؛ لأنه سنة، فلو طاف، دار الحاج أو المعتمر على الكعبة سبع مرات بدءاً من الحجر إلى الحجر ولم يتكلم بكلمة واحدة طوافه صحيح.
هل يصح الإحرام لأهل مكة من جهة عرفة، أو من أي منطقة خارج الحرم دون التنعيم؟
نعم، يصح.
يقول: يدفع التجار زكاة أموالهم للجمعيات الخيرية فهل توزع هذه الأموال ككفالة شهرية للأسر طوال العام بعد موافقة صاحب الزكاة الذي أعطانا حرية التصرف؟
صاحب الزكاة ليس له حرية التصرف، إنما عليه أن يدفع الزكاة وقت حلولها؛ لكن ينظر في هذه الجمعيات إن كانت نائبة عن التجار فعليهم أن يوزعوها في وقتها، ولا يجوز لهم تأخيرها، وإن كانت هذه الجمعية نائبة عن الفقراء فلهم أن يجعلوها حسبما تقتضيه مصلحة الفقير.
هذا من الإمارات يقول: امرأة تعمل مدرسة، وتقوم بإلقاء المحاضرات المتفرقة للطالبات، فهل أفضل لها أن تستمر في عملها أم الاستقالة والصبر مع زوجها في طلبه للعلم؟
على كل حال إن كان زوجها محتاجاً إليها، ويخشى على نفسه من العزوبة بدونها، فذهابها معه متعين، ما لم تخف على نفسها، أو على دينها وإلا فهي على خير -إن شاء الله تعالى-.
السائل من مصر يقول: إذا حلف الشخص كثيراً، ووقع اليمين ولا يدري كم مرة حلف، وعرف أنه لا بد من كفارة يمين، فما مقدار الكفارة لكل يمين حلفه؟
إذا كان الباعث على هذه الأيمان والسبب واحد فعليه كفارة واحدة، وإن كانت تعددت الأسباب والبواعث فكفارات بعدد هذه البواعث، والكفارة لكل يمين إطعام عشرة مساكين، كل مسكين نصف صاع، أو كسوتهم أو تحرير رقبة، من لم يجد هذه الخصال الثلاث يصوم ثلاثة أيام.
يقول: إذا داعب الرجل زوجته بدون أن ينزل هل عليه غسل؟
لا غسل عليه ما لم ينزل.(1/202)
السائل من السويد يقول: هل يجوز سماع أنشودة فيها كلمة: وتسامت بشعاري قل هو الله أحد؟
كأنه جزء من القرآن؟
على كل حال الاقتباس من القرآن له حكمه عند أهل العلم، وابتذال القرآن، وأداؤه بأصوات المغنين، وأشباه المغنين هذا لا يجوز، فالقرآن يؤدى بالأداء المعروف عند أهله.
السائل من اليمن يقول: ما حكم من عمل العادة السرية في نهار شهر رمضان؟
إن أنزل فعليه القضاء، وعليه أيضاً الغسل.
ما حكم من حلق لحيته كل جمعة لكي يذهب السبت إلى العمل؟
حلق اللحية حرام، وإعفاؤها واجب.
رجل يطوف بالدور الثالث بالسطح فهل يشير إذا حاذى الحجر الأسود؟ وكيف يشير وهو لا يراه؟
يشير إلى جهته، والهواء له حكم القرار.
يقول: لو حصل زحام في الصف الأول فتأخرت إلى الصف الثاني أو الثالث؛ لأن في ذلك تحصيلاً للخشوع علماً بأني قد أدركت الصف الأول قبل الزحام، فهل يكون لي أجر الصف الأول إذا رجعت؟
إذا كان الزحام بحيث يذهب لب الصلاة، أو يكون سبباً في بطلانها فمن رجع بهذه النية ولهذا السبب له أجر الصف الأول.
يقول: إذا رمينا عن النساء في جميع الجمرات بسبب الزحمة هل لنا ذلك؟ وماذا يجب علينا إذا لم يكن لنا ذلك؟
من أهل العلم من يرى أن النساء ضعفة، ويرمى عنهن بسبب الزحام الشديد، وبسبب التصاقهن بالرجال يرمى عنهن، ومنهم من يقول -وهو الأحوط-: أن تباشر العبادة بنفسها، مع توخي الأوقات التي يكون الزحام فيها أقل، ولو أدى ذلك أن ترمي بالليل.
يقول: هل صحيح أن لفظة: ((من ذنوبه)) في حديث: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق)) شاذة؟
من ذنوبه إيش يصير اللفظ أجل؟ يعني ما في ((من ذنوبه)).
طالب: نعم.
لا، لا، ((كيوم ولدته أمه)).. ((رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)).
…
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام _ كتاب الحج (5)
الكلام في (الرمل - ونوم النبي في المحصب - وطواف الوداع – وفضل الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم - وباب الفوات والإحصار - والاشتراط في الحج)(1/203)
هذا يقول: ما ذكرتم في شأن مقام إبراهيم -عليه السلام- لا شك أن الأحوط اعتبار البقعة والحجر معاً؛ لكن لو قال قائل: أننا نقيس المقام وحجارته على البيت وحجارته، فلو أزيل الحجارة في البيت، ووضعت في مكان آخر، فهل نستقبل الحجارة أم موضع البيت الأصلي المعروف؟ أننا نستقبل الموضع، فلو قال قائل: بذلك هل لقوله وجه؟
الصيغة، صيغة المقام، صيغة تشمل المكان الذي قام فيه، والحجر الذي قام عليه، فبينهما ارتباط، يعني لو ألغينا الحجر، واعتبرنا المكان فقط للزم علينا أن نصلي الآن مستدبرين المقام؛ لأن المقام ليس في مكانه، ولم يقل بذلك أحد؛ لكن الصيغة تقتضي الجمع بينهما، ولذا يمنع بعض أهل العلم من أن يحرك المقام من مكانه؛ لأنه مقصود، والمكان مقصود.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:
فيقول الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر -رحمه الله- في بلوغ المرام، ضمن باب صفة الحج، ودخول مكة:
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه" رواه الخمسة إلا الترمذي وصححه الحاكم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يرمل في" ضبطها سَبع ولا سُبع؟
طالب: السبع.
سبع إيش؟
طالب: السبع الذي أفاض فيها، السبع الأشواط.
أفاض فيها يصير.
طالب:........
فيه، السين وش عليها عندك؟
طالب: فتح يا شيخ.(1/204)
السبع لا بد أن يكون أفاض فيها، على كل حال هو سبعة أشواط، الطواف هو سبعة أشواط، وكل شيء يتركب من سبعة فهو أسبوع، وسبوع بدون همز، وقد يقول بعضهم: سُبع، وهكذا جاء ضبطها في بعض المصادر التي أُحيل إليها، أما إذا قلنا: سَبع يعني سبع أشواط الذي أفاض فيها، لا بد أن نقول: فيها، على كل حال المعنى واضح، وهذا الذي أفاض فيه، ومثله طواف الإفاضة، وطواف الوداع، وطواف النفل كله لا رمل فيه، إنما الرمل في أول طواف، طواف القدوم، طواف العمرة، يرمل فيه، طواف الحج بالنسبة للمفرد إذا لم يطف للقدوم أو القارن، المقصود أن أول طواف يرمل فيه، وما عداه فلا.
وهذا الحديث كما يقول الحافظ: رواه الخمسة إلا الترمذي وصححه الحاكم، ففيه دليل على أنه لا يشرع الرمل في الطواف إلا في أول طواف يؤديه الإنسان بعد قدومه، واجباً كان أو مسنوناً، في الحديث السابق يقول: وروي بألفاظ متعددة منها: رخص للرعاء أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً، إلا أن ابن ماجه قال، المقصود يقول: رخص للرعاء الإبل في البيتوتة عن منى يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد، أو من بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر، يرمون الغد أو من بعد الغد، الذي عندنا: يرمون الغد، ثم يرمون الغد ليومين، ثم يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد، ثم يرمون يوم النفر، وفي الشرح يقول: ثم يرمون الغد، ومن بعد الغد ليومين، لأن الذي في الأصل يقول: أو بعد الغد، وهنا ينحل الإشكال إذا كانت (أو).
ولفظ أبي داود: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رخص لرعاء الإبل بالبيتوتة يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد ومن بعد الغد بيومين، ويرمون يوم النفر.(1/205)
ولفظ النسائي.. على هذا اللفظ، لفظ أبي داود: يرمون النحر، ثم يرمون الغد، ومن بعد الغد بيومين، ويرمون يوم النفر، كم يوم هذه صارت؟ كم صارت؟ يوم النحر والغد ومن بعد الغد بيومين ويوم النفر، النحر من الغد ويومين ويوم النفر خمسة، النحر ثم يرمون الغد، ثم من بعد الغد بيومين كم هذه؟ أربعة، ثم يرمون يوم النفر.
وللنسائي: "رخص للرعاء في البيتوتة يرمون يوم النحر واليومين اللذين بعده، يجمعونهما في أحدهما" هذا ظاهر، إما تقديم أو تأخير في الأول أو في الثاني، وفي لفظ آخر من طريق مالك إلى آخره.. قال: "أرخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرعاء الإبل في البيتوتة أن يرموا يوم النحر، ثم يجمعوا رمي يومين" يعني سواء كانت في الحادي عشر أو في الثاني عشر، ثم بعد ذلك يرمون يوم النفر الي هو الثالث عشر، وهنا يقول: أرخص للرعاء أن يتعاقبوا فيرموا يوم النحر، ثم يدعوا يوماً وليلة، ثم يرمون الغد، المقصود أنه لوحظت حاجتهم إلى الرخصة، وأنه لا يلزم أن يترددوا إلى منى في كل يوم، ما دام رخص لهم بترك المبيت، فلهم أن يجمعوا الرمي تقديماً أو تأخيراً.
وعن أنس -رضي الله عنه-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم رقد رقدة بالمحصب، ثم ركب إلى البيت فطاف به" رواه البخاري.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها لم تكن تفعل ذلك -أي النزول بالأبطح- وتقول: "إنما نزله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنه كان منزلاً أسمح لخروجه" رواه مسلم.(1/206)
نعم مثل هذه الأمور التي يفعلها النبي -عليه الصلاة والسلام- من الوقوف بمكان معين، أو النزول به، أو المبيت به تختلف وتتباين الأنظار في أنه -عليه الصلاة والسلام- تعبد بقصد هذا الموضع أو أنه حصل اتفاقاً؛ لأنه على طريقه، أو لأنه أرفق به، ولكل وجه، وابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- يقصد المواضع التي نزلها النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويبالغ في ذلك، حتى ذكر عنه أنه يكفكف دابته لتقع أخفافها على مواطئ أخفاف دابة النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن ما وافقه أحد على هذا، النزول بالمحصب، والصلاة فيه، الظهر والعصر والمغرب والعشاء، صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم رقد رقدة في المحصب، ثم ركب إلى البيت فطاف به، هل هذا مقصود؟ منهم من يرى أنه مقصود، لا سيما إذا قلنا: أن المحصب وهو الأبطح، وهو المحل الذي تقاسمت به قريش على قطيعة بني هاشم، وكتبوا فيه الصحيفة الجائرة، فيمكث فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- إغاظة لهم، هكذا قال بعضهم، وإذا كان هذا الأمر ملحوظاً فما يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا القصد تفعله أمته، فيكون المكث فيه هذه المدة سنة؛ لكن ماذا فهمت عائشة؟ عائشة -رضي الله تعالى عنها- لم تكن تفعل ذلك، وهو النزول بالأبطح، وتقول: إنما نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنه كان منزلاً أسمح لخروجه، طيب المدة التي مكثها وصلى فيها أربع صلوات؟ قد تقول: هو بحاجة إلى هذه الراحة، مثل نومه بذي طوى، هو محتاج إلى الراحة بعد السفر، هو محتاج إلى الراحة بالأبطح من أجل عناء الحج، ومناسك الحج، يرتاح قبل أن ينتقل إذا كانت الحاجة هي الداعي لذلك فلا يقال: بسنيته؛ لكن ماذا عن النزول بالأبطح؟ تقول عائشة -رضي الله تعالى عنها-: إنما نزله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنه كان منزلاً أسمح لخروجه، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يريد الرجوع إلى المدينة، والطريق إلى المدينة غير الطريق إلى نجد، فهل نقول لأهل(1/207)
نجد: اذهبوا مع الطريق الذي ذهب معه النبي -عليه الصلاة والسلام- ومكث فيه، ثم بعد ذلك انتقلوا إلى طريقكم؟ عائشة ترى أنه لا يلزم هذا، ولا يتعبد بمثل هذا، كونه -عليه الصلاة والسلام- يبيت بذي طوى، ذو طوى على طريق الداخل من المدينة، هل يقال لأهل نجد: اذهبوا ودوروا على مكة حتى تنزلوا بذي طوى؟ دخوله مع الثنية العليا، وخروجه مع السفلى محل خلاف بين أهل العلم، وتقدم الكلام فيه، لا شك أن النزول طريق المدينة يرد هكذا، والنزول مع الثنية العليا سهل؛ لكن الطلوع إليها لو أراد أن يرجع معها صعب، فيخرج من السفلى لأنها أسمح له وأسهل، قد يقصد الإنسان تطبيق بعض هذه الأشياء؛ لكن قد يحال دونه ودونه، المرور يمنعه من النزول مع هذا الشارع، فهذا يتبع حكم المسألة، فإن كان النزول مقصود في هذه الأماكن وقلنا بشرعيته اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- فإذا قصده الإنسان ومنع منه ثبت أجره، وإذا كان السبب في بقائه ومكثه -عليه الصلاة والسلام- هذه المدة في هذا المكان هو إغاظة المشركين يكون حينئذ مقصود للأمة وتمكث فيه، وإن لم يكن على سبيل الوجوب، وظروف الحج في السنوات الأخيرة اختلفت كثيراً، يعني قد يقصد الإنسان تطبيق جميع ما بلغه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الباب؛ لكن لا يقدر على ذلك، يُمنع من ذلك، يعني ظروف السير مع كثرة الناس قد تضطر كثير من الناس إلى أن يفرط ببعض الواجبات، قد، الزحام يمسكه عن دخول مزدلفة إلى أن ينتهي الوقت، عن المبيت بمنى إلى أن يطلع الصبح، احتمال، فمن قصد الشيء ومُنع منه ثبت له أجره ولا يعاب عليه، اللهم إلا الأركان التي لا بد من الإتيان بها، أراد أن يدخل عرفة فمسكه السير إلى أن طلع الصبح نقول: هذا حكمه حكم من أراد مزدلفة أو أراد منى؟ لا، فاته الحج هذا؛ لأنه ركن، أما من قصد مزدلفة والمبيت بها واجب، أو قصد منى والمبيت بها واجب، ثم صده عن ذلك صاد، لا يلزمه شيء، اتقى الله ما استطاع؛(1/208)
لكن لا يفرط، لا يفرط، فإذا اتقى الله ما استطاع لا يلام.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض" متفق عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض" والحديث في الصحيحين، وهذا الحديث دليل على طواف الوداع، وأنه واجب، وأنه واجب، وأنه ليس بركن، وجوبه يؤخذ من التخفيف عن الحائض، والأمر أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت مع التخفيف؛ لأن المستحب ما يحتاج إلى تخفيف، هو خفيف من الأصل، فلا يحتاج إلى تخفيف، ولو كان ركناً ما احتمل التخفيف، ولا خُفف فيه، المقصود أنه واجب، ويقول به: جمهور العلماء، ويذكر عن مالك -رحمه الله تعالى- أنه ليس بواجب؛ لأنه لو كان واجباً لما خُفف عن الحائض، أحياناً المأخذ يكون الدليل واحد؛ لكن مآخذ ومسالك..... في طريقة الاستدلال تتباين، الجمهور أخذوا الوجوب من التخفيف، يعني نظير ما جاء في الترخيص بالانصراف للضعفة من مزدلفة، ونظير ما جاء للترخيص للعباس والرعاة بمنى، منهم من يقول: المبيت بمزدلفة ومنى سنة؛ لأنه رخص لهؤلاء، والأكثر يقول: أنه واجب؛ لأن هؤلاء احتاجوا إلى الرخصة؛ لأنه لو كان سنة ما احتاجوا إلى الرخصة، ومثله ما عندنا، طواف الوداع واجب لأنه رخص فيه، فليس بركن، وليس بسنة لأن السنة لا تحتاج إلى تخفيف، وهذا هو القول المحقق.(1/209)
"أُمر الناس" والآمر هنا هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو المخفف؛ لأنه هو المبلغ عن الله -جل وعلا- الأحكام، فهو الآمر، وهو المخفف، ومتى كان الأمر؟ في حجة الوداع، أما جميع العمر التي حصلت منه -عليه الصلاة والسلام- ليس فيها أمر بالوداع، ولذا يرى أكثر أهل العلم على أن الوداع خاص بالحج، خاص بالحج، فالعمرة لا وداع لها، وقد يستدل لهم بأن عائشة لما طافت وسعت للعمرة ما أمرت بوداع، وليس آخر عهدها بالبيت، إنما آخر عهدها بالمسعى، والمسعى ليس من البيت، المقصود أن العمرة في قول الأكثر لا وداع له، ومنهم من يرى أن هذا الأمر شامل لكل من أراد الانصراف من مكة، "أمر الناس" جنس الناس، الحجاج والعمار والزوار وغيرهم، كل من أراد أن يخرج من مكة يلزمه أن يكون آخر عهده بالبيت، طيب آخر عهده بالبيت الصلاة؟ يعني لو صلى ومشى يكفي؟ لا جاء في رواية عند البيهقي وغيره: "أمر على الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف" الطواف، المقصود أن الطواف واجب، طواف الوداع، وهو للحج على قول الأكثر، ويرى بعضهم أن العمرة لها طواف وداع لعموم الحديث؛ لكن يستشف من عمره -عليه الصلاة والسلام- المتكررة التي لم يأمر فيها بمثل هذا أن العمرة ليس لها طواف وداع، إضافة إلى أن عائشة لما طافت وسعت ما أمرت بوداع.(1/210)
إذا طاف للوداع ثم مكث بعده، الأصل في الوداع أن يكون عند السفر، يعني كما يودع الإنسان أهله إذا أراد أن يسافر يودع البيت، إذا أراد أن يسافر، فهل يودع أهله ويبيت عندهم أو يحتاج إنه يودعهم مرة ثانية من الغد؟ يحتاج، فإذا طاف للوداع ثم بات بمكة يقولون: لا يكفي هذا الوداع؛ لأنه لم يكن آخر عهده بالبيت، لا بد أن يعيده، أما إذا مكث بعد الطواف مكثاً غير مقصود، نزلوا الرفقة وقالوا: ترى الموعد السيارة، من طاف يجي، جاء الأول ومكث ساعة وما جاء الثاني، زحام، جاء الثاني ومكثوا ساعة وما جاء الثالث، وهكذا، زحام شديد، نقول للأول: أعد طوافك؟ لا، هذا المكث غير مقصود، هو ينتظر الرفقة، ومثل هذا لو اشترى أشياء خفيفة من متطلبات السفر؛ لكن لو اشترى تجارة وبضاعة، وما أشبه ذلك، ما كان آخر عهده بالبيت، الحنفية يقولون: إذا طاف بنية الوداع انتهى، هذا طواف الوداع ولو مكث شهر أو شهرين، خلاص عليه طواف وطاف، أكثر من هذا ما فيه، عليه طواف للوداع وطافه، ولا يوجب عليه ثاني؛ لكنه في الحقيقة ليس بوداع، هذا ليس بوداع، طواف الوداع يحصل بسبعة أشواط على سبيل الاستقلال بنية الوداع عند الخروج من مكة بعد أداء النسك ويحصل أيضاً بأي طواف كان، المقصود أن يكون آخر عهد للإنسان بالبيت، فلو أخر طواف الإفاضة يكفي وإلا ما يكفي؟ يكفي لأن آخر عهده بالبيت؛ لكن لو كان طواف الإفاضة بعده سعي؟
طالب: يكفي لفعل عائشة.
عائشة عمرة.
طالب:.......
العمرة انتهينا منها، الأكثر أن العمرة ما لها طواف.
طالب: يعني بعد أن يسعى يعود ويطوف؟(1/211)
هذا الأصل؛ لأنه إذا سعى ما كان آخر عهده بالبيت، آخر عهده بالمسعى؛ لكن من أهل العلم من يرى أن المدة يسيرة، مدة السعي لا تزيد عن مدة انتظار الرفقة، فيتسامح في مثل هذا، لا سيما عند الحاجة إلى مثل هذا في شدة الزحام؛ لأنه لو كلف الناس بعد أن يطوفوا للإفاضة، ثم يسعون، ثم يؤمرون بطواف الوداع، لا شك أن في هذا مشقة شديدة، فمن رأى أن الزحام شديد، ويشق عليه مشقة شديدة أن يعيد الطواف، من أهل العلم من يرخص له، وله وجه؛ لأنه ما جعل علينا في الدين من حرج، الآن طواف الفرض يؤدى بكل مشقة، وبكل صعوبة، فإذا أمر بإعادته لا شك أنه يتضرر بهذا، المقصود أن منهم من يخفف ولو كان بعده سعي، كما لو كان بعده صلاة، طاف للوداع ثم أقيمت الصلاة وصلى، نعم، يتسامح في مثل هذا -إن شاء الله تعالى-.
طالب:.......
يجوز له ذلك؛ لكن الترتيب أفضل من.. يعني سلوك الرخصة هذه وكونه يكتفي به أفضل من تقديم السعي على الطواف.
وعن ابن الزبير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة)) رواه أحمد وصححه ابن حبان.(1/212)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن ابن الزبير، هو عبد الله عند الإطلاق، ابن الزبير بن العوام، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة في مسجدي)) نكرة؛ لكنها في سياق النفي؟ وفي سياق الشرط؟ نعم، في سياق الامتنان؟ نعم، النكرة في سياق الامتنان تقتضي العموم عند أهل العلم، من صيغ العموم النكرة في سياق الشرط، في سياق النفي، في سياق الامتنان، تقتضي العموم، ونحتاج إلى مثل هذا في تفصيل المسألة، ((صلاة في مسجدي هذا)) بالإشارة في مسجده -عليه الصلاة والسلام-، والإشارة تقتضي المسجد القائم في وقته الذي يمكن الإشارة إليه، وما كان خارج أسواره لا يدخل في الإشارة، ولذا قال بعض العلماء: أن الزيادات في مسجده -عليه الصلاة والسلام- والتوسيعات لا تدخل في المضاعفة، ما تدخل في المضاعفة؛ لأنه أشار إليه: ((صلاة في مسجدي هذا)) فالتوسعات كلها، لا التي أمام المسجد، يعني فيه توسعة أمام المسجد -المسجد النبوي- مقدار كم؟ خمسة صفوف يمكن، لا تدخل، وأيضاً فيه توسعة من الجهة الشمالية، وفيه أيضاً توسعة من الجهات الأخرى، المقصود أن هذه على مقتضى الإشارة لا تدخل في المضاعفة، شأنها كشأن سائر المدينة، والمدينة وغيرها في هذا سواء، ليس فيها مضاعفة، إذا أقيمت الصلاة فهل نصلي في مسجده الذي أشير إليه، أو نتقدم للصف الأول والثاني والثالث والرابع والخامس؟ وهل نصلي في يسار الصف ونترك يمين الصف إذا كان خارج مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أو نقول: أن المسجد مهما بلغ في توسعته من رأوه قال: هذا المسجد النبوي، جاءت أحاديث؛ لكنها ضعيفة تدل على شمول الخبر التوسعات، ولو بلغ ما بلغ، فهو مسجده ولو بلغ صنعاء، كما جاء في بعض الروايات؛ لكنها ضعيفة، فأيها أفضل أن يصلي الإنسان في مسجده الذي أشار إليه، أو يتقدم إلى الصف الأول؟
طالب:........
ولو كانت صلاته واحد من ألف؟
طالب: فضل الصفوف الأولى أفضل يا شيخ.
أفضل؟(1/213)
طالب: لأن النبي شدد لأتيته ولو حبواً.
إيه لكنها ألف صلاة ما هي بسهلة، أنت لو تقعد ببيتك وتصلي ببيتك ما فاتك إلا سبعة وعشرين درجة، وتصلي في الصف الأول يفوتك تسعمائة وتسع وتسعين صلاة.
هاه، وش تقول؟ وراك وقفت؟
طالب: أنا ما وقفت، لكن أقول: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما بين الفضل.
شوف يا أخي أنا أقول: إن كانت الإشارة مقصودة، والفضل في مسجده فقط، فالمضاعفة في مسجده لا غير، فيكون الصلاة في آخر صف في مسجده أفضل من أول الصف في التوسعة؛ لأنه أشار: ((صلاة في مسجدي هذا)) وتكون الصلاة في يسار الصف أفضل من الصلاة في يمين الصف الذي هو خارج مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن يسار الصف كله داخل في مسجده -عليه الصلاة والسلام-، إلى حدوده من الجهة الخلفية.
طالب:.......
وين ما يسع؟
طالب:.......(1/214)
سهل، ما يسع صلاة الجماعة صحيحة، ولهم فضلها؛ لكن يبقى ألف ما له ألف، كالمساجد الأخرى، وعلى هذا فبقية مساجد المدينة فيها مضاعفة وإلا ما فيها؟ ما فيها مضاعفة، ليس فيها مضاعفة، فيحرص الإنسان أن يصلي في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، في مناسبة، مناسبة الصلاة في مسجده، يعني ما أثير حول القبر من كلام كثير، وتشبث به بعض المبتدعة، والمسألة هذه سبق أن بُحثت مراراً؛ لكن يبقى مسألة الروضة ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) يعني هل يحرص على هذه البقعة أكثر من يمين الصف لأنها روضة من رياض الجنة، أو نقول: هذا مجرد خبر؟ نعم، إحنا بحثنا هذا سابقاً وإلا ما بُحث؟ ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) هل نقول: أن هذا مجرد خبر، أو نقول: لا بد أن يكون له أثر في الحكم الشرعي وإلا لكان عاري عن الفائدة يكون لغو؟ قد يقول قائل: النيل والفرات من أنهار الجنة، فهل الانغماس في هذين النهرين أفضل من الانغماس في غيرهما، أو هو مجرد خبر يدل على فضل هذه؛ لكن ما النتيجة المترتبة على هذا التفضيل؟ كون هذه البقعة روضة من رياض الجنة هل يعني أن هي كغيرها، أو لها مزية؟ لها مزية بلا شك، وكونها من رياض الجنة تكون رياض الجنة إلا أن لها مزية، ومزيد فضل في لزومها كحلق الذكر، نعم رياض الجنة ما هي؟ حلق الذكر، وهذه لها حكمها، ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) قيل: يا رسول وما رياض الجنة؟ قال: ((حلق الذكر)) فقط؟ لا؛ لأن تفسير العام بفرد من أفراده لا يعني قصره على هذا الفرد، مثل تفسير القوة بالرمي، وغيرها من الأمثلة، المقصود أن هذه البقعة لها مزية؛ لأنها روضة من رياض الجنة، وقد أمرنا بأن نرتع في رياض الجنة.(1/215)
((صلاة في مسجدي هذا)) عرفنا أن التفضيل لا يشمل بقية مساجد المدينة، أفضل من ألف صلاة فيما سواه من مساجد الدنيا إلا المسجد الحرام، صلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة، إذاً صلاة في المسجد الحرام أفضل من سائر المساجد سوى مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- بكم؟ بمائة ألف صلاة، ولا يرد فيه الكلام السابق، يعني التوسعات ما التوسعات هذه كلها داخلة؛ لأنه ما أشير إليه، الأمر الثاني: أن مكة كلها مسجد، وكلها محل للتضعيف، الأدلة على هذا هو قول الجمهور على كل حال، والأدلة عليه كثيرة، من أصحها وأوضحها قول الله -جل وعلا- ها؟
طالب:.......(1/216)
لا، لا، كونه أسري به من بيت أم هاني فيه كلام، {وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ} [(217) سورة البقرة] المشركون أخرجوا النبي وأصحابه من المسجد وإلا من مكة؟ من مكة، فدل على أن المسجد يراد به مكة، المقصود أن هناك أدلة يستدل بها الجمهور، أيضاً فهم الصحابة، وأنهم تفرقوا في الأمصار خشية الوقوع في الإثم؛ لأن مكة حكمها واحد، وكلها حرم ومحرم، وحكمها في التضعيف واحد، وفي تعظيم الإثم واحد، أيضاً يذكر عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه لما أحصر في الحديبية أنه كان يصلي في الحرم؛ لأن محل الحصر قريب جداً من الحرم، هذا جاء من طرق، وغير ذلك من الأدلة التي يستدل بها الجمهور، {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(1) سورة الإسراء] يقولون: إنه أسري به من بيت أم هاني، ويستدلون به لكن فيه ضعف، على كل حال هو قول الجمهور أن مكة كلها حرم، كلها مضاعفة، جاء في خبر أن الصلاة في مسجد القدس، في بيت المقدس بخمسمائة صلاة، قال ابن عبد البر: إسناده حسن، قد يقول قائل: ما دامت الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصحابة سمعوا هذا الكلام، ومع ذلك تفرقوا في الأمصار، وأهل العلم أيضاً من بعدهم جلهم في الأمصار، في مصر والشام والعراق والمشرق والمغرب، يعني كيف يفرط الصحابة بهذا الفضل العظيم ويتفرقون؟ كيف يفرط أهل العلم يعيش خيار الأمة في العراق وفي مصر وفي الشام ويتركون هذا الفضل العظيم؟
طالب: من أجل الدعوة.(1/217)
الدعوة، وبث العلم، وتبليغ الدين والجهاد، كلها أفضل من مجرد المكث من أجل هذه المضاعفة، وفيه تعظيم الإثم، وفيه ترتيب الإثم على مجرد الإرادة، فهي ليست كغيرها، الغنم مع الغرم؛ لكن لا شك أن الذي بيجلس؛ لكن الآن في ظروفنا التي نعيشها شخص متردد هل يسكن في الشرقية، أو في الرياض، أو في مكة؟ مسألة تردد، على حد سواء، عمله في بلده مثل عمله في مكة، إن كان مدرس راح مدرس، إن كان موظف راح موظف، ما الأفضل له؟
طالب:........
ترى البلد الذي يختلط فيه الناس من أقطار متباينة، وعادات متنافرة، يعني حتى في عصر السلف وجد من يتعرض للنساء في المطاف، ووجد من النساء من يفتن الناس في ذلك الوقت، فكيف بعصرنا هذا؟ فبعض الناس يترك هذه الأماكن خشية الفتنة؛ لأن الناس يجتمعون من بلدان متباينة، وأعراف متباعدة، وعند بعض الأقاليم فيها تساهل أكثر من غيره، فتجده يقول: لا في بلدي أسلم لي، هذا حاصل الآن وإلا مو بحاصل؟ كثير من الناس ما يصدق أنه ينتهي(1/218)
من العمرة ليعود إلى بلده، أقول: لوجود مثل هذه المناظر التي ألفها أصحابها في بلادهم لا تثيرهم مثل هذه المناظر؛ لكن من بلد آخر تثيرهم، تجد مثلاً الشامي أو المصري يفتتن بالمرأة من هذه البلاد لأنه ما ألف هذا المنظر، ومثلاً من أهل هذه البلاد يفتتنون بالبلاد الأخرى؛ لأن عندهم شيء من التسامح أكثر مما عندنا، وفي بلادنا، على حد نظرنا، المقصود أنهم قد تترك هذه المضاعفات إذا خشي الإنسان على دينه، هناك أمور أخرى في ليالي العشر التي ترجى فيها ليلة القدر بعض الناس، من خيار الناس، يقول: أنا سأصلي في مسجدي، وعند بيتي، ويجتمع قلبي، وأعقل صلاتي، أفضل مما أتعرض لزحام الملايين، ولا أدرك من صلاتي شيء، هذا أيضاً له وجه، المحافظة على أصل الصلاة، أولى من المحافظ على ما يزيد في فضلها؛ لأن الآن التجار يحافظون على رأس المال أكثر، أو المكاسب أكثر؟ عندهم رأس المال هو الأصل، فالمحافظة على أصل الصلاة أولى من المحافظة على ما يحتف بها من زيادة الفضل.
((صلاة في مسجدي)) قلنا: هذا أسلوب امتنان فتعم الصلوات، فالصلاة بمائة ألف صلاة، الفريضة لا إشكال فيها، ولم يخالف فيها أحد، النافلة وهذا الكلام قيل: في المسجد النبوي، يعني قيل بالمدينة، فهل صلاة الرجل الساكن المدينة النافلة في بيته أفضل وإلا يصليها في مسجده -عليه الصلاة والسلام- ليحصل على ألف صلاة؟
طالب: في بيته أفضل.
نعم؛ لأن الحديث قيل في المدينة ((صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة)) فصلاته النافلة في بيته أفضل من صلاته في المسجد تحصل المضاعفة وإلا ما تحصل؟ الصلاة في البيت؟
طالب: ما تحصل.
ما تحصل، هذا ما جعل بعض أهل العلم يقول: الحديث هذا خاص بالفرائض ولا يتناول النوافل، مكة ما فيها إشكال باعتبار أنها حرم، وفيها مضاعفة، الصلاة في البيت ما فيها إشكال أنها أفضل.(1/219)
غير الصلاة من أنواع الطاعات، الصيام في مكة أفضل وإلا ما هو بأفضل؟ الصدقة في مكة؟ الجمعة في مكة؟ رمضان في مكة أفضل وإلا ما هو بأفضل؟ بهذا المقدار أو مجرد فضل المكان المستفيض ولو لم يقدر بمائة ألف؟ يعني رمضان بمائة ألف رمضان، ليلة القدر بمائة ألف ليلة قدر، أو هذا خاص بالصلاة؟
طالب:.......
دعنا من المسجد والخلاف فيه، الكلام على المسجد الحرام، ومسجده -عليه الصلاة والسلام- بحسبه؛ لكن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف مسجد بالدمام، فهل نقول: رمضان في مكة أفضل من رمضان....؟ نعم.
طالب:........
الحديث نص في الصلاة؛ لكن جمع من أهل العلم يرون أن العبادات كلها بهذه المثابة؛ لكن هل نستشف من الحديث ارتباطه بالمسجد، وأن العبادة التي لا تؤدى إلا بالمسجد لها هذا التفضيل، وأن العبادات التي يمكن أن تؤدى خارج المسجد كالصيام والصدقة وغيرها لا ارتباط لها بالمسجد، بينما الصلاة قل مثل هذا في صلاة الجنازة، يمكن أن تحصل، على كل حال الحديث نص في الصلاة، ويقول بعض أهل العلم: أنه يتناول جميع العبادات؛ لكن يحتاج هذا إلى دليل.
سم.
طالب: بالنسبة للمرأة يا شيخ هل تدخل في هذا الأمر؟
إيش فيها؟ في البيوت أفضل، وبيتها خير لها.
قال المصنف -رحمه الله-: باب الفوات والإحصار:
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "قد أحصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحلق، وجامع نساءه، ونحر هديه، حتى اعتمر عاماً قابلاً" [رواه البخاري].(1/220)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب الفوات والإحصار: الفوات فوات الحج بأن يطلع الفجر من يوم النحر قبل التمكن من الوقوف بعرفة، فمن طلع عليه الفجر قبل أن يقف بعرفة ولو لحظة فاته الحج، فإذا أحرم بالحج قبيل طلوع الفجر قال: أسرع بالسيارة، وعلى عرفة على طول، وأمكث فيها مدة يسيرة، وأنزل لمزدلفة إلى منى، ثم بنشرت السيارة، أو مسكوه تفتيش وإلا شيء، وعاقه شيء، عاقه عائق، فطلع عليه الفجر قبل أن يدخل عرفة، مثل هذا ماذا يصنع؟ فاته الحج؛ لكن ماذا يصنع؟ يتحلل بعمرة، طيب إن اشترط قال: إن أدركت الحج فبها ونعمة، وإلا فمحلي، هذا ما عليه شيء، هذا يتحلل ما عليه شيء؛ لكن من لم يشترط يتحلل بعمرة، طيب الإحصار أصله المنع، منع، ويختلف أهل العلم، ويفرقون بين الحصر والإحصار، فيجعلون الإحصار هو الذي يكون بالمرض، الحصر يكون بالمرض والعجز والخوف، الإحصار هو الذي يكون بماذا؟ بالمرض والخوف ونحوهما، وإن كان المنع بسبب العدو قيل له: حصر، الآن في قوله -جل وعلا-: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] هذا متى نزل؟ أحصرتم نزل بشأن إيش؟
طالب: الحديبية.
الحديبية، أحصرتم، والآن أحصر مصدره: إحصار، ومنعهم يوم الحديبية بسبب مرض وإلا عدو؟ عدو، إذاً الإحصار يكون بسبب العدو أيضاً، ولذا قال جمع من أهل العلم: أن الحصر والإحصار كله المنع بأي سبب كان؛ لكنه سبب يمنع، ما هو بأدنى سبب، يتصل عليه ويقال له: ارجع عندنا مناسبة، وإلا عندنا كذا، وإلا أخوك يبي يتزوج، وإلا..، لا، لا بد أن يكون سبب يمنعه من أداء نسكه، هذا يكون بالمرض، كما سيأتي من كسر أو عرج، ويكون بالعدو الذي لا يمكنه من دخول المشاعر.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "قد أحصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحلق رأسه، وجامع نساءه، ونحر هديه، حتى اعتمر عاماً قابلاً".
طالب:........(1/221)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "قد أحصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" حصره العدو، لما أراد أن يعتمر في السنة السادسة في الحديبية حصره العدو، الحديبية قريبة على الحد بين الحل والحرم، ويسمونها الآن هي قريبة من إيش؟ من إي شيء؟ ما في مكان يقال له: الشميسي، نعم قريبة من الشميسي، فحلق رأسه لما قال لأصحابه: تحللوا ترددوا، فغضب النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأسف لأنهم ترددوا في قبول أمره -عليه الصلاة والسلام-، فأشارت إليه أم سلمة أن يحلق شعره، لما حلق شعره عرفوا أن المسألة جد، فهم ترددوا في قبول الأمر في بداية الأمر، لماذا؟ رجاء أن يتم لهم ما أرادوا من العمرة، فلما حلق رأسه -عليه الصلاة والسلام-، ونحر هديه انتهى، وبهذا يتبين أن الاقتداء بالفعل أقوى من الاقتداء بالقول، ولذ إذا أراد المسئول أن يمتثل أمره يكون قدوة، لا يخالف هو هذا الأمر، ثم يطلب من الناس أن يقتدوا به، بل عليه أن يبادر، إذا طلب من الناس أن يتبرعوا، إذا طلب من الناس أن يبذلوا في العمل، وأن يحتسبوا، ويصبروا لا بد أن يكون قدوة، يكون أول من يحضر هو؛ لأن بعض الناس عنده استعداد يحزم غيره؛ لكن ما يحزم نفسه، هذا ما يطاع أمره، فإذا كان قدوة أول من يحضر هو، ما رأوا عنده شيء من التساهل، جاد في عمله، اقتدى، استطاع أن يحزم الناس، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- حلق شعر رأسه، ونحر هديه، فكادوا أن يقتتلوا على الحلق، اقتداء به -عليه الصلاة والسلام-، حلق رأسه، وجامع نساءه، ونحر هديه، ثم بعد ذلك اعتمر عاماً قابلاً، وعمرة الحديبية حسبت من عمره -عليه الصلاة والسلام-، اعتمر عاماً قابلاً، هل هي قضاء لهذه العمرة، أو عمرة مستقلة منشأة جديدة؟ يسمونها عمرة القضاء؛ لكن لو احتاجت هذه العمرة إلى قضاء تحسب عمرة؟ العمرة الأولى التي حبسوا عنها حسبت وإلا ما حسبت؟ حسبت من عمره -عليه الصلاة والسلام-، ونزل فيها سورة(1/222)
الفتح، نعم، فهل عمرة القضاء لأن العمرة الأولى لاغية لم تحسب، أو هي عمرة ثانية حسبت له -عليه الصلاة والسلام-، ولمن معه؟ هي عمرة ثانية، ما الذي يدعونا إلى مثل هذا الكلام؟ إلى أن المحصر هل يلزمه أن يأتي ببدل أو لا يلزمه؟ ما يلزمه {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] نأتي إلى الهدي، هل الهدي واجب وإلا ليس بواجب؟ {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] يعني هل نقول: فالواجب ما استيسر من الهدي، كما قلنا: {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(185) سورة البقرة] يعني فالواجب عدة من أيام أخر، ما استيسر هذه لا تعود إلى أصل الهدي، إنما تعود إلى نوعه، هي تعود ما استيسر هذه تعود إلى نوع الهدي، يعني أنت مخير إن كان عندك بدنة اذبح بدنة، ما عندك عندك بقرة اذبح بقرة، ما استيسر لك إلا شاة اذبح شاة، من أهل العلم من يرى لزوم الهدي للمحصر، ومنهم من يقول: أبداً لا يلزم ولا شيء إلا إذا ألزم....، الصحابة جاؤوا بسبعين بدنة من المدينة، أولاً: بالنسبة للقضاء هل الألف واربعمائة الذين مع النبي -عليه الصلاة والسلام- عام الحديبية كلهم تمكنوا من أداء عمرة القضاء؟ ما يلزم، ولا فيما يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمرهم بذلك؛ لكن هذا تنفيذ للشروط التي بينه -عليه الصلاة والسلام- وبين قريش، ما استيسر من الهدي، هم جاؤوا بسبعين بدنة، وهم ألف وأربعمائة، واشترك كل سبعة في بدنة تكفيهم سبعين؟ ما يكفيهم سبعين، سبعين في سبعة؟ أربعمائة وتسعين، يعني باقي أكثر من تسعمائة، هذا يقول بعض أهل العلم: أنه ليس عليهم شيء، أحصرهم عدو، واتقوا الله ما استطاعوا، أرادوا الخير ولم يتمكنوا منه، ما عليهم شيء، لا عليهم قضاء، ولا عليهم هدي؛ لكن لفظ الآية {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [(196) سورة البقرة] هذا شرط {فَمَا اسْتَيْسَرَ(1/223)
مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] ولذا الجمهور على أن عليه دم، يتحلل بهدي.
طالب:........
لا، لا، ما يسقط، يبقى كل شيء على ما هو عليه، إذا كان عليه حجة الإسلام لا بد أن يأتي بها، إذا كان عليه العمرة الواجبة لا بد أن يأتي بها، أما إذا أحرم بحج نفل أو عمرة نفل، ثم أحصر ما عليه إلا أن يتحلل بدم، منهم من يرى أن الإحصار خاص به -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن لا وجه له، القول بالخصوصية لا وجه له؛ لأن الأصل الاقتداء، على كل حال الجمهور على وجوب الهدي، وأنه يجزيه شاة، إن كانت هي المستيسرة له، والإمام مالك يرى أنه لا شيء عليه، ولا هدي، ومن تأمل الواقعة التي حصلت لهم، وما جاؤوا به من الهدي وعددهم، رأى أن الهدي الذي معهم لا يفي بالعدد، وما حفظ أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمرهم أن يبحثوا عن هدي، أو أمرهم..، ما عرف أنهم أيضاً؛ لكن الآية كالصريحة في لزوم الهدي، منهم من أخذ من قوله: "حتى اعتمر عاماً قابلاً" ومن تسميتهم العمرة التي تليها بعمرة القضاء أنه يدل على وجوب القضاء، يدل على إيجاب القضاء؛ لكن ما عرف أن الألف والأربعمائة الذين كانوا معه في الحديبية كلهم أدى هذه العمرة، يعني أصلاً تسميتها القضاء والقضية من مقاضاة قريش في صدهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإتيانه ببدلها، ومثله ما في الحديث، فلا يوجد ما يدل على أنه يلزمه عمرة ثانية إلا إذا كان عليه عمرة الإسلام الواجبة، ولا يلزمه أن يأتي بحج صد عنه إلا أن تكون عليه حجة الإسلام، وأما الهدي فالمتجه وجوبه.
طالب:........
ما عليه شيء، نعم.
طالب:........
يعني أحرم بالحج منعوه قالوا له: ارجع، هذا إحصار وإلا لا؟
طالب:........
مثل هذا لو اشترط، لو اشترط نفعه -إن شاء الله-.
طالب:........(1/224)
على كل حال الحج مطلوب فرضه ونفله، فإذا رأى الإمام بالاتفاق مع أهل العلم أن هذا الزحام لا يحله إلا التحديد، فالعلماء يفتون بهذا؛ لكن إن حصل للإنسان أن يحج من غير حيلة ومن غير كذب، فالحج فرضه ونفله مطلوب.
النحر في الحديبية هل كان في الحل أو في الحرم؟ يعني حتى يبلغ الهدي محله، الحل وإلا الحرم؟ نعم، الحنفية يرون أن محله الحرم، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما نحر في الحرم؛ لكن ظاهر قوله -جل وعلا-: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [(25) سورة الفتح] يعني ممنوع من أن يبلغ محله، ظاهره أنه نحر في الحل، ولا شك أنه لو كلف المحصر بأن ينحر في الحرم لشق عليه، هو بنفسه ما يتيسر له يروح إلى الحرم فضلاً عن الهدي، ولذا الجمهور على أن المحصر له أن يذبح هديه حيث يحل في حل أو حرم؛ لكن إن كان يستطيع أن يبعث به إلى الحرم، وهذا قول وسط لبعض العلماء فيبعثه إلى الحرم، وإن لم يستطع فيذبحه حيث أحصر.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب -رضي الله عنها- فقالت: يا رسول الله إن أريد الحج، وأنا شاكية، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((حجي واشترطي: أن محلي حيث حبستني)) [متفق عليه].(1/225)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل عليها فقالت: "يا رسول الله إن أريد الحج، وأنا شاكية" يعني مريضة، وتخشى أن يزداد المرض فلا تتمكن من أداء الحج الذي أرادته، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((حجي واشترطي: أن محلي حيث حبستني)) هذا الاشتراط، أولاً: هذا الحديث خرجه الإمام البخاري في أي كتاب؟ في كتاب النكاح، ما خرجه لا في كتاب الحج، ولا في كتاب الإحصار في كتاب النكاح؛ لأن ضباعة هذه كانت تحت المقداد، باب الأكفاء في الدين، المقداد مولى وهي قرشية، بنت عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا جزم بعض المحققين، الذين يحققون الكتب أن الحديث لا يوجد في البخاري، ما خرجه البخاري، أين سيذهب به البخاري إذا ما وجد في كتاب الحج بكامله؟ تقول: أريد الحج وأنا شاكية، والبخاري ما خرجه في الحج، إنما خرجه في النكاح.(1/226)
يقول: "دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، فقالت: يا رسول الله إني أريد الحج، وأنا شاكية، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((حجي واشترطي: أن محلي حيث حبستني)) فإذا اشترط الحاج نفعه هذا الاشتراط، مطلقاً كل حاج يشترط؟ كل معتمر يشترط؟ ثم إذا حصل له ما حصل ينفع؟ أو لا يشترط إلا من ظهرت عليه البوادر؟ بوادر مرض، بوادر خوف من عدو أو شبهه، أو غلب على ظنه أنه لا يستطيع، ولا يتمكن، غلب على المرأة أنها لن تتمكن من أداء العمرة لنزول دورة، أو ما أشبه ذلك عادة، منهم من يقول: الاشتراط ينفع من كانت حاله مثل حال ضباعة، شاكي، ويخاف أنه يزداد عليه المرض فلا يتمكن فينفعه، ومن عداه لا ينفعه، ومنهم من يقول: ينفعه مطلقاً، ومنهم من قال: أنه خاص بضباعة، لا ينفع غيرها الاشتراط؛ لكن الخصوصية تحتاج إلى دليل، فالذي يغلب على ظنه أنه لا يتمكن من أداء حجه أو عمرته ثم اشترط نفعه ذلك، ويبقى من عداهم على الأصل؛ لأنه لا يعرف الاشتراط إلا في هذا الحديث، وظاهر هذا الحديث أن من اشترط لظهور الأمارات والعلامات كضباعة، ثم حصل له ما يعوقه، أنه لا شيء عليه البتة، خلاص يلبس ثيابه ويرجع، ما عليه شيء.
طالب:.......
المهم أنه اشترط.
طالب:.......
اشترط هو؟
طالب:.......
وفيه بوادر وإلا ما فيه؟ يعني تقصد أنه حصر بمرض، كسر أو عرج كما هنا، هذا يأتي في الحديث هذا الي معنا، سم.
وعن عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كسر أو عرج فقد حل، وعليه الحج من قابل)) قال عكرمة: "فسألت ابن عباس وأبا هريرة عن ذلك فقالا: صدق" [رواه الخمسة وحسنه الترمذي].
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عكرمة مولى ابن عباس" أصله من البربر، فيه كلام لبعض العلماء، وأنه يرى رأي الخوارج؛ لكن الذي حققه الذهبي وابن حجر براءته من هذا القول، ولذا خرج له الإمام البخاري.(1/227)
ففي البخاري احتجاجاً عكرمة ... مع ابن مرزوق وغير ترجمة
هو تُعرِض له بالجرح؛ لكنه لم يثبت، عن الحجاج بن عمرو الأنصاري، صحابي مقل، لا يروي إلا حديثين، كما قال ابن عبد البر وغيره -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كسر)) مبني المجهول، مغير الصيغة، ((من كسر أو عرج فقد حل، وعليه حج من قابل)) يعني حصره المرض، وقل مثل هذا فيمن لم يتمكن، داخل بسيارته فدهس إنسان فأودع السجن إلى أن انتهى الحج، يقول: ((فقد حل، وعليه حج من قابل)) قال عكرمة: "فسألت ابن عباس وأبا هريرة عن ذلك فقالا: "صدق" الحديث حسنه الترمذي، وفي بعض النسخ قال: حديث حسن صحيح، يعني في بعض النسخ، ونسخ الترمذي من القدم، تتباين في أحكامها، تتباين في أحكامها، ولذا الكتاب بحاجة إلى عناية تامة، في مقابلة نسخه الأصلية؛ لأنك تجد عند المتقدمين من أهل العلم، هذا يقول: حسنه، وهذا يقول: صححه، هذا يقول: قال الترمذي: حسن غريب، وذاك يقول: حسن صحيح، وسببه تباين النسخ من القدم؛ لكن الحديث له طرق غير ما معنا، فإذا أصيب بمثل ما ذكر، وقع فانكسرت رجله، وأصيب بكسر في رجله، أو في غيرها من مواضع بدنه، بحيث لا يستطيع من أداء نسكه، فإنه يصير حلالاً؛ لأنه يقول: ((فقد حل، وعليه الحج من قابل)) في الإحصار السابق هل ترجح أنه يأتي بعمرة بدل، أو بحج بدل عما أحرم به؟ يعني في حصر العدو، كما في حصر الحديبية بدون قضاء، وهنا يقول: ((وعليه حج من قابل)) فهل نقول: أن هناك فرق بين المرض وبين العدو كما قال بعضهم؟ أو نقول: أنه إذا منع بمانع لا مدخل له فيه، واتقى الله ما استطاع، جاء ناوياً النسك، وقاصداً رضا الله -جل وعلا-، ثم منع من ذلك، والله -جل وعلا- لا يكلف نفساً إلا وسعها، يحل، كما لو حصر بعدو، وحديث الباب يقول: ((فقد حل، وعليه الحج من قابل)) يعني لو كان هذا الحديث بمثابة الحديث السابق، يعني في قوته، الحديث السابق ما فيه ما يدل(1/228)
على أنه يلزم أن يعتمر أو يحج من قابل، وإن سمى أهل العلم العمرة التي تليها عمرة القضاء، لكن هل نقول: هناك فرق بين أن يحصر بعدو وبين أن يحصر بمرض، فمن حصر بالعدو لا يلزمه قضاء، ومن حصر بالمرض يلزمه أن يحج من قابل؟ لأن المريض يتمكن من الوصول إلى المشاعر، يتمكن من أن يمكث للعلاج في مكة، ثم يتحلل بعمرة، بخلاف المحصور بعدو لا يتمكن، فإن أراد أن يتحلل المحصور بمرض، فإذا عوفي أتى بنسك آخر كما هو مقتضى هذا الحديث، وإن أراد أن يبقى على إحرامه حتى يشفى، ثم يأتي بما شرع فيه، فهو مخير، كما أنه يمكن أن يحج أو يعتمر بأي طريقة كانت، يُحمل وإلا..، ليس مثل الحصر بالمرض لا يساوي الحصر بالعدو؛ لأن العدو يصد، لا يمكنك من الوصول إلى تلك الأماكن، والمرض يتصور الوصول، يعني الآلة التي تعيدك إلى بلدك هي الآلة التي توصلك إلى تلك المشاعر، ولذا بعض أهل العلم يفرق بين الإحصار والحصر، يفرق بين ما كان بعدو، وبين ما كان بمرض، على كل حال الحديث وإن كان فيه كلام، بعضهم يضعفه، أقول: بعضهم يضعف هذا الحديث، يقول الشارح، الشارح طعنه في عكرمة؛ لكن لا وجه له، فعكرمة مبرأ مما نسب إليه من رأي الخوارج.
طالب: ألهذا قال: -رضي الله عنه-.
أيه؟
طالب: "وعنه" في سياق الحديث تعود إلى عكرمة أم على الحجاج؟
لا، الحجاج، الحجاج صحابي
طالب: وعكرمة؟
لا، لا، تابعي، عكرمة تابعي، لو كان صحابي ما قُبل فيه كلام أحد.
هنا يقول: الحديث التاسع أن الذين صدروا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحديبية كانوا ألفاً وأربعمائة، والذين اعتمروا معه في عمرة القضاء كانوا نفراً يسيراً، ولم يأمر الناس بالقضاء.
هذه أسئلة يقول: ما حكم القزع؟
ثبت النهي عنه، والأصل في النهي التحريم، وحقيقته حلق بعض الشعر وترك البعض.
يقول: وهل يختلف الحكم إذا كان تشبه بالكفار أم لا؟
هذا ثبت فيه النهي، ولو لم يكن فيه تشبه.(1/229)
وهذا من الكويت يقول: سنأتي للحج من الكويت على الطائرة لجدة من أين نحرم؟
إذا حاذيتم أول ميقات تمرون به.
السائل من اليمن يقول: حكم الذي يريد أن يصوم الست من شوال، وعليه أيام من رمضان لم يصمها، هل يصوم الست أم يبدأ برمضان؟
يبدأ برمضان، يبرأ من عهدة الواجب، ثم بعد ذلك يصوم الست.
يقول: هل الطواف الذي كان من عائشة -رضي الله عنها- قبل الوقوف بعرفة، أو بعده؟ فالحديث الذي ورد بالأمس، والذي قال لها فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أنه يكفيها لحجها وعمرتها.
عرفنا أن عائشة -رضي الله عنها- لما حاضت أدخلت الحج على العمرة، فصارت قارنة، فطافت طوافاً واحداً، ولم تتمكن من الطواف طواف العمرة؛ لأنها كانت حائض، فطوافها هذا وسعيها واحد لحجها وعمرتها، ثم بعد ذلك جاءت بعمرة مستقلة.
طالب: في بعض المشايخ يرى ومنهم الشيخ عبد العزيز الفوزان أن عائشة كانت تقضي ما عليها من الصيام في شعبان، وكأنها كانت تصوم الست وعليها قضاء.
أنت راجعت القاعدة وكلام ابن رجب في مثل هذا؟ إيه ابن رجب ذكر مثل هذا الكلام؛ لكن قال: يبعد أن عائشة لا تتنفل بشيء، هو ثبت أنها كانت، لا يكون عليها القضاء من رمضان فلا تتمكن لمكان النبي -عليه الصلاة والسلام- منها أن تقضي إلا في شعبان، الذين يقولون بجواز تقديم النفل على القضاء يقولون: يبعد أن تسمع عائشة الحث على الصيام والتنفل فيه، ثم تترك الست، وتترك يوم عرفة، وتترك عاشوراء؛ لأن عليها قضاء، ثم ما تصوم إلا في شعبان، القول الثاني المرجح: وهو أنها لا تتنفل حتى تقضي نعم أن العلة الموجودة التي تمنعها من القضاء تمنعها من التنفل، فهمت العلة التي منعتها من القضاء إلا في شعبان تمنعها من التنفل وإلا إيش معنى أنها تمنع من الفرض ولا تمنع من النفل؟ هذه حجة من يقول: بأنه لا يجوز، مع أدلة أخرى أن يتنفل الإنسان وفي ذمته فريضة؛ لأن البراءة من عهدة الواجب بلا شك أهم، والله تعالى أعلم.(1/230)