وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في حكم النحر خارج الحرم ، فذهب الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة إلى أنه لا يجزئ ، وذهب الإمام الطبري إلى الإجزاء، وقول الجمهور أحوط ، فلا ينحر المسلم إلا بالحرم ، سواء كان في منى أو مزدلفة أو في مكة ، كل هذا لا مانع منه .
قوله : « ومنى كلها منحر » :
حدود منى من الجهة الغربية العقبة ، ومن الجهة الشرقية وادي محسر عند الجمهور ، وعند طائفة أخرى المزدلفة ، ومن الجهة الشمالية والجنوبية الجبلان المرتفعان .
قوله : « ووقفت ها هنا وعرفة كلها موقف » :
وهذا من سماحة الشريعة ويسرها ، حيث لم يشق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته فيلزمهم بموقف معين ، بل وسع الأمر لهم وأذن لهم بالوقوف بعرفات في كل موضع منها ، والأفضل للمسلم في هذا اليوم أن يقف عند الصخرات لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأن يستقبل القبلة فلا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس فإن هذا اليوم يوم مشهود يباهي الله جل وعلا بعباده الملائكة ، ويكون الشيطان في هذا اليوم حقيراً ذليلاً لما يرى من سعة فضل الله على عباده وإحسانه عليهم ومغفرته لذنوبهم وتكفيره لسيئاتهم ، والوقوف بعرفة من حيث العموم ركن من أركان الحج على خلاف بين الفقهاء في مقدار الوقوف وفي بدايته ، فذهب جمهور العلماء إلى أن الوقوف بعرفة يبتدئ من زوال شمس اليوم التاسع ولا ينتهي إلا بطلوع الفجر من يوم النحر ، وذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أنه يبتدئ من طلوع الفجر ، ومن وقف قبل الزوال فقد صح وقوفه ، وذهب الإمام مالك رحمه الله إلى ركنية الجمع بين الليل والنهار ، وقد تقدم الإشارة إلى هذه القضية في الكلام على حديث جابر وقد سبق .
قوله : « وقفت ها هنا وجمع كلها موقف » :(1/80)
المراد ( بجمعٌ ) هنا المزدلفة ، فإن الناس يجتمعون فيها ، ومدة الاجتماع من بعد غروب الشمس إلى غياب القمر للمعذور ولغيره إلى أن يسفر جداً قبل أن تطلع الشمس ، والحديث صريح في عدم وجوب الوقوف عند المشعر الحرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « وجمع كلها موقف » فحيثما وقفت صح وقوفك .
والمراد بالوقوف هنا المكث والإقامة .
واختلف الفقهاء رحمهم الله في حكم المبيت بالمزدلفة ، أما المعذور فقد تواترت فيه الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يدفع بعد غياب القمر ، ويحدده بعض الفقهاء رحمهم الله بمنتصف الليل ، وأما غير المعذور فالراجح فيه أنه يجب عليه المبيت بالمزدلفة ، وبهذا قال الإمام أحمد رحمه الله ، أما الإمام أبو حنيفة فقال : إن المبيت بمزدلفة سنة وليس بواجب .
وذهب فريق ثالث من العلماء إلى أن المبيت بمزدلفة ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به ، وقد استدل أصحاب هذا القول بحديث عروة بن مضرس رضي الله عنه قال : قال رسول الله : «من شهد صلاتنا هذه ـ يعني بالمزدلفة ـ فوقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً ، فقد تم حجه وقضى تفثه». رواه أهل السنة وسيأتي وإسناده صحيح ، وهذا هو اختيار الإمام ابن خزيمة رحمه الله وفيه نظر . والحق أن الوقوف بمزدلفة واجب وليس بسنة ولا بركن ، وسيأتي إن شاء الله الكلام على هذه المسألة على حديث عروة بن مضرس .
695- وعن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى مكة دخلها من أعلاها ، وخرج من أسفلها . متفق عليه .
قال الإمام البخاري رحمه الله : حدثنا الحميدي ومحمد بن المثنى قال : حدثنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة .
وقال الإمام مسلم : حدثنا محمد بن المثنى حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام به.(1/81)
وجاء في الصحيحين من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله دخل مكة من كداء من الثنية العليا ، وكان يخرج من الثنية السفلى .
وقد قال بعض أهل العلم باستحباب هذا ، فيتقصد الدخول من الثنية العليا والخروج من الثنية السفلى .
وذهب بعض العلماء إلى أن هذا لا يستحب لأن هذا الفعل لم يقع تقصداً ، إنما هذا الفعل وقع من غير قصد ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا لأنه أسهل له ، ولذلك ذكر البخاري رحمه الله في صحيحه عن هشام بن عروة عن أبيه : أنه كان يدخل من كلتيهما . ولعل هذا القول أقرب إلى الصواب ، ولكن لو أن إنساناً أراد أن يتأسى بالنبي فدخل من الثنية العليا أجر على هذا ، فهناك فرق عند المحققين بين التأسي الخاص الذي هو السنة ، وبين التأسي العام .
696- وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ، ويذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم . متفق عليه .
قال البخاري رحمه الله : حدثنا مسدد قال : أخبرنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر .
وقال الإمام مسلم رحمه الله : حدثنا أبو الربيع الزهراني قال : حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر به .
والخبر يدل على استحباب الغسل عند دخول مكة ، وقد نقل الإمام ابن المنذر رحمه الله الإجماع على استحبابه ، وقد جاء عند الحاكم بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : من السنة أن يغتسل عند إحرامه وعند دخوله مكة ، وهذا الحكم عام بالعمرة والحج ، سواء قدم المعتمر أو الحاج من طريق المدينة أو من غيرها وقد استحب بعض الفقهاء دخول مكة نهاراً ، وذلك لأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يبيت بذي طوى حتى يصبح ، ثم يغتسل ويدخل مكة نهاراً .(1/82)
ولكن ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة ليلاً ، وذلك في عمرة الجعرانة ، وربما يكون دخوله مكة نهاراً من باب الموافقة لا من باب التقصد ، ولعل هذا أرجح ، لأن مجرد دخوله مكة نهاراً لا يدل هذا على الاستحباب ، ويؤيد هذا أنه في عمرة الجعرانة دخل مكة ليلاً ، والحديث دليل على حرص عبد الله بن عمر رضي الله عنهما على اتباع هدي رسول الله وقد حفظ رضي الله عنه سنية الاغتسال عند دخول مكة ، ولولا حفظ ابن عمر لهذه السنة لاندثرت، فلم يروها غيره ، وقد جاءت هذه السنة عن ابن عمر رضي الله عنهما فعلاً وقولاً فقد كان يغتسل ويحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل هذا .
وفي رواية الحاكم السابقة : جعل هذا من السنة . يعني سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
وإذا فات الغسل عند دخول مكة أو بذي طوى فلا مانع أن يغتسل فيما بعد ، وإذا شق الغسل أيضاً فلا مانع أن يعتاض عنه بالوضوء لأن المقصود من الغسل النظافة والتعبد لله جل وعلا ، وإذا لم يتيسر قام عنه الوضوء ، وإن لم يأخذ حكمه من كل وجه .
وأما إذا تعذر الوضوء فإنه يسقط حينئذٍ ولا يشرع التيمم .
697- وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه كان يُقبل الحجر الأسود ويسجد عليه.
هذا الخبر رواه الحاكم في مستدركه من طريق أبي عاصم النبيل عن جعفر بن عبد الله قال : رأيت محمد بن عباد بن جعفر قَبَّل الحجر وسجد عليه وقال : رأيت خالك ابن عباس قبل الحجر وسجد عليه .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : رأيت عمر بن الخطاب قبل الحجر وسجد عليه ، ثم قال عمر رضي الله عنه : هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ففعلت .
ولكن هذا الخبر معلول بعلتين :(1/83)
العلة الأولى : ذكر الحاكم رحمه الله في مستدركه أن جعفر بن عبد الله هو ابن الحكم ، وهذا وهم منه رحمه الله ، فإن المحفوظ أنه ابن عثمان كما صرح بذلك الدارمي في روايته ، ورجح هذا الحافظ ابن حجر في ( التلخيص ) وقد سبقه إلى هذا الإمام العقيلي رحمه الله .
والخبر رواه الشافعي ومن طريقه الإمام البيهقي عن سعيد عن ابن جريج عن أبي جعفر عن ابن عباس موقوفاً ، ورجاله كلهم ثقات ، وقد صرح ابن جريج السماع من أبي جعفر كما عند عبد الرزاق في ( المصنف ) .
العلة الثانية : الخبر المرفوع فيه اضطراب ، ذكر ذلك الإمام العقيلي وغيره من الحفاظ ، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في السجود على الحجر الأسود ، فجميع الأخبار الواردة في هذا الباب ضعيفة ومضطربة ، وإنما المحفوظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحجر الأسود ، وحفظ عنه أنه استلمه ، وحفظ عنه أيضاً أنه أشار إليه ، وأما الخبر المشهور أيضاً : أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّل الحجر الأسود وجعل يبكي فالتفت إلى عمر فإذا هو يبكي فقال : « يا عمر هنا تسكب العبرات » فإنه خبر منكر . رواه ابن ماجه وغيره .
والمحفوظ في السجود على الحجر أنه من فعل الحبر عبد الله بن عباس وقد اختلف العلماء في ذلك فذهب بعض أهل العلم إلى مشروعية السجود على الحجر الأسود ، وربما أن أصحاب هذا القول يرون صحة الأحاديث الواردة في هذا الباب. وذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أن السجود على الحجر الأسود بدعة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ، وما فعله خلفاؤه الراشدون إنما جاء هذا الفعل اجتهاداً من عبد الله بن عباس رضي الله عنهما .
والأقرب في هذا أنه لا يقال بأنه مستحب كما قاله بعض أهل العلم ، ولا يقال بأنه بدعة ، لأن ابن عباس فعله ، بل يقال بالجواز ، فمن فعله فلا شيء عليه ومن تركه فيقال : هذا أفضل .(1/84)
698- وعنه رضي الله عنه قال : أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم : أن يرملوا ثلاثة أشواط ، ويمشوا أربعاً ، ما بين الركنين . متفق عليه .
قال الإمام البخاري رحمه الله : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به .
وقال الإمام مسلم رحمه الله : حدثنا أبو الربيع الزهراني قال : حدثنا حماد بن زيد به .
والحديث يدل على مشروعية الرمل ، وبهذا قال جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة ، وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في ( فتح الباري ) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ليس بسنة ، إن شاء رمل وإن شاء ترك .
وقول الجمهور أصح ، فإن أقل الأمر بقوله : أمرهم رسول الله ، أن يُحمل على الاستحباب ، وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : ما لنا وللرمل ، رأينا المشركين وقد أهلكهم الله ، ثم قال : شيءٌ صنعه رسول الله لا نحب أن نتركه. رواه البخاري رحمه الله في صحيحه من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر به .
وقد ثبت أن رسول الله رمل في حجة الوداع ففي صحيح الإمام مسلم من طريق حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم قال : حتى إذا أتينا البيت استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً . فهذا الخبر يقتضي سنية الرمل وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر لإغاظة المشركين وإظهار قوة المسلمين ، وقد أذل الله الشرك وأهله ، فلا يدخل البيت الحرام مشرك أبداً ، فبقي الحكم سنة إلى يوم القيامة وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، إلا أن الرمل وهو المشي السريع مع مقاربة الخطى لا يكون إلا في طواف القدوم ، وأما ما عدا هذا فلا يُشرع فيه الرمل وقد نقل بعض أهل العلم الاتفاق على هذه القضية . والرمل لا يشرع إلا في الثلاثة الأُوَل.(1/85)
ولم يذكر عن امرأة من الصحابة أنها رملت ولا أن النبي صلى الله عليه وسلم رغبها بهذا أو جاء هذا عن أحد من الصحابة ، وكل الأحاديث الواردة والأخبار المأثورة تشهد أن هذا الحكم خاص بالرجال ، وقد نقل بعض الفقهاء الإجماع على هذا ، وهذا الرمل مستحب غير واجب ، واما كونه خرج بياناً لمطلق الأمر لقول الله جل وعلا : { وَلْيَطَّوَّفُوا } فلا يدل هذا على الإيجاب ، كما سبق تقرير هذه القاعدة . والله أعلم .
699- وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه كان يطوف بالبيت الطواف الأول ، خب ثلاثاً ومشى أربعاً .
وفي رواية : رأيت رسول الله إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت ويمشي أربعة . متفق عليه .
هذا الحديث غير موجود في بعض نسخ البلوغ ، ولكن الراجح إثباته ، وذلك لوجوده في أكثر النسخ ، خصوصاً النسخ القديمة ، ومن ثم شرحه العالم الصنعاني رحمه الله ودل على وجوده في نسخته ، وهي نسخة قديمة .
وهذا الخبر متفق على صحته ، قال الإمام البخاري رحمه الله : حدثنا محمد بن عبيد بن ميمون قال : حدثنا عيسى بن يونس عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما به .
وقال الإمام مسلم رحمه الله : حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة قال : حدثنا عبد الله بن نمير قال : حدثنا أبي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر به .
والحديث دليل على مشروعية الرمل في الأشواط الثلاثة الأُوَلْ ، وقد تقدم في حديث ابن عباس أنه يمشي بين الركنين ، وهذا في أول الأمر ، ثم نسخ بفعله في حجة الوداع ، وقد خب الثلاثة الأول كما في صحيح الإمام مسلم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ثم أتينا البيت فخب رسول الله ثلاثة أشواط ومشى أربعة .(1/86)
وقد تقدم أن الرمل مستحب عند الجمهور ، وأما الحبر عبد الله بن عباس فيقول إنه ليس بسنة ، من شاء رمل ، ومن شاء ترك ، والحق ما ذهب إليه الجمهور، وقد كانت بداية مشروعية الرمل بقصد إغاظة المشركين ، فحين قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة قال المشركون : يقدم عليكم محمد واصحابه قد وهنتهم الحمى وكان المشركون عكوفاً عند الحجر ، فأمر الرسول أصحابه أن يرملوا الثلاثة الأُول ليُرُوا المشركين قوتهم وجلدهم وأن يمشوا بين الركنين حين لا يراهم المشركون ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذا الفعل سنة إلى يوم القيامة ، وذلك حين رمل في حجة الوداع .
ونأخذ من هذا : مشروعية إغاظة المشركين ولو عن طريق العبادات ، فمثل هذا لا يسمى رياءاً ولا سمعة ، قال تعالى : { وَلاَ يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ } .
ونأخذ منه أيضاً : أن الرمل لا يُشرع إلا في طواف القدوم ، لقوله : أول ما يقدم .
ولذلك لم يرمل النبي صلى الله عليه وسلم بطواف الزيارة ، ولكن رمل في القدوم، فلو كان الرمل مشروعاً لكل طواف لرمل النبي صلى الله عليه وسلم في غير طواف القدوم ، وحد الرمل هو الإسراع مع مقاربة الخطى ، ويسقط الرمل في أوقات الزحام ، ويكتب له الأجر كاملاً إذا كان من نيته الرمل ، والرمل خاص بالرجال ، فليس على النساء رمل كما أنه ليس على النساء جري بالمسعى بين العلمين ، لأن هذا يؤدي إلى انكشاف العورة وإلى غير ذلك من المفاسد .
700- وعنه رضي الله عنه قال : لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت غير الركنين اليمانيين .
لقد اقتصر المؤلف رحمه الله في عزو هذا الحديث لمسلم ، وهذا الخبر قد اتفق الشيخان على تخريجه .
قال الإمام البخاري رحمه الله : حدثنا أبو الوليد قال : حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه به .(1/87)
وقال الإمام مسلم رحمه الله : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا الليث بن سعد به .
وكون النبي صلى الله عليه وسلم لا يستلم إلا الركنين اليمانيين لأنهما بنيا على قواعد إبراهيم عليه السلام ، وسميا يمانيين تغليباً ، وإلا فالحجر الأسود يسمى الشرقي وقد قال الإمام أحمد في مسنده : حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « استلام الركنين يحطان الذنوب » . وهذا إسناده صحيح .
وعطاء ابن السائب قد اختلط في آخر عمره ، ولكن رواية سفيان عنه قبل الاختلاط ، فالخبر صحيح .
ولا يقول شيئاً عند استلام الركن اليماني كما يفعل بعض الناس من قولهم : بسم الله ، أو الله أكبر ، السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستلم الركن اليماني ولا يقول شيئاً .
وأما الحجر الأسود فالسنة أن يقتصر على التكبير دون التسمية ، لأنها لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما جاءت من فعل ابن عمر ، والأحاديث الصحاح لم تذكر شيئاً في هذا عن رسول الله ، وإنما يقتدي المسلمون برسول الله ، قال تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } ، فبما أن رسول الله اقتصر على التكبير وتواتر الأمر عنه ، فالواجب الاقتصار على فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وأيضاً التكبير مرة واحدة خلافاً للجهال الذين يكبرون ثلاثاً وعشراً وأيضاً التكبير يكون عند المحاذاة ، وكلٌ بحسبه لا يشترط بلوغ الخط لأن هذا لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة ولا على عهد التاتبعين، إنما هو خط وضع اجتهاداً لا أصل له ، والعبرة بالمحاذاة وكل بحسبه، والتكبير عند الحجر الأسود سنة وليس بواجب ، وقد نقل غير واحد الإجماع على هذا .
701- وعن عمر أنه قبل الحجر وقال : إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك . متفق عليه .(1/88)
قال الإمام البخاري رحمه الله : حدثنا محمد بن كثير قال : حدثنا سفيان الثوري عن سليمان الأعمش عن إبراهيم عن عابس بن ربيعة عن عمر بن الخطاب به .
وقال الإمام مسلم رحمه الله : حدثنا هارون بن سعيد الأيلي قال : حدثنا ابن وهب عن عمرو عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن ابن عمر .
ورواه البخاري رحمه الله من طريق زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر .
ورواه مسلم من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر به .
قوله : [ قبَّل الحجر ] :
فيه استحباب تقبيل الحجر ، وأما البكاء عليه والسجود فقد تقدم أن الأخبار في هذا لا تصح ، وأنها كلها معلولة .
والحجر الأسود نزل من الجنة ، ولما نزل كان أشد بياضاً من اللبن فسودته خطايا أهل الإشراك كما جاء هذا عند الترمذي من حديث ابن عباس ، وقال : هذا حديث حسن صحيح .
قوله : [ إني أعلم أنك حجرٌ لا تضر ولا تنفع ] :
المعنى أراد أمير المؤمنين بهذا أن يوضح للداخلين في الإسلام وللجهال أن الأحجار لا تجلب نفعاً ولا تدفع ضراً ، ونحن لا نُقبل الحجر الأسود لأنه حجر ، وإنما نقبله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّلهُ تعبداً لله جل وعلا ، وإلا فتقبيل الأحجار غير مشروع وتعظيمها من الوثنية ، ولذلك قال أمير المؤمنين : ( ولولا ) ولولا حرف امتناع لوجود غيره [ ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك ] فلذلك طارت بهذه الكلمة الركبان وسارت مسير الشمس وانتفع بها أممم كبيرة وجموع غفيرة .
وفيه دقة نظر الصحابة رضي الله عنهم بمعرفة التوحيد ومعرفة غاياته ومقاصده.
702- وعن أبي الطفيل قال : رأيت رسول الله يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ، ويقبل المحجن . هذا الخبر رواه الإمام مسلم في صحيحه .
قال مسلم رحمه الله : حدثنا محمد بن المثنى قال : أخبرنا سليمان بن داود عن معروف بن خرَّبوذ عن أبي الطفيل .(1/89)
ورواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة كلهم من طريق معروف بن خربوذ ، وأبو الطفيل اسمه : عامر بن واثلة من صغار أصحاب رسول الله ، قيل إنه ولد عام أحد ، وأما وفاته فقد قيل إنه آخر الصحابة وفاتاً ، فقد توفي سنة عشر بعد المئة ، وقيل غير ذلك .
وقد جاء في الباب خبر ابن عمر عند الإمام مسلم من طريق أبي خالد الأحمر عن عبيد الله بن عبد الله عن نافع قال : رأيت عبد الله بن عمر يستلم الحجر بيده وقبل الحجر بيده وقال : لو لم أكن رأيت رسول الله يفعله ما فعلته .
والخبر يدل على مشروعية تقبيل ما مس الحجر من محجن أو يدٍ أو غيرها ، وهذا إذا لم يتيسر تقبيل الحجر ، وإلا فالمشروع أولاً تقبيل الحجر فإذا لم يتيسر شرع استلامه إما باليد أو بالعصا ونحو ذلك وشرع حينئذٍ تقبيل ما استلمته به ، فإن لم يتيسر أشير إليه إشارة ولا تقبل ما أشرت به ، ولا يُشرع تقبيل ما لم يمسه وإنما شرع تقبيل ما مسه تعظيماً للحجر الأسود لأنه نزل من الجنة ، وإلا فتقبيل الأحجار والعصي وما شابه ذلك فإنه غير مشروع وإنما المشروع تقبيل الحجر تعظيماً لله ، وتعظيماً لهدي رسول الله .
وقد جاء عن الإمام الترمذي رحمه الله : من طريق عبد الله خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحجر الأسود : « ليبعثنه الله يوم القيامة له لسان ينطق به وعينان يبصربهما ، يشهد على من استلمه بحق » أي : يشهد على من استلمه بحق دون أذية للآخرين ، ويكون أحد الشهداء الذين يستشهدون على أعمال العبد .
فيتلخص عندنا ثلاث مراتب للحجر الأسود :(1/90)
المرتبة الأولى : مشروعية تقبيله ولم يرد تحديد عدد للتقبيل ، فالأولى مرة واحدة ، إذا لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل أكثر من مرة لنقل إلينا ، والمشروعية تصدق بمرة واحدة ، كما إن الواجب يصدق فعله بمرة واحدة ما لم يدل دليل على قصد التكرار ، وأما السجود عليه أو البكاء فلم يثبت في هذا خبر كما تقدم تقريره .
المرتبة الثانية : استلامه باليد أو بالعصا ونحو ذلك ، وذلك إذا شق تقبيله فإنه لا يشرع للمسلم أن يزاحم الناس من أجل تقبيل الحجر ، لأنه ربما ارتكب محرماً بزحامه وأذيته للآخرين ليفعل سنة ، وهذا عين الجهل حيث يفعل المرء سنة ويرتكب محرماً ، فالفقيه كل الفقيه الذي يدع السنة لئلا يقع في المحرم .
أما المرأة فهي أشد من الرجال في هذه القضية فيجب عليها البعد عن مواطن مزاحمة الرجال ، خصوصاً عند استلام الحجر الأسود ، فنقول : إذا تعسر تقبيل الحجر الأسود استلمه بيده أو بعصا وقبّل ما استلمه به .
المرتبة الثالثة : الإشارة إليه بدون استلام ، وحينئذ لا يشرع له ولا يجوز له تقبيل ما أشار به إذا لم يستلمه ويقتصر مع الإشارة على التكبير مرة واحدة كما سبق ذكره ، والمشروع في التكبير عند المحاذاة وكل بحسبه ، فمن كان في نظره أنه حاذاه كبر . والناس يتفاوتون بالرؤية ، وهذا من الحكم التي يستحق عليها ربنا الحمد فإن في تفاوتهم بالرؤية والنظرة للاستقبال مما يعطي متسعاً لدفع الزحام ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، والاستلام والتقبيل والإشارة والتكبير كلها مستحبات فمن شق عليه شيء منها تركها ومضى .
703- وعن يعلى بن أمية قال : طاف رسول الله مضطبعاً ببرد أخضر .
هذا الخبر رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه من طريق سفيان عن ابن جريج عن ابن يعلى عن أبيه به . ورواه الترمذي في جامعه من طريق قبيصه عن سفيان عن ابن خريج عن عبدالحميد عن ابن يعلى به .
وقال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح ، وليس عند الترمذي ذكر (الأخضر).(1/91)
والخبر يدل على على مشروعية الاضطباع وللخبر شاهد رواه أبو داود في سننه من طريق حماد بن سلمة عن عبد الله بن خُثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عمرة الجعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم وقذفوا بها على عواتقهم اليسرى .
وهذا الخبر إسناده جيد ، وفي عبد الله بن خثيم اختلاف ، فقد وثقه جماعة وضعفه آخرون ، وقد صحح له الترمذي رحمه الله .
وهذا الخبر يدل على مشروعية الاضطباع في طواف القدوم ، فيجعل طرف إزاره الأيمن تحت إبطه الأيمن ويقذف به علىعاتفه الأيسر ، وهذا الاضطباع سنة وليس بواجب ، وينتهي الاضطباع بانتهاء الطواف ، فما يفعله بعض الناس من الاضطباع عند الركعتين وفي المسعى هذا خلاف السنة ، وكذلك يقع من بعض الجهال اضطباع عند الإحرام ، وهذا غلط وخلاف السنة ، فالسنة بالاضطباع أن يكون عند الطواف وينتهي بانتهائه .
وفي حديث الباب دليل على جواز الإحرام بالأخضر ، ويصح الإحرام بأي لون ، من أخضر وأحمر أو أسود ، ولكن الأفضل الإحرام بإزار ورداء أبيضين ، وقد تقدم عندنا حديث ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « خير لباسكم البياض وكفنوا فيها موتاكم » ، فخير لباس المرء البياض ، فيشمل هذا الحديث الإزار والرداء والثوب والعمامة وغير ذلك من الملبوسات ، اما المرأة فتلبس ما شاءت من الثياب ، فليس للمرأة ثياب خاصة تحرم بها إلا أن المرأة تجتنب ثياب الزينة التي تفتن الناضرين كما قال تعالى : { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } . فالواجب على المرأة أن تخفي زينتها الظاهرة كما تخفي زينتها الباطنة .
وقد أجمع العلماء رحمهم الله إلى أن الاضطباع خاص بالرجال ، واتفقوا على أن الرجل وكذا المرأة يحرمان بما شاءا من الثياب .(1/92)
704- وعن أنس رضي الله عنه قال : " كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه ، ويكبر منا لمكبر فلا ينكر عليه " . متفق عليه .
قال البخاري رحمه الله : حدثنا عبد الله بن يوسف قال : أخبرنا مالك عن محمد بن أبي بكر أنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان من منى إلى عرفة : ماذا كنتم تفعلون مع رسول الله في هذا اليوم ؟ فقال أنس : كان يُهل ... الحديث .
وقال مسلم رحمه الله : حدثنا يحيى بن يحيى قال : قرأت على مالك عن محمد بن أبي بكر به .
والخبر يدل على مشروعية التلبية والتكبير في يوم عرفات ، وقد ذكر بعض الفقهاء بأن التلبية تنقطع في هذا اليوم وهذا الحديث ردٌ عليه .
وفي الحديث دليل على أن التلبية لا تلزمك هذا اليوم فيقوم مقامها التكبير ، فإن المقصود في هذا اليوم تعظيم الله جل وعلا ، وهذا يحصل بالتكبير أو التلبية أو غير ذلك مما يعظم به الله جل جلاله .
قوله : [ فلا ينكر عليه ] :
في هذا دليل على أن الصحابة رضوان الله عليهم لا يقرون منكراً ، لأن أنساً رضي الله عنه احتج على جواز مشروعية التكبير والتلبية في هذا اليوم بأن الرجل كان يلبي ، وكان يهل ولا ينكر عليه إذ لو كان هذا الفعل غلطاً ومخالفاً للسنة لبادر الصحابة رضوان الله عليهم إلى الإنكار عليه .
فإن قال قائل : لعل الصحابة لم ينكروا رجاء إنكار النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع فعلهم ، فنقول في هذا نظر من وجوه :
الوجه الأول : لو سلمنا تسليماً جدلياً بأن الرسول الله لم يسمعهم فربنا يقول : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا(64) } .(1/93)
الوجه الثاني : لو سلمنا أيضاً في المقدمة الأولى فلا بد أن الصحابة رضي الله عنهم ، حصل عندهم أحد الأمرين : إما أنهم تيقنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع فسكتوا ، وإما أنهم تيقنوا من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمعه فأجمعوا على جواز هذا الفعل إجماعاً سكوتياً ، وإلا على الأقل لذهب بعض الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله منا المكبر ، ومنا المهل ، هل هذا جائز ؟ فلما لم يقع هذا الفعل علم اجماع الصحابة رضي الله عنهم بالسنة الإقرارية من رسول الله على جواز ذلك .
الوجه الثالث : أنه لا يوجد دليل أصلاً في النهي عن فعل أحد الأمرين في هذا اليوم بل كله جائز ، سواء لبى الإنسان أو سبح أو كبر أو هلل أو عظم أو مجد كل هذا جائز .
وفي الحديث دليل على اشتغال الصحابة رضي الله عنهم بالذكر في هذا اليوم فيشرع للمسلم في يوم عرفات أن يشغل نفسه بالذكر ، ولا يضيع لحظة من عمره بقيل وقال ، أو التفرج على الذاهبين كل هذا غلط ، السنة في هذا اليوم الاشتغال بذكر الله جل وعلا ودعائه .
705- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في الثقل أو قال : في الضعفة من جمع بليل " . متفق عليه .
قال الإمام البخاري رحمه الله : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس به .
قال الإمام مسلم رحمه الله : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا سفيان بن عينية ، قال : أخبرنا عمرو عن عطاء عن ابن عباس به .(1/94)
وفي الباب حديث ابن عمر في الصحيحين من طريق يونس عن الزهري عن سالم ، قال : كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقدم ضعفة أهله بليل فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة فيذكرون الله ما بدا لهم ثم يدفعون قبل الإمام ، وقبل أن يدفع الناس فمنهم من يقدم منى قبل الفجر ومنهم من يقدم بعد الفجر ، فإذا قدموا رموا الجمرة ، قال عبد الله : أرخص في أولئك رسول الله .
وفي الباب حديث أسماء في الصحيحين : " أنها رمت قبل الفجر ، وقالت : أذن رسول الله للظعن " .
وهذه الأخبار تدل على جواز دفع الضعفة من المزدلفة بليل ، وقد حدده بعض الفقهاء بمنتصف الليل ، والحق تحديده بغيبوبة القمر ، فإن أسماء كانت تقول: " لمولاها هل غاب القمر ، فإذا قال : لا ، قامت : تصلي فإذا صلت ساعة ، قالت : هل غاب القمر فلما قال : نعم ، دفعت " .
فالذي يظهر أن عند أسماء علماً بأن الدفع لا يجوز إلا بعد غيبوبة القمر ، سواء كان الوقت صيفاً أم شتاءً ، ويدفع مع الضعفة من كان تابعاً لهم ، وذلك للقاعدة : " يدخل الشيء ضمناً ، وتبعاً ما لم يدخل استقلالاً " .
فربما يكون التابع قوياً فلا مانع حينئذٍ أن يدفع مع الضعفة إذا كان تابعاً لهم . وفي الحديث دليل على وجوب المبيت بمزدلفة إذا لو لم يكن واجباً ، ما كان للرخصة معنى في حق الضعفاء ، وبوجوب المبيت بمزدلفة قال الإمام أحمد وإسحاق والشافعي وجماعة من الأئمة بل ذهب الإمام الشعبي إلى ركنية المبيت بمزدلفة ، وهذا اختيار الإمام ابن خزيمة ومال إليه ابن المنذر رحمه الله .
وذهب بعض العلماء إلى سنية المبيت بمزدلفة ، وفي هذا نظر وأحاديث الباب تدفع هذا القول إذا لو كان المبيت بمزدلفة سنة لما كان لترخيص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفاء قبل الدفع معنى ، فلما رخص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفاء علم عدم الترخيص للأقوياء .(1/95)
وفي حديث ابن عمر وأسماء دليل على جواز الرمي لمن قدم منى قبل أن يطلع الفجر ، وبهذا قال الإمام الشافعي وطائفة من أهل الفقه والنظر ، وذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه لا يرمي حتى تطلع الشمس مستدلاً بحديث ابن عباس : " لا ترموا حتى تطلع الشمس " . وسيأتي إن شاء الله بيان ضعفه ، وبقوله قال الجمهور : إلا إنهم جوزوا الرمي بعد طلوع الفجر ، ولو لم تطلع الشمس وأما قبل طلوع الفجر فيرون أن الرمي غير مجزي ، بل تجب الإعادة وحديث ابن عمر يدفع قولهم وإذا ضم إليه حديث أسماء وأنها رمت قبل الفجر عُلم حقيقة جواز الرمي قبل طلوع الفجر .
706- وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " استأذنت سودة رسول الله ليلة مزدلفة : أن تدفع قبله ، وكانت ثبطة ـ يعني ثقيلة ـ فأذن لها " . متفق عليه.
قال الإمام البخاري رحمه الله : حدثنا محمد بن كثير ، قال : حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم عن عائشة به .
وقال الإمام مسلم رحمه الله : حدثنا القعنبي ، قال : أخبرنا أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة به .
والخبر يدل على ما دل عليه حديث ابن عباس ، من جواز دفع الضعفة ليلاً من المزدلفة فقد استأذنت سودة وهي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم بأن تدفع ليلاً من المزدلفة فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم من أجل الحاجة ، فإن الحاجة تبيح المحظور ولم يذكر في هذا الخبر هل رمت حين دفعت أم لم ترمِ ، ولكن نأخذ الحكم من أحاديث أخرى كحديثي ابن عمر وأسماء وقد سبق ذكرهما .
والخبر يدل على وجوب المبيت بمزدلفة ليلة المزدلفة ، إذ لو لم يكن واجباً لما كان لاستئذان سودة معنى ، وقد يكون طلب سودة الأذن من النبي صلى الله عليه وسلم من باب استئذان الزوجة لزوجها ، فلا يفيد حينئذٍ الخبر وجوب المبيت بمزدلفة .
707- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال لنا رسول الله : « لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس » .(1/96)
يقول المؤلف رحمه الله : رواه الخمسة إلا النسائي وصوابه رواه الخمسة بدون استثناء ، فقد خرجه الإمام النسائي رحمه الله .
وكلهم قد رووه من طريق الحسن العُرني عن ابن عباس ، والعُرني لم يسمع من ابن عباس ، وقد رواه أحمد في مسنده والترمذي والطحاوي كلهم من طريق الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس به ، ورواته كلهم ثقات ، ولكنه معلول لم يسمع هذا الخبر الحكم من مقسم .
وله طريق أخرى طريق حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عباس ، وهو معلول بعلتين :
العلة الأولى : الاضطراب . والعلة الثانية : الشذوذ . فقد جاء خبر ابن عباس في الصحيحين من طرق وليس فيه : " لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس " .
كما أشار إلى هذا الإمام البخاري رحمه الله في التاريخ الصغير ، فقد أعل خبر ابن عباس وضعفه ، ورأى أنه لا تقوم به الحجة وهذا الحق بلا ريب فالخبر فيه اضطراب وفيه شذوذ ، وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري بأن للحديث طرقاً وحسنة بمجموعها وحمله على الندب ، وحمل الأحاديث الأخرى على الجواز وهذا الجمع صحيح لو صح الخبر ولكن الخبر منكر ، والحق جواز الرمي لمن دفع ليلاً من المزدلفة ، ولو كان الرمي ليلاً لا يجوز لبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا بياناً عاماً ، ولقال لهم : « ادفعوا ولكن لا ترموا » . وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز فإن هذا الأمر من المهمات التي يجب بيانها وتوضيحها، فلما لم يقع البيان من النبي صلى الله عليه وسلم علم أن الرخصة في الرمي ليلاً تبعت الرخصة بالدفع ، وهذا هو الذي فهمه عبد الله بن عمر وأسماء ولا يُعلم لهما مخالف .(1/97)
وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في حكم الرمي ليلاً فذهب إلى جوازه الإمام الشافعي رحمه الله ، وهو الحق الذي دلت عليه النصوص ، وذهب الإمام أبو حنيفة وأحمد إلى المنع ومن هؤلاء من جوز الرمي بعد الفجر ، ولو لم تطلع الشمس ومنهم من منع مطلقاً وقال : لا يرمي حتى تطلع الشمس لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا صحيح بالنسبة للأقوياء ، أما بالنسبة للضعفاء ومن دفع ليلاً ففيه نظر ، وقد تقدم جواز هذا للضعفاء ومن كان تابعاً لهم .
708- وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر ، فرمت الجمرة قبل الفجر ، ثم مضت فأفاضت " .
هذا الخبر رواه أبو داود من طريق ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به .
والضحاك بن عثمان : صدوق سيء الحفظ قد خرج له مسلم والأربعة ، وقد خولف في هذا الخبر فرواه الإمام الشافعي من طريق الدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه مرسلاً .
ورواه أيضاً حماد بن سلمة عن هشام فأرسله ، ذكر ذلك الطحاوي والخبر أنكره الإمام أحمد رحمه الله ، وقال : ابن القيم رحمه الله هذا خبر منكر ، وقال الإمام البيهقي : إسناده ضعيف ، وقال ابن التركماني : ضعيف الإسناد مضطرب المتن . وأما قول الحافظ : بأنه على شرط مسلم فهذا فيه نظر إذ أنه لا يلزم من تخريج الإمام مسلم لهؤلاء الرواة أن يكون الخبر على شرطه ، لأن الإمام مسلماً رحمه الله يروي بهذا الإسناد أحاديث مع انتفاء العلة عنها ، أما هذا الخبر فعلته ظاهرة جداً وترجيح إرساله جيد ، وفي متنه اضطراب وقد أنكره الأئمة فكيف يصح مع هذا أن يقال على شرط مسلم والخبر منكر .(1/98)
والخبر يدل على جواز دفع الضعفة ليلاً من المزدلفة وقد سبق ما يغني عن هذا. ويدل الخبر أيضاً على جواز الطواف بعد الرمي ليلاً ، وهذا المعنى صحيح فمن أذن له بالدفع ليلاً جاز أن يرمي ويطوف بالبيت ، وذهب بعض أهل العلم رحمهم الله إلى أنه إنما أذن له بالدفع والرمي دون الطواف ، وفي هذا نظر لأن صاحبه لم يذكر دليلاً ، وهل يجوز النحر ليلاً أم لا ؟ الأظهر المنع لأن النحر مقيدٌ بالنهار ، وهل يجوز التقصير لمن رمى ؟ الجواب : نعم يجوز له أن يقصِّر ويطوف بالبيت ويجعل النحر للنهار .
709- وعن عروة بن مضرس رضي الله عنه قال : قال رسول الله : « من شهد صلاتنا هذه يعني بالمزدلفة ـ فوقف معنا حتى ندفع ، وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجة وقضى تفثه » .
هذا الخبر رواه الخمسة من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عروة بن مضرس وعند أبي داود ، قال الشعبي : حدثنا عروة بن مضرس ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح وصححه الإمام الدارقطني وابن خزيمة وابن حبان والحاكم .
وقد احتج به الإمام الشعبي على ركنية المبيت بمزدلفة ، وهو اختيار ابن خزيمة وابن المنذر ووجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من وقف معنا بالمزدلفة وشهد صلاتنا هذه ( وهذا فعل الشرط ) وجواب الشرط فقد تم حجة فمفهومه أن من لم يقف بالمزدلفة ويشهد الصلاة فليس له حج وفي هذا القول نظر وذلك لوجوه :
الوجه الأول : أن الإمام أحمد نقل اتفاق الناس على خلاف هذا القول ، وأقره شيخ الإسلام رحمه الله في شرح العمدة .
الوجه الثاني : أن جواب الشرط لا يتحقق إلا بتحقق فعلي الشرط ، الأمر الأول : الوقوف بالمزدلفة ، والأمر الثاني : الوقوف بعرفات ، ولا يتحقق جواب الشرط إلا بانتفاء الأمرين معاً فعليه لا حجة في هذا الحديث على جعل الوقوف بالمزدلفة ركناً .(1/99)
الوجه الثالث : أن الحديث اشتراط شهود الصلاة ، وأهل العلم على خلاف ذلك وأصحاب هذا القول أيضاً لا يقولون بركينة شهود الصلاة ، إنما يشترطون موافات المزدلفة قبيل طلوع الشمس .
الوجه الرابع : أنه ثبت عن عمر بن الخطاب أنه صحح حج من لم يقف بالمزدلفة ، رواه سعيد بن منصور وصححه شيخ الإسلام ، وذكر شيخ الإسلام في شرح العمدة بأن عمر أيضاً لم يوجب عليه دماً أقول ، وهذا مبني على وجوب الدم لمن ترك واجباً .
الوجه الخامس : أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للظعن والضعفة أن يدفعوا ليلاً بالمزدلفة ، وأذن النبي صلى الله عليه وسلم لمن كان معهم أن يدفع فلو كان المبيت بمزدلفة ركناً لما جاز لتابع أن يدفع فإن العذر يسقط الركينة عن المعذور ، وأما التابع فلا عذر له بل مال شيخ الإسلام في شرح العمدة إلى أن المبيت بالمزدلفة سنة إلا لمن وافاها بليل فيكون المبيت عليه واجباً ، وأما من لم يأتها إلا مع الفجر أو أتاها بعد الفجر فليس عليه شيء وذلك للعذر .
قوله : « قد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه » :
احتج بهذا الإمام أحمد رحمه الله في إحدى الروايتين عنه ، أن الوقوف بعرفة يبتدئ من طلوع اليوم التاسع إلى طلوع الفجر من اليوم العاشر وخالفه بذلك الجمهور ، فقالوا : لا يبتدي الوقوف إلا بعد الزوال حتى قال ابن عبد البر : بالإستذكار وهذا بالاجماع .
وقد غفل رحمه الله عن خلاف الإمام أحمد في هذه القضية ، وعن أحمد رواية توافق قول الجمهور لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقف بعرفات إلا بعد الزوال وهذا أمر متواتر عنه .(1/100)
ونستفيد من الحديث أن الوقوف بعرفات يصحح الحج ولو كان قليلاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ليل أو نهار ، ولم يشترط مدة معينة والسنة للحاج أن يقف بعرفات حتى تغيب الشمس لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد قال : « لتأخذوا عني مناسككم » . والحديث في صحيح الإمام مسلم من حديث جابر ، وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في حكم الوقوف بعرفات إلى غياب الشمس ، فقال الإمام مالك رحمه الله : هذا ركن من أركان الحج ، لأنه لا بد أن يجمع بين الليل والنهار فلو دفع قبل غروب الشمس لبطل حجه عند الإمام مالك .
وقال الإمام الشافعي رحمه الله : إنه واجب ولا شيء على من دفع قبل الغروب واختار هذا الإمام النووي والشنقيطي في أضواء البيان ، وعن الشافعي بأنه سنة وليس بواجب .
وأما الإمام أحمد رحمه الله فيرى وجوب الوقوف بعرفات حتى تغرب الشمس ، ومن دفع قبل الغروب أثم وعليه الدم وحجه صحيح .
وأظهر هذه الأقوال أن الوقوف بعرفات إلى غروب الشمس يتراوح ما بين الوجوب والسنية ، وقد تقدم القول في هذا والعلم عند الله .
710- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس ، ويقولون : أشرق ثبير وإن النبي صلى الله عليه وسلم خالفهم فأفاض قبل أن تطلع الشمس " .
هذا الخبر رواه البخاري رحمه الله في صحيحه فقال : حدثنا الحجاج بن منهال ، قال : أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق السبيعي ، قال : سمعت عمرو بن ميمون يحدث عن عمر بن الخطاب به .
ورواه البخاري رحمه الله أيضاً من طريق سفيان عن أبي إسحاق السبيعي عن عمر بن ميمون به .
ورواه الترمذي وابن ماجه والإسماعيلي والطبراني وصححه ابن خزيمة .
قوله : [ إن المشركين كانوا لا يفيضون ... الحديث ] :(1/101)
في هذا دليل على أن المشركين كانوا يحجون ، وكانوا على إرث في الحج من إرث أبيهم إبراهيم ، وكلهم غيروا وبدلوا وألحدوا وحرفوا وكانوا لا يدفعون من المزدلفة حتى تطلع الشمس ، ويقولون أشرق ثبير : وهو جبل مرتفع إذا طلعت الشمس على الجبل أفاضوا من المزدلفة إلى منى وخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم فأفاض قبل طلوع الشمس لأن هدينا مخالف لهدي المشركين ، ومن ثم ألزم غير واحد من أهل العلم الدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس مخالفة لهدي المشركين المغيرين لدين إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم ، وقد جاء في مسند الإمام أحمد من طريق عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان قال : حدثنا حسان بن عطية عن أبي المنيب الجرشي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من تشبه بقوم فهو منهم» .
قال شيخ الإسلام رحمه الله في الاقتضاء إسناده جيد وظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم ، وأقل أحواله التحريم .
فهذا الخبر يؤيد تحريم الدفع من المزدلفة بعد طلوع الشمس إلا من كان له عذر فلا حرج عليه وإلا فالواجب على المسلم أن يدفع من المزدلفة قبل طلوع الشمس لأن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي الصحابة أجمعين .
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، أما بعد ...
فقد اطلعت على كتاب الحج من شرح بلوغ المرام وهو من كلامي وإملائي فلا مانع من نشره للاستفادة منه إلا أن هذا الشرح ليس مستوفياً لجميع أحاديث الحج من كتاب بلوغ المرام والعذر في ذلك منع إقامة الدروس فلعل الله أن يأتي بالفرج من عنده فنواصل الشرح فيخرج كاملاً .
كتبه : سليمان بن ناصر العلوان
في 20/12/1417هـ .
الفهرس
رقم الحديث ... الحديث ... رقم الصفحة
664 ... عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة » ... 3(1/102)
665 ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله ، على النساء جهاد ؟ . قال : « نعم ، عليهن جهاد لا قتال فيه : الحج والعمرة » . ... 5
666 ... وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال : يا رسول الله ، أخبرني عن العمرة ، أواجبة هي ؟ فقال : « لا ، وأن تعتمر خير لك » ... 8
667 ... وعن أنس رضي الله عنه قال : قيل : يا رسول الله ، ما السبيل ؟ . قال : « الزاد والراحلة ... 9
668 ... وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركباً بالروحاء ، فقال : « من القوم ؟ » ، فقالوا : من أنت ؟ فقال : « رسول الله». فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت : ألهذا حج ؟ قال : « نعم ولك أجر » ... 10
669 ... وعنه رضي الله عنه قال : كان الفضل ابن عباس رضي الله عنهما رديف رسول الله ، فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه ، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت : يا رسول الله ، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال : « نعم » . وذلك في حجة الوداع . متفق عليه ... 12
670 ... وعنه رضي الله عنه ، أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرت أن تحج ، فلم تحج حتى ماتت ، أفأحج عنها ؟ قال : « نعم ، حجي عنها ، أرأيت لو كان على أمك دين ، أكنت قاضيته ؟ اقضوا الله ، فالله أحق بالوفاء » . رواه البخاري ... 14
671 ... وعنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله: « أيما صبي حج ، ثم بلغ الحنث ، فعليه أن يحج حجة أخرى ، وأيما عبد حج ثم أعتق ، فعليه أن يحج حجة أخرى » ... 18(1/103)
672 ... وعنه رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله يخطب يقول : « لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم » ، فقام رجل فقال : يا رسول الله ، إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا ، فقال : « انطلق ، فحج مع امرأتك » . متفق عليه ... 20
673 ... وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول : لبيك عن شبرمة ، قال : « من شبرمة ؟ » قال : أخ لي ، أو قريب لي ، فقال : «حججت عن نفسك ؟ » ، قال : لا ، قال : « حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة » . ... 22
رقم الحديث ... الحديث ... رقم الصفحة
674 ... وعنه رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله فقال : « إن الله كتب الحج » ، فقام الأقرع بن حابس فقال : أفي كل عام يا رسول الله ؟ قال : « لو قلتها لوجبت ، الحج مرة ، فما زاد فهو تطوع » ... 23
675 ... عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وقتَّ لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم ، هن لهن ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج أو العمرة ، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ ، حتى أهل مكة من مكة. متفق عليه ... 26
676 ... جاء عند أبي داود والنسائي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم : "وقت لأهل العراق ذات عرق " ... 28
677 ... وقد جاء أيضاً عند الإمام أحمد وأبي داود والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم : " وقت لأهل المشرق العقيق " . ... 29
678 ... عن عائشة رضي الله عنها قالت : " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع ، فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحج وعمرة ، ومنا من أهل بحج ، وأهل رسول الله بالحج ، فأما من أهل بعمرة فحل عند قدومه، وأما من أهل بحج ، أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر " . متفق عليه ... 30(1/104)
679 ... عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ما أهل رسول الله إلا من عند المسجد . متفق عليه . ... 33
680 ... وعن خلاد بن السائب عن أبيه رضي الله عنهما أن رسول الله قال : « أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال ». ... 34
681 ... وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل . ... 36
682 ... وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله سُئل : ما يلبس المحرم من الثياب ؟ قال : « لا يلبس القميص ، ولا العمائم ، ولا السراويلات ، ولا البرانس ، ولا الخفاف ، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ، ولا تلبسوا شيئاً من الثياب مسهُ الزعفران ولا الورس » . متفق عليه ... 38
683 ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أطيب رسول الله لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت . متفق عليه . ... 40
684 ... وعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه ـ في قصة صيده الحمار الوحشي وهو غير محرم ـ قال : فقال رسول الله لأصحابه ـ وكانوا محرمين « هل منكم أحد أمرهُ أو أشار إليه بشيء ؟ » قالوا لا ، قال : « فكلوا ما بقي من لحمه » . هذا الخبر متفق عليه . ... 43
685 ... وعن الصعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه أنه أهدى لرسول الله حماراً وحشياً وهو بالأبواء ، أو بودان ، فرده عليه وقال : « إنَّا لم نرده عليك إلا أنا حُرم » . هذا الخبر متفق على صحته . ... 44
686 ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله: « خمس من الدواب كلهن فواسق ، يقتلن في الحل والحرم : العقرب ، والحِدَأة ، والغراب ، والفأرة ، والكلب العقور » . متفق عليه . ... 46
687 ... وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم . متفق عليه . ... 48
رقم الحديث ... الحديث ... رقم الصفحة(1/105)
688 ... وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : حُملتُ إلى رسول الله والقُملُ يتناثر على وجهي ، فقال : « ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى ، أتجد شاة ؟ » ، قلت : لا ، قال : « فصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع » . هذا الخبر متفق عليه ... 49
689 ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما فتح الله تعالى على رسول الله مكة قام رسول الله في الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: « إن الله حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وإنها لم تحل لأحد من قبلي ، وإنما حلت لي ساعة من نهار ، وإنها لن تحل لأحد بعدي ، فلا ينفر صيدها ولا يختلى شوكها ، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد ، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين » . فقال العباس : إلا الإذخر يا رسول الله فإنا نجعله في قبورنا وبُيوتنا ، فقال : « إلا الإذخر » . متفق عليه . ... 50
690 ... وعن عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه أن رسول الله قال : « إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها ، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ، وإني دعوت في صاعها ومُدِّها بمثل ما دعا به إبراهيم لأهل مكة» . متفق عليه . ... 55
691 ... وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله : « المدينة حرامُ ما بين عير إلى ثور » . ... 57
692 ... وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج فخرجنا معه ، حتى إذا أتينا ذا الحليفة ، فولدت أسماء بنت عميس فقال : « اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي ... » الحديث . ... 58
693 ... وعن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من تلبيته في حج أو عمرة سأل الله رضوانه والجنة واستعاذ برحمته من النار . ... 73(1/106)
694 ... وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله : «نحرت ها هنا ومنى كلها منحر ، فانحروا في رحالكم ، ووقفت ها هنا وعرفة كلها موقف ، ووقفت ها هنا وجمع كلها موقف » . رواه مسلم . ... 73
695 ... وعن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى مكة دخلها من أعلاها ، وخرج من أسفلها . متفق عليه . ... 76
696 ... وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ، ويذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم . متفق عليه . ... 76
697 ... وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه كان يُقبل الحجر الأسود ويسجد عليه. ... 77
698 ... وعنه رضي الله عنه قال : أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم : أن يرملوا ثلاثة أشواط ، ويمشوا أربعاً ، ما بين الركنين . متفق عليه . ... 79
رقم الحديث ... الحديث ... رقم الصفحة
699 ... وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه كان يطوف بالبيت الطواف الأول ، خب ثلاثاً ومشى أربعاً .
وفي رواية : رأيت رسول الله إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت ويمشي أربعة . متفق عليه . ... 80
700 ... وعنه رضي الله عنه قال : لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت غير الركنين اليمانيين . لقد اقتصر المؤلف رحمه الله في عزو هذا الحديث لمسلم ، وهذا الخبر قد اتفق الشيخان على تخريجه . ... 81
701 ... وعن عمر أنه قبل الحجر وقال : إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك . متفق عليه . ... 82
702 ... وعن أبي الطفيل قال : رأيت رسول الله يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ، ويقبل المحجن . هذا الخبر رواه الإمام مسلم في صحيحه . ... 83
703 ... وعن يعلى بن أمية قال : طاف رسول الله مضطبعاً ببرد أخضر . ... 85(1/107)
704 ... وعن أنس رضي الله عنه قال : " كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه ، ويكبر منا لمكبر فلا ينكر عليه " . متفق عليه . ... 86
705 ... وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في الثقل أو قال : في الضعفة من جمع بليل " . متفق عليه . ... 88
706 ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " استأذنت سودة رسول الله ليلة مزدلفة : أن تدفع قبله ، وكانت ثبطة ـ يعني ثقيلة ـ فأذن لها " . متفق عليه . ... 90
707 ... وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال لنا رسول الله : « لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس » . ... 90
708 ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر ، فرمت الجمرة قبل الفجر ، ثم مضت فأفاضت " . ... 92
709 ... وعن عروة بن مضرس رضي الله عنه قال : قال رسول الله : « من شهد صلاتنا هذه يعني بالمزدلفة ـ فوقف معنا حتى ندفع ، وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجة وقضى تفثه » . ... 93
710 ... عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس ، ويقولون : أشرق ثبير وإن النبي صلى الله عليه وسلم خالفهم فأفاض قبل أن تطلع الشمس " . ... 95
الفهرس ... 97(1/108)