تحفة الأيّام في فوائد
بلوغ المرام
للشيخ /سامي بن محمد الصقير-حفظه الله تعالى-
باب نواقض الوضوء
باب قضاء الحاجة
باب الغسل وحكم الجنب
اعداد الفقير إلى عفو ربّه
أبو عبّاد الشمالي
{باب نواقض الوضوء} الجمعة 13/7/1423هـ
75-عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال:كنت رجلاً مذّاء،فأمرت المقداد أن يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ،فسأله،فقال"فيه الوضوء"متفق عليه،واللفظ للبخاري.
مذّاء:هذه صيغة مبالغة.
س-لماذا خصّ واختار علي المقداد؟
ج-لأنه صاحبه،وكانا يتناوبان هو وإياه بأخذ العلم من النبي - صلى الله عليه وسلم - .
الفوائد:
1- المذي ناقض للوضوء.
2- جواز التوكيل في الفتوى،ولكن يُشترط في الوكيل أن يكون ثقةً عارفا.
3- لا عذر للإنسان في ترك السؤال حياءً.
4- جاء في رواية مسلم وأحمد وأبي داود "يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ"،فنقول:يُغسل الذكر والأنثيان من المذي.
س/هل غسل الذكر والأنثيين من المذي،هل هو لإزالة النجاسة أو الطهارة؟
ج/غسلهما طهارة حتى لو لم يصبهما شيء،قال أهل العلم:والحكمة من غسل الذكر والأنثيين أن فيه تبريد للشهوة،ولا سيّما إذا كان الماء بارداً. (بعض الفوائد من شرح الشيخ-حفظه الله-على المنتقى)
76-عن عائشة-رضي الله عنها-أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَبَّل بعض نسائه،ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ.أخرجه أحمد وضعفه البخاري.
يدل الحديث على أن مسّ المرأة بشهوة وبغير شهوة لا ينقض الوضوء،وجه ذلك:أن تقبيل الرجل للمرأة لا يكون إلا بشهوة.
77-عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا،فأشكل عليه:أخرج منه شيء،أم لا؟فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أويجد ريحاً".أخرجه مسلم.
#هذا الحديث فيه قواعد من قواعد الإسلام:
? أن اليقين لا يزول بالشك،تؤخذ من"فأشكل عليه"هذا شك.
? أن اليقين يزول باليقين(الطاريء)تؤخذ من"حتى يسمع صوتاً.....".(1/1)
? أن الأصل بقاء ما كان على ما كان،تؤخذ من"فلا يخرجن".
الفوائد:
1- أن الإنسان إذا شك في الطهارة،فالأصل بقاء الطهارة،فلو غلب على ظنّه أنه أحدث فلا يعمل به.
2- فيه دليل على أن الإنسان لا ينبغي له أن يلتفت إلى الشكوك،لقوله"فلا يخرجن..".
3- النهي عن الخروج من الصلاة إذا شك بالطهارة في الصلاة.
*قوله - صلى الله عليه وسلم - :"فلا يخرجن"هل النهي للتحريم أم للكراهة أم للإرشاد ؟
الجواب:هذا يختلف:إذا كانت الصلاة فريضة،فالنهي للتحريم.وإن كانت الصلاة نفل،فالنهي للكراهة.
*يستثنى من الخروج من النفل:مثل الحج والعمرة،فإن نفلهما كفرضهما،لا يجوز الخروج منها.
78-وعن طلق بن علي - رضي الله عنه - قال:قال رجل:مسست ذكري،أو قال:الرجل يمس ذكره في الصلاة....."أخرجه الخمسة...
79-وعن بسرة بنت صفوان-رضي الله عنها-أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"من مسّ ذكره فليتوضأ".أخرجه الخمسة........
المسّ:لابدّ أن يكون بدون حائل.
أعليه:أي يجب عليه الوضوء؟
بضعة:القطعة.
الفوائد:
1-جواز الحركة في الصلاة للحاجة،لقوله"يمس ذكره في الصلاة".
#والحركة في الصلاة خمسة أقسام:
أ)حركة واجبة:وهي كل حركة يتوقف عليها صحة الصلاة.
ب)حركة محرمة:وهي الكثيرة،المتوالية،لغير ضرورة.
ج)حركة مكروهة:وهي اليسيرة،لغير حاجة.
د)حركة مستحبة:وهي التي يتوقف عليها فعل حركة مستحبة،مثل:خرج من الصف،فتتحرك لتذهب مكانه.
هـ)حركة جائزة(المباحة):هي اليسيرة للحاجة.
*س- حركته من أجل إغلاق الجوال؟! الجواب:حركته إما واجبة أو مستحبة.
2- يؤخذ من حديث طلق أن مسّ الذكر لا ينقض الوضوء.
3- حسن تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛لأنه قرن الحكم بالعلة،وقرْن الحكم بالعلّة له فوائد:
? بيان سموّ الشريعة.
? إمكان القياس إذا كانت العلة متعدية.
? أن فيه زيادة في الطمأنينة.
? انتفاء الحكم بانتفاء العلّة.
? ظهور اسم الحكيم.
* خلاف العلماء في نقض الوضوء من مسّ الذَكر:(1/2)
ق1)أنه ناقض للوضوء،استدلوا بحديث بسرة.
ق2)أنه غير ناقض للوضوء،استدلوا بحديث طلق. وهو الراجح.
ق3)أنه إن مسّ ذكره بشهوة انتقض وضوءه وإن كان بغير شهوة فلا ينقض.
# من العلماء من سَلَك مسلك النسخ:
1- حديث بسرة ناسخ لحديث طلق؛لأن طلق جاء والنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يبني المسجد،وحديث بسرة متأخر
# ومن العلماء من سَلَكَ مسلك الترجيح:
فمن العلماء من رجّح حديث بسرة:
1/لأنه أصحّ. 2/ولأنه ناقل عن الأصل،وما كان ناقلاً عن الأصل مقدّم. 3/ولأنه أحوط. 4/أن العلماء الذين صححوه أكثر.
#ومن العلماء من سَلَكَ مسلك الجمع: أنه لا معارضة؛لأنه بالجمع يكون إعمال للحديثين:
أ ) لأن الأمر في حديث بسرة للاستحباب والنفي في حديث طلق نفي الوجوب.
ب ) أو أن يُحمل الأمر في حديث بسرة إذا كان المسّ بشهوة،وحديث طلق بدون شهوة؛لأنه قال"يمسّ ذكره في الصلاة"،ومستحيل أن يمسّ الرجل ذَكَره في الصلاة بشهوة،وأنه قال"بضعة منك"أي كالأذن والأنف وغيره.
* مسّ المرأة لِذَكَر ابنها الصغير:لا ينقض الوضوء.
# ظاهر الحديث:من مسّ الأنثيين،فلا ينتقض وضوءه.
# وظاهر الحديث:أن من مسّ دُبُرَه،فلا ينتقض،لكن ورد حديث في رواية"من مسّ فرجه فليتوضأ"والفرج يُطلق على القُبُل والدُّبُر.
# وظاهر الحديث:أن من مسّ ذكر غيره،فلا ينتقض وضوءه،لكن على الحديث أنه ينقض بشهوة؛لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر هذا من باب الغالب.
80- عن عائشة-رضي الله عنها-أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ......".أخرجه ابن ماجة....
هذا الحديث ضعيف سنداً،شاذ متناً.
شاذ متناً؛لأنه مخالف لحديث"من فسا في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة".ومخالف لحديث أبي هريرة،وهو"إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً،فأشكل عليه.............".أخرجه مسلم. رقم(77)في البلوغ.
القيء:هو خروج الطعام أو الشراب من المَعِدة.(1/3)
الرعاف:هو خروج الدم من الأنف أو الخيشوم.
القلس:هو خروج الطعام من المَعِدة ملء الفم،والغالب عقب التَجَشِي.
المذي:معروف،وقد مرّ بنا،وهو السائل اللّزِج الرقيق الذي يخرج عند تحرّك الشهوة.
# القيء:الصحيح أنه لا ينقض الوضوء،سواء الخاج قليل أو كثير. #والقلس:من باب أولى أنه لا ينقض الوضوء.
# الرعاف:لا ينقض الوضوء على الصحيح؛لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إحتجم ثم صلّى،وإن خرج من أي مكان إلاّ إن خرج من السبيل،فإن خرج من السبيل فينقض.
# المذي: ناقض للوضوء،لحديث علي - رضي الله عنه - .
* القَيْح والصديد وغيره لا ينقض الوضوء؛لأن الناقض هو ما يخرج من السبيل،سواء طاهر أم نجس.
81- عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - :أتوضأ من لحوم الغنم؟قال:"إن شئت"قال:أتوضأ من لحوم الإبل؟قال:"نعم".أخرجه مسلم.
أتوضأ:بمعنى الاستفهام(أأتوضأ). والهمزة تأتي لمعاني:
1/للتقرير،مثل قوله تعالى:(ألم نشرح لك صدرك).
2/للإنكار: أ )إما بطلاناً،مثل قوله تعالى:(أَشَهِدوا خلقهم). ب) وإما توبيخ،مثل قوله تعالى:(قل أغير الله أبغي رباً).
3/للتعجّب،مثل قوله تعالى:(ألم تر إلى ربك كيف مدّ الظل).
4/للاستبطاء،مثل قوله تعالى(ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم.......).
5/للأمر،مثل قوله تعالى(...أأسلمتم قالوا أسلمنا...).
الغنم:ليس له واحد من لفظه،وجمعه أغنام،وسمي غنماً: لأنه لا يستطيع أن يدافع عن نفسه،فيصبح غنيمة إذا هُوجِم. ويدخل فيه الماعز.
الإبل:مؤنث وهو واحد من لفظه،وجمعه إبال. ولا فرق بين أن يكون نيئاً أو مطبوخاً.
# في هذا الحديث وجوب الوضوء من لحم الإبل،وهذه المسألة فيها خلاف:
ق1)المذهب: أنه ناقض للوضوء،وهو مذهب أكثر أهل الحديث،قال الإمام أحمد-رحمه الله-:فيه حديثان صحيحان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث جابر وحديث البراء.(1/4)
وهو من مفردات الإمام أحمد-رحمه الله-لأنه انفرد بهذا القول عن الأئمة الثلاثة-رحم الله الجميع-.
ق2)قول الأئمة الثلاثة:أنه لا ينقض الوضوء،وهو أحد قولي ابن تيمية،وهو قول الجمهور،واستدلوا:بحديث جابر - رضي الله عنه - :"كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مسّت النار".وأجابوا عن الحديثين: (1)قالوا:الوضوء هو غسل الفم واليدين،وهذا ضعيف؛لأن الألفاظ الشرعية تُحمل على الحقائق الشرعية،والحقيقة الشرعية للوضوء هي غسل الأعضاء الأربعة. (2)وقالوا:أن هذا الحديث ناسخ لأحاديث الأمر بالوضوء،والصحيح أنه ليس بمنسوخ.
# فأكل لحم الإبل ناقض للوضوء؛لسببين: أ/لأنه مما مسّته النار،فإذا انتفت هذه العلة بقي العلة الأخرى وهي: ب/أنه لحم إبل.
وحديث جابر حديث عام وحديث جابر بن سمرة خاص،والقاعدة:(أن العام لا ينسخ الخاص).
س-هل جميع أجزاء الإبل ينقض الوضوء أم لا؟هذه المسألة فيها خلاف:
ق1)المشهور من المذهب:أنه خاص بالهبْر،والدليل:أنه لو قال رجل:اشتري لي لحم إبل،فأتى له بكرش وكَبِد وطحال،فهذا ليس بلحم؛لأنك لو أتيت له بهذا قال لك:أين اللحم؟!
ق2)رواية عن الإمام أحمد-رحمه الله-:أن جميع أجزاء الإبل ينقض الوضوء،فكل ما حَمَلَ خُفّ البعير،فهو ينقض.
? فاللحم في الشريعة هو جميع الأجزاء،والدليل قوله تعالى:(...أو لحم خنزير...).
? ولا يوجد حيوان في الشريعة تتبعّض أجزاءه.
? وأيضاً قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :"توضؤوا من ألبان الإبل". فاللحم من باب أولى.وهو الصحيح.
* مسألة الوضوء من ألبان الإبل:هذه المسألة فيها خلاف:
ق1) أنه لا يتوضأ،لأن الحديث عن اللحم،وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر العرنيين أن يشربوا من ألبان وأبوال الإبل،ولم يأمرهم بالوضوء.
ق2)يجب الوضوء،لحديث:"توضؤوا من ألبان الإبل" لكن نقول:هذا الحديث ضعيف،وإن كان صحيحاً فالوضوء مستحب.(1/5)
* هل يتوضأ من المرق الذي فيه لحم الإبل؟الجواب:لا يجب الوضوء إلاّ إذا ظهر الطَّعم في المَرَق.
س-هل يصح أن يقتدي مَن يرى وجوب الوضوء من لحم الإبل بمَن لا يرى وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل؟
الجواب: يجوز؛لأن المسألة اجتهاد،فمثلاً:يجوز للحنبلي أن يصلّي خلف الشافعي إذا أكل لحم الإبل،فالحنبلي يقول أنه ينقض،والشافعي يقول أنه لا ينقض. فالحنبلي يرى صحّة صلاة الشافعي؛لأن المسألة اجتهاد.
الفوائد:
1- وجوب الوضوء من لحم الإبل.
2- لا يجب الوضوء من لحم الغنم،بل هو مستحب لقوله:"إن شئت".
3- جواز تجديد الوضوء،من قوله:"إن شئت"،وكما في البخاري من حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ لكل صلاة.(أو بمعنى الحديث)وهو مستحب.
لكن هل يكون التجديد لمن صلّى للوضوء السابق أم لا؟هذه المسالة فيها خلاف:
ق1)وهو الصحيح،أنه يجدّد إذا صلى للوضوء السابق،وإن صلى نافلة.
ق2) بعض العلماء يرى أنه يجدد الوضوء ولو ما صلى للوضوء.
س- هل يُقاس الطواف على ذلك؟ اشترط الفقهاء أنه للصلاة.
س- هل يُقاس على الغُسل والتيمم؟ لا يُقاس؛لأنه لم يرد.
82-عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"من غسَّل ميتاً فليغتسل،ومن حمله فليتوضأ".أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وحسّنه،وقال أحمد:لا يصح في هذا الباب شيء.
هذا الحديث ضعيف من حيث السند،ومنكر والنكارة تتعلق:"ومن حمله فليتوضأ"،أما قوله:"من غسّل ميتا فليغتسل" توجد أحاديث أخرى،وهو حديث عائشة-رضي الله عنها-في أبي داود:"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل من غسل الميت". ولمّا توفي أبو بكر - رضي الله عنه - غسّلته زوجته،فسألت الصحابة وكان يوم بارد،فقالوا:لا.
المُغسّل:هو من باشر الغسل لا من ساعده،فهذا الذي يجب عليه الغسل.(1/6)
س-ما هي الحكمة من الاغتسال من غَسل الميت؟الجواب:أن غاسل الميت قد يصيبه نوع من الخوف والرهبة والضعف والخَوَر،فشُرِع له ان يغتسل لذهاب ذلك،وهذه علّة وضعوها والله أعلم.
الفوائد:
1- مشروعية غسل الميت،لكن تُؤخذ هذه الفائدة من حديث عائشة.
2- الغُسُل من غَسل الميت ليس بواجب على الصحيح؛ أ- لأن هذا الحديث ضعيف. ب- وأن فيه نكارة. ج- وحديث امرأة أبي بكر هو الصارف عن الوجوب.
3- "من حمله فليتوضأ":بعض العلماء قال:من أجل أنه إذا وصل المسجد يكون جاهزاً للصلاة عليه.
83-عن عبدالله بن أبي بكر:أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم:"أن لا يمسّ القرآن إلاّ طاهر".رواه مالك مرسلاً،و وصله النسائي وابن حبّان،وهو معلول.
# هذا الحديث كتبت شرحه في رسالة مستقلة وسميّتها بـ { الباهر في بعض فوائد حديث لا يمسّ القرآن إلاّ طاهر } .
انتهيت منها يوم السبت 2/رجـ7ــب/1424هـ.
84-عن عائشة-رضي الله عنها-قالت:كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحيانه.رواه مسلم،وعلّقه البخاري.
ذكر المؤلف-رحمه الله-هذا الحديث في هذا الباب:ليُبيّن أن ذكر الله لا تُشترط له طهارة.
# ذكر الله له معنيان: 1- معنى عام:هو يشمل ذكر القلب واللسان والجوارح.
2- معنى خاص:هو النطق باللسان،وهو التسبيح والتهليل وقراءة القرآن وغيره.
س- ما صفة ذكر الله بالقلب؟
يكون بالتفكّر والتأمّل والإنابة والتوكّل،فهذا كلّه من ذكر الله.
س- ما صفة ذكر الله بالجوارح؟
أي باليد أو الرّجِل،ذكر الله باليد:مثل رمي الجمار وغيره.ذكر الله بالرِّجِل:مثل من يمشي في طاعة إلى المسجد أو عيادة المريض،ومثل الركوع والسجود والقيام والقعود،فهذا ذكر بالجوارح.فكل شيء يقرّب إلى الله فهو ذكر لله. والصلاة جامعة لكل شيء،الجوارح واللسان والقلب وكذلك أيضاً الحجّ.
تابع الحديث
الفوائد:(1/7)
1- استحباب إدامة ذكر الله،وأنفع ما يكون من الذكر قراءة القرآن؛لأن فيها منفعة للقلب.
وحافظ على درس القرآن فإنه يُليّن قلباً قاسياً مثل جَلْمَدِ
* الأذكار الشرعية،منها ما هو مقيّد:
أ / بزمن،مثل:أذكار الصباح والمساء.
ب/ بسبب،مثل:الذكر عند دخول المسجد أو دخول الخلاء أو رؤية الهلال وغيره.
ج/ أذكار مطلقة غير مقيّدة كالاستغفار.
85-عن أنس - رضي الله عنه - :أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وصلّى،ولم يتوضأ.أخرجه الدارقطني،وليَّنَه.
الحجامة:هي إخراج الدم على صفة مخصوصة يعرفها الحجّامون.
# وأتى المؤلف-رحمه الله-بهذا الحديث:ليبيّن أن خروج الدم من أي مكان لا ينقض الوضوء إلاّ ما خرج من السبيلين.،وهذا الحديث يُضَعِّف حديث عائشة-رضي الله عنها-.فمن قال أنه ينقض الوضوء فهذا ليس عنده دليل،وجمهور العلماء:قالوا أن ما يخرج من السبيلين ينقض الوضوء.
وإن لم يصح الحديث،فعندنا الأصل وهو براءة الذمة.
86-عن معاوية - رضي الله عنه - قال:فال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"العين وكاء السَّه،فإذا نامت العينان استطلق الوكاء".رواه أحمد والطبراني.
# العين تُطلق على أشياء كثيرة:
1- العين الباصرة،وهو المقصود في الحديث. 2- العين،وهي عين الماء. 3- الذهب. 4- الجاسوس. 5- يُطلق على الشيء المعيّن.
وكاء:بمعنى رباط،قال - صلى الله عليه وسلم - "اعرف وكاءها" يعني رباطها.ومعنى الحديث هنا:أنه ما دام يَقِظاً يتحكّم في مقعدته فهي مربوطة بالوكاء(وهي العين)فإن نام فلا يعلم.
السَّه:حلقة الدّبُر. يعني أن العين رباط حلقة الدّبُر.
* يُستفاد من الحديث:الاستعارة وهو استعمال اللفظ في غير ما وُضِعُ له.
87-وزاد:"ومن نام فليتوضأ"وهذه الزيادة في هذا الحديث عند أبي داودمن حديث علي دون قوله"استطلق الوكاء"وفي كلا الإسنادين ضَعْف.
# المؤلف-رحمه الله-ذكر هذا الحديث والذي قبله؛لأنه يتعلّق بالنوم هل هو ناقض للوضوء أم لا؟
فوائد الحديثين:(1/8)
1- أن الريح ينقض الوضوء،تُؤخذ من "وكاء السّه".
2- أن النوم ناقض للوضوء،فهل النوم ناقض للوضوء أم لا؟ هذه المسألة فيها خلاف:
ق1)أنه ينقض مطلقاً. ق2)أنه لا ينقض مطلقاً. ق3)المذهب:أنه ينقض إلاّ إذا كان يسيراً عُرفاً من قاعد وقائم.والنوم اليسير:
ا-هو الذي يعرف الكلام الذي حوله. ب-العرف. ج-ما لم يَرَ رؤيا فيه.
* وظاهر كلام الفقهاء:أن السكران ينتقض وضوءه.
ق4)أن مدار النوم الناقض هو الذي يكون الإنسان متمكناً من نفسه،إن كان يشعر بنفسه لا ينقض،وإن كان لا يشعر بنفسه نُقِضَ وضوءُه،وبهذا تجتمع الأدلّة،وهو قول شيخ الإسلام-رحمه الله-.
# استدل أصحاب القول الأول:بحديث صفوان بن عسّال - رضي الله عنه - أنه قال:" كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا كنّا سفراً.............".(حديث رقم 66).
# استدل أصحاب القول الثاني:بحديث أنس أنهم كانوا ينتظرون العِشاء حتى تخفق رؤوسهم.
# استدل أصحاب القول الثالث:بحديث صفوان وحديث أنس.استدلوا لقولهم:(من قاعد)بحديث أنس:"تخفق رؤوسهم"أي وهم جالسون،فلا تخفق رؤوسهم وهم واقفون.
88-ولأبي داود أيضاً عن ابن عباس مرفوعاً:"إنما الوضوء على من نام مضطجعاً".وفي إسناده ضعف أيضاً.
هذا الحديث ضعيف.
89-عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"يأتي أحدكم الشيطان في صلاته،فينفخ في مقعدته.....".أخرجه البزّار.
أي يأتي أحدكم الشيطان في صلاته بالشكوك.
90-وأصله في الصحيحين من حديث عبدالله بن زيد - رضي الله عنه - .
91-ولمسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - نحوُه.
92-وللحاكم عن أبي سعيد مرفوعاً:"إذا جاء أحدكم الشيطان،فقال:إنك أحدثت.فليقل:كذبت".وأخرجه ابن حبّان بلفظ:"فليقل في نفسه".
* قوله:"إنك أحدثت":أي يقول الشيطان أي في نفسه يوسوس له.
الفوائد من الأحاديث:
1- أن الشيطان يأتي للإنسان في الصلاة.
2- بيان عداوة الشيطان للإنسان؛لأنه يُفسد عليه العبادة.(1/9)
3- يستفاد من حديث(89):أن اليقين لا يزول بالشك،لقوله:"...فإذا وجد ذلك فلا ينصرف...".
علاج الوسواس:أن ندفعها قبل وقوعها،ونرفعها بعد وقوعها.ندفعها بالالتجاء إلى الله عز وجل بالدعاء وبالأذكار وبالاستعاذة،ونرفع الوسواس قبل الوقوع بالالتجاء إلى الله وأن نلْهو عنه،أي عن الوسواس.
# يُستفاد من حديث رقم(92):أن الشك تارة يُلتفت إليه،وتارة لا يُلتفت إليه،ولا يلتفت إليه في ثلاث حالات:
أ / إذا كان الشك بعد الفراغ من العبادة.
ب / إن كان الإنسان كثير الشكوك،يشك في كل عبادة.
ج / إذا كان مجرّد وَهم.
- - -
وبهذا انتهى - باب نواقض الوضوء - يوم الإثنين 1/8/1423هـ
أسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح
{باب قضاء الحاجة} الاثنين 1/8/1423هـ
الآداب:جمع أدب. والأدب هو: ما يُحْمَد الإنسان عليه من قول أو فعل.
قضاء الحاجة:المراد به البول والغائط، وعبّر به بالحاجة؛لأن الأشياء هذه يُستحيا من ذكرها،ولم يقل باب البول والغائط.
ويوجد من المصنفين من يعبّر بباب الاستنجاء.ومنهم من يعبّر بباب الاستطابة.ومنهم من يعبّر بآداب دخول الخلاء،مأخوذ من قوله:"إذا دخل أحدكم الخلاء".
والآداب هنا: 1- آداب قولية. 2- آداب فعليّة.
93-عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال:كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء وضع خاتمه.أخرجه الأربعة وهو معلول.
قوله:(وهو معلول):العلّة:هي وصف في الحديث يوجب ردَّه وألاّ يُقبَل،سواء في المتن أو في السند.
إذا دخل:إذا أراد الدخول،وتوجد رواية البخاري:"إذا أراد أن يدخل".
الخَلاء:هو الموضع المُعدّ لقضاء الحاجة.
الخِلا:هو عيب في الإبل،كالحِرَان بالنسبة للخيل أي بَرَك ولم يقم.
الخلى:الحشيش الرّطب.
سمي خلاءً: 1- لأن الإنسان يخلو عن الناس. 2- ولأنه يتخلّى فيه من البول والغائط.
الفوائد: 1- جواز لبس الخاتم،وهذه المسألة فيها خلاف:
أ ) سنّة؛لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلبسه.(1/10)
ب) سنّة لمن كان له سُلْطة؛لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لبسه؛لأن ملوك الفرس وغيرهم لا يقبلون الرسائل إلاّ التي عليها ختم .
ج ) مباح. والصحيح:أنه سنة لمن احتاج إليه.
من الفوائد:2- عدم دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله.
94-وعنه:كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء قال:"اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث".أخرجه السبعة.
اللهم:أصلها يا الله،لكن حُذِفت ياء النداء وعوّض عنها بالميم،ويُقال:يا اللهم. #اللهم:منادى مبني على الضم في محل نصب.
*لفظ(اللهم)يَرِد لثلاثة معاني:-
أ-أن تكون للنداء،كقولك:اللهم اغفر لي،يعني:يا الله.
ب-أن تَرِد في جواب السؤال تمكيناً من ذهن السامع كالتوكيد،كقولك:أزيد حاضر؟فتقول:اللهم نعم.
ج-أن ترد على نُدْرة الوقوع،يعني:أن هذا الشيء نادر،مثل قول مثلاً الفقهاء:وهذا حرام،اللهم إلاّ للمضطر.
أعوذ:ألتجيء وأعتصم،يُقال:عاذ ولاذ،فمعنى عاذ أي التجأ واعتصم.
الخبْث: يُقال الخبْث،ويُقال الخُبُث.
الخبْث بالسكون:هو الشر،والخبائث:النفوس الشريرة.هذه الرواية أعمّ.
الخبُث بالضمّ:هم الشياطين أي ذكران الشياطين،الخبائث:إناث الشياطين.
والعَوْذ من الشرّ:هو اللَّوْذ للوصول إلى المطلوب.
الفوائد:
1-افتقار النبي - صلى الله عليه وسلم - لله عز وجل؛لأنه كلن يستعيذ بالله،فهو واحد من خلقه.
2-أن النفوس الشريرة تأوي إلى الأماكن الخبيثة.
3-مشروعية قول هذا الذكر عند دخول الخلاء.
#إذا كان في البريّة،قال العلماء:عند آخر خطوة قبل أن يجلس.
#رجل دخل الخلاء،ونَسِيَ أن يقول هذا الذكر،فماذا يفعل؟ هذه المسألة فيها خلاف:
ق1)سنة فات محلّها،وهو الراجح.
ق2)من العلماء من يقول ارجع وقل الذكر.
4-استحباب قول"بسم الله"قبل هذا الذكر عند دخول الخلاء؛ لحديث علي - رضي الله عنه - وهو:"ستر ما بين عورات بني آدم والشياطين إذا دخل الكنيف أن يقول بسم الله".(1/11)
5-ظاهر الحديث:أن الإنسان لا بدّ أن ينطق باللسان عند الذكر لقوله:"إذا دخل الخلاء قال:.......".
#ظاهر الحديث:ق1)أن هذا الحديث يُقال سواء دخل الخلاء لقضاء الحاجة أو لدخول فعل عمل،وهذا هو القول الأول.
ق2)بعض العلماء قال:أن تُقال عند قضاء الحاجة فقط؛لحديث علي - رضي الله عنه - :"ستر ما بين عورات بني آدم والشياطين إذا دخل الكنيف أن
يقول:بسم الله"؛لأن الشياطين تتسلّط على بني آدم عند كشف العورة.
95-وعنه قال:كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل الخلاء،فأحمل أنا وغلام نحوي إداوةً من ماء وَعَنَزَةً،فيستنجي بالماء.متفق عليه.
نحوي:المراد به:ق1)قيل:مُتقارب لي في السنّ.
ق2)وقيل:يعني نحوي في الخدمة.
#قيل الغلام هو:عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ،وعلى احتمال أنه عبد الله بن مسعود فلا يَرِد المراد الأول؛لأن ابن مسعود كان عمره ثلاثون عاماً،وأنس عمره عشرون عاماً عند موت النبي - صلى الله عليه وسلم - ،فيكون المراد الثاني وهو نحوي في الخدمة.
فالمعنى في الاحتمال الأول:أن كل واحد يحمل شيء.
والمعنى على الاحتمال الثاني:أن كل واحد يحمل مرّة.
إداوة:إناء صغير من جلد.
من:بمعنى في،فهي ظرفية،مثل قوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة)يعني للصلاة في يوم الجمعة.
العَنَزَة:هي الحربة الصغيرة،وهي عصا في طرفها حديدة مطروقة كأنها شوكة.
يستنجي:الاستنجاء هو:أن يزيل الخارج من السبيلين بالماء. والاستجمار هو:أن يزيل الخارج من السبيلين بالأحجار.
الفوائد:
1-جواز استخدام الأحرار،وأن الخدمة لا تختص بالعبيد؛لأنه عليه الصلاة والسلام خدمه أنس وابن مسعود على قول.
2-جواز الاستعانة بالغير في وسائل الوضوء،وهذه المسألة ذكرناها في حديث رقم(37).
#والاستعانة بالغير في الطهارة تنقسم إلى أقسام:
أ/ استعانة في إحضار الماء،هذا جائز مالا يخشَ المِنَّة.(1/12)
ب/ استعانة بالغير في صبّ الماء، ق1)جائز،وهو الصحيح،والدليل:حديث المغيرة أنه صبّ الماء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ق2)مكروه. ق3)خلاف الأَولى.
ج/ استعانة في توضِئَتِه،مثل:يا فلان غسّل رجلي،فإن كان لعذر فلا بأس وإن كان لغير عذر أي لغير حاجة فهو مكروه؛لأن الوضوء عبادة والعبادة الأفضل أن يُباشرها بنفسه.
من الفوائد: 3-كان من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يحمل العَنَزَة،وحمل العَنَزَة له فوائد:
? يدفع فيه الصائل من حيوان أو إنسان.
? أنه يعلقه ويحمل عليها المتاع.
? تَسْتُرَهُ عند قضاء الحاجة،يضع عليها.
? أنها سترة في الصلاة،وهذا في حديث ابن عمر؛لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رَكَزَ العنزة وصلًى.
? يحرث بها الأرض الصلْبَة من أجل البول لا يرجع إليه عند التبوّل.
4-ينبغي للإنسان أن يكون مُتَأهب للطهارة.
5-جواز الاقتصار على الاستنجاء بالماء،والمراتب في تطهير الخارج من السبيلين:
أ- أن يقتصر على الاستنجاء،وهذا في الحديث الذي معنا.
ب- أن يقتصر على الاستجمار،وهذا في أمره لابن مسعود - رضي الله عنه - أن يأتيَ له بثلاثة أحجار.
ج- أن يجمع بينهما،يستجمر أولاً ثم يستنجي ثانياً،وهو أكملها.
96-وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال:قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"خذ الإداوة"،فانطلقَ حتى توارى عنِّي،فقضى حاجته.متفق عليه.
توارى:اختفى واستتر،ومنه قوله تعالى{وإذا بُشِّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسوداً وهوكظيم - يتوارى من القوم من سوء ما بُشِّر....}.
الفوائد:
1-جواز استخدام الأحرار.
2-فضيلة المغيرة بكونه يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - .
3-أمر الخادم أو من استعدّ للخدمة،لا يُعدُّ من المسألة المذمومة؛لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال"خذ الإداوة"لأن هذا الرجل هيّأَ نفسه وأعدَّ نفسه لهذا العمل.
4-ينبغي لمن أراد أن يقضي حاجته أن يتوارى ويستتر.
# والاستتار نوعان:(1/13)
أ ) استتار بجميع البدن،وهذا كمال.
ب)ستر العورة،وهذا واجب.
# الحكمة من الاستتار:
أ / أن الإنسان إذا كان قريباً ربما ظهرت عورته.
ب/ حتى لو تمكّن من ستر جميع بدنه،ربما يؤذي غيره بالرائحة.
ج / أن الناس يستكرهون ذلك ويعدّونه من سوء الأدب.
97-عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"اتقوا اللَّعَّانَيْن:الذي يتخلّى في طريق الناس أو ظلّهم".رواه مسلم.
اتقوا:أصل التقوى:(وَقْوَى)وهو أخذ وقاية من عذاب الله بفعل الأوامر واجتناب النواهي،وقالوا:التقوى هي:أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله،وأن تترك المعصية على نور من الله تخاف عقاب الله.
*إن أُضيفت التقوى إلى غير الله:فهو اتخاذ وقاية فقط.
طريق:سمي طريق لأن الناس تطرقه.
الفوائد:
1-تحريم التخلِّي في طريق الناس أو في ظلِّهم،وهل هذا الفعل كبيرة من الكبائر أم صغيرة من الصغائر؟الجواب:هو كبيرة من الكبائر؛لأنه قال:"اللَّعَّانَيْن".
#ظاهر الحديث:سواء كان الطريق واسع أم ضيّق؛لأنه ربما يؤذيهم بالرائحة،وربما يلوّث الناس إذا وِطئوا عليه،وأيضاً الظلّ يحرم هذا الفعل في الظلّ لما سبق.
#بعض العلماء-رحمهم الله-قال:إذا كان الناس يجلسون للغيبة،فيجوز أن يتخلّى في هذا المكان،لكن هذا ليس بصحيح بل ينصحهم،ولا تُقَابَل المفسدة بالمفسدة.
#لو بالَ في جانب الطريق،كطريق المسافرين،فلا بأس.
من الفوائد:2-دليل على أن المتسبِّب كالمباشر،والمتسبّب حكمه حكم المباشر،وإذا اجتمع متسبّب ومباشر يضمن المباشر؛لأنه هو الذي باشر الإتلاف،إلاّ في مسألتين:
أ ) إذا كانت المباشرة مبنية على السبب.
ب) إذا كان المباشر لا يمكن تضمينه،فهنا الضمان يكون على المتسبِّب.
مثال الأول:لو أن رجلين شَهِدا على شخص بالسرقة،فقطع الحاكم يده،أمر الحاكم الجلاّد أن يقطع يدهُ فقطعها،ثم قال الشاهدان:نحن عمدنا أن نقطع يده.(1/14)
الآن مَن الذي باشر الإتلاف؟!الذي باشر الحاكم أو الجلاّد،والذي تسبّب هما الشاهدان،فنقول:هنا الضمان على المتسبّب لا على المباشِر؛لأن المباشرة هنا بُنِيَت على السبب.
مثال الثاني:لو ألقى رجل شخصاً في زُبْيَة أسد(أي حفرة فيها أسد)رماهُ فيها،فالتهمه الأسد وأكله،هل الضمان على الأسد لأنه باشر؟!أو يكون الضمانعلى الدافع؛لأنه تسبَّب؟! فنقول:الضمان على الدافع وهو الرجل،ولا نقول على المباشر؛لأن المباشر هنا لا يمكن تضمينه،فلا يمكن أن نقول للأسد أعطنا ديَّة الرجل.
*إذا وجدت شخص يتغوّط في الطريق هل تلعنُه؟ الجواب:لا تلعنُه،لا تلعن على سبيل التعيين،بل يلعن على سبيل العموم.
98-زاد أبو داود،عن معاذ:"والموارد":[ولفظه::"اتقوا الملاعن الثلاثة:البراز في الموارد،وقارعة الطريق،والظلّ"].
99-ولأحمد عن ابن عباس:"أو نقع ماء"وفيهما ضعف.
الموارد:هي الأماكن التي يَرِدُها الناس.
نقع الماء:أي مستنقع الماء،النقع في الأصل:هو ما يخرج من البئر من غير عمل،البئر إذا كانت مليئة بالماء فما يخرج منها،أو ما يفيض منها من الماء يُسمّى نقعاً،ثم أُطلق على كلّ مستنقع.
#إن كان المراد البول في نفس الماء،فهذا فيه مفسدتان: 1) إفساد الماء. 2) تنجيس الماء.
#وإن كان المراد بنقع الماء،يعني ما حولَه،فهذا فيه مفسدة واحدة وهي:إيذاء الناس.
100-وأخرج الطبراني النهي عن قضاء الحاجة تحت الأشجار المثمرة،وضفّة النهر الجاري.من حديث ابن عمر بسند ضعيف.
تحت الأشجار المثمرة:مفهومه أنه تحت الأشجار غير المثمرة يجوز.
المثمرة:ظاهره سواء يُؤكل(مثل التفاح والتين والنخل وغيره)أو لا يُؤكل(مثل الأثل له ثمرة تُسمّى القَرَظ).
#قوله:{تحت الأشجار المثمرة}هل يجوز بعد قطف الثمرة أو قبل أن تخرج؟الجواب:لا يجوز؛لأنه يوجد الظلّ.الحكمة من ذلك:
أ )أن فيه تلويث الثمر؛لأن الثمر يتساقط.
ب)فيه إيذاء لمن يقصد الثمر.(1/15)
ونهى عن التبوّل في ضفّة النهر الجاري:لأنه يؤذي من يُرِد إليه.
? تحريم التبوّل والتغوّط في كل مكان يتأذّى الناس فيه،يؤخذ من هذا الحديث إن صحَّ،وإن لم يصحّ توجد الآية وهي قوله تعالى{إن الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا......}.
101-عن جابر - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"إذا تغوّط الرجلان فليتوار كل واحد منهما عن صاحبه،ولا يتحدثا،فإن الله يمقت على ذلك".رواه وصححه ابن السكن،وابن القطان،وهو معلول.
الرجلان:هنا من باب التغليب،لكن يدخل في ذلك المرأتان.
المقت:هو أشدّ الغضب.
الفوائد:
1-النهي عن التغوّط والتبوّل وكل واحد منهما يتحدّث إلى صاحبه.
*إن كانا يتحدثان وينظر كل واحد منهما إلى عورة الآخر،فهو حرام.وإن كانا يتحدثان وبينهما حائل،فهو منهي عنه؛لأنه يقتضي طول المُكث .
2-المشروع لمن يقضي الحاجة أن يبتعد،لقوله"فليتوار"،والابتعاد أو الاستتار نوعان:
? واجب:بحيث لا تنكشف العورة ولا تُرى.
? مستحب:بحيث يستتر كليّاً.
3-النهي عن التحدث حال قضاء الحاجة،لقوله:"ولا يتحدثا"،ولأن التحدث حال قضاء الحاجة يستلزم طول المُكث،وظاهر الحديث:"ولا يتحدّثا"سواء كان أحدهما يرى الآخر أو لا يراه،فالتحدّث حال قضاء الحاجة منهي عنه وإن كان لا يراه.
4-فيه دليل على إثبات المقت لله سبحانه وتعالى،وهو أشدّ البُغض،وهو بمعنى السَّخَط،وهي ثابتة بالكتاب والسنة:قال الله تعالى:{كَبُرَ مقتاً عند الله}،
وقال تعالى{وَغَضِبَ الله عليهم}وقال تعالى{فجزاءه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه...}.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"إن الله يُبغِض الفاحش البذيء" وقال عليه الصلاة والسلام:"اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك" وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي:"إن رحمتي سبقت غضبي".(1/16)
#فهذه الصفات تُثبَت لله تعالى على وصف الكمال،وعلى وجه يليق بالله سبحانه وتعالى. المعطِّلة فسّروا البغض لله بأنه الانتقام أو إرادة الانتقام،أو العقوبة أو العذاب،ففي قوله تعالى{غضب الله عليهم}أي انتقم منهم أو عاقبهم أو عذّبهم،وهذا تفسير باطل من وجوه:
أ- أنه مخالف لظاهر اللفظ،مخالف لظاهر النصوص،إذ أن ظاهر النصوص{وغضب الله عليهم}أنه غضب حقيقي يليق بالله تعالى.
ب-أنه مخالف لتفسير السلف ولإجماعهم،إذ أنهم فسروا الغضب بأنه الغضب.
ج-أن تفسير الغضب بالانتقام أو بإرادة الانتقام ليس عليه دليل صحيح.
د-أن الله تبارك وتعالى غَايَرَ بين الغضب وبين الانتقام،فقال{فلما آسفونا}أي أغضبونا{انتقمنا منهم}فجعل الانتقام نتيجة للغضب.
# فائدة:قال الله تعالى:{فلما آسفونا انتقمنا منهم}آسفونا أي أغضبونا،والأَسَف في اللغة له معنيان:
1 /الغضب.
2 /الحُزُن،وهذا لا يجوز على الله؛لأنها صفة نقص،فكل صفة نقص فإن الله منزّه عنها،ومن ذلك قول الله تعالى عن يعقوب عليه الصلاة والسلام:{وقال يا أسفى وابيضّت عيناه من الحزن وهو كظيم}.
- - -
102-عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول،ولا يتمسّح من الخلاء بيمينه،ولا يتنفّس في الإناء".متفق عليه واللفظ لمسلم.
لا:ناهية. * يمسكّن:المسك أشدّ من المسّ؛لأن المسك مسك وزيادة.
وهو يبول:أي كونه حال تبوّله.
اليمين:باليد اليمنى، ق1)قيل:مأخوذ من اليُمن وهو البركة. ق2)وقيل:من القوة؛لقوله تعالى{لأخذنا منه باليمين}.
لا يتمسّح:لا يستنجِّ،يعمّ القُبُل والدّبُر أي البول والغائط.
لا يتنفّس:لا يُخرج نفسه من جوفه في الإناء،ظاهر الحديث: سواء كان طعاماً أو شراباً.
الفوائد:
1-النهي عن مسّ الذكر باليمين حال البول،واختلف العلماء هل النهي للتحريم أم للكراهة:(1/17)
ق1)جمهور العلماء:للتنزيه والكراهة؛لأنه متعلق بالآداب،وكل ما تعلّق بالآداب فإن النهي يكون من باب التنزيه يعني مكروه.
ق2)مذهب الظاهرية:للتحريم؛لأن الأصل في النهي التحريم؛لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا يمسنّ"والأصل في النهي التحريم.
# (وهو يبول):مفهومه أنه لو كان لا يبول يجوز المسّ أي يمسّ ذكره،وهذا فيه خلاف:
ق1)من العلماء من قيّد النهي في حال البول للحديث"وهو يبول".
ق2)ومن العلماء من قال:إنه عام،وعلّلوا ذلك بأمرين:
أ أنه جاء في بعض روايات الحديث الإطلاق:"لا يمسنّ أحدكم ذكره بيمينه".
ب أنه إذا نُهي في مسّ الذكر باليمين في حال البول مع أنه ربما احتاج إلى ذلك في حال تبوّله،ففي غير حال البول من باب أولى، والاحتياط ألاّ يمسّه.
من الفوائد:2-النهي عن الاستنجاء باليمين،ويدخل في ذلك الاستجمار؛لأن قوله:"ولا يتمسّح"وهذا يعمّ الاستنجاء والاستجمار،وتدخل المرأة في ذلك،
والحكمة من النهي:إكراماً لليمين،وأن الله شرّفها،وكرّمها الله قَدَراً وشرعاً.
كرّمها قَدَراً: أ-أنها أقوى من اليسار. ب-وأن اليمنى بها العمل أي يصافح ويأكل بها.
وكرّمها شرعاً:كما في هذا الحديث.
3-النهي عن التنفّس في الإناء،والحكمة من ذلك أمران:
أ /قد يَشْرَق؛لأن الماء أو الأكل داخل للجَوْف،والهواء خارج من الجَوْف،فيتصادم النَّفَس مع الشيء الداخل،فيحصل الشَرَق.
ب/قد يُقَذّرُه،ويُقزّزُه على من يكون بعده،فربما يكون في هذا الرجل أمراض مزكوم أو مُصاب بمرض،فربما انتقل المرض والقاذورات في الإناء،فقذّرَه على من بَعْدَه.
# ظاهر الحديث:سواء المتنفّس في الإناء يستعمل الإناء لوحدِه أو لغيره؛لعموم الحديث.لكن من نَظَر إلى العلّة سيقول أنه يُقزّزُه على من بعدَه،قال هذا خاص فيما إذا كان سوف يشرب أحد بعده،لكن تبقى العلّة الأولى وهي الشَّرَق سواء سيشرب أحد بعده أم لا.
0000000000000000000000000000000000000(1/18)
103-عن سلمان - رضي الله عنه - قال:لقد نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"أن نستقبل القبلة بغائط أو بول،وأن نستنجي باليمين،أو أن نستنجي بأقلّ من ثلاثة أحجار،أو أن نستنجي برجيع أو عظم".رواه مسلم.
* هذا الحديث له مناسبة وهي أن رجلاً من المشركين قال لسلمان - رضي الله عنه - :لقد علّمكم رسولكم كل شيء؟قال - رضي الله عنه - :نعم.علّمنا كل شيء حتى الخِراءة،ثم ذكر الحديث.وإنما المشرك قال هذا الكلام استهزاءً،وفي هذا دليل على شمول الشريعة،وأنها شاملة لكل شيء.
النهي:هو طلب الكفّ على وجه الاستعلاء.
القبلة:هي الكعبة،وفي الأصل هي الوجه،وصارت علماً بالغلبة على الكعبة، *الاستقبال:هو مواجهة الشيء.
الرجيع:الرّوث،وسمي بذلك:لأنه رجع عن حالته الأولى.وظاهر الحديث:سواء كان طاهراً أم نجساً؛لعموم قوله:"برجيع".
الرَّوث الطاهر:هو روث ما يؤكل لحمه. والروث النجس:هو روث الذي لا يؤكل لحمه.
أو عظم:سواء كان طاهراً أم غير طاهر.والعظم الطاهر:هو أ ) عظم ما ميتته طاهرة كالسمك. ب ) أو المذكاة كبهيمة الأنعام.
س-لماذا سمّيت الكعبة قبلة؟الجواب:لأن الناس يستقبلونها في صلاتهم.
# لماذا النهي بأقلّ من ثلاثة أحجار في الاستنجاء؟
الجواب:لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"من استجمر فليوتر"والأقلّ من ثلاثة لا يُنقي،والأكثر من ثلاثة يُنقي.
*الحكمة من النهي عن الاستجمار بالروث(وهو الرجيع):
? الروث إما أن يكون طاهراً:هذا أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه طعام لدواب الجن،ففيه إفساد وتلويث عليهم.
? وإن كان الروث نجساً:فالنجاسة لا تزيد المحلّ إلاّ نجاسة،وأن النجاسة لا تصلح أن تكون محلاًّ للتطهير.
*الحكمة من النهي عن الاستجمار بالعظم:
? إما أن يكون طاهراً:فهو طعام أو زاد إخواننا من الجنّ،كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم يجدون كل عظم أوفر ما يكون لحماً.(1/19)
? وإن كان العظم نجساً:(وهو ما لا يؤكل لحمه،وعظم غير المُذكاة)فهذا ليس من الحكمة أن يُتخذ وسيلة للطهارة؛للتضادّ بين الطهارة والنجاسة،هذا نجس ويريد أن يتطهر به.
الفوائد:
1-النهي عن استقبال القبلة حال قضاء الحاجة،وهذا عام لظاهر الحديث.
2-احترام الكعبة؛لأن الحكمة من ذلك إكرامها واحترامها.
3-جواز استقبال القبلة في حال الاستنجاء أو الاستجمار،خلافاً للمشهور من المذهب فهم يقولون:أنه مكروه؛لأنها محلّ إكرام وتشريف،والاستنجاء ينافي ذلك،والصواب خلاف ذلك.
4-جواز استقبال بيت المقدس حال قضاء الحاجة؛لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن استقبال القبلة،خلافاً لمن قال:إنه يُكره؛لأنها قبلة لكنها نُسِخَت،فيشملها النهي.
5-النهي عن الاستنجاء باليمين.
6-النهي عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار.
س-هل المراد خصوص العدد أم المراد المَسَحات؟يعني لو حجر له ثلاث شعب(يعني حجر مثلث):
هذا فيه خلاف:
ق1)المذهب يجزيء،وهو الصواب؛لأن المعتبر عدد المسحات.
ق2)لا يجزيء.
7-النهي عن الاستنجاء بالرجيع أو العظم.
000000000000000000000000000000000000000000000000000
104-وللسبعة من حديث أبي أيوب:"لا تستقبلوا القبلة بغائط أو بول ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا".
شرقوا أو غربوا:هذا من كانت القبلة في جهة الشمال أو الجنوب،أي اتجهوا جهة الشرق أو الغرب،والنبي - صلى الله عليه وسلم - قالها لأهل المدينة.
الفوائد:
1-النهي عن استقبال القبلة أو استدبارها حال قضاء الحاجة،وظاهر الحديث العموم سواء في البنيان أو الفضاء،وهذه المسألة فيها خلاف،وكلّها روايات عن الإمام أحمد-رحمه الله-:(1/20)
ق1)جواز الاستقبال والاستدبار في البنيان دون الفضاء،فيحرم في الفضاء،وهو المشهور من المذهب،والدليل:حديث ابن عمر - رضي الله عنه - :رقيت يوماً على بيت حفصة،فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة،فقالوا:هذا يدل أنه في البنيان يجوز،وإذا كان في الفضاء لا يجوز إلاّ بحائل،وقالوا:الحائل لو كمؤخرة الرّحل،وقالوا أيضاً:ولو أرخى ذَيْله أي ثوبه.
*قالوا-رحمهم الله-:يكفي الانحراف يمنةً أو يسرة،لكن هذا ضعيف؛لأن ما بين المشرق والمغرب قبلة.
س-هل يُشترط القرب من الحائل؟الجواب: - المذهب:لا يشترط،سواء قريب أو بعيد.–الصواب على هذا القول فقط:أنه يُشترط أن يكون قريباً من الحائل.
ق2)تحريم الاستقبال والاستدبار مطلقاً في الفضاء والبنيان،وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم-رحمهما الله-واستدلوا بحديث أبي أيوب - رضي الله عنه - وحديث سلمان - رضي الله عنه - ،ولأنه عام في الفضاء والبنيان،وأجابوا عن حديث ابن عمر - رضي الله عنه - :بأنه منسوخ،وقالوا:لو قُدِّر عدم النسخ،فإنه فعل،والقاعدة:(أنه إذا تعارض الفعل والقول،فإن القول مقدّم؛لأن الفعل تحتمله الخصوصية)،ولو قُدِّر التعارض فإن حديث سلمان وأبي أيوب-رضي الله عنهما-فيه نهي،وحديث ابن عمر - رضي الله عنه - فيه الإباحة والجواز،والنهي مقدم على غيره؛لأنه ناقل عن الأصل،والفعل تحتمله الخصوصية،ويحتمل النسيان ويحتمل العذر.
ق3)جواز الاستقبال والاستدبار مطلقاً في الفضاء والبنيان،لحديث جابر - رضي الله عنه - نهى عن استقبال القبلة حال قضاء الحاجة،قال:ثم رأيته قبل أن يُقبض بعام يستقبل القبلة،قالوا:إن هذا الحديث ناسخ لأحاديث النهي،وهذا القول ضعيف؛لأن حديث جابر ضعيف لا يُقاوِم هذه الأحاديث الصحيحة،وإنه لو قُدِّر التعارض، فإن النسخ لا يُصار إليه إلاّ عند تعذّر الجمع،والجمع هنا ممكن.
ق4)جواز الاستقبال دون الاستدبار،وهذا ضعيف؛لأنه لا دليل عليه.(1/21)
ق5)جواز الاستدبار دون الاستقبال في البنيان،وهذا اختاره الموفق ابن قدامة وابن أخيه الشارح ابن عمر-رحمهما الله- وهو الصحيح،وبه تجتمع الأدلة.
فنقول:إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة،وهذا عام والأحاديث عامة،وحديث ابن عمر - رضي الله عنه - يخصّص هذا العموم،فالعموم يُخًصُّ بصورة واحدة وهي صورة الاستدبار دون الاستقبال،ويبقى ما عداه على العموم،ولهذا قال الموفق-رحمه الله-:إن هذا القول هو الذي تجتمع به الأدلة.
تابع الفوائد: 2-استقبال القبلة ينقسم إلى أقسام:-
أ تارة يكون استقبالها واجباً بل شرطاً،وهذا في الصلاة.
ب وتارة يكون حراماً،وهو حال قضاء الحاجة.
ت وتارة يكون مكروهاً،كالخطيب يوم الجمعة،إن لم يكن محرم ،وكذلك خطبة العيد،ومثل الإمام بعد الصلاة،وعلى المذهب:الاستنجاء والاستجمار مكروه.
ث تارة يكون مستحب،وهذا في مسائل:
- حال الدعاء.
–حال الأذان.
–عند الذكاة،سواء كانت قُربة كهدي أو عقيقة أو أضحية،أو من أجل اللحم،ولهذا قال صاحب الفروع-رحمه الله-:يتجه أنه يُستحب استقبال القبلة في كل طاعة إلاّ بدليل.
ج-وتارة يكون مباحاً،لمن كان جالساً متجه للقبلة،فهذا مباح.
000000000000000000000000000000000000000000
105-عن عائشة-رضي الله عنها-أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"من أتى الغائط فليستتر".رواه أبو داود.
الغائط:في الأصل هو المكان المنخفض،ثم اُستُعمل وعُبِّر بما هو الخارج من الإنسان.
فليستتر:مشترك بين الوجوب والاستحباب في الستر.يعني:أمر بالوجوب فيما يتعلق بستر العورة،وما زاد على العورة فهو يكون للاستحباب.
فيُستفاد من الحديث:مشروعية الاستتار،لمن أتى الغائط،فقد ثبت من فِعلِه وقوله - صلى الله عليه وسلم - ،من فعله حديث المغيرة،ومن قوله في هذا الحديث.
000000000000000000000000000000000000(1/22)
106-وعنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج من الغائط قال:"غفرانك".أخرجه الخمسة.وصححه أبو حاتم والحاكم.
إذا خرج:إذا خرج فعلاً،والأصل في الفعل يُعبَّر بالوقوع لا عن الإرادة.أي لا يُعبَّر بأنه إذا أراد الخروج.
غفرانك:مصدر غَفَرَ يغفر غَفْراً وغُفْراناً،وهو محذوف العامل،والتقدير:أسألك غفرانك.
# المغفرة:ستر الذنب والتجاوز عن الذنب،وهو مأخوذ من المِغْفَر،وهو ما يُتّقى به من السهام في القتال،والمِغْفر فيه ستر ووقاية،ستر للبدن ووقاية من السهام،ويشهد لهذا المعنى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن الله تبارك وتعالى حين يخلو بعبده المؤمن ويقرّره بذنوبه ثم يقول له:"قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم".
فهذا فيه استحباب هذا الذكر،وهو قوله:"غفرانك".
- س-ما هي المناسبة من قوله:"غفرانك"عند الخروج؟
ق1)أنه من باب التوبة،خشية أن يكون قد قصَّرَ في شكر الله تعالى من تسهيل أَكْلِه ومن تسهيل هضمه،فقال:غفرانك،يعني اغفر لي،عمّا حصل منِّي من تقصير في شكر هذه النعمة.
ق2)لأنه انحبس في هذا المكان عن ذكر الله،وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُديم الذكر ولا يتركه إلاّ في بيت الخلاء،فسأل الله أن يغفر له مدة تركه للذكر هذه المدة،نقول:هذا ضعيف؛لأنه انحبس في هذا المكان بأمر الله،كالحائض والنفساء فلا تصلّي بأمر الله.
ق3)أنه لمّا تخفّف من أذية الجسم وهي أذيّة الغائط،تذكر أذية الإثم والذنوب،فناسب أن يقول غفرانك،وهو الصحيح. يعني:عندما أخرج هذا النجس الثقيل،تذكر أذية الذنوب،والذنوب نجسة لكن نجاستها معنوية.
س-هل يقول غير هذا الذكر؟أي هل يُشرع غير هذا؟
ج-جاء عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج من الخلاء يقول هذا الذكر يقول:الحمد لله الذي أذهب عنّي الأذى وعافاني"وهذا الحديث مُختَلف في صحته،من العلماء من صحّحه كالحافظ ابن حجر-رحمه الله-،ومنهم من ضعّفه.(1/23)
*وكان نوح - عليه السلام - إذا خرج من الخلاء قال:(الحمد لله الذي أذاقني لذّتَه،وأبقى منفَعَتَه،وأَذهَبَ عنِّي مضرَّته).
00000000000000000000000000000000
107-وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال:أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - الغائط،فأمرني أن آتِيَهُ بثلاثة أحجار،فوجدت حجرين،ولم أجد ثالثاً.فأتيته بروثة.فأخذهما وألقى الروثة،وقال:"هذا ركس".أخرجه البخاري.زاد أحمد والدارقطني:"ائتني بغيرها".
الفوائد:
1-أن المشروع لمن أراد أن يستجمر أو أن يستنجي أنه يكون ذلك بثلاثة أحجار،وفيه دليل على أن الروث لا يصحّ أن يستنجي به؛لقوله:"هذا ركس".
2-الاستجمار مُطهِّر؛لأنه قال عن الروثة:"هذا ركس"،فمفهومه أن الحجر مطهّر،وهو الصحيح،خلافاً للمشهور من المذهب؛لأنهم يقولون:لا يطهّر بل يزيل الأذى عن المحلّ يعني يرفع حكم النجاسة،لكنه ليس صحيح،بل الصحيح أنه مطهّر.
3-جواز الاستعانة بالغير في الطهارة ووسائلها؛لأن النبي-عليه الصلاة والسلام-أمر ابن مسعود أن يأتيه بثلاثة أحجار.
4-فيه دليل على جواز ردّ الهبة إذا كانت محرّمة أو نجسة،وهذه تؤخَذ من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألقى الروثة.
* وهذا أحد شروط قبول الهدية،وهو ردّ الهبة إذا كانت محرّمة أو نجسة؛لأن قبول الهدية لها شروط:
أ/لا يكون المهدي قد أهداها حياءً وخَجَلاً،فإنه لا يجوز قبولها إن أهداها حياءً وخَجَلاً.
ب/ألاً تكون الهدية قد وقعت موقع الرشوة،وهذا كالهدية للقاضي الذي عنده خصومة أو حكومة له.
ج/ألاّ يَخشَ المُهدى إليه المنَّة،فإن خَشِيَ المنَّة،فإن له ردّ الهدية.
د/ألاّ تكون الهدية محرّمة سواء كانت محرمة في ذاتها وعينها أو كانت محرمة لكسبها،
مثال المحرم لعينه:مثل أُهدي إليه خمراً أو دخاناً.
مثال المحرّم لكسبه:مثل المغصوب وتعلم أنه غاصب،فلا يجوز لك القبول.(1/24)
وأمّا إن كان محرّماً لكسبه بسبب المعاملة:يعني مثلاً من أموال ربوية أو من معاملات مُخْتَلَف فيها،فإنه يجوز القبول؛لأن كلّ شيء حَرُمَ لكسبه،فإنه يحرم على الكاسب خاصة،ولهذا قال ابن مسعود - رضي الله عنه - في مثل هذا الموضوع:(لكَ مَهْنَئُه،وعليه مَغْرَمُه).
# وفي الحديث:أنه يبيّن سبب ردّ الهدية؛لأنه قال:"هذا ركس".
0000000000000000000000000000
108-عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى"أن يُستنجى بعظم أو روْث"وقال:"إنهما لا يُطَهِّران".رواه الدارقطني وصححه.
النهي:هو قول يتضمّن طلب الكفّ على وجه الاستعلاء،بصيغة مخصوصة وهي المضارع المقرون بلا الناهية.
محترزات تعريف النهي:
(قول):يخرج الإشارة والكتابة،وهذا في الاصطلاح لا يُسمّى نهي،وإن كانت الإشارة والكتابة تُؤدّي مُؤدّى النهي.
(على وجه الاستعلاء):خرج بذلك الدعاء والالتماس؛
-لأن الدعاء من أدنى إلى أعلى.
-الالتماس من مساوٍ إلى مساوٍ،كأن تقول لزميلك:لا تفعل كذا.
-أما إن كان من أعلى إلى أدنى:إن كان طلب إيجاد فهو أمر،وإن كان طلب كفّ فهو نهي.
*قالوا:(على وجه الاستعلاء)ولم يقولوا على وجه العلو،فإنه لا يُشترط في الآمر والناهي أن يكون عالياً،فلو أن لصّاً دخل على بيت رجل،وهذا الرجل وزير، واللص حقير،فقال لصاحب البيت:لا تغلق الباب،اذهب كذا وافعل كذا،فهذا يُسمّى نهي وأمر على وجه الاستعلاء؛لأن الآمر والناهي يرى نفسه في هذه الحال أعلى منزلة من الآخر،وأصلاً هناك فرق بين الاستعلاء والعلو،فالاستعلاء صفة في الكلام،والعلو صفة في المتكلم.
#علّة نهي الاستنجاء بالعظم والروث،فقد ورد في شرح الأحاديث السابقة.(ارجع لشرح حديث رقم103)...(1/25)
#يدل الحديث على أن الإنسان لو استنجى بعظم أو روث،فإنه لا يطهر حتى لو كان العظم من حيوان طاهر،وحتى ولو كان الروث من حيوان طاهر،فلو استنجى بعظم مُذكّاة،هل يطهر المحل؟! لا؛لأن هذا منهي عنه بذاته،كذلك لو استنجى بروثة بعير فلا يطهر المحلّ،حتى لو زال الخارج،نقول:حكم النجاسة باقي.
00000000000000000000000000
109-عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"استنزهوا من البول،فإن عامَّة عذاب القبر منه".رواه الدارقطني.
110-وللحاكم:"أكثر عذاب القبر من البول".وهو صحيح الإسناد.
النزاهة:هي النظافة.
استنزهوا:الهمزة والسين والتاء تدل على الطلب،يعني اطلبوا النزاهة.
البول:يشمل كلّ بول نجس،لكن الحديث يدل على بول الإنسان.
الفوائد:
1-وجوب التطهر من البول،وهذا يشمل:( أ )التطهر منه في موضعه. ( ب )وفي بقية البدن. ( ج )وفي الثوب. ( د )وفي البقعة.
2-يدل الحديث أن عدم التطهر من البول من الكبائر؛لأن فيه عذاب خاص.
3-فيه إثبات عذاب القبر،وهذا ثابت بظاهر القرآن وصريح السنة وإجماع المسلمين:
ظاهر القرآن:قال الله تعالى: { فإذا بلغت الحلقوم - وأنتم حينئذٍ تنظرون - ونحن أقرب إليه منكم ............إن كنتم صادقين } الآيات.
وقال تعالى في آل فرعون: { النار يُعرضون عليها غدواً وعشيّاً ويوم تقوم الساعة...... } .
صريح السنة: في حديث ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّ بقبرين وقال:"إنهما ليعذّبان وما يُعذّبان.................".
وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يستعيذ من عذاب القبر في كل صلاة.........
وأَمَرَنا عليه الصلاة والسلام بالتعوّذ من عذاب القبر،وقال:"تعوّذوا بالله من عذاب القبر".
الإجماع:أجمع المسلمون على إثبات عذاب القبر.
00000000000000000000000000000000000000(1/26)
111-عن سراقة بن مالك - رضي الله عنه - قال:علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخلاء:"أن نقعد على اليسرى،ونَنْصِب اليمنى".رواه البيهقي بسند ضعيف.
*هذه صفة الجلوس في قضاء الحاجة،وهذه الصفة صعبة،فقال بعض العلماء أن الحديث فيه وهم وأن الحديث في الصلاة ليس في قضاء الحاجة،فوهم فقال الخلاء وهي في الصلاة؛لأن هذه الجلسة هي الافتراش في الصلاة وهي أن تجلس على اليسرى وتنصب اليمنى،فهذه جلسة المفترش،وهذا على فرض صحة الحديث.
وقال بعض الفقهاء:أنه يستحب ذلك أن تنصب اليسرى وترفع اليمنى؛لهذا الحديث وأنه أيسر في خروج الخارج.
- - -
112-عن عيسى بن يزداد عن أبيه قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"إذا بال أحدكم فليَنْتُر ذَكَرَهُ ثلاث مرات".رواه ابن ماجة بسند ضعيف.
النتر:جذب الإنسان ذكرَه عن طريق تحريك أعصاب ذكره وليس بيده،أي شَدّ أعصاب الذكر فيخرج ما يبقى من البول في القنوات البولية،وهذا الحديث ضعيف،وإن كان الفقهاء قالوا:أنه يستحب نتره،لكن قال شيخ الإسلام-رحمه الله-إن النتر بدعة؛لأنه لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ،وأنه مجلبة للوسواس.فهذا الحديث ضعيف.
113-عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل أهل قباء فقالوا:إنَّا نُتْبع الحجارةَ الماء.رواه البزار بسند ضعيف،وأصله في أبي داود والترمذي.
114-وصححه ابن خزيمة من حديث أبي هريرة بدون ذكر الحجارة.
*هذا الحديث فيه ضعف،ومعنى يتبعون الماء الحجارة:أنهم يستجمرون بالحجارة أولاً،ثم يغسلون المَحِلّ بالماء،فأثنى الله عليهم في قوله { فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين } لكن الحديث ضعيف.
وبهذا انتهى - باب قضاء الحاجة - يوم الجمعة 19/8/1423هـ
أسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح
{باب الغسل وحكم الجنب} الجمعة 20/12/1423هـ
#هذه الترجمة اشتملت على أمرين:
1-الغسل وأحكامه وعلى مَن يجب.
2-أحكام الجنب.(1/27)
فالأول أعم من الثاني؛لأن من أحكام الغسل ما يتعلّق بالجنب،وقوله"وحكم الجنب"من باب عطف الخاص على العام.
الغسل: اسم مصدر يُطلَق على الماء الذي يغتسل به،ويُطلق على الفعل.
وقال بعض العلماء:إن الغُسُل بالضم هو الماء،والغَسْل بالفتح هو للفعل يعني الاغتسال،وقيل عكس ذلك أي بالعكس.
الجُنُب: بضم الجيم والنون أصلُهُ في اللغة البُعد،فالجنب هو البعيد،
وسمي بذلك :
ق1)قيل:لأن الماء باعد مَحَلّه،يعني جانب محلّه وباعده.كيف ذلك؟!لأن الماء الذي هو المنيّ كان في صُلْبِه،فخرج فهو باعد محلّه فسمي جُنُباً.
ق2)وقيل سمي بذلك:لأنه ممنوع من أماكن القُرَب،سمي جُنُباً؛لأن هذا الرجل الذي فيه الجنابة ممنوع من أماكن القُرَب وأماكن الصلاة والطاعة والعبادة،لقوله تعالى { ولا جُنُباً إلاّ عابري سبيل حتى تغتسلوا } .
حكم الغسل:
الأغسال تختلف،وهي نوعان: أ / أغسال واجبة. ب / أغسال مستحبة.
#الأغسال الواجبة: (1)منها ما هو متفق على وجوبها. (2)ومنها ما هو مختلف فيه.
(1)ومنها ما يكون عن حدث. (2)ومنها ما يكون عن غير حدث.
*الأغسال المتفق على وجوبها،هي أربعة:
1. غسل الجنابة،قال تعالى(وإن كنتم جنباً فاطهروا).
2. الاغتسال من الحيض.
3. الاغتسال من النفاس.
4. تغسيل الميت،قال - صلى الله عليه وسلم - :"اغسلوه بماء وسدر"وقال:"اغسلنها".فهذه أربه بالاتفاق واجبة.
*الأغسال المختلف فيها:
1. غسل الجمعة. ق1)قول الجمهور أنه غير واجب. ق2)وقال بعض العلماء:أنه واجب؛لقوله-عليه الصلاة والسلام-:"غسل الجمعة واجب على كل محتلم".وقال أيضاً:"إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل". (وكتبتُ في هذه المسألة مذكرة سميْتُها"اللمعة في حكم غسل يوم الجمعة"للشيخ سامي الصقير)
2. الغسل عند إسلام الكافر.
*الأغسال التي عن حدث:
1. غسل الجنابة.
2. غسل الحيض.
3. غسل النفاس.
4. غسل إسلام الكافر،على قول بعضهم:أنه ليس عن حدث لكن فيه معنى ارتفاع الحدث.
5. غسل الميت.(1/28)
*الأغسال التي عن غير حدث:
هو غسل الجمعة.
# الفرق بين ما هو عن حدث وبين ما هو عن غير حدث:
أن الغسل إن كان عن حدث فإنه يجزيء عن الوضوء،وإن كان عن غير حدث فلا يجزيء عن الوضوء.
#النوع الثاني من الأغسال:الأغسال المستحبّة،مثل:
? الغسل للإحرام.
? الاغتسال لدخول مكة أو المدينة.
? الاغتسال للإغماء.
? الاغتسال لمعاودة الجماع.
? الاغتسال للعيد. وغيره.
- - -
115-عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"الماء من الماء".رواه مسلم،وأصله في البخاري.
الماء: الماء الأول هو الماء الذي يُغْتسل به.
من الماء: الماء الثاني المراد به هنا:المني،والله - عز وجل - سمّى المني ماءً،فقال سبحانه وتعالى { فلينظر الإنسان مِمَّ خُلِق - خُلِق من ماء دافق } وقال تعالى { والله خلق كل دابة من ماء } وقال تعالى { ألم نخلقكم من ماء مهين } .
من الماء:مِن هنا للتعليل،معنى الماء من الماء،يعني:أن الاغتسال بسبب الماء،يعني يجب الاغتسال إذا خرج الماء الذي هو المنيّ.
معنى الحديث: أن الإنسان إذا خرج منه المني،فقد وجب عليه الاغتسال.
وقوله"الماء من الماء"هذا فيه جِناس تام،وهذا يسمى عند أهل البلاغة؛لأنه اتفق اللفظان واختلفا في المعنى.
الفوائد:
1-فيه دليل على أن خروج المنيّ موجب للغسل؛لهذا الحديث سواء خرج يقظةً أو مناماً،فالمهمّ أنه متى خرج المني فإنه يجب الاغتسال بأي صورة خرج سواء يقظةً أو مناماً.
#ومفهوم الحديث أنه لا يجب الاغتسال إلا بإنزال،تُؤْخذ من قوله:"الماء من الماء".هذا المفهوم معارض لما أتى من منطوق أبي هريرة - رضي الله عنه - ،وهو الذي هو بعد هذا الحديث.
- - -
116-عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"إذا جلس بين شُعَبِها الأربع،ثم جَهَدَهَا،فقد وجب الغسل".متفق عليه.
117-وزاد مسلم:"وإن لم يُنزِل".
جلس:أي الرجل.
شعبها الأربع: ق1)قيل:ساقاها وفخذاها.(1/29)
ق2)وقيل:يداها ورجلاها،وهو أصح؛لأن الرجل إذا جلس يجامع امرأته جلس بين رجليها وبين يديها.
جهدها:أي بلغ منها الجَهد والطاقة؛لأن المرأة إذا جامعها الرجل فإنها تجهد وتتعب.
فقد وجب الغسل:أي وجب عليهما جميعاً؛لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر في هذا الحديث فاعلاً ومفعولاً به،فقال:"فقد وجب الغسل".أي عليهما.
*رواية مسلم:"وإن لم يُنزِل"،وتدل هذه الرواية على أن الإيلاج وأن الجماع موجب للغسل،وإن لم ينزل.
يؤخذ من الحديثين:
1-أن الذي يوجب الغسل أمران:
أ / إما إنزال المني. ب / وإما الجماع وإن لم ينزل.
تابع الفوائد:
2-أن الجنب هو مَن وَجَبَ عليه الغسل بإنزال أو جماع.
#ظاهر الحديث:أنه يجب الغسل ولو كان جماعه بحائل،وهذه المسألة اختلف العلماء فيها:
ق1)أنه يجب الغسل لو كان جماعه بحائل؛لعموم الحديث،وهو الأظهر وهو الاحتياط.
ق2)قال بعض العلماء:أنه لا يجب الغسل في هذه الحالة،وأنه إذا كان هناك حائل،فإن الغسل لا يجب؛لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - :"إذا التقى الختانان"وفي رواية"إذا مسّ الختان الختان"ومعلوم أن مع وجود الحائل لا مسّ بدليل أن الرجل لو مسّ المصحف وهو محدث ومسَّه بحائل لا يحرم عليه.
*قال بعض العلماء:أن حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - منسوخ بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ،لكن نقول:
النسخ لا يحصل إلاّ بشرطين:
1-تعذّر الجمع بين الدليلين.
2-العلم بالتاريخ.
طيّب:ننظر للشرط الأول:هل الجمع هنا متعذّر؟ليس متعذّر؛لأن كل واحد منهما سبب مستقلّ،إذن متى أمكن الجمع فهو الواجب،و لا يُصار إلى النسخ مع إمكان الجمع،لأن في الجمع إعمالاً لِكِلا الدليلين،وفي القول بالنسخ إبطال لأحد الدليلين،ومعلوم أن إعمال الدليلين أولى من إبطال أحدهما.
ولشرط الثاني وهو التاريخ،و لا نعلم تاريخ الحديث.
- - -(1/30)
118-عن أنس - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل-قال:"تغتسل".متفق عليه.
119-زاد مسلم:فقالت أم سلمة:وهل يكون هذا؟قال:"نعم،فمِن أين يكون الشَّبَه؟".
*حديث أنس - رضي الله عنه - أصل الحديث هو حديث أم سليم عندما أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت له:إن الله لا يستحي من الحق........
إن الله لا يستحي من الحق:أي لا يمنعه الحياء من قول أو فعل.
والحق:هو كل قول خلا من الكذب،وكل حكم خلا من الجَوْر؛لقوله تعالى:{وتمَّت كلِمتُ ربّك صدقاً وعدلاً}.
والحق-في اللغة-في الأصل:هو الشيء الثابت،والكذب غير ثابت،والجور غير ثابت.
نعم:حرف جواب،يفيد إثبات ما بعد الهمزة(الاستفهام)سواء كان نفياً أم إثباتاً.مثلاً:قلتُ لك:ألم تفهم الدرس؟قلتَ لي:نعم،احذف الاستفهام تصبح لم أفهم الدرس،ومثل:هل حضر زيد؟قلتَ لي:نعم.احذف الاستفهام تصبح حضر زيد،ولهذا قال ابن عباس-رضي الله عنهما-في قوله تعالى(ألستُ بربكم قالوا بلى)
قال - رضي الله عنه - :لو قالوا:نعم لكفروا.
إذا هي رأت الماء:الرؤية هنا بصرية.
الفوائد: (الفوائد من أصل الحديث أي قصة أم سليم)
1-في الحديث أنه ينبغي للإنسان أن يقدِّم بين يديّ سؤاله ما يعذره إذا كلن هذا السؤال مما يُسْتحيا منه أو مما يَقبُح ذكره مجرداً؛لأن أم سُليم-رضي الله عنها-قالت:إن الله لا يستحي من الحق.فهذه الجملة الغرض منها الاعتذار.
2-حرص الصحابة - رضي الله عنهم - على العلم،وأن الحياء لا يمنعهم من تعلّم العلم،ولهذا قالت عائشة-رضي الله عنها-:نِعْمَ النساء نساءُ الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين.
3-إثبات صفة الحياء لله تعالى؛لقولها:إن الله لا يستحي من الحق،فنفي الحياء منه في هذه الحال يستلزم إثباتها فيما سواه،وقد قال سبحانه وتعالى { إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة } وقالت-رضي الله عنها-في الحديث:"إن الله لا يستحي من الحق".(1/31)
وفي صفة الحياء إثباتاً قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :"إن ربكم حيي كريم يستحي إذا رفع عبده يديه إليه أن يردهما صفراً"....الحياء الذي يُثبت لله كسائر صفاته { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } لا يشابه المخلوقين.
4-أن المرأة تحتلم كما يحتلم الرجل؛لقوله عليه الصلاة والسلام:"نعم إذا هي رأت الماء".
5-أن الغسل لا يجب إلا إذا رأى الماء،فالاغتسال على النائم لا يجب إلا إذا رأى الماء؛لقوله - صلى الله عليه وسلم - :"نعم إذا هي رأت الماء"وذلك لأن المحتلم:
أ- أن يذكر الفعل،ويشاهد الماء ،فهذا يجب عليه الغسل.
ب-أن يذكر الفعل،ولم يشاهد الماء، فهذا لا يجب عليه الغسل.
ج-أن يرى الماء،ولا يذكر الفعل،في هذه الحال:
? إن تيقن أنه مني فيغتسل.
? إن تيقن أنه مذيّ،فيغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ.
? إن شكّ هل هو منيّ أو مذيّ،وجَهِل ذلك،فماذا يفعل؟
نقول:إن وجد ما يُحال الحكم عليه فَلْيُحِل،فمثلاً:إن علم أنه حصل منه مداعبة لزوجته،فإن هذا البلل يجعله مذيّاً،وحينئذٍ لا يجب الغسل،إن ذكر في نومه احتلاماً،جعله منيّاً؛لأن الاحتلام يوجب الغسل.
طيّب: إن جَهِل يقول ما أدري لم أذكر احتلاماً ولم يسبق نومي تفكير أو مداعبة،فهل يجب الغسل؟هذا فيه قولان لأهل العلم:
ق1)يجب أن يغتسل احتياطاً.
ق2)ومنهم من قال لا يجب الغسل.
ولكن الاحتياط في هذه الحال أن يغتسل؛لأنه لو لم يغتسل صار يفكِّر،فدفعاً لهذه الوساوس،وهذه الأوهام وهذه الاضطرابات النفسية.
6-فيه دليل على أنه لو أحسّ بانتقال المنيّ ولم يخرج،فلا يجب عليه الغسل؛لأنه في الحديث علَّقَ الغسل برؤية الماء ،أو الحكم برؤية الماء؛
لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إذا هي رأت الماء".
وفقهاء الحنابلة يقولون:إذا أحسّ بانتقال الماء ولم يخرج وجب عليه الغسل،لماذا؟لأن الماء باعد من محلِّه إلى محلّ آخر،والجنُب سمي جُنُباً؛لأن الماء باعد محلّه،فيصدق عليه أنه جنب،لكن الصواب:أنه لا يجب الغسل.(1/32)
أما قولهم-رحمهم الله-:إن المنيّ باعد محلّه فيصدق عليه أنه جُنُب،نقول:ولو باعد محلّه،فإنه في مقرّه ومعدنه لا حكم له.الشيء ما دام في معدنه ومقرِّه فلا حكم له.وهذه القاعدة مفيدة وهي(أن الشيء في معدنه ومقرِّه لا حكم له)،فمثلاً:الآن إنسان لو حمل نجاسة مثلاً معه بول في علبة تحليل للمستشفى، ووضعه في جيبه،وصلّى وهو يعلم أن البول معه،فما حكم صلاته؟غير صحيحة؛لأنه حامل للنجاسة،والإنسان المصلِّي يجب عليه أن يتخلَّى عن النجاسات.
طيّب:يبقى قول القائل:أنا نفسي فِيَّ نجاسة،فالإنسان لا يخلو من بول ولا يخلو من غائط،وهي نجاسة؟!نقول:نعم هي نجاسة،لكنها في مقرّها ومعدنها،فليس لها حكم،بخلاف هذا البول الذي معك في القارورة،فهو قد انفصل.
ويتفرّع على هذه المسألة:أن المرأة لو أَحَسَّت بانتقال الحيض وآلام الحيض،فإن الحيض لا يثبت؛لماذا؟لأنها لم ترَ الدم،وعلى هذا فلو كانت صائمة فصيامها صحيح،ولو كانت في وقت مفروضة وَجَبَ عليها الصلاة.
المذهب في هذا المسألة:حكمها كحكم انتقال المنيّ ولم يخرج.
7-فيه دليل على أن الطفل أو المولود قد يشبه أباه وقد يشبه أمّه؛لقوله عليه الصلاة والسلام:"فمن أين يكون الشبه".
8-وفيه دليل على اعتبار الشبَه في النسب،وأن الشبه معتبر في لحوق النسب،ولهذا دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على عائشة تبرُق أسارير وجهه عليه الصلاة والسلام، فقال:"ألم ترَيْ إلى ما قال مجزِّز المدلجيّ آنِفاً"؟!قالت:ماذا قال؟قال:"إنه نظر إلى أقدام أسامة بن زيد وزيد بن حارثة،فقالل:إن هذه الأقدام بعضها من بعض". ومجزِّز هذا من القافة الذين يعرفون الأثر.
فاستدل في الحديث بشبه الأقدام على أن هذا ابن لهذا؛لأنهم كانوا يقولون أن أسامة ليس ابناً لزيد؛لأن أسامة أسود وزيد أبيض.
- - -(1/33)
120-عن عائشة-رضي الله عنها-قالت:كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يغتسل من أربع:من الجنابة،ويوم الجمعة ومن الحجامة،ومن غُسل الميت.رواه أبو داود،وصححه ابن خزيمة.
كان:يقول العلماء تدلّ على الدوام غالباً إذا كان خبرها فعل مضارع.
من:في المواضع الثلاثة للسببيّة.
الحجامة:إخراج الدم من البدن وإفراغه منه.
ومن غُسل الميت:المقصود بغاسل الميت:مَن يباشر غسله وتقليبه،لا مَن ساعد في غسله،ولا مَن يُيَمِّمُه.
*هذا الحديث فيه ضعف لكن بعض العلماء حسّنه.
الفوائد:
1-مشروعية الاغتسال من الجنابة،والأحاديث والنصوص تدل على وجوب الغسل؛لقوله تعالى { وإن كنتم جنباً فاطّهروا } .
والمشروعية هنا تدل على الوجوب؛لأن المشروعية تطلق على الواجب وتطلق على المستحب،فكلمة مشروع بمعنى أَمَرَ به الشارع،ثم هذا الأمر إما أن يكون على سبيل الإلزام فيكون واجباً،وإما يكون لا على سبيل الإلزام فيكون مستحباً.
2-مشروعية الاغتسال من الحجامة وتغسيل الميت.
- لكن ما هي الحكمة في الغسل من هذه الأربع؟
*الحكمة من الغسل من الجنابة:
أ-تطهير البدن؛لأن البدن رُبّما عَلِقَ فيه شيء من الأوساخ والأنتان من الماء.
ب-فيه تنشيطاً؛لأن البدن بعد الجماع يفتر ويكسل.
*الحكمة من الغسل يوم الجمعة: التنظّف والتطهر؛لأنه يوم يجتمع فيه الناس.
*الحكمة من الغسل من الحجامة: أن إفراغ الدم وإخراجه من البدن يورث كسلاً وفتوراً.
*الحكمة من الغسل من غسل الميت: لأن الغاسل يحصل له هول وخوف وهَلَع ورهبة،فالاغتسال يزيل هذا الشيء وينشطه.
#وقلنا:أن الحديث فيه ضعف،وعلى هذا لا يُشرع الاغتسال إلا من الجنابة ويوم الجمعة.
- - -
121-عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في قصة ثمامة بن أُثال،عندما أسلم-وأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يغتسل.رواه عبد الرزّاق وأصله متفق عليه.(1/34)
ثمامة بن أُثال الحنفي من كبار بني حنيفة،أَسَرَته خيلٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأحضروه إلى المدينة فربطه عليه الصلاة والسلام في سارية من سواري المسجد لكي يرى صلاة المسلمين،فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمرّ عليه كل يوم ويعرض عليه الإسلام،وفي الأخير أمر بإطلاقه،فلمّا أطلقه ورأى مَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه وإكرامه له،فذهب واغتسل وجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فتشهّد.
- الإسلام يُطلق على معنيين:
أ-معنى عام:وهو الاستسلام لله بالطاعة،فعلاً للمأمور وتركاً للمحظور في كل زمان ومكان كانت الشريعة فيه قائمة،ولهذا قال تعالى: { ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين } وقال تعالى عن موسى: { يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين } وقال تعالى: { إذ قال له ربُّه أسلم قال أسلمت لرب العالمين } فهذا يدل على أن الإسلام في كل زمان ومكان.
ب-معنى خاص:وهو الاستسلام لشريعة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ،ومعلوم أن شريعته - صلى الله عليه وسلم - نسخت جميع الشرائع،قال تعالى: { ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه } وقال - صلى الله عليه وسلم - :"والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار".
*والإسلام يطلق ويشمل جميع الدين الإسلام والإيمان والإحسان؛لقوله تعالى: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } والدين هنا يشمل الإسلام والإيمان والإحسان،والدليل على ذلك حديث جبرائيل - عليه السلام - أن كلمة الدين تشمل على الإسلام والإيمان والإحسان،يدل عليه هذا الحديث عندما سأله عن الإسلام والإيمان والإحسان،فأجابه عليه الصلاة والسلام،ثم قال في آخر الحديث:"هذا جبريل آتاكم يعلّمكم دينكم".(1/35)
لكن إذا قُرِن الإسلام بالإيمان صار الإسلام لأعمال الجوارح والإيمان لأعمال القلوب؛لأنه قد يظهر الإنسان الإسلام لكنه في باطنه لم يسلم،فلهذا قال الله تعالى: { فأخرجنا مَن كان فيها من المؤمنين - فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } وإنما قال ذلك؛لأن البيت ظاهره الإسلام.
- بماذا يحصل الإسلام؟
يحصل الإسلام بالنطق بالشهادتين.بل قال أهل العلم-رحمهم الله-منهم فقهاء الحنابلة:لو أّن الكافر أو أقام حُكِمَ بإسلامه؛لأن الأذان متضمن للشهادتين.
#الحديث الذي في الصحيحين أن ثمامة - رضي الله عنه - هو الذي ذهب بنفسه واغتسل،وليس فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أمره بذلك.
الفوائد:
1-جواز دخول الكافر للمسجد؛لأن النبي-عليه الصلاة والسلام-ربط ثمامة في سارية من سواري المسجد،لكن اختلف العلماء في هذه المسألة:
ق1)يجوز مطلقاً.
ق2)لا يجوز مطلقاً.
ق3)يجوز إذا دَعَت الحاجة،أو بإذن المسلم،وهذا هو الراجح.
2-مشروعية الاغتسال لمن أسلم،لكن المشروعية هنا هل هي واجبة أم مستحبة(أي سنة)؟
*اختلف العلماء في ذلك:
ق1)المشهور من المذهب:أن الغُسل واجب لمن أسلم،وقالوا: أ-لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر قيس بن عاصم أن يغتسل بماء وسدر،وأمر ثمامة بن أثال - رضي الله عنهم - .
ب-أنه لمّا طهّر باطنه من الشرك أي من نجاسة الشرك ناسب أن يطهّر ظاهره،فيجتمع في حقّه طهارة الباطن وطهارة
الظاهر.
ق2)أن الغسل سنة،واستدلوا:أنه أسلم جمع غفير في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يُنقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم أن يغتسلوا،ولو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم لكان هذا الأمر مما
يشتهر،ويظهر بدعاء الحاجة إليه.
ق3)إن حصل منه في حال كفره موجب للغسل،ولم يغتسل منه،فيجب عليه أن يغتسل،وأما إن لم يحصل منه موجب للغسل فلا يغتسل.(1/36)
ونقول:هذا التفصيل فيه نظر؛لأنه لم يرد دليل على ذلك،وأيضاً الموجب(أي موجب الغسل)بالنسبة للكافر في حال كفره ليس موجباً؛لأنه مأمور به أم لا؟ لا ليس مأموراً به،قال تعالى: { قل للذين كفروا إن ينتهوا يُغفر لهم ما سلف... } وأنه ليس مكلفاً بشرائع الإسلام،هو مأمور بالإسلام جملة،لكن تفاصيل الشرائع ليس مكلّفاً فيها.
القول الراجح في هذه المسألة:القول الأول أنه واجب؛للأحاديث التي ذكروها،وأما كون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر أو لم يُنقل أنه أمر من دخل في الإسلام أن يغتسل، فنقول:عدم النقل ليس نقلاً للعدم،فعدم النقل لا يدل على عدم الوجوب؛لأنه إذا أمر واحداً من الأمّة،فالأمر الذي لواحد من الأمّة أمرٌ للأمّة جميعاً.
0000000000000000000000000000000000000
122-عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"غسل الجمعة واجب على كل محتلم".أخرجه السبعة.
123-وعن سمُرَة - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"من توضأ يوم الجمعة فبها ونِعْمَت،ومن اغتسل فالغُسْل أفضل".رواه الخمسة وحسّنه الترمذي.
#هذان الحديثان كتبتُ شرحهما في رسالة مستقلّة،وسميّتها بـ { اللُّمعة في حكم غسل يوم الجمعة } .
وقد بدأت في كتابته يوم الثلاثاء 5/رجـ7ــب/1424هـ،وانتهيت منه بعد أيام.
- - -
124-عن علي - رضي الله عنه - قال:كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقرِئُنا القرآن ما لم يكن جُنُباً.رواه الخمسة،وهذا لفظ الترمذي وحسّنه،وصححه ابن حبان.(1/37)
يقرئنا:يعلّمنا ويُلَقِّننا إيّاه؛لأن إقراء النبي - صلى الله عليه وسلم - يشمل إقراء اللفظ وإقراء المعنى،ودليل ذلك قول أبو عبد الرحمن السلمي-رحمه الله-:"حدّثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفّان وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم - أنهم كانوا إذا تعلّموا من النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلّموها وما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلّمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً".
القرآن لغة:مصدر قرأ يقرأ ُقَرْأً وقرآناً،مثل:غفر يغفر غفراً غفراناً.
وهو يأتي بمعنى(تلا)وبمعنى(جمع):
- إذا قلنا قرأ بمعنى(تلا):فهو مصدر بمعنى اسم مفعول أي بمعنى متلو.
- وإذا قلنا قرأ بمعنى(جمع):فهو مصدر بمعنى اسم فاعل أي بمعنى جمع؛لجمعه الأحكام وأنه جُمِع في كتاب واحد.
القرآن في الشرع:هو كلام الله المنزّل على نبيّه محمد - صلى الله عليه وسلم - المبدوء بسورة الفاتحة المختوم بسورة الناس.
قوله:(ما لم يكن جنباً):ما:مصدريّة ظرفيّة يُقدّر ما بعدها بمصدر،فتقدير(ما لم يكن جنباً):أي مدّة كونه جنباً،والجُنُب:هو مَن لَزِمه الغُسُل بإنزال أو احتلام.
الفوائد:
1-حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على تبليغ الأمّة،وهذا يُؤخذ من كونه-عليه الصلاة والسلام-يُقرِيء أصحابه القرآن،واستمراره في ذلك؛لقوله:"كان".
2-فيه دليل على فضيلة تعليم القرآن،وهذا يُؤخذ من كون النبي-عليه الصلاة والسلام-يفعل ذلك،والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يفعل إلاّ الأفضل،ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه".
- قد يُشكل على هذا الحديث أو ينافيه ظاهراً قوله-عليه الصلاة والسلام-في حديث معاوية:"مَن يُرِد الله به خيراً يفقهه في الدّين"فجعل الفقه في الدين هو الخير،وفي الحديث الآخر:"خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه"حيث جعل تعلّم القرآن وتعليمه هو الخير،فما الجمع؟(1/38)
نقول:لا منافاة؛لأن تعلّم القرآن في عهد الصحابة - رضي الله عنهم - يشمل تعلّم اللفظ والمعنى.قال أبو عبد الرحمن السلمي-رحمه الله-:"حدّثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفّان وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم - أنهم كانوا إذا تعلّموا من النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلّموها وما فيها من العلم والعمل،قالوا:فتعلّمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً".إذاً..إذا قلنا:إن تعلّم القرآن يشمل اللفظ والمعنى،فمِن تعلّم المعنى استنباط الأحكام الشرعية،واستنباط الأحكام الشرعية هو الفقه في الدين،وحينئذٍ لا يكون منافاة،ولهذا قوله - صلى الله عليه وسلم - :"خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه"نقول:هذا ليس مقتصراً على اللفظ فقط،بل هو شامل للفظ والمعنى ،
ولا يمكن أن الصحابة - رضي الله عنهم - يقتصرون على فهم اللفظ. (قلت:أي تعلّم اللفظ).
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:"إن العادة أنه يستحيل في العادة أن قوماً يستشرحون كتاباً من الكتب ويقتصرون على مجرّد اللفظ،فما بالك بكلام ربّ العالمين".
وقال أيضاً-رحمه الله-في العقيدة الواسطيّة:"ومن تدبّر القرآن طالباً الهدى منه تبيّن له طريق الحقّ".
وقال تلميذه ابن القيّم-رحمه الله-في النونيّة:
فتدبّر القرآن إن رُمْتَ الهدى فالعلم تحت تدبّر القرآن
3-دليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يحتجب عن القرآن إلاّ إذا كان جنباً؛لقوله:"ما لم يكن جنباً"فاستُدِلّ بهذا الحديث بأن الجُنُب ممنوع من قراءة القرآن.
*لكن إن قال قائل: إن هذا فعل من النبي - صلى الله عليه وسلم - ،والقاعدة الأصولية:(أن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - المجرّد لا يدلّ على الوجوب)فكيف نستدلّ به على أن قراءة القرآن حرام على الجُنُب؟(1/39)
يُقال:إن تبليغ القرآن بالنسبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - أمر واجب؛لقوله - عز وجل - { يا أيها الرسول بلّغ ما أُنزِل إليك من ربك } فإذا كان تبليغ القرآن أمراً واجباً،فإن الواجب
لا يُترَك إلاّ لأمر واجب،فلولا أن قراءة أن قرآن للجُنُب محرّمة ما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك.
فهذا الحديث في دليل على أن الجنب ممنوع من قراءة القرآن،وقد حكى شيخ الإسلام-رحمه الله-الإجماع على أنم الجنب ممنوع من قراءة القرآن،لكن الإجماع فيه نظر لوجود الخلاف؛لأن بعض العلماء أجاز للجنب أن يقرأ القرآن،وإن كان قولاً شاذاً.
- هل يقاس على الجنب غيره؟
نقول:نعم،بعض العلماء قاس على الجُنُب غيره،وقال:كل من لَزِمَه الغسل يحرم عليه قراءة القرآن،ومن الذي يلزمه الغسل؟
1-الجُنُب. 2-الحائض. 3-النفساء. 4-الكافر.
الحائض:قالوا:إنها ممنوعة من قراءة القرآن قياساً على الجنب،بجامع أن كلاًّ منهما عليه غسل واجب،(هذا الغسل عن حدث).
ق1)وهذا هو مذهب جمهور أهل العلم.
ق2)أن الحائض لا تمنع من قراءة القرآن،
أ/ قال شيخ الإسلام-رحمه الله-:ليس في منع الحائض من قراءة القرآن أدلّة صحيحة صريحة،فإذا لم يكن في المسألة أدلّة صحيحة صريحة،فالأصل الجواز.
ب/واستدلوا أيضاً:بأن الحيض كان في نساء الصحابة-رضي الله عنهن-ولم يُنقَل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهنّ في حال الحيض اجتناب قراءة القرآن.
ج/واستدل بعض العلماء-رحمهم الله-:على أن الحائض أيضاً لا تُمْنَع من قراءة القرآن،بحديث عائشة-رضي الله عنها-أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها لمّا حاضت:"افعلي ما يفعل الحاجّ غير ألاّ تطوفي بالبيت حتى تطهري".قالوا:ومن جملة ما يفعله الحاجّ قراءة القرآن،فدلّ ذلك على الجواز.
- الجواب على من قال:أن الحائض لا تقرأ القرآن كالجنب:(1/40)
قالوا:قياس ذلك على الجنب لا يصح:(1)لأن الجنب بإمكانه أن يزيل هذا الحدث عن نفسه بالاغتسال،بخلاف الحائض فإنه لا يمكنها حتى تطهر.
(ب)أن مدة الجنب يسيرة جداً؛لأنه سوف يأتيه وقت صلاة ويغتسل وجوباً،بخلاف الحائض فإن مدتها تطول.
وإذا أجازوا للحائض قراءة القرآن،فجواز ذلك للنفساء من باب أولى.
لكن في الحقيقة الاحتياط بالنسبة للمرأة الحائض ألاّ تقرأ إلاّ إذا احتاجت،من الحاجة:أن تكون حافظة للقرآن وتخشى النسيان،ومن الحاجة:أن تكون معلّمة أو متعلّمة،فإذا احتاجت لقراءة القرآن فإنها تقرأ وإذا لم تحْتَجْ فتتركه مراعاة للخلاف.
4-من فوائد الحديث:أنه يجوز للمُحدث حدثاً أصغر أن يقرأ القرآن؛لأن قوله:ما لم يكن جنباً"يخرج الأصغر؛لأن الإنسان إما طاهر وإما محدث حدث أصغر وإما محدث حدث أكبر،لكن لا يجوز أن يمسّ المصحف.
5-تعظيم القرآن،ووجه ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمتنع من إقراءه وتعليمه في حال الجنابة،ولا نعلم علّة معقولة لذلك إلاّ التعظيم.
- ما هو القرآن الذي يمتنع الجنب منه؟
قال أهل العلم:يمنع من قراءة آية فصاعداً..لكن له أن يقرأ بعض آية،وأجاز بعضهم أن يقرأ آية لا تستقلّ بمعنى مثل: { مدهامتان } وقوله { ثم نظر } هذه
لا تستقلّ بمعنى.
وله أيضاً:ما وافق القرآن إن لم يقصد القرآن،يعني ذكراً من القرآن لكن لا يقصد القراءة،كما لو أخبره رجل بمصيبة،فقال:إنّا لله وإنا له راجعون،أو ركب دابته ثم قال:سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون.
وله أيضاً:أن يُمِرَّه على قلبه من غير أن ينطق به؛لأن إمرار القرآن على القلب ليس قراءة،القراءة هي النطق،فالقراءة لا بدّ فيه من النطق وتحريك الشفتين.
وعلى هذا لو أن إنساناً أمسك المصحف وصار يقرأ بقلبه،هل يُثاب ثواب القاريء؟ لا؛لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"من قرأ حرفاً"والقراءة والقول لا بدّ فيهما من النطق باللسان.(1/41)
*لو فُتِح له مصحف،وصار ينظر فيه ويتأمّل،فهذا يجوز.
طيّب:فُتِح له المصحف،وصار ينظر فيه،ويقول:يُستفاد من هذه الآية كذا،بدون أن ينطق بالآية،فهذا يجوز.
- - -
125-عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"إذا أتى أحدكم أهله،ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءاً".رواه مسلم.
126-زاد الحاكم:"فإنه أنشط للعَوْد".
إذا أتى أحدكم أهله:إي إذا جامع أهله،فكنّى بالإتيان عن الجماع.
أهله:زوجته.
ثم أراد أن يعود:أي أراد أن يجامع مرّة ثانية.
الفوائد:
1-يُشرع للإنسان إذا جامع أهله ُثم أراد العودة مرّة أخرى أن يتوضأ بين الجِماعَيْن وضوءاً،والحكمة من ذلك:ما بيّنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في رواية الحاكم:"فإنه أنشط للعُوْد"؛لأن الإنسان إذا جامع حصل له كسل وخمول؛فإذا توضأ فإنه ينشط.
- هل المرأة مثل الرجل في هذا؟
الخطاب للرجل،لكن إذا علمنا العلّة تقول المرأة مثل الرجل،يعني المرأة لو توضأت فهو أحسن؛لأن العلّة التي من أجلها أُمِر بالوضوء في الرجل موجودة في المرأة،ففي الحديث مشروعية الوضوء لمن جامع ثم أراد العَوْد.
- لكن هل المشروعية على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب؟فيه خلاف:
ق1)ذهب بعض أهل العلم:أنه على سبيل الوجوب وأنه يجب؛لقوله:"فليتوضأ بينهما وضوءاً".
ق2)وذهب جمهور العلماء:أنه على سبيل الاستحباب؛لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عائشة-رضي الله عنها-كان يطوف على نسائه بغسل واحد.
- - -
127وللأربعة عن عائشة-رضي الله عنها-قالت:كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينام وهو جُنُب،من غير أن يَمَسَّ ماءً.وهو معلول.
وهو جنب:جملة(وهوجنب)حال.
الجنب:هو مَن لَزِمَه الغسل إما باحتلام أو جماع.
*لفظ(جُنُب)في اللغة العربية يُطْلَق على المفرد وعلى الجمع،يُقال:رجل جُنُب،وتقول:قوم جُنُب.
في الحديث:"كان رسول - صلى الله عليه وسلم - ينام وهو جُنُب":هذا مفرد.(1/42)
وفي قوله تعالى: { وإن كنتم جُنُباً } :للجمع.
وهذا يرِد في اللغة العربية أن اللفظ أو الكلمة تُستَعمل للمفرد وتُستَعمل للجمع،مثّلوا لذلك كلمة(فُلْكْ)فهذه تُستَعمل للمفرد وللجمع،تقول:جاءت الفُلْك.
فكم الفُلك؟! يمكن واحدة،ويمكن عشر،ويمكن مائة.
طيّب:ما الذي يُعيّن؟يعيّن ذلك السياق....ولهذا:هذه المسألة ذكر في الإقناع عن ابن عقيل الحنبلي-رحمه الله-أنه قال:في الأحدب(وهو منحني الظهر)فهذا لا يتميّز،يعني قيامه وركوعه سواء،تشاهده تظنّه راكع،كيف يركع؟قالوا:بالنيّة أي يركع بالنيّة؟قال ابن عقيل-رحمه الله-:(ويُجدِّدُ أحدب الركوع بالنيّة، كفُلك في العربية للواحد والجمع بالنيّة).
من غير أن يمسّ ماء:يعني سواء كان هذا الماء للغسل أو للوضوء.
يقول المؤلّف-رحمه الله-:وهو معلول،يعني فيه علّة.
والعلّة:هي وصف في الحديث يقتضي ردَّه وعدم قبوله،إما في السند وإما في المتن.
في السند:بكونه منقطع أو فيه رواة ضعاف.
في المتن:بأن يكون شاذاً أو مضطرباً. والعلّة قد تكون: أ- علّة قادحة. ب-علّة غير قادحة.
الفوائد:
1-فيه دليل على أنه يجوز للجُنُب أن ينام بغير وضوء،وهذه المسألة اختلف العلماء فيها:
ق1)ذهب بعض العلماء:على أنه يجب على الجنب إذا أراد أن ينام أن يتوضأ وجوباً،وأنه إذا نام ولم يتوضأ فإنه آثم،واستدلوا بما ثبت في الصحيحين من حديث عمر - رضي الله عنه - أنه قال:يا رسول الله أيرقدُ أحدنا وهو جُنُب؟قال:"نعم،إذا توضأ"يعني إذا توضأ فليرقد،فلم يُبِحْ-عليه الصلاة والسلام-النوم إلاّ بعد الوضوء، فيدل ذلك على أن الوضوء واجب.
ق2)وذهب بعض العلماء:على أن الوضوء مستحب،لكن يُكرَه أن ينام من غير أن يمس ماء،بدليل حديث عائشة-رضي الله عنها-أنه كان ينام وهو جنب من غير أن يمسّ ماءً،فقالوا:يستحب أن يتوضأ،فإن نام على غير وضوء فإنه جائز لكن مع الكراهة.(1/43)
وقولهم هذا في الحقيقة:أنه يستحب لكن إن تركه يُكره،هذا فيه نظر..فإنّا إمّا أن نقول إنه يُستحب وإن تركه فلا شيء عليه،وإما أن نقول مكروه؛لأنه
لا يلزم من ترك المسنون الوقوع في المكروه،فمثلاً:لو دخل المسجد وقدَّم رجله اليسرى،السنّة أن يقدّم رجله اليمنى،هل نقول:فعلتَ
مكروهاً؟نقول:لا،بل تركت مسنوناً...وبين المسنون والمكروه مرتبة وهي الإباحة؛لأن الأحكام الشرعية:واجب ،ومحرم ،وسنّة ،
ومكروه ،ومباح.فلا يلزم من أنّ الإنسان من كونه يترك المسنون أن يقع في المكروه،وهذه الحقيقة وهذه القاعدة يُعبّر بها الفقهاء
كثيراً،يقولون مثلاً:يُكره أن يوجّه الذبيحة حال الذبح إلى غير القبلة،لماذا؟لأن السنّة توجيهها إلى القبلة.فيقال:إنه لا يلزم من ترك
المسنون الوقوع في المكروه؛لأن بين المسنون وبين المكروه مرتبة زهي الإباحة.
^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^
يقول الشيخ-حفظه الله-في الأسئلة:
قاعدة:النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أمر بأمر أو نهى عن شيء ثم فعل ما يخالفه،دلّ ذلك على أن الأمر ليس للوجوب،والنهي ليس للتحريم.
مثال:
*نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن البول قائماً،وأتى سُباطة قوم فبال قائماً.
*نهى عن الشرب قائماً،وشرب قائماً،كما في حديث علي - رضي الله عنه - في الصحيحين عندما طاف طواف الإفاضة أتى إلى زمزم فشرب وهو قائم.لكن نقول:السنّة أن تشرب جالساً،لكن لو شرب الإنسان واقفاً قال بعض العلماء:يُكره أن يشرب قائماً؛لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك،وفِعْلُه يدلّ على الجواز عند الحاجة..لا أنّه جائز مطلقاً،وهذا اختيار الحافظ ابن حجر-رحمه الله-في الفتح،وأنشدَ على ذلك:
إذا رُمْتَ تشرب فاقعد تَفُز بسنّة صفوة أهل الحجاز
وقد صحّحوا شُربَهُ قائماً ولكنّه لبيان الجواز
- - -(1/44)
128-وعن عائشة-رضي الله عنها-قالت:كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه،ثم يفرغ بيمينه على شماله،فيغسل فَرْجَهُ ،ثم يتوضأ،ثم يأخذ الماء، فيدخل أصابعَه في أصول الشعر،[حتى إذا رأى أنه قد استبرأ]،ثم حَفَنَ على رأسه ثلاث حفنات،ثم أفاض على سائر جسده،ثم غسل رجليه.متفق عليه ،واللفظ لمسلم.
كان:فعل ماض ناقص يدل على الدوام غالباً بشرط أن يكون خبرها فعل مضارع.
إذا اغتسل:إذا أراد أن يغتسل،فعبّر بالفعل عن إرادته،إذا كان الفعل قريباً.
من الجنابة:أي بسبب الجنابة،و(من)هنا سببية.
يغسل يديه:يُطلق بها الكف،والدليل قوله تعالى: { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } ومعلوم أن يد السارق تُقطَع من الكفّ.
*الحكمة من غسل اليدين:أنهما آلة الغَسل،فكان من المناسب أن يبدأ بغسلهما،وتنظيفهما.
ثم يفرغ بيمينه على شماله:يفرغ بمعنى:يصبّ ،وصفة ذلك:
أ- أن يأخذ الماء بيده اليمنى،ثم يضعه بيده اليسرى.
ب- ويحتمل:أن يُصاغِيَ الإناء بيده اليمنى حتى يصبّ الماء بيده اليسرى.
يغسل فرجه:يغسل فرجه من أثر الجنابة من منيّ وأوساخ.
فيدخل أصابعه في أصول الشعر:يعني يخلل شعره،وإنما فَعَل ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛لأن شعره كان كثيفاً.
حَفَنَ:الحفنة:هي ملء الكف من الشيء .
ثم أفاض:أَسَالَ أو صَبَّ.
سائر جسده:سائر،هل هي بمعنى باقي أو بمعنى جميع؟هذا فيه خلاف بين أهل اللغة:
ق1)جمهور أهل اللغة:على أن سائر بمعنى باقي،قيل مأخوذ من السُّؤْر وهو بقيّة الطعام والشراب،ومنه سُؤْر الهرّة،وهو بقية طعامها وشرابها.
ق2)وقال بعض أهل العلم:أن سائر بمعنى جميع،قيل مأخوذة من السُور،ومنه سُور المدينة؛لإحاطته بها،ومنه السورة من القرآن؛لإحاطتها بالآيات.
- ما الذي يترتب على هذا الخلاف في الحديث؟(1/45)
نقول:إن كانت سائر بمعنى(باقي)فالمعنى أنه أفاض الماء على بقيّة بدنه خلا الرأس؛لأنه-عليه الصلاة والسلام-حَفَنَ على رأسه ثلاث حفَنَات.
وإذا قلنا:إن سائر بمعنى (جميع)فالمراد:أفاض الماء على سائر جسده ومن جملة ذلك الرأس.
ثم غسل رجليه:يعني بعد أن فرغ من الغسل.
هذه اللفظة(ثم غسل رجليه)انفرد بها مسلم دون البخاري-رحمهما الله-.
ومسلم-رحمه الله-روى هذا الحديث من أربعة طرق،ثلاثة من هذه الطرق ليس فيها غسل الرجلين،وطريق واحد فيه غسل الرجلين،وهو طريق أبي معاوية ذكر فيه غسل الرجلين،ومن ثَمَّ اختلف العلماء في هذه اللفظة هل هي ثابتة أم لا؟
ق1)ذهب بعض العلماء:أنها ليست ثابتة وأنها شاذة سنداً ومتناً.
أما سنداً:لانفراد أبي معاوية بها عن بقيّة الرواة.
أما متناً: هي شاذّة من جهة المعنى؛لأن قولها-رضي الله عنها-"ثم يتوضأ"يقولون:لا معنى لإعادة غسل الرجلين مع أنه قد غسلهما في الوضوء؛لأننا
قلنا:"ثم يتوضأ وضوءه للصلاة".
* فإذا قال قائل:قد جاء في بعض الروايات في حديث ميمونة أنه-عليه الصلاة والسلام-بعد أن فَرَغَ من الغُسل غَسَلَ رجليه،وهذا يدل على أن مسلم-رحمه الله-لم ينفرد بها في إحدى الروايات؟!
فالجواب: أن حديث ميمونة جاء في بعض الراويات أنه-عليه الصلاة والسلام-توضّأ إلاّ رجليه،فالنبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ميمونة توضأ لكنه لم يغسل رجليه،فأخّر غسل الرجلين إلى أن فرغ من الغُسل،فلا يكون في حديث ميمونة أنه-عليه الصلاة والسلام غسل رجليه مرّة ثانية،بل غُسل الرجلين هذا تابع للوضوء.
ق2)وذهب بعض العلماء-رحمهم الله-:إلى أن هذه اللفظة ثابتة،وقالوا:إنها زيادة من ثقة،وزيادة الثقة مقبولة. ولأنه يحتمل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك لسبب:
مثل أن تكون الأرض فيها طين؛(لأنه في الزمن السابق كانت الأرض تراباً،فإذا أصابها الماء تصيّر طيناً فتتلوّث القدمان)فلهذا احتاج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن(1/46)
يغسل رجليه بعد الغسل،وهذا الذي مشى عليه فقهاء الحنابلة-رحمهم الله-،ولهذا من عبارات(زاد المستقنع):{ثم يغسل قدميه مكاناً آخر}لأنه في حديث ميمونة:تنحّى عليه الصلاة والسلام فغسل قدميه.
وعلى هذا يُقال: المغتسل إن غسل رجليه مع الوضوء السابق على الغسل،فلا يُشرع له أن يغسلهما بعد الغسل،وإن لم يغسلهما مع الوضوء فإنه يغسلهما
بعد الغسل.
الفوائد من الحديث السابق:
1-التصريح لما يُستحيا من ذكره،وهو لمصلحة وهو نشر العلم،ويتفرّع على ذلك بعض فوائد:
# فضيلة أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ،ووجه ذلك أنهن نقلن كثيراً من الأحكام الشرعية التي لا يطّلِع عليها غيرهنّ،مثل:صفات الاغتسال من الجنابة،وصفة النوم،وصفة
قيام الليل،وغيره.
- وبهذا تُعرف حكمة - صلى الله عليه وسلم - في تعدّد زوجاته،وتعدّد زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - له حِكَم،خلافاً لمن قال:إنه رجل شهواني-والعياذ بالله-وا،÷ يتزوّج النساء لقضاء الوَطَر والشهوة،فهذا قول باطل،وإنما عدّد –عليه الصلاة والسلام-لِحِكَم،منها:
? الاطّلاع،حيث أن زوجاته يَطَّلِعْن على أحواله الباطنة ويشاهدنها،فإذا اطّلعن على أحواله الباطنة وشَهِدنها كَذَبَ ما يقوله المفترون من كونه ساحر،فإذا كانت أزواجه يطّلِعن عليه في يقظته ونومه وعبادته،وفي أكله وشربه،تبيّن ذلك بطلان قولهم.
? تأليف القلوب،ولا سيّما في القبائل والعشائر؛لأن كثيراً من القبائل إنما تألّفها النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛لأنه تزوّج منهم،ففيه تأليف قلوب العشائر.
? كثرة أعوانه بتعدّده الزوجات،فيكثر أعوانه ومناصريه؛لأنه إذا كان قد تزوّج من هذه القبيلة ومن هذه القبيلة ومن غيرها،فستصبح كل قبيلة عوناً له.
? نشر الأحكام الشرعية،فإن كثيراً من الأحكام الشرعية لم تُنشَر إلا عن طريق أزواجه-عليه الصلاة والسلام-.(1/47)
? توثيق الصِلات وتقوِيَتها،وهذا غير التأليف. مثل ما حصل مع أبي بكر وعمر - رضي الله عنهم - ،فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوّج عائشة وحفصة-رضي الله عنهما-ومعلوم أنه عندما تزوّج عائشة وحفصة-رضي الله عنهما-قَوِيَت الصِلة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهم - .
? جَبْر خاطر من انكسر قلبها،مثل ما حصل من صفيّة-رضي الله عنها-فصفيّة بنت حُييّ بن أخطب من سادات القوم،لمّا أُسِرَت لا شكّ أن هذا يكون فيه كسرٌ لقلبها،فَكَوْنُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يصطفيها لنفسه أولاً،ثم يعتقها ثانياً،ويجعل عتقَها صداقها،فهذا في جبر لخاطرها.
2-ومن فوائد هذا الحديث:مشروعية الاغتسال بهذه الصفة،وهي أن يغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شماله ثم يغسل فرجه ثم يتوضأ.
- هل هذه الصفة واجبة أم هي صفة الكمال والأفضل؟
نقول هي:الكمال والأفضل،لأن الغسل نوعان:
أ- المجزيء:وهو أن يعمّ بدنَه بالماء غَسْلاً مع المضمضة والاستنشاق.
ب-المستحب:وهو الكامل كما في هذا الحديث.
* فإذا قال قائل إن قوله تبارك وتعالى: { وإن كنتم جنباً فاطّهروا } هذا مجمل،بيّنَه-عليه الصلاة والسلام-في حديث عائشة وفي حديث ميمونة-رضي الله عنهما-حيث اغتسل على هذه الصفة،ومعلوم أن المجمل يُحمَل على المُبَيَّن،فتكون هذه الصفة واجبة؛لأنها بيان لمجمل واجب،والمجمل إذا كان واجباً فالمُبَيّن يكون واجباً،فما الجواب عن هذا؟!
نقول:الجواب عن هذا من أحد وجهين:
الوجه الأوّل:ما ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً معتزلاً في القوم،فسأله فقال:أصابتني جنابة ولا ماء،(في آخر الحديث لمّا جاء الماء)النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه ماءً،
وقال:"خذ هذا وأفرِغه على نفسك" ولم يبيّن له صفة الغسل الواجب،ولو كان هذا الاغتسال على هذه الصفة واجباً؛لبيّنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛لأن تأخير
البيان عن وقت الحاجة لا يمكن.(1/48)
الوجه الثاني:أن ظاهر قوله تعالى: { وإن كنتم جنباً فاطّهروا } يدلّ على أن الترتيب على هذه الصفة ليس بواجب؛لأنه لو كان واجباً لبيّنه الله تبارك وتعالى كما
بيّن صفة الوضوء،لمّا أراد الله تعالى في الوضوء أن يكون على هذا الترتيب وعلى هذا النَّمَط بيّن: { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا
وجوهكم...... } فذكر الوضوء مرتبً كاملاً،ولو كان يريد من عباده أن يفعلوا هذه الصفة لكان يبيّن ذلك في مسألة الغُسل.
3-ومن فوائد الحديث:فيد دليل على عدم وجوب التسمية عند الغسل؛لأنها لم تُذكر لا في حديث عائشة ولا في حديث ميمونة-رضي الله عنهما-
وهذه المسألة فيها خلاف:
ق1)المشهور من مذهب الإمام أحمد-رحمه الله-:أن التسمية واجبة في الوضوء والغُسل والتيمم،وقالوا:أما الوضوء فظاهر؛لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - :"لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه"وهنا النفي نفيٌ للصحة،قالوا:فالغسل والتيمم كالوضوء؛لأن كُلاًّ منهما طهارة.
ق2)ذهب بعض العلماء إلى أن التسمية:وإن قلنا إنها واجبة في الوضوء ،فإنها لا تجب لا في الغسل ولا في التيمم.
لا تجب في الغسل،لماذا؟ 1-لأن الذين وصفوا وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكروا أنه سمّى.
2-ولأن الغسل يخالف الوضوء في أسبابه وفي كيفيته،وفيما يترتب عليه من أحكام.
3-ولأن المُغتسِل في الغالب يكون عُرياناً،فلا يُناسب أن يذكر الله تبارك وتعالى على هذه الحال.
لا تجب في التيمم،لماذا؟ 1-لأن التيمم يخالف الوضوء في أنه في عضوين،والوضوء في أربعة أعضاء.
2-ولأن التيمم لا تختلف كيفيته في الطهارة الكبرى ولا الصغرى،بخلاف الوضوء.
4-ومن فوائد الحديث:أنه لا يُشرع التثليث في غَسْل غير الرأس؛لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُثلِّث.
*الفقهاء-رحمهم الله-استحبّوا التثليث،قالوا:يستحب أن يغسل بدنه ثلاثاً،وقاسوا ذلك على الوضوء،وقالوا:كما أنه يشرع في الوضوء فيُشرع في الغُسل،(1/49)
لكن هذا القياس فيه نظر من وجهين:
أولاً:لأن هذا لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث عائشة وفي حديث ميمونة-رضي الله عنهما-.
ثانياً:أن قياس الغُسل على الوضوء قياس مع الفارق،وذلك لأن الوضوء يكون في أربعة أعضاء،وأما الغُسل فيكون في جميع البدن.
5-ومن الفوائد:العناية بشعر الرأس؛لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حَفَنَ على رأسه ثلاث حفنات،وأدخل أصابعه في أصول الشعر،فدلّ على أن غسل الجنابة فيه مزيد عناية بالشعر.
- قال أهل العلم-رحمهم الله-:إيصال الطَهور للشُعُور في الطهارات ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
أ- ما يجب إيصال الطَّهور إلى الشعر،سواء كان كثيفاً أم خفيفاً،وذلك في الطهارة الكبرى.
ب- ما يجب إيصال الطَّهور للظاهر فقط سواء كان الشعر خفيفاً أم كثيفاً،وذلك في طهارة التيمم.
ج- ما يجب إيصال الطَّهور إلى الشعر إن كان خفيفاً،وأما إن كان كثيفاً يقتصر على الظاهر فقط،وهذا في الطهارة الصغرى.
6-ومن الفوائد:أنه لا يجب الدّلك،بل يُكتفى بالغَسل؛لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُذكر في الحديث أنه دَلَكَ،لكن هل الدلك واجب أو مستحب؟فيه خلاف:
ق1)قال بعض العلماء:أن التدلّك فرض،أي واجب مطلقاً سواء كان على أعضاء الوضوء أو أعضاء الطهارة ما يمنع وصول الماء
أم لم يكن ما يمنع؛لأنه بالدلك يتيقن،ولهذا أشار القحطاني-رحمه الله-في نونيّته:
الغَسْل فرضُ والتدلّك سنة وهما في مذهب مالك فرضان
فو صول الماء إلى البشرة لا سيّما إذا كان الماء قليلاً فرض،وهو قول مالك-رحمه الله-.
ق2)جمهور العلماء:أن الدلك سنة،ويجب إذا كان على أعضاء الوضوء ما يمنع وصول الماء من دهن ونحو ذلك،وهو الصحيح.
129-ولهما من حديث ميمونة-رضي الله عنها-:ثم أفْرَغَ على فرجه وغسله بشماله،ثم ضرب بها الأرض.
ثم أفرغ:يُقال فيها كما قيل فيما سبق.
وغسله بشماله:أي غسل الفرج يكون بالشمال.(1/50)
*وقد أخذنا قاعدة فيما سبق:أنه ما كان من باب الإهانة،فإنه يكون بالشمال،وما سوى ذلك فيكون باليمين.
ثم ضرب بها الأرض:أي ضرب بشماله الأرض،وفي رواية:أنه ضرب بها الحائط مرتين أو ثلاثاً،والحكمة مما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - :
أ)لأن ذلك أبلغ في الإنقاء؛لأن يده التي يغسل بها فرجه لا تخلو من أشياء متعلّقة بها من أثر المنيّ والأوساخ.
ب)وأن في توفيراً للماء؛لأنه لو لم يضرب الأرض واحتاج أن يزيل أثر ما علق بيده من الفرج يحتاج إلى ماء أكثر.
- - -
130-وفي رواية:فمسحها بالتراب،وفي آخره:ثم أتيته بالمنديل،فردّه،وفيه:وجعل ينفض الماء بيده.
هذه الرواية مفسّرة لقولها:"ثم ضرب بها الأرض،وأن المراد"ضرب بها الأرض":المسح.
ثم أتيتُه بالمنديل:هو ما ينشّف به المغتسِل جسده بعد غسله(الفوطة).
فردّه:لم يأخذه،لماذا ردّه النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟
- يحتمل أنه ردّه؛لأن فيه أوساخ.
- ويحتمل أنه ردّه لألاّ يبتلّ هذا المنديل؛لأنه ربما يريد أن يستعمله في شيء آخر، فالله أعلم لماذا ردّه النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟!
- وقال بعض العلماء:ردّ النبي - صلى الله عليه وسلم - المنديل ولم يتنشَّف به؛ليبقى الماء على أعضائه،وتتقاطر فتخرج الذنوب مع آخر قطرة،لكن هذا فيه نظر ؛لأن فيه قوله في
الحديث:"وجعل ينفض الماء بيده" فهذا يردّ هذا القول؛لأن النفض هو:سلتُ الماء من الجسد.
- - -
131- عن أم سلمة-رضي الله عنها-قالت:قلتُ:يا رسول الله،إني امرأة أشدُّ شعر رأسي،أفأنقضه لغسل الجنابة؟وفي رواية:والحيضة.قال:"لا،إنما يكفيك أن تحْثي على
رأسك ثلاث حثََياتٍ"رواه مسلم.
أشدّ شعر رأسي: لماذا ؟ لكي تجعله ظفائر؛لأن من لازم المرأة أن تجعل شعرها ظفائر،فلا بدّ قبل ذلك أن تشدّه.
قال - صلى الله عليه وسلم - :" لا ": اختلف العلماء هل قوله" لا " هو نفي للوجوب أو نهي؟
ق1)قال بعضهم:أن (لا) هنا نهي، فإذا قلنا بذلك،فنقض الشعر ليس بمستحب.(1/51)
ق2)وقال بعضهم:أن (لا) هنا نفي للوجوب،وإذا قلنا بذلك فلا يمنع أن يكون نقض الشعر مستحباً.وهذا هو الراجح
الفوائد:
1-فيه دليل على أن المرأة لا يجب عليها أن تنقض شعر رأسها إذا أرادت الاغتسال،وسواء كان هذا الغُسل للجنابة أو للحيض،وأما ما جاء في بعض الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بنقض الشعر:"أُنقضي شعر رأسك وامتشطي أو واغتسلي".فقالوا:إن الأمر فيه للاستحباب وليس للوجوب.إذاً :لا يجب على المرأة أن تنقض شعر رأسها في غسل الجنابة أو غسل الحيض،إذا تيقنَت وصول الماء.
- - -
132-عن عائشة-رضي الله عنها-قالت:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"إني لا أحلّ المسجد لحائض ولا جُنُب".رواه أبو داود.وصححه ابن خزيمة.
إني لا أُحِلُّ:أي أُحرّم أو أمنع؛لأن نفيَ الحِلّ يستلزم الحُرمة.
لحائض:وهي مَن أصابها الحيض.
ولا جنب:وهو مَن وَجَبَ عليه الغسل إما بإنزال أو جماع.
- قوله عليه الصلاة والسلام:"لحائض" بالتذكير،ولم يقل :"لحائضة"بتاء التأنيث،لماذا ؟
نقول:لأن الوصف إذا كان مما يختصّ بالأنثى،فإنه لا حاجة أن يُؤتى بتاء التأنيث،يُقال:امرأة حامل وامرأة حائض،ولا يُقال:امرأة حاملة وامرأة حائضة؛لأن هذا الوصف من خصائص النساء،لكن إذا كان الوصف لا يختصّ بالمرأة يشمل الرجل والمرأة،فإنه لا بدّ من الإتيان بتاء التأنيث،رأيت امرأة حاملة طفلها على رأسها،ما تقول:حامل؛لأن الحمل هنا ليس من خصائص الإناث،بل مشترك بينهما للإناث والذكور.
- قوله عليه الصلاة والسلام:"لا أحلّ" أي:أحرّم،لكن هل التحريم هنا تحريم للأعيان أو تحريم لمنافع الأعيان؟(1/52)
نقول:هو تحريم لمنفعة العين،وذلك لأن التحريم إذا أُضيف فإنه لا يُراد به تحريم الأعيان وإنما يُراد به تحريم منفعة العين،فمثلاً قوله تعالى: { حرّمت عليكم أمهاتكم } ما المحرّم بالنسبة للأم؟هل الأم كلّها حرام،كلامها والجلوس معها؟! لا ،المراد هنا نكاحها،إذاً التحريم هنا هل هو تحريم لأعيان الأمهات أو لوصف فيها؟نقول:لوصف فيها.
فالمراد بالتحريم في الحديث هو:تحريم المنافع،أي منافع هذه الأعيان.
المسجد:يُقال:مسجِد ويُقال:مسجَد.
فالمسجِد:هو المكان الذي أُعِدّ للصلاة.
والمسجَد:هو موضع السجود.
والمسجد:هو المكان الذي أُعِدّ وهيّئ لإقامة الصلاة فيه.أي الصلوات كلها،أنا المكان الذي يُصلّى فيه فرض أو فرضان،فهذا ليس له حكم مسجد،بل يسمّى مصلّى.فالمصلّى لا يأخذ أحكام المساجد،فمثلاً الدوائر الحكومية والمدارس تعتبر مصلّى،أما المحطّات:بعضها مصليّات وبعضها مساجد.
فضابط المسجد:المكان الذي هيّىء لإقامة الصلوات فيه. يعني يُؤذّن فيه كل وقت وله إمام يصلّي فيه،أما الأماكن التي ما يصلّون فيها إلاّ مرّة أو مرتين في اليوم فهذا ليس بمسجد،فدخول الحائض والجُنُب إلى هذه المصليّات ومُكْثهما فيها ليس حراماً.
أما مصلّى العيد:حكمه حكم المسجد،ولهذا النبي-عليه الصلاة والسلام-قال:"ولتعتزل الحيّض المصلّى"فأعطاه عليه الصلاة والسلام بعض أحكام المساجد، ولهذا قال فقهاؤنا فقهاء الحنابلة في(المنتهى):{ومصلّى العيد مسجد،لا مصلّى الجنائز} ولهذا يجوز الاعتكاف فيه،لكن للمرأة فقط،أما الرجل فلا يجوز؛لأنه يُشترط في المكان الذي يعتكف فيه الرجل أن يكون هذا المكان تُقام فيه الجماعة. (وضابط المسجد في غير مصلّى العيد:هو المكان الذي تُقام فيه الصلوات، أما مصلّى العيد لولا ورود النصّ لقلنا:ليس مسجداً،لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - لمّا أعطاه بعض أحكام المساجد دلّ على أنه له أحكام المساجد).(هذا في جوابه على الأسئلة).(1/53)
- ما ضابط ما يدخل فيه المسجد وما يخرج منه؟
نقول:كل ما أحاط بالمسجد أي بسور المسجد فهو منه،وما كان خارج سور المسجد فليس منه.
الفوائد:
1- تحريم لُبث الحائض والجُنُب في المسجد،لقوله عليه الصلاة والسلام:"إني لا أُحلّ المسجد لحائض ولا جنب".
لكن دلّت الأدلّة على أن الحائض والجنب يجوز لهما العبور،قال الله - عز وجل - : { ولا جُنُباً إلاّ عابري سبيل } وهذا في الجنب،أما الحائض فقد ثبت في الحديث
الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة:"ناولِيني الخُمرة"فقالت:إني حائض،فقال عليه الصلاة والسلام:"إن حيضتكِ ليست في يدك".
* لكن هل العبور جائز سواء كان لحاجة أو لغير حاجة؟
ق1)ظاهر الآية:العموم سواء لحاجة أو لغير حاجة،وهذا هو مذهب الحنابلة-رحمهم الله-وهو الصواب.
ق2)وقال بعض العلماء:لا يعبر إلاّ لحاجة،وهذا مشَى عليه صاحب مختصر (المقنع) صاحب(زاد المستقنع)يقول:{ويعبر المسجد لحاجة}.
لكن يُكره أن يُتّخذ المسجد طريقاً.
133- وعنها قالت:كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد،تختلف أيدينا فيه من الجنابة.متفق عليه،وزاد ابن حبان:"وتلتقي".
تختلف:بمعنى أنها تدخِل يدها،والنبي - صلى الله عليه وسلم - يرفع يده،أو هو يدخل يده وهي ترفع يدها.
وتلتقي:أي تتصادم.
الفوائد:
1-فيه دليل على التكنية أو التصريح بما يُستحيا من ذكره لنشر العلم.
2-جواز تعرّي الزوجين بعضهما مع بعض؛لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل هو وعائشة-رضي الله عنها-من إناء واحد،ومن لازم ذلك التعرِّي،وقد دلّ على ذلك قول الله تعالى: { والذين هم لفروجهم حافظون - إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } .
3-غمسُ يد الجنُب في الإناء،فإنه لا يسلبه الطهورية،وإن كان قبل أن يغسلها ثلاثاً،خلافاً للفقهاء-رحمهم الله-فإنهم قالوا:من غمس يده في الإناء قبل غسل يديه ثلاثاً،فإنه يسلبه الطهورية،فيصبح طاهراً لا طهوراً.(1/54)
4-بساطة النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛لأنه لم يتكلّف ويغتسل في إناء مُستقِلّ،بل كان يغتسل هو وأم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها-من إناء واحد؛لأن هذا يُشعر ويُؤلّف بين الزوجين.
- - -
134- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"إن تحت كلّ شعرة جنابة،فاغسلوا الشعر،وأنقوا البَشَر".رواه أبو داود والترمذي وضعَّفاه.
135-ولأحمد عن عائشةَ-رضي الله عنها-نحوُهُ،وفيه راوٍ مجهول.
تحت كل شعرة:سواء كان هذا الشعر شعر الرأس،أو شعر بقيّة البدن،فكل شعرة من البدن تحتها جنابة.
فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر:أيهما أبلَغ الإنقاء أم الغَسْل؟
الإنقاء أبلَغ، وإنما قال-عليه الصلاة والسلام-:"فاغسلوا الشعر،وأنقوا البشَر"لأن البَشَر يحتاج إلى إنقاء في بعض الأحيان،وذلك أن البشرة قد يكون عليها أوساخ أو دهون أو عرَق،فتحتاج إلى إنقاء أي مبالغة في الغَسل.
*هذا الحديث ضعيف مثل ما قال المؤلّف-رحمه الله-فيه راوٍ مجهول،من حيث السند ضعيف،ولكن معناه صحيح،دلّت النصوص على هذا المعنى من الكتاب والسنّة.
قال الله تعالى: { وإن كنتم جُنُباً فاطّهروا } وهذا يدلّ على أنه يجب تعميم البدن بالغَسْل.
وسبق لنا في حديث عائشة-رضي الله عنها-أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفيض الماء على سائر جسده،إذاً ما دلّ عليه الحديث من المعنى صحيح،لا من هذا الحديث لكن من نصوص أخرى.
هذا الحديث على تقدير صحّته،فيه فوائد:(1/55)
1-في الحديث دليل على ما قال الفقهاء-رحمهم الله-:من أن الجنابة تَحِلّ جميع البدن،يعني يُوصَف جميع البدن بأنه جُنُب،وإذا حلّت الجنابة جميع البدن وَجَبَ غَسْلُ جميع البدن،وبهذا تُعْرَف الحكمة أن الله - عز وجل - أوجب في غسل الجنابة،أن يُغسَل جميع البدن،ما هي الحكمة؟قالوا إن الحكمة من ذلك:أن الإنسان إذا جامع أو إذا أنزل منيّ،فإن جميع بدنه تلذّذ بهذه الشهوة،ولهذا يَهْتَزّ جميع البدن،فكان من الحكمة أن يطهّر جميع البدن.ونظير ذلك:الزاني المُحصَن يُرْجَم حتى يموت.قال العلماء:أن جميع البدن بدنه تلذّذ بهذه الشهوة المحرّمة،فكان من الحكمة أن يصيبه الألم في جميع بدنه.
- وبهذا انتهى هذا الباب،فالذي تلخّص لنا مما تقدّم من الأغسال،هي:
1- الجنابة. 2- الحيض. 3-إسلام الكافر. 4- الجمعة. 5- النفاس.
ما سِوى هذه الأغسال حكمها مستحبّ.
الجنابة: توجب أشياء،وتمنع من أشياء :
*توجب:الغسل.
* يُمنَع الجُنُب من أشياء:
1)من كلّ شيء تُشترط له الطهارة،مثل:
- الصلاة.
- مسّ المصحف.
- الطواف،عند جمهور العلماء.
2)قراءة القرآن،ونخصّ ذلك؛لأن مَن حدثه أصغر لا يُمنَع من قراءة القرآن،يجوز له القراءة بدون مسّ.
3)الُّلبث في المسجد بغير وضوء .
الحائض:تُمنَع من أشياء وتوجِب أشياء:
*تمنع من الأشياء التي يُمنع منه الجُنُب،وهي الثلاثة السابقة:
1)كلّ ما تُشترط له الطهارة. 2)قراءة القرآن. 3)اللبث في المسجد مطلقاً.
وتوجد أشياء تمنع منها أيضاً:
4)الوطء. 5)الصيام. 6)الاعتكاف.
7)الطلاق،فيحرم طلاق الحائض،قال تعالى: { يا أيها النبي إذا طلّقتم النساء فطلّقوهن لعدتهنّ } .
- لكن يُستثنى من تحريم طلاق الحائض مسائل يجوز فيها طلاق الحائض،في ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: إذا كان الطلاق قبل الدخول والخلوة.(1/56)
مثال:رجل تزوّج امرأة،عَقَدَ عليها ولم يدخل بها ولم يَخْلُ بها،وطلّقها وهي حائض،فإن الطلاق يقع،وأنه طلاق سنّة ولا يوصَف بأنه بدعة؛لأنه لا عِدّة عليها،قال الله تبارك وتعالى: { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّة تعتدونها } .
المسألة الثانية: إذا كانت الحائض حاملاً ،وهذا نادر.
إذا كانت حاملاً وهي حائض جاز الطلاق؛لأنها حينئذٍ تعتدّ بوضع الحمل،لا بالحيض،قال تعالى: { وأُولات الأحمال أجلُهُنّ أن يضعن حملهنّ } وجاز الطلاق في هذه المسألة؛لأن الحمل يقضي على الحيض،ولهذا الحامل تُسمّى عند العلماء(أمّ المعتدات)أو(أم العِدَد)لأن عدّة الحمل تقضي على كلّ عدّة،وحيض الحامل نادر قليل،ولهذا قال الإمام أحمد-رحمه الله-:"إنما تَعْرِف النساء الحمل بانقطاع الحيض".
المسألة الثالثة: إذا كان الطلاق على عِوَض.
يجوز للإنسان أن يطلّق امرأته على عِوَض وهي حائض وهو(الخُلع).مثال:لو أن امرأة حصل بينها وبين زوجها شِقاق ونزاع،فطلبت منه الطلاق،فقال:لا أُطلقكِ إلاّ بدراهِم،أو ابذلِي دراهم وأطلقكِ،فبذلت دراهم وطلّقها،فهذا الطلاق يصحّ،ولا يكون طلاق؛لأنه فسخ،حتى ولو كان حال الحيض،لما ثبت في الصحيحين من حديث امرأة ثابت بن قيس،فقالت يا رسول الله:إني لا أعيب عليه في خُلُق ولا دين،ولكنِّي أكره الكفر في الإسلام(الكفر هنا هو كفر العشير)فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"أتردّين عليه حديقته؟"قالت:نعم،قال:"اقبل الحديقة،وطلّقها تطليقة".هنا لم يستفصِل-عليه الصلاة والسلام-هل كانت حائضاً أو غير حائض.
*الحيض يوجب أشياء:
1)الغُسُل.
2)البلوغ؛لأن الحيض يحصل به البلوغ.
3)الاعتداد بالحِيَض،أنها تصير من ذوات الحيض لا بالأشهر؛لأنها قبل أن تحيض عدتها بالأشهر.وهذا ما لم تكن عدتها عدة وفاة؛لأنها إن كانت(1/57)
عدّة وفاة فعدّتها بالأشهر سواء كانت حائضاً أو لم تكن حائضاً؛لقوله تعالى: { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهنّ أربعة
أشهر وعشراً } .
وبهذا انتهى - باب الغسل وحكم الجنب - يوم الجمعة 11/1/1424هـ
أسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح(1/58)