حديث عثمان فأخرجه الترمذي فيما بعد، وأما حديث سعيد بن زيد فأخرجه الترمذي في مناقبه، وأما حديث ابن عباس فلينظر من أخرجه، وأما حديث سهل بن سعد فأخرجه أبو يعلى ووقع فيه لفظ أحد مكان حراء كما في الفتح، وأخرجه أيضاً أحمد بلفظ أحد، وأما حديث أنس بن مالك فأخرجه مسلم وأبو يعلى، وأما حديث بريدة فأخرجه أحمد ورجاله رجال الصحيح. قوله: "وهذا حديث صحيح" وأخرجه مسلم بسند الترمذي ولفظه وزاد في رواية سعد بن أبي وقاص، قال النووي أما ذكر سعد بن أبي وقاص في الرواية الثانية فقال القاضي إنما سمي شهيداً لأنه مشهود له بالجنة انتهى. وقال القاري مات سعد في قصره بالعقيق فتوجيه هذه الرواية أن يكون بالتغليب أو كما قال السيد جمال الدين أنه ينبغي أن يقال كان موته بمرض من الأمراض التي تورث حكم الشهادة(10/188)
75 ـ باب
3782 ـ حَدّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرّفاعِيّ، حدثنا يَحْيَى بنُ اليَمَانِ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، عَن الْحَارِثِ بنِ عبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أَبي ذُبابٍ، عَن طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللّهِ قالَ قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لِكُلّ نَبِيَ رَفِيقٌ وَرَفِيقِي يَعْنِي في الْجَنّةِ عُثْمَانُ". هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بالقَوِيّ وَهُو مُنْقَطِعٌ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا أبو هشام" اسمه محمد بن يزيد بن محمد بن كثير "عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب" بضم المعجمة وبالموحدتين "عن طلحة بن عبيد الله" بن عثمان التيمي كنيته أبو محمد أحد العشرة مشهور استشهد يوم الجمل سنة ست وثلاثين وهو ابن ثلاث وستين. قوله: "لكل نبي رفيق" هو الذي يرافقك،(10/188)
قال الخليل ولا يذهب اسم الرفقة بالتفرق "ورفيقي يعني في الجنة عثمان" خبر للمبتدأ والجملة معترضة بينهما من كلام طلحة أو غيره تفسيراً وبياناً لمكان الرفاقة والأظهر أنه في كلامه صلى الله عليه وسلم على سبيل الإطلاق الشامل للدنيا والعقبى جزاء وفاقاً، ثم هو لا ينافي كون غيره أيضاً رفيقاً له صلى الله عليه وسلم كما ورد عن ابن مسعود في رواية الطبراني ولفظه: "إن لكل نبي خاصة من أصحابه وإن خاصتي من أصحابي أبو بكر وعمر". نعم يستفاد منه أن لكل نبي رفيقاً وأنه له رفقاء، ولا مانع في ذلك في مقام الجمع ومع هذا في تخصيص ذكره إشعار بعظيم منزلته ورفع قدره قاله القاري. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة ولفظه: "لكل نبي رفيق في الجنة ورفيقي فيها عثمان بن عفان" "ليس إسناده بالقوي وهو منقطع" والانقطاع بين الحارث بن عبد الرحمن وطلحة، قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته أرسل عن طلحة انتهى. وفيه شيخ من بني زهرة وهو مجهول(10/189)
76 ـ باب
3783 ـ حَدّثَنَا عبْدُ اللّهِ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، أخبرنا عَبْدُ اللّهِ بنُ جَعْفَرٍ الرّقيّ، حدثنا عُبَيْدُ اللّهِ بنُ عمرو عَن زَيْدٍ هُوَ ابنُ أبي أُنَيْسَةَ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، عَن أَبي عَبْدِ الرّحْمَنِ السّلَمِيّ قالَ: "لَمّا حُصِرَ عُثْمَانُ أَشْرَفَ
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا عبد الله بن جعفر" بن غيلان بالمعجمة الرقي أبو عبد الرحمن القرشي مولاهم ثقة لكنه تغير بآخره فلم يفحش اختلاطه من العاشرة "حدثنا عبيد الله بن عمرو" الرقي "عن أبي إسحاق" هو السبيعي. قوله: "لما حصر" بصيغة المجهول أي أحيط به وحاصره المصريون الذين أنكروا عليه توليته عبد الله بن سعد بن أبي سرح والقصة مشهورة، وقد وقع في رواية النسائي قال: لما حصر عثمان في داره واجتمع الناس قام فأشرف عليهم "أشرف(10/189)
عَلَيْهِمْ فَوْقَ دَارِهِ ثُمّ قَالَ: أُذَكّرُكُمْ باللّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ أنّ حِرَاءَ حِينَ أنْتَفَضَ قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اثْبُتْ حِرَاءُ فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلاّ نَبِيّ أوْ صِدّيقٌ أوْ شَهِيدٌ؟" قالُوا: نَعَمْ. قالَ: أُذَكّرُكُمْ باللّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ أنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ في جَيْشِ العُسْرَةِ: "مَنْ يُنْفِقُ نَفَقَةً مُتَقَبّلَةً؟" وَالنّاسُ مُجْهَدُونَ مُعْسِرُونَ فَجَهّزْتُ ذَلِكَ الْجَيْشَ؟ قالُوا: نَعَمْ. ثُم قالَ: أُذَكّرُكُمْ باللّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ أنّ بئر رُومَةَ لَمْ يَكُنْ يَشْرَبُ مِنْهَا أَحَدٌ إلاّ بِثَمَنٍ فابْتَعْتُهَا فَجَعَلْتُهَا لِلْغَنِيّ وَالْفَقِيرِ وابنِ
ـــــــ
عليهم" أي اطلع عليهم "أذكركم بالله" من التذكير، وذكر البخاري هذا الحديث تعليقاً وفيه: أنشدكم الله، وفي رواية ثمامة الاَتية: أنشدكم الله والإسلام "حين انتفض" أي تحرك "حراء" بتقدير حرف النداء "في جيش العسرة" بضم العين وسكون السين المهملتين وهو جيش غزوة تبوك سمي بها لأنه ندب الناس إلى الغزو في شدة القيظ وكان وقت إيناع الثمرة وطيب الظلال فعسر ذلك عليهم وشق، والعسر ضد اليسر وهو الضيق والشدة والصعوبة كذا في النهاية وقيل سمي به لما فيه من قلة الزاد ومفازة بعيده وعدو كثير قوي "والناس مجهدون" اسم مفعول من الإجهاد أي موقعون في الجهد والمشقة، قال في النهاية يقال أجهد فهو مجهد بالفتح أي أنه أوقع في الجهد والمشقة "فجهزت ذلك الجيش" من التجهيز أي هيأت جهاز سفره "قالوا نعم" أي صدقوه، وللنسائي من طريق الأحنف بن قيس أن الذين صدقوه بذلك هم علي بن أبي طالب وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص "أن رومة" بضم الواو وسكون الواو فميم بئر عظيم شمالي مسجد القبلتين بوادي العقيق ماؤه عذب لطيف في غاية العذوبة واللطافة تسميها الاَن العامة بئر الجنة لترتب دخول الجنة لعثمان على شرائها قاله صاحب اللمعات، وقال الكرماني كان رومة ركية ليهودي يبيع المسلمين ماءها فاشتراها منه عثمان بعشرين ألف درهم "فابتعتها"(10/190)
السّبِيلِ؟ قالُوا اللّهُمّ نَعَمْ وَأشْيَاءَ عددها". هَذا حديثٌ حَسَن صحيحٌ غَرِيبٌ. مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبي عبْدِ الرّحْمَنِ السّلَمِيّ عَنْ عُثْمان.
3784 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا أَبُو دَاوُدَ، أخبرنا السّكَنُ بنُ المُغِيرَةِ وَيُكْنَى أَبَا مُحمّدٍ مَوْلىً لاَلِ عُثْمَانَ قال، حدثنا الوَلِيدُ بنُ أبي هِشَامٍ، عَن فَرْقَدٍ أَبي طَلْحَةَ، عَن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ حَبّابٍ قالَ: "شَهِدْتُ النبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يحُثّ عَلَى جَيْشِ العُسْرَةِ فَقَامَ عُثْمَانُ بنُ عَفّانَ فقالَ يا رَسُولَ اللّهِ عَلَيّ مِائَةُ بَعِيرٍ بأَحْلاَسِهَا وَأَقْتَابِهَا في سَبِيلِ اللّهِ
ـــــــ
أي اشتريتها "قالوا اللهم نعم" قال المطرزي قد يؤتي باللهم قبل إلا إذا كان المستثنى عزيزاً نادراً وكان قصدهم بذلك الاستظهار بمشيئة الله تعالى في إثبات كونه ووجوده إيماء إلى أنه بلغ من الندور حد الشذوذ، وقيل كلمتي الحجد والتصديق في جواب المستفهم كقوله اللهم لا ونعم. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه النسائي والدارقطني وذكره البخاري في صحيحه تعليقاً.
قوله: "أخبرنا السكن بن المغيرة" البزاز البصري صدوق من السابعة "أخبرنا الوليد بن أبي هشام" أخو هشام أبي المقدام المدني صدوق من السادسة "عن فرقد أبي طلحة" مجهول من الرابعة "عن عبد الرحمن بن خباب" بخاء معجمة وموحدتين الأولى ثقيلة السلمي بضم السين وقيل بفتحها وهم من زعم أنه ابن خباب بن الأرت صحابي نزل البصرة له حديث قاله الحافظ. قلت هو هذا الحديث. قوله: "وهو يحث" بضم الحاء وتشديد المثلثة أي يحض المؤمنين ويحرضهم "على جيش العسرة" أي على تجهيزه "علي" بتشديد الياء "مائة بعير بأحلاسها وأقتابها" الأحلاس جمع حلس بالكسر وسكون اللام وهو كساء رقيق يجعل تحت البرذعة، والأقتاب جمع قتب بفتحتين وهو رحل(10/191)
ثُمّ حَضّ عَلَى الْجيْشِ. فقامَ عُثْمَانُ بنُ عَفّانَ فقَال يا رسَولَ اللّهِ عَلَيّ مَائَتَا بعِيرٍ بِأَحْلاَسِهَا وَأقتَابهَا في سَبِيلِ اللّهِ، ثُمّ حَضّ عَلَى الْجَيْشِ. فقامَ عُثْمَانُ بنُ عَفّانَ فقالَ يا رسول الله عَلَيّ ثَلاَثُمَائَةِ بَعِيرٍ. بأحْلاَسِهَا وَأقْتَابِهَا في سبَيلِ اللّهِ، فأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْزِلُ عَنِ المِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: " ما عَلَى عُثْمَانَ ما عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ" . ما عَلَى عُثْمَانَ ما عَمِلَ بعْدَ هَذِه". هَذا حديثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذا الْوَجْهِ وفي البَابِ. عَن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ سَمُرَةَ.
3785 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ إسمَاعِيلَ حدثنا الْحَسَنُ بنُ وَاقِعٍ
ـــــــ
صغير على قدر سنام البعير وهو للجمل كالإكاف لغيره، يريد على هذه الإبل بجميع أسبابها وأدواتها "على مائتا بعير" أي غير تلك المائة لا بانضمامها كما يتوهم قاله القاري. قلت في رواية أحمد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فحث على جيش العسرة فقال عثمان بن عفان على مائة بعير بأحلاسها وأقتابها قال ثم حث فقال عثمان على مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها قال ثم نزل مرقاة من المنبر ثم حث فقال عثمان بن عفان على مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها، فرواية أحمد هذه ترد قول القاري هذا "على ثلثمائة بعير" قال القاري فالمجموع ستمائة بعير، قلت لا بل المجموع ثلاثمائة بعير كما عرفت آنفاً "ما على عثمان" ما هذه نافية بمعنى ليس وفي قوله: "ما عمل بعد هذه" موصولة اسم ليس أي ليس عليه ولا يضره الذي يعمل في جميع عمره بعد هذه الحسنة، والمعنى أنها مكفرة لذنوبه الماضية مع زيادة سيآته الاَتية كما ورد في ثواب صلاة الجماعة، وفيه إشارة إلى بشارة له بحسن الخاتمة، وقيل ما فيه إما موصولة أي ما بأس عليه الذي عمله من الذنوب بعد هذه العطايا في سبيل الله، أو مصدرية أي ما على عثمان عمل من النوافل بعد هذه العطايا لأن تلك الحسنة تنوب عن جميع النوافل. قال المظهر أي ما عليه أن لا يعمل بعد هذه من النوافل دون الفرائض لأن تلك الحسنة تكفيه عن جميع النوافل كذا في المرقاة. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد. قوله: "وفي الباب عن عبد الرحمن بن سمرة" أخرجه الترمذي بعد هذا.
قوله: "حدثنا محمد بن إسماعيل" هو الإمام البخاري "أخبرنا الحسن(10/192)
الرّمْلِيّ حدثنا ضَمْرَةُ بن ربيعة عَن عبد الله بن شَوْذَبٍ عَن عَبْدِ اللّهِ بنِ القاسِمِ عَن كثيرٍ مَوْلَى عبْدِ الرّحْمَنِ بنِ سَمُرَةَ عَن عبْدِ الرّحْمَنِ بن سَمُرَةَ قالَ: "جاءَ عُثْمَانُ إلى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بأَلْفِ دِينَارٍ قالَ الْحَسَنُ بنُ وَاقِعٍ وكان في مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابي في كُمّهِ حِينَ جَهّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَنَثَرَهَا في حِجْرِهِ. قالَ عبْدُ الرّحمَنِ فَرَأيْتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يُقَلّبُهَا في حِجْرِهِ وَيَقُولُ: "مَا ضَرّ عُثْمَانَ ما عَمِلَ بَعْدَ اليَوْمِ" مَرّتَيْنِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
بن واقع" بواو وقاف ابن القاسم أبو علي الرملي خراساني الأصل ثقة من العاشرة "أخبرنا ضمرة" بن ربيعة الفلسطيني أبو عبد الله أصله دمشقي صدوق يهم قليلاً من التاسعة "عن ابن شوذب" اسمه عبد الله "عن عبد الله بن القاسم" شيخ لعبد الله بن شوذب صدوق من الثالثة كذا في التقريب، وقال في تهذيب التهذيب روي عن كثير بن أبي كثير مولى ابن سمرة وغيره وعنه عبد الله بن شوذب، وقال عثمان الدارمي عن ابن معين ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات له عند الترمذي في تجهيز عثمان جيش العسرة "عن عبد الرحمن بن سمرة" بن حبيب بن عبد شمس العبشمي كنيته أبو سعيد صحابي من مسلمة الفتح يقال كان اسمه عبد كلال افتتح سجستان ثم سكن البصرة ومات بها سنة خمسين أو بعدها. قوله: "قال الحسن بن واقع وفي موضع آخر من كتابي في كمه" يعني أن هذا الحديث كان في موضعين من كتابه في أحدهما بألف دينار وفي الثاني بألف دينار في كمه "فنثرها" أي وضع الدنانير متفرقات "في حجره" بكسر الحاء وفتحها واحد الحجور أي في حضنه صلى الله عليه وسلم "يقلبها" أي الدنانير "ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم" أي فلا على عثمان بأس الذي عمل بعد هذه من الذنوب فإنها مغفورة مكفرة، ونحوه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث حاطب بن أبي بلثعة: "لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" . قال الطيبي وغيره. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد.(10/193)
3786 ـ حَدّثَنَا أَبُو زَرْعَةَ حدثنا الْحَسَنُ بّ بِشْرٍ حدثنا الْحَكَمُ بنُ عبْدِ المَلِكِ عَن قَتَادَةَ عَن أنْس بنِ مالِكٍ قالَ: "لَمّا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ بِبَيْعَةِ الرّضْوَانِ كانَ عُثْمانُ بنُ عَفّانَ رَسُولَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إلى أَهْلِ مَكّةَ، قالَ فَبَايَعَ النّاسُ، قال: فقالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ عُثْمَانَ في حَاجَةِ اللّهِ وَحاجَةِ رَسُولِهِ فَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى فَكانَتْ يَدُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِعُثْمَان خَيْراً مِنْ أيدِيهِمْ لأنْفُسِهِمْ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
قوله: "حدثنا أبو زرعة" الرازي اسمه عبيد الله بن عبد الكريم "أخبرنا الحسن بن بشر" البجلي الكوفي "حدثنا الحكم بن عبد الملك" القرشي البصري. قوله: "لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيعة الرضوان" وهي البيعة التي كانت تحت الشجرة بالحديبية وكانت البيعة على أن يقاتلوا قريشاً ولا يفروا سميت بها لأنه نزل في أهلها {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} الاَية "كان عثمان بن عفان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة" أي رسولاً منه إليهم مرسلاً من الحديبية إلى مكة بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب وأنه إنما جاء زائراً لهذا البيت ومعظماً لحرمته، فخرج عثمان رضي الله عنه إلى مكة حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم "فبايع" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن عثمان في حاجة الله وحاجة رسوله" قال الطيبي هو من باب قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة عند الله ومكانة. وأن حاجته حاجته تعالى الله عن الاحتياج علواً كبيراً "فضرب بإحدى يديه على الأخرى" أي في البيعة عن جهة عثمان، والمعنى أنه جعل إحدى يديه نائبة عن يد عثمان "من أيديهم" أي من أيدي(10/194)
3787 ـ حَدّثَنَا عبْدُ اللّهِ بنُ عبْدِ الرّحْمَنِ وَعَبّاسُ بنُ مُحمّدٍ الدّوْرِيّ وغَيْرُ وَاحِدٍ ـ المَعْنَى واحِدٌ ـ قالُوا: حدثنا سَعِيدُ بنُ عامِرٍ قالَ عَبْدُ اللّهِ: أخبرنا سَعِيدُ بنُ عَامِرٍ عَن يَحْيى بنِ أبي الْحجّاجِ المِنْقَرِيّ عَن أَبي مَسْعُودٍ الجُرَيْرِيّ عَن ثُمَامَةَ بنِ حَزْنٍ القُشَيْرِيّ قالَ: "شَهِدْتُ الدّارَ حِينَ أشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ، فقالَ ائْتُونِي بِصَاحِبَيْكُمْ اللّذَيْنِ أَلّبَاكُمْ عَلَيّ؟ قالَ فَجِيءَ بِهِمَا كأَنّهُمَا جَمَلاَنِ، أَوْ كأَنّهُمَا حِمَارَانِ، قالَ فأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ فَقالَ أَنْشُدُكُمْ باللّهِ والإسْلاَمِ هَلْ تَعْلَمُونَ أنّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ المَدِينَةَ وَلَيْسَ بِهَا ماءٌ يُسْتَعْذَبُ غَيْر بِئْرِ رُومَةَ، فقالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
بقية الصحابة فغيبة عثمان ليست بمنقصة بل سبب منقبة. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه البيهقي.
قوله: "حدثنا سعيد بن عامر" الضبعي "قال عبد الله أخبرنا سعيد بن عامر" أي قال عبد الله بن عبد الرحمن في روايته أخبرنا سعيد بن عامر، وأما عباس بن محمد وغيره فقالوا في رواياتهم حدثنا سعيد بن عامر "عن يحيى بن أبي الحجاج المنقري" بكسر الميم وسكون النون الأهتمي البصري لين الحديث من التاسعة "عن أبي مسعود الجريري" بضم الجيم مصغراً اسمه سعيد بن إياس "عن ثمامة بن حزن" بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي ثم نون "القشيري" بالتصغير البصري والد أبي الورد ثقة من الثانية مخضرم وقد علي عمر بن الخطاب وله خمسون وثلاثون سنة1. قوله: "شهدت الدار" أي حضرت دار عثمان التي حاصروه فيها "فقال ائتوني بصاحبيكم الذين ألباكم علي" من ألبت عليه الناس أي جمعتهم عليه وحملتهم على قصده فصاروا عليه ألباً واحداً أي اجتمعوا عليه يقصدونه "أنشدكم" بضم الشين أي أسألكم "بالله والإسلام" أي بحقهما يقال
1 هكذا ورد بالأصل ـ ويفيد السياق كبر سنه ـ ولعل المقصود ثمانون سنة.(10/195)
"مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيْجَعَلَ دِلْوَهُ مَعَ دِلاَءِ المسْلِمينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا في الْجَنّةِ"، فاشْتَرَيْتُها مِن صُلْبِ مالِي فأنْتُمُ اليَوْمَ تَمْنَعُونِي أَنْ أَشْرَبَ مِنْهَا حَتّى أَشْرَبَ مِنْ ماءِ البَحْرِ؟ قالُوا اللّهُمّ نَعَمْ، فقالَ أنْشُدُكُمْ باللّهِ وَالإسْلامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أنّ المَسْجِدَ ضَاقَ بِأَهْلِهِ؟ فقالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَشْتَرِي بُقعَةَ آلِ فُلاَنٍ فَيَزِيدهَا في المَسْجِدِ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا في الْجَنّةِ؟" فاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي فَأنْتُمُ اليَوْمَ تَمْنَعُونِي أنْ أُصَلّيَ فِيهَا رَكْعَتَيْنِ؟ قالُوا اللّهُمّ نَعَمْ، قالَ أَنْشُدُكُمْ
ـــــــ
نشدت فلاناً أنشده إذا قلت له نشدتك الله أي سألتك بالله كأنك ذكرته إياه "وليس بها" أي بالمدينة والواو للحال "ماء يستعذب" أي يعد عذباً أي حلواً "غير بير رومة" برفع غير وجوز نصبه والبئر مهموز ويبدل "فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين" بكسر الدال جمع دلو وهو كناية عن الوقف العام، وفيه دليل على جواز وقف السقايات وعلى خروج الموقوف عن ملك الواقف حيث جعله مع غيره سواء. روى البغوي في الصحابة من طريق بشر بن بشير الأسلمي عن أبيه قال لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة وكان يبيع منها القربة بمد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم تبيعنيها بعين في الجنة فقال يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتجعل لي فيها ما جعلت له قال نعم قال قد جعلتها للمسلمين "بخير" متعلق بيشتري والباء للبدل، قال الطيبي: وليست مثلها في قولهم اشتريت هذا بدرهم ولا في قوله تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} فالمعنى من يشتريها بثمن معلوم ثم يبدلها بخير منها أي بأفضل وأكمل أو بخير حاصل "له" أي لأجله "منها" أي بئر رومة "من صلب مالي" بضم الصاد أي أصله أو خالصه "حتى أشرب من ماء البحر" أي مما فيه ملوحة كماء البحر والإضافة فيه للبيان أي ماء يشبه البحر "هل تعلمون أن المسجد" أي مسجد النبي صلى الله(10/196)
باللّهِ وبالإِسْلاَمِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنّي جَهّزْتُ جَيْشَ العُسْرَةِ مِنْ مَالِي؟ قالُوا اللّهُمّ نَعَمْ، ثم قالَ أَنْشدُكُمْ باللّهِ والإِسْلاَمِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلى ثَبِيرِ مَكّةَ وَمَعَهُ أبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأنَا فَتَحَرّكَ الْجَبَلُ حَتّى تَسَاقَطَتْ حِجَارَتُهُ بالْحَضِيضِ، قالَ فَرَكَضَهُ بِرِجْلِهِ، فقالَ "اسْكُنْ ثَبِيرُ فإِنّمَا عَلَيْكَ نَبِيّ وَصدِيقٌ وشَهِيدَانِ؟" قالُوا اللّهُمّ نَعَمْ، قالَ اللّهُ أَكْبَرُ شَهِدُوا لِي وَرَبّ
ـــــــ
عليه وسلم في المدينة "فيزيدها" أي تلك البقعة "أن أصلي فيها" أي في تلك البقعة فضلاً عن سائر المسجد "كان على ثبير مكة" بفتح مثلثة وكسر موحدة وتحتية ساكنة فراء جبل بمكة، وفي المصباح جبل بين مكة ومنى وهو يرى من منى وهو على يمين الذاهب منها إلى مكة، وقال الطيبي ثبير جبل بالمزدلفة على يسار الذاهب إلى منى وهو جبل كبير مشرف على كل جبل بمعنى، وبمكة جبال كل منها اسمه ثبير "بالحضيض" أي أسفل الجبل وقرار الأرض "فركضه برجله" أي ضربه بها "أسكن ثبير" أي يا ثبير "قال" أي عثمان "الله أكبر" كلمة يقولها المتعجب عند إلزام الخصم وتبكيته تعجب من إقرارهم بكونه على الحق وإصرارهم على خلاف مقتضاه "ثلاثاً" أي قال الله أكبر إلى آخره ثلاث مرات لزيادة المبالغة في إثبات الحجة على الخصم وذلك لأنه لما أراد أن يظهر لهم أنه على الحق وأن خصماءه على الباطل على طريق يلجئهم إلى الإقرار بذلك أورد حديث ثبير مكة وأنه من أحد الشهيدين مستفهماً عنه فأقروا بذلك وأكدوا إقرارهم بقولهم: اللهم نعم. فقال الله أكبر تعجباً وتعجيباً وتجهيلاً لهم واستهجاناً لفعلهم، وفي رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عثمان عند أحمد والنسائي: أنشد الله رجلاً شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بيعة الرضوان يقول: "هذه يد رسول الله وهذه يد عثمان". وفي رواية ثمامة بن حزن عن عثمان عند الدارقطني أنه قال: هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني ابنتيه واحدة بعد أخرى رضي بي ورضي عني قالوا نعم، وأخرج ابن منده من طريق(10/197)
الكَعْبَةِ أَنّي شَهِيدٌ ثَلاَثاً". هَذا حديثٌ حَسَنٌ وقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَن عُثْمَانَ.
3857 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّار حدثنا عبْدُ الوَهّابِ الثّقَفِيّ حدثنا أيّوبُ عَن أَبي قِلاَبَةَ عَن أبي الأشْعَثِ الصّنْعَانِيّ: "أنّ خُطَبَاءَ قامَتْ بالّشّامِ وَفِيهمْ رِجَالٌ مِنْ أَصْحابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقامَ آخِرَهُمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مُرّةُ بنُ كَعْبٍ، فقالَ لَوْلاَ حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَا قُمْتُ وذَكَرَ الفِتَنَ فَقَرّبَها
ـــــــ
عبيد الحميري قال أشرف عثمان فقال يا طلحة أنشدك الله أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فأخذ بيدي فقال هذا جليسي في الدنيا والاَخرة" قال نعم، وللحاكم في المستدرك من طريق أسلم أن عثمان حين حصر قال لطلحة أتذكر إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عثمان رفيقي في الجنة" قال نعم، وفي هذا الحديث مناقب ظاهرة لعثمان رضي الله عنه، وفيه جواز تحدث الرجل بمناقبه عند الاحتياج إلى ذلك لدفع مضرة أو تحصيل منفعة وإنما يكره ذلك عند المفاخرة والمكاثرة والعجب. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه النسائي والدارقطني.
قوله: "أخبرنا أيوب" هو السختياني "عن أبي الأشعث" اسمه شراحيل بن أدة ثقة من الثانية "أن خطباء قامت بالشام" وفي رواية أحمد: لما قتل عثمان رضي الله عنه قام خطباء بإيلياء. قوله: "فقام آخرهم رجل" الظاهر أن قوله رجل بدل من آخرهم، وفي رواية أحمد فقام من آخرهم رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "يقال له مرة بن كعب" قال في التقريب كعب بن مرة ويقال مرة بن كعب السلمي صحابي سكن البصرة ثم الأردن مات سنة بضع وخمسين "وذكر" أي النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أحمد: لولا حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قمت. إن رسول الله صلى الله عليه(10/198)
فَمَرّ رَجلٌ مُقَنّعٌ في ثَوْبٍ فقالَ هَذَا يَوْمَئِذٍ عَلَى الهُدَى، فَقُمْتُ إلَيْهِ فإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بنُ عَفّانَ فأقْبَلْتُ عَلَيْهِ بِوَجْهِه فَقُلْتُ هَذَا؟ قالَ نَعَمْ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وفي البابِ عَنْ ابنِ عُمَرَ وعبْدِ اللّهِ بنِ حَوَالَةَ وكَعْبِ بنِ عُجْرَة.
ـــــــ
وسلم ذكر فتنة "فقربها" بتشديد الراء. أي قرب النبي صلى الله عليه وسلم الفتن يعني وقوعها "فمر رجل مقنع" بفتح النون المشددة أي مستتر في ثوب جعله كالقناع "فقال" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "هذا" أي هذا الرجل المقنع "يومئذ" أي يوم وقوع تلك الفتن "على الهدى" من قبيل قوله تعالى {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ} وفي رواية أحمد: "هذا وأصحابه يومئذ على الحق" "فقمت إليه" أي لأعرفه "فأقبلت عليه" أي على النبي صلى الله عليه وسلم "بوجهه" أي بوجه عثمان، والمعنى أدرت وجهه إليه ليتبين الأمر عليه، وفي رواية أحمد: فانطلقت فأخذت بمنكبه وأقبلت بوجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "فقلت هذا" أي هذا هو الرجل الذي يومئذ على الهدى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد. قوله: "وفي الباب عن ابن عمر وعبد الله بن حوالة وكعب بن عجرة" أما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي في ما بعد، وأما حديث عبد الله بن حوالة فأخرجه أحمد والطبراني ورجالهما رجال الصحيح، وأما حديث كعب بن عجرة فأخرجه أحمد وابن ماجه(10/199)
77 ـ باب
3789 ـ حَدّثَنَا محمُودُ بنُ غَيْلاَنَ أخبرنا حُجَيْنُ بنُ المُثَنّى أخبرنا اللّيْثُ بنُ سَعْدٍ عَن مُعَاوِيَةَ بنِ صَالحٍ عَن رَبِيعَةَ بنِ يَزِيدَ عَن عبْدِ الله
ـــــــ
"باب"
ـ قوله: "أخبرنا حجين بن المثنى" بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وسكون التحتية(10/199)
بنِ عَامِرٍ عَن النعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ عَن عَائِشَةَ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "يا عُثْمَانُ إنّهُ لَعَلّ اللّهَ يُقَمّصُكَ قَمِيصاً فإِنْ أَرَادُوكَ عَلَى خَلْعِهِ فَلاَ تَخْلَعْهُ لَهُمْ" .وفي الْحَدِيثِ قِصَةٌ طَوِيلَةٌ. وهَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
وبالنون اليمامي سكن بغداد وولي قضاء خراسان ثقة من التاسعة "عن معاوية بن صالح" بن حدير "عن ربيعة بن يزيد" الدمشقي "عن عبد الله بن عامر" بن يزيد بن تميم اليحصبي بفتح التحتانية وسكون المهملة وفتح الصاد المهملة بعدها موحدة الدمشقي المقري ثقة من الثالثة "عن النعمان بن بشير" بن سعد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي له ولأبويه صحبته سكن الشام ثم ولي إمرة الكوفة ثم قتل بحمص سنة خمس وستين وله أربع وستون سنة. قوله: "إنه" الضمير للشأن "لعل الله يقمصك" بتشديد الميم أي يلبسك "قميصاً" أراد به خلعة الخلافة، وفي رواية ابن ماجه: "يا عثمان إن ولاك الله هذا الأمر يوماً فأرادك المنافقون أن تخلع قميصك الذي قمصك الله فلا تخعله" "فإن أرادوك على خلعه" أي حملوك على نزعه "فلا تخلعه لهم" يعني إن قصدوا عزلك عن الخلافة فلا تعزل نفسك عنها لأجلهم لكونك على الحق وكونهم على الباطل، فلهذا الحديث كان عثمان رضي الله عنه ما عزل نفسه حين حاصروه يوم الدار. قال الطيبي: استعار القميص للخلافة ورشحها بقوله على خلعه. قوله: "وفي الحديث قصة طويلة" لم أقف على من أخرج هذا الحديث بالقصة الطويلة. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه ابن ماجه(10/200)
78 ـ باب
3790 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ أخبرنا العَلاءُ بنُ عَبْدِ الْجبّارِ العَطّارُ أخبرنا الْحَارِثُ بنُ عُمَيرٍ عَن عُبَيْدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ عَن نَافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ قالَ: "كُنّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَيّ أَبُو بَكْرِ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُسْتَغْربُ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَن ابنِ عُمَرَ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا العلاء بن عبد الجبار العطار" الأنصاري مولاهم البصري نزيل مكة ثقة من التاسعة "أخبرنا الحارث بن عمير" أبو عمير البصري نزيل مكة من الثامنة وثقه الجمهور وفي أحاديثه مناكير ضعفه بسببها الأزدي وابن حبان وغيرهما فلعله تغير حفظه في الآخر كذا في التقريب "عن عبيد الله بن عمر" هو العمري. قوله: "ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي" جملة حالية معترضة بين القول ومقوله "أبو بكر وعمر وعثمان" أي على هذا الترتيب عند ذكرهم وبيان أمرهم رضي الله عنهم وروى البخاري من وجه آخر عن ابن عمر: كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان، قال الحافظ: قوله كنا نخير أي نقول فلان خير من فلان، قال وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع الآتية في مناقب عثمان كنا لا نعدل بأبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نفاضل بينهم وقوله لا نعدل بأبي بكر أي لا نجعل له مثلاً ولأبي داود من طريق سالم عن ابن عمر كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي أفضل أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان. زاد الطبراني في رواية فيسمع رسول الله(10/201)
ـــــــ
صلى الله عليه وسلم ذلك فلا ينكره وفي الحديث تقديم عثمان بعد أبي بكر وعمر كما هو المشهور عند جمهور أهل السنة، وذهب بعض السلف إلى تقديم علي على عثمان وممن قال به سفيان الثوري ويقال إنه رجع عنه وقال به ابن خزيمة وطائفة قبله وبعده. وقيل لا يفضل أحدهما على الآخر. قاله مالك في المدونة وتبعه جماعة منهم يحيى القطان ومن المتأخرين ابن حزم، وحديث الباب حجة للجمهور انتهى. قلت: المذهب المنصور في هذا الباب هو مذهب الجمهور.
فإن قلت: قوله ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نفاضل بينهم يدل بظاهره على أن علياً ليس بأفضل ممن سواه والأمر ليس كذلك فإن مذهب أهل السنة أن علياً أفضل الناس بعد الثلاثة وعليه الإجماع، قلت: أجاب ابن عبد البر بأن قوله ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ غلط أن كان سنده صحيحاً، قال الحافظ قد طعن فيه ابن عبد البر واستند إلى ما حكاه عن هارون بن إسحاق قال سمعت ابن معين يقول من قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعرف لعلي سابقيته وفضله فهو صاحب سنة قال فذكرت له من يقول أبو بكر وعمر وعثمان ويسكتون فتكلم فيهم بكلام غليظ، وتعقب بأن ابن معين أنكر رأى قوم وهم العثمانية الذين يغالون في حب عثمان وينتقصون علياً ولا شك في أن من اقتصر على ذلك ولم يعرف لعلي بن أبي طالب فضله فهو مزموم، وتعقب أيضاً بأنه لا يلزم ومن سكوتهم إذ ذاك عن تفضيله عدم تفضيله على الدوام وبأن الإجماع المذكور إنما حدث بعد الزمن الذي قيده ابن عمر فيخرج حديثه عن أن يكون غلطاً ثم لم ينفرد بهذا القول نافع عن ابن عمر بل تابعه ابن الماجشون أخرجه خيثمة من طريق يوسف بن الماجشون عن أبيه عن ابن عمر كنا نقول في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر وعمر وعثمان ثم ندع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نفاضل بينهم، ومع ذلك فلا يلزم من تركهم التفاضل إذ ذاك أن لا يكونوا اعتقدوا بعد ذلك تفضيل علي على من سواه، وقد اعترف ابن عمر بتقديم علي على غيره فقد أخرج أحمد عنه قال كنا نقول في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم: رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس ثم أبو بكر ثم عمر ولقد أعطى علي بن أبي طالب ثلاث خصال(10/202)
3791 ـ حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ سعيد الْجَوْهَرِيّ أخبرنا شَاذَان الأسْوَدُ بنُ عامِرٍ عَن سِنَانِ بنِ هارُونَ البُرجُمِيّ عَن كُلَيْبِ بنِ وَائِلٍ عَن ابنِ عُمَرَ قالَ: "ذَكَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِتْنَةً فَقالَ "يُقْتَلُ هَذَا فِيهَا مَظْلُوماً لِعُثْمَانَ بنِ عَفّانَ رَضِي اللّهُ عَنْهُ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم: زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته وولدت له، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد وأعطاه الراية يوم خيبر. وإسناده حسن وقد اتفق العلماء على تأويل كلام ابن عمر ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ لما تقرر عند أهل السنة قاطبة من تقديم علي بعد عثمان ومن تقديم بقية العشرة المبشرة على غيرهم ومن تقديم أهل بدر على من لم يشهدها وغير ذلك فالظاهر أن ابن عمر إنما أراد بهذا النفي أنهم كانوا يجتهدون في التفضيل فليظهر لهم فضائل الثلاثة ظهوراً بينا فيجزمون به ولم يكونوا حينئذ اطلعوا على التنصيص انتهى كلام الحافظ ملخصاً. قوله: "وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن ابن عمر" رواه البخاري وغيره بألفاظ.
قوله: "حدثنا شاذان الأسود بن عامر" شاذان لقب الأسود بن عامر "عن سنان بن هارون" البرجمي أبي بشر الكوفي صدوق فيه لين من الثامنة "عن كليب بن وائل" التيمي المدني نزيل الكوفة صدوق من الرابعة. قوله: "يقتل" بصيغة المجهول "هذا" أي عثمان "فيها" أي في تلك الفتنة "لعثمان بن عفان" بيان هذا. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد وفيه: يقتل فيها هذا يومئذ ظلماً قال فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان قال الحافظ: إسناده صحيح.(10/203)
79- باب
3792 ـ حَدّثَنَا صالح بن عبدالله حدثنا أَبُو عَوَانَةَ عَن عُثْمَانَ بنِ عبْدِ اللّهِ بنِ مَوْهِبٍ: "أَنّ رَجُلاً مِنْ أهْلِ مِصْرَ حَجّ البَيْتَ فَرأَى قَوْماً جُلُوساً فقالَ مَنْ هَؤُلاَءِ؟ قالُوا: قُرَيْشٌ، قالَ فَمَنْ هَذَا الشّيْخُ؟ قالُوا: ابنُ عُمَرَ فأتَاهُ فقالَ إنّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ فَحَدّثْنِي أنْشُدُكَ الله بِحُرْمَةِ هَذَا البَيْتِ. أَتَعْلَمُ أَنّ عُثْمَانَ فَرّ يَوْمَ أُحُدٍ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: أتَعْلَمُ أَنّهُ تَغَيّبَ عَن بَيْعَةِ الرّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: أتَعْلَمُ أَنّهُ تَغَيّبَ يَوْمَ بَدْر فَلَمْ يَشْهَدْهُ؟ قالَ: نَعَمْ، فقالَ: اللّهُ أَكْبَرُ، فقالَ لَهُ ابنُ عُمَرَ: تَعالَ حَتّى أُبَيّنَ لَكَ ما سَأَلْتَ عَنْهُ، أَمّا فِرَارُهُ يَوْمَ
ـــــــ
"باب"
قوله حدثنا صالح بن عبد الله بن ذكوان الباهلي عن عثمان بن عبد الله بن موهب بفتح الميم وسكون الواو وكسر الهاء بعدها موحدة مولى بني تيم بصري تابعي وسط وهو ثقة باتفاقهم كذا في الفتح قوله فرأى قوما جلوسا أي جالسين فمن هذا الشيخ أي فمن هذا العالم الكبير أنشدك بضم الشين المعجمة أسألك أتعلم أن عثمان في يوم أحد الخ الذي يظهر من سياقه أن السائل كان ممن يتعصب على عثمان فأراد بالمسائل الثلاث أن يقرر معتقده ولذلك كبر مستحسنا لما أجابه به ابن عمر فلم يشهدها أي فلم يحضرها فقال أي الرجل الحاج الله أكبر كلمة يقولها المتعجب عند إلزام الخصم وتبكيته قاله الطيبي فقال له ابن عمر تعال حتى أبين لك ما سألت منه كأن ابن عمر فهم منه مراده لما كبر وإلا لو فهم ذلك من أول سؤاله لقرن العذر بالجواب وحاصله أنه عابه بثلاثة أشياء فأظهر له ابن عمر العذر عن جميعها أما الفرار فبالعفو وأما(10/204)
أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أنّ اللّهَ قَدْ عَفَا عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ، وأمّا تَغَيّبُهُ يَوْمَ بَدْرٍ فإِنّهُ كَانَتْ عِنْدَهُ أَوْ تَحْتَهُ ابْنَةُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فقالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: لَكَ أَجْرُ رَجُلٍ شهِدَ بَدْراً وَسَهْمُهُ، وَأَمّا تَغَيّبُهُ عَن بَيْعَةِ الرّضْوَانِ فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزّ بِبَطْنِ مَكّةَ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَانَ عُثْمَانَ، بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عُثْمَانَ إلى مكة وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلى مَكَةَ، قالَ: فقالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم
ـــــــ.
التخلف فبالأمر وقد حصل له مقصود من شهد من ترتب الأمرين الدنيوي وهو السهم والأخروي وهو الأجر وأما البيعة فكان مأذونا له في ذلك أيضا ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لعثمان من يده فأشهد أن الله قد عفا عنه وغفر له يريد قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} عنده أو تحته أي تحت عقده وأو للشك ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي رقية فروى الحاكم في المستدرك من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال خلف النبي صلى الله عليه وسلم عثمان وأسامة بن زيد على رقية في مرضها لما خرج إلى بدر فماتت رقية حين وصل زيد بن حارثة بالبشارة وكان عمر رقية لما ماتت عشرين سنة فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان أي على من بها مكان عثمان أي بدله بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان وكانت بيعة الرضوان أي بعد أن بعثه والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عثمان ليعلم قريشا أنه إنما جاء معتمرا لا محاربا ففي غيبة عثمان شاع عندهم أن المشركين تعرضوا لحرب المسلمين فاستعد المسلمون للقتال وبايعهم النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ تحت الشجرة على أن لا يفروا وذلك في غيبة عثمان وقيل بل جاء الخبر بأن عثمان قتل فكان ذلك سبب البيعة فقال رسول الله صلى(10/205)
بِيَدِهِ اليُمْنَى: هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ وَضَرَبَ بِهَا عَلى يَدِهِ وَقالَ: "هَذِهِ لِعُثْمَانَ". قالَ لَهُ: "اذْهَبْ بِهَذَا الاَنَ مَعكَ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ
ـــــــ
الله عليه وسلم بيده اليمنى أي أشار بها هذه يد عثمان أي بدلها وضرب بها على يده أي اليسرى وقال هذه لعثمان أي هذا البيعة عن عثمان قال أي ابن عمر له أي للرجل الحاج السائل اذهب بهذا الآن معك أقرن هذا العذر بالجواب حتى لا يبقى لك فيما أجبتك به حجة على ما كنت تعتقده من غيبة عثمان وقال الطيبي قال ابن عمر تحكما به أي توجه بما تمسكت به فإنه لا ينفعك بعدما بينت لك قوله هذا حديث حسن صحيح وأخرجه البخاري.(10/206)
80 ـ باب
3793 ـ حَدّثَنَا الفَضْلُ بنُ أبي طالِبٍ البَغْدَادِيّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قالُوا: حدثنا عُثْمَانُ بنُ زُفَرَ، حدثنا مُحمّدُ بنُ زِيادٍ عَن مُحمّدِ بنِ عَجْلاَنَ عَن أبي الزّبَيْرِ عَن جَابِرٍ قالَ: "أُتِيَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بِجَنَازَةِ رَجُلٍ لِيُصَلّيَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُصَلّ عَلَيْهِ، فَقِيلَ يا رَسُولَ اللّهِ ما رَأَيْنَاكَ تَرَكْتَ الصّلاَةَ عَلَى أحَدٍ قَبْلَ هَذَا؟ قالَ: "إنّهُ كَانَ يبْغضُ عُثْمَانَ فَأَبْغَضَهُ اللّهُ".
هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفَهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَمُحمّدُ بنُ زِيادٍ هَذَا هُوَ صَاحِبُ مَيْمُونِ بنِ مَهْرَانَ ضَعِيفٌ في الْحَدِيثِ جِدّا. ومُحمّدُ بن
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا الفضل بن أبي طالب البغدادي" هو الفضل بن جعفر "أخبرنا عثمان بن زفر" بن مزاحم التيمي أبو زفر أو أبو عمر الكوفي صدوق من كبار العاشرة قوله: "أتى" بصيغة المجهول "تركت الصلاة" أي صلاة الجنازة(10/206)
زِيادٍ صَاحِبُ أَبي هُرَيْرَةَ وَهُوَ بَصرِيّ ثِقَةٌ وَيُكْنَى أبَا الْحَارِثِ. ومُحمّدُ بنُ زِيَادٍ الألْهَانِيّ صَاحِبُ أَبي أُمَامَةَ ثِقَةٌ شَامِيّ يُكْنَى أَبَا سُفْيَانَ.
ـــــــ
"قبل هذا" أي قبل هذا الرجل. قوله: "ومحمد بن زياد هذا هو صاحب ميمون بن مهران" أي تلميذه "ضعيف في الحديث جداً" بكسر الجيم وشدة الدال أي بالغ الغاية في الضعف يقال فلان عظيم جداً أي بالغ الغاية في العظم والنصب على المصدر، قال في التقريب محمد بن زياد اليشكري الطحان الأعور اتفاقاً الميموني الرقي ثم الكوفي كذبوه(10/207)
81 ـ باب
3794 ـ حَدّثَنَا أحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ، حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْد عَن أَيّوبَ عَن أَبي عُثْمَانَ النّهْدِيّ عَن أبي مُوسَى الأشْعَرِيّ قالَ: "انْطَلَقْتُ مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ حَائِطاً لِلأَنْصَارِ فَقَضَى حَاجَتَهُ فقالَ لِي: "يا أَبَا مُوسَى امْلِكْ عَلَيّ البَابَ فَلاَ يَدْخُلَنّ عَلَيّ أحَدٌ إلاّ بِإِذْنٍ،" فَجَاءَ رَجُلُ يَضَرَبَ البَابَ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ قالَ: أَبُو بَكْرٍ فَقلت: يا رَسُولَ اللّهِ هَذَا أبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ؟ قالَ: "ائْذَنْ لَهُ وَبَشّرْهُ بالْجَنَةِ" ، فَدَخَلَ وَبشّرْتُهُ بالْجَنّةِ، وَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَضَرَبَ البَابَ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ فقالَ: عُمَرُ، فَقلت: يَا رَسُولَ اللّهِ
ـــــــ
"باب"
قوله: "فدخل حائطاً" أي بستاناً "أملك علي" بتشديد الياء "الباب" أي احفظه علي، وفي رواية للبخاري: وأمرني بحفظ باب الحائط "قال أبو بكر"(10/207)
هَذَا عمَرُ يَسْتَأْذِنُ، قالَ: "افْتَحْ وَبشّرْهُ بالْجَنّةِ" فَفَتَحْتُ الباب وَدَخَلَ وَبشّرْتُهُ بالْجَنّةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَضَرَبَ البَابَ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ فقالَ: عُثْمَانُ، قلت: يا رَسُولَ اللّهِ هَذَا عُثْمَانُ يَسْتَأْذِنُ، قالَ: "افْتَحْ لَهُ وَبَشّرْهُ بالجنّةِ عَلَى بَلْوًى تُصِيبُهُ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَن أَبي عُثْمَانَ النّهْدِيّ. وفي البابِ عَن جَابِرٍ وابنِ عُمَرَ.
3795 ـ حَدّثَنَا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ أخبرنا أَبِي وَ يَحيْى بنُ سَعِيدٍ عَن إسْمَاعِيلَ بنِ أَبي خَالِدٍ عَن قَيْسٍ بن أبي حازم حدثني أَبو سَهْلَةَ قالَ: "قالَ لِي عُثْمَانُ يَوْمَ الدّارِ إنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
أي أنا أبو بكر "وبشرته بالجنة" زاد البخاري في رواية: فحمد الله. وكذا في عمر "افتح له" أي الباب "على بلوى تصيبه" أشار النبي صلى الله عليه وسلم بهذا إلى ما أصاب عثمان في آخر خلافته من الشهادة يوم الدار. قال النووي: في الحديث فضيلة هؤلاء الثلاثة وأنهم من أهل الجنة وفضيلة لأبي موسى، وفيه معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم لإخباره بقصة عثمان والبلوي وأن الثلاثة يستمرون عن الإيمان والهدى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والشيخان. قوله: "وفي الباب عن جابر وابن عمر" أما حديث جابر فلينظر من أخرجه، وأما حديث ابن عمر فأخرجه الطبراني وفيه إبراهيم بن عمر بن أبان وهو ضعيف.
قوله: "أخبرنا أبي" أي وكيع بن الجراح "ويحيى بن سعيد" هو القطان عن إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي البجلي "عن قيس" هو ابن أبي حازم "حدثني أبو سهلة" مولى عثمان بن عفان ثقة من الثالثة وليس له عند الترمذي(10/208)
قَدْ عَهِدَ إِليّ عَهْداً فأنَا صَابِرٌ عَلَيْهِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. غريب لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بنِ أَبي خالِدٍ.
ـــــــ
وابن ماجه غير هذا الحديث. قوله: "قد عهد إلي عهداً" أي أوصاني أن لا أخلع بقوله: "وإن أرادوك عن خلعه فلا تخلعه لهم" "فأنا صابر عليه" أي عن ذلك العهد. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه ابن ماجه، وفي سند الترمذي سفيان بن وكيع وهو متكلم فيه ولكنه قد تابعه محمد بن عبد الله بن نمير وعلي بن محمد عند ابن ماجه(10/209)
باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه يُقَالُ: وَلَهُ كُنْيَتَانِ: أبُو تُرَابٍ وَأبُو الْحَسَنِ
3796 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدثنا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ الضّبَعِيّ عَن يَزِيدَ الرّشْكِ عَن مُطَرّفِ بنِ عَبْدِ اللّهِ عَن عُمْرَانَ بنِ
ـــــــ
"مناقب علي بن أبي طالب"
ابن عبد المطلب القرشي الهاشمي، وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم شقيق أبيه واسمه عبد مناف على الصحيح ولد قبل البعثة بعشر سنين على الراجح، وكان قد رباه النبي صلى الله عليه وسلم من صغره لقصة مذكورة في السيرة النبوية فلازمه من صغره فلم يفارقه إلى أن مات، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم وكانت ابنة عمة أبيه وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وقد أسلمت وصحبت وماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. قال أحمد وإسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر ما جاء في علي، وروى يعقوب بن سفيان بإسناد صحيح عن عروة قال أسلم علي وهو ابن ثمان سنين، وقال ابن إسحاق عشر سنين وهذا أرجحهما وقيل غير(10/209)
حُصَيْنِ قالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم جَيْشاً وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَلِيّ بنَ أَبي طالِبٍ فَمَضَى في السّرِيّةِ فَأَصَابَ جارِيَةً فأنْكَرُوا عَلَيْهِ وَتَعَاقَدَ أرْبَعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فقالُوا إِنْ لَقِينَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أخْبَرْنَاهُ بِمَا صَنَعَ عَلِيّ. وَكانَ الْمسِلمُونَ إِذَا رَجَعُوا مِنْ سَفَرٍ بَدَأُوا بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
ذلك "يقال وله كنيتان أبو تراب وأبو الحسن" وفي بعض النسخ وله كنيتان يقال له أبو تراب وأبو الحسن وهو الظاهر، وفي حديث سهل بن سعد عند البخاري: دخل علي على فاطمة ثم خرج فاضطجع في المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أين ابن عمك"؟ قالت في المسجد فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره وخلص التراب إلى ظهره فجعل يمسح عن ظهره فيقول: "اجلس يا أبا تراب مرتين"
قوله: "عن مطرف بن عبد الله" أي ابن الشخير "واستعمل عليهم علي بن أبي طالب" أي جعله أميراً عليهم، وفي رواية أحمد أمر عليهم علي بن أبي طالب "فمضى في السرية" هي طائفة من جيش أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو وجمعها السريا "فأصاب جارية" أي وقع عليها وجامعها. واستشكل وقوع علي على الجارية بغير استبراء وأجيب بأنه محمول على أنها كانت بكراً غير بالغ ورأى أن مثلها لا يستبرأ كما صار إليه غيره من الصحابة، ويجوز أن تكون حاضت عقب صيرورتها له ثم طهرت بعد يوم وليلة ثم وقع عليها وليس في السياق ما يدفعه "فأنكروا عليه" أي على علي، ووجه إنكارهم أنهم رأوا أنه أخذ من المغنم فظنوا أنه غل، وفي حديث بريدة عند البخاري قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً إلى خالد ليقبض الخمس وكنت أبغض علياً وقد اغتسل فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له فقال: "يا بريدة: أتبغض علياً" ؟ فقلت نعم. قال: "لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك" "وتعاقد" أي تعاهد "وكان(10/210)
فَسَلَمُوا عَلَيْهِ ثمّ انْصَرَفُوا إِلى رِحَالِهِمْ، فَلَمّا قَدِمَتِ السّرِيّةُ سَلمُوا عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقامَ أَحَدُ الأرْبَعَةِ فقالَ يا رَسُولَ اللّهِ: أَلَمْ تَرَ إلى عَلِيّ بنِ أَبي طَالِبٍ صَنَعَ كَذَا وَكَذَا. فأعْرَضَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: ثُمّ قامَ الثّانِي فقالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ فأعْرَضَ عَنْهُ، ثُمّ قامَ إلَيْهِ الثّالِثُ فقالَ مِثْلَ مَقالَتِهِ فأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمّ قامَ الرّابِعُ فقالَ مِثْلَ مَا قالُوا فأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَالغَضَبُ يُعْرَفُ في وجْهِهِ فقالَ " ما تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيَ، ما تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيَ، ما تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيَ؟ إِنّ عَلِيّا مِنّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَلِيّ كُلّ مُؤْمِنٍ
ـــــــ
المسلمون إذا رجعوا من سفر الخ" وفي رواية أحمد قال عمران وكنا إذا قدمنا من سفر بدأنا برسول الله صلى الله عليه وسلم "إلى رحالهم" أي إلى منازلهم وبيوتهم "فأقبل إليه" وفي رواية أحمد: فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرابع "والغضب يعرف في وجهه" جملة حالية، وفي رواية أحمد وقد تغير وجهه "ما تريدون من علي الخ" وفي رواية أحمد: "دعوا علياً دعوا علياً" "إن علياً مني وأنا منه" أي في النسب والصهر والمسابقة والمحبة وغير ذلك من المزايا ولم يرد محض القرابة وإلا فجعفر شريكه فيها. قاله الحافظ في الفتح، وقال النووي في شرح قوله صلى الله عليه وسلم في شأن جليبيب رضي الله عنه "هذا مني وأنا منه"، معناه المبالغة في أتحاد طريقتهما، واتفاقهما في طاعة الله تعالى.
تنبيه: احتج الشيعة بقوله صلى الله عليه وسلم "إن علياً مني وأنا منه" على أن علياً رضي الله عنه أفضل من سائر الصحابة رضي الله عنهم زعماً منهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل علياً من نفسه حيث قال: "إن علياً مني" ولم يقل هذا القول في غير علي. قلت: زعمهم هذا باطل جداً فإنه ليس معنى(10/211)
مِنْ بَعْدِي" هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ.
ـــــــ
قوله صلى الله عليه وسلم "إن علياً مني" أنه جعله من نفسه حقيقة، بل معناه هو ما قد عرفت آنفاً، وأما قولهم لم يقل هذا القول في غير علي فباطل أيضاً فإنه صلى الله عليه وسلم قد قال هذا القول في شأن جليبيب رضي الله تعالى عنه، ففي حديث أبي برزة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مغزى له فأفاء الله عليه فقال لأصحابه: "هل تفقدون من أحد"؟ قالوا نعم فلاناً وفلاناً وفلاناً الحديث وفيه قال: "لكني أفقد جليبيباً فاطلبوه" فطلب في القتلى فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فوقف عليه فقال: "قتل سبعة ثم قتلوه هذا مني وأنا منه". ورواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم هذا القول في شأن الأشعريين. ففي حديث أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم". رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم هذا القول في شأن بني ناجية، ففي حديث سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبني ناجية: أنا منهم وهم مني. رواه أحمد في مسنده "وهو ولي كل مؤمن من بعدي" كذا في بعض النسخ بزيادة من، ووقع في بعضها بعدي بحذف من وكذا وقع في رواية أحمد في مسنده، وقد استدل به الشيعة على أن علياً رضي الله عنه كان خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير فصل، واستدلالهم به عن هذا باطل فإن مداره عن صحة زيادة لفظ بعدي وكونها صحيحة محفوظة قابلة للاحتجاج والأمر ليس كذلك فإنها قد تفرد بها جعفر بن سليمان وهو شيعي بل هو غال في التشيع، قال في تهذيب التهذيب: قال الدوري كان جعفر إذا ذكر معاوية شتمه وإذا ذكر علياً قعد يبكي، وقال ابن حبان في كتاب الثقات: حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا إسحاق بن أبي كامل حدثنا جرير بن يزيد بن هارون بين يدي أبيه قال بعثني أبي إلى(10/212)
ـــــــ
جعفر فقلت بلغنا أنك تسب أبا بكر وعمر؟ قال أما السب فلا ولكن البغض ما شئت فإذا هو رافضي الحمار انتهى فسبه أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ينادي بأعلى نداء أنه كان غالياً في التشيع، لكن قال ابن عدي عن زكرياء الساجي: وأما الحكاية التي حكيت عنه فإنما عنى به جارين كانا له قد تأذى بهما يكنى أحدهما أبا بكر ويسمى الاَخر عمر فسئل عنهما فقال أما السب فلا ولكن بغضا مالك ولم يعن به الشيخين أو كما قال انتهى. فإن كان كلام ابن عدي هذا صحيحاً فغلوه منتف وإلا فهو ظاهر، وأما كونه شيعياً فهو بالاتفاق، قال في التقريب: جعفر بن سليمان الضبعي أبو سليمان البصري صدوق زاهد لكنه كان يتشيع انتهى، وكذا في الميزان وغيره، وظاهر أن قوله بعدي في هذا الحديث مما يقوى به معتقداً الشيعة وقد تقرر في مقره أن المبتدع إذا روى شيئاً يقوى به بدعته فهو مردود. قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في مقدمته: والمختار أنه إن كان داعياً إلى بدعته ومروجاً له رد وإن لم يكن كذلك قبل إلا أن يروي شيئاً يقوى به بدعته فهو مردود قطعاً انتهى.
فإن قلت: لم يتفرد بزيادة قوله بعدي جعفر بن سليمان بل تابعه عليها أجلح الكندي فروى الإمام أحمد في مسنده هذا الحديث من طريق أجلح الكندي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين إلى اليمن على أحدهما علي بن أبي طالب وعلى الاَخر خالد بن الوليد الحديث وفي آخره: "لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي وإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي". قلت: أجلح الكندي هذا أيضاً شيعي قال في التقريب: أجلح بن عبد الله بن حجية يكنى أبا حجية الكندي يقال اسمه يحيى صدوق شيعي انتهى، وكذا في الميزان وغيره، والظاهر أن زيادة بعدي في هذا الحديث من وهم هذين الشيعيين، ويؤيده أن الإمام أحمد روى في مسنده هذا الحديث من عدة طرق ليست في واحدة منها هذه الزيادة. فمنها ما رواه من طريق الفضل بن دكين حدثنا ابن أبي عيينة عن الحسن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بريدة قال غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة الحديث وفي آخره فقال: "يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم"؟ قلت بلى يا رسول الله(10/213)
3866 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ عَن سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ قالَ: سَمِعْتُ أبَا الطّفَيْلِ يُحَدّثُ عَن
ـــــــ
قال "من كنت مولاه فعلي مولاه". ومنها ما رواه من طريق أبي معاوية حدثنا الأعمش عن سعيد بن عبيدة عن ابن بريدة عن أبيه قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية الحديث. وفي آخره: "من كنت وليه فعلي وليه". ومنها ما رواه من طريق وكيع حدثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة عن ابن بريدة عن أبيه أنه مر على مجلس وهم يتناولون من علي الحديث وفي آخره: من كنت وليه فعلي وليه. فظهر بهذا كله أن زيادة لفظ بعدي في هذا الحديث ليست بمحفوظة بل هي مردودة، فاستدلال الشيعة بها على أن علياً رضي الله عنه كان خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير فصل باطل جداً. هذا ما عندي والله تعالى أعلم. وقال الحافظ ابن تيمية في منهاج السنة، وكذلك قوله: "هو ولي كل مؤمن بعدي" كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو في حياته وبعد مماته ولي كل مؤمن وكل مؤمن وليه في المحيا والممات، فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان، وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال فيها والي كل مؤمن بعدي كما يقال في صلاة الجنازة إذا اجتمع الولي والوالي قدم الوالي في قول الأكثر وقيل يقدم الولي وقول القائل علي ولي كل مؤمن بعدي كلام يمتنع نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج أن يقول بعدي وإن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقول وال على كل مؤمن انتهى. فإن قلت: لم يتفرد جعفر بن سليمان بقوله: "هو ولي كل مؤمن بعدي" بل وقع هذا اللفظ في حديث بريدة عند أحمد في مسنده ففي آخره لا تقع في علي "فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي وإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي". قلت: تفرد بهذا اللفظ في حديث بريدة أجلح الكندي وهو أيضاً شيعي. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد.
ـ قوله: "سمعت أبا الطفيل" اسمه عامر بن واثلة بن عبد الله الليثي "يحدث(10/214)
أبي سَرِيحَةَ أَوْ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ شَكّ شُعْبَةُ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيّ مَوْلاَهُ" هَذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ. وقد رَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ عَن مَيْمُونٍ أَبِي عبْدِ اللّهِ عَن زَيْدِ بنِ أرْقَمَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وأَبُو سَرِيحَةَ هُوَ حُذَيْفَةُ بنُ أَسِيدٍ الغفاري صَاحِبُ النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
عن أبي سريحة" بفتح أوله وكسر الراء اسمه حذيفة بن أسيد بفتح الهمزة الغفاري صحابي من أصحاب الشجرة. قوله: "من كنت مولاه فعلي مولاه" قيل معناه من كنت أتولاه فعلي يتولاه من الولي ضد العدو. أي من كنت أحبه فعلي يحبه وقيل معناه من يتولاني فعلي يتولاه ذكره القاري عن بعض علمائه، وقال الجزري في النهاية: قد تكرر ذكر المولى في الحديث وهو اسم يقع على جماعة كثيرة فهو الرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق والناصر والمحب والتابع والجار وابن العم والحليف والعقيد والصهر والعبد والمعتق والمنعم عليه وأكثرها قد جاء في الحديث فيضاف كل واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه وكل من ولي أمراً أو قام به فهو مولاه ووليه، وقد تختلف مصادر هذه الأسماء فالولاية بالفتح في النسب والنصرة والمعتق، والولاية بالكسر في الإمارة والولاء في المعتق والموالاة من والي القوم ومنه الحديث: "من كنت مولاه فعلي مولاه" يحمل على أكثر الأسماء المذكورة. قال الشافعي رضي الله عنه يعني بذلك ولاء الإسلام كقوله تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} وقول عمر لعلي: أصبحت مولى كل مؤمن أي ولي كل مؤمن، وقيل سبب ذلك أن أسامة قال لعلي لست مولاي إنما مولاي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: "من كنت مولاه فعلي مولاه" انتهى. وفي شرح المصابيح للقاضي: قالت الشيعة هو المتصرف وقالوا معنى الحديث أن علياً رضي الله عنه يستحق التصرف في كل ما يستحق الرسول صلى الله عليه وسلم التصرف فيه. ومن ذلك أمور المؤمنين فيكون إمامهم، قال الطيبي: لا يستقيم(10/215)
3867 ـ حَدّثَنَا أَبُو الْخطّابِ زِيادُ بنُ يَحيْى البَصْرِيّ حدثنا أبُو عَتّابٍ سَهْلُ بنُ حَمّادٍ حدثنا المُخْتَارُ بنُ نافِعٍ حدثنا أَبُو حَبّانَ التّيْمِيّ عَن أبيهِ عَن عَلِيَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَحِمَ اللّهُ أَبا بَكْرٍ، زَوّجَنِي ابْنَتَهُ، وَحَمَلَنِي إلى دَارِ الْهِجْرَةِ، وَأَعْتَقَ بِلاَلاً مِنْ مَالِهِ. رَحِمَ اللّهُ عُمَرَ يقولُ الْحَقّ وَإِنْ كَانَ مُرّا. تَرَكَهُ الْحَقّ وَمَالَهُ صَدِيقٌ. رَحِمَ اللّهُ عثْمَانَ تَسْتَحْييهُ المَلاَئِكَةُ.
ـــــــ
أن تحمل الولاية على الإمامة التي هي التصرف في أمور المؤمنين لأن المتصرف المستقل في حياته صلى الله عليه وسلم هو هو لا غيره فيجب أن يحمل على المحبة وولاء الإسلام ونحوهما انتهى كذا في المرقاة. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد والنسائي والضياء. وفي الباب عن بريدة أخرجه أحمد، وعن البراء بن عازب أخرجه أحمد وابن ماجه وعن سعد بن أبي وقاص أخرجه ابن ماجه، وعن علي أخرجه أحمد.
قوله: "حدثنا المختار بن نافع" التيمي ويقال العكلي أبو إسحاق التمار الكوفي ضعيف من السادسة "أخبرنا أبو حيان" اسمه يحيى بن سعيد بن حيان "عن أبيه" أي سعيد بن حيان التيمي الكوفي وثقه العجلي من الثالثة. قوله: "رحم الله أبا بكر" إنشاء بلفظ الخبر "زوجني ابنته" أي عائشة "وحملني إلى دار الهجرة" أي المدينة على بعيره ولو على قبول ثمنه "وأعتق بلالاً" أي الحبشي المؤذن لما رآه يعذب في الله "رحم الله عمر" بن الخطاب "وإن كان مراً" أي كريهاً عظيم المشقة على قائله ككراهة مذاق الشيء المر "تركه الحق وما له صديق" أي صيره قوله الحق والعمل به على حالة ليس له محب وخليل لعدم انقياد أكثر الخلق للحق. قال الطيبي: قوله تركه الخ جملة مبينة لقوله: يقول الحق وإن كان مراً لأن تمثيل الحق بالمرارة يؤذن بأستبشاع الناس من سماع الحق استبشاع من يذوق العلقم فيقل لذلك صديقه، وقوله: وما له صديق حال من المفعول إذا(10/216)
رَحِمَ اللّهُ عَلِيّا اللّهُمّ أَدِرْ الْحَقّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ" هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
3799 ـ حَدّثَنَا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ حدثنا أَبِي عَن شَرِيكٍ عَن مَنْصُورٍ عَن رِبْعِيّ بنِ حِرَاشٍ قالَ: أَخبرنا عَلِيّ بنُ أبي طَالِبٍ بالرّحَبَةِ فقالَ: "لَمّا كَانَ يَوْمُ الْحُدَيْبِيّةِ خَرَجَ إِلَيْنَا نَاسٌ مِنَ المُشْرِكِينَ فِيهِمْ سُهَيْلُ بنُ عَمْروٍ وَأُنَاسٌ مِنْ رُؤُسَاءِ المُشْرِكِينَ فقالُوا: يا رَسُولَ اللّهِ، خَرَجَ إلَيْكَ نَاسٌ مِنْ أَبْنَائِنا وَإخْوَانِنَا وَأرِقّائِنَا وَلَيْسَ لَهُمْ فِقْهٌ في الدّينِ، وإِنّمَا خَرَجُوا فِرَاراً مِنْ أَمْوَالِنَا وَضِيَاعِنَا فارْدُدْهُمْ إِلَيْنَا فإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِقْهٌ في الدّينِ سَنُفَقّهُهُمْ؟ فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَتَنْتَهُنّ أَوْ لَيَبْعَثَنّ اللّهُ عَلَيْكُمْ مَنْ يَضْرِبُ رِقَابَكُمْ بالسّيْفِ عَلَى الدّينِ، قَدِ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ عَلَى
ـــــــ
جعل ترك بمعنى خلى وإذا ضمن معنى صير كان هذا مفعولاً ثانياً والواو فيه داخلة على المفعول الثاني كما في بعض الأشعار "رحم الله عثمان" أي ابن عفان "تستحييه الملائكة" أي تستحي منه وكان أحي هذه الأمة "رحم الله علياً" أي ابن أبي طالب "اللهم أدر الحق" أمر من الإدارة أي اجعل الحق دائراً وسائراً "حيث دار" أي علي، ومن ثم كان أقضى الصحابة وأعلمهم. قوله: "هذا حديث غريب" في سنده المختار بن نافع وهو ضعيف كما عرفت.
قوله: "عن شريك" هو ابن عبد الله النخعي القاضي "عن منصور" هو ابن المعتمر. قوله: "بالرحبة" أي رحبة الكوفة والرحبة فضاء وفسحة بالكوفة كان علي يقعد فيها لفصل الخصومات "وأرقائنا" جمع رقيق أي عبيدنا "وضياعنا" جمع ضيعة وهي العقار وهو من عطف الخاص على العام "سنفقههم"(10/217)
الإيمَانِ"، قالُوا مَنْ هُوَ يا رَسُولَ اللّهِ؟ فقالَ لَهُ أبُو بَكْرٍ مَنْ هُوَ يا رَسُولَ اللّهِ؟ وَقال عُمَرُ مَنْ هُوَ يا رَسُولَ اللّهِ؟ قالَ: هُوَ خَاصِفُ النّعْلِ وكانَ أَعْطَى عَلِيّا نَعْلَهُ يَخْصِفُهَا، قالَ ثُمّ التَفَتَ إلَيْنَا عَلِيّ فقالَ إنّ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ كَذَبَ عَلَيّ مُتَعَمّداً فَلْيَتَبَوّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ" هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ لانَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ رِبْعِيَ عَن عَلِيّ.
ـــــــ
من التفقيه وهو التفهيم والفقه الفهم "لتنتهن" أي عما قلتم "قد امتحن الله قلوبهم" أي اختبرها كذا وقع في بعض النسخ بجمع الضمير وهو راجع إلى قوله: ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا، ووقع في بعض النسخ قلبه بإفراد الضمير وهو الظاهر والضمير راجع إلى من "يخصفها" أي يخرزها من الخصف وهو الضم والجمع "ثم التفت إلينا علي فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كذب علي الخ" مقصود علي بالالتفات إليهم وذكر حديث: من كذب علي أنه قد سمع الحديث المذكور من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكذب عليه.(10/218)
83 ـ باب
3800 ـ حدثنا قتيبة أخبرنا جعفر بن سليمان عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال: "إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب".هذا حديث
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا جعفر بن سليمان" هو الضبعي. قوله: "إن كنا" إن مخففة من المثقلة "معشر الأنصار" بالنصب على الاختصاص "ببغضهم علي بن أبي(10/218)
غريب. وقد تكلم شعبة في أبي هارون العبدي وقد روي هذا عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد.
ـــــــ
طالب" لأنه لا يبغض علياً إلا منافق كما في الحديث الاَتي "وقد تكلم شعبة في أبي هارون العبدي" قال الحافظ: اسمه عمارة بن جوين متروك ومنهم من كذبه شيعي(10/219)
84 ـ باب
3801 ـ حَدّثَنَا وَاصِلُ بنُ عَبْدِ الأعْلَى حدثنا مُحمّدُ بنُ فُضَيْلٍ عَن عَبْدِ اللّهِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَبي النَصْر عَن المُسَاوِرِ الْحِمْيَرِيّ عَن أُمّهِ قالَتْ: "دَخَلْتُ عَلَى أُمّ سَلَمَة فَسَمِعْتُهَا تَقُولُ كانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لا يُحِبّ عَلِيّا مُنَافِقٌ، وَلا يُبْغِضُهُ مُؤْمِنٌ" وفي البابِ عَن عَلِيَ وهَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوجْهِ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن عبد الله بن عبد الرحمن أبي نصر" الضبي الكوفي ثقة من الخامسة له في الترمذي حديثان أحدهما هذا والاَخر في موت المرأة وزوجها راض عنها "عن المساور الحميري" مجهول من السادسة "عن أمه" قال في التقريب أم مساور الحميري لا يعرف حالها من الرابعة. قوله: "وفي الباب عن علي" أخرجه أحمد ومسلم عن زر بن حبيش قال قال علي رضي الله عنه: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلى أن "لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق". قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد. قال الذهبي في ترجمة المساور فيه جهالة وخبره منكر(10/219)
85 ـ باب
3802 ـ حَدّثَنَا إسماعيلُ بنُ مُوسَى الفَزَارِيّ ابنُ بِنْتِ السّدّيّ حدثنا شَرِيكٌ عَن أبي رَبِيعَةَ عَن ابنِ بُرَيْدَةَ عَن أَبيهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنّ اللّهَ أَمَرَنِي بِحُبّ أرْبَعَةٍ وَأخْبَرَنِي أنّهُ يحِبّهُمْ، قِيلَ يا رَسُولَ اللّهِ سَمّهِمْ لَنَنا؟ قالَ عَلِيّ مِنْهُمْ يَقُولُ ذَلِكَ ثَلاَثاً وَأَبُو ذَرَ وَالمِقْدَادُ وَسَلْمَانُ. وَأَمَرَنِي بِحُبّهِمْ وَأَخْبَرَنِي أَنّهُ يُحِبّهُمْ" هَذا حديثٌ حَسَنٌ غريب لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا شريك" هو ابن عبد الله القاضي "عن أبي ربيعة" الأيادي "عن ابن بريدة" هو عبد الله "عن أبيه" هو بريدة بن الحصيب. قوله: "إن الله أمرني بحب أربعة" أي من الرجال على الخصوص "وأخبرني أنه" أي الله تبارك وتعالى "سمهم لنا" أي بين أسماءهم لنا حتى نحن نحبهم أيضاً تبعاً لمحبة الله ورسوله "قال" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "علي" أي ابن أبي طالب "منهم" أي الأربعة "يقول ذلك ثلاثاً" أي للإشعار بأنه أفضلهم أو يحبه قدر ثلاثتهم. قاله القاري "وأبو ذر" الغفاري "والمقداد" أي ابن عمرو بن ثعلبة الكندي "وسلمان" أي الفارسي "وأمرني" أي الله سبحانه وتعالى "وأخبرني أنه" أي الله سبحانه وتعالى "يحبهم" قال القاري قوله: "أمرني بحبهم" الخ فذلكة مفيدة لتأكيد ما سبق. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه ابن ماجه والحاكم(10/220)
86 ـ باب
3803 ـ حَدّثَنَا إسمَاعِيلُ بنُ مُوسَى، حدثنا شَرِيكٌ عَن أبي إِسْحَاقَ، عَن حُبْشِيّ بنِ جُنَادَةَ قالَ: قالَ
رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "عَلِيّ مِنّي وأنَا مِنْ عَلِيَ وَلاَ يُؤَدّي عَنّي إلاّ أنَا أوْ عَلِيّ" هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صحيح.
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا إسماعيل بن موسى" الفزاري "عن أبي إسحاق" هو السبيعي "عن حبشي" بضم حاء مهملة ثم موحدة ساكنة ثم معجمة بعدها ياء ثقيلة "بن جنادة" بضم جيم وخفة نون وإهمال دال السلولي بفتح المهملة صحابي نزل الكوفة. قوله: "علي مني وأنا من علي" تقدم معناه في شرح حديث عمران بن حصين أول أحاديث مناقب علي "ولا يؤدي عني" أي نبذ العهد "إلا أنا أو علي" كان الظاهر أن يقال لا يؤدي عني إلا علي فأدخل أنا تأكيداً لمعنى الاتصال في قوله علي مني وأنا منه. قال التوربشتي: كان من دأب العرب إذا كان بينهم مقاولة في نقض وإبرام وصلح ونبذ عهد أن لا يؤدي ذلك إلا سيد القوم أو من يليه من ذوي قرابته القريبة ولا يقبلون ممن سواهم، فلما كان العام الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه أن يحج بالناس رأى بعد خروجه أن يبعث علياً ـ كرم الله وجهه ـ خلفه لينبذ إلى المشركين عهدهم ويقرأ عليهم سورة براءة وفيها {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} إلى غير ذلك من الأحكام فقال قوله هذا تكريماً له بذلك انتهى. قال القاري: واعتذاراً لأبي بكر في مقامه هنالك ولذا قال الصديق لعلي حين لحقه من ورائه أمير أو مأمور فقال بل مأمور، وفيه إيماء إلى أن إمارته إنما تكون متأخرة عن خلافة الصديق كما لا يخفى عن ذوي التحقيق. قوله: "هذا حديث حسن غريب صحيح" وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه.(10/221)
3804 ـ حَدّثَنَا يُوسُفُ بنُ مُوسَى القَطّانُ البَغْدَادِيّ حدثنا عَلِيّ بنُ قَادِمٍ حدثنا عَلِيّ بنُ صَالحِ بنِ حَيَ عَن حَكِيمِ بنِ جُبَيْرٍ عَن جَمِيعِ بنِ عُمَيْرٍ التّيْمِيّ عَن ابنِ عُمَرَ قالَ: "اخَى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَجَاءَ عَلِيّ تَدْمَعُ عَيْنَاهُ فقالَ: يا رَسُولَ اللّهِ اخَيْتَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ وَلَمْ تُؤَاخِ بَيْنِي وَبَيْنَ أحَدٍ، فقالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "أنْتَ أَخِي في الدّنْيَا والاَخِرَةِ" هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. في الباب عَن زَيْدِ بنِ أَبِي أَوْفَى
ـــــــ
قوله: "حدثنا علي بن صالح" بن صالح "بن حي" الهمداني أبو محمد الكوفي أخو الحسين بن صالح وهما توأمان ثقة عابد من السابعة. قوله: "آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم" بمد الهمزة من المؤاخاة أي جعل المؤاخاة في الدين "بين أصحابه" أي اثنين اثنين كأبي الدرداء وسلمان. قوله: "هذا حديث حسن غريب" في سنده حكيم بن جبير وهو ضعيف ورمى بالتشيع وأخرجه أحمد في المناقب عن عمر بن عبد الله عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين الناس وترك علياً حتى بقي آخرهم لا يرى له أخاً فقال يا رسول الله آخيت بين الناس وتركتني؟ قال: "ولم تراني تركتك، تركتك لنفسي أنت أخي وأنا أخوك فإن ذكرك أحد فقل أنا عبد الله وأخو رسوله لا يدعيها بعد إلا كذاب". كذا في المرقاة. قوله: "وفيه عن زيد بن أبي أوفى" أي وفي الباب عن زيد بن أبي أوفى وهو صحابي ولم أقف على من أخرج حديثه(10/222)
87 ـ باب
3805 ـ حَدّثَنَا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ حدثنا عُبَيْدُ اللّهِ بنُ مُوسَى عَن عِيَسَى بنِ عُمَرَ عَن السّدّيّ عَن أنَسِ
بنِ مالِكٍ قالَ: "كَانَ عِنْدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم طَيْرٌ فقالَ "اللّهُمّ ائْتَنِي بِأَحَبّ خَلْقِكَ إلَيْكَ يَأْكُلُ مَعِي هَذَا الطّيْرَ فَجَاءَ عَليّ فأكَلَ مَعَهُ" هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لانَعَرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ السّدّيّ إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا عبيد الله بن موسى" العبسي الكوفي "عن عيسى بن عمر" الأسدي الهمداني بسكون الميم كنيته أبو عمر الكوفي القاري ثقة من السابعة. قوله: "كان عند النبي صلى الله عليه وسلم طير" أي مشوي أو مطبوخ أهدي إليه صلى الله عليه وسلم "يأكل معي" بالرفع ويجوز الجزم "فجاء علي فأكل معه" قال التوربشتي: هذا الحديث لا يقاوم ما أوجب تقديم أبي بكر والقول بخيريته من الأخبار الصحاح منضماً إليها إجماع الصحابة لمكان سنده فإن فيه لأهل النقل مقالاً ولا يجوز حمل أمثاله على ما يخالف الإجماع لا سيما والصحابي الذي يرويه ممن دخل في هذا الإجماع واستقام عليه مدة عمره ولم ينقل عنه خلافه فلو ثبت عنه هذا الحديث فالسبيل أن يأول على وجه لا ينقض عليه ما اعتقده ولا يخالف ما هو أصح منه متناً وإسناداً وهو أن يقال يحمل قوله بأحب خلقك على أن المراد منه ائتني بمن هو من أحب خلقك إليك فيشاركه فيه غيره وهم المفضلون بإجماع الأمة، وهذا مثل قولهم فلان أعقل الناس وأفضلهم أي من أعقلهم وأفضلهم، ومما يبين لك أن حمله على العموم غير جائز هو أن النبي صلى الله عليه وسلم من جملة خلق الله ولا جائز أن يكون علياً أحب إلى الله منه، فإن قيل ذلك شيء عرف بأصل الشرع قلنا والذي نحن فيه عرف أيضاً(10/223)
وَقَدْ رُوِيَ هذا الحديث مِنْ غَيْرِ وَجِهٍ عَن أَنَسٍ. وعيسى بن عمر هو كوفي وَالسّدّيّ اسمه إِسمَاعيلُ بنُ عبْدِ الرّحْمَنِ وسمع من أنس بن مالك وَرَأى الْحُسَيْنَ بنَ عَلِيَ.
ـــــــ
بالنصوص الصحيحة وإجماع الأمة فيأول هذا الحديث على الوجه الذي ذكرناه أو على أنه أراد بأحب خلقه إليه من بني عمه وذويه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطلق القول وهو يريد تقييده. ويعم به ويريد تخصيصه. فيعرفه ذوو الفهم بالنظر إلى الحال أو الوقت أو الأمر الذي هو فيه انتهى. قال القاري: الوجه الأول هو المعول ونظيره ما ورد أحاديث بلفظ: أفضل الأعمال: في أمور لا يمكن جمعها إلا بأن يقال في بعضها إن التقدير من أفضلها. قوله: "هذا حديث غريب الخ" قال في المختصر له طرق كثيرة كلها ضعيفة وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وأما الحاكم فأخرجه في المستدرك وصححه واعترض عليه كثير من أهل العلم، ومن أراد استيفاء البحث فلينظر ترجمة الحاكم في النبلاء وكذا في الفوائد المجموعة للشوكاني وقال الزيلعي في تخريج الهداية ص 981 ج 1 وكم من حديث كثرت رواته وتعددت طرقه وهو حديث ضعيف كحديث الطير وحديث الحاجم والمحجوم وحديث "من كنت مولاه فعلي مولاه" بل قد لا يزيد الحديث كثرة الطرق إلا ضعفاً انتهى. وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة الحاكم: قال الخطيب أبو بكر أبو عبد الله الحاكم كان ثقة يميل إلى التشيع فحدثني إبراهيم بن محمد الأرموي وكان صالحاً عالماً قال جمع الحاكم أحاديث وزعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم منها حديث الطير. "ومن كنت مولاه فعلي مولاه". فأنكرها عليه أصحاب الحديث فلم يلتفتوا إلى قوله. قال الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ: سمعت أبا عبد الرحمن الشاذياني صاحب الحاكم يقول: كنا في مجلس السيد أبي الحسن فسئل أبو عبد الله الحاكم عن حديث الطير فقال لا يصح ولو صح لما كان أحد أفضل من علي رضي الله عنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم. قال الذهبي ثم تغير أي الحاكم وأخرج حديث الطير في مستدركه. ولا ريب أن في المستدرك أحاديث كثيرة ليست على شرط الصحة بل فيه أحاديث موضوعة شأن المستدرك(10/224)
3806 ـ حَدّثَنَا خَلادُ بنُ أَسْلَمَ البَغْدَادِيّ حدثنا النّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ أخبرنا عَوْفٌ عَن عبْدِ اللّهِ بنِ عَمْرِو بنِ هِنْدٍ الْجَمَلِيّ قالَ: "قالَ عَلِيّ كُنْتُ إذَا سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَانِي وَإِذَا سَكَتّ ابْتَدَأَني" هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
بإخراجها فيه، وأما حديث الطير فله طرق كثيرة جداً أفردتها بمصنف ومجموعها يوجب أن يكون الحديث له أصل، وأما حديث: من كنت مولاه فله طرق جيدة وقد أفردت ذلك أيضاً انتهى "والسدي اسمه إسماعيل بن عبد الرحمن" وهو السدي الكبير.
قوله: "أخبرنا عوف" هو ابن أبي جميلة "عن عبد الله بن عمرو بن هند" المرادي الجملي الكوفي صدوق من الثالثة لم يثبت سماعه من علي. قوله: "كنت إذا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي إذا طلبت منه شيئاً "أعطاني" أي المسئول أو جوابه "وإذا سكت" أي عن السؤال أو التكلم "ابتدأني" أي بالتكلم أو الإعطاء. قوله: "هذا حديث حسن غريب" هذا الحديث منقطع لأن عبد الله بن عمرو لم يثبت سماعه من علي كما عرفت وأخرجه النسائي في الخصائص وابن خزيمة في صحيحه والحاكم(10/225)
88 ـ باب
3807 ـ حَدّثَنَا إِسماعيلُ بنُ مُوسَى أخبرنا مُحمّدُ بنُ عُمَرَ بنِ الرّومِيّ حدثنا شَرِيكٌ عَن سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ عَن سُوَيْدِ بنِ غَفلَةَ عَن
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا محمد بن عمر بن الرومي" إعلم أنه وقع في النسخة الأحمدية وغيرها: أخبرنا محمد بن عمر الرومي بإسقاط كلمة ابن وهو غلط والصواب(10/225)
الصّنَابِحِيّ عَن عَلِيَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنَا دَارُ الْحِكْمَةِ وَعَلِيّ بَابُهَا" هَذا حديثٌ غَريبٌ مُنْكَرٌ ورَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَن شَرِيكٍ وَلَمْ يَذْكُرُوا فيهِ عَن الصّنَابِحِيّ وَلاَ
ـــــــ.
محمد بن عمر بن الرومي بذكرها. ففي التقريب محمد بن عمر بن عبد الله بن فيروز الباهلي مولاهم ابن الرومي البصري لين الحديث من العاشرة وكذا في تهذيب التهذيب والخلاصة وكذا وقع عند الترمذي في مناقب زيد بن حارثة "عن الصنابحي" هو عبد الرحمن بن عسيلة. قوله: "أنا دار الحكمة وعلي" أي ابن أبي طالب "بابها" أي الذي يدخل منه إليها. قال الطيبي: لعل الشيعة تتمسك بهذا التمثيل أن أخذ العلم والحكمة منه مختص به لا يتجاوز إلى غيره إلا بواسطته رضي الله عنه. لأن الدار إنما يدخل من بابها وقد قال تعالى {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} ولا حجة لهم فيه إذ ليس دار الجنة بأوسع من دار الحكمة ولها ثمانية أبواب انتهى. وقال القاري: معنى الحديث: على باب من أبوابها. ولكن التخصيص يفيد نوعاً من التعظيم وهو كذلك لأنه بالنسبة إلى بعض الصحابة أعظمهم وأعلمهم، ومما يدل على أن جميع الأصحاب بمنزلة الأبواب قوله صلى الله عليه وسلم: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"، من الإيماء إلى اختلاف مراتب أنوارها في الاهتداء. ومما يحقق ذلك أن التابعين أخذوا أنواع العلوم الشرعية من القراءة والتفسير والحديث والفقه من سائر الصحابة غير علي رضي الله عنه أيضاً فعلم عدم انحصار البابية في حقه اللهم إلا أن يختص بباب القضاء فإنه ورد في شأنه أنه "أقضاكم". كما أنه جاء في حق أبي أنه "أقرؤكم" وفي حق زيد بن ثابت أنه "أفرضكم" وفي حق معاذ بن جبل أنه "أعلمكم بالحلال والحرام". قلت: قال الحافظ في التلخيص حديث: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم". رواه عبد بن حميد في مسنده من طريق حمزة النصيبي عن نافع عن ابن عمر وحمزة ضعيف جداً، ورواه الدارقطني في غرائب مالك من طريق حميد بن زيد عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر وحميد لا يعرف ولا أصل له في حديث مالك(10/226)
نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أحَدٍ مِنْ الثقَاتِ غير شَرِيكٍ. وفي البابِ عَن ابنِ عَبّاسٍ.
ـــــــ
ولا من فوقه، وذكره البزار من رواية عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن عمر وعبد الرحيم كذاب، ومن حديث أنس أيضاً وإسناده واهي ورواه القضاعي في مسند الشهاب له من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وفي إسناده جعفر بن عبد الواحد الهاشمي وهو كذاب، ورواه أبو ذر الهروي في كتاب السنة من حديث مندل عن جويبر عن الضحاك بن مزاحم منقطعاً وهو في غاية الضعف. قال أبو بكر البزار: هذا الكلام لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن حزم: هذا خبر مكذوب موضوع باطل. وقال البيهقي في الاعتقاد عقب حديث أبي موسى الأشعري الذي أخرجه مسلم بلفظ: "النجوم أمنة السماء فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون. وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون". قال البيهقي روى في حديث موصول بإسناد غير قوي يعني حديث عبد الرحيم العمي. وفي حديث منقطع يعني حديث الضحاك بن مزاحم: "مثل أصحابي كمثل النجوم في السماء من أحذ بنجم منها اهتدى"، قال والذي رويناه ههنا من الحديث الصحيح يؤدي بعض معناه. قال الحافظ صدق البيهقي هو يؤدي صحة التشبيه للصحابة بالنجوم خاصة أما في الاقتداء فلا يظهر في حديث أبي موسى، نعم يمكن أن يتلمح ذلك من معنى الاهتداء بالنجوم وظاهر الحديث إنما هو إشارة إلى الفتن الحادثة بعد انقراض عصر الصحابة من طمس السنن وظهور البدع وفشو الفجور في أقطار الأرض انتهى. قوله: "هذا حديث غريب منكر" اختلف أهل العلم في هذا الحديث فقال ابن الجوزي وغيره إنه موضوع، وقال الحاكم وغيره إنه صحيح، قال الحافظ ابن حجر والصواب خلاف قولهما معاً وأن الحديث من قسم الحسن لا يرتقى إلى الصحة ولا ينحط إلى الكذب كذا في الفوائد المجموعة للشوكاني. قوله: "وفي الباب عن ابن عباس" أخرجه الحاكم في مستدركه وقال صحيح وتعقبه الذهبي.(10/227)
3877 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ، حدثنا حَاتِمُ بنُ إسماعيلَ، عَن بُكَيْرِ بنِ مِسْمَارٍ، عَن عامِرِ بنِ سَعْدِ بنِ أَبي وَقّاصٍ، عَن أَبيهِ قالَ: "أمَرَ مُعَاوِيَةُ بنُ أبي سُفْيانَ سَعْداً فقالَ ما مَنَعَك أنْ تَسُبّ أَبَا تُرَابٍ؟ قالَ أَمّا ما ذَكَرْتَ ثَلاَثاً قالَهُنّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَنْ أسُبّهُ لاِءَنْ تَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنّ أَحَبّ إِليّ مِنْ حُمْرِ النّعَمِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِعَلِيَ وخَلَفَهُ في بَعْضِ مَغَازِيهِ؟ فقالَ لَهُ عَلِيّ يا رَسُولَ اللّهِ تَخْلُفُنِي مَعَ النّسَاءِ والصّبْيانِ؟ فقالَ لَهُ
ـــــــ
قوله: "حدثنا حاتم بن إسماعيل" المدني "عن بكير بن مسمار" الزهري المدني. قوله: "فقال ما منعك أن تسب أبا تراب" أي علياً رضي الله عنه، قال النووي قال العلماء الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي يجب تأويلها قالوا ولا يقع في روايات الثقات إلا ما يمكن تأويله: فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعداً بسبه وإنما سأله عن السبب المانع له من السب كأنه يقول هل امتنعت تورعاً أو خوفاً أو غير ذلك، فإن كان تورعاً وإجلالاً له عن السب فأنت مصيب محسن وإن كان غير ذلك فله جواب آخر، ولعل سعداً قد كان في طائفة يسبون فلم يسب معهم وعجز عن الإنكار وأنكر عليهم فسأله هذا السؤال، قالوا ويحتمل تأويلاً آخر أن معناه: ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ انتهى "أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه" كلمة ما مصدرية وذكرت بتأويل المصدر مع فاعله ومفعوله مبتدأ والخبر مجذوف أي أما ذكري ثلاث كلمات قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن علي فمانع عن سبه فلن أسبه "لأن تكون لي واحدة منهن" أي من الثلاث "من حمر النعم" بضم الحاء وسكون الميم أي الإبل الحمر وهي أنفس أموال العرب فهي كناية عن خير الدنيا كله "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي" هذا بيان للكلمات الثلاث(10/228)
رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: أمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إلاّ أَنّهُ لاَ نُبُوّةَ بعْدِي. وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ لُعْطِيَنّ الرّايَةَ رَجُلاً يُحِبّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبّهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ. قالَ فَتَطَاوَلْنَا لَهَا فقالَ ادْعُوا لي عَلِيّا، قالَ فأَتَاهُ وَبِهِ رَمَدٌ فَبَصَقَ في عَيْنِهِ فَدَفَعَ الرّايَةَ إِلَيْهِ فَفَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ: {نَدْعُ أبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ} الاَية دَعَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَناً وَحُسَيْناً فقالَ "اللّهُمّ هَؤُلاَءِ أهْلِي" هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صحيحٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ
ـــــــ
التي ذكرها سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "وخلفه" أي جعله خليفة والواو للحال "في بعض مغازيه" أي في غزوة تبوك "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى" أي نازلاً مني منزلة هارون من موسى والباء زائدة، وفي رواية سعيد بن المسيب عن سعد: فقال علي رضيت رضيت. أخرجه أحمد كذا في الفتح. وفي الحديث إثبات فضيلة لعلي ولا تعرض فيه لكونه أفضل من غيره أو مثله وليس فيه دلالة لاستخلافه لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال هذا لعلي حين استخلفه في المدينة في غزوة تبوك ويؤيد هذا أن هارون المشبه به لم يكن خليفة بعد موسى بل توفي في حياة موسى وقبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة على ما هو مشهور عند أهل الأخبار والقصص قالوا وإنما استخلفه حين ذهب لميقات ربه للمناجاة كذا في شرح مسلم للنووي "فتطاولنا لها" أي للراية. يقال تطاول إذا تمدد قائماً لينظر إلى بعيد "وبه رمد" بالتحريك أي هيجان العين "فبصق" أي بزق وفي حديث سهل بن سعد عند الشيخين: ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع "وأنزلت هذه الاَية: {نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} الخ" وفي رواية مسلم: ولما نزلت هذه الاَية: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا} الخ". قوله: "هذا حديث حسن غريب صحيح" وأخرجه أحمد ومسلم وأخرجه الترمذي في تفسير سورة آل عمران مختصراً(10/229)
89 ـ باب
3809 ـ حَدّثَنَاعبْدُ اللّهِ بنُ أَبي زِيَادٍ حدثنا الأحْوَصُ بنُ جَوَابٍ عَن يُونُسَ بنِ أَبي إِسْحَاقَ عَن أَبي
إِسْحَاقَ عَن البَرَاءِ قالَ: "بَعَثَ النبيّ صلى الله عليه وسلم جَيْشَيْنِ وَأَمّرَ عَلَى أحَدِهِمَا عَلِيّ بنَ أبي طالبٍ وَعَلَى الاَخَرِ خَالِدَ بنَ الْوَلِيدِ وَقالَ إِذَا كانَ القِتَالُ فَعليّ، قالَ فافْتَتَحَ عَلِيّ حِصْناً فَأَخَذَ مِنْهُ جارِيَةً فَكَتَبَ مَعِي خالِدٌ كِتَاباً إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يَشِى بِهِ، قالَ فَقَدِمْتُ عَلَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ الكِتَابَ فَتَغيّرَ لَوْنُهُ ثُمّ قالَ: "ما تَرَى في رَجل يُحِبّ اللّهَ وَرَسُولَهُ ويُحِبّهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ" ، قالَ قُلْتُ أعُوذُ باللّهِ مِنْ غَضَبِ اللّهِ وَمِنْ
ـــــــ.
"باب"
قوله: "حدثنا عبد الله بن أبي زياد" القطواني "عن يونس بن أبي إسحاق" السبيعي الكوفي "عن أبي إسحاق" السبيعي "عن البراء" أي ابن عازب. قوله: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم" أي أرسل "إذا كان القتال فعلي" أي فالأمير علي "يشي به" في القاموس وشى به إلى السلطان وشياً ووشاية أي نم وسعى "فقرأ الكتاب" وفي حديث بريدة عند أحمد فقرئ عليه "فتغير لونه" أي لون وجهه لغضبه صلى الله عليه وسلم "في رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" أي أراد بذلك وجود حقيقة المحبة وإلا فكل مسلم يشترك مع علي في مطلق هذه الصفة، وفي الحديث تلميح بقوله تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} فكأنه أشار إلى أن علياً تام الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اتصف بصفة محبة الله له ولهذا كانت محبته علامة الإيمان وبغضه(10/230)
غَضَبِ رَسُولِهِ وإِنّمَا أَنَا رَسُولٌ فَسَكَتَ"هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لانَعْرِفُه إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ
ـــــــ
علامة النفاق. قوله: "هذا حديث حسن غريب" تقدم هذا الحديث في باب من يستعمل على الحرب من أبواب الجهاد(10/231)
90 ـ باب
3810 ـ حَدّثَنَا عَلِيّ بنُ المُنْذِرِ الكُوفِيّ أخبرنا مُحمّدُ بنُ فُضَيْل، عَن الأجْلَحِ، عَن أبي الزّبَيْرِ عَن جابِرٍ قالَ: "دَعا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيّا يَوْمَ الطّائِفِ فانْتَجَاهُ فقالَ النّاسُ لَقَدْ طَالَ نَجْوَاهُ مَعَ ابنِ عَمّهِ فقالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "ما انْتَجَيْتُهُ وَلَكِنّ اللّهَ انْتَجَاهُ" هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لانَعْرِفُه إلاّ مِنْ حَدِيثِ
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن الأجلح" هو ابن عبد الله بن حجية "دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً يوم الطائف" قيل أي دعاه يوم أرسله إلى الطائف "فانتجاه" قال في القاموس ناجاه مناجاة ونجاء ساره وانتجاه خصة بمناجاته "فقال الناس" أي المنافقون أو عوام الصحابة قاله القاري "ما انتجيته" أي ما خصصت بالنجوى "ولكن الله انتجاه" أي أني بلغته عن الله ما أمرني أن أبلغه إياه على سبيل النجوى فحينئذ انتجاه الله لا انتجيته فهو نظير قوله تعالى {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} قال الطيبي كان ذلك أسراراً إلهية وأموراً غيبية جعله من خرانتها انتهى. قال القاري وفيه أن الظاهر أن الأمر المتناجي به من الأسرار الدينوية المتعلقة بالأخبار الدينية من أمر الغزو ونحوه إذ ثبت في صحيح البخاري أنه سئل عليّ كرم الله وجهه: هل عندكم شيء ليس في القرآن؟(10/231)
الأجْلَحَ وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ ابنِ فُضَيْلٍ أيضاً عَن الأجْلَحِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: "وَلَكِنّ اللّهَ انْتَجَاه". يَقُولُ إن اللّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَنْتَجِيَ مَعَهُ.
ـــــــ
فقال والذي خلق الحبة وبرأ النسمة، ما عندنا إلا ما في القرآن إلا فهماً يعطاه رجل في كتابه وما في الصحيفة. وقيل ما في الصحيفة؟ فقال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر.(10/232)
91 ـ باب
3811 ـ حَدّثَنَاعَلِيّ بنُ المُنْذِرِ أخبرنا محمد بنُ فُضَيْل عَن سَالِمِ بنِ أَبي حَفْصَةَ، عَن عَطِيّةَ، عَن أَبي سَعِيدٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَليَ: "يا عَلِيّ لايَحِلّ لأحَدٍ أَنْ يُجْنِبَ في هَذَا المَسْجِدِ غَيْرِي وغَيْرَكَ" قالَ عَلِيّ بنُ المُنْذِرِ قُلْتُ لِضِرارِ بنِ صُرَدٍ ما معْنَى هَذَا الْحَدِيثِ؟ قالَ لاَ يَحِلّ لاِءَحَدٍ يَسْتَطْرِقُهُ جُنُباً غَيْرِي وَغَيْرَكَ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن عطية" بن سعد العوفي. قوله: "لا يحل لأحد يجنب" بضم التحتية وسكون الجيم وكسر النون من الإجناب "في هذا المسجد" أي المسجد النبوي يعني لا يحل لأحد أن يمر جنباً في هذا المسجد "غيري وغيرك" بالنصب على الاستثناء واعلم أنه وقع في بعض النسخ لا يحل لأحد يجنب بغير أن وكذا وقع في المشكاة قال الطيبي: ظاهره أن يجنب أن يكون فاعلاً لقوله لا يحل وقوله في هذا المسجد ظرف ليجنب وفيه إشكال. ولذلك أوله ضرار بن صرد صفة لأحد "قلت لضرار" بكسر الضاد المعجمة "بن صرد" بضم ففتح فتنوين يكنى أبا نعيم الكوفي الطحان سمع المعتمر بن سليمان وغيره وروى عنه علي بن المنذر "يستطرقه" أي يتخذه طريقاً. قال القاضي ذكر في شرحه أنه لا يحل لأحد(10/232)
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وقد سَمِعَ مني مُحمّدُ بنُ إسمَاعيلَ هَذَا الْحَدِيثَ وَأَسْتَغْرَبَهُ.
ـــــــ
يستطرقه جنباً غيري وغيرك، وهذا إنما يستقيم إذا جعل يجنب صفة لأحد ومتعلق الجار محذوفاً فيكون تقدير الكلام لا يحل لأحد تصيبه الجنابة يمر في هذا المسجد غيري وغيرك وكان عمر دارهما خاصة في المسجد. قال الطيبي والإشارة في هذا المسجد مشعرة بأن له اختصاصاً بهذا الحكم ليس لغيره من المساجد وليس ذلك إلا لأن باب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتح إلى المسجد وكذا باب علي. قوله: "هذا حديث حسن غريب" أورد ابن الجوزي هذا الحديث في موضوعاته وقال: فيه كثير النواء وهو غال في التشيع عن عطية العوفي وهو ضعيف قال السيوطي في تعقباته: أخرجه الترمذي والبيهقي في سننه من طريق سالم بن أبي حفصة عن عطية فزالت تهمة كثير. وقال الترمذي حسن غريب، وقال النووي إنما حسنه الترمذي بشواهده قال وورد من حديث سعد بن أبي وقاص أخرجه البزار وعمر بن الخطاب أخرجه أبو يعلى. وأم سلمة أخرجه البيهقي في سننه. وعائشة أخرجه البخاري في تاريخه. والبيهقي وجابر بن عبد الله أخرجه ابن عساكر في تاريخه. ومن مرسل أبي حازم الأشجعي أخرجه الزبير بن بكار في أخبار المدينة انتهى. "وقد سمع محمد بن إسماعيل" أي الإمام البخاري "مني هذا الحديث" وقد سمع منه أيضاً حديث ابن عباس في قول الله عز وجل {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} قال اللينة النخلة الحديث قال الترمذي بعد إخراجه في تفسير سورة الحشر: سمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث انتهى(10/233)
92 ـ باب
3812 ـ حَدّثَنَا إسماعيلُ بنُ مُوسَى أخبرنا عَلِي بنُ عَابِسٍ عَن مُسْلِمٍ المُلاَئِيّ عَن أنَسِ بنِ مالِكٍ قالَ:
"بُعِثَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَصَلّى وَعَلِيّ يَوْمَ الثّلاَثَاءِ" وفي الباب عن علي وهَذا حديثٌ غَرِيبٌ لانَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمٍ الأعْوَرِ، وَمُسْلِمٌ الأعْوَرُ لَيْسَ عِنْدَهُمْ بِذَاكَ القَوِيّ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحديث عَن مُسْلِمٍ عَن حَبّةَ عَن عَلِيَ نَحْوَ هَذَا.
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا علي بن عابس" بموحدة مكسورة بعدها مهملة الأسدي الكوفي ضعيف من التاسعة "عن مسلم الملائي" بميم مضمومة وخفة لام وبمد وبياء في آخره نسبة إلى بيع الملاء نوع من الثياب. قال في التقريب مسلم بن كيسان الضبي الملائي البراد الأعور أبو عبد الله الكوفي ضعيف من الخامسة. قوله: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء" فيه دليل على أن أول من أسلم من الذكور هو علي رضي الله عنه "وقد روى هذا الحديث عن مسلم" هو ابن كيسان الملائي "عن حبه" بفتح حاء مهملة ثم موحدة ثقيلة بن جوين بجيم مصغراً العرني بضم المهملة وفتح الراء بعدها نون الكوفي صدوق له أغلاط وكان غالياً في التشيع من الثانية وأخطأ من زعم أن له صحبة "عن علي نحو هذا" أخرج الحاكم عن حبة بن جوين عن علي: عبدت الله مع رسوله سبع سنين قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة. قال السيوطي في تعقباته: قد أخرجه الحاكم لكن تعقبه الذهبي بأن خديجة وأبا بكر وبلالاً وزيداً آمنوا أول ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال ولعل السمع أخطأ ويكون علي قال: عبدت الله مع رسوله ولي سبع سنين. ولم يضبط الراوي ما سمع انتهى.(10/234)
3813 ـ حَدّثَنَا القاسم بن دينار الكوفي أخبرنا أبو نعيم عن عبد السلام بن حرب عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى". هذا حديث حسن صحيح وقد روى من غير وجهٍ عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم ويستغرب هذا الحديث من حديث يحيى بن سعد الأنصاري.
3814 ـ حَدّثَنَا محمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا أَبُو أحْمَدَ الزّبَيْرِيّ عَن شَرِيكٍ عَن عبْدِ اللّهِ بنِ مُحمدِ بنِ عَقِيلٍ عَن جابِرِ بنِ عَبْدِ اللّهِ "أَنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ لِعَلِيَ: "أنْتَ مِنّي بِمَنْزِلَةِ هارُونَ مِنْ مُوسَى إلاّ أنهُ لانَبِيّ بَعْدِي" هَذا حديثٌ حَسَن غَرِيبٌ مِنْ هَذَا
ـــــــ
قوله: "عن يحيى بن سعيد" هو الأنصاري. قوله: "عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى" تقدم شرحه قريباً. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم، قوله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى الخ" قال الطيبي: تحريره من جهة علم المعاني أن قوله مني خبر للمبتدأ ومن اتصاليته ومتعلق الخبر خاص والباء زائدة كما في قوله تعالى {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ} أي فإن آمنوا إيماناً مثل إيمانكم، يعني أنت متصل بي ونازل مني منزلة هارون من موسى، وفيه تشبيه ووجه الشبه منه لم يفهم أنه رضي الله عنه فيما شبهه به صلى الله عليه وسلم فبين بقوله: "إلا أنه لا نبي بعدي" أن اتصاله به ليس من جهة النبوة فبقي الاتصال من جهة الخلافة لأنها تلي النبوة في المرتبة إما أن يكون حال حياته أو بعد مماته. فخرج من أن يكون بعد مماته لأن هارون عليه السلام مات(10/235)
الْوَجْهِ. وفي البابِ عَن سَعْدٍ وَزَيْدِ بنِ أرْقَمَ وَأبي هُرَيْرَةَ وَأُمّ سَلَمَةَ.
ـــــــ
قبل موسى فتعين أن يكون في حياته عند مسيره إلى غزوة تبوك. قوله: "وفي الباب عن سعد وزيد بن أرقم وأبي هريرة وأم سلمة" أما حديث سعد وهو ابن أبي وقاص فقد أخرجه الترمذي قبل هذا بأربعة أبواب، وأما حديث زيد بن أرقم فأخرجه الطبراني بإسنادين في أحدهما ميمون أبو عبد الله البصري وثقه ابن حبان وضعفه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح، وأما حديث أبي هريرة فلينظر من أخرجه، وأما حديث أم سلمة فأخرجه أبو يعلى والطبراني. قال الهيثمي في إسناد أبي يعلى محمد بن سلمة بن كهيل وثقه ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله رجال الصحيح، وقال عن عامر بن سعد عن أبيه وعن أم سلمة وقال الطبراني عن عامر بن سعد عن أبيه عن أم سلمة فالله أعلم انتهى. وفي الباب أيضاً عن أبي سعيد وأسماء بنت عميس وابن عباس وحبشي بن جنادة وابن عمر وعلي نفسه وجابر بن سمرة وأبي أيوب والبراء بن عازب كما في مجمع الزوائد.(10/236)
93 ـ باب
3815 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنَ حُمَيْدٍ الرّازِيّ أخبرنا إِبْرَاهيمُ بنُ المخْتَارِ عَن شعْبَةَ عَن أَبي بَلْجٍ عَن عَمْرِو بنِ مَيْمُونٍ عَن ابنِ عبّاسٍ: "أَنالنّبيّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِسَدّ الأبْوَابِ إِلاّ بابَ عَلِيَ"
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا إبراهيم بن المختار" الرازي "عن أبي بلج" بفتح موحدة وسكون لام بعدها جيم الفزاري الكوفي ثم الواسطي الكبير اسمه يحيى بن سليم أو ابن أبي سليم أو ابن أبي الأسود صدوق ربما أخطأ من الخامسة "عن عمرو بن ميمون" الأودي. قوله: "أمر بسد الأبواب" أي المفتوحة في المسجد "إلا باب علي" ولذا قال: "لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك".(10/236)
هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لانعْرِفهُ عَن شعْبَةَ بهَذَا الاِسْنَادِ إلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
3816 ـ حَدّثَنَا نَصْرُ بنُ عَلِيَ الْجَهضَمِيّ، حدثنا عَلِيّ بنُ جَعْفَرِ بنِ مُحمّدِ بنِ عَلِيَ قال أَخْبَرَنِي أخِي مُوسَى بنُ جَعْفَرِ بنِ مُحمّدٍ عَن أَبيهِ جَعْفَرِ بنِ مُحمّدٍ عَن أَبيهِ مُحمّدِ بنِ عَلِيَ عَن أبيهِ عَلِيّ بنِ الْحُسَيْنِ عَن أبيهِ عَن جَدّهِ عَلِيّ بنِ أَبي طَالِبٍ: "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أخَذَ بِيَدِ حَسَنٍ وَحُسَيْن قَالَ "مَنْ أحَبّنِي وَأَحَبّ هَذَيْنِ وَأَبَاهُمَا وأُمّهُمَا كانَ مَعِي في دَرَجَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ" هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لانَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بنِ مُحمّدٍ إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
ـــــــ
قال في اللمعات: حكم ابن الجوزي على هذا الحديث بالوضع وقال وضعته الروافض في معارضة حديث أبي بكر، ورد الشيخ ابن حجر عليه وقال. لحديث علي طرق كثيرة بلغت بعضها حد الصحة وبعضها مرتبة الحسن ولا معارضة بينه وبين حديث أبي بكر لأن الأمر بسد الأبواب وفتح باب علي كان في أول الأمر والأمر بسد الخوخات إلا خوخة أبي بكر كان في آخر الأمر في مرضه حين بقي من عمره ثلاثة أو أقل. انتهى ما في اللمعات. قلت: أراد بالشيخ ابن حجر الحافظ ابن حجر العسقلاني وقد بسط الحافظ الكلام في هذا في فتح الباري في المناقب وقد تقدم تلخيصه في مناقب أبي بكر.
قوله: "حدثنا علي بن جعفر بن محمد بن علي" بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي العلوي أخو موسى مقبول "أخبرني أخي موسى بن جعفر بن محمد" بن علي بن الحسين بن علي أبو الحسن الهاشمي المعروف بالكاظم صدوق عابد "عن أبيه جعفر بن محمد" المعروف بالصادق "عن أبيه محمد بن علي" المعروف بالباقر "عن أبيه علي بن الحسين" المعروف بزين العابدين. قوله: "وأباهما"(10/237)
أي علي بن أبي طالب رضي الله عنه "وأمهما" أي فاطمة رضي الله عنها "كان معي في درجتي يوم القيامة" فإن المرء مع من أحب. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد(10/238)
94 ـ باب
3817 ـ حَدّثَنَا مُحمدُ بنُ حُمَيْدٍ حدثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُخْتَارِ عَن شعْبَةَ عَن أَبي بَلْجٍ عَن عَمْرِو بنِ مَيْمُونٍ
عَن ابنِ عبّاسٍ قالَ: "أَوّلُ مَنْ صَلّى عَلِيّ" هَذا حديثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لاَ نَعْرفُهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَن أَبي بَلْجٍ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ مُحمّدِ بنِ حُمَيْدٍ وَأَبُو بَلْجٍ اسْمُهُ يَحيْى بنُ أبي سُلَيْمٍ وقال بعض أهل العلم: أوّلُ مَنْ أسْلَمَ مِنَ الرجال أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ، وَأسْلَمَ عَلِيّ وهو غلام ابن ثمانِ سنين، وَأوّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ النّساءِ خَدِيجَةُ.
3818 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بشّارٍ و مُحمّدُ بنُ المُثَنّى قالاَ: حدثنا مُحمّدُ بن جَعْفَرٍ، حدثنا شُعْبَة، عَن عَمْرِو بنِ مُرّةَ، عَن أَبي حَمْزَةَ عَن رَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ عَن زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ قالَ: "أوّلُ مَنْ أسْلَمَ عَلِيّ
ـــــــ
"باب"
قوله: "أول من صلى" أي أول من أسلم من الصبيان "علي" أي ابن أبي طالب، وفي رواية لأحمد عن زيد بن أرقم: أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب.
قوله: "عن عمرو بن مرة" الجملي المرادي "أول من أسلم علي" وفي رواية(10/238)
قالَ عَمْرُو بنُ مُرّةَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لإبْرَاهِيمَ النّخْعِيّ فأَنْكَرَهُ وَقالَ: أوّلُ مَنْ أَسْلَمَ أبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ" هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وأبُو حَمْزَةَ أسمُهُ طَلْحَةُ بنُ يَزِيدَ.
ـــــــ
لأحمد في مسنده: أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب. وفي أخرى له: أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم علي رضي الله عنه "فأنكره وقال أول من أسلم أبو بكر الصديق" لا وجه للإنكار فإن أبا بكر أول من أسلم من الرجال. وعلياً أول من أسلم من الصبيان. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد. قوله: "وأبو حمزة اسمه طلحة بن يزيد" بفتح التحتية الأولى وكسر الزاي وسكون التحتية الثانية وبالدال المهملة وكذلك في التقريب وتهذيب التهذيب والخلاصة ووقع في النسخة الأحمدية وغيرها طلحة بن زيد بفتح الزاي وسكون التحتية وبالدال المهملة وهو غلط وليس في جامع الترمذي راو اسمه طلحة بن زيد، وطلحة بن زيد هذا هو أبو حمزة الأيلي بفتح الهمزة وسكون الياء مولى الأنصار نزل الكوفة وثقه النسائي من الثالثة.(10/239)
95 ـ باب
3819 ـ حَدّثَنَا عِيسى بنُ عُثْمانَ ابنِ أخِي يَحْيَى بنِ عِيسَى الرّمْلِيّ حدثنا عِيسَى الرّمْلِيّ عَن الأعْمَشِ عَن عَدِيّ بنِ ثابِتٍ عَن زِرّ بنِ حُبَيْشٍ عَن عَلِيَ قالَ: "لَقَدْ عَهِدَ إليّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم النبيّ الُمّيّ أنّهُ لاَ يُحِبّكَ إلاّ مُؤْمِنٌ وَلاَ يُبْغِضُكَ إلاّ
ـــــــ
"باب"
قوله: "لقد عهد" أي أوصى "النبي الأمي" بدل من النبي "أنه" الضمير للشأن "لا يحبك إلا مؤمن" أي لا يحبك حباً مشروعاً مطابقاً للواقع من غير(10/239)
مُنَافِقٌ". قالَ عَدِيّ بنُ ثَابِتٍ: أَنَا مِنَ القَرْنِ الذِي دَعَا لَهُمْ النبيّ صلى الله عليه وسلم هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3820 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ وَ يَعْقُوبُ بنُ إِبْرَاهِيمَ وغَيْرُ وَاحِدٍ قالُوا: أخبرنا أبُو عَاصِمٍ عَن أَبي الْجَرّاحِ، حدثني جَابِرُ بنُ صُبَيْحٍ قالَ: حَدّثَتْنِي أُمّ شَرَاحِيلَ قالَتْ حَدّثْتَنِي أُمّ عَطِيّةَ قالتْ: "بَعَثَ النبيّ صلى الله عليه وسلم جَيْشاً فِيهِمْ عَلِيّ، قالَتْ فَسَمعْتُ رَسُولَ اللّهَ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ وَيَقُولُ: "اللّهُمّ لاَ تُمِتْنِي حَتّى تُرِينِي عَليّا". هَذا حديثٌ حَسَنٌ إِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
زيادة ونقصان ليخرج النصيري والخارجي فمن أحبه وأبغض الشيخين مثلاً فما أحبه حباً مشروعاً أيضاً "ولا يبغضك إلا منافق" أي حقيقة أو حكماً "أنا من القرن الذين دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم" أي من الجماعة الذين دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "اللهم وال من والاه". كما في حديث البراء زيد بن أرقم عند أحمد. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم.
ـ قوله: "ويعقوب بن إبراهيم" الدورقي "أخبرنا أبو عاصم" النبيل "عن أبي الجراح" البهزي بفتح موحدة وهاء ساكنة وزاي مجهول من السابعة "حدثني جابر بن صبيح" كذا وقع في النسخ الموجودة بضم الصاد المهملة وبفتح الموحدة مصغراً وكذا وقع في الميزان، ووقع في الخلاصة وتهذيب التهذيب جابر بن صبح مكبل وضبطه الحافظ في التقريب بضم المهملة وسكون الموحدة وهو راسبي بصري صدوق من السابعة "حدثتني أم شراحيل" لا يعرف حالها من الثالثة "حدثتني أم عطية" الأنصارية صحابية مشهورة سكنت البصرة واسمها نصيبة بالتصغير ويقال بفتح أولها بنت كعب ويقال بنت الحارث. قوله: "فسمعت(10/240)
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رافع يديه يقول" أي حين إرساله أو عند توقع إقباله "اللهم لا تمتني" بضم فكسر من الإماتة أي لا تقبض روحي "حتى تريني" بضم فكسر من الإراءة "علياً" أي رجوعه بالسلامة. قوله: "هذا حديث غريب حسن" في سنده مجهول ومجهولة كما عرفت.(10/241)
باب مناقب أَبِي مُحمّدٍ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللّهِ رضي الله عنه
3821 ـ حَدّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجّ، حدثنا يُونُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَن مُحمّدَ بنِ إِسْحَاقَ، عَن يَحيْى بنِ عَبّادِ بن عَبْدِ اللّهِ بنِ الزّبَيْرِ، عَن أَبيهِ، عَن جَدّهِ عبْدِ اللّهِ بنِ الزّبَيْرِ، عَن الزّبَيْرِ قالَ: "كَانَ عَلَى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ دِرْعَانِ فَنَهَضَ إِلى صَخْرَةِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فأقْعَدَ تَحْتَهُ طَلْحَةَ، فَصَعِدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم حَتّى اسْتَوَى عَلَى الصّخْرَةِ، فقالَ سَمِعْتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَوْجَبَ طَلْحَةُ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
"مناقب أَبِي مُحمّدٍ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللّهِ"
أي ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب أحد العشرة المبشرة بالجنة يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب ومع أبي بكر الصديق في تيم بن مرة وقتل يوم الجمل سنة ست وثلاثين رمى بسهم جاء من طرق كثيرة أن مروان بن الحكم رماه فأصاب ركبته فلم يزل ينزف الدم منها حتى مات وكان يومئذ أول قتيل
قوله: "عن محمد بن إسحاق" هو صاحب المغازي. قوله: "كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعان الخ" تقدم هذا الحديث مع شرحه في باب ما جاء في الدرع من أبواب الجهاد.(10/241)
3822 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ، حدثنا صَالحُ بنُ مُوسَى الطلحي من ولد طلحة بن عبيد الله، عَن الصّلْتِ بنِ دِينَارٍ، عَن أَبي نَضْرَةَ قالَ: قالَ جَابِرُ بنُ عبْدِ اللْهِ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "مَنْ سَرّهُ أَنْ يَنْظُرَ إلى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الأرْضِ فَلْيَنْظُرْ إلى طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللْهِ". هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نعْرِفهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ الصّلْتِ بنِ دِينَارٍ. وَقَدْ تَكَلّمَ بَعْضُ أَهْلِ العِلمِ في الصّلْتِ بنِ دِينَارٍ وفي صَالحِ بنِ مُوسَى.
3823 ـ حَدّثَنَا أبُو سَعيدٍ الأشَجّ حدثنا أبُو عبْدِ الرّحْمَنِ بنُ مَنْصُورٍ العَنَزَِ، عَن عُقْبَةَ بنِ عَلْقَمَةَ اليَشْكُرِيّ قالَ سَمِعْتُ عَلِيّ بنَ أبي طَالِبٍ يَقُولُ: "سَمِعَتْ أُذُنِي مِنْ فِي رَسُولَ اللّهِ صلى الله
ـــــــ
قوله: "حدثنا صالح بن موسى" بن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله التيمي الكوفي متروك من الثامنة "عن الصلت بن دينار" بفتح الصاد المهملة وسكون اللام وبالمثناة فوق هو الأزدي الهنائي البصري أبو شعيب المجنون مشهور بكنيته متروك ناصبي من السادسة "عن أبي نضرة" العبدي. قوله: "من سره" أي أحبه وأعجبه وأفرحه "فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله" هذا معدود من معجزاته صلى الله عليه وسلم فإنه استشهد في وقعة الجمل كما هو معروف، وقال القاري يحتمل أن يكون إيماء إلى حصول الشهادة في مآله الدالة على حسن خاتمته وكماله. قوله: "هذا حديث غريب" في سنده متروكان كما عرفت وأخرجه أيضاً ابن ماجه والحاكم.
قوله: "أخبرنا أبو عبد الرحمن بن منصور" اسمه النضر الباهلي وقيل غير ذلك في نسبه الكوفي ضعيف من التاسعة "عن عقبة بن علقمة اليشكري" بفتح التحتانية وسكون المعجمة وضم الكاف كنيته أبو الجنوب بفتح الجيم(10/242)
عليه وسلم وَهُو يَقولُ: "طَلْحَةُ وَالزّبَيْرُ جَارَايَ في الْجَنّةِ". هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نعْرِفهُ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
3824 ـ حَدّثَنَا عَبْدُ القُدّوسِ بنُ مُحمّدِ العَطّارُ البصري أخبرنا عَمْرُو بنُ عَاصِمٍ، عَن إسْحَاقَ بنِ يَحْيَى بنِ طَلْحَةَ، عَن عَمّهِ مُوسَى بنِ طَلْحَةَ قالَ: "دَخَلْتُ عَلَى مُعاوِيَةَ فَقالَ أَلاَ أُبَشّرُكَ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "طَلْحَةُ مِمّنْ قَضَى نَحْبَهُ" . قال هَذا حديثٌ غَريبٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
وضم النون آخره موحدة كوفي ضعيف من الثالثة. قوله: "من في رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي من فمه، وقوله أذني للمبالغة على طريق رأيت بعيني "طلحة والزبير جاراي في الجنة" فيه بشارة لهما رضي الله عنهما بالجنة مع زيادة فضل جواره صلى الله عليه وسلم. قوله: "هذا حديث غريب" في سنده ضعيفان كما عرفت وأخرجه أيضاً الحاكم وقال صحيح ورد عليه.
قوله: "حدثنا عمرو بن عاصم" هو الكلابي القيسي "طلحة ممن قضى نحبه" قال في النهاية النحب: النذر كأنه ألزم نفسه أن يصدق أعداء الله في الحرب فوفى به، وقيل النحب الموت كأنه يلزم نفسه أن يقاتل حتى يموت انتهى. وقال التوربشتي: النذر والنحب المدة والوقت. ومنه قضى فلان نحبه إذا مات وعلى المعنيين يحمل قوله سبحانه: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} فعلى النذر أي نذره فيما عاهد الله عليه من الصدق في مواطن القتال والنصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الموت: أي مات في سبيل الله وذلك أنهم عاهدوا الله أن يبذلوا نفوسهم في سبيله فأخبر أن طلحة ممن وفى بنفسه أو ممن ذاق الموت في سبيله وإن كان حياً. قوله: "هذا حديث غريب" تقدم هذا الحديث في تفسير سورة الأحزاب(10/243)
96 ـ باب
3825 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ العَلاَءِ، حدثنا يُونُسُ بنُ بُكَيْر، حدثنا طَلْحَةُ بنُ يَحْيَى، عَن مُوسَى وَعِيسَى ابْنَيْ طَلْحَةَ، عن أبِيهِمَا طَلْحَةَ "أَنّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قالُوا لأَعْرَابيّ جَاهِلٍ: سَلْهُ عَمّنْ قَضَى نَحْبَهُ مَنْ هُوَ وكانُوا لا يَجْتَرِئُونَ هم عَلَى مَسْأَلَتِهِ يُوَقّرُونَهُ وَيَهَابُونَهُ: فَسَأَلَهُ الأَعْرَابيّ فأعْرَضَ عَنْهُ، ثُمّ سَأَلَهُ فأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمّ سَأَلَهُ فأَعْرَضَ عَنْهُ. ثُمّ إنّي اطّلَعْتُ مِنْ بَابِ المَسْجِدِ وَعَلَيّ ثِيَابٌ خُضْرٌ فَلَمّا رَآنِي النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: أَيْنَ السّائِلُ عَمّنْ قَضَى نحْبَهُ؟ قالَ الأَعْرَابِيّ أنَا يَا رَسُولَ اللّهِ، قالَ: "هَذَا مِمّنْ قَضَى نَحْبَهُ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نعْرِفهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ أَبي كُرَيْبٍ عَن يُونُسَ بنِ بُكَيْرٍ. وَقَدْ رواه غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ كِبَارِ أَهْلِ الْحدِيثِ عن أَبي كُرَيْبٍ هَذَا الْحَدِيثَ. وَسَمِعْتُ مُحمّدَ بنَ إِسمَاعِيلَ يُحَدّثُ بهَذَا عَن أَبي كُرَيْبٍ وَوَضَعَهُ في كِتَابِ الفَوائِدِ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "قالوا لأعرابي جاهل" أي عن أحكام الشريعة "سله" أي سل النبي صلى الله عليه وسلم "وكانوا لا يجترئون" من الاجتراء وهو الإقدام على الأمر والجسارة عليه "يوقرونه" من التوقير أي يبجلونه "ويهابونه" أي يخافونه "ثم إني اطلعت من باب المسجد" أي أتيت منه فجاءة "قال" أي(10/244)
رسول الله صلى الله عليه وسلم "هذا" أي طلحة "هذا حديث حسن غريب" تقدم هذا الحديث في تفسير سورة الأحزاب. قوله: "ووضعه في كتاب الفوائد" قال الحافظ في مقدمة الفتح في ذكر تصانيف الإمام البخاري ما لفظه: ومن تصانيفه كتاب الفوائد. ذكره الترمذي في أثناء كتاب المناقب من جامعه.(10/245)
باب مناقبُ الزّبَيْرِ بنِ العَوّامِ رضي الله عنه
3826 ـ حَدّثَنَا هَنّادٌ أخبرنا عَبْدَةُ عَن هِشَامِ بنِ عرْوَةَ عَن أبيهِ عَن عبْدِ اللّهِ بنِ الزّبَيْرِ عَن الزّبَيْرِ قالَ: "جَمَعَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أبَوَيْهِ يَوْمَ قُرَيْظَةَ فقالَ: "بأبِي وَأُمّي". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
مناقبُ الزّبَيْرِ بنِ العَوّامِ
ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي أحد العشرة المبشرة بالجنة يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي وأمه صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم وكان يكنى أبا عبد الله، وروى الحاكم بإسناد صحيح عن عروة قال: أسلم الزبير وهو ابن ثمان سنين، وكان قتل الزبير في شهر رجب سنة ست وثلاثين انصرف من وقعة الجمل تاركاً للقتال فقتله عمرو بن جرموز بضم الجيم والميم بينهما راء ساكنة وآخره زاي التميمي غيلة وجاء إلى علي متقرباً إليه بذلك فبشره بالنار
قوله: "حدثنا عبدة" هو ابن سليمان الكلابي. قوله: "جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه" أي في التفدية "فقال بأبي وأمي" أي: فداك أبي(10/245)
وأمي. وفي هذه التفدية تعظيم لقدره واعتداد بعمله واعتبار بأمره وذلك لأن الإنسان لا يفدى إلا من يعظمه فيبذل نفسه أو أعز أهله له، وقد تقدم وجه الجمع بين هذا الحديث وحديث علي: ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لأحد غير سعد بن أبي وقاص. في باب ما جاء في فداك أبي وأمي من أبواب الاَداب. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان مطولاً.(10/246)
97 ـ باب
3827 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنا مُعَاوِيَةُ بنُ عَمْروٍ حدثنا زَائِدَةُ عَن عَاصِمٍ عَن زِرّ عَن عَلِيّ بنِ أَبي طالبٍ رضي الله عنه قالَ قالَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ لِكُلّ نَبِيّ حَوَارِيّاً وَإِنّ حَوَارِيّ الزبَيْرُ بنُ العَوّامِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وَيُقَالُ الْحَوَارِيّ هو النّاصِرُ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا معاوية بن عمرو" بن المهلب المعنى "حدثنا زائدة" بن قدامة "عن عاصم" بن أبي النجود "عن زر" بن حبيش. قوله: "إن لكل نبي حواريا" بتشديد الياء ويجوز تخفيفها أي ناصراً مخلصاً "وإن حواري الزبير بن العوام" أي خاصتي من أصحابي وناصري قاله في النهاية. قال النووي في شرح مسلم: قال القاضي اختلف في ضبطه فضبطه جماعة من المحققين بفتح الياء كمصرخي وضبطه أكثرهم بكسرها والحواري الناصر وقيل الخاصة انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان عن جابر ويأتي "ويقال الحواري الناصر" قال العيني الحواري بفتح الحاء والواو المخففة وبتشديد الياء وهو لفظ مفرد ومعناه الناصر انتهى.(10/246)
98 ـ باب
3828 ـ حَدّثَنَا محمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا أَبُو دَاوُدَ الحفري وَ أَبُو نُعَيْمٍ عَن سُفْيَانَ عَن مُحمّدِ بنِ المُنْكَدِرِ عَن جَابِرٍ رضي الله عنه قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إن لِكُلّ نَبِيّ حَوَارِيّا وَإن حَوَارِيّ الزّبَيْرُ بن العوام" ـ وَزَادَ أبُو نَعِيمٍ فيهِ يَوْمَ الأحْزَابِ ـ قالَ مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ القَوْمِ؟ قالَ الزّبَيْرُ أَنَا، قالَهَا ثَلاَثاً قالَ الزّبَيْرُ أَنَا". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "وأبو نعيم" اسمه الفضل بن دكين "عن سفيان" هو الثوري. قوله: "إن لكل نبي حواريا" أي خاصة من أصحابه وقيل الحواري الناصر ومنه الحواريون من أصحاب المسيح عليه الصلاة والسلام أي خلصاؤه وأنصاره وأصله من التحوير وهو التبييض، وقيل إنهم كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها، ومنه الخبز الحواري الذي نخل مرة بعد مرة. وقال الأزهري: الحواريون خلصاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: الحواري الوزير وإذا أضيف الحواري إلى ياء المتكلم تحذف الياء وحينئذ ضبطه جماعة بفتح الياء وأكثرهم بكسرها، قالوا والقياس الكسر لكنهم حين استثقلوا الكسرة وثلاث ياءات حذفوا ياء المتكلم وأبدلوا من الكسرة فتحة، وقد قرئ في الشواد {إن ولي الله} بالفتح كذا في عمدة القاري "وحواري الزبير" فإن قلت الصحابة كلهم أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم خلصاء فما وجه التخصيص به؟ قلنا هذا قاله حين قال يوم الأحزاب: "من يأتيني بخبر القوم؟" قال الزبير: أنا. ثم قال: "من يأتيني(10/247)
بخبر القوم" فقال أنا وهكذا مرة ثالثة ولا شك أنه في ذلك الوقت نصر نصرة زائدة على غيره "وزاد أبو نعيم فيه" أي في حديثه "يوم الأحزاب" أي يوم الخندق "قال من يأتينا بخبر القوم الخ" وفي رواية وهب بن كيسان عن جابر عند النسائي: لما اشتد الأمر يوم بني قريظة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يأتينا بخبرهم" الحديث وفيه أن الزبير توجه إلى ذلك ثلاث مرات ومنه يظهر المراد بالقوم، ولفظ البخاري من طريق أبي نعيم عن سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يأتيني بخبر القوم؟" يوم الأحزاب فقال الزبير أنا، ثم قال: "من يأتيني بخبر القوم؟" فقال الزبير أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لكل نبي حوارياً وحواري الزبير". قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه.(10/248)
99 ـ باب
3829 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ أخبرنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عَن صَخْرِ بنِ جُوَيْرِيّةَ عَن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ قالَ: "أوْصَى الزّبَيْرُ إلى ابْنِهِ عَبْدِ اللّهِ صَبِيحَةَ الْجَمَلِ فقالَ: مَا مِنّي عُضوٌ إلاّ وَقَدْ جُرِحَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّى انْتَهَى ذَاكَ إلى فَرْجِهِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ حَمّادِ بنِ زَيْدٍ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن صخر بن جويرية" هو أبو نافع مولى بني تميم أو بني هلال قال أحمد ثقة وقال القطان ذهب كتابه ثم وجده فتكلم فيه لذلك من السابعة. قوله: "صبيحة الجمل" أي صبيحة وقعة الجمل وهو يوم حرب بين علي وعائشة على باب البصرة وكانت راكبة جمل "ما مني عضو إلا وقد جرح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي في الغزوات معه "حتى انتهى ذلك" أي الجرح "إلى فرجه" أي إلى فرج الزبير وقائل حتى انتهى الخ هو عبد الله بن الزبير(10/248)
مناقب عبد الرحمن بن عوف الزهري رضي الله عنه
...
باب مناقب عبْدِ الرّحْمَنِ بنِ عَوْفِ بنِ عَبْدِ عَوْفٍ الزهْرِيّ رضي الله عنه
3830 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ حدثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ مُحمّدٍ، عَن عبْدِ الرّحْمَنِ بنِ حُمَيْدٍ، عَن أَبيهِ، عَن عبْدِ الرّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَبُو بَكْرٍ في الْجَنّةِ، وَعُمَرُ في الْجَنّةِ، وعُثْمَانَ في الْجَنّةِ، وَعَلِيّ في الْجَنّةِ، وطَلْحَةُ في الْجَنّةِ، وَالزّبَيْرُ في الجّنةِ، وعبْدُ الرّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ في الْجَنّةِ، وسَعْدُ بنُ أَبي وقّاصٍ في الْجَنّةِ، وَسَعِيدُ بنُ زَيْدٍ في الْجَنّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الْجَرّاحِ في الْجَنّةِ".
ـــــــ
مناقب عبْدِ الرّحْمَنِ بنِ عَوْفِ بنِ عَبْدِ عَوْفٍ
ابن عبد بن الحارث بن زهرة القرشي الزهري أحد العشرة المبشرة بالجنة وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو وقيل غير ذلك فسماه النبي صلى الله عليه وسلم حين أسلم عبد الرحمن أسلم قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعاً وشهد بدراً وأحداً، والمشاهد كلها، وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه في غزوة تبوك ذهب للطهارة فجاء وعبد الرحمن قد صلى بهم ركعة فصلى خلفه وأتم الذي فاته وقال: "ما قبض نبي حتى يصلي خلف رجل صالح من أمته" . ومات سنة اثنتين وثلاثين ودفن بالبقيع وترك ثمانية عشر ذكراً وبنتاً واحدة
قوله: "حدثنا عبد العزيز بن محمد" هو الدراوردي "عن عبد الرحمن بن حميد" بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني ثقة من السادسة. قوله: "أبو بكر في الجنة الخ" قال المناوي تبشير العشرة لا ينافي مجيء تبشير غيرهم أيضاً في غير ما خبر لأن العدد لا ينفي الزائد، وقال القاري الظاهر أن هذا الترتيب هو(10/249)
3831 ـ حدثنا أبُو مُصْعَبٍ قِرَاءَةً، عَن عبْدِ العَزِيزِ بنِ محمّدٍ، عَن عبْدِ الرّحْمَنِ بنِ حُمَيدٍ، عَن أَبيهِ عَن سَعِيدِ بنِ زَيْدٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَن عبْدِ الرّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحدِيثُ عَن عبْدِ الرّحْمَنِ بنِ حُمَيْدٍ عَن أَبيهِ عَن سَعيدِ بنِ زَيْدٍ عَن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا، وَهَذَا أَصَحّ مِنَ الْحَدِيثِ الأوّلِ.
3832 ـ حَدّثَنَا صَالحُ بنُ مِسْمَارٍ المِرْوَزِيّ، حدثنا ابنُ أبي فُدَيْكٍ، عَن مُوسَى بنِ يَعْقُوبَ، عَن عُمرو بنِ سَعِيدٍ، عَن
ـــــــ
المذكور على لسانه صلى الله عليه وسلم كما يشعر إليه ذكر اسم الراوي بين الأسماء وإلا كان مقتضى التواضع أن يذكره في آخرهم فينبغي أن يعتمد عليه في ترتيب البقية من العشرة انتهى. وحديث عبد الرحمن بن عوف هذا أخرجه أيضاً أحمد في مسنده.
قوله: "أخبرنا أبو مصعب" اسمه أحمد بن أبي بكر الزهري المدني "عن عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم" كذا وقع في بعض النسخ بذكر "عن سعيد بن زيد" وهو غلط وإلا يلزم التكرار بين قوله هذا وبين قوله الاَتي. وقد روى هذا الحديث عن عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، ووقع في بعض النسخ عن عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بحذف عن سعيد بن زيد وهو الصواب "وهذا أصح من الحديث الأول" أي حديث عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن سعيد بن زيد أصح من حديث عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف.
قوله: "حدثنا صالح بن مسمار" السلمي أبو الفضل ويقال أبو العباس المروزي الكشميهني1 صدوق من صغار العاشرة "عن موسى بن يعقوب" الزمعي "عن
ـــــــ
1 قوله الكشميهني بالضم والسكون والكسر وتحتيه وفتح الهاء ونون نسبة إلى كشميهن قرية بمرو كذا في لب الباب.(10/250)
عبْدِ الرّحمَنِ بنِ حُمَيْدٍ عَن أبيهِ أَنّ سَعِيدَ بنَ زَيْدٍ حَدّثَهُ في نَفَرٍ أنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "عَشَرةٌ في الجنّةِ: أبُو بَكْرٍ في الجنّةِ، وَعُمَرُ في الجنّةِ، وَعلِيّ وَعُثْمَانُ وَالزّبَيْرُ وَطَلْحَة وَعبْدُ الرّحْمَنِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَسَعْدُ بنُ أبي وَقّاصٍ" ـ قالَ فَعَدّ هَؤُلاَءِ التّسْعَةَ وَسَكَتَ عَنِ العَاشِرِ ـ فقال القَوْمُ نَنْشُدُكَ اللّهُ يا أَبَا الأعْوَر مَنِ العَاشِرُ؟ قالَ نَشَدْتُمُونِي باللّهِ أَبُو الأعْوَرِ في الجنّةِ". هُوَ سَعِيد بنُ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ، وَسَمِعْتُ مُحمّداً يقُولُ هو أصَحّ مِنَ الْحَدِيثِ الأوّلِ.
ـــــــ
عمر بن سعيد" بن أبي حسين الكوفي المكي ثقة من السادسة. قوله: "حدثه في نفر" حال أي حدثه حال كونه في نفر "عشرة في الجنة أبو بكر في الجنة الخ" قد وقع في هذا الحديث ذكر العشرة وبشارتهم ولعل هذا هو السبب في شهرتهم بهذه البشارة وإن لم تكن مخصوصة بهم "ننشدك الله" أي نسألك بالله ونقسم عليك "يا أبا الأعور" هو كنيته سعيد بن زيد "قال" أي أبو عيسى "هو" أي أبو الأعور. وحديث سعيد بن زيد هذا أخرجه أيضاً أحمد من طرق وابن ماجه والدارقطني والضياء.(10/251)
100 ـ باب
3833 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ حدثنا بَكْرُ بنُ مُضَرَ عَن صَخْرِ بنِ عبْدِ اللّهِ عَن أَبي سَلَمَةَ عَن عَائِشَةَ أنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا بكر بن مضر" المصري "عن صخر بن عبد الله" بن حرملة(10/251)
وسلم كَانَ يقولُ: "إنّ أَمْرَكُنّ لَمِمّا يُهِمّنِي بَعْدِي، ولَنْ يَصْبِرَ عَلَيْكُنّ إِلاّ الصّابِرُونَ قالَ ثُمّ تَقُولُ عَائِشَةُ: فَسَقَى اللّهُ أَبَاكَ مِنْ سَلْسَبِيلِ الجنّةِ ـ تُرِيدُ عبْدَ الرّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ ـ وَقَدْ كانَ وَصَلَ أَزْوَاجَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بِمَالٍ بِيعَتْ بأَرْبَعِينَ أَلْفاً". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ.
3834 ـ حَدّثَنَا أحمد بن عثمان البصري و إِسحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ بنِ حَبِيبِ بنِ الشّهِيدِ
ـــــــ
المدلجي حجازي مقبول غلط ابن الجوزي فنقل عن ابن عدي أنه اتهمه وإنما المتهم صخر بن عبد الله الحاجبي "عن أبي سلمة" هو ابن عبد الرحمن. قوله: "إن أمركن" أي شأنكن "لمما" اللام للتأكيد وما موصولة "يهمني" بضم الياء وكسر الهاء أو بفتح الياء وضم الهاء أي يوقعني في الهم قال في القاموس همه الأمر هما حزنه كأهمه "بعدي" أي بعد وفاتي حيث لم يترك لهن ميراثاً وهن قد آثرن الحياة الاَخرة على الدنيا حين خيرن "ولن يصبر عليكن" أي على بلاء مؤنتكن "إلا الصابرون" أي على مخالفة النفس من اختيار القلة وإعطاء الزيادة "قال" أي أبو سلمة "فسقى الله أباك" أي عبد الرحمن بن عوف "من سلسبيل الجنة" قال في القاموس: السلسبيل اللبن الذي لا خشونة فيه والخمر وعين في الجنة انتهى. قال الله تعالى {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً} "تريد عبد الرحمن بن عوف" أي تريد عائشة بقولها أباك عبد الرحمن بن عوف "وقد كان وصل" من الصلة أي عبد الرحمن بن عوف "أزواج النبي صلى الله عليه وسلم" مفعول لقوله وصل "بمال بيعت بأربعين ألفاً" وفي المشكاة: وكان ابن عوف تصدق على أمهات المؤمنين بحديقة بيعت بأربعين ألفاً. وروى أحمد في مسنده عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأزواجه: "إن الذي يحثو عليكن بعدي هو الصادق البار اللهم اسق عبد الرحمن بن عوف من سلسبيل الجنة".(10/252)
البَصْرِيّ و أحمد بن عثمان قالا حدثنا قيس بنُ أنَسٍ عَن مُحمّد بنِ عَمْروٍ عَن أبي سَلَمَة أنّ عبْدَ الرّحمَنِ بنَ عَوْفٍ أَوْصَى بِحَدِيقَةٍ لاِمّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِيعَتْ بِأرْبَعمِائَةِ ألْفٍ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
قوله: "وأحمد بن عثمان" الملقب بأبي الجوزاء "أخبرنا قريش بن أنس" الأنصاري ويقال الأموي أبو أنس البصري صدوق تغير بآخره قد رست سنين من التاسعة "عن محمد بن عمرو" بن علقم قوله: "بيعت بأربعمائة ألف" هذا مخالف للرواية المتقدمة فقيل إن المراد في هذه الرواية الدرهم وفي الرواية المتقدمة الدينار.(10/253)
باب أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه واسم أبي وقاص مالك بن وهيب
...
باب مناقبُ أَبي إسْحَاقَ سَعْدِ بنِ أَبي وَقّاصٍ رضي الله عنه واسْمُ أَبي وقّاصٍ مَالِكُ بنُ وَهِيب
3835 ـ حَدّثَنَا رَجَاءُ بنُ مُحمّدٍ العدوي بصري حدثنا جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ، عَن إسمَاعِيلَ بنِ أبي خَالِدٍ عَن قَيْسِ بن أبي حازم عَن سَعْدٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ : "اللّهُمّ اسْتَجِبْ لِسَعْدٍ إذَا دَعَاكَ".
وَقَدْ
ـــــــ
مناقبُ أَبي إسْحَاقَ سَعْدِ بنِ أَبي وَقّاصٍ رضي الله عنه واسْمُ أَبي وقّاصٍ مَالِكُ بنُ وَهِيب
ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كلاب بن مرة مات بالعقيق سنة خمس وخمسين وقيل بعد ذلك إلى ثمانية وخمسين وعاش نحواً من ثمانين سنة وهو أحد العشرة المبشرة بالجنة وهو آخرهم وفاة
قوله: "عن قيس" هو ابن أبي حازم "اللهم استجب" أي الدعاء "لسعد"(10/253)
رُوِي هَذَا الْحَدِيثُ عَن إسمَاعِيلَ عَن قَيْس أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "اللّهُمّ اسْتَجِبْ لِسَعْدٍ إذَا دَعَاكَ". وَهَذَا أَصَحّ.
ـــــــ
بن أبي وقاص "إذا دعاك" أي كلما دعاك، وكان سعد بن أبي وقاص معروفاً بإجابة الدعوة، روى الطبراني من طريق الشعبي قال قيل لسعد: متى أصبت الدعوة قال يوم بدر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم استجب لسعد" ، وحديث سعد هذا أخرجه أيضاً ابن حبان والحاكم.(10/254)
101 ـ باب
3836 ـ حَدّثَنَا أبُو كُرَيْبٍ و أَبُو سَعِيدٍ الأشَجّ قَالاَ: حدثنا أبُو أُسَامَةَ عَن مُجَالِدٍ، عَن عَامِرٍ الشعبي عَن جَابِرِ بنِ عبْدِ اللّهِ قالَ: "أقْبَلَ سَعْدٌ فقالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم "هَذَا خَالِي فَلْيُرِنِي امْرُءٌ خَالَهُ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نعْرِفهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ مُجَالِدٍ، وَكَانَ سَعْدٌ أبي وقاص مِنْ بَنِي زُهْرَةَ وَكَانتْ أُمّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، لِذَلِكَ قالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم "هَذَا خَالِي".
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا أبو أسامة" اسمه حماد بن أسامة "عن مجالد" بن سعيد "عن عامر" الشعبي. قوله: "هذا خالي" أي من قوم أمي "فليرني" بضم ياء وكسر راء من الإراءة "امرؤ" أي شخص "خاله" أي ليظهر أن ليس لأحد خال مثل خالي "وكان سعد من بني زهرة" بضم الزاي حي من قريش "وكانت أم النبي صلى الله عليه وسلم" أي آمنة "لذلك" أي لأجل أن سعداً كان من بني زهرة وكانت أم النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً منهم "قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا خالي" قال البخاري في مناقب سعد بن أبي وقاص(10/254)
وبنو زهرة أخوال النبي صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ في الفتح لأن أمه آمنة منهم وأقارب الأم أخوال(10/255)
102 ـ باب
3837 ـ حَدّثَنَا الْحَسَنُ بنُ الصّبّاحِ البَزّارُ حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَة عَن عَلِيّ بنِ زَيْدٍ وَ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ سَمِعَا سَعِيدَ بنَ المُسَيّبِ يَقُولُ: قالَ عَلِيّ: "مَا جَمَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أبَاهُ وَأُمّهُ لأِحَدٍ إلاّ لِسَعْدٍ، قالَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ: "ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمّي" ، وقال لم ارْمِ أيّهَا الغُلاَمُ الْحَزَوّرُ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيح. وفي الباب عن سعد وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَن يَحْيى بنِ سَعِيدٍ عَن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ عَن سَعْدٍ.
3838 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ بنُ سَعْدٍ و عبْدُ العَزِيزِ بنُ مُحمّدٍ عَن يَحْيى بنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ عَن سَعْدِ بنِ أَبي وَقّاصٍ قالَ: "جَمَعَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ". هَذا حديثٌ حسن صحيحٌ. وقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عبْد اللّهِ بنِ شَدّادِ بنِ الْهَادِ عَن عَلِيَ بن أبي طالب عَن النّبّي صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن علي بن زيد" هو ابن جدعان "ويحيى بن سعيد" الأنصاري. قوله: "قال علي ما جمع الخ" تقدم هذا الحديث وحديث سعد الاَتي في باب ما جاء في فداك أبي وأمي من أبواب الاَداب. قوله: "وفي الباب عن سعد" أخرجه الترمذي بعد هذا.(10/255)
3908 ـ حَدّثَنَا بِذَلِكَ محمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا وَكِيع، حدثنا سُفْيَانُ، عَن سَعْدِ بنِ إبْرَاهِيمَ، عَن عبْد اللّهِ بنِ شَدّادٍ عَن عَلِيّ بنِ أَبي طالبٍ قال: "مَا سَمِعْتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يَفْدِي أَحَداً بَأَبَوَيْهِ إلاّ لِسَعْدٍ فإِنّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: "ارْمِ سَعْدٌ فِدَاكَ أَبِي وَأُمّي". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
قوله: "عن سعد بن إبراهيم" بن عبد الرحمن بن عوف الزهري "عن عبد الله بن شداد" بن الهاد الليثي. قوله: "أرم سعد فداك أبي وأمي" فيه جواز التفدية بالأبوين وبه قال جماهير العلماء وكرهه عمر بن الخطاب والحسن البصري وكرهه بعضهم في التفدية بالمسلم من أبويه. والصحيح الجواز مطلقاً لأنه ليس فيه حقيقة فداء وإنما هو كلام وإلطاف وإعلام لمحبته له ومنزلته، وقد وردت الأحاديث بالتفدية مطلقاً قاله النووي. قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه الشيخان.(10/256)
103 ـ باب
3840 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ، حدثنا اللّيْثُ، عَن يَحْيى بنِ سَعِيدٍ، عَن عبْدِ اللّهِ بنِ عَامِرِ بنِ رَبِيعَةَ أَنّ عَائِشَةَ قالتْ: "سَهِرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَقْدَمَهُ المَدِينَةَ لَيْلَةً فقالَ "لَيْتَ رَجُلاً صَالحاً يَحْرُسُنِي.
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا الليث" هو ابن سعد "عن يحيى بن سعيد" الأنصاري. قوله: "سهر" كفرح أي لم ينم "مقدمة المدينة ليلة" قال الطيبي قوله مقدمه مصدر ميمي ليس بظرف لعمله في المدينة ونصبه على الظرفية على تقدير مضاف وهو الوقت أو الزمان وليلة بدل البعض المقدر من أي سهر ليلة من(10/256)
اللّيْلَة"، قالَتْ فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعْنَا خَشْخَشَةَ السّلاَحِ فقالَ "مَنْ هَذَا؟" فقالَ سَعْدُ بنُ أَبي وَقّاصٍ، فقالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَا جاءَ بِكَ؟ فقالَ سَعْدٌ: وَقَعَ في نَفْسِي خَوْفٌ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَجِئْتُ أَحْرُسُهُ. فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمّ نَامَ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ
ـــــــ
الليالي وقت قدومه المدينة من بعض الغزوات "يحرسني" بضم الراء أي يحفظني بقية الليلة لأنام مستريح الخاطر مطمئن القلب "خشخشة السلاح" بكسر السين المهملة أي صوت صدم بعضه بعضاً "فقال" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "فقال سعد بن أبي وقاص" أي أنا سعد بن أبي وقاص "ثم نام" زاد البخاري في رواية: حتى سمعنا غطيطه، وفي الحديث الأخذ بالحذر والاحتراس من العدو، وأن على الناس أن يحرسوا سلطانهم خشية القتل، وفيه الثناء على من تبرع بالخير وتسميته صالحاً، وإنما عانى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع قوة توكله للاستنان به في ذلك، وقد ظاهر بين درعين مع أنهم كانوا إذا اشتد البأس كان أمام الكل، وأيضاً فالتوكل لا ينافي تعاطي الأسباب لأن التوكل عمل القلب وهي عمل البدن، وقد قال إبراهيم عليه السلام {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} قاله الحافظ. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.(10/257)
باب مناقبُ أبِي الأعْوَرِ واسْمُهُ: سَعِيدُ بنُ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ رضي الله عنه
3841 ـ حَدّثَنَا أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا هُشَيْمٌ، حدثنا حُصَيْنٌ، عَن هِلاَلِ بنِ يَسَافٍ، عَن عبْدِ اللّهِ بنِ
ظَالِمٍ المَازِنِيّ، عَن سَعِيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ أَنّهُ قالَ: "أَشْهَدُ عَلَى التّسْعَةِ أنّهُمْ في الجنّةِ وَلَوْ شَهِدْتُ عَلَى العَاشِرِ لَمْ آثَمْ. قِيلَ وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قالَ كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِحِرَاءَ فقالَ "اثْبُتْ حِرَاءُ فإِنّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ إلاّ نَبِيّ أوْ صدّيقٌ أوْ شَهِيدٌ"، قِيلَ وَمَنْ هُمْ؟ قالَ: رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعلِيّ وَطَلْحَةُ والزّبَيْرُ وَسعْدٌ وَعبْدُ الرّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ، قِيلَ فَمَنِ العَاشِرُ قالَ أَنَا". هَذا
ـــــــ
"مناقبُ أبِي الأعْوَرِ واسْمُهُ: سَعِيدُ بنُ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ"
العدوي أحد العشرة. قال ابن عبد البر كان إسلامه قديماً قبل عمر وبسبب زوجته كان إسلام عمر وهاجر هو وامرأته فاطمة بنت الخطاب وتوفي بالعقيق فحمل إلى المدينة فدفن بها سنة خمسين أو إحدى وخمسين وكان يوم مات ابن بضع وسبعين سنة
قوله: "حدثنا هشيم" هو ابن بشير بن القاسم "حدثنا حصين" بن عبد الرحمن السلمي "عن عبد الله بن ظالم المازني" التميمي صدوق لينه البخاري من الثالثة. قوله: "لم آثم" بفتح المثلثة أي لم أقع في الإثم "بحراء" ككتاب وكعلي عن عياض ويؤنث ويمنع جبل بمكة فيه غار تحنث فيه النبي صلى الله عليه وسلم "اثبت حراء" أي يا حراء قال رسول الله صلى الله(10/258)
حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَن سَعِيدِ بنِ زَيْدٍ عَن النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
3842 ـ حَدّثَنَا أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا الحَجّاجُ بنُ محمّدٍ، حدثني شُعْبَةُ، عَن الْحُرّ بنِ الصّبّاحِ، عَن عبْدِ الرّحْمَنِ بنِ الأخْنَسِ، عَن سَعِيدِ بنِ زَيْدٍ عَن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ بِمَعْناهُ. هَذا حديثٌ حَسَنٌ.
ـــــــ
عليه وسلم أي قال سعيد بن زيد أحدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم "وسعد" أي ابن أبي وقاص رضي الله عنه. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وأخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة في مناقب عثمان، وأخرجه مسلم والنسائي أيضاً من حديثه.
قوله: "حدثنا الحجاج بن محمد" المصيصي الأعور "عن الحر" بضم الحاء المهملة وتشديد الراء "بن الصباح" بصاد مهملة ثم تحتانية وآخره مهملة النخعي الكوفي ثقة من الثالثة "عن عبد الرحمن بن الأخنس" الكوفي مستور من الثالثة قاله في التقريب، وقال في تهذيب التهذيب ذكره ابن حبان في الثقات. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي(10/259)
مناقب أبي عُبَيْدَةَ عَامِرِ بنِ الْجَرّاحِ رضي الله عنه
3843 ـ حَدّثَنَا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا وَكيعٌ حدثنا سُفْيَانُ، عَن أبي إسْحَاقَ، عَن صِلَةَ بنِ زُفَرَ عَن
حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ قالَ: "جَاء العَاقِبُ والسّيّدُ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالاَ ابْعَثْ مَعَنَا أمِينَكَ، قالَ: "فإِنّي سَأبْعثُ مَعَكُمْ أمِيناً حَقّ أمِينٍ"، فأَشْرَفَ لَهَا النّاسُ فَبعثَ
ـــــــ
مناقب أبي عُبَيْدَةَ عَامِرِ
ابن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحرث بن فهر يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في فهر بن مالك أسلم مع عثمان بن مظعون وهو أحد العشرة مات وهو أمير على الشام من قبل عمر بالطاعون سنة ثمان عشرة باتفاق
قوله: "عن أبي إسحاق" هو السبيعي "عن صلة بن زفر" العبسي الكوفي قوله: "جاء العاقب والسيد" وفي رواية البخاري: جاء العاقب والسيد صاحباً نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعناه. قال فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل فوالله لئن كان نبياً فلاعناه لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا، قالها إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلاً أميناً. قال الحافظ أما السيد فكان اسمه الأيهم بتحتانية ساكنة. ويقال شرحبيل وكان صاحب رحالهم ومجتمعهم ورئيسهم في ذلك، وأما العاقب فاسمه عبد المسيح وكان صاحب مشورتهم وكان معهم أيضاً أبو الحرث بن علقمة، وكان أسقفهم وحبرهم وصاحب مدراسهم. قال ابن سعد دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وتلا عليهم القرآن فامتنعوا، فقال إن أنكرتم ما أقول فهلم أباهلكم فانصرفوا على ذلك "ابعث معنا أمينك" أي ارسل معنا أمينك والأمين الثقة المرضي "أميناً حق أمين" أي أميناً مستحقاً لأن يقال له أمين "فأشرف لها(10/260)
أبَا عُبَيْدَةَ". قالَ وكَانَ أَبُو إسْحَاقَ إِذَا حَدّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَن صِلَةَ قالَ سَمِعْتُهُ مُنذ سِتّينَ سَنَةً. هَذَا حَدِيث حَسنٌ صحيح. وَقَدْ رُوِيَ عَن ابنِ عُمَرَ وأَنَس عَن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّهُ قالَ: "لِكُلّ أُمّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأمّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الْجَرّاحِ".
3844 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّار، أخبرنا سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ وأبُو دَاوُدَ، عَن شُعْبَةَ، عَن أبي إسْحَاقَ قالَ: قالَ حُذَيْفَةُ: "قَلْبُ صِلَةَ بنِ زُفَرَ مِنْ ذَهَبٍ".
ـــــــ
الناس" وفي رواية للبخاري: فاستشرف لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ أي تطلعوا للولاية ورغبوا فيها حرصاً على تحصيل الصفة المذكورة وهي الأمانة لا على الولاية من حيث هي. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان. قوله: "وقد روي عن ابن عمر وأنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لكل أمة أمين" أما رواية ابن عمر فلينظر من أخرجها، وأما رواية أنس فأخرجها الشيخان "وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" قال الحافظ صفة الأمانة وإن كانت مشتركة بينه وبين غيره لكن السياق يشعر بأن له مزيداً في ذلك لكن خص النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد من الكبار بفضيلة ووصفه بها فأشعر بقدر زائد فيها على غيره كالحياء لعثمان والقضاء لعلي ونحو ذلك.
قوله: "قال حذيفة قلب صلة بن زفر من ذهب" القلب بفتح القاف وسكون اللام وبالموحدة معروف وهو عضو صنوبري الشكل في الجانب الأيسر من الصدر وهو أهم أعضاء الحركة الدموية يعني أن قلبه منور كالذهب، وروى ابن أبي حاتم أيضاً قول حذيفة هكذا. قال الحافظ في تهذيب التهذيب: روى ابن أبي حاتم من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن صلة عن حذيفة قال: قلب(10/261)
3845 ـ حَدّثَنَا أحْمَدُ الدّوْرَقِيّ، حدثنا إسمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهيم، عَن الْجُرَيْرِيّ، عَن عبْدِ اللّهِ بنِ شَقِيقٍ قالَ: "قُلْتُ لِعَائِشَةَ أيّ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ أحَبّ إلَيْهِ؟ قالَتْ: أَبُو بَكْرٍ، قلت: ثُمّ مَنْ؟ قَالَتْ: ثُمّ عُمَرُ، قلت: ثُمّ مَنْ؟ قالَتْ: ثُمّ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الْجَرّاحِ، قلت: ثُمّ مَنْ؟ فَسَكَتتْ".
3846 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ، أخبرنا عبْدُ العَزِيزِ بن مُحمّدٍ، عَن سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالحٍ، عن أبِيهِ، عن أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "نِعْمَ الرّجُلُ أبُو بَكْرٍ، نِعْمَ الرّجُلُ عُمَرُ، نِعْمَ الرّجُلُ أَبُو عبيْدَةَ بنُ الْجَرّاحِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ إِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ سُهَيْل".
ـــــــ
صلة بن زفر من ذهب يعني أنه منور كالذهب انتهى. واعلم أنه وقع في بعض النسخ قلت صلة بن زفر بالقاف واللام والمثناة الفوقية وهو غلط.
قوله: "قلت لعائشة أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه الخ" تقدم هذا الحديث مع شرحه في مناقب أبي بكر.
قوله: "أخبرنا عبد العزيز بن محمد" هو الدراوردي قوله: "نعم الرجل أبو بكر الخ" يأتي هذا الحديث مطولاً في مناقب معاذ بن جبل ويأتي هناك شرحه. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه النسائي. اعلم أنه لم يقع في بعض النسخ قوله مناقب أبي عبيدة إلى قوله إنما نعرفه من حديث سهيل.(10/262)
باب مناقبُ أبِي الفَضْلِ عَمّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ العَبّاسُ بنُ عبْدِ المُطّلِبِ رضي اللّهُ عنه
3847 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ أخبرنا أبُو عَوَانَةَ عَن يزِيدَ بنِ أبي زِيَادٍ عَن عبْد اللّهِ بنِ الحَارِثِ قالَ حدثني عبْدُ
المُطّلِبِ بنُ رَبِيعَةَ بنِ الْحَارِثِ بنِ عبْدِ المُطّلِبِ "أَنّ العَبّاسَ بنَ عبْدِ المُطّلِبِ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُغْضَبَاً وَأَنَا عِنْدَهُ فقالَ: "ما أغْضَبَكَ؟ " قالَ يا رَسُولَ اللّهِ مَا لَنا وَلِقُرَيْشٍ إِذَا تَلاَقَوْا بَيْنَهُمْ تَلاَقُوا بِوُجُوهٍ مُبْشِرَةٍ؟ وَإِذَا
ـــــــ
مناقبُ أبِي الفَضْلِ عَمّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ العَبّاسُ بنُ عبْدِ المُطّلِبِ رضي اللّهُ عنه
وكان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين أو بثلاث وكان إسلامه على المشهور قبل فتح مكة وقيل قبل ذلك ومات في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين وله بضع وثمانون سنة
قوله: "عن يزيد بن أبي زياد" القرشي الهاشمي "عن عبد الله بن الحارث" بن نوفل الهاشمي "حدثني عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب" بن هاشم الهاشمي صحابي سكن الشام ومات سنة اثنتين وستين يقال اسمه المطلب. قوله: "مغضباً" بصيغة اسم المفعول "ما أغضبك" أي أي شيء جعلك غضبان "ما لنا" أي معشر بني هاشم "ولقريش" أي بقيتهم "بوجوه مبشرة" بصيغة اسم المفعول من الإبشار. قال الطيبي كذا في جامع الترمذي وفي جامع الأصول مسفرة يعني على أنه اسم فاعل من الإسفار بمعنى مضيئة قال التوربشتي هو بضم الميم وسكون الباء وفتح الشين يريد بوجوه عليها البشر(10/263)
لَقُونَا لَقُونَا بِغَيْرِ ذَلِكَ. قالَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّى احْمَرّ وَجْهُهُ ثُمّ قالَ: "وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الإِيمَانُ حَتّى يُحِبّكُمْ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ"، ثُمّ قالَ: "يا أيّهَا النّاسُ مَنْ آذَى عَمّي فَقَدْ آذَانِي فإِنّمَا عَمّ الرّجُلِ صِنْوُ أَبيهِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
من قولهم فلان مردم مبشر إذا كانت له أدمة وبشرة محمودتين انتهى. والمعنى تلاقي بعضهم بعضاً بوجوه ذات بشر وبسط "وإذا لقونا" بضم القاف "لقونا بغير ذلك" أي بوجوه ذات قبض وعبوس وكان وجهه أنهم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله "حتى احمر وجهه" أي اشتد حمرته من كثرة غضبه "لا يدخل قلب رجل الإيمان" أي مطلقاً وأريد به الوعيد الشديد أو الإيمان الكامل فالمراد به تحصيله على الوجه الأكيد "حتى يحبكم لله ولرسوله" أي من حيث أظهر رسوله والله أعلم حيث يجعل رسالته، وقد كان يتفوه أبو جهل حيث يقول: إذا كان بنو هاشم أخذوا الراية والسقاية والنبوة والرسالة فما بقي لبقية قريش "من آذى عمي" أي خصوصاً "فقد آذاني" أي فكأنه آذاني "فإنما عم الرجل صنو أبيه" بكسر الصاد وسكون النون أي مثله وأصله أن يطلع نخلتان أو ثلاث من أصل عرق واحد فكل واحدة منهن صنو يعني ما عم الرجل وأبوه إلا كصنوين من أصل واحد فهو مثل أبي أو مثلي. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد(10/264)
104 ـ باب
3848 ـ حَدّثَنَا القَاسِمُ بنُ دِينَارٍ الكُوفِيّ قال: حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ، عَن إسْرَائِيلَ، عَن عبْدِ الأعْلَى، عَن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَن ابنِ عَبّاسٍ
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا عبيد الله" هو ابن موسى العبسي الكوفي "عن إسرائيل"(10/264)
قالَ: قال رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "العَبّاسُ مِنّي وَأَنَا مِنْهُ". قالَ: هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ، لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ.
ـــــــ
بن يونس "عن عبد الأعلى" بن عامر الثعلبي الكوفي. قوله: "العباس مني وأنا منه" قال في المرقاة: أي من أقاربي أو من أهل بيتي أو متصل بي انتهى. وقال في اللمعات رسول الله صلى الله عليه وسلم أصل باعتبار الشرف والفضل والنبوة والعباس أصل من جهة النسب والعمومة قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" أخرجه الحاكم. وهذا الباب مع حديثه لم يقع في بعض النسخ.(10/265)
105 ـ باب
3849 ـ حَدّثَنَا أحْمَدُ بنُ إبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ أخبرنا شَبَابَةُ حدثنا وَرْقَاءُ عَنْ أبي الزّنَادِ عَن الأعْرَجِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "العَبّاسُ عَمّ رَسُولِ اللّهِ، وَإِنّ عَمّ الرّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ أَوْ مِنْ صِنْوِ أبيهِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ لا نعْرِفهُ مِنْ حَدِيثِ أَبي الزّنادِ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا شبابة" هو ابن سوار المدائني "حدثنا ورقاء" بن عمر اليشكري. قوله: "وإن عم الرجل صنو أبيه" أي مثله يعني أصلهما واحد فتعظيمه كتعظيمه وإيذاؤه كإيذائه. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه الطبراني عن ابن عباس.(10/265)
106 ـ باب
3850 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ، حدثنا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ، حدثنا أبِي قالَ: سَمِعْتُ الأعْمَشَ يُحَدّثُ عَن عَمْرِو بنِ مُرّةَ، عَن أبي البَخْترِيّ، عَن عَلِيّ: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ لِعُمَرَ في العَبّاسِ: "إنّ عَمّ الرّجُل صِنو أَبيهِ" وكانَ عُمَرُ كلمه في صَدَقَتِه. هَذا حديثٌ حَسَنٌ
3851 ـ حَدّثَنَا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُ حدثنا عبْدُ الْوَهّابِ بنُ عَطَاءٍ، عَن ثَوْرِ بنِ يَزِيَدَ عَن
مَكْحُولٍ، عَن كُرَيْبٍ، عَن ابنِ عبّاسٍ قالَ: "قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْعَبّاسِ
ـــــــ
قوله: "أخبرنا وهب بن جرير" بن حازم الأزدي البصري "عن عمرو بن مرة" الجملي المرادي "عن أبي البختري" اسمه: سعيد بن فيروز. قوله: "وكان عمر كلمه" أي النبي صلى الله عليه وسلم "في صدقته" أي في أخذ صدقة العباس وفي حديث أبي هريرة عند الشيخين: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة فقيل منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس الحديث. وفيه: "وأما العباس فهي علي ومثلها معها" ثم قال: "يا عمر أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه".
قوله: "أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء" الخفاف أبو نصر العجلي مولاهم البصري نزيل بغداد صدوق ربما أخطأ أنكروا عليه حديثاً في فضل العباس يقال دلسه عن ثور من التاسعة قاله الحافظ "عن ثور بن يزيد" الحمصي(10/266)
"إذَا كانَ غَدَاةَ الاثْنَيْنِ فَأْتِنِي أَنْتَ وَوَلَدُكَ حَتّى أَدْعُو لَكَ بِدَعْوَةٍ يَنْفَعُكَ اللّهُ بِهَا وَوَلَدَكَ" ، فَغَدَا وَغَدَوْنَا مَعَهُ فَأَلْبَسَنَا كِسَاءً ثُمّ قالَ: "اللّهُمّ اغْفِرْ لِلْعَبّاسِ وَوَلَدِهِ مَغْفِرَةً ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً لاَ تُغَادِرُ ذَنْباً، اللّهُمّ احْفَظْهُ في وَلَدِهِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
قوله: "فأتني أنت وولدك" بفتحتين وبضم وسكون أي أولادك "حتى أدعو لهم" أي للأولاد معك، قال الطيبي وهو كذا في الترمذي وفي جامع الأصول وفي بعض نسخ المصابيح لكم انتهى، والمعنى حتى أدعو لكم جميعاً "وولدك" أي وينفع بها أولادك "فغدا" أي العباس "وغدونا" أي نحن معاشر الأولاد "معه" والمعنى فذهبنا جميعنا إليه صلى الله عليه وسلم "فألبسنا" أي النبي صلى الله عليه وسلم جميعنا أو نحن الأولاد مع العباس "مغفرة ظاهرة وباطنة" أي ما ظهر من الذنوب وما بطن منها "لا تغادر" أي لا تترك تلك المغفرة "ذنباً" أي غير مغفور "اللهم احفظه في ولده" أي أكرمه وراع أمره كيلا يضيع في شأن ولده، زاد رزين: "واجعل الخلافة باقية في عقبه". قال التوربشتي: أشار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك إلى أنهم خاصته وأنهم بمثابة النفس الواحدة التي يشملها كساء واحد، وأنه يسأل الله تعالى أن يبسط عليهم رحمته. بسط الكساء عليهم وأنه يجمعهم في الاَخرة تحت لوائه وفي هذه الدار تحت رايته لإعلاء كلمة الله تعالى ونصرة دعوة رسوله، وهذا معنى رواية رزين: "واجعل الخلافة باقية في عقبة". قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه رزين.(10/267)
مناقب جعفر بن أبي طالب أخى علي بن أبي طالب رضي الله عنهما
...
باب مناقبُ جَعْفَرِ بنِ أَبي طالِبٍ أَخِيَ عَلِيّ رضي اللّهُ عنهما
3852ـ حَدّثَنَا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا عَبْدُ اللّهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَن العَلاءِ بنِ عبْدِ الرّحمَنِ، عَن أبيهِ، عَن أبي
هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ جَعْفَراً يَطِيرُ في الْجَنّةِ مَعَ المَلاَئِكَةِ". هَذا حديثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ
ـــــــ
مناقبُ جَعْفَرِ بنِ أَبي طالِبٍ أَخِيَ عَلِيّ رضي اللّهُ عنهما
هو شقيقه وكان أسن من علي بعشر سنين واستشهد بمؤته وقد جاوز الأربعين ويقال له ذو الجناحين لأنه قد عوض بجناحين عن قطع يديه في غزوة مؤتة حيث أخذ اللواء بيمينه فقطعت ثم أخذه بشماله فقطعت ثم احتضنه فقتل، روى البخاري في صحيحه أن ابن عمر كان إذا سلم على ابن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين
قوله: "عن أبيه" هو عبد الرحمن بن يعقوب الجهني. قوله: "رأيت جعفراً" أي في المنام "يطير في الجنة مع الملائكة" ولذا سمي بجعفر الطيار وبذي الجناحين. قوله: "هذا حديث غريب الخ" قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث أخرجه الترمذي والحاكم وفي إسناده ضعف لكن له شاهد من حديث علي عند ابن سعد، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مر بي جعفر الليلة في ملأ من الملائكة وهو مخضب الجناحين بالدم". أخرجه الحاكم بإسناد على شرط مسلم، وأخرج أيضاً هو والطبراني عن ابن عباس مرفوعاً: "دخلت البارحة الجنة فرأيت فيها جعفراً يطير مع الملائكة"، وفي طريق أخرى عنه: "أن جعفراً مع جبريل وميكائيل له جناحان عوضه الله من يديه". وإسناد هذه جيد(10/268)
عَبْدِ اللّهِ بنِ جَعْفَرٍ، وَقَدْ ضَعّفه يَحْيَى بنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَعبْدِ اللّهَ بنِ جَعْفَرٍ هُوَ وَالِدُ عَلِيّ بنِ المَدِينِيّ. وفي البابِ عَن ابنِ عبّاسٍ.
ـــــــ
وطريق أبي هريرة في الثانية قوي إسناده على شرط مسلم انتهى ما في الفتح. قوله: "وفي الباب عن ابن عباس" أخرجه الحاكم والطبراني وتقدم لفظه آنفاً.(10/269)
107 ـ باب
3853 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا عبْدُ الْوَهّابِ الثّقَفِيّ حدثنا خَالِدٌ الْحَذّاءُ عَن عِكْرِمَةَ عَن أبي هُرَيْرَةَ قالَ: "ما احْتَذَى النّعَالَ وَلاَ انْتَعَلَ، وَلاَ رَكِبَ المَطَايَا، وَلاَ رَكِبَ الكُورَ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَفضْلُ مِنْ جَعْفَرٍ بن أبي طالب". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "ما احتذى النعال" بكسر النون جمع النعل أي ما انتعل والاحتذاء الانتعال "ولا انتعل" عطف تفسير لأن الاحتذاء هو الانتعال "ولا ركب المطايا" جمع المطية وهي الدابة التي تركب "ولا ركب الكور" بضم الكاف وسكون الواو وهو رحل الناقة بأداته وهو كالسرح وآلته للفرس "أفضل من جعفر" أي أحد أفضل من جعفر، وفيه فضيلة ظاهرة لجعفر رضي الله عنه، وقد ذكر البخاري في مناقبه قول أبي هريرة في فضيلته وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب، قال الحافظ قوله أخير بوزن أفضل ومعناه وهذا التقييد يحمل عليه المطلق الذي جاء عن عكرمة عن أبي هريرة قال: ما احتذى النعال ولا ركب المطايا الحديث. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه الحاكم.(10/269)
3854 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ إِسمَاعيلَ حدثنا عُبَيْدُ اللّهِ بن مُوسَى عَن إسْرَائِيلَ عَن أَبي إِسْحَاقَ عَن البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ لجعْفَرِ بنِ أَبي طَالِبٍ "أشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي" . وَفِي الْحَدِيثِ قِصّةٌ. هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3855 ـ حَدّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجّ حدثنا إسمَاعِيلُ بنُ إبْرَاهِيمَ أبُو يَحْيى التّيْمِيّ حدثنا إِبْرَاهِيمُ أبُو إِسْحَاقَ المَخْزُومِيّ عَن سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ عَن أَبي هُرَيْرة قالَ: "إنْ كُنْتُ لأسْأَلُ الرّجُلَ مِنْ أَصْحَابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عَن الاَياتِ مِنَ القُرْآنِ أنَا أعْلَمُ بِهَا مِنْهُ مَا أَسْأَلُهُ إلاّ لِيُطْعِمَني شَيْئاً فَكُنْتُ إِذَا سَأَلْتُ جَعْفَرَ بنَ
ـــــــ
قوله: "حدثنا محمد بن إسماعيل" هو الإمام البخاري "حدثنا عبيد الله بن موسى" العبسي الكوفي "عن إسرائيل" بن يونس. قوله: "أشبهت خلقي" بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام "وخلقي" بضمهما، وفي مرسل ابن سيرين عند ابن سعد "أشبه خلقك خلقي وخلقك خلقي"، أما الخلق فالمراد به الصورة فقد شاركه فيها جماعة ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما شبهه في الخلق بالضم فخصوصية إلا أن يقال إن مثل ذلك حصل لفاطمة عليها السلام فإن في حديث عائشة ما يقتضي ذلك ولكن ليس بصريح، كما في قصة جعفر هذه وهي منقبة عظيمة لجعفر، قال الله تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} "وفي الحديث قصة" أخرج البخاري هذا الحديث مع القصة في باب عمرة القضاء وغيره.
قوله: "حدثنا إبراهيم أبو إسحاق المخزومي" المدني وإبراهيم هذا هو إبراهيم بن الفضل ويقال إبراهيم بن إسحاق وهو متروك. قوله: "إن كنت" إن مخففة من المثقلة "أنا أعلم بها" أي بالاَيات والجملة حالية "منه" أي من(10/270)
أَبي طَالِبٍ لَمْ يجِبْنِي حَتّى يَذْهَبَ بِي إلى مَنزِلِهِ فَيَقُولُ لامْرَأَتِهِ: يا أسْمَاءُ أطْعِمِينَا فإِذَا أطْعَمَتْنَا أجَابَنِي، وَكاَن جَعْفَرٌ يُحِبّ المَسَاكِينَ وَيَجْلِسُ إِلَيْهِمْ وَيُحَدّثُهُمْ وَيُحَدّثُونَهُ فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُكنِيهِ بأبِي المَسَاكِينِ". هَذا حديثٌ غَرِيبٌ وأَبُو إسْحَاقَ المَخْزُومِيّ هُوَ إِبْرَاهِيمُ بنُ الفَضْلِ المَدِينِيّ وَقَدْ تَكَلّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.
ـــــــ
الرجل الذي أسأله "يا أسماء" هي بنت عميس "فإذا أطعمتنا أجابني" إنما كان يجيبه عن سؤاله مع معرفته بأنه إنما سأله ليطعمه ليجمع بين المصلحتين ولاحتمال أن يكون السؤال وقع حينئذ وقع منه على الحقيقة. قاله الحافظ "وكان جعفر يحب المساكين" أي محبة زائدة على محبة غيره إياهم "فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنيه بأبي المساكين" أي ملازمهم ومداومهم. وفي الحديث دلالة على أن حب الكبراء وأرباب الشرف المساكين وتواضعهم لهم يزيد في فضلهم ويعد ذلك من مناقبهم. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرج البخاري نحوه من وجه آخر، وأما رواية الترمذي هذه فهي ضعيفة.(10/271)
باب مناقبُ أبي مُحمّدٍ الْحَسَنِ بنِ عَلِيّ بنِ أبي طالبٍ وَالْحُسَيْنِ بنِ عَلِيّ بنِ أَبي طالبٍ رضي الله عنهما
3856 ـ حَدّثَنَا محمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا أَبُو دَاوُدَ الْحفْرِيّ، عَن سُفْيَانَ، عَن يَزِيدَ بنِ أَبي زِيَادٍ، عَن ابنِ أبي نُعْمٍ عَن أَبي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الحَسنُ وَالْحُسَيْنُ سَيّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنّةِ".
ـــــــ
"مناقبُ أبي مُحمّدٍ الْحَسَنِ بنِ عَلِيّ بنِ أبي طالبٍ وَالْحُسَيْنِ بنِ عَلِيّ بنِ أَبي طالبٍ رضي الله عنهما"
كأنه جمعهما لما وقع لهما من الاشتراك في كثير من المناقب، وكان مولد الحسن في رمضان سنة ثلاث من الهجرة عند الأكثر وقيل بعد ذلك ومات بالمدينة مسموماً سنة خمسين ويقال قبلها ويقال بعدها، وكان مولد الحسين في شعبان سنة أربع في قول الأكثر وقتل يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق وكان أهل الكوفة لما مات معاوية واستخلف يزيد كاتبوا الحسين بأنهم في طاعته فخرج الحسين إليهم فسبقه عبيد الله بن زياد إلى الكوفة فخذل غالب الناس عنه فتأخروا رغبة ورهبة وقتل ابن عمه مسلم بن عقيل وكان الحسين قد قدمه قبله ليبايع له الناس فجهز إليه عسكراً فقاتلوه إلى أن قتل هو وجماعة من أهل بيته والقصة مشهورة
قوله: "عن ابن يزيد بن أبي زياد" القرشي الهاشمي الكوفي "عن ابن أبي نعم" بضم النون، وسكون المهملة. قوله: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة" بفتح الشين المعجمة وبالموحدة الخفيفة جمع شاب وهو من بلغ إلى(10/272)
3857ـ حَدّثَنَا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، حدثنا جَرِيرٌ و محمد بنُ فُضَيْلٍ عَن يَزِيدَ نَحْوَهُ. هَذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وابنُ أَبي نُعْمٍ هُوَ عبْدُ الرّحْمَنِ بنُ أبي نُعْمٍ البَجَلِيّ الكُوفِيّ. ويكنّى أبا الحكم.
3858 ـ حَدّثَنَا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ و عبْدُ بنُ حُمَيْدٍ قالا: حدثنا خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ حدثنا مُوسَى بنُ يَعْقُوبَ الزّمْعِيّ عَن عبْدِ اللّهِ بنِ أبي بَكْرِ بنِ زَيْدِ بنِ المُهَاجِرِ قالَ أَخْبَرَنِي مُسْلِمُ بنُ أبي سَهْلٍ النّبّال قالَ أخْبَرَنِي الْحَسَنُ بنُ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ قالَ أَخْبَرَنِي أبي أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ قالَ: "طَرَقْتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ في بَعْض الْحَاجَةِ
ـــــــ
ثلاثين ولا يجمع فاعل على فعال غيره ويجمع على شيبة وشبان أيضاً. قال المظهر: يعني هما أفضل من مات شاباً في سبيل الله من أصحاب الجنة ولم يرد به سن الشباب لأنهما ماتا وقد كهلا بل ما يفعله الشباب من المروءة. كما يقال فلان فتى وإن كان شيخاً يشير إلى مروءته وفتوته أو أنهما سيدا أهل الجنة سوى الأنبياء والخلفاء الراشدين وذلك لأن أهل الجنة كلهم في سن واحد وهو الشباب وليس فيهم شيخ ولا كهل. قال الطيبي: ويمكن أن يراد هما الاَن سيدا شباب من هم من أهل الجنة من شبان هذا الزمان.
قوله: "أخبرنا جرير" هو ابن عبد الحميد "وابن فضيل" هو محمد بن فضيل بن غزوان "عن يزيد" بن أبي زياد. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وهذا الحديث مروي عن عدة من الصحابة من طرق كثيرة ولذا عده الحافظ السيوطي من المتواترات.قوله: "أخبرنا خالد بن مخلد" القطواني "عن عبد الله بن أبي بكر بن زيد بن المهاجر" مجهول من السادسة "أخبرني مسلم بن أبي سهل النبال" بفتح النون والموحدة ويقال محمد بن أبي سهل قال علي ابن المديني مجهول وذكره ابن حبان في الثقات "أخبرني الحسن بن أسامة بن زيد" بن حارثة الكلبي المدني مقبول من الثالثة "أخبرني(10/273)
فَخَرَجَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى شَيْءٍ لا أَدْرِي مَا هُوَ، فَلَمّا فَرَغْتُ مِنْ حَاجَتِي قلت: مَا هَذَا الّذِي أنْتَ مُشتَمِلٌ عَلَيْه فَكَشَفَهُ فإِذَا حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ عليهما السلام عَلَى وَرِكَيْهِ. فقالَ: هَذَانِ ابْنَايَ وابْنَا ابْنَتِي اللّهُمّ إِنّي أُحِبّهُمَا فأَحِبّهُمَا وَأَحِبّ مَنْ يُحِبّهُمَا". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
3859 ـ حَدّثَنَا عُقْبَةُ بنُ مُكرَمٍ البَصْرِيّ العَمّيّ أخبرنا وَهْبُ بنُ جَرِيرِ بنِ حَازِمٍ حدثنا أبي عَن مُحمّدِ بنِ أبي يَعْقُوبَ عَن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أَبي نُعْمٍ: "أنّ رَجُلاً مِن أهْلِ العِرَاقِ سَألَ ابنَ عُمَرَ عَن دَمِ البَعُوضِ يُصِيبُ الثّوْبَ، فقالَ ابنُ عُمَرَ: انْظُرُوا إِلى
ـــــــ
أبي" بياء المتكلم أي والدي "أسامة بن زيد" بدل من قابله. قوله: "طرقت النبي صلى الله عليه وسلم" في القاموس: الطرق الإتيان بالليل كالطروق انتهى، ففي الكلام تجريد أو تأكيد والمعنى أتيته "في بعض الحاجة" أي لأجل حاجة من الحاجات "وهو مشتمل" أي محتجب "فكشفه" أي أزال ما عليه من الحجاب أو المعنى فكشف الحجاب عنه على أنه من باب الحذف والإيصال "على وركيه" بفتح فكسر، وفي القاموس بالفتح والكسر وككتف ما فوق الفخذ "هذان ابناي" أي حكماً "وابنا ابنتي" أي حقيقة "اللهم إني أحبهما الخ" لعل المقصود من إظهار هذا الدعاء حمل أسامة وغيره على زيادة محبتهما. قوله: "هذا حديث حسن غريب" قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة الحسن بن أسامة بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه: وصححه ابن حبان والحاكم.
قوله: "عن محمد بن أبي يعقوب" هو محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب البصري الضبي ويقال إنه تميمي وهو ثقة باتفاق. قوله: "أن رجلاً من أهل العراق" أي الكوفة فإنها والبصرة تسميان عراق العرب "عن دم البعوض يصيب الثوب"(10/274)
هَذَا يَسْأَلُ عَن دَمِ البَعُوضِ وَقَدْ قَتَلُوا ابنَ رسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وسَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ "إنّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدّنْيَا".
هَذا حديثٌ صحيحٌ. وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَن مُحمّدِ بنِ أَبي يَعْقُوبَ. وقَدْ رَوَى عن أبي هُرَيْرَةَ عَن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هذا وابنُ أبي نُعْمٍ هُوَ عبْدُ الرّحمَنِ بنُ أبي نُعْمٍ البَجَلِيّ.
3860 ـ حَدّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجّ، حدثنا أَبُو خَالِدٍ الأحْمَرُ، حدثنا رَزِينٌ قالَ حَدّثَتْنِي سَلْمَى قالتْ: "دَخَلْتُ عَلَى أُمّ سَلَمَةَ وَهِيَ تَبْكِي
ـــــــ
وفي رواية البخاري في الأدب: سأله رجل عن المحرم يقتل الذباب. قال الحافظ يحتمل أن يكون السؤال وقع عن الأمرين "فقال ابن عمر انظروا إلى هذا يسأل عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم" أورد ابن عمر هذا متعجباً من حرص أهل العراق على السؤال عن الشيء اليسير وتفريطهم في الشيء الجليل "هما ريحانتاي" بالتثنية شبههما بذلك لأن الولد يشم ويقبل، وفي حديث أنس الاَتي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الحسن والحسين فيشمهما ويضمهما إليه، وفي حديث أبي أيوب عند الطبراني في الأوسط: وقال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين يلعبان بين يديه فقلت تحبهما يا رسول الله قال: "وكيف لا وهما ريحانتاي من الدنيا أشمهما" . قال الكرماني وغيره: الريحان الرزق أو المشموم. قال العيني لا وجه هنا أن يكون بمعنى الرزق على ما لا يخفى قلت الأمر كما قال العيني. قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه البخاري.
قوله: "أخبرنا أبو خالد الأحمر" اسمه سليمان بن حيان "حدثنا رزين" بفتح الراء وكسر الزاي ابن حبيب الجهني أو البكري الكوفي الرماني بضم الراء التمار بياع الأنماط ويقال رزين الجهني الرماني غير رزين بياع الأنماط والجهني هو الذي أخرج له الترمذي ووثقه أحمد وابن معين والاَخر مجهول وكلاهما من السابعة "حدثتني سلمى" البكرية لا تعرف من الثالثة(10/275)
فَقُلْتُ مَا يُبْكِيكِ؟ قالَتْ رَأيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ـ تَعْنِي في المَنَامِ ـ وَعَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ التّرَابُ فَقُلْتُ مَا لَكَ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قالَ: "شَهِدْتُ قَتْلَ الْحُسَيْنِ آنِفاً" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ.
3861 ـ حَدّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجّ أخبرنا عُقْبَةُ بنُ خَالِدٍ حدثني يُوسُفُ بنُ إبْرَاهِيمَ أنّهُ سَمِعَ أَنَسَ بنَ مَالكٍ يقُولُ: "سُئِلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَيّ أهْلِ بَيْتِكَ أَحَبّ إلَيْكَ؟ قالَ "الْحَسنُ والْحُسَيْنُ" ، وكَانَ يَقُولُ لِفَاطِمَةَ: "ادْعِى لي ابْنَيّ" فَيَشُمّهُمَا ويَضُمّهُمَا إلَيْهِ". هَذا حديثٌ غَرِيبٌ من حَدِيثِ أَنَسٍ.
ـــــــ
روت عن عائشة وأم سلمة وعنها رزين الجهني ويقال البكري قاله الحافظ، وقد وهم القاري وهماً شنيعاً فقال سلمى هذه هي زوجة أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم قابلة إبراهيم بن نبي الله صلى الله عليه وسلم. قوله: "ما يبكيك" بضم التحتية وكسر كافيه "تعني في المنام" هذا من كلام سلمى أو ممن دونها أي تريد أم سلمة بالرؤية في المنام "وعلى رأسه ولحيته التراب" أي أثره من الغبار "مالك" أي من الحال "شهدت" أي حضرت "آنفاً" بمد الهمزة ويجوز قصرها أي هذه الساعة القريبة. قوله: "هذا حديث غريب" هذا الحديث ضعيف لجهالة سلمى.
قوله: "أخبرنا عقبة بن خالد" السكوني "حدثني يوسف بن إبراهيم التميمي أبو شيبة" الجوهري الواسطي ضعيف من الخامسة. قوله: "فيشمهما" من باب سمع ونصر أي فيحضران فيشمهما "ويضمهما إليه" أي بالاعتناق والاحتضان. قوله: "هذا حديث غريب" في سنده يوسف بن إبراهيم وهو ضعيف كما عرفت لكن له شواهد(10/276)
108 ـ باب
3862 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ اللّهِ الأنْصَارِيّ، حدثنا الأَشْعَثُ هُوَ ابنُ عبْدِ
المَلَكِ عَن الْحَسَنِ عَن أَبي بَكْرَةَ قالَ: "صَعِدَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْمنبَرَ فقالَ: "إنّ ابْنِي هَذَا سَيّدٌ يُصْلِحُ اللّهُ عَلَى يَدَيْهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عظيمتين". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.قال يَعْنِي الحَسَنَ بنَ عَلِيّ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري" هو محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري "عن الحسن" البصري "صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر" في رواية البخاري بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب جاء الحسن، وفي رواية علي بن زيد عن الحسن في دلائل البيهقي: يخطب أصحابه يوماً إذ جاء الحسن بن علي فصعد إليه المنبر "إن أبنى هذا سيد" فيه أن السيادة لا تختص بالأفضل بل هو الرئيس على القوم والجمع سادة وهو مشتق من السؤدد وقيل من السواد لكونه يرأس على السواد العظيم من الناس أي الأشخاص الكثيرة "يصلح الله على يديه" وفي رواية البخاري وغيره: "لعل الله أن يصلح به" "بين فئتين" تثنية فئة وهي الفرقة مأخوذة من فأوت رأسه بالسيف وفأيت إذا شققته وجمع فئة فئات فئون، زاد البخاري في رواية: "عظيمتين". قال العيني: وصفهما بالعظيمتين لأن المسلمين كانوا يومئذ فرقتين فرقة مع الحسن رضي الله عنه وفرقة مع معاوية وهذه معجزة عظيمة من النبي صلى الله عليه وسلم حيث أخبر بهذا فوقع مثل ما أخبر، وأصل القضية أن علي بن أبي طالب لما ضربه عبد الرحمن بن ملجم المرادي يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت من رمضان من سنة أربعين من الهجرة مكث يوم الجمعة وليلة السبت وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من(10/277)
رمضان سنة أربعين من الهجرة وبويع لابنه الحسن بالخلافة في شهر رمضان من هذه السنة وأقام الحسن أياماً مفكراً في أمره ثم رأى اختلاف الناس فرقة من جهته وفرقة من جهة معاوية ولا يستقيم الأمر ورأى النظر في إصلاح المسلمين وحقن دمائهم أولى من النظر في حقه. سلم الخلافة لمعاوية في الخامس من ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين وقيل من ربيع الاَخر وقيل في غرة جمادى الأولى وكانت خلافته ستة أشهر إلا أياماً. وسمي هذا العام عام الجماعة وهذا الذي أخبره النبي صلى الله عليه وسلم "لعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين" انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي قال أي أبو عيسى الترمذي "يعني الحسن بن علي" أي يريد صلى الله عليه وسلم بقوله "ابني هذا" الحسن بن علي بن أبي طالب(10/278)
109 ـ باب
3863 ـ حَدّثَنَا الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ حدثنا عَلِيّ بنُ الْحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ حدثني أَبِي حدثني عَبْدُ اللّهِ بنِ بُرَيْدَةَ قالَ: سَمِعْتُ أَبي بُرَيْدَةَ يَقُولُ: "كانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُنَا إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا السلام قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ المِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا وَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمّ قالَ: صَدَقَ اللّهُ {إِنّمَا أمْوَالُكُمْ وأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} نَظَرْتُ إلى هَذَيْنِ
ـــــــ
"باب"
قوله: "سمعت أبي" أي سمعت والدي "بريدة" بدل من ما قبله "ويعثران" في القاموس: عثر كضرب ونصر وعلم وكرم أي كبا انتهى والمعنى أنهما يسقطان على الأرض لصغرهما وقلة قوتهما "صدق الله" أي في قوله: "إنما(10/278)
الصّبِيّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَلَمْ أَصْبِرْ حَتّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهمَا". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ.
3864 ـ حَدّثَنَا الْحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ أخبرنا إِسْمَاعيلُ بنُ عَيّاشٍ عَن عبْدِ اللّهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ خَثْيَمٍ عَن سَعِيدِ بنِ رَاشِدٍ عَن يَعْلَى بنِ مُرّةَ قالَ قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "حُسَيْنٌ مِنّي وَأنَا مِنْ حُسَيْنٍ، أَحَبّ اللّهُ مَنْ أَحَبّ حُسَيْناً، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الأسْبَاطِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ
ـــــــ
أموالكم وأولادكم فتنة" أي اختبار وابتلاء من الله تعالى لخلقه ليعلم من يطيعه ممن يعصيه "فلم أصبر" أي عنهما لتأثير الرحمة والرقة في قلبي "حتى قطعت حديثي" أي كلامي في الخطبة. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو داود والنسائي.
قوله: "عن سعيد بن راشد" وعند ابن ماجه عن سعيد بن أبي راشد، قال الحافظ في تهذيب التهذيب: سعيد بن أبي راشد ويقال ابن راشد روى عن يعلى بن مرة الثقفي وغيره وعنه عبد الله بن عثمان بن خثيم ذكره ابن حبان في الثقات. قوله: "حسين مني وأنا من حسين" قال القاضي: كأنه صلى الله عليه وسلم بنور الوحي ما سيحدث بينه وبين القوم فخصه بالذكر وبين أنهما كالشيء الواحد في وجوب المحبة وحرمة التعرض والمحاربة، وأكد ذلك بقوله "أحب الله من أحب حسينا" فإن محبته محبة الرسول ومحبة الرسول محبة الله "حسين سبط" بالكسر "من الأسباط" قال في النهاية أي أمة من الأمم في الخير والأسباط في أولاد إسحاق بن إبراهيم الخليل بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل وأحدهم سبط فهو واقع على الأمة والأمة واقعة عليه انتهى. وقال(10/279)
3865 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ يَحْيى أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ عَن مَعْمَرٍ عَن الزُهْرِيّ عَن أنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ: "لَمْ يَكُنْ أَحدٌ مِنْهُمْ أشْبَهَ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْحَسَنِ بنِ عَلِيّ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
القاضي السبط ولد الولد أي هو من أولاد أولادي أكد به البعضية وقررها ويقال للقبيلة قال تعالى {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً} أي قبائل ويحتمل أن يكون المراد ههنا على معنى أنه يتشعب منه قبيلة ويكون من نسله خلق كثير فيكون إشارة إلى أن نسله يكون أكثر وأبقى وكان الأمر كذلك. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه البخاري في الأدب المفرد وابن ماجه والحاكم.
قوله: "حدثنا محمد بن يحيى" هو الإمام الذهلي قوله: "لم يكن أحد منهم" أي من أهل البيت "أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي" هذا يعارض رواية ابن سيرين عند البخاري عن أنس قال: أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين الحديث. وفيه فقال أنس كان "أي الحسين" أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ ويمكن الجمع بأن يكون أنس قال ما وقع في رواية الزهري يعني رواية الباب في حياة الحسن لأنه يومئذ كان أشد شبهاً بالنبي صلى الله عليه وسلم من أخيه الحسين، وأما ما وقع في رواية ابن سيرين فكان بعد ذلك كما هو ظاهر من سياقه أو المراد بمن فضل الحسين عليه في الشبه من عدا الحسن ويحتمل أن يكون كل منهما كان أشد شبهاً به في بعض أعضائه فقد روى الترمذي وابن حبان من طريق هانئ بن هانئ عن علي قال: الحسن كشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الرأس إلى الصدر والحسين أشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك، ووقع في رواية عبد الأعلى عن معمر عند الإسماعيلي في رواية الزهري هذه: وكان أشبههم وجهاً بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يؤيد حديث علي هذا انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري.(10/280)
3866 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا يَحْيى بنُ سَعِيدٍ حدثنا إِسماعِيلُ بنُ أَبي خالِدٍ عَن أَبي جُحَيْفَةَ قالَ: "رَأيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فكانَ الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ يُشْبِهُهُ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وفي البابِ عَن أبي بَكْرٍ الصّدّيقِ وابنِ عبّاسٍ وابنِ الزّبَيْرِ.
3867 ـ حَدّثَنَا خَلاّدُ بنُ أسْلَمَ أبو بكر البَغْدَادِيّ أَخبرنا النّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ أخبرنا هِشَامُ بنُ حَسّانَ عَن حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قالَتْ حدثني أنَسُ بنُ مالِكٍ قالَ: "كُنْتُ عِنْدَ ابنِ زِيَادٍ فَجِيءَ بِرأْسِ الْحُسَيْنِ فَجَعْلَ يَقُولُ بِقَضِيبٍ له في أَنْفِهِ ويَقُولُ ما رَأيْتُ مِثْلَ هَذَا حُسْناً لِمَ يُذْكَرُ،
ـــــــ
قوله: "أخبرنا يحيى بن سعيد" هو القطان "أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد" الأحمسي البجلي. قوله: "يشبهه" بضم التحتية وسكون المعجمة وكسر الموحدة أي يشابهه من الإشباه ويماثله، قال في القاموس شابهه وأشبهه ماثله. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والبخاري ومسلم. قوله: "وفي الباب عن أبي بكر الصديق وابن عباس وابن الزبير" أما حديث أبي بكر الصديق فأخرجه البخاري في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وفي مناقب الحسن، وأما حديث ابن عباس فلينظر من أخرجه، وأما حديث ابن الزبير فأخرجه البزار وفيه علي بن عابس وهو ضعيف.
قوله: "عن حفصة بنت سيرين" أم الهذيل الأنصارية البصرية. قوله: "كنت عند ابن زياد" هو عبيد الله بن زياد بن أبي سفيان وكان أمير الكوفة عن يزيد بن معاوية وقتل الحسين في إمارته "فجعل يقول" أي فجعل "عبيد الله بن زياد يشير بقضيب" أي بغصن "ويقول ما رأيت مثل هذا حسناً" قال الشيخ الأجل الشاه ولي الله الدهلوي. وفي رواية البخاري فجعل ينكت وقال في حسنه شيئاً، وإذا حملت لفظ الترمذي على معنى تلك الرواية فالوجه(10/281)
قال قُلْتُ أمَا إنّهُ كانَ مِنْ أشْبَهِهِمْ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ.
3868 ـ حَدّثَنَا عبْدُ اللّهِ بنِ عبْدِ الرّحْمَنِ أَخبرنا عبْدُ اللّهِ بنِ مُوسَى عَن إسْرَائِيلَ عَن أَبي إسْحَاقَ عَن هَانِيءٍ بنِ هَانيءٍ عَن عَلِيّ قال: "الْحَسَنُ أَشْبَهُ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ما بَيْنَ الصّدْرِ إِلى الرّأْسِ، وَالْحُسَيْنُ أشْبَهُ بِرَسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ أسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
3869 ـ حَدّثَنَا وَاصِلُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أخبرنا أَبو مُعَاوِيَةَ،
ـــــــ
أن يقال ما رأيت مثل هذا حسناً يعني ما رأيت حسناً مثل حسن هذا. يتهكم به وقوله: "لم يذكر" معناه: لماذا يذكر في الناس بالحسن وليس له حسن انتهى. "قال" أي أنس بن مالك "أما" بالتخفيف للتنبيه "إنه" أي الحسين "من أشبههم" أي من أشبه أهل البيت. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه البخاري.
قوله: "عن هانئ بن هانئ" الهمداني بسكون الميم الكوفي مستور من الثالثة كذا في التقريب، وقال الذهبي في الميزان في ترجمته قال ابن المديني مجهول وقال النسائي ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات. قوله: "أشبه" فعل ماض أي شابه في الصورة "ما بين الصدر إلى الرأس" قال الطيبي بدل من الفاعل المضمر في أشبه من المفعول بدل البعض وكذا قوله الاَتي "ما كان أسفل من ذلك" أي كالساق والقدم فكأن الأكبر أخذ الشبه الأقدم لكونه أسبق والباقي للأصغر. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه ابن حبان.(10/282)
عَن الأَعْمَشِ، عَن عمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ قالَ: "لَمّا جِيءَ بِرَأْسِ عُبَيْدِ اللّهِ بنِ زِيَادٍ وَأَصْحَابِهِ نُضِدَتْ في المَسْجِدِ في الرّحَبَةِ فانْتَهَيْتُ إلَيْهِمْ وَهُمْ يَقُولُونَ قَدْ جَاءَتْ قَدْ جَاءَتْ فإذَا حَيّةٌ قَدْ جَاءَتْ تخَلّلُ الرّؤُوسَ حَتّى دَخَلَتْ في مِنْخَرَيْ عُبَيْدِ اللّهِ بنِ زِيَادٍ فَمَكَثَتْ هُنَيْهَةً ثُمّ خَرَجَتْ فَذَهَبَتْ حَتّى تَغَيّبتْ ثُمّ قالُوا قَدْ جَاءَتْ قَدْ جاءَتْ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ مَرّتَيْنِ أوْ ثَلاَثاً". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
قوله: "أخبرنا أبو معاوية" اسمه محمد بن خازم "وعن عمارة بن عمير" التيمي قوله: "نضدت" بصيغة المجهول أي جعلت بعضها فوق بعض مرتبة "في الرحبة" بفتح الراء محلة بالكوفة "تخلل الرؤوس" بحذف إحدى التائين أي تدخل بيتها "في منخري عبيد الله بن زياد" أي في ثقبي أنفه قال في القاموس المنخر بفتح الميم والخاء وبكسرهما وضمهما وكمجلس ثقب الأنف "فمكثت" أي لبثت الحية "هنيهة" بضم هاء وفتح نون وسكون تحتية وفتح هاء أخرى أي زماناً يسيراً، وإنما أورد الترمذي هذا الحديث في مناقب الحسنين لأن فيه ذكر المجازاة لما فعله عبيد الله بن زياد برأس الحسين رضي الله عنه. قال العيني: إن الله تعالى جازى هذا الفاسق الظالم عبيد الله بن زياد بأن جعل قتله على يدي إبراهيم بن الأشتر يوم السبت لثمان بقين من ذي الحجة سنة ست وستين على أرض يقال لها الجازر بينها وبين الموصل خمسة فراسخ وكان المختار بن أبي عبيدة الثقفي أرسله لقتال ابن زياد ولما قتل ابن زياد جيء برأسه وبرؤوس أصحابه وطرحت بين يدي المختار وجاءت حية دقيقة تخللت الرؤوس حتى دخلت في فم ابن مرجانة وهو ابن زياد وخرجت من منخره ودخلت في منخره وخرجت من فيه وجعلت تدخل وتخرج من رأسه بين الرؤوس ثم إن المختار بعث برأس ابن زياد ورؤوس الذين قتلوا معه إلى مكة إلى محمد بن الحنفية وقيل إلى عبد الله بن الزبير فنصبها بمكة وأحرق ابن الأشتر جثة ابن زياد وجثث الباقين(10/283)
110 ـ باب
3870 ـ حَدّثَنَا عبْدُ اللّهِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ وَ إسْحَاقُ بنُ مَنصورٍ قالاَ أخبرنا مُحمّدُ بنُ يُوسُفَ عَن إِسْرَائِيلَ عَن مَيْسَرَةَ بنِ حَبِيبٍ عَن المِنْهَالِ بنِ عَمْروٍ عَن زِرّ بنِ حُبَيْشٍ عَن حُذَيْفَةَ قالَ: "سَأَلَتْنِي أُمّي مَتَى عَهْدُكَ؟ تَعْنِي بالنبيّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ مَالِي بِهِ عَهْدٌ مُنْذ كَذَا وَكَذَا، فَنَالَتْ مِنّي فَقُلْتُ لَهَا دَعِينِي آتِي النبِيّ صلى الله عليه وسلم فَأُصَلّي مَعَهُ المَغْرِبَ وَأَسْأَلُهُ أنْ يَسْتَغْفِرَ لِي وَلَكِ فأتَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَصَلّيْتُ مَعَهُ المَغْرِبَ فَصَلّى حَتّى صَلّى العِشَاءَ ثُمّ انْفَتَلَ فَتَبِعْتُهُ فَسَمَعَ صَوْتِي فقالَ: "مَنْ هَذَا حُذَيْفَةُ" ؟ قُلْتُ نَعَمْ. قالَ: "مَا حَاجَتُكَ غَفَرَ اللّهُ لَكَ وَلاِمّكَ" ؟ قالَ: "إنّ هَذَا مَلَكٌ لَمْ يَنْزِلْ الأَرْضَ
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن" هو الدارمي "وإسحاق بن منصور" هو الكوسج "أخبرنا محمد بن يوسف" الضبي الفريابي "عن ميسرة بن حبيب" النهدي أبي حازم الكوفي صدوق من السابعة. قوله: "متى عهدك بالنبي صلى الله عليه وسلم" يقال متى عهدك بفلان؟ أي متى رؤيتك إياه "ما لي" أي ليس لي "فنالت مني" أي ذكرتني بسوء، زاد أحمد: وسبتني "فصلى" أي النبي صلى الله عليه وسلم النوافل "ثم انفتل" أي انصرف "فتبعته" بكسر الموحدة أي مشيت خلفه، زاد أحمد فعرض له عارض فناجاه ثم ذهب فأتبعته "فسمع صوتي" أي صوت حركة رجلي "حذيفة" خبر مبتدأ محذوف أي أهذا أو هو أو أنت حذيفة "ما حاجتك غفر الله لك ولأمك" وفي رواية أحمد ما لك فحدثته(10/284)
قَطّ قَبْلَ هَذِهِ اللّيْلَةِ، اسْتأْذَنَ رَبّهُ أنْ يُسَلّمَ عَليّ وَيُبَشّرَنِي بِأَنّ فاطِمَةَ سَيّدَةُ نِساءِ أَهْلِ الْجَنّةِ، وَأَنّ الْحَسَنَ والْحُسَيْنَ سَيّدَا شَبَابِ أهْلِ الْجَنّةِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ لا نعْرِفهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ.
3871 ـ حَدّثَنَا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَن فُضَيْلِ بنِ مَرْزُوقٍ، عَن عدِيّ بنِ ثَابِتٍ عَن البَرَاءِ: "أنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أبْصَرَ حَسَنَاً وَحُسَيْناً فقالَ " اللّهُمّ إنّي أُحِبّهُمَا فأَحِبّهُمَا". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3872 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيّ، حدثنا زَمْعَةُ بنُ صالحٍ، عَن سَلَمَةَ بنِ وَهْرَام، عَن عِكْرَمَةَ، عَن ابنِ عَبّاسٍ قالَ: "كانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَامِلَ الْحَسَنِ بنِ عَلِيّ عَلَى عَاتِقِهِ فقالَ رَجُلٌ نِعْمَ المَرْكَبُ رَكِبْتَ يَا غُلاَمُ. فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
بالأمر فقال غفر الله لك ولأمك "قال إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة" وفي رواية أحمد: ثم قال أما رأيت العارض الذي عرض لي قبيل؟ قال قلت بلى. قال فهو ملك من الملائكة لم يهبط الأرض الخ. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد.
قوله: "حدثنا أبو أسامة" اسمه حماد بن أسامة "أبصر" أي رأى "اللهم إني أحبهما فأحبهما" الأول بصيغة المتكلم والثاني بصيغة الأمر من الإحباب. قوله: "على عاتقه" بكسر التاء وهو ما بين المنكب والعنق "نعم المركب" أي هو "ركبت" أي ركبته.(10/285)
"ونِعْمَ الرّاكِبُ هُوَ". هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نعْرِفهُ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَزَمْعَةُ بنُ صَالحٍ قَدْ ضَعّفَهُ بَعْضُ أهْلِ العلم مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.
3873 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ عَن عَدِيّ بنِ ثَابِتٍ قالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ بنَ عَازِبٍ يقول: "رَأَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَاضِعاً الْحَسنِ بنِ عَلِيّ عَلَى عَاتِقِهِ وَهُوَ يَقُولُ: "اللّهُمّ إنّي أُحِبّهُ فأَحِبّهُ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
قوله: "وهو يقول" جملة حالية "اللهم إني أحبه فأحبه" فيه حث على حبه وبيان لفضيلته رضي الله عنه. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي.(10/286)
مناقب أَهْلِ بَيْتِ النبيّ صلى الله عليه وسلم
3874 ـ حَدّثَنَا نَصْرُ بنُ عبْدِ الرّحْمَنِ الكُوفيّ، حدثنا زَيْدُ بنُ الْحَسَنِ هو الأغاطيّ، عَن جَعْفَرِ بنِ مُحمّدٍ، عَن أَبيهِ، عَن جابِرِ بنِ عَبْدِ اللّهِ قال: "رَأيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم في حَجّتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ عَلَى
ـــــــ
مناقب أَهْلِ بَيْتِ النبيّ صلى الله عليه وسلم
قال الشيخ عبد الحق في اللمعات: اعلم أنه قد جاء أهل البيت بمعنى من حرم الصدقة عليهم وهم بنو
هاشم فيشمل آل العباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل الحارث فإن كل هؤلاء يحرم عليهم الصدقة، وقد جاء بمعنى أهله صلى الله عليه وسلم شاملاً لأزواجه المطهرات، وإخراج نسائه صلى الله عليه وسلم من أهل البيت في قوله: {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} مع أن الخطاب معهن سباقاً وسياقاً فإخراجهن مما وقع في البين يخرج الكلام عن الاتساق والانتظام. قال الإمام الرازي إنها شاملة لنسائه صلى الله عليه وسلم لأن سياق الاَية ينادي على ذلك فإخراجهن عن ذلك وتخصيصه بغيرهن غير صحيح والوجه في تذكير الخطاب في قوله: {لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ} {وَيُطَهِّرَكُمْ} باعتبار لفظ الأهل أو لتغليب الرجال على النساء ولو أنث الخطاب لكان مخصوصاً بهن ولا بد من القول بالتغليب على أي تقدير كان وإلا لخرجت فاطمة رضي الله عنها وهي داخلة في أهل البيت بالاتفاق انتهى
قوله: "أخبرنا زيد بن الحسن" القرشي الكوفي صاحب الأنماط ضعيف من الثامنة روى له الترمذي حديثاً واحداً في الحج قال الحافظ "عن جعفر بن محمد" المعروف بالصادق "عن أبيه" أي محمد بن علي بن حسين المعروف بالباقر.(10/287)
نَاقَتِهِ القَصوَاءِ يَخْطُبُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّي قد تَرَكْتُ فِيكُمْ [مَا] إنْ أخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلّوا كِتَابَ اللّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي". وفي البابِ عَن أَبي ذَرّ وَ أبي سَعِيدٍ وَ زَيْدِ بنِ أرْقَم وَ حُذَيْفَةَ بنِ أُسَيْدٍ.
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. قال وَزَيْدُ بنُ الْحَسَنِ قَدْ رَوَى عَنْهُ سَعِيدُ بنُ سُلَيْمَانَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أهْلِ العِلْمِ.
ـــــــ
قوله: "في حجته" أي في حجته الوداع "على ناقته القصراء" بفتح القاف ممدود اللقب ناقته صلى الله عليه وسلم وما كانت مجدوعة الأذن "إني تركت فيكم من إن أخذتم به" أي اقتديتم به واتبعتموه. وفي بعض النسخ: تركت فيكم ما إن أخذتم به أي إن تمسكتم به علماً وعملاً "كتاب الله وعترتي أهل بيتي" قال التوربشتي عترة الرجل أهل بيته ورهطه الأدنون ولاستعمالهم العترة على أنحاء كثيرة بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله "أهل بيتي" ليعلم أنه أراد بذلك نسله وعصابته الأدنين وأزواجه انتهى. قال القاري والمراد بالأخذ بهم التمسك بمحبتهم ومحافظة حرمتهم والعمل بروايتهم والاعتماد على مقالتهم وهو لا ينافي أخذ السنة من غيرهم لقوله صلى الله عليه وسلم: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" ولقوله تعالى {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} وقال ابن الملك: التمسك بالكتاب العمل بما فيه وهو الائتمار بأوامر الله والانتهاء عن نواهيه، ومعنى التمسك بالعترة محبتهم والاهتداء بهديهم وسيرتهم، زاد السيد جمال الدين إذا لم يكن مخالفاً للدين. قوله: "وفي الباب عن أبي ذر وأبي سعيد وزيد بن أرقم وحذيفة بن أسيد" أما حديث أبي ذر فلينظر من أخرجه، وأما حديث أبي سعيد وزيد بن أرقم فأخرجه الترمذي فيما بعد، وأما حديث حذيفة بن أسيد فأخرجه الطبراني وفيه زيد بن الحسن الأنماطي، قال أبو حاتم منكر الحديث ووثقه ابن حبان وبقية رجال أحد الإسنادين ثقات قاله الهيثمي. قوله: "وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان" سعيد بن سليمان هذا هو الواسطي.(10/288)
3875 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدثنا مُحّمدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ الأَصْبَهَانيّ، عَن يَحْيى بنِ عُبَيْدٍ، عَن عَطَاءِ بن أبي رباح، عَن عُمَرَ بنِ أَبي سَلَمَة رَبِيبِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ عَلَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم {إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً} في بَيْتِ أُمّ سَلَمَة، فَدَعَا النبيّ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ وَحَسَنَاً وَحُسَيْناً فَجلّلَهُمْ بِكِسَاءٍ وَعَلِيّ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَجَلّلَهُ بِكِسَاءٍ ثُمّ قالَ: "اللّهُمّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِي فَأذْهِبْ عَنْهُمُ الرّجْسَ وَطَهّرْهُمْ تَطْهِيراً" . قَالَتْ أُمّ سَلَمَة وأَنَا مَعَهُمْ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قالَ: "أَنْتِ عَلَى مَكانِكِ وَأَنْتِ إليّ خَيْرٌ". وفي البابِ عَن أُمّ سَلَمَةَ وَ مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ و أبي الحَمْرَاءِ و أَنَسِ بنِ مَالِكٍ. هَذَا حَدِيث غَرِيب مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
3876 ـ حَدّثَنَا عَلِيّ بنُ المُنْذِرِ الكُوفيّ، حدثنا مُحمّدُ بنُ فُضَيْلٍ قال حدثنا الأَعَمْشُ، عَن عَطِيةَ، عَن أبي سَعِيدٍ والأَعْمَشِ عَن حَبِيبِ بنِ أَبي ثَابِتٍ عَن زَيْدِ بنِ أَرقمَ رضي الله عنهما قالَ قال رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمسّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلّوا بَعْدِي أحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الاَخَرِ كِتَابُ اللّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السّمَاء إلى الأَرْضِ وعِتْرَتِي أَهْل بَيْتِي
ـــــــ
قوله: "عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم قال نزلت هذه الاَية الخ" تقدم هذا الحديث مع شرحه في تفسير سورة الأحزاب.
وقوله: "عن عطية" هو العوفي. قوله: "أحدهما" وهو كتاب الله "أعظم(10/289)
وَلَنْ يَتَفَرّقَا حتّى يَرِدَا عَلَيّ الْحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفونِي فِيهمَا". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
من الاَخر" وهو العترة "كتاب الله" بالنصب وبالرفع "حبل ممدود" أي هو حبل ممدود ومن السماء إلى الأرض يوصل العبد إلى ربه ويتوسل به إلى قربه "وعترتي" أي والثاني عترتي "أهل بيتي" بيان لعترتي، قال الطيبي في قوله: "إني تارك فيكم إشارة" إلى أنهما بمنزلة التوأمين الخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه يوصي الأمة بحسن المخالقة معهما وإيثار حقهما على أنفسهم كما يوصي الأب المشفق الناس في حق أولاده، ويعضده ما في حديث زيد بن أرقم عند مسلم: "أذكركم الله في أهل بيتي" كما يقول الأب المشفق الله الله في حق أولادي "ولن يتفرقا" أي كتاب الله وعترتي في مواقف القيامة "حتى يردا علي" بتشديد الياء "الحوض" أي الكوثر يعني فيشكرانكم صنيعكم عندي "فانظروا كيف تخلفوني" بتشديد النون وتخفف أي كيف تكونون بعدي خلفاء أي عاملين متمسكين بهما. قال الطيبي: لعل السر في هذه التوصية واقتران العترة بالقرآن أن إيجاب محبتهم لائح من معنى قوله تعالى {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فإنه تعالى جعل شكر إنعامه وإحسانه بالقرآن منوطاً بمحبتهم على سبيل الحصر فكأنه صلى الله عليه وسلم يوصي الأمة بقيام الشكر. وقيل تلك النعمة به ويحذرهم عن الكفران فمن أقام بالوصية وشكر تلك الصنيعة بحسن الخلافة فيهما لن يفترقا فلا يفارقانه في مواطن القيامة ومشاهدها حتى يرد الحوض فشكرا صنيعه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فحينئذ هو بنفسه يكافئه والله تعالى يجازيه بالجزاء الأوفى ومن أضاع الوصية وكفر النعمة فحكمه على العكس، وعلى هذا التأويل حسن موقع قوله "فانظروا كيف تخلفوني فيهما"، والنظر بمعنى التأمل والتفكر أي تأملوا واستعملوا الروية في استخلافي إياكم هل تكونون خلف صدق أو خلف سوء. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه مسلم من وجه آخر ولفظه: "ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما ـ كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به"(10/290)
3877 ـ حَدّثَنَا ابنُ أَبِي عُمَرَ أخبرنا سُفْيَانُ عَن كَثِيرٍ البّوّاءِ عَن أبي إِدْرِيسَ عَن المُسَيّبِ بنِ نَجَيّةَ قَالَ قَالَ عَلِيّ بن أبي طَالِبٍ: قَالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ كلّ نَبِيّ أُعْطِيَ سَبْعَةَ نُجَبَاءَ رُفَقَاءَ أَوْ قَالَ رُقَبَاءَ نقباء وَأُعْطِيتُ أَنَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ، قُلْنا مَنْ هُمْ؟ قَالَ أَنَا وابْنَايَ وَجَعْفَرُ وَحَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ وبِلاَلٌ وَسَلْمَانُ وَعَمّارٌ والمِقْدَادُ وَحُذَيْفَةُ وأبو ذرَ وَعَبْدُ اللّهِ بنُ مَسْعُودٍ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْه. وقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَن عَلِيّ مَوْقُوفاً.
ـــــــ
فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال "أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي" الحديث.
قوله: "أخبرنا سفيان" هو ابن عيينة "عن كثير النواء" بفتح النون بتشديد الواو ممدوداً هو كثير بن إسماعيل ضعيف "عن أبي إدريس" المرهبي "عن المسيب بن نجبة" بفتح النون والجيم والموحدة الكوفي مخضرم من الثانية. قوله: "إن كل نبي أعطي سبعة نجباء" بإضافة سبعة إلى نجباء وهو جمع نجيب قال في النهاية: النجيب الفاضل من كل حيوان وقد نجب ينجب نجابة إذا كان فاضلاً نفيساً في نوعه "رفقاء" جمع رفيق وهو المرافق "أو قال رقباء" أي حفظه يكونون معه وهو جمع رقيب وأو للشك من الراوي "وأعطيت أنا أربعة عشر" أي نجيباً رقيباً بطريق الضعف تفضلاً "من هم" أي الأربعة عشر "قال أنا" قال الطيبي فاعل قال ضمير النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ضمير علي رضي الله عنه يعني هو عبارة عنه نقله بالمعنى أي مقوله أنا كذا في المرقاة، وأرجع صاحب أشعة اللمعات ضمير قال إلا علي حيث قال كفت علي آن جهارده من وهر دويسر من "وابناي" أي الحسنان "وجعفر" أي أخو علي "وحمزة" بن عبد المطلب "وأبو بكر وعمر الخ" الواو لمطلق الجمع.(10/291)
3878 ـ حَدّثَنَا أبُو دَاوُدَ سُليْمَانُ بنُ الأَشْعَثِ قال: أخبرنا يَحْيى بنُ مَعِينٍ قال: أخبرنا هِشَامُ بنُ يُوسُفَ، عَن عَبْدِ اللّهِ بنِ سُلَيْمَانَ النّوْفَلِيّ عَن محَمّدِ بنِ عَلِيّ بنِ عَبْدِ اللّهِ بنِ عَبّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَحِبّوا اللّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ، وَأَحِبّونِي بِحُبّ اللّهِ، وَأحِبّوا أَهْلَ بَيْتِي لحُبّي" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
قوله: "حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث" السجستاني صاحب السنن "عن عبد الله بن سليمان النوفلي" مقبول من السابعة "عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس" الهاشمي ثقة من السادسة لم يثبت سماعه من جده. قوله: "لما يغذوكم" أي يرزقكم به "من نعمه" بكسر النون وفتح العين جمع نعمة وهو بيان لما "يحب الله" وفي المشكاة لحب الله أي لأن محبوب المحبوب محبوب "وأحبوا أهل بيتي بحبي" أي إياهم أو لحبكم إياي. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه الحاكم.(10/292)
مناقب معاذ بن جبل وزيد وأبي بن كعب وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم
...
مناقب مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ وَزِيْدِ بنِ ثَابِتٍ وَأُبَيّ بنِ كَعْبٍ وأبِي عُبَيْدَةَ بن الْجَرّاحِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُم
3879 ـ حَدّثَنَا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ أَخبرنا حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَن دَاودَ العَطّارِ عَن مَعْمَرٍ عَن قَتَادَةَ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرْحَمُ أُمّتِي بأُمّتِي أبُو بَكْرٍ، وأشَدّهُمْ في أَمْرِ اللّهِ عُمَرُ
ـــــــ
مناقب مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ وَزِيْدِ بنِ ثَابِتٍ وَأُبَيّ بنِ كَعْبٍ وأبِي عُبَيْدَةَ بن الْجَرّاحِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُم
أما معاذ بن جبل فهو ابن عمر بن أوس من بني أسد الخزرجي يكنى أبا عبد الرحمن شهد بدراً والعقبة وكان أميراً للنبي صلى الله عليه وسلم على اليمن ورجع بعده إلى المدينة ثم خرج إلى الشام مجاهداً فمات في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة، وأما زيد بن ثابت فهو ابن الضحاك بن زيد بن لوذان من بني مالك ابن النجار الأنصاري النجاري المدني، قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهو ابن إحدى عشرة سنة وكان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من فضلاء الصحابة ومن أصحاب الفتوى توفي سنة خمس وأربعين بالمدينة، وأما أبي بن كعب فهو ابن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية الأنصاري الخزرجي النجاري يكنى أبا المنذر وأبا الطفيل كان من السابقين من الأنصار شهد العقبة وبدراً وما بعدهما مات سنة ثلاثين وقيل غير ذلك، وأما أبو عبيدة بن الجراح فقد تقدم ترجمته في مناقبه
قوله: "أخبرنا حميد بن عبد الرحمن" هو الرؤاسي الكوفي "عن داود العطار" هو داود بن عبد الرحمن العطار. قوله: "أرحم أمتي" أي أكثرهم(10/293)
وأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ بنُ عَفّانَ وأَعْلَمُهُم بالْحَلاَلِ والْحَرامِ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بنُ ثابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُم أُبَيّ بنُ كَعْبٍ، ولِكُلّ أُمّةٍ أمِينٌ. وأَمِينُ هَذِهِ الأُمّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرّاحِ". هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ وَقَدْ رَواهُ أبُو قلاَبَةَ عَن أَنَس عَن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ
3880 ـ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ: "سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدّثُ عَن أَنَس بْنِ مَالكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لاِبِيّ بْنِ كَعْبٍ: "إِنّ اللّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ {لَمْ يَكُنِ الّذِينَ كَفَرُوا} قَالَ: وَسَمّانِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَبَكَى". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وَقَدْ روي هذا الحديث عَنْ أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
رحمة "وأشدهم في أمر الله" أي أقواهم في دين الله "وأفرضهم" أي أكثرهم علماً بالفرائض "وأقرؤهم" أي أعلمهم بقراءة القرآن. قوله: "هذا حديث غريب". قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث رجاله ثقات انتهى، وأخرجه أيضاً أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه وأخرجه أبو يعلى عن عبد الله بن عمر "وقد رواه أبو قلابة عن أنس الخ" أخرج هذه الرواية ابن ماجه.
قوله: "قال وسماني؟" أي هل نص علي باسمي؟ أو قال: أَقْرَأَ عليّ واحد من أصحابك فاخترتني أنت؟ فلما قال له نعم بكى إما فرحاً وسروراً بذلك وإما خشوعاً وخوفاً من التقصير في شكر تلك النعم. قال أبو عبيد المراض بالعراض على أبي ليتعلم أبي منه القراءة ويتثبت فيها وليكون عرض القرآن سنة وللتنبيه(10/294)
3881 ـ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ أخبرنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ عَن أنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: "جَمَعَ القُرآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَةٌ كُلّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ أُبَيّ بنُ كَعْبٍ وَمُعَاذُ بنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بنُ ثَابِتٍ وَأَبُو زَيْدٍ، قُلْتُ لأِنَسٍ مَنْ أَبُو زَيْدٍ؟ قَالَ أَحَدُ عُمُومَتِي". هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ـــــــ
على فضيلة أبي بن كعب وتقدمه في حفظ القرآن وليس المراد أن يستذكر منه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً بذلك العرض. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان. والنسائي "وقد روى هذا الحديث عن أبي كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم" أخرجه الحاكم والطبراني.
قوله: "أخبرنا يحيى بن سعيد" هو القطان. قوله: "جمع القرآن" أي استظهره حفظاً "على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي في زمانه "أربعة" أراد أنس بالأربعة أربعة من رهطه وهم الخزرجيون إذ روى أن جمعاً من المهاجرين أيضاً جمعوا القرآن "وأبو زيد" اختلف في اسمه فقيل أوس وقيل ثابت بن زيد وقيل قيس بن السكن بن قيس بن زعور بن حرام الأنصاري النجاري ويرجحه قول أنس أحد عمومتي، فإنه من قبيلة بني حرام "أحد عمومتي" بضم العين والميم أي أحد أعمامي قال النووي في شرح مسلم: قال المازري: هذا الحديث مما تعلق به بعض الملاحدة في تواتر القرآن وجوابه من وجهين: أحدهما ـ أنه ليس فيه تصريح بأن غير الأربعة لم يجمعه فقد يكون مراده الذين علمهم من الأنصار أربعة وأما غيرهم من المهاجرين والأنصار الذين لا يعلمهم فلم ينفهم. ولو نفاهم كان المراد نفي علمه ومع هذا فقد روى غير مسلم حفظ جماعات من الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. والجواب الثاني ـ أنه لو ثبت أنه لم يجمعه إلا الأربعة لم يقدح في تواتره فإن أجزاءه حفظ كل جزء منها خلائق لا يحصون يحصل التواتر ببعضهم وليس من شرط التواتر(10/295)
3882 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ أخبرنا عَبْدُ العَزِيزِ بن مُحَمّدٍ عَن سُهَيْلِ بنِ أَبي صَالِحٍ عَن أَبِيهِ عَن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "نِعْمَ الرّجُلُ أَبُو بَكْرٍ. نِعْمَ الرّجُلُ عُمَرُ. نِعْمَ الرّجُلُ أبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرّاحِ. نِعْمَ الرّجُلُ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ. نِعْمَ الرّجُلُ ثَابِتُ بنُ قَيْسِ بنِ شَمّاسٍ، نِعْمَ الرّجُلُ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ. نِعْم الرّجُلُ مُعَاذُ بنُ عَمْرِو بنِ الْجمُوحِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ إِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلٍ.
3883 ـ حَدّثَنَا محمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا وَكِيعٌ حدثنا سُفْيَانُ عَن أبي إسْحَاقَ عَن صِلَةَ بنِ زُفَرَ عَن حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ قَالَ "جَاءَ العَاقِبُ والسّيّدُ إلى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقالاَ ابْعَثْ مَعَنَا أميناً فَقَالَ: فَإِنّي سَأَبْعَثُ مَعَكُمْ أَمِيناً حَقّ أمِينٍ فَأشْرَفَ لَهَا النّاسُ فَبَعَثَ أبَا عُبَيْدَةَ.
ـــــــ
أن ينقل جميعهم جميعه بل إذا نقل كل جزء عدد التواتر صارت الجملة متواترة بلا شك. ولم يخالف في هذا مسلم ولا ملحد انتهى مختصراً. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي.
قوله: "نعم الرجل أسيد بن حضير" بضم أولهما مصغرين ابن سماك بن عتيك الأنصاري صحابي جليل شهد بدراً وما بعدها من المشاهد مات بالمدينة سنة عشرين ودفن بالبقيع "نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس" بمعجمة وميم مشددة وآخره مهملة أنصاري خزرجي خطيب الأنصار من كبار الصحابة بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة واستشهد باليمامة "نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح" بفتح الجيم وضم الميم أنصاري خزرجي شهد العقبة وبدراً وهو وأبوه عمرو وهو الذي قتل مع معاذ بن عفراء أبا جهل. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه النسائي.(10/296)
قَالَ وَكانَ أبُو إِسْحَاقَ إِذَا حَدّثَ بِهَذَا الحَدِيثِ عَن صِلَةَ قَالَ سَمِعْتُهُ مُنْذُ سِتّينَ سَنَةٍ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وقَدْ رُوِيَ عَن ابن عُمَرَ وَأَنَس رضي الله عنهما عَن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ "لِكُلّ أُمّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرّاحِ".
ـــــــ
قوله: "عن حذيفة بن اليمان قال جاء العاقب والسيد الخ" تقدم هذا الحديث مع شرحه في مناقب أبي عبيدة بن الجراح.(10/297)
مناقب سَلْمَانَ الفَارِسِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْه
3884 ـ حَدّثَنَا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ حدثنا أبي عَن الحَسَنِ بنِ صَالحٍ عَن أَبي رَبِيعَةَ الإِيَادِيّ عَن الحَسَنِ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ قالَ رَسُولُ
ـــــــ
"مناقب سَلْمَانَ الفَارِسِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْه"
قصته طويلة ملخصها أنه هرب من أبيه لطلب الحق وكان مجوسياً فلحق براهب ثم براهب ثم بآخر وكان يصحبهم إلى وفاتهم حتى دله الأخير إلى الحجاز وأخبره بظهور رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقصده مع بعض الأعراب فغدروا به وباعوه في وادي القرى ليهودي ثم اشتراه منه يهودي آخر من بني قريظة فقدم به المدينة فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى علامات النبوة أسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كاتب عن نفسك" . عاش مائتين وخمسين سنة وقيل مائتين وخمس وسبعين سنة، ومات سنة ست وثلاثين بالمدائن وأول مشاهده الخندق
قوله: "عن الحسن بن صالح" بن حي الهمداني "عن الحسن" هو البصري(10/297)
اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الْجَنّةَ لِتَشْتَاقُ إلى ثَلاَثَةٍ: عَلِيّ وَعَمّارٍ وَسَلْمانَ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ الحَسَنِ بن صَالحٍ.
ـــــــ
قوله: "إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة" المقصود أنهم من أهل الجنة فبالغ فيه قيل المراد اشتياق أهل الجنة من الحوار والغلمان والملائكة كذا في اللمعات، وقال الطيبي سبيل اشتياق الجنة إلى هؤلاء الثلاثة سبيل اهتزاز العرش لموت سعد بن معاذ.(10/298)
مناقب عَمّارِ بنِ يَاسِرٍ وَكُنْيَتُهُ أبُو اليَقْظَانِ رَضِيَ اللّهُ عَنْه
3885 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا عَبْدُ الرّحمَنِ بنُ مَهْدِيّ، حدثنا سُفْيَانُ عَن أَبي إسْحَاقَ عَن هَانِيءِ بنِ هَانِيءٍ عَن عَلِيّ قَالَ "جَاءَ عَمّارُ بنُ يَاسِرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "ائْذَنُوا لَهُ مَرْحباً بالطّيّبِ المُطَيّبِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
"مناقب عَمّارِ بنِ يَاسِرٍ وَكُنْيَتُهُ أبُو اليَقْظَانِ رَضِيَ اللّهُ عَنْه"
واسم أمه سمية بالمهملة مصغراً أسلم هو وأبوه قديماً وعذبوا لأجل الإسلام وقتل أبو جهل أمه فكانت أول شهيد في الإسلام، ومات أبوه قديماً وعاش هو إلى أن قتل بصفين مع علي رضي الله عنهم وكان قد ولي شيئاً من أمور الكوفة لعمر فلهذا نسبه أبو الدرداء إليها
قوله: "مرحباً بالطيب المطيب" يقال مرحباً به أي أصاب رحباً وسعة وكني بذلك عن الانشراح، والمراد بالطيب المطيب الطاهر المطهر وفيه مبالغة كظل ظليل، وقال في اللمعات لعله إشارة إلى أن جوهر ذاته ظاهر طيب ثم.(10/298)
3886 ـ حَدّثَنَا القَاسِمُ بنُ دِينَارٍ الكُوفِيّ، حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بن مُوسَى، عَن عَبْدِ العَزِيزِ بنِ سِيَاهٍ الكوفي عَن حَبِيبِ بنِ أَبي ثَابِتٍ، عَن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَن عَائِشَةَ قَالَتْ: قَال رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا خُيّرَ عَمّارُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاّ اخْتَارَ أَسَدَهُمَا". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ سِيَاهٍ وَهُوَ شَيْخٌ كُوفِيّ. وَقَد رَوَى عَنْهُ النّاسُ وَلَهُ ابنٌ يُقالُ لَهُ يَزِيدُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ رَوَى عَنْهُ يَحْيى بنُ آدَمَ.
3887 ـ حَدّثَنَا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا وَكِيعٌ حدثنا سُفْيَانُ
ـــــــ
طيبه وهذبه الشرائع والعمل بها فصار نوراً على نور. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه ابن ماجه.
قوله: "عن عبد العزيز بن سياه" بكسر المهملة بعدها تحتانية خفيفة الأسدي الكوفي صدوق يتشيع من السابعة. قوله: "ما خير عمار" بصيغة المجهول من التخيير أي ما جعل مخيراً "إلا اختار أرشدهما" أي أصلحهما وأصوبهما وأقربهما إلى الحق. وفي بعض النسخ أشدهما أي أصعبهما. قال القاري قيل هذا بالنظر إلى نفسه فلا ينافي رواية: ما اختير عمار بين أمرين إلا اختار أيسرهما فإنه بالنظر إلى غيره والأظهر في الجمع بين الروايات أنه كان يختار أصلحهما وأصوبهما فيما تبين ترجيحه وإلا فاختار أيسرهما انتهى. قيل في هذا الحديث دليل على أن الرشد مع علي رضي الله عنه في خلافته وأن معاوية أخطأ في اجتهاده ولم يكن على الرشد لأن عماراً رضي الله عنه اختار موافقة علي وكان معه يوم صفين حتى استشهد في ذلك الحرب. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه ابن ماجه.(10/299)
عَن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عَن مَولى لِرِبْعِيّ عَن رِبْعِيّ بنِ حِرَاشٍ عَن حُذَيْفَة قَالَ "كُنّا جُلُوساً عِنْدَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " إنّي لاَ أدْرِي مَا قَدْرُ بَقَائِي فِيكُمْ فَاقْتَدُوا باللّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي. وَأَشارَ إِلى أبي بكْرٍ وَعُمَرَ، وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمّارٍ. وَمَا حَدّثَكُم ابنُ مَسْعُودٍ فَصَدّقُوهُ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ. وَرَوى إِبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ هَذَا الحَدِيثَ عَن سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عَن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عَن هِلاَلٍ مَوْلَى رِبْعِيّ عَن رِبْعِيّ عَن حُذَيْفَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ. وَقَدْ رَوَى سَالِمٌ المُرَادِيّ الكُوفِيّ عَن عَمْرو بنِ هَرِمٍ عَن رِبْعِيّ بنِ حِرَاشٍ عَن حُذَيْفَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا.
3888 ـ حَدّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ المَدَنيّ حدثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُحَمّدٍ عَن العَلاءِ بنِ عَبْدِ الرّحمَنِ عَن أبِيهِ عَن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ قالَ رَسُولُ اللّهِ
ـــــــ
قوله: "عن عبد الملك بن عمير" اللخمي الكوفي "عن مولى لربعي" اسمه هلال قال في التقريب: هلال مولى ربعي مقبول من السادسة. قوله: "فاقتدوا بالذين من بعدي وأشار إلى أبي بكر وعمر" تقدم شرح هذا في مناقب أبي بكر "واهتدوا بهدي عمار" أي ابن ياسر والهدي بفتح الهاء وسكون الدال السيرة والطريقة، والمعنى أي سيروا سيرته واختاروا طريقته وكأن الاقتداء أعم من الاهتداء حيث يتعلق به القول والفعل بخلاف الاهتداء فإنه يختص بالفعل "وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه" أي صدقوا حديثه واعتقدوه صدقاً وحقاً. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد. قوله: "وقد روى سالم المرادي الكوفي عن عمرو بن هرم الخ" وصله الترمذي في مناقب أبي بكر الصديق.(10/300)
صلى الله عليه وسلم "أَبْشِرْ عَمّارُ تَقْتُلُكَ الفِئَةُ البَاغِيَةُ" . وفي البابِ عَن أُمّ سَلَمَة وَعَبْدِ اللّهِ بنِ عَمْروٍ وَأَبي اليُسْرِ وَحُذَيْفَةَ. هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ العَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرّحمَنِ.
ـــــــ
قوله: "أبشر" بصيغة الأمر من الإبشار أي سر واستبشر "تقتلك الفئة الباغية" المراد بالفئة أصحاب معاوية والفئة الجماعة والباغية هم الذين خالفوا الإمام وخرجوا عن طاعته بتأويل باطل، وأصل البغي مجاوزة الحد، وفي حديث أبي سعيد عند البخاري في قصة بناء المسجد النبوي: كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فجعل ينفض التراب عنه ويقول "ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار". قال الحافظ في الفتح فإن قيل كان قتله بصفين وهو مع علي والذين قتلوه مع معاوية وكان معه جماعة من الصحابة فكيف يجوز عليهم الدعاء إلى النار فالجواب أنهم كانوا ظانين أنهم يدعون إلى الجنة وهم مجتهدون لا لوم عليهم في إتباع ظنونهم فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء إلى سببها وهو طاعة الإمام، وكذلك كان عمار يدعوهم إلى طاعة علي وهو الإمام الواجب الطاعة إذ ذاك وكانوا هم يدعون إلى خلاف ذلك لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم انتهى. قوله: "وفي الباب عن أم سلمة الخ" قال الحافظ روى حديث تقتل عمار الفئة الباغية جماعة من الصحابة منهم قتادة بن النعمان وأم سلمة عند مسلم وأبو هريرة عند الترمذي وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي وعثمان بن عفان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو اليسر وعمار نفسه وكلها عند الطبراني وغيره وغالب طرقها صحيحة أو حسنة وفيه عن جماعة آخرين يطول عددهم انتهى.(10/301)
مناقب أَبي ذَرّ الغِفَارِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْه
3889 ـ حَدّثَنَا مَحمودُ بنُ غَيْلاَنَ أخبرنا ابنُ نُمَيْرٍ عَن الأعْمشِ عَن عُثْمَانَ بنِ عُمَيْرٍ هُوَ أَبُو اليَقْظانِ عَن أَبي حَرْبِ بنِ أَبي الأَسْوَدِ الديْلِيّ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ عَمْروٍ قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا أَظَلّت الْخَضْرَاءُ ولاَ أَقَلّت الغَبْرَاء أَصْدَقَ مِنْ أَبي ذَرّ" . وفي البابِ
ـــــــ
"مناقب أبي ذر الغفاري رضي الله عنه"
اسمه جندب بن جنادة وهو من أعلام الصحابة وزهادهم والمهاجرين وأسلم قديماً بمكة يقال كان خامساً في الإسلام ثم انصرف إلى قومه فأقام عندهم إلى أن قدم المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الخندق ثم سكن الربذة إلى أن مات بها سنة اثنتين في خلافة عثمان وكان يتعبد قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم
قوله: "عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي" البصري ثقة من الثالثة. قوله: "ما أظلت" أي على أحد "الخضراء" أي السماء "ولا أقلت" بتشديد اللام أي حملت ورفعت "الغبراء" أي الأرض "أصدق من أبي ذر" مفعول أقلت وصفة للأحد المقدر وهو نوع من التنازع والمراد بهذا الحصر التأكيد والمبالغة في صدقه أي هو متناه في الصدق لا أنه أصدق من غيره مطلقاً إذ لا يصح أن يقال أبو ذر أصدق من أبي بكر رضي الله عنه وهو صديق هذه الأمة وخيرها بعد نبيها وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أصدق من أبي ذر وغيره. كذا قالوا. قال القاري: وفيه أنه صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء مستثنى شرعاً وأما الصديق لكثرة تصديقه لا يمنع أن يكون أحد أصدق في قوله، وقد جاء في(10/302)
عَن أَبِي الدّرْدَاءِ و أبِي ذَرَ. هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
3890 ـ حَدّثَنَا العَبّاسُ العَنْبَرِيّ أخبرنا النّضْرُ بنُ مُحمّدٍ أَخبرنا عِكْرِمَةُ بنُ عَمّارٍ حدثني أَبُو زُمَيْلٍ عَن مَالِكِ بنِ مَرْثدٍ عَن أبِيهِ عَن أَبي ذَرّ قالَ قالَ لي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَظَلّت الْخَضْراءُ وَلاَ أَقَلّت الغَبْراءُ مِنْ ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ ولاَ أوْفى مِنْ أَبِي ذَرّ شِبهَ عِيسَى ابنِ مَرْيَمَ"، فَقَالَ عُمَرُ بنُ الْخَطّابِ كَالحَاسِدِ: يا رَسُولَ اللّهِ أَفَتعْرِفُ ذَلِكَ
ـــــــ
الحديث أقرؤكم أبيّ وأقضاكم عليّ. ولا يدع أن يكون في المفضول ما لا يوجد في الفاضل أو يشترك هو والأفضل في صفة من الصفات على وجه التسوية. قوله: "وفي الباب عن أبي الدرداء وأبي ذر" أما حديث أبي الدرداء فأخرجه أحمد في مسنده، وأما حديث أبي ذر فأخرجه الترمذي بعد هذا. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم.
قوله: "حدثنا العباس" بن عبد العظيم "أخبرنا النضر بن محمد" بن موسى الجرشي "حدثني أبو زميل" اسمه سِمَاك بن الوليد "عن مالك بن مرثد" بن عبد الله الزماني "عن أبيه" أي مرثد بن عبد الله الزماني بكسر الزاي وتشديد الميم مقبول من الثالثة. قوله: "من ذي لهجة" بفتح فسكون وقيل بفتحتين وهي اللسان وقيل طرفه والمعنى من ذي نطق، وقيل لهجة اللسان ما ينطق به أي من صاحب كلام وكلمة من زائدة "أصدق" أي أكثر صدق "ولا أوفى" أي بكلامه من الوعد والعهد "من أبي ذر" أي ولا أقلت الغبراء أحداً ذا لهجة وصدق ولا أوفى بكلامه من أبي ذر "شبه عيسى ابن مريم" بالجر بدل أي شبيهه. وفي الاستيعاب من الحديث "من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى ابن مريم فلينظر إلى أبي ذر" انتهى. فالتشبيه يكون من جهة التواضع قاله القاري قلت: حديث "من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى ابن مريم فلينظر إلى أبي ذر"(10/303)
لَهُ قَالَ نَعَمْ فَاعْرِفُوهُ" هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ فَقالَ "أبُو ذَرّ يَمْشِي في الأَرْضِ بِزُهْدِ عِيَسى ابنِ مَرْيَمَ ".
ـــــــ
أخرجه أبو يعلى في مسنده عن أبي هريرة كذا في الجامع الصغير، قال المناوي في شرحه قوله: "فلينظر إلى أبي ذر". فإنه في مزيد التواضع ولين الجانب وخفض الجناح يقرب منه "فقال عمر بن الخطاب كالحاسد" أي على طريقة الغبطة "أفتعرف" من التعريف "ذلك" أي ما ذكرت من منقبته "له" أي لأبي ذر، والمعنى هل تعلمن ذلك له "قال" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "نعم" أي أعلمكم ذلك له "فاعرفوه" أي فاعلموه. قال التوربشتي قوله أصدق من أبي ذر مبالغة في صدقه لا أنه أصدق من كل على الإطلاق لأنه لا يكون أصدق من أبي بكر بالإجماع فيكون عاماً قد خص. قال الطيبي يمكن أن يراد به أنه لا يذهب إلى التورية والمعاريض في الكلام فلا يرخي عنان كلامه ولا يحابي مع الناس ولا يسامحهم ويظهر الحق البحت والصدق المحض ومن ثمة عقبه بقوله: ولا أوفى أي يوفي حق الكلام إيفاء لا يغادر شيئاً منه. قوله: "هذا حديث حسن غريب" قال ميرك هو حديث رجالة موثوقون. قوله: "فقال أبو ذر يمشي في الأرض بزهد عيسى ابن مريم" قال القاري: ولا منافاة بين أن يكون متواضعاً وزاهداً بل الزهد هو الموجب للتواضع.(10/304)
مناقب عَبْد اللّهِ بنِ سَلاَمٍ رَضِيَ اللّهُ عنْه
3891 ـ حَدّثَنَا عَلِيّ بنُ سَعِيدٍ الكِندِيّ، حدثنا أبُو محيَاةَ يَحْيى بنُ يَعْلَى بن عطاء، عَن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَن ابنِ أخِي عَبْدِ اللّهِ بنِ سَلاَمٍ قَالَ: "لمّا أُرِيدَ قَتْلُ عُثْمَانَ جَاءَ عبْدُ اللّهِ بنِ سَلاَمٍ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ مَا جَاءَ بِكَ؟ قالَ جِئْتُ في نَصْرِكَ. قالَ اخْرُجْ إلى النّاسِ فاطْرُدْهُمْ عَنّي فَإِنّكَ خَارِجاً خَيْرٌ لِي مِنْكَ دَاخِلاً، فَخَرَجَ عَبْدُ اللّهِ إلى النّاسِ فَقَالَ أَيّها النّاسُ إنّهُ كَانَ اسْمِي في الْجَاهِلِيّةِ فُلاَنٌ فَسَمّانِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللّهِ وَنَزَلَتْ فِيّ آياَتٌ مِنْ كِتَابِ اللّهِ، نَزَلَتْ فِيّ {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إنّ اللّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ} ونزلت فيّ {قلْ كَفَى باللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتَابِ} إِنّ لِلّهِ سَيْفاً مَغْمُوداً عَنْكُمْ وإِنّ المَلاَئِكَةَ قَدْ جَاوَرَتْكُمْ في بَلَدِكُمْ هَذَا الّذِي نَزَلَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَاللّهَ اللّهَ فِي هَذَا الرّجُلِ أَن تَقْتُلُوهُ فَوَاللّهِ لإِنْ قَتَلْتُمُوهُ لَتَطْرُدُنّ جِيرَانَكُمْ
ـــــــ
"مناقب عَبْد اللّهِ بنِ سَلاَمٍ رَضِيَ اللّهُ عنْه"
قوله: "عن ابن أخي عبد الله بن سلام قال لما أريد قتل عثمان الخ" تقدم هذا الحديث مع شرحه في تفسير سورة الأحقاف.(10/305)
المَلاَئِكَةَ وَلَتَسَلّنّ سَيْفَ اللّهِ المَغْمُودَ عَنْكُمْ فَلاَ يغمدُ عنكم إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ، قَالُوا اقْتُلُوا اليَهُودِيّ واقْتُلُوا عُثْمَانَ".: هَذا حديثٌ غَرِيبٌ إنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ وقد رَوَى شُعَيْبُ بنُ صَفْوَانَ هَذَا الحَدِيثَ عَن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ فَقَالَ: عن عُمَر بن مُحمّدٍ بنِ عَبْدِ اللّهِ بنِ سَلاَمٍ، عَن جَدّهِ عَبْدِ اللّهِ بنِ سَلاَمٍ.
3892 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ، أَخبرنا اللّيْثُ، عَن مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِح، عَن رَبِيعَةَ بنِ يَزِيدَ، عَن أَبي إدْرِيسَ الخَوْلاَنِيّ، عَن يَزِيدَ بنِ عميرَةَ قَالَ: "لَمّا حَضَرَ مُعَاذَ بنِ جَبَلٍ المَوْتُ قِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ أوْصِنَا قَالَ: أَجْلِسُونِي فَقَالَ إنّ العِلْمَ والإِيمَانَ مَكَانَهُما. مَن ابْتَغاهُمَا وَجَدَهُمَا، يَقُولُ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرّاتٍ وَالْتَمِسُوا العِلْمَ عِنْدَ أَرْبَعَةِ رَهْطٍ: عِنْدَ عُوَيْمِر أبي الدّرْدَاءِ وَعِنْدَ سَلْمَانَ الفَارِسِيّ وَعِنْدَ عَبْد اللّهِ بنِ مَسْعُودٍ وعِنْدَ عَبْدِ اللّهِ بنِ سَلاَمٍ الّذِي كَانَ يَهُودِيّا فَأَسْلَمَ. فإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله
ـــــــ
قوله: "أخبرنا الليث" ابن سعد "عن معاوية بن صالح" بن حدير الحضرمي الحمصي "عن ربيعة بن يزيد" الدمشقي "عن يزيد بن عميرة" بفتح العين الحمصي الزبيدي أو الكندي وقيل غير ذلك ثقة من الثانية. قوله: "يا أبا عبد الرحمن" كنية معاذ "إن العلم والإيمان مكانهما" أي في مكانهما "من ابتغاهما" أي طلبهما "والتمسوا العلم" أي أطلبوه أو المراد من العلم علم الكتاب والسنة "عند أربعة رهط" أي نفر والرهط ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة "عند عويمر" بضم العين وفتح الواو مصغراً اسم ألدبي رداء "الذي كان يهودياً فأسلم" صفة كاشفة، قال الطيبي ليس(10/306)
عليه وسلم يَقُولُ "إِنّهُ عَاشِرُ عَشَرَةٍ فِي الجَنّةِ". وفي البابِ عَن سَعْدٍ هَذا حديثٌ حَسَن غَرِيبٌ.
ـــــــ
بصفة مميزة لعبد الله لأنه لا يشارك في اسمه غيره بل هو مدح له في التوصية بالتماس العلم منه لأنه جمع بين الكتابين "أنه" أي عبد الله بن سلام "عاشر عشرة في الجنة" أي مثل عاشر عشرة ونحوه أبو يوسف وأبو حنيفة إذ ليس هو من العشرة المبشرة كذا ذكره ميرك وهو قول الطيبي، أو المعنى يدخل بعد تسعة نفر من الصحابة في الجنة ذكره السيد جمال الدين، قال القاري: وفيه أن يلزم تقدمه على بعض العشرة فلعله العاشر من الذين أسلموا من اليهود أو مما عدا العشرة المبشرة فيدخل الجنة بعد تسعة عشر من الصحابة. قوله: "وفي الباب عن سعد" أخرجه أحمد وأبو يعلى والبزار وفيه عاصم بن بهدلة وفيه خلاف. وبقية رجالهم رجال الصحيح. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه النسائي.(10/307)
مناقب عَبْدِ اللّهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْه
3893 ـ حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ إسْمَاعِيلَ بنِ يَحْيى بنِ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ حَدّثَنِي أَبِي، عَنْ أبِيهِ، عَنْ سَلَمَة بنِ كُهَيْلٍ، عَن أَبي الزّعْرَاءِ، عَن ابنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اقْتَدُوا باللّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي مِنْ أَصْحَابِي أبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ واهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمّارٍ وَتَمَسّكُوا بِعَهْدِ ابنِ مَسْعُودٍ". هَذا حديثٌ حسن غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ
ـــــــ
مناقب عَبْدِ اللّهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْه
هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن هذيل أبو عبد الرحمن الهذلي، وأمه أم عبد بنت عبدود بن سوا من هذيل أيضاً أسلمت وصحبت فلذلك نسب إليها أحياناً، ومات أبوه في الجاهلية وكان هو من السابقين، وقد روى ابن حبان من طريقه أنه كان سادس ستة في الإسلام وهاجر الهجرتين وشهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي بيت المال بالكوفة لعمر وعثمان وقدم في أواخر عمره المدينة ومات في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين وقد جاوز الستين وكان من علماء الصحابة وممن انتشر علمه بكثرة أصحابه والاَخذين عنه
قوله: "حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل" الحضرمي أبو إسحاق الكوفي ضعيف من الحادية عشرة "حدثني أبي" هو إسماعيل بن يحيى متروك من العاشرة "عن أبيه" هو يحيى بن سلمة بن كهيل بالتصغير الحضرمي أبو جعفر الكوفي متروك وكان شيعياً من التاسعة. قوله: "وتمسكوا بعهد بن مسعود" أي بوصيته وفي المشكاة: وتمسكوا بعهد بن أم عبد، قال التوربشتي يريد عهد عبد الله بن مسعود وهو ما يعهد إليه فيوصيهم به،(10/308)
مِنْ حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ لا نَعْرِفهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيى بنِ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، ويَحْيى بنُ سَلَمَةَ يُضَعّفُ في الحَدِيثِ وأَبُو الزّعْرَاءِ اسْمُه عَبْد اللّهِ بنِ هَانِيءٍ، وَأَبُو الزّعْرَاءِ الّذِي رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ والثّورِيّ وابنُ عُيَيْنَةَ اسْمُهُ عَمْرُو بنُ عَمْروٍ وَهُوَ ابنُ أخِي أَبي الأحْوَصِ صَاحِبِ عبد الله بنِ مَسْعُودٍ.
ـــــــ
وأرى أشبه الأشياء بما يراد من عهده أمر الخلافة فإن أول من شهد بصحتها وأشار إلى استقامتها من أفاضل الصحابة وأقام عليها الدليل فقال لا نؤخر من قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا نرضى لدنيانا من ارتضاه لديننا، ومما يؤيد هذا المعنى المناسبة الواقعة بين أول الحديث وآخره ففي أوله: "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر" وفي آخره: "وتمسكوا بعهد ابن أم عبد"، ومما يدل على صحة ما ذهبنا إليه قوله في حديث حذيفة: "وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه". هذا إشارة إلى ما أسر إليه من أم الخلافة في الحديث الذي نحن فيه، ويشهد لذلك الاستدراك الذي أوصله بحديث الخلافة فقال "لو استخلفت عليكم فعصيتموه عذبتم ولكن ما حدثكم حذيفة فصدقوه"، وحذيفة هو الذي يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا بالذين من بعدي". ولم أر في التعريض بالخلافة في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوضح من هذين الحديثين ولا أصح من حديث أبي سعيد: "سدوا عني كل خوخة إلا خوخة أبي بكر رضي الله عنه". قوله: "وأبو الزعراء" بفتح الزاي وسكون المهملة وبالراء "اسمه عبد الله بن هانئ" في التقريب عبد الله بن هانئ أبو الزعراء الأكبر الكوفي وثقه العجلي من الثانية "اسمه عمرو بن عمرو" في التقريب عمرو بن عمرو أو ابن عامر بن مالك بن نضلة الجشمي بضم الجيم وفتح المعجمة أبو الزعراء بفتح الزاي وسكون المهملة الكوفي ثقة من السادسة انتهى. ويقال له أبو الزعراء الأصغر وهو يروي عن عمه أبي الأحوص عوف بن مالك وعكرمة وعبيد الله بن عبيد الله "وهو" أي أبو الزعراء عمرو بن عمرو "ابن أخي أبي الأحوص" اسم أبي الأحوص هذا عوف بن مالك بن نضلة الجشمي "صاحب ابن مسعود" أي تلميذه وهو بالجر بدل من أبي الأحوص.(10/309)
3894 ـ حَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بنُ يُوسُفَ بنِ أبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبي إِسْحَاقَ عَن الأَسْوَدِ بنِ يَزِيدَ أنّهُ سَمِعَ أَبَا مُوسَى يَقُولُ "لَقَدْ قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ اليَمَنِ وَمَا نُرَى حِيناً إِلاّ أنّ عَبْدَ اللّهِ بنَ مَسْعُودٍ رَجُلٌ مِنْ أهْلِ بَيْتِ النبيّ صلى الله عليه وسلم لِمَا نَرَى مِنْ دُخُولِهِ وَدُخُولِ أُمّهِ عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريب من هذا الوجه وَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَان الثّوْرِي عَن أبي إسْحَاقَ.
3895 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ، حدثنا إِسْرَائِيلُ، عَن أَبِي إسْحَاقَ، عَن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ يَزِيدَ قَالَ: "أتَيْنَا
ـــــــ
قوله: "حدثنا إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق" السبيعي الكوفي "عن أبيه" أي يوسف بن أبي إسحاق السبيعي "عن أبي إسحاق" السبيعي "سمع أبا موسى" أي الأشعري "لقد قدمت أنا وأخي" كان لأبي موسى أخوان أبو رهم وأبو بردة وقيل أن له أخاً آخر اسمه محمد وأشهرهم أبو بردة واسمه عامر وقد خرج عنه أحمد في مسنده حديثاً "وما نرى" بضم النون وفتح الراء أي لأنظن "حيناً" أي زماناً، وفي رواية البخاري في المناقب: فمكثنا حيناً ما نرى "لما نرى من دخوله الخ" اللام فيه للتعليل وكلمة ما مصدرية أي لأجل رؤيتنا من دخول عبد الله بن مسعود ودخول أمه على النبي صلى الله عليه وسلم وذلك يدل على خصوصيته بملازمة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه دلالة على فضله وخيره. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي "وقد رواه سفيان الثوري عن أبي إسحاق" أخرج هذه الرواية مسلم في صحيحه.
قوله: "أخبرنا إسرائيل" هو ابن يونس "عن أبي إسحاق" السبيعي "عن(10/310)
حذيْفَةَ فَقُلْنا حَدّثْنَا بِأقْرَبِ النّاسِ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم هَدْياً وَدَلاّ فَنَأْخُذَ عَنْهُ وَنَسْمَعَ مِنْهُ، قَالَ كَانَ أَقْرَبُ النّاسِ هَدْياً وَدَلاّ وَسَمْتاً بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ابنُ مَسْعُودٍ حَتّى يَتَوَارى مِنّا في بَيْتِهِ وَلَقَدْ عَلِمَ المَحْفُوظُونَ مِنْ أصْحَابِ محمد صلى الله عليه وسلم أنّ ابنَ أُمّ عَبْدٍ هُوَ مِنْ أَقْرَبِهِمْ إلى اللّهِ زُلْفى". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3896 ـ حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بنِ عَبْدِ الرحْمَنِ، أخبرنا صَاعِدٌ الحَرّانِيّ، حدثنا زُهَيْرٌ حدثنا مَنْصُورٌ عَن أبي إِسْحَاقَ عَن الْحَارِثِ عَن عَلِيّ قالَ قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كُنْتُ مُؤَمّراً أحَداً منهم مِنْ
ـــــــ
عبد الرحمن بن يزيد" بن قيس النخعي الكوفي قوله: "حدثنا بأقرب الناس" أي أخبرنا برجل أقرب الناس "هدياً" بفتح الهاء وسكون الدال أي طريقة وسيرة "ودلاً" بفتح الدال المهملة وتشديد اللام أي سيرة وحالة وهيئة وكأنه مأخوذ مما يدل ظاهر حاله على حسن فعاله "وسمتاً" السمت بفتح السين وسكون الميم وهو الهيئة الحسنة "حتى يتوارى منا" يريد أنا نشهد ما يستبين لنا من ظاهر حاله ولا ندري وما بطن له قال ذلك من غاية استغراب طريقته وحاله وحسنه وكماله "ولقد علم المحفوظون" أي الذين حفظهم الله من تحريف في قول أو فعل "أن ابن أم عبد" هو عبد الله بن مسعود، وكانت أمه تكنى أم عبد "من أقربهم" أي من أقرب الناس "زلفاً" كذا في النسخ الحاضرة زلفاً بالألف والظاهر أن يكون زلفى بالياء وهو اسم مصدر بوزن قربى ومعناه أي هو من أقربهم إليه تعالى قربة. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري والنسائي.
قوله: "حدثنا زهير" هو ابن معاوية "أخبرنا منصور" بن المعتمر "عن أبي(10/311)
غَيْرِ مَشورةٍ مِنْهُمْ لأَمّرْتُ عَلَيْهِمْ ابنَ أُمّ عَبْدٍ". هَذا حديثٌ غريب إِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ عَن عَلِيّ.
3897 ـ حَدّثَنَا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ حدثنا أَبي عَن سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عَن أبي إسْحَاقَ عَن الحَارِثِ عَن عَلِيّ قالَ قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كُنْتُ مُؤَمّراً أَحَداً مِنْ غَيْرِ مَشورَةٍ لأَمّرْتُ ابنَ أُمّ عَبْدٍ".
3898 ـ حَدّثَنَا هَنّادٌ حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَن الأَعْمَش عَن شَقِيقِ بنِ سَلَمَةَ عَن مَسْرُوقٍ عَن عَبْدِ اللّهِ بنِ عَمْروٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "خُذُوا القُرآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِن ابنِ مَسْعُودٍ وأُبَيّ بنِ
ـــــــ
إسحاق" السبيعي "عن الحارث" هو ابن عبد الله الأعور. قوله: "لو كنت مؤمراً" بتشديد الميم المكسورة أي عاجل أحداً أميراً "من غير مشورة" بفتح فسكون ففتح، وفي الجامع الصغير "لو كنت مؤمراً على أمتي أحداً من غير مشورة منهم لأمرت عليهم ابن أم عبد". قال التوربشتي: ومن أي وجه روى هذا الحديث فلا بد أن يأول على أنه صلى الله عليه وسلم أراد به تأميره على جيش بعينه أو استخلافه في أمر من أموره حال حياته ولا يجوز أن يحمل على غير ذلك فإنه وإن كان من العلم والعمل بمكان وله الفضائل الجمة والسوابق الجلة، فإنه لم يكن من قريش وقد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن هذا الأمر في قريش فلا يصح حمله إلا على الوجه الذي ذكرناه. قوله: "هذا حديث إنما نعرفه من حديث الحارث عن علي" وأخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم والحارث فيه ضعف كما مر مراراً.
قوله: "خذوا القرآن" وفي رواية الشيخين استقرأوا القرآن أي أطلبوا القراءة "من ابن مسعود الخ" بيان للأربعة وتخصيص هؤلاء الأربعة بأخذ القرآن عنهم إما لأنهم كانوا أكثر ضبطاً له وأتقن لأدائه أو لأنهم تفرغوا(10/312)
كَعْبٍ وَمُعاذِ بنِ جَبَلٍ وَسَالِمٍ مَوْلَى أبي حُذَيْفَةَ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3899 ـ حَدّثَنَا الْجَرّاحُ بنُ مَخْلَدٍ البَصْرِيّ، حدثنا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ حدثني أبي، عَن قَتَادَةَ، عن خَيْثَمَةَ بنِ أبِي سَبْرَةَ قَالَ: "أَتَيْتُ المَدِينَةَ فَسَأَلْتُ اللّهَ أَنْ يُيَسّرَ لِي جَلِيساً صَالِحاً فَيَسّرَ لِي أَبَا هُرَيْرَةَ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ إنّي سَألْتُ اللّهَ أَنْ يُيَسّرَ لِي جَلِيساً صَالِحاً فَوُفّقْتَ لِي فَقَال لي مِنْ أيْنَ أنْتَ؟ قُلْتُ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ جِئْتُ ألْتَمِسَ الْخَيْرَ وَأطْلُبُهُ
ـــــــ
لأخذه منه مشافهة وتصدوا لأذائه من بعده فلذلك ندب إلى الأخذ عنهم لا أنه لم يجمعه غيرهم، قاله الحافظ وسالم مولى أبي حذيفة. هذا هو سالم بن معقل كان من أهل فارس من اصطخر وكان من السابقين الأولين، وقد أشير في هذا الحديث إلى أنه كان عارفاً بالقرآن وكان يؤم المهاجرين بقباء لما قدموا من مكة وشهد بدراً وما بعدها. وكان مولى لامرأة من الأنصار فتبناه أبو حذيفة لما تزوجها فنسب إليه واستشهد باليمامة، وأما مولاه أبو حذيفة فهو ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان من أكابر الصحابة وشهد بدراً مع النبي صلى الله عليه وسلم وقتل أبوه يومئذ كافراً فساءه ذلك فقال كنت أرجو أن يسلم كما كنت أرى من عقله واستشهد باليمامة. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي.
قوله: "حدثنا الجراح بن مخلد" العجلي البصري القزاز ثقة من العاشرة "حدثنا معاذ بن هشام" ابن أبي عبد الله الدستوائي البصري "حدثني أبي" أي هشام الدستوائي "عن خيثمة بن أبي سبرة" في التقريب خيثمة بن عبد الرحمن أبي سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة الجعفي الكوفي ثقة، وكان يرسل من الثالثة قوله: "أن ييسر" من التيسير أي يسهل "جليساً صالحاً" أي مجالساً يصلح(10/313)
فَقَالَ أَلَيْسَ فِيكُمْ سَعْدُ بنُ مَالِكٍ مُجَابُ الدّعْوَةِ وابنُ مَسْعُودٍ صَاحِبُ طَهُورِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ونَعْلَيْهِ وحُذَيْفَةُ صَاحِبُ سِرّ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَمّارٌ الّذِي أَجَارَهُ اللّهُ مِنَ الشّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيّيهِ وَسَلْمَانُ صَاحِبُ الكِتَابَيْنِ، قَالَ قَتَادَةُ والكِتَابَانِ الإِنْجِيلُ
ـــــــ
أن يجلس معه ويستفاد من المجالسة "فوفقت" بضم الواو وبكسر الفاء المشددة وفتح الفوقية أي جعلت وفقاً لنا وهو من الموافقة التي هي كالالتحام يقال أتانا لتيفاق الهلال وميفاقه أي حين أهل لا قبله ولا بعده وهي نقطة تدل على صدق الاجتماع والالتيام. قاله النووي "التمس الخير" أي العلم المقرون بالعمل المعبر عنهما بالحكمة التي قال الله فيها {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} وقد يقال لا خير خير منه أو لا خير غيره "وأطلبه" عطف تفسير "أليس فيكم" أي في بلدكم "سعد بن مالك" هو سعد بن أبي وقاص "مجاب الدعوة" قد تقدم ذكره وبيان إجابة دعوته في مناقبه "صاحب طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم" بفتح الطاء أي ما يطهر به فإنه كان صاحب مطهرته صلى الله عليه وسلم ونعليه وكذا صاحب وسادته ونحوها مما يدل على كمال خدمته وقربه "وحذيفة صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم" المراد بالسر ما أعلمه به النبي صلى الله عليه وسلم أموراً من أحوال المنافقين وأموراً من الذي يجري بين هذه الأمة فيما بعده وجعل ذلك سراً بينه وبينه "وعمار الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه" قال ابن التين: المراد بقوله على لسان نبيه قول النبي صلى الله عليه وسلم "ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار" قال الحافظ: وهو محتمل، ويحتمل أن يكون المراد بذلك حديث عائشة مرفوعاً: "ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما". أخرجه الترمذي، ولأحمد من حديث ابن مسعود مثله أخرجهما الحاكم فكونه يختار أرشد الأمرين دائماً يقتضي أنه قد أجير من الشيطان الذي من شأنه الأمر بالغي. ولابن سعد في الطبقات من طريق الحسن قال: قال عمار نزلنا منزلاً فأخذت قربتي ودلوي(10/314)
والقرآن". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ وَخَيْثَمَة هُوَ ابنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أَبي سَبْرَةَ إنما نُسِبَ إلى جَدّهِ.
ـــــــ
لأستقي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سيأتيك من يمنعك من الماء" فلما كنت على رأس الماء إذا رجل أسود كأنه عرس فصرعته فذكر الحديث وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ذاك الشيطان" ، فلعل ابن مسعود أشار إلى هذه القصة، ويحتمل أن تكون الإشارة بالإجارة المذكورة إلى ثباته على الإيمان لما أكرهه المشركون على النطق بكلمة الكفر فنزلت فيه {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ}. "وسلمان صاحب الكتابين" سلمان هذا هو سلمان الفارسي، ويقال سلمان الخير، والمراد بالكتابين الإنجيل والقرآن فإنه آمن بالإنجيل قبل نزول القرآن وعمل به ثم آمن بالقرآن أيضاً.
تنبيه: توارد أبو الدرداء في وصف المذكورين غير سلمان مع أبي هريرة بما وصفهم به. فروى البخاري في صحيحه من طريق علقمة قال: قدمت الشام فصليت ركعتين ثم قلت اللهم يسر لي جليساً صالحاً فأتيت قوماً فجلست إليهم فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي. قلت من هذا؟ قالوا أبو الدرداء. قلت إني دعوت الله أن ييسر لي جليساً صالحاً فيسرك لي. قال ممن أنت؟ قلت من أهل الكوفة. قال أو ليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوسادة والمطهرة أو ليس فيكم الذي أجاره الله من الشيطان؟ يعني على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. أو ليس فيكم صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلم أحد غيره؟ ثم قال: كيف يقرأ عبد الله {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} الحديث.(10/315)
مناقبُ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ رَضِي اللّهُ عنه
3900 ـ حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أخبرنا إسْحَاقُ بنُ عِيسَى عَن شريكٍ عَن أَبي اليَقْظَانِ عَن زَاذَانَ عَن حُذَيْفَةَ قالَ "قالُوا يَا رَسُولَ اللّهِ لوْ اسْتَخْلَفْتَ؟ قالَ: "إن اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكم فَعَصَيْتُمُوهُ عُذّبْتُمْ وَلَكِنْ مَا حَدّثَكُمْ حُذَيْفَةُ فَصَدّقُوهُ وَمَا أقْرَأَكُمْ عَبْدُ اللّهِ
ـــــــ
مناقبُ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ رَضِي اللّهُ عنه
هو حذيفة بن اليمان بن جابر بن عمرو العبسي بالموحدة حليف بني عبد الأشهل من الأنصار أسلم وهو من القدماء في الإسلام ولي بعض أمور الكوفة لعمرو ولي إمرة المدائن ومات بعد قتل عثمان بيسير بها
قوله: "أخبرنا إسحاق بن عيسى" هو ابن الطباع "عن أبي اليقظان" اسمه عثمان بن عمير البجلي الكوفي "عن زاذان" كنيته أبو عمر الكندي الكوفي قوله: "قالوا" أي بعض الصحابة بعد امتناعه من الاستخلاف "لو استخلفت" قال الطيبي: لو هذه للتمني أي ليتنا أو الامتناعية وجوابه محذوف أي لكان خيراً "إن استخلفت عليكم" أي أحداً "فعصيتموه" أي استخلافي أو مستخلفي "عذبتم" بصيغة المجهول من التعذيب، قال الطيبي عذبتم جواب الشرط ويجوز أن يكون مستأنفاً والجواب فعصيتموه والأول أوجه لما يلزم من الثاني أن يكون الاستخلاف سبباً للعصيان، والمعنى أن الاستخلاف المستعقب للعصيان سبب للعذاب، وقوله: "ولكن ما حدثكم حذيفة فصدقوه وما أقرأكم عبد الله أي ابن مسعود فاقرؤوه" من الأسلوب الحكيم لأنه زيادة على الجواب. كأنه قيل: لا يهمكم استخلافي فدعوه ولكن يهمكم العمل بالكتاب والسنة فتمسكوا بهما، وخص(10/316)
فَاقْرَؤُوهُ" . قالَ عَبْدُ اللّهِ فَقُلْتُ لإِسْحَاقَ بنِ عِيسَى يَقُولُونَ هَذَا عَن أبِي وَائِلٍ قالَ لاَ عَنْ زَاذَانَ إِنْ شَاءَ اللّهُ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ وَهُوَ حَدِيثُ شَرِيكٍ.
ـــــــ
حذيفة لأنه كان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنذرهم من الفتن الدنيوية، وعبد الله بن مسعود لأنه كان منذرهم من الأمور الأخروية. وقال القاري الأظهر أنه استدراك من مفهوم ما قبله والمعنى: ما استخلف عليكم أحداً ولكن الخ. ثم وجه اختصاصهما بهذا المقام أنهما شاهدان على خلافة الصديق على ما تقدم، ففيه إشارة إلى الخلافة دون العبادة لئلا يترتب على الثاني شيء من المعصية الموجبة للتعذيب بخلاف الأول فإنه يبقى للاجتهاد مجال انتهى كلام القاري. قلت أشار القاري بقوله "على ما تقدم" إلى ما ذكرنا في شرح حديث ابن مسعود في مناقبه. قوله: "قال عبد الله" أي ابن عبد الرحمن الدارمي المذكور "يقولون هذا عن أبي وائل" أي يقولون هذا الحديث مروي عن أبي وائل عن حذيفة "قال" أي إسحاق بن عيسى "لا" أي ليس الأمر كما يقولون "عن زاذان" أي بل هو مروي عن زاذان عن حذيفة، وأبو وائل هذا هو شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي.(10/317)
مناقبُ زَيْدِ بنِ حَارِثَةَ رضيَ اللّهُ عَنْه
3901 ـ حَدّثَنَا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَكْرٍ عَن ابنِ جُرَيْجٍ عَن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ عَن أَبِيهِ عَن عُمَرَ "أَنّهُ فَرَضَ لأُسَامَةَ بن زيد في ثَلاَثَةِ آلافٍ وَخَمْسِمائَةٍ وَفَرَضَ لِعَبْدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ في ثَلاَثَةِ آلافٍ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بنِ عُمَرَ لأَبِيهِ لِمَ فَضّلْتَ أُسَامَةَ عَلَيّ فَوَاللّهِ مَا سَبَقَنِي إلى مَشْهَدٍ. قالَ لأِنّ زَيْداً كَانَ أَحَبّ إِلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَبِيكَ وَكانَ أُسَامَةُ أحَبّ إلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْكَ
ـــــــ
"مناقبُ زَيْدِ بنِ حَارِثَةَ رضيَ اللّهُ عَنْه"
هو مولى النبي صلى الله عليه وسلم وهو من بني كلب أسر في الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة فاستوهبه النبي صلى الله عليه وسلم منها ذكر قصته محمد بن إسحاق في السيرة وأن أباه وعمه أتيا مكة فوجداه فطلبا يفدياه فخيره النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يدفعه إليهما أو يثبت عنده؟ فاختار أن يبقى عنده واستشهد في غزوة مؤتة
قوله: "حدثنا محمد بن بكر" هو البرساني البصري "عن زيد بن أسلم" العدوي "عن عمر" بن الخطاب رضي الله عنه "أنه فرض" أي قدر في إمارته وظيفة "لأسامة" أي ابن زيد بن حارثة "في ثلاثة آلاف وخمسمائة" أي من أموال بيت المال رزقاً له "في ثلاثة آلاف" أي بنقص خمسمائة من وظيفة أسامة "لم فضلت أسامة علي" أي في الوظيفة المشعرة بزيادة الفضيلة "ما سبقني إلى مشهد" أراد بالمشهد مشهد القتال ومعركة الكفار "لأن زيداً" أي والد أسامة "من أبيك" فيه دليل على أنه لا يلزم من كون أحد أحب(10/318)
فَآثَرْتُ حُبّ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حُبّي". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ.
3902 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ حدثنا يَعْقُوبُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عن مُوسَى بنِ عُقْبَةَ، عَن سَالِمِ بنِ عَبْدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ عَن أَبيهِ قَالَ "مَا كُنّا نَدْعُو زَيْدَ بنَ حَارِثَةَ إِلاّ زَيْدَ بنَ مُحمّدٍ حَتّى نَزَلَتْ {أُدْعُوهُمْ لاَِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ}. هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3903 ـ حَدّثَنَا الْجَرّاحُ بنُ مَخْلَدٍ البصري وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا حدثنا مُحمّدُ بنُ عُمَرَ بنِ الرّومِيّ حدثنا عَلِيّ بنُ مُسْهِرٍ عَن إسْمَاعِيلَ بنِ أَبي خَالِدٍ عن أَبي عَمْروٍ الشّيْبَانيّ قالَ أَخْبَرَنِي جَبَلَةُ بنُ حَارِثَةَ أخُو زَيْدٍ قَالَ "قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ ابْعَثْ مَعِي أَخِي زَيْداً. قَالَ "هُوَ ذَا قال فَإِن انْطَلَقَ مَعَكَ لَمْ أَمْنَعْهُ" ، قَالَ زَيْدٌ
ـــــــ
أن يكون أفضل "فآثرت" من الإيثار أي اخترت "حب رسول الله صلى الله عليه وسلم" بكسر الحاء وقد يضم أي محبوبه "على حبي" أي مع قطع النظر عن ملاحظة الفضيلة بل رعاية لجانب المحبة وإيثاراً للمودة ومخالفة لما تشتهيه النفس من مزية الزيادة الظاهرة.
قوله: "قال ما كنا ندعو زيد بن حارثة الخ" تقدم هذا الحديث مع شرحه في تفسير سورة الأحزاب.
قوله: "حدثنا الجراح بن مخلد" العجلي البصري القزاز "أخبرنا محمد بن عمر ابن الرومي" الباهلي البصري "عن أبي عمرو الشيباني" اسمه سعد بن إياس الكوفي "أخبرني جبلة" بجيم وموحدة مفتوحتين "بن حارثة" الكلبي أخو(10/319)
يَا رَسُولَ اللّهِ واللّهِ لاَ أَخْتَارُ عَلَيكَ أَحَداً، قَالَ فَرَأَيْتُ رَأْيَ أَخِي أفْضَلَ مِنْ رَأْيي" قال هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ ابنِ الرّومِيّ عَن عَلِيّ بنِ مُسْهِرٍ.
3904 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الْحَس أخبرنا عَبْدُ اللّهِ بنِ مَسْلَمَةَ عَن مَالِكِ بنِ أَنَسٍ عَن عَبْدِ اللّهِ بنِ دِينَارٍ عَن ابنِ عُمَرَ "أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْثاً وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ فَطَعَنَ النّاسُ فِي إِمَارَتِهِ فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم "إِنْ تَطْعَنُوا فِي إمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إمْرَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ وَأَيْمُ اللّهِ إنْ كانَ لَخِليقاً للإِمَارَةِ وإِنْ كَانَ مِنْ أحَبّ النّاسِ إِلَيّ
ـــــــ.
زيد صحابي قوله: "أبعث" أي أرسل "زيداً" بدل من أخي "هوذا" هو عائد إلى زيد وذا إشارة إليه أي هو حاضر مخير "لم أمنعه" أي فإني أعتقته "لا أختار عليك" أي على ملازمتك "قال" أي جبلة "فرأيت" أي تعلمت بعد ذلك "رأى أخي" أي زيد "أفضل من رأيي" حيث اختار الملازمة لحضرة المتفرع عليه الدنيا والاَخرة.
قوله: "حدثنا أحمد بن الحسن" بن جنيدب الترمذي "حدثنا عبد الله بن مسلمة" القعنبي "عن عبد الله بن دينار" العدوي. قوله: "بعث بعثاً" أي أرسل جيشاً وهو البعث الذي أمر بتجهيزه في مرض وفاته، وقال أنفذ وأبعث أسامة فأنفذه أبو بكر رضي الله عنه بعده قاله الحافظ "وأمر" بتشديد الميم أي جعل أميراً "فطعن الناس" بفتح العين يقال طعن يطعن بالفتح في العرض والنسب وبالضم بالرمح واليد ويقال هما لغتان فيهما "في إمرته" بكسر الهمزة وسكون الميم أي في إمارته "في إمرة أبيه من قبل" يشير إلى إمارة زيد بن حارثة في غزوة مؤتة، وعند النسائي عن عائشة قالت: ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في جيش قط إلا أمره عليهم "وأيم الله"(10/320)
وإِنّ هَذَا مِنْ أحَبّ النّاسِ إِلَيّ بَعْدَه". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3977 ـ حَدّثَنَا عَلِيّ بنُ حُجرٍ حدثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عَن عَبْدِ اللّهِ بنِ دِينَارٍ عَن ابنِ عُمَرَ س/ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ حَدِيثَ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ
ـــــــ
بهمزة وصل وقيل قطع أي والله "إن" مخففة من الثقيلة أي الشأن "كان" أي أبوه "لخليقاً للإمارة" أي لجديراً وحقيقاً لها لفضله وسبقه وقربه مني "وإن كان" أي أبوه وإن هذه أيضاً مخففة من الثقيلة "وإن هذا" أي أسامة "بعده" أي بعد أبيه زيد بن حارثة، وفيه جواز إمارة المولى وتولية الصغار على الكبار والمفضول على الفاضل لأنه كان في الجيش الذي كان عليهم أسامة أبو بكر وعمر. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "أخبرنا إسماعيل بن جعفر" بن أبي كثير الأنصاري الزرقي.(10/321)
مناقبُ أُسَامَةَ بنِ زَيْدِ رَضِيَ اللّهُ عَنْه
3906 ـ حَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ أخبرنا يُونُسُ بنُ بُكَيْرٍ عَن مُحمّدِ بنِ إِسْحَاقَ عَن سَعِيدِ عن عُبَيْدِ بنِ السّبّاقِ عَن مُحمّدِ بنِ أُسَامَةَ بنِ زَيْد عَن أبيهِ قَالَ "لَمّا ثَقُلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم هَبَطْتُ وَهَبَطَ النّاسُ المَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وقَدْ أصْمَتَ فَلَمْ يَتَكَلّمَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَيّ وَيَرْفَعُهُمَا فَأَعْرِفُ أنّهُ يَدْعُو لِي". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
كان الصحابة يسمونه حب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكسر المهملة أي محبوبه لما يعرفون من منزلته عنده لأن كان يحب أباه قبله حتى تبناه فكان يقال له زيد بن محمد وأمه أم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هي أمي بعد أمي وكان يجلسه على فخذه بعد أن كبره مات بالمدينة سنة أربع وخمسين
قوله: "عن محمد بن إسحاق" هو صاحب المغازي "عن محمد بن أسامة بن زيد" بن حارثة الكلبي المدني ثقة من الثالثة. قوله: "لما ثقل" بضم القاف أي ضعف هبطت أي نزلت من مسكني الذي كان في عوالي المدينة "وهبط الناس" أي الصحابة جميعهم من منازلهم قيل إنما قال هبطت لأنه كان يسكن العوالي والمدينة من أي جهة توجهت إليها صح فيها الهبوط لأنها واقعة في غائط من الأرض ينحدر إليها السيل وأطرافها ونواحيها من الجوانب كلها مستعلية عليها "وقد اصمت" على بناء المفعول من الإصمات يقال اصمت العليل إذا اعتقل لسانه "فأعرف أنه يدعو لي" أي لمحبته.(10/322)
3907 ـ حَدّثَنَا الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ أخبرنا الفَضْلُ بنُ مُوسَى عَن طَلْحَةَ بنِ يَحْيَى عَن عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَن عَائِشَةَ أُمّ المُؤْمِنِينَ قَالَتْ "أرَادَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُنَحىَ مُخَاطَ أُسَامَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ دَعْنِي حَتّى أكون أنَا الّذِي أَفْعَلُ قَالَ يَا عَائِشَةُ أَحِبّيه فَإِنّي أُحِبّهُ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
3908 ـ أخبرنا محمَدُ بنُ الحَسَنِ حدثنا مُوسَى بنُ إِسْمَاعِيلَ حدثنا أَبُو عَوَانَةَ حدثنا عمَرُ بنُ أَبي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عن أبِيهِ أخْبَرَنِي أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ قَالَ "كُنْتُ جَالِساً عند النبيّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ عَلِيّ والعَبّاسُ يَسْتَأْذِنَانِ فَقَالاَ يَا أُسَامَةَ اسْتَأْذِنْ لَنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ عَلِيّ والعَبّاسُ يَسْتَأْذِنَانِ فَقَالَ "أَتَدْرِي مَا جَاءَ بِهِمَا" ؟ قُلْتُ لاَ أدري. فَقَالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم "لَكِنّي أَدْرِي" فأذن لَهُمَا. فَدَخَلاَ فَقَالاَ يَا رَسُولَ اللّهِ جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ أَيّ أَهْلِكَ أحَبّ إلَيْكَ؟ قَالَ فَاطِمَةُ
ـــــــ
قوله: "أخبرنا الفضل بن موسى" السيناني المروزي "عن طلحة بن يحيى" بن طلحة بن عبيد الله التيمي. قوله: "أن ينحي" بتشديد الحاء المكسورة من التنحية أي يزيل "مخاط أسامة" بضم الميم وهو ما يسيل من الأنف "دعني" أي اتركني "أنا الذي أفعل" أي ذلك.
قوله: "أخبرنا أحمد بن الحسن" بن جنيدب الترمذي "أخبرنا موسى بن إسماعيل" المنقري "حدث عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن" بن عوف الزهري المدني. قوله: "كنت جالساً" أي عند باب النبي صلى الله عليه وسلم "يستأذنان" أي يطلبان الإذن في دخولهما "ما جاء بهما" أي ما سبب مجيئهما "ما جئناك(10/323)
بِنتُ مُحمّدٍ فَقَالاَ ما جِئنَاكَ نَسْأَلُكَ عَن أَهْلِكَ قَالَ أَحَبّ أَهْلِي إلَيّ مَنْ قدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ وَأنْعَمْتُ عَلَيْهِ أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، قَالاَ ثُمّ مَنْ؟ قَالَ ثُمّ عَلِيّ بنُ أَبي طَالِبٍ، فَقَالَ العَبّاسُ يَا رَسُولَ اللّهِ جَعَلْتَ عَمّكَ آخِرَهمْ قَالَ لأنّ عَلِيّا قَدْ سَبَقَكَ بالهِجْرَةِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيح وكَانَ شُعْبَةُ يُضَعّفُ عُمَرَ بنَ أبِي سَلَمَةَ.
ـــــــ
نسألك عن أهلك" أي عن أزواجك وأولادك بل نسألك عن أقاربك ومتعلقيك "من قد أنعم الله عليه" أي بالإسلام والهداية "وأنعمت عليه" أي أنا بالعتق والتبني وهذا وإن ورد في حق زيد لكن أبنه تابع له في حصول الإنعامين. قال الطيبي: أي أهلك أحب إليك مطلق ويراد به المقيد أي من الرجال بينه ما بعده وهو قوله أحب أهلي إلي من قد أنعم الله عليه وفي نسخ المصابيح قوله: ما جئناك نسألك عن أهلك مقيد بقوله من النساء وليس في جامع الترمذي وجامع الأصول هذه الزيادة ولم يكن أحد من الصحابة إلا وقد أنعم الله عليه وأنعم عليه رسوله إلا أن المراد المنصوص عليه في الكتاب وهو قوله تعالى {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} وهو زيد لا خلاف في ذلك ولا شك وهو وإن نزل في حق زيد لكنه لا يبعد أن يجعل أسامة تابعاً لأبيه في هاتين النعمتين وحل ما حل من الله تعالى في التنزيل من الإنعام على بني إسرائيل نحو أنعمت عليكم نعم أسداها إلي آبائهم "جعلت عمك آخرهم" أي آخر أهلك "سبقك بالهجرة" أي وكذا بالإسلام فهذا أوجب تقديم الأحبية المترتبة على الأفضلية لا على الأقربية.(10/324)
مناقبُ جَرِيرِ بنِ عَبْدِ اللّهِ البَجَلِيّ رضي اللّهُ عَنْه
3909 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ أخبرنا مُعَاوِيَةُ بنُ عَمْروٍ الأَزدِي، أخبرنا زَائِدَةُ، عَن بَيَانٍ، عَن قَيْسِ بنِ أَبي حَازِمٍ، عَن جَرِيرِ بنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: "مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُنْذُ أَسْلَمْتُ ولاَ رَآنِي إلاّ ضَحِكَ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
مناقبُ جَرِيرِ بنِ عَبْدِ اللّهِ البَجَلِيّ رضي اللّهُ عَنْه
هو جرير بن عبد الله بن جابر بن مالك البجلي وكنيته أبو عمرو نزل الكوفة ثم نزل قرقيسيا وبها مات سنة إحدى وخمسين وكان سيداً مطاعاً مليحاً طوالاً بديع الجمال صحيح الإسلام كبير القدر قال صلى الله عليه وسلم: على وجهه مسحة ملك، وعن عمر رضي الله عنه قال أنه يوسف هذه الأمة، ولما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرمه وبسط له ردءه وقال: "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه". رواه الطبراني في الأوسط من حديث قيس عنه، واختلف في وقت إسلامه والصحيح أنه في سنة الوفود سنة تسع وكان موته سنة خمسين وقيل بعدها.
قوله: "حدثنا معاوية بن عمر" بن المهلب الأزدي المعنى "حدثنا زائدة" بن قدامة "عن بيان" بن بشر. قوله: "ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي ما منعني من الدخول إليه إذا كان في بيته فاستأذنت عليه ولا يلزم منه النظر إلى أمهات المؤمنين "إلا ضحك" وفي الرواية الاَتية إلا تبسم. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجه.(10/325)
3910 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثني مُعَاوِيَة بنُ عَمْروٍ، حدثنا زَائِدَةُ، عَن إسْمَاعِيلَ بنِ أبِي خَالِدٍ، عَن قَيْسٍ، عَن جَرِيرٍ قَالَ: "مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُنْذُ أسْلَمْتُ وَلاَ رَآنِي إلاّ تَبَسّمَ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ.
ـــــــ
قوله: "عن إسماعيل بن أبي خالد" الأحمسي البجلي "عن قيس" هو ابن أبي حازم.(10/326)
مناقب عبد الله بن العباس رضي الله عنهما
...
مناقب عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
3911 ـ حَدّثَنَا بندار و مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ قالاَ: أخبرنا أبُو أحْمَدَ عَن سُفْيَانَ، عَن لَيْثٍ، عَن أبِي جَهْضَمٍ، عَن ابنِ عَبّاس: "أنّهُ رَأَى جِبْرِيلَ عليه السلام مَرّتَيْنِ وَدَعَا لَهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم مَرّتَيْنِ". هَذا حديثٌ مُرْسَلٌ ولا نعرف لأبي جَهْضَمٍ سماعاً، من ابنَ عَبّاسٍ. وقد روى عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس عن ابن عباس وأبو جهضم اسْمُهُ مُوسَى بنُ سَالِمٍ.
ـــــــ
مناقب عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
هو عبد الله بن العباس أي بن عبد المطلب بن هاشم بن عم النبي صلى الله عليه وسلم يكنى ابا العباس ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ومات بالطائف سنة ثمان وستين وكان من علماء الصحابة حتى كان عمر يقدمه مع الأشياخ وهو شاب.
قوله: "أخبرنا أبو أحمد" اسمه محمد بن عبد الله الزبيري "عن سفيان" هو الثوري "عن ليث" هو ابن أبي سليم. قوله: "ودعا له" أي لابن عباس "مرتين" أي مرة بإعطاء الحكمة أو علم الكتاب حين ضمه إلى صدره، ومرة بتعليم الفقه حين خدمه بوضع ماء وضوئه.(10/326)
3912 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ حَاتِمٍ المكتب المُؤَدّبُ أخبرنا القَاسمُ بنُ مَالِكٍ المزَنِيّ، عَن عَبْدِ المَلِكِ بنِ أبي سُلَيْمَانَ، عَن عَطَاءٍ، عَن ابن عَبّاسٍ قَالَ "دَعَا لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُؤْتِيَنِي اللّهُ الحكْمَة مَرّتَيْنِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ عَطاءٍ وَقد رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَن ابنِ عَبّاسٍ.
3913 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا عبْدُ الْوَهّابِ الثّقَفِيّ، عن خَالِدُ الْحَذّاءُ، عَنِ عِكْرِمَةَ عَن ابنِ عّباسٍ قَالَ: "ضَمّنِي إِلَيهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَال "اللّهُمّ عَلّمْهُ الحِكْمَةَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
قوله: "حدثنا قاسم بن مالك المزني" أبو جعفر الكوفي صدوق فيه لين من صغار الثامنة "عن عطاء" هو ابن أبي رباح. قوله: "أن يؤتيني الله الحكم" بضم الحاء وسكون الكاف أي العلم والفقه والقضاء بالعدل، والظاهر أن المراد به هنا الفهم في القرآن. وفي بعض النسخ الحكمة وهي بمعنى الحكم ولها معان أخرى كما ستقف عليها "مرتين" أي دعا لي بهذا مرتين. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه النسائي. قوله: "ضمني" بتشديد الميم أي أخذني "إليه" أي إلى صدره كما في رواية البخاري "اللهم علمه الحكمة" قال الحافظ في الفتح: اختلف الشراح في المراد بالحكمة هنا فقيل القرآن، وقيل العمل به، وقيل السنة، وقيل الإصابة في القول، وقيل الخشية، وقيل الفهم عن الله، وقيل العقل وقيل ما يشهد العقل بصحته، وقيل نور يفرق به بين الإلهام والوسواس، وقيل سرعة الجواب مع الإصابة. وبعض هذه الأقوال ذكرها بعض أهل التفسير في تفسير قوله تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} والأقرب أن المراد بها في حديث ابن عباس الفهم في القرآن انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجه.(10/327)
مناقبُ عَبْدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ رضي اللّهُ عَنْهُمَا
3914 ـ حَدّثَنَا أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ أَخبرنا إسْمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ عَن أيّوبَ عَن نَافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ قَالَ "رَأَيتُ في المَنامِ كَأَنّمَا في يَدِي قِطْعَةُ إِسْتَبْرَقٍ وَلاَ أَشِيرُ بِهَا إلى مَوْضِعٍ مِنَ الجَنّةِ إلاّ طارَتْ بِي إلَيْهِ فَقَصَصْتها عَلَى حَفْصَةَ فَقَصّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ "إِنّ أخَاكَ رَجُلٌ صَالِحٌ أَو إنّ عَبْدَ اللّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ" : هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
مناقبُ عَبْدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ رضي اللّهُ عَنْهُمَا
وهو أحد العبادلة وفقهاء الصحابة والمكثرين منهم، وكان مولده في السنة الثانية أو الثالثة من المبعث لأنه ثبت أنه كان يوم بدر ابن ثلاث عشرة سنة وكانت بدر بعد البعثة بخمس عشرة سنة، مات بمكة في سنة ثلاث وسبعين وعمره ست وثمانون سنة، وقيل كان سبب موته أن الحجاج دس عليه من مس رجله بحربة مسمومة فمرض بها إلى أن مات
قوله: "أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم" المعروف بابن علية "عن أيوب" السختياني. قوله: "قطعة إستبرق" هو الغليظ من الديباج وهو فارسي معرب بزيادة القاف "إلا طارت بي إليه" أي تبلغني إلى ذلك المكان مثل جناح الطائر والباء للتعدية "إن أخاك رجل صالح" الصالح هو القائم بحقوق الله تعالى وحقوق العباد "أو إن عبد الله رجل صالح" أو للشك من الراوي. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي.(10/328)
مناقبُ عَبْدِ اللّهِ بنِ الزّبَيْرِ رضي اللّهُ عَنه
3915 ـ حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بنُ إِسْحَاقَ الْجَوْهَرِيّ حدثنا أَبُو عَاصِمٍ عَن عَبْدِ اللّهِ بنِ المؤَمّلِ عَن ابنِ أبِي مُلَيْكَةَ عَن عَائِشَةَ "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم رَأَى في بَيْتِ الزّبَيْرِ مِصْبَاحاً فَقَالَ يَا عَائِشَةُ "مَا أَرَى أَسْمَاءَ إلاّ قَدْ نُفِسَتْ فَلاَ تُسَمّوهُ حَتّى أُسَمّيَه" فَسَمّاهُ عَبْدَ اللّهِ وَحَنّكَهُ بِتَمْرَةٍ بيده". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
مناقبُ عَبْدِ اللّهِ بنِ الزّبَيْرِ
ابن العوام الأسدي القرشي وهو أول مولود ولد في الإسلام للمهاجرين بالمدينة أول سنة من الهجرة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين قتله الحجاج بن يوسف بمكة وصلبه يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من جمادى الاَخرة سنة ثلاث وسبعين
قوله: "أخبرنا أبو عاصم" النبيل "عن عبد الله بن المؤمل" المخزومي المكي ويقال المدني ضعيف الحديث من السابعة. قوله: "رأى في بيت الزبير" أي ابن العوام "مصباحاً" أي سراجاً "ما أرى" بضم الهمزة وفتح الراء أي ما أظن "أسماء" هي أخت عائشة زوجة الزبير "إلا قد نفست" بضم النون وكسر الفاء وقد يفتح النون أي ولدت وصارت ذات نفاس "فلا تسموه" أي المولود "وحنكه" بتشديد النون يقال حنكت الصبي إذا مضغت تمراً أو غيره ثم دلكته بحنكه.(10/329)
مناقبُ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضيَ اللّهُ عَنه
3916 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَة حدثنا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ عَن الْجعْدِ أبي عُثْمَانَ عَن أنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ "مَرّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعَتْ أُمّي أُمّ سُلَيْمٍ صَوْتَهُ فَقَالَتْ بِأبِي وَأُمّي يَا رَسُولَ اللّهِ أُنَيْسٌ قالَ فَدَعَا لِي رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ دَعَوَاتٍ قَدْ رَأيْتُ مِنْهُنّ اثْنَيْنِ في الدّنْيَا وَأَنَا أَرْجُو الثّالِثَةَ في الاَخِرَةِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
"مناقبُ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضيَ اللّهُ عَنه"
هو أنس بن مالك بن النضر بن ضم بن زيد بن حرام بن جندب أمه أم سليم بنت ملحان، قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهو ابن عشر سنين وانتقل إلى البصرة في خلافة عمر ليفقه الناس بها وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة سنة إحدى وتسعين وله من العمر مائة وثلاث سنين وقيل تسع وتسعون سنة، قال ابن عبد البر وهو أصح ما قيل
قوله: "حدثنا قتيبة" بن سعيد "أخبرنا جعفر بن سليمان" الضبعي البصري "عن الجعد أبي عثمان" هو ابن دينار اليشكري. قوله: "أنيس" بضم الهمزة تصغير أنس أي هذا أنيس "قد رأيت منهن اثنتين في الدنيا" هما كثرة المال وكثرة الولد "وأنا أرجو الثالثة في الاَخرة" هي المغفرة كما بينها سنان بن ربيعة بزيادة وذلك فيما رواه ابن سعد بإسناد صحيح عنه عن أنس قال: "اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره وأغفر ذنبه". قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم.(10/330)
3917 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ أَخبرنا محمدُ بن جَعفر أخبرنا شُعْبَة قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدّثُ عَن أنَسِ بنِ مَالِكٍ عَن أُمّ سُلَيْمٍ أنّهَا قَالَتْ: "يا رَسُولَ اللّهِ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ خَادِمُكَ ادْعُ اللّهَ لَهُ. قالَ: "اللّهُمّ أكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبارِكْ لَهُ فِيمَا أعْطَيْتَهُ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3918 ـ حَدّثَنَا زَيْدُ بنُ أخْزَمَ الطّائِيّ، حدثنا أَبُو دَاودَ، عَن شُعْبَةَ، عن جَابِرٍ، عَنْ أبي نَصْرٍ، عَن أنَسٍ رضي الله عنه قالَ: "كَنّانِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِبَقْلَةٍ كُنْتُ أجْتَنِيها" هَذا حديثٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الْجُعْفِيّ عَن أَبي نَصْرٍ وَأبُو نَصْرٍ هُوَ خَيْثَمَةُ بنُ أَبي خَيْثَمَة البَصْرِيّ رَوَى عَن أنَسٍ أحَادِيثَ.
ـــــــ
قوله: "اللهم أكثر ماله وولده" قال النووي في شرح مسلم: هذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم في إجابة دعائه وفيه فضائل لأنس، وقال الحافظ أما كثرة ولد أنس وماله فوقع عند مسلم في آخر هذا الحديث من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال أنس: فوالله إن مالي لكثير وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم، وتقدم في حديث الطاعون شهادة لكل مسلم في كتاب الطب قول أنس أخبرتني ابنتي أمينة أنه دفن من صلبي إلى يوم مقدم الحجاج البصرة مائة وعشرون. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "حدثنا أبو داود" هو الطيالسي "عن جابر" هو ابن يزيد الجعفي عن أبي نصر اسمه خيثمة بن أبي خيثمة البصري. واسم أبي خيثمة هذا عبد الرحمن. قوله: "كناني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقلة كنت أجتنيها" قال في النهاية أي كناه أبا حمزة، وقال الأزهري البقلة التي جناها أنس كان في طعمها لذع فسميت(10/331)
3919 ـ حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ يَعْقُوبَ،أخبرنا زَيْدُ بنُ حُبَابِ، حدثنا مَيْمُونٌ أبُو عَبْدِ اللّهِ، حدثنا ثَابِتٌ البُنَانِيّ قَالَ: قَالَ لِي أنَسُ بنُ مَالِكٍ: "يَا ثَابِتُ خُذْ عَنّي فَإِنّكَ لَمْ تَأْخُذْ عَن أحَدٍ أَوْثَقَ مِنّي إِنّي أَخَذْتُهُ عَن رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأخَذَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ جِبْرِيلَ وَأخَذَهُ جِبْرِيلُ عَن اللّهِ عَزّ وَجَلّ".
3920 ـ حَدّثَنَا أبُو كُرَيْبٍ أَخبرنا زَيْدُ بنُ حُبَابِ عَن مَيْمُونٍ أبي عَبْدِ اللّهِ عَن ثَابِتٍ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ نَحْوَ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بنِ يَعْقُوبَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ "وَأخَذَهُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عَن جِبْرِيلَ". هَذا حديثٌ حسنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بنِ حُبَابٍ.
3921 ـ حَدّثَنَا محمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أبُو أُسَامَةَ، عَن شَريكٍ،
ـــــــ
حمزة لفعلها يقال رمانة حامزة أي فيها حموضة انتهى. وفي القاموس الحمزة الأسد وبقلة.
قوله: "أخبرنا زيد بن الحباب" هو أبو الحسين العكلي "أخبرنا ميمون أبو عبد الله" هو ميمون بن أبان، قال الحافظ في تهذيب التهذيب: ميمون بن أبان الهذلي ويقال الجشمي أبو عبد الله البصري، روى عن ثابت البناني وروى عنه زيد بن الحباب وأبو عاصم. ذكره ابن حبان في الثقات انتهى. وله "خذ عني" أي خذ علم الكتاب والسنة عني "أوثق مني" صفة لأحد أي أكثر وثوقاً مني، والظاهر أن أنساً قال هذا لثابت حين لم يبق أحد من الصحابة بالبصرة وكان أنس آخر من بقي بها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.(10/332)
عَن عَاصِمٍ الأحْوَلِ، عَن أنَسٍ قالَ: "رُبّمَا قالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا ذَا الأُذُنَيْنِ قالَ أَبُو أُسَامَةَ يَعْنِي يُمَازِحُهُ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صحيحٌ.
3922 ـ حَدّثَنَا محمُودُ بنُ غَيْلاَن حدثنا أَبُو دَاوُدَ، عَن أبي خَلْدَةَ قالَ: "قُلْتُ لأِبي العَالِيَةِ سَمِعَ أنَسٌ مِنَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ خَدَمَهُ عَشْرَ سِنِينَ وَدَعَا لَهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم وكَانَ لَهُ بُسْتَانٌ يَحْمِلُ في السّنَةِ الفَاكِهَةَ مَرّتَيْنِ وكَانَ فِيهَا رَيْحَانٌ كان يجيء منها رِيحَ المِسْك". هَذا حديثٌ حَسن. وأبُو خلدَةَ اسْمُهُ خَادلِدُ بنُ دِينَارٍ وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أهْلِ الْحَدِيثِ وَقَدْ أَدْرَكَ أنَسَ بنَ مَالِكٍ وَرَوَى عَنْهُ.
ـــــــ
قوله: "عن أنس قال ربما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ" تقدم هذا الحديث مع شرحه في باب المزاج من أبواب البر والصلة.
قوله: "سمع أنس من النبي صلى الله عليه وسلم" بحذف حرف الاستفهام أي هل سمع منه "وكان له" أي لأنس "بستان" بالضم معرب بوستان وهي أرض أدير عليها جدار وفيها شجر وزرع "يحمل" أي يثمر "في السنة" أي الواحدة وفي بعض النسخ في كل سنة "مرتين" أي ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ولأبي نعيم في الحلية من طريق حفصة بنت سيرين عن أنس قال: وإن أرضي لتثمر في السنة مرتين وما في البلد شيء يثمر مرتين غيرها "وكان فيها" أي في ذلك البستان وتأنيث الضمير يتأول الحديقة "ريحان" بفتح الراء وسكون التحتية نبات طيب الرائحة "يجد" أي أنس أو يجد واجد، وفي بعض النسخ يجيء. قوله: "هذا حديث حسن غريب" قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث رجاله ثقات.(10/333)
مناقب أَبي هُرَيْرَةَ رضيَ اللّهُ عَنه
3923 ـ حَدّثَنَا أَبُو مُوسَى مُحمّدُ بنُ المُثَنّى، أخبرنا عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ، حدثنا ابنُ أَبي ذِئْبٍ عَن سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ أسْمَعُ مِنْكَ أَشْيَاءَ فَلاَ أَحْفَظُهَا قَالَ "أَبْسُطْ رِدَاءَكَ" فَبَسَطْتُهُ فَحَدّثَ حَدِيثاً كَثِيراً فَمَا نَسِيتُ شَيْئاً حَدّثَنِي بِهِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ قد رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَن أبِي هُرَيْرَةَ.
3924 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ عُمَرَ بنِ عَلِيّ المَقدميّ، حدثنا ابنُ أبي عَدِيّ، عَن شُعْبَةَ، عَن
سِمَاكٍ، عَن أَبِي الرّبِيعِ، عَن أبي هُرَيْرَةَ قالَ: "أَتَيْتُ
ـــــــ
مناقب أَبي هُرَيْرَةَ رضيَ اللّهُ عَنه
تقدم ترجمته في باب فضل الطهور
قوله: "أخبرنا عثمان بن عمر" العبدي البصري "أخبرنا ابن أبي ذئب" اسمه محمد بن عبد الرحمن. قوله: "أسمع منك أشياء" أي كثيرة "فلا أحفظها" وفي رواية البخاري في العلم: إني أسمع منك حديثاً كثيراً أنساه "فبسطته" زاد البخاري فغرف بيديه ثم قال: ضم فضممته فما نسيت شيئاً. قال الحافظ: لم يذكر المغروف منه وكأنها كانت إشارة محضة، وفي الحديث فضيلة ظاهرة لأبي هريرة ومعجزة واضحة من علامات النبوة لأن النسيان من لوازم الإنسان وقد اعترف أبو هريرة بأن كان يكثر منه ثم تخلف عنه ببركة النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري.
قوله: "أخبرنا ابن أبي عدي" اسمه محمد بن إبراهيم "عن سِمَاك" هو ابن(10/334)
النبيّ صلى الله عليه وسلم فَبَسَطْتُ ثَوْبِي عِنْدَهُ ثُمّ أَخَذَهُ فَجَمَعَهُ عَلَى قَلْبِي قالَ فَمَا نَسِيتُ بَعْدَهُ حديثاً. هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوجْهِ.
3925 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا هُشَيْمٌ، حدثنا يَعْلَى بنُ عَطاءٍ، عَن الوَلِيدِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَن ابنِ عَمرَ أنّهُ قالَ لأَبِي هُرَيْرَةَ: "يَا أبَا هُرَيْرَةَ أَنْتَ كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَحْفَظَنَا لِحَدِيثِهِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ.
3926 ـ حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَخبرنا أحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ بن أبي شعبة الْحَرّانِيّ حدثني مُحمّدُ بنُ سَلَمَةَ عَن مُحمّدِ بنِ إسْحَاقَ عَن مُحمّدِ بنِ
ـــــــ
حرب "عن أبي الربيع" المدني مقبول من الثامنة. قوله: "ثم أخذه فجمعه على قلبي" هذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أخذ الرداء وجمعه على قلب أبي هريرة، ولفظ البخاري السابق يدل على أن أبا هريرة هو الذي جمع الرداء وضمه، ويمكن الجمع بأنهما جميعاً جمعا الرداء وضماه على قلبه وإلا فما في الصحيح فهو المقدم.
قوله: "أخبرنا هشيم" هو ابن بشير بن القاسم "أخبرنا يعلى بن عطاء" العامري الليثي الطائفي "عن الوليد بن عبد الرحمن" الجرشي الحمصي. قوله: "كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم" أي كنت أكثرنا لزوماً له صلى الله عليه وسلم منا "وأحفظنا لحديثه" أي أكثر وأقوى حفظاً لحديثه منا. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد.
قوله: "أخبرنا أحمد بن سعيد الحراني" قال الحافظ في تهذيب التهذيب: أحمد بن سعيد الحراني صوابه أحمد بن أبي شعيب الحراني وقع في بعض نسخ الترمذي أحمد بن شعيب فحرفها بعضهم أحمد بن سعيد فنشأ منه هذا الوهم،(10/335)
إِبْرَاهِيمَ عَن مَالِكِ بنِ أبِي عَامِرٍ قالَ "جَاءَ رَجُلٍ إِلى طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللّهِ فَقَالَ يَا أَبَا مُحمّدٍ أَرَأيْتَ هَذَا اليَمَانِيّ ـ يَعْنِي أبَا هُرَيْرَةَ ـ أَهُوَ أعْلَمُ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْكُمْ نَسْمَعُ مِنْهُ ما لا نَسْمَعُ مِنْكُمْ أوْ يَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَقُلْ؟ قَالَ أمّا أنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ نَسْمَعْ عَنْهُ فلا أشك إلا أن سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم تسمع وَذَلِكَ أنّهُ كَانَ مِسْكِيناً لاَ شَيْءَ لَهُ ضَيْفاً لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَدُهُ مَعَ يَدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَكُنّا نَحْنُ أَهْلَ بُيُوتَاتٍ وَغِنًى وَكُنّا نَأْتِي رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَي النّهَارِ فلاَ نَشُكّ إلاّ أَنّهُ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لا نَسْمَع
ـــــــ
وإنما أخرج الترمذي عن الدارمي عنه انتهى. وقال في ترجمة أحمد بن أبي شعيب ما لفظه أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب بن مسلم الحراني أبو الحسن القرشي مولاهم روي عن أبو داود والبخاري والترمذي والنسائي بواسطة والدارمي وغيرهم. قال أبو حاتم ثقة صدوق "أخبرنا محمد بن سلمة" الحراني روى عنه أحمد بن أبي شعيب الحراني وغيره ثقة "عن محمد بن إبراهيم" بن الحارث التيمي "عن مالك بن أبي عامر" الأصبحي. قوله: "يا أبا محمد" كنية طلحة "أرأيت" أي أخبرني "أما أن يكون سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع عنه" الظاهر أن أما بفتح الهمزة وتشديد الميم وأن مصدرية وهي مع ما بعدها مبتدأ والخبر محذوف أي أما كونه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع منه فهو المتعين "يده مع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي كان ملازماً له صلى الله عليه وسلم لا يغيب عنه "وكنا نحن أهل بيوتات" جمع الجمع لبيوت وهو جمع البيت "وغنى" بالجر عطف على بيوتات "طرفي النهار" أي أوله وآخره "لا أشك إلا أنه سمع الخ" الظاهر أن إلا ههنا زائدة كما في قول الشاعر:(10/336)
وَلاَ تَجِدُ أَحَداً فِيهِ خَيْرٌ يَقُولُ عَلَى رسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَقُلْ".
هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ مُحمّدِ بنِ إِسْحَاقَ، وَقد رَوَاهُ يُونُسُ بنُ بُكَيْرٍ وَغَيْرُهُ عن مُحمّدِ بنِ إِسْحَاقَ.
3927 ـ حَدّثَنَا بِشْرُ بنُ آدَمَ بنِ بنت أَزْهَرَ السّمّانُ، أخبرنا عَبْدُ الصّمَدِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ، أَخبرنا أَبُو خَلدَةَ، حدثنا أَبُو الْعَالِيَةِ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ لِيَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "مِمّنْ أَنْتَ" قال قلت: مِنْ دَوْس، قالَ: "مَا كُنْتُ أَرَى أَنّ فِي دَوْسٍ أَحَداً فِيهِ خَيْرٌ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. صحيحٌ وَأَبُو خَلْدَةَ اسْمُهُ خَالِدُ بنُ دِينَارٍ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ اسْمُهُ رفيعٌ.
ـــــــ
حراجيج ما تنفك إلا مناخة
على الخسف أو ترمي بها بلداً قفرا
أي لا شك في أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤيده رواية البخاري في التاريخ وأبي يعلى بلفظ: الله ما لشك أنه سمع ما لم نسمع وعلم ما لم نعلم أو المراد بالشك، الظن أي لا أظن إلا أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه البخاري في التاريخ وأبو يعلى: بلفظ قال: كنت عند طلحة بن عبيد الله فقيل له، ما تدري هذا اليماني أعلم برسول الله منكم، أو هو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل. قال فقال: والله ما نشك أنه سمع ما لم نسمع وعلم ما لم نعلم. إنا كنا أقواماً لنا بيوتات وأهلون وكنا نأتي النبي صلى الله عليه وسلم طرفي النهار ثم نرجع. وكان أبو هريرة مسكيناً لا مال له ولا أهل، إنما كانت يده مع يد النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يدور معه حيثما دار، فما نشك أنه قد سمع ما لم نسمع، قال الحافظ في الفتح: إسناده حسن.
قوله: "قلت من دوس" بفتح الدال المهملة وسكون الواو أبو قبيلة "ما كنت أرى" بضم الهمزة، أي أظن.(10/337)
3928 ـ حَدّثَنَا عِمْرَانُ بنُ مُوسَى الْقَزّازُ، حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ، أَخبرنا المهَاجِرُ عن أَبي الْعَالِيَةِ الرّيَاحِيّ عن أَبي هُرَيْرَةَ، قالَ: "أَتَيْتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بِتَمَرَاتٍ، فَقلت: يَا رَسُولَ اللّهِ ادْعُ اللّهَ فِيهِنّ بِالْبَرَكَةِ فَضَمّهُنّ، ثُمّ دَعَا لِي فِيهِنّ بِالْبَرَكَةِ، فَقَالَ لِي: "خُذْهُنّ فَاجْعَلْهُنّ فِي مِزْوَدِكَ هَذَا أَوْفِي هَذَا المِزْوَدِ كُلّمَا أَرْدَتْ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئاً فَأَدْخِلْ فِيهِ يَدَكَ فَخُذْهُ وَلاَ تَنْثُرْهُ نَثْراً" ، فَقَدْ حَمَلْتُ مِنْ ذَلِكَ التّمْرِ كَذَا، وَكَذَا مِنْ وَسْقٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَكُنّا نَأَكُلُ مِنْهُ وَنُطْعِمُ، وَكَانَ لاَ يُفَارِقُ حِقْوِي حَتّى كَانَ يَوْمُ قَتْلِ عُثْمَانَ فَإِنّهُ انْقَطَعَ".
ـــــــ
قوله: "أخبرنا المهاجر" بن مخلد أبو مخلد مولى البكرات بفتح الموحدة والكاف مقبول من السادسة. قوله: "بتمرات" بفتحات جمع تمرة "فضمهن" أي فأخذهن بيده أو وضع يده عليهن "ثم دعا لي" أي لأجلي خصوصاً "فيهن بالبركة" أي بالبركة فيهن، وكثرة الخير في أكلهن مع بقائهن "قال" أي بطريق الاستئناف "فاجعلهن" أي أدخلهن "في مزودك" بكسر الميم وهو ما يجعل فيه الزاد من الجراب وغيره "أن تأخذ منه" أي من المزود "شيئاً" أي من التمرات "فيه" أي في المزود "فخذه" أي الشيء "ولا تنثره" بضم المثلثة وتكسر ففي القاموس، نثر الشيء ينثره وينثره نثراً ونثاراً: رماه متفرقاً "فقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسق" بفتح الواو وسكون السين. أي ستين صاعاً على ما هو المشهور، أو حمل بعير على ما ذكره في القاموس. قال الطيبي يجوز أن يحمل حملت على الحقيقة، وأن يحمل على معنى الأخذ، أي أخذته مقدار كذا بدفعات انتهى.
قال القاري: والحمل على الحقيقة أولى فإنه أبلغ في المدعي "وكنا" أي أنا وأصحابي "ونطعم" من الإطعام أي غيرنا "وكان" أي المزود "لا يفارق حقوي" أي وسطي، وقيل الحقو الإزار. والمراد هنا موضع شد الإزار، وقال الطيبي: الحقو معقد الإزار وسمي الإزار به للمجاورة "حتى كان يوم" بالرفع على أن كان(10/338)
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقد رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ.
3929 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ المُرَابِطِيّ، أَخبرنا رَوْحُ بنُ عُبَادَة حدثنا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، عن عَبْدِ اللّهِ بنِ رَافِعٍ قالَ: "قُلْتُ لأبِي هُرَيْرَةَ لِمَ كُنّيتَ أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قالَ: أَمَا تَفْرَقُ مِنّي؟ قلت: بَلَى وَاللّهِ إِنّي لأهَابُكَ، قال: كُنْتُ أَرْعَى غَنَمَ أَهْلِي، فَكَانَتْ لِي هُرَيْرَةٌ صَغِيرَةٌ فَكُنْتُ أَضْعُهَا بِاللّيْلِ فِي شَجَرَةٍ، فَإِذَا كَانَ النّهَارُ ذَهَبْتُ بِهَا مَعِي، فَلَعِبْتُ بِهَا فَكَنونِي أَبَا هُرَيْرَةَ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
تامة وجوز نصبه على أن التقدير حتى كان الزمان يوم "قتل عثمان" بصيغة المصدر مضافاً إلى مفعوله أبو بصيغة المجهول. وعثمان نائب الفاعل "فإنه" أي المزود.
قوله: "حدثنا أحمد بن سعيد" الأشقر "المرابطي" كذا وقع في النسخ الحاضرة المرابطي، ووقع في التقريب وتهذيب التهذيب والخلاصة: والرباطي فليحرر. "أخبرنا أسامة بن زيد" الليثي المدني "عن عبد الله بن رافع" كنيته أبو رافع مولى أم سلمة. قوله: "لم" أي لأي شيء "كنيت" بصيغة المجهول من التكنية. يقال كنا يكنى كنية وكنية وكني وتكنية وأكني إكناء زيداً أبا فلان، وكناه أو كناه بأبي فلان إذا سماه به "أما تفرق مني" أي ألا تخاف مني "كانت لي هريرة" تصغير هرة وهي السنور "في شجرة" أي على شجرة "فكنوني أبا هريرة" فيه دلالة على أن أهل أبي هريرة كنوه به، وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناه به، وقد تقدم شيء من الكلام في هذا في باب فضل الطهور.(10/339)
3930- حدثنا قتيبة حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن وهب بن منبه عن أخيه همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال "ليس أحد أكثر حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب وكنت لا أكتب"
ـــــــ
قوله: "عن أبي هريرة قال ليس أحد أكثر حديثاً إلخ" تقدم هذا الحديث مع شرحه في باب الرخصة في كتاب العلم.(10/340)
مناقبُ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبي سُفْيَانَ رضِي اللّهُ عَنْه
3931 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ يَحْيى، حدثنا أَبُو مُسْهِرٍ عبد الأعلى بن مسهر، عن سَعِيدِ بنِ عَبْدِ العَزِيزِ، عن رَبِيعَةَ بنِ يَزِيدَ، عن عَبْدِ الرّحْمَنِ أبي عميرَةَ، وَكَان
ـــــــ
مناقبُ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبي سُفْيَانَ رضِي اللّهُ عَنْه
صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس أسلم قبل الفتح وأسلم أبواه بعده وصحب النبي صلى الله عليه وسلم وكتب له وولي إمرة دمشق عن عمر بعد موت أخيه يزيد بن أبي سفيان سنة تسع عشرة، واستمر عليها بعد ذلك إلى خلافة عثمان ثم زمان محاربته لعلي وللحسن، ثم اجتمع عليه الناس في سنة إحدى وأربعين إلى أن مات سنة ستين فكانت ولايته بين إمارة ومحاربة ومملكة أكثر من أربعين سنة متوالية
قوله: "حدثنا محمد بن يحيى" هو الذهلي "حدثنا أبو مسهر" اسمه عبد الأعلى بن مسهر "عن سعيد بن عبد العزيز" التنوخي الدمشقي ثقة إمام سواه أحمد بالأوزاعي وقدمه أبو مسهر لكنه اختلط في آخر عمره من السابعة "عن ربيعة(10/340)
مِنْ أَصْحَابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ، قال لِمُعَاوِيَةَ: "اللّهُمّ اجْعَلْهُ هَادِياً مَهْدِيّا وَاهْدِ بِهِ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
3932 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ يَحْيى، أَخبرنا عَبْدُ اللّهِ بنُ مُحمّدِ النّفَيْلِيّ حدثنا عَمْرُو بن وَاقِدٍ، عن يُونُسَ بنِ حَلْبَسٍ، عن أَبي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنيّ قال: "لَمّا عَزَلَ عُمَرُ بنُ الْخَطّابِ عُمَيْرَ بنَ سَعْدٍ، عن حِمْصَ وَلّى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ النّاسُ عَزَلَ عُمَيراً وَوَلّى مُعَاوِيَةَ. فَقَالَ: عُمَيرٌ لا تَذْكُرُوا مُعَاوِيَةَ إِلاّ بِخَيْرٍ، فَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: اللّهُمّ اهْدِ بِهِ".
ـــــــ.
بن يزيد" الدمشقي "عن عبد الرحمن بن أبي عميرة" بفتح العين المهملة وكسرة الميم المزني. ويقال الأزدي مختلف في صحبته، سكن حمص كذا في التقريب، وقيل في تهذيب التهذيب: له عند الترمذي حديث واحد في ذكر معاوية. قال الحافظ قال ابن عبد البر: لا تصح صحبته ولا يصح إسناد حديثه انتهى. قوله: "لمعاوية" أي ابن أبي سفيان "اللهم اجعله هادياً" أي للناس أو دالاً على الخير "مهدياً" بفتح الميم وتشديد الياء أي مهتدياً في نفسه "واهد به" أي بمعاوية. قوله: "هذا حديث حسن غريب". قال الحافظ إسناده ليس بصحيح كما عرفت آنفاً في ترجمة عبد الرحمن بن أبي عميرة.
قوله: "حدثنا محمد بن يحيى" الذهلي "حدثنا عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل" بنون وفاء مصغراً، أبو جعفر النفيلي الحراني ثقة حافظ من كبار العاشرة "أخبرنا عمرو بن واقد" الدمشقي أبو حفص مولى قريش متروك من السابعة "عن يونس بن حلبس" بمهملتين في طرف وموحدة وزن جعفر. قوله: "لما عزل عمر بن الخطاب عمير بن سعد" الأنصاري الأوسي صحابي، كان عمر يسميه نسيج وحده بفتح النون وكسر المهملة بعدها تحتانية ساكنة ثم جيم ثم واو مفتوحة ومهملة ساكنة وهي كلمة تطلق على الفائق "عن حمص" كورة بالشام "ولى(10/341)
معاوية" أي ابن أبي سفيان، وحديث عمير بن سعد هذا في سنده عمرو بن واقد الدمشقي وهو متروك كما عرفت. اعلم أنه قد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الإسناد وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما. وقد صنف بأن أبي عاصم جزءاً في مناقبه، وكذلك أبو عمر غلام ثعلب وأبو بكر النقاش، وأورد ابن الجوزي في الموضوعات بعض الأحاديث التي ذكروها ثم ساق عن إسحاق بن راهويه أنه قال: لم يصح في فضائل معاوية شيء. وأخرج ابن الجوزي أيضاً من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي ما تقوله في علي ومعاوية، فأطرق ثم قال: اعلم أن علياً كان كثير الأعداء ففتش أعداؤه له عيباً فلم يجدوا فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطروه كياداً منهم لعلي فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له. كذا في الفتح.(10/342)
مناقبُ عَمْرِو بنِ العَاصِ رَضِيَ اللّهُ عَنْه
3933 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ، أَخبرنا ابنُ لَهِيعَةَ، عن مِشْرَحِ بنِ هَاعَانَ عن عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ قال: قال رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَسْلَمَ النّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بنُ العَاصِ".
ـــــــ
مناقبُ عَمْرِو بنِ العَاصِ
ابن وائل السهمي الصحابي المشهور أسلم عام الحديبية وولي إمرة مصر مرتين وهو الذي فتحها. مات بمصر سنة نيف وأربعين وقيل بعد الخمسين
قوله: "أسلم الناس" التعريف فيه للعهد والمعهود مسلمة الفتح من أهل مكة "وآمن عمرو بن العاص" أي قبل الفتح بسنة أو سنتين طائعاً راغباً مهاجراً(10/342)
هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حدِيثِ ابنِ لَهِيعَةَ، عن مِشْرَحِ وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بالقَوِيّ.
3934 ـ حَدّثَنَا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أَخبرنا أَبُو أُسَامَةَ، عن نَافِعٍ بنِ عُمَرَ الْجُمَحِي، عن ابنِ أَبي مُلَيْكَةَ، قالَ: قالَ طَلْحةُ بنُ عُبَيْدِ اللّهِ سَمِعْتُ رسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إنّ عَمْرَو بنَ العَاصِ مِنْ صَالحِي قُرَيْشٍ" .
هَذا حديثٌ إنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ نَافِعِ بنِ عُمَرَ الْجُمَحِي وَنَافِعٌ ثِقَةٌ، وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِمُتّصِلٍ. وابنُ أَبي مُلَيْكَةَ لَمْ يُدْرِكْ طَلْحَةَ.
ـــــــ
إلى المدينة، فقوله صلى الله عليه وسلم هذا تنبيه على أنهم أسلموا رهبة وآمن عمرو رغبة، فإن الإسلام يحتمل أن يشوبه كراهة والإيمان لا يكون إلا عن رغبة وطواعية. ذكره الطيبي وغيره. وقال ابن الملك: إنما خصه بالإيمان رغبة لأنه وقع إسلامه في قلبه في الحبشة حين اعترف النجاشي بنبوته، فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً من غير أن يدعوه أحد إليه، فجاء إلى المدينة في الحال ساعياً فآمن. أمره النبي صلى الله عليه وسلم على جماعة فيهم الصديق والفاروق، وذلك لأنه كان مبالغاً قبل إسلامه في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وإهلاك أصحابه فلما آمن أراد صلى الله عليه وسلم أن يزيل عن قلبه أثر تلك الوحشة المتقدمة حتى يأمن من جهته، ولا ييأس من رحمة الله تعالى.
قوله: "وليس إسناده بالقوي" لضعف ابن لهيعة.
قوله: "حدثنا إسحاق بن منصور" هو الكوسج "أخبرنا أبو أسامة" اسمه حماد بن أسامة.
قوله: "من صالحي قريش" أي من خيارهم والصالح من يؤدي فرائض الله وحقوق الناس.(10/343)
مناقبُ خَالِدِ بنِ الوَلِيدِ رضي اللّهُ عَنْه
3935 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ عن هِشَامٍ بنِ سَعْدٍ عن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ عن أَبي هُرَيْرَةَ، قالَ: "نَزَلْنَا مَعَ رسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْزِلاً، فَجَعَلَ النّاسُ يَمُرّونَ، فَيَقُولُ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ هَذَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ"؟ فَأَقُولُ فُلاَنٌ، "فَيَقُولُ نِعْمَ عَبْدُ اللّهِ هَذَا". ويَقُولُ مَنْ هَذَا؟ فَأَقُولُ فُلاَنٌ، فَيَقُولُ: "بِئْسَ عَبْدُ اللّهِ هَذَا" . حَتّى مَرّ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ، فَقَالَ: "مَنْ هَذَا؟" فَقُلْتُ هَذَا خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ قالَ: "نِعْمَ
ـــــــ
مناقبُ خَالِدِ بنِ الوَلِيدِ
ابن المغيرة بن عبد الله عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر جميعاً في مرة بن كعب يكنى أبا سليمان، وكان من فرسان الصحابة أسلم بين الحديبية والفتح وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم عدة مشاهد ظهرت فيها نجابته، ثم كان قتل أهل الردة على يديه، ثم فتوح البلاد الكبار، ومات على فراشه سنة إحدى وعشرين وبذلك جزم ابن نمير، وذلك في خلافة عمر بحمص، ونقل عن دحيم أنه مات بالمدينة وغلطوه
قوله: "فجعل الناس يمرون" أي علينا من كل جانب "فأقول فلان" أي اسميه به "ويقول" أي في مار غيره "فيقول بئس عبد الله هذا" وهذا من باب ما روى أبو يعلى وغيره مرفوعاً: "اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس". "حتى من خالد بن الوليد" أي استمر هذا السؤال والجواب حتى مر خالد "قلت هذا خالد بن الوليد" ، وفي هذا إشعار بأنه صلى الله عليه وسلم، كان في خيمة(10/344)
عَبْدُ اللّهِ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللّهِ".
هَذا حديثٌ غريبٌ. ولاَ نَعْرِفُ لزِيْدِ بنِ أَسْلَمَ سَمَاعاً مِنْ أَبي هُرَيْرَةَ وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ عِنْدِي
وفي البابِ عن أَبي بَكْرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
ـــــــ
وأبو هريرة خارجها، وإلا فمثل خالد بن الوليد لا يخفى عليه صلى الله عليه وسلم "نعم عبد الله" أي هذا "خالد بن الوليد" مبتدأ "سيف من سيوف الله" خبره أو التقدير نعم عبد الله خالد بن الوليد هو سيف من سيوف الله. والجملة على التقديرين مبينة لسبب المدح. قال القاري: أي كيف سله الله على المشركين، وسلطه على الكافرين أو ذو سيف من سيوف الله عز وجل حيث يقاتل مقاتلة شديدة في سبيله مع أعداء دينه انتهى. وقال المناوي: أي هو في نفسه كالسيف في إسراعه لتنفيذ أوامر الله تعالى لا يخاف فيه لومة لائم.
قوله: "وفي الباب عن أبي بكر الصديق" أخرجه أحمد عنه قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد وسيف من سيوف الله سله الله عز وجل على الكفار والمنافقين، وقد ورد في كون خالد بن الوليد سيف من سيوف الله أحاديث أخرى منها حديث أنس بن مالك عند البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: "أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة، فأصيب" وعيناه تذرفان "حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم".(10/345)
مناقب سَعْدِ بنِ مُعَاذِ رضي اللّهُ عَنه
3936 ـ حَدّثَنَا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، أَخبرنا وَكِيعٌ عن سُفْيَانُ عن أبي إِسْحَاقَ، عن البَرَاءِ قالَ: "أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ثَوْبٌ حَرِير فَجَعَلُوا يَعْجَبُونَ مِنْ لِينِهِ، فَقَالَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَتَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا؟ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بن مُعَاذٍ في الْجَنّةِ أَحْسَنُ مِنْ
ـــــــ
مناقب سَعْدِ بنِ مُعَاذِ
ابن النعمان بن امرئ القيس بن عبد الأشهل الأنصاري الأوسي، ثم الأشهلي وهو كبير الأوس كما أن سعد بن عبادة كبير الخزرج. أسلم على يد مصعب بن عمر لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يعلم المسلمين. فلما أسلم قال لبني عبد الأشهل: كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تسلموا فأسلموا فكان من أعظم الناس بركة في الإسلام وشهد بدراً بلا خلاف فيه، وشهد أحداً والخندق ورماه يومئذ حبان بن العراقة في أكحله فعاش شهراً، ثم تنفض جرحه فمات منه، وكان موته بعد الخندق بشهر، وبعد قريظة بليال
قوله: "أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثوب حرير" بصيغة المجهول والذي أهداه له أكيدر درمة كما بينه أنس في حديثه عند البخاري في باب قبول الهدية من المشركين "أتعجبون من هذا" أي تعجبون من لين هذا "لمناديل سعد بن معاذ" جمع منديل وهو الذي يحمل في اليد، وقال ابن الأعرابي وغيره هو مشتق من الندل وهو النقل لأنه ينقل من واحد إلى واحد، وقيل: من الندل وهو الوسخ لأنه يندل به، إنما ضرب المثل بالمنديل لأنها ليست من علية الثياب بل هي تتبدل في أنواع من المرافق يتمسح بها الأيدي وينفض بها الغبار عن البدن(10/346)
هَذَا": وفي البابِ عن أَنَسِ. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
3937 ـ حَدّثَنَا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، أَخبرنا عبدُ الرّزّاقِ، أخبرنا ابنُ جُرَيْجٍ، أخبرني أبو الزّبَيْرِ، أَنّهُ سَمِعَ جابرَ بنَ عبدِ اللّهِ يقولُ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: وَجَنَازَةُ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: "اهْتَزّ لَهُ عَرْشُ الرّحْمَنِ". وفي البابِ عن أُسَيْدِ بنِ حُضَيْرٍ وَأَبي سَعِيدٍ
ـــــــ
ويعطى بها ما يهدى، وتتخذ لفائف للثياب، فصار سبيلها سبيل الخادم وسبيل سائر الثياب سبيل المخدوم، فإذا كان أدناها هكذا فما ظنك بعليتها، فإن قلت: ما وجه تخصص سعد به؟ قلت: لعل منديله كان من جنس ذلك الثوب لوناً، ونحوه أو كان الوقت يقتضي استمالة سعد، أو كان اللامسون المتعجبون من الأنصار، فقال منديل: سيدكم خير منه، أو كان سعد يحب ذلك الجنس من الثياب.
قوله: "وفي الباب عن أنس" أخرجه الترمذي في أوائل أبواب اللباس.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "وجنازة سعد بن معاذ بين أيديهم" أي قدامهم والواو للحال "اهتز له" أي لموت سعد بن معاذ كما في رواية الشيخين. قال النووي: اختلف العلماء في تأويله، فقالت: طائفة هو على ظاهره واهتزاز العرش تحركه فرحاً بقدوم روح سعد وجعل الله تعالى في العرش تمييزاً حصل به هذا، ولا مانع منه كما قال تعالى {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} وهذا القول هو ظاهر الحديث وهو المختار. وقال آخرون: المراد اهتزاز أهل العرش وهم حملته وغيرهم من الملائكة فحذف للمضاف، والمراد بالاهتراز الاستبشار والقبول، ومنه قول العرب: فلان يهتز المكارم لا يريدون اضطراب جسمه وحركته، وإنما يريدون ارتياحه إليها وإقباله عليها. وقال الحربي: هو كناية عن تعظيم شأن وفاته، والعرب تنسب الشيء المعظم إلى أعظم الأشياء، فيقولون أظلمت لموت فلان الأرض، وقامت له القيامة، وقال جماعة المراد اهتزاز سرير الجنازة، وهو النعش وهذا القول باطل(10/347)
وَرُمَيْثَةَ. هَذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
3938 ـ حَدّثَنَا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أَخبرنا عبدُ الرّزّاقِ، أخبرنا مَعْمَرٌ عن قَتَادَةَ عن أَنَسِ بن مالك قال: "لَمّا حُمِلَتْ جَنَازَةُ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ قال المُنَافِقُونَ: ما أَخَفّ جَنَازَتَهُ؟ وَذَلِكَ لِحُكْمِهِ في بَنِي قُرَيْظَةَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: "إِنّ المَلاَئِكَةَ كَانَتْ تَحْمِلُهُ". هَذا حديثٌ صحيحٌ غَرِيبٌ
ـــــــ
يرده صريح هذه الروايات التي ذكرها مسلم: اهتز لموته عرش الرحمَن، وإنما قال هؤلاء هذا التأويل لكونهم لم تبلغهم هذه الروايات التي في مسلم انتهى.
قوله: "وفي الباب عن أسيد بن خضير وأبي سعيد ورميثة" قال العيني: قد روى اهتزاز العرش لسعد بن معاذ عن جماعة غير جابر منهم أبو سعيد الخدري وأسيد بن حضير ورميثة، وأسماء بنت يزيد بن السكن وعبد الله بن بدر وابن عمر بلفظ: اهتز العرش فرحاً بسعد. ذكرها الحاكم وحذيفة بن اليمان وعائشة عند ابن سعد والحسن ويزيد بن الأصم مرسلاً وسعد بن أبي وقاص في كتاب أبي عروبة الحراني انتهى. وقال الحافظ: قد جاء حديث اهتزاز العرش لسعد بن معاذ عن عشرة من الصحابة وأكثر انتهى.
قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "لما حملت جنازة سعد بن معاذ" أي لما حملها الناس ورأوها خفيفة "ما أخف جنازته" ما للتعجب "وذلك" أي استخفافه واستحقاره "لحكمه في بني قريظة" أي بأن تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم فنسبه المنافقون إلى الجور والعدوان وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالإصابة في حكمه "فبلغ ذلك" أي كلامهم "إن الملائكة كانت تحمله" أي ولذا كانت جنازته خفيفة على الناس، قال الطيبي: كانوا يريدون بذلك حقارته وازدراءه، فأجاب صلى الله عليه وسلم بما يلزم من تلك الخفة تعظيم شأنه وتفخيم أمره.(10/348)
مناقبُ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْه
3939 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ مَرْزُوقٍ الْبَصْرِيّ، أَخبرنا مُحمّدُ بنُ عبدِ اللّهِ الأنْصَارِيّ، حدثني أَبي عن ثُمَامَة عن أَنَسٍ قال: "كَانَ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ منَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشّرَطِ مِنَ الأمِيرِ. قال الأنْصَارِيّ: يَعْنِي مِمّا يَلِي مِنْ أُمُورِهِ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حديثِ الأنصاريّ.
ـــــــ
مناقبُ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ
يكنى أبا عبد الله الأنصاري الخزرجي كان من كرام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أحد الفضلاء الأجلة وأهل الرأي والمكيدة في الحرب، وكان شريف قومه، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة مكان صاحب الشرطة من الأمراء، وكان والياً لعلي بن أبي طالب على مصر، ولم يفارق علياً إلى أن قتل ومات بالمدينة سنة ستين
قوله: "حدثني أبي" أي عبد الله بن المثنى بن عبد الله الأنصاري "عن ثمامة" بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري. قوله: "بمنزلة صاحب الشرط" بضم شين وفتح راء جمع الشرط بضم فساكن وهو سر هنك، وكان قيس نصبه النبي صلى الله عليه وسلم ليحبس واحداً أو يضرب آخر ويأخذ ثالثاً. قاله في المجمع وفيه أيضاً صاحب الشرط هم أول الجيش ممن يتقدم بين يدي الأمير لتنفيذ أوامره انتهى.
وقال في القاموس: الشرطة بالضم، واحد الشرط كصرد، وهم أول كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت وطائفة من أعوان الولاة معروفون سموا بذلك لأنهم أعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها انتهى "قال الأنصاري" هو محمد بن عبد الله الأنصاري "يعني مما يلي من أموره" أي إنما كان قيس بن سعد منه صلى الله(10/349)
4012 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ يَحْيىَ، اخبرنا الأنْصَارِيّ نَحْوَهُ. ولم يَذكُرْ فِيهِ قَوْلَ الأنْصَارِيّ.
ـــــــ
عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرط من الأمير، لأجل أنه كان يلي من أموره صلى الله عليه وسلم.
قوله: "حدثنا محمد بن يحيى" الإمام الذهلي "أخبرنا الأنصاري" هو محمد بن عبد الله المذكور "لم يذكر" أي محمد بن يحيى.(10/350)
مناقب جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُما
3941 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أَخبرنا عبدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ، أَخبرنا سُفْيَانُ، عن مُحمّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عن جابرِ بنِ عبدِ اللّهِ قال: "جاءَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بِرَاكِبِ بَغْلٍ ولا بِرْذَوْنٍ".
ـــــــ
مناقب جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ
كنيته أبو عبد الله الأنصاري السلمي من مشاهير الصحابة وأحد المكثرين من الرواية، شهد بدراً وما بعدها مع النبي صلى الله عليه وسلم ثماني عشرة غزوة وقدم الشام ومصر، وكف بصره في آخر عمره، وروى عنه خلق كثير، مات بالمدينة سنة أربع وسبعين، وله أربع وتسعون، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة في قول
قوله: "جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم" زاد البخاري: يعودني "ليس براكب بغل ولا برذون" جملة حالية، والبرذون بكسر الموحدة وسكون الراء(10/350)
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3942 ـ حَدّثَنَا ابْنُ أَبي عُمَرَ، أَخبرنا بِشْرُ بنُ السرّيّ عن حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ، عن أَبي الزّبَيْرِ، عن جابر قال: "اسْتَغْفَرَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْبَعِيرِ خَمْساً وَعِشْرِينَ مَرّةً".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صحيحٌ. وَمَعْنَى قوله: لَيْلَةِ الْبَعِيرِ ما رُوِيَ عن جابر من غيرِ وَجْهٍ عن جابرٍ أَنّهُ كَانَ مَعَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ فَبَاعَ بَعِيرَهُ مِنَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَاشْتَرَطَ ظَهْرَهُ إِلَى المَدِينَةِ، يقولُ جابرٌ: لَيْلَةَ بِعْتُ مِنَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم الْبَعِيرَ اسْتَغْفَرَ لِي خَمْساً وَعِشْرِينَ مَرّةً.
ـــــــ
وفتح الذال المعجمة الدابة، وخصه العرب بنوع من الخيل، والبراذين جمعه. وقال الطيبي: هو التركي من الخيل خلاف العراب.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
قوله: "حدثنا ابن أبي عمر" اسمه محمد بن يحيى "عن أبي الزبير" المكي اسمه محمد بن مسلم بن تدرس. قوله: "استغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة" البعير أي ليلة باع جابر بعيره من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: "هذا حديث حسن غريب صحيح" وأخرجه النسائي "ومعنى ليلة البعير ما روى من غير وجه عن جابر، أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم إلخ" حديث جابر هذا أخرجه الشيخان مطولاً وأخرجه الترمذي مختصراً في باب اشتراط الدابة عند البيع "يقول جابر ليلة بعت من النبي صلى الله عليه وسلم البعير استغفر لي خمساً وعشرين مرة" ، وفي رواية ابن ماجه من طريق أبي نضرة عن جابر فقال: أتبيع ناضحك هذا، والله يغفر لك. زاد النسائي من هذا الوجه وكانت كلمة تقولها العرب، افعل كذا والله يغفر لك. ولأحمد: قال سليمان يعني(10/351)
وكان جابرٌ قد قُتِلَ أَبُوهُ عبدُ اللّهِ بنِ عَمْرِو بنِ حَرَامٍ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ بَنَاتٍ، فكانَ جابرٌ يَعُولُهُنّ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِنّ، وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يَبَرّ جابراً ويَرْحَمُهُ لسبب ذَلِكَ. هكَذَا رُوِيَ في حديثٍ عن جابِرٍ نحْو هذا.
ـــــــ
بعض رواته فلا أدري كم من مرة، يعني قال له والله يغفر لك. وللنسائي من طريق أبي الزبير عن جابر، استغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البعير خمساً وعشرين مرة. كذا في الفتح "وترك بنات" أي تسعاً "يعولهن" من عال رجل عياله يعولهم إذ قام بما يحتاجون إليه من ثوب وغيره "يبر جابراً" أي يحسن إليه من البر وهو الصلة والجنة والخير والاتساع في الإحسان من باب، علم وضرب.(10/352)
مناقب مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْه
3943 ـ حَدّثَنَا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، أَخبرنا أَبو أَحْمَدَ، أَخبرنا سُفْيَانُ عن الأعْمَشِ عن أَبي وَائِلٍ عن خَبّابٍ قال: "هَاجَرْنَا مَعَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نَبْتَغِي وَجْهَ اللّهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللّهِ، فَمِنّا مَنْ مَاتَ ولَم يأْكُلْ
ـــــــ
"مناقب مُصْعَبِ"
بضم الميم وسكون الصاد وفتح العين المهملتين "بن عمير" بالتصغير القرشي العدوي كان من أجلة الصحابة وفضلائهم، هاجر إلى أرض الحبشة في أول من هاجر إليها، ثم شهد بدراً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه بعد العقبة الثانية إلى المدينة يقرئهم القرآن ويفقههم في الدين، وهو أول من جمع الجمعة بالمدينة قبل الهجرة، وكان في الجاهلية من أنعم الناس عيشاً وألينهم لباساً، فلما أسلم زهد في الدنيا، فتخشف جلده تخشف الحية، وقيل إنه بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد أن بايع العقبة الأولى، فكان يأتي الأنصار في دورهم ويدعوهم إلى الإسلام فيسلم الرجل والرجلان، حتى فشا الإسلام فيهم، فكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه أن يجمع بهم فأذن له، ثم قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع السبعين الذين قدموا عليه في العقبة الثانية، فأقام بمكة قليلاً ثم عاد إلى المدينة قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أول من قدمها، وقتل يوم أحد شهيداً وله أربعون سنة أو أكثر، وفيه نزل: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} وكان إسلامه بعد دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم
قوله: "أخبرنا أبو أحمد" اسمه محمد بن عبد الله الزبيري "عن أبي وائل" هو شقيق بن سلمة، قوله: "هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم" أي بأمره(10/353)
مِنْ أَجْرِهِ شَيْئاً، وَمِنّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا، وَإِنّ مُصْعَبَ بنَ عُمَيْرٍ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ إِلاّ ثَوْباً كَانُوا إِذَا غَطّوا بِهِ رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ،
ـــــــ
وإذنه أو المراد بالمعية الاشتراك في حكم الهجرة إذ لم يكن معه حساً إلا الصديق وعامر بن فهيرة "نبغي وجه الله" أي جهة ما عنده من الثواب لا جهة الدنيا "فوقع أجرنا على الله" أي إنابتنا وجزاءنا، وفي رواية: فوجب أجرنا على الله، وإطلاق الوجوب على الله بمعنى إيجابه على نفسه بوعده الصادق وإلا فلا يجب على الله شيء "لم يأكل من أجره شيئاً" كناية عن الغنائم التي تناولها من أدرك زمن الفتوح، وكأن المراد بالأجر ثمرته فليس مقصوراً على أجر الاَخرة.
قال الحافظ في الفتح: هذا مشكل على ما تقدم من تفسير ابتغاء وجه الله، ويجمع بأن إطلاق الأجر على المال في الدنيا بطريق المجاز بالنسبة لثواب الاَخرة وذلك أن القصد الأول هو ما تقدم، لكن منهم من مات قبل الفتوح كمصعب بن عمير، ومنهم من عاش إلى أن فتح عليهم ثم انقسموا، فمنهم من أعرض عنه وواسى به المحاويج أولاً فأولاً، بحيث بقي على تلك الحالة الأولى وهم قليل. منهم أبو ذر وهؤلاء ملتحقون بالقسم الأول، ومنهم من تبسط في بعض المباح فيما يتعلق بكثرة النساء والسراري أو الخدم والملابس ونحو ذلك ولم يستكثر وهم كثيراً. ومنهم ابن عمر، ومنهم من زاد فاستكثر بالتجارة وغيرها مع القيام بالحقوق الواجبة والمندوبة وهم كثير أيضاً، منهم عبد الرحمن بن عوف، وإلى هذين القسمين أشار خباب. فالقسم الأول والملتحق به توفر له أجره في الاَخرة، والقسم الثاني مقتضى الخبر أنه يحسب عليهم ما وصل إليهم من مال الدنيا من ثوابهم في الاَخرة، ويؤيده ما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمر ورفعه: "ما من غازية تغزو فتغنم وتسلم إلا تعجلوا ثلثي أجرهم" الحديث. ومن ثم آثر كثير من السلف قلة المال وقنعوا به إما ليتوفر لهم ثوابهم في الاَخرة، وإما ليكون أقل لحسابهم عليه انتهى.
"ومنا من أينعت" بفتح الهمزة وسكون التحتانية وفتح النون والمهملة أي أدركت ونضجت، يقال أينع الثمر يونع وينع وينيع فهو مونع ويانع: إذا أدرك ونضج(10/354)
وَإِذَا غَطى بِهَا رِجْلاه خَرَجَ رَأْسُهُ، فقال رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "غَطّوا رَأْسَهُ وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ الاْذْخِرَ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3944 ـ حَدّثَنَا هَنّادٌ، أَخبرنا ابنُ إدْرِيسَ، عن الأعمَشِ، عن أَبي وَائِلٍ شقيق بن سلمة، عن خَبّابِ بنِ الأرَتّ نحْوَهُ.
ـــــــ
"فهو يهدبها" بكسر الدال وضمها، أي يقطعها ويجتنيها من هدب الثمرة إذا اجتناها. وحكى ابن التين تثليث الدال "وإن مصعب بن عمير مات" وعند البخاري في الرقاق: منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد. وكذا عند مسلم في الجنائز "الإذخر" بكسر الهمزة والخاء وهو حشيش معروف طيب الرائحة.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي.
قوله: "أخبرنا ابن إدريس" اسمه عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي.(10/355)
مناقبُ الْبَرَاءِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْه
3945 ـ حَدّثَنَا عبدُ اللّهِ بنِ أَبي زِيَادٍ، حدثنا سَيّارٌ، حدثنا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمانَ، حدثنا ثَابِتٌ وَعَلِيّ بنُ زَيْدٍ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قال: قال رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لا يُؤْبَهُ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللّهِ لأَبَرّهُ، مِنْهُمْ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
ـــــــ
"مناقبُ الْبَرَاءِ بنِ مَالِكٍ"
ابن النضر بن ضميم هو أخو أنس لأبيه وأمه شهد أحداً وما بعدها مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان شجاعاً قتل مائة مبارزة كذا في التلقيح
قوله: "حدثنا عبد الله بن أبي زياد" القطواني "حدثنا سيار" بن حاتم العنزي أبو سلمة البصري "حدثنا جعفر بن سليمان" الضبعي البصري "حدثنا ثابت" هو البناني "وعلي بن زيد" هو ابن جدعان.
قوله: "كم من أشعث" أي متفرق شعر الرأس "أغبر" أي مغبر البدن "ذي طمرين" بكسر فسكون. أي صاحب ثوبين خلقين "لا يؤبه له" بضم الياء وسكون واو، وقد يهمز وفتح موحدة وبهاء، أي لا يبالي به ولا يلتفت إليه، يقال ما وبهت له بفتح الباء وكسرها وبهاء وبها بالسكون والفتح، وأصل الواو الهمزة كذا في النهاية. قال ابن الملك "كم" خبرية مبتدأ ومن مبين لها وخبره لا يؤبه. وقال القاري: الظاهر أن الخبر هو قوله: "لو أقسم على الله لأبره" أي لأمضاه على الصدق وجعله باراً في الخلق "منهم البراء بن مالك" فيه فضيلة ظاهرة للبراء بن مالك.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة والضياء.(10/356)
مناقب أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْه
3946 ـ حَدّثَنَا مُوسَى بنُ عبدِ الرّحمَنِ الْكِنْدِيّ، أَخبرنا أبو يَحْيىَ الحِمّانيّ عن بُرَيْدِ بنِ عبدِ اللّهِ بنِ أَبي بُرْدَةَ، عن أَبي بُرْدَةَ، عن أبي مُوسَى عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قال: "يَا أَبَا مُوسَى لَقَدْ أُعْطِيتَ مِزمَاراً مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ". هَذا حديثٌ غَرِيبٌ حسن صحيح.
وفي البابِ عن بُرَيْدَةَ وأبي هُرَيْرَةَ وأنسٍ.
ـــــــ
"مناقب أَبِي مُوسَى"
اسمه عبد الله بن قيس أسلم بمكة وهاجر إلى أرض الحبشة ثم قدم مع أهل السفينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، ولاه عمر بن الخطاب البصرة سنة عشرين فافتتح أبو موسى الأهواز ولم يزل على البصرة إلى صدر من خلافة عثمان ثم عزل عنها فانتقل إلى الكوفة فأقام بها، وكان والياً على أهل الكوفة إلى أن قتل عثمان ثم انقبض أبو موسى إلى مكة بعد التحكيم فلم يزل بها إلى أن مات سنة اثنتين وخمسين
قوله: "لقد أعطيت" بصيغة المجهول "مزماراً" بكسر الميم أي صوتاً حسناً ولحناً طيباً. قال الحافظ: المراد بالمزمار الصوت الحسن وأصله الاَلة أطلق اسمه على الصوت للمشابهة "من مزامير آل داود" أي من ألحانه. قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء المراد بالمزمار هنا الصوت الحسن وأصل الزمر الغناء وآل داود هو داود نفسه، وآل فلان قد يطلق على نفسه، وكان داود صلى الله عليه وسلم حسن الصوت جداً انتهى. والحديث رواه الترمذي هكذا مختصراً ورواه أبو يعلى من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه بزيادة فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم(10/357)
وعائشة مرا بآل موسى وهو يقرأ في بيته فقاما يستمعان لقراءته. ثم إنهما مضيا فلما أصبح لقي أبو موسى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أبا موسى مررت بك" فذكر الحديث: فقال أما لو علمت بمكانك لحبرته لك تحبيراً. قوله: "هذا حديث غريب حسن صحيح" وأخرجه الشيخان. قوله: "وفي الباب عن بريدة وأبي هريرة وأنس" أما حديث بريدة فأخرجه أحمد في مسنده وفيه أن الأشعري أو أن عبد الله بن قيس أعطي مزماراً من مزامير داود. "وأما حديث أبي هريرة فأخرجه النسائي" وأما حديث أنس فأخرجه ابن سعد بإسناد على شرط مسلم: أن أبا موسى قام ليلة يصلي فسمع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم صوته وكان حلو الصوت فقمن يستمعن، فلما أصبح، قيل له فقال: لو علمت لحبرته لهن تحبيراً. كذا في الفتح.(10/358)
مناقبُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْه
3947 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ عبدِ اللّهِ بنِ بزيْعٍ، أَخبرنا الْفُضَيْلُ بنُ سُلَيْمَانَ، حدثنا أبو حازِمٍ عن سَهْلِ بن سَعْدٍ قال: "كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَحْفرُ الْخَنْدَقَ وَنَحْنُ نَنْقُلُ التّرَابَ فيمر بِنَا فقالَ:
ـــــــ
"مناقبُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ"
ابن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي يكنى أبا العباس وكان اسمه حزناً فسماه النبي صلى الله عليه وسلم سهلاً، مات النبي صلى الله عليه وسلم وله خمس عشرة سنة، ومات سهل بالمدينة سنة إحدى وتسعين وقيل ثمان وثمانين وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة
ـ قوله: "حدثنا الفضيل بن سليمان" النميري. قوله: "وهو يحفر الخندق"(10/358)
"اللّهُمّ لاَ عَيْشَ إِلاّ عَيْشَ الاَخِرَةِ، فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرَةِ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وأبو حازِمٍ اسْمُهُ سَلَمَةُ بنُ دِينَارٍ الأعْرَجُ الزّاهِدُ.
3948 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ عن قَتَادَةَ، عن أَنَسِ بن مَالِكٍ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يقولُ: "اللّهُمّ لاَعَيْشَ إِلاّ عَيْشَ الاَخِرَةِ فَأَكْرِمِ الأَنْصَارَ وَالمُهَاجِرَةَ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ وقد رُوِيَ من غيرِ وَجْهٍ عن أَنَسٍ
ـــــــ
أي حول المدينة "اللهم لا عيش إلا عيش الاَخرة" أي لا عيش باق ولا عيش مطلوب إلا عيش الاَخرة "فاغفر للأنصار والمهاجرة" وفي رواية الشيخين: فاغفر للمهاجرين والأنصار. وكلاهما غير موزون ولعله صلى الله عليه وسلم تعمد ذلك كذا في الفتح. وفيه قال ابن بطال: هو قول ابن رواحة يعني تمثل به النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن من لفظه لم يكن بذلك النبي صلى الله عليه وسلم شاعراً. قال وإنما يسمى شاعراً من قصده وعلم السبب والوتد وجميع معانيه من الزحاف ونحو ذلك كذا قال. وعلم السبب والوتد إلى آخره إنما تلقوه من العروض التي اخترع ترتيبها الخليل بن أحمد، وقد كان شعر الجاهلية والمخضرمين والطبقة الأولى والثانية من شعراء الإسلام قبل أن يصنفه الخليل، كما قال أبو العتاهية: أنا أقدم من العروض. يعني أنه نظم الشعر قبل وضعه. وقال أبو عبد الله بن الحجاج الكاتب:
قد كان شعر الورى قديماً ... من قبل أن يخلق الخليل.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه الشيخان والنسائي.
قوله: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول الخ" وفي رواية البخاري(10/359)
من طريق أبي إسحاق عن حميد عن أنس يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال:
اللهم إن العيش عيش الاَخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة
فقالوا مجيبين له:
نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا
قال الحافظ: وفيه أن في إنشاد الشعر تنشيطاً في العمل وبذلك جرت عادتهم في الحرب وأكثر ما يستعملون في ذلك الرجز.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.(10/360)
باب ماجاء في فضل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه
...
باب ما جاءَ في فَضْلِ مَنْ رأَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَصَحبَه
4949 ـ حَدّثَنَا يَحْيىَ بنُ حَبِيبِ بنِ عَرَبِيّ الْبَصْرِيّ، حدثنا مُوسَى بنُ إبراهِيمَ بنِ كَثِيرٍ الأنْصَارِيّ قال: سَمِعْتُ طَلْحَةَ بنَ خِرَاشٍ يقولُ: سَمِعْتُ جابرَ بنَ عبدِ اللّهِ يقولُ: سَمِعْتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لاَ تَمَسّ النّارُ مُسْلِماً رَآنِي أَوْ رَأَى مَنْ رَآنِي" ، قال طَلْحَةُ: فَقَدْ رَأَيْتُ
ـــــــ
باب ما جاءَ في فَضْلِ مَنْ رأَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَصَحبَه
قوله: "لا تمس النار مسلماً رآني أو رأى من رآني" قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في ترجمة المشكاة ما معربه: خصص هذا الحديث هذه البشارة بالصحابة والتابعين اتفاقاً منهم ولا يختص به العشرة المبشرة ولا من بشرهم بدخول الجنة من غيرهم بل يشمل جميع المؤمنين والمسلمين، ولكن الصحابي والتابعي والمسلم هو من مات على الإسلام وهذا الخبر لا يعلم إلا من بيان المخبر الصادق وتبشيره به، ومن هذه الجهة خصصت جماعة يقال لها المبشرة ويمكن أن يكون هذه إشارة إلى الموت على الإيمان كما في حديث آخر: "من زار قبري وجبت له الجنة" انتهى.(10/360)
جابِرَ بنَ عبدِ اللّهِ، وقال مُوسَى: وقَدْ رَأَيْتُ طَلْحَةَ، قال يَحْيىَ وقال لِي مُوسَى: وَقَدْ رَأَيْتَنِي وَنَحْنُ نَرْجُو اللّهَ.
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حديثِ مُوسَى بنِ إبراهِيمَ الأنْصَارِيّ. وَرَوى عَلِيّ بنُ المَدِينِيّ وغيرُ وَاحِدٍ من أهلِ الحديثِ عن مُوسَى هذا الحديثَ.
4022 ـ حَدّثَنَا هَنّادٌ، أخبرنا أبو مُعَاوِيَةَ عن الأعمَشِ، عن إبراهِيمَ، عن عَبِيدَةَ هُوَ السّلْمَانِيّ عن عبدِ اللّهِ بنِ مَسْعُودٍ قال: قال رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ النّاسِ قَرْنِي ثمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ ثمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ
ـــــــ
قال صاحب الدين الخالص بعد نقل كلام الشيخ: هذا ظاهر الحديث تخصيص الصحابة والتابعين بهذه البشارة وليس في لفظه ما يدل على شمول سائر المسلمين إلى يوم الدين بل قصر تبع التابعين عن الدخول فيه، والحديث أفاد أن البشارة خاصة بمن رأى الصحابي فمن لم يره وكان في زمنه فالحديث لا يشمله انتهى. قلت: الأمر كما قال صاحب الدين الخالص "قال طلحة" أي ابن خراش "وقال موسى" أي ابن إبراهيم بن كثير الأنصاري وهو من أوساط أتباع التابعين "قال يحيى" أي ابن حبيب بن عربي البصري وهو من كبار الاَخذين عن تبع الأتباع ممن لم يلق التابعين "وقد رأيتني" بصيغة الخطاب "ونحن نرجو الله" أي أن يدخلنا في هذه البشارة، والظاهر أن موسى بن إبراهيم لا يخصص هذه البشارة بالصحابة والتابعين رضي الله عنهم.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه الضياء "عن موسى" أي ابن إبراهيم بن كثير.
قوله: "عن إبراهيم" هو النخعي "عن عبيدة" بفتح المهملة وكسر الموحدة.(10/361)
ثمّ يَأْتِي قَوْمٌ بَعْدَ ذَلِكَ تَسْبِقُ أَيْمَانُهُمْ شَهَادَاتِهِمْ أَوْ شَهَادَاتُهُمْ أَيْمَانَهُمْ".
وفي البابِ عن عُمَرَ وعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ وبُرَيْدَةَ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
قوله: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" تقدم شرحه في الشهادات "ثم يأتي قوم تسبق أيمانهم شهاداتهم أو شهاداتهم أيمانهم" كذا في النسخ الموجودة بلفظ أو وفي رواية الشيخين بالواو، قال النووي: هذا ذم لمن يشهد ويحلف مع شهادته. واحتج به بعض المالكية في رد شهادة من حلف معها وجمهور العلماء أنها لا ترد، ومعنى الحديث أنه يجمع بين اليمين والشهادة فتارة تسبق هذه وتارة هذه انتهى، وقال ابن الجوزي: المراد أنهم لا يتورعون ويستهينون بأمر الشهادة واليمين، وقال في المجمع: أراد حرصهم عليها وقلة مبالاة بالدين بحيث تارة يكون هذا وتاره عكسه.
قوله: "وفي الباب عن عمر وعمران بن حصين" تقدم حديثهما في الشهادات "وبريدة" أخرجه أحمد.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي.(10/362)
ماجاء في فضل من بايع تحت الشجرة
...
ما جاء في فَضْلِ مَنْ بَايَعَ تَحْتَ الشّجَرَة
3951 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ، حدثنا اللّيْثُ عن أَبي الزّبَيْرِ عن جابرٍ قال: قال رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَدْخُلُ النّارَ أَحَدٌ مِمّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشّجَرَةِ".
ـــــــ
"ما جاء في فَضْلِ مَنْ بَايَعَ تَحْتَ الشّجَرَة"
قوله: "لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة" هذه البيعة هي بيعة الرضوان، وكانت تحت شجرة سمرة بالحديبية، وكان الصحابة الذين بايعوا رسول(10/362)
في مَنْ سَبّ أَصْحَابَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم
3952 ـ حَدّثَنَا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أبو دَاوُدَ، قال أنبأَنا شُعْبَةُ عن الأعمَشِ قال: سَمِعْتُ ذكْوَانَ أَبَا صَالحٍ، عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قال: قال رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تَسُبّوا أَصْحَابِي، فَوَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحِدٍ ذَهَباً مَا أَدْرَكَ مُدّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ".
ـــــــ
"في مَنْ سَبّ أَصْحَابَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم"
قوله: "لا تسبوا أصحابي" الخطاب بذلك للصحابة لما ورد أن سبب الحديث أنه كان بين خالد بن الوليد، وعبد الرحمن بن عوف شيء فسبه خالد، فالمراد بأصحابي أصحاب مخصوصون وهم السابقون على المخاطبين في الإسلام، وقيل نزل الساب منهم لتعاطيه ما لا يليق به من السب منزلة غيرهم، فخاطبه خطاب غير الصحابة. قال القاري: ويمكن أن يكون الخطاب للأمة الأعم من الصحابة حيث علم بنور النبوة أن مثل هذا يقع في أهل البدعة فنهاهم بهذه السنة "لو أن أحدكم" فيه إشعار بأن المراد بقوله: أولاً أصحابي أصحاب مخصوصون، وإلا فالخطاب كان للصحابة، وقد قال لو أن أحدكم أنفق، وهذا كقوله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} الاَية، ومع ذلك فنهى بعض من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وخاطبه بذلك عن سب من سبقه يقتضي زجر من(10/363)
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ نَصِيفَهُ: يَعْني نِصْفَ المد.
3953 ـ حَدّثَنَا الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ، الخلال وكان حافظاً، أَخبرنا أبو مُعَاوِيَةَ، عن الأعمَشِ عن أبي صَالحٍ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
ـــــــ
لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يخاطبه عن سب من سبقه من باب الأولى وغفل من قال إن الخطاب بذلك لغير الصحابة، وإنما المراد من سيوجد من المسلمين المفروضين في العقل تنزيلاً لمن سيوجد منزلة الموجود القطع بوقوعه، ووجه التعقب عليه وقوع التصريح في نفس الخبر بأن المخاطب بذلك خالد بن الوليد، وهو من الصحابة الموجودين إذ ذاك بالاتفاق كذا في الفتح "أنفق مثل أحد ذهباً" زاد البرقاني في المصافحة من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش كل يوم قال وهي زيادة حسنة "ما أدرك" وفي رواية البخاري ما بلغ "مد أحدهم ولا نصيفه" أي المد من كل شيء، والنصيف بوزن رغيف هو النصف كما يقال، عشر وعشير وثمن وثمين، وقيل النصيف مكيال دون المد والمد بضم الميم مكيال معروف. وفي شرح مسلم للنووي معناه: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ ثوابه في ذلك ثواب نفقة أحد أصحابي مداً ولا نصف مد، وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة وضيق الحال بخلاف غيرهم، ولأن إنفاقهم كان في نصرته صلى الله عليه وسلم وحمايته وذلك معدوم بعده، وكذا جهادهم وسائر طاعتهم، وقد قال تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً} الاَية. وهذا كله مع ما كان فيهم في أنفسهم من الشفقة والنور والخشوع والتواضع والإيثار والجهاد في الله حق جهاده وفضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عمل ولا ينال درجتها بشيء والفضائل لا تؤخذ بقياس، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه.(10/364)
3954 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ يَحْيىَ، أخبرنا يَعْقُوبُ بنُ إبراهِيمَ بنِ سَعْدٍ، حدثنا عبيدَةُ بنُ أَبي رَائطَةَ، عن عبدِ الرّحْمَنِ بنِ زِيَادٍ، عن عبدِ اللّهِ بنِ مُغَفّلٍ قال: قال رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللّهَ اللّهَ في أَصْحَابِي اللّهَ اللّهَ في أَصْحَابِي، لا تَتّخِذوهُمْ غَرَضاً بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبّهُمْ فَبِحُبّي أَحَبّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللّهَ، وَمَنْ آذَى اللّهَ فيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هذا الْوَجْهِ.
ـــــــ
قوله: "حدثنا محمد بن يحيى" الإمام الذهلي "حدثنا عبيدة" بفتح أوله "ابن أبي رايطة" بتحتانية المجاشعي الكوفي الحذاء صدوق من الثامنة "عن عبد الرحمن بن زياد" أمير خراسان، روى عن عبد الله بن مغفل وعنه عبيدة بن أبي رايطة. قال ابن معين: لا أعرفه. ووثقه ابن حبان.
قوله: "الله الله" بالنصب فيهما أي اتقوا الله ثم اتقوا الله "في أصحابي" أي في حقهم. والمعنى لا تنقصوا من حقهم ولا تسبوهم، أو التقدير: أذكركم الله ثم أنشدكم الله في حق أصحابي وتعظيمهم وتوقيرهم كما يقول الأب المشفق الله الله في حق أولادي، ذكره الطيبي "لا تتخذوهم غرضاً" بفتح الغين المعجمة والراء أي هدفاً ترموهم بقبيح الكلام كما يرمي الهدف بالسهم "فبحبي أحبهم" أي بسبب حبه إياي أحبهم أو بسبب حبي إياهم أحبهم "ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم" أي إنما أبغضهم بسبب بغضه إياي "يوشك" بكسر المعجمة "أن يأخذه" أي يعاقبه في الدنيا أو في الاَخرة.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد.(10/365)
3955 ـ حَدّثَنَا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَزْهَرُ السّمّانُ عن سُلَيْمانَ التّيْمِيّ، عن خِدَاشٍ، عن أَبي الزّبَيْرِ، عن جابرٍ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لَيَدْخُلَنّ الْجَنّةَ مَنْ بَايَعَ تَحْتَ الشّجَرَةِ إِلاّ صَاحِبَ الْجَمَلِ الأَحْمَرِ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
4028 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ، حدثنا اللّيْثُ، عن أَبي الزّبَيْرِ، عن جابِرٍ أَنّ عَبْداً لِحَاطِبٍ بن أبي بلتعة جَاءَ إلى رسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَشْكُو حاطِباً، فقال: "يا رسولَ اللّهِ لَيَدْخُلَنّ حاطِبٌ النّارَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كَذَبْتَ، لا يَدْخُلُهَا فَإِنّهُ
ـــــــ
قوله: "عن خداش" هو ابن عياش "ليدخلن الجنة" جواب قسم مقدر أي والله ليدخلن الجنة "إلا صاحب الجمل الأحمر" زاد ابن أبي حاتم قال فانطلقنا نبتدره فإذا رجل قد أضل بعيره فقلنا تعال فبايع قال أصيب بعيري أحب إليّ من أن أبايع. وروى مسلم في صحيحه عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يصعد الثنية ثنية" . المراد: فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل فكان أول من صعدها خيلنا خيل بني الخزرج ثم تتام الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر" فأتيناه فقلنا: تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: والله لأن أجد ضالتي أحب إليّ من أن يستغفر صاحبكم، قال وكان رجل ينشد ضالة له. قال النووي قال القاضي: قيل هذا الرجل هو الجد بن قيس المنافق.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه ابن أبي حاتم.
قوله: "إن عبداً لحاطب" أي ابن أبي بلتعة "فقال" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "كذبت" أي في قولك ليدخلن حاطب النار، والكذب هو الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو عمداً كان أو سهواً، سواء كان الإخبار عن ماض أو مستقبل، وخصته المعتزلة بالعمد وهذا يرد عليهم. وقال بعض أهل اللغة(10/366)
شَهِدَ بَدْراً وَالْحُدَيْبِيّةَ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3957 ـ حَدّثَنَا أبو كُرَيْبٍ، حدثنا عُثْمَانُ بنُ نَاجِيَةَ، عن عبدِ اللّهِ بنِ مُسْلِمٍ أَبي طَيْبَةَ، عن عبدِ اللّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عن أَبِيهِ قال: قال رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي يَمُوتُ بِأَرْضٍ إِلاّ بُعِثَ قَائداً وَنُوراً لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
هَذا حديثٌ غَرِيبٌ.
وقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن عبدِ اللّهِ بنِ مُسْلِمٍ أبي طَيْبَةَ عن ابنِ بُرَيْدَةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلٌ، وهذا أَصَحّ.
ـــــــ
ولا يستعمل الكذب إلا في الإخبار عن الماضي بخلاف ما هو، وهذا الحديث يرد عليه، وفي الحديث فضيلة أهل بدر والحديبية، وفضيلة حاطب بن أبي بلتعة لكونه منهم.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم.
قوله: "أخبرنا عثمان بن ناجية" الخراساني مستور من الثالثة روى له الترمذي هذا الحديث وحده "عن عبد الله بن مسلم أبي طيبة" بفتح المهملة وسكون التحتية وبالموحدة المروزي السلمي "عن أبيه" أي بريدة بن الحصيب.
قوله: "ما من أحد من أصحابي" من الأولى زائدة لتأكيد نفي الاستغراق والثانية بيانية "إلا بعث" بصيغة المجهول، أي إلا حشر ذلك الأحد من أصحابي "قائداً" أي لأهل تلك الأرض في الجنة "ونوراً لهم" أي هادياً لهم.
قوله: "هذا حديث غريب" في سنده عثمان بن ناجية وهو مستور كما عرفت، والحديث خرجه أيضاً الضياء في المختارة.(10/367)
3958 ـ حَدّثَنَا أبو بَكْرِ بنُ نَافِعٍ، أَخبرنا النّضْرُ بنُ حَمّادٍ، أَخبرنا سَيْفُ بنُ عُمَرَ، عن عُبَيْدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ، عن نَافِعٍ، عن ابنِ عُمَرَ قال: قال رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا رَأَيْتُمُ الّذِينَ يَسُبّونَ أَصْحَابِي فَقُولُوا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى شَرّكُمْ".
هَذا حديثٌ مُنْكَرٌ لاَ نَعْرِفُهُ من حديثِ عُبَيْدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ إِلاّ من هذا الْوَجْهِ
ـــــــ
قوله: "حدثنا أبو بكر محمد بن نافع" اسمه محمد بن أحمد البصري العبدي "أخبرنا النضر بن حماد" الفزاري، ويقال العتكي أبو عبد الله الكوفي ضعيف من التاسعة "أخبرنا سيف بن عمر" التميمي صاحب كتاب الردة، ويقال له الضبي، ويقال غير ذلك الكوفي ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ، أفحش ابن حبان القول فيه من الثامنة، مات في زمن الرشيد "عن عبيد الله بن عمر" العمري.
قوله: "إذا رأيتم الذين يسبون" أي يشتمون "أصحابي" أي أحدهم "لعنة الله على شركم" قال الزمخشري: هذا من كلام المصنف فهو على وزان {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} وقول حسان: فشركما لخيركما فداء. وفيه إشارة إلى أن لعنهم يرجع إليهم، فإنهم أهل الشر والفتنة، وأن الصحابة من أهل الخير المستحقين للرضى والرحمة.
قال الحافظ في الفتح: اختلف في ساب الصحابي فقال عياض: ذهب الجمهور إلى أنه يعزر، وعن بعض المالكية يقتل، وخص بعض الشافعية ذلك بالشيخين والحسنين، فحكى القاضي حسين في ذلك وجهين وقواه السبكي في حق من كفر الشيخين، وكذا من كفر من صرح النبي صلى الله عليه وسلم بإيمانه أو تبشيره بالجنة إذا تواتر الخبر بذلك عنه لما تضمن من تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى. وقال النووي في شرح مسلم: اعلم أن سب الصحابة حرام من فواحش المحرمات سواء من لابس الفتن منهم وغيره لأنهم مجتهدون في تلك الحرب ومتأولون كما أوضحناه في أول فضائل الصحابة من هذا الشرح. قال القاضي: وسب أحدهم من المعاصي الكبائر، ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه يعزر ولا يقتل، وقال بعض المالكية يقتل، انتهى.(10/368)
ماجاء في فضل فاطمة رضي الله عنها
...
ما جاء في فَضْل فَاطِمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا
3959 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ، أخبرنا اللّيْثُ، عن ابنِ أَبي مُلَيْكَةَ، عن الْمِسَوْرِ بنِ مَخْرَمَة قال: سَمِعْتُ النّبيّ
صلى الله عليه وسلم يقولُ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ: "إِنّ بَنِي هِشَامِ بنِ المُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي في أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيّ بنَ أَبي طَالِبٍ فَلاَ آذَنُ ثُمّ لا آذَنُ ثُمّ لا آذَنُ، إِلاّ أَنْ يُرِيدَ ابنُ أَبي طَالِبٍ
ـــــــ
ما جاء في فَضْل فَاطِمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا
أي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمها خديجة عليها السلام ولدت فاطمة في الإسلام وقيل قبل البعثة وتزوجها علي رضي الله عنه بعد بدر في السنة الثانية وولدت له وماتت سنة إحدى عشرة بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، وقد ثبت في الصحيح من حديث عائشة وقيل بل عائشة بعده ثمانية وقيل ثلاثة وقيل شهرين، وقيل شهراً واحداً ولها أربع وعشرون سنة، وقيل غير ذلك فقيل إحدى وقيل خمس وقيل تسع، وقيل عاشت ثلاثين سنة
قوله: "عن ابن أبي مليكة" اسمه عبد الله بن عبيد الله.
قوله: "إن بني هشام بن المغيرة" وقع في رواية مسلم: هاشم بن المغيرة والصواب هشام لأنه جد المخطوبة وبنو هشام هم أعمام بنت أبي جهل لأنه أبو الحكم عمرو بن هشام بن المغيرة وقد أسلم أخواه الحارث بن هشام وسلمة بن هشام عام الفتح وحسن إسلامهما. وممن يدخل في إطلاق بني هشام بن المغيرة عكرمة بن أبي جهل بن هشام وقد أسلم أيضاً وحسن إسلامه "استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب" وجاء أيضاً أن علياً رضي الله عنه استأذن بنفسه على ما أخرجه الحاكم بإسناد صحيح إلى سويد بن غفلة قال: خطب علي بنت أبي جهل إلى عمها الحارث بن هشام فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أعن حسبها تسألني؟" فقال: لا، ولكن أتأمرني بها؟ قال: "لا فاطمة مضغة مني ولا أحسب إلا أنها تحزن أو تجزع"، فقال علي رضي الله عنه: لا آتي شيئاً تكرهه، واسم المخطوبة جويرة أو العوراء أو جميلة "فلا آذن لهم ثم لا آذن ثم لا آذن" كرر(10/369)
أَنْ يُطَلّقَ ابْنَتِي ويَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ، فَإِنّهَا بَضْعَةٌ مِنّي، يَرِيُبنِي مَا رَابَهَا، ويُؤْذِينِي مَا آذَاهَا".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3960 ـ حَدّثَنَا إِبراهِيمُ بنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيّ، حدثنا الأَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ، عن جَعْفَرٍ الأحْمَرِ، عن عبدِ اللّهِ بنِ عَطَاءٍ، عن ابنِ بُرَيْدَةَ، عن أَبِيهِ قال: "كَانَ أَحَبّ النّسَاءِ إلَى رسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةُ وَمِنَ
ـــــــ
ذلك تأكيداً، وفيه إشارة إلى تأييد مدة منع الإذن وكأنه أراد رفع المجاز لاحتمال أن يحمل النفي على مدة بعينها، فقال: ثم لا آذن أي ولو مضت المدة المفروضة تقديراً لا آذن بعدها ثم كذلك أبداً "فإنها بضعة مني" بفتح الموحدة وسكون الضاد المعجمة أي قطعة، ووقع في حديث سويد بن غفلة كما تقدم مضغة بضم الميم وبالغين المعجمة، والسبب فيه أنها كانت أصيبت بأمها ثم بأخوتها واحدة بعد واحدة فلم يبق لها من تستأنس به ممن يخفف عليها الأمر ممن تفضي إليه بسرها إذا حصلت لها الغيرة "يريبني" بفتح الياء وفي رواية البخاري يريبني بضمها من باب الأفعال "ما رابها" وفي رواية البخاري: "ما أرابها"، قال في النهاية: "يريبني ما يريبها": أي يسوؤني ما يسوؤها ويزعجني ما يزعجها، يقال: رابني هذا الأمر وأرابني إذ رأيت منه ما تكره انتهى. وفي رواية الزهري عند الشيخين: "وأنا أتخوف أن تفتن في دينها". يعني أنها لا تصبر على الغيرة فيقع منها في حق زوجها في حال الغضب ما لا يليق بحالها في الدين "ويؤذيني ما آذاها" فيه تحريم أذي من يتأذى النبي صلى الله عليه وسلم بتأذيه لأن أذي النبي صلى الله عليه وسلم حرام حرام اتفاقاً قليله وكثيره، وقد جزم بأنه يؤذيه ما يؤذي فاطمة فكل من وقع منه في حق فاطمة شيء فتأذت به فهو يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة هذا الخبر الصحيح، ولا شيء أعظم في إدخال الأذى عليها من قتل ولدها، ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطى ذلك بالعقوبة في الدنيا ولعذاب الاَخرة أشد.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة.
قوله: "كان أحب النساء" بالرفع أنه اسم كان أو بالنصب على أنه خبرها(10/370)
الرّجالِ عَلِيّ". قال إِبراهيمُ يَعْنِي مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هذَا الْوَجْهِ.
3961 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أَخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ عليّةَ، عن أَيّوبَ عن ابنِ أَبي مُلَيْكَةَ عن عبدِ اللّهِ بنِ الزّبَيْرِ، أَنّ عَلِيّا ذَكَرَ بِنْتَ أبي جَهْلٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: "إنّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنّي، يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا، وينْصِبُنِي مَا أَنْصَبَهَا".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. هَكَذَا قال أَيّوبُ عن ابنِ أبي مُلَيْكَةَ عن ابنِ الزّبَيْرِ، وقال غيرُ وَاحِدٍ عن ابنِ أبي مُلَيْكَةَ عن المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابنُ أبي مُلَيْكَةَ رَوَى عنهما جميعاً وقد رَوَاهُ عَمْرُو بنُ دِينَارٍ عن ابنِ أبي مُلَيْكَةَ عن المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ نَحْوَ حديثِ اللّيْثِ.
3962 ـ حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ عبدِ الْجَبّارِ الْبَغْدَادِيّ، حدثنا عَلِيّ بنُ
ـــــــ
"فاطمة" بالنصب أو بالرفع "قال إبراهيم" أي ابن سعيد الجوهري "يعني من أهل بيته" أي كان أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل بيته فاطمة، وكان أحب الرجال إليه صلى الله عليه وسلم من أهل بيته علي.
قوله: "عن أيوب" هو ابن أبي تميمة السختياني.
قوله: "أن علياً" أي ابن أبي طالب "ذكر بنت أبي جهل" أي خطبها "وينصبني ما أنصبها" أي يتعبني ما أتعبها من النصب وهو التعب.
قوله: "ويحتمل أن يكون ابن أبي مليكة روى عنهما جميعاً" أي عن المسور بن مخرمة. وعبد الله بن الزبير جميعاً قال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه: والذي يظهر ترجيح رواية الليث لكونه توبع ولكون الحديث قد جاء عن المسور من غير رواية ابن أبي مليكة، انتهى.(10/371)
قَادِمٍ، حدثنا أَسْبَاطُ بنُ نَصْرٍ الْهَمْدَانِيّ، عن السّدّيّ، عن صُبَيْحٍ مَوْلَى أُمّ سَلَمَةَ عن زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قال لِعَلِيّ وفَاطِمَةَ والْحَسَنِ والْحُسَيْنِ: "أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبْتُمْ، وَسِلْمٌ لِمَنْ سَالَمْتُمْ".
هَذا حديثٌ غريبٌ إنما نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَصبَيْحٌ مَوْلَى أُمّ سَلَمَةَ ليسَ بمعروفٍ.
3963 ـ حَدّثَنَا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أبو أَحْمَدَ الزّبَيْرِيّ، حدثنا سُفْيَانُ عن زُبَيْدٍ عن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عن أُمّ سَلَمَةَ "أَنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم جَلّلَ عَلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَلِيّ وَفَاطِمَةَ كِسَاءً ثُمّ قال: "اللّهُم هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِي وَخَاصّتِي أَذْهِبْ عَنْهُمْ الرّجْسَ وطَهّرْهُمْ تَطْهِيراً" . فقالَتْ أُمّ سَلَمَةَ:
ـــــــ
قوله: "أخبرنا أسباط بن نصر الهمداني" بسكون الميم أبو يوسف ويقال أبو نصر صدوق كثير الخطأ يغرب من الثامنة "عن السدي" بضم السين وشدة الدال اسمه إسماعيل بن عبد الرحمن وهو الكبير "عن صبيح" بضم الصاد المهملة مصغراً "مولى أم سلمة" ويقال مولى زيد بن أرقم مقبول من السادسة.
قوله: "أنا حرب لمن حاربتم" أي أنا محارب لمن حاربتم، جعل النبي صلى الله عليه وسلم نفسه نفس الحرب مبالغة كرجل عدل "وسلم" بكسر أوله ويفتح أي مسالم ومصالح.
قوله: "وصبيح مولى أم سلمة ليس بمعروف" وذكره ابن حبان في الثقات قال الحافظ: وقال البخاري لم يذكر سماعاً من زيد كذا في تهذيب التهذيب.
قوله: "عن زبيد" بضم الزاي وفتح الموحدة مصغراً وهو ابن الحارث اليامي.
قوله: "جلل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساء" أي غطاهم بكساء "وحامتي" قال في النهاية: حامة الإنسان خاصته ومن يقرب منه وهو الحميم أيضاً(10/372)
وَأَنَا مَعَهُمْ يا رسولَ اللّهِ؟ قال: "إِنّكِ إلى خَيْرٍ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ في هذا البابِ.
وفي البابِ عن أَنَسٍ وَعُمَرَ بنِ أَبي سَلَمَةَ وأنس بن مالك وَأَبي الْحَمْرَاءِ.
3964 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أَخبرنا عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ، أَخبرنا إِسْرَائِيلُ عن مَيْسَرَةَ بنِ حَبِيبٍ، عن المِنْهَالِ بنِ عَمْروٍ، عن عائِشَةَ بِنتِ طَلْحَةَ عن عائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنينَ قالَتْ: "مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشْبَهَ سَمْتاً وَدلاّ وَهَدْياً برسولِ اللّهِ في قِيَامِهَا وَقُعُودِهَا مِنْ فَاطِمَةَ بِنتِ رسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قالَتْ: وكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَامَ إِلَيْهَا فَقَبّلَهَا
ـــــــ
"إنك على خير" تقدم معناه في تفسير الأحزاب في شرح حديث عمر بن أبي سلمة.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وابن جرير.
قوله: "وفي الباب عن أنس وعمر بن أبي سلمة وأبي الحمراء" أما حديث أنس وحديث عمر بن أبي سلمة فأخرجهما الترمذي في تفسير سورة الأحزاب، وأما حديث أبي الحمراء فأخرجه ابن جرير وابن مردويه.
قوله: "أخبرنا إسرائيل" هو ابن يونس "ما رأيت أحد أشبه سمتاً" بفتح فسكون "ودلاً" بفتح دال وتشديد لام "وهدياً" بفتح فسكون، قال في فتح الودود هذه الألفاظ متقاربة المعاني فمعناها الهيئة والطريقة وحسن الحال ونحو ذلك انتهى، وفسر الراغب الدال بحسن الشمائل وأصله من دل امرأة وهو شكلها وما يستحسن منها. قال التوربشتي: كأنها أشارت بالسمت إلى ما يرى على الإنسان من الخشوع والتواضع لله وبالهدي ما يتحلى من السكينة والوقار، وإلى ما يسلكه من المنهج المرضي وبالدال حسن الخلق ولطف الحديث "قالت" أي عائشة "وكانت إذا دخلت" أي فاطمة "قام إليها" أي مستقبلاً ومتوجهاً(10/373)
وَأَجْلَسَهَا في مَجْلِسِهِ، وَكَانَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَقَبّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ في مَجْلِسِهَا، فَلَمّا مَرِضَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَتْ فَاطِمَةُ فأَكَبّتْ عَلَيْهِ فَقَبّلَتْهُ ثُمّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا فَبَكَتْ، ثُمّ أَكَبّتْ عَلَيْهِ ثُمّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا فَضَحِكَتْ، فَقلت: إِنْ كُنْتُ لأَظُنّ أَنّ هَذِهِ مِنْ أَعْقَلِ نِسَائِنَا فَإِذَا هِيَ مِنَ النّسَاءِ، فَلَمّا تُوُفّيَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ حِينَ أَكْبَبْتِ عَلَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فَرَفَعْتِ رَأْسَكِ فَبَكَيْتِ، ثُمّ أَكْبَبْتِ عَلَيْهِ فَرَفَعْتِ رَأْسَكِ فَضَحِكْتِ، مَا حَمَلَكِ عَلَى ذَلِكَ؟ قالَتْ إِنّي إِذَنٌ لِبَذِرَةٍ، أَخْبَرَنِي أَنّهُ مَيّتٌ مِنْ وَجَعِهِ هَذَا فَبَكَيْتُ ثُمّ أَخْبَرَنِي أَنّي أَسْرَعُ أَهْلِهِ لُحُوقاً بِهِ فَذَلِكَ دحِينَ ضَحِكْتُ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وقد رُوِيَ هذا الحديثُ من غيرِ وَجْهٍ عن عائشةَ.
ـــــــ
إليها "فقبلها" وفي رواية أبي داود فأخذ بيدها فقبلها "وأجلسها في مجلسه" أي تكريماً لها "فقبلته" وفي رواية أبي داود: فأخذت بيده فقبلته "فأكبت عليه" أي مالت إليه "إن كنت" إن مخففة من المثقلة "أن هذه" ، أي فاطمة رضي الله عنها "فإذا هي من النساء" أي هي واحدة منهن لا أعقلهن لأنها تضحك في هذه الحالة "أرأيت" أي أخبريني "ما حملك على ذلك" ما استفهامية أي أي شيء حملك على ذلك "إني أذن لبذرة" مؤنث بذر ككتف وهو الذي يفشي السر ويظهر ما يسمعه "أنه ميت من وجعه هذا" أي أنه يموت من مرضه هذا والوجع محركة المرض "إني أسرع أهله لحوقاً به" اللحوق الضمام شيء بشيء، واللحاق بالفتح إدراك شخص غيره.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم.(10/374)
3965 ـ حَدّثَنَا حُسَيْنُ بنُ يزِيدَ الْكُوفِيّ، حدثنا عبدُ السّلاَمِ بنِ حَرْبٍ عن أَبي الْجَحّافِ عن جُمَيعِ بنِ عُمَيْرٍ التّيْمِيّ قال: "دَخَلْتُ مَعَ عَمّتِي عَلَى عائِشَةَ فَسُئِلَتْ: أَيّ النّاسِ كَانَ أَحَبّ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قالَتْ: فَاطِمَةُ، فَقِيلَ: مِنَ الرّجَالِ، قالَتْ: زَوْجُهَا، إِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ صَوّاماً قَوّاماً". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. قال: وأبو الْجَحّافِ اسمه دَاوُدُ بنُ أَبي عَوْفٍ. ويُرْوَى عن سُفْيَانَ الثّوْرِيّ حدثنا أبو الْجَحّافِ وكَانَ مَرْضِيّا.
ـــــــ
قوله: "فسئلت" كذا في النسخ الحاضرة بصيغة المجهول أي عائشة. وفي المشكاة سألت قال القاري: أي أنا، وفي نسخة يعني من المشكاة بصيغة التأنيث أي عمتي "قالت" أي عائشة "فاطمة" أي هي كانت أحب "فقيل من الرجال" أي هذا جوابك من النساء فمن أحب إليه من الرجال "قالت زوجها" أي علي بن أبي طالب "إن كان ما علمت صواماً قواماً" إن مخففة من المثقلة، أي أنه كان في علمي كثير الصيام وكثير القيام بالليل "قال" أي أبو عيسى "وأبو الجحاف" بفتح الجيم وتثقيل المهملة وآخره فاء "داود بن أبي عوف" أي اسمه داود بن أبي عوف "ويروى عن سفيان الثوري حدثنا أبو الجحاف وكان مرضياً" وقال ابن عدي: له أحاديث وهو من غالية التشيع وعامة حديثه في أهل البيت، وهو عندي ليس بالقوي ولا ممن يحتج به، وقال العقيلي: كان من غلاة الشيعة، وقال الأزدي: زائغ ضعيف كذا في تهذيب التهذيب.(10/375)
من فَضْل عائشَةَ رَضِي اللّهُ عَنْهَا
3966 ـ حَدّثَنَا يَحْيىَ بنُ دُرُسْتَ بصريّ، حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عن هِشَامِ
ـــــــ
"من فَضْل عائشَةَ رَضِي اللّهُ عَنْهَا"
هي الصديقة بنت الصديق، وأمها أم رومان وكان مولدها في الإسلام قبل الهجرة بثمان سنين أو نحوهما، ومات النبي صلى الله عليه وسلم ولها نحو ثمانية عشر عاماً، وقد حفظت عنه شيئاً كثيراً وعاشت بعده قريباً من خمسين سنة(10/375)
بنِ عُرْوَةَ عن أَبِيهِ عن عائِشَةَ قالَتْ: "كَانَ النّاسُ يَتَحَرّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عائِشَةَ، قالَتْ: فَاجْتَمَعَ صَواحِبَاتِي إِلَى أُمّ سَلَمَةَ فَقُلْنَ: يَا أُمّ سَلَمَةَ إِنّ النّاسَ يَتَحَرّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عائِشَةَ، وَإِنّا نُرِيدُ الْخَيْرَ كَمَا تُرِيدُ عائِشَةُ، فَقُولِي لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرِ النّاسَ يُهْدُونَ إلَيْهِ أينما كَانَ،
ـــــــ
فأكثر الناس الأخذ عنها ونقلوا عنها من الأحكام والاَداب شيئاً كثيراً حتى قيل إن ربع الأحكام الشرعية منقول عنها رضي الله عنها. وكان موتها في خلافة معاوية سنة ثمان وخمسين، وقيل في التي بعدها: ولم تلد للنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً على الصواب وسألته أن تكنّى، فقال: اكتني بابن أختك فاكتنت أم عبد الله. وأخرج ابن حبان في صحيحه من حديث عائشة أنه كناها بذلك لما أحضر إليه ابن الزبير ليحنكه، فقال: هو عبد الله وأنت أم عبد الله، قالت: فلم أزل أكنى به
ـ قوله: "كان الناس يتحرون" من التحري وهو القصد والاجتهاد في الطلب والعزم على تخصيص الشيء بالفعل والقول "يوم عائشة" أي يوم نوبتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، زاد البخاري ومسلم: يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم "قالت" أي عائشة "فاجتمع صواحباتي" أرادت بهن بقية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي كن في حزب أم سلمة. ففي رواية البخاري أن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كن حزبين: فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة، والحزب الاَخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرها حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة بعث صاحب الهدية بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة، فكلم حزب أم سلمة فقلن لها كلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم الناس الخ "يأمر الناس" بالجزم والراء مكسورة لالتقاء الساكنين ويجوز الرفع، يهدون إليه أين ما كان، أي من حجرات الأمهات، ومرادهن أنه لا يقع التحري في ذلك لا لهن ولا لغيرهن(10/376)
فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمّ سَلَمَة، فأَعْرَضَ عَنْهَا، ثُمّ عَادَ إلَيْهَا فأَعَادَتِ الْكَلاَمَ، فقالَتْ: يا رسولَ اللّهِ إِنّ صَواحِبَاتِي قَدْ ذَكَرْنَ أَنّ النّاسَ يَتَحَرّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عائشةَ فأْمُرِ النّاسَ يُهْدُونَ أينما كُنْتَ، فَلَمّا كَانَتْ الثّالِثَةُ قالَتْ ذَلِكَ، قال: "يا أُمّ سَلَمَة لا تُؤْذِينِي في عائشةَ، فإِنّهُ مَا أُنْزِلَ عَلَيّ الْوَحْي وَأَنَا في لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنّ غَيْرهَا".
ـــــــ
بل بحسب ما يتفق الأمر فيهن ليرتفع التمييز الباعث للغيرة عنهن "فذكرت ذلك أم سلمة" أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم "ثم عاد إليها" أعاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة في يوم نوبتها "لا تؤذيني في عائشة" أي في حقها وهو أبلغ من لا تؤذي عائشة لما تفيد من أن ما آذاها فهو يؤذيه "ما أنزل" بصيغة المجهول "عليّ" بتشديد الياء "وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها" بالجر صفة لامرأة.
فإن قلت: ما وجه التوفيق بين هذا الحديث وبين ما في حديث كعب بن مالك عند البخاري: فأنزل الله توبتنا على نبيه صلى الله عليه وسلم حين بقي الثلث الاَخر من الليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة.
قلت: قال القاضي جلال الدين: لعل ما في حديث عائشة كان قبل القصة التي نزل الوحي فيها في فراش أم سلمة انتهى، قال السيوطي في الإتقان: ظفرت بما يؤخذ منه جواب أحسن من هذا فروى أبو يعلى في مسنده عن عائشة قالت: أعطيت تسعاً الحديث وفيه: وإن كان الوحي لينزل عليه وهو أهله فينصرفون عنه، وإن كان لينزل عليه وأنا معه في لحافه. وعلى هذا لا معارضة بين الحديثين انتهى. وفي الحديث منقبة ظاهرة لعائشة، وأنه لا حرج على المرء في إيثار بعض نسائه بالتحف وإنما اللازم العدل في المبيت والنفقة ونحو ذلك من الأمور اللازمة، كذا قرره ابن بطال عن المهلب.
وتعقبه: ابن المنير بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك وإنما فعله الذين أهدوا له وهم باختيارهم في ذلك وإنما لم يمنعهم النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ليس(10/377)
وقد رَوَى بعضُهم هذا الحديثَ عن حَمّادِ بنِ زَيْدٍ، عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أَبِيهِ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً. هذا حديث غريب وقد رُوِيَ عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ هذا الحديثُ عن عَوْفِ بنِ الْحَارِثِ عن رُمَيْثَةَ عن أُمّ سَلمة شَيْئاً مِن هذا، وهذا حَدِيثٌ قد رُوِيَ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ على رِوَايَات مُخْتَلِفَة، وقد رَوَى سُليمانُ بنُ بِلاَلٍ عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ نَحْوَ حديثِ حَمّادِ بنِ زَيْدٍ.
3967 ـ حَدّثَنَا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ عن عَبْدِ اللّهِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ المَكّيّ عن ابنِ أَبي حُسَيْنٍ عن ابنِ أَبي مُلَيْكَةَ عن عائشةَ
ـــــــ
من كمال الأخلاق أن يتعرض الرجل إلى الناس بمثل ذلك لما فيه من التعرض لطلب الهدية.
قوله: "وقد روى بعضهم هذا الحديث عن حماد بن زيد الخ" رواه البخاري في فضل عائشة من طريق عبد الله بن عبد الوهاب عن حماد بن زيد عن هشام عن أبيه قال: كان الناس يتحرون الخ.
قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه البخاري "وقد روي عن هشام بن عروة عن عوف بن الحارث" بن الطفيل بن سخبرة بفتح المهملة وسكون المعجمة بعدها موحدة مفتوحة الأزدي مقبول من الثالثة "عن رميثة" بضم الراء وفتح الميم مصغراً بنت الحارث بن الطفيل بن سخبرة الأزدية أخت عوف رضيع عائشة مقبولة "عن أم سلمة شيئاً من هذا" أخرجه أحمد "وقد روى سليمان بن بلال عن هشام بن عروة الخ" أخرجه البخاري من طريق إسماعيل عن أخيه عن سليمان.
قوله: "عن عبد الله بن عمرو بن علقمة المكي" الكناني وقيل هو أخو محمد ثقة من السادسة "عن ابن أبي حسين" اسمه عمر بن سعيد بن أبي حسين النوفلي المكي ثقة من السادسة "عن ابن أبي مليكة" اسمه عبد الله بن عبيد الله.(10/378)
"أَنّ جِبْرِيلَ جَاءَ بِصُورَتِهَا في خِرْقَةِ حَرِيرٍ خَضْرَاءَ إِلَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: إنّ هَذِهِ زَوْجَتُكَ في الدّنيْا وَالاَخِرَةِ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حديثِ عَبْدِ اللّهِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وقد رَوَى عَبْدُ الرّحمَنِ بنُ مَهْدِيّ هذا الحديثَ، عن عبدِ اللّهِ بن عَمْرِو بنِ عَلْقَمَة بهذا الإسنادِ مُرْسَلاً، ولم يَذْكُرْ فيه عن عائشةَ. وقد رَوَى أبو أُسَامَة، عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أَبِيهِ عن عائشة، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم شَيْئاً من هذا.
3968 ـ حَدّثَنَا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عبدُ اللّهِ بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا مَعْمَرٌ، عن الزّهْرِيّ عن أَبي سَلَمَة، عن عائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يا عائِشَةُ هَذَا جِبْرِيلُ وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السّلاَمُ،
ـــــــ
قوله: "إن جبرئيل جاء" أي في المنام "بصورتها" أي بصورة عائشة والباء للتعدية "في خرقة حرير" الخرقة بكسر المعجمة وسكون الراء: القطعة من الثوب، ووقع عند الاَجري من وجه آخر عن عائشة: لقد نزل جبرئيل بصورتي في راحته حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني، ويجمع بين رواية الترمذي وبين هذه الرواية بأن المراد أن صورتها كانت في الخرقة، والخرقة في راحته، ويحتمل أن يكون نزل بالكيفيتين لقولها في نفس الخبر نزل مرتين، كذا جمع الحافظ وغيره بين هاتين الروايتين "فقال هذه" أي هذه الصورة "زوجتك في الدنيا والاَخرة" فيه فضيلة ظاهرة لعائشة رضي الله عنها.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه الشيخان "وقد روى أبو أسامة عن هشام بن عروة الخ" أخرجه البخاري من طريق عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن هشام الخ.
قوله: "وهو يقرأ" بفتح الياء من الثلاثي المجرد أو بضم الياء من الإقراء(10/379)
قالَتْ قلت: وَعَلَيْهِ السّلامُ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ تَرَى ما لا نَرَى".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3969 ـ حَدّثَنَا سُوَيْدٌ، أَخبرنا عبدُ اللّهِ بنُ المُبَارَكِ، أَخبرنا زكَرِيّا عن الشّعْبيّ، عن أَبي سَلَمَة بن عبدِ الرّحمَنِ عن عائشةَ قالَتْ: قال لِي رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ جِبْرِيلَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السّلاَمَ، فَقلت: وَعَلَيْهِ السّلامُ وَرَحْمَةُ اللّهِ وبركاتُهُ". هَذا حديثٌ صحيحٌ.
3970 ـ حَدّثَنَا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ، حدثنا زِيَادُ بنُ الرّبِيعِ، حدثنا خَالِدُ بنُ سَلَمَة المَخْزُومِيّ، عن أَبي بُرْدَةَ عن أَبي مُوسَى قال: "ما أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَاب رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثٌ قَطّ، فَسَأَلْنَا عائشَةَ إِلاّ وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْماً".
ـــــــ
"قالت" أي عائشة "ترى ما لا نرى" ما موصولة أي ترى يا رسول الله الذي لا نراه من الملائكة وغيرهم وتقدم بقية الكلام على هذا الحديث في باب تبليغ السلام من أبواب الاستئذان.
قوله: "أخبرنا زكريا" هو ابن أبي زائدة.
قوله: "إن جبرئيل يقرأ عليك السلام" أي يسلم عليك.
قوله: "حدثنا زياد بن الربيع" اليحمدي، أبو خداش البصري "حدثنا خالد بن سلمة المخزومي" المعروف بالفأفأ "عن أبي بردة" ابن أبي موسى.
قوله: "ما أشكل علينا" أي ما اشتبه وأغلق علينا "أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" ، قال الطيبي: بالجر بدل من المجرور، ويجوز النصب على الاختصاص "حديث" أي معنى حديث أو فقد حديث يتعلق بمسألة مهمة "منه" أي من ذلك الحديث ومتعلقاته "علماً" أي نوع علم بأن يوجد الحديث عندها تصريحاً، أو تأويلاً لأن يؤخذ الحكم منه تلويحاً.(10/380)
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَريبٌ.
3971 ـ حَدّثَنَا الْقَاسِمُ بنُ دِينَارٍ الْكُوفِيّ، أخبرنا مُعَاوِيَة بن عَمْروٍ عن زَائِدَةَ، عن عبدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عن مُوسَى بنِ طَلْحَةَ قال: "مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْصَحَ مِنْ عَائِشَةَ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" ، وأما حديث: "خذوا شطر دينكم عن الحميراء" يعني عائشة، فقال الحافظ ابن الحجر العسقلاني: لا أعرف له إسناداً، ولا رواية في شيء من كتب الحديث إلا في النهاية لابن الأثير، ولم يذكر من خرجه، وذكر الحافظ عماد الدين بن كثير: أنه سأل المزي والذهبي عنه فلم يعرفاه، وقال السخاوي: ذكره في الفردوس بغير إسناد، وبغير هذا اللفظ ولفظه "خذوا ثلث دينكم من بيت الحميراء"، وبيض له صاحب مسند الفردوس، ولم يخرج له إسناداً. وقال السيوطي: لم أقف عليه كذا في المرقاة.
قوله: "أخبرنا معاوية عن عمرو" بن المهلب الأزدي المعنى "عن زائدة" هو ابن قدامة "عن عبد الملك بن عمير" اللخمي الكوفي "عن موسى بن طلحة" بن عبيد الله.
قوله: "ما رأيت أحداً أفصح من عائشة" قال في النهاية: الفصيح في اللغة المنطلق اللسان في القول الذي يعرف جيد الكلام من رديئه، يقال: رجل فصيح ولسان فصيح وكلام فصيح وقد فصح فصاحة وأفصح عن الشيء إفصاحاً: إذا بينه وكشفه انتهى، وقال في تلخيص المفتاح: الفصاحة يوصف بها المفرد والكلام والمتكلم، فالفصاحة في المفرد خلوصه من تنافر الحروف والغرابة ومخالفة القياس والفصاحة في الكلام خلوصه من ضعف التأليف، وتنافر الكلمات والتعقيل مع فصاحتها، والفصاحة في المتكلم: ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" ، وأخرجه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.(10/381)
3972 ـ حَدّثَنَا إِبراهِيمُ بنُ يَعْقُوبَ و بندارٌ واللفظ لابن يعقوب قالا: أَخبرنا يَحْيىَ بنُ حَمّادٍ، أَخبرنا عبدُ الْعَزِيزِ بنُ المُخْتارِ، حدثنا خالِدٌ الْحَذّاءُ عن أبي عُثْمَانَ النّهْدِيّ عن عَمْرِو بنِ الْعَاصِ "أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السّلاَسِلِ، قال: فأَتَيْتُهُ فَقلت: يا رَسُولَ اللّهِ أَيّ النّاسِ أَحَبّ إِلَيْكَ؟ قال: "عائِشَةُ" ، قلت: مِنَ الرّجالِ؟ قال: "أَبُوهَا".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3973 ـ حَدّثَنَا إبراهِيمُ بنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيّ، أَخبرنا يَحْيىَ بنُ سَعِيدٍ الأمَوِيّ عن إسماعيلَ بنِ أبي خالِدٍ عن قَيْسِ بنِ أبي حازِمٍ عن عَمْرِو بنِ الْعَاصِ "أنّهُ قال يا رسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَحَبّ النّاسِ إِلَيْكَ؟
ـــــــ
قوله: "حدثنا إبراهيم بن يعقوب" الجوزجاني.
قوله: "استعمله" أي جعله عاملاً "على جيش ذات السلاسل" بالمهملتين والمشهور أنها بفتح الأولى على لفظ جمع السلسلة وضبطه، كذلك أبو عبيد البكري قيل سمي المكان بذلك لأنه كان به رمل بعضه على بعض كالسلسلة، وضبطها ابن الأثير بالضم، وقال: هو بمعنى السلسال، أي السهل "أي الناس أحب إليك" زاد في رواية قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص فأحبه أخرجه ابن عساكر. ووقع عند ابن سعد سبب هذا السؤال، وأنه وقع في نفس عمرو لما أمره النبي صلى الله عليه وسلم على الجيش، وفيهم أبو بكر وعمر أنه مقدم عنده في المنزلة عليهم، فسأله لذلك "قلت من الرجال" أي أي الناس أحب إليك من الرجال قال: "أبوها" زاد البخاري في المغازي، قلت: ثم من قال عمر فعد رجالاً فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.(10/382)
قال: "عائِشَةُ" ، قال: مِنَ الرّجالِ؟ قال: "أَبُوهَا".
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ من حديثِ إسمَاعِيلَ عن قَيْسٍ.
3974 ـ حَدّثَنَا عَلِيّ بنُ حجرٍ، أَخبرنَا إسْماعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ، عن عبدِ اللّهِ بنِ عبِد الرّحْمَنِ بنِ مَعْمَرٍ الأنْصَاِريّ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ أَنّ رسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النّسَاءِ كَفَضْلِ الثّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطّعَامِ".
ـــــــ
قوله: "قال من الرجال" وفي رواية ابن خزيمة وابن حبان من طريق قيس ابن أبي حازم عن عمرو بن العاص، قلت: إني لست أعني النساء إني أعني الرجال.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان وابن عساكر.
قوله: "فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" الثريد بفتح المثلثة وكسر الراء معروف، وهو أن يثرد الخبز بمرق اللحم، وقد يكون معه اللحم، من أمثالهم الثريد أحد اللحمين، وربما كله أنفع وأقوى من نفس اللحم النضيج إذا ثرد بمرقته، قال التوربشتي قيل: إنما مثل الثريد لأنه أفضل طعام العرب ولا يرون في الشبع أغنى غناء منه، وقيل: إنهم كانوا يحمدون الثريد فيما طبخ بلحم، وروى سيد الطعام اللحم، فكأنها فضلت على النساء، كفضل اللحم على سائر الأطعمة. والسر فيه أن الثريد مع اللحم جامع بين الغذاء واللذة والقوة وسهولة التناول وقلة المؤونة في المضغ وسرعة المرور في المريء، فضرب به مثلاً ليؤذن بأنها أعطيت مع حسن الخلق والخلق وحلاوة النطق فصاحة اللهجة وجودة القريحة ورزانة الرأي ورصانة العقل، والتحبب إلى البعل، فهي تصلح للتبعل والتحدث والاستئناس بها والإصغاء إليها، وحسبك أنها أعقلت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم تعقل غيرها من النساء وروت ما لم يرو، ومثلها من الرجال، ومما يدل على أن الثريد أشهى الأطعمة عندهم وألذها قول الشاعر:(10/383)
وفي البابِ عن عائشةَ وأَبِي مُوسَى قال:
هذا حديثٌ حسن صحيحٌ. وعبُد اللّهِ بنِ عبدِ الرّحْمَنِ بنِ مَعْمَرٍ، هُوَ أبُو طُوَالَةَ الأنْصَارِيّ مَدَنِيّ وَهُوَ ثِقَةٌ.
3975 ـ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا عبُد الرحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ، حدثنا سُفْيَانُ عن أبِي إسْحَاقَ عن عَمْرِو بنِ غالِبٍ "أَنّ رَجُلاً نَالَ مِنْ عَاِئَشَةَ عِنْد عَمارِ بنِ يَاسِرٍ فقال: أَغْرِبْ مَقْبُوحاً مَنْبُوحاً، أَتُؤْذِي حَبِيبَةَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
3976 ـ حَدّثَنَا محمد بن بشار، حدثنا عبدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ، أخبرنا
ـــــــ
إذا ما الخبز تأدمه بلحم
فذاك أمانة الله الثريد
قوله: "وفي الباب عن عائشة وأبي موسى" أما حديث عائشة فأخرجه النسائي في عشرة النساء، وأما حديث أبي موسى فأخرجه الترمذي في باب فضل الثريد من أبواب الأطعمة.
قوله: "وعبد الله بن عبد الرحمن بن معمر" بن حزم الأنصاري "هو أبو طوالة" بضم المهملة المدني قاضي المدينة لعمر بن عبد العزيز ثقة من الخامسة.
قوله: "عن أبي إسحاق" هو السبيعي "عن عمرو بن غالب" الهمداني الكوفي مقبول من الثالثة. قال الحافظ في التقريب، وقال: في تهذيب التهذيب ذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو عمرو الصدفي وثقه النسائي انتهى.
قوله: "أن رجلاً نال من عائشة" أي ذكرها بسوء يقال: نال من فلان إذا وقع فيه "قال" أي عمار "أغرب مقبوحاً منبوحاً" أي أبعد، كأنه أمر بالغروب والاختفاء، والمنبوح من يطرد ويرد "أتؤذي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم" ؟ يعني عائشة الصديقة رضي الله عنها.(10/384)
أَبُو بَكْرِ بنِ عَيّاشٍ، عن أبِي حُصَيْنٍ، عن عبدِ اللّهِ بنِ زِيَادٍ الأسَدِيّ قالَ: سَمِعْتُ عَمّارَ بنَ يَاسِرٍ يقولُ: "هِيَ زَوْجَتُهُ فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ ـ يَعْنِي عَائِشَةَ رضي الله عنها".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
قوله: "عن أبي حصين" اسمه عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي "عن عبد الله بن زياد الأسدي" أبو مريم الكوفي ثقة من الثالثة.
قوله: "هي زوجته في الدنيا والاَخرة يعني عائشة" كذا رواه الترمذي مختصراً ورواه البخاري من وجه آخر عن الحكم سمعت أبا وائل قال: لما بعث علي عماراً والحسن إلى الكوفة ليستنفرهم خطب عمار، فقال إني لاعلم أنها زوجته في الدنيا والاَخرة، ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها. قال العيني قوله: بعث علي أي ابن أبي طالب، وكان علي رضي الله عنه بعث عمار بن ياسر والحسن ابنه إلى الكوفة لأجل نصرته في مقاتلة كانت بينه وبين عائشة بالبصرة ويسمى بيوم الجمل بالجيم، وقوله ليستنفرهم أي ليستنجدهم ويستنصرهم من الاستنفار وهو الاستنجاد والاستنصار، وقوله خطب جواب لما، قوله إنها أي أن عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والاَخرة. وروى ابن حبان من طريق سعيد بن كثير عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والاَخرة" انتهى. وقال الحافظ بعد ذكر حديث عائشة هذا: فلعل عماراً كان سمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم، وقال وقوله في الحديث لتتبعوه أو إياها. قبل الضمير لعلي لأنه الذي كان عمار يدعو إليه والذي يظهر أنه لله. والمراد باتباع الله حكمه الشرعي في طاعة الإمام وعدم الخروج عليه ولعله أشار إلى قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} فإنه أمر حقيقي خوطب به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. ولهذا كانت أم سلمة تقول: لا يحركني ظهر بعير حتى ألقي النبي صلى الله عليه وسلم، والعذر في ذلك عن عائشة أنها كانت متأولة هي وطلحة والزبير، وكان مرادهم إيقاع الإصلاح بين الناس وأخذ القصاص من قتلة عثمان رضي الله عنهم أجمعين، وكان رأي علي الاجتماع على الطاعة وطلب أولياء المقتول القصاص ممن يثبت عليه القتل بشروطه.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والبخاري.(10/385)
4050 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ، أَخبرنا المُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ عن حُمَيْدٍ، عن أَنَسٍ رضي الله عنه قالَ: "قِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَنْ أَحَبّ النّاسِ إِلَيْكَ؟ قالَ: "عَائِشَةُ". قِيلَ مِنَ الرّجَالِ؟ قالَ: "أَبُوهَا".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.
ـــــــ
قوله: "عن حميد" هو الطويل.
قوله: "قال أبوها" أي أبو بكر الصديق لسابقته في الإسلام ونصحه لله ورسوله وبذله نفسه وماله في رضاهما.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه ابن ماجه.(10/386)
فَضْلُ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا
3978 ـ حَدّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرّفَاعِيّ، أَخبرنا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أَبِيهِ، عن عَائِشَةَ قالَتْ: "مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَزْوَاجِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَمَا بِي أَنْ أَكُونَ أَدْرَكْتُهَا، وَمَا ذَاكَ إِلاّ لِكَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَهَا
ـــــــ
"فَضْلُ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا"
هي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد بن أسد القرشية، كانت تحت أبي هالة بن زرارة ثم تزوجها عتيق بن عائذ ثم تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، ولها يومئذ من العمر أربعون سنة وبعض أخرى. وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس وعشرون سنة ولم ينكح صلى الله عليه وسلم قبلها امرأة ولا نكح عليها حتى ماتت، وهي أول من آمن من كافة الناس ذكرهم وأنثاهم، وجميع أولاده منها غير إبراهيم فإنه من مارية، وماتت بمكة قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل بأربع سنين، وقيل بثلاث، وكان قد مضى من النبوة عشر سنين، وكان لها من العمر خمس وستون سنة، وكانت مدة مقامها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين سنة ودفنت بالحجون
قوله: "عن عائشة قالت: ما غرت على أحد من أزواج النبي صلى الله عليه(10/386)
وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشّاةَ فَيَتَتَبّعُ بِهَا صَدائقَ خَدِيجَةَ فَيُهْدِيهَا لَهُنّ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ.
3979 ـ حَدّثَنَا الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، أَخبرنا الْفَضْلُ بنُ مُوسَى، عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أَبِيهِ، عن عَائِشَةَ قالَتْ: "مَا حَسَدْتُ أحداً مَا حَسَدْتُ خَدِيجَةَ، وَمَا تَزَوّجَنِي رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلاّ بَعْدَ مَا مَاتَتْ، وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللّفهِ صلى الله عليه وسلم بَشّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلا نَصَبَ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
وسلم الخ" تقدم هذا الحديث مع شرحه في باب حسن العهد من أبواب البر والصلة.
قوله: "ما حسدت أحداً ما حسدت خديجة" ما الأولى نافية والثانية مصدرية أي ما حسدت مثل حسدي خديجة، والمراد من الحسد هنا الغيرة "وما تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد ما ماتت" أشارت عائشة بذلك إلى أن: خديجة لو كانت حية في زمانها لكانت غيرتها منها أشد وأكثر "وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرها الخ" كان لغيرة عائشة على خديجة أمران الأول كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لها كما في الحديث السابق. والثانية هذه البشارة لأن اختصاص خديجة بهذه البشرى مشعر بمزيد محبة من النبي صلى الله عليه وسلم فيها "ببيت من قصب" بفتح القاف والمهملة بعدها موحدة، قال في النهاية القصب في هذا الحديث لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف. والقصب من الجوهر: ما استطال منه في تجويف "لا صخب فيه ولا نصب" الصخب بفتح الصاد المهملة والخاء المعجمة بعدها موحدة الصياح والمنازعة برفع الصوت، والنصب بفتح النون والصاد المهملة بعدها موحدة التعب.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.(10/387)
3980 ـ حَدّثَنَا هَارُونُ بنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيّ، أَخبرنا عَبْدَةُ عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عن أَبِيهِ عن عَبْدِ اللّهِ بنِ جَعْفَرٍ قالَ: سَمِعْتُ عَلَيّ بنَ أَبي طَالِبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "خَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلدٍ، وَخَيرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ ابنة عِمْرَانَ".
قال وفي البابِ عن أَنَسٍ وَابنِ عَبّاسٍ.
ـــــــ
قوله: "أخبرنا عبدة" هو ابن سليمان الكلابي "عن عبد الله بن جعفر" بن أبي طالب.
قوله: "خير نسائها خديجة بنت خويلد وخير نسائها مريم بنت عمران" قال القرطبي: الضمير عائد على غير مذكور لكنه يفسره الحال والمشاهدة يعني به الدنيا. وقال الطيبي: الضمير الأول يعود على هذه الأمة، الثاني على الأمة التي كانت فيها مريم ولهذا كرر الكلام تنبيهاً على أن حكم كل واحدة منهما غير حكم الأخرى وكلا الفصلين كلام مستأنف، ووقع في رواية مسلم عن وكيع عن هشام في هذا الحديث: وأشار وكيع إلى السماء والأرض فكأنه أراد أن يبين أن المراد نساء الدنيا وأن الضميرين يرجعان إلى الدنيا وبهذا جزم القرطبي أيضاً. قال الحافظ: قد جزم كثير من الشراح أن المراد نساء زمانها لما تقدم في أحاديث الأنبياء في قصة موسى وذكر آسية من حديث أبي موسى رفعه: "كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم وآسية". فقد أثبت في هذا الحديث الكمال لاَسية كما أثبته لمريم فامتنع حمل الخيرية في حديث الباب على الإطلاق. وجاء ما يفسر المراد صريحاً فروى البزار والطبراني من حديث عمار بن ياسر رفعه: "لقد فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين"، وهو حديث حسن الإسناد انتهى. وقال النووي: الأظهر أن معناه أن كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها، وأما التفضيل بينهما فمسكوت عنه.
قوله: "وفي الباب عن أنس وابن عباس" أما حديث أنس فأخرجه الترمذي بعد هذا، وأما حديث ابن عباس فأخرجه النسائي بإسناد صحيح والحاكم(10/388)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
3981 ـ حَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ زَنْجَوِية، حدثنا عَبْدُ الرّزّاقِ، أَخبرنا مَعْمَرٌ، عن قَتَادَةَ عن أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ: مَرْيَمُ ابنة عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحمّدٍ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ".
ـــــــ
عنه مرفوعاً: "أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية".
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي.
قوله: "حدثنا أبو بكر بن زنجوية" هو محمد بن عبد الملك بن زنجوية البغدادي الغزال، ثقة من الحادية عشرة.
وله: "حسبك" أي يكفيك "من نساء العالمين" أي الواصلة إلى مراتب الكاملين في الاقتداء بهن وذكر محاسنهن ومناقبهن وزهدهن في الدنيا وإقبالهن على العقبى. قال الطيبي: حسبك مبتدأ ومن نساء متعلق به ومريم خبره والخطاب إما عام أو لأنس أي كافيك معرفتك فضلهن عن معرفة سائر النساء. قال الحافظ في الفتح: قال السبكي الكبير الذي ندين الله به أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة والخلاف شهير ولكن الحق أحق أن يتبع به. وقال ابن تيمية: جهات الفضل بين خديجة وعائشة متقاربة وكأنه رأى التوقف، وقال ابن القيم: إن أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله فذاك أمر لا يطلع عليه، فإن عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح، وإن أريد كثرة العلم فعائشة لا محالة، وإن أريد شرف الأصل ففاطمة لا محالة وهي فضيلة لا يشاركها فيها غير أخوتها، وإن أريد شرف السيادة فقد ثبت النص لفاطمة وحدها. قال الحافظ: امتازت فاطمة عن أخواتها بأنهن متن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأما ما امتازت به عائشة من فضل العلم فإن لخديجة ما يقابله وهي أنها أول من أجاب إلى الإسلام ودعا إليه وأعان على ثبوته بالنفس والمال والتوجه التام. فلها مثل أجر من جاء بعدها ولا يقدر قدر ذلك إلا الله، وقيل انعقد الإجماع على أفضلية فاطمة، وبقي الخلاف بين عائشة وخديجة انتهى.(10/389)
هَذا حديثٌ صحيحٌ.
ـــــــ
وقال القاري في المرقاة: قال السيوطي في النقاية نعتقد أن أفضل النساء مريم وفاطمة وأفضل أمهات المؤمنين خديجة وعائشة. وفي التفضيل بينهما أقوال ثالثها التوقف. قال القاري: التوقف في حق الكل أولى، إذ ليس في المسألة دليل قطعي والظنيات متعارضة غير مفيدة للعقائد المبنية على اليقينيات انتهى.
قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه أحمد وابن حبان والحاكم في مستدركه.(10/390)
فَأَيّ آيَةٍ أَعْظَمُ مِنْ ذَهَابِ أَزْوَاجِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم؟".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
4056 ـ حَدّثَنَا بندار أَخبرنا عَبْدُ الصّمدِ، بن عبد الوارث، أَخبرنا هَاشِمُ هوبنُ سَعِيد الكُوفِيّ، حدثنا كِنَانَةُ، قال حَدّثَتْنَا صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَيّ قَالَتْ: "دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ بَلَغَنِي عن حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ كَلاَمٌ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: أَلاَ قُلْتِ وَكَيْفَ تَكُونَانِ خَيْراً مِنّي؟ وَزَوْجِي مُحمّدٌ وَأَبي
ـــــــ
للخوف "فاسجدوا" قال الطيبي: هذا مطلق، فإن أريد بالاَية خسوف الشمس والقمر فالمراد بالسجود الصلاة وإن كانت غيرها لمجيء الريح الشديدة والزلزلة وغيرهما فالسجود هو المتعارف ويجوز الحمل على الصلاة أيضاً لما ورد. كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة انتهى "فأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم" لأنهن ذوات البركة فبحياتهن يدفع العذاب عن الناس ويخاف العذاب بذهابهن فينبغي الالتجاء إلى ذكر الله والسجود عند انقطاع بركتهن ليندفع العذاب ببركة الذكر والصلاة قاله القاري.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو داود. وقال المنذري في تلخيص السنن: في إسناده سلم بن جعفر. قال يحيى بن كثير العنبري كان ثقة، وقال الموصلي: متروك الحديث لا يحتج به وذكر هذا الحديث انتهى.
قوله: "أخبرنا عبد الصمد" بن عبد الوارث "حدثتنا صفية بنت حيي" بضم الحاء المهملة وفتح التحتية الأولى وتشديد الأخرى ابن أخطب من بني إسرائيل من سبط هارون بن عمران عليه السلام كانت تحت كنانة بن أبي الحقيق قتل يوم خيبر في محرم سنة سبع ووقعت في السبي فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل وقعت في سهم دحية بن خليفة الكلبي فاشتراها منه بسبعة أرؤس فأسلمت فأعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها، ماتت سنة خمسين ودفنت بالبقيع.
قوله: "وقد بلغني" الواو للحال "فذكرت ذلك" أي الكلام الذي بلغني(10/391)
هَارُون، وَعَمّي مُوسَى، وَكان الّذِي بَلَغَها أَنّهُمْ قالُوا: نَحْنُ أَكْرَمُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا، وَقَالُوا: نَحْنُ أَزْوَاجُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَبَنَاتُ عَمّهِ".
وفي البابِ عن أَنَسٍ. هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ هَاشِمٍ الكُوفِيّ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ.
3984 ـ حَدّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، قَالاَ: حدثنا عَبْدُ الرّزّاقِ، أَخبرنا مَعْمَرٌ، عن ثَابِتٍ، عن أَنَسٍ قَالَ: "بَلَغَ صَفِيّةَ أَنّ حَفْصَةَ قَالَتْ بِنْت يَهُودِيّ، فَبَكَتْ فَدَخَلَ عَلَيْهَا النّبيّ صلى الله عليه
ـــــــ
عنهما "قال" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم مخاطباً لصفية "ألا" حرف التحضيض "وكيف تكونان خيراً مني" الواو للعطف على مقدر، أي هما تزعمان أنهما خير مني وكيف تكونان الخ "وزوجي محمد" صلى الله عليه وسلم والواو للحال "وأبي هارون" أي ابن عمران وكانت صفية من أولاد هارون عليه السلام "وعمي موسى" أي ابن عمران وكان هارون أخا موسى لأبيه وأمه.
فإن قلت: أليست حفصة ابنة نبي وهو إسماعيل عليه السلام لأنها قرشية وعمها نبي وهو إسحاق عليه السلام وتحت نبي وهو النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: هذه الصفات مشتركة بين نسائه صلى الله عليه وسلم اللاتي من قريش وصفية أيضاً مشاركة لهن لأن موسى وهارون من أولاد يعقوب بن إسحاق عليهم السلام والمقصود دفع المنقصة بأنها أيضاً تجمع صفات الفضل والكرم "ثم قالوا" الظاهر أن يكون أنهن قلن، فتذكير الضمير باعتبار أنهن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: "وفي الباب عن أنس" أخرجه الترمذي بعد هذا.
قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه ابن عدي في الكامل "لا نعرفه إلا من حديث هاشم الكوفي وليس إسناده بذاك" أي ليس بالقوي لضعف هاشم هذا.
قوله: "حدثنا إسحاق بن منصور" هو الكوسج "أن حفصة قالت" أي في(10/392)
وسلم وَهِيَ تَبْكي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: قَالَتْ لِي حَفْصَةُ إنّي بِنْت يَهُودِيّ، فَقَالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "وَإنّكِ لابْنَةُ نَبِيّ، وَإنّ عَمّكِ لنبيّ، وَإنّكِ لَتَحْتَ نَبِيّ، فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ؟ ثُمّ قَالَ: اتّقِي اللّهَ يَا حَفْصَةُ". هَذا حديثٌ حَسنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
3985 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا مُحمّدُ بن خَالِدِ بنِ عَثمَةَ، حدثني مُوسَى بنُ يَعْقُوبَ الزّمْعِيّ، عن هَاشِمِ بنِ هَاشِمٍ، أَنّ عَبْدَ اللّهِ بنَ وَهْبِ بن زمعة أَخْبَرَهُ أَنّ أُمّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ: "أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَا فَاطِمَةَ عَامَ الْفَتْحِ، فَنَاجَاهَا فَبَكَتْ، ثُمّ حَدّثَهَا فَضَحِكَتْ، قَالَتْ:
ـــــــ
حق صفية "بنت يهودي" أي نظر إلى أبيها "قالت" أي صفية "قالت لي حفصة" أي في حقي "وإنك لابنة نبي" أي هارون بن عمران عليه السلام "وإن عمك لنبي" أي موسى بن عمران عليه السلام "وإنك لتحت نبي" أي الاَن "ففيم تفخر عليك" بفتح الخاء أي في أي شيء تفخر حفصة عليك "ثم قال اتقي الله" أي مخالفته أو عقابه بترك مثل هذا الكلام الذي هو من عادات الجاهلية.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه النسائي.
قوله: "عن هاشم بن هاشم" بن عتبة بن أبي وقاص الزهري المدني ويقال هاشم بن هاشم وثقه ابن معين والنسائي "أن عبد الله بن وهب" بن زمعة بن الأسود بن المطلب الأسدي الأصغر، كان عريف قومه بني أسد وقتل أخوه عبد الله الأكبر يوم الدار وهو ثقة من الثالثة.
قوله: "دعا فاطمة عام الفتح" قال القاري: الظاهر أن هذا وهم إذ لم يثبت عند أرباب السير وقوع هذه القضية عام الفتح بل كان هذا في عام حجة الوداع أو حال مرض موته عليه السلام انتهى.(10/393)
فَلَمّا تُوُفّيَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلْتُهَا عن بُكَائِها وَضَحِكِهَا، قَالَتْ: أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ يَمُوتُ فَبَكَيْتُ، ثُمّ أَخْبَرَنِي أَنّي سَيّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنّةِ إلاّ مَرْيمَ بِنْتَ عِمْرَانَ فَضَحِكْتُ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
3986 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ يَحْيَى، حدثنا مُحمّدُ بنُ يُوسُفَ، حدثنا سُفْيَانُ عن هِشَامِ بنِ دعُرْوَةَ عن أَبِيهِ عن عَائِشَةَ، قَالَتْ: قالَ رسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لاِهلِي، وَإذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ".
ـــــــ
قلت: حديث عائشة المتقدم في فضل فاطمة صريح في أنه كان في مرض موته صلى الله عليه وسلم "فناجاها" أي كلمها بالسر "ثم حدثها" أي خفية أيضاً "عن بكائها وضحكها" أي عن سببهما "أنه يموت" أي قريباً "ثم أخبرني أني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران" الاستثناء يحتمل التساوي ويحتمل العكس في الفضل، وقيل لعله ورد قبل أن يوحى إليه صلى الله عليه وسلم بفضل فاطمة على نساء العالمين كذا في اللمعات "فضحكت" قد سبق في فضل فاطمة في حديث عائشة، ثم أخبرني أني أسرع أهله لحوقاً به. فذاك حين ضحكت فلعله صلى الله عليه وسلم أخبرها عن الأمرين جميعاً والله أعلم.
قوله: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه" وأخرجه النسائي في خصائص علي.
قوله: "حدثنا محمد بن يحيى" هو الإمام الذهلي "أخبرنا محمد بن يوسف" الضبي الفريابي "أخبرنا سفيان" الثوري.
قوله: "خيركم خيركم لأهله" أي لعياله وذوي رحمه وقيل لأزواجه وأقاربه وذلك لدلالته على حسن الخلق "وأنا خيركم لأهلي" فأنا خيركم مطلقاً وكان أحسن الناس عشرة لهم وكان على خلق عظيم "وإذا مات صاحبكم" أي واحد منكم ومن(10/394)
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وَرُوِيَ هَذَا عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أَبِيهِ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً.
3987 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ يَحْيَى، حدثنا مُحمّدُ بنُ يُوسُفَ عن إِسْرَائِيلَ عن الْوَلِيدِ عن زَيْدِ بنِ زَائدَةَ عن عَبْدِ اللّهِ بنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يُبَلّغُنِي أَحَدٌ عن أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئاً فَإِنّي أُحِبّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصّدْرِ،" قالَ عَبْدُ اللّهِ: فَأُتِيَ رسولُ اللّهِ
ـــــــ
جملة أهاليكم "فدعوه" أي اتركوا ذكر مساويه فإن تركه من محاسن الأخلاق، دلهم صلى الله عليه وسلم على المجاملة وحسن المعاملة مع الأحياء والأموات، ويؤيده حديث: "اذكروا أمواتكم بالخير"، وقيل إذا مات فاتركوا محبته والبكاء عليه والتعلق به. والأحسن أن يقال فاتركوه إلى رحمة الله تعالى فإن ما عند الله خير للأبرار. والخير أجمع فيما اختار خالقه، وقيل أراد به نفسه أي دعوا التحسر والتلهف عليّ فإن فيّ لله خلفاً عن كل فائت، وقيل معناه: إذا مت فدعوني ولا تؤذوني وأهل بيتي وصحابتي وأتباع ملتي.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الدارمي وأخرجه ابن ماجه عن ابن عباس إلى قوله لأهلي.
قوله: "عن الوليد" بن هشام، ويقال ابن أبي هشام الكوفي، مولى همدان مستور "عن زيد بن زائدة" ويقال ابن زائد بغير هاء، مقبول من الثانية.
قوله: "لا يبلغني" بتشديد اللام ويخفف وهو نفي بمعنى النهي، أي لا يوصلني "من أحد" أي من قبل أحد "شيئاً" أي مما أكرهه وأغضب عليه وهو عام في الأفعال والأقوال بأن شتم أحداً وآذاه قال فيه خصلة سوء "فإني أحب أن أخرج إليهم" أي من البيت وألاقيهم "وأنا سليم الصدر" أي من مساويهم جملة حالية. قال ابن الملك: والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم يتمنى أن يخرج من الدنيا وقلبه راض عن أصحابه من غير سخط على أحد منهم. وهذا تعليم للأمة أو من(10/395)
صلى الله عليه وسلم بِمَالٍ فَقَسمَهُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فَانْتَهَيْتُ إِلَى رَجُلَيْنٍ جَالِسَيْنِ وَهُمَا يَقُولاَنِ: وَاللّهِ مَا أَرَادَ مُحمّدٌ بِقِسْمَتِهِ الّتِي قَسَمَهَا وَجْهَ اللّهِ، وَلاَ الدّارَ الاَخِرَةَ، فَتَثَبّتّ حِينَ سَمِعْتُهَما فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ فَاحْمَرّ وَجْهُهُ، وَقَالَ: "دَعْنِي عَنْكَ، فَقَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ".
هَذا حديثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وقد زيدَ في هَذَا الإِسْنَادِ رَجُلٌ.
3988 ـ أخبرنا مُحمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخبرنا عَبْدُ اللّهِ بنِ مُحمّدٍ، أَخبرنا عُبَيْدُ اللّهِ بنِ مُوسَى والْحُسَيْنُ بنُ مُحمّدٍ عن إِسْرَائِيلَ عن السّدّيّ عن الْوَلِيدِ
ـــــــ
مقتضيات البشرية "فأتى" بصيغة المجهول "بمال" الباء للتعدية "ما أراد محمد بقسمته التي قسمها وجه الله ولا الدار الاَخرة" أي أنه لم يعدل في هذه القسمة "فنثيت" يقال نثيت الخبر ونثوته إذا حدثت به وأشعته "حين سمعتها" أي حين سمعت مقولتهما "دعني عنك" أي اتركني عنك ولا تتعرض عندي لمثل هذا. وفي الحديث جواز المفاضلة في القسمة والإعراض عن الجاهل والصفح عن الأذى والتأسي بمن مضى من النظراء.
قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أبو داود إلى قوله: فإني أحب أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر. وقال المنذري في إسناده: الوليد بن أبي هشام قال أبو حاتم الرازي ليس بالمشهور انتهى، وأما باقي الحديث فأخرج نحوه الشيخان "وقد زيد في هذا الإسناد رجل" وهو السدي.
قوله: "أخبرنا محمد بن إسماعيل" هو الإمام البخاري "أخبرنا عبد الله بن محمد" بن عبد الله بن جعفر الجعفي أبو جعفر البخاري المعروف بالمسندي، ثقة حافظ جمع المسند من العاشرة "حدثنا عبيد الله بن موسى" العبسي الكوفي "والحسين بن محمد" بن بهرام التميمي "عن إسرائيل" بن يونس الكوفي "عن(10/396)
بنِ أَبي هِشَامٍ، عن زَيْدِ بنِ زَائِدَةَ عن بنِ مَسْعُودٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم شَيْئاً مِنْ هَذَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
السدي" هو إسماعيل بن عبد الرحمن "شيئاً من هذا" أي مختصراً "من غير الوجه" كذا في النسخ الحاضرة. والظاهر أنه غلط والصواب غريب من هذا الوجه. يدل على ذلك كلام الحافظ ابن كثير فإنه قال في تفسيره بعد نقل حديث عبد الله بن مسعود هذا عن سنن أبي داود ما لفظه: كذا رواه الترمذي في المناقب عن الذهلي سواء إلا أنه قال زيد بن زائدة ورواه أيضاً عن محمد بن إسماعيل عن عبد الله بن محمد عن عبيد الله بن موسى وحسين بن محمد كلاهما عن إسرائيل عن السدي عن الوليد بن أبي هشام به مختصراً أيضاً فزاد في إسناده السدي ثم قال غريب من هذا الوجه انتهى.(10/397)
فَضْل أُبِيّ بنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْه
3989 ـ حَدّثَنَا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أَخبرنا أَبُو دَاودَ، أَخبرنا شُعْبَةُ عن عَاصِمٍ، قالَ: سَمِعْتُ زِرّ بنَ حُبَيْشٍ يُحَدّثُ عن أُبَيّ بنِ كَعْبٍ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ لَهُ "إِنّ اللّهَ أَمَرَنِي أَنْ اقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ
ـــــــ
"فَضْل أُبِيّ بنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْه"
هو أبي بن كعب الأنصاري الخزرجي كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم الوحي وهو أحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد الفقهاء الذين كانوا يفتون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أقرأ الصحابة لكتاب الله تعالى. كناه النبي صلى الله عليه وسلم أبا المنذر وعمر أبا الطفيل. وسماه النبي صلى الله عليه وسلم سيد الأنصار وعمر سيد المسلمين، مات بالمدينة سنة تسع عشرة
قوله: "أخبرنا أبو داود" هو الطيالسي "عن عاصم" بن بهدلة.(10/397)
فَقَرَأَ عَلَيْهِ {لَمْ يَكُنْ الّذِينَ كَفَرُوا} وَقَرَأَ فِيهَا: إِنّ ذاتَ الدّينِ عِنْدَ اللّهِ الْحَنِيفِيّةُ المُسْلِمَةُ لاَ اليَهُودِيّةُ، وَلاَ النّصْرَانِيّةُ، وَلاَ المَجُوسِيّةُ، مَنْ يَعْمَلْ خَيْراً فَلَنْ يُكْفَرَهُ. وَقَرَأَ عَلَيْهِ: لَوْ أَنّ لابنِ آدَمَ وَادِياً مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَى إِلَيْهِ ثَانِياً، وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَانِياً لابْتَغَى إِلَيْهِ ثَالِثاً، وَلاَ يَمْلأُ جَوْفَ ابنِ آدَمَ إِلاّ التُرَابٌ، وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَنْ تَابَ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غير هَذَا الْوَجْهِ. رواه عَبْدُ اللّهِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أَبْزَى عن أَبِيهِ عن أُبَيّ بنِ كَعْبٍ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ له لأبي بن كعب رضي الله عنه: "إِنّ اللّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ" وَقَدْ رواه قَتَادَةُ عن أَنَسٍ أَنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ لأُبَيَ بن كعب "إِنّ اللّهَ تَعَالَى أَمَرَني أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ".
ـــــــ
قوله: "إن الدين عند الله الحنيفية" أي الشريعة المائلة عن كل دين باطل فهي حنيفية في التوحيد، وأصل الحنف الميل، والحنيف المائل إلى الإسلام الثابت عليه. والحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم عليه السلام "المسلمة" أي المنسوبة إلى الإسلام "من يعمل خيراً فلن يكفره" بضم التحتية وفتح الفاء على بناء المجهول أي لن يعدم ثوابه ولن يحرمه بل يشكره الله له ويجازيه به "وقرأ عليه لو أن لابن آدم وادياً الخ" تقدم شرحه في باب لو كان لابن آدم واديان من مال من أبواب الزهد.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والحاكم قال الحافظ في الفتح إسناده جيد "وروى عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب الخ" وصله أحمد في مسنده "وقد روى قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي الخ" وصله أحمد والشيخان والنسائي.(10/398)
فِي فَضْلِ الأَنْصَارِ وَقُرَيْش
3990 ـ حَدّثَنَا بندار أَخبرنا أَبُو عَامِرٍ عن زُهَيْرِ بنِ مُحمّدٍ عن عَبْدِ اللّهِ بنِ مُحمّدِ بنِ عُقَيْلٍ عن الطّفَيْلِ بنِ أُبيّ بنِ كَعْبٍ، عن أَبِيهِ قالَ: قالَ رسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : "لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ".
ـــــــ
"في فضل الأنصار وقريش"
الأنصار جمع نصير: مثل شريف، وأشراف النصير الناصر وجمعه نصر مثل صاحب وصحب، والأنصار اسم إسلامي سمى به النبي صلى الله عليه وسلم الأوس والخزرج وحلفاءهم والأوس ينتسبون إلى الأوس بن حارثة والخزرج ينتسبون إلى الخزرج بن حارثة وهما ابنا قيلة بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة، وقيل قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن قضاعة، وأبوهما حارثة بن ثعلبة من اليمن. فأما قريش فاختلف في أن من هو الذي تسمى بقريش من أجداد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الزبير: قالوا قريش اسم فهر بن مالك وما لم يلد فهر فليس من قريش، قال الزبير قال عمي: فهر هو قريش اسمه وفهر لقبه، وكنية فهر أبو غالب وهو جماع قريش، وقال ابن هشام: النضر هو قريش فمن كان من ولده فهو قريش ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي وهذا قول الجمهور، قيل قصي هو قريش. وقال عبد الملك بن مروان سمعت أن قصياً كان يقال له قريش ولم يسم أحد قريشاً قبله، والقولان الأولان حكاهما غير واحد من أئمة علم النسب. كأبي عمر بن عبد البر والزبير بن بكار ومصعب وأبي عبيدة، والصحيح الذي عليه الجمهور هو النضر، وقيل الصحيح فهر. وقد اختلف في وجه التسمية بقريش على خمسة عشر قولاً ذكرها العيني في شرح البخاري
قوله: "حدثنا أبو عامر" العقدي "عن زهير بن محمد" التميمي.
قوله: "لولا الهجرة لكنت أمراً من الأنصار" قال الخطابي: أراد بهذا الكلام تألف الأنصار وتطييب قلوبهم والثناء عليهم في دينهم حتى رضي أن يكون واحداً منهم لولا ما يمنعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها، ونسبة الإنسان على وجوه الولادية كالقرشية والبلادية كالكوفية والاعتقادية كالسنية والصناعية(10/399)
وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو سلك الناس وادياً أو شِعباً لكنت مع الأنصار"
هذا حديث حسن.
3991 ـ حَدّثَنَا محمد بن بشّارٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ جعْفَرٍ، أَخبرنا شُعْبَةُ عن عَدِيّ بنِ ثَابِتٍ عن الْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ: أَنّهُ سَمِعَ النّبيّ صلى الله عليه
ـــــــ
كالصيرفية ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد به الانتقال عن نسب آبائه إذ ذاك ممتنع قطعاً، وكيف وأنه أفضل منهم نسباً، وأكرمهم أصلاً. وأما الاعتقادي فلا موضع فيه للانتقال إذ كان دينه ودينهم واحداً فلم يبق إلا القسمان الأخيران الجائز فيهما الانتقال، وكانت المدينة دار الأنصار والهجرة إليها أمراً واجباً، أي لولا أن النسبة الهجرية ولا يسعني تركها لانتقلت عن هذا الاسم إليكم ولانتسبت إلى داركم. قال الخطابي: وفيه وجه آخر وهو أن العرب كانت تعظم شأن الخؤولة وتكاد تلحقها بالعمومة، وكانت أم عبد المطلب امرأة من بني النجار، فقد يكون صلى الله عليه وسلم ذهب هذا المذهب إن كان أراد به نسبة الولادة "لو سلك الأنصار وادياً" أي طريقاً والوادي المكان المنخفض وقيل الذي فيه ماء والمراد هنا الطريق حسياً كان أو معنوياً "أو شعباً" بكسر الشين المعجمة وسكون العين المهملة وهو اسم لما انفرج بين جبلين وقيل الطريق في الجبل. قال الخطابي: لما كانت العادة أن المرء يكون في نزوله وارتحاله مع قومه وأرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب فإذا تفرقت في السفر الطرق سلك كل قوم منهم وادياً وشعباً فأراد أنه مع الأنصار. قال ويحتمل أن يريد بالوادي المذهب كما يقال فلان في واد وأنا في واد. قيل أراد صلى الله عليه وسلم بذلك حسن موافقته إياهم وترجيحهم في ذلك على غيرهم لما شاهد منهم حسن الوفاء بالعهد، وحسن الجوار وما أراد بذلك وجوب متابعته إياهم، فإن متابعته حق على كل مؤمن ومؤمنة لأنه صلى الله عليه وسلم هو المتبوع المطاع لا التابع المطيع.
قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد في مسنده.(10/400)
وسلم أَوْ قالَ: قالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فِي الأَنْصَارِ: "لاَ يُحِبّهُمْ إِلاّ مُؤْمِنٌ وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إلاّ مُنَافِقٌ. مَنْ أَحَبّهُمْ فَأَحَبّهُ اللّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمُ فَأَبْغَضَهُ اللّهُ، فَقُلْنا لَهُ َأَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنَ الْبَرَاءِ؟ فَقَالَ: إيّايَ حَدّثَ".
هَذا حديثٌ صحيحٌ.
3992 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ قال حدثنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ، أَخبرنا
ـــــــ
قوله: "لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق" قال ابن التين: المراد حب جميعهم وبغض جميعهم لأن ذلك إنما يكون للدين ومن أبغض بعضهم لمعنى يسوغ البغض له فليس داخلاً في ذلك وهو تقرير حسن، وخصوا بهذه المنقبة العظمى لما فازوا به دون غيرهم من القبائل من إيواء النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه والقيامة بأمرهم ومواساتهم بأنفسهم وأموالهم وإيثارهم إياهم في كثير من الأمور على أنفسهم فكان صنيعهم لذلك موجباً لمعاداتهم جميع الفرق الموجودين من عرب وعجم والعداوة تجر البغض. ثم كان ما اختصوا به مما ذكر موجباً للحسد والحسد يجر البغض، فلهذا جاء التحذير من بغضهم والترغيب في حبهم حتى جعل ذلك آية الإيمان والنفاق تنويهاً بعظيم فضلهم وتنبيهاً على كريم فعلهم، وإن كان من شاركهم في معنى ذلك مشاركاً لهم في الفضل المذكور كل بقسطه، وقد ثبت في صحيح مسلم عن علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق". وهذا جار باطراد في أعيان الصحابة لتحقق مشترك الإكرام لما لهم من حسن العناء في الدين. قال صاحب المفهم، وأما الحروب الواقعة بينهم فإن وقع من بعضهم بغض لبعض فذاك من غير هذه الجهة بل للأمر الطاريء الذي اقتضى المخالفة ولذلك لم يحكم بعضهم على بعض بالنفاق وإنما كان حالهم في ذلك حال المجتهدين في الأحكام للمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد. كذا في الفتح.
قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه البخاري في المناقب ومسلم في الإيمان والنسائي في المناقب وابن ماجه في السنة.(10/401)
شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عن أَنَسٍ قَالَ: "جَمَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَاساً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: "هَلُمّ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ" ، فَقَالُوا: لاَ، إِلاّ ابنَ أُخْتٍ لَنَا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " ابنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ"، ثُمّ قَالَ: "إِنّ قُرَيْشاً حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِجَاهِلِيّةٍ وَمُصِيبَةٍ، وَإِنّي أَرَدْتُ أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأَتأَلّفَهُمْ.
ـــــــ
قوله: "جمع ناساً من الأنصار" وعند البخاري من رواية الزهري عن أنس قال: قال ناس من الأنصار حين أفاء الله على رسوله ما أفاء من أموال هوازن فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يعطي رجالاً المائة من الإبل. فقالوا: يغفر الله لرسول الله يعطي قريشاً ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. قال أنس فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالتهم فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم، ولم يدع معهم غيرهم. فلما اجتمعوا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما حديث بلغني عنكم؟" فقال فقهاء الأنصار أما رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئاً وأما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريش ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فإني أعطي رجالاً حديثي عهد بكفر أتألفهم" الحديث "فقال هلم" أي تعالوا وفيه لغتان فأهل الحجاز يطلقونه على الواحد والجمع والاثنين والمؤنث بلفظ واحد مبني على الفتح، وبنو تميم تثني وتجمع وتؤنث فنقول هلم وهلمي وهلما وهلموا "فقال ابن أخت القوم منهم" أي هو متصل بأقربائه في جميع ما يجب أن يتصل به كنصرة ومشورة ومودة وسر، لا في الإرث فلا يدل على توريث ذوي الأرحام قاله المناوي، وقال النووي في شرح مسلم: استدل به من يرث ذوي الأرحام وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وآخرين، ومذهب مالك والشافعي وآخرين أنهم لا يرثون وأجابوا بأنه ليس في هذا اللفظ ما يقتضي توريثه وإنما معناه أن بينه وبينهم ارتباطاً وقرابة ولم يتعرض للإرث، وسياق الحديث يقتضي أن المراد كالواحد منهم في إفشاء سرهم بحضرته ونحو ذلك انتهى "حديث" بالتنوين "عهدهم" بالرفع "بجاهلية" أي قريب زمانهم بجاهلية "ومصيبة" من نحو قتل أقاربهم وبفتح بلادهم "أن أجبرهم" بفتح الهمزة وسكون الجيم وضم الموحدة وبالراء(10/402)
أَمَا تَرْضونَ أَنْ يَرْجِعَ النّاسُ بِالدّنْيَا وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بُيُوتِكُمْ، قالُوا: بَلَى، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ سَلَكَ النّاسُ وَادِياً أَوْ شِعْباً وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِياً أَوْ شِعْباً لَسَلَكْتُ وَادِي الأَنْصَارِ و شِعْبهمْ".
هَذا حديثٌ صحيحٌ.
3993 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا هُشَيْمٌ، أَخبرنا عليّ بن زَيْدِ بنِ جَدْعَانَ أخبرنا النّضْرُ بنُ أَنَسٍ عن زَيْدِ بنِ أَرْقَم: "أَنّهُ كَتَبَ إِلَى أَنَسِ بنِ مَالِكٍ يُعَزّيهِ فِيمَنْ أُصِيبَ مِنْ أَهْلِهِ وَبَنِى عَمّهِ يَوْمَ الْحَرّةِ،.
ـــــــ
من جبرت الوهن والكسر إذا أصلحته، وجبرت المصيبة إذا فعلت مع صاحبها ما ينساها به "وأتألفهم" أي أطلب ألفتهم بالإسلام بإعطاء المال لا لكونهم من قريش أو لغرض آخر "أما ترضون أن يرجع الناس" أي غيركم من المؤلفة قلوبهم "بالدنيا" وفي رواية بأموال وفي رواية بالشاة والبعير.
قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي.
قوله: "أخبرنا هشيم" بن بشير بن القاسم السلمي.
قوله: "يعزيه" من التعزية أي يحمله على العزاء بالمد وهو الصبر "يوم الحرة" قال الجزري في النهاية: الحرة يوم مشهور في الإسلام أيام يزيد بن معاوية لما انتهب المدينة عسكره من أهل الشام الذين ندبهم لقتال أهل المدينة من الصحابة والتابعين وأمر عليهم مسلم بن عقبة المري في ذي الحجة في سنة ثلاث وستين وعقيبها هلك يزيد، والحرة هذه أرض بظاهر المدينة بها حجارة سود كثيرة وكانت الوقعة بها انتهى. وقال الحافظ في الفتح: وكان سبب وقعة الحرة أن أهل المدينة خلعوا بيعة يزيد بن معاوية لما بلغهم ما يتعمده من الفساد فأمر الأنصار عليهم عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر وأمر المهاجرون عليهم عبد الله بن مطيع العدوي وأرسل إليهم يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة المري في جيش كثير فهزمهم واستباحوا(10/403)
فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنّي أُبَشّرُكَ بِبُشْرَى مِنَ اللّهِ إِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "اللّهُمّ اغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَلِذَرَارِيّ الأَنْصَارِ وَلِذَرَارِيّ ذَرَارِيهِمْ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رَوَاهُ قَتَادةُ، عن النّضْرِ بنِ أَنَسٍ، عن زيْدِ بنِ أَرْقَمَ.
3994 ـ حَدّثَنَا عَبْدَةُ بنُ عبْدِ اللّهِ الْخُزَاعِيّ الْبَصْرِيّ حدثنا أَبُو دَاودَ، وَعَبْدُ الصّمَدِ، قَالاَ: أَخبرنا مُحمّدُ بنُ ثَابِتٍ البُنَانِيّ عن أَبِيهِ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ عن أَبي طَلْحَةَ قَالَ: قَالَ لِي رسولُ اللّهِ صلى الله عليه
ـــــــِ
المدينة وقتلوا ابن حنظلة وقتل من الأنصار شيء كثير جداً وكان أنس يومئذ بالبصرة فبلغه ذلك فحزن على من أصيب من الأنصار فكتب إليه زيد بن أرقم وكان يومئذ بالكوفة يسليه، ومحصل ذلك أن الذي يصير إلى مغفرة الله لا يشتد الحزن عليه فكان ذلك تعزية لأنس فيهم "فكتب إليه" أي كتب زيد بن أرقم إلى أنس "أنا أبشرك ببشرى من الله" البشرى بضم الموحدة وسكون المعجمة اسم من البشارة وهي الإخبار بما يسر "إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم" هذا بيان للبشرى وقد تقدم محصل التعزية في كلام الحافظ "ولذراري الأنصار" بتشديد الياء وتخفيفها جمع ذرية، قال في القاموس الذرية بالضم ويكسر ولد الرجل والجمع الذريات والذراري، وروى البخاري عن أنس بن مالك يقول: حزنت على من أصيب بالحرة فكتب إلى زيد بن أرقم وبلغه شدة حزني يذكر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار".
قوله: "وقد رواه قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم" وصله مسلم في صحيحه ولفظه: اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار.
قوله: "أخبرنا أبو داود" الطيالسي "وعبد الصمد" بن عبد الوارث "عن أبي طلحة" هو زوج أم أنس بن مالك واسمه زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصاري البخاري مشهور بكنيته من كبار الصحابة شهد بدراً وما بعدها مات(10/404)
وسلم: "اقْرئْ قَوْمَكَ السّلاَمَ فَإِنّهُمْ مَا عَلِمْتُ أَعِفّةٌ صُبُرٌ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ
3995 ـ حَدّثَنَا الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، حدّثني الْفَضْلُ بن مُوسَى، عن زَكَرِيّا بنِ أَبي زَائِدَةَ، عن عَطِيّةَ، عن أَبي سَعِيدٍ ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَلاَ إِنّ عَيْبَتِي الّتِي آوِي إِلَيْها أَهْلُ بَيْتِي وَإِنّ كَرِشِي الأَنْصَارُ فَاعْفُوا عن مُسِيئهِمْ وَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ".
ـــــــ
سنة أربع وثلاثين، وقال أبو زرعة الدمشقي عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة "اقرئ قومك السلام" أمر من الإقراء أو من قرأ يقرأ أي أبلغهم السلام "فإنهم" أي قومك "ما علمت" ما موصولة أي بناء على ما علمته فيهم من الصفات "أعفة" بفتح فكسر فتشديد جمع عفيف وهي خبر إن وما علمت معترضة "صبر" بضمتين جمع صابر كبزل وبازل. قال الطيبي: ما موصولة والخبر محذوف أي الذي علمت منهم أنهم كذلك يتعففون عن السؤال ويتحملون الصبر عند القتال وهو مثل ما في الحديث: يقلون عند الطمع ويكثرون عند الفزع، وقيل ما مصدرية يعني أنهم يتعففون ويتحملون مدة علمي بحالهم أو في علمي بحالهم أو موصولة أي فيما علمت منهم.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البزار وفيه أيضاً محمد بن ثابت البناني وهو ضعيف.
قوله: "أخبرنا الفضل بن موسى" السيناني المروزي "عن عطية العوفي".
قوله: "ألا" بالتخفيف للتنبيه "إن عيبتي" أي خاصتي "التي آوي" أي أميل وأرجع "وإن كرشي" أي بطانتي "فاعفوا عن مسيئهم واقبلوا من محسنهم" الضمير راجع إلى الصنفين من أهل البيت والأنصار على حد قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا} ويحتمل أن يرجع إلي الأخير والأول يفهم بالطريق الأولى.(10/405)
هَذا حديثٌ حَسَنٌ. وفي البابِ عن أَنَسٍ.
3996ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أَخبرنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ، أَخبرنا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدّثُ عن أَنسِ بنِ مَالِكٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَإِنّ النّاسَ سَيَكْثُرونَ وَيَقِلّونَ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عن مُسِيئِهِمْ".
ـــــــ
قوله: "وفي الباب عن أنس" أخرجه الترمذي بعد هذا.
قوله: "الأنصار كرشي وعيبتي" في القاموس الكرش بالكسر وككتف لكل مجتر بمنزلة المعدة للإنسان مؤنثة، وعيال الرجل وصغار ولده والجماعة والعيبة بفتح المهملة وسكون المثناة التحتية بعدها موحدة زنبيل من أدم ونحوه وما يجعل فيه الثياب ومن الرجل موضع سره، قال في النهاية: أراد أنهم بطانته وموضع سره وأمانته والذين يعتمد عليهم في أموره واستعار الكرش والعيبة لذلك لأن المجتر يجمع علفه في كرشه والرجل يضع ثيابه في عيبته، وقيل أراد بالكرش الجماعة أي جماعتي وصحابتي يقال عليه كرش من الناس أي جماعة انتهى، وقال التوربشتي الكرش لكل مجتر بمنزلة المعدة للإنسان والعرب تستعمل الكرش في كلامهم موضع البطن والبطن مستودع مكتوم السر والعيبة مستودع مكنون المتاع والأول أمر باطن والثاني أمر ظاهر، ويحتمل أنه ضرب المثل بهما إرادة اختصاصهم به في أموره الظاهرة والباطنة "وإن الناس سيكثرون" بضم المثلثة "ويقلون" بفتح الياء وكسر القاف وتشديد اللام أي ويقل الأنصار، قال الحافظ فيه إشارة إلى دخول قبائل العرب والعجم في الإسلام وهم أضعاف أضعاف قبيلة الأنصار، فمهما فرض في الأنصار من الكثرة كالتناسل فرض في كل طائفة من أولئك فهم أبداً بالنسبة إلى غيرهم قليل. ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم اطلع على أنهم يقلون مطلقاً فأخبر بذلك فكان كما أخبر لأن الموجودين الاَن من ذرية علي بن أبي طالب ممن يتحقق نسبه إليه أضعاف من يوجد من قبيلتي الأوس والخزرج ممن يتحقق نسبه وقس على ذلك ولا التفات إلى كثرة من يدعي أنه منهم بغير برهان "فاقبلوا من محسنهم" أي إن أتوا بعذر فيما صدر عنهم(10/406)
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3997ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الْحَسَنِ أَخبرنا سُلَيْمَانُ بنُ دَاودَ الْهَاشِمِيّ أخبرنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ أَخبرنا صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ عن الزّهْرِيّ عن مُحمّدِ بنِ أَبي سُفْيَانَ عن يُوسُفَ بنِ الْحَكَمِ عن مُحَمّدِ بنِ سَعْدٍ عن أَبِيهِ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يُرِدْ هَوَانَ قُرَيْشٍ أَهَانَهُ اللّهُ".
هَذا حديثٌ غَرِيبٌ.
3998ـ أخبرنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حدثنا يَعْقُوبُ بنُ إِبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدٍ، حدثني أَبي عن صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ عن ابنِ شِهَابٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ.
3999ـ حَدّثَنَا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا بِشْرُ بنُ السرّيّ وَالمُؤَمّلُ
ـــــــ
"وتجاوزوا عن مسيئهم" أي إن عجزوا عن عذر والتجاوز عن المسيء مخصوص بغير الحدود وحقوق الناس.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي.
قوله: "حدثنا أحمد بن الحسن" بن جنيدب الترمذي "أخبرنا إبراهيم بن سعد" بن إبراهيم بن إبراهيم الزهري "عن محمد بن أبي سفيان" بن العلاء بن جارية الثقفي أبي بكر الدمشقي مقبول من السادسة "عن يوسف بن الحكم" بن أبي عقيل عمرو بن مسعود بن عامر الثقفي والد الحجاج الأمير وقد ينسب لجده مقبول من الثالثة.
قوله: "من يرد" من الإرادة "هوان قريش" بفتح الهاء أي ذلهم وإهانتهم "أهانه الله" أي أذله وأخزاه. قال المناوي: خرج مخرج الزجر والتهويل ليكون الانتهاء عن أذاهم أسرع امتثالاً وإلا فحكم الله المطرد في عدله أنه لا يعاقب على الإرادة انتهى. قلت وفي رواية لأحمد: من أهان قريشاً أهانه الله عز وجل.
قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد والحاكم قال المناوي وإسناده جيد.
قوله: "والمؤمل" بن إسماعيل البصري.(10/407)
قالاَ: أخرنا سُفْيَانُ عن حَبِيبِ بنِ أَبي ثَابِتٍ عن سَعِيدٍ بنِ جُبَيْرٍ عن ابنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ لِي: "لاَ يُبْغِضُ الأَنْصَارَ رجل يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْم الاَخِرِ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
4073 ـ حَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ أَخبرنا أَبُو يَحْيَىَ الْحِمّانِيّ عن الأَعْمَشِ عن طَارِقِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عن ابنِ عَبّاسٍ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللّهُمّ أَذَقْتَ أَوّلَ قُرَيْشٍ نَكَالاً فَأَذِقْ آخِرَهُمْ نَوَالاً".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
قوله: "لا يبغض الأنصار" أي جميعهم أو جنسهم.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الطبراني وزاد: ولا يحب ثقيفاً رجل يؤمن بالله واليوم الاَخر. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني يحيى بن عثمان بن صالح السهمي وهو صدوق وفيه خلاف لا يضر انتهى، وأخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة وأبي سعيد.
قوله: "حدثنا أبو يحيى الحماني" بكسر المهملة وتشديد الميم اسمه عبد الحميد بن عبد الرحمن "عن طارق بن عبد الرحمن" البجلي الأحمسي الكوفي صدوق له أوهام من الخامسة.
قوله: "اللهم أذقت أول قريش" أي يوم بدر والأحزاب "نكالاً" بفتح النون أي عذاباً بالقتل والقهر وقيل بالقحط والغلاء "فأذق آخرهم نوالاً" أي إنعاماً وعطاءً وفتحاً من عندك. وقال في اللمعات: لعل المراد بالنكال ما أصاب أوائلهم بكفرهم وإنكارهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخزي والعذاب والقتل، وبالنوال وما حصل لأواخرهم من العزة والملك والخلافة والإمارة ما لا يحيط بوصفه البيان انتهى.(10/408)
4001 ـ حَدّثَنَا عَبْدُ الوَهّابِ الوَرّاقُ، حدثني يَحْيَىَ بنُ سَعِيدٍ الأَمَوِيّ عن الأَعْمَشِ نَحْوَهُ.
4002 ـ حَدّثَنَا الْقَاسِمُ بنُ دِينَارٍ الكُوفِيّ أَخبرنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ عن جَعْفِرٍ الأَحْمَرِ عن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ عن أَنَسٍ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اللّهُمّ اغْفِرْ لِلأَنْصَارِ، وَلأَبْنَاءِ الأَنْصَارِ، وَلأِبْنَاءِ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ وَلِنِسَاءِ الأَنْصَارِ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْه
ـــــــ
قوله: "حدثنا عبد الوهاب الوراق" هو عبد الوهاب بن عبد الحكم.
قوله: "أخبرنا إسحاق بن منصور" السلولي "عن جعفر الأحمر" هو جعفر بن زياد الأحمر الكوفي صدوق يتشيع من السابعة.
قوله: "ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار" ظاهره تخصيص طلب المغفرة إلى مرتبتين الأبناء وأبناء الأبناء ولو حمل على آخر مراتب الأبناء بالغاً ما بلغ إلى مدة بقائهم لم يبعد بل لو حمل الأبناء على معنى الأولاد كان له وجه كذا في اللمعات.
قلت: ويؤيد هذا الأخير رواية أنس المتقدمة بلفظ: اللهم اغفر للأنصار ولذراري الأنصار ولذراري ذراريهم.
قوله: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه" ورواه مسلم من طريق عكرمة بن عمار عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: أن أنساً حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر للأنصار قال وأحسبه قال: "ولذراري الأنصار ولموالي الأنصار". لا أشك فيه.(10/409)
باب ماجاء في أي دور الأنصار خير
...
باب ما جاء في أَيّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْر
4003 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ، أَخبرنا اللّيْثُ بنُ سَعْدٍ عن يَحْيَىَ بنِ سَعِيدٍ الأنْصَارِيّ، أَنّهُ سَمِعَ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الأنْصَارِ، أَوْ بِخَيْرِ الأنْصَارِ" ؟ قَالُوا: بَلى يَا رَسُولَ اللّهِ. قَالَ "بَنُو الْنَجّارِ، ثُمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ بَنُو عَبْدِ الأشْهَلِ، ثمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ بَنُو الْحَارِث بنِ الْخَزْرَجِ، ثمّ الّذِينَ يَلُونهُمْ بَنُو سَاعِدَةَ ثمّ قَالَ: بِيدهِ فَقَبَضَ أَصَابِعَهُ، ثمّ بَسَطَهُنّ كَالرّامِي بِيَدَيْهِ،
ـــــــ.
باب ما جاء في أَيّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْر
الدور بالضم: جمع دار، وهي المنازل المسكونة والمحال وتجمع أيضاً على ديار وأراد بها هنا القبائل وكل قبيلة اجتمعت في محلة سميت تلك المحلة داراً وسمي ساكنوها بها مجازاً على حذف المضاف أي أهل الدور، كذا في النهاية
قوله: "ألا أخبركم بخير دور الأنصار" أي أفضل قبائلهم. قال النووي: وكانت كل قبيلة منها تسكن محلة فتسمى تلك المحلة دار بني فلان، ولهذا جاء في كثير من الروايات بنو فلان من غير ذكر الدار، قال العلماء: وتفضيلهم على قدر سبقهم إلى الإسلام ومآثرهم فيه، وفي هذا دليل لجواز تفضيل القبائل والأشخاص بغير مجازفة ولا هوى ولا يكون هذا غيبة انتهى "أو بخير الأنصار" أو للشك من الراوي "بنو النجار" بفتح النون وتشديد الجيم هم من الخزرج والنجار هو تيم الله، وسمي بذلك لأنه ضرب رجلاً فنجره فقيل له النجار وهو ابن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج أخو الأوس ابنا حارثة بن ثعلبة العنقاء "ثم الذين يلونهم بنو عبد الأشهل" هم من الأوس وهو عبد الأشهل بن جشيم بن الحرث بن الخزرج الأصفر بن عمرو بن مالك وابن الأوس بن حارثة "ثم الذين يلونهم بنو الحارث بن الخزرج" أي الأكبر أي ابن عمرو بن مالك بن الأوس المذكور بن حارثة "ثم الذين يلونهم بنو ساعدة" هم من الخزرج المذكور أيضاً وساعدة(10/410)
قَالَ: وَفِي دُورِ الأنْصَارِ كُلّهَا خَيْرٌ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا أيضاً عن أَنَسٍ عن أَبي أُسَيْدٍ السّاعِدِيّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
4004 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارِ أَخبرنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ أَخبرنا شُعْبَةُ قالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةُ يُحَدّثُ عن أَنسِ بنِ مَالِكٍ عن أَبي أُسَيْدٍ السّاعِدِيّ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ دُورِ الأنْصَارِ دُورُ بَنِي النّجّارِ، ثُمّ دُورُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمّ بَنِي الْحَارِثِ بنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ بَنِي سَاعِدَةَ وَفِي كُلّ دُورِ الأنْصَارِ خَيْرٌ، فَقَالَ سَعْدٌ: مَا أَرَى رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلاّ قَدْ فَضّلَ عَلَيْنَا، فَقِيلَ قَدْ فَضّلَكُمْ عَلَى كَثِيرٍ".
ـــــــ
هو ابن كعب بن الخزرج الأكبر "ثم قال بيديه" أي أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما "كالرامي بيديه" أي كالذي يرمي الشيء بيديه فإنه يقبض أصابعه على الشيء ثم يبسطهن "وفي دور الأنصار كلها خير" أي فضل بالنسبة إلى غيرهم من أهل المدينة وهو تعميم بعد تخصيص.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم.
قوله: "وفي كل دور الأنصار خير" المذكور في هذا الحديث لفظ خير في الموضعين الأول قوله خير دور الأنصار ولفظ خير فيه بمعنى أفعل التفضيل أي أفضل دور الأنصار، والثاني قوله هذا ولفظ خير فيه على أصله أي في كل دور الأنصار خير وإن تفاوتت مراتبهم "فقال سعد" أي ابن عبادة وهو من بني ساعدة وكان كبيرهم يومئذ "ما أرى" بفتح الهمزة من الرؤية وهي من إطلاقها على المسموع ويحتمل أن يكون من الاعتقاد ويجوز ضمها بمعنى الظن "إلا قد فضل علينا" أي قد فضل النبي صلى الله عليه وسلم علينا بعض القبائل، وإنما قال ذلك لأنه من بني ساعدة. ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم بني ساعدة(10/411)
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وَأَبُو أُسَيْدٍ السّاعِدِيّ اسْمُهُ: مَالِكُ بنُ رَبِيعَةَ. وقد رُوي نحو هذا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه معمر عن الزهري عن أبي سلمة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
4005 ـ حَدّثَنَا أَبُو السّائِبِ سَلْمُ بنُ جُنادَةَ بنِ سَلْمٍ، حدثنا أَحْمَدُ بنُ بَشِيرٍ عن مُجَالِدٍ عن الشّعْبِيّ عن جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللّهِ قالَ: قالَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ دِيَارِ الأنْصَارِ بَنُو النّجّارِ".
هَذا حديثٌ غَرِيبٌ.
4006 ـ حَدّثَنَا أَبُو السّائِبِ سلم بن جنادة، أَخبرنا أَحْمَدُ بنُ بَشِيرٍ عن مُجَالِدٍ عن
ـــــــ
إلا بكلمة ثم بعد ذكره القبائل الثلاثة، وفي رواية لمسلم: وبلغ ذلك سعد بن عبادة فوجد في نفسه وقال: خلفنا فكنا آخر الأربع أسرجوا إلي حماري آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه ابن أخيه سهل فقال: أتذهب لترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم، أو ليس حسبك أن تكون رابع أربع فرجع وقال الله ورسوله أعلم، وأمر بحماره فحل عنه "فقيل" قال الحافظ لم أقف على اسم الذي قال له ذلك ويحتمل أن يكون هو ابن أخيه سهل "قد فضلكم علي كثير" أي على كثير من القبائل الغير المذكورين من الأنصار.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي "وأبو أسيد" بضم الهمزة وفتح السين المهملة مصغراً "اسمه مالك بن ربيعة" بن البدن بفتح الموحدة والدال المحملة بعدها نون، مشهور بكنيته، شهد بدراً وغيرها ومات سنة ثلاثين، وقيل بعد ذلك حتى قال المدائني مات سنة ستين، قال هو آخر من مات من البدريين.
قوله: "عن مجالد" هو ابن سعيد الهمداني "خير ديار الأنصار بنو النجار" أي أفضل قبائلهم قبيلة بني النجار.
فإن قلت: رواية جابر هذه مخالفة لروايته التي بعدها بلفظ "خير الأنصار بنو عبد الأشهل" فكيف التوفيق بينهما.(10/412)
الشّعْبِيّ عن جَابِرِ بن عبد الله قالَ: قالَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ الأنْصَارِ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
ـــــــ
قلت: في الرواية الثانية من مقدرة، أي من أفضل قبائل الأنصار قبيلة بني عبد الأشهل.
باب ما جاء في فَضْلِ المَدِينَة(10/413)
باب ماجاء في فضل المدينة
...
باب ما جاء في فَضْلِ المَدِينَة
4007 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، أَخبرنا اللّيْثُ عن سَعِيدِ بنِ أَبي سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ، عن عَمْرِو بنِ سُلَيْمٍ الزرقي، عن عَاصِمٍ بنِ عَمْروٍ، عن عَليّ بنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّى إِذَا كَانَ بحَرّةِ السّقْيَا الّتِي كَانَتْ لِسَعْدِ بنِ أَبي وَقّاصٍ، فَقَالَ: رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ائْتُونِي بِوَضُوءٍ، فَتَوَضّأَ ثُمّ قَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، ثم قَالَ: "اللّهُمّ إِنّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ عَبْدَكَ وَخَلِيلَك وَدَعَا لأَهْلِ مَكّةَ بِالْبَرَكَةِ، وَأَنَا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ أَدْعُوكَ لأِهْلِ المَدِينَةِ أَنْ تُبَارِكَ لَهُمْ فِي مُدّهِمْ، وَصَاعِهِمْ
ـــــــ
باب ما جاء في فَضْلِ المَدِينَة
قوله: "حدثنا الليث" هو ابن سعد "عن عمرو بن سليم" الزرقي "عن عاصم بن عمرو" بالواو ويقال عاصم بن عمر بغير الواو حجازي مدني يثقة من الثالثة.
قوله: "حتى إذا كان بحرة السقيا" بضم السين المهملة وسكون القاف موضع بين المدينة ووادي الصفراء والحرة بفتح المهملة أرض ذات حجارة سود "ائتوني بوضوء" بفتح الواو أي بماء الوضوء "إن إبراهيم كان عبدك وخليلك" من الخلة وهي الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فملأنه "ودعا لأهل مكة بالبركة" بقوله {وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ} الاَية "وأنا عبدك ورسولك" لم يذكر الخلة لنفسه مع أنه(10/413)
مِثْلَ مَا بَارَكْتَ لأِهْلِ مَكّةَ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتْينِ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وفي البابِ عن عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللّهِ بنِ زَيْدٍ وَأَبي هُرَيْرَةَ.
4008 ـ حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بنِ أَبي زِيَادٍ، أَخبرنا أَبُو نُبَاَتَةَ يُونُسُ بنُ يَحْيَى بنِ نُبَاتَةَ، أَخبرنا سَلَمَةُ بنُ وَرْدَانَ، عن أَبي سَعِيدِ بنِ المُعَلّى، عن علِيّ بنِ أَبي طَالِبٍ وَأَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما قَالاَ: قالَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنّةِ".
ـــــــ
خليل أيضاً تواضعاً ورعاية للأدب مع أبيه "أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في مدهم وصاعهم" أي فيما يكال بهما بركة "مثلي ما باركت لأهل مكة مع البركة بركتين" أي أدعوك أن تضاعف لهم البركة ضعفي ما باركته لأهل مكة بدعاء إبراهيم.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد قوي كذا في الترغيب وأخرجه أيضاً أحمد.
قوله: "وفي الباب عن عائشة وعبد الله بن زيد وأبي هريرة" أما حديث عائشة فأخرجه الشيخان، وأما حديث عبد الله بن زيد وهو ابن عاصم فأخرجه مسلم، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في باب ما يقول إذا رأى الباكورة من الثمر من أبواب الدعوات.
قوله: "أخبرنا أبو نباتة" بنون مضمومة فموحدة ومثناة "يونس بن يحيى بن نباتة" الأموي المدني صدوق من التاسعة أخبرنا سلمة بن وردان الليثي "عن أبي سعيد بن أبي المعلى" بضم الميم وفتح اللام المشددة. ويقال ابن المعلى المدني مقبول من الثالثة.
قوله: "ما بين بيتي ومنبري" وقع في حديث سعد بن أبي وقاص عند البزار بسند رجاله ثقات. وعند الطبراني من حديث ابن عمر بلفظ القبر، فعلى هذا المراد بالبيت في قوله: بيتي أحد بيوته لا كلها وهو بيت عائشة الذي صار فيه قبره،(10/414)
هَذا حديثٌ غَرِيبٌ حسنٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
4009 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ كَامِلٍ المِرْوزِيّ، أَخبرنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بنُ أَبي حَازِمٍ الزّاهِدُ، عن كَثِيرِ بنِ زَيْدٍ عن الوَلِيدِ بنِ رَيَاحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنّةِ" وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ المَسَاجِدِ إِلاّ المَسْجِدَ الْحَرَامَ".
ـــــــ
وقد رد الحديث بلفظ: "ما بين المنبر وبيت عائشة روضة من رياض الجنة". أخرجه الطبراني "روضة من رياض الجنة" أي كروضة من رياض الجنة في نزول الرحمة وحصول السعادة بما يحصل من ملازمة حلق الذكر لاسيما في عهده صلى الله عليه وسلم فيكون تشبهاً بغير أداة، أو المعنى أن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة فيكون مجازاً أو هو على ظاهره وأن المراد أنه روضة حقيقة بأن ينتقل ذلك الموضع بعينه في الاَخرة إلى الجنة. هذا محصل ما أوله العلماء في هذا الحديث وهي على ترتيبها هذا في القوة.
قوله: "عن كثير بن زيد" هو الأسلمي المدني "عن الوليد بن رباح" الدوسي المدني مولى ابن أبي بن ذباب صدوق من الثالثة.
قوله: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" زاد الشيخان من طريق حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة ومنبري على حوضي. قال الحافظ: أي ينقل يوم القيامة فينصب على الحوض، قال الأكثر المراد منبره بعينه الذي قال هذه المقالة وهو فوقه، وقيل المراد المنبر الذي يوضع له يوم القيامة والأول أظهر، وقيل معناه إن قصد منبره والحضور عنده لملازمة الأعمال الصالحة يورد صاحبه إلى الحوض ويقتضي شربه منه.
قوله: "صلاة في مسجدي هذا الخ" تقدم شرح هذا الحديث في باب أي المساجد أفضل من أبواب الصلاة.(10/415)
هَذا حديثٌ صحيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ.
4010 ـ حَدّثَنَا بندار أخبرنا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، حدثني أَبي، عن أَيّوبَ، عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ قالَ: قالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ بِهَا فَإِني أَشْفَعُ لِمَنْ يَمُوتُ بهَا".
وفي البابِ عن سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الأسْلَمِيّةِ.
ـــــــ
قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "عن أيوب" هو السختياني.
قوله: "من استطاع" أي قدر "أن يموت بالمدينة" أي يقيم بها حتى يدركه الموت ثمت "فليمت بها" أي فليقم بها حتى يموت فهو حث على لزوم الإقامة بها "فإني أشفع لمن يموت بها" أي أخصه بشفاعتي غير العامة زيادة في إكرامه. قال الطيبي: أمر له بالموت بها وليس ذلك من استطاعته بل هو إلى الله تعالى لكنه أمر بلزومها والإقامة بها بحيث لا يفارقها فيكون ذلك سبباً لأن يموت فيها، فأطلق المسبب وأراد السبب كقوله تعالى: {فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
قوله: "وفي الباب عن سبيعة بنت الحارث الأسلمية" أخرجه الطبراني في الكبير بنحو حديث ابن عمر قال المنذري: ورواته محتج بهم في الصحيح إلا عبد الله بن عكرمة روى عنه جماعة ولم يجرحه أحد. وقال البيهقي: هو خطأ وإنما هو عن صميته كما تقدم انتهى.
قلت: أشار بقوله ما تقدم إلى حديث صميتة امرأة من بني ليث أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من استطاع منكم أن لا يموت إلا بالمدينة فليمت بها". الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه والبيهقي.(10/416)
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ أَيّوبَ السّخْتِيَانيّ.
4011 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ الأعْلَى، أَخبرنا المُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللّهِ بنَ عُمَرَ عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: "أَنّ مَوْلاَةً لَهُ أتَتْهُ، فَقَالَتْ: اشْتَدّ عَلَيّ الزّمَانُ، وَإِنّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ إِلَى الْعِرَاقِ، قَالَ: فَهَلاّ إِلَى الشّامِ أَرْضِ المَنْشَرِ؟ وَاصْبِرَي لَكَاعِ فَإِنّي سَمِعْتُ رسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ صَبَرَ عَلَى شِدّتهَا وَلأْوَائِهَا كُنْتُ لَهُ
ـــــــ
قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي.
قوله: "حدثنا محمد بن عبد الأعلى" هو الصنعاني "سمعت عبيد الله بن عمر" العمري.
قوله: "اشتد علي" بتشديد الياء "الزمان" بالرفع والمعنى أصابتني شدة وجهد "وإني أريد أن أخرج إلى العراق" بكسر العين ككتاب اسم بلاد تمتد من عبادان إلى الموصل طولاً، ومن القادسية إلى حلوان عرضاً "فهلا" كلمة تحضيض مركبة من هل ولا، فإن دخلت على الماضي كانت للوم على ترك الفعل نحو هلا آمنت، وإن دخلت على المضارع كانت للحث على الفعل: نحو هلا تؤمن "إلى الشام أرض المنشر" أي موضع النشور وهي الأرض المقدسة من الشام يحشر الله الموتى إليها يوم القيامة وهي أرض المحشر "واصبري لكاع" بفتح اللام وأما العين فمبنية على الكسر، قال أهل اللغة: يقال امرأة لكاع ورجل لكع بضم اللام وفتح الكاف، ويطلق ذلك على اللئيم وعلى العبد وعلى الغبي الذي لا يهتدي لكلام غيره وعلى الصغير وخاطبها ابن عمر بهذا إنكاراً عليها لا دلالة عليها لكونها ممن ينتمي إليه ويتعلق به وحثها على سكني المدينة لما فيه من الفضل "من صبر على شدتها ولأوائها" مهموزاً وممدوداً: قال في النهاية اللأواء(10/417)
شَهِيداً أَوْ شَفِيعاً يَوْمَ الْقِيامَةِ". وفي البابِ عن أَبي سَعِيدٍ وَسُفْيَانَ بنِ أَبي زُهَيْرٍ وَسُبَيْعَةَ الأسْلَمِيّةِ.
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ صحيحٌ غريبٌ.
4012 ـ حَدّثَنَا أَبُو السّائِبِ سَلْمُ بنُ جُنَادَةَ، حدثنا أبي جُنَادَةَ بنُ سَلْمٍ عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عن أَبِيهِ عن أَبي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رسولُ
ـــــــ
الشدة وضيق المعيشة "كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة" قال القاضي عياض: قال بعض شيوخنا أو هنا للشك والأظهر عندنا أنها ليست للشك لأن هذا الحديث رواه جابر بن عبد الله وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبو سعيد وأبو هريرة وأسماء بنت عميس وصفية بنت أبي عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ ويبعد اتفاق جميعهم أو رواتهم على الشك وتطابقهم فيه على صيغة واحدة بل الأظهر أنه قاله صلى الله عليه وسلم هكذا، فإما أن يكون أعلم بهذه الجملة وهكذا وإما أن يكون أو للتقسيم يكون شهيداً لبعض أهل المدينة وشفيعاً لباقيهم إما شفيعاً للعاصين وشهيداً للمطيعين وإما شهيداً لمن مات في حياته، وشفيعاً لمن مات بعده أو غير ذلك. قال القاضي: وهذه خصوصية زائدة على الشفاعة للمذنبين أو للعالمين في القيامة، وعلى شهادته على جميع الأمة. وقد قال صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد: "أنا شهيد على هؤلاء". فيكون لتخصيصهم بهذا كله مزية وزيادة منزلة وحظوة، قال وقد يكون بمعنى الواو فيكون لأهل المدينة شفيعاً وشهيداً، ذكره النووي في شرح مسلم.
قوله: "وفي الباب عن أبي سعيد" أخرجه مسلم "وسفيان بن أبي زهير" أخرجه الشيخان والنسائي "وسبيعة الأسلمية" تقدم تخريجه.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه مسلم.
قوله: "حدثنا أبي جنادة" بضم الجيم وبالنون وبإهمال الدال "بن سلم" بفتح السين المهملة وسكون اللام ابن خالد بن جابر بن سمرة السوائي أبو الحكم الكوفي صدوق له أغلاط من التاسعة.(10/418)
اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "آخِرُ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الإِسْلاَمِ خَرَاباً المَدِينَةُ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لا نَعْرِفُهُ إِلاّ من حديثِ جُنَادَةَ عن هِشَامٍ. بن عروة قال: تعجب محمد بن إسماعيل من حديث أبي هريرة هذا.
4013 ـ حَدّثَنَا الأَنْصَارِيّ، أَخبرنا مَعْنٌ، أَخبرنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، وحدثنا قُتَيْبَةُ عن مَالِكِ بن أَنَسٍ عن مُحمّدِ بنِ المُنْكَدِرِ عن جَابِرٍ: "أَنّ أَعْرَابِيّا بَايَعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الإِسْلاَمِ، فَأَصَابَهُ وَعَكٌ بِالمَدِينَةِ، فَجَاءَ الأَعْرَابِيّ إِلَى رسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: "أَقِلْنِي بَيْعَتِي". فَأَبَى رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم،فخرج الأعرابي ثُمّ
ـــــــ
قوله: "آخر قرية من قرى الإسلام خراباً" مبتدأ وخبره قوله: "المدينة" ويجوز عكسه، والمراد بالمدينة المدينة النبوية وهي علم لها بالغلبة فلا يستعمل معرفاً إلا فيها، وفي الحديث إشارة إلى أن عمارة الإسلام منوطة بعمارتها وهذا ببركة وجوده فيها صلى الله عليه وسلم.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه ابن حبان "لا نعرفه إلا من حديث جنادة عن هشام" وقع في بعض النسخ بعد هذا قال: تعجب محمد بن إسماعيل من حديث أبي هريرة هذا، قال المناوي في شرح الجامع الصغير: وذكر أي الترمذي في العلل: أنه سأل عنه البخاري فلم يعرفه وتعجب منه.
قوله: "أن أعرابياً بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام" من المبايعة، وهي عبارة عن المعاقدة على الإسلام والمعاهدة كأن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خلاصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره "فأصابه وعك" بفتح الواو وسكون العين المهملة، وقد تفتح بعدها كاف، الحمى وقبل ألمها وقيل إرعادها "أقلني بيعتي" استعارة من إقالة البيع وهو إبطاله "فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء: إنما لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم بيعته لأنه لا يجوز لمن أسلم أن يترك الإسلام، ولا لمن هاجر إلى النبي(10/419)
جَاءَهُ، فَقَالَ أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى. فَخَرَجَ الأعْرَابِيّ، فَقالَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّهَا المَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَتُنَصّحُ طَيّبَهَا".
ـــــــ
صلى الله عليه وسلم للمقام عنده أن يترك الهجرة ويذهب إلى وطنه أو غيره.
قالوا: وهذا الأعرابي كان ممن هاجر وبايع النبي صلى الله عليه وسلم على المقام معه قال القاضي: ويحتمل أن بيعة هذا الأعرابي كانت بعد فتح مكة وسقوط الهجرة عليه صلى الله عليه وسلم، وإنما بايع على الإسلام وطلب الإقالة منه فلم يقله والصحيح الأول انتهى. "فخرج الأعرابي" أي من عند النبي صلى الله عليه وسلم "ثم جاءه" أي ثانياً "فخرج الأعرابي" أي من المدينة راجعاً إلى البدو "إنما المدينة كالكير" قال في النهاية: الكير بالكسر كير الحداد وهو المبني من الطين وقيل الزق الذي ينفخ به النار والمبني الكور، انتهى. "تنفي خبثها" بفتح المعجمة والموحدة هو ما تلقيه من وسخ الفضة والنحاس وغيرهما إذا أذيبا. والمعنى تطرد المدينة من لا خير فيه وتخرجه "وتنصع" من باب التفعيل والإفعال أي تخلص "طيبها" بالنصب على المفعولية، وهو بفتح الطاء وتشديد التحتية جعل مثل المدينة وما يصيب ساكنيها من الجهد والبلاء كمثل الكير وما يوقد عليه في النار فيميز به الخبيث من الطيب، فيذهب الخبيث ويبقى الطيب فيه أذكى ما كان وأخلص، قال النووي في شرح مسلم: قال القاضي الأظهر أن هذا مختص بزمن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه إلا من ثبت إيماناً، وأما المنافقون وجهلة الأعراب فلا يصبرون على شدة المدينة، ولا يحتسبون الأجر في ذلك كما قال ذلك الأعرابي الذي أصابه الوعك أقلني بيعتي، هذا كلام القاضي، وهذا الذي أدعي أنه الأظهر ليس بالأظهر، لأن في هذا الحديث الأول في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد" وهذا والله أعلم في زمن الدجال كما جاء في الحديث الصحيح الذي ذكره مسلم في أواخر الكتاب في أحاديث الدجال: أنه يقصد المدينة فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج الله منها كل كافر منافق: فيحتمل أنه مختص بزمن الدجال، ويحتمل أنه في أزمان(10/420)
وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ. وهَذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
4014 ـ حَدّثَنَا الأنْصارِيّ، حدثنا مَعْنٌ، حدثنا مَالِكٌ، وَحدثنا قُتَيْبَةُ، عن مَالِكٍ، عن ابنِ شِهَابٍ، عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ: "لَوْ رَأَيْتُ الظّبَاءَ تَرْتَعُ بِالمَدِينَةِ مَا ذَعْرْتُهَا. إِن رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا حَرَامٌ".
ـــــــ
متفرقة انتهى. وقال ابن المنير: ظاهر هذا الحديث ذم من خرج من المدينة وهو مشكل فقد خرج منها جمع كثير من الصحابة وسكنوا غيرها من البلاد وكذا من بعدهم من الفضلاء.
والجواب أن المذموم من خرج عنها كراهة فيها ورغبة عنها كما فعل الأعرابي المذكور، وأما المشار إليهم فإنما خرجوا لمقاصد صحيحة كنشر العلم وفتح بلاد الشرك والمرابطة في الثغور وجهاد الأعداء وهم مع ذلك على اعتقاد فضل المدينة وفضل سكناها.
قوله: "وفي الباب عن أبي هريرة" أخرجه الشيخان والنسائي.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي.
قوله: "لو رأيت الظباء" جمع ظبي "ترتع" أي ترعى وقيل معناه تسعى وتنشط "ما ذعرتها" أي ما أخفتها وما نفرتها وهو بالذال المعجمة والعين المهملة يقال ذعرته أذعره ذعراً، أفزعته وقد ذعر فهو مذعور وكني بذلك عن عدم صيدها "ما بين لابتيها" أي لابتي المدينة، قال أهل اللغة وغريب الحديث: اللابتان الحرتان واحدتهما لابة وهي الأرض الملبسة حجارة سودا، وللمدينة لابتان شرقية وغربية وهي بينهما، ويقال لابة ولوبة ونوبة بالنون ثلاث لغات مشهورات، قاله النووي "حرام" قال القاري: أي محترم ممنوع مما يقتضي إهانة الموضع المكرم وعند الشافعية الحرام بمعنى الحرم.
قلت: قول الشافعية بأن المراد بالحرام هنا الحرم وهو المعتمد، يدل عليه الأحاديث الصحيحة الصريحة.(10/421)
وفي البابِ عن سَعيدٍ وَعَبْدِ اللّهِ بنِ زَيْدٍ وَأَنَسٍ وَأَبي أَيّوبَ وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ وَرَافِعِ بنِ خَديجٍ وَجَابِرٍ وَسَهْلِ بنِ حنيفٍ نحوه. حَدِيثُ أَبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
4015 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ عن مَالِكٍ وَحدثنا الأنْصَارِيّ حدثنا مَعْنٌ حدثنا مَالكٌ عن عَمْروِ بنِ أَبي عَمْرو عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ: "أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم طَلَعَ لَهُ أُحُد، فَقَالَ: "هَذَا جَبَلٌ يُحِبّنَا وَنُحِبّهُ اللّهُمّ إِنّ إِبْرَاهِيمَ حَرّمَ مَكّةَ، وَإِنّي أُحَرّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا".
ـــــــ
قوله: "وفي الباب عن سعد وعبد الله بن زيد وأنس وأبي أيوب الخ" أما حديث سعد وحديث عبد الله بن زيد فأخرجهما مسلم، وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان وأما حديث أبي أيوب فأخرجه الطحاوي، وأما حديث زيد بن ثابت فأخرجه أحمد، وأما حديث رافع بن خديج وجابر وسهل بن حنيف فأخرجهما مسلم، وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها العيني في شرح البخاري في باب حرم المدينة في أواخر الحج.
قوله: "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي.
قوله: "طلع له أحد" أي ظهر "هذا حبل يحبنا" قال النووي: الصحيح المختار أن معناه أن أحداً يحبنا حقيقة جعل الله تعالى فيه تمييزاً يحب به كما قال سبحانه وتعالى: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} وكما حن الجذع اليابس، وكما سبح الحصى، وكما في الحجر بثوب موسى صلى الله عليه وسلم، قال وهذا وما أشبهه شواهد لما اخترناه، واختاره المحققون في معنى الحديث: وإن أحداً يحبنا حقيقة وقيل المراد يحبنا أهله فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه انتهى "إن إبراهيم حرم مكة" نسبة التحريم إلى إبراهيم باعتبار دعائه وسؤاله ذلك فلا ينافي ما ورد أن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس "وإني أحرم ما بين لابتيها" معناه اللابتان وما بينهما، والمراد تحريم المدينة ولابتيها قاله النووي.
واحتج بهذا الحديث وما في معناه محمد بن أبي ذئب والزهري والشافعي(10/422)
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
ومالك وأحمد وإسحاق وقالوا المدينة لها حرم فلا يجوز قطع شجرها ولا أخذ صيدها ولكنه لا يجب الجزاء فيه عندهم، خلافاً لابن أبي ذئب فإنه قال: يجب الجزاء، وكذلك لا يحل سلب من يفعل ذلك عندهم إلا عند الشافعي: وقال في القديم: من اصطاد في المدينة صيداً أخذ سلبه، ويروي فيه أثراً عن سعد، وقال في الجديد بخلافه.
وقال الثوري وعبد الله بن المبارك وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: ليس للمدينة حرم كما كان لمكة، فلا يمنع أحد من أخذ صيدها وقطع شجرها، كذا في شرح البخاري للعيني.
واحتج الطحاوي بحديث أنس في قصة أبي عمير: ما فعل النفير؟ وقال لو كان صيدها حراماً ما جاز حبس الطير.
وأجيب باحتمال أن يكون من صيد الحل، قال أحمد: من صاد من الحل ثم أدخله المدينة لم يلزمه إرساله لحديث أبي عمير، وهذا قول الجمهور لكن لا يرد ذلك على الحنفية لأن صيد الحل عندهم إذا دخل الحرم كان له حكم الحرم، ويحتمل أن تكون قصة أبي عمير كانت قبل التحريم.
واحتج بعضهم بحديث أنس في قصة قطع النخل لبناء المسجد ولو كان قطع شجرها حراماً ما فعله صلى الله عليه وسلم.
وتعقب بأن ذلك كان في أول الهجرة وحديث تحريم المدينة كان بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من خيبر كما يدل عليه حديث أنس يقول: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر أخدمه، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم راجعاً وبدا له أحد قال: "هذا جبل يحبنا ونحبه"، ثم أشار بيده إلى المدينة، قال: "اللهم إني أحرم ما بين لابتيها كتحريم إبراهيم مكة، اللهم بارك في صاعنا ومدنا". رواه البخاري في باب فضل الخدمة في الغزو.
وقال الطحاوي: يحتمل أن يكون سبب النهي عن صيد المدينة وقطع شجرها كون الهجرة كانت إليها فكان بقاء الصيد والشجر مما يزيد في زينتها ويدعو إلى(10/423)
4016 ـ حَدّثَنَا الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، أَخبرنا الفَضْلُ بنُ مُوسَى، عن عِيسَى بنِ عُبَيْدٍ عن غَيْلاَنَ بنِ عَبْدِ اللّهِ الْعَامِرِيّ عن أَبي زُرْعَةَ بنِ عَمْرِو بنِ جَرِيرٍ، عن جَرِيرِ بنِ عَبْدِ اللّهِ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ اللّهَ أَوْحَى إِلَيّ أَيّ هُؤَلاَءِ الثّلاَثَةِ نَزَلْتَ فَهِيَ دَارُ هِجرَتِكَ المَدِينَةِ، أَوْ الْبَحْرَيْنِ، أَوْ قِنسْرِينَ".
ـــــــ
ألفتها كما روى ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هدم آطام المدينة فإنها من زينة المدينة فلما انقطعت الهجرة زال ذلك.
وما قاله ليس بواضح لأن النسخ لا يثبت إلا بدليل وقد ثبت على الفتوى بتحريمها سعد وزيد بن ثابت وأبو سعيد وغيرهم كما أخرجه مسلم كذا في الفتح، والقول الراجح المعول عليه قول من قال أن المدينة حرماً كما أن لمكة حرماً يدل عليه أحاديث كثيرة صحيحة صريحة وهو قول الجمهور.
قوله: "حدثنا الحسين بن حريث" المروزي "أخبرنا الفضل بن موسى" السيناني "عن عيسى بن عبيد" الكندي المروزي "عن غيلان بن عبد الله العامري" لين من السابعة "عن جرير بن عبد الله" البجلي.
قوله: "أي هؤلاء الثلاثة" منصوب على الظرفية لقوله "نزلت" أي للإقامة بها والاستيطان فيها "المدينة" بالجر على البدلية من الثلاثة "أو البحرين" موضع بين بصرة وعمان وقيل بلاد معروفة باليمن، وقال الطيبي جزيرة ببحر عمان "أو قنسرين" بكسر القاف وفتح النون الأولى المشددة ويكسر بلد بالشام وهو غير منصرف، قال القاري هذا الحديث مشكل فإن التي رآها وهو بمكة أنها دار هجرته وأمر بالهجرة إليها هي المدينة كما في الأحاديث التي أصح من هذا وقد يجمع بأنه أوحي إليه بالتخيير بين تلك الثلاثة ثم عين له إحداها وهي أفضلها انتهى.
قلت: وفي حديث أبي موسى عند البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وعلى أنها اليمامة أو حجر فإذا هي المدينة يثرب" قاله الحافظ، ووقع عند البيهقي من حديث صهيب رفعه: "أريت(10/424)
هَذا حديثٌ غَرِيبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حديثِ الفَضْلِ بنِ مُوسَى تَفَرّدَ به أَبُو عَامِرٍ.
4017 ـ حَدّثَنَا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا الْفَضْلُ بنُ مُوسَى، حدثنا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ عن صَالِحِ بنِ أَبي صَالِحٍ، عن أَبِيهِ عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لاَ يَصْبِرُ عَلَى لأْوَاءِ المَدِينَةِ وَشِدّتِهَا أَحَدٌ إِلاّ كُنْتُ لَهُ شَهِيداً أَوْ شَفِيعاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، قال وَصَالِحُ بنُ أَبي صَالِحٍ أَخُو سُهَيْلِ بن أَبي صَالِحٍ.
ـــــــ
دار هجرتكم سخية بين ظهراني حرتين فإما أن تكون هجراً أو يثرب" ولم يذكر اليمامة، وللترمذي من حديث جرير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى أوحى إلى أي هؤلاء الثلاثة نزلت" فذكر الحديث ثم قال استغربه الترمذي وفي ثبوته نظر. لأنه مخالف لما في الصحيح من ذكر اليمامة. لأن قنسرين من أرض الشام من جهة حلب بخلاف اليمامة فإنها إلى جهة اليمن إلا أن حمل على اختلاف المأخذ فإن الأول جرى على مقتضى الرؤيا التي أريها والثاني يخير بالوحي فيحتمل أن يكون أرى أولاً ثم خير ثانياً فاختار المدينة انتهى.
قوله: "هذا حديث غريب" قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة غيلان بن عبد الله العامري ذكره ابن حبان في الثقات، وقال روى عن أبي زرعة عن جرير حديثاً منكراً وأخرجه الترمذي، وقال غريب: انتهى "لا نعرفه إلا من حديث الفضل بن موسى تفرد به أبو عامر" كذا في النسخ الموجودة تفرد به أبو عامر والظاهر عندي أن يكون تفرد به أبو عمار وهو كنية الحسين بن حريث وأما أبو عامر فليس هو كنية له ولا لأحد من رواة هذا الحديث.
قوله: "إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً" تقدم شرحه قريباً.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه مسلم وغيره "وصالح بن أبي(10/425)
صالح أخو سهيل بن أبي صالح" أي صالح بن أبي صالح المذكور هو أخو سهيل بن أبي صالح ذكوان السمان ثقة من الخامسة، قال في تهذيب التهذيب في ترجمته له في صحيح مسلم حديث واحد في فضل المدينة استغربه الترمذي وحسنه انتهى(10/426)
فِي فَضْلِ مَكّة
4018 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ، أَخبرنا اللّيْثُ، عن عُقَيْلٍ، عن الزّهْرِيّ عن أَبي سَلَمَةَ عن عَبْدِ اللّهِ بنِ عَدِيّ بنِ حَمْرَاءَ الزهري قَالَ: "رَأَيْتُ رسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَاقِفاً عَلَى الْحَزْورَةِ، فَقَالَ: "وَاللّهِ إِنّك لَخَيْرُ أَرْضِ اللّهِ، وَأَحَبّ أَرْضِ اللّهِ إِلَى اللّهِ. وَلَوْلاَ أَنّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ".
ـــــــ
"فضل مكة"
قوله: "أخبرنا الليث" هو ابن سعد "عن عقيل" بضم العين "عن أبي سلمة" بن عبد الرحمن بن عوف "عن عبد الله بن عدي بن حمراء" الزهري قيل إنه ثقفي حالف بني زهرة صحابي له حديث في فضل مكة قاله الحافظ في التقريب.
قوله: "واقفاً على الحزورة" بالحاء المهملة والزاي، قال الطيبي: على وزن القسورة موضع بمكة وبعضهم شددها والحزورة في الأصل بمعنى التل الصغير سميت بذلك لأنه كان هناك تل صغير، وقيل لأن وكيع بن سلمة بن زهير بن إياد كان ولي أمر البيت بعد جرهم فبنى صرحاً كان هناك وجعل فيها أمة يقال لها حزورة فسميت حزورة مكة بها انتهى، "فقال" أي مخاطباً للكعبة وما حولها من حرمها "ولولا أني أخرجت منك" أي بأمر من الله "ما خرجت" فيه دلالة على أنه لا ينبغي للمؤمن أن يخرج من مكة إلا أن يخرج منها حقيقة أو حكماً وهو الضرورة الدينية أو الدنيوية. قال القاري: وأما خبر الطبراني: المدينة خير من مكة فضعيف بل منكر واه كما قاله الذهبي، وعلى تقدير صحته يكون محمولاً على زمانه لكثرة الفوائد في حضرته وملازمة خدمته، لأن شرف المدينة ليس بذاته بل بوجوده عليه الصلاة والسلام فيه ونزوله مع بركاته، وأيضاً نفس المدينة ليس أفضل من مكة اتفاقاً إذ لا تضاعف فيه أصلاً بل المضاعفة في المسجدين. ففي(10/426)
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صحيحٌ. وَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ عن الزّهْرِيّ نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ مُحمّدُ بنُ عَمْروٍ عن أَبي سَلَمَةَ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم. وَحَدِيثُ الزّهْرِيّ عن أَبي سَلَمَةَ عن عَبْدِ اللّهِ بنِ عَدِيّ بنِ حَمْرَاءَ عِنْدِي أَصَحّ.
4019 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ مُوسَى الْبَصْرِيّ، حدثنا الْفُضَيْلُ بنُ سُلَيْمَانَ عن عَبْدِ اللّهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، أخبرنا سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو الطّفَيْلِ عن
ـــــــ
الحديث الصحيح الذي قال الحفاظ على شرط الشيخين: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام، صلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجدي هذا بمائة ألف صلاة". وصح عن ابن عمر موقوفاً وهو في حكم المرفوع لأنه لا يقال مثله بالرأي: "صلاة واحدة بالمسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة بمسجد النبيصلى الله عليه وسلم" انتهى.
قوله: "هذا حديث حسن غريب صحيح" وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه "وحديث الزهري عن أبي سلمة عن عبد الله بن عدي بن حمراء عندي أصح" لأن الزهري أحفظ وأوثق من محمد بن عمرو، ومحمد بن عمر وهذا هو ابن علقمة بن وقاص الليثي روى عن أبيه وأبي سلمة بن عبد الرحمن وغيرهما صدوق له أوهام.
قلت: روى هذا الحديث أيضاً الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ففي مسند أحمد حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم على الحزورة فقال: "علمت أنك خير أرض الله" الحديث، فالظاهر أن كلا الحديثين صحيحان وليس أحدهما أصح من الاَخر.
قوله: "حدثنا محمد بن موسى البشري" الحرشي "أخبرنا الفضيل بن سليمان" النميري أبو سليمان البصري صدوق له خطأ كثير من الثامنة "وأبو الطفيل" اسمه عامر بن وائلة الليثي.(10/427)
ابنِ عَبّاسٍ قالَ: قال رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَكّةَ: "مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلِدٍ وَأَحَبّكِ إِلَيّ، وَلَوْلاَ أَنّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
قوله: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة" أي خطاباً لها حين وداعها وذلك يوم فتح مكة "ما أطيبك من بلد" صيغة تعجب "وأحبك إلي" عطف عليه والأولى بالنسبة إلى حد ذاتها أو للإطلاق والثانية للتخصيص "ولولا أن قومي أخرجوني" أي صاروا سبباً لخروجي "ما سكنت غيرك" هذا دليل للجمهور على أن مكة أفضل من المدينة خلافاً للإمام مالك رحمه الله، وقد صنف السيوطي رسالة في هذه المسألة.(10/428)
فِي فَضْلِ الْعَرَب
4020 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ يَحْيَى الأزْدِيّ وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حدثنا أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بنُ الْوَلِيدِ عن قَابُوسَ بنِ أَبي ظَبْيَانَ عن أَبِيهِ عن سَلْمَانَ قالَ: "قَالَ لِي رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَا سَلْمَانُ "لاَ تُبْغِضْنِي فَتُفَارِقَ دِينَكَ"، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ: كَيْفَ أُبْغِضُكَ وَبِكَ
ـــــــ
فِي فَضْلِ الْعَرَب
بالتحريك اسم لهذا الجيل المعروف من الناس ولا واحد له من لفظه وسواء أقام بالبادية أو المدن والنسبة إليه عربي قاله في النهاية. وقال في القاموس: العرب بالضم وبالتحريك خلاف العجم مؤنث وهم سكان الأمصار أو أعم والأعراب منهم سكان البادية لا واحد له
قوله: "عن سلمان" أي الفارسي "لا تبغضني فتفارق دينك" بالنصب على جواب النهي كما صرح به زين العرب "كيف أبغضك" أي كيف يتصور مني(10/428)
هَدَانَا اللّهُ، قَالَ: " تُبْغِضُ الْعَرَبَ فَتُبْغِضُنِي".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ أَبي بَدْرٍ شُجَاعِ بنِ الْوَلِيدِ.
4021 ـ حَدّثَنَا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أَخبرنا مُحمّدُ بنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيّ أَخبرنا عَبْدُ اللّهِ بنِ عَبْدِ اللّهِ بنِ الأَسْودِ، عن حُصَيْنِ بنِ عُمَرَ الأحمس، عن مُخَارِقِ بنِ عَبْدِ اللّهِ عن طَارِقِ بنِ شِهَابٍ عن عُثْمَانَ بنِ عَفّانَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ غَشّ العَرَبَ لَمْ يَدْخُلْ فِي شَفَاعَتِي وَلَمْ تَنَلْهُ مَوَدّتِي".
ـــــــ
أني أبغضك وأنت حبيب الله ومحبوب أمتك "وبك هدانا الله" أي إلى الإسلام "قال تبغض العرب فتبغضني" أي حين تبغض العرب عموماً فتبغضني في ضمنهم خصوصاً أو إذا أبغضت جنس العرب فربما يجر ذلك إلى بغضك إياي نعوذ بالله من ذلك، والحاصل أن بغض العرب قد يصير سبباً لبغض سيد الخلق، فالحذر الحذر كيلا يقع في الخطر.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد في مسنده.
قوله: "حدثنا عبد الله بن عبد الله بن الأسود" الحارثي أبو عبد الرحمن الكوفي صدوق من التاسعة ووقع في النسخة الأحمدية عبد الله بن عبد الله بن أبي الأسود وهو غلط "عن مخارق بن عبد الله" ويقال مخارق بن خليفة الأحمسي الكوفي ثقة من الثالثة.
قوله: "من غش العرب" أي خانهم والغش ضد النصح من الغش وهو المشرب الكدر "لم يدخل في شفاعتي" أي الصغرى لعموم الكبرى "ولم تنله مودتي" أي لم تصبه محبتي إياه أو لم تصل ولم تحصل له محبته إياي، وقال المناوي: غش العرب أن يصدهم عن الهدى أو يحملهم على ما يبعدهم عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك فقد قطع الرحم بينهم وبينه فيحرم شفاعته ومودته، وغش(10/429)
هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ حُصَيْنِ بنِ عُمَرَ الأَحْمَسِيّ عن مُخَارِقٍ، وَلَيْسَ حُصَيْنٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِذَاكَ الْقَوِيّ.
4022 ـ حَدّثَنَا يَحْيَى بنُ مُوسَى، قال حدثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدثنا مُحمّدُ بنُ أَبي رُزَيْنٍ عن أُمّهِ قالَتْ: "كَانَتْ أُمّ الْجَرِيرِ إذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ اشْتَدّ عَلَيْهَا فَقِيلَ لَهَا إِنّا نَرَاكِ إِذَا مَاتَ الرّجُلُ مِنَ الْعَرَبِ اشْتَدّ عَلَيْكِ، قَالَتْ: سَمِعْتُ مَوْلاَي يَقُولُ: قالَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مِنْ اقْتِرَابِ السّاعَةِ هَلاَكُ الْعَرَبِ" قَالَ مُحمّدُ بنُ أَبي رُزَيْنٍ: وَمَوْلاَهَا طَلْحَةُ بنُ مَالِكٍ.
ـــــــ
غير العرب حرام أيضاً، لكن غش العرب أعظم جرماً، انتهى.
قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد "وليس حصين عند أهل الحديث بذاك القوي" قال الحافظ هو متروك.
قوله: "حدثنا يحيى بن موسى" البلخي المعروف بخت "أخبرنا سليمان بن حرب" الأزدي الواشحي "أخبرنا محمد بن أبي رزين" مقبول من الثامنة "عن أمه" هي مجهولة "قالت" أي أم محمد بن أبي رزين "كانت أم الحرير" بالتصغير وقيل بفتح أولها لا يعرف حالها من الرابعة قاله الحافظ، وقال الذهبي: أم الحرير عن مولاها طلحة بن مالك لا تعرف وعنها امرأة لم تسم، انتهى.
قلت: المرأة التي روت عنها غير مسماة هي أم محمد بن أبي رزين.
قوله: "من اقتراب الساعة" أي من علامات قرب القيامة "هلاك العرب" أي مسلمهم أو جنسهم وفيه إيماء إلى أن غيرهم تابع لهم ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس بل ولا يكون في الأرض من يقول الله. كذا في المرقاة.
قوله: "ومولاها طلحة بن مالك" الخزاعي أو السلمي صحابي نزل البصرة قال ابن السكن: ليس يروي عنه إلا هذا الحديث يعني حديث الباب.(10/430)
هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إلا مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ.
4023 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ يَحْيَى الأَزْدِيّ، حدثنا حَجّاجُ بنُ مُحمّدٍ عن ابنِ جُرَيْجٍ، "قال" أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: حَدّثَتْنِي أُمّ شُرَيْكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَيَفِرّنّ النّاسُ مِنَ الدّجّالِ حَتّى يَلْحَقُوا بِالْجبَالِ، قَالَتْ أُمّ شُرَيْكٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ فَأَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ؟ قالَ: هُمْ قَلِيلٌ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صحيحٌ.
4024 ـ حَدّثَنَا بِشْرُ بنُ مُعَاذٍ الْعَقَدِيّ بصري حدثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ عن سَعِيدِ بنِ أَبي عَرُوبَةَ، عن قَتَادَةَ، عن الْحَسَنِ عن سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ أَنّ.
ـــــــ
قوله: "هذا حديث غريب" ومع غرابته ضعيف لجهالة أم محمد بن أبي رزين وأم الحرير.
قوله: "حدثنا حجاج بن محمد" المصيصي الأعور "حدثتني أم شريك" العامرية ويقال الدوسية ويقال الأنصارية اسمها غزية ويقال غزيلة صحابية يقال هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: "ليفرن" أي ليهربن "الناس" أي المؤمنون "من الدجال" أي عند خروجه في آخر الزمان "وأين العرب" وفي بعض النسخ: فأين العرب بالفاء، قال الطيبي: الفاء فيه جزاء شرط محذوف أي إذا كان هذا حال الناس فأين المجاهدون في سبيل الله الذابون عن حريم الإسلام المانعون عن أهله صولة أعداء الله فكنى عنهم بها "قال هم" أي العرب "قليل" أي حينئذ فلا يقدرون عليه.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه أحمد ومسلم.(10/431)
رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "سَامٌ أَبُو الْعَرَبِ وَيَافِثُ أَبُو الرّومِ وَحَامٌ أَبُو الْحَبَشِ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ وَيُقَالُ يَافِثُ وَيَافِتُ وَيَفثُ
ـــــــ
قوله: "سام أبو العرب ويافث أبو الروم وحام أبو الحبش" والثلاثة أولاد نوح لصلبه.
قوله: "هذا حديث حسن" تقدم هذا الحديث بسنده ومتنه في تفسير سورة الصافات "ويقال يافث" بكسر الفاء وبالمثلثة "ويافث" بكسر الفاء وبالمثناة الفوقية "ويفث" أي بحذف الألف وبالمثلثة.(10/432)
فِي فَضْلِ الْعَجَم
4025 ـ حَدّثَنَا سُفْيانُ بنُ وَكِيعٍ، أَخبرنا يَحْيَى بنُ آدَمَ، عن أَبي بَكْرِ بنِ عَيّاشٍ، حدثنا صَالِحُ بنُ أَبي صَالِحٍ مَوْلَى عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: "ذُكِرَتِ الأعَاجِمُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "لأَنَا بِهِمْ، أَوْ بِبَعْضِهِمْ أَوْثَقُ مِنّي بِكُمْ أَوْ بِبَعْضِكُمْ".
ـــــــ
فِي فَضْلِ الْعَجَم
بالتحريك ضد العرب
قوله: "ذكرت الأعاجم" أي بالمدح أو الذم "لأنا بهم أو ببعضهم أوثق" أي أرجى في الاعتماد على طلب الدين "مني بكم أو ببعضكم". قال المظهر: أنا مبتدأ وأوثق خبره ومني صلة أوثق، والباء في بهم مفعوله وأو عطف على بهم والباء في بكم مفعول فعل مقدر يدل عليه أوثق وأو في أو ببعضكم عطف على بكم، إما متعلق أيضاً بأوثق إذ هو في قوة الوثوق وزيادة فكأنه فعلان جاز أن يعمل في مفعولين أو بآخر دل عليه الأول. والمعنى وثوقي واعتمادي بهم(10/432)
هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ أَبي بَكْرِ بنِ عَيّاشٍ، وَصَالِحٌ هو ابن أبي صالح هذا يقال له صالح بنُ مِهْرَانَ مَوْلَى عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ.
4026 ـ حَدّثَنَا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أَخبرنا عَبْدُ اللّهِ بنُ جَعْفَرٍ، حدثني ثَوْرُ بنُ زَيْد الديْلِيّ عن أَبي الْغِيْثِ عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: "كُنّا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أُنْزِلَتْ سُورَةُ الْجُمعةِ فَتَلاَها، فَلَمّا بَلَغَ {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَنْ
ـــــــ
أو ببعضهم أكثر من وثوقي بكم أو ببعضكم. قال الطيبي: الأول من باب العطف على الانسحاب، والثاني من باب العطف على التقدير. والمخاطبون بقوله بكم أو ببعضكم قوم مخصوصون دعوا إلى الإنفاق في سبيل الله فتقاعدوا عنه فهو كالتأنيب والتعيير عليهم، ويدل عليه قوله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} فإنه جاء عقيب قوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ} يعني أنتم هؤلاء المشاهدون بعد ممارستكم الأحوال وعلمكم بأن الإنفاق في سبيل الله خير لكم تدعون إليه فتثبطون عنه وتتولون، فإن استمر توليكم يستبدل الله قوماً غيركم بذّالون لأرواحهم وأموالهم في سبيل الله، ولا يكونوا أمثالكم في الشح المبالغ فهو تعريض وبعث لهم على الإنفاق، فلا يلزم منه التفضيل قال القاري: إن كان مراده أنه لا يلزم التفضيل مطلقاً فهو خلاف الكتاب والسنة مع أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإن كان مراده لا يلزم التفضيل المطلق فهو صحيح، إذ يدل على أنهم في بعض الصفات أفضل من العرب ولا بدع أن يوجد في المفضول زيادة فضيلة بالنسبة إلى بعض فضائل الفاضل، فجنس العرب أفضل من جنس العجم بلا شبهة، وإنما الكلام في بعض الأفراد.
قوله: "وصالح هو ابن مهران" بكسر الميم وسكون الهاء. قال في التقريب: صالح بن أبي صالح الكوفي مولى عمرو بن حريث، واسم أبيه مهران، ضعيف من الرابعة.
قوله: "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت سورة الجمعة الخ"(10/433)
هَؤُلاءِ الّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِنَا؟ فَلَمْ يُكَلّمْهُ، قَالَ ـ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيّ فِينَا ـ قالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ فَقَالَ: "وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ الإِيْمَانُ بِالثّرَيّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلاَءِ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
تقدم هذا الحديث بسنده ومتنه في تفسير سورة الجمعة وتقدم هناك شرحه.(10/434)
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ إلاّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ القَطّانِ.
4028 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ، أَخبرنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بنِ مُحمّدٍ، عن مُحمّدِ بنِ عَمْروٍ، عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أتَاكُمْ أهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أضْعَفُ قُلُوباً وَأرَقّ أفْئِدةً، الاْيمَانُ يمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيّةٌ"
ـــــــ
مقبلة إلينا، وإنما دعى بذلك لأن طعام أهل المدينة كان يأتيهم من اليمن ولذا عقبه ببركة الصاع والمد لطعام يجلب لهم من اليمن فقال "وبارك لنا في صاعنا ومدنا" أراد بهما الطعام المكتال بهما فهو من باب إطلاق الظرف وإرادة المظروف أو المضاف مقدر أي طعام صاعنا ومدنا. قال التوربشتي: وجه التناسب بين الفصلين إن أهل المدينة ما زالوا في شدة من العيش وعوذ من الزاد، لا تقوم أقواتهم لحاجتهم، فلما دعا الله بأن يقبل عليهم بقلوب أهل اليمن إلى دار الهجرة وهم الجم الغفير دعا الله بالبركة في طعام أهل المدينة ليتسع على القاطن بها والقادم عليها فلا يسأم المقيم من القادم عليه ولا تشق الإقامة على المهاجر إليها.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد.
قوله: "أخبرنا عبد العزيز بن محمد" هو الدراوردي "عن محمد بن عمرو" بن علقمة بن وقاص الليثي "عن أبي سلمة" بن عبد الرحمن بن عوف.
قوله: "هم أضعف قلوباً" وفي رواية لمسلم: "هم ألين قلوباً" "وأرق أفئدة" جمع فؤاد، وأرق أفعل التفضيل من الرقة وهي ضد القساوة. قال النووي: المشهور أن الفؤاد هو القلب فعلى هذا يكون كرر لفظ القلب بلفظين، وهو أولى من تكريره بلفظ واحد، وقيل الفؤاد غير القلب وهو عين القلب، وقيل باطن القلب، وقيل غشاء القلب، وأما وصفها باللين والرقة والضعف فمعناه أنها ذات خشية واستكانة سريعة الاستجابة والتأثر بقوارع التذكير سالمة من الغلظ والشدة(10/435)
ـــــــ
والقسوة التي وصف بها قلوب الاَخرين. قوله: "الإيمان يمان والحكمة يمانية" وقع في رواية لمسلم: "الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية". قال الحافظ في الفتح: ظاهره نسبة الإيمان إلى اليمن لأن أصل يمان يمنى فحذفت ياء النسب وعوض بالألف بدلها، وقوله يمانية هو بالتخفيف، وحكى ابن السيد في الاقتضاب أن التشديد لغة، وحكى الجوهري وغيره أيضاً عن سيبويه جواز التشديد في يماني وأنشد:
يمانياً يظل يشد كيراً ... وينفخ دائماً لهب الشواط
واختلف في المراد به، فقيل معناه نسبة الإيمان إلى مكة لأن مبدأه منها ومكة يمانية بالنسبة إلى المدينة، وقيل المراد نسبة الإيمان إلى مكة والمدينة وهما يمانيتان بالنسبة للشام بناء على أن هذه المقالة صدرت من النبي صلى الله عليه وسلم وهو حينئذ بتبوك، ويؤيده قوله في حديث جابر عند مسلم: والإيمان في أهل الحجاز، وقيل المراد بذلك الأنصار لأن أصلهم من اليمن ونسب الإيمان إليهم لأنهم كانوا الأصل في نصر الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، حكى جميع ذلك أبو عبيدة في غريب الحديث له. وتعقبه ابن الصلاح بأنه لا مانع من إجراء الكلام على ظاهره، وأن المراد تفضيل أهل اليمن على غيرهم من أهل المشرق، والسبب في ذلك إذعانهم إلى الإيمان من غير كبير مشقة على المسلمين بخلاف أهل المشرق وغيرهم، ومن اتصف بشيء وقوي قيامه به نسب إليه إشعاراً بكمال حاله فيه، ولا يلزم من ذلك نفي الإيمان عن غيرهم. وفي ألفاظه أيضاً ما يقتضي أنه أراد به أقواماً بأعيانهم فأشار إلى من جاء منهم لا إلى بلد معين، لقوله في بعض طرقه في الصحيح: "أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوباً وأرق أفئدة، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، ورأس الكفر قبل المشرق". ولا مانع من إجراء الكلام على ظاهره وحمل أهل اليمن على حقيقته، ثم المراد بذلك الموجود منهم حينئذ لا كل أهل اليمن في كل زمان، فإن اللفظ لا يقتضيه. قال: والمراد بالفقه الفهم في الدين، والمراد بالحكمة العلم المشتمل على المعرفة بالله، انتهى ما في الفتح. وقال النووي في شرح مسلم نقلاً عن ابن الصلاح: في تفسير الحكمة أقوال كثيرة مضطربة قد اقتصر كل من قائلها على بعض صفات الحكمة، وقد صفا لنا منها أن الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على المعرفة بالله تبارك وتعالى، المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به، والصد عن اتباع الهوى والباطل،(10/436)
وفي البابِ عن ابنِ عَبّاسٍ وأبن مَسْعُودٍ وهَذَا حديث حسن صحيحٌ.
4102 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ أَخبرنا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ أَخبرنا مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، حدثنا أَبُو مَرْيَمَ الأَنْصَارِيّ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "المُلْكُ فِي قُرَيْشٍ وَالقَضَاءُ فِي الأَنْصَارِ،
ـــــــ.
والحكيم من له ذلك. وقال أبو بكر بن دريد: كل كلمة وعظتك أو زجرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة، وحكم ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر حكمة". وفي بعض الروايات "حكماً" انتهى.
قوله: "وفي الباب عن ابن عباس وأبي مسعود". أما حديث ابن عباس فأخرجه البزار وفيه الحسين بن عيسى بن مسلم الحنفي وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور وبقية رجاله رجال الصحيح، قاله الهيثمي. وأما حديث أبي مسعود فأخرجه الشيخان ووقع في بعض النسخ ابن مسعود مكان أبي مسعود، وأخرج حديثه الطبراني عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإيمان يمان ومضر عند أذناب الإبل". وفيه عيسى بن قرطاس وهو متروك.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
وله: "حدثنا زيد بن حباب" هو أبو الحسين العكلي أخبرنا "معاوية بن صالح" بن حدير الحضرمي "أخبرنا أبو مريم الأنصاري" ويقال الحضرمي خادم المسجد بدمشق أو حمص، قيل اسمه عبد الرحمن بن صاغر، ويقال هو مولى أبي هريرة ثقة من الثانية.
وقوله: "الملك في قريش" بضم الميم أي الخلافة فيهم، وقد تقدم الكلام عن هذه المسألة في باب الخلفاء من قريش من أبواب الفتن "والقضاء في الأنصار" أي الحكم الجزئي تطيباً لقلوبهم لأنهم آووا ونصروا، وبهم قام عمود الإسلام، وفي بلدهم تم أمره واستقام، وبنيت المساجد، وجمعت الجماعات، ذكره ابن الملك. وقال في الأزهار: قيل المراد بالقضاء النقابة لأن النقباء كانوا منهم، وقيل القضاء الجزئي، وقيل لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "أعلمكم بالحلال والحرام معاذ". وقيل القضاء المعروف لبعثه صلى الله عليه وسلم معاذاً قاضياً إلى اليمن انتهى. قال(10/437)
وَالاَذانُ فِي الحَبْشَةِ وَالأمَانَةُ في الأزدِ يَعْنِي الْيَمَنَ".
4030- حدثنا محمد بن بشار أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن أبي مريم الأنصاري عن أبي هريرة نحوه ولم يرفعه وهذا أصح من حديث زيد بن حباب.
4103 ـ حَدّثَنَا عَبْدُ الْقُدّوسِ بنُ مُحمّدٍ العطّارُ حدثني عَمّي صَالِحُ بنُ عَبْدِ الكَبِيرِ بنِ شُعَيْبٍ ابن الحبحاب، حدثني عَمّي عَبْدُ السّلاَمِ بن شُعَيْبٍ، عن أَبِيهِ عن أَنَسٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الأزْدُ أَسَدُ اللّهِ فِي الأرْضِ، يُرِيدُ النّاسُ أَنْ يَضعُوهُمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يَرْفَعَهُمْ، وَلَيَأْتِيَنّ
ـــــــ
القاري: والأخير هو الأظهر لقوله: "والأذان في الحبشة" أي لأن رئيس مؤذنيه صلى الله عليه وسلم كان بلالاً وهو حبشي "والأمانة في الأزد" بسكون الزاي أي أزد شنوءة وهم حي من اليمن ولا ينافي قول بعض الرواة "يعني اليمن" لكن الظاهر المتبادر من كلامه إرادة عموم أهل اليمن فإنهم أرق أفئدة وأهل أمن وإيمان، وحديث أبي هريرة هذا أخرجه أيضاً أحمد في مسنده.
قوله: "وهذا أصح من حديث زيد بن حباب" لأن عبد الرحمن بن مهدي أوثق وأحفظ من زيد بن حباب.
قوله: "حدثني عمي صالح بن عبد الكبير بن شعيب" بن الحجاب البصري المعولي مجهول من العاشرة "حدثني عمي عبد السلام بن شعيب" بن الحجاب البصري صدوق من التاسعة "عن أبيه" هو شعيب بن الحجاب الأزدي مولاهم أبو صالح البصري ثقة من الرابعة.
قوله: "الأزد" أي أزد شنوءة، في القاموس أزد بن الغوث وبالسين أفصح أبو حي باليمن ومن أولاده الأنصار كلهم "أزد الله" أي جنده وأنصار دينه قد أكرمهم الله بذلك فهم يضافون إليه "أن يضعوهم" أي يحقروهم ويذلوهم "ويأبى الله إلا أن يرفعهم" أي ينصرهم ويعزهم ويعليهم على أعداء دينهم. قال(10/438)
عَلَى النّاسِ زَمَانٌ، يَقُولُ الرّجُلُ: يَا لَيْتَ أَبي كَانَ أَزْدِيّا يَا لَيْتَ أُمّي كَانَتْ أَزْدِيّةً".
هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ من هذا الوَجْهِ، وَرُوِيَ هذا الحديث بهذا الإسناد عن أَنسٍ مَوْقُوفاً وَهُوَ عِنْدَنَا أَصَحّ.
4032 ـ حَدّثَنَا عَبْدُ الْقُدّوسِ بن مُحمّدٍ العَطّارُ الْبَصْرِيّ، حدثنا مُحمّدُ بنُ كَثِيرٍ العبدي البصري حدثنا مَهْدِيّ بنُ مَيْمُونٍ حدثني غَيْلاَنُ بنُ جَرِيرٍ، قالَ: سَمِعْتُ أَنسَ بنَ مَالِكٍ يَقُولُ "إِن لَمْ نَكُنْ مِنَ الأزْدِ فَلَسْنَا مِنَ النّاسِ".
هذا حديثٌ حسنٌ غَريبٌ. صحيحٌ
ـــــــ
القاضي: يريد بالأزد أزد شنوءة وهو حي من اليمن أولاد أزد بن الغوث بن ليث بن مالك بن كهلان بن سبأ، وأضافهم إلى الله تعالى من حيث أنهم حزبه وأهل نصرة رسوله. قال الطيبي: قوله أزد الله يحتمل وجوهاً أحدها اشتهارهم بهذا الاسم لأنهم ثابتون في الحرب لا يفرون، وعليه كلام القاضي. وثانيها أن تكون الإضافة للاختصاص والتشريف كبيت الله وناقة الله على ما يدل عليه قوله يريد الناس أن يضعوهم إلخ. وثالثها أن يراد بها الشجاعة والكلام على التشبيه، أي الأسد أسد الله فجاء به إما مشاكلة أو قلب السين زاياً انتهى. قال القاري بعد نقل كلام الطيبي هذا وتبعه صاحب الأزهار من شراح المصابيح، لكن إنما يتم هذا لو كان الأسد بالفتح والسكون لغة في الأسد بفتحتين كما لا يخفى وهو ليس كذلك على ما يفهم من القاموس انتهى.
قوله: "حدثنا محمد بن كثير" هو إما العبدي البصري أو الثقفي الصنعاني لم يتعين لي "حدثني غيلان بن جرير" المعولي الأزدي البصري ثقة من الخامسة.
قوله: "فلسنا من الناس" أي الكاملين وأنس كان أنصارياً والأنصار كلهم من أولاد الأزد.(10/439)
4033 ـ حَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ زَنْجويّةَ بغدادي أَخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ أَخْبَرَنِي أبي عن مِينَاءَ مَوْلَى عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، قالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: "كُنّا عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَهُ رَجُلٌ أَحْسَبُهُ مِنْ قَيْسٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ الْعَنْ حِمْيراً فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمّ جَاءَهُ مِنَ الشّقّ الاَخَرِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمّ جَاءَهُ مِنَ الشّقّ الاَخَرِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمّ جَاءَهُ مِنَ الشّقّ الاَخَرِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَقَالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: " رَحِمَ اللّهُ حِمْيَراً. أَفْوَاهُهُمْ سَلاَمٌ، وَأَيْدِيهِمْ طَعَامٌ، وَهُمْ أَهْلُ أَمْنٍ وَإِيمَانٍ".
هَذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هذا الوجهِ من حديثِ عَبْدِ الرّزّاقِ وَيُرْوَى عن مِينَاءَ هذا أَحَادِيثُ مَنَاكِيرُ
ـــــــ
قوله: "حدثنا أبو بكر بن زنجوية" اسمه محمد بن عبد الملك بن زنجوية "أخبرني أبي" هو همام بن نافع الحميري الصنعاني مقبول من السادسة "عن ميناء مولى عبد الرحمن بن عوف" قال في التقريب: ميناء بكسر الميم وسكون التحتانية ثم نون ابن أبي ميناء الخزاز مولى عبد الرحمن بن عوف، متروك ورمى بالرفض وكذبه أبو حاتم من الثانية ووهم الحاكم فجعل له صحبة انتهى.
قوله: "أحسبه" بكسر السين وفتحها أي أظنه "ألعن حميراً" بكسر فسكون ففتح هو ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان أبو قبيلة من اليمن، والمراد هنا القبيلة، أي أدع عليهم بالبعد عن الرحمة "فأعرض عنه" أي عن الرجل بإدبار وجهه عنه "أفواههم سلام وأيديهم طعام" أي أفواههم لم تزل ناطقة بالسلام على كل من لقيهم وأيديهم لم تزل ممتدة بالطعام للجائع والضيف فجعل الأفواه والأيدي نفس السلام والطعام مبالغة وقيل أفواههم ذات سلام أو محل سلام وأيديهم ذات طعام فالمضاف مقدر لصحة العمل والمعنى أنهم يفشون السلام ويطعمون الطعام "وهم أهل أمن وإيمان" أي الناس آمنون من أيديهم وألسنتهم وقلوبهم مملوءة بنور الإيمان.
قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد.(10/440)
في غفَار وَأَسْلَمَ وَجُهَيْنَةَ وَمُزَيْنَة
4034 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ أَخبرنا أَبُو مَالِكٍ الأشْجَعِيّ عن مُوسَى بنِ طَلْحَةَ عن أَبي أَيّوبَ الأنْصَارِيّ قالَ: قالَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الأنْصَارُ وَمُزَيْنَةُ وَجُهَيْنَةُ وَغِفَارٌ وَأَشْجَعُ وَمَنْ كَانَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ مَوَالِيَ لَيسَ لَهُمْ مَوْلَى دُونَ اللّهِ
ـــــــ
في غفَار وَأَسْلَمَ وَجُهَيْنَةَ وَمُزَيْنَة
أما غفار فبكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وفي آخره راء وهم بنو غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وسبق منهم إلى الإسلام أبو ذر الغفاري وآخره أنيس ورجع أبو ذر إلى قومه فأسلم الكثير منهم، وأما أسلم فسيأتي بيانهم، وأما جهينة فبضم الجيم وفتح الهاء مصغراً وهم بنو جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة من مشهوري الصحابة منهم عقبة بن عامر الجهني وغيره واختلف في قضاعة فالأكثر أنهم من حمير فيرجع نسبهم إلى قحطان وقيل هم من ولد معد بن عدنان، وأما مزينة فبضم الميم وفتح الزاي مصغراً وهو اسم امرأة عمرو بن أدبن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وهي مزينة بنت كلب بن وبرة وهي أم أوس وعثمان ابني عمرو فولد هذين يقال لهم بنو مزينة والمزينون. ومن قدماء الصحابة منهم عبد الله بن مغفل بن عبد نهم المزني وعمه خزاعي بن عبد نهم وإياس بن هلال وابنه قرة بن إياس وهذا جد القاضي إياس بن معاوية بن قرة وآخرون
قوله: "أخبرنا أبو مالك الأشجعي" اسمه سعد بن طارق "عن موسى بن طلحة" بن عبيد الله.
قوله: "الأنصار" تقدم بيانهم في فضل الأنصار وقريش "وأشجع" بالشين المعجمة والجيم وزن أحمر هم بنو أشجع بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس من مشهوري الصحابة منهم نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف "موالي" بتشديد(10/441)
وَاللّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلاَهُمْ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
التحتانية إضافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي أنصاري وهذا هو المناسب هنا وإن كان للمولى عدة معان ويروى بتخفيف التحتانية والمضاف إليه محذوف أي موالي الله ورسوله ويدل عليه قوله: ليس لهم مولى دون الله ورسوله "والله ورسوله مولاهم" أي وليهم وناصرهم والمتكفل بهم وبمصالحهم، قال الحافظ: هذه فضيلة ظاهرة لهؤلاء القبائل والمراد من آمن منهم والشرف يحصل للشيء إذا حصل لبعضه، قيل إنما خصوا بذلك لأنهم بادروا إلى الإسلام فلم يسبوا كما سبى غيرهم وهذا إذا سلم يحمل على الغالب، وقيل المراد بهذا الخبر النهي عن استرقاقهم وأنهم لا يدخلون تحت الرق وهذا بعيد انتهى.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم.(10/442)
في ثَقِيفٍ وَبَنِي حَنِيفَة
4035 ـ حَدّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بنُ خَلَفٍ حدثنا عَبْدُ الوَهّابِ الثّقَفِيّ عن عَبْدِ اللّهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ عن أَبِي الزّبَيْرِ عن جَابِرٍ قالَ: "قالُوا يَا رَسُولَ اللّهِ أَحْرَقَتْنَا نِبَالُ ثَقِيفٍ فَادْعُ اللّهَ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ: "اللّهُمّ اهْدِ ثَقِيفاً".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
في ثَقِيفٍ وَبَنِي حَنِيفَة
قال في القاموس ثقيف كأمير أبو قبيلة من هوازن واسمه قسي بن منبه بن بكر بن هوازن. وقال فيه حنيفة كسفينة لقب أثال بن لجيم أبو حي منهم خولة بنت جعفر الحنفية أم محمد بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
قوله: "حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف" البصري.
قوله: "قالوا" أي بعض الصحابة "نبال ثقيف" بكسر النون جمع نبل أي سهامهم ولعله في غزوة الطائف ومحاصرتهم "اللهم اهد ثقيفاً" أي إلى الإسلام.(10/442)
4036 ـ حَدّثَنَا زَيْدُ بنُ أَخْزَمَ الطّائّيّ، أَخبرنا عَبْدُ الْقَاهِرِ بن شُعَيبٍ، أَخبرنا هِشَامٌ عن الْحَسَنِ عن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ قالَ: "مَاتَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَكْرَم ثَلاَثَةَ أَحْيَاءٍ: ثَقِيفاً وبَنِي حَنِيفَةَ وَبَنِي أُمَيّةَ".
هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
4037 ـ حَدّثَنَا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا الْفَضْلُ بنُ مُوسَى عن شريْكٍ عن عَبْدِ اللّهِ بنِ عاصمٍ عن ابنِ عُمَرَ قالَ: "قال رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "فِي ثَقِيفٍ كَذّابٌ وَمبيرٌ".
4038 ـ حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ وَاقِدٍ أبو مسلم، أَخبرنا شريْكٌ بِهَذَا
ـــــــ
قوله: "أخبرنا عبد القاهر بن شعيب" بن الحجاب أبو سعيد البصري لا بأس به من التاسعة "أخبرنا هشام" بن حسان الأزدي الفردوسي "عن الحسن" البصري.
قوله: "وهو يكره ثلاثة أحياء" جمع حي بمعنى قبيلة "ثقيفاً وبني حنيفة وبني أمية" بدل مما قبله وبنو أمية بضم الهمزة وفتح الميم وشدة التحتية قبيلة من قريش، قال القاري في المرقاة نقلاً عن الأزهار: قال العلماء إنما كره ثقيفاً للحجاج وبني خليفة لمسيلمة وبني أمية لعبيد الله بن زياد. قال البخاري: قال ابن سيرين أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين فجعله في طست وجعل ينكته بقضيب وقال الترمذي في الجامع قال عمارة بن عمير لما جيء برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه في رحبة المسجد فانتهيت إليهم فقالوا قد جاءت فإذا حية قد جاءت حتى دخلت في منخر عبيد الله بن زياد فمكثت ساعة ثم خرجت فذهبت حتى تغيبت ثم قالوا قد جاءت ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثاً. انتهى ما في المرقاة، وحديث عمارة بن عمير هذا تقدم في مناقب الحسين.
قوله: "في ثقيف كذاب ومبير" تقدم هذا الحديث بهذا السند في باب ما جاء: في ثقيف كذاب ومبير. من أبواب الفتن وقال الترمذي هناك: ويقال الكذاب(10/443)
الاْسْنَادِ نَحْوَهُ وَعَبدُ اللّهِ بنِ عاصمٍ يُكْنَى أَبَا عُلْوَانَ وَهُوَ كُوفِيّ.
هَذا حديثٌ غَرِيبٌ. لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حديثِ شريْكٍ وَشريْكٌ يَقُولُ: عَبْدُ اللّهِ بنُ عاصمٍ وَإسْرَائِيلُ يَرْوِي عن هَذَا الشّيْخِ وَيَقُولُ عَبْدُ اللّهِ بنِ عُصْمَةَ. وفي البابِ عن أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ.
4039 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ. أَخبرنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، أَخبرنا أَيّوبُ عن سَعِيدٍ المَقْبُريّ عن أَبي هُرَيْرَةَ "أَنّ أَعْرَابِيّا أَهْدَى لِرسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَكْرَةً فَعَوّضَهُ مِنْهَا سِتّ بَكَرَاتٍ. فَتَسَخّطَهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ: "إِنّ فُلاَناً أَهْدَى إِلَيّ نَاقَةً فَعَوّضْتُهُ مِنْهَا سِتّ بَكَرَاتٍ فَظَلّ سَاخِطاً. لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لاَ أَقْبَلَ هَدِيّةً إِلاّ مِنْ قُرَشِيّ أَوْ أَنْصَارِيّ أَوْ ثَقَفيّ أَوْ دَوْسِيّ". وَفي
ـــــــ
المختار بن أبي عبيد والمبير الحجاج بن يوسف.. "وعبد الله بن عصم" بضم العين وسكون الصاد المهملتين "يكنى أبا علوان" بضم العين المهملة وسكون اللام "وإسرائيل يروي عن هذا الشيخ" أي عبد الله بن عصم.
قوله: "بكرة" البكر بفتح موحدة فسكون كاف فتى من الإبل بمنزلة غلام من الناس والأنثى بكرة كذا في النهاية "فعوضه منها ست بكرات" بفتحتين أي أعطاه عوضها ست بكرات "فتسخطها" أي كرهاً ولم يرض بها. قال في القاموس: تسخطه تكرهه وعطاءه استقله ولم يقع منها موقعاً، وإنما تسخط الأعرابي لأن طمعه في الجزاء كان أكثر لما سمع من جوده وفيض جوده صلى الله عليه وسلم "فبلغ ذلك" أي سخطه "إن فلاناً" كناية عن اسمه "فظل" أي أصبح أو صار "لقد هممت" جواب قسم مقدر أي والله لقد قصدت "أن لا أقبل هدية" أي من أحد "إلا من قرشي" نسبة إلى قريش "أو أنصاري" أي واحد من الأنصار "أو ثقفي" بفتح المثلثة والقاف نسبة إلى ثقيف قبيلة مشهورة "أو دوسي" بفتح(10/444)
الْحَدِيثِ كَلاَمٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا. قال هذا حديثٌ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ. وَيَزِيدُ بنُ هَارُونَ يَرْوِي عن أبي أَيّوبَ أَبي الْعَلاَءِ وَهُوَ أَيّوبُ بنُ مِسْكِينٍ، وَيُقَالُ ابنُ أَبي مِسْكِينٍ. وَلَعلّ هَذَا الْحَدِيثَ الّذِي رواه عن أَيّوبَ عن سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ، وَهُو أَيّوبُ أَبُو الْعَلاَءِ وَهُوَ أَيّوبُ بنُ مِسْكِينٍ وَيُقَالُ ابنُ أَبي مِسْكِينٍ.
4040 ـ حَدّثَنَا محمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخبرنا أَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ الْحِمْصِيّ، أَخبرنا مُحمّدُ بنُ إِسْحَاقَ عن سَعِيدِ بنِ أَبي سَعِيدٍ المَقْبرِيّ عن أَبِيهِ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: "أَهْدَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إِلَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
الدال المهملة وسكون الواو نسبة إلى دوس بطن من الأزد أي إلا من قوم في طبائعهم الكرم. قال التوربشتي: كره قبول الهدية ممن كان الباعث له عليها طلب الاستكثار وإنما خص المذكورين فيه بهذه الفضيلة لما عرف فيهم من سخاوة النفس وعلو الهمة وقطع النظر عن الأعواض.
قوله: "وفي الحديث كلام أكثر من هذا" لم أقف عليه "هذا حديث قد روي من غير وجه عن أبي هريرة" وأخرجه أبو داود والنسائي "وهو أيوب بن مسكين ويقال ابن أبي مسكين" قال الحافظ في تهذيب التهذيب أيوب بن أبي مسكين ويقال مسكين التميمي أبو العلاء القصاب الواسطي روى عن قتادة وسعيد المقبري وأبي سفيان وغيرهم وعنه إسحاق بن يوسف الأزرق وهشيم ويزيد بن هارون وغيرهم، وقال في التقريب في ترجمته: صدوق له أوهام من السابعة "ولعل هذا الحديث الذي روى عن أيوب عن سعيد المقبري هو أيوب أبو العلاء" هذا هو الظاهر والله تعالى أعلم.
قوله: "حدثنا محمد بن إسماعيل" هو الإمام البخاري "أخبرنا أحمد بن خالد" بن موسى الحمصي الوهبي الكندي أبو سعيد صدوق من التاسعة "أخبرنا محمد بن إسحاق" هو إمام المغازي.(10/445)
َناقَةً مِنْ إِبلِهِ الّتِي كَانُوا أَصَابُوا بِالْغَابَةِ فَعَوّضَهُ مِنْهَا بَعْضَ العِوَضِ فَتَسَخّطَه فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى هذا المِنْبَرِ يَقُولُ: "إِنّ رِجَالاً مِنَ الْعَرَبِ يُهْدِي أَحَدُهُمْ الْهَدِيّةَ فَأُعَوّضُهُ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا عِنْدِي، ثُمّ يَتَسَخّطُهُ فَيَظَلّ بَتَسَخّطُ فِيهِ عَلَيّ. وَايْمُ اللّهِ لاَ أَقْبَلُ بَعدَ مَقَامِي هَذَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ هَدِيّة إِلاّ مِنْ قُرَشِي أَوْ أنْصَارِي أوْ ثَقَفي أوْ دَوْسِي". وهذا أصَحّ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بنِ هَارُونَ
4041 ـ حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ يَعْقُوبَ، وغير واحد قالوا: حدثنا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ، حدثنا أبي قالَ سَمِعْتُ عَبدَ اللّهِ بنَ خَلاّدٍ يُحَدّثُ عن نُمَيْرِ بنِ أوْسٍ عن مَالِكِ بنِ مَسْرُوحٍ عن عَامِرِ بنِ أبي عَامِرٍ الأَشْعَرِيّ عن أبِيهِ قالَ: قالَ
ـــــــ
قوله: "وايم الله" لفظ قسم ذو لغات وهمزتها وصل وقد تقطع تفتح وتكسر كذا في المجمع "أصابوا بالغابة" اسم موضع.
قوله: "حدثنا إبراهيم بن يعقوب" الجوزجاني "أخبرنا وهب بن جرير" بن حازم الأزدي البصري "سمعت عبد الله بن خلاد" بالخاء والدال المهملة قال الحافظ في التقريب: صوابه ابن ملاذ بميم ولام خفيفة وذال معجمة الأشعري دمشقي مجهول "يحدث عن نمير" بالتصغير "بن أوس" الأشعري قاضي دمشق ثقة من الثالثة "عن مالك بن مسروح" بمهملتين الشامي مقبول "عن عامر بن أبي عامر الأشعري" تابعي مخضرم من الثانية وقد قيل له صحبة مات في خلافة عبد الملك "عن أبيه" هو أبو عامر الأشعري اسمه عبد الله بن هانئ وقيل ابن وهب وقيل عبيد بن وهب وليس هو عم أبي موسى الأشعري، له عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد: نعم الحي الأزد والأشعريون، وعنه ابنه عامر كذا في تهذيب التهذيب.(10/446)
رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعْمَ الْحَيّ الأَسْدُ وَالأَشْعَرِيّونَ لاَ يَفِرّونَ في الْقِتَالِ وَلاَ يَغُلّونَ. هُمْ مِنّي وَأَنَا مِنْهُمْ"، قالَ فَحَدّثْتُ بِذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: لَيْسَ هَكَذَا. قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ "هُمْ مِنّي وَإِلَيّ" . فَقُلْتُ لَيْسَ هَكَذَا، حدثني أَبي وَلَكِنّهُ حَدّثَنِي قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "هُمْ مِنّي وَأَنَا مِنْهُمْ" قَالَ فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِحَدِيثِ أَبِيكَ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حديثِ وَهْبِ بنِ جَرِيرٍ وَيُقَالُ الاْسْدُ هُمُ الأَزْدُ.
ـــــــ
قوله: "نعم الحي" أي القبيلة "الأسد" بفتح الهمزة وسكون السين وبالدال المهملتين وفي بعض النسخ الأزد بالزاي مكان السين، قال التوربشتي: هو أبو حي من اليمن ويقال لهم الأزد وهو بالسين أفصح وهما أزدان أزد شنوءة وأزد عمان انتهى، والمراد هنا أزد شنوءة "والأشعرون" قال الطيبي هو بسقوط الياء في جامع الترمذي وجامع الأصول وبإثباته في المصابيح، قال الجوهري: تقول العرب جاءتك الأشعرون بحذف الياء.
قلت: قد وقع في بعض نسخ الترمذي أيضاً والأشعريون بإثبات ياء النسبة "لا يفرون في القتال" أي في حال قتالهم مع الكفار وهو حال من القبيلتين على حد {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا} "ولا يغلون" بفتح التحتية وضم الغين المعجمة وتشديد اللام أي ولا يخونون في المغنم "هم مني" أي متصلون بي وكلمة من هذه تسمى اتصالية نحو: لا أنا من الدد ولا الدد مني. وقال النووي معناه المبالغة في اتحاد طريقهما واتفاقهما في طاعة الله تعالى "قال" أي عامر بن أبي عامر الأشعري "فقال" أي معاوية "قال هم مني وإليّ" أي بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم مني وإليّ.
قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد وفي سنده عبد الله بن ملاذ مكان عبد الله بن خلاد.(10/447)
4042 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أَخبرنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ، حدثنا شُعْبَةُ عن عَبْدِ اللّهِ بنِ دِينَارٍ عن ابنِ عُمَرَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللّهُ، وَغِفَارٌ غَفَرَ اللّهُ لَهَا". وفي البابِ عن أَبي ذَرّ وَأَبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيّ وأبي بردة وَبُرَيْدَةَ وَأَبي هُرَيْرَةَ
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
قوله: "عن عبد الله بن دينار" العدوي.
قوله: "أسلم سالمها الله" هو من المسالمة وترك الحرب ويحتمل أن يكون دعاء وإخباراً، إما دعاء لها أن يسالمها الله ولا يأمر بحربها أو أخبر أن الله قد سالمها ومنع من حربها كذا في النهاية. واعلم أن أسلم ثلاث قبائل قال العيني في العمدة: أسلم في خزاعة وهو ابن أفصى وهو خزاعة بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امريء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، وفي مذحج أسلم بن أوس الله بن سعد العشيرة بن مذحج، وفي بجيلة أسلم بن عمرو بن لؤي بن رهم بن معاوية بن أسلم بن أحمس بن الغوث والله أعلم من أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله هذا "وغفار" بكسر الغين المعجمة يصرف باعتبار الحي ولا يصرف باعتبار القبيلة "غفر الله لها" يحتمل أن يكون دعاء لها بالمغفرة أو إخباراً أن الله قد غفر لها. ويؤيده قوله في آخر الرواية الاَتية: "وعصية عصت الله ورسوله". وفيهما من جناس الاشتقاق ما يلذ على السمع لسهولته وهو من الاتفاقات اللطيفة، وقال الخطابي إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لهاتين القبيلتين لأن دخولهما في الإسلام كان من غير حرب وكانت غفار تتهم بسرقة الحاج فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمحو عنهم تلك المسبة وأن يعلم أن ما سبق منهم مغفور لهم.
قوله: "وفي الباب عن أبي ذر وأبي برزة الأسلمي وبريدة وأبي هريرة" أما حديث أبي ذر فأخرجه أحمد ومسلم، وأما حديث أبي برزة الأسلمي فأخرجه أحمد، وأما حديث بريدة فلينظر من أخرجه، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان.(10/448)
4043 ـ حَدّثَنَا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أَخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عن عَبْدِ اللّهِ بنِ دِينَارٍ عن ابنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللّهُ وَغِفَارٌ غَفَرَ اللّهُ لَهَا. وَعُصَيّةُ عَصَتِ اللّهَ وَرَسُولَهُ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
4044 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا مُؤَمّلٌ، أَخبرنا سُفْيَانُ عن عَبْدِ اللّهِ بنِ دِينَارٍ نَحْوَ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَزَادَ فِيهِ: "وَعُصَيّةُ عَصَتِ اللّهَ وَرَسُولَهُ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
4045 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ، أَخبرنا المُغِيرَةُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عن أَبي الزّنَادِ عن الأَعْرَجِ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالذِي نَفْسُ مُحمّدٍ بِيَدِهِ لَغِفَارٌ، وَأَسْلَمُ وَمُزَيْنَةُ، وَمَنْ كَانَ مِنْ جُهَيْنَةَ أَوْ قالَ جُهَينَةُ، وَمَنْ كَانَ مِنْ مُزَيْنَةَ خَيْرٌ عِنْدَ اللّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَسَدٍ
ـــــــ
قوله: "أخبرنا إسماعيل بن جعفر" الأنصاري الزرقي.
قوله: "وعصية" بضم العين وفتح الصاد المهملتين وتشديد التحتية مصغراً هم بطن من بني سليم ينسبون إلى عصية بن خفاف بن امريء القيس بن بهثة بن سليم "عصت الله ورسوله" إنما قال صلى الله عليه وسلم هذا لأنهم الذين قتلوا القراء ببئر معونة، بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فقتلوهم وكان يقنت عليهم في صلاته ويلعن رعلاً وذكوان ويقول: "عصية عصت الله ورسوله".
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والشيخان.
قوله: "أخبرنا مؤمل" بن إسماعيل العدوي.
قوله: "أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن" الخزامي.
قوله: "لغفار" مبتدأ وما بعده عطف عليه وقوله "خير عند الله" خبره "ومزينة ومن كان من جهينة" أو قال "جهينة ومن كان من مزينة" أو للشك من(10/449)
وَطِيّء وَغَطَفَانَ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
4046 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أَخبرنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ، أَخبرنا سُفْيَانُ عن جامِعِ بنِ شَدّادٍ، عن صَفْوَانَ بنِ مُحْرِزٍ، عن عِمْرَان بنِ حُصَيْنٍ، قالَ: "جَاءَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَميمٍ إِلَى رسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَبْشِرُوا يَا بَنِي تَميمٍ،" قالُوا بَشّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، قالَ فَتَغَيّرَ وَجْهُ رسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَجَاءَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: اقْبَلُوا
ـــــــ
الراوي، ووقع في رواية الشيخين وشيء من مزينة وجهينة أو شيء من جهينة ومزينة أي بعض منهم، وفي هذه الرواية تقييد لما أطلق في رواية الترمذي هذه وفي حديث أبي بكرة الاَتي "يوم القيامة" قيد به لأن المعتبر بالخير والشر إنما يظهر في ذلك الوقت "من أسد الخ" متعلق بقوله خير.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "أخبرنا سفيان" هو الثوري "عن جامع بن شداد" المحاربي أبي صخرة الكوفي ثقة من الخامسة "عن صفوان بن محرز" بضم الميم وإسكان الحاء المهملة وكسر الراء وبالزاي المنقوطة ابن زياد المازني أو الباهلي ثقة عابد من الرابعة.
قوله: "جاء نفر من بني تميم" يعني وفدهم وكان قدومهم في سنة تسع "أبشروا" أمر بهمزة قطع من البشارة، والمراد بها أن من أسلم نجا من الخلود في النار ثم بعد ذلك يترتب جزاؤه على وفق عمله إلا أن يعفو الله، وقال الكرماني: بشرهم بما يقتضي دخول الجنة حيث عرفهم أصول العقائد التي هي المبدأ والمعاد وما بينهما، قال الحافظ: كذا قال وإنما وقع التعريف هنا لأهل اليمن وذلك ظاهر من سياق الحديث انتهى "قالوا بشرتنا" القائل ذلك منهم الأقرع بن حابس ذكره ابن الجوزي "فأعطنا" أي من المال "فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم" إما للأسف عليهم كيف آثروا الدنيا، وإما لكونه لم يحضره ما يعطيهم فيتألفهم به أو لكل منهما "وجاء نفر من أهل اليمن" قال الحافظ: قد ظهر لي أن المراد بهم(10/450)
الْبُشْرَى إذا لَمْ تَقْبَلْهَا بَنُو تَميمٍ، قَالُوا قَدْ قَبِلْنَا".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
4047 ـ حَدّثَنَا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَبُو أَحْمَدَ، أَخبرنا سُفْيَانُ عن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أَبي بَكْرَةَ عن أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ خَيْرٌ مِنْ تميمٍ وَأَسَدٍ وَغَطَفَانَ وَبَنِي عَامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ" يَمُدّ بِهَا صَوْتهُ. فَقَالَ الْقَوْمُ: قَدْ
ـــــــ
نافع بن زيد الحميري مع من وفد معه من أهل حمير "اقبلوا البشرى" بضم أوله وسكون المعجمة والقصر أي اقبلوا مني ما يقتضي أن تبشروا، وإذا أخذتم به بالجنة كالفقه في الدين والعمل به "فلم يقبلها بنو تميم" قيل بنو تميم قبلوها حيث قالوا: بشرتنا غاية ما في الباب أنهم سألوا شيئاً وأجيب بأنهم لم يقبلوها حيث لم يهتموا بالسؤال عن حقائقها وكيفية المبدأ والمعاد. ولم يعتنوا بضبطها وحفظها ولم يسألوا عن موجباتها وعن الموصلات إليها، وقال الطيبي: لما لم يكن جل اهتمامهم إلا بشأن الدنيا والاستعطاء دون دينهم، قالوا: بشرتنا للتفقه وإنما جئنا للاستعطاء فأعطنا ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلم يقبلها بنو تميم "قالوا قد قبلنا" زاد البخاري في التوحيد: جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان؟ قال: "كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السمَوات والأرض وكتب في الذكر كل شيء" الخ.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري والنسائي.
قوله: "حدثنا أبو أحمد" الزبيري "أخبرنا سفيان" الثوري "عن أبيه" هو أبو بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة.
قوله: "خير" أي يوم القيامة كما في حديث أبي هريرة المتقدم "من تميم" بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وفيهم بطون كثيرة جداً "وأسد" أي ابن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر وكانوا عدداً كثيراً، وقد ظهر مصداق ذلك عقب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم(10/451)
خَابُو وَخَسِرُوا. قالَ: فَهُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
4048 ـ حَدّثَنَا بِشْرُ بنُ آدَمَ بنُ بنت أَزْهَرَ السّمّانِ، حدثني جَدّي أَزْهَرُ السّمّانُ عن ابنِ عَوْنٍ عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "اللّهُمّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا. اللهُمّ بَارِكْ لَنَا في يَمَنِنَا" قالُوا وَفِي نَجْدِنَا. قَالَ اللهُمّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَبَارِكْ لَنَا في يَمَنِنَا. قَالُوا وَفي نَجْدِنَا فَقَالَ "اللهُمّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا" قَالُوا وَفِي نَجْدِنَا
ـــــــ
فارتد هؤلاء مع طليحة بن خويلد وارتد بنو تميم أيضاً مع سجاح التي ادعت النبوة "وغطفان" بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة وتخفيف الفاء هو ابن سعد بن قيس غيلان بن مضر "وبني عامر بن صعصعة" أي ابن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان "يمد" أي يرفع "بها" أي بهذه الكلمات "قال" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "هم" أي أسلم وغفار ومزينة "خير منهم" أي من تميم وأسد وغطفان وبني عامر بن صعصعة وإنما كانوا خيراً منهم لأنهم سبقوهم إلى الإسلام والمراد الأكثر الأغلب.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "حدثنا بشر بن آدم الخ" وقع قبل هذا في بعض النسخ باب في فضل الشام واليمن "حدثني جدي أزهر" بن سعد "السمان" أبو بكر الباهلي بصري ثقة من التاسعة "عن ابن عون" اسمه عبد الله بن عون بن أرطبان.
قوله: "اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك في يمننا" تقدم وجه تسمية الشام واليمن في باب فضل اليمن. والظاهر في وجه تخصيص المكانين بالبركة لأن طعام أهل المدينة مجلوب منهما، وقال الأشرف: إنما دعا لهما بالبركة لأن مولده بمكة وهو من اليمن ومسكنه ومدفنه بالمدينة وهي من الشام وناهيك من فضل الناحيتين أن أحداهما مولده والأخرى مدفنه فإنه أضافهما إلى نفسه وأتى بضمير الجمع تعظيماً وكرر الدعاء "قالوا" أي بعض الصحابة "وفي نجدنا" عطف تلقين والتماس أي قل وفي نجدنا ليحصل البركة لنا من صوبه أيضاً. قال الخطابي: نجد من جهة المشرق ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق نواحيها وهي مشرق أهل المدينة، وأصل النجد ما ارتفع من الأرض وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها وتهامة(10/452)
قالَ "هُنَالِكَ الزّلاَزِلُ وَالْفِتَنُ وبهَا. أَوْ قالَ: مِنْهَا يَخْرُجُ قَرْنُ الشّيْطَانِ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ ابنِ عَوْنٍ. وَقد رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضاً عن سَالِمٍ بنِ عَبْدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ عن أَبِيهِ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
كلها من الغور ومكة من تهامة، انتهى. قال الحافظ بعد نقل كلام الخطابي هذا وعرف بهذا وهو ما قاله الداودي إن نجداً من ناحية العراق فإنه توهم أن نجداً موضع مخصوص وليس كذلك، بل كل شيء ارتفع بالنسبة إلى ما يليه يسمى المرتفع نجداً والمنخفض غوراً انتهى "هنالك" أي في نجد "الزلازل" أي الحسية أو المعنوية وهي تزلزل القلوب واضطراب أهلها "والفتن" أي البليات والمحن الموجبة لضعف الدين وقلة الديانة فلا يناسبه دعوة البركة له، وقال المهلب: إنما ترك صلى الله عليه وسلم الدعاء لأهل المشرق ليضعفوا عن الشر الذي هو موضوع في جهتهم لاستيلاء الشيطان بالفتن "وبها أو قال منها" شك من الراوي والضمير راجع إلى نجد والتأنيث البقعة "يخرج قرن الشيطان" أي حزبه وأهل وقته وزمانه وأعوانه ذكره السيوطي، وقيل يحتمل أن يريد بالقرن قوة الشيطان وما يستعين به على الإضلال، وكان أهل المشرق يومئذ أهل كفر فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الفتنة تكون من تلك الناحية فكان كما أخبر وأول الفتن كان من قبل المشرق فكان ذلك سبباً للفرقة بين المسلمين وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة كذا في فتح الباري. وقال العيني في شرح حديث ابن عمر: إنه صلى الله عليه وسلم قام إلى جنب المنبر فقال: "الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان"، أو قال "قرن الشمس" ما لفظه وإنما أشار صلى الله عليه وسلم إلى المشرق لأن أهله يومئذ كانوا أهل كفر فأخبر أن الفتنة تكون من تلك الناحية وكذلك كانت هي وقعة الجمل ووقعة صفين ثم ظهور الخوارج في أرض نجد والعراق وما ورائها من المشرق، وكانت الفتنة الكبرى التي كانت مفتاح فساد ذات البين قتل عثمان رضي الله تعالى عنه، وكان صلى الله عليه وسلم يحذر من ذلك ويعلم به قبل وقوعه وذلك من دلالات نبوته صلى الله عليه وسلم، انتهى.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه البخاري.(10/453)
4049ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أَخبرنا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ، أَخبرنا أَبي قالَ سَمِعْتُ يَحْيىَ بنَ أَيّوبَ يُحَدّثُ عن يَزِيدَ بنِ أَبي حَبِيبٍ عن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ شِمَاسَةَ عن زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ قالَ: "كُنّا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نُؤَلّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرّقَاعِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "طُوبَى لِلشّامِ" . فَقُلْنَا لأَيَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قالَ "لأِنّ مَلاَئِكَةَ الرّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَها عَلَيْهَا". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَىَ بنِ أَيّوبَ.
4050 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أَخبرنا أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيّ، أَخبرنا هِشَامُ بنُ سَعْدٍ عن سَعِيدِ بنِ أَبي سَعِيدٍ القبري عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النّبيّ صلى الله
ـــــــ
قوله: "سمعت يحيى بن أيوب" الغافقي "عن عبد الرحمن بن شماسة" بكسر الشين المعجمة وتخفيف الميم بعدها سين مهملة المهري المصري ثقة من الثالثة.
قوله: "نؤلف" من التأليف أي نجمع "من الرقاع" بكسر الراء جمع رقعة وهي ما يكتب فيه "طوبى للشام" تأنيث أطيب أي راحة وطيب عيش حاصل لها ولأهلها، وقال الطيبي: طوبى مصدر من طاب كبشرى وزلفى ومعنى طوبى لك أصبت خيراً وطيباً "فقلنا لأي ذلك يا رسول الله" قال القاري: بتنوين العوض في أي، أي لأي شيء كما في بعض نسخ المصابيح، قال الطيبي: كذا في جامع الترمذي على حذف المضاف إليه أي لأي سبب قلت ذلك وقد أثبت في بعض نسخ المصابيح لفظ شيء "لأن ملائكة الرحمَن" فيه إيماء إلى أن المراد بهم ملائكة الرحمة "باسطة أجنحتها عليها" أي على بقعة الشام وأهلها بالمحافظة عن الكفر قاله القاري، وقال المناوي: أي تحفها وتحولها بإنزال البركة ودفع المهالك والمؤذيات.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد والحاكم.
قوله: "حدثنا هشام بن سعد" المدني "عن سعيد بن أبي سعيد" المقبري.(10/454)
عليه وسلم قالَ: "لَيَنْتَهِيّنَ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ الّذينَ مَاتُوا إِنّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنّمَ. أَوْ لَيَكُونُنّ أَهْوَنَ عَلَى اللّهِ مِنَ الْجُعَلِ الّذِي يُدَهْدِهُ الْخرءَ بِأَنْفِهِ. إِنّ اللّهَ قد أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبّيّةَ الْجَاهِلِيّةِ وَفَخْرَهَا بِالاَبَاءِ. إِنّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقيّ وَفَاجِرٌ شَقيّ. النّاسُ كُلّهُمْ بَنُو آدَمَ. وآدَمُ خُلِقَ مِنَ تُرَابِ".
ـــــــ
قوله: "لينتهين" بلام مفتوحة جواب قسم مقدر أي والله ليمتنعن عن الافتخار "أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا" أي على الكفر وهذا الوصف بيان للواقع لا مفهوم له ولعل وجه ذكره أنه أظهر في توضيح التقبيح، ويؤيده ما رواه أحمد عن أبي ريحانة مرفوعاً: من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزاً وكرماً كان عاشرهم في النار "إنما هم" أي آباءهم "فحم جهنم" قال الطيبي: حصر آبائهم على كونهم فحماً من جهنم لا يتعدون ذلك إلى فضيلة يفتخر بها "أو ليكونن" بضم النون الأولى عطفاً على لينتهين والضمير الفاعل العائد إلى أقوام وهو واو الجمع محذوف من ليكونن والمعنى أو ليصيرن "أهون" أي أذل "على الله" أي عنده "من الجعل" بضم جيم وفتح عين وهو دويبة سوداء تدير الغائط يقال لها الخنفساء فقوله: "الذي يدهده الخراء" أي يدحرجه "بأنفه" صفة كاشفة له والخراء بكسر الخاء ممدوداً وهو العذرة والحاصل أنه صلى الله عليه وسلم شبه المفتخرين بآبائهم الذين ماتوا في الجاهلية بالجعل، وآباءهم المفتخر بهم بالعذرة، ونفس افتخارهم بهم بالدهدهة بالأنف، والمعنى أن أحد الأمرين واقع البتة إما الانتهاء عن الافتخار أو كونهم أذل عند الله تعالى من الجعل الموصوف "إن الله أذهب" أي أزال ورفع "عُبّيّة الجاهلية" بضم العين المهملة وكسر الموحدة المشددة وفتح التحتية المشددة أي نخوتها وكبرها، قال الخطابي: العبية الكبر والنخوة وأصله من العب وهو الثقل يقال: عبية وعبية بضم العين وكسرها "وفخرها" أي افتخار أهل الجاهلية في زمانهم "إنما هو" أي المفتخر المتكبر بالاَباء "مؤمن تقي وفاجر شقي" قال الخطابي: معناه أن الناس رجلان مؤمن تقي فهو الخير الفاضل وإن لم يكن حسيباً في قومه، وفاجر شقي فهو الدنيء وإن كان في أهله شريفاً رفيعاً، انتهى. وقيل معناه: إن المفتخر المتكبر إما(10/455)
وفي البابِ عن ابنِ عُمَرَ وَابنِ عَبّاسٍ. قال: هَذا حديثٌ حَسَنٌ
4051 ـ حَدّثَنَا هَارُونُ بنُ مُوسَى بنِ أَبي عَلْقَمَةَ الفَرَوِيّ المَدَنِيّ قال حَدّثني أَبي عن هِشَامِ بنِ سَعْدٍ عن سَعِيدِ بنِ أَبي سَعِيدٍ عن أَبِيهِ عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "قَدْ أَذْهَبَ اللّهُ عَنْكُمْ عُبّيّةَ الْجَاهِلِيّةِ وَفَخْرَهَا بِالاَبَاءِ. مُؤْمِنٌ تَقيّ وَفَاجِر شَقِيّ. وَالنّاسُ بَنُو آدَمَ وآدَمُ مِنْ تُرَابٍ".
ـــــــ
مؤمن تقي فإذن لا ينبغي له أن يتكبر على أحد أو فاجر شقي فهو ذليل عند الله والذليل لا يستحق التكبر، فالتكبر منفي بكل حال "الناس كلهم بنو آدم وآدم خلق من تراب" أي فلا يليق بمن أصله التراب النخوة والتجبر أو إذا كان الأصل واحداً فالكل إخوة فلا وجه للتكبر لأن بقية الأمور عارضة لا أصل لها حقيقة، نعم العاقبة للمتقين وهي مبهمة فالخوف أولى للسالك من الاشتغال بهذه المسالك.
قوله: "وفي الباب عن ابن عمر" أخرجه الترمذي في تفسير سورة الحجرات "وابن عباس" أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده والبيهقي في شعب الإيمان عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تفخروا بآبائكم الذين ماتوا في الجاهلية. فوالذي نفسي بيده لما يدحرج الجعل بأنفه خير من آبائكم الذين ماتوا في الجاهلية".
قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أبو داود وابن حبان.
قوله: "حدثنا هارون بن موسى بن أبي علقمة" عبد الله بن محمد "الفروي" بفتح الفاء والراء "المدني" لا بأس به من صغار العاشرة "حدثني أبي" أي موسى بن أبي علقمة الفروي مولى آل عثمان مجهول من التاسعة.
قوله: "قد أذهب الله عنكم عبية الجاهلية" قال الجزري في النهاية: يعني الكبر وتضم عينها وتكسر وهي فعولة أو فعيلة فإن كانت فعولة فهي من التعبية لأن المتكبر ذو تكلف وتعبية خلاف ما يسترسل على سجيته، وإن كانت فعيلة فهي من عباب الماء وهو أوله وارتفاعه، وقيل إن اللام قلبت ياء كما فعلوا في مقتضى البازي، انتهى.(10/456)
هذا حديثٌ حسنٌ. وَسَعِيدٌ المَقْبرِيّ قَدْ سَمِعَ مِنْ أَبي هُرَيْرَةَ، وَيَرْوِي عَن أَبِيهِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً عن أَبي هُرَيْرَةَ
وَقَد رَوَى سُفْيَانُ الثّوْرِيّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الْحَدِيثَ عن هِشَامِ بنِ سَعْدٍ عن سَعِيدٍ المَقْبُريّ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ حَدِيثِ أَبي عَامِرٍ عن هِشَامِ بنِ سَعْدٍ.
آخر المسند و الحمد لله رب العالمين و صلاته و سلامه على سيدنا محمد النبي و آله الطاهرين.
ـــــــ
قوله: "هذا حديث حسن" في سنده موسى بن أبي علقمة وهو مجهول لكن تابعه أبو عامر العقدي وغيره.
قال العبد الضعيف محمد بن عبد الرحمن المباركفوري عفا الله تعالى عنه: قد فرغنا بعونه تعالى و حسن توفيقه من تصنيف شرح الجامع للترمذي المسمى بتحفة الأحوذي فالحمد لله على ما أنعم علينا به من شرح صدرنا لشرح هذا الكتاب المستطاب المبارك. اللهم انا نسألك أن تجعله خالصاً لوجهك الكريم و تعفو عما وقع فيه من الخطأ و الزلل إنك عفو غفور رحيم. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، و اغفر لى و لوالدي و لشيوخي و لأساتذتي و لسائر المسلمين. وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد وآله و أصحابه أجمعين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.(10/457)