مِنْه قَدْ تَغَيّرَ مِنَ العَذَابِ وَالضّرْبِ وإذَا هُوَ في قُشَاشٍ، فَقُلْتُ الْحَمْدُ لله يَا بِلالُ لَقَدْ رَأيْتُكَ وَأنْتَ تَمُرّ بِنَا وَتُمْسِكُ بَأَنْفِكَ مِنْ غَيْرِ غُبَارٍ وَأَنْتَ في حَالِكَ هَذِهِ اليَوْمَ. فَقَالَ مِمّنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ مِنْ بَنِي مُرّةَ بنِ عَبّادٍ. فَقَالَ أَلاَ أُحَدّثُكَ حَدِيثاً عَسَى الله أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِ؟ قُلْتُ هَاتِ، قَالَ حَدّثني أَبي أَبُو بُرْدَةَ عَن أبيِه أَبي مُوسَى أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ : "لاَ تُصِيبُ عَبْداً نَكْبَةٌ فَمَا فَوْقَهَا أَوْ دُونَهَا إِلاّ بِذَنْبٍ وَمَا يَعْفُو الله عَنْهُ أَكْثَرُ. قَالَ وَقَرَأَ {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ويَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} " .
هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
ابن حبان في الثقات كذا في الخلاصة وتهذيب التهذيب "فقلت إن فيه" أي في بلال بن أبي بردة "لمعتبراً" أي عبرة وذلك لأنه كان قاضياً والآن هو محبوس "قال" أي شيخ بني مرة المذكور "وإذا" للمفاجأة "منه" أي من بلال بن أبي بردة "في قشاش" قال في القاموس: القشيش كأمير اللقاطة كالقشاش بالضم وقال فيه اللقاطة بالضم ما كان ساقطاً مما لا قيمة له "تمسك بأنفك" أي تكبراً "هات" بكسر التاء أي أعط وحدثني بذلك الحديث "حدثني أبي أبو بردة" أبو بردة مرفوع على أنه بدل من أبي "أبي موسى" بالجر بدل من أبيه "نكبة" أي محنة وأذى والتنوين للتقليل لا للجنس ليصح ترتب ما بعدها عليها بالفاء وهو "فما فوقها" أي في العظم "أو دونها" أي في المقدار "إلا بذنب" أي يصدر من العبد "وما يعفو الله" ما موصولة أي الذي يغفره ويمحوه "أكثر" أي مما يجازيه "قال" أي أبو موسى "وقرأ" أي النبي صلى الله عليه وسلم {وَمَا أَصَابَكُمْ} خطاب للمؤمنين {مِنْ مُصِيبَةٍ} أي بلية وشدة {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} أي كسبتم من الذنوب، وعبر بالأيدي لأن أكثر الأفعال تزاول بها {وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} أي من الذنوب فلا يجازي عليه وهو تعالى(9/129)
ـــــــ
أكرم من أن يثنى الجزاء في الآخرة، وأما غير المذنبين فما يصيبهم في الدنيا لرفع درجاتهم في الآخرة. قوله: "هذا حديث غريب" في سنده مجهولان كما عرفت.(9/130)
سورة الزخرف
بسم الله الرحمن الرحيم
3306 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ بِشْرٍ العَبدِي ويَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ عَن حَجّاجِ بنِ دِينَارٍ عَنْ أَبي غَالِبٍ عَن أبي أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "مَا ضَلّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلاّ أُوتُوا الْجَدَلَ، ثُمّ تَلاَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الآيةَ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}". هَذا حديثٌ حَسَنٌ
ـــــــ
"سورة الزخرف"
مكية وهي تسع وثمانون آية
قوله: "كانوا عليه" أي على الهدى "إلا أوتوا الجدل" أي أعطوه وهو حال وقد مقدرة والمستثنى منه أعم عام الأحوال وصاحبها الضمير المستتر في خبر كان، والمعنى ما كان ضلالتهم ووقوعهم في الكفر إلا بسبب الجدال وهو الخصومة بالباطل مع نبيهم وطلب المعجزة منه عناداً أو جحوداً، وقيل مقابلة الحجة بالحجة، وقيل المراد هنا العناد والمراد في القرآن ضرب بعضه ببعض لترويج مذاهبهم وآراء مشايخهم من غير أن يكون لهم نصرة على ما هو الحق وذلك محرم لا المناظرة لغرض صحيح كإظهار الحق فإنه فرض كفاية "ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي استشهاداً على ما قرره {مَا ضَرَبُوهُ} أي هذا المثل {لَكَ} يا محمد وهو قولهم أآلهتنا خير أم هو، أرادوا بالآلهة(9/130)
صحيحٌ إِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ حَجّاجِ بنِ دِينَارٍ، وحَجّاجٌ ثِقَةٌ مُقَارِبُ الحَدِيثِ وأبُو غَالِبٍ اسْمُهُ حَزَوّرُ.
ـــــــ
هنا الملائكة يعني الملائكة خير أم عيسى يريدون أن الملائكة خير من عيسى فإذا عبدت النصارى عيسى فنحن نعبد الملائكة أي ما قالوا ذلك القول {جَدَلاً} أي إلا لمخاصمتك وإذائك بالباطل لا لطلب إلا الحق، كذا قال بعض العلماء. قال القاري: والأصح في معنى الآية أن ابن الزبعري جادل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} آلهتنا أي الأصنام خير عندك أم عيسى فإن كان في النار فلتكن آلهتنا معه، وأما الجواب عن هذه الشبهة. فأولاً ـ أن ما لغير ذوي العقول فالإشكال نشأ عن الجهل بالقواعد العربية، وثانياً ـ أن عيسى والملائكة خصوا عن هذا بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} انتهى. قلت: ابن الزبعري بكسر الزاي المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون العين والراء المهملة والألف المقصورة قال الشهاب: ابن الزبعري هو عبد الله الصحابي المشهور وهذه القصة على تقدير صحتها كانت قبل إسلامه كذا في فتح البيان {بَلْ هُمْ} أي الكفار {قَوْمٌ خَصِمُونَ} أي كثير الخصومة. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم وابن جرير "إنما نعرفه من حديث حجاج بن دينار" قال الحافظ ابن كثير بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه: كاذ قال الترمذي وقد روي من وجه آخر عن أبي أمامة رضي الله عنه بزيادة فذكره. قوله: "وأبو غالب اسمه حزور" بفتح أوله والزاي وتشديد الواو وآخره راء.(9/131)
سورة الدخان
بسم الله الرحمن الرحيم
3307 ـ حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا عَبْدُ المَلِكِ بنُ إبْرَاهِيمَ الْجُدّيّ، أخبرنا شُعْبَةُ عَن الأعْمَشِ وَمَنْصُورٍ سَمِعَا أبَا الضّحَى يُحَدّثُ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ "جَاءَ رَجُلٌ إلى عَبْدِ الله فقَالَ إنّ قَاصّاً يَقُصّ يَقُولُ إنّهُ يَخْرُجُ مِنَ الأَرْضِ الدّخَانُ فَيَأْخُذُ بِمَسَامِعِ الكُفّارِ ويَأْخُذُ المُؤْمِنَ كَهَيْئَةِ الزّكَامِ. قَالَ فَغَضِبَ وكَانَ مُتّكِئاً فَجَلَسَ ثُمّ قَالَ إِذَا سُئِلَ أَحَدُكُمْ عَمّا يَعْلَمُ فَلْيَقُلْ بِهِ، قَالَ مَنْصُورٌ فَلْيُنجر بِهِ، وَإِذَا سُئِلَ عَمّا لاَ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ الله أعْلَمُ. فإِنّ مِنْ عِلْمِ الرّجُلِ إِذَا سُئِلَ عَمّا لاَ يَعْلَمُ
ـــــــ
"سورة الدخان"
مكية وقيل إلا {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ} الآية وهي ست أو سبع أو تسع وخمسون آية
قوله: "أخبرنا عبد الملك بن إبراهيم الجدي" بضم الجيم وتشديد الدال المكي مولى بني عبد الدار صدوق من التاسعة "أبا الضحى" هو مسلم بن صبيح "إلى عبد الله" هو ابن مسعود "إن قاصا يقص" وفي رواية للبخاري بينما رجل يحدث في كندة "فيأخذ بمسامع الكفار" جمع مسمع آلة السمع أو جمع سمع بغير قياس، والمسمع بالفتح خرقها، وفي رواية للبخاري فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، وفي رواية مسلم فيأخذ بأنفاس الكفار "فغضب" أي عبد الله بن مسعود "فليقل به" أي بما يعلم "فإن من علم الرجل إلخ" قوله:(9/132)
أَنْ يَقُولَ الله أَعْلَمُ فَإِنّ الله تعالى قَالَ لِنَبِيّهِ: {قُلْ مَا أسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْرٍ وَمَا أنَا مِنَ المُتَكَلّفينَ} إنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمّا رَأَى قُرَيْشاً اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ قَالَ: اللّهُمّ أعِنّى عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ فَأَخَذَتْهُمْ
ـــــــ
من علم الرجل خبر مقدم لإن واسمها أن يقول الله أعلم، وقوله إذا سئل عما لا يعلم ظرف لقوله علم الرجل، وفي رواية البخاري في تفسير سورة الروم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم لا أعلم. قال الحافظ يعني أن تمييز المعلومين المجهول نوع من العلم وهذا مناسب لما اشتهر من أن لا أدرى نصف العلم، ولأن القول فيما لا يعلم قسم من التكلف "فإن الله قال لنبيه {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} " في قول ابن مسعود هذا وفيما قبله تعريض بالرجل القاص الذي كان يقول: يجيء يوم القيامة كذا فأنكر ابن مسعود ذلك وقال لا تتكلفوا فيما لا تعلمون وبين قصة الدخان وقال إنه كهيئة إلخ. وذلك قد كان ووقع. قال العيني: فيه خلاف فإنه روي عن ابن عباس وابن عمر وزيد بن علي والحسن أنه دخان يجيء قبل قيام الساعة انتهى، وقال الحافظ وهذا الذي أنكره ابن مسعود قد جاء عن علي فأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم من طريق الحارث عن علي قال: آية الدخان لم تمض بعد يأخذ المؤمن كهيئة الزكام وينفخ الكافر حتى ينفد، ويؤيد كون آية الدخان لم تمض ما أخرجه مسلم من حديث أبي شريحة رفعه: "لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة" الحديث، وروى الطبري من حديث ربعى عن حذيفة مرفوعاً في خروج الآيات والدخان قال حذيفة يا رسول الله وما الدخان فتلا هذه الآية. قال "أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكمة وأما الكافر فيخرج من منخريه وأذنيه وإسناده ودبره" ضعيف. وذكر الحافظ روايات أخرى ضعيفة ثم قال لكن تضافر هذه الأحاديث يدل على أن لذلك أصلاً انتهى. قال العيني في العمدة: وقال ابن دحيه الذي يقتضيه النظر الصحيح حمل أمر الدخان على قضيتين إحداهما وقعت وكانت والأخرى ستقع أي بقرب القيامة "استعصوا عليه" أي أظهروا العصيان ولم يتركوا الشرك "بسبع" أي بسبع سنين فيها(9/133)
سَنَةٌ فأحصتْ كُلّ شَيْءٍ حَتّى أكَلُوا الْجُلُودَ وَالمَيْتَةَ ـ وَقَالَ أحَدُهُمَا: العِظَامَ ـ قَالَ: وَجَعَلَ يَخْرُجُ مِنَ الأرْضِ كَهَيْئَةِ الدّخَانِ، قَالَ: فأَتَاهُ أبُو سُفْيَانَ فَقالَ: إنّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فادْعُ الله لَهُمْ، قالَ: فَهَذَا لقوله {يَوْمَ تَأْتِي السّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النّاسَ هَذَا عَذَابٌ ألِيمٌ} " .
ـــــــ
جدب وقحط "فأخذتهم سنة" بفتح السين وهي الجدب والقحط "فأحصت كل شيء" أي استأصلته وفي بعض النسخ فحصت كل شيء أي أذهبته والحص إذهاب الشعر عن الرأس بحلق أو مرض كذا في النهاية "وقال أحدهما" الضمير راجع إلى الأعمش ومنصور "العظام" روى مسلم هذا الحديث من طريق الأعمش وفيه حتى أكلوا العظام، ورواه من طريق منصور وفيه حتى أكلوا الجلود والميتة "وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدخان" وكذلك في رواية البخاري، وفي رواية أخرى له: فكان يقوم أحدهم فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من الجهد والجوع. قال الحافظ ولا تدافع بينهما لأنه يحمل على أنه كان مبدأه من الأرض ومنتهاه ما بين السماء والأرض ولا معارضة أيضاً بين قوله يخرج من الأرض وبين قوله كهيئة الدخان لاحتمال وجود الأمرين بأن يخرج من الأرض بخار كهيئة الدخان من شدة حرارة الأرض ووهجها من عدم الغيث وكانوا يرون بينهم وبين السماء مثل الدخان من فرط حرارة الجوع، أو الذي كان يخرج من الأرض بحسب تخيلهم ذلك من غشاوة أبصارهم من فرط الجوع أو لفظ من الجوع صفة الدخان أي يرون مثل الدخان الكائن من الجوع {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} الآية بتمامها مع تفسيرها هكذا {فَارْتَقِبْ} أي انتظر يا محمد عذابهم فحذف مفعول فارتقب لدلالة ما بعده عليه وهو قوله عذاب أليم، وقيل يوم تأتي السماء مفعول فارتقب يقال رقبته فارتقبته نحو نظرته فانتظرته {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} أي ظاهر {يَغْشَى النَّاسَ} أي يحيطهم {هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} يقول الله ذلك وقيل يقوله الناس ربنا اشكف عنا العذاب قال الله تعالى حكاية عن المشركين لما أصابهم قحط وجهد قالوا: {رَبَّنَا اكْشِفْ(9/134)
قالَ مَنْصُورٌ هَذا لقوله {رَبّنَا اكْشِفْ عَنّا العَذَابَ إِنا مؤمنون} فَهَلْ يُكْشَفُ عَذَابُ الآخرةِ قد مَضَى البَطْشَةُ واللّزَامُ والدّخَانُ، وقَالَ أحَدهما القَمَرُ وَقالَ الآخر الرّومُ" . قال أبو عيسى الّلزَامُ يعني يَوْمُ بَدْرٍ. هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
عَنَّا الْعَذَابَ} وهو القحط الذي أكلوا فيه الميتات والجلود {إِنَّا مُؤْمِنُونَ} أي مصدقون بنبيك {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى} أي كيف يتذكرون ويتعظون بهذه الحالة {وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ} معناه وقد جاءهم ما هو أعظم وأدخل في وجوب الطاعة وهو ما ظهر على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآيات البينات والمعجزات الظاهرات {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ} أي أعرضوا {وَقَالُوا مُعَلَّمٌ} أي يعلمه القرآن، بشر {مَجْنُونٌ} {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ} أي الجوع عنكم {قَلِيلاً} أي زمناً قليلاً فكشف عنهم {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} أي إلى كفركم فعادوا إليه {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} هو يوم بدر، والبطش الأخذ بقوة {إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} أي منهم "فهل يكشف عذاب الآخرة" وفي رواية مسلم فيكشف بالهمزة قال النووي: هذا استفهام إنكار على من يقول إن الدخان يكون يوم القيامة كما صرح به في الرواية الثانية يعني التي فيها قال يأتي الناس يوم القيامة دخان فيأخذ بأنفساهم حتى يأخذهم منه كهيئة الزكام فقال ابن مسعود: هذا قول باطل لأن الله تعالى قال: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} ومعلوم أن كشف العذاب ثم عودهم لا يكون في الآخرة وإنما هو في الدنيا انتهى "قال" أي ابن مسعود "مضى البطشة واللزام والدخان وقال أحدهم القمر وقال الآخر الروم" وفي بعض النسخ وقال أحدهما وهو الظاهر، وفي رواية البخاري قال عبد الله: خمسة قد مضين الدخان والقمر والروم والبطشة واللزام {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً} هلاكاً. قال العيني قوله خمس أي خمس علامات قد مضين أي وقعن. الأولى ـ الدخان قال تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} . الثانية ـ القمر قال الله تعالى {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} . الثالثة ـ الروم قال الله تعالى {ألم غُلِبَتِ الرُّومُ} . الرابعة ـ البطشة قال الله تعالى {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} وهو(9/135)
3308 ـ حدثنا الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ أخبرنا وَكِيعٌ عَنْ مُوسَى بنِ عُبَيْدَةَ عَن يَزِيدَ بنِ أَبَان عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلاّ وَلَهُ بَابَانِ: بَابٌ يَصْعَدُ مِنْهُ عَمَلُهُ وبَابٌ يَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ، فإِذَا مَاتَ بَكَيَا عَلَيْهِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجلّ {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهمُ السّمَاءُ والأرْضُ ومَا كانُوا مُنْظَرِينَ} " . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ
ـــــــ
القتل الذي وقع يوم بدر. الخامسة ـ اللزام {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً} قيل هو القحط وقيل هو التصاق القتلى بعضهم ببعض في بدر، وقيل هو الأسر فيه وقد أسر سبعون قرشياً فيه "قال أبو عيسى اللزام يوم بدر" اختلف فيه فذكر ابن أبي حاتم في تفسيره أنه القتل الذي أصابهم ببدر، روي ذلك عن ابن مسعود وأبي بن كعب ومجاهد وقتادة والضحاك. قال القرطبي فعلى هذا تكون البطشة واللزام واحداً، وعن الحسن: اللزام يوم القيامة وعنه أنه الموت وقيل يكون ذنبكم عذاباً لازماً لكم كذا في العمدة. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي.
قوله: "وله" أي مختص به "بابان" أي من السماء "يصعد" بفتح الياء ويضم أي يطلع ويرفع "عمله" أي الصالح إلى مستقر الأعمال وهو محل كتابتها في السماء بعد كتابتها في الأرض وفي إطلاقه العمل إشعار بأنه عمله كله صالح "ينزل" بصيغة الفاعل أو المفعول "رزقه" أي الحسي أو المعنوي إلى مستقر الأرزاق من الأرض "بكيا" أي البابان "عليه" أي على فراقه لأنه انقطع خيره منهما بخلاف الكافر فإنهما يتأذيان بشره، فلا يبكان عليه. قاله ابن الملك، وهو ظاهر موافق لمذهب أهل السنة على ما نقله البغوي أن للأشياء كلها علماً بالله ولها تسبيح ولها خشية وغيرها، وقيل أي بكى عليه أهلهما: وقال الطيبي انكشاف هذا تمثيل وتخييل مبالغة في فقدان من درج وانقطع خيره، وكذلك ما روي عن ابن عباس من بكاء مصلى المؤمن وآثاره في الأرض ومصاعد عمله ومهابط رزقه في السماء تمثيل ونفي ذلك في قوله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ(9/136)
لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إلاّ مِنْ هذَا الوَجْهِ ومُوسَى بنُ عُبَيْدَةَ ويَزِيدُ بنُ أبَانَ الرّقاشِيّ يُضَعّفَانِ في الحَدِيثِ.
ـــــــ
وَالْأَرْضُ} تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده فيقال فيه بكت عليه السماء والأرض انتهى، وهو مخالف لظاهر الآية والحديث ولا وجه للعدول لمجرد مخالفته ظاهر العقول كذا في المرقاة "فذلك" أي مفهوم الحديث أو مصداقه "قوله {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ} إلخ" أي لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب السماء فتبكي على فقدهم ولا لهم في الأرض بقاء عبدوا الله تعالى فيها فقدتهم فلهذا استحقوا أن لا ينظروا ولا يؤخروا لكفرهم وإجرامهم وعتوهم وعنادهم. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أبو يعلي وابن أبي حاتم.(9/137)
سورة الأحقاف
بسم الله الرحمن الرحيم
3309 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ سَعِيدٍ الكِنْدِيّ، أخبرنا أَبُو مُحَيّاةَ عَن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عَن ابنِ أخِي عَبْدِ الله بنِ سَلاَمٍ قالَ: "لَمّا أُرِيدَ عُثْمَانُ جَاءَ عَبْدُ الله بنُ سَلاَمٍ فقالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جِئْتُ في نُصْرَتِكَ قالَ: اخْرُجْ إلى النّاسِ فَاطْرُدْهُمْ عَنّي فإِنّكَ خَارِجٌ
ـــــــ
"سورة الأحقاف"
مكية إلا {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} الآية وإلا {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} وإلا {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} الثلاث آيات وهي أربع أو خمس وثلاثون آية
قوله: "أخبرنا أبو محياة" اسمه يحيى بن يعلي التيمي "عن ابن أخي عبد الله ابن سلام" مجهول من الثالثة. قوله: "لما أريد عثمان" أي أريد قتله "جاء عبد الله(9/137)
خَيْرٌ لِي مِنْكَ دَاخِلٌ، قَالَ فَخَرَجَ عَبْدُ الله بنُ سَلاَمٍ إلى النّاسِ فَقَالَ: أَيّهَا النّاسُ إِنّهُ كَان اسْمِي في الجَاهِلِيةِ فُلاَنٌ فَسَمّانِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَبْدَ الله ونَزَلَ فيّ آيَاتٌ مِنْ كِتَابِ الله، نَزَلَتْ فيّ {وشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ واسْتَكْبَرْتُمْ إنّ الله لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ} وَنَزَلَتْ فِيّ {قُل كَفَى بالله شَهِيداً بَيْنِي وبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتَابِ} إِن لله سَيْفاً مَغْموداً عَنْكُمْ وإنّ المَلاَئِكَةَ قَدْ
ـــــــ
بن سلام" بتفخفيف اللام الصحابي المشهور "أخرج إلى الناس" أي الذين حاصروه "فاطردهم" من الطرد وهو الإبعاد أي أبعدهم "فإنك خارج خير لي منك داخل" أي كونك خارجاً لطردهم خير لي من كونك داخلاً عندي "إنه كان اسمي في الجاهلية فلان" الظاهر أن يكون فلاناً بالنصب منوناً لأنه خبر كان وفلان وفلانة يكنى بهما عن العلم الذي مسماه ممن يعقل فلا تدخل ال عليهما وفلانة ممنوعة من الصرف فيقال جاء فلان ولكن جاءت فلانة ويكنى بهما أيضاً عن العلم لغير العاقل فتدخل عليهما ال تقول ركبت الفلان وحلبت الفلانة وأما الرفع فعلى أن في كان ضمير الشأن واسمي مبتدأ وفلان خبره والجملة خبر كان وكان اسم عبد الله في الجاهلية الحصين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله أخرجه ابن ماجه "فيّ" بتشديد الياء {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ} أي العالمين بما أنزل الله في التوراة وقبله {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ} إلخ {عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ} أي على مثل القرآن من المعاني الموجودة في التوراة المطابقة له من إثبات التوحيد والبعث والنشور وغير ذلك. وهذه المثلية هي باعتبار تطابق المعاني وإن اختلفت الألفاظ قال الجرجاني: مثل صلة والمعنى وشهد شاهد عليه أنه من عند الله وكذا قال الواحدي، فآمن الشاهد بالقرآن لما تبين له أنه من كلام الله ومن جنس ما ينزله على رسله وهذا الشاهد من بني إسرائيل هو عبد الله بن سلام كما قال الحسن ومجاهد وقتادة وغيرهم وفي هذا نظر فإن السورة مكية بالإجماع وعبد الله بن سلام كان إسلامه بعد(9/138)
جَاوَرَتْكُمْ في بَلَدِكُمْ هَذَا الّذِي نَزَلَ فِيهِ نَبِيّكُمْ فالله الله في هَذَا الرّجُلِ أَنْ تَقْتُلُوهُ فَوَالله إنْ قَتَلْتُمُوهُ لَتَطْرُدُنّ جِيرَانَكُمْ المَلاَئِكَةَ وَلْتَسُلّنّ سَيْفَ الله الْمَغْمودَ عَنْكُمْ فَلاَ يُغْمَدُ إلَى يَوْمِ القيامَةِ. قَالَ فقَالُوا اقْتُلُوا اليَهُودِيّ واقْتُلُوا عُثْمَانَ" . هَذا حديثٌ غَريبٌ وَقد رَوَاهُ شُعَيبُ
ـــــــ
الهجرة فيكون المراد بالشاهد رجلاً من أهل الكتاب قد آمن بالقرآن في مكة وصدقه، واختار هذا ابن جرير والراجح أنه عبد الله بن سلام وأن هذه الآية مدنية لا مكية. وعن ابن عباس قال هو عبد الله بن سلام، وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين وفيه دليل على أن هذه الآية مدنية فيخصص بها عموم قولهم: إن سورة الأحقاف كلها مكية وإياه ذكر الكراشي وكونه إخباراً قبل الوقوع خلاف الظاهر ولذا قيل لم يذهب أحد أن الآية مكية إذا فسر الشاهد بابن سلام، وفيه بحث لأنه قوله وشهد شاهد معطوف على الشرط الذي يصير به الماضي مستقبلاً فلا ضرر في شهادة الشاهد بعد نزولها وادعاء أنه لم يقل به أحد من السلف مع ذكره في شروح الكشاف لا وجه له إلا أن يراد من السلف المفسرون. قاله الشهاب كذا في فتح البيان.
قلت: حديث عبد الله بن سلام وهذا صريح في أن هذه الآية نزلت فيه، وحديث عوف بن مالك عند ابن حبان وحديث ابن عباس عند ابن مردويه أيضاً يدلان على أن هذه الآية نزلت في عبد الله بن سلام كما في فتح الباري وهو القول الراجح {وَاسْتَكْبَرْتُمْ} أي آمن الشاهد واستكبرتم أنتم عن الإيمان وجواب الشرط بما يدل عليه ألستم ظالمين دل عليه {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} فحرمهم الله سبحانه الهداية بظلمهم لأنفسهم بالكفر بعد قيام الحجة الظاهرة على وجوب الإيمان ومن فقد هداية الله له ضل {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} أي على صدقي {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} قيل هو عبد الله بن سلام وقيل هم مؤمنو أهل الكتاب. وهذه الآية في آخر سورة الرعد "مغموداً" أي مستوراً في غلافه "فالله الله" بالنصب فيهما أي اتقوا الله "في هذا الرجل"(9/139)
بنُ صَفْوَانَ عَن عَبد المَلِكِ بن عُمَيْرٍ عَن ابنِ مُحمّدِ بن عَبْدِ الله بن سَلاَم عَن جَدّه عَبدِ الله بن سلاَمٍ.
3310 ـ حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ الأسْوَدِ أبُو عَمْرٍو البَصْرِيّ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ رَبِيعَةَ عَن ابنِ جُرَيْجٍ عَن عَطاءٍ عَن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم إذَا رَأى مَخِيلَةً أقْبَلَ وَأَدْبَرَ فَإِذَا مَطَرَتْ سُرّيَ عَنْهُ. قَالَتْ فَقُلْتُ لَهُ فقَالَ: وَمَا أدْرِي لَعَلّهُ كَمَا قَالَ الله تعالَى: {فَلَمّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} " . هَذا حديثٌ حَسَنٌ.
ـــــــ
أي عثمان رضي الله عنه "أن تقتلوه " بدل اشتمال من هذا الرجل "لتطردن" أي لتبعدن "جيرانكم" بالنصب على المفعولية "الملائكة" بالنصب على البدلية "ولتسلن" أي لتنتزعن "فلا يغمد" بصيغة المجهول. قال في مختار الصحاح غمد السيف من باب ضرب ونصر جعله في غمده فهو مغمود وأغمده أيضاً فهو مغمد وهما لغتان فصيحتان "اقتلوا اليهودي" أي عبد الله بن سلام. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه ابن مردويه وابن جرير مختصراً. قوله: "عن ابن محمد بن عبد الله بن سلام" وفي الرواية الآتية في مناقب عبد الله بن سلام: وعمر بن محمد بن عبد الله بن سلام ولم أقف على ترجمة عمر بن محمد هذا.
قوله: "حدثنا عبد الرحمن بن الأسود" هو ابن المأمون. قوله: "إذا رأى مخيلة" بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة وسكون التحتية وهي السحابة التي يخال فيها المطر "أقبل وأدبر" زاد البخاري: ودخل وخرج وتغير وجهه أي خوفاً أن تصيب أمته عقوبة ذنب العامة كما أصاب الذين قالوا هذا عارض ممطرنا الآية "فإذا مطرت" أي المخيلة "سرى عنه" بضم المهملة وتشديد الراء بلفظ المجهول أي كشف عنه ما خالطه من الوجل "فقلت له" أي لم تقبل وتدبر ويتغير(9/140)
3311 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ إبْرَاهيمَ عَن دَاودَ عَن الشّعْبيّ عَن عَلْقَمَةَ قَالَ: "قُلْتُ لابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: هَلْ صَحِبَ النبيّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الجِنّ مِنْكُمْ أحَدٌ؟ قالَ: مَا صَحِبَهُ مِنّا
ـــــــ
وجهك عند رؤية المخيلة "فقال وما أدري لعله" أي المذكور من المخيلة {فَلَمَّا رَأَوْهُ} أي ما هو العذاب {عَارِضاً} أي سحاباً عرض في أفق السماء {مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} أي ممطر إيانا بعده {بل هو} أي قال تعالى {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ} من العذاب {رِيحٌ} بدل من ما {فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي مؤلم.
قال ابن العربي: فإن قيل كيف يخشى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعذب القوم وهو فيهم مع قوله تعالى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} والجواب أن الآية نزلت بعد هذه الآية ويتعين الحمل على ذلك لأن الآية دلت على كرامة له صلى الله عليه وسلم ورفعة فلا يتخيل انحطاط درجته أصلاً. قال الحافظ: يعكر عليه أن آية الأنفال كانت في المشركين من أهل بدر، وفي حديث عائشة إشعار بأنه كان يواظب على ذلك من صنيعه كان إذا رأى فعل كذا. والأولى في الجواب أن يقال إن في آية الأنفال احتمال التخصيص بالمذكورين له بوقت دون وقت أو مقام الخوف يقتضي غلبته عدم الأمن من مكر الله، وأولى من الجميع أن يقال خشي على من ليس هو فيهم أن يقع بهم العذاب أما المؤمن فشفقته عليه لإيمانه وأما الكافر فلرجاء إسلامه وهو بعث رحمة للعالمين. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه البخاري والنسائي.
قوله: "أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم" هو ابن علية "عن داود" هو ابن أبي هند. قوله: "قال ما صحبه منا أحد" قال النووي: هذا صريح في إبطال الحديث المروى في سنن أبي داود وغيره المذكور فيه الوضوء بالنبيذ وحضور ابن مسعود معه صلى الله عليه وسلم ليلة الجن فإن هذا الحديث صحيح وحديث النبيذ ضعيف بإتفاق المحدثين ومداره على زيد مولى عمرو بن حريث وهو مجهول انتهى.(9/141)
أحَدٌ ولَكِنْ قد افْتَقَدْنَاهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ بمكّةَ فَقُلْنَا اغْتِيلَ أو اسْتُطِيرَ ما فُعِلَ بِهِ؟ فَبِتْنَا بِشَرّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ حَتّى إذَا أَصْبَحْنَا أَوْ كَانَ في وَجْهِ الصّبْحِ إذَا نَحْنُ بِهِ يَجِيءُ مِنْ قِبَلِ حِراءٍ قالَ: فَذَكَرُوا لَهُ الّذِي كَانُوا فِيهِ قالَ: فقال: "أَتَانِي دَاعِيَ الْجِنّ فأَتَيْتُهُمْ فَقَرَأْتُ عَلَيْهم، قالَ: فانْطَلَقَ فأَرَانا آثَارَهُمْ وآثار نِيرَانِهِمْ. قالَ الشّعْبيّ: وسَأَلُوهُ الزّادَ وكانُوا مِنْ جِنّ الْجَزِيرَةِ فقالَ: كُلّ عَظْمٍ يُذْكَرْ اسْمُ الله عَلَيْهِ يَقَعُ في أيْدِيكُمْ أوْفَرَ مَا كانَ لَحْماً، وَكُلّ بَعْرَةٍ أوْ رَوْثَةِ عَلَفٌ لِدَوَابّكُمْ. فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: فَلاَ تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فإِنّهُمَا زَادُ إخْوَانكُمْ "مِنَ" الْجِنّ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
"افتقدناه" فقده يفقده من باب ضرب أي عدمه وافتقده مثله "وهو بمكة" جملة حالية "اغتيل" بصيغة المجهول أي قتل سراً من الاغتيال وهو القتل في خفية "استطير" بصيغة المجهول أيضاً من الاستطار أي طارت به الجن "إذا نحن به" أي برسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا للمفاجأة "من قبل" بكسر القاف وفتح الموحدة "حراً" قال في القاموس حراء ككتاب وكعلي عن عياض ويؤنث ويمنع جبل بمكة فيه غار تحنث فيه النبي صلى الله عليه وسلم "قال الشعبي وسألوه الزاد إلخ". قال الدارقطني انتهى حديث ابن مسعود عند قوله فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وما بعده من قول الشعبي، كذا رواه أصحاب داود الراوي عن الشعبي وابن علية وابن زريع وابن أبي زائدة وابن إدريس وغيرهم، هكذا قاله الدارقطني وغيره. ومعنى قوله إنه من كلام الشعبي أنه ليس مروياً عن ابن مسعود بهذا الحديث وإلا فالشعبي لا يقول هذا الكلام إلا بتوقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم، قاله النووي "كل عظم لم يذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان لحماً" وفي رواية مسلم: "لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً" . وفي هاتين الروايتين تخالف ظاهر ويمكن(9/142)
ـــــــ
أن يجمع بينهما بأن المراد بقوله: ذكر اسم الله عليه أي عند الذبح، وبقوله لم يذكر اسم الله عليه يعني عند الأكل وإلا فما في الصحيح هو أصح. قوله "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد ومسلم.(9/143)
سورة محمد صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
3312 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عَبْدُ الرزّاقِ، أخبرنا مَعْمَرٌ عَن الزّهْرِيّ عَن أَبِي سَلَمَةَ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه {واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وللمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِنَاتِ} فقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إِنّي لأَسْتَغْفِرُ الله في اليَوْمِ سَبْعِينَ
ـــــــ
"سورة محمد صلى الله عليه وسلم"
وتسمى سورة القتال مدنية وهي ثمان أو تسع وثلاثون آية
قوله: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} أي استغفر الله مما ربما يصدر منك من ترك الأولى. وقيل لتستن به أمته وليقتدوا به في ذلك. وقيل غير ذلك كما ستقف { وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} فيه إكرام من الله عزّ وجلّ لهذه الأمة حيث أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لذنوبهم وهو الشفيع المجاب فيهم "إني لأستغفر الله" وفي رواية البخاري: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه" . قال الحافظ فيه القسم على الشيء تأكيداً له وإن لم يكن عند السامع فيه شك، وظاهره أنه يطلب المغفرة ويعزم على التوبة، ويحتمل أن يكون المراد يقول هذا اللفظ بعينه، ويرجح الثاني ما أخرجه النسائي بسند جيد من طريق مجاهد عن ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه" في المجلس قبل أن يقوم مائة مرة، وله من رواية محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر بلفظ: إنا كنا لنعد لرسول الله صلى الله(9/143)
مَرّةً" هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وَيُرْوَى عَن أَبي هُرَيْرَةَ أيضاً عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ "إِنّي لأَسْتَغْفِرُ الله في اليَوْمِ مائَةَ مَرّةٍ" رَوَاهُ مُحمّدُ بنُ عَمْرٍو عَن أَبِي سَلَمةَ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ.
ـــــــ
عليه وسلم في المجلس رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور مائة مرة "في اليوم سبعين مرة" وفي رواية البخاري: أكثر من سبعين مرة. قال الحافظ تحت هذه الرواية ما لفظه: وقع في حديث أنس: "إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة" . فيحتمل أن يريد المبالغة ويحتمل أن يريد العدد بعينه، وقوله أكثر مبهم فيحتمل أن يفسر بحديث ابن عمر المذكور وأنه يبلغ المائة. قوله "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ويروى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة إلخ" رواه النسائي كما صرح به الحافظ في الفتح.
تنبيه: قد استشكل وقوع الاستغفار من النبي صلى الله عليه وسلم وهو معصوم والاستغفار يستدعى وقوع معصية، وأجيب بعدة أجوبة منها أن المراد باستغفاره صلى الله عليه وسلم استغفاره من الغين الذي وقع في حديث الأغر المزني عند مسلم: إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة قال عياض. المراد من الغين فترات عن الذكر الذي شأنه أن يداوم عليه فإذا فتر عنه لأمر ما عد ذلك ذنباً فاستغفر عنه، ومنها قول ابن الجوزي هفوات الطباع البشرية لا يسلم منها أحد. والأنبياء وإن عصموا من الكبائر فلم يعصموا من الصغائر، كذا قال وهو مفرع على خلاف المختار والراجح عصمتهم من الصغائر، كذا قال وهو مفرع على خلاف المختار والراجح عصمتهم من الصغائر، كذا قال وهو مفرع على خلاف المختار والراجح عصمتهم من الصغائر أيضاً، ومنها قول ابن بطال: الأنبياء أشد الناس اجتهاداً في العبادة لما أعطاهم الله تعالى من المعرفة فهم دائبون في شكره معترفون له بالتقصير انتهى. ومحصل جوابه أن الاستغفار من التقصير في أداء الحق الذي يجب لله تعالى، ويحتمل أن يكون لاشتغاله بالأمور المباحة من أكل أو شرب أو جماع أو نوم أو راحة أو لمخاطبة الناس والنظر في مصالحهم ومحاربة عدوهم تارة ومداراته أخرى وتأليف المؤلفة وغير ذلك مما يحجبه عن الاشتغال بذكر الله(9/144)
3313 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عَبْدُ الرزّاقِ، أخبرنا شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ عَن العَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرْحمَن عَن أَبيهِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: "تَلاَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الآية يَوْماً {وإِنْ تَتَوَلّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} قَالوا وَمَنْ يُسْتَبْدَلُ بِنَا؟ قَالَ فَضَرَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى منْكَبِ سَلْمَانَ ثُمّ قَالَ: هَذَا وقَوْمُهُ" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ في إِسْنَادِهِ مَقَالٌ. وقد رَوَى عَبْدُ الله بنُ جَعْفَرٍ أَيْضاً هَذَا الحَدِيثَ عَن العَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرْحمَنِ.
3314 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ أخبرنا عَبْدُ الله بنُ جَعْفَرِ بنِ نَجِيحٍ عَن العَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرّحمَنِ عَن أَبِيهِ عَن أَبِي.
ـــــــ
والتضرع إليه ومشاهدته ومراقبته فيرى ذلك ذنباً بالنسبة إلى المقام العلي وهو الحضور في حظيرة القدس. ومنها أن الاستغفار تشريع لأمته أو من ذنوب الأمة فهو كالشفاعة لهم. وقال الغزالي في الإحياء: كان صلى الله عليه وسلم دائم الترقي فإذا ارتقى إلى حال رأى ما قبلها دونها فاستغفر من الحالة السابقة، وهذا مفرع على أن العدد المذكور في استغفاره كان مفرقاً بحسب تعدد الأحوال، وظاهر ألفاظ الحديث يخالف ذلك كذا في الفتح.
قوله: "عن العلاء بن عبدالرحمن" بن يعقوب الحرقي {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا} أي إن تعرضوا وتدبروا عن طاعته {يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} أي يجعلهم بدلكم {ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} أي في التولي عن طاعته بل مطيعين له عزّ وجلّ "قالوا" أي قال بعض الصحابة "على منكب سلمان" أي الفارسي وفي الرواية الآتية: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذه ومنكبه "هذا وقومه" هم الفرس قوله: "هذا حديث غريب" في سنده شيخ من أهل المدينة وهو مجهول.(9/145)
هُرَيْرَةَ أَنّهُ قَالَ "قَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَا رَسُولَ الله مَنْ هَؤلاَءِ الّذِينَ ذَكَرَ الله إِنْ تَوَلّيْنَا اسْتُبْدِلُوا بِنَا ثُمّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَنَا؟ قَالَ وَكَانَ سَلْمَانُ بِجَنْبِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ فَضَرَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَخِذَ سَلْمَانَ وَقَالَ هَذَا وأَصْحَابُهُ. والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كانَ الإيمَانُ مَنُوطاً بالثّرَيّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنْ فَارِسَ" . وعَبْدُ الله بنُ جَعْفَرِ بنِ نَجِيحٍ هُوَ وَالدُ عَلِيّ بنِ المَدِينيّ فقد رَوَى عَلِيّ بنُ حُجْرٍ عَن عَبْدِ الله بنِ جَعْفَرٍ الكَثِيرَ وَحَدّثَنَا عَلِيّ بِهذَا الحَدِيثِ عَن إسْمَاعِيلَ بنِ جَعْفَرِ بن نجيح.
ـــــــ
قوله: "استبدلوا بنا" بصيغة المجهول أي يجعلوا بدلنا "لو كان الإيمان منوطاً" أي معلقاً "بالثريا" بضم المثلثة وفتح الراء وتشديد التحتية هو النجم. قال في القاموس: امرأة ثروى متمولة والثريا تصغيرها والنجم لكثرة كواكبه مع ضيق المحل "لتناوله" أي أخذ الإيمان "لتناوله" أي أخذ الإيمان "رجال من فارس" قال في القاموس: فارس والفرس أو بلادهم.
اعلم أن هذا الحديث صريح في أن قوله صلى الله عليه وسلم "لو كان الإيمان" إلخ صدرمنه عند نزول هذه الآية وحديث أبي هريرة الآتي في تفسير سورة الجمعة صريح في أن هذا القول صدر منه عند نزول قوله تعالى {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} قال الحافظ في الفتح: يحتمل أن يكون ذلك صدر عند نزول كل من الآيتين ويأتي الكلام مفصلاً بما يتعلق بقوله صلى الله عليه وسلم: "لو كان الإيمان" إلخ في تفسير سورة الجمعة إن شاء الله تعالى: "وقد روى علي بن حجر عن عبد الله بن جعفر الكثير" أي من الأحاديث يعني قد روى علي بن حجر أحاديث كثيرة عن عبد الله بن جعفر بغير واسطة. "وحدثنا علي بهذا الحديث عن إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن جعفر بن نجيح" أي بواسطة إسماعيل بن جعفر.(9/146)
سورة الفتح
بسم الله الرحمن الرحيم
3315 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ خَالِدِ بنَ عَثْمَةَ أخبرنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ عَن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ عَن أَبيهِ قَالَ "سَمِعْتُ عُمَر بنَ الخَطّابِ رضي الله عنه يَقُولُ كُنّا مَعَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم في بَعضِ أَسْفَارِهِ فَكلّمْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَسَكَتَ ثُمّ كَلّمْتُهُ فَسَكَتَ، فحرّكْتُ راحِلَتي فَتَنَحّيْتُ وَقُلْتُ ثَكِلَتْكَ أُمّكَ يَا ابْنَ الخَطّابِ نَزَرْتَ رَسُولَ
ـــــــ
"سورة الفتح"
مدنية وهي تسع وعشرون آية
قوله: "في بعض أسفاره" هو سفر عمرة الحديبية كما في رواية الطبراني، وفي رواية البخاري عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسير معه ليلاً قال القرطبي: وهذا السفر كان ليلاً منصرفه صلى الله عليه وسلم من الحديبية لا أعلم بين أهل للعلم في ذلك خلافاً "فسكت" وفي رواية البخاري فلم يجبه. قال الحافظ يستفاد منه أنه ليس لكل كلام جواب بل السكوت قد يكون جواباً لبعض الكلام، وتكرير عمر السؤال إما لكونه خشي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمعه أو لأن الأمر الذي كان يسأل عنه كان مهماً عنده ولعل النبي صلى الله عليه وسلم أجابه بعد ذلك وإنما ترك إجابته أولاً لشغله بما كان فيه من نزول الوحي "فقلت" أي لنفسي "ثكلتك أمك" بفتح المثلثة وكسر الكاف من الثكل وهو فقدان المرأة ولدها دعا عمر على نفسه(9/147)
الله صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ مَرّاتٍ كُلّ ذَلِكَ لاَ يُكَلّمُكَ مَا أَخْلَقَكَ بِأَنْ يَنْزِلَ فِيكَ قُرآنٌ، قَالَ فَمَا نَشِبْتُ أَن سَمِعْتُ صَارخاً يَصْرُخُ بِي قَالَ فَجِئْتُ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا ابْنَ الخَطّابِ لَقَدْ أنْزلَ عَليّ هَذِهِ اللّيْلَةَ سُورَة مَا أُحِبّ أَنّ لِي بِهَا ما طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشّمْسُ {إِنّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} . هَذا حديثٌ حَسنٌ غَرِيبٌ صحيحٌ.
3316 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ عَن مَعْمَرٍ عَن قَتَادَةَ عَن أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ "نُزلَتْ على النبيّ صلى الله عليه وسلم {لِيَغْفرَ لَكَ الله مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبكَ وَمَا تَأَخّرَ} مَرْجِعَهُ مِنَ الحُدَيْبيةِ فَقَالَ النبيّ
ـــــــ
بسبب ما وقع منه من الإلحاح، ويحتمل أن يكون لم يرد الدعاء على نفسه حقيقة وإنما هي من الألفاظ التي تقال عند الغضب من غير قصد معناها "نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم" بفتح النون وبالزاي بعدها راء بالتخفيف والتثقيل والتخفيف أشهر أي ألححت عليه "ما أخلقك" صيغة التعجب من خلق ككرم صار خليقاً أي جديراً "فما نشبت" بكسر الشين المعجمة بعدها موحدة ساكنة أي ما لبثت. قال في النهاية: لم ينشب أن فعل كذا أي لم يلبث وحقيقته لم يتعلق بشيء غيره ولا استغل بسواء "صارخاً" أي مصوتاً "ما أحب أن لي بها ما طلعت عليه الشمس" أي لما فيها من البشارة بالمغفرة والفتح {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وحده واختلف في تعيين هذا الفتح فقال الأكثر على ما في البخاري: هو صلح الحديبية والصلح قد يسمى فتحاً. قال الفراء: والفتح قد يكون صلحاً، وقال قوم أنه فتح مكة وقال آخرون إنه فتح خيبر. والأول أرجح. ويؤيده حديث أسلم العدوي هذا قوله: "هذا حديث حسن غريب صحيح" وأخرجه أحمد البخاري والنسائي.
قوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} أي بجهادك {مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} أي منه(9/148)
صلى الله عليه وسلم لَقَدْ نَزَلَتْ عَليّ آيَةٌ أَحَبّ إليّ مِمّا عَلَى الأَرْضِ ثُمّ قَرَأَهَا النبيّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهم فَقَالُوا هَنِيئاً مَرِيئاً يا رَسُولَ الله لَقد بَيّنَ الله لَكَ مَاذَا يُفْعَلُ بِكَ فَمَاذَا يُفْعَلُ بِنَا، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ {لِيُدخِلَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِنَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} حَتّى بَلَغَ {فَوْزاً عَظِيماً} هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وفيهِ عَن مُجَمّعِ بنِ جَارِيَةَ.
3317 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ: قال حدثني عبد الرزاق عن عن معمر حدثني سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ
ـــــــ
لترغيب أمتك في الجهاد وهو مأول لعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالدليل العقلي القاطع من الذنوب واللام للعلة الغائبة. فمدخلها مسبب لا سبب قاله الجلال المحلي. واختلف في معنى قوله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقيل ما تقدم من ذنبك قبل الرسالة وما تأخر بعدها. قاله مجاهد وسفيان الثوري وابن جرير والواحدي وغيرهم وفيه أقوال أخرى ضعيفة والظاهر الراجح هذا الذي ذكرناه ويكون المراد بالذنب بعد الرسالة ترك ما هو الأولى وسمي في حقه ذنب لجلالة قدره وإن لم يكن ذنباً في حق غيره "مرجعه" أي وقت رجوعه ظرف لقوله أنزلت "فقالوا هنياً مرياً يا رسول الله" قال القسطلاني أي قال أصحابه صلى الله عليه وسلم: هنيئاً أي لا إثم فيه مريئاً أي لا داء فيه، ونصباً على المفعول أو الحال أو صفة لمصدر محذوف أي صادفت أو عش عيشاً هنيئاً مريئاً يا رسول الله غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ إلخ} اللام متعلق بمحذوف أي أمر بالجهاد ليدخل إلخ. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والشيخان. قوله: "وفيه عن مجمع بن جارية" يعني وفي الباب عن مجمع بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الميم المكسورة ابن جارية بالجيم ابن عامر الأنصاري الأوسي المدني صحابي أحد القراء الذين قرأوا القرآن وأخرج حديثه أحمد وأبو داود في الجهاد.(9/149)
أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عَن ثَابِتٍ عَن أَنَسٍ "أَنّ ثمَانِينَ هَبَطُوا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وأصْحَابِهِ مِنْ جَبَلِ التّنْعِيمِ عِنْدَ صَلاَةِ الصّبْحِ وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ فَأُخِذُوا أَخْذاً فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فأَنْزَلَ الله {وَهُوَ الّذِي كَفّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} " الآيةَ. هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3318 ـ حدثنا الحَسَنُ بنُ قَزعَةَ البَصْرِيّ، أخبرنا سُفْيَانُ بنُ حَبِيبٍ عَن شُعْبَةَ عَن ثُوَيْرٍ عَن أَبيهِ عَن الطّفَيْلِ بنِ أُبَيّ بن كَعْبٍ عَن أَبِيهِ عَن النّبيّ صلى الله عليه وسلم " {وَأَلْزَمَهُم كَلِمَةَ التّقْوَى} قَالَ لا إِله إِلاّ الله" هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إِلاّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بن
ـــــــ
قوله: "أن ثمانين هبطوا" أي نزلوا وفي رواية أحمد لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلاً من أهل مكة بالسلاح "أن يقتلوه" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "فأخذوا" بصيغة المجهول أي الثمانون "فأعتقهم" وفي رواية أحمد فعفا عنهم. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي في التفسير.
قوله: "عن أبيه" هو سعيد بن علاقة أبو فاختة. قوله: {وَأَلْزَمَهُمْ} أي المؤمنين {كَلِمَةَ التَّقْوَى} أي من الشرك وهي لا إله إلا الله وأضيف إلى التقوى لأنها سببها وبه قال الجمهور، وزاد بعضهم محمد رسول الله وزاد بعضهم وحده لا شريك له وقال الزهري هي بسم الله الرحمن الرحيم وذلك أن الكفار لم يقروا بها وامتنعوا عن كتابتها في كتاب الصلح الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت ذلك في كتب الحديث والسير. فخص الله بهذه الكلمة المؤمنين وألزمهم بها والأول أولى لأن كلمة التوحيد هي التي يتقي بها الشرك بالله ويدل عليه حديث(9/150)
قَزعَةَ وَسَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ عَن هَذَا الحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ مَرْفُوعاً إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
ـــــــ
أبي بن كعب هذا "قال" أي النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير كلمة التقوى "لا إله إلا الله" أي هي لا إله إلا الله. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد وابن جرير والدارقطني في الأفراد وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات.(9/151)
سورة الحجرات
بسم الله الرحمن الرحيم
3319 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ المُثَنّى، أخبرنا مُؤَمّلُ بنُ إِسْمَاعِيلَ، أخبرنا نَافِعُ بنُ عُمَر بنَ جَمِيلٍ الْجُمَحِيّ قَالَ: حدثنا ابنُ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ "حدثني عَبْدُ الله بنُ الزّبَيْرِ أَنّ الأَقْرَعَ بنَ حَابِسٍ قَدِمَ عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فَقَالَ أبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ الله اسْتَعْمِلْهُ عَلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ عُمَرُ لاَ تَسْتَعْمِلْهُ يَا رَسُولَ الله، فَتَكَلّمَا عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم حَتّى ارْتَفَعَتْ أصْوَاتُهُمَا، فقَال أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ ما أَرَدْتَ إلاّ خِلاَفِي. فقال عُمَرُ مَا أرَدْتُ خِلافكَ.
ـــــــ
"سورة الحجرات"
ثماني عشرة آية وهي مدنية
قوله: "فقال أبو بكر يا رسول الله استعمله" أي الأقرع "فقال عمر لا تستعمله" وفي رواية البخاري من طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن الزبير فقال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد. وقال عمر: بل أمر الأقرع بن حابس.(9/151)
قَالَ فَنَزَلتْ هَذِهِ الآية {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبيّ} قَالَ وَكَان عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا تَكَلّمَ عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْمَعْ كلاَمَهُ حَتّى يَسْتَفْهِمَهُ قَالَ وَمَا ذَكَرَ ابنُ الزّبَيْرِ جَدّهُ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ" . هَذا حديثٌ غَريبٌ حَسَنٌ. وقَد روى بَعْضُهُمْ عَن ابنِ أبي مُلَيْكَةَ مُرْسلاً وَلَمْ يَذْكُرْ فيهِ عَن عَبدِ الله بنِ الزّبَيْرِ.
3320 ـ حدثنا أَبُو عُمّارٍ الْحُسيْنُ بنُ حرَيْثٍ أخبرنا الفَضْلُ بنُ مُوسَى عَن الْحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ عَن أَبِي إسْحَاقَ عَن البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ
ـــــــ
ورواية البخاري أثبت من رواية الترمذي هذه لأن في سندها مؤمل بن إسماعيل وهو صدوق سيء الحفظ "ما أردت إلا خلافي" أي ليس مقصودك إلا مخالفة قولي "وكان عمر بعد ذلك إذا تكلم عند النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع كلامه حتى يستفهمه" وفي رواية للبخاري: فكان عمر بعد ذلك إذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث حدثه كأخي السرار لم يسمعه حتى يستفهمه "قال وما ذكر ابن الزبير جده يعني أبا بكر" يعني أن ابن الزبير ذكر عن عمر أنه كان بعد ذلك إذا تكلم عند النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع كلامه إلخ ولم يذكر هذا عن جده أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وفي رواية البخاري في التفسير: ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر. قال القسطلاني يريد جده لأمه أسماء، وإطلاق الأب على الجد مشهور انتهى. وقال الحافظ في الفتح: وقد أخرج ابن المنذر من طريق محمد بن عمرو بن علقمة أن أبا بكر الصديق قال مثل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا مرسل وقد أخرجه الحاكم موصولاً من حديث أبي هريرة نحوه وأخرجه ابن مردويه من طريق طارق بن شهاب عن أبي بكر قال لما نزلت {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} الآية قال أبو بكر قلت يا رسول الله آليت ألا أكلمك إلا كأخي السرار انتهى. قوله: "هذا حديث غريب حسن" وأصله في البخاري.(9/152)
في قَوْلِهِ تَعَالى {إنّ الّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أكثرهم لا يعقلون} قَالَ: "فَقَامَ رَجُلٌ. فَقَالَ يا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم إنّ حَمْدِي زَيْنٌ وإِنّ ذَمّيَ شَيْنٌ، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم ذَاكَ الله عَزّ وَجَلّ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ.
3321 ـ حدثنا عَبْدُ الله بنِ إسْحَاقَ الْجَوْهَريّ البَصْرِيّ، أخبرنا أبُو زَيْدٍ صَاحِبُ الهرَوِيّ عَن شعْبَةَ عنْ دَاودَ بنِ أبي هِنْدٍ قَالَ سَمِعْتُ الشّعْبيّ يُحَدّثُ عَن أَبي جبيرَةَ بنِ الضّحّاكِ. قَالَ كَانَ الرّجُلُ مِنّا يَكُونُ لَهُ الاْسمَانِ والثّلاَثَةُ فيُدْعَى بِبَعْضِهَا فَعَسَى أَنْ يَكْرَهَ. قَالَ فنَزَلت هَذِهِ الآية {وَلاَ تنَابَزُوا بالأَلْقَابِ} . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
قوله: "فقال يا رسول الله إن حمدي زين وإن ذمي شين" مقصود الرجل من هذا القول مدح نفسه وإظهار عظمته يعني إن مدحت رجلاً فهو محمود ومزين وإن ذممت رجلاً فهو مذموم ومعيب "ذاك الله عزّ وجلّ" أي الذي حمده زين وذمه شين هو الله سبحانه وتعالى. وروى الطبري من طريق معمر عن قتادة مثله مرسلاً وزاد: فأنزل الله {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} الآية ومن طريق الحسن نحوه وروى من طريق موسى بن عقبة عن أبي سلمة قال حدثني الأقرع بن حابس التميمي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أخرج إلينا فنزلت {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} الحديث ورواه أحمد من هذا الطريق بلفظ أنه نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد يا محمد، وفي رواية: يا رسول الله. فلم يجبه فقال: يا رسول الله إن حمدي لزين وإن ذمي لشين. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه ابن جرير.
قوله: "أخبرنا أبو زيد صاحب الهروي" اسمه سعيد بن الربيع العامري الحرشي الهروي البصري كان يبيع الثياب الهروية ثقة من صغار التاسعة. قوله: {وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} أي لا يدعو بعضكم بعضاً بلقب يكرهه، والتنابز(9/153)
3322 ـ حدثنا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بنُ خَلَفٍ أخبرنا بِشْرُ بنُ المُفَضّلِ عَن دَاودَ بن أَبِي هِنْدٍ عَن الشّعْبِيّ عَن أَبي جبيرَةَ بنِ الضّحّاكِ نَحْوَهُ. وأَبُو جبيرَةَ بنُ الضّحّاكِ هُو أَخُو ثابِتِ بنِ الضّحّاكِ بن خليفة الأَنْصَارِيّ
3323 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ أخبرنا عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ عَن المُسْتَمِر بنِ الرّيّانِ عَن أَبِي نَضْرَةَ قَال "قَرَأَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيّ {واعْلَمُوا أَنّ فِيكُمْ رَسُولَ الله لَوْ يُطِيعُكُمْ في كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتّمْ} قَالَ هَذَا نَبِيّكُمْ صلى الله عليه وسلم يُوحَى إِلَيْهِ. وخِيَارُ أَئِمّتِكُمْ لَوْ أَطَاعَهُمْ في كَثِيرٍ مِنَ الأَمْر لَعنتُوا فَكَيْفَ بِكُمْ اليَوْمَ؟" . هَذا حديثٌ غَريبٌ حَسَنٌ صحيحٌ. قَالَ عَلِيّ
ـــــــ
التفاعل من النبز بالتسكين وهو المصدر والنبز بالتحريك اللقب مطلقاً أي حسناً كان أو قبيحاً، خص في العرف بالقبيح والجمع أنباز والألقاب جمع لقب وهو اسم غير الذي سمي به الإنسان والمراد لقب السوء، والتنابز بالألقاب أن يلقب بعضهم بعضاً والتداعي بها. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه. قوله: "وأبو جبيرة" بفتح الجيم وكسر الموحدة وسكون التحتية وبعدها راء مهملة وتاء تأنيث لا يعرف له اسم واختلف العلماء في صحبته فقال بعضهم له صحبة وقال بعضهم ليست له صحبة.
قوله: "عن المستمر بن الريان" بالتحتانية المشددة الإيادي الزهراني كنيته أبو عبد الله البصري ثقة عابد من السادسة. قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ} أي اعلموا أن بين أظهركم رسول الله فعظموه ووقروه وتأدبوا معه وانقادوا لأمره فإنه أعلم بمصالحكم وأشفق عليكم منكم ورأيه فيكم أتم من رأيكم لأنفسكم ثم بين أن رأيهم سخيف بالنسبة إلى مراعاة مصالحهم فقال: {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} أي لو أطاعكم في جميع ما تختارونه لأدى ذلك إلى عنتكم وحرجكم، والعنت هو التعب والجهد والإثم والهلاك "قال" أي أبو سعيد "وخيار أئمتكم" أي الصحابة رضي الله عنهم(9/154)
ابنُ المَدِيِنيّ سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيدٍ القَطّانَ عَن المُسْتَمِر بنِ الرّيّانِ فَقَالَ ثِقَةٌ.
3324 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا عَبْدُ الله بنُ جَعْفَرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ دِينَارٍ عَن ابنِ عُمَرَ: "أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكّةَ "فَقَالَ يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّ الله قَد أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِيّةَ الجَاهِلِيّةِ وتَعَاظُمَهَا بَآبَائِهَا، فالنّاسُ رَجُلاَنِ: رَجُلٌ بَرّ تَقِيّ كَرِيمٌ عَلَى الله وَفَاجِرٌ شَقِيّ هَيّنٌ عَلَى الله. وَالنّاسُ بَنُو آدَمَ وَخَلَقَ الله آدَمَ مِنَ التّرَابِ قَالَ الله: {يَا أَيّهَا النّاسُ إنّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ
ـــــــ
{لو أطاعهم} أي لو أطاع النبي صلى الله عليه وسلم إياهم {لعنتوا} أي خيار أئمتكم مع كونهم خيار الأئمة "فكيف بكم اليوم" الخطاب فيه وفي ما قبله للتابعين أي كيف يكون حالكم لو يقتدي بكم ويأخذ بآرائكم ويترك كتاب الله وسنة رسوله. قوله: "إن الله قد أذهب عنكم" أي أزال ورفع عنكم "عبية الجاهلية" بضم العين المهملة وكسرها وكسر الموحدة وفتح التحتية المشددتين أي نخوتها وكبرها وفخرها "وتعاظمها" أي تفاخرها "فالناس رجلان" أي نوعان "رجل بر تقي" أي فلا ينبغي له أن يتكبر على أحد لأن مدار الإيمان على الخاتمة والله سبحانه وتعالى أعلم بمن اتقى "وفاجر" أي كأفراد عاص "شقي" أي غير سعيد "هين" بفتح الهاء وكسر التحتية المشددة أي ذليل "على الله" أي عنده والذليل لا يناسبه التكبر "والناس" أي كلهم "بنو آدم" أي أولاده "وخلق الله آدم من التراب" أي فلا يليق بمن أصله التراب النخوة والتجبر أو إذا كان الأصل واحداً فالكل إخوة فلا وجه للتكبر لأن بقية الأمور عارضة لا أصل لها حقيقة(9/155)
ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ إِنّ الله عَليمٌ خَبِيرٌ} " . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الله بنِ دِينَارٍ عَن ابنِ عُمَرَ إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وعبد الله بنُ جَعْفَرٍ يُضَعّفُ. ضَعّفَه يَحْيَى بنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وهُو وَالِدُ عَلِيّ بنِ المدِينيّ. قال: وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ وعَبْدِ الله ابنِ عَبّاسٍ.
3325 ـ حدثنا الفَضْلُ بنُ سهيلٍ البَغْدَادِيّ الأعْرَجُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا: أخبرنا يُونُسُ بنُ مُحّمدٍ عَن سَلاّمِ بنِ أَبِي مُطِيعٍ عَن قَتَادَةَ عَن الحَسَنِ عَن سَمُرَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "الحَسَبُ
ـــــــ
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} أي آدم وحواء {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً} جمع شعب بفتح الشين وهو أعلى طبقات النسب {وَقَبَائِلَ} هي دون الشعوب وبعدها العمائر ثم البطون ثم الأفخاذ ثم الفصائل آخرها. مثاله خزيمة شعب كنانة قبيلة، قريش عمارة بكسر العين، قصى بطن، هاشم فخذ، العباس فصيلة {لِتَعَارَفُوا} حذف منه إحدى التائين أن ليعرف بعضكم بعضاً لا لتفاخروا بعلو النسب وإنما الفخر بالتقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} أي إنما تتفاضلون عند الله تعالى بالتقوى لا بالأحساب {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ} بكم {خَبِيرٌ} ببواطنكم. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه ابن أبي حاتم. قوله: "وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس" أما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في آخر الكتاب، وأما حديث ابن عباس فأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده والبيهقي في شعب الإيمان.
قوله: "أخبرنا يونس بن محمد" البغدادي المؤدب "عن سلام" بفتح السين وتشديد اللام "بن أبي مطيع" الخزاعي مولاهم البصري ثقة صاحب سنة في روايته عن قتادة ضعف من السابقة "عن الحسن" هو البصري قوله: "الحسب" بفتحتين(9/156)
المَالُ، وَالكَرَمُ التّقْوَى" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غرِيبٌ صحيحٌ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ سَلاّمِ بن أَبِي مُطِيعٍ.
ـــــــ
"المال" أي مال الدنيا الحاصل به الجاه غالباً "والكرم" أي الكلام المعتبر في العقبى المترتب عليه الإكرام بالدرجات العلى "التقوى" لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} قال الطيبي: الحسب ما يعده من مآثره ومآثر آبائه والكرم الجمع بين أنواع الخير والشرف والفضائل وهذا بحسب اللغة، فردهما صلى الله عليه وسلم إلى ما هو المتعارف بين الناس وعند الله، أي ليس ذكر الحسب عند الناس للفقير حيث لا يوقر ولا يحتفل به بل كل الحسب عندهم من رزق الثروة ووقر في العيون، ومنه حديث عمر رضي الله عنه من حسب الرجل إنقاء ثوبيه أي إنه يوقر لذلك من حيث أنه دليل الثروة وذو الفضل والشرف عند الناس ولا يعد كريماً عند الله. وإنما الكريم عنده من ارتدى برداء التقوى وأنشد:
كانت مودة سلمان له نسباً
... ولم يكن بين نوح وابنه رحم
انتهى. وقيل الحسب ما يعده الرجل من مفاخر آبائه، والكرم ضد اللؤم فقيل معناه الشيء الذي يكون به الرجل عظيم القدر عند الناس هو المال والشيء الذي يكون به عظيم القدر عند الله التقوى. والافتخار بالآباء ليس بشيء منهما. قوله: "هذا حديث حسن غريب صحيح" وأخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم.(9/157)
سورة ق
بسم الله الرحمن الرحيم
3326 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا يُونُسُ بنُ مُحمّدٍ، أخبرنا شَيْبَانُ عَن قَتَادَةَ، أخبرنا أَنَسُ بنُ مَالِكٍ أَنّ نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا تَزَالُ جَهَنّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حَتّى يَضَعَ فِيهَا رَبّ العِزّةِ قَدَمَهُ فَتَقُولُ قَطْ قَطْ وَعِزّتِكَ وَيُزوَى بَعْضُها إلى بَعْضٍ" . هَذا حديثٌ
ـــــــ
"سورة ق"
مكية إلا {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ} الآية فمدنية وهي خمس وأربعون آية
قوله: "أخبرنا شيبان" بن عبد الرحمن النحوي. قوله: "لا تزال جهنم تقول هل من مزيد" أي من زيادة، وفي رواية الشيخين: "لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد" أي يطرح فيها من الكفار والفجار "حتى يضع فيها رب العزة" أي صاحب الغلبة والقوة والقدرة "قدمه" وفي حديث أبي هريرة عند الترمذي في باب خلود أهل النار: "حتى إذا أوعبوا فيها وضع الرحمن قدمه فيها" وقد تقدم الكلام هناك مبسوطاً على وضعه تعالى قدمه في النار "فتقول قط قط" بفتح القاف وسكون الطاء. قال الحافظ أي حسبي حسبي، وثبت بهذا التفسير عند عبد الرزاق من حديث أبي هريرة وقط بالتخفيف ساكناً ويجوز الكسر بغير إشباع ووقع في بعض النسخ يعني بعض نسخ البخاري عن أبي ذر قطي قطي بالإشباع وقطني بزيادة نون مشبعة، ووقع في حديث أبي سعيد ورواية سليمان التيمي بالدال بدل الطاء. وهي لغة أيضاً وكلها بمعنى يكفي. وقيل قط(9/158)
حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ وَفِيهِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
صوت جهنم والأول هو الصواب عند الجمهور انتهى "ويزوى" بصيغة المجهول أي يجمع. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه أحمد والشيخان "وفيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم" يعني وفي الباب عن أبي هريرة أخرج حديثه الترمذي في الباب المذكور.(9/159)
سورة الذاريات
بسم الله الرحمن الرحيم
3327 ـ حدثنا ابنُ أَبِي عُمَرَ أخبرنا سُفْيَانُ بن عيينة عَن سَلامٍ عَنْ عَاصِمِ بنِ أَبِي النّجُودِ عَن أَبي وَائِلٍ عَن رَجُلٍ مِنْ رَبِيعَةَ قالَ: "قَدِمْتُ المَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَذكرْتُ عِنْدَهُ وَافِدَ عَادٍ. فَقُلْتُ أَعُوذُ بِالله أَنْ أَكُونَ مِثْلَ وَافِدِ عَادٍ. فقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَمَا وَافِدُ عَادٍ؟ قال: قَالَ فَقلت: عَلَى الخَبِيرِ
ـــــــ
"سورة الذاريات"
مكية وهي ستون آية
قوله: "أخبرنا سفيان" هو ابن عيينة "عن سلام" بفتح السين وتشديد اللام ابن سليمان المزني كنيته ابن المنذر القاري النحوي البصري نزيل الكوفة صدوق يهم قرأ على عاصم من السابعة "عن أبي وائل" اسمه شقيق بن سلمة الأسدي "عن رجل من ربيعة" هو الحارث بن يزيد البكري كما في الرواية الآتية "فذكرت" بضم الذال المعجمة وكسر الكاف بالبناء للمفعول "وافد عاد"(9/159)
بها سَقَطْتَ. إنّ عَاداً لَمّا أُقْحِطَتْ بَعَثَتْ قَيْلاً فَنَزَلَ عَلَى بَكْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ فَسَقَاهُ الْخَمرَ وَغَنّتْهُ الجَرَادَتانِ ثُمّ خَرَجَ يُرِيدُ جِبَالَ مَهْرَةَ فقَالَ اللّهُمّ إِنّي لَمْ آتِكَ لِمَرِيضٍ فَأُدَاوِيهِ وَلاَ لأَسِيرٍ فَأُفَادِيهِ فاسْقِ عَبْدَكَ مَا كُنْتَ مُسْقِيهِ واسْقِ مَعَهُ بَكْرَ بنَ مُعَاوِيَةَ ـ يَشْكُرْ لَهُ الْخَمْرَ الّذِي سَقَاهُ ـ فَرُفِعَ لَهُ سَحَابَاتٌ فَقِيلَ لَهُ: اخْتَرْ إِحْدَاهُنّ فاخْتَارَ السّوْدَاءَ مِنْهُنّ فَقِيلَ لَهُ خُذْهَا رَمَاداً رمْدداً، لا تَذَرُ مِنْ عَادٍ أَحَداً. وَذَكَرَ أَنّهُ لَمْ يُرْسِلْ عَلَيْهِمْ مِنَ الرّيحِ إلاّ قَدْرَ هَذِهِ الحَلَقَةِ يَعْنِي حَلَقَةَ الخَاتِم، ثُمّ قَرَأَ {إذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرّيحَ العَقِيمَ مَا تَذَرُ مِنْ شَيءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ}
ـــــــ
مفعول ثان لذكرت أي ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وافد عاد بحضرتي وعادهم قوم هود "على الخبير بها سقطت" أي على العارف بقصة وافد عاد وقعت وهو مثل سائر للعرب "لما أقحطت" بصيغة المجهول يقال أقحط القوم إذا انقطع عنهم المطر "بعثت" أي أرسلت عاد "قيلا" بفتح القاف وسكون التحتية وباللام قال في القاموس: قيل وافد عاد. وفي رواية أحمد فبعثوا وافداً لهم يقال له قيل "فنزل على بكر بن معاوية" اسم رجل كان في ذلك الزمان "وغنته الجرادتان" قال الجزري في النهاية هما مغنيتان كانتا بمكة في الزمن الأول مشهورتان بحسن الصوت والغناء، وفي رواية أحمد فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهراً يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مهرة "ثم خرج" أي قيل "يريد جبال مهرة" قال في القاموس: مهرة بن حيدان حي "فاسق عبدك" يريد نفسه مع قومه "سحابات" أي قطعات من السحاب "خذها رماداً رمدواً" قال في النهاية: الرمدد بالكسر المتناهي في الاحتراق والدقة كما يقال: ليل أليل ويوم أيوم إذا أرادوا المبالغة "لا تذر من عاد أحداً" أي لا تدعه حياً بل تهلكه، وفي رواية أحمد فمرت به سحابات سود فنودي منها اختر فأومأ إلى سحابة منها سوداء فنودي منها خذها(9/160)
الآية. وَقَدْ رَوَى هَذَا الحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَن سَلاّمٍ أَبي المُنْذِرِ عَنْ عَاصِمِ بنِ أَبي النّجُودِ عَن أَبِي وَائِلٍ عَن الحَارِثِ بنِ حَسّانَ وَيُقَالُ: الحارِثُ بنُ يَزِيدَ.
3328 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ، أخبرنا سَلاّمُ بنُ سُلَيْمَانَ النّحْوِيّ أَبُو المُنْذِرِ، أخبرنا عَاصِمُ بنُ أَبِي النّجُودِ عَن أَبِي وَائِلٍ عَن الحَارِثِ بنِ يَزِيدَ البَكْرِيّ قالَ: "قَدِمْتُ المَدِينَةَ فَدَخَلْتُ المَسْجِدَ فإِذَا هُوَ غَاصّ بِالنّاسِ وَإِذَا رَايَاتٌ سُودٌ تَخْفِقُ وَإِذَا بِلاَلٌ مُتَقَلّد السّيْفِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قلت: مَا شَأْنُ النّاسِ؟ قالُوا يُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَ عَمْرَو بنَ العَاصِ وَجْهاً" فَذَكَرَ
ـــــــ
رماداً رمدداً لا تبقى من عاد أحداً "وذكر" أي النبي صلى الله عليه وسلم "ثم قرأ {إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ} " الآية مع تفسيرها هكذا "وفي عاد" أي في إهلاكهم آية {إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} هي التي لا خير فيها لأنها لا تحمل المطر ولا تلقح الشجر وهي الدبور {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ} أي نفس أو مال {أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} أي كالمباني المتفتت. قوله: "فإذا هو غاص بالناس" أي ممتلئ بهم. قال في مختار الصحاح المنزل غاص بالقوم أي ممتلئ بهم "وإذا رايات" جمع راية وهي العلم "سود" جمع سوداء "تخفق" بفتح الفوقية وكسر الفاء وضمها. قال في القاموس: خفقت الراية تخفق وتخفق خفقاً وخفقاناً محركة اضطربت وتحركت "وجهاً" أي جانباً. قوله: "فذكر الحديث بطوله نحواً من حديث سفيان بن عيينة" أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه "ويقال له الحارث بن حسان" قال الحافظ في تهذيب التهذيب: الحارث بن حسان بن كلدة البكري الذهلي الربعي ويقال العامري ويقال حريث، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وسكن الكوفة، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعنه أبو وائل(9/161)
الحَدِيثَ بِطُولِهِ نَحْواً مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ بِمَعْنَاهُ. قال: ويُقَالُ لَهُ الحَارِثُ بنُ حَسّانَ أيضاً.
ـــــــ
وغيره. قال وقع في رواية الترمذي عن رجل من ربيعة ثم علقه من وجه آخر فسماه الحارث بن حسان ثم ساقه من طريق أخرى فقال الحارث بن يزيد البكري ثم قال ويقال له الحارث بن حسان وصحح ابن عبد البر أن اسمه حريث، وقال البغوي كان يسكن البادية.(9/162)
سورة الطور
بسم الله الرحمن الرحيم
3329 ـ حدثنا أَبُو هِشَامٍ الرّفَاعِيّ، أخبرنا محمد بنُ فُضَيْلٍ عَن رِشْدِينَ بنِ كُرَيْب عَن أَبيهِ عَن ابنِ عَبّاسٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إدْبَارُ النّجُومِ الرّكْعَتَانِ قَبْلَ الفَجْرِ وإدْبَارُ السّجُودِ الرّكْعَتَانِ بَعْدَ المَغْرِبِ" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً
ـــــــ
"سورة الطور"
مكية وهي تسع وأربعون آية
قوله: "عن أبيه" هو كريب بن أبي مسلم مولى ابن عباس قوله: "إدبار النجوم" بكسر الهمزة ونصب الراء على الحكاية من قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} ويجوز الرفع وعلى الوجهين هو مبتدأ خبره "الركعتان" وفي بعض النسخ الركعتين بالنصب على أنه بيان لقوله إدبار النجوم على الوجه الأول "قبل الفجر" أي فرضه والإدبار والدبور الذهاب يعني عقيب ذهاب النجوم وهو سنة الصبح "وإدبار السجود" بفتح الهمزة وكسرها قراءتان متواترتان في قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ(9/162)
إِلاَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ محمّدِ بنِ فُضَيْلِ عَن رِشْدَين بن كُرَيْبٍ. سَأَلْتُ مُحمّدَ بنَ إسْمَاعيلَ عَنْ مُحمّدٍ ورِشْدِينَ ابْنَيْ كُرَيْبٍ أَيّهُمَا أَوْثَقُ؟ قال: مَا أقَرَبَهُمَا، ومُحمّدٌ عِنْدِي أَرْجَحُ قال: وسَأَلْتُ عَبْدَ الله بن عبْدِ الرّحْمَنِ عَن هَذَا فقالَ مَا أَقْرَبَهُمَا عندي ورَشْدِينُ بنُ كُرَيْبٍ أَرْجَحُهُمَا عِنْدِي. قَالَ وَالقَوْلُ ما قَالَ أَبُو مُحمّدٍ وَرِشْدِينُ أَرْجَحُ مِنْ مُحمّدٍ وَأُقَدّمُهُ وَقَدْ أَدْرَكَ رِشْدِينُ بنَ عَبّاسٍ وَرَآهُ.
ـــــــ
وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} قال الطيبي: صلاة أدبار السجود وأدبار نصبه بسبح في التنزيل أوقعه مضافاً في الحديث على الحكاية انتهى والمراد بالسجود فريضة المغرب. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه الحاكم وصححه ابن مردويه وابن أبي حاتم "ما أقر بهما" صيغة تعجب "ومحمد عندي أرجح" ووافقه أبو حاتم فقال يكتب حديثه وهو أحب إلى من أخيه رشدين "وسألت عبد الله بن عبد الرحمن" هو الدارمي "قال" أي أبو عيسى الترمذي "ما قال أبو محمد" هو كنيته عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي "وأقدمه" أي أكبره.(9/163)
سورة والنجم
بسم الله الرحمن الرحيم
3330 ـ حدثنا ابنُ أَبِي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عن مَالِكِ بنِ مِغْولٍ عَن طَلْحَةَ بنِ مُصَرّفٍ عَن مُرّةَ عَن ابنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "لَمّا بلَغَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سِدْرَةَ المُنْتَهَى قَالَ: انْتَهى إِلَيْهَا
ـــــــ
"سورة النجم"
مكية وهي ثنتان وستون آية
قوله: "عن مرة" هو ابن شراحيل الهمداني. قوله: "لما بلغ رسول الله(9/163)
ما يَعْرُجُ مِنَ الأرْضِ وَمَا يَنْزِلُ مِنْ فَوْقٍ. فأَعْطَاهُ الله عِنْدَهَا ثَلاَثاً لَمْ يُعْطِهنّ نَبِيّا كانَ قَبْلَهُ: فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصّلاَةُ خَمْساً وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ البَقَرَةِ وَغَفَرَ لاِمّتِهِ المُقْحِمَاتِ مَا لَمْ يُشْرِكُوا بالله شَيْئاً . قَالَ ابنُ مَسْعُودٍ {إِذْ يَغْشَى السّدْرَةَ ما يَغْشَى} قالَ : السّدْرَةُ في السّمَاءِ السّادِسَةِ. قَالَ
ـــــــ
صلى الله عليه وسلم " أي ليلة الإسراء "سدرة المنتهى" قال الجزري في النهاية: السدر شجر النبق. وسدرة المنتهى شجرة في أقصى الجنة إليها ينتهي علم الأولين والآخرين ولا يتعداها "قال انتهى ما يعرج من الأرض" أي ما يصعد من الأعمال والأرواح. وهذا قول ابن مسعود وضمير قال راجع إليه. وفي رواية مسلم: إليها ينتهي ما يعرج به الأرض فيقبض منها "وما ينزل من فوق" أي من الوحي والأحكام، وفي رواية مسلم: وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها أي من الوحي والأحكام، وفي رواية مسلم: وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها "فأعطاه الله عندها" أي عند سدرة المنتهى "خمساً" أي خمس صلوات "وأعطى خواتيم سورة البقرة" أي من قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ} إلى آخر السورة. قيل معنى قوله أعطى خواتيم سورة البقرة أي أعطى إجابة دعواتها "وغفر لأمته المقحمات" وفي رواية مسلم: وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئاً المقحمات. قال النووي هو بضم الميم وإسكان القاف وكسر الحاء ومعناه الذنوب العظام الكبائر التي تهلك أصحابها وتوردهم النار وتقحمهم إياها وتقحم الوقوع في المهالك ومعنى الكلام من مات من هذه الأمة غير مشرك بالله غفر له المقحمات. والمراد والله أعلم بغفرانها أنه لا يخلد في النار بخلاف المشركين وليس المراد أنه لا يعذب أصلاً. فقد تقررت نصوص الشرع وإجماع أهل السنة على إثبات بعض العصاة من الموحدين، ويحتمل أن يكون المراد بهذا خصوصاً من الأمة أن يغفر لبعض الأمة المقحمات وهذا يظهر على مذهب من يقول إن لفظة من لا تقتضي العموم مطلقاً، وعلى مذهب من يقول لا تقتضيه في الإخبار وإن اقتضه في الأمر والنهي ويمكن تصحيحه على المذهب المختار وهو كونها للعموم مطلقاً لأنه قد قام دليل على إرادة الخصوص وهو ما ذكرناه من النصوص والإجماع انتهى "قال: السدرة في السماء السادسة" قال النووي في شرح مسلم كذا(9/164)
سُفْيَانُ: فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ وَأَشَارَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ فأَرْعَدَهَا. وَقَالَ غَيْرُ مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ. إلَيْهَا يَنْتَهِي عِلْمُ الخَلْقِ لاَ عِلْمِ لَهُمْ بِمَا فَوْقَ ذَلِكَ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3331 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا عَبّادُ بنُ العَوّامِ، أخبرنا الشّيْبَانِيّ قَالَ: سَأَلْتُ زِرّ بنَ حُبَيْشٍ عَن قَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ {فكانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} فقَالَ أَخْبَرَني ابنُ مَسْعُودٍ "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم رَأَى جِبْرِيلَ وَلَهُ سِتّمَائَةِ جَنَاحٍ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَريبٌ.
ـــــــ
هو في جميع الأصول السادسة وقد تقدم في الروايات الأخر من حديث أنس أنها فوق السماء السابعة. قال القاضي كونها في السابعة هو الأصح وقول الأكثرين وهو الذي يقتضيه المعنى وتسميتها بالمنتهى. قال النووي ويمكن أن يجمع بينهما فيكون أصلها في السادسة ومعظمها في السابعة فقد علم أنها في نهاية من العظم "قال سفيان" أي في بيان ما يغشى "فراش" بفتح الفاء الطير الذي يلقى نفسه في ضوء السراج واحدتها فراشه "فأرعدها" أي حركها لعله حكى تحرك الفراش واضطرابها. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم. قوله: "أخبرنا الشيباني" هو أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان. قوله: {فَكَانَ} أي جبرئيل من النبي صلى الله عليه وسلم {قَابَ} أي قدر {قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} أي أقرب من ذلك. زاد البخاري في رواية فأوحى إلى عبده ما أوحى "فقال" أي ذر بن حبيش "رأى جبرئيل" أي في صورته مرتين: مرة بالأرض في الأفق الأعلى. ومرة في السماء عند سدرة المنتهى. قال الحافظ: الحاصل أن ابن مسعود كان يذهب في ذلك إلى أن الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم هو جبرئيل كما ذهبت إلى ذلك عائشة. والتقدير على رأيه فأوحى أي جبرئيل إلى عبده أي عبد الله محمد لأنه يرى أن الذي دنا فتدلى هو جبرئيل وأنه هو الذي أوحى إلى(9/165)
3332 ـ حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عَن مُجَالِدٍ عَن الشّعْبِيّ قَالَ: "لَقِيَ ابنُ عَبّاسٍ كَعْباً بِعَرَفَةَ فسَأَلَهُ عَن شَيْءٍ فَكَبّرَ حَتّى جَاوَبَتْهُ الجِبَالُ فقالَ ابنُ عَبّاسٍ: إِنّا بَنُو هَاشِمٍ، فقالَ كَعْبٌ إِنّ الله قَسَمَ رُؤْيَتَهُ وَكَلاَمَهُ بَيْنَ مُحمّدٍ وَمُوسَى فَكَلّمَ مُوسَى وَرَآهُ مُحَمّدٌ مَرّتَيْنِ، فقَالَ.
ـــــــ
محمد. وكلام أكثر المفسرين من السلف يدل على أن الذي أوحى هو الله أوحى إلى عبده محمد، ومنهم من قال إلى جبريل انتهى. وقال ابن القيم في زاد المعاد: أما قوله تعالى في سورة النجم: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} فهو غير الدنو والتدلي في قصة الإسراء فإن الذي دنا في سورة النجم هو دنو جبريل وتدليه كما قالت عائشة وابن مسعود والسياق يدل عليه فإنه قال {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} وهو جبريل {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} ، فالضمائر كلها راجعة إلى هذا المعلم الشديد القوى وهو ذو المرة أي القوة وهو الذي استوى بالأفق الأعلى وهو الذي دنا فتدلى فكان من محمد صلى الله عليه وسلم قدر قوسين أو أدنى، فأما الدنو والتدلي الذي في حديث الإسراء فلذلك صريح في أنه دنو الرب تبارك وتعالى وتدليه ولا تعرض في سورة النجم لذلك بل فيها أنه {رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} وهذا هو جبريل رآه محمد صلى الله عليه وسلم على صورته مرتين مرة في الأرض ومرة عند سدرة المنتهى انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي.
قوله: "أخبرنا سفيان" هو ابن عيينة "عن مجالد" هو ابن سعيد "لقي ابن عباس كعباً" هو كعب بن مانع الحميري أبو إسحاق المعروف بكعب الأحبار ثقة من الثانية مخضرم كان من أهل اليمن فسكن الشام مات في خلافة عثمان وقد زاد على المائة "فسأله" أي كعباً "فكبر" أي كعب "حتى جاوبته الجبال" أي كبر تكبيرة مرتفعاً بها صوته حتى جاوبته الجبال بالصدى كأنه استعظم ما سأل عنه فكبر لذلك، ولعل ذلك السؤال رؤية الله تعالى كما سئلت عائشة رضي الله عنها فقف لذلك شعرها. قاله الطيبي "إنا بنو هاشم" قال الطيبي هذا بعث له على التسكين من ذلك الغيظ والتفكر في الجواب يعني نحن أهل علم ومعرفة(9/166)
مَسْرُوقٌ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ هلْ رَأَى مُحمّدٌ رَبّهُ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ تَكَلّمْتَ بِشَيْءٍ قَفّ لَهُ شَعْرِي، قُلْتُ رُوَيْداً ثُمّ قَرَأَتُ {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبّهِ الْكُبْرَى} فقَالَتْ: أَيْنَ يُذْهَبُ بِكَ؟ إِنّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، مَنْ أَخْبَرَكَ أَنّ مُحمداً رَأَى رَبّهُ أَوْ كَتَمَ شَيْئاً مِمّا أُمِرَ بِهِ أَوْ يَعْلَمُ الْخَمسَ التّي قَالَ الله تَعَالَى {إنّ الله عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ} فَقَدْ أَعْظَمَ الفِرْيَةَ وَلكِنّهُ رَأَى جِبْرِيلَ لَمْ يَرَهُ في صُورَتِهِ إلاّ مَرّتَيْنِ
ـــــــ
فلا نسأل عما يستبعد هذا الاستبعاد ولذلك فكر فأجاب بقوله إن الله قسم إلى آخره "فكلم" أي الله سبحانه وتعالى "مرتين" أي في الميقاتين "ورآه محمد" أي في المعراج "مرتين" كما يدل عليه قوله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} ، فهذا يدل على أن مذهب كعب أن الضمير في رآه إلى الله لا إلى جبريل بخلاف قول عائشة "فدخلت على عائشة" ظاهره أنه كان حاضراً في مجلس كعب وابن عباس رضي الله عنهما وسمع ما جرى بينهما "قف له شعري" أي قام من الفزع لما حصل عندها من عظمة الله وهيبته واعتقدته من تنزيهه واستحالة وقوع ذلك. قال النضر بن شميل القف بفتح القاف وتشديد الفاء كالقشعريرة وأصله التقبض والاجتماع لأن الجلد ينقبض عند الفزع فيقوم الشعر كذلك "قلت رويداً" أي امهلي ولا تعجلي "ثم قرأت {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} " قال الطيبي: أي قرأت الآيات التي خاتمتها هذه الآية كما تشهد له الرواية الأخرى أعني قوله قلت لعائشة فأين قوله ثم دنا انتهى. قلت: في الرواية التي أخرجها الترمذي في تفسير سورة الأنعام، فقلت يا أم المؤمنين انظريني ولا تعجليني أليس الله تعالى يقول {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} . و {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} ، فالأمر كما قال الطيبي "أين يذهب بك" بالبناء للمفعول أو بالبناء للفاعل أي أين يذهب بك قوله تعالى الذي قرأت؟ وفي المشكاة أين تذهب بك. قال الطيبي أي أخطأت فيما فهمت من معنى الآية وذهبت إليه، فإسناد الإذهاب إلى الآية مجاز "إنما هو" أي الآية الكبرى وذكر الضمير باعتبار الخبر "فقد أعظم الفرية" بكسر الفاء أي(9/167)
مَرّةً عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى ومَرّةً في جِيَادٍ لَهُ سِتّمَائَةِ جَنَاحٍ قَدْ سَدّ الأُفُقَ" . وَقَدْ رَوى دَاوُدُ بنُ أَبي هِنْدٍ عَن الشّعْبيّ عَن مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا الحَدِيثِ. وحَديثُ دَاوُدَ أقْصَرُ مِنْ حَدِيثِ مُجَالِدٍ.
3333 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ عَمْرِو بنِ نَبْهَانَ بنِ صَفْوَانَ الثّقَفِيّ أخبرنا يَحْيَى بنُ كَثِيرٍ العَنْبَرِيّ أبو غسان، أخبرنا سَلْمُ بنُ جَعْفَرٍ عَن الَحَكَمِ بنِ أَبَانٍ عَن عِكْرَمَةَ عَن ابن عَبّاسٍ قَالَ: "رَأَى مُحمّدٌ رَبّهُ قُلْتُ أَلَيْسَ الله يَقُولُ {لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُو يُدْرِكُ الأبْصَارَ} قَالَ وَيْحَكَ
ـــــــ
الكذب "في جياد" موضع بأسفل مكة قاله في المجمع، ووقع في المشكاة في أجياد بفتح الهمزة وسكون الجيم. قال في النهاية أجياد موضع بأسفل مكة معروف من شعابها "قد سد الأفق" أي ملأ أطراف السماء وحديث عائشة هذا أخرجه الشيخان مع زيادة واختلاف وفي روايتهما قال قلت لعائشة فأين قوله ثم {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} قالت ذاك جبريل عليه السلام كان يأتيه في صورة الرجل وأنه أتاه بهذه المرة في صورته التي هي صورته فسد الأفق "وقد روى داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة إلخ" أخرج هذه الرواية الترمذي في تفسير سورة الأنعام وتقدم الكلام هناك مبسوطاً في أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة الإسراء أم لا.
قوله: "أخبرنا سلم بن جعفر" بفتح السين وسكون اللام البكراوي أبو جعفر الأعمى. قال ابن المديني من أهل اليمن صدوق تكلم فيه الأزدي بغير حجة من الثامنة "عن الحكم بن أبان" العدني أبي عيسى صدوق عابد له أوهام من السادسة. قوله: "رأى محمد ربه" كذا أطلق الرؤية في هذه الرواية وفي الرواية الآتية رآه بقلبه "ويحك" قال في النهاية: ويح كلمة ترحم وتوجع تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها وقد يقال بمعنى المدح والتعجب وهي منصوبة على المصدر(9/168)
ذَاكَ إِذَا تَجَلّى بِنُورِهِ الّذِي هُوَ نورُهُ وقد رآى محمد ربه مَرّتَيْنِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ.
3334 ـ حدثنا سَعِيدُ بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ الأمَوِيّ أخبرنا أَبي أخبرنا مُحمّدُ بنُ عمرو عن أَبي سلَمَةَ عَنْ ابنَ عَبّاسٍ في قَوْلِ الله {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى} {فأَوْحَى إلى عَبْدِهِ ما أَوْحَى} {فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} . قالَ ابنُ عَبّاسٍ: قَدْ رَآهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم. هَذا حديثٌ حَسَنٌ.
3335 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ أخبرنا عبْدُ الرزّاقِ وَابنُ أَبي رِزْمَةَ وَأبُو نَعِيمٍ عَن إسْرَائِيلَ عَن سِمَاكِ بن حَرْبٍ عَن عِكْرِمَةَ عن ابن عَبّاسٍ قَالَ: {مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأى} قالَ رَآهُ بِقَلْبِهِ. هَذا حديثٌ حَسَنٌ.
ـــــــ
وقد ترفع وتضاف ولا تضاف يقال ويح زيد وويحاً له وويح له "ذاك" أي عدم إدراك الأبصار إياه سبحانه وتعالى ليس مطلقاً بل "إذا تجلى" أي ظهر "بنوره الذي هو نوره" فحينئذٍ لا تدركه الأبصار، وحاصله أن المراد بالآية نفي الإحاطة به عند رؤياه لا نفي أصل رؤياه، والظاهر أن ابن عباس أخذ هذا من قوله تعالى {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} . قوله: "أخبرنا محمد بن عمرو" هو ابن علقمة "عن أبي سلمة" بن عبد الرحمن بن عوف. قوله: "عن ابن عباس في قول الله {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} إلى قوله قال ابن عباس قد رآه النبي صلى الله عليه وسلم" كذا روى الترمذي هذا الحديث بهذا اللفظ ورواه ابن جرير في تفسيره بعين سند الترمذي هكذا عن ابن عباس في قول الله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} قال "دنا ربه فتدلى فكان(9/169)
3336 ـ حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلانَ، أخبرنا وَكِيعٌ وَيَزِيدُ بنُ هارُونَ عَن يزِيدَ بن إبْراهِيمَ التّسْتَري عَن قتَادَة عن عبدِ الله بنِ شَقيقٍ قالَ: "قُلْتُ لأبي ذَرّ لَوْ أَدْرَكْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم لَسَأَلْتُهُ، فقالَ عَمّا كُنْتَ تَسْأَلُه؟ قلت: كنت أسْأَلَهُ هَلْ رَأى مُحمّدٌ رَبّهُ؟ فقَالَ: قَدْ سَأْلتُهُ فقَالَ: نُورٌ أَنّي أرَاهُ" .
هَذا حديثٌ حَسَنٌ.
ـــــــ
قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى" . قال قال ابن عباس قد رآه النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: "قال رآه بقلبه" أي قال ابن عباس رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه. قال الواحدي: وكذا قال أبو ذر وإبراهيم التيمي رآه بقلبه. قال وعلى هذا رأى ربه بقلبه رؤية صحيحة وهو أن الله تعالى جعل بصرة في فؤاده أو خلق لفؤاده بصراً حتى رأى ربه رؤية صحيحة كما يرى بالعين انتهى. وقال الحافظ: جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة وأخرى مقيدة أي بالفؤاد فيجب حمل مطلقها على مقيدها، قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه ابن جرير في تفسيره وأخرجه مسلم من طريق أبي العالية عن ابن عباس قال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} . قال رآه بفؤاده مرتين. قوله: "فقال نور أني أراه" وفي رواية لمسلم فقال "رأيت نوراً" . قال النووي قوله صلى الله عليه وسلم "نور أنى أراه" هو بتنوين نور وبفتح الهمزة في أنى وتشديد النون المفتوحة وأراه بفتح الهمزة، هكذا رواه جميع الرواة في جميع الأصول والروايات ومعناه حجابه نور فكيف أراه. قال الإمام أبو عبد الله المازري: الضمير في أراه عائد على الله سبحانه وتعالى ومعناه أن النور منعني من الرؤية كما جرت العادة بإغشاء الأنوار الأبصار ومنعها من إدراك ما حالت بين الرائي وبينه، وقوله صلى الله عليه وسلم "رأيت نوراً" معناه رأيت النور فحسب ولم أر غيره قال وروى أخبرنا "نور أنى أراه" . يعني بفتح الراء وكسر النون وتشديد الياء، ويحتمل أن يكون معناه راجعاً إلى ما قلناه أي خالق النور المانع من رؤيته فيكون من صفات الأفعال. قال القاضي عياض: هذه الرواية لم تقع إلينا ولا رأيتها في شيء من الأصول. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه مسلم.(9/170)
3337 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عُبَيْدُ الله بن موسى و ابنُ أَبي رِزْمَةَ عَن إسْرَائِيلَ عَن أَبي إسْحَاقَ عَن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ يَزِيدَ عنْ عَبْدِ الله " {مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى} قالَ رَأَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ في حُلّةٍ مِنْ رَفْرَفٍ قَدْ مَلأَ مَا بَيْنَ السّمَاءِ وَالأرْضِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
"أخبرنا عبيد الله بن أبي رزمة" كذا في النسخة الأحمدية قال في هامشها كذا في نسخ وفي نسخة وابن أبي رزمه ولا يوجد في التقريب عبيد الله بن أبي رزمة انتهى. قلت: النسخة التي فيها وابن أبي رزمة بزيادة الواو هي الصحيحة وأما النسخ التي فيها عبيد الله بن أبي رزمة يحذف الواو فهي غلط لأنه ليس في الكتب الستة رأو اسمه عبيد الله بن أبي رزمة، وعبيد الله هذا هو عبيد الله بن موسى العبسي وابن أبي رزمة هو عبد العزيز بن أبي رزمة وهما من شيوخ عبد بن حميد وأصحاب إسرائيل بن يونس "عن أبي إسحاق" السبيعي "عن عبد الرحمن بن يزيد" بن قيس النخعي "عن عبد الله" بن مسعود. قوله: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرئيل في حلة من رفرف" أي ديباج دقيق حسنت صنعته جمعه رفارف أو هو جمع رفرفة وهذه هي الرؤية الأولى وكانت في أوائل البعثة بعد ما جاءه جبرئيل عليه السلام أول مرة فأوحى الله إليه صدر سورة اقرأ ثم فتر الوحي فترة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم فيها مراراً ليتردى من رؤوس الجبال فكلما هم بذلك ناداه جبرئيل من الهواء: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل فيسكن لذلك جأشه وتقر عينه وكلما طال عليه الأمر عاد لمثلها حتى تبدي له جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح في صورته التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح قد سد عظم خلقه الأفق ما اقترب منه وأوحى إليه عن الله ما أمره به فعرف عند ذلك عظمة الملك الذي جاءه بالرسالة وجلالة قدره وعلو مكانته عند خالقه الذي بعثه إليه. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه ابن جرير في تفسيره.(9/171)
3338 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ أَبُو عُثْمَانَ البَصْرِيّ أخبرنا أَبُو عَاصِمٍ عَن زَكَرِيّا بنِ إسْحَاقَ عَن عُمرو بنِ دِينَارٍ عَن عَطَاءٍ عَن ابنِ عَبّاسٍ {الّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ والفَوَاحِشَ إلاّ اللّمَمَ} . قال: قالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "إِنْ تَغْفِرْ اللّهُمّ تَغْفِرْ جَمّا وأَيّ عَبْدٍ لَكَ لا أَلَمّا" .
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ زَكَرِيّا بنِ إِسْحَاقَ.
ـــــــ
قوله: "حدثنا أحمد بن عثمان أبو عثمان البصري" يلقب أبا الجوفاء بالجيم والزاي ثقة من الحادية عشرة "حدثنا أبو عاصم" اسمه الضحاك النبيل. قوله: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ} الكبائر كل ذنب توعد الله عليه بالنار أو ما عين له حداً أو ذم فاعله ذماً شديداً. والفواحش جمع فاحشة وهي كل ذنب فيه وعيد أو مختص بالزنا {إِلَّا اللَّمَمَ} بفتحتين أي الصغائر فإنهم لا يقدرون أي يجتنبوها. قال الطيبي الاستثناء منقطع فإن اللمم ما قل وما صغر من الذنوب ومنه قوله ألم بالمكان إذا قل ليلة فيه ويجوز أن يكون قوله اللمم صفة وإلا بمعنى غير، فقيل هو النظرة والغمزة والقبلة، وقيل الخطرة من الذنب، وقيل كل ذنب لم يذكر الله فيه حداً ولا عذاباً "إن تغفر اللهم تغفر جما" بفتح الجيم وتشديد الميم أي كثيراً كبيراً "وأي عبد لك لا ألماً" فعل ماض مفرد والألف للإطلاق أي لم يلم بمعصية يقال لم أي نزل وألم إذا فعل اللمم والبيت لأمية بن الصلت أنشده النبي صلى الله عليه وسلم أي من شأنك غفران كثير من ذنوب عظام وأما الجرائم الصغيرة فلا تنسب إليك لأن أحداً لا يخلو عنها وأنها مكفرة باجتناب الكبائر وإن تغفر ليس للشك بل للتعليل نحو إن كنت سلطاناً فاعط الجزيل أي لأجل أنك غفار اغفر جماً. واختلف أقوال أهل العلم في تفسير اللمم فالجمهور على أنه صغائر الذنوب وقيل هو ما كان دون الزنا من القبلة والغمزة والنظرة وكالكذب الذي لا حد فيه ولا ضرر وقيل غير ذلك، والظاهر الراجح هو قول الجمهور والله تعالى أعلم. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه ابن جرير.(9/172)
سورة القمر
بسم الله الرحمن الرحيم
3339 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أَخبرنا عَلِيّ بنُ مُسْهِرٍ عَن الأعْمَشِ عَن إبْرَاهِيمَ عَن أَبي مَعْمَرٍ عَن ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: "بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِمنًى فَانْشَقّ القَمَرُ فِلْقَتَيْنِ: فِلْقَةً مِنْ وَرَاءِ الجَبَلِ وفِلْقَةً دُونَهُ فقَالَ لَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم اشْهَدُوا. يَعْنِي {اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وانْشَقّ القَمَرُ} " . قال هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
"سورة القمر"
مكية إلا { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} الآية وهي خمس وخمسون آية
قوله: "عن إبراهيم" هو النخعي "عن أبي معمر" اسمه عبد الله بن سخبرة الأزدي. قوله: "بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنًى فانشق القمر فلقتين" بكسر الفاء وسيكون اللام أي قطعتين وفي حديث أنس الآتي: فانشق القمر بمكة وهذا لا ينافي قول ابن مسعود: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنًى فانشق القمر لأن أنساً لم يصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ليلتئذ بمكة وعلى تقدير تصريحه فمنًى من جملة مكة، وقد وقع عند ابن مردويه بيان المراد فأخرج من وجه آخر عن ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمكة قبل أن نصير إلى المدينة، فوضح أن مراده بذكر مكة الإشارة إلى أن ذلك وقع قبل الهجرة "فلقة من وراء الجبل" أي جبل حراء وفي رواية "فلقة فوق الجبل وفلقة دونه" والمراد أنهما تباينتا فإحداهما إلى جهة العلو والأخرى إلى السفل "اشهدوا" أي على(9/173)
3340 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ عَن مَعْمَرٍ عَن قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "سَأَلَ أَهْلُ مَكّةَ النبيّ صلى الله عليه وسلم آيَةً فانَشَقّ القَمَرُ بِمَكّةَ مَرّتَيْنِ فَنَزَلَتْ {اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وانْشَقّ القَمَرُ} . إلى قَوْلِهِ {سِحْرٌ مُسْتَمِرّ} يَقُولُ ذَاهِبٌ . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
نبوتي أو معجزتي من الشهادة وقيل معناه احضروا وانظروا من الشهود "يعني {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} " أي قربت القيامة وانفلق القمر فلقتين، والمعنى أن هذا الانشقاق الذي هو معجزة من النبي صلى الله عليه وسلم هو المراد في هذه الآية لا أنه يقع يوم القيامة وقد تقدم الكلام في انشقاق القمر مبسوطاً في باب انشقاق القمر من أبواب الفتن. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم" هذا من مراسيل الصحابة لأن أنساً لم يدرك هذه القصة، وقد جاءت القصة من حديث ابن عباس وهو أيضاً ممن لم يشاهدها ومن حديث ابن مسعود وجبير بن مطعم وحذيفة وهؤلاء شاهدوها "آية" أي علامة دالة على نبوته ورسالته "فانشق القمر بمكة مرتين" ووقع في رواية البخاري فأراهم القمر شقتين. قال الحافظ ما ملخصه: وفي رواية لمسلم مرتين، وفي مصنف عبد الرزاق عن معمر بلفظ مرتين أيضاً، وكذلك أخرجه الإمامان أحمد وإسحاق في مسنديهما عن عبد الرزاق وقد اتفق الشيخان عليه من رواية شعبة عن قتادة بلفظ فرقتين. قال البيهقي قد حفظ ثلاثة من أصحاب قتادة عنه مرتين. قال الحافظ لكن اختلف عن كل منهم في هذه اللفظة ولم يختلف على شعبة وهو أحفظهم، ولم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود بلفظ مرتين، إنما فيه فرقتين أو فلقتين بالراء أو اللام، وكذا في حديث ابن عمر فلقتين. وفي حديث جبير ابن مطعم فرقتين. ثم ذكر الحافظ روايات عديدة وقع في بعضها: انشق باثنتين. وفي بعضها شقتين وفي بعضها قمرين. ثم قال ولا أعرف من جزم من علماء الحديث بتعدد الانشقاق في زمنه صلى الله عليه وسلم ولم يتعرض لذلك أحد من شراح(9/174)
3341 ـ حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عَن ابنِ أَبي نَجِيحٍ عَن مجَاهِدٍ عَن أَبي مَعْمَرٍ عَن ابنِ مَسْعُودٍ قالَ: "انْشَقّ القَمَرُ عَلَى عَهْدِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقَالَ لَنَا النبيّ صلى الله عليه وسلم: اشْهَدُوا" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3342 ـ حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ أخبرنا أَبُو دَاوُدَ عَن شُعَبَةَ عنْ الأَعْمَشِ عَن مُجَاهِدٍ عَن ابنِ عُمَرَ قَالَ: "انفَلَقَ القَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: اشْهَدُوا" هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
الصحيحين، وتكلم الحافظ ابن القيم على هذه الرواية فقال المرات يراد بها الأفعال تارة والأعيان أخرى والأول أكثر. ومن الثاني انشق القمر مرتين وقد خفي على بعض الناس فادعى أن انشقاق القمر وقع مرتين وهذا مما يعلم أهل الحديث والسير أنه غلط فإنه لم يقع إلا مرة واحدة، وقد قال العماد بن كثير في الرواية التي فيها مرتين نظر ولعل قائلها أراد فرقتين. قال الحافظ وهذا الذي لا يتجه غيره جمعاً بين الروايات انتهى "يقول ذاهب" يعني أن المراد بقوله مستمر ذاهب مار لا يبقى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي انشق فلقتين كما في الرواية المتقدمة. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "عن ابن عمر قال: انفلق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" تقدم هذا الحديث في باب انشقاق القمر.(9/175)
3343 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ كَثِيرٍ، أخبرنا سُلَيْمَانُ بنُ كَثِيرٍ عَن حُصَيْنٍ عَن مُحمّدِ بنِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ عَن أَبِيهِ قَالَ: "انْشَقّ القَمَرُ عَلَى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حَتّى صَارَ فِرْقَتَيْنِ عَلَى هَذَا الجَبَلِ وعَلَى هذا الجَبلِ فقَالوا: سَحَرَنَا مُحّمدٌ فقَالَ بَعْضُهُمْ: لَئِنْ كانَ سَحَرَنَا فَمَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْحَرَ النّاسَ كلّهُمْ" . وَقَد رَوَى بَعْضُهُم هَذَا الحَدِيثَ عن حُصَيْنٍ عَن جُبَيْرِ بنِ مُحمّدِ بنِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ عَن أَبِيهِ عَن جَدّهِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ نَحْوَهُ.
3344 ـ حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو بَكْرٍ بُنْدارٌ قَالاَ حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَن سُفْيَانَ عَن زِيَادِ بنِ إسْمَاعِيلَ عَن مُحمدِ بن عَبّادِ بنِ جَعْفَرٍ
ـــــــ
قوله: "أخبرنا محمد بن كثير" هو العبدي البصري "أخبرنا سليمان بن كثير" العبدي البصري "عن حصين" هو ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي. قوله: "حتى صار فرقتين على هذا الجبل وعلى هذا الجبل" وفي حديث عبد الله بن مسعود عند عبد الرزاق في مصنفه قال رأيت القمر منشقاً شقتين شقة على أبي قبيس وشقة على السويداء قال الحافظ السويداء بالمهملة والتصغير ناحية خارج مكة عندها جبل "سحرنا محمد" أي جعلنا مسحورين "فقال بعضهم لئن كان سحرنا فما يستطيع أن يسحر الناس كلهم" وفي حديث عبد الله بن مسعود عند البيهقي فقال كفار قريش أهل مكة هذا سحر سحركم به ابن أبي كبشة أنظروا السفار فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق. وإن كانوا لم يروا مثل ما رأيتم فهو سحر سحركم به، قال فسئل السفار قال وقدموا من كل وجهة فقالوا رأينا. وحديث جبير بن مطعم هذا أخرجه أيضاً في مسنده والبيهقي في الدلائل وابن جرير في تفسيره.
قوله: "عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم" مقبول من السادسة "عن أبيه(9/176)
المَخْزُومِيّ عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: "جَاءَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ يُخَاصِمُونَ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم في القَدَرِ فَنَزَلَتْ {يَوْمَ يُسْحَبُونَ في النّارِ عَلَى وُجُوهِهِم ذُوقُوا مَسّ سَقَر إنّا كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر} " .
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
عن جده جبير بن مطعم نحوه" رواه البيهقي بهذا الوجه في الدلائل كما في تفسير ابن كثير.
قوله: "وأبو بكر بندار" أبو بكر هذا اسمه محمد بن بشار وبندار لقبه "عن سفيان" هو الثوري. قوله: "عن أبي هريرة قال جاء مشركو قريش إلخ" تقدم هذا الحديث مع شرحه في أواخر أبواب القدر(9/177)
سورة الرحمن
بسم الله الرحمن الرحيم
3345 ـ حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ وَاقِدٍ أَبُو مُسْلِمٍ السّعْدِيّ أخبرنا الْوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ عَن زُهَيْرِ بنِ مُحمّدٍ عَن مُحمّدِ بنِ المُنْكَدِرِ عَنْ جَابرٍ رضي الله عنه قَالَ: "خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَرأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرّحْمَنِ مِنْ أَوّلِهَا إلى آخِرِهَا فَسَكَتُوا، فقَالَ لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الْجِنّ
ـــــــ
"سورة الرحمن"
مكية أو إلا {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية فمدنية وهي ست أو ثمان وسبعون آية
قوله: "حدثنا عبد الرحمن بن واقد أبو مسلم" البغدادي "أخبرنا الوليد ابن مسلم" القرشي الدمشقي "عن زهير بن محمد" التميمي قوله: "فسكتوا"(9/177)
لَيْلَةَ الجِنّ فكَانُوا أحْسَنَ مَرْدُوداً مِنْكُمْ، كُنْتُ كُلّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ {فَبِأَيّ آلاَءِ رَبّكُما تُكَذّبَانِ} قَالُوا لاَ بِشَيءٍ مِنْ نَعمكَ رَبّنَا نُكَذّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُه إِلاّ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بنِ مُسْلِمٍ عَن زُهَيْرِ بن مُحمدٍ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ كَأَنّ زُهَيْرَ بنَ مُحمّدٍ الّذِي وَقَعَ بالشّامِ لَيْسَ هُوَ الّذِي يُرْوَى عَنْهُ بالْعِرَاقِ. كَأَنّهُ رَجُلٌ آخَرُ قَلَبُوا اسْمَهُ يَعْنِي لِمَا يَرْوُونَ عَنْهُ مِن المَنَاكِيرِ وَسَمِعْتُ
ـــــــ
أي الصحابة مستمعين "ليلة الجن" أي ليلة اجتماعهم به "فكانوا" أي الجن "أحسن مردوداً" أي أحسن رداً وجواباً لما تضمنه الاستفهام التقريري المتكرر فيها بأي "منكم" أيها الصحابة. قال الطيبي: المردود بمعنى الرد كالمخلوق والمعقول نزل سكوتهم وإنصاتهم للاستماع منزلة حسن الرد فجاء بأفعل التفضيل، ويوضحه كلام ابن الملك حيث قال: نزل سكوتهم من حيث اعترافهم بأن في الجن والإنس من هو مكذب بآلاء الله. وكذلك في الجن من يعترف بذلك أيضاً لكن نفيهم التكذيب عن أنفسهم باللفظ أيضاً أدل على الإجابة وقبول ما جاء به الرسول من سكوت الصحابة أجمعين ذكره القاري "كنت" أي تلك الليلة "كلما أتيت على قوله" أي على قراءة قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} الخطاب للإنس والجن أي بأي نعمة مما أنعم الله به عليكم تكذبون وتجحدون نعمه بترك شكره وتكذيب رسله وعصيان أمره "لا بشيء" متعلق بنكذب الآتي "ربنا" بالنصب على حذف حرف النداء "نكذب" أي : لا نكذب بشيء منها، "فلك الحمد" أي : على نعمك الظاهرة والباطنة ومن أتمها نعمة الإيمان والقرآن. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه ابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي والبزار "قلبوا اسمه" أي فجعلوا اسمه زهير بن محمد فالتبس بزهير بن محمد الذي يروي عنه أهل العراق "يعني لما يروون عنه من المناكير" أي إنما جعله أحمد رجلاً آخر لأن أهل الشام يروون عنه أحاديث مناكير. قال في التقريب زهير بن محمد التميمي أبو المنذر الخراساني(9/178)
مُحمّدَ بنَ إِسْمَاعِيلَ البخاري يَقُولُ أهْلُ الشّامِ يَرْووُنَ عَن زُهَيْرِ بنِ مُحمّدٍ مَنَاكِيرَ وَأَهْلُ العِرَاقِ يَرْوُونَ عَنْهُ أَحَادِيثَ مُقَاربَةً.
ـــــــ
سكن الشام ثم الحجاز رواية أهل الشام، عنه غير مستقيمة نضعف بسببها. قال البخاري عن أحمد كان زهير الذي يروي عنه الشاميون آخر. وقال أبو حاتم حدث بالشام من حفظه فكثر غلطه من السابعة "وسمعت محمد بن إسماعيل يقول أهل الشام يروون عن زهير بن محمد مناكير وأهل العراق يروون عنه أحاديث مقاربة" أي أحاديث صحيحة. قال في تهذيب التهذيب: قال البخاري ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير وما روي عن أهل البصرة فصحيح. قلت: حديث جابر هذا رواه الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد وهو من أهل الشام ففي الحديث ضعف لكن له شاهداً من حديث ابن عمر أخرجه ابن جرير والبزار والدارقطني في الأفراد وغيرهم. وصحح السيوطي إسناده كما في فتح البيان.(9/179)
سورة الواقعة
بسم الله الرحمن الرحيم
3356 ـ حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أخبرنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ وَ عَبْدُ الرّحِيمِ بنُ سُلَيْمَانَ عَن مُحمّدِ بنِ عَمْرٍو قَالَ: أخبرنا أَبُو سَلَمَةَ عَن
ـــــــ
"سورة الواقعة"
مكية إلا {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ} الآية و {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ} هي ست أو سبع أو تسع وتسعون آية
قوله: "أخبرنا عبدة بن سليمان" الكلابي الكوفي "وعبد الرحيم بن سليمان" أبو علي الأشل "عن محمد بن عمرو" بن علقمة الليثي.(9/179)
أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ الله أعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصّالِحينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَر فاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُم: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وَفي الجَنّةِ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرّاكِبُ في ظِلّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَظِلٍ مَمْدُودٍ} وَمَوْضِعُ سَوْطٍ في الجَنّةِ خَيْرٌ مِنَ الدّنْيَا وَمَا فِيهَا وَاقْرَأُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَمَنْ زُحْزِحَ عَن النّارِ وَأُدْخِلَ الجَنّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدّنْيَا إِلاّ مَتَاعُ الغُرُورِ} . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3347 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ عَن مَعْمَرٍ عَن قَتَادَةَ عَن أَنَسٍ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ في الجَنّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرّاكِبُ في ظِلّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا لأإنْ شِئْتُمْ فاقرؤوا {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ وفي البابِ عَن أبي سَعِيدٍ.
ـــــــ
قوله: "يقول الله {أعْدَدْتُ} " إلى قوله: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} تقدم شرحه في تفسير سورة السجدة "وفي الجنة شجرة يسير الراكب إلخ" تقدم شرحه في باب صفة شجرة الجنة "وموضع سوط في الجنة إلخ" تقدم شرحه في تفسير سورة آل عمران. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرج أحمد والشيخان بعضه. قوله: {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} أي جار دائماً وقيل يسكب لهم أين شاء وكيف شاء بلا تعب. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري. قوله: "وفي الباب عن أبي سعيد" أخرجه الترمذي في باب صفة شجر الجنة.(9/180)
3348 ـ حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أخبرنا رِشْدِينُ بنُ سَعْدٍ عَن عَمْرِو بنِ الحارِثِ عَن دَرّاجٍ عَن أَبي الهَيْثَمِ عَن أَبي سَعِيدٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: " {وَفُرشٍ مَرْفُوعَةٍ} قَالَ ارْتِفَاعُهَا كَمَا بَيْنَ السّمَاءِ والأرْضِ، وَمَسِيرَةُ مَا بَيْنَهُمَا خَمْسُمَائَةِ عَامٍ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: مَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ: "وارْتِفَاعُهَا كَمَا بَيْنَ السّمَاءِ وَالأرْضِ" قَالَ: "ارْتِفَاعُ الفُرُش المَرْفُوعَةِ في الدّرَجَاتِ، وَالدّرَجَاتُ مَا بَيْنَ كُلّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السّمَاءِ وَالأرْضِ" .
3349 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ أخبرنا الحُسَيْنُ بنُ مُحمّدٍ أخبرنا اسْرَائِيلُ عَن عَبْدِ الأعْلَى عَن أَبي عَبْدِ الرّحْمَنِ عَن عَلِيّ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله
ـــــــ
قوله: "عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: وفرش مرفوعة إلخ" تقدم هذا الحديث مع شرحه في باب صفة ثياب أهل الجنة. قوله: "وقال بعض أهل العلم معنى هذا الحديث وارتفاعها كما بين السماء والأرض" كذا في النسخ الحاضرة وارتفاعها كما بين السماء والأرض بالواو، والظاهر أن يكون بغير الواو وهو بدل من هذا الحديث "قال" أي بعض أهل العلم "ارتفاع الفرش المرفوعة في الدرجات والدرجات بين كل درجتين كما بين السماء والأرض" حاصله أن ارتفاع الفرش المفروشة في الدرجات وبعد ما بين كل درجتين منها كما بين السماء والأرض وقد نقل الحافظ ابن كثير في تفسير سورة الواقعة حديث أبي سعيد المذكور عن جامع الترمذي ثم نقل كلامه هذا بلفظ فقال بعض أهل المعاني معنى هذا الحديث "ارتفاع الفرش في الدرجات وبعد ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض" انتهى.
قوله: "حدثنا الحسين بن محمد" بن بهرام التميمي البغدادي "عن عبد الأعلى"(9/181)
صلى الله عليه وسلم: " {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنّكُمْ تُكَذّبُونَ} قَالَ شُكْركُمْ تَقُولُونَ مُطِرْنَا بنَوْءِ كَذَا وَكذَا. وبِنَجْمِ كَذَا وَكَذَا" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ورَوَى سُفْيَانُ الثوري عَن عَبْدِ الأعْلَى هذا الحديث عن بهذا الإسناد ولم يرفعه.
ـــــــ
بن عامر الثعلبي الكوفي "عن أبي عبد الرحمن" إسمه عبد الله بن حبيب السلمي. قوله: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} أي تجعلون شكر رزقكم التكذيب موضع الشكر أي وضعتم التكذيب موضع الشكر، وفي قراءة علي رضي الله عنه وهي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وتجعلون شكركم أنكم تكذبون" أي تجعلون شكركم لنعمة القرآن أنكم تكذبون به، وقيل نزلت في الأنواء ونسيتهم السقيا إليها والرزق المطر، أي وتجعلون شكر ما يرزقكم الله من الغيث أنكم تكذبون بكونه من الله حيث تنسبونه إلى النجوم. كذا في المدارك "قال شكركم" أي شكر ما رزقكم من المطر "تقولون مطرنا" بصيغة المجهول "بنوء كذا وكذا" بفتح النون وسكون الواو "وبنجم كذا وكذا" وذلك أنهم كانوا إذا مطروا يقولون مطرنا بنوء كذا ولا يرون ذلك المطر من فضل الله عليهم فقيل لهم: أتجعلون رزقكم أي شكركم بما رزقكم التكذيب، فمن نسب الإنزال إلى النجم فقد كذب برزق الله تعالى ونعمه وكذب بما جاء به القرآن، والمعنى أتجعلون بدل الشكر التكذيب. قال النووي في شرح مسلم: قال ابن الصلاح: النوء في أصله ليس هو نفس الكوكب فإنه مصدر ناء النجم ينوء نوءاً أي سقط وغاب. وقيل نهض وطلع وبيان ذلك أن ثمانية وعشرين نجماً معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها وهي المعروفة بمنازل القمر الثمانية والعشرين يسقط في كل ثلاث عشرة ليلة منها نجم في المغرب مع طلوع الفجر ويطلع آخر يقابله في المشرق من ساعته فكان أهل الجاهلية إذا كان عند ذلك مطر ينسبونه إلى الساقط الغارب منهما. وقال الأصمعي إلى الطالع منهما. قال أبو عبيد ولم أسمع أن النوء السقوط إلا في هذا الموضع. ثم إن النجم نفسه قد يسمى نوء(9/182)
3350 ـ حدثنا أَبُو عَمّارٍ الحُسَيْنُ بن حُرَيْثٍ الْخُزَاعِيّ المَرْوَزِيّ أخبرنا وَكِيعٌ عَنْ مُوسَى بنِ عُبَيْدَةَ عَن يَزِيدَ بنِ أَبَانٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في قَوْلِهِ " {إِنّا أنْشَأْنَاهُنّ إنْشَاءً} قَالَ: إِنّ مِنَ المُنْشَآتِ التي كُنّ في الدّنْيَا عَجَائِزَ عُمْشاً رُمصاً" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إِلاّ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بنِ عُبَيدَةَ، ومُوسَى بنُ عُبَيْدَةَ ويَزِيدُ بنُ أَبَانٍ الرّقَاشِيّ يُضَعّفَانِ في الْحَدِيثِ.
ـــــــ
تسمية للفاعل بالمصدر. قال أبو إسحاق الزجاج في بعض أماليه: الساقطة في المغرب هي الأنواء والطالعة في المشرق هي البوارح انتهى. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد بن أبي حاتم وابن جرير.
قوله: "حدثنا وكيع" هو ابن الجراح "عن موسى بن عبيدة" الربذي "عن يزيد بن أبان" هو الرقاشي. قوله: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} قيل هن الحور العين أنشأهن الله لم تقع عليهن الولادة ولم يسبقن بخلق وأنهن لسن من نسل آدم عليه السلام بل مخترعات وهو ما جرى عليه أبو عبيدة وغيره، وقيل المراد نساء بني آدم والمعنى: أن الله سبحانه أعادهن بعد الموت إلى حال الشباب والنساء وإن لم يتقدم لهن ذكر لكنهن قد دخلن في أصحاب اليمين فتلخص أن نساء الدنيا يخلقهن الله في القيامة خلقاً جديداً من غير توسط ولادة خلقاً يناسب البقاء والدوام. وذلك يستلزم كمال الخلق وتوفر القوى الجسمية وانتفاء صفات النقص كما أنه خلق الحور العين على ذلك الوجه. وإما على قول قال إن الفرش المرفوعة كناية عن النساء فمرجع الضمير ظاهر "إن من المنشأت" جمع منشأة إسم مفعول من الإنشاء "اللائي" أي نساء الدنيا اللائي "كن في الدنيا عجائز" جمع عجوز وهي المرأة الكبيرة "عمشا" بضم فسكون جمع عمشاء من العمش في العين محركة وهو ضعف الرؤية مع سيلان دمعها في أكثر أوقاتها من باب طرب فهو أعمش والمرأة عمشاء "رمصاً" جمع رمصاء من الرمص محركة وهو وسخ أبيض يجتمع في الموق رمصت عينه كفرح والنعت أرمص ورمصاء. قوله: "هذا حديث(9/183)
3351 ـ حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أخبرنا مُعاوِيَةُ بنُ هِشَامٍ عنْ شَيْبَانَ عَن أَبي إسْحَاقَ عَنْ عِكْرِمَةَ عن ابنِ عبّاسٍ قالَ قالَ أَبُو بَكْر رضي الله عنه: "يَا رَسُولَ الله قَدْ شِبْتَ. قالَ: شَيّبَتْنِي هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالمُرْسَلاَتُ و {عَمّ يَتَسَاءَلُونَ} و {إِذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ} " . هَذا حديثٌ حَسنٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفهُ مِنْ حَدِيثٍ ابنِ عَبّاسٍ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَرَوى عَلِيّ بنُ صَالِحٍ هَذَا الحَدِيثَ عَن أَبي إسْحَاقَ عَن أَبي جُحَيْفَةَ نَحْوَ هَذَا. وقد رُوِي عَن أَبي إسْحَاقَ عَن أَبي مَيْسَرَةَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا مرسل.
ـــــــ
غريب" وأخرجه ابن جرير وابن المنذر والبيهقي وعبد بن حميد.
قوله: "أخبرنا شيبان" هو ابن عبد الرحمن النحوي "عن أبي إسحاق" هو السبيعي كما صرح به البيجوري في شرح الشمائل ص 38. قوله: "قد شبت" من الشيب وهو بياض الشعر. قال القاري: أي ظهر عليك آثار الضعف قبل أوان الكبر وليس المراد منه ظهور كثرة الشعر الأبيض عليه لما روى الترمذي عن أنس قال ما عددت في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحيته إلا أربع عشرة شعرة بيضاء "شيبتني" من التشييب. وذلك لما في هذه السور من أهوال يوم القيامة. والمثلات النوازل بالأمم الماضية أخذ مني مأخذه حتى شبت قبل أوانه قاله الطيبي: "هود" أي سورة هود "والمرسلات" بالرفع ويجوز كسرها على الحكاية. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه الطبراني والحاكم. قوله: "وروى علي بن صالح" بن صالح بن حي الهمداني "عن أبي إسحاق" هو السبيعي "عن أبي جحيفة نحو هذا" أخرج الترمذي حديث أبي جحيفة هذا في الشمائل وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها السيوطي في الجامع الصغير.(9/184)
سورة الحديد
بسم الله الرحمن الرحيم
3352 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ -والمعنى واحد- قالُوا، أخبرنا يُونُسُ بنُ مُحمدٍ أخبرنا شَيْبَانُ بنُ عَبْدِ الرّحمنِ عَن قَتَادَةَ قال حدث الحَسَنُ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: "بَيْنَمَا نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ وَأَصْحَابُهُ إذْ أتَى عَلَيْهِمْ سَحَابٌ فقَالَ نَبيّ الله صلى الله عليه وسلم هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا؟ فقالُوا الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قالَ: هَذَا العَنَانُ هَذِهِ زَوَايَا الأرْضِ يَسُوقُهُ الله تبارك وتعالى إلى قَوْمٍ لاَ يَشْكُرُونَهُ وَلاَ يَدْعُونَهُ، ثُمّ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَكُمْ؟ قالُوا الله وَرَسُولُه أَعْلَمُ، قَالَ: فإِنّهَا
ـــــــ
"سورة الحديد"
مكية أو مدنية وهي تسع وعشرون آية
قوله: "أخبرنا يونس بن محمد" بن مسلم المؤدب "حدثنا شيبان بن عبد الرحمن" النحوي "حدثنا الحسن" هو البصري. قوله: "وأصحابه" أي معه جلوس "إذ أتى" أي مر "هذا العنان" كسحاب مبني ومعنى من عن أي ظهر "هذه" أي السحابة فالتعبير بالتأنيث للوحدة وبالتذكير للجنس باب التفنن. قاله القاري. قلت: الظاهر أن التعبير بالتأنيث لتأنيث الخبر "روايا الأرض" جمع راوية. قال في النهاية الروايا من الإبل الحوامل للماء واحدتها راوية فشبهها بها "يسوقه الله" أي السحاب "إلى قوم لا يشكرونه" أي بل يكفرونه "ولا يدعونه" أي لا يعبدونه بل يعبدون غيره، وذلك لأن الله تعالى يرزق كل بر وفاجر(9/185)
الرّقِيعُ سَقْفٌ مَحفُوظٌ وَمَوْجٌ مَكْفُوفٌ. ثُمّ قالَ: هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَها؟ قَالُوا الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا مَسْيَرَةُ خَمْسُمَائَةِ سَنَةٍ. ثُمّ قالَ: هَلْ تَدْرُونَ ما فَوْقَ ذَلِكَ؟ قالُوا الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قالَ فإِنّ فَوْقَ ذَلِكَ سَمَاءَيْنِ كمَا بَيْنَهُمَا مَسِيَرَةُ خَمْسُمَائَةِ سَنَةٍ حَتّى عَدّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ مَا بَيْنَ كُلّ سَمَاءَيْنِ ما بَيْنَ السّمَاءِ وَالأرْضِ، ثُمّ قالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ؟ قالُوا الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قالَ: فإِنّ فَوْقَ ذَلِكَ العَرْشَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ السّمَاءِ بُعْدُ مثلِ مَا بَيْنَ السّمَاءَيْنِ ثُمّ قالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الّذِي تَحْتَكُمْ؟ قالُوا الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قالَ: فإِنّهَا الأرْضُ. ثُمّ قالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الّذي تَحْتَ ذَلِكَ؟ قالُوا الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قالَ فإِنّ تَحْتَهَا أَرْضاً أُخْرَى بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسُسَمائَةِ سَنَة حَتّى عَدّ سَبْعَ أَرَضَيْنَ بَيْنَ كُلّ أرْضيْنِ مَسِيرَةُ خَمْسُمَائَةٍ سَنَةِ، ثُمّ قالَ: وَالّذِي نَفْسُ مُحمّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنّكُمْ دَلّيْتُمْ رجلاً بِحَبْلٍ إلى الأرْضِ السّفْلَى
ـــــــ
"فإنها الرقيع" هو إسم لسماء الدنيا وقيل لكل سماء والجمع أرقعة "وموج مكفوف" أي ممنوع من الاسترسال حفظها الله أن يقع على الأرض وهي معلقة بلا عمد كالموج المكفوف "قال بينكم وبينها خمسمائة سنة" أي مسيرتها ومسافتها "هل تدرون ما فوق ذلك" أي المحسوس أو المذكور من سماء الدنيا "ما بين كل سماءين ما بين السماء والأرض" أي كما بينهما من خمسمائة عام "فإن فوق ذلك" خبر مقدم لإن "العرش" بالنصب على أنه إسم مؤخر لإن "وبينه وبين السماء" أي بين العرش وبين السماء السابعة "بعد ما بين السماءين" أي من السماوات السبع "قال فإنها الأرض" أي العليا "بين كل أرضين" بالتثنية أي بين كل أرضين منها "لو أنكم دليتم" بتشديد اللام(9/186)
لَهَبَطَ عَلَى الله. ثُمّ قَرأَ {هُوَ الأوّلُ والآخر والظّاهِرُ والبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} " . هَذا حديثٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، ويُرْوَى عَن أيّوبَ ويُونُسَ بنِ عُبَيْدٍ وَعَلِيّ بنِ زَيْدٍ قالُوا لَمْ يَسْمَعْ الحَسَنُ مِنْ أَبي هُرَيْرَةَ. وَفَسّرَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ فقَالُوا إنّمَا هَبَطَ عَلَى عِلْمِ الله وقُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَعِلْمُ الله وَقُدْرَتُهُ وَسُلْطَانُهُ في كُلّ مَكَانٍ وَهُوَ عَلَى العَرْشِ كَمَا وَصَفَ في كِتَابِهِ.
ـــــــ
المفتوحة من أدليت الدلو إذا أرسلتها البئر أي لو أرسلتم "لهبط" بفتح الموحدة أي لنزل "على الله" أي على علمه وملكه كما صرح به الترمذي في كلامه الاَتي {هُوَ الْأَوَّلُ} أي قبل كل شيء بلا بداية {وَالْآخِرُ} أي بعد كل شيء بلا نهاية {وَالظَّاهِرُ} أي بالأدلة عليه {وَالْبَاطِنُ} أي عن إدراك الحواس {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أي بالغ في كمال العلم به محيط علمه بجوانبه. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد وابن أبي حاتم والبزار. قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: ورواه ابن جرير عن بشر عن يزيد عن سعيد عن قتادة {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في أصحابه إذ مر عليهم سحاب فقال هل تدرون ما هذا وذكر الحديث مثل سياق الترمذي سواء إلا أنه مرسل من هذا الوجه. ولعل هذا هو المحفوظ انتهى. قوله: "ويروي عن أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زيد الخ" قد صرح كثير من أئمة الحديث بأن الحسن لم يسمع من أبي هريرة كما في كتاب المراسيل لابن أبي حاتم "فقالوا إنما هبط على علم الله وقدرته وسلطانه" قال الطيبي: أما علمه تعالى فهو في قوله: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وأما قدرته فمن قوله: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} أي هو الأول الذي يبدئ كل شيء ويخرجهم من العدم إلى الوجود. والآخر الذي يفنى كل شيء كل من عليها فإن {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} وأما سلطانه فمن قوله: {وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} قال الأزهري يقال ظهرت على فلان إذا غلبته. والمعنى هو الغالب الذي يغلب ولا يغلب(9/187)
ـــــــ
ويتصرف في المكونات على سبيل الغلبة والاستيلاء أو ليس فوقه أحد يمنعه، والباطن هو الذي لا ملجأ ولا منجا دونه. كذا في المرقاة "وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان" أي يستوي فيه العلويات والسفليات وما بينهما "وهو على العرش كما وصف في كتابه" قال الطيبي: الكاف في كما منصوب على المصدر أي هو مستو على العرش استواء مثل ما وصف نفسه به في كتابه وهو مستأثر بعلمه باستوائه عليه. وفي قول الترمذي إشعار إلى أنه لا بد لقوله لهبط على الله من هذا التأويل المذكور، ولقوله: {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} من تفويض علمه إليه تعالى والإمساك عن تأويله.(9/188)
سورة المجادلة
بسم الله الرحمن الرحيم
3353 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ والْحَسَنُ بنُ عَلِي الْحُلْوَانِيّ ـ المَعْنَى وَاحِدٌ ـ قَالاَ أخبرنا: يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ إسْحَاقَ عَن مُحمّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَطَاءٍ عن سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ عَن سَلَمَةَ بنِ صَخْرٍ الأنْصَارِيّ قَالَ "كُنْتُ رَجُلاً قَدْ أُوتِيتُ مِنْ جِمَاعِ النّسَاءِ مَا لَمْ يُؤْتَ غَيْرِي، فَلَمّا دَخَلَ رَمَضَانُ تَظَاهَرْتُ مِنَ امْرَأَتِي حَتّى يَنْسَلِخَ رَمَضَانُ فَرَقاً مِنْ
ـــــــ
"سورة المجادلة"
مدنية وهي اثنتان وعشرون آية
قوله: "أخبرنا محمد بن إسحاق" هو صاحب المغازي "عن محمد بن عمرو ابن عطاء" القرشي العامري المدني ثقة من الثالثة "عن سلمة بن صخر الأنصاري" الخزرجي البياضي ويقال له سلمان صحابي ظاهر من امرأته. قوله: "تظاهرت(9/188)
أَنْ أُصِيبَ مِنْهَا في لَيْلَتي فأَتَتَابَعُ في ذَلِكَ إلى أَنْ يُدْرِكَنِي النّهَارُ وَأَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَنْزِعَ، فَبَيْنَمَا هِيَ تَخْدِمُنِي ذَاتَ لَيْلَةٍ إذْ تَكَشّفَ لِي مِنْهَا شَيْءٌ فَوَثَبْتُ عَلَيْهَا فَلَمّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَى قَوْمِي فأَخْبَرْتُهُمْ خَبَرِي فَقُلْتُ انْطَلِقُوا مَعِي إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فأُخْبِرُهُ بِأَمْرِي، فقَالُوا لا وَالله لا تَفْعَلْ نَتَخَوّفُ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا قُرْآنٌ أَوْ يَقُولَ فِينَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَقَالَةً يَبْقَى عَلَيْنَا عَارُهَا، ولَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ فاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ، قالَ فخَرَجْتَ فأَتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي فقَالَ: أَنْتَ بِذَاكَ؟ قُلْتُ أَنَا بِذَاكَ، قالَ: أَنْتَ بِذَاكَ؟ قُلْتُ أَنَا بِذَاكَ، قالَ: أَنْتَ بِذَاكَ؟ قُلْتُ أَنَا بِذَاكَ وَهَا أَنَذَا
ـــــــ
من امرأتي" وفي رواية أبي داود وابن ماجة ظاهرت منها، وفي رواية الترمذي في باب كفارة الظهار جعل امرأته عليه كظهر أمه "حتى ينسلخ رمضان" أي حتى يمضي، وفيه دليل على أن الظهار المؤقت ظهار كالمطلق منه. وهو إذا ظاهر من امرأته إلى مدة ثم أصابها قبل انقضاء تلك المدة، واختلفوا فيه إذا بر ولم يحنث فقال مالك وابن أبي ليلى إذا قال لامرأته أنت علي كظهر أمي إلى الليل لزمته الكفارة وإن لم يقربها، وقال أكثر أهل العلم لا شيء عليه إذا لم يقربها، وللشافعي في الظهار المؤقت قولان: أحدهما أنه ليس بظهار. قاله الخطابي في العالم "فرقاً" بفتحتين أي خوفاً "فأتتابع في ذلك" بصيغة المضارع المتكلم أي أتوالي من التتابع وهو التوالي "إذ تكشف" أي إنشكف "فوثبت عليها" من الوثوب وهو النهوض والقيام والطفر، وفي رواية أبي دواد فلم ألبث أن نزوت عليها "غدوت على قومي" أي خرجت إليهم وأتيتهم بالغداة "فأخبره بأمري" أي بما جرى بي "لا نفعل" أي لا ننطلق معك "نتخوف" أي نخاف "ما بدا لك" أي ما ظهر لك "فقال أنت بذاك" أي أنت الملم بذلك أو أنت المرتكب له كذا في المعالم "ها" كلمة تنبيه "أنا ذا" أي أنا هذا(9/189)
فأَمْضِ فيّ حُكْمَ الله فإنّي صَابِرٌ لِذَلِكَ، قالَ: اعْتِقْ رَقَبةً. قالَ فضَرَبْتُ صَفْحَةَ عُنُقِي بِيَدَيّ، فَقُلتُ لا والّذِي بَعَثَكُ بالْحَقّ مَا أَصْبَحْتُ أَمْلِكُ غَيْرَها، قالَ: فَصُمْ شَهْرَيْنِ، قُلْتُ يَا رَسُولَ الله وَهَلْ أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي إلاّ في الصّيَامِ، قَالَ: فاطْعِمْ سِتّينَ مِسْكِيناً، قُلْتُ والّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقّ لَقَدْ بِتْنَا لَيْلَتَنَا هَذِهِ وَحْشَى مَا لَنَا عَشَاءٌ. قالَ: اذْهَبْ إِلَى صاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ فَقُلْ لَهُ فَلْيَدْفَعْهَا إِلَيْكَ فاطْعِمْ عَنْكَ مِنْهَا وَسْقاً سِتّينَ مِسْكِيناً ثُمّ اسْتَعِنْ بِسَائِرِهِ عَلَيْكَ وعَلَى عِيَالِكَ، قالَ فَرَجَعْتُ إلى قَوْمِي فَقُلْتُ وَجَدْتُ عِنْدَكُمْ الضّيقَ وَسُوءَ الرّأْيِ وَوَجَدْتُ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم السّعَةَ وَالبَرَكَةَ أَمَرَ لِي بِصَدَقَتِكُمْ فادْفَعُوهَا إِليّ، فَدَفَعُوهَا إِليّ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ. قالَ مُحمّدٌ: سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ لَمْ يَسْمَعْ عِنْدِي مِنْ سَلَمَة بنِ صَخْرٍ. قالَ ويُقَالُ
ـــــــ
موجود "فامض في" بتشديد الياء أي أجر عليّ "فضربت صفحة عنقي" قال في القاموس: الصفح الجانب ومنك جنبك ومن الوجه والسيف عرضه "لقد بتنا ليلتنا هذه وحشي" قال في القاموس بات وحشاً أي جائعاً وهم أوحاش. وقال الجزري في النهاية يقال رجل وحش بالسكون من قوم أوحاش إذا كان جائعاً لا طعام له، وقد أوحش إذا جاع. قال وفي رواية الترمذي لقد بتنا ليلتنا هذه وحشي. كأنه أراد جماعة وحشي انتهى "ما لنا عشاء" بفتح العين أي طعام العشي "إلى صاحب صدقة بني زريق" بتقديم الزاي على الراء مصغراً "فاطعم عنك منها وسقا" أي من تمر كما في رواية أبي داود "ثم استعن بسائره" أي بباقيه، وفي رواية أبي داود: "وكل أنت وعيالك بقيتها" . وقل: أخذ بقوله صلى الله عليه وسلم: "فاطعم عنك منها وسقا ستين مسكيناً" الثوري وأبو حنيفة وأصحابه فقالوا: الواجب لكل مسكين صاع(9/190)
سَلَمَةَ بنُ صَخْرٍ وَيُقالُ سَلْمَانُ بنُ صخْرٍ. وفي البابِ عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ وَهِي امْرَأَةُ أَوْسِ بنِ الصّامِتِ.
3354 ـ حدثنا عبدُ بن حُمَيْدٍ أخبرنا يُونُسُ عَنْ شَيْبَانَ عَن قتَادَةَ أخبرنا أَنَسُ بنُ مَالِكٍ "أَنّ يَهُودِيّا أَتَى عَلَى النَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم وأَصْحَابِهِ فقالَ السّامُ عَلَيْكُمْ، فَرَدّ عَلَيْهِ القَوْمُ، فقال نَبيّ الله صلى الله عليه وسلم هَلْ تَدْرُونَ ما قالَ هذا؟ قالُوا الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ
ـــــــ
من تمر أو ذرة أو شعير أو زبيب أو نصف صاع من بر. وقال الشافعي: إن الواجب لكل مسكين مد. وتمسك بالروايات التي فيها ذكر العرق وتقديره بخمسة عشر صاعاً. قلت: ما تمسك به الشافعي ومن وافقه أصح سنداً لأن رواية الترمذي في باب كفارة الظهار التي وقع فيها: اعطه ذلك العرق وهو مكتل يأخذ خمسة عشر صاعاً أو ستة عشر صاعاً. أصح من هذه الرواية التي فيها: فاطعم عنك منها وسقا ستين مسكيناً. وظاهر الحديث أن الكفارة لا تسقط بالعجز عن جميع أنواعها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعانه بما يكفر به بعد أن أخبره أنه لا يجد رقبة ولا يتمكن من إطعام ولا يطيق الصوم، وإليه ذهب الشافعي وأحمد في رواية عنه، وذهب قوم إلى السقوط، وذهب آخرون إلى التفصيل فقالوا تسقط كفارة صوم رمضان لا غيرها من الكفارات كذا في النيل. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم. هذا حديث منقطع وفي سنده محمد بن إسحاق ورواه عن محمد بن عمرو بالعنعنة. قوله: "وفي الباب عن خولة بنت ثعلبة" أخرج حديثها أبو داود.
قوله: "أخبرنا يونس" بن محمد بن مسلم المؤدب "عن شيبان" بن عبد الرحمن النحوي.
قوله: "وأصحابه" بالجر "السام عليكم" أي لم يقل السلام عليكم بل قال السام عليكم والسام الموت "فرد عليه" أي على اليهودي "القوم" أي الصحابة ظانين أن اليهودي قال السلام عليكم "ما قال هذا"(9/191)
سَلّمَ يَا نَبيّ الله. قالَ: لاَ وَلَكِنّهُ قالَ كَذَا وَكَذَا رُدّوهُ عَلَيّ، فَرَدّوهُ فقالَ قُلْتَ السّامُ عَلَيْكُمْ؟ قالَ نَعَمْ. قالَ نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: إِذَا سَلّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ فَقُولُوا عَلَيْكَ قال: عَلَيْكَ مَا قُلْتَ، قالَ {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} " . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3355 ـ حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ أخبرنا يَحْيَىَ بنُ آدَمَ أخبرنا عُبَيْدُ الله الأشْجَعِيّ عَن سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عَن عُثْمانَ بنِ المُغِيرَةِ الثّقَفِيّ عَن سَالِمِ بنِ أَبي الْجَعْدِ عَن عَلِيّ بنِ عَلْقَمَةَ الأنْمَارِيّ عَن عَلِيّ بنِ أَبي طَالِبٍ قالَ: "لَمّا نَزَلَتْ {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إذَا ناجَيْتُمُ الرّسُولَ فَقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} قالَ لِي النبيّ صلى الله عليه
ـــــــ
أي هذا اليهودي "سلم" أي قال السلام عليكم "ولكنه قال كذا وكذا" أي قال السام عليكم "ردوه علي" أي ارجعوا اليهودي إلي "قلت السام عليكم" بحذف حرف الاستفهام "فقولوا" أي في الرد عليه "قال" أي قرأ {وَإِذَا جَاءُوكَ} أي اليهود {حَيَّوْكَ} أيها النبي {بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} وهو قولهم السام عليكم. قال القرطبي المراد بها اليهود كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون السام عليك يريدون بذلك السلام ظاهراً وهم يعنون الموت باطناً فيقول النبي صلى الله عليه وسلم عليكم، وفي رواية وعليكم. قال ابن عمر في الآية يريدون بذلك شتمه فنزلت هذه الآية انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والبخاري.
قوله: "عن علي بن علقمة الأنماري" بفتح الهمزة وسكون النون الكوفي مقبول من الثالثة كذا في التقريب، وقال في تهذيب التهذيب: روى عن علي وابن مسعود وعنه سالم بن الجعد. قال ابن المديني لم يرو عنه غيره، وقال(9/192)
وسلم مَا تَرَى؟ دِينَارٌ قُلْتُ لا يُطِيقُونَهُ، قالَ: فَنِصْفُ دِينارٍ؟ قُلْتُ لا يُطِيقُونَهُ، قالَ: فَكَمْ؟ قُلْتُ شَعِيرةً، قالَ: إِنّكَ لَزَهِيدٌ، قالَ فنزَلتْ {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقدّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَاتٍ} الآية .
ـــــــ
البخاري في حديثه نظر، وذكره ابن حبان في الثقات له عند الترمذي حديث واحد في قوله تعالى: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} . قال الحافظ: وقال ابن عدى ما أرى بحديثه بأساً وليس له عن علي غيره إلا اليسير، وذكره العقيلي وابن الجارود في الضعفاء تبعاً للبخاري على العادة.
قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} أي إذا أردتم مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدموا أمام ذلك صدقة، وفائدة ذلك إعظام مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الإنسان إذا وجد الشيء بمشقة استعظمه وإن وجده بسهولة استحقره ونفع كثير من الفقراء بتلك الصدقة المقدمة قبل المناجاة. قال ابن عباس: إن الناس سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثروا حتى شق عليه فأراد الله تعالى أن يخفف على نبيه صلى الله عليه وسلم ويثبطهم عن ذلك فأمرهم أن يقدموا صدقة على مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل نزلت في الأغنياء وذلك أنهم كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكثرون مناجاته ويغلبون الفقراء على المجالس حتى كره رسول الله صلى الله عليه وسلم طول جلوسهم ومناجاتهم فلما أمروا بالصدقة كفوا عن مناجاته، فأما الفقراء وأهل العسرة فلم يجدوا شيئاً وأما الأغنياء وأهل الميسرة فضنوا. واشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الرخصة وبعده {ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ} يعني تقديم الصدقة على المناجاة لما فيه من طاعة الله وطاعة رسوله {وَأَطْهَرُ} أي لذنوبكم {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا} يعني الفقراء الذين لا يجدون ما يتصدقون به {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} أي لمناجاتكم {رَحِيمٌ} أي بكم فلا عليكم في المناجاة من غير صدقة "ما ترى" أي في مقدار الصدقة التي تقدم بين يدي النجوى "دينار" أي هل يقدم قبل النجوى دينار "قلت شعيرة" أي تقدم قبل النجوى شعيرة والمراد بها هنا وزن شعيرة من ذهب كما فسرها الترمذي به "إنك" أي يا علي "لزهيد"(9/193)
قالَ فَبِي خَفّفَ الله عَن هَذِهِ الامّةِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ شَعِيرَةً يَعْنِي وَزْنَ شَعِيرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ.
ـــــــ
أي قليل المال قدرت على حالك "قال" أي علي "فنزلت {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} أي أخفتم تقديم الصدقات لما فيه من الإنفاق الذي تكرهونه، وقيل أي أخفتم الفقر والعيلة لأن تقدموا ذلك، والإشفاق الخوف من المكروه والاستفهام للتقرير "الآية" بالنصب أي أتم الآية وبقيتها مع تفسيرها هكذا {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا} أي ما أمرتم به من تقديم الصدقة {وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} أي تجاوز عنكم ونسخ الصدقة {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} أي المفروضة {وَآتُوا الزَّكَاةَ} أي الواجبة وأطيعوا الله ورسوله أي فيما أمر ونهى {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي أنه محيط بأعمالكم ونيانكم "قال" أي علي "فبي" أي بسببي ولأجلي، قوله: "هذا حديث حسن غريب" في سنده سفيان بن وكيع وهو صدوق إلا أنه ابتلى بوراقة فأدخل عليه ما ليس من حديثه فنصح فلم يقبل فسقط حديثه، وفيه أيضاً علي بن علقمة الأنماري وهو متكلم فيه. وقال البخاري فيه نظر، والحديث أخرجه أيضاً أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر. وأخرج ابن جرير بسنده عن مجاهد في قوله: {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} قال نهواً عن مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتصدقوا فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قدم ديناراً فتصدق به ثم أنزلت الرخصة في ذلك، وأخرج أيضاً عن ليث عن مجاهد قال قال علي رضي الله عنه: إن في كتاب الله عز وجل الآية ما عمل بها بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} قال فرضت ثم نسخت وهاتان الروايتان منقطعتان لأن مجاهداً لم يسمع من علي.(9/194)
سورة الحشر
بسم الله الرحمن الرحيم
3356 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا اللّيْثُ عَن نَافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قالَ: "حَرّقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم نَخْلَ بَنِي النّضِيرِ وَقَطّعَ وَهِيَ البُوَيْرَةُ فأَنْزَلَ الله {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} " . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3357 ـ حدثنا الْحَسَنُ بنُ محَمدٍ الزّعْفَرَانِيّ، أخبرنا عَفّانُ بن مسلم أخبرنا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ أخبرنا حَبِيبُ بنُ أَبي عَمْرَةَ عَن سَعِيدِ بنِ
ـــــــ
"سورة الحشر"
مدنية وهي أربع وعشرون آية
قوله: "حرق" من التحريق "نخل بني النضير" أي أمر بقطع نخيلهم وتحريقها وهم طائفة من اليهود وقصتهم مشهورة مذكورة في كتب السير، وإنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حاصرهم إهانة لهم وإرهاباً وإرعاباً لقلوبهم "وهي" أي نخيلهم "البويرة" بضم الموحدة وفتح الواو مصغراً موضع نخل بني النضير {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} أي أي شيء قطعتم من نخلة {أَوْ تَرَكْتُمُوهَا} الضمير لما وتأنيثه لأنه مفسر باللينة {قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} أي لم تقطعوها {فَبِإِذْنِ اللَّهِ} أي بأمره وحكمه يعني خيركم في ذلك {وَلِيُخْزِيَ} أي بالإذن في القطع {الْفَاسِقِينَ} يعني اليهود. قوله: "هذا الحديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "أخبرنا عفان" بن مسلم بن عبد الله الصفار البصري "حدثنا حبيب(9/195)
جُبَيْرٍ عَن ابنِ عَبّاسٍ في قَوْلِ الله عَزّ وَجَلّ: {ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمةً عَلَى أُصُولِهَا} قالَ: اللّينَةُ النّخْلَةُ {وَلِيُخْزِيَ الفَاسِقِينَ} قالَ: اسْتَنْزَلُوهُمْ مِنْ حُصُونِهِمْ قالَ: وَأُمِرُوا بِقَطْعِ النّخْلِ فَحَكّ1 في صُدُورِهِمْ فقَالَ المُسْلِمُونَ قَدْ قَطَعْنَا بَعْضاً وتركنا بعضاً فَلَنَسْأَلَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم هلْ لَنَا فيما قَطَعنَا مِنْ أَجْرٍ وهَلْ عَلَيْنَا فِيمَا تَرَكْنَا مِنْ وِزْرٍ؟ فأنْزَلَ الله تَعَالَى {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قائِمَةً عَلى أُصُولِهَا} الآيةَ. هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ ورَوَى بَعْضَهُمْ هَذَا الحَدِيثِ عَن حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ عَنْ حَبِيبِ
ـــــــ
ابن أبي عمرة" القصاب. قوله: "قال اللينة النخلة" أي قال ابن عباس إن المراد من اللينة النخلة. قال الإمام البخاري: ما قطعتم من لينة نخلة ما لم تكن عجوة أو برنية. قال الحافظ: قال أبو عبيدة في تفسير هذه الآية أي من نخلة وهي من الألوان ما لم تكن عجوة أو برنية إلا أن الواو ذهبت بكسر اللام. وروى سعيد بن منصور من طريق عكرمة قال اللينة ما دون العجوة. وقال سفيان هي شديدة الصفرة تنشق عن النوى "قال" أي ابن عباس "استنزلوهم" أي أنزلوا اليهود "فحك في صدورهم الخ" يقال حك الشيء في نفسي إذا لم تكن منشرح الصدر به وكان في قلبك منه شيء من الشك والريب وأوهمك أنه ذنب وخطيئة. وروى الحافظ أبو يعلى في مسنده قال حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا حفص عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن جابر وعن أبي الزبير عن جابر قال: رخص لهم في قطع النخل ثم شدد عليهم فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله علينا إثم فيما قطعنا أو علينا وزر فيما تركنا؟ فأنزل الله عز وجل {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} كذا في تفسير ابن كثير "من وزر" بكسر الواو وسكون الزاي أي إثم. قوله: "هذا حديث حسن
ـــــــ
1 هكذا ورد بالأصل ولعله تصحيف من "حاك".(9/196)
ابنِ أَبي عَمْرَةَ عَن سَعيدِ بنِ جُبَيْرٍ مُرْسَلاً ولَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَن ابنِ عَبّاسٍ.
3358 ـ حدثنا بِذَلِكَ عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عن هارون بنِ مُعَاوِيَةَ عَن حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، عَن حَبِيبِ بنِ أَبي عَمْرَةَ، عَن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً.
سَمِعَ مِنّي مُحَمدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ هَذَا الحَدِيثَ.
3359 ـ حدثنا أَبُو كُرَيْب أخبرنا وَكِيعٌ عَن فُضَيْلِ بنِ غَزْوَانَ عَن أَبي حَازِمٍ عن أبي هُرَيْرَةَ "أَنّ رَجُلاً مِنَ الأنْصَارِ بَاتَ عِنْدَهُ ضَيْفٌ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلاّ قُوتهُ وَقُوتَ صِبْيَانِهِ فقالَ لامْرَأَتِهِ: نَوّمِي الصّبْيَةَ وَأَطْفِئِي السّرَاجَ وَقَرّبِي لِلضّيْفِ ما عِنْدَكِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآية {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
غريب" وأخرجه النسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه "عن هارون بن معاوية" بن عبيد الله بن يسار الأشعري صدوق من كبار العاشرة. قوله: "قال أبو عيسى سمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث" وقد سمع هو منه أيضاً حديث أبي سعيد: يا علي لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك. كما صرح به الترمذي بعد إخراجه في مناقب علي.
قوله: "عن أبي حازم" إسمه سلمان الأشجعي الكوفي. قوله: "أن رجلاً من الأنصار" يقال له أبو طلحة كما في رواية مسلم "إلا قوته وقوت صبيانه" أي طعامه وطعام صبيانه، والقوت بالضم ما يقوم به بدن الإنسان من الطعام "نومي الصبية" بكسر الصاد وسكون الموحدة جمع صبي "ما عندك" أي من الطعام {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} أي في كل شيء من أسباب المعاش، والإيثار(9/197)
ـــــــ
تقديم الغير على النفس في حظوظ الدنيا رغبة في حظوظ الآخرة وذلك ينشأ عن قوة اليقين ووكيد المحبة والصبر على المشقة، يقال آثرته بكذا أي خصصته به فضلته، والمعنى ويقدم الأنصار المهاجرين على أنفسهم في حظوظ الدنيا {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} أي حاجة وفقر. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.(9/198)
سورة الممتحنة
بسم الله الرحمن الرحيم
3360 ـ حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيانُ عَن عَمْرِو بنِ دِينَارٍ عَن الحَسَنِ بنِ مُحمّدٍ هُوَ ابنُ الْحَنَفِيّةِ عَن عُبَيْدِ الله بنِ أَبي رَافِعٍ قالَ: سَمِعْتُ عَلِيّ بنَ أَبي طَالِبٍ يقُولُ: "بَعَثَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنَا وَالزّبَيْرَ والمِقْدَاد بنَ الأسْوَدِ فقالَ: انْطَلِقُوا حتّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ
ـــــــ
"سورة الممتحنة"
مدنية وهي ثلاث عشرة آية
قوله: "أخبرنا سفيان" هو ابن عيينة "عن الحسن بن محمد هو ابن الحنفية" قال في التقريب: الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو محمد المدني وأبوه ابن الحنفية ثقة فقيه من الثالثة. قوله: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير" أكد الضمير المنصوب في بعثنا بلفظ أنا كما في قوله تعالى {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً} ولا منافاة بين هذا وبين رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي: بعثني وأبا مرثد الغنوى والزبير بن العوام لاحتمال أن يكون البعث وقع لهم جميعاً "حتى تأتوا روضة خاخ" بمنقوطتين من فوق موضع(9/198)
فإِنّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا فَأْتُونِي بِهِ فَخَرَجْنَا تَتَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتّى أَتَيْنَا الرّوْضَةَ فإِذَا نَحْنُ بالظّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الكِتَابَ فقالَتْ مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ، فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنّ الكِتَابَ أَوْ لَتُلْقِيَنّ الثّيَابَ، قالَ: فأخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، قالَ: فأَتَيْنَا بِهِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فإِذَا هُوَ مِنْ حَاطِبِ بنِ أبي بَلْتَعَةَ إلى أُناسٍ مِنَ المُشْرِكينَ بِمَكَةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالَ: ما هَذَا
ـــــــ
باثني عشر ميلاً من المدينة "فإن بها ظعينة" بالظاء المعجمة أي امرأة، وأصل الظعينة الهودج فيه امرأة ثم قيل للمرأة وحدها والهودج وحده "معها كتاب" وفي رواية للبخاري: تجدون بها امرأة اعطاها حاطب كتاباً "فأتوني به" أي بالكتاب الذي معها "تتعادى" أي تتسابق وتتسارع من العدو "حتى أتينا الروضة" أي روضة خاخ "لتخرجن" بكسر الجيم بصيغة المخاطبة من الإخراج "أو لتلقين" بإثبات التحتية مكسورة أو مفتوحة، وكذا وقع عند البخاري في تفسير سورة الممتحنة. فإن قلت القواعد العربية تقتضي أن تحذف تلك الياء ويقال لتلقن، قلت القياس ذلك وإذا صحت الرواية بالياء فتأويل الكسرة إنها لمشاكلة لتخرجن والفتح بالحمل على المؤنث الغائب على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، والمعنى لترمين الثياب وتتجردن عنها ليتبين لنا الأمر "فأخرجه من عقاصها" بكسر العين المهملة جمع عقيصة أي من ذوائبها المضفورة، وفي رواية للبخاري في الجهاد فأخرجت من حجزتها بضم المهملة وسكون الجيم بعد زاي معقد الإزار والسراويل. قال الحافظ والجمع بين هاتين الروايتين بأنها أخرجته من حجزتها فأخفته في عقاصها ثم اضطرت إلى إخراجه أو بالعكس أو بأن تكون عقيصتها طويلة بحيث تصل إلى حجزتها فربطته في عقيصتها وغرزته في حجزتها، وهذا الاحتمال أرجح انتهى. "فأتينا به" أي بالكتاب "من حاطب بن أبي بلتعة" بموحدة مفتوحة ولام ساكنة فمثناة فوقية وعين مهملة مفتوحتين وتوفي حاطب سنة ثلاثين "يخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله(9/199)
يَا حاطِبُ؟ قالَ: لا تَعْجَلْ عَلَيّ يا رَسُولَ الله إِنّي كُنْتُ امْرَاً مُلْصَقاً في قُرَيْشٍ وَلَمْ أكُنْ مِنْ أنْفُسِهَا وكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهَاجِرينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِمَكّةَ فأَحْبَبْتُ إذْ فاتَنِي ذَلِكَ مِنْ نَسَبٍ فِيهمْ أَنْ أَتّخِذَ فِيهمْ يَداً يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْراً ولاَ ارْتِدَاداً عَنْ دِينِي ولاَ رِضًى بالْكُفْرِ بعد الإسلام، فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: صَدَقَ، فقالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ: دَعْنِي يا رَسُولَ الله أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، فقالَ: النبيّ صلى الله عليه وسلم إِنّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْراً فَمَا يُدْرِيكَ لَعَلّ الله اطّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فقالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ
ـــــــ
عليه وسلم" وفي مرسل عروة يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشاً "لا تعجل علي" أي في الحكم بالكفر ونحوه "إني كنت أمرأ ملصقاً في قريش" بفتح الصاد أي حليفاً لهم "ولم أكن من أنفسها" وعند أحمد وكنت غريباً. قال السهيلي كان حاطب حليفاً لعبد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزي يحمون بها من الحماية أي يحفظون القرابات "أن اتخذ فيهم" مفعول لقوله أحببت "يداً" أي نعمة ومنة عليهم "يحمون بها قرابتي" في رواية ابن إسحاق: وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليه "صدق" بتخفيف الدال أي قال الصدق "فقال عمر بن الخطاب دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق" إنما قال ذلك عمر مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاطب فيما اعتذر به لما كان عند عمر من القوة في الدين وبغض من ينسب إلى النفاق وظن أن من خالف ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم استحق القتل لكنه لم يجزم بذلك فلذلك استأذن في قتله وأطلق عليه منافقاً لكونه أبطن خلاف ما أظهر، وعذر حاطب ما ذكره فإنه صنع ذلك متأولاً أن لا ضرر فيه "إنه قد شهد بدراً" فكأنه قيل وهل يسقط عنه شهوده بدراً هذا الذنب العظيم، فأجاب بقوله(9/200)
فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ. قالَ: وَفِيهِ أُنْزِلَتْ هَذِهِ السّورَةُ {يا أيّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَتَخِذُوا عَدُوّي وعَدُوّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ بالمَوَدّةِ} السّورَةَ. قالَ عَمْرُو: وَقَدْ رَأَيْتُ ابنَ أَبي رَافِعٍ وكَانَ كاتِباً لِعَلِيّ بن أبي طالب" .
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وَفِيه عَن عَمرٍو وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ الله.
ـــــــ
"فما يدريك" إلى آخره "لعل الله اطلع على أهل بدر" قال العلماء إن الترجي في كلام الله ورسوله للوقوع، وعند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة بالجزم ولفظه "إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" . وعند أحمد بإسناد على شرط مسلم من حديث جابر مرفوعاً: "لن يدخل النار أحد شهد بدراً" "فقال" تعالى مخاطباً لهم خطاب تشريف وإكرام "اعملوا ما شئتم" في المستقبل "فقد غفرت لكم" عبر عن الآتي بالواقع مبالغة في تحققه وعند الطبراني من طريق معمر عن الزهري عن عروة: غافر لكم وفي مغازي ابن عائذ من مرسل عروة: اعملوا ما شئتم فسأغفر لكم. قيل القرطبي: وهذا الخطاب قد تضمن أن هؤلاء حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السابقة وتأهلوا أن تغفر لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت منهم، وما أحسن قول بعضهم:
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد
...
جاءت محاسنه بألف شفيع
وليس المراد أنهم نجزت لهم في ذلك الوقت مغفرة الذنوب اللاحقة بل لهم صلاحية أن يغفر لهم ما عساه أن يقع ولا يلزم من وجود الصلاحية لشيء وجود ذلك الشيء، واتفقوا على أن البشارة المذكورة فيما يتعلق بأحكام الآخرة لا بأحكام الدنيا عن إقامة الحدود وغيرها "وفيه أنزلت" أي في حاطب بن أبي بلتعة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ} أي الكفار {أَوْلِيَاءَ} أي أصدقاء وأنصاراً {تُلْقُونَ} أي توصلون {إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} أي بأسباب المحبة، وقيل معناه تلقون إليهم أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وسره بالمودة التي بينكم وبينهم. وبعده {وَقَدْ كَفَرُوا} أي وحالهم أنهم كفروا {بِمَا جَاءَكُمْ(9/201)
وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَن سُفيانَ بنِ عُيَيْنَةَ هَذَا الحدِيثَ نَحْوَ هَذَا وَذَكَرَوُا هَذَا الحَرْفَ فقالُوا: "لَتُخْرِجِنّ الكِتّابَ أوْ لَتُلْقِيَنّ الثّيَابَ" . وقَدْ رُوِيَ أَيْضاً عَن أَبي عَبْدِ الرّحْمَن بن يحيى السّلَمِيّ عَن عَلِيّ بن أَبي طَالِبٍ نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ وَرَوى بَعْضُهُمْ فِيهِ: لَتُخْرِجنّ الكِتَابَ أَوْ لَنُجَرّدَنّكِ.
3361 ـ حدثنا عبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عَبْدُ الرزّاقِ عَن مَعْمَرٍ عَن الزّهْرِيّ عَن عُرْوَةَ عَن عَائِشَةَ قالتْ: "ما كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَمْتَحِنُ إِلاّ بالآية الّتِي قالَ الله: {وَإِذَا جاءَكَ المُؤْمِنَاتُ
ـــــــ
مِنَ الْحَقِّ} يعني القرآن {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} أي من مكة {أَنْ تُؤْمِنُوا} أي لأن آمنتم كأنه قال يفعلون ذلك لإيمانكم {بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ} شرط جوابه متقدم، والمعنى إن كنتم خرجتم {جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي} فلا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} أي بالنصيحة {وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ} أي من المودة للكفار {وَمَا أَعْلَنْتُمْ} أي أظهرتم بألسنتكم منها {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ} أي الإسرار وإلقاء المودة إليهم {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} أي أخطأ طريق الهدى "السورة" بالنصب أي أتم السورة. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة إلا ابن ماجة. قوله: "وفيه عن عمر وجابر بن عبد الله" لينظر من أخرج حديثهما.
قوله: "فقالوا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب" هذا بيان لما قبله "وهذا حديث قد روي أيضاً عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب الخ" رواه الشيخان.
قوله: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحن" أي يختبر "إلا بالآية التي الخ" أي بما في هذه الآية، وفي رواية البخاري في التفسير: كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية بقول الله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ(9/202)
يُبَايِعْنِكَ} الآية. قالَ: مَعْمَرٌ، فأَخْبَرَنِي ابنُ طَاوُسٍ عَن أَبِيهِ قالَ:" مَا مَسّتْ يَدُ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم يَدَ امْرَأةٍ إلاّ امْرَأَةً يَمْلِكُهَا" .
ـــــــ
الْمُؤْمِنَاتُ} الخ {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} أي قاصدات لمبايعتك على الإسلام "الآية" تمامها {عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً} أي شيئاً من الأشياء كائناً ما كان {وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ} هو ما كانت تفعله الجاهلية من وأد البنات أي دفنهن أحياء لخوف العار والفقر {وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ} أي لا يلحقن بأزواجهن ولداً ليس منهم. قال الفراء: كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هذا ولدي فذلك البهتان المفتري بين أيديهن وأرجلهن وذلك أن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها، وليس المراد هنا أنها تنسب ولدها من الزنا إلى زوجها لأن ذلك قد دخل تحت النهي عن الزنا {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} أي في كل أمر هو طاعة لله وإحسان إلى الناس، وكل ما أمر به الشرع ونهى عنه، والمعروف ما عرف حسنه من قبل الشرع {فَبَايِعْهُنَّ} أي إذا بايعنك على هذه الشروط فبايعهن {وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ} أي عما مضى {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي بليغ المغفرة بتمحيق ما سلف وكثير الرحمة لعباده "قال معمر" أي بالإسناد السابق "ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي عند المبايعة، وفي رواية البخاري في التفسير: قالت عائشة فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد بايعتك كلاماً" ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة. ما يبايعهن إلا بقوله "قد بايعتك على ذلك" . قال الحافظ: وكأن عائشة أشارت بذلك إلى الرد على ما جاء عن أم عطية فعند ابن خزيمة وابن حبان والبزار والطبري وابن مردويه من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن عن جدته أم عطية في قصة المبايعة قال فمد يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت ثم قال "اللهم اشهد" ، وكذا حديث أم عطية الذي فيه: قبضت منا امرأة يدها فإنه يشعر بأنهن كن يبايعنه بأيديهن، ويمكن الجواب عن الأول بأن من الأيدي من وراء الحجاب إشارة إلى وقوع المبايعة وإن لم تقع مصافحته، وعن الثاني بأن المراد بقبض اليد التأخر عن القبول أو كانت المبايعة تقع(9/203)
قال: هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3362 ـ حدثنا عبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا أَبُو نَعِيمٍ، أخبرنا يَزِيدُ بنُ عَبْدِ الله الشّيْبَانيّ قالَ: سَمِعْتُ شَهْرَ بنَ حَوْشَبٍ: قالَ: حدثَتْنَا أُمّ سَلَمَةَ الأنْصَارِيّةُ قالتْ: "قالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ النّسْوَةِ: مَا هَذَا المَعْرُوفُ الّذِي لا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَعْصِيكَ فِيهِ؟ قال: لا تَنُحْنَ. قُلْتُ يا رَسولَ الله إِنّ بَنِي
ـــــــ
بحائل، فقد روى أبو داود في المراسيل عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بايع النساء أتى ببرد قطري فوضعه في يده وقال لا أصافح النساء، وعند عبد الرزاق من طريق إبراهيم النخعي مرسلاً نحوه، وعند سعيد بن منصور من طريق قيس بن أبي حازم كذلك، وأخرج ابن إسحاق في المغازي من رواية يونس بن بكير عنه عن أبان بن صالح أنه صلى الله عليه وسلم كان يغمس يده في إناء وتغمس المرأة يدها فيه ويحتمل التعدد، وقد أخرج الطبراني أنه بايعهن بواسطة عمر، وروى النسائي والطبري من طريق محمد بن المنكدر أن أميمة بنت رقيقة بقافين مصغراً أخبرته أنها دخلت في نسوة تبايع فقلن يا رسول الله أبسط يدك نصافحك فقال "إني لا أصافح النساء ولكن سآخذ عليكن" فأخذ علينا حتى بلغ {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} فقال فيما أطقتن واستطعتن فقلن الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا. وفي رواية الطبري ما قولي لمائة امرأة إلا كقولي لامرأة واحدة. وقد جاء في أخبار أخرى أنهن كن يأخذن بيده عند المبايعة من فوق ثوب. أخرجه يحيى بن سلام في تفسيره عن الشعبي. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري.
قوله: "أخبرنا يزيد بن عبد الله الشيباني" أبو عبد الله الكوفي ثقة من كبار السابعة.
قوله: "ما هذا المعروف" أي الذي وقع في قوله تعالى: { وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} ، "الذي لا ينبغي لنا" أي لا يجوز لنا "أن نعصيك فيه" أي في هذا المعروف "قال" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تنحن" من النوح وهو البكاء على الميت وتعديد محاسنه، وقيل النوح بكاء مع الصوت ومنه ناح(9/204)
فُلاَنٍ قَدْ أسْعَدُونِي عَلَى عَمّي وَلاَ بُدّ لِي مِنْ قَضَائِهِنّ، فأَبَى عَلَيّ فَأَتَيْتُهُ مِرَاراً فأَذِنَ لِي في قَضَائِهِنّ فَلَمْ أَنُحْ بَعْد قَضَائِهِنّ ولاَ عَلَى غَيْرِهِ حَتّى السّاعَة ولَمْ يَبْقَ مِنَ النّسْوَةِ امْرَأَةٌ إِلاّ وَقَدْ ناحَتْ غَيْرِي" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وفِيهِ عَن أُمّ عَطِيّةَ قالَ عَبْدُ بنُ
ـــــــ
الحمام نوحا "قد أسعدوني على عمي" من الإسعاد وهو إسعاد النساء في المناحاة تقوم المرأة فتقوم معها أخرى من جاراتها فتساعدها على النياحة، قال الخطابي الإسعاد خاص في هذا المعنى، وأما المساعدة فعامة في كل معونة "ولا بد لي من قضائهم" أي من أن أجزيهم "فأبى" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لم يأذن لي في قضائهم "فعاتبته" أي راجعته وعاودته "فأذن لي في قضائهن" فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لأم سلمة الأنصارية في إسعادهن وكذلك رخص أيضاً لأم عطية كما في حديثها عند الشيخين وغيرهما ولفظ مسلم قالت: لما نزلت هذه الآية {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً - وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قالت كان منه النياحة، قالت فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم " إلا آل فلان" فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بد لي أن أسعدهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا آل فلان. قال النووي هذا محمول على الترخيص لأم عطية في آل فلان خاصة كما هو ظاهر ولا تحل النياحة لغيرها ولا لها في غير آل فلان كما هو صريح في الحديث، وللشارع أن يخص من العموم ما شاء فهذا صواب الحكم في هذا الحديث.
واستشكل القاضي عياض وغيره هذا الحديث وقالوا فيه أقوالاً عجيبة ومقصودي التحذير من الابترار بها حتى إن بعض المالكية قال النياحة ليست بحرام بهذا الحديث وقصة نساء جعفر. قال وإنما المحرم ما كان معه شيء من أفعال الجاهلية كمشق الجيوب وخمش الخدود ودعوى الجاهلية، والصواب ما ذكرناه أولاً وأن النياحة حرام مطلقاً وهو مذهب العلماء كافة وليس فيما قاله هذا القائل دليل صحيح لما ذكره انتهى.(9/205)
حُمَيْدٍ: أُمّ سَلَمَةَ الأنْصَارِيّةُ هِيَ أسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ بنِ السّكَنِ.
ـــــــ
قلت: دعوى تخصيص الترخيص بأم عطية رضي الله عنها غير صحيحة فقد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة الأنصارية كما في حديثها هذا، وأخرج ابن مردويه من حديث ابن عباس. قال لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء فبايعهن {أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً} الآية قالت خولة بنت حكيم: يا رسول الله كان أبي وأخي ماتا في الجاهلية وإن فلانة أسعدتني وقد مات أخوها الحديث، وأخرج أحمد والطبري من طريق مصعب بن نوح قال أدركت عجوزاً لنا كانت فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فأخذ علينا "ولا تنحن" فقالت عجوز يا نبي الله إن ناساً كانوا أسعدونا على مصائب أصابتنا وإنهم قد أصابتهم مصيبة فأنا أريد أن أسعدهم. قال "فاذهبي فكافئيهم" . قالت فانطلقت فكافأتهم ثم إنها أتت فبايعته. قال الحافظ والأقرب إلى الصواب أن النياحة كانت مباحة ثم كرهت كراهة تنزيه ثم تحريم. وقال العيني والجواب الذي هو أحسن الأجوبة وأقربها أن يقال إن النهي ورد أولاً للتنزيه ثم لما تمت مبايعة النساء وقع التحريم فيكون الإذن الذي وقع لمن ذكر في الحالة الأولى ثم وقع التحريم وورد الوعيد الشديد في أحاديث كثيرة انتهى. قوله: "وفيه عن أم عطية" أخرج حديثها الشيخان.(9/206)
سورة الصف
بسم الله الرحمن الرحيم
3363 ـ حدثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أخبرنا مُحمّدُ بنُ كَثِيرٍ
ـــــــ
"سورة الصف"
فيها قولان أحدهما أنها مدنية وهو قول ابن عباس والجمهور والثاني أنها مكية وهي أربع عشرة آية
قوله: "أخبرنا محمد بن كثير" بن أبي عطاء الثقفي الصنعاني أبو يوسف(9/206)
عَن الأوْزَاعِيّ عَن يَحْيَى بنِ أبِي كثِيرٍ عَن أبي سَلَمَةَ عَن عَبْدِ الله بنِ سَلاَمٍ قالَ: "قَعَدْنَا نَفَرا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَتَذَاكَرْنا فَقُلْنَا لَوْ نَعْلَمُ أيّ الأعْمَالِ أحَبّ إِلى الله لَعَمِلْنَاهُ، فأنْزَلَ الله تَعَالَى: {سَبّحَ لله ما فِي السّمَواتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الْحَكِيمُ}. {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لاَ تَفْعَلُونَ} قالَ: عَبْدُ الله بنُ سَلاَمٍ فَقَرَأها عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. قالَ: أَبُو سَلَمَةَ فَقَرَأها عَلَيْنَا ابنُ سَلاَمٍ. قالَ: يَحْيَى فَقَرأها عَلَيْنَا أَبُو سَلَمَةَ. قالَ ابنُ كَثِيرٍ فَقَرَأَها عَلَيْنَا الأوْزَاعِيّ. قالَ: عَبْدُ الله فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا
ـــــــ
نزيل المصيصة صدوق كثير الغلط من صغار التاسعة "عن أبي سلمة" هو ابن عبد الرحمن. قوله: "قعدنا نفراً" حال من ضمير قعدنا والنفر بفتحتين عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} هذا إنكار على من يعد وعداً أو يقول قولاً لا يفي به ولهذا استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من علماء السلف إلى أنه يجب الوفاء بالوعد مطلقاً سواء ترتب عليه عزم الموعود أم لا، وذهب الإمام مالك إلى أنه إذا تعلق بالوعد عزم على الموعود وجب الوفاء به، وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب مطلقاً وحملوا الآية على أنها نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد عليهم فلما فرض نكل عنه بعضهم. عن ابن عباس قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون لوددنا أن الله عز وجل دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إيمان به لا شك فيه وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين وشق عليهم أمره فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} وهذا اختيار ابن جرير. هذا تلخيص ما ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره وهو(9/207)
ابنُ كَثِيرٍ" . وَقَدْ خُولِفَ مُحمّدُ بنُ كَثِيرٍ في إِسْنَادٍ هَذَا الحَدِيثِ عَن الأَوْزَاعِيّ فروى ابنُ المُبَارَكِ عَن الأَوْزَاعِيّ عَنْ يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ عَن هِلاَلِ بنِ أبي مَيْمُونَةَ عَن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ عَن عَبْدِ الله بنِ سَلاَمٍ أَوْ عَن أبِي سَلَمَةَ عَن عَبْدِ الله سَلاَمٍ. وَروَى الْوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ هَذَا الحَدِيثَ عَن الأَوْزَاعِيّ نَحْوَ رِوَايَةِ مُحمّدِ ابنِ كَثِيرٍ.
ـــــــ
الظاهر، وقيل أنزلت في شأن القتال يقول الرجل قاتلت ولم يقاتل وطعنت ولم يطعن وضربت ولم يضرب وصبرت ولم يصبر، وقيل غير ذلك. قوله: "قال عبد الله بن سلام فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو سلمة فقرأها علينا ابن سلام الخ" حديث عبد الله بن سلام هذا يسمى بالمسلسل بقراءة سورة الصف، قال في المنح هذا صحيح متصل الإسناد والتسلسل ورجاله ثقات وهو أصح مسلسل روي في الدنيا انتهى. وقال الحافظ في الفتح في تفسير سورة الصف: وقد وقع لنا سماع هذه السورة مسلسلاً في حديث ذكر في أوله سبب نزولها وإسناده صحيح قل إن وقع في المسلسلات مثله مع مزيد علوه. قوله: "وقد خولف محمد بن كثير في إسناد هذا الحديث عن الأوزاعي فروى ابن المبارك عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير الخ" قال الحافظ ابن كثير: وهكذا رواه الإمام أحمد عن معمر عن ابن المبارك به "وروى الوليد بن مسلم هذا الحديث عن الأوزاعي نحو رواية محمد بن كثير" قال الحافظ ابن كثير: وكذا رواه الوليد بن يزيد عن الأوزاعي كما رواه ابن كثير. وحديث عبد الله بن سلام هذا أخرجه أيضاً أحمد وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين وأبو يعلى والطبراني والبيهقي في الشعب والسنن.(9/208)
سورة الجمعة
3364 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ جَعْفَر حَدّثَني ثَوْرُ بنُ زَيْدٍ الدّيْليّ عَن أبِي الغَيْثِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: "كُنّا عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ أُنْزِلَتْ سُورَةُ الجُمُعَةِ فَتَلاَها فَلَمّا بَلَغَ {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} قالَ لَهُ رَجُلٌ: يا رَسُولَ الله مَنْ هَؤُلاَءِ الّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِنَا فَلَمْ يُكَلّمْهُ، قالَ: وَسَلْمَانُ الفارسيّ فِينَا، قالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ فقالَ: وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ الإِيمانُ بالثّرَيّا لَتَناوَلَهُ رِجَالٌ مِنْ
ـــــــ
"سورة الجمعة"
مدنية وهي إحدى عشرة آية
قوله: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ} مجرور عطفاً على الأميين أي بعثه في الأميين الذين على عهده وبعثه في آخرين منهم، أو منصوب عطفاً على الضمير المنصوب في يعلمهم أي ويعلم آخرين وكل من يعلم شريعة محمد صلى الله عليه وسلم إلى آخر الزمان فرسول الله صلى الله عليه وسلم معلمه بالقوة لأنه أصل ذلك الخير العظيم والفضل الجسيم، أو عطفاً على مفعول يزكيهم أي يزكيهم ويزكي آخرين، والمراد بالآخرين من جاء بعد الصحابة إلى يوم القيامة، وقيل المراد بهم من أسلم من غير العرب، وقال عكرمة: هم التابعون، وقال مجاهد: الناس كلهم. وكذا قال ابن زيد والسدي {لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} أي ذلك الوقت وسيلحقون(9/209)
هَؤُلاَءِ" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ. وَعبْدُ الله بنُ جَعْفَرٍ هُوَ وَالِدُ عَلِيّ بنِ المَدِينيّ ضَعّفَهُ يَحْيَى بنُ مَعِينٍ. وَقَدْ رُوِي هَذَا الحَدِيثُ عَن أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وأَبُو الغَيْثِ اسْمُهُ سَالِمٌ
ـــــــ
بهم من بعد، وقيل في السبق إلى الإسلام والشرف والدرجة، وهذا النفي مستمر دائماً لأن الصحابة لا يلحقهم ولا يساويهم في شأنهم أحد من التابعين ولا ممن بعدهم. فالمنفي هنا غير متوقع الحصول ولذلك لما ورد عليه أن لما تنفي ما هو متوقع الحصول والمنفي هنا ليس كذلك فسرها المحلى بلم التي منفيها أعم من أن يكون متوقع الحصول أولاً، فلما هنا ليست على بابها والضمير في بهم ومنهم راجع إلى الأميين وهذا يؤيد أن المراد بالآخرين هم من يأتي بعد الصحابة من العرب خاصة إلى يوم القيامة وهو صلى الله عليه وسلم وإن كان مرسلاً إلى جميع الثقلين فتخصيص العرب هنا القصد الامتنان عليهم وذلك لا ينافي عموم الرسالة، ويجوز أن يراد بالآخرين العجم لأنهم وإن لم يكونوا من العرب فقد صاروا بالإسلام مثلهم، والمسلمون كلهم أمة واحدة وإن اختلفت أجناسهم "فلم يكلمه" أي سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجبه. وفي رواية البخاري فلم يراجعه حتى سأل ثلاثاً "وسلمان فينا" أي كان سلمان الفارسي موجوداً فينا "لو كان الإيمان بالثريا" بضم المثلثة وفتح الراء وشدة التحتية مقصوراً كوكب معروف "لتناوله رجال من هؤلاء" أي الفرس بقرينة سلمان، وزاد أبو نعيم في آخره: برقة قلوبهم. وأخرجه من حديث سلمان وزاد فيه يتبعون سنتي ويكثرون الصلاة علي. قال القرطبي: أحسن ما قيل فيهم إنهم أبناء فارس بدليل هذا الحديث لناله رجال من هؤلاء، وقد ظهر ذلك بالعيان فإنهم ظهر فيهم الدين وكثر فيهم العلماء وكان وجودهم كذلك دليلاً من أدلة صدق صلى الله عليه وسلم فاختلف أهل النسب في أصل فارس فقيل إنهم ينتهي نسبهم إلى جيومرت وهو آدم، وقيل أنه من ولد يافث بن نوح، وقيل من ذرية لاوي بن سام بن نوح، وقيل هو فارس ابن ياسور بن سام، وقيل غير ذلك. قال الحافظ: والأول أشهر الأقوال(9/210)
مَولَى عَبْدِ الله بنِ مُطِيعٍ. وثَوْرُ بنُ زَيْدٍ مَدَنيّ، وَثَوْرُ بنُ يَزِيدَ شَامِيّ.
3365 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ أخبرنا هُشَيْمٌ أخبرنا حُصَيْنٌ عَن أَبي سُفْيَانَ عَن جَابِرٍ قالَ: "بَيْنَمَا النّبيّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعةِ قائِماً إِذْ قَدِمَتْ عِيرُ المَدِينَةِ فابْتدَرَها أَصْحَابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حَتّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلاّ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وَنَزَلَتْ الآية {وإِذَا رَأوْا تِجَارَةً أوْ لَهْواً انْفَضّوا
ـــــــ
عندهم والذي يليها أرجحها عند غيرهم. وقد أطال هو الكلام في هذا المقام بما يتعلق بأهل فارس. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه البخاري ومسلم "وقد روي هذا الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه" أي من غير السند المذكور. قوله: "وثور بن زيد مدني وثور بن يزيد شامي" يعني هما رجلان فثور بن زيد بالزاي في أوله مدني وثور بن يزيد بالتحتية في أوله شامي.
قوله: "حدثنا هشيم" بالتصغير هو ابن بشير بن القاسم بن دينار السلمي "أخبرنا حصين" هو ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي "عن أبي سفيان" اسمه طلحة بن نافع. قوله: "إذا قدمت عير المدينة" بكسر المهملة وسكون التحتية هي الإبل التي تحمل التجارة طعاماً كانت أو غيره. وهي مؤنثة لا واحدة لها من لفظها "فابتدرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي تسارعوا إليها "حتى لم يبق" أي مع النبي صلى الله عليه وسلم "إلا اثني عشر رجلاً فيهم أبو بكر وعمر" قال الحافظ بعد ذكر عدة روايات ما محصله: واتفقت هذه الروايات كلها على اثني عشر رجلاً إلا ما رواه علي بن أبي عاصم فقال إلا أربعين رجلاً. أخرجه الدارقطني، وقال تفرد به علي بن أبي عاصم وهو ضعيف الحفظ وخالفه أصحاب حصين كلهم، وأما تسميتهم فوقع في رواية عند مسلم أن(9/211)
إلَيْهَا} . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3366 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا هشيم أخبرنا حُصَيْنٌ عَن سَالِمِ بنِ أَبي الجَعْدِ عَن جابِرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِهِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
جابراً قال أنا فيهم. وفي تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي أن سالماً مولى أبي حذيفة منهم، وروى العقيلي عن ابن عباس أن منهم الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأناساً من الأنصار وحكى السهيلي أن منهم أسد بن عمر. وروى بسند منقطع أن الاثني عشر هم العشرة المبشرة وبلال وابن مسعود، قال وفي رواية عمار بدل ابن مسعود. قال الحافظ: ورواية العقيلي أقوى وأشبه بالصواب "ونزلت هذه الآية" هذا ظاهر في أنها نزلت بسبب قدوم العير المذكورة. والمراد باللهو على هذا ما ينشأ من رؤية القدمين وما معهم، ووقع عند الشافعي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه مرسلاً: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة وكانت لهم سوق كانت بنو سليم يجلبون إليها الخيل والإبل والسمن. فقدموا فخرج إليهم الناس وتركوه وكان لهم لهو يضربونه فنزلت {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} أي تفرقوا وذهبوا إليها، قيل النكتة في قوله انفضوا إليها دون قوله إليهما أو إليه أن اللهو لم يكن مقصوداً لذاته وإنما كان تبعاً للتجارة، وقيل التقدير: وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها أو لهواً انفضوا إليه. فحذف الثاني لدلالة الأول عليه. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.(9/212)
سورة المنافقين
بسم الله الرحمن الرحيم
3367 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عن إِسْرَائِيلَ عَن أَبي إِسْحَاقَ عَن زَيْدِ بنِ أرْقَمَ قالَ: "كُنْتُ مَعَ عَمّي فَسَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ أُبَيّ بنَ سَلُول يَقُولُ لأَصْحَابِهِ لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ الله حَتّى يَنْفَضّوا {وَلَئِنْ رَجَعْنَا إِلى المَدِينَةِ ليُخْرِجَنّ الأَعَزّ
ـــــــ
"ومن سورة المنافقين"
مدنية وهي إحدى عشرة آية
قوله: "حدثنا عبيد الله بن موسى" العبسي الكوفي "عن إسرائيل" هو ابن يونس "عن أبي إسحاق" هو السبيعي. قوله: "قال كنت مع عمي" قال الحافظ: وقع عند الطبراني وابن مردويه أن المراد بعمه سعد بن عبادة وليس عمه حقيقة وإنما هو سيد قومه الخزرج وعم زيد بن أرقم الحقيقي ثابت بن قيس له صحبة وعمه زوج أمه عبد الله بن رواحة خزرجي أيضاً انتهى "فسمعت عبد الله بن أبي" بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد التحتية منونا "ابن سلول" بفتح المهملة وضم اللام وسكون الواو بعدها لام ممنوعاً من الصرف للعلمية والتأنيث وهو اسم امرأة وهي والدة عبد الله المذكور وهي خزاعية، وأما هو فمن الخزرج أحد قبيلتي الأنصار وابن سلول يقرأ بالنصب لأنه صفة عبد الله لا صفة أبيه، وعبد الله بن أبي هذا هو رأس المنافقين "لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا" أي يتفرقوا من حوله صلى الله عليه وسلم "ولئن رجعنا إلى المدينة الخ" أي وسمعته يقول: لئن رجعنا الخ وفي رواية للبخاري وقال أيضاً لئن رجعنا "ليخرجن الأعز" يريد نفسه(9/213)
مِنْهَا الأَذَلّ} فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمّي فَذَكَرَ ذَلِكَ عَمّي للنبيّ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَانِي النبيّ صلى الله عليه وسلم فَحَدّثْتُهُ، فأَرْسَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى عَبْدِ الله بنِ أُبَيّ وَأصْحَابِهِ فَحَلَفُوا مَا قالُوا، فَكَذّبَنِي رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم وصَدّقَه، فَأَصَابَنِي شَيْءٌ لَمْ يُصِبْنِي شَيْءٌ قَطّ مِثْلُهُ، فَجَلَسْتُ في البَيْتِ، فقالَ: عَمّى مَا أرَدْتَ إِلاّ أنْ كَذّبَكَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَمَقَتَكَ، فأَنْزَلَ الله تَعَالَى {إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ} فَبَعَثَ إِليّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَهَا ثُمّ قالَ: إِنّ الله قَدّ صَدّقَكَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
منها الأذل" يريد الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه "فذكرت ذلك" أي الذي قاله عبد الله بن أبي "فحلفوا" أي سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فحلفوا أي عبد الله بن أبي وأصحابه "ما قالوا" ما نافية أي لم يقولوا ذلك، ووقع في رواية فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي فسأله فحلف بالله ما قال من ذلك شيئاً "فكذبني" من التكذيب "وصدقه" من التصديق والضمير المنصوب لعبد الله بن أبي "فأصابني شيء" أي من الهم "لم يصبني شيء قط مثله" أي في الزمن الماضي "فجلست في البيت" وفي رواية حتى جلست في البيت مخافة إذا رآني الناس أن يقولوا كذبت "ما أردت إلا أن كذبك" بتشديد الذال المعجمة، وفي الرواية الآتية: ما أردت إلى أن مقتك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العيني أي ما قصدت منتهياً إليه أي ما حملك عليه "ومقتك" من المقت أي أبغضك "إن الله قد صدقك" أي يا زيد بن أرقم، قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.(9/214)
3368 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عَن إِسْرَائِيلَ عَن السّدّيّ عَن أبي سَعد الأزْدِي، حدثنا زَيْدُ بنُ أرْقَمَ قالَ: "غَزَوْنَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وَكَانَ مَعَنَا أُنَاسٌ مِنَ الأعْرَابِ فَكُنّا نَبْتَدِرُ المَاءَ وَكَانَ الأعْرَابُ يَسْبِقُونَا إِلَيْهِ فَسَبَقَ أعْرَابِيّ أَصْحَابَهُ فَسَبِقَ الأعْرَابِيّ فَيَمْلأُ الحَوْضَ ويَجْعَلُ حَوْلَهُ حِجَارَةً وَيَجْعَلُ النّطْعَ عَلَيْهِ حَتّى يَجِيءَ أصْحَابُهُ، قالَ: فأَتَى رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ أَعْرَابِيّا فَأَرْخَى زِمَامَ نَاقَتِهِ لِتَشْرَبَ فَأَبَى أنْ يَدَعَه فانْتَزَعَ قِبَاضَ المَاءِ فَرَفَعَ الأَعْرَابيّ خَشَبَتهِ فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَ الأنْصَارِيّ فَشَجّهُ. فَأَتَى عَبْدَ الله بنَ أُبَيّ رَأْسَ المُنَافِقِينَ فَأَخْبَرَهُ وَكانَ مِنْ
ـــــــ
قوله: "عن السدي" اسمه إسماعيل بن عبد الرحمن "عن أبي سعيد الأزدي" ويقال له أبو سعد قال في التقريب أبو سعد الأزدي الكوفي قاري الأزد ويقال أبو سعيد مقبول من الثالثة. قوله: "فكنا نبتدر الماء" أي نسارع إليه "يسبقونا" بتشديد النون "فسبق أعرابي" كذا في النسخ الحاضرة بصيغة الماضي ولا يستقيم المعنى إلا أن يكون بمعنى يسبق "فيسبق الأعرابي فيملأ الحوض" هذا بيان لما يصنعه الأعرابي السابق بعد سبقه إلى الماء ويجعل حوله، أي حول الحوض "ويجعل النطع عليه" أي على الحوض، والنطع بالكسر وبالفتح وبالتحريك وكعنب بساط من الأديم "فأبى" أي الأعرابي "أن يدعه" بفتح الدال أن يترك الأنصاري "فانتزع قباض الماء" بكسر القاف والمراد به الماء ويمسك من الحجارة وغيرها، والمعنى أن الرجل الأنصاري الذي أرخى زمام ناقته لتشرب الماء في الحوض نزع الحجارة التي جعلها الأعرابي حول الحوض ليمسك بها الماء "فرفع الأعرابي خشبة" أي فغضب الأعرابي بانتزاع القباض فرفع الخ "بها" أي بالخشبة "فشجه"(9/215)
أصْحَابِهِ، فَغَضِبَ عَبْدُ الله بنُ أُبَيّ ثُمّ قَالَ لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ الله حَتّى يَنْفَضّوا مِنْ حَوْلِهِ يَعْنِي الأَعْرَابَ. وَكَانُوا يَحْضُرُونَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الطّعَامِ، فقَالَ عَبْدُ الله إذَا انْفَضّوا مِنْ عِنْدِ مُحمّدٍ فَأْتُوا مُحمّداً بالطّعَامِ فَلْيَأْكُلْ هُوَ وَمَنْ مَعْهُ، ثُمّ قالَ لأَصْحَابِهِ: لَئِنْ رَجِعْنَا إلى المَدِينَةِ لِيُخْرِجنّ الأعَزّ مِنها الأَذَلّ. قَالَ زَيْدٌ وَأنَا رِدْفُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَسَمِعْتُ عَبْدَ الله أُبَيّ فأخْبَرْتُ عَمّي فانْطَلَقَ فأخْبَرَ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأَرْسَلَ إلَيْهِ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَحَلَفَ وجَحَدَ. قالَ: فَصَدّقَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَكَذّبَني، قَالَ فَجَاءَ عَمّي إليّ فَقَالَ ما أَرَدْتَ إلى أن مَقَتَك رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَكَذّبَكَ والمُسْلِمُونَ، قالَ: فَوَقَعَ عَلَيّ مِنَ الْهَمّ مَا لَمْ يَقَعْ عَلَى أَحَدٍ،
ـــــــ
من الشج وهو ضرب الرأس خاصة وجرحه وشقه من باب نصر وضرب "فأتى" أي الأنصاري المشجوج "رأس المنافقين" أي رئيسهم بدل من عبد الله "وكان" أي الأنصاري "من أصحابه" أي من أصحاب عبد الله بن أبي "حتى ينفضوا من حوله" يعني حتى يتفرق الأعراب ويذهبوا من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم "يعني الأعراب" هذا بيان من الراوي للضمير في ينفضوا "وكانوا" أي الأعراب "ثم قال" أي عبد الله "قال زيد" أي ابن أرقم "وأنا ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم" الردف بكسر الراء وسكون الدال المهملتين هو الراكب خلف الراكب "فسمعت عبد الله" أي مقالته المذكورة "فأخبرت عمي" أي بما سمعت من عبد الله "فانطلق فأخبر" أي عمي "فأرسل إليه" أي إلى عبد الله "قال فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم(9/216)
قالَ: فَبَيْنَمَا أنا أسِيرُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ قَدْ خَفَقْتُ بِرَأْسِي مِنَ الهَمّ إذْ أَتانِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَعَرَكَ أُذُنِي وضَحِكَ في وَجْهِي، فَمَا كَانَ يَسُرّنِي أنّ لِي بِهَا الْخُلْدَ في الدّنْيَا ثُمّ إِنّ أَبا بَكْرٍ لَحِقَنِي فقالَ: ما قالَ لَكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قُلْتُ مَا قالَ لِي شَيْئاً إِلاّ أَنّهُ عَرَكَ أُذُنِي وَضَحِكَ في وَجْهِي. فقالَ: أَبْشِرْ، ثمّ لَحِقَنِي عُمَرُ فَقُلْتُ لَهُ مِثْلِ قَوْلِي لأبي بَكْرٍ، فَلَمّا أصْبَحْنَا قَرَأَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم سُورَةَ المُنَافِقِينَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3369 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ أَبي عَدِيّ. أنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَن الْحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ قالَ: سَمِعْتُ مُحمّدَ بنَ كَعْبٍ القُرَظِيّ
ـــــــ
وكذبني" أي قال زيد بن أرقم فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثته فأرسل إلى عبد الله بن أبي فحلف وجحد فصدقه وكذبني كما في الرواية المتقدمة "قد خفقت برأسي من الهم" يقال خفق الرجل إذا حرك رأسه وهو ناعس والمعنى نكست من شدة الهم لا من النعاس "فعرك أذني" أي دلكها "أن لي بها" أي بضحكة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي "الخلد في الدنيا" بالنصب على أنه اسم إن، وفي بعض النسخ الخلد في الجنة. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" قال الحافظ ابن كثير في تفسيره بعد ذكر هذا الحديث: انفرد بإخراجه الترمذي وهكذا رواه الحافظ البيهقي عن الحاكم عن عبيد الله بن موسى به وزاد بعد قوله سورة المنافقين: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} حتى بلغ {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} ـ حتى بلغ ـ {لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} انتهى.(9/217)
مُنْذ أَرْبَعِينَ سَنَةً يُحَدّثُ عَن زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه أَنّ عَبْدَ الله بنَ أُبَيّ قالَ: في غَزْوَةٍ تَبُوكَ: " {لَئِنْ رَجِعْنَا إِلى المَدِينَةِ لَيُخْرجَنّ الأعزّ مِنْهَا الأَذَلّ} . قالَ: فأتَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَحَلَفَ ما قَالَهُ، فَلاَمَنِي قَوْمِي وقالُوا مَا أَرَدْتَ إلى هَذِهِ، فأتَيْتُ البَيْتَ وَنِمْتُ كَئِيباً حَزِيناً فَأتَانِي النبيّ صلى الله عليه وسلم أَوْ أتَيْتُهُ فقالَ: إِنّ الله قَدْ صَدّقَكَ. قالَ: فَنَزَلَتْ هذِهِ الآيةُ: {هُمُ الّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حَتّى يَنْفَضّوا} " . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3370 ـ حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عَن عَمْرِو بنِ دِينَارٍ سَمِعَ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: "كُنّا في غَزَاةٍ قالَ: سُفْيَانُ يَرَوْنَ
ـــــــ
قوله: "قال في غزوة تبوك" كذا في هذه الرواية وكذا وقع في مرسل سعيد ابن جبير عند ابن أبي حاتم. قال الحافظ ابن كثير بعد ذكر هذا المرسل: قوله: إن ذلك كان في غزوة تبوك فيه نظر بل ليس بجيد فإن عبد الله بن أبي بن سلول لم يكن ممن خرج في غزوة تبوك بل رجع بطائفة من الجيش وإنما المشهور عند أصحاب المغازي والسير أن ذلك كان في غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق انتهى. وقال الحافظ في الفتح: والذي عليه أهل المغازي أنها غزوة بني المصطلق "فلامني قومي" وفي رواية البخاري فلامني الأنصار "ما أردت إلى هذه" يعني ما حملك على هذه الفعلة "فأتيت البيت" وفي رواية البخاري فرجعت إلى المنزل "ونمت كئيباً" من الكآبة بالمد وهو سوء الحال والانكسار من الحزن وقد كئب من باب سلم فهو كئيب "فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم أو أتيته" شك من الراوي. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والبخاري والنسائي.(9/218)
أَنّهَا غَزْوَةُ بَنِي المُصْطلِقِ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، فقالَ المُهَاجِرِيّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، وقالَ الأَنْصَارِيّ يا لَلأنْصَار، فَسَمِعَ ذَلِكَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: فَقَالَ مَا بالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيّةِ؟ قالُوا رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ كَسَعَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم دَعُوها فإِنّهَا مُنْتِنَةٌ. فَسَمِعَ ذَلِكَ عَبْدُ الله بنُ أُبَيّ بنِ سَلُولَ. فقالَ: أَوَ قَدْ فَعَلُوهَا؟ وَالله {لَئِنْ رَجِعْنَا إِلَى المَدِينَةِ ليُخْرِجَنّ الأَعَزّ مِنْهَا الأذَلّ} فقالَ عُمَرُ: يا رسُولَ الله دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: دَعْهُ لاَ يَتَحَدّثُ النّاسُ أنّ مُحمداً يَقْتُلُ أصْحَابَهُ. وقالَ غَيْرُ عَمْرٍو: فقالَ لَهُ ابْنُهُ
ـــــــ
قوله: "فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار" قال في القاموس: كسعه كمنعه ضرب دبره بيده أو بصدر قدمه. والرجل المهاجري هو جهجاه بن قيس ويقال ابن سعيد الغفاري وكان مع عمر بن الخطاب يقود له فرسه، والرجل الأنصاري هو سنان بن وبرة الجهني حليف الأنصار "يا للمهاجرين" بفتح اللام وهي للاستغاثة أي أغيثوني وكذا قول الآخر يا للأنصار "ما بال دعوى الجاهلية" أي ما شأنها وهو في الحقيقة إنكار ومنع عن قول يا لفلان ونحوه "دعوها" أي اتركوا هذه المقالة وهي دعوى الجاهلية "فإنها منتنة" بضم الميم وسكون النون وكسر الفوقية من النتن أي أنها كلمة قبيحة خبيثة وكذا ثبتت في بعض الروايات "أو قد فعلوها" بواو العطف بين همزة الاستفهام والفعل والمعطوف عليه مقدر. أي أوقعت هذه وقد فعلوها؟ وفي رواية البخاري قد فعلوها. قال الحافظ هو استفهام بحذف الأداة أي أفعلوها أي الأثرة شركناهم فيما نحن فيه فأرادوا الاستبداد به علينا. وفي مرسل قتادة: فقال رجل منهم عظيم النفاق. وما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل سمن كلبك يأكلك "لا يتحدث" برفع يتحدث على الاستئناف ويجوز الكسر على أنه جواب قوله(9/219)
عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الله: والله لا تَنْفَلِبْ حَتّى تُقِرّ أَنّكَ الذّلِيلُ ورسولَ الله صلى الله عليه وسلم العَزِيزُ فَفَعَلَ" .
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3371 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ أخبرنا أَبُو جَنَابٍ الكَلْبِيّ عَن الضّحّاكِ بنِ مُزَاحِمٍ عَن ابنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما قالَ: "مَنْ كَانَ لَهُ مالٌ يُبَلّغُهُ حَجّ بَيْتِ رَبّهِ أوْ تَجِبُ عَلَيْه فِيهِ الزَكَاةُ فَلَمْ يَفعلْ سَأل الرّجْعَةَ عِنْدَ المَوْتِ، فقالَ رَجُلٌ: يَا ابنَ عَبّاسٍ اتّقِ الله فإِنّمَا يَسْأَلُ الرّجْعَةَ الكُفّارُ، فقالَ: سَأتْلُو عَلَيْكَ بِذَلِكَ قُرْآناً {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَولاَدُكُمْ عَن
ـــــــ
دعه: "أن محمداً يقتل أصحابه" أي أتباعه "وقال غير عمرو" أي غير عمرو بن دينار "فقال له" أي لعبد الله بن أبي "لا تنقلب" أي لا ترجع "حتى تقر" من الإقرار أي حتى تعترف "ففعل" أي فأقر عبد الله بن أبي بأنه الذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي.
قوله: "أخبرنا أبو جناب الكلبي" بفتح الجيم وخفة النون وآخره موحدة.
قوله: "من كان له مال" كلمة من شرطية والجزاء قوله يسأل الرجعة "يبلغه حج بيت ربه" صفة مال "أو يجب عليه فيه" ضمير عليه راجع إلى من وضمير فيه راجع إلى مال "فلم يفعل" عطف على قوله كان له مال أي فلم يحج أو لم يؤد الزكاة "يسأل" بالجزم "الرجعة" أي يسأل الله أن يرجعه إلى الدنيا ليحج أو ليؤدي زكاة ماله "اتق الله" أي فيما تقول: "فإنما يسأل الرجعة الكفار" أي كما قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} الآية "فقال" أي ابن عباس "سأتلو" أي سأقرأ "بذلك"(9/220)
ذِكْرِ الله وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ فأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ وَأَنْفِقُوا مِن مّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبّ لَوْلاَ أَخّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فأَصّدّقَ ـ إلى قَوْلِهِ ـ والله خَبيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} قالَ: فَمَا يُوجِبُ الزّكاةَ؟ قالَ: إذَا بَلَغَ المَالُ مِائَتَي درهم فَصَاعِداً، قالَ: فَمَا يُوجِبُ الْحَجّ؟ قالَ: الزّادُ والبَعِيرُ" .
3372 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ عَن الثّوْرِيّ عَن يَحْيَى بنِ أبي حَيّةَ عَن الضّحّاكِ عَن ابنِ عَبّاسٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِهِ. وقال: هَكَذَا رَوَى سفيان بنُ عُيَيْنَةَ وغَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الحَدِيثِ عَن أَبي جَنَابٍ عَن الضّحّاكِ عَن ابنِ عَباسٍ قَوْلَهُ ولَمْ يَرْفَعْهُ، وَهَذَا
ـــــــ
أي بما قلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ} أي لا تشغلكم {أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} أي عن الصلوات الخمس، والمعنى لا تشغلكم أموالكم ولا أولادكم كما شغلت المنافقين عن ذكر الله {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} أي ومن شغله ماله وولده عن ذكر الله {فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} أي في تجارتهم حيث آثروا الفاني على الباقي {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ} قال ابن عباس يريد زكاة الأموال {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} أي دلائل الموت ومقدماته وعلاماته فيسأل الرجعة {فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي} أي هلا أخرتني وقيل لو أخرت أجلي {إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ} أي فأزكي مالي، وأصل أصدق أتصدق فأبدلت التاء بالصاد وأدغمت الصاد في الضاد وتمام الآية {وَأَكُنْ} بالجزم عطفاً على موضع فأصدق كأنه قيل إن أخرتني أصدق وأكن وقرئ وأكون بالنصب عطفاً على اللفظ {مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً} عن الموت {إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} المكتوب في اللوح المحفوظ {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} يعني أنه لورد إلى الدنيا وأجيب إلى ما سأل ما حج وما زكى "قال" أي الرجل "إذا بلغ المال مائتين" أي من الدراهم.(9/221)
أصَحّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرّزّاقِ. وأَبُو جَنَابٍ القَصّابُ اسْمُهُ يَحْيَى بنُ أبي حَيّةَ وَلَيْسَ هُوَ بالْقَوِيّ في الْحَدِيثِ.
ـــــــ
قوله: "وهذا أصح من رواية عبد الرزاق" أي هذا الحديث الموقوف أصح من المرفوع "وليس هو بالقوى" وقال الحافظ ابن كثير: رواية الضحاك عن ابن عباس فيها انقطاع.(9/222)
سورة التغابن
بسم الله الرحمن الرحيم
3373 ـ حدثنا محمدُ بنُ يَحْيى، أخبرنا مُحمّدُ بنُ يُوسُفَ، أخبرنا إسْرَائِيلُ أخبرنا سِمَاكُ بنُ حَرْبٍ عَن عِكْرِمَةَ عَن ابنِ عَبّاسٍ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَن هَذِهِ الآيةِ: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأوْلاَدِكُمْ عَدُوّا لَكُمْ فاحْذَرُوهُمْ} قالَ: "هَؤُلاَءِ رِجَالٌ أَسْلَمُوا مِنْ
ـــــــ
"سورة التغابن"
مدنية في قول الأكثر وقيل هي مكية إلا ثلاث آيات من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ} إلى آخر ثلاث آيات، وهي ثماني عشرة آية
قوله: "حدثنا محمد بن يحيى" الظاهر أنه الإمام الذهلي "أخبرنا محمد بن يوسف" الضبي مولاهم الفريابي "أخبرنا إسرائيل" هو ابن يونس. قوله: "وسأله رجل" الواو للحال "عن هذه الآية" أي عن تفسيرها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} أي أن تطيعوهم في التخلف عن(9/222)
أهْلِ مَكّةَ وَأَرَادُوا أنْ يَأْتُوا النبيّ صلى الله عليه وسلم فَأَبَى أزْوَاجُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ أنْ يَدَعُوهُمْ أنْ يَأْتُوا رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمّا أَتَوْا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم رَأوا النّاسَ قَدْ فَقَهُوا في الدّينِ هَمّوا أَنْ يُعَاقِبُوهُمْ فأَنْزَلَ الله: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إنّ مِنْ أزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّا لَكُمْ فاحْذَرُوهُمْ} " الآيةَ. هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
الخير كالجهاد والهجرة فإن سبب نزول الآية الإطاعة في ذلك "قال" أي ابن عباس "أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم" أي مهاجرين من مكة إلى المدينة "أن يدعوهم" أي يتركوهم "رأوا الناس" أي الذين سبقوهم بالهجرة "هموا" كذا في النسخ الحاضرة وفي رواية ابن أبي حاتم فهموا بالفاء وهو الظاهر أي فأرادوا "أن يعاقبوهم" أي يعذبوا أزواجهم وأولادهم الذين منعوهم عن الهجرة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ} أي إن من الأزواج أزواجاً والأولاد أولاداً يعادونكم ويشغلونكم عن الخير وعن طاعة الله أو يخاصمونكم في أمر الدين والدنيا، ويدخل في ذلك سبب النزول دخولاً أولياً {فَاحْذَرُوهُمْ} أي أن تطيعوهم في التخلف عن الخير "الآية" بقية الآية {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قال الخازن: هذا فيمن أقام على الأهل والولد ولم يهاجر ثم هاجر فرأى الذين قد سبقوه بالهجرة قد فقهوا في الدين فهم أن يعاقب زوجته وولده الذين ثبطوه ومنعوه عن الهجرة لما ألحقوا به ولا ينفق عليهم ولا يصيبهم بخير فأمره الله بالعفو والصفح عنهم انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير والطبراني.(9/223)
سورة التحريم
بسم الله الرحمن الرحيم
3374 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ عَن معْمَرٍ عَن الزّهْرِيّ عَن عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ أبي ثَوْرٍ قالَ: سَمِعْتُ ابنَ عَبّاسٍ رضي الله عنهما يقُولُ: "لَمْ أَزَلْ حَرِيصاً أنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَن المَرْأتَيْنِ مِنْ أزْوَاجِ النبيّ صلى الله عليه وسلم اللّتَيْنِ قالَ الله {إنْ تَتُوبَا إلى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبكُمَا} حَتّى حَجّ عُمَرُ وَحَجَجْتُ مَعَهُ فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ مِنَ الإدَاوَةِ فَتَوَضّأَ فَقُلْتُ يَا أمِيرَ المُؤْمِنينَ من المَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النبيّ صلى
ـــــــ
سورة التحريم
مدنية وهي اثنتا عشرة آية
قوله: "لم أزل حريصاً أن أسأل عمر" أي على أن أسأله، وفي رواية البخاري في التفسير مكثت سنة أريد أن أسأل عمر عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له "اللتين قال الله" أي في حقهما {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} خطاباً لحفصة وعائشة على طريقة الالتفات ليكون أبلغ في معاتبتهما وجواب الشرط محذوف أي إن تتوبا إلى الله فهو الواجب ودل على المحذوف قوله: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} أي مالت عن الواجب في مخالصة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حب ما يحبه وكراهة ما يكرهه ووجد منكما ما يوجب التوبة، وهو أنهما أحبتا ما كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم "حتى حج عمر" أي خرج حاجاً، وفي رواية البخاري في التفسير: حتى خرج حاجاً فخرجت معه فلما رجعت وكنا ببعض(9/224)
الله عليه وسلم اللّتَانِ قالَ الله {إنْ تَتُوبَا إِلى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} فقالَ لِي: وَا عجَبَاً لَكَ يا ابْنَ عَبْاسٍ. قالَ الزّهْرِيّ: وَكَرِهَ والله مَا سَأَلَهُ عَنْهُ ولَمْ يَكْتُمْهُ. فقالَ لِي: هِيَ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ، قالَ: ثُمّ أنْشَأَ يُحَدّثُنِي الحدِيثَ فقالَ: كُنّا معْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النّسَاءَ فَلَمّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْماً تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ فَتَغَضّبْتُ عَلَى امْرَأَتِي يَوْماً فإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي فقالَتْ: ما تُنْكِرُ مِنْ ذَلِكَ فَوَالله إنّ أزْوَاجَ النبيّ صلى الله عليه وسلم لَيُرَاجِعْنَهُ وتَهْجُرُهُ إحْدَاهُنّ اليَوْمَ إِلى اللّيْلِ،
ـــــــ
الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له "واعجباً لك" قال الحافظ: يجوز في عجباً التنوين وعدمه. قال ابن مالك "وا" في قوله واعجباً إن كان منوناً فهو إسم فعل بمعنى أعجب ومثله واهاً و وى وقوله بعده عجباً جيء تعجباً وتوكيداً وإن كان بغير تنوين فالأصل فيه واعجبي فأبدلت الكسرة فتحة فصارت الياء ألفاً كقولهم يا أسفا ويا حسرتا وفيه شاهد لجواز استعمال "وا" في منادى غير مندوب وهو مذهب المبرد وهو مذهب صحيح. قال وتعجب عمر من ابن عباس مع شهرته بعلم التفسير كيف خفي عليه هذا القدر مع شهرته وعظمته في نفس عمر وتقديمه في العلم على غيره ومع ما كان ابن عباس مشهوراً به من الحرص على طلب العلم ومداخلة كبار الصحابة وأمهات المؤمنين فيه، وتعجب من حرصه على طلب فنون التفسير حتى معرفة المبهم "قال الزهري وكره والله ما سأله عنه ولم يكتمه" قال الحافظ: استبعد القرطبي ما فهمه الزهري ولا بعد فيه "هي عائشة وحفصة" وفي رواية البخاري في النكاح هما عائشة وحفصة "ثم أنشأ" أي شرع عمر "يحدثني الحديث" أي القصة التي كانت سبب نزول الآية المسئول عنها "معشر قريش" منصوب على الاختصاص "نغلب النساء" أي نحكم عليهن ولا يحكمن علينا بخلاف الأنصار فكانوا بالعكس من ذلك "فطفق" بكسر الفاء وقد تفتح أي جعل وأخذ "يتعلمن من نسائهم" وفي رواية البخاري يأخذن من أدب نساء الأنصار قال الحافظ. أي من سيرتهن وطريقتهن "فإذا هي تراجعني"(9/225)
قالَ: فَقُلْتُ في نَفْسِي قَدْ خَابَتْ مَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ مِنْهُنّ وَخسِرَتْ قالَ، وكَانَ مَنْزِلي بالعَوَالِي في بَنِي أُمَيّةَ وَكَانَ لي جَارٌ مِنَ الأنْصَارِ كُنّا نَتَنَاوَبُ النّزُولَ إِلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: فَيَنْزِلُ يَوْماً ويَأْتِينِي بِخَبَرِ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ. وَأَنْزِلُ يَوْماً فَآتِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، قالَ: فَكُنّا نُحَدّثُ أَنّ غَسّانَ تُنْعِلُ الخيْلَ لِتَغْزُونَا، قالَ: فَجَاءَنِي يَوْماً عِشَاءً فَضَرَبَ عَلَيّ البَابَ فَخَرَجْتُ إلَيْه فقالَ: حَدَثَ أمْرٌ عَظيمٌ، قُلْتُ أَجَاءَتْ غَسّانُ؟ قالَ: أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ طَلّقَ رَسُولُ الله صلى الله
ـــــــ
من المراجعة أي تراددني في القول وتناظرني فيه "فقالت ما تنكر ذلك" وفي رواية البخاري: قالت ولم تنكر أن أراجعك "وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل" أي من أول النهار إلى أن يدخل الليل "قد خابت" من الخيبة وهي الحرمان والخسران "وكان منزلي بالعوالي" جمع عالية وهي قرى بقرب المدينة مما يلي المشرق وكانت منازل الأوس "في بني أمية" أي ناحية بني أمية البقعة باسم من نزلها "وكان لي جار من الأنصار" اسمه أوس بن خولي بن عبد الله بن الحرث الأنصاري أو عتبان بن مالك والأول هو الراجح لأنه منصوص عليه عند ابن سعد والثاني استنبطه ابن بشكوال من المواخاة بينهما، وما ثبت بالنص مقدم قاله القسطلاني "كنا نتناوب النزل" أي من العوالي أي كنا نجعله نوبا "فينزل" أي جاري الأنصاري "ويأتيني بخبر الوحي وغيره" أي من الحوادث الكائنة عند النبي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية ابن سعد: لا يسمع شيئاً إلا حدثه به ولا يسمع عمر شيئاً إلا حدثه به "فكنا نحدث" وفي رواية مسلم فكنا نتحدث "أن غسان" بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة غير منصرف أي قبيلة غسان وملكهم في ذلك الوقت الحارث بن أبي شمر وهم كانوا بالشام "تنعل الخيل" بضم التاء من الإنعال يقال نعلت وانتعلت إذا لبست النعل وأنعلت الخيل إذا ألبستها وهو كناية عن استعدادهم للقتال مع أهل المدينة "قال" أي عمر "فجاءني" أي جاري "فضرب على الباب" أي ضربا شديداً(9/226)
عليه وسلم نِسَاءَهُ، قالَ: فَقُلْتُ في نَفْسِي قَدْ خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ قَدْ كُنْتُ أظُنّ هذَا كَائِناً، قالَ: فَلَمّا صَلّيْتُ الصّبْحَ شَدَدْتُ عَلَيّ ثِيَابي ثُمّ انْطَلَقْتُ حَتّى دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فإِذَا هِيَ تَبْكِي، فقُلْتُ أَطَلّقَكُنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالتْ: لا أَدْرِي هُوَ ذَا مُعْتَزِلٌ في هَذِهِ المَشْرُبَةِ، قالَ: فانْطَلقْتُ فأَتَيْتُ غُلاَماً أَسْوَدَ فَقلت: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، قالَ: فَدَخَلَ ثُمّ خَرَجَ إليّ: قالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً، قالَ: فانْطَلَقْتُ إِلى المَسْجِدِ. فإِذَا حَوْلَ المِنْبَرِ نَفَرٌ يَبْكُونَ فَجَلَسْتُ إلَيْهِمْ ثُمّ غَلَبَنِي ما أَجِدُ فأتَيْتُ الغُلاَمَ
ـــــــ
كما في رواية البخاري "قال أعظم من ذلك" أي بالنسبة إلى عمر لكون حفصة بنته "طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه" إنما وقع الجرم بالطلاق لمخالفة العادة بالاعتزال فظن الطلاق "قد كنت أظن هذا كائناً" لما كان تقدم له من أن مراجعتهن قد تفضي إلى الغضب المفضي إلى الفرقة "شددت علي" بتشديد الياء "ثيابي" فيه استحباب التجمل بالثوب والعمامة ونحوهما عند لقاء الأئمة والكبار احتراماً لهم "في هذه المشربة" بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء وفتحها وهي الغرفة "قال فانطلقت" أي فخرجت من عند حفصة "فأتيت غلاماً أسود" وفي رواية البخاري في التفسير: فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربة له يرقى عليها بعجلة وغلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسود على رأس الدرجة. قال الحافظ اسم هذا الغلام رباح بفتح الراء وتخفيف الموحدة سماه سماك في روايته "ثم غلبني ما أجد" أي من شغل قلبه بما بلغه من اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه. وأن ذلك لا يكون إلا عن غضب منه ولاحتمال صحة(9/227)
فَقُلْتُ اسْتَأْذِنْ لِعُمرَ. فَدَخَلَ ثُمّ خَرَجَ إليّ. فقالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَلمْ يَقُلْ شَيْئاً، قال: فانْطَلَقْتُ إلى المَسْجِدِ أيْضاً فَجَلَسْتُ ثُمّ غَلَبَنِي مَا أجِدُ فأتَيْتُ الغُلاَمَ فَقُلْتُ اسْتَأَذِنْ لِعُمَرَ. فَدَخَلَ ثُمّ خَرَجَ إليّ فقالَ: قد ذَكَرْتُكَ لَهُ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً. قَالَ فَوَلّيْتُ مُنْطَلِقاً فإِذَا الغُلامُ يَدْعُونِي. فقالَ: ادْخُلْ فَقَدْ أذِنَ لَكَ قالَ: فَدَخْلتُ فإِذَا النبيّ صلى الله عليه وسلم مُتّكِئٌ عَلَى رِمْلِ حَصِيرٍ فَرَأَيْتُ أَثَرَهُ في جَنبهِ فقُلْتُ يَا رَسُولَ الله أطَلّقْتَ نِسَاءَكَ؟ قالَ: لاَ، قُلْتُ الله أكْبَرُ. لَقد رَأَيْتنَا يَا رَسُولَ الله ونَحْنُ مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النّسَاءِ فَلَمّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ وَجدْنَا قَوْماً تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَطَفِقَ نِسَاؤنَا يَتَعَلّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ فَتَغَضّبْتُ يَوْماً عَلَى امْرَأتِي فإذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي فأنْكَرْتُ ذَلِكَ فقالتْ ما تُنْكِرُ فَوَالله إنّ أزْواجَ النبيّ صلى الله عليه وسلم لَيُرَاجِعْنَهُ وَتَهْجُرُهُ إحْدَاهُنّ اليَوْمَ إِلى اللّيْلِ، قالَ: فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ أتُرَاجِعِينَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالتْ: نَعَمْ
ـــــــ
ما أشيع من تطليق نسائه ومن جملتهن حفصة بنت عمر، فتنقطع الوصلة بينهما وفي ذلك من المشقة عليه ما لا يخفى "متكئ على رمل حصير" وفي رواية البخاري: مضطجع على رمال حصير. قال الحافظ بكسر الراء وقد تضم وفي رواية معمر على رمل حصير بسكون الميم والمراد به النسج تقول رملت الحصير وأرملته إذا نسجته وحصير مرمول أي منسوج. والمراد هنا أن سريره كان مرمولاً بما يرمل به الحصير، ووقع في رواية أخرى على رمال سرير، ووقع في رواية سماك على حصير وقد أثر الحصير في جنبه. وكأنه أطلق عليه حصيراً تغليباً "قلت الله أكبر" قال الكرماني لما ظن الأنصاري أن الاعتزال طلاق أو ناشئ عن طلاق فأخبر عمر بوقوع الطلاق جازماً به، فلما استفسر عمر عن ذلك فلم يجد له حقيقة كبر تعجباً من ذلك انتهى. قال الحافظ: ويحتمل أن يكون كبر الله حامداً له على ما أنعم به عليه من عدم وقوع الطلاق "وجدنا قوماً" أي الأنصار "فقلت لحفصة" بدأ بها لمكانتها منه "قالت" أي حفصة(9/228)
وَتَهْجُرُهُ إحْدَانَا الْيَوْمَ إِلى اللّيْلِ، قالَ: فَقُلْتُ قَدْ خَابَتْ مَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ مِنْكُنّ وَخَسِرَتْ. أَتَأْمَنُ إحْدَاكُنّ أَنْ يَغْضَبَ الله عَلَيْهَا لِغَضَبِ رَسُولِه صلى الله عليه وسلم فإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ؟ فَتَبسّمَ النبيّ صلى الله عليه وسلم. قالَ: فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: لا تُرَاجِعي رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ولاَ تَسْألِيهِ شَيْئاً وَسَلِينِي مَا بَدا لَكِ وَلا يُغَرّنّكِ إنْ كانَتْ صَاحِبَتُكِ أوْسَمَ مِنْكِ وَأحَبّ إِلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. قالَ: فَتَبَسّمَ أُخْرَى، فقُلْتُ يَا رَسُولَ الله أَسْتَأْنِسُ؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ: فَرَفْعتُ رَأْسِي فمَا رأَيْتُ في البَيْتِ إِلاّ أُهُبَةً ثَلاَثَةً، قال: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله أُدْعُ الله أنْ يُوَسّعَ عَلَى أُمّتِكَ فَقَدْ وَسّعَ عَلَى فَارِسَ والرّومِ وَهُمْ
ـــــــ
"نعم" أي تراجعه "لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي لا ترادديه في الكلام ولا تردي عليه قوله: "وسليني ما بدالك" أي ما ظهر لك "ولا يغرنك" بتشديد الراء والنون "أن كانت" بفتح الهمزة "صاحبتك" أي ضرتك "أوسم" من الوسامة وهي الحسن والجمال أي أحسن وأجمل. وفي رواية البخاري: أوضأ من الوضاء وهو الحسن "وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" المعنى لا تغتري بكون عائشة تفعل ما نهيتك عنه فلا يؤاخذها بذلك فإنها تدل بجمالها ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم فيها فلا تغتري أنت بذلك لاحتمال أن لا تكوني عنده في تلك المنزلة فلا يكون لك من الإدلال مثل الذي لها "فتبسم" أي النبي صلى الله عليه وسلم "أخرى" أي تبسمة أخرى "فقلت يا رسول الله أستأنس" بحذف همزة الاستفهام أي انبسط في الحديث واستأذن عمر في ذلك لقرينة الحال التي كان فيها لعلمه بأن بنته كانت السبب في ذلك فخشي أن يلحقه شيء من المعتبة فبقي كالمنقبض عن الابتداء بالحديث حتى استأذن فيه "إلا أهبة ثلاثة" بضم الهمزة والهاء وبفتحهما جمع إهاب(9/229)
لا يَعْبُدُونَهُ. فَاسْتَوَى جَالِساً فقالَ: أَو فِي شَك أنْتَ يا ابْنَ الخَطّابِ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجّلَتْ لَهُمْ طَيّبَاتُهُمْ في الحَيَاةِ الدّنْيَا. قالَ: وَكانَ أقْسَمَ أَنْ لا يَدْخُلَ عَلَى نِسَائِهِ شَهْراً فعَاتَبَهُ الله في ذَلِكَ فَجَعَل لَهُ كَفّارَةَ
ـــــــ
وهو الجلد وقيل إنما يقال للجلد إهاب قبل الدبغ فأما بعده فلا "فقال أفي شك أنت يا ابن الخطاب" يعني أنت في شك في أن التوسع في الآخرة خير من التوسع في الدنيا. "أولئك" أي فارس والروم "عجلت" بصيغة المجهول من التعجيل "قال" أي عمر رضي الله عنه "وكان أقسم على أن لا يدخل على نسائه شهراً فعاتبه الله في ذلك فجعل له كفارة باليمين" وفي رواية البخاري في النكاح فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة تسعاً وعشرين ليلة، وكان قال ما أنا بداخل عليهن شهراً من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله، فقوله فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء كلام من عمر رضي الله عنه بعد فراغه من كلامه الأول، فلذلك عطفة بالفاء، وقوله من أجل ذلك الحديث أي اعتزاله إنما كان من أجل إفشاء ذلك الحديث وهو ما روى أنه صلى الله عليه وسلم خلا بمارية القبطية في بيت حفصة فجاءت فوجدتها معه فقالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم تفعل هذا معي دون نسائك؟ فقال لا تخبري أحداً هي علي حرام، فأخبرت عائشة. والذي في الصحيحين: أنه صلى الله عليه وسلم كان يشرب عسلاً عند زينب ابنة جحش ويمكث عندها فتواطأت عائشة وحفصة على أن أيتهما دخل عليها فلتقل له أأكلت مغافير إني أجد منك ريح مغافير. فقال لا ولكني كنت أشرب عسلاً عند زينب ابنة جحش ولن أعود له وقد حلفت لا تخبري بذلك أحداً. فقد اختلف في الذي حرمه على نفسه وعوتب على تحريمه كما اختلف في سبب حلفه. قال الخازن في تفسيره: قال العلماء الصحيح في سبب نزول الآية أنها في قصة العسل لا في قصة مارية المروية في غير الصحيحين، ولم تأت قصة مارية من طريق صحيح. قال النسائي إسناد حديث عائشة في العسل جيد صحيح غاية انتهى. وقد ذكر الحافظ في سبب اعتزاله صلى الله عليه وسلم(9/230)
اليَمِينِ. قالَ: الزّهْرِيّ فأخْبَرَني عُرْوَةُ عَن عَائِشةَ قَالتْ فَلَمّا مَضَتْ تِسْعٌ وعِشْرُونَ دَخَلَ عَلَيّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بَدَأ بِي فقالَ: يَا عَائِشَةُ إنّي ذَاكِرٌ لَكِ شَيْئاً فلاَ تَعْجَلِي حَتّى تَسْتَأْمِرِي أبَوَيْكِ، قالتْ: ثُمّ قَرَأ هَذِهِ الآيةَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} الآيةَ.
ـــــــ
روايات أخرى منها ما أخرجه ابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس قال: دخلت حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم بيتها فوجدت معه مارية فقال لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة، إن أباك يلى هذا الأمر بعد أبي بكر إذا أنا مت، فذهبت إلى عائشة فأخبرتها فقالت له عائشة ذلك والتمست منه أن يحرم مارية فحرمها، ثم جاء إلى حفصة فقال أمرتك أن لا تخبري عائشة فأخبرتها فعاتبها ولم يعاتبها على أمر الخلافة. فلهذا قال الله تعالى: {عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} وأخرج الطبراني في الأوسط وفي عشرة النساء عن أبي هريرة نحوه بتمامه وفي كل منهما ضعف ثم قال: ويحتمل أن يكون مجموع هذه الأشياء كان سبباً لاعتزالهن وهذا هو اللائق بمكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم وسعة صدره وكثرة صفحة وأن ذلك لم يقع منه حتى تكرر موجبه منهن. قال: والراجح من الأقوال كلها قصة مارية لاختصاص عائشة وحفصة بها بخلاف العسل فإنه اجتمع فيه جماعة منهن، ويحتمل أن تكون الأسباب جميعها اجتمعت فأشير إلى أهمها. ويؤيده شمول الحلف للجميع ولو كان مثلاً في قصة مارية فقط لاختص بحفصة وعائشة انتهى. وقوله حين عاتبه الله قال العيني ويروي حتى عاتبه إنه وهذه هي الأظهر وعاتبه الله تعالى بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} فلما مضت تسع وعشرون أي ليلة "دخل على النبي صلى الله عليه وسلم" فيه أن من غاب عن أزواجه ثم حضر يبدأ بمن شاء منهن ولا يلزمه أن يبدأ من حيث بلغ ولا أن يقرع كذا قيل، ويحتمل أن تكون البداءة بعائشة لكونه اتفق أنه كان يومها قاله الحافظ "قال يا عائشة إني ذاكر لك شيئاً فلا تعجلي حتى تستأمري أبويك الخ" سبق شرحه في تفسير(9/231)
قَالتْ عَلِمَ والله أنّ أَبَوَيّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قالتْ: فَقُلْتُ أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَويّ فإنّي أُرِيدُ الله وَرَسُولَهُ والدّارَ الآخرةَ. قالَ مَعْمَرٌ: فأخْبَرَنِي أَيّوبُ أنّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَهُ يَا رَسُولَ الله لا تُخْبِرْ أَزْوَاجَكَ أَنّي اخْتَرْتُكَ. فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: إنّمَا بَعَثَنِي الله مُبَلّغاً وَلَمْ يَبْعَثْنِي مُتعنتاً" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن ابنِ عَبّاسٍ
ـــــــ
سورة الأحزاب "ولم يبعثني معنتاً" يقال تعنته أي أدخل عليه الأذى وطلب زلتة ومشقته. قال الحافظ: هذا منقطع بين أيوب وعائشة ويشهد لصحته حديث جابر انتهى. قلت: حديث جابر هذا رواه مسلم وفي آخره: وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت قال لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها أن الله تعالى لم يبعثني معنتا ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً ميسراً. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي.(9/232)
ومن سورة نون والقلم
بسم الله الرحمن الرحيم
3375 ـ حدثنا يَحْيَى بنُ مُوسَى أخبرنا أَبُو دَاوُدَ الطّيَالِسِيّ أخبرنا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ سُلَيْمٍ قالَ: "قَدِمْتُ مَكّةَ فَلَقِيتُ عَطَاءَ بنَ
ـــــــ
"ومن سورة نون والقلم"
مكية وهي اثنتان وخمسون آية
قوله: "وفي الحديث قصة" روى الترمذي هذا الحديث مع القصة في أواخر(9/232)
أبي ربَاحٍ فَقُلْتُ يَا أبا مُحمّدٍ إِنّ أنَاساً عِنْدَنَا يَقُولُونَ في القَدَرِ، فقالَ عَطَاءٌ لَقِيتُ الوَلِيدَ بنَ عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ فقَالَ حدّثنِي أبي قالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إنّ أَوّلَ ما خَلَقَ الله القَلَمَ فقالَ لَهُ اكْتُبْ فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إلى الأبَدِ" . وفي الْحَدِيثِ قِصّةٌ. هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَفِيهِ عَن ابنِ عَبّاسٍ.
ـــــــ
أبواب القدر وتقدم هناك شرحه. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" في سنده عبد الواحد بن سليم وهو ضعيف لكن أخرجه أبو داود من وجه آخر وسكت عنه هو والمنذري، وأخرجه أيضاً أحمد من طرق عن الوليد بن عبادة عن أبيه. قوله: "وفيه عن ابن عباس" أخرج حديثه الطبراني كما في تفسير ابن كثير.(9/233)
ومن سورة الحاقة
بسم الله الرحمن الرحيم
3376 ـ حدثنا عبدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ سَعْدٍ عَن عَمْرِو بنِ أبي قَيْسٍ عَن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ عَن عَبْدِ الله بنِ عُمَيرَةَ عَن
ـــــــ
"ومن سورة الحاقة"
مكية وهي إحدى أو اثنتان وخمسون آية
قوله: "عن عمرو بن أبي قيس" الرازي "عن عبد الله بن عميرة" بفتح العين المهملة وكسر الميم وبالراء. قال في التقريب كوفي مقبول من الثالثة، وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن الأحنف بن قيس عن العباس حديث(9/233)
الأحْنَفِ بنِ قَيْسٍ عَن العَبّاسِ بنِ عَبْدِ المُطّلِبِ قال: "زَعَمَ أنّهُ كانَ جَالِساً في البَطْحَاءِ في عِصَابَةِ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِيهِمْ إِذْ مَرّتْ عَلَيْهِمْ سَحَابَةٌ فَنَظَرُوا إِلَيْهَا فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: هَلْ تَدْرُونَ ما اسْمُ هَذِهِ؟ قالُوا نَعَمْ هَذَا السّحَابُ؟ فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: والمُزْنُ قالُوا: وَالمُزْنُ. قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: وَالعَنَانُ قالوا: وَالعَنَانُ. ثُمّ قالَ لَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بُعْدُ ما بَيْنَ السّمَاءِ وَالأرْضِ؟ فَقَالُوا: لاَ وَالله مَا نَدْرِي، قالَ: فإِنّ بُعْدَ مَا بَيْنَهمَا إمّا وَاحِدَةٌ وَإمّا اثْنَتَانِ أَوْ ثَلاَثٌ وسَبْعُونَ سَنَةً
ـــــــ
الأوعال وعنه سِمَاك بن حرب "عن الأحنف بن قيس" بن معاوية بن حصين التميمي السعدي أبي بحر اسمه الضحاك وقيل صخر مخضرم ثقة "عن العباس بن عبد المطلب" بن هاشم عم النبي صلى الله عليه وسلم مشهور مات سنة اثنتين وثلاثين أو بعدها وهو ابن ثمان وثمانين. قوله: "زعم" أي قال "أنه" أي العباس "كان جالساً في البطحاء" أي في المخصب وهو موضع معروف بمكة فوق مقبرة المعلا وقد تطلق على مكة، وأصل البطحاء على ما في القاموس مسيل واسع فيه دقاق الحصى "في عصابة" بكسر أوله أي مع جماعة من كفار مكة قال الطيبي استعمال زعم ونسبته إلى عباس رمز إلى أنه لم يكن حينئذ مسلماً ولا كانوا تلك العصابة مسلمين يدل عليه البطحاء "هل تدرون ما اسم هذه" إشارة إلى السحابة "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمزن" أي واسم هذه المزن أيضاً. قال في النهاية: المزن هو الغيم والسحاب واحدته مزنة وقيل هي السحابة البيضاء "قالوا والمزن" أي اسمها أيضاً المزن "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والعنان" كسحاب زنة ومعنى من عن أي ظهر في النهاية: العنان بالفتح السحاب والواحدة عنانة وقيل ما عن لك منها أي اعترض وبدا لك إذا رفعت رأسك "فإن بعد ما بينهما" أي مقدار بعد مسافة ما بين السماء(9/234)
والسّمَاءُ الّتِي فَوْقَهَا كَذَلِكَ حَتّى عَدّدَهُنّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ كَذَلِكَ، ثُمّ قالَ: فَوْقَ السّمَاءِ السّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أعْلاَهُ وَأسْفَلهِ كَمَا بَيْنَ سَمَاء إِلى سَمَاء، وفَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْن أَظْلاَفِهِنّ وَرُكَبِهِنّ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلى سَمَاءٍ ثُمّ فَوْقَ ظُهُورِهِنّ العَرْشُ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ السّمَاءِ إِلى السّمَاءِ وَالله فَوْقَ ذَلِكَ" . قالَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ سَمِعْتُ يَحْيى بنَ مَعِينٍ يَقُولُ ألاَ يُرِيدُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ سَعْدٍ أَنْ يَحُجّ حَتّى نَسْمَعَ مِنْه
ـــــــ
والأرض "إما واحدة وإما اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة" قيل وإما و أو للشك من الراوي وقيل للتنويع. قال الأردبيلي الرواية في خمس مائة أكثر وأشهر فإن ثبت هذا فيحتمل أن يقال إن ذلك باختلاف قوة الملك وضعفه وخفته وثقله فيكون بسير القوى أقل وبسير الضعيف أكثر، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: "إما واحدة وإما اثنتان وإما ثلاث وسبعون سنة" انتهى. قال الطيبي المراد بالسبعون في الحديث التكثير لا التحديد لما ورد من أن ما بين السماء والأرض وبين سماء وسماء مسيرة خمس مائة عام "والسماء التي فوقها" أي فوق سماء الدنيا كذلك أي في البعد "وفوق ذلك" أي البحر "ثمانية أوعال" جمع وعل وهو العنز الوحشي ويقال له تيس شاة الجبل والمراد ملائكة على صورة الأوعال "بين أظلافهن" جمع ظلف بكسر الظاء المعجمة للبقر والشاة والظبي بمنزلة الحافر للدابة والخف للبعير "وركبهن" جمع ركبة "ثم على ظهورهن العرش" أي هو محمول عليها "بين أسفله" أي العرش "مثل ما بين السماء إلى السماء" أي من كثرة البعد مع قطع النظر عن الحد وإلا فجميع المخلوقات بجنب العرش كحلقة في فلاة على ما ورد به في حديث "والله فوق ذلك" أي فوق العرش، وفيه دليل على أن الله تعالى فوق العرش وهذا هو الحق وعليه تدل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وهو مذهب السلف الصالحين من الصحابة والتابعين وغيرهم من أهل العلم رضوان العلم رضوان الله عليهم أجمعين. قالوا إن الله تعالى استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل والاستواء معلوم والكيف مجهول، والجهمية قد أنكروا العرش وأن يكون الله(9/235)
هَذَا الْحَدِيثُ. هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوى الولِيدُ بنُ أبي ثَوْرٍ عَن سِمَاكٍ نَحْوَهُ وَرَفَعُه. وَرَوَى شَرِيكٌ عن سِمَاكٍ بَعْضَ هَذَا الحَدِيثِ وَوقَفَهُ وَلَمْ يَرْفَعَهُ. وعَبْدُ الرّحْمَنِ هُوَ ابنُ عَبْدِ الله بنِ سَعْدٍ الرّازِيّ.
3377 ـ حدثنا يحيى بن موسى، أخبرنا عَبدُ الرّحْمَن بنُ عَبْدِ الله بنِ سَعْدٍ الرازي أَنّ أباهُ أَخْبَرَهُ قالَ: "رَأَيْتُ رَجُلاً ببُِخَارَى
ـــــــ
فوقه وقالوا إنه في كل مكان ولهم مقالات قبيحة باطلة، وإن شئت الوقوف على دلائل مذهب السلف والاطلاع على رد مقالات الجهمية الباطلة فعليك أن تطالع كتاب الأسماء والصفات للبيهقي، وكتاب أفعال العباد للبخاري وكتاب العلو للذهبي وأورد الترمذي هذا الحديث في تفسير قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} قوله: "ألا" حرف التحضيض "حتى يسمع" بصيغة المجهول "هذا الحديث" أي لم لا يحج عبد الرحمن بن سعد حتى يسمع منه في موسم الحج هذا الحديث الراد على الجهمية قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو داود من ثلاث طرق اثنتان منها قويتان "وروى الوليد بن ثور عن سماك نحوه ورفعه" أخرجه أبو داود وابن ماجة من هذا الطريق. قال الحافظ ابن القيم في تعليقات سنن أبي داود: أما رد الحديث بالوليد بن أبي ثور ففاسد فإن الوليد لم ينفرد به بل تابعه عليه إبراهيم بن طهمان كلاهما عن سماك ومن طريقه رواه أبو داود ورواه أيضاً عمرو بن أبي قيس عن سماك ومن حديثه رواه الترمذي عن عبد بن حميد أخبرنا عبد الرحمن بن سعد عن عمرو بن أبي قيس انتهى. ورواه ابن ماجة من طريق الوليد بن أبي ثور عن سماك، وأي ذنب للوليد في هذا وأي تعلق عليه إنما ذنبه روايته ما يخالف قول الجهمية انتهى كلامه مختصراً.
قوله: "أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد الرازي أن أباه أخبره" كذا في النسخ الحاضرة والصواب أن يكون هكذا أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن(9/236)
عَلَى بَغْلَةٍ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ ويَقُولُ كَسَانِيهَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم" .
ـــــــ
سعد الرازي عن أبيه أن أباه أخبره بزيادة لفظ عن أبيه بين الرازي وإن أباه، فإن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد يروي هذا الحديث عن أبيه عبد الله بن سعد وهو يرويه عن أبيه سعد أنه قال رأيت رجلاً ببخارى، والدليل على ذلك أن أبا داود روى هذا الحديث هكذا قال حدثنا عثمان بن محمد الأنماطي البصري أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله الرازي. وأخبرنا أحمد بن عبد الرحمن الرازي أخبرنا أبي قال أخبرني أبي عبد الله بن سعد عن أبيه سعد قال رأيت رجلاً ببخارى الخ، وكذا رواه النسائي والحاكم وقال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة عبد الله بن خازم روى أبو داود والترمذي والنسائي حديث عبد الله بن سعد بن عثمان الدشتكي عن أبيه قال رأيت رجلاً ببخارى الخ، وعبد الله بن سعد بن عثمان الدشتكي هذا صدوق من العاشرة وأبوه سعد بن عثمان مقبول من الخامسة "رأيت رجلاً" إسمه عبد الله بن خازم روى الحاكم من طريق عبد الله بن سعد عن أبيه. قال رأيت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ببخارى عليه عمامة خز سوداء هو يقول كسانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عبد الله بن خازم انتهى. وقال في الأطراف: قيل إن هذا الرجل عبد الله بن خازم السلمي أمير خرسان وقال الحافظ في التقريب: عبد الله بن خازم بمعجمتين السلمي أبو صالح نزل البصرة وولي إمرة خرسان وقتل بها بعد قتل مصعب بن الزبير سنة إحدى وسبعين يقال إنه الذي روى عنه الدشتكي قال رأيت رجلاً بخرسان عليه عمامة سوداء يقول كسانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي انتهى "وعليه" أي على الرجل "عمامة سوداء" وفي أبي داود عمامة خز سوداء "يقول كسانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم" قد استدل بهذا على جواز لبس الخف وأنت خبير بأن غاية ما في الحديث أنه أخبر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كساه عمامة الخز وذلك لا يستلزم جواز اللبس، وقد ثبت من حديث علي عند البخاري قال كساني النبي صلى الله عليه وسلم حلة سيراء فخرجت فيها فرأيت الغضب في(9/237)
ـــــــ
وجهه فشققتها بين نسائي فلم يلزم من قول علي جواز اللبس، وهكذا قال عمر لما بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم بحلة سيراء يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لم أكسكها لتلبسها" . هذا لفظ أبي داود، وبهذا يتبين لك أنه لا يلزم ملي قوله كساني جواز اللبس والله أعلم.
فإن قيل: لم أورد الترمذي هذا الحديث في تفسير هذه الصورة لا تعلق بها قلت لعله أورده ههنا لبيان أن عبد الرحمن بن سعد المذكور في سند الحديث المتقدم هو عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد الرازي وأنه من أتباع التابعين والله تعالى أعلم.(9/238)
ومن سورة سأل سائل
بسم الله الرحمن الرحيم
3378 ـ حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ أخبرنا رِشْدِينُ بنُ سَعْدٍ عَن عَمْرِو بنِ الحَارِثِ عَن دَرّاجٍ أَبي السّمْحِ عَن أَبي الهَيْثَمِ عَن أبِي سَعِيدٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {كالْمُهْلِ} قالَ: " كَعَكر الزّيْتِ فإِذَا قُرّبَ إِلى وَجْهِهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ فِيهِ" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ.
ـــــــ
"ومن سورة سأل سائل"
وتسمى المعارج مكية وهي أربع وأربعون آية
قوله: "عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله {كَالْمُهْلِ} تقدم هذا الحديث بشرحه في باب صفة شراب أهل النار.(9/238)
ومن سورة الجن
بسم الله الرحمن الرحيم
3379 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدِ حَدثني أبُو الْوَلِيدِ، أخبرنا أبُو عَوَانَةَ عَن أبي بِشْرٍ عَن سَعِيدٍ بنِ جُبَيْرٍ عَن ابنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما قالَ: "مَا قَرَأ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى الْجِنّ وَلاَ رَآهُمْ، انْطَلَقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في طائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلى سُوقِ
ـــــــ
"ومن سورة الجن"
مكية وهي ثمان وعشرون آية
قوله: "حدثني أبو الوليد" هو الطيالسي "حدثنا أبو عوانة" الوضاح ابن عبد الله اليشكري "عن أبي بشر" بكسر الموحدة وسكون المعجمة إسمه جعفر بن أبي وحشية. قوله: "ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم" أخرج البخاري في صحيحه حديث ابن عباس هذا لكن لم يذكر فيه هذه اللفظة. قال الحافظ كأن البخاري حذف هذه اللفظة عمداً لأن ابن مسعود أثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الجن فكان ذلك مقدماً على نفي ابن عباس وقد أشار إلى ذلك مسلم فأخرج عقب حديث ابن عباس هذا حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني داعي الجن فانطلقت معه فقرأت عليهم القرآن" ، ويمكن الجمع بالتعدد انتهى. وقال النووي: قال العلماء هما قضيتان، فحديث ابن عباس في أول الأمر وأول النبوة حين أتوا فسمعوا قراءة {قُلْ أُوحِيَ} ، واختلف المفسرون هل علم النبي صلى الله عليه وسلم استماعهم حال استماعهم بوحي إليه أم لم يعلم بهم إلا بعد ذلك، وأما حديث ابن مسعود فقضيته أخرى جرت بعد ذلك بزمان الله أعلم بقدره(9/239)
عُكَاظٍ وقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشّيَاطِينِ وبَيْنَ خَبَرِ السّموات وأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمِ الشّهُبُ فَرَجَعَتْ الشّيَاطِينُ إِلى قَوْمِهِمْ، فقَالُوا مالَكُمْ؟ قالُوا حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السّمَاءِ وأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشّهُبُ، فقالُوا ما حَالَ بَيْنَنَا وبَيْنَ خَبَرِ السّمَاءِ إلاّ مِنْ حَدَثٍ فاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ ومَغَارِبهَا فانْظُرُوا ما هَذَا الّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وبَيْن خَبَرِ السّمَاءِ، قالَ: فانْطَلَقُوا يَضْرِبُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبهَا يَبْتَغُونَ ما هَذَا الّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ خَبَرِ السّمَاءِ، فانْصَرَفَ أُولَئِكَ النّفَرُ الّذِينَ
ـــــــ
وكان بعد اشتهار الإسلام "عامدين" أي قاصدين "إلى سوق عكاظ" بضم المهملة وتخفيف الكاف وآخره ظاء معجمة بالصرف وعدمه موسم معروف للعرب من أعظم مواسمهم وهو نخل في وديان مكة والطائف يقيمون به شوال كله يتبايعون ويتفاخرون، وكان ذلك لما خرج عليه الصلاة والسلام إلى الطائف ورجع منها سنة عشر من المبعث لكن استشكل قوله في طائفة من أصحابه لأنه لما خرج إلى الطائف لم يكن معه من أصحابه إلا زيد بن حارثة، وأجيب بالتعدد أو أنه لما رجع لافاه بعض أصحابه في أثناء الطريق فرافقوه "وقد حيل" بكسر الحاء المهملة وسكون التحتانية بعدها لام أي حجز ومنع على البناء للمجهول "وأرسلت علينا الشهب" بضمتين جمع شهاب. قال الحافظ ظاهر هذا أن الحيلولة وإرسال الشهب وقعا في الزمان المقدم ذكره، والذي تضافرت به الأخبار أن ذلك وقع لهم من أول البعثة النبوية وهذا مما يؤيد تغاير زمن القصتين وأن مجيء الجن لاستماع القرآن كان قبل خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف بسنتين ولا يعكر على ذلك إلا قوله في هذا الخبر أنهم رأوه يصلي بأصحابه صلاة الفجر لأنه يحتمل أن يكون ذلك قبل فرض الصلوات ليلة الإسراء فإنه صلى الله عليه وسلم كان قبل الإسراء يصلي قطعاً وكذلك أصحابه ولكن اختلف هل افترض قبل الخمس شيء من الصلاة أم لا؟ فيصبح على هذا(9/240)
تَوَجّهُوا إلى نَحْو تِهَامَةَ إِلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِداً إلى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلّي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الفَجْرِ فَلَمّا سَمِعُوا القُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فقالُوا هذَا والله الّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وبَيْنَ خَبَرِ السّمَاءِ، قالَ: فَهُنَالِكَ رَجَعُوا إلى قَوْمِهِمْ فقالُوا يَا قَوْمَنَا {إِنّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلى الرّشْدِ فَآمَنّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبّنَا أحَداً} فأنْزَلَ الله تَبَارَكَ
ـــــــ
قول من قال: إن الفرض أولاً كان صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها والحجة في قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} ونحوها من الآيات فيكون إطلاق صلاة الفجر في حديث الباب باعتبار الزمان لا لكونها إحدى الخمس المفترضة ليلة الإسراء فتكون قصة الجن متقدمة من أول المبعث انتهى "فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها" بالنصب على الظرفية أي سيروا في الأرض كلها "نحو تهامة" بكسر المثناة اسم لكل غير عال من بلاد الحجاز سميت بذلك لشدة حرها اشتقاقاً من التهم بفتحتين وهو شدة الحر وسكون الريح، وقيل من تهم الشيء إذا تغين قيل لها ذلك لتغير هوائها قال البكري حدها من جهة الشرق ذات عرق. ومن قبل الحجاز السرج بفتح المهملة وسكون الراء بعدها جيم قرية من عمل الفرع بينها وبين المدينة اثنان وسبعون ميلاً "وهو بنخلة" بفتح النون وسكون المعجمة موضع بين مكة والطائف قال الكبرى على ليلة من مكة وهو غير منصرف للعلمية والتأنيث "استمعوا له" أي أصغوا إليه "هذا والله الذي" أي الحدث الذي "فهنالك" ظرف مكان والعمل فيه رجعوا مقداراً يفسره المذكور {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً} أي يتعجب منه في فصاحة لفظه وكثرة معانية قائمة فيه دلائل الإعجاز، وعجباً مصدر ووصف به للمبالغة أو على حذف المضاف أي ذا عجب {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} أي يدعو إلى الصواب وقيل يهدي إلى التوحيد والإيمان {فَآمَنَّا بِهِ} أي بالقرآن، قال الماوردي: ظاهر هذا أنهم آمنوا عند سماع القرآن قال والإيمان يقع بأحد أمرين إما بأن يعلم حقيقة الإعجاز وشروط المعجزة فيقع له العلم بصدق الرسول أو يكون عنده(9/241)
وَتعالى عَلَى نَبِيّهِ صلى الله عليه وسلم {قُلْ أُوحِيَ إليّ أَنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنّ} وإِنّمَا أُوحِيَ إلَيْهِ قَوْلُ الجِنّ" قال: وبِهَذَا الإسْنَادِ عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قَوْلُ الْجِنّ لِقَوْمِهِمْ {لَمّا قامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} قالَ: لمَا رَأَوْهُ يُصَلّي وأَصْحَابُهُ يُصَلّونَ بِصَلاَتِهِ ويَسْجُدُونَ بِسُجُودِهِ قالَ: فَعَجبُوا مِنْ طَوَاعِيَةِ أَصْحَابِهِ لَهُ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ
ـــــــ
علم من الكتب الأولى فيها دلائل على أنه النبي المبشر به وكلا الأمرين في الجن محتمل {ولن نشرك} أي بعد اليوم {قُلْ} يامحمد للناس {أُوحِيَ إِلَيَّ} أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبر قومه بواقعة الجن ويظهرها لهم ليعرفوا بذلك وأنك مبعوث إلى الجن كالإنس ولتعلم قريش أن الجن مع تمردهم لما سمعوا القرآن وعرفوا إعجازه آمنوا به، والمعنى أخبرت بالوحي من الله {أَنَّهُ} الضمير للشأن {اسْتَمَعَ} أي لقراءتي "وإنما أوحي إليه قول الجن" أي لقولهم إنا سمعنا الخ وهذا كلام ابن عباس كأنه تقرر فيه ما ذهب إليه أولاً أنه صلى الله عليه وسلم لم يجتمع بهم وإنما أوحى الله إليه بأنهم استمعوا، ومثله قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا} الآية، ولكن لا يلزم من عدم ذكر اجتماعه بهم حين استمعوا أن لا يكون اجتمع بهم بعد ذلك، وحديث ابن عباس هذا أخرجه الشيخان والنسائي أيضاً {لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} بكسر اللام وفتح الباء جمع لبدة بكسر ثم سكون نحو قربة وقرب واللبدة واللبد الشيء الملبد أي المتراكم بعضه على بعض وبه سمي اللبد الذي يفرش لتراكم صرفه "قال" أي ابن عباس "لما رأوه يصلي" أي بسبب أن رأى الجن النبي صلى الله عليه وسلم حال كونه يصلي "تعجبوا من طواعية أصحابه له" أي من انقيادهم له، والطواعية الطاعة {لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} أي النبي صلى الله عليه وسلم {يَدْعُوهُ} أي يصلي ويتلو القرآن {كَادُوا يَكُونُونَ} أي أصحابه صلى الله عليه وسلم {عَلَيْهِ لِبَداً} أي مجتمعين عليه. وحديث ابن عباس هذا أخرجه أيضاً عبد بن حميد والحاكم وابن جرير في تفسيره. وروي(9/242)
{لَمّا قامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3380 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ يَحْيَى، أخبرنا مُحمّدُ بنُ يُوسُفَ، أخبرنا إسْرَائِيلُ، أخبرنا أَبُو إسْحَاقَ عَن سَعيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَن ابنِ عَبّاسٍ قالَ: "كانَ الجِنّ يَصْعَدُونَ إلى السّمَاءِ يَسْتَمِعُونَ الوَحْي فإِذَا سَمِعُوا الكَلِمَةَ زَادُوا فِيهَا تِسْعاً. فأمّا الكَلِمَةُ فَتَكُونُ حَقّا وَأَمّا ما زَادُوه فَيَكُونُ بَاطِلاً. فَلَمّا بُعِثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُنِعُوا مَقَاعِدَهُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لإبْلِيسَ وَلَمْ تَكُنِ النّجُومُ يُرْمَى بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فقالَ لَهُمْ إِبْلِيِسُ ما هَذَا إِلاّ مِنْ أَمْرٍ قَدْ حَدَثَ في الأرْضِ،
ـــــــ
عن ابن عباس قول آخر وهو ما روى العوفي عنه يقول لما سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن كادوا يركبونه من الحرص لما سمعوه يتلو القرآن ودنوا منه فلم يعلم بهم حتى أتاه الرسول يقرئه {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} يستمعون القرآن. أخرجه ابن جرير وابن مردويه.
قوله: "حدثنا محمد بن يحيى" الظاهر أنه الإمام الذهلي "أخبرنا محمد بن يوسف" الضبي الفريابي "أخبرنا أبو إسحاق" السبيعي. قوله: "زادوا فيها" أي في الكلمة المسموعة "تسعا" أي تسع كلمات، والمراد التكثير لا التحديد، ففي رواية عشرا وفي رواية أضعافاً "فأما الكلمة" أي المسموعة "منعوا" بصيغة المجهول والضمير للجن "مقاعدهم" جمع مقعد إسم مكان أي من الصعود إليها والقعود فيها، وفي رواية أحمد: كان أحدهم لا يأتي مقعده إلا يرمي بشهاب يحرق ما أصاب " ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك" أي بهذه الكثرة والشدة. قال ابن قتيبة: إن الرجم كان قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لم يكن مثل ما كان بعد مبعثه في شدة الحراسة، وكانوا يسترقون في بعض الأحوال، فلما بعث(9/243)
فَبَعَثَ جُنُودَهُ فَوَجَدُوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قائِماً يُصَلّي بَيْنَ جَبَلَيْنِ أُرَاهُ قالَ بِمَكّةَ فَأتوهُ فأخْبَرُوهُ فقالَ هَذَا الْحَدَثُ الذِي حَدَثَ في الأَرْضِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
منعوا من ذلك أصلاً. فعلى هذا القول يكون حمل الجن على الضرب في الأرض وطلب السبب إنما كان لكثرة الرجم ومنعهم عن الاستراق بالكلية. وقيل كانت الشهب قبل مرئية ومعلومة لكن رجم الشياطين وإحراقهم لم يكن إلا بعد نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم "فبعث" أي إبليس "أراه" بضم الهمزة أي أظنه، والظاهر أن هذا قول الترمذي والضمير المنصوب راجع إلى محمد بن يحيى، وفي رواية أحمد: يصلي بين جبلي نخلة "فلقوه" أي لقيت جنود إبليس "فقال" أي إبليس لجنوده "هذا الحدث الذي حدث في الأرض" أي هذا هو الأمر الذي حال بينكم وبين خبر السماء. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والنسائي.(9/244)
ومن سورة المدثر
بسم الله الرحمن الرحيم
3381 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ حدثنا معمر عَن الزّهْرِيّ عَن أَبي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنهما قال: "سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُحَدّثُ عَن فَتْرَةِ الوَحْيِ فقالَ في حَدِيثِهِ:
ـــــــ
"ومن سورة المدثر"
مكية وهي خمس وخمسون آية
قوله: "عن أبي سلمة" هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
قوله: "وهو يحدث عن فترة الوحي" أي في حال التحديث عن احتباس الوحي عن النزول "فإذا(9/244)
بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتاً مِنَ السّمَاءِ فَرَفعْتُ رَأْسِي فإذَا المَلَكُ الّذِي جَاءَنِي بِحراءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيّ بَيْنَ السّمَاءِ وَالأَرْضِ فَجَثِثْتُ مِنْهُ رُعْباً فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ زَمّلُونِي زَمّلُونِي فَدَثّرُوني، فأنْزَلَ الله تعالى: {يَا أَيّهَا المُدّثّرُ قُمْ فأنْذِرْ} إلى قَوْلِهِ {وَالرّجْزَ فاهْجُرْ} قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصّلاةُ" .
ـــــــ
الملك جاءني بحراء" هو جبرئيل حين أتاه بقوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ثم إنه حصل بعد هذا فترة ثم نزل الملك بعد هذا "جالس على كرسي" خبر عن الملك الذي هو مبتدأ، وقوله الذي جاءني بحراء صفته "فجثثت منه" بضم الجيم وكسر المثلثة بعدها مثلثة أخرى ساكنة، وفي رواية البخاري فجثثت بضم الجيم وكسر الهمزة بعدها مثلثة ومعناهما فزعت ورعبت. قال أهل اللغة: جئث الرجل إذا فزع فهو مجثوث قال الخليل والكسائي: جئث وجثث فهو مجئوث ومجثوث أي مذعور فزع "فقلت زملوني زملوني" أي لفوني، يقال زمله في ثوبه إذا لفه فيه، وفي رواية للبخاري: "دثروني وصبوا على ماءاً بارداً" . قال الحافظ: وكأن الحكمة في الصب بعد التدثر طلب حصول السكون لما وقع في الباطن من الانزعاج أو أن العادة أن الرعدة تعقبها الحمى وقد عرف من الطب النبوي معالجتها بالماء البارد {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} أي النبي وأصله المتدثر إدغمت التاء في الدال أي المتلفف بثيابه عند نزول الوحي عليه وإنما سماه مدثراً لقوله صلى الله عليه وسلم: "دثروني" {قُمْ فَأَنْذِرْ} أي خوف الناس وحذرهم من عذاب ربك إن لم يؤمنوا، والمعنى قم من مضجعك ودثارك، وقيل قم قيام عزم واشتغل بالإنذار الذي تحملته، وبعده {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} أي عظم ربك عما يقوله عبدة الأوثان {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} أي من النجاسات والمستقذرات وذلك أن المشركين لم يكونوا يحترزون عنها فأمر صلى الله عليه وسلم بصون ثيابه من النجاسات وغيرها خلافاً للمشركين، وذكر في معناه وجود أخرى {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} أي اترك الأوثان ولا تقربها. وقال ابن عباس: اترك المآثم وقيل الشرك، والمعنى اترك كل ما أوجب لك العذاب من الأعمال والأقوال وعلى(9/245)
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بنُ أَبي كَثِيرٍ عَن أَبي سَلَمَةَ بنِ عبدِ الرّحْمَن أيضا.
3382 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ أخبرنا الحَسَنُ بنُ مُوسَى عَن ابنِ لَهِيعَةَ عَن دَرّاجٍ عَن أَبِي الهَيْثَمِ عَن أَبي سَعِيدٍ عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ "الصّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يَتَصَعّدُ فِيهِ الكافر سَبْعِينَ خَرِيفاً ثُم يهوى بِهِ كَذَلِكَ فيه أَبَداً" هَذا حديثٌ غَريبٌ إِنّمَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً مِنْ حَدِيثِ ابنِ لَهِيعَةَ. وَقَدْ رُوِيَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا عَن عَطِيّةَ عَن أَبِي سَعِيدٍ مَوْقُوفٌ.
3383 ـ حدثنا ابنُ أَبي عُمَر، أخبرنا سُفْيَانُ عَن مُجَالِدٍ عَن الشّعْبِيّ عَن جَابرِ بن عبد الله قَالَ "قَالَ نَاسٌ مِنَ اليَهُودِ لاِنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم: هَلْ يَعْلَمُ نَبِيّكُمْ كَمْ عَدَدُ خَزَنَةِ جَهَنّمَ؟ قَالُوا لا نَدْرِي حَتّى
ـــــــ
كل تقدير فلا يلزم تلبسه بشيء من ذلك كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} " قبل أن تفرض الصلاة" كأنه أشار بهذا إلى أن تطهير الثياب كان مأموراً به قبل أن تفرض الصلاة. قاله الحافظ. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والشيخان.
قوله: "الصعود جبل من نار الخ" سبق هذا الحديث مع شرحه في باب صفة قعر جهنم.
قوله: "عن مجالد" بن سعيد الهمداني قوله: "غلب أصحابك" بصيغة المجهول(9/246)
نَسْألَ نَبِيّنَا، فَجَاءَ رَجُلٌ إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا مُحَمّدُ غُلِبَ أصْحَابُكَ اليَوْمَ، قَالَ: وَبِمَا غُلِبُوا؟ قَالَ سَأَلَهُمْ يَهُودُ هَلْ يَعْلَمُ نَبِيّكُمْ كَمْ عَدَدُ خَزَنَةِ جَهَنّمَ، قالَ: فَمَا قالُوا؟ قالَ قالُوا لا نَدْرِي حَتّى نَسْألَ نَبِيّنَا، قالَ: أَيُغْلَبُ قَوْمٌ سُئِلُوا عَمّا لا يَعْلَمُونَ فقالُوا: لا نَعْلَمُ حَتّى نَسْألَ نَبِيّنَا، لَكِنّهُمْ قَدْ سألُوا نَبِيّهُمْ فقالُوا أَرِنَا الله جَهْرَةً، عَلَيّ بِأعْدَاءِ الله إِنّي سائِلُهُمْ عَن تُرْبَةِ الْجَنّةِ وَهِيَ الدَرْمَكُ، فَلَمّا جاؤُوا قالُوا يَا أَبَا القاسِمِ كَمْ عَدَدُ خَزَنَةِ جَهَنّمَ؟ قالَ: هَكَذَا، وَهكَذَا في مَرّةٍ عَشرَةٌ وَفي مَرّةٍ تِسْعَةُ، قالُوا نَعَمْ، قالَ لَهم النبيّ صلى الله عليه وسلم ما ترْبَةُ الجَنّةِ؟ قالَ فَسَكَتُوا هُنَيْهَةً ثُمّ قالُوا أخُبْزَةٌ يا أبَا القاسِمِ؟ فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: الخُبْزُ مِنَ الدّرْمَكِ" . هَذا حديثٌ إِنّمَا نَعْرِفُه مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَديثِ مُجَالِدٍ.
3384 ـ حدثنا الحَسُنُ بنُ الصّبّاحِ البَزّارُ، أخبرنا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ، أَخبرنا سُهَيْلُ بنُ عَبْدِ الله القُطَعِيّ وهُو أخُو حَزْمٍ بن
ـــــــ
أي صاروا مغلوبين "وبما غلبوا" أي بأي شيء غلبوا "قال فما قالوا" أي قال النبي صلى الله عليه وسلم: فما قال أصحابي في جوابهم "أفغلب الخ" الاستفهام للإنكار "لكنهم قد سألوا نبيهم" أي لم يقتصر اليهود بأمثال من هذا السؤال على أصحابي لكنهم سألوا نبيهم "جهرة" أي عياناً "علي" بتشديد الياء "بأعداء الله" أي إيتني بهم وادعهم "وهي الدرمك" كجعفر دقيق الحواري والتراب الناعم "فلما جاؤا" أي اليهود "فسكتوا هنيهة" بضم هاء وفتح نون وسكون تحتية وفتح هاء أخرى أي زماناً قليلاً "خبزة" أي هي خبزة وأورد الترمذي هذا الحديث في تفسير قوله تعالى وعليها تسعة عشر قوله: "هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث مجالد" وكذلك قال البزار بعد إخراجه ومجالد هذا ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره.(9/247)
أَبي حَزْمِ القُطَعِيّ عَن ثَابِتٍ، عَن أنَسٍ بنِ مَالِكٍ عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قالَ في هَذِهِ الآيةِ: {هُوَ أَهْلُ التّقْوَى وَأَهْلُ المَغْفِرَةِ} قالَ: قال "الله عز وجلّ أَنَا أَهْلُ أَنْ اتّقَى فَمَنِ اتّقَانِي فَلَمْ يَجْعَلْ مَعِيَ إلهاً فأَنَا أَهْلُ أنْ أَغْفِرَ لَهُ" . هَذا حديثٌ حسن غَريبٌ وَسُهَيْلٌ لَيْسَ بِالْقَويّ في الحَدِيثِ وقَدْ تَفَرّدَ سُهَيْلٌ بِهَذَا الحَدِيثِ عَن ثَابِتٍ.
ـــــــ
قوله: "أخبرنا زيد بن حباب" أبو الحسن العكلي. قوله: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى} أي هو الحقيق بأن يتقيه المتقون بترك معاصيه والعمل بطاعته {وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} أي هو الحقيق بأن يغفر للمؤمنين ما فرط منهم من الذنوب والحقيق بأن يقبل توبة التائبين من العصاة فيغفر ذنوبهم "فمن اتقاني" أي خافني "فأنا أهل أن أغفر له" أي لمن اتقاني. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة والبزار وأبو يعلي وابن أبي حاتم وابن مردويه وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة وابن عمر وابن عباس مرفوعاً نحوه.(9/248)
ومن سورة القيامة
بسم الله الرحمن الرحيم
3385 ـ حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عَن مُوسَى بنِ أَبي عَائِشَةَ عَن سَعيدِ بنُ جُبَيْرٍ عَن ابن عَبّاسٍ قالَ: "كَان رَسُولُ
ـــــــ
"ومن سورة القيامة"
مكية وهي أربعون آية
قوله: "أخبرنا سفيان" هو ابن عيينة "عن موسى بن أبي عائشة" الهمداني(9/248)
صلى الله عليه وسلم إذَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ يُحَرّكُ بِهِ لِسَانَهُ يُرِيدُ أنْ يَحْفَظَهُ فأَنْزَلَ الله تبَارَكَ وَتَعَالى {لا تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} قالَ فَكَان يُحَرّكُ بِهِ شَفَتَيْهِ وَحَرّكَ سُفْيَانُ شَفَتَيْهِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. قالَ عَلِيّ بنُ المَدِينيّ قالَ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ القَطّانُ: كانَ سُفْيَانُ الثّوْرِيّ يُحْسِنُ الثّنَاءِ عَلَى مُوسى بنِ أَبي عَائِشَةَ خَيْراً.
3386 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ قال: حدثني شَبَابَةُ عَن إسْرَائِيلَ
ـــــــ
مولاهم أبي الحسن الكوفي ثقة عابد من الخامسة. قوله: "يحرك به لسانه" وفي رواية للبخاري: وكان بما يحرك به لسانه وشفتيه "يريد" أي النبي صلى الله عليه وسلم بهذا التحريك "أن يحفظه" أي القرآن {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} أي لا تحرك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي لتأخذه على عجل مخافة أن يتفلت منك، ومثل هذا قوله تعالى: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} الآية. وبعده {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} أي في صدرك حتى لا يذهب عليك منه شيء {وَقُرْآنَهُ} أي إثبات قراءته في لسانك وهو تعليل للنهي قال الفراء القراءة القرآن مصدران فإذا قرأناه أي أتممنا قراءته عليك بلسان جبرئيل عليه السلام وبيناه فأتبع قرآنه فاستمع قراءته وكررها حتى يرسخ في ذهنك، والمعنى لا تسكن قراءتك مقارنة لقراءة جبرئيل عليك بل اسكت حتى يتم جبرئيل ما يوحي إليك فإذا فرغ جبريل من القراءة فخذ أنت فيها، وجعل قراءة جبريل قراءته لأنه بأمره نزل الوحي {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} أي تفسير ما فيه من الحلال والحرام وبيان ما أشكل من معانيه "قال فكان يحرك به شفتيه وحرك سفيان شفتيه" وفي رواية للبخاري: فقال ابن عباس رضي الله عنهما فأنا أحركهما لك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما وقال سعيد: أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس رضي الله عنهما يحركهما فحرك شفتيه قال العيني: ومثل هذا الحديث يسمى بالمسلسل بتحريك الشفة لكن لم يتصل بسلسلة وقل في المسلسل الصحيح. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والشيخان.(9/249)
عَن ثُوَيْرٍ قالَ: سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلى جِنَانِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ وأَكْرَمهُمْ عَلَى الله عَزّ وَجَلّ مَنْ يَنْظُرُ إلى وَجْهِهِ غُدْوَةً وعَشِيّةً ثُمّ قَرَأَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلى رَبّهَا ناظِرَةٌ} .
هَذا حديثٌ غَرِيبٌ وَقَدْ رواه غَيْرُ وَاحِدٍ عَن إِسْرَائِيلَ مِثْلَ هَذَا مَرْفُوعاً، ورَوَى عَبْدُ المَلِكِ بنُ الجبر عَن ثُوَيْر عَن ابنِ عُمَرَ قَوْلَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ. وَرَوى الأَشْجَعِيّ عَن سُفْيَانَ عَن ثُوَيْرٍ عَن مُجَاهِدٍ عَن ابنِ عُمَرَ قَوْلَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ وَمَا نَعْلَمُ أَحَداً ذَكَرَ فِيهِ عَن مُجَاهِدٍ غَيْرَ الثّوْرِيّ.
ـــــــ
قوله: "إن أدنى أهل الجنة منزلة الخ" مضى هذا الحديث مع شرحه في باب رؤية الرب تبارك وتعالى من أبواب صفة الجنة.(9/250)
ومن سورة عبس
بسم الله الرحمن الرحيم
3387 ـ حدثنا سَعِيدُ بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ الأَمَوِيّ "قال": حدّثنِي أبي قالَ: هَذَا ما عَرَضْنَا عَلَى هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَن أَبِيهِ عَن
ـــــــ
"ومن سورة عبس"
وتسمى سورة السفرة وسورة الأعمى مكية وهي إحدى أو اثنتان وأربعون آية.
قوله: "هذا ما عرضنا على هشام بن عروة" أي هذا ما قرأناه على هشام بن(9/250)
عائِشَةَ قالَتْ: "أُنْزِلَ {عَبَسَ وَتَوَلّى} في ابنِ أُمّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى أَتَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يَقُولُ يا رَسُولَ الله أرْشِدْنِي. وَعِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ المُشْرِكِينَ فَجَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعْرِضُ عَنْهُ ويُقْبِلُ عَلَى الآخر وَيَقُولُ: أَتَرَى بِمَا أَقُولُ بَأْسَاً؟ فَيَقُولُ لاَ، فَفِي هَذَا أُنْزِلَ" . هَذا حديثٌ حسن غَريبٌ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَن أَبِيهِ قالَ: أُنْزِلَ {عَبَسَ وَتَوَلّى} في ابنِ أُمّ مَكْتُومٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَن عَائِشَةَ.
3388 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ الفَضْلِ، أخبرنا ثابِتُ بنُ يَزِيدَ عَن هِلاَلِ بنِ خَبّابٍ عَن عِكْرِمَةَ عَن ابنِ عَبّاسٍ
ـــــــ
عروة وهو يسمع قوله: {عَبَسَ} أي النبي صلى الله عليه وسلم كلح وجهه وقطب {وَتَوَلَّى} أي أعرض "في ابن أم مكتوم" اسمه عمرو بن زائدة ويقال عمرو بن قيس بن زائدة وقيل اسمه عبد الله والأول أكثر وأشهر، وأم مكتوم أمه "أتى" أي ابن أم مكتوم "أرشدني" أي علمني "يعرض عنه" أي عن ابن أم مكتوم "ويقول" أي للرجل المشرك "أترى بما أقول" أي من التوحيد "بأساً" أي ضرراً وحرجاً "فيقول لا" وفي رواية الموطأ: ويقول "يا أبا فلان هل ترى بما أقول بأساً" ؟ فيقول لا والدماء ما أرى بما تقول بأساً. والدماء جمع دمية وهي الصورة يريد بها الأصنام. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه ابن حبان وأبو يعلي وابن جرير "وروى بعضهم هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه قال أنزل {عَبَسَ وَتَوَلَّى} الخ" رواه مالك في الموطأ.
قوله: "أخبرنا محمد بن الفضل" السدوسي الملقب بعارم "أخبرنا ثابت بن يزيد"(9/251)
عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً. فقاَتْ امْرَأَةٌ: أَيُبْصِرُ أَوْ يَرَى بَعْضُنَا عَوْرَةَ بَعْضٍ؟ قالَ: يَا فُلاَنَةُ {لِكُلّ امرئ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. قد رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ.
ـــــــ
الأحول "عن هلال بن خباب" العبدي البصري. قوله: "تحشرون حفاة" بضم المهملة وتخفيف الفاء جمع حاف أي بلا خف ولا نعل "عراة" بضم العين جمع عار وهو الذي لا ستر له "غرلاً" بضم الغين المعجمة وسكون الراء جمع أغرل وهو الأقلف أي غير مختونين "أيبصر" بضم الياء من الإبصار "أو يرى" شك من الراوي {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} أي لكل إنسان يوم القيامة حال يشغله عن شأن غيره ويصرفه عنه أي يشتغل كل واحد بنفسه. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه النسائي وابن أبي حاتم.(9/252)
ومن سورة إذا الشمس كورت
بسم الله الرحمن الرحيم
3389 ـ حدثنا عَبّاسُ بنُ عَبْدِ العَظِيمِ العَنْبَرِيّ، أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ أخبرنا عَبْدُ الله بنُ بُجيرٍ عَن عَبْدِ الرّحْمَن وهُوَ ابنُ يَزِيدَ الصَنْعَانيّ قالَ سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "مَنْ سَرّهُ أَنْ يَنْظُرَ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ كأَنّهُ رَأَيُ عَيْنٍ فَلْيَقْرَأْ: {إذَا
ـــــــ
"ومن سورة إذا الشمس كورت"
وتسمى سورة التكوير مكية وهي تسع وعشرون آية
قوله: "عن عبد الرحمن وهو ابن يزيد الصنعاني" أبو محمد القاص صدوق من الرابعة. قوله: "من سره" أي أعجبه "أن ينظر إلى يوم القيامة" أي(9/252)
الشّمْسُ كُوّرتْ} و {إِذَا السّمَاءُ انْفَطَرَتْ} و {إِذَا السّمَاءُ انْشَقّتْ} " .
ـــــــ
أحواله وأن يطلع في أهواله "كأنه رأى عين" تقول جعلت الشيء رأى عينك وبمرأى منك أي حذاءك ومقابلك يحيث تراه وهو منصوب على المصدر أي كأنه يراه رأى العين "فليقرأ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} " قال الحافظ ابن كثير: قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} يعني أظلمت، وقال العوفي عنه ذهبت، وقال مجاهد اضمحلت وذهبت، وكذا قال الضحاك وقال قتادة ذهب ضوؤها. وقال سعيد بن جبير: كورت غورت، وقال الربيع بن خيثم: كورت يعني رمي بها، وقال أبو صالح: كورت ألقيت وعنه أيضاً نكست. وقال زيد بن أسلم: تقع في الأرض. قال ابن جرير: والصواب من القول عندنا في ذلك أن التكوير جمع الشيء بعضه على بعض ومنه تكوير العمامة وجمع الثياب بعضها إلى بعض فمعنى قوله تعالى: {كُوِّرَتْ} بعضها إلى بعض ثم لفت فرمى بها وإذا فعل بها ذلك ذهب ضوؤها. انتهى كلام الحافظ ابن كثير و {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} أي انشقت و {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} أي انصدعت والمراد هذه السور فإنها مشتملة على ذكر أحوال يوم القيامة وأهواله. وحديث ابن عمر هذا أخرجه أيضاً أحمد والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه.(9/253)
ومن سورة ويل للمطففين
بسم الله الرحمن الرحيم
3390 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ أخبرنا اللّيْثُ عَن ابنِ عَجْلاَنَ عَن القَعْقَاعِ
ـــــــ
"ومن سورة ويل للمطففين"
مدنية في قول ومكية في قول وقيل فيها ثمان آيات مكية وهي من قوله: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} إلى آخرها، وقيل فيها آية مكية وهي قوله تعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} وقيل إنها نزلت بين مكة والمدينة زمن الهجرة وهي ست وثلاثون آية(9/253)
ابنِ حَكِيمٍ عَن أَبي صَالِحٍ عَن أبي هُرَيْرَةَ عَن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّ العَبْدَ إذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ في قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءٌ فإِذَا هو نَزَعَ واستَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُه وَإنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتّى تَعْلُو قَلْبَهُ وهُوَ الرّانُ الذّي ذَكَرَ الله {كَلاّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كانوا يَكْسِبُونَ} " . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
قوله: "إن العبد إذا أخطأ خطيئة" وفي رواية أحمد: إن المؤمن إذا أذنب ذنباً "نكتت في قلبه" بصيغة المجهول من النكت وهو في الأصل أن تضرب في الأرض بقضيب فيؤثر فيها "نكتة سوداء" أي جعلت في قلبه نكتة سوداء أي أثر قليل كالنقطة شبه الوسخ في المرآة والسيف ونحوهما. وقال القاري أي كقطرة مداد تقطر في القرطاس، ويختلف على حسب المعصية وقدرها، والحمل على الحقيقة أولى من جعله من باب التمثيل والتشبيه حيث قيل شبه القلب بثوب في غاية النقاء والبياض. والمعصية بشيء في غاية السواد أصاب ذلك الأبيض فبالضرورة أنه يذهب ذلك الجمال منه وكذلك الإنسان إذا أصاب المعصية صار كأنه حصل ذلك السواد في ذلك البياض "فإذا هو" أي العبد "نزع" أي نفسه عن ارتكاب المعاصي "واستغفر" أي سأل الله المغفرة "وتاب" أي من الذنب "سقل قلبه" بالسين المهملة على البناء للمفعول، وفي رواية أحمد صقل بالصاد. قال في القاموس: السقل الصقل وقال فيه صقله جلاه انتهى. والمعنى نظف وصفى مرآة قلبه لأن التوبة بمنزلة المصقلة تمحو وسخ القلب وسواده حقيقياً أو تمثيلياً "وإن عاد" أي العبد في الذنب والخطيئة "زيد فيها" أي في النكتة السوداء "حتى تعلو" أي للنكت "قلبه" أي تطفئ نور قلبه فتعمي بصيرته "وهو" الأثر المستقنح المستعلي "الران الذي ذكر الله" أي في كتابه وأدخل اللام على ران وهو فعل إما لقصد حكاية اللفظ وإجرائه مجرى الاسم وإما لتنزيله منزلة المصدر {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} قال الحافظ ابن كثير: أي ليس الأمر كما زعموا ولا كما قالوا إن هذا القرآن(9/254)
3391 ـ حدثنا يَحْيَى بنُ دُرُسْتَ البَصْرِيّ، أخبرنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عَن أَيّوبَ عَن نافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ قالَ حَمّادٌ: هُوَ عِنْدَنَا مَرْفُوعٌ {يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ العَالَمِينَ} قال: "يَقُومُونَ في الرّشْحِ إلى أَنْصَافِ آذَانِهِمْ" .
3392 ـ حدثنا هَنّادٌ أخبرنا عِيسَى بنُ يُونُسَ عَن ابنِ عَوْنٍ عَن نَافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ عَن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: " {يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ العَالَمِينَ} قالَ: يَقُومُ أَحَدُهُمْ في الرّشْحِ إِلى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ" . هَذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَفيهِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ.
ـــــــ
أساطير الأولين بل هو كلام الله ووحيه وتنزيله على رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما حجب قلوبهم عن الإيمان به ما عليها من الران الذي قد لبس قلوبهم من كثرة الذنوب والخطايا، والرين يعتري قلوب الكافرين والغيم للأبرار والغين للمقربين انتهى. قلت: أصل الران والرين الغشاوة وهو كالصدإ على الشيء الصقيل. قال الطيبي: الران والرين سواء كالعاب والعيب، والآية في الكفار إلا أن المؤمن بارتكاب الذنب يشبههم في اسوداد القلب ويزداد ذلك بإزدياد الذنب. قال ابن الملك: هذه الآية مذكورة في حق الكفار لكن ذكرها صلى الله عليه وسلم تخويفاً للمؤمنين كي يحترزوا عن كثرة الذنب كيلا تسود قلوبهم كما اسودت قلوب الكفار ولذا قيل المعاصي بريد الكفر قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم.
قوله: "عن أيوب" بن أبي تميمة السختياني "يقومون في الرشح" بفتحتين أي في العرق، وتقدم شيء من الكلام على هذا الحديث في أوائل صفة القيامة.
قوله: "أخبرنا عيسى بن يونس" السبيعي الكوفي "عن ابن عون" هو عبد الله ابن عون بن أرطبان. قوله: "إلى أنصاف أذنيه" هو من إضافة الجمع إلى الجمع(9/255)
ـــــــ
حقيقة ومعنى لأن لكل واحد أذنين قاله العيني. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والشيخان. قوله: "وفيه عن أبي هريرة" أي وفي معنى حديث ابن عمر المذكور حديث أبي هريرة وهو ما أخرجه الشيخان عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم" .(9/256)
ومن سورة إذا السماء انشقت
بسم الله الرحمن الرحيم
3393 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عَن عُثْمَانَ بنِ الأسْوَدِ عَن ابنِ أَبي مُلَيْكَةَ عَن عَائِشَةَ قالت سَمِعْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ هَلَكَ، قُلْتُ يَا رَسُولَ الله إِنّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {فأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بَيَمِينِهِ -إِلى قَوْلِهِ- يَسِيراً} قالَ ذَلِكَ العَرْضُ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3394 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ أَبَانَ وَغَيْرُ دوَاحِدٍ قالُوا، أخبرنا عَبْدُ الْوَهّابِ الثّقَفِيّ عَن أَيّوبَ عَن أَبي مُلَيْكَةَ عَن عائِشَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
ـــــــ
"ومن سورة إذا السماء انشقت"
وتسمى سورة الانشقاق مكية وهي ثلاث أو خمس وعشرون آية
قوله: "أخبرنا عبيد الله بن موسى" العبسي الكوفي. قوله: "عن عائشة قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من نوقش الحساب الخ" سبق هذا الحديث مع شرحه في باب العرض من أبواب صفة القيامة.(9/256)
3395 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ عُبَيْدٍ الْهَمْدَانِيّ، أخبرنا عَلِيّ بنُ أَبي بَكْرٍ عَن هَمّامٍ عَن قَتَادَةَ عَن أنَسٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ حُوسِبَ عُذّبَ" وهَذا حديثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَن أَنَسٍ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَن أنَسٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
قوله: "حدثنا محمد بن عبيد الهمداني" ضبط في النسخة الأحمدية بالقلم بفتح الهاء وسكون الميم وبالدال المهملة، وقال في التقرير، محمد بن عبيد بن عبد الملك الأسدي الهمداني بالتحريك الجلاب بالجيم كوفي الأصل ثقة من العاشرة، ووقع في الخلاصة بالذال المعجمة، وقال في المغنى الهمداني بميم ومعجمة مفتوحتين منه مران بن حمويه ومحمد بن عبيد انتهى. وقال الحافظ أبو محمد عبد الغني بن سعيد المصري في كتاب مشتبه النسبة وأما الهمذاني بفتح الميم والذال المعجمة فجماعة منهم أصرم بن حوشب والحارث بن عبد الله الخازن ومحمد بن عبيد الهمداني الذي يروي عن الربيع بن زياد انتهى "أخبرنا علي بن أبي بكر" بن سليمان الأسفذني بفتح الهمزة وسكون المهملة وفتح الفاء وسكون المعجمة بعدها نون قبل ياء النسبة نسبة إلى قرية بمرو صدوق ربما أخطأ وكان عابداً من التاسعة "عن همام" بن يحيى الأزدي العوذي. قوله: "من حوسب عذب" بالبناء للمفعول أي من حوسب بالمناقشة كما يدل له الحديث المتقدم. قوله: "وهذا حديث غريب" وأخرجه الضياء "لا نعرفه من حديث قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الوجه" قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة علي بن أبي بكر أورد له ابن عدي عن همام عن قتادة عن أنس من "حوسب عذب"، وقال هو خطأ والصواب ما رواه عمرو بن عاصم عن همام عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عائشة ثم قال لا أعرف له خطأ غير هذا الحديث الواحد ويمكن أن يكون من الراوي عنه محمد بن عبيد الهمداني انتهى. والحديث المذكور رواه الترمذي عن محمد بن عبيد واستغربه انتهى.(9/257)
ومن سورة البروج
بسم الله الرحمن الرحيم
3396 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ أخبرنا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ وَعُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عَن مُوسَى بنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَيّوبَ بنِ خَالِدٍ عَن عَبْدِ الله بنِ رَافِعٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: "قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: اليَوْمُ المَوْعُودُ يَوْمُ القِيَامَةِ، والْيَوْمُ الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشّاهِدُ يَوْمُ الْجُمعَةِ. قالَ: وَمَا طَلَعَتِ الشّمْسُ وَلاَ غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْهُ، فِيهِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو الله بِخَيْرٍ إلاّ اسْتَجَابَ الله لَهُ وَلاَ يَسْتَعِيذُ مِنْ شَيْءٍ إلاّ أَعاذَهُ الله مِنْهُ" . هَذا حديثٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ مُوسَىَ بنِ عُبَيْدَةَ. ومُوسَى بنُ عُبَيْدَةَ يُضَعّفُ في الحَدِيثِ
ـــــــ
"ومن سورة البروج"
مكية وهي اثنتان وعشرون آية
قوله: "عن موسى بن عبيدة" الربذي "عن أيوب بن خالد" بن صفوان ابن أوس بن جابر الأنصاري المدني ثم البرقي ويعرف بابن أبي أيوب لينه ابن حجر. وقد احتج به مسلم وغيره كذا قال الخزرجي في الخلاصة، وأراد بابن حجر الحافظ ابن حجر العسقلاني. قوله: "اليوم الموعود" أي المذكور في قوله تعالى: {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} "يوم القيامة" لأن الله وعد به الناس "واليوم المشهود يوم عرفة" لأن الناس يشهدونه أي يحضرونه ويجتمعون فيه "والشاهد يوم الجمعة" أي يشهد لمن حضر صلاته "أفضل منه" أي من يوم الجمعة "من شيء" وفي بعض النسخ من شر. قوله: "هذا(9/258)
ضَعّفَهُ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ وغَيْرُهُ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ. وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ وسُفْيَانُ الثّوْرِيّ وغَيْرُ واحِدٍ مِنَ الأئِمّةِ عَن موسَى بنِ عُبَيْدَةَ.
3397 ـ حَدّثَنَا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أَخبرنا قُرّانُ بنُ تَمّامٍ الأسَدِيّ عَن مُوسَى بنِ عُبَيْدَةَ بِهَذَا الإسْنَادِ نَحْوَهُ. و مُوسَى بنُ عُبَيْدَةَ الرّبَذِيّ يُكَنّى أَبَا عَبْدِ العَزِيزِ وَقَدْ تَكَلّمَ فِيط يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ القَطّانُ وَغَيْرُهُ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.
3398 ـ حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ و عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ ـ المَعْنَى وَاحِدٌ ـ قالاَ: أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ عَن مَعْمَرٍ عَن ثَابِتٍ البُنَانِيّ عَن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أَبي لَيْلَى عَن صُهَيْبٍ قال: "كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا صَلّى العَصْرَ هَمَسَ ـ والْهَمْسُ في قَوْلِ بَعْضِهِمْ تَحَرّكُ شَفَتَيْهِ كأَنّهُ يَتَكَلّمُ ـ فَقِيلَ لَهُ إنّكَ يا رسولَ الله إذا صَلّيْتَ العَصْرَ هَمَسَتَ. قالَ: إنّ نَبِيّا مِنَ الأنْبِيَاءِ كانَ أُعْجِبَ بِأُمّتِهِ فقالَ مَنْ يَقُومُ لِهَؤلاَءِ، فأَوحَى الله إِلَيْهِ أَنْ خَيّرْهُمْ بَيْنَ أنْ أنْتَقِمَ مِنْهُمْ وبَيْنَ أنْ أُسَلّطَ عَلَيْهِمُ
ـــــــ
حديث لا نعرفه إلا من حديث موسى الخ" وأخرجه أحمد وابن أبي حاتم وابن خزيمة.
قوله: "عن صهيب" بن سنان الرومي الصحابي المشهور. قوله: "همس" من باب ضرب أي تكلم بكلام خفي "والهمس في قول بعضهم يحرك شفتيه كأنه يتكلم" تفسير الهمس هذا من بعض الرواة قال في النهاية: الهمس الكلام الخفي لا يكاد يفهم "كان أعجب" بصيغة المجهول من الإعجاب "بأمته" أي من جهة الكثرة يقال أعجب بالشيء سره الشيء وعجب منه "فأوحى الله(9/259)
عَدُوّهُمْ فاخْتَارُ النّقْمَةَ، فَسَلّطَ عَلَيْهِمْ المَوْتَ فَمَاتَ مِنْهُمْ في يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفاً" قالَ: وكان إذَا حَدّثَ بِهذَا الحَدِيثِ حَدّثَ بِهَذَا الحَدِيثِ الآخر قالَ: "كانَ مَلِكٌ مِنَ المُلُوكِ وَكَانَ لِذَلِكَ المَلِكِ كَاهِنٌ يَكْهَنُ لَهُ فقال الكاِهنُ:
ـــــــ
إليه" أي ذلك النبي "أن خيرهم بين أن أنتقم منهم" أي أعاقبهم "فاختاروا" النقمة بالكسر وبالفتح وكفرحة هي المكافأة بالعقوبة. اعلم أن حديث صهيب هذا رواه الترمذي هكذا مختصراً مجملاً ورواه أحمد في مسنده مطولاً مفصلاً فرواه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى همس شيئاً لا أفهمه ولا يخبرنا به قال أفطنتم لي قلنا نعم. قال: إني ذكرت نبياً من الأنبياء أعطى جنوداً من قومه فقال من يكافئ هؤلاء أو من يقوم لهؤلاء؟ أو غيرها من الكلام فأوحى إليه أن اختر لقومك إحدى ثلاث إما أن نسلط عليهم عدواً من غيرهم أو الجوع أو الموت، فاستشار قومه في ذلك فقالوا أنت نبي الله فكل ذلك إليك خر لنا فقام إلى الصلاة وكانوا إذا فزعوا فزعوا إلى الصلاة فصلى ما شاء الله قال ثم قال: أي رب أما عدو من غيرهم فلا. أو الجوع فلا. ولكن الموت فسلط عليهم الموت. فمات منهم سبعون ألفاً، فهمسي الذي ترون أني أقول: اللهم بك أقاتل وبك أصاول ولا حول ولا قوة إلا بالله" . ورواه من طريق عفان عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أيام حنين يحرك شفتيه بعد صلاة الفجر بشيء لم نكن نراه يفعله. فقلنا يا رسول الله إنا نراك تفعل شيئاً لم تكن تفعله فما هذا الذي تحرك شفتيك؟ قال إن نبياً فيمن كان قبلكم أعجبته كثرة أمته فقال لن يروم هؤلاء شيء. فأوحى الله إليه أن خير أمتك بين إحدى ثلاث إما أن نسلط عليهم عدواً من غيرهم فيستبيحهم أو الجوع وإما أن أرسل عليهم الموت، فشاورهم فقالوا أما العدو فلا طاقة لنا بهم، وأما الجوع فلا صبر لنا عليه ولكن الموت، فأرسل عليهم الموت فمات منهم في ثلاثة أيام سبعون ألفاً" . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فأنا أقول الآن حيث رأى كثرتهم اللهم بك أحاول وبك أصاول وبك أقاتل(9/260)
انْظُرُوا لِي غُلاَماً فَهما أَوْ قالَ فَطِناً لَقِناً فأُعَلّمَهُ عِلْمِي هَذَا فإِنّي أَخَافُ أَنْ أَمُوتَ فَيَنْقَطِعَ مِنْكُمْ هَذَا العِلْمُ وَلاَ يَكُونَ فيكم مَنْ يَعْلَمُهُ. قالَ: فَنَظَرُوا لَهُ عَلَى ما وَصَفَ فأَمَرُوهُ أَنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ الكاهِنَ وَأَنْ يَخْتَلِفَ إِلَيْهِ. فَجَعَلَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ وَكانَ عَلَى طَرِيقِ الغُلاَمِ رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَةٍ ـ قالَ مَعْمَرٌ: أَحْسَبُ أَنّ أَصْحَابَ الصّوَامِعِ كانُوا يَوْمَئِذٍ مُسْلِمِينَ ـ قالَ: فَجَعَلَ الغُلاَمُ يَسْأَلُ ذَلِكَ الرّاهِبَ كُلّمَا مَرّ بِهِ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتّى أَخْبَرَهُ فقالَ: إِنّمَا أَعْبُدُ الله، قالَ: فَجَعَلَ الغُلاَمُ يَمْكُثُ عِنْدَ الرّاهِبِ وَيبطئ عَلى الكاهِنِ، فأَرْسَلَ الكاهِنُ إِلَى أَهْلِ الغُلاَمِ إِنّهُ لا يَكَادُ يَحْضُرُنِي فأَخْبَرَ الغُلاَمُ الرّاهِبَ بِذَلِكَ، فقالَ لَهُ الرّاهِبُ:
ـــــــ
"قال وكان إذا حدث بها الحديث حدث بهذا الحديث الآخر قال: كان ملك من الملوك الخ" قال الحافظ ابن كثير: وهذا السياق ليس فيه صراحة أن سياق هذه القصة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي: فيحتمل أن يكون من كلام صهيب الرومي فإنه كان عنده علم من أخبار النصارى انتهى. وقال الحافظ في الفتح: صرح برفع القصة بطولها حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب ومن طريقه أخرجها مسلم والنسائي وأحمد ووقفها معمر عن ثابت ومن طريقه أخرجها الترمذي انتهى. قلت: في صحيح مسلم عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر الخ" "غلاماً فهما" أي سريع الفهم "أو قال فطنا" أي حاذقاً "لقنا" أي حسن التلقن لما يسمعه وهذه الألفاظ الثلاثة بوزن كتف بفتح الكاف وكسر الفوقية "فنظروا له" أي للكاهن "على ما وصف" أي ذكر لهم الكاهن "فأمروه" أي فوجدوا غلاماً على ما وصفه فأمروه "وأن يختلف إليه" أي يتردد إليه "راهب في صومعة" الراهب واحد رهبان النصارى وهو من اعتزل عن الناس(9/261)
إِذَا قالَ لَكَ الكاهِنُ أَيْنَ كُنْتَ فَقُلْ: عِنْدَ أَهْلِي، وَإذَا قالَ لَكَ أَهْلُكَ أَيْنَ كُنْتَ فاخْبِرْهُمْ أَنّكَ كُنْتَ عِنْدَ الكاهِنِ، قالَ: فَبَيْنَمَا الغُلاَمُ عَلَى ذَلِكَ إذْ مَرّ بِجَمَاعَةٍ مِنَ النّاسِ كَثِيرٍ قَدْ حَبَسَتْهُمْ دَابّةٌ، فقالَ بَعْضُهُمْ: إنّ تِلْكَ الدّابّةَ كانَتْ أسَداً، قال: فأَخَذَ الغُلاَمُ حَجراً فقالَ اللّهُمّ إِنْ كانَ مَا يَقُولُ الرّاهِبُ حَقّا فأَسْأْلُكَ أنْ أَقْتُلَهَا، قال: ثُمّ رَمَى فَقَتَلَ الدّابّةَ، فقالَ النّاسُ مَنْ قَتَلَهَا قالُوا الغُلاَمُ، فَفَزِع النّاسُ فقالُوا قَدْ عَلِمَ هَذَا الغُلاَمُ عِلْماً لَمْ يَعْلَمْهُ أَحَدٌ، قالَ فَسَمِعَ بِهِ أَعْمَى فقالَ لَهُ: إنْ أَنْتَ رَدَدْتَ بَصَري فَلَكَ كذَا وكذَا، قالَ له: لا أُرِيدُ مِنْكَ هَذَا وَلَكِنْ أَرَأَيْتَ إِنْ رَجَعَ إليْكَ بَصَرُكَ أُتُؤْمِنُ بالّذِي رَدّهُ عَلَيْكَ؟ قالَ: نَعَمْ قالَ: فَدعَا الله فَرَدّ عَلَيْهِ بَصَرَهُ فَآمَنَ الأعْمَى، فَبَلَغَ الملِكَ أَمْرُهُمْ. فَبَعَثَ إلَيْهِمْ فأُتِيَ بِهِمْ فقالَ: لأَقْتُلَنّ كلّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ قِتْلَةً لا أَقْتُلُ بهَا صَاحِبَهُ،
ـــــــ
إلى دير طلباً للعبادة، والصومعة كجوهرة بيت للنصارى ينقطع فيه رهبانهم "قال معمر أحسب أن أصحاب الصوامع كانوا يومئذ مسلمين" كما يدل عليه سياق هذه القصة "فلم يزل به" أي الغلام بالراهب "قال فأخذ الغلام حجراً" وفي رواية مسلم: فقال اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل. فأخذ حجراً "قال فسمع به أعمى" وفي رواية مسلم. فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب: أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلي فإن ابتليت فلا تدل عليّ، وكان الغلام يبرئ الأكمة والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة "لأقتلن كل واحد منكم قتلة" بكسر القاف أي بنوع عن القتل "لا أقتل بها صاحبه" صفة لقوله(9/262)
فأمَرَ بالرّاهِبِ والرّجُلِ الّذِي كانَ أعْمَى فَوَضَعَ المِنْشَارَ عَلَى مَفْرَقِ أَحَدِهِمَا فَقَتَلَه وَقَتَل الآخر بِقَتْلةٍ أُخْرَى، ثُمّ أَمَرَ بِالْغُلاَمِ فقالَ: انْطَلِقُوا بِهِ إلَى جَبَلِ كَذَا وكَذَا فأَلْقُوهُ مِنْ رَأْسِهِ، فانْطَلَقُوا بِهِ إلى ذَلِكَ الْجبَلِ فَلَمّا انْتَهَوْا بِه إِلى ذَلِكَ المَكَانِ الّذِي أَرَادُوا أنْ يُلْقُوهُ مِنْهُ جَعَلُوا يَتَهَافَتُونَ مِنْ ذَلِكَ الجَبَلِ، ويَتَرَدّوْنَ حَتّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلاّ الغُلاَمُ. قالَ: ثُمّ رَجَعَ فأَمَرَ بِهِ المَلِكُ أَنْ يَنْطَلِقُوا بِهِ إلى البَحْرِ فَيُلْقُونَهُ فِيهِ فانْطلقَ به إلى البَحْرِ فَغَرّقَ الله الّذِينَ كانُوا مَعَهُ وَأَنْجَاهُ، فقالَ الغُلاَمُ لِلْمَلِكِ: إنّكَ لا تَقْتُلُنِي حَتّى تَصْلُبَنِي وتَرْمِينِي وتَقُولَ إِذَا رَمَيْتَنِي بِسْمِ الله رَبّ هَذَا الغُلاَمِ، قَالَ: فأَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ ثُمّ رَمَاهُ فقَالَ بِسْمِ الله رَبّ هَذا الغُلاَمِ. قَالَ: فوضَعَ الغُلاَمُ يَدَهُ عَلَى صَدْغِهِ حِينَ رُمِيَ ثُمّ مَاتَ، فقالَ الناسُ: لَقَدْ عَلِمَ هَذَا الغُلاَمُ
ـــــــ
قتلة: "فوضع المنشار" بكسر الميم آلة ذات أسنان ينشر بها الخشب ونحوه "على مفرق أحدهما" المفرق كمقعد ومجلس وسط الرأس وهو الذي يفرق فيه الشعر "وقتل الآخر بقتلة أخرى" وفي رواية مسلم فجيء بالراهب فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيء بجليس الملك فقيل له ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه، فرواية مسلم هذه تخالف رواية الترمذي مخالفة ظاهرة ولم يظهر لي وجه الجمع فتفكر وتأمل "جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل" أي يتساقطون منه "ويتردون" من التردي أي يسقطون، وفي رواية مسلم فصعدوا به الجبل فقال اللهم اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا "فانطلق به إلى البحر فغرق الله الذين كانوا معه وأنجاه" وفي رواية مسلم: فذهبوا به فقال اللهم اكفنيهم بم شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء(9/263)
عِلْماً مَا عَلِمَهُ أَحَدٌ فَإِنّا نُؤْمِنُ بِرَبّ هَذَا الغُلاَمِ، قالَ: فَقِيلَ لِلْمَلِكِ أَجَزِعْتَ أَنْ خَالَفَكَ ثَلاَثَةٌ فَهَذَا العَالَمُ كُلّهُمْ قَدْ خَالَفُوكَ، قَالَ: فَخَدّ أُخْدُوداً ثُمّ أَلْقَى فِيهَا الْحَطَبَ وَالنّارَ ثُمّ جَمَعَ النّاسَ فقَالَ: مَنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ تَرَكْنَاهُ وَمَنْ لَمْ يَرْجِعْ أَلْقَيْنَاهُ في هَذِهِ النّارِ، فَجَعَلَ يُلْقِيهمْ في تِلْكَ الأُخْدُودِ. قَالَ يَقُولُ الله تبَارَكَ وتعَالَى فِيهِ: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ النّارِ ذَاتِ الوَقُودِ} حَتّى
ـــــــ
يمشي إلى الملك "حتى تصلبني" أي على جذع كما في رواية مسلم. قال في القاموس صلبة كضربه جعله مصلوباً كصلبه "فوضع الغلام يده على صدغه حين رمي ثم مات" وفي رواية مسلم ثم رماه فوضع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات "أجزعت" بكسر الزاي من الجزع محركة وهو نقيض الصبر "أن خالفك ثلاثة" أي الأعمى والراهب والغلام "فخذ" أي شق "أخدوداً" بضم الهمزة وسكرن المعجمة الشق العظيم وجمعه أخاديد "يقول الله تبارك وتعالى فيه" أي في شأن هذه القصة {قُتِلَ} أي لعن وهو جواب القسم وقيل جوابه: إن بطش ربك لشديد {أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} أي الملك الذي خد الأخدود وأصحابه {النَّارِ} بدل اشتمال من الأخدود {ذَاتِ الْوَقُودِ} وصف لها بأنها عظيمة لها ما يرتفع به لهبها من الحطب الكثير وأبدان الناس، وبعده {إِذْ} ظرف لقتل أي لعنوا حين أحرقوا بالنار قاعدين حولها {هُمْ عَلَيْهَا} أي حولها على جانب الأخدود {قُعُودٌ} أي جلوس على الكراسي {وَهُمْ} أي الذين خدوا الأخدود وهم الملك وأصحابه {عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ} بالله من تعذيبهم بالإلقاء في النار إن لم يرجعوا عن إيمانهم {شُهُودٌ} أي حضور. روى أن الله أنجى المؤمنين الملقين في النار بقبض أرواحهم قبل وقوعهم فيها فخرجت النار إلى من ثم فأحرقتهم {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا} أي ما عابوا منهم وما أنكروا إلا الإيمان كقوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب.(9/264)
بَلَغَ {العَزِيزِ الْحَمِيدِ} . قَالَ: فَأَمّا الغُلاَمُ فَإِنّهُ دُفِنَ، قَالَ فَيُذْكَرُ أَنّهُ أُخْرِجَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ وَإِصْبَعُهُ عَلَى صدْغِهِ كَمَا وَضَعَهَا حِينَ قُتِلَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
{بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} ذكر الأوصاف التي يستحق بها أن يؤمن به وهو كونه عزيزاً غالباً قادراً يخشى عقابه حميداً منعماً يجب له الحمد على نعمته ويرجى ثوابه "قال فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب الخ" قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه حدث أن رجلاً من أهل نجران كان زمان عمر بن الخطاب حفر خربة من خرب نجران لبعض حاجته فوجد عبد الله بن التامر تحت دفن فيها قاعداً واضعاً يده على ضربة في رأسه ممسكاً عليها بيده فإذا أخذت يده عنها انبعث دماً وإذا أرسلت يده ردت عليها فأمسكت دمها وفي يده خاتم مكتوب فيه ربي الله، فكتب فيه إلى عمر بن الخطاب يخبره بأمره فكتب عمر إليهم أن أقروه على حاله وردوا عليه الذي كان عليه ففعلوا. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي ولم يذكروا الحديث الأول منه.(9/265)
ومن سورة الغاشية
بسم الله الرحمن الرحيم
3399 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا عبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ، أخبرنا سُفْيَانُ عنْ أَبي الزّبَيْرِ عَن جَابِرٍ قَال: "قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النّاسَ حَتّى يَقُولُوا لا إلَه إِلاّ الله
ـــــــ
"ومن سورة الغاشية"
مكية وهي ست وعشرون آية
قوله: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله الخ" سبق شرحه(9/265)
فإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلاّ بِحَقّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله ثُمّ قَرَأَ: {إنّمَا أَنْتَ مُذَكّر لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِر} " . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
في أول كتاب الإيمان {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} أي ليس عليك إلا التذكير والوعظ {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} وفي قراءة بالسين بدل الصاد أي بمسلط حتى تكرههم على الإيمان. قال النووي قال المفسرون معناه إنما أنت واعظ ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر إذ ذاك إلا بالتذكير ثم أمر بعد بالقتال، والمسيطر المسلط وقيل الجبار وقيل الرب انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي والحاكم.(9/266)
ومن سورة الفجر
بسم الله الرحمن الرحيم
3400 ـ حدثنا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بنُ عَلِيّ، أخبرنا عبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ وَ أبُو دَاوُدَ قَالاَ: أخبرنا هَمّامٌ عَن قَتَادَةَ عَن عِمْرَانَ بن عِصَامٍ عَن رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ عَن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ أنّ
ـــــــ
"ومن سورة الفجر"
مكية وهي ثلاثون آية وقيل تسع وعشرون
قوله: "حدثنا أبو حفص عمرو بن علي" الفلاس "وأبو داود" الطيالسي "قالا أخبرنا همام" بن يحي الأزدي العوذي "عن عمران بن عصام" الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة أبي عمارة البصري والد أبي جمرة بالجيم قتل يوم الزاوية سنة ثلاث وثمانين من الثانية وقيل له صحبة. كذا في التقريب. وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن عمران بن حصين وقيل عن رجل عنه(9/266)
النبيّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَن الشّفْعِ والْوتْرِ، فَقَالَ: "هِيَ الصّلاةُ بَعْضُهَا شَفْعٌ وَبعْضُهَا وتْرٌ" هَذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ. وَقَدْ رَوَاهُ خَالِدُ بنُ قَيْسٍ الحداني أيْضاً عَن قَتَادَةَ.
ـــــــ
في ذكر الشفع والوتر وروى عنه قتادة وغيره. قوله: "بعضها شفع" كالرباعية والثنائية "وبعضها وتر" كالمغرب فإنها ثلاث وهي وتر النهار وكذلك صلاة الوتر في آخر التهجد من الليل. وفيه أن المراد بقوله تعالى: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} الشفع من الصلاة والوتر منها لكن الحديث في إسناده رجل مجهول وهو الراوي له عن عمران بن حصين. وقيل المراد شفع كل الأشياء ووترها كالكفر والإيمان والهدى والضلال والسعادة والشقاوة والليل والنهار والسماء والأرض والبر والبحر والشمس والقمر والجن والإنس، وقيل شفع الليالي ووترها وقيل الشفع يوم عرفة ويوم النحر والوتر ليلة يوم النحر وقيل الشفع الخلق والوتر الله الواحد الصمد، وقيل الشفع عشر ذي الحجة والوتر أيام منى الثلاثة وقيل المراد بالشفع والوتر العدد كله لأن العد لا يخلو عنهما، وقيل الشفع الحيوان لأنه ذكر وأنثى والوتر الجماد، وفيه أقوال أخرى ذكرها صاحب فتح البيان وقال ولا يخفاك ما في غالب هذه الأقوال من السقوط البين والضعف الظاهر والاتكال في التعيين على مجرد الرأي الزائف، والذي ينبغي التعويل عليه ويتعين المصير إليه ما يدل عليه معنى الشفع والوتر في كلام العرب وهما معروفان واضحان، فالشفع عند العرب الزوج والوتر الفرد، فالمراد بالآية إما نفس العدد أو ما يصدق عليه من المعدودات بأنه شفع أو وتر، وإذا قام دليل على تعيين شيء من المعدودات في تفسير هذه الآية فإن كان الدليل يدل على أنه المراد نفسه دون غيره فذاك، وإن كان الدليل يدل على أنه مما تناولته هذه الآية لم يكن ذلك مانعاً من تناولها لغيره انتهى. قوله: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث قتادة" وأخرجه أحمد وابن جرير وفي سنده رجل مجهول "وقد رواه خالد بن قيس الحداني أيضاً عن قتادة" رواه ابن جرير من هذا الطريق قال أخبرنا نصر بن علي حدثني أبي حدثني خالد بن قيس عن قتادة عن(9/267)
ـــــــ
عمران بن عصام عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم فأسقط ذكر الرجل المبهم. وخالد بن قيس هذا هو خالد بن قيس بن رباح الأزدي الحداني البصري صدوق يغرب من السابعة. وقال الحافظ ابن كثير وعندي أن وقفه على عمران بن حصين أشبه والله أعلم انتهى. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد هذا الحديث موقوفاً على عمران فهذا يقوي ما قاله ابن كثير.(9/268)
ومن سورة "الشمس وضحاها
بسم الله الرحمن الرحيم
3401 ـ حدثنا هَارُونُ بنُ إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيّ، أخبرنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ عَن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَن أَبِيهِ عَن عَبْدِ الله بنِ زَمْعَةَ قالَ: "سَمِعْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَوْماً يَذْكُرُ النّاقَةَ والّذِي عَقَرهَا فقَالَ {إِذَا انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَارِمٌ عَزِيزٌ مَنِيعٌ
ـــــــ
"ومن سورة والشمس وضحاها"
مكية وهي خمس عشرة آية
قوله: "عن عبد الله بن زمعة" بن الأسود بن المطلب بن أسد القرشي الأسدي صحابي مشهور استشهد يوم الدار مع عثمان. قوله: "يذكر الناقة" أي المذكورة في قوله تعالى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} وهي ناقة صالح عليه السلام "والذي عقرها" أي ويذكر الذي عقر الناقة أي ضرب قوائمها بالسيف فقطعها وهو قدار بن سالف وهو أحيمر ثمود الذي قال الله تعالى فيه: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} وذكر ابن إسحاق في المبتدأ وغير واحد أن سبب عقرهم الناقة أنهم كانوا اقترحوها على صالح عليه السلام فأجابهم إلى ذلك بعد أن تعنتوا في وصفها فأخرج الله له ناقة من صخرة بالصفة المطلوبة فآمن بعض وكفر بعض،(9/268)
في رَهْطِهِ مِثْلُ أَبي زَمْعَةَ ثُمّ سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ النّسَاء فقالَ: إِلى مَا يَعْمِدُ أحَدُكُمْ فَيَجْلِدُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ العَبْدِ ولَعَلّهُ أَنْ يُضَاجِعَهَا مِنْ آخِرِ
ـــــــ
واتفقوا على أن يتركوا الناقة ترعى حيث شاءت وترد الماء يوماً بعد يوم، وكانت إذا وردت تشرب ماء البئر كله، وكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم للغد ثم ضاق بهم الأمر في ذلك فانتدب تسعة رهط منهم قدار المذكور فباشر عقرها، فلما بلغ ذلك صالحاً عليه السلام أعلمهم بأن العذاب سيقع بهم بعد ثلاثة أيام فوقع كذلك كما أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه وأخرج أحمد وابن أبي حاتم من حديث جابر رفعه: أن الناقة كانت ترد يومها فتشرب جميع الماء ويحتلبون منها مثل الذي كانت تشرب، وفي سنده إسماعيل بن عياش وفي روايته عن غير الشاميين ضعف وهذا منها كذا في الفتح {إِذَا انْبَعَثَ} أي قام وأسرع {أَشْقَاهَا} أي أشقى ثمود وهو قدار بن سالف "انبعث لها" أي لعقر الناقة برضائهم "رجل عارم" بالعين والراء المهملتين أي صعب على من يرومه كثير الشهامة والشر "عزيز" أي شديد قوي وقيل قليل المثل "منيع" أي قوي ذو منعة أي رهط يمنعونه من الضيم "في رهطه" أي قومه "مثل أبي زمعة" أي في عزته ومنعته في قومه وهو الأسود المذكور جد عبد الله بن زمعة، وكان الأسود أحد المستهزئين ومات على كفره بمكة وقتل ابنه زمعة يوم بدر كافراً أيضاً. وفي رواية للبخاري: مثل أبي زمعة عم الزبير بن العوام. قال الحافظ هو عم الزبير مجازاً لأنه الأسود بن المطلب بن أسد والعوام بن خويلد ابن أسد فنزل ابن العم منزلة الأخ فأطلق عليه عما بهذا الاعتبار، كذا جزم الدمياطي بإسم أبي زمعة هنا وهو المعتمد "ثم سمعته" أي النبي صلى الله عليه وسلم "يذكر النساء" أي ما يتعلق بهن استطراداً فذكر ما يقع من أزواجهن "إلى ما يعمد" بكسر الميم أي يقصد "فيجلد امرأته" أي فيضربها يقال جلدته بالسيف والسوط ونحوهما إذا ضربته "جلد العبد" بالنصب أي مثل جلد العبد، وفي رواية للبخاري بم يضرب أحدكم امرأته ضرب الفحل "ولعله" أي الذي يجلدها في أول اليوم "أن يضاجعها" أي يجامعها ويطؤها "من آخر(9/269)
يَوْمِهِ. قَالَ ثُمّ وَعَظَهُمْ في ضَحِكِهِمْ مِنْ الضَرْطَةِ فقالَ إلى مَا يَضْحَكُ أَحَدُكُمْ مِمّا يَفْعَلُ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
يومه" أي في آخره فكلمة من هنا بمعنى في "إلى ما يضحك أحدكم مما يفعل" يعني الضرطة وكانوا في الجاهلية إذا وقع ذلك من أحد منهم في مجلس يضحكون منهاهم عن ذلك، وفي رواية للبخاري: لم يضحك أحدكم مما يفعل. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي.(9/270)
ومن سورة {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}
بسم الله الرحمن الرحيم
3402 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ أخبرنا زَائِدَةُ بنُ قُدَامَةَ عَن مَنْصُورِ بنِ المعتمر عن سَعْدِ بنِ عُبَيْدَة عَن أَبي عبْدِ الرّحْمَنِ السّلَمِيّ عَن عَلِيّ رضي الله عنه قَالَ: " كُنّا في جَنَازَةٍ في البَقِيعِ فأَتَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ وَمَعَهُ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ في الأرْضِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلى السّمَاءِ فقالَ: "مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلاّ قَدْ
ـــــــ
"ومن سورة والليل إذا يغشى"
مكية وهي إحدى وعشرون آية
قوله: "عن سعد بن عبيدة" السلمي "عن أبي عبد الرحمن السلمي" بضم السين وفتح اللام اسمه عبد الله بن حبيب. قوله: "كنا في جنازة في البقيع" بفتح الموحدة وكسر القاف وهو مقبرة المدينة "ومعه عود ينكت" بضم الكاف من النكت "به في الأرض" أي يضرب الأرض بطرفه فعل المتفكر في شيء مهم "ما من نفس منفوسة" أي مولودة يقال نفست المرأة ونفست(9/270)
كُتِبَ مَدْخَلُهَا، فقالَ القَوْمُ: يَا رَسُولَ الله أَفَلاَ نَتّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا فَمَن كَانَ مِنْ أَهْلِ السّعَادَةِ فَإنّه يَعْمَلُ لِلسّعَادَة، وَمَنْ كَانَ من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء؟ قال: بل اعملوا فكل ميسّر. أما من كان مِنْ أَهْلِ السّعَادَةِ فإِنّهُ يُيَسّرٌ لِعَمَلِ السّعَادَةِ. وَأمّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشّقَاءِ فإِنّهُ يُيَسّرٌ لِعَمَلِ الشّقَاءِ. ثُمّ قَرَأ: {فأَمّا مَنْ أَعْطَى واتّقَى وَصَدّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِليُسْرَى وَأَمّا مَنْ بَخِلَ واسْتَغْنَى وَكَذّبَ بالحسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى} . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
فهي منفوسة ونفساء إذا ولدت "إلا قد كتب مدخلها" الذي تصير إليه من الجنة والنار {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} أي حق الله وبذل ماله في وجوه الخير {وَاتَّقَى} أي الله فاجتنب محارمه {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} قال ابن عباس: يقول لا إله إلا الله وعنه: صدق بالخلف به أي أيقن أن الله سيخلف عليه ما أنفقه في طاعته، وقيل صدق بالجنة، وقيل صدق بموعد الله الذي وعده أن يثيبه {فَسَنُيَسِّرُهُ} أي نهيئه {لِلْيُسْرَى} أي للخلة اليسرى وهي العمل بما يرضاه ربه {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ} أي بحق الله {وَاسْتَغْنَى} أي عن ثواب الله تعالى فلم يرغب فيه {وكذب بالحسنى} أي بلا إله إلا الله وكذب بما وعده الله عز وجل من الجنة والثواب {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} أي للخلة المؤدية إلى النار فتكون الطاعة أعسر شيء عليه وأشد أو سمي طريقة الخير باليسرى لأن عاقبتها اليسر وطريقة الشر بالعسرى لأن عاقبتها العسر، أو أراد بهما طريقي الجنة والنار، وتقدم حديث علي هذا مختصراً في باب الشقاء والسعادة من أبواب القدر. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة.(9/271)
ومن سورة والضحى
بسم الله الرحمن الرحيم
3403 ـ حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عَن الأسْوَدِ بنِ قَيْسٍ عَن جُنْدُبٍ البَجَلِيّ قالَ: "كُنْتُ مَعَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم في غَارٍ فَدَمِيَتْ إِصْبَعُه فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: هَلْ أَنْتِ إِلاّ إِصْبَعٌ دَمِيتِ وَفي سَبِيلِ الله مَا لَقِيتِ. قَالَ وَأَبْطَأَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عليه السلام فقالَ المُشْرِكُونَ قَدْ وُدّعَ مُحَمّدٌ فأَنْزَلَ الله تَبَارَكَ
ـــــــ
"ومن سورة والضحى"
مكية وهي إحدى عشرة آية
قوله: "عن الأسود بن قيس" العبدي "عن جندب" بضم أوله والدال وتفتح ابن عبد الله بن سفيان "البجلي" بموحدة وجيم مفتوحتين قوله: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار" بالغين المعجمة وبالراء وكذا هو في صحيح مسلم. قال النووي كذا هو في الأصول في غار. قال القاضي عياض قال أبو الوليد الكناني لعله غازياً فتصحف كما قال في الرواية الأخرى في بعض المشاهد وكما جاء في رواية البخاري: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يمشي إذ أصابه حجر قال القاضي وقد يراد بالغار هنا الجمع والجيش لا الغار الذي هو الكهف فيوافق رواية بعض المشاهد ومنه قول علي: ما ظنك بامرئ جمع بين هذين الغازين أي العسكرين والجمعين انتهى "فدميت إصبعه" يقال دمي الشيء يدمي دماً ودمياً فهو دم مثل فرق يفرق فرقاً فهو فرق والمعنى أن أصبعه جرحت فظهر منها الدم "هل أنت" معناه ما أنت "دميت" بفتح الدال صفة للأصبع والمستثنى فيه أعم عام الصفة أي ما أنت يا أصبع موصوفة بشيء إلا بأن(9/272)
وتعَالى {مَا وَدّعَكَ رَبّكَ ومَا قَلَى} " . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ وَالثّوْرِيّ عَن الأسْوَدِ بنِ قَيْسٍ.
ـــــــ
دميت كأنها لما توجعت خاطبها على سبيل الاستعارة أو الحقيقة معجزة تسلياً لها أي تثبتي فإنك ما ابتليت بشيء من الهلاك والقطع سوى أنك دميت ولم يكن ذلك أيضاً هدراً بل كان في سبيل الله ورضاه "وفي سبيل الله ما لقيت" لفظ ما هنا بمعنى الذي. أي الذي لقيته محسوب في سبيل الله "وأبطأ عليه جبريل" أي تأخر واحتبس. قال الحافظ: والحق أن الفترة المذكورة في سبب نزول والضحى غير الفترة المذكورة في ابتداء الوحي فإن تلك دامت أياماً وهذه لم تكن إلا ليلتين أو ثلاثاً "قد ودع محمد" بصيغة المجهول من التوديع أي ترك {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} أي ما تركك وما أبغضك. قاله ابن عباس والقلاء البغض يقال قلاه يقليه قلاء، وقال وما قلى ولم يقل وما قلاك لموافقة رؤوس الآي. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي وابن أبي حاتم وابن جرير.(9/273)
ومن سورة ألم نشرح
بسم الله الرحمن الرحيم
3404 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ و ابنُ أبي عَدِيّ عَن سَعِيدِ عَن قَتَادَةَ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ عَن مالِكِ بنِ صَعْصَعَةَ
ـــــــ
"ومن سورة ألم نشرح"
مكية وهي ثمان آيات
قوله: "أخبرنا محمد بن جعفر" المعروف بغندر "عن سعيد" هو ابن أبي عروبة "عن مالك بن صعصعة" الأنصاري المازني صحابي روى عنه أنس(9/273)
ـ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ ـ أَنّ النبيّ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ البَيْتِ بيْنَ النّائِمِ وَاليْقْظَانِ إذْ سَمِعْتُ قائِلاً يقُولُ: أَحَدٌ بَيْنَ الثّلاَثَةِ. فأُتِيتُ بِطِسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا مَاءُ زَمْزَمَ فَشُرِحَ صَدْرِي إِلى
ـــــــ
حديث المعراج كأنه مات قديما كذا في التقريب. وقال الحافظ في الفتح ما له في البخاري ولا في غيره سوى هذا الحديث ولا يعرف روى عنه إلا أنس بن مالك. قوله: "بينما أنا عند البيت بين النائم واليقظان" قال النووي: قد يحتج به من يجعلها رؤيا نوم ولا حجة فيه إذ قد يكون ذلك حاله أول وصول الملك إليه وليس في الحديث ما يدل على كونه نائماً في القصة كلها انتهى. وقال الحافظ: هو محمول على ابتداء الحال ثم لما خرج به إلى باب المسجد فأركبه البراق استمر في يقظته، وأما ما وقع في رواية شريك الآتية في التوحيد في آخر الحديث فلما استيقظت، فإن قلنا بالتعدد فلا إشكال وإلا حمل على أن المراد باستيقظت أفقت أي أنه أفاق مما كان فيه من شغل البال بمشاهدة الملكوت ورجع إلى العالم الدنيوي انتهى. وقال القرطبي: يحتمل أن يكون استيقاظاً من نومة نامها بعد الإسراء لأن إسراءه لم يكن طول ليلة وإنما كان في بعضها انتهى.
اعلم أنه وقع في هذه الرواية: "بينما أنا عند البيت" ، ووقع في رواية "بينما أنا في الحطيم" وربما قال "في الحجر" ، وفي رواية الزهري عن أنس عن أبي ذر "فرج سقف بيتي وأنا بمكة" ، وفي رواية الواقدي بأسانيده أنه أسرى به من شعب أبي طالب. وفي حديث أم هانئ عند الطبراني أنه بات في بيتها قال ففقدته من الليل فقال إن جبريل أتاني قال الحافظ: والجمع بين هذه الأقوال أنه نائم في بيت أم هانئ وبيتها عند شعب أبي طالب ففرج سقف بيته وأضاف البيت إليه لكونه كان يسكنه فنزل منه الملك فأخرجه من البيت إلى المسجد فكان به مضجعاً وبه أثر النعاس. وقد وقع في مرسل الحسن عند ابن إسحاق أن جبريل أتاه فأخرجه إلى المسجد فأركبه البراق وهو يؤيد هذا الجمع "إذ سمعت قائلاً يقول أحد بين الثلاثة" وفي رواية مسلم: إذ سمعت قائلاً يقول أحد الثلاثة(9/274)
كَذَا وَكَذَا، قال قَتَادَةُ قُلْتُ يَعْنِي قلت لأنَس بن مالكٍ ما يَعْنِي؟ قالَ إلى أَسْفَلِ بَطْنِي، قالَ فاسْتخْرجَ قَلْبِي فغسلَ قَلْبي بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمّ أُعِيدَ مَكَانَهُ ثُمّ حُشِي إِيمَاناً وَحِكْمَةً" وَفِي الحدِيثِ قِصّةٌ طَوِيلَةٌ. هَذا حديثٌ
ـــــــ
بين الرجلين. قال الحافظ: المراد بالرجلين حمزة وجعفر والنبي صلى الله عليه وسلم كان نائماً بينهما "فأتيت" بصيغة المجهول "بطست" بفتح الطاء وإسكان السين المهملتين إناء معروف وهي مؤنثة ويقال فيها طست بتشديد السين وحذف التاء وطست أيضاً "فيها" أي في الطست "فشرح" بالبناء المفعول من الشرح أي شق "صدري إلى كذا وكذا" وفي رواية للشيخين: فشق من النحر إلى مراق البطن "ثم حشي" أي ملئ "إيماناً وحكمة" بالنصب على التمييز، وهذا الملأ يحتمل أن يكون على حقيقته وتجسيد المعاني جائز كما جاء أن سورة البقرة تجيء يوم القيامة كأنها ظلة والموت في صورة كبش، وكذلك وزن الأعمال وغير ذلك من أحوال الغيب. وقال البيضاوي: لعل ذلك من باب التمثيل إذ تمثيل المعاني قد وقع كثيراً كما مثلت له الجنة والنار في عرض الحائط وفائدته كشف المعنوي بالمحسوس. وقال ابن أبي جمرة: فيه أن الحكمة ليس بعد الإيمان أجل منها ولذلك قرنت معه ويؤيده قوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} وأصح ما قيل في الحكمة أنها وضع الشيء في محله أو الفهم في كتاب الله فعلى التفسير الثاني قد يوجد الحكمة دون الإيمان وقد لا توجد وعلى الأول فقد يتلازمان لأن الإيمان يدل على الحكمة وأورد الترمذي هذا الحديث في تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} . قال الحافظ بن كثير: يعني إنا شرحنا لك صدرك أي نورناه وجعلناه فسيحاً رحيباً كقوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} وكما شرح الله صدره كذلك جعل شرعه فسيحاً واسعاً سمحاً سهلاً لا حرج فيه ولا إصر ولا ضيق، وقيل المراد بقوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} شرح صدره ليلة الإسراء كما تقدم من رواية مالك بن صعصعة، وقد أورده الترمذي ههنا وهذا وإن كان واقعاً ليلة الإسراء كما رواه مالك بن صعصعة. ولكن لا منافاة فإن من(9/275)
حَسَنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رَوَاهُ هِشَامٌ الدّسْتَوَائِيّ وَهَمّامٌ عنْ قَتَادَةَ. وفيهِ عَن أَبي ذَرّ.
ـــــــ
جملة شرح صدره الذي فعل بصدره ليلة الإسراء وما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضاً انتهى. قوله: "وفي الحديث قصة طويلة" أخرج الشيخان هذا الحديث بالقصة الطويلة. قوله: "وفيه عن أبي ذر" أخرج حديثه الشيخان.(9/276)
ومن سورة والتين
بسم الله الرحمن الرحيم
3405 ـ حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عَن إسْمَاعِيلَ بنِ أُمَيّةَ قالَ: سَمِعْتُ رَجُلاً بَدَوِيّا أَعْرَابِيّا يقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَرْوِيهِ يَقُولُ: "مَنْ قَرَأَ سُورَةَ { وَالتّينِ والزّيْتُونِ} فَقَرَأَ {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكِمِينَ} فَلْيَقُلْ: بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشّاهِدِينَ" . هَذا حديثٌ
ـــــــ
"ومن سورة التين"
مكية وهي ثمان آيات
قوله: "عن إسماعيل بن أمية" بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي ثقة ثبت من السادسة. قوله: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} أي أقضى القاضين يحكم بينك وبين أهل التكذيب بك يا محمد "فليقل بلى" أي نعم "وأنا على ذلك" أي كونك أحكم الحاكمين "من الشاهدين" أي أنتظم في سلك من له مشافهة في الشهادتين من أنبياء الله وأوليائه. قال ابن حجر: وهذا أبلغ من أنا شاهد ومن ثم قالوا في {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} وفي {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} أبلغ من وكانت قانتة ومن إنه في الآخرة صالح لأن من دخل في عداد الكامل وساهم معهم الفضائل ليس كمن انفرد عنهم انتهى. وهذا الحديث أخرجه(9/276)
إِنّمَا يُرْوَى بِهَذَا الإسْنَادِ عَنْ هَذَا الأعْرَابِيّ عَن أَبي هُرَيْرَةَ وَلاَ يُسَمّى
ـــــــ
الترمذي هكذا مختصراً، وزاد أبو داود في روايته: ومن قرأ {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} فانتهى إلى {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} فليقل بلى. ومن قرأ {وَالْمُرْسَلاتِ} فبلغ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} فليقل آمنا بالله. والحديث يدل على أن من يقرأ هذه الآيات يستحب له أن يقول تلك الكلمات سواء كان في الصلاة أو خارجها، وأما قولها للمقتدي خلف الإمام فلم أقف على حديث يدل عليه. قوله: "هذا حديث إنما يروى بهذا الإسناد الخ" وأخرجه أحمد وأبو داود وهو حديث ضعيف لجهالة الأعرابي.(9/277)
ومن سورة إقرأ باسم ربك
3406 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ أخبرنا عبْدُ الرّزّاقِ عَن مَعْمَرٍ عَن عبْدِ الكَرِيمِ الجَزرِيّ عَن عِكْرِمَةَ عَن ابنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما {سَنَدْعُ الزّبانِيَةَ} . قالَ قَالَ أَبُو جَهْلٍ لَئِنْ رَأيْتُ مُحَمداً يُصَلّي لأطَأَنّ عَلَى
ـــــــ
"ومن سورة اقرأ باسم ربك"
وتسمى سورة العلق مكية وهي تسع عشرة آية
قوله: "عن معمر" بن راشد الأزدي "عن عبد الكريم الجزري" هو ابن مالك. قوله: "قال أبو جهل" هذه من مرسلات ابن عباس لأنه لم يدرك زمن قول أبي جهل ذلك. لأن مولده قبل الهجرة نحو ثلاث سنين ويحمل على أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابي آخر "لئن رأيت محمداً يصلي" زاد البخاري عند الكعبة "لأطأن" بصيغة المضارع المتكلم مؤكدة باللام(9/277)
عُنقِهِ. فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم "لَوْ فَعَلَ لأخَذَتْهُ المَلاَئِكَةُ عَيَاناً" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ صحيحٌ.
3407 ـ حدثنا أبو سَعِيدٍ الأشَجّ، أخبرنا أَبُو خَالِدٍ الأحْمَرُ عَن دَاوُدَ بنِ أَبي هِنْدٍ عَن عِكْرِمَةَ عَن ابنِ عَبّاسٍ قالَ: "كانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي فَجَاءَ أَبُو جَهْلٍ فقالَ: أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا؟ أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا؟ ألَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا؟ فانْصَرَفَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَزَبَرَهُ، فقالَ أَبُو جَهْلٍ إنّكَ لَتَعْلَمُ ما بِهَا نادٍ أَكْثَرَ
ـــــــ
والنون الثقيلة من الوطء وهو الدوس من باب سمع يسمع "لو فعل" أي أبو جهل "لأخذته الملائكة" المراد بالملائكة الزبانية وهم ملائكة العذاب "عياناً" يقال لقيه أو رآه عياناً أي مشاهدة لم يشك في رؤيته، وإنما شدد الأمر في حق أبي جهل ولم يقع مثل ذلك لعقبة بن أبي معيط حيث طرح سلي الجزور على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو يصلي لأنهما وإن اشتركا في مطلق الأذية حالة صلاته لكن زاد أبو جهل بالتهديد وبدعوى أهل طاعته وبإرادة وطء العنق الشريف، وفي ذلك من المبالغة ما اقتضى تعجيل العقوبة له لو فعل ذلك، ولأن سلي الجزور لم يتحقق نجاستها وقد عوقب عقبة بدعائه صلى الله عليه وسلم وعلى من شاركه في فعله فقتلوا يوم بدر كذا في الفتح. قوله: "هذا حديث حسن غريب صحيح" وأخرجه أحمد والبخاري والنسائي وابن جرير.
قوله: "عبد الله بن سعيد" الكندي أبو سعيد الأشج الكوفي "حدثنا أبو خالد الأحمر" اسمه سليمان بن حيان الأزدي. قوله: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي" أي عند المقام كما في رواية ابن جرير "فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم" أي عن صلاته "فزبره" بزاي موحدة فراء كنصر وضرب أي نهر النبي صلى الله عليه وسلم أبا جهل وأغلظ له في القول، وفي رواية ابن(9/278)
مِنّي، فأنْزَلَ الله تبارَكَ وتعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَه سَنَدْعُ الزّبانِيَةَ} . فقالَ ابنُ عبّاسٍ فوالله لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لأخَذَتْهُ زَبانِيَةُ الله" هَذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ صحيحٌ. وَفِيهِ عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
ـــــــ
جرير: فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره "ما بها" أي بمكة "ناد أكثر مني" وفي رواية ابن جرير والله إني لأكثر هذا الوادي نادياً. قال في النهاية: النادي مجتمع القوم وأهل المجلس فيقع على المجلس وأهله {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} أي أهل ناديه لأن النادي من المجلس الذي يجلس وينتدي فيه القوم ويجتمعون فيه من الأهل والعشيرة ولا يسمى المكان نادياً حتى يكون فيه أهله. والمعنى ليدع عشيرته وأهله ليعينوه وينصروه {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} أي الملائكة الغلاظ الشداد وهم خزنة جهنم سموا بذلك لأنهم يدفعون أهل النار إليها بشدة مأخوذ من الزبن وهو الدفع. قيل واحدها زابن وقيل زبنية وقيل زبنى على النسب وقيل هو إسم للجمع لا واحد له من لفظه كعباديد وأبابيل، وقال قتادة هم الشرط في كلام العرب، وأصل الزبن الدفع والعرب تطلق هذا الاسم على من اشتد بطشه "لو دعا" أي أبو جهل "لأخذته زبانية الله" أي ملائكته الغلاظ الشداد. قوله: "هذا حديث حسن غريب صحيح" وأخرجه أحمد والنسائي وابن جرير. قوله: "وفيه عن أبي هريرة" أخرج حديثه النسائي وفي آخره فلم يفجأهم منه إلا وهو أي أبو جهل ينكص على عقبيه ويتقي بيديه فقيل له مالك؟ فقال إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولاً وأجنحة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو دنا اختطفته الملائكة عضواً عضواً" .(9/279)
ومن سورة ليلة القدر
3408 ـ حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أَبُو دَاودُ الطّيَالِسِيّ، أخبرنا القاسِمُ بنُ الفَضْلِ الحُدّانِيّ عَن يُوسُفَ بنِ سَعْدٍ قالَ: "قامَ رَجُلٌ إلى الحَسَنِ بنِ عَلِيّ بَعْدَ ما بَايَعَ مُعَاوِيَةَ فقالَ سَوّدْتَ وُجُوهَ المُؤْمِنِينَ أَوْ يا مُسَوّدَ وُجُوهِ المُؤْمِنِينَ، فقالَ لا تُؤَنّبْني رَحِمَكَ الله فإِنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أُرِيَ بَنِي أُمَيّةَ عَلَى مِنْبَرِهِ فَسَاءَهُ ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ {إنّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ} يا مُحمّدُ يَعْنِي نَهْراً في الجَنّةِ، ونَزَلَتْ {إنّا أَنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ القَدْرِ وَما أدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةُ
ـــــــ
"ومن سورة ليلة القدر"
قيل هي مكية وقيل مدنية وهي خمس آيات
قوله: "عن يوسف بن سعد" الجمحي مولاهم البصري ويقال هو يوسف ابن مازن ثقة من الثالثة "قال قام رجل" وفي رواية ابن جرير من طريق القاسم بن الفضل عن عيسى بن مازن: قال قلت للحسن بن علي رضي الله عنه الخ " إلى الحسن بن علي" بن أبي طالب "بعدما بايع" أي الحسن بن علي "معاوية" أي ابن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية الأموي أبا عبد الرحمن الخليفة صحابي أسلم قبل الفتح وكتب الوحي ومات في رجب سنة ستين وقد قارب الثمانين "أو يا مسود وجوه المؤمنين" كلمة أو للشك "لا تؤنبني" بصيغة النهي من التأنيب وهو المبالغة في التوبيخ والتعنيف "أري" بصيغة المجهول من الإراءة أي في المنام "بني أمية على منبره" وفي رواية ابن جرير: أري في منامه بني أمية يعلون منبره خليفة {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} أي القرآن جملة واحدة من(9/280)
القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} يَمْلِكُهَا بَعْدَكَ بَنُو أُمَيّةَ يا مُحمّدُ. قالَ القاسِمُ فَعَدَدْنَاها فإِذَا هِيَ أَلْفُ شَهْرٍ لا تَزِيدُ يَوْماً وَلاَ تَنْقُصُ" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ القاسِمِ بن الفَضْلِ وَقَدْ قِيلَ عَنْ القَاسِم بنِ الفَضْلِ عَن يُوسُفَ بنِ مَازِن. والقاسِمُ بنُ
ـــــــ
اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا {فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} أي الشرف والعظم {وَمَا أَدْرَاكَ} أي أعلمك يا محمد {مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} تعظيم لشأنها وتعجيب منه {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} أي ليس فيها ليلة القدر، فالعمل الصالح فيها خير منه في ألف شهر ليست فيها "يملكها" الضمير المنصوب راجع إلى ألف شهر، والمعنى أن ليلة القدر خير من مدة ألف شهر يملك فيها بنو أمية الولاية والخلافة "قال القاسم" أي ابن الفضل الحداني المذكور في الإسناد "فعددناها" أي مدة خلافة بني أمية وفي رواية ابن جرير فحسبنا ملك بني أمية "فإذا هي ألف شهر" هي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر وكان استقلال إمارة بني أمية منذ بيعة الحسن بن علي لمعاوية وذلك على رأس أربعين سنة من الهجرة وكان انفصال دولتهم على يد أبي مسلم الخراساني سنة اثنين وثلاثين ومائة وذلك اثنان وتسعون سنة يسقط منها مدة خلافة ابن الزبير ثمان سنين وثمانية أشهر يبقى ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر كذا في المجمع. قوله: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث القاسم بن الفضل وقد قيل عن القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن الخ" قال الحافظ ابن كثير بعد نقل كلام الترمذي هذا: وقد روى هذا الحديث الحاكم في مستدركه من طريق القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن به، وقول الترمذي إن يوسف هذا مجهول فيه نظر فإنه قد روى عنه جماعة منهم حماد بن سلمة وخالد الحذاء ويونس بن عبيد، وقال فيه يحيى بن معين هو مشهور، وفي رواية عن ابن معين قال هو ثقة، ورواه ابن جرير من طريق القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن كذا قال وهذا يقتضي اضطراباً في هذا الحديث والله أعلم. ثم هذا الحديث على كل تقدير منكر جداً. قال شيخنا الإمام الحافظ الحجة أبو الحجاج المزي هو حديث(9/281)
الفَضْلِ الْحُدّانِيّ هُوَ ثِقَةٌ وَثّقَهُ يَحْيى بنُ سعِيدٍ وعَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ. وَيُوسُفُ بنُ سَعْدٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ. وَلا نَعْرِفُ هَذَا الحَدِيثَ عَلَى هَذَا اللّفْظِ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
منكر. قال وقول القاسم بن الفضل الحداني أنه حسب مدة بني أمية فوجدها ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص ليس بصحيح فإن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه استقل بالملك حين سلم إليه الحسن بن علي الإمرة سنة أربعين واجتمعت البيعة لمعاوية وسمي ذلك عام الجماعة ثم استمروا فيها متتابعين بالشام وغيرها لم يخرج عنهم إلا مدة دولة عبد الله بن الزبير في الحرمين والأهواز وبعض البلاد قريباً من تسع سنين لكن لم تزل يدهم عن الإمرة بالكلية بل عن بعض البلاد إلى أن أستلبهم بنو العباس الخلافة في سنة اثنتين وثلاثين ومائة فيكون مجموع مدتهم اثنتين وتسعين سنة وذلك أزيد من ألف شهر فإن الألف شهر عبارة عن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، وكأن القاسم ابن الفضل أسقط من مدتهم أيام ابن الزبير وعلى هذا فتقارب ما قاله للصحة في الحساب.
ومما يدل على ضعف هذا الحديث أنه سيق لذم دولة بني أمية ولو أريد ذلك لم يكن بهذا السياق، فإن تفضيل ليلة القدر على أيامهم لا يدل على ذم أيامهم، فإن ليلة القدر شريفة جداً والسورة الكريمة إنما جاءت لمدح ليلة القدر فكيف تمدح بتفضيلها على أيام بني أمية التي هي مذمومة بمقتضى هذا الحديث، وهل هذا إلا كما قال القائل:
ألم تر أن السيف ينقص قدره ... إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
وقال آخر:
إذا أنت فضلت امرأ ذا براعة ... على ناقص كان المديح من النقص
ثم الذي يفهم من الآية أن الألف شهر المذكورة في الآية هي أيام بني أمية والسورة مكية فكيف يحال على ألف شهر هي دولة بني أمية ولا يدل عليها لفظ(9/282)
3409 ـ حدثنا ابنُ أَبي عُمَر، أخبرنا سُفْيَانُ عَن عَبْدَةَ بنِ أبي لُبَابَةَ و عاصِمٍ سَمِعَا زِرّ بنَ حُبَيْشٍ و زرّ بنَ حُبَيْشٍ يقُولُ: "قُلْتُ لاِبيّ بنِ كَعْبٍ إِنّ أَخَاكَ عبْدَ الله بن مَسْعُودٍ يقولُ مَن يَقُمِ الْحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ القَدْرِ، فقالَ يَغْفِرُ الله لأبي عَبْدِ الرّحْمَنِ لَقَدْ عَلِمَ أنّهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَأَنّها لَيْلَةُ سَبْعٍ وعِشْرِينَ ولَكِنّهُ أَرَادَ أَنْ لاَ يَتّكِلَ النّاسُ ثُمّ حَلَفَ لا يَسْتَثْنِي أَنّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. قال قُلْتُ لَهُ بِأيّ شَيْءِ تَقُولُ
ـــــــ
الآية ولا معناها، والمنبر إنما صنع بالمدينة بعد مدة من الهجرة فهذا كله مما يدل على ضعف الحديث ونكارته انتهى كلام الحافظ ابن كثير.
قلت: وفي قوله: "ورواه ابن جرير من طريق القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن كذا قال" نظر فإن ابن جرير لم يروه هكذا بل رواه من طريق القاسم بن الفضل عن عيسى بن مازن كما في النسخة المصرية وعليه يصح قول الحافظ ابن كثير، وهذا يقتضي اضطراباً في هذا الحديث فتفكر.
قوله: "عن عبدة بن أبي لبابة" الأسدي مولاهم ويقال مولى قريش كنيته أبو القاسم البزار الكوفي نزيل دمشق ثقة من الرابعة "وعاصم" بن بهدلة. قوله: "إن أخاك" أي في الدين والصحبة "عبد الله بن مسعود" بدل أو بيان "من يقم الحول" أي من يقم الطاعة في بعض ساعات كل ليالي السنة "يصب ليلة القدر" أي يدركها يقيناً للإبهام في تبيينها وللاختلاف في تعيينها "قال" أي أبي "يغفر الله لأبي عبد الرحمن" كنية لابن مسعود "لقد علم" أي أبو عبد الرحمن "أنها" أي ليلة القدر "ولكنه أراد أن لا يتكل الناس" أي لا يعتمدوا على قول واحد وإن كان هو الصحيح الغالب على الظن الذي مبني الفتوى عليه فلا يقوموا إلا في تلك الليلة ويتركوا قيام سائر الليالي فيفوت حكمة الإبهام الذي نسي بسببها عليه الصلاة والسلام "ثم حلف" أي أبي بن كعب "لا يستثني" حال أي حلف حلفاً جازماً من غير أن يقول عقيبه إن(9/283)
ذَلِكَ يا أَبَا المُنْذِرِ؟ قالَ بالآية الّتِي أخبرنا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَو بالعَلاَمَةِ أَنّ الشّمْسَ تَطْلعُ يَوْمَئِذٍ لا شُعَاعَ لَهَا" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
شاء الله تعالى. قال الطيبي هو قول الرجل إن شاء الله يقال حلف فلان يميناً ليس فيها ثنى ولا ثنو ولا ثنية ولا استثناء كلها واحد وأصلها من الثني وهو الكف والرد وذلك أن الحالف إذا قال والله لأفعلن كذا إلا أن يشاء الله غيره فقد رد انعقاد ذلك اليمين انتى "أنها" مفعول حلف أي أن ليلة القدر "ليلة سبع وعشرين قال" أي زر بن حبيش "قلت له" أي لأبي بن كعب "بأي شيء" أي من الأدلة "تقول ذلك" أي القول "يا أبا المنذر" كنية أبي بن كعب "أو بالعلامة" كلمة أو للشك "أن الشمس تطلع يومئذ لاشعاع لها" سبق شرحه في باب ليلة القدر من أبواب الصيام. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد ومسلم.(9/284)
سورة "لم يكن"
...
ـــــــ
الخليقة. قال في النهاية البرية الخلق تقول براه الله يبروه برواً أي خلقه ويجمع على البرايا والبريات من البري التراب هذا إذا لم يهمز ومن ذهب إلى أن أصله الهمز أخذه من برأ الله الخلق يبرأهم أي خلقهم ثم ترك فيها الهمز تخفيفاً ولم تستعمل مهموزة انتهى "قال" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذاك" أي المشار إليه الموصوف بخير البرية هو "إبراهيم" الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء إنما قال صلى الله عليه وسلم هذا تواضعاً واحتراماً لإبراهيم صلى الله عليه وسلم لخلته وأبوته وإلا فنبينا صلى الله عليه وسلم أفضل كما قال صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم" ولم يقصد به الافتخار ولا التطاول على من تقدمه بل قاله بياناً لما أمر ببيانه وتبليغه ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "ولا فخر" . لينفي ما قد يتطرق إلى بعض الأفهام السخيفة، وقيل يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إبراهيم خير البرية" قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم.(9/284)
ـــــــ
الخليقة. قال في النهاية البرية الخلق تقول براه الله يبروه برواً أي خلقه ويجمع على البرايا والبريات من البري التراب هذا إذا لم يهمز ومن ذهب إلى أن أصله الهمز أخذه من برأ الله الخلق يبرأهم أي خلقهم ثم ترك فيها الهمز تخفيفاً ولم تستعمل مهموزة انتهى "قال" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذاك" أي المشار إليه الموصوف بخير البرية هو "إبراهيم" الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء إنما قال صلى الله عليه وسلم هذا تواضعاً واحتراماً لإبراهيم صلى الله عليه وسلم لخلته وأبوته وإلا فنبينا صلى الله عليه وسلم أفضل كما قال صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم" ولم يقصد به الافتخار ولا التطاول على من تقدمه بل قاله بياناً لما أمر ببيانه وتبليغه ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "ولا فخر" . لينفي ما قد يتطرق إلى بعض الأفهام السخيفة، وقيل يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إبراهيم خير البرية" قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم.(9/285)
ومن سورة إذا زلزلت الأرض
بسم الله الرحمن الرحيم
3479 ـ حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ أخبرنا سَعِيدُ بنُ أبي أَيّوبَ عَن يَحْيى بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَن سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: "قَرَأَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الآية {يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا} قالَ: أَتَدْرُونَ ما أَخْبَارُها؟ قالُوا الله وَرَسُولُهُ.
ـــــــ
"ومن سورة إذا زلزلت"
مكية وقيل مدنية وهي ثمان آيات وقيل تسع آيات
قوله: "قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ(9/285)
أَعْلَم قالَ فإِنّ أَخْبَارَها أن تَشْهَدَ عَلَى كُلّ عَبْدٍ أو أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا تَقُولُ عَمِلَ يَوْمَ كَذَا كَذَا وكَذَا فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريب.
ـــــــ
أَخْبَارَهَا} الخ" . قد تقدم هذا الحديث مع شرحه قبل باب الصور من أبواب صفة القيامة.(9/286)
ومن سورة ألهاكم التكاثر
بسم الله الرحمن الرحيم
3412 ـ حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ أخبرنا وهْبُ بنُ جريرٍ، أخبرنا شُعْبَةُ عَن قَتَادَةَ عَن مُطَرّفِ بنِ عبْدِ الله بنِ الشّخّيرِ عَن أَبِيهِ أَنّهُ انْتَهى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْرَأُ {أَلْهَاكُمُ التّكَاثُرُ} قالَ
ـــــــ
"ومن سورة ألهاكم التكاثر"
مكية وهي ثمان آيات
قوله: "أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} الخ" قد سبق هذا الحديث مع شرحه في باب الزهادة في الدنيا من أبواب الزهد.
قوله: "أخبرنا حكام" بفتح الحاء وتشديد الكاف "بن سلم" بفتح السين المهملة وسكون اللام "عن عمرو بن أبي قيس" الرازي "عن الحجاج بن أرطاة" بفتح الهمزة "عن المنهال بن عمرو" الأسدي. قوله: "ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} " أي هذه السورة والمراد بالتكاثر التفاخر أي أشغلتكم المفاخرة والمباهاة والمكاثرة بكثرة المال والعدد والمناقب عن طاعة الله ربكم وما ينجيكم عن سخطه حتى زرتم المقابر أي حتى متم ودفنتم في المقابر، يقال لمن مات زار قبره(9/286)
"يقولُ ابنُ آدَمَ مَالِي مَالِي، وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إلاّ ما تَصَدّقْتَ فأمْضَيْتَ أَوْ أَكَلْتَ فأفْنَيْتَ أَو لَبست فأبْلَيْتَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
وزار رمسه فيكون معنى الآية ألهاكم حرصكم على تكثير أموالكم عن طاعة ربكم حتى أتاكم الموت وأنتم على ذلك. قال ابن جرير في تفسيره: وفي هذا دليل على صحة القول بعذاب القبر، لأن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم الذين ألهاكم التكاثر أنهم سيعلمون ما يلقون إذا هم زاروا القبور وعيداً منه لهم وتهدداً، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل فذكر حديث علي هذا ثم قال وقوله: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} يعني تعالى ذكره بقوله كلا ما هكذا ينبغي أن تفعلوا أن يلهيكم التكاثر، وقوله {سَوْفَ تَعْلَمُونَ} يقول جل ثناؤه سوف تعلمون إذا زرتم المقابر أيها الذين ألهاكم التكاثر غب فعلكم واشتغالكم بالتكاثر في الدنيا عن طاعة الله ربكم، وقوله: {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} ثم ما هكذا ينبغي أن تفعلوا أن يلهيكم التكاثر بالأموال وكثرة العدد سوف تعلمون إذا زرتم المقابر ما تلقون إذا انتم زرتموها من مكروه اشتغالكم عن طاعة ربكم بالتكاثر، وكرر قوله: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} مرتين لأن العرب إذا أرادت التغليظ في التخويف والتهديد يذكروا الكلمة مرتين انتهى.
تنبيه: اعلم أن في القرآن المجيد آيات تدل على ثبوت عذاب القبر إحداها هذه الآية أعني قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} الخ وأصرحها وأوضحها الآية التي في سورة المؤمن وهو قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} قال العلامة نظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري في تفسير هذه الآية ص 38 ج 24 ما لفظه: وفي الآية دلالة ظاهرة على إثبات عذاب القبر لأن تعذيب يوم القيامة يجيء في قوله: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} انتهى وقال الحافظ ابن كثير: وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور وهي قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} انتهى. وقال الرازي: احتج أصحابنا بهذه الآية على إثبات عذاب القبر قالوا الآية تقضي عرض النار عليهم غدواً وعشياً وليس المراد منه يوم(9/287)
3413 ـ حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أخبرنا حَكّامُ بنُ أسلمِ الرّازِيّ عَن عَمْرِو بنِ أَبي قَيْس عَن الحَجّاجِ عَن المِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو عَن زِرّ بنِ حُبَيْشٍ عَن عَلِيّ رضي الله عنه قالَ: "مَا زِلْنَا نَشُكّ في عَذَابِ القَبْرِ حَتّى نَزَلَتْ {الْهَاكُمُ التَكَاثُرُ} " . قالَ أبُو كُرَيْبٍ مَرّةً عَن عَمْرِو بنِ أبي قَيْسٍ عَن ابنِ أبي لَيْلَى عَن المِنْهَالِ. هَذا حديثٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
القيامة لأنه قال: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} وليس المراد منه أيضاً الدنيا لأن عرض النار عليهم غدواً وعشياً ما كان حاصلاً في الدنيا فثبت أن هذا العرض إنما حصل بعد الموت وقبل يوم القيامة وذلك يدل على إثبات عذاب القبر في حق هؤلاء، وإذا ثبت في حقهم ثبت في حق غيرهم لأنه لاقائل بالفرق. فإن قيل لم لا يجوز أن يكون المراد من عرض النار عليهم غدواً وعشياً عرض النصائح عليهم في الدنيا لأن أهل الدين إذا ذكروا لهم الترغيب والترهيب وخوفوهم بعذاب الله فقد عرضوا عليهم النار، ثم نقول في الآية ما يمنع من حملها على عذاب القبر وبيانه من وجهين: الأول ـ أن ذلك العذاب يجب أن يكون دائماً غير منقطع. وقوله: {يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} يقتضي أن لا يحصل ذلك العذاب إلا في هذين الوقتين فثبت أن هذا لا يمكن حمله على عذاب القبر. الثاني ـ أن الغدوة والعشية إنما يحصلان في الدنيا أما في القبر فلا وجود لهما فثبت بهذين الوجهين أنه لا يمكن حمل هذه الآية على عذاب القبر، والجواب عن السؤال الأول أن في الدنيا عرض عليهم كلمات تذكرهم أمر النار لا أنه يعرض عليهم نفس النار، فعل قولهم يصير معنى الآية الكلمات المذكرة لأمر النار كانت تعرض عليهم وذلك يفضي إلى ترك ظاهر اللفظ والعدول إلى المجاز. أما قوله: الآية تدل على حصول هذا العذاب في هذين الوقتين وذلك لا يجوز قلنا لم لا يجوز أن يكتفي في القبر بإيصال العذاب إليه في هذين الوقتين ثم عند قيام القيامة يلقى في النار فيدوم عذابه بعد ذلك، وأيضاً لا يمتنع أن يكون ذكر الغدوة والعشية كناية على الدوام كقوله: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} أما قوله إنه ليس في القبر والقيامة غدوة وعشية قلنا لم لا يجوز أن يقال عند حصول هذين(9/288)
3414 ـ حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ حدثنا سُفْيانُ بن عيينة عَن مُحمّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ عَن يَحْيَى بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ حَاطِبٍ عَن عبدِ الله بنِ الزّبَيْرِ بنِ العَوّامِ عَن أَبِيهِ قالَ: "لَمّا نَزَلَتْ {ثُمّ لَتُسْألُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ} قالَ الزّبَيْرُ يا رسُولَ الله وَأيّ النّعِيم نُسْألَ عَنْهُ وإِنّمَا هُمَا الأسْوَدَانِ: التّمْرُ والمَاءَ؟ قالَ: أَما إنّهُ سَيَكُونُ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ.
3415 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ أخبرنا أَحْمَدُ بنُ يُونُسَ عَن أبي بَكْرِ بنِ عَيّاشٍ عَن مُحمّدِ بنِ عَمْرٍو عنْ أبي سَلَمَةَ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: "لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآية {ثُمّ لَتُسْألُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ} قالَ النّاسُ يا رَسُولَ الله عَن أَيّ النّعِيمِ نُسْألُ؟ فَإنّمَا هُمَا الأسْوَدَانِ والعَدُوّ
ـــــــ
الوقتين لأهل الدنيا يعرض عليهم العذاب انتهى. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم.
قوله: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} أي عن شكر ما أنعم الله به عليكم من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك "إنما هما الأسودان" أي إنما عندنا نعمتان ليستا مما نسأل عنهما لدناءتهما وهما الأسودان "التمر والماء" بيان لـ "الأسودان" أما التمر فأسود وهو الغالب على تمر المدينة فأضيف الماء إليه ونعت بنعته أتباعاً والعرب تفعل ذلك في الشيئين يصطحبان فيسميان معاً باسم الأشهر منها كالقمرين والعمرين كذا في النهاية "أما" بالتخفيف حرف تنبيه "إنه سيكون" هذا يحتمل وجهين أحدهما أن النعيم الذي تسألون عنه سيكون والثاني أن السؤال سيكون عن الأسودين فإنهما نعمتان عظيمتان من نعم الله تعالى. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد وابن ماجة وابن أبي حاتم.
قوله: "أخبرنا أحمد بن يونس" هو أحمد بن عبد الله بن يونس "عن محمد(9/289)
حاضِرٌ وَسُيُوفُنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا؟ قالَ: إِنّ ذَلِكَ سَيَكُونُ" . وَحدِيثُ ابنِ عُيَيْنَةَ عَن مُحمّدِ بنِ عَمْرٍو عِنْدِي أَصَحّ مِنْ هَذَا. سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ أحْفَظُ وَأَصَحّ حَدِيثاً مِنْ أبي بكْرِ بنِ عَيّاشٍ.
3416 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا شَبَابَةُ عَن عَبْدِ الله بنِ العَلاءِ عَن الضّحّاكِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ عَرْزَمٍ الأشْعَرِيّ قالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ أَوّلَ مَا يُسْألُ عَنْهُ يَوْمَ القيامَةِ ـ يَعْنِي العَبْد مِنَ النّعِيمِ ـ أَنْ يُقَالَ له أَلَمْ نُصِحّ لَكَ جِسْمَكَ ونُرْوِيكَ مِنَ المَاءِ البَارِدِ" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
ابن عمرو" بن علقمة "والعدو حاضر" أي ويريد أن يستأصلنا "وسيوفنا على عواتقنا" أي لقتال العدو والعواتق جمع عاتق وهو ما بين المنكب والعنق.
قوله: "أخبرنا شبابة" بن سوار المدائني "عن عبد الله بن العلاء" بن زبر بفتح الزاي وسكون الموحدة الدمشقي الربعي ثقة من السابعة "عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزم الأشعري" قال في التقريب الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب بفتح المهملة وسكون الراء وفتح الزاي ثم موحدة وقد تبدل ميماً أبو عبد الرحمن أو أبو زرعة الطبراني ثقة من الثالثة قوله: "إن أول ما يسأل عنه" ما موصولة أي أول شيء يحاسب به في الآخرة "يعني العبد" تفسير لنائب الفاعل من بعض الرواة "أن يقال له" خبر إن "ألم نصح" من الإصحاح وهو إعطاء الصحة "جسمك" أي بدنك وصحته أعظم النعم بعد الإيمان "ونرويك" كذا في النسخ الحاضرة بالياء والظاهر حذفها لأنه عطف على نصح وكذلك في المشكاة وهو من التروية أو من الإرواء من الري بالكسر وهو عند العطش "من الماء البارد" أي الذي هو من ضرورة بقائك ولولاه لفنيت بل العالم بأسره. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه ابن حبان والحاكم.(9/290)
وَالضحّاكُ هُوَ ابنُ عَبْدِ الرّحُمَنِ بنِ عَرْزَبٍ وَيُقَال ابنُ عَرْزَمٍ وابنُ عَرْزَمٍ أَصَحّ.
ـــــــ(9/291)
ومن سورة الكوثر
بسم الله الرحمن الرحيم
3417 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عبْدُ الرّزّاقِ عَن مَعْمَرٍ عَن قَتَادَةَ عَن أنَسٍ في قَوْلِهِ تعالى {إنّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ} أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "هُوَ نَهْرٌ في الجَنّةِ حافتاه قِبَابُ اللّؤْلُؤِ، قُلْتُ مَا هَذَا يا جِبْرِيلُ؟ قالَ هَذَا الكَوْثَرُ الّذِي أَعْطَاكَهُ الله" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
"ومن سورة الكوثر"
مكية قال ابن عباس والجمهور وقيل إنها مدنية قاله الحسن وعكرمة وقتادة وهي ثلاث آيات
قوله: "عن أنس {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} " أي عن أنس في تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} وهو على وزن فوعل من الكثرة سمي به النهر لكثرة مائه وآنيته وعظم قدره وخيره، والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد أو القدر والخطر كوثراً "حافتيه" بتخفيف الفاء أي جانبيه قال في القاموس حافتي الوادي وغيره جانباه والجمع حافات وفي بعض النسخ حافتاه بالألف على أنه مبتدأ وخيره "قباب اللؤلو" والقباب بكسر القاف وتخفيف الباء الموحدة الأولى جمع قبة وهو بناء سقفه مستدير مقمر "قلت ما هذا" أي ما هذا النهر "قال هذا الكوثر الذي أعطاكه الله" هذا نص صريح في أن المراد بالكوثر في قوله تعالى: {إِنَّا(9/291)
3418 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيع، أخبرنا شَرْيَحُ بنُ النّعْمَانِ، أخبرنا الحَكَمُ بنُ عَبْدِ المَلكِ عَن قَتَادَةَ عَن أنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "بَيْنَا أنَا أسِيرُ في الجَنّةِ إذْ عرضَ لِي نَهْرٌ حَافَتَاهُ قِبَابُ اللّؤْلُؤِ، قُلْتُ لِلْمَلَكِ مَا هَذَا؟ قالَ هَذَا الكَوْثَرُ الّذِي أعْطَاكَهُ الله، قالَ ثُمّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلى طِينَةٍ فاسْتَخْرَجَ مِسْكاً، ثُمّ رُفِعَتْ لِي
ـــــــ
أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} هو هذا النهر المذكور في هذا الحديث وروى البخاري في صحيحه عن أبي عبيدة عن عائشة قال سألتها عن قوله تعالى {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} قالت نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم الحديث، وروى من طريق أبي بشر وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الكوثر الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه. قال أبو بشر قلت لسعيد إن ناساً يزعمون أنه نهر في الجنة فقال سعيد النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه. قال الحافظ هذا تأويل من سعيد بن جبير جمع به بين حديثي عائشة وابن عباس، وحاصل ما قاله سعيد بن جبير أن قول ابن عباس إنه الخير الكثير لا يخالف قول غيره إن المراد به نهر في الجنة. لأن النهر فرد من أفراد الخير الكثير ولعل سعيداً أومأ إلى أن تأويل ابن عباس أولى لعمومه لكن ثبت تخصيصه بالنهر من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فلا معدل عنه. انتهى قال الحافظ ابن جرير في تفسيره اختلف أهل التأويل في معنى الكوثر فقال بعضهم هو نهر في الجنة أعطاه الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ثم ذكر من قال به ثم قال وقال آخرون عنى بالكوثر الخير الكثير ثم ذكر من قال به، ثم قال وقال آخرون هو حوض أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة ثم قال وأولى هذه الأقوال بالصواب عندي قول من قال هو اسم النهر الذي أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة وصفه الله بالكثرة لعظمة قدره، وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك لتتابع الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك كذلك انتهى.
قلت: الأمر كما قال الحافظ ابن جرير والحافظ ابن حجر رحمهما الله تعالى.(9/292)
سِدْرَة المُنْتَهى فَرَأَيْتُ عِنْدَهَا نُوراً عَظِيماً" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ
ـــــــ
وقال الحافظ ابن جرير في تفسير قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} اختلف أهل التأويل في الصلاة التي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصليها بهذا الخطاب ومعنى قوله وانحر. فقال بعضهم حضه على المواظبة على الصلاة المكتوبة وعلى الحفظ عليها في أوقاتها بقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} ثم ذكر من قال به ثم قال وقال آخرون بل عنى بقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} الصلاة المكتوبة وبقوله: وانحر أن يرفع يديه إلى النحر عند افتتاح الصلاة والدخول فيها، ثم ذكر من قال به ثم قال وقال آخرون عنى بقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} المكتوبة وبقوله. وانحر نحر البدن، ثم ذكر من قال به ثم قال وقال آخرون بل عنى بذلك: صل يوم النحر صلاة العيد وانحر نسكك، ثم ذكر من قال به ثم قال وقال آخرون قيل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم لأن قوماً كانوا يصلون لغير الله وينحرون لغيره فقيل له اجعل صلاتك ونحرك لله إذ كان من يكفر بالله يجعله لغيره. ثم ذكر من قال به ثم قال وقال آخرون: بل أنزلت هذه الآية يوم الحديبية حين حصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وصدوا عن البيت فأمره الله أن يصلي وينحر البدن وينصرف ففعل، ثم ذكر من قال به ثم قال: وقال آخرون بل معنى ذلك فصل وادع ربك وسله ثم ذكر من قال به ثم قال وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال معنى ذلك: فاجعل صلاتك كلها لربك خالصاً دون ما سواه من الأنداد والآلهة. وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان شكراً له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفء له وخصك به من إعطائه إياك الكوثر. وإنما قلت ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك لأن الله جل ثناؤه أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بما أكرمه به من عطيته وكرامته وإنعامه عليه بالكوثر ثم أتبع ذلك قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} فكان معلوماً بذلك أنه خصه بالصلاة له والنحر على الشكر له على ما أعلمه من النعمة التي أنعمها عليه بإعطائه إياه الكوثر، فلم يكن لخصوص بعض الصلاة بذلك دون بعض. وبعض النحر دون بعض وجه إذا كان حثاً على الشكر على النعم، فتأويل الكلام إذاً: إنا أعطيناك يا محمد(9/293)
صحيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَن أنَسٍ.
3419 ـ حدثنا هَنّادٌ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ فُضَيْلٍ عَن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ عَن مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ عَن عبْدِ الله بنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الكَوْثَرُ نَهْرٌ في الجَنّةِ حَافَتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ ومَجْرَاهُ عَلَى الدّرّ وَاليَاقُوتِ، تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِن المِسْكِ وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنَ العَسَلِ وَأَبْيَضُ مِنَ الثّلْجِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
الكوثر إنعاماً منا عليك به وتكرمة منا لك فأخلص لربك العبادة وأفرد له صلاتك ونسكك خلافاً لما يفعله من كفر به وعبد غيره ونحر للأوثان انتهى.
قلت: ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} قوله: "هذا حديث حسن صحيح وأخرجه الشيخان".
قوله: "بينا أنا أسير في الجنة" أي لما عرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء كما في رواية البخاري "قباب اللؤلؤ" وفي رواية للبخاري قباب الدر المجوف "قال هذا الكوثر الذي أعطاكه الله" إشارة إلى قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} "ثم ضرب بيده" أي ضرب الملك بيده، وفي رواية البيهقي فأهوى الملك بيده فاستخرج من طينه مسكاً أذفر "ثم رفعت لي سدرة المنتهى" أي قربت وكشفت وعرضت.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان. قوله: "حافتاه من ذهب" لا تخالف بين هذا وبين قوله: "حافتاه قباب اللؤلؤ" لأن حافتيه تكونان من الذهب وأما القباب من اللؤلؤ فتكون مبنية عليهما "ومجراه على الدر والياقوت" أي جريان مائه عليهما "تربته أطيب من المسك" أي ترابه أطيب ريحاً منه. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وابن ماجة وابن أبي حاتم وابن جرير.(9/294)
ومن سورة الفتح
بسم الله الرحمن الرحيم
3420 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ عَن شُعْبَةَ عَن أَبي بِشْرٍ عَن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَن ابنِ عَبّاسٍ قَالَ: "كَانَ عُمَرُ يَسْأَلُنِي مَعَ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ: أَنَسأَلُهُ وَلَنَا بَنُون مِثْلُهُ؟ قَالَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ، فَسَأَلَهُ عَن هَذِهِ الآية {إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله وَالفَتْحُ} فَقُلْتُ إنمّا هُوَ أَجَلُ رُسولِ الله صلى الله عليه وسلم اعْلَمَهُ إِيّاهُ وَقَرَأَ السّورَةَ إِلى آخِرهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:
ـــــــ
"ومن سورة الفتح"
وتسمى سورة النصر أيضاً مدينة وهي ثلاث آيات
قوله: "أخبرنا سليمان بن داود" بن الجارود أبو داود الطيالسي "عن أبي بشر" اسمه جعفر بن إياس. قوله: "كان عمر" أي ابن الخطاب "يسألني مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" وفي رواية البخاري في التفسير: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر. وفي روايته في علامات النبوة: كان عمر بن الخطاب يدنى ابن عباس "فقال له عبد الرحمن بن عوف" الزهري أحد المبشرة "ولنا بنون مثله" أي مثل ابن عباس في السن لا في الفضل والقرابة من النبي صلى الله عليه وسلم "إنه من حيث تعلم" أي من أجل أنك تعلم أنه عالم وكان ذلك ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل "فسأله عن هذه الآية" أي فسأل عمر ابن عباس عن معنى هذه الآية {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّه} أي نبيه صلى الله عليه وسلم على أعدائه "إنما هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه إياه" أي يجيء النصر والفتح ودخول(9/295)
وَالله مَا أعْلَمُ مِنْهَا إِلاّ مَا تَعْلَمُ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3421 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ، أخبرنا شُعْبَةُ عَن أَبِي بِشْرٍ بِهَذَا الإسْنَادِ نَحْوَهُ إِلاّ أَنّهُ قَالَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرّحمَنِ بنُ عَوْفٍ أَتَسْأَلُهُ ولَنَا ابن مِثْلُهُ؟ "هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ".
ـــــــ
الناس في الدين علامة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. أخير الله رسوله بذلك "ما أعلم منها" أي من هذه السورة "إلا ما تعلم" وفي رواية البخاري في التفسير: ما أعلم منها إلا ما تقول. وفي الحديث فضيلة ظاهرة لابن عباس وتأثير لإجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه التأويل ويفقهه في الدين، وفيه جواز تحديث المرء عن نفسه بمثل هذا لإظهار نعمة الله عليه وإعلام من لا يعرف قدره لينزله منزلته وغير ذلك من المقاصد الصالحة لا للمفاخرة والمباهاة، وفيه جواز تأويل القرآن بما يفهم من الإشارات، وإنما يتمكن من ذلك من رسخت قدمه في العلم ولهذا قال على رضي الله عنه: أو فهما يؤتيه الله رجلاً في القرآن. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري. قوله: "أتسأله ولنا ابن مثله" وفي رواية البخاري ولنا أبناء مثله.(9/296)
ومن سورة تبت
بسم الله الرحمن الرحيم
3422 ـ حدثنا هَنّادٌ وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ قَالاَ: أخبرنا أبُو مُعَاوِيَةَ أخبرنا الأَعْمَشُ عَن عَمْرِو بنِ مُرّةَ عَن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَن ابنِ عَبّاسٍ قَالَ "صَعدَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الصّفَا فَنَادَى
ـــــــ
"ومن سورة تبت"
وتسمى سورة أبي لهب أيضاً مكية وهي خمس آيات
قوله: "صعد" من التصعيد أي رقي. قال في القاموس صعد في السلم كسمع(9/296)
يَا صَبَاحَاهُ، فَاجْتَمَعَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ، فَقَالَ: إنّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ أرَأَيْتُمْ لَوْ أَنّي أَخْبَرْتُكُمْ أَنّ العَدُوّ مُمَسّيكُمْ أَو مُصَبّحُكُمْ أَكُنْتُمْ تُصَدّقُوني؟ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا تَبّا لَكَ، فأَنْزَلَ الله تَبَارَكَ وتعَالَى: {تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبّ} . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
صعوداً وصعد في الجبل وعليه تصعيداً رقي ولم يسمع صعد فيه "يا صباحاه" هذه كلمة يقولها المستغيث وأصلها إذا صاحوا للغارة لأنهم أكثر ما كانوا يغيرون بالصباح ويسمون يوم الغارة يوم الصباح، وكأن القائل يا صباحاه يقول قد غشينا العدو "إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد" أي قبل نزول عذاب عظيم وعقاب أليم، والمعنى أنكم إن لم تؤمنوا بي ينزل عليكم عذاب قريب، قال الطيبي قوله بين يدي ظرف لغد نذير وهو بمعنى قدام لأن كل من يكون قدام أحد يكون بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله، وفيه تمثيل مثل إنذاره لقوم بعذاب الله تعالى النازل على القوم بنذير قوم يتقدم جيش العدو فينذرهم "أرأيتم" أي أخبروني "ممسيكم أو مصبحكم" كلاهما بصيغة اسم الفاعل من باب تفعيل أي مغيركم في المساء أو الصباح "فقال أبو لهب" هو ابن عبد المطلب واسمه عبد العزى وأمه خزاعية وكني أبا لهب إما لابنه لهب وإما لشدة حمرة وجنته، وقد أخرج الفاكهي من طريق عبد الله بن كثير قال: إنما سمي أبا لهب لأن وجهه كان يتلهب من حسنه انتهى، ووافق ذلك ما آل إليه أمره من أنه سيصلى ناراً ذات لهب. ولهذا ذكر في القرآن بكنيته دون اسمه ولكونه بها أشهر، ولأن في اسمه إضافة إلى الصنم، ومات بعد وقعة بدر ولم يحضرها بل أرسل عنه بديلاً فلما بلغه ما جرى لقريش مات عنها "ألهذا" الهمزة للاستفهام على وجه الإنكار "تبا لك" أي خسراناً وهلاكاً ونصبه بعامل مضمر. قاله القاضي فهو إما نصب على المصدر والمعنى تب تبا أو بإضمار فعل أي ألزمك الله هلاكاً وخسراناً وألزم تبا {تَبَّتْ} أي خسرت {يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} أي جملته وعبر عنها باليدين مجازاً(9/297)
ـــــــ
لأن أكثر الأفعال تزاول بهما وهذه الجملة دعاء {وَتَبَّ} أي خسر هو وهذه خبر كقولهم أهلكهم الله وقد هلك. ولما خوفه النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب فقال إن كان ما يقول ابن أخي حقاً أفتدى منه بمالي وولدي نزل {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ} ما للنفي {وَمَا كَسَبَ} مرفوع وما موصولة أو مصدرية أي ومكسو به أو وكسبه أي لم ينفعه ماله الذي ورثه من أبيه والذي كسبه بنفسه أو ماله التالد والطارف، وعن ابن عباس رضي الله عنهما ما كسب ولده {سَيَصْلَى} أي سيدخل {نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} أي ذات توقد وتلهب {وَامْرَأَتُهُ} عطف على ضمير يصلى سوغه الفصل بالمفعول وصفته وهي أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية بن أبي سفيان وكانت في نهاية العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} قرأ الجمهور حمالة بالرفع على الخبرية على أنها جملة مسوقة للإخبار بأن امرأة أبي لهب حمالة الحطب، وأما على ما قدمنا من عطف وامرأته على الضمير في يصلي فيكون رفع حمالة على النعت لامرأته والإضافة حقيقية لأنها بمعنى المضي أو على أنه خبر متبدأ محذوف أي هي حمالة، وقرأ عاصم بالنصب على الذم أي أعني حمالة الحطب أو على أنه حال من امرأته واختلف أهل التأويل في معنى قوله حمالة الحطب فقيل كانت تحمل الشوك والحسك والعضاه بالليل فتطرحه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لتؤذيهم بذلك وهي رواية عن ابن عباس، وقيل كانت تمشي بالنميمة وتنقل الحديث وتلقى العداوة بين الناس وتوقد نارها كما توقد النار الحطب يقال فلان يحطب على فلان إذا نم به {فِي جِيدِهَا} أي عنقها {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} أي ليف، وهذه الجملة حال من الضمير المستكين في حمالة الحطب الذي هو نعت لامرأته أو خبر مبتدأ مقدر أو خبر ثان لقوله وامرأته. قال الرازي في تفسيره قوله تعالى: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قال الواحدي: المسد في كلام العرب الفتل، يقال مسد الحبل يمسده مسدا إذا أجاد قتله، وحبل ممدود إذا كان مجدول الخلق، والمسد ما مسد أي فتل من أي شيء كان فيقال لما فتل من جلود الإبل ومن الليف والخوص مسد ولما فتل من الحديد أيضاً مسد. إذا عرفت هذا فنقول ذكر المفسرون وجوها أحدها في جيدها حبل مما مسد من الحبال لأنها كانت تحمل(9/298)
ـــــــ
تلك الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها كما يفعل الحطابون. والمقصود بيان خساستها تشبيها لها بالحطابات إيذاء لها ولزوجها، وثانيها ـ أن يكون المعنى أن حالها يكون في نار جهنم على الصورة التي كانت عليها حين كانت تحمل الحزمة من الشوك فلا تزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجرة الزقوم وفي جيدها حبل من سلاسل النار. فإن قيل الحبل المتخذ من المسد كيف يبقى أبداً في النار، قلنا كما يبقى الجلد واللحم والعظم أبداً في النار. ومنهم من قال ذلك المسد يكون من الحديد وظن من ظن أن المسد لا يكون من الحديد خطأ لأن المسد هو المفتول سواء كان من الحديد أو من غيره. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي.(9/299)
ومن سورة الإخلاص
بسم الله الرحمن الرحيم
3423 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعِ، أخبرنا أَبُو سَعْدٍ هُوَ الصنْعَانِيّ عَن أَبِي جَعْفَرٍ الرّازِيّ عَن الرّبِيعِ بنِ أَنَسٍ عَن أَبِي العَالِيَةِ عَن أُبَيّ بنِ كَعْبٍ: "أَنّ المُشْرِكِينَ قَالُوا لرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: انْسُبُ لَنَا رَبّكَ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {قُلْ هُوَ الله أحَدٌ الله الصّمَدُ} فَالصّمَدُ الّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ لأَنّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إلاّ سَيَمُوتُ وَلَيْسَ شَيْءٌ يَمُوتُ
ـــــــ
"ومن سورة الإخلاص"
مكية وقيل مدنية وهي أربع أو خمس آيات
قوله: "عن أبي جعفر الرازي" اسمه عيسى بن أبي عيسى. قوله: "انسب لنا ربك" بصيغة الأمر من باب نصر وضرب أي صفه لنا يقال نسب الرجل إذا وصفه وذكر نسبه "والصمد الذي لم يلد ولم يولد" قال الحافظ ابن كثير(9/299)
إلاّ سَيُورَثُ وإنّ الله لاَ يَمُوتُ ولاَ يُورَثُ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْواً أَحَدٌ} قَالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلاَ عِدْلٌ ولَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ" .
ـــــــ
قال الربيع بن أنس: الصمد هو الذي لم يلد ولم يولد كأنه جعل ما بعده تفسيراً له وهو قوله لم يلد ولم يولد وهو تفسير جيد. وحديث أبي بن كعب صريح فيه انتهى. وقال البخاري في صحيحه: باب قوله: الله الصمد والعرب تسمى أشرافها الصمد، وقال أبو وائل السيد الذي انتهى سؤدده انتهى. قال العيني: أشار بهذا إلى أن معنى الصمد عند العرب الشرف ولهذا يسمون رؤساءهم الأشراف بالصمد، وعن ابن عباس هو السيد الذي قد كمل فيه أنواع الشرف والسؤدد، وقيل هو السيد المقصود في الحوائج تقول العرب صمدت فلانا أصمده صمداً بسكون الميم إذا قصدته والمصمود صمد ويقال بيت مصمود ومصمد إذا قصده الناس في حوائجهم انتهى. وقال الخازن: قال ابن عباس الصمد الذي لا جوف له، وبه قال جماعة من المفسرين، ووجه ذلك من حيث اللغة أن الصمد الشيء المصمد الصلب الذي ليس فيه رطوبة ولا رخاوة، ومنه يقال لسداد القارورة الصماد فإن فسر الصمد بهذا كان من صفات الأجسام ويتعالى الله عز وجل عن صفات الجسمية، وقيل وجه هذا القول أن الصمد الذي ليس بأجوف معناه هو الذي لا يأكل ولا يشرب وهو الغني عن كل شيء، فعلى هذا الاعتبار هو صفة كمال، والقصد بقوله الله الصمد التنبيه على أنه تعالى بخلاف من أثبتوا له الإلهية وإليه الإشارة بقوله تعالى {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} وروى البخاري في أفراده عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: الصمد هو السيد الذي انتهى سؤدده وهي رواية عن ابن عباس أيضاً، قال هو السيد الذي كمل فيه جميع أوصاف السؤدد، وقيل هو السيد المقصود في جميع الحوائج المرغوب إليه في الرغائب، المستعان به عند المصائب وتفريج الكرب، وقيل هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله وتلك دالة على أنه المتناهي في السؤدد والشرف والعلو والعظمة والكمال والكرم والإحسان، وقيل الصمد الدائم الباقي بعد فناء خلقه، وقيل الصمد الذي ليس(9/300)
3424 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عُبَيْدُ الله بنِ مُوسَى عَن أَبِي جَعْفَرٍ الرّازِيّ عَن الرّبيعِ عَن أَبِي العَالِيَةَ "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ آلِهَتُهمْ فَقَالُوا انْسُبْ لَنَا رَبّكَ، قَالَ فأَتَاه جِبْرِيلُ عليهِ السّلاَمُ بِهَذِهِ السّورَةِ {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فيهِ عَن أُبَيّ بنِ كَعْبٍ وهَذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيثِ أبي سَعْدٍ وأبو سعدٍ اسْمُهُ محَمّدُ بنُ مُيَسّر.
ـــــــ
فوقه أحد وهو قول علي، وقيل هو الذي لا تعتريه الآفات، ولا تغيره الأوقات، وقيل هو الذي لا عيب فيه، وقيل الصمد هو الأول الذي ليس له زوال والآخر الذي ليس لملكه انتقال، والأولى أن يحمل لفظ الصمد على كل ما قيل فيه لأنه محتمل له، فعلى هذا يقتضي أن لا يكون في الوجود صمد سوى الله تعالى العظيم القادر على كل شيء وأنه اسم خاص بالله تعالى انفرد به له الأسماء الحسنى والصفات العليا ليس كمثله شيء وهو السميع البصير انتهى ما في الخازن مختصراً "لأنه. ليس شيء يولد إلا سيموت الخ" هذا دليل لقوله لم يولد "ولا عدل" بكسر العين وسكون الدال أي مثل. قوله: "أخبرنا عبيد الله بن موسى" العبسي الكوفي "عن الربيع" بن أنس. قوله: "ذكر آلهتهم" أي آلهة المشركين. قوله: "وهذا أصح من حديث أبي سعد" أي حديث عبيد الله بن موسى مرسلاً أصح من حديث أبي سعد متصلاً لأن عبيد الله بن موسى ثقة وأبا سعد ضعيف، وحديث أبي بن كعب هذا أخرجه أيضاً أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم "وأبو سعد اسمه محمد بن ميسر" بوزن محمد وقد وقعت بعد هذا في بعض النسخ هذه العبارة وأبو جعفر الراز ى" اسمه عيسى وأبو العالية اسمه رفيع وكان عبداً أعتقته امرأة صابئة انتهت ووقع في بعض النسخ امرأة سايبية.(9/301)
ومن سورة المعوذتين
بسم الله الرحمن الرحيم
3425 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ المُثَنّى، أحبرنا عَبْدُ المَلِكِ بنِ عَمْرٍو عَن ابنِ أبِي ذِئْبٍ عَن الحَارِثِ بنِ عَبْدِ الرحْمَنِ عَن أبِي سَلَمَةَ عَن عَائِشَةَ "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَظَرَ إلى القَمَر فقالَ: يَا عَائِشَةُ اسْتَعِيذِي بالله مِنْ شَرّ هَذَا؟ فَإِنّ هَذَا هُوَ الغَاسِقُ إذَا وَقَبَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
"ومن سورتي المعوذتين"
بكسر الواو المشددة أي سورة الفلق وسورة الناس.
وهما مدنيتان وقيل مكيتان والأولى خمس آيات والثانية ست آيات.
قوله: "عن الحارث بن عبد الرحمن" القرشي العامري خال ابن أبي ذئب صدوق من الخامسة. قوله: "استعيذي بالله من شر هذا" أي هذا القمر "فإن هذا هو الغاسق إذا وقب" قال في القاموس: الغسق محركة ظلمة أول الليل وغسق الليل غسقاً اشتدت ظلمته، والغاسق القمر أو الليل إذا غاب الشفق وقال فيه وقب الظلام دخل والشمس وقبا وقوباً غابت والقمر دخل في الخسوف ومنه غاسق إذا وقب انتهى. قال الطيبي: إنما استعاذ من كسوفه لأنه من آيات الله الدالة على حدوث بلية ونزول نازلة كما قال عليه الصلاة والسلام: "ولكن يخوف الله به عباده" . ولأن اسم الإشارة في الحديث كوضع اليد في التعيين وتوسيط ضمير الفصل بينه وبين الخبر المعرف يدل على أن المشار إليه هو القمر لا غير انتهى. وقال الخازن في تفسيره بعد ذكر حديث عائشة هذا ما لفظه: فعل هذا الحديث المراد به القمر إذا خسف واسود ومعنى وقب دخل في الخسوف أو أخذ في الغيبوبة، وقيل سمي به لأنه إذا خسف اسود وذهب ضوؤه، وقيل إذا وقب دخل في المحاق وهو آخر الشهر وفي ذلك الوقت يتم السحر المورث للتمريض(9/302)
3426 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عَن إسْماعِيلَ بنِ أبِي خَالِدٍ، أخبرنا قَيْسٌ وَهُوَ ابنُ أَبِي حَازِمٍ عَن عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيّ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "قَدْ أَنْزَلَ الله عَلَيّ آيَاتٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنّ {قُلْ أعُوذُ بِرَبّ النّاس} إِلى آخِرِ السّورَةِ {وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الفَلَقِ} إِلى آخِرِ السّورةِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
وهذا مناسب لسبب نزول هذه السورة، وقال ابن عباس الفاسق الليل إذا وقب أي أقبل بظلمته من المشرق، وقيل سمي الليل غاسقاً لأنه أبرد من النهار والغسق البرد وإنما أمر بالتعوذ من الليل لأن فيها تنتشر الآفات ويقل الغوث وفيه يتم السحر، وقيل الغاسق الثريا إذا سقطت وغابت، وقيل إن الإسقام تكثر عند وقوعها وترتفع عند طلوعها فلهذا أمر بالتعوذ من الثريا عند سقوطها انتهى. وقال ابن جرير في تفسيره: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال إن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شر غاسق وهو الذي يظلم يقال قد غسق الليل يغسق غسوقاً إذا أظلم إذا وقب يعني إذا دخل في ظلامه، والليل إذا دخل في ظلامه غاسق والنجم إذا أفل غاسق. والقمر غاسق إذا وقب ولم يخصص بعد ذلك بل عم الأمر بذلك فكل غاسق فإنه صلى الله عليه وسلم كان يؤمر بالاستعاذة من شره إذا وقب انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والنسائي والحاكم وصححه وابن جرير.
قوله: "قد أنزل الله على آيات لم ير مثلهن الخ" قد سبق هذا الحديث مع شرحه في فضائل القرآن.(9/303)
باب
3427 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا صَفْوَانُ بنُ عِيسَى، أخبرنا الْحَارِثُ بنُ عَبْدِ الرحْمَنِ بنِ أَبِي ذُبَابٍ عَن سَعِيدِ بنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ عَن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَمّا خَلَقَ الله آدَمَ وَنَفَخَ فيهِ الرّوحَ عَطَس فَقَالَ: الْحَمْدُ لله فَحَمِدَ الله بإِذْنِهِ، فَقَالَ لَهُ رَبّهُ: رحَمُكَ الله يَا آدَمُ اذْهَبْ إِلى أُولَئِكَ المَلاَئِكَةِ ـ إِلى ملإٍ مِنْهُمْ جُلُوسٍ ـ فَقُل: السّلاَمُ عَلَيْكُمْ. قَالُوا: وَعَلَيْكَ السّلاَمُ وَرَحْمَةُ الله. ثُمّ رَجَعَ إلى رَبّهِ فقالَ: إِنّ هَذِهِ تَحِيّتُكَ وَتَحِيّةُ بَنِيكَ بَيْنَهُمْ فَقَال الله لَهُ: وَيَدَاهُ مَقْبُوضَتَانِ
ـــــــ
قوله: "أخبرنا الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب" في التقريب الحارث ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد بن أبي ذباب بضم المعجمة وموحدتين الدوسي بفتح الدال المدني صدوق يهم من الخامسة. قوله: "عطس" من باب نصر وضرب "فقال الحمد لله" أي فأراد أن يقول الحمد لله "فحمد الله بإذنه" أي بأمره وحكمه أو بقضائه وقدره أو بتيسيره وتوفيقه "إلى ملأ منهم" يحتمل أن يكون بدلاً فيكون من كلام الله تعالى. ويحتمل أن يكون حالاً فيكون من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بياناً لكلام الله تعالى وهو إلى الحال أقرب منه إلى البدل، يعني قال الله تعالى أولئك مشيراً به إلى ملأ منهم "جلوس" بالجر صفة ملأ أي جالسين أو ذوي جلوس "فقل السلام عليكم. قالوا وعليك السلام ورحمة الله" هذا اختصار والتقدير: فقل السلام عليكم فذهب آدم إليهم فقال السلام عليكم فقال وعليك السلام ورحمة الله "قال" أي الرب سبحانه "إن هذه" أي الكلمات المذكورة "وتحية بنيك" فيه تغليب أي ذريتك(9/304)
اخْتَرْ أَيّهُمَا شِئْتَ، قَالَ: اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبّي وكِلْتَا يَدَيْ ربّي يَمِينٌ مبَارَكَةٌ ثُمّ بَسَطَهَا فإِذَا فِيها آدَمُ وذُرّيَتُهُ، فَقَال: أيْ رَبّ مَا هَؤُلاَءِ قَالَ هَؤُلاَءِ ذُرّيّتُكَ فَإِذَا كلّ إنْسَانٍ مَكْتُوبٌ عُمْرُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَإِذَا فِيهم رَجُلٌ أضْوَأُهُمْ أوْ مِنْ أضْوَئِهِمْ. قَالَ: يَا رَبّ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا ابْنُكَ دَاوُدُ وَقَدْ كَتَبْتُ لَهُ عُمْرَ أَرْبَعينَ سَنَةً. قَالَ: يَا رَبّ زِدْهُ في عُمْرِهِ. قَالَ: ذَاكَ الّذِي كُتِبَتْ لَهُ. قَالَ: أيْ رَبّ فَإِنّي قَدْ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ عُمْرِي سِتّينَ سَنَةً قَالَ أَنْتَ وَذَاكَ، قَالَ: ثُمّ أُسْكِنَ الجَنّةَ مَا شَاءَ الله ثُم اهْبِط مِنْهَا
ـــــــ
"بينهم" أي فيما بينهم عند ملاقاتهم فهذه سنة قديمة "ويداه مقبوضتان" الجملة حال والضمير لله. قال القاري: مذهب السلف من نفي التشبيه وإثبات التنزيه مع التفويض أسلم انتهى. قلت: بل هو الصواب "اختر أيهما" أي من اليدين. وفي المشكاة أيتهما وهو الظاهر "وكلتا يدي ربي يمين" من كلام آدم أو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: "مباركة" صفة كاشفة "ثم بسطها" أي فتح الرب سبحانه وتعالى يمينه "فإذا فيها" أي موجود "آدم وذريته" قال الطيبي: يقول النبي صلى الله عليه وسلم يعني رأى آدم مثاله ومثال بنيه في عالم الغيب "هؤلاء ذريتك" الظاهر من كونهم في اليمين اختصاصهم بالصالحين من أصحاب اليمين والمقربين ويدل عليه أيضاً قوله: فإذا كل إنسان الخ "فإذا فيهم رجل أضوؤهم" فيه دلالة على أن لكلهم ضياء لكنه يختلف فيهم بحسب نور إيمانهم "أو من أضوئهم" الظاهر أنه شك من الراوي "من هذا" قال الطيبي ذكر أولاً ما هؤلاء لأنه ما عرف ما رآه ثم لما قيل له هم ذريتك فعرفهم فقال من هذا "وقد كتبت له عمر أربعين سنة" قال الطيبي: قوله عمر أربعين مفعول كتبت ومؤدي المكتوب لأن المكتوب عمره أربعون سنة ونصب أربعين على المصدر على تأويل كتبت له أن يعمر أربعين سنة " قال يا رب زده في عمره" أي من عندك وفضلك "ذاك الذي كتب له" بصيغة المجهول، وفي(9/305)
فَكَانَ آدَمُ يَعُدّ لِنَفْسِهِ، قَالَ: فَأَتَاهُ مَلَكُ المَوْتِ فَقَالَ لَهُ آدَمُ قَدْ عَجِلْتَ، قَدْ كُتِبَ لِي أَلفُ سَنَةٍ. قَالَ: بَلَى وَلَكِنّكَ جَعَلْتَ لابْنِكَ دَاوُدَ سِتّينَ سَنَةً فَجَحَدَ فَجَحَدَتْ ذُرّيّتُهُ وَنَسِيَ فَنَسِيَتْ ذُرّيّتُه. قَالَ: فَمِنْ يَوْمَئِذٍ أُمِرَ بالكِتَابِ والشّهُودِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوجْهِ وقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
بعض النسخ: كتبت بصيغة المتكلم المعلوم. قال الطيبي: ذاك الذي مبتدأ وخبر معرفتان فيفيد الحصر أي لا مزيد على ذلك ولا نقصان "قال" يعني آدم "أي رب" أي يا رب "فإني" أي إذا أبيت من عندك فإني "قد جعلت له من عمري" أي من جملة مدة عمري وسنيه "ستين سنة" أي تكملة للمائة، والظاهر أن المراد بهذا الخبر الدعاء والاستدعاء من ربه أن يجعله سبحانه كذلك فإن أحداً لم يقدر على هذا الجعل، وقوله قد جعلت له من عمري ستين سنة هنا يخالف ما وقع في رواية أبي هريرة في تفسير سورة الأعراف بلفظ: زده من عمري أربعين سنة وقد تقدم وجه الجمع هناك "قال أنت وذاك" قال القاري: يحتمل البراءة ويحتمل الإجابة. وقال الطيبي: هو نحو قولهم كل رجل وضيعته أي أنت مع مطلوبك مقرونان "ثم أسكن" بصيغة المجهول من الإسكان "ثم أهبط" أي أنزل "منها" أي من الجنة "يعد لنفسه" أي يقدر له ويراعي أوقات أجله سنة فسنة "فأتاه ملك الموت" أي امتحاناً بعد تمام تسعتمائة وأربعين سنة "قد عجلت" بكسر الجيم أي استعجلت وجئت قبل أوانه "فجحد" أي أنكر آدم "فجحدت ذريته" أي بناء على أن الولد من سر أبيه "ونسي فنسيت ذريته" لأن الولد من طينة أبيه والظاهر أن معناه أن آدم نسي هذه القضية فجحد فيكون اعتذاراً له إذا يبعد منه عليه السلام أن ينكر مع التذكر "قال" أي النبي صلى الله عليه وسلم "أمر" بصيغة المجهول أي أمر الناس أو الغائب "بالكتاب والشهود" أي بكتابة القضايا والشهود فيها.(9/306)
باب
3428 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا يَزِيدُ بنُ هارُونَ، أخبرنا العَوّامُ بنُ حَوْشَبٍ عَن سُلَيْمَانَ بنِ أبي سُلَيْمانَ عَن أنَسِ بنِ مالِكٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَمّا خَلَقَ الله الأرْضَ جَعَلَتْ تَمِيدُ فَخَلَقَ الجِبَالَ فعَادَ بِهَا عَلَيْهَا فاسْتَقَرّتْ فَعَجِبَتِ المَلاَئِكَةِ مِنْ شِدّةِ الْجبَالِ فقالُوا يا رَبّ هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدّ مِنَ الجِبَالِ؟ قالَ نَعَمْ الحدِيدُ. فقالُوا يا رَبّ فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدّ مِنَ
ـــــــ
قوله: "أخبرنا العوام بن حوشب" بن يزيد الشيباني أبو عيسى الواسطي ثقة ثبت فاضل من السادسة "عن سليمان بن أبي سليمان" الهاشمي مقبول من الثالثة. قوله "لما خلق الله الأرض" أي أرض الكعبة ودحيت وبسطت من جوانبها وبقيت كلوحة على وجه الماء "جعلت تميد" بالدال المهملة أي شرعت تميل وتتحرك وتضطرب شديدة ولا تستقر حتى قالت الملائكة لا ينتفع الإنس بها "فخلق الجبال" قيل أولها أبو قبيس "فقال بها عليها" أي أمر وأشار بكونها واستقرارها عليها "فاستقرت" أي الجبال عليها أو فثبتت الأرض في مكانها أو ما مادت ولا مالت عن حالها ومحلها. قال الطيبي: قد مر مراراً أن القول يعبر به عن كل فعل وقرينة اختصاصه اقتصاء المقام فالتقدير ألقى بالجبال على الأرض كما قال تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} فالباء زائدة على المفعول كما في قوله تعالى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وإيثار القول على الإلقاء والإرسال لبيان العظمة والكبرياء وأن مثل هذا الأمر العظيم يتأتى من عظيم قدرته بمجرد القول، وقيل ضمن القول معنى الأمر أي أمر الجبال قائلاً ارسي عليها، وقيل أي ضرب بالجبال على الأرض حتى استقرت "هل من خلقك" أي مخلوقاتك "قال نعم الحديد"(9/307)
الحدِيدِ؟ قالَ نَعَمْ النّارُ، فقالُوا يا رَبّ فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدّ مِنَ النّارِ؟ قالَ نَعَمْ المَاءُ، قالُوا يا رَبّ فَهَلْ في خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدّ مِنَ المَاءِ؟ قالَ نَعَمْ الرّيحُ، قالُوا يا رَبّ فَهَلْ في خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدّ منَ الرّيحِ؟ قالَ نَعَمْ ابنُ آدَمَ تَصَدّقَ بِصَدَقَةٍ بِيَمِينِهِ يُخْفِيهَا مِنْ شِمالِهِ" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إلاّ مِنْ هَذَا الْوجهِ.
آخر التفسير
ـــــــ
فإنه يكسر به الحجر ويقلع به الجبال "النار" فإنها تلين الحديد وتذيبه "قال نعم الماء" لأنه يطفئ النار "قال نعم الريح" من أجل أنها تفرق الماء وتنشقه. وقال الطيبي: فإن الريح تسوق السحاب الحامل للماء "نعم ابن آدم تصدق بصدقه الخ" أي التصدق من بني آدم أشد من الريح ومن كل ما ذكر. وذلك لأن فيه مخالفة النفس وقهر الطبيعة والشيطان ولا يحصل ذلك من شيء مما ذكر، أو لأن صدقته تطفئ غضب الرب، وغضب الله تعالى لا يقابله شيء في الصعوبة والشدة، وإذا فرض نزول عذاب الله بالريح على أحد وتصدق في السر على أحد تدفع العذاب المذكور فكان أشد من الريح، قاله في اللمعات. وقال الطيبي: فإن من جبلة ابن آدم القبض والبخل الذي هو من طبيعة الأرض. ومن جبلته الاستعلاء وطلب انتشار الصيت وهما من طبيعتي النار والريح فإذا راغم بالإعطاء جبلته الأرضية وبالإخفاء جبلته النارية والريحية كان أشد من الكل انتهى.
اعلم أن إيراد الترمذي هذين البابين في آخر التفسير كإيراده أحاديث شتى في آخر أبواب الدعوات، فحديث أبي هريرة في الباب الأول يتعلق بقوله تعالى {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ} أي وصيناه أن لا يأكل من الشجرة {مِنْ قَبْلُ} أي قبل أكله منها {فَنَسِيَ} أي عهدنا {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} جزما وصبرا عما نهيناه عنه. قال الطيبي تحت قوله ونسي فنسيت ذريته: يشير إلى قوله تعالى(9/308)
ـــــــ
{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} وحديث أنس بن مالك في الباب الثاني يتعلق بقوله تعالى {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} .(9/309)
أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
باب ما جاء في فضل الدعاء
...
أبواب الدعوات عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
1ـ باب ما جاء في فضل الدعاء
3429 ـ حدثنا عَبّاسُ بنُ عَبْدِ العَظِيمِ العَنْبَرِيّ، أخبرنا أَبُو دَاوُدَ الطّيَالِسيّ، أخبرنا عِمْرَانُ القَطّانُ عَن قَتَادَةَ عَن سَعِيدِ بنِ أَبِي الحَسَنِ عَن
ـــــــ
"أبواب الدعوات"
بفتح المهملتين جمع الدعوة بفتح أوله بمعنى الدعاء وهو طلب الأدنى بالقول من الأعلى شيئاً على جهة الاستكانة. قال النووي: أجمع أهل الفتاوي في الأمصار في جميع الأعصار على استحباب الدعاء، وذهب طائفة من الزهاد وأهل المعارف إلى أن تركه أفضل استسلاماً، وقال جماعة إن دعا للمسلمين فحسن وإن خص نفسه فلا، وقيل إن وجد باعثاً للدعاء استجب وإلا فلا، ودليل الفقهاء ظواهر القرآن والسنة والأخبار الواردة عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين انتهى "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي المأثورة عنه "بسم الله الرحمن الرحيم" لم يقع البسملة هنا في بعض النسخ
"باب" ما جاء في فضل الدعاء
قوله: "عن سعيد بن أبي الحسن" البصري هو أخو الحسن البصري ثقة(9/309)
أَبي هُرَيْرَةَ: عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى الله تَعَالَى مِنَ الدّعَاءِ" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إِلاّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ القَطّانِ. وعِمْرَانُ القَطّانُ هُوَ ابنُ داور وَيُكَنّى أَبا العَوّامِ.
3430 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا عَبْدُ الرحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ عَنِ عِمْرَانَ القَطّانِ بِهذا الإسناد نحوه.
ـــــــ
من أوساط التابعين واسم أبيه يسار. قوله: "ليس شيء" أي من الأذكار والعبادات فلا ينافيه قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} "أكرم" بالنصب خبر ليس أي أفضل "على الله" أي عند الله "من الدعاء" لأن فيه إظهار الفقر والعجز والتذلل والاعتراف بقوة الله وقدرته. قوله: "هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث عمران القطان" وأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن ماجة وصححه ابن حبان والحاكم وقال صحيح وأقره الذهبي "وعمران القطان هو ابن داور ويكنى أبا العوام" لم تقع هذه العبارة في بعض النسخ.(9/310)
ـ باب منه
3431 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ عَن ابنِ لَهِيعَةَ عَن عُبَيْدِ الله بنِ أَبي جَعْفَرٍ عَن أَبَانَ بنِ صَالِحٍ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ
ـــــــ
"باب منه"
قوله: "عن عبيد الله بن أبي جعفر" قال في هامش النسخة الأحمدية في نسخة المنقول عنه وأمثاله عبد الله مكبراً وفي بعض النسخ الصحيحة عبيد الله مصغراً وهو الذي يظهر من التقريب بعد التأمل وإمعان النظر انتهى. قلت: عبد الله بن أبي جعفر مكبراً ليس من رجال جامع الترمذي بل هو من رجال أبي داود، وعبيد الله بن أبي جعفر مصغراً من رجال الصحاح الستة فتعين أن(9/310)
عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "الدّعَاءُ مُخّ العِبَادَةِ" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجِه لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ ابنِ لَهِيعَةَ.
3432 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنَ مَنِيعٍ، أخبرنا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ عَن الأَعْمَشِ عَن ذَرّ عَن يُسَيع عَن النّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الدّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ. ثُمّ قَرَأَ: {وقَالَ رَبّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ
ـــــــ
النسخ التي فيها عبيد الله بالتصغير هي الصحيحة وكونه في بعض النسخ عبد الله بالتكبير غلط صريح، وعبيد الله بن أبي جعفر هذا مصري يكنى أبا بكر ثقة وقيل عن أحمد إنه لينه وكان فقيهاً عابداً. قال أبو حاتم هو مثل يزيد بن أبي حبيب من الخامسة. قوله: "الدعاء مخ العبادة" المخ بالضم نقي العظم والدماغ وشحمة العين وخالص كل شيء، والمعنى أن الدعاء لب العبادة وخالصها لأن الداعي. إنما يدعو الله عند انقطاع أمله مما سواه وذلك حقيقة التوحيد والإخلاص ولا عبادة فوقهما. قال ابن العربي: وبالمخ تكون القوة للأعضاء فكذا الدعاء مخ العبادة به تتقوى عبادة العابدين فإنه روح العبادة. قال بعض المفسرين في قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} أي عن دعائي. قوله: "هذا حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة" وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره كما صرح به الترمذي في باب الرخصة في استقبال القبلة بغائط أو بول ومع ضعفه فهو مدلس يدلس عن الضعفاء.
قوله: "عن ذر" بن عبد الله المرهبي "عن يسيع" الكندي. قوله: "الدعاء هو العبادة" قال ميرك أتى بضمير الفصل والخبر المعرف باللام ليدل على الحصر في أن العبادة ليست غير الدعاء مبالغة ومعناه أن الدعاء معظم العبادة كما قال صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة" . أي معظم أركان الحج الوقوف بعرفة، أو المعنى أن الدعاء هو العبادة سواء استجيب أو لم يستجب لأنه إظهار العبد العجز والاحتياج من نفسه والاعتراف بأن الله تعالى قادر على إجابته كريم لا بخل له(9/311)
لَكُمْ إنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلونَ جَهَنّمَ دَاخِرينَ} . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رَوَاهُ مَنْصُورٌ والأعْمَشُ عَنْ ذَرّ وَلاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ هو ذَرٍ.
ـــــــ
ولا فقر ولا احتياج له إلى شيء حتى يدخر لنفسه ويمنعه من عباده وهذه الأشياء هي العبادة بل مخها انتهى ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} قيل استدل بالآية على أن الدعاء عبادة لأنه مأمور به والمأمور به عبادة وقال القاضي استشهد بالآية لدلالتها على أن المقصود يترتب عليه ترتب الجزاء على الشرط والمسبب على السبب ويكون أتم العبادات ويقرب من هذا قوله مخ العبادة أي خالصها {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} أي من دعائي كذا فسره الحافظ ابن كثير وغيره من المفسرين {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} أي صاغرين ذليلين. قال الشيخ تقي الدين السبكي: الأولى حمل الدعاء في الآية على ظاهره وأما قوله بعد ذلك عن عبادتي فوجه الربط أن الدعاء أخص من العبادة فمن استكبر عن العبادة استكبر عن الدعاء، وعلى هذا الوعيد إنما هو في حق من ترك الدعاء استكباراً ومن فعل ذلك كفر، وأما من تركه لمقصد من المقاصد فلا يتوجه إليه الوعيد المذكور. وإن كنا نرى أن ملازمة الدعاء والاستكثار منه أرجح من الترك لكثرة الأدر الواردة في الحث عليه انتهى. وقال الطيبي: معنى حديث النعمان أن تحمل العبادة على المعنى اللغوي إذ الدعاء هو إظهار غاية التذلل والافتقار إلى الله والاستكانة له وما شرعت العبادات إلا للخضوع للباري وإظهار الافتقار إليه ولهذا ختم الآية بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} حيث عبر عن عدم التذلل والخضوع بالاستكبار ووضع عبادتي موضع دعائي وجعل جزاء ذلك الاستكبار الصغار والهوان انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد وابن أبي شيبة وأخرجه الترمذي أيضاً في تفسير سورة البقرة وفي تفسير سورة المؤمن.(9/312)
3 ـ باب منه
3433 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا حَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيلَ عَن أبي المَلِيحِ عَنْ أَبي صَالِحٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "إِنّهُ مَنْ لَمْ يَسْألِ الله يَغْضَبْ عَلَيْهِ" . وَقَدْ رَوَى وَكِيعٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَن أَبي المَليحِ هَذَا الحَدِيثَ وَلاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
3434 ـ حدثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا أَبُو عاصِمٍ عَن حُمَيْد بن أبي المَلِيحِ عَن أَبي صَالحٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ عَن النّبيّ صلى الله
ـــــــ
قوله: "عن أبي المليح" الفارسي المدني الخواط إسمه صبيح وقيل حميد روى عن أبي صالح الخوزي وعنه حاتم بن إسماعيل وغيره وروى عنه أبو عاصم وسماه حميداً. قال مضر بن محمد عن ابن معين ثقة وذكره ابن حبان في الثقات كذا في تهذيب التهذيب "عن أبي صالح" الخوزي بضم الخاء المعجمة وسكون الواو ثم زاي لين الحديث من الثالثة. قوله: "إنه" الضمير للشأن "من لم يسأل الله يغضب عليه" لأن ترك السؤال تكبر واستغناء وهذا لا يجوز للعبد، ونعم ما قيل الله بغضب إن تركت سؤاله وترى ابن آدم حين يسأل يغضب. وقال الطيبي: وذلك لأن الله يحب أن يسأل من فضله فمن لم يسأل الله يبغضه والمبغوض مغضوب عليه لا محالة انتهى. قوله: "وقد روى وكيع" هو ابن الجراح "عن غير واحد عن أبي المليح هذا الحديث" ورواه ابن ماجة في سننه عن وكيع عن أبي المليح بغير واسطة حيث قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا حدثنا وكيع حدثنا أبو المليح المدني سمعت أبا صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع الله غضب عليه" .
قوله: "أخبرنا أبو عاصم" اسمه الضحاك بن مخلد النبيل "عن حميد(9/313)
عليه وسلم نَحْوَهُ.
ـــــــ
أبي المليح" بضم الحاء مصغراً كما سماه حميداً وقيل إسمه صبيح كما تقدم، وحديث الباب أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن ماجة والحاكم والبزار كلهم عن أبي هريرة كذا في الفتح.(9/314)
4 ـ باب ما جاء في فضل الذكر
3435 ـ حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ أخبرنا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ عَن مُعَاوِيَةَ بنِ صَالح عَن عَمْرِو بنِ قَيْسٍ عَن عَبْدِ الله بنِ بُسْرٍ رضي الله عنه أَنّ رَجُلاً قَالَ
ـــــــ
باب ما جاء في فضل الذكر
أي ذكر الله تعالى والمراد بالذكر هنا الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها والإكثار منها مثل الباقيات الصالحات وهي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وما يلتحق بها من الحوقلة والبسملة والحسبلة والاستغفار ونحو ذلك والدعاء بخيري الدنيا والآخرة، ويطلق ذكر الله أيضاً ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه أو ندب إليه كتلاوة القرآن وقراءة الحديث ومدارسة العلم والتنفل بالصلاة، ثم الذكر يقع تارة باللسان ويؤجر عليه الناطق ولا يشترط استحضاره لمعناه ولكن يشترط ألا يقصد به غير معناه ولمن انضاف إلى النطق الذكر بالقلب فهو أكمل فإن انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي النقائص عنه ازداد كمالاً فإن وقع ذلك في عمل صالح مهما فرض من صلاة أو جهاد أو غيرهما ازداد كمالاً، فإن صحح التوبة وأخلص لله تعالى في ذلك فهو أبلغ الكمال كذا في الفتح. قوله: "عن معاوية بن صالح" بن حضير الحضرمي "عن عمرو بن قيس" الكندي السكوئي "عن عبد الله بن بسر" بضم الموحدة وسكون المهملة المازني صحابي صغير ولأبيه صحبة مات سنة ثمان وثمانين وقيل ست وتسعين وله مائة(9/314)
"يا رَسُولَ الله إنّ شَرَائِعَ الإسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيّ فأخبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبّثُ بِهِ، قالَ: لا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْباً مِنْ ذِكْرِ الله" . هَذا حديثٌ حسن غَرِيبٌ مِنَ هَذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
سنة وهو آخر من مات بالشام من الصحابة. قوله: "إن شرائع الإسلام" قال الطيبي: الشريعة مورد الإبل على الماء الجاري والمراد ما شرع الله وأظهره لعباده من الفرائض والسنن انتهى. قال القاري: الظاهر أن المراد بها هنا النوافل لقوله: "قد كثرت علي" بضم المثلثة ويفتح أي غلبت علي بالكثرة حتى عجزت عنها لضعفي "فأخبرني بشيء" قال الطيبي: التنكير في بشيء للتقليل المتضمن لمعنى التعظيم كقوله تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} ومعناه أخبرني بشيء يسير مستجلب لثواب كثير قال القاري وإلا ظهر أن التنوين لمجرد التنكير انتهى. قلت: بل الأظهر هو ما قال الطيبي فتأمل "أتشبث به" أي أتعلق به وأستمسك ولم يرد أنه يترك شرائع الإسلام رأساً بل طلب ما يتشبث به بعد الفرائض عن سائر ما لم يفترض عليه قاله الطيبي: "قال لا يزال" أي هو أنه لا يزال "لسانك رطباً من ذكر الله" أي طرياً مشتغلاً قريب العهد منه وهو كناية عن المداومة على الذكر. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد.(9/315)
5 ـ باب منه
3436 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ أخبرنا ابنُ لَهِيعَةَ عَن دَرّاجٍ عَن أبي الْهَيْثَمِ عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ أيّ العِبَادِ أفْضَلُ دَرَجَةً عِنْدَ الله يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قالَ: الذّاكِرُونَ
ـــــــ
"باب منه"
قوله: "أي العباد أفضل درجة" وفي رواية أحمد أي العباد أفضل وأرفع درجة "قال الذاكرون" كذا في بعض النسخ بالواو وكذلك في رواية أحمد(9/315)
الله كَثِيراً والذاكرات قالَ: قلت: يا رَسُولَ الله وَمَنِ الغَازِي في سَبِيلِ الله؟ قالَ: "لَوْ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ في الكُفّارِ والمُشْرِكِينَ حَتّى يَنْكَسِرَ وَيَخْتَضِبَ دَماً لَكَانَ الذّاكِرُونَ الله كَثِيراً أفْضَلَ مِنْهُ دَرَجَةً" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ إِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ دَرّاجٍ.
ـــــــ
وهو الظاهر، ووقع في بعضهما الذاكرين بالياء وهو على الحكاية قال الله عز وجل {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} ـ إلى قوله ـ {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} قيل المراد بهم المداومون على ذكره وفكره والقائمون بالطاعة المواظبون على شكره، وقيل المراد بهم الذين يأتون بالأذكار الواردة في جميع الأحوال والأوقات "ومن الغازي في سبيل الله" أي الذاكرون أفضل من غيرهم ومن الغازي أيضاً قال ذلك تعجباً "قال" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابه "لو ضرب" أي الغازي "بسيفه في الكفار" هذا من قبيل يجرح في عراقيبها نصلي حيث جعل المفعول به مفعولاً فيه مبالغة أن يوجد فيهم الضرب ويجعلهم مكاناً للضرب بالسيف لأن جعلهم مكاناً للضرب أبلغ من جعلهم مضروبين به فقط "والمشركين" تخصيص بعد تعميم اهتماماً بشأنهم فإنهم ضد الموحدين "حتى ينكسر" أي سيفه "ويختضب" أي هو أو سيفه "دما" وهو كناية عن الشهادة "أفضل منه" أي من الغازي "درجة" تحتمل الوحدة أي بدرجة واحدة عظيمة وتحتمل الجنس أي بدرجات متعددة. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد، وقال المنذري في الترغيب: ورواه البيهقي مختصراً قال قيل: يا رسول الله أي الناس أعظم درجة قال "الذاكرون الله" .(9/316)
6 ـ باب منه
3437 ـ حدثنا الحُسَيْنُ بنُ حرَيْثٍ، أخبرنا الفَضْلُ بنُ مُوسى عَن عبْدِ الله بنِ سَعِيدٍ هُوَ ابنُ أَبِي هِنْدٍ عَن زِيَادٍ مَوْلَى ابنِ عَيّاشٍ عن أبي بَحْرِيّةَ عن أبي الدّرْدَاءِ رضي الله عنه قالَ قالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ أُنَبّئُكُمْ بِخَيْرِ أعمَالِكُمْ وأزْكَاها عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وأَرْفَعِهَا في دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أنْ تَلْقَوْا عَدُوّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أعْنَاقَكُمْ؟ قالُوا بَلَى، قالَ ذِكْرُ الله تَعَالَى" فقالَ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ رضي الله عنه ما شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ الله مِنْ ذِكْرِ الله.
ـــــــ
باب منه
قوله: "عن زياد" هو ابن زياد ميسرة المخزومي المدني ثقة عابد من الخامسة "عن أبي بحرية" بفتح الموحدة وسكون الحاء المهملة وتشديد التحتانية هو عبد الله بن قيس الكندي السكوني حمصي مشهور مخضرم ثقة. قوله: "ألا أنبئكم" أي ألا أخبركم "وأزكاها" أي أنماها وأنقاها، والزكاء الئماء والبركة "عند مليككم" المليك بمعنى المالك للمبالغة، وقال في القاموس الملك ككتف وأمير وصاحب والملك "وخير لكم من إنفاق الذهب والورق" بكسر الراء ويسكن أي الفضة، وقال الطيبي: قوله وخير مجرور عطفاً على خير أعمالكم من حيث المعنى لأن المعنى ألا أنبئكم بما هو خير لكم من بذل أموالكم وأنفسكم في سبيل الله انتهى، وقيل عطف على خير أعمالكم عطف خاص على عام لأن الأول خير الأعمال مطلقاً وهذا خير من بذل الأموال والأنفس أو عطف مغاير بأن يراد بالأعمال الأعمال اللسانية فيكون ضد هذا لأن بذل الأموال والنفوس من الأعمال الفعلية "قال ذكر الله" قال شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام في قواعده: هذا الحديث مما يدل على أن الثواب لا يترتب على قدر النصب في جميع العبادات بل قد يأجر(9/317)
وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَن عَبْدِ الله بنِ سَعيدٍ مِثْلَ هَذَا بِهَذَا الإسْنَادِ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْهُ فَأرْسَلَهُ.
ـــــــ
الله تعالى على قليل الأعمال أكثر مما يأجر على كثيرها فإذاً الثواب يترتب على تفاوت الرتب في الشرف انتهى. وحديث أبي الدرداء هذا أخرجه أيضاً مالك في الموطإ وأحمد في المسند وابن ماجة والحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان وابن شاهين في الترغيب في الذكر كلهم من حديث أبي الدرداء إلا أن مالكاً في الموطإ وقفه عليه وقد صححه الحاكم في المستدرك. قوله: "ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله" من الأولى صلة أنجى والثانية تفضيلية. اعلم أن قوله قال معاذ بن جبل متصل بما قبله ففي الموطإ مالك عن زياد بن أبي زياد قال قال أبو الدرداء ألا أخبركم بخير أعمالكم لكم وأرفعها في درجاتكم؟ إلى قوله قالوا بلى. قال ذكر الله تعالى. قال زياد بن أبي زياد وقال أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله. وروى أحمد والبيهقي وابن عبد البر قول معاذ هذا مرفوعاً "وقد روى بعضهم هذا الحديث عن عبد الله بن سعيد" كيحيى بن سعيد ومكي عند أحمد والمغيرة بن عبد الرحمن عند ابن ماجة.(9/318)
7 ـ باب مَا جَاءَ في القَوْمِ يَجْلِسُونَ فَيَذْكُرُونَ الله عز وجلّ مَا لَهُمْ مِنَ الفَضْل
3438 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ، أخبرنا سُفْيَانُ عَن أَبِي إِسْحَاقَ عَن الأغَرّ أَبي مُسْلِمٍ أَنّهُ شَهِدَ عَلَى
ـــــــ
باب ما جاء في القوم يجلسون فيذكرون الله ما لهم من الفضل
قوله: "عن الأغر أبي مسلم" بفتح الهمزة والغين المعجمة وبالراء الثقيلة، قال في التقريب الأغر أبّو مسلم المديني نزيل الكوفة ثقة من الثالثة وهو غير(9/318)
أَبي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيد الخدْرِيّ أنّهُمَا شَهِدَا عَلَى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أنّهُ قالَ: "مَا مِنْ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ الله إلاّ حَفّتْ بِهِمْ المَلاَئِكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرّحْمَةُ ونَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ الله فيمَنْ عِنْدَهُ" .
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
سلمان الأغر الذي يكنى أبا عبد الله. وقد قلبه الطبراني فقال اسمه مسلم ويكنى أبا عبد الله "أنه شهد على أبي هريرة وأبي سعيد الخدري" ظاهر في أنه سمعه منهما قال ابن التين أراد بهذا اللفظ التأكيد للرواية انتهى. قوله: "إلا حفت بهم الملائكة" أي أحاطت بهم الملائكة الذين يطوفون في الطريق يلتمسون أهل الذكر "وغشيتهم الرحمة" أي غطتهم الرحمة "ونزلت عليهم السكينة" أي الطمأنينة والوقار لقوله تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} ومنه قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ} ووقع في حديث عند مسلم: وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة الحديث. قال النووي في شرح مسلم في شرح هذا الحديث قيل المراد بالسكينة ههنا الرحمة وهو اختاره القاضي عياض وهو ضعيف لعطف الرحمة عليه، وقيل الطمأنينة والوقار وهو أحسن. قال وفي هذا دليل لفضل الاجتماع على تلاوة القرآن في المسجد وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال في مالك يكره وتأوله بعض أصحابه ويلتحق بالمسجد في تحصيل هذه الفضيلة الاجتماع في مدرسة ورباط ونحوهما إن شاء الله تعالى. ويدل عليه الحديث الذي بعده فإنه مطلق يتناوله جميع المواضع ويكون التقييد في هذا الحديث خرج على الغالب لا سيما في ذلك الزمان فلا يكون له مفهوم يعمل به انتهى. قلت: أراد بالحديث الذي بعده حديث الباب الذي ئحن في شرحه فإنه قد أخرجه مسلم أيضاً "وذكرهم الله فيمن عنده" أي ذكرهم الله مباهاة وافتخاراً بهم بالثناء الجميل عليهم وبوعد الجزاء الجزيل لهم. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد ومسلم وابن ماجة وأبو داود الطيالسي(9/319)
3439 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا مَرْحُومُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ العَطّارُ أخبرنا أبُو نَعَامَةَ عَن أَبي عُثْمَانَ النّهْدِيّ عَن أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ قالَ: "خَرَجَ مُعَاوِيَةُ إِلى المَسْجِدِ فقالَ: ما يُجْلِسُكُمْ؟ قالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ الله، قالَ: الله مَا أجْلَسَكُمْ إِلاّ ذَاكَ؟ قالُوا والله ما أجْلَسَنَا إلاّ ذَاكَ، قالَ: أَمَا إِنّي لَمْ أسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَمَا كَانَ أَحَدٌ بَمَنْزِلَتِي مِنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أقَلّ حَدِيثاً عَنْهُ مِنّي. إِنّ
ـــــــ
وعبد بن حميد وأبو يعلى الموصلي وابن حبان وابن أبي شيبة وابن شاهين في الترغيب في الذكر.
قوله: "أخبرنا مرحوم بن عبد العزيز" بن مهران الأموي أبو محمد البصري ثقة من الثامنة "خرج معاوية" بن أبي سفيان "إلى المسجد" وفي رواية مسلم خرج معاوية على حلقة في المسجد "فقال ما يجلسكم" ما استفهامية، وفي رواية مسلم: ما أجلسكم والمعنى ما السبب الداعي إلى جلوسكم "قال الله" بالمد والجر. قال السيد جمال الدين: قيل الصواب بالجر لقول المحقق الشريف في حاشيته همزة الاستفهام وقعت بدلاً عن حرف القسم ويجب الجر معها انتهى. وكذا صحح في أصل سماعنا من المشكاة ومن صحيح مسلم. ووقع في بعض نسخ المشكاة بالنصب انتهى كلامه. وقال الطيبي: قيل الله بالنصب أي أتقسمون بالله فحذف الجار وأوصل الفعل ثم حذف الفعل كذا في المرقاة "قال" أي معاوية "أما" بالتخفيف للتنبيه "تهمة لكم" بسكون الهاء ويفتح قال في النهاية التهمة وقد تفتح الهاء فعلة من الوهم والتاء بدل من الواو تهمته ظننت فيه ما نسب إليه أي ما أستحلفكم تهمة لكم بالكذب لكني أردت المتابعة والمشابهة فيما وقع له صلى الله عليه وسلم مع الصحابة، وقدم بيان قربه منه عليه الصلاة والسلام وقلة نقلته من أحاديثه دفعاً لتهمة الكذب عن نفسه في ما ينقله فقال "وما كان أحد بمنزلتي" أي بمرتبة قربي "من رسول الله صلى الله عليه وسلم" لكونه محرماً لأم حبيبة أخته من أمهات المؤمنين ولكونه من أجلاء كتبة الوحي(9/320)
رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أصْحَابِهِ فقالَ: ما يُجْلِسُكُمْ؟ قالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ الله وَنَحْمَدُهُ لِمَا هَدَانا للإسْلاَمِ وَمَنّ عَلَيْنَا بِهِ. فقالَ الله ما أجْلَسَكُمْ إلاّ ذَاكَ؟ قَالُوا الله ما أجْلَسَنَا إِلاّ ذَاكَ. قالَ: أمَا أَنّي لَمْ أسْتَحْلِفْكُمْ لِتُهْمَةٍ لَكُمْ إنّهُ أتَانِي جِبْرِيلُ فَأخْبَرَنِي أنّ الله يُبَاهِي بِكُم الملاَئِكَةَ" . هَذا حديثٌ حسن غَريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وأبُو نَعَامَةَ السّعْدِيّ اسْمُهُ عَمْرُو بنُ عِيسَى، وأَبُو عُثْمَانَ النّهْدِيّ اسْمُهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مُلّ.
ـــــــ
"أقل" خبر كان "حديثاً عنه" أي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "منى" أي لاحتياطي في الحديث وإلا كان مقتضي منزلته أن يكون كثير الرواية "ومن" قعل ماضي من المن من باب نصر أي أنعم "علينا" أي من بين الأنام كما حكى الله تعالى عن مقول أهل دار السلام {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} "به" أي بالإسلام "فقال آلله ما أجلسكم إلا ذاك" لعله أراد به الإخلاص "قال أما إني لم أستحلفكم لتهمة لكم" لأنه خلاف حسن الظن بالمؤمنين. قال الطيبي أي فأردت أن أتحقق ما هو السبب في ذلك، فالتحليف لمزيد التقرير والتأكيد لا التهمة كما هو الأصل في وضع التحليف فإن من لا يتهم لا يحلف انتهى "إنه" أي الشأن، وفي رواية مسلم ولكنه "إن الله يباهي بكم الملائكة" قيل معنى المباهاة بهم أن الله تعالى يقول لملائكته أنظروا إلى عبيدي هؤلاء كيف سلطت عليهم نفوسهم وشهواتهم وأهويتهم والشيطان وجنوده ومع ذلك قويت همتهم على مخالفة هذه الدواعي القوية إلى البطالة وترك العبادة والذكر فاستحقوا أن يمدحوا أكثر منكم لأنكم لا تجدون للعبادة مشقة بوجه، وإنما هي منكم كالتنفس منهم ففيها غاية الراحة والملاءمة للنفس. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه مسلم والنسائي "وأبو نعامة السعدي اسمه عمرو بن عيسى" قال في التقريب أبو نعامة السعدي اسمه
عبد ربه وقيل عمرو ثقة من السادسة.(9/321)
باب ما جاء في القوم يجلسون ولا يذكرو ن الله
...
8 ـ باب ما جاء في القَوْمِ يَجْلِسُونَ وَلاَ يَذْكُرُونَ الله
3440 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ أخبرنا سُفْيَانُ عَن صَالِحٍ مَوْلَى التّوْأمَةِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِساً لَمْ يَذْكُرُوا الله فِيهِ وَلَمْ يُصَلّوا عَلَى نَبِيّهِمْ إِلاّ كانَ عَلَيْهِمْ تَرِةً فإِنْ شَاءَ عَذّبَهمْ وَإنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ وَجُهٍ
ـــــــ
"باب" ما جاء في القوم يجلسون ولا يذكرون الله
قوله: "ولم يصلوا على نبيهم" تخصيص بعد تعميم "إلا كان" أي ذلك المجلس "عليهم ترة" بكسر التاء وتخفيف الراء تبعة ومعاتبة أو نقصاناً وحسرة من وتره حقه نقصه وهو سبب الحسرة، ومنه قوله تعالى {لَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} والهاء عوض عن الواو المحذوفة مثل عدة وهو منصوب على الخبرية "فإن شاء عذبهم" أي بذنوبهم السابقة وتقصيراتهم اللاحقة "وإن شاء غفر لهم" أي فضلاً منه ورحمة وفيه إيماء بأنهم إذا ذكروا الله لم يعذبهم حتماً بل يغفر لهم جزماً، ووقع في هامش النسخة الأحمدية هذه العبارة ومعنى قوله ترة يعني حسرة وندامة. وقال بعض أهل المعرفة بالعربية الترة هو النار. كذا في نسخة انتهى ما في هامشها. قوله: "هذا حديث حسن" قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث: رواه أبو داود والترمذي واللفظ له وقال حديث حسن، ورواه بهذا اللفظ ابن أبي الدنيا والبيهقي(9/322)
9 ـ باب ما جَاءَ أَنّ دَعْوَةَ المُسْلِمِ مُسْتَجَابَة
3441 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا ابنُ لَهِيعَةَ عَنْ أبي الزّبَيْرِ عَن جَابِرٍ قالَ: "سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو بِدُعَاءٍ إِلاّ آتَاهُ الله مَا سَألَ أَوْ كفّ عَنْهُ مِنْ السُوءِ مِثْلَهُ مَا لَمْ يَدْعُ بإِثْمٍ أوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ" . وفي البابِ عَنْ أبي سَعِيدٍ وعُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ.
ـــــــ
"باب" ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة
لكن الإجابة تتنوع، فروى أحمد في مسنده عن أبي سعيد مرفوعاً: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. وروى الترمذي في أواخر الدعوات عن أبي هريرة مرفوعاً: "ما من رجل يدعو الله بدعاء إلا استجيب له، فإما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا".. الحديث قوله: "إلا آتاه الله ما سأل" أي إن جرى في الأزل تقدير إعطائه ما سأل "أو كف عنه من السوء مثله" أي دفع عنه من البلاء عوضاً مما منع قدر مسئوله إن لم يجر التقدير "ما لم يدع بإثم" أي بمعصية "أو قطيعة رحم" تخصيص بعد تعميم. اعلم أن لإجابة الدعاء شروطاً منها الإخلاص لقوله تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} ، ومنها أن لا يكون فيه إثم ولا قطيعة رحم لحديث جابر هذا، ومنها أن يكون طيب المطعم والملبس لحديث أبي هريرة عند مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه(9/323)
3442 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ مَرْزُوقٍ، أخبرنا عُبَيْدُ الله بنُ وَاقِدٍ، أخبرنا سَعِيدُ بنُ عَطِيّةَ اللّيْثِيّ عَن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قال: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "مَنْ سَرّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ الله لَهُ عِنْدَ الشّدَائِدِ والكُرَبِ فَلْيُكْثِرِ الدّعَاءَ في الرّخَاءِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
3443 ـ حدثنا يَحْيَى بنُ حَبِيبٍ بنِ عَرَبِيّ أخبرنا مُوسَى بنُ إِبْرَاهِيمَ بنِ كَثِيرٍ الأنْصَارِيّ قالَ سَمِعْتُ طَلْحَةَ بنَ خِرَاشٍ قالَ سَمِعْتُ
ـــــــ
ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك، ومنها أن لا يستعجل لحديث أبي هريرة الآتي في باب من يستعجل في دعائه. والحديث سكت عنه الترمذي وفي إسناده ابن لهيعة: قوله: "وفي الباب عن أبي سعيد وعبادة بن الصامت" أما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد وصححه الحاكم وتقدم لفظه آنفاً، وأما حديث عبادة بن الصامت فأخرجه الترمذي وسيأتي في أحاديث شتى.
قوله: "أخبرنا سعيد بن عطية الليثي" أبو سلمة مقبول من السادسة. قال في تهذيب التهذيب: روى له الترمذي حديثاً واحداً في الدعاء. قوله: "من سره" أي أعجبه وفرح قلبه وجعله مسروراً "أن يستجيب الله له عند الشدائد" جمع الشديدة وهي الحادثة الشاقة "والكرب" بضم الكاف وفتح الراء جمع الكربة وهي الغم الذي يأخذ بالنفس "فليكثر الدعاء في الرخاء" بفتح الراء أي في حالة الصحة والفراغ والعافية لأن من شيمة المؤمن أن يريش السهم قبل أن يرمي ويلتجئ إلى الله قبل الاضطرار. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه الحاكم وقال صحيح وأقره الذهبي وأخرجه الحاكم أيضاً من حديث سلمان وقال صحيح الإسناد.(9/324)
جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله رضي الله عنهما يَقُولُ سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "أَفْضَلُ الذّكْرِ لا إلهَ إلاّ الله وَأَفْضَلُ الدّعَاءِ الحمْدُ لله" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَديثِ مُوسَى بنِ إبْرَاهيمَ. وَقَدْ رَوى عَلِيّ بنُ المَدِينيّ وغَيْرُ واحِدٍ عَنْ مُوسَى بنِ إبرَاهيمَ هَذَا الْحَدِيثَ.
3444 ـ حدثنا أبُو كُرَيْبٍ ومُحمّدُ بنُ عُبَيْدٍ المُحَارِبيّ قالاَ: أخبرنا يَحْيَى بنُ زَكَرِيّا بنِ أَبي زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَن خَالِدِ بنِ سَلَمَةَ عن البَهِيّ عَنْ عُرْوَةَ عَن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: "كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ الله عَلَى كُلّ أَحْيَانِهِ". هَذا حديثٌ حسن غَرِيبٌ.
ـــــــ
قوله: "أفضل الذكر لا إله إلا الله" لأنها كلمة التوحيد والتوحيد لا يماثله شيء وهي الفارقة بين الكفر والإيمان، ولأنها أجمع للقلب مع الله وأنفى للغير وأشد تزكية للنفس وتصفية للباطن وتنقية للخاطر من خبث النفس وأطرد للشيطان "وأفضل الدعاء الحمد لله" لأن الدعاء عبارة عن ذكر الله وأن تطلب منه الحاجة والحمد يشملهما، فإن من حمد الله يحمده على نعمته والحمد على النعمة طلب المزيد وهو رأس الشكر، قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} ويمكن أن يكون قوله الحمد لله من باب التلميح والإشارة إلى قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وأي دعاء أفضل وأكمل وأجمع من ذلك كذا في المرقاة وشرح الجامع الصغير للمنادى. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه النسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وقال صحيح.
قوله: "عن خالد بن سلمة" بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي الكوفي المعروف بالفأفأ أصله مدني صدوق رمى بالإرجاء والنصب من الخامسة. قوله: "يذكر الله على كل أحيانه" أي في كل أوقاته متطهراً ومحدثاً وجنباً وقائماً وقاعداً ومضطجعاً وماشياً. قال النووي في شرح هذا الحديث: واعلم أنه(9/325)
لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بنِ زَكَرِيّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ. وَالبَهِيّ اسْمُهُ عَبْدُ الله.
ـــــــ
يكره الذكر في حالة الجلوس على البول والغائط وفي حالة الجماع" فيكون الحديث مخصوصاً بما سوى هذا الأحوال انتهى ملخصاً. وقال في آخر باب التيمم: "يكره للقاعد على قضاء الحاجة أن يذكر الله تعالى بشيء من الأذكار فلا يسبح ولا يهلل ولا يرد السلام ولا يشمت العاطس ولا يحمد الله تعالى إذا عطس ولا يقول مثل ما يقول المؤذن، وكذلك لا يأتي بشيء من هذه الأذكار في حال الجماع، وإذا عطس في هذه الأحوال يحمد الله تعالى في نفسه ولا يحرك به لسانه"، هذا الذي ذكرناه من كراهة الذكر في حال البول والجماع هو كراهة تنزية لا تحريم فلا إثم على فاعله، وكذلك يكره الكلام على قضاء الحاجة بأي نوع كان من أنواع الكلام ويستثنى من هذا كله موضع الضرورة كما إذا رأى ضريراً يكاد أن يقع في بير أو رأى حية أو عقرباً أو غير ذلك يقصد إنساناً أو نحو ذلك فإن الكلام في هذه المواضع ليس بمكروه بل هو واجب، وهذا الذي ذكرنا من الكراهة في حال الاختيار هو مذهبنا ومذهب الأكثرين وحكاه ابن المنذر عن ابن عباس وعطاء ومعبد الجهني وعكرمة رضي الله عنهم، وحكى عن إبراهيم النخعي وابن سيرين أنهما قالا بأس به انتهى كلام النووي. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجة وعلقه البخاري "والبهي اسمه عبد الله" قال في التقريب عبد الله البهي بفتح الموحدة وكسر الهاء وتشديد التحتانية مولى مصعب بن الزبير يقال اسم أبيه يسار صدوق يخطئ من الثالثة.(9/326)
10 ـ باب مَا جاءَ أَنّ الدّاعِيَ يَبْدأُ بِنَفْسِه
3445 ـ حدثنا نَصْرُ بنُ عَلِيّ الكُوفِيّ أخبرنا أبُو قَطَنٍ عَن حَمْزَةَ الزّيّاتِ عَن أبي إسْحَاقَ عَن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَن ابنِ عَبّاسٍ عَن أُبيّ بنِ كَعْبٍ "أَنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا ذَكَرَ أَحَداً فَدَعَا لَهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صحيحٌ. وَأبُو قَطَنٍ اسْمُهُ عَمْرُو بنُ الْهَيْثَمِ.
ـــــــ
"باب" ما جاء أن الداعي يبدأ بنفسه
قوله: "حدثنا نصر بن علي الكوفي" قال الحافظ صوابه ابن عبد الرحمن وهو الوشاء "حدثنا أبو قطن" بفتحتين إسمه عمرو بن الهيثم بن قطن القطعي البصري ثقة من صغار التاسعة مات على رأس المائتين "عن حمزة الزيات" هو حمزة بن حبيب القاري أبو عمارة الكوفي التيمي مولاهم صدوق زاهد ربما وهم قاله الحافظ في التقريب، وقال في تهذيب التهذيب قال أبو بكر بن منجوية كان من علماء زمانه بالقراءات، وكان من خيار عباد الله فضلاً وعبادة وورعاً ونسكاً وكان يجلب الزيت من الكوفة. قوله: "فدعا له" أي فأراد أن يدعو له "بدأ بنفسه" جزاء إذا ذكر قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث: وهو عند مسلم في أول قصة موسى والخضر ولفظه: وكان إذا ذكر أحداً من الأنبياء بدأ بنفسه، قال ويؤيد هذا القيل أنه صلى الله عليه وسلم دعا لغير نبي قلم يبدأ بنفسه كقوله في قصة هاجر: "يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عينا معينا" ، وحديث أبي هريرة: "اللهم أيده بروح القدس" يريد حسان(9/327)
ـــــــ
بن ثابت، وحديث ابن عباس اللهم فقهه في الدين وغير ذلك من الأمثلة مع أن الذي جاء في حديث أبي لم يطرد فقد ثبت أنه دعا لبعض الأنبياء فلم يبدأ بنفسه كحديث أبي هريرة: "يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد" انتهى كلام الحافظ. قلت: فظهر أن بداءته صلى الله عليه وسلم بنفسه عند ذكر أحد والدعاء لم يكن من عادته اللازمة. قوله: "هذا حديث حسن غريب صحيح" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم كما في الجامع الصغير.(9/328)
11 ـ باب ما جَاءَ في رَفْعِ الأيْدي عِنْدَ الدّعَاء
3446 ـ حدثنا أَبُو مُوسَى مُحمّدُ بنُ المُثَنّى وَإِبْرَاهِيمُ بنُ يَعْقُوبَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قالُوا: أخبرنا حَمّادُ بنُ عِيسَى الْجُهَنِيّ عَنْ حَنْظَلَةَ بنِ أبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيّ عن سَالِمِ بنِ عَبْدِ الله عَن أبِيهِ عَن عُمَرَ بنِ الْخَطّابِ رضي الله عنه قال: "كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا رَفَعَ يَدَيْهِ في الدّعَاءِ لَمْ يَحُطّهُمَا حَتّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ" . قالَ مُحمّدُ بنُ المُثَنّى في حَدِيثِهِ : "لَمْ يردهما حَتّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ
ـــــــ
"باب" ما جاء في رفع الأيدي عند الدعاء
قوله: "حدثنا حماد بن عيسى الجهني" لقبه غريق الجحفة فإنه غرق بالجحفة سنة ثمان ومائتين. قال في التقريب: ضعيف، وقال في الميزان ضعفه أبو داود وأبو حاتم والدارقطني ولم يتركه. قوله: "لم يحطهما" أي لم يضعهما "حتى يمسح بهما وجهه" قال ابن الملك وذلك على سبيل التفاؤل، فكأن كفيه قد(9/328)
لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ حَمّادِ بنِ عِيسَى وقَدْ تَفَرّدَ بِهِ وَهُوَ قليلُ الحديثِ وقَدْ حدّثَ عَنْهُ النّاسُ، وَحَنْظَلَةُ بنُ أبي سُفْيَانَ الْجُمَحِيّ هو ثِقَةٌ وَثّقَهُ يَحْيى بنُ سَعِيدِ القَطّانُ.
ـــــــ
ملئتا من البركات السماوية والأنوار الإلهية، وقال في السبل: وفي الحديث دليل على مشروعية مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء، وقيل وكأن المناسبة أنه تعالى لما كان لا يردهما صفراً فكأن الرحمة أصابتهما فناسب إفاضة ذلك على الوجه الذي هو أشرف الأعضاء وأحقها بالتكريم انتهى. وقد ورد في رفع الأيدي عند الدعاء أحاديث كثيرة صحيحة صريحة كما عرفت في باب: ما يقول إذا سلم، والجمع بين هذه الأحاديث وبين حديث أنس لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء رواه الشيخان بأن المنفى صفة خاصة لا أصل الرفع. قال الحافظ ما حاصله إن الرفع في الاستسقاء يخالف غيره إما بالمبالغة إلى أن تصير اليدان حذو الوجه مثلاً وفي الدعاء إلى حذو المنكبين ولا يعكر على ذلك أنه ثبت في كل منهما حتى يرى بياض إبطيه بل يجمع بأن تكون رواية البياض في الاستسقاء أبلغ منها في غيره، وأما أن الكفين في الاستسقاء يليان الأرض وفي الدعاء يليان السماء قال المنذري وبتقدير تعذر الجمع فجانب الإثبات أرجح انتهى. قوله: "هذا حديث صحيح غريب الخ" وقد تفرد به حماد بن عيسى وهو ضعيف كما عرفت فالحديث ضعيف. قال الحافظ في بلوغ المرام: وله شواهد منها حديث ابن عباس عند أبي داود ومجموعها يقتضي أنه حديث حسن انتهى.(9/329)
12 ـ باب مَا جَاءَ فيمن يَسْتَعْجِلُ في دُعَائِه
3447 ـ حدثنا الأنْصَارِيّ أخبرنا مَعْنٌ أخبرنا مَالِكٌ عَنِ ابنِ شِهَابٍ عَن أبي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابنِ أزْهَرَ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ وأَبُو عُبَيْدٍ اسْمُهُ سَعْدٌ وهُوَ مَوْلَى عَبْدِ الرّحمَن بنِ أَزْهَرَ ويُقَالُ مَوْلَى عَبْدِ الرّحمَنِ بنِ عَوْفٍ. وفي البابِ عَن أَنَسٍ.
ـــــــ
"باب" ما جاء في من يستعجل في دعائه
قوله: "يستجاب لأحدكم" أي بعد شروط الإجابة "ما لم يعجل" ما ظرف يستجاب بمعنى المدة أي مدة كونه لم يستعجل "يقول دعوت فلم يستجب لي" هذا بيان وتفسير للعجلة، وفي رواية مسلم يقول: قد دعوت فلم أر يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجة. قوله: "وأبو عبيد اسمه سعد" بن عبيد الزهري ثقة من الثانية وقيل له إدراك. قوله: "وفي الباب عن أنس" أخرج حديثه أحمد مرفوعاً: "لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل قال يا بني الله وكيف يستعجل قال يقول قد دعوت ربي فلم يستجب لي" . وأخرجه أبو يعلى أيضاً. قال المنذري في الترغيب ورواتهما محتج بهم في الصحيح إلا أبا هلال الراسبي انتهى.(9/330)
13 ـ باب مَا جَاءَ في الدّعَاءِ إذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى
3448 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا أَبُو دَاوُدَ وهُوَ الطّيَالِسِيّ حدثنا عَبْدُ الرّحمنِ بنُ أبي الزّنَادِ عَن أَبيهِ عَن أبَانَ بنِ عُثْمَانَ قالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بنَ عَفّانَ رضي الله عنه يقول قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ في صَبَاحِ كُلّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلّ لَيْلَةٍ بِسْمِ الله الّذِي لا يَضُرّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ في الأرْضِ وَلا في السّمَاءِ وَهُوَ السّمِيعُ العَلِيمُ ثَلاَثَ مَرّاتٍ لم يضُرّهُ شَيْءٌ" . وكَانَ أَبَانُ قَدْ أَصَابَهُ طَرَفُ فَالِج
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في الدّعَاءِ إذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى
قوله: "عن أبان" بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة يصرف لأنه فعال ويمنع لأنه أفعل والصحيح الأشهر الصرف "ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة" أي في أوائلهما. قال في القاموس الصبح الفجر أو أول النهار وهو الصبيحة والصباح والإصباح والمصبح والمساء ضد الصباح "بسم الله" أي أستعين أو أتحفظ من كل مؤذ باسم الله "الذي لا يضر مع اسمه" أي مع ذكره باعتقاد حسن ونية خالصة "ولا في السماء" أي من البلاء النازل منها "وهو السميع" أي بأقوالنا "العليم" أي بأحوالنا "ثلاث مرات" ظرف يقول "فيضره شيء" بالنصب جواب ما من عبد، قال الطيبي وبالرفع عطفاً على يقول على أن الفاء هنا كهي في قوله لا يموت لمؤمن ثلاثة من الولد فتمسه النار أي لا يجتمع هذا القول مع المضرة كما لا يجتمع مس النار مع موت ثلاثة من الولد بشرطه "وكان أبان" بالوجهين "قد أصابه طرف فالج" أي نوع منه وهو يفتح اللام استرخاء لأحد(9/331)
فَجَعَلَ الرّجُلُ يَنْظُرُ إلَيْهِ فقَالَ لَهُ أَبَانُ ما تَنْظُرُ؟ أمَا إِنّ الْحَدِيثَ كَمَا حَدّثْتُكَ ولَكِنّي لَمْ أَقُلْهُ يَوْمَئِذٍ لِيُمْضِيَ الله عَلَيّ قَدَرَهُ . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صحيحٌ.
3449 ـ حدثنا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجّ أخبرنا عُقْبَةُ بنُ خَالِدٍ عَن أبي سَعْدٍ سَعِيدِ بنِ المرْزُبَانِ عَن أبي سَلَمَةَ عَن ثَوْبَانَ رضي الله عنه قالَ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قالَ حِينَ يُمْسِي رَضِيتُ بالله رَبّا وبِالإسْلاَمِ دِيناً وَبِمُحمّدٍ نَبِيّا كانَ حَقّا عَلَى الله أَنْ يُرْضِيهُ" . هَذا
ـــــــ
شقي البدن لانصباب خلط بلغمي تنسد منه مسالك الروح "فجعل الرجل" أي المستمع "ينظر إليه" أي إلى أبان تعجباً "ما تنظر" زاد أبو داود إلى، قال الطيبي ما هي استفهامية وصلتها محذوفة وتنظر إلى حال أي مالك تنظر إلى "أما" للتنبيه وقيل بمعنى حقاً "ولكني لم أقله" أي ما قدر الله لي أن أقوله "يومئذ ليمضي الله على قدره" بفتح الدال أي مقدرة، قال الطيبي قوله ليمضي الله عليه لعدم القول وليس بغرض له كما في قعدت عن الحرب حيناً، وقيل اللام فيه للعاقبة كما في قوله لدوا للموت وأبنوا للخراب، ذكره القاري، وفي رواية أبي داود فجعل الرجل الذي سمع منه الحديث ينظر إليه فقال له مالك: تنظر إلي فوالله ما كذبت على عثمان ولا كذب عثمان على النبي صلى الله عليه وسلم ولكن اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني غضبت فنسيت أن أقولها. قوله: "هذا حديث حسن غريب صحيح" وأخرجه النسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وابن أبي شيبة وأبو داود، وفي روايته لم تصبه فجاءة بلاء حتى يصبح ومن قالها حين يصبح لم تصبه فجاءة بلاء حتى يمسي.
قوله: "أخبرنا عقبة بن خالد" السكوني "عن أبي سعيد بن المرزبان" العبسي مولاهم البقال الكوفي الأعور ضعيف مدلس من الخامسة "عن أبي سلمة" بن عبد الرحمن. قوله: "رضيت بالله" أي بقضائه "ربا وبالإسلام" أي(9/332)
حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
3450 ـ حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ أخبرنا جَريرٌ عَن الحَسنِ بنِ عُبَيْدِ الله عَن إبْرَاهِيمَ بنِ سُوَيْدٍ عَن عَبْدِ الرحمنِ بنِ يَزِيدَ عَن عَبْدِ الله قالَ: "كانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم إذَا أَمْسَى قالَ: أَمْسَيْنَا وَأمْسَى المُلْكُ لله والْحَمْدُ لله ولاَ إِلَهَ إلاّ الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ أُرَاهُ قالَ فيها: لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، أسْأَلُكَ خَيْرَ مَا فِي
ـــــــ
بأحكامه "دينا وبمحمد" أي بمتابعته "نبياً" والمنصوبات تمييزات ويمكن أن تكون حالات مؤكدات "وكان حقاً على الله" هو خبر كان "أن يرضيه" من الإرضاء أي يعطيه ثواباً جزيلاً حتى يرضى وهو إسم كان. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد.
قوله: "أخبرنا جرير" بن عبد الحميد "عن الحسن بن عبيد الله" النخعي "عن إبراهيم بن سويد" النخعي ثقة لم يثبت أن النسائي ضعفه من السادسة "عن عبد الرحمن بن يزيد" بن قيس النخعي. قوله: "أمسينا وأمسى الملك لله" أي دخلنا في المساء ودخل فيه الملك كائناً لله ومختصاً به، أو الجملة حالية بتقدير قد أو بدونه أي أمسينا وقد صار بمعنى كان ودام الملك لله "والحمد لله" قال الطيبي عطف على أمسينا وأمسى الملك أي صرنا نحن وجميع الملك وجميع الحمد لله انتهى. قال القاري: أي عرفنا فيه أن الملك لله وأن الحمد لله لا لغيره ويمكن أن يكون جملة الحمد لله مستقلة والتقدير والحمد لله على ذلك "وحده" حال مؤكدة أي منفرداً بالألوهية "أراه قال: له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" أي أظن إبراهيم بن سويد أنه قال له الملك وله الحمد الخ، وقائل أراه الحسن بن عبيد الله، وفي رواية لمسلم قال الحسن فحدثني الزبيد أنه حفظ عن إبراهيم في هذا "له الملك وله الحمد" الخ، وفي رواية أخرى له قال الحسن بن عبيد الله وزادني فيه زبيد عن إبراهيم بن سويد عن عبد الرحمن بن يزيد(9/333)
هَذِهِ اللّيْلَةِ وَخَيْرَ مَا بَعْدَهَا وأعُوذُ بِكَ مِنَ شَرّ هَذِهِ اللّيْلَةِ وَشَرّ مَا بَعْدهَا وأعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ وسُوءِ الكِبَرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ النّارِ وَعَذَابِ القَبْرِ، وإذَا أَصْبَحَ قالَ ذَلِكَ أَيْضاً أصْبَحْنَا وَأصْبَحَ المُلْكُ لله والْحَمْدُ لله" . هَذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ بِهذَا الإسْنَادِ عَن ابنِ مَسْعُودٍ ولَمْ يَرْفَعْهُ.
ـــــــ
عن عبد الله رفعه أنه قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير "أسألك خير ما في هذه الليلة" قال الطيبي أي خير ما ينشأ فيها وخير ما يسكن فيها، قال تعالى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ} وقال ابن حجر أي ما أردت وقوعه فيها لخواص خلقك من الكمالات الظاهرة والباطنة وخير ما يقع فيها من العبادات التي أمرنا بها فيها أو المراد خير الموجودات التي قارن وجودها هذه الليلة وخير كل موجود الآن "وخير ما بعدها" أي من الليالي أو مطلقاً "وأعوذ بك من الكسل" بفتحتين أي التثاقل في الطاعة مع الاستطاعة. قال الطيبي الكسل التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه ويكون ذلك لعدم انبعاث النفس للخير مع ظهور الاستطاعة "وسوء الكبر" قال النووي قال القاضي رويناه الكبر بإسكان الباء وفتحها فالإسكان بمعنى التعاظم على الناس والفتح بمعنى الهرم والخوف والرد إلى أر ذل العمر كما في الحديث الآخر، قال القاضي وهذا أظهر وأشهر بما قبله، قال وبالفتح ذكره الهروي وبالوجهين ذكره الخطابي وصوب الفتح وتعضده رواية النسائي وسوء العمر انتهى "وإذا أصبح" أي دخل صلى الله عليه وسلم في الصباح "قال ذلك" أي ما يقول في المساء "أيضاً" أي لكن يقول بدل أمسينا وأمسى الملك لله "أصبحنا وأصبح الملك لله" ويبدل اليوم بالليلة فيقول أسألك خير هذا اليوم ويذكر الضمائر بعده. قوله: "هذا الحديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن أبي شيبة.(9/334)
3451 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ جَعْفَرٍ أخبرنا سُهَيْلُ بنُ أَبي صَالحٍ عَن أَبِيهِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ "كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعَلّمُ أَصْحَابَهُ: يَقُولُ: إذا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ اللّهُمّ بِكَ أَصْبَحْنَا وَبِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ المَصِيرُ. وإذَا أمْسَى فَلْيَقُلْ: الّلهُمّ بِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ أصْبَحْنَا وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإلَيْكَ النّشُورُ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ.
ـــــــ
قوله: "حدثنا عبد الله بن جعفر" بن نجبح السعدي. قوله: "إذا أصبح أحدكم" أي دخل في الصباح "اللهم بك أصبحنا" الباء متعلق بمحذوف وهو خبر أصبحنا ولا بد من تقدير مضاف أي أصبحنا ملتبسين بحفظك أو مغمورين بنعمتك أو مشتغلين بذكرك أر مستعينين بإسمك أو مشمولين بتوفيتك أو متحركين بحولك وقوتك أو متقلبين بإرادتك وقدرتك "وبك نحيى وبك نموت" أي أنت تحيينا وأنت تميتنا يعني يستمر حالنا على هذا في جميع الأوقات وسائر الأحوال "وإليك" لا إلى غيرك "المصير" أي المرجع بالبعث "وإذا أمسى" عطف على إذا أصبح "بك أمسينا وبك أصبحنا" بتقديم أمسينا "وإليك النشور" قال في النهاية بقال نشر الميت ينشر نشوراً إذا عاش بعد الموت أو نشره الله أي أحياه. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه وأبو عوانة.(9/335)
14 ـ باب منه
3452 ـ حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أَبُو دَاودَ قَالَ أَنْبَأنَا شُعْبَةُ عَن يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عَاصِمٍ الثّقَفِيّ يُحدّثُ عَن أبي
ـــــــ
باب منه
قوله: "عن يعلى بن عطاء" العامري الطائفي "سمعت عمرو بن عاصم"(9/335)
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ "قَالَ أبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ الله مُرْنِي بِشَيْءٍ أَقُولُهُ إذَا أَصْبَحْتُ وَإذَا أَمْسَيْتُ. قَالَ: قُلْ: اللّهُمّ عَالِمَ الغَيْبِ وَالشّهَادَةِ، فَاطِرَ السّمَاواتِ والأَرْضِ، رَبّ كُلّ شَيءٍ وَمَلِيكَهُ أشْهَدُ أَن لاَ إِله إِلاّ أنْتَ أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ نَفْسِي وَمِنْ شَرّ الشّيْطَانِ وشِرْكِهِ. قَالَ قُلْهُ إذَا أَصْبَحْتَ وَإذَا أَمْسَيْتَ وإِذَا أخَذْتَ مَضْجَعَكَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث الثقفي الحجازي ثقة من الثالثة. قوله: "اللهم عالم الغيب والشهادة" أي ما غاب من العباد وظهر لهم "فاطر السماوات والأرض" أي مخترعهما وموجدهما على غير مثال سبق "رب كل شيء مليكه" فعيل بمعنى فاعل للمبالغة كالتقدير بمعنى القادر "أعوذ بك من شر نفسي" أي من ظهور السيئات الباطنية التي جبلت النفس عليها "ومن شر الشيطان" أي وسوسته وإغوائه وإضلاله "وشركه" بكسر الشين وسكون الراء أي ما يدعو إليه من الإشراك بالله، ويروى بفتحتين أي مصائده وحبائله التي يفتتن بها الناس، والإضافة على الأول إضافة المصدر إلى الفاعل وعلى الثاني معنوية والعطف على التقديرين للتخصيص بعد التعميم للاهتمام به "قله" أي قل هذا القول. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود والنسائي والدارمي وابن حبان والحاكم وابن أبي شيبة(9/336)
15 ـ باب منه
3453 ـ حدثنا الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، أخبرنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ أَبي حَازِمٍ عَن كُثَيّر بنِ زَيْدٍ عن عُثْمَانَ بنِ رَبِيعَةَ عَن شَدّادِ بنِ أَوْسٍ "أنّ النبيّ
ـــــــ
باب منه
قوله: "عن كثير بن زيد" الأسلمي المدني "عن عثمان بن ربيعة" بن عبد الله(9/336)
صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: ألاَ أَدُلّكَ عَلَى سَيّدِ الاسْتِغْفَارِ؟ اللّهُمّ أَنْتَ رَبّي لاَ إِله إلاّ أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأنَا عَبْدُكَ وَأنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِن شَرّ ما صَنَعْتُ وأَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيّ وأعتَرِفُ بِذُنُوبِي فاغْفِرْ لِي ذُنُوبي إنّهُ لا يَغْفِرُ الذّنُوبَ إلاّ أنْتَ. لاَ يَقُولُهَا أحَدُكُمْ حِينَ يُمْسِي فَيَأْتِي عَلَيْهِ قَدَرٌ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ إلاّ وَجَبَتْ لَهُ الجَنّةُ وَلاَ يَقُولُهَا حِينَ يُصْبِحُ فَيَأْتِي عَلَيْهِ قَدَرٌ قَبْلَ أنْ يُمْسِي إلاّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنّةُ" . وفي
ـــــــ
ابن الهدير التيمي المدني مقبول من الرابعة، قوله: "ألا أدلك على سيد الاستغفار" قال الطيبي لما كان هذا الدعاء جامعاً لمعاني التوبة كلها استعير له اسم السيد وهو في الأصل الرئيس الذي يقصد في الحوائج ويرجع إليه في الأمور "خلقتني" استئناف بيان للتربية "وأنا عبدك" أي مخلوقك ومملوكك وهو حال كقوله: "وأنا على عهدك ووعدك" أي أنا مقيم على الوفاء بعهد الميثاق وأنا موقن بوعدك يوم الحشر والتلاق "ما استطعت" أي بقدر طاقتي، وقيل أي أنا على ما عاهدتك ووعدتك من الإيمان بك والإخلاص من طاعتك، أو أنا مقيم على ما عاهدت إلى من أمرك ومتمسك به ومتنجز وعدك في المثوبة والأجر عليه واشتراط الاستطاعة اعتراف بالعجز والقصور عن كنه الواجب في حقه تعالى أي لا أقدر أن أعبدك حق عبادتك ولكن أجتهد بقدر طاقتي "وأبوء لك بنعمتك على" أي أعترف بها من قولهم باء بحقه أي أقربه وأصله البواء ومعناه اللزوم ومنه بوأه الله منزلاً إذا أسكنه فكأنه ألزمه به "وأعترف بذنوبي" قال الطيبي: أعترف أولاً بأنه تعالى أنعم عليه ولم يقيده ليشمل جميع أنواع النعم ثم أعترف بالتقصير وأنه لم يقم بأداء شكرها ثم بالغ فعده ذنباً مبالغة في هضم النفس تعليماً للأمة انتهى. قال الحافظ: ويحتمل أن يكون قوله أبوء لك بذنبي اعتراف بوقوع الذنب مطلقاً ليصح الاستغفار منه لا أنه عد ما قصر فيه من أداء شكر النعم ذنباً "لا يغفر الذنوب" أي ما عدا الشرك "لا يقولها" أي هذه الكلمات "فيأتي عليه قدر الخ" المراد من القدر الموت وفي رواية(9/337)
البابِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ وابنِ عُمَرَ وابنِ مَسْعُودٍ وابنِ أَبْزَى وَبُرَيْدَةَ رضي الله عنهم. هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ من هذا الوجه. وَعَبْدُ العَزِيزِ بنُ أَبي حَازِمٍ هُوَ ابنُ أَبي حَازِمٍ الزّاهِدُ.
ـــــــ
البخاري قال: "ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة" . فإن قيل المؤمن وإن لم يقلها فهو من أهل الجنة، وأجيب بأنه يدخلها ابتداء من غير دخول النار لأن الغالب أن الموقن بحقيقتها المؤمن بمضمونها لا يعصي الله تعالى أو لأن الله يعفو عنه ببركة هذا الاستغفار. قوله: "وفي الباب عن أبي هريرة وابن عمر وابن مسعود وابن أبزى وبريدة" أما حديث بريدة فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان والحاكم، وأما أحاديث الباقين فلينظر من أخرجها. قوله: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه" وأخرجه أحمد والبخاري والنسائي.(9/338)
16 ـ باب ما جَاءَ في الدّعَاءِ إذَا أَوَى إِلى فِرَاشِه
3454 ـ حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ أخبرنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عَن أَبِي إِسْحاقَ الهَمْدانِيّ عَن البَراءِ بنِ عَازِبٍ "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ له: أَلاَ أُعَلّمُكَ كَلِمَاتٍ تَقُولُهَا إذَا أَوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فإِن مُتّ مِنْ لَيْلَتِكَ مُتّ عَلَى الفِطْرَةِ وإِنْ أَصْبَحْتَ أصْبَحْتَ وقَدْ أَصَبْتَ خَيْراً؟ تَقُولُ
ـــــــ
"باب" ما جاء في الدعاء إذا أوى إلى فراشه
قوله: "عن أبي إسحاق الهمداني" السبيعي. قوله: "إذا أويت إلى فراشك" أي إذا أتيت إلى فراشك للنوم "أصبت خيراً" أي خيراً كثيراً أو خيراً(9/338)
اللّهُمّ إنّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ وَوَجّهْتُ وَجْهِي إلَيْكَ وَفَوّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إلَيْكَ وَأَلْجأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إلاّ إلَيْكَ. آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الّذِي أنْزَلْتَ وَبنبِيّكَ الذِي أَرْسَلْتَ ـ قَالَ البَرَاءُ فَقُلْتُ ـ وَبرَسُولِكَ الّذِي أرْسَلْتَ، قَالَ فَطَعَنَ بِيَدِهِ في صَدْرِي ثُمّ قَالَ: وَبنبيّكَ الّذِي أرْسَلْتَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَريبٌ، وفي الباب عن رافع بن خديجٍ وقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَن البَرَاءِ وَرَوَاهُ مَنْصُورُ بنُ المُعْتَمِرِ عن سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ عَن البَرَاءِ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ إلاّ أنّهُ قَالَ: " إِذا أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ وَأَنْتَ عَلَى وُضُوءٍ" .
قال وفي البابِ عن رافِعِ بن خَدِيجٍ رضي الله عنه.
3455 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ، أخبرنا عَلِيّ بنُ المُبَارَكِ عَن يَحْيَى بنِ أبي كثِيرٍ عن يَحْيَى بنِ إسْحَاقَ بن أخِي رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه عَن رَافِعِ بنِ خَديجٍ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إذَا اضْطَجَعَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَن ثُمّ قَالَ: اللّهُمّ إنّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ وَوَجّهْتُ وَجْهي إلَيْكَ وَأُلْجأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ وَفَوّضْتُ أمْرِي إلَيْكَ لاَ مَلْجَأ منك إلاّ
ـــــــ
في الدارين "أسلمت" أي أخلصت "نفسي" أي ذاتي "إليك" أي مائلة إلى حكمك "ووجهت وجهي" أي وجهتي وتوجهي وقصد قلبي، وسيأتي هذا الحديث مع شرحه في أحاديث شتى. قوله: "وفي الباب عن رافع بن خديج" أخرجه الترمذي بعد هذا.
قوله: "أخبرنا عثمان بن عمر" العبدي البصري "عن يحيى بن أبي كثير" الطائي اليمامي "عن يحيى بن إسحاق بن أخي رافع بن خديج" قال الحافظ يحيى بن إسحاق ويقال ابن أبي إسحاق الأنصاري روى عن عمه رافع بن خديج في الاضطجاع على الشق الأيمن وعنه يحيى بن أبي كثير ثقة من الرابعة. قوله:(9/339)
إِلَيْكَ أُومِنُ بِكِتَابِكَ وبِرَسُلِكَ فإِنْ مَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ دَخَلَ الْجَنّةَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ.
3456 ـ حدثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا عَفّانُ بنُ مُسْلِمٍ، أخبرنا حَمّاد بن سلمة عَنْ ثابِتٍ عَن أنَسِ بنِ مَالِكٍ "أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ إِذَا أَوَى إِلى فِرَاشِهِ قالَ: "الْحَمْدُ لله الّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوانَا فَكَمْ مِمّنْ لاَ كَافِيَ لَهُ وَلاَ مُؤْوِي" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صحيحٌ.
ـــــــ
"اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وألجأت ظهري إليك الخ" سيأتي شرح ألفاظ هذا الحديث في شرح حديث البراء الاَتي في أحاديث شتى.
قوله: "أخبرنا عفان بن مسلم" الصفار البصري "أخبرنا حماد" بن سلمة. قوله: "كان إذا أوى إلى فراشه" أي انضم إليه ودخل فيه. قال النووي: إذا أوى إلى فراشه وأويت مقصور، وأما آوانا فمدود، هذا هو الصحيح الفصيح المشهور، وحكى القصر فيهما وحكى المد فيهما انتهى "وكفانا" أي دفع عنا شر المؤذيات أو كفى مهماتنا وقضى حاجاتنا "وآوانا" أي رزقنا مساكن وهيأ لنا المآوي "فكم ممن لا كافي" بفتح الياء "ولا مؤوي" بصيغة إسم الفاعل وله مقدر أي فكم شخص لا يكفيهم الله شر الأشرار بل تركهم وشرهم حتى غلب عليهم الأعداء، ولا يهيئ لهم مأوى بل تركهم يهيمون في البوادي ويتأذون بالحر والبرد. قال الطيبي ذلك قليل نادر فلا يناسب كم المقتضى لكثرة على أنه افتتح بقوله "أطعمنا وسقانا" ويمكن أن ينزل هذا على معنى قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} فالمعنى أنا نحمد الله على أن عرفنا نعمه ووفقنا لأداء شكره فكم من منعم عليه لا يعرفون ذلك ولا يشكرون، وكذلك الله مولى الخلق كلهم بمعنى أنه ربهم(9/340)
ـــــــ
ومالكهم لكنه ناصر للمؤمنين ومحب لهم فالفاء في فكم للتعليل. قوله: "هذا حديث حسن غريب صحيح" وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي.(9/341)
17 ـ باب منه
3457 ـ حدثنا صَالِحُ بنُ عَبْدِ الله، أخبرنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَن الْوَصّافيّ عَن عَطِيّةَ عَن أَبي سَعيدٍ رضي الله عنه عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قالَ حِينَ يَأْوِي إِلى فِرَاشِهِ أَسْتَغْفِرُ الله العظيم الّذِي لا إلهَ إلاّ هُوَ الحَيّ القَيّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلاَثَ مَرّاتٍ غَفَرَ الله لَهُ ذُنُوبَهُ وإنْ كَانَتَ مِثْلَ زَبَدِ البحْرِ، وإِنْ كانَتْ عَدَدَ وَرَقِ الشّجَرِ، وإِنْ كَانَتْ عَدَدِ رَمْلِ عَالِجٍ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ أيّامِ الدّنْيَا" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ الله بنِ الوَلِيدِ الْوَصّافِيّ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا صالح بن عبد الله" بن ذكران الباهلي "عن عطية" هو العوفي. قوله: "أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم" يجوز فيهما النصب صفة لله أو مدحاً والرفع بدلاً من الضمير أو على أنه خبر مبتدأ محذوف "وأتوب إليه" أي أطلب المغفرة وأريد التوبة فكأنه قال اللهم اغفر لي ووفقني للتوبة "وإن كانت" أي ولو كانت ذنوبه في الكثرة "مثل زبد البحر" الزبد محركة ما يعلو الماء وغيره من الرغوة "وإن كانت عدد رمل عالج" بفتح اللام وكسرها قال الطيبي: موضع بالبادية فيه رمل كثير ونهايته العالج وتراكمهم من الرمل ودخل بعضه في بعض فعلى هذا لا يضاف الرمل إلى عالج لأنه صفة له أي رمل يتراكم، وفي التحرير عالج موضع مخصوص فيضاف. قال ميرك الرواية(9/341)
ـــــــ
بالإضافة فعلى قول صاحب النهاية وجهه أن يقال إنه من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة أو الإضافة بيانية كذا في المرقاة. وفي الحديث فضيلة عظيمة ومنقبة جليلة في مغفرة ذنوب بهذا الذكر ثلاث مرات وإن كانت بالغة إلى هذا الحد الذي لا يحيط به عدد وفضل الله واسع وعطاؤه جم.(9/342)
18 ـ باب منه
3458 ـ حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عَن عَبْدِ الملِكِ بنِ عُمَيْرٍ عَن رِبْعِيّ بنِ حَرَاشٍ عَن حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ رضي الله عنه "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ إِذَا أرَادَ أَنْ يَنَامَ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ ثُمّ قالَ: اللّهُمّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَجْمَعُ عبادك أَوْ تَبْعَثُ عِبَادَكَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3459 ـ حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أخبرنا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ عَن إِبْرَاهِيمَ بنِ يُوسُفَ بنِ أبي إِسْحَاقَ عَن أبيهِ عَن أبي إِسْحَاقَ عَن أَبي بُرْدَةَ عَن البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قالَ: "كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَتَوَسّدُ يَمِينَهُ
ـــــــ
"باب منه"
قوله: "وضع يده" أي اليمنى كما في رواية أحمد "اللهم قني" أي أحفظني "يوم تجمع أو تبعث عبادك" أي يوم القيامة وأو للشك من الراوي، ولما كان النوم في حكم الموت والاستيقاظ كالبعث دعا بهذا الدعاء تذكراً لتلك الحالة. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد.
قوله: "أخبرنا إسحاق بن منصور" السلولى "عن أبي إسحاق" السبيعي "عن أبي بردة" أي ابن أبي موسى الأشعري. قوله: "يتوسد يمينه" أي ينام(9/342)
عِنْدَ المَنَامِ ثمّ يَقُولُ: رَبّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَرَوَى الثّوْرِيّ هَذَا الحَدِيثَ عن أبي إِسْحَاقَ عَن البَرَاءِ لَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا أحَداً، ورواه شُعْبَةُ عنَ أبي إسْحَاقَ عَنْ أبي عُبَيْدَةَ وَرَجُلٍ آخَر عَن البَرَاءِ، ورواه إسرائيل عَن أَبي إسْحَاقَ عَن عَبْدِ الله بنِ يَزِيدَ عَن البَرَاءِ وعَن أبي إِسْحَاقَ عَن عُبَيْدَةَ عَن عَبْدِ الله عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.
ـــــــ
عليها ويجعلها كالوسادة له. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد والنسائي وسنده صحيح كما في الفتح "وروى الثوري هذا الحديث عن أبي إسحاق عن البراء لم يذكر بينهما أحداً" أي لا أبا بردة ولا غيره، ورواية الثوري هذه أخرجها أحمد في مسنده "ورواه شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة ورجل آخر عن البراء" فذكر شعبة بين أبي إسحاق والبراء أبا عبيدة ورجلاً آخر، وهذه الرواية أخرجها أيضاً أحمد "ورواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن يزيد عن البراء" أي بذكر عبد الله بن يزيد بينهما. وهذه الرواية أيضاً أخرجها أحمد "وعن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله" أخرج هذه الرواية ابن ماجة في سننه.(9/343)
19 ـ باب منه
3460 ـ حدثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحمَنِ، أخبرنا عَمْرُو بنُ عَوْنٍ أخبرنا خالِدُ بنُ عبْدِ الله عَن سُهَيْلٍ عَنْ أبيهِ عَن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: "كانَ
ـــــــ
"باب منه"
قوله: "حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن" هو الدارمي "أخبرنا عمرو بن عون" هو أبو عثمان الواسطي "أخبرنا خالد بن عبد الله" المزني الواسطي. قوله:(9/343)
رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا إِذَا أخَذَ أحَدُنَا مَضْجَعهُ أنْ يَقُولَ اللّهُمّ رَبّ السّمَواتِ ورَبّ الأرَضِيْنَ وَرَبّنَا وَرَبّ كُلّ شَيْءٍ فَالِقَ الحَبّ والنّوَى ومُنْزِلَ التّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالقُرْآنِ أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ كُلّ ذِي شَرّ أنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، أنْتَ الأوّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ. وَأنْتَ الآخر فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ. والظّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ
ـــــــ
"اللهم رب السماوات ورب الأرضين" أي خالقهما ومربي أهلهما "ورب كل شيء" تعميم بعد تخصيص "فالق الحب" الفلق بمعنى الشق "والنوى" جمع النواة وهي عظم النخل وفي معناه عظم غيرها والتخصيص لفضلها أو لكثرة وجودها في ديار العرب، يعني يا من شقهما فأخرج منهما الزرع والنخيل "ومنزل التوراة" من الإنزال وقيل من التنزيل "والإنجيل والقرآن" لعل ترك الزبور لأنه مندرج في التوراة أو لكونه مواعظ ليس فيه أحكام. قال الطيبي: فإن قلت ما وجه النظم بين هذه القرائن، قلت وجهه أنه صلى الله عليه وسلم لما ذكر أنه تعالى رب السماوات والأرض أي مالكهما ومدبر أهلهما عقبه بقوله فالق الحب والنوى لينتظم معنى الخالقية والمالكية، لأن قوله تعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} تفسير لفالق الحب والنوى ومعناه يخرج الحيوان النامي من النطفة والحب من النوى ويخرج الميت من الحي أي يخرج هذه الأشياء من الحيوان النامي ثم عقب ذلك بقوله: "منزل التوراة" ليئوذن بأنه لم يكن إخراج الأشياء من كتم العدم إلى فضاء الوجود إلا ليعلم ويعبد ولا يحصل ذلك إلا بكتاب ينزله ورسول يبعثه، كأنه قيل يا مالك يا مدبر يا هادي أعوذ بك "أعوذ" أي أعتصم وألوذ "من شر كل ذي شر" وفي رواية لمسلم من شر كل شيء "أنت آخذ بناصيته" أي من شر كل شيء من المخلوقات لأنها كلها في سلطانه وهو آخذ بنواصيها. وفي رواية لمسلم: من شر كل دابة أنت آخذ بنواصيها. وفي رواية لمسلم: من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها "أنت الأول" أي القديم بلا ابتداء "فليس قبلك شيء" قيل هذا تقرير للمعنى السابق وذلك أن قوله أنت الأول مفيد للحصر(9/344)
شَيءٌ والبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيءٌ اقْضِ عَنّي الدّيْنَ واغْنِنِي مِنَ الفَقْرِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
بقرينة الخبر باللام فكأنه قيل أنت مختص بالأولية فليس قبلك شيء "وأنت الآخر فليس بعدك شيء" أي الباقي بعد فناء خلقك لا انتهاء لك ولا انقضاء لوجودك "والظاهر فليس فوقك" أي فوق ظهورك "شيء" يعني ليس شيء أظهر منك لدلالة الآيات الباهرة عليك "والباطن" أي الذي حجب أبصار الخلائق عن إدراكك "فليس دونك شيء" أي لا يحجبك شيء عن إدراك مخلوقاتك "أقض عني الدين" قال النووي: يحتمل أن المراد بالدين هنا حقوق الله تعالى وحقوق العباد كلها من جميع الأنواع. وأما معنى الظاهر من أسماء الله فقيل هو من الظهور بمعنى القهر والغلبة وكمال القدرة ومنه ظهر فلان على فلان، وقيل الظاهر بالدلائل القطعية والباطن المحتجب عن خلقه، وقيل العالم بالخفيات وأما تسميته سبحانه وتعالى بالآخر فقال الإمام أبو بكر الباقلاني معناه الباقي بصفاته من العلم والقدرة وغيرهما التي كان عليها في الأزل ويكون كذلك بعد موت الخلائق وذهاب علومهم وقدرهم وحواسهم وتفرق أجسامهم انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن أبي شيبة.(9/345)
20 ـ باب منه
3461 ـ حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ المَكّيّ، أخبرنا سُفْيَانُ عَن ابنِ عَجْلاَنَ عَن سَعِيدٍ المَقْبَرِيّ عَن أبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ من فِرَاشِهِ ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِ فَلْيَنْفُضْهُ بَصنفَةِ إزَارِهِ
ـــــــ
"باب منه"
قوله: "إذا قام أحدكم عن فراشه ثم رجع إليه" وفي رواية الشيخان "إذا(9/345)
ثَلاَثَ مَرّاتٍ فَإِنّهُ لا يَدْرِي ما خَلَفَهُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ فَإِذَا اضْطَجَعَ فَلْيَقُلْ باسْمِكَ رَبّي وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أرْفَعُهُ فَإِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا وإنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظهَا بمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصّالِحينَ، فإِذَا اسْتَيْقَظَ، فَلْيَقُلْ
ـــــــ
أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه" بضم الفاء أي فليحركه "بصنفة إزاره" قال في القاموس: صنفة الثوب كفرحة وصنفه وصنفته. بكسرهما حاشيته أي جانب كان أو جانبه الذي لا هدب له أو الذي فيه الهدب انتهى. وفي رواية البخاري فلينفض فراشه بداخلة إزاره، وفي رواية مسلم فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه. قال الجزري في النهاية: داخلة الإزار طرفه وحاشيته من داخل وإنما أمره بداخلته دون خارجته لأن المؤتزر يأخذ إزاره بيمينه وشماله فيلزق ما بشماله على جسده وهي داخلة إزاره ثم يضع ما بيمينه فوق داخلته فمتى عاجله أمر أو خشي سقوط إزاره مسكه بشماله ودفع عن نفسه بيمينه فإذا صار إلى فراشه فحل إزاره فإنما يحل بيمينه خارجة الإزار وتبقى الداخلة معلقة وبها يقع النفض لأنها غير مشغولة باليد انتهى. قال القاري: قيل النفض بإزاره لأن الغالب في العرب أنه لم يكن لهم ثوب غير ما هو عليهم من إزار ورداء، وقيد بداخل الإزار ليبقى الخارج نظيفاً ولأن هذا أيسر ولكشف العورة أقل وأستر، وإنما قال هذا لأن رسم العرب ترك الفراش في موضعه ليلاً ونهاراً ولذا علله وقال "فإنه" أي الشأن والمريد للنوم "لا يدري ما خلفه" بالفتحات والتخفيف "عليه" أي على الفراش "بعده" أي ما صار بعده خلفاً وبدلاً عنه إذا غاب. قال الطيبي: معناه لا يدري ما وقع في فراشه بعدما خرج منه من تراب أو قذاة أو هوام. وقال النووي: معناه أنه يستحب أن ينفض فراشه قبل أن يدخل فيه لئلا يكون قد دخل فيه حية أو عقرب أو غيرهما من المؤذيات وهو لا يشعر، ولينفض ويده مستورة بطرف إزاره لئلا يحصل في يده مكروه إن كان شيء هناك "باسمك ربي وضعت جنبي" أي مستعيناً باسمك يا ربي "وبك أرفعه" أي باسمك أو بحولك وقوتك أرفعه فلا أستغني عنك بحال "فإن أمسكت نفسي" أي قبضت روحي في النوم(9/346)
الْحَمْدُ الله الّذِي عَافَانِي في جَسَدِي وَرَدّ عَلَى رُوحِي وأَذِنَ لِي بِذِكِرِهِ" . وفي البابِ عن جَابِرٍ وعَائِشَةَ.
وهذا حَدِيثُ أَبي هُرَيْرَةُ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
ـــــــ
"فإرحمها" أي بالمغفرة والتجاوز عنها "وإن أرسلتها" بأن رددت الحياة إلي وأيقظتني من النوم "فإحفظها" أي من المعصية والمخالفة "بما تحفظ به" أي من التوفيق والعصمة والأمانة "عبادك الصالحين" أي القائمين بحقوق الله وعباده. والباء في بما تحفظ مثلها في كتبت بالقلم، وما موصولة مبهمة وبيانها ما دل عليها صلتها لأن الله تعالى إنما يحفظ عباده الصالحين من المعاصي ومن أن لا يتهاونوا في طاعته وعبادته بتوفيقه ولطفه ورعايته "ورد علي روحي" أي روحي المميزة برد تمييزها الزائل عنها بنومها. قال الطيبي. الحكمة في إطلاق الموت على النوم أن انتفاع الإنسان بالحياة إنما هو لتحري رضا الله عنه وقصد طاعته واجتناب سخطه وعقابه فمن نام زال عنه الانتفاع فكان كالميت فحمداً لله تعالى على هذه النعمة وزوال ذلك المانع انتهى. قوله: "وفي الباب عن جابر وعائشة" لينظر من أخرج حديثهما. قوله: "وحديث أبي هريرة حديث حسن" وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي.(9/347)
21 ـ باب ما جَاءَ فِيمَنْ يَقْرَأُ من القُرْآن عنْدَ المَنَام
3462 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ أخبرنا المُفَضّلُ بنُ فَضَالَةَ عَن عُقَيْلٍ عن ابنِ شِهَابٍ عن عُرْوَةَ عَن عَائِشَةَ "أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَوَى إلى فِرَاشِهِ كلّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفّيْهِ ثُمّ نَفَثَ فِيهمَا فَقَرأَ فِيهمَا {قُلْ هُوَ الله
ـــــــ
"باب ما جَاءَ فِيمَنْ يَقْرَأُ القُرْآن عنْدَ المَنَام"
قوله: "أخبرنا المفضل بن فضالة" المصري أبو معاوية القتباني "عن عقيل" بضم العين مصغراً هو ابن خالد بن عقيل الأيلي "ثم نفث فيهما" من النفث بفتح(9/347)
أَحَدٌ} {وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الفَلَقِ} {وقُلْ أَعُوذُ بِرَبّ النّاسِ} ثُمّ يَمْسَحُ بهِمَا ما اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرّاتٍ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ صحيحٌ.
ـــــــ
النون وسكون الفاء بعدها مثلثة وهو إخراج الريح من الفم مع شيء من الريق "فقرأ فيهما" قال العيني قال المظهري في شرح المصابيح: ظاهر الحديث يدل على أنه نفث في كفه أولاً ثم قرأ وهذا لم يقل به أحد ولا فائدة فيه ولعله سهو من الراوي والنفث ينبغي أن يكون بعد التلاوة ليوصل بركة القرآن إلى بشرة القارئ والمقروء له، وأجاب الطيبي عنه بأن الطعن فيما صحت روايته لا يجوز وكيف والفاء فيه مثل ما في قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} فالمعنى جمع كفيه ثم عزم على النفث أو لعل السر في تقديم النفث فيه مخالفة السحرة انتهى. وفي رواية البخاري: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وبالمعوذتين جميعاً. قال الحافظ: أي يقرأها وينفث حالة القراءة "يبدأ" بيان أو بدل ليمسح "بهما" أي بمسحهما "وما أقبل من جسده" وعند البخاري في الطب ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده. قوله: "هذا حديث حسن غريب صحيح" وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي.(9/348)
22 ـ باب منه
3463 ـ حدثنا مَحْمُودُ بنَ غَيْلاَنَ، أخبرنا أَبُو دَاوُدَ قَالَ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَن أبي إِسحاقَ عَن رَجُلٍ عَن فَرْوَةَ بنِ نَوْفَلٍ "أنّهُ أَتَى النّبيّ صلى
ـــــــ
"باب منه"
قوله: "أخبرنا أبو داود" أي الطيالسي "عن أبي إسحاق" هو السبيعي "عن فروة بن نوفل" الأشجعي مختلف في صحبته والصواب أن الصحبة(9/348)
الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ الله عَلّمْنِي شَيْئاً أقُولُهُ إِذَا أَوَيْتُ إلى فِرَاشِي، فَقَالَ: اقْرَأْ قُلْ يَا أَيّهَا الكَافِرُونَ فإِنّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشّرْكِ" . قَالَ شُعْبَة أَحْيَاناً يَقُولُ مَرّةً وأَحْيَاناً لا يَقُولُها.
3464 ـ حدثنا مُوسَى بنُ حِزَامٍ، أخبرنا يَحْيَى بنُ آدَمَ، عَن إسْرَائيلَ، عَن أَبي إِسحاق، عَن فَرْوَةَ بنِ نَوْفَلٍ، عَن أَبيه أَنّهُ أتَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ نَحْوَهُ بمَعْنَاهُ، وهَذَا أصَحّ. وَرَوَى زُهَيْرٌ هَذَا الحَدِيثَ عَن إسحاقَ عَن فَرْوَةَ بنِ نَوْفَلٍ عَن أَبيهِ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ وهَذَا أشْبَهُ وَأصَحّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ. وَقد اضْطَرَبَ أصْحَابُ أبي إِسْحَاقَ في هَذَا الحَدِيثِ، وقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ،
ـــــــ
لأبيه وهو من الثالثة ذكره ابن حبان في الثقات قتل في خلافة معاوية. قوله: "اقرأ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} " أي إلى آخرها، زاد أبو داود في روايته ثم نم على خاتمتها "فإنها" أي هذه السورة "براءة من الشرك" أي ومفيدة للتوحيد. قوله: "قال شعبة أحياناً يقول مرة وأحياناً لا يقولها" يعني قال شعبة إن أبا إسحاق أحياناً يزيد كلمة مرة بعد قوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وأحياناً لا يزيدها.
قوله: "حدثنا موسى بن حزام" بكسر الحاء المهملة وبالزاي أبو عمران الترمذي "عن أبيه" أي نوفل الأشجعي صحابي نزل الكوفة "وهذا أصح" أي حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن فروة عن أبيه متصلاً أصح من حديث شعبة عن أبي إسحاق عن رجل عن فروة مرسلاً لأن إسرائيل لم يتفرد بروايته هكذا بل تابعه زهير كما بينه الترمذي بقوله وروى زهير هذا الحديث عن أبي إسحاق الخ وحديث فروة بن نوفل عن أبيه هذا ذكره الحافظ في الفتح وقال أخرجه أصحاب السنن الثلاثة وابن حبان والحاكم(9/349)
قَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرحْمَنِ بنُ نَوْفَلٍ عَن أَبِيهِ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وَعَبْدُ الرحْمَنِ هُوَ أخُو فَرْوَةَ بنِ نَوْفَلٍ.
3465 ـ حدثنا هِشَامُ بنُ يُونُسَ الكُوفِيّ، أخبرنا المُحَارِبيّ عن لَيْثٍ عَن أبي الزّبَيْرِ عَن جَابِرٍ قَالَ: "كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم لاَ يَنَامُ حَتّى يَقْرَأَ تنزيل السّجْدَةَ وتبارك" . وهَكَذَا رَوَى سفيان الثّوْرِيّ وغَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الحَدِيثَ عَن لَيْثٍ عَن أبي الزّبَيْرِ عَن جَابِرٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ. وَرَوَى زهَيْرٌ هَذَا الحَدِيثَ عَن أبي الزّبَيْرِ قَالَ "قُلْتُ لَهُ سَمِعْتَهُ مِنْ جَابِرٍ؟ قَالَ لَمْ أسْمَعْهُ مِنْ جَابرٍ إنّما سَمِعْتُهُ مِنْ صَفْوانَ أو ابنِ صَفْوَانَ". وقد رَوَى شَبَابَةُ عَنْ مُغِيرَةَ بنِ مُسْلِمٍ عَنْ أبي الزّبَيْر عَنْ جَابِرٍ نَحْوَ حَدِيثِ لَيْثٍ.
ـــــــ
انتهى. وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الشوكاني في تحفة الذاكرين.
قوله: "أخبرنا المحاربي" هو عبد الرحمن بن محمد بن زياد "عن ليث" هو ابن أبي سليم. قوله "كأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ تنزيل السجدة" أي سورة السجدة "و تَبَارَكَ" أي سورة الملك. قال الطيبي: حتى غاية لا ينام ويحتمل أن يكون المعنى إذا دخل وقت النوم لا ينام حتى يقرأهما وأن يكون لا ينام مطلقاً حتى يقرأهما، والمعنى لم يكن من عادته النوم قبل القراءة فتقع القراءة قبل دخول وقت النوم أي وقت كان، ولو قيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأهما بالليل لم يفد هذه الفائدة انتهى. قال القاري: والفائدة هي إفادة القبلية ولا يشك أن الاحتمال الثاني أظهر لعدم احتياجه إلى تقدير يفضي إلى تضييق انتهى. وحديث جابر هذا أخرجه أيضاً أحمد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي والدارمي وابن أبي شيبة والحاكم وقال صحيح، قال المناوي وتعقب بأن فيه اضطراباً. قوله: "إنما سمعته من صفوان أو ابن(9/350)
3466 ـ حدثنا صَالِحُ بنُ عَبْدِ الله، أخبرنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ أبي لُبَابَةَ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها "كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم لاَ يَنَامُ حَتّى يَقْرَأَ الزّمرَ وبَنِي إِسْرَائِيلَ" . أخْبَرَنِي مُحمّدُ بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ أبُو لُبَابَةَ هَذَا اسْمُهُ مَرْوَانُ مَوْلَى عَبْدِ الرحْمَنِ بنِ زِيَادٍ وَسَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ سَمِعَ مِنْهُ حَمّادُ بنُ زَيْدٍ.
3467 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا بَقِيّةُ بنُ الوَليدِ عَن بجَيْرِ بنِ سَعْدٍ عَن خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ عَن عَبْدِ الله بنِ أبي بِلاَلٍ عَن العِرْبَاضِ بنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لاَ يَنَامُ حَتّى يَقْرَأَ المسَبّحاتِ وَيَقُولَ: فِيهَا آيَةٌ خير مِنْ ألْفِ آيَةٍ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
صفوان" كلمة أو للشك، وصفوان هذا هو صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية القرشي، والمراد من ابن صفوان هو صفوان هذا. قال الحافظ في التقريب ابن صفوان شيخ أبي الزبير هو صفوان بن عبد الله بن صفوان نسب لجده، وقد ذكر الترمذي حديث جابر هذا في باب ما جاء في سورة الملك من أبواب فضائل القرآن وذكر هناك هذا الكلام وزاد وكأن زهيراً أنكر أن يكون هذا الحديث عن أبي الزبير عن جابر "وقد روى شبابة" بن سوار المدائني "عن مغيرة بن مسلم" القسملي السراج. قوله: "لا ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل" أي لم يكن عادته النوم قبل قراءتهما. وحديث عائشة هذا قد تقدم بهذا السند والمتن في أواخر فضائل القرآن.
قوله: "عن عبد الله بن أبي بلال" الخزاعي الشامي مقبول من الرابعة. قال الذهبي في الميزان: عبد الله بن أبي بلال عن العرباض ما روى عنه سوى خالد بن معدان انتهى. وقد وقع في النسخة الأحمدية عن عبد الرحمن بن أبي(9/351)
ـــــــ
بلال وهو غلط فإنه ليس في الكتب الستة راو يسمى بعبد الرحمن بن أبي بلال، وقد أورد الترمذي هذا الحديث في أواخر فضائل القرآن بهذا السند وفيه عن عبد الله بن أبي بلال لا عن عبد الرحمن بن أبي بلال وتقدم شرحه هناك؟(9/352)
23 ـ باب منه
3468 ـ حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أبُو أحْمَد الزّبَيْرِيّ أخبرنا سُفْيَانُ عَن الجُرَيْرِيّ عَن أبي العَلاَءِ بنِ الشّخّيرِ عَن رَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ قَالَ: "صَحِبْتُ شَدّادَ بنَ أوْسٍ في سَفَرٍ فَقَالَ: ألاَ أُعَلّمُكَ مَا كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعَلّمُنَا أنْ نَقُولَ؟ اللّهُمّ إِنّي أسْألُكَ الثّبَاتَ في الأَمْرِ وأسْألُكَ عَزِيمَةَ الرّشْدِ وَأسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وأسْألُكَ لِسَاناً صَادِقاً وَقَلْباً سَلِيماً وأعُوذُ بِكَ مِن شَرّ
ـــــــ
"باب منه"
قوله: "ألا أعلمك ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن نقول" وفي رواية أحمد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات ندعو بهن في صلاتنا أو قال في دبر صلاتنا "اللهم إني أسألك الثبات في الأمر" أي الدوام على الدين ولزوم الاستقامة عليه "وأسألك عزيمة الرشد" هي الجد في الأمر بحيث ينجز كل ما هو رشد من أموره، والرشد بضم الراء المهملة وإسكان الشين المعجمة هو الصلاح والفلاح والصواب، وفي رواية لأحمد: أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد أي عقد القلب على إمضاء الأمر "وأسألك شكر نعمتك" أي التوفق لشكر إنعامك "وحسن عبادتك" أي إيقاعها على الوجه الحسن المرضي "وأسألك لساناً صادقاً" أي محفوظاً من الكذب "وقلباً سليماً" أي(9/352)
مَا تَعْلَم وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ ما تَعْلَمُ وأَسْتَغْفِرُكَ مِمّا تَعْلَمُ إنّكَ أنتَ عَلاّمُ الغُيُوبِ" قَالَ وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما مِنْ مُسْلِمٍ يَأْخُذُ مَضْجعَهُ يَقْرَأُ سُورَةً مِنْ كِتَابِ الله إلاّ وكّلَ الله مَلَكاً فَلاَ يَقْرَبهُ شَيْءٌ يُؤْذيِهِ حَتّى يَهُبّ مَتَى هَبّ" . هَذا حديثٌ إنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَأَبُو العَلاَءِ اسْمُهُ يَزِيدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ الشّخِير.
ـــــــ
عن عقائد فاسدة وعن الشهوات "وأعوذ بك من شر ما تعلم" أي ما تعلمه أنت ولا أعمله أنا "وأستغفرك مما تعلم" مني من تفريط "إنك أنت علام الغيوب" أي الأشياء الخفية التي لا ينفذ فيها ابتداء إلا علم اللطيف الخبير "ما من مسلم يأخذ مضجعه يقرأ سورة" وفي رواية أحمد: ما من رجل يأوي إلى فراشه فيقرأ سورة "إلا وكل الله به ملكاً" أي أمره بأن يحرسه من المضار وهو استثناء مفرغ "فلا يقربه" بفتح الراء "شيء يؤذيه" وفي رواية أحمد: إلا بعث الله عز وجل إليه ملكاً يحفظه من كل شيء يؤذيه "حتى يهب" بضم الهاء "متى هب" أي يستيقظ متى استيقظ بعد طول الزمان أو قربه من النوم. قوله: "هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه" في سنده رجل من بني حنظلة وهو مجهول وأخرجه أحمد أيضاً من طريقه.(9/353)
24 ـ باب ما جَاءَ في التّسْبِيحِ والتّكْبِيرِ وَالتّحْمِيدِ عِنْدَ المَنَام
3469 ـ حدثنا أَبُو الخَطّابِ زِيَادُ بنُ يَحْيَى البَصْرِيّ، أخبرنا أَزْهَرُ السّمّانُ عَن ابنِ عَوْنٍ عَن ابنِ سِيرِينَ عَن عُبَيْدَةَ عَن عَلِيّ
ـــــــ
"باب ما جاء في التسبيح والتكبير والتحميد عند المنام"
قوله: "عن ابن عون" اسمه عبد الله بن عون بن أرطبان "عن عبيدة"(9/353)
قالَ: "شَكَتْ إِليّ فاطِمَةُ مَجْلَ يَدَيْهَا مِنَ الطّحِينِ فَقُلْتُ لَوْ أَتَيْتِ أَباكِ فَسَأَلتيه خَادِماً؟ فقالَ: أَلاَ أدُلّكُمّا عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنَ الخَادِمِ؟ إذَا أَخَذْتُمَا مَضْجَعَكُمَا تَقُولاَنِ ثَلاثَاً وثَلاَثِينَ وَثَلاثَاً وَثَلاَثِينِ وأَرْبَعاً وَثَلاَثِينَ مِنْ تَحْمِيدٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَكْبِيرٍ" . وفي الحَدِيثِ قِصَةٌ. هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابنِ عَوْنٍ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَن عَلِيّ.
ـــــــ
هو ابن عمر السلماني المرادي. قوله: "شكت إلي فاطمة مجل يديها" قال في القاموس: مجلت يده كنصر وفرح مجلاً ومجلاً ومجولاً نفطت من العمل فمرنت كأمجلت. وقال في النهاية: يقال مجلت يده تمجل مجلاً ومجلت تمجل مجلاً إذا ثخن جلدها وتعجر وظهر فيها ما يشبه البتر من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة "من الطحين" أي بسبب الطحين وهو الدقيق وفي بعض النسخ من الطحن "فقلت لو أتيت أباك فسألتيه خادماً" أي جارية تخدمك وهو يطلق على الذكر والأنثى "فقال" أي النبي صلى الله عليه وسلم "ألا أدلكما على ما هو خير لكما من الخادمة" وفي رواية للبخاري فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً فلم تجده فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته قال فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت أقوم فقال مكانك فجلس بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري. فقال: ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم. قال العيني: وجه الخيرية إما أن يراد به أنه يتعلق بالآخرة والخادم بالدنيا. والآخرة خير وأبقى، وإما أن يراد بالنسبة إلى ما طلبته بأن يحصل لها بسبب هذه الأذكار قوة تقدر على الخدمة أكثر مما يقدر الخادم "تقولان ثلاثا وثلاثين وثلاثا وثلاثين وأربعا وثلاثين من تحميد وتسبيح وتكبير" وفي الرواية المتفق عليها كما في المشكاة "فسبحا ثلاثا وثلاثين وأحمد ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين" "وفي الحديث قصة" أخرج الشيخان وغيرهما هذا الحديث بالقصة مطولاً.(9/354)
3470 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ يَحْيى، أخبرنا أَزْهَرُ السّمّانُ عَن ابنِ عَوْنٍ عَن مُحمّدٍ عَن عُبيدة عَن عَلِيّ قالَ: "جَاءَتْ فاطِمَةُ إِلى النبيّ صلى الله عليه وسلم تَشْكُو مَجْلاً بِيَدَيْهَا فأمَرَها بالتّسْبِيحِ والتّكْبِيرِ وَالتّحْمِيدِ" .
ـــــــ
قوله: "حدثنا محمد بن يحيى" هو الذهلي "عن محمد" هو ابن سيرين.(9/355)
25 ـ باب منه
3471 ـ حدثنا أَحمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا إسْمَاعيلُ بنُ عُلَيّةَ، أخبرنا عَطَاءُ بنُ السّائِبِ عَن أَبيهِ عَن عبْدِ الله بنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "خَلّتَانٍ لا يُحْصِيهما رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلاّ دَخَلَ الْجَنّةَ أَلاَ وَهُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلْ بِهِمَا قَلِيلٌ يُسَبّحُ الله في دُبُرِ كُلّ صَلاَةٍ عَشْراً وَيَحْمَدُهُ عَشْراً ويُكَبّرُهُ عَشْراً. قالَ فأنا رأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه
ـــــــ
"باب منه"
قوله: "خلتان" بفتح الخاء أي خصلتان "لا يحصيهما رجل مسلم" أي لا يحافظ عليهما كما في رواية أبي داود "إلا دخل الجنة" أي مع الناجين وهو استثناء مفرع "ألا" بالتخفيف حرف تنبيه "وهما" أي الخصلتان وهما الوصفان كل واحد منهما "يسير" أي سهل خفيف لعدم صعوبة العمل بهما على من يسره الله "ومن يعمل بهما" أي على وصف المداومة "قليل" أي نادر لغرة التوفيق وجملة التنبيه معترضة لتأكيد التحضيض على الإتيان بهما والترغيب في المداومة عليهما، والظاهر أن الواو في وهما للحال والعامل فيه معنى التنبيه قاله القاري "يسبح الله" بأن يقول سبحان الله وهو بيان لإحدى الخلتين والضمير للرجل المسلم "في دبر" بضمتين أي عقب "كل صلاة" أي مكتوبة كما في رواية أحمد(9/355)
وسلم يَعْقِدُها بِيَدِهِ قالَ: فَتِلْكَ خَمْسُونَ ومائَةٌ باللّسَانِ وَألْفٌ وَخَمْسُمَائَةِ في المِيزَانِ، وَإذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ تُسبّحُهُ وتُكَبّرُهُ وَتَحْمَدُهُ مائَةً فَتِلْكَ مائَةٌ باللّسَانِ، وَألْفٌ في الميزَانِ. فأيّكُمْ يَعْمَلُ في اليَوْمِ وَاللّيْلَةِ أَلْفَيْن وَخَمْسُمَائَةِ سَيّئَةٍ قالُوا فَكَيْفَ لا نُحْصِيهَا؟ قالَ: يَأْتِي أحَدَكُمُ
ـــــــ
"عشراً" من المرات "ويحمده" بأن يقول الحمد لله "ويكبره" بأن يقول الله أكبر "قال" أي ابن عمرو "يعقدها" أي العشرات وفي بعض النسخ يعدها "بيده" أي بأصابعها أو بأناملها أو بعقدها "قال" أي النبي صلى الله عليه وسلم "فتلك" أي العشرات الثلاث دبر كل صلاة من الصلوات الخمس "خمسون ومائة" أي في يوم وليلة حاصلة من ضرب ثلاثين في خمسة أي مائة وخمسون حسنة "باللسان" أي بمقتضى نطقه في العدد "وألف وخمسمائة في الميزان" لأن كل حسنة بعشر أمثالها على أقل مراتب المضاعفة الموعودة في الكتاب والسنة "وإذا أخذت مضجعك" بيان للخلة الثانية "تسبحه وتكبره وتحمده مائة" وفي رواية أبي داود "ويكبر أربعاً وثلاثين إذا أخذ مضجعه ويحمد ثلاثاً وثلاثين ويسبح ثلاثاً وثلاثين" "فتلك" أي المائة من أنواع الذكر "مائة" أي مائة حسنة "وألف" أي ألف حسنة على جهة المضاعفة "فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفي وخمسمائة سيئة" وفي المشكاة ألفين وخمسمائة سيئة وإلفاء جواب شرط محذوف وفي الاستفهام نوع إنكار يعني إذا حافظ على الخصلتين وحصل ألفان وخمسمائة حسنة في يوم وليلة فيعفى عنه بعدد كل حسنة سيئة كما قال تعالى {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} فأيكم يأتي بأكثر من هذا من السيئات في يومه وليلته حتى لا يصير معفواً عنه فما لكم لا تأتون بهما ولا تحصونهما "فكيف لا تحصيها" أي المذكورات قال الطيبي: أي كيف لا نحصي المذكورات في الخصلتين وأي شيء يصرفنا فهو استبعاد لإهمالهم في الإحصاء فرد استبعادهم بأن الشيطان يوسوس له في الصلاة حتى يغفل عن الذكر عقيبها وينومه عند الاضطجاع كذلك وهذا معنى قوله: "قال" أي النبي صلى الله عليه وسلم "يأتي أحدكم" مفعول(9/356)
الشّيْطَانُ وَهُوَ في صَلاَتِهِ فَيَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا حَتّى يَنْفَتِلَ فَلَعَلّهُ ألا يَفْعَل ويَأْتِيهِ وَهُوَ في مَضْجَعِهِ فَلاَ يَزَالُ يُنَوّمُهُ حَتّى يَنَامَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ وَالثّوْرِيّ عَن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ هَذَا الحَدِيثَ وَرَوَى الأعْمَشُ هَذَا الْحَديثَ عَن عطَاءِ بنِ السّائِبِ مُخْتَصراً. وفي البابِ عَن زَيْدِ بنِ ثابِتٍ وَأنَسٍ وابنِ عَبّاسٍ.
ـــــــ
مقدم "فيقول" أو يوسوس له أو يلقي في خاطره "أذكر كذا أذكر كذا" من الأشغال الدنيوية والأحوال النفسية الشهوية أو ما لا تعلق لها بالصلاة ولو من الأمور الأخروية "حتى ينفتل" أي ينصرف عن الصلاة "فلعله" أي فعسى "أن لا يفعل" أي الإحصاء، قيل الفاء في فلعله جزاء شرط محذوف يعني إذا كان الشيطان يفعل كذا فعسى الرجل ألا يفعل وإدخال أن في خبره دليل على أن لعل هنا بمعنى عسى. وفيه إيماء إلى أنه إذا كان يغلبه الشيطان عن الحضور المطلوب المؤكد في صلاته فكيف لا يغلبه ولا يمنعه عن الأذكار المعدودة من السنن في حال انصرافه عن طاعته "ويأتيه" أي الشيطان أحدكم "فلا يزال ينومه" بتشديد الواو أي يلقى عليه النوم "حتى ينام" أي بدون الذكر. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان "وقد روى شعبة والثوري عن عطاء بن السائب هذا الحديث" يعني بطوله من غير اختصار كما رواه إسماعيل بن علية عن عطاء بن السائب "وروى الأعمش هذا الحديث عن عطاء بن السائب مختصراً" وقد أخرج الترمذي رواية الأعمش المختصرة بعد هذا وأخرجها أيضاً في باب عقد التسبيح باليد. وقال هناك بعد إخراجها: وروى شعبة والثوري هذا الحديث عن عطاء بن السائب بطوله. قوله: "وفي الباب عن زيد بن ثابت وأنس وابن عباس" أما حديث زيد بن ثابت1 فأخرجه أحمد والنسائي والدارمي، وأما حديث أنس فأخرجه البزار كما في الترغيب، وأما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي في باب التسبيح في أدبار الصلاة من كتاب الصلاة.
ـــــــ
1 ذكره صاحب المشكاة في باب الذكر بعد الصلاة(9/357)
3472 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ الأعْلَى الصّنعَانِيّ، أخبرنا غَثّامُ بنُ عَلِيّ عَن الأعْمَشِ عَن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ عَن أبيهِ عَن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو قالَ: "رَأيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَعْقِدُ التّسْبِيحَ" . هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَريبٌ مِنْ حَدِيثِ الأَعْمَشِ.
3473 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ إسماعِيلَ بنِ سَمُرَةَ الأحْمَسِيّ الكُوفِيّ، أخبرنا أَسْبَاطُ بنُ مُحمّدٍ، أخبرنا عَمْرُو بنُ قَيْسٍ المُلاَئِيّ عَن الْحَكَمِ بنِ عُيينَةَ عَن عَبْدِ الرّحمنِ بنِ أَبي لَيْلَى عَن كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مُعَقّباتٌ لاَ يَخِيبُ قائِلُهُنّ يُسَبّحُ الله في دُبُرِ كُلّ صَلاَةٍ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ ويحمده ثلاَثاً وَثلاَثينَ وَيُكَبّرُهُ أَرْبَعاً وَثَلاَثينَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ وعَمْرُو بنُ قَيْسٍ المُلاَئِيّ ثِقَةٌ
ـــــــ
قوله: "يعقد التسبيح" يأتي هذا الحديث مع شرحه في عقد باب التسبيح باليد.
قوله: "أخبرنا عمرو بن قيس الملائي" بضم الميم وتخفيف اللام والمد أبو عبد الله الكوفي ثقة متقن عابد من السادسة. قوله: "معقبات" بضم الميم وفتح المهملة وكسر القاف المشددة أي كلمات معقبات، قال في النهاية سميت معقبات لأنها عادت مرة بعد أخرى. أو لأنها تقال عقيب الصلاة، والمعقب من كل شيء ما جاء عقب ما قبله انتهى "لا يخيب قائلهن" أي لا يحرم من الجنة والجزاء "تسبح الله الخ" بيان لمعقبات. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه مسلم والنسائي "وروى شعبة هذا الحديث عن الحكم ولم يرفعه، ورواه منصور بن المعتمر عن الحكم فرفعه" قال النووي في شرح مسلم: إعلم أن حديث كعب بن عجرة هذا ذكره الدارقطني في استداركاته على مسلم. وقال الصواب أنه موقوف على كعب لأن من رفعه لا يقاومون من وقفه في الحفظ، وهذا الذي قاله الدارقطني مردود لأن مسلماً رواه من طرق كلها مرفوعة، وذكره الدارقطني أيضاً من طرق(9/358)
حافِظٌ. وَرَوى شُعْبَةُ هَذَا الحَديثَ عَن الْحَكَمِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ. ورواه مَنْصُورُ بنُ المُعْتَمِرِ عَن الحَكَمِ فرفعه
ـــــــ
أخرى مرفوعة، وإنما روى موقوفاً من جهة منصور وشعبة وقد اختلفوا عليهما أيضاً في رفعه ووقفه وبين الدارقطني ذلك: وقد قدمنا في الفصول السابقة في أول هذا الشرح أن الحديث الذي روي موقوفاً ومرفوعاً يحكم بأنه مرفوع على المذهب الصحيح الذي عليه الأصوليون والفقهاء والمحققون من المحدثين منهم البخاري وآخرون حتى لو كان الواقفون أكثر من الرافعين حكم بالرفع، كيف والأمر هنا بالعكس؟ ودليله ما سبق أن هذه زيادة ثقة فوجب قبولها ولا ترد لنسيان أو تقصير حصل ممن وقفه انتهى.(9/359)
26 ـ باب مَا جَاءَ في الدّعَاءِ إِذَا انْتَبَهَ مِنَ اللّيْل
3474 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ أَبي رِزْمَةَ أخبرنا الوَليدُ بنُ مُسْلِمٍ أخبرنا الأوْزَاعِيّ حَدّثني عُمَيْرُ بنُ هانِيءٍ قالَ حدثني جُنَادَةُ بنُ أَبي أُمَيّةَ قال حدثني عُبَادَةُ بنُ الصّامِتِ عَن رَسُولِ الله صلى
ـــــــ
باب ما جاء في الدعاء إذا انتبه من الليل
قوله: "حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة" بكسر الراء وسكون الزاي: غزوان أبو عمرو المروزي ثقة من العاشرة "حدثنا الوليد بن مسلم" القرشي الدمشقي "حدثني عمير بن هانئ" العنسي أبو الوليد الدمشقي الداراني ثقة من كبار الرابعة "حدثني جنادة بن أبي أمية" بضم جيم وتخفيف نون وإهمال دال الأزدي أبو عبد الله الشامي يقال إسم أبي أمية كثير: قال في التقريب مختلف في صحبته، فقال العجلي تابعي ثقة والحق أنهما إثنان صحابي وتابعي متفقان في(9/359)
الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ تَعَارّ مِنَ اللّيْلِ فقالَ لا إِلَهَ إلاّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وسُبْحَانَ الله والحَمْدُ لله ولاَ إلَه إلا الله وَالله أَكْبَرُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوّةَ إلاّ بالله، ثُمّ قالَ رَبّ اغْفِرْ لِي أَوْ قالَ ثُمّ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ، فإِنْ عَزَمَ وتَوَضّأ ثُم صَلّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ" . هَذا حديثٌ حَسنٌ صحيحٌ غريبٌ.
ـــــــ
الاسم وكنية الأدب وقد بينت ذلك كتابي في الصحابة، ورواية جنادة الأزدي عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن النسائي. ورواية جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت في الكتب الستة. قوله: "من تعار" بعين مهملة وراء مشددة أي انتبه من النوم واستيقظ ولا يكون إلا يقظة مع كلام، وقيل هو تمطي وأن كذا في النهاية، وقال الحافظ في الفتح وقال الأكثر: التعار اليقظة مع صوت، وقال ابن التين: ظاهر الحديث أن معنى تعار استيقظ لأنه قال من تعار فقال فعطف القول على التعار انتهى. ويحتمل أن تكون الفاء تفسيرية لما صوت به المستيقظ لأنه قد يصوت بغير ذكر فخص الفضل المذكور عن صوت بما ذكر من ذكر الله تعالى. وهذا هو السر في اختيار لفظ تعار دون استيقظ أو انتبه، وإنما يتفق ذلك لمن تعود الذكر واستأنس به وغلب عليه حتى صار حديث نفسه في نومه ويقظته، فأكرم من اتصف بذلك بإجابة دعوته وقبول صلاته "ثم قال رب اغفر لي أو قال ثم دعا" كلمة أو للشك والشك من الوليد ففي رواية الإسماعيلي: ثم قال رب اغفر لي غفر له أو قال فدعا استجيب له شك الوليد وكذا في رواية أبي داود وابن ماجة غفر له قال الوليد أو قال دعا استجيب له "استجيب له" قال ابن الملك المراد بها الاستجابة اليقينية لأن الاحتمالية ثابتة في غير هذا الدعاء. وقال بعض أهل العلم: استجابة الدعاء في هذا الموطن وكذا مقبولية الصلاة فيه أرجى منهما في غيره "فإن عزم" قال في القاموس عزم على الأمر يعزم عزماً ويضم ومعزماً وعزماناً وعزيماً وعزيمة وعزمه واعتزمه وعليه وتعزم أراد فعله وقطع عليه وجد في الأمر "قبلت صلاته" قال ابن مالك: وهذه المقبولية(9/360)
3475 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا مَسْلَمَةُ بنُ عَمْرٍو قالَ: "كانَ عُمَيْرُ بنُ هَانِيءٍ يُصَلّي كُلّ يَوْمٍ أَلْفَ سَجْدَةٍ وَيُسَبّحُ مائَةَ أَلْفِ تَسْبِيحَةٍ" .
ـــــــ
اليقينية على الصلاة المتعقبة على الدعوة الحقيقية كما قبلها. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
قوله: "حدثنا مسلمة بن عمر" الشامي أبو عمرو مجهول من الثامنة كذا في التقريب، قلت: وذكره ابن حبان في الثقات. قوله: "ألف سجدة" أي ألف ركعة.(9/361)
27 ـ باب منه
3476 ـ حدثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا النّضْرُ بنُ شُمَيْل وَوَهْبُ بنُ جَرِيرٍ وَ أَبُو عامِرٍ العَقَدِيّ و عَبْدُ الصّمَدِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ قالُوا: أخبرنا هِشَامٌ الدّسْتَوَائِيّ عَن يَحْيىَ بنِ أَبي كَثِيرٍ عَن أبي سَلَمَةَ قالَ: حدثني رَبِيعَةُ بنُ كَعْبٍ الأسْلَمِيّ قالَ: "كُنْتُ أبِيتُ عِنْدَ بَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم فأُعْطِيهُ وَضُوءَهُ فأسْمعُهُ الهَوِيّ
ـــــــ
"باب منه"
قوله: "حدثنا إسحاق بن منصور" بن بهرام الكوسج "عن أبي سلمة" ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري "حدثني ربيعة بن كعب" بن مالك الأسلمي أبو فران المدني صحابي من أهل الصفة، ومنهم من فرق بين ربيعة وأبي فراس الأسلمي مات ربيعة سنة ثلاث وسبعين بعد الحرة. قوله: "كنت أبيت" وفي رواية لأحمد كنت أنام "عند باب النبي صلى الله عليه وسلم" وفي رواية النسائي عند حجرة النبي صلى الله عليه وسلم "فأعطيه وضوءه" بفتح الواو(9/361)
مِنَ اللّيْلِ يَقُولُ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ. وأَسْمَعُهُ الْهَوِيّ مِنَ اللّيْلِ يَقُولُ: الْحَمْدُ لله رَبِ العَالمِينَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
أي ماء وضوئه "فأسمعه" بصيغة المتكلم والضمير المنصوب للنبي صلى الله عليه وسلم "الهوي من الليل" . بفتح الهاء وكسر الواو ونصب الياء المشددة قال الطيبي: الحين الطويل من الزمان. وقيل مختص بالليل، والتعريف هنا لاستغراق الحين الطويل بالذكر بحيث لا يفتر عنه بعضه والتنكير لا يفيده نصاً كما تقول: قال زيد اليوم أي كله أو يوماً أي بعضه، ومنه قوله تعالى: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} أي بعضاً منه "يقول سمع الله لمن حمده الخ" وفي رواية النسائي فكنت أسمعه أي إذا أقام من الليل يقول "سبحان رب العالمين الهوي" ثم يقول "سبحان الله وبحمده الهوي" ، وفي رواية لأحمد: فكنت أسمعه إذا قام من الليل يصلي يقول "الحمد لله رب العالمين الهوي" قال ثم يقول: "سبحان الله العظيم وبحمده الهوي" . قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والنسائي.(9/362)
28 ـ باب منه
3477 ـ حدثنا عُمَرُ بنُ إِسْمَاعِيلَ بنُ مُجَالِدِ بنِ سَعِيدٍ الهَمْدَانِيّ، أخبرنا أبِي عَن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عَن رِبْعيّ عَن حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ رضي الله عنهما "أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قالَ: اللّهُمّ باسْمِكَ أَمُوتُ وأحْيَا، وإذَا اسْتَيْقَظَ قالَ: الْحَمْدُ لله
ـــــــ
"باب منه"
قوله: "حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد بن الهمداني" الكوفي متروك من صغار العاشرة، ووقع في النسخة الأحمدية عمرو بن إسماعيل بالواو وهو غلط "عن ربعي" بن حراش. قوله: "اللهم باسمك أموت وأحيى" أي بذكر(9/362)
الّذِي أحْيَا نَفْسِي بَعْدَ ما أَمَاتَهَا وَإِلَيْهِ النّشُورُ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
اسمك أحيى ما حييت وعليه أموت، ويسقط بهذا سؤال من يقول بالله الحياة والموت لا بإسمه، ويحتمل أن يكون لفظ الاسم هنا زائداً كما في قول الشاعر إلى الحول ثم اسم السلام عليكما "قال الحمد لله الذي أحيا نفسي بعد ما أماتها" قيل هذا ليس إحياء ولا إماتة بل إيقاظ وإنامة، وأجيب بأن الموت عبارة عن انقطاع تعلق الروح بالبدن وذلك قد يكون ظاهراً فقط وهو النوم ولهذا يقال إنه آخر الموت أو ظاهراً وباطناً وهو الموت المتعارف أو أطلق الإحياء والإماتة على سبيل التشبيه وهو استعارة مصرحة. وقال أبو إسحاق الزجاج: النفس التي تفارق الإنسان عند النوم هي التي للتمييز والتي تفارقه عند الموت هي التي للحياة وهي التي تزول معها النفس، وسمي النوم موتاً لأنه يزول معه العقل والحركة تمثيلاً وتشبيهاً "وإليه النشور" أي البعث يوم القيامة والإحياء بعد الإماتة، يقال نشر الله الموتى فنشروا أي أحياهم فحيوا قاله الحافظ. وقال في النهاية. يقال نشر الميت نشوراً إذا عاش بعد الموت وأنشره الله أي أحياه. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" في إسناده عمر بن إسماعيل بن مجالد وهو متروك كما عرفت فتصحيحه لمجيئه من طرق أخرى صحيحة والحديث أخرجه أيضاً البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة وأخرجه مسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه.(9/363)
29 ـ باب مَا جاءَ مَا يَقُولُ إذَا قامَ مِنَ اللّيْلِ إلى الصّلاة
3478 ـ حدثنا الأنْصَارِيّ، أخبرنا مَعْنٌ، أخبرنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ عَن أبي الزّبَيْرِ عَن طَاوُسٍ اليَمَانيّ عَن عَبْدِ الله بنِ عَبّاسٍ "أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قامَ إلى الصّلاةِ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ يَقُولُ: اللّهُمّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السّمَاوَاتِ والأرْضِ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قيّامُ السّمَاواتِ والأَرْضِ. وَلَكَ الْحَمدُ أَنْتَ رَبّ
ـــــــ
قوله: "كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل" قال الحافظ: ظاهر السياق أنه كان يقوله أول ما يقوم إلى الصلاة وترجم عليه ابن خزيمة الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول هذا التحميد بعد أن يكبر ثم ساقه من طريق قيس بن سعد عن طاؤس عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للتهجد قال بعدما يكبر: اللهم لك الحمد انتهى "لك الحمد" تقديم الخبر يدل على التخصيص "أنت نور السماوات والأرض" أي منورهما وخالق نورهما، وقال ابن عباس هادي أهلهما. وقيل "منزه في السماوات والأرض من كل عيب ومبرؤ من كل ريبة" ، وقيل هو إسم مدح يقال فلان نور البلد وشمس الزمان، وقال أبو العالية: "مزين السماوات بالشمس والقمر والنجوم ومزين الأرض بالأنبياء والعلماء والأولياء" ، وقال ابن بطال: "أنت نور السماوات والأرض" أي بنورك يهتدي من في السماوات والأرض وقيل معناه ذو نور السماوات والأرض "أنت قيام السماوات والأرض" وفي رواية قيم وفي أخرى(9/364)
السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ فِيهِنّ، أَنْتَ الحَقّ، وَوَعْدُكَ الحَقّ، ولِقَاؤُكَ حَقّ، والْجَنةُ حَقّ، والنّارُ حَقّ، والسّاعَةُ حَقّ. اللّهُمّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ
ـــــــ
قيوم وهي من أبنية المبالغة وهي من صفات الله تعالى ومعناها القائم بأمور الخلق ومدبر العالم في جميع أحواله وأصلها من الواو قيوام وقيوم وقيووم بوزن فيعال فيعول، والقيوم من أسماء الله تعالى المعدودة وهو القائم بنفسه مطلقاً لا بغيره وهو مع ذلك يقوم به كل موجود حتى لا يتصور وجود شيء ولا دوام وجوده إلا به كذا في النهاية "أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن" قال في النهاية. الرب يطلق في المغة على المالك والسيد والمدبر والمربى والمنعم والقيم، ولا يطلق غير مضاف إلا على الله تعالى وإذا أطلق على غيره أضيف فيقال رب كذا وقد جاء في الشعر مطلقاً على غير الله تعالى وليس بالكثير "أنت الحق" أي المتحقق الوجود الثابت بلا شك فيه. قال القرطبي: هذا الوصف له سبحانه وتعالى بالحقيقة خاص به لا ينبغي لغيره إذ وجوده لنفسه فلم يسبقه عدم ولا يلحقه عدم بخلاف غيره. وقال ابن التين: يحتمل أن يكون معناه أنت الحق بالنسبة إلى من يدعى فيه أنه إله أو بمعنى أن من سَمّاك إلهاً فقد قال الحق "ووعدك الحق" أي الثابت، قال الطيبي: عرف الحق في أنت الحق ووعدك الحق ونكر في البواقي لأنه منكر سلفاً وخلفاً أن الله هو الثابت الدائم الباقي وما سواه في معرض الزوال وكذا وعده مختص بالإنجاز دون وعد غيره إما قصداً وإما عجزاً تعالى الله عنهما والتنكير في البواقي للتفخيم "ولقاؤك حق" اللقاء البعث أو رؤية الله تعالى، وقيل الموت وأبطله النووي، واللقاء وما ذكر بعده داخل تحت الوعد لكن الوعد مصدر وما ذكر بعده هو الموعود به ويحتمل أن يكون من الخاص بعد العام "والساعة حق" أي يوم القيامة، وأصل الساعة القطعة من الزمان وإطلاق اسم الحق على ما ذكر من الأمور معناه أنه لا بد من كونها وأنها مما يجب أن يصدق بها وتكرار لفظ حق للمبالغة في التأكيد "اللهم لك أسلمت" أي استسلمت وانقدت لأمرك ونهيك "وبك آمنت" أي صدقت بك وبكل ما أخبرت(9/365)
خَاصَمْتُ، وإلَيْكَ حَاكَمْتُ، فاغْفِرْ لِي مَا قَدّمْتُ وَما أَخّرْتُ وَما أَسْرَرْتُ ومَا أَعْلَنْتُ. أَنْكَ إِلهِي لا إلَهَ إلاّ أَنْتَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنَ غَيْرِ وَجْهٍ عَن ابنِ عباس عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
وأمرت ونهيت "وعليك توكلت" أي فوضت الأمر إليك تاركاً للنظر في الأسباب العادية "وإليك أتيت" أي أطعت ورجعت إلى عبادتك أي أقبلت عليها، وقيل معناه رجعت إليك في تدبير أمري أي فوضت إليك "وبك خاصمت" أي بما أعطيتني من البراهين والقوة خاصمت من عاند فيك وكفر بك وقمعته بالحجة وبالسيف "وإليك حاكمت" أي كل من جحد الحق حاكمته إليك وجعلتك الحاكم بيني وبينه لا غيرك مما كانت تحاكم إليه الجاهلية وغيرهم من صنم وكاهن ونار وشيطان وغيرها فلا أرضى إلا بحكمك ولا أعتمد غيره، وقدم مجموع صلات هذه الأفعال عليها إشعاراً بالتخصيص وإفادة للحصر "ما قدمت" أي قبل هذا الوقت وما أخرت عنه "وما أسررت وما أعلنت" أي أخفيت وأظهرت أو ما حدثت به نفسي وما تحرك به لساني. قال النووي: ومعنى سؤاله صلى الله عليه وسلم المغفرة مع أنه مغفور له أنه يسأل ذلك تواضعاً وخضوعاً وإشفاقاً وإجلالاً وليقتدي به في أصل الدعاء والخضوع وحسن التضرع في هذا الدعاء المعين. وفي هذا الحديث وغيره مواظبته صلى الله عليه وسلم في الليل على الذكر والدعاء والاعتراف لله تعالى بحقوقه والإقرار بصدقه ووعده ووعيده والبعث والجنة والنار وغير ذلك انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة.(9/366)
30 ـ باب منه
3479 ـ حدثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ عُمْرَانَ بنِ أَبي لَيْلَى، قالَ: حدثني أبِي قال: حدثني ابنُ أَبي لَيْلَى عَن دَاوُدَ بنِ عَلِيّ هُوَ ابنُ عَبْدِ الله بنِ عَبّاسٍ عَن أبِيهِ عَن جَدّهِ ابنِ عَبّاسٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَيْلَةً حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ "اللّهُمّ إِنّي أسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قَلْبِي، وتَجْمَعُ بهَا أمْرِي، وَتَلُمّ بهَا شَعَثِي، وتُصْلِحُ بهَا غائِبي،
ـــــــ
"باب منه"
قوله: "حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن" هو الدارمي "أخبرنا محمد بن عمران ابن أبي ليلى" هو محمد بن عمران بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري أبو عبد الرحمن الكوفي صدوق من العاشرة "حدثني أبي" أي عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى مقبول من الثامنة "حدثني ابن أبي ليلى" هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي القاضي صدوق سيء الحفظ جداً من السابعة "عن داود بن علي هو ابن عبد الله بن عباس" قال في التقريب: داود بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي أبو سلمان أمير مكة وغيرها مقبول من السادسة "عن أبيه" أي علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي ثقة عابد من الثالثة. قوله: "اللهم إني أسألك" أي أطلب منك "رحمة" أي عظيمة كما أفاده تنكيره "من عندك" أي ابتداء من غير سبب "تهدي" أي ترشد "بها قلبي" إليك وتقربه لديك وخصه لأنه محل العقل ومناط التجلي "وتجمع بها أمري" أي أمري المتفرق، وفي رواية محمد بن نصر تجمع بها شملي أي ما تشتت من أمري وتفرق وهو من الأضداد يقال جمع الله شملهم أي ما تشتت من أمرهم وفرق الله شملهم أي ما اجتمع من أمرهم "وتلم" بفتح التاء وضم اللام أي تجمع "شعثي" بفتحتين أي ما تفرق من أمري، يقال لم الله شعث فلان أي قارب(9/367)
وَتَرْفَعُ بهَا شَاهِدِي، وَتُزَكّي بهَا عَمَلِي، وَتُلْهِمُنِي بهَا رُشْدِي، وتَرُد بهَا أُلْفَتِي، وَتَعْصِمُنِي بهَا مِنْ كُل سُوءٍ. اللّهُمّ أعْطِني إيمَاناً وَيَقِيناً لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ. ورَحْمَةً أَنَالُ بهَا شَرَفَ كَرَامَتِكَ في الدّنْيَا وَالآخرةِ. اللّهُمّ إِنّي أَسْألُكَ الفَوْزَ في العطاء ويروي في القَضَاءِ وَنُزُلَ الشّهَدَاءِ وَعَيْشَ السّعَدَاءِ والنّصْرَ عَلَى الأعْدَاءِ. اللّهُمّ إِنّي أُنْزِلُ بِكَ حَاجَتِي وَإِنْ قَصُرَ رَأْيِي وَضَعُفَ عَمَلِي افْتَقرْتُ إلى رَحْمَتِكَ. فأسْأَلُكَ يا قَاضِيَ الأُمُورِ، وَيا شَافِيَ الصّدُورِ، كَمَا تُجِيرُ بَيْنَ البُحُورِ، أَنْ تُجِيرَني مِنْ عَذَابِ
ـــــــ
بين شتيت أموره وأصلح من حاله ما تشعث "غائبي" أي ما غاب عني أي باطني بكمال الإيمان والأخلاق الحسان والملكات الفاضلة "شاهدي" أي ظاهري بالعمل الصالح والخلال الحميدة "وتزكي بها عملي" أي تزيده وتنميه وتطهره من الرياء والسمعة "وتلهمني بها رشدي" أي تهديني بها ما يرضيك ويقربني إليك "وترد بها ألفتي" بضم الهمزة وتكسر أي أليفى أو مألوفي أي ما كنت آلفه "وتعصمني" أي تمنعني وتحفظني "بها من كل سوء" أي تصرفني عنه وتصرفه عني "ليس بعده كفر" فإن القلب إذا تمكن منه نور اليقين انزاح عنه ظلام الشك وغيم الريب "ورحمة" أي عظيمة "أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة" أي علو القدر فيهما "الفوز في القضاء" أي الفوز باللطف فيه "نزل الشهداء" النزل بضمتين وقد تسكن الزاي أي منزلهم في الجنة أو درجتهم في القرب منك لأنه محل المنعم عليهم وهو صلى الله عليه وسلم وإن كان أعظم ومنزله أوفي وأفخم لكنه ذكره للتشريع. قاله المناوي، وقال في المجمع أصله قرى الضيف يريد ما للشهداء من الأجر "وعيش السعداء" الذين قدرت لهم السعادة الأخروية "إني أنزل" بصيغة المتكلم من باب الأفعال أي أحل "بك حاجتي" أي أسألك قضاء ما أحتاجه من أمر الدارين "وإن قصر رأيي" بتشديد الصاد من التقصير أي عجز عن إدراك ما هو أنجح وأصله قاله المناوي "وضعف عملي" أي عبادتي عن بلوغ مراتب الكمال "فأسألك" أي فبسبب ضعفي وافتقاري(9/368)
السّعِيرِ. وَمِنْ دَعْوَةِ الثّبُورِ. وَمِنْ فِتْنَةِ القُبُورِ. اللّهُمّ مَا قَصُرَ عَنْهُ رَأْيِي وَلَمْ تَبْلُغْهُ نِيّتِي وَلَمْ تَبْلُغْهُ مَسْألَتِي مِنْ خَيْرٍ وعَدْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوْ خَيْرٍ أنْتَ مُعْطِيهِ أَحَداً مِنْ عِبَادِكَ فإِنّي أرْغَبُ إلَيْكَ فِيهِ وَأَسْأَلُكَهُ بِرَحْمَتِكَ رَبّ العَالِمِينَ. اللّهُمّ ذَا الْحَبلِ الشّدِيدِ، وَالأمْرِ الرّشِيدِ، أَسْأَلُكَ الأمْنَ يَوْمَ الْوَعِيدِ، وَالْجَنَةَ يَوْمَ الْخُلُودِ مَعَ المُقَرّبِينَ الشّهُودِ، الرّكّعِ السّجُودِ، المُوفِينَ بالْعُهُودِ. إنك رَحِيمٌ وَدُودٌ، وَإنّكَ تَفْعَلُ
ـــــــ
إليك أطلب منك "يا قاضي الأمور" حاكمها ومحكمها "ويا شافي الصدور" أي مداوي القلوب من أمراضها التي إن توالت عليها أهلكتها هلاك العبد "كما تجير" أي تفصل وتحجز "بين البحور" أي تمنع أحدها من الاختلاط بالآخر مع الاتصال "أن تجيرني" أي تمنعني "من عذاب السعير" بأن تحجزه عني وتمنعه مني "ومن دعوة الثبور" بضم المثلثة هو الهلاك أي أجرني من أن أدعو ثبوراً. قال الله تعالى عن أهل النار {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً} ومن فتنة القبور بأن ترزقني الثبات عند سؤال منكر ونكير "وما قصر عنه رأيي" أي اجتهادي في تدبيري "ولم تبلغه نيتي" أي تصحيحها في ذلك المطلوب "ولم تبلغه مسألتي" إياك "أو خير أنت معطيه أحداً من عبادك" أي من غير سابقه وعدله بخصوصه فلا يعد مع ما قبله تكراراً "فإني أرغب إليك فيه" أي في حصوله منك لي "برحمتك" التي لا نهاية لسعتها "اللهم ذا الحبل الشديد" قال في النهاية هكذا يرويه المحدثون بالباء والمراد به القرآن أو الدين أو السبب ومنه قوله تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً} وصفه بالشدة لأنها من صفات الحبال، والشدة في الدين الثبات والاستقامة، قال الأزهري: الصواب الحيل بالياء وهو القوة يقال حول وحيل بمعنى انتهى "والأمر الرشيد" أي السديد الموافق لغاية الصواب أسألك الأمن من الفزع والأهوال "يوم الوعيد" للكفار بالعذاب وهو يوم القيامة "يوم الخلود" أي خلود أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار "الشهود" جمع الشاهد أي الناظرين إلى ربهم "الركع السجود" المكثرين للصلاة ذات الركوع(9/369)
ما تُرِيدُ. اللّهُمّ اجْعَلْنَا هادِينَ مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالّينَ وَلاَ مُضِلّينَ سَلْماً لأَوْلِيَائِكَ وَعَدُوّا لأَعْدَائِكَ نُحِبّ بِحُبّكَ مَنْ أحَبّكَ ونُعَادِي بِعَدَاوَاتِكَ مَنْ خالَفَكَ. اللّهُمّ هَذَا الدّعاءُ وَعَلَيْكَ الاستجابَةُ وَهَذَا الْجُهْدُ وَعَلَيْكَ التّكْلاَنُ. اللّهُمّ اجْعَلْ لِي نُوراً في قَبْرِي، وَنُوراً في قَلْبِي، ونُوراً مِنْ بَيْنِ يَدَيّ، ونُوراً مِنْ خَلْفِي، ونُوراً عَنْ يَمِيني، ونُوراً عنْ شِمَالِي، ونُوراً مِنْ فَوْقِي، وَنُوراً مِنْ تَحْتِي، وَنُوراً في سَمْعِي، وَنُوراً في بَصَرِي، وَنُوراً في شَعْرِي، وَنُوراً في بَشَرِي، وَنُوراً في لَحْمِي، وَنُوراً في دَمِي، ونوراً في عِظَامِي. اللّهمّ أَعْظِمْ لِي نُوراً وأَعْطِنِي نُوراً وَاجْعَلْ لِي نوراً. سُبْحَانَ الّذِي
ـــــــ
والسجود في الدنيا "الموفين بالعهود" بما عاهدوا الله عليه "ودود" أي شديد الحب لمن والاك "وإنك تفعل ما تريد" فتعطي من تشاء مسؤوله وإن عظم "هادين" أي دالين للخلق على ما يوصلهم إلى الحق "مهتدين" أي إلى إصابة الصواب قولاً وعملاً "غير ضالين" عن الحق "ولا مضلين" لأحد من الخلق "سلماً" بكسر السين المهملة وفتحها وسكون اللام أي صلحاً "لأوليائك" أي حزبك "لأعدائك" ممن اتخذ لك شريكاً أو نداً "نحب بحبك" أي بسبب حبناً لك "بعداوتك" أي بسبب عداوتك "من خالفك" أي خالف أمرك "اللهم هذا الدعاء" أي ما أمكننا منه قد أتينا به ولم نأل جهداً وهو مقدورنا "وعليك الإجابة" فضلاً منك لا وجوباً "وهذا الجهد" بالضم وتفتح الوسع والطاقة "وعليك التكلان" بضم التاء أي الاعتماد "اللهم اجعل لي نوراً" أي عظيماً فالتنوين للتعظيم "ونوراً في قبري" أستضيء به في ظلمة اللحد "ونوراً من بين يدي" أي يسعى أمامي "ونوراً من خلفي" أي من ورائي ليتبعني أتباعي ويقتدي بي أشياعي "ونوراً عن يميني ونوراً عن شمالي ونوراً من فوقي ونوراً من تحتي" يعني إجعل النور يحفني من جميع الجهات الست "ونوراً في سمعي ونوراً في بصري" وبزيادة ذلك تزداد المعارف "ونوراً في بشري" بفتح الباء والشين المعجمة أي ظاهر جلدي(9/370)
تَعَطّفَ العِزّ وقَال بِهِ، سُبْحَانَ الّذِي لَبِسَ المَجْدَ وَتكّرمَ بِهِ، سبحَان الّذِي لا يَنْبَغِي التّسْبِيحُ إلاّ لَهُ. سُبْحَانَ ذِي الفَضْلِ وَالنّعَمِ. سُبْحَانَ ذِي المَجْدِ والكَرَمِ، سُبْحَانَ ذِي الجَلاَلِ والإكْرَامِ" . هَذا حديثٌ غَريبٌ لا نَعْرِفُهُ مِثْلَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ ابنِ أَبي لَيْلَى إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وقَدْ رَوَى شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ الثّوْرِيّ عَن سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ عن
ـــــــ
"ونوراً في لحمي" الظاهر والباطن "ونوراً في دمي ونوراً في عظامي" نص على المذكورات كلها لأن إبليس يأتي الإنسان من هذه الأعضاء فيوسوسهم فدعا بإثبات النور فيها ليدفع ظلمته "اللهم أعظم لي نوراً وأعطني نوراً واجعل لي نوراً" عطف عام على خاص خاص أي اجعل لي نوراً شاملاً للأنوار المتقدمة وغيرها قال القرطبي: هذه الأنوار التي دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكن حملها على ظاهرها فيكون سأل الله تعالى أن يجعل له في كل عضو من أعضائه نوراً يستضيء به يوم القيامة في تلك الظلم هو ومن تبعه أو من شاء الله منهم. قال والأولى أن يقال هي مستعارة للعلم والهداية كما قال تعالى {فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} ثم قال والتحقيق في معناه أن النور مظهر ما نسب إليه وهو يختلف بحسبه فنور السمع مظهر للمسموعات ونور البصر كاشف للمبصرات ونور القلب كاشف عن المعلومات ونور الجوارح ما يبدو عليها من أعمال الطاعات قال الطيبي: معنى طلب النور للأعضاء عضواً عضواً أن يتحلى بأنوار المعرفة والطاعات ويتعرى عما عدهما فإن الشياطين تحيط بالجهات الست بالوساوس فكان التخلص منها بالأنوار السادة لتلك الجهات قال وكل هذه الأمور راجعة إلى الهداية والبيان وضياء الحق، وإلى ذلك يرشد قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إلى قوله تعالى: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} انتهى ملخصاً "تعطف العز" قال الجزري في النهاية أي التردي بالعز العطاف والمعطف الرداء وقد تعطف به واعتطف وتعطفه واعتطفه وسمي عطافاً لوقوعه على عطفي الرجل وهما ناحيتا عنقه والتعطف في حق الله تعالى مجاز(9/371)
كُرَيْبٍ عَن ابنِ عَبّاسٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ ولَمْ يَذْكُرْه بِطُولِهِ.
ـــــــ
يراد به الاتصاف كأن العز شمله شمول الرداء "وقال به" أي أحبه واختصه لنفسه كما يقال فلان يقول بفلان أي بمحبته واختصاصه، د وقيل معناه حكم به، فإن القول يستعمل معنى الحكم وقال الأزهري: معناه غلب به وأصله من القيل الملك لأنه ينفذ قوله كذا في النهاية "لبس المجد" أي ارتدى بالعظمة والكبرياء "وتكرم به" أي تفضل وأنعم على عباده "لا ينبغي التسبيح إلا له" أي لا ينبغي التنزيه المطلق إلا لجلاله تقدس "ذي الفضل" أي الزيادة في الخير "والنعم" جمع نعمة بمعنى إنعام "ذي الجلال والإكرام" أي الذي يجله الموحدون عن التشبيه بخلقه وعن أفعالهم أو الذي يقال له ما أجلك وما أكرمك. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه محمد بن نصر المروزي في قيام الليل والطبراني في معجمه الكبير والبيهقي في كتاب الدعوات. قال المناوي: وفي أسانيده مقال لكنها تعاضدت "لا نعرف مثل هذا" أي مطولاً "وقد روى شعبة وسفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن كريب عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بعض الحديث" أي مختصراً "ولم يذكره" أي لم يذكر أحد منهما، ورواية شعبة والثوري هذه أخرجها الشيخان وغيرهما.(9/372)
31 ـ باب مَا جَاءَ في الدّعَاءِ عنْدَ افْتِتَاحِ الصّلاَةِ باللّيْل
3480 ـ حدثنا يَحْيَى بنُ مُوسَى وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا أخبرنا عُمَرُ بنُ يُونُسَ أخبرنا عِكْرِمَةُ بنُ عَمّارٍ، أخبرنا يَحْيَى بنُ أبي كَثِيرٍ قَالَ: حدثني أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: "سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها بِأَيّ شَيْءٍ كانَ النّبيّ صلى الله عليه
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في الدّعَاءِ عنْدَ افْتِتَاحِ الصّلاَةِ باللّيْل
قوله: "حدثنا يحيى بن موسى" البلخي المعروف بخط "حدثني أبو سلمة"(9/372)
وسلم يَفْتَتِحُ صَلاَتَهُ إذَا قَامَ مِنَ اللّيْلِ؟ قَالَتْ كانَ إذَا قَامَ مِنَ اللّيْلِ افْتَتَحَ صَلاَتَهُ فَقَالَ: اللّهُمّ رَبّ جِبْرِيلَ وَمِيكائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السّمَواتِ وَالأَرْضِ وعَالِمَ الغَيْبِ وَالشّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فيما كَانُوا فيه يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقّ بإِذْنِكَ إِنّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
ابن عبد الرحمن بن عوف. قوله: "اللهم رب جبرئيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض" أي مبدعهما ومخترعهما. قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء خصهم بالذكر وإن كان الله تعالى رب كل المخلوقات كما تقرر في القرآن والسنة من نظائره من الإضافة إلى كل عظيم المرتبة وكبير الشأن دون ما يستحقر ويستصغر فيقال له سبحانه وتعالى رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم ورب الملائكة والروح، رب المشرقين ورب المغربين، رب الناس ملك الناس إله الناس رب العالمين، فكل ذلك وشبهه وصف له سبحانه بدلائل العظمة وعظيم القدرة والملك، ولم يستعمل ذلك فيما يحتقر ويستصغر فلا يقال رب الحشرات وخالق القردة والخنازير وشبه ذلك على الإفراد وإنما يقال خالق المخلوقات وخالق كل شيء وحينئذ تدخل هذه في العموم انتهى "عالم الغيب والشهادة" أي بما غاب وظهر عند غيره "أنت تحكم بين عبادك" يوم القيامة "فيما كانوا فيه يختلفون" أي من أمر الدين في أيام الدنيا "اهدني لما اختلف فيه" أي تبتني عليه كقوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} "من الحق" بيان لما "بإذنك" أي بتقوفيقك وتيسيرك "إنك على صراط مستقيم" أي على طريق الحق والعدل، وفي رواية مسلم وغيره إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان(9/373)
32 ـ باب منه
3481 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبي الشّوَارِبِ، أخبرنا يُوسُفُ بنُ المَاجِشُونَ قالَ: أَخْبَرني أبي عَن عَبْدِ الرّحْمَن الأَعْرَجِ عن عُبَيْدِ الله بنِ أبي رَافِعٍ عَن عَلِيّ بنِ أَبي طَالِبٍ "أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَامَ في الصّلاةِ قَالَ: وَجّهْتُ وَجْهِيَ لِلّذِي فَطَرَ السّمَاوَاتِ والأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكينَ إنّ صَلاَتي ونُسُكِي ومَحْيَايَ وَمَمَاتي
ـــــــ
"باب منه"
قوله: "أخبرنا يوسف بن الماجشون" هو يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون أبو سلمة المدني ثقة من الثامنة، والماجشون بكسر الجيم وضم الشين المعجمة وهو أبيض الوجه مورده لفظ أعجمي قاله النووي، وقال في المعنى بفتح جيم وقيل بكسرها وبشين معجمة مضمومة وبنون وهو معرب ما كون أي شبه القمر سمي به لحمرة وجنتيه يوسف الماجشون وفي بعضها ابن الماجشون وكلاهما صحيح وهو أبو سلمة يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة وهو لقب يعقوب وجرى على أولاده وأولاد أخيه ولذا وقع في بعض الروايات عبد العزيز الماجشون وفي بعضها ابنه انتهى "أخبرني أبي" أي يعقوب بن أبي سلمة الماجشون والتيمي مولاهم أبو يوسف المدني صدوق من الرابعة. قوله: "كان إذا قام في الصلاة قال وجهت الخ" وفي الرواية الثالثة الآتية إذا قام إلى الصلاة المكتوبة وفيها ويقول حين يفتتح الصلاة بعد التكبير وجهت الخ "وجهت وجهي" بسكون الياء وفتحها أي توجهت بالعبادة بمعنى أخلصت عبادتي لله، وقيل صرفت وجهي وعملي ونيتي أو أخلصت وجهتي وقصدي "للذي فطر السماوات والأرض" أي إلى الذي ابتدأ خلقهما "حنيفاً" حال من ضمير وجهت أي مائلاً إلى الدين الحق ثابتاً عليه. قال في النهاية: الحنيف المائل إلى الإسلام الثابت عليه والحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم عليه السلام،(9/374)
لله رَبّ العَالِمَينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمينَ. اللّهُمّ أَنْتَ المَلِكُ لاَ إِلَهَ إِلاّ أَنْتَ، أَنْتَ رَبّي وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلمْتُ نَفْسِي واعْتَرَفْتُ
ـــــــ
وأصل الحنف الميل "وما أنا من المشركين" بيان للحنيف وإيضاح لمعناه، والمشرك يطلق على كل كافر من عابد وثن وصنم ويهودي ونصراني ومجوسي ومرتد وزنديق وغيرهم "إن صلاتي ونسكي" النسك الطاعة والعبادة وكل ما تقرب به إلى الله تعالى: "ومحياي ومماتي" أي حياتي وموتي ويجوز فتح الياء فيهما وإسكانهما والأكثرون على فتح ياء محياي وإسكان مماتي "لله" أي هو خالقهما ومقدرهما وقيل طاعات الحياة والخيرات المضافة إلى الممات كالوصية والتدبير، أو حياتي وموتي لله لا تصرف لغيره فيها أو ما أنا عليه من العبادة في حياتي وما أموت خالصة لوجه الله "رب العالمين" بدل أو عطف بيان أي مالكهم ومربيهم وهم ما سوى الله على الأصح "وبذلك أمرت" أي بالتوحيد الكامل الشامل للإخلاص قولاً واعتقاداً "وأنا من المسلمين" وفي بعض النسخ وأنا أول المسلمين، وكذا في رواية لمسلم قال النووي أي من هذه الأمة، وفي أخرى له: وأنا من المسلمين، وفي رواية أبي داود وأنا أول المسلمين. قال أبو داود في سننه حدثنا عمرو بن عثمان أخبرنا شريح بن يزيد حدثني شعيب بن أبي حمزة قال قال لي ابن المنكدر وابن أبي فروة وغيرهما من فقهاء أهل المدينة فإذا قلت أنت فقل وأنا من المسلمين يعني قوله وأنا أول المسلمين انتهى. وقال الشوكاني في النيل: قال في الانتصار إن غير النبي إنما يقول وأنا من المسلمين وهو وهم منشوء توهم أن معنى وأنا أول المسلمين أني أول شخص اتصف بذلك بعد أن كان الناس بمعزل عنه وليس كذلك بل معناه بيان المسارعة في الامتثال لما أمر به. ونظيره {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} وقال موسى {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} وظاهر الإطلاق أنه لا فرق في قوله وأنا من المسلمين وقوله وما أنا من المشركين. بين الرجل والمرأة وهو صحيح على إرادة الشخص وفي المستدرك للحاكم من رواية عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: "قومي فاشهدي أضحيتك وقولي: إن صلاتي ونسكي إلى قوله وأنا من المسلمين" . فدل على ما ذكرناه انتهى.
"اللهم" أي يالله والميم بدل عن حرف النداء(9/375)
بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبي جَمِيعاً إِنّهُ لاَ يَغْفِر الذّنُوبَ إلاّ أَنْتَ واهْدِني لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لا يَهْدِي لأحْسَنِها إلاّ أنْتَ واصْرِفْ عَنّي سَيّئَهَا إنّه لاَ يَصْرِفُ عَنّي سَيّئَهَا إلاّ أَنْتَ آمَنْتُ بِكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ. فإِذَا رَكَعَ قَالَ: اللّهُمّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي ومُخّي وَعظْمِي وعَصَبِي. فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَالَ: اللّهّمّ رَبّنَا لَكَ الحَمدُ مِلْءَ السّمَاوَاتِ والأَرَضِينَ وَمَا
ـــــــ
ولذا لا يجمع بينهما إلا في الشعر "أنت الملك" أي القادر على كل شيء المالك الحقيقي لجميع المخلوقات "وأنا عبدك" أي معترف بأنك مالكي ومدبري وحكمك نافذ في "ظلمت نفسي" أي اعترفت بالتقصير قدمه على سؤال المغفرة أدباً كما قال آدم وحواء {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} "إنه" بالكسر استئناف فيه معنى التعليل والضمير للشأن "لا يغفر الذنوب إلا أنت" فإنك أنت الغفار الغفور "واهدني لأحسن الأخلاق" أي أرشدني لأكملها وأفضلها ووفقني للتخلق بها "واصرف عني سيئها" أي قبيحها "تباركت" أي استحققت الثناء، وقيل ثبت الخير عندك وقيل جئت بالبركات أو تكاثر خيرك، وأصل الكلمة للدوام والثبوت "وتعاليت" أي ارتفعت عظمتك وظهر قهرك وقدرتك على من في الكونين، وقيل أي عن مشابهة كل شيء "اللهم لك ركعت وبك آمنت" في تقديم الجار إشارة إلى التخصيص "ولك أسلمت" أي لك ذللت وانقدت أو لك أخلصت وجهي "خشع" أي خضع وتواضع أو سكن "لك سمعي" فلا يسمع إلا منك "وبصري" فلا ينظر إلا بك وإليك وتخصيصهما من بين الحواس لأن أكثر الآفات بهما فإذا خشعتا قلت الوساوس قاله ابن الملك "ومخي" قال ابن رسلان المراد به هنا الدماغ وأصله الودك الذي في العظم وخالص كل شيء مخه "وعظمي وعصبي" فلا يقومان ولا يتحركان إلا بك في طاعتك وهن عمد الحيوان وأطنابه واللحم والشحم غاد ورائح "فإذا رفع رأسه" أي من الركوع "قال" أي بعد قوله سمع الله لمن حمده(9/376)
بَيْنَهُمَا ومِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ فَإِذَا سَجَدَ قَالَ: اللّهُمّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي للّذِي خَلَقَهُ فَصَوّرَهُ وشَقّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ فَتَبَارَكَ الله أحْسَنُ الخَالِقِينَ. ثُمّ يَكُونُ آخِرُ مَا يَقُولُ بَيْنَ التّشَهّدِ والسّلاَمِ: اللّهْمّ اغْفِرْ لِي مَا قَدّمْتُ وَمَا أخّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّي أَنْتَ المُقَدّمُ وَأنْتَ المُؤَخّرُ لاَ إلَهَ إلاّ أنْتَ" . هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
كما في الرواية الثالثة الآتية "ملء السماوات والأرضين" بكسر الميم ونصب الهمزة بعد اللام ورفعها والنصب أشهر ومعناه حمداً لو كان أجساماً لملأ السماوات والأرض لعظمه. قاله النووي "سجد وجهي" أي خضع وذل وانقاد "فصوره" زاد مسلم وأبو داود فأحسن صوره وهو الموافق لقوله تعالى فأحسن صوركم "أحسن الخالقين" أي المصورين والمقدرين فإنه الخالق الحقيقي المنفرد بالإيجاد والإمداد وغيره إنما يوجد صوراً مموهة ليس فيها شيء من حقيقة الخلق مع أنه تعالى خالق كل صانع وصنعته {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} "ثم يكون" أي بعد فراغه من ركوعه وسجوده "ما قدمت" من سيئة "وما أخرت" من عمل أي جميع ما فرط مني قاله الطيبي. وقال الشوكاني في النيل: المراد بقوله "ما أخرت" إنما هو بالنسبة إلى ما وقع من ذنوبه المتأخرة لأن الاستغفار قبل الذنب محال كذا قال أبو الوليد النيسابوري. قال الإسنوي: ولقائل أن يقول المحال إنما هو طلب مغفرته قبل وقوعه وأما الطلب قبل الوقوع أن يغفر إذا وقع فلا استحالة فيه "وما أسررت وما أعلنت" أي جميع الذنوب لأنها إما سر أو علن "أنت المقدم وأنت المؤخر" قال البيهقي قدم من شاء بالتوفيق إلى مقدمات السابقين وأخر من شاء عن مراتبهم، وقيل قدم من أحب من أوليائه على غيرهم من عبيده وأخر من أبعده عن غيره فلا مقدم لما أخر ولا مؤخر لما قدم. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي مطولاً وابن ماجه مختصراً وابن حبان في صحيحه.(9/377)
3482 ـ حدثنا الحَسَنُ بنُ عَلِيّ الخَلالُ، حدثنا أبُو الوَلِيدِ الطّيَالِسيّ، حدثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ أَبي سَلَمَةَ ويُوسُفُ بنُ المَاجِشُونَ قَالَ عَبْدُ العَزِيزِ، حدثني عَمّي وَقَالَ يُوسُفُ: أَخْبَرَني أَبي قَالَ: حدثني الأَعْرَجُ عَن عُبَيْدِ الله بنِ أَبي رَافِعٍ عَن عَلِيّ بنِ أبي طَالِبٍ "أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَامَ إلَى الصّلاةِ قَالَ: "وَجّهْتُ وَجْهِي لِلّذِي فَطَرَ السّمَاواتِ والأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ، إنّ صَلاَتِي وَنُسِكي وَمَحْيَايَ ومَمَاتِي لله رَبّ العَالِميَنَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأنَا مِنَ المُسْلِمِينَ. اللّهُمّ أَنْتَ المَلِكُ لاَ إِلَهَ إلاّ أَنْت، أنْتَ رَبّي وَأنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي واعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذنوبي جَمِيعاً إنّهُ لا يَغْفِرُ الذّنُوبَ إلاّ أنْتَ واهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لاَ يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إلاّ أَنْتَ واصْرِفْ عَنّي سَيّئَها لا يَصْرِفُ عَنّي سَيّئَهَا إلا أَنْتَ، لَبّيْكَ وَسَعْدَيْكَ والْخَيْرُ كُلّهُ في يَدَيْكَ، والشّرّ لَيْسَ إلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ
ـــــــ
قوله: "أخبرنا عبد العزيز بن أبي سلمة" هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون "حدثني عمي" هو يعقوب الماجشون والد يوسف بن الماجشون قوله: "لبيك" قال العلماء معناه أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة يقال لب بالمكان لباً وألب إلباباً أي أقام به، وأصل لبيك لبين فحذفت النون للإضافة "وسعديك" قال الأزهري وغيره. معناه مساعدة لأمرك بعد مساعدة ومتابعة لدينك بعد متابعة "والخير كله في يديك" قال الخطابي وغيره: فيه الإرشاد إلى الأدب في الثناء على الله تعالى ومدحه بأن يضاف إليه محاسن الأمور دون مساويها على جهة الأدب "والشر ليس إليك" قال النووي: هذا مما يجب تأويله لأن مذهب أهل الحق أن كل محدثات فعل الله تعالى وخلقه سواء خيرها وشرها وحينئذ يجب تأويله(9/378)
إلَيْكَ. فإِذَا رَكَعَ قالَ: اللّهُمّ لَكَ رَكَعْتُ وبِكَ آمَنْتُ ولَكَ أَسْلَمْتُ خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وبَصَرِي وعِظَامِي وعَصَبي. وَإذَا رَفَعَ قالَ: اللّهُمّ رَبّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السّمَاءِ ومِلْءَ الأرْضِ ومِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ. فإِذَا سَجَدَ قالَ: اللّهُمّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ سَجَدَ وجْهِي للّذِي خَلَقَهُ وصَوّرَهُ وشَقّ سَمْعَهُ وبَصَرَهُ فَتَبَارَكَ الله أَحسَنُ الْخَالِقِينَ. ثُمّ يَقُولُ: مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التّشَهّدِ وَالتّسْلِيمِ: اللّهُمّ اغْفِرْ لِي مَا قَدّمْتُ ومَا أخّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَما أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وما أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّي، أنْتَ المُقَدّمُ وَأنْتَ المُؤَخّرُ لا إله إلاّ أَنْتَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
وفيه خمسة أقوال فذكرها، منها أن معناه لا يتقرب به إليك، ومنها أنه لا يضاف الشر إليك على انفراده لا يقال يا خالق القردة والخنازير ويا رب الشر ونحو هذا وإن كان خالق كل شيء ورب كل شيء أو رب كل شيء وحينئذ يدخل الشر في العموم، ومنها أن الشر لا يصعد إليك وإنما يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح، ومنها أن معناه والشر ليس شراً بالنسبة إليك فإنك خلقته بحكمة بالغة وإنما هو شر بالنسبة إلى المخلوقين "أنا بك وإليك" أي التجائي وانتمائي إليك وتوفيقي بك قاله النووي "وعصبي" العصب طنب المفاصل وهو ألطف من العظم "وملء ما شئت من شيء بعد" بالبناء على الضم أي بعد السماوات والأرض كالعرش والكرسي وغيرهما مما لم يعلمه إلا الله والمراد الاعتناء في تكثير الحمد "ما أسررت" أي أخفيت "وما أسرفت" أي جاوزت الحد "وما أنت أعلم به مني" أي من ذنوبي وإسرافي في أموري وغير ذلك "أنت المقدم وأنت المؤخر" أي تقدم من شئت بطاعتك وغيرها وتؤخر من شئت عن ذلك كما تقتضيه حكمتك وتعز من تشاء وتذل من تشاء.(9/379)
3483 ـ حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ الْخَلاّلُ، أخبرنا سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيّ، أخبرنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ أَبي الزّنَادِ عَن مُوسَى بنِ عُقْبَةَ عَن عَبْدِ الله بنِ الفَضْلِ عَن عَبْدِ الرّحمَنِ الأعْرَجِ عَن عُبَيْدِ الله بنِ أَبي رَافِعٍ عَن عَلَيّ بنِ أَبي طَالِبٍ عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: "أَنّهُ كانَ إِذَا قَامَ إلى الصّلاَةِ المَكْتُوبَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَيَصْنَعُ ذَلِكَ أيْضاً إِذَا قَضَى قِرَاءَتَهُ وَأَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَصْنَعُهَا إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرّكُوعِ ولاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ في شَيْءٍ مِنْ صَلاَتِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فإِذَا قامَ مِنْ سَجْدَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ فَكَبّرَ. وَيَقُولُ حِينَ يَفْتَتِحُ الصّلاَةَ بَعْدَ التّكْبِيرِ: وَجّهْتُ وَجْهِيَ لِلّذِي فَطَرَ السّمَوَاتِ والأرْضَ حَنِيفاً ومَا أنَا مِنَ المُشْرِكِينَ. إنّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبّ العَالِميَنَ. لا شَرِيكَ لَهُ وبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأَنَا مِنَ المُسْلِميِنَ، اللّهُمّ أَنْتَ المَلِكُ لا إلَهَ إلاّ أنْتَ سُبْحَانكَ أَنْتَ رَبّي وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي واعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فاغْفِرْ لِي ذَنْبِي جَمِيعاً إِنّهُ لا يَغْفرُ الذّنُوبِ إلاّ أنْتَ وَاهْدِني لأحْسَنِ الأخْلاقِ لاَ يَهْدِي لأحْسَنِهَا إلاّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنّي سَيّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنّي سَيّئَهَا إلاّ أَنْتَ لَبّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وأَنَا بِكَ وَإليْكَ ولاَ مَنْجَا مِنْكَ وَلاَ مَلْجَأَ إلاّ إلَيْكَ. أَسْتَغْفِرُكَ وَأتُوبُ إلَيْكَ" . ثُمّ يَقْرَأُ
ـــــــ
قوله: "أخبرنا سليمان بن داود" بن داود بن علي بن عبد الله بن عباس أبو أيوب البغدادي الهاشمي الفقيه ثقة جليل قال أحمد بن حنبل يصلح للخلافة(9/380)
فإِذَا رَكَعَ كانَ كَلاَمُهُ في رُكُوعِهِ أَنْ يَقُولَ: "اللّهُمّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ وَأَنْتَ رَبّي. خَشَعَ سَمْعِي وَبَصَرِي ومُخّي وَعَظْمِي لله رَبّ العَالمِينَ". فإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرّكُوعِ قالَ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمّ يُتْبِعُهَا: "اللّهُمّ رَبّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السّماوَاتِ والأرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، فإِذَا سَجَدَ قالَ في سُجُودِهِ اللّهُمّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ وأَنْتَ رَبّي سَجَدَ وَجْهِي للّذِي خَلَقَهُ وَشَقّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ الله أحْسَنُ الخَالِقينَ". وَيَقُولُ عِنْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصّلاَةِ: "اللّهُمّ اغْفِرْ لِي مَا قَدّمْتُ وما أَخّرْتُ وما أَسْرَرْتُ ومَا أَعْلَنْتُ وأَنْتَ إلهِي لا إلَهَ إلاّ أنْتَ" هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ الشّافِعِيّ و بعض أَصْحَابِنَا. "وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ أَهْلِ الكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُ: هَذَا في صَلاَةِ التّطَوّعِ ولاَ يَقُولُهُ في المَكْتُوبَةِ" .
ـــــــ
من العاشرة. قوله: "لا منجا منك ولا ملجأ إلا إليك" يأتي شرحه في الباب الذي بعد باب انتظار الفرج. قوله: "والعمل على هذا الحديث عند الشافعي وبعض أصحابنا" قال النووي في شرح مسلم في هذا الحديث استحباب دعاء الافتتاح في كل الصلوات حتى في النافلة وهو مذهبنا ومذهب كثيرين وفيه استحباب الاستفتاح بما في هذا الحديث إلا أن يكون إماماً لقوم لا يؤثرون التطويل، وفيه استحباب الذكر في الركوع والسجود والاعتدال والدعاء قبل السلام انتهى.
قلت: القول الراجح المعول عليه هو ما ذهب إليه الشافعي ومن تبعه من العمل على هذا الحديث والله أعلم "وقال بعض أهل العلم من أهل الكوفة وغيرهم يقول هذا في صلاة التطوع ولا يقوله في المكتوبة" وهو مذهب الحنفية، وأجاب(9/381)
سَمِعْتُ أَبَا إسْمَاعيلَ يعني التّرْمِذِيّ يَقُولُ سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بنَ دَاوُدَ الهاشِمِيّ يَقُولُ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فقالَ هَذَا عِنْدَنَا مِثْلُ حَدِيث الزّهْرِيّ عَن سالِمٍ عَن أَبِيهِ.
ـــــــ
بعضهم عن هذا الحديث بأنه كان في أول الأمر. قلت: القول بأنه كان في أول الأمر ادعاء محض لا دليل عليه فهو مما لا يلتفت إليه، وقد تقدم الكلام في هذا مفصلاً في باب ما يقول عند افتتاح الصلاة "سمعت أبا إسماعيل يعني الترمذي" إسمه محمد بن إسماعيل بن يوسف "فقال هذا عندنا مثل حديث الزهري عن سالم عن أبيه" يعني أن حديث على هذا من أصح الأحاديث سنداً وأقواها مثل حديث الزهري عن سالم عن أبيه.
اعلم أن أهل العلم بالحديث قد اختلفوا في تعيين أصح الأسانيد، قال الحافظ ابن الصلاح في مقدمته روينا عن إسحاق بن راهويه أنه قال أصح الأسانيد كلها الزهري عن سالم عن أبيه وروينا نحوه عن أحمد بن حنبل، وروينا عن عمرو بن علي الفلاس أنه قال: أصح الأسانيد كلها محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي، وروينا نحوه عن علي بن المديني. وروى ذلك عن غيرهما ثم منهم من عين الراوي عن محمد وجعله أيوب الستختياني ومنهم من جعله ابن عون، وفيما نرويه عن يحي بن معين أنه قال: أجودها الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله، وروينا عن أبي بكر بن أبي شيبة أنه قال: أصح الأسانيد كلها الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي، روينا عن أبي عبد الله البخاري صاحب الصحيح أنه قال: أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر، وبني الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التيمي على ذلك أن أجل الأسانيد الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر واحتج بإجماع أصحاب الحديث على أنه لم يكن في الرواة عن مالك أجل من الشافعي رضي الله عنهم انتهى.(9/382)
33 ـ باب ما جاء مَا يَقُول في سُجُودِ القُرْآن
3484 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ يَزِيدَ بنِ خُنَيْسٍ، أخبرنا الْحَسَنُ بنُ مُحمّدِ بنِ عُبَيْدِ الله بنِ أبي يَزِيدَ قالَ قَالَ لِي ابنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَني عُبَيْدُ الله بنِ أَبي يَزِيدَ عَن ابنِ عَبّاسٍ قالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ يَا رَسُولَ الله رَأَيْتُنِي اللّيْلَةَ وَأَنَا نائِمٌ كَأَنّي أُصَلّي خَلْفَ شَجَرَةٍ فَسَجَدْتُ فَسَجَدَتِ الشّجَرَةُ لِسُجُودِي فَسَمِعْتُهَا وَهِيَ تَقُولُ: اللّهُمّ اكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أَجْراً وَضَعْ عَنّي بِهَا وِزْراً واجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْراً وتَقَبّلْهَا مِنّي كَمَا تَقَبّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ. قالَ ابنُ جُرِيجٍ قالَ لِي جَدّكَ قالَ ابنُ عَبّاسٍ فَقَرأَ النبيّ صلى الله عليه وسلم سَجْدَةً ثُمّ سَجَدَ. قالَ ابنُ عَبّاسٍ فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ مِثْلَ مَا أَخْبَرَهُ الرّجُلُ من قَوْلِ الشّجْرَةِ" . هذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وفي البابِ عَنْ أَبي سَعِيدٍ.
3485 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا عَبْدُ الوّهّابِ الثّقَفِيّ أخبرنا خَالِدٌ الحَذّاءُ عَن أَبي العلاء عَن عَائِشَةَ قالَتْ: "كانَ النبيّ
ـــــــ
"باب ما جاء ما يقول في سجود القرآن
تقدم هذا الباب مع حديثيه بعد باب السجدة في الحج.(9/383)
صلى الله عليه وسلم يَقُولُ في سُجُودِ القُرْآنِ بِاللّيْلِ: سَجَدَ وَجْهِي لِلّذِي خَلَقَهُ وَشَقّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوّتِهِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ(9/384)
باب ما جاء ما يقول غذا خرج من بيته
...
34 ـ باب ما يَقُول إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِه
3486 ـ حدثنا سَعِيدُ بنُ يَحْيى بنِ سَعيدٍ الأُمَوِيّ، أخبرنا أَبِي، حدث أخبرنا نا ابنُ جُرَيْجٍ عَن إِسْحَاقَ بنِ عبْدِ الله بنِ أَبي طَلْحَةَ عَن أنَسِ بنِ مالِكٍ قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قالَ يَعْنِي إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ: بِسْمِ الله تَوَكّلْتُ عَلَى الله لا حَوْلَ وَلاَ قُوّةَ إِلاّ بالله يُقَالُ لَهُ: كُفِيتَ وَوُقِيتَ وَتَنَحّى عَنْهُ الشّيْطَانُ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
ـــــــ
"باب ما جاء ما يقول إذا خرج من بيته"
قوله: "يعني إذا خرج من بيته" هذا قول الراوي وفي رواية أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله الخ" "يقال له" أي يناديه ملك يا عبد الله "كفيت" بصيغة المجهول أي مهماتك وفي رواية أبو داود: هديت وكفيت "ووقيت" من الوقاية أي حفظت من شر أعدائك "وتنحى عنه الشيطان" أي تبعد، زاد أبو داود في روايته فيقول شيطان آخر كيف لك برجل قد هدى وكفى ووقي. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان وابن السني.(9/384)
35 ـ باب منه
3487 ـ حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا وكِيعٌ، أخبرنا سُفْيَانُ عَن مَنْصُورٍ عَن عامِرٍ الشّعْبِيّ عَن أُمّ سَلَمَةَ "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قالَ: بِسمِ الله تَوَكّلْتُ عَلَى الله اللّهُمّ إنّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أنْ نَزِلّ أوْ نَضِلّ أَوْ نَظْلِمَ أَوْ نُظْلَمَ أوْ نَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
"باب منه"
قوله: "قال باسم الله" أي خرجت مستعيناً باسم الله "توكلت على الله" أي في جميع أموري "من أن نزل" أي عن الحق وهو بفتح النون وكسر الزاي وتشديد اللام من الزلة وهي ذنب من غير قصد تشبيهاً بزلة الرجل "أو نضل" من الضلالة، أي عن الهدى "أو نظلم" على بناء المعلوم أي أحداً "أو نظلم" على بناء المجهول أي من أحد "أو نجهل" على بناء المعروف أي أمور الدين أو حقوق الله أو حقوق الناس أو في المعاشرة والمخالطة مع الأصحاب أو نفعل بالناس فعل الجهال من الإيذاء وإيصال الضرر إليهم "أو يجهل علينا" بصيغة المجهول أي يفعل الناس بنا أفعال الجهال من إيصال الضرر إلينا. قال الطيبي: الزلة السيئة بلا قصد استعاذ من أن يصدر عنه ذنب بغير قصد أو قصد ومن أن يظلم الناس في المعاملات أو يؤذيهم في المخالطات أو يجهل أي يفعل بالناس فعل الجهال من الإيذاء انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم وابن السني ولفظ أبي داود: قالت ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيتي قط إلا رفع طرفه إلى السماء فقال اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي. قال الطيبي: إن الإنسان إذا خرج من منزله لا بد أن يعاشر الناس ويزاول(9/385)
ـــــــ
الأمر فيخاف أن يعدل عن الصراط المستقيم فإما أن يكون في أمر الدين فلا يخلو من أن يضل أو يضل، وإما أن يكون في أمر الدنيا فإما بسبب جريان المعاملة معهم بأن يظلم أو يظلم وإما بسبب الاختلاط والمصاحبة فإما أن يجهل أو يجهل فاستعيذ من هذه الأحوال كلها بلفظ سلس موجز وروعي المطابقة المعنوية والمشاكلة اللفظية كقول الشاعر.
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلين(9/386)
36 ـ باب ما يَقُولُ إذا دَخَلَ السّوق
3488 ـ حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ قالَ أخبرنا أزْهَرُ بنُ سِنَانٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ واسِعٍ قالَ قَدِمْتُ مَكّةَ فَلَقِيَني أَخِي سالِمُ بنُ عبْدِ الله بنِ عُمَرَ فَحَدثني عَن أَبِيهِ عَن جَدّهِ أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ دَخَلَ السّوقَ فقالَ لا إلَهَ إلاّ الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيّ لا يَمُوتُ بِيَدِهِ الخَيرُ وهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِير" كَتَبَ الله لَهُ ألْفَ
ـــــــ
باب ما يقول "إذا دخل السوق"
قوله: "أخبرنا أزهر بن سنان" بكسر سين مهملة وخفة نون أولى البصري أبو خالد القرشي ضعيف من السابعة. قوله: "فلقيني" أخي أي في الدين "من دخل السوق" قال الطيبي: خصه بالذكر لأنه مكان لأنه مكان الغفلة عن ذكر الله والاشتغال بالتجارة فهو موضع سلطنة الشيطان ومجمع جنوده فالذاكر هناك يحارب الشيطان ويهزم جنوده فهو خليق بما ذكر من الثواب انتهى. "فقال" أي سراً أو جهراً "بيده الخير" وكذا الشر لقوله تعالى: {قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} فهو من باب(9/386)
أَلْفَ حَسَنَةٍ وَمَحى عَنْهُ أَلْفَ أَلْفَ سَيّئَةٍ ورَفَعَ لَهُ ألْفَ ألْفِ دَرَجَةٍ" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ وقَدْ رَواهُ عَمْرُو بنُ دِينَارٍ، وهو قَهْرَمانُ آلِ الزّبَيْرِ عَن سالمِ بنِ عَبْدِ الله هَذَا الحدِيثَ نَحْوَهُ.
3489 ـ حدثنا بِذَلِكَ أحمدُ بنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ، حدثنا حمّادُ بنُ زَيْدٍ وَالمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ قالاَ: أخبرنا عَمْرُو بنُ دِينَارٍ وَهُوَ قَهْرَمانُ
ـــــــ
الاكتفاء أو من طريق الأدب فإن الشر لا ينسب إليه "وهو على كل شيء" أي مشيء "قدير" تام القدرة. قال الطيبي: فمن ذكر الله فيه دخل في زمرة من قال تعالى في حقهم {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} "كتب الله له" أي أثبت له أوامر بالكتابة لأجله "ومحى عنه" أي بالمغفرة أو أمر بالمحو عن صحيفته. قوله: "هذا حديث غريب" قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث وكلام الترمذي هذا ما لفظه إسناده متصل حسن ورواته ثقات أثبات، وفي أزهر بن سنان خلاف، وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به. وقال الترمذي في رواية: له مكان ورفع له ألف ألف درجة وبني له بيتاً في الجنة، ورواه بهذا اللفظ ابن ماجة وابن أبي الدنيا والحاكم وصححه كلهم من رواية عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن جده، ورواه الحاكم أيضاً من حديث عبد الله بن عمر مرفوعاً أيضاً وقال صحيح الإسناد، كذا قال وفي إسناده مسروق بن المرزبان يأتي الكلام عليه انتهى.
قلت: قد ذكر في آخر كتابه مسروق بن المرزبان وقال قال أبو حاتم ليس بالقوي ووثقه غيره وذكر أيضاً أزهر بن سنان وقال قال ابن معين ليس بشيء وقال ابن عدي ليست أحاديثه بالمنكرة جداً أرجو أنه لا بأس به انتهى. وقال الشركاني في تحفة الذاكيرين والحديث أقل أحواله أن يكون حسناً وإن كان في ذكر العدد على هذه الصفة نكارة.
قوله: "أخبرنا عمرو بن دينار" البصري الأعور يكنى أبا يحيى ضعيف(9/387)
آلِ الزّبَيْرِ عَن سَالمٍ بنِ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ عَن أَبِيهِ عَن جَدّهِ: "أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ قالَ في السّوقِ لاَ إِلَه إلاّ الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيّ لا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُو عَلَى كُلّ شَيْءَ قَدِيرٌ. كَتَب الله لَهُ ألْفَ ألْفَ حَسَنَةٍ وَمَحَى عَنْهُ أَلْفَ أَلْفَ سَيّئَة وَبَنَى لَهُ بَيْتاً في الجَنّةِ" .
ـــــــ
من السادسة "وهو قهرمان آل الزبير" بفتح قاف وسكون هاء وفتح راء قال الجزري في النهاية وهو كالخازن والوكيل والحافظ لما تحت يده والقائم بأمور الرجل بلغة الفرس انتهى.(9/388)
37 ـ باب ما جاء ما يَقُولُ العَبْدُ إذَا مَرِض
3490 ـ حدثنا سُفْيانُ بنُ وَكِيعٍ حدثنا إسماعيلُ بنُ مُحمّدِ بنِ جُحَادَة أخبرنا عبْدُ الجَبّارِ بنُ عَبّاسٍ عَن أَبي إسحْاقَ عَن الأغَرّ أَبي مُسْلمٍ قالَ أشْهَدُ عَلَى أَبي سعِيدٍ وَ أبي هُرَيْرَةَ أنّهُمَا شَهِدَا عَلَى النبيّ صلى
ـــــــ
باب "ما جاء ما يقول العبد إذا مرض"
قوله: "حدثنا إسماعيل بن محمد بن جحادة" بضم جيم وخفة هاء مهملة وإهمال دال العطار الكوفي في المكفوف صدوق يهم من التاسعة "حدثنا عبد الجبار بن عباس" الشامي "عن أبي إسحاق" السبيعي "أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة" ظاهر في أنه سمعه منهما، قال ابن التين أراد بهذا اللفظ التأكيد للرواية انتهى. قلت: هو من ألفاظ تحمل الحديث. قال السيوطي(9/388)
الله عليه وسلم أنّهُ قالَ: "مَنْ قالَ لا إلَهَ إِلاّ الله وَالله أكْبَرُ. صَدّقَهُ رَبّهُ وَقالَ لا إلَهَ إلاّ أَنا وَأنا أكْبَرُ. وَإذَا قالَ لا إلَهَ إلاّ الله وَحْدَهُ. قالَ يَقُولُ الله لا إلَهَ إلاّ أنَا وَأنا وَحْدِي. وَإذَا قالَ لا إلَهَ إلاّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ. قَالَ الله لا إلهَ إلاّ أنا وَحْدِي لا شَرِيكَ لِي. وَإذَا قالَ لا إلَهَ إلاّ الله لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمدُ. قالَ الله لا إلَهَ إلاّ أنَا لِيَ الْمُلْكُ وَلِيَ الْحَمْدُ. وَإذَا قالَ لا إلَهَ إلاّ الله ولاَ حَوْلَ وَلاَ قُوّةَ إلاّ بالله. قالَ الله لا إلَهَ إلاّ أنَا وَلا حَوْلَ وَلاَ قُوّةَ إلاّ بِي. وَكانَ يَقُولُ مَنْ قالَهَا في مَرَضِهِ ثُمّ مَاتَ لَمْ تَطْعَمْهُ النّارُ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَن أبي إسْحَاقَ عَن الأَغَرّ أبي مُسْلِمٍ عَن
ـــــــ
في تدريب الراوي عقد الرامهر مزي بابا في تنويع ألفاظ التحمل منهما الإتيان بلفظ الشهادة كقول أبي سعيد أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الجران ينتبذ فيه، وقول عبد الله بن طاؤس أشهد على والدي أنه قال أشهد على جابر بن عبد الله أنه قال أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أمرت أن أقاتل الناس الحديث انتهى.
قوله: "صدقه ربه وقال" أي وقال الرب بياناً لتصديقه أي قرره بأن قال "لا إله إلا أنا وأنا أكبر" وهذا أبلغ من أن يقول صدقت "وإذا قال" أي العبد "قال يقول الله" أي قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تصديقاً لعبده وحذف صدقه ربه هنا للعلم به مما قبله وعبر هنا بيقول وممة وفيما يأتي يقال تفننا "وكان يقول" أي النبي صلى الله عليه وسلم "من قالها" أي هذه الكلمات من دون الجوابات "ثم مات" أي من ذلك المرض "لم تطعمه النار" قال الطيبي: أي لم تأكله، استعار الطعم للإحراق مبالغة. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه النسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححاه.(9/389)
أَبي هُرَيْرَةَ وَأبي سَعِيدٍ بنَحْوِ هَذَا الحَدِيثِ بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ شُعْبَةُ.
3491 ـ حدثنا بِذَلِكَ مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ قَالَ: أخبرنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ عَن شُعْبَةَ بِهَذَا.
ـــــــ(9/390)
38 ـ بابُ مَا جاء ما يَقُولُ إذَا رَأى مُبْتَلًى
3492 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ بَزِيعٍ، حدثنا عَبْدُ الوارِثِ بنُ سَعِيدٍ عَن عَمْرِو بنِ دِينَارٍ مَوْلَى آلِ الزّبَيْرِ عَن سَالِمِ بنِ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ عَن ابنِ عُمَرَ عَن عُمَرَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَنْ رَأى صَاحِبَ بَلاَءٍ فَقَالَ الْحَمدُ لله الّذِي عَافَانِي مِمّا ابْتَلاَكَ بِهِ وَفَضّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمّنْ خَلقَ تَفْضِيلاً. إلاّ عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ البَلاَءِ كائنا
ـــــــ
باب "ما جاء ما يقول إذا رأى مبتلى"
قوله: "من رأى صاحب بلاء" أي مبتلي في أمر بدني كبرص وقصر فاحش أو طول مفرط أو عمى أو عرج أو اعوجاج يد ونحوها، أو ديني بنحو فسق وظلم وبدعة وكفر وغيرها "الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به" فإن العافية أوسع من البلية لأنها مظنة الجزع والفتنة وحينئذ تكون محنة أي محنة، والمؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف كما ورد "وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً" أي في الدين والدنيا والقلب والقالب "إلا عوفي من(9/390)
مَا كَانَ مَا عَاشَ" . هذَا حَدِيثٌ غَريبٌ. وفي البابِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ. وعَمْرو بنُ دِينَارٍ قَهْرُمَان آلِ الزّبَيْرِ هُوَ شَيْخٌ بَصْرِيّ وَلَيْسَ هو بالقَوِيّ في الحَدِيثِ وَقَدْ تَفَرّدَ بأحَادِيثَ عَن سَالِمِ بنِ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ. وَقد رُوِيَ عَن أبي جَعْفَرٍ محمد بنِ عَليّ أنّهُ قَالَ إذَا رَأَى صَاحِبَ بَلاَءٍ فَتَعَوّذ منه يَقُولُ ذَلِكَ في نَفْسِهِ وَلا يُسْمِعُ صَاحِبَ البَلاءِ.
3493 ـ حدثنا أَبُو جَعْفَرٍ السمناني وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا حدثنا مُطَرّفُ بنُ عَبْدِ الله المَدَنيّ أخبرنا عَبْدُ الله ابنُ عُمَر العُمَرِيّ عَن سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ عَن أبيهِ عَن أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "مَنْ رَأى مُبْتَلًى فَقَالَ الْحَمدُ لله الّذِي عَافَانِي مِمّا ابْتَلاَكَ بِهِ وَفَضّلَنِي
ـــــــ
ذلك البلاء" أي لم ير أحد صاحب بلاء فقال الحمد لله الذي عافاني الخ إلا عوفي من ذلك البلاء أو إلا زائدة كما في قول الشاعر.
حراجيج ما تنفك إلا مناخة ... على الخسف أو ترمي بها بلدا قفرا
"كائناً ما كان" أي حال كون ذلك البلاء أي بلاء كان "ما عاش" أي مدة بقائه في الدنيا. قوله: "وفي الباب عن أبي هريرة" أخرجه الترمذي بعد هذا قوله: "يقول ذلك في نفسه ولا يسمع صاحب البلاء" قال الطيبي في شرح قوله: "الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به" . هذا إذا كان مبتلي بالمعاصي والفسوق، وأما إذا كان مريضاً أو ناقص الخلقة لا يحسن الخطاب. قال القاري: الصواب أنه يأتي به لورود الحديث بذلك، وإنما يعدل عن رفع الصوت إلى إخفائه في غير الفاسق بل في حقه أيضاً إذا كان يترتب عليه مفسدة ويسمع صاحب البلاء الديني إذا أراد زجره ويرجو انزجاره انتهى.
قوله: "حدثنا مطرف" بضم أوله وفتح ثانيه وتشديد الراء المكسورة "بن عبد الله" بن مطرف اليساري أبو مصعب المدني ابن أخت مالك ثقة(9/391)
عَلَى كَثِيرٍ مِمّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ البَلاَءُ" . هَذا حديثٌ حسن غَريبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
ـــــــ
لم يصب ابن عدي في تضعيفه من كبار العاشرة. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه البزار والطبراني في الصغير وقال فيه فإذا شكر ذلك شكر تلك النعمة وإسناده حسن كذا في الترغيب.(9/392)
39 ـ باب مَا يَقُولُ إذَا قَامَ مِنْ المَجْلِس
3494 ـ حدثنا أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ أَبي السّفَرِ الكُوفِيّ واسْمُهُ: أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الله الهَمْدَانيّ أخبرنا الحَجّاجُ بنُ مُحمّدٍ قَالَ قَالَ ابنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عَن سُهَيْلِ بنِ أبي صَالِحٍ عَن أَبِيهِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "مَنْ جَلَس في مَجْلِسٍ فَكثُرَ فيهِ لَغَطُهُ؟ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ: سُبْحَانَكَ اللّهُمّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ
ـــــــ
باب "ما يقول إذا قام من مجلسه"
قوله: "حدثنا الحجاج بن محمد" المصيصي الأعور. قوله: "فكثر" بضم الثاء "لغطه" بفتحتين أي تكلم بما فيه إثم لقوله غفر له. وقال الطيبي اللغط بالتحريك الصوت والمراد به الهزء من القول وما لا طائل تحته فكأنه مجرد الصوت العرى عن المعنى "فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك" ولعله مقتبس من قوله تعالى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} واللهم معترض لأن قوله وبحمدك متصل بقوله سبحانك إما بالعطف أي أسبح(9/392)
أن لاَ إلَهَ إلاّ أنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ إِلاّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ في مَجْلِسِهِ ذَلِكَ" .وفي البابِ عَن أَبي بَرْزَةَ وعَائِشَةَ. هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلٍ إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
3495 ـ حدثنا نَصْرُ بنُ عَبْدِ الله الكُوفِيّ أخبرنا المُحَارِبيّ عَن مَالِكٍ بنِ مِغْوَلٍ عَن مُحمّدِ بنِ سُوقَةَ عَن نَافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ قَالَ "كَانَ تعَدّ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في المجلِسِ الوَاحِدِ مائَة مَرّةٍ مِنْ قَبْلِ أن يَقُومَ رَبّ اغْفِرْ لِي وتُبْ عَلَيّ إِنّكَ أَنْتَ التّوّابُ الغَفُورُ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
وأحمد أو بالحال أي أسبح حامداً لك "إلا غفر له" أي ما حبس شخصاً مجلس فكثر لغطه فيه فقال ذلك إلا غفر له "ما كان" أي من اللغط. قوله: "وفي الباب عن أبي برزة وعائشة" أما حديث أبي برزة فأخرجه أبو داود والنسائي والحاكم في المستدرك، وأما حديث عائشة فأخرجه النسائي والحاكم في المستدرك وصححه. وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الشوكاني في تحفة الذاكرين، وقد أفرد الحافظ ابن كثير لأحاديث الباب جزءاً بذكر طرقها وألفاظها وعللها وما يتعلق بها. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه أبو داود والنسائي والحاكم في مستدركه والبيهقي في الدعوات الكبير وابن حبان.
قوله: "حدثنا المحاربي" هو عبد الرحمن بن محمد. قوله: "تعد" بضم الفوقية بصيغة المجهول ونائب الفاعل قوله رب اغفر لي الخ، وفي بعض النسخ يعد بالتحتية، وفي رواية أبي داود إن كنا لنعد "لرسول الله صلى الله عليه وسلم" متعلق بتعد "مائة مرة" مفعول مطلق لتعد "وتب علي" أي ارجع(9/393)
ـــــــ
علي بالرحمة أو وفقني للتوبة أو أقبل توبتي "إنك أنت التواب الغفور" صيغتا مبالغة. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان.(9/394)
40 ـ باب مَا يَقُولُ عِنْدَ الكَرْب
3496 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا معَاذُ بنُ هِشَامٍ قَالَ: حدثني أَبي عَن قَتَادَةَ عَن أَبي العَالِيَةِ عَن ابنِ عَبّاسٍ "أَنّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو عِنْدَ الكَرْبِ لاَ إلَهَ إلاّ الله الحَلِيمُ الْحَكِيمُ لا إلَهَ إلاّ الله رَبّ العَرْشِ العَظيمِ، لا الَهَ الاّ الله رَبّ السّمَاوَاتِ والأَرْضِ وَرَبّ العَرْشِ الكَرِيمِ" .
ـــــــ
باب "ما يقال عند الكرب"
قوله: "حدثني أبي" أي هشام الدستوائي "عن أبي العالية" هو الرياحي. قوله: "كان يدعو عند الكرب" أي عند حلول الكرب وهو بفتح الكاف وسكون الراء بعدها موحدة أي الغم الذي يأخذ النفس كذا في الصحاح، وقيل الكرب أشد الغم. وقال الحافظ هو ما يدهم المرء مما يأخذ بنفسه فيغمه ويحزنه "لا إله إلا الله الحليم" هو الذي يؤخر العقوبة مع القدرة "الحكيم" أي ذو الحكمة وهي كمال العلم وإتقان العمل أو فعيل بمعنى الفاعل فهو مبالغة الحاكم فإنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه، أو بمعنى المفعل أي الذي يحكم الأشياء ويتقنها "لا إله إلا الله رب العرش العظيم" بالجر على أنه نعت للعرش عند الجمهور، ونقل ابن التين عن الداودي أنه رواه برفع(9/394)
3497 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا ابنُ أَبي عَدِيّ عَن هِشَامٍ عَن قَتَادَةَ عَن أَبي العَالِيَةِ عَن ابنِ عَبّاسٍ عَن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بِمثْلِهِ قال وفي البابِ عَن عَلِيّ. هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3498 ـ حدثنا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بنُ المُغِيرَةِ المَخْزُومِيّ المُدَنِيّ وَغَيْرُ وَاحِد قَالُوا: أخبرنا ابنُ أبي فُدَيْكٍ عَن ابْرَاهِيمَ بنِ الفَضْلِ عَن المَقْبُرِيّ عَن أَبي هُرَيْرَةَ "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا أَهَمّهُ الأَمْرُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السّمَاءِ فَقَالَ: سُبْحَانَ الله العَظِيمِ وَإِذَا اجْتَهَدَ في الدّعَاءِ
ـــــــ
العظيم على أنه نعت للرب وكذا الكريم في قوله رب العرش الكريم، ووصف العرش بالكريم أي الحسن من جهة الكيفية فهو ممدوح ذاتاً وصفة، وفي قوله رب العرش العظيم وصفه بالعظمة من جهة الكمية. قال النووي: هذا حديث جليل ينبغي الاعتناء به والإكثار عنه عند الكرب والأمور العظيمة، قال الطبري: كان السلف يدعون به ويسمونه دعاء الكرب، فإن قيل هذا ذكر وليس فيه دعاء فجوابه من وجهين مشهورين أحدهما: أن هذا الذكر يستفتح به الدعاء ثم يدعو بما شاء، والثاني: جواب سفيان بن عيينة فقال أما علمت قوله تعالى من شغله ذكر عن مسألتي أفضل ما أعطى السائلين، وقال الشاعر:
إذا أثنى عليك المرء يوماً ... كفاه عن تعرضه الثناء
انتهى.
قلت: ويؤيد الأول رواية أبي عوانة فإنه زاد في مسنده الصحيح ثم يدعو بعد ذلك، قوله: "وفي الباب عن علي" أخرجه النسائي وصححه الحاكم. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة.
قوله: "عن إبراهيم بن الفضل" المخزومي المدني "عن المقبري" هو سعيد ابن أبي سعيد المقبري. قوله: "إذا أهمه الأمر" أي أحزنه وأقلقه "رفع(9/395)
قَالَ: يَا حَيّ يَا قَيّومُ" . هَذا حديثٌ حسنٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
رأسه إلى السماء" مستغيثاً مستعيناً متضرعاً "وإذا اجتهد في الدعاء" أي بذل الوسع فيه.(9/396)
باب ما يقول إذا نزل منزلا
...
41 ـ باب مَا جَاءَ مَا يَقُولُ إِذَا نَزَلَ مَنْزِلا
3499 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا اللّيْثُ عَن يَزِيدَ بنِ أَبي حَبِيبٍ عَن الحارثِ بنِ يَعْقُوبَ عَن يَعْقُوبَ بنِ عَبْدِ الله بنِ الأَشَجّ عَن بُسْرِ بنِ سَعِيدٍ عَن سَعْدِ بنِ أَبي وَقّاصٍ عَن خَوْلَةَ بِنْت الحَكِيمِ السّلَمِيّةِ عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً ثُمّ قَالَ أَعُوذُ بِكلِمَاتِ الله التّامّاتِ مِن شَرّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرّهُ شيءٌ حَتّى يَرْتَحِلَ
ـــــــ
باب "ما جاء ما يقول إذا نزل منزلا"
قوله: "أخبرنا الليث" هو ابن سعد "عن الحارث بن يعقوب" الأنصاري مولاهم المصري ثقة عابد من الخامسة "عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج" أبي يوسف المدني مولى قريش ثقة من الخامسة. قوله: "أعوذ بكلمات الله التامات" قال الهروي وغيره: الكلمات هي القرآن والتامات قيل هي الكاملات، والمعنى أنه لا يدخلها نقص ولا عيب كما يدخل في كلام الناس، وقيل هي النافعات الكافيات الشافيات من كل ما يتعوذ منه "حتى يرتحل" أي ينتقل، وفيه رد على ما كان يفعله أهل الجاهلية من كونهم إذا نزلوا منزلاً قالوا نعوذ بسيد هذا الوادي ويعنون به كبير الجن، ومنه قوله تعالى في سورة الجن {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} . قوله: "هذا حديث حسن غريب صحيح" وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجة وابن أبي(9/396)
مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صحيحٌ. وَرَوى مَالِكُ بنُ أَنَسٍ هَذَا الحَدِيثَ أَنّهُ بَلَغَهُ عَن يَعْقُوبَ بن عبد الله بنِ الأَشَجّ فَذَكَرَ نَحْوَ هَذَا الحَدِيثِ، وَرُوِيَ عَن ابنِ عَجْلاَنَ هَذَا الحَدِيثُ عَن يَعْقُوبَ ابنِ عَبْدِ الله بنِ الأَشَجّ وَيَقُولُ عَن سَعِيدٍ بنِ المُسَيّبِ عَن خَوْلَةَ وحَدِيثُ اللّيْثِ أَصَحّ مِنْ رِوَايَةِ ابنِ عَجْلاَنَ.
ـــــــ
شيبة وابن خزيمة في صحيحه "وروى مالك بن أنس هذا الحديث أنه بلغه عن يعقوب بن الأشج الخ" وفي موطإ مالك عن الثقة عنده عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد الخ "وروى عن ابن عجلان هذا الحديث عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج ويقول عن سعيد بن المسيب عن خلولة" رواه أحمد من هذا الطريق ففي مسنده حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عفان حدثنا وهيب بن خالد قال حدثنا محمد بن عجلان عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج عن سعيد بن المسيب عن سعد عن خولة بنت حكيم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن أحدكم إذا نزل منزلا الحديث" "وحديث الليث أصح من رواية ابن عجلان" لأن الحارث بن يعقوب أحفظ من ابن عجلان.(9/397)
42 ـ باب مَا يَقُولُ إِذَا خَرَجَ مُسَافِرا
3500 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ عُمَرَ بنِ عَلِيّ المُقَدّمِيّ، أخبرنا ابنُ أَبي عَدِيّ عَن شُعْبَةَ عَن عَبْدِ الله بنِ بِشْرٍ الْخَثْعَمِيّ عَن أبي زُرْعَةَ عَن أَبي هُرَيْرَةَ
ـــــــ
باب "ما يقول إذا خرج مسافرا"
قوله: "أخبرنا ابن أبي عدي" هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي "عن عبد الله(9/397)
قَالَ "كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا سافَرَ فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ قَالَ بإِصْبَعِهِ وَمَدّ شُعْبَةُ إصْبَعَهُ قَالَ: اللّهُمّ أَنْتَ الصّاحِبُ في السّفَرِ والخَلِيفَةُ في الأَهْلِ، اللّهُمّ اصْحَبْنَا بِنُصْحِكَ وَاقْلِبْنَا بِذِمّةٍ. اللّهُمّ ازْوِ لَنَا الأَرْضَ وَهَوّنْ عَلَيْنَا السّفَرَ. اللّهُمّ إنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ وَكآبَةِ المُنْقَلِب" .
ـــــــ
ابن بشر الخثعمي" أبي عمير الكاتب الكوفي صدوق من الرابعة "عن أبي زرعة" بن عمرو بن جرير. قوله: "قال بإصبعه" أي أشار بها "ومد شعبة أصبعه" بياناً لقوله قال بأصبعه "اللهم أنت الصاحب في السفر" أي الحافظ والمعين والصاحب في الأصل الملازم والمراد مصاحبة الله إياه بالعناية والحفظ والرعاية، فنبه بهذا القول على الاعتماد عليه والاكتفاء به عن كل مصاحب سواه "والخليفة في الأهل" الخليفة من يقوم مقام أحد في إصلاح أمره. قال التوربشتي: المعنى أنت الذي أرجوه وأعتمد عليه في سفري بأن يكون معيني وحافظي وفي غيبتي عن أهلي أن تلم شعثهم وتداوي سقمهم وتحفظ عليهم دينهم وأمانتهم "أللهم اصحبنا" بفتح الحاء من باب سمع يسمع "بنصحك" أي احفظنا بحفظك في سفرنا "واقلبنا" بكسر اللام من باب ضرب يضرب "بذمة" وفي بعض النسخ بذمتك أي وارجعنا بأمانك وعهدك إلى بلدنا "اللهم أزو لنا الأرض" أي اجمعها واطوها من زاوي يزوي زيا "وهون" أمر من التهوين أي يسر "من وعثاء السفر" بفتح الواو وإسكان العين المهملة وبالثاء المثلثة بالمد أي شدته ومشقته وأصله من الوعث وهو الرمل والمشي فيه يشتد على صاحبه ويشق يقال رمل أوعث وعثاء "وكآبة المنقلب" الكآبة بفتح الكاف وبالمد وهي تغير النفس بالانكسار من شدة الهم والحزن يقال كئب كآبة واكئب فهو مكتئب وكئيب المعنى أنه يرجع من سفره بأمر يحزنه إما إصابة في سفره وإما قدم عليه مثل أن يعود غير مقضي الحاجة أو أصابت ماله آفة أو يقدم على أهله فيجدهم مرضى أو قد فقد بعضهم كذا في النهاية. والمنقلب بفتح(9/398)
3501 ـ حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ أخبرنا شُعْبَةُ بِهذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ.
هَذَا حَدِيث حَسَنٌ غريبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ولاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ ابنِ أبي عَدِيّ عَن شُعْبَةَ.
3502 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضّبِيّ، أخبرنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عَن عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَن عَبْدِ الله بنِ سَرْجِسَ قَالَ "كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم إذَا سَافَرَ يَقُولُ: اللّهُمّ أنْتَ الصّاحِبُ في السّفَرِ والخَلِيفَةُ في الأَهْلِ اللّهْمّ اصْحَبْنَا في سَفَرِنَا واخْلُفْنَا في أَهْلنَا. اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ وَكآبَةِ المُنْقَلَبِ ومِنَ الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْرِ ومِنْ دَعْوَةِ المَظْلُومِ ومِنْ سُوءِ المَنْظِرِ في الأَهْلِ والمَال" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. ويُروَى الحَوْر
ـــــــ
اللام المرجع. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو داود والنسائي والحاكم في مستدركه. قوله: "واخلفنا" بضم اللام من باب نصر أي كن خليفتنا "ومن الحور بعد الكور" أي من النقصان بعد الزيادة وقيل من فساد الأمور بعد صلاحها، وأصل الحور نقض العمامة بعد لفها وأصل الكور من تكوير العامة وهو لفها وجمعها "ومن دعوة المظلوم" أي أعوذ بك من الظلم فإنه يترتب عليه دعاء المظلوم ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، ففيه التحذير من الظلم ومن التعرض لأسبابه. قال الطيبي فإن قلت: دعوة المظلوم يحترز عنها سواء كانت في الحضر أو السفر، قلت كذلك الحور بعد الكور لكن السفر مظنة البلايا والمصائب والمشقة فيه أكثر فخصت به انتهى. ويريد به أنه حينئذ مظنة للنقصان في الدين والدنيا وباعث على التعدي في حق الرفقة وغيرهم لا سيما في مضيق الماء كما هو مشاهد في سفر الحج فضلاً عن غيره "ومن سوء المنظر" بفتح الظاء "في الأهل والمال" أي من أن يطمع ظالم أو فاجر في المال(9/399)
"بَعْدَ الكَوْنِ" أَيضاً. قال: ومَعْنَى قَوْلِهِ "الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْنِ" أَو "الكَوْرِ" وَكلاَهُمَا لَهُ وَجْهٌ إنّمَا هُوَ الرّجُوعُ مِنَ الإِيمَانِ إِلى الكُفْرِ أو مِنَ الطّاعَةِ إلى المَعْصِيَةِ إنّمَا يَعْنِي الرُجُوعِ من شَيْءٍ إلى شَيْءٍ مِنَ الشّرّ.
ـــــــ
والأهل قاله القاري، وقال في المجمع: سوء المنظر في الأهل والمال أن يصيبهما آفة بسوء النظر إليه. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة "ويروي الحور بعد الكون أيضاً" كذا رواه مسلم في صحيحه بالنون. قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ من صحيح مسلم بعد الكون بالنون بل لا يكاد يوجد في نسخ بلادنا إلا بالنون. وكذا ضبطه الحفاظ المتقنون في صحيح مسلم "ومعنى قوله الحور بعد الكون أو الكور الخ" قال النووي بعد ذكر كلام الترمذي هذا وكذا قال غيره من العلماء معناه بالراء والنون جميعاً الرجوع من الاستقامة أو الزيادة إلى النقص، قالوا: ورواية الراء: مأخوذة من تكوير العمامة وهو لفها وجمعها، ورواية النون: مأخوذة من الكون مصدر كان يكون كونا إذا وجد واستقر أي أعوذ بك من النقص بعد الوجود والثبات. قال المازري في رواية الراء قيل أيضاً: إن معناه: أعوذ بك من الرجوع عن الجماعة بعد أن كنا فيها، يقال: كان عمامته إذا لفها، وحارها إذا نقضها. وقيل: نعوذ بك من أن تفسد أمورنا بعد صلاحها كفساد العمامة بعد استقامتها على الرأس. وعلى رواية النون قال أبو عبيد: سئل عاصم عن معناه فقال: ألم تسمع قولهم: "حار بعد ما كان" أي أنه كان على حالة جميلة فرجع عنها انتهى.(9/400)
43 ـ باب مَا جاء ما يَقُولُ إذَا رجع مِن سفره
3503 ـ حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أبُو دَاوُدَ، قال: أنْبَأنَا شُعْبَةُ عَن أبي إسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الرّبِيعَ بن البَرَاءِ بن عَازِبٍ يُحَدّثُ عَن أَبِيهِ: "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ قالَ: آئبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبّنَا حَامِدُونَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وَرَوى الثّوْرِيّ هَذَا الحَدِيثَ عَن أَبي إسْحَاقَ عَن البَرَاءِ ولَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَن الرّبِيعِ بنِ البَرَاءِ. وَرِوَايَةُ شُعْبَةَ أَصَحّ. وفي البابِ عَن ابنِ عمَرَ وَأنَسٍ وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ الله.
ـــــــ
"باب مَا جاء ما يَقُولُ إذَا رجع مِن سفره"
قوله: "أخبرنا أبو داود" هو الطيالسي "سمعت ألربيع بن البراء بن عازب" الأنصاري الكوفي ثقة من الثالثة. قوله: "آئبون" أي نحن راجعون جمع آئب من آب إذا رجع، قال الحافظ وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة والاتصاف بالأوصاف المذكورة يعني في حديث ابن عمر الذي أشار إليه الترمذي في الباب "تائبون" فيه إشارة إلى التقصير في العبادة وقال صلى الله عليه وسلم على سبيل التواضع أو تعليماً لأمته، والمراد أمته، وقد تستعمل التوبة لإرادة الاستمرار على الطاعة فيكون أن لا يقع منهم ذنب "لربنا حامدون" أي لا لغيره لأنه هو المنعم علينا. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد في مسنده "وروى الثوري هذا الحديث عن أبي إسحاق عن البراء ولم يذكر فيه عن الربيع بن البراء" ورواية الثوري هذه أخرجها أحمد في مسنده "ورواية شعبة أصح(9/401)
ـــــــ
لا يظهر وجه الأصحية فتفكر". قوله: "وفي الباب عن ابن عمر وأنس وجابر بن عبد الله" أما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ولفظ البخاري: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول لا "إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وهو على كل شيء قدير آئبون" الحديث، وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان والنسائي، وأما حديث جابر بن عبد الله فلينظر من أخرجه.(9/402)
44- باب منه
3504 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا إسْمَاعيلُ بنُ جَعْفَرٍ عَن حُمَيْدٍ عَن أنَسٍ "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَنَظَرَ إِلى جُدْرَانِ المَدِينَةِ أوْضَعَ رَاحِلَتَهُ، وَإنْ كانَ عَلَى دَابّةٍ حَرّكَهَا مِنْ حُبّهَا" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
"باب منه"
قوله: "أخبرنا إسماعيل بن جعفر" الأنصاري الزرقي. قوله: "فنظر إلى جدران المدينة" بضم الجيم وسكون الدال وفي آخره نون جمع جدار "أوضع راحلته" أي أسرعها يقال وضع البعير أي أسرع في مشيه وأوضعه راكبه أي حمله على السير السريع، والإيضاع مخصوص بالبعير والراحلة النجيب والنجيبة من الإبل في الحديث: "الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة" "وإن كان على دابة" كالبغل والفرس "حركها" جواب إن "من حبها" تنازع فيه الفعلان أي من أجل حبه صلى الله عليه وسلم إياها أو أهلها. وفي الحديث دلالة على فضل المدينة وعلى مشروعية حب الوطن والحنين إليه. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه أحمد والبخاري في الحج.(9/402)
45 ـ باب ما يَقُولُ إذَا وَدّعَ إنْسَانا
3505 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ أبي عُبَيْدِ الله السّلِميّ البَصْرِي، أخبرنا أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ عَن إِبْرَاهِيمَ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ يَزِيدَ بنِ أُمَيّةَ عَن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ قالَ: "كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم إذَا وَدّعَ رَجُلاً أَخَذَ بِيَدِهِ فَلاَ يَدَعهَا حَتّى يَكُونَ الرّجُلُ هُوَ يَدَعُ يَدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَيَقُولُ: أَسْتَوْدِع الله دِينَكَ وأمَانَتَكَ وآخِرَ عَمَلِكَ" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وقد رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَن ابنِ عُمَرَ.
ـــــــ
"باب ما جاء ما يقول إذا ودع إنسانا"
قوله: "حدثنا أحمد بن أبي عبيد الله" إسم أبي عبيد الله هذا بشر، ووقع في النسخة الأحمدية: أحمد بن عبيد الله بغير لفظ أبي وهو غلط "عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن يزيد بن أمية" المدني مجهول من السابعة. قوله: "إذا ودع رجلاً" أي مسافراً "أخذ بيده فلا يدعها" أي فلا يترك يد ذلك الرجل من غاية التواضع ونهاية إظهار المحبة والرحمة "ويقول" أي للمودع "أستودع الله دينك" أي أستحفظ وأطلب منه حفظ دينك "وأمانتك" أي حفظ أمانتك فيما تزاوله من الأخذ والإعطاء ومعاشرة الناس في السفر إذ قد يقع منك هناك خيانة، وقيل أريد بالأمانة الأهل والأولاد الذين خلفهم، وقيل المراد بالأمانة التكاليف كلها كما فسر بها قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} الآية "وآخر عملك" أي في سفرك أو مطلقاً كذا قيل قال القاري، والأظهر أن(9/403)
3506 ـ حدثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ مُوسَى الفَزَارِيّ، أخبرنا سَعِيدُ بنُ خُيْثَمٍ عَن حَنْظَلَةَ عَن سَالمٍ "أنّ ابنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لِلرّجُلِ إذَا أَرَادَ سَفَراً أنْ ادْنُ مِنّي أوَدّعْكَ كَمَا كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُوَدّعُنَا فَيَقُولُ: أسْتَوْدِع الله دِينَكَ وأمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ سَالمِ بنِ عَبْدِ الله.
ـــــــ
المراد به حسن الخاتمة لأن المدار عليها في أمر الآخرة وأن التقصير فيما قبلها مجبور بحسنها ويؤيده قوله وخواتيم عملك في الرواية الآتية. قال الطيبي قوله أستودع الله هو طلب حفظ الوديعة وفيه نوع مشاكلة للتوديع وجعل دينه وأمانته من الودائع لأن السفر يصيب الإنسان فيه المشقة والخوف فيكون ذلك سبباً لإهمال بعض أمور الدين فدعا له صلى الله عليه وسلم بالمعونة والتوفيق ولا يخلو الرجل في سفره ذلك من الاشتغال بما يحتاج فيه إلى الأخذ والإعطاء والمعاشرة مع الناس فدعا له بحفظ الأمانة والاجتناب عن الخيانة، ثم إذا انقلب إلى أهله يكون مأمون العاقبة عما يسوءه في الدين والدنيا. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه ابن ماجة.
قوله: "حدثنا سعيد بن خثيم" بمعجمة ومثلثة مصغر بن رشد الهلالي أبو معمر الكوفي صدوق رمي بالتشيع له أغاليط من التاسعة "عن حنظلة" بن أبي سفيان الجمحي. قوله: "أن أدن" أي أقرب أمر من دنا يدنو "وخواتيم عملك" جمع خاتم أي ما يختم به عملك أي أخبره. والجمع لإفادة عموم أعماله. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وابن حبان في صحيحهما.(9/404)
46 ـ باب منه
3507 ـ حدثنا عَبْدُ الله بنُ أَبي زِيَادٍ، أخبرنا سَيّارٌ، أخبرنا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ عَن ثَابِتٍ عَن أَنَسٍ قالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ يا رسولَ الله إنّي أُرِيدُ سَفَراً فَزَوّدْنِي، قالَ: زَوّدَكَ الله التّقْوَى. قالَ زِدْنِي. قالَ وَغَفَر ذَنْبَكَ. قالَ زِدْنِي بِأبي أنْتَ وأَمّي. قالَ ويَسّر لَكَ الْخَيْرَ حَيْثُ ما كُنْتَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
"باب منه"
قوله "حدثنا عبد الله بن أبي زياد" القطواني الكوفي "أخبرنا سيار" بن حاتم العنزي أبو سلمة البصري "حدثنا جعفر بن سليمان" الضبعي. قوله: " فزودني" أمر من التزويد وهو إعطاء الزاد والزاد طعام يتخذ للسفر يعني ادع لي دعاء يكون بركته معي في سفري كالزاد "زودك الله التقوى" أي الاستغناء عن المخلوق أي امتثال الأوامر واجتناب النواهي "قال زدني" أي من الزاد أو من الدعاء "قال زدني بأبي أنت وأمي" أي أفديك بهما وأجعلهما فداءك فضلاً عن غيرهما "ويسر لك الخير" أي سهل لك خير الدارين "حيث ما كنت" أي في أي مكان حللت ومن لازمه في أي زمان نزلت. قال الطيبي: يحتمل أن الرجل طلب الزاد المتعارف فأجابه عليه الصلاة والسلام بما أجابه على طريقة أسلوب الحكيم أي زادك أن تتقي محارمه وتجتنب معاصيه ومن ثم لما طلب الزيادة قال وغفر ذنبك. فإن الزيادة من جنس المزيد عليه وربما زعم الرجل أن يتقي الله وفي الحقيقة لا يكون تقوى تترتب عليه المغفرة فأشار بقوله وغفر ذنبك أن يكون ذلك الاتقاء بحيث يترتب عليه المغفرة ثم توقي منه إلى قوله ويسر لك الخير فإن التعريف في الخير للجنس فيتناول خير الدنيا والآخرة. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه النسائي والحاكم في مستدركه.(9/405)
47 ـ باب منه
3508 ـ حدثنا مُوسَى بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الكِنْدِيّ الكُوفيّ أخبرنا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ قالَ: أخْبَرَنِي أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ عَن سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "أنّ رَجُلاً قالَ يا رسولَ الله إنّي أُرِيدُ أَنْ أُسَافِرَ فأَوْصِنِي، قَالَ عَلَيْكَ بِتَقْوَى الله، وَالتّكْبِير عَلَى كُلّ شَرَفٍ. فَلَمّا أن وَلّى الرّجُلُ قالَ: اللّهُمّ اطْوِ لَهُ الأرْض، وَهَوّنْ عَلَيْهِ السّفَرَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ.
ـــــــ
"باب منه"
قوله: "حدثنا زيد بن حباب" أبو الحسين العكلي "أخبرني أسامة بن زيد" الليثي قوله: "عليك بتقوى الله" أي بمخافته والحذر من عصيانه "والتكبير" أي قول الله أكبر، ومناسبة التكبير عند الصعود إلى المكان المرتفع أن الاستعلاء والارتفاع محبوب للنفوس لما فيه من استشعار الكبرياء فشرع لمن تلبس به أن يذكر كبرياء الله تعالى وأنه أكبر من كل شيء فيكبره ليشكر له ذلك فيزيده من فضله. قاله الحافظ: "على كل شرف" بالتحريك أي مكان عال "فلما أن ولى الرجل" أي أدبر وأن زائدة "قال" أي دعا له بظهر الغيب فإنه أقرب إلى الإجابة "اللهم اطو له البعد" أمر من الطي أي قربه له وسهل له والمعنى ارفع عنه مشقة السفر بتقريب المسافة البعيدة له حساً أو معنى "وهون عليه السفر" أي أموره ومتاعبه وهو تعميم بعد تخصيص. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه النسائي وابن ماجة(9/406)
48 ـ باب مَا ذُكِرَ في دَعْوَةِ المُسَافِر
3509 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا أَبُو عَاصِمٍ، أخبرنا الْحَجّاجُ الصّوّافُ عَن يَحْيى بنِ أَبي كَثِيرٍ عَن أَبي جَعْفرٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَاباتٌ: دَعْوَةُ المَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ" .
3510 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ إبْرَاهِيمَ عَن هِشَامٍ الدّسْتَوَائِيّ عَن يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ بِهَذَا الإسْنَادِ نَحْوَهُ وَزَادَ فِيهِ "مُسْتَجَابَاتٌ لاَ شَكّ فِيهِنّ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ. وأَبُو جَعْفَرٍ الرازي هَذَا هو الّذِي رَوَى عَنْهُ يَحْيَى بنُ أبي كَثِيرٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ المُؤَذّنُ. وَلاَ نَعْرِفُ إسْمَهُ.
ـــــــ
"باب" ما ذكر في دعوة المسافر
قوله: "أخبرنا أبو عاصم" اسمه الضحاك بن مخلد النبيل. قوله: "دعوة المظلوم" أي لمن يعينه وينصره أو يسليه ويهون عليه أو على من ظلمه بأي نوع من أنواع الظلم "ودعوة المسافر" يحتمل أن تكون دعوته لمن أحسن إليه وبالشر لمن آذاه وأساء إليه لأن دعاءه لا يخلو عن الرقة "ودعوة الوالد على ولده" . لم تذكر الوالدة لأن حقها أكثر فدعاؤها أولى بالإجابة.
قوله: "حدثنا إسماعيل بن إبراهيم" بن مقسم المعروف بابن علية "بهذا الإسناد نحوه وزاد فيه مستجابات لا شك فيهن" أخرج الترمذي هذا الحديث بهذا السند في باب دعاء الوالدين في أوائل البر والصلة(9/407)
49 ـ باب ما جَاءَ مَا يَقُولُ إِذَا رَكِبَ دابة
3511 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، حَدّثَنا أَبُو الأحْوَصِ عَن أبي إسْحاقَ عَن عَلِيّ بنِ رَبِيعَةَ قالَ: "شَهِدْتُ عَلِيّا أُتِيَ بِدَابّةٍ لِيَرْكَبَهَا فَلَمّا وَضَعَ رِجْلَهُ في الرّكَابِ قالَ: بِسْمِ الله ثلاثاً، فَلَمّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا قالَ الْحَمْدُ لله. ثُمّ قالَ: {سُبْحَانَ الّذِي سَخّرَ لَنَا هَذَا ومَا كُنّا لَهُ مُقْرِنينَ وَإنّا إلى رَبّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} ثُمّ قالَ: الْحَمْدُ لله ثَلاَثاً والله أَكْبَرُ ثلاثاً سُبْحَانَكَ إنّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغْفِرْ لِي فإِنّهُ لا يَغْفِرُ الذّنُوبَ إلاّ أَنْتَ ثُمّ ضَحِكَ. فَقُلْتُ مِنْ أَيّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ؟ قالَ رأيْتُ
ـــــــ
قوله: "حدثنا أبو الأحوص" اسمه سلام بن سلم الحنفي "عن أبي إسحاق" السبيعي "عن علي بن ربيعة" الوالي الأسدي الكوفي. قوله: "أتى" بصيغة المجهول أي جيء "فلما وضع رجله" أي أراد وضع رجله "فلما استوى على ظهرها" أي استقر على ظهرها "قال الحمد لله" أي على نعمة الركوب وغيرها "ثم قال" أي قرأ {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} أي مطيقين من أقرن للأمر إذا أطاقه وقوى عليه. أي ما كنا نطيق قهره واستعماله لولا تسخير الله تعالى إياه لنا {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} أي لصائرون إليه بعد مماتنا وإليه سيرنا الأكبر، وهذا من باب التنبيه بسير الدنيا على سير الآخرة كما نبه بالزاد الدنيوي على الزاد الأخروي في قوله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} وباللباس الدنيوي على الأخروي في قوله تعالى: {وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}(9/408)
رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ ثُمّ ضَحِكَ فَقُلْتُ مِنْ أيّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ الله؟ قالَ: إِنّ رَبّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إذَا قَالَ رَبّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي إِنّهُ لا يَغْفِرُ الذّنُوبَ غَيْرَكَ" . وفي البابِ عَن ابنِ عُمَر. قال هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3512 ـ حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عَن أَبي الزّبَيْرِ عَن عَلِيّ بنِ عَبْدِ الله البَارِقِيّ عَن ابنِ عُمَرَ: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذَا سَافَرَ فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ كَبّرَ ثَلاَثاً وقالَ: {سُبْحَانَ الّذِي سَخّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنّا إلَى رَبّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} . ثُمّ يَقُولُ: اللّهُمّ إنّي
ـــــــ
"ثم ضحك" أي علي رضي الله عنه "صنع كما صنعت" أي كصنعي المذكور "ثم ضحك" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليعجب" بفتح الجيم "من عباده إذا قال رب اغفر لي ذنوبي الخ" قال الطيبي أن يرتضي هذا القول ويستحسنه استحسان المتعجب انتهى. وقال الجزري في النهاية في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "عجب ربك من قوم يساقون إلى الجنة في السلاسل" أي عظم ذلك عنده وكبر لديه. أعلم الله أنه إنما يتعجب الآدمي من الشيء إذا عظم موقعه عنده وخفي عليه سببه فأخبرهم بما يعرفون ليعلموا موقع هذه الأشياء عنده، وقيل معنى: عجب ربك أي رضي وأثاب فسماه عجباً مجازاً وليس بعجب في الحقيقة، والأول الوجه وإطلاق التعجب على الله مجاز لأنه لا تخفى على الله أسباب الأشياء والتعجب مما خفي سببه ولم يعلم انتهى. قوله: "وفي الباب عن ابن عمر" أخرجه الترمذي بعد هذا. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم في مستدركه.
قوله: "عن علي بن عبد الله البارقي" الأزدي. قوله: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّر} أي ذلل {لَنَا هَذَا} أي المركوب {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا(9/409)
أَسْألُكَ في سَفَرِي هَذَا مِنَ البِرّ وَالتّقْوَى وَمِنَ العَمَلِ مَا تَرْضَى، اللّهُمّ هَوّنْ عَلَيْنَا المَسِيرَ وَاطْوِ عَنّا بُعْدَ الأرْضِ، اللّهُمّ أَنْتَ الصّاحِبُ في السّفَرِ، والْخَلِيفَةُ في الأهْلِ، اللّهُمّ اصْحَبْنَا في سَفَرِنا واخْلُفْنَا في أَهْلِنَا. وَكانَ يَقُولُ إِذَا رَجَعَ إلى أهْلِهِ آيْبُونَ إنْ شَاءَ الله تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبّنَا حَامِدُونَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ.
ـــــــ
لَمُنْقَلِبُونَ} أي راجعون واللام للتأكيد. وهذا الدعاء يسن عند ركوب أي دابة كانت لسفر أو غيره "من البر" أي الطاعة "والتقوى" أي عن المعصية أو المراد من البر الإحسان إلى الناس أو من الله إلينا ومن التقوى ارتكاب الأوامر واجتناب النواهي "ومن العمل" أي جنسه "ما ترضى" أي به عنا "وكان يقول إذا رجع إلى أهله : آئبون" أي نحن راجعون من السفر بالسلامة إلى الوطن، وفي رواية مسلم وأبي داود: وإذا رجع قالهن وزاد فيهن آئبون الخ "إن شاء الله" الظاهر أن هذه الكلمة ههنا للتبرك "لربنا حامدون" قال الطيبي: لربنا يجوز أن يتعلق بقوله عابدون لأن عمل اسم الفاعل ضعيف فيقوى به أو بحامدون ليفيد التخصيص أي نحمد ربنا لا نحمد غيره. وهذا أولى لأنه كالخاتمة للدعاء انتهى. وفي هذا الحديث استجاب هذا الذكر عند ابتداء الأسفار كلها وقد جاءت فيه أذكار كثيرة. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي.(9/410)
50 ـ باب مَا جاء ما يَقُول إذَا هاجَتْ الرّيح
3581 ـ حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنِ الأسْوَدِ أَبُو عَمْرٍو البَصْرِيّ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ رَبِيعَةَ عَن ابنِ جُرَيْجٍ عَن عَطَاءٍ عَن عَائِشَةَ قالَتْ: "كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَأَى الرّيحَ قالَ: اللّهُمّ إني أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهَا وَخَيْرِ ما أُرْسِلَتْ بِهِ وأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّهَا وشَرّ ما فِيهَا وَشَرّ ما أُرْسِلَتْ بِهِ" . وفي البابِ عَن أُبيّ بنِ كَعْبٍ. وهَذا حديثٌ حَسَنٌ.
ـــــــ
باب "ما جاء ما يقول إذا هاجت الريح"
من هاج الشيء يهيج هيجاً وهياجاً وهيجاناً. إذا ثار والمعنى إذا اشتد هبوبها.
قوله: "أخبرنا محمد بن ربيعة" الكلابي. وقوله: "اللهم إني أسألك من خيرها" وفي رواية مسلم خيرها بغير من أي أسألك خير ذاتها "وخير ما فيها" أي من منافعها "وخير ما أرسلت به" أي بخصوصها في وقتها وهو بصيغة المفعول ويجوز أن يكون بصيغة الفاعل. قال الطيبي: يحتمل الفتح على الخطاب وشر ما أرسلت على بناء المفعول ليكون من قيل: أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وقوله صلى الله عليه وسلم: "الخير كله بيدك والشر ليس إليك" انتهى. قوله: "وفي الباب عن أبي بن كعب" أخرجه الترمذي في باب النهي عن سب الرياح من أبواب الفتن. وقوله: "وهذا حديث حسن" وأخرجه مسلم مطولاً.(9/411)
51 ـ باب مَا يَقُولُ إِذَا سمِعَ الرّعْد
3514 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ عَنْ حَجّاجِ بنِ أَرْطَاةَ عَن أَبي مَطَرٍ عَن سَالِمِ بنِ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ عَن أبِيهِ: "أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرّعْدِ والصّوَاعِق قالَ: اللّهُمّ لا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ وَلا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ وعَافِنَا
ـــــــ
باب "ما يقول إذا سمع الرعد"
قوله: "أخبرنا عبد الواحد بن زياد" العبدي البصري "عن أبي مطر" قال في التقريب: أبو مطر شيخ الحجاج بن أرطاة مجهول من السادسة، وفي تهذيب التهذيب في ترجمته ذكره ابن حبان في الثقات. قوله: "كان إذا سمع صوت الرعد" بإضافة العام إلى الخاص للبيان، فالرعد هو الصوت الذي يسمع من السحاب. كذا قال ابن الملك، والصحيح أن الرعد ملك مؤكل بالسحاب، وقد نقل الشافعي عن الثقة عن مجاهد أن الرعد ملك والبرق أجنحته يسوق السحاب بها ثم قال وما أشبه ما قاله بظاهر القرآن. قال بعضهم وعليه فيكون المسموع صوته أو صوت سوقه على اختلاف فيه، ونقل البغوي عن أكثر المفسرين أن الرعد ملك يسوق السحاب والمسموع تسبيحه "والصواعق" قال القاري بالنصب فيكون التقدير وأحسن الصواعق من باب: علفتها تبناً وماءاً بارداً، أو أطلق السمع وأريد به الحسن من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، وفي نسخة يعني من المشكاة بالجر عطفاً على الرعد وهو إنما يصح على بعض الأقوال في تفسير الصاعقة. قال بعضهم قيل هي نار تسقط من السماء في رعد شديد فعلى هذا لا يصح عطفه على شيء مما قبله، وقيل الصاعقة صيحة العذاب أيضاً وتطلق(9/412)
قَبْلَ ذَلِكَ" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
ـــــــ
على صوت شديد غاية الشدة يسمع من الرعد وعلى هذا يصح عطفه على صوت الرعد أي صوت السحاب، فالمراد بالرعد السحاب بالقرينة إضافة الصوت إليه أو الرعد صوت السحاب ففيه تجريد. وقال الطيبي: هي قعقعة رعد ينقض معها قطعة من نار يقال صعقته الصاعقة إذا أهلكته فصعق أي مات إما لشدة الصوت وإما بالإحراق انتهى "لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك" قال القاري: الغضب استعارة والمشبه به الحالة التي تعرض للملك عند انفعاله وغليان دمه ثم الانتقام من المغضوب عليه وأكبر ما ينتقم به القتل فلذلك ذكره ورشح الاستعارة به عرفا وأما الإهلاك والعذاب فجاريان على الحقيقة في حق الله تعالى انتهى.
قلت: لا حاجة إلى تأويل الغضب بما ذكره القاري بل هو محمول على ظاهره كما تقدم مراراً في شرح أحاديث الصفات "وعافنا" أي أمتنا بالعافية "قبل ذلك" أي قبل نزول عذابك. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي في اليوم والليلة والحاكم في مستدركه.(9/413)
52 ـ باب مَا يَقُولُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلاَل
3515 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا أبُو عامِرٍ العَقَدِيّ، أخبرنا سُلَيْمَانُ بنُ سُفْيَانَ المَدينِيّ قال حدّثَنِي بِلاَلُ بنُ يَحْيَى بنِ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ الله
ـــــــ
"باب" ما يقول عند رؤية الهلال
قوله: "حدثني بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله" التيمي المدني لين من(9/413)
عَن أَبِيهِ عَن جَدّه طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ الله: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذَا رَأَى الْهِلاَلَ قالَ: اللّهُمّ أَهْلِهُ عَلَيْنَا بالْيُمْنِ وَإِلايمَانِ والسّلاَمَةِ وَالإسْلاَمِ. رَبّي ورَبّكَ الله" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
السابعة "عن أبيه" أي يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني ثقة من الثالثة. قوله: "كان إذا رأى الهلال" وهو يكون من الليلة الأولى والثانية والثالثة ثم هو قمر "اللهم أهلله" بصيغة الأمر من الإهلال قال الطيبي يروي مدغماً ومفكوكاً أي أطلعه "علينا" مقترناً "باليمن" أي البركة وفي بعض النسخ بالأمن "والإيمان" أي بدوامه "والسلامة" أي عن كل مضرة وسوء "والإسلام" أي دوامه. قال القاري قال بعض المحققين من علمائنا: الإهلال في الأصل رفع الصوت نقل منه إلى رؤية الهلال لأن الناس يرفعون أصواتهم إذا رأوه بالإخبار عنه ولذلك سمي الهلال هلالاً نقل منه إلى طلوعه لأنه سبب لرؤيته ومنه إلى إطلاعه. وفي الحديث بهذا المعنى: أي أطلعه علينا وأرنا إياه مقترناً بالأمن والإيمان أي باطناً والسلامة والإسلام أي ظاهراً، ونبه بذكر الأمن والسلامة على طلب دفع كل مضرة وبالإيمان والإسلام على جلب كل منفعة على أبلغ وجه وأوجز عبارة انتهى "ربي وربك الله" خطاب للهلال على طريق الالتفات. ولما توسل به لطلب الأمن والإيمان دل على عظم شأن الهلال فقال ملتفتاً إليه ربي وربك الله تنزيها للخالق أن يشارك في تدبير ما خلق ورد الأقاويل داحضة في الآثار العلوية. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد والدارمي والحاكم وابن حبان وزاد: والتوفيق لما تحب وترضى.(9/414)
53 ـ باب ما يَقُولُ عِنْدَ الغَضَب
3516 ـ حدثنا محْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا قَبِيصَةُ، أخبرنا سُفْيَانُ عَن عَبْدِ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ عَن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أَبي لَيْلَى عَن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قالَ: "اسْتَبّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم حَتّى عُرِفَ الغَضَبُ في وجْهِ أَحَدِهِمَا فقالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: إنّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ غَضَبُهُ أعُوذُ بالله مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ" .
3517 ـ حدثنا محمد بن بشّار أخبرنا عبد الرحمن عن سفيان نحوه: وَهَذا حديثٌ مُرْسَلٌ. عَبْدُ الرّحمَنِ ابنُ أَبي لَيْلَى لَمْ يَسْمَعْ
ـــــــ
"باب" ما يقول عند الغضب
قوله: "استب رجلان" أي سب أحدهما الآخر "حتى عرف" بصيغة المجهول "الغضب في وجه أحدهما" وفي رواية أبي داود فغضب أحدهما غضباً شديداً حتى خيل إلى أن أنفه يتمزع من شدة غضبه "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" بدل من كلمة، وفي الحديث: أنه ينبغي لصاحب الغضب أن يستعيذ فيقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأنه سبب لزوال الغضب، وحديث معاذ بن جبل هذا أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي. قوله: "وفي الباب عن سليمان بن صرد" أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي.
قوله: "أخبرنا عبد الرحمن" بن مهدي "وهذا حديث مرسل" أي منقطع(9/415)
مِنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، ماتَ مُعَاذٌ في خِلاَفَةِ عُمَرَ بنِ الْخَطّابِ وقُتِلَ عُمَرُ بنُ الْخَطّابِ وَعبْدُ الرّحمَنِ بنِ أبي لَيْلَى غُلاَمٌ ابنُ سِتّ سِنِينَ. وهَكَذَا رَوَى شُعْبَةُ عَن الْحَكَمِ عَن عَبْدِ الرّحمَنِ بنِ أَبي لَيْلَى. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرّحمَنِ بنِ أبي لَيْلَى عَن عُمَرَ بنِ الْخَطّابِ وَرَآهُ. وَعبْدُالرّحمَنِ بنِ أبي لَيْلَى يُكنّى أَبَا عِيسَى. وَأَبُو ليلى اسْمُهُ يَسَارٌ وَرَوَى عَن عَبْدِ الرّحمَنِ بنِ أبي لَيْلَى قَالَ أَدْرَكْتُ عِشْرِينَ ومائَةً مِنَ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
وبين وجه الانقطاع بقوله عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع الخ "وعبد الرحمن بن أبي ليلى غلام ابن ست سنين" الواو للحال قال المنذري في الترغيب بعد نقل كلام الترمذي من قوله هذا حديث مرسل إلى هنا ما لفظه: والذي قاله الترمذي واضح فإن البخاري ذكر ما يدل على أن مولد عبد الرحمن بن أبي ليلى سنة سبع عشرة وذكر غير واحد أن معاذ بن جبل توفي في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة وقيل سنة سبع عشرة، وقد روى النسائي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب وهذا متصل انتهى "هكذا روى شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى" قال ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل: حدثنا علي بن الحسن حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي حدثنا النضر حدثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى قال: ولدت لست يقين من خلافة عمر "وقد روى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر بن الخطاب" أي غير هذا الحديث "ورآه" . وقال الدوري عن ابن معين لم يره، وقال الخليلي في الإرشاد: الحفاظ لا يثبتون سماعه من عمر كذا في تهذيب التهذيب.(9/416)
54 ـ باب مَا يَقُولُ إذَا رَأَى رؤْيَا يَكْرَهُهَا
3518 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، أخبرنا بَكْرُ بنُ مُضَرَ عَن ابن الهَادِ عَن عَبْدِ الله بنِ خَبّابٍ عَن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أنّهُ سَمِعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "إذَا رَأَى أحَدُكُمْ الرّؤْيَا يُحِبّهَا فإِنّمَا هِيَ مِنَ الله فَلْيَحْمَدِ الله عَلَيْهَا ولْيُحَدّثْ بِمَا رَأى، وَإذَا رَأى غَيْرَ ذَلِكَ مِمّا يَكْرَهُ فإِنّمَا هِيَ من الشّيْطَانِ فَلْيَسْتعِذْ بالله مِنْ شَرّهَا
ـــــــ
"باب" ما يقول إذا رأى رؤيا يكرهها
قوله: "أخبرنا بكر بن مضر" المصري "عن عبد الله بن خباب" بفتح معجمة وشدة موحدة أولى الأنصاري البخاري مولاهم المدني ثقة من الثالثة. قوله: "يحبها" حال من الرؤيا "فإنما هي" الرؤيا المحبوبة "من الله" إضافة الرؤيا المحبوبة إلى الله إضافة تشريف "فليحمد الله وليحدث بما رأى" وفي حديث أبي سلمة عن أبي قتادة عند الشيخين فلا يحدث به إلا من يحب. قال الحافظ الحكمة فيه أنه إذا حدث بالرؤيا الحسنة من لا يحب قد يفسرها له بما لا يحب إما بغضاً وإما حسداً فقد تقع على تلك الصفة أو يتعجل لنفسه من ذلك حزناً ونكداً فأمر بترك تحديث من لا يحب بسبب ذلك انتهى. قلت: قد تقدم في باب تعبير الرؤيا حديث أبي رزين العقيلي وفيه: لا تحدث بها إلا لبيباً أو حبيباً، وحديث أبي هريرة وفيه لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح، فينبغي أن يحمل أبي سعيد المطلق على هذه الأحاديث المقيدة. قيل لأن العالم يأولها على الخير مهما أمكنه والناصح يرشد إلى ما ينفع واللبيب العارف بتأويلها والحبيب إن عرف خيراً قاله وإن جهل أو شك سكت "فإنما هي من الشيطان"(9/417)
وَلاَ يَذْكُرْهَا لأِحَدٍ فإِنّهَا لاَ تَضُرّهُ" قال وفي البابِ عَن أَبي قَتَادَةَ. قال: وهَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَابنُ الْهَادِ اسْمُهُ يَزِيدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ أُسَامَةَ بنِ الْهَادِ المَدَنيّ وهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيث رَوَى عَنْهُ مالِكُ والنّاسُ.
ـــــــ
أضيفت إليه لكونها على هواه ومراده، وقيل لأنه الذي يخيل بها ولا حقيقة لها في نفس الأمر "فليستعذ بالله من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره" حاصل ما ذكر من أدب الرؤيا الصالحة ثلاثة أشياء أن يحمد الله عليها، وأن يستبشر بها، وأن يتحدث بها لكن لمن يحب دون من يكره. وحاصل ما ذكر من أدب الرؤيا المكروهة ستة أشياء: أن يتعوذ بالله من شرها وشر الشيطان. وأن يتفل حين يهب من نومه عن يساره ثلاثاً، ولا يذكرها لأحد أصلاً، وأن يصلي. وأن يتحول عن جنبه الذي كان عليه. وقد تقدم بقية الكلام في هذا في باب إذا رأى في المنام ما يكره ما يصنع. قوله: "وفي الباب عن أبي قتادة" أخرج حديثه الترمذي في الباب المذكور. قوله "هذا حديث حسن غريب صحيح" وأخرجه البخاري والنسائي(9/418)
55 ـ باب ما يَقُولُ إذَا رَأى البَاكُورَةَ مِنَ الثّمَر
3519 ـ حدثنا الأَنْصَارِيّ، أخبرنا مَعْنٌ، أخبرنا مالِكٌ وأخبرنا قتيبة عن مالك عَن سُهَيْلِ بنِ أبي صَالِحٍ عَن أبِيهِ عَن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: "كَانَ النّاسُ إذَا رَأَوْا أوّلَ الثّمَرِ جَاؤوا بِهِ إِلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فإِذَا أخَذَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: اللّهُمّ بَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا، وَبَارِكْ لَنَا في مَدِينَتِنَا، وبَارِكَ لَنَا في صَاعِنَا ومُدّنَا، اللّهُمّ إِنّ إِبْرَاهيمَ عَبْدُكَ وخَلِيلُكَ. وَنَبِيّكَ وإِنّي عَبْدُكَ وَنَبِيّكَ وإنّهُ دَعَاكَ لِمَكّةَ وأنَا أدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ بِهِ لِمَكَةَ. ومِثْلهُ
ـــــــ
"باب" ما يقول إذا رأى الباكورة من الثمر
الباكورة أول ما يدرك من الفاكهة
قوله: "إذا رأوا أول الثمر" وهو الذي يسمى الباكورة "جاؤوا به" أي بأول الثمر "إلى النبي صلى الله عليه وسلم" قال العلماء كانوا يفعلون ذلك رغبة في دعائه صلى الله عليه وسلم في الثمر والمدينة والصاع والمد وإعلاماً له صلى الله عليه وسلم بابتداء صلاحها لما يتعلق بها من الزكاة وغيرها وتوجيه الخارصين "وبارك لنا في مدينتنا" أي في ذاتها من جهة سعتها ووسعة أهلها وقد استجاب الله دعاءه عليه الصلاة والسلام بأن وسع نفس المسجد وما حوله من المدينة وكثر الخلق فيها حتى عد من الفرس المعد للقتال المهيأ بها في زمن عمر أربعون ألف فرس. والحاصل أن المراد بالبركة هنا ما يشمل الدنيوية والأخروية والحسية "وبارك لنا في صاعنا ومدنا" قال(9/419)
مَعَهُ. قالَ ثُمّ يَدْعُو أصْغَرَ وَلِيدٍ يَرَاهُ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثّمَرَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
القاضي: البركة هنا بمعنى النماء والزيادة وتكون بمعنى الثبات واللزوم، قال فقيل يحتمل أن يكون هذه البركة دينية وهي ما تتعلق بهذه المقادير من حقوق الله تعالى في الزكاة والكفارة فتكون بمعنى الثبات والبقاء لها كبقاء الحكم بها ببقاء الشريعة وثباتها، ويحتمل أن تكون دنيوية من تكثير الكيل والقدرة بهذه الأكيال حتى يكفي منه ما لا يكفي من غيره في غير المدينة، أو ترجع البركة إلى التصرف بها في التجارة وأرباحها وإلى كثرة ما يكال بها من غلاتها وثمارها أو تكون الزيادة فيما يكال بها لاتساع عيشهم وكثرته بعد ضيقه لما فتح الله عليهم ووسع من فضله لهم وملكهم من بلاد الخصب والريف بالشام والعراق ومصر وغيرها حتى كثر الحمل إلى المدينة واتسع عيشهم حتى صارت هذه البركة في الكيل نفسه فزاد مدهم وصار هاشمياً مثل مد النبي صلى الله عليه وسلم مرتين أو مرة ونصفاً، وفي هذا كله إجابة دعوته صلى الله عليه وسلم وقبولها انتهى كلام القاضي. قال النووي: والظاهر من هذا كله أن المراد البركة في نفس المكيل في المدينة بحيث يكفي المد فيها لمن لا يكفيه في غيرها انتهى "وإنه دعا لمكة" أي بقوله: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} "بمثل ما دعاك به لمكة ومثله" أي يمثل ذلك المثل "معه" والمعنى بضعف ما دعا إبراهيم عليه الصلاة والسلام "قال" أي أبو هريرة "ثم يدعو" أي النبي صلى الله عليه وسلم "أصغر وليد" أي مولود "يراه" وفي رواية لمسلم: ثم يعطيه أصغر من أن يحضره من الولدان، وفي أخرى له ثم يدعو أصغر وليد له فيعطيه ذلك الثمر. قال القاري: التحقيق أن الروايتين يعني الرواية المطلقة والمقيدة وحمولتان على الحالتين، والمعنى أنه إذا كان عنده أو قريباً منه وليد له أعطاه أو وليد آخر من غير أهله أعطاه إذ لا شك أنهما لو اجتمعا لشارك بينهما نعم إذا لم يكن أحد حاضراً عنده فلا شبهة أنه ينادي أحداً من أولاد أهله لأنه أحق ببره من غيره انتهى "فيعطيه(9/420)
ـــــــ
ذلك الثمر" فيه بيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق وكمال الشفقة والرحمة وملاطفة الكبار والصغار وخص بهذا الصغير لكونه أرغب فيه وأكثر تطلعاً إليه وحرصاً عليه. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم وابن ماجة.(9/421)
56 ـ باب مَا يَقُول إذَا أكَلَ طَعَاما
3520 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا إِسْمَاعيلُ بنُ إِبْرَاهيمَ، أخبرنا عَلِيّ بنُ زَيْدٍ عَن عُمَرَ. وهُوَ ابنُ أبي حَرْمَلَةَ عَن ابنِ عَبّاسٍ قالَ: "دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنا وَخَالِدُ بنُ الوَلِيدِ عَلَى مَيْمُونَةَ فَجَاءَتْنَا بإِنَاءٍ في لَبَن فَشَرِبَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنَا عَنْ يَمِينِهِ وخَالِدٌ عَلى شِمَالِهِ فقالَ: لِي الشّرْبَةُ لَكَ فإِنْ شِئْتَ آثَرْتَ بِهَا خَالِداً فَقُلْتُ مَا كُنْتُ أُوْثِرُ عَلَى سُؤْرِكَ أَحَداً. ثُمّ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَنْ أَطْعَمه الله طعاماً فليقل اللهمّ بَارِك لنا فيه وأَطْعِمْنَا خَيْراً مِنْهُ. وَمَنْ سَقَاهُ الله لَبَناً فَلْيَقُلْ: اللّهُمّ
ـــــــ
"باب" ما يقول إذا أكل طعاما أي إذا أراد أن يأكل طعاما
قوله: "حدثنا إسماعيل بن إبراهيم" هو المعروف بابن علية "حدثنا علي ابن زيد" هو ابن جدعان. قوله: "الشربة لك" أي أنت مستحق لها لأنك على جهة يميني "فإن شئت آثرت بها خالداً" أي اخترت بالشربة على نفسك خالداً "على سؤرك" السؤر بضم السين وسكون الهمزة البقية والفضلة والمعنى ما كنت(9/421)
بارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ. وَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ شَيْءٌ يجزئ مَكانَ الطّعَامِ وَالشّرَابِ غَيْرَ اللّبَنِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَن عَلِيّ بنِ زَيْدٍ فقالَ عَن عُمرَ بنِ حَرْمَلَةَ وَقالَ بَعْضُهُمْ عَمْرُو بنِ حَرْمَلَةَ وَلا يَصِحّ.
ـــــــ
لأختار على نفسي بفضل منك أحداً "من أطعمه الله" وفي رواية أبي داود: إذا أكل أحدكم قال المناوي أي أراد أن يأكل "طعاماً" أي غير لبن "بارك لنا فيه" من البركة وهي زيادة الخير ونموه ودوامه "وأطعمنا خيراً منه" من طعام الجنة أو أعم "وزدنا منه" ولا يقول خيراً منه لأنه ليس في الأطعمة خير منه "ليس شيء يجزئ" بضم الياء وكسر الزاي بعدها همز أي يكفي في دفع الجوع والعطش معاً "مكان الطعام والشراب" أي مكان جنس المأكول والمشروب وبدلهما "غير اللبن" بالرفع على أنه بدل من الضمير في يجزئ. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقي في شعب الإيمان "وقد روى بعضهم هذا الحديث عن علي بن زيد فقال عن عمر بن حرملة الخ" قال الحافظ في تهذيب التهذيب: عمر بن حرملة ويقال ابن أبي حرملة ويقال عمرو البصري روى عن ابن عباس حديث الضب يعني حديث الباب ففي أوله عند أبي داود فجاءوا بضبين مشويين على ثمامتين فتبزق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خالد أخالك تقذره يا رسول الله فقال "أجل" ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن الحديث. وعنه علي بن زيد بن جدعان وقال أبو زرعة لا أعرفه إلإ في هذا الحديث وذكره ابن حبان في الثقات، قال وصحح أنه عمر بضم العين وتبع في ذلك البخاري انتهى.(9/422)
57 ـ باب ما يَقُولُ إِذَا فَرَغَ مِنَ الطّعَام
3521 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، أخبرنا الثوري بنُ يَزِيدَ، أخبرنا خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ عَن أَبي أُمَامَةَ قالَ: "كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا رُفِعَتِ المَائِدَةُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ يَقُولُ: الْحَمْدُ لله حَمْدا كَثِيراً طَيّباً مُبَارَكاً فِيهِ غَيْرَ مُوَدّعٍ وَلاَ مُسْتَغْنَى
ـــــــ
"باب" ما يقول إذا فرغ الطعام
قال ابن بطال اتفقوا على استحباب الحمد بعد الطعام ووردت في ذلك أنواع يعني لا يتعين شيء منها.
قوله: "أخبرنا يحيى بن سعيد" القطان "أخبرنا ثور بن يزيد" أبو خالد الحمصي. قوله: "إذا رفعت المائدة من بين يديه" قد تقدم في الأطعمة من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم لم يأكل على خوان قط. وهنا يقول إذا رفعت مائدته وقد فسروا المائدة بأنها خوان عليه طعام، فأجاب بعضهم عن هذا بأن أنساً ما رأى ذلك ورآه غيره والمثبت مقدم على النافي، أو المراد بالخوان صفة مخصوصة والمائدة تطلق على كل ما يوضع عليه الطعام لأنها مشتقة من ماد يميد إذا تحرك أو أطعم ولا يختص ذلك بصفة مخصوصة، وقد تطلق المائدة ويراد بها نفس الطعام أو بقيته أو إناؤه، وقد نقل عن البخاري أنه قال: إذا أكل الطعام على شيء ثم رفع قيل رفعت المائدة "حمداً" مفعول مطلق للحمد إما باعتبار ذاته أو باعتبار تضمنه معنى الفعل أو لفعل مقدر "طيباً" أي خالصاً من الرياء والسمعة "مباركاً" هو وما قبله صفات لحمداً "فيه" الضمير راجع إلى الحمد أي حمداً ذا بركة دائماً لا ينقطع لأن نعمه لا تنقطع عنا فينبغي أن يكون حمدنا غير منقطع أيضاً ولو نية واعتقاداً "غير مودع" بنصب غير على أنه حال من الحمد(9/423)
عَنْهُ رَبّنَا" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3522 ـ حدثنا أبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ، أخبرنا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ وَأبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَن حَجّاجِ بنِ أَرْطَاةَ عَن رِياحِ بنِ عُبَيْدَةَ قالَ حَفْصٌ عَن ابنِ أخِيّ سَعِيدٍ وَقالَ أَبُو خَالِدٍ عَن مَوْلَى لأَبي سَعِيدٍ عَن
ـــــــ
ومودع اسم مفعول من التوديع أي غير متروك أو من الطعام يعني لا يكون آخر طعامنا أو من الله تعالى أي غير متروك الطلب منه والرغبة إليه، ويجوز رفع غير على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو غير مودع "ولا مستغنى عنه" أي هو محتاج إليه غير مستغني عنه، وفي رواية البخاري غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه. قال الحافظ: قوله غير مكفي بفتح الميم وسكون الكاف وكسر الفاء وتشديد التحتانية. قال ابن بطال يحتمل أن يكون من كفأت الإناء فالمعنى غير مردود عليه إنعامه، ويحتمل أن يكون من الكفاية أي أن الله غير مكفي رزق عباده لأنه لا يكفيهم أحد غيره. وقال ابن التين أي غير محتاج إلى أحد لكنه هو الذي يطعم عباده ويكفيهم، وهذا قول الخطابي. وقال القزاز معناه أنه غير مكتف بنفسي عن كفايته. وقال الداودي معناه لم أكتف من فضل الله ونعمته. قال ابن التين: وقول الخطابي أولى لأن مفعولاً بمعنى مفتعل فيه بعد وخروج عن الظاهر وهذا كله على أن الضمير لله ويحتمل أن يكون الضمير للحمد. وقال إبراهيم الحربي الضمير للطعام ومكفي بمعنى مقلوب من الإكفاء وهو القلب غير أنه لا يكفي الإناء للاستغناء عنه انتهى "ربنا" روى بالرفع والنصب والجر، فالرفع على تقدير هو ربنا أو أنت ربنا اسمع حمدنا ودعاءنا أو على أنه مبتدأ وخبره غير بالرفع مقدم عليه، والنصب على أنه منادي حذف منه حرف النداء أو على المدح أو الاختصاص أو إضماراً عني، والجر على أنه بدل من الله وقيل على أنه بدل من الضمير في عنه. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
قوله: "عن رياح" بكسر أوله ثم تحتانية "بن عبيدة" بفتح العين المهملة(9/424)
أبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قال: "كانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ: الْحَمدُ لله الذِي أطْعَمَنَا وَسَقَانا وَجَعَلَنَا مُسْلمِينَ" .
3523 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ يَزِيدَ الْمُقرِيءُ حدّثنا سَعيدُ بنُ أَبي أَيّوبَ حدّثِني أبُو مَرْحُومٍ عَن سَهْلِ بنِ مُعَاذ بنِ أَنَسٍ عَن أبيهِ قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أكَلَ طَعاماً فقالَ الْحَمدُ لله الّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنّي ولاَ قُوّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وأبُو مَرْحُوم اسْمُهُ عَبْدُ الرحيم بنُ مَيْمُونٍ
ـــــــ
وكسر الموحدة السلمي الكوفي ثقة من الرابعة "قال حفص عن ابن أخي أبي سعيد وقال أبو خالد عن مولى لأبي سعيد عن أبي سعيد" قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة رياح بن عبيدة: روى عن أبي سعيد الخدري وقيل عن ابن أخي أبي سعيد وقيل عن مولى لأبي سعيد وقيل عن عبد الرحمن بن أبي سعيد في القول عند الفراغ من الطعام انتهى. ولم أقف على ترجمة ابن أخي أبي سعيد ولا مولى لأبي سعيد. قوله: "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا الخ" فائدة الحمد بعد الطعام أداء شكر المنعم وطلب زيادة النعمة لقوله تعالى {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} وفيه استحباب تجديد حمد الله عند تجدد النعمة من حصول ما كان الإنسان يتوقع حصوله واندفاع ما كان يخاف وقوعه، ثم لما كان الباعث هنا هو الطعام ذكره أولاً لزيادة الاهتمام به وكان السقي من تتمته لكونه مقارناً له في التحقيق غالباً ثم استطرد من ذكر النعمة الظاهرة إلى النعم الباطنة فذكر ما هو أشرفها وختم به لأن المدار على حسن الخاتمة مع ما فيه من الإشارة إلى كمال الانقياد في الأكل والشرب وغيرهما قدراً ووصفاً ووقتاً احتياجاً واستغناء بحسب ما قدره وقضاه. وحديث أبي سعيد هذا أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وذكره البخاري في تاريخه الكبير وساق اختلاف الرواة فيه.
قوله: "حدثنا محد بن إسماعيل" هو الإمام البخاري "حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ" أبو عبد الرحمن المكي "حدثنا سعيد بن أبي أيوب" الخزاعي. قوله: "الحمد لله الذي أطعمني هذا" أي هذا الطعام "ورزقنيه من غير حول مني"(9/425)
ـــــــ
أي من غير حركة وحيلة مني. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد وابن ماجة.(9/426)
58 ـ باب مَا يَقُولُ إذَا سَمِعَ نَهِيقَ الحِمَار
3524 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، أخبرنا اللّيْثُ عَن جَعْفَرِ بنِ رَبِيعَةَ عَن الأَعْرَجِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدّيكَةِ فاسْألُوا الله مِنْ فَضْلِهِ فإِنّهَا رَأَتْ مَلَكاً، وَإذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ فَتَعَوّذُوا بالله مِنَ الشّيْطَانِ الرّجيم فإِنّهُ رَأى شَيْطَاناً" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
"باب" ما يقول إذا سمع نهيق الحمار
قوله: "أخبرنا الليث" بن سعد "عن جعفر بن ربيعة" بن شرحبيل بن حسنة الكندي أبي شرحبيل المصري ثقة من الخامسة. قوله: "إذا سمعتم صياح الديكة" بكسر الدال المهملة وفتح التحتانية جمع ديك وهو ذكر الدجاج وللديك خصيصته ليست لغيره من معرفته الوقت الليلي فإنه يقسط أصواته فيها تقسيطاً لا يكاد يتفاوت ويوالي صياحه قبل الفجر وبعده لا يكاد يخطئ سواء طال الليل أم قصر "فاسألوا" بالهمزة ونقله "فإنها رأت ملكاً" بفتح اللام. قال عياض كأن السبب فيه جاء تأمين الملائكة على دعائه واستغفارهم له وشهادتهم له بالإخلاص والتضرع. وصحح ابن حبان وأخرجه أحمد وأبو داود من حديث(9/426)
ـــــــ
زيد بن خالد رفعه: "لا تسبوا الديك فإنه يدعو إلى الصلاة" . وعند البزار من هذا الوجه سبب قوله صلى الله عليه وسلم ذلك وأن ديكا صرخ فلعنه رجل فقال ذلك. قال الحليمي يؤخذ منه أن كل من استفيد منه الخير لا ينبغي أن يسب ولا أن يستهان به بل يكرم ويحسن إليه. قال: وليس معنى قوله فإنه يدعو إلى الصلاة أن يقول بصوته حقيقة صلوا أو حانت الصلاة بل معناه أن العادة جرت بأنه يصرخ عند طلوع الفجر فطرة فطره الله عليها "وإذا سمعتم نهيق الحمار" أي صوته المنكر، وزاد أبو داود والنسائي والحاكم من حديث جابر: "ونباح الكلاب" "فتعوذوا بالله من الشيطان" أي اعتصموا به منه بأن يقول أحدكم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أو نحو ذلك من صيغ التعوذ "فإنه" أي الحمار "رأى شيطاناً" روى الطبراني من حديث أبي رافع رفعه: "لا ينهق الحمار حتى يرى شيطاناً أو يتمثل له شيطان. فإذا كان ذلك فاذكروا الله وصلوا علي" . قال عياض وفائدة الأمر بالتعوذ لما يخشى من شر الشيطان وشر وسوسته فيلجأ إلى الله في ذلك. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والبخاري في أواخر بدء الخلق ومسلم في الدعوات وأبو داود في الأدب والنسائي في التفسير وفي اليوم والليلة.(9/427)
59 ـ باب ما جَاءَ في فَضْلِ التّسبِيحِ وَالتّكْبِيرِ وَالتّهْلِيلِ والتّحْمِيد
3525 ـ حدثنا عَبْدُ الله بنُ أبي زِيَادٍ الكوفي، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ أبي بكْرٍ السّهْمِيّ عَن حَاتِمِ بنِ أبي صَغِيرَةَ عَن أبي بَلْجٍ عَنْ
ـــــــ
"باب" ما جاء في فضل التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد
قوله: "حدثنا عبد الله بن أبي زياد" القطواني الكوفي "عن حاتم بن أبي صغيرة" بفتح الصاد المهملة وكسر الغين المعجمة "عن أبي بلج" بفتح أو(9/427)
عَمْرِو بنِ مَيْمُونٍ عَن عبْدِ الله بنِ عَمْرو قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا عَلَى الأَرْضِ أَحَدٌ يَقُولُ لا إِلهَ إِلاّ الله وَالله أَكْبَرُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوّةَ إِلاّ بالله إِلاّ كُفّرَتْ عَنْهُ خَطَاياهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ عَن أَبي بَلْجٍ بِهَذَا الإسْنَادِ نَحْوَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ. وأَبُو بَلْجٍ اسْمُهُ يَحْيَى بنُ أَبي سُلَيْمٍ وَيُقَالُ أيضاً يحيى بنُ سُلَيْمٍ.
3526 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا ابنُ أبي عَدِيّ عَن حَاتِمِ بنِ أَبي صَغِيرةَ عَن أَبي بَلْجٍ عَن عَمْرِو بنِ مَيْمُونٍ عَن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
3527 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ حَدّثنَا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ عَن شُعْبَةَ عَن أَبي بَلْجٍ نَحْوَهُ وَلَمْ يَرْفَعَهُ.
3528 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا مَرْحُومُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ العَطّارُ أخبرنا أبُو نَعَامَةَ السّعْدِيّ عَن أبي عُثْمَانَ النّهْدِيّ عَن
ـــــــ
وسكون اللام بعدها جيم "عن عمرو بن ميمون" الأودي. قوله: "إلا كفرت" من التكفير أي محيت وأزيلت "ولو كانت مثل زبد البحر" بفتح الزاي والموحدة هو ما يعلو الماء ونحوه من الرغوة والمراد به الكناية عن المبالغة في الكثرة، وفي رواية أحمد: ولو كانت أكثر من زبد البحر. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد والنسائي وابن أبي الدنيا والحاكم "وأبو بلج اسمه يحيى بن أبي سليم ويقال ابن سليم أيضاً" يأتي ترجمته في مناقب علي، ووقع هنا في بعض النسخ وحاتم يكنى أبا يونس القشيري قال الحافظ في تهذيب التهذيب: حاتم ابن أبي صغيرة وهو ابن مسلم أبو يونس القشيري وقيل الباهلي مولاهم(9/428)
أبي مُوسَى الأَشْعَرِيّ قال: "كُنّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في غَزَاةٍ فَلَمّا قَفَلْنَا أَشْرَفْنَا عَلَى المَدِينَةِ فَكَبّرَ النّاسُ تَكْبَيرَةً وَرفَعُوا بهَا أصْوَاتَهُمْ فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: إِنّ رَبّكُمْ لَيْسَ بأَصَمّ ولاَ غَائِبٍ هُوَ بَيْنكُمْ وَبَيْنَ رُؤُوسِ رِحَالِكُمْ، ثُمّ قالَ يا عَبْدَ الله بنَ قَيْسٍ أَلاَ أُعَلّمُكَ كَنْزاً مِنْ كُنُوزِ الْجَنّةِ لا حَوْلَ وَلا قُوّةَ إِلاّ بالله" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وَأَبُو عُثْمَانَ النّهْدِيّ اسْمُهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مل. وَأَبُو نَعَامَةَ اسْمُهُ عَمْرُو بنُ عِيسَى. وَمَعْنَى قوله: "بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رُؤُوسِ رواحالكم" إنّمَا يَعْنِي عِلْمَهُ وَقُدْرَتَهُ.
ـــــــ
البصري وأبو صغيرة أبو أمه وقيل زوج أمه، وقال ابن معين وأبو حاتم والنسائي ثقة. قوله: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة" هذه الغزوة هي غزوة خيبر كما صرح به الحافظ في الفتح في كتاب القدر "فلما قفلنا" أي رجعنا "أشرفنا" أي أطلعنا من قولهم أشرفت عليه إذا أطلعت عليه "إن ربكم ليس بأصم ولا غائب" بل هو سميع بصير قريب فلا حاجة إلى رفع الصوت بالتكبير "هو بينكم وبين رؤوس رحالكم" بكسر الراء جمع رحل بالفتح وهو ما يجعل على ظهر البعير كالسرج. وقال في المجمع هو ما يوضع على البعير ثم بعير به عن البعير انتهى. والظاهر أن المراد بالرحال هنا الرواحل، وفي رواية لمسلم والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلة أحدكم. قال النووي أي بالعلم والإحاطة فهو يجاز كقوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} "ألا أعلمك كنزاً من كنوز الجنة لا حول ولا قوة إلا بالله" قال النووي قال العلماء سبب ذلك أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى واعتراف بالإذعان له وأنه لا صانع غيره ولا راد لأمره وأن العبد لا يملك شيئاً في الأمر. ومعنى الكنز هنا أنه ثواب مدخر في الجنة وهو ثواب نفيس كما أن الكنز أنفس أموالكم. قال أهل اللغة الحول الحركة(9/429)
ـــــــ
والحيلة أي لا حركة ولا استطاعة ولا حيلة إلا بمشيئة الله تعالى، وقيل معناه لا حول في دفع شر ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله، وقيل لا حول عن معصية الله إلا بعصمته ولا قوة على طاعته إلا بمعونته، وحكى هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه وكله مقارب انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة ومعنى قوله: "هو بينكم وبين رؤوس رواحلكم" إنما يعني علمه وقدرته وكذلك يأولون قوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} أي نحن أقرب إليه بالعلم من حبل وريده لا يخفى علينا شيء من خفياته فكأن ذاته قريبة منه. وحاصله أنه تجوز بقرب الذات عن قرب العلم. ونقل الذهبي في كتاب العلو ص 144 عن الإمام أبي الحسن الأشعري أنه قال إن الله يقرب من خلقه كيف شاء كما قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}.(9/430)
60 ـ باب
3529 ـ حدثنا عَبْدُ الله بنُ أَبي زِيَادٍ، أخبرنا سَيّارٌ، أخبرنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ عَن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ إِسْحَاقَ عَن القَاسِمِ بنِ عَبْدِ الرّحمَنِ عَن أبيهِ عَن ابنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَقِيتُ إبْرَاهيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فقالَ يا مُحَمدُ: أَقْرِئ أُمّتَكَ
ـــــــ
باب
قوله: "أخبرنا سيار" بن حاتم العنزي "أخبرنا عبد الواحد بن زياد" العبدي البصري "عن عبد الرحمن بن إسحاق" أبي شيبة الواسطي الكوفي "عن القاسم بن عبد الرحمن" بن عبد الله بن مسعود. قوله: "لقيت إبراهيم" أي الخليل عليه الصلاة والسلام "ليلة أسري بي" قال القاري بالإضافة وفي نسخة يعني من المشكاة بتنوين ليلة أي ليلة أسري فيها بي وهي ليلة المعراج(9/430)
مِنّي السّلاَمَ وَاخْبِرْهُمْ أَنّ الْجَنّةَ طَيّبَةُ التّرْبَةِ عَذْبَةُ المَاءِ، وَأنّهَا قِيعَانٌ، وَأَنّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ الله والْحَمْدُ لله وَلاَ إلهَ إلاّ الله وَالله أكْبَرُ" . وفي البابِ عَن أبِي أَيّوبَ. هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ.
ـــــــ
"فقال" أي إبراهيم وهو في محله من السماء السابعة مسنداً ظهره إلى البيت المعمور "أقرئ" أمر من الإقراء أو من قرأ يقرأ "أمتك مني السلام" أي بلغهم مني السلام "طيبة التربة" بضم الفوقية وسكون الراء هي التراب من قرابها المسك والزعفران ولا أطيب منهما "عذبة الماء" أي ماؤها طيب لا ملوحة فيه "وأنها" بالفتح ويكسر أي الجنة "قيعان" بكسر القاف جمع قاع وهي الأرض المستوية الخالية من الشجر "وأن" بالوجهين "غراسها" بكسر الغين المعجمة جمع غرس بالفتح وهو ما يغرس أي يستره تراب الأرض من نحو البذر لينبت بعد ذلك. وإذا كانت تلك التربة طيبة وماؤها عذباً كان الغراس أطيب لا سيما والغرس الكلمات الطيبات وهن الباقيات الصالحات، والمعنى أعلمهم بأن هذه الكلمات ونحوها سبب لدخول قائلها الجنة ولكثرة أشجار منزلة فيها لأنه كلما كررها نبت له أشجار بعددها. وقال الطيبي في هذا الحديث إشكال لأنه يدل على أن أرض الجنة خالية عن الأشجار والقصور ويدل قوله تعالى: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار} على أنها غير خالية عنها لأنها إنما سميت جنة لأشجارها المتكاثفة المظلة بالتفاف أغصانها، والجواب أنها كانت قيعاناً ثم إن الله تعالى أوجد بفضله فيها أشجاراً وقصوراً بحسب أعمال العاملين لكل عامل ما يختص به بسبب عمله، ثم إنه تعالى لما يسره لما خلق له من العمل لينال بذلك الثواب جعله كالغارس لتلك الأشجار مجازاً إطلاقاً للسبب على المسبب انتهى قال القاري: وأجيب أيضاً بأنه لا دلالة في الحديث على الخلو الكلي من الأشجار والقصور لأن معنى كونها قيعاناً أن أكثرها مغروس وما عداه منها أمكنة واسعة بلا غرس لينغرس بتلك الكلمات ويتميز غرسها الأصلي الذي بلا سبب وغرسها المسبب عن تلك الكلمات انتهى. قوله: "وفي(9/431)
3530 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، أخبرنا مُوسَى الْجُهَنِيّ قال حَدّثنِي مُصْعَبُ بنُ سَعْدٍ عَن أَبِيهِ: "أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ لُجِلَسَائِهِ: أيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ ألْفَ حَسَنَةٍ؟ فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قالَ: يُسَبّحُ أحَدُكُمْ مائَةَ تَسْبِيحَةٍ تُكْتَبُ لَهُ ألُفُ حَسَنَةٍ وَتُحَطّ عَنْهُ أَلْفُ سَيّئَةٍ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
الباب عن أبي أيوب" أخرجه أحمد بإسناد حسن وابن أبي الدنيا وابن حبان في صحيحه كذا في الترغيب قوله: "هذا حديث حسن غريب" قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث: رواه الترمذي والطبراني في الصغير والأوسط وزاد ولا حول ولا قوة إلا بالله روياه عن عبد الواحد بن زياد عن عبد الرحمن بن إسحاق عن القاسم عن أبيه عن ابن مسعود. وقال الترمذي حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود. قال المنذري أبو القاسم هو عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود وعبد الرحمن هذا لم يسمع من أبيه وعبد الرحمن بن إسحاق هو أبو شيبة الكوفي واه، ورواه الطبراني أيضاً بإسناد واه من حديث سلمان الفارسي ولفظه: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن في الجنة قيعاناً فأكثروا من غرسها. قالوا يا رسول الله وما غرسها قال: "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" . انتهى كلام المنذري.
قوله: "أخبرنا يحيى بن سعيد" القطان "أخبرنا موسى الجهني" في التقريب موسى بن عبد الله ويقال ابن عبد الرحمن الجهني أبو سلمة الكوفي ثقة عابد لم يصح أن القطان طعن فيه من السادسة "عن أبيه" أي سعد بن أبي وقاص. قوله: "أيعجز" بكسر الجيم "أن يكسب" أي يحصل "تكتب له ألف حسنة" لأن الحسنة الواحدة بعشر أمثالها وهو أقل المضاعفة الموعودة في القرآن بقوله: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} "وتحط" بالواو وفي رواية(9/432)
ـــــــ
مسلم أو تحط بأو، قال النووي: هكذا هو في عامة نسخ صحيح مسلم أو يحيط بأو، وفي بعضها ويحط بالواو. وقال الحميدي في الجمع بين الصحيحين: كذا هو في كتاب مسلم أو يحط بأو. قال أبو بكر البرقاني: ورواه شعبة وأبو عوانة ويحيى بن سعيد القطان عن موسى الذي رواه مسلم من جهته فقالوا ويحط بالواو انتهى. قال القاري قد تأتي الواو بمعنى أو فلا منافاة بين الروايتين، وكأن المعنى أن من قالها يكتب له ألف حسنة إن لم يكن عليه فيحط بعض ويكتسب بعض. ويمكن أن تكون أو بمعنى الواو أو بمعنى بل فحينئذ بجمع له بينهما وفضل الله أوسع من ذلك انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم والنسائي وابن حبان.(9/433)
61 ـ باب
3531 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قالُوا، أخبرنا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ عَن حَجّاجٍ الصّوّافِ عَن أبي الزّبَيْرِ عَن جَابِر عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ قالَ سُبْحَانَ الله العَظِيمِ وبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ في الْجَنّةِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صحيحٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ أبي الزّبَيْرِ عَن جابِرٍ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "سبحان الله العظيم وبحمده" قيل الواو زائدة أي تسبيحاً مقروناً بحمده "غرست له" بصيغة المجهول يقال غرست الشجرة غرساً وغراساً إذا نصبتها في الأرض "نخلة" أي غرست له بكل مرة نخلة "في الجنة" أي المعدة لقائلها خصت لكثرة منفعتها وطيب ثمرتها ولذلك ضرب الله تعالى مثل المؤمن وإيمانه بها وثمرتها في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً} وهي كلمة التوحيد {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} وهي النخلة. قوله: "هذا حديث حسن غريب صحيح" وأخرجه النسائي إلا أنه قال: غرست له شجرة. وابن حبان(9/433)
3532 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ رَافِعٍ، أخبرنا المُؤَمّل عَن حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ عَن أبي الزّبَيْرِ عَن جَابِرٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قالَ سُبْحَانَ الله العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ في الْجَنّةِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
3533 ـ حدثنا نَصْرُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الكُوفِيّ أخبرنا المُحَارِبيّ عَن مَالِكِ بنِ أنَسٍ عَن سُمَيّ عَن أَبي صَالِحٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قالَ سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرّةٍ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبهُ وَإِنْ كانَتْ مِثْلَ زَبدِ البَحْرِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3534 ـ حدثنا يُوسُفُ بنُ عِيسَى، أخبرنا مُحمّدُ بنُ الفُضَيْلٍ عَن عُمَارَةَ بنِ القَعْقَاعِ عَن أَبي زُرْعَةَ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ قالَ رَسُولُ
ـــــــ
في صحيحه والحاكم في موضعين بإسنادين قال في أحدهما: على شرط مسلم. وقال في الآخر: على شرط البخاري. كذا في الترغيب للمنذري.
قوله: "حدثنا محمد بن رافع" القشيري النيسابوري "حدثنا المؤمل" بن إسماعيل. قوله: "حدثنا المحاربي" هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن زياد "عن سمي" مولى أبي بكر بن عبد الرحمن. قوله: "من قال سبحان الله وبحمده" أي في يوم كما في رواية الشيخين "مائة مرة" قال الطيبي سواء كانت متفرقة أو مجتمعة في مجلس أو مجالس في أول النهار أو آخره إلا أن الأولى جمعها في أول النهار "وإن كانت مثل زبد البحر" كناية عن المبالغة في الكثرة. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والشيخان وابن ماجة.
قوله: "حدثنا يوسف بن عيسى" المروزي "أخبرنا محمد بن فضيل" بضم(9/434)
الله صلى الله عليه وسلم: "كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ في المِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلى الرّحمَن سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ الله العظيم" هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَريبٌ.
ـــــــ
الفاء وفتح المعجمة وسكون التحتانية ابن غزوان الضبي مولاهم الكوفي "عن عمارة" بضم العين المهملة وخفة الميم "بن القعقاع" بفتح قافين وبعينين مهملتين عن أبي زرعة" بن عمرو بن جرير قوله: "كلمتان" أي جملتان مفيدتان وفيه إطلاق الكلمة على الكلام وهو مثل كلمة الإخلاص وكلمة الشهادة وهو خبر وخفيفتان وما بعده صفة والمبتدأ سبحان الله إلى آخره، والنكتة في تقديم الخبر تشويق السامع إلى المبتدأ وكلما طال الكلام في وصف الخبر حسن تقديمه لأن كثرة الأوصاف الجميلة تزيد السامع شوقاً "خفيفتان على اللسان" أي يجريان عليه بالسهولة "ثقيلتان في الميزان" أي بالمثوبة. قال الحافظ وصفهما بالخفة والثقل لبيان قلة العمل وكثرة الثواب. وقال الطيبي الخفة مستعارة للسهولة شبه سهولة جريان هذا الكلام بما يخف على الحامل من بعض الحمولات فلا يشق عليه فذكر المشبه وأراد المشبه به. وأما الثقل فعلى حقيقته لأن الأعمال تتجسم عند الميزان انتهى. وقيل توزن صحائف الأعمال ويدل عليه حديث البطاقة والسجلات. وقال الحافظ: الصحيح أن الأعمال هي التي توزن، وقد أخرج أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان عن أبي الدرداء مرفوعاً: "ما يوضع في الميزان يوم القيامة أثقل من خلق حسن" . قال وقد سئل بعض السلف عن سبب ثقل الحسنة وخفة السيئة فقال لأن الحسنة حضرت مرارتها وغابت حلاوتها فثقلت فلا يحملنك ثقلها على تركها، والسيئة حضرت حلاوتها وغابت مرارتها فلذلك خفت فلا يحملنك خفتها على ارتكابها انتهى "حبيبتان إلى الرحمن" تثنية حبيبة وهي المحبوبة لأن فيهما المدح بالصفات السلبية التي يدل عليها التنزية وبالصفات الثبوتية التي يدل عليها الحمد، وقيل المراد أن قائلها محبوب الله تعالى ومحبة الله للعبد إرادة إيصال الخير له والتكريم، وخص الرحمن من الأسماء الحسنى للتنبيه على سعة رحمة الله حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل. فإن قيل(9/435)
3535 ـ حدثنا إسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأنْصَارِيّ، أخبرنا مُعْنٌ أخبرنا مَالِكٌ عَن سُمَيّ عَن أَبي صَالِحٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ قالَ لا إِلَه إلاّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيَى وَيُمِيتُ وهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ في يَوْمٍ مائَةَ مَرّةٍ كانَت لَهُ عِدْل عَشْرِ رِقَابٍ وكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ
ـــــــ
فعيل بمعنى مفعول يستوي المذكر والمؤنث ولا سيما إذا كان موصوفه معه فلم عدل عن التذكير إلى التأنيث؟ فالجواب أن ذلك جائز لا واجب وقيل أنث لمناسبة الثقيلتين والخفيفتين "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" هكذا وقع في هذا الكتاب بتقديم سبحان الله العظيم على سبحان الله وبحمده. وكذا وقع عند البخاري في الدعوات ووقع عنده في الإيمان والنذور والتوحيد بتقديم سبحان الله وبحمده على سبحان الله العظيم، وكذلك وقع عند مسلم وابن ماجة. قال الحافظ: قيل الواو في قوله وبحمده للحال والتقدير أسبح الله متلبساً بحمدي له من أجل توفيقه. وقيل عاطفة والتقدير أسبح الله وأتلبس بحمده، ويحتمل أن تكون الباء متعلقة بمحذوف متقدم والتقدير وأثنى عليه بحمده فيكون سبحان الله جملة مستقلة وبحمده جملة أخرى انتهى.
قلت: الواو إذا كانت للحال فالظاهر أن التقدير نسبح الله ونحن متلبسون بحمده. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة وابن حبان كلهم من طريق محمد بن فضيل بن غزوان عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة. قال الحافظ: وجه الغرابة فيه هو تفرد محمد بن فضيل وشيخه وشيخ شيخه وصحابيه انتهى.
قوله: "في يوم مائة مرة" مجتمعة أو متفرقة "كان" أي ما ذكر "له" أي للقائل به "عدل عشر رقاب" بكسر العين وفتحها بمعنى المثل أي ثواب عتق عشر رقاب وهو جمع رقبة وهي في الأصل العنق فجعلته كناية عن جميع(9/436)
عَنْهُ مائَةُ سَيّئَةٍ وكَانَ لَهُ حِرْزاً مِنَ الشّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتّى يمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بأفْضَلَ مِمّا جَاءَ بِهِ إلاّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ" وَبِهَذَا الإسْنَادِ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم "مَنْ قالَ سُبْحَانَ الله
ـــــــ
ذات الإنسان تسمية للشيء ببعضه أي يضاعف ثوابه حتى يصير مثل ثواب العتق المذكور "وكتبت" أي ثبتت "مائة حسنة" بالرفع "ومحيت" أي أزيلت "وكان حرزاً" أي حفظاً ومعنى "من الشيطان" أي من غوائله ووساوسه "يومه ذلك" أي في اليوم الذي قاله فيه "حتى يمسي" ظاهر التقابل أنه إذا قال في الليل كان له حرزاً منه ليلة ذلك حتى يصبح فيحتمل أن يكون اختصاراً من الراوي أو ترك لوضوح المقابلة، وتخصيص النهار لأنه أحوج فيه إلى الحفظ قاله القاري. قلت: قال الحافظ في الفتح قوله كانت له حرزاً من الشيطان في رواية عبد الله بن سعيد وحفظ يومه حتى يمسي وزاد من قال مثل ذلك حين يمسي، كان له مثل ذلك ومثل ذلك. في طريق أخرى يأتي التنبيه عليها بعد انتهى. قال النووي: ظاهر إطلاق الحديث أنه يحصل هذا الأجر المذكور في الحديث لمن قال هذا التهليل مائة مرة في يومه سواء قاله متوالية أو متفرقة في مجالس أو بعضها أول النهار وبعضها آخره لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية في أول النهار ليكون حرزاً له في جميع نهاره وكذا في أول الليل ليكون حرزاً له في جميع ليلة "ولم يأت أحد" أي يوم القيامة "بأفضل مما جاء به" أي بأي عمل كان من الحسنات "إلا أحد عمل أكثر من ذلك" أي من جنسه أو غيره. قال النووي: فيه دليل أنه لو قال هذا التهليل أكثر من مائة مرة في اليوم كان له هذا الأجر المذكور في الحديث على المائة ويكون له ثواب آخر على الزيادة، وليس هذا من الحدود التي نهى عن اعتدائها ومجاوزة أعدادها وأن زيادتها لا فضل فيها أو تبطلها كالزيادة في عدد الطهارة وعدد ركعات الصلاة، ويحتمل أن يكون المراد الزيادة من أعمال الخير لا من نفس التهليل، ويحتمل أن يكون المراد مطلق الزيادة سواء كانت من التهليل(9/437)
وَبِجَمْدِهِ مائَةَ مَرّةٍ حُطّتْ خَطَاياهُ وَإِنْ كانَتْ أكْثَرَ مِنْ زَبَدِ البَحْرِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
أو من غيره أو منه ومن غيره وهذا الاحتمال أظهر والله أعلم انتهى. "حطت خطاياه وإن كانت أكثر من زبد البحر" ظاهره مع قوله في التهليل محيت عنه مائة سيئة أن التسبيح أفضل من التهليل لأن عدد زبد البحر أضعاف أضعاف المائة، وقد قال في التهليل: ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، قال القاضي في الجواب عن هذا. إن التهليل المذكور أفضل ويكون ما فيه من زيادة الحسنات ومحو السيئات. وما فيه من فضل عتق الرقاب وكونه حرزاً من الشيطان زائداً على فضل التسبيح وتكفير الخطايا لأنه قد ثبت أن من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار. وقد حصل بعتق رقبة واحدة تكفير جميع الخطايا مع ما يبقى له من زيادة عتق الرقاب الزائدة على الواحدة ومع ما فيه من زيادة مائة درجة وكونه حرزاً من الشيطان، ويؤيده ما جاء في الحديث الآخر أن أفضل الذكر التهليل مع الحديث الآخر: "أفضل ما قلته أن والنبيون قبلى لا إله إلا الله وحده لا شريك له" الحديث، وقيل إنه إسم الله الأعظم وهي كلمة الإخلاص. كذا في شرح مسلم للنووي. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة وأبو عوانة.(9/438)
62 ـ باب
3536 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ المَلكِ بنِ أَبي الشّوَارِبِ، أخبرنا عَبْدُ العَزِيز بنُ المُخْتَارِ عَن سُهَيْلِ بنِ أبي صَالحٍ عَن سُمَيّ عَن أَبي صَالحٍ عَن أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ قالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي سَبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ مِائَة مَرّةٍ لَمْ يَأْتِ
ـــــــ
"باب"
قوله: "من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة" قال(9/438)
أحَدٌ يَوْمَ القَيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمّا جَاءَ بِهِ إِلاّ أحَدٌ قالَ مِثْلَ ما قالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ.
3537 ـ حدثنا إِسمَاعِيلُ بنُ مُوسَى الكوفيّ أخبرنا دَاوُدُ بنُ الزّبْرَقانِ عَن مَطَرٍ الْوَرّاقِ عَن نافِعِ عَن ابنِ عُمَرَ قالَ: "قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ لأَصْحَابِهِ قُولُوا سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرّةٍ مَنْ قالَها مَرّةً كُتِبَتْ لَهُ عَشْراً، ومَنْ قَالَهَا عَشْراً كُتِبَتْ لَهُ مِائَةً، وَمَن قَالَهَا مِائَةً كُتِبَتْ لَهُ أَلْفاً، وَمَنْ زَادَ زَادَهُ الله، وَمَنِ اسْتَغْفَرَ الله غَفَرَ الله لَهُ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
القاري أي فيهما بأي يأتي ببعضها في هذا أو في كل واحد منهما وهو الأظهر "لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء" أي القائل "به" وهو قول المائة المذكورة "إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه" وأجيب أن الاعتراض المشهور بأن الاستثناء منقطع أو كلمة أو بمعنى الواو. قال الطيبي: أن يكون ما جاء به أفضل من كل ما جاء به غيره إلا مما جاء به من قال مثله أو زاد عليه، قيل الاستثناء منقطع والتقدير لم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل قال مثل ما قاله فأنه يأتي بمساواته فلا يستقيم أن يكون متصلاً إلا على تأويل نحو قوله: وبلدة ليس بها أنيس. وقيل بتقدير لم يأت أحد بمثل ما جاء به أو بأفضل مما جاء به الخ والاستثناء متصل كذا في المرقاة. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه مسلم.
قوله: "حدثنا إسماعيل بن موسى" الفزاري "أخبرنا داود بن الزبرقان" بكسر زاي وسكون موحدة وكسر راء وبقاف "عن مطر" بفتحتين "الوراق" هو مطر بن طهمان الوراق أبو رجاء السلمي مولاهم الخراساني سكن البصرة صدوق(9/439)
ـــــــ
كثير الخطأ وحديثه عن عطاء ضعيف من السادسة. قوله: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم" كلمة ذات مقحمة أي قال يوماً. قوله: "هذا حديث حسن غريب" في سنده داود بن الزبرقان وهو متروك وكذبه الأزدي.(9/440)
63 ـ باب
3538 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ وزِيرٍ الْوَاسِطِيّ، أخبرنا أَبُو سُفْيَانَ الْحُمَيْرِيّ عَن الضّحّاكِ بنُ حُمْرَةَ عَن عَمْرِو بنِ شعَيْبٍ عَن أبِيهِ عَن جَدّهِ قالَ قالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَبّحَ الله مِائَةً بالغَدَاةِ وَمائَةً بالعَشِيّ كَانَ كَمَنْ حَجّ مِائَةَ حجة، وَمَنْ حَمِدَ الله مائَةً بالغَدَاةِ وَمائَةً بالعَشِيّ كانَ كَمَنْ حَمَلَ عَلَى مائةِ فَرَسٍ في سَبِيلِ الله أَوْ قالَ غَزَا مائةَ غَزْوَةٍ، وَمَنْ هَلّلَ الله مِائةً بالغَدَاةِ وَمائةً
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا أبو سفيان الحميري" بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وفتح التحتانية إسمه سعيد بن يحيى بن مهدي بن عبد الرحمن الحذاء الواسطي صدوق وسط من التاسعة "عن الضحاك بن حمرة" بضم الحاء المهملة وسكون الميم وفتح الراء المهملة الأملوكي الواسطي ضعيف من السادسة. ووقع في النسخة الأحمدية عن الضحاك بن حمزة بالحاء والميم والزاي المنقوطة وهو غلط. قوله: "من سبح الله مائة" أي من قال سبحان الله مائة مرة "بالغداة ومائة بالعشي" أي أول النهار وأول الليل أو في الملوين 1 "كان كمن حج مائة حجة" أي نافلة. دل الحديث على أن الذكر بشرط الحضور مع الله بسهولته أفضل من العبادات الشاقة بغفلته ويمكن أن يكون الحديث من باب إلحاق الناقص بالكامل مبالغة في الترغيب أو يراد التساوي بين التسبيح المضاعف بالحجج الغير المضاعفة "كان كمن حمل" بالتخفيف أي أركب مائة نفس "على مائة فرس في سبيل الله" أي في نحو
ـــــــ
1 كذا ورد بالأصل(9/440)
بالْعَشِيّ كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ مِائَةَ رَقَبَةٍ مِنَ وَلد إِسْمَاعِيلَ، وَمَنْ كَبّرَ الله مِائةً بالغَدَاةِ وَمِائةً بالعَشِيّ لَمْ يَأْتِ في ذَلِكَ اليَوْمِ أحَدٌ بأَكْثَرَ مِمّا أتَى بِهِ إِلاّ مَنْ قالَ مِثْلَ ما قَالَ أَو زَادَ عَلَى ما قالَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
3539 ـ حدثنا الْحُسَيْنُ بنُ الأَسْوَدِ العِجْلِيّ البَغْدَادِيّ، أخبرنا يَحْيَى بنُ آدَمَ عَن الْحَسَنِ بنِ صَالحٍ عَن أَبي بِشْرٍ عَن الزّهْرِيّ قال:
ـــــــ
الجهاد إما صدقة أو عارية "أو قال غزا مائة غزوة" شك من الراوي "ومن هلل الله" أي قال لا إله إلا الله "كان كمن أعتق مائة رقبة" فيه تسلية للذاكرين من الفقراء العاجزين عن العبادات المالية المختصة بها الأغنياء "من ولد إسماعيل" بضم الواو وسكون اللام وبفتحهما يقع على الواحد والتثنية والجمع فإن قلت ما وجه تخصيص الذكر من ولد إسماعيل عليه السلام؟ قلت لأن عتق من كان من والده له فضل على عتق غيره. وذلك أن محمداً وإسماعيل وإبرايم صلوات الله عليهم وسلامه بعضهم من بعض "لم يأت في ذلك اليوم أحد" أي يوم القيامة "بأكثر" أي بثواب أكثر أو المراد بعمل أفضل وإنما عبر بأكثر لأنه معنى أفضل "مما أتى به" أي جاء به أو بمثله، قيل ظاهره أن هذا أفضل من جميع ما قبله، والذي دلت الأحاديث الصحيحة الكثيرة أن أفضل هذا التهليل فالتحميد فالتكبير فالتسبيح فحينئذ يؤول بأن يقال لم يأت في ذلك اليوم أحد غير المهلل والحامد المذكورين أكثر مما أتى به. قوله "هذا حديث حسن غريب" في سنده الضحاك بن حمرة وهو ضعيف وأخرجه النسائي أيضاً.
قوله: "حدثنا الحسين بن الأسود العجلي البغدادي" هو الحسين بن علي ابن الأسود العجلي البغدادي "عن الحسن بن صالح" بن صالح بن حي الهمداني "عن أبي بشر" قال في الميزان: أبو بشر عن الزهري لا يعرف تفرد عنه(9/441)
"تَسْبِيحَةٌ في رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ ألْفِ تَسْبِيحَةٍ في غَيْرِهِ" .
ـــــــ
الحسن بن صالح بن حي. قوله: "تسبيحة في رمضان أفضل من ألف تسبيحة من غيره" هذا قول الزهري ولم أقف على حديث مرفوع يدل على ذلك.(9/442)
64 ـ باب
3540 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، أخبرنا اللّيْثُ عَن الْخَلِيلِ بنِ مُرّةَ عَن أزْهَرَ بنِ عَبْدِ الله عَن تَمِيم الدّارِيّ عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قالَ: "مَنْ قالَ أشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلاّ الله وحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ إلَهاً وَاحِداً أحَداً صَمَداً لَمْ يَتّخِذْ صَاحِبَةً وَلاَ
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا الليث" بن سعد "عن أزهر بن عبد الله" الحرازي الحمصي يقال هو أزهر بن سعيد تابعي حسن الحديث لكنه ناصبي ينال من علي رضي الله عنه كذا في الميزان. قوله: "إلهاً واحداً أحداً" الواحد والأحد هنا بمعنى فذكر الأحد بعد الواحد للتأكيد، ومما يفيد الفرق بينهما ما قاله الأزهري أنه لا يوصف بالأحدية غير الله تعالى لا يقال رجل أحد ولا درهم أحد كما يقال رجل واحد ودرهم واحد، قيل والواحد يدخل في الأحد والأحد لا يدخل فيه، فإذا قلت لا يقاومه واحد جاز أن يقال لكنه يقاومه اثنان بخلاف قولك لا يقاومه أحد. وذكر أحد في الإثبات مع أن المشهور أنه يستعمل بعد النفي كما أن الواحد لا يستعمل إلا بعد الإثبات. يقال في الدار واحد وما في الدار أحد، فالجواب عنه ما قال ابن عباس أنه لا فرق بينهما في المعنى، واختاره أبو عبيدة ويؤيده قوله تعالى {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ} عليه فلا يختص أحدهما بحمل دون آخر وإن اشتهر استعمال أحدهما في النفي والآخر في الإثبات "صمداً" الصمد هو الذي يصمد إليه في الحاجات أي(9/442)
وَلَداً ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْواً أَحَدٌ. عَشْرَ مَرّاتٍ كَتَبَ الله لَه أَرْبَعِينَ أَلْفَ أَلْفَ حَسَنَةٍ" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَالْخَلِيلُ بنُ مُرّةَ لَيْسَ بالْقَوِيّ عِنْدَ أَصْحابِ الحَدِيثِ. قالَ مُحمّدُ بنُ إسْمَاعِيلَ هُوَ مُنْكَرُ الحَدِيثِ.
3541 ـ حدثنا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا عَلِيّ بنُ مَعْبَدٍ المصري أخبرنا عُبَيْدُ الله بنُ عَمْرٍو الرّقّيّ عَن زَيْدِ بنِ أَبي أُنَيْسَةَ عَن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عَن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنُ غَنْمٍ عَن أبي ذَرّ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ قالَ في دُبُرِ صَلاَةِ الفَجْرِ وَهُوَ ثان رِجْلَيْهِ
ـــــــ
يقصد لكونه قادراً على قضائها فهو فعل بمعنى مفعول كالقبض بمعنى المقبوض لأنه مصمود إليه أي مقصود إليه. قال الزجاج: الصمد السيد الذي انتهى إليه السؤدد فلا سيد فوقه، وقيل هو المستغني عن كل أحد والمحتاج إليه كل أحد "لم يتخذ صاحبة" أي زوجة "ولا ولداً" لأن الصاحبة تتخذ للحاجة والولد للاستئناس به والله تعالى منزه عن كل نقص "ولم يكن له كفواً أحد" أي مكافياً ومماثلاً. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد "والخليل بن مرة ليس بالقوي عند أصحاب الحديث الخ". فالحديث ضعيف ومع ضعفه منقطع قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة أزهر بن عبد الله: روى عن تميم الداري مرسلاً.
قوله: "حدثنا إسحاق بن منصور" الكوسج "أخبرنا علي بن معبد" ابن شداد الرقي نزيل مصر ثقة فقيه من كبار العاشرة "عن عبد الرحمن بن غنم" بفتح المعجمة وسكون النون الأشعري. قوله: "من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجليه" أي عاطف رجليه في التشهد قبل أن ينهض، وفي رواية أحمد من قال قبل أن ينصرف ويثني رجله من صلاة المغرب والصبح أي قبل أن ينصرف من مكان صلاته وقبل أن يعطف رجله ويغيرها عن هيئة التشهد(9/443)
قَبْلَ أَنْ يَتَكَلّمَ: لاَ إله إلاّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. عَشْرَ مَرّاتٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَمُحِيَ عَنْهُ عَشْرُ سَيّئَاتٍ وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ وكانَ يَوْمَهْ ذَلِكَ كُلّهُ في حِرْزٍ مِنْ كُلّ مَكْرُوهٍ وَحُرِسَ مِنَ الشّيْطَانِ وَلَمْ يَنْبَغِ لِذَنْبٍ أَنْ يُدْرِكَهُ في ذَلِكَ اليَوْمِ إِلاّ الشّرْكَ بالله" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَريبٌ.
ـــــــ
قال في النهاية هذا ضد الأول في اللفظ ومثله في المعنى لأنه أراد قبل أن يصرف رجله عن حالتها التي هي عليها في التشهد "كتبت له عشر حسنات" يجوز في مثل هذا تذكير الفعل وتأنيثه ولذلك ذكر الفعل في القرينتين الآتيتين، أما التأنيث فلا كتاب لفظ عشر التأنيث من الإضافة وأما التذكير فبظاهر اللفظ "وكان" أي القائل "يومه" بالنصب على الظرفية "في حرز" أي حفظ "من كل مكروه" أي من الآفات "وحرس" بفتح المهملة وسكون الراء هو بمعنى الحرز والحفظ "من الشيطان" تخصيص بعد تعميم لكمال الاعتناء "ولم ينبغ" أي لم يجز، وفي رواية أحمد لم يحل "أن يدركه" أي يهلكه ويبطل عمله "إلا الشرك بالله" أي إن وقع منه. قال الطيبي فيه استعارة ما أحسن موقعها فإن الداعي إذا دعا بكلمة التوحيد فقد أدخل نفسه حرماً آمناً فلا يستقيم للذنب أن يحل ويهتك حرمة الله فإذا خرج عن حرم التوحيد أدركه الشرك لا محالة، والمعنى لا ينبغي لذنب أي ذنب أن يدرك القائل ويحيط به ويستأصله سوى الشرك. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه النسائي والطبراني في الأوسط وأخرجه أحمد من طريق شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير ذكر أبي ذر.
تنبيه: ظاهر هذه الأحاديث أن هذه الفضائل لكل ذاكر، وذكر القاضي عن بعض العلماء أن الفضل الوارد في مثل هذه الأعمال الصالحة والأذكار إنما هو لأهل الفضل في الدين والطهارة من الجرائم العظام وليس(9/444)
ـــــــ
من أصر على شهواته وانتهك دين الله وحرماته بلا حق بالأفاضل المطهرين من ذلك، ويشهد له قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الآية.(9/445)
65 ـ باب مَا جَاءَ في جَامِعِ الدّعَوَاتِ عَن رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم
3542 ـ حدثنا جَعْفَرُ بنُ مُحمّدِ بنِ عِمْرَانَ الثّعْلَبِيّ الكُوفِيّ، أخبرنا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ عن مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ عَن عَبْدِ الله بنِ بُرَيْدَةَ الأسْلَمِيّ عَن أَبِيهِ قالَ: "سَمِعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَدْعُو وهُوَ يَقُولُ: اللّهُمّ إِنّي أَسْألُكَ بِأنّي أَشْهَدُ أَنّكَ أَنْتَ الله لا إلَهَ إِلاّ أَنْتَ الأحَدُ الصّمَدُ الّذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْواً أحَدٌ. قالَ: فقالَ: وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَألَ الله باسْمِهِ
ـــــــ
"باب ما جاء في جامع الدعوات"
هو من إفاضة الصفة إلى الموصوف أي الدعوات الجامعة لمعان كثيرة في ألفاظ يسيرة.
قوله: "الثعلبي" بفتح المثلثة وسكون المهملة وفتح اللام وكسر الموحدة "اللهم إني أسألك" لم يذكر المسؤول لعدم الحاجة إليه "بأني أشهد" الباء للسببية أي بسبب أني أشهد أنك أنت الله الخ "الأحد" أي بالذات والصفات "الصمد" أي المقصود في الحوائج على الدوام "الذي لم يلد" لانتفاء مجانسته "ولم يولد" لانتفاء الحدوث عنه "ولم يكن له كفواً أحد" أي مكافياً ومماثلاً فله متعلق بكفواً وقدم عليه لأنه محط القصد بالنفي وأخر أحد وهو اسم يكن عن خبرها رعاية للفاصلة "قال" أي بريدة "فقال" أي النبي صلى الله عليه وسلم "لقد(9/445)
الأعْظَمِ الّذِي إذَا دُعِيَ بِهِ أجَابَ وَإذَا سُئِلَ بِهِ أعْطَى" قالَ زيْدٌ فَذَكَرْتُهُ لِزُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسِنِينَ فقالَ حدثني أَبُو إسْحَاقَ عَن مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ قالَ زَيْدٌ ثُمّ ذَكَرْتُهُ لِسُفْيَانَ فَحَدّثَنِي عَن مالِكٍ".
هَذا حديثٌ حَسنٌ غَريبٌ. وَرَوَى شَرِيكٌ هَذَا الحَدِيثَ عَن أَبي إسْحَاقَ عَن ابنِ بُرَيْدَةَ عَن أَبيهِ وَإِنّمَا أخَذَهُ أَبُو إسْحَاقَ الهمداني عَن مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ.
ـــــــ
سأل الله باسمه الأعظم" قال الطيبي: فيه دلالة على أن لله تعالى اسما أعظم إذا دعي به أجاب وأن ذلك مذكور ههنا، وفيه حجة على من قال كل اسم ذكر بإخلاص تام مع الإعراض عما سواه هو الاسم الأعظم إذ لا شرف للحروف، وقد ذكر في أحاديث أخر مثل ذلك وفيها أسماء ليست في هذا الحديث إلا أن لفظ الله مذكور في الكل فيستدل بذلك على أنه الاسم الأعظم انتهى "الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى" السؤال أن يقول العبد أعطني الشيء الفلاني فيعطي، والدعاء أن ينادي ويقول يا رب فيجيب الرب تعالى ويقول لبيك يا عبدي، ففي مقابلة السؤال الإعطاء وفي مقابلة الدعاء الإجابة وهذا هو الفرق بينهما، ويذكر أحدهما مقام الآخر أيضاً. وقال الطيبي: إجابة الدعاء وتدل على وجاهة الداعي عند المجيب فيتضمن قضاء الحاجة بخلاف الإعطاء فالأخير أبلغ "قال زيد" أي ابن حباب "فذكرته" أي هذا الحديث "بعد ذلك" أي بعد ما سمعه من مالك بن مغول "فقال" أي زهير "حدثني" أي هذا الحديث "أبو إسحاق" هو السبيعي. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرطهما. قال المنذري في تلخيص السنن: قال شيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي رضي الله عنه وهو إسناد لا مطعن فيه ولا اعلم أنه روى في هذا الباب حديث أجود إسناداً منه وهو يدل على بطلان مذهب من ذهب إلى نفي القول(9/446)
3543 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ خَشْرَمٍ أَخبرنا عِيسَى بنُ يُونُسَ عَن عُبَيْدِ الله بنِ أَبي زِيَادٍ القَدّاحِ كذا قال عَن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عَن أسْماءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "اسْمُ الله الأعْظَمُ في هَاتَيْنِ الاَيَتَيْنِ {وَإِلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إلاّ هُوَ الرّحْمَنُ الرّحِيمُ} . وَفَاتِحَة آلِ عِمْرَانَ: {أَلم الله لا إلَهَ إلاّ هُوَ الْحَيّ القَيّومُ} " . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
بأن الله إسماً هو الإسم الأعظم وهو حديث حسن انتهى "وروى شريك" هو ابن عبد الله النخعي القاضي "وإنما أخذه أبو إسحاق عن مالك بن مغول" كما رواه زهير بن معاوية.
قوله: "عن عبيد الله بن أبي زياد القداح" المكي كنيته أبو الحصين ليس بالقوى. قوله: "وفاتحة آل عمران" بالجر على أنها وما قبلها بدلان ويجوز الرفع والنصب ووجههما ظاهر " {ألم الله} الخ" بدل مما قبله. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة قال المنذري في تلخيص السنن ما لفظه: وأخرجه الترمذي وقال حديث حسن هذا آخر كلامه. وشهر بن حوشب وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وتكلم فيه غير واحد، وفي إسناده أيضاً عبيد الله بن أبي زياد القداح المكي وقد تكلم فيه غير واحد انتهى.
اعلم أن هذا الحديث والذي قبله يدلان على أن لله تعالى اسما أعظم إذا دعي به أجاب، وفي الباب أحاديث أخرى وقد أنكره بعض أهل العلم، والقول الراجح قول من أثبته، وأحاديث الباب حجة على المنكرين. قال الحافظ في الفتح: وقد أنكره قوم كأبي جعفر الطبري وأبي الحسن الأشعري وجماعة بعدهما كأبي حاتم بن حبان والقاضي أبي بكر الباقلاني فقالوا لا يجوز تفضيل بعض الأسماء على بعض، ونسب ذلك بعضهم لمالك لكراهيته أن تعاد سورة أو ترددون غيرها من السور لئلا يظن أن بعض القرآن أفضل من بعض فيؤذن ذلك باعتقاد نقصان المفضول عن الأفضل، وحملوا ما ورد من ذلك على أن(9/447)
ـــــــ
المراد بالأعظم العظيم وأن أسماء الله كلها عظيمة. وقال ابن حبان الأعظمية الواردة في الأخبار إنما يراد بها مزيد ثواب الداعي بذلك كما أطلق ذلك في القرآن والمراد به مزيد ثواب القاري. وقال آخرون استأثر الله تعالى بعلم الاسم الأعظم ولم يطلع عليه أحداً من خلقه وأثبته آخرون معيناً واضطربوا في ذلك، قال وجملة ما وقفت عليه في ذلك أربعة عشر قولاً فذكرها ومنها الله لأنه اسم لم يطلق على غيره ولأنه الأصل في الأسماء الحسنى ومن ثم أضيفت إليه، ومنها الرحمن الرحيم الحي القيوم لما أخرج الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد يعني حديثها المذكور في هذا الباب، ومنها الحي القيوم أخرج ابن ماجة من حديث أبي أمامة: الاسم الأعظم في ثلاث سورة البقرة وآل عمران وطه، قال القاسم الراوي عن أبي أمامة التمسته منها فعرفت أنه الحي القيوم وقواه الفخر الرازي واحتج بأنهما يدلان من صفات العظمة بالربوبية ما لا يدل على ذلك غيرهما كدلالتهما، ومنها: الحنان المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام الحي القيوم، ورد ذلك مجموعاً في حديث أنس عند أحمد والحاكم وأصله عند أبي داود والنسائي وصححه ابن حبان، ومنها الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم من حديث بريدة. قال الحافظ وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك انتهى وإن شئت الوقوف على الأقوال الباقية فارجع إلى الفتح. وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين: قد اختلف في تعيين الإسم الأعظم على نحو أربعين قولاً قد أفردها السيوطي بالتصنيف قال ابن حجر: وأرجحها من حيث السند الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. وقال الجزري في شرح الحصن الحصين: وعندي أن الإسم الأعظم لا إله إلا هو الحي القيوم. وذكر ابن القيم في الهدى أنه الحي القيوم فينظر في وجه ذلك انتهى.(9/448)
66 ـ باب
3544 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ أخبرنا رِشدِينُ بنُ سَعْدٍ عَن أبي هانئ الْخَوْلاَنيّ عَن أبي عَلِيّ الْجَنْبِيّ عَن فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ قالَ: "بَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلّى فقالَ اللّهُمّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَجِلْتَ أَيّهَا المُصَلّي إِذَا صَلّيْتَ فَقَعَدْتَ فاحْمَدِ الله بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَصَلّ عَلَيّ ثُمّ ادْعُهُ، قالَ ثُمّ صَلّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَمِدَ الله وصَلّى عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ لَهُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أيّهَا المُصَلّي ادْعُ تُجَبْ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ وَقَدْ رَوَاهُ حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ عَن أَبي هانئ الخَوْلاَنِيّ. وَأبُو هَانِئ اسَمُهُ حُمَيْدُ بنُ هَانِئ، وَأبُو عَلِيّ الْجَنْبِيّ اسْمُهُ عَمْرُو بنُ مالِكٍ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "بينا" وفي رواية بينما "فقال" أي في آخر صلاته أو بعدها "عجلت" بكسر الجيم ويجوز الفتح والتشديد قاله الأبهري "فقعدت" قال الطيبي: إما عطف على مقدر أي إذا صليت وفرغت فقعدت للدعاء فاحمد الله، وإما عطف على المذكور أي إذا كنت مصلياً فقعدت للتشهد فاحمد الله أي اثن عليه بقولك التحيات لله الخ قال القارى: ويؤيد الأول إطلاق قوله "فاحمد الله بما هو أهله" أي من كل ثناء جميل. قلت: ويؤيد الاحتمال الثاني الرواية الآتية فإن فيها يدعو في صلاته والروايات بعضها يفسر بعضاً "ثم ادعه" بهاء الضمير وقيل بهاء السكت "فحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم" أي ولم يدع "أدع تجب" على بناء المجهول مجزوماً على جواب الأمر دلهما عليه السلام على الكمال. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أبو داود والنسائي.(9/449)
3545 ـ حدثنا عَبْدُ الله بنُ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيّ، أخبرنا صَالحٌ المرّيّ عَن هِشَامِ بنِ حَسّانَ عَن مُحمّدِ بنِ سِيرِينَ عَن أبي هُرَيْرَةَ قالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أُدْعُوا الله وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بالإجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنّ الله لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
3546 ـ حدثنا محْمودُ بنُ غَيْلاَنَ أخبرنا المقريءُ أخبرنا حَيْوَةُ بن شريح حدثني أَبُو هَانِئ أَنّ عَمْرَو بنَ مالِكٍ الْجَنْبِيّ أَخْبَرَهُ أَنّهُ
ـــــــ
قوله: "وأنتم موقنون بالإجابة" أي والحال أنكم موقنون بها أي كونوا عند الدعاء على حالة تستحقون بها الإجابة من إتيان المعروف واجتناب المنكر ورعاية شروط الدعاء كحضور القلب وترصد الأزمنة الشريفة والأمكنة المنيفة واغتنام الأحوال اللطيفة كالسجود إلى غير ذلك حتى تكون الإجابة على قلوبكم أغلب من الرد، أو أراد وأنتم معتقدون أن الله لا يخيبكم لسعة كرمه وكمال قدرته وإحاطة علمه لتحقق صدق الرجاء وخلوص الدعاء، لأن الداعي ما لم يكن رجاؤه واثناً لم يكن دعاؤه صادقاً "من قلب غافل" بالإضافة وتركها أي معرض عن الله أو عما سأله "لاه" من اللهو أي لاعب بما سأله أو مشتغل بغير الله تعالى. وهذا عمدة آداب الدعاء ولذا خص بالذكر. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه الحاكم وقال: مستقيم الإسناد تفرد به صالح المري وهو أحد زهاد البصرة. قال المنذري: صالح المري لا شك في زهده لكن تركه أبو داود والنسائي انتهى. قلت: وللحديث شاهد من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "القلوب أوعية وبعضها أوعى من بعض فإذا سألتم الله عز وجل يا أيها الناس فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل" . أخرجه أحمد وحسن المنذري إسناده.
قوله: "أخبرنا المقرئ" اسمه عبد الله بن يزيد المكي أبو عبد الرحمن "حدثنا حيوة" بن شريح بن صفوان. قوله: "فلم يصل على النبي صلى الله عليه(9/450)
سَمِعَ فَضَالَةَ بنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ: "سَمِعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَدْعُو في صَلاَتِهِ فَلَمْ يُصَلّ عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عَجِلَ هَذَا ثُمّ دَعَاهُ، فقالَ لَهُ ولِغَيْرِهِ: إِذَا صَلّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ الله وَالثّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمّ ليُصَلّ عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم ثُمّ ليَدْعُ بَعْدُ ما شَاءَ" .
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
وسلم" وفي رواية أبي داود لم يمجد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم "ثم ليدع بعد " أي بعد التحميد والصلاة "ما شاء" أي من دين أو دنيا مما يجوز طلبه. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" تقدم تخريجه.(9/451)
67 ـ باب
3547 ـ حدثنا أَبُو كُرَيْب، أخبرنا أبو مُعَاوِيَة بنُ هِشَامٍ عَن حَمْزَةَ الزّيّات عَن حَبِيبِ بنِ أَبي ثَابِتٍ عن عُرْوَةَ عَن عَائِشَةَ قَالَتْ: "كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: اللّهُمّ عَافِني في جَسَدِي، وَعَافِني في بَصَرِي وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنّي، لاَ إلَهَ إلاّ الله الْحَلِيمُ
ـــــــ
"باب"
قوله: "اللهم عافني في جسدي" أي في بدني "وعافني في بصري" أي في عيني والمعنى احفظهما عن جميع الأسقام والأمراض "واجعله الوارث مني" قال الجزري في النهاية: أي إبق البصر صحيحاً سليماً إلى أن أموت، وقيل أراد بقاءه وقوته عند الكبر وانحلال القوى النفسانية فيكون البصر وارث سائر القوى والباقي بعدها انتهى "لا إله إلا الله الحليم" أي الذي لا يعجل بالعقوبة(9/451)
الكَرِيمُ، سُبْحَانَ الله رَبّ العَرْشِ العَظِيمِ، وَالْحَمْدُ لله رَبّ العَالمِينَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ. قال: سَمِعْتُ مُحّمداً يَقُولُ حَبِيبُ بنُ أَبي ثابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ بنِ الزّبَيْرِ شَيْئاً.
ـــــــ
فلا يعاجل بنقمته على من قصر في طاعته "الكريم" هو الجواد المعطي الذي لا ينفد عطاؤه وهو الكريم المطلق. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه الحاكم. قوله: "سمعت محمداً يقول حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير شيئاً" قال الحافظ في تهذيب التهذيب بعد نقل كلام الترمذي هذا: وقال ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل عن أبيه أهل الحديث اتفقوا على ذلك يعني على عدم سماعه منه قال واتفاقهم على شيء يكون حجة انتهى.(9/452)
68 ـ باب
3547 ـ حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أخبرنا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الأعْمَشِ عَن أَبي صَالِحٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: "جاءَتْ فاطِمَةُ إِلى النبيّ صلى الله عليه وسلم تَسْألُهُ خَادِماً فقالَ لهَا: قُولِي: اللّهُمّ رَبّ السّمَاوَاتِ السّبْعِ وَرَبّ العَرْشِ العَظِيمِ، رَبّنَا وَرَبّ كُلّ شَيْءٍ: مُنْزِلَ التّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالقُرْآنِ فالِقَ الحَبّ وَالنّوَى. أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ كُلّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، أَنْتَ الأوّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وأَنْتَ الآخِرُ
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا أبو أسامة" إسمه حماد بن أسامة. قوله: "تسأله خادماً" هو واحد الخدم ويقع على الذكر والأنثى لأنه جرى مجرى إسم غير مشتق "اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء الخ" سبق شرحه قبل باب ما جاء فيمن يقرأ من القرآن عند المنام.(9/452)
فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وأَنْتَ الباطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيءٌ، اقْضِ عَنّي الدّيْنَ وَاغْنِني مِنَ الفَقْرِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ. وَهَكَذَا رَوَى بَعْضُ أصْحابِ الأعْمَشِ عَن الأَعْمَشِ نَحْوَ هَذَا، وروى بَعْضُهُمْ عَن الأعْمَشِ عَن أَبي صَالحٍ مُرْسَلاً ولَمْ يَذْكُرْ فيهِ عَن أبي هُرَيْرَةَ.(9/453)
69 ـ باب
3549 ـ حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أخبرنا يَحْيَى بنُ آدَمَ عَن أَبي بَكْرٍ بنِ عَيّاشٍ عَن الأعْمَشِ عَن عَمْرِو بنِ مُرّةَ عَن عبْدِ الله بنِ الْحَارِثِ عَن زُهَيْرِ بنِ الأَقْمَرِ عَن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو قالَ: "كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: اللّهُمّ إنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمِنْ دُعَاءٍ لا يُسْمَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَؤُلاَءِ الأرْبَعِ" . وفي البابِ
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن عبد الله بن الحارث" الزبيدي بضم الزاي النجراني بنون وجيم الكوفي المعروف بالمكتب ثقة من الثالثة "عن زهير بن الأقمر" كنيته أبو كثير الزبيدي بالتصغير الكوفي مقبول من الثالثة. قوله: "اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع" أي لا يسكن ولا يطمئن بذكر الله "ومن دعاء لا يسمع" بصيغة المجهول أي لا يستجاب "ومن نفس لا تشبع" أي بما آتاها الله ولا تقنع بما رزقها ولا تفتر عن جمع المال لما فيها من شدة الحرص أو من نفس تأكل كثيراً. قال ابن الملك أي حريصة على جمع المال وتحصيل المناصب "ومن علم لا ينفع"(9/453)
عَن جَابِر وَأَبي هُرَيْرَةَ وَابنِ مَسْعُودٍ.
هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
ـــــــ
أي علم لا أعمل به ولا أعلم الناس ولا يهذب الأخلاق والأقوال والأفعال، أو علم لا يحتاج إليه أو لم يرد في تعلمه إذن شرعي. قال الطيبي: اعلم أن في كل من القرائن الأربع ما يشعر بأن وجوده مبني على غايته وأن الغرض منه تلك الغاية وذلك أن تحصيل العلوم إنما هو للانتفاع بها فإذا لم ينتفع به لم يخلص منه كفافاً بل يكون وبالاً ولذلك استعاذ، وأن القلب إنما خلق لأن يتخشع لبارئه وينشرح لذلك الصدر ويقذف النور فيه فإذا لم يكن كذلك كان قاسياً فيجب أن يستعاذ منه قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} وأن النفس يعتد بها إذا تجافت عن دار الغرور وأنابت إلى دار الخلود. وهي إذا كانت منهومة لا تشبع حريصة على الدنيا كانت أعدى عدو المرء فأولى الشيء الذي يستعاذ منه هي أي النفس، وعدم استجابة الدعاء دليل على أن الداعي لم ينتفع بعلمه وعمله ولم يخشع قلبه ولم تشبع نفسه انتهى. قوله: "وفي الباب عن جابر وأبي هريرة وابن مسعود" أما حديث جابر فأخرجه ابن حبان عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم إني أسألك علماً نافعاً وأعوذ بك من علم لا ينفع"، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم، وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الحاكم في مستدركه وابن أبي شيبة في مصنفه. قوله: "وهذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه النسائي وأخرجه مسلم من حديث زيد بن أرقم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه أتم منه.(9/454)
70 ـ باب
3550 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا أبُو مُعَاوِيَةَ عَن شَبِيبٍ بنِ شَيْبَةَ عَن الحَسَنِ البَصْرِيّ عَن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ قالَ: "قالَ
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن شبيب بن شيبة" بن عبد الله التميمي المنقري أبي معمر البصري(9/454)
النبيّ صلى الله عليه وسلم لأَبي: يا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ اليَوْمَ إلهاً؟ قالَ أَبِي: سَبْعَةً, سِتّةً في الأَرْضِ، وَوَاحِداً في السّمَاءِ، قالَ: فأَيّهُمْ تَعُدّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ؟ قالَ الّذِي في السّمَاءِ، قالَ يا حصينُ أما إنك لَوْ أَسْلَمْتَ عَلّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ، قالَ: فَلَمّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ قالَ يا رَسُولَ الله عَلّمْنِي الكَلِمَتَيْنِ اللّتَيْنِ وَعَدْتَنِي، فقالَ قُل اللّهُمّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وَأَعِذْنِي مِنْ شَرّ نَفْسِي" . هَذا حديثٌ حسن غَريبٌ. وَقدْ رُوِيَ هذا الْحَدِيثُ عنْ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ منْ غيْر هذا الْوَجْهِ.
ـــــــ
الخطيب البليغ أخباري صدوق يهم في الحديث من السابعة "عن عمران بن حصين" ابن عبيد الخزاعي كنيته أبو نجيد بنون وجيم مصغراً أسلم عام خيبر وصحب وكان فاضلاً وقضي بالكوفة "لأبي" أي لوالدي حال كفره "يا حصين كم تعبد اليوم" اللام للمعهود الحاضري نحو قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} "إلهاً" قال ابن حجر المكي هو تمييز لكم الاستفهامية ولا يضره الفصل لأنه غير أجنبي "قال أبي سبعة" أي أعبد سبعة من الآلهة "ستة في الأرض وواحداً في السماء" أي ستة آلهة في الأرض وإلهاً واحداً في السماء "فأيهم تعد" بفتح التاء وضم العين "لرغبتك ورهبتك" قال الطيبي الفاء جزاء شرط محذوف أي إذا كان كذلك فأيهم تخصه وتلتجئ إليه إذا نابتك نائبة "أما" بالتخفيف للتنبيه "إنك" بكسر الهمزة "كلمتين" أي دعوتين "تنفعانك" أي في الدارين "اللهم ألهمني رشدي" بضم فسكون وبفتحتين أي وفقني إلى الرشد وهو الاهتداء إلى الصلاح "وأعذني من شر نفسي" أي أجرني واحفظني من شرها فإنها منبع الفساد. وهذا الحديث من جوامع الكلم النبوية لأن طلب إلهام الرشد يكون به السلامة من كل ضلال والاستعاذة من شر النفس يكون بها السلامة من غالب معاصي الله سبحانه فإن أكثرها من جهة النفس الأمارة بالسوء(9/455)
71 ـ باب
3551 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا أبُو عَامِرٍ العقدي، أخبرنا أبُو مُصْعَبٍ المدني عَن عَمْرِو بنِ أبِي عَمْرٍو مَوْلَى المُطّلِبِ عَن أنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ "كَثِيراً مَا كُنْتُ أَسْمَعُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو بِهؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ: اللّهُمّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمّ والْحزنِ والعَجْزِ والكَسَلِ والبُخْلِ وضَلَعِ الدّيْنِ وَقَهْرِ الرّجَالِ" . هَذا حديثٌ غَريبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بنِ أبي عَمْرٍو.
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا أبو عامر" هو العقدي "أخبرنا أبو مصعب" إسمه عبد السلام ابن حفص ويقال ابن مصعب الليثي أو السلمي المدني وثقه ابن معين من السابعة. قال في تهذيب التهذيب في ترجمته: روي عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب وغيره وعنه أبو عامر العقدي وغيره. قوله: "من الهم والحزن" الحزن خشونة في النفس لحصول غم، والهم حزن يذيب الإنسان فهو أخص من الحزن، وقيل هو بالاَتي والحزن بالماضي وقيل هما بمعنى "والعجز" بفتح العين وسكون الجيم "والكسل" بفتح الكاف والسين. قال النووي: العجز هو عدم القدرة على الخير وقيل هو ترك ما يجب فعله والتسويف به. أما الكسل فهو عدم انبعاث النفس للخير وقلة الرغبة مع إمكانه انتهى. "والبخل" بضم الباء وسكون الخاء وبفتحهما وهو ضد السخاوة "وضلع الدين" أصل الضلع هو بفتح المعجمة واللام الاعوجاج يقال ضلع بفتح اللام يضلع والمراد به هنا ثقل الدين وشدته وذلك حيث لا يجد من عليه الدين وفاء ولا سيما مع المطالبة، وقال بعض السلف: ما دخل هم الدين قلباً إلا أذهب من العقل ما لا يعود إليه "وقهر الرجال" وفي بعض النسخ: غلبة الرجال أي شدة تسلطهم(9/456)
3552 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْر، أخبرنا إسماعيل بنُ جَعْفَرٍ عَن حُمَيْدٍ عَن أنَسٍ "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو يَقُولُ: اللّهُمّ إنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ والهَرَمِ والْجُبْنِ والبُخْلِ وفِتْنَةِ المَسِيحِ وَعَذَابِ القَبْرِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
كاستيلاء الرعاع هرجاً ومرجاً. قال الكرماني: هذا الدعاء من جوامع الكلم لأن أنواع الرذائل ثلاثة: نفسانية وبدنية وخارجية، فالأولى بحسب القوى التي للإنسان وهي ثلاثة: العقلية والغضبية والشهوانية، فالهم والحزن يتعلق بالعقلية والجبن بالغضبية والبخل بالشهوانية والعجز والكسل بالبدنية، والثاني يكون عند سلامة الأعضاء وتمام الآلات والقوى والأول عند نقصان عضو ونحوه، والضلع والغلبة بالخارجية، فالأول مائي والثاني جاهي والدعاء مشتمل على جميع ذلك. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي.
قوله: "والهرم" بفتحتين أي من كبر سن يؤدي إلى تساقط بعض القوى وضعفها "والجبن" بضم الجيم وسكون الموحدة أي عدم الإقدام على مخالفة النفس والشيطان "وفتنة المسيح" أي الدجال يعني من ابتلائه وامتحانه، ويأتي وجه تلقيب الدجال بالمسيح بعد خمسة أبواب.(9/457)
72 ـ باب مَا جَاءَ في عَقْدِ التّسْبِيحِ باليَد
3553 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أخبرنا عثامُ بنُ عَلِيّ عَن الأَعْمَشِ عَن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ عَن أبيهِ عَن عَبْدِ الله بنِ عَمْرو قالَ: "رَأَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَعْقِدُ التّسْبِيحَ بِيَدِهِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ الأعْمَشِ عَن
ـــــــ
باب "مَا جَاءَ في عَقْدِ التّسْبِيحِ باليَد"
قوله: "أخبرنا عثام" بفتح العين المهملة وتشديد المثلثة "بن علي" بن هجير بجيم مصغراً العامري الكلابي أبو علي الكوفي صدوق من كبار التاسعة. قوله: "يعقد التسبيح بيده" وفي رواية أبي داود قال ابن قدامة بيمينه، وأبو قدامة هذا هو شيخ أبي داود واسمه محمد. وفي الحديث مشروعية عقد التسبيح بالأنامل وعلل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يسيرة الذي أشار إليه الترمذي بأن الأنامل مسؤولات مستنطقات يعني أنهن يشهدن بذلك، فكان عقدهن بالتسبيح من هذه الحيثية أولى من السبحة والحصى، ويدل على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى حديث سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به الحديث، وحديث صفية قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بها الحديث. أخرجهما الترمذي فيما بعد. قال الشوكاني في النيل ص 211 ج 2 هذان الحديثان يدلان على جواز عد التسبيح بالنوى: والحصى وكذا بالسبحة لعدم الفارق لتقريره صلى الله عليه وسلم للمرأتين على ذلك وعدم إنكاره والإرشاد إلى ما هو أفضل لا ينافي الجواز وقد وردت(9/458)
عَطَاءِ بنِ السّائِبِ وَرَوَى شُعْبَةُ والثّوْرِيّ هَذَا الحَدِيثَ عَن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ بِطُولِهِ وفي البابِ عَن يُسَيْرَةَ بِنْتِ يَاسِرٍ.
3554 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا سَهْلُ بنُ يُوسُفَ أخبرنا حُمَيْدٌ عَن ثَابِتٍ البُنَانِيّ عَن أنَسِ بنِ مَالِكٍ وأخبرنا محمد بن المثنى أخبرنا
ـــــــ
بذلك آثار ففي جزء هلال الحفار من طريق معتمر بن سليمان عن أبي صفية مولى النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يوضع له نطع ويجاء بزنبيل فيه حصى فيسبح به إلى نصف النهار ثم يرفع فإذا صلى أتى به فيسبح حتى يمسح. وأخرجه الإمام أحمد في الزهد. وأخرج ابن سعد عن حكيم بن الديلمي أن سعد بن أبي وقاص كان يسبح بالحصى. وقال ابن سعد في الطبقات: أخبرنا عبد الله بن موسى أخبرنا إسماعيل عن جابر عن امرأة خدمته عن فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب أنها كانت تسبح بخيط معقود فيها. وأخرج عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد الزهد عن أبي هريرة أنه كان له خيط فيه ألف عقدة فلا ينام حتى يسبح. وأخرج أحمد في الزهد عن القاسم بن عبد الرحمن قال لأبي الدرداء نوى عن العجوة في كيس فكان إذا صلى الغداة أخرجها واحدة يسبح بهن حتى ينفذهن. وأخرج ابن سعد عن أبي هريرة أنه كان يسبح بالنوى المجموع. وأخرج الديلمي في مسند الفردوس من طريق زينب بنت سليمان بن علي عن أم الحسن بنت جعفر عن أبيها عن جدها عن علي رضي الله عنه مرفوعاً: "نعم المذكر السبحة". وقد ساق السيوطي آثاراً في الجزء الذي سماه المنحة في السبحة وهو من جملة كتابه المجموع في الفتاوى وقال في آخره ولو ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة بل كان أكثرهم يعدونه بها ولا يرون ذلك مكروها انتهى. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو داود وسكت عنه، ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره وأخرجه النسائي والحاكم وصححه. قوله: "وفي الباب عن يسيرة بنت ياسر" أخرج حديثها الترمذي في أحاديث شتى.(9/459)
خالد بن الحارث عن حميد عن ثابت عن أنس بن مالك "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم عَادَ رَجُلاً قَدْ جهِدَ حتى صَارَ مِثْلَ الفَرْخ، فَقَالَ لَهُ: أَمَا كنت تدعو؟ أما كنت تسأل ربك العافية، قال: كنت أقول: اللهم ما كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الآخرة فَعجّلَهُ لِي في الدّنْيَا فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم سُبْحَانَ الله إنّكَ لاَ تُطِيقُهُ أو لا تَسْتَطِيعُهُ أفَلاَ كُنْتَ تَقُولُ اللّهُمّ آتِنَا في الدّنْيَا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عَذَابَ النّارِ؟" .
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وقد روي من غير وجه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
قوله: "عاد" من العيادة "رجلاً" أي مريضاً "قد جهد" بصيغة المجهول. قال في القاموس: جهد المرض فلاناً هزله "مثل فرخ" هو ولد الطير أي مثله في كثرة النحافة وقلة القوة "أما كنت تدعو أما كنت تسأل ربك العافية" بهمزة الاستفهام وما النافية في الجملتين، وفي رواية مسلم هل كنت تدعو الله بشيء أو تسأله إياه؟ "ما كنت معاقبي به" ما موصولة أو شرطية "إنك لا تطيقه" أي في الدنيا "أو لا تستطيعه" أو للشك من الراوي، قال النووي: في هذا الحديث النهي عن الدعاء بتعجيل العقوبة وفيه فضل الدعاء باللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وفيه جواز التعجب يقول سبحان الله وقد سبقت نظائره، وفيه استحباب عيادة المريض والدعاء له، وفيه كراهة تمني البلاء لئلا يتضجر منه ويسخطه وربما شكا. وأظهر الأقوال في تفسير الحسنة في الدنيا أنها العبادة والعافية وفي الآخرة الجنة والمغفرة. وقيل الحسنة نعم الدنيا والآخرة ولا مناسبة لحديث أنس هذا بالباب فلعله كان قبل هذا الحديث باب بغير ترجمة فسقط. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه مسلم(9/460)
73 ـ باب
3555 ـ حدثنا مَحْمُودُ بن غَيْلاَنَ، أخبرنا أبُو دَاوُدَ قَالَ أنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَن أبي إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ أبَا الأَحْوَصِ يُحَدّثُ عَن عَبْدِ الله "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو: اللّهُمّ إِنّي أَسْألُكَ الهُدَى والتّقَى والعَفَافَ والغنِى" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا أبو داود" الطيالسي "عن أبي إسحاق" السبيعي "سمعت أبا الأحوص" إسمه عوف بن مالك بن نضلة الجشمي. قوله: "اللهم إني أسألك الهدى والتقى" أي الهداية والتقوى. قال الطيبي أطلق الهدى والتقى ليتناول كل ما ينبغي أن يهتدي إليه من أمر المعاش والمعاد ومكارم الأخلاق وكل ما يجب أن يتقي منه من الشرك والمعاصي ورذائل الأخلاق، وطلب العفاف والغنى تخصيص بعد تعميم انتهى "العفاف والغنى" العفاف والعفة هو التنزه عما لا يباح والكف عنه، والغنى ههنا غنى النفس والاستغناء عن الناس وعما في أيديهم. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم وابن ماجة(9/461)
74 ـ باب
3556 ـ حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أخبرنا مُحَمّدُ بنُ فَضْيل عَن مُحّمدٍ بنِ سَعْدٍ الأَنْصَارِيّ عَن عَبْدِ الله بنِ رَبِيعَةَ الدّمَشْقِيّ، قَالَ: حَدثني عَائِذُ الله
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن محمد بن سعد الأنصاري" الشامي صدوق من السادسة(9/461)
أبُو إدْرِيسَ الخَوْلاَنِيّ عَن أَبي الدّرْداءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "كَانَ مِنْ دُعَاءِ دَاوُدَ يَقُولُ: اللّهُمّ إِنّي أَسْألُكَ حُبّكَ وَحُبّ مَنْ يُحِبّكَ والعَمَلَ الّذِي يُبَلّغُنِي حُبّكَ. اللّهُمّ أجْعَلْ حُبّكَ أحَبّ إليّ مِنْ نَفْسِي وأَهْلِي وَمِنْ المَاءِ البَارِدِ. قَالَ وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا ذَكَرَ دَاوُدَ يُحَدّثُ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَعْبَدَ البَشَرِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
"عن عبد الله بن ربيعة" بن يزيد الدمشقي وقيل ابن يزيد بن ربيعة مجهول من السادسة.
قوله: "يقول" اسم كان بحذف إن أي قوله: "اللهم إني أسألك حبك" من إضافة المصدر إلى الفاعل أو المفعول والأول أظهر إذ فيه تلميح إلى قوله تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} "وحب من يحبك" كما سبق إما الإضافة إلى المفعول فهو ظاهر كمحبتك للعلماء والصلحاء. وإما الإضافة إلى الفاعل فهو مطلوب أيضاً كما ورد في الدعاء: حببنا إلى أهلها وحبب صالحي أهلها إلينا. وأما ما ورد في الدعاء من سؤال حب المساكين فمحتمل "والعمل" بالنصب عطف على المفعول الثاني "الذي يبلغني" بتشديد اللام أي يوصلني ويحصل لي "حبك" يحتمل الاحتمالين "اللهم اجعل حبك" أي حبي إياك "من نفسي ومالي" أي من حبهما حتى أوثره عليهما "ومن الماء البارد" أعاد من ههنا ليدل على استقلال الماء البارد في كونه محبوباً وذلك في بعض الأحيان فإنه يعدل بالروح "قال" أي أبو الدرداء "إذا ذكر داود" بالنصب على المفعولية "يحدث عنه" أي يحكى عنه. قال الطيبي: قوله يحدث يروي مرفوعاً جزاء للشرط إذا كان ماضيا والجزاء مضارعاً يسوغ فيه الوجهان انتهى، قال القاري: ومراده أن الرفع متعين ولو قيل إن إذا يجزم كما ذكروا في قوله: وإذا تصبك خصاصة فتجمل، فإن الشرط الجازم المتفق عليه إذا كان ماضياً والجزاء مضارعاً يسوغ فيه الوجهان فكيف إذا كان الشرط جازماً مختلفاً فيه فيتعين على كل تقدير ولا يجوز الجزم لعدم وروده رواية لكن لو ورد له وجه في الدراية "كان" أي داود "أعبد البشر" أي في زمانه كذا قيد الطيبي. قال القاري: وعلى(9/462)
75 ـ باب
3557 ـ حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، أخبرنا ابنُ أبي عَدِيّ عَن حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ عَن أَبي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيّ عَن مُحمّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيّ عَن عَبْدِ الله بنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيّ الأَنْصَارِيّ عَن رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنّه كانَ يَقُولُ في دُعَائِهِ "اللّهُمّ ارْزُقْنِي حُبّكَ وَحُبّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبّهُ عِنْدَكَ. اللّهُمّ مَا رَزَقْتَنِي مِمّا أُحِبّ فاجْعَلْهُ قُوّةً لِي فِيمَا تُحِبّ. اللّهُمّ مَا زَوَيْتَ عَنّي مِمّا أُحِبّ فاجْعَلْهُ فراغا لِي فيمَا تُحِبّ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وأَبُو جَعْفَرٍ الْخَطْمِيّ اسْمُهُ عُمَيْرُ بنُ يَزِيدَ بنُ خُمَاشَةَ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن أبي جعفر الخطمي" بفتح المعجمة وسكون الطاء إسمه عمير بن يزيد بن عمير بن حبيب بن خماشة الأنصاري المدني نزيل البصرة صدوق من السادسة. قوله: "اللهم ارزقني حبك" أي لأنه لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح إلا بأن يكون الله أحب إليه مما سواه "اللهم ما رزقتني مما أحب" أي الذي أعطيتني من الأشياء التي أحبها من صحة البدن وقوته وأمتعة الدنيا من المال والجاه والأولاد والفراغ "فاجعله قوة لي" أي عدة لي "فيما تحب" أي بأن أصرفه فيما تحبه وترضاه من الطاعة والعبادة "اللهم وما زويت" من الزي بمعنى القبض والجمع ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "اللهم ازو لنا الأرض وهون علينا السفر" . أي اطوها كما في رواية أخرى. أي وما قبضته ونحيته "عني" أي بأن منعتني ولم تعطني "مما أحب" أي مما أشتهيه من المال والجاه(9/463)
ـــــــ
والأولاد وأمثال ذلك "فاجعله فراغاً لي" أي سبب فراغ خاطري "فيما تحب" أي من الذكر والفكر والطاعة والعبادة. قال القاضي: يعني ما صرفت عني من محابي فنحه عن قلبي واجعله سبباً لفراغي لطاعتك ولا تشغل به قلبي فيشغل عن عبادتك. وقال الطيبي: أي إجعل ما نحيته عني من محابي عوناً لي على شغلي بمحابك وذلك أن الفراغ خلاف الشغل فإذا ذوي عنه الدنيا ليتفرغ بمحاب ربه كان ذلك الفراغ عوناً له على الاشتغال بطاعة الله كذا في المرقاة. قوله: "إسمه عمير" بالتصغير "بن يزيد بن خماشة" بضم خاء معجمة وخفة ميم وإعجام شين.(9/464)
76 ـ باب
3558 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا أَبُو أحْمَدَ الزّبَيْرِيّ قَالَ: حدثني سَعْدُ بنُ أَوْسٍ عَن بِلاَلِ بنِ يَحْيَى العَبْسِيّ عَن شُتَيْرِ بنِ شَكَلٍ عَن أبيهِ شَكَلِ بنِ حُمَيْدٍ قَالَ "أَتَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فُقْلتُ يَا رَسُولَ الله عَلّمْنِي تَعَوّذاً أَتَعَوّذُ بِهِ، قَالَ فَأَخَذَ بِكَتفي فَقَالَ: قُل اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ سَمْعِي وَمِنْ شَرّ بَصَرِي وَمِنْ شَرّ لِسَانِي
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا سعد بن أوس" العبسي أبو محمد الكاتب الكوفي ثقة لم يصب الأزدي في تضعيفه من السابعة "عن شتير" بضم الشين المعجمة وفتح الفوقية مصغراً "بن شكل" بشين معجمة وكاف مفتوحتين وباللام العبسي بموحدة الكوفي ثقة من الثالثة "من أبيه شكل بن حميد" العبسي الكوفي صحابي له هذا الحديث. قوله: "علمني تعوذا" أي ما يتعوذ به. قال الطيبي: العوذ والمعاذ والتعويذ بمعنى "أتعوذ به" أي لخاصة نفسي "قال فأخذ بكفي" كان أخذه صلى الله عليه وسلم كفه لمزيد الاعتناء والاهتمام بالتعليم وقد تقدم بيانه في باب المصافحة "اللهم(9/464)
ومِنْ شَرّ قَلْبِي ومِنْ شَرّ مَنِيّي يَعْنِي فَرْجَهُ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُه إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ من حديث سَعْدِ بنِ أَوسٍ عَن بِلاَلِ بنِ يَحْيَى.
ـــــــ
إني أعوذ بك من شر سمعي" أي حتى لا أسمع به ما تكرهه "ومن شر بصري" أي حتى لا أرى شيئاً لا ترضاه "ومن شر لساني" أي حتى لا أتكلم بما لا يعنيني "ومن شر قلبي" أي حتى لا أعتقد اعتقاداً فاسداً ولا يكون فيه نحو أحد حقد وحسد وتصميم فعل مذموم أبداً "ومن شر منيي" وهو أن يغلب عليه حتى يقع في الزنا أو مقدماته "يعني فرجه" هذا تفسير من بعض الرواة لقوله منيى أي يريد شر فرجه. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو داود والنسائي ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره.(9/465)
77 ـ باب
3559 ـ حدثنا الأَنْصَارِيّ، أخبرنا مَعْنٌ، أخبرنا مَالِكٌ عَن أبي الزّبَيْرِ المَكّيّ عَن طَاوُسٍ اليَمانِيّ عَن عَبْدِ الله بنِ عَبّاسٍ "أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعَلّمُهُم هَذَا الدّعَاءَ كما يُعَلّمُهُمْ السّورَةَ مِنَ القُرْآنِ: اللّهُمّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنّمَ ومنْ عَذَابِ القَبْرِ وَأعُوذُ بِكَ
ـــــــ
"باب"
قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم" أي أصحابه أو أهل بيته "هذه الدعاء" أي الذي يأتي. قال النووي: ذهب طاؤس إلى وجوبه وأمر ابنه بإعادة الصلاة حين لم يدع بهذا الدعاء فيها، والجمهور على أنه مستحب "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم" فيه إشارة إلى أنه لا مخلص من عذابها إلا بالالتجاء إلى بارئها "ومن عذاب القبر" فيه استعاذة للأمة أو تعليم لهم لأن(9/465)
مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدّجّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا والمَمَاتِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريب.
3560 ـ حدثنا هَارُونُ بنُ إسحاق الهَمْدَانيّ، أخبرنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ عَنِ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَن أبيهِ عَن عَائِشَةَ قَالتْ "كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدْعُو بهَؤُلاءِ الكَلِمَاتِ اللّهُمّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النّارِ وعَذَابِ النّارِ وعَذَابِ القَبْرِ وفِتْنَةِ القَبْرِ وَمِنْ شَرّ فِتْنَةِ الغِنَى
ـــــــ
الأنبياء لا يعذبون "وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال" أي على تقدير لقبه قال أهل اللغة: الفتنة الامتحان والاختبار، وقال عياض واستعمالها في العرف لكشف ما يكره، والمسيح يطلق على الدجال وعلى عيسى بن مريم عليه السلام لكن إذا أريد الدجال قيد به. واختلف في تلقيب الدجال بذلك فقيل لأنه ممسوح العين، وقيل لأنه أحد شقي وجهه خلق ممسوحاً لا عين فيه ولا حاجب، وقيل لأنه يمسح الأرض إذا خرج. وأما عيسى فقيل سمي بذلك لأنه خرج من بطن أمه ممسوحاً بالدهن، وقيل لأن زكريا مسحه، وقيل لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا بريء، وقيل لأنه كان يمسح الأرض بسياحته، وقيل لأن رجله كانت لا أخمص لها، وقيل لليسه المسوح "وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات" هذا تعميم بعد تخصيص، قال ابن دقيق العيد: فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتنان بالدنيا والشهوات والجهالات وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت، وفتنة الممات يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت أضيفت إليه لقربها منه ويكون المراد بفتنة المحيا على هذا ما قيل ذلك ويجوز أن يراد بها فتنة القبر، وقد صح في حديث أسماء: أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريباً من فتنة الدجال ولا يكون مع هذا فالوجه متكرراً مع قوله عذاب القبر لأن العذاب مرتب عن الفتنة والسبب غير المسيب انتهى. قوله: "هذا حديث صحيح غريب" وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي.
قوله: "اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار" أي فتنة تؤدي إلى النار لئلا(9/466)
ومِنْ شَرّ فِتْنَةِ الفَقْرِ ومِنْ شَرّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدّجّالِ. اللّهُمّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِمَاءِ الثّلْجِ والبَرَدِ وأنْقِ قَلْبِي من الْخَطَايَا كَمَا أَنْقَيْتَ الثّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدّنَسِ وَبَاعِدَ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدَتَ بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ اللْهمّ إنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ والهَرَمِ والمأْثَمِ والمَغْرَمِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
يتكرر، ويحتمل أن يراد بفتنة النار سؤال الخزنة على سبيل التوبيخ وإليه الإشارة بقوله تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} "وعذاب النار" أي من أن أكون من أهل النار وهم الكفار فإنهم هم المعذبون وأما الموحدون فإنه مؤدبون ومهذبون بالنار لا معذبون بها "وعذاب القبر" وهو ضرب من لم يوفق للجواب بمقامع من الحديد وغيره من العذاب. والمراد بالقبر البرزخ والتعبير به للغالب أو كل ما استقر أجزاؤه فيه فهو قبره "وفتنة القبر" أي التحير في جواب الملكين "ومن شر فتنة الغني" وهي البطر والطغيان وتحصيل المال من الحرام وصرفه في العصيان والتفاخر بالمال والجاه "ومن شر فتنة الفقر" وهي الحسد على الأغنياء والطمع في أموالهم والتذلل بما يدنس العرض ويثلم الدين وعدم الرضا بما قسم الله له وغير ذلك مما لا تحمد عاقبته. قال الغزالي: فتنة الغني الحرص على جمع المال والحب على أن يكسبه من غير حله ويمنعه من واجبات إنفاقه وحقوقه، وفتنة الفقر يراد به الفقر الذي لا يصحبه صبر ولا ورع حتى بتورط صاحبه بسببه فيما لا يليق بأهل الدين والمروءة ولا يبالي بسبب فاقته على أي حرام وثب "اللهم اغسل خطاياي" أي أزلها عني "والبرد" بفتحتين وهو حب الغمام جمع بينهما مبالغة لأن ما غسل بالثلاثة أنقى مما غسل بالماء وحده فسأل بأن يطهره التطهير الأعلى الموجب لجنة المأوى والمراد طهرني بأنواع مغفرتك "وانق" من الإنقاء وفي رواية مسلم: نق من التنقية "من الدنس" أي الوسخ "وباعد" أي أبعد وعبر بالمفاعلة مبالغة، والمراد بالمباعدة محرماً ما حصل منها والعصمة عما سيأتي منها وهو مجاز لأن(9/467)
3561 ـ حدثنا هارُونَ بن إسحاق أَخبرنا عَبْدَةُ عَن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَن عَبّادِ بنِ عَبْدِ الله بنِ الزّبَيْرِ عَن عَائِشَةَ قَالَتْ "سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عِنْدَ وَفَاتِهِ: اللّهُمّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وألْحِقْنِي بالرّفِيقِ الأعْلَى" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
حقيقة المباعدة إنما هي في الزمان والمكان وموقع التشبيه أن النقاء المشرق والمغرب مستحيل فكأنه أراد أن لا يبقى لها منه اقتراب بالكلية "والمأثم" أي مما يأثم به الإنسان أو مما فيه إثم أو مما يوجب الإثم أو الإثم نفسه "والمغرم" هو مصدر وضع موضع الاسم يريد به مغرم الذنوب والمعاصي وقيل المغرم كالغرم وهو الدين ويريد به ما استدين فيما يكرهه الله أو فيما يجوز ثم عجز عن أدائه، فأما دين احتاج إليه وهو قادر على أدائه فلا يستعاذ منه. قاله الجزري في النهاية، قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة.
قوله: "حدثنا هارون" هو ابن إسحاق الهمداني "أخبرنا عبده" هو ابن سليمان الكلابي قوله: "وألحقني بالرفيق الأعلى" المراد بالرفيق الأعلى هنا جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين وهو إسم جاء على فعيل ومعناه الجماعة كالصديق والخليط يقع على الواحد والجمع. والمراد هنا الجمع كقوله تعالى: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} كذا قال الجزري وغيره وعند البخاري من طريق سعد عن عروة عن عائشة قالت كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والآخرة فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه وأخذته بحة يقول: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} الآية. فظننت أنه خير. قال الحافظ وفي رواية المطلب عن عائشة عند أحمد فقال: مع الرفيق الأعلى: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ} إلى قوله {رَفِيقاً} . قال: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.(9/468)
78 ـ باب
3562 ـ حدثنا الأَنْصَارِيّ، أخبرنا مَعْنٌ، أخبرنا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عَن مُحمّدِ بنِ إِبْرَاهيمَ التّيْمِيّ أَنّ عَائِشَةَ قالَتْ: "كُنْتُ نَائِمَةً إلى جَنْبِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَفَقَدْتُهُ مِنَ اللّيْلِ فَلَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ وهُوَ يَقولُ: أعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، لا أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجهٍ عَن عَائِشَةَ.
3563 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ أخبرنا اللّيْثُ عَن يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ بِهَذَا الإسْنَادِ نَحْوَه وزَادَ فِيهِ: "وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ" .
ـــــــ
"باب"
قوله: "اللهم إني أعوذ بك برضاك من سخطك الخ" يأتي شرحه في أحاديث شتى في باب دعاء الوتر. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم.(9/469)
79 ـ باب
3564 ـ حدثنا الأَنْصَارِيّ، أخبرنا مَعْنٌ، أخبرنا مَالِكٌ عَن أَبي الزّنَادِ عَن الأعْرَجِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لاَ يَقُولُ أَحَدُكُمْ اللّهُمّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْتَ، اللّهُمّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْتَ. لِيَعْزِم المَسْأَلَةَ فإِنّه لاَ مُكْرِهَ لَهُ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "ليعزم المسألة" المراد بالمسألة الدعاء قال العلماء: عزم المسألة الشدة في طلبها والحزم به من غير ضعف في الطلب ولا تعليق على مشيئة ونحوها: وقيل هو حسن الظن بالله تعالى في الإجابة. ومعنى الحديث استحباب الجزم في الطلب وكراهة التعليق على المشيئة. قال العلماء سبب كراهته أنه لا يتحقق استعمال المشيئة إلا في حق من يتوجه عليه الإكراه والله تعالى منزه عن ذلك وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث فإنه لا مستكره له. وقيل سبب الكراهة أن في هذا اللفظ صورة الاستغناء عن المطلوب والمطلوب منه قال النووي "فإنه لا مكره له" بضم الميم وسكون الكاف وكسر الراء من الإكراه. وفي رواية للشيخين لا مستكره له وهما بمعنى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وأبو داود.(9/470)
80 ـ باب
3565 ـ حدثنا الأنْصَارِيّ، أخبرنا مَعْنٌ، أخبرنا مَالِكٌ عَن ابنِ شِهَابٍ عَن أَبي عَبْدِ الله الأغَرّ وَعَن أَبي سَلَمةَ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "يَنْزِلُ رَبّنَا كُلّ لَيْلَةٍ إِلى السّمَاءِ الدّنْيَا حَتّى يَبْقَى ثُلثُ اللّيْلِ الآخر فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْألُنِي فأُعْطِيَهُ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فأَغْفِرَ لَهُ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وأَبُو عَبْدِ الله الأغَرّ اسْمُهُ سَلْمَان. وفي البابِ عَن عَلِيّ وَعَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ وَأَبي سَعيدٍ وَجُبَيْرِ بنِ مُطْعَمٍ ورِفَاعَةَ الْجُهَنِيّ وأَبي الدّرْدَاءِ وعُثْمَانَ بنِ أبي العَاصِ.
3566 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ يَحْيى الثّقَفِيّ المِرْوَزِيّ، أخبرنا حفْصُ بنُ غِياثٍ عَن ابنِ جُرَيْجٍ عَن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ سَابِطٍ عَن أبي أُمَامَةَ قَالَ: "قِيلَ يا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَيّ الدّعَاءِ أسْمَعُ؟ قالَ: جَوْف اللّيْلِ الآخر،
ـــــــ
"باب"
قوله: "قال ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا الخ" قد تقدم هذا الحديث في باب نزول الرب تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا من أبواب الصلاة وتقدم هناك شرحه.
قوله: "حدثنا محمد بن يحيى" بن أيوب بن إبراهيم الثقفي أبو يحيى المروزي القصري المعلم ثقة حافظ من العاشرة. قوله: " أي الدعاء أسمع" أي أوفق إلى السماء أو أقرب إلى الإجابة "جوف الليل" روى بالرفع وهو الأكثر على أنه(9/471)
وَدُبُرَ الصّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَن أَبي ذَرّ وابنِ عُمَرَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قالَ: "جَوْفُ اللّيْلِ الآخر الدّعَاءُ فِيهِ أَفْضَلُ أو أَرْجَى" أوَ نَحْوَ هَذَا
ـــــــ
خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه مرفوعاً أي دعاء جوف الليل أسمع، وروى بنصب جوف على الظرفية أي في جوفه "الآخر" صفة جوف فيتبعه في الإعراب، قيل والجوف الآخر هو وسط النصف الآخر من الليل بسكون السين لا بالتحريك "ودبر الصلوات المكتوبات" عطف على جوف تابع له في الإعراب.(9/472)
81 ـ باب
3567 ـ حدثنا عبْدُ الله بنُ عبد الله عَبْدِ الرّحْمَنِ أخبرنا حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ الْحِمْصِيّ عَن بَقِيّةَ بنِ الْوَلِيدِ عَن مُسْلِمِ بنِ زِيَادٍ قال: "سَمِعْتُ أَنَساً يَقُولُ إِنّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ اللّهُمُ أَصْبَحْنَا نُشْهِدُكَ ونُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا حيوة بن شريح" بن يزيد الحضرمي أبو العباس الحمصي ثقة من العاشرة. قال في تهذيب التهذيب في ترجمته: روى عن أبيه وبقية وغيرهما وروى عنه إسحاق بن منصور الكوسج وعبد الله الدارمي وغيرهما "عن مسلم بن زياد" الحمصي مقبول من الرابعة. قوله: "نشهدك" من الإشهاد أن نجعلك شاهداً على إقرارنا بوحدانيتك في الألوهية والربوبية وهو إقرار للشهادة وتأكيد لها وتجديد لها في كل صباح ومساء وعرض من أنفسهم أنهم ليسوا عنها غافلين(9/472)
وَمَلاَئِكَتَكَ وَجمِيعَ خَلْقِكَ بِأَنّكَ الله لا إلَهَ إلاّ أَنْتَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ، وَأَنّ مُحمّداً عَبْدُكَ ورَسُولُكَ إلاّ غَفَرَ الله لَهُ مَا أَصَابَ في يَوْمِهِ ذَلِكَ، وإنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي غَفَرَ الله لَهُ ما أَصَابَ في تِلْكَ اللّيْلَةِ مِنْ ذَنْبٍ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
"وملائكتك" بالنصب عطف على ما قبله تعميماً بعد تخصيص "وجميع خلقك" أي مخلوقاتك تعميم آخر "إلا غفر الله له ما أصاب في يومه ذلك" أي من ذنب قال القاري استثناء مفرغ مما هو جواب للشرط المذكور أي الذي قال فيه ذلك الذكر تقديره: ما قال قائل هذا الدعاء إلا غفر الله له. أو يقدر نفي أي من قال ذلك لم يحصل له شيء من الأحوال إلا هذه الحالة العظيمة من المغفرة الجسيمة فعلى هذا من في من قال بمعنى ما النافية ويمكن أن تكون إلا زائدة انتهى. قلت كون إلا ههنا زائدة هو الظاهر وقد صرح صاحب القاموس بأنها قد تكون زائدة "من ذنب" أي أي ذنب كان واستثنى الكبائر وكذا ما يتعلق بحقوق العباد والإطلاق للترغيب مع أن الله يغفر ما دون الشرك لمن يشاء. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة.(9/473)
82 ـ باب
3568 ـ حدثنا عَلِيّ بنَ حُجْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بنِ عُمرَ الْهِلاَليّ عَن سَعِيدِ بنِ إياسٍ الجُرَيْرِيّ عَن أَبي السّلِيلِ عَن
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا عبد الحميد بن عمر الهلالي" قال الحافظ في تهذيب التهذيب: عبد الحميد بن الحسن الهلالي أبو عمرو وقيل أبو أمية الكوفي سكن الري روى له الترمذي حديثاً واحداً في الدعاء في الليل إلا أنه سمى أباه فيه عمر وقال في التقريب: صدوق يخطئ من الثامنة "عن أبي السليل" بفتح المهملة وكسر اللام(9/473)
أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَجُلاً قالَ "يا رَسولَ الله سَمِعْتُ دَعاءَكَ اللّيْلَةَ فكانَ الّذِي وصَلَ إليّ مِنْهُ أَنّكَ تَقُولُ: اللّهُمّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَسِعْ لِي في دَارِي، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي، قالَ فَهَلْ تَرَاهُنّ تَرَكْنَ شَيْئاً" . وَأَبُو السّلِيلِ اسْمُهُ ضُرَيْبُ بن ُنُقَيْر وَيُقَالُ ابن نُفَيْرٍ ٍ. وهَذا حديثٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
اسمه ضريب بضم الضاد المعجمة وفتح الراء المهملة آخره موحدة مصغراً ابن نقير بنون وقاف مصغراً القيسي الجريري بضم الجيم مصغراً ثقة الثالثة. قوله: "اللهم اغفر لي ذنبي" أو ما لا يليق أو إن وقع "ووسع لي في داري" أي وسع لي في مسكني في الدنيا لأن ضيق مرافق الدار يضيق الصدر ويجلب الهم ويشغل البال ويغم الروح أو المراد القبر فإنه الدار الحقيقية، ووقع في بعض النسخ وسع لي في رأيي أي اجعل رأيي واسعاً لا ضيق فيه "وبارك لي في رزقي" أي اجعله مباركاً محفوفاً بالخير ووفقني للرضا بالمقسوم منه وعدم الالتفات لغيره "قال" أي النبي صلى الله عليه وسلم "فهل تراهن" أي هذه الكلمات المذكورة والاستفهام للإنكار "تركن شيئاً" أي من خير الدنيا والآخرة. قوله: "اسمه ضريب بن نقير" أي بالقاف "ويقال نفير" أي بالفاء. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد والطبراني من حديث رجل من الصحابة رضي الله عنهم وأخرجه النسائي وابن السني من حديث أبي موسى قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ فسمعته يدعو يقول "اللهم أصلح لي الخ" قال في الأذكار إسناده صحيح.(9/474)
83 ـ باب
3569 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا ابنُ المُبَارَكِ، أخبرنا يَحْيَى بنُ أَيّوبَ عَن عُبَيْدِ الله بنِ زَحر عَن خَالِدِ بنِ أَبِي عِمْرَانَ أنّ ابنَ عُمَرَ قَالَ: "قَلّما كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتّى يَدْعُوَ بِهَؤُلاَءِ الدعواتِ لأَصْحَابِهِ: اللّهُمّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وبَيْنَ مَعَاصِيكَ ومِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلّغُنَا بِهِ جَنّتَكَ. ومِنَ اليَقينِ مَا تُهَوّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدّنْيَا ومَتّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وأَبْصَارِنَا وقُوّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا يحيى بن أيوب" الغافقي "عن خالد بن أبي عمران" التجيبي أبي عمر قاضي أفريقية فقيه صدوق من الخامسة. قوله: "قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تتصل ما بقل فيقال قلما جئتك وتكون ما كافة عن عمل الرفع فلا اقتضاء للفاعل، وتستعمل قلما لمعنيين أحدهما النفي الصرف والثاني إثبات الشيء القليل "اللهم أقسم لنا" أي اجعل لنا "من خشيتك" أي من خوفك "ما" أي قسماً ونصيباً "يحول" من حال يحول حيلولة أي يحجب ويمنع "بيننا وبين معاصيك" لأن القلب إذا امتلأ من الخوف أحجمت الأعضاء عن المعاصي "ومن طاعتك" أي بإعطاء القدرة عليها والتوفيق لها "ما تبلغنا" بالتشديد أي توصلنا أنت "به جنتك" أي مع شمولنا برحمتك وليست الطاعة وحدها مبلغة "ومن اليقين" أي اليقين بك وبأن لا مرد لقضائك وبأنه لا يصيبنا إلا ما كتبته علينا وبأن ما قدرته لا يخلو عن حكمة ومصلحة مع ما فيه من مزيد المثوبة "ما تهون به" أي تسهل أنت بذلك اليقين "مصيبات الدنيا" فإن من علم يقيناً أن مصيبات الدنيا مثوبات الأخرى لا يغتم بما أصابه ولا يحزن بما نابه "ومتعنا" من(9/475)
واجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنّا واجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا ولاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا في دِيِننَا ولاَ تَجْعَلْ الدّنْيَا أَكْبَرَ هَمّنَا ولاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا وَلاَ تُسَلّطَ عَلَيْنَا مَن لاَ يَرْحَمُنَا" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ.
ـــــــ
التمتيع أي اجعلنا متمتعين ومنتفعين "بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا" أي بأن نستعملها في طاعتك. قال ابن الملك التمتع بالسمع والبصر إبقاؤهما صحيحين إلى الموت "ما أحييتنا" أي مدة حياتنا. وإنما خص السمع والبصر بالتمتيع من الحواس لأن الدلائل الموصلة إلى معرفة الله وتوحيده إنما تحصل من طريقهما. لأن البراهين إنما تكون مأخوذة من الآيات وذلك بطريق السمع أو من الآيات المنصوبة في الأفاق والأنفس فذلك بطريق البصر، فسأل التمتيع بهما حذراً من الانخراط في سلك الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، ولما حصلت المعرفة بالأولين يترتب عليها العبادة فسأل القوة ليتمكن بها من عبادة ربه قاله الطيبي. والمراد بالقوة قوة سائر الأعضاء والحواس أو جميعها فيكون تعميماً بعد تخصيص "واجعله" أي المذكور من الأسماع والأبصار والقوة "الوارث" أي الباقي "منا" أي بأن يبقى إلى الموت. قال في اللمعات: الضمير في قوله اجعله للمصدر الذي هو الجعل أي اجعل الجعل وعلى هذا الوارث مفعول أول ومنا مفعول ثان أي اجعل الوارث من نسلنا لا كلالة خارجة منا والكلالة قرابة ليست من جهة الولادة، وهذا الوجه قد ذكره بعض النحاة في قولهم إن المفعول المطلق قد يضمر ولكن لا يتبادر إلى الفهم من اللفظ ولا ينساق الذهن إليه كما لا يخفى، والثاني أن الضمير فيه للتمتع الذي هو مدلول متعناً والمعنى اجعل تمتعنا بها باقياً مأثوراً فيمن بعدنا لأن وارث المرء لا يكون إلا الذي يبقى بعده فالمفعول الثاني الوارث وهو المعنى يشبه سؤال خليل الرحمن على نبينا وعليه الصلاة والسلام "واجعل لي لسان صدق في الآخرين" وقيل معنى وراثته دوامه إلى يوم الحاجة إليه يعني يوم القيامة، والأول أوجه لأن الوارث إنما يكون باقياً في الدنيا والثالث أن الضمير للأسماع والأبصار والقوى بتأويل المذكور،(9/476)
وقد رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَن خَالِدِ بنِ أبي عِمْرَانَ عَن نَافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ.
3570 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا أبُو عَاصِمٍ، أخبرنا عثمان الشّحّامُ قال: حدّثَنا مُسْلِمُ بنُ أَبي بَكْرَةَ قَالَ: "سَمِعَنِي أَبي وَأنَا أقُولُ:
ـــــــ
ومثل هذا شائع في العبارات لا كثير تكلف فيها وإنما التكلف فيما قيل إن الضمير راجع إلى أحد المذكورات، ويدل على ذلك على وجود الحكم في الباقي لأن كل شيئين تقاربا في معنييهما فإن الدلالة على أحدهما دلالة على الآخر، والمعنى بوراثتها لزومها إلى موته لأن الوارث من يلزم إلى موته انتهى "واجعل ثأرنا" بالهمز بعد المثلثة المفتوحة أي إدراك ثأرنا "على من ظلمنا" أي مقصوراً عليه ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب ثأره فأخذ به غير الجاني كما كان معهوداً في الجاهلية، فنرجع ظالمين بعد أن كنا مظلومين، وأصل الثأر الحقد والغضب يقال ثأرت القتيل وبالقتيل أي قتلت قاتله "ولا تجعل مصيبتنا في ديننا" أي لا تصبنا بما ينقص ديننا من اعتقاد السوء وأكل الحرام والفترة في العبادة وغيرها "ولا تجعل الدنيا أكبر همنا" أي لا تجعل طلب المال والجاه أكبر قصدنا أو حزننا بل اجعل أكبر قصدنا أو حزننا مصروفاً في عمل الآخرة، وفيه أن قليلاً من الهم فيما لا بد منه في أمر المعاش مرخص فيه بل مستحب بل واجب "ولا مبلغ علمنا" أي غاية علمنا أي لا تجعلنا حيث لا نعلم ولا نتفكر إلا في أمور الدنيا. بل اجعلنا متفكرين في أحوال الآخرة متفحصين من العلوم التي تتعلق بالله تعالى وبالدار الآخرة، والمبلغ الغاية التي يبلغه الماشي والمحاسب فيقف عنده "ولا تسلط علينا من لا يرحمنا" أي لا تجعلنا مغلوبين للكفار والظلمة أو لا تجعل الظالمين علينا حاكمين فإن الظالم لا يرحم الرعية. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه النسائي والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري.
قوله: "أخبرنا أبو عاصم" النبيل "أخبرنا عثمان الشحام" العدوي أبو سلمة(9/477)
اللّهُمّ إنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمّ والكَسَلِ وَعَذَابِ القَبْرِ. قَالَ يَا بُنَيّ مِمّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟ قَالَ قُلْتُ سَمِعْتُكَ تَقُولُهُنّ. قَالَ. الْزَمْهُنّ فَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُنّ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ.
ـــــــ
البصري يقال اسم أبيه ميمون أو عبد الله لا بأس به من السادسة "حدثنا مسلم بن أبي بكرة" بن الحارث الثقفي البصري صدوق من الثالثة. قوله: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والكسل" تقدم معناهما "الزمهن" أي هذه الكلمات. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرج أحمد في مسنده بنحوه.(9/478)
84 ـ باب
3571 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ خَشْرَمٍ أخبرنا الفَضْلُ بنُ مُوسَى عَن الْحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ عَن أَبي إسْحَاقَ عَن الحَارِثِ عَن عَلِيّ رضي الله عنه قَالَ: "قَالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ألاَ أُعَلّمُكَ كلِمَاتٍ إذَا قُلتهُنّ غَفَرَ الله لَكَ وإنْ كُنْتَ مَغْفُوراً لَكَ؟ قالَ قُلْ لا إلَهَ إِلاّ الله العَلِيّ العَظِيمُ. لا إلَهَ إلاّ الله
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن الحارث" هو الأعور. قوله: "غفر الله لك" أي الصغائر "وإن كنت مغفوراً لك" أي الكبائر كذا في التيسير فعلى هذا كلمة إن للشرط والواو للموصل، وقيل يحتمل أن تكون جملة مستقلة معطوفة على السابقة وجزاؤه محذوف أي إن كنت مغفوراً فيرفع الله به الدرجات وإن تكون كلمة إن مخففة من المثقلة فالجملة تأكيد للأولى "العلى" هو الذي ليس فوقه شيء في المرتبة والحكم فعيل بمعنى فاعل من علا يعلو "العظيم" هو الذي جاوز قدره وجل عن حدود العقول حتى لا تتصور الإحاطة بكنهه وحقيقته والعظم في صفات الأجسام كبر الطول والعرض والعمق، والله تعالى جل قدره(9/478)
الْحَلِيمُ الكَرِيمُ. لا إلَهَ إلاّ الله سُبْحَانَ الله رَبّ العَرْشِ العَظِيمِ" . قال عَلِيّ بنُ خَشْرَمٍ وَأَخْبَرَنَا عَلِيّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ عَن أَبِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ إلاّ أَنّهُ قالَ في آخِرِهَا الْحَمدُ لله رَبّ العَالِمين. هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ أبي إسْحَاقَ عَن الْحَارِثِ عَن عَلِيّ.
ـــــــ
من ذلك "الحليم" أي الذي لا يعجل بالعقوبة "الكريم" هو الجواد المعطي الذي لا ينفذ عطاؤه وهو الكريم المطلق.(9/479)
85 ـ باب
35572 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ يَحْيَى، أخبرنا مُحمّدُ بنُ يُوسُفَ، أخبرنا يُونُسُ بنُ أبِي إسْحَاقَ عَن إبْرَاهِيمَ بنِ مُحمّدِ بنِ سَعْدٍ عَن أبيهِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "دَعْوَةُ ذِي النّونِ إذْ دَعَا وَهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ لا إلَهَ إلاّ أنْتَ سُبْحَانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ فَإِنّهُ لَمْ يَدْعُ بهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ في شَيْءٍ قَطّ إلاّ اسْتَجَابَ الله لَهُ" . وقَالَ مُحمّدُ بنُ يُوسُفَ
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا محمد بن يحيى" هو الإمام الذهلي "أخبرنا محمد بن يوسف" الضبي الفريابي "عن إبراهيم بن محمد بن سعد" بن أبي وقاص المدني ثم الكوفي ثقة قال ابن حبان لم يسمع من صحابي من السادسة. قوله: "دعوة ذي النون" أي دعاء صاحب الحوت وهو يونس عليه الصلاة والسلام "إذ دعا" أي ربه وهو ظرف دعوة "وهو في بطن الحوت" جملة حالية "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" خبر لقوله دعوة ذي النون فإنه الضمير للشأن "لم يدع بها" أي بتلك الدعوة أو بهذه الكلمات "في شيء" أي من الحاجات والتقدير(9/479)
مرّة عَن إبْرَاهِيمَ بنِ مُحمّدِ بنِ سَعْدٍ عَن سَعْدٍ. وَقد رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الحَدِيثَ عَن يُونُسَ بنِ أَبي إِسْحَاقَ عَن إبْرَاهِيمَ بنِ مُحمّدِ بنِ سَعْدٍ عَن سَعْدٍ وَلَمْ يَذْكُروا فِيهِ عَن أبِيهِ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَبُو أَحْمَدَ الزّبْيَرِيّ عَن يُونُسَ فَقَالُوا: عَن إبْرَاهيمَ بنِ مُحمّدِ بنِ سَعْدٍ عَن أبيهِ عَن سَعْدٍ نَحْوَ رِوَايَةِ مُحمّدِ بنِ يُوسُفَ.
ـــــــ
فعليك أن تدعو بهذه الدعوة فإنه لم يدع بها الخ. وحديث سعد هذا أخرجه أيضاً النسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد وزاد في طريق عنده فقال رجل: يا رسول الله هل كانت ليونس خاصة أم للمؤمنين عامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تسمع إلى قول الله عز وجل {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} كذا في الترغيب.(9/480)
86 ـ باب
3573 ـ حدثنا يُوسُفُ بنُ حَمّادٍ البَصْرِيّ، أخبرنا عَبْدُ الأَعْلَى عَن سَعِيدٍ عَن قَتَادَةَ عَن أَبي رَافِعٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ لله تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً مائَةً غَير وَاحِدٍ مَنْ أَحْصَاها
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا عبد الأعلى" هو ابن عبد الأعلى "عن سعيد" بن أبي عروبة "عن أبي رافع" اسمه نفيع الصائغ المدني نزيل البصرة ثقة ثبت مشهور بكنيته من الثانية. قوله: "إن لله تسعة وتسعين اسماً" فيه دليل على أن أشهر أسمائه سبحانه وتعالى الله لإضافة هذه الأسماء إليه. وقد روى أن الله هو اسمه الأعظم. قال أبو القاسم الطبري: وعليه ينسب كل اسم له فيقال الرؤوف والكريم(9/480)
دَخَلَ الْجَنّةَ" . قالَ يُوسُفُ، وَأخبرنا عَبْدُ الأَعْلَى عَن هِشَامِ بنِ حَسّانَ عَن محمّدِ بنِ سِيرينَ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ. هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ وَقد رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَن أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
من أسماء الله تعالى ولا يقال من أسماء الرؤوف أو الكريم الله. واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة. فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء، ولهذا جاء في الحديث الآخر: أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك. كذا في شرح مسلم للنووي. قلت: الحديث الآخر الذي ذكره النووي أخرجه أحمد وصححه ابن حبان من حديث ابن مسعود "ومائة غير واحدة" اختلفت الروايات في لفظ واحدة ففي بعضها بالتأنيث كما هنا وفي بعضها بالتذكير قال الحافظ في الفتح: خرج التأنيث على إرادة التسمية، وقال السهيلي: بل أنث الاسم لأنه كلمة واحتج بقول سيبويه: الكلمة اسم أو فعل أو حرف فسمي الاسم كلمة. وقال ابن مالك أنث باعتبار معنى التسمية أو الصفة أو الكلمة. وقال جماعة من العلماء: الحكمة في قوله مائة غير واحد بعد قوله تسعة وتسعون أن يتقرر ذلك في نفس السامع جمعاً بين جهتي الإجمال والتفصيل أو دفعاً للتصحيف الخطي والسمعي "من أحصاها" وفي رواية لمسلم: من حفظها. وفي رواية للبخاري: لا يحفظها أحد، وهذا اللفظ يفسر معنى قوله أحصاها فالإحصاء هو الحفظ، وقيل أحصاها قرأها كلمة كلمة كأنه يعدها، وقيل أحصاها علمها وتدبر معانيها واطلع على حقائقها، وقيل أطاق القيام بحقها والعمل بمقتضاها. قال الشوكاني التفسير الأول هو الراجح المطابق للمعنى اللغوي وقد فسرته الرواية المصرحة بالحفظ، وقال النووي قال البخاري وغيره من المحققين معناه حفظها وهذا هو الأظهر لثبوته نصا في الخير. وقال في الأذكار هو قول الأكثرين "دخل(9/481)
ـــــــ
الجنة" ذكر الجزاء بلفظ الماضي تحقيقاً له لأنه كائن لا محالة. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة والحاكم في مستدركه وابن حبان(9/482)
87 ـ باب
3574 ـ حدثنا إبْرَاهيمُ بنُ يَعْقُوب، أَخبرنا صَفْوَانُ بنُ صَالِح أخبرنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ، أخبرنا شُعَيْبُ ابنُ أبي حَمْزَةَ عَن أبي الزّنَادِ عَن الأَعْرَجِ عَن أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "إنّ لله تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْماً مِائَةً غيرَ وَاحِدَةٍ مَنْ أَحْصَاها دَخَلَ الجَنّةَ. هُوَ الله الّذِي لا إلَهَ إلاّ هُوَ الرّحمنُ الرّحيمُ المَلِك القُدّوسُ السّلاَمُ المُؤْمِنُ
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا إبراهيم بن يعقوب" الجوزجاني، "أخبرنا الوليد بن مسلم" القرشي الدمشقي. قوله: "هو الله الذي لا إله إلا هو" الاسم المعدود في هذه الجملة من أسمائه هو الله لا غيره من هو وإله والجملة تفيد الحصر والتحقيق لإلهيته ونفي ما عداه عنها، قال الطيبي: الجملة مستأنفة إما بيان لكمية تلك الأعداد أرقاماً هي في قوله: إن لله تسعة وتسعين اسما وذكر الضمير. نظراً إلى الخبر وإما بيان لكيفية الإحصاء في قوله: "من أحصاها دخل الجنة". فإنه كيف يحصي فالضمير راجع إلى المسمى الدال عليه قوله لله كأنه لما قيل ولله الأسماء الحسنى، سئل وما تلك الأسماء؟ فأجيب هو الله أو لما قيل من أحصاها دخل الجنة سئل كيف أحصاها فأجاب قل هو الله. فعلى هذا الضمير ضمير الشأن مبتدأ والله مبتدأ ثان. وقوله: الذي لا إله إلا هو خبره والجملة خبر الأول والموصول مع الصلة صفة الله انتهى. والله علم دال على المعبود بحق دلالة جامعة لجميع معاني الأسماء الآتية "الرحمن الرحيم" هما اسمان مشتقان من(9/482)
المُهَيمِنُ العَزِيزُ الجَبّارُ المُتَكَبّر الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوّرُ الغَفّارُ القَهّارُ
ـــــــ
الرحمة مثل ندمان ونديم وهما من أبنية المبالغة ورحمان أبلغ من رحيم، والرحمن خاص لله لا يسمى به غيره ولا يوصف، والرحيم يوصف به غير الله تعالى فيقال رجل رحيم ولا يقال رحمن "الملك" أي ذو الملك التام والمراد به القدرة على الإيجاد والاختراع من قولهم فلان يملك الانتفاع بكذا إذا تمكن منه فيكون من أسماء الصفات، وقيل المتصرف في الأشياء بالإيجاد والإفناء والإماتة والإحياء فيكون من أسماء الأفعال كالخالق "القدوس" أي الطاهر المنزه من العيوب وفعول من أبنية المبالغة "السلام" مصدر نعت به للمبالغة قيل سلامته مما يلحق الخلق من العيب والفناء. والسلام في الأصل السلامة يقال سلم يسلم سلامة وسلاماً. ومنه قيل للجنة دار السلام لأنها دار السلامة من الآفات، وقيل معناه المسلم عباده عن المهالك "المؤمن" أي الذي يصدق عباده وعده فهو من الإيمان التصديق أو يؤمنهم في القيامة من عذابه فهو من الأمان والأمن ضد الخوف كذا في النهاية "المهيمن" الرقيب المبالغ في المراقبة والحفظ ومنه هيمن الطائر إذا نشر جناحه على فراخه صيانة لها، وقيل الشاهد أي العالم الذي لا يعرب عنه مثقال ذرة، وقيل الذي يشهد على كل نفس بما كسبت ومنه قوله تعالى: {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} أي شاهداً وقيل القائم بأمور الخلق، وقيل أصله مؤيمن أبدلت الهاء من الهمزة فهو مفتعل من الأمانة بمعنى الأمين الصادق الوعد "العزيز" أي الغالب القوي الذي لا يغلب. والعزة في الأصل القوة والشدة والغلبة، تقول عز يعز بالكسر إذا صار عزيزاً وعز يعز بالفتح إذا اشتد "الجبار" معناه الذي يقهر العباد على ما أراد من أمر ونهي، يقال جبر الخلق وأجبرهم فأجبر أكثر، وقيل هو العالي فوق خلقه، وفعال من أبنية المبالغة ومنه قولهم نخلة جبارة وهي العظيمة التي تفوت يد المتناول "المتكبر" أي العظيم ذو الكبرياء، وقيل المتعالي عن صفات الخلق، وقيل المتكبر على عتاة خلقه، والتاء فيه للتفرد والتخصيص لا تاء التعاطي والتكلف والكبرياء العظمة والملك، وقيل هي عبارة عن كمال الذات وكمال الوجود ولا يوصف بها إلا الله تعالى وهو من الكبر وهو العظمة(9/483)
الوَهّابُ الرّزّاقُ الفتّاحُ العَلِيمُ القَابِضُ البَاسِطُ الخافضُ الرّافِعُ المعزّ المذِل
ـــــــ
"الخالق" أي الذي أوجد الأشياء جميعها بعد أن لم تكن موجودة، وأصل الخلق التقدير فهو باعتبار تقدير ما منه وجودها وباعتبار الإيجاد على وفق التقدير خالق "البارئ" أي الذي خلق الخلق لا عن مثال، ولهذه اللفظة من الاختصاص بخلق الحيوان ما ليس لها بغيره من المخلوقات وقلما تستعمل في غير الحيوان، فيقال: برأ الله النسمة وخلق السماوات والأرض "المصور" أي الذي صور جميع الموجودات ورتبها فأعطى كل شيء منها صورة خاصة وهيئة منفردة يتميز بها على اختلافها وكثرتها "الغفار" قال الجزري في النهاية في أسماء الله: الغفار الغفور وهما من أبنية المبالغة ومعناهما الساتر لذنوب عباده وعيوبهم المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم، وأصل الغفر التغطية يقال غفر الله لك غفراً وغفراناً ومغفرة، والمغفرة إلباس الله تعالى العفو المذنبين "القهار" أي الغالب جميع الخلائق يقال قهره يقهره قهراً فهو قاهر وقهار للمبالغة "الوهاب" الهبة العطية الخالية عن الأعواض والأغراض فإذا كثرت سمي صاحبها وهاباً "الرزاق" أي الذي خلق الأرزاق وأعطى الخلائق أرزاقها وأوصلها إليهم، والأرزاق نوعان ظاهرة للأبدان كالأقوات وباطنة للقلوب والنفوس كالمعارف والعلوم "الفتاح" أي الذي بفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده، وقيل معناه الحاكم بينهم، يقال فتح الحاكم بين الخصمين إذا فصل بينهما، الفاتح والحاكم والفتاح من أبنية المبالغة "العليم" أي العالم المحيط علمه بجميع الأشياء ظاهرها وباطنها دقيقها وجليلها على أتم الإمكان وفعيل من أبنية المبالغة "القابض" أي الذي يمسك الرزق وغيره من الأشياء عن العباد بلطفه وحكمته ويقبض الأرواح عند الممات "الباسط" أي الذي يبسط الرزق لعباده ويوسعه عليهم بجوده ورحمته ويبسط الأرواح في الأجساد عند الحياة "الخافض" أي الذي يخفض الجبارين والفراعنة أي يضعفهم ويهينهم ويخفض كل شيء يريد خفضه، والخفض ضد الرفع "الرافع" أي الذي يرفع المؤمنين بالإسعاد وأولياءه بالتقريب وهو ضد الخفض "المعز" الذي يهب العز لمن يشاء من عباده "المذل" الذي يلحق الذل بمن(9/484)
السّمِيعُ البَصِيرُ الحَكَمُ العَدْلُ اللّطِيفُ الخَبِيرُ الحَلِيمُ العَظِيمُ الغَفُورُ الشّكُورُ العَلِيّ الكَبِيرُ الحَفِيظُ المُقِيتُ الحَسِيبُ الجَلِيلُ الكَرِيمُ
ـــــــ
يشاء من عباده وينفي عنه أنواع العز جميعها "السميع" المدرك لكل مسموع "البصير" المدرك لكل مبصر "الحكم" أي الحاكم الذي لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه "العدل" أي الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم وهو في الأصل مصدر سمي به فوضع موضع العادل وهو أبلغ منه لأنه جعل المسمى نفسه عدلاً "اللطيف" أي الذي اجتمع له الرفق في الفعل والعلم بدقائق المصالح وإيصالها إلى من قدرها له من خلقه، يقال لطف به وله بالفتح يلطف لطفاً إذا رفق به، فأما لطف بالضم يلطف فمعناه صغر ودق "الخبير" أي العالم ببواطن الأشياء من الخبرة وهي العلم بالخفايا الباطنة "الحليم" الذي لا يستخفه شيء من عصيان العباد ولا يستفزه الغضب عليهم ولكنه جعل لكل شيء مقدار فهو منته إليه "العظيم" أي الذي جاوز قدره وجل عن حدود العقول حتى لا تتصور الإحاطة بكنهه وحقيقته، والعظم في صفات الأجسام كبر الطول والعرض والعمق والله تعالى جل قدره عن ذلك "الغفور" تقدم معناه "الشكور" الذي يعطي الثواب الجزيل على العمل القليل أو المثنى على عباده المطيعين "العلى" فعيل من العلو وهو البالغ في علو الرتبة بحيث لا رتبة إلا وهي منحطة عن رتبته. وقال بعضهم: هو الذي علا عن الإدراك ذاته وكبر عن التصور صفاته "الكبير" وضده الصغير يستعملان باعتبار مقادير الأجسام باعتبار الرتب وهو المراد هنا إما باعتبار أنه أكمل الموجودات وأشرفها من حيث أنه قديم أزلي غني على الإطلاق وما سواه حادث مفتقر إليه في الإيجاد والإمداد بالاتفاق. وإما باعتبار أنه كبير عن مشاهدة الحواس وإدراك العقول "الحفيظ" أي البالغ في الحفظ يحفظ الموجودات من الزوال والاختلال مدة ما شاء "المقيت" أي الحفيظ، وقيل المقتدر، وقيل الذي يعطي أقوات الخلائق وهو من أقاته يقيته إذا أعطاه قوته وهي لغة في قاته يقوته وأقاته أيضاً إذا حفظه "الحسيب" أي الكافي(9/485)
الرّقِيبُ المُجِيبُ الْوَاسِعُ الحَكِيمُ الوَدُودُ المَجِيدُ البَاعِثُ الشّهِيدُ الحَق الوَكِيلُ القَوِيّ المَتِينُ الوَلِيّ الحَمِيدُ المُحْصِي المُبْدِئ المُعِيدُ المُحْيِي
ـــــــ
فعيل بمعنى مفعل من أحسبني الشيء إذا كفاني وأحسبته بالتشديد أعطيته ما يرضيه حتى يقول حسبي، وقيل إنه مأخوذ من الحسبان أي هو المحاسب للخلائق يوم القيامة فعيل بمعنى مفاعل "الجليل" أي الموصوف بنعوت الجلال والحاوي جميعها هو الجليل المطلق "الكريم" أي كثير الجود والعطاء الذي لا ينفد عطاؤه ولا تفني خزائنه وهو الكريم المطلق "الرقيب" أي الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء فعيل بمعنى فاعل "المجيب" أي الذي يقابل الدعاء والسؤال بالقبول والعطاء وهو اسم فاعل من أجاب يجيب "الواسع" أي الذي وسع غناه كل فقير ورحمته كل شيء، يقال وسعة الشيء يسعه سعة فهو واسع ووسع بالضم وساعة فهو وسيع، والوسع والسعة الجدة والطاقة "الحكيم" أي الحاكم بمعنى القاضي فعيل بمعنى فاعل أو هو الذي يحكم الأشياء ويتقنها فهو فعيل بمعنى مفعل، وقيل الحكيم ذو الحكمة والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ويقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويتقنها حكيم "الودود" هو فعول بمعنى مفعول من الود المحبة، يقال وددت الرجل أوده وداً إذا أحببته، فالله تعالى مودود أي محبوب في قلوب أوليائه أو هو فعول بمعنى فاعل أي أنه يحب عباده الصالحين بمعنى أنه يرضى عنهم "المجيد" هو مبالغة الماجد من المجد وهو سعة الكرم فهو الذي لا تدرك سعة كرمه "الباعث" أي الذي يبعث الخلق أي يحييهم بعد الموت يوم القيامة وقيل أي باعث الرسل إلى الأمم "الشهيد" أي الذي لا يغيب عنه شيء، والشاهد الحاضر، وفعيل من أبنية المبالغة في فاعل، فإذا اعتبر العلم مطلقاً فهو العليم وإذا أضيف إلى الأمور الباطنة فهو الخير، وإذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فهو الشهيد، وقد يعتبر مع هذا أن يشهد على الخلق يوم القيامة بما علم "الحق" أي الموجود حقيقة المتحقق وجوده وإلهيته، والحق ضد الباطل "الوكيل" أي القائم بأمور عباده المتكفل بمصالحهم "القوي" أي ذو القدرة التامة(9/486)
المُمِيتُ الحَيّ القَيّومُ الوَاجِدُ المَاجِدُ الوَاحِدُ الصّمَدُ القَادِرُ المُقْتَدِرُ المُقَدّمُ المُؤَخّرُ الأوّلُ الآخر الظّاهِرُ البَاطِنُ الوَالِي المُتَعَالِي البَرّ
ـــــــ
البالغة إلى الكمال الذي لا يلحقه ضعف "المتين" أي القوي الشديد الذي لا يلحقه في أفعاله مشقة ولا كلفة ولا تعب، والمتانة الشدة والقوة فهو من حيث أنه بالغ القدرة تامها قوي ومن حيث أنه شديد القوة متين "الولي" أي الناصر وقيل المتولي لأمور العالم والخلائق القائم بها وقيل المحب لأوليائه "الحميد" أي المحمود المستحق للثناء على كل حال، فعيل بمعنى مفعول "المحصى" أي الذي أحصى كل شيء بعلمه وأحاط به فلا يفوته دقيق منها ولا جليل والإحصاء العد والحفظ "المبدئ" أي الذي أنشأ الأشياء واخترعها ابتداء من غير سابق مثال "المعيد" أي الذي يعيد الخلق بعد الحياة إلى الممات في الدنيا وبعد الممات إلى الحياة يوم القيامة "المحيي" أي معطي الحياة "المميت" أي خالق الموت ومسلطه على من شاء "الحي" أي الدائم البقاء "القيوم" أي القائم بنفسه والمقيم لغيره "الواجد" بالجيم أي الغني الذي لا يفتقر وقد وجد يجد جدة أي استغنى غنى لا فقر بعده، وقيل الذي يجد كل ما يريده ويطلبه ولا يفوته شيء "الماجد" بمعنى المجيد لكن المجيد للمبالغة "الواحد" أي الفرد الذي لم يزل وحده لم يكن معه آخر "الصمد" هو السيد الذي انتهى إله السؤدد، وقيل هو الدائم الباقي، وقيل هو الذي لا جوف له، وقيل الذي يصمد في الحوائج إليه أي يقصد "القادر المقتدر" معناهما ذو القدرة إلا أن المقتدر أبلغ في البناء من معنى التكلف والاكتساب فإن ذلك وإن امتنع في حقه تعالى حقيقة لكنه يفيد المعنى مبالغة "المقدم" أي الذي يقدم الأشياء ويضعها في مواضعها فمن استحق التقديم قدمه "المؤخر" الذي يؤخر الأشياء فيضعها في مواضعها وهو ضد المقدم "الأول" أي الذي لا بداية لأوليته "الآخر" أي الباقي بعد فناء خليقته ولا نهاية لآخريته "الظاهر" أي الذي ظهر فوق كل شيء وعلا عليه، وقيل هو الذي عرف بطرق الاستدلال العقلي بما ظهر لهم من آثار أفعاله وأوصافه "الباطن" أي المحتجب عن أبصار الخلائق وأوهامهم فلا يدركه بصر ولا يحيط به وهم "الوالي"(9/487)
التّوّابُ المنتقم العَفُوّ الرّؤُوف مَالِكُ المُلْكِ ذُو الجَلاَلِ وَالإكْرَامِ المُقْسِطُ الجَامِعُ الغَنِيّ المُغْنِي المَانِعُ الضّارّ النّافِعُ النّورُ الهَادِي البَدِيعُ
ـــــــ
أي مالك الأشياء جميعها المتصرف فيها "المتعالى" الذي جل عن إفك المفترين وعلا شأنه، وقيل جل عن كل وصف وثناء وهو متفاعل من العلو "البر" أي العطوف على عباده ببره ولطفه، والبر بالكسر الإحسان "التواب" الذي يقبل توبة عباده مرة بعد أخرى "المنتقم" أي المبالغ في العقوبة لمن يشاء وهو مفتعل من نقم ينقم إذا بلغت به الكراهة حد السخط "العفو" فعول من العفو وهو الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي وهو أبلغ من الغفور لأن الغفران ينبئ عن الستر والعفو ينبئ عن المحو، وأصل العفو المحو والطمس وهو من أبنية المبالغة يقال عفا يعفو عفواً فهو عاف وعفو "الرؤوف" أي ذو الرأفة وهي شدة الرحمة "مالك الملك" أي الذي تنفذ مشيئته في ملكه يجري الأمور فيه على ما يشاء أو الذي له التصرف المطلق "ذو الجلال والإكرام" أي ذو العظمة والكبرياء وذو الإكرام لأوليائه بإنعامه عليهم "المقسط" أي العادل يقال أقسط يقسط فهو مقسط إذا عدل، وقسط يقسط فهو قاسط إذا جار، فكأن الهمزة في أقسط للسلب كما يقال شكا إليه فأشكاه "الجامع" أي الذي يجمع الخلائق ليوم الحساب، وقيل هو المؤلف بين المتماثلات والمتباينات والمتضادات في الوجود "الغني" أي الذي لا يحتاج إلى أحد في شيء وكل أحد يحتاج إليه وهذا هو الغني المطلق ولا يشارك الله فيه غيره "المغني" أي الذي يغني من يشاء من عباده "المانع" أي الذي يمنع عن أهل طاعته ويحوطهم وينصرهم. وقيل يمنع من يريد من خلقه ما يريد ويعطيه ما يريد "الضار" أي الذي يضر من يشاء من خلقه حيث هو خالق الأشياء كلها خيرها وشرها ونفعها وضرها "النافع" أي الذي يوصل النفع إلى من يشاء من خلقه حيث هو خالق النفع والضر والخير والشر "النور" أي الذي يبصر بنوره ذو العماية ويرشد بهداه ذو الغواية، وقيل هو الظاهر الذي به كل ظهور فالظاهر في نفسه المظهر لغيره يسمى نوراً "الهادي" أي الذي بصر عباده وعرفهم طريق معرفته حتى أقروا بربوبيته وهدى كل مخلوق إلى ما لا بد له منه في بقائه ودوام(9/488)
البَاقِي الوَارِثُ الرّشِيدُ الصّبُور" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ حَدّثَنا بِهِ غَيْرُ واحِدٍ عَنْ صَفْوَانَ بنِ صَالِحٍ وَلاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ بنِ صَالحٍ وهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الحدِيثِ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم وَلا نَعْلَمُ في كَبِيرِ شَيْءٍ مِنَ الرّوَايَاتِ ذِكْرَ الأسْمَاءِ إلاّ في هَذَا الحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَى آدَمُ بنُ أبي إيَاسٍ هَذَا الحدِيثَ بإِسْنَادٍ غَيْرِ هَذَا عَن
ـــــــ
وجوده "البديع" أي الخالق المخترع لا عن مثال سابق فعيل بمعنى مفعل يقال أبدع فهو مبدع "الباقي" أي الدائم الوجود الذي لا يقبل الفناء "الوارث" أي الذي يرث الخلائق ويبقى بعد فنائم "الرشيد" أي الذي أرشد الخلق إلى مصالحهم أي هداهم ودلهم عليها فعيل بمعنى مفعل، وقبل هو الذي تنساق تدبيراته إلى غاياتها على سننن السداد من غير إشارة مشير ولا تسديد مسدد "الصبور" أي الذي لا يعاجل العصاة بالانتقام وهو من أبنية المبالغة ومعناه قريب من معنى الحليم والفرق بينهما أن المذنب لا يأمن العقوبة في صفة الصبور كما يأمنها في صفة الحليم.
قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه ابن ماجة وابن حبان والحاكم في مستدركه والبيهقي في الدعوات الكبير. قوله: "ولا نعرفه إلا من حديث" صفوان بن صالح وهو ثقة عند أهل الحديث قال الحافظ: ولم ينفرد به صفوان فقد أخرجه البيهقي من طريق موسى بن أيوب النصيبي وهو ثقة عن الوليد أيضاً وقد اختلف في سنده على الوليد، ثم ذكر الحافظ الاختلاف وبسط الكلام ههنا "وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا نعلم في كبير شيء من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث" المراد بكبير شيء من الروايات أي في كثير منها، واختلف العلماء في سرد الأسماء هل هو مرفوع أو مدرج في الخبر من بعض الرواة فمشى كثير منهم على الأول واستدلوا به على جواز تسمية الله تعالى بما لم يرد في القرآن بصيغة الاسم لأن كثيراً من(9/489)
أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم وذَكَرَ فِيهِ الأسْمَاءَ وَلَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ صحيحٌ.
3575 ـ حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ أخبرنا سُفْيَانُ بن عيينة عَن أَبي الزّنَادِ عَن الأعْرَجِ عَن أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّ لله تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً مَنْ أَحْصَاها دَخَلَ الْجَنّةَ" . وَلَيْسَ في هَذَا الحَديثِ ذِكْرُ الأسْمَاءِ. وهو حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ رَوَاهُ أَبُو اليَمَانِ عَن شُعَيْبِ بنِ أبي حَمْزَةَ عَن أَبي الزّنَادِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الأسْمَاءَ.
ـــــــ
هذه الأسماء كذلك. وذهب آخرون إلى أن التعين مدرج لخلو أكثر الروايات عنه ونقله عبد العزيز اليخشبي عن كثير من العلماء. قال الحاكم بعد تخريج الحديث من طريق صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بسياق الأسماء الحسنى، والعلة فيه عندهما تفرد الوليد بن مسلم قال: ولا أعلم خلافاً عند أهل الحديث أن الوليد أوثق وأحفظ وأجل وأعظم من بشر بن شعيب وعلي بن عياش وغيرهما من أصحاب شعيب، يشير إلى أن بشراً وعلياً وأبا اليمان رووه عن شعيب بدون سياق الأسماء فرواية أبي السيمان عند البخاري ورواية علي عند النسائي ورواية بشر عند البيهقي، قال الحافظ وليست العلة عند الشيخين تفرد الوليد فقط بل الاختلاف فيه والاضطراب وتدليسه واحتمال الإدراج "وقد روى آدم بن أبي إياس هذا الحديث بإسناد غير هذا إلى قوله وليس له إسناد صحيح" قال الحافظ في التلخيص بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه: الطريق الذي أشار إليها الترمذي رواها الحاكم في المستدرك من طريق عبد العزيز بن الحصين عن أيوب وعن هشام بن حسان جميعاً عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة وفيها زيادة ونقصان وقال محفوظ عن أيوب وهشام بدون ذكر الأسامي، قال الحاكم وعبد العزيز ثقة قال الحافظ بل متفق على ضعفه وهاه البخاري ومسلم وابن معين وقال البيهقي: هو ضعيف عند أهل النقل انتهى.(9/490)
3576 ـ حدثنا إبْرَاهيمُ بنُ يَعْقوب، أخبرنا زيْدُ بنُ حُباب أنّ حُمَيْد المَكّي مَوْلَى ابنِ عَلْقَمَةَ حَدّثَهُ أنّ عَطَاءَ بنَ أبي رَبَاح حَدّثَهُ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَرَرْتُم بِرِيَاضِ الْجَنّةِ فارْتَعُوا، قُلْتُ يا رَسُولَ الله وَمَا رِيَاضُ الْجَنّةِ؟ قالَ: المَسَاجِدُ، قُلْتُ ومَا الرّتْعُ يَا رَسُولَ الله؟ قالَ: سُبْحَانَ الله والْحَمْدُ لله وَلاَ إِلَه إِلاّ الله وَالله أَكْبَرُ" . هَذا حديثٌ حسنٌ غَرِيبٌ.
3577 ـ حدثنا عَبْدُ الوَارِثِ بنُ عَبْدِ الصّمَدِ بنِ عَبْدِ الوَارِثِ
ـــــــ
قوله: "حدثنا زيد بن حباب" العكلي "أن حميد المكي مولى ابن علقمة" في التقريب مجهول في الخلاصة قال البخاري لا يتابع. وفي تهذيب التهذيب له في الترمذي حديث واحد: إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قوله: "إذا مررتم برياض الجنة" الرياض جمع الروضة وهي أرض مخضرة بأنواع النبات يقال لها بالفارسية مرغزار "فارتعوا" في القاموس. رتع كمنع رتعا ورتوعاً ورتاعاً بالكسر أكل وشرب ما شاء في خصب وسعة أو هو الأكل والشرب رغداً في الريف "قال المساجد" وفي حديث أنس الآتي: حلق الذكر ولا تنافي بينهما لأن حلق الذكر تصدق بالمساجد وغيرها فهي أعم وخصت المساجد هنا لأنها أفضل وجعل المساجد رياض الجنة بناء على أن العبادة سبب للحصول في رياض الجنة "قلت وما الرتع يا رسول الله قال سبحان الله والحمد الله الخ" وضع الرتع موضع القول لرعاية المناسبة لفظاً ومعنى لأن هذا القول سبب لنيل الثواب الجزيل، والرتع هنا كما في قوله تعالى: {يَرْتَعْ} وهو أن يتسع في أكل الفواكه والمستلذات والخروج إلى التنزه في الأرياف والمياه كما هو عادة الناس إذا خرجوا إلى الرياض ثم اتسع واستعمل في الفوز بالثواب الجزيل، وتلخيص معنى الحديث "إذا مررتم بالمساجد فقولوا هذا القول". قاله الطيبي. قوله: "هذا حديث غريب" في سنده حميد المكي وهو مجهول كما عرفت.(9/491)
قالَ حدثني أَبِي قالَ حدثني مُحمّدُ بنُ ثَابِتٍ هُوَ البُنَانِيّ حدثني أبِي عَن أنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذَا مَرَرْتُمْ برِيَاضِ الْجَنّةِ فارْتَعُوا، قالُوا وَمَا رِيَاضُ الْجَنّةِ؟ قالَ حِلَقُ الذّكْرِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ ثابِتٍ عَن أنَسٍ.
ـــــــ
قوله: "حلق الذكر" أي هي حلق الذكر، قال في النهاية الحلق بكسر الحاء وفتح اللام جمع الحلقة مثل قصعة وقصع ومر الجماعة من الناس مستديرون كحلقة الباب وغيره، والتحلق تفعل منها وهو أن يتعمدوا ذلك. وقال الجوهري جمع الحلقة حلق بفتح الحاء على غير قياس، وحكي عن أبي عمرو أن الواحد حلقه بالتحريك والجمع حلق بالفتح وقال ثعلب كلهم يجيزه على ضعفه. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد والبيهقي في شعب الإيمان(9/492)
88 ـ باب
3578 ـ حدثنا إبْرَاهيمُ بنُ يَعْقُوبَ، أخبرنا عَمْرُو بنُ عَاصمٍ، أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلمَةَ عَن ثابِتٍ عَن عُمَرَ بنِ أَبي سَلَمَةَ عَن أُمّهِ أُمّ سَلَمَةَ عَن أبِي سَلَمةَ أَنّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ فَلْيَقُلْ إنّا لله وَإِنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللّهُمّ عِنْدَكَ أحْتَسِبُ مُصِيبَتِي فأجُرْنِي فِيهَا وَأبْدِلْنِي مِنْهَا خَيْراً. فَلَمّا احتضِرَ
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا عمرو بن عاصم" بن عبيد الله الكلابي "عن ثابت" البناني "عن عمر بن أبي سلمة" هو ربيب النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "إنا لله" أي ملكاً وخلقاً "وإنا إليه راجعون" أي في الآخرة "اللهم عندك أحتسب مصيبتي"(9/492)
أبُو سَلَمَةَ قالَ: اللّهُمّ اخْلُفْ في أهْلِي خَيْراً مِنّي. فَلَمّا قُبِضَ قالَتْ أُمّ سَلَمَةَ إِنّا لله وَإنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، عِنْدَ الله أحْتَسِبُ مُصِيبَتِي فأْجُرْنِي فِيهَا" . هَذا حديثٌ حسن غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَن أُمّ سَلَمةَ "عن النبي صلى الله عليه وسلم". وَأبُو سَلمَةَ اسمُهُ عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الأَسَدِ.
ـــــــ
قال الجزري في النهاية الاحتساب من الحسب كالاعتداد من العد وإنما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله أحتسب لأن له حينئذ أن يعتد عمله فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد به، والحسبة اسم من الاحتساب كالعدة من الاعتداد وهو لاحتساب في الأعمال الصالحة، وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر وباستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلباً للثواب المرجو منها "فأجرني" بسكون الهمزة وضم الجيم وبالمد وكسر الجيم قال في النهاية: آجره يؤجره إذا أثابه وأعطاه الأجر والجزاء وكذلك أجره يأجره والأمر منهما آجرني "وأبدلني منها" أي من مصيبتي "خيراً" مفعول ثان لأبدلني "فلما احتضر أبو سلمة" بصيغة المجهول أي دنا موته، يقال حضر فلان واحتضر إذا دنا موته "قال اللهم اخلف في أهلي خيراً مني" يقال خلف الله لك خلفاً بخير وأخلف عليك خيراً أي أبدلك بما ذهب منك وعوضك عنه، وقيل إذا ذهب للرجل ما يخلفه مثل المال والولد قيل أخلف الله لك وعليك، وإذا ذهب له ما لا يخلفه غالباً كالأب والأم قيل خلف الله عليك، وقد يقال خلف الله عليك إذا مات لك ميت أي كان الله خليفة عليك وأخلف الله عليك أي أبدلك كذا في النهاية "فلما قبض" أي قبض روحه ومات. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه ابن ماجة "وروى هذا الحديث من غير هذا الوجه عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم" أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة "وأبو سلمة اسمه عبد الله بن عبد الأسد" بن هلال(9/493)
ـــــــ
بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي أخو النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة وابن عمته برة بنت عبد المطلب كان من السابقين شهدا بدراً ومات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، مات في جمادي الآخرة سنة أربع بعد أحد فتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعده بزوجته أم سلمة.(9/494)
89 ـ باب
3579 ـ حدثنا يُوسُفُ بنُ عِيسَى، أخبرنا الفَضْلُ بنُ مُوسَى أخبرنا سَلَمَةُ بنُ وَرْدَانَ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ "أَنّ رَجُلاً جاءَ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالَ يَا رَسُولَ الله أيّ الدّعَاءِ أفْضَلُ؟ قالَ: سَلْ رَبّكَ العَافِيَةَ وَالمُعَافَاةَ في الدّنْيَا والآخرة، ثُمّ أَتَاهُ في اليَوْمِ الثّانِي فقَالَ يا رَسُولَ الله أيّ الدّعَاءِ أفْضَلُ؟ فقالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمّ أَتَاهُ في اليَوْمَ الثّالِثِ فقالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ: فإِذَا أُعْطِيتَ العَافِيَةَ في الدّنْيَا وأُعْطِيتَهَا في الآخرة فَقَدْ أفْلَحْتَ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ إِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بنِ وَرْدَانَ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا يوسف بن عيسى" بن دينار المروزي "أخبرنا الفضل بن موسى" السيناني المروزي "حدثنا سلمة بن وردان" الليثي المدني. قوله: "سل ربك العافية والمعافاة" قال الجزري في النهاية: العافية أن تسلم من الأسقام والبلايا وهي الصحة وضد المرض، والمعافاة هي أن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك أي يغنيك عنهم ويغنيهم عنك ويصرف أذاهم عنك وأذاك عنهم، وقيل هي مفاعلة من العفو وهو أن يعفوا عن الناس ويعفوهم عنه انتهى. وقال في القاموس: والعافية دفاع الله عن العبد عافاه الله من المكروه معافاة وعافية وهب له العافية من العلل والبلاء كأعفاء "فقال له مثل ذلك"(9/494)
3580 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، أخبرنا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ الضّبَعِيّ عَن كَهْمَسِ بنِ الْحَسَنِ عَن عَبْدِ الله بنِ بُرَيْدَةَ عَن عَائِشَةَ قالَتْ: "قُلْتُ يا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أيّ لَيْلَةٍ لَيْلَةٍ القَدْرِ مَا أقُولُ فِيهَا؟ قالَ: قُولِي اللّهُمّ إِنّكَ عَفُوّ كريم تُحِبُ العَفْوَ فاعْفُ عَنّي" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
أي مثل ذلك القول فنصبه على المصدرية "ثم أتاه يوم الثالث" وفي رواية ابن ماجة: ثم أتاه في اليوم الثالث "فقد أفلحت" أي فزت بمرادك وظفرت بمقصودك وفي الحديث التصريح بأن الدعاء بالعافية أفضل الدعاء ولا سيما بعد تكريره للسائل في ثلاثة أيام حين أن يأتيه للسؤال عن أفضل الدعاء، فأفاد هذا أن الدعاء بالعافية أفضل من غيره من الأدعية، ثم في قوله: "فإذا أعطيت العافية في الدنيا الخ" دليل ظاهر واضح بأن الدعاء بالعافية يشمل أمور الدنيا والآخرة لأنه قال هذه المقالة بعد أن قال له "سل ربك العافية" ثلاث مرات. فكان ذلك كالبيان لعموم بركة هذه الدعوة بالعافية لمصالح الدنيا والآخرة، ثم رتب على ذلك الفلاح الذي هو المقصد الأسنى والمطلوب الأكبر. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه ابن ماجة "إنما نعرفه من حديث سلمة بن وردان" وهو ضعيف.
قوله: "عن عبد الله بن بريدة" الأسلمي المروزي قوله: "أرأيت" أي أخبرني "إن علمت" جوابه محذوف يدل عليه ما قبله "أي ليلة" مبتدأ وخبره "ليلة القدر" والجملة سدت مسد المفعولين لعلمت تعليقاً قيل القياس آية ليلة فذكر باعتبار الزمان كما ذكر في قوله صلى الله عليه وسلم: "أي آية من كتاب الله معك أعظم" ؟ باعتبار الكلام واللفظ "ما أقول" متعلق بأرأيت "فيها" أي في تلك الليلة، قال الطيبي: ما أقول فيها جواب الشرط وكان حق الجواب أن يؤتي بالفاء ولعله سقط من قلم الناسخ وتعقب عليه القاري بأن دعوى السقوط من قلم الناسخ ليست بصحيحة وقد جاء حذف الفاء على القلة "اللهم إنك عفو" أي كثير العفو. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة والحاكم.(9/495)
3581 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا عُبَيْدَة بنُ حمَيْدٍ عَن يَزِيدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ عَن عَبْدِ الله بنِ الْحَارِثِ عَن العَبّاسِ بنِ عَبْدِ المُطّلِبِ قالَ: "قُلْتُ يا رَسُولَ الله عَلّمْنِي شَيْئاً أسْألُه الله عز وجلّ، قالَ: سَلِ الله العَافِيَةَ، فَمَكَثْتُ أَيّاماً ثُمّ جِئْتُ فَقُلْتُ يا رَسُولَ الله عَلّمْنِي شَيْئاً أسْأَلُه الله؟ فقالَ لِي: يَا عَبّاسُ يَا عَمّ رَسُولِ الله سل الله العَافِيَةَ في الدّنْيَا والآخرة" . هَذا حديثٌ صحيحٌ. وَعَبْدُ الله هو ابنِ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ وقَدْ سَمِعَ مِنَ العَبّاسِ بنِ عَبْدِ المُطّلِبِ.
ـــــــ
قوله: "عن يزيد بن أبي زياد" القرشي الهاشمي الكوفي "عن عبد الله بن الحارث" بن نوفل الهاشمي المدني. قوله: "اسأله الله" أي اطلبه من الله تعالى "سل الله العافية" في أمره صلى الله عليه وسلم للعباس بالدعاء بالعافية بعد تكرير العباس سؤاله بأن يعلمه شيئاً يسأل الله به دليل جلى بأن الدعاء بالعافية لا يساويه شيء من الأدعية ولا يقوم مقامه شيء من الكلام الذي يدعى به ذو الجلال والإكرام، وقد تقدم تحقيق معنى العافية أنها دفاع الله عن العبد، فالداعي بها قد سأل ربه دفاعه عن كل ما ينويه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عمه العباس منزلة أبيه ويرى له من الحق ما يرى الولد لوالده ففي تخصيصه بهذا الدعاء وقصره على مجرد الدعاء بالعافية تحريك لهمم الراغبين على ملازمته وأن يجعلوه من أعظم ما يتوسلون به إلى ربهم سبحانه وتعالى ويستدفعون به في كل ما يهمهم، ثم كلمه صلى الله عليه وسلم بقوله: "سل الله العافية في الدنيا والآخرة" . فكان هذا الدعاء من هذه الحيثية قد صار عدة لدفع كل ضر وجلب كل خير، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً. قال الجزري في عدة الحصن الحصين: لقد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم دعاءه بالعافية وورد عنه صلى الله عليه وسلم لفظاً ومعنى من تحو من خمسين طريقاً. قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه الطبراني بأسانيد ورجال بعضها رجال الصحيح غير يزيد بن أبي زياد وهو حسن الحديث كذا في مجمع الزوائد وأخرجه أحمد أيضاً.(9/496)
90 ـ باب
3582 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا إبْرَاهيمُ بنُ عُمَرَ بنِ أَبي الوَزِيرِ أخبرنا زَنْفَلُ بنُ عَبْدِ الله أبُو عَبْدِ الله عَن ابنِ أَبي مُلَيْكَةَ عَن عَائشَةَ عَن أبي بَكْرٍ الصّدّيِق "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ إِذَا أرَادَ أمْراً قالَ: اللّهُمّ خِرْ لِي وَاخْتَرْ لِي" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ زَنْفَلٍ وهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَيُقَالُ لَهُ زَنْفَلُ بنُ عَبْدِ الله العَرَفِيّ وكَانَ يسكنُ عَرَفاتٍ وَتَفَرّدَ بهَذَا الْحَدِيثِ وَلاَ يُتَابَعُ عَلَيْهِ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "اللهم خر لي واختر لي" أي اجعل أمري خيراً وألهمني فعله واختر لي أصلح الأمرين. قوله: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زنفل" بفتح الزاي وسكون النون وبالفاء بوزن جعفر "وهو ضعيف عند أهل الحديث" قال الحافظ في تهذيب التهذيب بعد نقل كلام الترمذي هذا: وقال ابن حبان كان قليل الحديث وفي قلته مناكير لا يحتج به، وفي تاريخ البخاري كان به خبل "ويقال له زنفل بن عبد الله العرفي" بفتح العين المهملة والراء(9/497)
91 ـ باب
3583 ـ حدثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا حِبّانُ بنُ هِلاَلٍ أخبرنا أبَانُ هُوَ ابنُ يَزِيدَ العَطّارُ، أخبرنا يَحْيَى أنّ زَيْدَ بنَ سَلاّمٍ
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا يحيى" هو ابن أبي كثير الطائي "أن زيد بن سلام" بن أبي(9/497)
حدّثَهُ أَنّ أبا سَلاّمٍ حَدّثَهُ عَن أبي مَالِكٍ الأَشْعَرِيّ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الوُضُوءُ شَطْرُ الإيمانِ، وَالْحَمْدُ لله تَمْلأُ المِيزَانَ، وسُبْحَانَ الله والْحَمْدُ لله تَمْلاَنِ أَوْ تَمْلأُ مَا بَيْنَ السّمَاوَاتِ والأرْضِ، والصّلاَةُ نُورٌ، وَالصّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالقُرْآنُ
ـــــــ
سلام الحبشي "أن أبا سلام" اسمه ممطور الحبشي "عن أبي مالك الأشعري" اسمه الحارث بن الحارث صحابي تفرد بالرواية عند أبو سلام. قوله: "الوضوء" بضم أوله "شطر الإيمان" وفي رواية مسلم: الطهور شطر الإيمان. وفي الحديث جرى النهدي الآتي: الطهور نصف الإيمان. قال النووي. اختلف العلماء في معناه فقيل معناه أن الأجر فيه ينتهي تضعيفه إلى نصف أجر الإيمان، وقيل معناه أن الإيمان يجب ما قبله من الخطايا وكذلك الوضوء إلا أن الوضوء لا يصح إلا مع الإيمان فصار لتوقفه على الإيمان في معنى الشطر، وقيل المراد بالإيمان هنا الصلاة كما قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} والطهارة شرط في صحة الصلاة فصارت كالشطر وليس يلزم في الشطر أن يكون نصفاً حقيقياً وهذا القول أقرب الأقوال، ويحتمل أن يكون معناه أن الإيمان تصديق بالقلب وانقياد بالظاهر وهما شطران للإيمان والطهارة متضمنة الصلاة فهي انقياد في الظاهر انتهى "والحمد لله تملأ الميزان" معناه عظم أجرها وأنه يملأ الميزان وقد تظاهرت نصوص القرآن والسنة على وزن الإيمان وثقل الموازين وخفتها "تملاَن أو تملأ" شك من الراوي، قال النووي: ضبطناهما بالتاء المشاة من فوق، وقال صاحب التحرير يجوز يملاَن بالتأنيث والتذكير جميعاً. قال الطيبي فالأول أي تملاَن ظاهر والثاني فيها ضمير الجملة أي الجملة الشاملة لهما ويمكن أن يكون الإفراد بتقدير كل واحدة منهما "ما بين السموات والأرض" معناه أنه لو قدر ثوابهما جسماً لملاَ ما بين السماوات والأرض، وسبب عظم فضلهما ما اشتملتا عليه من التنزيه لله بقوله سبحان الله. والتفويض والافتقار إلى الله تعالى بقوله الحمد لله "والصلاة نور" معناه أنها تمنع من المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر. وتهدي إلى الصواب. كما أن(9/498)
حُجّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلّ النّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أوْ مُوبِقُهَا" . هَذا حديثٌ حسن صحيحٌ.
ـــــــ
النور يستضاء به، وقيل معناه أنه يكون أجرها نوراً لصاحبها يوم القيامة وقيل لأنها سبب لاشراق أنوار المعارف وانشراح القلب ومكاشفات الحقائق لفراغ القلب فيها وإقباله إلى الله تعالى بظاهره وباطنه، وقد قال الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} وقيل معناه أنها تكون نوراً ظاهراً على وجهه يوم القيامة ويكون في الدنيا أيضاً على وجهه البهاء بخلاف من لم يصل "والصدقة برهان" معناه يفزع إليها كما يفزع إلى البراهين كأن العبد إذا سئل يوم القيامة عن مصرف ماله كانت صدقاته براهين في جواب هذا السؤال فيقول تصدقت به، ويجوز أن يوسم المتصدق بسيما يعرف بها فيكون برهاناً له على حاله ولا يسأل عن مصرف ماله، وقيل معناه الصدقة حجة على إيمان فاعلها فإن المنافق يمتنع منها لكونه لا يعتقدها فمن تصدق استدل بصدقته على صدق إيمانه "والصبر ضياء" معناه الصبر المحبوب في الشرع وهو الصبر على طاعة الله تعالى والصبر عن معصيته والصبر أيضاً على النائبات وأنواع المكاره في الدنيا، والمراد أن الصبر المحمود لا يزال صاحبه مستضيئاً مهتدياً مستمراً على الصواب. قال إبراهيم الخواص: الصبر هو الثبات على الكتاب والسنة "والقرآن حجة لك أو عليك" معناه ظاهر أي تنتفع به إن تلوته وعملت به وإلا فهو حجة عليك "كل الناس يغدو" أي يصبح "فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها" أي كل إنسان يسعى بنفسه فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما فيوبقها أي يهلكها. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي.(9/499)
92 ـ باب
3584 ـ حدثنا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، أخبرنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَيّاشٍ عَن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ زِيَادٍ عَن عَبْدِ الله بنِ يَزِيدِ عَن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "التّسْبِيحُ نِصْفُ المِيزَانِ والْحَمْدُ لله يَمْلَؤُهُ. وَلاَ إلَهَ إلاّ الله لَيْسَ لَهَا دُونَ الله حِجَابٌ حَتّى تَخْلُصَ إلَيْهِ" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ولَيْسَ إسْنَادُهُ بالقَوِيّ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن عبد الرحمن بن زياد" بن أنعم الأفريقي "عن عبد الله بن يزيد" هو أبو عبد الرحمن الجبلي المصري المعافري. قوله: "التسبيح نصف الميزان" أي ثوابه بعد تجسمه يملأ نصف الميزان والمراد به إحدى كفتيه الموضوعة لوضع الحسنات فيها "والحمد لله يملؤه" أي الميزان أو نصفه وهو أظهر لأن الأذكار تنحصر في نوعين التنزيه والتحميد. قال الطيبي فيكون الحمد نصفه الآخر فهما متساويان، ويلائمه حديث ثقيلتان في الميزان، ويحتمل تفضيل الحمد بأنه يملأ الميزان وحده لاشتماله على التنزيه ضمناً لأن الوصف بالكمال متضمن نفي النقصان ويؤيده قوله: "ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب" فإنها تتضمن التحميد والتنزيه ولذا صارت موجبة للقرب وهو معنى قوله: "حتى تخلص" بضم اللام "إليه" أي تصل عنده وتنتهي إلى محل القبول بالمراد بهذا وأمثاله سرعة القبول والإجابة وكثرة الأجر والإثابة. وفيه دلالة ظاهرة على أن لا إله إلا الله أفضل من سبحان الله والحمد لله. قوله: "وليس إسناده بالقوي" لأن فيه عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وهو ضعيف وإسماعيل بن عياش وهو صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم.(9/500)
3585 ـ حدثنا هَنّادٌ، أخبرنا أَبُو الأحْوَصِ عَن أبي إسْحَاقَ عَن جُرَيَر النّهْدِي عَن رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ قال: "عَدّهُنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في يَدِي أوْ فِي يَدِهِ: التّسْبِيحُ نِصْفُ المِيزَانِ والْحَمْدُ لله يَمْلَؤُهُ. والتّكْبِيرُ يَمْلأُ مَا بَيْنَ السّماءِ وَالأَرْضِ، والصّوْمُ نِصْفُ الصّبْرِ، وَالطّهُورُ نِصْفُ الإيمَانِ" . قال أبو عيسى هَذا حديثٌ حَسَنٌ. وقَدْ رَوَاه شُعْبَةُ والثّوْرِيّ عَن أبي إسْحَاقَ.
ـــــــ
قوله: "أخبرنا أبو الأحوص" اسمه سلام بن سليم الحنفي "عن أبي إسحاق" السبيعي "عن جري" بضم الحيم وفتح الراء وتشديد التحتية تصغير جرو بن كليب النهدي الكوفي مقبول من الثالثة "عن رجل من بني سليم" بالتصغير. قوله: "عدهن" أي الخصال الآتية فهو ضمير مبهم يفسره ما بعده كقوله تعالى: {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} والمفسر هنا قوله التسبيح الخ "في يدي" أي أخذ أصابع يدي وجعل يعقدها في الكف خمس مرات على عد الخصال لمزيد التفهيم والاستحضار "أو في يده" شك من الراوي "والصوم نصف الصبر" وهو الصبر على الطاعة فبقي النصف الآخر عن المعصية أو المصيبة. أو الصوم صبر عن الحلق والفرج فبقي نصفه الآخر من الصبر عن سائر الأعضاء "والطهور" بضم أوله "نصف الإيمان" لأن الإيمان تطهير السر عن دنس الشرك فمن طهر جوارحه فقد طهر ظاهره وهو آت بنصف الإيمان فإن طهر باطنه استكمل الإيمان. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن جري النهدي.(9/501)
93 ـ باب
3586 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ حَاتِمٍ المُؤَدّبُ، أخبرنا عَلِيّ بنُ ثابِتٍ حدثني قَيْسُ بنُ الرّبِيعِ وكَانَ مِنْ بَنِي أسَدٍ عَن الأَغَرّ بنِ الصّبّاحِ عَن خَلِيفَةَ بنِ حُصَيْنٍ عَن عَلِيّ بنِ أَبي طالِبٍ قالَ: "أكْثَرُ مَا دَعَا بِهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَشِيّةَ عَرَفَةَ في المَوْقِفِ: اللّهُمّ لَكَ الْحَمْدُ كالّذِي نَقُولُ وخَيْراً مِمّا نَقُولُ. اللّهُمّ لَكَ صَلاَتِي ونُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي، وإلَيْكَ مَآبي، وَلَكَ رَبّ تُرَاثي. اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَوَسْوَسَةِ الصّدْرِ، وَشَتَاتِ الأمْرِ. اللّهُمّ إِنّي
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا علي بن ثابت" الجزري الهاشمي "عن الأغر بن الصباح" التميمي المنقري "عن خليفة بن حصين" بن قيس التميمي المنقري. قوله: "كالذي تقول" بالفوقية أي كالحمد الذي تحمد به نفسك "وخيراً مما نقول" بالنون أي وخيراً مما نحمدك به من المحامد "اللهم لك" أي لا لغيرك "ونسكى" أي وسائر عباداتي أو تقربي بالذبح "ومحياي ومماتي" أي حياتي وموتي. وقال الطيبي أي وما آتيه في حياتي وما أموت عليه من الإيمان والعمل الصالح "وإليك مآبي" أي مرجعي "ولك رب" أي يا رب "ترائي" بضم الفوقية وبالراء وبالمثلثة، قال المناوي هو ما يخلفه الإنسان لورثته فبين أنه لا يورث وأن ما يخلفه صدقه لله "ووسوسة الصدر" أي حديث النفس بما لا ينبغي "وشتات الأمر" بفتح المعجمة وخفة المثناة الفوقية أي تفرقه وعدم انضباطه وذلك هو من أعظم أسباب الضرر اللاحق لمن لا تنضبط له الأمور. قوله:(9/502)
أَعُوذَ بِكَ مِنْ شَرّ مَا تَجِيءُ بِهِ الرّيحُ" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ولَيْسَ إِسْنَادُهُ بالْقَوِيّ.
ـــــــ
"هذا حديث غريب" وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان "وليس إسناده بالقوي" لأن فيه قيس بن الربيع وهو صدوق تغير لما كبر وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به.(9/503)
94 ـ باب
3587 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ حَاتِمٍ المُؤَدّبُ، أخبرنا عَمّارُ بنُ مُحَمدِ بنِ أُخْتِ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ أخبرنا لَيْثُ بنُ أَبي سُلَيْمٍ عَن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ سَابِطٍ عَن أبي أُمَامَةَ قالَ: "دعَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِدُعَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ نَحْفَظْ مِنْهُ شَيْئاً، قُلْنَا يَا رَسُولَ الله دَعَوْتَ بِدُعَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ نَحْفَظْ مِنْهُ شَيْئاً فقالَ: أَلاَ أَدُلّكُمْ عَلَى مَا يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلّهُ؟ نَقُولُ اللّهُمّ إنّا نَسْألُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيّكَ مُحمّدٌ صلى الله عليه وسلم، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ ما اسْتَعَاذَ مِنْهُ نَبِيّكَ مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم وأنْتَ الْمُسْتَعَانُ وعَلَيْكَ البَلاَغُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوّةَ إلاّ بالله" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "على ما يجمع ذلك كله" أي على دعاء يجمع كل ما دعوت به من الدعاء الكثير "وعليك البلاغ" قال في النهاية: البلاغ ما يتبلغ ويتوصل به إلى الشيء المطلوب. وقال في المجمع: وحديث فلا بلاغ اليوم إلا بك أي لا كفاية. قال(9/503)
ـــــــ
الشوكاني ولا شيء أجمع ولا أنفع من هذا الدعاء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صح عنه من الأدعية الكثير الطيب وصح عنه من التعوذ مما ينبغي التعوذ منه الكثير الطيب حتى لم يبق خير في الدنيا والآخرة إلا قد سأله من ربه. ولم يبق شر في الدنيا والآخرة إلا وقد استعاذ ربه منه، فمن سأل الله عز وجل من خير ما سأله منه نبيه صلى الله عليه وسلم واستعاذ من شر ما استعاذ منه نبيه صلى الله عليه وسلم فقد جاء في دعائه بما لا يحتاج بع د إلى غيره وسأله الخير على اختلاف أنواعه واستعاذ من الشر على اختلاف أنواعه وحظي بالعمل بإرشاده صلى الله عليه وسلم إلى هذا القول الجامع والدعاء النافع انتهى. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه الطبراني في الكبير.(9/504)
95 ـ باب
3588 ـ حدثنا أبُو مُوسَى الأنْصَارِيّ، أخبرنا مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ عَن أبي كَعْبٍ صَاحِبِ الْحَرِيرِ قالَ حدثني شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ قالَ قُلْتُ لأمّ سَلَمَةَ: "يَا أُمّ المُؤْمِنينَ ما كانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا كانَ عِنْدَكِ؟ قالَتْ كانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ: يَا مُقَلّبَ القلُوبِ ثَبّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ. قالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله ما لأَكْثَرِ دُعَائكَ
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا أبو موسى الأنصاري" هو إسحاق بن موسى "أخبرنا معاذ ابن معاذ" العنبري التميمي البصري "عن أبي كعب صاحب الحرير" اسمه عبد ربه بن عبيد الأزدي مولاهم ثقة من السابعة. قال في تهذيب التهذيب روى له الترمذي حديثاً واحداً: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" . قوله: "يا مقلب القلوب الخ" تقدم شرحه في باب ما جاء أن القلوب بين إصبعي الرحمن من أبواب القدر "قالت" أي أم سلمة "ما لأكثر دعائك" أي ما السبب في إكثارك(9/504)
يَا مُقَلّبَ القُلُوب ثَبّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ؟ قالَ: يَا أُمّ سَلمَةَ إنّهُ لَيْسَ آدَمِيّ إلاّ وَقَلْبُهُ بَيْنَ أَصْبعَيْنِ مِنْ أصَابعِ الله فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ وَمَنْ أشَاءَ أزَاغَ" . فَتَلاَ مُعَاذٌ {رَبّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا} . وفي البابِ عن عائِشَةِ والنّوّاسِ بنِ سمْعَانَ وَأنَسٍ وَجَابِرٍ وَعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو وَنُعَيْمِ بنِ حمَارٍ. هَذا حديثٌ حَسَنٌ.
ـــــــ
هذا الدعاء "قال" أي النبي صلى الله عليه وسلم "إنه" الضمير للشأن "فمن شاء أقام" أي فمن شاء الله أقام قلبه وثبته على دينه وطاعته "ومن شاء أزاغ" أي ومن شاء الله أمال قلبه وصرفه عن دينه وطاعته "فتلا معاذ" أي ابن معاذ المذكور. قوله: "وفي الباب عن عائشة والنواس بن سمعان الخ" أما حديث النواس فأخرجه أحمد، وأما حديث أنس فأخرجه أحمد وابن ماجة والحاكم وأخرجه الترمذي أيضاً في القدر، وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد ومسلم، وأما أحاديث بقية الصحابة فلينظر من أخرجها. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد.(9/505)
96 ـ باب
3589 ـ حدثنا مُحمدُ بنُ حَاتِمٍ المُؤَدّبُ، أخبرنا الْحَكَمُ بنُ ظُهَيْرٍ حدثنا عَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ عن سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَة عَن أبِيهِ قالَ: "شَكَا خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ الْمَخْزومِيّ إِلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالَ يا رَسُولَ الله مَا أَنَامُ اللّيْلَ مِنَ الأرَقِ. فقالَ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا الحكم بن ظهير" بالمعجمة مصغراً الفزاري أبو محمد وكنية(9/505)
إذَا أَوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فَقُلِ اللّهُمّ رَبّ السّمَاوَاتِ السّبْعِ وَمَا أَظَلّتْ، وَرَبّ الأرَضِينِ ومَا أَقَلّتْ، ورَبّ الشّيَاطِينِ وَمَا أضَلّتْ، كُنْ لِي جَاراً مِنْ شَرّ خَلْقِكَ كُلّهِمْ جَمِيعاً أَنْ يَفْرُطَ عَلَيّ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَوْ أَنْ يَبْغَى. عَزّ جَارُكَ وَجَلّ ثَنَاؤُكَ وَلاَ إلَهَ غَيْرُكَ ولاَ إلَهَ إلاّ أَنْتَ" . هَذا حديثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بالْقَوِيّ. وَالحَكَمُ بنُ ظُهَيْرٍ قَدْ تَرَكَ حَدِيثَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثَ. وَيُرْوَى هَذَا الْحَدِيث عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسلاً مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
أبيه أبو ليلى ويقال أبو خالد متروك رمي بالرفض واتهمه ابن معين من الثامنة "عن أبيه" هو بريدة بن الحصيب الأسلمي. قوله: "فقال يا رسول الله ما أنام الليل من الأرق" هذا بيان لقوله شكا والأرق بفتحتين أي من أجل السهر وهو مفارقة الرجل النوم من وسواس أو حزن أو غير ذلك "إذا أويت" بالقصر "وما أظلت" أي وما أوقعت ظلها عليه "وما أقلت" أي حملت ورفعت من المخلوقات "وما أضلت" أي وما أضلت الشياطين من الإنس والجن، فما هنا بمعنى من. وفيما قبل غلب فيها غير العاقل، ويمكن أن ما هنا للمشاكلة "كن لي جاراً" من استجرت فلاناً فأجارني ومنه قوله تعالى: {وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْه} أي كن لي معيناً ومانعاً ومجيراً وحافظاً "أن يفرط على أحد منهم" أي من أن يفرط على أنه بدل اشتمال من شر خلقك أو لئلا يفرط أو كراهة أن يفرط، يقال فرط عليه أي عدا عليه ومنه قوله تعالى: {أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} بكسر الغين أي يظلم على أحد "عز جارك" أي غلب مستجيرك وصار عزيزاً "وجل" أي عظم "ثناؤك" يحتمل إضافته إلى الفاعل والمفعول ويحتمل أن يكون المثنى غيره أو ذاته فيكون كقوله صلى الله عليه وسلم: "أنت كما أثنيت على نفسك" . قوله: "هذا حديث ليس إسناده بالقوي الخ" والحديث أخرجه الطبراني وابن أبي شيبة من حديث خالد بن الوليد.(9/506)
3590 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَيّاشٍ عَن مُحمّدِ بنِ إسْحَاقَ عَن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عَن أَبيهِ عَن جَدّهِ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذَا فَزِعَ أَحَدُكُمْ في النّوْمِ فَلْيَقُلْ أعُوذُ بِكَلِمَاتِ الله التّامة مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وشَرّ عِبَادِهِ، ومِنْ هَمَزَاتِ الشّيَاطِينِ وأَنْ يَحْضُرُونِ فإِنّهَا لَنْ تَضُرّهُ فكانَ عَبْدُ الله بنُ عَمْرٍو يلقنها مَنْ بَلَغَ مِنْ وَلَدِهِ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهُمْ كَتَبَهَا في صَك ثُمّ عَلّقَهَا في عُنُقِهِ" .
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
قوله: "إذا فزع" بكسر الزاي أي خاف "في النوم" أي في حال النوم أو عند إرادته "أعوذ بكلمات الله التامة" أي الكاملة الشاملة الفاضلة وهي أسماؤه وصفاته وآيات كتبه "وعقابه" أي عذابه "شر عباده" من الظلم والمعصية ونحوهما "ومن همزات الشياطين" أي نزغاتهم وخطراتهم ووساوسهم وإلقائهم الفتنة والعقائد الفاسدة في القلب وهو تخصيص بعد تعميم "وأن يحضرون" بحذف الياء وإبقاء الكسرة دليلاً عليها أي ومن أن يحضروني في أموري كالصلاة وقراءة القرآن وغير ذلك لأنهم إنما يحضرون بسوء "فإنها" أي الهمزات "لن تضره" أي إذا دعا بهذا الدعاء وفيه دليل على أن الفزع إنما هو من الشيطان "يلقنها" أي هذه الكلمات وهو من التلقين، وفي بعض النسخ يعلمها من التعليم "من بلغ من ولده" أي ليتعوذ بها "في صك" أي في ورقة "ثم علقها" أي علق الورقة التي هي فيها "في عنقه" أي في رقبة ولده الذي لم يبلغ. قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات: هذا هو السند في ما يعلق في أعناق الصبيان من التعويذات وفيه كلام، وأما تعليق الحرز والتمائم مما كان من رسوم الجاهلية فحرام بلا خلاف انتهى. قلت تقدم الكلام في تعليق التعويذات في باب كراهية التعليق من أبواب الطب. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد وليس عنده تخصيصها بالنوم.(9/507)
97 ـ باب
3591 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَر، أخبرنا شُعْبَة عَن عَمْرِو بنِ مُرّةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ قُلْت لَه أنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ عَبْدِ الله؟ قالَ نَعَمْ. وَرَفَعَهُ أَنّهُ قالَ "لا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ الله وَلِذَلِكَ حَرّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ منها وَمَا بَطَنَ، ولاَ أَحَدَ أحَبّ إِلَيْهِ المَدْحُ مِنَ الله وَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا محمد بن جعفر" المعروف بغندر "عن عمر بن مرة" الجملي المرادي "قلت له" أي لأبي وائل وهذا قول عمرو بن مرة "قال نعم" أي قال أبو وائل نعم قد سمعت هذا الحديث من عبد الله بن مسعود "ورفعه" أي رفع ابن مسعود الحديث يعني رواه مرفوعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله "لا أحد أغير" أفعل التفضيل من الغيرة بفتح الغين وهي الأنفة والحمية. قال النحاس هو أن يحمي الرجل زوجته وغيرها من قرابته ويمنع أن يدخل عليهن أو يراهن غير ذي محرم، والغيور ضد الديوث والقندع بضم الدال وفتحها الديوث هذا في حق الآدميين، وأما في حق الله فقد جاء مفسراً في الحديث وغيرة الله تعالى أن يأتي المؤمن ما حرمه الله عليه أي أن غيرته منعه وتحريمه، ولما حرم الله الفواحش وتواعد عليها وصفه صلى الله عليه وسلم بالغيرة وقال صلى الله عليه وسلم "من غيرته أن حرم الفواحش" "ولذلك" أي لأجل الغيرة "حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن" قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} قال ابن جرير إن أهل التأويل اختلفوا في المراد بالفواحش فمنهم من حملها على العموم وساق ذلك عن قتادة قال المراد سر الفواحش وعلانيتها، ومنهم من حملها على نوع خاص وساق عن ابن عباس قال كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأساً في السر ويستقبحونه في العلانية فحرم الله الزنا في السر(9/508)
ـــــــ
والعلانية. ومن طريق سعيد بن جبير ومجاهد: ما ظهر نكاح الأمهات وما بطن الزنا، ثم اختار ابن جرير القول الأول قال وليس ما روى عن ابن عباس وغيره بمدفوع ولكن الأولى الحمل على العموم انتهى "ولا أحد أحب إليه المدح من الله" يجوز في أحب الرفع والنصب وهو أفعل التفضيل بمعنى المفعول، وقوله المدح بالرفع فاعله، وحب الله المدح ليس من جنس ما يعقل من حب المدح وإنما الرب أحب الطاعات ومن جملتها مدحه ليثيب على ذلك فينتفع المكلف لا لينتفع هو بالمدح. ونحن نحب المدح لننتفع ويرتفع قدرنا في قومنا. فظهر من غلط العامة قولهم: إذا أحب الله المدح فكيف لا نحبه نحن فافهم "ولذلك" أي ولأجل حبه المدح. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.(9/509)
98 ـ باب
3592 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا اللّيْثُ عَن يَزِيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ عَن أبي الْخَيرِ عَن عَبْدِ الله بنِ عَمْرِو عَن أَبي بَكْرٍ الصّدّيقِ أَنّهُ قَالَ: "يا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَلّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ في صَلاَتِي قَالَ: قُلْ: اللّهُمْ إنّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيراً ولاَ يَغْفِرُ الذّنُوبَ إلاّ أنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك َ
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن أبي الخير" اسمه مرثد بن عبد الله اليزني بفتح التحتانية والزاي بعدها نون "عن عبد الله بن عمرو" بن العاص السهمي قوله: "أدعو به في صلاتي" أي عقب التشهد كما قيده بعض علمائنا قاله القاري. قلت: وإلى هذا احتج البخاري في صحيحه فقال باب الدعاء قبل السلام ثم ذكر حديث أبي بكر هذا. وقال ابن دقيق العيد في الكلام على هذا الحديث هذا يقتضي الأمر بهذا الدعاء في الصلاة من غير تعيين محله ولعل الأولى أن يكون في أحد موطنين السجود والتشهد لأنهما أمر فيهما بالدعاء "ظلمت نفسي" أي بملابسة ما يستوجب العقوبة أو ينقص الحظ وفيه أن الإنسان لا يعري عن تقصير ولو كان صديقاً "ولا يغفر الذنوب(9/509)
وَارْحَمْنِي إِنّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرّحيمُ" .
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيح غَرِيبٌ وهُو حَدِيثُ لَيْثِ بنِ سَعْدٍ وأَبُو الْخَيْرِ اسْمُهُ مَرْثَدُ بنُ عَبْدِ الله اليَزَنِيّ.
ـــــــ
إلا أنت" فيه إقرار بالوحدانية واستجلاب للمغفرة وهو كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} الآية فأثنى على المستغفرين وفي ضمن ثنائه عليهم بالاستغفار لوح بالأمر به كما قيل إن كل شيء أثنى الله على فاعله فهو آمر به وكل شيء ذم فاعله فهو ناه عنه "مغفرة من عندك" قال الطيبي: دل التنكير على أن المطلوب غفران عظيم لا يدرك كنهه ووصفه بكونه من عنده سبحانه وتعالى مريداً لذلك لأن العظم الذي يكون من عند الله لا يحيط به وصف "إنك أنت الغفور الرحيم" هما صفتان ذكرتا ختماً للكلام على جهة المقابلة لما تقدم، فالغفور مقابل لقوله "اغفر لي" . والرحيم مقابل ارحمني وهي مقابلة مرتبة. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة.(9/510)
99 ـ باب
3593 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ حَاتِمٍ المكتب، أخبرنا أبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بنُ الوَلِيدِ عَن الرّحيلِ بنِ مُعَاوِيَةَ أَخِي زُهَيْرِ بن مُعَاويةَ عَن الرّقَاشِيّ عَن أنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: "كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: يَا حَيّ يَا قَيّومُ بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ" . وَبإِسْنَادِهِ قالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "أَلِظّوا
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن الرحيل" بضم الراء وفتح الهاء المهملة مصغراً "بن معاوية" ابن حديج بضم المهملة وآخره جيم الجعفي الكوفي صدوق من السابعة "عن الرقاشي" بفتح الراء وتخفيف القاف اسمه يزيد بن أبان. قوله: "إذا كربه أمر" أي أصابه كرب وشدة "يا حي" أي الدائم البقاء "يا قيوم" أي المبالغ في القيام بتدبير خلقه "برحمتك أستغيث" أي أطلب الإغاثة وأطلب الإعانة، قوله:(9/510)
بِيَاذَا الْجَلاَلِ والإِكْرَامِ" . وهَذا حديثٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ رُوِيَ هذا الحَدِيثُ عن أنَسٍ مِنْ غَيْرِ هذا الوجهٍ.
3594 ـ حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا مُؤَمّلٌ عَن حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ عَن حُمَيْدٍ عَن أنَسٍ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "أَلِظّوا بِيَاذَا الْجَلاَلِ والإِكْرَامِ" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ وَلَيْسَ بمَحْفُوظٍ وَإنّمَا يُرْوَى هَذَا عَن حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ عَن حُمَيْدٍ عَن الحَسَنِ البَصْرِيّ عَن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا أَصَحّ. ومؤمل غَلطَ فِيهِ فَقَالَ عن حماد عَن حُمَيْدٍ عَن أنَسٍ وَلاَ يُتَابَعُ فِيهِ.
3595 ـ حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا وَكِيعٌ، أخبرنا سُفْيَانُ عَن الجُرَيْرِيّ عَن أَبي الوَرْدِ عَن اللّجْلاَجِ عَن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قَالَ "سَمِعَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم رَجلاً يَدْعُو يَقُولُ اللّهُمّ إِنّي أَسْأَلُكَ تمَامَ النّعْمَةِ، فَقَالَ أَيّ شَيْءٍ تمَامُ النّعْمَةِ؟ قَالَ دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا أرْجُو بِهَا
ـــــــ
"وبإسناده" أي بإسناد الحديث المذكور "ألظوا بياذا الجلال والإكرام" أي ألزموه وأثبتوا عليه وأكثروا من قوله والتلفظ به في دعائكم، يقال ألظ بالشيء يلظ إلظاظ إذا لزمه وثابر عليه كذا في النهاية قوله: "أخبرنا مؤمل" هو ابن إسماعيل العدوي "عن حماد بن سلمة" بن دينار البصري. قوله: "هذا حديث غريب" قال السيوطي في الجامع الصغير بعد ذكر حديث "ألظوا بياذا الجلال والإكرام". رواه الترمذي عن أنس وأحمد والنسائي والحاكم عن ربيعة بن عامر هو الطويل. قوله: "حدثنا سفيان" هو الثوري "عن الجريري" بالتصغير هو سعيد بن إياس "عن أبي(9/511)
الْخَيْرَ، قالَ: فَإِنّ مِنْ تَمَامِ النّعْمَةِ دُخُولَ الْجَنّةِ والفَوْزَ مِنَ النّارِ" . وسَمِعَ رَجُلاً وهُوَ يَقُولُ ياذَا الْجَلاَلِ والإِكْرَامِ فَقَالَ "قَدْ اسْتَجِيبَ لَكَ فَسَلْ وَسَمِعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً وَهُوَ يَقُولُ: اللّهُمّ إِنّي أَسْألُكَ الصّبْرَ قالَ سَأَلْتَ الله البَلاَءَ فسْأَلْهُ العَافِيةَ" .
3496 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنيعٍ، أخبرنا إسْمَاعِيلُ بنُ إبْرَاهيمَ عَن الجُرَيْرِيّ بهذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ. هَذا حديثٌ حَسَنٌ.
ـــــــ
الورد" هو ابن ثمامة بن حزن القشيري البصري مقبول من السادسة "عن اللجلاج العامري" صحابي سكن دمشق. قوله: "يقول" بدل أو حال "فقال" أي النبي صلى الله عليه وسلم سؤال امتحان "دعوة" أي مستجابة ذكره الطيبي أو هو دعوة أو مسألة دعوة "أرجو بها الخير" وفي المشكاة أرجو بها خيراً. قال القاري أي مالاً كثيراً. قال الطيبي: وجه مطابقة الجواب السؤال هو أن جواب الرجل من باب الكناية أي أسأله دعوة مستجابة فيحصل مطلوبي منها، ولما صرح بقوله خيراً فكان غرضه المال الكثير كما في قوله تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْراً} فرده صلى الله عليه وسلم بقوله: "إن من تمام النعمة الخ" وأشار إلى قوله تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} انتهى. قال القاري: والأظهر أن الرجل حمل النعمة على النعم الدنيوية الفانية وتمامها على مدعاه في دعائه فرده صلى الله عليه وسلم عن ذلك ودله على أن لا نعمة إلا النعمة الباقية الأخروية "فإن من تمام النعمة دخول الجنة" ابتداء "والفوز" الخلاص والنجاة "من النار" أي ولو انتهاء "وسمع" أي النبي صلى الله عليه وسلم "ياذا الجلال والإكرام" أي ياذا العظمة والكبرياء والإكرام لأوليائه "قد استجيب لك فسل" أي ما تريد، وفيه دليل على أن استفتاح الدعاء بقول الداعي: يا ذا الجلال والإكرام يكون سبباً في الإجابة وفضل الله واسع "قال" أي النبي صلى الله عليه وسلم "سألت الله البلاء" أي لأنه يترتب عليه "فاسأله العافية" أي فإنها أوسع وكل أحد لا يقدر أن يصبر على البلاء،(9/512)
ـــــــ
ومحل هذا إنما هو قبل وقوع البلاء وأما بعده فلا منع من سؤال الصبر بل مستحب لقوله: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً} قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد.(9/513)
100 ـ باب
3597 ـ حدثنا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ عَيّاشٍ عَن عَبْدِ الله بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أَبي حُسَيْنٍ عَن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عَن أَبي أُمَامَةَ البَاهلِيّ قالَ: سَمِعْتُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَوَى إِلى فِرَاشِهِ طَاهراً يَذْكُرُ الله حَتّى يُدْرِكَهُ النّعَاسُ لَمْ يَنْقَلِبْ سَاعَةً مِنَ اللّيْلِ يَسْألُ الله شَيْئاً مِنْ خَيْرِ الدّنْيَا والآخرة إلاّ أَعْطاهُ الله إيّاهُ" . هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا أَيْضاً عَن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عن أَبِي ظَبْيَةَ عَن عَمْرِو بنِ عَبسَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
"باب"
قوله: "من أوى إلى فراشه" أي لينام "طاهراً" أي متوضئاً "يذكر الله" جملة حالية "حتى يدركه النعاس" بضم النون يعني حتى ينام "لم ينقلب" من الانقلاب. وفي بعض النسخ لم يتقلب من التقلب والمراد من الانقلاب هنا الاستيقاظ والانتباه.
قوله: "عن أبي ظبية" بفتح المعجمة وسكون الموحدة بعدها تحتانية ويقال بالمهملة وتقديم التحتانية والأول أصح السلفي بضم المهملة الكلاعي بفتح الكاف نزل حمص مقبول من الثامنة "عن عمرو بن عبسة عن النبي صلى الله عليه وسلم" حديث عمرو بن عبسة هذا أخرجه أحمد في مسنده.(9/513)
101 ـ باب
3598 ـ حدثنا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، أخبرنا إسْمَاعيلُ بنُ عَيّاشٍ عَن مُحمّدِ بنِ زِيَادٍ عَن أبي رَاشِدٍ الْحُبرانِيّ قالَ: "أتَيْتُ عَبْدَ الله بنَ عَمْرِو بنِ العَاصِ فَقُلْتُ لَهُ حَدّثنا مِمّا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فألْقَى إليّ صَحِيفَةً فقالَ: هَذَا مَا كَتَبَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ فَنَظَرْتُ فِيهَا فإِذَا فِيهَا أَنّ أبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ رضي الله عنه قالَ يا رَسُولَ الله عَلّمْنِي مَا أقُولُ إِذَا أَصْبَحْتُ وإذَا أمْسَيْتُ، فقالَ: يا أبَا بَكْرٍ قُلْ: اللّهُمّ فَاطِرَ السّماوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الغَيْبِ والشّهَادَةِ لاَ إلَهَ إلاّ أَنْتَ رَبّ كُلّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ نَفْسِي ومِنْ شَرّ الشّيْطَانِ وَشركِهِ وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءًا أوْ أَجُرّهُ إِلى مُسْلِمٍ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
3599 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ حُمَيْدٍ الرّازِيّ، أخبرنا الفَضْلُ بنُ مُوسَى عَن الأَعْمَشِ عَن أَنَسِ بنِ مالِك "أنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن محمد بن زياد" الألهاني "عن أبي راشد الحبراني" بضم المهملة وسكون الموحدة الشامي قيل اسمه أخضر وقيل النعمان ثقة من الثالثة. قوله: "فألقى" أي عبد الله بن عمرو "إلي" بتشديد الياء "صحيفة" أي كتاباً "هذا" أي الذي ألقيت إليك "اللهم فاطر السماوات والأرض إلى قوله ومن شر الشيطان وشركه" تقدم شرحه بعد باب الدعاء إذا أصبح وإذا أمسى "وأن(9/514)
مَرّ بِشَجَرَةٍ يَابِسَةِ الوَرَقِ فَضَرَبَهَا بِعَصَاهُ فَتَنَاثَرَ الوَرَقُ. فقالَ إنّ الْحَمْدَ لله وَسُبْحَانَ الله ولاَ إلَهَ إلاّ الله والله أكْبَرُ لَتُسَاقِط مِنَ ذُنُوبِ العَبْدِ كَمَا تَسَاقَطَ وَرَقُ الشّجَرَةِ هذه " . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ وَلاَ نعرف لِلأَعْمَشِ سَمَاعاً مِنْ أَنَسٍ إِلاّ أنّهُ قَدْ رَآهُ ونَظَر إلَيْهِ.
3600 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا اللّيْثُ عَن الْجُلاَحِ أبي كَثِيرٍ عَن أبي عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحُبُلِيّ عَن عُمَارَةَ بنِ شَبِيبٍ السبائيّ قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "مَنْ قالَ لا إِلَه إلاّ الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرّاتٍ عَلَى أَثَرِ الْمَغْرِبِ
ـــــــ
أقترف" أي أكتسب وأعمل "أو أجره" من الجر والضمير المنصوب راجع إلى قوله سوء. قوله: "فضربها" أي أغصان الشجرة "فتناثر الورق" أي تساقط "إن الحمد لله وسبحان الله الخ" قال الطيبي: هذه الكلمات كلها بالنصب على اسم لمن وخبرها قوله: "لتساقط" بضم التاء من باب المفاعلة "من ذنوب العبد" أي المتكلم بهذه الكلمات "كما تساقط ورق الشجرة هذه" بصيغة الماضي المعلوم ومن باب التفاعل، والمعنى أن هذه الكلمات تساقط ذنوب العبد فتتساقط كما تساقط ورق هذه الشجرة. قوله: "هذا حديث غريب ولا نعرف للأعمش سماعاً من أنس الخ" قال المنذري: وأخرجه أحمد من غير طريق الأعمش ورجاله رجال الصحيح.
قوله: "عن الجلاح" بضم الجيم وخفة اللام وبالحاء المهملة "أبي كثير" المصري مولى الأمويين صدوق من السادسة "عن عمارة" بضم العين وتخفيف الميم "بن شبيب" بفتح المعجمة وكسر الموحدة الأولى "السبائي" بفتح المهملة والموحدة وبالهمزة المقصورة ويقال فيه عمار يقال له صحبة، وقال ابن حبان في ثقاته: من زعم أن له صحبة فقد وهم. قال في تهذيب التهذيب: روى حديثاً واحداً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا إله إلا الله"، وقيل عن رجل(9/515)
بَعَثَ الله لَهُ مَسْلَحةً يَحْفَظُونَهُ مِنَ الشّيْطَانِ حَتّى يُصْبِحَ وَكَتَبَ الله لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ مُوجِبَاتٍ ومَحى عَنْهُ عَشْرَ سَيّئَاتٍ مُوبِقَاتٍ وَكانَتْ لَهُ بِعِدْلِ عَشْرِ رَقَاب مُؤْمِنَاتٍ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ لَيْثِ بنِ سَعْدٍ وَلاَ نَعْرِفُ لِعِمَارَةَ بنِ شَبِيبٍ سَمَاعاً مِنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "على أثر المغرب" بفتح الهمزة والمثلثة أو بكسر الهمزة وسكون المثلثة أي بعده "بعث الله له مسلحة" قال في النهاية: المسلحة القوم الذين يحفظون الثغور من العدو وسموا مسلحة لأنهم يكونون ذوي سلاح أو لأنهم يسكنون المسلحة وهي كالثغر. والمرقب يكون فيه أقوام يرقبون العدو لئلا يطرقهم على غفلة فإذا رأوه أعلموا أصحابهم ليتأهبوا له وجمع المسلح مسالح "عشر حسنات موجبات" أي للجنة "موبقات" بكسر الموحدة أي مهلكات "وكانت له بعدل عشر رقبات" أي مثل عتقها والعدل بفتح العين وكسرها بمعنى المثل، وقيل بالفتح المثل من غير الجنس وبالكسر من الجنس وقيل بالعكس. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه النسائي.(9/516)
102 ـ باب ما جاء في فَضْلِ التّوْبَةِ وَالاسْتِغْفَارِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ رَحْمَةِ الله لِعِبَادِه
3601 ـ حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عَن عَاصِمِ بنِ أَبِي النّجُودِ عَن زِرّ بنِ حُبَيْشٍ قال: "أتَيْتُ صَفْوَانَ بنَ عَسّالٍ المُرَادِيّ أَسْألَهُ عَنِ المَسْحِ عَلَى الخُفّيْنِ فقالَ ما جَاءَ بِكَ يَا زِر؟ فَقلت: ابْتِغَاءَ العِلْمِ. فقالَ: إنّ المَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ رِضاً بِمَا يَطْلُبُ، فقلت: إِنّهُ حَكّ في صَدْرِيَ المْسَحُ عَلَى الْخُفّيْنِ بَعْدَ الغَائِطِ وَالبَوْلِ وكُنْتَ امْرَءًا مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَجِئْتُ أَسْأَلُكَ هلْ سَمِعْتَهُ يَذْكُرُ في ذَلِكَ شَيْئاً؟ قالَ نَعَمْ كَانَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنّا سفراً أَوْ مُسَافِرينَ أنْ لاَ نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيّامٍ وَلَيَالِيهِنّ إِلاّ مِنْ جَنَابَةٍ لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ1. قالَ: فَقلت: هَلْ سَمِعْتَهُ يَذْكُرُ في الْهَوى شَيْئاً؟ قالَ:
ـــــــ
باب "ما جاء في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده"
قوله: "فقلت ابتغاء العلم" أي جاء بي عندك طلب العلم "فقال إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب" تقدم شرحه في باب فضل الفقه على العبادة من أبواب العلم "قلت إنه" الضمير للشأن "حك في صدري" قال في النهاية: حك الشيء في نفسي إذا لم تكن منشرح الصدر به وكان في قلبك منه شيء من الشك والريب "المسح على الخفين" بالرفع على أنه فاعل حك "وكنت" بصيغة الخطاب "هل سمعته" أي النبي صلى الله عليه وسلم "قال كان يأمرنا إذا كنا سفراً أو مسافرين إلى قوله لكن غائط وبول ونومٍ"
1 كذا بالأصل والمعنى "لا من غائط...الخ".(9/517)
نَعَمْ؟ كُنّا مَعَ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ إذْ نَادَاهُ أعْرَابِيّ بِصَوْتٍ لَهُ جَهْورِيّ يَا مُحَمدُ. فأَجَابَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى نَحْوٍ مِنْ صَوْتِهِ هَاؤُمُ. قَقُلْنَا لَهُ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ فإِنّكَ عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ نُهِيتَ عَن هَذَا، فقالَ وَالله لاَ أغْضُضُ. قالَ الأعْرَابيّ: المَرْءُ يُحِبّ القَوْمَ ولَمّا يَلْحَقْ بِهِمْ، قالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبّ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَا زَالَ يُحَدّثُنَا حَتّى ذكَرَ بَاباً مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ مَسِيره سبعين عاماً عَرْضه أَوْ يَصِيرُ الرّاكِبُ في عَرْضِهِ
ـــــــ
تقدم شرح في باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم "يذكر في الهوى شيئاً" بفتح الهاء والواو وهو الحب. قال في القاموس هويه كرضيه هوى فهو أي أحبه "بصوت له جهوري" بفتح الجيم وسكون الهاء ثم واو مفتوحة ثم راء مكسورة ثم ياء مشددة أي عال "هاؤم" قال في النهاية: هاؤم بمعنى تعال وبمعنى خذ، ويقال للجماعة كقوله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} وإنما رفع صوته عليه الصلاة والسلام من طريق الشفقة عليه لئلا يحبط عمله من قوله تعالى: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} فعذره لجهله ورفع النبي صلى الله عليه وسلم صوته حتى كان مثل صوته أو فوقه لفرط رأفته به انتهى "أغضض من صوتك" أي اخفضه "وقد نهيت عن هذا" أي عن رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم "فقال والله لا أغضض" إنما قال هذا لأنه كان أعرابياً جلفاً جافياً كما في الرواية الآتية "ولما يلحق بهم" جملة حالية أي والحال أنه لم يلحق بهم. ووقع في حديث أنس عند مسلم: ولم يلحق بعملهم. وفي حديث أبي ذر ولا يستطيع أن يعمل بعملهم، وفي بعض طرق حديث صفوان بن عسال عند أبي نعيم ولم يعمل بمثل عملهم وهو يفسر المراد "المرء مع من أحب يوم القيامة" قال النووي: ولا يلزم من كونه معهم أن تكون منزلته وجزاؤه مثلهم من كل وجه "فما زال يحدثنا" هذا قول زر بن حبيش "من قبل المغرب"(9/518)
أرْبَعِينَ أوْ سَبْعِينَ عاماً قالَ سُفْيَانُ: قِبَلَ الشّامِ خَلَقَهُ الله يَوْمَ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ مَفْتُوحاً يَعْنِي للتّوْبَةِ لاَ يُغْلِقُ حَتّى تَطْلُعَ الشّمْسُ مِنْهُ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3602 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ، أخبرنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عَن عَاصِمٍ عَن زِرّ بنِ حُبَيْشٍ قالَ: "أتَيْتُ صَفْوَانَ بنَ عَسّالٍ المُرَادِيّ فقالَ لِي: مَا جَاءَ بِكَ، قلت: ابْتِغَاءَ العِلْمِ، قالَ: بَلَغَنِي أَنّ المَلاَئِكَةَ تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ رِضاً بِمَا يَفْعَلُ. قالَ: قلت: لَهُ إِنّهُ حَاكَ أوْ حَكّ في نَفْسِي شَيْءٌ مِنَ المَسْحِ عَلَى الْخُفّيْنِ فَهَلْ حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِيهِ شَيْئاً؟ قالَ نَعَمْ كُنّا إذَا كُنّا في سَفَر أوْ مُسَافِرِينَ أَمَرَنَا أنْ لا نَخْلَعَ خِفَافَنَا ثَلاَثاً إلاّ مِنْ جَنَابَةٍ وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ، قالَ: فَقلت: فَهَلْ حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في الْهَوَى شَيْئاً؟ قالَ: نَعَمْ. كُنّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَنَادَاهُ رَجُلٌ كانَ في آخِرِ القَوْمِ بِصَوْتٍ جَهورِي
ـــــــ
بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جانبه "مسيرة عرضه أو يسير الراكب في عرضه" كلمة أو للشك من الراوي وكذلك في قوله أربعين أو سبعين عاماً وفي الرواية الآتية سبعين عاماً من غير شك "حتى تطلع الشمس منه" أي من المغرب. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه ابن ماجة وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد.
قوله: "حاك أو حك" شك من الراوي وقد تقدم تفسير حك وأما معنى حاك فقال في القاموس حاك الثوب حوكاً وحياكاً وحياكة نسجه وحاك الشيء(9/519)
أعْرَابِيّ جِلْف جَاف. فقالَ يا مُحمّدُ يا مُحمّدُ. فقالَ لَهُ القَوْمُ: مَهْ إنّكَ قَدْ نُهِيتَ عَنْ هَذَا، فأَجَابَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى نَحْوٍ مِنْ صَوْتِهِ هاؤُمُ. فقالَ: الرّجُلُ يُحِبّ القَوْمَ وَلَمّا يَلْحَقْ بِهِمْ. قالَ فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبّ. قال زِرّ فَمَا بَرِحَ يُحَدّثُنِي حَتّى حَدّثَنِي أَنّ الله عَزّ وَجَلّ جَعَلَ بالْمَغْرِبِ بَاباً عَرْضُهُ مَسِيرَةُ سَبْعِينَ عاماً لِلتّوْبَةِ لاَ يُغْلَقُ ما لم تَطْلُع الشّمْسُ مِنْ قِبَلِهِ وَذَلِكَ قَوْلُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالى {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبّكَ لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا} " الآية. هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
في صدري رسخ وقال حاك القول في القلب حيكاً أخذ "أعرابي جلف جاف" هذه الثلاثة صفات لقوله رجل فالجلف بكسر الجيم وسكون اللام الأحمق وأصله من الجلف وهي الشاة المسلوخة التي قطع رأسها وقوائمها ويقال للدن أيضاً شبه الأحمق بهما لضعف عقله وجاف مشتق من الجفاء. قال في النهاية: من بدا جفا أي من سكن البادية غلظ طبعه لقلة مخالطة الناس والجفاء. غلظ الطبع انتهى. "مه" هو اسم مبنى على السكون بمعنى أسكت "قال زر" أي ابن حبيش "فما برح" أي فما زال "يحدثني" أي صفوان بن عسال {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} هو طلوع الشمس من مغربها {لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا ... الآية } تمامها {لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ}(9/520)
103 ـ باب
3603 ـ حدثنا إبْرَاهيمُ بنُ يَعْقُوبَ، أخبرنا علِيّ بنُ عَيّاشٍ الْحِمْصِيّ أخبرنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ ثابِتِ بنِ ثَوْبَانَ عَن أبِيهِ عَن مَكْحُولٍ عَن جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ عَن ابنِ عُمَرَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إنّ الله يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ ما لَمْ يُغَرْغِرْ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
3604 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا أبُو عامِرٍ العَقَدِيّ عَن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ ثابِتِ بنِ ثَوْبَانَ عَن أَبِيهِ عَن مَكْحُولٍ عَن جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ عَن ابنِ عُمَرَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم بهذا الإسناد نحْوَهُ بِمَعْنَاهُ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا إبراهيم بن يعقوب" الجوزجاني "أخبرنا علي بن عياش" بفتح المهملة وشدة التحتانية وبالمعجمة "الحمصي" الألهاني بفتح الهمزة وسكون اللام ثقة ثبت من التاسعة. قوله: "إن الله يقبل توبة العبد" ظاهره الإطلاق وقيده بعض الحنفية بالكافر قاله القاري. قلت: الظاهر المعول عليه هو الأول "ما لم يغرغر" من الغرغرة أي ما لم تبلغ الروح إلى الحلقوم يعني ما لم يتيقن بالموت فإن التوبة بعد التيقن بالموت لم يعتد بها لقوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} قيل وأما تفسير ابن عباس حضوره بمعاينة ملك الموت فحكم أغلبي لأن كثيراً من الناس لا يراه وكثيراً يراه قبل الغرغرة. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد وابن ماجة وابن حبان والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان(9/521)
104 ـ باب
3605 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا المُغِيرَةُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَن أَبي الزّنادِ عَن الأَعْرَجِ عَن أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لله أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالَتِهِ إذَا وَجَدَهَا" . وفي البابِ عَن ابنِ مَسْعُودٍ والنّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ وأنَسٍ. قال: وهَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيح غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
ـــــــ
"باب"
قوله: "لله أفرح" بلام التأكيد المفتوحة، وفي حديث ابن مسعود عند مسلم: لله أشد فرحاً. قال النووي: قال العلماء فرح الله تعالى هو رضاه، وقال المازري الفرح ينقسم على وجوه منها السرور والسرور يقارنه الرضا بالمسرور به، قال فالمراد هنا أن الله تعالى يرضى بتوبة عبده أشد مما يرضى واجد ضالته بالفلاة، فعبر عن الرضا بالفرح تأكيداً لمعنى الرضا في نفس السامع ومبالغة في تقريره انتهى. قلت: لا حاجة إلى التأويل، ومذهب السلف في أمثال هذا الحديث إمرارها على ظواهرها من غير تكييف ولا تشبيه ولا تأويل وقد سبق بيانه في باب فضل الصدقة "من أحدكم بضالته" قال في النهاية. الضالة هي الضائعة من كل ما يقتني من الحيوان وغيره، يقال ضل الشيء إذا ضاع وهي في الأصل فاعلة ثم اتسع فيها فصارت من الصفات الغالبة وتقع على الذكر والأنثى والاثنين والجمع. قوله: "وفي الباب عن ابن مسعود والنعمان بن بشير وأنس" أما حديث ابن مسعود وحديث أنس فأخرجهما الشيخان، وأما حديث النعمان بن بشير فأخرجه مسلم. قوله: "وهذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه الشيخان(9/522)
105 ـ باب
3606 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا الّليْثُ عَن مُحمّدِ بنِ قَيْسٍ قَاصّ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيزِ عَن أَبي صِرْمَةَ عَن أَيّوبَ أَنّهُ قالَ حِينَ حَضرَتْهُ الوَفاةُ: "قَدْ كَتَمْتُ عَنْكُمْ شَيْئاً سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَوْلاَ أَنّكُمْ تُذْنِبُونَ لَخَلَقَ الله خَلْقاً يُذْنِبُونَ فَيَغْفِر لَهُمْ" .
هَذا حديثٌ
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن محمد بن قيس قاص عمر بن عبد العزيز" قال في التقريب محمد ابن قيس المدني القاص ثقة من السادسة وحديثه عن الصحابة مرسل "عن أبي صرمة" بكسر الصاد المهملة وسكون الراء الأنصاري "عن أبي أيوب" الأنصاري. قوله: "قد كتمت عنكم شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم" إنما كتمه أولاً مخافة اتكالهم على سعة رحمه الله تعالى وإنهماكهم في المعاصي وإنما حدث به عند وفاته لئلا يكون كاتماً للعلم، وربما لم يكن أحد يحفظه غيره فتعين علته أداؤه "لو لا أنكم تذنبون" أي أيها المؤمنون "لخلق الله خلقاً" أي قوماً آخرين من جنسكم أو من غيركم "يذنبون فيغفر لهم" وفي رواية مسلم لجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم. قال الطيبي: ليس في الحديث تسلية للمنهمكين في الذنوب كما يتوهمه أهل الغرة بالله تعالى فإن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم إنما بعثوا ليردعوا الناس عن غشيان الذنوب بل بيان لعفو الله تعالى وتجاوزه عن المذنبين ليرغبوا في التوبة، والمعنى المراد من الحديث هو أن الله كما أحب أن يعطي المحسنين أحب أن يتجاوز عن المسيئين، وقد دل على ذلك غير واحد من أسمائه الغفار الحليم التواب العفو، أو لم يكن ليجعل العباد شأناً واحداً كالملائكة مجبولين على التنزه من الذنوب بل يخلق(9/523)
حَسَنٌ غَرِيبٌ وقَدْ رُوِيَ هَذَا عَن مُحمّدِ بنِ كَعْبٍ عَن أَبي أَيّوبَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
3607 ـ حدثنا بِذَلِكَ قُتَيْبَةُ، أخبرنا عبْدُ الرّحْمَن بنُ أبي الرجال عَن عُمَرَ مَوْلَى غَفْرَةَ عَن مُحمّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيّ عَن أبي أَيّوبَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
ـــــــ
فيهم من يكون بطبعه ميالاً إلى الهوى متلبساً بما يقتضيه ثم يكلفه التوقي عنه ويحذره عن مداناته ويعرفه التوبة بعد الابتلاء فإن وفي فأجره على الله وإن أخطأ الطريق فالتوبة بين يديه كذا في المرقاة. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد ومسلم.
قوله: "عن عبد الرحمن بن أبي الرجال" بكسر الراء ثم جيم واسمه محمد ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن حارثة بن النعمان الأنصاري المدني نزيل الثغور صدوق ربما أخطأ من الثامنة "عن عمر" بن عبد الله المدني كنيته أبو حفص "مولى غفرة" بضم الغين المعجمة وسكون الفاء ضعيف وكان كثير الإرسال من الخامسة(9/524)
106 ـ باب
3608 ـ حدثنا عبْدُ الله بنُ إسْحَاقَ الجَوْهَرِيّ، أخبرنا أَبُو عاصِمٍ، أخبرنا كثيّر بنُ فَائدٍ، أخبرنا سَعِيدُ بنُ عُبَيْدٍ قالَ: سَمِعْتُ
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري" البصري مستملي أبي عاصم يلقب بدعة بكسر الموحدة وسكون المهملة ثقة حافظ من الحادية عشرة "حدثنا أبو عاصم" اسمه الضحاك النبيل "أخبرنا كثير بن فائد" بالفاء البصري مقبول(9/524)
بَكْرَ بنَ عَبْدِ الله المُزَنِي يَقُولُ: أخبرنا أَنَسُ بنُ مالِكٍ قال سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "قالَ الله تَبَارَكَ وتعَالى: يا ابنَ آدَمَ إِنّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى ما كانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي. يا ابنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَت ذُنُوبُكَ عَنَانَ السّمَاءِ ثُمّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي. يا ابنَ آدَمَ إنّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرْضِ خَطَايَا ثُمّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بي شَيْئاً لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً" . هَذا حديثٌ حسن غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
ـــــــ
من السابعة "أخبرنا سعيد بن عبيد" الهنائي البصري. قوله: "إنك ما دعوتني ورجوتني" ما مصدرية ظرفية أي ما دمت تدعوني وترجوني يعني في مدة دعائك ورجائك "غفرت لك على ما كان فيك" أي من المعاصي وإن تكررت وكثرت "ولا أبالي" أي والحال أني لا أتعظم مغفرتك على وإن كان ذنباً كبيراً أو كثيراً. قال الطيبي: في قوله ولا أبالي معنى لا يسأل عما يفعل "عنان السماء" يفتح العين أي سحابها وقيل ما علا منها أي ظهر لك منها إذا رفعت رأسك إلى السماء. قال الطيبي: العنان السحاب وإضافتها إلى السماء تصوير لارتفاعه وأنه بلغ مبلغ المساء "بقراب الأرض" بضم القاف ويكسر أي بما يقارب ملءها "خطايا" تمييز قراب أي بتقدير تجسمها "لا تشرك بي شيئاً" الجملة حال من الفاعل أو المفعول على حكاية الحال الماضية لعدم الشرك وقت اللقي "بقرابها مغفرة" قال الطيبي: ثم هذه للتراخي في الإخبار وأن عدم الشرك مطلوب أولى ولذلك قال لقيتني وقيد به وإلا لكان يكفي أن يقال خطايا لا تشرك بي. قال القاري: فائدة القيد أن يكون موته على التوحيد. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد والدارمي عن أبي ذر.(9/525)
107 ـ باب
3609 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُحمّدٍ عَن العَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَن أَبِيهِ عَن أبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "خَلَقَ الله مِائَةَ رَحْمَةٍ فَوَضَعَ رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ خَلْقِهِ يَتَرَاحُمونَ بِهَا وَعِنْدَ الله تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ رَحْمَةً" . وفي البابِ عَن سَلْمَانَ وجُنْدُبِ بنِ عَبْدِ الله بنِ سُفْيَانَ البَجَلِيّ. هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "خلق الله" أي يوم خلق السماوات والأرض كما في حديث سلمان عند مسلم. قال القرطبي. يجوز أن يكون معنى خلق اخترع وأوجد ويجوز أن يكون بمعنى قدر وقد ورد خلق بمعنى قدر في لغة العرب فيكون المعنى أن الله أظهر تقديره لذلك يوم أظهر تقديره السماوات والأرض "فوضع رحمة واحدة بين خلقه" أي من جملة المائة، وفي رواية لمسلم: إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها "وعند الله تسعة وتسعون رحمة" وفي رواية لمسلم: وأخر الله تسعاً وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة. قال الطيبي: رحمة الله تعالى لا نهاية لها فلم يرد بما ذكره تحديداً بل تصويراً للتفاوت بين قسط أهل الإيمان منها في الآخرة وقسط كافة المربوبين في الدنيا. قوله: "وفي الباب عن سلمان وجندب بن عبد الله بن سفيان البجلي" أما حديث سلمان فأخرجه مسلم، وأما حديث جندب بن عبد الله فأخرجه أحمد في مسنده. قوله: "وهذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان(9/526)
108 ـ باب
3610 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ مُحمّدٍ عَن العَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرّحمَنِ عَن أَبِيهِ عَن أبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ "لَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ مَا عِنْدَ الله مِنَ العُقُوبَةِ مَا طَمَعَ في الجَنّةِ أحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الكافِرُ مَا عِنْدَ الله مِنَ الرّحْمَةِ مَا قَنَطَ مِنَ الْجَنّةِ أَحَدٌ" هَذا حديثٌ حَسَنٌ لا نَعْرِفُه إِلاّ من حَدِيثِ العَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرّحمَنِ عَن أَبِيهِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "من العقوبة" بيان لما "ما طمع" من باب سمع أي ما رجا "أحد" أي من المؤمنين فضلاً عن الكافرين ولا بعد أن يكون أحد على إطلاقه من إفادة العموم إذ تصور ذلك وحده يوجب اليأس من رحمته، وفيه بيان كثرة عقوبته لئلا يغتر مؤمن بطاعته أو اعتماداً على رحمته فيقع في الأمن {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} "ما قنط" من القنوط هو اليأس من باب نصر وضرب وسمع "أحد" أي من الكافرين. قال الطيبي: الحديث في بيان صفتي القهر والرحمة لله تعالى فكما أن صفات الله تعالى غير متناهية لا يبلغ كنه، معرفتها أحد كذلك عقوبته ورحمته، فلو فرض أن المؤمن وقف على كنه صفته القهارية لظهر منها ما يقنط من ذلك الخواطر فلا يطمع بجنته أحد. وهذا معنى وضع أحد موضع ضمير المؤمن، ويجوز أن يراد بالمؤمن الجنس على سبيل الاستغراق. فالتقدير أحد منهم ويجوز أن يكون المعنى على وجه آخر وهو أن المؤمن قد اختص بأن يطمع بالجنة فإذا انتفي الطمع منه فقد انتفى عن الكل، وورد الحديث في بيان كثرة رحمته وعقوبته كيلا يغتر مؤمن برحمته فيأمن من عذابه ولا ييأس كافر من رحمته ويترك بابه، كذا في المرقاة. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه الشيخان(9/527)
109 ـ باب
3611 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا اللّيْثُ عَن ابنِ عجْلاَنَ عَن أَبِيهِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ عَن رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ الله حينَ خَلَقَ الْخَلْقَ كَتَبَ بِيَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَنّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي" .
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيح.
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن ابن عجلان" اسمه محمد "عن أبيه" هو عجلان المدني مولى فاطمة بنت عتبة لا بأس به من الرابعة. قوله: "إن الله حين خلق الخلق" أي المخلوقات "كتب بيده على نفسه أن رحمتي تغلب غضبي" بفتح الهمزة وتكسر على حكايته مضمون الكتاب، وفي رواية للبخاري في التوحيد: أن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه أن رحمتي سبقت غضبي. قال الجزري قوله: إن رحمتي تغلب غضبي هو إشارة إلى سعة الرحمة وشمولها الخلق كما يقال غلب على فلان الكرم أي هو أكثر خصالة وإلا فرحمة الله وغضبه صفتان راجعتان إلى إرادته للثواب والعقاب. وصفاته لا توصف بغلبة إحداهما الأخرى وإنما وعلى سبيل المجاز للمبالغة انتهى. وقال الطيبي: أي لما خلق الخلق حكم حكماً جازماً ووعد وعداً لازماً. لا خلف فيه بأن رحمتي سبقت غضبي فإن المبالغ في حكمه إذا أراد إحكامه عقد عليه سجلاً وحفظه، ووجه المناسبة بين قضاء الخلق وسبق الرحمة أنهم مخلوقون للعبادة شكراً للنعم الفائضة عليهم. ولا يقدر أحد على أداء حق الشكر وبعضهم يقصرون فيه فسبقت رحمته في حق الشاكر بأن وفي جزاءه وزاد عليه ما لا يدخل تحت الحصر، وفي حق المقصر إذا تاب ورجع بالمغفرة والتجاوز، ومعنى سبقت رحمتي تمثيل لكثرتها وغلبتها على الغضب بفرسي رهان تسابقتا فسبقت إحداهما الأخرى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.(9/528)
3612 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ عبد أَبِي الثَلْجٍ ـ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ أَبُو عَبْدِ الله صَاحِبُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ ـ حَدّثَنَا يُونُسُ بنُ مُحمّدٍ، أخبرنا سَعِيدُ بنُ زَرْبِيّ عَن عَاصِمٍ الأَحْوَلِ وَثَابِتٍ عَن أَنَسٍ قَالَ: "دَخَلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم المَسْجِدَ وَرَجُلٌ قَدْ صَلّى وَهُوَ يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ في دُعَائِهِ: اللّهُمّ لا إلَهَ إِلاّ الله أَنْتَ المَنّانُ، بَدِيع السّمَاوَاتِ والأَرْضِ ذَا الْجَلاَلِ والإِكْرَامِ. فقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: أَتَدْرُونَ بمَا دَعَا الله؟ دَعَا الله باسْمِهِ الأَعْظَمِ الّذِي إِذا دُعِي به أجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى" . هَذا حديثٌ غَرِيب مِنْ حديث ثابت عن أنس وقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ عَن أَنَسٍ.
ـــــــ
قوله: "حدثنا يونس بن محمد" المؤدب "أخبرنا سعيد بن زربي" بفتح الزاي وسكون الراء بعدها موحدة مكسورة الخزاعي البصري العباداني أبو عبيدة أو أبو معاوية منكر الحديث من السابعة. قوله: "اللهم لا إله إلا أنت المنان" قال في النهاية: المنان هو المنعم المعطي من المن العطاء لا من المنة وكثيراً ما يرد المن في كلامهم بمعنى الإحسان إلى من لا يستثيبه ولا يطلب الجزاء عليه فالمنان من أبنية المبالغة كالسفاك والوهاب "ذا الجلال والإكرام" أي ياذا العظمة والكبرياء وذا الإكرام لأوليائه "أتدرون بما دعا الله" أي تعلمون بالاسم الذي دعا الله به هذا الرجل "دعا الله باسمه الأعظم" جملة مستأنفة بيان لما دعا الله به وقد تقدم الكلام في ما يتعلق بالاسم الأعظم في باب جامع الدعوات "الذي إذا دعي به أجاب الخ" تقدم شرحه في الباب المذكور. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم.(9/529)
110 ـ باب
3613 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ، أخبرنا رِبْعِيّ بنُ إِبْرَاهِيمَ عَن عَبْدِ الرّحمَنِ بنِ إِسْحَاقَ عَن سَعيدِ بنِ أَبي سَعِيدٍ الْمَقْبُريّ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "رَغِمَ أنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلّ عَلَيّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ. وَرَغِم أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الكِبَرَ فَلمْ يُدْخِلاَهُ الْجَنّةَ. قَالَ عَبْدُ الرّحمَنِ وَأظُنّهُ قَالَ أوْ أَحَدُهُما" وفي البابِ
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا ربعي" بكسر الراء المهملة وسكون الموحدة وكسر العين المهملة وشدة التحتية "بن إبراهيم" بن مقسم الأسدي أبو الحسن البصري أخو إسماعيل بن عليه وهو أصغر منه ثقة صالح من التاسعة "عن عبد الرحمن بن إسحاق" القرشي المدني. قوله: "رغم أنف رجل" أي لصق أنفه بالتراب كناية عن حصول الذل. قال في النهاية: رغم برغم ورغم يرغم رغماً ورغماً ورغماً وأرغم الله أنفه أي ألصقه بالرغام وهو التراب. هذا هو الأصل ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف والانقياد على كره انتهى وهذا إخبار أو دعاء "ذكرت" بالبناء للمفعول "فلم يصل علي" قال الطيبي: الفاء استبعادية والمعنى: بعيد على العاقل أن يتمكن من إجراء كلمات معدودة على لسانه فيفوز بها فلم يغتنمه فحقيق أن يذله الله، وقيل إنها للتعقيب فتقيد به ذم التراخي عن الصلاة عليه عند ذكره صلى الله عليه وسلم "ثم انسلخ" أي انقضى "قبل أن يغفر له" أي بأن لم يتب أو لم يعظمه بالمبالغة في الطاعة حتى يغفر له "فلم يدخلاه الجنة" لعقوقة وتقصيره في حقهما. والإسناد مجازي فإن المدخل(9/530)
عَن جَابرٍ وَأَنَسٍ. وهَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ ورِبْعِيّ بنُ إبْرَاهيمَ هُوَ أخُو إسْمَاعِيلَ بنِ إبْرَاهيمَ وهُوَ ثِقَةٌ وهُوَ ابنُ عُلَيّةَ. وَيُرْوَى عَن بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ قَالَ إذَا صَلّى الرّجُلُ عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم مَرّةً في المَجْلِسِ أَجْزَأَ عَنْهُ مَا كَانَ في ذَلِكَ المَجْلِسِ.
3614 ـ حدثنا يَحْيَى بنُ موسى: أخبرنا أبُو عَامِرٍ العَقَدِيّ عَن سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ عَن عمَارَةَ بنِ غَزِيّةَ عَن عَبْدِ الله بنِ عَلِيّ بنِ حُسَيْنِ بنِ عَليّ بنِ أَبي طَالِبٍ عَن أَبِيهِ عَن حُسَيْنِ بنِ عَلِيّ بنِ أَبي طَالِبٍ عَن عَلِيّ بنِ أَبي طَالِبٍ قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "البَخِيلُ الّذِي مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلّ عَلَيّ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صحيحٌ.
ـــــــ
حقيقة هو الله يعني لم يخدمهما حتى يدخل بسببهما الجنة. قوله: "وفي الباب عن جابر وأنس" أما حديث جابر يعني ابن سمرة فأخرجه الطبراني بأسانيد أحدها حسن، وأما حديث أنس فأخرجه أحمد والنسائي والطبراني في الأوسط وابن حبان في صحيحه وغيرهم. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه ابن حبان في صحيحه والبزار في مسنده والحاكم في مستدركه وقال صحيح "وهو ابن علية" أي إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية، وعلية اسم أمه "ويروى عن بعض أهل العلم قال: إذا صلى الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم مرة في المجلس أجزأ عنه ما كان في ذلك المجلس" أي ما دام كان في ذلك المجلس.
قوله: "عن عبد الله بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب" مقبول من الخامسة "عن أبيه" هو المعروف بزين العابدين. قوله: "البخيل" أي الكامل في البخل "الذي من" قال الطيبي: الموصول الثاني مقحم بين الموصول الأول(9/531)
ـــــــ
وصلته تأكيداً. كما في قراءة زيد بن علي {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} أي بفتح الميم انتهى. وقيل يمكن أن تكون شرطية والجملة صلة والجزاء فلم يصل على "ذكرت عنده" أي ذكر اسمي بمسمع منه "فلم يصل علي" لأنه بخل على نفسه حيث حرمها صلاة الله عليه عشراً إذا هو صلى واحدة. قاله المناوي. وقال القاري: فمن لم يصل عليه فقد بخل ومنع نفسه من أن يكتال بالمكيال الأوفى فلا يكون أحد أبخل منه كما تدل عليه رواية: البخيل كل البخيل انتهى. قلت: أشار القاري بقوله ومنع نفسه من أن يكتال بالمكيال الأوفى إلى حديث أبي هريرة: من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل اللهم صلى على محمد النبي الأمي الحديث رواه أبو داود. قال الحافظ ابن كثير بعد ذكر حديث علي وحديث أبي هريرة المذكورين فيهما دليل على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر وهو مذهب طائفة من العلماء منهم الطحاوي والحليمي ويتقوى بالحديث الآخر الذي رواه ابن ماجة: حدثنا جبارة بن المغلس حدثنا حماد بن زيد حدثنا عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نسي الصلاة علي أخطأ طريق الجنة" . جبارة ضعيف ولكن رواه إسماعيل القاضي من غير وجه عن أبي جعفر محمد بن على الباقر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نسي الصلاة علي أخطأ طريق الجنة" . وهذا مرسل يتقوى بالذي قبله. وذهب آخرون إلى أنه تجب الصلاة عليه في المجلس مرة واحدة ثم لا تجب في بقية ذلك المجلس بل يستحب. نقله الترمذي عن بعضهم، ويتأيد بالحديث الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة يوم القيامة فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم" انتهى. قوله: "هذا حديث حسن غريب صحيح" وأخرجه أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم عن الحسين بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم.(9/532)
111 ـ باب
3615 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ إبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ، أخبرنا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، أخبرنا أَبي عَن الحَسَنِ بنِ عُبَيْدِ الله عَن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ عَن عَبْدِ الله بنِ أبي أَوْفَى قَالَ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "اللّهُمّ بَرّدْ قَلْبِي بالثّلْجِ والبَرَدِ والمَاءِ البَارِدِ، اللّهُمّ نَقّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقّيْتَ الثّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدّنَسِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن الحسن بن عبيد الله" بن عروة النخعي. قوله: "اللهم برد قلبي" أي اجعله بارداً "والبرد" بفتحتين هو حب الغمام. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه أحمد بنحوه(9/533)
112 ـ باب
3616 ـ حدثنا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، أخبرنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ عَن عَبْدِ الرّحمَنِ بنِ أبي بَكْرٍ القُرَشِيّ الملكي عَن مُوسَى بنِ عُقْبَةَ عَن نَافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ فُتِحَ لَهُ مِنْكُمْ بابُ الدّعاءِ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الرّحْمَةِ ومَا سُئِلَ الله شَيْئاً يعني أحَبّ إلَيهِ
ـــــــ
"باب"
قوله: "من فتح له منكم باب الدعاء" أي بأن وفق لأن يدعو الله كثيراً مع وجود شرائطه وحصول آدابه "فتحت له أبواب الرحمة" يعني أنه يجاب(9/533)
مِنْ أَنْ يُسْأَلَ العَافِيَةَ وَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: إِنّ الدّعاءَ يَنْفَعُ مِمّا نَزَلَ وَمِمّا لَمْ يَنْزِلْ فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ الله بالدّعَاءِ" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرّحمَنِ بنِ أبي بَكْرٍ القُرَشِيّ وهُوَ المَكّيّ المُلَيْكِيّ وهُوَ ضَعِيفٌ في الحَدِيثِ قد تكلم فيه بَعْضُ أهْلِ الحديث مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ وقد رَوَى إسْرَائِيلُ هَذَا الحَدِيثَ عَن عَبْدِ الرحْمَنِ بنِ أَبي بَكْرٍ عَن مُوسَى بنِ عُقْبَةَ عَن نَافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ عَن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ "مَا سُئِلَ الله شَيْئاً أَحَبّ إِلَيْهِ مِنَ العَافِيةِ" .
3617 ـ حدثنا بِذَلِكَ القَاسِمُ بنُ دِينَارٍ الكُوفيّ، أخبرنا إِسحاقُ بنُ مَنْصُورٍ الكُوفيّ عَن إسْرَائِيلَ بهَذَا.
ـــــــ
لمسئوله تارة ويدفع عنه مثله من السوء أخرى كما في بعض الروايات فتحت له أبواب الإجابة، وفي بعضها فتحت له أبواب الجنة "وما سئل الله شيئاً يعني أحب إليه" قال الطيبي: أحب إليه تقييد للمطلق بيعني وفي الحقيقة صفة شيئاً "من أن يسأل العافية" أن مصدرية والمعنى: ما سئل الله سؤالاً أحب إليه من سؤال العافية "إن الدعاء ينفع مما نزل" أي من بلاء نزل بالرفع إن كان معلقاً وبالصبر إن كان محكماً. فيسهل عليه تحمل ما نزل به فيصبره عليه أو يرضيه به حتى لا يكون في نزوله متمنياً خلاف ما كان بل يتلذذ بالبلاء كما يتلذذ أهل الدنيا بالنعماء "ومما لم ينزل" أي بأن يصرفه عنه ويدفعه منه أو يمده قبل النزول بتأييد من يخف معه أعباء ذلك إذا نزل به "فعليكم عباد الله بالدعاء" أي إذا كان هذا شأن الدعاء فالزموا يا عباد الله الدعاء. قوله: "هذا حديث غريب" قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث: رواه الترمذي والحاكم كلاهما من رواية عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي وهو ذاهب الحديث عن موسى بن عقبة عن نافع عنه، وقال الترمذي حديث غريب وقال الحاكم صحيح الإسناد.(9/534)
3618 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا أَبُو النّضْرِ، أخبرنا بَكْرُ بنُ خُنَيْسٍ عَن مُحّمدٍ القُرَشِيّ عَن رَبيعَةَ بنِ يَزِيدَ عَن أَبي إدْرِيسَ الخَوْلاَنِيّ عَن بِلاَلٍ أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ "عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللّيْلِ فإِنّهُ دَأْبُ الصّالِحينَ قَبْلَكُمْ وَإِنّ قِيَامَ اللّيْلِ قُرْبَةٌ إلى الله وَمَنْهَاةٌ عَن الإِثْمِ وتَكْفِيرٌ للسّيّئَاتِ ومَطْرَدَةٌ للدّاءِ عَن الجَسَدِ" . هذَا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ بِلاَلٍ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجهِ ولا يصح مِنْ قِبَلِ إسْنَادِهِ سَمِعْتُ مُحمّدَ بنَ إسْمَاعِيلَ يَقولُ مُحمّدٌ القُرَشِيّ هُوَ
ـــــــ
قوله: "حدثنا إسحاق بن منصور الكوفى" السلولي "عن إسرائيل" بن يونس. قوله: "أخبرنا أبو النضر" اسمه هاشم بن القاسم البغدادي "عن بلال" بن رباح المؤذن وهو ابن حمامة وهي أمه كنيته أبو عبد الله مولى أبي بكر من السابقين الأولين شهد بدراً والمشاهد مات بالشام سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة وقيل سنة عشرين وله بضع وستون سنة. قوله: "عليكم بقيام الليل" أي التهجد فيه "فإنه دأب الصالحين" بسكون الهمزة ويبدل ويحرك أي عادتهم وشأنهم. قال الطيبي: الدأب العادة والشأن وقد يحرك وأصله من دأب في العمل إذا جد وتعب "وإن قيام الليل قربة إلى الله" أي مما يتقرب به إلى الله تعالى: "ومنهاة" مصدر ميمي بمعنى اسم الفاعل أي ناهية "عن الإثم" أي عن ارتكابه قال الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} وقال {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} "وتكفير للسيئات" أي مكفرة للسيئات وساترة لها "ومطردة للداء عن الجسد" أي طارد ومبعد للداء عن البدن. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد والحاكم والبيهقي في السنن الكبرى "وسمعت محمد بن إسماعيل" هو الإمام البخاري "يقول محمد القرشي هو محمد بن سعيد الشامي وهو ابن أبي قيس وهو محمد بن حسان وقد ترك حديثه" قال في التقريب: محمد بن سعيد بن حسان بن قيس الأسدي الشامي المصلوب ويقال له ابن سعيد ابن عبد العزيز أو ابن أبي(9/535)
مُحمّدُ بنُ سَعِيدٍ الشّامِيّ وَهُوَ ابنُ أَبي قَيْسٍ وَهُوَ مُحمّدُ بنُ حَسّانَ وقد تُرِكَ حَدِيثُهُ. وقَد رَوَى هذَا الحَدِيثُ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ عَن رَبِيعَةَ بنِ يَزِيدَ عَن أبي إدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيّ عن أبي أُمَامَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
3619 ـ حدثنا بِذَلِكَ مُحمّدُ بنُ إسْمَاعِيلَ أخبرنا عَبْدُ الله بنُ صَالِحٍ حدثني مُعَاوِيَةَ بنُ صَالِحٍ عَن رَبِيعَةَ بنِ يَزِيدَ عَن أبي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنيّ عَن أَبي أُمَامَةَ عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أنّهُ قالَ: "عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللّيْلِ فإِنّهُ دَأْبُ الصّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلى رَبّكُمْ وَمَكْفَرَةٌ للِسّيّئَاتِ وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ" . وهَذَا أصَحّ مِنْ حَدِيثِ أَبي إدْرِيسَ عَن بِلاَلٍ.
ـــــــ
عتبة أو ابن قيس أو ابن أبي حسان ويقال له ابن الطبري أبو عبد الرحمن وأبو عبد الله أو أبو قيس وقد ينسب لجده وقيل إنهم قلبوا اسمه على مائة وجه ليخفى. كذبوه وقال أحمد بن صالح وضع أربعة آلاف حديث وقال أحمد: قتله المنصور على الزندقة وصلبه من السادسة. قوله: "حدثنا بذلك محمد بن إسماعيل" هو محمد بن إسماعيل الترمذي أو هو الإمام البخاري لم يتعين لي "أخبرنا عبد الله ابن صالح" الجهني "حدثني معاوية بن صالح" الحضرمي قوله: "ومكفرة للسيئات" مصدر ميمي بمعنى اسم الفاعل أي مكفرة للذنوب قوله: "وهذا أصح من حديث أبي إدريس عن بلال" لأن في سند حديث بلال محمد القرشي وقد عرفت حالة. وحديث أبي أمامة هذا أخرجه أيضاً ابن أبي الدنيا في كتاب التهجد وابن خزيمة في صحيحه والحاكم كلهم من رواية عبد الله بن صالح وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري كذا في الترغيب. وفي الباب عن أبي الدرداء عند ابن عساكر وعن سلمان الفارسي عند الطبراني وعن جابر عند ابن السني(9/536)
113 ـ باب
3620 ـ حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ قال حدثني عَبْدُ الرّحْمنِ بنُ مُحمّدٍ المُحَارِبيّ عَن مُحمّدِ بنِ عَمْرٍو عَن أَبي سَلَمَةَ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَعْمَارُ أُمّتِي مَا بَيْنَ السّتّينَ إلى السَبْعِينَ وَأَقَلّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ مِنْ حَدِيثِ مُحمّدِ بنِ عَمْرٍو عَن أبي سَلَمَةَ عَن أَبي هُرَيْرَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وقَدْ رُوِيَ عَن أَبي هُرَيْرَةَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
قوله: "حدثني عبد الرحمن بن محمد" بن زياد المحاربي أبو محمد الكوفي لا بأس به كان يدلس قاله أحمد من التاسعة "عن محمد بن عمرو" بن علقمة بن وقاص الميثي. قوله: "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين" أي نهاية أكثر أعمار أمتي غالباً ما بينهما "وأقلهم من يجوز ذلك" أي يتجاوز السبعين فيصل إلى المائة فما فوقها قال القاري: وأكثر ما اطلعنا على طول العمر في هذه الأمة من المعمرين في الصحابة والأئمة سن أنس بن مالك فإنه مات وله من العمر مائة وثلاث سنين وأسماء بنت أبي بكر ماتت ولها مائة سنة، ولم يقع لها سن ولم ينكر في عقلها شيء وأزيد منهما عمر حسان بن ثابت مات وله مائة وعشرون سنة عاش منها ستين في الجاهلية وستين في الإسلام، وأكثر منه عمراً سلمان الفارسي فقيل عاش مائتين وخمسين سنة وقيل ثلثمائة وخمسين سنة والأول أصح. قوله: "هذا حديث غريب حسن" وأخرجه ابن ماجة "وقد روي عن أبي هريرة من غير هذا الوجه" أخرجه الترمذي في باب أعمار هذه الأمة من أبواب الزهد.(9/537)
114 ـ باب
3621 ـ حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أبُو دَاوُدَ الْحَفْرِيّ عَن سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عَن عَمْرِو بنِ مُرّةَ عَن عَبْدِ الله بنِ الحَارِثِ عَن طُلَيْقِ بنِ قَيْسٍ عَن ابنِ عَبّاسٍ قالَ: "كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو يَقُولُ: رَبّ أَعِنّي وَلاَ تُعِنْ عَلَيّ، وانْصُرْني وَلاَ تَنْصُرْ عَلَيّ وَامْكُرْ لِي ولاَ تَمْكُرْ عَلَيّ، وَاهْدِنِي وَيَسّرْ الْهُدَى لِي، وَانْصُرْني عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيّ. رَبّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكّاراً، لَكَ ذَكّاراً، لَكَ رَهّاباً، لَكَ مِطْوَاعاً، لَكَ مُخْبِتاً، إِلَيْكَ أَوّاهاً مُنِيباً. رَبّ تَقَبّلْ تَوْبَتِي،
ـــــــ
قوله: "عن عمر بن مرة" الجملي المرادي "عن عبد الله بن الحارث" الزبيدي المكتب "عن طليق" بالتصغير بن قيس الحنفي الكوفي ثقة من الثالثة. قوله: "يقول" بدل من يدعو أو حال "رب أعنى" أي على أعدائي في الدين والدنيا من النفس والشيطان والجن والإنس "وامكر لي ولا تمكر علي" قال الطيبي: المكر الخداع وهو من الله إيقاع بلائه بأعدائه من حيث لا يشعرون، وقيل هو استدراج العبد بالطاعة فيتوهم أنها مقبولة وهي مردودة، وقال ابن الملك المكر الحيلة والفكر في دفع عدو بحيث لا يشعر به العدو، فالمعنى: "اللهم اهدني إلى طريق دفع أعدائي عني ولا تهد عدوي إلى طريق دفعه إياه عن نفسه" كذا في المرقاة "واهدني" أي دلني على الخيرات "ويسر لي الهدي" أي وسهل اتباع الهداية أو طرق الدلالة حتى لا أستثقل الطاعة ولا أشتغل عن الطاعة "وانصرني على من بغا علي" أي ظلمني وتعدى علي "رب اجعلني لك شكاراً" أي كثير الشكر على النعماء والآلاء وتقديم الجار والمجرور للاهتمام والاختصاص أو(9/538)
وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبّتْ حُجّتِي، وَسَدّدْ لِسَانِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ صَدْرِي" .
قالَ مَحْمودُ بنُ غَيْلاَنَ وحَدّثَنا مُحمّدُ بنُ بِشْرٍ العَبْدِيّ عَن سُفْيَانَ الثّوْرِيّ بهذا الإسناد نَحْوَهُ. هذا حديث حسن صحيح.
ـــــــ
لتحقيق مقام الاخلاص "لك ذكاراً" أي كثير الذكر "لك رهاباً" أي كثير الخوف "لك مطواعاً" بكسر الميم مفعال للمبالغة أي كثير الطوع وهو الانقياد والطاعة "لك مخبتاً" أي خاضعاً خاشعاً متواضعاً من الإخبات قال في القاموس: أخبت خشع "إليك أواهاً" أي متضرعاً فعال للمبالغة من أوه تأويها وتاوه تأوهاً إذا قال أوه أي قائلاً كثيراً لفظ أوه وهو صوت الحزين. أي اجعلني حزيناً ومتفجعاً على التفريط أو هو قول النادم من معصيته المقصر في طاعته وقيل الأواه البكاء "منيباً" أي راجعاً قيل التوبة رجوع من المعصية إلى الطاعة والإنابة من الغفلة إلى الذكر والفكرة والأوبة من الغيبة إلى الحضور والمشاهدة قال الطيبي: وإنما اكتفى في قوله أواهاً منيباً بصلة واحدة لكون الإنابة لازمة للتأوه ورديفاً له فكأنه شيء واحد ومن قوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} "رب تقبل توبتي" أي بجعلها صحيحة بشرائطها واستجماع آدابها فإنها لا تتخلف عن حيز القبول قال الله تعالى {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} . "واغسل حوبتي" بفتح الحاء ويضم أي امح ذنبي "وأجب دعوتي" أي دعاني "وثبت حجتي" أي على أعدائك في الدنيا والعقبي وثبت قولي وتصديقي في الدنيا وعند جواب الملكين "وسدد لساني" أي صوبه وقومه حتى لا ينطق إلا بالصدق ولا يتكلم إلا بالحق "واهد قلبي" أي إلى الصراط المستقيم "واسلل" بضم اللام الأولى أي أخرج من سل السيف إذا أخرجه من الغمد "سخيمة صدري" أي غشه وغله وحقده. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وابن أبي شيبة.(9/539)
115 ـ باب
3622 ـ حدثنا هَنّادٌ، أخبرنا أَبُو الأَحْوَصِ عَن أبي حَمْزَةَ عَن إِبْرَاهِيمَ عَن الأَسْوَدِ عَن عَائِشَةَ قالَتْ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَقَدِ انْتَصَرَ" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ أَبي حَمْزَةَ وَقَدْ تَكَلّمَ بَعْض أَهْلِ العِلْمِ في أَبي حَمْزَةَ من قبل حفظه وَهُوَ مَيْمُون الأَعْوَرُ.
3623 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرّحمنِ الرّؤَاسِي عَن أبي الأَحْوَصِ عَن أبي حَمْزَةَ بهَذَا الإسْنَادِ نَحْوَهُ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا أبو الأحوص" اسمه سلام بن سليم "عن أبي حمزة" الأعور القصاب اسمه ميمون قوله: "من دعا على من ظلمه فقد انتصر" أي انتقم منه. قال المناوي: أي أخذ من عرض الظالم فنقص من إثمه ثواب المظلوم بحسبه. قوله: "هذا حديث غريب" في سنده أبو حمزة الأعور وهو ضعيف.(9/540)
116 ـ باب
3624 ـ حدثنا مُوسَى بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الكِنْدِيّ الكُوفِيّ أخبرنا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ قالَ وَأَخْبَرَنِي سُفْيَانُ الثّوْرِيّ عَن مُحمّدِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أبي ليلى عَن الشّعْبِيّ عَن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أَبي لَيْلَى عَن أَبي
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا زيد بن حباب" أبو الحسين العكلي "عن محمد بن عبد الرحمن"(9/540)
أَيُوبَ الأَنْصَارِيّ قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قالَ عَشْرَ مَرّاتٍ لاَ إلَهَ إِلاّ الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يحي ويميت وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. كَانَتْ لَهُ عِدْلُ أَرْبَعِ رِقَابٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ" . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَن أَبي أَيّوبَ مَوْقُوفاً.
ـــــــ
لسفيان الثوري عدة شيوخ أسماؤهم محمد بن عبد الرحمن ولم يتعين لي أن محمد بن عبد الرحمن هذا من هو. قوله: "كانت له عدل أربع رقاب" قال في النهاية: العدل والعدل بالكسر والفتح وهما بمعنى المثل وقيل هو بالفتح ما عاد له من جنسه وبالكسر ما ليس من جنسه وقيل بالعكس "من ولد إسماعيل" بفتح الواو واللام وبضم الأول وسكون الثاني خصص بني إسماعيل لشرفهم وإنافتهم على غيرهم من العرب والعرب أفضل الأمم ولقربهم منه عليه السلام ومزيد اهتمامه بهم، ويستفاد منه جواز استرقاق العرب خلافاً لمن منع ذلك. وحديث أبي أيوب هذا أخرجه الشيخان أيضاً(9/541)
117 ـ باب
3625 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا عبْدُ الصّمَدِ بن عَبْدِ الْوَارِثِ أخبرنا هَاشِمٌ وهُوَ ابنُ سَعِيدٍ الكُوفِيّ، حدّثَنَا كِنَانَةُ مَوْلى صَفِيّةَ قالَ: سَمِعْتُ صَفِيّةَ تَقُولُ: "دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ يَدَيّ أرْبَعَةُ آلاَفِ نَوَاةٍ أُسَبّحُ بِهَا. قالَ: "لَقَدْ سَبّحْتِ بِهَذِهِ
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا كنانة" بكسر الكاف وخفة النون الأولى "مولى صفية" يقال اسم أبيه نبيه مقبول ضعفه الأزدي بلا حجة من الثالثة "قال سمعت صفية" بنت حي بن أخطب الإسرائيلية أم المؤمنين تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم(9/541)
ألاَ أُعلّمُكِ بأَكْثَرَ مِمّا سَبّحْتِ بِهِ؟ فَقُلْتُ بَلَى عَلّمْنِي، فقَالَ: قُولِي سُبْحَانَ الله عَدَدَ خَلْقِهِ" . هَذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ صَفِيّةَ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ هَاشِمِ بنِ سَعِيدٍ الكُوفيّ وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بمَعْرُوفٍ. وفي البابِ عَن ابنِ عَبّاسٍ.
3626 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ عَن شُعْبَةَ عَن مُحمّدِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ قالَ سَمِعْتُ كُرَيْباً يُحَدّثُ عَن ابنِ عَبّاسٍ عَن جُوَيْرِيّةَ بِنْتِ الحارِثِ: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم مَرّ عَلَيْهَا وَهِيَ في مَسْجِدِهَا، ثُمّ مَرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بِهَا قَرِيباً مِنْ نِصْفِ النَهارِ فقالَ لَهَا مَا زِلْتِ عَلَى حَالِكِ؟ قالَتْ نَعَمْ، فقَالَ: ألاَ أُعَلّمُكِ
ـــــــ
بعد خيبر ماتت سنة ست وثلاثين وقيل في ولاية معاوية وهو الصحيح. قوله: "وبين يدي" أي قدامى والواو للحال "أربعة آلاف نواة" بفتح النون وهي عظم التمر "لقد سبحت بهذه" أي بهذه النواة "عدد خلقه" منصوب صفة مصدر محذوف تقديره أسبحه تسبيحاً عدد خلقه. قال القاري هذا الحديث أصل صحيح لتجويز السبحة بتقريره صلى الله عليه وسلم فإنه في معناها إذ لا فرق بين المنظومة والمنثورة فيما بعد به. ولا يعتد بقول من عدها بدعة انتهى. قلت: تقدم الكلام في هذه المسألة في باب عقد التسبيح باليد. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه الحاكم. قوله: "وليس إسناده بمعروف" تفرد به هاشم بن سعيد وهو ضعيف. قوله: "وفي الباب عن ابن عباس" أخرج حديثه أبو داود.
قوله: "عن محمد بن عبد الرحمن" بن عبيد القرشي التيمي "عن جويرية" بالتصغير "بنت الحارث" بن أبي ضرار الخزاعية من بني المصطلق أم المؤمنين كان اسمها برة فغيرها النبي صلى الله عليه وسلم وسباها في غزوة المريسيع(9/542)
كَلِمَاتٍ تَقولِينَها: سُبْحَان الله عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ الله عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ الله عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ الله رِضَي نَفْسِهِ، سُبحَانَ الله رَضَي نَفْسِهِ، سُبحَانَ الله رِضَي نَفْسِهِ، سُبحَانَ الله زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ الله زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ الله زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبحَانَ الله مِدَادَ كَلِمَاتِهِ، سُبحَانَ الله مِدَادَ كَلِمَاتِهِ، سُبحَانَ الله مِدَادَ كَلِمَاتِهِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وَمُحمّدُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ هُوَ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ وَهُوَ شَيْخٌ مَدينِيّ ثِقَةٌ وقَدْ رَوَى عَنْهُ المَسْعُودِيّ وسفيان الثّوْرِيّ هَذَا الْحَدِيثَ.
ـــــــ
ثم تزوجها وماتت سنة خمسين على الصحيح. قوله: "وهي في مسجدها" بفتح الجيم وبكسر أي موضع سجودها للصلاة "ما زلت" بكسر التاء "على حالك" أي على الحال التي فارقتك عليها "عدد خلقه" منصوب على نزع الخافض أي بعدد كل واحد من مخلوقاته. وقال السيوطي نصب على الظرف أي قدر عدد خلقه "سبحان الله رضي نفسه" أي أسبحه قدر ما يرضاه "سبحان الله زنة عرشه" أي أسبحه بمقدار وزن عرشه ولا يعلم وزنه إلا الله تبارك وتعالى "سبحان الله مداد كلماته" بكسر الميم أي مثل عددها وقيل قدر ما يوازيها في الكثرة عيار كيل أو وزن أو عدد أو ما أشبهه من وجوه الحصر والتقدير، وهذا تمثيل يراد به التقريب لأن الكلام لا يدخل في الكيل والوزن وإنما يدخل في العدد، والمداد مصدر كالمدد يقال مددت الشيء مداً ومداداً وهو ما يكثر به ويزاد كذا في النهاية. والحديث دليل على فضل هذه الكلمات وأن قائلها يدرك فضيلة تكرار القول بالعدد المذكور ولا يتجه أن يقال إن مشقة من قال هكذا أخف من مشقة من كرر لفظ الذكر حتى يبلغ إلى مثل ذلك العدد فإن هذا باب منحه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعباد الله وأرشدهم ودلهم عليه(9/543)
ـــــــ
تخفيفاً لهم وتكثيراً لأجورهم من دون تعب ولا نصب فلله الحمد. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة.(9/544)
118 ـ باب
3627 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا ابنُ أَبي عَدِيّ قَالَ أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بنُ مَيْمُونٍ صَاحِبُ الأَنْمَاطِ عَن أبي عُثْمَانَ النّهْدِيّ عَن سَلْمَانَ الفَارِسِيّ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّ الله حَيِيّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إذَا رَفَعَ الرّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدّهُمَا صِفْراً خَائِبَتَيْنِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. ورواه بَعْضُهُمْ ولَمْ يَرْفَعْهُ.
3628 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا صَفْوَانُ بنُ عِيسَى أخبرنا مُحمّدُ بنُ عَجْلاَنَ عَن القَعْقَاعِ عَن أبي صالحٍ عَن أبي هُرَيْرَةَ
ـــــــ
"باب"
قوله: "إن الله حي" فعيل من الحياء أي كثير الحياء ووصفه تعالى بالحياء يحمل على ما يليق له كسائر صفاته نؤمن بها ولا نكيفها "كريم" هو الذي يعطي من غير سؤال فكيف بعده "صفراً" بكسر الصاد المهملة وسكون الفاء أي خاليتين، قال الطيبي يستوي فيه المذكر والمؤنث والتثنية والجمع "خائبتين" من الخيبة وهو الحرمان. وفي الحديث دلالة على استحباب رفع اليدين في الدعاء والأحاديث فيه كثيرة، وأما حديث أنس لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء فالمراد به المبالغة في الرفع. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو داود وابن ماجة والبيهقي في الدعوات الكبير وصححه الحاكم.(9/544)
"أَنّ رَجُلاً كانَ يَدْعُو بإِصْبَعَيْهِ فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَحّدْ أَحّدْ" . هذا حديث حسن غريب. ومعنى هَذَا الحَدِيثِ إذَا أشَارَ الرّجُلُ بِإِصْبَعَيْهِ في الدّعَاءِ عِنْدَ الشّهَادَةِ فَلاَ يُشِيرُ إلاّ بأَصْبُعٍ وَاحِدَةٍ.
ـــــــ
قوله "عن القعقاع" بن حكيم. قوله "كان يدعو" أى يشير "بأصبعيه" الظاهر أنهما الممبحتان "أحد أحد" كرر للتأكيد في التوحيد أى أشر بأصبع واحدة لأن الذي تدعوه واحد سبحانه، وأصله واحد أمر مخاطب من التوحيد وهو القول بأن الله واحد قلبت الواو همزة. قوله "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه النسائي والبيهقي في الدعوات الكبير.(9/545)
المجلد العاشر
أحاديث شتى من أبواب الدعوات
أحاديث شتى من أبواب الدعوات
...
أحاديث شتى
مِنْ أَبْوَابِ الدّعَوَات
3629 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيّ، حدثنا زهَيْرٌ وَهُوَ ابنُ مُحمّدٍ عَن عَبْدِ الله بنِ مُحمّدِ بنِ عقيْلٍ أَنّ مُعَاذَ بنَ رِفَاعَةَ أخْبَرَهُ عَن أبِيهِ قالَ: "قَامَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ عَلَى المِنْبَرِ ثُمّ بَكَى فقَالَ: قامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَامَ الأوّلِ عَلَى المنْبَر ثُمّ بَكَى فقَالَ: " سَلُوا الله العَفْوَ والعَافِيَةَ فإِنّ أَحَداً لَمْ يُعْطَ بعد اليَقِين
ـــــــ
"أحاديث شتى"
من أبواب الدعوات
أي أحاديث متفرقة منها. قال في مختار الصحاح أمر شت بالفتح أي متفرق تقول شت الأمر يشت بالكسر شتاً وشتاتاً بفتح الشين فيهما أي تفرق وقوم شتى وأشياء شتى وجاؤا أشتاتاً أي متفرقين وأحدهم شت بالفتح.
قوله: "عن أبيه" أي رفاعة بن رافع بن مالك الأنصاري قوله: "عام الأول" أي من الهجرة "ثم بكى" قيل إنما بكى لأنه علم وقوع أمته في الفتن وغلبته الشهوة والحرص على جمع المال وتحصيل الجاه فأمرهم بطلب العفو والعافية ليعصمهم من الفتن "سلوا الله العفو" أي عن الذنوب. قال في النهاية العفو معناه التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه أصله المحو والطمس "والعافية" قال القاري: معناه السلامة في الدين من الفتنة وفي البدن من سيء الأسقام وشدة المحنة انتهى. قلت: لا حاجة إلى زيادة لفظ سيء. قال في النهاية: العافية أن تسلم من الأسقام(10/3)
خَيْراً مِنَ الْعَافِيَةِ".
وهَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ عَن أَبي بَكْرٍ.
ـــــــ
والبلايا وهي الصحة وضد المرض انتهى "بعد اليقين" أي الإيمان "خيراً من العافية" قال الطيبي وهي السلامة من الآفات فيندرج فيها العفو انتهى، يعني ولعموم معنى العافية الشاملة للعفو اكتفى بذكرها عنه والتنصيص عليه سابقاً للإيماء إلى أنه أهم أنواعها. قوله: "وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه" وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه.(10/4)
1 ـ باب
3630ـ حَدّثَنَا حُسَيْنُ بنُ يَزِيدَ الكُوفِيّ أخبرنا أبُو يَحْيى الْحِمّانيّ أخبرنا عُثْمانُ بنُ وَاقِدٍ عَن أبي نُضَيْرةَ عَن مَوْلًى لأبي بَكْرٍ عَنْ أبي بَكْرٍ قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا أَصَرّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَلَوْ فَعَلَهُ في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرّةً" . وهَذا حديثٌ غريبٌ إنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبي نُضَيْرَةَ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بالْقَوِيّ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا حسين بن يزيد الكوفي" الطحان "حدثنا أبو يحيى الحماني" بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم اسمه عبد الحميد بن عبد الرحمن "أخبرنا عثمان بن واقد" بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر العمري المدني نزيل البصرة صدوق ربما وهم من السابعة "عن أبي نصيرة" بالتصغير الواسطي اسمه مسلم بن عبيد ثقة من الخامسة "عن مولى لأبي بكر" يقال هو أبو رجاء مجهول من الثانية. قوله: "ما أصر من استغفر" كلمة ما نافية يعني من عمل معصية ثم استغفر وندم على ذلك خرج عن كونه مصراً على المعصية لأن المصر هو(10/4)
3631ـ حدثنا يَحْيَى بنُ مُوسَى وَسُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ ـ المَعْنَى وَاحِدٌ ـ قالاَ: أخبرنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ أخبرنا الأَصْبَغُ بنُ زَيْدٍ أخبرنا أَبو العَلاَءِ عَن أبي أُمَامَةَ قالَ: لَبِسَ عُمَرُ بنُ الْخَطّابِ ثَوْباً جَدِيداً فقالَ الحَمْدُ لله الّذي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي، وَأَتَجَمّلُ بِهِ في حيَاتِي، ثُمّ قالَ سَمِعْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ لَبِسَ ثَوْباً جَدِيداً فقالَ الْحَمْدُ لله الّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي وَأَتَجَمّلُ بِهِ في حَياتِي، ثُمّ عَمَدَ إِلى الثّوْبِ الّذِي أخْلَقَ فَتَصَدّقَ بِهِ كانَ في كَنَفِ الله وفي حِفْظِ الله وفي سِتْرِ الله حَيّا ومَيّتاً".
هَذا حديثٌ
ـــــــ
الذي لم يستغفر ولم يندم على الذنب والإصرار على الذنب إكثاره كذا في المفاتيح "ولو فعله في اليوم سبعين مرة" وفي رواية أبي داود وإن عاد في اليوم سبعين مرة، قيل ظاهره التكثير والتكرير. قال المناوي في شرح هذا الحديث: أي ما أقام على الذنب من تاب توبة صحيحة وإن عاد في اليوم سبعين مرة فإن رحمة الله لا نهاية لها فذنوب العالم كلها متلاشية عند عفوه. قوله: "وهذا حديث غريب" وأخرجه أبو داود "وليس إسناده بالقوي" لجهالة مولى أبي بكر ولين حسين بن يزيد.
قوله: "حدثنا يحيى بن موسى" البلخي "أخبرنا الأصبغ بن زيد" بن علي الجهني الوراق أبو عبد الله الواسطي كاتب المصاحف صدوق يغرب من السادسة "أخبرنا أبو العلاء" الشامي مجهول من الخامسة "عن أبي أمامة" الباهلي. قوله: "لبس" من باب سمع "ما أواري به" أي أستر به "عورتي" العورة سوءة الإنسان كل ما يستحي منه "وأتجمل" أي أتزين "ثم عمد" بفتح الميم ويكسر أي قصد "إلى الثوب الذي أخلق" أي صار بالياً أو صيره بالياً "كان في كنف الله" بفتح الكاف والنون أي في حرزه وستره وهو في الأصل الجانب والظل والناحية على ما في القاموس "وفي حفظ الله وفي ستر(10/5)
غَرِيبٌ. وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيى بنُ أبي أيّوبَ عَن عُبَيْدِ الله بنِ زحر عَن عَلِيّ بنِ يَزِيدَ عن القَاسِمِ عن أبي أُمَامَةَ.
3632 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ أخبرنا عَبْدُ الله بنُ نَافِعِ الصّايغُ قِرَاءَة عَلَيْهِ عَن حَمّادِ بنِ أبي حُمَيْدٍ عَن زيْدِ بنِ أسلَمَ عَن أبِيهِ عَن عُمَرَ بنِ الْخطّابِ: "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْثاً قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا غَنَائِمَ كَثِيرةً وَأَسْرَعُوا الرّجْعَةَ فقالَ رَجُلٌ مِمّنْ لَمْ يَخْرُجْ: ما رَأَيْنَا بَعْثاً أَسْرَعَ رَجْعَةً وَلاَ أَفْضَلَ غَنِيمَةً مِنْ هَذَا الْبَعْثِ، فقالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ أَدُلّكُمْ علَى قَوْمٍ أفْضَلَ غَنِيمَةً وَأَسْرَعَ رَجْعَةً؟ قَوْمٌ شَهِدُوا صَلاَةَ الصّبْحِ ثُمّ جَلَسُوا يَذْكُرُونَ الله حتى
ـــــــ
الله" تأكيد ومبالغة، وفي الصحاح الستر بالكسر واحد الستور وبالفتح مصدر ستر "حياً وميتاً" أي في الدنيا والاَخرة. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد وابن ماجه وابن أبي شيبة والحاكم وصححه. قوله: "وقد رواه يحيى بن أيوب" الغافقي "عن عبيد الله بن زحر" الضمري "عن علي بن يزيد" الألهاني الدمشقي "عن القاسم" بن عبد الرحمن الدمشقي كنيته أبو عبد الرحمن.
قوله: "حدثنا أحمد بن الحسن" بن جنيدب الترمذي "عن أبيه" هو أسلم العدوي. قوله: "بعث" أي أرسل "بعثاً" أي جماعة، قال الطيبي: البعث بمعنى السرية من باب تسمية المفعول بالمصدر "قبل نجد" بكسر القاف وفتح الموحدة أي إلى جهته "وأسرعوا الرجعة" أي إلى المدينة "فقال رجل ممن لم يخرج" بطريق الغبطة على وجه التعجب "ولا أفضل" أي أكثر أو أنفس "ألا أدلكم على قوم أفضل غنيمة" أي لبقاء هذه ودوامها وفناء تلك وسرعة انقضائها "قوم" أي هم قوم "شهدوا صلاة الصبح" أي حضروا جماعتها(10/6)
طَلَعَتِ الشّمْسُ فَأُولَئِكَ أسْرَعُ رَجْعَةً وَأَفْضَلُ غَنِيمَةً".
هَذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَحَمّادُ بنُ أبي حُمَيْدٍ هُوَ مُحمّدُ بنُ أبي حُمَيْدٍ وَهُوَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الأَنْصَارِيّ المَدنِيّ وَهُوَ ضَعيفٌ في الْحَدِيثِ.
3633 ـ حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ أخبرنا أَبِي عَن سُفْيَانَ عَن عَاصِمِ بنِ عُبَيْدِ الله عَن سَالمٍ عَن ابنِ عُمَرَ عَن عمَرَ "أَنّهُ اسْتَأْذَنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم في العُمْرَةِ فقالَ "أَيْ أُخَيّ أشْرِكْنَا في دُعَائِكَ وَلاَ تَنْسَنَا".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
"فأولئك أسرع رجعة" أي إلى أهلهم ومعايشهم لانتهاء عملهم الموعود عليه بذلك الثواب العظيم بعد مضي نحو ساعة زمانية وأهل الجهاد لا ينتهي عملهم غالباً إلا بعد أيام كثيرة. قوله: "هذا حديث غريب" قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث وعزوه للترمذي ورواه البزار وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة بنحوه وذكر البزار فيه أن القائل "ما رأينا" هو أبو بكر رضي الله عنه. وقال في آخره: فقال النبي صلى الله عليه وسلم "يا أبا بكر ألا أدلك على ما هو أسرع إياباً وأفضل مغنماً من صلى الغداة في جماعة ثم ذكر الله حتى تطلع الشمس" انتهى "وحماد بن أبي حميد هو محمد بن أبي حميد وهو أبو إبراهيم الأنصاري" اسمه محمد وحماد لقبه وأبو إبراهيم كنيته "وهو ضعيف في الحديث" أي ضعيف عند أهل الحديث أو ضعيف في حديثه، وقال البخاري فيه إنه منكر الحديث، وفي ميزان الاعتدال في ترجمة أبان بن جبلة نقل ابن القطان أن البخاري قال كل من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه.
قوله: "أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة" وفي رواية أبي داود: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم فأذن لي "فقال" أي النبي صلى الله عليه(10/7)
3634 ـ حَدّثَنَا عبدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَخبرنا يَحْيى بن حَسّانَ أخبرنا أبُو مُعَاوِيَةَ عَن عَبْدِ الرّحمنِ بنِ إسْحَاقَ عن سَيّارٍ عَن أبِي وَائِلٍ عَن عَلِيّ "أَنّ مُكَاتِباً جاءَهُ فقالَ إنّي قَدْ عَجْزِتُ عنْ كِتَابَتِي فَأَعِنّي، قالَ أَلاَ أُعَلّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلّمَنِيهِنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْناً أَدّاهُ الله عَنْكَ. قالَ قُلْ "اللّهُمّ اكْفِني بِحَلاَلِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَاغْنِني بِفَضْلِكَ عن سِوَاكَ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
وسلم "أي أخي" بالتصغير وهو تصغير تعطف وتلطف لا تحقير "أشركنا" يحتمل نون العظمة وأن يريد نحن وأتباعنا "في دعائك" فيه إظهار الخضوع والمسكنة في مقام العبودية بالتماس الدعاء ممن عرف له الهداية وحث للأمة على الرغبة في دعاء الصالحين وأهل العبادة وتنبيه لهم على أن لا يخصوا أنفسهم بالدعاء ولا يشاركوا فيه أقاربهم وأحباءهم لا سيما في مظان الإجابة وتفخيم لشأن عمر وإرشاد إلى ما يحمي دعاءه من الرد "ولا تنسنا"1 تأكيد أو أراد به في سائر أحواله. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود وزاد بعد قوله: ولا تنسنا فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا.
قوله: "عن عبد الرحمن بن إسحاق" الواسطي الكوفي المكنى بأبي شيبة "عن سيار" العنزي أبي الحكم "عن أبي وائل" اسمه شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي. قوله: "أن مكاتباً" أي لغيره وهو عبد علق سيده عتقه على إعطائه كذا من المال "إني قد عجزت عن كتابتي" الكتابة المال الذي كاتب به السيد عبده يعني بلغ وقت أداء مال الكتابة وليس لي مال "فأعني" أي بالمال أو بالدعاء بسعة المال "قال ألا أعلمك كلمات" قال الطيبي طلب المكاتب المال فعلمه الدعاء إما لأنه لم يكن عنده من المال ليعينه فرده أحسن رد عملاً بقوله تعالى {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ} أو أرشده إشارة إلى أن الأولى والأصلح له أن يستعين بالله لأدائها ولا يتكل على الغير، وينصر هذا الوجه قوله "
ـــــــ
1 أي فقال النبي صلى الله عليه عليه وسلمكلمة وهي أشركنا أو يا أخي أو لاتنسنا أو غير ما ذكر ولم يذكره توقيا عن التفاخر أو نحوه من آفات النفوس ما يسرني أن لي بها الدنيا أي لا يعجبني ولا يفرحني كون جميع الدنيا لي بدلها.(10/8)
واغنني بفضلك عمن سواك" "لو كان عليك مثل جبل صير ديناً" بكسر الصاد المهملة وسكون التحتية وهو جبل لطيء ويروى صبير بفتح الصاد المهملة وكسر الموحدة وسكون التحتية كذا في النهاية "اللهم اكفني" بهمزة وصل تثبت في الابتداء مكسورة وتسقط في الدرج. وفي بعض النسخ: اكففني من الكف "بحلالك عن حرامك" أي متجاوزاً أو مستغنياً منه. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه البيهقي في الدعوات الكبير والحاكم وقال صحيح.(10/9)
2- باب في دُعاء المريض
3635 ـ حَدّثَنا مُحمّدُ بنُ المُثَنّى حدثنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ أخبرنا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بنِ مُرّةَ عن عَبْدِ الله بنِ
سَلَمَةَ عَن عَلِيّ قالَ: "كُنْتُ شَاكِياً فَمرّ بِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أقُولُ اللّهُمّ إنْ كَانَ أَجَلِي قَدْ حَضَرَ فَأَرِحْنِي، وإنْ كانَ مُتَأَخّراً فارْفَعْنِي، وإنْ كَانَ بَلاَءً فَصَبّرْنِي، فقَالَ رَسُولُ الله صلى الله
ـــــــ
"باب في دعاء المريض"
قوله: "كنت شاكياً" أي مريضاً "وأنا أقول" جملة حالية "إن كان أجلي" أي انتهاء عمري "قد حضر" أي وقته "فأرحني" أي بالموت من الإراحة وهي إعطاء الراحة بنوع إزاحة للبلية "وإن كان" أي أجلي "فارفغني" من الإرفاغ أي وسع لي عيشي. قال في النهاية وفي حديث علي رضي الله عنه أرفغ لكم المعاش أي أوسع عليكم وعيش رافغ أي واسع "وإن كان" أي مرضي "بلاء" أي امتحاناً "فصبرني" بتشديد الموحدة المكسورة أي(10/9)
عليه وسلم "كَيْفَ قُلْتَ؟" قالَ: فأَعادَ عَلَيْهِ ما قالَ، قالَ: فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ وَقالَ "اللّهُمّ عَافِهِ أَوِ اشْفِهِ" ـ شُعْبَةُ الشّاكّ ـ قالَ فَمَا اشْتَكَيْتُ وَجَعِي بَعْدُ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3636 ـ حدّثَنا سُفْيانُ بنُ وكِيعٍ حدثنا يَحْيى بنُ آدَمَ عَن إِسْرَائِيلَ عن أبي إسْحَاقَ عن الحارِثِ عَن عَلِيّ قالَ: "كانَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذَا عَادَ مَرِيضاً قالَ: "اللهمّ أَذْهِبِ البَأسَ رَبّ النّاسِ، وَاشْفِ أنْتَ الشّافِي لاَ شِفَاءَ إِلاّ شِفَاؤُكَ شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَماً". هَذا حديثٌ حَسَنٌ.
ـــــــ
اعطني الصبر عليه ولا تجعلني من أهل الجزع لديه "قال" أي عبد الله بن سلمة "فأعاد" أي علي "عليه" أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما قال" أي أولاً "فضربه برجله" أي ليتنبه عن غفلة أمره وينتهي عن شكاية حاله وتتصل إليه بركة قدمه "قال" أي علي "فما اشتكيت وجعي" أي هذا "بعد" أي بعد دعائه صلى الله عليه وسلم. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه وابن حبان في صحيحه.
قوله: "أذهب الباس" أي أزل شدة المرض والباس بغير همز للازدواج فإن أصله الهمزة "رب الناس" بالنصب بحذف حرف النداء "واشف" أي هذا المريض "أنت الشافي" يؤخذ منه جواز تسمية الله تعالى بما ليس في القرآن بشرطين: أحدهما أن لا يكون في ذلك ما يوهم نقصه. والثاني أن يكون له أصل في القرآن وهذا من ذاك فإن في القرآن "وإذا مرضت فهو يشفين" قاله الحافظ "لا شفاء" بالمد مبني على الفتح والخبر محذوف والتقدير لنا أوله "إلا شفاؤك" بالرفع على أنه بدل من موضع لا شفاء "شفاء" مصدر منصوب بقوله اشف ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ أي هذا أو هو "لا يغادر" بالغين المعجمة أي لا يترك، وفائدة التقييد بذلك أنه قد يحصل الشفاء من ذلك المرض(10/10)
فيخلفه مرض آخر يتولد منه فكان يدعو له بالشفاء المطلق لا بمطلق الشفاء "سقماً" بضم ثم سكون وبفتحتين أيضاً أي مرضاً والتنكير للتقليل. وقد استشكل الدعاء للمريض بالشفاء مع ما في المرض من كفارة الذنوب والثواب كما تضافرت الأحاديث بذلك، والجواب أن الدعاء عبادة ولا ينافي الثواب والكفارة لأنهما يحصلان بأول مرض وبالصبر عليه، والداعي بين حسنتين إما أن يحصل له مقصوده أو يعوض عنه بجلب نفع أو دفع ضر وكل من فضل الله تعالى. قوله: "هذا حديث حسن" في سنده الحارث الأعور وهو ضعيف ورواه الشيخان وغيرهما عن عائشة.(10/11)
3 ـ باب في دُعَاءِ الْوِتْر
3637 ـ حدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ أخبرنا يَزِيدُ بنُ هارُونَ حدثنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عَن هِشَامِ بنِ عَمْرِو الفَزَارِيّ عن عبْدِ الرّحمَنِ بنِ الْحَارِثِ بنِ هِشَامٍ عَن عَلِيّ بنِ أَبي طَالبٍ: "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَقَولُ في وِتْرِهِ: "اللّهُمّ إني أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقَوبَتِكَ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْكَ لاَ أُحْصِي ثَنَاءً
ـــــــ
"باب في دعاء الوتر"
قوله: "عن هشام بن عمرو الفزاري" بفتح فاء وزاي خفيفة فألف فراء مقبول من الخامسة "عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام" بن المغيرة المخزومي المدني له رؤية وكان من كبار ثقات التابعين. قوله: "كان يقول في وتره" وفي رواية أبي داود وابن ماجه في آخر وتره. قال القاري أي بعد السلام منه كما في رواية قال ميرك: وفي إحدى روايات النسائي كان يقول إذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك(10/11)
عَلَيْكَ أَنتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسكَ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حدِيثِ حمّادِ بنِ سَلَمَةَ.
ـــــــ
وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك" قال الجزري في النهاية وفي رواية بدأ بالمعافاة ثم بالرضاء إنما ابتدأ بالمعافاة من العقوبة لأنها من صفات الأفعال كالإماتة والإحياء والرضا والسخط من صفات الذات، وصفات الأفعال أدنى رتبة من صفات الذات فبدأ بالأدنى مترقياً إلى الأعلى ثم لما ازداد يقيناً وارتقاء ترك الصفات وقصر نظره على الذات فقال "أعوذ بك منك" ثم لما ازداد قرباً استحيا معه من الاستعاذة على بساط القرب فالتجأ إلى الثناء فقال "لا أحصي ثناء عليك" ثم علم أن ذلك قصور فقال "أنت كما أثنيت على نفسك"، وأما على الرواية الأولى فإنما قدم الاستعاذة بالرضا على السخط لأن المعافاة من العقوبة تحصل بحصول الرضا وإنما ذكرها لأن دلالة الأولى عليها دلالة تضمين فأراد أن يدل عليها دلالة مطابقة فكنى عنها أولاً ثم صرح بها ثانياً. ولأن الراضي قد يعاقب للمصلحة أو لاستيفاء حق الغير انتهى "وأعوذ بك منك" أي بذاتك من آثار صفاتك وفيه إيماء إلى قوله تعالى {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} وإشارة إلى قوله تعالى {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} "لا أحصي ثناء عليك" أي لا أطيقه ولا أبلغه حصراً وعدداً "أنت كما أثنيت على نفسك" أي ذاتك. قال ابن الملك: معنى الحديث الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب من حق ذاته والثناء عليه انتهى. وفي رواية النسائي: "لا أحصي ثناء عليك ولو حرصت ولكن أنت كما أثنيت على نفسك". قال ميرك قيل يحتمل أن الكاف زائدة والمعنى: أنت الذي أثنيت على نفسك. وقال بعض العلماء ما في كما موصوفة أو موصولة والكاف بمعنى المثل أي أنت الذات التي لها صفات الجلال والإكرام ولها العلم الشامل والقدرة الكاملة أنت تقدر على إحصاء ثناءك وهذا الثناء إما بالقول وإما بالفعل وهو إظهار فعله عن بث آلائه ونعمائه قوله: "وهذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والطبراني في الأوسط وابن أبي شيبة "لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث حماد بن سلمة" قال أبو داود في سننه هشام أقدم شيخ لحماد وبلغني عن يحيى(10/12)
ابن معين أنه قال لم يرو عنه غير حماد بن سلمة. قال المنذري: وقال البخاري قال أبو العباس قيل لأبي جعفر الدارمي: روى عن هذا الشيخ غير حماد؟ فقال لا أعلم وليس لحماد عنه إلا هذا الحديث. وقال أحمد بن حنبل: هشام بن عمرو الفزاري من الثقات، وقال أبو حاتم الرازي شيخ قديم ثقة وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: فقدت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك". وقد أخرجه أبو عبد الرحمن في الصلاة وابن ماجه في الدعاء انتهى.(10/13)
4 ـ باب في دُعاءِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَتَعَوّذِهِ في دُبُرِ كُلّ صَلاة
3638 ـ حدثنا حَدّثنَا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَخبرنا زَكَرِيّا بنُ عَدِيّ حدثنا عُبَيْدُ الله هُوَ ابنُ عَمْرٍو الرّقي عَن عبْدِ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ عَن مُصْعَبِ بنِ سَعْد وعَمْرِو بن مَيْمُونٍ قالاَ: "كَانَ سَعْدٌ يُعَلّمُ بَنِيهِ هُؤُلاَءِ الكلماتِ كَمَا يُعَلّمُ المكتبُ الغِلْمَانَ وَيَقُولُ إنّ رَسُولَ الله
ـــــــتـ
باب في دُعاءِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَتَعَوّذِهِ في دُبُرِ كُلّ صَلاة
قوله: "أخبرنا عبيد الله هو ابن عمرو" الرقي "وعمرو بن ميمون" الأودي الكوفي. قوله: "كان سعد" أي ابن أبي وقاص "يعلم بنيه" أي أولاده وفيه تغليب، وقد ذكر محمد بن سعد في الطبقات أولاً سعد فذكر من الذكور أربعة عشر نفساً ومن الإناث سبع عشرة وروى عنه الحديث منهم خمسة عامر ومحمد ومصعب وعائشة وعمر "هؤلاء الكلمات" أي الاَتية "كما يعلم المكتب" اسم فاعل من الإكتاب قال في القاموس: الإكتتاب تعليم الكتابة كالتكتيب والإملاء، وفي(10/13)
صلى الله عليه وسلم كانَ يَتَعوّذُ بِهِنّ دُبُر الصّلاَةِ: "اللّهُمّ إنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ أرْذَلِ العُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدّنْيَا وَعَذَابِ القَبْرِ" قالَ عَبْدُ الله بن عبد الرحمن أبُو إسْحَاقَ الْهَمْدَانِيّ مُضطربٌ في هَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ عَن عَمْرِو بنِ مَيْمُونٍ عَن عُمَرَ ويَقُولُ عَن غَيْرِهِ ويَضْطَرِبُ فِيهِ.وهَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
رواية للبخاري كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة "الغلمان" جمع الغلام أي الأطفال "من الجبن" بضم وضمتين أي البخل في النفس وعدم الجرأة على الطاعة وإنما تعوذ منه لأنه يؤدي إلى عذاب الاَخرة لأنه يفر في الزحف فيدخل تحت وعيد الله فمن ولى فقد باء بغضب من الله، وربما يفتتن في دينه فيرتد لجبن أدركه وخوف على مهجته من الأسر والعبودية "وأعوذ بك من البخل" بضم الباء وسكون الخاء وبفتحهما أي من عدم النفع إلى الغير بالمال أو العلم أو غيرهما ولو بالنصيحة قال الطيبي: الجود إما بالنفس وهو الشجاعة ويقابله الجبن. وإما بالمال وهو السخاوة ويقابله البخل ولا تجتمع الشجاعة والسخاوة إلا في نفس كاملة ولا ينعدمان إلا من متناه في النقص "وأعوذ بك من أرذل العمر" بضم الميم وسكونها لغتان، وفي رواية البخاري: "وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر". قال العيني أي عن الرد وكلمة أن مصدرية وأرذل العمر هو الخرف يعني يعود كهيئته الأولى في أوان الطفولية ضعيف البنية سخيف العقل قليل الفهم، ويقال أرذل للعمر أردؤه وهو حالة الهرم والضعف عن أداء الفرائض وعن خدمة نفسه فيما يتنظف فيه فيكون كلاً على أهله ثقيلاً بينهم يتمنون موته. فإن لم يكن له أهل فالمصيبة أعظم "وأعوذ بك من فتنة الدنيا" بأن تتزين للسالك وتغره وتنسيه الاَخرة ويأخذ منها زيادة على قدر الحاجة "وعذاب القبر" أي من موجبات عذابه قوله: "قال عبد الله" أي ابن عبد الرحمن الدارمي شيخ الترمذي "أبو إسحاق الهمداني" السبيعي اسمه عمرو بن عبد الله وهو مبتدأ خبره يضطرب "يقول عن عمرو(10/14)
3639 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الْحَسَنِ حدثنا أصْبغُ بنُ الفَرَجِ أَخْبَرَنِي عبْدُ الله بنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ أَنّهُ أَخْبَرَهُ عَن سَعِيدِ بنِ أبي هِلاَلٍ عَن خُزَيْمَةَ عَن عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بنِ أَبي وقّاصٍ عَن أبيهَا "أَنّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوَى أَوْ قالَ حَصَى تُسَبّحُ بِهِ فقالَ "أَلاَ أُخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا وَأفْضَلُ؟ سُبْحَانَ الله عَدَدُ مَا خَلَقَ في
ـــــــ
بن ميمون عن عمر ويقول عن غيره ويضطرب فيه" قال الحافظ قد رواه أبو إسحاق السبيعي عن عمرو بن ميمون عن ابن مسعود هذه رواية زكريا عنه وقال إسرائيل عنه عن عمرو عن عمر بن الخطاب، ونقل الترمذي عن الدارمي أنه قال كان أبو إسحاق يضطرب فيه قال: لعل عمرو بن ميمون سمعه من جماعة فقد أخرجه النسائي من رواية زهير عن أبي إسحاق عن عمرو عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سمى منهم ثلاثة كما ترى انتهى "وهذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري والنسائي.
قوله: "حدثنا أحمد بن الحسن" بن جنيدب أبو الحسن الترمذي "حدثنا أصبع بن الفرج" بن سعيد الأموي مولاهما الفقيه المصري أبو عبد الله ثقة مات مستتراً أيام المحنة من العاشرة "أخبرني عبد الله بن وهب" بن مسلم القرشي "عن عمرو بن الحارث" الأنصاري مولاهم المصري "عن خزيمة" في التقريب خزيمة عن عائشة بنت سعد لا يعرف من السابعة انتهى، وذكره ابن حبان في الثقات "عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص" الزهرية المدنية ثقة من الرابعة عمرت حتى أدركها مالك ووهم من زعم أن لها رؤية. قوله: "على امرأة" أي محرم له أو كان ذلك قبل نزول الحجاب على أنه لا يلزم من الدخول الرؤية "وبين يديها" الواو للحال "نواة" بفتح النون وهي عظم التمر وفي بعض النسخ نوى بلفظ الجمع "أو قال حصاة" شك من الراوي "تسبح" أي المرأة "بها" أي بالنواة،(10/15)
السّمَاءِ، وَسُبْحَانَ الله عَدَدَ مَا خَلَقَ في الأرْضِ، وَسُبْحَانَ الله عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَسُبْحَانَ الله عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ، والله أَكْبَرُ مِثْلَ ذَلِكَ
ـــــــ
وفيه دليل على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى وكذا بالسبحة لعدم الفارق لتقريره صلى الله عليه وسلم للمرأة على ذلك وعدم إنكاره، والإرشاد إلى ما هو أفضل لا ينافي الجواز، وقد تقدم الكلام في جواز السبحة في باب عقد التسبيح باليد "فقال" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "بما هو أيسر" أي أسهل وأخف "من هذا" أي من هذا الجمع والتعداد "وأفضل" وفي بعض النسخ أو أفضل. وكذلك في سنن أبو داود بلفظ أو قال القاري: قيل أو هذه للشك من سعد أو ممن دونه وقيل بمعنى الواو وقيل بمعنى بل وهو الأظهر. قال الطيبي: وإنما كان أفضل لأنه اعتراف بالقصور وأنه لا يقدر أن يحصي ثناءه، وفي العد بالنوى إقدام على أنه قادر على الإحصاء انتهى. قال القاري: وفيه أنه لا يلزم من العد هذا الإقدام ثم ذكر وجوهاً أخرى للأفضلية ولا يخلو واحد منها عن خدشة "سبحان الله عدد ما خلق" فيه تغليب لكثرة غير ذوي العقول الملحوظة في المقام "عدد ما بين ذلك" أي ما بين ما ذكر من السماء والأرض من الهواء والطير والسحاب وغيرها "عدد ما هو خالق" أي خالقه أو خالق له فيم بعد ذلك واختاره ابن حجر وهو أظهر لكن الأدق الأخفى ما قال الطيبي أي ما هو خالق له من الأزل إلى الأبد والمراد الاستمرار فهو إجمال بعد التفصيل، لأن اسم الفاعل إذا أسند إلى الله تعالى يفيد الاستمرار من بدأ الخلق إلى الأبد كما تقول الله قادر عالم فلا تقصد زماناً دون زمان "والله أكبر مثل ذلك" قال الطيبي منصوب نصب عدد في القرائن السابقة على المصدر، وقال بعض الشراح بنصب مثل أي الله أكبر عدد ما هو خالقه أي بعدده فجعل مرجع الإشارة أقرب ما ذكر والظاهر أن المشار إليه جميع ما ذكر فيكون التقدير الله أكبر عدد ما خلق في السماء والله أكبر عدد ما خلق في الأرض والله أكبر عدد ما بين ذلك والله أكبر عدد ما هو خالق. ذكره القاري وقال: والأظهر أن هذا من اختصار الراوي فنقل آخر الحديث بالمعنى خشية للملالة بالإطالة ويدل على ما قلنا بعض الآثار أيضاً.(10/16)
والحَمْدُ لله مِثْلَ ذَلِكَ، ولاَ حَوْلَ وَلا قُوّةَ إِلاّ بالله مِثْلَ ذَلِكَ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ.
3640 ـ حَدّثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ حدثنا عبْدُ الله بنُ نُمَيْرٍ وَزَيْدُ بنُ حُبَابٍ عَن مُوسَى بنِ عُبَيْدَةَ عَن مُحمّدِ بنِ ثَابِتٍ عَن أبي حَكِيمٍ الخطميّ مَوْلَى الزّبَيْرِ عَن الزّبَيْرِ بنِ العَوّامِ قالَ قالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ صَبَاحٍ يُصْبِحُ العباد فيه إلاّ ومُنَادٍ يُنَادِي سبحان المَلِكَ القُدّوس". هَذا حديثٌ غَريبٌ.
ـــــــ
قوله: "هذا حديث حسن غريب من حديث سعد" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد.
قوله: "عن محمد بن ثابت" قال في تهذيب التهذيب: محمد بن ثابت عن أبي حكيم مولى الزبير وأبي هريرة وعنه موسى بن عبيدة الربذي. قال الدوري عن ابن معين لا أعرفه. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه لا نفهم من محمد هذا، وزعم يعقوب بن شيبة أنه محمد بن ثابت بن شرحبيل من بني عبد الدار، وقال في التقريب مجهول من السادسة "عن أبي حكيم مولى الزبير" مجهول من الثالثة. قوله: "ما من صباح يصبح العبد" أي فيه، قال الطيبي صباح نكرة وقعت في سياق النفي وضمت إليها من الاستغراقية لإفادة الشمول ثم جيء بقوله يصبح صفة مؤكدة لمزيد الإحاطة كقوله تعالى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} "سبحوا" بصيغة الأمر من التسبيح أي نزهوا "الملك القدوس" أي عما هو منزه عنه والمعنى اعتقدوا أنه منزه عنه وليس المراد إنشاء تنزيه لأنه منزه أزلاً وأبداً أو اذكروه بالتسبيح لقوله تعالى {إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} ولذا قال الطيبي: أي قولوا سبحان الملك القدوس أو قولوا سبوج قدوس رب الملائكة والروح أي ونحوهما من قول سبحان الله وبحمده الله سبحان العظيم. قوله: "هذا حديث غريب" وهو ضعيف لضعف بعض رواته وجهالة بعضهم وأخرجه(10/17)
أبو يعلى وابن السني بلفظ: "ما من صباح يصبح العباد إلا وصارخ يصرخ أيها الخلائق سبحوا الملك القدوس". قال المناوي إسناده ضعيف.(10/18)
5 ـ باب في دُعاءِ الْحِفْظ
3641 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الْحَسَنِ حدثنا سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرّحمَنِ الدّمَشْقِيّ أخبرنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ
أخبرنا ابنُ جُرَيْجٍ عَن عَطَاءِ بنِ أبي رَبَاحٍ وعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابنِ عَبّاسٍ عَن ابنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قالَ: "بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إذْ جَاءَهُ عَلِيّ بنُ أَبي طَالِبٍ فقالَ: بِأبِي أَنْتَ وَأُمّي تَفَلّتَ هَذَا القُرْآنُ مِنْ صَدْرِي فَمَا أَجِدُنِي أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فقالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَا أبَا الْحَسَنِ أَفَلاَ أُعَلّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ الله بِهِنّ وَيَنْفَعُ بِهِنّ مَنْ عَلّمْتَه ويُثَبّتُ ما تَعَلّمْتَ في صَدْرِكَ؟" قالَ أَجَلْ يَا رَسُولَ الله فَعَلّمْنِي. قالَ: "إذَا كانَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقُومَ في ثُلُثِ اللّيْلِ الاَخِرِ فَإِنّهَا سَاعَةٌ مَشْهُودَةٌ وَالدّعَاءُ فِيهَا
ـــــــ
"باب في دُعاءِ الْحِفْظ"
قوله: "حدثنا أحمد بن الحسن" بن جنيدب أبو الحسن الترمذي "حدثنا سليمان بن عبد الرحمن" بن عيسى التيمي الدمشقي بن بنت شرحبيل أبو أيوب صدوق يخطئ من العاشرة "أخبرنا الوليد بن مسلم" القرشي الدمشقي. قوله: "تفلت" قال في النهاية: التفلت والإفلات والانفلات التخلص من الشي فجأة(10/18)
مُسْتَجَابٌ وَقَدْ قالَ أَخِي يَعْقُوبُ لِبَنِيهِ {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّي} ـ يَقُولُ حَتّى تَأْتِي لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ ـ فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقُمْ في وَسَطِهَا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقُمْ في أوّلِهَا فَصَلّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَقْرَأُ في الرّكْعَةِ الأولَى بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَسُورَةِ يَس، وَفي الرّكْعَةِ الثّانِيَةِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ
ـــــــ
من غير تمكث "يا أبا الحسن" هو كنية علي رضي الله عنه "أجل" حرف جواب بمعنى نعم "في ثلث الليل الاَخر" الاَخر نعت لثلث الليل لا لليل "فإنها ساعة مشهودة" أي فإن ساعة ثلث الليل الاَخر ساعة تشهدها الملائكة "وقد قال أخي يعقوب لبنيه" إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ليعقوب أخي لأن الأنبياء أخوة من علات وأمهاتهم شتى ودينهم واحد. رواه الشيخان عن أبي هريرة ولقوله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قول يعقوب عليه السلام لبيان أن ليلة الجمعة أحرى وأخلق بإجابة الدعاء "يقول حتى تأتي ليلة الجمعة" هذا بيان لقوله سوف أستغفر وضمير يقول راجع إلى يعقوب والمعنى: أنا أستغفر لكم في ليلة الجمعة الاَتية. قال الحافظ بن كثير قال ابن مسعود وإبراهيم التيمي وعمرو بن قيس وابن جريج وغيرهم أرجأهم إلى وقت السحر، وقال ابن جرير: حدثني أبو السائب حدثنا ابن إدريس سمعت عبد الرحمن بن إسحاق يذكر عن محارب بن دثار قال كان عمر رضي الله عنه يأتي المسجد فيسمع إنساناً يقول اللهم دعوتني فأجبت وأمرتني فأطعت وهذا السحر فاغفر لي قال فاستمع الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود فسأل عبد الله عن ذلك فقال إن يعقوب آخر بنيه إلى السحر بقوله {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} وقد ورد في الحديث أن ذلك كان ليلة الجمعة قال ابن جرير أيضاً حدثني المثنى حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو أيوب الدمشقي حدثنا أبو الوليد أنبأنا ابن جريج عن عطاء وعكرمة عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} يقول حتى تأتي ليلة الجمعة وهو قول أخي يعقوب لبنيه وهذا غريب من هذا الوجه وفي رفعه نظر والله أعلم انتهى "فإن لم تستطع فقم في وسطها" عطف على قوله(10/19)
وحم الدّخَانَ، وَفي الرّكْعَةِ الثّالِثَةِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وألم تَنْزِيلُ السّجْدَةِ، وَفي الرّكْعَةِ الرّابِعَةِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَتَبَارَكَ المُفَصّل. فَإِذَا فَرِغْتَ مِنْ التّشَهّدِ فاحْمَدِ الله وأحْسِنِ الثّنَاءَ عَلَى الله وَصَلّ عَلَيّ وَأَحْسِنْ وَعَلَى سَائِرِ النّبِيّينِ، وَاسْتَغْفِرْ لِلْمُؤْمِنينَ والمُؤْمِنَاتِ ولإخْوَانِكَ الّذِينَ سَبَقُوكَ بالإيمَانِ ثُمْ قُلْ في آخِرِ ذَلِكَ: اللّهُمّ ارْحَمْنِي بِتَرْكِ المَعَاصِي أَبَداً مَا أَبْقَيْتَنِي، وارْحَمْنِي أنْ أَتَكَلّفَ مَا لاَ يَعْنِينِي، وارْزُقْنِي حُسْنَ النّظَرِ فِيمَا يُرْضِيكَ عَنّي، اللّهُمّ بَدِيعَ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ذَا الْجَلاَلِ وَالإكْرامِ وَالعِزّةِ التي لا تُرَامُ أَسْأَلُكَ يا الله يا رَحمَنُ بجَلاَلِكَ ونورِ وَجْهِكَ أَنْ تُلْزِمَ قَلْبِي حِفْظَ كِتَابِكَ كَمَا عَلّمْتَنِي وَارْزُقْنِي أَنْ أتْلُوَهُ عَلَى النّحْوِ الّذِي يُرْضِيكَ عَنّي. اللّهُمّ بَدِيعَ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ذَا الْجَلاَل والإِكْرَامِ والعِزّةِ التي لا تُرَامُ أَسْأَلُكَ يا الله يا رَحْمَن بجَلاَلِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ أَن تُنَوّرَ بِكَتَابِكَ بَصَرِي وأنْ تُطْلِقَ بِهِ لِسَاني وَأَنْ تُفَرّجَ بِهِ عن قَلْبِي وَأَنْ تَشْرَحَ بِهِ صَدْرِي وأَنْ تَغسل بِهِ بَدَنِي فإِنّهُ.
ـــــــ
فإن استطعت "وتبارك المفصل" أي سورة تبارك الذي بيده الملك التي هي من طوال المفصل وفي بعض النسخ: تبارك الملك "وصل علي" بتشديد الياء "وأحسن" أي وأحسن الصلاة عليّ "ولإخوانك" المراد بالأخوة هنا أخوة الدين "أن أتكلف" أي أتعرض "ما لا يعنيني" من قول وفعل أي ما لا يهمني ولا يكون من مقصدي ومطلوبي "يرضيك" من الإرضاء "لا ترام" أي لا تطلب من الروم ويجوز كونه من الريم بمعنى التجاوز "أن تلزم" بضم التاء من الإلزام "أن تطلق" من الإطلاق أي تجري "وأن تفرج" من باب التفعيل أي تكشف وتزيل "وأن تغسل" وفي بعض النسخ تعمل والظاهر أنه من الأعمال يقال(10/20)
لا يُعِينُنِي عَلَى الحقّ غَيْرُكَ وَلاَ يُؤْتِيهِ إلاّ أَنْتَ وَلا حَوْلَ وَلاَ قُوّةَ إِلاّ بالله العَلِيّ العَظِيمِ. يَا أَبا الحَسَنِ فافعل ذَلِكَ ثلاثَ جُمَعٍ أَوْ خَمْساً أَو سَبْعاً تُجَبْ بِإِذْنِ الله والّذِي بَعَثَنِي بالحَقّ مَا أَخْطَأَ مُؤْمِناً قَطّ". قالَ بنُ عَبّاسٍ فَوَالله مَا لَبِثَ عَلِيّ إلاّ خَمْساً أوْ سَبْعاً حتّى جَاءَ عليّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم في مِثْلِ ذَلِكَ المَجْلِسِ فقَالَ: يا رَسُولَ الله إنّي كُنْتُ رجلاً فِيمَا خَلاَ لاَ آخُذُ إلاّ أَرْبَعَ آيَاتٍ أوْ نَحْوَهُنّ فإِذَا قَرَأْتُهُنّ عَلَى نَفْسِي تَفَلّتْنَ وَأنا أَتَعَلّمُ اليَوْمَ أَرْبَعِينَ آيَةً وَنَحْوَها فَإذَا قَرَأْتُهَا عَلَى نَفْسِي فَكَأَنّمَا كِتَابُ الله بَيْنَ عَيْنَيّ وَلَقَدْ كنْتُ أَسْمَعُ الحَديثَ فإِذَا رَدَدْتُهُ تَفَلّتَ وَأنا اليَوْمَ أَسْمَعُ الأحَادِيثَ فإِذَا تَحَدّثْتُ بِهَا لَمْ أَخْرِمْ مِنْهَا حَرْفاً، فقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: "مُؤْمِنٌ وَرَبّ الكَعْبَةِ يَا أَبَا الحَسَنِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ الوَلِيدِ بنِ مُسْلِمٍ
ـــــــ
أعمله غيره أي جعله عاملاً "ولا يؤتيه" أي لا يعطيه "تجب" بصيغة المجهول من الإجابة أي إن تفعل ذلك تجب وفي بعض النسخ تجاب "ما أخطأ" أي هذا الدعاء "مؤمناً" بل يصيبه ويستجاب له "إلا خمساً أو سبعاً" أي خمس جمع أو سبع جمع "رسول الله صلى الله عليه وسلم" بالنصب "فيما خلا" أي فيما مضى من الأيام "لم أخرم" من باب ضرب أي لم أنقص ولم أقطع "مؤمن" أي أنت مؤمن "أبا الحسن" منصوب بحذف حرف النداء. قوله: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم" قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث: ونقل كلام الترمذي هذا ما لفظه: ورواه الحاكم وقال صحيح على شرطهما إلا أنه قال يقرأ في الثانية بالفاتحة وألم السجدة وفي الثالثة بالفاتحة والدخان عكس ما في الترمذي، وقال في الدعاء وأن تشغل به بدني مكان وأن تستعمل وهو كذلك في بعض نسخ الترمذي ومعناهما واحد وفي بعضها وأن تغسل(10/21)
6 ـ باب في انْتِظارِ الفَرَجِ وَغَيْرِ ذَلِك
3642 ـ حَدّثَنَا بِشْرُ بنُ مُعَاذٍ العَقَدِيّ البَصْرِيّ حدثنا حَمّادٌ بنُ وَاقِدٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَن أبي إسْحَاقَ عن
أَبي الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ الله قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "سَلُوا الله مِنْ فَضْلِهِ فَإِنّ الله عز وجلّ يُحِبّ أَنْ يُسْأَلَ وَأَفْضَلُ العِبَادَةِ انْتِظَارُ الفَرَجِ". هَكَذَا رَوَى حَمّادُ
ـــــــ.
قال طرق أسانيد هذا الحديث جيدة ومتنه غريب جداً انتهى. وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة بعد ذكر حديث ابن عباس هذا: رواه الدارقطني عن ابن عباس عن علي مرفوعاً وقال تفرد به هشام بن عمار عن الوليد بن مسلم قال ابن الجوزي: الوليد يدلس تدليس التسوية ولا أتهم به إلا النقاش يعني محمد بن الحسن بن محمد المقري شيخ الدارقطني. قال ابن حجر هذا الكلام تهافت والنقاش بريء من عهدته فإن الترمذي أخرجه في جامعه من طريق الوليد به انتهى. قال في اللاَلئ وأخرجه الحاكم عن أبي النضر الفقيه وأبي الحسن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي عن الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن عطاء وعكرمة عن ابن عباس به وقال صحيح على شرط الشيخين ولم تركن النفس إلى مثل هذا من الحاكم فالحديث يقصر عن الحسن فضلاً عن الصحة وفي ألفاظه نكارة انتهى.
"باب في انْتِظارِ الفَرَجِ وَغَيْرِ ذَلِك"
قوله: "سلوا الله من فضله" أي بعض فضله فإن فضله واسع وليس هناك مانع "فإن الله يحب أن يسأل" أي من فضله لأن يده تعالى ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار "وأفضل العبادة انتظار الفرج" أي ارتقاب ذهاب البلاء والحزن بترك الشكاية إلى غيره تعالى وكونه أفضل العبادة لأن الصبر في البلاء انقياد للقضاء. والفرج بفتحتين بالفارسية كشايش يقال فرج الله الغم عنه(10/22)
بنُ وَاقِدٍ هَذَا الْحَدِيث. وقد خولف في روايته. وَحَمّادُ بنُ وَاقِدٍ هذا هو الصفار لَيْسَ بالحَافِظِ وهو عندنا شيخ بصري وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ هَذَا الْحَدِيثَ عن إسْرَائِيلَ عن حَكِيمِ بنِ جُبَيْرٍ عَن رَجُلٍ عَن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل وحَدِيثُ أَبي نُعَيْمٍ أَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ أَصَحّ.
3712 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنا أَبو مُعَاوِيَةَ حدثنا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عن أبي عُثْمانَ عن زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه قالَ: "كانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ وَالعَجْزِ والبُخْلِ" وبهذَا الإسْنَادِ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ كانَ يَتَعَوّذُ مِنْ الهَرَمِ وعَذَابِ القَبْر.
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
أي كشفه وأذهبه. قوله: "هكذا روى حماد بن واقد هذا الحديث" وأخرجه ابن مردويه أيضاً من طريقه "وحماد بن واقد" العبسي أبو عمرو الصفار البصري "ليس بالحافظ" قال في تهذيب التهذيب في ترجمته وقال ابن معين ضعيف وقال البخاري منكر الحديث، وقال أبو زرعة لين الحديث له عند الترمذي حديث واحد وهو في انتظار الفرج وأعله انتهى مختصراً "وروى أبو نعيم هذا الحديث عن إسرائيل عن حكيم بن جبير عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم" قال الحافظ ابن كثير بعد نقل كلام الترمذي هذا: وكذا رواه ابن مردويه من حديث وكيع عن إسرائيل "وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح" لأن أبا نعيم وهو الفضل بن دكين الكوفي ثقة ثبت وأما حماد بن واقد فضعيف كما عرفت وفي طريق أبي نعيم عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا الرجل يحتمل أن يكون صحابياً ويحتمل أن يكون تابعياً وعلى الثاني يكون هذا الطريق مرسلاً.
قوله: "عن أبي عثمان" هو النهدي اسمه عبد الرحمن بن مل. قوله: "اللهم إني أعوذ بك من الكسل والعجز والبخل" قد تقدم تفسير هذه الألفاظ "وبهذا الإسناد" أي بالإسناد المتقدم "من الهرم" قال النووي المراد من الاستعاذة من(10/23)
3644 ـ حدثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرحْمَنِ أخبرنا محمّدُ بنُ يُوسُفَ عَن ابنِ ثَوْبَانَ عَن أَبِيهِ عَن مَكْحُولٍ عَن جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ أَنّ عُبَادَةَ بنَ الصّامِتِ حَدّثَهُمْ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا عَلَى الأرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو الله تَعَالَى بِدَعْوَةٍ إلاّ آتَاهُ الله إيّاهَا أوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ مأْثَمٍ أَوْ قَطِيعةِ رَحِمٍ" فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: إذاً نُكْثِرُ. قَالَ: "الله أكْثَرُ". و هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
ـــــــ
الهرم الاستعاذة من الرد إلى أرذل العمر وسبب ذلك ما فيه من الخرف واختلال العقل والحواس والضبط والفهم وتشويه بعض المنظر والعجز عن كثير من الطاعات والتساهل في بعضها "وعذاب القبر" من الضيق والظلمة والوحشة وضرب المقمعة ولدغ العقرب والحية وأمثالها ومما يوجب عذابه من النميمة وعدم التطهير ونحوها. قوله: "وهذا حديث حسن صحيح" وأخرجه ابن مسلم والنسائي مطولاً.
قوله: "أخبرنا محمد بن يوسف" هو الضبي الفريابي "عن ابن ثوبان" هو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان "عن أبيه" أي ثابت بن ثوبان العنسي الشامي ثقة من السادسة "عن عبادة بن الصامت" بن قيس الأنصاري الخزرجي. أبي الوليد المدني أحد النقباء بدري مشهور مات بالرملة سنة أربع وثلاثين وله اثنتان وسبعون سنة وقيل عاش إلى خلافة معاوية. قوله: "إلا آتاه الله إياها" أي تلك الدعوة وفي حديث جابر "ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل" "أو صرف" أي دفع "عنه" أي عن الداعي "من السوء" أي البلاء النازل أو غيره في أمر دينه أو دنياه أو بدنه "مثلها" أي مثل تلك الدعوة كمية وكيفية إن لم يقدر له وقوعه في الدنيا "ما لم يدع بمأثم" المأثم الأمر الذي يأثم به الإنسان أو هو الإثم نفسه ووقع في بعض النسخ بإثم "أو قطيعة رحم" تخصيص بعد تعميم والقطيعة أي الهجران والصد أي ترك البر إلى الأهل والأقارب "إذاً" أي إذا كان الدعاء لا يرد منه شيء ولا يخيب الداعي في شيء منه "نكثر" أي من الدعاء لعظيم فوائده "قال" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "الله أكثر" قال(10/24)
صِحيحٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وابنُ ثَوْبَانَ هُوَ عَبْدُ الرحْمَنِ بنُ ثَابِتٍ بنِ ثَوْبَانَ العابِدُ الشّامِيّ
ـــــــ
الطيبي أي الله أكثر إجابة من دعائكم وقيل إن معناه فضل الله أكثر أي ما يعطيه من فضله وسعة كرمه أكثر مما يعطيكم في مقابلة دعائكم، وقيل الله أغلب في الكثرة فلا تعجزونه في الاستكثار فإن خزائنه لا تنفذ وعطاياه لا تفنى، وقيل الله أكثر ثواباً وعطاء مما في نفوسكم فأكثروا ما شئتم فإنه تعالى يقابل أدعيتكم بما هو أكثر منها وأجل. قوله: "وهذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه" وأخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد وأخرج أحمد عن أبي سعيد "مرفوعاً ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الاَخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. وصححه الحاكم".(10/25)
7 ـ باب
3645 ـ حدّثَنَا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ حدثنا جَرِيرٌ عَن مَنْصُورٍ عَن سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ حدّثني البَرَاءُ أَنّ النبيّ
صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا أخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضّأْ وَضُوءَكَ للصّلاَةِ ثُمّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقّكَ
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا جرير" بن عبد الحميد "عن منصور" بن المعتمر "عن سعد بن عبيدة" السلمي. قوله: "إذا أخذت" أي أتيت كما في رواية "مضجعك" بفتح الميم والجيم من ضجع يضجع من باب منع يمنع والمعنى: إذا أردت النوم في مضجعك "فتوضأ وضوءك للصلاة" أي كوضوئك للصلاة فهو منصوب بنزع(10/25)
الأَيْمَنِ ثُمّ قُلْ اللّهُمّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفوّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَألْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رغْبَةً وَرَهْبَةً إلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إلاّ إلَيْكَ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الّذِي أنْزَلْتَ، وَبِنَبِيّكَ الّذِي أرْسَلْت
ـــــــ
الخافض "ثم اضطجع" أصله اضتجع من باب الافتعال فقلبت التاء طاء "على شقك" بكسر المعجمة وتشديد القاف أي جانبك "اللهم أسلمت" أي استسلمت وانقدت والمعنى جعلت ذاتي منقادة لك تابعة لحكمك إذ لا قدرة لي على تدبيرها ولا على جلب ما ينفعها إليها ولا دفع ما يضرها عنها "وفوضت أمري إليك" من التفويض وهو تسليم الأمر إلى الله تعالى والمعنى توكلت عليك في أمري كله "وألجأت" أي أسندت "ظهري إليك" أي اعتمدت عليك في أمري كله لتعينني على ما ينفعني لأن من استند إلى شيء تقوى به واستعان به وخصه بالظهر لأن العادة جرت أن الإنسان يعتمد بظهره إلى من يستند إليه "رغبة ورهبة إليك" وفي رواية عند أحمد والنسائي: "رهبة منك ورغبة إليك" أي طمعاً في رفدك وثوابك وخوفاً من عذابك ومن عقابك. قال الطيبي: منصوبان على العلة بطريق اللف والنشر أي فوضعت أموري طمعاً في ثوابك وألجأت ظهري من المكاره إليك مخافة من عذابك انتهى. وقيل مفعول لهما لألجأت. وقال القاري إن نصبهما على الحالية أي راغباً وراهباً أو الظرفية أي في حال الطمع والخوف يتنازع فيهما الأفعال المتقدمة كلها "لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك" أي لا مهرب ولا ملاذ ولا مخلص من عقوبتك إلا إلى رحمتك. قال الحافظ: أصل ملجأ بالهمزة ومنجا بغير همزة ولكن لما جمعا جازا أن يهمزا للازدواج وأن يترك الهمز فيهما وأن يهمز المهموز ويترك الاَخر فهذه ثلاثة أوجه ويجوز التنوين مع القصر فتصير خمسة. قال العيني: إعرابهما مثل إعراب عصى وفي هذا التركيب خمسة أوجه لأنه مثل لا حول ولا قوة إلا بالله والفرق بين نصبه وفتحها بالتنوين وعدمه وعند التنوين تسقط الألف ثم إنهما إن كانا مصدرين يتنازعان منك وإن كانا مكانين فلا إذا اسم المكان لا يعمل وتقديره لا ملجأ منك إلى أحد إلا إليك ولا منجأ منك إلا إليك انتهى "آمنت بكتابك" يحتمل أن يريد به القرآن ويحتمل أن(10/26)
فَإِنْ متّ في لَيْلَتِكَ متّ عَلَى الفِطْرَةِ" قالَ فَرَدَدْتُهنّ لأَسْتَذْكِرَهُ، فَقُلْتُ آمَنْتُ بِرَسُولِكَ الّذِي أَرْسَلْت فقالَ "قُلْ آمَنْتُ بَنَبِيّكَ الّذِي أَرْسَلْتَ". وهَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ وقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ
ـــــــ
يريد اسم الجنس فيشمل كل كتاب أنزل "ونبيك الذي أرسلت" وقع في رواية "أرسلته وأنزلته" في الأول بزيادة الضمير المنصوب فيهما "مت على الفطرة" أي على دين الإسلام. وقال الطيبي: أي مت على الدين القويم ملة إبراهيم عليه السلام فإن إبراهيم عليه السلام أسلم واستسلم وقال أسلمت لرب العالمين وجاء ربه بقلب سليم "فرددتهن" أي رددت تلك الكلمات على النبي صلى الله عليه وسلم "لأستذكره" وفي رواية مسلم: لأستذكرهن أي لأحفظ وأتذكر تلك الكلمات منه صلى الله عليه وسلم، وأما تذكير الضمير في هذا الكتاب فبتأويل الدعاء "فقال" أي النبي صلى الله عليه وسلم "قل آمنت بنبيك الذي أرسلت" ذكروا في إنكاره صلى الله عليه وسلم ورده اللفظ أوجهاً منها: أمره أن يجمع بين صفتيه وهما الرسول والنبي صريحاً وإن كان وصف الرسالة يستلزم النبوة. ومنها أن ذكره احتراز عمن أرسل من غير نبوة كجبريل وغيره من الملائكة عليهم السلام لأنهم رسل الأنبياء. ومنها أنه يحتمل أن يكون رده دفعاً للتكرار لأنه قال في الأولى: "ونبيك الذي أرسلت". قال الحافظ: وأولى ما قيل في الحكمة في رده صلى الله عليه وسلم على من قال الرسول بدل النبي أن ألفاظ الأذكار توقيفية ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به. وهذا اختيار المازري قال فيقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف ولعله أوحي إليه بهذه الكلمات فيتعين أداءها بحروفها. وقال النووي في هذا الحديث ثلاث سنن مهمة مستحبة ليست بواجبة: إحداها ـ الوضوء عند إرادة النوم فإن كان متوضأ كفاه ذلك الوضوء لأن المقصود النوم على طهارة مخافة أن يموت في ليلته وليكون أصدق لرؤياه وأبعد من تلعب الشيطان به في منامه وترويعه إياه. الثانية ـ النوم على الشق الأيمن لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن ولأنه أسرع إلى الانتباه. الثالثة ـ ذكر الله تعالى ليكون خاتمة عمله انتهى.(10/27)
عَنِ البَرَاءِ وَلاَ نَعْلَمُ في شَيْءٍ مِنْ الرّوايَاتِ ذِكْرَ الْوُضُوءِ إلاّ في هَذَا الْحَدِيثِ.
3646 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ حدثنا محمّدُ بنُ إسْمَاعِيلَ بنِ أَبي فدَيْكٍ أخبرنا ابنُ أَبي ذِئْبٍ عَن أبي سَعِيدٍ البرّاد عن معاذِ بن عبد الله بن خُبَيْبٍ عن أَبيهِ قالَ: "خَرَجْنَا في لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ وظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلّي لَنَا قالَ فأَدْرَكْتُهُ فقالَ: "قُلْ". فَلَمْ أَقُلْ شَيْئاً. ثُمّ قالَ: "قُلْ" فَلَمْ أَقُلْ شَيْئاً. قالَ "قُلْ" فَقُلْتُ مَا أقُولُ قال " قُلْ: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} وَالمُعَوّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وتُصْبِحُ ثَلاَثَ مَرّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلّ شَيْء". هَذا حديثٌ حَسَنٌ
ـــــــ
قوله: "وهذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي "ولا نعلم في شيء من الروايات ذكر الوضوء الخ" أي عند النوم. قوله: "عن أبي سعيد البراد" قال في التقريب أسيد بفتح الهمزة بن أبي أسيد البراد أو سعيد المديني صدوق واسم أبيه يزيد وهو غير أسيد بن علي من الخامسة مات في خلافة المنصور "عن معاذ بن عبد الله بن خبيب" بضم معجمة وفتح موحدة أولى وسكون ياء الجهني المدني صدوق ربما وهم من الرابعة "عن أبيه" أي عبد الله بن خبيب الجهني حليف الأنصار صحابي. قوله: "في ليلة مطيرة" أي ذات مطر "وظلمة" أي وفي ظلمة "يصلي لنا" وفي رواية أبي داود ليصلي لنا "فقال قل" أي اقرأ "قلت ما أقول" أي ما أقرأ "والمعوذتين" بكسر الواو وتفتح أي {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} "تكفيك" بالتأنيث أي السور الثلاث "من كل شيء" قال الطيبي أي تدفع عنك كل سوء فمن زائدة في الإثبات على مذهب جماعة وعلى مذهب الجمهور أيضاً لأن يكفيك متضمنة للنفي كما يعلم من تفسيرها بتدفع ويصح أن تكون لابتداء الغاية أي تدفع عنك من أول مراتب السوء إلى آخرها أو(10/28)
صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَأَبُو سَعِيدٍ البَرّادُ هُوَ أَسِيدُ بنُ أَبي أَسِيد مدني.
3647 ـ حَدّثَنَا أَبُو مُوسَى محمدُ بنُ المُثَنّى أخرنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ أخبرنا شُعْبَةُ عَن يَزِيدَ بنِ خُمَيْرٍ الشاميّ عَن عَبْدِ الله بنِ بُسْرٍ قالَ: "نَزَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى أبِي فَقَرّبْنَا إلَيْهِ طَعَاماً فأَكَلَ مِنْهُ ثُمّ أُتِيَ بِتَمْرٍ فَكَانَ يَأْكُلُهُ وَيُلْقِي النّوَى بِإِصْبَعَيْهِ جَمَعَ السّبّابَةَ وَالوُسْطَى ـ قالَ شُعْبَةُ وَهُوَ ظَنّي فيهِ إنْ شَاءَ الله ـ وَأَلْقَى النّوَى بَيْنَ إصْبَعَيْنِ ثُمّ أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ ثُمّ نَاولَهُ الّذِي عَن
ـــــــ
تبعيضية أي بعض كل نوع من أنواع السوء، ويحتمل أن يكون المعنى تغنيك عما سواها. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه أبو داود والنسائي ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره.
قوله: "عن يزيد بن خمير" بخاء معجمة مصغراً "نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي" أي والدي "فقال" وفي رواية أحمد: قال بغير الفاء "فأكل منه" أي الطعام "ثم أتى بتمر" أي جيء به "ويلقي" بضم أوله "النوى" جنس النواة "بأصبعيه" بتثليث الهمزة والموحدة ففيه تسع لغات والأشهر كسر الهمزة وفتح الموحدة "جمع السبابة" أي المسبحة "قال شعبة وهو ظني فيه إن شاء الله وألقى النوى بين إصبعين" وفي صحيح مسلم بإسناد الترمذي فكان يأكله ويلقي النوى بين إصبعيه ويجمع السبابة والوسطى. قال شعبة هو ظني وهو فيه إن شاء الله إلقاء النوى بين الإصبعين. وفيه: وحدثنا محمد بن بشار قال أخبرنا ابن أبي عدي وحدثنيه محمد بن مثنى قال أخبرنا يحيى بن حماد كلاهما عن شعبة بهذا الإسناد ولم يشكا في إلقاء النوى بين الإصبعين قال النووي قوله: ويلقي النوى بين إصبعيه أي يجعله بينهما لقلته ولم يلقه في إناء التمر لئلا يختلط بالتمر، وقيل(10/29)
يَمِينِهِ قالَ فقَالَ أبِي وَأخَذَ بِلِجَامِ دَابّتِهِ ادْعُ لَنَا فَقالَ: " اللّهُمّ بَارِكْ لَهُمْ فِيمَا رَزَقْتَهُمْ وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيح
3648 ـ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ إسْمَاعِيلَ حدثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ الشّنّيّ حدثني أبي عُمَرُ بنُ مُرّةَ قالَ سَمِعْتُ بِلاَلَ بنَ يَسَارِ بنِ زَيْدٍ مولى النبي صلى الله عليه وسلم حدثني أبِي عن جَدّي سَمِعَ النبيّ صلى الله
ـــــــ.
كان يجمعه على ظهر الإصبعين ثم يرمي به وقوله قال شعبة هو ظني وفيه إن شاء الله إلقاء النوى معناه أن شعبة قال الذي أظنه إلقاء النوى مذكور في الحديث فأشار إلى تردد فيه وشك، وفي الطريق الثاني جزم بإثباته ولم يشك فهو ثابت بهذه الرواية. وأما رواية الشك فلا تضر سواء تقدمت على هذه أو تأخرت لأنه تيقن في وقت وشك في وقت. فاليقين ثابت ولا يمنعه النسيان في وقت آخر انتهى. قلت: وفي رواية لأحمد: فكان يأكل التمر ويضع النوى على ظهر إصبعيه فهذه الرواية تؤيد ما قيل: كان يجمعه على ظهر الإصبعين ثم يرمي به "ثم أتى بشراب" أي ماء أو ما يقوم مقامه "ثم ناوله الذي عن يمينه" فيه أن الشراب ونحوه يدار على اليمين "وأخذ" أي وقد أخذ جملة حالية معترضة بين القول والمقول وأخذ منه أنه يسن أخذ ركاب الأكابر ولجامه والضيف تواضعاً واستمالة "أدع لنا" فيه استحباب طلب الدعاء من الفاضل ودعاء الضيف بتوسعة الرزق والمغفرة والرحمة وقد جمع صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء خيرات الدنيا والاَخرة قاله النووي. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم والنسائي وابن أبي شيبة.
قوله: "حدثنا محمد بن إسماعيل" هو الإمام البخاري "حدثنا حفص بن عمر" بن مرة "الشني" بفتح المعجمة وتشديد النون البصري مقبول من السادسة "حدثني أبي عمر بن مرة" الشني البصري مقبول من الرابعة "قال سمعت بلال(10/30)
عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ قالَ أَسْتَغْفِرُ الله العظيم الّذي لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ الحَيّ القَيّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غَفَرَ الله لَهُ وَإن كانَ فَرّ مِنَ الزّحْفِ". هَذا حديثٌ غَريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
ـــــــ
بن يسار بن زيد" القرشي مولاهم بصري مقبول "حدثني أبي" أي يسار بن زيد مقبول من الرابعة "عن جدي" أي زيد. قال في التقريب زيد والد يسار مولى النبي صلى الله عليه وسلم صحابي له حديث ذكر أبو موسى المديني أن اسم أبيه بولا بموحدة وكان عبداً نوبياً. قوله: "أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم" روي بالنصب على الوصف للفظ الله وبالرفع لكونهما بدلين أو بيانين لقوله هو، والأول هو الأكثر والأشهر. وقال الطيبي يجوز في الحي القيوم النصب صفة لله أو مدحاً والرفع بدلاً من الضمير أو على المدح أو على أنه خبر مبتدأ محذوف "وأتوب إليه" ينبغي ألا يتلفظ بذلك إلا إذا كان صادقاً وألا يكون بين يدي الله كاذباً ولذا روي أن المستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه "وإن كان فر" أي هرب "من الزحف" قال الطيبي: الزحف الجيش الكثير الذي يرى لكثرته كأنه يزحف قال في النهاية من زحف الصبي إذا دب على إسته قليلاً قليلاً. وقال المظهر هو اجتماع الجيش في وجه العدو أي من حرب الكفار حيث لا يجوز الفرار بأن لا يزيد الكفار على المسلمين مثلى عدد المسلمين ولا نوى التحرف والتحيز. قوله: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه" وأخرجه أبو داود. وقال المنذري في الترغيب بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه: وإسناده جيد متصل فقد ذكر البخاري في تاريخه الكبير أن بلالاً سمع من أبيه يسار وأن يسار سمع من أبيه زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف في يسار والد بلال هل هو بالباء الموحدة، أو بالياء المثناة تحت، وذكر البخاري في تاريخه أنه بالموحدة والله أعلم، ورواه الحاكم من حديث ابن مسعود وقال صحيح على شرطهما إلا أنه قال يقولها ثلاثاً انتهى.(10/31)
باب في انتطار الفرج وغير ذلك
...
3649 ـ حَدّثنا محمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا عُثْمانُ بنُ عُمَرَ حدثنا شُعْبَةُ عَن أبي جَعْفَرٍ عَن عُمَارَةَ بنِ خُزَيْمَةَ بنِ ثَابِتٍ عَن عُثْمَانَ بنِ حُنَيْفٍ: "أَنّ رَجُلاً ضَرِيرَ البَصَرِ أَتَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: ادْعُ الله أَنْ يُعَافِيَنِي، قالَ إنْ شِئْتَ دَعَوْتُ، وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، قالَ فادْعُهْ، قالَ فَأَمَرَهُ أنْ يَتَوضّأَ فَيُحْسِنَ وَضُوءَهُ وَيَدْعُو بِهَذَا الدّعَاءِ: "اللّهُمّ إنّي أَسْأَلُكَ وَأتَوَجّهُ إلَيْكَ بِنَبِيّكَ محمدٍ نَبِيّ الرّحْمَةِ إنّي تَوَجّهْتُ بِكَ إلى رَبّي في حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى
ـــــــ
قوله: "عن عمارة" بضم أوله وتخفيف الميم "بن خزيمة بن ثابت" الأنصاري الأوسي المدني ثقة من الثالثة "عن عثمان بن حنيف" بالمهملة والنون مصغراً بن واهب الأنصاري الأوسي المدني صحابي شهير استعمله عمر على مساحة أرض الكوفة وعلي على البصرة قبل الجمل مات في خلافة معاوية.
قوله: "أن رجلاً ضرير البصر" أي ضعيف النظر أو أعمى "أدع الله أن يعافيني" أي من ضرري في نظري "قال إن شئت" أي اخترت الدعاء "دعوت" أي لك "وإن شئت" أي أردت الصبر والرضا "فهو" أي الصبر "خير لك" فإن الله تعالى قال إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر عوضته منهما الجنة "قال" أي الرجل "فادعه" بالضمير أي ادعه الله واسأل العافية، ويحتمل أن تكون الهاء للسكت. قال الطيبي أسند النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء إلى نفسه وكذا طلب الرجل أن يدعو هو صلى الله عليه وسلم ثم أمره صلى الله عليه وسلم أن يدعو هو أي الرجل كأنه صلى الله عليه وسلم لم يرض منه اختياره الدعاء لما قال الصبر خير لك لكن في جعله شفيعاً له ووسيلة في استجابة الدعاء ما يفهم أنه صلى الله عليه وسلم شريك فيه "فيحسن وضوءه" أي يأتي بكمالاته من سننه وآدابه، وزاد في رواية ابن ماجه ويصلي ركعتين "اللهم إني أسألك" أي أطلبك مقصودي فالمفعول مقدر "وأتوجه إليك بنبيك" الباء للتعدية "محمد نبي الرحمة"(10/32)
لي، اللّهُمّ فَشَفّعْهُ فيّ" قال: هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ
ـــــــ
أي المبعوث رحمة للعالمين "إني توجهت بك" أي استشفعت بك والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، ففي رواية ابن ماجه يا محمد إني قد توجهت بك "لتقضي لي" بصيغة المجهول أي لتقضي لي حاجتي بشفاعتك "فشفعه" بتشديد الفاء أي اقبل شفاعته "في" أي في حقي قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه النسائي وزاد في آخره: فرجع وقد كشف الله عن بصره، وأخرجه أيضاً ابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين وزاد فيه: فدعا بهذا الدعاء فقام وقد أبصر، وأخرجه الطبراني وذكر في أوله قصة وهي أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له وكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه فقال له عثمان بن حنيف"ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي وتذكر حاجتك ورح إلي حتى أروح معك"، فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال ما حاجتك فذكر حاجته فقضاها له ثم قال ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة. وقال ما كانت لك من حاجة فأتنا، ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له جزاك الله خيراً ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمته في فقال عثمان بن حنيف والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أو تصبر؟ فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق علي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات" فقال عثمان بن حنيف فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط. قال الطبراني بعد ذكر طرقه والحديث صحيح كذا في الترغيب. وقال الإمام ابن تيمية في رسالته التوسل والوسيلة بعد ذكر حديث عثمان بن حنيف هذا ما لفظه: وهذا الحديث حديث الأعمى(10/33)
لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ أبي جَعْفَرٍ وَهُوَ غير الْخَطْمِيّ
ـــــــ
قد رواه المصنفون في دلائل النبوة كالبيهقي وغيره ثم أطال الكلام في بيان طرقه وألفاظها "من حديث أبي جعفر وهو غير الخطمي" قال الإمام ابن تيمية: هكذا وقع في الترمذي وسائر العلماء قالوا هو أبو جعفر وهو الصواب انتهى. قلت أبو جعفر عن عمارة بن خزيمة رجلان أحدهما أبو جعفر الخطمي بفتح المعجمة وسكون المهملة اسمه: عمير بن يزيد بن عمير بن حبيب الأنصاري المدني نزيل البصرة صدوق من السادسة والثاني غير الخطمي. قال في التقريب أبو جعفر عن عمارة بن خزيمة قال الترمذي ليس هو الخطمي فلعله الذي بعده. قلت: والذي بعده هو أبو جعفر الرازي التميمي مولاهم واسمه عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان وأصله من مرو وكان يتجر إلى الري صدوق سيء الحفظ خصوصاً عن مغيرة من كبار السابعة.
تنبيه: قال الشيخ عبد الغني في إنجاح الحاجة: ذكر شيخنا عابد السندي في رسالته والحديث يدل على جواز التوسل والاستشفاع بذاته المكرم في حياته. وأما بعد مماته فقد روى الطبراني في الكبير عن عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فذكر الحديث قال وقد كتب شيخنا المذكور رسالة مستقلة فيها التفصيل من أراد فليرجع إليها انتهى. وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين: وفي الحديث دليل على جواز التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل مع اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى وأنه المعطي المانع ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن انتهى. وقال فيها في شرح قول صاحب العمدة: ويتوسل إلى الله بأنبيائه والصالحين ما لفظه ومن التوسل بالأنبياء ما أخرجه الترمذي من حديث عثمان بن حنيف رضي الله عنه أن أعمى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث ثم قال: وأما التوسل بالصالحين فمنه ما ثبت في الصحيح أن الصحابة استسقوا بالعباس رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال عمر رضي الله عنه اللهم إنا نتوسل(10/34)
ـــــــ
إليك بعم نبينا الخ انتهى. وقال في رسالته الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد: وأما التوسل إلى الله سبحانه بأحد من خلقه في مطلب يطلبه العبد من ربه فقد قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: إنه لا يجوز التوسل إلى الله تعالى إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم إن صح الحديث فيه. ولعله يشير إلى الحديث الذي أخرجه النسائي في سننه والترمذي وصححه ابن ماجه وغيرهم أن أعمى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، قال وللناس في معنى هذا قولان أحدهما أن التوسل هو الذي ذكره عمر بن الخطاب لما قال كنا إذا أجدبنا نتوسل بنبينا إليك فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا وهو في صحيح البخاري وغيره فقد ذكر عمر رضي الله عنه أنهم كانوا يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته في الاستسقاء ثم توسل بعمه العباس بعد موته وتوسلهم هو استسقاؤهم بحيث يدعو ويدعون معه فيكون هو وسيلتهم إلى الله تعالى والنبي صلى الله عليه وسلم كان في مثل هذا شافعاً وداعياً لهم، والقول الثاني أن التوسل به صلى الله عليه وسلم يكون في حياته وبعد موته وفي حضرته ومغيبه ولا يخفاك أنه قد ثبت التوسل به صلى الله عليه وسلم في حياته وثبت التوسل بغيره بعد موته بإجماع الصحابة إجماعاً سكوتياً لعدم إنكار أحد منهم على عمر رضي الله عنه في توسله بالعباس رضي الله عنه، وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام لأمرين الأول ما عرفناك به من إجماع الصحابة رضي الله عنهم، والثاني أن التوسل إلى الله بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة إذ لا يكون الفاضل فاضلاً إلا بأعماله، فإذا قال القائل اللهم إني أتوسل إليك بالعالم الفلاني فهو باعتبار ما قام به من العلم، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حكى عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة أن كل واحد منهم توسل إلى الله بأعظم عمل عمله فارتفعت الصخرة، فلو كان التوسل بالأعمال الفاضلة غير جائز أو كان شركاكما يزعمه المتشددون في هذا الباب كابن عبد السلام ومن قال بقوله من أتباعه لم تحصل الإجابة لهم ولا سكت النبي صلى الله عليه وسلم عن إنكار(10/35)
ـــــــ
ما فعلوه بعد حكايته عنهم. وبهذا تعلم أن ما يورده المانعون من التوسل بالأنبياء والصلحاء من نحو قوله تعالى {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ونحو قوله تعالى {فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} ونحو قوله تعالى {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} ليس بوارد بل هو من الاستدلال على محل النزاع بما هو أجنبي عنه، فإن قولهم {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} مصرح بأنهم عبدوهم لذلك والمتوسل بالعالم مثلاً لم يعبده بل علم أن له مزية عند الله بحمله العلم فتوسل به لذلك، وكذلك قوله {فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} فإنه نهى عن أن يدعى مع الله غيره كأن يقول بالله وبفلان، والمتوسل بالعالم مثلاً لم يدع إلا الله فإنما وقع منه التوسل عليه بعمل صالح عمله بعض عباده كما توسل الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة بصالح أعمالهم وكذلك قوله: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} الاَية فإن هؤلاء دعوا من لا يستجيب لهم ولم يدعوا ربهم الذي يستجيب لهم والمتوسل بالعالم مثلاً لم يدع إلا الله ولم يدع غيره دونه ولا دعا غيره معه.
وإذا عرفت هذا لم يخف عليك دفع ما يورده المانعون للتوسل من الأدلة الخارجة عن محل النزاع خروجاً زائداً على ما ذكرناه كاستدلالهم بقوله تعالى {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} فإن هذه الاَية الشريفة ليس فيها إلا أنه تعالى المنفرد بالأمر في يوم الدين وأنه ليس لغيره من الأمر شيء، والمتوسل بنبي من الأنبياء أو عالم من العلماء هو لا يعتقد أن لمن توسل به مشاركة لله جل جلاله في أمر يوم الدين ومن اعتقد هذا العبد من العباد سواء كان نبياً أو غير نبي فهو في ضلال مبين، وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً} فإن هاتين الاَيتين مصرحتان بأنه ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر الله شيء وأنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فكيف يملك لغيره، وليس فيهما منع التوسل به أو بغيره من الأنبياء أو الأولياء أو العلماء، وقد جعل الله لرسوله صلى الله عليه وسلم المقام المحمود لمقام الشفاعة العظمى وأرشد الخلق إلى أن يسألوه ذلك ويطلبوه منه وقال له سل تعطه(10/36)
ـــــــ
واشفع تشفع وقيل ذلك في كتابه العزيز بأن الشفاعة لا تكون إلا بإذنه ولا تكون إلا لمن ارتضى، وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله صلى الله عليه وسلم لما نزل قوله تعالى {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} يا فلان بن فلان لا أملك لك من الله شيئاً، يا فلانة بنت فلان لا أملك لك من الله شيئاً، فإن هذا ليس فيها إلا التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم لا يستطيع نفع من أراد الله ضره ولا ضر من أراد الله تعالى نفعه، وأنه لا يملك لأحد من قرابته فضلاً عن غيرهم شيئاً من الله، وهذا معلوم لكل مسلم وليس فيه أنه لا يتوسل به إلى الله فإن ذلك هو طلب الأمر ممن له الأمر والنهي وإنما أراد الطالب أن يقدم بين يدي طلبه ما يكون سبباً للإجابة ممن هو المنفرد بالعطاء والمنع وهو مالك يوم الدين انتهى كلام الشوكاني.
قلت: الحق عندي أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته بمعنى التوسل بدعائه وشفاعته جائز وكذا التوسل بغيره من أهل الخير والصلاح في حياتهم بمعنى التوسل بدعائهم وشفاعتهم أيضاً جائز، وأما التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد مماته وكذا التوسل بغيره من أهل الخير والصلاح بعد مماتهم فلا يجوز، واختاره الإمام ابن تيمية في رسالته التوسل والوسيلة وقد أشبع الكلام في تحقيقه وأجاد فيه فعليك أن تراجعها، ومن جملة كلامه فيها وإذا كان كذلك فمعلوم أنه إذا ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه جعل من المشروع المستحب أن يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم داعياً له ولا شافعاً فيه فقد علمنا أن عمر وأكابر الصحابة لم يروا هذا مشروعاً بعد مماته كما كان يشرع في حياته بل كانوا في الاستسقاء في حياته يتوسلون به فلما مات لم يتوسلوا به بل قال عمر في دعائه الصحيح المشهور الثابت باتفاق أهل العلم بمحضر من المهاجرين والأنصار في عام الرمادة المشهور لما اشتد بهم الجدب حتى حلف عمر لا يأكل سمناً حتى يخصب الناس، ثم لما استسقى بالناس قال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون، وهذا دعاء أقره عليه جميع الصحابة لم ينكره أحد مع شهرته وهو من أظهر(10/37)
ـــــــ
الإجماعات الإقرارية ودعا بمثله معاوية بن أبي سفيان في خلافته لما استسقى بالناس، فلو كان توسلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته كتوسلهم في حياته لقالوا كيف نتوسل بمثل العباس ويزيد بن الأسود ونحوهما ونعدل عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل الخلائق وهو أفضل الوسائل وأعظمها عند الله، فلما لم يقل ذلك أحد منهم وقد علم أنهم في حياته إنما توسلوا بدعائه وشفاعته وبعد مماته توسلوا بدعاء غيره وشفاعة غيره علم أن المشروع عندهم التوسل بدعاء المتوسل به لا بذاته، وحديث الأعمى حجة لعمر وعامة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فإنه إنما أمر الأعمى أن يتوسل إلى الله بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه لا بذاته، وقال له في الدعاء "قل اللهم فشفعه في"، وإذا قدر أن بعض الصحابة أمر غيره أن يتوسل بذاته لا بشفاعته ولم يأمر بالدعاء المشروع بل ببعضه وترك سائره المتضمن للتوسل بشفاعته كان ما فعله عمر بن الخطاب هو الموافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان المخالف لعمر محجوجاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم حجة عليه لا له. وقال فيها: فأما التوسل بذاته في حضوره أو مغيبه أو بعد موته مثل الإقسام بذاته أو بغيره من الأنبياء أو السؤال بنفس ذواتهم لا بدعائهم فليس هذا مشروعاً عند الصحابة والتابعين بل عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان ومن بحضرتهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان لما أجدبوا استسقوا وتوسلوا أو استشفعوا بمن كان حياً كالعباس ويزيد بن الأسود ولم يتوسلوا ولم يستشفعوا ولم يستسقوا في هذه الحال بالنبي صلى الله عليه وسلم لا عند قبره ولا غير قبره بل عدلوا إلى البدل كالعباس وكيزيد بل كانوا يصلون عليه في دعائهم، وقد قال عمر اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فجعلوا هذا بدلاً عن ذاك لما تعذر أن يتوسلوا به على الوجه المشروع الذي كانوا يفعلونه، وقد كان من الممكن أن يأتوا إلى قبره ويتوسلوا هناك ويقولوا في دعائهم بالجاه ونحو ذلك من الألفاظ التي تتضمن القسم بمخلوق على الله عز وجل أو السؤال به فيقولون نسألك أو نقسم عليك بنبيك أو بجاه نبيك ونحو ذلك مما يفعله بعض الناس انتهى.(10/38)
3650 ـ حَدّثَنَا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرحمَنِ أخبرنا إسْحَاقُ بنُ مُوسَى حدثني مَعْنٌ حدثني مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ عَن ضمْرَةَ بنِ حَبِيبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ رضي الله عنه يَقُولُ حدثني عَمْرُو بنُ عَبسَةَ أَنّهُ سَمِعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرّبّ مِنَ العَبْدِ في جَوْفِ اللّيْلِ الاَخِرِ فإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمّنْ يَذْكُرُ الله في تِلْكَ السّاعَةِ فَكُنْ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ
ـــــــ
قوله: "سمعت أبا أمامة" الباهلي اسمه صدى بن عجلان. قوله: "في جوف الليل" خبر أقرب أي أقربيته تعالى من عباده كائنة في الليل. قال الطيبي: إما حال من الرب أي قائلاً في جوف الليل من يدعوني فأستجيب له الحديث سدت مسد الخبر ومن العبد أي قائماً في جوف الليل داعياً مستغفراً، ويحتمل أن يكون خبراً لأقرب فإن قلت: المذكور في هذا الحديث "أقرب ما يكون الرب من العبد" وفي حديث أبو هريرة عن مسلم وغيره "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"، أجيب بأنه قد علم من حديث أبي هريرة: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا" الخ أن رحمته سابقة، فقرب رحمة الله من المحسنين سابق على إحسانهم فإذا سجدوا قربوا من ربهم بإحسانهم كما قال فاسجد واقترب، وفيه أن لطف الله وتوفيقه سابق على عمل العبد وسبب له ولولاه لم يصدر من العبد خير قط انتهى. وقال ميرك: فإن قلت ما الفرق بين هذا القول وقوله أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، قلت: المراد ههنا بيان وقت كون الرب أقرب من العبد وهو جوف الليل، والمراد هناك بيان أقربية أحوال العبد من الرب وهو حال السجود فتأمل "الاَخر" صفة لجوف الليل على أنه بنصف الليل ويجعل لكل نصف جوفاً، القرب يحصل في جوف النصف الثاني فابتداءه يكون من الثلث الأخير وهو وقت القيام للتهجد قاله الطيبي. وقال القاري ولا يبعد أن يكون ابتداؤه من أول النصف الأخير "فإن استطعت" أي قدرت ووفقت "ممن يذكر الله" في ضمن صلاة أو غيرها "في تلك الساعة" إشارة إلى لطفها "فكن"(10/39)
3651 ـ حَدّثَنَا أبُو الوَلِيدِ الدّمَشْقِيّ أحمد بن عبد الرحمن بن بكار حدثنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ حدثنا عُفَيْرُ بنُ مَعْدَانَ أنّهُ سَمِعَ أبَا دَوْسٍ اليَحْصُبِيّ يُحَدّثُ عن ابنِ عَائِذٍ اليَحْصُبِيّ عَن عِمَارَةَ بنِ زَعْكَرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إنّ الله عَزّ وَجَلّ يَقُولُ إنّ عَبْدِي كلّ عَبْدِي الذي يَذْكُرُنِي وَهُوَ مُلاَقٍ قِرْنَهُ" يَعْنِي عِنْدَ القِتَالِ. هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ لَيْسَ إسْنَادُهُ بالقَوِيّ.
ـــــــ
أي اجتهد أن تكون من جملتهم وهذا أبلغ مما لو قيل إن استطعت أن تكون ذاكراً فكن لأن الأولى فيها صفة عموم شامل للأنبياء والأولياء فيكون داخلاً فيهم. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه" وأخرجه النسائي والحاكم وصححه وابن خزيمة في صحيحه.
ـ قوله: "حدثنا أبو الوليد الدمشقي" اسمه أحمد بن عبد الرحمن بن بكار "أخبرنا الوليد بن مسلم" القرشي الدمشقي "حدثني عفير" بضم عين وفتح فاء وسكون ياء مصغراً "بن معدان" بفتح ميم وسكون عين مهملة وخفة دال مهملة الحمصي المؤذن ضعيف من الثالثة "سمع أبا دوس اليحصبي" بفتح التحتية وسكون المهملة وضم الصاد وفتحها وبموحدة اسمه عثمان بن عبيد الشامي مقبول من السابعة، قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته روى له الترمذي حديثاً واحداً في الجهاد في مسند عمارة بن زعكرة "عن ابن عائذ" اسمه عبد الرحمن بن عائذ بتحتانية ومعجمة الثمالي بضم المثلثة ويقال الكندي الحمصي ثقة من الثالثة وقد وقع في النسخة الأحمدية أبي عائذ وهو غلط "عن عمارة بن زعكرة" بفتح الزاي والكاف بينهما غير مهملة ساكنة الكندي أبي عدي الحمصي صحابي. قوله: "إن عبدي كل عبدي" أي عبدي حقاً "الذي يذكرني وهو ملاق قرنه" بكسر القاف وسكون الراء عدوه المقارن المكافئ له في الشجاعة والحرب فلا يغفل عن ربه حتى في حال معاينة الهلاك "يعني عند القتال" هذا تفسير من بعض رواة هذا الحديث "وليس إسناده بالقوي" لضعف عفير بن معدان.(10/40)
8 ـ باب في فَضْلِ لا حَوْلَ وَلاَ قُوّةَ إِلاّ بالله
5652ـ حَدّثَنَا أبُو مُوسَى مُحمّدُ بنُ المُثَنّى حدثنا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ حدثنا أبي قَالَ: سَمِعْتُ مَنْصُورَ بنَ
زَاذَانَ يُحَدّثُ عَن مَيْمُونِ بنِ أَبي شَبِيبٍ عَن قَيْسٍ بنِ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ "أَنّ أَبَاهُ دَفَعَهُ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يَخْدُمُهُ قَالَ فَمَرّ بِيَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ صَلّيْتُ فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ وقالَ "أَلاَ أَدُلّكَ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنّةِ؟ قُلْتُ بَلَى، قالَ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوّةَ إلاّ بالله".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
ـــــــ
"باب في فَضْلِ لا حَوْلَ وَلاَ قُوّةَ إِلاّ بالله"
قوله: "عن قيس بن سعد بن عبادة" الخزرجي الأنصاري صحابي جليل مات سنة ستين تقريباً وقيل بعد ذلك. قوله: "أن أباه" أي سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الأنصاري الخزرجي أحد النقباء وأحد الأجواد مات بأرض الشام سنة خمس عشرة وقيل غير ذلك "يخدمه" أي ليخدمه "قال" أي قيس بن سعد "فضربني برجله" أي للتنبيه "ألا أدلك" يا قيس بن سعد "قلت بلى" أي دلني "لا حول ولا قوة إلا بالله" سبق معناه في باب ما جاء في فضل التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد. قال النووي: هي كلمة استسلام وتفويض وأن العبد لا يملك من أمره شيئاً وليس له حيلة في دفع شر ولا قوة في جلب خير إلا بإرادة الله تعالى انتهى. قال المناوي: لما تضمنت هذه الكلمة براءة النفس من حولها وقوتها إلى حول الله وقوته كانت موصلة إليها والباب ما يتوصل(10/41)
3653 ـ حَدّثَنَا مُوسَى بنُ حِزَامٍ وَعْبدُ بنُ حُمَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قالُوا أخبرنا مُحمّدُ بنُ بِشْرٍ فقَال سَمِعْتُ
هَانِئ بنَ عُثْمَانَ عَن أُمّهِ حُمَيْضَةَ بِنْتِ يَاسِرٍ عَنْ جَدّتِهَا يُسَيْرَةَ وكَانَتْ مِنَ المُهَاجِرَاتِ قالَتْ: قالَ لَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكُنّ بالتّسْبِيحِ وَالتّهْلِيلِ والتّقْدِيسِ وَاعْقِدْنَ بالأنَامِلِ فإنّهُنّ مَسْؤُولاَت مُسْتَنْطَقَات
ـــــــ
منه إلى المقصود. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرطهما
قوله: "حدثنا موسى بن حزام" بزاي أبو عمران الترمذي "أخبرنا محمد بن بشر" هو العبدي "سمعت هانئ بن عثمان" الجهني أبا عثمان الكوفي مقبول من السادسة "عن أمه حميضة" بضم حاء وفتح ميم وسكون تحتية وإعجام ضاد "بنت ياسر" بمثناة تحت وكسر سين مقبولة من الرابعة "عن جدتها يسيرة" بمثناة تحتية مضمومة وسين وراء مهملتين بينهما مثناة تحتية ويقال أسيرة بالهمز أم ياسر صحابية من الأنصاريات ويقال من المهاجرات كذا في التقريب. قوله: "قال لنا" أي معشر النساء "عليكن" اسم فعل بمعنى الزمن وأمسكن "بالتسبيح" أي بقول سبحان الله "والتهليل" أي قولا لا إله إلا الله "والتقديس" أي قول سبحان الملك القدوس أو سبوح قدوس رب الملائكة والروح "واعقدن" بكسر القاف أي اعددن عدد مرات التسبيح وما عطف عليه "بالأنامل" أي بعقدها أو برؤوسها يقال عقد الشيء بالأنامل عده. قال الطيبي: حرضهن صلى الله عليه وسلم على أن يحصين تلك الكلمات بأناملهن ليحط عنها بذلك ما اجترحته من الذنوب ويدل على أنهن كن يعرفن عقد الحساب انتهى. والأنامل جمع أنملة بتثليث الميم والهمز تسع لغات التي فيها الظفر كذا في القاموس والظاهر أن يراد بها الأصابع من باب إطلاق البعض وإرادة الكل عكس ما ورد في قوله تعالى {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} للمبالغة "فإنهن" أي الأنامل كسائر الأعضاء "مسؤولات" أي يسألن يوم القيامة عما اكتسبن وبأي شيء(10/42)
وَلاَ تَغْفَلْنَ فَتَنْسَيْنَ الرّحْمَةَ". هَذا حديثٌ إنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ هَانِئ بنِ عُثْمانَ وقَدْ روى مُحمّدُ بنُ رَبِيْعَةَ عَن هانئ بنِ عُثْمَانَ.
ـــــــ
استعملن "مستنطقات" بفتح الطاء أي متكلمات بخلق النطق فيها فيشهدن لصاحبهن أو عليه بما اكتسبه. قال تعالى {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ} وفيه حث على استعمال الأعضاء فيما يرضي الرب تعالى وتعريض بالتحفظ عن الفواحش والاَثام "ولا تغفلن" بضم الفاء. والفتح لحن، أي عن الذكر يعني لا تتركن الذكر "فتنسين الرحمة" بفتح التاء بصيغة المعروف من النسيان أي فتتركن الرحمة ويجوز أن يكون بضم التاء بصيغة المجهول من الإنساء قال القاري: والمراد بنسيان الرحمة نسيان أسبابها أي لا تتركن الذكر فإنكن لو تركتن الذكر لحرمتن ثوابه فكأنكن تركتن الرحمة. قال تعالى {فَاذْكُرُونِي} أي بالطاعة {أَذْكُرْكُمْ} أي بالرحمة. قال الطيبي "لا تغفلن" نهي لأمرين أي لا تغفلن عما ذكرت لكن من اللزوم علي الذكر والمحافظة عليه والعقد بالأصابع توثيقاً وقوله "فتنسين" جواب لو أي أنكن لو تغفلن عما ذكرت لكن لتركتن سدى عن رحمة الله وهذا من باب قوله تعالى {وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} أو لا يكن منكم الغفلة فيكون من الله ترك الرحمة فعبر بالنسيان عن ترك الرحمة كما في قوله تعالى {وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}.
تنبيه: اعلم أن للعرب طريقة معروفة في عقود الحساب تواطأوا عليها وهي أنواع من الاَحاد والعشرات والمئين والألوف، أما الاَحاد فللواحد عقد الخنصر إلى أقرب ما يليه من باطن الكف، وللاثنين عقد البنصر معها كذلك، وللثلاثة عقد الوسطى معها كذلك، وللأربعة حل الخنصر، وللخمسة حل البنصر معها دون الوسطى، وللستة عقد البنصر وحل جميع الأنامل، وللسبعة بسط الخنصر إلى أصل الإبهام مما يلي الكف، وللثمانية بسط البنصر فوقها كذلك، وللتسعة بسط الوسطى فوقها كذلك. وأما العشرات فلها الإبهام والسبابة فللعشرة الأولى عقد رأس الإبهام على طرف السبابة، وللعشرين إدخال الإبهام بين السبابة والوسطى، وللثلاثين عقد رأس السبابة على رأس الإبهام عكس(10/43)
3654 ـ حَدّثَنَا نَصْرُ بنُ عَلِيّ الْجَهْضَمِيّ قال: أخْبَرَنِي أبي عَن المُثَنّى بنِ سَعِيدٍ عَن قَتَادَةَ عن أَنَسٍ قالَ:
"كانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم إذَا غَزَا قَالَ: "اللّهُمّ أَنْتَ عَضُدِي وَأنْتَ نَصِيري وَبِكَ أُقَاتِلُ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
3655 ـ حَدّثَنَا أبُو عمر ومُسْلِمُ بنُ عَمْرٍو الْحَذّاءُ المَدِينِيّ قال
ـــــــ
العشرة، وللأربعين تركيب الإبهام على العقد الأوسط من السبابة وعطف الإبهام إلى أصلها، وللخمسين عطف الإبهام إلى أصلها وللستين تركيب السبابة على ظهر الإبهام عكس الأربعين، وللسبعين إلقاء رأس الإبهام على العقد الأوسط من السبابة ورد طرف السبابة إلى الإبهام، وللثمانين رد طرف السبابة إلى أصلها وبسط الإبهام على جنب السبابة من ناحية الإبهام، وللتسعين عطف السبابة إلى أصل الإبهام وضمها بالإبهام. وأما المئين فكالاَحاد إلى تسعمائة في اليد اليسرى، والألوف كالعشرات في اليسرى. قوله: "هذا حديث إنما نعرفه من حديث هانئ بن عثمان" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم وسكت عنه أبو داود والمنذري.
قوله: "حدثنا نصر بن علي" بن نصر بن علي الجهضمي "قال أخبرني أبي" أي علي بن نصر بن علي الجهضمي "عن المثنى" بضم الميم وفتح المثلثة وتشديد النون مقصوراً "بن سعيد" الضبعي البصري القسام القصير ثقة من السادسة. قوله: "اللهم أنت عضدي" بفتح مهملة وضم معجمة أي معتمدي فلا أعتمد على غيرك، وقال في القاموس: العضد بالفتح وبالضم وبالكسر وككتف وندس وعنق ما بين المرفق إلى الكتف والعضد الناصر والمعين وهم عضدي وأعضادي "وأنت نصيري" أي معيني ومغيثي عطف تفسيري "وبك" أي بحولك وقوتك وعونك ونصرتك "أقاتل" أي أعداءك حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان وابن أبي شيبة وأبو عوانة وسكت عنه أبو داود ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره.(10/44)
حدثَني عَبْدُ الله بنُ نَافِعٍ عَنْ حَمّادِ بنِ أبي حُمَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بنِ شُعْيبٍ عَن أبِيهِ عَن جَدّهِ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "خَيْرُ الدّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أنا والنّبِيّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إلَهَ إلاّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كلّ شَيْءٍ قَديرٌ" قال: هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَحَمّادُ بنُ أبي حُمَيْدٍ هُوَ مُحمّدُ بنُ أبي حُمَيْدٍ وَهُوَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الأَنْصَارِيّ المَدَنِيّ وَلَيْسَ هو بالقَوِيّ عِنْدَ أهْلِ الْحَدِيث.
ـــــــ
قوله: "حدثني عبد الله بن نافع" الصائغ مولى بني مخزوم. قوله: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة" لأنه أجزل إثابة وأعجل إجابة، قال الطيبي: الإضافة فيه إما بمعنى اللام أي دعاء يختص به ويكون قوله: "وخير ما قلت والنبيون من قبلي لا إله إلا الله". بياناً لذلك الدعاء فإن قلت هو ثناء قلت في الثناء تعريض بالطلب. وإما بمعنى في لعم الأدعية الواقعة فيه انتهى "وخير ما قلت" قال في اللمعات أي دعوت والدعاء هو لا إله إلا الله وحده الخ، وتسميته دعاء إما لأن الثناء على الكريم تعريض بالدعاء والسؤال، وأما لحديث "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" هكذا قالوا. ولا يخفى أن عبارة هذا الحديث لا تقتضي أن يكون الدعاء قوله لا إله إلا الله الخ بل المراد أن خير الدعاء ما يكون يوم عرفة أي دعاء كان، وقوله وخير ما قلت إشارة إلى ذكر غير الدعاء فلا حاجة إلى جعل ما قلت بمعنى ما دعوت ويمكن أن يكون هذا الذكر توطية لتلك الأدعية لما يستحب من الثناء على الله قبل الدعاء انتهى. قلت: الاحتمال الأول الذي ذكره الطيبي يؤيده رواية الطبراني ورواية أحمد الاَتيتان. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه مالك في الموطأ عن طلحة بن عبيد الله بن كريز إلى قوله: لا شريك له. قال القاري: ورواه الطبراني بلفظ: أفضل ما قلت والنبيون قبلي عشية عرفة لا إله إلا الله الخ وسنده حسن جيد كما قاله الأذرعي انتهى، وأخرجه أيضاً أحمد بإسناد رجاله ثقات بلفظ: كان أكثر دعاء رسول(10/45)
الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك الخ.(10/46)
9 ـ باب
3656 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ حُمَيْدٍ حدثنا عَلِيّ بنُ أبي بَكْرٍ عَن الْجَرّاحِ بنِ الضّحّاكِ الكِنْدِيّ عن أبي
شَيْبَةَ عَن عَبْدِ الله بنِ عُكَيْمٍ عَنْ عُمَرَ بنِ الْخَطّابِ قالَ: "عَلّمَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ "قُلْ اللّهُمّ اجْعَلْ سَرِيرَتِي خَيْراً مِنْ عَلاَنِيَتِي واجْعَلْ عَلاَنِيَتِي صَالِحَةً. اللّهُمّ إنّي أَسْأَلُكَ مِنْ صَالِحِ مَا تُؤْتِي النّاسَ مِنَ المَالِ وَالأهْلِ والوَلَدِ غَيْرِ الضّال وَلاَ المُضِلّ". هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بالْقَوِيّ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا محمد بن حميد" بن حيان الرازي "حدثنا علي بن أبي بكر" الإسفذني "عن الجراح بن الضحاك" بن قيس الكندي الكوفي صدوق من السابعة "عن أبي شيبة عن عبد الله بن عكيم" قال في التقريب: أبو شيبة عن عبد الله بن عكيم يحتمل أن يكون أحد هؤلاء وإلا فمجهول من السادسة انتهى، والمراد بهؤلاء المكنون بأبي شيبة المذكورون قبله "علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي دعاء "قال" بيان لقوله علمني "اللهم اجعل سريرتي" هي السر بمعنى وهو ما يكتم "خيراً من علانيتي" بالتخفيف "واجعل علانيتي صالحة" طلب أولاً سريرة خيراً من العلانية ثم عقب بطلب علانية صالحة لدفع توهم أن السريرة ربما تكون خيراً من علانية غير صالحة "إني أسألك من صالح ما تؤتي الناس" قيل من زائدة كما هو مذهب الأخفش وقوله "من(10/46)
المال والأهل والولد" بيان ما ويجوز أن تكون ما للتبعيض "غير الضال" أي بنفسه "ولا المضل" أي لغيره قال الطيبي: مجرور بدل من كل واحد من الأهل والمال والولد ويجوز أن يكون الضال بمعنى النسبة أي غير ذي ضلال.(10/47)
10 ـ باب
3657 ـ حَدّثَنَا عُقْبَةُ بنُ مُكْرَمٍ حدثنا سَعِيدُ بنُ سُفْيَانَ الْجَحْدَرِيّ حدثنا عَبْدُ الله بنُ معْدَانَ قال أخبرني
عَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ الْجَرمِيّ عَن أبِيهِ عَن جَدّهِ قالَ: "دَخَلْتُ عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهُوَ يُصَلّي وَقَدْ وَضَعَ يَدَهُ اليُسْرَى عَلَى فَخذِهِ اليُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ اليُمْنَى، وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ وبَسَطَ السّبّابَةَ وَهُوَ يَقُولُ: "يَا مُقَلّبَ القُلُوبِ ثَبّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ". هَذا حديثٌ غَريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا سعيد بن سفيان الجحدري" بفتح جيم وسكون حاء وفتح دال مهملتين وبراء البصري صدوق يخطئ من التاسعة "حدثنا عبد الله بن معدان" المكي المكنى بأبي معدان مقبول من السابعة روي عن جدته وعاصم بن كليب وغيرهما وعنه وكيع وسعيد بن سفيان الجحدري وغيرهما "عن أبيه" أي كليب بن شهاب صدوق من الثانية "عن جده" أي شهاب بن المجنون ويقال شهاب بن كليب بن شهاب ويقال شهاب بن أبي شيبة ويقال شبيب ويقال شتير صحابي له هذا الحديث قوله: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" تقدم شرح هذا في باب ما جاء: أن القلوب بين إصبعي الرحمَن. من أبواب القدر.(10/47)
3658 ـ حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بنُ عَبْدِ الصّمَدِ حدثني أبي حدثنا مُحمّدُ بنُ سَالِمٍ حَدّثَنَا ثَابِتٌ البُنَانِيّ قالَ قالَ لِي: "يا مُحمّدُ إذا اشْتَكَيْتَ فَضَعْ يَدَكَ حَيْثُ تَشْتَكِي ثُمّ قُلْ: بِسْمِ الله أَعُوذُ بِعِزّةِ الله وقُدْرَتِهِ مِنْ شَرّ مَا أَجِدُ مِنْ وَجَعِي هَذَا ثُمْ ارْفَعْ يَدَكَ ثُمّ أَعِدْ ذَلِكَ وِتْراً فإِنّ أنَسَ بنَ مَالِكٍ حَدّثَنِي أنّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم حَدّثَهُ بِذَلِكَ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
3659 ـ حَدّثَنَا حُسَيْنُ بنُ عَلِيّ بنِ الأسْوَدِ البَغْدَادِيّ حدثنا مُحمّدُ بنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ إسْحَاقَ عَن حَفْصَةَ بِنْتِ أبي كَثِيرٍ عَن أبِيهَا أبي كَثِيرٍ عَن أُمّ سَلَمَةَ قالَتْ: "عَلّمَنِي رَسُولُ الله صلى الله
ـــــــ
قوله: "أخبرنا محمد بن سالم" الربعي البصري مقبول من السابعة قوله: "قال" أي محمد بن سالم "قال" أي ثابت البناني "يا محمد" هو ابن سالم "إذا اشتكيت" أي مرضت "فضع يدك" أي اليمنى كما في حديث عثمان بن أبي العاص الاَتي "حيث تشتكي" أي على المحل الذي يؤلمك ويوجعك "ثم قل" حال الوضع "بسم الله" أي استشفى باسم الله "أعوذ" أي أعتصم "بعزة الله" أي غلبته وعظمته "من وجعي" أي مرضي "ثم ارفع يدك" عنه "ثم أعد ذلك" أي الوضع والتسمية والتعوذ بهؤلاء الكلمات. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه الحاكم. وروى الترمذي في الطب عن عثمان بن أبي العاص أنه قال: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبي وجع قد كاد يهلكني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "امسح بيمينك سبع مرات وقل أعوذ بعزة الله وقدرته وسلطانه من شر ما أجد". قال ففعلت فأذهب الله ما كان بي فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم.
قوله: "عن عبد الرحمن بن إسحاق" أبي شيبة الواسطي. قوله: "قولي"(10/48)
عليه وسلم قالَ: "قُولِي اللّهُمّ هَذَا اسْتِقْبَالُ لَيْلِكَ، واسْتِدْبَارُ نَهَارِكَ، وَأَصْوَاتُ دعواتك، وَحُضُورُ
صَلَوَاتِكَ، أسْأَلُكَ أنْ تَغْفِرَ لِي" . هَذا حديثٌ غَريبٌ إِنّمَانعرِفُهُ من هَذَا الْوَجْهِ. وَحَفْصَةُ بِنْتُ أبِي كَثِير لا نَعْرِفُهَا وَلاَ أباها.
3660 ـ حَدّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيّ بنِ يَزِيدَ الصّدَائِيّ البَغْدَادِيّ أخبرنا الْوَلِيدُ بنُ القَاسِم بن الوليد الْهَمْدَانِيّ عَن يَزِيدَ بنِ كَيْسَانَ عَن أبي حَازِمٍ عَن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا قالَ عَبْدٌ لاَ إلَهَ إلاّ الله قَطّ مُخْلِصاً إلاّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السّمَاءِ حَتّى تُفْضِي
ـــــــ.
أي عند أذان المغرب كما في رواية أبي داود "اللهم هذا" إشارة إلى ما في الذهن وهو مبهم مفسر بالخبر قاله الطيبي. قال القاري: والظاهر أنه إشارة إلى الأذان لقوله: وأصوات دعائك "استقبال ليلك" وفي رواية أبي داود إقبال ليلك أي هذا الأذان أوان إقبال ليلك "واستدبار نهارك" أي في الأفق "وأصوات دعائك" أي في الاَفاق جمع داع كقضاة جمع قاض وهو المؤذن. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أبو داود والحاكم في مستدركه وقال صحيح الإسناد، والبيهقي في كتاب الدعوات الكبير "وحفصة بنت أبي كثير لا نعرفها ولا أباها" وقال الذهبي في الميزان لا يعرفان.
قوله: "حدثنا الحسين بن علي بن يزيد الصدائي" بضم صاد وخفة دال مهملتين فألف فهمزة نسبته إلى صداء وصدوق من الحادية عشرة "وأخبرنا الوليد بن قاسم الهمداني" ثم الخبذعي الكوفي صدوق يخطئ من الثامنة "عن أبي حازم" اسمه سلمان الأشجعي الكوفي. قوله: "ما قال عبد لا إله إلا الله قط مخلصاً" أي من غير رياء وسمعة، ومؤمناً غير منافق "إلا فتحت" بالتخفيف وتشدد "له" أي لهذا الكلام أو القول فلا تزال كلمة الشهادة صاعدة "حتى تفضي" بضم التاء وكسر المعجمة بصيغة المعروف من الإفضاء أي تصل(10/49)
إلى العَرْشِ ما اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
3661 ـ حَدّثَنَا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ حدثنا أَحْمَدُ بنُ بَشِيرٍ وأبُو أُسَامَةَ عَن مِسْعَرٍ عَن زِيَادِ بنِ عَلاَقَةَ عَن عَمّهِ قالَ كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اللّهُمّ إنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأخْلاَقِ وَالأعْمَالِ وَالأهْوَاءِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَعمّ زِيَادِ بنِ عَلاَقَةَ هُوَ قُطْبَةُ بنُ مَالِكٍ صَاحِبُ النبي صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
"ما اجتنب" أي صاحبه "الكبائر" أي وذلك مدة تجنب قائلها الكبائر من الذنوب. قال الطيبي: حديث عبد الله بن عمرو الذي فيه: ولا إله إلا الله. ليس لها حجاب دون الله حتى تخلص إليه، دل على تجاوزه من العرش حتى انتهى إلى الله تعالى، والمراد من ذلك سرعة القبول، والاجتناب عن الكبائر شرط للسرعة لا لأجل الثواب والقبول. قال القاري أو لأجل كمال الثواب وأعلى مراتب القبول لأن السيئة لا تحبط الحسنة بل الحسنة تذهب السيئة. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه النسائي وابن حبان.
قوله: "وأبو أسامة" اسمه حماد بن أسامة "عن زياد بن علاقة" بكسر العين المهملة. قوله: "اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق" المنكر ما لا يعرف حسنه من جهة الشرع أو ما عرف قبحه من جهته والمراد بالأخلاق الأعمال الباطنة "والأعمال" أي الأفعال الظاهرة "والأهواء" جمع الهوى مصدر هواه إذا أحبه ثم سمي بالهوى المشتهى محموداً كان أو مذموماً ثم غلب على غير المحمود كذا في المغرب. قال الطيبي: الإضافة في القرينتين الأوليين من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف وفي الثالثة بيانية لأن الأهواء كلها منكرة انتهى. قال القاري: والأظهر أن الإضافات كلها من باب واحد ويحمل الهوى على المعنى اللغوي كما في قوله تعالى {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ}(10/50)
3662 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ حدثنا إسْمَاعِيلُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدثنا الْحَجّاجُ بنُ أبي عُثْمَانَ عَن أَبي الزّبَيْرِ عَنْ عَوْن بنِ عَبْدِ الله عَنْ ابنِ عُمَرَ قالَ رضي الله عنهما: "بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلّي مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إذْ قالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ الله أَكْبَرُ كَبِيراً وَالْحَمْدُ لله كَثِيراً وَسُبْحَانَ الله بُكُرَةً وأصِيلاً، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنِ القَائِلُ" كَذَا وَكَذَا؟ فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ أَنَا يَا رَسُولَ الله. قَالَ: "عَجِبْتُ لَهَا فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السّمَاءِ" . قالَ ابنُ عُمَرَ مَا تَرَكْتُهُنّ مُنْذُ سَمِعْتُهم مِنْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم". هَذا حديثٌ غريبٌ حَسَنٌ صحيحٌ
ـــــــ
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم والطبراني في الكبير "وعم زياد بن علاقة هو قطبة" بضم القاف وسكون الطاء وفتح الموحدة.
قوله: "حدثنا إسماعيل بن إبراهيم" هو ابن علية: قوله: "الله أكبر" بالسكون ويضم "كبيراً" حال مؤكدة وقيل منصوب بإضمار أكبر وقيل صفة لمحذوف أي تكبيراً كبيراً وافعل لمجرد المبالغة أو معناه أعظم من أن يعرف عظمته. قال ابن الهمام إن أفعل وفعيلا في صفاته تعالى سواء لأنه لا يراد بأكبر إثبات الزيادة في صفته بالنسبة إلى غيره بعد المشاركة لأنه لا يساويه أحد في أصل الكبرياء "والحمد لله كثيراً" صفة لموصوف مقدر أي حمداً كثيراً "وسبحان الله بكرة وأصيلاً" أي في أول النهار وآخره منصوبان على الظرفية والعامل سبحان وخص هذين الوقتين لاجتماع ملائكة الليل والنهار فيهما كذا ذكره الأبهري وصاحب المفاتيح. وقال الطيبي الأظهر أن يراد بهما الدوام كما في قوله تعالى {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} "كذا وكذا" وفي رواية مسلم كلمة كذا وكذا. قوله: "هذا حديث غريب حسن صحيح" وأخرجه مسلم.(10/51)
مِنْ هَذَا الوَجْهِ وحَجّاجُ بنُ أبي عُثْمَانَ هُوَ حَجّاجُ بنُ مَيْسَرَةَ الصّوّافُ وَيُكْنَى أَبَا الصّلْتِ وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أهْلِ الْحَدِيثِ(10/52)
11 ـ باب أيّ الكلاَمِ أحَبّ إلى الله
3663 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ حدثنا إسْمَاعِيلُ بنُ إبْرَاهِيمَ قال: أخبرنا الْجُرَيْرِيّ عَن أبي عَبْدِ الله الْجَسْرِيّ عَن عَبْدِ الله بنِ الصّامِتِ عَن أبي ذَرّ "أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَادَهُ أوْ أنّ أبَا ذَرّ عَادَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ بِأَبي أَنْتَ وَأُمّي يَا رَسُولَ الله أَيّ الكلاَمِ أَحبّ إلى الله عز وجلّ؟ فَقَالَ "مَا اصْطَفَاهُ الله لِملاَئِكَتِهِ سُبْحَانَ رَبّي وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ رَبّي وَبِحَمْدِهِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
قوله: "عن أبي عبد الله الجسري" بفتح الجيم وكسرها وسكون السين المهملة نسبة إلى جسر بطن من عنزة وقضاعة واسمه حميري بكسر الحاء وبالواو بلفظ النسبة ابن بشير ثقة يرسل من الثالثة قوله: "أو أن أبا ذر" كلمة أو للشك من الراوي "ما اصطفاه الله لملائكته" أي الذي اختاره من الذكر للملائكة وأمرهم بالدوام عليه لغاية فضيلته "سبحان ربي" أي أنزهه من كل سوء "وبحمده" الواو للحال أي أسبح ربي متلبساً بحمده أو عاطفة أي أسبح ربي وأتلبس بحمده يعني أنزهه عن جميع النقائص وأحمده بأنواع الكمالات. قال الطيبي: لمح به إلى قوله تعالى {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} وفي رواية لمسلم(10/52)
3664 ـ حَدّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرّفَاعِيّ مُحمّدُ بنُ يَزيِدَ الكُوفِيّ حدثنا يَحْيَى بنُ اليَمَانِ حدثنا سُفْيَانُ عَن زَيْدٍ العَمّيّ عَن أبي إيَاسٍ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرّةَ عَنْ أَنَسٍ بنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الدّعَاءُ لاَ يُرَدّ بَيْنَ الأَذَانِ والإقَامَةِ قَالُوا فَمَاذَا نَقُولُ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ سَلُوا الله العَافِيَةَ في الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ زَادَ يَحْيَى بنُ اليَمَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هَذَا الحَرْفَ "قَالُوا فَمَاذَا نَقُولُ؟ قَالَ " سَلُوا الله العَافِيةَ
ـــــــ
أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده. قال النووي: هذا محمول على كلا الاَدمي وإلا فالقرآن أفضل وكذا قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل المطلق، فأما المأثور في وقت أو حال ونحو ذلك فالاشتغال به أفضل انتهى. وفي الحديث أن أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده. وهذا بظاهره يعارض حديث جابر الذي تقدم في باب أن دعوة المسلم مستجابة بلفظ: أفضل الذكر لا إله إلا الله، وقد جمع القرطبي بما حاصله أن هذه الأذكار إذا أطلق على بعضها أنه أفضل الكلام أو أحبه إلى الله فالمراد إذا انضمت إلى أخواتها بدليل حديث سمرة عند مسلم: أحب الكلام إلى الله أربع لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ويحتمل أن يكتفي في ذلك بالمعنى فيكون من اقتصر على بعضاً كفى لأن حاصلها التعظيم والتنزيه ومن نزهه فقد عظمه ومن عظمه فقد نزهه انتهى. قال الحافظ: ويحتمل أن يجمع بأن تكون من مضمرة في قوله أفضل الذكر لا إله إلا الله وفي قوله أحب الكلام إلى الله بناء على أن لفظ أفضل وأحب متساويان في المعنى لكن يظهر مع ذلك تفضيل لا إله إلا الله لأنها ذكرت بالتنصيص عليها بالأفضلية الصريحة. وذكرت مع أخواتها بالأحبية فحصل لها التفضيل تنصيصاً وانضماماً انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي.
قوله: "أخبرنا سفيان" هو الثوري. قوله: "سلوا الله العافية" أي السلامة(10/53)
في الدّنْيَا والاَخِرَةِ".
3735 ـ حَدّثَنَا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا وَكِيعٌ وَ عَبْدُ الرّزّاقِ و أبُو أَحْمَدَ و أبُو نُعَيْمٍ عَن سُفْيَانَ عَن زَيْدٍ العَمّيّ عَن مُعَاوِيَةَ بنِ قُرّةَ عَن أنَسِ بن ملك عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "الدّعَاءُ لاَ يُرَدّ بَيْنَ الأَذَانِ والإقَامَةِ". وهَكَذَا رَوَى أبُو إسْحَاقَ الهَمْدَانِيّ هَذَا الحَدِيثَ عَن بُرَيْدِ بنِ أبي مَرْيَمَ الكُوفِيّ عَن أَنَسٍ عَن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا وَهَذَا أصَحّ.
ـــــــ
عن الاَفات والمصائب "وقد زاد يحيى بن اليمان في هذا الحديث هذا الحرف قالوا فماذا نقول الخ" قوله قالوا فماذا نقول الخ بيان لقوله هذا الحرف. قوله: "حدثنا محمود بن غيلان حدثنا وكيع وعبد الرزاق وأبو أحمد وأبو نعيم" تقدم هذا الحديث بهذا السند مع شرحه في باب أن "الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة" من كتاب الصلاة. قوله: "وهذا أصح" قال المنذري في تلخيص السنن وأخرجه النسائي من حديث يزيد بن أبي مريم عن أنس وهو أجود من حديث معاوية بن قرة وقد روى عن قتادة عن أنس موقوفاً.(10/54)
12 ـ باب
3666 ـ حَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحمّدُ بنُ العَلاَءِ أخبرنا أبُو مُعَاوِيَةَ عَن عمرو بنِ رَاشِدٍ عَن يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ عَن أبِي سَلَمَةَ عَن أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "سَبَقَ المُفَرّدُونَ، قَالُوا
ـــــــ
"باب"
ـ قوله: "أخبرنا أبو معاوية" الضرير الكوفي اسمه محمد بن حازم. قوله: "سبق(10/54)
يَا رَسُولَ الله وَمَا المُفَرّدُونَ ؟ قالَ المُسْتَهْتِرُونَ في ذِكْرِ الله. يَضَعُ الذّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهمْ فَيَأْتُونَ يَوْمَ القيامَةِ خِفَافاً". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
3667 ـ حَدّثَنَا أبُو كُرَيْبٍ حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَن الأَعْمَشِ عَن أبي صَالِحٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لأَنْ أقُولَ سُبْحَانَ الله وَالْحَمْدُ لله وَلاَ إلَهَ إلاّ الله والله أَكْبَرُ أَحَبّ إليّ مِمّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشّمْسُ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ
ـــــــ
المفردون" بفتح الفاء وكسر الراء المشددة هكذا نقله القاضي عن متقني شيوخهم وذكر غيره أنه روي بتخفيفها وإسكان الفاء يقال فرد الرجل وفرد بالتخفيف والتشديد وأفرد قاله النووي أي المعتزلون عن الناس للتعبد "المستهترون في ذكر الله" بضم الميم وفتح التاءين قال في النهاية يعني الذين أولعوا به يقال هتر فلان بكذا واستهتر فهو مهتر به ومستهتر أي مولع به لا يتحدث بغيره ولا يفعل غيره انتهى. وقال المنذري: المستهترون بذكر الله هم مولعون به المداومون عليه لا يبالون ما قيل فيهم ولا ما فعل بهم، ولفظ مسلم في الجواب قال الذاكرون الله كثيراً والذاكرات "يضع الذكر عنهم أثقالهم فيأتون يوم القيامة خفافاً" بكسر الخاء المعجمة جمع خفيف ضد الثقيل أي يذهب الذكر عنهم أوزارهم أي ذنوبهم التي تثقلهم. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه مسلم والحاكم وأخرجه الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء.
قوله: "أحب إلي مما طلعت عليه الشمس" أي من الدنيا وما فيها من الأموال وغيرها. قال ابن العربي أطلق المفاضلة بين قول هذه الكلمات وبين ما طلعت عليه الشمس، ومن شرط المفاضلة استواء الشيئين في أصل المعنى ثم يزيد أحدهما على الاَخر. وأجاب بما حاصله أفعل قد يراد به أصل الفعل لا المفاضلة كقوله تعالى {خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} ولا مفاضلة بين الجنة والنار، وقيل يحتمل أن يكون المراد أن هذه الكلمات أحب إلي من أن يكون لي الدنيا فأتصدق بها، والحاصل أن الثواب المترتب على قول هذا الكلام أكثر من ثواب من تصدق(10/55)
3668 ـ حَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حدثنا عَبْدُ الله بنُ نُمَيْرٍ عَن سَعْدَانَ القُمّيّ عَن أبِي مُجَاهِدٍ عَن أَبِي مُدَلّةَ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلاَثَةٌ لا تُرَدّ دَعْوَتُهُمْ: الصّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَالإمَامُ العَادِلُ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ يَرْفَعُهَا الله فَوْقَ الغَمَام وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السّمَاءِ، ويَقُولُ الرّبّ وعِزّتِي لأنُصُرَنّك وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ. وَسَعْدَانُ القُمّيّ هُوَ سَعْدَانُ بنُ بِشْرٍ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ عِيَسَى بنُ يُونُسَ وَأَبُو عَاصِمٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ كِبَارِ أهْلِ الْحَدِيثِ. وأبُو مُجَاهِدٍ هُوَ سَعْدٌ الطّائِيّ. وأبُو مُدَلّة هُوَ مَوْلَى أُمّ المُؤْمِنِينَ عائِشَةَ، وإنّمَا نَعْرِفُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَيُرْوَى عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثِ أَطْوَلَ مِنْ هَذَا وَ أَتَمّ
3669 ـ حَدّثَنَا أبُو كُرَيْبٍ حدثنا عَبْدُ الله بنُ نمَيْرٍ عَن
ـــــــ
بجميع الدنيا. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم والنسائي وابن أبي شيبة وأبو عوانة.
قوله: "ثلاثة لا ترد دعوتهم الخ" تقدم هذا الحديث مع شرحه بأطول من هذا وأتم في باب صفة الجنة ونعيمها.
قوله: "وسعدان القمي" كذا في النسخ الحاضرة بالقاف والميم وقد ضبطه الحافظ في التقريب بضم القاف وتشديد الموحدة وكسرها "هو سعدان بن بشر" ويقال ابن بشير الجهني الكوفي قيل اسمه سعيد وسعدان لقب صدوق من الثامنة "وأبو مجاهد هو سعد الطائي" الكوفي لا بأس به من السادسة "وأبو مدلة" بضم الميم وكسر المهملة وتشديد اللام يقال اسمه عبد الله مقبول من الثالثة.(10/56)
مُوسَى بنِ عُبَيْدَةَ عَن مُحمّدِ بنِ ثَابِتٍ عَن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اللّهُمّ انْفَعْنِي بِمَا عَلّمْتَنِي وعَلّمْنِي ما يَنْفَعُنِي وزِدْنِي عِلْماً، الْحَمْدُ لله عَلَى كُلّ حَالٍ وأَعُوذُ بالله مِنْ حَالِ أهْلِ النّارِ". قال: هَذا حديثٌ حسن غَريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
3670 ـ حَدّثَنَا أبُو كُرَيْبٍ حدثنا أبُو مُعَاوِيَةَ عَن الأعْمَشِ عَن أبي صَالِحٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ أوْ عَن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قالَ: قالَ
ـــــــ
ـ قوله: "عن موسى بن عبيدة" الزبدي "عن محمد بن ثابت عن أبي هريرة" قال في التقريب: محمد بن ثابت عن أبي هريرة مجهول من السادسة وقيل هو محمد بن ثابت بن شرحبيل. قوله: "اللهم انفعني بما علمتني" أي بالعمل بمقتضاه "وعلمني ما ينفعني" أي علماً ينفعني فيه أنه لا يطلب من العلم إلا النافع والنافع ما يتعلق بأمر الدين والدنيا فيما يعود فيها على نفع الدين وإلا فما عدا هذا العلم فإنه ممن قال الله فيه {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ} أي بأمر الدين فإنه نفى العلم عن علم السحر لعدم نفعه في الاَخرة بل لأنه ضار فيها وقد ينفعهم في الدنيا لكنه لم يعد نفعاً "وزدني علماً" مضافاً إلى ما علمتنيه "الحمد لله على كل حال" من أحوال السراء والضراء "وأعوذ بالله من حال أهل النار" من الكفر والفسق في الدنيا والعذاب والعقاب في العقبى. قوله: "هذا حديث غريب من هذا الوجه" وأخرجه النسائي وابن ماجه والحاكم وابن أبي شيبة.
قوله: "أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد الخدري" وأخرجه البخاري من طريق جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة. قال الحافظ في الفتح كذا قال جرير وتابعه الفضيل بن عياض عند ابن حبان وأبو بكر بن عياش عند الإسماعيلي كلاهما عن الأعمش وأخرجه الترمذي عن أبي كريب عن أبي معاوية عن الأعمش فقال عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد هكذا بالشك للأكثر، وفي نسخة(10/57)
رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ لله مَلائِكَةً سَيّاحِينَ في الأرْضِ فضلاً عَنْ كُتّابِ النّاسِ فإِذَا وَجَدُوا أقْوَاماً يَذْكُرُونَ الله تَنَادَوْا هَلُمّوا إلى بَغْيَتِكُمْ فَيَجِيئُونَ فَيَحفّونَ بِهِمْ إلى سَمَاءِ الدّنْيَا فَيَقُولُ الله: أيّ شَيْءٍ تَرَكْتُمْ عِبَادِي يَصْنَعُونَ؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ
ـــــــ
وعن أبي سعيد بواو العطف والأول هو المعتمد فقد أخرجه أحمد عن أبي معاوية بالشك وقال شك الأعمش، وكذا قال ابن أبي الدنيا عن إسحاق بن إسماعيل عن أبي معاوية وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد وقال شك سليمان يعني الأعمش قال الترمذي حسن صحيح، وقد روي عن أبي هريرة من غير هذا الوجه يعني كما تقدم بغير تردد انتهى. قوله: "سياحين في الأرض" بفتح السين المهملة وشدة التحتية من ساح في الأرض إذا ذهب فيها وسار، وفي رواية مسلم سيارة، وفي رواية البخاري: إن لله ملائكة يطوفون في الطرق "فضلاً" صفة بعد صفة للملائكة. قال النووي: ضبطوا فضلاً على أوجه أحدها وأرجحها فضلاً بضم الفاء والضاد والثانية بضم الفاء وإسكان الضاد ورجحها بعضهم وادعى أنها أكثر وأصوب والثالثة بفتح الفاء وإسكان الضاد والرابعة فضل بضم الفاء والضاد ورفع اللام على أنه خبر مبتدأ محذوف والخامسة فضلاء بالمد جمع فاضل. قال العلماء معناه على جميع الروايات أنهم ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم وإنما مقصودهم حلق الذكر "عن كتاب الناس" بضم الكاف وشدة الفوقية جمع كاتب والمراد بهم الكرام الكاتبون وغيرهم المرتبون مع الناس، وزاد مسلم في روايته يبتغون مجالس الذكر "تنادوا" أي نادى بعض الملائكة بعضاً قائلين "هلموا" أي تعالوا مسرعين "إلى بغيتكم" بكسر الموحدة وسكون الغين المعجمة أي إلى مطلوبكم وفي رواية البخاري إلى حاجتكم أي من استماع الذكر وزيادة الذاكر وإطاعة المذكور. واستعمل هلم هنا على لغة بني تميم(10/58)
يَحْمَدُونَكَ وَيُمَجّدُونَكَ وَيَذْكُرُونَكَ. قالَ: فَيَقُولُ هَلْ رَأَوْنِي؟ قالَ: فَيَقُولُونَ: لاَ. قالَ: فَيَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ قالَ: فَيقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ لَكَانُوا أَشَدّ تَحْمِيداً وَأَشَدّ تَمْجِيداً وَأشَدّ لَكَ ذِكْراً، قالَ: فَيَقُولُ: وَأَيّ شَيْءٍ يَطْلُبُونَ؟ قالَ: فَيَقُولُونَ: يَطْلُبُونَ الْجَنّةَ، قالَ: فَيَقُولُ: فَهَلْ رَأَوْهَا؟ قالَ: فَيَقُولُونَ لاَ. قالَ: فَيَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ قالَ: فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا لَكَانُوا لَهَا أشَدّ طَلَباً وأشَدّ عَلَيْهَا حِرْصاً، قالَ: فَيَقُولُ: فَمِنْ أيّ شَيْءٍ يَتَعَوّذُونَ؟ قالُوا: يَتَعَوّذُونَ مِنَ النّارِ، قالَ: فَيَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لاَ. قالَ: فَيَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا لَكانُوا مِنْهَا أَشَدّ هَرَبَاً وَأَشَدّ مِنْهَا خَوْفاً وَأَشَدّ مِنْهَا تَعوّذاً. قالَ: فَيَقُولُ: فإِنّي أُشْهِدُكُمْ أَنّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. فَيَقُولُونَ: إنّ فِيهِمْ فُلاَناً الْخطّاءَ لَمْ يُرِدْهُمْ إنّمَا جَاءَهُمْ
ـــــــ
أنها تثني وتجمع وتؤنث ولغة الحجازيين بناء لفظها على الفتح وبقاؤه بحاله مع المثنى والجمع والمؤنث ومنه قوله تعالى {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ} "فيحفون بهم" أي يحدقون بهم ويستديرون حولهم يقال حف القوم الرجل وبه وحوله أحدقوا واستداروا به "إلى السماء الدنيا" أي يقف بعضهم فوق بعضهم إلى السماء الدنيا، وفي رواية مسلم: فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا معهم وخف بعضهم بعضاً بأجنحتهم حتى يملأوا ما بينهم وبين السماء الدنيا "أي شيء" بالنصب مفعول مقدم لقوله يصنعون "فيقولون" أي الملائكة "تركناهم" أي عبادك "يحمدونك" بالتخفيف "ويمجدونك" بالتشديد أي يذكرونك بالعظمة أو ينسبونك إلى المجد وهو الكرم "ويذكرونك" وفي رواية مسلم فإذا تفرقوا أي أهل المجلس عرجوا أي الملائكة وصعدوا إلى السماء قال فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم من أين جئتم فيقولون جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك(10/59)
لِحَاجَةٍ. فَيَقُولُ: هُمُ القَوْمُ لاَ يَشْقَى لَهُمْ جَلِيسٌ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
ويهللونك ويحمدونك ويسألونك. وفي حديث أنس عند البزار ويعظمون آلاءك ويتلون كتابك ويصلون على نبيك ويسألونك لاَخرتهم ودنياهم. قال الحافظ: ويؤخذ من مجموع هذه الطرق المراد بمجالس الذكر وأنها التي تشتمل على ذكر الله بأنواع الذكر الواردة من تسبيح وتكبير وغيرهما. وعلى تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى وعلى الدعاء بخيري الدنيا والاَخرة وفي دخول قراءة الحديث النبوي ومدارسة العلم الشرعي ومذاكرته والاجتماع على صلاة النافلة في هذه المجالس نظر. والأشبه اختصاص ذلك بمجالس التسبيح والتكبير ونحوهما والتلاوة فحسب. وإن كانت قراءة الحديث ومدارسة العلم والمناظرة فيه من جملة ما يدخل تحت مسمى ذكر الله تعالى انتهى.
قلت: وقال العيني في العمدة: قوله يلتمسون أهل الذكر يتناول الصلاة وقراءة القرآن وتلاوة الحديث وتدريس العلوم ومناظرة العلماء ونحوها انتهى. فاختلف الحافظ والعيني في أن المراد بمجالس الذكر وأهل الذكر الخصوص أو العموم فاختار الحافظ الخصوص نظراً إلى ظاهر ألفاظ الطرق المذكورة، واختار العيني للعموم نظراً إلى أن ما في هذه الطرق من ألفاظ الذكر تمثيلات والظاهر هو الخصوص كما قال الحافظ والله تعالى أعلم "قال" أي النبي صلى الله عليه وسلم "فيقول" أي الله "فكيف لو رأوني" أي لو رأوني ما يكون حالهم في الذكر "وأشد لك تمجيداً" أي تعظيماً "وأشد لك ذكراً" فيه إيماء إلى أن تحمل مشقة الخدمة على قدر المعرفة والمحبة "وأي شيء يطلبون" مني "فهل رأوها" أي الجنة "لكانوا أشد لها طلبها وأشد عليها حرصاً" لأن الخبر ليس كالمعاينة "أشهدكم" من الإشهاد أي أجعلكم شاهدين "إن فيهم فلاناً" كناية عن اسمه ونسبه "الخطاء" بالنصب على أنه صفة لفلاناً أي كثير الخطايا "لم يردهم إنما جاءهم لحاجة" أي لم يرد معيتهم في ذكر بل جاءهم لحاجة دنيوية له يريد الملائكة بهذا أنه لا يستحق المغفرة، وفي رواية مسلم: يقولون رب فيهم(10/60)
3671 ـ حَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حدثنا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَن هِشَامِ بنِ الغَازِ عَن مَكْحُولٍ عَن أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَكْثِرْ مِنْ قَوْلِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوّةَ إلاّ بالله فإِنّهَا كنز مِنْ كنوز الجَنّةِ" ـ قالَ مَكْحُولٌ ـ فَمَنْ قالَ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوّةَ إلاّ بالله وَلاَ مَنْجَا مِنَ الله إلاّ إِلَيْهِ كَشَفَ عَنْهُ سَبْعِينَ بَاباً مِنَ الضّرّ أَدْنَاهُنّ الفَقْرُ". إسْنَادُهُ لَيْسَ بِمُتّصِلٍ. مَكْحُولٌ
ـــــــ
فلان عبد خطاء إنما مر فجلس معهم "هم القوم" قال الطيبي تعريف الخبر يدل على الكمال أي هم القوم الكاملون فيما هم فيه من السعادة "لا يشقى" أي لا يصير شقياً "لهم" وفي بعض النسخ بهم أي بسببهم وببركتهم "جليس" أي مجالسهم وهذه الجملة مستأنفة لبيان المقتضى لكونهم أهل الكمال، وفي رواية مسلم: وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم.
وفي الحديث فضل مجالس الذكر والذاكرين وفضل الاجتماع على ذلك وأن جليسهم يندرج معهم في جميع ما يتفضل تعالى به عليهم إكراماً لهم ولو لم يشاركهم في أصل الذكر. وفيه محبة الملائكة لبني آدم واعتنائهم بهم، وفيه أن السؤال قد يصدر من السائل وهو أعلم بالمسئول عنه من المسئول لإظهار العناية بالمسئول عنه والتنويه بقدره والإعلان بشرف منزلته. وقيل إن في خصوص سؤال الله الملائكة عن أهل الذكر الإشارة إلى قولهم {أتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} فكأنه قيل انظروا إلى ما حصل منهم من التسبيح والتقديس مع ما سلط عليهم من الشهوات ووساوس الشيطان وكيف عالجوا ذلك وضاهوكم في التقديس والتسبيح كذا في الفتح. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والشيخان.
قوله: "هشام بن الغاز" بمعجمتين بينهما ألف ابن ربيعة الجرشي الدمشقي نزيل بغداد ثقة من كبار السابعة قوله: "فإنها" أي هذه الكلمة "من كنز(10/61)
لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبي هُرَيْرَةَ.
3672 ـ حَدّثَنَا أبُو كُرَيْبٍ حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَن الأَعْمَشِ عَن أبي صَالحٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:
ـــــــ
الجنة" أي من ذخائر الجنة أو من محصلات نفائس الجنة. قال النووي المعنى أن قولها يحصل ثواباً نفيساً يدخر لصاحبه في الجنة "قال مكحول" أي موقوفاً عليه "ولا منجا" بالألف أي لا مهرب ولا مخلص "من الله" أي من سخطه وعقوبته "إلا إليه" أي بالرجوع إلى رضاه ورحمته "كشف" أي الله تعالى وفي المشكاة كشف الله "سبعين باباً" أي نوعاً "من الضر" بضم الضاد وتفتح وهو يحتمل التحديد والتكثير "أدناهن الفقر" أي أحط السبعين وأدنى مراتب الأنواع نوع مضرة الفقر. قال القاري: والمراد الفقر القلبي الذي جاء في الحديث كاد الفقر أن يكون كفراً. لأن قائلها إذا تصور معنى هذه الكلمة تقرر عنده وتيقن في قلبه أن الأمر كله بيد الله وأنه لا نفع ولا ضر إلا منه، ولا عطاء ولا منع إلا به، فصبر على البلاء وشكر على النعماء وفوض أمره إلى الله تعالى ورضي بالقدر انتهى. قلت: حديث: كاد الفقر أن يكون كفراً. رواه أبو نعيم في الحلية عن أنس كما في الجامع الصغير، قال المناوي في شرحه: إسناده واه، وقال صاحب المجمع في تذكرة الموضوعات ضعيف ولكن صح من قول أبي سعيد، ثم تقييد الفقر بالقلبي لا حاجة إليه كما لا يخفى. قوله: "هذا حديث إسناده ليس بمتصل مكحول لم يسمع من أبي هريرة" قال المنذري في الترغيب بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه: ورواه النسائي والبزار مطولاً ورفعاً ولا ملجأ من الله إلا إليه ورواتهما ثقات محتج بهم. ورواه الحاكم وقال صحيح ولا علة له ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أعلمك أو ألا أدلك على كلمة من تحت العرش من كنز الجنة تقول لا حول ولا قوة إلا بالله فيقول الله أسلم عبدي واستسلم. وفي رواية له وصححها أيضاً قال يا أبا هريرة ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قلت بلى يا رسول الله. قال تقول لا حول ولا قوة إلا بالله ولا ملجأ ولا منجأ من الله إلا إليه. ذكره في حديث.(10/62)
"لِكُلّ نَبِيّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لاِمّتِي وَهِيَ نَائِلَةٌ إنْ شَاءَ الله مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ لاَ
يُشْرِكُ بالله شَيْئاً". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3673 ـ حَدّثَنَا أبُو كُرَيْبٍ حدثنا أبُو مُعَاوِيَةَ وابنُ نُمَيْرٍ عَن الأَعْمَشِ عَن أبي صالحٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "يَقُولُ الله عز وجلّ: أَنَا عَنْدَ ظَنّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ
ـــــــ
قوله: "لكل نبي دعوة مستجابة" قال النووي معناه أن كل نبي له دعوة متيقنة الإجابة وهو على يقين من إجابتها وأما باقي دعواتهم فهم على طمع من إجابتها وبعضها يجاب وبعضها لا يجاب. وذكر القاضي عياض: أنه يحتمل أن يكون المراد لكل نبي دعوة لأمته كما في الروايتين الأخيرتين يعني من روايات مسلم بلفظ: لكل نبي دعوة دعاها لأمته. وبلفظ: لكل نبي دعوة قد دعا بها في أمته وزاد مسلم في رواية: فتعجل كل نبي دعوته "وإني اختبأت دعوتي" أي ادخرتها وجعلتها خبيئة من الاختباء وهو السرّ "شفاعة لأمتي" أي أمة الإجابة يعني لأجل أن أصرفها لهم خاصة بعد العامة وفي جهة الشفاعة أو حال كونها شفاعة "وهي" أي الشفاعة "نائلة" أي واصلة حاصلة "إن شاء الله" هو على جهة التبرك والامتثال لقوله تعالى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} "من مات" في محل نصب على أنه مفعول به لنائله "منهم" أي من أمتي "لا يشرك بالله" حال من فاعل مات "شيئاً" أي من الأشياء أو من الإشراك وهي أقسام عدم دخول قوم النار وتخفيف لبثهم فيها وتعجيل دخولهم الجنة ورفع درجات فيها. قال ابن بطال في هذا الحديث بيان فضل نبينا صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء حيث آثر أمته على نفسه وأهل بيته بدعوته المجابة ولم يجعلها أيضاً دعاء عليهم بالهلاك كما وقع لغيره ممن تقدم. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "وابن نمير" هو عبد الله بن نمير قوله: "أنا عند ظن عبدي" المؤمن(10/63)
يَذْكُرَنِي، فإِنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي في مَلإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ اقْتَرَبَ إليّ شِبْراً اقْتَرَبْتُ مِنْهُ ذِراعاً، وَإِنِ اقْتَرَبَ إِليّ ذِرَاعاً اقْتَرَبْتُ إلَيْهِ بَاعاً، وإنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. ويُرْوَى عَنِ الأَعْمَشِ في تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ "مَنْ تَقَرّبَ مِنّي شِبْراً تَقَرّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعاً". يَعْنِي بالْمَغْفِرَةِ والرّحْمَةِ، وَهَكَذَا فَسّرَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ قالُوا إنّمَا مَعْنَاهُ يَقُولُ إذَا تَقرّبَ إليّ العَبْدُ بِطَاعَتِي وَما أمَرْتُ أُسرعُ إِلَيْهِ بمَغْفِرَتِي وَرَحْمَتِي.
ـــــــ
"بي" قال الطيبي الظن لما كان واسطة بين الشك واليقين استعمل تارة بمعنى يقين وذلك إن ظهرت أماراته، وبمعنى الشك إذا ضعفت علاماته، وعلى المعنى الأول قوله تعالى {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} أي يوقنون، وعلى المعنى الثاني قوله تعالى {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ} أي توهموا، والظن في الحديث يجوز إجراؤه على ظاهره ويكون المعنى أنا أعامله على حسب ظنه بي وأفعل به ما يتوقعه مني من خير أو شر، والمراد الحث على تغليب الرجاء على الخوف وحسن الظن بالله كقوله عليه الصلاة والسلام: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله، ويجوز أن يراد بالظن اليقين والمعنى أنا عند يقينه بي وعلمه بأن مصيره إلي وحسابه علي وأن ما قضيت به له أو عليه من خير أو شر لا مرد له لا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت انتهى. وقال القاضي: قيل معناه بالغفران له إذا استغفر والقبول إذا تاب والإجابة إذا دعا والكفاية إذا طلبها. وقيل المراد به الرجاء وتأميل العفو وهذا أصح "وأنا معه" أي بالرحمة والتوفيق والرعاية والهداية والإعانة أما قوله تعالى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} فمعناه بالعلم والإحاطة قال النووي "فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي" أي إن ذكرني(10/64)
ـــــــ
بالتنزيه والتقديس سراً ذكرته بالثواب والرحمة سراً قاله الحافظ "وإن ذكرني في ملء" بفتح الميم واللام مهموز أي مع جماعة من المؤمنين أو في حضرتهم ذكرته في ملء خير "يعني الملائكة" المقربين "منهم" أي من ملء الذكرين "وإن اقترب إلي شبراً" أي مقداراً قليلاً. قال الطيبي شبراً وذراعاً وباعاً في الشرط والجزاء منصوب على الظرفية أي من تقرب إلي مقدار شبر "وإن اقترب إلي ذراعاً اقتربت إليه باعاً" هو قدر مد اليدين وما بينهما من البدن "وإن أتاني" حال كونه "يمشي أتيته هرولة" هي الإسراع في المشي دون العدو. قال الطيبي هي حال أي مهرولاً أو مفعول مطلق لأن الهرولة نوع من الإتيان فهو كرجعت القهقري، لكن الحمل على الحال أولى لأن قرينه يمشي حال لا محالة. قال النووي: هذا الحديث من أحاديث الصفات ويستحيل إرادة ظاهرة، ومعناه من تقرب إلي بطاعتي تقربت إليه برحمتي والتوفيق، والإعانة أو إن زاد زدت فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيته هرولة أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود، والمراد أن جزاءه يكون تضعيفه على حسب تقربه انتهى. وكذا قال الطيبي والحافظ والعيني وابن بطان وابن التين وصاحب المشارق والراغب وغيرهم من العلماء. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان "ويروى عن الأعمش في تفسير هذا الحديث: من تقرب مني شبراً تقربت إليه ذراعاً يعني بالمغفرة والرحمة وكذلك فسر بعض أهل العلم هذا الحديث الخ" وكذا فسره النووي وغيره كما عرفت.
قلت: لا حاجة إلى هذا التأويل. قال الترمذي في باب فضل الصدقة بعد رواية حديث أبي هريرة: إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه الخ، وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث: وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا قد تثبت الروايات في هذا ونؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال كيف، هكذا روى من مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث أمروها بلا كيف وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة الخ.(10/65)
3674 ـ حَدّثَنَا أبُو كُرَيْبٍ حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَن الأعْمَشِ عَن أبي صَالِحٍ عَن أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ
رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اسْتَعِيذُوا بالله مِنْ عَذَابِ جَهَنّمَ، وَاسْتَعِيذُوا بالله مِنْ عَذَابِ القَبْرِ. اسْتَعِيذُوا بالله مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدّجّالِ، وَاسْتَعِيذُوا بالله مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
قوله: "استعيذوا بالله" يقال عاذ وتعوذ واستعاذ بفلان من كذا لجأ إليه واعتصم وتعوذ واستعاذ بالله فأعاذه وعوذه حفظه. قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه مسلم وغيره بألفاظ.(10/66)
13 ـ باب
3675 ـ حَدّثَنَا يَحْيَى بنُ مُوسَى أخبرنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ أخبرنا هِشَامُ بنُ حَسّانَ عَن سُهَيْلِ بنِ أبي
صَالِحٍ عَن أبيهِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ عَن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ قالَ حِينَ يُمْسِي ثَلاَثَ مَرّاتٍ أعُوذُ بِكَلِمَاتِ الله التّامّاتِ مِنْ شَرّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرّهُ حمَةٌ تِلْكَ اللّيْلَةَ".
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا يحيى بن موسى" البلخي المعروف بخت "أخبرنا يزيد بن هارون" الواسطي السلمي "أخبرنا هشام بن حسان" الأزدي القردوسي قوله: "أعوذ بكلمات الله التامات" قيل معناه الكاملات التي لا يدخل فيها نقص ولا عيب وقيل النافعة الشافية وقيل المراد بالكلمات هنا القرآن ذكره النووي "لم يضره" بفتح الراء وضمها "حمة تلك الليلة" قال في القاموس الحمة كثبة السم والإبرة يضرب بها الزنبور والحية ونحو ذلك أو يلدغ بها جمعها حمات وحمى انتهى وأصلها حمو(10/66)
قالَ سُهَيْلٌ فَكَانَ أهْلُنَا تَعَلّمُوهَا فَكَانُوا يَقُولُونَهَا كُلّ لَيْلَةٍ فَلدِغَتْ جَارِيَةٌ مِنْهُمْ فَلَمْ تَجِدْ لَهَا وَجَعاً. هَذا حديثٌ حسَنٌ. وَرَوَى مَالكُ بنُ أنَسٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَن سُهَيْلِ بنِ أبي صَالحٍ عن أبِيهِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ عَن النّبيّ صلى الله عليه وسلم. وَرَوَى عُبْيَدُ الله بنُ عُمَرَ وغَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الحَدِيثَ عَن سُهَيْلِ ولَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَن أبي هُرَيْرَةَ.
ـــــــ
أو حمى بوزن صرد والهاء فيها عوض من الواو المحذوفة أو الياء. قوله: "هذا حديث حسن" وأصله في صحيح مسلم "وروى مالك بن أنس هذا الحديث الخ" أخرجه مالك في موطإه في باب ما يؤمر به من التعوذ عند النوم وغيره.(10/67)
13 ـ باب
3676 ـ حَدّثَنَا يَحْيَى بنُ مُوسَى أخبرنا وَكِيعٌ أخبرنا أبُو فَضَالَةَ الفَرَجُ بنُ فَضَالَةَ عَن أبي سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ أَنّ أَبا هُرَيْرَةَ قالَ: "دُعَاءٌ حَفِظْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لاَ أدَعُهُ: "اللّهُمّ اجْعَلْنِي أعَظّمُ شُكْرَكَ وَأُكْثِرُ ذِكْرَكَ وأَتّبِعُ نَصِيحَتَكَ وَأحْفَظُ وَصِيّتَكَ" .
هذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "دعاء" مبتدأ "حفظته من رسول الله صلى الله عليه وسلم" صفة المبتدأ مسوغ وخبره قوله: "لا أدعه" أي لا أتركه لنفاسته "اللهم اجعلني أعظم" بالتخفيف والتشديد ورفع الميم وهو مفعول ثان بتقدير أن أو بغيره أي معظماً "شكرك" أي وفقني لإكثاره والدوام على استحضاره. قال الطيبي: اجعلني(10/67)
بمعنى صيرني ولذلك أتى بالمفعول للثاني فعلاً لأن صار من دواخل المبتدأ والخبر "وأكبر" مخففاً ومشدداً "ذكرك" أي لساناً وجناناً وهو يحتمل أن يكون تخصيصاً بعد تعميم وقيل إن بينهما عموماً وخصوصاً من وجه "وأتبع" بتشديد التاء وكسر الموحدة وسكون الأولى وفتح الثانية "نصيحتك" هي الخلوص وإرادة الخير للمنصوح له والإضافة يحتمل أن يكون إلى الفاعل وإلى المفعول والأول أظهر "وأحفظ وصيتك" أي بملازمة فعل المأمورات وتجنب المنهيات. قوله: "هذا حديث غريب" في سنده الفرج بن فضالة وهو ضعيف.(10/68)
15 ـ باب
3677 ـ حَدّثَنَا يَحْيَى بنُ مُوسَى أخبرنا أَبُو مُعَاوِيَةَ أخبرنا اللّيْثُ هُوَ ابنُ أبي سُلَيْمٍ عَن زِيَادٍ عَن أبي هُرَيْرَةَ قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو الله بِدُعَاءٍ إلاّ اسْتُجِيبَ لَهُ. فإِمّا أنْ يُعَجّلَ لَهُ في الدّنْيَا، وإِمّا أَنْ يُدّخَرَ لَهُ في الاَخِرَةِ، وَإِمّا أنْ يُكَفّرَ عَنْهُ مِنْ ذُنُوبِهِ بِقَدْرِ مَا دَعَا. مَا لَمْ يَدْعُ بإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ أوْ يَسْتَعْجِلْ" . قالُوا يَا رَسُولَ الله وَكَيْفَ يَسْتَعْجِلُ؟ قالَ "يَقُولُ دَعَوْتُ رَبّي فَمَا اسْتَجَابَ لِي" هَذا حديثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْه.
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن زياد" في جامع الترمذي عدة رواة من طبقة التابعين أسماؤهم زياد ولم يتعين لي أن زياداً هذا من هو قوله: "أو يستعجل" أي ما لم يستعجل "دعوت ربي فما استجاب لي" هو إما استبطاء أو إظهار يأس وكلاهما مذموم، أما الأول فلأن الإجابة لها وقت معين كما ورد أن بين دعاء موسى وهارون(10/68)
3678 ـ حَدّثَنَا يَحْيَى أخبرنا يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ قالَ أخبرنا يَحْيى بنُ عُبَيْدِ الله عَن أبِيهِ عَن أبي هُرَيْرَةَ قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتّى يَبْدُو إبِطُهُ يَسْأَلُ الله مَسْأَلَةً إلاّ آتَاهَا إِيّاهُ مَا لَمْ يَعْجَلْ" ، قالُوا يَا رَسُولَ الله وكَيْفَ عَجَلَتُهُ؟ قالَ "يَقُولُ قَدْ سَأَلْتُ وسَأَلْتُ وَلَمْ أُعْطَ شَيْئاً".
وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الزّهْرِيّ عَن أَبي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابنِ أَزْهَرَ عَن أَبي هُرَيْرَةَ عَن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِي".
ـــــــ
على فرعون وبين الإجابة أربعين سنة، وأما القنوط فلا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، مع أن الإجابة على أنواع منها تحصيل عين المطلوب في الوقت المطلوب، ومنها وجوده في وقت آخر لحكمة اقتضت تأخيره، ومنها دفع شر بدله أو إعطاء خير آخر خير من مطلوبه ومنها ادخاره ليوم يكون أحوج إلى ثوابه، ومنها تكفير الذنوب بقدر ما دعا.
قوله: "حدثنا يحيى" بن موسى البلخي المعروف بخت "أخبرنا يحيى بن عبيد الله" بن عبد الله بن موهب قوله: "قد سألت وسألت" أي مرة بعد أخرى يعني مرات كثيرة أو طلبت شيئاً وطلبت آخر. قوله: "وروى هذا الحديث الزهري عن أبي عبيد مولى ابن أزهر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يستجاب لأحدكم الخ" وصله الترمذي في باب من يستعجل في دعائه.(10/69)
16 ـ باب
3679 ـ حَدّثَنَا يَحْيَى بنُ مُوسَى أخبرنا أبُو دَاوُدَ أخبرنا صَدَقَةُ بنُ مُوسَى أخبرنا مُحمّدُ بنُ وَاسِعٍ عَن
سُمَيْرِ بنِ نَهارٍ العَبْدِيّ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ حُسْنَ الظّنّ بالله مِنْ حُسْنِ عِبَادَةِ الله". هَذا حديثٌ غَرِيبٌ منْ هَذَا الوَجه.
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا أبو داود" هو الطيالسي "أخبرنا صدقة بن موسى" الدقيقي البصري "أخبرنا محمد بن واسع" بن جابر بن الأخنس الأزدي أبو بكر أو أبو عبد الله البصري ثقة عابد كثير المناقب من الخامسة "عن سمير" بضم السين المهملة وفتح الميم وبياء التصغير وبالراء "بن نهار العبدي" البصري صدوق وقيل هو شتير بمعجمة ثم مثناة صدوق من الثالثة كذا في التقريب. قوله: "إن حسن الظن بالله" بأن يظن أن الله يعفو عنه "من حسن عبادة الله" أي حسن الظن به تعالى من جملة العبادات الحسنة فلا ينبغي أن تظن ما يظنه العامة من أن حسن الظن هو أن تترك العمل وتعتمد على الله وتقول إنه كريم غفور رحيم، ويمكن أن يكون المعنى بعد حسن العبادة حسن الظن، وقدم الخبر اهتماماً فإن السالك إذا حسن الظن بالله على سبيل الرجاء حسن العبادة في الخلا والملا فيستحسن مأموله ويرجى قبوله. قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} وأما من يترك العبادة ويدعي حسن الظن بالمعبود فهو مغرور ومخدوع ومردود ومثلهما الغزالي بمن زرع ومن لم يزرع راجيين للحصاد ولا شك أن الثاني ظاهر الفساد. قوله: "هذا حديث غريب من هذا الوجه" وأخرجه أحمد وأبو داود والحاكم في مستدركه.(10/70)
17 ـ باب
3680 ـ حَدّثَنَا يَحْيَى بنُ مُوسَى أخبرنا عَمْرُو بنُ عَوْنٍ أخبرنا أَبُو عَوَانَةَ عَن عُمَرَ بنِ أبي سَلَمَةَ عَن أبِيهِ قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لِيَنْظُرَنّ أحَدُكُمْ مَا الّذِي يَتَمَنّى فإِنّهُ لاَ يَدْرِي مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْ أُمْنِيّتِه" : هَذا حديثٌ حَسَنٌ.(10/71)
18 ـ باب
3681 ـ حَدّثَنَا يَحْيى بنُ مُوسَى أخبرنا جَابِرُ بنُ نُوحٍ قالَ أَخبرنا مُحمّدُ بنُ عَمْرٍو عَن أبي سَلَمَةَ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: "كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدْعُو فَيَقُولُ "اللّهُمّ مَتّعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي وَاجْعَلْهُمَا الْوَارِثَ مِنّي، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ يَظْلِمُنِي، وخذْ
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن عمر بن أبي سلمة" بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قاضي المدينة صدوق يخطئ من السادسة. قوله: "لينظرن أحدكم" أي ليتأمل ويتدبر "ما الذي يتمنى" على الله "فإنه لا يدري ما يكتب له من أمنيته" بضم الهمزة وسكون الميم وكسر النون وشدة التحتية البغية وما يتمنى أي فلا يتمنى إلا ما يسره أن يراه في الاَخرة. قوله: "هذا حديث حسن" هذا الحديث مرسل لأن أبا سلمة بن عبد الرحمن المذكور تابعي.
"باب"
قوله: "أخبرنا محمد بن عمرو" بن علقمة بن وقاص "عن أبي سلمة" بن عبد الرحمن بن عوف. قوله: "اللهم متعني" من التمتيع أي انفعني "واجعلهما(10/71)
مِنْهُ بِثَأْرِي". هَذا حديثٌ غَريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
الوارث مني" أي أبقهما صحيحين سليمين إلى أن أموت أو أراد بقاءهما وقوتهما عند الكبر والخلال القوي "وانصرني على من يظلمني" من أعداء دينك "وخذ منه بثأري" قال في النهاية: الثأر طلب الدم يقال ثأرت القتيل وثأرت به فأنا ثائر أي قتلت قاتله. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه الحاكم في المستدرك والبزار في مسنده.(10/72)
19 ـ باب
3682 ـ حَدّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بنُ الأشْعَثِ السّجْزيّ حدثنا قَطَنُ البَصْرِيّ أخبرنا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمانَ عَن ثَابِتٍ عَن أنَسٍ قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لِيَسْألْ أحَدُكُمْ رَبّهُ حَاجَتَهُ كُلّهَا حَتّى يَسْألَ شِسْعَ نَعْلِهِ إذَا انْقَطَعَ". هَذا حديثٌ غَرِيبٌ. وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَن جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث السجزي" بكسر السين المهملة وسكون الجيم وبالزاي نسبة إلى سجز وهو اسم لسجستان وقيل نسبة إلى سجستان بغير قياس هو الإمام أبو داود مصنف السنن وغيرها ثقة حافظ من كبار العلماء من الحادية عشرة "حدثنا قطن" بفتح قاف وطاء مهملة وبنون ابن نسير أبو عباد البصري الغبري الذارع صدوق يخطئ من العاشرة "أخبرنا جعفر بن سليمان" الضبعي قوله: "حاجته" مفعول ثان "كلها" تأكيد لها أي جميع مقصوداته إشعاراً بالافتقار إلى الاستعانة في كل لحظة ولمحة "حتى يسأل" أي ربه "شسع نعله" بكسر المعجمة وسكون المهملة أي شراكها قال الطيبي الشسع أحد سيور النعل بين الإصبعين وهذا من باب التتميم لأن ما قبله جيء في المهمات(10/72)
عَن ثَابِتٍ البُنَانِيّ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ أَنَس.
3753 ـ حَدّثَنَا صَالِحُ بنُ عَبْدِ الله أخبرنا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ عَن ثَابِتٍ البُنَانِيّ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لِيْسَأَلْ أحَدُكُمْ رَبّهُ حَاجَتَهُ حَتّى يَسْأَلهُ المِلْحَ وَحَتّى يَسْأَلَهُ شِسْعَ نَعْلِهِ إذَا انْقَطَعَ". وهَذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيثِ قَطَنٍ عَنْ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ.
ـــــــ
وما بعده في المتممات. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه ابن حبان.
قوله: "حدثنا صالح بن عبد الله" بن ذكوان الباهلي الترمذي. قوله: "ليسأل أحدكم ربه حاجته" فإن خزائن الجود بيده وأزمته إليه ولا معطي إلا هو "حتى يسأله الملح" ونحوه من الأشياء التافهة "وحتى يسأله شسع نعله" فإنه إن لم ييسره لم يتيسر ودفع به وبما قبله ما قد يتوهم من أن الدقائق لا ينبغي أن تطلب منه لحقارتها. قوله: "وهذا أصح من حديث قطن عن جعفر بن سليمان" أي حديث صالح بن عبد الله عن جعفر بن سليمان مرسلاً أصح من حديث قطن عن جعفر متصلاً لأن صالح بن عبد الله أوثق من قطن ومع ذلك قد تابع صالح بن عبد الله غير واحد، وقال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة قطن ما لفظه. قال ابن عدي حدثنا البغوي حدثنا القواريري حدثنا جعفر عن ثابت بحديث: ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها فقال رجل للقواريري: إن شيخنا يحدث به عن جعفر عن ثابت عن أنس فقال القواريري باطل. قال ابن عدي وهو كما قال انتهى(10/73)
المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
باب ماجاء في فضل النبي صلى الله عليه وسلم
...
أبواب المَنَاقِبِ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم
20 ـ باب مَا جَاءَ في فَضْلِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم
3684 ـ حَدّثَنَا خَلاّدُ بنُ أسْلَمَ البَغْدَادِيّ حدثنا مُحمّدُ بنُ مُصْعَبٍ حدثنا الأوْزَاعِيّ عَن أبي عَمّارٍ عَن وَاثِلَةَ بنِ الأسْقَعِ رضي الله عنه قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إبْرَاهِيمَ إسمَاعِيلَ، واصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إسمَاعِيلَ بنِي كِنَانَةَ، واصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشاً، واصْطَفَى مِنْ قَرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ
ـــــــ
"أبواب المناقب"
جمع المنقبة وهي الشرف والفضيلة
باب مَا جَاءَ في فَضْلِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم
قوله "حدثنا خلاد بن أسلم" الصفار أبو بكر البغدادي أصله من مرو ثقة من العاشرة "حدثنا محمد بن مصعب" بن صدقة القرقساني بضم القافين بينهما راء ساكنة صدوق كثير الغلط من صغار التاسعة "عن أبي عمار" اسمه شداد بن عبد الله. قوله: "إن الله اصطفى" أي اختار يقال استطفاه واصطفاه إذا اختاره وأخذ صفوته، والصفوة من كل شيء خالصة وخياره "من ولد إبراهيم" بفتح الواو واللام وبالضم والسكون أي من أولاده "واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة" بكسر الكاف ابن خزيمة "واصطفى من بني كنانة قريشاً" وهم(10/74)
بَنِي هَاشِم". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3685 ـ حَدّثَنَا يُوسُفُ بنُ مُوسَى القَطّانُ البَغْدَادِيّ حدثنا عُبَيْدُ اللّهِ بنُ مُوسَى عَن إِسْمَاعِيلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ عَن يَزِيدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ عَن عَبْدِ اللّهِ بنِ الْحَارِثِ عَن العَبّاسِ بنِ عَبْدِ المُطّلِبِ قالَ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ قُرَيْشاً جَلَسُوا فَتَذَاكَرُوا أحْسَابَهُمْ بَيْنَهُمْ فَجَعَلُوا مَثَلَكَ كمَثَلَ نَخْلَةٍ فِي كَبْوَةٍ مِنَ الأرْضِ. فقال النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَنِي من خيرهم مِنْ خَيْرِ فِرَقِهِمْ وَخَيْر الفَرِيقَيْنِ، ثُمّ تخيّر
ـــــــ
أولاد نضر بن كنانة كانوا تفرقوا في البلاد فجمعهم قصي بن كلاب في مكة فسموا قريشاً لأنه قرشهم أي جمعهم ولكنانة ولد سوى النضر وهم لا يسمون قريشاً لأنهم لم يقرشوا ويأتي بقية الكلام بما يتعلق بقريش في فضل الأنصار وقريش "واصطفاني من بني هاشم" في شرح السنة هو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النصر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن النضر بن نزار بن معد بن عدنان ولا يصح حفظ النسب فوق عدنان انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم.
قوله: "فجعلوا مثلك" بفتح الميم والمثلثة أي صفتك "مثل نخلة في كبوة من الأرض" أي كصفة نخلة نبتت في كناسة من الأرض، والمعنى أنهم طعنوا في حسبك. قال الجزري في النهاية: قال شمر لم نسمع الكبوة ولكنا سمعنا الكبا والكبة وهي الكناسة والتراب الذي يكنس من البيت، وقال غيره الكبة من الأسماء الناقصة أصلها كبوة مثل قلة وثبة أصلهما قلوة وثبوة ويقال للربوة كبوة بالضم، وقال الزمخشري الكبا الكناسة وجمعه أكباء والكبة بوزن قلة وظبة ونحوها وأصلها كبوة وعلى الأصل جاء الحديث إلا أن المحدث لم يضبط الكلمة فجعلها كبوة بالفتح فإن صحت الرواية بها فوجهه أن تطلق الكبوة(10/75)
القَبَائِلَ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ القَبِيلَةِ، ثُمّ تَخَير البُيُوت فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ بُيُوتِهِمْ فأنَا خَيْرُهُمْ نَفْساً وَخَيْرُهُمْ بَيْتاً". هَذا حديثٌ حَسَنٌ. وَعَبْدُ اللّهِ بنُ الْحَارِثِ هُوَ أبو نَوْفَلٍ.
3686 ـ حَدّثَنَا محمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا أَبُو أَحْمَدَ حدثنا سُفْيَانُ عَن يَزِيدَ بنِ أبي زِيادٍ عَن عَبْدِ اللّهِ بنِ الْحَارِثِ عَن المُطّلِبِ بنِ أبِي وَدَاعَةَ قالَ: "جَاءَ العَبّاسُ إِلَى رسُولِ1 اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَأَنّهُ سَمِعَ شَيْئاً، فقامَ النبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَى المِنْبَرِ فقالَ: "مَنْ أَنَا" ؟ فقَالُوا أنْتَ رَسُولُ اللّهِ عَلَيْكَ السّلاَمُ، قالَ "أنَا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ اللّهِ بنِ عَبْدِ المُطّلِبِ. إِنّ اللّهَ خَلَقَ الَخَلْقَ فَجَعَلَنِي في خَيْرِهِمْ
ـــــــ
وهي المرة الواحدة من الكسح على الكساحة والكناسة انتهى "إن الله خلق الخلق" أي المخلوقات يعني ثم جعلهم فرقاً "فجعلني من خير فرقهم" بكسر الفاء وفتح الراء أي من أشرفها وهو الإنس "وخير الفريقين" أي العرب والعجم "ثم خير القبائل فجعلني من خير القبيلة" يعني من قبيلة قريش، وفي رواية أحمد: إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه وجعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلة. ونحو ذلك في الرواية الاَتية "ثم خير البيوت" أي البطون "فجعلني من خير بيوتهم" أي من بطن بني هاشم "فأنا خيرهم نفساً" أي روحاً وذاتاً إذ جعلني نبياً رسولاً خاتماً للرسل "وخيرهم بيتاً" أي أصلاً إذ جئت من طيب إلى طيب إلى صلب عبد الله بنكاح لا سفاح.
قوله: "جاء العباس" أي غضبان "وكأنه سمع شيئاً" أي من الطعن في نسبه أو حسبه "فقال من أنا" استفهام تقرير على جهة التبكيت "فقالوا أنت رسول الله" فلما كان قصده صلى الله عليه وسلم بيان نسبه وهم عدلوا عن ذلك المعنى ولم يكن الكلام في ذلك المبنى "قال أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب"(10/76)
ثُمّ جَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ فَجَعَلَنِي في خَيْرِهِمْ فِرْقَةً، ثُمّ جَعَلَهُمْ قَبَائِلَ فَجَعَلَنِي في خَيْرِهِمْ قَبِيلَةً، ثُمّ جَعَلَهُمْ بُيُوتاً فَجَعَلَنِي في خَيْرِهِمْ بَيْتاً وَخَيْرِهِمْ نَفْساً". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ. وَرُوِيَ عَن سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عَن يَزِيدَ بنِ أبِي زِيَادٍ نَحْوَ حَدِيثِ إسمَاعِيلَ بنِ أبِي خَالِدٍ عَن يَزِيدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ عَن عَبْدِ اللّهِ بنِ الحارِثِ عَن العَبّاسِ بنِ عَبْدِ المُطّلِبِ.
3687 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ حدثنا سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّمَشْقِيّ حدثنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ حدثنا الأَوْزَاعِيّ أَخبرنَا شَدّادُ أبُو عَمّارٍ حَدّثَنِي وَاثِلَةُ بنُ الأَسْقَعِ قالَ: قاَل رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشاً مِنْ كِنَانَةَ، واصْطَفَى هَاشِماً مِنْ قُرَيْش، واصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ". هَذا حديثٌ حَسنٌ صحيحٌ غرِيبٌ.
3688 ـ حَدّثَنَا أبُو هَمّامٍ الوَلِيدُ بنُ شُجَاعِ بنِ الوَليدِ البَغْدَادِيّ حدثنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ عَن الأَوْزَاعِيّ عَن يَحْيَى بنِ
ـــــــ
يعني وهما معروفان عند العارف المنتسب. قال الطيبي قوله فكأنه سمع مسيب عن محذوف أي جاء العباس غضبان بسبب ما سمع طعناً من الكفار في رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو قوله تعالى {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} كأنهم حقروا شأنه وأن هذا الأمر العظيم الشأن لا يليق إلا بمن هو عظيم من إحدى القريتين كالوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي مثلاً فأقرهم صلى الله عليه وسلم على سبيل التبكيت على ما يلزم تعظيمه وتفخيمه(10/77)
أَبِي كَثِيرٍ عَن أَبِي سَلَمَةَ عَن أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: "قالُوا يا رَسُولَ اللّهِ مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النّبُوّةُ؟ قالَ "وَآدَمُ بَيْنَ الرّوحِ وَالْجَسَدِ" . هَذا حديثٌ حَسنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أبي هُريْرَةَ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
ـــــــ
فإنه الأولى بهذا الأمر من غيره، لأن نسبه أعرف. ومن ثم لما قالوا: أنت رسول الله ردهم بقوله أنا محمد بن عبد الله. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد.
قوله: "حدثنا محمد بن إسماعيل" هو الإمام البخاري "أخبرنا شداد أبو عمار" هو شداد بن عبد الله.قوله: "حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع بن الوليد البغدادي" السكوني ثقة من العاشرة. قوله: "متى وجبت لك النبوة" أي ثبتت "قال وآدم بين الروح والجسد" أي وجبت لي النبوة والحال أن آدم مطروح على الأرض صورة بلا روح، والمعنى أنه قبل تعلق روحه بجسده. قال الطيبي هو جواب لقولهم متى وجبت أي وجبت في هذه الحالة فعامل الحال وصاحبها محذوفان. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب إلخ" ورواه ابن سعد وأبو نعيم في الحلية عن ميسرة الفخر وابن سعد عن ابن أبي الجدعاء والطبراني في الكبير عن ابن عباس بلفظ كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد. كذا في الجامع الصغير. قال القاري في المرقاة: وقال ابن ربيع أخرجه أحمد والبخاري في تاريخه وصححه الحاكم، وروى أبو نعيم في الدلائل وغيره من حديث أبي هريرة مرفوعاً: كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث، وأما ما يدور على الألسنة بلفظ: كنت نبياً وآدم بين الماء والطين. فقال السخاوي لم أقف عليه بهذا اللفظ فضلاً عن زيادة وكنت نبياً ولا ماء ولا طين. وقال الحافظ ابن حجر في بعض أجوبته: إن الزيادة ضعيفة وما قبلها قوي، وقال الزركشي: لا أصل له بهذا اللفظ ولكن في الترمذي: متى كنت نبياً؟ قال: وآدم بين الروح والجسد. قال السيوطي: وزاد العلوم ولا آدم ولا ماء ولا طين ولا أصل له أيضاً انتهى ما في المرقاة(10/78)
21 ـ باب
3689 ـ حَدّثَنَا الْحُسَيْنُ بنُ يَزِيدَ الكُوفِيّ حَدّثَنَا عَبْدُ السّلاَمِ بنُ حَرْبٍ عَن لَيْثٍ عَن الرّبِيعِ بنِ أَنَسٍ
عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنَا أَوّلُ النّاسِ خُرُوجاً إِذَا بُعِثُوا وَأَنَا خَطِيبُهُمْ إذَا وَفَدُوا، وَأَنَا مُبَشّرُهُمْ إذَا أَيِسُوا. لِوَاءُ الحَمْدِ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي، وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبّي وَلاَ فَخْرَ" : هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
3690 ـ حَدّثَنَا الْحُسَيْنُ بنُ يَزِيدَ حدثنا عَبْدُ السّلاَمِ بنُ حَرْبٍ عَن يَزيِدَ بن أَبي خَالِدٍ عَن المِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو عَن عَبْدِ اللّهِ بنِ
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن ليث" هو ابن أبي سليم قوله: "إذا بعثوا" أي من قبورهم "وأنا خطيبهم" أي المتكلم عنهم "إذا وفدوا" أي إذا قدموا على الله والوفد جماعة يأتون الملك لحاجته "وأنا مبشرهم" أي المؤمنين بالرحمة والمغفرة "إذا أيسوا" أي إذا غلب عليهم اليأس من روح الله "لواء الحمد يومئذ بيدي" تقدم شرحه في آخر تفسير سورة بني إسرائيل "وأنا أكرم ولد آدم على ربي" إخبار بما منحه من السؤدد وتحدث بمزيد الفضل والإكرام "ولا فخر" أي أن هذه الفضيلة التي نلتها كرامة من الله تعالى لم أنلها من قبل نفسي ولا نلتها بقوتي فليس لي أن أفتخر بها. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه الدارمي.
قوله: "عن يزيد أبي خالد" هو يزيد بن عبد الرحمن الدالاني الأسدي الكوفي صدوق يخطئ كثيراً وكان يدلس من السابعة "عن عبد الله بن(10/79)
الحارِثِ عَن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قاَل رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنَا أَوّلُ مَنْ تَنْشَق عَنْهُ الأرْضُ فأُكْسَى حُلّةَ مِنْ حُلَلِ الْجَنّةِ ثمّ أَقُومُ عَن يَمِينِ العَرْشِ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْخَلاَئِق يَقُومُ ذَلِكَ المَقَامَ غَيْرِي" : هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صحيحٌ.
ـــــــ
الحارث" البصري. قوله: "أنا أول من تنشق عنه الأرض" أي للبعث فلا يتقدم أحد عليه بعثاً فهو من خصائصه "فأكسي" بصيغة المتكلم المجهول أي فأبعث فأكسي "ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري" أي هذه خصيصة شرفني الله بها والخلائق جمع خلق فيشمل الثقلين والملائكة(10/80)
22 ـ باب
3691 ـ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا أبُو عَاصِمٍ حدثنا سُفْيَانُ وَهُوَ الثّوْرِيّ عَن لَيْثٍ وَهُو ابنُ أَبِي سُلَيْمٍ قالَ حدثني كَعْبٌ حدثني أَبُو هُرَيْرَةَ قالَ قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "سَلُوا الّلهَ لِي الوَسِيلَةَ، قالُوا يَا رَسُولَ اللّهِ وَمَا الوَسِيلَةُ؟ قالَ أَعْلَى دَرَجَةٍ في الْجَنّةِ
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا أبو عاصم" اسمه ضحاك بن مخلد النبيل. قوله: "سلوا الله لي الوسيلة" أي المذكورة في دعاء الأذان آت محمداً الوسيلة، قال في النهاية الوسيلة في الأصل ما يتوصل به إلى الشيء ويتقرب به وجمعها وسائل يقال وسل إليه وسيلة وتوسل والمراد به في الحديث القرب من الله تعالى، وقيل هي الشفاعة يوم القيامة، وقيل هي منزلة من منازل الجنة كذا جاء في الحديث انتهى. قال الطيبي: وإنما طلب عليه السلام من أمته الدعاء له بطلب الوسيلة افتقاراً إلى الله تعالى وهضماً لنفسه أو لينفع أمته ويثاب به أو يكون إرشاداً لهم في(10/80)
لاَ يَنَاُلهَا إِلاّ رَجُلٌ وَاحِدٌ أَرْجُوا أَنْ أكُونَ أَنَا هُوَ". هَذا حديثٌ غَرِيبٌ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بالقوي وَكَعْبٌ لَيْسَ هُوَ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ نَعْلَمُ أَحَداً رَوَى عَنْهُ غَيْر لَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ.
3692 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيّ حدثنا زُهَيْرُ بنُ مُحَمّدٍ عَن عَبْدِ اللّهِ بنِ مُحَمّدِ بنِ عقيْلٍ عَن الطّفَيْلِ بنِ أُبَيّ بنِ كَعْبٍ عَن أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "مَثَلِي في النّبِيّينَ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَاراً فأحْسَنَهَا وأَكْمَلَهَا وَجَمَلَهَا وَتَرَكَ مِنْهَا مَوْضِعَ لَبنَةٍ، فَجَعَلَ النّاسُ يَطُوفُونَ بالبِناء ويَعْجَبُونَ مِنْهُ، وَيَقُولُونَ لَوْ تَمّ مَوْضعُ
ـــــــ
أن يطلب كل منهم من صاحبه الدعاء له "قالوا يا رسول الله وما الوسيلة" أي المطلوبة المسئولة. قال الطيبي عطف على مقدر أي نفعل ذلك وما الوسيلة "قال أعلى درجة في الجنة" أي هي أعلى درجة في الجنة "لا ينالها" أي لا يدرك تلك الدرجة العالية "إلا رجل واحد" أبهمه تواضعاً "أرجو" أي أؤمل "أن أكون أنا هو" وضع الضمير المرفوع أعني هو موضع المنصوب أعني إياه. قوله: "وكعب ليس هو بمعروف" قال في التقريب كعب المدني أبو عامر مجهول من الرابعة، وقال في تهذيب التهذيب كعب المدني روى عن أبي هريرة وعنه ليث بن أبي سليم ذكره ابن حبان في الثقات وقال كنيته أبو عامر أخرج له الترمذي حديثه عن أبي هريرة في ذكر الوسيلة وابن ماجه حديث: اللهم إني أعوذ بك من الجوع. قال الحافظ: ولما ذكره المزي في الأطراف قال كعب المدني أحد المجاهيل.
قوله: "مثلي" أي صفتي العجيبة الشأن "فأحسنها" أي أحسن بناءها "وأكملها" أي جعلها كاملة "وأجملها" أي حسنها وزينها "موضع لبنة" بفتح اللام وكسر(10/81)
تِلْكَ اللّبِنَةِ وأَنَا في النّبِيّينَ بِمَوْضِعُ تِلْكَ اللّبِنَةِ". وَبِهَذَا الإِسْنَاد عَن النبّي صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذَا كانَ يَوْمُ القِيَامَةِ كُنْتُ إِمَامَ النّبِيّينَ وَخَطِيبَهُمْ وَصَاحِبَ شَفَاعَتِهِمْ غَيْرَ فَخْرٍ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريب.
3693 ـ حَدّثَنَا ابنُ أَبي عُمَرَ أخبرنا سُفْيَانُ عَن ابن جدْعَانَ عَن أَبِي نَضْرَةَ عَن أَبِي سَعِيدٍ قالَ قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنَا سَيّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلاَ فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيّ يَوْمَئِذٍ ـ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ ـ إلاّ تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوّلُ مَنْ تَنشَقّ عَنْهُ الأرْضُ وَلاَ فَخْرَ" . وَفِي الْحَدِيثِ قِصّةٌ. وَهَذا حديثٌ حَسَنٌ
ـــــــ
الموحدة واحدة اللبن وهو ما يبنى به الجدار ويقال بكسر اللام وسكون الموحدة. قوله: "غير فخر" بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي قولي هذا ليس بفخر. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه الشيخان عن جابر بن عبد الله وعن أبي هريرة وأخرجه الترمذي أيضاً عن جابر في باب مثل النبي والأنبياء.
قوله: "أخبرنا سفيان" هو ابن عيينة "عن ابن جدعان" هو علي بن زيد بن جدعان "عن أبي نضرة" اسمه المنذر بن مالك بن قطعة العبدي العوفي. قوله: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر" أي ولا أقوله تفاخراً بل اعتداداً بفضله وتحدثاً بنعمته وتبليغاً لما أمرت به قال الطيبي: قوله ولا فخر حال مؤكدة أي أقول هذا ولا فخر. قال التوربشتي: الفخر ادعاء العظمة والمباهاة بالأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال والجاه "وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي" تقدم شرح هذه الجملة في آخر تفسير سورة بني إسرائيل. قوله: "وفي(10/82)
3694 ـ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ إسْمَاعِيلَ حدثنا عَبْدُ اللّهِ بنُ يَزِيدَ المقبري حدثنا حَيْوَةُ أَخبرنا كَعْبُ بنُ عَلْقَمَة سَمِعَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بنَ جُبَيْرٍ أَنّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللّهِ بنَ عَمْرٍو أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ المؤزن ثُمّ صَلّوا عَلَيّ فَإِنّه مَنْ صَلّى عَلَيّ صَلاَةً صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً، ثُمّ سَلوا لي الوَسِيلَةَ فإِنّهَا مَنْزِلَةٌ في الْجَنّةِ لاَ تَنْبَغِي إلاّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللّهِ وَأرْجُو أنْ أكُونَ أَنَا هُوَ، وَمَنْ سَأَلَ لِيَ الوَسِيلَةَ حَلّتْ عَلَيْهِ
ـــــــ
الحديث قصة" أخرجه الترمذي مع القصة في آخر تفسير سورة بني إسرائيل. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد وابن ماجه.
قوله: "حدثنا محمد بن إسماعيل" هو الإمام البخاري "أخبرنا عبد الله بن يزيد المقري" أبو عبد الرحمن المكي "أخبرنا حيوة" بن شريح بن صفوان التجيبي المصري "أخبرنا كعب بن علقمة" بن كعب المصري "سمع عبد الرحمن بن جبير" المصري المؤذن العامري ثقة عارف بالفرائض من الثالثة "سمع عبد الله بن عمرو" بن العاص السهمي. قوله: "فقولوا مثل ما يقول" أي المؤذن وهذا مخصوص بحديث عمر عند مسلم أنه يقول في الحيعلتين: لا حول ولا قوة إلا بالله "صلوا علي" بتشديد الياء "فإنه" الضمير للشأن "صلاة" أي واحدة "صلى الله عليه بها عشراً" أي أعطاه الله بتلك الصلاة الواحدة عشراً من الرحمة "ثم سلوا" أي الله تعالى "فإنها" أي الوسيلة "منزلة في الجنة" هي أعلى منازل الجنة "لا تنبغي إلا لعبد" أي لا تصلح ولا تليق تلك المنزلة إلا لعبد واحد "وأرجو" من الرجاء وهو الأمل "أن أكون أنا هو" قيل هو خبر كان وضع موضع إياه والجملة من باب وضع الضمير موضع اسم الإشارة أي أكون ذلك العبد، ويحتمل أن أكون أنا مبتدأ لا تأكيداً وهو خبره الجملة خبر أكون، وقيل يحتمل على الأول أن الضمير وحده وضع موضع اسم الإشارة "حلت(10/83)
الشّفَاعَةُ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. قالَ مُحَمّدٌ: عبْدُ الرّحْمَن بنُ جبَيْرٍ هَذَا قُرَشِيّ وهو مِصْرِيّ مدني وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بنِ جُبَيْرٍ بنِ نُفَيْرٍ شَامِيّ.
3695 ـ حَدّثَنَا عَلِيّ بنُ نَصْرِ بنِ عَلِيّ الْجَهْضَمِيّ حدثنا عُبَيْدُ اللّهِ بنُ عَبْدِ المَجِيدِ حدثنا زَمْعَةُ بنُ أبِي صَالِحٍ عَن سَلَمَة بنِ وَهْرَامَ عَن عِكْرِمَةَ عَن ابنِ عَبّاسٍ قالَ: "جَلَسَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُونَهُ قالَ فَخَرَجَ حَتّى إِذَا دَنَا مِنْهُمْ سَمِعَهُمْ يَتَذَاكَرُونَ فَسَمِعَ حَدِيثَهُمْ فقالَ بَعْضُهُمْ عَجَباً إنّ
ـــــــ
عليه الشفاعة" أي صارت حلالاً له غير حرام، وفي بعض نسخ مسلم: حلت له الشفاعة، قال النووي معناه وجبت وقيل نالته انتهى. وقال القاري وقيل من الحلول بمعنى النزول يعني استحق أن أشفع له مجازاة لدعائه. وقد تقدم شيء من الكلام في هذا في الباب الذي بعد باب ما يقول إذا أذن المؤذن من الدعاء. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي. "قال محمد" يعني الإمام البخاري "عبد الرحمن بن جبير هذا قرشي الخ" مقصود الترمذي بيان الفرق بين عبد الرحمن بن جبير المذكور في السند وعبد الرحمن بن جبير بن نفير فالأول قرشي مصري والثاني شامي.
قوله: "أخبرنا عبد الله بن عبد المجيد" الحنفي البصري "حدثنا زمعة" بفتح الزاي وسكون الميم "بن صالح" الجندي بفتح الجيم والنون اليماني نزيل مكة أبو وهب ضعيف وحديثه عند مسلم مقرون من السادسة "عن سلمة بن وهرام" بفتح الواو وبالهاء والراء اليماني صدوق من السادسة. قوله: "فخرج" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "حتى إذا دنا" أي قرب "سمعهم" حال من الضمير في دنا وقد مقدرة "يتذاكرون" حال من الضمير المنصوب في سمعهم كذا(10/84)
اللّهَ اتّخَذَ مِنْ خَلْقِهِ خَلِيلاً اتّخَذَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ خَليِلاً. وَقالَ آخَرُ: مَاذَا بِأَعْجَبَ مِنْ كَلاَمِ مُوسَى كَلّمَهُ تَكْلِيماً. وقَالَ آخَرُ: فَعِيسَى كَلِمَةُ اللّهِ وُروحُهُ. وَقالَ آخَرُ: آدَمُ اصْطَفَاهُ اللّهُ. فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَسَلّمَ وَقالَ: "قَدْ سَمِعْتُ كَلاَمَكُمْ وَعَجَبَكُمْ. إنّ إِبْرَاهِيمَ خَليلُ اللّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمُوسَى نَجِيّ اللّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَعِيسَى رُوحُ الله وَكَلِمتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وآدَمُ اصْطَفَاهُ اللّهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، أَلاَ وَأَنَا حَبِيبُ اللّهِ وَلاَ فَخْرَ، وأنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ
ـــــــ
ذكره الطيبي. قال القاري: والظاهر أن قوله سمعهم جواب إذا "اتخذ إبراهيم خليلاً" كما قال الله تعالى {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} "ماذا بأعجب من كلام موسى" أي اتخاذ الله إبراهيم خليلاً ليس بأعجب من تكليمه موسى "كلمه تكليماً" كما قال الله تعالى {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} "فعيسى كلمة الله" أي أثر كلمته كن. قال الطيبي: الفاء في قوله فعيسى جواب شرط محذوف أي إذا ذكرتم الخليل فاذكروا عيسى كقوله تعالى {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ} أي إذا افتخرتم بقتلهم فإنكم لم تقتلوهم "وروحه" قال الله تعالى {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} والإضافة في كلمة الله وروحه تشريفية "آدم اصطفاه الله" كما قال الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} "فخرج عليهم" أي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وكرره لينيط به غير ما أناط به أولاً أو يكون خرج أولاً من مكان وثانياً منه إلى آخر "فسلم" أي عليهم "قد سمعت كلامكم وعجبكم" بفتحتين أي وفهمت تعجبكم فهو من باب قلدت سيفاً ورمحاً "وهو كذلك" أي كون إبراهيم خليل الله حق وصدق "وموسى نجى الله" فعيل من النجوى بمعنى الفاعل أو المفعول أي كليم الله "ألا" بالتخفيف للتنبيه جيء به للتأكيد بين المعطوف والمعطوف عليه "وأنا حبيب الله" أي محبه ومحبوبه. قال الطيبي قرر أولاً ما ذكر من فضائلهم بقوله وهو كذلك ثم نبه على أنه أفضلهم وأكملهم وجامع لما كان متفرقاً فيهم(10/85)
فَخْرَ، وَأَنَا أَوّلُ شَافِعٍ وَأَوّلُ مُشَفّعٍ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا أَوّلُ مَنْ يُحَرّكُ حِلَقَ الْجَنّةِ فَيَفْتَحُ اللّهُ لِي فَيُدْخِلُنِيهَا وَمَعِي فُقَرَاءُ المُؤْمِنِينَ وَلا فَخْرَ، وَأَنَا أَكْرَمُ الأَوّلِينَ وَالاَخَرِينَ وَلاَ فَخْرَ".
هَذا حديثٌ غَرِيبٌ.
3696 ـ حَدّثَنَا زَيْدُ بنُ أَخْزَمَ الطّائِيّ البَصْرِيّ حدثنا أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ "قال" حدثني أَبُو مَوْدُودٍ المَدَنِيّ أَخبرنا عُثْمَانُ بن الضّحّاكِ عَن مُحَمّدِ بنِ يُوسُفَ بنِ عَبْدِ اللّهِ بنِ سَلاَمٍ عَن أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قال: "مَكْتُوبٌ في التّوْرَاةِ صِفَةُ مُحَمّدٍ، وَصِفَةُ عِيسَى بنُ مَرْيَمَ يُدْفَنُ مَعَهُ. قالَ
ـــــــ
في الحبيب خليل ومكلم ومشرف انتهى "وأنا حامل لواء الحمد" بالإضافة "وأول مشفع" اسم مفعول من التشفيع أي مقبول الشفاعة "وأنا أول من يحرك حلق الجنة" بفتح الحاء ويكسر جمع حلقة "فيفتح الله لي" أي بابها. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه الدارمي.
قوله: "حدثني أبو مودود" اسمه عبد العزيز بن أبي سليمان "عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام" الإسرائيلي المدني مقبول من الرابعة "عن أبيه" أي يوسف بن عبد الله بن سلام صحابي صغير وقد ذكره العجلي في ثقات التابعين "عن جده" أي عبد الله بن سلام الصحابي المشهور "قال" أي عبد الله بن سلام "مكتوب في التوراة" خبر مقدوم "صفة محمد" أي نعته صلى الله عليه وسلم "وعيسى ابن مريم يدفن معه" عطف على المبتدأ أي في حديث قال الحافظ أي ومكتوب فيها أيضاً أن عيسى يدفن معه. فيه أن عيسى عليه الصلاة والسلام بعد نزوله وموته يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيده ما روى عن عائشة في حديث قال الحافظ لا يثبت أنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم إن عاشت بعده أن تدفن إلى جانبه فقال لها وأنى لك بذلك وليس في ذلك الموضع إلا قبري وقبر أبي بكر وعمر(10/86)
فقالَ أَبُو مَوْدُودٍ: وقَدْ بَقِيَ في البَيْتِ مَوْضِعُ قَبْرٍ": هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. هكذاَ قالَ عُثْمَانُ بنُ الضّحّاكِ والمَعْرُوفُ الضّحّاكُ بنُ عُثْمَانَ المَدَنِيّ.
3697 ـ حَدّثَنَا بِشْرُ بنُ هِلاَلٍ الصّوّافُ البَصْرِيّ أخبرنا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ الضّبَعِيّ عَن ثَابِتٍ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ: "لَمّا كانَ اليَوْمُ الّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلّ شَيْءٍ، فَلَمّا كَانَ اليَوْمُ الّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلّ شَيْءٍ، وَلمَا نَفَضْنَا عَن رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الأَيْدِي وَإنّا
ـــــــ
وعيسى ابن مريم. وفي أخبار المدينة من وجه ضعيف عن سعيد بن المسيب قال إن قبور الثلاثة في صفة بيت عائشة وهناك موضع قبر يدفن فيه عيسى عليه السلام، ويؤيده أيضاً حديث عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينزل عيسى ابن مريم إلى الأرض فيتزوج ويولد له ويمكث خمساً وأربعين سنة ثم يموت فيدفن معي في قبري فأقوم أنا وعيسى ابن مريم في قبر واحد بين أبي بكر وعمر". رواه ابن الجوزي في كتاب الوفاء ذكره الشيخ ولي الدين في المشكاة ولم أقف عن سنده "قد بقي في البيت" أي في حجرة عائشة التي دفن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: "هكذا قال" هذا قول الترمذي وضمير قال راجع إلى شيخه زيد أخزم "عثمان بن الضحاك" هذا بيان لقوله هكذا "والمعروف الضحاك بن عثمان المديني" قال في التقريب: عثمان بن الضحاك المدني يقال هو الحزامي ضعيف قاله أبو داود قال الترمذي الصواب ضحاك بن عثمان يعني أنه قلب.
قوله: "أضاء منها" أي أشرق من المدينة "كل شيء" بالرفع على أنه فاعل أضاء وهو لازم وقد يتعدى "أظلم" ضد أضاء "وما نفضنا" من النفض وهو(10/87)
لَفِي دَفْنِهِ حَتّى أنْكَرْنَا قُلُوبَنَا". هَذا حديثٌ صحيحٌ غَريب.
ـــــــ
تحريك الشيء ليزول ما عليه من التراب والغبار ونحوهما "وإنا لفي دفنه" أي مشغولون بعد والجملة حالية "حتى أنكرنا قلوبنا" بالنصب على المفعولية. قال التوربشتي: يريد أنهم لم يجدوا قلوبهم على ما كانت عليه من الصفاء والألفة لانقطاع مادة الوحي وفقدان ما كان يمدهم من الرسول صلى الله عليه وسلم من التأييد والتعليم ولم يرد أنهم لم يجدوها على ما كانت عليه من التصديق انتهى. وقال في اللمعات: لم يرد عدم التصديق الإيماني بل هو كناية عن عدم وجدان النورانية والصفاء الذي كان حاصلاً من مشاهدته وحضوره صلى الله عليه وسلم لتفاوت حال الحضور والغيبة. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه الدارمي بلفظ: ما رأيت يوماً قط كان أحسن ولا أضوء من يوم دخل علينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيت يوماً كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.(10/88)
باب ماجاء في ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم
...
23-باب مَا جَاءَ فِي مِيلاَد النبيّ صلى الله عليه وسلم
3698 ـ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ العَبْدِيّ أخبرنا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ حدثنا أَبِي قالَ سَمِعْتُ مُحَمّدَ بنَ إسْحَاقَ يُحَدّثُ عَن المُطّلِبِ بنِ عَبْدِ اللّهِ بنِ قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ عَن أَبِيهِ عَن جَدّهِ قالَ: "وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الفِيلِ ـ قَالَ وَسأَلَ عُثْمَانُ بنُ عَفّانَ قُبَاثَ بنَ أَشْيَمَ أخَا بَنِي
ـــــــ
باب مَا جَاءَ فِي مِيلاَد النبيّ صلى الله عليه وسلم
أي وقت ولادته صلى الله عليه وسلم. قال ابن الجوزي في التلقيح: اتفقوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين في شهر ربيع الأول عام الفيل(10/88)
يَعْمرَ بنِ لَيْثٍ ـ أَأَنْتَ أَكْبَرُ أمْ رسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فقالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أكْبَرُ مِنّي وأَنَا أَقْدَمُ مِنْهُ فِي المِيلاَدِ، قالَ وَرَأَيْتُ خَذْقَ الفيل أَخْضَرَ مُحِيلاً". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمّدِ بنِ إِسْحَاقَ.
ـــــــ
واختلفوا فيما مضى من ذلك لولادته على أربعة أقوال أحدها أنه ولد لليلتين خلتا منه، والثاني لثمان خلون منه، والثالث لعشر خلون منه، والرابع لإثنتي عشرة خلت منه انتهى
قوله: "اخبرنا وهب بن جرير" بن حازم "سمعت محمد بن إسحاق" هو إمام المغازي "عن المطلب بن عبد الله بن مخرمة" بن المطلب بن عبد مناف المطلبي مقبول من السادسة "عن أبيه" أي عبد الله بن قيس يقال له روية وهو من كبار التابعين واستقضاه الحجاج على المدينة سنة ثلاث وسبعين ومات سنة ست وسبعين "عن جده" أي قيس بن مخرمة صحابي كان أحد المؤلفة ثم حسن إسلامه. قوله: "ولدت" بصيغة المتكلم المجهول "عام الفيل" أي سنة إهلاك أصحابه "قال" أي قيس بن مخرمة "وسأل عثمان بن عفان" أمير المؤمنين ذو النورين رضي الله عنه "قباث" بقاف مضمومة وخفة باء وبمثلثة وقيل بفتح قاف قال كذا في المغني "بن أشيم" بمعجمة وتحتانية وزن أحمد بن عامر الكندي الليثي صحابي عاش إلى أيام عبد الملك بن مروان "فقال" أي قباث بن أشيم "وأنا أقدم منه" أي من رسول الله صلى الله عليه وسلم "في الميلاد" أي وقت الولادة "قال" أي قباث بن أشيم "ورأيت خذق الطير" بفتح الخاء وسكون الذال المعجمتين وبالقاف أي روثها وفي بعض النسخ حذق الفيل "محيلاً" بضم الميم وكسر الحاء المهملة من الإحالة أي متغيراً قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد مختصراً.(10/89)
باب ماجاء في بدء نبوة النبي صلى الله عليه وسلم
...
24 ـ باب مَا جَاءَ في بَدْءِ نُبُوّةِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم
3699 ـ حَدّثَنَا الفَضْلُ بنُ سَهْلٍ أَبُو العَبّاسِ الأعْرَجُ البَغْدَادِيّ حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنِ غَزْوَانَ أبو نوح أَخبرنا يُونُسُ بنُ أبي إسحَاقَ عَن أَبِي بَكْرِ بنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيّ عَن أَبِيهِ قالَ: "خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشّامِ وَخَرَجَ مَعَهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم في أَشْيَاخٍ مِنْ قرَيْشٍ فَلَمّا أَشْرَفُوا عَلَى الرّاهِبِ هَبَطَوا فَحَلّوا رِحَالَهُمْ فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الرّاهِبُ وكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرّونَ بِهِ فَلاَ يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَلْتَفِتُ، قالَ فهُمْ يَحُلّونَ رِحَالَهُمْ فَجَعَلَ يَتَخَلّلُهُمُ الرّاهِبُ حَتّى جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ هَذَا سَيّدُ العَالَمِينَ، هَذَا
ـــــــ
"باب مَا جَاءَ في بَدْءِ نُبُوّةِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم"
قوله: "أخبرنا يونس بن أبي إسحاق" السبيعي. قوله: "في أشياخ من قريش" أي في جملتهم والمراد منهم أكابرهم شرفاً أو سناً "فلما أشرفوا" أي طلعوا "على الراهب" اسمه بحيراً بضم الباء وفتح الحاء ممدوداً على المشهور لكن ضبطه الشيخ الجزري بفتح الباء وكسر الحاء المهملة وياء ساكنة وفتح الراء وألف مقصورة وهو زاهد النصارى. وقال المظهر كان أعلم بالنصرانية وكذا ذكره الجزري كذا في المرقاة "هبط" من الهبوط أي نزل أبو طالب ومن معه في ذلك الموضع وهو بصري من بلاد الشام على ما ذكره المظهر وفي المشكاة هبطوا بلفظ الجمع "فحلوا رحالهم" أي فتحوها "وكانوا" أي الناس من قريش وغيرهم "قال" أي أبو موسى "فجعل يتخللهم الراهب" أي أخذ يمشي فيما بين القوم(10/90)
رَسُولُ رَبّ الْعَالَمِينَ. يَبْعَثُهُ اللّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ. فقالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ مَا عِلْمُكَ؟ فقالَ إنّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنَ الَعَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ حَجَرٌ وَلاَ شَجَرٌ إلاّ خَرّ سَاجِداً. وَلاَ يَسْجُدَانِ إلاّ لِنَبِيّ وَإِنّي أَعْرِفُهُ بِخَاتَمِ النّبُوّةِ أَسْفَلَ مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ مِثْلَ التّفّاحَةِ ثُمّ رَجَعَ فَصَنَع لَهُمْ طَعَاماً فَلَمّا أَتَاهُمْ بِهِ وَكَانَ هُوَ فِي رِعْيَةِ الإبِلِ فقالَ أَرْسِلُوا إِلَيْهِ فأقبَلَ وعليه غمامةٌ تُظِلّهُ، فلمّا دَنَا مِنَ القومِ وَجَدَهُمْ قَدْ سَبَقُوهُ إلى فَيْءِ الشّجَرَةِ فَلَمّا جَلَسَ مَالَ فَيْءُ الشّجَرَةِ عَلَيْهِ فقالَ انْظُرُوا إِلَى فَيْءِ الشّجَرَةِ مَالَ عَلَيْهِ. قالَ فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يُنَاشِدُهُمْ أنْ لاَ يَذْهَبُوا بِهِ إلى الرّومِ فإِنّ الرّومَ إِنْ رَأوْهُ عَرَفُوهُ
ـــــــ.
ويطلب في خلالهم شخصاً "يبعثه لله" أي يجعله نبياً ويظهر رسالته "ما علمك" أي ما سبب علمك "إلا خر" من الخرور أي سقط "وإني أعرفه" أي النبي أيضاً "بخاتم النبوة" بفتح التاء ويكسر "أسفل" بالنصب أي في مكان أسفل "من غضروف كتفه" بضم الغين المعجمة والراء بينهما ضاد معجمة وهو رأس لوح الكتف "مثل التفاحة" قيل يروى بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف بالنصب على إضمار الفعل ويجوز الجر على الإبدال دون الصفة لأن مثله وغيره لا يتعارفان بالإضافة إلى المعرفة "ثم رجع" أي الراهب من عندهم "فلما أتاهم به" أي بالطعام "فكان هو" أي النبي صلى الله عليه وسلم "في رعية الإبل" بكسر الراء وسكون العين أي في رعايتها "فقال" أي الراهب لهم "أرسلوا إليه" أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم من يدعوه للطعام "وعليه غمامة" أي سحابة "تظله" بضم الفوقية من الإظلال أي تجعله تحت ظلها "وجدهم" أي وجد النبي صلى الله عليه وسلم القوم "إلى فيء شجرة" أي ظلها "مال فيء الشجرة عليه" أي مال ظلها واقعاً عليه "فقال" أي الراهب "وهو يناشدهم" أي يقسم عليهم(10/91)
بالصّفَةِ فَيَقْتُلُونهُ، فالْتَفَتَ فإِذَا بِسَبْعَةٍ قَدْ أَقْبَلُوا مِنَ الرّومِ فاسْتَقْبَلَهُمْ فقالَ: ما جَاءَ بِكُمْ؟ قالُوا جِئْنَا إِنّ هَذَا النبِيّ خَارِجٌ في هَذَا الشّهْرِ فَلَمْ يَبْقَ طَرِيقٌ إلاّ بُعِثَ إِلَيْهِ بِأُنَاسٍ وإنّا قَدْ أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ فَبَعَثَنَا إلى طَرِيقِكَ هَذَا، فقالَ هَلْ خَلْفَكُمْ أَحَدٌ هُوَ خَيْرٌ مِنْكُمْ؟ قالُوا إِنّمَا أُخْتِرْنَا خَيرة لِطَرِيقِكَ هَذَا. قالَ أَفَرَأَيْتُمْ أَمْراً أَرَادَ اللّهُ أَنْ يَقْضِيَهُ هَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النّاسِ رَدّهُ؟ قالُوا لاَ. قالَ فَبَاَيَعُوهُ وَأَقَامُوا مَعَهُ، قالَ أَنْشُدُكُمْ باللّهِ أَيّكُمْ وَلِيّهُ؟ قالُوا أَبُو طَالِبٍ فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ حَتّى رَدّهُ أبُو طَالِبٍ وَبَعَثَ مَعَهُ أبُو بَكْرٍ بِلاَلاً وَزَوّدَهُ الرّاهِبُ مِنَ الكَعْكِ وَالزّيْتِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ
ـــــــ
قال في النهاية يقال نشدتك الله وأنشدك الله وبالله وناشدتك الله وبالله أي سألتك وأقسمت عليك ونشدته نشدة ونشداناً ومناشدة وتعديته إلى مفعولين إما لأنه بمنزلة دعوت حيث قالوا نشدتك الله وبالله كما قالوا دعوت زيداً أو يزيد أو لأنهم ضمنوه معنى ذكرت انتهى "أيكم وليه" أي قريبه والجملة مبتدأ وخبر "قالوا أبو طالب" أي وليه "فلم يزل" أي الراهب "يناشده" أي يناشد أبا طالب ويطالب رده عليه السلام خوفاً عليه من أهل الروم أن يقتلوه في الشام ويقول لأبي طالب بالله عليك أن ترد محمداً إلى مكة وتحفظه من العدو "حتى رده أبو طالب" أي إلى مكة شرفها الله تعالى "وبعث معه أبو بكر بلالاً" وفي رواية علي عن أبيه أنه قال فرددته مع رجال وكان فيهم بلال أخرجه رزين "وزوده الراهب من الكعك" هو الخبز الغليظ على ما في الأزهار وقيل هو خبز يعمل مستديراً من الدقيق والحليب والسكر أو غير ذلك الواحدة كعكة والجمع كعكات، وقال في القاموس هو خبز معروف فارسي معرب "والزيت"(10/92)
ـــــــ
أي لإدام ذلك الخبز، وقد روى الترمذي في باب أكل الزيت عن عمر وأبي أسيد مرفوعاً: "كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة". قوله: "هذا حديث حسن غريب" قال الجزري: إسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح أو أحدهما وذكر أبي بكر وبلال فيه غير محفوظ وعدة أئمتنا وهما وهو كذلك فإن سن النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك اثنا عشرة سنة وأبو بكر أصغر منه بسنتين وبلال لعله لم يكن ولد في ذلك الوقت انتهى. وقال في ميزان الاعتدال: قيل مما يدل على بطلان هذا الحديث قوله وبعث معه أبو بكر بلالاً وبلال لم يخلق بعد وأبو بكر كان صبياً انتهى، وضعف الذهبي هذا الحديث لقوله وبعث معه أبو بكر بلالاً فإن أبا بكر إذ ذاك ما اشترى بلالاً. وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة: رجاله ثقات وليس فيه سوى هذه اللفظة فيحتمل أنها مدرجة فيه منقطعة من حديث آخر وهما من أحد رواته كذا في المواهب اللدنية. وقال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد: ثم كفله عمه أبو طالب واستمرت كفالته له فلما بلغ ثنتي عشرة سنة خرج به عمه إلى الشام وقيل كانت سنة تسع سنين وفي هذه الخرجة رآه بحير الراهب وأمر عمه أن لا يقدم به إلى الشام خوفاً عليه من اليهود فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى المدينة ووقع في كتاب الترمذي وغيره أنه بعث معه بلالاً وهو من الغلط الواضح فإن بلالاً إذ ذاك لعله لم يكن موجوداً وإن كان فلم يكن مع عمه ولا مع أبي بكر، وذكر البزار في مسنده هذا الحديث ولم يقل: وأرسل معه عمه بلالاً ولكن قال رجلاً انتهى.(10/93)
باب ماجاء في مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وابن كم حين بعث
...
25 ـ باب ما جَاءَ في مَبْعَثِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وابنُ كَمْ كانَ حِينَ بُعِثَ
3700 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ إسماعِيلَ حدثنَا مُحَمّدُ بنُ بشّارٍ حدثنَا ابنُ أَبِي عَدِيّ عَن هِشَامِ بنِ حَسّانَ
عَن عِكْرِمَةَ عَن ابنِ عَبّاسٍ قالَ: "أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابنُ أَرْبَعِينَ فأَقَامَ بِمَكّةَ ثَلاَثَ عَشَرَة وبالْمَدِينَةِ عَشْراً وَتُوُفّيَ وَهُوَ ابنُ ثَلاَثٍ وسِتّينَ": هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
"باب ما جَاءَ في مَبْعَثِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وابنُ كَمْ كانَ حِينَ بُعِثَ"
المبعث من البعث وأصله الإثارة ويطلق على التوجيه في أمر ما رسالة أو حاجة ومنه بعثت البعير إذا أثرته من مكانه وبعثت العسكر إذا وجهتهم للقتال وبعثت النائم من نومه إذا أيقظته والمراد هنا الإرسال. وقد أطبق العلماء على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حيث بعث ابن أربعين سنة
قوله: "حدثنا محمد بن إسماعيل" هو الإمام البخاري "حدثنا ابن أبي عدي" اسمه محمد بن إبراهيم. قوله: "أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي الوحي "وهو ابن أربعين" أي سنة وكان ابتداء وحي اليقظة في شهر رمضان "فأقام بمكة ثلاثة عشر" وفي رواية البخاري فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة ثم أمر بالهجرة فهاجر إلى المدينة. قال الحافظ: هذا أصح مما رواه مسلم من طريق عماد بن أبي عماد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة خمس عشرة سنة "وبالمدينة عشراً" أي عشر سنين وتوفي وهو ابن ثلاث(10/94)
3701 ـ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا ابنُ أبي عَدِيّ عَن هِشَامٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَن ابنِ عَبّاسٍ قال: "قُبِضَ النبيّ صلى الله عليه
ـــــــ
وستين ذكر الترمذي في هذا الباب ثلاث روايات إحداها هذه، والثانية قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين، والثالثة وتوفاه الله على رأس ستين سنة، وقد جمع النووي بين هذه الروايات المختلفة جمعاً حسناً فقال ذكر مسلم في الباب ثلاث روايات إحداها أنه صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ستين سنة، والثانية خمس وستون، والثالثة ثلاث وستون وهي أصحها وأشهرها. رواها مسلم ههنا من رواية عائشة وأنس وابن عباس، واتفق العلماء على أن أصحها ثلاث وستون وتأولوا الباقي، فرواية ستين اقتصر فيها على العقود وترك الكسر، ورواية الخمس متأولة أيضاً وحصل فيها اشتباه، وقد أنكر عروة على ابن عباس قوله خمس وستون ونسبه إلى الغلط وأنه لم يدرك أول النبوة ولا كثرت صحبته بخلاف الباقين واتفقوا أنه صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة بعد الهجرة عشر سنين وبمكة قبل النبوة أربعين سنة وإنما الخلاف في قدر إقامته بمكة بعد النبوة وقبل الهجرة والصحيح أنها ثلاث عشرة فيكون عمره ثلاثاً وستين، وهذا الذي ذكرنا أنه بعث على رأس أربعين سنة هو الصواب المشهور الذي أطبق عليه العلماء. وحكى القاضي عياض عن ابن عباس وسعيد بن المسيب رواية شاذة أنه صلى الله عليه وسلم بعث على رأس ثلاث وأربعين سنة والصواب أربعون كما سبق، وولد عام الفيل على الصحيح المشهور وقيل بعد الفيل بثلاث سنة وقيل بأربعين سنة1 وادعى القاضي عياض الإجماع على عام الفيل وليس كما ادعى واتفقوا أنه ولد يوم الاثنين في شهر ربيع الأول وتوفي يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، واختلفوا في يوم الولادة هل هو ثاني الشهر أم ثامنه أم عاشره أم ثاني عشر، ويوم الوفاة ثاني عشرة ضحى انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان. قوله: "قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين سنة" هذه الرواية محمولة على إدخال سنة الولادة وسنة الوفاة وحسبانهما.
ـــــــ
1 هكذا وردت بالصل ولعله تصحيف صوابه بثلاث سنين وقيل بأربع سنين.(10/95)
وسلم وهُوَ ابنُ خَمْسٍ وَسِتّينَ سَنَةً". وَهَكَذَا حَدّثَنَا محمّدُ بنُ بَشّارٍ، وَرَوَى عَنْهُ مُحَمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ مِثْلَ ذَلِكَ.
3702 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ عَن مَالِكِ بنِ أَنَسٍ وحدثنا الأنْصَارِيّ، حدثنا مَعْنٌ، حدثنا مَالِكُ بنُ أَنسٍ عَن رَبِيعَةَ بنِ أَبِي عبْدِالرّحْمَنِ أَنّهُ سَمِعَ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ يَقُولُ: "لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بالطّوِيلِ الْبَائِنِ وَلاَ بالْقَصِيرِ المتردد، وَلاَ بالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ وَلاَ بالاَدَمِ وَلَيْسَ بالْجَعْدِ القَطَطِ وَلاَ بالسّبِطِ، بَعَثَهُ اللّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فأَقَامَ بِمَكّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وبالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتَوَفّاهُ اللّهُ عَلَى
ـــــــ
قوله: "عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن" التيمي مولاهم أبي عثمان المدني المعروف بربيعة الرأي واسم أبيه فروخ ثقة فقيه مشهور قال ابن سعد: كانوا يتقونه لموضع الرأي من الخامسة. قوله: "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطويل البائن" أي المفرط في الطول خارجاً عن الاعتدال، والبائن اسم فاعل من بان إذا ظهر وهذا يشير إلى أنه قد كان في قده صلى الله عليه وسلم طول والأمر كذلك فإنه كان مربوعاً مائلاً إلى الطول بالنسبة إلى القصر وهو الممدوح "ولا بالأبيض الأمهق" بفتح الهمزة وسكون الميم. هو الكريه البياض كلون الجص "ولا بالاَدم" من الأدمة بالضم بمعنى السمرة أي ليس بأسمر، وهذا يعارض ما في رواية حميد عن أنس في باب الجمة واتخاذ الشعر أنه صلى الله عليه وسلم كان أسمر اللون، والجمع بينهما بأن المنفى إنما هو شدة السمرة فلا ينافي إثبات السمرة في رواية حميد عن أنس على أن لفظة أسمر اللون في الرواية المذكورة انفرد بها حميد عن أنس ورواه عنه غيره من الرواة بلفظ أزهر اللون ومن روى صفته صلى الله عليه وسلم غير أنس فقد وصفه بالبياض دون السمرة وهم خمسة عشرة صحابياً قاله الحافظ العراقي، وحاصله ترجيح رواية البياض بكثرة الرواة ومزيد الوثاقة، ولهذا قال ابن(10/96)
رأْسِ سِتّينَ سَنَةً وَلَيْسَ في رأْسِهِ ولِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
الجوزي: هذا حديث لا يصح وهو مخالف للأحاديث كلها، وقيل المراد بالسمرة الحمرة لأن العرب قد تطلق على كل من كان كذلك أسمر، ومما يؤيد ذلك رواية البيهقي كان أبيض بياضه إلى السمرة. والحاصل أن المراد بالسمرة حمرة تخالط البياض وبالبياض المثبت في رواية معظم الصحابة ما يخالط الحمرة، وآدم بمد الهمزة وأصله أدم بهمزتين على وزن أفعل أبدلت الثانية ألفاً "وليس بالجعد القطط ولا بالبسط الجعد" بفتح فسكون والقطط بفتحتين على الأشهر وبفتح فكسر في المصباح جعد الشعر بضم العين وكسرها جعودة إذا كان فيه التواء وانقباض وفيه شعر قطط شديد الجعودة، وفي التهذيب القطط شعر الزنج، وقط الشعر يقط من باب رد وفي لغة قطط من باب تعب، والسبط بفتح فكسر أو بفتحتين أو بفتح فسكون في التهذيب سبط الشعر سبطاً من باب تعب فهو سبط إذا كان مسترسلاً، وسبط سبوطة فهو سبط كسهل سهولة فهو سهل، والمراد أن شعره صلى الله عليه وسلم ليس نهاية في الجعودة ولا في السبوطة بل كان وسطاً بينهما وخير الأمور أوساطها "فأقام بمكة عشر سنين" قال الحافظ: مقتضى هذا أنه عاش ستين سنة، وأخرج مسلم من وجه آخر عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم عاش ثلاثاً وستين وهو موافق لحديث عائشة وبه قال الجمهور. وقال الإسماعيلي لا بد أن يكون الصحيح أحدهما وجمع غيره بإلغاء الكسر "وتوفاه الله على رأس ستين سنة" هذا محمول على إلغاء الكسر وهو ما زاد على العقد "وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء" أي بل دون ذلك، وقد ذكر الحافظ في الفتح ههنا روايات مختلفة في عدة شعراته صلى الله عليه وسلم البيض والجمع بينهما لا يخلو عن التكلف والأمر فيه سهل. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي.(10/97)
باب ماجاء في آيات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وما قد خصه الله به
...
26 ـ باب ما جَاءَ في آياتِ نُبُوّةِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَمَا قَدْ خَصّهُ اللّهُ بِه
3703 ـ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ ومحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ قالاَ: أخبرنا أبُو دَاوُدَ الطّيَالِسيّ، أخبرنا سُلَيْمَانُ
بنُ مُعَاذٍ الضّبّيّ، عَن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عَن جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ بِمَكّةَ حَجَراً كانَ يُسَلّمُ عَلَيّ لَيَالِيَ بُعِثْتُ إِنّي لأعْرِفُهُ الآنَ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
3704 ـ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ أخبرنا سُلَيْمَانُ التّيْمِيّ عَن أَبِي الَعَلاءِ عَن سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ قالَ: "كُنّا
ـــــــ.
"باب"
ما جاء في آيات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم الخ
قوله: "كان يسلم علي" أي يقول السلام عليك يا رسول الله كما في رواية "ليالي بعثت" ظرف لقوله يسلم ولفظ مسلم: "إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآَن". قال النووي: في الحديث معجزة له صلى الله عليه وسلم وفي هذا إثبات التمييز في بعض الجمادات وهو موافق لقوله تعالى في الحجارة {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} وقوله تعالى {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} وفي هذه الآية خلاف مشهور والصحيح أنه يسبح حقيقة ويجعل الله تعالى فيه تمييزاً بحسبه. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد ومسلم.(10/98)
مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم نتدَاوَلُ مِنْ قَصْعَةٍ مِنْ غُدْوَةٍ حَتّى اللّيْل تَقُومُ عَشَرَةٌ وَيَقْعُدُ عَشَرَةٌ. قُلْنَا فَمَا كَانَتْ تُمَدّ؟ قالَ مِنْ أَيّ شَيْءٍ تَعْجَبُ ما كَانَتْ تَمُدّ إِلاّ مِنْ هَهُنَا وأَشَارَ بِيَدِهِ إلى السّمَاءِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وأبُو العَلاَءِ اسْمُهُ يَزِيدُ بنُ عَبْدِ اللّهِ بنِ الشّخِيرِ
ـــــــ
قوله: "نتداول" يقال تداولته الأيدي أي تناوبته يعني أخذته هذه مرة وهذه مرة والمعنى نتناوب أخذ الطعام وأكله "من قصعة" بفتح القاف أي من صحفه كبيرة "من غدوة" بضم فسكون أي من أول النهار "تقوم عشرة" تفسير وبيان لقوله نتداول أي بعد فراغهم من الأكل منها "وتقعد عشرة" أي للتناول منها "قلنا" أي لسمرة "فما كانت تمد" بصيغة المجهول من الإمداد أي فأي شيء كانت القصعة تمد منه وتزاد فيه ومن أين يكثر الطعام فيها طول النهار، وفي هذا السؤال نوع من التعجب "قال من أي شيء تعجب" أي قال سمرة لأبي العلاء لا تعجب "ما كانت تمد إلا من ههنا الخ" يعني لا تكون كثرة الطعام فيها إلا من عالم العلاء بنزول البركة فيها من السماء. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الدارمي.(10/99)
27 ـ باب
3705 ـ حَدّثَنَا عَبّادُ بنُ يَعْقُوبَ الكُوفِيّ أخبرنا الوَلِيدُ بنُ أَبِي ثَوْرٍ عَن السّدّيّ عَن عَبّادِ بنِ أَبِي يَزِيدَ عن عَلِيّ بنِ أبِي طالِبٍ
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا الوليد بن أبي ثور" هو الوليد بن عبد الله بن أبي ثور الهمداني "عن السدي" هو إسماعيل بن عبد الرحمن "عن عباد بن أبي يزيد"(10/99)
قالَ: "كُنْتُ مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمَكّةَ فَخَرَجْنَا في بَعْضِ نَوَاحِيهَا فَمَا اسْتَقْبَلَهُ جَبَلٌ وَلاَ شَجَرٌ إلاّ وَهُوَ يَقُولُ السّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللّهِ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وقد روى غَيْرُ وَاحِدٍ عن الوَلِيدِ بنِ أَبِي ثَوْرٍ وقال عَن عَبّادِ بنِ أَبِي يَزِيدَ منهم فروةُ بنُ أبي المغراءِ.
ـــــــ
ويقال عباد بن يزيد الكوفي مجهول من الثالثة. قال في تهذيب التهذيب روي عن علي وعنه إسماعيل السدي روى له الترمذي حديثاً واحد واستغربه يعني به هذا الحديث. قوله: "فخرجنا في بعض نواحيها" جمع ناحية وهي الجانب أي في بعض جوانبها. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه الدارمي "وقالوا عن عباد بن أبي يزيد" أي بزيادة لفظ أبي بين عباد بن يزيد كما قال عباد بن يعقوب وإنما ذكر الترمذي هذا الكلام لأنه يقال لعباد بن أبي يزيد عباد بن يزيد أيضاً كما عرفت.(10/100)
28 ـ باب
3706 ـ حَدّثَنَا محمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنَا عُمَرُ بنُ يُونُسَ عَن عِكْرِمَةَ بنِ عَمّارٍ عَنْ إِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللّهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ "أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ إلَى عِزْقِ جِذْعٍ وَاتّخَذُوا لَهُ مِنْبَراً فَخَطَبَ عَلَيْهِ فَحَنّ الْجِذْعُ حَنِينَ النّاقَةِ فَنَزَلَ
ـــــــ
"باب"
ـ قوله: "خطب إلى لزق جذع" اللزق بكسر اللام وسكون الزاي وبالقاف قال في المجمع يقال داره لزق دار فلان أي لازقه ولاصقه انتهى، وفي مختار الصحاح يقال فلان لزقي وبلزقي ولزيقي أي بجنبي انتهى. والجذع بكسر الجيم(10/100)
النبيّ صلى الله عليه وسلم فَمَسّهُ فَسَكَتَ"وفي البابِ عن أُبَيّ وَجَابِرٍ وَابنِ عمَرَ وَسَهْلِ بنِ سَعْدٍ وابنِ عَبّاسٍ وَأُمّ سَلَمَةَ وحَدِيثُ أَنَسٍ هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
3707 ـ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ حدثنا مُحَمّدُ بنُ سَعِيدٍ حدثنَا شَرِيكٌ عَن سِمَاكٍ عَن أَبِي ظَبْيَانَ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ قالَ: "جَاءَ أَعْرَابِيّ إلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ: بِمَ أَعْرِفُ أنّكَ نَبِيّ؟ قالَ: "إِنْ دَعَوْتُ هَذَا العِذْقَ مِنْ هذِهِ النّخْلَةَ أتَشْهَدُ أنّي رَسُولُ اللّهِ ؟
ـــــــ
ساق النخلة "فحن الجذع حنين الناقة" أي صات كصوت الناقة، وأصل الحنين ترجيع الناقة صوتها إثر ولدها. وفي حديث جابر عند البخاري: فصاحت النخلة صياح الصبي ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمها إليه تأن أنين الصبي الذي يسكن. وفي رواية له فسمعنا لذلك الجذع صوتاً كصوت العشار "فمسه فسكت" وفي حديث جابر فضمها إليه كما تقدم، وفي حديث ابن عمر عند الترمذي في باب الخطبة على المنبر فالتزمه فسكن. قوله: "وفي الباب عن أبي وجابر الخ" تقدم تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة في باب الخطبة على المنبر. قوله: "حديث أنس هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه أبو عوانة وابن خزيمة وأبو نعيم كما في الفتح.
قوله: "حدثنا محمد بن إسماعيل" هو الإمام البخاري "أخبرنا محمد بن سعيد" بن سليمان الكوفي أبو جعفر بن الأصبهاني يلقب حمدان ثقة ثبت من العاشرة "عن سِمَاك" بن حرب "عن أبي ظبيان" اسمه حصين بن جندب بن الحارث. قوله: "بم أعرف" أي من معجزاتك "إن" بكسر الهمزة "دعوت" بصيغة المتكلم "هذا العذق" بكسر العين المهملة هو العرجون بما فيه من الشماريخ وهو للنخل كالعنقود للعنب "تشهد" بصيغة المخاطب جزاء إن، والمعنى إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة وجاءني نازلاً منها فهل أنت تشهد بأني نبي.(10/101)
فدعاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يَنْزِلُ مِنَ النّخْلَةِ حَتّى سَقَطَ إلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم ثُمّ قالَ ارْجِعْ فَعَادَ فأسْلَمَ الأَعْرَابِيّ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ صحيحٌ.
ـــــــ
ووقع في المشكاة يشهد بصيغة الغايب قال القاري في المرقاة إن دعوت بكسر الهمزة في أكثر الأصول وفي بعضها بفتحها وهو الأظهر أي بأن دعوت هذا العذق من هذه النخلة يشهد أي حال كون العذق يشهد أني رسول الله. وقال الطيبي: إن دعوت جواب لقوله بما أعرف أي بأني إن دعوته يشهد انتهى. ومقتضاه أن يكون يشهد مجزوماً بصيغة الغايب. والمعنى تعرف بأني إن دعوته يشهد وقال شارح إن للشرط ويشهد جزاءه أو للمصدرية ويشهد جملة حالية انتهى. وظاهره أن يكون يشهد على الأول مخاطباً مجزوماً كما في نسخة يعني من المشكاة ليكون جواب الأعرابي بنعم مقدر أو النبي صلى الله عليه وسلم لم ينتظر جوابه إذ ليس له جواب صواب غيره انتهى ما في المرقاة "فدعاه" أي العذق "حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم" أي وقع على الأرض منتهياً إليه صلى الله عليه وسلم "ثم قال" أي للعذق "فعاد" أي رجع إلى ما كان عليه. قوله: "هذا حديث حسن غريب صحيح" في سنده شريك القاضي وهو صدوق يخطئ كثيراً تغير حفظة منذ ولي القضاء بالكوفة.(10/102)
29 ـ باب
3708 ـ حَدّثَنَا محمدُ بنُ بشّار حدثنا أَبُو عَاصِمٍ حدثنا عَزْرَةُ بنُ ثَابتٍ حدثنا عِلْبَاءُ بنُ أَحْمَرَ "اليَشْكُري" حدثنا أَبُو زَيْدِ بنِ أَخْطَبَ قالَ
ـــــــ
"باب"
ـ قوله: "حدثنا أبو عاصم" هو النبيل "أخبرنا عزرة بن ثابت" الأنصاري البصري "حدثنا علباء" بكسر المهملة وسكون اللام بعدها موحدة ومد(10/102)
"مَسَحَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى وَجْهِي وَدَعَا لِي. قالَ: عَزْرَةُ إنّهُ عَاشَ مِائَةً وعِشْرِينَ سَنَةً وَلَيْسَ في رَأْسِهِ إِلاّ شَعَرَاتٌ بِيضٌ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَأَبُو زَيْدٍ اسْمُهُ عَمْرُو بنُ أخْطَبَ.
ـــــــ
"ابن أحمر" اليشكري بفتح التحتانية وسكون المعجمة وضم الكاف بصري صدوق من القراء من الرابعة "حدثنا أبو زيد بن أخطب" في التقريب عمرو بن أخطب أبو زيد الأنصاري صحابي جليلي نزل البصرة مشهور بكنيته. قوله: "أنه" أي أبا زيد عمرو بن أخطب "عاش مائة وعشرين سنة" أي ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم "وليس في رأسه إلا شعيرات بيض" جملة حالية قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد في مسنده ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح وجه ودعا له بالجمال، قال أخبرني غير واحد أنه بلغ بضعاً ومائة سنة أسود الرأس واللحية إلا نبذ شعر بيض في رأسه.(10/103)
30 ـ باب
3709ـ حَدّثَنَا إِسحاقُ بنُ موسَى الأنْصَارِيّ حدثنا مَعْنٌ قالَ: عَرَضْتُ عَلَى مَالِكِ بنِ أَنَسٍ عَن إِسحَاقَ بنِ عَبْدِ اللّهِ بنِ أبي طَلْحَةَ أنّهُ سَمِعَ أنَسَ بنَ مَالِكٍ يقُولُ: قالَ أَبُو طَلْحَةَ لأُمّ سُلَيْمٍ: "لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ضَعِيفاً أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ
ـــــــ
"باب"
قوله: "قال عرضت على مالك بن أنس" أي قرأت هذا الحديث عليه وهو يسمع "قال أبو طلحة" هو زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس(10/103)
فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ فقالَتْ نَعَمْ فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصاً مِنْ شَعِيرٍ ثُمّ أَخْرَجَتْ خِمَاراً لَهَا فَلَفّتْ الخُبْزَ بِبَعْضِهِ ثُمّ دَسّتْهُ في يَدِي وَرَدّتْنِي بِبَعْضِهِ ثُمّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، قالَ فَذَهَبْتُ بِهِ إلَيْهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِساً فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النّاسُ، قالَ فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ فقالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "أَرْسَلَكَ أَبُو طلحةَ؟" فقلتُ نعم، قال بطعامٍ؟ فقلتُ نَعَمْ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِمَنْ مَعَهُ: "قُومُوا" ، قالَ: فانْطَلَقُوا، فانْطَلَقْتُ بَيْنَ.
ـــــــ
"لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفاً أعرف فيه الجوع" فيه العمل على القرائن، قال القسطلاني: وكأنه لم يسمع في صوته لما تكلم إذ ذاك الفخامة المألوفة منه فحمل ذلك على الجوع بالقرينة التي كانوا فيها، وفيه رد على دعوى ابن حبان أنه لم يكن يجوع محتجاً بحديث أبيت يطعمني ربي ويسقيني، وهو محمول على تعدد الحال فكان أحياناً يجوع ليتأسى به أصحابه ولا سيما من لا يجد مدداً فيصبر فيضاعف أجره، وفي رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عند مسلم عن أنس قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته جالساً مع أصحابه يحدثهم وقد عصب بطنه بعصابة فسألت بعض أصحابه فقالوا من الجوع فذهبت إلى أبي طلحة فأخبرته فدخل على أم سليم "فأخرجت أقراصاً" جمع قرص وهو خبز "خماراً" بكسر المعجمة أي نصيفاً "ثم دسته" أي أخفته وأدخلته تقول دس الشيء يدسه دساً إذا أدخله في الشيء بقهر وقوة "في يدي" أي تحث إبطي "وردتني ببعضه" أي وألبستني ببعض الخمار، يقال ردي الرجل أي ألبسه الرداء "قال" أي أنس "فذهبت به" أي بالخبز "إليه" أي النبي صلى الله عليه وسلم "في المسجد" أي الموضع الذي هيأه للصلاة في غزوة الأحزاب "أرسلك أبو طلحة" استفهام استخباري "قوموا" قال الحافظ في الفتح ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم فهم أن(10/104)
أَيْدِيهِمْ حَتّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فقالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم والنّاسِ معه وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ، قالَتْ أُمّ سُلَيْمٍ: اللّهُ وَرُسوُلُهُ أَعْلَمُ، قالَ: فانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتّى لَقِيَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فأَقْبَلَ رَسُولُ
ـــــــ
أبا طلحة استدعاه إلى منزله فلذلك قال لمن عنده قوموا، وأول الكلام يقتضي أن أم سليم وأبا طلحة أرسلا الخبز مع أنس فيجمع بأنهما أرادا بإرسال الخبز مع أنس أن يأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فيأكله، فلما وصل أنس ورأى كثرة الناس حول النبي صلى الله عليه وسلم استحيي وظهر له أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم معه وحده إلى المنزل فيحصل مقصودهم من إطعامه، ويحتمل أن يكون ذلك عن رأي من أرسله عهد إليه إذا رأى كثرة الناس أن يستدعي النبي صلى الله عليه وسلم وحده خشية أن لا يكفيهم ذلك الشيء هو ومن معه، وقد عرفوا إيثار النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا يأكل وحده، وقد وجدت أن أكثر الروايات تقتضي أن أبا طلحة استدعى النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة، ففي رواية سعد بن سعيد عن أنس: بعثني أبو طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأدعوه وقد جعل له طعاماً، وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس أمر أبو طلحة أم سليم أن تصنع للنبي صلى الله عليه وسلم لنفسه خاصة ثم أرسلتني إليه، وفي رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس فدخل أبو طلحة على أمي فقال هل من شيء فقالت نعم عندي كسر من خبز فإن جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده أشبعناه وإن جاء أحد معه قل عنهم، وجميع ذلك عند مسلم، وذكر الحافظ تلك الروايات "فانطلقوا" وفي رواية محمد بن كعب فقال للقوم انطلقوا فانطلقوا وهم ثمانون رجلاً "فأخبرته" أي بمجيئهم "وليس عندنا ما نطعمهم" أي قدر ما يكفيهم "قالت أم سليم ورسوله أعلم" أي بقدر الطعام فهو أعلم بالمصلحة ولو لم يكن يعلم بالمصلحة لم يفعل ذلك. قال الحافظ: كأنها عرفت أنه فعل ذلك عمداً ليظهر(10/105)
اللّهِ صلى الله عليه وسلم وأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ حَتّى دَخَلاَ، فقالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلُمّي "يَا أُمّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ" فَأَتَتْهُ بِذَلِك الْخُبْزِ فأمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَفتّ وعَصَرَتْ أُمّ سُلَيْمٍ بِعُكّةٍ لَهَا فَأدَمَتْهُ ثُمّ قالَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمّ قالَ: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ" . فأَذِنَ لَهُمْ فأَكَلُوا حَتّى شَبِعُوا ثُمّ خَرَجُوا، ثُمّ قالَ: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ،" فأذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتّى شَبِعُوا ثُمّ خَرَجُوا. "ثُمّ قالَ: "ائْذَنْ لِعَشْرَةٍ" فأَذِنَ لَهُمْ فأَكَلُوا حَتّى شَبِعُوا ثُمّ خَرَجُوا". فأَكَلَ القَوْمُ كُلّهُمْ
ـــــــ
الكرامة في تكثير ذلك الطعام، ودل ذلك على فطنة أم سليم ورجحان عقلها. وفي رواية يعقوب فقال أبو طلحة يا رسول الله إنما أرسلت أنساً يدعوك وحدك ولم يكن عندنا ما يشبع من أرى. فقال ادخل فإن الله سيبارك فيما عندك "حتى دخلا" أي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة على أم سليم "هلمي يا أم سليم ما عندك" أي هات ما عندك "ففت" بصيغة المجهول من الفت وهو الدق والكسر بالأصابع أي كسر الخبز، وفي بعض النسخ ففتت فالضمير للأقراص "وعصرت أم سليم بعكة" بضم المهملة وتشديد الكاف إناء من جلد مستدير يجعل فيه السمن غالباً والعسل "فأدمته" أي صيرت ما خرج من العكة إداماً للمفتوت، وفي رواية مبارك بن فضالة: فقال هل من سمن فقال أبو طلحة قد كان في العكة سمن فجاء بها فجعلا يعضرانها حتى خرج ثم مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم به سبابته ثم مسح القرص فانتفخ وقال بسم الله فلم يزل يصنع ذلك والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص في الجفنة يتميع، وفي رواية سعد بن سعيد: فمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا فيها بالبركة، وفي رواية النضر بن أنس فجئت بها ففتح رباطها ثم قال: بسم الله اللهم أعظم فيها البركة وعرف بهذا المراد بقوله وقال فيها ما شاء الله أن يقول "ثم قال ائذن" أي(10/106)
وَشَبِعُوا، والَقْومُ سَبْعُونَ أوْ ثَمَانُونَ رَجُلاً". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ
ـــــــ
بالدخول "لعشرة" أي من أصحابه ليكون أوفق بهم فإن الإناء الذي فيه الطعام لا يتحلق عليه أكثر من عشرة إلا بضرر يلحقهم لبعده عنهم، وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الباب فقال لهم اقعدوا ودخل، وفي رواية يعقوب أدخل على ثمانية فما زال حتى دخل عليه ثمانون رجلاً ثم دعاني ودعا أمي وأبا طلحة فأكلنا حتى شبعنا قال الحافظ وهذا يدل على تعدد القصة فإن أكثر الروايات فيها أنه أدخلهم عشرة عشرة سوى هذه فقال إنه أدخلهم ثمانية ثمانية انتهى "فأذن" أي أبو طلحة فدخلوا "فأكلوا" أي من ذلك الخبز المأدوم بالسمن "ثم قال" أي النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة "ائذن لعشرة" أي ثانية "والقوم سبعون أو ثمانون رجلاً" وفي رواية مبارك بن فضالة حتى أكل منه بضعة وثمانون رجلاً، وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى حتى فعل ذلك بثمانين رجلاً ثم أكل النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وأهل البيت وتركوا سوراً أي فضلاً، وزاد مسلم في رواية عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة: وأفضل ما بلغوا جيرانهم، وفي رواية لمسلم: ثم أخذ ما بقي فجمعه ثم دعا فيه بالبركة فعاد كما كان. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي.(10/107)
31 ـ باب
3710 ـ حَدّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأنْصَارِيّ حدثنا مَعْنٌ حدثنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ عَن إِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللّهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ: "رَأيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَانَتْ صَلاَةُ العَصْرِ والْتَمَس النّاسُ الوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوه فَأُتِيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَضُوءٍ فَوَضَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ في ذَلِكَ الإنَاءِ وَأَمَرَ النّاسَ أَنْ يَتَوضّأُوا مِنْهُ، قالَ: فَرَأَيْتُ المَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ فَتَوضّأَ النّاسُ حَتّى تَوَضّأُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ". وفي البابِ عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ وابِن مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وزياد بن الحارث الصدائي. وَحَدِيثُ أنَسٍ حَديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "وحانت" أي والحال أنه قد قربت "والتمس الناس الوضوء" بفتح الواو أي طلبوا الماء للوضوء "فأتى" بصيغة المجهول "قال" أي أنس "ينبع" بتثليث الموحدة أي يفور ويخرج "حتى توضأوا من عند آخرهم" قال الكرماني حتى للتدريج ومن للبيان أي توضأ الناس حتى توضأ الذين عند آخرهم وهو كناية عن جميعهم، قال وعند بمعنى في لأن عند وإن كانت للظرفية الخاصة لكن المبالغة تقتضي أن تكون لمطلق الظرفية فكأنه قال الذين هم في آخرهم. وقال التيمي المعنى: توضأ القوم حتى وصلت النوبة إلى الاَخر. وقال النووي: من هنا بمعنى إلى وهي لغة، وتعقبه الكرماني بأنها شاذة قال ثم إن إلى لا يجوز أن تدخل على عند ويلزم عليه وعلى ما قال التيمي أن لا يدخل الأخير لكن(10/108)
ما قاله الكرماني من أن إلى لا تدخل على عند لا يلزم مثله في من إذا وقعت بمعنى إلى، وعلى توجيه النووي يمكن أن يقال عند زائدة: قوله: "وفي الباب عن عمران بن حصين وابن مسعود وجابر" أما حديث عمران بن حصين فأخرجه أحمد والبخاري ومسلم، وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الترمذي بعد الباب الذي يلي هذا الباب، وأما حديث جابن فأخرجه الشيخان. قوله: "حديث أنس حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري في الطهارة وفي علامات النبوة ومسلم في الفضائل والنسائي في الطهارة(10/109)
32 ـ باب
3711 ـ حَدّثَنَا إسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأنْصَارِيّ أَخبرنا يونسُ بنُ بُكَيْرٍ أخبرنا مُحَمّدُ بنُ إِسْحَاقَ قال: حدثني الزّهْرِيّ عَن عُرْوَةَ عَن عَائِشَةَ أَنهَا قَالَتْ: "أَوّلُ مَا ابْتُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ النّبُوّةِ حِينَ أَرَادَ اللّهُ كَرَامَتَهُ وَرَحْمَةَ العِبَادِ بِهِ أَنْ لاَ يَرَى شَيْئاً إِلاّ جَاءَتْ مثل الصّبْحِ، فَمَكَثَ عَلَى ذَلِكَ مَا شَاءَ اللّهُ
ـــــــ
"باب"
قوله: "أول ما ابتدى به" بصيغة المجهول من الابتداء "من النبوة" وفي رواية البخاري في باب بدأ الوحي أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم "حين أراد الله كرامته" أي إكرامه. في مختار الصحاح التكريم والإكرام بمعنى والاسم منه الكرامة "أن لا يرى شيئاً" أي من الرؤيا "إلا جاءت" الضمير راجع إلى قوله شيئاً وإنما أنثه لأن المراد منه الرؤيا "كفلق الصبح" بفتح الفاء واللام أي جاءت مجيئاً مثل فلق الصبح، والمراد به ضياؤه ونوره، وعبر به لأن شمس النبوة قد كانت مبادئ(10/109)
أَنْ يَمْكُثَ وحُبّبَ إلَيْهِ الْخَلْوَةُ فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَخْلُوَ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ.
ـــــــ
أنوارها الرؤيا إلى أن ظهرت أشعتها وتم نورها "وحبب إليه الخلوة" لم يسم فاعله لعدم تحقق الباعث على ذلك وإن كان كل من عند الله أو لينبه على أنه لم يكن من باعث البشر أو يكون ذلك من وحي الإلهام، والسر فيه أن الخلوة فراغ القلب لما يتوجه له. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي(10/110)
33 ـ باب
3712 ـ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا أبُو أحْمَدَ الزبَيْرِيّ حدثنا إسْرَائِيلُ عَن مَنْصُورٍ عَن إبْرَاهِيمَ عَن عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ قالَ: "إِنّكُمْ تَعُدّونَ الاَياتِ عَذَاباً وإنّا كُنّا نَعُدّهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَرَكَةً، لَقَدْ كُنّا نَأْكُلُ الطّعَامَ مَعَ
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن منصور" هو ابن المعتمر "عن إبراهيم" النخعي "عن علقمة" بن قيس "عن عبد الله" بن مسعود قوله: "تعدون الاَيات" أي الأمور الخارقة للعادات أي الاَيات كلها "عذاباً" أي مطلقاً، وفي رواية البخاري: وأنتم تعدونها تخويفاً: قال الحافظ: الذي يظهر أنه أنكر عليهم عد جميع الخوارق تخويفاً وإلا فليس جميع الخوارق بركة فإن التحقيق يقتضي عد بعضها بركة من الله كشبع الخلق الكثير من الطعام القليل، وبعضها بتخويف من الله ككسوف الشمس والقمر كما قال صلى الله عليه وسلم: آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده وكأن القوم الذين خاطبهم عبد الله بن مسعود بذلك تمسكوا بظاهر قوله(10/110)
النبيّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطّعَامِ. قالَ: وَأُتِيَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بإِنَاءٍ فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ فَجَعَل المَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فقالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: حَيّ عَلَى الْوَضُوءِ المبَارَكِ والبَرَكَةِ مِنَ السّمَاءِ. حَتّى تَوضّأَنَا كُلّنَا". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
تعالى {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً} "وإنا كنا نعدها" أي الاَيات "بركة" أي من الله تعالى "ونحن نسمع تسبيح الطعام" أي في حالة الأكل "قال" أي ابن مسعود "وأتى" بضم الهمزة بالبناء المفعول "بإناء" أي فيه ماء قليل "فوضع" أي النبي صلى الله عليه وسلم "ينبع" بضم الموحدة وتفتح وتكسر أي يخرج مثل ما يخرج من العين "من بين أصابعه" أي من نفس لحمه الكائن بين أصابعه أو من بينهما بالنسبة إلى رؤية الرائي وهو في نفس الأمر للبركة الحاصلة فيه والأول أوجه قاله القسطلاني "فقال النبي صلى الله عليه وسلم حي على الوضوء المبارك" بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به أي هلموا إلى الماء مثل حي على الصلاة والمراد الفعل أي توضأوا، وفي رواية البخاري كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقل الماء فقال اطلبوا فضلة من ماء فجاءوا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في الإناء ثم قال حي على الطهور المبارك "والبركة من السماء" وفي رواية البخاري: والبركة من الله، قال الحافظ البركة مبتدأ والخبر من الله وهو إشارة إلى أن الإيجاد من الله. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري.(10/111)
باب ماجاء كيف ينزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم
...
34 ـ باب مَا جَاءَ كَيْفَ كانَ يَنْزِلُ الْوَحْيُ عَلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم
3713 ـ حَدّثَنَا إسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأنْصَارِيّ حدثنا مَعْنٌ هُوَ ابنُ عِيسَى حدثنا مَالِكٌ عَن هِشَامِ بنِ
عُرْوَةَ عَن أَبِيهِ عَن عَائِشَةَ "أَنّ الحارِثَ بنَ هِشَامٍ سَأَلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟ فقالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَحْيَاناً يَأْتِينِي مِثْل
ـــــــ
باب مَا جَاءَ كَيْفَ كانَ يَنْزِلُ الْوَحْيُ عَلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم
الوحي الإعلام في خفاء، وفي اصطلاح الشرع إعلام الله تعالى أنبياءه الشيء إما بكتاب أو برسالة ملك أو منام أو إلهام، وقد يجيء بمعنى الأمر نحو {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} وبمعنى التسخير نحو {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} أي سخرها لهذا الفعل وهو اتخاذها من الجبال بيوتاً إلى آخره، وقد يعبر عن ذلك بالإلهام لكن المراد به هدايتها لذلك وإلا فالإلهام حقيقة إنما يكون لعاقل والإشارة نحو {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} وقد يطلق على الموحي كالقرآن والسنة من إطلاق المصدر على المفعول قال الله تعالى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} قال في النهاية يقع الوحي على الكتابة والإشارة والرسالة والإلهام والكلام الخفي يقال وحيت إليه الكلام وأوحيت انتهى
ـ قوله: "أن الحارث بن هشام" بن المغيرة المخزومي من مسلمة الفتح وهو أخو أبي جهل شقيقه وكان من فضلاء الصحابة استشهد بالشام في خلافة عمر "سأل النبي صلى الله عليه وسلم" يحتمل أن تكون عائشة حضرت ذلك فيكون من مسندها وأن يكون الحارث أخبرها بذلك فيكون من مرسل الصحابة وهو محكوم بوصله عند الجمهور "كيف يأتيك الوحي" يحتمل أن يكون المسئول(10/112)
صَلْصَلَةِ الْجرَسِ وَهُوَ أَشَدّهُ عَلَيّ، وَأَحْيَاناً يَتَمَثّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلاً فَيُكَلّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ". قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَقْد رَأيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ في اليَوْمِ الشّدِيدِ البَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصّدُ عَرَقاً". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
عنه صفة الوحي نفسه ويحتمل أن يكون صفة حامله أو ما هو أعم من ذلك، وعلى كل تقدير فإسناد الإتيان إلى الوحي مجاز لأن الإتيان حقيقة من وصف حامله "أحياناً" جمع حين يطلق على كثير الوقت وقليله والمراد به هنا مجرد الوقت أي أوقاتاً وهو نصب على الظرفية وعامله يأتيني مؤخر عنه "يأتيني مثل صلصلة الجرس" أي يأتيني الوحي إتياناً مثل صوت الجرس أو مشابهاً صوته لصوت الجرس، والصلصلة بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة في الأصل صوت وقوع الحديد بعضه على بعض ثم أطلق على كل صوت له طنين، وقيل هو صوت متدارك لا يدرك في أول وهلة، والجرس بفتح الجيم والمهملة الجلجل الذي يعلق في رؤوس الدواب واشتقاقه من الجرس بإسكان الراء وهو الحس، قيل والصلصلة المذكورة صوت الملك بالوحي. قال الخطابي: يريد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يتبينه أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد، وقيل صوت خفيف لأجنحة الملك، والحكمة في تقدمه أن يقرع سمعه الوحي فلا يبقى فيه متسع لغيره "وهو أشده علي" أي هذا القسم من الوحي أشد أقسامه على فهم المقصود لأن الفهم من كلام مثل الصلصلة أشكل من الفهم من كلام الرجل بالتخاطب المعهود، وفائدة هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى ورفع الدرجات "يتمثل لي الملك رجلاً" التمثل مشتق من المثل أي يتصور، واللام في الملك للعهد وهو جبرئيل ورجلاً منصوب بالمصدرية أي يتمثل مثل رجل أو بالتمييز أو بالحال والتقدير هيئة رجل "فأعي ما يقول" من الوعي أي فأحفظ القول الذي يقوله "فيفصم عنه" بفتح أوله وسكون الفاء وكسر المهملة أي يقلع وينجلي ما يغشاه، وأصل الفصم القطع ومنه قوله تعالى {لا انْفِصَامَ لَهَا} وقيل الفصم بالفاء القطع بلا إبانة وبالقاف القطع بإبانة فذكر بالفصم إشارة إلى أن(10/113)
الملك فارقه ليعود والجامع بينهما بقاء العلقة "وإن جبينه ليتفصد" بالفاء والصاد المهملة المشددة أي ليسيل "عرقاً" بفتحتين أي من كثرة معاناة التعب والكرب عند نزول الوحي إذ أنه أمر طارئ زائد على الطباع البشرية. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.(10/114)
باب ماجاء في صفة النبي صلى الله عليه وسلم
...
35 ـ باب مَا جَاءَ في صِفَةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم
3714 ـ حَدّثَنَا محمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا وكيعٌ حدثنا سُفْيَانُ عَن أَبِي إِسْحَاقَ عَن البَرَاءِ قالَ: "ما رَأَيْتُ مِنْ ذِي لمّةٍ في حُلّةٍ حَمْرَاءَ أحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، لَهُ شَعْرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ، بَعِيد ما بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، لَمْ يَكُنْ بالقَصِيرِ وَلاَ بالطّوِيلِ".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
"باب مَا جَاءَ في صِفَةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم"
أي خلقه وخلقه
قوله: "عن البراء قال ما رأيت من ذي لمة الخ" تقدم هذا الحديث مع شرحه في باب الرخصة في الثوب الأحمر للرجال من أبواب اللباس(10/114)
36 ـ باب
3715 ـ حَدّثَنَا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ أخبرنا حمَيْدُ بنُ عبْدِ الرّحْمَنِ حدثنا زُهَيْرُ عَنْ أَبي إِسْحَاق قالَ: "سَأَلَ
رَجُلٌ البَرَاءَ أَكَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْل السّيْفِ؟ قالَ لاَ مِثْل القَمَرِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا حميد بن عبد الرحمن" بن حميد الرؤاسي "حدثنا زهير" بن معاوية بن حديج "سأل رجل البراء" أي ابن عازب بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي صحابي ابن صحابي نزل الكوفة استصغر يوم بدر وكان هو وابن عمر لدة مات سنة اثنتين وسبعين "أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا مثل القمر" كأن السائل أراد أنه مثل السيف في الطول فرد عليه البراء فقال بل مثل القمر أي في التدوير، ويحتمل أن يكون أراد مثل السيف في اللمعان والصقال فقال بل فوق ذلك وعدل إلى القمر لجمعه الصفتين من التدوير واللمعان. وقد أخرج مسلم من حديث جابر بن سمرة أن رجلاً قال له أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال لا بل مثل الشمس والقمر مستديراً وإنما قال مستديراً للتنبيه على أنه جمع الصفتين لأن قوله مثل السيف يحتمل أن يريد به الطول أو اللمعان فرده المسئول رداً بليغاً، ولما جرى التعارف في أن التشبيه بالشمس إنما يراد به غالباً الإشراق والتشبيه بالقمر إنما يراد به الملاحة دون غيرهما أتى بقوله وكان مستديراً إشارة إلى أنه أراد التشبيه بالصفتين معاً الحسن والاستدارة. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري.(10/115)
37 ـ باب
3716 ـ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلُ حدثنا أبُو نُعَيْمٍ حدثنا المَسْعُودِيّ عَن عُثْمَانَ بنِ مُسْلِمِ بنِ هُرْمُزٍ
عَن نَافِعِ بنِ جُبَيْرِبنِ مُطْعِمٍ عَن عَلِيّ قالَ: "لَمْ يَكُنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم بالطّوِيلِ وَلاَ بالْقَصِيرِ، شَثْنَ الكَفّيْنِ وَالقَدَمَيْنِ، ضَخْمَ الرّأْسِ، ضَخْمَ
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا محمد بن إسماعيل" هو البخاري "أخبرنا المسعودي" هو عبد الرحمن بن عبد الله الكوفي "عن عثمان بن مسلم بن هرمز" ويقال اسم أبيه عبد الله فيه لين من السادسة. قوله: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بالطويل" أي المفرط في الطول "ولا بالقصير" زاد البيهقي وهو إلى الطول أقرب، وعن عائشة لم يكن بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد وكان ينسب إلى الرابعة إذا مشي وحده، ولم يكن على حال يماشيه أحد من الناس ينسب إلى الطول إلا طاله صلى الله عليه وسلم ولربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما فإذا فارقاه نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الربعة. رواه ابن عساكر والبيهقي "شثن الكفين والقدمين" بفتح المعجمة وسكون المثلثة وبالنون قال في النهاية أي أنهما يميلان إلى الغلظ والقصر، وقيل هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر ويحمد ذلك في الرجال لأنه أشد لقبضهم ويذم في النساء انتهى. وقال في القاموس: شثنت كفه كفرح وكرم شثناً وشثونة وخشنت وغلظت فهو شثن الأصابع بالفتح، فإن قلت هذا يخالف ما رواه البخاري عن أنس قال ما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كف النبي صلى الله عليه وسلم، قلت قيل اللين في الجلد والغلظ في العظام فيجتمع له نعومة البدن مع القوة، ويؤيده ما رواه الطبراني والبزار من حديث معاذ رضي الله عنه: أردفني النبي صلى الله عليه وسلم خلفه في سفر فما مسست شيئاً قط ألين من جلده صلى الله عليه(10/116)
الكَرَادِيسِ، طَوِيلَ المَسْرُبَةِ، إذَا مشَا تَكَفّأَ تَكَفؤاً كَأنّمَا يَنْحَط مِنْ صَبَبٍ لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلاَ بْعَدَهُ مِثْلَهُ صلى الله عليه وسلم". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3717 ـ حَدّثَنَا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ أخبرنا أَبِي عَن المَسْعُودِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ.
ـــــــ
وسلم "ضخم الرأس" أي عظيمه "ضخم الكراديس" هي رؤوس العظام واحدها كردوس وقيل هي ملتقى كل عظمين ضخمين كالركبتين والمرفقين والمنكبين أراد أنه ضخم الأعضاء "طويل المسربة" بفتح الميم وسكون السين وضم الراء الشعر المستدق الذي يأخذ من الصدر إلى السرة "تكفا تكفيا" قال في النهاية أي تمايل إلى قدام، هكذا روى غير مهموز والأصل الهمز وبعضهم يرويه مهموزاً لأن مصدر تفعل من الصحيح تفعل كتقدم تقدماً وتكفأ تكفأ والهمزة حرف صحيح فأما إذا اعتل انكسرت عين المستقبل منه نحو تحفى تحفياً وتسمى تسمياً فإذا خففت الهمزة التحقت بالمعتل وصار تكفياً بالكسر انتهى ما في النهاية "كأنما ينحط" بتشديد الطاء أي يسقط "من صبب" أي موضع منحدر من الأرض. قال في شرح السنة: الصبب الحدور وما ينحدر من الأرض يريد أنه كان يمشي مشياً قوياً ويرفع رجليه من الأرض رفعاً بائناً لا كمن يمشي اختيالاً ويقارب خطاه تنعماً كذا في المرقاة "لم أر قبله" أي قبل موته لأن علياً لم يدرك زماناً قبل وجوده "ولا بعده" أي بعد موته قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه النسائي في مسند علي(10/117)
38 ـ باب
3718 ـ حَدّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمّدُ بنُ الْحُسَيْنِ بنِ أَبِي حَلِيمَة ـ مِنْ قصرِ الأحْنَفِ ـ و أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ
الضّبّيّ وَ عَلِيّ بنُ حُجْآ قالُوا حدثنا عِيسَى بنُ يُونُسَ أخبرنا عُمَرُ بّ عَبْدِ اللّهِ مَوْلَى غُفْرَةَ حدثني إبْرَاهِيمُ بنُ مُحَمّدٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيّ بنِ أبِي طَالِبٍ قالَ: "كَانَ عَلِيّ رضي الله عنه إِذَا وَصَفَ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: لَمْ يَكن بالطّوِيلِ المُمغطِ، وَلاَ بالقصِيرِ المُتَرَدّدِ، وَكَانَ رَبْعَةً مِنَ القَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ بالْجَعْدِ القَططِ وَلاَ
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسين بن أبي حليمة" القصري مقبول من الحادية عشرة "أخبرنا عمر بن عبد الله مولى غفرة" بضم المعجمة وسكون الفاء "حدثني إبراهيم بن محمد من ولد علي بن أبي طالب" قال في التقريب: إبراهيم بن محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي صدوق من الخامسة وأبوه محمد هو المعروف بابن الحنفية. قوله: "إذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم" أي ذكر صفته من جهة خلقه "قال ليس بالطويل الممغط" بصيغة اسم الفاعل من الانمغاط. قال في النهاية هو بتشديد الميم الثانية المتناهي في الطول من أمغط النهار إذا امتد ومغطت الحبل وغيره إذا مددته وأصله منمغط والنون للمطاوعة فقلبت ميماً وأدغمت في الميم ويقال بالعين المهملة بمعناه "ولا بالقصير المتردد" أي المتناهي في القصر كأنه تردد بعض خلقه على بعض وانضم بعضه على بعض وتداخلت أجزاؤه "وكان ربعة" بفتح أوله وسكون ثانيه وقد يحرك أي متوسطاً "من القوم" أي مما بين أفرادهم فهو في المعنى تأكيد لما قبله ومن وصفه بالربعة أراد التقريب لا التحديد فلا ينافي أنه كان يضرب إلى الطول كما في خبر ابن أبي حالة كان أطول من المربوع وأقصر من المشذب "ولم يكن بالجعد(10/118)
بالسّبَطِ كانَ جَعْداً رَجِلاً، وَلَمْ يَكُنْ بالْمُطَهّمِ وَلاَ بالْمُكَلْثَمِ، وَكَانَ في الْوَجْهِ تَدْوِيرٌ أبْيَضُ مُشْرَبٌ، أَدْعَجَ العَيْنَيْنِ، أهْدَبَ الأَشْفَارِ، جَلِيلَ المُشَاشِ وَالكَتَدِ، أجْرَدَ ذُو مَسْرُبَةٍ، شثْنَ الكَفّيْنِ
ـــــــ
القطط ولا بالسبط" تقدم شرحه قريباً "كان جعدا رجلاً" بكسر الجيم ويفتح ويسكن أي لم يكن شعره شديد الجعودة ولا شديد السبوطة بل بينهما "ولم يكن بالمطهم" بتشديد الهاء المفتوحة أي المنتفخ الوجه وقيل الفاحش السمن وقيل النحيف الجسم وهو من الأضداد كذا في النهاية "ولا بالمكلثم" اسم مفعول من الكلثمة وهو اجتماع لحم الوجه بلا جهومة كذا في القاموس وقال في النهاية هو من الوجوه القصير الحنك الدني الجبهة المستدير مع خفة اللحم أراد أنه كان أسيل الوجه ولم يكن مستديراً انتهى. وقال الطيبي أي لم يكن مستديراً كاملاً بل كان فيه تدوير ما "وكان في الوجه تدوير" أي نوع تدوير أو تدوير ما والمعنى أنه كان بين الإسالة والاستدارة "أبيض" أي هو أبيض اللون "مشرب" اسم مفعول من الإشراب أي مخلوط بحمرة قال في النهاية الإشراب خلط لون بلون كأن أحد اللونين سقى اللون الاَخر يقال بياض مشرب حمرة بالتخفيف وإذا شدد كان للتكثير والمبالغة وهذا لا ينافي ما في بعض الروايات وليس بالأبيض لأن البياض المثبت ما خالطه حمرة والمنفي ما لا يخالطها وهو الذي تكرهه العرب "أدعج العينين" الدعج والدعجة السوداء في العين وغيرها يريد أن سواد عينيه كان شديد السواد، وقيل الدعج شدة سواد العين في شدة بياضها كذا في النهاية "أهدب الأشفار" بفتح الهمز جمع الشفر بالضم وهو الجفن أي طويل شعر الأجفان ففيه حذف مضاف لأن الأشفار هي الأجفان التي تنبت عليها الأهداب ويحتمل أنه سمي النابت باسم المنبت للملابسة "جليل المشاش" بضم الميم وخفة الشين في القاموس المشاشة بالضم رأس العظم الممكن المضغ جمعها مشاش انتهى، وفي النهاية أي عظيم رؤوس العظام كالمرفقين والكتفين والركبتين "والكتد" بفتح التاء وكسرها مجتمع الكتفين وهو الكاهل وهو معطوف على المشاش "أجرد"(10/119)
والقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى تَقَلّعَ كَأَنّمَا يَمْشِي في صَبَبٍ، وإذَا التفَتَ الْتَفَتَ مَعاً، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النّبُوّةِ وَهُوَ خَاتَمُ النّبِيّينَ، أَجْوَدَ النّاسِ كفاً وأشرحهم صَدْراً، وأَصْدَقَ النّاسِ لَهْجَةً، وَأَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمَهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أحَبّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ
ـــــــ.
هو الذي ليس على بدنه شعر ولم يكن كذلك وإنما أراد به أن الشعر كان في أماكن من بدنه كالمسربة والساعدين والساقين فإن ضد الأجرد الأشعر وهو الذي على جميع بدنه شعر "إذا مشى تقلع" أراد قوة مشيه كأنه يرفع رجليه من الأرض رفعاً قوياً وهي مشية أهل الجلادة والهمة لا كمن يمشي اختيالاً ويقارب خطاه فإن ذلك من مشي النساء ويوصفن به "وإذا التفت" أي أراد الالتفات إلى أحد جانبيه "التفت معاً" أي بكليته، أراد أنه لا يسارق النظر وقيل أراد لا يلوي عنقه يمنة ولا يسرة إذا نظر إلى الشيء، وإنما يفعل ذلك الطائش الخفيف ولكن كان يقبل جميعاً أو يدبر جميعاً قاله الجزري. وقال التوربشتي يريد أنه كان إذا توجه إلى الشيء توجه بكليته ولا يخالف ببعض جسده بعضاً كيلا يخالف بدنه قلبه وقصده مقصده لما في ذلك من التلون وآثار الخفة "بين كتفيه خاتم النبوة" سيأتي إيضاح الكلام عليه في باب خاتم النبوة "أجود الناس صدراً" إما من الجودة بفتح الجيم بمعنى السعة والانفساح أي أوسعهم قلباً فلا يمل ولا ينزجر من أذى الأمة ومن جفاء الأعراب، وإما من الجود بالضم بمعنى الإعطاء ضد البخل أي لا يبخل على أحد شيئاً من زخارف الدنيا ولا من العلوم والحقائق والمعارف التي في صدره، فالمعنى أنه أسخى الناس قلباً "وأصدق الناس لهجة" بفتح اللام وسكون الهاء ويفتح أي لساناً وقولاً "وألينهم عريكة" العريكة الطبيعة يقال فلان لين العريكة إذا كان سلساً مطواعاً منقاداً قليل الخلاف والنفور "وأكرمهم عشرة" بكسر فسكون أي معاشرة ومصاحبة "من رآه بديهة" أي أول مرة أو فجاءة وبغتة "هابه" أي خافه وقاراً وهيبة من هاب الشيء إذا خافه ووقره وعظمه "ومن(10/120)
لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ صلى الله عليه وسلم". هَذا حديثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِمُتّصِلٍ. قالَ أَبوُ جَعْفَرِ سَمِعْتُ الأَصْمَعِيّ يَقُولُ في تَفْسِيرِهِ صِفَةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ المُمغطُ الذّاهِبُ طُولاً. قالَ: وَسَمِعْتُ أَعْرَابِيّا يَقُولُ في كلامه: تَمَغّطَ في نُشّابَةِ أيْ مَدّهَا مَدّا شَدِيداً. وَأَمّا المُتَرَدّدُ فالدّاخِلُ بَعْضُهُ في بَعْضٍ قِصَراً، وَأَمّا القَطط فالشّدِيدُ الجُعُودَةِ. وَالرّجِلُ الّذِي في شَعْرِهِ حُجُونَةٌ أي ينحني قَليلاً
ـــــــ
خالطه معرفة أحبه" أي بحسن خلقه وشمائله، والمعنى أن من لقيه قبل الاختلاط به والمعرفة إليه هابه لوقاره وسكونه فإذا جالسه وخالطه بان له حسن خلقه فأحبه حباً بليغاً "يقول ناعته" أي واصفه عند العجز عن وصفه "مثله" أي من يساويه صورة وسيرة وخلقاً وخلقاً. قوله: "ليس إسناده بمتصل" لأن إبراهيم بن محمد لم يسمع من جده على "سمعت الأصمعي" هو عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع أبو سعيد الباهلي البصري صدوق سني من التاسعة. قال الحربي كان أهل العربية من أهل البصرة من أصحاب الأهواء إلا أربعة فإنهم كانوا أصحاب سنة أبو عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد ويونس بن حبيب والأصمعي. وقال المبرد كان الأصمعي بحراً في اللغة وكان دون أبي زيد في النحو قاله الحافظ "يقول في تفسير صفة النبي صلى الله عليه وسلم" أي في تفسير بعض اللغات الواقعة في الأخبار الواردة في صفة النبي صلى الله عليه وسلم لا في خصوص هذا الخبر أخذاً من قول المصنف في تفسير صفة النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يقول في تفسير هذا الحديث "الممغط الذاهب طولاً" أي الذاهب طوله فطولاً تمييز محول عن الفاعل وأصل الممغط من مغطت الحبل فانمغط أي مددته فامتد "قال" أي الأصمعي "وسمعت أعرابياً" هذا استدلال على ما قبله "يقول في كلامه" أي في أثنائه "تمغط في نشابته أي مدها الخ" النشابة بضم النون وتشديد الشين المعجمة وموحدة وبتاء التأنيث ودونها السهم وإضافة المد إليها مجاز لأنها لا تمد وإنما يمد وتر القوس،(10/121)
وَأَمّا المُطَهّمُ فالبَادِنُ الكَثِيرُ اللّحْمِ. وَأَمّا المُكَلْثَمُ فالمدَوّرُ الْوَجْهِ. وَأَمّا المُشْرَبُ فَهُو الّذِي في بَيَاضِهِ حُمْرَةٌ وَالأَدْعَجُ الشّدِيدُ سَوَادِ العَيْنِ. وَالأَهْدَبُ الطّوِيلُ الأَشْفَارِ وَالكَتَدُ مُجْتَمَعُ الكَتِفَيْنِ وَهُوَ الكَاهِلُ. وَالمَسْرَبَةُ هُوَ الشّعْرُ الدّقِيقُ الّذِي هُوَ كَأَنّهُ قَضِيبٌ مِنَ الصدْرِ إِلَى السّرّةِ. والشّثْنُ الغَلِيظُ الأصَابِعِ مِنَ الكَفّيْنِ وَالقَدَمَيْنِ. وَالتّقَلّعُ أنْ يَمْشِيَ بِقُوّةٍ. والصّبَبُ الحدُروُ نَقُولُ انْحَدَرْنَا مِنْ صَبُوبٍ وَصَبَبٍ. وَقَوْلُهُ جَلِيل المُشَاشِ يُرِيدُ رُؤوس المَنَاكِبِ. والعِشْرَةُ الصّحْبَةُ. وَالعَشِيرُ الصّاحِبُ. وَالبَدِيهَةُ المُفَاجَأَةُ يَقالُ بَدَهْتُهُ بِأَمْرٍ أَيْ فَجِئته
ـــــــ
واعترض على المصنف بأنه ليس في الحديث لفظ التمغط حتى يتعرض له هنا وإنما فيه لفظ الانمغاط وأجيب بأنه من توضيح الشيء بتوضيح نظيره "وأما المتردد فالداخل بعضه في بعض قصراً" بكسر ففتح "والرجل الذي في شعره حجونة" بمهملة فجيم في القاموس حجن العود يحجنه عطفه فالحجونة الانعطاف "أي ينحني قليلاً" هذا تفسير لكلام الأصمعي من أبي عيسى أو أبي جعفر "وهو الكاهل" بكسر الهاء وهو مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق وهو الثلث الأعلى مما يلي الظهر وفيه ست فقرات "والصبب الحدور" بفتح الحاء المهملة وهو المكان المنحدر لا بضمها لأنه مصدر "انحدرنا من صبوب وصبب" بفتح الصاد فيهما وكل منهما بمعنى المكان المنحدر، وأما الصبوب بضم الصاد فهو مصدر كالحدور بضم الحاء المهملة وقد يستعمل جمع صبب أيضاً فتصح إرادته هنا لأنه يقال انحدرنا في صبوب بالضم أي في أمكنة منحدرة "جليل المشاش يريد رؤوس المناكب" أي ونحوهما كالمرفقين والركبتين إذ المشاش رؤوس العظام أو العظام اللينة فتفسيرها برؤوس المناكب فيه قصور(10/122)
39 ـ باب
3719 ـ حَدّثَنَا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ حدثنا حُمَيْدُ بنُ الأسْوَدِ عَن أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ عَن الزّهْرِيّ عَن عُرْوَةَ
عَن عَائِشَةَ قالَتْ: "مَا كانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْرُدُ سَرْدَكُمْ هَذَا وَلَكِنّهُ كَانَ يَتَكَلّمُ بِكَلاَمٍ يُبَيّنُهُ فَصْلٌ يَحْفَظُهُ مَنْ جَلَسَ إلَيْهِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ الزّهْرِيّ وَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ بنُ يَزِيد عَن الزّهْرِيّ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا حميد بن الأسود" بن الأشقر البصري أبو الأسود الكرابيسي صدوق يهم قليلاً من الثامنة "عن أسامة بن زيد" هو الليثي المدني. قوله: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد" بضم الراء من السرد وهو لإتيان بالكلام على الولاء والاستعجال فيه "سردكم" بالنصب على المصدرية أي كسردكم، والمعنى لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتابع الحديث استعجالاً بعضه إثر بعض لئلا يلتبس على المستمع، زاد الإسماعيلي من رواية ابن المبارك عن يونس: إنما كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلاً فهما تفهمه القلوب. كذا في الفتح "يبينه" صفة لكلام أي كان يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلام يوضحه "فصل" صفة ثانية لكلام أي بين ظاهر يكون بين أجزائه فصل. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود والنسائي وذكره البخاري تعليقاً(10/123)
40- "باب"
3720ـ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ يَحْيَى حدثنا أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ عَن عَبْدِ اللّهِ بنِ المُثَنّى عَن ثُمَامَةَ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ: "كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُعِيدُ الكَلِمَةَ ثَلاَثاً لِتُعْقَلَ عَنْهُ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيب إِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بنِ المُثَنّى.
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا محمد بن يحيى" هو الذهلي "عن ثمامة" بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري. قوله: "يعيد الكلمة" المراد بها. ما يشمل الجملة والجمل وجزء الجملة "ثلاثاً" معمول لمحذوف أي يتكلم بها ثلاثاً لأن الإعادة كانت ثنتين والتكلم كان ثلاثاً ولا يصح أن يكون معمولاً ليعيد لأن الإعادة لو كانت ثلاثاً لكان التكلم أربعاً وليس كذلك والمراد أنه كان يكرر الكلام ثلاثاً إذا اقتضى المقام ذلك لصعوبة المعنى أو غرابته أو كثرة السامعين لا دائماً فإن تكرير الكلام من غير حاجة لتكريره ليس من البلاغة كذا في شرح الشمائل للبيجوري "لتعقل عنه" بصيغة المجهول أي لتفهم تلك الكلمة عنه صلى الله عليه وسلم. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه الحاكم.(10/124)
41- "باب"
3721 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ حدثنا ابنُ لُهَيْعَةَ عَن عبدِ اللّهِ بنِ المُغِيرَةِ عَن عَبْدِ اللّهِ بنِ الحَاِرِث بنِ جَزْءٍ قالَ: "مَا رَأَيْتُ أَحَداً
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن عبيد الله بن المغيرة" بن معيقيب بالمهملة والقاف والموحدة(10/124)
أَكْثَرَ تَبَسّماً مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم". هَذا حديثٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَن يَزِيدَ بنِ أَبِي حَبِيب عَنْ عَبْدِ اللّهِ بنِ الْحَارِثِ بن جَزْءٍ مِثْل هَذَا.
3722 ـ حَدّثَنَا بِذَلِكَ أَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ الخَلاّلُ حدثنا يَحْيَى بنُ إسْحَاقَ السيلحاني أخبرنا اللَيْثُ بنُ سَعْدٍ عَن يَزِيد بنِ أَبِي حَبِيبٍ عَن عَبْدِ اللّهِ بنِ الحَارِثِ بنِ جَزْءٍ قَالَ: "مَا كَانَ ضَحِكُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إلاّ تَبَسّماً". هَذا حديثٌ صحيحٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ لَيْثِ بنِ سَعْدٍ إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
ـــــــ
مصغراً كنيته أبو المغيرة السبأي بفتح المهملة والموحدة بعدها همزة مقصورة صدوق من الرابعة "عن عبد الله بن الحارث بن جزء" بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها همزة أضبيدي بضم الزاي صحابي كنيته أبو الحارث سكن مصر وهو آخر من مات بها من الصحابة سنة خمس أو ست أو سبع أو ثمان وثمانين والثاني أصح. قوله: "ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي لأن شأن الكمل إظهار الانبساط والبشر لمن يريدون تألفه واستعطافه. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد في مسنده.
قوله: "حدثنا بذلك أحمد بن خالد الخلال" بالمعجمة أبو جعفر البغدادي الفقيه ثقة من العاشرة "حدثنا يحيى بن إسحاق" السيلحيني "عن يزيد بن أبي حبيب" هو أبو رجاء المصري. قوله: "ما كان ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسماً" أي لا يزيد على التبسم. قال أهل اللغة التبسم مبادي الضحك والضحك انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور فإن كان بصوت وكان بحيث يسمع من بعد فهو القهقهة وإلا فهو الضحك وإن كان بلا صوت فهو التبسم وتسمى الأسنان في مقدم الفم الضواحك وهي الثنايا والأنياب وما يليها وتسمى النواجذ، وهذا(10/125)
الحصر إضافي أي بالنسبة للغالب لما تقرر أنه صلى الله عليه وسلم ضحك أحياناً حتى بدت نواجذه إلا أن يحمل على المبالغة.(10/126)
باب ماجاء في خاتم النبوة
...
42 ـ باب مَا جَاءَ في خَاتَمِ النّبُوّة
3723 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ أخبرنا حَاتِمُ بنُ إسْمَاعِيلَ عَن الْجَعْدِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ قَالَ سَمِعْتُ السّائِبَ بنَ يَزِيد يَقُولُ: "ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ ابنَ أُخْتِي وَجِع فَمَسَحَ بِرَأْسِي وَدَعَا لِي بالَبَركَةِ وَتَوضّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ فَقُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ
ـــــــ
"باب مَا جَاءَ في خَاتَمِ النّبُوّة"
بكسر التاء أي فاعل الختم وهو الإتمام والبلوغ إلى الاَخر وبفتح التاء بمعنى الطابع ومعناه الشيء الذي هو دليل على أنه لا نبي بعده. وقال القاضي البيضاوي خاتم النبوة أثر بين كتفيه نعت به في الكتب المتقدمة وكان علامة يعلم بها أنه النبي الموعود وصيانة لنبوته عن تطرق القدح إليها صيانة الشيء المستوثق بالختم ذكره العيني، وهل ولد النبي صلى الله عليه وسلم بخاتم النبوة أو وضع حين ولد أو عند شق صدره أو حين نبئ أقوال قال الحافظ: أثبتها الثالث وبه جزم عياض
قوله: "عن الجعد بن عبد الرحمن" بن أوس وقد ينسب إلى جده وقد يصغر ثقة من الخامسة. قوله: "إن ابن أختي" اسمها علية بضم المهملة وسكون اللام بعدها موحدة بنت شريح أخت مخرمة بن شريح "وجع" بكسر الجيم أي مريض وجاء بلفظ الفعل الماضي مبيناً للفاعل والمراد أنه كان يشتكي رجله كما ثبت في غير هذا الطريق "فمسح برأسي" الباء زائدة. قال عطاء مولى السائب كان مقدم رأس السائب أسود وهو الموضع الذي مسحه النبي صلى الله عليه وسلم من(10/126)
فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَإِذَا هُوَ مِثْلُ زِرّ الحَجَلَةِ". وفي البابِ عَنْ سَلْمَانَ وَقُرّةَ بنِ إِيَاسٍ المُزَنيّ وَجَابِرِ بنِ سَمُرَةَ وأَبِي زُمثَةَ وَبُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيّ وَعَبْدِ اللّهِ بنِ سَرْجِسَ وَعَمْرِو بنِ أَخْطَبَ وَأَبِي سَعِيدٍ" وهَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
ـــــــ
رأسه وشاب ما سوى ذلك رواه البيهقي والبغوي ذكره القسطلاني "من وضوئه" بفتح الواو أي من الماء المتقاطر من أعضائه المقدسة1 "فنظرت إلى الخاتم" وفي رواية للبخاري إلى خاتم النبوة بين "كتفيه" وفي حديث عبد الله بن سرجس عند مسلم أنه كان إلى جهة كتفه اليسرى "مثل زر الحجلة" الزر بكسر الزاي وتشديد الراء والحجلة بفتح الحاء والجيم واحدة الحجال. قال الجذري في النهاية الزر واحد الأزرار التي يشد بها الكلل والستور على ما يكون في حجلة العروس وقيل إنما هو بتقديم الراء على الزاي ويريد بالحجلة القبجة مأخوذ من أرزت الجرادة إذا كبست ذنبها في الأرض فباضت ويشهد له ما رواه الترمذي في كتابه بإسناده عن جابر بن سمرة: وكان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بين كتفيه غدة حمراء مثل بيضة الحمامة انتهى. وقال في مادة "ح ج ل" الحجلة بالتحريك بيت كالقبة يستر بالثياب وتكون له أزرار كبار وتجمع على حجال انتهى. وقال النووي: زر الحجلة بزاي ثم راء والحجلة بفتح الحاء واجيم هذا هو الصحيح المشهور والمراد بالحجلة واحدة الحجال وهي بيت كالقبة لها أزرار كبار وعرى هذا هو الصواب المشهور الذي قاله الجمهور. وقال بعضهم المراد بالحجلة الطائر المعروف وزرها بيضتها وأشار إليه الترمذي وأنكره عليه العلماء. وقال الخطابي وروى أيضاً بتقديم الراء ويكون المراد البيض يقال أرزت الجرادة بفتح الراء وتشديد الزاي إذا كبست ذنبها في الأرض فباضت انتهى. قوله: "وفي الباب عن سلمان وقرة بن إياس المزني وجابر بن سمرة وأبي رمثة وبريدة وعبد الله بن سرجس وعمرو بن أخطب وأبي سعيد" أما حديث سلمان فأخرجه الترمذي في الشمائل، وأما حديث قرة بن إياس فأخرجه أحمد، وأما حديث جابر بن سمرة فأخرجه الترمذي بعد هذا، وأما
ـــــــ
1 صلى الله عليه وسلم, وجزاه عن أمته خير الجزاء. أما التقديس فلله سبحانه وحده لاشريك له في ذلك.المصحح(10/127)
3794 ـ حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَعْقُوبَ الطّالقَانيِ أخبرنا أيوبُ بنُ جَابِرٍ عَن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ عَن جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ قَالَ: "كانَ خَاتَمُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي الّذِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ غُدّةٌ حَمْرَاءُ مِثْل بَيْضَةِ الحَمَامَةِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
حديث أبي رمثة وحديث بريدة فأخرجهما أحمد، وأما حديث عبد الله بن سرجس فأخرجه أحمد ومسلم والترمذي في الشمائل، وأما حديث عمرو بن أخطب فأخرجه أحمد، وأما حديث أبي سعيد فأخرجه الترمذي في الشمائل. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه البخاري في الطهارة وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم وفي الطب وفي الدعوات، وأخرجه مسلم في صفة النبي صلى الله عليه وسلم والنسائي في الطب.
قوله: "أخبرنا أيوب بن جابر" بن سيار السحيمي بمهملتين مصغر أبو سليمان اليمامي ثم الكوفي ضعيف من السابعة. قوله: "غدة" بضم الغين المعجمة وتشديد الدال المهملة لحم يحدث بين الجلد واللحم يتحرك بالتحريك وقيل هي كل عقدة تكون في الجسد والمراد أنه كان شبيهاً بالغدة "حمراء" أي مائلاً إلى الحمرة "مثل بيضة الحمامة" أي مدوراً، وفي رواية لمسلم: ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده. قال القاري: أي يشبه لونه لون سائر أعضائه، والمعنى لم يخالف لونه لون بشرته، وفيه نفي البرص. قال البيجوري في شرح الشمائل لا تعارض بين هذه الرواية والرواية السابقة بل ولا غيرها من الروايات كرواية ابن حبان كبيضة نعامة، ورواية البيهقي كالتفاحة، ورواية ابن عساكر كالبندقة، ورواية مسلم جمع بضم الجيم وسكون الميم عليه خيلان كأنها الثآليل، وفي صحيح الحاكم شعر مجتمع، لرجوع اختلاف هذه الروايات إلى اختلاف الأحوال، فقد قال القرطبي إنه كان يكبر ويصغر وكل شبه بما سنح له، ومن قال شعر فلان الشعر حوله كما في رواية أخرى. وبالجملة فالأحاديث الثابتة تدل على أن الخاتم كان(10/128)
شيئاً بارزاً إذا قل كان كالبندقة ونحوها وإذا كثر كان كجمع اليد، وأما رواية: كأثر المحجم، أو كركبة عنز، أو كشامة خضراء أو سوداء، ومكتوب فيها محمد رسول الله أو سر فإنك المنصور. فلم يثبت منها شيء كما قاله القسطلاني وتصحيح ابن حبان لذلك وهم انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم.(10/129)
"باب"
3725 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنا عَبّادُ بنُ العَوّامِ حدثنا الْحَجّاجُ هُوَ ابنُ أَرْطَاةَ عَن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ عَن جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ قَالَ: "كانَ في سَاقَيْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حُمُوشَةٌ وكانَ لاَ يَضْحَكُ إلاّ تَبَسّماً وكُنْتُ إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ قُلْتُ اكْحَلَ العَيْنَيْنِ وَلَيْسَ بأَكْحَلَ صلى الله عليه وسلم". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "حموشة" بضم الحاء المهملة والميم أي دقة ولطافة متناسبة لسائر أعضائه "وكان لا يضحك" أي في غالب أحواله "إلا تبسماً" هو مقدمة الضحك فيحتمل أن يجعل الاستثناء متصلاً أو منقطعاً. قال الطيبي: جعل التبسم من الضحك واستثناه منه فإن التبسم من الضحك بمنزلة السنة من النوم. ومنه قوله تعالى {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا} أي شارعاً في الضحك "وكنت" بصيغة المتكلم "قلت" أي في نفسي، ويجوز في هذه الأفعال الثلاثة فتح التاء على صيغة الخطاب "أكحل العينين" أي هو مكحل العينين "وليس بأكحل" بل كانت عينه كحلاء من غير اكتحال. قاله القاري، وقال في اللمعات قوله أكحل العينين وليس بأكحل الظاهر أن المراد ظننت أنه اكتحل أي استعمل الكحل في عينيه والحال أنه لم يكتحل بل كان كحل في عينيه. والكحل بفتحتين سواد في أجفان العين خلقة. والرجل(10/129)
أكحل وكحيل كذا في القاموس. فلفظ الحديث لا يخلو عن إشكال. والمراد ما ذكرنا فلعله جاء أكحل بمعنى اكتحل انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه أحمد والحاكم(10/130)
44 ـ باب
3726 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ أخبرنا أَبُو قَطَنٍ حدثنا شُعْبَةُ عَن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ عَن جَابِرِبنِ سَمُرَةَ قَالَ: "كانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ضَلِيعَ الفَمِ أَشْكَلَ العَيْنَيْنِ مَنْهُوسَ العَقِبِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3727 ـ حَدّثَنَا أَبُو مُوسَى مُحَمّدُ بنُ المُثَنّى حدثنا مُحَمّدُ بنُ جَعْفَرٍ أخبرنا شُعْبَةُ عَن سِماكِ بنِ حَرْبٍ عَن جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ قالَ: "كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ضَلِيعَ الفَمِ أشْكَلَ العَيْنَيْنِ مَنْهُوسَ العَقِبِ". قالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ لِسمَاكٍ مَا ضَلِيعُ الفَمِ؟ قَالَ وَاسِعُ الفَمِ،
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا أبو قطن" اسمه عمرو بن الهيثم "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضليع الفم الخ" يأتي شرح هذه الألفاظ في شرح الرواية الاَتية.
قوله: "أخبرنا محمد بن جعفر" هو المعروف بغندر. قوله: "ما ضليع الفم قال واسع الفم" وفي رواية مسلم: ما ضليع الفم؟ قال عظيم الفم، قال النووي أما قوله في ضليع الفم عظيم الفم فكذا قاله الأكثرون وهو الأظهر. قالوا والعرب يمدح بذلك ويذم صغر الفم، وهو معنى قول ثعلب في ضليع الفم(10/130)
قُلْتُ مَا أَشْكَلَ الَعَيْنَ؟ قَالَ طَوِيلُ شِقّ العَيْنِ، قال: قُلْتُ مَا مَنْهُوسُ العَقِبِ؟ قَالَ قَلِيلُ اللّحْمِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
واسع الفم، وأما قوله في أشكل العين فقال القاضي هذا وهم من سماك باتفاق العلماء وغلط ظاهر وصوابه ما اتفق عليه العلماء. ونقله أبو عبيد وجميع أصحاب الغريب أن الشكلة حمرة في بياض العينين وهو محمود والشهلة حمرة في سواد العين، وأما المنهوس فبالسين المهملة هكذا ضبطه الجمهور وقال صاحب التحرير وابن الأثير: روى بالمهملة والمعجمة وهما متقاربان ومعناه قليل لحم العقب كما قال. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد ومسلم(10/131)
45 ـ باب
3728 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ حدثنا ابنُ لَهِيعَة عَن أبِي يُونسَ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: "مَا رَأَيْتُ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنّ الشّمْسَ تَجْرِي في وَجْهِهِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَسْرَعَ في مَشْيِهِ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنّمَا الأَرْضُ تطْوَى لَهُ إِنّا لَنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا وإِنّهُ
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن أبي يونس" اسمه سليم بن جبير الدوسي المصري ثقة من الثالثة قوله: "كأن الشمس تجري في وجهه" قال الطيبي شبه جريان الشمس في فلكها بجريان الحسن في وجهه صلى الله عليه وسلم وفيه عكس التشبيه للمبالغة قال ويحتمل أن يكون من باب تناهي التشبيه جعل وجهه مقراً ومكاناً للشمس "وما رأيت أحداً أسرع في مشيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي مع تحقق الوقار والسكون ورعاية الاقتصاد ممتثلاً قوله تعالى {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} "تطوى له" بصيغة المجهول أي تزوى وتجمع على طريق خرق العادة تهويناً(10/131)
لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ". هَذا حديثٌ غَريبٌ.
ـــــــ
عليه وتسهيلاً لأمره "وإنا لنجهد أنفسنا" قال التوربشتي يجوز فيه فتح النون وضمها يقال جهد دابته وأجهدها إذا حمل عليها فوق طاقتها فالمعنى إنا لنحمل على أنفسنا من الإسراع عقيبة فوق طاقتها "وإنه" أي النبي صلى الله عليه وسلم "لغير مكترث" اسم الفاعل من الاكتراث يقال ما أكترث له أي ما أبالي به والمعنى غير مبال بمشينا أو غير مسرع بحيث تلحقه مشقة فكأنه يمشي على هينة يقال مبال به أي متعب نفسه فيه. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد وابن حبان وابن سعد(10/132)
46 ـ باب
3729 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ أخبرنا اللّيْثُ عَن أبي الزّبَيْرِ عَن جَابِرٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "عُرِضَ عَلَيّ الأَنْبِيَاءُ فإِذَا مُوسَى
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا الليث" هو ابن سعد "عن أبي الزبير" اسمه محمد بن مسلم بن تدرس. قوله: "عرض" بصيغة المجهول أي أظهر "علي" بتشديد الياء وذلك إما في المسجد الأقصى ليلة الإسراء أو في السماوات كما يدل عليه حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "رأيت ليلة أسري بي موسى رجلاً آدم" الحديث، قال القاضي عياض: أكثر الروايات في وصفهم تدل على أنه صلى الله عليه وسلم رأى ذلك ليلة أسري به وقد وقع ذلك مبيناً في رواية أبي العالية عن ابن عباس وفي رواية ابن المسيب عن أبي هريرة وليس فيها ذكر التلبية. فإن قيل كيف يحجون ويلبون وهم أموات وهم في الدار الاَخرة وليست دار عمل، قلنا عن هذا الإشكال ثلاثة أجوبة: أحدها أن الأنبياء أفضل من الشهداء والشهداء أحياء عند ربهم فكذلك الأنبياء فلا يبعد أن يصلوا ويحجوا ويتقربوا إلى الله بما استطاعوا ما دامت الدنيا وهي دار تكليف باقية، ثانيها(10/132)
ضَرْبٌ مِنَ الرّجَالِ كَأَنّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى بنَ مَرْيَمَ فإِذَا أقْرَبُ النّاسِ ـ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهاً ـ عُرْوَةُ بنُ مَسْعُودٍ، وَرَأَيْتُ إبْرَاهِيمَ فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهاً صَاحِبُكُمْ يَعْنِي نَفسَهُ، وَرَأَيْتُ جِبْآِيلَ فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهاً دِحْيَةَ" هو ابن خليفة الكلبي. هَذا حديثٌ حَسَن صحيحٌ غَريبٌ.
ـــــــ
أنه صلى الله عليه وسلم أرى حالهم التي كانوا في حياتهم عليها فمثلوا له كيف كانوا وكيف كان حجهم وتلبيتهم ولهذا قال أيضاً في رواية أبي العالية عن ابن عباس عند مسلم: "كأني أنظر إلى موسى وكأني أنظر إلى يونس"، ثالثها أن يكون أخبر عما أوحي إليه صلى الله عليه وسلم من أمرهم وما كان منهم فلهذا أدخل حرف التشبيه في الرواية وحيث أطلقها فهي محمولة على ذلك "فإذا موسى ضرب" بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة أي نحيف خفيف اللحم "كأنه من رجال شنوءة" بفتح المعجمة وضم النون وسكون الواو بعدها همزة ثم هاء تأنيث حي من اليمن ينسبون إلى شنوءة وهو عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نضر بن الأزد، ولقب شنوءة لشنآن كان بينه وبين أهله والنسبة إليه شنوئي بالهمز بعد الواو وبالهمز بغير واو. قال ابن قتيبة سمي بذلك من قولك رجل فيه شنوه أي تقززة والتقزز بقاف وزايين التباعد من الأدناس قال الداودي رجال الأزد معروفون بالطول كذا في الفتح "شبهاً" بفتحتين أي نظيراً "عروة بن مسعود" الثقفي وليس هذا أخاً لعبد الله بن مسعود فإنه هذلي "ورأيت إبراهيم" أي الخليل عليه السلام "يعني نفسه" هذا تفسير لقوله صاحبكم من كلام الراوي أي يريد صلى الله عليه وسلم بقوله صاحبكم نفسه "دحية" بكسر الدال وقد يفتح وهو من الصحابة وكان من أجمل الناس صوره، وفي رواية مسلم: "دحية بن خليفة". قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه مسلم.(10/133)
باب ماجاء في سن النبي صلى الله عليه وسلم وابن كم حين مات
...
47 ـ باب مَا جَاءَ في سِنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وابْنُ كَمْ كَانَ حِينَ مَات
3730 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ وَيَعْقُوبُ بنُ إبْراهيمَ الدّوْرَقِي قالاَ حدثنا إسمَاعِيلُ بنُ عُلَيّةَ عَن خَالِدٍ الْحَذّاءِ قال حدثني عَمّارٌ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ قالَ سَمِعْتُ ابنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: "تُوُفّيَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وهُوَ ابنُ خَمْسٍ وسِتّينَ".
3731 ـ حَدّثَنَا نَصْرُ بنُ عَلِيّ الْجَهْضَمِيّ حدثنا بِشْرُ بن المُفَضّلِ حدثنا خَالِدٌ الْحَذّاءُ أَخبرنا عَمّارٌ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ أَخبرنا ابنُ عَبّاس: "أَنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم تُوُفّيَ وَهُوَ ابنُ خَمْسٍ وَسِتّينَ". هَذا حديثٌ حَسَنُ الإِسْنَادِ صحيحٌ.
ـــــــ
"باب مَا جَاءَ في سِنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وابْنُ كَمْ كَانَ حِينَ مَات"
أي في مقدار عمره الشريف. قال في القاموس السن بالكسر الضرس ومقدار العمر مؤنثة في الناس وغيرهم
قوله: "حدثني عمار مولى بني هاشم" هو ابن أبي عمار المكي قوله: "توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين" قد عرفت في باب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم أن أصح الروايات وأشهرها ثلاث وستون وعرفت هناك تأويل هذه الرواية. قوله: "هذا حديث حسن الإسناد صحيح" وأخرجه مسلم(10/134)
48 ـ باب
3732 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنَا رَوْحُ بنُ عُبَاَدَةَ حدثنا زَكِريّا بنُ إِسْحَاقَ حدثنا عَمْرُو بنُ دِينَارٍ عَن ابنِ عَبّاسٍ قالَ: "مَكَثَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بِمَكّةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً يَعْنِي يُوحَى إِلَيْهِ، وَتُوُفّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتّينَ". وفي البابِ عَن عَائِشَةَ وأنَسِ بنِ مَالِكٍ وَدَغْفَلِ بنِ حَنْظَلَةَ وَلاَ يَصِحّ لِدَغْفَلٍ سَمَاعٌ مِنَ النّبِيّ
ـــــــ
"باب"
قوله: "مكث النبي صلى الله عليه وسلم" بفتح الكاف وضمها أي لبث بعد البعثة "ثلاث عشرة سنة يعني يوحى إليه" أي باعتبار مجموعها لأن مدة فترة الوحي ثلاث سنين من جملتها وهذا هو الأصح الموافق لما رواه أكثر الرواة، وروي عشر سنين وهو محمول على ما عدا مدة فترة الوحي، وروي أيضاً خمس عشرة سنة في سبع منها يرى نوراً ويسمع صوتاً ولم ير ملكاً، وفي ثمان منها يوحى إليه، وهذه الرواية مخالفة للأولى من وجهين الأول في مدة الإقامة بمكة بعد البعثة هل هي ثلاث عشرة أو خمس عشرة ويمكن الجمع بحمل هذه الرواية على حساب سنة البعثة وسنة الهجرة والثاني في زمن الوحي إليه هل هو ثلاث عشرة أو ثمان ويمكن الجمع بأن المراد بالوحي إليه في ثلاث عشرة مطلق الوحي أعم من أن يكون الملك مرئياً أو لا والمراد بالوحي إليه في الثمانية خصوص الوحي مع كون الملك مرئياً فلا تدافع كذا في شرح الشمائل للبيجوري، قوله: "وفي الباب عن عائشة وأنس بن مالك ودغفل بن حنظلة" أما حديث عائشة فأخرجه الترمذي بعد الباب الذي يلي هذا الباب، وأما حديث أنس بن مالك فأخرجه الترمذي في باب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وله حديث آخر رواه مسلم عنه قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين وعمر وهو ابن ثلاث وستين، وأما حديث دغفل بن حنظلة فأخرجه الترمذي في الشمائل. قوله: "ولا يصح لدغفل سماع من النبي(10/135)
صلى الله عليه وسلم. وحَدِيثُ ابنِ عَبّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَريبٌ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ.
ـــــــ
صلى الله عليه وسلم" زاد في الشمائل وكان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم رجل قال في التقريب دغفل بمهملة ومعجمة وفاء وزن جعفر بن حنظلة بن زيد السدوسي النسابة مخضرم ويقال له صحبة ولم يصح نزل البصرة غرق بفارس في قتال الخوارج. قوله: "وحديث ابن عباس حديث حسن غريب" وأخرجه الشيخان(10/136)
49 ـ باب
3733 ـ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا مُحَمّدُ بنُ جَعْفَرٍ حدثنا شُعْبَةُ عَن أَبي إسْحَاقَ عَن عَامِرِ بنِ سَعْدٍ عَن جَرِير بن عبد الله عَن مُعَاوِيَةَ بنِ أبِي سُفْيَانَ أَنّهُ قالَ سَمِعْتُهُ يَخْطُبُ يَقُولُ: "مَاتَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتّينَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وأَنَا ابنُ ثَلاَثٍ وَسِتّينَ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن عامر بن سعد" البجلي الكوفي مقبول من الثالثة "عن جرير" هو ابن عبد الله البجلي. قوله: "وأنا ابن ثلاث وستين" أي أنا متوقع أن أموت في هذا السن موافقة لهم، قال ميرك تمنى لكن لم ينل مطلوبه بل مات وهو قريب من ثمانين. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الترمذي في الشمائل أيضاً(10/136)
50 ـ باب
3734 ـ حَدّثَنَا العَبّاسُ العَنْبَرِيّ و الحُسَيْنُ بنُ مَهْدِيّ البَصْرِيّ قَالاَ: حدثنا عَبْدُ الرّزّاقِ عَن ابنِ جُرَيْجٍ قالَ أُخْبِرْتُ عَن ابنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ عَن عُرْوَةَ عَن عَائِشَةَ وقالَ الحُسَيْنُ بنُ مَهْدِيّ في حَدِيثِهِ ابنُ جُرَيْجٍ عَن الزّهْرِيّ عَن عُرْوَةَ عَن عَائِشَةَ رضي الله عنها: "أَنّ النبِيّ صلى الله عليه وسلم مَاتَ وَهُوَ ابنُ ثَلاَثٍ وَسِتّينَ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وقَدْ رَوَاهُ ابنُ أَخِي الزّهْرِيّ عَن الزّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَ هَذَا.
ـــــــ
"باب"
قوله: "مات وهو ابن ثلاث وستين" هذه الرواية هي أصح الروايات وأشهرها كما تقدم. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري.(10/137)
مناقب الصحابة رضوان الله عليهم
مناقب أبي بكر الصديق رضي الله عنه
...
باب مناقب أبي بكر الصديق رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللّهِ بنُ عُثْمَانَ وَلَقَبُهُ عَتِيقٌ
3735 ـ حَدّثَنَا محمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا عبْدُ الرزّاقِ أَخبرنا الثّوْرِيّ عن أَبِي إسْحَاقَ عَن أَبِي الأحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ قالَ قالَ رَسُولُ
ـــــــ
مناقب أبي بكر الصديق رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللّهِ بنُ عُثْمَانَ وَلَقَبُهُ عَتِيقٌ
"واسمه عبد الله بن عثمان ولقبه عتيق" قال الحافظ: المشهور أن اسم أبي بكر عبد الله بن عثمان ويقال كان اسمه قبل الإسلام عبد الكعبة(10/137)
اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَبْرَأُ إِلَى كُلّ خَلِيلٍ مِنْ خِلّهِ وَلَوْ كُنْتُ
ـــــــ
وكان يسمى أيضاً عتيقاً واختلف هل هو اسم له أصلي أو قيل له ذلك لأنه ليس في نسبه ما يعاب به أو لقدمه في الخير وسبقه إلى الإسلام أو قيل له ذلك لحسنه أو لأن أمه كان لا يعيش لها ولد فلما ولد استقبلت به البيت فقالت اللهم هذا عتيقك من الموت، أو لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشره بأن الله أعتقه من النار، وقد ورد في هذا الأخير حديث عن عائشة عند الترمذي وآخر عن عبد الله بن الزبير عند البزار وصححه ابن حبان وزاد فيه وكان اسمه قبل ذلك عبد الله بن عثمان وعثمان اسم أبي قحافة لم يختلف في ذلك كما لم يختلف في كنية الصديق، ولقب الصديق لسبقه إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل كان ابتداء تسميته بذلك صبيحة الإسراء. وروى الطبراني من حديث: أنه كان يحلف أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء الصديق. رجاله ثقات. وأما نسبه فهو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب ومات بمرض السل على ما قاله الزبير بن بكار وعن الواقدي أنه اغتسل في يوم بارد فحم خمسة عشر يوماً وقيل بل سمته اليهود في حريرة أو غيرها وذلك على الصحيح لثمان بقين من جمادى الاَخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة فكانت مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر وأياماً وقيل غير ذلك، ولم يختلفوا أنه استكمل سن النبي صلى الله عليه وسلم فمات وهو ابن ثلاث وستين والله أعلم
ـ قوله: "عن أبي الأحوص" اسمه عوف بن مالك بن تضلة الجشمي "عن عبد الله" هو ابن مسعود. قوله: "أبرأ إلى كل خليل من خله" قال في النهاية في الحديث إني أبرأ إلى كل ذي خلة من خلته، الخلة بالضم الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت خلاله أي في باطنه، والخليل الصديق فعيل بمعنى مفاعل وقد يكون بمعنى مفعول وإنما قال ذلك لأن خلته كانت مقصورة على حب الله تعالى فليس فيها لغيره متسع ولا شركة من محاب الدنيا والاَخرة وهذه حال شريفة لا ينالها أحد بكسب واجتهاد فإن الطباع غالبة وإنما يخص الله بها من يشاء من عباده مثل سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه. ومن جعل الخليل(10/138)
مُتّخِذاً خَلِيلاً لاتّخَذْتُ ابنَ أَبِي قُحَافَةَ خَليِلاً، وإنّ صَاحِبَكُمْ خليلُ اللّهِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وفي البابِ عَن أبِي سَعِيدٍ
ـــــــ.
مشتقاً من الخلة وهي الحاجة والفقر أراد إني أبرأ من الاعتماد والافتقار إلى أحد غير الله تعالى، وفي رواية أبرأ إلى كل خل من خلته بفتح الخاء وبكسرها وهما بمعنى الخلة والخليل انتهى. وفي رواية مسلم: "ألا إني أبرأ إلى كل خل من خله"، قال النووي هما بكسر الخاء فأما الأول فكسره متفق عليه وهو الخل بمعنى الخليل وأما قوله من خله فبكسر الخاء عند جميع الرواة في جميع النسخ، وكذا نقله القاضي عن جميعهم قال والصواب الأوجه فتحها. قال والخلة والخل والخلال والمخاللة والخلالة، والخلوة الإخاء والصداقة أي برئت إليه من صداقته المقتضية المخاللة هذا كلام القاضي، والكسر صحيح كما جاءت به الروايات أي أبرأ إليه من مخالتي إياه "ولو كنت متخذاً خليلاً" وفي رواية لمسلم: "لو كنت متخذاً من أمتي أحداً خليلاً"، وفي حديث أبي سعيد عند البخاري: ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي "لاتخذت ابن أبي قحافة خليلاً" أي أبا بكر لأنه أهل لذلك لولا المانع فإن خلة الرحمَن تعالى لا تسع مخالة شيء غيره أصلاً "وإن صاحبكم لخليل الله" وفي رواية لمسلم: "وقد اتخذ الله صاحبكم خليلاً". قال الطيبي في قوله اتخذ الله مبالغة من وجهين أحدهما أنه أخرج الكلام على التجريد حيث قال صاحبكم ولم يقل اتخذني، وثانيهما اتخذ الله صاحبكم بالنصب عكس ما لمح إليه حديث أبي سعيد من قوله غير ربي فكل الحديثان على حصول المخاللة من الطرفين انتهى. قال القاضي: وجاء في أحاديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ألا وأنا حبيب الله" واختلف المتكلمون هل المحبة أرفع من الخلة أم الخلة أرفع أم هما سواء فقالت طائفة هما بمعنى فلا يكون الحبيب إلا خليلاً ولا يكون الخليل إلا حبيباً، وقيل الحبيب أرفع لأنها صفة نبينا صلى الله عليه وسلم، وقيل الخليل أرفع، وقد ثبتت الخلة خلة نبينا صلى الله عليه وسلم لله تعالى بهذا الحديث ونفى أن يكون له خليل غيره وأثبت محبته لخديجة وعائشة وأبيها وأسامة وأبيه وفاطمة وأبنيها وغيرهم، ومحبة الله تعالى لعبده تمكينه من طاعته وعصمته وتوفيقه وتيسير ألطافه وهدايته وإفاضة رحمته عليه هذه مباديها. وأما غايتها فكشف الحجب عن قلبه(10/139)
وَأَبِي هُرَيْرَةَ وابنِ عَبّاسٍ. وابنِ الزّبَيْرِ
3736ـ حَدّثَنَا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِي حدثنا إِسْمَاعيلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَن سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ عَن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَن أَبِيهِ عَن عَائِشَةَ عَن عُمَرَ بنِ الْخَطّابِ قالَ: "أَبُو بَكْرٍ سَيّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبّنَا إلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم". هَذا حديثٌ صحيح غَريبٌ.
3737ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ حدثنا إِسْمَاعيلُ بنُ إِبْرَهِيمَ عَن الجُرَيْرِيّ عَن عبْدِ اللّهِ بنِ شَقِيقٍ قالَ: "قُلْتُ لِعَائَشَةَ أَيّ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَحَبّ إلى رَسُولِ اللّهِ
ـــــــ
حتى يراه ببصيرته فيكون كما قال في الحديث الصحيح: فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره إلى آخره، هذا كلام القاضي. وأما قول أبي هريرة وغيره من الصحابة رضي الله عنهم: سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم فلا يخالف هذا لأن الصحابي يحسن في حقه الانقطاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذا في شرح مسلم للنووي. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم وابن ماجه. قوله: "وفي الباب عن أبي سعيد وأبي هريرة وابن عباس وابن الزبير" أما حديث أبي سعيد وحديث أبي هريرة فأخرجهما الترمذي في ما بعد، وأما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري، وأما حديث ابن الزبير فأخرجه أحمد والبخاري.
قوله: "حدثنا إسماعيل بن أبي أويس" هو إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أويس. قوله: "قال" أي عمر "أبو بكر سيدنا" أي نسباً وحسباً "وخيرنا" أي أفضلنا.(10/140)
صلى الله عليه وسلم؟ قالَتْ أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ ثُمّ مَنْ؟ قالَتْ عُمَرُ، قُلْتُ ثُمّ مَنْ؟ قالَتْ ثُمّ أَبُو عُبَيْدَة بنُ الْجَرّاحِ، قالَ قُلْتُ ثُمّ مَنْ؟ قالَ فَسَكَتَتْ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3738 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ حدثنا مُحَمّدُ بنُ فُضَيْلٍ عَن سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ وَ الأَعْمَشِ وَ عَبْدِ اللّهِ بنِ صُهْبَانَ و ابنِ أَبِي لَيْلَى وَ كَثيرِ النّوَاءِ
ـــــــ
قوله: "أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم" هو بن علية "عن الجريري" هو سعيد بن إياس "عن عبد الله بن شقيق" العقيلي البصري. قوله: "أبو بكر" أي كان أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم "قلت ثم من" أي بعد أبي بكر من كان أحب إليه "فسكتت" أي عائشة ولم تجب. واعلم أن المحبة تختلف بالأسباب والأشخاص فقد يكون للجزئية وقد يكون بسبب الإحسان وقد يكون بسبب الحسن والجمال وأسباب أخر لا يمكن تفصيلها. ومحبته صلى الله عليه وسلم لفاطمة بسبب الجزئية والزهد والعبادة، ومحبته لعائشة بسبب الزوجية والتفقه في الدين ومحبة أبي بكر وعمر وأبي عبيدة بسبب القدم في الإسلام وإعلاء الدين ووفور العلم فإن الشيخين لا يخفى حالهما لأحد من الناس، وأما أبو عبيدة فقد فتح الله تعالى على يديه فتوحاً كثيرة في خلافة الشيخين وسماه صلى الله عليه وسلم أمين هذه الأمة. والمراد في هذا الحديث محبته عليه السلام لهذا السبب فلا يضر ما جاء في الأحاديث الأخر شدة محبته صلى الله عليه وسلم لعائشة وفاطمة رضي الله عنهما لأن تلك المحبة بسبب آخر. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه ابن ماجه.
قوله: "عن سالم بن أبي حفصة" العجلي كنيته أبو يونس الكوفي صدوق في الحديث إلا أنه شيعي غال من الرابعة "وعبد الله بن صهبان" بضم الصاد المهملة وسكون الهاء بعدها موحدة الأسدي أبي العنبس بفتح المهملة وسكون النون وفتح الموحدة الكوفي لين الحديث من السابعة "وابن أبي ليلى" هو محمد بن عبد الرحمن الأنصاري الكوفي "وكثير النواء" قال في التقريب كثير(10/141)
كُلّهُمْ عَن عَطِيّةَ عَن أبِي سَعِيدٍ قالَ قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ أهْلَ الدّرَجَاتِ العُلَى لَيَرَاهُمْ مَنْ تَحْتَهُمْ كَمَا تَرَوْنَ النّجْمَ الطّالِعَ في أُفُقِ السّمَاءِ، وإِنّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ وَأَنْعِماً". هَذا حديثٌ حَسَنٌ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَن عَطِيّةَ عَن أَبِي سَعِيدٍ
ـــــــ
بن إسماعيل أو ابن نافع النواء بالتشديد أبو إسماعيل التيمي الكوفي ضعيف من السادسة "عن عطية" هو العوفي قوله: "إن أهل الدرجات" جمع الدرجة وهي المرتبة والطبقة "العلى" جمع عليا ككبرى وكبر أي من أهل الجنة "من تحتهم" أي الذين تحت أهل الدرجات العلى وهو فاعل لقوله يرى "في أفق السماء" بضمتين ويسكن الثاني أي ناحيتها وجمعه آفاق "منهم" أي من أهل الدرجات العلى "وأنعما" أي زاداً وفضلاً يقال أحسنت إلى وأنعمت أي زدت على الإنعام، وقيل معناه صار إلى النعيم ودخلا فيه كما يقال أشمل إذا دخل في الشمال كذا في النهاية. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أبو داود وابن ماجه.(10/142)
51- "باب"
3739 ـ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ عبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي الشّوَارِبِ حدثنا أَبُو عَوَانَةَ عَن عبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عَن ابنِ أَبِي المُعَلّى عَن أبِيهِ:
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن ابن أبي المعلى" قال في التقريب ابن أبي المعلى الأنصاري عن أبيه لم يسم ولا يعرف من الثالثة، وقال في تهذيب التهذيب روى عنه عبد الملك بن عمير "عن أبيه" أي أبي المعلى، قال في التقريب. أبو المعلى بن لوذان الأنصاري قيل(10/142)
"أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ يَوْماً فقالَ "إنّ رَجُلاً خَيّرَهُ رَبّهُ بَيْنَ أنْ يَعِيشَ في الدّنْيَا مَا شَاءَ أَنْ يَعِيشَ، وَيَأَكُلَ في الدّنْيَا مَا شاَءَ أَنْ يَأْكُلَ، وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبّهِ؟ فاخْتَارَ لِقَاءَ رَبّه" ِ ـ قالَ فَبَكَى أبُو بَكْرٍ فقال أَصْحَابُ النبيّ صلى الله عليه وسلم ـ ألاَ تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا الشّيْخِ إذْ ذَكَر رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً صَالِحاً خَيّرَهُ رَبّهُ بَيْنَ الدّنْيَا وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبّهِ فاخْتَارَ لِقَاءَ رَبّهِ. قالَ فَكانَ أبُو بَكْرٍ أعْلَمَهُمْ بِمَا قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فقالَ أبُو بَكْرٍ: بَلْ نَفْدِيكَ بِآبَائِنَا وأمْوَالِنَا، فقالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنَ النّاسِ أحَدٌ أمَنّ إِلَيْنَا في صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ مِنْ ابنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلوْ كُنْتَ مُتّخِذاً خَلِيلاً لاتّخَذْتُ ابنَ أَبِي قُحَافَةَ خَلِيلاً، ولَكِنْ وُدّ وإخَاءُ إِيمَانٍ وُدّ وإخَاءُ إِيمَانٍ ـ مَرّتيْنِ أَوْ ثَلاَثاً ـ الاَنَ، وَإِنّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللّهِ". وفي البابِ عَن أَبِي سَعِيدٍ. وَهَذا حديثٌ حسن غَرِيبٌ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَن
ـــــــ
اسمه زيد بن المعلى صحابي له حديث يعني به حديث الباب. قوله: "خطب يوماً" وفي حديث أبي سعيد الاَتي جلس على المنبر فقال "خيره" من التخيير أي فرض إليه الخيار "قال" أي أبو المعلى "فبكى أبو بكر" أي حزناً على فراقه صلى الله عليه وسلم "فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" أي فيما بينهم "من هذا الشيخ" يعنون أبا بكر "أعلمهم" أي أعلم الصحابة "بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي بالمراد من الكلام المذكور "أمن إلينا" فعل تفضيل من المن بمعنى العطاء والبذل أي أجود وأبذل علينا "في صحبته وذات يده" أي ماله "ولكن ود" بضم الواو وفتحها وكسرها أي مودة "وإخاء إيمان" بكسر الهمزة وبالمد مصدر آخى أي مؤاخاة إيمان "ألا" بالتخفيف للتنبيه "وإن صاحبكم" يريد به صلى الله عليه وسلم نفسه. قوله: "وفي الباب عن أبي سعيد"(10/143)
أَبِي عَوَانَةَ عَن عبْدِ الْمَلِكِ بنِ عمَيْرٍ بإسْنَادٍ غَيْرِ هَذَا. وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَمَنّ إِلَيْنَا يَعْنِي أَمَنّ عَلَيْنَا.
3740 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الْحَسَنِ حدثنا عبْدُ اللّهِ بنُ مَسْلَمَة، عَن مالِكِ بنِ أنَسٍ، عَن أبِي النّضْرِ، عَن عُبَيْدِ بنِ حُنَيْن، عَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ "أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فقالَ: "إنّ عَبْداً خَيّرَهُ اللّهُ بَيْنَ أنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدّنْيَا ما شَاءَ وَبَيْنَ ما عِنْدَهُ؟ فاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ،" فقالَ أبُو بَكْرٍ: فَدَيْنَاكَ يَا رَسُولَ اللّهِ بآبَائِنَا وَأُمّهَاتِنَا. قالَ فَعَجِبْنَا. فقالَ النّاسُ انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشّيْخ يُخْبِرُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَن عَبْدٍ خَيّرَهُ اللّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدّنْيَا ما شَاءَ، وَبَيْنَ ما عِنْدَ اللّهِ وَهُوَ يَقُولُ فَدَيْنَاكَ بآبَائِنَا وأُمّهَاتِنَا؟ فَكانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ المُخَيّر، وَكانَ أَبُو بَكْرٍ
ـــــــ
أخرجه الترمذي بعد هذا قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد وأبو يعلى "ومعنى قوله أمن إلينا يعني أمن علينا" مقصود الترمذي أن إلى في قوله "أمن إلينا" بمعنى على.
قوله: "حدثنا أحمد بن الحسن" بن جنيدب الترمذي "عن أبي النضر" اسمه سالم بن أبي أمية "عن عبيد بن حنين" بنونين مصغراً المدني أبي عبد الله ثقة قليل الحديث من الثالثة. قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر" وللبخاري من حديث ابن عباس: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصباً رأسه بخرقة فقعد على المنبر، ولمسلم من حديث جندب: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بخمس ليال "من زهرة الدنيا" بفتح الزاي وسكون الهاء أي نعيمها وأعراضها وحظوظها شبهت(10/144)
هُوَ أَعْلَمْنَا بِهِ، فقالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "إنّ مِنْ أمَنّ النّاسِ عَلَيّ في صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتّخِذاً خِليلاً لاتخَذْتُ أَبا بَكْرٍ خَلِيلاً، ولَكِنْ أُخُوّةُ الإِسْلاَمِ لاَ تَبْقَيَنّ في المَسْجِدِ خَوخَةٌ إلاّ خَوخَةُ أَبِي بَكْرٍ". هَذا حديثٌ
ـــــــ.
بزهرة الروضة "قال" أي أبو سعيد "فعجبنا" أي تعجبنا "وكان أبو بكر هو أعلمنا به" أي بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو بالمراد من الكلام المذكور "إن من أمن الناس علي" بتشديد الياء، وأمن أفعل تفضيل من المن بمعنى العطاء والبذل بمعنى أن أبذل الناس لنفسه وماله لا من المنة التي تغسل الصنيعة. قال النووي قال العلماء معناه أكثرهم جودة وسماحة لنا بنفسه وماله وليس هو من المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة لأنه أذى مبطل للثواب ولأن المنة لله ولرسوله في قبول ذلك "في صحبته وماله أبو بكر" كذا في بعض النسخ بالرفع وفي بعضها أبا بكر بالنصب وهو الظاهر ووجه الرفع بتقدير ضمير الشأن أي أنه والجار والمجرور بعد خبر مقدم وأبو بكر مبتدأ مؤخر أو إن بمعنى نعم أو أن من زائدة على رأي الكسائي. قالى بن برى يجوز الرفع إذا جعلت من صفة الشيء محذوف تقديره إن رجلاً أو إنساناً من أمن الناس فيكون اسم إن محذوفاً والجار والمجرور في موضع الصفة وقوله أبو بكر الخبر "ولكن أخوة الإسلام" استدراك عن مضمون الجملة الشرطية وفحواها كأنه قال ليس بيني وبينه خلة ولكن بيننا في الإسلام أخوة فنفى الخلة وأثبت الإخاء قال السيد جمال الدين أي لكن بيني وبينه أخوة الإسلام. أو لكن أخوة الإسلام حاصلة. أو لكن أخوة الإسلام أفضل كما وقع في بعض الطرق، فإن أريد أفضلية أخوة الإسلام ومودته عن الخلة كما هو ظاهر من السوق يشكل فيجب أن يراد أفضليتها من غير الخلة أو يقال أفضل بمعنى فاضل، أو يقال أخوة الإسلام التي بيني وبين أبي بكر أفضل من أخوة الإسلام التي بيني وبين غيره، أو من أخوة الإسلام التي بينه وبين غيري والأول أحسن انتهى "لا تبقين" بصيغة المجهول من الإبقاء "خوخة" قال في النهاية الخوخة باب صغير كالنافذة الكبيرة وتكون(10/145)
حَسَنٌ صحيحٌ
ـــــــ
بين بيتين ينصب عليها باب انتهى، وفي رواية البخاري "لا يبقين في المسجد باب الأسد"، قال الحافظ وفي رواية مالك خوخة بدل باب والخوخة طاقة في الجدار تفتح لأجل الضوء ولا يشترط علوها وحيث تكون سفلى يمكن الاستطراق منها لاستقراب الوصول إلى مكان مطلوب وهو المقصود هنا ولهذا أطلق عليها باب قيل لا يطلق عليها باب إلا إذا كانت تغلق انتهى "إلا خوخة أبي بكر" فيه فضيلة وخصيصة ظاهرة لأبي بكر رضي الله عنه وفيه أن المساجد تصان عن التطرق إليها في خوخات ونحوها إلا من أبوابها إلا لحاجة مهمة. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.(10/146)
52 ـ باب
3741 ـ حَدّثَنَا عَلِيّ بنُ الْحَسَنِ الكُوفِيّ أخبرنا مَحْبُوبُ بنُ مِحْرِزٍ القَوَارِيرِيّ عَن دَاوُدَ بنِ يَزِيد الأوْدِيّ عَن أَبِيهِ عَن أبِي هُرَيْرَةَ قالَ قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا لأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلاّ وَقَدْ كافَأنَاهُ ما خَلاَ أبَا بَكْر فإِنّ له عِنْدَنَا يَداً
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا محبوب بن محرز القواريري" التميمي العطار أبو محرز الكوفي لين الحديث من التاسعة "عن أبيه" أي يزيد بن عبد الرحمن بن الأسود قوله: "ما لأحد عندنا يد" أي عطاء وإنعام "إلا وقد كافيناه" كذا في النسخ الحاضرة بالياء وكذلك في بعض نسخ المشكاة، ووقع في بعضها كافأناه بالهمزة. قال القاري في المرقاة قوله كافأناه بهمزة ساكنة بعد الفاء ويجوز إبدالها ألفاً ففي القاموس كافأه مكافأة جازاه ذكره في المهموز، وكفاه مؤنته(10/146)
يُكَافِئهِ اللّهُ بهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَا نَفَعَنِي مَالُ أَحَدٍ قَطّ ما نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتّخِذاً خَلِيلاً لاتّخَذْتُ أبا بَكْرٍ خَلِيلاً أَلاَ وإنّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللّه". هَذا حديثٌ حسَنٌ غَرِيب مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
3742 ـ حَدّثَنَا الْحَسَنُ بنُ الصّبّاحِ البَزّارُ أخبرنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عَن زَائِدَةَ عَن عبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عَن رِبْعِي هُوَ ابنُ حِرَاشٍ عَن حُذَيْفَةَ قالَ قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اقْتَدُوا بالّذِينَ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ". وفي البابِ عَن ابنِ مَسْعُودٍ. هَذا حديثٌ حَسَنٌ. وفيه عن ابن مسعود وَرَوَى سُفْيَانُ الثّوْرِيّ هَذَا الْحَدِيثَ
ـــــــ
كفاية ذكره في المعتل ولا يخفي أن المناسب للمقام هو المعنى الأول، وفي بعض النسخ المصححة يعني من المشكاة بالياء ولا يظهر له وجه انتهى. قلت المكافأة من الكفاية أيضاً تأتي بمعنى المجازاة. قال في الصراح في معتل اللام مكافأة باداش كردن، وقال في المنجد فيه كافي كفاه مكافأة الرجل جازاه والمعنى جازيناه مثلاً بمثل أو أكثر "ما خلا أبا بكر" أي ما عداه أي إلا إياه "فإن له عندنا يداً" قيل أراد باليد النعمة وقد بذلها كلها إياه صلى الله عليه وسلم وهي المال والنفس والأهل والولد "يكافيه الله" أي يجازيه "بها" أي بتلك اليد "ما نفعني مال أبي بكر" ما مصدرية ومثل مقدر أي مثل ما نفعني ماله. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد وابن ماجه مختصراً.
قوله: "عن زائدة" هو ابن قدامة. قوله: "اقتدوا بالذين من بعدي" أي بالخليفتين الذين يقومان من بعدي "أبي بكر وعمر" بدل من الذين أي لحسن سيرتهما وصدق سريرتهما وفيه إشارة لأمر الخلافة، قاله المناوي.(10/147)
عن عبد الملك بن عمير عن مولى لربعي عن ربعي عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم
3743 ـ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قالُوا: أخبرنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عَن عبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ نَحْوَهُ، وكانَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ يُدَلّسُ في هَذَا الْحَدِيثِ فَرُبّمَا ذَكَرَهُ عَن زَائِدَةَ عَن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عمَيْرٍ وَرُبّمَا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَن زَائِدَةَ. وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ إِبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عَن سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عَن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عَن هِلاَلٍ مَوْلَى رِبْعِيّ عَن رِبْعِيَ عَن حُذَيْفَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ أيْضاً عَن رِبْعِيّ عَن حُذَيْفَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
3744 ـ حَدّثَنَا سَعِيدُ بنُ يَحْيَى بن سَعيِدٍ الأُمَوِيّ، أخبرنا
ـــــــ
قوله: "وفي الباب عن ابن مسعود" أخرجه الترمذي في مناقبه. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد وابن ماجه وروى سفيان الثوري هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير عن مولى الربعي الخ، وصل الترمذي رواية سفيان هذه في مناقب عمار بن ياسر وأحمد في مسنده. قوله: "فربما ذكره عن زائدة عن عبد الملك بن عمير وربما لم يذكر فيه عن زائدة" هذا بيان تدليس ابن عيينة وكان لا يدلس إلا عن ثقة. قال الحافظ ابن حجر في طبقات المدلسين سفيان بن عيينة الهلالي الكوفي ثم المكي الإمام المشهور فقيه الحجاز في زمانه كان يدلس لكن لا يدلس إلا عن ثقة وادعى ابن حبان بأن ذلك كان خاصاً به ووصفه النسائي وغيره بالتدليس انتهى.(10/148)
وكِيعٌ، عَن سَالِمٍ بن الَعَلاَءِ المُرَادِيّ، عَن عَمْرِو بنِ هَرَمٍ عَن رِبْعِيّ بنِ حِرَاشٍ، عَن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قالَ: "كُنّا جُلُوساً عِنْدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: "إِنّي لاَ أَدْرِي مَا بَقَائِي فِيكُمْ، فاقْتَدُوا بالّذين مِنْ بَعْدِي وَأَشَارَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ".
ـــــــ
قوله: "عن سالم أبي العلاء المرادي" قال في التقريب سالم بن عبد الواحد المرادي الأنعمي بضم المهملة أبو العلاء الكوفي مقبول وكان شيعياً من السادسة "عن عمرو بن هرم" الأزدي البصري ثقة من الثالثة. قوله: "إني لا أدري ما بقائي فيكم" قال الطيبي ما استفهامية أي لا أدري كم مدة بقائي فيكم أقليل أم كثير وفيه تعليق(10/149)
53 ـ باب
3745 ـ حَدّثَنَا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا الْوَلِيدُ بنُ محَمّدٍ المُوقَرِيّ عَن الزّهْرِيّ عَن عَلِيّ بنِ الْحُسَيْنِ عَن عَلِيّ بنِ أبي طالِبٍ قال: "كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ طَلَعَ أبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فقالَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "هَذَانِ سَيّدا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنّةِ
ـــــــ
"باب"
قوله "أخبرنا الوليد بن محمد الموقري" بضم الميم وبقاف مفتوحة أبو بشر البلقاوي مولى بني أمية متروك من الثامنة عن علي بن الحسين هو المعروف بزين العابدين قوله إذا طلع أبو بكر وعمر أي ظهرا"هذان سيدا كهول أهل الجنة" الكهول بضمتين جمع الكهل وهو على ما في القاموس من جاوز الثلاثين أو أربعا وثلاثين إلى إحدى وخمسين فاعتبر ما كانوا عليه في الدنيا حال هذا الحديث وإلا لم يكن في الجنة كهل كقوله تعالى {وَآتُوا(10/149)
مِنَ الأوّلِينَ والاَخِرِينَ إلاّ النّبِيّينَ والمرْسَلِينَ يَا عَلِيّ لا تُخْبِرْهُمَا".
هَذا حديثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. والوَلِيدُ بنُ مُحَمّدٍ المُوقَرِيّ يُضَعّفُ في الْحَدِيثِ ولم يسمع علي بن الحسين من علي بن أبي طالب وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَن عَلِيّ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ. وفي البابِ عَن أنَسٍ وابنِ عَبّاسٍ.
3746 ـ حَدّثَنَا الْحَسَنُ بنُ الصّبّاحِ البَزّارُ حدثنا مُحَمّدُ بنُ كَثِيرٍ العبدي، عَن الأوْزَاعِيّ، عَن قَتَادَةَ، عَن أَنَسٍ قالَ: "قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لأَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ "هَذَانِ سَيّدَا كُهُولِ أهْلِ الْجَنَةِ مِنَ الأَوّلِينَ والاَخِرِينَ، إِلاّ النّبِيّينَ وَالمُرْسَلِينَ لاَ تُخْبِرْهُمَا
ـــــــ
الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} وقيل سيدا من مات كهلا من المسلمين فدخل الجنة لأنه ليس فيها كهل بل من يدخلها ابن ثلاث وثلاثين وإذا كانا سيدي الكهول فمن أولى أن يكونا سيدي شباب أهلها انتهى قلت وقع في رواية أحمد هذان سيدا كهول أهل الجنة وشبابها بعد النبيين والمرسلين من الأولين والاخرين أي الناس أجمعين يا علي لا تخبرهما زاد ابن ماجه في روايته ما داما حيين قوله "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد وابن ماجه "والوليد بن محمد الموقري يضعف في الحديث" فالحديث ضعيف وفيه انقطاع لأن علي بن الحسين لم يدرك علي بن أبي طالب قوله وفي الباب عن أنس وابن عباس وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي بعد هذا وأما حديث ابن عباس فلينظر من أخرجه
قوله "أخبرنا محمد بن كثير" الثقفي الصنعاني قوله هذان سيدا كهول أهل الجنة تقدر شرحه وقال الجزري في النهاية الكهل من الرجال من زاد على ثلاثين سنة إلى الأربعين وقيل من ثلاث وثلاثين إلى تمام الخمسين وقد اكتهل الرجل وكاهل إذا بلغ الكهولة فصار كهلا وقيل أراد بالكهل(10/150)
يَا عَلِيّ" : هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيب مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
3747- حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي أخبرنا سفيان بن عيينة قال ذكر داود عن الشعبي عن الحارث عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ما خلا النبيين والمرسلين لا تخبرهما يا علي"
ـــــــ
ههنا الحليم العاقل أي أن الله يدخل أهل الجنة الجنة حلماء عقلاء قوله "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو يعلى والضياء المقدسي في المختارة قوله "ذكره" أي الحديث "داود" هو ابن أبي هند "عن الحارث" بن عبد الله الأعور.(10/151)
"باب"
3748 ـ حَدّثَنَا أبُو سَعِيدٍ الاشَجّ أخبرنا عُقْبَةُ بنُ خالِدٍ أخبرنا شُعْبَةُ عَن الْجُرَيْرِيّ، عَن أَبي نَضْرَةَ، عَن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قالَ: قالَ أبُو بَكْر: "أَلَسْتُ أَحَقّ النّاسِ بِهَا، ألَسْتُ أَوّلَ مَنْ أسْلَمَ، أَلَسْتُ صَاحِبَ كَذَا، أَلَسْتُ صَاحِبَ كَذَا". هَذا حديثٌ غريب وروى بَعْضُهُمْ عَن شُعْبَةَ عَن الْجُرَيْرِيّ عَنْ أَبي نَضْرَةَ قالَ قالَ أَبُو بَكْرٍ وَهَذَا أَصَحّ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "قال أبو بكر ألست أحق الناس بها" أي بالخلافة "ألست أول من أسلم" أي من الرجال. قال الحافظ قد اتفق الجمهور على أن أبا بكر أول من(10/151)
3749 ـ حَدّثَنَا بِذَلِكَ مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ عَن شُعْبَةَ عَن الْجُرَيْرِيّ عَن أبي
نَضْرَةَ قالَ قالَ أَبُو بَكْرٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ بِمْعَناهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ وَهَذَا أَصَحّ.
ـــــــ
أسلم من الرجال، وذكر ابن إسحاق أنه كان تحقق أنه سيبعث لما كان يسمعه ويرى من أدلة ذلك فلما دعاه بادر إلى تصديقه من أول وهلة(10/152)
55 ـ باب
3750ـ حَدّثَنَا محمُودُ بنُ غَيْلانَ حدثنا أَبُو دَاوُدَ حدثنا الْحَكَمُ بنُ عَطِيّةَ، عَن ثابِتٍ، عَن أَنْسٍ "أنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْرُجُ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنَ المُهَاجِرِينَ والأنْصَارِ وَهُمْ جُلُوسٌ وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَلاَ يَرْفَعُ إِلَيْهِ أحَدٌ مِنْهُمْ بَصَرَهُ إلاّ أبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فإِنّهُمَا كَانَا يَنْظُرَانِ إلَيْهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمَا، وَيَتَبَسّمَانِ إِلَيْهِ وَيَتَبَسّمُ إِلَيْهِمَا". هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ بنِ عَطِيّةَ وَقَدْ تَكَلّمَ بَعْضُهُمْ في الْحَكَمِ بنِ عَطِيّةَ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا أبو داود" هو الطيالسي "حدثنا الحكم بن عطية" العيشي بالتحتانية والمعجمة البصري صدوق له أوهام من السابعة. قوله: "فلا يرفع إليه أحد منهم بصره" أي لهيبته صلى الله عليه وسلم "إلا أبو بكر وعمر" بالرفع على أنه بدل من أحد "ويتبسمان إليه ويتبسم إليهما" وذلك من عادة المحبة(10/152)
وخاصتها إذا نظر أحدها على الاَخر يحصل منهما التبسم بلا اختيار كذا في اللمعات، وقال في المرقاة التبسم مجاز عن كمال الانبساط فيما بينهم. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد(10/153)
56 ـ باب
3751 ـ حَدّثَنَا عُمَرُ بن إِسمَاعِيلَ بنِ مُجَالِدِ بنِ سَعِيدٍ، حدثنا سَعيدُ بنُ مَسْلَمَة، عَن إسمَاعِيلَ بنِ أُميّةَ، عَن نَافِعٍ، عَن ابنِ عُمَرَ: "أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ فَدَخَلَ المَسْجِدَ وَأبو بَكْرٍ وَعُمَرُ، أحَدُهُمَا عَن يَمِينِهِ والاَخَرُ عَنْ شِمَالِهِ وَهُوَ آخِذٌ بِأَيْدِيِهمَا وَقالَ: "هَكَذَا نُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ".
هَذا حديثٌ غَرِيبٌ. وَسَعِيدُ بنُ مَسْلَمَةَ لَيْسَ عِنْدَهُمْ بالْقَوِيّ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ أيْضاً مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَن نَافِعٍ عَن ابنِ عُمَر.
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا سعيد بن مسلمة" بن هشام بن عبد الملك بن مروان نزيل الجزيرة ضعيف من الثامنة "عن إسماعيل بن أمية" بن عمرو بن سعيد الأموي قوله: "خرج ذات يوم" أي من الحجرة الشريفة "أحدهما عن يمينه والاَخر عن شماله" قال القاري: الظاهر أنه نوع لف ونشر مرتب فوض إلى رأي السامع لظهوره عنده "وهو آخذ" بصيغة اسم الفاعل "بأيديهما" أي بيديهما "هكذا" أي بالوصف المذكور من الاجتماع المسطر "نبعث" أي نخرج من القبور. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه ابن ماجه.(10/153)
3752 ـ حَدّثَنَا يُوسُفُ بنُ مُوسَى القَطّانُ البَغْدَادِيّ حدثنا مَالِكُ بنُ إِسمَاعِيلَ عن مَنْصُورِ بنِ أبي الأَسْوَدِ قالَ حَدثني كَثِيرٌ أبُو إسمَاعِيلَ عَن جميعِ بنِ عُمَيْرٍ التّيْمِيّ عَن ابنِ عُمَرَ: "أَنّ رَسُولَ اللّهَ صلى الله عليه وسلم قالَ لأَبي بَكْرٍ: "أنْتَ صَاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ، وَصَاحِبِي في الغَارِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ. صحيحٌ
ـــــــ
قوله: "حدثنا مالك بن إسماعيل" الهندي أبو غسان "حدثني كثير أبو إسماعيل" هو ابن إسماعيل النواء "عن جميع" بالتصغير "بن عمير" كذلك "التيمي" كنيته أبو الأسود الكوفي صدوق يخطئ ويتشيع من الثالثة. قوله: "أنت صاحبي على الحوض" أي الكوثر "وصاحبي في الغار" أي الكهف الذي بجبل ثور الذي أويا إليه في خروجهما مهاجرين قال في اللمعات يعني صاحبي في الدنيا والاَخرة، وكونه صاحباً له في الغار فضيلة تفرد بها أبو بكر لم يشاركه فيها أحد انتهى. وقال القاري: أجمع المفسرون على أن المراد بصاحبه في الاَية يعني قوله تعالى {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} هو أبو بكر، وقد قالوا من أنكر صحبة أبي بكر كفر لأنه أنكر النص الجلي بخلاف صحبة غيره من عمر أو عثمان أو عليّ رضوان الله عليهم أجمعين(10/154)
57ـ باب
3753 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ، حدثنا ابنُ أَبي فُدَيْكٍ، عَن عَبْدِ العَزِيزِ بنِ المُطّلبِ، عَن أبيهِ، عَن جَدّهِ، عَن عَبْدِ اللّهِ بنِ حَنْطَبٍ: "أنّ النّبيّ
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن أبيه" أي المطلب بن عبد الله بن حنطب "عن عبد الله بن حنطب" يدل من قوله عن جده. قال في التقريب عبد الله بن حنطب بن الحارث بن عبيد(10/154)
صلى الله عليه وسلم رَأى أَبَا بَكْرٍ وعُمَرَ فقالَ: "هَذَانِ السّمْعُ والبَصَرُ".
وفي البابِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بنِ عَمْروٍ وَهَذا حديثٌ مُرْسَلٌ. وَعبْدُ اللّهِ بنُ حَنْطَبٍ لَمْ يُدْرِكِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
بن عمر بن مخزوم مختلف في صحبته وله حديث مختلف في إسناده انتهى "هذان السمع والبصر" أي نفسهما مبالغة كرجل عدل أو هما في المسلمين أو في الدين كالسمع والبصر في الأعضاء فحذف كاف التشبيه للمبالغة ولذا يسمى تشبيهاً بليغاً أو هما في العزة عندي بمنزلتهما. قال القاضي ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم سماهما بذلك لشدة حرصهما على استماع الحق واتباعه وتهالكهما على النظر في الاَيات المنبثة في الأنفس والاَفاق والتأمل فيها والاعتبار بها كذا في المرقاة. قوله: "وفي الباب عن عبد الله بن عمرو" أخرجه الطبراني. قال الهيثمي في مجمع الزوائد وفيه محمد مولى بني هاشم ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات انتهى. قوله: "هذا حديث مرسل وعبد الله بن حنطب لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم" قال في تهذيب التهذيب بعد نقل كلام الترمذي هذا: قال ابن أبي حاتم له صحبه وكذا قال ابن عبد البر وزاد وحديثه مضطرب الإسناد وقد سقط بين ابن أبي فديك وبين عبد العزيز واسطة فقد رواه داود بن صبيح والفضل بن الصباح عن ابن أبي فديك حدثني غير واحد عن عبد العزيز وهكذا رواه علي بن مسلم ويوسف بن يعقوب الصغار عن ابن أبي فديك قال حدثني غير واحد منهم على ابن عبد الرحمن بن عثمان وعمر بن أبي عمرو عن عبد العزيز انتهى. وفي الجامع الصغير للسيوطي: "أبو بكر وعمر مني بمنزلة السمع والبصر من الرأس" ، رواه أبو يعلى عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبيه عن جده قال ابن عبد البر وما له غيره، ورواه أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس والخطيب عن جابر انتهى(10/155)
58 ـ باب
3754 ـ حَدّثَنَا أبُو مُوسَى إسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأَنْصَارِيّ حدثنا مَعْنٌ هُوَ ابنُ عِيسَى حدثنا مَالِكُ بنُ
أنَسٍ، عَن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَن أبِيهِ، عَن عَائِشَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلّ بالنّاسِ". فقالَتْ عائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ أبَا بَكْرٍ إذَا قامَ مَقَامَكَ لَمْ يُسْمِعِ النّاسَ مِنَ البُكَاءِ فأْمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلّ بالنّاسِ، قالَتْ فقالَ "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلّ بالنّاسِ"، قالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ قولِي لَهُ إنّ أَبَا بَكْرٍ إذَا قامَ في مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النّاسِ مِنَ البُكاءِ، فأمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلّ بالنّاسِ فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ، فقالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنّكُنّ لأَنْتُنّ صَوَاحِبات يُوسُفَ، مُرُوا
ـــــــ
"باب"
قوله: "مروا أبا بكر فليصل بالناس" وفي رواية البخاري: قالت لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن فقال مروا أبا بكر "لم يسمع الناس من البكاء" أي لم يستطيع أن يسمع الناس من شدة البكاء، وفي رواية البخاري إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، وفي حديث ابن عمر في هذه القصة قالت إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ غلبه البكاء "ففعلت حفصة" أي ذلك "إنكن لأنتن صواحب يوسف" أي الصديق عليه السلام، وصواحب جمع صاحبة والمراد أنهن مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن ثم إن هذا الخطاب وإن كان بلفظ الجمع فالمراد به واحد وهي عائشة فقط كما أن صواحب صيغة جمع والمراد زليخا فقط، ووجه المشابهة بينهما في ذلك أن زليخا استدعت النسوة وأظهرت(10/156)
أبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلّ بالنّاسِ"، فقالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ مَا كُنْتُ لأِصِيب مِنْكِ خَيْراً".
هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وفي البَاب عَن عَبْدِ اللّهِ بنِ مَسْعُودٍ وأَبِي مُوسَى وابنِ عَبّاسٍ وَساَلِمِ بنِ عُبَيْدٍ.
ـــــــ
لهن الإكرام بالضيافة ومرادها زيادة على ذلك وهو أن ينظرن إلى حسن يوسف ويعذرنها في محبته، وأن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه ومرادها زيادة على ذلك وهو أن لا يتشاءم الناس به، وقد صرحت هي فيما بعد ذلك فقالت لقد راجعته وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلاً قام مقامه أبداً الحديث، كذا في الفتح "ما كنت لأصيب منك خيراً" قال الحافظ إنما قالت حفصة ذلك لأن كلامها صادف المرة الثالثة من المعاودة وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يراجع بعد ثلاث فلما أشار إلى الإنكار عليها بما ذكر من كونهن صواحب يوسف وجدت حفصة في نفسها من ذلك لكون عائشة هي التي أمرتها بذلك ولعلها تذكرت ما وقع لها معها أيضاً في قصة المغافير. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مالك والبخاري والنسائي في التفسير. قوله: "وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وأبي موسى وابن عباس وسالم بن عبيد" أما حديث عبد الله بن مسعود فلينظر من أخرجه، وأما حديث أبي موسى فأخرجه الشيخان، وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجه وغيره قال الحافظ بإسناد حسن، وأما حديث سالم بن عبيد فأخرجه ابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه.(10/157)
59 ـ باب
3755 ـ حَدّثَنَا نَصْرُ بنُ عبْدِ الرّحْمَنِ الكُوفِيّ حدثنا أحْمَدُ بنُ بَشِيرٍ، عَن عِيسَى بنِ مَيْمُونٍ الأَنْصَارِيّ، عَن القَاسِمِ بنِ مُحَمّدٍ عَن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَنْبَغِي لِقَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ أنْ يَؤُمّهُمْ غَيْرُهُ". هَذا حديثٌ حسن غَرِيبٌ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن عيسى بن ميمون الأنصاري" في التقريب عيسى بن ميمون المدني مولى القاسم بن محمد يعرف بالواسطي ويقال له ابن تليدان بفتح المثناة وفرق بينهما ابن معين وابن حبان وابن ميمون ضعيف من السادسة، وقال في الخلاصة قال البخاري منكر الحديث "عن القاسم بن محمد" بن أبي بكر الصديق. قوله: "لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره" قال في اللمعات فيه دليل على فضله في الدين على جميع الصحابة فكان تقديمه في الخلافة أيضاً أولى وأفضل ولهذا قال سيدنا علي المرتضى قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر ديننا فمن الذي يؤخرك في دنيانا انتهى. قوله: "هذا حديث غريب" ذكره ابن الجوزي في موضوعاته وقال فيه عيسى بن ميمون لا يحتج به وأحمد بن بشير متروك، قال الحافظ السيوطي في تعقباته الحديث أخرجه الترمذي وأحمد بن بشير احتج به البخاري ووثقه الأكثرون، وقال الدارقطني ضعيف يعتبر بحديثه وعيسى قال فيه حماد بن سلمة ثقة، وقال يحيى مرة لا بأس به وضعفه غيرهما ولم يتهم بكذب، فالحديث حسن وشاهده الأحاديث الصحيحة في تقديمه إماماً للصلاة في مرض الوفاة. وقال الحافظ ابن كثير في مسند الصديق إن لهذا الحديث شواهد يقتضي صحته، وأخرج أبو يعلى من وجه آخر عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "ليصل بالناس" قالوا يا رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ـ لو أمرت غيره أن يصلي قال: "لا ينبغي أن يؤمهم إمام وفيهم أبو بكر". انتهى(10/158)
60 ـ باب
3756 ـ حَدّثَنَا إسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأَنْصَارِيّ حدثنا مَعْنٌ، حدثنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عَن الزّهْرِيّ عَن حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ في سَبِيلِ اللّهِ نُودِيَ في الْجَنّةِ يَا عَبْدَ اللّهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصّلاَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصّلاَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الصّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرّيّانِ . فقال
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن حميد بن عبد الرحمَن" بن عوف الزهري المدني. قوله: "من أنفق زوجين" أي شيئين من أي صنف من أصناف المال من نواع واحد وقد جاء مفسراً مرفوعاً: "بعيرين شاتين حمارين درهمين" "في سبيل الله" اختلف في المراد بقوله في سبيل الله فقيل أراد الجهاد وقيل ما هو أعم منه "نودي في الجنة" وفي رواية البخاري نودي من أبواب الجنة "يا عبد الله هذا خير" ليس اسم التفضيل بل المعنى هذا خير من الخيرات والتنوين فيه للتعظيم "فمن كان من أهل الصلاة" أي المؤدين للفرائض المكثرين من النوافل وكذا ما يأتي فيما قيل "ومن كان من أهل الصيام" أي الذي الغالب عليه الصيام وإلا فكل المؤمنين أهل للكل "دعى من باب الريان" بفتح الراء وتشديد التحتانية وزن فعلان من الري اسم علم لباب من أبواب الجنة يختص بدخول الصائمين منه وهو مما وقعت المناسبة فيه بين لفظه ومعناه لأنه مشتق من الري وهو مناسب لحال الصائمين. قال الحافظ: معنى الحديث أن كل عامل يدعى من باب ذلك العمل وقد جاء ذلك صريحاً من وجه آخر عن أبي هريرة: "لكل عامل باب من أبواب(10/159)
أَبُو بَكْرٍ: بِأَبِي أَنْتَ وأُمّي مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ هَذِهِ الأبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلّهَا؟ قالَ: "نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
الجنة يدعى منه بذلك العمل" أخرجه أحمد وابن أبي شيبة بإسناد صحيح، قال ووقع في الحديث ذكر أربعة أبواب من أبواب الجنة، وقد ثبت أن أبواب الجنة ثمانية وبقي من الأركان الحج فله باب بلا شك، وأما الثلاثة الأخرى فمنها "باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس" رواه أحمد بن حنبل عن الحسن مرسلاً إن لله باباً في الجنة لا يدخله إلا من عفا عن مظلمة، ومنها الباب الأيمن وهو باب المتوكلين الذي يدخله منه من لا حساب عليه ولا عذاب، وأما الثالث فلعله باب الذكر فإن عند الترمذي ما يرمي إليه، ويحتمل أن يكون باب العلم ويحتمل أن يكون المراد بالأبواب التي يدعى منها أبواب من داخل أبواب الجنة الأصلية لأن الأعمال الصالحة أكثر عدداً من ثمانية انتهى. وجاء في رواية عن أبي هريرة بيان الداعي فروى البخاري عنه مرفوعاً: "من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب أي قيل هلم" الحديث "ما على من دعى من هذه الأبواب من ضرورة". كلمة ما للنفي ومن زائدة وهي اسم ما أي ليس ضرورة واحتياج على من دعى من باب واحد من تلك الأبواب إن لم يدع من سائرها لحصول المقصود وهو دخول الجنة وهذا نوع تمهيد قاعدة السؤال في قوله: "فهل يدعي أحد من تلك الأبواب كلها" أي سألت عن ذلك بعد معرفتي بأن لا ضرورة ولا احتياج لمن يدعى من باب واحد إلى الدعاء من سائر الأبواب إذ يحصل مراده بدخول الجنة "قال نعم" أي يكون جماعة يدعون من جميع الأبواب تعظيماً وتكريماً لهم لكثرة صلاتهم وجهادهم وصيامهم وغير ذلك من أبواب الخير "وأرجو أن تكون منهم" قال العلماء: الرجاء من الله ومن نبيه واقع محقق، وبهذا التقرير يدخل الحديث في فضائل أبي بكر، ووقع في حديث ابن عباس عند ابن حبان في نحو هذا الحديث التصريح بالوقوع لأبي بكر ولفظه: قال "أجل وأنت هو يا أبا بكر". قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي.(10/160)
3757 ـ حَدّثَنَا هَارُونَ بنُ عبْدِ اللّهِ البَزّازُ البَغْدَادِيّ، حدثنا الفَضْلُ بنُ دُكَيْنٍ، حدثنا هِشَامُ بنُ سَعْدٍ عَن زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عَنْ أبيهِ قالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ الْخطّابِ يقُولُ: "أمَرَنَا رسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أنْ نَتَصَدّقُ وَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالاً فَقُلْتُ اليَوْمَ أسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إنْ سَبَقْتُهُ يَوْماً، قالَ فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي فقالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَا أَبْقْيْتَ لأهْلِكَ" ؟ قُلْتُ مِثْلَهُ، وَأَتى أَبُو بَكْرٍ بِكُلّ مَا عِنْدَهُ، فقالَ: يا أبَا بَكْرٍ "مَا أَبْقَيْتَ لأهْلِكَ" ؟ فقالَ أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ والله لاَ أَسْبِقُهُ إِلى شَيْءٍ أَبَداً". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
قوله: "أن نتصدق" أي في بعض الجهات "ووافق ذلك عندي مالاً" أي صادف أمره بالتصدق حصول مال عندي، فعندي حال من مال والجملة حال مما قبله يعني والحال أنه كان لي مال كثير في ذلك الزمان "اليوم أسبق أبا بكر" أي بالمبارزة أو بالمبالغة "إن سبقته يوماً" أي من الأيام وإن شرطية دل على جوابها ما قبلها أو التقدير إن سبقته يوماً فهذا يومه، وقيل إن نافية أي ما سبقته يوماً قبل ذلك فهو استئناف تعليل "قال" أي عمر "قلت مثله" أي أبقيت مثله يعني نصف ماله "بكل ما عنده" أي من المال "الله ورسوله" مفعول أبقيت أي رضاهما "لا أسبقه إلى شيء" أي من الفضائل لأنه إذا لم يقدر على مغالبته حين كثرة ماله وقلة مال أبي بكر ففي غير هذا الحال أولى أن لا يسبقه. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري.(10/161)
61 ـ باب
3758 ـ حَدّثَنَا عبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حدثنا يعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدٍ قال: حدثنا أبِي، عَن أَبيهِ قالَ: أخبرني مُحَمّدُ بنُ جُبَيْرِ بنِ مُطْعمٍ عن أبيه جُبَيْر بنَ مُطْعمٍ أخْبَرَهُ "أنّ امْرَأةً أتَتْ رَسُولَ اللّهَ صلى الله عليه وسلم فَكَلّمَتْهُ فِي شَيْءٍ فَأمَرَهَا بِأَمْرٍ فَقالَتْ أَرَأيْتَ يا رَسُولَ اللّهِ إِنْ لَمْ أَجِدْكَ؟ قالَ: "إنْ لَمْ تَجِدِيني فأْتِي أَبَا بَكْرٍ". هَذا حديثٌ صحيحٌ
ـــــــ.
"باب"
قوله: "عن أبيه" أي سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف "فكلمته في شيء" أي من أمرها "فأمرها بأمر" وفي رواية البخاري فأمرها أن ترجع إليه "أرأيت" أي أخبرني "إن لم أجدك" في رواية البخاري إن جئت ولم أجدك كأنها تقول الموت "فأتى أبا بكر" فيه إشارة إلى فضله رضي الله عنه وفيه إشارة أيضاً إلى أنه هو الخليفة من بعده، وأصرح من هذا دلالة على أنه هو الخليفة من بعده ما رواه الطبراني من حديث عصمة بن مالك قال قلنا يا رسول الله إلى من ندفع صدقات أموالنا بعدك قال: "إلى أبي بكر الصديق" وفيه ضعيف، وروى الإسماعيلي في معجمه من حديث سهل بن أبي حثمة قال: بايع النبي صلى الله عليه وسلم أعرابياً فسأله إن أتى عليه أجله من يقضيه فقال "أبو بكر" ثم سأله من يقضيه بعده قال "عمر" الحديث قاله العيني. قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه الشيخان(10/162)
62 ـ باب
3759 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ حُمَيْدٍ حدثنا إِبْرَاهِيمُ بنُ المُخْتَارِ عَن إسْحَاقَ بنِ رَاشِدٍ عَن الزّهْرِيّ عَن عُرْوَةَ عَن عَائِشَةَ: "أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِسَدّ الأبْوَابِ إلاّ بَابَ أبي بَكْرٍ".
وفي البابِ عَن أَبي سَعِيدٍ. هَذا حديثٌ غَرِيبٌ من هذا الوجه.
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا محمد بن حميد" هو الرازي "حدثنا إبراهيم بن المختار" التيمي أبو إسماعيل الرازي صدوق ضعيف الحفظ من الثامنة "عن إسحاق بن راشد" الجزري أبي سليمان ثقة في حديثه عن الزهري بعض الوهم من السابعة. قوله: "أمر بسد الأبواب إلا باب أبي بكر" وفي حديث أبي سعيد عند البخاري في المناقب: "لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر". وفي الهجرة: "لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر" ، وكذا عند الترمذي كما تقدم. قال الخطابي وابن بطال وغيرهما في هذا الحديث اختصاص ظاهر لأبي بكر رضي الله عنه، وفيه إشارة قوية إلى استحقاقه للخلافة ولا سيما وقد ثبت أن ذلك كان في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي أمرهم فيه أن لا يؤمهم إلا أبو بكر.
تنبيه: أخرج أحمد والنسائي بإسناد قوي عن سعد بن أبي وقاص قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب عليّ، وقد ورد في الأمر بسد الأبواب إلا باب عليّ أحاديث أخرى ذكرها الحافظ في الفتح وقال بعد ذكرها وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلاً عن مجموعها انتهى. فهذه الأحاديث تخالف أحاديث الباب، قال الحافظ ويمكن الجمع بين القصتين وقد أشار إلى(10/163)
ذلك البزار في مسنده فقال ورد من روايات أهل الكوفة بأسانيد حسان في قصة علي، ورد روايات أهل المدينة في قصة أبي بكر فإن ثبتت روايات أهل الكوفة فالجمع بينهما بما دل عليه حديث أبي سعيد الخدري يعني الذي أخرجه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لأحد أن يطرق هذا المسجد جنباً غيري وغيرك" والمعنى أن باب علي كان إلى جهة المسجد ولم يكن لبيته باب غيره فلذلك لم يؤمر بسده، ويؤيد ذلك ما أخرجه إسماعيل القاضي في أحكام القرآن من طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لأحد أن يمر في المسجد وهو جنب إلا لعلي بن أبي طالب لأن بيته كان في المسجد، ومحصل الجمع أن الأمر بسد الأبواب وقع مرتين ففي الأولى استثنى علي لما ذكره وفي الأخرى استثنى أبو بكر ولكن لا يتم ذلك إلا بأن يحمل ما في قصة علي على الباب الحقيقي وما في قصة أبي بكر على الباب المجازي والمراد به الخوخة كما صرح به في بعض طرقه، وكأنهم لما أمروا بسد الأبواب سدوها وأحدثوا خوخاً يستقربون الدخول إلى المسجد منها فأمروا بسدها فهذه طريقة لا بأس بها في الجمع بين الحديثين، وبها جمع بين الحديثين المذكورين أبو جعفر الطحاوي في مشكل الآثار في أوائل الثلث الثالث منه وأبو بكر الكلا باذي في معاني الأخبار وصرح بأن بيت أبي بكر كان له باب من خارج المسجد وخوخة إلى داخل المسجد وبيت علي لم يكن له باب إلا من داخل المسجد انتهى كلام الحافظ. قوله: "وفي الباب عن أبي سعيد" أخرجه الترمذي فيما تقدم قريباً.(10/164)
63 ـ باب
3760 ـ حَدّثَنَا الأنْصَارِيّ أخبرنا مَعْنٌ حدثنا إِسْحَاقُ بنُ يَحْيَى بنِ طَلْحَةَ عَن عَمّهِ إسْحَاقَ بنِ طَلْحَةَ عَن عائِشَةَ: "أَنّ أبَا بَكْرٍ
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا معن" هو ابن عيسى القزاز "حدثنا إسحاق بن يحيى بن طلحة" بن عبيد الله التيمي ضعيف من الخامسة "عن عمه إسحاق بن طلحة" بن(10/164)
دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ "أنْتَ عَتِيقُ اللّهِ مِنَ النّارِ" فَيَوْمَئِذٍ سُمّيَ عَتِيقاً". هَذا حديثٌ غَرِيبٌ وَرَوى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَن مَعْنٍ وَقَالَ عَن مُوسَى بنِ طَلْحَةَ عَن عائِشَةَ.
ـــــــ
عبيد الله التيمي مقبول من الثالثة. قوله: "فسمى يومئذ عتيقاً" قال ابن الجوزي في التلقيح في تسميته بعتيق ثلاثة أقوال أحدها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أراد أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى أبي بكر" ، روته عائشة. والثاني أنه اسم سمته به أمه، قاله موسى بن طلحة. والثالث أنه سمي به لجمال وجهه، قاله الليث بن سعد. وقال ابن قتيبة لقبه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لجمال وجهه انتهى. قلت الوجه الأول هو الراجح المعول عليه(10/165)
64 ـ باب
3761 ـ حَدّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجّ حدثنا تَلِيدُ بنُ سُلَيْمَانَ عَن أبي الْجحّافِ عَن عَطِيّةَ عَن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قالَ: قالَ رسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ نَبِيَ إلاّ وَلَهُ وَزِيرَانِ مِنْ أهْلِ السّماءِ، وَوَزِيرَانِ مِنْ أَهْلِ الأرْضِ، فَأَمّا وَزِيرَايَ مِنْ أهْلِ السّمَاءِ فَجِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، وأَمّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ الأرْضِ فَأَبُو بَكْرٍ
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا تليد" بفتح الفوقية وكسر اللام وسكون التحتية وبدال مهملة المحاربي الكوفي الأعرج رافضي ضعيف من الثامنة، قال صالح جرزه كانوا يسمونه بليداً يعني بالموحدة "عن عطية" هو العوفي، قوله: "ما من نبي إلا وله وزيران من أهل السماء ووزيران من أهل الأرض" الوزير الموازر(10/165)
وعُمَرُ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وأَبُو الْجَحّافِ اسْمُهُ دَاوُدُ بنُ أبي عَوْفٍ وَيُرْوَى عَن سُفْيَان الثّوْرِيّ قال أخبرنا أبُو الْجَحّافِ وَكان مَرْضِيّا
3762 ـ حَدّثَنَا محْمودُ بنُ غَيْلاَنَ أخبرنا أَبُو دَاوُدَ قال: أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَن سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ قالَ سَمِعْتُ أبَا سَلَمَةَ بنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ يُحَدّثُ عَن أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَا رَجُلٌ رَاكِبٌ بَقَرَةً إِذْ قالَتْ لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا إِنّمَا خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ، فقالَ
ـــــــ
لأنه يحمل الوزر أي الثقل عن أميره، والمعنى أنه إذا أصابه أمر شاورهما كما أن الملك إذا حزبه أمر مشكل شاور وزيره، ومنه قوله تعالى {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} قال في النهاية الوزير هو الذي يوازره فيحمل عنه ما حمله من الأثقال والذي يلتجئ الأمير إلى رأيه وتدبيره فهو ملجأ له ومفزع "فأما وزيراي من أهل السماء فجبرئيل وميكائيل" فيه دلالة ظاهرة على فضله صلوات الله وسلامه عليه على جبرئيل وميكائيل عليهما السلام كما أن فيه إيماء إلى تفضيل جبرئيل على ميكائيل "وأما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر" فيه دلالة ظاهرة على فضلهما على غيرهما من الصحابة وهم أفضل الأمة وعلى أن أبا بكر أفضل من عمر لأن الواو وإن كان لمطلق الجمع ولكن ترتبه في لفظ الحكيم لا بد له من أثر عظيم. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه الحاكم وصححه وأقروه والحكيم في نوادره عن ابن عباس وغيره وابن عساكر وأبو يعلى وغيرهما عن أبي ذر بأسانيد ضعيفة كذا في التيسير.
قوله: "بينما رجل راكب بقرة إذا قالت لم أخلق لهذا" وفي رواية البخاري: "بينما رجل يسوق بقرة إذا ركبها فضربها فقالت إنا لم نخلق لهذا". قال الحافظ استدل به على أن الدواب لا تستعمل إلا فيما جرت العادة باستعمالها فيه،(10/166)
رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: آمَنْتُ بِذَلِكَ أَنَا وأَبُو بَكْرِ وَعُمَرُ" . قالَ أَبُو سَلَمَة وَمَا هُمَا في القَوْمِ يَوْمَئِذٍ"
3763 ـ حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة بهذا الإسناد نحوه. هذا حديث حسن صحيح.
ـــــــ
ويحتمل أن يكون قولها إنما خلقنا للحرث للإشارة إلى معظم ما خلقت له ولم ترد الحصر في ذلك لأنه غير مراد اتفاقاً لأن من أجل ما خلقت له أنها تذبح وتؤكل بالاتفاق "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "آمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر"" هو محمول على أنه كان أخبرهما بذلك فصدقاه أو أطلق ذلك لما اطلع عليه من أنهما يصدقان بذلك إذا سمعاه ولا يترددان فيه "وما هما في القوم يومئذ" أي عند حكاية النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.(10/167)
3764 ـ في مناقب أبي حفص عمر بن الخطاب رَضِيَ اللّهُ عَنْه
3764 ـ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ ومُحمّدُ بنُ رَافِعٍ قالاَ أخبرنا أبُو عَامِرٍ العَقَدِيّ أخبرنا خَارِجَةُ بنُ عبْدِ اللّهِ الأَنْصَارِيّ عَن نَافِع عَن ابنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "اللّهُمّ أعِزّ
ـــــــ
"مناقب أبي حفص عمر بن الخطاب رَضِيَ اللّهُ عَنْه"
قوله: "أخبرنا خارجة بن عبد الله" بن سليمان بن زيد بن ثابت الأنصاري أبو زيد المدني وقد ينسب إلى جده صدوق له أوهام من السابعة. قوله: "اللهم(10/167)
الإسْلاَمَ بِأَحَبّ هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ إلَيْكَ بِأَبي جَهْلٍ أوْ بِعُمَرَ بنِ الْخَطّابِ. قالَ وَكانَ أحَبّهُمَا إِلَيْهِ عُمَرُ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ.
ـــــــ
أعز الإسلام" أي قوه وانصره واجعله غالباً على الكفر "بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب" أي للتنويع لا للشك "قال" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "وكان أحبهما إليه" أي إلى الله سبحانه وتعالى، وفي حديث ابن عباس الاَتي فأصبح فغدا عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، وأخرج البخاري عن قيس عن عبد الله بن مسعود قال ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر. قال الحافظ أي لما كان فيه من الجلد والقوة في أمر الله. وروى ابن أبي شيبة والطبراني من طريق القاسم بن عبد الرحمن قال قال عبد الله بن مسعود كان إسلام عمر عزاً وهجرته نصراً وإمارته رحمة والله ما استطعنا أن نصلي حول البيت ظاهرين حتى أسلم عمر، وقد ورد سبب إسلامه مطولاً فيما أخرجه الدارقطني من طريق القاسم بن عثمان عن أنس قال خرج عمر متقلداً السيف فلقيه رجل من بني زهرة فذكر قصة دخول عمر على أخته وإنكاره إسلامها وإسلام زوجها سعيد بن زيد وقراءته سورة طه ورغبته في الإسلام فخرج خباب فقال أبشر يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم "لك اللهم أعز الإسلام بعمر أو بعمرو بن هشام". وفي فضائل الصحابة لخيثمة من طريق أبي وائل عن ابن مسعود قال قال "اللهم أيد الإسلام بعمر"، ومن حديث علي مثله بلفظ أعز وفي حديث عائشة مثله أخرجه الحاكم بإسناد صحيح انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" قال الحافظ بعد ذكر هذا الحديث ونقل كلام الترمذي هذا وصححه ابن حبان أيضاً وفي إسناده خارجة بن عبد الله صدوق فيه مقال لكن له شاهد من حديث ابن عباس أخرجه الترمذي أيضاً ومن حديث أنس يعني المذكور في كلامه المتقدم(10/168)
65 ـ باب
3765 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا أبُو عَامِرٍ هُوَ العَقَدِيّ أخبرنا خَارِجَةُ بنُ عبْدِ اللّهِ هُوَ الأَنْصَارِيّ عَن نَافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ أنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إنّ اللّهَ جَعَلَ الْحَقّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وقَلْبِهِ". قالَ وقالَ ابنُ عُمَرَ مَا نَزَلَ بالنّاسِ أمْرٌ قَطّ فقالُوا فِيهِ وَقالَ فِيهِ عُمَرُ أَوْ قالَ ابنُ الْخَطّابِ فِيهِ ـ شَكّ خارِجَةُ ـ إلاّ نَزَلَ فِيهِ القُرْآنُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ عُمَرُ". وفي البابِ عَن الفَضْلِ بنِ عَبّاسٍ وأَبي ذَرّ وأبي هُرَيْرَة هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ هِذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه" أي أجراه على لسانه وذلك أمر خلقي جبلي له، وفي حديث أبي ذر عند ابن ماجه: "إن الله وضع الحق على لسان عمر". قال الطيبي: ضمن جعل معنى أجرى فعداه بعلي وفيه معنى ظهور الحق واستعلائه على لسانه وفي وضع الجعل موضع أجري إشعار بأن ذلك كان خلقياً ثابتاً مستقراً "قال" أي نافع "ما" نافية "نزل" أي حدث "بالناس" أي فيهم "فقالوا فيه" أي قال الصحابة في ذلك الأمر برأيهم واجتهادهم "وقال فيه عمر" أي برأيه واجتهاده "على نحو ما قال عمر" أي موافقاً لقوله. قوله: "وفي الباب عن الفضل بن عباس وأبي ذر وأبي هريرة" أما حديث الفضل بن عباس فلينظر من أخرجه، وأما حديث أبا ذر فأخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وابن ماجه، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو يعلى والحاكم وقال على شرط مسلم وأقروه وأخرجه أيضاً أحمد والبزار والطبراني في الأوسط. قال الهيثمي رجال البزار رجال الصحيح غير الجهم بن أبي الجهم وهو ثقة. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه أحمد(10/169)
66 ـ باب
3766 ـ حَدّثَنَا أبُو كُرَيْبٍ حدثنا يُونُسُ بنُ بُكَيْرٍ عَن النّضْرِ أبي عُمَرَ عَن عِكْرِمَة عَن ابنِ عبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "اللّهُمّ أَعِزّ الإِسْلاَمَ بِأبي جَهْلِ بنِ هِشَامٍ أَوْ بِعُمَرَ بنِ الْخَطابِ" ، قالَ فأَصْبَحَ فَغَدَا عُمَرُ عَلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فأسْلَمَ".
هَذا حديثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ تَكَلّمَ بَعْضُهُمْ فِي النّضْرِ أَبي عُمَرَ وَهُوَ يَرْوِي مَنَاكِيرَ
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن النضر أبي عمر" هو عبد الرحمن الخزاز بمعجمات متروك من السادسة. قوله: "اللهم أعز الإسلام بأبي جهل بن هشام" اسمه عمرو بن هشام "قال" أي ابن عباس "فأصبح" أي دخل عمر في الصباح بعد دعائه عليه السلام قبله "فغدا عمر" أي أقبل غادياً أي ذاهباً في أول النهار "على رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال الطيبي هو إما خبر أي غدا مقبلاً على النبي صلى الله عليه وسلم أو ضمن غدا معنى أقبل ونحوه قوله تعالى {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} "فأسلم" أي عمر. زاد أحمد في رواية ثم صلى في المسجد ظاهراً قال القاري أي صلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي نسخة يعني من المشكاة بصيغة المجهول أي صلى المؤمنون في المسجد ظاهراً أي عياناً غير خفي أو غالباً غير مخوف. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد(10/170)
67 ـ باب
3767 ـ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ المُثَنّى، أخبرنا عبْدُ اللّهِ بنُ دَاوُدَ الْوَاسِطِيّ أَبُو مُحَمّدٍ، حدثني عبْدُ الرّحْمَنِ ابنُ أَخِي مُحمّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَن مُحمّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَن جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللّهِ قالَ: "قالَ عُمَرُ لأَبي بَكْرٍ يا خَيْرَ النّاسِ بَعْدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ أَبُو بَكرٍ أمَا إنّكَ إنْ قُلْتَ ذَاكَ فَلَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا طَلَعَتِ الشّمسُ عَلَى رَجُلٍ خَيْرٍ مِنْ عُمَرَ" . هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الّوَجْهِ وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ. وفي البَاب عَن أَبي الدّرْدَاءِ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "أخبرنا عبد الله بن داود الواسطي" أبو محمد التمار ضعيف من التاسعة "حدثني عبد الرحمن ابن أخي محمد بن المنكدر" في التقريب عبد الرحمن القرشي التيمي ابن أخي محمد بن المنكدر مجهول من الثامنة. قوله: "أما" بالتخفيف للتنبيه "إنك إن قلت ذاك" أي إذ قلت ذلك الكلام وعظمتني من يبن الأنام فأجازيك بمثل هذا المرام من التبشير في هذا المقام "ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر" هو إما محمول على أيام خلافته أو مقيد ببعد أبي بكر أو المراد في باب العدالة أو طريق السياسة ونحو ذلك جمعاً بين الألفاظ الواردة في السنة قاله القاري. وقال في اللمعات وجوه الخيرية مختلفة متعددة فلا منافاة بين كون كل منهما خيراً مع كون أبي بكر أفضل من جهة كثرة الثواب. وقال المناوي أي أن ذلك سيكون له في بعض الأزمنة الاَتية وهو من إفضاء الخلافة إليه إلى موته فإنه حينئذ أفضل أهل الأرض. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه الحاكم(10/171)
3768 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ المُثَنّى أخبرنا عبْدُ اللّهِ بنُ دَاوُدَ عَن حَمّادِ بنِ زَيْدٍ عَن أَيّوبَ عَن مُحمّدِ بنِ سِيرِينَ قالَ: "مَا أَظُنّ رَجُلاً يَنتَقِصُ أَبا بَكْرٍ وَعُمَرَ يُحِبّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم". هَذا حديثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ.
ـــــــ
"وليس إسناده بذاك" أي ليس بالقوي. قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة عبد الرحمن بعد ذكر هذا الحديث ونقل كلام الترمذي هذا وقال العقيلي لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به انتهى. قلت: وفي سند هذا الحديث أيضاً عبد الله بن داود وهو ضعيف كما عرفت، وقال البخاري فيه نظر ولا يقول هذا إلا فيمن يتهمه غالباً قاله الذهبي، قال وتكلم فيه ابن حبان وابن عدوي في ترجمته "أي في ترجمة عبد الله بن داود هذا" عبد الرحمن بن أخي محمد بن المنكدر عن عمه عن جابر أن عمر قال لأبي بكر يوماً يا سيد المسلمين فقال أما إذ قلت ذا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وقال بعد ذكره هذا كذب انتهى. قوله: "وفي الباب عن أبي الدرداء" لينظر من أخرجه.
قوله: "عن أيوب" هو السختياني "ينتقص" صفة من الانتقاص صفة لقوله رجلاً وفي بعض النسخ يتنقص من التنقص يقال فلان يتنقص فلاناً ويتنقصه أي يقع فيه ويذمه "يحب النبي صلى الله عليه وسلم" يعني لا يحب النبي صلى الله عليه وسلم من يذم ويشتم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما. وظن محمد بن سيرين هذا صحيح عندي وقال ابن معين في تليد بن سليمان أنه كذاب كان يشتم عثمان وكل من شتم عثمان أو طلحة أو أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دجال لا يكتب عنه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. ذكره الحافظ في تهذيب التهذيب(10/172)
68 ـ باب
3769 ـ حَدّثَنَا سَلَمَةُ بنُ شَبِيبٍ، حدثنا المُقْرِي، عَن حَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ، عَن بَكْرِ بنِ عَمْروٍ، عَن مِشْرَحِ بن هَاعَانَ عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كانَ بَعْدِي نَبِيّ بَعْدِي لَكَانَ عُمَر بنَ الْخَطّابِ". هَذا حديثٌ حَسنٌ غَريبٌ لاَ نعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ مِشْرَحِ بنِ هَاعَانَ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "حدثنا المقرئ" بضم الميم اسمه عبد الله بن يزيد المكي وكنيته أبو عبد الرحمن "عن حيوة بن شريح" بن صفوان "عن بكر بن عمرو" المعافري المصري "عن مشرح" كمنبر. قوله: "لو كان نبي بعدي لكان عمر بن الخطاب" فيه إبانة عن فضل ما جعله الله لعمر من أوصاف الأنبياء وخلال المرسلين. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد والحاكم وابن حبان وأخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد كذا في الفتح(10/173)
69 ـ باب
3770 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ، أخبرنا اللّيْثُ، عَن عُقَيْلٍ، عَن الزّهْرِيّ، عَن حَمْزَةَ بنِ عبْدِ اللّهِ بن عُمَرَ عَن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَأيْتُ كأَنّي أُتِيتُ بِقَدَحٍ من لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ فَأَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بنَ الْخَطّابِ، قالُوا فَمَا أوّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قالَ
ـــــــ
"باب"
قوله: "رأيت كأني أتيت بقدح لبن الخ" تقدم هذا الحديث في الرؤيا وتقدم(10/173)
العِلْمَ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ.
3771 ـ حَدّثَنَا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ حدثنا إِسمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عَن حُمَيْدٍ، عَن أَنَسٍ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "دَخَلْتُ الْجَنّةَ فإِذَا أَنَا بِقَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ قالُوا لِشَاب مِنْ قرَيْشٍ فَظَنَنْتُ أَنّي أَنَا هُوَ، فَقُلْتُ وَمَنْ هُوَ؟ فقالُوا عُمَرُ بنُ الْخَطّابِ". هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
هناك شرحه.قوله: "فإذا أنا بقصر" هو الدار الكبيرة المشيدة لأنه يقصر فيه الحرم "فقلت" أي للملائكة "فظننت أني أنا هو" أي الشاب "فقالوا" أي الملائكة "عمر بن الخطاب" لم يصرح بكونه له ابتداء تبياناً لفضل قريش قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وابن حبان(10/174)
70 ـ باب
3772 ـ حَدّثَنَا الحُسَيْن بنُ حُرَيْثٍ أَبُو عَمّارٍ المَرْوَزِيّ، حدثنا عَلِيّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ قال حدثني أبي قال حدثني عبْدُ اللّهِ بن بُرَيْدَة قالَ حدثني أَبي بُرَيْدَةَ قالَ: "أصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا بِلاَلاً فقالَ: "يَا بِلاَلُ بِمَ سَبَقْتَنِي إِلى الْجَنّةِ؟" مَا دَخَلْتُ الْجَنّةَ قَطّ إِلاّ سَمِعْتُ
ـــــــ
"باب"
قوله: "بريدة" بالرفع بدل من أبي "أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي ذات يوم "فدعا بلالاً" أي بعد صلاة الصبح "بم" أي بأي شيء "ما دخلت الجنة قط" يستفاد منه أنه صلى الله عليه وسلم رأى بلالاً كذلك مرات "إلا(10/174)
خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي، دَخَلْتُ البَارِحَةَ الْجَنّةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتكَ أمَامِي فأتَيْتُ عَلى قَصْرٍ مُرَبّعٍ مُشْرِفٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ فقالُوا: لِرَجُلٍ مِنَ العَرَبِ، فَقُلْتُ أَنَا عَرَبِيّ لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ قَالُوا: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقلت: أنَا قُرَشِيّ لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ قَالُوا: لِرَجُلٍ مِنْ أُمّةِ مُحمّدٍ، فَقلت: أنَا مُحمّدٌ لِمَنْ هَذَا القَصْرُد؟ قَالُوا: لِعُمَرَ بنِ الْخَطّابِ، فقالَ بِلاَلٌ: يا رَسُولَ اللّهِ مَا أَذّنْتُ قَطّ إلاّ صَلّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، وَما أصَابَنِي حَدَثٌ قَطّ إلا تَوَضّأْتُ عِنْدَهَا وَرَأيْتُ أنّ للّهِ عَلَيّ رَكْعَتَيْنِ، فقالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
سمعت خشخشتك" الخشخشة حركة لها صوت كصوت السلاح "أمامي" أي قدامي "دخلت البارحة" هي أقرب ليلة مضت "فسمعت خشخشتك أمامي" قيل مشية بين يديه صلى الله عليه وسلم على سبيل الخدمة كما جرت العادة بتقدم بعض الخدم بين يدي مخدومه، وإنما أخبره عليه الصلاة والسلام بما رآه ليطيب قلبه ويداوم على ذلك العمل والترغيب السامعين إليه "فأتيت على قصر مربع مشرف" أي له شرفة والشرفة من القصر ما أشرف من بنائه. قال في الصراح شرفة بالضم كنكرة جمعها شرف "قالوا لعمر بن الخطاب" فيه فضيلة ظاهرة لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه "ما أذنت" أي ما أردت التأذين "إلا صليت ركعتين" أي نفلاً قبل الأذان والأظهر ما أذنت إلا صليت قبل الإقامة ركعتين وهو قابل لاستثناء المغرب إذ ما من عام إلا وخص قاله القاري. قلت: قول القاري هو قابل لاستثناء المغرب ليس بصحيح فإنه قد ورد في مشروعية الركعتين قبل إقامة المغرب أحاديث صحيحة صريحة "حدث" بفتحتين هو لغة الشيء الحادث نقل إلى ناقضات الوضوء "إلا توضأت عندها" أي عند إصابة الحديث "ورأيت" عطف على توضأت، قال ابن الملك أي ظننت، وقال ابن حجر المكي أي اعتقدت، وقال القاري الأظهر أن يكون(10/175)
بِهِما". وفي البابِ عَنْ جَابِرٍ وَمُعَاذٍ وَأَنَسٍ وأبي هُرَيْرَةَ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "رَأيْتُ في الْجَنَةِ قَصْراً مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ لِعُمَرَ بنِ الْخَطّابِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ. ومَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ "أَنّي دَخَلْتُ البَارِحَةَ الْجَنّةَ، يَعْنِي رَأيْتُ في المَنَامِ كأَنّي دَخَلْتُ الْجَنّةَ". هَكَذَا رُوِيَ في بَعْضِ الحَدِيثِ وَيُرْوَى عَن ابنِ عبّاسٍ أَنّهُ قالَ: رُؤْيا الأنْبِيَاءِ وَحْيٌ.
ـــــــ
من الرأي أي اخترت "أن لله علي ركعتين" أي شكراً له تعالى على إزالة الأذية وتوفيق الطهارة قال الطيبي كناية عن مواظبته عليهما "بهما" أي بهما نلت ما نلت أو عليك بهما قاله الطيبي قال القاري وهو أحسن مما قيل بهاتين الخصلتين دخلت الجنة ثم الظاهر أن ضمير التثنية راجع إلى القريبين المذكورين وهما دوام الطهارة وتمامها بأداء شكر الوضوء ولا يبعد أن يرجع إلى الصلاة بين كل أذانين والصلاة بعد كل طهارة أو إلى الصلاة بين الأذانين ومجموع دوام الوضوء وشكره انتهى. قوله: "وفي الباب عن جابر ومعاذ وأنس وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخ" أما حديث جابر فأخرجه أحمد والشيخان، وأما حديث معاذ وهو ابن جبل فأخرجه أحمد والطبراني ورجالهما رجال الصحيح، وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي قبل هذا الباب، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه أحمد. قوله: "ومعنى هذا الحديث أني دخلت البارحة الجنة يعني رأيت في المنام كأني دخلت الجنة" يعني أن هذه القصة وقعت في المنام لا في اليقظة "هكذا روي في بعض الحديث" روى الشيخان عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بينا أنا نائم إذ رأيتني في الجنة" الحديث "ويروى عن ابن عباس قال رؤيا الأنبياء وحي" مقصود الترمذي بذكر هذا الأثر أن ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في المنام في شأن عمر هو حق وصدق لا شبهة فيه فإن رؤيا الأنبياء(10/176)
وحي، وروى أحمد في مسنده عن معاذ بن جبل قال إن كان عمر لمن أهل الجنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ما رأى في يقظته أو نومه فهو حق وأنه قال: "بينما أنا في الجنة إذ رأيت فيها داراً فقلت لمن هذه فقيل لعمر بن الخطاب" رضي الله عنه(10/177)
71 ـ باب
3773 ـ حَدّثَنَا الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ حدثنا عَلِيّ بنُ الْحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ حَدّثنِي أَبي قال حدّثنِي عَبْدُ اللّهِ بن بُرَيْدَةَ قالَ: سَمِعْتُ بُرَيْدَةَ يَقُولُ: "خَرَجَ رسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم في بَعْضِ مَغَازِيهِ فَلَمّا انْصَرَفَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي كُنْتُ نَذْرتُ إِنْ رَدّكَ اللّهُ صَالِحاً أنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بالدّفّ وَأَتغَنّى. فَقَالَ لها: رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إنْ كُنْتِ نَذَرْت فَاضْرِبي وإلاّ فَلاَ" ، فَجَعَلَتْ
ـــــــ
"باب"
قوله: "فلما انصرف" أي رجع النبي صلى الله عليه وسلم "جاءت جارية سوداء" أي حضرت عنده صلى الله عليه وسلم "سالماً" وفي بعض النسخ صالحاً أي منصوراً "بين يديك" أي قدامك وفي حضورك "بالدف" بضم الدال وتشديد الفاء وهو أفصح وأشهر وروى الفتح أيضاً هو ما يطبل به والمراد به الدف الذي كان في زمن المتقدمين وأما ما فيه الجلاجل فينبغي أن يكون مكروهاً اتفاقاً. وفيه دليل على أن الوفاء بالنذر الذي فيه قربة واجب والسرور بمقدمه صلى الله عليه وسلم قربة سيما من الغزو الذي فيه تهلك الأنفس، وعلى أن الضرب بالدف مباح، وفي قولها "وأتغنى" دليل على أن سماع صوت المرأة بالغناء مباح إذا خلا عن الفتنة "إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا" فيه دلالة ظاهرة على(10/177)
تَضْرِبُ فَدَخَلَ أبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمّ دَخَلَ عَلِيّ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمّ دَخَلَ عُثْمانُ وَهِي تَضْرِبُ ثُمّ دَخَلَ عُمَرُ فَأَلْقَتِ الدّفّ تَحْتَ اسْتِهَا ثُمّ قَعَدَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنّ الشّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ إِنّي كُنْتُ جَالِساً وَهِيَ تَضْرِبُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمّ دَخَلَ عَلِيّ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ فَلَمّا
ـــــــ
أن ضرب الدف لا يجوز إلا بالنذر ونحوه مما ورد فيه الإذن من الشارع كضربه في إعلان النكاح، فما استعمله بعض مشايخ اليمن من ضرب الدف حال الذكر فمن أقبح القبيح والله ولي دينه وناصر نبيه قاله القاري "وهي تضرب" جملة حالية "تحت إستها" بهمز وصل مكسور وسكون سين أي إليتها "ثم قعدت عليه" أي على الدف. قال التوربشتي وإنما مكنها صلى الله عليه وسلم من ضرب الدف بين يديه لأنها نذرت فدل نذرها على أنها عدت انصرافه على حال السلامة نعمة من نعم الله عليها فانقلب الأمر فيه من صنعة اللهو إلى صنعة الحق ومن المكروه إلى المستحب، ثم إنه لم يكره من ذلك ما يقع به الوفاء بالنذر وقد حصل ذلك بأدنى ضرب ثم عاد الأمر في الزيادة إلى حد المكروه ولم ير أن يمنعها لأنه لو منعها صلى الله عليه وسلم كان يرجع إلى حد التحريم ولذا سكت عنها وحمد انتهاءها عما كانت فيه بمجيء عمر انتهى. قال القاري وفيه أنه كان يمكن أن يمنعها منعاً لا يرجع إلى حد التحريم. وقال الطيبي فإن قلت كيف قرر إمساكها عن ضرب الدف ههنا بمجيء عمر ووصفه بقوله "إن الشيطان ليخاف منك يا عمر" ولم يقرر انتهار أبي بكر رضي الله عنه الجاريتين اللتين كانتا تدففان أيام منى، قلت منع أبو بكر بقوله دعهما وعلله بقوله فإنها أيام عيد وقرر ذلك هنا فدل ذلك على أن الحالات والمقامات متفاوتة فمن حالة تقتضي الاستمرار ومن حالة لا تقتضيه انتهى "إن الشيطان ليخاف منك يا عمر" وفي حديث عمر عند الشيخين: "والذي نفسي بيده ما لقيت الشيطان سالكاً فجاً قط إلا سلك فجاً غير فجك"، قال الحافظ فيه فضيلة عظيمة لعمر تقتضي أن الشيطان لا سبيل له عليه لا أن ذلك يقتضي(10/178)
دَخَلْتَ أَنْتَ يَا عُمَرُ ألْقَتْ الدّفّ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ. وفي البابِ عَن عُمَرَ وَعَائِشَةَ.
3843 ـ حَدّثَنَا الحَسَنُ بنُ الصّباحِ البَزّارُ، حدثنا زَيْدُ بنُ حُبابِ عَن خَارِجَةَ بنِ عَبْدِ اللّهِ بن سُلَيْمَانِ بنِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ قَالَ: أخبرنا يَزيدُ بنُ رُومَانَ عَن عُرْوَةَ عَن عَائِشَةَ قَالَتْ: "كان رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِساً فَسَمِعْنَا لَغَطاً وَصَوْتَ صِبْيَانٍ. فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا حَبَشِيّةٌ تُزفِنُ والصّبْيَانُ حَوْلَها فَقَالَ يَا عَائِشَةُ تَعَالَيْ
ـــــــ
وجود العصمة إذ ليس فيه إلا فرار الشيطان منه أن يشاركه في طريق يسلكها ولا يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل إليه قدرته. فإن قيل عدم تسليطه عليه بالوسوسة يؤخذ بطريق مفهوم الموافقة لأنه إذا منع من السلوك في طريق فالأولى أن يلابسه بحيث يتمكن من وسوسته له فيمكن أن يكون حفظ من الشيطان ولا يلزم من ذلك ثبوت العصمة لأنها في حق النبي واجبة وفي حق غيره ممكنة، ووقع في حديث حفصة عند الطبراني في الأوسط بلفظ: "إن الشيطان لا يلقى عمر منذ أسلم إلا خر بوجهه". وهذا دال على صلابته في الدين واستمرار حاله على الجد الصرف والحق المحض، وقال النووي: هذا الحديث محمول على ظاهره وأن الشيطان يهرب إذا رآه انتهى "إن كنت جالساً" استئناف تعليل "وهي تضرب" حال. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه أحمد وذكر الحافظ حديث بريدة هذا في الفتح وسكت عنه. قوله: "وفي الباب عن عمر وعائشة" أما حديث عمر فأخرجه الشيخان وفيه: "والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً قط إلا سلك فجاً غير فجك"، وأما حديث عائشة فأخرجه الترمذي بعد هذا.قوله: "فسمعنا لغطاً" بفتح اللام والغين المعجمتان صوتاً شديداً وضجة لا يفهم معناها "فإذا حبشية" بفتحتين أي جارية أو امرأة منسوبة إلى الحبش "تزفن" بسكون الزاي وكسر الفاء ويضم أي ترقص وتلعب "والصبيان حولها" أي(10/179)
فَانْظُرِي فَجِئْتُ، فَوَضَعْتُ لَحْيَيّ عَلَى مَنْكِبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا مَا بَيْنَ المَنْكِبِ إلى رَأْسِهِ فَقَالَ لِي: أَمَا شَبِعتِ أمَا شَبِعتِ؟ قَالَتْ فَجَعَلتُ أَقُولُ لاَ. لأَنْظُرَ مَنْزِلَتِي عِنْدَهُ إذْ طَلَعَ عُمَرُ قَالَتْ فَانْفَضّ النّاسُ عَنْها قَالَتْ فَقالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: إنّي لأَنْظرُ إِلى شَيَاطِينِ الإِنْسِ والجِنّ قَدْ فَرّوا مِنْ عُمَرَ، قَالَتْ فَرَجَعْتُ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هِذَا الوَجْهِ.
ـــــــ
ينظرون إليها ويتفرجون عليها "تعالي" بفتح اللام وسكون التحتية أي هلمي وتقدمي "فوضعت لحيي" بالإضافة إلى ياء المتكلم تثنية لحي بالفتح وسكون الحاء المهملة منبت اللحية من الإنسان "على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم" وهو مجتمع رأس الكتف والعضد "إليها" أي الحبشية "ما بين المنكب إلى رأسه" ظرف لأنظر حذف منه في أي فيما بين المنكب إلى رأسه صلى الله عليه وسلم "فجعلت أقول لا لأنظر منزلتي عنده" أي لا لعدم الشبع حرصاً على النظر إليها بل كان قصدي من هذا القول لأنظر منزلتي وغاية مرتبتي ومحبتي عنده صلى الله عليه وسلم "إذ طلع عمر" أي ظهر "فارفض الناس عنها" بتشديد الضاد المعجمة من الارفضاض أي تفرقوا عنها من هيبة عمر "إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا" كأنه قال ذلك باعتبار كونه في صورة اللهو واللعب ولا بد أن يكون فيه شيء ولكنه ليس بحرام وإلا كيف رآه النبي صلى الله عليه وسلم وأراه عائشة. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه ابن عدي(10/180)
72 ـ باب
3775 ـ حَدّثَنَا سَلَمَة بنُ شَبِيبٍ حدثنا عَبْدُ اللّهِ بنُ نَافِعٍ الصائغ حدثنا عَاصِمُ بنُ عُمَرَ العُمَرِيّ عَن
عَبْدِ اللّهِ بنِ دِينَارٍ عَن ابنِ عُمَرَ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أنَا أَوّلُ مَنْ تَنْشَقّ عَنْهُ الأرْضُ ثُمّ أبُو بَكْرٍ ثُمّ عُمَرُ ثُمّ آتِي أهْلَ البَقِيعِ فَيُحْشَرُونَ مَعِي ثُمّ أَنْتَظِرُ أَهْلَ مَكّةَ حَتّى أُحْشَرَ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَعاصِمُ بنُ عُمَرَ العُمَرِيّ لَيْسَ عِنْدِي بالْحَافِظِ و عِنْدَ أهْلِ الْحَدِيثِ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "أنا أول من تنشق عنه الأرض" أي للبعث فلا يتقدم أحد عليه بعثاً فهو من خصائصه "ثم أبو بكر" أي الصديق لكمال صداقته له "ثم عمر" أي الفاروق لفرقه بين الحق والباطل "ثم آتى أهل البقيع" مقبرة بالمدينة "فيحشرون" بصيغة المجهول من الحشر بمعنى الجمع "معي" أي يجمعون معي لكرامتهم على ربهم. قال الحكيم هذا معنى بعيد لا أعلمه يوافق إلا في حال واحد فإن حشر المصطفى صلى الله عليه وسلم غير حشر الشيخين لأن حشره حشر سادة الرسل بل هو إمامهم ومقامهم في العرضة في مقام الصديقين وفي صفهم فالظاهر أن المراد الانضمام في اقتراب بعضهم من بعض في محل القربة "ثم انتظر أهل مكة" أي المؤمنين منهم "حتى أحشر بين الحرمين" أي حتى يكون لي ولهم اجتماع بين الحرمين كذا في التيسير. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه الحاكم. قوله: "وعاصم بن عمر العمري ليس عندي بالحافظ" في التقريب عاصم بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري أبو عمر المدني ضعيف من السابعة وهو أخو عبيد الله العمري(10/181)
"عند أهل الحديث" كذا في النسخ الحاضرة والظاهر أن يكون وعند أهل الحديث بالواو عطفاً على عندي(10/182)
73 ـ باب
3776 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ، عَن ابنِ عِجْلاَنَ، عَن سَعْدِ بن إبْرَاهِيمَ، عَن أَبي سَلَمَة، عَن
عائِشَةَ قالتْ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ كَانَ يَكُونُ في الأُمَمِ مُحَدّثُونَ فإنْ يَكُ في أُمّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ بنُ الْخَطّابِ". هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وأَخْبَرَني
ـــــــ
"باب"
قوله: "قد كان يكون في الأمم محدثون" بفتح الدال المشددة جمع محدث قال الحافظ واختلف في تأويله فقيل ملهم قاله الأكثر، قالوا المحدث بالفتح هو الرجل الصادق الظن وهو من ألقى في روعه شيء من قبل الملأ الأعلى فيكون كالذي حدثه غيره به، وبهذا جزم أبو أحمد العسكري، وقيل من يجري الصواب على لسانه من غير قصد، وقيل مكلم أي تكلمه الملائكة بغير نبوة، وهذا ورد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً ولفظه: قيل يا رسول الله وكيف يحدث قال تتكلم الملائكة على لسانه، رويناه في فوائد الجوهري وحكاه القابسي وآخرون انتهى "فإن يك في أمتي أحد" أي من المحدثين "فعمر بن الخطاب" وفي بعض النسخ يكون عمر بن الخطاب، والسبب في تخصيص عمر بالذكر لكثرة ما وقع له في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من الموافقات التي نزل القرآن مطابقاً لها، ووقع له بعد النبي صلى الله عليه وسلم عدة إصابات. قيل لم يورد هذا القول مورداً لترديد فإن أمته أفضل الأمم وإذا ثبت أن ذلك وجد في غيرهم فإمكان وجوده فيهم أولى وإنما أورده مورد التأكيد كما يقول الرجل إن يكن لي صديق فإنه فلان. يريد اختصاصه بكمال(10/182)
بَعْض أَصْحَابِ سفيان بنِ عُيَيْنَةَ قال: قال سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ مُحَدّثُوَنَ يَعْنِي مُفَهّمُونَ.
ـــــــ
الصداقة لا نفي الأصدقاء، وقيل الحكمة فيه أن وجودهم في بني إسرائيل كان قد تحقق وقوعه وسبب ذلك احتياجهم حيث لا يكون حينئذ فيهم نبي، واحتمل عنده صلى الله عليه وسلم أن لا تحتاج هذه الأمة إلى ذلك لاستغنائها بالقرآن عن حدوث نبي، وقد وقع الأمر كذلك حتى إن المحدث منهم إذا تحقق وجوده لا يحكم بما وقع له بل لا بد له من عرضه على القرآن فإن وافقه أو وافق السنة عمل به وإلا تركه، وهذا وإن جاز أن يقع لكنه نادر ممن يكون أمره منهم مبنياً على اتباع الكتاب والسنة، وتمحضت الحكمة في وجودهم وكثرتهم بعد العصر الأول في زيادة شرف هذه الأمة بوجود أمثالهم فيه، وقد تكون الحكمة في تكثيرهم مضاهاة بني إسرائيل في كثرة الأنبياء فيهم فلما فات هذه الأمة كثرة الأنبياء فيها لكون نبيها خاتم الأنبياء عوضوا بكثرة الملهمين قاله الحافظ. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم والنسائي وأخرجه البخاري عن أبي هريرة "يعني مفهمون" اسم مفعول من التفهيم.(10/183)
74 ـ باب
3777 ـ حَدّثَنَا عبد بنُ حُمَيْدٍ الرّازيّ أخبرنا عبد الملك بنُ عبْدِ القُدّوسِ حدثنا الأَعَمَشُ عَن عَمْرِو بنِ مُرّةَ عَن عبْدِ اللّهِ بن سَلمَةَ، عَن عُبَيْدَةَ السّلْمَانِي عَن عبْدِ اللّهِ بنِ مَسْعُودٍ أَنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "يَطلعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ فاطّلَعَ أَبُو بَكْرٍ
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن عمرو بن مرة" الجملي المرادي "عن عبد الله بن سلمة" بكسر اللام المرادي. قوله: "يطلع" بتشديد الطاء من الاطلاع أي يشرف أو يظهر(10/183)
ثُمّ قالَ يَطلعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أهْلِ الْجَنّةِ فاطّلَعَ عُمَرُ". وفي البابِ عَنْ أبي مُوسَى وجابِرٍ. هَذا حديثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ.
3778ـ حَدّثَنَا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَبو دَاوُدَ الطّيالِسِيّ، عَن شُعْبَةَ، عَن سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ، عَن أبي سَلَمَة، عَن أَبي هُرَيْرَةَ، عَن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَرْعَى غَنَماً لَهُ إِذْ جَاءَ الذّئْبُ فَأَخَذَ شَاةً فَجَاءَ صَاحِبُهَا فانْتَزَعَهَا مِنْهُ، فقالَ الذّئْبُ: كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَا يَوْمَ السّبُعِ يَوْمَ لاَ رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي؟ قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
أو يدخل "ثم قال" أي النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "وفي الباب عن أبي موسى وجابر" أما حديث أبي موسى فأخرجه الترمذي في أواخر مناقب عثمان رضي الله عنه، وأما حديث جابر وهو ابن عبد الله فأخرجه أحمد والطبراني في الأوسط والبزار ورجال أحد أسانيد أحمد رجال موثقون. قوله: "هذا حديث غريب" في سنده محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف وعبد الله بن سلمة المرادي وهو صدوق تغير حفظه.
قوله: "عن سعيد بن إبراهيم" بن عبد الرحمن بن عوف "يرعى غنماً له" أي قطعة غنم له "إذ جاء الذئب" وفي رواية البخاري عدا عليه الذئب "فأخذ" أي الذئب "شاة" أي من الغنم وذهب بها "فانتزعها منه" أي استنقذ الشاة من الذئب "كيف تصنع بها يوم السبع" قال عياض يجوز ضم الموحدة وسكونها إلا أن الرواية بالضم، وقال الجزري في النهاية قال ابن الأعرابي السبع بسكون الباء الموضع الذي إليه يكون المحشر يوم القيامة أراد من لها يوم القيامة، والسبع أيضاً الذعر سبعت فلاناً إذا ذعرته، وسبع الذئب الغنم إذا فرسها أي من لها يوم الفزع، وقيل هذا التأويل يفسد بقول الذئب في تمام الحديث يوم لا راعي لها غيري والذئب لا يكون لها راعياً يوم القيامة،(10/184)
فَآمَنْتُ بِذَلِكَ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. قالَ أبُو سَلَمَة وَمَا هُمَا في القَوْمِ يَوْمَئِذٍ".
3779 ـ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ بشّارٍ حدثنفا مُحَمّدُ بنُ جَعْفَرٍ حدثنا شُعْبَةُ عَن سَعْدِ بن إبراهيم نَحْوَهُ. هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
3780 ـ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ أبي عَرُوبَةَ، عَن قَتَادَةَ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ حَدّثَهُمْ: "أنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَعِد أُحُداً وَأبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ.
ـــــــ
وقيل أراد من لها عند الفتن حين يتركها الناس هملاً لا راعي لها نهبة للذئاب والسباع فجعل السبع لها راعياً إذ هو منفرد بها ويكون حينئذ بضم الباء، وهذا إنذار بما يكون من الشدائد والفتن التي يهمل الناس فيها مواشيهم فتستمكن منها السباع بلا مانع. وقال أبو موسى بإسناده عن أبي عبيدة: يوم السبع عيد كان لهم في الجاهلية يشتغلون بعيدهم ولهوهم وليس بالسبع الذي يفترس الناس، قالا وأملاه أبو عامر العبدري الحافظ بضم الباء وكان من العلم والإتقاق بمكان انتهى "فآمنت بذلك" أي بتكلم الذئب "وما هما في القوم يومئذ" أي لم يكونا يومئذ حاضرين وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقة بهما لعلمه بصدق إيمانهما وقوة يقينهما وكمال معرفتهما بقدرة الله تعالى.
قوله: "عن سعد" هو ابن إبراهيم المذكور في السند المتقدم. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "أخبرنا يحيى بن سعيد" هو القطان. قوله: "صعد" بكسر العين أي اطلع وارتقى "أحداً" هو الجبل المعروف بالمدينة، ووقع في رواية لمسلم ولأبي يعلى من وجه آخر عن سعيد حراء والأول أصح قاله الحافظ(10/185)
فَرَجَفَ بِهِمْ فقالَ النَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اثْبُتْ أُحُدُ فإِنّمَا عَلَيْكَ نَبِيّ وَصِدّيقٌ وَشَهِيدَانِ" . هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ
ـــــــ
"وأبو بكر وعمر وعثمان" رفع أبو بكر عطفاً على الضمير المرفوع الذي في صعد وهو جائز اتفاقاً لوجود الحائل وهو قوله أحداً قاله ابن التين "فرجف" أي تحرك أحد واضطرب "اثبت" أمر من الثبات وهو الاستقرار "أحد" بضم الدال منادي قد حذف حرف ندائه تقديره يا أحد قال الحافظ: ونداؤه وخطابه يحتمل المجاز وحمله على الحقيقة أولى، ويؤيده ما وقع في مناقب عمر أنه ضربه برجله وقال ثبت انتهى "وصديق" هو أبو بكر رضي الله عنه "وشهيدان" هما عمر وعثمان رضي الله عنهما. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي.(10/186)
في مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه وَلَهُ كُنْيَتَانِ يُقَالُ أبُو عَمْرٍو وَأَبُو عَبْدِ اللّه
3781 ـ حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بن سعيد أخبرنا عَبْدُ العَزِيزِ بن مُحمدٍ عَن سُهَيْلِ بنِ صَالحٍ عَن أبيهِ، عَن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى
ـــــــ
"مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه وَلَهُ كُنْيَتَانِ الخ"
قال ابن الجوزي: كان يكنى في الجاهلية أبا عمرو، فلما ولدت له في الإسلام رقية غلاماً سماه عبد الله واكتنى به، أسلم عثمان قديماً قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وهاجر إلى الحبشة الهجرتين، ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر خلفه على ابنته رقية وكانت مريضة وضرب له بسهمه وأجره فكان كمن شهدها وزوجه أم كلثوم بعد رقية وقال لو كان عندي ثالثة زوجتها عثمان وسمي ذا النورين لجمعه بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم(10/186)
الله عليه وسلم كانَ عَلَى حِرَاء هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيّ وَطَلْحَةُ وَالزّبَيْرُ رضي الله عنهم فَتَحَرّكَتِ الصّخْرَةُ فقالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "اهْدَأْ إنّمَا عَلَيْكَ إلاّ نَبِيّ أَوْ صِدّيقٌ أوْ شَهِيدٌ". وفي البابِ عَن عُثْمَانَ وَسعِيدِ بنِ زَيْد وابنِ عبّاسٍ وَسَهْلِ بنِ سَعْدٍ وأنَسِ بنِ مَالِكٍ وَبُرَيْدَةَ الأسْلَمِيّ وهَذا حديثٌ صحيحٌ.
ـــــــ
انتهى. وقال الحافظ: أما كنيته بأبي عمر فهو الذي استقر عليه الأمر، وقد نقل يعقوب بن سفيان عن الزهري أنه كان يكنى أبا عبد الله بابنه عبد الله الذي رزقه من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات عبد الله المذكور صغيراً وله ست سنين، وحكى ابن سعد أن موته كان سنة أربع من الهجرة وماتت أمه رقية قبل ذلك سنة اثنتين والنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر وقد اشتهر أن لقبه ذو النورين، وروى خيثمة في الفضائل والدارقطني في الأفراد من حديث علي أنه ذكر عثمان فقيل ذاك امرؤ يدعى في السماء ذا النورين انتهى
قوله: "كان على حراء" ككتاب وكعلي عن عياض ويؤنث ويمنع جبل بمكة فيه غار تحنث فيه النبي صلى الله عليه وسلم "اهدأ" بصيغة الأمر من هدأ بمعنى سكن أي أسكن "فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد" أو للتنويع أو بمعنى الواو، قال النووي في هذا الحديث معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم منها إخباره أن هؤلاء شهداء وماتوا كلهم غير النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر شهداء. فإن عمر وعثمان وعلياً وطلحة والزبير قتلوا ظلماً شهداء، فقتل الثلاثة مشهور، وقتل الزبير بوادي السباع بقرب البصرة منصرفاً تاركاً للقتال، وكذلك طلحة اعتزل الناس تاركاً للقتال فأصابه سهم فقتله، وقد ثبت أن من قتل ظلماً فهو شهيد، والمراد شهداء في أحكام الاَخرة وعظم ثواب الشهداء، وأما في الدنيا فيغسلون ويصلى عليهم، وفيه بيان فضيلة هؤلاء، وفيه إثبات التمييز في الحجارة وجواز التزكية والثناء على الإنسان في وجهه إذا لم يخف عليه فتنة بإعجاب ونحوه انتهى. قوله: "وفي الباب عن عثمان وسعيد بن زيد الخ" أما(10/187)