4 -باب مَا جَاءَ فِي الْعَرْض
2542-حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيّ بن علي، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُعْرَضُ النّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلاَثَ عَرَضَاتٍ، فَأَمّا عَرْضَتَانِ فَجِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ وَأَمّا العَرْضَةُ الثّالِثَةُ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَطِيرُ الصّحُفُ فِي الأَيْدِي فَآخِذٌ بِيَمِنِهِ وَآخِذٌ بِشِمَالِهِ" .
وَلاَ يَصِحُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قِبَلِ أَنّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبي هُرَيْرَةَ
__________
"باب مَا جَاءَ فِي الْعَرْض"
قوله: "يعرض الناس" أي على الله "ثلاث عرضات" بفتحتين، قيل أي ثلاث مرات.
فأما المرة الأولى فيدفعون عن أنفسهم ويقولون لم يبلغنا الأنبياء ويحاجون الله تعالى.
وفي الثانية يعترفون ويعتذرون بأن يقول كل فعلته سهواً وخطأ أو جهلا ونحو ذلك. وهذا معنى قوله "فأما عرضتان فجدال ومعاذير" جمع معذرة ولا يتم قضيتهم في المرتين بالكلية "فعند ذللك تطير الصحف" بضمتين جمع الصحيفة وهو المكتوب أي يسرع وقوعها "في الأيدي" أي أيدي المكلفين "فآخذ بيمينه وآخذ بشماله" الفاء تفصيلية أي فمنهم آخذ بيمينه وهو من أهل السعادة، ومنهم آخذ بشماله وهو من أهل الشقاوة. هذا كله من المرقاة شرح للكشاة. وقال في الفتح بعد ذكر حديث الباب: قال الترمذي: الحكيم الجدال للكفار يجادلون لأنهم لا يعرفون ربهم فيظنون أنهم إذا جادلوا نجوا والمعاذير اعتذار الله لاَدم وأنبيائه بإقامته الحجة على أعدائه، والثالثة للمؤمنين وهو العرض الأكبر.
قوله : "من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة" بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة عدم سماع الحسن من أبي هريرة، فالحديث منقطع وقد صرح(7/111)
وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ، عَنْ عَلِيّ بن عَلِيً، وَهُوَ الرّفَاعِيّ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم.
__________
الحافظ في تهذيب التهذيب بعدم سماعه منه. وقد نقل عن غير واحد من أئمة الحديث أنه لم يسمع منه. "وقد رواه بعضهم عن علي بن علي وهو الرفاعي عن الحسن عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم" قال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام الترمذي هذا وهو عند ابن ماجه وأحمد من هذا الوجه مرفوعاً. وأخرجه البيهقي في البعث بسند حسن عن عبد الله بن مسعود موقوفاً.(7/112)
5 -باب مِنْه
2543-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا ابنُ المُبَارَكِ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ الأَسودِ، عَنْ ابنِ أَبي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ"، قلت: يَا رَسُولَ الله إِن الله تعالى يَقُولُ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} قَالَ: "ذَلِكَ العَرْضُ" .
__________
"باب منه"
قوله: "عن عثمان بن الأسود" بن موسى المكي مولى بن جمع، ثقة ثبت من كبار السابعة.
قوله : "من نوقش الحساب" قال صاحب الفائق: يقال ناقشه الحساب إذا عاسره فيه واستقصى فلم يترك قليلا ولا كثيراً. وقال الحافظ: الحساب بالنصب على نزع الخافض والتقدير نوقش في الحساب "هلك" أي عذب في النار جزاء على السيئات التي أظهرها حسابه "قلت يا رسول الله" إن الله يقول: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} ، وتمامه: {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} "قال ذاك العرض" بكسر الكاف وجوز الفتح على خطاب العام.(7/112)
هذا حديثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ أَيّوبُ أَيْضاً، عنْ ابنِ أَبِي مُلَيْكَةَ.
__________
والمعنى: إنما ذلك الحساب اليسير فيقوله تعالى عرض عمله لا الحساب على وجه المناقشة. قال القرطبي: معنى قوله إنما ذاك العرض أن الحساب المذكور في الاَية إنما هو أن تعرض أعمال المؤمن عليه حتى يعرف منة الله عليه في هترها عليه في الدنيا وفي عفوه عنها في الاَخرة كما في حديث ابن عمر في النجوى انتهى.
اعلم أنه وقع عند الشيخين في طريق ابن أبي مليكه عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك. فقلت يا رسول الله أليس قد قال الله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك العرض الحديث. فعلى هذه الرواية تظهر المعارضة بينها وبينقوله تعالى المذكور. قال الحافظ: وجه المعارضة أن لفظ الحديث عام في تعذيب كل من حوسب ولفظ الاَية دال على أن بعضهم لا يعذب.
وطريق الجمع أن المراد بالحساب في الاَية العرض وهو إبراز الأعمال وإظهارها فيعرف صاحبها بذنوبه ثم يتجاوز عنه انتهى.
قلت: ولا يظهر وجه المعارضة بين رواية الباب بلفظ: من نوقش الحساب هلك. وبينقوله تعالى المذكور، فتفكر.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.(7/113)
6 -باب مِنْه
2544-حدثنا سُوَيْدُ بن نصر، أخبرنا ابنُ المُبَارَكِ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
__________
"باب منه"
قوله: "أخبرنا إسماعيل بن مسلم" المكي أبو إسحاق كان من البصرة، ثم سكن مكة، وكان فقيهاً ضعيف الحديث من الخامسة.(7/113)
"يُجَاءُ بابنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ كَأَنّهُ بَذَجٌ فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيْ الله تَعَالَى فَيَقُولُ الله: أَعْطَيْتُكَ، وَخَوّلتُكَ، وَأَنْعَمْتُ عَلَيْكَ فَمَاذَا صَنَعْتَ؟ فَيَقُولُ جَمَعْتُهُ، وَثَمّرْتُهُ، وَتَرَكْتُهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ فارْجِعْنِي آتِكِ بِهِ كُلّهِ. فَيَقُولُ: لَهُ: أَرِنِي مَا قَدّمْتَ. فَيَقُولُ يَا رَبّ جَمَعْتُهُ وَثمّرْتُهُ فَتَرَكْتُهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ فارجِعْنِي آتِكِ بِهِ كُلّهِ. فَإِذَا عَبْدٌ لَمْ يُقَدّمْ خَيْراً فَيُمْضَى بِهِ إِلَى النّارِ" .
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الْحَسَنِ.قوله وَلَمْ يُسْنِدُوهُ وَإِسْمَاعِيلُ بنُ مُسْلِمٍ يُضَعّفُ فِي الْحَدِيثِ.
__________
قوله : "يجاء" أي يؤتى "كأنه بذج" بفتح موحدة وذال معجمة فجيم ولد الضأن معرب بره أراد بذلك هوانه وعجزه. وفي بعض الطرق فكأنه بذج من الذال وفي شرح السنة شبه ابن آدم بالبذج لصغاره وصغره، أي يكون حقيراً ذليلاً "فيوقف" أي ابن آدم "أعطيتك" أي الحياة والحواس والصحة والعافية ونحوها "وخولتك" أي جعلتك ذا خول من الخدم والحشم والمال والجاه وأمثالها "وأنعمت عليك" أي بإنزال الكتاب وبإرسال الرسول وغير ذلك "فماذا صنعت" أي فيما ذكر "فيقول جمعته" أي المال "وثمرته" بتشديد الميم أي نميته وكثرته "وتركته" أي في الدنيا عند موتي "أكثر ما كان" أي في أيام حياتي "فارجعني" بهمزة وصل أي ردني إلى الدنيا "آتك به كله" أي بإنفاقه في سبيلك، كما أخبر عن الكفار أنهم يقولون في الاَخرة: {رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} "فيقول له" أي الرب لابن لاَدم "أرني ما قدمت" أي لأجل الاَخرة من الخير "فيقول" أي ثانياً كما قال أولا "فإذا عبد" الفاء فصيحة تدل على المقدر وإذا للمفاجأة وعبد خبر مبتدأ محذوف. أي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو عبد "لم يقدم" خيراً أي فيما أعطي ولم يمتثل ما أمر به ولم يتعظ ما وعظ به من قوله تعالى: {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} ، {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} "فيمضي به" بصيغة المجهول أي فيذهب به.(7/114)
وَفِي البَابِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ.
2545-حدثنا عَبْدُ الله بنُ مُحمّدِ الزّهْرِيّ البَصْرِيّ، أخبرنا مَالِكُ بنُ سُعَيْرٍ أَبُو مُحمّدٍ التّمِيمِيّ الكُوفِيّ، حدثنا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ قَالاَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُؤْتَى بِالعَبْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقُولُ لَهُ: أَلَمْ أَجْعَلُ لَكَ سَمْعاً وَبَصَراً وَمَالاً وَوَلَداً وَسَخّرْتُ لَكَ الأَنْعَامَ وَالْحَرثَ وَتَرَكْتُكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ فكنتَ تَظُنّ أَنّكَ مُلاَقِي يَوْمَكَ هَذَا؟ قال: فَيَقُولُ لاَ. فَيَقُولُ الله لَهُ: الْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي" .
هذا حديثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَمَعْنَى قوله: "اليَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيْتَنِي": يقول: اليَوْمَ أَتْرُكُكَ فِي العَذَابِ هكذا فَسّروهُ
وَقَدْ فَسَرّ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ هَذِهِ الاَيَةَ: {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ} قالُوا: إِنما مَعْنَاهُ الْيَوْمَ نَتْرُكُهُمْ فِي الْعَذَابِ.
__________
قوله : "وفي الباب عن أبي هريرة" وأبي سعيد الخدري أخرجه الترمذي بعد هذا.
قوله : "حدثنا عبد الله بن محمد الزهري البصري" صدوق من صغار العاشرة "أخبرنا مالك بن سعير" بالتصغير ولاَخره راء ابن الخمس بكسر المعجمة وسكون الميم بعدها مهملة، لابأس به من التاسعة.
قوله : "ترأس" بوزن تفتح رأس القوم يرأسهم إذا صار رئيسهم ومقدمهم "وتربع" أي تأخذ ربع الغنيمة، يقال ربعت القوم إذا أخذت ربع أموالهم أي ألم أجعلك رئيساً مطاعاً، لأن الملك كان يأخذ ربع الغنيمة الجاهلية دون أصحابه ويسمى ذلك الربع المرباع.(7/115)
7 -باب مِنْه
2546-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بن المُبَارَكِ، أخبرنا سَعِيدُ بنُ أَبي أَيّوبَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدٍ المُقْبُرِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "قَرَأَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا؟" قَالُوا الله وَرَسُولْهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإنّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا، أَنْ تَقُولَ عَمِلَ كَذَا وَكَذَا يَوْمٍ كَذَا وَكَذَا، قال فهذا أَخْبَارُهَا، فَهَذَا أَمْرُهَا فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا" .
هذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
__________
"باب منه"
قوله: "أخبرنا عبد الله" هو ابن المبارك "أخبرنا يحيى بن أبي سليمان المدني أبو صالح لين الحديث من السادسة" .
قوله : "تحدث" أي الأرض "ما أخبارها" بفتح الهمزة جمع خبر أي تحديثها "أن تشهد على كل عبد أو أمة" أي ذكر وأنثى "بما عمل" أي فعل كل واحد "أن تقول" بدل بعض من أن تشهد أو بيان. ويؤيده ما في رواية الجامع تقول بدون أن أو خبر مبتدأ محذوف. أي هي يعني شهادتها أن تقول "عمل" أي فلان "كذا وكذا" أي من الطاعة أو المعصية "في يوم كذا وكذا" أي من شهر كذا أو عام كذا "قال بهذا أمرها" أي بهذا المذكور أمر الله تعالى الأرض وفي بعض النسخ فهذا أمرها وفي بعضها فهذه أخبارها وفي بعضها فهذا أخبارها.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان.(7/116)
باب ما جاء في الصور
...
8 -باب مَا جَاءَ فِي شَأنِ الصّور
2547-حدثنا سُوَيْدُ بن نصر، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا سُلَيْمَانُ التّيمِيّ عَنْ أَسْلَمَ العِجْلِيّ عَنْ بِشْرِ بنِ شَغَافٍ، عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ قَالَ: "جَاءَ أَعْرَابِيٌ إِلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا الصّورُ؟ "قَالَ: قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ" .
قال أبو عيسى هذا حديثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ روى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التّيْمِيّ وَلاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيِثهِ.
2548-حدثنا سُوَيْدٌ، أخبرنا عَبْدُ الله، أخبرنا خَالِدٌ أَبُو الْعَلاَءِ، عَنْ عَطِيّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قال: قَالَ: رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وَكَيْفَ
__________
"باب مَا جَاءَ فِي شَأنِ الصّور"
في صحيح البخاري قال مجاهد: الصور كهيئة البوق، انتهى. وقال صاحب الصحاح: البوق الذي يزمر به وهو معروف، والصور: إنما هو قرن كما جاء في الأحاديث المرفوعة، وقد وقع في قصة جده الأذان بلفظ البوق القرن في الاَلة التي يستعملها اليهود للأذان، ويقال إن الصور اسم القرن بلغة أهل اليمن وشاهده قول الشاعر: نحن نفخانهم غداة النقعين نفخاً شديداً لا كنفخ الصورين كذا في الفتح
قوله: "حدثنا سويد" هو ابن نصر "أخبرنا سليمان التيمي" هو ابن طرخان "عن أسلم العجلي" بكسر العين وسكون الجيم بصري ثقة من الرابعة "عن بشر بن شغاف" بفتح المعجمتين آخره فاء ضبي بصرى ثقة من الثالثة.
قوله : "قرن بنفح بصيغة المجهول" أي ينفخ فيه إسرافيل النفختين.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والدارمي والحاكم وصححه بان حبان والحاكم.
قوله : "أخبرنا خالد أبو العلاء" هو ابن طهمان الكوفي الخفاف مشهور بكنيته، صدوق رمى بالتشيع، ثم اختلط من الخامسة "عن عطية" بن سعد بن جنادة العوفي.(7/117)
أَنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدْ الْتَقَمَ القَرْنَ وَاسْتَمَعَ الاْذْنَ مَتَى يُؤمَرُ بِالنّفْخِ فَيَنْفُخَ، فَكَأَنّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: قُولُوا حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوَكِيلُ عَلَى الله تَوَكّلْنَا" .
هذا حديثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ هَذَا الْحَدِيثُ عنْ عَطِيّةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخدري، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
__________
قوله : "وكيف" كذا في النسخ الحاضرة بالواو قيل كيف، وأخرجه في تفسير سورة الزمر بلفظ كيف أنعم الخ بدون الواو وهو الظاهر "أنعم" أي أفرح وأتنعم من نعم عيشه كفرح اتسع ولان كذا في المصباح. وفي النهاية: هو من النعمة بالفتح وهي المسرة والفرح والترفه "وصاحب القرن قد التقم القرن" أي وضع طرف القرن في فمه "واستمع الإذن مني يؤمر بالنفخ فينفخ. وفي رواية الترمذي في التفسير: وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر أن ينفخ. والظاهر أن كلا من الالتقام والإصغاء على الحقيقة وأنه عبادة لصاحبه بل هو مكلف به. وقال القاضي رحمه الله: معناه كيف يطيب عيشي وقد قرب أن ينفخ في الصور فكنى عن ذلك بأن صاحب الصور وضع رأس الصور في فمه وهو مترصد مترقب لأن يؤمر فينفخ فيه "فكأن ذلك ثقل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" وفي التفسير: قال المسلمون فكيف نقول يا رسول الله "حسبنا الله" مبتدأ وخبر أي كافينا الله "ونعم الوكيل" فعيل بمعنى المفعول، والمخصوص بالمدح محذوف، أي نعم الموكول إليه الله.
قوله : "هذا حديث حسن" وأخرجه الحاكم وصححه. قال الحافظ في الفتح بعد ذكر حديث أبي سعيد هذا: وأخرجه الطبراني من حديث زيد ين أرقم وابن مردويه من حديث أبي هريرة ولأحمد والبيهقي من حديث ابن عباس وفيه جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره وهو صاحب الصور يعني إسافيل. وفي أسانيد كل منها مقال. وللحاكم بسند حسن عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة رفعه: إن طرف صاحب الصور منذ وكل به مستعد ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان دويان انتهى.(7/118)
9-باب مَا جَاءَ فِي شَأْنِ الصّراط
2549-حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا عَلِيّ بنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحمنِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ النّعْمَانِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "شِعَارُ المُؤْمِنِينَ عَلَى الصّرَاطِ: رَبّ سَلّم سَلّم" .
هذا حديثٌ غَرِيبٌ من حديث المغيرة بنِ شعبة لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيث عَبْدِ الرحمنِ بنِ إِسْحَاقَ، وفي البَابِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ.
2550-حدثنا عَبْدُ الله بنِ الصّبّاحِ الْهَاشِمِيّ، حدثنا بَدَلُ بنُ المحَبّر، أَخْبَرَنَا حَرْبُ بنُ مَيْمُونٍ الأَنْصَارِيّ أَبُو الْخَطّابِ، أَخْبَرنَا النّضْرُ
__________
"باب مَا جَاءَ فِي شَأْنِ الصّراط"
قوله: "شعار المؤمنين" بكسر الشين المعجمة، أي علامتهم التي يتعارفون بها "رب سلم سلم" أمر مخاطب أي يقول كل منهم يا رب سلمنا من ضرر الصراط، أي اجعلنا سالمين من آفاته آمنين من مخافاته. وفي الجامع الصغير: شعار أمتي إذا حملوا على الصراط يالا إله إلا أنت. رواه الطبراني في الكبير عن ابن عمرو. وقال المناوي: وكذا في الأوسط. وقال في شرح قوله يالا إله إلا أنت: أي يالله لا إله إلا أنت: وقال: الأول يعني قولهم رب سلم سلم شعار أهل الإيمان من جميع الأمم. والثاني شعار أمته خاصة فهم يقولون هذا وهذا انتهى. وفي حديث أبي هريرة عند البخاري وغيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأكون أول من يجيز، ودعاء الرسل يومئذ اللهم سلم سلم. قال الحافظ: قوله ودعاء الرسل يومئذ اللهم سلم سلم في رواية شعيب: ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل. وفي رواية إبراهيم بن سعد: ولا يكلمه إلا الأنبياء ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم ثم ذكر حديث المغيرة الذكرة في هذا الباب ثم قال: ولا يلزم من كون هذا. الكلام شعار المؤمنين أن ينطقوا به بل تنطق به الرسل يدعون للمؤمنين بالسلامة فسمي ذلك شعاراً لهم فبهذا تجتمع الأخبار انتهى.
قوله : "هذا حديث غريب" وأخرجه الحاكم.
قوله : "حدثنا حرب بن ميمون الأنصاري أبو الخطاب" هو حرب بن(7/119)
بنُ أَنَسِ بنِ مَالِكِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: "أَنَا فَاعِلٌ". قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله فَأَيْنَ أَطْلُبُكَ؟ قَالَ: "اطْلُبْنِي أَوّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصّرَاطِ"، قال: قُلْتُ فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عَلَى الصّرَاطِ"، قَالَ: "فَاطْلُبْنِي عِنْدَ المِيزَانِ"، قلت: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْدَ المِيزَانِ؟ قَالَ: "فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْحَوْضِ، فَإِنّي لاَ أُخْطِئُ هَذِهِ الثّلاَثَ المَوَاطِنَ" .
__________
ميمون الأكبر صدوق رمى بالقدر من السابعة "أخبرنا النضر بن أنس بن مالك" الأنصاري أبو مالك البصري ثقة من الثالثة "عن أبيه" أي أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله : "قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة" أي الشفاعة الخاصة من بين هذه الأمة دون الشفاعة العامة "قلت يا رسول الله فأين أطلبك" قال الطيبي رحمه الله أي في أي موطن من المواطن التي أحتاج إلى شفاعتك أطلبك لتخلصني من تلك الورطة، فأجاب: علي الصراط وعند الميزان والحوض أي أفقر الأوقات إلى شفاعتي هذه المواطن، فإن قلت كيف التوفيق بين هذا الحديث وحديث عائشة: فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة، فقال صلى الله عليه وسلم: "أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحداً" . قلت جوابه لعائشة بذلك لئلا تتكل على كونها حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجوابه لأنس كيلا ييأس انتهى. قال القاري: فيه أنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو محل الاتكال أيضاً مع أن اليأس غير ملائم لها أيضاً، فالأوجه، أن يقال إن الحديث الأول محمول على الغائبين فلا أحد يذكر أحداً من أهله الغيب والحديث الثاني محمول على من حضره من أمته انتهى "قال اطلبني أول ما تطلبني" أي في أول طلبك إياي "على الصراط" فما مصدرية وأول نصب على الظرفية. وقال الطيبي: نصبه على المصدرية "قال فاطلبني عند الميزان" فيه إيذان بأن الميزان بعد الصراط "فإني لا أخطئ" بضم همز وكسر الطاء بعدها همز، أي لا أتجاوز. والمعنى: أني لا أتجاوز هذه المواطن الثلاثة ولا أحد يفقدني فيهن جميعهن فلا بد أن تلقاني في موضع منهن. والحديث يدل على أن الحوض بعد الصراط وإلى ذلك أشار البخاري في صحيحه.(7/120)
هذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
__________
قال الحافظ في الفتح: إيراد البخاري لأحاديث الحوض بعد أحاديث الشفاعة وبعد نصب الصراط إشارة منه إلى أن الورود على الحوض يكون بعمد نصب الصراط والمرور عليه، ثم ذكر حديث أنس بن مالك المذكور في هذا الباب ثم قال: وقد استشكل كون الحوض بعد الصراط بما ثبت أن جماعة يدفعون عن الحوض بعد أن يكادوا يردون ويذهب بهم إلى النار. ووجه الإشكال أن الذي يمر على الصراط إلى أن يصل إلى الحوض يكون قد نجا من النار، فكيف يرد إليها؟ ويمكن أن يحمل على أنهم يقربون من الحوض بحيث يرونه ويرون النار فيدفعون إلى النار قبل أن يخلصوا من بقية الصراط. وقال أبو عبد الله القرطبي في التذكرة: ذهب صاحب القوت وغيره إلى أن الحوض يكون بعد الصراط. وذهب آخرون إلى العكس. والصحيح أن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضين، أحدهما في الموقف قبل الصراط. والاَخر داخل الجنة، وكل منهما يسمى كوثر انتهى.
وقد تعقب الحافظ على القرطبي في قوله: والصحيح أن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضين الخ، وبسط الكلام فيه.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد.(7/121)
10-باب مَا جَاءَ فِي الشّفَاعَة
2551 أخبرنا سُوَيْدٌ بنُ نصرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا أَبُو حَبَانَ التّيْمِيّ، عَنْ أَبي زُرْعَةَ بنِ عَمْرِو بنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: "أُتِيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذّرَاعُ
__________
"باب مَا جَاءَ فِي الشّفَاعَة"
قوله: "أخبرنا أبو حبان بتشديد التحتانية التيمي" قال في التقريب: اسمه يحيى بن سعيد بن حيان بمهملة وتحتانية الكوفي، ثقة عابد من السادسة.(7/121)
فَأَكَلَهُ وَكَانَ يُعْجِبُهُ فَنَهَسَ مِنْهُ نَهْسَةً ثُمّ قَالَ: "أَنَا سَيّدُ النّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ هَلْ تَدْرُونَ لِمَ ذَاكَ؟ يَجْمَعُ الله النّاسَ الأَوّلِينَ وَالاَخِرِينَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُسْمِعُهُمْ الدّاعِي وَيَنْفُذُهُمْ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشّمْسُ منهم فَيَبْلُغُ
__________
قوله : "وكان يعجبه" قال القاضي عياض: محبته صلى الله عليه وسلم للذراع لنضجها وسرعة استمرائها مع زيادة لذتها وحلاوة مذاقها، وبعدها عن مواضع الأذى انتهى كلامه. وقد روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كانت الذراع أحب اللحم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن كان لا يجد اللحم إلا غباً، فكان يعجل إليها لأنها أعجلها نضجاً "فنهش منه نهشة" بالشين المعجمة. وفي بعض النسخ بالسين المهملة، ووقع في رواية مسلم بالسين المهملة. قال القاضي عياض: أكثر الرواة رووه بالمهملة ووقع لابن ماهان بالمعجمة وكلاهما صحيح بمعنى أخذ بأطراف أسنانه. قال الهروي: قال أبو العباس: النهس بالمهملة بأطراف الأسنان، وبالمعجمة بالأضراس،، ثم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة. إنما قال هذا صلى الله عليه وسلم تحدثاً بنعمة الله تعالى وقد أمره الله تعالى بهذا نصيحة لنا بتعريفنا حقه صلى الله عليه وسلم. قال القاضي عياض: قيل السيد الذي يفوق قومه والذي يزع إليه في الشدائد النبي صلى الله عليه وسلم سيدهم في الدنيا والاَخرة، وإنما خص يوم القيامة لارتفاع السؤدد فيها، وتسليم جميعهم له، ولكون آدم وجميع أولاده تحت لوائه صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى: { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} أي انقطعت دعاوي الملك في ذلك اليوم "هل تدرون لم" أي لأي وجه "ذاك" أي كوني سيد الناس يوم القيامة "في صعيد واحد" الصعيد هو الارض الواسعة المستوية "فيسمعهم" من الإسماع أي أنهم بحيث إذا دعاهم داع سمعوه "وينفذهم البصر" بفتح أوله وضم الفاء من الثلاثي أي يحزفهم وبضم أوله وكسر الفاء من الرباعي، أي يحيط بهم والذال معجمة في الرواية.
وقال أبو حاتم السجستاني: أصحاب الحديث يقولونه بالمعجمة وإنما هو بالمهملة ومعناه يبلغ أولهم وآخرهم. وأجيب بأن المعنى يحيط بهم الراثي لا يخفي عليه منهم(7/122)
النّاسَ مِنَ الغَمّ وَالكَرْبِ مَالاَ يُطِيِقُونَ وَلاَ يَتَحَمّلُونَ، فَيَقُولُ النّاسُ بَعَضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغْكُمْ أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبّكُمْ؟ فَيَقُولُ النّاسُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَلَيْكُمْ بِآدَمَ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ أَبُو البَشَرِ خَلَقْكَ الله بِيَدِهِ وَ نَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ المَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّكَ أَلاَ تَرى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغْنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ آدَمُ إِنّ رَبّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ. وَإِنّهُ قَدْ نَهَانِي عَنْ الشّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ. نَفْسِيْ نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحاً فَيَقُولُونَ: يا نُوحُ أَنْتَ أَوّلُ الرّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَقَدْ
__________
شيء لاستواء الأرض فلا يكون فيها ما يستتر أحد به من الرائي، وهذا أولى من قول أبي عبيدة يأتي عليهم بصر الرحمن. إذ رؤية الله تعالى محيطة بجمعهم في كل حال سواء الصعيد المستوى وغيره، ويقال نفذه البصر إذ بلغه وجاوزه والنفاذ الجواز والخلوص من الشيء ومنه نفذ السهم نفوذاً إذا خرق الرمية وخرج منها كذا في الفتح. وقال النووي: بعد ذكر هذه الاختلافات ما لفظه فحصل خلاف في فتح الياء وضمها وفي الذال والدال وفي الضمير في ينفذهم والأصح فتح الياء وبالذال المعجمة وأنه بصر المخلوق انتهى "فيبلغ الناس" بالنصب أي فيلحقهم "من الغم" أي من أجله وسببه "والكرب" وهو الهم الشديد "مالا يطيقون" أي مالا يقدرون على الصبر عليه "ولا يتحملون" فيجزعون ويفزعون "ألا ترون ما قد بلغكم" أي لحقكم من الغم أو الكرب "ألا تنظرون" أي ألا تتأملون ولا تتفكرون أو لا تبصرون "من يشفع لكم إلى ربكم" أي ليريحكم من هذا الهم والغم "نفسي نفسي نفسي" أي نفسي هي التي تستحق أن يشفع لها "فيقولون يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض" استشكلت هذه الأولية بأن آدم عليه السلام نبي مرسل وكذا شيث وإدريس وغيرهم. وأجيب بأن الأولية مفيدة بقوله الى أهل الأرض(7/123)
سَمّاكَ الله عَبْداً شَكُوراً،. اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّكَ أَلاَ تَرَى إلى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلاّ تَرَى مَا قَدْ بَلَغْنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ نُوحُ: إِنّ رَبّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى
__________
ويشكل ذلك بحديث جابر في البخاري في التميم: وكان النبي يبعث خاصة إلى قوم خاصة ويجاب بأن العموم لم يكن في أصل بعثة نوح وإنما اتفق باعتبار حصر الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس انتهى. وفيه نظر ظاهر لا يخفي، وقيل إن الثلاثة كانوا أنبياء لم يكونوا رسلا ويرد عليه حديث أبي ذر عند ابن حيان فإنه كالصريح بإنزال الصحف على شيث وهو علامة الإرسال انتهى وفيه بحث، إذ لا يلزم من إنزال الصحف أن يكون المنزل عليه رسولا لاحتمال أن يكون في الصحف ما يعمل به بخاصة نفسه، ويحتمل أن لا يكون فيه أمر نهي. بل مواعظ ونصائح تختص به، فالأظهر أن يقال الثلاثة كانوا مرسلين إلى المؤمنين والكافرين وأما نوح عليه السلام فإنما أرسل إلى أهل الأرض وكلهم كانوا كفاراً هذا وقد قيل هو نبي مبعوث أي مرسل ومن قبله كانوا أنبياء غير مرسلين كآدم وإدريس عليهما السلام فإنه جد نوح على ما ذكره المؤرخون. قال القاضي عياض: قيل إن إدريس هو إالياس وهو نبي من بني إسرائيل فيكون متأخراً عن نوح فيصح أن نوحاً أول نبي مبعوث مع كون إدريس نبياً مرسلا. وأما آدم وشيث فهما وإن كانا رسولين إلا أن آدم أرسل إلى بنيه ولم يكونوا كفاراً بل أمر بتعليمهم الإيمان وطاعة الله. وشيثاً كان خلفاً له فيهم بعده بخلاف نوح فإنه مرسل إلى كفار أهل الأرض وهذا أقرب من القول بأن آدم وإدريس لم يكونا رسولين، كذا في المرقاة "وقد سَمّاك الله عبداً شكوراً" أي فيقوله تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} ، "وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي" وفي حديث أنس عند البخاري فيقول: لست هناكم ويذكر خطيئته. قال الحافظ في رواية هشام: ويذكر سؤال ربه ماليس به علم وفي حديث أبي هريرة: إني دعوت بدعوة أغرقت أهل الأرض ويجمع بينه وبين الأول بأنه اعتذر بأمرين أحدهما(7/124)
إِبْرَاهِيمَ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَنْتَ نَبِيّ الله وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّكَ، أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَيَقُولُ: إِنّ رَبّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنّي قَدْ كَذَبْتُ ثَلاَثَ كَذِبَاتٍ. فَذَكَرَهُنّ أَبُو حَيّانَ في الْحَدِيثِ: نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى، فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ الله فَضّلَكَ الله بِرِسَالَتِهِ وَبِكلاَمِهِ عَلَى البشر، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّكَ. أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنّ رَبّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْساً لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى، فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَكَلّمْتَ النّاسَ في المَهْدِ. اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِكَ أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: عِيسَى إِنّ رَبّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبْ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْباً نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي،
__________
نهى الله تعالى أن يسأل ما ليس له به علم، فخش أن تكون شفاعته لأهل الموقف من ذلك. ثانيهما أن له دعوة واحدة محققة الإجابة وقد استوفاها بدعائه على أهل الأرض. فخشى أن يطلب فلا يجاب. وقال بعض الشراح: كان الله وعد نوحاً أن ينجيه، وأهله فلما غرق ابنه ذكر لربه ما وعده، فقيل له المراد من أهلك من آمن وعمل صالحاً فخرج ابنك منهم فلا تسأل ما ليس لك به علم، "وإني قد كذبت ثلاث كذبات" وهي قوله: إني سقيم وقوله: فعله كبيرهم هذا. وقوله: لا مرأته أخبريه أني أخوك. قال البيضاوي: الحق أن الكلمات الثلاث إنما كانت من معاريض الكلام، لكن لما كانت صورتها صورة الكذب أشفق منها استصغاراً لنفسه عن الشفاعة مع وقوعها، لأن من كان أعرف بالله وأقرب منزلة كان أعظم خوفاً(7/125)
اذْهَبُوا إِلَى مُحمّدٍ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَيَأْتُونَ مُحمّداً صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ: يَا مُحمّدُ أَنْتَ رَسُولُ الله وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ: وَقد غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخّرَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّكَ أَلاّ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ العَراشِ فَأَخِرّ سَاجِداً لِرَبّي. ثُمّ يَفْتَحُ الله عَلَيّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئاً لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي. ثُمّ يُقَالُ: يَا مُحمّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفّعْ. فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ يَا رَبّ أُمّتِي يَا رَبّ أُمّتِي يَا رَبّ أُمّتِي، فَيَقُولُ: يَا مُحمّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ البَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ" . ثُمّ قالَ: "وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنّ مَا بَيْنَ المِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنّةِ كَمَا بَيْنَ مَكّةَ وَهُجَرَ وَكَمَا بَيْنَ مَكّةَ وَبُصْرى" .
__________
"ولم يذكر ذنباً" قال الحافظ: ولكن وقع في رواية الترمذي من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد: إني عبدت من دون الله. وفي رواية أحمد والنسائي من حديث ابن عباس: إني اتخذت إلهاً من دون الله. وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور نحوه وزاد: وإن يغفر لي اليوم حسبي "يا رب أمتي. يا رب أمتي. يا رب أمتي" أي أرحمهم واغفر لهم التكرار للتذكير "وهم" أي من لاحساب عليهم "شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب" أي ليسوا ممنوعين من سائر الأبواب بل هم مخصوصون للعناية بذلك الباب. قال في القاموس: المصراعان من الأبواب والشعر ما كانت قافيتان في بيت، وبابان منصوبان ينضمان جميعاً مدخلهما في الوسط منهما "كما بين مكة وهجر" بفتحتين مصروفاً وقد لا يصرف، ففي الصحاح: هجر اسم بلد مذكر مصروف. وقيل هي قرية من قرى البحرين. وقيل من قرى المدينة. قال القاري: والأول هو المعول.
وكذا صحح القول الأول الشيخ عبد الحق في اللمعات.
قلت: وهو الظاهر. وفي بعض النسخ بين مكة وحمير وهو بكسر الحاء المهملة(7/126)
وفي البَابِ، عن أَبي بَكْرٍ الصّدّيقِ، وَأَنَسٍ، وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، وَأَبي سَعِيدٍ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ..
__________
وفتح التحتية بينهما ميم ساكنة آخره راء أي صنعاء لأنها بلد حمير. ووقع في رواية البخاري في تفسير سورة بني إسرائيل: كما بين مكة وحمير "وكما بين مكة وبصرى" بضم الموحدة مدينة بالشام بينها وبين دمشق ثلاث مراحل.
اعلم أنه وقع في النسخ الحاضرة وكما بين مكة وبصرى بالواو، والظاهرة أن الواو هنا بمعنى أو، وقد وقع في رواية البخاري المذكورة: كما بين مكة وحمير، أو كما بين مكة وبصرى بلفظ أو.
قوله : "وفي الباب عن أبي بكر" أخرجه أحمد والبزار وأبو يعلي وابن حبان في صحيحه "وأنس" أخرجه الشيخان "وعقبه" بن عامر لينظر من أخرجه "وأبي سعيد" أخرجه الترمذي في تفسير سورة بني إسرائيل.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان(7/127)
11 -باب منه
2552-حدثنا العَبّاسُ العَنْبَرِيّ، حدثنا عَبْدُ الرّزَاقِ، عن مَعْمَرٍ، عن ثَابِتٍ، عن أَنَسٍ قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "شَفَاعَتِي لاِهْلِ الكَبَائِرِ مِنْ أُمَتِي" .
__________
"باب منه"
قوله: "شفاعتي" قال المناوي في التيسير: الإضافة بمعنى ال العهدية، أي الشفاعة التي وعدني الله بها ادخرتها "لأهل الكبائر من أمتي" أي لوضع السيئات والعفو عن الكبائر. وأما الشفاعة لرفع الدرجات فلكل من الأتقياء والأولياء وذلك متفق عليه بين أهل الملة. وقال الطيبي رحمه الله: أي شفاعتي التي تنجي الهالكين مختصة بأهل الكبائر. قال النووي في شرح مسلم قال القاضي عياض: مذهب أهل السنة جواز الشفاعة عقلاً ووجوبها سمعاً بصريح قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} . وقوله تعالى: "وَلا يَشْفَعُونَ(7/127)
هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غريبٌ من هذا الْوَجْهِ. وفي البابِ عن جَابِرٍ.
2553-حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أَخْبَرنَا أَبُو دَاودَ الطّيَالِسِيّ، عن محمد بنِ ثَابِتٍ البُنَانِيّ، عن جَعْفَرِ بنِ مُحمّدٍ، عن أَبِيهِ، عن جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "شَفَاعَتِي لاِهْلِ الكَبَائِرِ مِنْ أُمّتِي" .
__________
إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} وأمثالهما. وبخبر الصادق صلى الله عليه وسلم وقد جاءت الآثار التي بلغت بمجموعها التواتر بصحة الشفاعة في الاَخرة لمذنبي المؤمنين، وأجمع السلف الصالح ومن بعدهم من أهل السنة عليها، ومنعت الخوارج وبعض المعتزلة منها وتعلقوا بمذاهبهم في تخليد المذنبين في النار، واحتجوا بقوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} وبقوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} ، وهذه الاَيات في الكفار. وأما تأويلهم أحاديث الشفاعة بكونها في زيادة الدرجات فباطل وألفاظ الأحاديث صريحة في بطلان مذهبهم وإخراج من استوجب النار لكن الشفاعة خمسة أقسام:
أولها : مختصة بنبينا صلى الله عليه وسلم، وهي الإراحة من هول الموقف وتعجيل الحساب.
الثانية : في إدخال قوم الجنة بغير حساب، وهذه أيضاً وردت لنبينا صلى الله عليه وسلم وقد ذكرها مسلم.
الثالثة : الشفاعة لقوم اسوجبوا النار فيشفع فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم ومن يشاء الله تعالى.
الرابعة : في من دخل النار من المذنبين، فقد جاءت الأحاديث بإخراجهم من النار بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم والملائكة وإخوانهم من المؤمنين ثم يخرج الله تعالى كل من قال لا إله إلا الله كما جاء في الحديث: لا يبقى فيها إلا الكافرون.
الخامسة : الشفاعة في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها انتهى.
قوله : "وفي الباب عن جابر" أخرجه الترمذي في هذا الباب.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح الخ" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم.(7/128)
قالَ محمّدُ بنُ عَلِيّ: فَقَالَ لِي جَابِرٌ: يَا مُحْمّدُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الكَبَائِرِ فَمَا لَهُ وَلِلشَفَاعَةِ.
هذا حديثٌ حسن غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُستغربُ من حديثِ جعفر بنِ مُحمدٍ.
2554-حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، أَخْبَرنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ عَيّاشٍ، عن مُحمّدِ بنِ زِيَادٍ الأَلْهَانِيّ قال: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "وَعَدَنِي رَبّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنّةَ مِنْ أُمّتِي سَبْعِينَ أَلْفاً لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلاَ عَذَابَ، مَعَ كلّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفاً وَثَلاَثُ حَثَيَاتٍ مِنْ حثيَاتِ رَبّي" .
__________
قوله : "عن محمد بن ثابت البناني" البصري ضعيف من السابعة.
قوله : "قال محمد بن علي" هو والد جعفر الصادق المعروف بالباقر "يا محمد" هو محمد بن علي صاحب جابر "فماله وللشفاعة" يعني لا حاجة له إلى الشفاعة لوضع الكبائر والعفو عنها لعدمها. وأما ما دون الكبائر من الذنوب فيكفرها الطاعات، نعم له حاجة إلى الشفاعة لرفع الدرجات.
قوله : "هذا حديث غريب" وأخرجه ابن ماجة وابن حبان والحاكم والحديث ضعيف لضعف محمد بن ثابت ولكنه يعتضد بحديث أنس المذكور رواه الطبراني عن ابن عباس والخطيب عن ابن عمرو عن كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنهم. وفي رواية للخطيبب عن أبي الدرداء: شفاعتي لأهل الذنوب من أمتي وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء. كذا في الجامع الصغير.
قوله : "عن محمد بن زياد الألهاني" بفتح الهمزة وسكون اللام أبي سفيان الحمصي ثقة من الرابعة.
قوله : "أن يدخل الجنة" من الإدخال "سبعين ألفاً" قال القاري: المراد به إما هذا العدد أو الكثرة انتهى. قلت الظاهر هنا هو الأول "وثلاث حثيات" بفتح الحاء والمثلثة جمع حثية. والحثية والحثوة يستعمل فيما يعطيه الأنسان بكفيه دفعة واحدة من غير وزن وتقدير: قال الزركشي: بالنصب عطف على سبعين وهو دفعة واحدة من غير وزن وتقدير: قال الزركشي: بالنصب عطف على سبعين وهو مفعول يدخل فيكون حينئذ ثلاث حثيات مرة فقط وبالرفع عطف على سبعون(7/129)
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
2555-حدثنا أَبُو كَرَيْبٍ، حدثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، عن خَالِدٍ الحِذّاءِ، عن عَبْدِ الله بنِ شَقِيقٍ قالَ: كُنْتُ مَعَ رَهْطِ بإِيلِيَاءَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَدْخُلُ الْجَنّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمّتِي أَكْثَرُ مِنْ بني تَمِيمٍ" قِيلَ: يَا رَسُولَ الله سِوَاكَ؟ قالَ: "سِوَايَ" فَلَمّا قَامَ قُلْتُ مَنْ هَذَا؟ قَالُوا هَذَا ابنُ أَبِي الْجَذْعَاءِ.
__________
الذين مع كل ألف، فيكون ثلاث حثيات سبعين مرة انتهى. قيل والرفع أبلغ قلت روى أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب. فقال يزيد بن الأخنس والله ما أولئك في امتك إلا كالذباب الأصهب في الذباب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد وعدني سبعين ألفاً. مع كل ألف سعبين ألفاً وزادني ثلاث حثيات" . الحديث قال المنذري في الترغيب: ورواته محتج بهم في الصحيح فهذه الرواية تؤيد النصب.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد وابن ماجه.
قوله : "قال كنت مع رهط" قال في القاموس: الرهط ويحرك قوم الرجل وقبيلته، ومن ثلاثة أو سبعة إلى عشرة أو ما دون العشرة، وما فيهم امرأة، ولا واحد له من لفطه، جمعه أرهط وأراهط وأرهاط وأراهيط انتهى "بإبلياء" ككبرياء على الأشهر، وبالقصر مدينة بيت المقدس "فقال رجل" هو عبد الله بن أبي الجذعاء "بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم" وهي قبيلة كبيرة وقال القاري: فقيل الرجل هو عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقيل أويس القرني، وقيل غيره انتهى.
قلت: إن دل دليل على تعيين هذا الرجل فهو المتعين وإلا فالله تعالى أعلم به. وأما حديث شفاعة عثمان رضي الله عنه الاَتي فهو مرسل.(7/130)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ وابنُ أَبي الجَذْعَاءِ هُوَ عَبْدُ الله وَإِنّمَا يُعَرَفُ لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ.
2556-حدثنا أبو عمار الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، أخبرنا الْفَضْلُ بنُ مُوسَى، عن زَكَرِيّا بنِ أَبي زَائِدَةَ، عن عَطِيّةَ، عن أَبي سَعِيدٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّ مِنْ أُمّتِي مَنْ يَشْفَعُ لِلفِئَامِ مِنَ النّاسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْفَعُ لِلقَبِيلَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْفَعُ لِلعُصْبَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْفَعُ لِلرّجُلِ حَتّى يَدْخُلُوا
__________
قوله : "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه الدارمي وابن ماجه.
قوله : "هو عبد الله" قال في التقريب عبد الله بن أبي الجذعاء بفتح الجيم وسكون المعجمة الكناني صحابي له حديثان تفرد بالرواية عنه عبد الله بن شقيق "وإنما يعرف له هذا الحديث الواحد" قال: في تهذيب التهذيب بعد نقل كلام الترمذي هذا: وقد روى عنه حديث آخر من رواية عبد الله بن شقيق عنه، قال: قلت يا نبي الله: متى كنت نبياً؟ قال: إذ آدم بين الروح والجسد" ولكن اختلف فيه على عبد الله بن شقيق فقيل عنه عن ميسرة الفجر انتهى.
قوله : "عن عطية" هو ابن سعد العوفي.
قوله : "إن من أمتي" أي بعض أفرادهم من العلماء والشهداء والصلحاء "من يشفع للفئام" بكسر الفاء بعده همزة وقد يبدل قال الجوهري: هو الجماعة من الناس لا واحد له من لفظه، والعامة تقول قيام بلا همز. قال القاري: الأظهر أن يقال ههنا معناه القبائل كما قيل هو في المعنى جمع فئة لقوله "ومنهم من يشفع للقبيلة" وهي قوم كثير جدهم واحد "ومنهم من يشفع للعصبة" بضم فسكون وهو ما بين العشرة إلى الأربعين من الرجال لا واحد لها من لفظها والأظهر أن المراد بها جمع ولو اثنان لقوله "ومنهم من يشفع للرجل" ويمكن أن يقال طوى ما بين العصبة والرجل لما يدل عليه الرجل بالبرهان الجلي كما يدل(7/131)
الجَنّةَ" . هذا حديثٌ حسنٌ.
2557-حدثنا أَبُو هِشَامٍ مُحمّدٌ بنُ يَزِيدَ الرّفَاعِيّ الكُوفِيّ قَالَ: حدثنا يَحْيى بنُ الْيَمَانِ، عن حُسَيْنِ بنِ جَعْفَرٍ، عن الْحَسَنِ البَصْرِيّ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَشْفَعُ عُثْمَانُ بنُ عَفّانَ رضي الله عنه يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمِثْلِ رَبِيعَةَ وَمُضْرَ" .
2558-حدثنا هَنّادٌ، أخبرنا عَبْدَةُ، عن سَعِيدٍ عن قَتَادَةَ، عن أَبي المَلِيحِ، عن عَوْفِ بنِ مَالِكِ الأَشْجَعِيّ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَتَانِي آتٍ مِنْ عِنْدِ رَبّي فَخَبّرَنِي بَيْنَ أَنْ يُدْخِلَ نِصْفَ أُمّتِي الْجَنّةَ وَبَيْنَ الشّفَاعَةِ، فَاخْتَرْتُ الشّفَاعَةَ وَهِيَ لِمَنْ مَاتَ لاَ يُشَرِكُ بِالله شَيْئاً" . وَقَدْ رُوِيَ
__________
على المرأة بالقياس الخفي "حتى يدخلوا الجنة" قال في اللمعات: أي المشفوين. وقال الطيبي رحمه الله: يحتمل أن يكون غاية يشفع، والضمير لجميع الأمة، أي ينتهي شفاعتهم إلى أن يدخلوا جميعهم الجنة ويجوز أن يكون بمعنى كي. فالمعنى أن الشفاعة لدخول الجنة.
قوله : "حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي الكوفي الخ" هذا الحديث إنما وقع في بعض نسخ الترمذي ولذا وضعه صاحب النسخة الأحمدية على الهامش "عن حسين بن جعفر" لم أجد ترجمته في التقريب، ولا في تهذيب التهذيب، ولا في الخلاصة، ولا في الميزان، فلينظر من هو وكيف حاله.
قوله : "بمثل ربيعة ومضر" قبيلتان مشهورتان والحديث مرسل.
قوله : "حدثنا عبدة" هو ابن سليمان "عن سعيد" هو ابن أبي عروبة "عن أبي المليح" هو ابن أسامة "عن عوف بن مالك الأشجعي" جحابي مشهور من مسلمة الفتح وسكن دمشق ومات سنة ثلاث وسبعين.
قوله : "أتاني آت" أي ملك، وفيه إشعار بأنه غير جبريل "من عند ربي" أي برسالة بأمره "أن يدخل" بضم أوله أي الله "نصف أمتي" أمة الإجابة "وبين الشفاعة" فيهم "فاخترت الشفاعة" لعمومها إذ بها يدخلها ولو بعد دخول(7/132)
عَن أَبِي المَلِيحِ، عن رَجُلٍ آخَرَ مِن أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ يَذْكُرْ عن عَوْفِ بنِ مَالِكٍ
__________
النار كل من مات مؤمناً كما قال "وهي" أي والحال أنها كائنة أو حاصلة "لمن مات" من هذه الأمة "لا يشرك بالله شيئاً" أي ويشهد أني رسوله، ولم يذكره أكتفاء بأحد الجزأين.(7/133)
12-باب ما جَاءَ في صِفَةِ الحَوض
2559-حدثنا مُحمّدُ بنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا بِشرُ بنُ شُعَيْبٍ بنِ أَبي حَمْزَةَ حدثني أَبي عن الزّهْرِيّ، عن أَنَسُ بنُ مَالِكِ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّ في حَوْضِي مِنَ الأَبَارِيقِ بِعَدَدِ نُجُومِ السّمَاءِ".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
2560-حدثنا أَحْمَدُ بنُ مُحمّدٍ بن علي بنِ نَيزَكَ البَغْدَادِيّ، أَخْبَرنَا مُحمّدُ
__________
"باب ما جَاءَ في صِفَةِ الحَوض"
قوله: "حدثنا محمد بن يحيى" هو الذهلي "أخبرنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة" ابن دينار القرشي مولاهم أبو القاسم الحمصي ثقة من كبار العاشرة "حدثني أبي" هو شعيب بن أبي حمزة الأموي مولاهم أبو بشر ثقة عابد قال ابن معين من أثبت الناس في الزهري من السابعة.
قوله : "إن في حوضى من الأباريق" جمع الإبريق. قال في القاموس: إبريق معرب آب ريز "بعدد نجوم السماء" أي من كثرتها.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه مسلم.
قوله : "حدثنا أحمد بن محمد بن علي ابن نيزك" بكسر النون بعدها تحتانية ساكنة ثم زاي مفتوحة ثم كاف أبو جعفر الطوسي في حفظه شيء من الحادية عشرة، كذا في التقريب. وقال في تهذيب التهذيب: قال ابن عقدة في أمره نظر، وذكره(7/133)
ابنُ بَكّارٍ الدّمَشْقِيّ، أخبرنا سَعِيدُ بنُ بَشِيرٍ، عن قَتَادةَ، عن الْحَسَنِ عن سَمُرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ لِكُلّ نَبِيٍ حَوْضاً وَإِنّهُمْ يَتَبَاهَونَ أَيّهُمْ أَكْثَرُ وارِدَةً وَإِنّي أَرْجُوا أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً" .
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
وَقَدْ رَوَى الأَشْعَتُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ هَذَا الْحَدِيثَ عن الحَسَنِ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عن سُمُرَةَ وَهُوَ أَصَحّ.
__________
ابن حبان في الثقات "أخبرنا محمد بن بكار الدمشقي" العاملي أبو عبد الله القاضي ثقة من العاشرة "أخبرنا سعيد بن بشير" الازدى مولاهم أبو عبد الرحمن أو أبو سلمة الشامي أصله من البصرة أو واسط، ضعيف من الثامنة.
قوله : "إن لكل نبي حوضاً" أي يشرب أمته من حوضه. قال المناوي في التيسير: على قدر رتبته وأمته "وإنهم" أي الأنبياء "يتباهون" أي يتفاخرون "أيهم أكثر واردة" أي ناظرين أيهم أكثر أمة واردة ذكره الطيبي رحمه الله، وقيل أيهم موصولة صدر صلتها محذوف أو مبتدأ وخبر. كما تقول يتباهى العلماء أيهم أكثر علماً أي قائلين "وإني أرجو أن أكون أكثرهم واردة" قال القاري: لعل هذا الرجاء قبل أن يعلم أن أمته ثمانون صفاً وباقي الأمم أربعون في الجنة على ما سبق ثم الحوض على حقيقته المتبادر منه على ما في المعتمد في المعتقد.
قوله : "هذا حديث غريب" وفي بعض النسخ هذا حديث حسن غريب وفي إسناده سعيد بن بشير، وهو ضعيف كما عرفت.(7/134)
13-باب ما جَاءَ في صِفَةِ أَوَانِي الْحَوْض
2561-حدثنا مُحمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ، أخبرنا يَحْيَى بنُ صَالحٍ، أَخْبَرنَا
__________
"باب ما جَاءَ في صِفَةِ أَوَانِي الْحَوْض"
قوله: "حدثنا محمد بن إسماعيل" هو الإمام البخاري "حدثنا يحيى ين صالح" الوحاظي بضم الواو وتخفيف المهملة ثم معجمة الحمصي، صدوق بن أهل الرأي(7/134)
مُحمّدُ بنُ مُهَاجِرٍ، عن العَبّاسِ، عن أَبي سَلاّمِ الْحُبْشِيّ قالَ: بَعَثَ إِلَيّ عُمَرُ بنُ عَبْدِ الَعَزِيزِ فَحُمِلْتُ عَلَى البَرِيدِ، قال: فَلَمّا دَخَلَ عَلَيْهِ قالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ لَقَدْ شَقّ عَلَيّ مَرْكَبِي البَرِيدَ. فَقَالَ: يَا أَبَا سَلاّمٍ مَا أَرَدْتُ أَنْ أَشُقّ عَلَيْكَ وَلَكِنْ بَلَغَنِي عَنْكَ حَدِيثٌ تُحدّثُهُ عن ثَوْبَانَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الْحَوْضِ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ تُشَافِهَنِي به. قالَ أَبُو سَلاّمِ: حدثني ثَوْبَانُ، عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "حَوْضِي من عَدَنٍ إِلَى عَمّانَ البَلْقَاءِ، مَاؤُهُ أَشَدّ بَيَاضاً مِنَ اللّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَأَكْوَابُهُ عَدَدُ نُجُومِ السّمَاءِ.
__________
من صغار التاسعة "أخبرنا محمد بن مهاجر" الأنصاري الشامي أخو عمرو ثقة من السابعة "عن العباس" هو ابن سالم اللخمي الدمشقي ثقة "عن أبي سلام" بتشديد اللام "الحبشي" بضم الحاء المهملة وسكون الموحدة منسوب إلى حبش حي من اليمن كذا في المغنى لصاحب مجمع البحار واسمه ممطور الأسود ثقة يرسل من الثالثة.
قوله : "فحملت" بصيغة المجهول "على البريد" قال في النهاية: البريد كلمة فارسية يراد بها في الأصل البغل وأصلها بريد دم، أي محذوف الذنب، لأن بغال البريد كانت محذوفة الأذناب كالعلامة لها فأعربت وخففت ثم سمى الرسول الذي يركبه بريد انتهى. قلت والمراد هنا معناه الأصلي "فأحببت أن تشافهني به" أي تحدثني به مشافهة، وأسمعه منك من غير واسطة "قال حوضي من عدن" بفتحتين: بلد مشهور على ساحل البحر في أواخر سواحل اليمن وأوائل سواحل بالهن، وهي تسامت صنعاء وصنعاء في جهة الجبال "إلى عمان البلقان" بضم العين وخفة الميم قرية باليمن لا بفتحها وشد الميم فإنها قرية بالشام، وقيل بل هي المرادة كذا في التيسير. وقال الحافظ: عمان هذه بفتح المهملة وتشديد الميم للأكثر وحكى تخفيفها وتنسب إلى اللقاء لقرءها فها والبلقاء بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها قاف وبالمد بلد معروفة من فلسطين "وأحلى من العسل" أي الذمنه "وأكوابه" جمع كوب وهو الكوز الذي لا عروة له على ما في الشروح، أو لا خرطوم. على ما في القاموس "عدد نجوم السماء" بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي عدد أكوابه(7/135)
مَنْ شَرَبَ مِنْهُ شَرْبَةً، لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَداً. أَوّلُ النّاسِ وُرُوداً عَلَيْهِ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ الشّعْتُ رُؤوساً، الدّنْسُ ثِيَاباً، الّذِينَ لاَ يَنْكِحُونَ المُتَنَعّمَاتِ وَلاَ يُفْتَحُ لَهُمْ السّدَدُ" . قالَ عُمَرُ: وَلَكِنّي نَكَحْتُ المُتَنَعّمَاتِ وَفُتِحَتْ لِي السّدَدُ. نَكَحْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ عَبْدِ المَلِكِ لاَ جَرَمَ أَنّي لاَ أَغْسِلُ رَأْسِيَ حَتّى يَشْعَثَ، وَلاَ أَغْسِلُ ثَوْبِيَ الّذِي يَلِي جَسَدِي حَتّى يَتّسِخَ".
هذا حديثٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ، عن مَعْدَانَ بنِ أَبي طَلْحَةَ، عن ثَوْبَانَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وَأَبُو سَلاّمٍ الْحُبْشِيّ اسْمُهُ مَمْطُورٌ.
__________
عدد نجوم السماء "أول الناس ورواداً عليه" أي على الحوض "فقراء المهاجرين" المراد من المهاجرين الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وهو صلى الله عليه وسلم سيدهم "الشعت" بضم الشين المعجمة بضم وسكون العين المهملة جمع أشعت بالمثلثة أي المقفرقو الشعر "رؤوساً" تمييز "الدنس" بضم المهملة والنون وقد يسكن الدنس وهو الوسخ "الذين لا ينكحون" بفتح الياء وكسر الكاف أي الذين لا يتزوجون "المتنعمات" بكسر العين من التنعم، وقيل هو بضم التحتية وفتح الكاف بصيغة المجهول أي لو خطبوا المتنعمات من النساء لم يجابوا "ولا يفتح لهم السدد" بضم السين وفتح الدال الأولى المهملتين جمع سدة وهي باب الدار، سمى بذلك لأن المدخل يسد به. والمعنى: لو دقوا الأبواب واستأذنوا الدخول لم يفتح لهم ولم يؤذن "قال عمر" أي ابن عبد العزيز "لكني نكحت المتنعمات" وفي رواية ابن ماجه قال فبكى عمر حتى اخضلت لحيته ثم قال: لكني قد نكحت الخ وقد كان نكح فاطمة بنت عبد الملك وهي بنت الخليفة وجدها خليفة وهو مروان وإخواتها الأربعة سليمان ويزيد وهشام ووليد خلفاء وزوجها خليفة، فهذا من الغرائب وفيها قال الشاعر:
بنت الخليفة جدها خليفة ... زوج الخليفة أخت الخلائف
قوله : "هذا حديث غريب" أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم وصححه.(7/136)
2562-حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ، أَخْبَرنَا أَبُو عَبْدِ الصّمَدِ العَمّيّ عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الصّمَدِ، أخبرنا أَبُو عِمرَانَ الْجَوْنِيّ عن عَبْدِ الله بنِ الصّامِتِ، عن أَبي ذَرٍ قالَ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله: مَا آنِيَةُ الْحَوْضِ؟ قالَ: "وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا في لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ مُصْحِيَةٍ مِنْ آنِيَةِ الجَنّةِ، مَنْ شَرِبَ شربةً مِنْهَا لَمْ يَظْمَأْ. آخِرُ مَا عَلَيْهُ عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ، مَا بَيْنَ عَمّانَ إِلَى أَيْلَةَ. مَاؤُهُ أَشَدّ بَيَاضاً مِنَ الّلبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ" .
__________
قوله : "حدثنا أبو عبد الصمد العمي عبد العزيز بن عبد الصمد" البصري ثقة حافظ من كبار التاسعة "أخبرنا أبو عمران الجوني" اسمه عبد الملك بن حبيب الأزدي أو الكندي، مشهور بكنيته، ثقة من الرابعة.
قوله : "ما آنيه الحوض" أي كم عددها "في ليلة مظلمة مصحية" أي لا غيم فيها ولا سحاب من أصحت السماء أي انكشف عنها الغيم "لم يظمأ آخر ما عليه" أي من الظمأ وقوله آخر بالنصب والرفع وهذا كما في حديث الإسراء هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا آخر ما عليهم قال العيني: قوله أخر ما عليهم بالرفع والنصب فالنصب على الطرف والرفع على تقدير ذلك آخر ما عليهم من دخوله قال صاحب المطالع الرفع أجود انتهى "عرضه مثل طوله" وفي حديث عبد الله بن عمر وزواياه سواء وفيه رد على من جمع بين مختلف الأحاديث في تقدير مسافة الحوض على اختلاف العرض والطول "ما بين عمان" قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا اللفظ وعمان بضم المهملة وتخفيف الميم بلد على ساحل البحر من جهة البحرين انتهى "إلى أيلة" قال الحافظ: أيلة مدينة كانت عامرة وهي بطرف بحر القلزم من طرف الشام وهي الاَن خراب يمر بها الحاج من مصر فتكون شماليهم ويمر بها الحاج من غزة فتكون أمامهم انتهى.
اعلم أنه قد اختلف في تقدير مسافة الحوض اختلافاً كثيراً فوقع في حديث ثوبان من عدن إلى عمان البلقاء، وفي حديث أبي ذر هذا: ما بين عمان إلى أبلة وفي(7/137)
.................................................................................................
__________
حديث أنس كما بين أيلة وصنعاء من اليمن. قال الحافظ: بعد ذكر عدة روايات مختلفة ما لفظه وهذه الروايات متقاربة لأنها كلها نحو شهر أو تزيد أو تنقص ووقع في روايات أخرى التحديد بما هو دون ذلك، فوقع في حديث عقبة بن عامر عند أحمد: كما بين أيلة إلى الجحفة. وفي حديث جابر كما بين صنعاء إلى المدينة، وفي حديث ثوبان ما بين عدن وعمان البلقاء، وذكر روايات أخرى ثم قال وهذه المسافات متقاربة، وكلها ترجع إلى نحو نصف شهر أو تزيد على ذلك قليلا أو تنقص، وأقل ما ورد في ذلك ما وقع عند مسلم في حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أمامكم حوضاً كما بين جرباء وأذرع. وزاد في رواية: قال عبيد الله فسألته قال قريتان بالشام بينهما مسيرة ثلاثة أيام. ثم قال وقد جمع العلماء بين هذا الاختلاف فقال عياض هذا من اختلاف التقدير لأن ذلك لم يقع في حديث واحد فيعد أضطراباً من الرواة وإنما جاء في أحاديث مختلفة من غير واحد من الصحابة سمعوه في مواطن مختلفة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضرب في كل منها مثلا لبعد أقطار الحوض وسمعته بما يسنح من العبارة ويقرب ذلك للعلم يبعد ما بين البلاد النائية بعضها من بعض لا على إرادة المسافة المخفقة قال فبهذا يجمع بين الألفاظ المختلفة من جهة المعنى. انتهى ملخصاً، وفيه نظر من جهة أن ضرب المثل والتقدير إنما يكون فيما يتقارب وأما هذا الاختلاف المتباعد الذي يزيد تارة على ثلاثين يوماً وينقص إلى ثلاثة أيام فلا.
قال القرطبي: من بعض القاصرين أن الاختلاف في قدر الحوض اضطرب او ليس كذلك ثم نقل كلام عياض وزاد: وليس اختلافاً بل كلها تفيد أنه كبير متسع متباعد الجوانب ثم قال ولعل ذكره للجهات المختلفة يحسب من حضره ممن يعرف تلك الجهة. فيخاطب كل قوم بالجهة التي يعرفونها. وأجاب النووي ما حاصله أنه أخبر أولا بالمسافة اليسيرة ثم أعلم بالمسافة الطويلة فأخبر بها كأن الله تفضل عليه باتساعه شيئاً بعد شيء فيكون الاعتماد على ما يدل على أطولها مسافة وجمع غيره بين الاختلافين الأولين باختلاف السير البطيء، وهو بسير الأثقال والسير السريع، وهو يسير الراكب المخف، ويحمل رواية أقلها وهو الثلاث على سير البريد فقد عهد منهم من قطع مسافة الشهر في ثلاثة أيام ولو كان نادراً جداً وفي هذا الجواب عن المسافة الأخيرة نظر وهو فيما قبله مسلم وهو أولى(7/138)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ. وفي البابِ عن حُذَيْفَةَ بنِ الْيمَانِ وَعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو وَأَبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيّ وَابنِ عُمَرَ وَحَارِثَةَ بنِ وَهْبٍ وَالمُسْتَوْرِدِ بنِ شَدّادٍ. وَرُوِيَ عن ابنِ عُمَرَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "حَوْضِي كَمَا بَيْنَ الْكُوفَةِ إِلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ" .
__________
ما يجمع به وقد تكلم الحافظ على رواية الثلاث، وإن شئت الوقوف عليه فارجع إلى الفتح.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه مسلم.
قوله : "وفي الباب عن حذيفة بن اليمان وعبد الله بن عمرو وأبي برزة الأسلمي وابن عمرو وحارثه بن وهب والمستورد بن شداد" أما حديث حذيفة فأخرجه ابن ماجه، وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه الشيخان، وأما حديث أبي برزة الأسلمي فأخرجه الطبراني وابن حبان في صحيحه، كذا في الترغيب، وأما حديث ابن عمر فأخرجه أحمد والشيخان، وأما حديث ابن وهب وحديث المستورد بن شداد فلينظر من أخرجهما.(7/139)
14-باب
2563-حدثنا أَبُو حُصَيْنٍ عَبْدُ الله بنُ أَحْمَدَ بنِ يُونُسَ ، أخبرنا عَبْثَرُ بنُ القَاسِمِ حدثنا حُصَيْنٍ هُوَ ابنُ عَبْدِ الرحمنِ عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ: "لَمّا أُسْرِيَ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ يَمُرّ بالنبيّ
__________
"باب"
قوله: "حدثنا أبو حصين" بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين "عبد الله ابن أحمد بن يونس" اليربوعي الكوفي ثقة من الحادية عشر.(7/139)
وَالنّبِيّينَ وَمَعَهُمْ الرهطُ وَالنّبِيّ وَالنّبِيّينَ وَمَعَهُمْ الرّهْطُ وَالنبيّ وَالنّبِيّينَ وَلَيْسَ مَعَهُمْ أَحَدٌ حَتّى مَرّ بِسَوَادٍ عَظِيمٍ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قِيلَ مُوسَى وَقَوْمُهُ وَلَكِنْ أَرْفَعْ رَأْسَكَ فانْظُرْ. قالَ فَإِذَا هُوَ سَوَادٌ عَظِيمٌ قَدْ سَدّ الأُفُقَ مِنْ ذَا الْجَانِبِ وَمِنْ ذَا الْجَانِبِ، فَقِيلَ هؤُلاءِ أُمَتُكَ وَسِوَى هَؤُلاَءِ مِنْ أُمّتِكَ سَبْعُونَ أَلْفاً يَدْخُلُونَ الْجَنّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَدَخَلَ وَلَمْ يَسْأَلُوهُ وَلَمْ يُفَسّرْ لَهُمْ. فَقَالُوا نحْنُ هُمْ، وَقَالَ قَائِلُونَ هُمْ أَبْنَاؤنا الّذِينَ وُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ وَالإِسْلاَمِ، فَخَرَجَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: هُمْ الّذِينَ لاَ يَكْتَوُونَ ولا يَسْتَرقون وَلاَ يَتَطَيّرُونَ وَعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكَلُونَ. فَقَامَ عُكَاشَةُ بنُ مِحْصَنٍ
__________
قوله : "ومعهم الرهط" أي الجماعة "حتى مروا بسور عظيم" أي أشخاص كثيرين. قال في القاموس: السواد الشخص والمال الكثير ومن البلدة قراها والعدد الكثير ومن الناس عامتهم "قد سد الأفق" أي ستر طرف السماء بكثرته "من ذا الجانب ومن ذا الجانب" أي من اليمين والشمال "وسوى هؤلاء من أمتك سبعون ألفاً" وفي رواية الشيخين ومع هؤولاء سبعون ألفاً قدامهم قال النووي رحمه الله: يحتمل هذا أن يكون معناه وسبعون ألفاً من أمتك وغير هؤولاء، وأن يكون معناه في جملتهم سبعون ألفاً ويؤيد هذا رواية البخاري هذه أمتك ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفاً انتهى. قلت: الاحتمال الأول هو الظاهر لأن رواية الترمذي هذه صريحة في ذلك "فدخل" أي النبي صلى الله عليه وسلم في بعض حجرات أزواجه "ولم يسألوه" أي عن هؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب "ولم يفسر" أي النبي صلى الله عليه وسلم "لهم" أي من هم "فقالوا نحن هم" وفي رواية للبخاري: وقالوا نحن الذين آمنا بالله واتبعنا رسوله فنحن هم "وقال قائلون هم أبناء الذين ولدوا على الفطرة والإسلام" وفي رواية للبخاري: وأولادنا الذين ولدوا في الاسلام فإنا ولدنا في الجاهلية "فخرج النبي صلى الله عليه وسلم" وفي رواية للبخاري فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فخرج "فقام عكاشة" بضم العين وتشديد الكاف وتخفيف على ما في القاموس والمعنى "بن محزن" بكسر(7/140)
فَقَالَ: أَنَا مِنْهُمْ يَا رَسُولَ الله؟ قالَ نَعَمْ. ثُمّ جَاءَهُ آخَرُ فَقَالَ أَنَا مِنْهُمْ؟ فَقَالَ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَاشَةُ" .
وفي البابِ عن ابنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
ميم وفتح صاد "فقال أنا منهم يا رسول قال نعم" وفي رواية للبخاري: أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال نعم. وفي رواية أخرى له: فقال أدع الله أن يجعلني منهم قال: اللهم اجعله منهم. قال الحافظ: ويجمع بأنه سأل الدعاء أولا فدعا له ثم استفهم قيل أجبت انتهى "ثم جاءه آخر" وفي حديث أبي هريرة عند البخاري: ثم قام رجل من الأنصار "فقال سبقك بها" أي بهذه المسألة. قال ابن بطال: معنىقوله سبقك أي إلى إحراز هذه الصفات وهي التوكل وعدم التطير وما ذكر معه وعدل عنقوله لست منهم أو لست على أخلاقهم تلطفاً بأصحابه وحسن أدبه معهم، وقال ابن الجوزي: يظهر لي أن الأول سأل عن صدق قلب فأجيب وأما الثاني فيحتمل أن يكون أريد به حسم المادة فلو قال الثاني نعم لأوشك أن يقوم ثالث ورابع إلى ما لا نهاية له وليس كل الناس يصلح لذلك. قال الحافظ في الفتح: وهذا أولى من قول من قال كان منافقاً لوجهين أحدهما أن الأصل في الصحابة عدم النفاق فلا يثبت ما يخالف ذلك إلا بنقل صحيح. والثاني أنه قل أن يصدر مثل هذا السؤال إلا عن قصد صحيح ويقين بتصديق الرسول. وكيف يصدر ذلك من منافق وإلى هذا جنح ابن تيمية وصحح النووي أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بالوحي أنه يجاب في عكاشة ولم يقع ذلك في حق الاَخر. وقال السهلي: الذي عندي في هذا أنها كانت ساعة إجابة علمها صلى الله عليه وسلم، واتفق أن الرجل قال بعد ما انقضت، ويبينه ما وقع في حديث أبي سعيد ثم جلسوا ساعة يتحدثون. وفي رواية ابن إسحاق بعد قوله: سبقك بها عكاشة وبردت الدعوة أي انقضى وقتها، انتهى ما في الفتح.
قوله : "وفي الباب عن ابن مسعود وأبي هريرة" أما حديث ابن مسعود فأخرجه أحمد وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.(7/141)
2564-حدثنا محمّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ بَزيعٍ البَصْرِيُ، أخبرنا زِيَادُ بنُ الرّبِيعِ، أَخْبَرنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيّ، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ: مَا أَعْرِفِ شَيْئاً مِمّا كُنّا عَلَيْهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقلت: أَيْنَ الصّلاَةُ؟ قالَ: أَوَ لَمْ تَصْنَعُوا في صَلاَتِكُمْ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ من حديث أَبي عمران الجَوْنِيّ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن أَنَسٍ.
2565-حدثنا محمدُ بنُ يَحْيَى الأَزْدِيّ البَصْرِيّ، أَخْبَرنَا عَبْدُ الصّمَدِ بنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، أَخْبَرنَا هَاشِمُ وهو ابنُ سَعِيدٍ الْكُوفِيّ، حدثني زَيْدُ الْخَثْعَمِيّ
__________
قوله : "حدثنا زياد بن الربيع" اليحمدي بضم التحتانية وسكون المهملة وكسر الميم أبو خداش بكسر المعجمة وآخره معجمة البصري ثقة من الثامنة.
قوله : "فقلت أين الصلاة" وفي رواية البخاري: قيل الصلاة. قال الحافظ: أي قيل له الصلاة هي شيء مما كان على عهد صلى الله عليه وسلم وهي باقية فكيف يصح هذا السلب العام فأجاب بأنهم غيروها أيضاً بأن أخرجوها عن الوقت "قال أو لم تصنعوا في صلاتكم ما قد علمتم" أي التقصير في محافظها وأوقاتها قال الحافظ: وروى ابن سعد في الطبقات سبب قول أنس هذا القول فأخرج في ترجمة أنس من طريق عبد الرحمن بن العريان الحارثي سمعت ثابتاً البناني قال: كنا مع أنس بن مالك فأخر الحجاج الصلاة فقام أنس يريد أن يكلمه فنهاه إخوانه شفقة عليه منه، فخرج فركب دابته فقال في مسيرة ذلك: والله ما أعرف شيئاً مما كنا عليه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا شهادة أن لا إله إلا الله، فقال رجل فالصلاة يا أبا حمزة قال: قد جعلتم الظهر عند المغرب أفتلك كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وأخرجه ابن أبي عمر في مسنده من طريق حماد عن ثابت مختصراً انتهى.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه البخاري.
قوله : "حدثنا هاشم بن سعيد الكوفي" ثم البصري أبو إسحاق ضعيف من الثامنة "حدثني زيد الخعمي" أو السلمي هو ابن عطية مجهول من الثالثة(7/142)
عن أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيّةِ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَخَيّلَ وَاخْتَالَ، وَنَسِيَ الكَبِيرَ المتَعَالَ. وَبِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ تَجَبّرَ وَاعْتَدَى، وَنَسِيَ الْجَبّارَ الأَعْلَى. بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ سَهَى وَلَهَى، وَنَسِيَ المَقَابِرَ وَالْبِلَى. بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ عَتَا وَطَغَى، وَنَسِيَ المُبْتَدأَ وَالمُنْتَهَى. بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ يَختِلُ الدّنْيَا بالدّينِ. بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ
__________
وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى له الترمذي واحداً متنه: بئس العبد عبد تجبر واعتدى الحديث وقال غريب "عن أسماء بنت عميس الخثعمية" هي صحابية تزوجها جعفر بن أبي طالب ثم أبو بكر ثم علي بن أبي طالب وولدت لهم، وهي أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين لأمها ماتت بعد علي.
قوله : "بئس العبد" لم يقل بئس الرجل أو المرء تنبيهاً على أن الأوصاف الاَتية ليست من مقتضيات العبدية ولا نعوت العبودية "عبد تخيل" بخاء معجمة أي تخيل في نفسه فضلا على غيره قاله المناوي "واختال" أي تكبر "ونسى الكبير المتعال" بحذف الياء مراعاة للفاصلة وهو لغة في المنقوص المعرف وعليه قراءة الجمهور فيقوله تعالى: عالم الغيب والشهادة الكبير المعتال أي نسى أن الكبرياء والتعالي ليست إلا له "وبئس العبد عبد تجبر" بالجيم أي جبر الخلق على هواه قاله المناوي. وقال القاري: أي تهم على المظلومين وفي القاموس: بخير وجبره على الأمر أكرهه كأجبره انتهى فالتجبر بمعنى التكبر مع تضمن معنى القهر والغلبة والإكراه "واعتدى" أي في تجبر فمن خالفه قهره بقتل أو غيره "ونسى الجبار الأعلى" أي القهار الذي فوق عباده الغالب على أمره "عبد سهى" أي غفل عن الحق والطاعة باستغراقه في الأماني وجمع الحطام "ولهى" أي اشتغل بالهو واللعب "ونعى المقابر" المراد أنه نسي الموت بعدم الاستعداد له "والبلى" بكسر الموحدة وهو تفتت الأعضاء وتشتت الأجزاء إلى أن تصير رميماً ورفاتاً "بئس العبد عبد عتا" من العتو أي أفسد "وطغى" من الطغيان أي تجاوز عن الحد وقيل معناهما واحد وأتي بهما تأكيداً والثاني تفسير أو أتي به للفاصلة "ونسى المتدك والمنتهى" بصيغة المفعول. قال الأشرف: أي نسى ابتداء خلقه وهو مكونه نطفه، وانتهاء(7/143)
الدّينَ بالشّبُهَاتِ. بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ طَمَعٌ يَقُودُهُ. بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ هوَى يُضِلّهُ. بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ رُغَبٌ يُذِلّهُ" .
غريب لا نَعْرِفُهُ إِلاّ من هذا الْوَجْهِ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالقَوِيّ.
__________
حاله الذي يؤول إليه وهو صيرورته تراباً، أي من كان ذلك ابتداؤه ويكون انتهاءه هذا جدير بأن يطيع الله تعالى فيما بينهما. وقيل أي نسي المبتدأ والمعاد وما هو صائر إليه بعد حشر الأجساد "عبد يختل" بكسر التاء أي يطلب "الدنيا بالدين" أي بعمل الاَخرة من ختله إذا خدعه كذا في النهاية. والمعنى: يخدع أهل الدنيا بعمل الصلحاء ليعتقدوا فيه، وينال منهم مالاً أو جاهاً من ختل الذئب الصيد خدعه وخفي له. قال القاضي: ختل الصائد إذا مشى للصيد قليلاً قليلاً لئلا يحس به، شبه فعل من يرى ورعاً وديناً ليتوسل به إلى المطالب الدنيوية بختل الذئب الصائد "عبد يختل الدين" أي يفسده "بالشبهات" بضمتين وبفتح الثانية أي يتشبت بالشبهات ويتأول المحرمات "بئس العبد عبد طمع" أي له طمع أو ذو طمع أو وصف بالمصدر مبالغة ولو قرئ بإضافة العبد لاستقام من غير تكلف "يقوده" أي يسحبه الطمع إلى معصية الله تعالى "بئس العبد عبد هوى يضله" أي يضله هوى النفس "بئس العبد عبد رغب" قال في اللمعات: الرغب بضم الراء وفتحها مصدر رغب على حد طمع القاموس رغب فيه رغباً ويضم ورغبته أراده والرغب بالضم وبضمتين كثرة الأكل وكثرة النهم فعله ككرم انتهى والمراد الرغبة في الدنيا والإكثار منها انتهى. وقال الجزري في النهاية: الرغب شؤم أي الشرة والحرص على الدنيا وقيل سعة الأمل وطلب الكثير "يذله" بضم أوله وكسر الذال أي يذله حرص على الدنيا وتهافت عليها وإضافة العبد إليه للإهانة.
قوله : "هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه" وأخرجه ابن ماجة والحاكم بإسناد مظلم والطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان عن نعيم بن حمار بكسر المهملة وخفة الميم. قال المناوي وهو ضعيف لضعف طلحة الرقى "وليس إسناده بالقوى" في سنده هاشم بن سعيد الكوفي وهو ضعيف، وفيه أيضاً زيد الخثعمي وهو ابن عطية مجهول.(7/144)
2566-حدثنا محمدُ بنُ حَاتِمٍ المؤدّبُ، أَخْبَرنَا عَمّارُ بنُ محمّدِ ابنِ أُخْتِ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ، أَخْبَرنَا أَبُو الْجَارُودِ الأَعْمَى وَاسْمُهُ زِيَادُ بنُ المُنْذِرِ الْهَمَدَانِيّ، عن عطِيّةَ العَوْفِيّ، عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَيّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِناً عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ الله يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنّةِ، وأَيّما مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِناً عَلَى ظَمَاءٍ سَقَاهُ الله يومَ القِيَامَةِ مِنَ الرّحِيقِ المختوم، وَأَيّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِناً عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ الله مِنْ خُضْرِ الْجَنّةِ" .
__________
قوله : "حدثنا عمار بن محمد بن أخت سفيان الثوري" أيو اليقظان الكوفي الثوري سكن بغداد صدوق يخطئ وكان عابداً من الثامنة "أخبرنا أبو الجارود الأعمى" الكوفي رافضي كذبه يحيى بن معين من السابعة. قال الحافظ في تهذيب التهذيب: روى له الترمذي حديثاً واحداً في إطعام الجائع.
قوله : "أيما مؤمن" ما زائدة وأي مرفوع على الابتداء "أطعم مؤمناً على جوع" أي مؤمناً جائعاً "أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة" فيه إشارة إلى أن ثمارها أفضل أطعمتها "سقى مؤمناً على ظمأ" بفتحتين مقصورة أو قد يمد أي عطش "سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم" أي يسقيه من خمر الجنة التي ختم عليه بمسك جزاء وفاقاً إذ الجزاء من جنس العمل. قال القاري: والرحيق صفوة الخمر والشراب الخالص الذي لا غش فيه، والمختوم هو المصون الذي لم يبتذل لأجل ختامه ولم يصل إليه غير أصحابه وهو عبارة عن نفاسته انتهى "وأيما مؤمن كسا" أي أليس "على عرى" بضم فسكون، أي على حالة عرى أو لأجل عرى أو لدفع عرى وهو يشمل عرى العورة وسائر الأعضاء "كساه الله من خضر الجنة" بضم الخاء وسكون الضاد المعجمتين جمع أخضر، أي من الثياب الخضر فيها من باب إقامة الصفة مقام الموصوف، وخصها لأنها أحسن الألوان. قال المناوي: المراد أنه يخص بنوع من ذلك أعلى وإلا فكل من دخل الجنة كساه الله من ثيابها وأطعمه وسقاه من ثمارها وخمرها.(7/145)
هذا حديثٌ غريبٌ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا، عن عَطِيّةَ، عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ مَوْقُوف، وَهُوَ أَصَحّ عِنْدَنَا وَأَشْبَهُ.
2567-حدثنا أَبُو بَكْرِ بنِ أَبي النّضْرِ، حَدّثَنا أَبُو النّضْرِ، حدثنا أَبُو عَقِيلٍ الثّقَفيّ، أَخْبَرنَا أَبُو فَرْوَةَ يَزِيدُ بنُ سِنَانٍ التّمِيمِيّ، حدثني بُكَيْرُ بنُ فَيْرُوزَ، قالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ أَلاَ إِنّ سِلْعَةَ الله غَالِيَةٌ أَلاَ إِنّ سِلْعَةَ
__________
قوله : "هذا حديث غريب" في سنده أبو الجاورد الأعمى وقد عرفت حاله وأخرجه أبو داود بسند آخر وسكت عنه وقال المنذري: في إسناده أبو خالد محمد ابن عبد الرحمن المعروف بالدلاني، وقد أثنى عليه غير واحد، وتكلم فيه غير واحد انتهى.
قوله : "حدثنا أبو النضر" اسمه هاشم بن القاسم بن مسلم الليثي مولاهم البغدادي مشهور بكنيته ولقبه قيصر ثقة، ثبت من التاسعة "أخبرنا أبو عقيل الثقفي" اسمه عبد الله بن عقيل الكوفي نزيل بغداد صدوق من الثامنة "أخبرنا أبو فروة يزيد ين سنان التميمي" الرهاوي ضعيف من كبار السابعة "حدثني بكير بن فيروز" الرهاوي مقبول من الثالثة. قال في تهذيب التهذيب: روى له الترمذي حديثاً واحداً حديث: من خاف أدلج.
قوله : "من خاف" أي البيات والإغارة من العدو وقت السحر "أدلج" بالتخفيف من سار أول الليل وبالتشديد من آخره "ومن أدلج بلغ المنزل" أي وصل إلى المطلب. قال الطيبي رحمه الله: هذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لسالك الاَخرة فإن الشيطان على طريقه والنفس وأمانيه الكاذبة أعوانه، فإن بتغط في مسيره وأخلص النية في عمله أمن من الشيطان وكيده، ومن قطع الطريق بأعوانه ثم أرشد إلى أن سلوك طريق الاَخرة صعب، وتحصيل الأخرة متعسر لا يحصل بأدنى سعى فقال "ألا" بالتخفيف التنبيه "إن سلعة الله" أي من متاعه(7/146)
الله الْجَنّةُ" .
قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ أَبي النّضْرِ.
2568-حدثنا أَبُو بَكْرِ بنِ أَبي النّضْرِ، حدثنا أَبُو النّضْرِ، حَدّثَنِيْ أَبُو عَقِيلٍ الثقفي، عَبْدُ الله بنُ عَقِيلٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ يَزِيدَ، حدثني رَبِيعَةُ بنُ يَزِيدَ وَعَطِيّةُ بنُ قَيْسٍ عن عَطِيّةَ السّعْدِيّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: قالَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ المتّقِينَ حَتّى يَدَعَ مَالاَ بَأْسَ بِهِ حَذَراً
__________
من نعيم الجنة "غالية" بالغين المعجمه أي رفيعة القدر "ألا إن سلعة الله الجنة" يعني ثمنها الأعمال الباقية المشار إليها بقوله سبحانه {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} وبقوله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} .
قوله : "هذا جديث حسن غريب" في سنده أبو فروة وهو ضعيف وأخرجه الحاكم. قال المناوي: وقال صحيح لكن نوزع.
قوله : "حدثنا عبد الله بن يزيد" الدمشقي ضعيف من السادسة.
ومنهم من قال هو ابن ربيعة بن يزيد الماضي كذا في التقريب. وقال في تهذيب التهذيب في ترجمة عبد الله بن يزيد: قال أبو القاسم بن عساكر فرق البخاري بينه وبين عبد الله بن ربيعة بن يزيد وهما عند أبي داود واحد قال المزي: والصواب ما صنع البخاري إن شاء الله تعالى "حدثني ربيعة بن يزيد" هو الدمشقي "وعطية ابن قيس" الكلابي، وقيل بالعين المهملة بدل الموحدة، أبو يحيى الشامي ثقة مقرئ من الثالثة "عن عطية السعدي" هو ابن عروة أو ابن سعد أو ابن عمرو صحابي نزل الشام روى عنه ابنه محمد وربيعة بن يزيد كذا في الخلاصة.
قوله : "لا يبلغ العبد أن يكون" أي لا يصل كونه "من المتقين" المتقي في اللغة اسم فاعل من قولهم وقاه فاتقى والوقاية فرط الصيانة وفي الشريعة الذي بقي نفسه تعاطى ما يستحق به العقوبة من فعل وترك، وقيل التقوى على ثلاثة مراتب:(7/147)
لِمَا بِهِ بَأْس" . هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
2569-حدثنا عَبّاسٌ العَنْبَرِيّ، أَخْبَرنَا أَبُو دَاودَ، أَخْبَرنَا عِمْرَانُ القَطّانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يَزِيدَ بنِ عَبْدِ الله بنِ الشّخّيرِ، عَنْ حَنْظَلَةَ الأسَيْدِيّ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنّكُمْ تَكُونُونَ كَمَا تَكُونُونَ عِنْدِي لأَظَلّتْكُمُ المَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا" .
__________
الأول : التقوى عن العذاب المخلد بالتبري من الشرك، كقوله تعالى: "وألزمهم كلمة التقوى".
والثانية : التجنب عن كل ما يؤثم من فعل أو ترك حتى الصغائر عند قوم، وهو التعارف بالتقوى في الشرع والمعنى بقوله: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا.
والثالثة : أن يتنزه عما يشغل سره عن الحق ويقبل بشراشره إلى الله وهي التقوى الحقيقية المطلوبة بقوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} والحديث وإن استشهد به المرتبة الثانية فإنه يجوز أن ينزل على المرتبة الثالثة "حتى يدع" أي يترك "حذراً لما به بأس" مفعول له أي خوفاً من أن يقع فيما فيه بأس. قال الطيبي رحمه الله:قوله أن يكون ظرف يبلغ على تقدير مضاف أي درجة المتقين. قال المناوي: أي يترك فضول الحلال حذراً من الوقوع في الحرام.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه ابن ماجه والحاكم.
قوله : "حدثنا أبو داود" هو الطيالسي "عن يزيد ين عبد الله بن الشخير" بكسر الشين المعجمة وتشديد الخاء المعجمة المكسورة العامري كنيته أبو العلاء البصري ثقة من الثانية "عن حنظلة الأسيدي" بضم الهمزة وفتح السين مصغراً هو ابن الربيع بن صيقي بفتح المهملة بعدها نحتانية ساكنة التميمي، يعرف بحنظلة الكاتب، صحابي نزل الكوفة ومات بعد علي.
قوله : "لو أنكم تكونون" أي في حال غيبتكم عني "كما تكونون عندي" أي من صفاء القلب والخوف من الله "لأظلتكم الملائكة بأجنحتها" جمع جناح ورواية مسلم: لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم.(7/148)
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هذا الوَجْهِ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ عَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيْدِيّ.
وفي البابِ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ.
2570-حدثنا يُوسُفُ بنُ سليمان أَبُو عَمْرٍو البَصْرِيّ، حدثنَا حَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحمدِ بنِ عَجْلاَنَ عَنْ القَعْقَاعِ بن حكيم، عن أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ لِكُلّ شَيءٍ شِرّةً وَلِكُلّ شِرّةٍ فَتْرَةً، فَإِنْ صَاحِبُهَا سَدّدَ وَقَارَبَ فَأَرْجُوهُ وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ فَلاَ تَعُدّوهُ" .
__________
قوله : "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه" وأخرجه مسلم مطولا من غير هذا الوجه.
قوله : "وفي الباب عن أبي هريرة" أخرجه أحمد والترمذي في باب صفة الجنة ونعيمها.
قوله : "حدثنا يوسف بن سليمان" أبو عمرو البصري الباهلي أو المازني صدوق من العاشرة "عن القعقاع" هو ابن حكيم "عن أبي صالح" هو السمان.
قوله : "إن لكل شيء شرة" بكسر الشين المعجمة وتشديد الراء أي حرصاً على الشيء ونشاطاً ورغبة في الخير أو الشر "ولكل شرة فترة" بفتح الفاء وسكون التاء أي وهناً وضعفاً وسكوناً "فإن" شرطية "صاحبها سدد وقارب" أي جعل صاحب الشرة عمله متوسطاً وتجنب طرفي إفراط الشرة وتفريط الفترة "فأرجوه" أي أرجو الفلاح منه فإنه يمكنه الدوام على الوسط، وأحب الأعمال إلى الله أدومها "وإن أشير إليه بالإصابع" أي اجتهد وبالغ في العمل ليصير مشهوراً بالعبادة والزهد وصار مشهوراً مشاراً إليه "فلا تعدوه" أي لا تعتد وانه ولا تحسبوا من الصالحين لكونه مرائياً، ولم يقل فلا ترجوه إشارة إلى أنه قد سقط ولم يمكنه تدارك ما فرط.(7/149)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذَا الوَجْهِ. وَقَدْ رُوِيَ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ عَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "بَحَسْبِ امرئ مِنَ الشّرّ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ في دِينٍ أَوْ دُنْيَا إِلاّ مَنْ عَصَمَهُ الله" .
2571-حدثنا محمّدُ بنُ بَشارٍ، أخبرنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى عَنْ الرّبِيعِ بنِ خُثَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "خَطّ لنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم خَطّا مُرَبّعاً وَخَطّ
__________
قوله : "هذا حديث صحيح غريب" وأخرجه البيهقي عن ابن عمر مرفوعاً ولفظه: إن لكل شيء شرة ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك.
قوله : "أنه قال بحسب امرى من الشر" الياء زائدة أي يكفيه منه في أخلاقه ومعاشه ومعاده "أن يشار إليه بالأصابع" أي يشير الناس بعضهم لبعض إليه بأصابعهم "في دين أو دنيا" فيقولون هذا فلان العابد أو العالم ويطرون في مدحه فإن ذلك بلاء ومحنة له "إلا من عصمه الله" أي حفظه بحيث صار له ملكة يقتدر بها على قهر نفسه بحيث لا يلتفت إلى ذلك ولا يستنفره الشيطان بسببه، وقيل المراد أنه إنما يشار إليه في دين لكونه أحدث بدعة فيشار إليه بها وفي دنيا لكونه أحدث منكراً غير متعارف بينهم قاله المناوي. وحديث أنس هذا أخرجه البيهقي في شعب الإيمان قال المناوي بإسناد فيه متهم.
قوله : "حدثنا يحيى بن سعيد" هو القطان "أخبرنا سفيان" هو الثوري "عن أبيه" اسمه سعيذ بن مسروق "عن أبي يعلي" اسمه المنذر بن يعلي الثوري بالمثلثة الكوفي ثقة من السادسة "عن الربيع بن خثيم" بضم المعجمة وفتح المثلثة ابن عائد بن عبد الله الثوري، كنيته أبو يزيد الكوفي، ثقة عابد مخضرم من الثانية قال له ابن مسعود: لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك.
قوله : "خط لنا" أي للصحابة "خطأ مربعاً" الظاهر أنه كان بيده المباركة(7/150)
فِي وَسَطِ الْخَطّ خطّاً، وَخَطّ خَارِجاً مِنَ الْخَطّ خَطّاً، وَحَوْلَ الّذِي فِي الوَسَطِ خُطُوطاً، فَقَالَ: "هَذَا ابنُ آدَمَ وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ، وَهَذَا الّذِي في الوَسَطِ الإِنْسَانُ وَهَذِهِ الْخُطُوطُ عُرُوضُهُ إِنْ نَجَا مِنْ هَذا يَنْهَشُهُ هَذَا، وَالْخَطّ الْخَارِجُ الأَمَلُ" .
هذا حديثٌ صحيحٌ.
2572-حدثنا قُتَيْبَةُ أَخْبَرنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَهْرَمُ ابنُ آدَمَ وَيَشُبّ مِنْهُ اثنان: الحِرْصُ عَلَى المَالِ وَالْحِرْصُ عَلَى العُمُرِ" .
__________
على الأرض قال الطيبي رحمه الله: المراد بالخط الرسم والشكل "وخط في وسط الخط" أي وسط المربع "خطاً" أي آخر "وخط خارجاً من الخط" أي المربع "خطأ" أي آخر "وحول الذي في الوسط" أي حول الخط الذي في وسط المربع "خطوطاً" أي صغاراً كما في رواية "فقال هذا ابن آدم" أي هذا الخط المصور مجموعة مثال ابن آدم "وهذا" أي الخط المربع "أجله" أي مدة أجله "محيط به" أي من كل جوانبه بحيث لا يمكنه الخروج والفرار منه "وهذه الخطوط" أي الصغار "عروضه" أي الاَفات والعاهات من المرض والجوع والعطش وغيره "إن نجا منه ينهشه هذا" أي إن تجاوز عنه العرض يلدغه هذا العرض الاَخر، وعبر عن عروض الاَفة بالنهش وهو لدغ ذات السم، مبالغة في الإصابة وتألم الإنسان بها "والخط الخارج" أي عن المربع "الأمل" أي مأموله ومرجوه الذي يظن أنه يدركه قبل حلول أجله هذا خطا منه لأن أمله طويل لا يفرغ منه، وأجله أقرب إليه منه وفي الحديث إشارة إلى الحض على قصر الأمل والاستعداد لبغتة الأجل.
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه.
قوله : "يهرم" بفتح الراء أي يشيب كما في رواية والمعنى يضعف "ويشب" بكسر الشين المعجمة وتشديد الموحدة أي ينمو ويقوي "منه" أي من أخلاقه ففي التاج للبيهقي وكذا في القاموس: أن الهرم كبر السن من باب علم وشب شباباً من باب ضرب "الحرص على المال" أي جمعه ومنعه "والحرص على العمر" أي(7/151)
هذا حديثٌ صحيحٌ.
2573-حدثنا أَبُو هُرَيْرَةَ مُحمّدُ بنُ فِرَاسٍ البَصْرِيّ، حدثنَا أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ، حدثنَا أَبُو العَوّامِ وَهُوَ عِمْرَانُ القطّانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرّفِ بنِ عَبْدِ الله بنِ الشّخّيرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مُثّلَ ابنُ آدَمَ وَإِلَى جَنْبِهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ مَنِيّةً إِنْ أَخْطَأَتْهُ المَنَايَا وَقَعَ في الهَرَمِ" .
قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2574-حدثنا هَنّادٌ، وأَخْبَرنَا قَبِيصَةُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الله بنِ مُحَمّدِ بنِ عَقِيلٍ، عَنْ الطّفَيْلِ بنِ اّبَيّ بنِ كَعْبٍ: عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ
__________
طوله. قال النووي رحمه الله:قوله تشب استعارة ومعناه أن قلب الشيخ كامل الحب للمال محتكم في ذلك مثل إحكام قوة الشاب في شبابه. قال القرطبي: في هذا الحديث كراهة الحرص على طول العمر وكثرة المال وأن ذلك ليس بمحمود. وقال غيره: الحكمة في التخصيص بهذين الأمرين أن أحب الأشياء إلى ابن آدم نفسه فهو راغب في بقائها، فأحب لذلك طول العمر وأحب المال لأنه من أعظم الأسباب في دوام الصحة التي ينشأ عنها غالباً طول العمر، فكلما أحس بقرب نفاد ذلك، اشتد حبه ورغبته في دوامه.
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه الشيخان وغيرهما.
قوله : "مثل ابن آدم الخ" تقدم هذا الحديث بإسناده ومتنه في أبواب القدر وتقدم شرحه هناك.
قوله : "عن الطفيل بن أبي بن كعب" الأنصاري الخزرجي كان يقال له أبو بطن لعظم بطنه ثقة يقال ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الثانية "عن أبيه" هو أبي بن كعب بن قيس الأنصاري الخزرجي أبو المنذر سيد القراء ويكني أبا الطفيل أيضاً من فضلاء الصحابة.(7/152)
الله صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللّيْلِ قَامَ فَقَالَ: "يَا أَيُهَا النّاسُ اذْكُرُوا الله اذْكُرُوا الله جَاءَتْ الرَاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ" . قَالَ أُبَيّ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِنّي أُكْثِرُ الصّلاَةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي؟ فقَالَ "مَا شِئْتَ". قال: قُلْت الرّبُعَ؟ قَالَ "مَا شِئْتَ. فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قُلْتُ فَالنّصْفَ؟ قَالَ "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لكَ". قال: قُلْتُ فَالثّلُثَيْنِ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لكَ"، قُلْتُ أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلّهَا؟ قَالَ: "إِذَا تُكْفَى هَمّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ" .
__________
قوله : "يا أيها الناس" أراد به النائمين من أصحابه الغافلين عن ذكر الله ينبههم عن النوم ليشتغلوا بذكر الله تعالى والتهجد "جاءت الراجفة تتبعها الرادفة" قال في النهاية: الراجفة النفخة الأولى التي يموت لها الخلائق. والرادفة النفخة الثانية التي يحيون لها يوم القيامة وأصل الرجف الحركة والاضطراب انتهى. وفيه إشارة إلى قوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} وعبر بصيغة المضي لتحقق وقوعها فكأنها جاءت والمراد أنه قارب وقوعها فاستعدوا لتهويل أمرها "جاء الموت بما فيه" التكرار للتأكيد "إني أكثر الصلاة عليك" أي أريد إكثارها. قاله القاري ولا حاجه لهذا التأويل كما لا يخفي "فكم أجعل لك من صلاتي" أي بدل دعائي الذي أدعو به لنفي قاله القاري. وقال المنذري في الترغيب: معناه أكثر الدعاء فكم أجعل لك من دعائي صلاة عليك "قال ما شئت" أي أجعل مقدار مشيئتك "قلت الربع" بضم الياء وتسكن أي أجعل ربع أوقات دعائي لنفسي مصروفاً للصلاة عليك "فقلت ثلثي" هكذا في بعض النسخ بحذف النون وفي بعضها فالثلثين وهو الظاهر "قلت أجعل لك صلاتي كلها" أ ي أصرف بصلاتي عليك جميع الزمن الذي كنت أدعو فيه لنفسي "قال إذاً" بالتنوين "تكفي" مخاطب مبني للمفعول "همك" مصدر بمعنى المفعول وهو منصوب على أنه مفعول ثان مكتفي فإنه يتعدى إلى مفعولين والمفعول الأول المرفوع بما لم يسم "فاعله وهو أنت،(7/153)
هذا حديثٌ حسنٌ
2575-حدثنا يَحْيَى بنُ مُوسَى، أَخْبَرنَا محمدُ بنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبَانَ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ الصّبَاحِ بنِ مُحمّدٍ، عَنْ مُرّةَ الهَمْدَانِيّ عَنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اسْتَحْيُوا مِنْ الله حَقّ الحَيَاءِ". قال: قُلْنَا: يَا نَبِيّ لله إِنّا لَنَسْتَحْيِي وَالحمدُ لله، قَالَ: "لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنْ الاسْتِحَيَاءَ مِنَ الله حَقّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرّأْسَ، وَمَا وَعَى وَتَحْفَظَ
__________
والهم ما يقصده الإنسان من أمر الدنيا والاَخرة، يعني إذا صرفت جميع أزمان دعائك في الصلاة على أعطيت مرام الدنيا والاَخرة.
قوله : "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد والحاكم وصححه وفي رواية لأحمد عنه قال: قال رجل: "يا رسول الله أرأيت إن جعلت صلواتي كلها عليك؟ قال: إذاً يكفيك الله تبارك وتعالى ما أهمك من دنياك وآخرتك" . قال المنذري: وإسناد هذه جيد انتهى. قال القاري: وللحديث روايات كثيرة. وفي رواية قال: إني أصلي من الليل بدل أكثر الصلاة عليك فعلى هذا قوله فكم أجعل لك من صلاتي أي بدل صلاتي من الليل انتهى.
قوله : "حدثنا محمد بن عبيد" بن أبي أمية الطنافسي الكوفي الأحدب، ثقة من الحادية عشرة "عن أبان بن إسحاق" الأسدي النحوي كوفي ثقة تكلم فيه الأزدي بلا حجة من السادسة "عن الصباح بن محمد" بن أبي حازم البجلي الأحمسي الكوفي ضعيف أفرط فيه ابن حبان.
قوله : "استحيوا من الله حق الحياء" أي حياء ثابتاً ولازماً صادقاً قاله المناوي: وقيل أي اتقوا الله حق تقاته "قلنا يا نبي الله إنا لنستحي" لم يقولوا حق الحياء اعترافاً بالعجز عنه "والحمد لله" أي على توفيقنا به "قال ليس ذاك" أي ليس حق الحياء ما تحسبونه بل أن يحفظ جميع جوارحه عما لا يرضى "ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس" أي عن استعماله في غير طاعة لله بأن لا تسجد لغيره ولا تصلي للرياء ولا تخضع به لغير الله ولا ترفعه تكبراً "وما وعي" أي جمعه الرأس(7/154)
البَطْنَ، وَمَا حَوَى، وَتَتَذَكّرَ المَوْتَ وَالبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الاَخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَى يَعْنِي مِنَ الله حَقّ الْحَيَاءِ" .
هذا حديثٌ غريبٌ إِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبَانَ ابنِ إِسْحَاقَ عَنْ الصّبّاحِ بنِ مُحمدٍ.
2576-حدثنا سُفْيَانَ بنُ وَكِيعٍ، أَخْبَرنَا عِيسَى بنُ يُونُسَ، عن أَبِي بَكْرِ بنِ أَبي مَرْيَمَ ح.
2577-وحدّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرَحْمَنِ، أخبرنا عَمْرُو بنُ عَوْنٍ، أخبرنا ابنُ المُبَارَكِ عَنْ أَبي بَكْرِ بنِ أَبي مَرْيَمَ، عن ضَمْرَةَ بنِ حَبِيبٍ،
__________
من اللسان والعين والأذن عما لا يحل استعماله "وتحفظ البطن" أي عن أكل الحرام "وما حوى" أي ما اتصل اجتماعه به من الفرج والرجلين واليدين والقلب، فإن هذه الأعضاء متصلة بالجوف، وحفظها بأن لا تستعملها في المعاصي بل في مرضاة الله تعالى "وتتذكر الموت والبلى" بكسر الباء من بلى الشيء إذا صار خلقاً متفتتاً يعني تتذكر صيرورتك في القر عظاماً بالية "ومن أراد الاَخرة ترك زينة الدنيا" فإنهما لا يجتمعان على وجه الكمال حتى للأقوياء قاله القاري. وقال المناوي: لأنهما ضرتان فمتى أرضيت إحداهما أغضبت الأخرى "فمن فعل ذلك" أي جميع ما ذكر.
قوله : "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد والحاكم والبيهقى قال المناوي: قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي انهى. وفي إسناده الترمذي الصباح بن محمد وهو ضعيف كما عرفت. قال العقيلي في حديثه وهم ويرفع الموقوف. وقال الذهبي في الميزان. رفع حديثين هما من قول عبد الله بن مسعود.
قوله : "وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمَن" هو الدارمي "أخبرنا عمرو بن عون" ابن أوس الواسطي أبو عثمان البزار البصري، ثقة ثبت من العاشرة "عن ضمرة(7/155)
عن شَدّادِ بنِ أَوْسٍ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْكَيّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ، وَالعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمنّى عَلَى الله" . قال: هذا حديثٌ حسنٌ قال: وَمَعْنَى قوله: مَنْ دَانَ نَفْسَهُ يَقُولُ حَاسَبَ نَفْسَهُ في الدّنْيَا قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَيُرْوَى عنْ عُمَرَ بنِ الْخَطّابِ قَالَ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَتَزَيّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ وَإِنّمَا يَخِفّ الْحَسَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ في الدّنْيَا.
__________
ابن حبيب" بن صهيب الزبيدي بضم الزاي الحمصي، ثقة من الرابعة "عن شداد ابن أوس" بن ثابت الأنصاري صحابي مات بالشام قبل الستين أو بعدها، وهو ابن أخي حسان بن ثابت.
قوله : "الكيس" أي العاقل المتبصر في الأمور الناظر في العواقب "من دان نفسه" أي حاسبها وأذلها واستعبدها وقهرها حتى صارت مطيعة منقادة "وعمل لما بعد الموت" قبل نزوله ليصير على نور من ربه فالموت عاقبة أمر الدنيا، فالكيس من أبصر العاقبة "والعاجز" المقصر في الأمور "من أتبع نفسه هواها" من الإتباع أي جعلها تابعة لهواها فلم يكفها عن الشهوات ولم يمنعها عن مقارنة المرمات "وتمنى على الله" وفي الجامع الصغير وتمنى على الله الاماني فهو مع تفريطه في طاعه ربه واتباع شهادته لا يعتذر بل يتمنى على الله الأماني أن يعفو عنه. قال الطيبي رحمه الله: والعاجز الذي غلبت عليه نفيسه وعمل ما أمرته به نفسه فصار عاجزاً لنفسه فاتبع نفسه هواها وأعطاها ما اشتهته، قوبل الكيس بالعاجز والمقابل الحقيقي للكيس السفيه الرأي وللعاجز القادر ليؤذن بأن الكيس هو القادر، والعاجز هو السفية وتمنى على الله أي يذنب ويتمنى الجنة من غير الاستغفار والتوبة.
قوله : "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد، وابن ماجه والحاكم وقال صحيح ورده الذهبي قاله المناوي "حاسبوا" بكسر السين أمر من المحاسبة "قيل أن تحاسبوا" بصيغة المجهول "وتزينوا" الظاهر أن المراد به استعدوا وتهيئوا "للعرض الأكبر" أي يوم تعرضون على ربكم للحساب "وإنما يخف" بكسر(7/156)
وَيُرْوَى عنْ مَيْمُونِ بنِ مِهْرَانَ قَالَ: لاَ يَكُونُ العَبْدُ تَقِيّاً حَتّى يُحَاسِبَ نَفْسَهُ كَمَا يُحَاسِبُ شَرِيكَهُ مِنْ أَيْنَ مَطْعَمُهُ وَمَلْبَسُهُ.
2578-حدثنا مُحمّدُ بنُ أَحْمدَ بنُ مَدّوَيهِ، أخبرنا الْقَاسِمُ بنُ الْحَكَمِ العُرَنيّ، أخبرنا عُبَيْدُ الله بنُ الوَلِيدِ الوَصّافِيّ، عن عَطِيّةَ عنْ أَبِي سَعِيدٍ قالَ: "دَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُصَلاّهُ فَرَأَى نَاساً كَأَنْهُمْ يَكْتَشِرُونَ، قَالَ: "أَمَا إِنّكُمْ لَوْ أَكْثَرْتُمْ ذِكْرَ هَاذِمٍ الّلذَاتِ
__________
الخاء المعجمة من باب ضرب بضرب أي يصير خفيفاً ويسيراً "ويروي عن ميمون ابن مهران" قال في التقريب ميمون بن مهران الجزري أبو أيوب أصله كوفي نزل الرقة ثقة فقيه، ولى الجزيرة لعمر بن عبد العزيز وكان يرسل من الرابعة.
قوله : "حدثنا محمد بن أحمد مدويه" ، قال في التقريب محمد بن أحمد ابن الحسين بن مدويه بميم وتثقيل القرشي أبو عبد الرحمَن الترمذي، صدوق من الحادية عشرة "أخبرنا القاسم بن الحكم" بن كثير "العرني" بضم المهملة وفتح الراء بعدها نون أبو أحمد الكوفي قاضي همدان، صدوق فيه لين من التاسعة "أخبرنا عبيد الله بن الوليد الوصافي" بفتح الواو وتشديد المهملة أبو إسماعيل الكوفي العجلي ضعيف من السادسة "عن عطية" هو العوفي.
قوله : "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مصلاه" وفي المشكاة: خرج النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة قال القاري: والظاهر المتبادر من مقتضى المقام أنها صلاة جنازة لما ثبت أنه عليه الصلاة والسلام إذا رأى جنازة رؤيت عليه كآبة أي حزن شديد وأقل الكلام "فرأى ناساً كأنهم يكتشرون" أي يضحكون من الكشر وهو ظهور الأسنان للضحك. ففي القاموس: كشر عن أسنانه أبدى يكون في الضحك وغيره انتهى "قال أما" بالتخفيف لينبه على نوم الغفلة الباعث على الضحك والمكالمة "إنكم لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات" قال في القاموس: هذم بالمعجمة قطع وأكل بسرعة وبالمهملة نقض البناء انتهى. والمعنى لو أكثرتم(7/157)
لشَغَلَكُمْ عَمّا أَرَى الموت، فَأَكْثِرُوا من ذِكْرِ هَاذِمِ اللذَاتِ المَوْتِ، فَإِنّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى الْقَبْرِ يَوْمٌ إِلاّ تَكَلّمَ فيه يَقُولُ: أَنَا بَيْتُ الغُرْبَةِ، وأَنَا بَيْتُ الوَحْدَةِ وأَنَا بَيْتُ التّرَابِ وَأَنَا بَيْتُ الدُودِ، فَإِذَا دُفِنَ العَبْدُ المُؤْمِنُ قَالَ لَهُ القَبْرُ: مَرْحَباً وَأَهْلاً، أَمَا إِنْ كُنْتَ لأَحَبّ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيّ فَإِذْ وَلِيْتُكَ اليَومَ وَصِرْتَ إِلَيّ فَسَتَرَى صَنِيْعِي بِكَ، قال: فَيَتّسِعُ لَهُ مَدّ بَصَرِهِ وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ
__________
من ذكر قاطع اللذات "لشغلكم عما أرى" أي من الضحك وكلام أهل الغفلة، "فأكثروا من ذكر هاذم اللذات الموت" بالجر تفسير لهاذم اللذات أو بدل منه، وبالنصب بإضمار أعني وبالرفع بتقدير هو الموت ثم إنه صلى الله عليه وسلم بيّن للصحابة وجه حكمة الأمر بإكثار ذكر الموت وأسبابه بقوله "فإنه" أي الشأن "لم يأت على القبر يوم" أي وقت وزمان "فيقول أنا بيت الغربة" فالذي يسكنني غريب "وأنا بيت الوحدة" فمن حل بي وحيد "وأنا بيت التراب وأنا بيت الدود" فمن ضجمته أكله التراب والدود، إلا من استثنى ممن نص على أنه لا يبلي ولا يدود في قبره، فالمراد بيت من شأنه ذلك "فإذا دفن العبد المؤمن" أي المطيع كما يدل عليه ذكر الفاجر والكافر في مقابله "قال له القبر" أو ما يقوم مقامه "مرحباً وأهلاً" أي وجدت مكاناً رحباً ووجدت أهلاً من العمل الصالح فلا ينافي ما مر "أما" بتخفيف الميم للتنبيه "إن كنت" أي أنه كنت فإن مخففة من المثقلة واللام فارقة بينها وبين أن النافية فيقوله "لأحب" وهو أفعل تفضيل بني المفعول أي لأفضل "من يمشي على ظهري إلى" متعلق بأحب "فإذا" بسكون الذال أي فحين "وليتك" من التولية مجهولاً أو من الولاية مظلوماً، أي صرت قادر حاكماً عليك "اليوم" أي هذا الوقت، وهو ما بعد الموت، والدفن "وصرت إليّ" أي صرت إليّ ووليتك والواو لا ترتب وكذا يقال فيما يأتي "فسترى أي ستبصر أو تعلم "صنيعي بك)" من الإحسان إليك بالتوسيع عليك "فيتسع" أي فيصير القبر وسيعاً "له" أي المؤمن "مد بصره" أي بقدر ما يمتد إليه بصره ولا ينافي رواية سبعين ذارعاً لأن المراد بها التكثير لا التحديد(7/158)
إِلَى الْجَنّةِ. وَإِذَا دُفِنَ العَبْدُ الفَاجِرُ أَو الكَافِرُ قَالَ لَهُ القَبْرُ: لاَمَرْحَباً وَلاَ أَهْلاً أَمَا إِنْ كُنْتَ لأَبْغَضَ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيّ فَإِذْ وَلِيتُكَ اليَوْمَ وَصِرْتَ إِلَيّ فَسَتَرَى صَنِيْعِي بِكَ. قَالَ فَيْلَتَئِمُ عَلَيْهِ حَتّى تَلْتَقِي عَلَيْهِ وَتَخْتَلِفَ أَضْلاَعُهُ. قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِأَصَابِعِهِ فَأَدْخَلَ بَعْضَهَا فِي جَوْفِ بَعْضٍ قَالَ وَيُقَيّضُ الله لَهُ سَبْعُونَ تِنّيْناً لَوْ أَنّ وَاحِداً مِنْهَا نَفَخَ
__________
"ويفتح له باب إلى الجنة" أي ليأتيه من روحها ونسيمها ويشم من طيبها وتقر عينه بما يرى فيها من حورها وقصورها وأنهارها وأشجارها وأثمارها "وإذا دفن العبد الفاجر" أي الفاسق والمراد به الفرد الأكمل وهو الفاسق بقرينة مقابلته لقوله العبد المؤمن سابقاً ولما سيأتي من قول القبر له بكونه أبغض من يمشي على ظهره ومنهقوله تعالى {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً} الاَية "أو الكافر" شك من الراوي لا للتنويع وقد جرت عادة الكتاب والسنة على بيان حكم الفريقين في الدارين والسكوت عن حال المؤمن الفاسق ستراً عليه أو ليكون بين الرجاء والخوف لا لإثبات المنزلة بين النزليين كما توهمت المعتزلة كذا قال القاري وجعل المناوي كلمة أو للتنويع لا للشك حيث وإذا دفن العبد الفاجر أي المؤمن الفاسق أو الكافر أي بأي كفر كان انتهى. "قال فيلتثم" أي قال للنبي صلى الله عليه وسلم فينضم القبر "وتختلف أضلاعه" أي يدخل بعضها في بعض "قال" أي الراوي "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي أشار "بأصابعه" أي من اليدين الكريمتين "فأدخل بعضها" وهو أصابع اليد اليمنى "في جوف بعض" وفيه إشارة إلى أن تضييق القبر واختلاف الأضلاع حقيقي لا أنه محاز عن ضيق الحال وإن الاختلاف مبالغة في أنه على وجه الكمال كما توهمه بعض أرباب النقصان حتى جعلوا عذاب القبر روحانياً لا جسمانياً والصواب أن عذاب الاَخرة ونعيمها متعلقان بهما كذا في المرقاة "قال" أي النبي صلى الله عليه وسلم "ويقيض" بتشديد الياء المكسورة أي يسلط الله ويوكل "له" أي بخصوصه وإلا فهو فيه "سبعين" وفي بعض النسخ سبعون على هذا يكونقوله يقيض بتشديد الياء المفتوحة "تيناً" بكسر التاء وتشديد النون الأولى مكسورة أي حية عظيمة "لو أن واحداً(7/159)
فِي الأَرْضِ مَا أَنْبَتَتْ شَيْئاً مَا بَقِيتْ الدُنْيَا، فَيَنْهَشنَه وَيَخْدِشْنَهُ حَتّى يُفْضَى بِهِ إِلَى الْحِسَابِ" . قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "إِنّمَا القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النّارِ" .
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
2579-حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ عنْ مَعْمَرٍ، عنْ الزّهْرِيّ عن عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ أَبي ثَوْرٍ قالَ: سَمِعْتُ ابنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بنُ الخَطَابِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَإِذَا هُوَ مُتّكِيءٌ عَلَى رَمْلِ حَصِيرٍ فَرَأَيْتِ أَثَرَهُ في جَنْبِهِ. وَفي الحديثِ
__________
منها نفخ" بالخاء المعجمة أي تنفس "ما أنبتت" أي الأرض "شيئاً" أي من الإنبات أو النباتات "ما بقيت الدنيا" أي مدة بقائها "فينهشنه" بفتح الهاء وسكون الشين المعجمة أي يلدغنه وفي القاموس نهشة كمنعه نهشه ولسعة وعضه أو أخذه بأضراسه، وبالسين أخذه بأطراف الأسنان "ويخدشنه" بكسر الدال أي يجرحنه "حتى يقضي" بضم فسكون فاء ففتح ضاد معجمة أي يوصل "به" أي بالكافر إلى الحساب أي وثم إلى العقاب، وفيه دليل على أن الكافر يحاسب "قال" أي الراوي "إنما القبر روضة" أي بستان "من رياض الجنة" جمع روضة "أو حفرة" في القاموس: الحفرة بالضم والحفيرة المحتفر والحفر، محركة البئر الموسعة.
قوله : "هذا حديث غريب" قال المنذري رواه الترمذي والبيهقي كلاهما من طريق عبيد الله بن الوليد الوصافي وهو رواه.
قوله : "أخبرنا عبد الرزاق" بن همام بن نافع الحميري مولاهم، أبو بكر الصنعاني ثقة حافظ. مصنف شهير عمى في آخر عمره فتغير، وكان يتشيع من التاسعة "عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور" المدني مولى بني نوفل ثقة من الثالثة.
قوله : "فإذا هو متكئ على رمل حصير" بفتح راء وسكون ميم وفي الصحيحين(7/160)
قِصّةٌ طوِيلَةٌ، هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريب.
2580-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْر، أخبرنا عَبْدُ الله بن المبارك، عنْ مَعمرِ، وَيُونُسُ، عنْ الزّهْرِيّ أَنّ عُرْوَةَ بنَ الزّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنّ المُسّورَ بنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنّ عَمْرَو بنَ عَوْفٍ وَهُوَ حلِيفُ بَنِي عَامِرٍ بنِ لُؤَي، وَكَانَ شَهِدَ بَدْراً مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَهُ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بنَ الْجَرّاحِ، فَقَدِمَ بِمَالِ مِنَ البَحْرَيْنِ، وَسَمِعَتْ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ فَوَافَوا صَلاَةَ الفَجْرِ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم،
__________
على رمال حصير. قال الجوزي في النهاية: الرمال ما رمل أي نسج، يقال رمل الحصير وأرمله فهو مرمول ومرمل ورملت مشدد للتكثير. قال الزمخشري: ونظيره الحطام والركام لما حطم وركم وقال غيره: الرمال جمع رمل بمعنى مرمول كخلق الله بمعنى مخلوقة. والمراد أنه كان السرير قد نسج وجهه بالسعف ولم يكن على السرير وطاء سوى الحصير، ذكره الطيبي. قال القاري: لكن كون المراد برمال الحصير شريط السرير بل الظاهر أنه مضطجع على منسوج من حصير "فرأيت أثره في جنبه" أي من بدنه لا سيما عند كشفه من ثوبه "وفي الحديث قصة طويلة" أخرج الترمذي هذا الحديث بالقصة الطويلة في تفسير سورة التحريم.
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله : "أخبرنا عبد الله" هو ابن المبارك "عن معمر" هو ابن راشد "ويونس" هو ابن يزيد الأيلي أن عمرو بن عوف وهو حليف بن عامر بن لؤي الأنصاري صحابي بدوي، ويقال له عمر مات في خلافة عمر.
قوله : "بعث أبا عبيدة بن الجراح" اسمه عامر بن عبد الله بن الجراح ابن هلال القرشي القهري أحد العشرة أسلم قديماً وشهد بدراً مشهور مات شهيداً بمال عون عمواس سنة ثماني عشرة.
قوله : "فقدم بمال من البحرين" قال في القاموس البحران أو البحرين بلد انتهى وقال في المجمع البحران بلد بين البصرة وعمان "فوافوا" من الموافاة أي(7/161)
فَلَمّا صلّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ، فَتَعَرّضُوا لَهُ، فَتَبَسّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ رَآهُمْ ثُمّ قَالَ: "أَظُنّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيءٍ؟" قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ الله: "قَالَ فَأَبْشِرُوا أَوْ أَمّلُوا مَا يَسُرّكُمْ، فَوَالله مَا الفَقْرُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ" .
هذا حديثٌ صحيحٌ.
2581-حدثنا سُوَيْدٌ، أخبرنا عبْدُ الله، عن يُونُسَ، عن الزّهْرِيّ، عن عُرْوَةَ بنِ الزّبَيْرِ وابنِ المُسَيبَبِ، أَنّ حَكيمَ بنَ حِزَامٍ قال: سَأَلْتُ
__________
أتوا، يقال وافيت القوم أتيتهم كأوفيتهم "فأبشروا" بهمزة القطع "وأملوا" من التأميل من الأمل وهمو الرجاء "ما يسركم" في محل النصب لأنه مفعول أملوا "ما الفقر أخشى عليكم" بنصب الفقر أي ما أخشى عليكم الفقر، ويجوز الرفع بتقدير ضمير أي ما الفقر أخشاه عليكم والأول هو الراجح، وخص بعضهم جواز ذلك بالشعر، وقال الطيبي: فائدة تقديم المفعول هنا الاهتمام بشأن الفقلا "فتنافسوها" بحذف إحدى التاءين عطف على تبسط. من فست في الشيء أي رغبت فيه، وتحقيقه أن المنافسة والتنافس ميل النفس إلى الشيء النفيس، ولذا قال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} والمعنى فتختاروها أنتم وترغبوا فيها غاية الرغبة "كما تنافسوها" بصيغة الماضي أي كما رغب فيها من قبلكم "فنهلككم" أي الدنيا.
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله عن عروة بن الزبير وابن المسيب:" هو سعيد بن المسيب "أن حكيم ابن حزام" بن خويلد بن أسد بن عبد العزي المكي ابن أخي خديجة أم المؤمنين، أسلم يوم الفتح وصحب، وله أربع وسبعون سنة، ثم عاش إلى سنة أربع وخمسين أو بعدها وكان عالماً بالنسب.(7/162)
رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَانِي، ثُمّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمّ قال: "يَا حكيمُ إِنّ هَذا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بِورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسِ لَمْ يُبَارَك لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السّفْلَى" . فقال حكيمٌ:
__________
قوله : "إن هذا المال خضرة حلوة" أنث الخبز لأن المراد الدنيا شبهه بالرغبة فيه والميل إليه وحرص النفوس عليه بالفاكهة الخضراء المستلذة، فإن الأخضر مرغوب على انفراده بالنسبة إلى اليابس، والحلو مرغوب فيه على انفراده بالنسبة للحامض. فالإعجاب بهما إذا اجتمعا أشد "بسخاوة نفس" أي بغير شره ولا إلحاح أي من أخذه بغير سؤال وهذا بالنسبة إلى الاَخذ، ويحتمل أن يكون بالنسبة إلى المعطي أي بسخاوة نفس المعطي أي انشراحه بما يعطيه، والظاهر هو الأول "ومن أخذه بإشراف نفس" أي بطمع أو حرص أو تطلع وهذا بالنسبة إلى الاَخذا ويحتمل أن يكون بالنسبة إلى المعطي أي بكراهيته من غير طيب نفس بالإعطاء كذا قيل، والظاهر هو الأول "وكان" أي السائل الاَخذ الصدقة في هذه الصورة لما يسلط عليه من عدم البركة وكثرة الشره والنهمة "كالذي يأكل ولا يشبع" أي الذي يسمي جوعه كذاباً لأنه من علة به وسقم فكلما أكل ازداد سقماً ولم يحدث شبعاً "واليد العليا خير من اليد السفلى" المراد من اليد العليا هي المنفقة ومن اليد السفلى هي السائلة. وهو القول الراجح المعول عليه في تفسير اليد العليا والسفلى. فعند الطبراني بإسناد صحيح عن حكم بن حزام مرفوعاً: يد الله فوق يد المعطي، ويد المعطي فوق يد المعطى، ويد المعطى أسفل الأيدي. وللطبراني من حديث عدي الجزامي مرفوعاً مثله.
ولأبي داود وابن خزيمة من حديث أبي الأحوص عوف بن مالك عن أبيه مرفوعاً: الأيدي ثلاثة: فيد الله العليا ويد المعطي التي تليها ويد السائل السفلى. ولأحمد والبزار من حديث عطية السعدي: اليد المعطية هي العليا، والسائلة هي السفلى. فهذه الأحاديث متضافرة على أن اليد العليا هي المنفقة المعطية وأن السفلى(7/163)
فقلت: يا رسولَ الله، وَالّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقّ لاَ أَرْزَأُ أَحَداً بَعْدَكَ شَيْئاً حَتّى أُفَارِقَ الدّنْيَا. فَكَانَ أَبو بكرٍ يَدْعُو حكيماً إِلَى الْعَطَاءِ، فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ، ثمّ إِنّ عُمَرَ دَعَاهُ لِيُعْطِيهُ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئاً. فقال عمرُ: إِنّي أُشْهِدُكُمْ يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ عَلَى حَكِيمٍ أنّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقّهُ مِنْ هَذَا الْفيْ فَيَأْبَى أن يَأُخُذَهُ. فلم يرزأ أَحَداً مِنَ النّاسِ شَيْئاً بَعْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حَتّى تُوُفّيَ قال: هذا حديثٌ صحيحٌ.
2582-حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا أَبُو صَفْوَانَ عن يُونُسَ عن الزّهْرِيّ عن حمَيْدِ بنِ عبدِ الرحمنِ عن عبدِ الرحمنِ بنِ عَوْفٍ قال: "ابْتُلِينَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِالضّرّاءِ فَصَبَرْنَا، ثمّ ابْتُلِينَا بِالسّرّاءِ بعده فَلَمْ نَصْبِرْ".
__________
هي السائلة وهذا هو المعتمد وهو قول الجمهور قاله الحافظ في الفتح "لا أرزاً" بفتح الهمزة وإسكان الراء وفتح الزاي بعدها همزة أي لا أنقص ماله بالطلب منه "ثم إن عمر دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئاً" قال الحافظ: إنما امتنع حكيم من أخذ العطاء مع أنه حقه لأنه خشى أن يقبل من أحد شيئاً فيعتاد الأخذ فيتجاوز به نفسه إلى ما لا يريده فقطعهما عن ذلك وترك ما يريبه إلى ما لا يريبه، وإنما أشهد عليه عمر لأنه أراد أن لا ينسبه أحد لم يعرف باطن الأمر إلى منع حكيم من حقه.
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله : "حدثنا أبو صفوان" اسمه عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان الأموي الدمشقي نزيل مكة ثقة من التاسعة عن "يونس بن" يزيد الأيلي "عن عبد الرحمَن بن عوف" القرشي الزهري أحد العشرة أسلم قديماً ومناقبه شهيرة، ومات سنة اثنين وثلاثين قيل غير ذلك "ابتلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالضراء الخ" قال في المجمع: الضراء حالة تضر والسراء ضدها بناءان للمؤنث(7/164)
هذا حديثٌ حسنٌ.
2583-حدثنا هَنّادٌ، حدثنا وَكِيعٌ، عن الرّبِيعِ بنِ صَبِيحٍ، عن يَزِيدَ بنِ أَبَانَ وَهُوَ الرّقَاشِيّ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَتْ الاَخِرَةُ هَمّهُ جَعَلَ الله غِنَاهُ في قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدّنْيَا وَهِيَ راغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدّنْيَا هَمّهُ جَعَلَ الله فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدّنْيَا إِلاّ مَا قُدّرَ لَهُ" .
__________
لا مذكر لهما أي اختبرنا بالفقر والشدة والعذب فصبرنا عليه، فلما جاءتنا الدنيا والسعة والراحة بطرنا.
قوله : "هذا حديث حسن" رواة هذا الحديث كلهم ثقات، إلا يونس ابن يزيد الأيلي فإنه أيضاً ثقة، لكن في روايته عن الزهري وهماً قليلاً.
قوله : "عن الربيع بن صبيح" بفتح المهملة السعدي البصري، صدوق سيء الحفظ وكان عابداً مجاهداً. قال الرامهرمزي: هو أول من صنف الكتب بالبصرة من السابعة "وهو الرقاشي" بتخفيف القاف ثم معجمة أبو عمرو البصري القاص بتشديد المهملة زاهد ضعيف من الخامسة.
قوله : "من كانت الاَخرة" بالرفع على أنه اسم كانت "همه" بالنصب على أنه خبر كانت أي قصده ونيته. وفي المشكاة من كانت نيته طلب الاَخرة "جعل الله غناه في قلبه" أي جعله قانعاً بالكفاف والكفاية كيلا يتعب في طلب الزيادة "وجمع له شمله" أي أموره المتفرقة بأن جعله مجموع الخاطر بتهيئة أسبابه من حيث لا يشعر به "وأتته الدنيا" أي ما قدر وقسم له منها "وهي راغمة" أي ذليلة حقيرة تابعة له لا يحتاج في طلبها إلى سعي كثير بل نأتيه هينة لينة على رغم أنفها وأنف أربابها "ومن كانت الدنيا همه" وفي المشكاة: ومن كانت نيته طلب الدنيا "جعل الله فقره بين عينيه" أي جنس الاحتياج إلى الخلق كالأمر المحسوس منصوباً بين عينيه "وفرق عليه شمله" أي أموره المجتمعة.
قال الطيبي: يقال جمع الله شمله أي ما تشتت من أمره. وفرق الله شمله(7/165)
2584-حدثنا عَلِيّ بنُ خَشْرَمٍ، أخبرنا عِيسَى بنُ يُونُسَ، عن عِمْرَانَ بنِ زَائِدَةَ بنِ نَشِيطٍ، عن أَبِيهِ، عن أَبي خَالِدٍ الْوَالِبِيّ، عن أَبي هُرَيْرَةَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّ الله تعالى يَقُولُ يَا ابنَ آدَمَ تَفَرّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلأُ صَدْرَكَ غَنِىً وَأَسُدّ فَقْرَكَ، وَإِنْ لاَ تَفْعَلْ مَلأْتُ يَدَيْكَ شُغْلاَ وَلَمْ أَسُدّ فَقْرَكَ" .
__________
أي ما اجتمع من أمره، فهو من الأضداد "ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له" أي وهو راغم، فلا يأتيه ما يطلب من الزيادة على رغم أنفه وأنف أصحابه. والحديث لم يحكم عليه الترمذي بشيء من الصحة والضعف وفي سنده يزيد الرقاشي وهو ضعيف على ما قال الحافظ.
وقال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث: ويزيد قد وثق ولا بأس به في المتابعات. وقال ورواه البزار ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كانت نيته الاَخرة جعل الله تبارك وتعالى الغنا في قلبه وجمع له شمله ونزع الفقر من بين عينيه، وأتته الدنيا وهي راغمة فلا يصبح إلا غنياً، ولا يمسي إلا غنياً. ومن كانت نيته الدنيا جعل الله الفقر بين عينيه، فلا يصبح إلا فقيراً ولا يمسي إلا فقيراً". ورواه الطبراني انتهى كلام المنذري. وذكر لفظ الطبراني في باب الاقتصاد.
قوله : "عن عمران بن زائدة بن نشيط" بفتح النون وكسر المعجمة بعدها تحتانية ثم مهملة الكوفي ثقة من السابعة "عن أبيه" هو زائدة بن نشيط الكوفي مقبول من السادسة "عن أبي خالد الوالي" بموحدة قبلها كسرة الكوفي اسمه هرمز ويقال هرم مقبول من الثانية وفد على عمر. وقيل حديثه عنه مرسل فيكون من الثالثة.
قوله : "إن الله يقول يا ابن آدم تفرغ لعبادتي" أي تفرغ عن مهماتك لطاعتي "أملأ صدرك" أي قلبك "غني" والغنى إنما هو غنى القلب "وأسد فقرك" أي تفرغ عن مهماتك لعبادتي أقضي مهماتك وأغنيك عن خلقي، وإن لا تفعل ملأت يديك شغلاً، وتسكن للتخفيف. ولم أسد فقرك أي وإن لم تتفرغ لذلك واشتغلت بغيري لم أسد فقرك لأن الخلق فقراء على الإطلاق فتزيد فقراً على فقرك.(7/166)
قال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وَأَبُو خَالِدٍ الْوَالِبِيّ اسْمُهُ هُرمُزُ.
__________
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي في كتاب الزهد، وقال الحاكم صحيح الإسناد وقال المناوي: وأقروه(7/167)
15-باب
2585-حدثنا هنّادٌ، أخْبَرَنَاْ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عن دَاوُدَ بنِ أَبي هِنْدٍ عن عُزْرَةَ، عن حُمَيْد بنِ عَبْدِ الرحمنِ الْحِمْيَرِيّ، عن سَعْدِ بنِ هِشَامٍ، عن عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ لَنَا قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ عَلَى بَابِي، فَرَآهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "انْزَعِيهِ فَإِنّهُ يُذَكّرُنِي الدّنْيَا" قَالَتْ وَكَانَ لَنَا سَمَلُ قَطيفةٍ تقول عَلَمُهَا من حَرِيرِ كُنّا نَلْبَسُهَا.
هذا حديث حسن.
2586-حدثنا هَنّادٌ، حدّثنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أَبِيهِ
__________
"باب"
قوله: "حدثنا أبو معاوية" اسمه محمد بن خازم بمعجمتين، الضرير الكوفي، عمي وهو صغير، ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش وقد يهم في حديث غيره، عن كبار التاسعة وقد رمى بالإرجاء "عن عروة" هو ابن عبد الرحمَن.
قوله : "كان لنا قرام ستر" بكسر القاف وتخفيف الراء والتنوين وروى بحذف التنوين والإضافة وهو الستر الرقيق من صوف ذو ألوان "فيه تماثيل" جمع تمثال وهو الشيء المصور، قيل المراد: صورة الحيوان "انزعيه" أي القرام "وكان لنا سمل قطيفة" قال في النهاية: السمل الخلق من الثياب، وقد سمل الثوب وأسمل. والقطيفة هي كساء له خمل انتهى. أي كان لنا كساء خلق.
قوله : "هذا حديث حسن" وفي بعض النسخ هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.(7/167)
عن عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ وِسَادَةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم الّتِي يَضْطَجِعُ عَلَيْهَا مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجه.
2587-حدثنا محمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنَا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، عن سُفْيَانَ، عن أَبي إِسْحَاقَ، عن أَبي مَيْسَرَةَ، عن عَائِشَةَ أَنّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "مَا بَقِيَ مِنْهَا؟" قَالَتْ مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلاّ كَتِفُهَا. قالَ: "بَقِيَ كُلّهَا غَيْرَ كَتِفهَا" .
هذا حديثٌ صحيحٌ.
وَأَبُو مَيْسَرَةَ هُوَ الْهَمْدَانِيّ اسْمُهُ عَمْرو بنُ شُرَحْبِيلَ.
2588-حدثنا هَارُونُ بنُ إِسْحَاقَ الْهَمَدَانِيّ، أَخْبَرنَا عَبْدَةُ عن
__________
قوله : "كانت وسادة رسول الله صلى الله عليه وسلم" بكسر الواو. وقال في القاموس: الوساد المتكأ والمخدة كالوسادة انتهى "التي يضطجع عليها" هذا بظاهره يدل على أن المراد بالوسادة الفراش دون المتكأ والمخدة ويدل عليه أيضاً رواية البخاري بلفظ: كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم وحشوه من ليف. ورواية ابن ماجه: كان ضجاع رسول الله صلى الله عليه وسلم أدماً حشوه ليف "من أدم" بفتحتين اسم لجمع الأديم وهو الجلد المدبوع على ما في المغرب "حشوها ليف" قال في الصراح: ليف بالكسر يوست درخت خرماً ليفة يكي.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله : "أنهم ذبحوا" أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو أهل البيت رضي الله عنهم، وهو الظاهر "ما بقي منها" على الاستفهام أي شيء بقي من الشاة "إلا كتفها" أي التي لم يتصدق بها "قال في كلها غير كتفها" بالنصب والرفع أي ما تصدقت به فهو باق. وما بقي عندك فهو غير باق، إشارة إلى قوله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}(7/168)
هِشَامِ بنِ عُرْوةَ عن أَبِيهِ عن عَائِشَةَ قَالَتْ: "إِنْ كُنّا آلَ محمدٍ نَمْكُثُ شَهْرَاً مَا نَسْتَوْقِدُ بِنَار إِنْ هُوَ إِلاّ المَاءُ وَالتّمْرُ". قال هذا حديثٌ صحيحٌ.
2589- -حدثنا هناد، أخبرنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَنَا شَطْرٌ مِنْ شَعِيرٍ فَأَكَلْنَا مِنْهُ مَا شَاءَ الله، ثُمّ قُلْتُ لِلْجَارِيَةِ كِيلِيهِ فَكَالَتْهُ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ فَنِيَ، قَالَتْ فَلَوْ كُنّا تَرَكْنَاهُ لأَكَلْنَا مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلكَ".
__________
قوله : "إن كنا" إن مخففة من المثقلة "آل محمد" بالنصب على الاختصاص "نمكث شهراً ما نستوقد ناراً" أي لا نخبز ولا نطبخ فيه شيئاً "إن هو" أي المأكول أو المتناول.
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله : "وعندنا شطر من شعير" قال الحافظ: المراد بالشطر هنا البعض، والشطر يطلق على النصف وعلى ما قاربه وعلى الجهة وليست مرادة هنا، ويقال أرادت نصف وسق انتهى "ثم قلت للجارية كيليه فكالته" وفي رواية البخاري فكلته، والمراد أمرت بكيله ولا تخالف بين روايتين. فإن قلت قول عائشة: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندنا شطر من شعير يخالف حديث عمرو بن الحارث المصطلقي: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته ديناراً ولا درهماً ولا شيئاً.
قلنا : لا تخالف بينهما، لأن مراده بالشيء المتقي ما تحلف عنه مما كان يختص به، وأما الذي أشارت إليه عائشة، فكانت بقية نفقتها التي تختص بها فلم يتحد الموردان.
فإن قلت: قول عائشة: فلو كنا تركناه لأكلنا منه أكثر من ذلك، يخالف حديث المقدام بن معد يكرب: كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه.
قلنا: لا تخالف بينهما، فإن الكيل عند المبايعة مطلوب من أجل تعلق حتى المتبايعين، فلهذا القصد يندب، وأما الكيل عند الإنفاق فقد يبعث عليه الشح(7/169)
هذا حديث صحيح . شطر يعني شيئا من الشعير.
2590-حدثنا عَبْدُ الله بنُ عبْدِ الرّحمَنِ، حدثنَا رَوْحُ بنُ أَسْلَم أَبُو حَاتِمٍ الْبَصْرِيّ، حدثنَا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ، حدثنَا ثَابِتٌ عن أَنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ أُخِفْتُ في الله وَمَا يَخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ في الله وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيّ ثَلاَثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَالِي وَلِبِلاَلٍ طَعَامٌ يَأْكُلُه ذُو كَبِدٍ إِلاّ شَيْءٌ يُوَارِيه إِبْطُ بِلاَلٍ" .
__________
فلذلك كره، ويؤيده حديث جابر عند مسلم: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم.
قوله : "هذا حيد صحيح" وأخرجه البخاري في باب فضل الفقر.
قوله : "حدثنا عبد الله بن عبد الرحمَن" هو الدرامي صاحب هذا المسند.
قوله : "لقد أخفت" بصيغة الماضي المجهول من الإخافة أي هددت وتوعدت بالتعذيب والقتل "في الله" أي في إظهار دينه "وما يخاف" بصيغة المجهول أي مثل ما أخفت "أحد" أي غيري "ولقد أوذيت" بصيغة الماضي المجهول من الإيذاء، أي بالفعل بعد التخويف بالقول "في الله" أي في إظهار دينه وإعلاء كلمته "ولم يؤذ" بالبناء للمجهول "أحد" أي من الناس في ذلك الزمان "ولقد أتت" أي مضت "ثلاثون من بين يوم وليلة" قال الطيبي: تأكيد للشمول أي ثلاثين يوماً وليلة متوانرات لا ينقص منها شيء من الزمان "ومالي" أي والحال أنه ليس لي "يأكله ذو كبد" بفتح فكسر أي حيوان "إلا شيء" أي قليل "يواريه" أي يستره ويغطيه "إبط بلال" بكسر الهمزة وسكون الموحدة وتكسر وهو ما تحت المنكب. والمعنى أن بلالا كان رفيقي في ذلك الوقت وما كان لنا من الطعام إلا شيء قليل بقدر ما يأخذه بلال تحت إبطه. وقد تقدم الكلام في الجمع(7/170)
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ حِينَ خَرَجَ النبيّ صلى الله عليه وسلم هَارِباً مِنْ مَكّةَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ، إِنّمَا كَانَ مَعَ بِلاَلٍ مِنَ الطّعَامِ مَا يَحْمِلُه تَحْتَ إِبْطِهِ.
2591-حدثنا هَنّادٌ، حدثنَا يُونُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عن محمد بنِ إِسْحَاقَ، حَدّثَنِيْ يَزِيدُ بنُ زِيَادٍ عن مُحمّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيّ، قال حدثني مَنْ
__________
بين الروايات المختلفة في ضيق معيشة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسعتها في باب معيشة النبي صلى الله عليه وسلم وأهله.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه بن ماجه ابن حبان كذا في الجامع الصغير. قال المناوي بإسناده صحيح.
قوله : "ومعنى هذا الحديث حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم هارباً من مكة ومعه بلال الخ" قال في اللمات: قوله ومعه بلال، أفاد أن هذا الخروج غير الهجرة إلى المدينة لأنه لم يكن منه بلال فيها فلعل المراد خروجه صلى الله عليه وسلم هارباً من مكة في ابتداء أمره إلى الطائف إلى عبد كلال بضم الكاف مخففاً رئيس أهل الطائف ليحميه من كفار مكة حتى يؤدي رسالة ربه فسلط على النبي صلى الله عليه وسلم صبيانه فرموه بالحجارة حتى أدموا كعبيه صلى الله عليه وسلم وكان معه زيد بن حارثه لا بلال انتهى. وكذا قال القاري في المرقاة وقال. وقول الترمذي: ومعه بلال لا ينافي كون زيد بن حارثه معه أيضاً، مع احتمال تعدد خروجه عليه الصلاة والسلام، لكن أفاد بقوله معه بلال أنه لم يكن هذا الخروج في الهجرة من مكة إلى المدينة لأنه لم يكن معه بلال حينئذ انتهى.
قوله : "حدثنا يزيد بن زياد" بن أبي زياد، وقد ينسب لجده مولى بني مخزوم، مدني ثقة من السادسة روى عن محمد بن كعب القرظي وغيره، وعنه ابن إسحاق ومالك.(7/171)
سَمِعَ عَلِيّ بنَ أَبي طَالِبٍ يَقُولُ: خَرَجْتُ في يَوْمٍ شَاتٍ مِن بَيْتِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَخَذْتُ إِهَاباً مَعْطُوباً فَجَوّبتُ وسَطَهُ فَأَدْخَلْتُهُ في عُنُقِي وَشَدَدْتُ وَسَطِي فَحَزَمْتُهُ بخُوصِ النّخْلِ، وَإِنّي لَشَدِيدُ الْجُوعِ وَلَوْ كَانَ في بَيْتِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم طَعَامٌ لَطَعِمْتُ مِنْهُ، فَخَرَجْتُ أَلتَمِسُ شَيْئاً فَمَرَرْتُ بِيَهُودِي في مَالٍ لَهُ وَهُوَ يَسْقِي بِبَكْرةٍ له فاطّلَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ ثُلمَةٍ في الْحَائِطِ، فَقَالَ مَالَكَ يَا أَعَرَابيّ، هَلْ لَكَ في كلّ دَلْوٍ بتَمْرَةٍ؟ قلت: نَعَمْ فافْتَحْ البَابَ حتى أَدْخُلَ. فَفَتَحَ فَدَخَلْتُ فَأَعْطَاني دَلْوَهُ، فَكُلّمَا نَزَعْتُ دَلْواً أَعْطَانِي تَمْرَةً حَتّى إِذَا امْتَلأَتْ كَفّي أَرْسَلْتُ دَلوَهُ وَقُلْتُ حَسْبِي فَأَكَلْتُهَا، ثُمّ جَرَعْتُ مِنَ المَاءِ فَشَرِبْتُ ثُمّ جِئْتُ المَسْجِدَ فوَجَدْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فِيهِ".
__________
قوله : "خرجت في يوم شأت" أي في يوم بارد "وقد أخذت إهاباً معطوناً" قال في المجمع: هو المتن المتمزق الشعر من عطن الجلد إذا تمزق شعره وأنتن في الدباغ "فجوبت وسطه" قال في القاموس: الجواب الخرق كالاجتياب والقطع وجبت القميص أجوبة وأجيبة وجوبته عملت له جيباً انتهى "فخزمته" أي شددته قال في القاموس حزمه يحزمه شده "بخوص النخل" الخوص بالضم ورق النخل الواحدة بهاء والخواص بائعه. وقال في مجمع البحار في باب الحاء مع الزاي: وفيه نهى أن يصلي بغير حزام أي من غير أن يشد ثوبه عليه وإنما أمر به لأنهم كانوا قلما يتسرولون ومن كان عليه إزار وكان جيبه واسعاً ولم يتلبب أو لم يشد وسطه ربما انكشفت عورته "في ماله" في القاموس: المال ما ملكته من كل شيء، والمراد هنا البستان والحائط "وهو يسقي ببكرة" بالفتح هي خشبة مستديرة في وسطها محز يستسقي عليها الماء "من ثلمة" أي فرجة والثلمة بالضم فرجة المكسور والمهدوم "ثم جرعت من الماء" في القاموس: الجرعة مثلثة من الماء حسوة منه، أو بالضم والفتح الاسم من جرع الماء كسمع ومنع بلهه.(7/172)
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
2592-حدثنا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بنُ عَلِيٍ، أَخْبَرنَا محمدُ بنُ جعْفَرٍ، أَخْبَرنَا شُعْبَةُ عن عَبّاسٍ الْجُرَيْرِيّ قالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النّهْدِيّ يُحَدّثُ عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّهُ أَصَابَهُمْ جُوعٌ، فَأَعْطَاهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم تَمْرَةً تَمْرَةً".
قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2593-حدثنا هَنّادٌ، حدثنَا عَبْدَةُ، عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أَبِيهِ، عن وَهْبِ بنِ كَيْسَانَ عن جَابِرٍ بنِ عَبد الله قالَ: "بَعَثَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ ثَلاَثُمَائَةَ نَحْمِلُ زَادَنَا عَلَى رِقَابِنَا فَفَنِيَ زَادُنَا حَتّى إِن كَانَ يَكونُ
__________
قوله : "هذا حديث حسن صحيح غريب" في سنده رجل لم يم، وهو شيخ محمد بن كعب القرظي.
قوله : "حدثنا محمد بن جعفر" هو المعروف بغندر "عن عباس الجريري" بضم الجيم مصغراً. وعباس هذا هو ابن فروخ بفتح الفاء وتشديد الراء وآخره معجمة البصري أبو محمد ثقة من السادسة "سمعت أبا عثمان النهدي" اسمه عبد الرحمن بن مل، بلام ثقيلة والميم مثلثة مشهور بكنيته، مخضرم من كبار، الثالثة ثقة ثبت عابد، والنهدي بفتح النون وسكون الهاء.
قوله : "أنهم أصابهم" أي الصحابة رضي الله تعالى عنهم جوع أي شديد قال القاري: والظاهر أنه في سفر بعيد.. . والظاهر أنهم أصحاب الصفة.
قلت: لم أجد رواية صريحة تدل على أنهم أصحاب الصفة.
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه ابن ماجه بلفظ إنه أصابهم جوع وهم سبعة، قال فأعطاني النبي صلى الله عليه وسلم سبع تمرات، لكل إنسان تمرة، وإسناده صحيح كذا في الترغيب.
قوله : "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ثلاثمائة". وفي رواية، للبخاري في المغازي: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة راكب، أميرنا(7/173)
لِلرّجُلِ مِنّا كلّ يَوْمٍ تَمْرَةٌ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الله وَأَيْنَ كَانَتْ تَقَعُ التَمْرَةُ مِنَ الرجُلِ؟ فقالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَها حِينَ فَقَدْنَاهَا فَأَتَيْنَا البَحْرَ فَإِذَا نَحْنُ بِحُوتٍ قَدْ قَذَفَهُ البَحْرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً مَا أَحْبَبْنَا".
__________
أبو عبيدة بن الجراح نرصد غير قريش فأقمتا بالساحل نصف شهر. وقد ذكر ابن سعد وغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهم إلى حي جهينة بالقبلية بفتح القاف والموحدة مما يلي ساحل البحر بينهم وبين المدينة خمس ليال، وأنهم انصرفوا ولم يلقوا كيداً. قال الحافظ: هذا لا يغاير ظاهره ما في الصحيح لأنه يمكن الجمع بين كونهم يتلقون عيراً لقريش ويقصدون حياً من جهينة ويقوى هذا الجمع ما عند مسلم من طريق عبيد الله بن مقسم عن جابر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً إلى أرض جهينة فذكره القصة "فقيل له" أي لجابر رضي الله عنه "يا أبا عبد الله" هذا كنية جابر "وأين كانت تقع الثمرة من الرجل" وفي رواية البخاري فقلت ما تغنى عنكم تمرة. قال الحافظ: هو صريح في أن السائل عن ذلك وهب بن كيسان "قال لقد وجدنا فقدها" أي موثراً. قال النووي: وفي هذا بيان ما كان الصحابة ءضي الله تعالى عنهم عليه من الزهد في الدنيا، والتقلل منها، والصبر على الجوع وخشونة العيش، وإقدامهم على الغزو مع هذا الحال "فإذا نحن بحوت" هواسم جنس لجميع السمك، وقيل هو مخصوص بما عظم منها "قد قذفه البحر" أي رماه، وفي رواية البخاري: فألقى البحر حوتاً ميتاً لم ير مثله يقال له المنبر. وفي رواية آخرى له: فإذا حوت مثل الظرب وهو بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء بعدها موحدة الجبل الصغير "فأكلنا منه ثمانية عشر يوماً ما أحببنا" ما موصوله. وفي رواية لمسلم: فأقمنا عليه شهراً ونحن ثلاثمائة حتى سمنا. وفي رواية أخرى له: فأكلنا منها نصف شهر. وفي رواية أخرى له: فأكل منها الجيش ثمان عشرة ليلة. قال النووي: في الجمع بين هذه الروايات المختلفة ما لفظه طريق الجمع بين الروايات أن من روى شهراً هو الأصل ومعه زيادة علم ومن روى دونه لم ينف الزيادة ولو نفاها قدم المثبث، وقد قدمنا مرات أن المشهور الصحيح عند الأصوليين أن مفهوم العدد لا حكم له. فلا يلزم منه نفي الزيادة لو لم يعارضه(7/174)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
إثبات الزيادة، كيف وقد عارضه فوجب قبول الزيادة وجمع القاضي بينهما بأن من قال نصف شهر أراد أكلوا منه تلك المدة طرياً ومن قال شهراً أراذ أنهم قددوه فأكلوا منه بقية الشهر قديداً انتهى. قال الحافظ: ويجمع بين هذا الاختلاف بأن الذي قال ثمان عشر ضبط ما لم يضبطه غيره، وأن من قال نصف شهر ألفى الكسر الزائد وهو ثلاثة أيام، ومن قال شهراً جبر الكسر أو ضم بقية المدة التي كانت قبل وجدانهم الحوت إليها. قال ووقع في رواية الحاكم اثني عشر يوماً وهي شاذة انتهى والحديث هكذا أخرجه الترمذي مختصراً وأخرجه الشيخان مطولا وفي آخر الحديث: فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: كلوا رزقاً أخرجه الله أطعمونا إن كان معكم فأتاه بعضهم فأكله.
وقد استدل بهذا الحديث على جواز أكل السمك الطافي قال النووي: وأما السمك الطافي وهو الذي يموت في البحر بلا سبب فمذهبنا إباحته وبه قال جماهير العلماء من الصحابة فمن بعدهم منهم أبو بكر الصديق وأبو أيوب وعطاء ومكحول والنخعي ومالك وأحمد وأبو ثور وداود وغيرهم. وقال جابر بن عبد الله وحابر بن زيد وطاوس وأبو حنيفة لا يحل دليلنا قوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} قال ابن عباس والجمهور:صيده ما صدتموه وطعامه ما قذفه.وبحديث جابر هذا وبحديث: هو الطهور ماؤه الحل ميتته وهو حديث صحيح. وبأشياء مشهورة غير ما ذكرنا. وأما الحديث المروي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكلوه، وما مات فيه فطفاً فلا تأكلوه فحديث ضعيف باتفاق أئمة الحديث لا يجوز الاحتجاج به لو لم يعارضه شيء، كيف وهو معارض بما ذكرناه. وقد أوضحت ضعفه وحاله في شرح المهذب في باب الأطعمة. فإن قيل لا حجة في حديث العنبر لأنهم كانوا مضطرين قلنا: الاحتجاج بأكل النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة من غير ضرورة. قلت القول الراجح هو جواز كل السمك الطافي، وحديث جابر هذا نص صريح فيه.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.(7/175)
2594-حدثنا هَنّادٌ، حدثنا يُونُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عن مُحمّدٍ بنِ إِسْحَاقَ، حدثني يَزيدُ بنُ زِيَادٍ عن مُحمّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظيّ، حدثني مَنْ سَمِعَ عَلِيّ بنَ أَبي طَالِبٍ يَقُولُ: إِنّا لَجُلُوسٌ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في المَسْجِدِ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ مَا عَلَيْهِ إِلاّ بُرْدَةٌ لَهُ مَرْقُوعَةٌ بِفَرْوٍ، فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَكَى لِلّذِي كَانَ فِيهِ مِنَ النّعْمَةِ وَالّذِي هُوَ فِيهِ اليَوْمَ. ثُمّ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كَيْفَ بِكُمْ إِذَا غَدَا أَحَدُكُمْ في حُلّة وَرَاحَ في حُلّة وَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ صَحْفَةٌ
__________
قوله : "إنا لجلوس" أي لجالسون "في المسجد" أي مسجد المدينة أو مسجد قباء "إذ طلع" أي ظهر "مصعب بن عمير" بضم الميم وفتح العين، وعمير بضم العين مصغراً "ما عليه" أي ليس على بدنه "إلا بردة له" أي كساء مخلوط السواد والبياض "مرقوعة أي مرقعة "بفرو" أي بجلد. قال ميرك: هو قرش هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وترك النعمة والأموال بمكة، وهو من كبار أصحاب الصفة الساكنين في مسجد قباء. وقال صاحب المشاة في الإكمال عبدرى كان من أجلة الصحابة وفضلائهم، هاجر إلى أرض الحبشة في أول من هاجر إليها ثم شهد بدراً وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث مصعباً بعد العقبة الثانية إلى المدينة يقرئهم القرآن ويفقههم في الدين. وهو أول من جمع الجمعة بالمدينة قبل الهجرة، وكان في الجاهلية من أنعم الناس عيشاً وألينهم لباساً، فلما أسلم زهد في الدنيا "فلما رآه" أي أبصر مصعباً بتلك الحال الصعباء "بكى للذي" أي للأمر الذي "كان فيه" أي قبل ذلك اليوم "والذي هو فيه" أي وللإمر الذي هو فيه من المحنة والمشقة "اليوم" أي في الوقت الحاضر "كيف" أي الحال "بكم إذ غدا أحدكم" أي ذهب أول النهار "في حلة" بضم فتشديد. أي في ثوب أو في إزار ورادء "وراح" أي ذهب آخر النهار "في حلة" أي أخرى من الأولى قال ابن الملك: أي كيف يكون حالكم إذا كثرت أموالكم بحيث يلبس كل منكم أول النهار حلة وآخره أخرى من غاية التنعم "ورضعت بين يديه صحفة"(7/176)
وَرُفعَتْ أُخْرَى وَسَتَرْتُمْ بُيُوتَكُمْ كَمَا تُسْتَرُ الْكَعْبَةُ؟" قَالُوا يَا رَسُولَ الله نَحْنُ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مِنّا اليَوْمَ نَتَفَرّغُ لِلْعِبَادَةِ وَنُكْفَى المُؤْنَةَ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا أَنْتُمْ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْكُمْ يَوْمَئِذٍ" .
هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ ويزيد بنُ زِيَادٍ هَذَا هُوَ مَدِينيّ. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَيَزِيدُ بنُ زِيَادٍ الدّمَشْقّيّ الّذِي رَوَى عن الزّهْرِيّ رَوَى عَنْهُ وَكِيعٌ وَمَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَيَزِيدُ بنُ أَبي زِيَادٍ كُوفِيٌ رَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ وَابنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الأَئِمَةِ.
__________
أي قصعة من مطعوم "ورفعت أخرى" أي من نوع آخر كما هو شأن المترفين وهو كناية عن كثرة أصناف الأطعمة الموضوعة على الأطباق بين يدي المنتمين "وسترتم بيوتكم" بضم الموحدة وكسرها أي جدارتها. والمعنى زينتموها بالثياب النفيسة من فرظ التنعم "كما تستر الكعبة" فيه إشارة إلى أن سترها من خصوصياتها لا متيازها "نحن يومئذ خير منا اليوم" وبينوا سبب الخيرية بقولهم مستأنفاً فيه معنى التعليل "نتفرغ" أي عن الملاثق والعوائق "للعبادة" أي بأنفسنا "ونكفي" بصيغة المجهول المتكلم "المؤنة" أي بخدمنا والواو لمطلق الجمع. فالمعنى ندفع عنا تحصيل القوت لحصوله بأسباب مهيأة لنا فتتفرغ للعبادة من تحصيل العلوم الشرعية والعمل بالخيرات البدنية والمبرات المالية "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا" أي ليس الأمر كما ظننتم "أقم اليوم خير منكم يومئذ" لأن الفقير الذي له كفاف خير من الغني. لأن الغني يشتغل بدنياه ولا يتفرغ للعبادة مثل من له كفاف لكثرة اشتغاله بتحصيل المال.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو يعلي من قصة علي المذكورة من طريق محمد بن كعب القرظي وذكر المنذري في الترغيب لفظه بتمامه.
قوله : "ويزيد بن زاد هذا هو مدني الخ" المقصود من هذا الكلام بيان الفرق بين هؤلاء الرجال الثلاثة المسمين بيزيد. فالأول يزيد بن زياد المدني المذكور(7/177)
2595-حدثنا هَنّادُ، حدثنا يُونُسُ بنُ بُكَيْرٍ، حدثني عُمَرُ بنُ ذَرٍ، حدثنَا مُجَاهِدٌ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: كَانَ أَهْلُ الصّفّةِ أَضْيَافُ أَهْلِ الاْسْلاَمِ، لا يَأْوُونَ عَلَى أَهْلِ وَلاَ مَالٍ، وَالله الّذِي لاَ إِلَهَ إِلاّ هُوَ إِنْ كِنْتُ
__________
في سند هذا الحديث قد تقدم ترجمته في هذا الباب، والثاني يزيد بن زياد الدمشقي وقد تقدم ترجمته في شرح الحديث الرابع من أبواب الشهادات، والثالث يزيد بن زياد الكوفي وقد تقدم ترجمته في باب السواك والطيب يوم الجمعة.
قوله: "حدثني عمر بن ذر" بن عبد الله بن زرارة الهمداني بالسكون المرهبي أبو ذر الكوفي ثقة رمى بالإرجاء من السادسة.
قوله : "كان أهل الصفة أضياف أهل الإسلام" .. .. . الصفة مكان في مؤخر المسجد النبوي مظلل أعد لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل وكانوا يكثرون فيه ويقلون بحسب من يتزوج منهم أو يموت أو يسافر. وقد سرد أسماءهم أبو نعيم في الحلية فزادوا على المائة كذا ذكره الحافظ في الفتح في باب علامات النبوة. وقال في كتاب الرقاق: وقداعتني بجمع أسماء، أهل الصفة أبو سعيد بن الأعرابي. وتبعه أبو عبد الرحمن السلمي، فزاد أسماء وجمع بينهما أبو نعيم في أوائل الحلية فسرد جميع ذلك "لا يأوون على أهل ولا مال" وكذا في رواية البخاري في الرفاق يلفظ على قال الحافظ في رواية روح: والأكثر إلى بدل علي. قال في القاموس: أويت منزلي وإليه أوياً بالضم وبكسر، نزلته بنفسي وسكنته وآويته وأوَيْتُه وأوّيته أنزلته. وفي حديث عبد الرحمن بن أبي بكر عند البخاري في علامات النبوة أن أصحاب الصفة كانوا أناساً فقراء وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو بسادس أو كما قال.
ولأبي نعيم في الحيلة من مرسل محمد بن سيرين: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قسم ناساً من أصحاب الصفة بين ناس من أصحابه فيذهب الرجل بالرجل والرجل بالرجلين حتى ذكر عشرة الحديث. وله من حديث معاوية بن الحكم: بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفة، فجعل يوجه الرجل(7/178)
لأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْجُوعِ وَأَشُدّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الْجُوعِ. وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمَاً عَلَى طَرِيِقِهِمْ الّذِي يَخْرُجُونَ فِيِه، فَمَرَ بِي أَبُو بَكْرٍ فَسَأَلَتْهُ عن آيَة مِنْ كِتَابِ الله مَا سَأَلْتُهُ إِلاّ لِيَسْتَتْبِعْنِي، فَمَرّ وَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمّ مَرّ عُمَرُ، فَسَأَلْتُهُ عن آيَةٍ مِنْ كِتَابِ الله مَا سَأَلْتُهُ إِلاّ لِيَسْتَتْبِعَنِي فَمَرّ
__________
مع الرجل من الأنصار والرجلين والثلاثة حتى بقيت في أربعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم خامسنا، فقال انطلقوا بنا فقال يا عائشة عشينا الحديث. "والله" الواو للقسم "إن كنت" بسكون النون مخففة من المثقلة "لأعتمد بكبدى على الأرض من الجوع" أي ألصق بطني بالأرض وكأنه كان يستفيد بذلك ما يستفيده من شدة الحجر على بطنه، أو هو كناية عن سقوطه على الأرض مغشياً عليه. قاله الحافظ وذكر روايات تدل على خرور أبي هريرة رضي الله عنه على الأرض من الجوع مغشياً عليه. قلت الاحتمال الأول هو الظاهر، وأما خروره على الأرض من الجوع مغشياً عليه فحالة أخرى له من الجوع والله تعالى أعلم "وأشد الحجر على بطني من الجوع" قال العلماء: فائدة شد الحجر المساعدة على الاعتدال والانتصاب أو المنع من كثرة التحلل من الغذاء الذي في البطن لكون الحجر بقدر البطن فيكون الضعف أقل، أو لتقليل حرارة الجوع ببرد الحجر أو لأن فيه الإشارة إلى كسر النفس "ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون فيه" ضمير طريقهم النبي صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه ممن كان طريق منازلهم إلى المسمجد متحدة "إلا ليستتبعني" بمهملة ومثناتين وموحدة أي يطلب مني أن أتبعه ليطعمني "فمر ولم يفعل" أي الاستتباع "ثم مر عمر" قال الحافظ: لعل العذر لكل من أبي بكر وعمر حمل سؤال أبي هريرة على ظاهره أو فهما ما أراده ولكن لم يكن عندهما إذ ذلك ما يطعمانه. لكن وقع في رواية أبي حازم من الزيادة أن عمر تأسف على عدم إدخاله أبا هريرة داره ولفظه: فلقيت عمر فذكرت له وقلت له ولي الله ذلك من كان أحق به منك يا عمر، وفيه قال عمر والله لأن أكون أدخلتك أحب ألى من أن يكون لي حمر النعم، فإن فيه إشعاراً بأنه كان عنده ما يطعمه إذ ذاك فيرجح الاحتمال الأول، ولم يعرج على ما رمزه(7/179)
وَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمّ مَرّ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم، فَتَبَسّمَ حِينَ رَآنِي وَقالَ: "أَبُو هُرَيْرَةَ؟" قُلْتُ لَبّيْكَ يَا رَسُولَ الله. قالَ: "الْحَقْ" وَمَضَى فَاتّبَعْتُهُ وَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَاسْتَأْذَنْتُ فَأُذِنَ لِي، فَوَجَدَ قَدَحاً من لبَنٍ، فقالَ: مِنْ أَيْنَ هَذَا الّلبَنُ لَكُمْ؟ قِيلَ أَهْدَاهُ لَنَا فُلاَنُ . فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَبَا هُرَيْرَةَ": قُلْتُ لَبّيْكَ قَالَ: "الْحَقْ إِلَى أَهْلِ الصّفّةِ فادْعُهُمْ" وَهُمْ أَضْيَافُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ يَأْوُونَ عَلَى أَهْلِ وَلاَ مَالٍ. إِذَا أَتَتْهُ صّدَقَةُ بَعَثَ بِهَا إلَيْهِمْ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئَاً، وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا فَسَاءَنِي ذَلِكَ، وَقُلْتُ مَا هَذَا القَدَحُ بَيْنَ أَهْلِ الصّفّةِ وَأَنَا رَسُولهُ إِلَيْهِمْ، فَسَيَأْمُرُنِي أَنْ أُدِيرَهُ عَلَيْهِمْ فَمَا عَسَى أَنْ يُصِيبَنِي مِنْهُ؟ وَقَدْ
__________
أبو هريرة من كنايته بذلك عن طلب ما يأكل "فتبسم حين رآني" زاد البخاري وعرف ما في نفسي وما في وجهي. قال الحافظ:قوله فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي. استدل أبو هريرة بتبسمه صلى الله عليه وسلم على إنه عرف ما به لأن التبسم تارة يكون لما يعجب وتارة يكون لإيناس من تبسم إليه ولم تكن تلك الحال معجبة فقوى الحمل على الثاني. وقوله وما في وجهي كأنه عرف عن حال وجهه ما في نفسه من احتياجه إلى ما يسد رمقه "وقال" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "أبو هريرة" أي أنت أبو هريرة "قال الحق" بهمزة وصل وفتح المهملة أي اتبع "فوجد قدحاً" بالفتح فإن القدح لا يكسر "فساءني ذلك" إشارة إلى ما تقدم منقوله فادعهم، وقد بين ذلك بقوله "وقلت" أي في نفسي "فسيأمرني" أي النبي صلى الله عليه وسلم "أن أديره عليهم" وكأنه عرف بالعادة ذلك لأنه كان يلازم النبي صلى الله عليه وسلم ويخدمه. وقد أخرجه البخاري في تاريخه عن طلحة بن عبيد الله: كان أبو هريرة مسكيناً لا أهل له ولا مال(7/180)
كُنْتُ أَرْجُو أَنْ أُصِيبَ مِنْهُ مَا يُغْنِينِي، وَلَمْ يَكُن بُدٌ مِنْ طَاعَةِ الله وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ. فَلَمّا دَخَلُوا عَلَيْهِ فَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ فقالَ: أَبَا هُرَيْرَةَ خُذِ القَدَحَ فَأَعْطِهِمْ ، فَأَخَذْتُ القَدَحَ فَجَعَلْتُ أُنَاوِلُهُ الرّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتّى يَرْوَى ثمّ يَرُدّهُ فَأُنَاوِلُهُ الاَخرَ حَتّى انْتَهَيْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ رَوِيَ القَوْمُ كُلّهُمْ، فَأَخَذَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم القَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ ثمّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَتَبَسّمَ وَقالَ: "أَبَا هُرَيْرَةَ اشْرَبْ"، فَشَربْتُ، ثمّ قالَ "اشْرَبْ"، فَلَمْ أَزَلْ أَشْرَب وَيَقُولُ اشْرَبْ حتى قُلْتُ وَالّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقّ مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكاً، فَأَخَذَ القَدَحَ فَحمِدَ الله وَسَمّى ثم شَرِبَ".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2597-حدثنا مُحمّدُ بنُ حُمَيدٍ الرّازِيّ، أَخْبَرنَا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله القُرَشِيّ، حدثني يَحْيَى البَكّاءُ، عنْ ابنِ عُمَرَ قالَ: تَجَشّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النبيّ
__________
وكان يدور مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيثما دار "ما يغنيني" أي عن جوع ذلك اليوم "فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم القدح فوضعه على يده ثم رفع رأسه فتبسم" وفي البخاري: فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إليّ فتبسم. قال الحافظ: كأنه صلى الله عليه وسلم تفرس في أبي هريرة ما كان وقع في توهمه أن لا يفضل له من اللبن شيء فلذلك تبسم إليه إشارة إلى أنه لم يفته شيء "فحمد الله وسمى" أي حمد الله على ما من به من البركة التي وقعت في اللبن المذكور مع قلته حتى روى القوم كلهم وأفضلوا وسمى في ابتداء الشرب "وشرب" أي الفضلة كما في رواية البخاري أي البقية.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري وغيره.
قوله : "حدثنا عبد العزيز بن عبد الله القرشي" أبو يحيى النمرقي بفتح النون وسكون الراء وفتح الميم بعدها قاف الرازي. منكر الحديث من الثامنة "حدثني(7/181)
صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "كُفّ عَنّا جُشَاءَكَ فَإِنّ أَكْثَرَهُمْ شِبعَاً فِي الدّنْيَا أَطْوَلُهُمْ جُوعاً يَوْمَ القِيَامَةِ" .
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وفي البابِ عنْ أَبِي جُحَيْفَةَ.
__________
يحيى البكاء" بتشديد الكاف ابن مسلم أو ابن سلم مصعراً وهو ابن خليد البصري المعروف بيحي البكاء، الحداني بضم المهملة وتشديد الدال مولاهم، ضعيف من الرابعة.
قوله : "تجشأ رجل" بتشديد الشين المعجمة بعدها همزة أي يخرج الجشاء من صدره وهو صوت مع ريح يخرج منه عند الشبع، وقيل عند امتلاء المعدة. قال النوربشتي: الرجل هو وهب أبو جحيفة السوائي. روى عنه أنه قال أكلت ثريدة بريلحم وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أتجشأ قلت قد أشار الترمذي إلى حديث أبي جحيفة هذا يقول: وفي الباب عن أبي جحيفة وستقف على لفظه ومخرجيه "فقال كف عنا" أمر مخاطب من الكف بمعنى الصرف والدفع وفي رواية شرح السنة: أقصر من جشائك "جشاءك" بضم الجيم ممدود أو النهي عن الجشاء هو النهي عن الشبع، لأنه السبب الجالب له "فإن أكثرهم شبعاً" قال في القاموس: الشبع بالفتح وكمنب ضد الجوع وشبع كسمن خبزاً ولحماً منهما.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" في سنده عبد العزيز بن عبد الله ويحيى البكاء وهما ضعيفان كما عرفت. وأخرجه أيضاً ابن ماجه والبيهقي من طريقهما.
قوله : "وفي الباب عن أبي جحيفة" قال أكلت ثريدة من خبز ولحم ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت أتجشأ، فقال: يا هذا كف عن جشائك، فإن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أكثرهم جوعاً يوم القيامة. رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد. قال الحافظ المنذري في الترغيب: بل واه جداً فيه فهد بن عوف وعمر بن موسى، لكن رواه البزار بإسنادين، رواة أحدهما ثقات، ورواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير والأوسط والبيهقي، وزادوا: فما أكل أبو جحيفة ملء بطنه حتى فارق الدنيا، كان إذا تغدى لا يتعشى وإذا تعشى لا يتغدى، وفي رواية لأبن أبي الدنيا:(7/182)
2597-حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنَا أَبُو عَوَانَةَ، عن قَتَادَةَ عن أَبِي بُرْدَةَ بنِ أَبِي مُوسَى، عن أَبِيهِ قَالَ: "يَا بُنَيّ لَوْ رَأَيْتَنَا وَنَحْنُ مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَأَصَابَتْنَا السّمَاءُ لَحَسِبْتَ أَنّ رِيحَنَا رِيحُ الضّأْنِ".
هذا حديثٌ صحيحٌ. وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنّهُ كَانَ ثِيَابَهُمُ الصّوفُ، فإِذَا أَصَابَهُمْ المَطرُ يَجِيءُ مِنْ ثِيَابِهِمْ ريحُ الضّأْنِ.
2598-حدثنا عَبّاسِ بن محمد الدّورِيّ، حدثنَا عَبْدُ الله بنُ يَزِيدَ المُقْرِى، أَخْبَرنَا سَعِيدُ بنُ أَبي أَيّوبَ، عن أَبي مَرْحُومٍ عَبْدِ الرّحِيمِ بنِ مَيْمُونٍ عن سَهْلِ بن مُعَاذِ بنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيّ، عن أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ تَرَكَ اللّبَاسَ تَوَاضُعاً لله وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، دَعَاهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ
__________
قال أبو جعيفة فما ملأت بطني منذ ثلاثين سنة أنتهى.
قوله : "يا نبي" بضم الموحدة وفتح النون وشدة الياء "ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصابتنا السماء" الجملتان وقعتا حالين مترادنين أو متداخلين، أي لو رأيتنا حال كوننا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وحال كوننا قد أصابتنا السماء. والحديث يدل على جواز لبس الصوف قال ابن بطال: كره ملك لبس الصوف، لمن يجد غيره لما فيه من الشهرة بالزهد، لأن إخفاه العمل أول، قال ولم ينحصر للتواضع في لبسه بل في القطن وغيره ما هو بدون ثمنه انتهى.
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه أبو داود وابن ماجه، قال المنذري في الترغيب ورواه الطبراني بإسناد صحيح أيضاً نحوه وزاد في آخره: إنما لباسنا الصوف وطعامنا الأسودان التمر والماء.
قوله : "من ترك اللباس" أي لبس الثياب الحسنة المرتفعة القيمة "تواضعاً لله" أي لا ليقال إنه متواضع أو زاهد ونحوه، والناقد بصير "دعاء الله يوم القيامة(7/183)
عَلَى رُؤُوسِ الْخَلاَئِقِ حَتّى يُخَيّرُهُ مِنْ أَيّ حُلَلِ الإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا"
2599-حدثنا مُحمّدُ بنُ حُمَيْدٍ الْرّازِيّ، أَخْبَرنَا زَافِرُ بنُ سُلَيْمَان عن إِسْرَائِيلَ، عن شَبِيبِ بنِ بَشِيرٍ هكذا قال محمد بن حميد شبيب بن بشير وإِنما هو شبيب بن بشر، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "النّفَقَةُ كُلّهَا فِي سَبِيل الله إِلاّ البِنَاءَ فَلاَ خَيْرَ فِيهِ" .
هذا حديثٌ غريبٌ، هكذا قال محمد بن حميد: شبيب بن بشير، وإنما هو شبيب بن بشر.
__________-
على روؤس الخلائق" أي يشهره ويناديه "من أي حلل الإيمان" أي من أي حلل أهل الإيمان. وفي حديث رجل من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر عليه، قال بشر أحسبه قال تواضعاً كساه الله حلة الكرامة. رواه أبو داود في حديث ولم يسم ابن الصحابي. ورواه البيهقي من طريق زيان بن فائد عن سهل ابن معاذ عن أبيه بزيادة كذا في الترغيب. وحديث معاذ بن أنس هذا ذكره المنذري في الترغيب وقال: رواه الترمذي وقال حديث حسن والحاكم في موضعين من المستدرك، قال في أحدهما صحيح الإسناد انتهى. قلت: ليس في النسخ الموجودة عندنا قول الترمذي حديث حسن.
قوله : "حدثنا زافر بن سليمان" بالفاء، الإيادي أبو سليمان القهستاني بضم القاف والهاء وسكون المهملة سكن الري ثم بغداد، وولي قضاء سجستان صدوق كثير الأوهام من التاسعة "عن إسرائيل" هو ابن يونس الكوفي.
قوله : "النفقة كلها في سبيل الله" أي فيؤخر المنفق عليها "إلا البناء" أي إلا النفقة في البناء "فلا خير فيه" أي في الإنفاق فيه فلا أجر فيه، وهذا في بناء لم يقصد به قربة أو كان فوق الحاجة.
قوله : "هكذا قال محمد بن حميد شبيب بن بشير وإنما هو شبيب بن بشر" قال في التقريب: شبيب بوزن طويل بن بشر أو ابن بشير البجلي الكوفي صدوق يخطئ من الخامسة.(7/184)
2600-حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا شَرِيكٌ عن أَبي إِسْحَاقَ، عن حَارِثَةَ بنُ مُضَرّبٍ قالَ: "أَتَيْنَا خَبّاباً نعُودُهُ، وَقَدْ اكْتَوَى سَبْعَ كَيّاتٍ، فَقَالَ: لَقَدْ تَطَاوَلَ مَرَضِي، وَلَوْلاَ أَنّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ تَمَنّوْا المَوْتَ" لَتَمَنّيْتُهُ، وَقَالَ: "يُؤْجَرُ الرّجُلُ في نَفَقَتِهِ كلهَا إِلاّ التّرَابَ أَوْ قالَ في التراب" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
قوله: "أخبرنا شريك" هو ابن عبد الله النخعي الكوفي "عن أبي إسحاق" هو عمرو بن عبد الله السبيعي "عن حارثه بن مغرب" بتشديد الراء المكسورة قبلها معجمة العبدي الكوفي ثقة من الثانية غلط من نقل عن ابن المدني أنه تركه.
قوله : "أتينا خباباً" بموحدين الأول مثقلة ابن الأرث بتشديد الفوقية التميمي من السابقين إلى الإسلام وكان يعذب في الله وشهد بدراً ثم نزل الكوفة ومات بها سنة سبع وثلاثين "وقد اكتوى سبع كيات" قال الطيبي: الكي علاج معروف في كثير من الأمراض وقد ورد النهي عن الكي فقيل النهي لأجل أنهم كانوا يرون أن الشفاء منه. وأما إذا اعتقد أنه سبب وأن الشافي هو الله فلا بأس به، ويجوز أن يكون النهي من قبل التوكل وهو درجة أخرى غير الجواز انتهى. ويؤيده خبر "لا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون" "لا تمنوا الموت" بحذف إحدى التائين أي لضر نزل به وإنما نهى عن تمني الموت لما فيه من طلب إزالة نعمة الحياة وما يترتب عليها من الفوائد ولزيادة العمل "لتنميته" أي لأستريح من شدة المرض الذي من شأن الجبلة البشرية أن تنفر منه ولا تصبر عليه "وقال" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "يؤجر الرجل في نفقته" أي كلها "إلا التراب" أي إلا النفقة في التراب "أو قال في التراب" شك من الرواي أي في نفقته في البنيان الذي لم يقصد به وجه الله أو قد زاد على الحاجة.
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه أحمد.(7/185)
2601-حدثنا الْجَارُودُ، أخبرنا الفَضْلُ بنُ مُوسَى، عن سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عن أَبي حَمْزَةَ عن إِبْرَاهِيمَ النَخعي قالَ:"كُلّ بِنَاءِ وَبَالٌ عَلَيْكَ، قُلْتُ أَرَأَيْتَ مَالاَ بُدّ مِنْهُ؟ قَالَ: لاَ أَجْرَ وَلا وِزْرَ".
2602-حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أَبُو أَحْمَدَ الزّبَيْرِيّ، حدثنا خَالِدُ بنُ طُهْمَانَ أَبُو الْعَلاَءِ، حدثنا حُصَيْنُ قالَ: "جَاءَ سَائِلٌ فَسَأَلَ ابنَ عَبّاسٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ للسّائِلِ: أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: أَتَشْهَدُ أَن مُحَمّداً رَسُولُ الله؟ قالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَتَصُومُ رَمَضَانَ؟ قالَ: نَعَمْ، قَالَ: سَأَلْتُ وَلِلسّائِلِ حَقٌ إِنّهُ لَحَقٌ عَلَيْنَا أَنْ نَصِلكَ، فَأَعْطَاهُ
__________
قوله : "حدثنا الجارود" هو ابن معاذ السلمي الترمذي "عن أبي حمزة" الظاهر أن أبا حمزة هذا هو ميمون الأعور القصاب. مشهور بكنيته، ضعيف من السادسة، روى عن إبراهيم وغيره وعنه سفيان الثوري وغيره "عن إبراهيم" هو ابن يزيد النخعي.
قوله : "البناء وكله وبال" أي إذا كان فوق الحاجة وام يكن مما يتقرب به كالمسجد "قلت أرأيت الخ" أي أخبرني عن بناء لا بد منه "قال لا أجر ولا وزر" أي لا أجر لصاحبه ولا وزر عليه، هذا قول إبراهيم النخعي. وروى البيهقي في شعب الإيمان عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: كل بناء وبال على صاحبه يوم القيامة، إلا مسجداً كذا في الجامع الصغير. قال المناوي في شرح هذا الحديث:قوله إلا مسجداً أي أو نحوه مما بني يقصد قربة إلى الله كمدرسة ورباط، واستثنى في خبر آخر ما لا بد منه لحاجة الإنسان انتهى.
قوله : "حدثنا خالد بن طهمان أبو العلاء" الكوفي الخفاف. مشهور بكنيته صدوق، رمى بالتشيع ثم اختلط من الخامسة "حدثني حصين" بن مالك البجلي الكوفي صدوق من الثالثة. قال في تهذيب التهذيب: له عند الترمذي حديث واحد في أجر من كسا مسلماً ثوباً.
قوله : "إنه" أي الشأن "لحق" اللام للتأكيد "أن نصلك" أي نعطيك(7/186)
ثَوْباً ثمّ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ كَسَا مُسْلِماً ثَوْباً إِلاّ كَانَ في حِفْظِ الله مَا دَامَ مِنْهُ عَلَيْهِ خِرْقَةٌ" .
قالَ: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هَذَا الْوَجْهِ.
2603-حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارِ، أَخْبَرنَا عَبْدُ الوَهّابِ الثّقَفِيّ وَ مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ وَ ابنُ أَبِي عَدِيٍ وَ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، عنْ عَوْفِ بنِ أَبِي جَمِيلَةَ الأعرابي عن زُرَارَةَ بنِ أَوْفَى عن عَبْدِ الله بنِ سَلاَمٍ. قَالَ: "لَمّا قَدِمَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، يَعْنِي المَدِينَةَ، انْجَفَلَ النّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فٍجِئْتُ فِي النّاسِ لأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمّا اسْتَثْبَتُ وَجْهَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَرَفْتُ أَنّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَابٍ، وَكَانَ
__________
"إلا كان في حفظ الله" فيحفظه الله من مكاره الدنيا والاَخرة "ما دام منه" أي من الثوب "عليه" أي على من كساه "خرقة" أي قطعة. قال المناوي يعني حتى يبلى وقال ومفهوم هذا الحديث أنه لو كسا ذمياً لا يكون له هذا الوعد.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد، وقال المنذري رواه الترمذي والحاكم كلاهما من طريق خالد بن طهمان ولفظ الحاكم: من كسا مسلماً ثوباً لم يزل في ستر الله ما دام عليه منه خيط أو سلك، وقال الحاكم صحيح الإسناد انتهى. قلت: خالد بن طهمان اختلط في آخره عمره كما عرفت.
قوله : "ويحيى بن سعيد" هو القطان "عن زرارة بن أوفى" بضم الزاي العامري الحوشي بمهملة وراء مفتوحتين ثم معجمة البصري قاضيها ثقة عابد من الثالثة مات فجأة في الصلاة "عن عبد الله بن سلام" بالتخفيف الإسرائيل هو أبو يوسف حليف بني الخزرج قيل كان اسمه الحسين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله مشهور مات بالمدينة سنة ثلاث وأربعين "يعني المدينة" هذا قول بعض رواة الحديث "انجفل الناس إليه" أي ذهبوا مسرعين إليه يقال جفل وأجفل وانجفل "فلما استبنت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال في الصراح:(7/187)
أَوّلَ شَيْءٍ تَكَلّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: "يَا أَيُهَا النّاسُ أَفْشُو السّلاَمَ وَأَطْعِمُوا الطّعَامَ وَصَلّوا وَالنّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الجَنّةِ بِسَلاَمٍ" .
هذا حديثٌ صحيحٌ.
2604-حدثنا الْحُسَيْنُ بنُ الْحَسَنِ المَرْوَزِيّ بِمَكَةَ، أَخْبَرنَا ابنُ أَبي عَدِيٍ، أَخْبَرنَا حُمَيْدٌ عن أَنَسٍ قَالَ: "لَمّا قَدِمَ النبيّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ أَتَاهُ المُهَاجِرُونَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ الله مَا رَأَيْنَا قَوْماً أَبْذَلَ مِنْ كَثِيرِ وَلاَ أَحْسَنَ مُوَاسَاةً مِنْ قَلِيلٍ مِنْ قَوْمٍ نَزَلْنَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ لَقَدْ كَفَوْنَا المُؤْنَةَ وَأَشْرَكُونَا فِي المَهْنَاءِ، حَتّى لَقَدْ خِفْنَا أَنْ يَذْهَبُوا
__________
استبان الشيء أي طهر وتبين مثله، واستبنته أنا عرفته، وتعينته أنا كذلك انتهى "ليس بوجه كذاب" بالإضافة وينون أي يوجه ذي كذب فإن الظاهر عنوان الباطن "يا أيها الناس" خطاب العام بكلمات جامعة للمعاملة مع الخلق والحق "أفشوا السلام" أي أظهروه وأكثروه على من تعرفونه وعلى من لا تعرفونه "وأطعموا الطعام" أي لنحو المساكين والأيتام "وصلوا" أي بالليل "والناس نيام" لأنه وقت الغفلة فلأرباب الحضور مزيد المثوبة أو لبعده عن الرياء والسمعة "تدخلوا الجنة بسلام" أي من الله أو من ملائكته من مكروه أو تعب ومشقة.
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه ابن ماجه والدرامي.
قوله : "أَخْبَرَنَاْ حميد" هو الطويل.
قوله : "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة" أي حين جاءها أول قدومه "أتاه المهاجرين" أي بعد ما قام الأنصار بخدمتهم وإعطائهم أنصاف دورهم وبساتينهم إلى أن بعضهم طلق أحسن نسائه ليتزوجها بعض المهاجرين، كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} "فقالوا" أي المهاجرون "ما رأينا قوماً أبذل من كثير" أي من مال كثير "ولا أحسن مواساة من قليل" أي من مال قليل "من قوم نزلنا بين أظهرهم" أي عندهم وفيما بينهم. والمعنى أنهم أحسنوا إلينا(7/188)
بِالأَجْرِ كُلّهِ، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: لاَ مَا دَعَوْتُمُ الله لَهُمْ وَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ" .
هذا حديثٌ صحيحٌ حسنٌ غريبٌ.
2605-حدثنا إِسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأَنْصَاريّ، أَخْبَرنَا مُحمّدُ بنُ مَعْنٍ الغِفَارِيّ، حدثني أَبِي عَنُ سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ، عن أَبي هُرَيْرَةَ، عن النبيّ
__________
سواء كانوا كثيري المال أو فقيري الحال. قال الطيعي رحمه الله: الجاران أعني من قليل ومن كثير متعلقان بالبذل والمواساة. وقوله من قوم صلة لا بذل وأحسن على سبيل التنازع وقوم هو المفضل، والمراد بالقوم الأنصار وإنما عدل عنه إليه ليدل التنكير على التفخيم فيتمكن من إجراء الأوصاف التالية عليه بعد الإبهام ليكون أوقع لأن التبيين بعد الإبهام أوقع في النفس وأبلغ "لقد كفونا" من الكفاية "المؤنة" أي تحملو عنا مؤنة الخدمة في عمارة الدور والنخيل وغيرهما "وأشركونا" أي مثل الإخوان "في المهنأ" بفتح الميم والنون وهمز في آخره، ما يقوم بالكفاية وإصلاح المعيشة، وقيل ما يأتيك بلا تعب. قال ابن الملك والمعنى أشركونا في ثمار نخيلهم وكفونا مؤنة سقيها وإصلاحها وأعطونا نصف ثمارهم. وقال القاضي يريدون به ما أشركوهم فيه من زروعهم وثمارهم "حتى لقد خفنا أن يذهبوا" أي الأنصار "بالأجر كله" أي بأن يعطيهم الله أجر هجرتنا من مكة إلى المدينة وأجر عبادتنا كلها من كثرة إحسابهم إلينا، "فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا" أي لا يذهبون بكل الأجر فإن فضل الله واسع، فلكم ثواب العبادة ولهم أجر المساعدة "ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم" أي ما دمتم تدعون لهم بخير فإن دعاءكم يقوم بحسناتهم إليكم وثواب حسناتكم راجع عليكم. قال الطيبي رحمه الله: يعني إذ حملوا المشقة والتعب على أنفسهم وأشركونا في الراحة والمهنأ فقد أحرزوا المثوبات. فكيف نجازيهم؟ فأجاب لا. أي ليس الأمر كما زعمتم فإنكم إذا أثنيتم عليهم شكراً لصنيعهم ودمتم عليه فقد جاز يتموه.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه أبو داود والنسائي.
قوله : "أَخْبَرَنَاْ محمد بن معن" بن محمد بن معن "المدني الغفاري" أبو يونس المدني ثقة من الثامنة "حدثني أبي" هو معن بن محمد بن معن بن نضلة الغفاري مقبول من السادسة.(7/189)
صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الطّاعِمُ الشّاكِرُ بِمَنْزِلَةِ الصّائِمِ الصّابِرِ" .
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
2606-حدثنا هَنّادٌ، أَخْبَرنَا عَبْدَةُ عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عن مُوسَى بنِ عُقْبَةَ، عن عَبْدِ الله بنِ عمرو الأَوْدِيّ، عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النّارِ، وَبِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النّارُ؟ عَلَى كُلّ قَرِيبٍ هَيّنٍ سَهْلٍ" .
__________
قوله : "الطاعم الشاكر" أي الله تعالى بمنزلة الصائم الصابر لأن الطعم فعل والصوم كف، فالطاعم بطعمه يأتي ربه بالشكر والصائم بكفه عن الطعم يأتيه بالصبر. قال القاري: أقل شكره أن يسمى إذا أكل ويحمد إذا فرغ وأقل صبره أن يحبس نفسه عن مفسدات الصوم. قال المظهر: هذا تشبيه في أصل استحقاق كل واحد منهما الأجر لا في المقدار، وهذا كما يقال زيد كعمرو ومعناه زيد يشبه عمراً في بعض الخصال ولا يلزم الممائلة في جميعها فلا يلزم الممائلة في الأجر أيضاً، انتهى.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم. قال المناوي وصححه وأقروه. وروي أحمد وابن ماجه عن سنان بن سنة مرفوعاً الطاعم الشاكر له مثل أجر الصائم الصابر.
قوله : "عن عبد الله بن عمرو الأودي" الكوفي مقبول من الثالثة. قال في تهذيب التهذيب: روى له الترمذي هذا الحديث الواحد، وذكره ابن حبان في الثقات وأخرج له في صحيحه هذا الحديث.
قوله : "بمن يحرم" بضم الراء "على النار" أي يمنع عنها "وبمن تحرم عليه النار" قال القاري: زيادة تأكيد وإلا فالمعنيان متلازمان، ولما كان مآلهما واحد اكتفى بالجواب عن الأول لأنه المعول والثاني مؤكد "على كل قريب" أي إلى الناس، ولم يقع في بعض النسخ لفظ على "هين" وفي المشكاة: على كل هين لين. قال القاري: بتشديد التحتية فبهما أي تحرم على كل سهل طلق حليم لين الجانب(7/190)
هذا حديثٌ غريبٌ.
2607-حدثنا هَنّادٌ، أَخْبَرنَا وَكِيعٌ، عن شُعْبَةَ عن الْحَكَمِ، عن إِبْرَاهِيمَ عن الأَسْودِ بنِ يَزِيدَ قَالَ: "قُلْتُ يَا عَائِشَةُ أَيّ شَيْءِ كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ في مَهْنَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتْ الصّلاَةُ قَامَ فَصَلّى".
هذا حديثٌٌ صحيحٌ.
__________
قيل هما يطلقان على الإنسان بالتثقيل والتخفيف وعلى غيره بالتشديد. وعن ابن الأعرابي بالتخفيف المدح وبالتشديد للذم، ثمقوله هين فيعل من الهون وهو السكون والوفار والسهولة فبينه واو فأبدلت وأدغمت انتهى "سهل" هو ضد الصعب، أي سهل الخلق كريم الشمائل.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد والطبراني.
قوله : "قالت كان" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "يكون في مهنة أهله" ورواه البخاري من طريق آدم عن شعبة في باب من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج وزاد تعني خدمة أهله. قال الحافظ بفتح الميم وكسرها وسكون الهاء فيهما وقد فسرها في الحديث بالخدمة وهي من تفسير آدم بن أبي إياس، شيخ المصنف. وقال في الصحاح: المهنة بالفتح الخدمة، وهذا موافق لما قاله لكن نفسرها صاحب المحكم بأخص من ذلك فقال المهنة الحذق بالخدمة والعمل وقد، وقع مفسراً في الشمائل للترمذي من طريق عمرة عن عائشة بلفظ: والعمل وقد وقع مفسراً في الشمائل للترمذي من طريق عمرة عن عائشة بلفظ: ما كان إلا بشراً من البشر يفلى ثوبه ويحلب شأته ويخدم نفسه. ولأحمد وابن حبان من رواية عروة عنها: يخيط ثوبه ويخصف نعله، وزاد ابن حبان: ويرفع دلوه، وزاد الحاكم في الإكليل: ولا رأيته ضرب بيده امرأة ولا خادماً: والحديث فيه الترغيب في التواضع وترك التكبر وخدمة الرجل أهله.
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه البخاري.(7/191)
2608-حدثنا سُوَيْدُ ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، عن عِمْرانَ بنِ زَيْدٍ التّغْلبي، عن زَيْدٍ العَميّ، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: "كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَقْبَلَهُ الرّجُلُ فَصَافَحَهُ لاَ يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتّى يَكُونَ الرّجُلُ الذي يَنْزِعُ، وَلاَ يَصْرِفُ وَجْهَهُ عن وَجْهِهِ حَتّى يَكُونَ الرّجُلُ هُوَ يَصْرِفُهُ وَلَمْ يُرَ مُقَدّماً رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ جَلَيْسٍ لَهُ" قالَ: هذا حديثٌ غريبٌ.
2609-حدثنا هَنّادٌ، حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ، عن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ، عن أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو، أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "خَرَجَ رَجُلٌ مِمّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فِي حُلّةٍ لَهُ يَخْتَالُ فِيهَا، فَأَمَرَ الله الأَرْضَ فَأَخَذَتْهُ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فيها، أَوْ قَالَ يَتَلَجْلَجُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" .
__________
قوله : "لا ينزع" بكسر الزاي أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "لم ير" بصيغة المجهول أي لم يبصر "مقدماً" بكسر الذال المشددة "ركبتيه بين يدي جليس له" أي مجالس له قيل أي ما كان يجلس في مجلس تكون ركبتاه متقدمتين على ركبتي صاحبه كما يفعل الجبابرة في مجالسهم. وقيل ما كان يرفع ركبتيه عند من يجالسه بل كان يخفضها تعظيماً لجليسه. وقالوا أراد بالركبتين الرجلين وتقديمهما مدهما وبسطهما، كما يقال قدم رجلا وأخر أخرى، ومعناه كان صلى الله عليه وسلم لا يمد رجله عند جليسه تعظيماً له. قال الطيبي فيه: وفيقوله كان لا يتزع يده قيل نزع صاحبه، تعليم لأمته في إكرام صاحبه وتعظيمه، فلا يبدأ بالمفارقة عنه ولا يهينه بمد الرجلين إليه.
قوله : "عن أبيه" هو السائب بن مالك أو ابن زيد الكوفي ثقة من الثانية.
قوله : "خرج رجل ممن كان قبلكم في حلة" بضم الحاء المهملة وتشديد اللام إزاء ورداء بردأو غيره ولا يكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة كذا في القاموس "يختال فيها" من الاختيال وهو التكبر في المشي "فأخذته" أي ابتلعته "فهو متجلجل أرِ قال يتلجلج فيها إلى يوم القيامة" أي يغوص في الأرض ويضطرب في نزوله فيها.(7/192)
هذا حديثٌ صحيحٌ.
2610-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بن المُبَارَكِ، عَنْ مُحمّدِ بنِ عَجْلاَنَ، عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أَبِيهِ، عن جَدّهِ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يُحْشَرُ المُتَكَبّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذّرّ فِي صُوَرِ الرجالِ، يَغْشَاهُمُ الذّلّ مِنْ كُلّ مَكَانِ، فيُسَاقُونَ إِلَى سَجْنٍ فِي جَهَنّمَ يُسَمّى بُولَس تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ" .
__________
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه البخاري عن ابن عمر بلفظ: بينما رجل يجر إزاره خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة.
قوله : "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر" أي في الصغر والحفارة "في صور الرجال" أي من جهة وجوههم. أو من حيثية هيئتهم من انتصاب القامة "يغشاهم الذل" أي يأتيهم "من كل مكان" أي من كل جانب. والمعنى أنهم يكونون في غاية من المذلة والنقيصة يطأهم أهل الحشر بأرجلهم من هوانهم على الله. وفي النهاية الذر النمل الأحمر الصغير واحدها ذرة "يساقون" بضم القاف أي يسحبون ويجرون "إلى سجن" أي مكان حبس مظلم مضيق منقطع فيه عن غيره "يسمى" أي ذلك السجن "بولس" قال في المجمع: هو بفتح باء وسكون واو وفتح لام. وقال في القاموس: بولس بضم الباء وفتح اللام سجن جهنم وقال الحافظ المنذري: هو بضم الموحدة وسكون الواو وفتح اللام انتهى "تعلوهم" أي تحيط بهم وتغشاهم كالماء يعلو الغريق "نار الأنيار" قال في النهاية: لم أجده مشروحاً ولكن هكذا يروى، فإن صحت الرواية فيحتمل أن يكون معناه نار النيران، فجمع النار على أنيار وأصلها أنوار لأنها من الواو كما جاء في ريح وعيد أرياح وأعياد وهما من الواو انتهى. قيل: إنما جمع بار على أنيار وهو واوي لئلا يشتبه بجمع النور. قال القاضي: وإضافة النار إليها للمبالغة كأن هذه النار لفرظ إحراقها وشدة حرها تفعل بسائو النيران ما تفعل النار بغيرها انتهى. قال القاري: أو لأنها أصل نيران العالم لقوله تعالى {الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى}(7/193)
هذا حديثٌ حسنٌ .
__________
ولقوله صلى الله عليه وسلم: ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم على ما ذكره البيضاوي انتهى "ويسقون" بصيغة المجهول "من عصارة أهل النار" بضم العين المهملة وهو ما يسيل منهم من الصديد والقبح والدم "طينة الخيال" بالجر بدل من عصارة أهل النار، والخيال بفتح الخاء المعجمة وهو في الأصل الفساد ويكون في الأفعال والأبدان والعقول.
قوله : "هذا حديث حسن" وأخرجه النسائي كما في الترغيب وأخرج عبد الله ابن أحمد في زوائد الزهد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يجاء بالجبارين والمتكبرين رجال في صور الذر يطأهم الناس من هوانهم على الله حتى يقضي بين الناس ثم يذهب بهم إلى نار الأنيار قيل: يا رسول الله وما نار الأنيار قال: عصارة أهل النار" ذكره السيوطي في البدور السافرة في أحوال الاَخرة.
" تنبيه :" حمل بعضهم قوله صلى الله عليه وسلم: يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال على المجاز. قال التوربشتي: يحمل ذلك على المجاز دون الحقيقة. أي أذلاء مهانين يطأهم الناس بأرجلهم وإنما منعنا على القول بظاهره ما أخبرنا به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن الأجساد تعاد على ما كانت عليه من الأجزاء حتى أنهم يحشرون غرلا يعاد منهم ما انفصل عنهم من القلفة، وإلى هذا المعنى أشار بقوله: يغشاهم الذل من كل مكان. قال الأشرف: إنما قال في صور الرجال بعدقوله أمثال الذر قطعاً منه: حملقوله أمثال الذر على الحقيقة ودفعاً لوهم من يتوهم أن المتكبر لا يحشر في صورة الإنسان وتحقيقاً لإعادة الأجساد المعدومة على ما كانت عليه من الأجزاء. وقال المظهر: يعني صورهم صور الإنسان وجثتهم كجثة الذر في الصغر. قال الطيبي: لفظ الحديث يساعد هذا المعنى لأنقوله أمثال الذر تشبيه لهم بالذر ولا بد من بيان وجه الشبه لأنه يحتمل أن يكون وجه الشبه الصغر في الجثة وأن يكون الحقارة والصغار فقوله في صور الرجال بيان للموجه ودفع وهم من يتوهم خلافه، وأماقوله إن الأجساد تعاد على ما كانت عليه من الأجزاء فليس فيه أن لا تعاد تلك الأجزاء الأصلية في مثل الذر لأنه تعالى قادر عليه، وفيه الخلاف المشهور بين الأصوليين وعلى هذه الحقارة(7/194)
2611-حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وَ عَبّاسُ بنُ مُحمّدٍ الدّورِيّ، قالاَ: أَخْبَرنَا عَبْدُ الله بنُ يَزِيدَ المُقريُ، حدثنا سَعِيدُ بنُ أَبِي أَيّوبَ، حدثني أَبُو مَرْحُومٍ عَبْدُ الرَحِيمِ بنُ مَيْمُونٍ، عن سَهْلِ بنِ مُعَاذ بنِ أَنَسٍ، عن أَبِيهِ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ كَظَمَ غَيْظاً، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُنَفّذَهُ، دَعَاهُ الله عَلَى رُؤُوسِ الْخَلاَئِقِ يوم القيامة حَتّى يُخَيّرَهُ في أَي الْحُورِ شَاءَ" .
قال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
2612-حدثنا سَلَمَةُ بنُ شَبِيبِ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ إِبْرَاهِيمَ
__________
ملزوم هذا التركيب فلا ينافي إرادة الجثة مع الحقارة.
قلت: الظاهر هو الحمل على الحقيقة ولا مخالفة بين هذا الحديث والأحاديث التي تدل على أن الأجساد تعاد على ما كانت عليه من الأجزاء حتى أنهم يحشرون غرلا. قال القاري: التحقيق إن الله يعيدهم عند إخراجهم من قبورهم على أكمل صورهم وجمع أجزائهم المعدومة تخفيفاً لوصف الإعادة على وجه الكمال ثم يجعلهم في موقف الجزاء على الصورة المذكورة إهانة وتذليلا لهم، جزاءاً وفاقاً، أو يتصاغرون من الهيبة الإلهية عند مجيئهم إلى موضع الحساب وظهور أثر العقوبة السلطانية التي لو وضعت على الجبال لصارت هباء منثوراً انتهى.
قوله : "أخبرنا عبد الله بن يزيد" هو أبو عبد الرحمن المقري.
قوله : "من كظم غيظاً" أي كف عن إمضائه "وهو يقدر أن ينفذه" من التنفيذ أي يقدر على إمضائه وإنفاذه والجملة حالية "دعاءه الله على رؤوس الخلائق" أي شهره بين الناس وأثنى عليه وتباهى به ويقال في حقه هذا الذي صدرت منه هذه الخصلة العظيمة. قال الطيبي وإنما حمد الكظم لأنه قهر للنفس الأمارة بالسوء ولذلك مدحهم الله تعالى بقوله: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} .
قوله : "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو داود وابن ماجه.
قوله : "حدثنا سلمة بن شبيب" النيسابوري نزيل مكة ثقة من كبار الحادية(7/195)
الْغِفَارِيّ المَدِنِيّ، حدثني أَبِي، عن أَبِي بَكْرِ بنِ المَنْكَدِرِ، عن جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلاَثٌ مَنْ كُنّ فِيهِ نَشَرَ الله عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَأَدْخَلَهُ الْجَنّةَ: الرّفْقٌ بالضّعِيفِ، وشَفَقَةُ عَلَى الْوَالِدَيْنِ، وإحسان إِلَى المَمْلُوكِ" قال: هذا حديثٌٌ غريبٌ.
2613-حدثنا هَنّادٌ، حدثنَا أَبُو الأَحْوَصِ عنْ لَيْثٍ عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عن عَبْدِ الرحمنِ بنِ غَنْمٍ عنْ أَبي ذَرّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ الله تعالى يَا عِبَادِي كُلّكُمْ ضَالٌ إِلاَ مَنْ هَدَيْتُ
__________
عشرة "أخبرنا عبد الله بن إبراهيم" بن أبي عمرو "الغفاري" أبو محمد المدني متروك ونسبه ابن حبان إلى الوضع من العاشرة "حدثني أبي" اسمه إبراهيم بن أبي عمرو الغفاري المدني مجهول من الثامنة "عن أبي بكر بن المنكدر" بن عبد الله التيمي المدني ثقة، وكان أسن من أخيه محمد من الرابعة.
قوله : "نشر الله عليه" بشين معجمة من النشر ضد الطي "كنفه" بكاف ونون وفاء مفتوحات وهو الجانب والناحية، وهذا تمثيل لجعله تحت ظل رحمته يوم القيامة "أدخله الجنة" وفي بعض النسخ جنته والإضافة للتشريف "والشفقة على الوالدين" أي الأصلين وإن علوا "والإحسان إلى المملوك" أي مملوك الإنسان نفسه وكذا غيره بنحو إعانة أو شفاعة عند سيده.
قوله : "هذا حديث غريب" في سنده عبد الله بن إبراهيم وهو متروك، وأبوه وهو مجهول، فالحديث ضعيف.
قوله : "يا عبادي" قال الطيبي: الخطاب للثقلين لتعاقب التقوى والفجور فيهم، ويحتمل أن يعم الملائكة فيكون ذكرهم مدرجاً في الجن لشمول الاجتنان لهم وتوجه هذا الخطاب لا يتوقف على صدور الفجور ولا على إمكانه انتهى. قلت: والظاهر هو الاحتمال الأول "إلا من هديت" قيل المراد به وصفهم بما كانوا عليه قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لا أنهم خلقوا في الضلالة. والأظهر أن يراد(7/196)
فَسَلُونِي الْهُدَى أَهْدِكُمْ، وَكُلّكُم فَقِيْرٌ إِلاّ مَنْ أَغْنَيْتُ فَسَلُونِي أَرْزُقُكُمْ، وَكُلّكُمْ مُذْنِبٌ إِلاّ مَنْ عَافَيْتُ، فَمَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ أَنّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى المَغْفِرَةِ فَاسْتَغْفَرَنِي غَفَرْتُ لَهُ وَلاَ أُبَالِي، وَلوْ أَنّ أَوّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيّكُمْ وَمَيّتَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَتقَى قَلْبِ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي، مَا زَادَ ذَلِكَ في مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَلَوْ أَنّ أَوّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيّكُمْ وَمَيّتَكُمْ وَرطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَشْقَى قَلْبِ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَلَوْ أَنّ أَوّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيّكُمْ وَمَيّتَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمْ اجْتَمَعُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلَ كلّ إِنْسَانٍ
__________
أنهم لو تركوا بما في طباعهم لضلوا، وهذا معنىقوله عليه الصلاة والسلام: إن الله خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره. وهو لا ينافيقوله عليه الصلاة والسلام: كل مولود يولد على الفطرة، فإن المراد به الفطرة التوحيد والمراد بالضلالة جهالة تفصيل أحكام الإيمان وحدود الإسلام ومنهقوله تعالى:}وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} "وكلكم مذنب" قيل أي كلكم يتصور منه الذنب "إلا من عافيت" أي من الأنبياء والأولياء، أي عصمت وحفظت، وإنما قال عافيت تنبيهاً على أن الذنب مرض ذاتي، وصحته عصمة الله تعالى وحفظه منه أو كلكم مذنب بالفعل. وذنب كل بحسب مقامه إلا من عافيته بالمغفرة والرحمة والتوبة "ولا أبالي" أي لا أكترث "ولو أن أولكم وآخركم" يراد به الإحاطة والشمول "وحيكم وميتكم" تأكيد لإرادة الاستيعاب كقوله "ورطبكم ويابسكم" أي شبابكم وشيوخكم أو عالمكم وجاهلكم أو مطيعكم وعاصيكم. قال الطيبي هما عبارتان عن الاستيعاب التام كما فيقوله تعالى {وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} والإضافة إلى ضمير المخاطبين تقتضي أن يكون الاستيعاب في نوع الإنسان فيكون تأكيداً للشمول بعد تأكيد الاستيعاب وتقريراً بعد تقرير انتهى "اجتمعوا على أنقى قلب عبد من عبادي" وهو نبينا صلى الله عليه وسلم "ما زاد ذلك" أي الاجتماع "اجتمعوا على ثقى قلب عبد من عبادي" وهو إبليس اللعين "اجتمعوا في صعيد(7/197)
مِنْكُمْ مَا بَلَغَتْ أُمْنِيّتُهُ، فَأَعْطَيْتُ كلّ سَائِلٍ مِنْكُمْ، مَانَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي إِلاَ كَمَا لَوْ أَنّ أَحَدَكُمْ مَرّ بِالبَحْرِ فَغَمَسَ فِيهِ إِبْرَةً ثُمّ رَفَعَهَا إِلَيْهِ ذَلِكَ بِأَنّي جَوَادٌ وَاجِدٌ مَاجِدٌ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُ، عَطَائي كلامٌ وَعَذَابِي كلامٌ، إِنّمَا أَمْرِي لِشَيءٍ إِذَا أَرَدْتُه أَنْ أَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ".
قال: هذا حديثٌ حسنٌ. وَرَوَى بَعضُهم هذا الحديث عن شَهْرِ بنِ حَوْشَبِ عن مَعْدِ يكَرِبَ عن أَبي ذَرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
2614-حدثنا عُبَيْدُ بنُ أَسبَاطَ بنِ محمّدٍ الْقُرَشِيّ، حدثنا أَبِي، أَخْبَرنَا الأَعْمَشُ عن عبدِ الله بنِ عبدِ الله الرّازي عن سَعْدٍ مَوْلَى طَلْحَةَ عن ابنِ عُمَرَ
__________
واحد" أي أرض واسعة مستوية "ما بلغت أمنيته" بضم الهمزة وكسر النون وتشديد الياء، أي مشتهاه وجمعها المنى والأماني، يعني كل حاجة تخطر بباله "مانقص ذلك" أي الإعطاء أو قضاء حوائجهم "فغمس" بفتح الميم أي أدخل "إبرة" بكسر الهمزة وسكون الموحدة وهي المخيط "ذلك" أي عدم نقص ذلك عن ملكي "بأني جواد" أي كثير الجود "واجد" هو الذي يجد ما يطلبه ويريده وهو الواجد المطلق لا يفوته شيء "ماجد" هو بمعنى المجيد، كالعالم بمعنى العليم من المجد وهو سعة الكرم "إنما أمري الشيء إذا أردت أن أقول له كن فيكون" بالرفع والنصب، أي من غير تأخير عن أمري. وهذا تفسير لقوله: عطائي كلام وعذابي كلام. قال القاضي يعني ما أريد إيصاله إلى عبد من عطاء أو عذاب لا أفتقر إلى كد ومزاولة عمل بل يكفي لحصوله ووصوله تعلق الإرادة به وكن من كان التامة أي أحدث فيحدث.
قوله : "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد وابن ماجه، وروى مسلم نحوه بزيادة ونقص.
قوله : "عن عبد الله بن عبد الله" الرازي من بني هاشم القاضي أصله كوفي صدوق من الرابعة "عن سعد مولى(7/198)
قَالَ: سَمِعْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يُحَدِثُ حَدِيثاً لَوْ لَمْ أَسْمَعُهُ إِلاّ مَرّةً أَوْ مَرَتَيْنِ حَتّى عَدّ سَبْعَ مَرّاتٍ وَلَكِنّي سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كَانَ الْكِفْلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا يَتَوَرّعُ مِنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتّينَ دِينَاراً عَلَى أَنْ يَطَأَهَا، فَلَمّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ أُرْعِدَتْ وَبَكَتْ فَقَالَ: ما يُبْكِيكِ أَكْرَهْتُكِ؟ قالت: لا وَلَكِنّهُ عَمَلٌ مَا عَمِلْتُهُ قَطّ وَمَا حَمَلَنِي عَلَيْهِ إِلاَ الْحَاجَةُ، فقال: تَفْعَلِينَ أَنْتِ هَذَا وَمَا فَعَلْتِهِ اذْهَبِي فَهِيَ لَكِ وقال: لا والله لا أَعْصِي الله بَعْدَهَا أَبَداً، فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ مَكْتُوباً عَلَى بَابِهِ أَنّ الله قَدْ غَفَرَ لِلْكِفْلِ" .
هذا حديثٌ حسنٌ. قد رَوَاهُ شَيْبَانُ وغيرُ وَاحِدٍ عن
__________
طلحة" قال في التقريب سعد أو سعيد مولى طلحة، ويقال طلحة مولى سعد مجهول من الرابعة.
قوله : "لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين حتى عد سبع مرات" جزاءه محذوف أي لم أحدث ذلك الحديث أحداً ولم أذكره "كان الكفل" بكسر الكاف وسكون الفاء اسم رجل "لا يتورع من ذنب" أي لا يحترز ولا يمتنع "عمله" الضمير المرفوع للكفل والمنصوب ذنب، والجملة صفة له "أرعدت" بصيغة المجهول من الإرعاد، أي زلزلت واضطربت من خشية الله "أكرهتك" بحذف همزة الاستفهام "قالت لا" أي لم تكرهني وليس ارتعادي وبكائي من إكراهك "فقال أتفعلين أنت هذا" أي لأجل الحاجة "وما فعلته" أي قبل هذا قط "فهي" أي الدنانير "لك" أي ملك لك، يعني وهبتها لك "وقال" أي الكافي "فاصبح" أي دخل الكفل في الصبح "مكتوب" كذا في النسخ الموجودة بالرفع، والظاهر أن يكون بالنصب. فإنه خبر أصبح أو حال من ضميره.
قوله : "هذا حديث حسن" وأخرجه ابن حبان في صحيحه إلا أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرين مرة يقول فذكر نحوه، والحاكم(7/199)
الأَعْمَشِ نحو هذا وَرَفَعُوهُ، وَرَوَاهُ بعضُهم عن الأَعمشِ فلم يَرْفَعْهُ. وَرَوَى أَبُو بكرِ بنِ عَيّاشٍ هذا الحديثَ عن الاعمشِ فَأَخْطَأَ فيه وقال عن عبدِ الله بن عبدِ الله عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عن ابنِ عُمَرِو، وهو غيرُ محفوظٍ. وعبدُ الله بنُ عبدِ الله الرّازِيّ هُوَ كُوفِيّ وَكَانَتْ جَدّتُهُ سُرّيّةٌ لِعَلِيّ بنِ أَبي طَالِبٍ.
وقد رَوَى عن عبدِ الله بنِ عبدِ الله الرّازِيّ عُبَيْدَةُ الضّبّيّ وَالحَجّاجُ بنُ أَرْطَأَةَ وغيرُ وَاحِدٍ.
2615-حدثنا هَنّادٌ، أخبرنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عن الأَعْمَشِ عن عُمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ عن الْحَارِثِ بنِ سُوَيْدٍ، حدثنا عبدُ الله بن مسعود بِحَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا عن نَفْسِهِ وَالاَخَرُ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. قال عبدُ الله: "إِنّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كأَنّهُ في أَصْلِ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ
__________
والبيهقي من طريقه وغيرها. وقال الحاكم صحيح الإسناد كذا في الترغيب.
قوله : "وكانت جدته سرية لعلى بن أبي طالب" قال في القاموس: السرية بالضم: الأمة التي نوأتها بيتاً منسوب إلى السر بالكسر للجماع من تغيير النسب. وقال في الصراح: سرية بالضم على فعلية كنيزك فراشي وهي منسوبة إلى السر وهو الجماع، وإنما ضمت سنينه لأن الأبنية تغيرت في النسبة كدهري وسهلي بالضم فيهما من دهر وسهل. قال الأخفش: إنها مشتقة من السرور لأنه يسر بها جمعها سراري، ويقال منه كسررت الجارية وتسريتها كما تظننت وتظنيت انتهى.
قوله : "أخبرنا أبو معاوية" هو محمد بن خازم "عن الحارث بن سويد" التيمي أبي عائشة الكوفي ثقة ثبت من الثانية "حدثنا عبد الله" هو ابن مسعود.
قوله : "أحدهما عن نفسه" أي منقوله "إن المؤمن يرى ذنوبه" قال الطيبي: ذنوبه المفعول الأول والمفعول الثاني محذوف أي كالجبال بدليلقوله كذباب أي عظيمة ثقيلة "كأنه في أصل جبل" أي قاعد في أصله "يخاف أن يقع(7/200)
كَذُبَابٍ وَقَعَ عَلَى أَنْفِهِ قَالَ بِهِ هَكَذَا فَطَارُ" وقالَ قالَ: رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَلّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلِ بِأَرْضِ فَلاَةٍ دَوّيّةٍ مُهْلِكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلّهَا، فَخَرَجَ في طَلَبِهَا حَتّى إِذَا أَدْرَكَهُ المَوْتُ، قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ".
__________
عليه" . قال ابن أبي جمرة: السبب في ذلك أن قلب المؤمن منور، فإذا رأى من نفسه ما يخالف ما ينور به قلبه عظم الأمر عليه، والحكمة في التمثيل بالجبل أن غيره من المهلكات قد يحصل التسبب إلى النجاة منه بخلاف الجبل إذا سقط على الشخص لا ينجو منه عادة، وحاصله أن المؤمن يغلب عليه الخوف لقوة ما عنده من الإيمان، فلا يأمن العقوبة بسببها، وهذا شأن المؤمن أنه دائم الخوف والمراقبة يستصغر عمله الصالح ويخشى من صغير عمله السيء "وإن الفاجر" أي الفاسق "قال به" أي أشار إليه أو فعل به "هكذا" أي دفع الذباب بيده. "لله" بفتح اللام" بتوبة أحدكم" أي من المعصية إلى الطاعة. قال الطيبي: لما صور حال المذنب بتلك الصورة الفظيعة أشار إلى أن الملجأ هو التوبة والرجوع إلى الله تعالى انتهى. يعني فحصلت المناسبة بين الحديثين من الموقوف والمرفوع "من رجل" متعلق بأفرح" بأرض فلاة" قال في القاموس: الفلاة القفر أو المفازة لا ماء فيها والصحراء الواسعة "دوية" بفتح الدال وتشديد الواو والياء: نسبة للدو وهي الصحراء التي لا نبات بها "مهلكة" بفتح الميم واللام وكسرها: موضع خوف الهلاك "فأضلها" وفي رواية البخاري فوضع رأسه فنام فاستيقظ وقد ذهبت راحلته "حتى إذا أدركه الموت" أي أسبابه من الحر والعطش، وفي رواية البخاري: "حتى إذا اشتد الحر والعطش أو ما شاء الله قال" أي في نفسه وهو جواب إذا "أرجع" بلفظ المتكلم.(7/201)
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَفِيهِ عن أَبي هُرَيْرَةَ وَالنّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ وَأَنَسٍ بنِ مَالِكٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
2616-حدثنا أَحمدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ، أخبرنا عَلِيّ بنُ مَسْعَدَةَ الْبَاهِلِيّ، أخبرنا قَتَادَةُ عن أَنَسٍ، أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "كلّ ابْنِ آدَمَ خَطّاء، وَخيْرُ الْخَطّائِينَ التّوّابُونَ" .
هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفَهُ إِلاَ من حديثِ عَلِيّ بنِ مَسَعَدَةَ عن قَتَادَةَ.
__________
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري وأخرج مسلم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسب.
قوله : "وفيه" أي وفي الباب "عن أبي هريرة والنعمان بن بشير وأنس ابن مالك" أما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم، وأما حديث النعمان بن بشير فأخرجه أيضاً مسلم، وأما حديث أنس بن مالك فأخرجه الشيخان.
قوله : "أخبرنا علي بن مسعدة الباهلي" أبو حبيب البصري صدوق له أوهام من السابعة.
قوله : "كل بني آدم خطاء" أي كثير الخطأ أفرد نظراً إلى لفظ الكل، وفي رواية خطاؤون نظراً إلى معنى الكل، قيل أراد الكل من حديث هو كل أو كل واحد. وأما الأنبياء صلوات الله عليهم فإما مخصوصون عن ذلك، وإما أنهم أصحاب صغائر. والأول أولى فإن ما صدر عنهم من باب ترك الأولى، أو يقال: الزلات المنقولة عن بعضهم محمولة على الخطأ والنسيان من غير أن يكون لهم قصد إلى العصيان قاله القاري "وخير الخطائين التوابون" أي الرجاعون إلى الله بالتوبة من المعصية إلى الطاعة.
قوله : "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد وابن ماجه والدرامي والحاكم. قال المناوي وقال الحاكم صحيح فقال الذهبي بل فيه لين انتهى.(7/202)
16-باب
2617-حدثنا سُوَيْدٌ، أخبرنا عبدُ الله بنُ المُبَارَكِ، عن مَعْمَرٍ عن الزّهْرِيّ عن أَبي سَلَمَةَ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ" . هذا حديثٌ صحيحٌ.
وفي البابِ عن عائِشَةَ وَأَنَسٍ وَأَبي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيّ وهو الْعَدَوِيّ ، وَاسْمهُ خُوَيْلِدُ بنُ عمروٍ.
__________
"باب"
قوله: "من كان يؤمن بالله واليوم الاَخر فليكرم ضيفه" في شرح السنة قال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} قيل أكرمهم إبراهيم عليه السلام بتعجيل قراهم والقيام بنفسه عليهم وطلاقة الوجه لهم انتهى. قالوا وإكرام الضيف بطلاقة الوجه وطيب الكلام والإطعام ثلاثة أيام في الأول بمقدوره وميسوره والباقي بما حضره من غير تكاف لئلا يثقل عليه وعلى نفسه وبعد الثلاثة يعد من الصدقة إن شاء فعل وإلا فلا "فليقل خيراً أو ليصمت" ضبطه النووي بضم الميم، وقال الطوفي سمعناه يكبرها وهو القباس كضرب يضرب ومعنى الحديث أن المرء إذا أراد أن يتكلم فليفكر قبل كلامه فإن علم أنه لا يترتب عليه مفسدة ولا يجر إلى محرم ولا مكروه فليتكلم. وإن كان مباحاً فالسلامة في السكوت لئلا يجر المباح إلى المحرم والمكروه. وفي حديث أبي ذر الطويل الذي صححه ابن حبان ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه قاله الحافظ.
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله : "وفي الباب عن عائشة وأنس وأبي شريح الكعبي" أما حديث عائشة فلينظر من أخرجه. وأما حديث أنس فأخرجه ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ وغيرهما كما في الترغيب وأما حديث أبي شريح الكعبي فأخرجه الترمذي في باب الضيافة.(7/203)
2618-حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا ابنُ لَهِيعَةَ، عن يَزِيدَ بنِ عمروٍ المعافري عن أَبي عَبدِ الرحمن الْحُبِليّ، عن عبدِ الله بنِ عمروٍ قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صمَتَ نَجَا" .
هذا حديثٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاَ من حديثِ ابنِ لَهِيعَةَ.
__________
قوله : "من صمت" أي سكت عن الشر "نجا" أي فاز وظفر بكل خير، أو نجا من آفات الدارين. قال الراغب: الصمت أبلغ من السكوت لأنه قد يستعمل فيما لا قوة له للنطق وفيما له قوة للنطق، ولهذا قيل لما لا نطق له الصامت والمصمت، والسكوت يقال لما له نطق فيترك استعماله. فالصمت في الأصل سلامة لكن قد يجب النطق شرعاً. ومقصود الحديث أن لا يتكلم فيما لا يعنيه ويقتصر على المهم ففيه النجاة.
قوله : "هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة" وأخرجه أحمد الدرامي والبيهقي في شعب الإيمان، والحديث ضعيف لضعف ابن لهيعة.(7/204)
17-باب
2619-حدثنا إِبْرَاهِيمُ بنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيّ، أخبرنا أَبو أُسَامَةَ، حدثني بُرَيْدُ بنُ عبدِ الله عن أَبي بُرْدَةَ عن أَبي مُوسَى قال: سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: أَيّ المُسْلِمِينَ أَفْضَلُ؟ قال: "مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ، وَيَدِهِ" .
__________
"باب"
قوله: "من سلم المسلمون" أي والمسلمات إما تغليباً وإما تبعاً ويلحق بهم أهل الذمة حكماً. وفي رواية ابن حبان من سلم الناس "من لسانه" أي بالشتم واللعن والغيبة والبهتان والنميمة والسعي إلى السلطان وغير ذلك "ويده" بالضرب والقتل والهدم والدفع والكتابة بالباطل ونحوها وخصا لأن أكثر الأذى بهما أو(7/204)
هذا حديثٌ صحيحٌ غريبٌ من حديثِ أَبي مُوسَى.
2620-حدثنا أَحمدُ بنُ مَنِيعٍ أَخْبَرنَا مُحمّدُ بنُ الْحَسَنِ بنِ أَبي يَزِيدَ الْهَمْدَانِيّ عن ثَوْرِ بنِ يَزِيدَ، عن خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَيّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ لَمْ يَمُتْ حَتّى يَعْمَلَهُ" . قال احمدُ: قَالُوا: مِنْ ذَنْبٍ قَدْ تَابَ مِنْهُ.
__________
أريد بهما مثلا وقدم اللسان لأن الإيذاء به أكثر وأسهل، ولأنه أشد نكاية كما قال:
جراحات السنان لها التئام ... ولا يلتام ما جرح اللسان
ولأنه يعم الأحياء والأموات وابتلى به الخاص والعام خصوصاً في هذه الأيام وعبر به دون القول ليشمل إخراجه استهزاء بغيره وقيل كني باليد عن سائر الجوارح لأن سلطنة الأفعال إنما تظهر بها إذ بها البطش والقطع والوصل والمنع والأخذ، فقيل في كل عمل هذا مما عملته أيديهم وإن لم يكن وقوعه بها ثم الحد والتعزيز وتأديب الأطفال والدفع لنحو العيال ونحوها فهي استصلاح وطلب للسلامة، أو مستثنى شرعاً أو لا يطلق عليه الأذى عرفاً.
قوله : "هذا حديث صحيح غريب" وأخرجه البخاري ومسلم.
قوله : "أخبرنا محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني" بالسكون أبو الحسن الكوفي، نزيل واسط، ضعيف من التاسعة.
قوله : "من عير" من التعبير أي عاب "أخاه" أي في الدين "بذنب" أي قد تاب منه على ما فسر به الإمام أحمد "لم يمت" الضمير لمن "حتى يعمله" أي الذنب الذي عير به أخاه، وكأن من عير أخاه أي عابه من العار، وهو كل شيء لزم به عيب كما في القاموس يجاري بسلب التوفيق حتى يرتكب ما عير أخاه به وذاك إذا صحبه إعجابه بنفسه لسلامته مما عير به أخاه. وفيه أن ذكر الذنب لمجرد التعيير قبيح يوجب العقوبة وأنه لا يذكر عيب الغير إلا للأمور الستة التي سلفت مع حسن القصد فيها قاله الأمير في السبل. قلت: قد ذكر الأمير هذه الأمور الستة في شرح حديث أبي هريرة في الغيبة في باب الترهيب من مساوي الأخلاق "قال أحمد" الظاهر أن أحمد هذا هو ابن منيع المذكور شيخ الترمذي وقيل(7/205)
هذا حديثٌ غريبٌ ولَيْسَ إِسْنَادُه بِمُتّصِلٍ. وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ لم يُدْرِكْ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ. وَرُوِيَ عن خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ أَنّهُ أَدْرَكَ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم
__________
المراد به الإمام أحمد بن حنبل "قالوا" أي العلماء في تفسيرقوله بذنب.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" هذا الحديث منقطع، ومع انقطاعه قد حسنه الترمذي فلعل تحسينه لمجيئه من وجه آخر أو لشاهد له فلا يضره انقطاعه.(7/206)
18-باب
2621-حدثنا عُمَرُ بنُ إِسْمَاعِيلَ بنِ مُجَالِدِ بنِ سَعِيدٍ الهُمَدَانِيّ، أَخْبَرنَا حَفْص بنُ غِيَاثٍ و حدثنا سَلَمَةُ بنُ شَبِيبٍ، أخبرنا أُمَيَةُ بنُ الْقَاسِمِ الحذاء البصري قال: أخبرنا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ عن بُرْدِ بنِ سِنَانٍ، عن مَكْحُولٍ عن وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَع قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُظْهِرْ الشّماتَةَ لأَخِيكَ فَيَرْحَمَهُ الله وَيَبْتَلِيِكَ" .
__________
"باب"
قوله: "أخبرنا أمية بن القاسم" قال الحافظ في التقريب: القاسم بن أمية الحذاء، بالمهملة والذال المعجمة الثقيلة، بصري صدوق من كبار العاشرة ضعفه ابن حبان بلا مستند. ووقع في بعض نسخ الترمذي أمية بن القاسم وهو خطأ انتهى وقال في الأطراف: هكذا وقع في مسنده أي الترمذي في جميع الروايات أمية بن القاسم، وهو خطأ منه أو من شيخه، والصواب القاسم بن أمية الحذاء العبدي "عن وائلة بن الأسقع" بالقاف ابن كعب الليثي، صحابي مشهور، نزل الشام وعاش إلى سنة خمس وثمانين وله مائة وخمس سنين.
قوله : "لا تظهر الشماتة لأخيك" الشماتة: الفرح ببلية من يعاديك أو من تعاديه "فيرحمه الله" أي فإنك إن فعلت ذلك يرحمه الله رغماً لأنفك. قال(7/206)
قالَ: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. ومكحولٌ قَدْ سَمِعَ مِنْ وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ وَأَبي هِنْدِ الدّارِيّ، ويُقَالُ إِنّهُ لم يَسْمَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم إِلاّ مِنْ هَؤُلاَءِ الثّلاَثَةِ. وَمكحولٌ الشّامِيّ يُكْنَى أَبَا عبدِ الله، وكَانَ عَبْداً فَأُعْتِقَ. ومكحولٌ الأَزَدِيّ بَصْرِيّ سَمِعَ مِنْ عبدِ الله بنِ عَمْرٍو وَيَرْوِي عَنْهُ عُمَارَةُ بنُ زَاذَانَ.
__________
القاري: فيرحمه الله بالنصب على جواب النهي. وفي نسخة: أي من المشكاة بالرفع وهو الملائم لمراعاة السجع في عطفقوله ويبتليك "ويبتليك" حيث ذكيت نفسك ورفعت منزلتك عليه.
قوله : "هذا حديث غريب" قال الحافظ في تهذيب التهذيب، في ترجمة القاسم بن أمية: وذكره ابن حبان في الضعفاء، وقال يروي عن حفص بن غياث المناكير الكثيرة ثم ساق له هذا الحديث يعني حديث لا تظهر الشماتة وقال لا أصل له من كلام النبي صلى الله عليه وسلم كذا قال، وشهادة أبي زرعة وأبي حاتم له أنه صدوق أولى من تضعيف ابن حبان له انتهى.
قوله : "ومكحول قد سمع من واثلة بن الاسقع الخ" أي مكحول المذكور في الإسناد، وهو أبو عبد الله الشامي، قد سمع من واثلة بن الأسقع الخ "ومكحول الشامي يكنى أبا عبد الله" هذه العبارة بظاهرها توهم أن مكحولا الشامي غير مكحول المذكور وليس كذلك، بل مكحول المذكور هو الشامي المكنى بأبي عبد الله فكان للترمذي أن يقول وهو مكحول الشامي ويكنى أبا عبد الله "ومكحول الأزدي بصري" مكحول الأزدي هذا غير مكحول الشامي المذكور ذكر ههنا ليتميز ذا عن هذا. قال في التقريب: مكحول الأزدي البصري أبو عبد الله صدوق من الرابعة "سمع من عبد الله بن عمرو" كذا في النسخ الحاضرة بالواو والمذكور في تهذيب التهذيب والخلاصة: أنه روى عن ابن عمر بغير الواو.(7/207)
2622-حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا إِسْماعيلُ بنُ عَيّاشٍ عن تَمِيمٍ عن ابنِ عَطِيّةّ قال: كَثِيراً ما كُنْتُ أَسْمَعَ مكحولاً يُسْأَلُ فَيَقولُ: ندانم.
__________
قوله : "عن تميم بن عطية" كذا في بعض النسخ ووقع في النسخة الأحمدية عن تميم عن عطية بلفظ عن مكان بن وهو غلط. قال في التقريب: تميم بن عطية العنسي الشامي صدوق يهم من السابعة. وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته: روى عن مكحول وفضالة بن دينار وعمير بن هانئ وغيرهم وعنه إسماعيل بن عياش وغيره. روى له الترمذي أثراً موقوفاً عليه انتهى. قلت: هو هذا الأثر "قال كثيراً ما كنت أسمع مكحولا يسأل" بصيغة المجهول أي يسأله الناس عن مسائل "فيقول ندانم" أي لا أدري وهذه الكلمة فارسية وكان مكحول أعجمياً: ويقال كان اسم أبيه سهراب. وقال ابن سعد: قال بعض أهل العلم كان مكحول من أهل كابل كذا في تهذيب التهذيب.(7/208)
19-باب
2623-حدثنا هَنّادٌ، أخبرنا وَكِيعٌ عن سُفْيَانَ عن عَليّ بنِ الأقْمَرِ عن أَبي حُذَيْفَةَ، عن عائشةَ قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " ما أُحِبّ أَنّي حَكَيْتُ أَحَداً وإنّ لِي كذا وكذا"
__________
"باب"
قوله: "عن علي بن الأقمر" بن عمرو الهمداني الوادعي بكسر الدال المهملة وبالعين المهملة، كتبته أبو الوازع، كوفي ثقة من الرابعة "عن أبي حذيفة" اسمه سلمة بن صهيب، ويقال ابن صهيبة، ويقال غير ذلك، الأرحبي بحاء مهملة ثقة من الثالثة.
قوله : "ما أحب أني حكيت أحداً" أي فعلت مثل فعله، يقال حكاه وحاكاه وأكثر ما يستعمل في القبيح المحاكاة كذا في النهاية "وأن لي كذا وكذا" قال الطيبي: جملة حالية واردة عن التتميم والمبالغة أي ما أحب أن أحاكي أحداً(7/208)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2624-حدثنا محمّدُ بنُ بَشَارٍ، أخبرنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ و عبدُ الرحمَنِ قالا أخبرنا سُفْيَانُ عن عَليّ بنِ الأَقْمَرِ عن أَبي حُذَيْفَةَ، وكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عبدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ، عن عائشةَ قالت: حَكَيْتُ للنّبيّ صلى الله عليه وسلم رجُلاً فقال: "ما يَسُرّنِي أَنّي حَكَيْتُ رَجُلاً وإنّ لِي كذا وكذا. قالت فقلت: يا رسول الله، إِنّ صَفِيّةَ امْرَأَةُ وقالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا كأنها تَعْنِي قَصِيرَةً، فقال: لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مُزِجَ بِهَا مَاءُ البَحْرِ لَمُزِجَ" .
__________
ولو أعطيت كذا وكذا من الدنيا. قال القاري: وفيه أن الأصول المعتمدة على فتح أن، والظاهر أنه معطوف على ما سبق منقوله أني، والمعنى أني ما أحب الجمع بين المحاكاة وحصول كذا وكذا من الدنيا وما فيها بسبب المحاكاة فإنها امر مذموم. قال النووي: ومن الغيبة المحرمة المحاكاة بأن يمشي متعارجاً أو مطأطئ رأسه أو غير ذلك من الهيآت.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره.
قوله : "أخبرنا يحيى بن سعيد" هو القطان "وعبد الرحمن" هو ابن مهدي.
قوله : "وقالت بيدها" أي أشارت بها "تعني قصيرة" أي تريد عائشة كونها قصيرة وفي المشكاة قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا تعني قصيرة "لقد مزجت بكلمة" أي أعمالك "لو مزج" بصيغة المجهول أي لو خلط "بها أي" على تقدير تجميدها وكونها مائعة "المزج" بصيغة المجهول أيضاً والمعنى تغير وصار مغلوباً: وفي المشكاة: لقد قلت كلمة لو مزج بها البحر لمزجته. قال القاري: أي غلبته وغيرته. قال القاضي: المزج الخلط والتعبير بضم غيره إليه. والمعنى أن هذه الغيبة لو كانت مما يمزج بالبحر لغيرته عن حاله، مع كثرته وغزارته، فكيف بأعمال نزرة خلطت بها.(7/209)
20- باب
2625-حدثنا أَبُو مُوسَى محمّدُ بنُ المُثَنّى، حدثنا ابنُ أَبي عَدِيٍ عن شُعْبَةَ عن سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ عن يَحْيَى بنِ وَثّابٍ عن شَيْخٍ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ارَاهُ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنّ المُسْلِمَ إِذَا كَاَنَ يُخَالِطُ النّاسَ وَيَصْبُر عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنَ المُسْلِمِ الّذِي لا يُخَالِطُ النّاسَ ولا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ" .
قال ابنُ أَبي عَدِيٍ: كان شُعْبَةُ يَرَى أَنّهُ ابنُ عُمَرَ.
2626-حدثنا أَبُو يَحْيَى مُحمّدُ بنُ عبدِ الرّحِيمِ البَغْدَادِيّ، أَخْبَرنَا
__________
"باب"
قوله: "أراه" بضم الهمزة، أي أظنه، وهو قول يحيى بن وثاب "عن النبي صلى الله عليه وسلم" أي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم "يخالط الناس" أي يساكنهم ويقيم فيهم "ويصير على أذاهم" أي على ما يصل إليه منهم من الأذى. والحديث دليل لمن قال إن الخلطة أفضل من العزلة "كان شعبة يرى" أي يعتقد "أنه ابن عمر" الضمير يرجع إلى شيخ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والأمر كما رأى شعبة. فروى ابن ماجه بإسناد حسن عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على كذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصير على أذاهم" . كذا في بلوغ المرام: قال الحافظ بعد ذكر هذا الحديث: وهو عند الترمذي إلا أنه لم يسم الصحابي. قال في السبل: في الحديث أفضلية من يخالط الناس مخالطة بأمرهم فيها بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحسن معاملتهم، فإنه أفضل من الذي يعتزلهم ولا يصير على المخالطة والأحوال تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان ولكل حال مقال. ومن رجح العزلة فله على فضلها أدلة وقد استوفاها الغزالي في الإحياء وغيره.
قوله : "حدثنا أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم البغدادي" البزاز المعروف(7/210)
مُعَلّى بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا عبدُ الله بنُ جَعْفَرٍ المَخْرمِيّ، هُوَ مِنْط وَلدِ المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ، عن عُثْمَانَ بنِ محمّدٍ الأَخْنَسّي عن سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إِيّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَهَا الْحَالِقَةُ" .
هذا حديثٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الْوَجْه. ومعنى قوله: وَسُوءُ ذَاتِ الْبَيْنِ إِنَمّا يَعْنِي "بِهِ" الْعَدَاوَةَ وَالبَغْضاءَ. وَقَوْلُهُ الْحَالِقَةُ يقول: أَنّهَا تَحْلِقُ الدّينَ.
2627-حدثنا هَنّادٌ، حدثنا أَبو مُعَاوِيَةَ عن الأَعْمَشِ، عن عَمْرِو بنِ مُرّةَ عن سَالِم بن أَبي الْجَعْدِ عن أُمّ الدّرْدَاءِ عن أبي الدرداء قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصّيَامِ وَالصّلاَةِ وَالصّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى. قال: صَلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَ فَسَادَ ذَاتِ
__________
بصاعقة، ثقة حافظ من الحادية عشرة "أخبرنا عبد الله بن جعفر المخرمي" بسكون المعجمة وفتح الراء الحقيقة أبو محمد المدني ليس به بأس من الثامنة "هو من ولد المسور بن مخرمة" بضم الواو وسكون اللام أي من أولاده، والمسور بكسر الميم وسكون السين وفتح الواو له ولأبيه صحبة "عن عثمان بن محمد" بن المغيرة بن الأخنس الثقفي "الأخنسي" حجازي صدوق له أوهام من السادسة.
قوله : "إياكم وسوء ذات البين" أي اتقوا منه، والمرا، بسوء ذات البين العداوة والبغضاء كما فسر به الترمذي. وقال المناوي: إياكم وسوء ذات البين، أي التسبب في المخاصمة والمشاجرة بين اثنين أو قبيلتين بحيث يحصل بينهما فرقة أو فساد "فإنها" أي الفعلة أو الخصلة المذكورة "الحالقة" أي تحلق الدين.
قوله : "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة" قال الأشرف: المراد بهذه المذكورات النوافل دون الفرائض. قال القاري: والله أعلم بالمراد إذ قد يتصور أن يكون الإصلاح في فساد يتفرع عليه سفك الدماء ونهب الأموال وهتك الحرم أفضل من فرائض هذه العبادات القاصرة مع إمكان قضائها على(7/211)
الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ" .
هذا حديثٌ صحيحٌ. ويُرْوَى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "هِيَ الْحَالِقَةُ لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشّعْرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدينَ" .
2628-حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، حدثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْدِيٍ عن حَرْبِ بنِ شَدّادٍ عن يَحْيَى بنِ أَبي كَثيرٍ عن يَعِيشَ بنِ الْوَلِيدِ أَنّ مَوْلَى الزّبَيْرِ حَدّثَهُ أَنّ الزّبَيْرَ بنَ الْعَوَامِ حَدّثَهُ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم
__________
فرض تركها فهي من حقوق الله التي هي أهون عنده سبحانه من حقوق العباد فإذا كان كذلك فيصبح أن يقال هذا الجنس من العمل أفضل من هذا الجنس لكون بعض أفراده أفضل كالبشر خير من الملك، والرجل خير من المرأة "قال صلاح ذات البين" وفي رواية أبي داود إصلاح ذات البين. قال الطيبي: أي أحوال بينكم يعني ما بينكم من الأحوال ألفة ومحبة واتفاق كقوله تعالى: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} وهي مضمراتها. ولما كانت الأحوال ملابسة للبين قيل لها ذات البين كقولهم: اسقني ذا إناءك يريدون ما في الإناء من الشراب كذا في الكشاف فيقوله تعالى: {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} "فإن فساد ذات البين هي الحالقة" قال في النهاية: الحالقة الخصلة التي من شأنها أن تحلق أي تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر، وقيل هي قطيعة الرحم والتظالم. قال الطيبي: فيه حث وترغيب في إصلاح ذات البين واجتناب عن الإفساد فيها، لأن الإصلاح سبب للاعتصام بحبل الله وعدم التفرق بين المسلمين، وفساد ذات البين ثلمة في الدين، فمن تعاطى إصلاحها ورفع فسادها نال درجة فوق ما يناله الصائم القائم المشتغل بخويصة نفسه. فعلى هذا ينبغي أن يحمل الصلاة والصيام على الإطلاق، والحالقة على ما يحتاج إليه أمر الدين انتهى.
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان في صحيحه وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها المنذري في الترغيب في باب الإصلاح بين الناس.
قوله : "أن الزبير بن العوام" بن خويلد بن أسد أبا عبد الله القرشي الأسدي، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة قتل سنة ست وثلاثين بعد منصرفه من وقعة الجمل.(7/212)
قالَ: "دَبّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الْحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ، لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشّعْرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدّينَ، وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الْجَنّةَ حَتّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حَتّفى تَحَابّوا، أَفَلاَ أُنْبّئُكُمْ بِمَا يُثَبّتُ ذَلِكَ لَكمْ: أَفْشُوا السّلاَمَ بَيْنَكُمْ" .
__________
قوله: "دب إليكم" بفتح الدال المهملة وتشديد الموحدة، أي سرى ومشى بخفية "الحسد" أي في الباطن "والبغضاء" أي العداوة في الظاهر ورفعهما على أنهما بيان للداء أو بدل وسميا داء لأنهما داء القلب "وهي" أي البغضاء وهو أقرب مبنى ومعنى أو كل واحدة منهما "لا أقول تحلق الشعر" أي تقطع ظاهر البدن فإنه أمر سهل "ولكن تحلق الدين" وضرره عظيم في الدنيا والاَخرة. قال الطيبي: أي البغضاء تذهب بالدين كالموسى تذهب بالشعر وضمير المؤنث راجع إلى البغضاء كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا} وقوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ} ولأن البغضاء أكثر تأثيراً في ثلمة الدين وإن كانت نتيجة الحسد "لا تدخلوا الجنة" كذا في النسخ الحاضرة يحذف النون، ولعل الوجه أن النهي قد يراد به النفي كعكسه المشهور عند أهل العلم قاله القاري "ولا تؤمنوا" أي إيماناً كاملا "حتى تحابوا" بحذف أحدى التائين الفوقيتين وتشديد الموحدة، أي يحب بعضكم بعضاً "أفلا أنبئكم بما يثبت" من التثبيت "ذلك" أي التحليب "أفشوا السلام بينكم" أي أعلنوه وعموا به من عرفتموه وغيره، فإنه يزيل الضغائن ويورث التحابب. والحديث في سنده مولى للزبير وهو مجهول، وأخرجه أحمد. قال المنذري: رواه البزار بإسناد جيد والبيهقي وغيرهما.(7/213)
21- باب
2629-حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ عن عُيَيْنَةَ
__________
"باب"
قوله: "أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم" هو المعروف بابن علية "عن عيينة"(7/213)
بنِ عبدِ الرحمنِ، عن أَبِيهِ، عن أَبي بَكْرَةَ قال: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجّلَ الله لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ في الدّنْيَا مَعَ مَا يَدّخِرُ لَهُ في الاَخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرّحِمِ" .
قالَ: هذا حديثٌ صحيحٌ.
2630-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نصر، أَخْبَرنَا عبدُ الله بن المبارك عن المُثَنّى بنِ الصَبّاحِ، عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عن جَدّهِ عبدِ الله بنِ عَمْرٍو قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "خَصْلَتَانِ مَنْ كَانَتَا فِيهِ كَتَبَهُ الله شَاكِراً صَابِراً، وَمَنْ لَمْ تَكُونَا فِيهِ لَمْ يَكتُبْهُ الله شَاكِراً وَلاَ صَابِراً: مَنْ نَظَرَ في دِينِهِ
__________
بتحتانيتين مصغراً "من عبد الرحمن" بن جوشن بجيم ومعجمة مفتوحتين بينهما واو ساكنة الغطفاني بفتح المعجمة والمهملة ثم فاء صدوق من ا لسابعة "عن أبيه" هو عبد الرحمن بن جوشن بصري ثقة من الثالثة.
قوله : "ما من ذنب" ما نافية ومن زائدة للاستغراق "أجدر" أي أحرى "أن يعجل الله" صلة أجدر على تقدير الياء أي بتعجيله سبحانه "لصاحبه" أي لمرتكب الذنب "العقوبة" مفعول يعجل "مع ما يدخر" بتشديد الدال المهملة وكسر الحاء المعجمة أي مع ما يؤجل من العقوبة "له" أي لصاحب الذنب "من البغي" أي من بغي الباغي وهو الظلم أو الخروج على السلطان أو الكبرى ومن تفضيلية "وقطيعة الرحم" أي ومن قطع صلة ذوي الأرحام.
قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه أبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد.
قوله : "عن المثنى بن الصباح" بالمهملة والموحدة الثقيلة اليماني الأبناوي كنيته أبو عبد الله أو أبو يحيى نزيل مكة ضعيف اختلط بآخره، وكان عابداً من كبار السابعة.
قوله : "من نظر في دينه" أي خصلة من نظر في أمر دينه من الأعمال(7/214)
إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فَاقْتَدَى بِهِ، وَمَنْ نَظَرَ في دُنْيَاهُ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فَحَمِدَ الله عَلَى مَا فَضّلَهُ بِهِ عَلَيْهِ، كَتَبَهُ الله شَاكِراً وَصَابِراً، وَمَنْ نَظَرَ في دِينِهِ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ وَنَظَرَ في دُنيَاهُ إِلَى مَنْ هُوَ فوقه فَأَسِفَ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْهُ لمْ يَكْتُبْهُ الله شَاكراً ولا صَابِراً" .
2631-حدثنا مُوسَى بنُ حِزَامٍ الرجل الصالح، أخبرنا عَلِيّ بنُ إِسْحَاقَ، أخبرنا عبدُ الله بن المبارك، أخبرنا المُثَنّى بنُ الصّبّاحِ عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عن أَبِيهِ عن جَدّهِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
__________
الصالحة "إلى من هو فوقه" أي إلى من هو أكثر منه علماً وعبادة وقناعة ورياضة أحياء وأمواتاً "ومن نظر في دنياه" أي وخصلة من نظر في أمر دنياه وهذه الخصلة هي الثانية "إلى من هو دونه" أي إلى من هو أفقر منه وأقل منه مالا وجاهاً "كتبه الله شاكراً" أي للخصلة الثانية "صابراً" أي للخصلة السابقة ففيه لف ونشر مشوش اعتماداً على فهم ذوي العقول. ولما كان المفهوم قد يعتبر وقد لا يعتبر ومع اعتباره المنطوق أقوى أيضاً صرح بما علم ضمناً حيث قال "ومن نظر في دينه إلى من هو دونه" أي في الأعمال الصالحة وأنتجه الغرور والعجب والخيلاء "ونظر في دنياه إلى من هو فوقه" أي من أصحاب المال والجاه وأورثه الحرص والأمل والرياء "فأسف" بكسر السين أي حزن "على ما فاته منه" أي من المال وغيره بعدم وجوده أو بحصول فقده وقد قال تعالى: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} "لم يكتبه الله شاكراً ولا صابراً" لعدم صدور واحد منه بل قام بضديهما من الكفران والجزع والفزع باللسان والجنان.
قوله : "حدثنا موسى بن حزام" بزاي الترمذي أبو عمران نزيل بلخ ثقة فقيه عابد من الحادية عشرة "أخبرنا علي بن إسحاق" السلمي مولاهم المروزي أصله من ترمذ. ثقة من العاشرة.(7/215)
قالَ: هذا حديثٌٌ غريبٌ ولم يَذْكُرْ سُوَيْدٌ بن نصر في حَدِيثِهِ عن أَبِيهِ.
2632-حدثنا أبو كريب، أخبرنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن أَبي صالحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ولا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَإِنّهُ أَجْدَرُ أَنْ لا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ" .
هذا حديثٌ صحيحٌ.
__________
قوله : "هذا حديث غريب" في سنده المثنى بن الصباح، وهو ضعيف كما عرفت.
قوله : "انظروا إلى من هو أسفل منكم" أي في أمور الدنيا "ولا تنظرو إلى من هو فوقكم" فيها "فإنه" أي فالنظر إلى من هو أسفل لا إلى من هو فوق "أجدر" أي أحرى "أن لا تزدروا" أي بأن لا تحتقروا. والازدراء الاحتقار فكان أصله الازتراء فأبدلت التاء بالدال "نعمة الله عليكم" فإن المرء إذا نظر إلى من فضل عليه في الدنيا استصغر ما عنده من نعم الله فكان سبباً لمقته، وإذا نظر للدون شكر النعمة وتواضع وحمد. فينبغي للعبد أن لا ينظر إلى تجمل أهل الدنيا فإنه يحرك داعية الرغبة فيها ومصداقه: {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} .
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه.(7/216)
22-باب
2633-حدثنا بِشْرُ بنُ هِلاَلِ الْبَصْرِيّ حدثنا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سعيد الْجُريْرِيّ قال ح، وحدثنا هَارُونُ بنُ عَبْدِ الله الْبَزازُ، حدثنا سَيّارٌ، حدثنا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ عن سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيّ وَالمَعْنَى وَاحِدٌ عن أَبي عُثْمَانَ عن حَنْظَلَةَ الأَسَيْدِيّ وَكَانَ مِنْ كُتّاب رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنّهُ مَرّ بأَبي بَكْرٍ
__________
"باب"
قوله: "عن حنظلة الأسيدي" قال النووي: ضبطوه بوجهين أصحهما وأشهرهما(7/216)
وَهُوَ يَبْكى: فَقَالَ مَالَكَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا أَبَا بَكْرٍ،، نَكُونَ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، يُذَكّرُنَا بالنّارِ وَالْجَنّةِ كأَنّا رَأْىَ عَيْنٍ، فَإِذَا رَجَعْنَا عافَسْنَا اْلأَزْوَاجَ والضّيْعَةَ وَنَسِينَا كَثِيراً قال فَوَالله إنا لكَذَلِكَ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَانْطَلَقْنَا فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَالَكَ يَا حَنْظَلةُ؟" قَالَ نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسولَ الله،
__________
ضم الهمزة وفتح السين وكسر الياء المشددة والثاني كذلك إلا أنه بإمكان الياء ولم يذكر القاضي إلا هذا. والثاني وهو منسوب إلى بني أسيد بطن من بني تميم "وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" بضم الكاف وتشديد الفوقية جمع كاتب وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب يكتبون له الوحي وغيره قال ابن الجوزي في التلقيح تسمية من كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي بن كعب وهو أول من كتب له وزيد بن ثابت الأنصاري ومعارية بن أبي سفيان وحنظلة بن الربيع الأسيدي وخالد بن سعيد بن العاص وأبان بن سعيد والعلاء بن الحضرمي رضي الله عنهم وكان المداوم له على الكتابة له زيد ومعاوية، وكان يكتب له رجل فافتتن وتنصر انتهى "يذكرنا" بالتشديد أي يعظنا "بالنار" أي بعذابها تارة "والجنة" أي بنعيمها أخرى ترهيباً وترغيباً، أو يذكرنا الله بذكرهما أو بقربهما "كأنا رأى عين" قال القاضي: ضبطناه رأى عين بالرفع أي كأنا بحال من يراهما بعينه، قال ويصح النصب على المصدر أي نراهما رأي عين "عافسناه الأزواج" بالفاء والسين المهملة قال الهراوي وغيره معناه حاولنا ذلك ومارسناه واشتغلنا به، أي عالجنا معايشنا وحظوظنا "والضيعة" بالضاد المعجمة وهي معاش الرجل من مال أو حرفة أو صناعة "قال نافق حنظلة" معناه أنه خاف أنه منافق حيث كان يحصل له الخوف في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، ويظهر عليه ذلك مع المراقبة والفكر والإقبال على الاَخرة، فإذا خرج اشتغل لازوجة والأولاد ومعاش الدنيا، وأصل النفاق إظهار ما يكتم خلافه من الشر فخاف أن يكون ذلك نفاقاً فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس بنفاق(7/217)
نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكّرُنَا بِالنّارِ وَالْجَنّةِ حَتّى كَأَنّا رَأْىَ عَيْن: فَإِذَا رَجَعْنَا عافسَنَا الأَزوَاجَ وَالضّيْعَةَ وَنَسِينَا كَثِيراً، قال: فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ تَدُومُونَ عَلَى الْحَالِ الّذي تَقُومُونَ بهَا مِنْ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمْ المَلائِكَةُ في مَجَالِسِكُمْ وَعَلَى فُرُشِكُمْ وَفي طُرْقكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةَ سَاعَة وَسَاعَة" .
هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
2634-حدثنا سُوَيْدُ بن نصر، أخبرنا عَبْدُ الله بن المبارك عن شُعْبَةَ، عن قَتَادَةَ عن أَنَسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لاَ يُؤْمِنْ أَحَدُكُمْ حَتّى يُحِبّ لأِخِيهِ مَا يُحِبّ لِنَفْسِهِ" .
__________
وأنهم لا يكلفون الدوام على ذلك بل ساعة ساعة، أي ساعة كذا وساعة كذا "ونسينا كثيراً" قال الطيبي رحمه الله: أي كثير مما ذكرتنا به أو نسياناً كثيراً كأنا ما سمعنا منك شيئاً قط، وهذا أنسب بقوله رأى عين "لو تدومون" أي في حال غيبتكم مني "على الحال التي تقومون بها من عندي" أي من صفاء القلب والخوف من الله تعالى لصافحتكم الملائكة قيل أي علانية وإلا فكون الملائكة يصافحون أهل الذكر حاصل. وقال ابن حجر: أي عياناً في سائر الأحوال "في مجالسكم وعلى فرشكم وفي طرقكم" قال الطيبي: المراد الدوام "ولكن يا حنظلة ساعة وساعة" أي ساعة كذا وساعة كذا يعني لا يكون الرجل منافقاً بأن يكون في وقت على الجضور وفي وقت على الفتور، ففي ساعة الحضور تؤدون حقوق ربكم، وفي ساعة الفتور تقضون حظوظ أنفسكم.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم.
قوله : "لا يؤمن أحدكم" أي إيماناً كاملاً "حتى يحب لأخيه" أي المسلم "ما يحب لنفسه" أي مثل جميع ما يحبه لنفسه. قال النووي: قال العلماء: معناه لا يؤمن الإيمان التام، وإلا فأصل الإيمان يحصل إن لم يكن بهذه الصفة والمراد يحب لأخيه من الطاعات والأشياء المباحات، ويدل عليه ما جاء في رواية النسائي(7/218)
قالَ: هذا حديث صحيحٌ.
2635-حدثنا أَحْمَدُ بنُ محمدِ بنِ مُوسَى، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا لَيْثُ بنُ سَعْدٍ وَابْنُ لَهِيعَةَ عن قَيْس بنِ الْحَجَاجِ، قالَ ح وحدثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، أخبرنا أبُو الْوَلِيدِ، أخبرنا لَيْثُ بنُ سَعْدٍ حدثني قَيْسُ بنُ الْحَجّاجِ، المَعْنَى وَاحِدٌ، عن حَنَشٍ الصّنْعَانِيّ عن ابنِ عَبّاسٍ قال: "كُنْتُ خَلْفَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَوْماً، فَقَالَ: يَا غُلاَمُ، إِنّي أُعَلّمُكَ كِلمَاتٍ: إِحْفَظِ الله يَحْفَظْكَ، إِحْفَظِ الله تجِدْهُ تجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ
__________
في هذا الحديث حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه. قال الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح رحمه الله: وهذا قد يعد من الصعب الممتنع وليس كذلك، إذ معناه لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الإسلام مثل ما يحب لنفسه. والقيام بذلك يحصل بأن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها، بحيث لا تنقص النعمة على أخيه شيئاً من النعمة عليه، وذلك سهل على القلب السليم، وإنما يعسر على القلب الدغل عافانا الله وإخواننا أجمعين والله أعلم.
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله : "قال حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن" هو الدارمي "أخبرنا أبو الوليد" هو الطيالسي اسمه هشام بن عبد الملك "عن حنش" بفتح الحاء المهملة والنون الخفيفة بعدها معجمة. قال في التقريب: حنش بن عبد الله ويقال ابن علي بن عمرو السبتي، بفتح المهملة والموحدة بعدها همزة، أبو رشدين الصنعاني، نزيل افريقية ثقة من الثالثة.
قوله : "كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً" أي رديفه "يا غلام" قال القاري: بالرفع كذا في الأصول المعتمدة والنسخ المتعددة يعني من المشكاة والظاهر كسر الميم بناء على أن أصله يا غلامي بفتح الياء وسكونهما، ثم بعد حذفها تخفيفاً اكتفى بكسر ما قبلها "احفظ الله" أي في أمره ونهيه "يحفظك" أي(7/219)
الله وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بالله، وَاعْلَمْ أَنّ الأُمّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ، وإن اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرّوكَ إِلاّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَفْلاَمُ وَجَفّتِ الصّحُف" .
قال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2636-حدثنا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بنُ عَلِيٍ، حدثنَا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ الْقَطّانُ، أخْبَرَنَا المُغِيرَةُ بنُ أَبي قُرّةَ السّدُوسيّ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ "قال رَجُلٌ: يَا رَسولَ الله: أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكّلُ؟
__________
يحفظك في الدنيا من الاَفات والمكروهات، وفي العقبى من أنواع العقاب والدركات "احفظ الله تجده تجاهك" قال الطيبي: أي راع حق الله وتحر رضاه تجده تجاهك أي مقابلك وحذائك والتاء بدل من الواو كما في تقاة وتخمة، أي احفظ حق الله تعالى حتى يحفظك الله من مكاره الدنيا والاَخرة "إذا سألت" أي أردت السؤال "فاسأل الله" أي وحده لأن غيره قادر على الإعطاء والمنع ودفع الضرر وجلب النفع "وإذا استعنت" أي أردت الاستعانة في الطاعة وغيرها من أمور الدنيا والاَخرة "فاستعن بالله" فإنه المستعان وعليه التكلان "رفعت الأفلام وجفت الصحف" أي كتب في اللوح المحفوظ ما كتب من التقديرات ولا يكتب بعد الفراغ منه شيء آخر، فعبر عن سبق القضاء والقدر برفع القلم وجفاف الصحيفة تشبيهاً بفراغ الكاتب في الشاهد من كتابته.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد.
قوله: "حدثنا المغيرة بن أبي قرة السدوسي" قال في التقريب: مستورة من الخامسة، قال في تهذيب التهذيب: وثقة ابن حبان.
قوله : "أعقلها" بصيغة المتكلم وحرف الاستفهام محذوف قال في القاموس: عقل البعير شد وظيفه إلى ذراعه كعقله واعتقله انتهى "وأتوكل" أي على الله بعد العقل "أو أطلقها" أي أرسها "وأتوكل" أي على الله بعد الإرسال(7/220)
قَالَ اعقِلْهَا وَتَوَكَلْ" قَال عَمْرُو بنُ عَلِيٍ، قال يَحْيَى وهَذَا عِنْدِي حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.
وَهذا حديثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِطيثِ أَنَسٍ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بِنْ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْو هَذَا.
2637-حدثنا أَبُو مُوسَى الأَنْصَارِيّ، حدثنا عَبْدُ الله بنُ إِدْرِيسَ، حدثنَا شُعْبَةُ عن بُرَيْدِ بنِ أَبي مَرْيَمَ عن أَبي الْحَوْرَاءِ السّعْدِيّ قال: قُلْتُ لِلْحَسَنِ بنِ عَلِيٍ مَا حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم "دَعْ مَا يَرِيُبكَ إِلَى مَالا يَرِيبُكَ، فَإِنّ الصّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَإِنّ الكِذْبَ رِيبَةٌ" وَفي الْحَدِيثِ قِصّةٌ،
__________
"قال اعقلها" قال المناوي: أي شد ركبة ناقتك مع ذراعيها بحبل "وتوكل" أي اعتمد على الله، وذلك لأن عقلها لا ينافي التوكل.
قوله : "قال يحيى" هو ابن سعيد القطان "وهذا عندي حديث منكر" لعل كونه منكراً عنده لأجل المغيرة بن أبي قرة قال ابن القطان لا يعرف حاله، وقال غيره كان كاتب يزيد بن المهلب وفتح معه حرجان في أيام سليمان بن عبد الملك، كذا في تهذيب التهذيب "وقد روى عن عمرو بن أميه الضمري" صحابي مشهور.
قوله : "حدثنا أبو موسى الأنصاري" الظاهر أنه هو إسحاق بن موسى الأنصاري.
قوله : "دع" أي اترك "ما يريبك" بفتح الياء وضمها، والفتح أشهر، والريب الشك وقيل هو الشك مع التهمة "إلى ما لا يريبك" قال التوربشتي: أي اترك ما اعترض لك من الشك فيه منقلباً عنه إلى مالا شك فيه، يقال دع ذلك إلى ذلك استبدله به انتهى. والمعنى اترك ما تشك فيه من الأقوال والأعمال أنه منهي عنه أولا أو سنة بدعة واعدل إلى مالا تشك فيه منهما والمقصود أن يبني المكلف أمره على اليقين البحث والتحقيق الصرف ويكون على بصيرة في دينه "فإن الصدق(7/221)
قالَ: وَهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَأَبُو الْحوْرَاءِ السّعْدِيّ اسْمُهُ رَبِيعَةُ بنُ شَبْيَانَ.
2638-حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ، أَخْبَرنَا محمدُ بنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرنَا شُعْبَةُ عن بُرَيْدٍ فَذَكر نَحْوَهُ.
2639-حدثنا زَيْدُ بنُ أَخْزَمَ الطائيّ الْبَصْرِيّ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بنُ أَبي الْوَزِيرِ، حدثنَا عَبْدُ الله بنُ جَعْفَرٍ المَخْرَمِيّ عن محمدِ بنِ عَبْدِ الرّحمنِ عن نُبَيْهٍ، عَنْ محمد بن المُنْكَدِرِ، عن جَابِرٍ قَالَ "ذُكِرَ رَجُلٌ عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بِعِبَادَةِ وَاجْتِهَادٍ، وَذُكِرَ آخَرُ بِرِعَةٍ فَقَال النبيّ صلى الله
__________
طمأنينة" بكسر همزة وسكون طاء وبعد ألف ونون مكسورة فتحتية فنون مفتوحة. وفي المشكاة طمأنينة أي إن الصدق يطمئن إليه القلب ويسكن "وإن الكذب ريبة" بكسر الراء، وحقيقتها قلق النفس واضطرابها، فإن كون الأمر مشكوكاً فيه مما يقلق له النفس وكونه صحيحاً صادقاً مما تطمئن له "وفي الحديث قصة" روى أحد هذا الحديث في مسنده مع القصة عن أبي الحوراء، قال قلت للحسن بن علي: ما تذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أذكر أني أخذت تمرة من تمر الصدقة فألقيتها في فمي، فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعابها فالقاها في التمر، فقال له رجل: ما عليك أكل هذه التمرة؟ قال: "إنا لا نأكل الصدقة" قال وكان يقول: "دع ما يريبك إلى مالا يريبك، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة" . قال وكان يعلمنا هذا الدعاء: "اللهم اهدني فيمن هديت" الحديث.
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه أحمد والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم "وأبو الحوراء" بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفتح الراء ممدوداً "واسمه ربيعة بن شيبان" البصري ثقة من الثالثة.
قوله : "عن محمد بن عبد الرحمن بن نبيه" بنون وموحدة مصغراً، مجهول من السابعة.
قوله : "بعبادة واجتهاد" أي في العبادة "برعة" بكسر الراء، أي بورع(7/222)
عليه وسلم لا تَعْدِلُ بالرّعَةِ". هذا حديث غريب لا نَعْرِفُهُ إِلا من هذا الْوَجْهِ.
2640-حدثنا هَنّادٌ وَأَبو زُرْعَةَ وَغَيْرُ واحِدٍ، قَالُوا: أخبرنا قَبِيصَةُ عن إِسْرَائِيلَ عن هِلاَلِ بنِ مِقْلاَصٍ الصّيْرَفِيّ عن أَبي بِشْرِ عن أَبي وَائِلٍ عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدرِيّ قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَكَلَ طَيّباً وَعَمِلَ في سُنّةٍ وَأَمِنَ النّاسُ بَوَائِقَهُ دَخَلَ الْجَنّةَ. فقال رَجُلٌ: يا رسولَ الله، إِنّ هَذَا الْيَوْمَ في النّاسِ لَكَثِيرٌ. قال: "فَسَيَكُونُ في قُرُونٍ بَعْدِي" .
__________
"لايعدل" بصيغة المجهول "بالرعة" في المصباح ورع عن المحارم يرع بكسرتين ورعاً بفتحتين: أي كثير الورع. أي لا يعدل بكثرة الورع خصلة غيرهما من خصال الخير بل الورع أعظم فضلاً.
قوله : "هذا حديث غريب" في سنده محمد بن عبد الرحمن بن نبيه، وهو مجهول كما عرفت.
قوله : "وأبو زرعة" اسمه عبيد الله بن عبد الكريم الرازي، إمام حافظ ثقة مشهور من الحادية عشرة "أخبرنا قبيصة" هو ابن عقبة "عن هلال بن مقلاص الصيرفي" ويقال هلال بن أبي حميد أو ابن حميد أو ابن عبد الله الجهني مولاهم الوزان الكوفي ثقة من السادسة "عن أبي بشر" قال الحافظ: أبو بشر صاحب أبي وائل مجهول من السادسة.
قوله : "من أكل طيباً" بفتح فتشديد أي حلالا "وعمل في سنة" أي في موافقة سنة نكرها لأن كل عمل يفتقر إلى معرفة سنة وردت فيه "وأمن الناس بوائقه" أي دواهيه، والمراد الشرور كالظلم والغش والإيذاء "دخل الجنة" أي من اتصف بذلك استحق دخولها بغير عذاب أو مع السابقين، وإلا فمن لم يعمل بالسنة ومات مسلماً يدخلها وإن عذب "إن هذا" أي الرجل الموصوف المذكور "اليوم" ظرف مقدم لخبر إن "كثير" أي فما حال الاستقبال "قال" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "فسيكون" أي هم كثيرون اليوم وسيوجد من يكون بهذه الصفة "في قرون بعدي" جمع قرن والمراد بالقرن هنا أهل العصر.(7/223)
هذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ.
2641-حدثنا عَبّاسُ بنُ محمدٍ، أَخْبَرنَا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، عن إِسْرائيلَ بِهذا الإِسْنَاد نحوه وسأَلت محمد بن إِسماعيل عن هذا الحديث فلم يعرفه إِلا من حديث إِسرائيل ولم يعرف اسم أَبي بشر. "عن هِلاَلِ بنِ مِقْلاَصٍ نَحْوَ حديثِ قُبَيْصَةَ عن إِسْرائيلَ" .
2642-حدثنا عَبّاسُ الدّورِيّ، حدثنَا عبدُ الله بنُ يَزِيدَ، حدثنَا سعيدُ بنُ أَبي أَيّوبَ، عن أَبي مَرْحُومٍ عبد الرّحِيمِ بنِ مَيْمُونٍ، عن سَهَلِ بنِ مُعَاذٍ بن أنس الْجُهَنِيّ عن أَبِيهِ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أَعْطَى لله وَمَنَعَ لله وَأَحَبّ لله وأَبْغَضَ لله وَأَنْكَحَ لله، فَقَدْ اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ" .
هذا حديث منكر حسنٌ.
__________
قوله : "هذا حديث غريب" وأخرجه الحاكم.
قوله : "حدثناعباس بن محمد" هو الدوري.
قوله : "حدثنا العباس الدوري" هو ابن محمد "حدثنا عبد الله بن يزيد" المكي أبو عبد الرحمن المقري "من أعطى لله" لا لغرض سواه "ومنع لله وأحب لله الخ" وكذلك سائر الأعمال فتكلم لله وسكت لله وأكل لله وشرب لله كقوله تعالى حاكياً: {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . "فقد استكمل إيمانه" أي أكمل إيمانه.
قوله : "هذا حديث منكر" وفي بعض النسخ هذا حديث حسن قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث رواه أحمد والترمذي وقال حديث منكر والحاكم وقال صحيح الإسناد والبيهقي وغيرهما انتهى.
قلت: لم يظهر لي وجه كون هذا الحديث منكراً ورواه أبو داود عن أبي أمامة وفي سنده القاسم بن عبد الرحمن الشامي. قال المنذري وقد تكلم فيه غير واحد.(7/224)
أبواب صفة الجنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
باب ما جاء في صفة شجر الجنة
...
أبواب صفة الجنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
1-باب ما جاء في صِفةِ شجر الجَنّة
2643-حدثنا عَبّاسُ بنُ مُحمّدٍ الدّورِيّ حدثنَا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عن شَيْبَانَ عن فِرَاسٍ عن عَطِيَةَ عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "في الجَنّةِ شَجَرَةُ يَسِيرُ الرّاكِبُ فِي ظِلّهَا مَائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا وقَالَ: ذلِكَ الظّلّ المَمْدُودُ" .
__________
"أبواب صفة الجنة1"
"باب ما جاء في صفة الجنة"
قوله: "عن فراس" بكسر أوله وبمهملة ابن يحيى الهماني الخارقي أبي يحيى الكوفي المكتب، صدوق ربما وهم من السادسة.
قوله : "في الجنة شجرة" قال ابن الجوزي: يقال إنها طوبى قال الحافظ: وشاهد ذلك في حديث عتبة بن عبد السلمي عند أحمد والطبراني وابن حبان فهذا هو المعتمد خلافاً لمن قال: إنما نكرت للتنبيه على اختلاف جنسها بحسب شهوات أهل الجنة "يسير الراكب" أي راكب فرض. ومنهم من حمله على الوسط المعتدل "في ظلها" أي في نعيها وراحتها، ومنهقولهم: أنا في ظلك أي في ناحيتك قال القرطبي والمحوج إلى هذا التأويل أن الظل في عرف أهل الدنيا ما يقي من حر الشمس وأذاها وليس في الجنة شمس ولا أذى "مائة عام لا يقطعها" أي لا ينتهي إلى آخر ما يميل من أغصانها "قال وذلك الظل الممدود" وفي حديث أبي هريرة عند البخاري واقرأوا إن شئتم {وظِلٍ مَمْدُودٍ} وحديث أبي سعيد هذا
ـــــــ
1 وقع في بعض النسخ قبل هذا: بسم الله الرحمن الرحيم.(7/225)
2644-حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا الّليثُ، عن سعِيدٍ بنِ أَبي سَعِيدٍ الغدريّ عن أَبيهِ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "إِنّ فِي الْجَنّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرّاكِبُ في ظّلّهَا مِائَةَ سنة" .
وفي البابِ عن أَنَسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ. هذا حديثٌ صحيحٌ.
2645-حدثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ، أخبرنا زِيَادُ بنُ الْحَسَنِ بنُ الفُرَاتِ القَزّازُ، عَنْ أَبِيهِ، عن جَدّهِ عن أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا فِي الْجَنّةِ شَجَرَةٌ إِلاّ وَسَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ" .
__________
أخرجه الشيخان بلفظ: "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها" .
قوله : "عن سعيد بن أبي سعد" المقبري.
قوله : "يسير الراكب في ظلها" قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء المراد بظلها كنفها وذراها وهوما يستر أغصانها انتهى.
قوله : "وفي الباب عن أنس وأبي سعيد" أما حديث أنس فأخرجه الترمذي في تفسير سورة الواقعة، وأما حديث أبي سعيد فأخرجه ابن حبان في صحيحه عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال له رجل يا رسول الله: ما طوبى؟ قال: "شجرة مسيرة مائة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها" كذا في الترغيب.
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه الشيخان وابن ماجه.
قوله : "حدثنا زياد بن الحسن بن الفرات القزاز" التميمي الكوفي صدوق يخطئ من التاسعة "عن أبيه" أي الحسن بن الفرات بن أبي عبد الرحمن التميمي القزاز الكوفي، صدوق بهم من السابعة.
قوله : "ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب" وروى أبو نعيم عن أبي(7/226)
هذا حديثٌ غريبٌ حسنٌ.
__________
هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن في الجنة شجرة جذوعها من ذهب وفروعها من زبرجد ولؤلؤ، فتهب الرياح فتصطفق فما سمع السامعون بصوت شيء قط ألذ منه. وروى ابن أبي الدنيا عن ابن عباس رضي الله عنه موقوفاً بإسناد جيد قال: نخل الجنة جذوعها من زمرد أخضر وكربها ذهب أحمر وسعفها كسوة لأهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم وثمرها أمثال القلال والدلاء، أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ليس فيها عجم. ورواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ذكر الحافظ المنذري هاتين الروايتين في الترغيب وقال الكرب بفتح الكاف والراء بعدهما باء موحدة، هو أصول السعف الغلاظ العراض انتهى. وروى ابن أبي حاتم وابن أبي الدنيا في صفة الجنة عن ابن عباس قال: الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام من كل نواحيها، فيخرج أهل الجنة يتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم اللهو، فيرسل الله ريحاً فيحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا. ذكره الحافظ في الفتح.
قوله : "هذا حديث غريب حسن" وأخرجه بن أبي الدنيا وابن حبان في صحيحه.(7/227)
2-باب مَا جَاءَ في صِفَةِ الْجَنةِ وَنَعِيمِهَا
2646-حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا مُحمّدُ بنُ فَضِيلٍ عَنْ حَمْزَةَ الزّيّاتِ عَنْ زِيَادٍ الطائِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "قُلْنَا يَا رَسُولَ الله: مَالَنَا إِذَا كُنّا
__________
"باب مَا جَاءَ في صِفَةِ الْجَنةِ وَنَعِيمِهَا"
قوله: "عن زياد الطائي" مجهول أرسل عن أبي هريرة من السادسة، كذا في التقريب.(7/227)
عِنْدَكَ رَقّتْ قُلُوبُنَا، وَزَهَدْنَا في الدّنيا وَكُنّا مِنْ أَهْلِ الاَخِرَةِ، فَإِذَا خْرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ فَأَنَسْنَا أَهَالِينَا وَشَمَمْنَا الأَوْلاَدَ أَنْكَرْنَا أَنْفُسَنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنّكُمْ تَكُونُونَ إِذَا خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِي كُنْتُمْ عَلَى حَالِكُمْ ذَلِكَ لَزَارَتْكُمْ المَلاَئِكَةُ فِي بُيُوتِكُمْ، وَلَوْ لَمْ تَذْنِبُوا لْجَاءَ الله بِخَلْقٍ جديدٍ كَيّ يَذْنِبُوا فَيَغْفِرَ لَهُمْ. قَالَ قلت: يَا رسولَ الله مِمّ خُلِقَ الْخُلْقُ؟
__________
قوله : "وزهدنا" قال في القاموس زهد فيه كمنع وسمع وكرم زهداً وزهادة أو هي في الدنيا الزهد في الدين ضد رغب انتهى "فأنسنا أهالينا" قال في القاموس الأنس بالضم وبالتحريك، والأنسة محركة ضد الوحشة، وقد أنس به مثلثة النون انتهى. والمعنى خالطناهم وعالجنا أمورهم واشتغلنا بمصالحهم "أنكرنا أنفسنا" أي لم نجدها على ما كانت عندك "لو أنكم تكونون إذا خرجتم من عندي كنتم على حالكم ذلك لزارتكم الملائكة في بيوتكم" . كذا في نسخ الترمذي بزيادة لفظ كنتم بين من عندي وعلى حالكم ولا يستقيم معناه فتفكر. وروى مسلم في صحيحه عن حنظلة بن الربيع الأسيدي نحو هذا الحديث وفيه لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طريقكم "ولو لم تذنبوا لجاء الله بخلق جديد" من جنسكم أو من غيركم. وفي رواية مسلم: لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون "كي يذنبوا" أي فيستغفروا "فيغفر لهم" لاقتضاء صفة الغفار والغفور ذلك. قال الطيبي: ليس الحديث تسلية منهمكين في الذنوب كما يتوهمه أهل الغرة بالله، فإن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم إنما بعثوا ليردعوا الناس عن غشيان الذنوب، بل بيان لعفو الله تعالى وتجاوزه عن المذنبين ليرغبوا في التوبة. والمعنى المراد من الحديث هو أن الله كما أحب أن يعطي المحسنين أحب أن يتجاوز عن المسينين وقد دل على ذلك غير واحد أسمائه الغفار الحليم التواب العفو، ولم يكن ليجعل العباد شأناً واحداً كالملائكة مجبولين على التنزه من الذنوب بل يخلق فيهم من يكون بطبعه ميالا إلى الهوى متلبساً بما يقتضيه ثم يكلفه التوقى عنه ويحذره من مداناته ويعرفه التوبة بعد الابتلاء، فإن وفي فأجره على الله، وإن أخطأ الطريق فالتوبة بين يديه، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم به أنكم لو كنتم مجبولين على ما جبلت عليه(7/228)
3-باب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ غُرَفِ الْجَنّة
2647-حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، حدثنا عَلِيّ بنُ مُسْهِرٍ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ إِسْحَاقَ عن النّعْمَانِ بنِ سَعْدٍ عن عَلِيٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ فِي الْجَنّةِ لَغُرَفَاً يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا، فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيٌ، فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا نَبِيّ الله؟ قَالَ: هِيَ لِمَنْ أَطَابَ الكَلاَمَ وَأَطْعَمَ الطّعَامَ وَأَدَامَ الصّيَامَ وَصَلّى لله بِالّليْلِ وَالنّاسُ نِيَامٌ" . هذا حديثٌ غريبٌ. وَقَدْ تَكَلّمَ بَعْضُ أَهْلِ العلم في عَبْدِ الرحمنِ بنِ إِسْحَاقَ هَذَا مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، وَهُوَ كُوفِيٌ، وَعَبْدُ الرحمنِ بنُ إِسْحَاقَ القُرَشِيّ مدينيّ، وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ هَذَا.
__________
"باب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ غُرَفِ الْجَنّة"
قوله: "إن في الجنة لغرفاً" بضم الغين المعجمة وفتح الراء كصرد جمع غرفة بالضم وهي العلية، وهي بالفارسية بالأخانة.
قوله : "هذا حديث غريب" ، تقدم هذا الحديث بسنده ومتنه في باب قول المعروف من أبواب البر والصلة وتقدم هناك شرحه.
قوله : "من قبل حفظه" بكسر القاف وفتح الموحدة، أي من جهة حفظه(7/231)
2648-حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الصّمَدِ أَبو عبد الصمد العَمّيّ، عن أَبِي عِمرَانَ الْجَوْنِيّ، عن أَبِي بَكْرِ بنِ عَبْدِ الله بنِ قَيْسٍ، عن أَبِيهِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّ في الجَنّةِ جَنّتَيْنِ مِنْ فِصّةٍ آنَيْتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنّتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ آنَيْتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبّهِمْ إِلاّ رِدَاءُ الكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ
__________
"وهو كوفي" واسطي وقد تقدم ترجمته في باب قول المعروف "وعبد الرحمن ابن إسحاق القرشي مدين وهو أثبت من هذا" وقال أبو حاتم: وهو أصلح من الواسطي. وقال ابن سعد: هو أثبت من الواسطي، وحكى الترمذي في العلل عن البخاري أنه وثقه كذا في تهذيب التهذيب، وقد تقدم ترجمته في باب المسح على الجوربين والعمامة.
قوله : "عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس" عبد الله بن قيس هذا هو أبو موسى الأشعري وابنه أبو بكر اسمه عمرو أو عامر ثقة من الثالثة "عن أبيه" أي عبد الله ابن قيس بن سليم بن حضار، كنيته أبو موسى الأشعري صحابي مشهور، أقره عمر ثم عثمان، وهو أحد الحكمين بصفين.
قوله : "إن في الجنة جنتين من فضة آنيتهما وما فيهما" أي من القصور والأثاث كالسرر وكفضبان الأشجار وأمثال ذلك قيل،قوله من فضة خبر آنيتهما والجملة صفة جنتين أو من فضة صفةقوله جنتين وخبر آنيهما محذوف أي آنيتهما وما فيهما كذلك، وكذا من جهة المبنى والمعنىقوله "وجنتين من ذهب آنيتهما وما فيهما" ثم ظاهره أن جنتين من فضة لا من ذهب وجنتين بالعكس فالجمع بينه وبين حديث صفة بناء الجنة من أن لبنة من ذهب ولبنة من فضة أن الأول صفة ما في الجنة من آنية وغيرها والثاني صفة حوائط الجنة. ويؤيده أنه وقع عند البيهقي في البعث في حديث أبي سعيد أن الله أحاط حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة "وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء" . قال عياض: كانت العرب تستعمل الاستعارة كثيراً وهو أرفع أدوات بديع فصاحتها وإيجازها(7/232)
فِي جَنّةِ عَدْنٍ" وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
__________
ومنه قوله تعالى {جَنَاحَ الذُّلِّ} فمخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم لهم برداء الكبرياء على وجهه ونحو ذلك من هذا المعنى. ومن لم يفهم ذلك تاه، فمن أجرى الكلام على ظاهره أفضى به الأمر إلى التجسيم، ومن لم يتضح له وعلم أن الله منزه عن الذي يقتضيه ظاهرها إما أن يكذب نقلتها وإما أن يأولها، أن يقال استعار لعظيم سلطان الله وكبريائه وعظمته وهيبته وجلاله المانع إدراك أبصار البشر مع ضعفها لذلك رداء الكبرياء فإذا شاء تقوية أبصارهم وقلوبهم كشف عنهم حجاب هيبته وموانع عظمته انتهى ملخصاً. وقال الكرماني ما حاصله: إن رداء الكبرياء مانع عن الرؤية فكان في الكلام حذفاً تقديره بعدقوله إلا رداء الكبرياء فإنه يمن عليهم يرفعه، فيحصل لهم الفوز بالنظر إليه، فكأن المراد أن المؤمنين إذا تبوأوا مقاعدهم من الجنة لولاما عندهم من هيبة ذي الجلال لما حال بينهم وبين الرؤية حائل، فاذا أراد إكرامهم حفهم برأفته وتفضل عليهم بتقويتهم على النظر إليه سبحانه. قال الحافظ: ثم وجدت في حديث صهيب في تفسيرقوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} ما يدل على أن المراد برداء الكبرياء في حديث أبي موسى الحجاب المذكور في حديث صهيب وأنه سبحانه يكشف لأهل الجنة إكراماً لهم. والحديث عند مسلم والترمذي والنسائي وان خزيمة وابن حبان ولفظ مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أهل الجنة يقول الله عز وجل تريدون شيئاً" أريدكم؟ فيقولون ألم تبيض وجوهنا وتدخلنا الجنة، قال فيكشف لهم الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم منه ثم تلاهذه الاَية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} أخرجه مسلم عقب حديث أبي موسى، ولعله أشار إلى تأويله به. وقال القرطبي في المفهم الرداء استعارة كنى بها عن العظمة كما في الحديث الاَخر: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، وليس المراد الثياب المحسوسة لكن المناسبة أن الرداء والإزار لما كانا متلازمين للمخاطب من العرب عبر عن العظمة والكبرياء بهما، ومعنى حديث الباب أن مقتضى عزة الله واستغنائه أن لا يراه أحد لكن رحمته المؤمنين اقتضت أن يريهم وجهه كما لا للنعمة، فإذا زال المانع فعل منهم خلاف مقتضى الكبرياء، فكأنه رفع عنهم حجاباً كان يمنعهم انتهى "على وجهه" حال من رداء الكبرياء "في جنة عدن" راجع إلى القوم. وقال عياض معناه راجع إلى الناظرين(7/233)
"إِنّ فِي الْجَنّةِ لخيمةً مِنْ دُرّةٍ مُجَوّفَةٍ، عَرْضُهَا سِتّونَ مَيْلاً، فِي كُلّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ مَا يَرَوْنَ الاَخَرِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ المُؤْمِنُ" .
هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو عِمْرَانَ الْجَونِيّ اسْمُهُ عَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيبٍ، وَأَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لاَ يُعْرَفُ اسْمُهُ، وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيّ اسْمُهُ عَبْدُ الله بنُ قَيْسٍ.
__________
أي وهم في جنة عدن لا إلى الله فإنه لا تحويه الأمكنة سبحانه وتعالى. وقال القرطبي: متعلق بمحذوف في موضع الحال من القوم مثل كائنين في جنة عدن.
قوله : "إن في الجنة لخيمة" أي عظيمة "مجوفة" أي واسعة الجوف "عرضها" وفي رواية طولها ويتحصل بالروايتين أن طولها وعرضها كل واحد منهما ستون ميلا "في كل زاوية" أي من الزوايا الأربع "منها" أي من تلك الخيمة "أهل" في رواية مسلم أهل المؤمن "لا يرون" أي ذلك الأهل وجمع باعتبار معناه "الاَخرين" أي الجمع الاَخرين من الأهل الكائنين في زاوية أخرى "يطوف عليهم" أي يدورو على جميعهم "المؤمن" قيل إن المعنى يجامع المؤمن الأهل وأن الطواف هنا كناية عن المجامعة.
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه الشيخان وغيرهما(7/234)
4-باب ما جَاءَ في صِفَةِ دَرَجَاتِ الْجَنّة
2649- حدثنا عَبّاسٌ العَنْبَرِيّ، حدثنَا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، أخبرنا شَرِيك عن مُحمّدِ بنِ جُحَادَةَ، عن عَطَاء، عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "فِي الجَنّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلّ دَرَجَتَيْنِ
__________
"باب ما جَاءَ في صِفَةِ دَرَجَاتِ الْجَنّة"
قوله: "في الجنة مائة درجة" قال ابن الملك: المراد بالمائة ههنا الكثرة(7/234)
مِائَةَ عَامٍ ".
هذا حديثٌ حسٌ غريبٌ.
2650-حدثنا قُتَيْبَةُ وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ البصري قالا أَخْبَرنَا عبدُ العزِيزِ بنُ محمدٍ عن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ عن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَصَلّى الصّلوات وَحَجّ الْبَيْتَ، لا أَدْرِي أَذكَر الزَكَاةَ أَمْ لاَ، إِلاّ كَانَ حَقّاً عَلَى الله أَنْ يَغْفِرَ لَهُ إِنْ هَاجَرَ في سَبِيلِ الله أَوْ مكثَ بِأَرْضِهِ الّتِي وُلِدَ بِهَا. قال مُعَاذٌ: أَلاَ أُخْبِرُ بِهَذَا النّاسَ؟ فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ذَرِ النّاسَ يَعْمَلُونَ
__________
وبالدرجة المرقاة. قال القاري: الأظهر أن المراد بالدرجات المراتب العالية قال تعالى: {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أي ذوو درجات بحسب أعمالهم من الطاعات كما أن أهل النار أصحاب دركات متسافلة لقدر مراتبهم في شدة الكفر، كما يشير إليهقوله سبحانه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} "مائة عام" أي مسيرة مائة عام. قال المناوي: وفي رواية خمسمائة، وفي أخرى أكثر وأقل ولا تعارض لاختلاف السير في السرعة والبطء والبين ذكر تقريباً للإفهام.
قوله : "هذا حديث غريب" قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب والطبراني في الأوسط، إلا أنه قال ما بين كل درجتين مسيرة خمسمائة عام انتهى.
قوله : "لا أدري أذكر الزكاة أم لا" الظاهر أن قائله لا أدري هو عطاء بن يسار وفاعل ذكر هو معاذ بن جبل "إلا كان" كذا في النسخ الموجودة بزيادة إلا قبل كان، ولا يتقيم معناها ههنا، فهي زائدة وقد تكون هي زائدة كما فيقوله الشاعر:
حراجيج ما تنفك إلا مناخة ... على الخسف أو ترمي بها بلداً فقراً
كذا في القاموس. وقد روى أحمد هذا الحديث في مسنده ولم يقع في روايته لفظ إلا "حقاً على الله" أي يوعده الصادق "ألا أخبر بها الناس" حتى يفرحوا بهذه البشارة "ذر الناس" أي أتركهم بلا بشارة "يعملون" أي يجتهدون في زيادة(7/235)
فَإِنّ في الْجَنّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كلّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلَى الْجَنّةِ وَأَوْسَطُهَا وَفَوْقَ ذَلِكَ عَرْشُ الرّحمَنِ، وَمِنْهَا تُفَجّرُ أَنْهَارُ الْجَنّةِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ الله فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ" .
هكَذَا رُوِيَ هذا الحديثُ عن هِشَامِ بنِ سَعْدٍ عن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطَاءِ بنِ يَسَار عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وهذا عِنْدِي أَصَحّ من حديثِ هَمّامٍ عن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ عن عَطَاءِ
__________
العبادة ولا يتكلون على هذا الإجمال "فإن في الجنة مائة درجة" قال القاري: يمكن أن يراه به الكثرة لما ورد من رواية البيهقي عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: عدد درج الجنة عدد آي القرآن فمن دخل الجنة من أهل القرآن فليس فوقه درجة. ويمكن أن يقال في الجنة مائة درجة لكل واحد من أهلها فيكون بيان أقل ما يكون فيها من أنواع السعة وأصناف النعمة "والفردوس" قال الحافظ: الفردوس هو البستان الذي يجمع كل شيء، وقيل هو الذي فيه العنب، وقيل هو بالرومية، وقيل بالقبطية، وقيل بالسريانية وبه جزم أبو أسحاق الزجاج انتهى. وقال في القاموس: الفردوس الأودية التي تنبت ضروباً من النبت والبستان يجمع كل ما يكون في البساتين يكون فيه الكروم وقد يؤنث عربية أورومية نقلت أو سريانية انتهى "أعلى الجنة وأوسطها" أي أعدلها وأفضلها وأوسعها وخيرها، ذكره السيوطي. قال الطيبي: النكتة في الجمع بين الأعلى والأوسط أنه أراد باحدهما الحسي والاَخر المعنوي. فإن وسط الشيء أفضله وخياره، وإنما كان كذلك لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والأوساط محمية محفوظة. وقال ابن حبان: المراد بالأوسط السعة وبالأعلى الفوقية "ومنها" أي من الفردوس "تفجر" بصيغة المجهول أي تشقق وتجري "أنهار الجنة" أي أصول الأنهار الأربعة من الماء واللبن والخمر والعسل "فإذا سألتم الله" أي الجنة "فاسألوه" وفي بعض النسخ فسلوه بالتخفيف والنقل أي فاطلبوا منه "الفردوس" لأنه أفضلها وأعلاها.
قوله : "هكذا روى هذا الحديث عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل وهذا عندي أصح" وأخرجه البخاري من(7/236)
بنِ يَسَارٍ عن عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ. وَعَطَاءَ لم يُدْرِكْ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ، وَمُعَاذٌ قَدِيمُ المَوْتِ، مَاتَ في خِلاَفَةِ عُمَرَ.
2651-حدثنا عبدُ الله بنُ عبدِ الرّحْمنِ، انبانَا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ أخبرنا هَمّامٌ عن زَيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عن عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "في الجَنّةِ مِائَةُ دَرَجَةً مَا بَيْنَ كلّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَالفِرْدَوْسُ أَعْلاَهَا دَرَجَةً، وَمِنْهَا تُفَجّرُ أَنْهَارُ الْجَنّةِ الأَرْبَعَةُ، وَمِنْ فَوْقِهَا يَكُونُ الْعَرْشُ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ الله فَاسْأَلُوهُ الفَرْدَوْسَ" .
__________
طريق هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة. قال الحافظ في الفتح: رواه زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار فاختلف عليه، فقال هشام بن سعد وحفص ابن ميسرة والدراوردي عنه عن عطاء عن معاذ بن جبل أخرجه الترمذي وابن ماجه. وقال همام عن زيد عن عطاء عن عبادة بن الصامت أخرجه الترمذي والحاكم ورجح رواية الدراوردي ومن تابعه على رواية همام ولم يتعرض لرواية هلال مع أن بين عطاء بن يسار ومعاذ انقطاعاً انتهى.
قوله : "والفردوس" أي الجنة المسماة بالفردوس المذكور في القرآن فيقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} إلى قوله {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} "أعلاها" أي أعلى سائر الجنان "ومنها" أي من جنة الفردوس "تفجر أنهار الجنة الأربعة" بالرفع صفة لأنهار وهي أنهار الماء واللبن والخمر والعسل المذكورة في القرآن {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} "ومن فوقها يكون العرش" يدل هذا على أن الفردوس فوق جميع الجنان، ولذا قال صلى الله عليه وسلم تعليماً للأمة وتعظيما للهمة "فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس" وفي بعض النسخ فسلوه بالتخفيف وحديث عبادة هذا أخرجه أحمد وابن أبي شيبة والحاكم.(7/237)
2652-حدثنا أَحمدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، حدثنا هَمّامٌ، عن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ نَحْوَهُ.
2653-حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا ابنُ لَهِيعَةَ عن دَرّاجٍ عن أَبِي الهَيْثمِ عن أَبِي سَعِيدٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّ فِي الْجَنّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ لَوْ أَنّ الْعَالَمِينَ اجْتَمَعُوا فِي إِحْدَاهُنّ لَوَسِعَتهُمْ" .
هذا حديثٌ غريبٌ.
__________---
قوله : "لو أن العالمين" بفتح اللام أي جميع الخلق اجتمعوا جميعاً "لو سعتم" أي لكفتهم لسعتها المفرطة التي لا يعلمها إلا الله تعالى.
قوله : "هذا حديث غريب" وأخرجه ابن حبان من وجه اخر وصححه قاله القاري.(7/238)
باب ما جاء في صفة نساء أهل الجنة
...
5-باب في صِفَةِ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنّةِ
2654-حدثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، أخبرنا فَرْوَةُ بنُ أَبِي المَغْرَاءِ، أَخْبَرنَا عُبَيْدَةُ بنُ حُمَيْدٍ عن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ، عن عَمْرِو بنِ مَيْمُونٍ، عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ المَرْأَةَ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنّةِ لَيُرَى بَيَاضُ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلّةً حَتّى يُرَى مُخّهَا وَذَلِكَ بِأَنّ الله تَعَالَى يَقُولُ : {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ}
__________
"باب في صِفَةِ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنّةِ"
قوله: "أخبرنا فروة بن أبي المغراء" بفتح الميم والمد واسم أبيه معد يكرب الكندي، يكنى أبا القاسم، كوفي صدوق من العاشرة "أخبرنا عبيدة" بفتح أوله وكسر الموحدة.
قوله : "ليرى" بصيغة المجهول "مخها" بالضم والدماغ "كأنهن الياقوت" أي صفاء "والمرجان" أي اللؤلؤ بياضاً. قال في القاموس: المرجان(7/238)
فَأَمّا اليَاقُوتَ فَإِنّهُ حَجَرٌ لَوْ أَدْخَلْتَ فِيهِ سِلْكاً، ثُمّ اسْتَصْفَيْتَهُ لأُريتَهُ مِنْ وَرَائِهِ" .
2655-حدثنا هَنّادٌ، حدثنا عُبَيْدَةُ بنُ حُمَيْدٍ عنْ عَطَاءِ بنِ السّائِبِ عَن عَمْرِو بن مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ، عَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
2656-حدثنا هَنّادٌ، حدثنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَن عَطَاءِ بنِ السَائِبِ عَن عَمْرِو بنِ مَيْمُونٍ عَن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَهَذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدَةَ بنِ حُمَيْدٍ. وَهَكَذَا رَوَى جَرِيرٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَطَاءِ بنِ السّائِبِ، وَلَمْ يَرْفَعُوهُ.
2657-حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكيعٍ، أخبرنا أَبي عن فُضَيْلِ بنِ مَرْزُوق عن عَطيّةَ عن ابِي سَعِيدٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ أَوّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ وَالزّمْرَةُ الثّانِيَةُ عَلَى مِثْلِ أَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرّيّ في السّمَاءِ، لِكُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ
__________
صغار اللؤلؤ "ثم استصفيته" المراد باستصفاء الياقوت هنا، جعله صافياً ونقياً من الكدورة ونحوها مما يكدره، وحديث ابن مسعود هذا أخرجه أيضاً ابن أبي الدنيا وابن حبان في صحيحه.
قوله : "إن أول زمرة" أي جماعة وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام "على مثل ضوء القمر ليلة البدر" أي وجوههم على مثل ضوء القمر ليلة البدر "والزمرة الثانية" وهم الأولياء والصلحاء على اختلاف مراتبهم في الضياء على كل زوجة(7/239)
عَلَى كلّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلّةً يُرَى مُخّ سَاقِهَا مِنْ ورَائِهَا" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
سبعون حلة بضم حاء وتشديد لام ولا تطلق غالباً إلا على ثوبين "يرى" أي يبصر "مخ ساقها" أي مخ عظام ساق كل زوجة "من ورائها" أي من فوق حللها السبعين لكمال لطافة أعضائها وثيابها. قال القاري: والتوفيق بينه وبين خبر أدنى أهل الجنة من له ثنتان وسبعون زوجة وثمانون ألف خادم بأن يقال يكون لكل منهم زوجتان موصوفتان بأن يرى مخ ساقها من ورائها وهذا لا ينافي أن يحصل لكل مهنم كثير من الحور العين الغير البالغة إلى هذه الغلية كذا قيل والأظهر أنه تكون لكل زوجتان من نساء الدنيا، وأن أدنى أهل الجنة من له ثنتان وسبعون زوجة في الجملة يعني ثنتين من نساء الدنيا وسبعين من الحور العين انتهى. وقال الحافظ في الفتح: قوله ولكل واحد، منهم زوجتان أي من نساء الدنيا، فقد روى أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعاً في صفة: أدنى أهل الجنة منزلة وأن لكلك منهم من الحور العين ثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا وفي سنده شهر بن حوشب وفيه مقال. ولأبي يعلى في حديث الصور الطويل من وجه آخر عن أبي هريرة في حديث مرفوع: فيدخل الرجل على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشيء الله وزوجتين من ولد آدم. قال والذي يظهر أن أقل ما لكل واحد منهم زوجتان، وقد أجاب بعضهم باحتمال أن تكون التثنية تطيراً لقوله: جنتان وعينان ونحو ذلك أو المراد تثنية التكثير والتعظيم نحو لبيك وسعديك ولا يخفى ما فيه انتهى ملخصاً.
قلت: روى البخاري في صحيحه في صفة الجنة عن أبي هريرة مرفوعاً: أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر: الحديث وفيه: ولكل واحد منهم زوجتان. ورواه من طريق آخر وفيه ولكل امرئ زوجتان من الحور العين. فقول الحافظ وغيره في تفسير قوله: ولكل واحد منهم زوجتان أي من نساء الدنيا ليس بصحيح فإن الروايات يفسر بعضها بعضاً، فالظاهر أن أقل ما لكل واحد منهم زوجتان كما قال الحافظ والله تعالى أعلم.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد.(7/240)
2658-حدثنا العَبّاسُ بنُ مُحمّدٍ، أخبرنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى، أخبرنا شَيْبَانُ عن فِرَاسٍ عن عَطِيّةَ عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " أَوّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالثّانِيَةُ عَلَى لَوْنِ أَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرّيّ في السّمَاءِ، لِكُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، عَلَى كُلّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلّةً يَبْدُو مُخّ سَاقِهَا مِنْ وَرَائِهَا" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ" .
__________
قوله : "على لون أحسن كوكب دري" قال في النهاية: الكوكب الدري الشديد الإنارة كأنه نسب إلى الدر تشبيهاً به لصفاته. وقال الفراء هو عند العرب العظيم المقدار، وقيل هو أحد الكواكب الخمسة السيارة انتهى "يبدو" أي يظهر.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد.(7/241)
6-باب ما جَاءَ في صِفَةِ جِمَاعِ أَهْلِ الْجَنّة
2659-حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ وَمَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ قالا: حدثنَا أَبُو دَاوُدَ الطّيَالِسِيّ عَن عُمْرَانَ القَطّانِ، عن قتادة عن أَنَسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يُعْطَى المُؤمِنُ في الْجَنّةِ قُوّةَ كَذَا وكَذَا مِنَ الْجِمَاعِ، قيِلَ يَا رَسُولَ الله أَوَ يُطِيقُ ذَلِكَ؟ قَالَ: يُعْطَى قُوّةَ مِائَةٍ" .
__________
"باب ما جَاءَ في صِفَةِ جِمَاعِ أَهْلِ الْجَنّة"
قوله: "يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع" قال في اللمعات: أي قوة جماع كذا وكذا من النساء، فكذا وكذا كناية عن عدد النساء كعشرين وثلاثين مثلا فافهم انتهى وقيل كناية عن مرات الجماع كعشرين مرة أو ثلاثين أو أربعين أو مائة ونحوها "أو يطيق ذلك" بفتح الواو أي يعطي تلك القوة ويستطيع ذلك المقدار، والإشارة إلى مضمون قوله كذا وكذا من الجماع "يعطي قوة مائة" أي مائة رجل. والمعنى فإذا كان كذلك فهو يطيق ذلك.(7/241)
وفي البابِ عن زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ.
هذا حديثٌ صحيحٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عن أَنَسٍ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ القَطّانِ.
__________
قوله : "وفي الباب عن زيد بن أرقم" قال جاء رجل من أهل الكتاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أبا القاسم تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون؟ قال: نعم والذي نفس محمد بيده إن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع. قال: فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة وليس في الجنة أذى، قال: تكون حاجة أحدهم رشحاً يفيض من جلودهم كرشح المسك فيضمر بطنه" . أخرجه أحمد والنسائي. قال المنذري ورواته محتج بهم في الصحيح. قال ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم ثم ذكر لفظهما.
قوله : "هذا حديث صحيح غريب" وأخرجه ابن حبان في صحيحه.(7/242)
7-باب ما جَاءَ فِي صِفَةِ أَهْل الْجَنّة
2660-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عبد الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا مَعْمَرٌ عن هَمّامِ بنِ مُنَبّهٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَوّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لاَ يَبْصُقُونَ وَلاَ يَتَمَخّطُونَ، وَلاَ يَتَغَوَطُونَ، آنيَتُهُمْ فِيهَا مِنَ الذّهَبِ وَأَمْشَاطُهُمْ
__________
"باب ما جَاءَ فِي صِفَةِ أَهْل الْجَنّة"
قوله: "تلج الجنة" من الولوج أي تدخل "صورتهم على صورة القمر ليلة البدر" أي في الإضاءة "لا يبصقون" قال في القاموس: البصاق كغراب والبساق والبزاق ماء الفم إذا خرج منه، وما دام فيه فهو ريق، وبصق بزق انتهى "ولا يمتخطون" وفي بعض النسخ ولا يتمخطون: أي ليس في أنفهم من المياه(7/242)
مِنَ الذّهَبِ وَالفِضَةِ وَمَجَامِرُهُمْ مِنَ الالوّةِ وَرَشحُهُمْ المِسْكُ، وَلِكُلّ وَاحِدٍ
__________
الزائدة والمواد الفاسدة ليحتاجوا إلى إخراجها ولأن الجنة مساكن طيبة للطيبين فلا يلائمها الأدناس والأنجاس. قال ابن الجوزي: لما كانت أغذية أهل الجنة في غاية اللطافة والاعتدال لم يكن فيها أذى ولا فضلة تستقذر بل يتولد عن تلك الأغذية أطيب ريح وأحسنه "آنيتهم فيها من الذهب وأمشاطهم من الذهب والفضة" .
وفي رواية للبخاري آتيتهم من الذهب والفضة وأمشاطهم من الذهب.
قال الحافظ: وكأنه اكتفى في الموضعين ذكر أحدهما عن الاَخر فإنه يحتمل أن يكون الصنفان لكل منهم ويحتمل أن يكون أحد الصنفين لبعضهم والاَخر للبعض الاَخر، ويؤيد حديث أبي موسى مرفوعاً: جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما الحديث متفق عليه. ويؤيد الأولى ما أخرجه الطبراني بإسناد قوي عن أنس مرفوعاً: إن أدنى أهل الجنة درجة لمن يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم بيد كل واحد صحفتان واحدة من ذهب والأخرى من فضة الحديث انتهى. والأمشاط جمع مشط بتثليث الميم والأفصح ضمها آلة يمتشط بها "ومجامرهم من الألوة" .
قال في النهاية: المجامر جمع مجمر ومجمر فالمجمر بكسر الميم هو الذي يوضع فيه النار للبخور، والمجمر بالضم الذي يتبخر به وأعد له الجمر وهو المراد في هذا الحديث أي أن بخورهم بالألوة وهو العود انتهى. وفي رواية للبخاري: ووقوه مجامرهم الألوة فعلى هذه الرواية المجامر جمع مجمر بكسر الميم أي ما يوقد به مباخرهم الألوة وهي بفتح الهمزة ويجوز ضمها وبضم اللام وتشديد الواو. وحكى ابن التين كسر الهمزة. وتخفيف الواو والهمزة أصلية وقيل زائدة: قال النووي: هو العود الهندي، وقد يقال إن رائحة العود إنما تفوح بوضعه في النار والجنة لا نار فيها، ويجلب باحتمال أن يشتعل بغير نار بل بقوله كن، وإنما سميت مجمرة باعتبار ما كان في الأصل، ويحتمل أن يشتعل بنار لا ضرر فيها ولا إحراق، أو يفوح بغير اشتعال.
وقال القرطبي: قد يقال أي حاجة لهم إلى المشط وهم مرد وشعورهم لا تتسخ، وأي حاجة لهم إلى البخور وريحهم أطيب من المسك، قال ويجاب بأن(7/243)
مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخّ سُوْقِهِمَا منْ وَرَاءِ الّلحْمِ مِنَ الْحُسْنِ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ قُلُوبُهُمْ قَلْبُ رَجُلٍ وَاحِدٍ يُسَبّحونَ الله بُكْرَةً وَعَشِيّا" .
__________
نعيم أهل الجنة من أكل وشرب وكسوة وطيب ليس عن ألم جوع أو ظمأ أو عرى أو نتن وإنما هي لذات متتالية ونعم متوالية، والحكمة في ذلك أنهم ينعمون بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا. وقال النووي: مذهب أهل السنة أن تنعم أهل الجنة على هيئة تنعم أهل الدنيا إلا ما بينهما من التفاضل في اللذة ودل الكتاب والسنة على أن نعيمهم لا انقطاع له كذا في الفتح "ورشحهم" أي عرفهم "المسك" أي رائحة المسك. والمعنى رائحة عرفهم المسك فهو تشبيه بليغ "ولكل واحد منهم زوجتان" وفي رواية للبخاري: "ولكل امرئ زوجتان من الحور العين" . قال الطيبي: الظاهرة أن التثنية للتكرير لا للتحديد كقوله تعالى: {ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} لأنه قد جاء أن للواحد من أهل الجنة العدد الكثير من الحور العين وقد تقدم الكلام في هذا في باب صفة نساء أهل الجنة "من الحسن قال الطيبي رحمه الله:" هو تتميم صوناً من توهم ما يتصور في تلك الرؤية مما ينفر عنه الطبع، والحسن هو الصفاء ورقة البشرة ونعومة الأعضاء "لا اختلاف بينهم ولا تباغض" قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} "قلوبهم قلب رجل واحد" أي في الاتفاق والمحبة "يسبحون الله بكرة وعشياً" قال الحافظ: أي قدرهما، قال القرطبي: هذا التسبيح ليس عن تكليف وإلزام وقد فسره جابر في حديثه عند مسلم بقوله: "يلهمون التسبيح والتكبير كما يلهمون النفس" ، ووجه التشبيه أن تنفس الإنسان لا كلفة عليه فيه ولا بد له منه فجعل تنفسهم تسبيحاً وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه، وامتلأت بحبه ومن أحب شيئاً أكثر من ذكره. وقد وقع في خبر ضعيف: أن تحت العرش ستارة معلقة فيه ثم تطوى فإذا نشرت كانت علامة البكور وإذا طويت كانت علامة العشي انتهى. وقال الطيبي: يراد بهما الديمومة كما تقول العرب: أنا عند فلان صباحاً ومساء، لا يقصد الوقتين المعلومين بل الديمومة انتهى.(7/244)
هذا حديثٌ صحيحٌ.
2661-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا ابنُ لَهِيعَةَ، عنْ يَزِيدَ بنِ أَبي حَبِيبٍ، عنْ دَاوُدَ بنِ عَامِرٍ بنِ سَعد بن أَبي وَقّاصٍ عنْ أَبِيهِ عنْ جَدّهِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْ أَنّ مَا يُقِلّ ظُفُرٌ مِمّا فِي الْجَنّةِ بَدَا لَتَزَخْرَفَتْ لَهُ مَا بَيْنَ خَوَافِقِ السمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَوْ أَنّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ اطّلَعَ فَبَدَا أَسَاوِرُهُ لَطَمَسَ ضَوْءَ الشّمْسِ كَمَا تَطْمَسُ الشّمْسُ ضَوْءَ النّجُوم" .
هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ بِهَذَا الإِسْنَادِ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ ابنِ لَهِيْعَةَ.
__________
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله : "عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص" الزهري المدني ثقة من السادسة "عن أبيه" أي عامر في سعد بن أبي وقاص الزهري المدني ثقة من الثالثة "عن جده" أي سعد بن أبي وقاص.
قوله : "لو أن ما يقل" بضم الياء وكسر القاف وتشديد اللام، أي يحمله "ظفر" بضمتين ويسكن الثاني. قال الطيبي: ما موصولة والعائد محذوف، أي ما يقله. وقال القاضي: أي قدر ما يستقل بحمله ظفر ويحمل عليها "مما في الجنة" أي من نعيمها "بدا" أي ظهر في الدنيا للناظرين "لتزخرفت" أي تزينت "له" أي لذلك المقدار وسببه "ما بين خوافق السموات والأرض" قال القاضي: الخوافق جمع خافقة هي الجانب وهي في الأصل الجوانب التي تخرج منها الرياح من الخفقان، ويقال الخافقان المشرق والمغرب. قال الطيبي: وتأنيث الفعل لأن ما بين بمعنى الأماكن كما فيقوله تعالى: {أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ} في وجه "اطلع" بتشديد الطاء أي أشرف على أهل الدنيا "فبدا" أي ظهر "أساوره" جمع أسورة جمع سوار، والمراد بعض اساوره. ففي الترغيب فبدأ سواره "لطمس" أي محا ضوء أساوره "ضوء الشمس" بالنصب على المفعولية.
قوله : "هذا حديث غريب" وأخرجهابن أبي الدنيا.(7/245)
وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بنُ أَيّوبَ هَذَا الْحَدِيثَ عنْ يَزِيدَ بنِ أَبِي حَبِيبٍ، وَقَالَ عنْ عُمَرَ بنِ سَعْدِ بنِ أَبي وَقّاصٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
__________
قوله : "وقد روى يحيى بن أيوب" هو الغافقي "عن عمر بن سعد بن أبي وقاص" المدني نزيل الكوفة صدوق لكن مقته الناس لكونه كان أميراً على الجيش الذين قتلوا الحسين بن علي من الثانية قتله المختار سنة خمس وستين أو بعدها ووهم من ذكره من الصحابة فقد جزم ابن معين بأنه ولد يوم مات عمر بن الخطاب كذا في التقريب "عن النبي صلى الله عليه وسلم" وهذا المرسل.(7/246)
8-باب ما جَاءَ فِي صِفَةِ ثِيَاب أَهْلِ الْجَنّة
2662-حدثنا مُحمدُ بنُ بَشّارٍ وَأَبُو هِشَامٍ الرّفَاعِيّ، قَالاَ: حدثنا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، عن أَبِيهِ عن عَامِرٍ الأَحْوَلِ، عنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَهْلُ الْجَنّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ كَحْلَى لاَ يَفْنَى شَبَابُهُمْ، وَلاَ تَبْلَى ثِيَابُهُمْ" .
__________
"باب ما جَاءَ فِي صِفَةِ ثِيَاب أَهْلِ الْجَنّة"
قوله: "عن أبيه" أي هشام بن أبي عبد الله سنبر، كنيته أبو بكر البصري الدستوائي ثقة ثبت وقد رمى بالقدر من كبار السابعة "عن عامر الأحوال" قال في التقريب: عامر بن عبد الواحد الأحول البصري صدوق يخطئ من السادسة وهو عامر الأحول الذي يروي عن عائذ بن عمرو المزني والصحابي انتهى.
قوله : "أهل الجنة جرد" بضم جيم وسكون راء جمع أجرد: وهو الذي لا شعر على جسده وضده الأشعر "مرد" جمع أمرد وهو غلام لا شعر على ذقنه وقد يراد به الحسن بناء على الغالب "كحلى" بفتح الكاف فعلى بمعنى فعيل، أي مكحول، وهو عين في أجفانها سواد خلقه كذا قيل، وقال في النهاية: الكحل بفتحتين سواد في أجفان العين خلقة والرجل أكحل وكحيل وكحلى جمع كحيل "لا يفني شبابهم" بل كل منهم في سن ابن ثلاث وثلاثين دائماً "ولا تبلى ثيابهم" أي(7/246)
هذا حديثٌ ٌ غريبٌ.
2663-حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا رِشْدِينُ بنُ سَعْدٍ عنْ عَمْرِو بنِ الْحَارِثِ، عَنْ دَرّاجٍ أَبي السّمْحِ، عَنْ أَبِي الهَيْثَمِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ عَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله {وَفُرُشٌ مَرْفُوعَةٌ} قَالَ: "ارْتِفَاعُهَا لَكَمَا بَيْنَ السّمَاءِ وَالأَرْضِ مَسِيرَةَ خَمْسِمَائَةِ عَامٍ" .
هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بنِ سَعْدٍ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ: إنّ مَعْنَاهُ أَنّ الفُرُشَ في الدّرَجَاتِ وَبَيْنَ الدّرَجَاتِ كَمَا بَيْنَ السّمَاءِ وَالأَرْضِ.
__________
لا يلحقها البلى أو لا يزال عليهم الثياب الجدد.
قوله : "هذا حديث غريب" وأخرجه الدارمي.
قوله : "قال" أي النبي صلى الله عليه وسلم "ارتفاعها" أي ارتفاع فرش الجنة، وقيل ارتفاع الدرجة التي فرشت للفرش المرفوعة فيها وهو مبتدأ وخبره لكما بين السماء والأرض. "مسيرة خمسمائة عام" بدل من ما قبله أو بيان له. والمعنى أن ارتفاع الفرش المفروشة في الجنة مثل مسافة ما بين السماء والأرض أي مسافة خمسمائة عام. وروى الترمذي هذا الحديث بهذا الإسناد في تفسير سورة الواقعة ولفظه: ارتفاعها كما بين السماء والأرض ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام ومعناه ظاهر أي ارتفاع الفرش المفروشة في الجنة مثل مسيرة ما بين السماء والأرض، ومسيرة ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، فارتفاع الفرش المفروشة في الجنة مسيرة خمسمائة عام، فمعنى اللفظ الذي ذكره هنا واللفظ الذي ذكره في التفسير واحد "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد والنسائي وابن أبي الدنيا. قال المنذري: ورواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي وغيرهما من حديث ابن وهب أيضاً عن عمرو ابن الحارث عن دراج انتهى "وقال بعض أهل العلم في تفسير هذا الحديث معناه أن الفرش في الدرجات وبين الدرجات كما بين السماء والأرض" هذا المعنى موافق للمعنى الثاني الذي ذكرناه، أي ارتفاع الدرجة التي فرشت الفرش المرفوعة فيها. وقال التوربشتي: قول من قال المراد منه ارتفاع(7/247)
..........................................................................................................
__________
الفرش المرفوعة في الدرجات وما بين كل درجتين من الدرجات كما بين السماء والأرض هذا القول أوثق وذلك لما في الحديث: "أن للجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض" انتهى.(7/248)
باب ما جاء في صفة ثمار الجنة
...
9-باب ما جَاءَ فِي صِفَةِ ثِمَارِ اهل الْجَنّة
2664-حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أخبرنا يُونُسُ بنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحمّدٍ بنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بنِ عباطد بن عَبْدِ الله بنِ الزّبَيْرِ عن أَبِيهِ عَنْ عائشة عن أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَذُكِرَ سِدْرَةَ المُنْتَهَى قَالَ: "يَسِيرُ الراكِبُ في ظِلّ الفَنَنِ مِنْهَا مِائَةَ سَنَةٍ، أَوْ يَسْتَظِلّ بِظِلّهَا مِائَةُ رَاكِبٍ شَكّ يَحْيَى، فِيهَا فِرَاشُ الذّهَبِ كَأَنّ ثَمَرَهَا القِلاَلُ" .
__________
"باب ما جَاءَ فِي صِفَةِ ثِمَارِ اهل الْجَنّة"
قوله: "عن يحيى عبد الله بن الزبير" بن العوام المدني ثقة من الخامسة "عن أبيه" أي عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام كان قاضي مكة زمن أبيه وخليفته إذا حج، ثقة من الثالثة.
قوله : "وذكر سدرة المنتهى" قيل هي شجرة نبق في السماء السابعة عن يمين العرش ثمرها كقلال هجر، ووقع ذكر سدرة المتهى في حديث المعراج عند الشيخين ولفظ البخاري: ثم رفعت إلى سدرة المتهي فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة. قال الحافظ: وقع بيان سبب تسميتها سدرة المنتهى في حديث ابن مسعود عند مسلم ولفظه: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انتهى بي إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة وإليها ينتهي ما يعرج من الأرض فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط فيقبض منها. وقال النووي: سميت سدرة المنتهى لأن علم الملائكة ينتهي إليها ولم يجاوزها أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "قال" أي النبي صلى الله عليه وسلم "يسير الراكب" أي المجد "في ظل الفنن" محركة أي الغصن وجمعه الأفنان ومنهقوله تعالى {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} ويقال ذلك للنوع وجمعه فنون كذا حققه الراغب "منها" أي من السدرة أو يستظل بظلها مائة راكب أو للشك "شك يحيى" أي ابن عباد المذكور في السند فيها(7/248)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.
__________
أي في سدرة المنتهى. والمعنى فيما بين أغصانها أو عليها بمعنى فوقها مما يغشاها "فراش الذهب" بفتح الفاء جمع فراشة وهي التي تطير وتتهافت في السراج قيل هذا تفسيرقوله تعالى: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} ومنه أخذ ابن مسعوذ حيث فسر ما يغشى بقوله يغشاها فراش من ذهب. قال البيضاوي: وذكر الفراش وقع على سبيل التمثيل لأن من شأن الشجر أن يسقط عليها الجراد وشبهه وجعلها من الذهب الصفاء لونها وإضاءتها في نفسها انتهى. قال الحافظ: ويجوز أن يكون من الذهب حقيقة ويخلق فيه الطيران والقدرة صالحة لذلك إنتهى. "كأن ثمرها القلال" بكسر القاف، جمع القلة. أي قلال هجر في الكبر.(7/249)
10-باب ما جَاءَ فِي صِفَةِ طَيْرِ الْجَنّة
2665-حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ، عن مُحمّدِ بنِ عَبْدِ الله بنِ مُسْلِمٍ، عن أَبِيهِ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: "سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ما الكَوْثَرُ؟ قَالَ: "ذَاكَ نَهْرٌ أَعْطَانِيهُ الله يَعْنِي في الجَنّةِ
__________
"باب ما جَاءَ فِي صِفَةِ طَيْرِ الْجَنّة"
قوله: "أخبرنا عبد الله بن مسلمة" بن قعنب القعنبي الحارثي أبو عبد الرحمن البصري أصله من المدينة وسكنها مدة ثقة عابد من صغار التاسعة "عن محمد بن عبد الله بن مسلم" بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المدني ابن أخي الزهري صدوق له أوهام من السادسة "عن أبيه" أي عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن الحارث بن زهرة الزهري المدني، كنيته أبو محمد أخو الزهري، الإمام ثقة من الثالثة مات قبل أخيه.
قوله : "ذلك نهر أعطانيه الله" وفي صحيح مسلم من طريق المختار بن فلفل عن أنس: بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ غفا إغفاءة ثم رفع رأسه(7/249)
أَشَدّ بَيَاضاً مِنَ الّلبَنِ وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ فِيهِ طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا كَأَعْنَاقِ الْجُزُرِ ". قال عُمَرُ: إِنّ هَذِهِ لَنَاعِمَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَكْلَتُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا" . هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
وَمُحمّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ مُسْلِمٍ هُوَ ابنُ أَخِي ابنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ.
__________
متبسماً فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: نزلت على سورة، فقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} إلى آخرها ثم قال: "اتدرون ما الكوثر؟ قلنا الله ورسوله أعلم، قال: فإنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة" الحديث "يعني في الجنة" هذا قول الراوي. وروى الحاكم عن أنس مرفوعاً: "الكوثر نهر أعطانيه الله في الجنة ترابه مسك أبيض من اللبن وأحلى من العسل" الحديث "فيه" أي في ذلك النهر أو في أطرافه "طير أعناقها كأعناق الجزر" بضم الجيم والزاي جمع جزور وهو البعير "إن هذه" أي الطير فإنه يذكر ويؤنث "لناعمة" أي سمان مترفة كذا في النهاية "أكلتها" ضبط في النسخة الأحمدية بفتح الهمزة والكاف واللام وبمد الهمزة وكسر الكاف. فعلى الأول جمع آكل اسم فاعل كطلبه جمع طالب. والمعنى من يأكلها، وعلى الثاني مؤنث أكل وصيغة الواحد المؤنث قد تستعمل للجماعة.
قوله : "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد بإسناد جيد ولفظه: إن طير الجنة كأمثال البخت ترعى في شجر الجنة، فقال أبو بكر يا رسول الله إن هذه الطير ناعمة فقال: أكلتها أنعم منها قالها ثلاثاً وأني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها كذا في الترغيب.(7/250)
باب ما جاء في صفة خيل أهل الجنة
...
11- باب ما جَاءَ فِي صِفَةِ خَيْلِ الْجَنّة
2666-حدثنا عُبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرَحْمنِ قال: أخبرنا عَاصِمُ بنُ عليٍ،
__________
"باب ما جَاءَ فِي صِفَةِ خَيْلِ الْجَنّة"
قال في القاموس: الخيل جماعة الأفراس لا واحد له أو واحده خائل لأنه يختال انتهى
قوله : "أخبرنا عاصم بن علي" بن عاصم بن صهيب الواسطي أو الحين التيمي(7/250)
أخبرنا المَسْعُودِيّ عن عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عن سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيُدَةً، عن أَبِيهِ: "أَنّ رَجُلاً سَأَلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله هَلْ فِي الْجَنّةِ مِنْ خَيْلٍ؟ قَالَ: "إِنْ أَدْخَلَكَ الله الْجَنّةَ فَلاَ تَشَاءُ أَنْ تُحْمَلَ فِيهَا عَلَى فَرَسٍ مِنْ يَاقُوتِةٍ حَمْرَاءَ تَطِيرُ بِكَ فِي الْجَنّةِ حَيْثُ شِئْتَ إِلاّ فَعَلْتَ" . قَالَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ
__________
مولاهم صدوق ربما وهم من التاسعة "عن سليمان بن بريدة" بن الحصيب الأسلمي المروزي قاضيها ثقة من الثالثة.
قوله : "إن الله" بكسر الهمزة وسكون النون على أن إن شرطية ثم كسر للالتقاء. قال الطيبي: الله مرفوع بفعل يفسره ما بعده وهو "أدخلك الجنة" ولا يجوز رفعه على الابتداء لوقوعه بعد حرف الشرط. وقوله "فلا تشاء أن تحمل فيها" جواب للشرط أي فلا تشاء الحمل في الجنة "على فرس من ياقوته حمراء تطير" بصيغة المؤنث والضمير يرجع إلى فرس. قال في القاموس: الفرس للذكر والأنثى "حيث شئت" أي طيرانه بك "إلا فعلت" لا يوجد هذا اللفظ في بعض نسخ الترمذي. وأورد صاحب المشكاة هذا الحديث نقلا عن الترمذي مع هذا اللفظ. قال القاري في شرحقوله: إلا فعلت بصيغة المخاطب المذكر المعلوم. والمعنى إن تشاء تفعله. وفي نسخة يعني من المشكاة على بناء المجهول أي حملت عليها وركبت، وفي أخرى بتاء التأنيث الساكنة فالضمير للفرس أي حملتك. قال القاضي رحمه الله: تقدير الكلام إن أدخلك الجنة الله فلا تشاء أن تحمل على فرس كذلك إلا حملت عليه. والمعنى أنه ما من شيء تشتهيه الأنفس إلا وتجده في الجنة كيف شاءت حتى لو اشتهيت أن تركب فرساً على هذه الصفة لوجدته وتمكنته منه. ويحتمل أن يكون المراد: إن أدخلك الله الجنة فلا تشاء أن يكون لك مركب من ياقوته حمراء يطير بك حيث شئت ولا ترضى به فتطلب فرساً من جنس ما تجده في الدنيا حقيقة وصفه. والمعنى: فيكون لك من المراكب ما يغنيك عن الفرس المعهود. ويدل على هذا ما جاء في الرواية الأخرى وهو: "إن أدخلت الجنة أتيت بفرس من ياقوته له جناحان فحملت عليه" . ولعله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبين الفرق بين مراكب الجنة ومراكب الدنيا(7/251)
فَقَالَ: يَا رَسولَ الله هَلْ في الْجَنّةِ مِنْ إِبْلٍ؟ قَالَ: فَلَمْ يَقُلْ لَهُ مثل مَا قَالَ لصَاحِبِهِ فَقَالَ: "إِنْ يُدْخِلْكَ الله الْجَنّةَ، يَكَنْ لَكَ فِيهَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ ولذّتْ عَيْنُكَ" .
2667- حدثنا سُوَيْدُ بن نصر، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، عن سُفْيَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مرثدٍ عن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ سَابِطٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ. وَهَذَا أَصَحّ حَدِيثِ المَسْعُودِيّ.
__________
وما بينهما من التفاوت على التصوير والتمثيل مثل فرس الجنة في جوهره بما هو عندنا أثبت الجواهر وأدوسها وجوداً وأنصعها لوناً وأصفاها جوهراً وفي شدة حركته وسرعة أنتقاله بالطير، وأكد ذلك في الرواية الأخرى بقوله جناحان. قال الطيبي: الوجه الأول ذهب إليه الشيخ التورشتي، وتقدير قوله إلا حملت يقتضي أن يروي قوله إلا فعلت على بناء المفعول فإنه استثناء مفرغ أي لا تكون بمطوبك إلا مسعفاً إذا ترك على بناء الفاعل كان التقدير فلا تكون بمطلوبك إلا فائزاً، والوجه الثاني من الوجهين السابقين قريب من أسلوب الحكيم، فإن الرجل سأل عن الفرس المتعارف في الدنيا فأجابه صلى الله عليه وسلم بما في الجنة أي اترك ما طلبته، فإنك مستغن عنه بهذا المركب الموصوف انتهى "قال" أي بريدة "فلم يقل له ما قال لصاحبه" أي مثل مقوله لصاحبه كما سبق بل أجابه مختصراً فقال إن يدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك" أي وجدت عينك لذيذة. قال في القاموس لذه وبه لذاذاً وجده لذيذاً ولذاذة انتهى. وفيه إشارة إلى قوله تعالى {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ}
قوله : "هذا أصح من حديث المسعودي" أي حديث سفيان وهو الثوري عن علقمة بن مرثد عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً أصح من حديث المسعودي عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه متصلاً، وهذا لأن سفيان أوثق وأتقن من المسعودي.(7/252)
2668-حدثنا مُحمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ بنُ سَمُرَةَ الأَحْمَسِيّ، حدثنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عن وَاصِلِ هو ابن السّائِبِ، عن أَبي سَوْرَةَ عن أَبي أَيّوبَ قَالَ: أَتَى النبيّ صلى الله عليه وسلم أَعْرَابيٌ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنّي أُحِبّ الْخَيْلَ أَفِي الْجَنّةِ خَيْلٌ؟ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنْ أُدْخِلْتَ الْجَنّةَ أُتِيتَ بِفَرَسٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ لَهُ جَنَاحَانِ فَحُمِلْتَ عَلَيْهِ، ثُمْ طَارَ بِكَ حَيْثُ شِئْتَ" . هذا حديثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيّ وَلاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيّوبَ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَأَبُو سَوْرَةَ هُوَ ابنُ أَخِي أَبِي أَيّوبَ يُضَعّفُ فِي الْحَدِيثِ ضَعّفَهُ يَحْيَى بنُ مُعِينٍ جِداً قال: وَسَمِعْتُ مُحمّدَ بنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: أَبُو سَوْرَةَ هَذَا مُنَكَرُ الْحَدِيثِ يَرْوِي مَنَاكِيرَ عن أَبِي أَيّوبَ لاَ يُتَابَعُ عَلَيْهَا.
__________
قوله : "حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي" بمهملتين أبو جعفر السراج ثقة من العاشرة "عن واصل بن السائب" الرقاشي أبي يحيحى البصري ضعيف من السادسة "عن أبي سورة" بفتح أوله وسكون الواو بعدها راء الأنصاري ابن أخي أبي أيوب ضعيف من الثالثة.
قوله : "إني أحب الخيل" أي في الدنيا "إن أدخلت" بالبناء للمفعول وفتح التاء "الجنة" أي إن أدخلك الله تعالى إياها "أتيت" أي جئت "بفرس من ياقوته" قال القاري: قيل أراد الجنس المعهود مخلوقاً من أنفس الجواهر وقيل إن هناك مركباً من جنس آخر يغنيك عن المعهود كما مر، والأخير أظهر لقوله "له جناحان" يطير بهما كالطائر "فحملت عليه" بصيغة المجهول أي اركبته والمركب الملائكة "ثم طار" أي ذلك الفرس "بك حيث شئت" ومقصود الحديث أن ما من شيء تشتهيه النفس في الجنة إلا تجده فيها حتى لو اشتهى أن يركب فرساً وجده بهذه الصفة.
قوله : "هذا حديث ليس إسناده بالقوي" لأن في سنده واصل بن السائب وأبا سورة وهما ضعيفان كما عرفت.(7/253)
12- باب ما جَاءَ فِي سِنّ أَهْلِ الْجَنّة
2669-حدثنا أَبُو هُرَيْرَةَ مُحمّدُ بنُ فِرَاسٍ البَصْرِيّ، أَخْبَرنَا أَبُو دَاوُدَ، أَخْبَرنَا عِمْرَانُ أَبُو العُوّامِ عن قَتَادَةَ عن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بَنِ غَنْمٍ عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنّةِ الْجَنّةَ جُرْداً مُرْداً مُكَحّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلاَثِينَ أَوْ ثَلاَثِ وَثَلاَثِينَ سَنَةً" .
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وَبَعْضُ أَصْحَابِ قَتَادَةَ رَوَوْا هَذَا عَنْ قَتَادَةَ مُرْسَلاً وَلَمْ يُسْنِدُوه.
__________
"باب ما جَاءَ فِي سِنّ أَهْلِ الْجَنّة"
قوله: "أخبرنا أبو داود" هو الطيالسي "أخبرنا عمران ابن العوام" القطان البصري.
قوله : "يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مرداً مكحلين" أي خلقة "أبناء ثلاثين أو ثلاث وثلاثين سنة" أو للشك من الراوي، وقد وقع في حديث أبي هريرة عند أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي أبناء ثلاث وثلاثين بالجزم، وكذا في حديث المقدام عند البيهقي بإسناد حسن على ما في الترغيب.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد في مسنده، وأخرج أيضاً الرواية المرسلة التي أشار إليها الترمذي بعد هذا.(7/254)
13-باب مَا جَاءَ في كمْ صَفّ أَهْلُ الْجَنّة
2670-حدثنا حُسَيْنُ بنُ يَزِيدَ الطَحّانُ الكُوفيّ، حدثنَا مُحمّدُ بنُ فُضَيْلٍ، عن ضِرَارِ بنِ مُرّةَ، عن مُحَارِبِ بن دِثَارٍ، عن ابنِ بُرَيْدَةَ
__________
"باب مَا جَاءَ في كمْ صَفّ أَهْلُ الْجَنّة"
قوله: "حدثنا حسين بن يزيد" بن يحيى الطحان الأنصاري الكوفي لين الحديث من العاشرة "عن ضرار بن مرة" الكوفي كنيته أبو سنان الشيبان الأكبر، ثقة ثبت من السادسة.(7/254)
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَهْلُ الْجَنّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍ: ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الأُمّةِ، وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ" .
هذا حديثٌ حسنٌ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عن عَلْقَمَةَ بنِ مرثدٍ عن سُلَيْمَانَ
__________
قوله : "أهل الجنة عشرون ومائة صف" أي قدرها أو صوروا صفوفاً "ثمانون" أي صفاً "منها" أي من جملة العدد "من هذه الأمة" أي كائنون من هذه الأمة "وأربعون" أي صفاً "عن سائر الأمم" والمقصود بيان تكثير هذه الأمة وأنهم ثلثان في القسمة. قال الطيبي: فإن قلت كيف التوفيق بين هذا وبين ما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة" فكبرناد فقال صلى الله عليه وسلم أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبرنا فقال صلى الله عليه وسلم: أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة" ، قلت: يحتمل أن يكون الثمانون صفاً مساوياً في العدد للأربعين صفاً وأن يكونوا كما زاد على الربع والثلث يزيد على النصف كرامة له صلى الله عليه وسلم. وقال الشيخ عبد الحق رحمه الله في اللمعات: لا ينافي هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة" لأنه يحتمل أن يكون رجاؤه صلى الله عليه وسلم ذلك ثم زيد وبشر من عند الله بالزيادة بعد ذلك. وأما قول الطيبي: يحتمل أن يكون الثمانون صفاً مساوياً لأربعين صفاً فبعيد، لأن الظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم أهل الجنة عشرون ومائة صف أن يكون الصفوف متساوية والله أعلم انتهى.
قوله : "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد وابن ماجه والدارمي وابن حبان والحاكم والبيهقي في كتاب البعث والنشور. قال الحافظ: وله شاهد من حديث ابن مسعود بنحوه واتم منه أخرجه الطبراني. قلت: وله شاهدان آخران من حديث ابن عباس ومن حديث أبي موسى أخرجهما الطبراني والحاكم كما في الجامع الصغير.(7/255)
بنِ بُرَيْدةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً، وَمِنْهُمْ مَنْ قالَ عن سُلَيْمَانُ بنُ بُرَيْدَةَ عن أَبِيهِ. وَحَدِيثُ أَبِي سِنَانٍ عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ حَسَنٌ. وَأَبُو سِنَانٍ اسْمُهُ ضِرَارُ بنُ مُرّةَ. وَأَبُو سِنَانَ الشّيْانِيّ اسْمُهُ سَعِيدُ بنُ سِنَانٍ وَهُوَ بَصْريّ. وَأَبُو سِنَانٍ الشّامِيّ اسْمُهُ عِيسَى بنُ سِنَانٍ هُوَ القَسْمَلِيّ.
2671-حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَبُو دَاودَ، أَنْبَانَا شُعْبَةُ عن أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ سَمِعْتُ عَمْرَو بنُ مَيْمُونِ يُحَدّثُ عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنّا مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم في قُبّةٍ نَحْواً مِنْ أَرْبَعِينَ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، " أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنّةِ؟ قالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثُ أَهْلِ الْجَنّةِ؟
__________
قوله : "مرسل" أي هذا مرسل "ومنهم" أي، من أصحاب علقمة بن مرتد "وأبو سنان اسمه ضرار بن مرة" تقدم ترجمته آنفاً "وأبو سنان الشيباني اسمه سعيد بن سنان" قال في التقريب: سعيد بن سنان البرجمي أبو سنان الشيباني الأصغر الكوفي نزيل الري، صدوق له أوهام من السادسة "وهو بصري" كذا قال الترمذي وفي التقريب وتهذيب التهذيب والخلاصة أنه كوفي فتأمل "وأبو سنان الشامي الخ" قال في التقريب: عيسى بن سنان الخنفي أبو سنان القسملي الفلسطيني نزيل البصرة لين الحديث من السادسة.
قوله : "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في قبة" وفي رواية اسند رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بمنى إلى قبة من أدم "أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة" قال ابن التين ذكره يلفظ الاستفهام لإرادة تقرير البشارة بذلك، وذكره بالتدريج ليكون أعظم لسرورهم "قالو نعم" وفي رواية لمسلم: فكبرنا في(7/256)
قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنّةَ؟ إِنّ الْجَنّةَ لاَ يَدْخُلُهَا إِلاّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ مَا أَنْتُمْ في الشّرْكِ إِلاّ كَالشّعْرَةِ البَيْضَاءِ في جِلْدِ الثّوْرِ الأَسْوَدِ أَوْ كَالشّعْرَةِ السّوْداءِ في جِلْدِ الثّوْرِ الأَحْمَر" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وفي البابِ عن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ.
__________
الموضعين. وفي حديث أبي سعيد عند البخاري فحمدنا الله وكبرنا "أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة" وفي رواية البخاري: قال "والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة" ، قال الحافظ: وزاد الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في نحو حديث أبي سعيد وإني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة بل أرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة ولا تصح هذه الزيادة لأن الكلبي رواه ثم ذكر عدة روايات توافق رواية الكلبي ثم قال: فكأنه صلى الله عليه وسلم لما رجا رجمة ربه أن تكون أمته نصف أهل الجنة أعطاء ما ارتجاه مزاده، وهو نحو قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} انتهى "إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة" وفي رواية: وسأحدثكم بقلة المسلمين في الكفار يوم القيامة. وفي رواية: ما أنتم فيما سواكم من الأمم "ما أنتم في الشرك" وفي رواية البخاري في أهل الشرك "إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر" قال القاري: الظاهر أن أو للتخير في التصبير وتحتمل الشك انتهى. قال ابن التين: أطلق الشعرة وليس المراد حقيقة الوحدة لأنه لا يكون ثور ليس في جلده غير شعره واحدة من غير لونه انتهى.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله : "وفي الباب عن عمران بن حصين وأبي سعيد الخدري" أما حديث عمران بن حصين فأخرجه الترمذي في تفسير سورة الحج، وأما حديث أبي سعيد الخدري فأخرجه الشيخان والنسائي.(7/257)
14- باب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَبوابِ الْجَنّة
2672-حدثنا الفْضَلُ بنُ الصّبّاحِ البَغْدَادِيّ، أخبرنا مَعْنُ بن عِيسَى القَزّازُ عن خَالِدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ، عن سَالِمِ بنِ عَبْدِ الله، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "بَابُ أُمّتِي الّذِي يَدْخُلُونَ مِنْهُ الْجَنّةَ عَرْضُهُ مسيرة الرّاكِبِ المجود ثَلاَثاً، ثُمّ إِنّهُمْ لَيُضْغَطُونَ عَلَيْهِ حَتّى تَكَادُ مَنَاكِبُهُمْ تَزُولُ" .
__________
"باب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَبوابِ الْجَنّة"
قوله: "عن خالد بن أبي بكر" بن عبيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المدني، فيه لين من السابعة.
قوله : "عرضه مسيرة الراكب المجود" اسم فاعل من التجويد وهو التحسين قيل أي الراكب الذي يجود ركض الفرس من جودته أي جعلته جيداً وفي أساس البلاغة: يجوز في صنعته يفوق فيها وأجاد الشيء وجوده أحسن فيما فعل، وجود في عدوه عدا عدوا وجواداً، وفرس جواد من خيل جياد قال الطيبي والمجود يحتمل أن يكون صفة الراكب والمعنى الراكب الذي يجود ركض الفرس وأن يكون مستافاً إليه والإضافة لفظية أي الفرس الذي يجود في عدوه "ثلاثاً" ظرف مسيرة. والمعنى ثلاث ليال أو سنين وهو الأظهر لأنه يفيد المبالغة أكثر ثم المراد به الكثرة لئلا يخالف ما ورد من أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة، على أنه يمكن أنه أوحى إليه بالقليل ثم أعلم بالكثير، أو يحمل على اختلاف الأبواب باختلاف أصحابها "ثم أنهم" أي أهل الجنة من أمتي عند دخولهم من أبوابها، فالمراد بالنار جنسه "ليضغطون" بصيغة المجهول أي ليعصرون ويضيقون ويزحمون "عليه" أي على الباب "حتى تكاد" أي تقرب "مناكبهم تزول" أي تنقطع من شدة الزحام.(7/258)
هذا حديثٌ غريبٌ.
قال: سَأَلْتُ مُحمّداً عن هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفهُ، وَقالَ: لِخَالِدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ مَنَاكِيرُ عَنْ سَالِم بنِ عَبْدِ الله.
__________
قوله : "هذا حديث غريب" ذكر الذهبي هذا الحديث في الميزان في ترجمة خالد بن أبي بكر وقال هذا من مناكيره.(7/259)
15-باب ما جَاءَ في سُوقِ الْجَنة
2673-حدثنا مُحمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرنَا هِشَامُ بنُ عَمّارٍ، أَخْبَرنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بنُ حَبِيبِ بنِ أَبي العِشْرِينَ، أَخْبَرنَا الأَوْزَاعِيّ، حدثنا حَسّانُ بنُ عَطِيّةَ عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ: "أَنّهُ لَقِيَ ابَا هُرَيْرَةَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَسْأَلُ الله أَنْ يَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ في سُوقِ الْجَنّةِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: افِيهَا سُوقٌ؟ قالَ: نَعَمْ، أَخْبَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَنّ اهْلَ الْجَنّةِ
__________
"باب ما جَاءَ في سُوقِ الْجَنة"
قوله: "حدثنا محمد بن إسماعيل" هو الإمام البخاري "أخبرنا هشام بن عمار" بن نصير السلمي الدمشقي الخطيب صدوق مقرئ كبر فصار يتلقن فحديثه القديم أصح من كبار العاشرة قاله في التقريب. وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين وغيره، وروى عنه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه. وروى الترمذي عن البخاري عنه "أخبرنا عبد الحميد بن حبيب ابن أبي العشرين" الدمشقي أبو سعيد كاتب الأوزاعي ولم يرو عن غيره صدوق ربما أخطأ قال أبو حاتم: كان كاتب ديوان ولم يكن صاحب حديث من التاسعة.
قوله : "فقال سعيد أفيها" أي في الجنة "سوق" يعني وهي موضوعة للحاجة إلى التجارة "أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن" قال القاري: بالفتح(7/259)
إِذَا دَخَلُوهَا نَزَلُوا فِيهَا بِفَضْلِ أَعْمَالِهِمْ، ثُمّ يُؤْذَنُ في مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيّامِ الدّنْيَا فَيَزُورُونَ رَبّهُمْ وَيَبْرُزُ لَهُمْ عَرْشَهُ وَيَتَبَدّى لَهُمْ في رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنّةِ، فَتُوضَعُ لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورِ، وَمَنَابِرُ مِنْ لُؤْلُؤٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ يَاقُوتٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ زَبَرْجَدٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ ذَهَبٍ، وَمنَابِرُ مِنْ فِضّةٍ وَيَجْلِسُ أَدْنَاهُمْ وَمَا فِيهِمْ مِنْ دَنِيٍ عَلَى كُثْبَانِ المِسْكِ وَالكَافُورِ ومَا يُرَوْنَ أَنّ أَصْحَابَ الكَرَاسيّ بِأَفْضَلَ مِنْهُمْ مَجْلِساً. قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قلت:
__________
في أصل السيد وغيره وفي نسخة يعني من المشكاة بالكسر على الحكاية أي الخبر هوقوله إن أو التقدير قائلا إن "أهل الجنة إذا دخلوها" أي الجنة "نزلوا فيها" أي في منازلها ودرجاتها "بفضل أعمالهم" أي بقدر زيادة طاعاتهم لهم كمية وكيفية "ثم يؤذن" أي لأهل الجنة "في مقدار يوم الجمعة" أي في مقدار الأسبوع. والظاهر أن المراد يوم الجمعة فإنه ورد الأحاديث في فضائل يوم الجمعة أنه يكون في الجنة يوم جمعة كما كان في الدنيا ويحضرون ربهم إلى آخر الحديث كذا في اللمعات وقال القاري: أي قدر إتياته والمراد في مقدار الأسبوع انتهى "فيزورون ربهم" أي "ويبرز" من الإبراز ويظهر ربهم "ويتبدى لهم" بتشديد الدال أي يظهر ويتجلى ربهم لهم "فتوضع لهم منابر" أي كراسي مرتفعة "ومنابر من زبرجد" بفتح زاي وموحدة فراء ساكنة فجيم مفتوحة جوهر معروف "ومنابر من ذهب ومنابر من فضة" أي بحسب مقادير أعمالهم ومراتب أحوالهم "ويجلس أدناهم" أي أدونهم منزلة "وما فيهم دنى" أي والحال أنه ليس في أهل الجنة دون وخسيس قال الطيبي رحمه الله: وهو تتميم صوناً لما يتوهم منقوله أدناهم الدناءة والمراد به الأدنى في المرتبة "على كثبان المسك" بضم الكاف وسكون المثلثة جمع كثيب أي تل من الرمل المستطيل من ثبت الشيء إذا جمعته "والكافور" بالجر عطف على "المسك ما يرون" بصيغة المجهول من الإرادة والضمير إلى الجالسين على الكثبان أي لا يظنون ولا يتوهمون "أن أصحاب الكراسي" أي أصحاب المنابر "بأفضل منهم مجلساً" حتى يحزنوا بذلك لقولهم على ما في التنزيل. الحمد لله الذي أذهب عنا(7/260)
يَا رَسُولَ الله: وَهَلْ نَرَى رَبّنَا؟ قالَ: نَعَمْ، قال هَلْ تَتَمَارَوْنَ فِي رُؤيَةِ الشّمْسِ وَالقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ؟ قُلْنَا لاَ، قَالَ: كَذَلِكَ لاَ تَتَمَارَوْنَ في رُؤْيَةِ رَبّكُمْ، وَلاَ يَبْقَى في ذَلِكَ المَجْلِسِ رَجُلٌ إِلاّ حَاضَرَهُ الله مُحَاضَرَةً حَتّى يَقُولَ لِلْرّجُلِ مِنْهُمْ يَا فُلاَنَ بنَ فُلاَنٍ، أَتَذْكُرُ يَوْمَ قُلْتَ كَذَا وَكَذَا فَيُذَكّرُهُ بِبَعْضِ غَدَرَاتِهِ في الدّنْيَا، فَيَقُولُ يَا رَبّ أَفَلَمْ تَغْفِرْ لِي؟ فَيَقُولُ بَلَى فَبِسَعَةِ مَغْفِرَتِي بَلَغْتَ مَنْزِلَتَكَ هَذَهِ، فَبَيْنَما هُمْ عَلَى ذَلِكَ غَشِيَتُهُمْ
__________
الحزن، بل إنهم وافقون في مقام الرضا ومتلذذون مجال التسليم بما جرى القضاء "هل تتمارون" تفاعل من المرية بمعنى الشك أي هل تشكون "من رؤية الشمس" وفي بعض النسخ في رؤية الشمس أي في رؤيتكم الشمس "والقمر" أي وفي رؤية القمر "ليلة البدر" واحترز عن الهلال وعن القمر في غير ليالي البدر فإنه لم يكن حينئذ في نهاية النور "قلنا لا" أي لا نشك في رؤية الشمس والقمر "إلا حاضرة الله محاضرة" قال التوربشتي رحمه الله: الكلمتان بالحاء المهملة والضاد المعجمة والمراد من ذلك كشف الحجاب والمقاولة مع العبد من غير حجاب ولا ترجمان، وبينه الحديث: ما منكم من أحد إلا ويكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان الحديث. والمعنى خاطبه الله مخاطبة وحاوره محاورة "يا فلان" بالفتح والضم "بن فلانا" بنصب ابن وصرف فلان وهما كنايتان عن اسمه واسم أبيه. وروى أحمد وأبو داود عن أبي الدرداء مرفوعاً: إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء اياتكم فأحسنوا أسمائكم "اتذكر يوم قلت كذا وكذا" أي مما لا يجوز في الشرع فكأنه يتوقف الرجل فيه ويتأمل فيما ارتكبه من معاصيه "فيذكره"بتشديد الكاف أي فيعلمه الله "بعض غدراته" بفتح الغين المعجمة والدال المهملة. جمع غدرة بالسكون بمعنى القدر وهو ترك الوفاء والمراد معاصيه لأنه لم يف بتركها الذي عهد الله إليه في الدنيا "أفلم تغفر لي" أي أدخلتني الجنة فلم تغفر إلى ما صدر لي من المعصية "فيقول بلى" أي غفرت لك فبسعة مغفرتي بفتح السين ويكسر "بلغت" أي وصلت "منزلتك هذه" قال الطيبي: عطف على مقدر(7/261)
سَحَابَةٌ مِنْ فَوْقِهِمْ فَأَمْطَرَطتْ عَلَيْهِمْ طِيباً لَمْ يَجِدُوا مِثْلَ رِيحهِ شَيْئاً قَطّ، وَيَقُولُ رَبّنَا تبارك وتعالى قُومُوا إِلَى مَا أَعَدَدْتُ لَكُمْ مِنَ الكَرَامَةِ فَخُذُوا مَا اشْتَهَيْتُمْ فَنَأَتِي سُوقاً قَدْ حَفّتْ بِهِ المَلاَئِكَةُ فِيهِ مَالَمْ تَنْظُرْ العُيُونُ إِلَى مِثْلِهِ وَلَمْ تَسْمَعْ الاَذَانُ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى الْقُلُوبِ، فَيُحْمَلَ إِلَيْنَا مَا اشْتَهَيْنَا لَيْسَ يُبَاعُ فِيهَا وَلاَ يُشْتَرَى وَفِي ذَلِكَ السّوقِ يَلْقَى أَهْلُ الْجَنّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضاً. قَالَ فَيُقْبِلُ الرّجُلُ ذُو المَنْزِلَةِ المرْتَفِعَةِ فَيَلْقَى مَنْ هُوَ دُونَهُ وَمَا فِيهِمْ دَنِيٌ فَيَرُوعُهُ مَا يَرَى عَلَيْهِ مِنَ الّلبَاسِ فَمَا يَنْقَضِي آخِرُ حَدِيثِهِ حَتّى يَتَخَيّلَ عليه مَا هُوَ
__________
أي غفرت لك فبلغت بسعة رحمتي هذه المنزلة الرفيعة والتقديم دل على التخصيص أي بلوغك تلك المنزلة كائن بسعة رحمتي لا يعملك "فبينما" وفي بعض النسخ فبينما وفي بعض النسخ فبينا "هم" أي على أهل الجنة "على ذلك" أي على ما ذكر من المحاضرة والمحاورة "غشيتهم" أي غطتهم "فأمطرت عليهم طيباً" أي عظيماً "قد خفت" بتشديد الفاء أي أحاطت "ما لم تنظر العيون إلي مثله" قال المظهر: ما موصولة والموصول مع صلته يحتمل أن يكون منصوباً بدلا من الضمير المنصوب المقدر العائد إلى ما فيقوله ما أعددت، ويحتمل أن يكون في محل الرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف أي المعد لكم وقيل أو هو مبتدأ خبره محذوف أي فيها.
وقال الطيبي رحمه الله: الوجه أن يكون ما موصوفه بدلا من سوقاً انتهى وفي بعض النسخ فيه، مالم تنطر العيون إلى مثله وهو ظاهر "ولم تسمع الاَذان" بمد الهمزة جمع الأذن أي وما لم تسمعه بمثله "ولم يخطر" بضم الطاء أي وما لم يمر مثله على القلوب "فيحمل إلينا" أي إلى قصورنا "وليس يباع فيها ولا يشترى" الجملة حال من ما في اشتهينا وهو المحمول والضمير في يباع عائد إليه "وفي ذلك السوق" هو يذكر ويؤنث فأنثه تارة ذكره أخرى والتأنيث أكثر وأشهر "يلقى" أي يرى "قال" أي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو هريرة مرفوعاً حقيقة أو موقوفاً في حكم المرفوع "فيقبل" من الإقبال أي فيجيء ويتوجه "من هو دونه" أي في الرتبة والمنزلة "فيروعه" بضم الراء "مايرى" أي يبصره "عليه من اللباس" بيان ما قال الطيبي: الضمير المجرور يحتمل(7/262)
أَحْسَنُ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنّهُ لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَحْزَنَ فِيهَا، ثُمّ نَنْصَرِفُ إِلَى مَنَازِلِنَا فَيَتَلَقّانَا أَزْوَاجُنَا فَيَقُلْنَ مَرْحَباً وَأَهْلاً لَقَدْ جِئْتَ وَإِنّ بكَ مِنَ الْجِمَالِ أَفْضَلَ مِمّا فَارَقْتَنَا عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: إِنّا جَالَسْنَا الْيَوْمَ رَبّنَا الْجَبّارَ، وَيَحِقّ لَنَا أَنْ نَنْقَلِبَ بِمِثْلِ مَا انْقَلَبْنَا" .
هذا حديثٌ غريبٌ، لاَ نَعْرِفُه إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
__________
أن يرجع إلى من فيكون الروع مجازاً عن الكراهة مما هو عليه من اللباس وأن يرجع إلى الرجل ذي المنزلة. فالروع بمعنى الإعجاب أي يعجبه حسنه فيدخل في روعه ما يتمنى مثل ذلك لنفسه، ويدل عليهقوله "فما ينقضي آخر حديثه" أي ما ألقى في روعه من الحديث وضمير المفعول فيه عائد إلى من "حتى يتخيل عليه" بصيغة الفاعل. وفي نسخة يعني من المشكاة بالبناء للمفعول أي حتى يتصور له "ما هو أحسن منه" أي يظهر عليه أن لباسه أحسن من لباس صاحبه وذلك أي سبب ما ذكر من التخيل "أنه" أي الشأن "أن يحزن" بفتح الزاي يغتم "فيها" أي في الجنة. فحزن هنا لازم من حزن بالكسر لا من باب بصر فإنه متعد غير ملائم المقام "فتتلقانا" من التلقي أي تستقبلنا "أزواجنا" أي من نساء الدنيا ومن الحور العين "ويحق لنا" قال القاري: بكسر الحاء وتشديد القاف وفي نسخة يعني من المشكاة بضم الحاء، ففي المصباح. حق الشيء كضرب ونصر إذا ثبت. وفي القاموس حق الشيء وجب ووقع بلا شك، وجقه أوجبه لازم ومتعد. فالمعنى يوجبنا ويلزمنا، ويمكن أن يكون من باب الحذف والإيصال أي يحق لنا ويليق بنا "أن تنقلب بمثل ما انقلبنا" أي من الانقلاب بمعنى الانصراف.
قوله : "هذا حديث غريب" قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما من رواية عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن سعيد. وقال الترمذي حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قال وعبد الحميد هو كاتب الأوزاعي مختلف فيه وبقية رواة الإسناد ثقات، وقد رواه ابن أبي الدنيا عن هقل بن زياد(7/263)
2674-حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ وَهَنّادٌ، قَالاَ: حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ، عن النّعْمَانِ بنِ سَعْد، عن عَلِيٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ في الْجَنّةِ لَسُوقاً مَا فِيهَا شِراء وَلاَ بَيْع إِلاّ الصّوَرَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ، فَإِذَا اشْتَهَى الرّجُلُ صُورَةً دَخَلَ فيها" .
__________
كاتب الأوزاعي أيضاً واسمه محمد، وقيل عبد الله وهو ثقة ثبت احتج به مسلم وغيره عن الأوزاعي قال: نبئت أن سعيد بن المسيب لقي أبا هريرة، فذكر الحديث انتهى.
قوله: "حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق" أبو شبيه الكوفي "عن النعمان بن يعد" الأنصاري الكوفي. قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته: روى عن علي وغيره وعنه ابن أخته أبو شيبة عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي ولم يرو عنه غيره فيما قال أبو حاتم انتهى.
قوله : "إن في الجنة لسوقاً" أي مجتمعاً "ما فيها" أي ليس في تلك السوق "شري" بالكسر والقصر، أي اشتراء "ولا بيع" والمعنى ليس فيها تجارة "إلا الصور" بالنصب والرفع أي التماثيل المختلفة "فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها" أي تشكل بها. قال القاري في المرقاة: قال الطيبي: الاستثناء منقطع ويجوز أن يكون متصلا بأن يجعل تبديل الهيئات من جنس البيع والشرى كقوله تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} يعني على وجه وإلا فالمعتمد أن استثناء منقطع ثم قيل يحتمل الحديث معنيين: أحدهما أن يكون معناه عرض الصور المستحسنة عليه فإذا اشتهى وتمنى تلك الصورة المعروضة عليه صوره الله سبحانه بشكل تلك الصورة بقدرته، وثانيهما أن المراد من الصورة الزينة التي يتزين الشخص بها في تلك السوق ويتلبس بها ويختار لنفسه من الحلي والحلل والتاج، يقال لفلان صورة حسنة، أي هيئة مليحة، يعني فإذا رغب في شيء منها أعطيه، ويكون المراد من الدخول فيها التزين بها، وعلى كلا المعنيين التغير في الصفة لا في الذات. قال الطيبي: ويمكن أن يجمع بينهما ليوافق حديث(7/264)
هذا حديثٌ حسن غريبٌ.
__________
أنس: فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالا، الحديث.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" في سنده عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة وهو ضعيف. والحديث أخرجه أيضاً ابن أبي الدنيا.(7/265)
16-باب ما جَاءَ في رُؤْيَةِ الربّ تَبَارَكَ وَتَعالَى
2675-حدثنا هَنّادٌ، حدثنا وَكِيعٌ، عن إِسْمَاعِيلَ بنِ أَبي خَالِدٍ
__________
"باب ما جَاءَ في رُؤْيَةِ الربّ تَبَارَكَ وَتَعالَى"
من باب إضافة المصدر على مفعوله. قال ابن بطال: ذهب أهل السنة وجمهور الأمة إلى جواز رؤية الله في الْخرة، ومنع الخوارج والمعتزلة وبعض المرجثة وتمسكوا بأن الرؤية توجب كون المرئي محدثاً وحالا في مكان، وأولوا قوله "ناظرة" يعني في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} بمنتظرة وهو خطأ لأنه لا يتعدى بإلى. ثم قال: وما تمسكوا به فاسد لقيام الأدلة على أن الله تعالى موجود والرؤية في تعلقها بالمرثى بمنزلة العلم في تعلقه بالمعلوم، فإن كان تعلق العلم بالمعلوم لا العلم بالمعلوم لا يوجب حدوثه وكذلك المرئي، قال: وتعلقوا بقوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} وبقوله تعالى لموسى {لَنْ تَرَانِي} والجواب عن الأول أنه لا تدركه الأبصار في الدنيا جمعاً بين دليلي الاَيتين، وبأن نفي الإدراك لا يستلزم نفي الرؤية لإمكان رؤية الشيء من غير إحاطة بحقيقته، وعن الثاني المراد أن تراني في الدنيا جمعاً أيضاً ولأن نفي الشيء لا يقتضي إحالته مع ما جاء من الأحاديث الثابتة على وفق الْاية، وقد تلقاها المسلمون بالقبول من لدن الصحابة والتابعين حتى حدث من أنكر الرؤية وخالف السلف. وقال القرطبي: اشترط النفاة في الرؤية شروطاً عقلية تخبط بهم المخصوصة والمقابلة واتصال الأشعة وزوال الموانع كالبعد والحجب في تخيط بهم وتحكم، وأهل السنة لا يشترطون شيئاً من ذلك سوى وجود المرئى وأن الرؤية إدراك يخلقه الله تعالى للرائي فيرى المرئي وتقترن بها أحوال يجوز تبدلها والعلم عند الله تعالى(7/265)
عن قَيْسِ بنِ أَبي حَازِمٍ، عن جَرِير بنِ عَبْدِ الله البَجَلِيّ قالَ: كُنّا جُلُوساً عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: "إِنّكُمْ سَتُعْرَضُونَ عَلَى رَبّكُمْ فَتَرَوْنَهُ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لاَ تُضَامُونَ في رُؤْيَتِهِ، فَإِن اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ وَصَلاَةٍ قَبْلَ غُرُوبِهَا فافْعَلُوا. ثمّ قَرَأَ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} .
__________
قوله : "كنا جلوساً" أي جالسين "كما ترون هذا القمر" أي المحسوس المشاهد المرئي "لا تضامون" بضم التاء وتخفيف الميم من الضيم وهو الظلم. قال الحافظ وهو الأكثر أي لا ينالكم ضيم وظلم في رؤيته فيراه بعض دون بعض، وروي بفتح التاء وتشديد الميم من التضام بمعنى التزاحم، وبالضم والتشديد من المضامة وهي المزاحمة، وهو حينئذ يحتمل كونه للفاعل والمفعول. وحاصل معنى الكل لا تشكون "في رؤيته" أي في رؤية القمر ليلة البدر. قال في جامع الأصول: قد يخيل إلى بعض السامعين أن الكاف فيقوله كما ترون كما في التشبيه للمرئي وإنما هو كاف التشبيه للرؤية وهو فعل الرائي. ومعناه ترون ربكم رؤية ينزاح معها الشك كرؤيتكم القمر ليلة البدر لا ترتابون ولا تمترون "فإن استطعتم أن لا تغلبوا" بصيغة المجهول أي لا تصيروا مغلوبين "فافعلوا" أي ما ذكر من الاستطاعة أو عدم المغلوبية. قال القاضي: ترتيبقوله إن استطعتم علىقوله سترون بالفاء يدل على أن المواظب على إقامة الصلوات والمحافظة عليها خليق بأن يرى ربه، وقوله لا تغلبوا معناه لا تصيروا مغلوبين بالاشتغال عن صلاتي الصبح والعصر، وإنما خصهما بالحث لما في الصبح من ميل النفس إلى الاستراحة والنوم، وفي العصر من قيام الأسواق واشتغال الناس بالممعاملات، فمن لم يلحقه فترة في الصلاتين مع ما لهما من قوة المانع فبالحري أن لا بلحقه في غيرهما "ثم قرأ" أي النبي صلى الله عليه وسلم أو جرير {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} الخ أي وصل في هذين الوقتين، وغير عن الكل بالجزء وهو التسبيح المراد به الثناء في الافتتاح المقرون بحمد الرب المشتمل عليه سورة الفاتحة، أو المراد بالتسبيح تنزيه الرب عن الشريك ونحوه من صفات النقصان والزوال.(7/266)
هذا حديثٌٌ صحيحٌ.
2676-حدثنا محمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ، أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلْمَةَ عن ثَابِتٍ البُنَانِيّ، عَنْ عَبْدِ الرحمنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، عن صُهَيْبٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فيقوله {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قالَ: "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنّةِ الْجَنّةَ، نَادَى مُنَادٍ إِنّ لَكُمْ عِنْدَ الله مَوْعِداً، قَالُوا أَلَمْ يُبَيّضْ وُجُوهَنَا وَيُنَجّينَا مِنَ النّارِ وَيُدْخِلْنَا الْجَنّةَ؟ قَالُوا بَلَى، فَينكشفُ الْحِجَابُ، قالَ: فَوَالله مَا أَعْطَاهُمْ شَيْئاً أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنَ النّطَرِ إِلَيْهِ ".
__________
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
قوله : "للذين أحسنوا" أي الذين أجادوا الأعمال الصالحة في الدنيا وقربوها بالإخلاص "الحسنى" أي المثوبة الحسنى وهي الجنة "وزيادة" أي النظر لوجهه الكريم، ونكرها لتفيد ضرباً من التفخيم والتعظيم بحيث لا يعرف قدرها ولا يكتنه كنهها "نادى مناد إن لكم عند الله موعداً" أي بقي شيء زائد مما وعده الله لكم من النعم، وفي رواية مسلم يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئاً أزيدكم "وينجنا" بتشديد الجيم ويخفف "من النار" أي دخولها وخلودها. قال الطيبي: تقرير وتعجيب من أنه كيف يمكن الزيادة على ما أعطاهم الله تعالى من سعة فضله وكرمه "قالوا بلى" كذا في النسخ الموجودة قالوا بصيغة الجمع والظاهر أن يكون قال بصيغة الإفراد لأن الضمير يرجع إلى مناد "فيكشف الحجاب" وزاد مسلم: فينظرون إلى وجه الله، والظاهر أن المراد بالحجاب حجاب النور الذي وقع في حديث أبي موسى عند مسلم ولفظه: حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه قال الطيبي في شرح حديث أبي موسى هذا: إن فيه إشارة إلى أن حجابه خلاف الحجب المعهودة فهو محتجب عن الخلق بأنوار(7/267)
هذا حديثٌ إِنّمَا أَسْنَدَهُ حَمّادُ بنُ سَلْمَةَ وَرَفَعَهُ. وَرَوَى سُلَيْمَانُ بنُ المْغِيرَةِ وحماد بن زيد هَذَا الحَدِيثَ عن ثَابِتٍ البُنَانِيّ عن عَبْدِ الرحمنِ بنِ أَبِي لَيْلَى قوله.
2677-حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرني شَبَابَةُ بنُ سَوّارٍ، عن
__________
عزه وجلا له وأشعة عظمته وكبريائه، وذلك هو الحجاب الذي تدهش دونه العقول وتبهت الأبصار وتتحير البصائر فلو كشفه فتجلى لما وراءه بحقائق الصفات وعظمة الذات لم يبق مخلوق إلا احترق ولا منظور إلا اضمحل. وأصل الحجاب الستر الحائل بين الرائي والمرئي والمراد به هنا منع الأبصار من الرؤية له بما ذكر فقام ذلك المنع الستر الحائل فعبر به عنه، وقد ظهر من نصوص الكتاب والسنة أن الحالة المشار إليها في هذا الحديث هي في دار الدنيا المعدة للفناء دون دار الاَخرة المعدة للبقاء. والحجاب في هذا الحديث وغيره يرجع إلى الخلق لأنهم هم المحجوبون عنه. وحديث صهيب هذا أخرجه أيضاً مسلم والنسائي وابن خزيمة وابن حبان.
قوله: "هذا حديث إنما أسنده حماد بن سلمة ورفعه الخ" قال النووي: هذا الحديث هكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن ابن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو عيسى الترمذي وأبو مسعود الدمشقي غيرهما: لم يروه هكذا مرفوعاً عن ثابت غير حماد بن سلمة ورواه سليمان بن المغيرة وحماد بن زيد وحماد بن واقد عن ثابت عن ابن أبي ليلى منقوله ليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ولا ذكر صهيب، وهذا الذي قال هؤلاء ليس بقادح في صحة الحديث فقد قدمنا في الفصول أن المذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه الفقهاء وأصحاب الأصول والمحققون من المحدثين وصححه الخطيب البغدادي أن الحديث إذا رواه بعض الثقات متصلا وبعضهم مرسلا وبعضهم مرفوعاً وبعضهم موقوفاً حكم بالمتصل وبالمرفوع لأنهما زيادة ثقة، وهي مقبولة عند الجماهير من كل الطوائف، انتهى كلام النووي.(7/268)
إِسْرَائِيلَ عن ثَوَيْرٍ، قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى جِنَانِه وَأزواجهِ وَنَعِيِمِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ، وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى الله مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ غُدْوَةً وَعَشِيّةً، ثمّ قَرَأَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} .
وَقَدْ رُوِي هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ
__________
قوله : "عن ثوير" بضم المثلثة مصغراً، ابن أبي فاختة، سعيد بن علاقة الكوفي، ضعيف رمي بالرفض من الرابعة.
قوله : "لمن ينظر إلى جنابه" بكسر الجيم جمع جنة أي بساتينه "وزوجاته" أي نسائه وحوره "ونعيمه" أي ما يتنعم به "وخدمه" بفتحتين جمع خادم أي من الولدان "وسرره" بضمتين جمع سرير "مسيرة ألف سنة" أي حال كون جنانه وما عطف عليه كائنة في مسافة ألف سنة. والمعنى أن ملكه مقدار تلك المسافة، وفي التركيب تقديم وتأخير إذ جعل الاسم وهوقوله لمن ينظر خبراً والخبر وهو أدنى منزلة اسماً اعتناء بشأن المقدم لأن المطلوب بيان ثواب أهل الجنة وسعتها وأن أدناهم منزلة من يكون ملكه كذا "وأكرمهم" بالنصب عطفاً على أدنى ويجوز الرفع عطفاً على مجموع اسم إن، وخبرها أي أكثرهم كرامة على الله وأعلاهم منزلة وأقربهم رتبة عنده سبحانه "غدوة" بضم الغين "وعشية" أي صباحاً ومساء، ولهذا وصى بالمحافظة على صلاتي طرفي النهار كما مر {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} أي ناعمة غضة حسنة، والمراد بالوجوه الذوات وخصت لشرفها ولظهور أثر النعمة عليها {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} قال الطيبي: قدم صلة ناظرة إما لرعاية الفاصلة وهي ناضرة باسرة فاقرة وإما لأن الناظر يستغرق عند رفع الحجاب بحيث لا يلتفت إلى ما سواء وحديث ابن عمر هذا أخرجه أيضاً أحمد وأبو يعلى والطبراني وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر الدارقطني والحاكم وابن مردويه والبيهقي. وأخرج الترمذي هذا الحديث في تفسير سورة القيامة أيضاً.(7/269)
عن إِسْرَائِيلَ، عن ثُوَيْرٍ عن ابنِ عُمَرَ مَوْقُوفاً. وَرَواهُ عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبْجَرَ عن ثُوَيْرٍ، عن ابنِ عُمَرَ مَوْقُوفاً. وَرَوَاهُ عُبَيْدُ الله الأَشْجَعِيّ عن سُفْيَانَ عن ثُوَيْرٍ عن مُجَاهِدٍ عن ابنِ عُمَرَقوله وَلَمْ يَرْفَعْهُ.
2678-حدثنا بِذَلِكَ أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَدُ بنُ الْعَلاَءِ، أخبرنا عُبَيْدُ الله الأَشْجَعِيّ عن سُفْيَانَ عن ثُوَيْرٍ عن مُجَاهِدٍ عن ابنِ عُمَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ.
2679-حدثنا مُحَمّدُ بنُ طَرِيفٍ الكُوفِيّ، حدثنا جَابِرُ بنُ نُوحٍ الحمَانِيّ عن الأَعْمَشُ عن أَبِي صَالِحِ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "تُضَامُونَ في رُؤْيَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟ وتُضَامُونَ في رُؤْيَةِ الشّمْسِ؟ قَالُوا لاَ، قالَ: فَإِنَكُمْ سَتَرَوْنَ رَبّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ، لا تُضَامُونَ في رُؤْيَتِهِ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ. وَهَكذَا رَوَى يَحْيَى بنُ عِيسَى الرّمْلِيّ، وَغَيْرُ واحِدٍ عن الأَعمَشِ عن أَبِي صَالحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ
__________
قوله : "ورواه عبد الملك" بن سعيد بن حبان "بن أبحر" بالموحدة والجيم الكوفي، ثقة عابد من السابعة "ورواه عبيد الله" بن عبيد الرحمن الأشجعي أبو عبد الرحمن الكوفي ثقة مأمون أثبت الناس كتاباً في الثوري من كبار التاسعة.
قوله : "حدثنا محمد بن طريف" بن خليفة البجلي أبو جعفر الكوفي، من صغار العاشرة صدوق "حدثنا جابر بن نوح" الحماني أبو بشر الكوفي ضعيف من التاسعة.
قوله : "تضامون" بتقدير همزة الاستفهام، وقد تقدم ضبطه ومعناه في شرح أول أحاديث الباب.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه الشيخان عن أبي هريرة مطولا من وجه آخر.
قوله : "وهكذا روى يحيى بن عيسى الرملي" التميمي النهشلي الفافوري(7/270)
عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وَرَوَى عَبْدُ الله بنُ إِدْرِيسَ عن الأَعْمَشِ عن أَبِي صَالحٍ، عن أَبِي سَعِيدٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وَحَدِيثُ ابنُ إِدْرِيسَ عن الأَعْمَشِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. وَحَدِيثُ أَبِي صَالحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أصَحّ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ سُهَيْلُ بنُ أَبِي صَالحٍ عن أَبِيِه عن أَبي هُرَيْرَةَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ حَدِيثٌ صحيحٌ أَيْضاً.
__________
الجوار الكوفي صدوق يخطئ ورمي بالتشيع من التاسعة "وقد روى عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه" وفي بعض النسخ من غير هذا الوجه وهو الظاهر يعني من غير طريق عبد الله بن إدريس عن الأعمش "وهو حديث صحيح أيضاً" أخرجه الشيخان من طريق عطاء بن يسار عن أبي سعيد مطولا.(7/271)
17-باب
2680-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ، عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الله يَقُولُ لأِهْلِ الْجَنّةِ يَا أَهْلَ الْجَنّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبّيْكَ رَبّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَالَنَا لاَ نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَالَمْ تُعْطِ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ
__________
"باب"
قوله: "فيقولون لبيك ربنا" أي يا ربنا وتقدم تفسير لبيك وسعديك في باب التلبية من أبواب الحج "فيقول هل رضيتم" أي عن ربكم "فيقولون ما لنا لا نرضى" الاستفهام للتقرير. والمعنى أي شيء مانع لنا من أن لا نرضى عنك(7/271)
أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالُوَ: وَأَيّ شَيْءْ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: أُحِلّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ أَبَداً" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
"وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك" الجملة حالية "أنا أعطيكم" وفي رواية للبخاري: فأنا أعطيكم وفي أخرى له: ألا أعطيكم "أفضل من ذلك" أي من عطائكم هذا "وأي شيء أفضل من ذلك" أي من عطائك هذا "أحل" بضم الهمزة وكسر الحاء المهملة أي أنزل "رضواني" بكسر الراء ويضم أي دوام رضواني فإنه لا يلزم من كثرة العطاء دوام الرضا ولذا قال "فلا أسخط" بفتح الخاء المعجمة أي لا أغضب قال الطيبي: الحديث مأخوذ منقوله تعالى: { وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} وقال الحافظ: فيه تلميح بقوله تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} لأن رضاء سبب كل فوز وسعادة وكل من علم أن سيده راض عنه وكان أقر لعينه وأطيب لقلبه من كل نعيم لما في ذلك من التعظيم والتكريم. وفي هذا الحديث أن النعيم الذي حصل لأهل الجنة لا مزيد عليه انتهى.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والشيخان.(7/272)
18-باب ما جاءَ في تَرَائي أَهْلِ الجَنّةِ في الْغُرَف
2681-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عبدُ الله بن المُبَارَكِ، أخبرنا فُلَيْحُ بنُ سُلَيْمانَ عن هِلاَلِ بنِ عَلِيٍ عن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّ أَهْلَ الْجَنَةِ لَيَتَرَاءَوْنَ في الغُرْفَةِ كَمَا تَتَراءَوْنَ
__________
"باب ما جاءَ في تَرَائي أَهْلِ الجَنّةِ في الْغُرَف"
قوله: "عن هلال بن علي" بن أسامة العامري المدني وينسب إلى جده ثقة من الخامسة.
قوله : "إن أهل الجنة ليتراءون في الغرفة" كذا في حديث أبي هريرة هذا،(7/272)
الْكَوْكَبَ الشّرْقِيّ أَوْ الْكَوْكَبَ الْغَرْبِيّ الْغَارِبَ في الأُفْقِ أَوْ الطّالِعَ في تَفَاضُلِ الدّرَجَاتِ، فقالوا: يا رسولَ الله، أُولَئِكَ النّبِيّونَ؟ قال: بَلَى وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، وَأَقْوَامٌ آمَنُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَصَدّقُوا المُرْسَلِينَ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
والمعنى أن أهل الجنة يتراءون أهل الغرفة. وفي حديث أبي سعيد عند الشيخين إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، والغرفة بضم الغين وسكون الراء وهي بيت يبنى فوق الدار، والمراد هنا القصور العالية في الجنة. والمعنى أن أهل الجنة تتفاوت منازلهم بحسب درجاتهم في الفضل حتى أن أهل الدرجات العلى ليراهم من هو أسفل منهم كالنجوم وقد بين ذلك في الحديث بقوله في تفاضل الدرجات "كما يتراءون" أي في الدنيا "الغارب في الأفق" بضمتين جمع الاَفاق أي في أطراف السماء "في تفاضل الدرجات" وفي حديث أبي سعيد عند الشيخين لتفاضل ما بينهم. قال القاري علة للترائي. والمعنى إنما ذلك لتزايد مراتب ما بين سائر أهل الجنة العالية، وما بين أرباب أهل الغرف العالية انتهى "فقالوا يا رسول الله أولئك النبيون" بحذف حرف الاستفهام أي أهم يعني أهل الغرف النبيون وتلك الغرف منازلهم "قال بلى" أي نعم "وأقرام" أي غير النبين "آمنوا بالله ورسوله وصدقوا المرسلين" أي حق تصديقهم وإلا لكان كل من آمن بالله وصدق رسله وصل إلى تلك الدرة وليس كذلك. ويحتمل أن يكون التنكير فيقوله وأقوام يشير إلى ناس مخصوصين موصوفين بالصفة المذكورة، ولا يلزم أن يكون كل من وصف بها كذلك لاحتمال أن يكون لمن بلغ تلك المنازل صفة أخرى، وكأنه سكت عن الصفة التي اقتضت لهم ذلك، والسر في ذلك أنه قد يبلغها من له عمل مخصوص ومن لا عمل له، كأن بلوغها إنما هو يرحمه الله تعالى.
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه أحمد كما في الفتح.(7/273)
19-باب ما جاءَ في خُلُودِ أَهلِ الْجَنّةِ وَأَهْلِ النّار
2682-حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا عبدُ العَزِيزِ بنُ محمدٍ، عن الْعَلاَءِ بنِ عبدِ الرّحمنِ عن أَبِيِه عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "يَجْمَعُ الله النّاسَ يَوْمَ القِيَامَةِ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ، ثمّ يَطْلُعُ عَلَيْهِمْ رَبّ الْعَالَمِينَ فَيَقُولُ: أَلاَ يَتْبَعُ كلّ إِنْسَانٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَه، فَيُمَثّلُ لِصَاحِبِ الصّلِيبِ صَلِيبُهُ، وَلِصَاحِبِ التّصَاوِيرِ تَصَاوِيرُهُ، وَلِصَاحِب النّارِ نَارُهُ، فَيَتبَعُونَ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَيَبْقَى المُسْلِمُونَ فَيَطْلُعُ عَلَيْهِمْ رَبّ الْعَالَمِينَ فَيَقُولُ: أَلاَ تَتْبَعُونَ النّاسَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِالله مِنْكَ، نَعُوذُ بالله مِنْكَ، الله رَبُنَا، وَهَذَا مَكَانُنَا حَتّى نَرَى رَبّنَا، وَهُوَ يَأْمُرُهُمْ وَيُثَبّتُهُمْ، قالُوا: وَهَلْ نَرَاهُ يا رسولَ الله؟ قال: وَهَلْ تُضَارّونَ في رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ
__________
قوله : "في صعيد واحد" الصعيد الأرض الواسعة المستوية "ثم يطلع عليهم رب العالمين" قال في القاموس: طلع فلان علينا كمنع ونصر أتانا كاطلع انتهى "فيمثل لصاحب الصليب صلبيه ولصاحب التصاوير تصاويره ولصاحب النار ناره" قال ابن العربي: يحتمل أن يكون التمثيل تلبيساً عليهم، ويحتمل أن يكون التمثيل لمن لا يستحق التعذيب. وأما من سواهم فيحضرون حقيقة لقوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} ، "نعوذ بالله منك" وعند الشيخين وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك. قال ابن العربي: إنما استعاذوا منه أولا لأنهم اعتقدوا أن ذلك الكلام استدراج، لأن الله لا يأمر بالفحشاء، ومن الفحشاء اتباع الباطل وأهله، ولهذا وقع في الصحيح فيأتيهم الله في صور: أي بصورة لا يعرفونها وهي الأمر باتباع أهل الباطل فلذلك يقولون "إذا جاء ربنا(7/274)
البَدْرِ؟ قالُوا: لا يَا رسولَ الله، قال: فَإِنّكُمْ لا تُضَارّونَ في رُؤيَتِهِ تِلْكَ السّاعَةَ، ثمّ يَتَوَارى ثمّ يَطْلُعُ فَيُعَرّفُهُمْ نَفْسَهُ ثمّ يقولُ: أَنَا رَبّكُمْ فَاتّبِعُونِي، فَيَقُومُ المُسْلِمُونَ وَيُوضَعُ الصّرَاطُ فَيَمُرّ عَلَيْهِ مِثْلُ جِيَادِ الْخَيْلِ وَالرّكَابِ وَقَوْلِهِمْ عَلَيْهِ سَلّمْ سَلّمْ، وَيَبْقَى أَهْلُ النّارِ فَيُطْرَحُ
__________
عرفناه أي إذا جاءنا بما عهدناه منه من قول الحق "ثم يتوارى" أي يستتر "وهل تضارون" قال النووي: روى تضارون بتشديد الراء وتخفيفها والتاء مضمومة فيهما ومعنى المشدد هل تضارون غيركم في حالة الرؤية بزحمة أو مخالفة في الرؤية أو غيرها لخفائة كما تفعلون أول ليلة من الشهر، ومعنى المخفف هل يلحقكم في رؤيته ضير وهو الضرر. وقال الحافظ: بضم أوله بالضاد المعجمة وتشديد الراء بصيغة المفاعلة الضرر وأصله تضاررون بكسر الراء وبفتحها أي لا تضرون أحداً ولا يضركم بمنازعة ولا مجادلة ولا مضايقة وجاء تخفيف الراء من الضير وهو لغة في الضر، أي لا يخالف بعض بعضاً فيكذبه وينازعه فيضيره بذلك يقال ضاره يضيره "ثم يطلع فيعرمهم نفسه" أي يلقي في قلوبهم علماً قطعياً يعرفون به أنه ربهم سبحانه وتعالى "أنا ربكم فاتبعوني" وعند الشيخين أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه. قال النووي: معناه يتبعون أمره إياهم بذهابهم إلى الجنة، أو يتبعون ملائكته الذين يذهبون بهم إلى الجنة "ويوضع الصراط" وعند مسلم ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم "فيمر عليه" أي فيمر المسلمون على الصراط "مثل جياد الخيل" .
قال في القاموس: فرس جواد بين الجودة بالضم رائع والجمع جياد وقد، جاد في عدوه جودة انتهى، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف "والركاب" بكسر الراء عطف على الخيل، والمراد بها الإبل ولا واحد له من لفظه "وقولهم" أي قول المرسل والأنبياء "عليه" أي على الصراط "سلم سلم" أمر مخاطب أي يقول كل نبي اللهم سلم أمتي من ضرر الصراط اللهم اجعلهم سالمين من آفاته آمنين من مخافاته وتكراره مرتين المراد به الكثرة أو باعتبار كل واحد من أهل الشفاعة أو للإلحاح في الدعاء كما هو من آدابه. وفي رواية البخاري: ودعاء الرسل يومئذ اللهم سلم سلم.(7/275)
مِنْهُمْ فِيهَا فَوْجٌ، فَيُقَالُ: هَلُ امْتَلأَتِ، فَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ثُمّ يُطْرَحُ فِيهَا فَوْجٌ فَيُقَالُ: هَلِ امْتَلأَتِ، فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حَتّى إِذَا أُوعِبُوا فِيهَا وَضَعَ الرّحْمَنُ قَدَمَهُ فِيهَا، وَأُزْوِيَ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، ثمّ قالَ: قَطٍ،
__________
قال الحافظ في رواية شعيب: ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل، وفي رواية إبراهيم بن سعد: ولا يكلمه إلا الأنبياء ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم. ووقع في رواية العلا وقولهم اللهم سلم سلم، وللترمذي من حديث المغيرة شعار المؤمنين على الصراط رب سلم سلم، والضمير في الأول للرسل، ولا يلزم من كون هذا الكلام شعار المؤمنين أن ينطقوا به، بل تنطق به الرسل يدعون للمؤمنين بالسلامة، فسمى ذلك شعاراً لهم، فهذا تجتمع الأخبار، ويؤيدهقوله في رواية سهيل: فعند ذلك حلت الشفاعة اللهم سلم سلم انتهى "ثم يطرح فيها فوج" أي من أهل النار "فتقول هل من مزيد" أي من زيادة "حتى إذا أوعبوا فيها" من الإيعاب، وهو الاستقصاء في كل شيء "وضع الرحمن قدمه فيها" .
وفي رواية لمسلم رجله. قال القاري مذهب السلف التسليم والتفويض مع التنزيه وأرباب التأويل من الخلف، يقولون المراد بالقدم قدم بعض مخلوقاته فيعود الضمير في قدمه إلى ذلك المخلوق المعلوم أو قوم قدمهم الله للنار من أهلها، وتقدم في سابق حكمه أنهم لاحقوها فتمتلئ منهم جهنم، والعرب تقول كل شيء قدمته من خير أو شر فهو قدم، ومنهقوله تعالى: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أي ما قدموه من الأعمال الصالحة: الدالة على صدقهم في تصديقهم، والمراد بالرجل الجماعة من الجراد وهو وإن كان موضوعاً لجماعة كثيرة من الجراد لكن استعارته لجماعة الناس غير بعيد. أو أخطأ الراوي في نقله الحديث بالمعنى، وظن أن الرجل سد مسد القدم، هذا: وقد قبل وضع القدم على الشيء مثل للردع والقمع، فكأنه قال يأتيها أمر الله فيكفها من طلب المزيد، وقيل أريد به تسكين فورتها كما يقال للأمر يراد إبطاله وضعته تحت قدمي ذكره في النهاية. وفي شرح السنة: القدم والرجل المذكوران في هذا الحديث من صفات الله(7/276)
قالت: قَطٍ قَطٍ، فَإِذَا أَدْخَلَ الله تَعَالَى أَهْلَ الْجَنّةِ الْجَنّة وَأَهْلَ النّار النّار قال: أُتِيَ بِالمَوْتِ مُلَبّبَاً فَيُوقَفُ عَلَى السّورِ الّذِي بَيْنَ أَهْلِ الْجَنّةِ وَأَهْلِ النّارِ، ثمّ يُقَالُ: يا أَهْلَ الْجَنّةِ، فَيَطْلُعُونَ خَائِفِينَ، ثم يُقَالُ: يا أَهْلَ النّارِ، فَيَطْلُعُونَ مُسْتَبْشِرِينَ يَرْجُونَ الشّفَاعَة، فَيُقَالُ لأَهْلِ الْجَنّةِ وَلأَهْلِ النّارِ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ هَؤْلاءِ وَهَؤْلاءِ: قَدْ عَرَفْنَاهُ هُوَ المَوْتُ الّذِي وُكّلَ بِنَا، فَيُضْجَعُ فَيُذْبَحُ ذَبْحَاً عَلَى السّورِ الذي بين الجنة والنار، ثمّ يُقَالُ: يا أَهْلَ الْجَنّةِ خُلُودٌ
__________
المنزهة عن التكييف والتشبيه، وكذلك كل ما جاء من هذا القبيل في الكتاب أو السنة، كاليد والأصبع والعين والمجيء والإتيان والنزول. فالإيمان بها فرض والامتناع عن الخوض فيهخا واجب. فالمهتدي من سلك فيها طريق التسليم، والخائض فيها زائغ والمنكر معطل والمكيف مشبه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير انتهى.
قال القاري: وهو الموافق لمذهب الإمام مالك رحمه الله ولطريق إمامنا الأعظم على ما أشار إليه في الفقه الأكبر، فالتسليم أسلم والله تعالى أعلم انتهى.
قلت: الأمر كما قال القاري، فلا شك أن التسليم والتفويض هو الأسلم بل هو المتعين "وأزوى بعضها إلى بعض" بصيغة المجهول، وفي رواية يزوي أي يضم بعضها إلى بعض فتجتمع وتلتقي على من فيها "قالت" أي النار "قط قط" قال النووي: معنى قط حسبي أي بكفينين هذا وفيه ثلاث لغات قط قط بإسكان الطاء فيهما وبكسرها منونة وغير منونة انتهى والتكرار للتأكيد "أتى بالموت" أي أحضر به كهيئة كبش أملح كما في حديث أبي سعيد الاَتي "ملبياً" في القاموس لببه تلبيباً جمع ثيابه عند نحره في الخصومة ثم جره "فيطلعون خائفين" أي أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه "فيطلعون مستبشرين يرجون الشفاعة" أي يرجون أن يشفع لهم فيخرجوا من النار. وفي رواية ابن ماجة: مستبشرين فرحين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه "يا أهل الجنة خلود" أي هذا الحال(7/277)
لا مَوْتَ، ويا أَهْلَ النّارِ خُلُودٌ لا مَوْتَ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2683-حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، حدثنا أَبِي عن فُضَيْلِ بنِ مَرْزُقٍ عن عَطِيّةَ عن أَبِي سَعِيدٍ يَرْفَعُهُ قال: " إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ أُتِيَ بِالمَوْتِ كَالكَبْشِ الأَملَحِ فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنّةِ وَالنّارِ فَيُذْبَحُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، فَلَوْ أَنّ أَحَداً مَاتَ فَرَحاً لَمَاتَ أَهْلُ الْجَنّةِ، وَلَوْ أَنّ أَحَداً مَاتَ حُزْناً لَمَاتَ أَهْلُ النّارِ" .
__________
مستمر ويحتمل أن يكون جمع خالد أي أنتم خالدين في الجنة "لا موت" بفتح التاء المثناة أي لا موت في الجنة.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه مختصراً.
قوله : "كالكبش الأملح" قال القرطبي: الحكمة في الإتيان بالموت هكذا الإشارة إلى أنهم حصل لهم الفداء به كما فدى ولد إبراهيم بالكبش، وفي الأملح إشارة إلى صفتي أهل الجنة والنار. لأن الأملح ما فيه بياض وسواد. وقال ابن العربي: استشكل هذا الحديث لكونه يخالف صريح العقل، لأن الموت عرض والعرض لا ينقلب جسماً، فكيف يذبح، فأنكرت طائفة صحة هذا الحديث، ودفعته وتأولته طائفة فقالوا هذا تمثيل ولا ذبح هناك حقيقة، وقالت طائفة: بل الذبح على حقيقته والمذبوح متولى الموت وكلهم يعرفه لأنه الذي تولى قبض أرواحهم. وقال المازري: الموت عندنا عرض من الأعراض، وعند المعتزلة ليس بمعنى بل معناه عدم الحياة وهذا خطأ لقوله تعالى: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} فأثبت الموت مخلوقاً وعلى المذهبين لا يصح أن يكون كبشاً ولا جسماً وأن المراد بهذا التمثيل والتشبيه ثم قال: وقد يخلق الله تعالى هذا الجسم ثم يذبح ثم يجعل مثالا لأن الموت لا يطرأ على أهل الاَخرة. وقال القرطبي في التذكرة: الموت معنى، والمعاني لا تنقلب جوهراً، وإنما يخلق الله أشخاصاً من ثواب الأعمال وكذا الموت يخلق الله كبشاً يسميه الموت ويلقى في قلوب الفريقين أن هذا الموت يكون(7/278)
هذا حديثٌ حسنٌ.
وقد رُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم رِوَايَاتٌ كَثِيِرةٌ مِثْلُ هَذَا مَا يَذْكُرُ فِيهِ أَمْرَ الرّؤْيَةِ أَنّ النّاسَ يَرَوْنَ رَبّهُمْ وَذِكْرُ الْقَدَمِ وَمَا أَشْبَه هَذِهِ الأَشْيَاءَ. وَالمَذْهَبُ في هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الائِمَةِ مِثْلِ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ وَابنِ المُبَارَكِ وَوَكِيعٍ وَغَيْرِهِمْ أَنّهُمْ رَوَوْا هَذِهِ الاشْيَاءَ ثم قَالُوا: تُرْوَى هَذِهِ الاحَادِيثُ وَنُؤْمِنُ بِهَا ولا يُقَالُ كَيْفَ؟، وهذا الّذِي اخْتَارَهُ اهلُ الحديثِ ان تُروَى هذِه الاشْياءَ كَمَا جاءَتْ وَيُؤمَنُ بِهَا ولا تُفَسّرُ ولا تتوهم ولا يَقَالُ كَيْفَ، وَهَذا امْرُ اهلِ العِلْمِ الذي اخْتَارُوهُ وَذَهَبُوا إِلَيْهِ. وَمَعْنَى قوله في الحديثِ: فُيُعَرّفُهُمْ نَفْسَهُ يَعْنِي يَتَجَلّى لَهُمْ.
__________
ذبحه دليلاً على الخلود في الدارين. وقال غيره: لا مانع أن ينشئ الله من الأعراض أجساداً يجعلها مادة لها كما ثبت في مسلم، في حديث أن البقرة وآل عمران يجيئان كأنهما غمامتان ونحو ذلك من الأحاديث انتهى.
قلت: هذا القول الأخير هو المعتمد.
قوله : "هذا حديث حسن" وأخرجه الشيخان والنسائي.
قوله : "وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه" وهو الحق والثواب، وهو مذهب السلف رضي الله عنهم أجمعين، وهو مذهب الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى، وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في باب: فضل الصدقة من أبواب الزكاة.(7/279)
20- باب ما جَاءَ حُفّتِ الْجَنّةُ بالْمَكارِهِ وَحُفتِ النّارُ بالشّهَوَات
2684-حدثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرحمنِ، أخبرنا عَمْرُو بنُ عَاصِمٍ أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عن حُمَيْدٍ وَ ثَابِتٍ عن أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "حُفّتِ الْجَنّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفّتِ النّارُ بِالشهوَاتِ" .
__________
"باب ما جَاءَ حُفّتِ الْجَنّةُ بالْمَكارِهِ وَحُفتِ النّارُ بالشّهَوَات"
قوله: "حفت" بصيغة المجهول من الحفاف، وهو ما يحيط بالشيء حتى لا يتوصل إليه إلا بتخطيه أي أحيطت، ووقع في صحيح البخاري حجبت "بالمكاره" أي بما أمر المكلف بمجاهدة نفسه فيه فعلاً وتركا، وأطلق عليها المكاره لمشقتها على العامل وصعوبتها عليه "وحفت النار بالشهوات" أي ما يستلذ من أمور الدنيا مما منع الشرع من تعاطيه إما بالأصالة وإما لكون فعله يستلزم ترك شيء من المأمورات. قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء هذا من بديع الكلام وفصيحه وجوامعه التي أوتيها صلى الله عليه وسلم من التمثيل الحسن ومعناه لا يوصل إلى الجنة إلا بار تكاب المشقات المعبر عنها بالمكروهات ولا إلى النار إلا بتعاطي الشهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات. فأما المكاره فيدخل فيها الاجتهاد في العبادات والمواظبة عليها والصبر على مشاقها وكظم الغيظ والعفو والحلم والصدقة والإحسان إلى المسيء والصبر على الشهوات ونحو ذلك. وأما الشهوات التي النار محفوفة بها، فالظاهر أنها الشهوات المحرمة كالخمر والزنا والنظر إلى الأجنبية والغيبة واستعمال الملاهي ونحو ذلك. وأما للشهوات المباحة فلا تدخل في هذه، لكن يكره الاكثار منها مخافة أن يجر إلى المحرمة أو يقسى القلب أو يشغل عن الطاعات ونحو ذلك انتهى.(7/280)
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيح مِنْ هذا الوَجْهِ.
2685-حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أخبرنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمانَ عن مُحّمدِ بنِ عَمْرٍو، حدثنَا أَبُو سَلَمَةَ، عن أَبي هُرَيْرَةَ عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَمّا خَلَقَ الله الْجَنّةَ وَالنّارَ أَرْسَلَ جِبْرَيلَ إِلَى الجَنّةِ، فَقَالَ انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا، قَالَ فَجَاءَهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدّ الله لأَهْلِهَا فِيهَا، قالَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ، قالَ فَوَعِزّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلا دَخَلَهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفّتْ بِالمَكَارِهِ، فَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا، قالَ فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفّتْ بِالمَكَارِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ. فَقَالَ وَعِزّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لاَ يَدْخُلَهَا أَحَدٌ. قالَ اذْهَبْ إِلَى النّارِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأِهْلِهَا فِيهَا، فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضاً، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلُهَا، فَأَمَرَ
__________
قوله : "هذا حديث حسن غريب صحيح" وأخرجه أحمد ومسلم وأخرجه الشيخان عن أبي هريرة.
قوله : "انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها" أي ما هيأت فيها لعبادي الصالحين "قال" أي جبرئيل "فوعزتك" الواو للقسم "لا يسمع بها أحد إلا دخلها" أي طمع في دخولها، وجاهد في حصولها، ولا يهتم إلا بشأنها لحسنها وبهجتها "فحفت" أي أحيطت "بالمكاره" جمع كره وهو المشقة والشدة على غير قياس، والمراد بها التكاليف الشرعية التي هي مكروهة على النفوس الإنسانية، وهذا يدل على أن المعاني لها صور حسية في تلك المباني "فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها" أي ثانياً لما تجدد من الزيادة عليها باعتبار حواليها "لقد خفت أن لا يدخلها أحد" أي لوجود المكاره من التكاليف الشاقة، ومخالفة النفس وكسر الشهوات "لا يسمع بها أحد فيدخلها" أي لا يسمع بها أحد إلا فزع منها واحترز(7/281)
بِهَا فَحُفّتْ بِالشّهَوَاتِ، فَقَالَ: ارْجَعْ إِلَيْهَا فَرَجَعَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: وَعِزّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنّ لاَ يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلاّ دَخَلَهَا" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
فلا يدخلها "لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها" وفي رواية أبي داود لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها، ومعناها ظاهر. وأما رواية الكتاب فلا يظهر معناها إلا أن يجعل إلا بمعنى بل.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم كذا في الفتح.(7/282)
21 - باب ما جاءَ في احْتِجاجِ الجَنّةِ وَالنّار
2686-حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ عن مُحّمدِ بنِ عَمْرِو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: " احْتَجّتِ الجَنّةُ وَالنَارُ فَقَالَتِ الجَنّةُ: يَدْخُلُنِي الضّعَفَاءُ وَالمَسَاكِينُ، وَقَالَتَ النّارُ: يَدْخُلُنِي الجَبّارُونَ وَالمُتَكَبّرُونَ، فَقَالَ لِلنّارِ: أَنْتِ عَذَابِي
__________
"باب ما جاءَ في احْتِجاجِ الجَنّةِ وَالنّار"
قوله: "احتجت" أي اختصمت كما في رواية للبخاري. وفي رواية أخرى له ولمسلم تحاجت "يدخلني الضعفاء والمساكين" قيل معنى الضعيف ههنا الخاضع لله تعالى بذل نفسه له سبحانه وتعالى ضد المتجبر والمتكبر، وفي رواية للبخاري: مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم. قال الحافظ: أي المحتقرون بينهم الساقطون من أعينهم، هذا بالنسبة إلى ما عند الأكثر من الناس، وبالنسبة إلى ما عند الله هم عظماء رفعاء الدرجات لكنهم بالنسبة إلى عند أنفسهم لعظمة الله عندهم وخضوعهم له في غاية التواضع لله والذلة في عباده، فوصفهم بالضعف والسقط بهذا المعنى صحيح، أو المراد بالحصر في قول الجنة إلا ضعفاء الناس الأغلب "يدخلني الجبارون والمتكبرون" وفي رواية للشيخين أوثرت بالمتكبرين(7/282)
أَنْتَقِمُ بِكِ مِمّنْ شِئْتُ، وَقَالَ لِلْجَنّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ شِئْتُ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
والمتجبرين. قال القاري: هما بمعنى جمع بينهما للتأكيد، وقيل للتكبر للتعظم بما ليس فيه، والمتجبر الممنوع الذي لا يوصل إليه، وقيل الذي لا يكترث ولا يبالي بأمر الضعفاء والمساكين "أنت عذابي" أي سبب عقوبتي ومنشأ سخطي وغضبي "أنتقم بك ممن شئت" وفي رواية للشيخين: أعذب بك من أشاء "وقال للجنة أنت رحمتي" أي مظهرها، في شرح السنة سمي الجنة رحمته لأن بها تظهر رحمة الله تعالى كما قال "أرحم بك من شئت" وإلا فرحمة الله من صفاته التي لم يزل بها موصوفاً، ليست لله صفة حادثة، ولا اسم حادث فهو قديم بجميع أسمائه وصفاته جل جلاله وتقدست أسماؤه. قال ابن بطال عن المهلب يجوز أن يكون هذا الخصام حقيقة بأن يخلق الله فيهما حياة وفهماً وكلاماً والله قادر على كل شيء، ويجوز أن يكون هذا مجازاً كقولهم امتلأ الحوض وقال الدارقطني: والحوض لا يتكلم وإنما ذلك عبارة عن امتلائه وأنه لو كان ممن ينطق لقال ذلك، وكذا في قول النار "هل من مزيد" قال: وحاصل اختصامهما افتخار أحدهما على الأخرى بمن يسكنها فتظن النار أنها بمن ألقى فيها من عظماء الدنيا أبر عند الله من الجنة، وتظن الجنة أنها بمن أسكنها من أولياء الله تعالى أبر عند الله فأجيبتا بأنه لا فضل لإحداهما على الأخرى من طريق من يسكنهما، وفي كليهما شائبة شكاية إلى ربهما إذ لم تذكر كل واحدة منهما إلا ما اختصت به، وقد رد الله الأمر في ذلك إلى مشيئته وقال النووي: هذا الحديث على ظاهره، وأن الله يخلق في الجنة والنار تمييزاً يدركان به ويقدران على المراجعة والاحتجاج، ولا يلزم من هذا أن يكون ذلك التمييز دائماً انتهى.
قلت: حمل الحديث على ظاهره هو المتعين ولا حاجة إلى حمله على المجاز.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.(7/283)
22- باب ما جاءَ مَا لأَدْنَى أَهْلِ الْجَنّةِ مِن الكَرَامَة
2687-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عبد الله بنُ المُبَارَكِ أخبرنا رِشْدِينُ بنُ سَعْدِ حدثني عَمْرُو بنُ الْحَارِثِ عن دَرّاجٍ عن أَبِي الهَيْثَمِ عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَدْنَى أَهْلِ الجَنّةِ مَنْزِلَةً الّذِي لَهُ ثَمَانُونَ أَلْفَ خَادِمٍ وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ زَوجَةً وتُنْصَبُ لَهُ قُبّةٌ مِنْ لُؤلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ كَمَا بَيْنَ الجَابِيَة إِلَى صَنْعَاءَ" . وَبِهَذَا الاْسْنَادِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الجَنّةِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ يُرَدّونَ بنِي ثَلاَثِينَ في الجَنّةِ لاَ يَزِيدُونَ عَلَيْهَا أَبَداً، وَكَذَلِكَ
__________
"باب ما جاءَ مَا لأَدْنَى أَهْلِ الْجَنّةِ مِن الكَرَامَة"
قوله: "أدنى أهل الجنة منزلة" أي أقلهم مرتبة "الذي له ثمانون ألف خادم" قال المناوي: أي يعطى هذا العدد أو هو مبالغة في الكثرة "واثنتان وسبعون زوجة" أي من الحور العين كما في رواية. أي غير ماله من نساء الدنيا "وتنصب له" بصيغة المجهول أي تضرب وترفع له "قبة" بضم القاف وشد الموحدة بيت صغير مستدير "من لؤلؤ" بضم اللامين "وزبرجد وياقوت" قال القاضي: يريد أن القبة معمولة منها أو مكللة بها "كما بين الجابية" قرية بالشام "إلى صنعاء" قصبة باليمن تشبه دمشق في كثرة الماء والشجر والمسافة بينهما أكثر من شهر. والمعنى أن فسحة القبة وسعتها طولا وعرضاً وبعد ما بين طرفيه كما بين الموضعين. وإذا كان هذا للأدنى فما بالك للأعلى. وهذا الحديث أخرجه أيضاً أحمد وابن حبان والضياء.
قوله : "وبهذا الإسناد" أي الإسناد السابق.
قوله : "من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير يردون" بصيغة المجهول أي يعودون، وفيه تغليب، لأنه لا رد في الصغير، أو المعنى يصيرون "في الجنة" متعلق بقوله يردون "لا يزيدون عليها أبداً" أي زيادة مؤثرة في تغيير أبدانهم وأعضائهم وشعورهم وأشعارهم، وإلا فزمانهم في الجنة يتزايد أبد الاَبدين(7/284)
أَهْلُ النّارِ" وَبِهَذَا الاْسْنَادِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّ عَلَيْهِمْ التّيجَانُ إِنّ ادْنَى لُؤلُؤةٍ مِنْهَا لتُضِيءُ مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ" .
هذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفهُ إِلاَ مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بنِ سَعْدٍ.
2688-حدثنا أَبُو بَكْرٍ مُحّمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، حدثنا أَبِي، عَنْ عَامِرٍ الأَحْوَلِ، عن أَبِي الصّدّيقِ النّاجِيّ، عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "المُؤمِنُ إِذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنّهُ فِي سَاعَةٍ كَمَا يَشْتَهِي" .
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي هَذَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الجَنّةِ
__________
"وكذلك أهل النار" أي في العمر وعدم الزيادة. قال الطيبي: فإن قلت ما التوفيق بين هذا الحديث وبين ما رواه مسلم عن أبي هريرة في باب البكاء صغارهم دعا ميص الجنة أي داخلون على منازلهم لا يمنعون من موضع كما في الدنيا، قلت: في الجنة ظرف ليردون وهو لا يشعر أنهم لم يكونوا دعا ميص قبل الرد.
قوله: "إن عليهم" أي على رؤوس أهل الجنة "التيجان" بكسر المثناة الفوقية جمع تاج "إن أدنى لؤلؤة منها" أي من التيجان "لتضيء" بالتأنيث. قال القاري: ولعل وجهه أن المضاف اكتسب التأنيث من المضاف إليه. والمعنى لتنور "ما بين المشرق والمغرب" فأضاء متعد ويمكن أن يكون لازماً، والتقدير ليضيء به ما بينهما من الأماكن لو ظهرت على الدنيا.
قوله : "هذا حديث غريب" أي كل واحد من الأحاديث الثلاثة المذكورة بالإسناد الواحد غريب "لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد" وهو ضعيف.
قوله : "كان حمله" أي حمل الولد "ووضعه وسنه" أي كمال سنه، وهو الثلاثون سنة "كما يشتهي" من أن يكون ذكراً أو أنثى أو نحو ذلك.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد وابن ماجة وابن حبان والدارمي.(7/285)
جِمَاعٌ وَلاَ يَكُونُ وَلَدٌ، هَكَذَا رْوَى عن طَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَإِبْراهيمَ النّخَعِيّ. وَقَالَ مُحَمّدٌ: قَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهيمَ في حَدِيثِ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا اشْتَهَى المُؤْمِنُ الْوَلَدُ في الجَنّةِ كَانَ في سَاعَةٍ كَمَا يَشْتَهِي وَلَكِنْ لاَ يَشْتَهِي" قالَ مُحَمّدٌ: وَقَدْ رُوِيَ عن أَبِي رَزِينٍ العُقَيِليّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أَنّ أَهْلَ الجَنّةِ لاَ يَكُونُ لَهُمْ فِيهَا وَلَدٌ" . وَأَبُو الصَدّيقِ النّاجِيّ اسْمُهُ بَكْرُ بنُ عَمْرٍو وَيُقَالُ بَكْرُ بنُ قَيْسٍ.
__________
قوله : "وقال محمد" هو الإمام البخاري "قال إسحاق بن إبراهيم" هو ابن راهوية "ولكن لا يشتهي" هذا هو مقول إسحاق بن إبراهيم "عن أبي رزين العقيلي" صحابي مشهور اسمه لقيط بن صبرة "إن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد" لم أقف على من أخرج هذا الحديث بهذا اللفظ. وروى أحمد في مسنده عن أبي رزين العقيلي حديثاً طويلاً وفيه: الصالحات للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا، ويلذذن بكم غير أن لا توالد.(7/286)
23- باب ما جَاءَ في كَلاَمِ الْحُورِ الْعَين
2689-حدثنا هَنّادٌ وَ أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ قَالاَ: حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قال: حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ عن النّعْمَانِ بنِ سَعْدٍ عن عَلِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ في الجَنّةِ لمُجْتَمَعاً لِلحُورِ العِينِ يَرْفَعْنَ بِأَصْوَاتٍ
__________
"باب ما جَاءَ في كَلاَمِ الْحُورِ الْعَين"
أي في غنائهن. وقد عقد المنذري في الترغيب فصلا في غناء الحور العين، وأورد فيه أحاديث الباب
قوله : "إن في الجنة لمجتمعاً" بفتح الميم الثانية أي موضعاً للاجتماع أو اجتماعاً "يرفعن بأصوات" الباء الزائدة تأكيد للتعدية، أو أراد بالأصوات النغمات(7/286)
لَمْ يَسْمَعْ الْخَلاَئِقُ مِثْلَهَا قال يَقُلْنَ: نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلاَ نَبِيدُ، وَنَحْنُ النّاعِمَاتُ فَلاَ نبأَسُ، وَنَحْنُ الرّاضِيَاتُ فَلاَ نَسْخَطُ، طُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنّا لَهُ" . وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَنَسٍ.
حدِيثُ عَلِيّ حَدِيثٌ غريبٌ.
__________
والمفعول محذوف أي يرفعن أصواتهن بأنغام "نحن الخالدات" أي الدائمات "فلا نبيد" أي لا تهلك ولا نموت من باد أي هلك وفنى "ونحن الناعمات" أي المتنعمات "فلا نبأس" أي لا نفتقر ولا نحتاج. قال في القاموس: بؤس ككرم بأساً وبئس كسمع بؤساً اشتدت حاجته "ونحن الراضيات" أي عن ربنا أو عن أصحابنا "فلا نسخط" في حال من الأحوال "طوبى" أي الحالة الطيبة "لمن كان لنا وكنا له" أي في الجنات العاليات.
قوله : "وفي الباب عن أبي هريرة وأبي سعيد وأنس" أما حديث أبي هريرة فأخرجه البيهقي عنه موقوفاً، قال: إن في الجنة نهراً طول الجنة حافتاه العذارى قيام متقابلات يغنين بأحسن أصوات يسمعها الخلائق حتى ما يرون أن في الجنة لذة مثلها. قلن يا أبا هريرة ما ذاك الغناء قال: إن شاء الله التسبيح والتحميد والتقديس وثناء على الرب عز وجل. وأما حديث أبي سعيد فلينظر من أخرجه. وأما حديث أنس فأخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني عنه مرفوعاً ولفظه إن: الحور في الجنة يغتين يقلن نحن الحور الحسان هدينا لأزواج كرام. قال المنذري وإسناده مقارب.
قوله : "هذا علي حديث غريب" وأخرجه البيهقي.(7/287)
23-باب ما جاءَ في صِفَة أَنْهارِ الْجَنّة
2690-حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنَا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، أخبرنا الْجُرَيْرِيّ، عن حَكِيمٍ بنِ مُعَاوِيَةَ، عن أَبِيِه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم
__________
"باب ما جاءَ في صِفَة أَنْهارِ الْجَنّة"
قوله: "أخبرنا الجريري" بضم الجيم هو سعيد بن إياس "عن أبيه" أي معاوية بن حيدة وهو جد بهز.(7/287)
قالَ: "إِنّ فِي الْجَنّةِ بَحْرَ المَاءِ، وَبَحْرَ العَسَلِ، وَبَحْرَ الّلبَنِ، وَبَحْرَ الْخَمْرِ، ثمّ تُشَقّقُ الأَنْهَارُ بَعْدُ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَحَكِيمُ بنُ مُعَاوِيَةَ هُوَ وَالِدُ بَهْزٍ بن حكيم، والجريري يُكنّى أَبا مسعود واسمه سعيد بن إِياس.
2691-حدثنا هَنّادٌ، حدثنَا أَبُو الأَحْوصِ، عن أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ بُرَيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَأَلَ الله الجَنّةَ ثَلاَثَ مَرّاتٍ قَالَتْ الجَنّةُ الّلهُمَ أَدْخِلْهُ الجَنّةَ، وَمَنْ اسْتَجَارَ مِنْ النّارِ ثَلاَثَ مَرّاتٍ، قَالَتْ النّارُ: الّلهُمّ أَجِرْهُ مِنَ النّارِ" قال: هَكَذَا رَوَى يُونُسُ عن أَبِي إِسْحَاقَ هَذَا الحَدِيثَ عن برَيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ،
__________
قوله : "إن في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر" قال الطيبي: يريد بالبحر مثل دجلة والفرات ونحوهما، وبالنهر مثل نهر معقل حيث تشقق من أحدهما ثم منه تشقق جداول. وقال القاري: قد يقال المراد بالبحار هي الأنهار، وإنما سميت أنهاراً لجريانها بخلاف بحار الدنيا، فإن الغالب منها أنها في محل القرار "ثم تشقق" بحذف إحدى التاءين من باب التفعل، ويحتمل أن يكون يصيغة المجهول من التشقيق "بعد" أي بعد دخول أهل الجنة الجنة.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والبيهقي.
قوله : "من سأل الله الجنة" بأن قال: اللهم إني أسالك الجنة، أو قال اللهم أدخلني الجنة "ثلاث مرات" أي كرره في مجالس أو مجلس بطريق الإلحاح على ما ثبت أنه من آداب الدعاء "قالت الجنة" ببيان الحال أو بلسان القال لقدرته تعالى على إنطاق الجمادات وهو الظاهر "اللهم أدخله الجنة" أي دخولا أولياً أو لحوقاً آخرياً "ومن استجار" أي استحفظ "من النار" بأن قال اللهم أجرني من النار "قالت النار اللهم أجره" أي احفظه أو أنقذه "من النار" أي من دخوله أو خلوده فيها. قال الطيبي: وفي وضع الجنة والنار موضع ضمير المتكلم تجريد(7/288)
عن أَنَسٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم نَحوَه. وقد رُوِيَ عن أَبِي إسْحَاقَ عَن بُرَيد بن أبي مريَمَ عن أنس بن مالكقوله موقوفاًً.
2692-حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنَا وَكِيعٌ، عن سُفْيَانَ، عن أَبِي اليَقْظَانِ، عن زَاذَانَ، عن عبد الله بنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلاَثَةٌ عَلَى كُثْبَانِ المِسْكِ أُرَاهُ قالَ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَغَبِطُهُمُ الأَوّلُونَ وَالاَخِرُونَ: رَجُلٌ يُنَادِي بالصّلَوَاتِ الْخَمْسِ في كُلّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَرَجُلٌ يؤُمّ قَوْماً وَهُمْ بِهِ رَاضُونَ، وَعَبْدٌ أَدّى حَقّ الله وحَقّ مَوَالِيِه" .
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ من حديث سُفْيَانَ الثّوْرِيّ. وَأَبُو اليَقْظَانِ اسْمُهُ عُثْمَانُ بنُ عُمَيْرٍ، وَيُقَالُ ابنُ قَيْسٍ.
2693-حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنَا يَحْيَى بنُ آدَمَ عن أَبِي بَكْرِ بنِ عَيّاشٍ، عن الأعْمَشِ عن مَنْصُورٍ، عن رِبْعِيّ بن خراس عَنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ قَالَ: "ثَلاَثَةٌ يُحِبّهُمُ الله عَزّ وَجَلّ: رَجُلٌ قَامَ مِنَ الّليْلِ يَتْلُو كِتَابَ
__________
ونوع من الالتفات انتهى. وحديث أنس هذا أخرجه أيضاً النسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد.
قوله : "يغبطهم الأولون والاَخرون" أي يتمنون أن لهم مثل ما لهم. والحديث قد تقدم في باب فضل المملوك صالح من أبواب البر والصلة، وتقدم هناك شرحه.
قوله : "عن منصور" هو ابن المعتمر "عن ربعي" هو ابن خراش العبسي الكوفي.
قوله : "يرفعه" أي يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يقل هذا الأوهم أن يكون الحديث موقوفاً على ابن مسعود لقوله بعده "قال ثلاثة"(7/289)
الله، وَرَجُلٌ تَصَدّقَ صَدَقَةً بِيَمِينِهِ يُخْفِيهَا، أُرَاهُ قال مِنْ شِمَالِهِ، وَرَجُلٌ كَانَ في سَرِيّةٍ فَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ فَاسْتَقْبَلَ الْعَدُوّ" .
هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الْوَجْهِ وهو غَيْرُ مَحْفوظٍ. والصّحِيحُ مَا رَوَى شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ عن مَنْصُورٍ، عن رِبْعِيّ بنِ خِرَاشٍ، عن زَيْدِ بنِ ظَبْيَانَ عَنْ أَبِي ذَرٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وَأَبُو بَكْرِ بنِ عَيّاشٍ كَثِيرُ الغَلَطِ.
2694-حدثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ، أَخْبَرنَا عُقْبَةُ بنُ خَالِدٍ، أَخْبَرنَا عُبَيْدُ الله بنُ عُمَر، عن خبِيبِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ جَدّهِ حَفْصِ بنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُوشِكُ الفُرَاتُ
__________
ولم ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم "رجل قام من الليل" أي للتهجد فيه "يتلوا كتاب الله" أي القرآن في صلاته وخارجها "بيمينه" وفيه إيماء إلى الأدب في العطاء بأن يكون باليمين رعاية للأدب وتفاؤلا باليمن والبركة "يخفيها" أي يخفي تلك الصدقة غاية الإخفاء خوفاً من السمعة والرياء مبالغة في قصد المحبة والرضاء "أراه" بضم الهمزة من الإرادة، أي أظنه "من شماله" أي يخفيها من شماله أريد به كمال المبالغة "ورجل كان في سرية" أي في جيش صغير "فاستقبل العدو" أي وقاتلهم لتكون كلمة الله هي العليا.
قوله : "حدثنا عبيد الله بن عمر" بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي العمري "عن خبيب بن عبد الرحمن" هو خال عبيد الله بن عمر العمري "عن جده" أي عبيد الله بن عمر.
قوله : "يوشك الفرات" كغراب، النهر المشهور وهو بالتاء ويقال يجوز بالهاء كالتابوت والتابوه والعنكبوت والعنكبوه ذكره الحافظ وقال في(7/290)
يَحْسِرُ عن كَنْزِ مِنْ ذّهَبِ، فَمَنْ حَضَرَهُ فَلاَ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئاً" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2695-حدثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشْجّ، حدثنَا عُقبَةُ بنُ خَالِدٍ، حدثنَا عُبَيْدُ الله بنُ عُمَر عن أَبِي الزّنَادِ عن الأَعْرَجِ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ إِلاّ أَنّهُ قَالَ "يَحْسِرُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ" .
__________
القاموس: الفرات الماء العذب جداً ونهر بالكوفة "يحسر" قال النووي: هو بفتح الياء المثناة تحت وكسر السين، أي ينكشف لذهاب مائة "فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً" هذا يشعر بأن الأخذ منه ممكن، وعلى هذا فيجوز أن يكون دنانير، ويجوز أن يكون قطعاً ويجوز أن يكون تبراً، والذي يظهر أن النهي عن أخذه من الفتنة والقتال عليه. وقد أخرج مسلم هذا الحديث من طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ: يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقتل عليه الناس فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون ويقول كل رجل منهم لعلي أكون أنا الذي أنجو. وأخرج مسلم أيضاً عن أبي بن كعب قال: لا يزال الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يوشك أن يحسر الفرات عن جبل من ذهب، فإذا سمع به الناس ساروا إليه فيقول من عنده لئن تركنا الناس يأخذون منه ليذهبن به كله. قال فيقتتلون عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون.
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه الشيخان في الفتن، وأبو داود في الملاحم.
قوله : "إلا أنه قال يحسر عن جبل من ذهب" يعني أن الروايتين اتفقتا إلا فيقوله كنز. فقال الأعرج جبل، وتسميته كنزاً باعتبار حاله قبل أن ينكشف وتسميته جبلا للإشارة إلى كئرته، ويؤيده ما أخرجه مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه: تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً.(7/291)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2696-حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، وَ مُحمّدُ بنُ المَثَنّى، قَالاَ: حدثنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرنَا شُعْبَةُ عن مَنْصُورِ بنِ المُعْتَمِرِ قَالَ: سَمِعْتُ رِبْعِيّ بنَ خِرَاشٍ يُحَدّثُ عَنْ زَيْدِ بنِ ظَبْيَانَ يرَفَعَهُ إِلَى أَبِي ذَرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ثَلاَثَةٌ يُحبِهُمُ الله وثَلاَثَةٌ يُبْغِضُهُمُ الله، فَأَمّا الّذِينَ يُحِبّهُمُ الله فَرَجُلٌ أَتَى قَوْماً فسَأَلَهُمْ بِالله، وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ بِقَرَابَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَمَنَعُوهُ فَتَخَلّفَ رَجُلٌ بِأَعْقَابِهِمْ فَأَعْطَاهُ سِراً لاَ يَعْلَمُ بِعَطِيّتِهِ إِلاّ الله وَالّذِي أَعْطَاه ُ.
__________
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وأبو داود
قوله : "عن زيد بن ظبيان" بفتح المعجمة بعدها موحدة ساكنة الكوفي مقبول من الثانية. قاله الحافظ في التقريب. وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته: روى عن أبي ذر وعنه ربعي بن حراش روى له الترمذي والنسائي حديثاً واحداً ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يبغضهم. قال ذكره ابن حبان في الثقات، وأخرج هو وابن خزيمة به في الصحيح انتهى.
قوله : "فأما الذين يحبهم الله فرجل" أي معطى رجل "أتى قوماً فسألهم بالله" أي مستعطعاً بالله قائلاً: أنشدكم بالله أعطوني "ولم يسألهم لقرابة" أي ولم يقل أعطوني بحق قرابة "فمنعوه" أي الرجل العطاء "فتخلف رجل بأعيانهم" قال القاري: الباء للتعدية، أي بأشخاصهم وتقدم. وقيل أي تأخر رجل من بينهم إلى جانب حتى لا يروه بأعيانهم من أشخاصهم. وقال الطيبي: أي ترك القوم المسئول عنهم خلفه فتقدم فأعطاء سراً، والمراد من الأعيان الأشخاص أي سبقهم بهذا الخير فجعلهم خلفه، وفي رواية الطبراني: فتخلف رجل عن أعيانهم، وهذا أشبه معنى والأول أوثق سنداً. والمعنى أنه تخلف عن أصحابه حتى خلا بالسائل فأعطاه سراً "ولا يعلم بعطيته إلا الله والذي أعطاه" تقرير لمعنى السر "وقوم" أي(7/292)
وَقَوْمٌ سَارُوا لَيْلَتَهُمْ حَتّى إِذَا كَانَ النّوْمُ أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِمّا يُعْدَلُ بِهِ فَوَضَعُوا رُؤُسَهُمْ فَقَامَ أحدهم يَتَمَلّقُنِي وَيَتْلُو آياتِي، وَرَجُلٌ كَانَ في سَرِيّةِ فَلَقِيَ العَدُوّ فَهُزِمُوا، وَأَقْبَلَ بِصَدْرِهِ حَتّى يُقْتَلَ أَوْ يُفْتَحَ لَهُ. وَالثّلاَثَةُ الّذِينَ يُبْغِضُهُمْ الله: الشّيْخُ الزّانِي، وَالفَقِيرُ المُخْتَالُ، وَالْغَنِيّ الظّلُومُ" .
2697-حدثنا مَحْمُود بنُ غَيْلاَنَ، حدثنَا النّضْرِ بنُ شُمَيْلٍ عن شُعْبَةَ نَحْوَهُ.
هذا حديثٌ صحيحٌ.
وَهَكَذَا رَوَى شَيْبَانُ عن مَنْصُورٍ نَحْوَ هَذَا. وَهَذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيثَ أَبِي بَكْرِ بنِ عَيّاشٍ".
__________
وقائم قوم "أحب إليهم" أي ألذ وأطيب "مما يعدل به" أي من كل شيء يقابل ويساوي بالنوم "فوضعوا رؤوسهم" أي فناموا "قام رجل" أي من النوم "يتملقني" أي يتواضع لدي ويتضرع إلى. قال الطيبي: والملق بالتحريك الزيادة في التودد والدعاء والتضرع، قيل دل أول الحديث على أنه من كلامه صلى الله عليه وسلم وآخره على أنه من كلامه تعالى، ووجه بأن مقام المناجاة يشتمل على أسرار ومناجاة بين المحب والمحبوب. فحكى الله لنبيه ما جرى بينه وبين عبده فحكى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لا بمعناه إذ لا يقال يتملق الله وليس هذا من الالتفات في شيء كذا في المرقاة "ويتلو آياتي" أي يقرأ ألفاظها ويتبعها بالتأمل في معانيها "فهزموا" أي أصحابه "فأقبل بصدره" أي خلا من ولي دبره بتولية ظهره "حتى يقتل أو يفتح له" أي حتى يفوز بإحدى الحسنيين "الشيخ الزاني" يحتمل أن يراد بالشيخ الشيبة ضد الشاب وأن يراد به المحصن ضد البكر كما في الاَية المنسوخة الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم "والفقير المختال" أي المتكبر "والغني الظلوم" أي كثير الظلم في المطل وغيره، وإنما خص الشيخ وأخويه بالذكر لأن هذه الخصال فيهم أشد مذمة وأكثر نكرة.
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه النسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم.(7/293)
أبواب صفة جهنم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
باب ما جاء في صفة النار
...
بسم الله الرحمن الرحيم
أبواب صفة جهنم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
1- باب ما جاءَ في صِفَةِ النّار
2698-حدثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، أَخبرنَا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، حدثنا أَبِي عن العَلاَءِ بنِ خَالِدٍ الكَاهِلِيّ، عن شَقِيقٍ بن سَلَمَةَ عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُؤْتَى بِجَهَنّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرّونَهَا"
__________
"أبوب صفة جهنم"
قال النووي: جهنم اسم لنار الاَخرة قال يونس وأكثر النحويين: هي عجمية لا تنصرف للعجمة والتعريف. وقال آخرون: هي عربية لم تصرف بالتأنيث والعلمية وسميت بذلك لبعد قعرها. قال روبة يقال بئر أي بعيدة القعر. وقيل مشتقة من الجهومة وهي الغلظ، يقال جهنم الوجه أي غليظة فسميت جهنم لغلظ أمرها انتهى.
"باب ما جاءَ في صِفَةِ النّار"
قوله : "أخبرنا عمر بن حفص بن غياث" بكسر المعجمة واخره مثلثة، ابن الطلق الكوفي ثقة ربما وهم من العاشرة "عن العلاء بن خالد" الأسدي الكاهلي صدوق من السادسة.
قوله: "يؤتى بجهنم" الباء للتعدية أي يؤتى بها من المكان الذي خلقها الله تعالى فيه، ويدل عليهقوله تعالى فيه {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} "يومئذ" أي يوم القيامة "لها سبعون ألف زمام" بكسر الزاي وهو ما يشد به. وقال في المجمع: الزمام ما يجعل في أنف البعير دقيقاً، وقيل ما يشد به رؤوسها من حبل وسير انتهى "يجرونها" بتشديد الراء أي يسحبونها. قال في اللمعات: لعل جهنم يؤتى بها في الموقف ليراها الناس ترهيباً لهم.(7/294)
قَالَ عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ وَالثّوْرِيّ لاَ يَرْفَعُهُ.
2699-حدّثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَرَ وأَبُو عَامِرٍ العَقْدِيّ عَنْ سُفْيَانَ عن العَلاَءِ بنِ خَالِدٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ نَحْوَهُ وَلَمْ يَرْفَعُهُ.
2700-حدثنا عَبْدُ الله بنُ مُعَاوِيَةَ الجُمحِيّ، أخبرنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُسْلِمٍ، عن الأَعْمَشِ عن أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ لَها عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ يَقُولُ إِنّي: وُكّلْتُ بِثَلاَثَةٍ: بِكُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ، وَبِكُلّ مَنْ دَعَا مَعَ الله إِلَهَاً آخَرَ، وَبِالمُصَوّرِينَ" .
__________
قوله : "قال عبد الله بن عبد الرحمن والثوري لا يرفعه" حديث حفص بن غياث عن العلاء بن خالد عن شقيق عن عبد الله بن مسعود المرفوع، أخرجه مسلم. قال النووي: هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال رفعه وهم رواه الثوري ومروان وغيرهما عن العلاء بن خالد موقوفاً، قال وحفص ثقة حافظ إمام، فزيادة الرفع مقبولة كما سبق نقله عن الأكثرين والمحققين انتهى.
قوله : "يخرج عنق من النار" قال في القاموس: العنق بالضم وبضمتين وكأمير وكصرد الجيد ويؤنث والجماعة من الناس. وقال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث: العنق بضم العين والنون أي طائفة وجانب من النار. وقال الطيبي: أي طائفة منها، ومن بيانية. قال القاري: والأظهر أنها تتعلق بقوله يخرج كما أنقوله: "يوم القيامة" ظرف له. قال والظاهر أن المراد بالعنق الجيد على ما هو المعروف في اللغة إذ لا صارف عن ظاهره. والمعنى أنه تخرج قطعة من النار على هيئة الرقبة الطويلة انتهى.
قلت: الأمر عندي كما قال القاري والله تعالى أعلم "يقول" بصيغة التذكير وهو يدل من ينطق أو حال "وإني وكلت بثلاثة" أي وكلني الله بأن أدخل هؤلاء الثلاثة النار وأعذبهم بالفضيحة على رؤوس الأشهاد "بكل جبار عنيد" قال(7/295)
هذا حديثٌ حس صحيحٌ غريبٌ.
__________
في النهاية: الجبار هو المتمرد العاتي، والعنيد الجائر عن القصد، الباغي الذي يرد الحق مع العلم به.(7/296)
2-باب ما جاءَ في صِفَةِ قَعْرِ جَهَنّم
2701-حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حدثنا حُسَيْنُ بنُ عَلِيٍ الجُعْفِيّ عن فُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، عن هِشَامٍ بنِ حَسّانَ، عن الْحَسَنِ قَالَ: قالَ عُتْبَةُ بنُ غَزْوَانَ عَلَى مِنْبَرِنَا هذا مِنْبَرِ البَصْرَةِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّ الصّخْرَةَ العَظِيمَةَ لَتُلْقَى مِنْ شَفِيرِ جَهَنّمَ فَتَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَاماً
__________
"باب ما جاءَ في صِفَةِ قَعْرِ جَهَنّم"
قوله: "عن فضيل بن عياض" ابن مسعود التميمي أبي علي الزاهد المشهور أصله من خراسان وسكن مكة، ثقة عابد إمام من الثامنة، قاله الحافظ في التقريب: وقال في تهذيب التهذيب: قال أبو عماد الحسين بن حريث سمعت الفضل بن موسى يقول كان الفضيل بن عياض شاطراً يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، وكان سبب توبته أنه عشق جارية فبينما هو يرتقى الجدران إليها إذ سمع تالياً يتلو {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} فلما سمعها قال بلى يا رب قد آن فرجع فأواه الليل إلى خربة فإذا فيها سابلة فقال بعضهم نرتحل وقال بعضهم حتى نصبح فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا، قال ففكرت قلت أنا أسعى بالليل في المعاصي وقوم من المسلمين يخافونني ههنا وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع. اللهم إني قد تبت إليك وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام. وقال ابن سعد: كان ثقة نبيلا فاضلا عابداً ورعاً كثير الحديث انتهى "قال عتبة" بضم العين المهملة فمثناة فوقية ساكنة "بن غزوان" بفتح المعجمة وسكون الزاي ابن جابر المازني، حليف بني عبد شمس، صحابي جليل مهاجري بدري، وهو أول من اختلط البصرة.
قوله : "إن الصخرة" بسكون الخاء وتفتح الحجر العظيم الصلب، كذا في القاموس. فقوله: "العظيمة" دل به على شدة عظمها "لتلقى" بالبناء للمفعول(7/296)
مَا تُفضِي إِلَى قَرَارِهَا" . قالَ وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ أَكْثِرُوا ذِكْرَ النّارِ، فَإِنّ حَرّهَا شَدِيدٌ، وَإِنّ قَعْرَهَا بَعِيدٌ، وَإِنّ مَقَامِعهَا حَدِيدٌ".
لا نَعْرِفُ لِلْحَسَنِ سَمَاعاً من عُتْبَةَ بنِ غَزْوَانَ، وَأَنّمَا قَدِمَ عُتْبَةُ بنُ غَزْوَانَ البَصْرَةَ في زَمَنِ عُمَرَ، وَوُلِدَ الْحَسَنُ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلاَفَةَ عُمَرَ".
2702-حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدِ، حدثنا الحَسَنُ بنُ مُوسَى، عن ابنِ لَهِيعَةَ عن دَرّاجِ عن أَبِي الهَيْثَمِ، عن أَبِي سَعِيدٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "الصّعُودُ جَبَلٌ مِن نَارٍ يُتَصَعّدُ فِيِه الكَافِرُ سَبْعِينَ خَرِيفَاً ويَهْوِي بِهِ كَذَلِكَ منه أَبَداً" .
__________
"من شفير جهنم" أي جانبها وحرفها "فتهوي" أي تسقط "ما تفضى" من الإفضاء أي ما تصل "إلى قرارها" أي إلى قعرها أراد به وصف عمقها بأنه لا يكاد يتناهى، فالسبعين للتكثير "قال وكاد عمر يقول" ضمير قال يرجع إلى عتبة بن غزوان "أكثروا ذكر النار" أي نار جهنم "وإن مقامعها حديد" المقامع سياط من حديث رؤؤسها معوجة واحدها مقمعة بالكسر.
قوله : "لا نعرف للحسن سماعاً عن عتبة بن غزوان إلخ" فالحديث منقطع. قال المنذري في الترغيب في فصل: وبعد قعر جهنم عن خالد بن عمير قال: خطب عتبة ابن غزوان رضي الله عنه فقال إنه ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاماً ما يدرك لها قعراً والله لتملأنه أفعجبتم. رواه مسلم هكذا، ورواه الترمذي عن الحسن قال: قال عتبة بن غزوان: وذكر الحديث.
قوله : "الصعود" أي المذكور فيقوله تعالى {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} يتصعد فيه الكافر "قال القاري" : بصيغة المجهول أي يكلف الكافر ارتقاءه، وفي نسخة يعني من المشكاة بفتح أوله أي يطلع في ذلك الجبل "سبعين خريفاً" أي مدة سبعين عاماً "ويهوي فيه" بصيغة المجهول أي يكلف ذلك الكافر بسقوطه فيه، وفي نسخة من المشكاة بفتح الياء وكسر الواو أي ينزل على ما قال القاري "كذلك" أي سبعين خريفاً "أبداً" قيد للفعلين أي يكون دائماً في الصعود والهبوط.(7/297)
هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إِلاَ من حديثِ ابنِ لَهِيعَةَ.
__________
قوله : "هذا حديث غريب" رواه الترمذي هكذا مختصراً ورواه غيره مطولا. ففي الترغيب عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيقوله: {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} قال جبل من نار يكلف أن يصعده فإذا وضع يده عليه ذابت فإذا رفعها عادت، وإذا وضع رجله عليه ذابت فإذا رفعها عادت، يصعد سبعين خريفاً ثم يهوي. كذلك رواه أحمد والحاكم من طريق دراج وقال صحيح الإسناد "لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث ابن لهيعة" قال المندري: رواه الحاكم مرفوعاً كما تقدم من حديث عمر بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عنه، ورواه البهيقي عن شريك عن عمار الذهبي عن عطية العوفي عنه مرفوعاً أيضاً. ومن حديث إسرائيل وسفيان كلاهما عن عمار عن عطية عنه موقوفاً بنحوه بزيادة انتهى وحديث أبي سعيد، هذا أخرجه الترمذي أيضاً في تفسير سورة المدثر.(7/298)
3-باب ما جَاءَ في عِظَمِ أَهْلِ النّار
2703-حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ عَمّارِ، حدثني جَدّي مُحمّدُ بنُ عَمّارٍ وَصَالِحٌ مَوْلَى التَوْأَمَةِ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ضِرْسُ الكَافِرِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ وَفَخِذُهُ مِثْلُ
__________
"باب ما جَاءَ في عِظَمِ أَهْلِ النّار"
قوله: "أخبرنا محمد بن عمار" بن حفص بن عمر بن سعد، القرظي المدني، المؤذن الملقب كشاكش لا بأس به من السابعة كذا في التقريب وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته: روى عن جده لأن محمد بن عمار بن سعد القرظ وغيره وعنه علي بن حجر وغيره انتهى. "حدثني جدي محمد بن عمار" بن سعد القرظ وثقة ابن حبان.
قوله : "ضرس الكافر" قال في القاموس: الضرس بالكسر السن، وقال في المجمع الأضراس الأسنان سوى الثنايا الأربعة "مثل أحد" بضمتين أي مثل جبل أحد في المقدار "وفخذه" الفخذ ككنف ما بين الساق والورك مؤنث كالفخذ(7/298)
البَيْضَاءِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَارِ مَسِيرَةَ ثَلاَثٍ مِثْلُ الرّبَذَةِ" .قوله مثل الربذة يعني به كَمَا بَيْنَ المَدِينَةِ وَالرّبَذَةِ. وَالبَيْضَاءُ جَبَلٌ مثل أُحُدٍ.
هذا حديثٌ حسن غريب.
2704-حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أَخْبَرنَا مُصْعَبُ بنُ المِقْدَامِ، عن فُضَيْلِ بنِ غَزْوَانَ عن أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ قالَ: "ضِرْسُ الكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ".
هذا حديثٌ حسنٌ. وَأَبُو حَازِمٍ هُوَ الأَشْجَعِيّ واسْمُهُ سَلْمانُ مَوْلَى عَزّةَ الأَشْجَعِيّةَ.
__________
ويكسر أي فخذ الكافر "مثل البيضاء" هو اسم جبل كما صرح به الترمذي، أي يزاد في أعضاء زيادة في تعذيبه بزيادة المماسة للنار "ومقعده" أي موضع قعوده "من النار" أي فيها كما في رواية "مسيرة ثلاث" أي ثلاث ليال "مثل الربذة" بفتح الراء والموحدة والذل المعجمة قرية معروفة قرب المدينة أي مثل بعد الربذة من المدينة أو مثل مسافتها إليها فإنه صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث وهو في المدينة، ويؤيده ما رواه أحمد والحاكم عن أبي هريرة مرفوعاً: إن مقعده في النار ما بيني وبين الربذة.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد ولفظه قال: "ضرس الكافر مثل أحد، وفخذه مثل البيضاء، ومقعده من النار كما بين قديد ومكة، وكثافة جلدهم اثنان وأربعون ذراعاً بذراع الجبار" . قال المنذري: الجبار ملك باليمن له ذراع معروف المقدار. كذا قال ابن حبان وغيره، وقيل ملك بالعجم انتهى.
وأخرجه مسلم ولفظه قال: "ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاث" .
قوله : "أخبرنا مصعب بن المقدام" الخشعمي مولاهم، أبو عبد الله الكوفي، صدوق له أوهام من التاسعة.
قوله : "هذا حديث حسن" وأخرجه مسلم بزيادة وغلظ جلده مسيرة ثلاث كما عرفت.(7/299)
2705-حدثنا هَنّادٌ، أخبرنا عَلِيّ بنُ مُسْهِرٍ عن الفَضْلِ بنِ يَزِيدَ عن أَبِي المُخَارِقِ، عن ابنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الكَافِرَ لَيَسْحَبُ لِسَانَهُ الفَرْسَخَ وَالفَرْسَخَيْنِ يتوطؤه النّاسُ" .
هذا حديثٌ غريبٌ إِنمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَالفَضْلُ بنُ يَزِيدَ كَوفِيٌ قَدْ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الأَئّمَةِ. وَأَبُو المُخَارِقِ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ.
__________
قوله : "أخبرنا علي بن مسهر" بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء القرشي الكوفي قاضي الموصل ثقة من الثامنة "عن الفضل بن يزيد" الثمالي ويقال البجلي الكوفي صدوق من السادسة "عن أبي المخارق" قال في الخلاصة: أبو مخارق عن ابن عمرو عنه الفضل الثمالي مجهول.
قوله : "إن الكافر ليسحب" بلفظ المضارع المعلوم. قال في القاموس: سحبه كمنعه جره على وجه الأرض انتهى "يتوطأه الناس" أي يطؤه أهل الموقف بأقدامهم ويمشون عليه من وطئه بالكسر يطأه ذاسه، كوطأه وتوطأه.
قوله : "هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه" وأخرجه أحمد "وأبو المخارق ليس بمعروف" وقال الخزرجي: إنه مجهول كما عرفت.
تنبيه : علم أن الترمذي روى هذا الحديث من طريق الفضل بن يزيد، عن أبي المخارق عن ابن عمر. وقال هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه الخ. وقال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث ونقل كلام الترمذي هذا ما لفظه: رواه الفضل بن يزيد عن أبي العجلان قال سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الكافر ليجر لسانه فرسخين يوم القيامة يتوطأه الناس" أخرجه البيهقي وغيره وهو الصواب. وقول الترمذي أبو المخارق ليس بمعروف وهم. إنما هو أبو العجلان المحاربي ذكره البخاري في الكنى. وقال أبو بكر سريع الحفظ ليس له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الإسناد إلا هذا الحديث انتهى. وقال الذهبي في الميزان: أبو المخارق عن ابن عمر لا يعرف، روى عنه الفضل بن يزيد الثمالي. قال الترمذي: ليس بمعروف،(7/300)
2706-حدثنا عَبّاسُ بنُ محمّدٍ الدّوْرِيّ، حدثنا عُبَيْدُ الله بن مُوسَى، أخبرنا شَيْبَانُ عنْ الاعْمَشِ عن أَبِي صَالِحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّ غِلَظَ جِلْدِ الكَافِرِ اثْنَانِ وَأَرْبَعِونَ ذِرَاعاً، وَإِنّ ضِرْسَهُ مِثْلُ أُحُدٍ، وَإِنّ مَجْلِسَهُ مِنْ جَهَنّمَ كما بَيْنَ مَكّةَ وَالمَدِينَةِ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ. مِنْ حَدِيثِ الأَعْمَشِ.
__________
والصواب بدله عن أبي عجلان انتهى. وقال الحافظ في تهذيب التهذيب، أبو المخارق الكوفي عن ابن عمران: إن الكافر ليجر لسانه، وعنه الفضل بن يزيد الثمالي، صوابه أبو العجلان المحاربي انتهى. ثم اعلم أن رواية الترمذي هذه صريحة في أن هذا الحديث من مسندات ابن عمر بغير الواو، ورواية البيهقي التي نقلها المنذري صريحة في أنه من مسندات عبد الله بن عمرو بن العاص فتفكر.
قوله : "إن غلظ جلد الكافر" أي ذرع ثخانته "اثنتان وأربعون" وفي بعض النسخ اثنان وأربعين قيل الواو بمعنى مع "ذراعاً" في القاموس: الذراع بالكسر من طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى، وذرع الثوب كمنع قاسه بها "وإن ضرسه مثل أحد" أي مثل مقدار جبل أحد "وإن مجلسه" أي موضع جلوسه "من جهنم" أي فيها "ما بين مكة والمدينة" أي مقدار ما بينهما من المسافة. قال النووي: هذا كله لكونه أبلغ في إيلامه، وهو مقدور لله تعالى يجب الإيمان به لإخبار الصادق به.
قوله : "هذا حديث حسن غريب صحيح" قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث: ورواه ابن حبان في صحيحه ولفظه قال: "جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعاً بذراع الجبار وضرسه مثل أحد" . ورواه الحاكم وصححه وهو رواية لأحمد بإسناد جيد قال: "ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد وعرض جلده سبعون ذراعاً وعضده مثل البيضاء وفخذه مثل ورقان ومقعده من النار ما بيني وبين الربذة" . قال أبو هريرة وكان يقال بطنه مثل بطن أضم انتهى.(7/301)
4-باب ما جَاءَ في صِفَةِ شَرَابِ أَهْلِ النّار
2707-حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا رِشْدِينُ بنُ سَعْدٍ عن عَمْرِو بنِ الْحَارِثِ عن دَرّاجٍ عن أَبِي الهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {كَالْمُهْلِ} قَالَ: "كَعَكَرِ الزّيْتِ، فَإِذَا قَرّبَهُ إِلَى وَجْهِهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ فِيِه" .
هذا حديثٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ منْ حديثِ رِشْدِينَ بنِ سَعْدٍ ورِشَدِينُ قَدْ تُكُلّمَ فِيِه مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.
2708-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عبد الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا سَعِيدُ بنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي السّمْحِ عن ابنِ حُجَيْرَةَ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله
__________
"باب ما جَاءَ في صِفَةِ شَرَابِ أَهْلِ النّار"
قوله: "فيقوله كالمهل" أي في تفسيرقوله تعالى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} "كعكر الزيت" بفتح العين والكاف أي دردية. وقال الطيبي: أي الدون منه والدنس "فإذا قربه" أي العلمي "سقطت فروة وجهه" أي جلدته وبشرته "فيه" أي في المهل. وفي النهاية: فروة وجهه أي جلدته، والأصل فيه فروة الرأس، وهي جلدته بما عليها من الشعر، فاستعارها من الرأس وللوجه.
قوله : "هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد" قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث: رواه أحمد والترمذي من طريق رشدين ابن سعد عن عمرو بن الحرث عن دراج عن أبي الهيثم. وقال الترمذي لا نعرفه إلا من حديث رشدين. قال قد رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم من حديث ابن وهب عن عمرو بن الحرث عن دراج، وقال الحاكم صحيح الإسناد انتهى.
قوله : "أخبرنا سعيد بن يزيد" الحميري القتياني أبو شجاع الإسكندراني ثقة عابد من السابعة "عن أبي السمح" هو دراج بن سمعان "عن ابن حجيرة"(7/302)
عليه وسلم قالَ: "إِنّ الْحَمِيمَ لَيُصَبّ على رُؤوسِهِمْ فَيَنْفُذُ الْحَمِيمُ حَتّى يَخْلُصَ إِلَى جَوْفِهِ فَيَسْلِتَ مَا في جَوْفِهِ حَتّى يَمْرُقَ مِنْ قَدَمَيْهِ وَهُوَ الصّهْرُ، ثُمّ يُعَادُ كَمَا كَانَ" وسعيد بن يزيد يُكَنّى أبا شجاع وهو مصري وقد رَوَى عنه الليث بن سعد وَابنُ حُجَيْرَةَ هُوَ عَبْدُ الرّحْمنِ بنُ حُجَيْرَةَ المِصْريّ.
هذا حديثٌ غريبٌ صحيحٌ.
2709-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ أخبرنا صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، عن عُبَيْدِ الله بنِ بُسْرٍ، عن أَبِي أُمَامَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ} قَالَ: يُقَرّبُ إِلَى فِيِه
__________
هو عبد الرحمن بن حجيرة بمهملة وجيم مصغراً المصري القاضي، وهو ابن حجيرة الأكبر ثقة من الثالثة.
قوله : "إن الحميم" أي فيقوله تعالى: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} المفسر بالماء البالغ نهاية الحر "فينفذ الحميم" بضم الفاء من النفوذ وهو التأثير والدخول في الشيء، أي يدخل أثر حرارته من رأسه إلى باطنه "حتى يخلص" بضم اللام أي يصل "إلى جوفه" أي إلى بطنه "فيسلت" بضم اللام وكسرها من سلت القصعة إذا مسحها من الطعام فيذهب، وأصل السلت القطع، فالمعنى فيمسح ويقطع الحميم "ما في جوفه" أي من الأمعاء "يمرق" بضم الراء أي يخرج من مرق السهم إذا نفذ في الغرض وخرج منه "وهو الصهر" بفتح الصاد بمعنى الإذابة. والمعنى ما ذكر من النفوذ وغيره هو معنى الصهر المذكور في قوله تعالى: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} "ثم يعاد" أي ما في جوفه "كما كان" لقوله تعالى {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} .
قوله : "هذا حديث حسن غريب صحيح" قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث: رواه الترمذي والبيهقي إلا أنه قال: فيخلص فينفذ إلى الجمجمة حتى يخلص إلى وجهه انتهى.(7/303)
فَيَكْرَهُهُ، فَإِذَا أُدْنِيَ مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ وَوَقَفتُ فَرْوَةُ رَأُسِهِ، فَإِذَا شَرِبَهُ قَطَعَ أَمْعَاءَهُ حَتّى تَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ . يَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} ، وَيَقُول: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} ".
هذا حديثٌ غريبٌ وَهَكَذَا قالَ مُحمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ عن عُبَيْدِ الله بنِ بُسْرٍ، وَلاَ يُعْرَفُ عُبَيْدُ الله بنُ بُسْرٍ إِلاّ في هَذَا الحَدِيثِ. وَقَدْ رَوَى صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو عن عَبْدِ الله بنِ بُسْرِ صَاحِبِ النبيّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ هَذَا
__________
قوله : "فيقوله" أي فيقوله تعالى: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} أي دم وقيح يسيل من الجسد "يتجرعه" أي يشربه لا بمرة بل جرعة بعد جرعة لمرارته وحرارته ولذا قال تعالى: {وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} "قال" أي النبي صلى الله عليه وسلم "يقرب" بفتح الراء المشددة أي يؤتى بالصديد قريباً "إلى فيه" أي إلى فم العاصي "فيكرهه" أي لعفونته وسخونته "فإذا أدني" بصيغة المجهول أي زيد في قربه "منه" أي من العاصى "شوى وجهه" أي أحرقه "ووقعت" أي سقطت "فروة رأسه" أي جلدته "فإذا شربه" أي الماء الصديد الحار الشديد "قطع" بتشديد الطاء للتكثير والمبالغة "حتى يخرج أي الصديد وفي بعض نسخ المشكاة تخرج بالتاء أي الأمعاء "من دبره" بضمتين وهو ضد القبل "ويقول" أي الله تعالى في موضع آخر {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا} أي يطلبوا الغياث بالماء على عادتهم الاستغاثة في طلب الغيث أي المطر "يغائوا" أي يجابوا ويؤتوا "بماء كالمهل" بالضم أي كالصديد أو كعكر الزيت على ما صح عنه صلى الله عليه وسلم {يَشْوِي الْوُجُوهَ} أي ابتداء ثم يسري إلى البطون وسائر الأعضاء انتهاء "بئس الشراب" أي المهل أو الماء فإنه مكروه ومكره "وساءت" أي النار "مرتفقاً" أي منزلا يرتفق به نازلة أو متكأ.
قوله : "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم كذا في الترغيب "هكذا قال محمد بن إسماعيل" هو الإمام البخاري "عن عبيد ابن بسر" بعني بالتصغير "وقد روى صفوان بن عمرو عن عبد الله بن بسر"(7/304)
الْحَدِيثِ. وَعَبْدُ الله بنُ بُسْرٍ لَهُ أَخٌ قَدْ سَمِعَ مِنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَأَخْتُهُ قَدْ سَمِعَتْ مِنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وَعُبَيْدُ الله بنُ بُسْرٍ الّذِي رَوَى عَنْهُ صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو هذا الحديث رجل آخر ليس بصَاحِبٍ حَدِيثَ أَبِي أُمَامَةَ لَعَلّهُ أَنْ يَكُونَ أَخَا عَبْدِ الله ابنِ بُسْرٍ.
2710-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بن المبارك، أخبرنا رِشْدِينُ بنُ سَعْدٍ، حدثني عَمْرُوٍ بنُ الحَارِثِ، عن دَرَاجٍ، عن أَبِي الهَيْثَمِ، عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " { كَالْمُهْلِ} كَعَكَرِ
__________
يعني بغير التصغير "وعبد الله بن بسر الذي روى عنه صفوان بن عمرو حديث أبي أمامة لعله أن يكون أخا عبد الله بن بسر" قال الحافظ في تهذيب التهذيب: عبيد الله بن بسر شامي من أهل حمص روى عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيقوله تعالى: {مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} وعنه صفوان بن عمرو ذكره ابن حبان في الثقات ثم نقل كلام الترمذي هذا ثم قال: وقال ابن أبي حاتم عبيد الله بن بسر ويقال عبد الله، روى عن أبي أمامة وعنه صفوان بن عمرو. وقال الطبراني: عبد الله بن بسر اليحصبي عن أبي أمامة ثم روى له هذا الحديث وحديثاً آخر من رواية بقية عن صفوان بن عمرو والله أعلم قال: وذكر أبو موسى المديني في ذيل الصحابة عبيد الله بن بسر أخو عبد الله بن بسر قاله السلماني انتهى كلام الحافظ. وقال الحافظ الذهبي في الميزان: عبيد الله بن بسر حمصي عن أبي أمامة، وعنه صفوان بن عمرو وحده لا يعرف، فيقال هو عبد الله الصحابي، وقيل عبيد الله بن بسر الحراني التابعي وهو أظهر انتهى. وقال في الخلاصة: عبيد الله بن بسر الحراني الحمصي عن أبي أمامة له فرد حديث، وعنه صفوان بن عمرو وثقة ابن حبان انتهى.
قلت: الحاصل أن في عبيد بن بسر الذي وقع في هذا الحديث ثلاثة أقوال: الأول أنه أخو عبد بن بسر الصحابي، والثاني أن عبد الله بن بسر يقال له عبيد الله ابن بسر وهما واحد والثالث أن عبيد الله بن بسر الحراني التابعي والله تعالى أعلم.
قوله : "أخبرنا عبد الله" هو ابن المبارك.(7/305)
الزّيْتِ فَإِذَا قُرّبَ إِلَيْهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ فِيِه" وبِهَذَا الإِسْنَاد، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَسُرَادِقُ النّارِ أَرْبَعَةُ جُدُرٍ، كِثَفُ كُلّ جِدَارٍ مثل مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةٍ" وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْ أَنّ دَلْواً مِنْ غَسّاقٍ يُهَرَاقُ في الدّنْيَا لأَنْتَنَ أَهْلُ الدّنْيَا" .
__________
قوله : "فإذا قرب" بضم فتشديد أي المهل "إليه" أي إلى وجه العاصي.
قوله : "وبهذا الإسناد" أي بالإسناد السابق الواصل إلى أبي سعيد رضي الله عند "لسرادق النار" قال الطيبي رحمه الله: روي بفتح اللام على أنه مبتدأ أو كسرها على أنه خبر وهذا أظهر. وفي النهاية: السرادق كل ما أحاط بشيء من حائط أو مضرب أو خباء انتهى وهو إشارة إلى قوله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} "أربعة جدر" بضمتين جمع جدار "كثف كل جدار" بكسر الكاف وفتح المثلثة أي الغلظ. والمعنى: كثافة كل جدار وغلظه، وهذا الحديث أخرجه أيضاً الحاكم وقال صحيح الإسناد.
قوله : "لو أن دلواً من غساق" قال في النهاية: الغساق بالتخفيف والتشديد ما يسيل من صديد أهل النار وغسالتهم، وقيل ما يسيل من دموعهم، وقيل هو الزمهرير انتهى. وقال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث: الغساق هو المذكور في القرآن فيقوله تعالى: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} وقوله: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً} وقد اختلف في معناه فقيل هو ما يسيل من بين جلد الكافر ولحمه. قاله ابن عباس، وقيل هو صديد أهل النار قاله إبراهيم وقتادة وعطية وعكرمة. وقال كعب: هو عين في جهنم تسيل إليهما حمة كل ذات حمة من حية أو عقرب أو غير ذلك فيستنقع فيؤتى بالاَدمى فيغمس فيها غمسة واحدة فيخرج وقد سقط جلد، ولحمه عن العظام ويتعلق جلده ولحمه في عقبيه وكعبيه فيجر لحمه كما يجر الرجل ثوبه، وقاله عبد الله بن عمرو: الغساق القمح الغليظ لو أن قطرة منه تهراق في المغرب لأنتنت أهل المشرق ولو تهراق في المشرق لأنتنت أهل المغرب، وقيل غير ذلك انتهى "يهراق" بفتح الهاء ويسكن أي يصيب "في الدنيا" أي في أرضها "لأنتن أهل الدنيا" أي صاروا ذوي لتن منه، فأهل مرفوع على الفاعلية.(7/306)
هذا حديثٌ إِنّمَا نَعْرِفُهُ من حديثِ رِشْدِينَ بنِ سَعْدٍ. وَفي رِشْدِينَ ابنِ سَعْدٍ مَقَالٌ وقد تُكُلِمَ فيه من قِبَلِ حفظه ومعنى قوله: كِثفُ كُل جِدَارٍ: يعني غِلْظهُ.
2711-حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرنَا أَبُو دَاوُدَ، أخبرنا شُعْبَةُ عن الأعْمَشِ عن مُجَاهِدِ عن ابنِ عَبَاسٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَرَأَ هَذِهِ الاَيَةَ: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: " لَوْ أَنّ قَطْرَةً مِنَ الزّقُومِ قُطِرَتْ في دَارِ الدّنْيَا لأَفْسَدَتْ عَلَى اهْلِ الدّنْيَا مَعَايِشَهُمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامُهُ" .
__________
قوله : "هذا حديث إنما نعرفه من حديث رشيدين بن سعد" قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث: رواه الحاكم وغيره من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث به، وقال الحاكم صحيح الإسناد انتهى.
قوله : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الاَية اتقوا الله" أولها: "يا أيها الذين آمنوا حق تقاته" قال الطيبي: أي واجب تقواه وما يحق منها وهو القيام بالوجبات واجتناب المحارم أي بالغوا في التقوى حتى لا تتركوا من المستطاع منها شيئاً، وهذا معنىقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ، وقوله: {وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} تأكيد لهذا المعنى، أي لا تكونن على حال سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت. فمن واظب على هذه الحالة وداوم عليها مات مسلماً وسلم في الدنيا من الاَفات وفي الأخرى من العقوبات، ومن تقاعد عنها وتقاعس وقع في العذاب في الاَخرة، ومن ثم اتبعه صلى الله عليه وسلم.قوله: "لو أن قطرة من الزقوم" كتنور من الزقم اللقم الشديد والشرب المفرط. قال في المجمع: الزقوم شجرة خبيثة مرة كريهة الطعم والرائحة يكره أهل النار على تناوله انتهى "قطرت" بصيغة المعلوم ويجوز أن يكون بصيغة المجهول من باب نصر. قال في الصراح: قطر جكيدن اب وجزان وجكانيدن لازم ومتعد. وقال في القاموس: قطر الماء والدمع قطراً وقطوراً وقطراناً محركة، وقطره الله وأقطره وقطره "لأفسدت" أي لمرارتها وعفونتها وحرارتها "معايشهم" بالياء وقد يهمز جمع(7/307)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
معيشة "فكيف بمن يكون" أي الزقوم "طعامه" بالنصب.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث: رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: فكيف بمن ليس له طعام غيره، والحاكم إلا أنه قال فيه فقال: " والذي نفسي بيده لو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الأرض لأفسدت أو قال لأمرت على أهل الأرض معايشهم فكيف بمن يكون طعامه" . وقال صحيح على شرطهما. وروى موقوفاً على ابن عباس انتهى. ورواه أحمد أيضاً.(7/308)
5- باب ما جَاءَ في صِفَةِ طَعَامِ أَهْلِ النّار
2712-حدثنا عَبْدُ الله بنُ عبدِ الرحمنِ، أخبرنا عَاصِمُ بنُ يُوسُفَ، أخبرنا قَطْبَةُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ عن الأعْمَشِ عن شِمْرِ بنِ عَطِيّةَ عن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عن أُمّ الدّرْدَاءِ عن أَبِي الدّرْدَاءِ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النّارِ الْجُوعُ فَيَعْدِلُ مَا هُمْ فِيِه مِنَ العَذَابِ فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ مِنْ ضَرِيعٍ، لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يَغْنِي مِنْ جُوعٍ، فَيَسْتَغِيِثُونَ
__________
"باب ما جَاءَ في صِفَةِ طَعَامِ أَهْلِ النّار"
قوله: "أخبرنا عاصم بن يوسف" اليربوعي أبو عمرو الكوفي الحافظ روى عن قطبة بن عبد العزيز وغيره، وعنه الدارمي وغيره، وثقة مطين والدارقطني وابن حبان ومحمد بن عبد الله الحضرمي كذا في الخلاصة وتهذيب التهذيب "عن شمر" بكسر أوله وسكون الميم "ابن عطية" الأسدي الكاهلي الكوفي صدوق من السادسة.
قوله : "يلقى" أي "يسلط على أهل النار الجوع" أي الشديد "فيعدل" بفتح الياء وكسر الدال، أي فيساوي الجوع "ما هم فيه من العذاب" المعنى أن ألم جوعهم مثل ألم سائر عذابهم "فيستغيثون" أي بالطعام "فيغاثون بطعام من ضريع"(7/308)
بِالطّعَامِ فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ ذِي غُصّةٍ، فَيَذْكُرُونَ أَنّهُمْ كَانُوا يُجِيزُونَ الغُصَصَ في الدّنْيَا بِالشّرَابِ فَيَسْتَغِيثُونَ بِالشّرَابِ فَيُدْفَعُ إِلَيْهِمُ الْحَمِيمُ بِكَلاَلِيبِ الْحَدِيدِ فَإِذَا دَنَتْ مِنْ وُجُوهِهِمْ شَوَتْ وُجُوهَهُمْ، فَإِذَا دَخَلَتْ بُطُونَهُمْ قَطّعَتْ مَا فِي بُطُونِهِمْ، فَيَقُولُونَ ادْعُوا خَزَنة جَهَنَمَ، فَيَقُولُونَ:
__________
كأمير وهو نبت بالحجاز له شوك لا تقربه دابة لخبثه ولو أكلت منه ماتت. والمراد هنا شوك من نار أمر من الصبر وأنتن من الجيفة وأحر من النار "لا يسمن" أي لا يشبع الجائع ولا ينفعه ولو أكل منه كثيراً "ولا يغنى من جوع" أي ولا يدفع ولو بالتسكين شيئاً من ألم الجوع. وفيه إيماء إلىقوله تعالى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} إلى آخره "فيستغيثون بالطعام" أي ثانياً لعدم نفع ما أغيثوا أولا "فيغاثون بطعام ذي غصة" أي مما ينشب في الحلق، ولا يسوغ فيه من عظم وغيره لا يرتقي ولا ينزل، وفيه إشعار إلىقوله تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً} . والمعنى أنهم يؤتون بطعام ذي غصة فيتناولونه فيغصون به "فيذكرون أنهم كانوا يجيزون" من الإجازة بالزأي أن يسيغون "الغصص" جمع الغصة بالضم وهي ما اعترض في الحلق من عظم وغيره. والمعنى أنهم كانوا يعالجونها "في الدنيا بالشراب فيستغيثون" أي على مقتضى طباعهم "بالشراب" أي لدفع ما حصل لهم من العذاب "فيدفع إليهم الحميم" بالرفع أي يدفع أطراف إناء فيه الحميم وهو الماء الحار الشديد "بكلاليب الحديد" جمع كلوب بفتح كاف وشدة لام مضمومة حديدة له شعب يعلق بها اللحم، كذا في المجمع. وقال النووي: الكلاليب جمع كلوب بفتح الكاف وضم اللام المشددة وهو حديدة معطوفة الرأس يعلق عليها اللحم ويرسل في التنور انتهى "فإذا دنت" أي قربت أواني الحميم "شوت وجوههم" أي أحرقتها "فإذا دخلت" أي أنواع ما فيها من الصديد والغساق وغيرهما "قطعت ما في بطونهم" من الأمعاء قطعة قطعة "فيقولون ادعوا خزنة جهنم" نصب على أنه مفعول ادعوا، وفي الكلام حذف أي يقول الكفار بعضهم لبعض ادعوا خزنة جهنم فيدعونهم(7/309)
{أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ} قالَ: فَيَقُولُونَ ادْعُوا مَالِكاً، فَيَقُولُونَ {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} قالَ: فَيَجِييهُمْ {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} قالَ: الأَعْمَشُ نُبّئْتُ أَنّ بَيْنَ دُعائهِمْ، وَبَيْنَ إِجَابَةِ مَالِكٍ إِيَاهُمْ أَلْفَ عَامٍ، قالَ : فَيَقُولُونَ ادْعُوا رَبّكُمْ فَلاَ أَحَدَ خَيْرٌ مِنْ رَبّكُمْ، فَيَقُولُونَ { رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا
__________
ويقولون لهم: ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب "فيقولون" أي الخزنة "ألم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا" أي الكفار "بلى قالوا" أي الخزنة تهكماً بهم "فادعوا" أي أنتم ما شئتم فإنا لا نشفع للكافر "وما دعاء الكافرين إلا في ضلال" أي في ضياع، لأنه لا ينفعهم حينئذ دعاء لا منهم ولا من غيرهم. قال الطيبي: الظاهر أن خزنة جهنم ليس بمفعول "ادعوا" بل هو منادى ليطابققوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} وقوله: {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ} إلزام للحجة وتوبيخ وأنهم خلفوا وراءهم أوقات الدعاء والتضرع وعطلوا الأسباب التي يستجيب لها الدعوات، قالوا فادعوا أنتم فإنا لا نجترئ على الله في ذلك، وليسقولهم فادعوا لرجاء المنفعة ولكن للدلالة على الخيبة فإن الملك المقرب إذا لم يسمع دعاؤه فكيف يسمع دعاء الكافرين "قال" أي النبي صلى الله عليه وسلم "فيقولون" أي الكفار "ادعوا مالكاً" والمعنى أنهم لما أيسوا من دعاء خزنة جهنم لأجلهم وشفاعتهم لهم أيقنوا أن لاخلاص لهم ولا مناص من عذاب الله "فيقولون يا مالك ليقض" أي سل ربك داعياً ليحكم بالموت "علينا ربك" لنستريح، أو من قضى عليه إذا أماته، فالمعنى ليمتنا ربك فنستريح "قال" أي النبي صلى الله عليه وسلم "فيجيبهم" أي مالك جواباً من عند نفسه أو من عند ربه تعالى بقوله: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} أي مكثاً مخلداً "قال الأعمش نبئت" بتشديد الموحدة المكسورة أي أخبرت "أن بين دعائهم وبين إجابة مالك إياهم" أي بهذا الجواب "قال فيقولون" أي بعضهم لبعض "فلا أحد" أي فليس أحد "خير من(7/310)
شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} قالَ: فَيُجِيبُهُمْ {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} قالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ يَئسُوا مِنْ كُلّ خَيْرٍ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَأْخُذُونَ في الزّفِيِرِ وَالْحَسْرَةِ وَالوَيْلِ " قال عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، والنّاسُ لاَ يَرْفَعُونَ هَذَا الْحَدِيثَ.
إِنّمَا نعرف هَذَا الْحَدِيثُ عن الأَعْمَشِ عن شِمْرِ بنِ عَطِيّةَ عن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ
__________
ربكم" أي في الرحمة والقدرة على المغفرة "غلبت علينا شقوتنا" بكسر فسكون وفي قراءة بفتحتين وألف بعدهما، وهما لغتان بمعنى ضد السعادة. والمعنى سبقت علينا هلكتنا المقدرة بسوء خاتمتنا {وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ} عن طريق التوحيد "ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون" وهذا كذب منهم فإنه تعالى قال: { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} "قال فيجيبهم" أي الله بواسطة أو بغيرها إجابة إعراض {اخْسَأُوا فِيهَا} أي ذلوا وانزجروا كما ينزجر الكلاب إذا زجرت. والمعنى ابعدوا أذلاء في النار {وَلا تُكَلِّمُونِ} أي لا تكلموني في رفع العذاب فإنه لا يرفع ولا يخفف عنكم "قال فعند ذلك يئسوا" أي قنطوا "من كل خير" أي مما ينجيهم من العذاب أو يخففه عنهم "وعند ذلك" أي أيضاً "يأخذون في الزفير" قيل الزفير أول صوت الحمار كما أن الشهيق آخر صوته. قال تعالى: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} وقال المنذري في الترغيب: الشهيق في الصدر والزفير إخراج النفس. وروى البيهقي عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فيقوله: "لهم فيها زفير وشهيق" قال صوت شديد وصوت ضعيف انتهى "والحسرة" أي وفي الندامة "والويل" أي في شدة الهلاك والعقوبة، وقيل هو واد في جهنم.
قوله : "قال عبد الله بن عبد الرحمن" هو الدارمي "والناس لا يرفعون هذا(7/311)
عن أُمّ الدّرْدَاءِ عن أَبِي الدّرْدَاءِقوله وَلَيْسَ بِمَرْفُوع وَقطْبَةُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ هُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ.
2713-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عبد الله بْنُ المُبَارَكِ عن سَعِيدِ بنِ يَزِيدَ أَبِي شُجَاعٍ، عَنْ أَبِي السّمْحِ، عن أَبِي الهَيْثَمِ عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: {وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} قَالَ تَشْوِيه النّارِ فَتَقَلّصُ شَفَتُهُ العُلْيَا حَتّى تَبْلُغَ وَسطَ رَأْسِهِ وَتَسْتَرْخِي شَفَتُهُ السّفْلَى حَتّى تَضْرِبَ سُرّتَهُ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.
وَأَبُو الهَيْثَمِ اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بنُ عَمْروٍ بنِ عَبْدِ العُتْوَارِيّ، وَكَانَ يَتِيما في حِجْرِ أَبِي سَعِيدٍ.
__________
الحديث" بل يروونه موقوفاً على أبي الدرداء فهو وإن كان موقوفاً لكنه في حكم الموفوع فإن أمثال ذلك ليس مما يمكن أن يقال من قبل الرأي.
قوله : "قال" أي فيقوله تعالى: {وَهُمْ فِيهَا} أي الكفار في النار {كَالِحُونَ} أي عابسون حين تحترق وجوههم من النار. كذا ذكره الطيبي. وقيل: أي بادية أسنانهم وهو المناسب لتفسيره صلى الله عليه وسلم كما بينه الراوي بقوله: "قال" وأعاده للتأكيد "تشويه" بفتح أوله أي تحرق الكافر "فتقلص" على صيغة المضارع بحذف إحدى التاءين أي تنقبض "شفته العليا" بفتح الشين وتكسر "حتى تبلغ" أي تصل شفته "وسط رأسه" بسكون السين وتفتح "وتسترخي" أي تسترسل "شفته السفلى" تأنيث الأسفل كالعليا تأنيث الأعلى "حتى تضرب سرته" أي تقرب شفته سرته.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والحاكم وقال صحيح الإسناد "وأبو الهيثم اسمه سليمان بن عمرو بن عبد" ويقال عبيد بالتصغير "للعتواري" بضم العين المهملة وسكون المثناة الفوقية وبالراء نسبة إلى عتورة بطن من كنانة "وكان يتيماً في حجر أبي سعيد" وروى عنه وعن أبي هريرة وأبي نضرة(7/312)
2714-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله، أخبرنا سَعِيدُ بنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي السّمْحِ، عن عِيسَى بنِ هِلاَلٍ الصّدفِيّ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنّ رَصَاصَةً مِثْلُ هَذِهِ، وَأَشَارَ إِلَى مِثْلِ الْجُمْجُمَةِ، أُرْسَلَتْ مِنَ السّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ وهِيَ مَسِيرَةُ خَمْسُمَائَةِ سَنَةٍ لَبَلَغَتْ الأَرْضَ قبْلَ الّليْلِ، وَلَوْ أَنّهَا أُرْسِلَتْ
__________
وروى عنه دراج أبو السمح وغيره ثقة من الرابعة.
قوله : "عن عيسى بن هلال الصدفي" المصري صدوق من الرابعة.
قوله : "لو أن رصاصة" بفتح الراء والصادين المهملتين أي قطعة من الرصاص قال في القاموس: الرصاص كسحاب معروف لا يكسر، ضربان أسود وهو الأسربّ، وأبيض وهو القلعي. وقال في بحر الجواهر: الرصاص بالفتح والعامة تقول بالكسر القلعي كذا في القانون وفي كنز اللغات. وقال صاحب الاختيارات: هو القلعي فارسيه أرزيز، ويستفاد من المغرب. وفي النهاية والصراح والمقاييس وجامع بن بيطار أن الرصاص نوعان أحدهما أبيضت ويقال له القلعي بفتح اللام وهو منسوب إلى قلع بسكون اللام وهو معدنية وثانيهما أسود ويقال له الأسرب انتهى "مثل هذه" إشارة إلى محسوسة معينة هناك كما أشار إليه الراوي بقوله: "وأشار إلى مثل الجمجمة" قال القاري: بضم الجيمين في النسخ المصححة للمشكاة وهي قدح صغير. وقال المظهر: بالخاءين المعجمتين وهي حبة صغيرة صفراء، وقيل هي بالجيمين وهي عظيم الرأس المشتمل على الدماغ، وقيل الأول أصح انتهى والجملة حالية لبيان الحجم والتدوير المعين على سرعة الحركة. قال التوربشتي: بين مدى قعر جهنم بأبلغ ما يمكن من البيان، فإن الرصاص من الجواهر الرزينة، والجوهر كلما كان أتم رزانة كان أسرع هبوطاً إلى مستقرة لا سيما إذا انضم إلى رزانته كبر جرمه ثم قدره على الشكل الدوري فإنه أقوى انحداراً وأبلغ مروراً في الجو انتهى قال القاري: فالمختار عنده أن المراد بالجمجمة جمجة الرأس على أن اللام للعهد أو بدل عن المضاف إليه وهو المعنى الظاهر المتبادر من الجمجمة "أرسلت" بصيغة المجهول "وهي" أي مسافة ما بينهما "ولو أنها" أي الرصاصة(7/313)
مِنْ رَأْسِ السّلْسِلَةِ لَسَارتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفاً الّليْلَ والنّهَارَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ أَصْلَهَا أَوْ قَعْرَهَا" .
هذا حديثٌ إِسْنَادُهُ حسنٌ صحيحٌ
__________
"أرسلت من رأس السلسلة" أي المذكورة فيقوله تعالى: {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} فالمراد من السبعين للكثرة، أو المراد بذرعها ذراع الجبار "لسارت" أي لنزلت وصارت مدة ما سارت "أربعين خريفاً أي سنة "الليل والنهار" أي منهما جميعاً لا يختص سيرها بأحدهما "قبل أن تبلغ" أي الرصاصة "أصلها" أي أصل السلسة أو "قعرها" شك من الرواي. قال القاري: والمراد بقعرها نهايتها وهي معنى أصلها حقيقة أو مجازاً، فالترديد إنما هو في اللفظ المسموع. قال وأبعد الطيبي حيث قال يراد به قعر جهنم لأن السلسلة لا قعر لها. قال وجهنم في هذا المقام لا ذكر لها مع لزوم تفكيك الضمير فيها وإن كان قعرها عميقاً انتهى.
قوله : "هذا حديث إسناده حسن صحيح" وأخرجه أحمد والبيهقي.(7/314)
6-باب ما جَاءَ أَنّ نَارَكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نَارِ جَهَنّم
2715-حدثنا سُوَيْد بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ" أخبرنا مَعْمَرٌ عن هَمّامِ بنِ مُنَبّهٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "نَارُكُمْ هَذِهِ الّتِي يُوقِدُ بَنُو آدَمَ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ حَرّ
__________
"باب ما جَاءَ أَنّ نَارَكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نَارِ جَهَنّم"
قوله: "ناركم هذه التي يوقد بنو آدم جزء واحد من سبعين جزءاً" قال الحافظ في رواية لأحمد: من مائة جزء والجمع بأن المراد المبالغة في الكثرة لا العدد الخاص(7/314)
جَهَنمَ، قَالُوا وَالله إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رسولَ الله، قَالَ فَإِنّهَا فُضّلَتْ بِتِسْعَةِ وَسِتّينَ جُزْءَا كُلّهُنّ مِثْلُ حَرّهَا" .
هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَهَمّامُ بنُ مُنَبّهٍ هُوَ أَخُو وَهْبِ بنِ مُنَبّهٍ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ وَهْبٌ.
__________
أو الحكم للزائد انتهى "من حر جهنم" وفي رواية البخاري من نار جهنم "إن كانت لكافية" إن هي المخففة من الثقلية واللام هي الفارقة، أي إن هذه النار التي نراها في الدنيا كانت كافية في العقبى لتعذيب العصاة، فهلا اكتفى بها ولأي شيء زيدت في حرها "قال فإنها" أي نار جهنم "فضلت" وفي رواية البخاري فضلت عليهن والمعنى على نيران الدنيا. وفي رواية مسلم فضلت عليها أي على النار "كلهن" أي حرارة كل جزء من تسعة وستين جزءاً من نار جهنم "مثل حرها" أي مثل حرارة ناركم في الدنيا. وحاصل الجواب منع الكفاية أي لا بد من التفضيل لحكمة كون عذاب الله أشد من عذاب الناس، ولذلك أوثر ذكر النار على سائر أصناف العذاب في كثير من الكتاب والسنة منهاقوله تعالى: {فما أصبرهم على النار} وقوله: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} وإنما أظهر الله هذا الجزء من النار في الدنيا أنموذجاً لما في تلك الدار. وقال الطيبي ما محصله: إنما أعاد صلى الله عليه وسلم حكاية تفضيل نار جهنم على نار الدنيا، إشارة إلى المنع من دعوى الإجزاء، أي لا بد من الزيادة ليتميز ما يصدر من الخالق من العذاب على ما يصدر من خلقه.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث: رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي، وليس عند مالك كلهن مثل حرها، ورواه أحمد وابن حبان في صحيحه والبيهقي فزادوا فيه: وضربت بالبحر مرتين، ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد، وفي رواية للبيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يحسبون أن نار جهنم مثل ناركم هذه هي أشد سواداً من القار هي جزء من بضعة وستين جزءاً منها أو نيف وأربعين" ، شك أبو سهيل انتهى(7/315)
7-باب منه
2716-حدثنا عَبّاسُ بنُ مُحمّدٍ الدّورِيّ، حدثنَا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى حدثنَا شَبْيَانُ عن فِرَاسٍ، عن عَطِيّةَ، عن أَبِي سَعِيدٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "نَارُكُمْ هَذِهِ جزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نَارِ جَهَنّمَ لِكُلّ جُزْءٍ مِنْهَا حَرّهَا" .
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من حديثِ أَبِي سَعِيدٍ.
2717-حدثنا عَبّاسُ بنُ مُحمّدِ الدّورِيّ البَغْدَادِيّ، أَخْبَرنَا يَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ، أَخْبَرنَا شَرِيكٌ عن عَاصِمٍ هو ابن بهدلة، عن أَبِي صَالِحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُوْقِدَ عَلَى النّارِ أَلْفَ سَنَةٍ حَتّى احْمَرَتْ ثمّ أُوْقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتّى ابْيَضّتْ، ثمّ أُوْقِدَ عَليْهَا أَلفَ سَنَةٍ حَتّى اسْوَدّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ" .
__________
"باب منه"
قوله: "عن عطية" هو ابن سعد العوفي الجدلي الكوفي.
قوله : "ناركم هذه" التي توقدونها في الدنيا "جزء" واحد "لكل جزء منها حرها" أي حرارة كل جزء من السبعين جزءاً من نار جهنم مثل حرارة ناركم.
قوله : "أخبرنا شريك" هو ابن عبد الله بن أبي شريك النخعي أبو عبد الله الكوفي القاضي "عن عاصم" هو ابن بهدلة الكوفي أبو بكر المقرئ "عن أبي صالح" هو ذكوان السمان الزيات.
قوله : "أوقد" بصيغة المجهول "على النار" أي نار جهنم. قال الطيبي على هذا قريب منقوله تعالى: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ} أي يوقد الوقود فوق النار، أي النار ذات طبقات توقد طبقة فوق أخرى ومستعلية عليها "حتى احمرت" بتشديد الراء المبالغة في الاحمرار "فهي" الاَن "سوداء مظلمة" وفي(7/316)
2718-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بن المُبَارك عن شَرِيكٍ عن عَاصِمٍ عن أَبِي صَالِحٍ أَوْ رَجُلٍ آخَرَ، عن أَبي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ.
حَدِيثُ أَبي هُرَيْرَةَ في هَذَا مَوْقُوفٌ أَصَحّ وَلاَ أَعْلَمُ أَحَداً رَفَعَهُ غَيْرَ يَحْيَى بنِ أَبِي بُكَيْرٍ عن شَرِيكٍ.
__________
رواية ابن ماجة فهي سوداء كالليل المظلم، والقصد الإعلام بفظاعتها والتحذير من فعل ما يؤدي إلى الوقوع فيها.
قوله : "عن أبي صالح أو رجل آخر" أو للشك "وحديث أبي هريرة هذا موقوف أصح" كذا وقع في نسخ الترمذي موقوف بالرفع. والظاهر أن يكون موقوفاً بالنصب. قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث: رواه الترمذي وابن ماجة والبيهقي يعني في كتاب البعث والنشور، قال ورواه مالك والبيهقي في الشعب مختصراً مرفوعاً، قال: أترونها حمرا كناركم هذه لهي أشد سواداً من القار. والقار: الزفت. زاد رزين: ولو أن أهل النار أصابوا ناركم هذه لناموا فيها أو قال لقالوا فيها انتهى.(7/317)
باب ما جاء أن للنار نفسين وما ذكر من يخرج من النار أهل التوحيد
...
8- باب ما جَاءَ أَنّ لِلنّارِ نفَسَيْنِ وَمَا ذُكرَ مَنْ يَخْرُجُ منَ النّارِ مِنْ أَهْلِ التّوْحِيد
2719-حدثنا مُحمّدُ بنُ عُمَرَ بنِ الوَلِيدِ الكِنْدِيّ الكُوفيّ، أَخْبَرنَا المُفَضّلُ بنُ صَالِحٍ، عن الأَعْمَشِ، عن أَبِي صَالِحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اشْتَكَتِ النّارُ إِلَى رَبّهَا وَقَالَتْ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضاً فَجَعَلَ لَهَا نَفَسَيْنِ: نَفَساً في الشّتَاءِ، وَنَفَساً في الصّيْفِ. فَأَمّا
__________
"باب ما جَاءَ أَنّ لِلنّارِ نفَسَيْنِ وَمَا ذُكرَ مَنْ يَخْرُجُ منَ النّارِ مِنْ أَهْلِ التّوْحِيد"
قوله : "أخبرنا المفضل بن صالح" الأسدي النخاس الكوفي ضعيف من الثامنة.
قوله : "اشتكت النار إلى ربها وقالت أكل بعضي بعضاً" قال الحافظ في(7/317)
نَفَسُهَا في الشّتَاءِ فَزَمْهَرِيرٌ، وَأَمّا نَفَسُهَا في الصّيْفِ فَسَمُومٌ" .
هذا حديثٌ صحيحٌ. قَد رُوِيَ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ. وَالمُفَضّلُ بنُ صَالِحٍ لَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِذَلِكَ الْحَافِظِ.
2720-حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أَبُو دَاودَ، أخبرنا شُعْبَةَ وَهِشَامٌ، عن قَتَادَةَ عن أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: قالَ هِشَامٌ: "يَخْرُجُ مِنَ النّارِ، وَقَالَ شُعْبَةُ : أَخْرِجُوا مِنَ النّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ
__________
الفتح: قد اختلف في هذا الشكوى هل هي بلسان القال أو بلسان الحال، واختار كلا طائفة. وقال ابن عبد البر: لكلا القولين وجه ونظائر والأول أرجح، وقال عياض: إنه الأظهر، وقال القرطبي: لا إحالة في حمل اللفظ على حقيقته، قال وإذا أخبر الصادق بأمر جائز لم يحتج إلى تأويله فحمله على حقيقته أولى. وقال النووي نحو ذلك ثم قال حمله على حقيقته هو الصواب، وقال نحو ذلك التوربشتي، ورجح البيضاوي حمله على المجاز، فقال شكواها مجاز عن غليانها، وأكلها بعضها بعضاً مجاز عن ازدحام أجزائها، وتنفسها مجاز عن خروج ما يبرز منها. وقال الزين بن المنير: المختار حمله على الحقيقة لصلاحية القدرة لذلك، ولأن استعارة الكلام للحال وإن عهدت وسمعت لكن الشكوى وتفسيرها والتعليل له والإذن والقبول والتنفس وقصره على اثنين فقط، بعيد من المجاز، خارج عما ألف من استعماله، انتهى ما في الفتح "فجعل لها نفسين" بفتح الفاء، والنفس معروف وهو ما يخرج من الجوف ويدخل فيه من الهواء "فأما نفسها في الشتاء فزمهرير" قال الحافظ. المراد بالزمهرير شدة البرد، واستشكل وجوده في النار ولا إشكال لأن المراد بالنار محلها وفيها طبقة زمهريرية. وفي الحديث رد على من زعم من المعتزلة وغيرهم أن النار لا تخلق إلا يوم القيامة انتهى "أما نفسها في الصيف فسموم" بفتح السين: الريح الحارة تكون غالباً بالنهار.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله : "قال هشام" أي في حديثه "يخرج" قال الحافظ: بفتح أوله وضم(7/318)
إِلاّ الله وَكَانَ في قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، أَخْرِجُوا مِنَ النّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَكَانَ في قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرّةً، أَخْرِجُوا مِنَ النّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَكَانَ في قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرّةً" . وَقَالَ شُعْبةُ مَا يَزِنُ ذَرَةً مُخَفّفَةً.
__________
الراء ويروى بالعكس، ويؤيدهقوله في الرواية الأخرى أخرجوا "وقال شعبة" أي في حديثه "أخرجوا" بصيغة الأمر الإخراج "من قال لا إله إلا الله" . قال الحافظ: فيه دليل على اشتراط النطق بالتوحيد، أو المراد بالقول هنا القول النفسي. فالمعنى من أقر بالتوحيد وصدق، فالإقرار لا بد منه فلهذا أعاده في كل مرة، والتفاوت يحصل في التصديق. فإن قيل: فكيف لم يذكر الرسالة؟ فالجواب أن المراد المجموع وصار الجزء الأول علماً عليه كما تقول قرأت قل هو الله أحد أي السورة كلها انتهى "وكان في قلبه من الخير" أي من الإيمان كما في رواية "ما يزن" أي يعدل "برة" بضم الموحدة وتشديد الراء المفتوحة: وهي القمحة. قال الحافظ: ومقتضاه أن وزن البرة دون وزن الشعيرة، لأنه قدم الشعيرة وتلاها بالبرة ثم الذرة، وكذلك هو في بعض البلاد. فإن قيل إن السياق يعني سياق البخاري بالواو، وهي لا ترتب. فالجواب: أن رواية مسلم من هذا الوجه بلفظ ثم وهي للترتيب، انتهى "وكان في قلبه ما يزن ذرة" بفتح المعجمة وتشديد الراء المفتوحة. قال الحافظ في الفتح: قيل هي أقل الأشياء الموزونة. وقيل هي الهباء الذي يظهر في شعاع الشمس مثل رؤوس الإبر. وقيل هي النملة الصغيرة، ويروى عن ابن عباس أنه قال إذا وضعت كفك في التراب فنفضتها فالساقط هو الذر، ويقال إن أربع ذرات وزن خردلة. وللمصنف في أواخر التوحيد من طريق حميد عن أنس مرفوعاً: أدخل الجنة من كان في قلبه خردلة، ثم من كان في قلبه أدنى شيء، وهذا معنى الذرة انتهى "وقال شعبة" أي في حديثه "ما يزن ذرة مخففة" أي بضم الذال المعجمة وفتح الراء المخففة. قال(7/319)
وفي البابِ عن جَابِرٍ وأَبِي سَعِيدٍ وَعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2721-حدثنا مُحَمَدُ بنُ رَافِعٍ، حدثنا أَبُو دَاوُدَ، عن مُبَارَكِ بنَ فَضالَةَ عن عُبَيْدِ الله بنِ أَبِي بَكْرِ بنِ أَنَسٍ عنْ أَنَسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَقُولُ الله أَخْرِجُوا مِنَ النّارِ مَنْ ذَكَرَنِي يَوْماً أَوْ خَافَنِي في مَقَامٍ" .
__________
الحافظ: صحفها يعني الذرة شعبة فيما رواه مسلم من طريق يزيد بن ذريع عنه، فقال ذرة بالضم وتخفيف الراء، وكان الحامل له على ذلك كونها من الحبوب فناسبت الشعيرة والبرة، قال مسلم في روايته: قال يزيد صحف فيها أبو بسطام يعني شعبة انتهى.
قوله : "وفي الباب عن جابر وعمران بن حصين" أما حديث جابر فأخرجه الترمذي في هذا الباب، وأما حديث عمران بن حصين، فأخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجة عنه مرفوعاً: "يخرج قوم من النار بشفاعته فيدخلون ويسمون الجهنميين " هذا لفظ البخاري.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله : "عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس" بن مالك أبي معاذ الأنصاري ثقة من الرابعة.
قوله : "أخرجوا من النار من ذكرني" أي بشرط كونه مؤمناً مخلصاً "يوماً" أي وقتاً وزماناً "وخافني في مقام" أي مكان في ارتكاب معصية من المعاصي كما قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} قال الطيبي: أراد الذكر بالإخلاص وهو توحيد الله عن إخلاص القلب وصدق النية، وإلا فجميع الكفار يذكرونه باللسان دون القلب، يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة" . والمراد بالخوف كف الجوارح عن المعاصي وتقيدها بالطاعات، وإلا فهو حديث نفس حركة لا يستحق أن يسمى خوفاً، وذلك عند مشاهدة سبب هائل، وإذا غاب(7/320)
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
2722-حدثنا هَنّادٌ، حدثنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عن الأَعْمَشِ عن إِبْرَاهِيمَ عن عُبَيْدَةَ السّلْمَانِيّ عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودِ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّي لأَعْرِفُ آخِرَ أَهْلِ النّارِ خُرُوجاً رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْهَا زَحْفاً فَيَقُولُ: يَا رَبّ قَدْ أَخَذَ النّاسُ المَنَازِلَ. قال فَيُقَالُ لَهُ: انْطَلِقْ إِلَى الْجَنَةِ فَادْخُلِ الْجَنَةَ، قالَ فَيَذْهَبُ لِيَدْخُلَ فَيَجِدُ النّاسَ قَدْ أَخَذُوا المَنَازِلَ فَيَرْجِعُ
__________
ذلك السبب عن الحسن، رجع القلب إلى الفضلة. قال الفضيل: إذا قيل لك هل تخاف الله؟ فاسكت فإنك إذا قلت: لا كفرت، وإذا قلت نعم كذبت، أشار به إلى الخوف الذي هو كف الجوارح عن المعاصي.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه البيهقي في كتاب البعث والنشور.
قوله : "عن إبراهيم" هو النخعي، "عن عبيدة" بفتح أوله ابن عمرو "السلماني" بسكون اللام ويقال بفتحها المرادي، أبي عمرو الكوفي تابعي كبير مخضرم ثقة ثبت، كان شريح إذا أشكل عليه شيئاً سأله.
قوله : "إني لأعرف آخر أهل النار خروجاً" زاد البخاري، وكذا مسلم: وآخر أهل الجنة دخولا. قال القاري: الظاهر أنهما متلازمان، فالجمع بينهما للتوضيح، ولا يبعد أن يكون احترازاً مما عسى أن يتوهم من حبس أحد في الموقف من أهل الجنة حينئذ "رجل يخرج منها" أي من النار "زحفاً" ، وفي رواية للشيخين: حبوا. قال النووي: قال أهل اللغة، الحبو المشي على اليدين والرجلين، وربما قالوا على اليدين والركبتين، وربما قالوا على يديه ومقعدته. وأما الزحف فقال ابن دريد وغيره: هو المشي على الإست مع إشرافه بصدره، فحصل من هذا أن الحبو والزحف مماثلان أو متقاربان، ولو ثبت اختلافهما حمل على أنه في حال يزحف وفي حال يحبو. انتهى "قال فيذهب ليدخل فيجد الناس قد أخذوا المنازل فيرجع فيقول يا رب قد أخذ الناس المنازل" يعني وليس لي مكان فيها. وفي رواية للشيخين قال: فيأيتها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول(7/321)
فَيَقُولُ يَا رَبّ قَدْ أَخَذَ النّاسُ المَنَازِلَ، قَالَ: فَيُقَالُ لَهُ أَتَذْكُرُ الزّمَانَ الّذِي كُنْتَ فِيِه؟ فَيَقُولُ نَعَمْ، فَيُقَالُ لَهُ تَمَنّى، قالَ: فَيَتَمّنى، فَيُقَاَلُ لَهُ، فَإِنّ لَكَ الّذِي تَمَنّيْتَ وَعَشْرَةَ أَضْعَافِ الدّنْيَا، قالَ فَيَقُولُ أَتَسْخَرُ بِي وَأَنْتَ المَلِكُ، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ" .
__________
يا رب وجدتها ملأى "فيقال له أتذكر الزمان الذي كنت فيه" أي الدنيا كذا قال الحافظ "فيقال له تمن" أمر مخاطب من التمني، وفي بعض النسخ تمنه بزيادة هاء السكتة "فيقال له: فإن لك الذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا" وفي رواية عشرة أمثال الدنيا. قال النووي: هاتان الروايتان بمعنى واحد. وإحداهما تفسير الأخرى، فالمراد الأمثال، فإن المختار عند أهل اللغة أن الضعف المثل انتهى "فيقول أتسخر بي وأنت الملك" قال النووي: في معنى أتسخر بي أقوال: أحدها قال المازري إنه خرج على المقابلة الموجودة في معنى الحديث دون لفظه، لأنه عاهد الله مراراً أن لا يسأله غير ما سأل، ثم غدر فحل غدره محل الاستهزاء والسخرية، فقدر الرجل أن قول الله تعالى: له أدخل الجنة وتردده إليها وتخييل كونها مملوءة ضرب من الإطماع له والسخرية به جزاء لما تقدم من غدره وعقوبة له، فسمي الجزاء على السخرية سخرية فقال: تسخر بي أي تعاقبني بالإطماع والقول الثاني قاله: أبو بكر الصيرفي أن معناه نفي السخرية، التي لا تجوز على الله تعالى. كأنه قال إعلم أنك لا نهزأ بي لأنك رب العالمين، وما أعطيتني من جزيل العطاء وأضعاف مثل الدنيا حق، ولكن العجب أنك أعطيتني هذا، وأنا غير أهل له، قال والهمزة في أتسخر بي همزة نفي، قال وهذا كلام منبسط متدلل، والقول الثالث قال القاضي عياض أن يكون صدر من هذا الرجل وهو غير ضابط لما ناله من السرور ببلوغ ما لم يخطر بباله فلم يضبط لسانه دهشاً وفرحاً فقاله: وهو لا يعتقد حقيقة معناه، وجرى على عادته في الدنيا في مخاطبة المخلوق، وهذا كما قال النبي: صلى الله عليه وسلم في الرجل الاَخر إنه لم يضبط نفسه من الفرح فقال: أنت عبد وأنا ربك انتهى. "ضحك حتى بدت نواجده" قال(7/322)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2723-حدثنا هَنّادٌ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عنْ الأَعْمَشِ عن المَعْرُورِ بنِ سُوَيْدٍ عن أَبِي ذرٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: " إِنّي لأَعْرِفُ آخِرَ أَهْلِ النّارِ خُرُوجاً مِنْ النّارِ وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنّةِ دُخُولاً الْجَنّةَ، يُؤْتَى بِرَجُلٍ، فَيَقُولُ سَلُوا عن صِغَارِ ذُنُوبِهِ وَأَخْبأوا كِبَارَهَا، فَيُقَالُ لَهُ عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، عَمِلْتَ كَذَ وَكَذَا فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا،
__________--
النووي: هو بالجيم والذال المعجمة. قال أبو العباس: ثعلب وجماهير العلماء من أهل اللغة، وغريب الحديث وغيرهم، المراد بالنواجذ هنا الأنياب، وقيل المراد بالنواجذ هنا الضواحك، وقيل المراد بها الأضراس وهذا هو الأشهر في إطلاق النواجذ في اللغة، ولكن الصواب عند الجماهير ما قدمناه. قال وفي هذا جواز الضحك أنه ليس بمكروه في بعض المواطن ولا يسقط للمروة إذا لم يجاوز به الحد المعتاد من أمثاله في مثل تلك الحال انتهى.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله : "عن المعرور بن سويد" هو بالعين المهملة والراء المكررة.
قوله : "وآخر أهل الجنة دخولا الجنة" أي فيها "يؤتي برجل" وزاد مسلم: يوم القيامة "فيقول سلوا عن صغار ذنوبه" وفي رواية مسلم: فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه "وأخبئوا كبارها" ضبط في النسخة الأحمدية المطبوعة بالقلم بفتح الهمزة وكسر الموحدة. وقال في هامشها أمر من الإخباء وهو والإخفاء انتهى.
قلت: الظاهر أنه أمر من الخبء، قال في القاموس: خبأه كمنعه ستره كخبأه واختبأه انتهى. وقال في النهاية: يقال خبأت الشيء أخبأه خبأ إذا أخفيته "يوم كذا وكذا" أي في الوقت الفلاني "عملت كذا وكذا في يوم كذا وكذا" زاد مسلم: "فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض(7/323)
قَالَ: فَيُقَالُ لَهُ فَإِنّ لَكَ مَكَانَ كُلّ سَيّئَةٍ حَسَنَةً، قَالَ: فَيَقُولُ يَا رَبّ لَقَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ مَا أَرَاهَا هَاهُنَا ، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ضحك حَتَى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2724-حدثنا هَنّادٌ أَخْبَرنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عن الأَعْمَشِ عن أَبِي سُفْيَانَ عن جَابِرٍ قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُعَذّبُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ التّوْحِيدِ في النّارِ حَتّى يَكُونُوا فِيهَا حُمَمَا، ثُمّ تُدْرِكُهُمْ الرّحْمَةُ فَيُخْرَجُونَ وَيُطْرَحُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْجَنّةِ. قالَ فَيَرُشّ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الجَنّةِ الْمَاءَ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الغُثَاءُ فِي حُمَالَةِ السّيْلِ، ثُمّ يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ ".
__________
عليه" " فإن لك مكان كل سيئة حسنة" قال القاري: وهو إما لكونه تائباً إلى الله تعالى وقد قال تعالى: {إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} لكن يشكل بأنه كيف يكون آخر أهل النار خروجاً، ويمكن أن يقال فعل بعد التوبة ذنوباً استحق بها العقاب، وإما وقع النبديل له من باب الفضل من الله تعالى، والثاني أظهر ويؤيده أنه حينئذ يطمع في كرم الله سبحانه "فيقول يا رب لقد عملت أشياء" أي من الكبائر "ما أرها ههنا" أي في الصحائف أو في مقام التبديد.
قوله : "هذا حسن صحيح" وأخرجه مسلم في أواخر كتاب الإيمان.
قوله : "حتى يكونوا فيها حمما" بضم الحاء وفتح الميم الأولى المخففة وهو الفحم، الواحدة حممة "ويطرحون على أبواب الجنة" وفي رواية مسلم: فيجعلون بفناء الجنة "فيرش عليهم أهل الجنة الماء" أي ماء الحياة كما في حديث أبي هريرة عند البخاري في باب الصراط جسر جهنم "فينبتون كما ينبت الغثاء" بضم الغين المعجمة بعدها مثلثة مفتوحة وبعد الألف همزة هو في الأصل كل ما حمله السيل من عيدان وورق وبزور وغيرها، والمراد به هنا ما حمله من البزور خاصة "في(7/324)
قالَ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ جَابِرٍ.
2725-حدثنا سَلَمَةُ بنُ شَبِيبٍ، حدثنَا عَبْدُ الرّزّاقِ، أخبرنا مَعْمَرٌ عن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ عنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ عنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "يَخْرُجُ مِنَ النّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرّةٍ مِنَ الاْيمَانِ " قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَمَنْ شَكَ فَلْيَقْرَأْ {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} .
قالَ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2726-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نِصْرٍ، أخبرنا عبد الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا رِشْدِينُ بنُ سَعْدٍ، حدثني ابنُ أَنْعَمَ عن أَبِي عُثْمَانَ أَنّهُ حَدّثَهُ عن أَبي هُرَيْرَةَ، عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ رَجُلَيْنِ مِمّنْ دَخَلَ النّارَ
__________
حمالة السيل" حمالة السيل ما يحمله السيل من غثاء أو طين، والمراد ن الغثاء الذي يجيء به السيل يكون فيه الجنة فيقع في جانب الوادي فتصبح من يومها نابتة. قال النووي: المراد التشبيه في سرعة النبات وحسنة وطراوته انتهى.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم مطولا.
قوله : "فمن شك" وفي رواية مسلم: إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرأوا إن شئتم الخ {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} فسر البخاريقوله تعالى: "مثقال ذرة" بقوله يعني زنة ذرة. قال الحافظ: هو تفسير أبي عبيدة قال فيقوله تعالى: "مثقال ذرة" أي زنة ذرة ويقال هذا مثقال هذا أي وزنه وهو مفعال من الثقل انتهى. وقد تقدم معنى الذرة في شرح الحديث الثاني من هذا الباب.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان مطولا.
قوله : "حدثني ابن أنعم" اسمه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم "عن أبي عثمان" قال في تهذب التهذيب: أبو عثمان عن أبي هريرة أن رجلين ممن دخل النار(7/325)
اشْتَدّ صِيَاحُهُمَا فَقَالَ الرّبّ عز وجل أَخْرِجُوهُمَا، فَلَمّا أُخْرِجَا قَالَ لَهُمَا لاِيّ شَيْءٍ اشْتَدّ صِيَاحُكُمَا؟ قَالاَ فَعَلْنَا ذَلِكَ لِتَرْحَمَنَا، قَالَ رَحْمَتِي لَكُمَا أَنْ تَنْطَلِقَا فَتُلْقِيَا أَنْفُسَكُمَا حَيْثُ كُنْتُمَا مِنَ النّارِ، فَيَنْطَلِقَانِ، فَيُلْقِي أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ فَيَجْعَلُهَا عَلَيْهِ بَرْداً وَسَلاَماً، وَيَقُومُ الاَخَرُ فَلاَ يُلْقِي نَفْسَهُ، فَيَقُولُ لَهُ الرّبّ عز وجل: مَامَنَعَكَ أَنْ تُلْقِيَ نَفْسَكَ كَمَا أَلقَى صَاحِبُكَ؟ فَيقُولُ يَا رَبّ إِنّي لارْجُو انْ لاَ تُعِيدَنِي فِيهَا بَعْدَمَا أَخْرَجْتَنِي، فَيَقُولُ لَهُ الرّبّ عز وجل: لَكَ رَجَاؤكَ فَيُدْخَلاَنِ الْجَنّةَ جَمِيعاً
__________
اشتد صياحهما الحديث. وعند عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قال ابن عساكر: إن لم يكن مسلم بن يسار فلا أدري من هو، ويجوز أن يكون هو أبو عثمان الأصيح عبيد بن عمرو ويحتمل أن يكون غيرهما. وقال في التقريب: أبو عثمان شيخ لعبد الرحمن بن زياد هو مسلم بن يسار وإلا فمجهول من الثالثة انتهى.
قوله: "ممن دخلا" كذا وقع في بعض النسخ بصيغة التثنية ووقع في بعضها دخل بصيغة الإفراد وهو الصواب "اشتد صياحهما" في القاموس: الصيح والصيحة والصياح بالكسر والضم والصيحان محركة الصوت بأقصى الطاقة "فقال الرب تبارك وتعالى" أي للزبانية "قالا فعلنا ذلك" كي اشتداد الصياح "رحمتي لكما أن تنطلقا" أي تذهبا "فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار" قال الطيبي:قوله أن تنطلقا فتلقيا خبر أن، فإن قلت كيف يجوز حمل الانطلاق إلى النار وإلقاء النفس فيها على الرحمة، قلت هذا من حمل السبب على المسبب وتحقيقه أنهما لما فرطا في جنب الله وقصرا في العاجلة في امتثال أمره أمراً هنالك بالامتثال في إلقاء أنفسهما في النار إيذاناً بأن الرحمة إنما هي مترتبة على امتثال أمر الله عز وجل "فليقي أحدهما نفسه" أي في النار "فيجعلها" الله "عليه برداً وسلاماً" أي كما جعلها برداً وسلاماً على إبراهيم "ويقوم الاَخر" أي يقف "ما منعك أن تلقي نفسك" أي من إلقائها في النار "كما ألقى صاحبك" أي كإلقائه فيها "لك رجاؤك" أي مقتضاه ونتيجته، كما أن لصاحبك خوفه وعمله بموجبه "فيدخلان"(7/326)
بِرَحْمَةِ الله" .
إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ لأَنَهُ عن رِشْدِينَ بنِ سعْدٍ، وَرِشْدِينُ بنُ سَعْدٍ هُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ عن ابنِ أَنْعَمَ وَهُوَ الاْفْرِيقِيّ، وَالإِفرِيِقيّ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ.
2727-حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، أخبرنا الْحَسَنُ بنُ ذَكْوَانَ عن أَبِي رَجَاءِ العُطَارديّ، عن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَيَخْرُجُنّ قَوْمٌ مِنْ أُمّتِي مِنَ النّارِ بِشَفَاعَتِي يُسَمّوْنَ الْجَهَنّمِيُونَ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَأَبُو رَجَاءَ العُطَارِدِيّ اسْمُهُ عِمْرَانُ بنُ تَيمٍ، وَيُقَالُ ابنُ مَلْحَانَ.
__________
بصيغة المجهول من الإدخال أي فيدخلهما الله ويجوز أن يكون بصيغة المعلوم من الدخول.
قوله : "أخبرنا يحيى بن سعيد" بن فروخ التميمي أبو سعيد القطان البصري ثقة متقن حافظ إمام قدوة من كبار التاسعة "أخبرنا الحسن بن ذكوان" أبو سلمة البصري، صدوق يخطئ، ورمي بالقدر وكان يدلس من السادسة.
قوله : "يسمون الجهنميين" جمع جهنمي وفي بعض النسخ الجهنميون بالواو فقيل إنه علم لهم فلم يغير. قال الحافظ في الفتح: والنسائي من رواية عمرو بن أبي عمرو عن أنس فيقول لهم أهل الجنة هؤلاء الجهنميون فيقول الله هؤلاء عتقاء الله. وأخرجه مسلم من وجه آخر عن أبي سعيد وزاد فيدعون الله فيذهب عنهم هذا الاسم. وفي حديث حذيفة عند البيهقي في البعث من رواية حماد بن أبي سليمان عن ربعي عنه يقال لهم الجهنميون فذكر لي أنهم استعفوا الله من ذلك الاسم فأعفاهم. وزعم بعض الشراح أن هذه التسمية ليست تنقيصاً لهم بل للاستذكار لنعمة الله ليزدادوا بذلك شكراً كذا قال وسؤالهم إذهاب ذلك الاسم عنهم يخدش في ذلك انتهى.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري في أواخر الرقاق، وأبو داود في السنة، وابن ماجة في الشفاعة.(7/327)
2728-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عبد الله بن المُبَارَكِ عن يَحْيَى بنِ عُبَيْدِ الله عن أَبِيِه عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا رَأَيْتُ مِثْلَ النّارِ نَامَ هَارِبُهَا، وَلاَ مِثْلَ الْجَنّةِ نَامَ طَالِبُهَا" .
هذا حديثٌ إِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بنِ عُبَيْدِ الله، وَيَحْيَى بنُ عُبَيْدِ الله ضَعِيفٌ عِنْدَ أَكْثَر أَهْلِ الحَدِيثِ، تَكَلَمَ فِيِه شُعْبَةُ.
__________
قوله : "نام هاربها" حال إن لم تكن رأيت من أفعال القلوب وإلا فهو مفعول ثان "ولا مثل الجنة نام طالبها" أي النار شديدة والخائفون منها نائمون غافلون وليس هذا شأن الهارب بل طريقة أن يهرول من المعاصي إلى الطاعات كذا في التيسير. وقال في اللمعات: ما رأيت مثل النار أي شدة وهو لا ينام هاربها ومن شأن الهارب من مثل هذا الشيء لا ينام ويجد في الهرب وذلك بالتزام الطاعة واجتناب المعاصي، ولا مثل الجنة أي بهجة وسرواً نام طالبها وينبغي له أن لا ينام ولا يغفل عن طلبها ويعمل عملاً يوصل إليها انتهى.
قوله : "هذا حديث إنما نعرفه الخ" وأخرجه الطبراني في الأوسط عن أنس قال المناوي في شرحه: حسنة الهيثمي.(7/328)
9-باب مَا جَاءَ أَنّ أَكْثَرَ أَهْلِ النّارِ النّسَاء
2729-حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرنَا أَيّوبُ عن أَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اطّلَعْتُ فِي الجَنّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ
__________
"باب مَا جَاءَ أَنّ أَكْثَرَ أَهْلِ النّارِ النّسَاء"
قوله: "اطلعت في الجنة" أي أشرفت عليها، ففي بمعنى على كقوله تعالى: {لأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ} "فرأيت" أي علمت. قال الطيبي: ضمن اطلعت بمعنى تأملت ورأيت بمعنى علمت ولذا عداه إلى مفعولين ولو كان رأيت بمعناه(7/228)
10- باب
2731-حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ عن، شُعْبَةَ عن أَبِي إِسْحَاقَ عن النّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ، أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ أَهْوَنَ أَهْلِ النّارِ عَذَاباً يوم القيامة رَجُلٌ في أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ" .
__________
"باب"
قوله: "إن أهون أهل النار" أي أيسرهم قال ابن التين: يحتمل أن يراد به أبو طالب. قال الحافظ: وقد بينت في قصة أبي طالب من المبعث النبوي أنه وقع في حديث ابن عباس عند مسلم التصريح بذلك ولفظه "أهون أهل النار عذاباً أبو طالب" "رجل في أخمص قدميه" بخاء معجمة وصاد مهملة وزن أحمر مالا يصل إلى الأرض من باطن القدم عند المشي "جمرتان" تثنية جمرة الجيم وسكون الميم: وهي قطعة من نار ملتبهة.(7/330)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وفي البابِ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ وَالعَبّاسِ بنِ عَبْدِ المُطّلبِ وَأَبِي سَعِيدٍ.
__________
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم ولفظه: إن أهون أهل النار عذاباً من له نعلان وشرا كان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل، ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً وإنه لأهونهم عذاباً.
قوله : "وفي الباب عن أبي هريرة وعباس بن عبد المطلب وأبي سعيد" أما حديث أبي هريرة فأخرجه الطبراني بإسناد صحيح وابن حبان في صحيحه ولفظه قال: "إن أدنى أهل النار عذاباً الذي له نعلان من نار يغلي منهما دماغه" . وأما حديث عباس بن عبد المطلب فلم أقف عليه. نعم روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهون أهل النار عذاباً أبو طالب وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه" . وأما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم مختصراً وغيره مطولا كما في الترغيب.(7/331)
11-باب
2732-حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرنَا أَبُو نُعَيمٍ، أخْبَرَنَاْ سُفيَانُ عن مَعْبَدِ بنِ خَالِدٍ قالَ: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِيّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنّةِ: كُلّ ضَعِيفٍ مُتَضَعّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى الله لابَرّهُ، أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النّار:
__________
"باب"
ِقوله: "أخبرنا سفيان" هو الثوري "عن معبد بن خالد" مرير الجدلي من جديلة قيس الكوفي ثقة عابد من الثالثة "سمعت حارثة بن وهب الخزاعي" هو أخو عبيد الله بن عمر لأمه له صحبة نزل الكوفة كذا في تهذيب التهذيب.
قوله: "ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف" هو برفع كل لأن التقدير كل ضعيف الخ ولا يجوز أن يكون بدلا من أهل "متضعف" قال النووي: ضبطوه(7/331)
كُلّ عُتُلّ جَوّاظٍ مُتَكَبّرٍ" . قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
بفتح العين وكسرها، المشهور الفتح ولم يذكر الأكثرون غيره ومعناه يستضعفه الناس ويحتقرونه ويتجبرون عليه لضعف حاله في الدنيا، يقال تضعفه واستضعفه وأما رواية الكسر فمعناها متواضع متذلل خامل واضع من نفسه. قال القاضي: وقد يكون الضعف ههنا رقة القلوب ولينها وإخباتها للإيمان. والمراد أن أغلب أهل الجنة هؤلاء كما أن معظم أهل النار القسم الاَخر وليس المراد الاستيعاب في الطرفين "لو أقسم على الله لأبره" قال النووي: معناه لو حلف يميناً طمعاً في كرم الله تعالى بإبراره لأبره، وقيل لو دعاه لأجابه، يقال: أبررت قسمه وبررته والأول هو المشهور انتهى. وقال في المجمع: لو أقسم على الله أي لو حلف على وقوع شيء لأبره أي أوقعه الله إكراماً له وصيانة له من الحنث لعظم منزلته عنده وإن احتقر عند الناس انتهى "كل عتل" بضم العين والتاء بعدها لام ثقيلة. قال النووي: هو الجافي الشديد الخصومة بالباطل، وقيل الحافي الفظ الغليظ "جواظ" بفتح الجيم وتشديد الواو وبالظاء المعجمة هو الجموع الممنوع، وقيل كثير اللحم المختال في مشيته. وقيل غير ذلك "متكبر" أي صاحب الكبر وهو بطر الحق وغمط الناس.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة.(7/332)
أبواب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
باب ما جاء "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا أله إلا الله"
...
أبواب الإيمان عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم
1-باب مَا جَاءَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النّاسَ حَتّى يَقُولُوا لاَ إِلهَ إِلا الله
2733-حدثنا هَنّادٌ حدثنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عن الأَعْمَشِ، عن أَبِي صَالِحِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أُمْرِتُ أَنْ أُقَاتِلَ
__________
قال الإمام البخاري في صحيحه: هو "أي الإيمان" قول وفعل. قال الحافظ في الفتح: المراد بالقول النطق بالشهادتين وأما العمل فالمراد به ما هو أعم من عمل القلب والجوارح ليدخل الاعتقاد والعبادات، ومراد من أدخل ذلك في تعريف الإيمان ومن نفاه إنما هو بالنظر إلى ما عند الله تعالى فالسلف: قالوا هو اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان، وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله. ومن هنا نشألهم القول بالزيادة والنقصان كما سيأتي. والمرجئة: قالوا هو اعتقاد ونطق فقط. والكرامية قالوا هو نطق فقط والمعتزلة: قالوا هو العمل والنطق والاعتقاد. والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطاً في صحته والسلف جعلوها شرطاً في كماله. وهذا كله كما قلنا بالنظر إلى ما عند الله تعالى وأما بالنظر إلى ما عندنا فالإيمان هو الإقرار فقط فمن أقر أجريت عليه الأحكام في الدنيا ولم يحكم عليه بكفر إلا إن اقترن به فعل يدل على كفره كالسجود للصنم، فإن كان الفعل لا يدل على الكفر كالفسق فمن أطلق عليه الإيمان فبالنظر إلى إقراره، ومن نفي عنه الإيمان فبالنظر إلى كماله، ومن أطلق عليه الكفر فبانظر إلى أنه فعل الكافر، ومن نفاه عنه فبالنظر إلى حقيقته. وأثبتت المعتزلة الواسطة. فقالوا الفاسق لا مؤمن لا كافر انتهى ما في الفتح. قال العيني فإن قلت: الإيمان عنده أي عند البخاري قول وفعل واعتقاد فكيف ذكر القول والفعل ولم يذكر الاعتقاد الذي هو الأصل، قلت لا نزاع في أن الاعتقاد لا بد منه والكلام في القول والفعل هل هما منه أم لا؟ فلأجل ذلك ذكر ما هو المتنازع فيه
"باب ما جاء أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله"
قوله: "أمرت" أي أمرني الله لأنه لا آمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم(7/333)
النّاسَ حَتّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاّ الله، فَإِذَا قالُوهَا عَصَمُوا مِنّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاّ بحقّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله" .
ـــــــ
إلا الله. وقياسه في الصحابي إذا قال أمرت فالمعنى أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يحتمل أن يريد أمرني صحابي آخر لأنهم من حيث أنهم مجتهدون لا يحتجون بأمر مجتهد آخر، وإذا قاله التابعي احتمل والحاصل أن من اشتهر بطاعة رئيس إذا قال ذلك فهم منه أن الاَمر له هو ذلك الرئيس "أن أقاتل" أي بأن أقاتل وحذف الجار من أن كثير "حتى يقولوا لا إله إلا الله" وفي رواية للبخاري: حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به، وكذا في رواية لمسلم. وفي حديث ابن عمر عند البخاري: " حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة" . قال الحافظ: جعلت غاية المقاتلة وجود ما ذكر فمقتضاه أن من شهد وأقام وآتى عصم دمه ولو جحد باقي الأحكام، والجواب أن الشهادة بالرسالة تتضمن التصديق بما جاء به مع أن نص الحديث وهوقوله إلا بحق الإسلام يدخل فيه جمع ذلك.
فإن قيل: فلم لم يكتف به ونص على الصلاة والزكاة فالجواب أن لعظمهما والاهتمام بأمرهما لأنهما أما العبادات البدنية والمالية انتهى "فإذا قالوها" أي كلمة لا إله إلا الله "عصموا" أي منعوا، وأصل العصمة من العصام وهو الخيط الذي يشد به فم القربة ليمنع سيلان الماء "مني" أي من أتباعي أو من قبلي وجهة ديني "دماءهم وأموالهم" أي استباحتهم بالسفك والنهب المفهوم من المقاتلة "إلا بحقها" أي بحق كلمة لا إله إلا الله. وفي حديث ابن عمر المذكور إلا بحق الإسلام. قال القاري: إلا بحق الإسلام أي دينه والإضافة لامية والاستثناء مفرغ من أعم عام الجار والمجرور أي إذا فعلوا ذلك لا يجوز إهدار دمائهم واستباحة أموالهم بسبب من الأسباب إلا بحق الإسلام من استيفاء قصاص نفس أو طرف إذا قتل أو قطع، ومن أخذ مال إذا غصب إلى غير ذلك من الحقوق الإسلامية كقتل لنحو زنا محصن، وقطع لنحو سرقة، وتغريم مال لنحو إتلاف مال الغير المحترم "وحسابهم على الله" أي فيما يسترون من الكفر والمعاصي بعد ذلك. والجملة مستأنفة أو معطوفة على جزاء الشرط.(7/334)
وفي البابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وسعد وَابنِ عُمَرَ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2734-حدثنا قُتَيْبَةُ، حَدّثَنَا الّليْثُ عن عُقَيْلٍ عن الزّهْرِيّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ بنِ مَسْعُودٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: "لَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ كَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العَرَبِ، فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ لأَبِي بَكْرٍ كَيْفَ تُقَاتِلُ النّاسَ،
ـــــــ
والمعنى إنا نحكم بظاهر الحال والإيمان القولي ونرفع عنهم ما على الكفار، ونؤاخذهم بحقوق الاسلام بحسب ما يقتضيه ظاهر حالهم لا أنهم مخلصون والله يتولى حسابهم فيثيب المخلص ويعاقب ويجازي المصر بفسقه أو يعفو عنه.
قوله : "وفي الباب عن جابر وأبي سعيد وابن عمر" أما حديث جابر فأخرجه مسلم والنسائي، وأما حديث أبي سعيد فلينظر من أخرجه، وأما حديث عمر فأخرجه الشيخان.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله : "لما توفي" بصيغة المجهول "واستخلف" بصيغة المجهول أيضاً أي جعل خليفة "بعده" أي بعد وفاته صلى الله عليه وسلم "كفر من كفر" قال الخطابي: زعم الروافض أن هذا الحديث متناقض لأن في أوله أنهم كفروا وفي آخره أنهم ثبتوا على الإسلام إلا أنهم منعوا الزكاة، فإن كانوا مسلمين فكيف استحل قتالهم وسبي ذراريهم، وإن كانوا كفار فكيف احتج على عمر بالتفرقة بين الصلاة والزكاة فإن في جوابه إشارة إلى أنهم كانوا مقرين بالصلاة. قال والجواب عن ذلك، إن الذين نسبوا إلى الردة كانوا صنفين صنف رجعوا إلى عبادة الأوثان وصنف منعوا الزكاة، وتأولوا قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} فزعموا أن دفع الزكاة خاص به صلى الله عليه وسلم لأن غيره لا يطهرهم ولا يصلي عليهم فكيف تكون صلاته سكناً لهم، وإنما أراد عمر بقوله: تقاتل الناس الصنف الثاني لأنه(7/335)
وَقَدْ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَمْرِتُ أَنْ أُقَاتِلَ النّاسَ حَتّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَ الله، وَمَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله عَصَمَ مِنّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاّ بِحَقّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى الله" ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالله لأُقَاتِلَنّ مَنْ فَرّقَ بَيْنَ الصَلاَةِ
ـــــــ
لا يردد في جواز قتال الصنف الأول كما أنه لا يتردد في قتال غيرهم من عباد الأوثان والنيران واليهود والنصارى. قال وكأنه لم يستحضر من الحديث إلا القدر الذي ذكره وقد حفظ غيره في الصلاة والزكاة معاً. وقد رواه عبد الرحمن بن يعقوب بلفظ يعم جميع الشريعة حيث قال فيها: ويؤمنوا بي وبما جئت به. فإن مقتضى ذلك أن من جحد شيئاً مما جاء به صلى الله عليه وسلم ودعا إليه فامتنع ونصب القتال أنه يجب قتاله وقتله إذا أمر. قال وإنما عرضت الشبهة لما دخله من الاختصار وكأن راويه لم يقصد سياق الحديث على وجهه وإنما أراد سياق مناظرة أبي بكر وعمر واعتمد على معرفة السامعين بأصل الحديث. كذا ذكر الحافظ كلام الخطابي ملخصاً ثم قال: وفي هذا الجواب نظر لأنه لو كان عند عمر في الحديث: حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ما استشكل قتالهم للتسوية في كون غاية القتال ترك كل من التلفظ بالشهادتين وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة. قال عياض: حديث ابن عمر نصر في قتال من لم يصل ولم يزك كمن لم يقر بالشهادتين، واحتجاج عمر على أبي بكر وجواب أبي بكر دل على أنهما لم يسمعا في الحديث الصلاة والزكاة إذ لو سمعه عمر لم يحتج على أبي بكر، ولو سمعه أبو بكر لرد به على عمرو لم يحتج إلى الاحتجاج بعمومقوله إلا بحقه. قال الحافظ: إن كان الضمير في بحقه للإسلام فمهما ثبت أنه من حق الإسلام تناوله، ولذلك اتفق الصحابة على قتال من جحد الزكاة انتهى "ومن قال لا إله الله" يعني كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله للإجماع على أنه لا يعتد في الإسلام بتلك وحدها "عصم" بفتح الصاد أي حفظ ومنع "إلا بحقه" قال الطيبي: أي لا يحل لأحد أن يتعرض لماله ونفسه بوجه من الوجوه إلا بحقه أي بحق هذا القول أو بحق أحد المذكورين "وحسابه على الله" قال الطيبي: يعني من قال لا إله إلا الله وأظهر الإسلام نترك مقاتلته ولا نفتش باطنه هل هو مخلص أم لا. فإن ذلك إلى(7/336)
وَالزّكَاةِ، فَإِنّ الزّكَاةَ حَقّ الْمَالِ. وَالله لو مَنعُونِي عِقَالاً كَانُوا يُؤَدُونَهُ
ـــــــ
الله تعالى وحسابه عليه "من فرق بين الصلاة والزكاة" يجوز تشديد فرق وتخفيفه، والمراد بالفرق من أقر بالصلاة وأنكر الزكاة جاحداً أو مانعاً مع الاعتراف وإنما أطلق في أول القصة الكفر ليشمل الصنفين فهو في حق من جحد حقيقة وفي حق الاَخرين مجاز تغليباً، وإنما قاتلهم الصديق ولم يعذرهم بالجهل لأنهم نصبوا القتال فجهز إليهم من دعاهم إلى الرجوع فلما أصروا قاتلهم. قال المازري: ظاهر السياق أن عمر كان موافقاً على قتال من جحد الصلاة فألزمه الصديق بمثله في الزكاة لورودهما في الكتاب والسنة مورداً واحداً "فإن الزكاة حق المال" يسير إلى دليل منع التفرقة التي ذكرها أن حق النفس الصلاة وحق المال الزكاة، فمن صلى عصم نفسه ومن زكى عصم ماله، فإن لم يصل قوتل على ترك الصلاة ومن لم يزك أخذت الزكاة من ماله قهراً، وإن نصب الحرب لذلك قوتل، وهذا يوضح أنه لو كان سمع في الحديث: ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة لما احتاج إلى هذا الاستنباط، لكنه يحتمل أن يكون سمعه واستظهر بهذا الدليل النظري، قاله الحافظ "والله لو منعوني عقالا" قال في النهاية: أراد بالعقال الحبل الذي يعقل به البعير الذي كان يؤخذ في الصدقة، لأن على صاحبها التسليم، وإنما يقع القبض بالرباط، وقيل أراد ما يساوي عقالا من حقوق الصدقة، وقيل إذا أخذ المصدق أعيان الإبل قيل أخذ عقالا وإذا أخذ أثمانها قيل أخذ نقداً. وقيل أراد بالعقال صدقة العام، يقال أخذ المصدق عقال هذا العام أي أخذ منهم صدقته، وبعث فلان على عقال بني فلان، إذا بعث على صدقاتهم، واختاره أبو عبيد وقال: هو أشبه عندي بالمعنى. وقال الخطابي: إنما يضرب المثل في مثل هذا بالأقل لا بالأكثر وليس بسائر في لسانهم أن العقال صدقة عام، وفي أكثر الروايات: لو منعوني عناقاً وفي أخرى جدياً. قلت: قد جاء في الحديث ما يدل على القولين، فمن الأول حديث عمر أنه قال يأخذ مع كل فريضة عقالا ورواه فإذا جاءت إلى المدينة باعها ثم تصدق بها. وحديث محمد بن مسلمة.
أنه كان يعمل على الصدقة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يأمر الرجل إذا جاء بقريضتين أن يأتي بعقاليهما وقرانيهما. ومن الثاني حديث عمر أنه أخر الصدقة عام الرمادة، فلما أحيا الناس(7/337)
إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ، فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ: فَوَالله مَا هُوَ إِلاّ أَنْ رَأَيْتُ أَنّ الله قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنّهُ الحَقّ".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وَهَكَذَا رَوَى شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ عن الزّهْرِيّ، عن عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ، عن أَبي هُرَيْرَةَ. وَرَوَى عِمْرَانُ القَطّانُ هَذَا الْحَدِيثَ، عن مَعْمَرٍ، عن الزّهْرِيّ، عن أَنَسِ بنِ مَالِكِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ حَدِيثٌ خَطَأُ، وَقَدْ خُولِفَ عِمْرَانُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَعْمَرٍ.
ـــــــ
بعث عامله فقال اعقل عنهم عقالين، فأقسم فيهم عقالا واثتني بالاَخر، يريد صدقة عامين انتهى ما في النهاية. وقوله ورواه هو بكسر الراء وفتح الواو ممدوداً حبل يقرن به البعيران، وقيل حبل يروى به على البعير، أي يشد به المتاع عليه. وقد بسط النووي هنا الكلام في تفسير العقال وقال: وذهب كثيرون من المحققين إلى أن المراد بالعقال الحبل الذي يعقل به البعير. وهذا القول يحكى عن مالك وابن أبي ذئب وغيرهما وهو اختيار صاحب التحرير وجماعة من حذاق المتأخرين انتهى "لقاتلتهم على منعه" أي لأجل منعه "فوالله ما هو" أي الشأن "إلا أن رأيت" أي علمت "أن الله قد شرح صدر أبي بكر" قال الطيبي: المستثنى منه غير مذكور أي ليس الأمر شيئاً من الأشياء إلا علمي بأن أبا بكر محق، فهذا الضمير يفسره ما بعده نحوقوله تعالى: {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} "فعرفت أنه الحق" أي ظهر له من صحة احتجاجه لا أنه قلده في ذلك.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي.(7/338)
2-باب ما جاءَ أُمرْتُ أن أُقاتِل النّاس حتى يَقُولوا لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَيُقِيمُوا الصّلاَةَ"
2735-حدثنا سَعِيدُ بنُ يَعْقُوبَ الطّالِقَانِيّ، حدثنا ابنُ المُبَارَكِ، أخبرنا حُمَيْدٌ الطّوِيلُ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النّاسَ حَتّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَ الله، وَأَنّ مُحمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ يَسْتَقْبِلُوا قِبْلَتَنَا، وَيَأْكُلُوا ذَبِيحَتَنَا، وَأَنْ يُصَلّوا صَلاَتَنَا، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَامْوَالُهُمْ إِلاّ بِحَقّهَا، لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى المُسْلِمِينَ" .
ـــــــ
"باب ما جاءَ أُمرْتُ أن أُقاتِل النّاس حتى يَقُولوا لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَيُقِيمُوا الصّلاَةَ"
قوله: "وأن يستقبلوا قبلتنا" إنما ذكره مع اندراجه في الصلاة فيقوله وأن يصلوا صلاتنا، لأن القبلة أعرف، إذ كل أحد يعرف قبلته وإن لم يعرف صلاته ولأن في صلاتنا ما يوجد في صلاة غيره واستقبال قبلتنا مخصوص بنا، ولم يتعرض للزكاة وغيرها من الأركان اكتفاء بالصلاة التي هي عماد الدين أو لتأخر وجوب تلك الفرائض عن زمن صدور هذا القول. ثم لما ميز المسلم عن غيره عبادة ذكر ما يميزه عبادة وعادة بقوله: "ويأكلوا ذبيحتنا" فإن التوقف عن أكل الذبائح كما هو من العبادات فكذلك من العادات الثابتة في الملل المتقدمات. والذبيحة فعيلة بمعنى مفعولة والتاء للجنس كما في الشاة "وأن يصلوا صلاتنا" أي كما نصلي ولا توجد إلا من موحد معترف بنبوته، ومن اعترف به فقد اعترف بجميع ما جاء به، فلذا جعل الصلاة علماً لإسلامه "حرمت" قال الحافظ: بفتح أوله وضم الراء ولم أره في شيء من الروايات بالتشديد انتهى "إلا بحقها" أي إلا بحق الدماء والأموال. وفي حديث ابن عمر: فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام "لهم ما للمسلمين" أي من النفع "وعليهم ما على المسلمين" أي من المضرة.(7/339)
وفي البابِ عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ وَأَبي هُرَيْرَةَ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بنُ أَيّوبَ عن حُمَيْدٍ عن أَنَس نَحْوَه.
__________
قوله : "وفي الباب عن معاذ بن جبل وأبي هريرة" أما حديث معاذ بن جبل فأخرجه أحمد في مسنده. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد وابن خزيمة.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي.(7/340)
3- باب ما جَاءَ بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْس
2736-حدثنا ابنُ أَبِي عُمَرَ، حدثنا سُفْيَان بنُ عُيَيْنَةَ عن سُعَيرِ بنِ الْخِمْسِ التّمِيمِيّ، عن حَبِيبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، عن ابنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الاْسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله، وَأَنّ مُحمّداً رَسولُ الله، وَإِقَامِ الصّلاَةِ، وَإِيْتَاءِ الزّكَاةِ وَصَومِ رمَضَانَ، وَحَجّ الْبَيْتِ" .
__________
"باب ما جَاءَ بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْس"
قوله: "عن سعير" بضم السين والعين المهملتين وآخره راء مصغراً "بن الخمس" بكسر الخاء المعجمة وسكون الميم ثم مهملة.
قوله : "بني الإسلام على خمس" أي دعائم، وصرح به عبد الرزاق في روايته، وفي رواية لمسلم على خمسة أي أركان "شهادة أن لا إله إلا الله" بالجر على البدل من خمس ويجوز الرفع على حذف الخبر والتقدير منها شهادة أن لا إله إلا الله أو على حذف المبتدأ والتقدير أحدها شهادة أن لا إله إلا الله ويجوز النصب بتقدير أعني "وإقام الصلاة" أي المداومة عليها أو المراد الإتيان بها بشروطها وأركانها "وإيتاء الزكاة" أي إعطائها مستحقيها بإخراج جزء من المال على وجه مخصوص.(7/340)
وفي البابِ عَنْ جَرِيرِ بنِ عَبْدِ الله.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عن ابنِ عُمَرَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا. وَسُعَيْرُ بنُ الْخِمْسِ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ.
2737-حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أخبرنا وَكِيعٌ، عن حَنْظَلَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيّ، عَنْ عِكْرِمَةَ بنِ خَالِدٍ المَخْزُومِيّ عَنْ ابنِ عُمَرَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
تنبيه : قال القسطلاني: "علي" في قوله بني الإسلام على خمس بمعنى من وبهذا يحصل الجواب عما يقال إن هذه الخمس هي الإسلام فكيف يكون الإسلام مبنياً عليها، والمبنى لا بد أن يكون غير المبني عليه. ولا حاجة إلى جواب الكرماني بأن الإسلام عبارة عن المجموع غير كل واحد من أركانه انتهى.
قلت: إن ثبت مجيء على بمعنى من، فحينئذ لا حاجة إلى جواب الكرماني، وإلا فلا شك أن إليه حاجة لدفع الاعتراض.
قوله : "وفي الباب عن جرير بن عبد الله" أخرجه أحمد في مسنده.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله : "عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي" بضم الجيم وفتح الميم وكسر الحاء المهملة المكى ثقة حجة من السادسة "عن عكرمة بن خالد" بن العاص بن هشام المخزومي، ثقة من الثالثة.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" أي حديث حنظلة عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر حديث حسن صحيح، وأخرجه الشيخان أيضاً من هذا الطريق.(7/341)
4-باب ما جَاءَ فِي وَصْفِ جِبْرَيلَ لِلنبيّ صلى الله عليه وسلم الإيمَانَ وَالإسْلام
2738-حدثنا أَبُو عَمّارِ الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ الْخُزَاعِيّ، أخبرنا وَكِيعٌ عن كَهْمَسِ بنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ بُرَيْدَةَ، عن يَحْيَى بنِ يَعْمُرَ قَالَ: "أَوّلُ مَنْ تَكَلّمَ فِي القَدَرِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيّ قالَ: فخَرَجْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحِمْيِريّ حَتّى أَتَيْنَا المَدِينَةَ، فَقُلْنَا لَوْ لَقِينَا رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلنَاهُ عَمّا أَحْدَثَ هَؤلاَءِ القَوْمُ قال فَلَقِينَاهُ، يَعْنِي عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ المَسْجِدِ، قال فَاكْتَنَفَتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي قال فَظَنَنْتُ أَنّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الكَلاَمَ إِلَيّ، فَقلت: يَا أَبَا عَبْدِ الرحمنِ، إِنّ قَوْماً
__________
"باب ما جَاءَ فِي وَصْفِ جِبْرَيلَ لِلنبيّ صلى الله عليه وسلم الإيمَانَ وَالإسْلام"
قوله: "عن كهمس" بفتح كاف وميم بينهما هاء ساكنة وبسين مهملة "ابن الحسن" التميمي أبي الحسن البصري، ثقة من الخامسة. ووقع في النسخة الأحمدية في باب الصلاة قبل المغرب في سند حديث عبد الله بن مغفل كهمس بن الحسين بالتصغير وهو غلط والصحيح كهمس بن الحسن بالتكبير كما هنا.
قوله : "أول من تكلم في القدر" أي أول من قال ينفي القدر فابتدع وخالف الصواب الذي عليه أهل الحق، ويقال القدر والقدر بفتح الدال وإسكانها لغتان مشهورتان "معبد الجهني" بضم الجيم نسبة إلى جهينة قبيلة من قضاعة، ومعبد هذا هو ابن خالد الجهني كان يجالس الحسن البصري، وهو أول من تكلم في البصرة بالقدر فسلك أهل البصرة بعده مسلكه لما رأوا عمرو بن عبيد ينتحله، قتله الحجاج أبن يوسف صبراً أو قيل أنه معبد بن عبد الله بن عويمر نقله النووي عن السمعاني "فاكتنفته أنا وصاحبي" يعني صرنا في ناحيتيه وكنفا الطائر جناحاه، وزاد وزاد مسلم: فقال أحدنا عن يمينه والاَخر عن شماله "فظننت أن صاحبي سيكل(7/342)
يَقْرأُونَ القُرْآنَ وَيَتَقَفّرُونَ العِلْمَ، وَيَزْعُمُونَ أَنْ لا قَدَرَ، وَأَنّ الأَمْرَ أُنُفٌ قَالَ: فَإِذَا لَقَيْتَ أُولَئِكَ فَاخْبِرْهُمْ أَنّي مِنْهُمْ بَرِيءٌ، وَأَنّهُمْ مِنّي بُرَآء. وَالّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ الله لَوْ أَنّ أَحَدَهُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَى يُؤمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِهِ. قَالَ: ثُمّ أَنْشَأَ يُحَدّثُ، فَقَالَ: قَالَ
__________
الكلام إليّ" لم تقع هذه العبارة في بعض النسخ ومعناها يسكت ويفوضه إليّ لإقدامي وجرأتي وبسطة لساني، فقد جاء عنه في رواية: لأني كنت أبسط لساناً "فقلت يا أبا عبد الرحمن" كنية عبد الله بن عمر "إن قوماً يقرأون القرآن ويتقفرون العلم" بتقديم القاف على الفاء أي يطلبونه، وفي رواية مسلم: ظهر قبلنا ناس يقرأون القرآن ويتقفرون العلم. قال النووي: هو بتقديم القاف على الفاء معناه يطلبونه ويتتبعونه، هذا هو المشهور. وقيل معناه يجمعونه، ورواه بعض شيوخ المغاربة من طريق ابن ماهان يتفقرون بتقديم الفاء وهو صحيح أيضاً معناه يبحثون على غمضة ويستخرجون خفيه. وروي في غير مسلم: يتقفون بتقديم القاف وحذف الراء وهو صحيح أيضاً ومعناه أيضاً يتتبعون "ويزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف" بضم الهمزة والنون أي مستأنف لم يسبق به قدر ولا علم من الله تعالى وإنما يعلمه بعد وقوعه. وهذا القول قول غلاتهم وليس قول جميع القدرية، وكذب قائله وضل وافترى عافانا الله وسائر المسلمين "قال" أي ابن عمر "إني منهم بريء وأنهم مني برآء" بضم الموحدة وفتح الراء جمع بريء كحكيم وحكماء، وأصل البراءة الانفصال من الشيء. والمعنى أني لست منهم وهم ليسوا مني "والذي يحلف به عبد الله لو أن أحدهم أنفق" يعني في سبيل الله تعالى أي طاعته كما جاء في رواية أخرى "ما قبل ذلك منه حتى يؤمن بالقدر" "خيره وشره" قال النووي: هذا الذي قاله ابن عمر رضي الله عنهما ظاهر في تكفير القدرية. قال القاضي عياض: هذا في القدرية الأولى الذين نفوا تقدم علم الله تعالى بالكائنات. وقال: والقائل بهذا كافر بلا خلاف. وهؤلاء الذين ينكرون القدر هم الفلاسفة في الحقيقة. قال غيره: ويجوز أنه لم يرد بهذا الكلام التكفير المخرج من الملة فيكون من قبيل كفران النعم إلا أن قوله "ما قبله الله منه" ظاهر في التكفير فإن إحباط الأعمال إنما يكون(7/343)
عُمَرُ بنُ الْخَطّابِ كُنّا عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشّعْرِ، لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السّفَرِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنّا أَحَدٌ حَتّى أَتَى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فَأَلْزَقَ رُكْبَتَهُ بِرُكْبَتِهِ، ثُمّ قَالَ: "يَا مُحمّدُ ما الاْيمَانُ؟ قَالَ: أَنْ تُؤمِنَ بِالله وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ
__________
بالكفر إلا أنه يجوز أن يقال في المسلم لا يقبل عمله بمعصية وإن كان صحيحاً كما أن الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة. غير محوجة إلى القضاء عند جماهير العلماء بل باجماع السلف وهي غير مقبولة فلا ثواب فيها على المختار عن أصحابنا انتهى "ثم أنشأ يحدث" أي جعل يحدث ابن عمر "شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر" بإضافة شديد إلى ما بعده إضافة فقظية مقيدة للتخفيف فقط صفة رجل واللام في الموضعين عوض عن المضاف إليه العائد إلى الرجل أي شديد بياض ثيابه شديد سواد شعره "لا يرى عليه أثر السفر" روى بصيغة المجهول الغائب ورفع الأثر وهو رواية الأكثر والأشهر. وروى بصيغة المتكلم المعلوم ونصب الأثر والجملة حال من رجل أو صفة له، والمراد بالأثر بالتعب والتغيير والغبار "فألزق ركبته بركبته" وفي رواية مسلم: فأسند ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه. قال النووي: معناه أن الرجل الداخل وضع كفيه على فخذي نفسه وجلس على هيئة المتعلم انتهى. قال الحافظ في الفتح: وفي رواية لسليمان التيمي: ليس عليه سحناء السفر وليس من البلد. فتخطى حتى برك بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم كما يجلس أحدنا في الصلاة ثم وضع يده على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا في حديث ابن عباس وأبي عامر الأشعري: ثم وضع يده على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم، فأفادت هذه الرواية أن الضمير فيقوله على فخذيه يعود على النبي صلى الله عليه وسلم وبه جزم البغوي وإسماعيل التيمي بهذه الرواية ورجحه الطيبي بحثاً لأنه نسق الكلام خلافاً لما جزم به النووي، ووافقه التوربشتي لأنه حمله على أنه جلس كهيئة المتعلم بين يدي من يتعلم منه، وهذا وإن كان ظاهراً من السياق لكن وضعه يديه على فخذي النبي صلى الله عليه وسلم صنيع منبه للإصغاء إليه "ثم قال يا محمد ما الإيمان" فإن قيل كيف بدأ بالسؤال قبل السلام أجيب(7/344)
وَاليَوْمِ الاَخِرِ، وَالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرّهِ. قالَ: فَمَا الاْسْلاَمُ، قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَنّ مُحمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامُ الصّلاَةِ وَإِيْتَاءِ الزّكَاةِ وَحَجّ
__________
بأنه يحتمل أن يكون ذلك مبالغة في التعمية لأمره أو ليبين أن ذلك غير واجب أو سلم فلم ينقله الراوي.
قال الحافظ: وهذا الثالث هو المعتمد، فقد ثبت في رواية أبي فروة ففيها بعد قوله كأن ثيابه لم يمسها دنس حتى سلم من طرف البساط فقال السلام عليك يا محمد فرد عليه السلام، قال أدنوا يا محمد؟ قال أدن فما زال يقول أدنو مراراً ويقول له أدن، ونحوه في رواية عطاء عن ابن عمر لكن قال السلام عليك يا رسول الله وفي رواية مطر الوراق فقال رسول الله أدنو منك؟ قال أدن ولم يذكر السلام، فاختلفت الروايات هل سلم أولا؟ فمن ذكر السلام مقدم على من سكت عنه "قال أن تؤمن بالله" أي بوجوده وأنه متصف بصفات الكمال منزه عن صفات النقص "وملائكته" الإيمان بالملائكة هو التصديق بوجودهم وأنهم كما وصفهم الله تعالى عباد مكرمون وقدم الملائكة على الكتب والرسل نظراً للترتيب الواقع لأنه سبحانه وتعالى أرسل الملك بالكتاب إلى الرسول، وليس فيه متمسك لمن فضل الملك على الرسول "وكتبه" الإيمان بكتب الله التصديق بأنها كلام الله وأن ما تضمنته حق "ورسله" الإيمان بالرسل: التصديق بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله، ودل الإجمال في الملائكة والكتب والرسل على الاكتفاء بذلك في الإيمان بهم غير تفصيل إلا من ثبتت تسميته فيجب الإيمان به على التعيين "واليوم الأخر" المراد بالإيمان به التصديق بما يقع فيه من الحساب والميزان والجنة والنار "والقدر" مصدر، تقول قدرت الشيء بتخفيف الدال وفتحها أقدره بالكسر والفتح قدراً وقدراً: إذا أحطت بمقداره. والمراد أن الله تعالى علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها ثم أوجد ما سبق في علمه، أنه يوجد فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإرادته، هذا هو المعلوم من الدين بالبراهين القطعية وعليه كان السلف من الصحابة وخيار التابعين إلى أن حدثت بدعة القدر في أواخر زمن الصحابة "خيره وشره" بالجر بدل من القدر "قال شهادة أن لا إله إلا الله" أن مخففة من المثقلة أي أنه والضمير للشأن ولا هو النافية للجنس على سبيل التنصيص على نفي كل فرد من أفراده "وأن محمداً عبده ورسوله" أي(7/345)
الْبَيْتِ، وَصومُ رَمَضَانَ. قَالَ: فَمَا الاْحْسَانُ؟ أَنْ تَعْبُدَ الله كَأَنّكَ
__________
وشهادة أن محمداً الخ. قال الخطابي في معالم السنن: ما أكثر ما يغلط الناس في هذا المسألة فأما الزهري فقال: الإسلام الكلمة والإيمان العمل واحتج بقوله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} وذهب غيره الى أن الإيمان والإسلام شيء واحد واحتج بقوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ، قال الخطابي: والصحيح من ذلك أي يقيد الكلام في هذا ولا يطلق وذلك أن المسلم قد يكون مؤمناً في بعض الأحوال ولا يكون مؤمناً في بعضها والمؤمن مسلم في جميع الأحوال فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً وإذا حملت الأمر على هذا استقام لك تأويل الاَيات واعتدل القول فيها ولم يختلف شيء منها وأصل الإيمان التصديق وأصل الإسلام الاستسلام والانقياد، فقد يكون المرء مستسلماً في الظاهر غير منقاد في الباطن، وقد يكون صادقاً في الباطن غير منقاد في الظاهر انتهى قال العيني في العمدة بعد نقل كلام الخطابي هذا ما لفظه: هذا إشارة إلى أن بينهما عموماً وخصوصاً مطلقاً كما صرح به بعض الفضلاء والحق أن بينهما عموماً وخصوصاً من وجه لأن الإيمان أيضاً قد يوجد بدون الإسلام كما في شاهق الجبل إذا عرف الله بعقله وصدق بوجوده ووحدته وسائر صفاته قبل أن تبلغه دعوة نبي، وكذا في الكافر إذا اعتقد جميع ما يجب الإيمان به اعتقاداً جازماً ومات فجأة قبل الإقرار والعمل انتهى. وقال الحافظ ابن كثير في تفسيرقوله تعالى: { قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا} الخ: قد استفيد من هذه الاَية الكريمة أن الإيمان أخص من الإسلام كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، ويدل عليه حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا ولم يعط رجلا منهم شيئاً، فقال سعد رضي الله عنه: " يا رسول الله أعطيت فلاناً وفلاناً ولم تعط فلانا شيئاً وهو مؤمن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو مسلم" حتى أعادها سعد ثلاثاً والنبي صلى الله عليه وسلم أو مسلم الحديث. أخرجه الشيخان فقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمن والمسلم فدل على أن الإيمان أخص من الإسلام، وقد قررنا ذلك بأدلته في أول شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري انتهى. "قال فما الإحسان(7/346)
تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنّهُ يَرَاكَ. قالَ: فِي كِلّ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ صَدَقْتَ. قَالَ: فَتَعَجَبْنَا مِنْهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدّقُهُ. قالَ: فَمَتَى السّاعَةُ؟ قالَ: مَا المَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السّائِلِ، قالَ: فَمَا أَمَارَتُهَا؟ قالَ: أن تَلِدَ الأَمَةُ
__________
الخ" هو مصدر تقول أحسن يحسن إحساناً ويتعدى بنفسه وبغيره تقول أحسنت كذا إذا اتقنته وأحسنت إلى فلان إذا أوصلت إليه النفع، والأول هو المراد لأن المقصود إتقان العبادة وقد يلحظ الثاني بأن المخلص مثلا محسن بإخلاصه إلى نفسه وإحسان العبادة الإخلاص فيها والخشوع وفراغ البال حال التلبس بها ومراقبة المعبود. وأشار في الجواب إلى حالتين أرفعهما أي يغلب عليه مشاهدة الحق حتى كأنه يراه بعينه وهوقوله كأنك تراه أي وهو يراك والثانية أن يستحضر أن الحق مطلع عليه يرى كل ما يعمل وهوقوله فإنه يراك، وهاتان الحالتان يثمرهما معرفة الله وخشيته.
وقال النووي: هذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم لأن لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى لم يترك شيئاً مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به، فقال صلى الله عليه وسلم: اعبد الله في جميع أحوالك كعبادتك في حال العيان فإن التتميم المذكور في حال العيان إنما كان لعلم العبد باطلاع الله سبحانه وتعالى عليه فلا يقدم العبد على تقصير في هذا الحال للاطلاع عليه، وهذا المعنى موجود مع عدم رؤية العبد، فينبغي أن يعمل بمقضاه، فمقصود الكلام الحث على الإخلاص في العبادة ومراقبة العبد ربه تبارك تعالى في إتمامه الخشوع والخضوع وغير ذلك "قال" أي عمر رضي الله عنه "يقول" أي جبرئيل عليه السلام "صدقت" بفتح الفوقية "قال" أي عمر رضي الله عنه "فتعجبنا منه يسأله ويصدقه" سبب تعجبهم أن هذا خلاف عادة السائل الجاهل، إنما هذا كلام خبير بالمسئوال عنه ولم يكن في ذلك الوقت من يعلم هذا غير النبي صلى الله عليه وسلم "قال فمتى الساعة" أي متى تقوم الساعة واللام للعهد والمراد يوم القيامة "ما المسئول عنها" ما نافية "بأعلم" الباء زائدة لتأكيد النفي. قال الحافظ: وهذا وإن كان مشعرا بالتساوي في العلم(7/347)
رَبّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي البُنْيَانِ"
__________
لكن المراد التساوي في العلم بأن الله تعالى استأثر بعلمها لقوله بعد خمس لا يعلمها إلا الله. قال النووي: يستنبط منه أن العالم إذا سئل عما لا يعلم بأنه لا يعلمه ولا يكون في ذلك نقص من مرتبته بل يكون ذلك دليلا على مزيد ورعه "فما أمارتها" بفتح الهمزة والأمارة والأمار بإثبات الهاء وحذفها هي العلامة "قال أن تلد الأمة ربتها" قال النووي: وفي الرواية الأخرى ربها على التذكير، وفي أخرى بعلها، قال يعني السراري ومعنى ربها وربتها سيدها ومالكها وسيدتها ومالكتها. وقال الأكثرون من العلماء هو إخبار عن كثرة السراري وأولادهن، فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها لأن مال الإنسان صائر إلى ولده، وقد يتصرف فيه في الحال تصرف المالكين، إما بتصريح أبيه بالإذن، وإما بما يعلمه بقرينة الحال أو عرف الاستعمال.
وقيل معناه أن الاَباء يلدن الملوك، فتكون أمه، من جملة رعيته وهو سيدها، وسيد غيرها من رعيته، وهو قول إبراهيم الحربي.
وقيل معناه أنه تفسد أحوال الناس فيكثر بيع أمهات الأولاد في آخر الزمان فيكثر تردادها في أيدي المشترين حتى يشتريها ابنها ولا يدري، ويحتمل على هذا القول أن لا يختص هذا بأمهات الأولاد فإنه متصور في غيرهن فإن الأمة تلد ولداً حراً من غير سيدها بشبهة أو ولداً رقيقاً بنكاح أو زنا، ثم تباع الأمة في الصورتين بيعاً صحيحاً، وتدور في الأيدي حتى يشتريها ولدها، وهذا أكثر وأعم من تقديره في أمهات الأولاد.
وقيل في معناه غير ما ذكرناه ولكنها أقوال ضعيفة جداً أو فاسد فتركتها. وأما بعلها فالصحيح في معناه أن البعل هو المالك أو السيد، فيكون بمعنى ربها على ما ذكرنا: قال أهل اللغة بعل الشيء ربه ومالكه. قال ابن عباس والمفسرون في قوله تعالى: {أَتَدْعُونَ بَعْلاً} أي رباً وقيل المراد بالبعل في الحديث الزوج ومعناه نحو ما تقدم أنه يكثر بيع السراري حتى يتزوج الإنسان أمه ولا يدري، وهذا أيضاً معنى صحيح إلا أن الأول أظهر لأنه إذا أمكن حمل الروايتين في القضية الواحدة على معنى واحد كان أولى "وأن ترى" خطاب عام ليدل على بلوغ الخطب في العلم مبلغاً لا يختص به رؤية راء "الحفاة" بضم الحاء جمع الحافي وهو من(7/348)
قالَ عمَرُ: فَلَقِيَنِي النبيّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلاَثٍ، فَقَالَ: يَا عُمَرُ هَلْ تَدْرِي مَنِ السّائِلُ؟ ذَاكَ جِبْرَيلُ أَتَاكُمْ يُعَلّمُكُمْ معالم دينُكُمْ".
2739-حدثنا أَحْمَدُ بنُ مُحمّدٍ، أخبرنا ابْنُ المُبَارَكِ، أخبرنا كَهَمْسُ ابنُ الْحَسَنِ بِهَذَا الاْسْنَادِ نَحْوَهُ.
2740-حدثنا مُحمّدُ بنُ المُثَنّى، حَدّثَنَا مُعَاذُ بنُ معاذ، عَنْ كَهمسُ بِهَذَا اْلإِسْنَادِ نَحْوَهُ بمعناه.
__________
لا فعل له "العراة" جمع العاري وهو صادق على من يكون بعض بدنه مكشوفاً مما يحسن، وينبغي أن يكون ملبوساً "العالة" جمع عائل وهو الفقير من عال يعيل إذا افتقر أو من عال يعول إذا افتقر وكثر عياله "ورعاء الشاء" بكسر الراء والمد جمع راع كتاجر وتجار الشاء جمع شاء والأظهر أنه اسم جنس "يتطاولون في البنيان" أي يتفاضلون في ارتفاعه وكثرته ويتفاخرون في حسنه وزينته وهو مفعول ثان إن جعلت الرؤية فعل البصيرة أو حال إن جعلتها فعل الباصرة. ومعناه أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة تتبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في البنيان "فلقيني النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بثلاث" في ظاهر هذا مخالفة لقوله في حديث أبي هريرة عند الشيخين: ثم أدبر الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم "ردوه علي" فأخذوا ليردوه، فلم يروا شيئاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا جبريل". فيحتمل الجمع بينهما أن عمر رضي الله عنه لم يحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم لهم في الحال، بل كان قد قام من المجلس فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم الحاضرين في الحال وأخبر عمر بعد ثلاث إذ لم يكن حاضر وقت إخبار الباقين "فقال: يا عمر هل تدري من السائل" زاد مسلم في روايته: قلت الله ورسوله أعلم.
قوله : "حدثنا أحمد بن محمد" بن موسى أبو العباس المعروف بمردويه "أخبرنا معاذ بن هشام" وفي بعض النسخ: أخبرنا معاذ بن معاذ وهو الظاهر لأن مسلماً روى هذا الحديث من طريق عبيد الله بن معاذ العنبري، حدثنا أبي حدثنا كهمس ووالد عبيد الله هذا هو معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري(7/349)
وفي البابِ عن طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ الله وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ وَأَبي هُرَيْرَةَ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ نَحْوُ هَذَا عن عمر. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عن ابنِ عُمَرَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وَالصّحِيحُ هُوَ عن ابنِ عُمَرَ، عن عُمَر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
__________
أبو المثنى البصري القاضي، ثقة متقن من كبار التاسعة، روى عن كهمس وغيره، وعنه ابنه عبيد الله وأبو موسى محمد بن المثنى وغيرهما.
قوله : "وفي الباب عن طلحة بن عبيد الله وأنس بن مالك وأبي هريرة" أما حديث طلحة بن عبيد الله فأخرجه الشيخان، وأما حديث أنس فأخرجه البزار والبخاري في خلق أفعال العباد وإسناده حسن كذا في الفتح. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان.
قوله : "هذا حديث صحيح حسن" وأخرجه مسلم "وقد روى من غير وجه نحو هذا" أي عن عبد الله بن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.(7/350)
باب ما جاء في إضافة الفرائض إلى الإيمان
...
5-باب ماجَاءَ فِي إِضَافَةِ الْفَرائِضِ إِلَى الايْمَان
2741-حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنَا عَبّادُ بنُ عَبّادٍ الْمُهَلّبِيّ عن أَبي جَمْزَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ: "قَدِمَ وَفَدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا إِنّا هَذَا الْحَيّ مِنْ رَبِيعَةَ وَلَسْنَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلاّ فِي أشّهْرِ
__________
"باب ماجَاءَ فِي إِضَافَةِ الْفَرائِضِ إِلَى الايْمَان"
أي نسبتها إليه بأن تجعل الفرائض من الإيمان أو يطلق هو عليها
قوله "قدم وفد عبد القيس" الوفد جمع وافد وهو الذي أتى إلى الأمير برسالة من قوم وقيل رهط كرام وعبد آلاف أبو قبيلة عظيمة تنتهي إلى ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان وربيعة قبيلة عظيمة في مقابلة مضر وكانت قبيلة عبد آلاف ينزلون البحرين وحوالي القطيف وما بين هجر إلى الديار المضرية وكانت وفادتهم سنة ثمان فقالوا إنا هذا الحي من ربيعة قال ابن الصلاح(7/350)
الْحَرَامِ، فَمُرْنَا بِشَيْءٍ نَأْخُدُهُ عَنْكَ وَندْعُوا إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا، فَقَالَ: "آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ: الاْيمَانُ بِالله، ثُمّ فَسّرَهَا لَهُمْ: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله، وَأَنّي رَسُولُ الله، وَإِقَامُ الصّلاَةِ، وَإِيْتَاءُ الزّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدّوا خُمْسَ مَا غَنِمْتُمْ" .
__________
الحي منصوب على الاختصاص والمعنى إنا هذا الحي حي من ربيعة الحي هو اسم لمنزل القبيلة ثم سميت القبيلة به لأن بعضهم يحيا ببعض "ولسنا نصل إليك إلا في الشهر الحرام" المراد به الجنس لأن الأشهر الحرم أربعة ذو القعدة وذو الحجة ومحرم متوالية ورجب فرد قال تعالى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} وإنما قالوا ذلك اعتذارا عن عدم الإتيان إليه عليه الصلاة والسلام هذا الوقت لأن الجاهلية كانوا يحاربون بعضهم بعضا ويكفون في الأشهر الحرم تعظيما لها وتسهيلا على زوار البيت الحرام من الحروب والغارات الواقعة منهم في غيرها فلا يأمن بعضهم بعضا في المسالك والمراحل إلا فيها ومن ثم كان يمكن مجيء هؤلاء إليه عليه الصلاة والسلام فيها دون ما عداها لأمنهم من كفار مضر الحاجزين بين منازلهم وبين المدينة وكان هذا التعظيم في أول الإسلام ثم نسخ بقوله تعالى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وقيل اللام للعهد والمراد شهر رجب وفي رواية البيهقي التصريح به وكانت مضر تبالغ في تعظيم شهر رجب فلهذا أضيف إليهم في حديث أبي بكرة ثم البخاري حيث قال رجب مضر والظاهر أنهم كانوا يخصونه بمزيد التعظيم مع تحريمهم القتال في الأشهر الثلاثة الأخرى إلا أنهم ربما أفدوها بخلافة "نأخذه عنك" بالرفع على أنه صفة لشيء وبالجزم على أنه جواب الأمر "آمركم بأربع" أي خصال أو جمل لقولهم حدثنا يحمل من الأمر وهي رواية قرة ثم البخاري في المغازي "الإيمان بالله" هذه إحدى الخصال الأربع "ثم فسرها" أي الإيمان بالله وتأنيث الضمير باعتبار أنه خصلة "شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله" برفع شهادة على أنها خبر مبتدأ محذوف أي هو شهادة أن لا إله إلا الله "وإقام(7/351)
2742-حدثنا قُتَيْبَةُ، أَخْبَرنَا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ، عن أَبِي جَمْرَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.
حَدِيثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ. وَأَبو جَمْرَةَ الضّبَعِيّ اسْمُهُ نَصْرُ بنُ عِمْرَانَ. وَقَدْ رواه شُعْبَةُ عن أَبي جَمْرَةَ أَيْضاً، وَزَادَ فِيِه. "أَتَدْرُونَ مَالإِيمانُ؟ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَنّي رَسُولُ الله" ، وَذَكَرَ الْحَدَيِثَ. سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ
__________
الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا خمس ما غنمتم" بالجر في الثلاث عطف على الإيمان وهذه هي الخصال الثلاث الباقية ويحتمل أن يكون إقام الصلاة وما عطف عليه بالرفع عطفا على شهادة أن لا إله إلا الله وعلى هذا الاحتمال مطابقة الحديث بالباب ظاهرة ولكن لا بد أن يقال إن الراوي حذف الخصال الثلاث الباقية إختصارا أو نسيانا ووقع في رواية البخاري أمرهم بأربع ونهاهم عن أربع أمرهم بالإيمان بالله وحده قال أتدرون ما الإيمان بالله وحده قالوا الله ورسوله أعلم قال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس قال السيد جمال الدين قيل هذه الرواية لا تخلو عن إشكال لأنه إن قرىء وإقام الصلاة الخ بالرفع على أنها معطوفة على شهادة ليكون المجموع من الإيمان فأين الثلاثة الباقية وإن قرئت بالجر على أنها معطوفة علىقوله بالإيمان يكون المذكور خمسة لا أربعة وأجيب على التقدير الأول بأن الثلاثة الباقية حذفها الراوي اختصارا أو نسيانا وعلى التقدير الثاني بأنه عد الأربع التي وعدهم ثم زادهم خامسة وهي أداء الخمس لأنهم كانوا مجاورين لكفار مضر وكانوا أهل جهاد وغنائم كذا في المرقاة قلت قد بسط الحافظ في الفتح الكلام في هذا المقام بسطا حسنا فعليك أن تراجعه وقد ذكر لعدم ذكر الحج في هذا الحديث وجوها منها أنه لم يكن فرض ثم قال هذا هو المعتمد
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي "وقد روى شعبة عن أبي جمرة أيضاً، وزاد فيه أتدرون ما الإيمان الخ" رواية(7/352)
مِثْلَ هَؤْلاَءِ الفُقَهَاءِ الأَشْرَافِ الأَرْبَعَةِ: مَالِكِ بنِ أَنَسٍ وَالّليْثِ بنِ سَعْدٍ وَعَبّادِ بنِ عَبّادٍ المُهَلِبِيّ وَعَبْدِ الوَهّابِ الثّقَفِيّ. قَالَ قُتَيْبَةُ: كُنّا نَرْضَى أَنْ نَرْجِعَ كُلّ يَوْمِ مِنْ عِنْدِ عَبّادِ بنِ عَبّادِ بِحَدِيثَينِ. وَعَبّادُ بنُ عَبّادٍ هُوَ مِنْ وَلَدِ المُهَلّبِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ.
__________
شعبة هذه أخرجها الشيخان "قال قتيبة وكنا نرضى أن نرجع كل يوم من عند عباد بن عباد مجديين" هذا كناية عن كونه ثقة. وأما إيراد ابن الجوزي في موضوعات حديث أنس إذا بلغ العبد أربعين سنة من طريق عباد هذا ونسبته إلى الوضع وإفحاش القول فيه فوهم منه شنيع جداً فإنه التبس عليه براً وآخر كما في تهذيب التهذيب.(7/353)
باب في استكمال الإيمان والزيادة والنقصان
...
6-باب في اسْتِكمَالِ الاْيمَان وَزِيادَتِهِ ونقْصَانِه
2743-حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ البَغْدَادِيّ، حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ
__________
"باب في اسْتِكمَالِ الاْيمَان وَزِيادَتِهِ ونقْصَانِه"
قال العيني في شرح البخاري: النوع الثالث في أن الإيمان هل يزيد وينقص وهو أيضاً من فروع اختلافهم في حقيقة الإيمان. فقال بعض من ذهب إلى أن الإيمان هو التصديق: أن حقيقة التصديق شيء واحد لا يقبل الزيادة والنقصان. وقال آخرون: إنه لا يقبل النقصان لأنه لو نقص لا يبقى إيماناً ولكن يقبل الزيادة لقوله تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} ونحوها من الاَيات. وقال الداودي: سئل مالك عن نقص الإيمان وقال قد ذكر الله تعالى زيادته في القرآن وتوقف عن نقصه، وقال لو نقص لذهب كله. وقال ابن بطال: مذهب جماعة من أهل السنة من سلف الأمة وخلفها: أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص والحجة على ذلك ما أورده البخاري قال فإيمان من لم تحصل له الزيادة ناقص. وذكر الحافظ أبو القاسم هبة الله اللالكائي في كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وبه قال من الصحابة(7/353)
عَلِيّةَ، أخبرنا خَالِدٌ الْحَذّاءِ عن أَبي قلاَبَةَ عَن عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ: رَسُولُ الله
__________
عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود ومعاذ وأبو الدرداء وابن عباس وابن عمر وعمار وأبو هريرة وحذيفة وسلمان وعبد الله بن رواحة وأبو أمامة وجندب بن عبد الله وعمير بن حبيب وعائشة رضي الله تعالى عنهم. ومن التابعين: كعب الأحبار وعروة وعطاء وطاوس ومجاهد وابن أبي مليكة وميمون بن مهران وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير والحسن ويحيى بن أبي كثير والزهري وقتادة وأيوب ويونس وابن عون وسليمان التيمي وإبراهيم النخعي وأبو البحتري وعبد الكريم الجريري وزيد بن الحارث والأعمش ومنصور والحكم وحمزة الزيات وهشام بن حسان ومعقل بن عبيد الله الجريري، ثم محمد بن أبي ليلى والحسن بن صالح ومالك بن مغول ومفضل بن مهلهل وأبو سعيد الفزاري وزائدة وجرير بن عبد الحميد وأبو هشام عبد ربه وعبثر بن القاسم وعبد الوهاب الثقفي وابن المبارك وإسحاق بن إبراهيم وأبو عبيد بن أسلام وأبو محمد الدارمي والذهلي ومحمد بن أسلم الطوسي وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود وزهير بن معاوية وزائدة وشعيب بن حرب وإسماعيل بن عياش والوليد بن مسلم والوليد بن محمد والنضر بن شميل والنضر بن محمد. وقال سهل بن متوكل: أدركت ألف أستاذ كلهم يقول الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. وقال يعقوب بن سفيان: أن أهل السنة والجماعة على ذلك بمكة والمدينة والبصرة والكوفة والشام منهم عبيد الله ابن يزيد المقري وعبد الملك الماجشون ومطرف ومحمد بن عبيد الله الأنصاري والضحاك بن مخلد وأبو الوليد وأبو النعمان والقعني وأبو نعيم وعبيد الله بن موسى وقبيصة وأحمد بن يونس وعمرو بن عون وعاصم بن على وعبد الله بن صالح كاتب الليث وسعيد بن أبي مريم والنضر بن عبد الجبار وابن بكير وأحمد بن صالح وإصبغ بن الفرج وآدم بن أبي إياس وعبد الأعلى بن مسهر وهشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن وعبد الرحمن بن إبراهيم وأبو اليمان الحكم بن نافع وحيوة ابن شريح ومكي بن إبراهيم وصدقة بن الفضل ونظراؤهم من أهل بلادهم.
وذكر أبو الحسن عبد الرحمن بن عمر في كتاب الإيمان ذلك عن خلق. قال: وأما توقف مالك عن القول بنقصان الإيمان فخشية أن يتناول عليه موافقة(7/354)
...................................................................................................
__________
الخوارج. وقال رسته: ما ذاكرت أحداً من أصحابنا من أهل العلم مثل علي بن المديني وسليمان يعني ابن حرب والحميدي وغيرهم إلا يقولون الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وكذا روي عن عمير بن حبيب وكان من أصحاب الشجرة وحكاه اللالكائي في كتاب السنن عن وكيع وسعيد بن عبد العزيز وشريك وأبي بكر ابن عياش وعبد العزيز بن أبي سلمة والحمادين وأبي ثور والشافعي وأحمد بن حنبل. وقال الإمام: هذا البحث لفظي لأن المراد بالإيمان إن كان هو التصديق فلا يقبلهما، وإن كان الطاعات فيقبلهما ثم قال: الطاعات مكملة للتصديق فكل ما قام من الدليل على أن الإيمان لا يقبل الزيادة والنقصان كان مصروفاً إلى أصل الإيمان الذي هو التصديق، وكل ما دل على كون الإيمان يقبل الزيادة والنقصان فهو مصروف إلى الكامل وهو مقرون بالعمل. وقال بعض المتأخرين الحق أن الإيمان يقبلهما سواء كان عبارة عن التصديق مع الأعمال وهو ظاهر، أو بمعنى التصديق وحده لأن التصديق بالقلب هو الاعتقاد الجازم، وهو قابل للقوة والضعف فإن التصديق بجسمية الشبح الذي بين أيدينا أقوى من التصديق بجسميته إذا كان بعيداً عنا، ولأنه يبتدي في التنزيل من أجلى البديهيات، كقولنا النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، ثم ينزل إلى ما دونه كقولنا الأشياء المتساوية بشيء واحد متساوية ثم إلى أجلى النظريات كوجود الصانع، ثم إلى ما دونه ككونه مرئياً ثم إلى أخفاها كاعتقاد أن العرض لا يبقى زمانين.
وقال بعض المحققين: الحق أن التصديق يقبل الزيادة والنقصان بوجهين: الأول القوة والضعف لأنه من الكيفيات النفسانية وهي تقبل الزيادة والنقصان كالفرح والحزن والغضب ولو لم يكن كذلك يقتضي أن يكون إيمان النبي صلى الله عليه وسلم وأفراد الأمة سواء وأنه باطل إجماعاً، ولقول إبراهيم عليه السلام {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} . الثاني: التصديق التفصيلي في أفراد ما علم مجيئه به جزء من الإيمان يثاب عليه ثوابه على تصديقه بالاَخر. وقال بعضهم في هذا المقام الذي يؤدي إليه نظري أنه ينبغي أن يكون الحبق الحقيق بالقبول أن الإيمان بحسب التصديق يزيد بحسب الكمية المعظمة وهي العدد قبل تقرر الشرائع بأن يؤمن الإنسان بجملة ما ثبت من الفرائض ثم يثبت فرض آخر فيؤمن به أيضاً، ثم وثم فيزداد إيمانه، أو يؤمن بحقيقة كل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم إجمالاً(7/355)
......................................................................................................
__________
قبل أن تبلغ إليه الشرائع تفصيلا، ثم تبلغه فيؤمن بها تفصيلا بعدما آمن به إجمالاً فيزداد إيمانه.
فإن قلت: يلزم من هذا تفضيل آمن من بعد تقرير الشرائع على من مات في زمن الرسول عليه السلام من المهاجرين والأنصار، لأن إيمان أولئك أزيد من إيمان هؤلاء.
قلت: لا نسلم أن هذه الزيادة سبب التفضيل في الاَخرة، وسند المنع أن كل واحد من هذين الفريقين مؤمن بجميع ما يجب الإيمان به يحسب زمانه وهما متساويان في ذلك، وأيضاً إنما يلزم تفضيلهم على الصحابة بسبب زيادة عدد إيمانهم لو لم يكن لإيمانهم ترجيح باعتبار آخر وهو قوة اليقين وهو ممنوع لأن لإيمانهم ترجيحاً، ألا ترى إلىقوله عليه السلام: لو وزن إيمان أبي بكر مع إيمان جميع الخلق لرجح إيمان أبي بكر رضي الله عنه. ولا ينقص الإيمان بحسب العدد قبل تقرر الشرائع ولا يلزم ترك الإيمان بنقص ما يجب الإيمان به، ويزيد وينقص بحسب العدد بعد تقرر الشرائع بتكرار التصديق والتلفظ بكلمتي الشهادة مرة بعد أخرى بعد الذهول عنه تكراراً كثيراً أو قليلا، ويزيد وينقص مطلقاً أي قبل تقرر الشرائع وبعده بحسب الكيفية أي القوة والضعف بحسب ظهور أدلة حقية المؤمن به وخفائها وقوتها وضعفها وقوة اعتقاد المقلد في المقلد وضعفه. وروى عن بعض المحققين أنه قال: الأظهر أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة، ولهذا يكون إيمان الصديقين والراسخين في العلم أقوى من إيمان غيرهم بحيث لا تغريهم الشبهة ولا يزلزل إيمانهم معارض، ولا تزال قلوبهم منشرحة للإسلام وإن اختلفت عليهم الأحوال، انتهى كلام العيني بلفظه. وقال بعد ورقة:قوله يزيد وينقص أي الإيمان والإسلام يقبل الزيادة والنقصان هذا على تقدير دخول القول والفعل فيه ظاهر وأما على تقدير أن يكون نفس التصديق فإنه أيضاً يزيد وينقص أي قوة وضعفاً، أي إجمالا وتفصيلا أو تعدداً بحسب تعدد المؤمن به كما حققناه فيما مضى انتهى.
قلت: قول من قال من أهل العلم إن نفس التصديق يزيد وينقص هو الحق والصواب والله تعالى أعلم(7/356)
صلى الله عليه وسلم: "إِنّ مِنْ أَكْمَلِ المُؤمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ" . وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ وَأَنَسِ بنِ مَالِكِ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيح وَلاَ نَعْرِدفُ لأَبي قِلاَبَةَ سَمَاعاً مِنْ عَائِشَةَ. وَقَدْ رَوَى أَبُو قِلاَبَةَ عن عَبْدِ الله بنِ يَزِيدَ رَضِيعٍ لِعَائِشَةَ عن عَائِشَةَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ. وَأَبُو قِلاَبَةَ اسْمُهُ عَبْدُ الله بنُ زَيْدٍ الْجَرْمِيّ.
2744-حدثنا ابنُ أَبِي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ قَالَ ذَكَرَ أَيّوبُ السّخْتِيَانِيّ أَبَا قِلاَبَةَ فَقَالَ: كَانَ وَالله مِنَ الفُقَهَاءِ ذَوِي الألْبَابِ.
2745-حدثنا أَبُو عَبْدِ الله هُرَيْمُ بنُ مِسْعَرٍ الأَزْدِيّ التِرْمِذِيّ، أخبرنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُحَمّدٍ، عن سُهَيْلٍ بنِ أَبي صَالحٍ، عن أَبِيهِ عن أَبي
__________
قوله : "إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً" بضم اللام ويسكن لأن كمال الإيمان يوجب حسن الخلق والإحسان إلى كافة الإنسان "وألطفهم بأهله" أي أرفقهم وأبرهم بنسائه وأولاده وأقاربه وعترته. وفي الحديث: أن المؤمنين كلهم ليسوا في الإيمان بل بعضهم أكمل إيماناً من بعض، وبه مطابقة لحديث الباب.
قوله : "وفي الباب عن أبي هريرة وأنس بن مالك" أما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي وأخرجه أبو داود مختصراً، وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي في صفة جهنم وأخرجه أيضاً الشيخان.
قوله : "هذا حديث حسن" وأخرجه الحاكم.
قوله : "كان والله من الفقهاء ذوي الألباب" ، زاد الحافظ في تهذيب التهذيب بعد هذا: ما أدركت بهذا المصر رجلا كان أعلم بالفقهاء من أبي قلابة.
قوله : "حدثنا أبو عبد الله بن هريم" بضم الهاء وفتح الراء مصغراً "بن مسعر" بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين "الأزدي الترمذي" مقبول من العاشرة.(7/357)
هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النّاسَ فَوَعَظَهُمْ ثُمّ قَالَ: "يَا مَعْشَرَ النّسَاءِ تَصَدّقْنَ فَإِنَكُنّ أَكْثَرُ أَهْلِ النّارِ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنّ: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: لِكَثْرَةِ لَعْنِكُنّ، يَعْنِي وَكُفْرِكُنّ العَشِيرَ قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذَوِي الأَلْبَابِ وَذَوِي الرّأْيِ مِنْكُنّ. قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنّ: وَمَا نقصانُ عقلها ودينها؟ قال: شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ مِنْكُنّ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ. وَنُقْصَانُ دِينِكُنّ الْحَيْضَةُ، فَتَمْكُثُ إِحْدَاكُنّ
__________
قوله: "خطب الناس" وفي حديث أبي سعيد عند الشيخين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضح أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء فقال: يا معشر النساء تصدقن الخ "ثم قال يا معشر" النساء أي جماعتهن والخطاب عام غلبت الحاضرات على الغيب قال أهل اللغة: المعشر هم الجماعة الذين أمرهم واحد، أي مشتركون، وهو اسم يتناولهم كالإنس معشر والجن معشر والأنبياء معشر والنساء معشر ونحو ذلك وجمعه معاشر "تصدقن" أمر لهن أي أعطين الصدقة "ولم ذاك" أصله لما حذفت ألف ما الاستفهامية بدخول حرف الجر عليها تخفيفاً واللام متعلقة مقدر بعدها والواو إما للعطف على مقدر قبله والتقدير فقالت كيف يكون ذاك ولأي شيء نكون أكثر أهل النار، أو زائدة ليدل على أنه متصل بما قبله لا سؤال مستقل بنفسه منقطع عما قبله "لكثرة لعنكن" اللعن هو الدعاء بالإبعاد من رحمه الله تعالى "يعني: وكفركن العشير" هذا وقول بعض الرواة، وفي حديث أبي سعيد تكثرن اللعن وتكفرن العشير. قال النووي: العشير بفتح العين وكسر الشين وهو في الأصل المعاشر مطلقاً والمراد هنا الزوج انتهى. وكفران العشير جحد نعمته وإنكارها أو سترها بترك شكرها، واستعمال الكفران في النعمة والكفر في الدين أكثر "من ناقصات عقل ودين" صفة موصوف محذوف أي ما رأيت أحداً من ناقصات "أغلب لذوي الألباب" أي لذوي العقول والألباب جمع اللب، وهو العقل الخالص من شوب الهوى، وفيه مبالغة لأنه إذا كان ذو اللب والرأي مغلوباً فغيره أولى "منكن" متعلق بأغلب "وما نقصان عقلها ودينها" كأنه خفي عليها ذلك حتى سألت عنه "قال شهادة امرأتين منكن بشهادة(7/358)
الثّلاَثَ وَالأَرْبَعَ لاَتُصَلّي" . وفي البابِ عن أَبي سَعِيدٍ وَابنِ عَمَرَ.
هذا حديثٌ حسن صحيحٌ.
2746-حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا وَكُيعٌ عن سُفْيَانَ عن سُهَيْلِ بنِ أَبي صَالحٍ عن عَبْدِ الله بنِ دِينَارٍ، عن أَبي صَالحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الاْيمَانُ بِضْعٌ وسَبْعُونَ بَاباً فَأَدْناهَا
__________
رجل" وفي حديث أبي سعيد: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قال الحافظ: أشار بقوله مثل نصف شهادة الرجل إلىقوله تعالى: {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} لأن الاستظهار بأخرى مؤذن بقلة ضبطها وهو مشعر بنقص عقلها "ونقصان دينكن الحيضة" بفتح الحاء، "فتمكثن إحداكن الثلاث والأربع" أي ثلاث ليال مع أيامها وأربع ليال مع أيامها "لا تصلي" أي ولا تصوم وفي حديث أبي سعيد أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم "قلن بلى" قال: فذلك من نقصان دينها. قال النووي: وأما وصفه صلى الله عليه وسلم النساء بنقصان الدين لتركهن الصلاة والصوم في زمن الحيض فقد يستشكل معناه وليس بمشكل بل هو ظاهر، فإن الدين والإيمان والإسلام مشتركة في معنى واحد كما قدمنا في مواضع. وقد قدمنا أيضاً في مواضع أن الطاعات تسمى إيماناً وديناً. وإذا اثبت هذا علمنا أن من كثرت عبادته زاد إيمانه ودينه، ومن نقصت عبادته نقص دينه انتهى.
قوله : "وفي الباب عن أبي سعيد وابن عمر" أما حديث أبي سعيد فقد تقدم تخريجه آنفاً. وأما حديث ابن عمر، فأخرجه مسلم نحو حديث أبي سعيد وأبي هريرة.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم.
قوله : "الإيمان بضع وسبعون باباً" وفي روايات الشيخين "شعبة" مكان باباً، فالمراد بالباب هنا الشعبة وهي القطعة من الشيء والمراد الخصلة أو الجزء، قاله الحافظ. والبضع بكسر الباء هو ما بين الثلاث إلى التسع أو إلى الخمس، أو ما بين(7/359)
إِمَاطَةُ الأَذى عن الطّرِيقِ، وَأَرْفَعُهَا قوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله" .
__________
الواحدة إلى الرابعة أو من أربع إلى تسع أو هو سبع كذا في القاموس. اعلم أنه وقع في هذه الرواية بضع وسبعون، ووقع في رواية البخاري في كتاب الإيمان بضع وستون، وفي رواية لمسلم بضع وسبعون، وفي أخرى له بضع وسبعون أو بضع وستون بالشك ووقع في الرواية الاَتية أربعة وستون. قال الحافظ: وأما رواية الترمذي بلفظ أربع وستون فمعلولة، وعلى صحتها لا تخالف رواية البخاري، وترجيح رواية بضع وسبعون لكونها زيادة ثقة كما ذكره الحليمي، ثم عياض لا يستقيم إذ الذي زادها لم يستمر على الجزم بها لا سيما مع اتحاد المخرج. وقد رجح ابن الصلاح الأقل لكونه المتيقن "فأدناها" أي أقربها منزلة وأدونها مقداراً ومرتبة بمعنى أقربها تناولا وأسهلهما تواصلا من الدنو بمعنى القرب، فهو ضد فلان بعيد المنزلة أي رفيعها أو من الدناءه أي أقلها فائدة لأنها دفع أدنى ضرر "إماطة الأذى" أي تنحيته وإبعاده، والمراد بالأذى كل ما يؤذي من حجر ومدر أو شوك أو غيره "وأرفعها قول لا إله إلا الله" وفي رواية مسلم أفضلها مكان أرفعها. قال القاضي: قد نبه صلى الله عليه وسلم على أن أفضلها التوحيد المتعين على كل أحد والذي لا يصح شيء من الشعب إلا بعد صحته، وأدناها ما يتوقع ضرره بالمسلمين من إماطة الأذى عن طريقهم، وبقي بين هذين الطريقين أعداد لو تكلف المجتهد تحصيلها بغلبه الظن وشدة التتبع لأمكنه، وقد فعل ذلك بعض من تقدم، وفي الحكم بأن ذلك مراد النبي صلى الله عليه وسلم صعوبة، ثم إنه لا يلزم معرفة أعيانها، ولا يقدح جهل ذلك في الإيمان، إذ أن أصول الإيمان وفروعه معلومة محققة والإيمان بأن هذا العدد واجب في الجملة انتهى. وقد صنف في تعيين هذه الشعب جماعة منهم الإمام أبو عبد الله الحليمي صنف فيها كتاباً سماه فوائد المنهاج، والحافظ أبو بكر البيهقي وسماه شعب الإيمان والشيخ عبد الجليل أيضاً سماه شعب الإيمان، وإسحاق بن القرطبي وسماه كتاب النصائح، والامام أبو حاتم وسماه وصف الإيمان وشعبه، قاله العيني. وقال الحافظ في الفتح: ولم يتفق من عد الشعب على نمط واحد، وأقربها إلى الصواب طريقة ابن حبان لكن لم يقف على بيانه من كلامه، وقد لخصت مما أورده ما أذكره ثم ذكره الحافظ بقوله وهو أن هذه(7/360)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَهَكَذَا رَوَى سُهَيْلُ بنُ أَبي صَالحٍ عن عَبْدِ الله بنِ دِينَارٍ، عن أَبي صَالحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ. وَرَوَى عُمَارَةَ بنُ غَزِيّةَ هَذَا الْحَدِيثَ عن أَبي صَالحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الإِيمَانُ أَرْبَعَةٌ وَسِتّونَ بَاباً" .
2747-حدثنا بِذَلِكَ قُتَيْبَةُ، أخبرنا بَكْرُ بنُ مُضَرَ عن عُمَارَةَ بنِ غَزِيّةَ عن أَبِي صَالحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
__________
الشعب تتفرع من أعمال القلب وأعمال اللسان، وأعمال البدن. فأعمال القلب فيها المعتقدات والنيات وتشتمل على أربع وعشرين خصلة الخ.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة.(7/361)
7- باب ما جَاءَ الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمانِ"
2748-حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، المَعْنَى وَاحِدٌ. قالا: حدثنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عن الزّهْرِيّ، عن سَالِمٍ عن أَبِيِه أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرّ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ في الحَيَاءِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله
__________
"باب ما جَاءَ الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمانِ"
تقدم تفسير الحياء لغة وشرعاً في باب الحياء من أبواب البر والصلة
قوله : "وهو يعظ أخاه في الحياء" أي ينصح أو يخوف أو يذكر كذا شرحوه، والأولى أن يشرح بما جاء عند البخاري في الأدب ولفظه: يعاتب أخاه في الحياء يقول: إنك لتستحي حتى كأنه يقول قد أضربك انتهى. ويحتمل أن يكون جمع له العتاب والوعظ فذكر بعض الرواة ما لم يذكره الاَخر لكن المخرج متحد، فالظاهر أنه من تصرف الراوي بحسب ما اعتقد أن كل لفظ منهما يقوم مقام الاَخر، وفي سببية. فكأن الرجل كان كثير الحياء فكان ذلك يمنعه من(7/361)
صلى الله عليه وسلم: "الْحَيَاءُ مِنَ الاْيمَانِ" قال أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ في حَدِيِثِه: "إِنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلاً يَعِظُ أَخَاهُ في الْحَيَاءِ".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ
__________
استيفاء حقوقه فعاتبه أخوه على ذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: دعه أي اتركه على هذا الخلق السيء، ثم زاد في ذلك ترغيب الحكمة بأنه من الإيمان، وإذا كان الحياء يمنع صاحبه من استيفاء حق نفسه جر له ذلك تحصيل أجر ذلك الحق لا سيما إذا كان المتروك له مستحقاً كذا في الفتح "الحياء من الإيمان" أي بعضه أو من شعبه قاله القاري: وقد ذكر النووي كلاماً نافعاً مفيداً فيما يتعلق بالحياء ونقلناه عن شرح مسلم في باب الحياء فعليك أن تطالعه.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي. وابن ماجة.
قوله : "وفي الباب عن أبي هريرة" أخرجه الترمذي في باب الحياء.(7/362)
8- باب مَا جَاءَ فِي حُرْمَةِ الصلاة
2749-حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ مُعَاذٍ الصّنْعَانِيّ عن مَعْمَرٍ عن عَاصِمِ بنِ أَبي النّجُودِ عن أَبي وَائِلٍ عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قَالَ: "كُنْتُ مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْماً قَرِيباً مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الْجَنّةَ وَيُبَاعِدُنِي
__________
"باب مَا جَاءَ فِي حُرْمَةِ الصلاة"
قوله: "أخبرنا عبد الله بن معاذ" بن نشيط، بفتح النون بعدها معجمة، الصنعاني صاحب معمر صدوق تحامل عليه عبد الرزاق من التاسعة.
قوله : "قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير" وفي رواية قال: بينما نحن نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وقد أصابنا الحر فتفرق القوم فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم(7/362)
عنِ النّارِ، قَالَ: "لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ وَإِنّهُ لَيَسِيرُ عَلَى مَنْ يَسّرَهُ الله عَلَيْهِ: تَعْبُدُ الله وَلاَ تُشْرِكْ بِهِ شَيْئَاً، وَتُقِيمُ الصّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجّ الْبَيْتَ، ثُمّ قَالَ: أَلاَ أَدُلّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ: الصّوْمُ جُنّةٌ، وَالصّدَقَةُ تطفئ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النّارَ، وَصَلاَةُ الرّجُلِ مِنْ جَوفِ الّليْلِ، قَالَ: ثُمّ تَلاَ {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} حَتّى بَلَغَ { يَعْمَلُونَ} ثُمّ قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ
__________
أقربهم مني فدنوت منه وقلت "أخبرني بعمل يدخلني الجنة" برفع يدخل على أنه صغة عمل إما مخصصة أو مادحة أو كاشفة، فإن العمل إذا لم يكن بهذه الحيثية كأنه لا عمل، وقيل بالجزم وفيه تكلف "عن عظيم" أي عن عمل عظيم فعله على النفوس "وإنه ليسير" أي هين سهل "على من يسره الله" أي جعله سهلا "تعبد الله" إما بمعنى الأمر وكذا ما بعده وإما خبر مبتدأ محذوف تعويلا على أقوى الدليلين، أي هو أن تعبد أي العمل الذي يدخلك الجنة عبادتك الله بحذف أن، أو تنزيل الفعل منزلة المصدر، وعدل عن صيغة الأمر تنبيهاً على أن المأمور كأنه متسارع إلى الامتثال وهو بخبر عنه إظهاراً لرغبته في وقوعه، وفصله عن الجملة الأولى لكونه بياناً أو استئنافاً "ألا أدلك على أبواب الخير" أي الطرق الموصلة به "الصوم جنة" بضم الجيم الترس أي مانع من النار أو من المعاصي بكسرة الشهوة وضعف القوة. وقال في النهاية: الصوم جنة أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات، والجنة الوقاية انتهى. "والصدقة تطفئ الخطيئة" من الإطفاء أي تذهبها وتمحو أثرها، أي إذا كانت متعلقة بحق الله تعالى، وإذا كانت من حقوق العباد فتدفع تلك الحسنة إلى خصمه عوضاً عن مظلمته "وصلاة الرجل من جوف الليل" مبتدأ خبره محذوف أي كذلك يعن تطفي الخطيئة. أو هي من أبواب الخير والأول أظهر. قال القاضي: وقيل الأظهر أن بقدر الخبر وهو شعار الصالحين كما في جامع الأصول ذكره القاري "ثم تلا" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} أي تتباعد "عن المضاجع" أن المفارش والمراقد {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} بالصلاة والذكر والقراوة والدعاء "حتى بلغ يَعْمَلُونَ" بقية الاَية خوفاً(7/363)
كُلّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ: قلت: بَلَى يَا رَسُولَ الله قَالَ: رَأْسُ الأَمْرِ الاْسْلاَمُ، وَعُمودُهُ الصّلاَةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ. ثمّ قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلّهِ، قلت: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ: فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: كُفّ عَلَيْكَ هَذَا. فَقلت: يَا نَبِيّ الله وَإِنّا لَمُؤَاخَذُونَ بمَا نَتَكَلّمُ بِهِ؟ فَقَالَ:
__________
وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون "ألا أخبرك برأس الأمر كله" أي بأصل كل أمر "وعموده" بفتح أوله أي ما يقوم ويعتمد عليه "وذروة سنامه" بكسر الذال وهو الأشهر وبضمها وحكي فتحها أعلى الشيء والسنام بالفتح ما ارتفع عن ظهر الجمل قريب عنقه "قال رأس الأمر" أي أمر الدين "الإسلام" يعني الشهادتين وهو من باب التشبيه المقلوب، إذ المقصود تشبيه الإسلام برأس الأمر ليشعر بأنه من سائر الأعمال بمنزلة الرأس من الجسد في احتياجه إليه وعدم بقائه دونه "وعموده الصلاة" يعني الإسلام هو أصل الدين إلا أنه ليس له قوة وكمال، كالبيت الذي ليس له عمود فإذا صلى وداوم قوى دينه ولم يكن له رفعة فإذا جاهد حصل لدينه رفعة وهو معنىقوله: "وذروة سنامه الجهاد" وفيه إشعار إلى صعوبة الجهاد وعلو أمره وتفوقه على سائر الأعمال، والجهاد من الجهد بالفتح وهو المشقة، أو بالضم وهو الطاقة لأنه يبذل الطاقة في قتال العدو عند فعل العدو مثل ذلك "ألا أخبرك بملاك ذلك كله" الملاك ما به إحكام الشيء وتقويته، من ملك العجين إذا أحسن عجنه وبالغ فيه، وأهل اللغة يكسرون الميم ويفتحونها والرواية بالكسر وذلك إشارة إلى ما ذكر من أول الحديث إلى هنا من العبادات، وأكده بقوله كله لئلا يظن خلاف الشمول، أي بما تقوم به تلك العبادات جميعها "فأخذ" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "بلسانه" الباء زائدة والضمير راجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "قال كف" الرواية بفتح الفاء المشددة أي امنع "هذا" إشارة إلى اللسان أي لسانك المشافة له، وتقديم المجرور على المنصوب للاهتمام به وتعديته بعلى للتضمين، أو بمعنى عن، وإيراد اسم الإشارة لمزيد التعيين أو للتحقير وهو مفعول كف، وإنما أخذ(7/364)
ثَكِلَتْكَ أمّك يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبّ النّاسَ في النّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ، إِلاَ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2750-حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، حدثنا عَبْدُ الله بنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ الْحَارِثِ عن دَرّاج أَبِي السّمْحِ عن أَبي الْهَيْثَمِ، عن أَبي سَعِيدٍ قال: قال
__________
عليه الصلاة والسلام بلسانه وأشار إليه من غير اكتفاء بالقول، تنبيهاً على أن أمر اللسان صعب. والمعنى لا تكلم بما لا يعنيك، فإن من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ولكثرة الكلام مفاسد لا تحصى "وإنا لمؤاخذون" بالهمز ويبدل، أي هل يؤاخذنا ببعض الكلام "ثكلتك" بكسر الكاف أي فقدتك وهو دعاء عليه بالموت على ظاهره، ولا يراد وقوعه، بل هو تأديب وتنبيه من الغفلة وتعجيب وتعظيم للأمر "وهل يكب" بفتح الياء وضم الكاف من كبه إذا صرعه على وجهه بخلاف أكب فإن معناه سقط على وجهه وهو من النوادر، وهو عطف على مقدر أي هل تظن غير ما قلت وهل يكب "الناس" أي يلقيهم ويسقطهم ويصرعهم "على وجوههم أو على مناخرهم" شك من الراوي، والمنخر بفتح الميم وكسر الخاء وفتحهما ثقب الأنف، والاستفهام للنفي خصهما بالكب لأنهما أول الأعضاء سقوطاً "إلا حصائد ألسنتهم" أي محصوداتها، شبه ما يتكلم به الإنسان بالزرع المحصود بالمنجل وهو من بلاغة النبوة، فكما أن المنجل يقطع ولا يميز بين الرطب واليابس والجيد والردي، فكذلك لسان بعض الناس يتكلم بكل نوع من الكلام حسنا وقبيحاً.
والمعنى لا يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم من الكفر والقدف والشتم والغيبة والنميمة والبهتان ونحوها والاستثناء مفرغ، وهذ الحكم وارد على الأغلب أي على الأكثر لأنك إذا جربت لم تجد أحداً حفظ لسانه عن السوء ولا يصدر عنه شيء يوجب دخول النار إلا نادراً.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة.
قوله : "عن عمرو بن الحارث" الأنصاري مولاهم المصري "عن دراج" بفتح الدال المهملة وشدة الراء آخره جيم "أبي السمح" بمهملتين الأولى مفتوحة(7/365)
رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا رَأَيْتُمُ الرّجُلَ يَتَعَاهَدُ المَسْجَدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بالإِيمَانِ فَإِنّ الله تعالى يَقُولُ : {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} الاَية.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
__________
والميم ساكنة قيل اسمه عبد الرحمن ودراج لقب السهمي مولاهم المصري القاص صدوق في حديثه عن أبي الهيثم ضعف من الرابعة.
قوله : "إذا رأيتم الرجل يتعاهد المسجد" أي يخدمه ويعمره، وقيل المراد التردد إليه في إقامة الصلاة وجماعته وهذا هو التعهد الحقيقي وهو عمارته صورة "فاشهدوا له بالإيمان" أي بأنه مؤمن. قال الطيبي: التعهد والتعاهد الحفظ بالشيء، وورد في بعض الروايات وهي رواية للترمذي: يعتاد بدل يتعاهد وهو أقوى سنداً وأوفق معنى لشموله جميع ما يناط به المسجد من العمارة واعتياد الصلاة وغيرها ألا ترى إلى ما أشهد به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله فاشهدوا له، أي اقطعوا له القول بالإيمان لأن الشهادة قول صدر عن مواطأة القلب على القطع. وقال ابن حجر: بل التعهد أولى لأنه مع شموله لذلك يشمل تعهدها بالحفظ والعمارة والكنس والتطييب وغير ذلك كما يدل عليه استشهاده عليه السلام بالاَية الاَتية كذا في المرقاة. قلت: رواية الترمذي التي فيها "يعتاد" أخرجها هو في التفسير {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} أي بإنشائها أو ترميمها أو إحيائها بالعبادة والدروس قال صاحب الكشاف: عمارتها كنسها وتنظيفها وتنويرها بالمصابيح وتعظيمها واعتيادها للعبادة والذكر وصيانتها عما لم تبن له المساجد من حديث الدنيا فضلا عن فضول الحديث انتهى.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه ابن ماجة والدارمي وابن خزيمة والحاكم وقال صحيح. وقال الذهبي: في إسناده دراج وهو كثير المناكير نقله ميرك عن التخريج.(7/366)
9- باب ما جَاءَ في تَرْكِ الصّلاة
2751-حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا جَرِيرٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عن الأعْمَشِ، عن أَبي سُفْيَانَ، عن جَابِرٍ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "بَيْنَ الْكُفْرِ وَالإِيمانِ تَرْكُ الصَلاَةِ" .
2752-حدثنا هَنّادٌ، أخبرنا أَسْبَاطُ بنُ مُحّمدٍ، عن الأَعْمَشِ بِهَذَا اْلإِسْنَادِ نَحْوَهُ وقالَ: "بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الشّرْكِ أَوْ الْكُفْرِ تَرْكُ الصّلاَةِ" .
__________
"باب ما جاء في ترك الصلاة:
قوله: "أخبرنا جرير" بن عبد الحميد "وأبو معاوية" اسمه محمد بن خازم الضرير الكوفي.
قوله: "بين الكفر والإيمان ترك الصلاة" أي ترك الصلاة وصلة بين الكفر والإيمان. قال ابن الملك: متعالق بين محذوف تقديره تركها وصلة بينه وبينه. وقال بعضهم: قد يقال لما يوصل الشيء إلى الشيء من شخص أو هدية هو بينهما. وقال الطيبي: ترك الصلاة مبتدأ والظرف المقدم خبره، والظاهر أن فعل الصلاة هو الحاجز بين العبد والكفر.
قوله : "بين العبد وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة" كذا وقع في نسخ الترمذي أو الكفر بلفظ "أو" ووقع في رواية مسلم والكفر بالواو. قال النووي: هكذا هو في جميع الأصول من صحيح مسلم "الشرك والكفر" بالواو، وفي مخرج أبي عوانة الإسفرايني وأبي نعيم الأصبهاني "أو الكفر" بأو لكل واحد منهما وجه ومعنى بينه ويبن الشرك ترك الصلاة، أي الذي يمنع من كفره كونه لم يترك الصلاة فإذا تركها لم يبق بينه وبين الشرك حائل بل دخل فيه، إن الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد وهو الكفر بالله تعالى، وقد يفرق بينهما فيختص المشرك بعبدة الأوثان وغيرها من المخلوقات مع اعترافهم بالله تعالى ككفار قريش فيكون الكفر أعم من الشرك.(7/367)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَأَبُو سُفْيَانَ اسْمُهُ طَلْحَةُ بنُ نَافِعٍ.
2753-حدثنا هَنّادٌ، حدثنا وَكِيعٌ، عن سُفْيَانَ عن أَبي الزّبَيْرِ عن جَابِرٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصّلاَةِ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَأَبُو الزّبَيْرِ اسْمُهُ مُحمّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ تَدْرُسَ
2754-حدثنا أَبُو عَمّارٍ الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ وَيُوسُفُ بنُ عِيسَى، قالا: أخبرنا الْفَضْلُ بنُ مُوسَى عن الْحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ.
2755-وَحدّثنا أَبُو عَمّارٍ الحسين بن حريث وَمحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، قالا: حدثنا عَلِيّ بنُ الْحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ عن أَبِيِه.
2756-وَحدّثنا مُحمّدُ بنُ عَلِيّ بنِ الْحَسَنِ الشّقِيِقيّ وَ مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، قالاَ: حدثنا عَلِيّ بنُ الْحُسَيْنِ بنِ شَقِيقٍ، عن الْحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ، عن عَبْدِ الله
__________
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
قوله : "وأبو الزبير اسمه محمد بن مسلم بن تدرس" بفتح المثناة وسكون الدال المهملة وضم الراء.
قوله : "ويوسف بن عيسى" أبو يعقوب المروزي "أخبرنا الفضل بن موسى" السيناني المروزي "عن الحسين بن واقد" المروزي.. . "أخبرنا علي ابن الحسين بن واقد" المروزي صدوق يهم من العاشرة "وحدثنا محمد بن علي بن الحسن الشقيقي" المروزي ثقة صاحب حديث من الحادية عشرة. "أخبرنا علي بن الحسين بن شقيق" أبو عبد الرحمن المروزي.(7/368)
بنُ بُرَيْدَةَ عن أَبِيِه قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الْعَهْدُ الّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصّلاَةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ" . وفي البابِ عن أَنَسٍ وَابنِ عَبّاسٍ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.
__________
قوله : "العهد الذي بيننا وبينهم" يعني المنافقين "الصلاة" أي هو الصلاة بمعنى أنها الموجبة لحقن دمائهم كالعهد في حق المعاهدين "فمن تركها فقد كفر" أي فإذا تركوها برئت منهم الذمة ودخلوا في حكم الكفار نتقاتلهم كما نقاتل من لا عهد له. قال القاضي: ضمير الغائب يعني فيقوله وبينهم للمنافقين شبه الموجب لإبقائهم وحقن دمائهم بالعهد المتقتضى لإبقاء المعاهد والكف عنه، والمعنى أن العمدة في إجراء أحكام الإسلام عليهم تشبههم بالمسلمين في حضور صلاتهم ولزوم جماعتهم وانقيادهم للأحكام الظاهرة، فإذا تركوا ذلك كانوا هم والكفار سواء. قال التوربشتي: ويؤيد هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام لما استؤذن في قتل النافقين: "ألا إني نهيت عن قتل المصلين" .
قيل: يمكن أن يكون ضمير الغائبين عاماً فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء كان منافقاً أو لا، يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء: "لا تترك صلاة مكتوبة متعمداً فمن تركها متعمداً فقد برئت منه الذمة" .
قوله : "وفي الباب عن أنس وابن عباس" أما حديث أنس فأخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد لا بأس به ولفظه: "من ترك الصلاة متعمداً فقد كفر جهاراً" ، ورواه محمد بن نصر في كتاب الصلاة ولفظه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بين العبد والكفر أو الشرك ترك الصلاة فإذا ترك الصلاة فقد كفر. ورواه ابن ماجة عن يزيد الرقاشي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس بين العبد والشرك إلا ترك الصلاة، فإذا تركها فقد أشرك" . وأما حديث ابن عباس فأخرجه يعلى بإسناد حسن ولفظه: " عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام، من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان" . كذا في الترغيب.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه أحمد وأبو داود(7/369)
2757-حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا بِشْرُ بنُ المُفَضّلِ عن الْجُرَيْرِيّ عن عَبْدِ الله بنِ شَقِيقٍ العُقَيْلِيّ قالَ: "كَان أَصْحَابُ مُحمّدٍ صلى الله عليه وسلم لاَ يَرَوْنَ شَيْئَاً مِنَ الأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصّلاَةِ".
__________
والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال صحيح. ولا نعرف له علة.
قوله : "لا يرون" من الرأي أي لا يعتقدون "من الأعمال" صفة لقوله شيئاً "تركه كفر" صفة ثانية له "غير الصلاة" استثناء، والستثنى منه الضمير الراجع إلى "شيئاً" قاله الطيبي، والمراد ضمير تركه ثم الحصر يفيد أن ترك الصلاة عندهم كان من أعظم الوزر وأقرب إلى الكفر. قاله القاري.
قلت: بل قول عبد الله بن شقيق هذا بظاهره يدل على أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يعتقدون أن ترك الصلاة كفر، والظاهر من الصيغة أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة. لأنقوله كان أصحاب رسول الله جمع مضاف وهو من المشعرات بذلك، وأثر عبد الله بن شقيق هذا أخرجه الحاكم أيضاً وصححه على شرطهما، وذكره الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه. قال الشوكاني في النيل في باب حجة من كفر تارك الصلاة: لا خلاف بين المسلمين في كفر من ترك الصلاة منكراً بوجوبها إلا أن يكون قريب عهد بالاسلام أو لم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة، وإن كان تركه لها تكاسلا مع اعتقاده لوجوبها كما هو حال كثير من الناس فقد اختلف في ذلك. فذهب الجماهير من السلف والخلف منهم مالك والشافعي إلى أنه لا يكفر بل يفسق فإن تاب وإلا قتلناه حداٍ كالزاني المحصن ولكنه يقتل بالسيف. وذهب من السلف إلى أنه يكفر وهو مروى عن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل، وبه قال عبد الله إبن المبارك وإسحاق بن راهويه وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة المزني صاحب الشافعي إلى أنه لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي.
احتج الأولون على عدم كفره بقول الله عز وجل {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ(7/370)
__________
يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} بما سيأتي من الأحاديث في باب حجة من لم يكفر تارك الصلاة ولم يقطع عليه بخلو كحديث عبادة بن الصامت خمس صلوات كتبهن الله على العباد من أتى بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
واحتجوا على قتله بقوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} وبقوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن اقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها" الحديث. متفق عليه. وتألواقوله صلى الله عليه وسلم: "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة" . وسائر أحاديث الباب على أنه مستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهي القتل، وأنه محمول على المستحل، أو على أنه قد يؤول به إلى الكفر أو على أن فعله فعل الكفار.
واحتج أهل القول الثاني بأحاديث الباب.
واحتج أهل القول الثالث على عدم الكفر بما احتج به أهل القول الأول وعلى عدم القتل بحديث: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث وليس فيه الصلاة.
والحق أنه كافر يقتل، أما كفره فلأن الأحاديث قد صحت أن الشارع سمي تارك الصلاة بذلك الاسم وجعل الحائل بين الرجل وبين إطلاق هذا الاسم عليه هو الصلاة فتركها مقتض لجواز الإطلاق، ولا يلزمنا شيء من المعارضات التي أوردها الأولون، لأنا نقول لا يمنع أن يكون بعض أنواع الكفر غير مانع المغفرة واستحقاق الشفعاعة ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التي سماها الشارع كفراً، فلا من ملجىُ إلى التأويلات التي وقع الناس في مضيقها. وأما أنه يقتل فلأن حديث: أمرت أن أقاتل الناس. يقضي بوجوب القتل لاستلزام المقاتلة له، وقد شرط الله في القرآن التخلية بالتوبة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فقال: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} فلا يخلي من لم يقم الصلاة، انتهى كلام الشوكاني مختصراً ملخصاً.(7/371)
......................................................................................................
__________
قلت: لو تأملت في ما حققه الشوكاني في تارك الصلاة من أنه كافر، وفي ما ذهب إليه الجمهور من أنه لا يكفر، لعرفت أنه نزاع لفظي، لأنه كما لا يخلد هو في النار ولا يحرم من الشفاعة عند الجمهور، كذلك لا يخلد هو فيها ولا يحرم منها عند الشوكاني أيضاً.(7/372)
10- باب
2758-حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنَا الّليثُ عن ابنِ الْهَادِ، عن مُحَمّدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ الْحَارِثِ، عن عَامِرِ بنِ سَعْدٍ بن أبي وقّاص، عن الْعَبّاسِ بنِ عَبْدِ المُطّلِبِ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "ذَاقَ طَعْمَ الاْيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِالله رَبّا وَ باْلإِسْلاَمِ دِيناً وبِمُحَمّدٍ نَبِيّا" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2759-حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، أخبرنا عَبْدُ الوَهّابِ الثّقَفِيّ عن أَيّوبَ
__________
"باب"
قوله: "عن ابن الهاد" اسمه يزي بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي، أبو عبد الله المدني، ثقة مكثر من الخامسة.
قوله : "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله" قال صاحب التحرير: معنى رضيت بالشيء قنعت به واكتفيت به ولم أطلب معه غيره. فمعنى الحديث لم يطلب غير الله تعالى ولم يسمع في غير طريق الإسلام ولم يسلك إلا بما يوافق شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا شك في أن من كانت هذه صفته فقد خالطت حلاوة الإيمان قلبه وذاق طعمه. وقال القاضي عياض: معنى الحديث صح إيمانه واطمأت به نفسه وخامر باطنه، لأن رضاه بالمذكورات دليل لثبوت معرفته ونفاذ بصيرته ومخالطة بشاشته قلبه، لأن من رضي أمر سهل عليه، فكذا المؤمن إذا دخل قلبه الإيمان سهل عليه طاعات الله تعالى ولذت له "رباً" بالنصب على التمييز وكذا أخوانه.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد ومسلم.
قوله : "عن أيوب" هو ابن أبي تميمة السختياني.(7/372)
عن أَبِي قِلاَبَةَ، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "ثَلاَثٌ مَنْ كُنّ فِيِه وَجَدَ بِهِنّ طَعْمَ الاْيمَانِ: مَنْ كَانَ الله وَرَسُولُهُ أَحَبّ إِلَيْهِ مِمّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبّ المَرْءَ لاَ يُحِبُهُ إِلاّ لله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ
__________
قوله : "ثلاث" مبتدأ والجملة الشرطية خبره وجازمع أنه نكرة لأن التقدير خصال ثلاث "وجد بهن" أي بسبب وجودهن "طعم الإيمان" بفتح الطاء أي لذاته، وفي رواية لمسلم: حلاوة الإيمان. قال العلماء معنى حلاوة الإيمان استلذاذه الطاعات وتحمله المشاق في رضى الله ورسوله، وإيثار ذلك على عرض الدنيا ومحبة العبد لله سبحانه وتعالى بفعل طاعته وترك مخالفته، وكذا محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال القاضي عياض: هذا الحديث بمعنى حديث: ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً إلخ، وذلك أنه لا تصح محبة الله تعالى ورسوله حقيقة وحب الأدمي في الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وكراهته الرجوع في الكفر إلا لمن قوي بالإيمان يقينه، واطمأنت به نفسه، وانشرح له صدره، وخالط لحمه ودمه، وهذا هو الذي وجد حلاوته. قال: والحب في الله من ثمرات حب الله وأصل المحبة الميل إلى ما يوافق المحب، ثم الميل قد يكون لما يستلذه الإنسان ويستحسنه كحسن الصورة والصوت والطعام ونحوها. وقد يستلذه بعقله للمعاني الباطنة كمحبة الصالحين والعلماء وأهل الفضل مطلقاً، وقد يكون لإحسانه إليه ودفعه المضار والمكاره عنه، وهذه المعاني كلها موجودة في النبي صلى الله عليه وسلم لما جمع من جمال الظاهر والباطن، وكمال خلال الجلال وأنواع الفضائل، وإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايته إياهم إلى الصراط المستقيم، ودوام النعيم، والإبعاد من الجحيم. وقد أشار بعضهم إلى أن هذا متصور في حق الله تعالى، فإن الخبر كله منه سبحانه وتعالى قال مالك وغيره المحبة في الله تعالى من واجبات الإسلام "من كان" لا بد من تقدير مضاف قبله لأنه إما بدل أو بيان أو خبر مبتدأ محذوف هو هي أو هن أو إحداها أي محبة من كان "الله ورسوله" برفعهما "أحب إليه" بالنصب على أنه خبر كان "مما سواهما" يعم ذوي العقول وغيرهم من المال والجاه وسائر الشهوات "وأن يحب المرء" أي وثانيتها أن يحب المرء، وفي رواية(7/373)
في الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ الله مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النّارِ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رَوَاهُ قَتَادَةُ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
__________
لمسلم من كان يحب المرء "لا يحبه إلا لله" استثناء مفرغ أي لا يحبه لغرض وعرض وعوض ولا يشوب محبته حظ دنيوي ولا امر بشر بل محبته تكون خالصة لله تعالى فيكون متصفاً بالحب في الله وداخلا في المتحابين لله. والجملة حال من الفاعل أو المفعول أو منهما "وأن يكره" أي ثالثتها أن يكره "أن يعود في الكفر" أي يرجع أو يتحول، وقيل أن يصبر بدليل تعديته بفي على حد {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} فيشمل من لم يسبقه له كفر أيضاً ولا ينافيه قوله: "بعد إذ أنقذه منه" أي أخلصه ونجاه من الكفر لأن أنقذ بمعنى حفظ بالعصمة ابتداء بأن يولد على الإسلام ويستمر بهذا الوصف على الدوام أو بالإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، أو لا يشمله ولكنه مفهوم من طريق المساوة بل الأولى، قاله القاري. وقال النووي:قوله يعود أو يرجع معناه يصير، وقد جاء العودو الرجوع بمعنى الصيرورة انتهى "أن يقذف" بصيغة المجهول أي يلقى.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة.(7/374)
باب لا يزني الزاني وهو مؤمن
...
11-باب ما جاءَ لاَ يَزْنِي الزّانِي وَهُوَ مُؤْمِن
2760-حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا عُبَيْدَةُ بنُ حُمَيْدٍ، عن الأعْمَشِ عن أَبِي صَالحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَزْنِي الزّانِي حين يزني وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ السّارِقُ حين يسرق وَهُوَ مُؤْمِنٌ
__________
"باب ما جاءَ لاَ يَزْنِي الزّانِي وَهُوَ مُؤْمِن"
قوله: "لا يزني الزاني وهو مؤمن" الواو للحال. قال النووي: هذا الحديث مما اختلف العلماء معناه، فالقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشي ويراد(7/374)
وَلَكِنّ التّوْبَةَ مَعْرُوضَةٌ" . وفي البابِ عن ابنِ عَبّاسٍ وَ عَائِشَةَ وَ عَبْدِ الله
__________
نفي كماله ومختاره كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا الإبل، ولا عيش إلا عيش الاَخرة، وإنما تأولناه على ما ذكرناه الحديث أبي ذر وغيره: "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق" . وحديث عبادة بن الصامت الصحيح المشهور أنهم بايعوه صلى الله عليه وسلم على أن لا يسرقوا ولا يزنوا ولا يعصوا إلى آخره، ثم قال لهم صلى الله عليه وسلم: "فمن وفى منكم فأجره على الله ومن فعل شيئاً من ذلك فعوقب في الدنيا فهو كفارته، ومن فعل ولم يعاقب فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه" . فهذان الحديثان مع نظائرهما في الصحيح مع قول الله عز وجل، {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ، مع إجماع أهل الحق على أن الزاني والسارق والقاتل وغيرهم من أصحاب الكبائر غير الشرك لا يكفرون بذلك بل هم المؤمنون ناقصو الإيمان إن تابوا سقطت عقوبتهم، وإن ماتوا مصرين على الكبائر كانوا في المشيئة، فإن شأن الله تعالى عفا عنهم وأدخلهم الجنة أولا، وإن شاء عذبهم ثم أدخلهم الجنة. فكل هذه الدلائل تضطرنا إلى تأويل هذا الحديث وشبهه. وتأويل بعض العلماء هذا الحديث على من فعل مستحلا مع علمه بورود الشرع بتحريمه. وحكي عن ابن عباس رضي الله عنه: أن معناه ينزع منه نور الإيمان فيه حديث مرفوع. وذهب الزهري إلى أن هذا الحديث وما أشبهه يؤمن بها وتمر على ما جاءت ولا يخاض في معناها وأنا لا نعلم معناها، وقال: أروها كما أمرها من قبلكم انتهى كلام النووي مختصراً.
قلت: قال البخاري في صحيحه: وقال ابن عباس: ينزع عنه نور الإيمان في الزنا. قال الحافظ: وصله أبو بكر بن أبي شيبة في كتاب الإيمان من طريق عثمان بن أبي صفية قال: كان ابن عباس يدعو غلمانه غلاماً فيقول ألا أزوجك ما عبد يزني إلا نزع الله منه نور الإيمان. وقد روى مرفوعاً أخرجه أبو جعفر الطبري من طريق مجاهد عن ابن عباس، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من نزع الله نور الإيمان من قبله فإن شاء أن يرده رده" . وله شاهد من حديث أبي هريرة عند أبي داود "ولكن التوبة معروضة" زاد مسلم في رواية: بعده. والمعنى لكن التوبة تعرض عليه، فإن تاب تاب الله عليه.(7/375)
بنِ أَبي أَوْفَى.
حَدِيثُ أَبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ هَذا الوَجْهِ. وَقَدْ رُوِيَ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِذَا زَنَى العَبْدُ خَرَجَ مِنْهُ الاْيمَانُ فَكَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ كَالظّلّةِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ عَادَ إِلَيْهِ الاْيمَانُ" .
__________
قوله : "وفي الباب عن ابن عباس وعائشة وعبد الله بن أبي أوفى" أما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري، وأما حديث عائشة فلينظر من أخرجه، وأما حديث عبد الله بن أبي أوفى فأخرجه ابن أبي شيبة.
قوله : "حديث أبي هريرة حسن غريب صحيح" وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي.
قوله : "وقد روى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا زنى" أي أخذ وشرع في الزنا "العبد" أي المؤمن "خرج من الإيمان" أي نوره وكماله أو يصير كأنه خرج إذا لا يمنع إيمانه عن ذلك كما لا يمنع من خرج منه الإيمان، أنه من باب التغليظ في الوعيد. قال التوربشتي: هذا من باب الزجر والتهديد وهو كقول القائل لمن اشتهر بالرجولية والمروءة ثم فعل ما ينافي شيمته عدم عنه الرجولية والمروءة تعبيراً وتنكيراً لينتهي عما صنع، واعتباراً وزجراً للسامعين ولطفاً بهم، وتنبيهاً على أن الزنا من شيم أهل الكفر وأعمالهم، فالجمع بينه وبين الإيمان كالجمع بين المتنافيين. وفيقوله صلى الله عليه وسلم فكان فوق رأسه كالظلة وهو أول سحابة تظل. إشارة إلى أنه وإن خالف حكم الإيمان فإنه تحت ظله لا يزول عنه حكم الإيمان ولا يرتفع عنه اسمه "عاد إليه الإيمان" قيل هذا تشبيه المعنى بالمحسوس يجامع بمعنوي وهو الإشراف على الزوال، وفيه إيماه بأن المؤمن في حالة اشتغاله بالمعصية يصير كالفاقد للإيمان، لكن لا يزول حكمه واسمه بل هو بعد في ظل رعايته وكنف بركته، إذا نصب فوقه كالسحابة تظلهه، فإذا فرغ من معصيته عاد الإيمان إليه وحديث أبي هريرة هذا ذكره الترمذي معلقاً ووصله أبو داود في سننه والبيهقي والحاكم وقال صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي(7/376)
رُوِيَ عن أَبِي جَعْفَر مُحمّدِ بنِ عَلِي أَنّهُ قالَ: في هَذا خُرُوجٌ عن الإِيمَانِ إِلَى الاْسْلاَمِ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قالَ في الزّنَا وَالسّرِقَةِ: "مَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئَاً فأقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدّ، فَهُوَ كَفّارَةُ ذَنْبِهِ، وَمَنْ أصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئَاً فَسَتَرَهُ الله عَلَيْهِ فَهُوَ إِلَى الله تَعَالَى، إِنْ شَاءَ عذّبَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ" . رَوَى ذَلِكَ عَلِيّ بنُ أَبي طَالِبٍ وَعُبَادَةُ بنُ الصّامِتِ وَخُزَيْمَةُ بنُ ثَابِتٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
2761-حدثنا أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ أَبي السّفَرِ واسمه: أَحمَدُ بنُ عَبْدِ الله الْهَمَدَانِيّ الكوفي قال: أخبرنا حَجّاجُ بنُ مُحمّدِ عن يُونُسَ بنِ أَبي إِسْحَاقَ، عن أَبي إِسْحَاقَ الْهَمَدَانِيّ عن أَبي جُحَيْفَةَ عن عَلِيّ بنِ أَبي طَالِبٍ عن النبيّ صلى الله
__________
قوله : "وروى عن أبي جعفر محمد بن علي" بن الحسين بن علي بن أبي طالب المشهور بالباقر "أنه قال في هذا خروج عن الإيمان إلى الاسلام" يعني أنه جعل الإيمان أخص من الاسلام فإذا خرج من الإيمان بقي في الإسلام، وهذا يوافق قول الجمهور أن المراد بالإيمان هنا كماله لا أصله قاله الحافظ.
وقوله : "روى ذلك علي بن أبي طالب وعبادة بن الصامت وخزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم" تقدم تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم في باب ما جاء إن الحدود كفارة لأهلها.
قوله : "حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر أحمد بن عبد الله الهمداني" اعلم أنه قد وقع في النسخة الأحمدية: حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر حدثنا أحمد بن عبد الله الهمداني بزيادة لفظ أخبرنا بين أبي السفر، وأحمد وهذا غلط صريح، والصواب حذف لفظ أخبرنا لأن أحمد بن عبد الله الهمداني هو اسم أبي عبيدة أبي السفر "أخبرنا الحجاج بن محمد المصيصي" الأعور.(7/377)
عليه وسلم قالَ: "مَنْ أَصَابَ أَحَداً فَعُجّلَتْ عُقُوبَتُهُ في الدّنْيَا، فالله أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُثَنّي عَلَى عَبْدِهِ الْعُقُوبَةَ في الاَخِرَةِ، وَمَنْ أَصَابَ حَدّاً فَسَتَرَهُ الله عَلَيْهِ وَعَفَا عَنْهُ، فَالله أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ إلى شَيءٍ قَدْ عَفَا عَنْهُ" .
وهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ. وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ لاَ نَعْلَمُ أَحَداً كَفّرَ أَحَداً بِالزّنَا أَو السّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْر
__________
قوله : "من أصاب حداً" أي ذنباً يوجب الحد فأقيم المسبب مقام السبب ويجوز أن يراد بالحد المحرم منقوله تلك حدود الله فلا تعتدوها، أي تلك محارمه ذكره الطيبي "فعجل" بصيغة المجهول أي فقدم "أن يثنى" بتشديد النون أي يكرر "فستره الله عليه" قال الترمذي في باب إن الحدود كفارة لأهلها. قال الشافعي: وأحب لمن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستر على نفسه ويتوب فيما بينه وبين ربه. وكذلك روي عن أبي بكر وعمر أنهما أمرا أن يستر على نفسه انتهى.
قلت: روى محمد في الموطإ عن سعيد بن المسيب أن رجلا من أسلم أتى أبا بكر فقال: إن الاَخر قد زنى، قال له أبو بكر: هل ذكرت هذا لأحد غيري؟ قال لا. قال أبو بكر: تب إلى الله عز وجل واستتر بستر الله: فإن الله يقبل التوبة عن عباده. قال سعيد: فلم تقر به نفسه حتى أتى عمر بن الخطاب فقال له كما قال لأبي بكر، فقال له كما قال أبو بكر الخ.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه ابن ماجة والحاكم. وقال المناوي إسناده جيد.
قوله : "وهذا قول أهل العلم لا نعلم أحداً كفر بالزنا والسرقة وشرب الخمر" قال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام الترمذي هذا يعني ممن يعتد بخلافه انتهى.(7/378)
12-باب ما جَاءَ "المسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمِونَ مِن لِسَاِنِهِ وَيَدِهِ"
2762-حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنَا الّليْثُ عن ابنِ عَجْلاَنَ عن القَعْقَاعِ بن حكيم عن أَبي صَالحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُؤْمِنُ مَنْ أَمنهُ النّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَيُرْوَى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أَنّهُ سُئِلَ أَيّ المُسْلِمينَ أَفْضَلُ؟ قالَ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ"
2763-حدثنا بِذَلِكَ إِبْرَاهِمُ بنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيّ، حدثنَا أَبُو أُسَامَةَ، عن بُرَيْدِ بنِ عَبْدِالله بنِ أَبي بُرْدَةَ، عن جَدّهِ أَبِي بُرْدَةَ عن أَبي مُوسَى الأشْعَرِيّ، أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أَيّ المُسْلِمِينَ أَفْضَلُ؟ قالَ: "مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" .
هذا حديثٌ صَحِيحٌ غريبٌ حسنٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
__________
"باب ما جَاءَ "المسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمِونَ مِن لِسَاِنِهِ وَيَدِهِ"
قوله: "المسلم من سلم المسلمون إلخ" تقدم شرح هذا في أواخر أبواب صفة القيامة "والمؤمن" أي الكامل "من أمنه الناس" كعلمه أي ائتمنه يعني جعلوه أميناً وصاروا منه على أمن "على دمائهم وأموالهم" لكمال أمانته وديانته وعدم خيانته. وحاصل الفقرتين إنما هو التنبيه على تصحيح اشتقاق الاسمين، فمن زعم أنه متصف به ينبغي أن يطالب نفسه بما هو مشتق منه، فإن لم يوجد فيه فهو كمن زعم أنه كريم ولا كرم له.
قوله : "هذا حديث صحيح غريب من حديث أبي موسى الأشعري" حديث أبي موسى هذا قد تقدم بسنده ومتنه في أواخر أبواب صفة القيامة، وتقدم شرحه هناك.(7/379)
وفي البابِ عن جابرٍ وأَبي موسى وعبدِ الله بنِ عمرو. وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح.
__________
قوله : "وفي الباب عن جابر وأبي موسى وعبد الله بن عمرو" أما حديث جابر وهو ابن عبد الله فأخرجه مسلم، وأما حديث أبي موسى فأخرجه الترمذي في هذا الباب، فالظاهر أنه أشار إلى حديث آخر في هذا، وأن حديث عبد الله بن عمر فأخرجه البخاري بلفظ المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه. وأخرجه مسلم بلفظ: "إن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي المسلمين خير؟ قال من سلم المسلون من لسانه ويده".
قوله : "وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وأخرجه النسائي.(7/380)
باب ما جاء في أن الإسلام بدأ غريبا ويعود غريبا
...
13- باب ما جَاءَ أَنّ الإِسْلاَمَ بَدَأَ غَرِيباً وَسَيَعُودُ غَرِيبا
2764-حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أخبرنا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ عن الأعْمَشِ عن أَبِي إِسْحَاقَ عن أَبِي الأَحْوَصِ عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قالَ: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الاْسْلاَمَ بَدَأَ غَرِيباً وَسَيَعُودُ غَرِيباً كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى للْغُرَبَاءِ" .
__________
"باب ما جَاءَ أَنّ الإِسْلاَمَ بَدَأَ غَرِيباً وَسَيَعُودُ غَرِيبا"
قوله: "إن الاسلام بدأ غربياً" قال النووي في شرح مسلم:بدأ بالهمزة من الابتداء. قال القاضي عياض فيقوله غريباً: روى ابن أبي أويس عن مالك رحمه الله تعالى أن معناه في المدينة وأن الإسلام بدأ بها غريباً وسيعود إليها: قال القاضي: وظاهر الحديث العموم وأن الاسلام بدأ في آحاد من الناس وقلة ثم انتشر فظهر ثم سيلحقه النقص والاختلال حتى لا يبقى إلا في آحاده وقلة أيضاً كما بدأ "فطوبى" قال النووي: طوبي فعلى من الطيب قاله الفراء وقال إنما جاءت الواو لضمه الطاء وأما معنى طوبى فاختلف المفسرون في معنى قوله تعالى {طُوبَى لَهُمْ} فروى عن ابن عباس رضي الله عنه أن معناه فرح وقة عين. وقال عكرمة: نعم ما لهم وقال الضحاك: غبطة لهم. وقال قتادة: حسنى لهم. وقال إبراهيم(7/380)
وفي البابِ عن سَعْدٍ وابنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ وَعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غَريبٌ مِنْ حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ. إِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ عن الأَعْمَشِ. وَأَبُو الأحْوَصِ اسمُهُ عَوْفُ بنُ مَالِكِ بنِ نَضْلةَ الْجُشَمِيّ، تَفَرّدَ بِهِ حَفْصٌ.
2765-حدثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرحْمَنِ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ أَبِي
__________
خير لهم وكرامة. وقال ابن عجلان: دوام الخير، وقيل الجنة، وقيل شجرة في الجنة. وكل هذه الأقوال محتملة في الحديث انتهى. كلام النووي "للغرباء" أي المسلمين الذين في أوله وآخره لصبرهم على الأذى، وقيل المراد بالغرباء المهاجرون الذين هجروا إلى الله. قال القاري: والأظهر أنهم هم الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعده من سنته، كما ورد مفسراً في حديث عمرو بن عوف يعني حديثه الاَتي في هذا الباب. وقد صنف الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلي في شرح هذا الحديث رسالة سماها كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة، وقد طبعت بمصر وشاعت.
قوله : "وفي الباب عن سعد وابن عمر وجابر وأنس وعبد الله بن عمرو" أما حديث سعد وهو ابن أبي وقاص فأخرجه أحمد، وأما حديث ابن عمر فأخرجه مسلم، وأما حديث جابر فأخرجه الطبراني، وأما حديث أنس فأخرجه ابن ماجة وأما حديث عبد الله بن عمرو فلينظر من أخرجه.
قوله : "هذا حديث حسن غريب صحيح من حديث ابن مسعود" وأخرجه ابن ماجة.
قوله : "وأبو الأحوص اسمه عوف بن مالك بن نضله الجشمي" بضم الجيم وفتح المعجمة الكوفي مشهور بكنيته ثقة من الثالثة قتل في ولاية الحجاج على العراق.
"حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن" هو الدارمي "أخبرنا إسماعيل بن(7/381)
أبي أُوَيْسٍ، حدثني كَثِيرُ بنُ عَبْدِ الله عن عَمْرِو بنِ عَوْفِ بنِ زَيْدِ بنِ مِلْحَةَ عن أَبِيِه عن جَدّهِ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّ الدّينَ ليَأْرِزُ إِلَى الْحِجَازِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيّةُ إِلَى جُحْرِهَا، وَلَيَعْقِلَنّ الدّينُ من الحِجَازِ مِعْقَلَ الأَرْوِيَةِ مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ. إِنّ الدّينَ بَدَأَ غَرِيباً وَيَرْجِعُ غَرِيباً فَطُوبَى
__________
أويس" هو إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله بن أبي أويس المدني، صدوق، أخطأ في أحاديث من حفظه من العاشرة "عن أبيه" هو عبد الله "عن جده" هو عمرو بن عوف، وقد تقدم تراجم هؤلاء الثلاثة في باب التكبير في العيدين.
قوله : "إن الدين ليأرز" بفتح أوله وسكون الهمزة وكسر الراء وقد تضم بعدها زاي. وحكى ابن التين عن بعضهم فتح الراء، وقال إن الكسر هو الصواب. وحكى أبو الحسن بن سراج ضم الراء ومعناه ينضم ويجتمع "إلى الحجاز" وهو اسم مكة والمدينة وحواليهما في البلاد وسميت حجازا لأنها حجزت أي منعت وفصلت بين بلاد نجد والغور. وفي حديث ابن عمر عند مسلم: إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ هو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها. قال القاري: والمراد أن أهل الإيمان يفرون بإيمانهم إلى المدينة وقاية بها عليه أو لأنها وطنه الذي ظهر وقوي بها، وهذا إخبار عن آخر الزمان حين يقل الإسلام انتهى "كما تأرز الحية إلى جحرها" بضم الجيم وسكون الحاء المهملة أي ثقبها "وليعقلن" جواب قسم محذوف أي والله ليعتصمن عطف على ليأرز، أو على إن ومعمولها أي ليتحصن وينضم ويلتجي "الدين" أبرزه وحقه الإضمار إعلاماً بعظيم شرفه ومزيد فخامته ومن ثم ضوعفت أدوات التأكيد وأتى بالقسم المقدر، يقال عقل الوعل أي امتنع بالجبال العوالي يعقل عقولا أي ليمتنعن بالحجاز ويتخذن منه حصناً وملجاً "معقل الأروية من رأس الجبل" الأروية بضم الهمزة وتكسر وتشد الياء الأنثى من المعز الجبلي والمعقل: مصدر بمعنى العقل ويجوز أن يكون اسم مكان أس كاتخاذ الأروية من رأس الجبال حصناً دون واعل لأنها أقدر من الذكر على التمكن من الجلبل الوعرة. والمعنى أن الدين في آخر الزمان عند ظهور الفتن واستيلاء الكفرة والظلمة على بلاد أهل الإسلام يعود إلى الحجاز(7/382)
لِلْغُرَبَاءِ الّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَتِي" .
هذا حديثٌ حسنٌ.
__________
كما بدأ منه "إن الدين بدأ" بالهمز هو الصحيح "غريباً" أي كالغريب أو حال "ويرجع غريباً" أي كما بدأ يعني أهل الدين في الأول كانوا غرباء ينكرهم الناس ولا يخالطونهم، هكذا في الاَخر "فطوبى للغرباء" أي أولا وآخراً "الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي" أي يعملون بها ويظهرونها بقدر طاقتهم.
قوله : "هذا حديث حسن" اعلم أن الترمذي قد يحسن حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده وقد يصححه، وكثير هذا ضعيف عند كثير من المحدثين بل عند الأكثر بل قال ابن عبد البر إنه مجمع على ضعفه. وقال الحافظ الذهبي في الميزان بعد ذكر كلام المحدثين فيه ما لفظه: وأما الترمذي فروى من حديثه: الصلح جائز بين المسلمين وصححه. فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي، انتهى.(7/383)
14-باب في عَلاَمَةِ المُنَافِق
2766-حدثنا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بنُ عَلِيٍ، أخبرنا يَحْيَى بنُ مُحَمدِ بنِ قَيْسٍ، عن العَلاءِ بنِ عَبْدِ الرّحمَنِ عن أَبِيهِ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدّثَ كَذَبَ
__________
"باب في عَلاَمَةِ المُنَافِق"
قوله: "أخبرنا يحيى بن محمد بن قيس" المحاربي الضرير أبو محمد المدني، نزيل البصرة لقبه أبو زكير بالتصغير وصدوق يخطئ كثيراً من الثامنة.
قوله : "آية المنافق ثلاث" الاَية العلامة وإفراد الاَية إما على إرادة الجنس أو أن العلامة إنما تحصل باجتماع الثلاث والأول هو الظاهر، وقد رواه أبو عوانة في صحيحه بلفظ: علامات المنافق. فإن قيل: ظاهره الحصر في الثلاث فكيف الجمع بين هذا الحديث عبد الله بن عمرو الاَتي بلفظ: أربع من كن فيه الخ.(7/383)
وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا أُؤْتمِنَ خَانَ" .
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من حَدِيثِ العَلاَءِ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وفي البابِ عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ.
__________
يقال: قد أجاب القرطبي باحتمال أنه استجد له صلى الله عليه وسلم من العلم بخصالهم ما لم يكن عنده. قال الحافظ في الفتح: ليس بين الحديثين تعارض لأنه لا يلزم من عد الخصلة المذمومة الدالة على كمال النفاق، كونها علامة على لاحتمال أن تكون العلامات دالات على أصل النفاق والخصلة الزائدة إذا أضيفت إلى ذلك كمل بها خلوص النفاق، على أن في رواية مسلم من طريق علاء ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ما يدل على إرادة عدم الحصر فإن لفظه: من علامة المنافق ثلاث. وكذا أخرج الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد الخدري، وإذا أحمل اللفظ الأول على هذا لم يرد السؤال فيكون قد أخبر ببعض العلامات في وقت، وببعضها في وقت آخر انتهى "وإذا وعد" أي أخبر بخير في المستقبل وإذ وعد يغلب في الخير وأوعد في الشر، وأيضاف الخلف في الوعيد من مكارم الأخلاق "أخلف" أي جعل الوعد خلافاً بأن لم يف بوعده. ووجه المغايرة بين هذه وما قبلها أن الإخلاف قد يكون بالفعل وهو غير الكذب الذي هو لازم التحديث، وليس فيه ما يدل على وجوب الوفاء بالوعد، لأن ذم الإخلاف إنما هو من حيث تضمينه الكذب المذموم إن عزم على الإخلاف حال الوعد لا إن طرأ له كما هو واضح على أن علامة النفاق لا يلزم تحريمها إذ المكروه لكونه يجر إلى الحرام يصح أن يكون علامة على المحرم، ونظائره علامات الساعة فإن منها ما ليس بمحرم "وإذا ائتمن" باللبناء للمجهول أي جعل أميناً "خان" أي في ما ائتمن.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه الشيخان وابن ماجة.
قوله : "وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وأنس وجابر" أما حديث عبد الله بن مسعود وحديث جابر فلينظر من أخرجهما. وأما حديث أنس فأخرجه أبو يعلي.(7/384)
2767-حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أَخْبَرنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عن أَبِي سُهَيْلٍ بنِ مَالِكٍ عن أَبِيِه عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه بِمعناه.
هذا حديثٌ صحيحٌ. وَأَبُو سُهَيْلٍ هُوَ عَمّ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ وَاسْمُهُ نَافِعُ بنُ مَالِكِ بنُ أَبي عَامِرٍ الأَصْبَحِيّ الْخَوْلاَنِيّ.
2768-حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنَا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عن سُفْيَانَ عن الأعْمَشِ، عن عَبْدِ الله بنِ مُرّةَ، عن مَسْرُوقٍ عن عَبْدِ الله بَنِ عَمْرٍو عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً وَإِنّ كَانَتْ فِيِه خِصْلَةٌ مِنْهُنّ كَانَتْ فِيِه خَصْلَةٌ مِنَ النّفَاقِ حَتّى يَدَعَهَا: مَنْ إِذَا حَدّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ" .
قالَ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَأَنْمَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ نِفَاقُ
__________
قوله : "عن أبيه" هو مالك بن أبي عامر الأصبحي، سمع من عمر، ثقة من الثانية "واسمه نافع بن مالك بن أبي عامر الخولاني الأصبحي" بفتح الهمزة وسكون الصاد المهملة وفتح الموحدة وبالحاء المهملة التيمي المدني ثقة من الرابعة.
قوله : "عن عبد الله بن مرة" الهمداني الخارفي بمعجمة وراء وفاء الكوفي ثقة من الثالثة.
قوله : "أربع" أي خصال أربع "كان منافقاً" زاد البخاري خالصاً "حتى يدعها" أي يتركها "وإذا خاصم فجر" أي مال عن الحق وقال الباطل والكذب قال أهل اللغة: أصل الفجور الميل عن القصد قاله النووي. وقال القاري: أي شتم ورمى بالأشياء القبيحة "وإذا عاهد غدر" أي نقض العهد ابتداء.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي.
قوله : "وإنما معنى هذا عند أهل العمل نفاق العمل وإنما كان نفاق التكذيب(7/385)
العَمَل، وَأَنَمَا كَانَ نِفَاقُ التكذِيبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. هَكَذَا رُوِيَ عن الحَسَنِ البَصْرِي شَيْئاً مِنْ هَذَا .
2769 -حدثنا الحسنُ بنُ عَلِيّ الْخَلاّلُ، حدثنَا عَبْدُ الله بنُ نُمَيْرٍ عن الأعْمَشِ عن عَبْدِ الله بنِ مُرّةَ بهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ.
وهذا حديث حسن صحيح.
__________
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ" قال الحافظ في الفتح النفاق لغة مخالفة الباطن للظاهر، فإن كان في اعتقاد الإيمان فهو نفاق الكفر وإلا فهو نفاق العمل، ويدخل فيه الفعل والترك وتتفاوت مراتبه. قال وقال النووي: هذا الحديث عده جماعة من العلماء مشكلا من حيث أن هذه الخصال قد توجد في المسلم المجمع على عدم الحكم بكفره، قال: وليس فيه إشكال بل معناه صحيح، والذي قاله المحققون أن معناه أن هذه خصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلف بأخلاقهم. قال الحافظ: ومحصل هذا الجواب الحمل في التسمية على المجاز أي صاحب هذه الخصال كالمنافق وهو بناء على أن المراد بالنفاق نفاق الكفر، وقد قيل في الجواب عنه: إن المراد بالنفاق العمل وهذا ارتضاه القرطبي واستدل له نقول عمر لحذيفة: هل تعلم في شيئاً من النفاق، فإنه لم يرد بذلك نفاق الكفر. وإنما أراد نفاق العمل، ويؤيد وصفه بالخالص في الحديث الثاني بقوله: كان منافقاً خالصاً وقيل المراد باطلاق النفاق الإنذار والتحذير عن ارتكاب هذه الخصال وأن الظاهر غير مراد، وهذا ارتضاء الخطابي وذكر أيضاً أنه يحتمل أن المتصف بذلك هو من اعتاد ذلك وصار له ديدنا. قال ويدل عليه التعبير بإذا بإنها تدل على تكرر الفعل كذا قال. والأولى ما قال الكرماني إن حذف المفعول من حديث يدل على العموم أي إذا حدث في كل شيء كذب فيه أو يصير قاصراً، أي إذا وجد ماهية التحديث كذب، وقيل هو محمول على من غلبت عليه هذه الخصال وتهاون بها واستخف بأمرها، فإن من كان كذلك كان فاسد الاعتقاد غالباً. وهذه الأجوبة كلها مبنية على أن اللام في المنافق للجنس، ومنهم من ادعى(7/386)
2770-حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشارٍ، أَخْبَرنَا أَبُو عَامِرٍ، أَخْبَرنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ طَهْمَانَ، عن عَلِيّ بنِ عَبْدِ الأعْلَى، عن أَبي النّعْمَانِ، عن أَبي وَقّاصٍ، عن زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا وَعَدَ الرّجُلُ وَيَنْوِي أَنْ يَفِيَ بِهِ فَلَمْ يَفِ بِهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ" .
هذا حديثٌ غريبٌ، وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بالقَويّ. عَلِيّ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى ثِقَةٌ وأَبُو النّعْمَانِ مَجْهُولٌ وَأَبُو وَقّاصِ مَجْهُولْ.
__________
أنها للعهد، فقال إنه ورد في حق شخص معين، أو في حق المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وتمسك هؤلاء بأحاديث ضعيفة جاءت في ذلك لو ثبت شيء منها لتعين المصير إليه وأحسن الأجوبة ما ارتضاه القرطبي.
قلت: الأمر كما قال الحافظ من أن أحسن الأجوبة ما ارتضاه القرطبي. وقد نقل الترمذي هذا القول عن أهل العلم مطلقاً.
قوله : "أخبرنا أبو عامر" هو العقدي اسمه عبد الملك بن عمرو "أن يفي به" بفتح فكسر وأصله أن يوفي من الوفاء "فلم يف به" أي بغدر "فلا جناح عليه" أي فلا إثم عليه. هذا دليل على أن النية الصالحة يثاب الرجل عليها وإن لم يقترن معها المنوي ويختلف عنها.
قوله : "هذا حديث غريب" وأخرجه أبو داود "وأبو النعمان مجهول وأبو وقاص مجهول" أما أبو النعمان فوثقه ابن حبان وأما أبو وقاص فهو مجهول بالاتفاق ولم أر من وثقه فالحديث ضعيف.(7/387)
باب ما جاء "سباب المسلم فسوق"
...
15-باب ما جَاءَ سِبَابُ المؤمِنِ فُسُوق
2771-حدثنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ بَزِيغٍ، أَخْبَرنَا عَبْدُ الحَكِيمِ بنُ مَنْصُورٍ الْوَاسِطِيّ عن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عن عَبْدِ الرَحْمَنِ بنِ عَبْدِ الله
__________
"باب ما جَاءَ سِبَابُ المؤمِنِ فُسُوق"
قوله: "أخبرنا عبد الحكيم بن منصور الواسطي" الخزاعي أبو سهل وأبو سفيان متروك كذبه ابن معين من السابعة "عن عبد الرحمن بن عبد الله(7/387)
بنِ مَسْعُودِ عن أَبِيِه قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "قِتَالُ المُسْلِمِ أَخَاهُ كُفْرٌ وَسِبَابُهُ فُسُوقٌ" . وفي البابِ عن سَعْدٍ وَعَبْدِ الله بنِ مُغَفّلٍ.
حَدِيثُ ابنِ مَسْعُودٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ عن عَبْدِ الله ابنِ مَسْعُودٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ.
2772-حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا وَكِيعٌ، عن سُفْيَانَ، عن زُبَيْدٍ، عن أَبِي وَائِلٍ، عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى
__________
ابن مسعود" الهدلي الكوفي ثقة من صغار الثانية، وقد سمع عن أبيه لكن شيئاً يسيراً كذا في التقريب. وذكر في تهذيب التهذيب اختلاف أئمة الحديث في سماعة من أبيه.
قوله : "قتال المسلم أخاه كفر" قال النووي: أما قتاله بغير حق فلا يكفر به عند أكهل الحق كفراً يخرج عن الملة إلا إذا استحله، فإذا تقرر هذا فقيل في تأويل الحديث أقوال أحدها أنه في المستحل، والثاني أن المراد كفر الإحسان والنعمة وأخوة الإسلام لا كفر الجحود، والثالث أنه يؤول إلى الكفر بشؤمه، والرابع أنه كفعل الكفار، وقال ثم إن الظاهر من قتاله المقاتلة المعروفة "وسبابه فسوق" السب في اللغة: الشتم والتكلم في عرض الإنسان بما يعيبه، والفسق في اللغة الخروج، والمراد به في الشرع الخروج عن الطاعة، وأما معنى الحديث فسب المسلم بغير حق حرام بإجماع الأمة وفاعله فاسق كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم قاله النووي.
قو ل ه: "وفي الباب عن سعد وعبد الله بن مغفل" أما حديث سعد وهو ابن أبي وقاص فأخرجه ابن ماجة، وأما حديث عبد الله بن مغفل فأخرجه الطبراني في الكبير.
قوله : "حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح" في سند حديث ابن مسعود هذا عبد الحكيم بن منصور الواسطي وهو متروك، وكذبه ابن معين فتصحيحه له لمجيئه من طرق أخرى صحيحة.
قوله : "عن زبيد" بضم الزاي وفتح الموحدة مصغراً هو ابن الحارث بن(7/388)
الله عليه وسلم: "سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
عبد الكريم بن عمرو بن كعب اليامي، ويقال الأيامي أبو عبد الرحمن، ويقال أبو عبد الله الكوفي، ثقة ثبت عابد من السادسة.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة.(7/389)
باب فيمن رمى أخاه بالكفر
...
16- باب ما جاءَ فيمَنْ رَمَى أَخَاهُ بِكُفْر
2773-حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنَا إِسْحَاقُ بنُ يُوسُفَ الأزْرَقُ عن هِشَامٍ الدّسْتَوَائِيّ عن يَحْيَى بنِ أَبي كَثِيرٍ عن أَبي قِلاَبَةَ عن ثَابِتِ بنِ الضّحّاكِ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَيْسَ عَلَى العَبْدِ نَذْرٌ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ، وَلاَعِنُ المُؤْمِنِ كَقَاتِلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنَاً بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَاتِلِهِ،
__________
"باب ما جاءَ فيمَنْ رَمَى أَخَاهُ بِكُفْر"
يقال رماه بكذا عابه واتهمه به
قوله : "حدثنا أحمد بن منيع" بن عبد الرحمن أبو جعفر البغوي نزيل بغداد الأصم، ثقة حافظ من العاشرة "عن ثابت بن الضحاك" بن خليفة الأشهلي صحابي مشهور، روى عنه أبو قلابة. مات سنة خمس وأربعين قاله الفلاس، والصواب سنة أربع وستين.
قوله : "ليس على العبد نذر فيما لا يملك" قال ابن الملك رحمه الله: كأن يقول إن شفي الله مريضي ففلان حر وهو ليس في ملكه. وقال الطيبي رحمه الله: معناه أنه لو نذر عتق عبد لا يملكه أو التضحي بشاة غيره أو نحو ذلك لم يلزمه الوفاء به وإن دخل ذلك في ملكه وفي رواية: ولا نذر فيما لا يملك أي لا صحة له ولا عبرة به.
قلت: أشار الطيبي إلى ما روى أبو داود والترمذي في الطلاق عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا طلاق فيما لا يملك" . قال الترمذي: حسن صحيح وهو أحسن شيء روى في هذا الباب "لاعن المؤمن كقاتله" أي لعن المؤمن كقتله(7/389)
وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيءٍ عَذّبَهُ الله بِمَا قَتَلَ بِهِ نَفْسَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" . وفي البابِ عن أَبِي ذَرٍ وَابنِ عُمَرَ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2774-حدثنا قُتَيْبَةُ، عن مَالِكِ بنِ أَنَسٍ عن عَبْدِ الله بنِ دِينَارٍ، عن ابنِ عُمَرَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "أَيّمَا رَجُلٍ قالَ لأَخِيهِ كَافِرٌ فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا" .
__________
في أصل الإثم فلاعنه كقاتله. قال الطيبي رحمه الله: أي في التحريم أو في العقاب "ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقاتله" قال الطيبي: وجه التشبيه هنا أظهر لأن النسبة إلى الكفر الموجب للقتل فالقذف بالكفر تسبب إليه والمتسب إلى الشيء كفاعله، والقذف في الأصل الرمي ثم شاع عرفاً في الرمي بالزنا، ثم استعير لكل ما يعاب به الإنسان ويحيق به ضرره "ومن قتل نفسه بشيء" أي من آلات القتل أو بأكل السم أو غير ذلك.
قوله: "وفي الباب عن أبي ذر وابن عمر" أما حديث أبي ذر فأخرجه البخاري عنه مرفوعاً: لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك. وأخرجه البخاري ومسلم عنه مرفوعاً: من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه. وأما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذين في هذا الباب.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
قوله : "أيما رجل قال لأخيه كافر" بضم الراء على البناء فإنه منادي حذف حرف ندائه كما ذكره ميرك ويؤيده ما جاء في رواية: بالنداء، ويجوز تنوينه على أنه خبر محذوف تقديره أنت أو هو "فقد باء به" أي رجع بتلك المقالة. قال الطيبي: لأنه إذا قال القائل لصاحبه يا كافر مثلا فإن صدق رجع إليه كلمة الكفر الصادر منه مقتضاها، وإن كذب واعتقد بطلان دين الإسلام رجعت إليه هذه الكلمة. قال النووي: اختلف في تأويل هذا الرجوع، فقيل رجع عليه الكفر(7/390)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
إن كان مستحلا وهذا يعيد من سياق الخبر، وقيل محمول على الخوارج لأنهم يكفرون المؤمنين، هكذا نقله عياض عن مالك وهو ضعيف، لأن الصحيح عند الأكثرين أن الخوارج لا يكفرون ببدعتهم. قال الحافظ: ولما قاله مالك وجه وهو أن منهم من يكفر كثيراً من الصحابة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وبالإيمان فيكون تكفيرهم من حيث تكذيبهم للشهادة المذكورة لا من مجرد صدور التكفير منهم بتأويل. والتحقيق أن الحديث سبق لزجر المسلم عن أن يقول ذلك لأخيه المسلم وذلك قبل وجود فرقة الخوارج وغيرهم. وقيل معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره، وهذا لا بأس به. وقيل يخشى عليه أن يؤول به ذلك إلى الكفر كما قيل المعاصي يريد الكفر فيخاف على من أدامها وأصر عليها سوء الخاتمة وأرجح من الجميع أن من قال ذلك لمن يعرف منه الإسلام ولم يقم له شبهة في زعمه أنه كافر فإنه يكفر بذلك، فمعنى الحديث: فقد رجع عليه تكفيره فالراجع التكفير لا الكفر فكأنه كفر نفسه لكونه كفر من هو مثله. ومن لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام، ويؤيده أن في بعض طرقه وجب الكفر على أحدهما.
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه أحمد والشيخان.(7/391)
باب فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله
...
17-باب ما جاءَ فيمَنْ يَمُوتُ وهُوَ يَشْهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلا الله
2775-حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنَا الّليْثُ عن ابنِ عَجْلاَنَ، عن مُحمّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَبّانَ عن ابنِ مُحَيْرِيزِ عن الصّنَابِحِيّ عن عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ أَنّهُ
__________
"باب ما جاءَ فيمَنْ يَمُوتُ وهُوَ يَشْهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلا الله"
قوله: "عن ابن محيريز" اسمه عبد الله بن محيريز بضم ميم وفتح مهملة وسكون ياءين بينهما راء مكسورة وبزاي ابن جنادة بن وهب الجمحي المكي كان يتيماً في حجر أبي محذورة بمكة ثم نزل بيت المقدس ثقة عابد من الثالثة.(7/391)
قالَ: "دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ في المَوْتِ فَبَكَيْتُ فَقَالَ مَهْلاً لِمَ تَبْكِي، فَوالله لَئِنْ اسْتُشْهِدْتُ لأَشْهَدَنّ لَكَ، وَلَئِنْ شُفّعْتُ لاْشْفَعَنّ لَكَ، وَلَئِنْ اسْتَطَعْتُ لأَنَفَعَنّكَ، ثمّ قالَ: وَالله مَا مِنْ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لَكُمْ فِيِه خَيْرٌ إِلاّ حَدّثْتُكُمُوهُ إِلاّ حَدِيثاً وَاحِداً وَسَوف أحدثُكُمُوهُ اليَوْمَ، وَقَدْ أُحِيطَ بِنَفْسِي، سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَنّ مُحمّداً رَسولُ الله حَرّمَ الله عَلَيْهِ النّارَ" .
وفي البابِ عَن أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَليّ وَطَلْحَةَ وَجَابِرٍ وَابنِ عُمَرَ وَزَيْد بنِ خَالِدٍ. وَالصّنَابِحِيّ هُوَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ عُسَيْلَةَ أَبُو عَبْدِ الله.
__________
قوله : "عن الصنابحي عن عبادة بن الصامت أنه قال دخلت عليه" قال النووي: هذا كثير يقع مثله وفيه صنعة حسنة وتقديره عن الصنابحي أنه حدث عن عبادة بحديث قاله في دخلت عليه "فقال مهلا" بفتح الميم وسكون الهاء معناه انظرني. قال الجوهري: يقال مهلا يا رجل بالسكون، وكذلك للاثنين والجمع والمؤنث وهي موحدة بمعنى أمهل "والله ما من حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في خير إلا حدثتكموه الخ" قال القاضي عياض فيه دليل على أنه كتم ما خشي الضرر فيه والفتنة مما لا يحتمله عقل كل أحد وذلك فيما ليس تحته عمل ولا فيه حد من حدود الشريعة. قال ومثل هذا عن الصحابة كثير في ترك الحديث بما ليس تحته عمل ولا تدعو إليه ضرورة أو لا يحتمله عقول العامة أو خشيت مضرته على قائله أو سامعه، لا سيما ما يتعلق بأخبار المنافقين والإمارة، وتعيين قوم وصفوا بأوصاف غير مستحسنة، وذم آخرين ولعنهم، انتهى "وقد أحيط بنفسي" معناه قربت من الموت وأيست من النجاة والحياة. قال صاحب التحرير: أصل الكلمة في الرجل يجتمع عليه أعداؤه فيقصدونه ويأخذون عليه جميع الجوانب بحيث لا يبقى له في الخلاص مطمع، فيقال أحاطوا به أي أطافوا به من جوانبه ومقصود قرب موتي "حرم" عليه النار أي الخلود فيها كالكفار.
قوله : "وفي الباب عن أبي بكر وعمر وعثمان الخ" أما حديث عمر وحديث(7/392)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ. مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
وَقَدْ رُوِيَ عن الزّهْرِيّ أَنّهُ سُئِلَ عن قَوْلِ النبيّ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ قالَ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله دَخَلَ الْجَنّةَ" ، فَقَالَ: إِنّمَا كَانَ هَذَا في أَوّلِ الاْسْلاَمِ قَبْلَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ وَالأَمْرِ وَالنَهْي".
وَوَجْهُ هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنّ أَهْلَ التّوْحِيدِ سَيَدْخُلُونَ الْجَنّةَ، وَإِنْ عُذّبُوا بالنار بِذُنُوبِهِمْ فَإِنّهُمْ لاَ يُخَلّدُونَ في النّارِ.
وَقَدْ رُوِيَ عن ابنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي ذَرٍ وَعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ الله وَابنِ عَبّاسٍ وَأَبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأَنَسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم
__________
طلحة فأخرجهما أبو نعيم في الحلبة، وأما حديث عثمان فأخرجه مسلم، وأما حديث جابر وحديث ابن عمر فأخرجهما الدارقطني في العلل، وأما أحاديث أبي بكر وعلي وزيد بن خالد فلينظر من أخرجها.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه مسلم.
قوله : "فقال إنما كان هذا في أول الإسلام قبل نزول الفرائض والأمر والنهي" قال القاضي عياض: حكى عن جماعة من السلف منهم ابن المسيب أن هذا كان قبل نزول الفرائض والأمر والنهي. وقال بعضهم: هي مجملة يحتاج إلى شرح ومعناه من قال الكلمة وأدى حقها وفريضتها، وهذا قول الحسن البصري. وقيل إن ذلك لمن قالها عند الندم والتوبة. ومات على ذلك، وهذا قول البخاري. ذكر النووي كلام القاضي هذا في شرح مسلم ثم قال، وما حكاه عن ابن المسيب وغيره ضعيف بل باطل وذلك لأن راوي أحد هذه الأحاديث أبو هريرة وهو متأخر الإسلام أسلم عام خيبر سنة سبع بالاتفاق وكانت أحكام الشريعة مستقرة، وأكثر هذه الواجبات كانت فروضها مستقرة وكانت الصلاة والزكاة والصيام وغيرها من الأحكام قد تقرر فرضها وكذا الحج على قول من قال فرض سنة خمس أوست وهما أرجح من قول من قال سنة تسع "ووجه(7/393)
أَنه قالَ: "سَيَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النّارِ مِنْ أَهْلِ التّوْحِيدِ وَيَدْخُلُونَ الْجَنّةَ" .
هَكَذَا رُوِيَ عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمَ النّخَعِيّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ التّابِعِينَ وَقَد رُوِيَ من غير وجه عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم في تَفْسِيرِ هَذِهِ الاَيَةِ: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} قالُوا: إِذا أُخْرِجَ أَهْلُ التّوْحِيدِ مِنَ النّارِ وَأَدْخِلُوا الْجَنّةَ وَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ" .
__________
هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن أهل التوحيد سيدخلون الجنة وإن عذبوا في النار بذنوبهم فإنهم لا يخلدون في النار" قال النووي: اعلم أن مذهب أهل السنة وما عليه أهل الحق من السلف والخلف أن من مات موحداً دخل الجنة قطعاً على كل حال، فإن كان سالماً من المعاصي كالصغير والمجنون الذي أتصل جنونه بالبلوغ، والتائب توبة صحيحة من الشرك أو غيره من المعاصي إذا لم يحدث معصية بعد توبته، والموفق الذي لم يبتل بمعصية أصلا فكل هذا الصنف يدخلون الجنة ولا يدخلون النار أصلا، لكنهم يردونها على الخلاف المعروف في الورود. والصحيح أن المراد به المرور على الصراط وهو منصوب على ظهر جهنم عافانا الله منها ومن سائر المكروه، وأما من كانت له معصية كبيرة ومات من غير توبة فهو في مشيئة الله تعالى فإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة أولا وجعله كالقسم الأول وإن شاء عذبه بالقدر الذي يريده سبحانه ثم يدخله الجنة فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من المعاصي ما عمل. كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل، هذا مختصر جامع لمذهب أهل الحق في هذه المسألة. وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به على هذه القاعدة وتواترت بذلك نصوص تحصل العلم القطعي، فإذا تقررت هذه القاعدة حمل عليها جميع ما ورد من أحاديث الباب وغيره، فإذا ورد حديث في ظاهره مخالفة لها وجب تأويله عليه ليجمع بين نصوص الشرع انتهى "عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيخرج قوم من النار من أهل التوحيد ويدخلون الجنة" ذكر الترمذي هذا الحديث لتأييد قول بعض أهل في العلم تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة" "وهكذا روي عن سعيد(7/394)
2776-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عبد الله بنُ المُبَارَكِ، عن لَيْثِ بنِ سَعْدٍ، حدثني عَامِرُ بنُ يَحْيَى، عن أَبي عَبْدِ الرحمنِ المَعَافِرِيّ ثمّ الْحُبُلِيّ قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عَمْرِو بنِ العَاص يَقُولُ قال رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الله سَيُخَلّصُ رَجُلاً مِنْ أُمَتِي عَلَى رُؤُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلاّ، كُلّ سِجِلٍ مِثْلُ مَدّ البَصَرِ ثُمّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئَاً؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحافِظُونَ؟ فيَقُولُ لاَ يَا رَبّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ لاَ يَا رَبّ، فَيَقُولُ: بَلَى إِنّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً فَإِنّهُ لاَ ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَتُخْرَجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ
__________
ابن جبير وإبراهيم النخعي الخ" روى الحافظ ابن جرير في تفسيره بعض هذه الآثار بأسانيده.
قوله : "حدثني عامر بن يحيى" المعافري أبو خنيس بمعجمة ونون مصغراً ثقة من السادسة.
قوله : "إن الله سيخلص" بتشديد اللام أي يميز ويختار "رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة" وفي رواية ابن ماجة: يصاح برجل من أمتي يوم القيامة على رؤوس الخلائق "فينشر" بضم الشين المعجمة أي فيفتح "تسعة وتسعين سجلا" بكسرتين فتشديد أي كتاباً كبيراً "كل سجل مثل مد البصر" أي كل كتاب منها طوله وعرضه مقدار ما يمتد إليه بصر الإنسان "ثم يقول" أي الله سبحانه وتعالى "أتنكر من هذا" أي المكتوب "أظلمك كتبتي" بفتحات جمع كاتب والمراد الكرام الكاتبون "الحافظون" أي لأعمال بني آدم "فيقول بلى" أي لك عندنا ما يقوم مقام عذرك "إن لك عندنا حسنة" أي واحدة عظيمة مقبولة. وفي رواية ابن ماجة: ثم يقول ألك عن ذلك حسنة فيهاب الرجل فيقول لا. فبقول بلى إن لك عندنا حسنات "فيخرج" بصيغة المجهول المذكر،(7/395)
الله وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ يَا ربّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَع هَذِهِ السّجِلاّتُ؟ فَقَالَ فَإِنّكَ لاَ تُظْلَمُ. قالَ: فَتُوْضَعُ السّجِلاّتُ فِي كِفّةٍ وَالِبطَاقَةُ في كِفّةٍ فَطَاشَتْ السّجِلاّتُ وَثَقُلَت البِطَاقَةُ، ولا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ الله شَيْءٌ" .
__________
وفي رواية ابن ماجة فتخرج له "بطاقة" قال في النهاية: البطاقة رقعة صغيرة يثبت فيها مقدار ما تجعل فيه إن كان عيناً فوزنه أو عدده، وإن كان متاعاً فثمنه، قيل سميت بذلك لأنها تشد بطاقة من الثوب فتكون الباء حينئذ زائدة وهي كلمة كثيرة الاستعمال بمصر. وقال في القاموس: البطاقة ككتابة الرقعة الصغيرة المنوطة بالثوب التي فيها رقم ثمنه سميت لأنها تشد بطاقة من هدب الثوب "فيها" أي مكتوب في البطاقة "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" قال القاري: يحتمل أن الكلمة هي أول ما نطق بها. ويحتمل أن تكون غير تلك المرة مما وقعت مقبولة عند الحضرة وهو الأظهر في مادة الخصوص من عموم الأمة "احضر وزنك" أي الوزن الذي لك أو وزن عملك أو وقت وزنك أو آلة وزنك وهو الميزان ليظهر لك انتفاء الظلم وظهور العدل وتحقق الفضل "فيقول يا رب ما هذه البطاقة" أي الواحدة "مع هذه السجلات" أي الكثيرة وما قدرها يجنبها ومقابلتها "فقال فإنك لا تظلم" أي لا يقع عليك الظلم لكن لا بد من اعتبار الوزن كي يظهر أن لا ظلم عليك فاحضر الوزن. قيل وجه مطابقة هذا جواباً لقوله ما هذه البطاقة؟ أن اسم الإشارة للتحقير كأنه أنكر أن يكون مع هذا البطاقة المحقرة موازنة لتلك السجلات، فرد بقوله إنك لا تظلم بحقيرة، أي لا تحقر هذه فإنها عظيمة عنده سبحانه إذ لا يثقل مع اسم الله شيء ولو ثقل عليه شيء لظلمت "قال فتوضع السجلات في كفه" بكسر فتشديد أي فردة من زوجي الميزان، ففي القاموس الكفة بالكسر من الميزان معروف ويفتح "والبطاقة" أي وتوضع "في كفه" أي في أخرى "فطاشت السجلات" أي خفت "وثقلت البطاقة" أي رجحت والتعبير بالمضي لتحقق وقوعه "ولا يثقل" أي ولا يرجح ولا يغلب(7/396)
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
2777-حدثنا قُتَيْبَةُ، أَخْبَرنَا ابنُ لَهِيْعَةَ عن عَامِرِ بنِ يَحْيَى بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ. وَالبِطَاقَةُ: القِطْعَةُ
__________
"مع اسم الله شيء" والمعنى لا يقاومه شيء من المعاصي بل يترجح ذكر الله تعالى على جمع المعاصي.
فإن قيل: الأعمال أعراض لا يمكن وزنها وإنما توزن الأجسام، أجيب بأنه يوزن السجل الذي كتب فيه الأعمال ويختلف باختلاف الأحوال أو أن الله يجسم الأفعال والأقوال فتوزن فتثقل الطاعات وتطيش السيئات لثقل العبادة على النفس وخفة المعصية عليها ولذا ورد: حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" واخرجه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم كذا في الترغيب.(7/397)
باب افتراق هذه الأمة
...
18-باب ما جاءَ في افْتِرَاقِ هذِهِ الاْمّة
2778-حدثنا الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ أَبُو عَمّارٍ، حدثنَا الفَضْلُ بنُ مُوسَى، عن مُحَمّدِ بنِ عَمْرٍو عن أَبِي سَلَمَةَ عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "تَفَرّقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، أَوْ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَالنّصَارَي مِثْلُ ذَلِكَ، وَتَفْتَرِقُ أُمّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً" .
__________
"باب ما جاءَ في افْتِرَاقِ هذِهِ الاْمّة"
قوله: "تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو اثنتين وسبعين فرقة" شك من الراوي، ووقع في حديث عبد الله بن عمرو الاَتي: وإن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة من غير شك "والنصارى مثل ذلك" أي أنهم أيضاً تفرقوا على إحدى وسبعين فرقة أو ثنتين وسبعين فرقة "وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة" المراد من أمتي الإجابة. وفي حديث عبد الله بن عمرو الاَتي: كلهم(7/397)
وفي البابِ عن سَعْدٍ وَعَبْدِ الله بن عَمْرٍو وَعَوْفِ بنِ مَالِكٍ.
حَدِيثُ أَبي هُرَيْرَةَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
في النار إلا ملة واحدة، وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم، لأنه أخبر عن غيب وقع. قال العلقمي قال شيخنا ألف الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي في شرح هذا الحديث كتاباً قال فيه: قد علم أصحاب المقالات أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد بالفرق المذمومة المختلفين في فروع الفقه من أبواب الحلال والحرام وإنما قصد بالذم من خالف أهل الحق في أصول التوحيد وفي تقدير الخير والشر، وفي شروط النبوة والرسالة وفي موالاة الصحابة، وما جرى مجرى هذه الأبواب، لأن المختلفين فيها قد كفر بعضهم بعضاً، بخلاف النوع الأول فإنهم اختلفوا فيه غير تكفير ولا تفسيق للمخالف فيه، فيرجع تأويل الحديث في افتراق الأمة إلى هذا النوع من الاختلاف. وقد حدث في آخر أيام الصحابة خلاف القدرية من معبد الجهني وأتباعه، ثم حدث الخلاف بعد ذلك شيئاً فشيئاً إلى أن تكاملت الفرق الضالة اثنتين وسبعين فرقة والثالثة والسبعون هم أهل السنة والجماعة وهي الفرقة الناجية، انتهى باختصار يسير.
قوله: "وفي الباب عن سعد وعبد الله بن عمرو وعوف بن مالك" أما حديث سعد فلينظر من أخرجه، وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الترمذي بعد هذا الحديث، وأما حديث عوف بن مالك فأخرجه ابن ماجة مرفوعاً ولفظه: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار، قيل يا رسول الله من هم؟ قال الجماعة" . وفي الباب أيضاً عن معاوية بن أبي سفيان، أخرجه أحمد وأبو داود فيه: ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة.
قوله : "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه، ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره.(7/398)
2779-حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيّ، عن سُفْيَانَ الثوري عن عَبْدِ الرحمنِ بنِ زِيَادِ بنِ أَنْعَمَ الأَفْرِيِقّي، عن عَبْدِ الله بنِ يَزِيدَ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَيَأْتِيَنّ عَلَى أُمّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النّعْلِ بِالنّعْلِ حَتّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمّهُ عَلاَنِيَةً لَكَانَ فِي أُمّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلّةً
__________
قوله : "أخبرنا أبو داود" اسمه عمر بن سعد بن عبيد "الحفري" بفتح المهملة والفاء نسبة إلى موضع بالكوفة ثقة، عابد من التاسعة "عن عبد الله بن يزيد" المعافري أبي عبد الرحمن الحبلي "ليأتين على أمتي" من الإتيان وهو المجيء بسهولة، وعدى بعلى لمعنى الغلبة المؤدية إلى الهلاك، ومنهقوله تعالى: {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ}. "ما أتى على بني إسرائيل" ما موصولة وهي مع صلتها فاعل ليأتين "حذو النعل بالنعل" حذو النعل استعارة في التساوي، وقيل الحذو القطع والتقدير أيضاً، يقال حذوت النعل بالنعل إذا قدرت كل واحدة من طاقاتها على صاحبتها لتكونا على السواء، ونصبه على المصدر أي يحذونهم حذواً مثل حذو النعل بالنعل أي تلك المماثلة المذكورة في غابة المطابقة والموافقة كمطابقة النعل بالنعل "حتى إن كان منهم" حتى ابتدائية والواقع بعده جملة شرطية وقوله الاَتي لكان إما جواب قسم مقدر والمجموع جواب الشرط. وإما إن بمعنى لو كما يقع عكسه، وليست إن هذه مخففة من الثقلة كما زعم، كذا نقله السيد جمال الدين عن زين العرب. وفي الأزهار بكسر الهمزة وسكون النون مخففة أي حتى إنه كذا ذكره الأبهري. وهذا الخلاف مبني على أنه هل يجوز حذف ضمير الشأن من إن المكسورة، فمنعه ابن الحاجب وجوزه ابن الملك "من أتى أمة علانية" إتيانها كناية عن الزنا "من يصنع" أي يفعل "ذلك" أي الإتيان "وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة" سمي عليه الصلاة والسلام طريقة كل واحد منهم ملة اتساعاً وهي في الأصل ما شرع الله لعباده على ألسنة أنبيائه ليتوصلوا(7/399)
كُلّهُمْ فِي النّارِ إِلاّ مِلّةً وَاحِدَةً، قَالَ ومَنْ هِيَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي" .
هذا حديثٌ حسنٌ مُفَسّرٌ غريبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ مِثْلَ هَذَا إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
__________
به إلى القرب من حضرته تعالى، ويستعمل في جملة الشرائع دون آحادها ولا تكاد توجد مضافة إلى الله تعال ولا إلى آحاد أمة النبي، بل يقال ملة محمد صلى الله عليه وسلم أو ملتهم كذا ثم إنها اتسعت فاستعملت في الملل الباطلة لأنهم لما عظم تفرقهم وتدينت كل فرقة منهم بخلاف ما تدين به غيرها كانت طريقة كل منهم كالملة الحقيقية في التدين فسميت باسمها مجازاً. وقيل الملة كل فعل وقول اجتمع عليه جماعة وهو قد يكون حقاً وقد يكون باطلا، والمعنى أنهم يفترقون فرقاً تتدين كل واحدة منها بخلاف ما تتدين به الأخرى "وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة" قيل فيه إشارة لتلك المطابقة مع زيادة هؤلاء في ارتكاب البدع بدرجة "إلا ملة" بالنصب أي إلا أهل ملة "قالوا من هي" أي تلك الملة أي أهلها الناجية "ما أنا عليه وأصحابي" أي هي ما أنا عليه وأصحابي.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" في سنده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وهو ضعيف، فتحسين الترمذي له لاعتضاده بأحاديث الباب وحديث عبد الله ابن عمرو هذا أخرجه أيضاً الحاكم وفيه ما أنا عليه اليوم وأصحابي "مفسر" اسم مفعول من التفسير أي مبين بين فيه ما لم يبين في حديث أبي هريرة المتقدم.
واعلم: أن أصول البدع كما نقل في المواقف ثمانية: المعتزلة القائلون بأن العباد خالقو اعمالهم وبنفي الرؤية وبوجوب الثواب والعقاب وهم عشرون فرقة. والشيعة المفرطون في محبة علي كرم الله وجهه وهم اثنان وعشرون فرقة، والخوارج المفرطة المكفرة له رضي الله عنه ومن أذنب كبيرة وهم عشرون فرقة، والمرجئة القائلة بأنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة وهي خمس فرق، والنجارية الموافقة لأهل السنة في خلق الأفعال. والمعتزلة في نفي الصفات وحدوث الكلام وهم ثلاث فرق، والجبرية القائلة بسلب الاختيار عن العباد(7/400)
2780-حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حدثنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ عَيّاشٍ، عن يَحْيَى بنِ أَبي عَمْرٍو الشّيْبَانِيّ عن عَبْدِ الله بنِ الدّيْلًمِيّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عَمْرٍو يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنّ الله عز وجل خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ، فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ، فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ النّور اهْتَدَى، وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلّ، فَلِذَلِكَ أَقُولُ جَفّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ الله" .
هذا حديثٌ حسنٌ.
__________
فرقة واحدة، والمشبهة الذين يشبهون الحق بالخلق في الجسمية والحلول فرقة أيضاً، فتلك اثنتان وسبعون فرقة كلهم في النار، والفرقة الناجية هم أهل السنة البيضاء المحمدية والطريقة النقية الأحمدية، كذا في المرقاة.
قوله : "عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني" بفتح المهملة وسكون التحتانية بعدها موحدة كنيته أبو زرعة الحمصي ثقة من السادسة، وروايته عن الصحابة مرسلة "عن عبد الله بن الديلمي" هو عبد الله بن فيروز الديلمي أخو الضحاك، ثقة من كبار التابعين منهم من ذكره في الصحابة.
قوله : "خلق خلقه" أي الثقلين من الجن والإنس، فإن الملائكة ما خلقوا إلا من نور "في الظلمة" أي الكائنين في ظلمة النفس الأمارة بالسوء المجبولة بالشهوات المردية والأهواء المضلة "فألقى" وفي رواية فرش "من نوره" أي شيئاً من نوره "فمن أصابه من ذلك النور" أي شيء من ذلك النور "اهتدى" أي إلى طريق الجنة "ومن أخطأه" أي ذلك النور يعني جاوزه ولم يصل إليه "ضل" أي خرج عن طريق الحق "فلذلك" أي من أجل أن الاهتداء والضلال قد جرى "أقول جف القلم على علم الله" أي على ما علم الله وحكم به في الأزل لا يتغير ولا يتبدل، وجفاف القلم عبارة عنه. وقيل من أجل عدم تغير ما جرى في الأزل تقديره من الإيمان والطاعة والكفر والمعصية أقول جف القلم.
قوله : "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد والحاكم وصححه وابن حبان.(7/401)
2781-حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرنَا أَبُو أَحْمَد، أَخْبَرنَا سُفْيَانُ عن أَبي إِسْحَاقَ عن عَمْرِو بنِ مَيْمُونٍ عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَتَدْرِي مَا حَقّ الله عَلَى العِبَادِ؟ قُلْتُ اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قالَ: فَإِنّ حَقّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً: قالَ: أَتَدْرِي مَا حَقّهُمْ عَلَي الله إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ قلت اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قالَ أَنْ لاَ يُعَذّبَهُمْ" .
__________
قوله : "أخبرنا أبو أحمد" الزبيري "عن أبي إسحاق" هو السبيعي "عن عمرو بن ميمون" الأودي الكوفي.
قوله : "أتدري" أي أتعرف "ما حق الله على العباد" الحق كل موجود متحقق أو ما سيوجد لا محالة ويقال للكلام الصدق حق لأن وقوعه متحقق لا تردد فيه وكذا الحق المستحق على الغير إذا كان لا تردد فيه، والمراد هنا ما يستحقه الله على عباده مما جعله محتماً عليهم قاله ابن التيمي في التحرير. وقال القرطبي: حق الله على العباد هو ما وعدهم به من الثواب وألزمهم إياه بخطابه "أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً" المراد بالعبادة عمل الطاعات واجتناب المعاصي، وعطف عليها عدم الشرك لأنه تمام التوحيد، والحكمة في عطفه على العبادة، أن بعض الكفرة كانوا يدعون أنهم يعبدون الله ولكنهم كانوا يعبدون آلهة أخرى فاشترط نفي ذلك، والجملة حالية والتقدير يعبدونه في حال عدم الإشراك به قال. ابن حبان: عبادة الله إقرار باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح، ولهذا قال في الجواب: فما حق العباد إذا فعلوا ذلك: فعبر بالفعل ولم يعبر بالقول "أن لا يعذبهم" وفي رواية للبخاري: حق العباد على الله أن لا يعذبهم. قال القرطبي حق العباد على الله ما وعدهم به من الثواب والجزاء، فحق ذلك ووجب بحكم وعده الصدق وقوله الحق الذي لا يجوز عليه الكذب في الخبر ولا الخلف في الوعد، فالله سبحانه وتعالى لا يجب عليه شيء بحكم الأمر إذ لا آمر فوقه ولا حكم للعقل. لأنه كاشف لا موجب انتهى. قال الحافظ: وتمسك بعض المعتزلة بظاهره ولا متمسك لهم فيه مع(7/402)
هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ.
2782-حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَبُو دَاوُدَ، أخبرنا شُعْبَةُ عن حَبِيبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ وَعَبْدِ العَزِيزِ بنِ رُفَيْعٍ وَالأعْمَشِ. كُلّهُمْ سَمِعُوا زَيْدَ بنَ وَهْبٍ عن أَبي ذَرٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "أَتَانِي جِبْرَيلُ فَبَشّرَني أخبرني أَنّهُ مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِالله شَيْئاً دَخَلَ الْجَنّةَ. قلت: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قالَ نَعَمْ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وفي البابِ عن أَبي الدّرْدَاءِ.
__________
قيام الاحتمال. قال وقد تقدم في العلم عدة أجوبة غير هذه، ومنها: أن المراد بالحق ههنا المتحقق الثابت أو الجدير، لأن إحسان الرب لمن لا يتخذ رباً سواه جدير في الحكمة أن لا يعذبه، أو المراد أنه كالواجب في تحققه وتأكده أو ذكر على سبيل المقابلة.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي.
قوله : "عن حبيب بن أبي ثابت" قال الحافظ: حبيب بن أبي ثابت قيس، ويقال هند بن دينار الأسدي مولاهم أبو يحيى الكوفي ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس من الثالثة.
قوله : "فبشرني" بأن قال لي "إنه من مات لا يشرك بالله شيئاً" أي ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله "دخل الجنة وإن زنى وإن سرق" أي وإن ارتكب كل كبيرة فلا بد من دخوله إياها إما ابتداء إن عفي عنه أو بعد دخوله النار حسبما نطقت به الأخبار.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله : "وفي الباب عن أبي الدرداء" أخرجه أحمد في مسنده(7/403)
أبواب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
باب إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين
...
بسم الله الرحمن الرحيم
أبواب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
1- باب إِذَا أَرَادَ الله بِعَبْدٍ خَيْراً فَقّهَهُ في الدّين
2783-حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ، أخبرني عَبْدُ الله بنُ سَعِيدِ بنِ أَبي هِنْدٍ، عن أَبِيِه، عن ابنِ عَبّاسٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْراً يُفَقّهْهُ في الدّينِ" .
__________
"أبواب العلم"
وقع في بعض النسخ بسم الله الرحمن الرحيم أبواب العلم
"باب إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين"
قوله : "من يرد الله به خيراً" قال الحافظ: نكر خيراً ليشمل القليل والكثير والتنكير للتعظيم لأن المقام يقتضيه "يفقهه" بتشديد القاف وفي حديث عمر عند ابن أبي عاصم في كتاب العلم يفهمه بالهاء المشددة المكسورة بعدها ميم. قال الحافظ: وإسناده حسن، والفقه هو الفهم، قال الله تعالى: {لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} أي لا يفهمون. والمراد الفهم في الأحكام الشرعية، يقال فقه بالضم: إذا صار الفقه له سجية، وفقه بالفتح: إذا سبق غيره إلى الفهم، وفقه بالكسر إذا فهم ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين أي يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع فقد حرم الخير. وقد أخرج أبو يعلى حديث معاوية من وجه آخر ضعيف وزاد في آخره: ومن لم يتفقه في الدين لم يبال الله به. والمعنى صحيح لأن من لم يعرف أمور دينه لا يكون فقيهاً ولا طالب فقه فيصح أن يوصف بأنه ما أريد به الخير.(7/404)
وفي البابِ عن عُمَرَ وَأَبي هُرَيْرَةَ وَمُعَاوِيَةَ. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
قوله : "وفي الباب عن عمر وأبي هريرة ومعاوية" أما حديث عمر فأخرجه ابن أبي عاصم في كتاب العلم، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجة، وأما حديث معاوية وهو ابن أبي سفيان فأخرجه أحمد والشيخان.
قوله : "هذا حسن صحيح" وأخرجه أحمد.(7/405)
2-باب فَضْلِ طَلَب الْعِلْم
2784-حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَبُو أُسَامَةَ، عن الأعْمَشِ عن أَبي صَالحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمسُ فِيِه عِلْماً سَهّلَ الله لَهُ طَرِيقاً إِلَى الْجَنّةِ" .
هذا حديثٌ حسنٌ.
2785-حدثنا نَصْرُ بنُ عَلِيّ، أخبرنا خالِدُ بنُ يَزِيدَ العتكي، عن أَبي جَعْفَرٍ الرّازِيّ، عن الرّبِيعِ بنِ أَنَسٍ، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ: قالَ
__________
"باب فَضْلِ طَلَب الْعِلْم"
قوله: "من سلك" أي دخل أو مشي "طريقاً" أي حسية أو معنوية "يلتمس فيه" أي يطلب فيه والجملة حال أو صفة "علماً" نكرة ليشمل كل نوع من أنواع علوم الدين قليلة أو كثيرة إذا كان بنية القربة والنفع والانتفاع. وفيه استحباب الرحلة في طلب العلم. وقد ذهب موسى إلى الخضر عليهما الصلاة والسلام وقال هل: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} ورحل جابر بن عبد الله من مسيرة شهر إلى عبد الله بن قيس في حديث واحد "طريقاً" أي موصلا ومنهياً "إلى الجنة" مع قطع العقبات الشاقة دونها يوم القيامة.
قوله : "هذا حديث حسن" وأخرجه مسلم مطولا.
قوله : "أخبرنا خالد بن يزيد العتكي" بفتح العين المهملة والفوقية الأزدي البصري صاحب اللؤلؤ صدوق يهم من الثامنة "عن أبي جعفر الرازي" التميمي(7/405)
رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ خَرَجَ في طَلَبِ الْعِلْمِ كان في سَبِيلِ الله حَتّى يَرْجِعَ" .
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَرْفَعْهُ.
2786-حدثنا مُحمّدُ بنُ حُمَيْدٍ الرّازِيّ، أَخْبَرنَا مُحمّدُ بن المُعَلّي، أَخْبَرنَا زِيَادُ بنُ خَيْثَمَةَ، عن أَبي دَاودَ، عن عَبْدِ الله بنِ سَخْبَرَةَ، عن سَخْبَرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ كَانَ كَفّارَةً لِمَا مَضَى" .
__________
مولاهم مشهور بكنيته، واسمه عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان، وأصله من مرو، وكان يتجر إلى الري صدوق سيء الحفظ خصوصاً عن مغيرة، من كبار السابعة "عن الربيع بن أنس" البكرى أو الحنفي بصري نزل خراسان صدوق له أوهام رمي بالتشيع من الخامسة.
قوله : "من خرج" أي من بيته أو بلده "في طلب العلم" أي الشرعي فرض عين أو كفاية "فهو في سبيل الله" أي في الجهاد لما أن في طلب العلم من إحياء الدين وإذلال الشيطان وإتعاب النفس كما في الجهاد "حتى يرجع" أي إلى بيته.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه الدارمي والضياء المقدسي.
قوله : "أخبرنا محمد بن المعلى" بن عبد الكريم الهمداني اليامي بالتحتانية الكوفي، نزيل الري، صدوق من الثامنة "أخبرنا زياد بن خيثمة" الجعفي الكوفي ثقة من السابعة.
قوله : "من طلب العلم" أي العلم الشرعي ليعمل به "كان" أي طلبه للعلم "كفارة" وهي ما يستر الذنوب ويزيلها من كفر إذا ستر "لما مضى" أي من ذنوبه قيل هذا الحديث مع ما فيه من الضعف مخالف للكتاب والسنن المشهورة في إيجب الكفارات والحدود إلا إذا قلنا بالتخصيص يعني بالصغائر وهو موضع بحث. كذا في زين العرب نقله السيد، والظاهر أن الكفارة مختصة بالصغائر أو(7/406)
هذا حديثٌ ضَعِيفُ الاْسْنَادِ. أَبُو دَاوُدَ نُفَيْعٌ الأَعْمَى، يُضَعّفُ في الْحَدِيثِ وَلاَ نَعْرِفُ لِعَبْدِ الله بنِ سَخْبَرَةَ كَبِيرَ شَيْءٍ وَلاَ لأِبِيِه.
__________
بحقوق الله التي ليس لها تدارك أو يشمل حقوق العباد التي لا يمكن تداركه لها. ويمكن أن يكون المعنى: أن طلب العلم وسيلة إلى ما يكفر به ذنوبه كله من التوبة ورد المظالم وغيرها. . كذا في المرقاة.
قوله : "هذا حديث ضعيف الإسناد" وأخرجه الدارمي.
قوله : "أبو داود اسمه نفيع الأعمى" مشهور بكنيته كوفي، ويقال له نافع "يضعف في الحديث" قال الحافظ متروك، وقد كذبه ابن معين من الخامسة "ولا نعرف" يفتح النون وكسر الراء أو بضم التحتية وفتح الراء "لعبد الله بن سخبرة" قال في تهذيب التهذيب: روى عن أبيه وعنه أبو داود الأعمى، روى له الترمذي حديثاً واحداً وضعفه، وقال في التقريب مجهول من الرابعة "كبير شيء" أي كثير شيء من الأحاديث "ولا لأبيه" هو سخبرة بفتح السين المهملة وسكون الخاء المعجمة وفتح الموحدة وبالراء. قال في التقريب: سخبر في إسناد حديثه ضعف وعند الترمذي عن سخبرة وليس بالأزدي، وقال، غير هو الأزدي.(7/407)
3-باب ما جَاءَ في كِتْمَانِ العِلْم
2787-حدثنا أَحْمَدُ بنُ بُدَيْلِ بنِ قُرَيْشٍ اليَامِيّ الكُوفِيّ، حدثنَا عَبْدُ الله بنُ نُمَيْرٍ، عن عُمَارَةَ بنِ زَاذَانَ عن عَلِيّ بنِ الْحَكَمِ عن عَطَاءٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سُئِلَ عن
__________
"باب ما جَاءَ في كِتْمَانِ العِلْم"
قوله: "عن عمارة بن زاذان" الصيدلاني أبي سلمة البصري صدوق كثير الخطأ من السابعة "عن علي بن الحكم" البناني بضم الموحدة وبنونين الأولى خفيفة كنيته أبو الحكم البصري ثقة ضعفه الأزدي بلا حجة من الخامسة "عن عطاء" هو ابن أبي رباح.(7/407)
عِلْمِ عَلِمَهُ ثم كَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ" . وفي البابِ عن جَابِرٍ وَ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو. حَدِيثُ أَبي هُرَيْرَةَ حديث حَسَنٌ.
__________
قوله : "من سئل عن علم علمه" وهو علم يحتاج إليه السائل في أمر دينه "ثم كتمه" بعدم الجواب أو بمنع الكتاب "ألجم" أي أدخل في فمه لجام لأنه موضع خروج العلم والكلام. قال الطيبي: شبه ما يوضع في فيه من النار بلجام في فم الدابة بلجام من نار مكافأة له حيث ألجم نفسه بالسكوت، وشبه بالحيوان الذي سخر ومنع من قصده ما يريده، فإن العالم من شأنه أن يدعو إلى الحق. قال ابن حجر: ثم هنا استبعادية لأن تعلم العلم إنما يقصد لنشره ونفعه الناس وبكتمه يزول ذلك الغرض الأكمل فكان بعيداً ممن هو في صورة العلماء والحكماء. قال السيد: هذا في العلم اللازم التعليم كاستعلام كافر عن الإسلام ما هو؟ وحديث عهد به عن تعليم صلاة حضر وقتها، وكالمستفتي في الحلال والحرام فإنه يلزم في هذه الأمور الجواب لا نوافل العلوم الغير الضررية وقيل العلم هنا علم الشهادة.
قوله : "وفي الباب عن جابر وعبد الله بن عمرو" أما حديث جابر فأخرجه ابن ماجة عنه مرفوعاً: إذا لعن آخر هذه الأمة أولها، فمن كتم حديثاً فقد كتم ما أنزل الله. قال المنذري: فيه انقطاع، وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه ابن حبان في صحيحه بنحو حديث أبي هريرة والحاكم وقال صحيح لا غبار عليه.
قوله : "حديث أبي هريرة حديث حسن" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم وقال صحيح والحديث سكت عنه وأبو داود، وقال المنذري بعد نقل تحسين الترمذي ما لفظه: وقد روى عن أبي هريرة من طرق فيها مقال والطريق الذي خرج بها أبو داود طريق حسن فإنه رواه عن التبوذكي، وقد به البخاري ومسلم عن حماد بين سلمة وقد احتج به مسلم، واستشهد به البخاري عن علي بن الحكم البناني. قال الإمام أحمد: ليس فيه بأس. وقال أبو حاتم الرازي: لا بأس به، صالح الحديث عن عطاء بن أبي رباح، وقد اتفق الإمامان على الاحتجاج به، وقد روى هذا الحديث أيضاً من رواية عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص(7/408)
......................................................................................................
__________
وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعمر بن عبسة وعلي ابن طلق وفي كل مها مقال انتهى.(7/409)
4- باب ما جَاءَ في الاسْتِيصاَءِ بِمنْ يَطْلُبُ الْعِلم
2788-حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، حدثنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفْرِيّ، عن سُفْيَانَ، عن أَبي هَارُونَ العَبَدي قالَ، كُنّا نَأَتِي أَبَا سَعِيدٍ فَيَقُولُ مَرْحَبَاً بِوَصِيّةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّ النّاسَ لَكُمْ تَبَعٌ وَإِنّ رِجَالاً يَأْتُونَكُمْ مِنْ أَقْطَارِ الأَرْضِ يَتَفَقّهُونَ في الدّينِ، فَإِذَا أَتَوْكُمْ فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْراً" . قَالَ عَلِيّ بنُ عَبْدِ الله، قالَ
__________
"باب ما جَاءَ في الاسْتِيصاَءِ بِمنْ يَطْلُبُ الْعِلم"
قوله: "عن سفيان" هو الثوري "عن أبي هارون" اسمه عمارة بن جوين بجيم مصغراً العبدي مشهور بكنيته متروك، ومنهم من كذبه، شيعي من الرابعة "فيقول مرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال المناوي: أي رحبت بلادكم واتسعت وأتيتم أهلا فلا تستوحشوا بوصيته صلى الله عليه وسلم "إن الناس لكم تبع" جمع تابع كخدم جمع خادم والخطاب لعلماء الصحابة، يعني إن الناس يتبعونكم في أفعالكم وأقوالكم لأنكم أخذتم عني مكارم الأخلاق، وفيه مأخذ لتسمية التابعي تابعياً وإن كانت التبعية عامة بواسطة أو بغير واسطة، ولكن المطلق ينحرف إلى الكامل "من أقطار الأرض" جمع قطر: بضم القاف وسكون الطاء المهملة: الناحية والجانب أي من جوانبها "يتفقهون في الدين" أي يطلبون الفقه والفهم فيه، والجملة استئنافية لبيان علة الإتيان أو حال من المرفوع في يأتونكم وهو أقرب إلى الذوق، قاله الطيبي "فإذا أتوكم" أي بهذا القصد، وأثر إذا على إن لإفادتها تحقيق وقوع هذا الأمر من أعلام نبوته لوقوع ذلك كما أخبر به "فاستوصوا بهم خيراً" أي في تعليمهم علوم الدين وتحقيقهم اطلبوا الوصية والنصيحة بهم من أنفسكم، فالسين للطلب والكلام من باب التجريد، أي ليجرد كل منكم شخصاً من نفسه ويطلب منه التوصية في حق الطالبين ومراعاة أحوالهم،(7/409)
يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ: كَانَ شُعْبَةُ يُضَعّفُ أَبَا هَارُونَ العَبْدِيّ. قالَ يَحْيَىَ بن سعيد: وَمَا زَالَ ابنُ عَوْنٍ يَرْوِي عن أَبِي هَارُونَ العَبْدِيّ حَتّى مَاتَ. وَأَبُو هَارُونَ اسْمُهُ عُمَارَةُ بنُ جُوَيْنٍ.
2789-حدثنا قُتَيْبَة، حدثنَا نُوحُ بنُ قَيْسٍ، عن أَبِي هَارُونَ العَبْدِيّ عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "يَأْتِيكُمْ رِجَالٌ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ يَتَعَلّمُونَ، فَإِذَا جَاؤوكُمْ فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْراً" . قالَ، فَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ إِذَا رَآنَا قالَ: مَرْحَباً بِوَصِيّةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ هذا حديثٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ أَبي هَارُونَ العَبْدِيّ عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ.
__________
وقيل الاستصياء طلب الوصية من نفسه إو من غيره، بأحد أو بشيء. يقال استوصيت زيداً بعمرو خيراً، أي طلبت من زيد أن يفعل بعمرو خيراً والباء في بهم للتعدية، وقيل الاستصياء قبول الوصية ومعناه اقبلوا الوصية مني بإيتائهم خيراً وقيل معناه مروهم، بالخير وعظوهم وعلموهم إياه كذا في المرقاة.
قوله : "قال علي بن عبد الله" هو ابن المديني "قال يحيى بن سعيد" هو القطان "وما زال ابن عون" اسمه عبد الله عون بن أرطبان أبو عون البصري ثقة ثبت فاضل من أقران أيوب في العلم والعمل والسن من السادسة.
قوله : "يأتيكم رجال من قبل المشرق" ورواه ابن ماجة من طريق الحكم عن أبي هارون عن أبي سعيد رضي الله عنه بلفظ: سيأتيكم أقوام يطلبون العلم، فإذا رأيتموهم فقولوا لهم مرحباً مرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقنوهم، قلت للحكم: ما أقنوهم؟ قال علموهم.
قوله : "وهذا حديث الخ" وهو ضعيف لضعف أبي هارون، وأخرجه أيضاً ابن ماجة(7/410)
5-باب ما جَاءَ في ذَهَابِ الْعلْم
2790-حدثنا هَارُونُ بنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيّ، حدثنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أَبِيِه، عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الله لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزِعُهُ مِنَ النّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِماً اتّخَذَ النّاسُ رُؤُوسَاً جُهّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلّوا وَأَضَلّوا" .
__________
"بابُ ما جَاءَ في ذَهَابِ الْعلْم"
قوله: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً" أي محواً من الصدور، والمراد به علم الكتاب والسنة وما يتعلق بهما. قال القاري: انتزاعاً مفعول مطلق على معنى يقبض، نحو رجع القهقري وقوله: "ينتزعه من الناس" صفة مبينة للنوع كذا قاله السيد جمال الدين. وقال ابن الملك: انتزاعاً مفعول مطلق للفعل الذي بعده والجملة حالية يعني لا يقبض العلم من الناس بأن يرفعه من بينهم إلى السماء "ولكن يقبض العلم" أي يرفعه "يقبض العلماء" أي بموتهم وقبض أرواحهم "حتى إذا لم يترك" أي الله تعالى "اتخذ الناس رؤوساً" قال النووي: ضبطناه في البخاري رؤوساً بضم الهمزة والتنوين جمع رأس، وضبطوه في مسلم هنا بوجهين أحدهما هذا والثاني رؤساء جمع رئيس وكلاهما صحيح والأول اشهر انتهى. قال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام النووي هذا: وفي رواية أبي ذر أيضاً بفتح الهمزة وفي آخره همزة أخرى مفتوحة جمع رئيس "فأقتوا" من الإفتاء أي أجابوا وحكموا "بغير علم" وفي رواية أبي الأسود في الاعتصام عند البخاري: فيفتون برأيهم "فضلوا" أي صاروا ضالين "وأضلوا" أي مضلين لغيرهم. وفي الحديث الحث على حفظ العلم والتحذير من ترئيس الجهلة، وفيه أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية وذم من يقدم عليها بغير علم، واستدل به الجمهور على القول بخلو الزمان عن مجتهد ولله الأمر يفعل ما يشاء.(7/411)
وفي البابِ عن عَائِشَةَ وَزِيَادِ بنِ لَبِيدٍ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الزّهْرِيّ عن عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو، وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ هَذَا.
2791-حدثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرحمنِ، انبانا عَبْدُ الله بنُ صَالِحٍ، حدثني مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرحمنِ بنِ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيِه جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ عن أَبي الدّرْدَاءِ قَالَ: "كُنّا مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى السّمَاءِ، ثُمّ قَالَ: هَذَا أَوَانُ يُخْتَلَسُ العِلْمُ مِنَ النّاسِ حَتّى لاَ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ. فَقَالَ زِيَادُ بنُ لَبِيْدٍ الأنْصَارِيّ: كَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنّا، وَقَدْ قَرَأْنَا الْقُرْآنَ فَوَالله لَنقْرَأَنّهُ، وَلَنُقْرِئَنّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمّكَ يَا زِيَادُ إِنْ كُنْتَ لأَعُدّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ
__________
قوله : "وفي الباب عن عائشة وزياد بن لبيد" أما حديث عائشة فلينظر من أخرجه، وأما حديث زياد بن لبيد فأخرجه أحمد وابن ماجة.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والشيخان وابن ماجة.
قوله : "فشخص ببصره" أي رفعه "هذا أوان" أي وقت "يختلس العلم من الناس" أي يختطف ويسلب علم الوحي منهم والجملة صفة أوان "حتى لا يقدروا منه" أي من العلم "على شيء" أي من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن الملك. قاله القاري: والأظهر على شيء من العلم قال الطيبي: فكأنه عليه الصلاة والسلام لما نظر إلى السماء كوشف باقتراب أجله فأخبر بذلك "فقال زياد بن لبيد الأنصاري" الخزرجي خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأقام معه حتى هاجر، فكان يقال له مهاجري أنصاري "وقد قرأنا القرآن فوالله لنقرأنه ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا" يعني والحال أن القرآن مستمر بين الناس إلى يوم القيامة(7/412)
المَدِينَةِ: هَذِهِ التّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ عِنْدَ اليَهُودِ وَالنّصَارَى فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ؟" قَالَ جُبَيْرٌ: فَلَقَيْتُ عُبَادَةَ بنَ الصّامِتِ فَقُلْتُ أَلاَ تَسْمَعُ إلى مَا يَقُولُ أَخُوكَ أَبُو الدّرْدَاءِ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِالّذِي قَالَ أَبُو الدّرْدَاءِ، قَالَ صَدَقَ أَبُو الدّرْدَاءِ إِنْ شِئْتَ لأَحَدّثَنّكَ بِأَوّلِ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِنَ النّاسِ: الْخُشُوعُ، يُوْشِكَ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ الْجَامِعِ فَلاَ تَرَى فِيِه رَجُلاً خَاشِعاً".
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وَمُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَلاَ نَعْلَمُ أَحَداً تَكَلّمَ فِيِه غَيْرَ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ القَطَانِ. وَقَدْ رُوِيَ عن مُعَاوِيَةَ بنِ صَالحٍ نَحْوُ هَذَا، وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عن عَبْدِ الرحمنِ بنُ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرِ، عن أَبِيِه، عن عَوْفِ بنِ مَالِكٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
__________
كما يدل عليهقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} "قال ثكلتك أمك" أي فقدتك، وأصله الدعاء بالموت ثم يستعمل في التعجب "إن كنت" إن مخففة من الثقيلة بدليل اللام الأنيسة الفارقة واسمها ضمير الشأن محذوف، أي أن الشأن كنت أنا "لأعدك" وفي رواية لأراك "فماذا تغني عنهم" أي فماذا تنفعهم وتفيدهم، وفي حديث زيادبن لبيد عند ابن ماجة أو ليس هذه اليهود والنصاري يقرؤون التوراة والإنجيل لا يعملون بشيء مما فيهما. قال القاري: أي فكما لم تفدهم قراءتهما مع عدم العلم بما فيهما فكذلك أنتم، والجملة حال من يقرأون أي يقرأون غير عاملين، نزل العالم الذي لا يعمل بعلمه منزلة الجاهل بل منزلة الحمار الذي يحمل أسفاراً بل أولئك كالأنعام بل هم أضل "الخشوع" قال في الجمع: الخشوع في الصوت والبصر كالخضوع في البدن.(7/413)
باب من يطلب بعمله الدنيا
...
6-باب فيمن يطلب بعلمه الدنيا
2792-حدثنا أَبُو الأَشْعَثِ، أَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ العِجْلِيّ الْبَصْرِيّ، حدثنَا أُمَيّةُ بنُ خَالِدٍ، حدثنَا إِسْحَاقُ بنُ يَحْيَى بنِ طَلْحَةَ، حدثني ابنُ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ عن أَبِيِه، قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لَيُجَارِيَ بِهِ العُلَمَاءَ أَوْ لَيُمَارِيَ بِهِ السّفْهَاءَ وَيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ الله النّارَ" .
هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَإِسْحَاقُ بنُ يَحْيَىَ بنِ طَلْحَةَ لَيْسَ بِذَاكَ القَوِيّ عِنْدَهُمْ، تُكَلّمَ فِيِه مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.
__________
"باب فيمن يطلب بعلمه الدنيا"
قوله: "حدثني ابن كعب بن مالك" هو إما عبد الرحمن بن كعب أو عبد الله ابن كعب وهما من ثقات التابعين "من طلب العلم" أي لا لله بل "ليجاري به العلماء" أي يجري معهم في المناظرة والجدال ليظهر علمه في الناس رياء وسمعه كذا في المجمع "أو ليماري به السفهاء" جمع السفية وهو قليل العقل، والمراد به الجاهل أي ليجادل به الجهال، والمماراة من المرية وهي الشك فإن كل واحد من المتحاجين يشك فيما يقول صاحبه ويشككه مما يورد على حجته، أو من المرى وهو مسح الحالب ليستنزل ما به من اللبن، فإن كلا من المتناظرين يستخرج ما عند صاحبه كذا حققه الطيبي "ويصرف به وجوه الناس إليه" أي يطلبه بنية تحصيل المال والجاه وإقبال العامة عليه.
قوله : "هذا حديث غريب" وأخرجه ابن ماجة عن ابن عمر.
قوله : "وإسحاق بن يحيى بن طلحة ليس بذاك القوى عندهم الخ" قال في التقريب: إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي ضعيف من الخامسة.(7/414)
2793-حدثنا عَلِيّ بنُ نَصْرِ بنِ عَلِيّ، أَخبَرَنَا مُحّمَدُ بنُ عَبّادٍ الْهُنَائيّ أخبرنا عَلِيّ بنُ المُبَارَكِ، عن أَيُوبَ السّخْتِيَانيّ، عن خَالِدِ بنِ دُرَيْكٍ عن ابنِ عَمَرَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: " مَنْ تَعَلّمَ عِلْماً لِغَيْرِ الله أَوْ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ الله فَلْيَتَبَوّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ" وَفي الباب عن جابر.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نعرفه من حديث ايوب إِلا من هذا الوجه.
__________
قوله : "حدثنا نصر بن بن علي" وفي بعض النسخ حدثنا على بن نصر بن علي ابن نصر بن علي. والظاهر أن هاتينن النسختين صحيحتان فإن نصر بن علي وابنه علي بن نصر بن علي كليهما من شيوخ الترمذي ومن أصحاب محمد بن عباد الهنائي أخبرنا محمد بن عباد الهنائي بضم الهاء وتخفيف النون أبو عباد البصري صدوق من التاسعة "عن خالد بن دريك" بالمهملة والراء والكاف مصغراً ثقة يرسل من الثالثة. وفي تهذيب التهذيب: روى عن ابن عمر وعائشة ولم يدركهما.
قوله : "من تعلم علماً" وفي حديث أبي هريرة عند أحمد وأبي داود: من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله "لغير الله" من نحو الجاه وجلب الدنيا "أو أراد به غير الله" الظاهر أن أو للشك "فليتبوأ مقعده من النار" أي فليتخذ له فيها منزلا فإنها داره وقراره. والحديث فيه انقطاع فإن خالد بن دريك لم يدرك ابن عمر رضي الله عنه، وأخرجه أيضاً ابن ماجة من طريق محمد ابن عباد المذكور.(7/415)
باب في الحث على تبليغ السماع
...
7-باب ما جَاءَ في الْحَثّ عَلَى تَبْلِيغِ السّماع
2794-حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنَا أَبُو دَاوُدَ، أخبرنا شُعْبَةُ أخبرني عُمَرُ بنُ سُلَيْمَانَ مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بنِ الْخَطّابِ. قالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرّحْمَنِ
__________
"باب ما جَاءَ في الْحَثّ عَلَى تَبْلِيغِ السّماع"
قوله: "أخبرني عمر بن سليمان من ولد عمر بن الخطاب" قال في التقريب: عمر بن سليمان بن عاصم بن عمر بن الخطاب ثقة من السادسة ويقال اسمه عمرو(7/415)
بنَ أَبَانِ بنِ عُثْمَانَ يُحَدّثُ عن أَبِيِه قالَ: خَرَجَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ نِصْفَ النّهَارِ، قُلْنَا مَا بَعَثَ إِلَيْهِ في هَذِهِ السّاعَةَ إِلاّ لِشَيْءِ يَسْأَلُهُ عَنْهُ، فَقُمْنَا فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ نَعَمْ سَأَلْنَا عَنْ أَشْيَاءَ سَمِعْنَاهَا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "نَضّرَ الله امْرَأً سَمِعَ مِنّا حَدِيثاً فَحَفِظَهُ حَتّى يُبَلّغَهُ غَيْرَهُ، فَرُبّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ" . وفي البابِ عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ وَجُبَيْرِ بنُ مُطْعِم وَأَبِي الدّرْدَاءِ وَأَنَسٍ. حَدِيثُ
__________
"سمعت عبد الرحمن بن أبان بن عثمان" ابن عفان الأموي المدني ثقة مقل عابد من السادسة "يحدث عن أبيه" هو أبان عثمان بن عفان الأموي أبو سعيد وقيل أبو عبد الله مدني ثقة من الثالثة.
قوله : "نضر الله" قال التوربشتي: النضرة الحسن والرونق يتعدى ولا يتعدى وروى مخففاً ومثقلاً انتهى. وقال النووي: التشديد أكثر. وقال الأبهري: روى أبو عبيدة بالتخفيف قال هو لازم ومتعدد، ورواه الأصمعي بالتشديد وقال المخفف لازم والتشديد للتعدية وعلى الأول للتكثير والمبالغة انتهى. والمعنى خصه الله بالبهجة والسرور لما رزق بعلمه ومعرفته من القدر والمنزلة بين الناس في الدينا ونعمه في الاَخرة حتى يرى عليه رونق الرخاء والنعمة، ثم قي إنه إخبار يعني جعله ذا نضرة، وقيل دعاء له بالنضرة وهي البهجة والبهاء في الوجه من أثر النعمة "فحفظه" أي بالقلب أو بالكتابة "فرب حامل فقه" أي علم "إلى من هو أفقه منه" أي فرب حامل فقه قد يكون فقيهاً ولا يكون أفقه فيحفظه ويبلغه إلى من هو أفقه منه فيستنبط منه مالا يفهمه الحامل أو إلى من يصير أفقه منه، إشارة إلى فائدة النقل والداعي إليه. قال الطيبي: هو صفة لمدخول رب استغنى بها عن جوابها أي رب حامل فقه أداه إلى من هو أفقه منه "ورب حامل فقه ليس بفقيه" بين به أن راوي الحديث ليس الفقه من شرطه إنما شرطه الحفظ وعلى الفقيه التفهم والتدبر قاله المناوي.
قوله : "وفي الباب عن عبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وجبير بن مطعم"(7/416)
زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ حديثٌ حسنٌ.
2795-حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَبُو دَاوُدَ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ قالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرحمنِ بنَ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ يُحَدّثَ عن أَبِيِه قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "نَضّرَ الله امْرَأً سَمِعَ مِنّا شَيْئاً فَبَلّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ فَرُبّ مُبَلّغِ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ" .
__________
وأبي الدرداء وأنس. أما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه الترمذين بعد هذا الحديث، وأما حديث معاذ بن جبل فلينظر من أخرجه: وأما حديث جبير ابن مطعم فأخرجه أحمد وابن ماجة والطبراني في الكبير كذا في الترغيب، وأما حديث أبي الدوداء فأخرجه الدارمي، وأما حديث أنس فأخرجه ابن ماجة والطبراني في الأوسط.
قوله : "حديث زيد بن ثابت حديث حسن" وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والدارمي وسكت عنه أبو داود، ونقل المنذري تحسين الترمذي فأقره.
قوله : "سمع منا شيئاً" وفي رواية ابن ماجة حديثاً بدل شيئاً. قال الطيبي: يعم الأقوال والأفعال الصادرة من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم يدل عليه صيغة الجمع في منا.
قلت: الظاهر عندي أن المعنى: من سمع مني أو من أصحابي حديثاً من أحاديثي فبلغه الخ والله تعالى أعلم "فبلغه كما سمعه" أي من غير زيادة ونقصان، وخص مبلغ الحديث كما سمعه بهذا الدعاء لأنه سعى في نضارة العلم وتجديد السنة فجازاه بالدعاء بما يناسب حاله، وهذا يدل على شرف الحديث وفضلة ودرجة طلابه حيث خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بدعاء لم يشرك فيه أحد من الأمة ولو لم يكن في طلب الحديث وحفظه وتبليغه فائدة سوى أن يستفيد بركة هذه الدعوة المباركة لكفى ذلك فائدة وغنماً وجل من الدارين حظاً وقسماً.
وقال محي السنة: أختلف في نقل الحديث بالمعنى وإلى جوازه ذهب الحسن والشعبي والنخعي، وقال مجاهد: انقص من الحديث ما شئت ولا تزد، وقال(7/417)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
سفيان: إن قلت حدثتكم كما سمعت فلا تصدقوني فإنما هو المعنى، وقال وكيع: إن لم يكن المعنى واسعاً فقد هلك الناس، وقال أيوب عن ابن سيرين: كنت أسمع الحديث عن عشرة واللفظ مختلف والمعنى واحد. وذهب قوم إلى اتباع اللفظ منهم ابن عمر وهو قول القاسم بن محمد وابن سيرين ومالك بن أنس وابن عيينة. وقال محي السنة: الرواية بالمعنى حرام عند جماعات من العلماء وجائزة عند الأكثرين والأولى اجتنابها انتهى.
قلت: مسألة الرواية بالمعنى مبسوطة في كتب أصول الحديث عليك أن تراجعها "فرب" للتقليل وقد ترد للتكثير "مبلغ" بفتح اللام وأوعى نعت له والذي يتعلق به رب محذوف وتقديره يوجد أو يكون، ويجوز على مذهب الكوفيين في أن رب اسم أن تكون هي مبتدأ وأوعى الخبر فلا حذف ولا تقدير والمراد رب مبلغ عن أوعي أي أفهم لما أقول من سامع مني، وصرح بذلك، أبو القاسم بن مندة في روايته من طريق هوذة عن ابن عون ولفظه: فإنه عسى أن بعض من لم يشهد أوعى لما أقول من بعض من شهد.
قوله : "قوله هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وابن ماجة وابن حبان. قال المناوي وإسناده صحيح.(7/418)
باب في تعظيم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
...
8-باب ما جَاءَ في تَعْظِيمِ الكَذِبِ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم
2796-حدثنا أَبُو هِشَامٍ الرّفَاعِيّ، أخبرنا أَبُو بَكْرِ بنِ عَيّاشٍ، أخبرنا عَاصِمٌ عن زِرٍ عَنْ عَبْدِ الله بن مسعودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:
__________
"باب ما جَاءَ في تَعْظِيمِ الكَذِبِ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم"
قوله: "أخبرنا عاصم" هو ابن بهدلة "عن زر" بكسر الزاي وتشديد الراء وهو ابن حبيش "عن عبد الله" هو ابن مسعود.(7/418)
"مَنْ كَذَبَ عَلَيّ مُتَعَمّداً فَلْيَتَبَوّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ" .
2797-حدثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ مُوسَى القَزَارِيّ ابنُ بنتِ السّدّيّ، حدثنا شَرِيكُ بنُ عَبْدِ الله عن مَنْصُورِ بنِ المُعْتَمِر عن رِبْعِيّ بنِ حِرَاشٍ، عَنْ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَكْذِبُوا عَلَيّ
__________
قوله : "من كذب علي" قال الكرماني: معنى كذب عليه نسب الكلام كاذباً إليه سواء كان عليه أو له انتهى قال القاري: وبهذا يندفع زعم من جوز وضع الأحاديث للتحريض على العبادة كما وقع لبعض الصوفية الجهلة في وضع أحاديث في فضائل السور وفي الصلاة الليلية والنهارية وغيرهما، والأظهر أن تعديته بعلى لتضمين معنى الافتراء "متعمداً" نصب على الحال وليس حالا مؤكداً لأن الكذب قد يكون من غير تعمد وفيه تنبيه على عدم دخول النار فيه "فليتبوأ مقعده من النار" أي فليتخذ لنفسه منزلا يقال تبوأ الرجل المكان إذا اتخذه سكناً وهو أمر بمعنى الخبر أيضاً أو بمعنى التهديد أو بمعنى التهكم أو دعاء على فاعل ذلك أي بوأه الله ذلك. قال الكرماني: يحتمل أن يكون الأمر على حقيقته والمعنى من كذب فليأمر نفسه بالتبوأ ويلزم عليه كذا قال وأولها أولاها فقد رواه أحمد بإسناد صحيح عن ابن عمر بلفظ: بني له بيت في النار قال الطيبي: فيه إشارة إلى معنى القصد في الذنب وجزائه أي كما أنه قصد في الكذب التعمد فليقصد بجزائه التبوأ. وحديث عبد الله بن مسعود هذا أخرجه ابن ماجة أيضاً.
قوله : "لا تكذبوا علي" هو عام في كل كاذب مطلق في كل نوع من الكذب ومعناه لا تنسبوا الكذب إلى، ولا مفهوم لقوله على لأنه لا يتصور أن يكذب له لنهيه عن مطلق الكذب. وقد اغتر قوم من الجهلة فوضعوا أحاديث في الترغيب والترهيب وقالوا نحو لم نكذب عليه بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته وما دروا أن تقويله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل يقتضي الكذب على الله تعالى لأنه إثبات حكم من الأحكام الشرعية سواء كان في الإيجاب أو الندب وكذا مقابلهما وهو الحرام والمكروه، ولا يعتد بمن خالف من الكرامية حيث جوزوا وضع الكذب في الترغيب والترهيب في تثبيت ما ورد في القرآن والسنة.(7/419)
فَإِنهُ مَنْ كَذَبَ عَلَيّ يَلِجُ في النّارِ" .
وفي البابِ عَنْ أَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَالزّبَيْرِ وَسَعِيدِ بنِ زَيْدٍ وَعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ وَابنِ عَبّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَعَمْرٍو بنِ عَبْسَةَ وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ وَمُعَاوِيَةَ وَبُرَيْدَةَ وَأَبي مُوسَى وَأَبي أُمَامَةَ
__________
واحتج: بأنه كذب له لا عليه وهو جهل باللغة العربية، وتمسك بعضهم بما ورد في بعض طرق الحديث من زيادة لم تثبت وهي ما أخرجه البزار من حديث ابن مسعود بلفظ: من كذب على ليضل به الناس الحديث. وقد اختلف في وصله وإرساله ورجح الدارقطني والحاكم إرساله، وأخرجه الدارمي من حديث يعلى بن مرة بسند ضعيف وعلى تقدير ثبوته فليست اللام فيه للعلة بل للصيرورة كما فسرقوله تعالى: {َمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} ليضل الناس، والمعنى إن مال أمره إلى الإضلال أو هو من تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر فلا مفهوم له كقوله تعالى {لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً} {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} فإن قتل الأولاد ومضاعفة الربا والإضلال في هذه الاَيات إنما هو لتأكيد الأمر فيها لا اختصاص الحكم "يلج في النار" أي يدخلها.
قوله : "وفي الباب عن أبي بكر وعمر وعثمان الخ" قد ذكر الحافظ السيوطي في كتابه الجامع الصغير أسماء من أخرج أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين فإن شئت الوقوف على ذلك فارجع إليه قال ابن الجوزي: رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية وتسعون صحابباً منهم العشرة ولا يعرف ذلك لغيره، وخرجه الطبراني عن نحو هذا العدد، وذكر ابن دحية أن أخرج من نحو أربعمائة طريق، وقال بعضهم بل رواه مائتان من الصحابة وألفاظهم متقاربة والمعنى واحد ومنها: "من نقل عني ما لم أقله فليتبوأ مقعده من النار" . قالوا: وذا أصعب ألفاظه وأشقها لشموله للمصحف واللحان والمحرف. وقال ابن الصلاح: ليس في مرتبته من المتواتر غيره.(7/420)
وَعَبْدِ الله بنِ عمرو وَالمُنقَعِ وَأَوْسٍ الثّقَفِيّ.
حَدِيثُ عَلِيّ بنِ أَبي طَالِبٍ، حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مُهَدِيٍ: مَنْصُورُ بنُ المُعْتَمِرِ أَثْبَتُ أَهْلِ الكُوفَةِ، وَقَالَ وَكِيعٌ: لَمْ يَكْذِبْ رِبْعِيّ بنُ حِرَاشٍ في الإِسْلاَمِ كِذْبَةً.
2798-حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا الّليْثُ بنُ سَعْدٍ عن ابنِ شِهَابٍ عن أَنَسٍ بنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَذَبَ عَلَيّ - حَسِبْتُ أَنّهُ قَالَ- مُتَعَمّداً فَلْيَتَبَوّأَ بَيْتَهُ مِنَ النّارِ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ هذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ الزّهْرِيّ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن أَنَسٍ "عن النبيّ صلى الله عليه وسلم" .
__________
قوله : "والمنقع" وفي بعض النسح المقنع بتقديم القاف على النون. قال في هامش النسخة الأحمدية: والمنقع ذكره ابن سعد في طبقات أهل البصرة من الصحابة فقال المنقع بن حصين بن يزيد وله رؤية ذكره الثلاثة في الصحابة بخط شيخنا. قال ابن عبد البر: الملفع بلام وفاء وهو ابن الحصين بن يزيد بن شبيب التميمي السعدي ويقال فيه المنقع بنون وقاف والله أعلم وقال أبو حاتم الرازي: المنقع له صحبة انتهى رأيت في بعض الهوامش المنقع بالتشديد والمحفوظ بالتخفيف هذا في حاشية نسخة صحيحة منقولة من العرب انتهى. ما في هامش النسخة الأحمدية.
قوله : "حديث علي بن أبي طالب حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة.
قوله : "من كذب علي" وفي رواية الشيخين: من تعمد علي كذبا "حسبت أنه قال متعمداً" هذا قول بعض الرواة والظاهر أنه قول ابن شهاب والضمير في أنه راجع إلى أنس.
قوله : "هذا حديث حسن غريب صحيح" وأخرجه الشيخان.(7/421)
باب من روى حديثا وهو يرى أنه كذب
...
9-باب ما جاءَ في مَنْ رَوَى حدِيثاً وَهُوَ يُرَى أَنّهُ كَذِب
2799-حدثنا محمد بن بشار بُنْدَارٌ، حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ، حدثنا سُفْيَان عن حَبِيبِ بنِ أَبي ثَابِتٍ عن مَيْمُونِ بنِ أَبي شَبِيبٍ عن المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ حَدّثَ عَنّي حَدِيثاً وَهُوَ يُرَى أَنّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِيِنَ" .
وفي البابِ عن عَلِيّ بنِ أَبي طَالِبٍ وَسَمُرَةَ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وَرَوَى شُعْبَةُ عن الْحَكَمِ، عن عَبْدِ الرّحْمنِ بنِ أَبي لَيْلَى عن سَمُرَةَ عن
__________
"باب ما جاءَ في مَنْ رَوَى حدِيثاً وَهُوَ يُرَى أَنّهُ كَذِب"
قوله: " وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" قال النووي: ضبطناه يرى بضم الياء والكاذبين بكسر الباء وفتح النون على الجمع وهذا هو المشهور في اللفظين. قال القاضي عياض: الرواية فيه عندنا الكاذبين على الجمع، ورواه ابو نعيم الأصبهاني في كتابه المستخرج على صحيح مسلم في حديث سمرة الكاذبين بفتح الياء وكسر النون على التثنية واحتج به على أن الراوي له يشارك البادي بهذا الكذب، ثم رواه أبو نعيم من رواية المغيرة الكاذبين أو الكاذبين على الشك في التثنية والجمع، وذكر بعض الأئمة جواز فتح الياء من يرى وهو ظاهر حسن، فأما من ضم الياء فمعناه يظن وأما من فتحها فظاهر ومعناه وهو يعلم ويجوز أن يكون بمعنى يظن أيضاً، فقد حكى رأى بمعنى ظن وقيد بذلك لأنه لا يأثم إلا بروايته ما يعلمه أو يظنه كذباً، أما ما لا يعلمه ولا يظنه فلا إثم عليه في روايته وإن ظنه غيره كذاباً أو علمه انتهى.
قوله: "وفي الباب عن علي بن أبي طالب وسمرة" أما حديث علي بن أبي طالب فأخرجه ابن ماجة وأما حديث سمرة فأخرجه مسلم وغيره.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد ومسلم وابن ماجة.
قوله : "وروى شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن سمرة الخ"(7/422)
النبيّ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْحَدِيثَ، وَرَوَى الأَعْمَشِ وَابنُ أَبي لَيْلَى عن الْحَكَمِ عن عَبْد الرحمنِ بنِ أَبي لَيْلَى عن عَلِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وَكَأَنَ حَدِيثُ عَبْدِ الرحمنِ بنِ أَبي لَيْلَى عن سَمُرَةَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَصَحّ. قالَ سَأَلْتُ عَبْدَ الله بنَ عَبْدِ الرّحْمنِ أَبَا مُحمّدٍ، عن حَدِيثِ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَدّثَ عَنّي حَدِيثاً وَهُوَ يرَى أَنّهُ كَذِبَ، فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبِينَ" قُلْتُ لَهُ: مَنْ رَوَى حَدِيثاً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنّ إِسْنَادَهُ خَطَأ أيُخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ في حَدِيثِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ إِذَا رَوَى النّاسُ حَدِيثاً مُرْسَلاَ، فَأَسْنَدَهُ بَعْضَهُمْ أَوْ قَلَبَ إِسْنَادَهُ يَكُونُ قَدْ دَخَلَ في هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَقَالَ لاَ إِنّمَا مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ إِذَا رَوَى الرّجُلُ حَدِيثاً وَلاَ يُعْرِفُ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَصْلٌ فَحَدّثَ بِهِ فَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ في هَذَا الْحَدِيثِ.
__________
وصله مسلم في صحيحه قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال أخبرنا وكيع عن شعبة الخ "وروى الأعمش وابن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليى عن علي الخ" وصله ابن ماجة فقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن هاشم عن ابن أبي ليلى عن الحكم الخ وقال حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن الأعمش عن الحكم الخ "سألت عبد الله بن عبد الرحمن أبا محمد" هو الإمام الدارمي "أتخاف أن يكون قد دخل في الحديث النبي الخ" يعني حديث: من حدث عن حديثاً وهو يرى الخ.(7/423)
10-باب مَا نُهِيَ عَنْهُ أَنّهُ يُقالُ عِنْدَ حَدِيث رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم
2800-حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عن مُحمّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَسَالِمٍ أَبي النّضْرِ عن عُبَيْدِ الله بنِ أَبي رَافِعٍ، عن أَبي رَافِعٍ وَغَيْرِهِ رَفَعهُ قالَ: "لا أُلْفيَنّ احَدَكُم مُتَكِئاً عَلَى ارِيكَتِهِ يَأْتِيِه امْرٌ مِمّا امَرْتُ بِهِ اوْ نَهيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ لاَ ادْرِي. مَا وَجَدْنَا في كِتَابِ الله إِتّبَعْنَاهُ" .
__________
"باب مَا نُهِيَ عَنْهُ أَنّهُ يُقالُ عِنْدَ حَدِيث رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم"
قوله: "وسالم أبي النضر" عطف عليقوله محمد بن المنكدر "عن عبيد الله ابن أبي رافع عن أبي رافع" يعني روى بن المنكدر وسالم أبو النضر كلاهما عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي رافع منقوله: لأالفين الخ موقوفاً عليه "وغيره رفعه" يعني روى غير قتيبة هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً كما رواه أبو داود في سننه حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل وعبد الله بن محمد النفيلي قالا أخبرنا سفيان عن أبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ألفين الحديث.
قوله : "لا ألفين" بالنون المؤكدة من الإلفاء أي لا أجدن وهو كقولك لا أرينك ههنا نهى نفسه أي تراهم على هذه الحالة. والمراد نهيهم عن تلك الحالة على سبيل المبالغة "متكئاً" حال أو مفعول ثان "على أريكته" أي سريره المزين بالحلل والأثواب في قبة أو بيت كما للعروس يعني الذي لزم البيت وقعد عن طلب العلم قيل المراد بهذه الصفة الترفه والدعة كما هو عادة المتكبر المتجبر القليل الاهتمام بأمر الدين "فيقول لا أدري" أي لا أعلم غير القرآن ولا أتبع غيره أو لا أدري قول الرسول "ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه" ما موصولة أو موصوفة يعني الذي وجدناه في القرآن اتبعنا وما وجدناه في غيره لا نتبعه أي وهذا الأمر الذي أمر به عليه الصلاة والسلام أو نهى عنه لم نجده في كتاب الله فلا نتبعه والمعنى(7/424)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ عن سُفْيَانَ عن ابنِ المُنْكَدِرِ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً. وَسَالِمٍ أَبي النّضْرِ عن عُبَيْدِ الله بنِ أَبي رَافِعٍ عن أَبِيِه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وَكَانَ ابنُ عُيَيْنَةَ إِذَا رَوَي هَذَا الحَدِيثَ عَلَى الانْفِرَادِ بَيّنَ حَدِيثَ مُحمدِ بنِ المُنْكَدِرِ مِنْ حَدِيثِ سَالمٍ أَبي النّضْرِ،
__________
لا يجوز الإعراض عن حديثه عليه الصلاة والسلام لأن المعرض عنه معرض عن القرآن قال تعالى: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وقال تعالى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} وأخرج الدارمي عن يحيى بن كثير. قال: كان جبرئيل ينزل بالسنة كما ينزل بالقرآن. كذا في الدر ذكره القاري في المرقاة. وهذا الحديث دليل من دلائل النبوة وعلامة من علاماتها فقد وقع ما أخبر به فإن رجلا قد خرج في الفنجاب من إقليم الهند وسمى نفسه بأهل القرآن وشتان بينه وبين أهل القرآن بل هو من أهل الإلحاد وكان قبل ذلك من الصالحين فأضله الشيطان وأغواه وأبعده عن الصراط المستقيم فتفوه بما لا يتكلم به أهل الإسلام فأطال لسانه في رد الأحاديث النبوية بأسرها رداً بليغاً، وقال هذه كلها مكذوبة ومفتريات على الله تعالى وإنما يجب العمل على القرآن العظيم فقط دون أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كانت صحيحة متواثرة ومن عمل على غير القرآن فهو داخل تحتقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} غير ذلك من أقواله الكفرية وتبعه على ذلك كثير من الجهال، وجعلوه إماماً وقد أفتى علماء العصر بكفره وإلحاده وخرجوه عن دائرة الإسلام والأمر كما قالوا.
قوله : "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقي في دلائل النبوة.
قوله : "وسالم أبي النضر" بالجر عطف علىقوله ابن المنكدر "بين حديث محمد بن المنكدر من حديث سالم أبي النضر" أي ميزه عنه فيقول عن ابن المنكدر عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا ألفين أحدكم الخ. ويقول عن سالم(7/425)
وَإِذَا جَمَعَهُمَا رَوَى هَكَذَا وَأَبُو رَافِعٍ مَوْلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم اسْمُهُ أَسْلَمُ.
2801-حدثنا محمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ، حدثنا مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عنْ الْحَسَنِ بنِ جَابِرٍ الّلخْمِيّ، عنْ المِقْدَامِ بنِ مَعْدِ يكَرِبَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَلا هَلْ عَسَى رَجُلٌ يَبْلُغُهُ الْحَدِيثُ عَنّي وَهُوَ مُتّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ، فَيَقُولُ بَيْيَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ الله، فَمَا وَجَدْنَا فِيِه حَلاَلاً اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيِه حَرَاماً حَرّمْنَاهُ، وَإِنّ مَا حَرّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم كَمَا حَرّمَ الله" .
__________
أبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا ألفين أحدكم الخ وإذا جمعهما روى هكذا أي بعطف سالم أبي النضر على ابن المنكدر كما ذكره الترمذي بقوله وروى بعضهم عن سفيان الخ.
قوله : "عن الحسن بن جابر اللخمي" الكندي مقبول من الثالثة وذكره ابن حبان في الثقات.
قوله : "ألا" حرف التنبيه "هل عسى" أي قد قرب "يبلغه الحديث عني" خبر عسى وفي رواية أبي داود: ألا أني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته. قال الطيبي: في تكرير كلمة التنبيه توبيخ وتقريع نشأ من غضب عظيم على من ترك السنة والعمل بالحديث استغناء بالكتاب فكيف بمن رجح الرأي على الحديث انتهى قال القاري: لذا رجح الإمام الأعظم الحديث ولو ضعيفاً على الرأي ولو قوياً انتهى "فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالا استحللناه وما وجدنا فيه حراماً حرمناه. وفي رواية أبي داود: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه "وإن" هذا ابتداء الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم والواو للحال وفيه التفات ويحتمل أن يكون من كلام الراوي وهو بعيد "ما حرم" قال الأبهري ما موصولة معنى مفصولة لفظاً أي الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير القرآن(7/426)
هذا حديثٌ غَرِيِبٌ مِنْ هَذَا الْوَحْهِ.
__________
"كما حرم الله" أي في القرآن وفي الاقتصار على التحريم من غير ذكر التحليل إشارة إلى أن الأصل في الأشياء إباحتها. وقال ابن حجر أي ما حرم وأحل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم وأحل الله.
قوله : "هذا حديث غريب" وأخرجه أبو داود وابن ماجة والدارمي.(7/427)
باب في كراهية كتابة العلم
...
11-باب ما جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ كتَابَةِ الْعِلْم
2802-حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، حدثنا سُفْيَان بنُ عُيَيْنَةَ، عن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ عن أَبِيِه، عن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عن أَبي سَعِيدٍ الخُدرِي قَالَ: "اسْتَأَذَنّا النبيّ صلى الله عليه وسلم في الكِتَابَةِ فَلَمْ يَأْذَنْ لَنَا".
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضاً عن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ. رَوَاه هَمّامٌ عنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ.
__________
"باب ما جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ كتَابَةِ الْعِلْم"
قوله: "عن أبية" هو أسلم العدوي مولى عمر مخضرم مات سنة ثمانين وقيل بعد سنة ستين وهو ابن أربع عشرة ومائة سنة.
قوله : "استأذنا" أي طلبنا الإذن منه صلى الله عليه وسلم "في الكتابة" أي في كتابة أحاديثه "فلم يأذن لنا" فيه دلالة على منع كتاية الأحاديث النبوية وروى مسلم هذا الحديث بلفظ لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن. قال الحافظ في الفتح اختلف السلف في ذلك عملاً وتركاً وإن كان الأمر استقر والإجماع انعقد على جواز كتابة العلم بل على استحبابه بل لا يبعد وجوبه على من خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم انتهى.
قوله : "وقد روى هذا الحديث من غير هذا الوجه أيضاً" وأخرجه مسلم وتقدم لفظه آنفاً.(7/427)
باب في الرخصة في ذلك
...
12-باب ما جاءَ فِي الرّخْصَةِ فيِه
2803-حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا الّليْثُ، عن الْخَلِيلِ بنِ مُرّةَ، عن
__________
"باب ما جاءَ فِي الرّخْصَةِ فيِه"
قوله: "عن الخليل بن مرة" الضيعي البصري نزل الرقة ضعيف من السابعة(7/427)
13-باب ما جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عنْ بَنِي إِسْرَائِيل
2806-حدثنا مُحَمّدُ بنُ يَحْيَى، حدثنا مُحّمد بنُ يُوسُفَ عن ابن ثوبان هو عَبْدِ الرّحْمَنِ بن ثَابِتِ بنِ ثَوْبَانَ العَابِدِ الشّامِيّ، عن حَسّانَ بنِ عَطِيّةَ، عن أَبي كَبْشَةَ السّلُولِيّ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو. قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "بَلّغُوا عَنّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدّثُوا عن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ
__________
"باب ما جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عنْ بَنِي إِسْرَائِيل"
قوله: "حدثنا محمد بن يحيى" هو الإمام الذهلي "بلغوا عني ولو آية" أي ولو كان المبلغ آية قال في اللمعات: الظاهر أن المراد آية القرآن أي ولو كانت آية قصيرة من القرآن والقرآن مبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه الجاني به من عند الله ويفهم منه تبليغ الحديث بالطريق الأولى فإن القرآن مع انتشاره(7/431)
حَرَج. وَمَنْ كَذَبَ عَلَيّ مُتعَمّدّاً فَلْيَتَبَوّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2807-حدّثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا أَبُو عَاصِمِ، عن الأَوْزَاعِيّ عن حَسّانَ بنِ عَطِيّةَ، عن أَبي كَبْشَةَ السّلُولِي عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
__________
وكثرة حملته وتكفل الله سبحانه بحفظه لما أمرنا بتبليغه. فالحديث أولى انتهى. والاَية ما وزعت السورة عليها. وقيل المراد بالاَية هنا الكلام المفيد نحو من صمت نجا. والدين النصيحة. أي بلغوا عني أحاديثي لو كانت قليلة. وقيل المراد من الاَية الحكم الموحي إليه صلى الله عليه وسلم وهو أعم من المتلوة وغيرها بحكم عموم الوحي الجلي والخفي قلت الظاهر هو الأول "وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" الحرج الضيق والإثم. قال السيد جمال الدين: ووجه التوفيق بين النهي عن الاشتغال بما جاء عنهم وبين الترخيص المفهوم من هذا الحدث أن المراد بالتحدث ههنا التحدث بالقصص من الاَيات العجيبة كحكاية عوج بن عنق، وقتل بني إسرائيل أنفسهم في توبتهم من عبادة العجل، وتفصيل القصص المذكورة في القرآن لأن في ذلك عبرة وموعظة لأولي الألباب وأن المراد بالنهي هناك النهي عن نقل أحكام كتبهم لأن جميع الشرائع والأديان منسوخة بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم. قال القاري: لكن قال ابن قتيبة: وما روى عن عوج أنه رفع جبلا قدر عسكر موسى عليه السلام وهم كانوا ثلاثمائة ألف ليضعه عليهم فنقره هدهد بمنقاره وثقبه ووقع في عنقه فكذب لا أصل له. كذا نقله الأبهري انتهى. قلت قال ابن قتيبة الدينوري في كتابه تأويل مختلف الحديث: قالوا رويتم أن عوجاً اقتلع جبلا قدره فرسخ في فرسخ على قدر عسكر موسى فحمله على رأسه ليطبقه عليهم فصار طوقاً في عنقه حتى مات وأنه كان بخوض البحر فلا يجاوز ركبتيه وكان يصيد الحيتان من لججه ويشويها في عين الشمس وأنه لما مات وقع على نيل مصر فجسر للناس سنة أي صار جسراً لهم(7/432)
وهذا حديثٌ صحيحٌ.
__________
يعبرون عليه من جانب إلى جانب وأن طول موسى عليه السلام كان عشرة أذرع وطول عصاه عشرة ووثب عشراً ليضربه فلم يبلغ عرقوبه قالوا وهذا كذب بين لا يخفى على عاقل ولا على جاهل وكيف صار في زمن موسى عليه السلام من خالف أهل الزمان هذه المخالفة؟ وكيف يجوز أن يكون من ولد آدم من يكون بينه وبين آدم هذا التفاوت؟ وكيف يطيق آدمي حمل جبل على رأسه قدره فرسخ في فرسخ؟ قال ابن قتيبة ونحن نقول أن هذا حديث لم يأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته وإنما هو خبر من الأخبار القديمة التي يرويها أهل الكتاب. سمعه قوم منهم على قديم الأيام فتحدثوا به انتهى.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والبخاري.(7/433)
14-باب ما جَاء أن الدّال عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِه
2808-حدثنا نَصْرُ بنُ عَبْدِ الرَحْمَنِ الكُوفِيّ، أخبرنا أَحْمَدُ بنُ بَشِيرٍ عن شَبِيبِ بنِ بِشْرٍ عَنْ أَنَسٍ بنِ مَالِكٍ قَالَ أَتِيَ النبيّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ يَسْتَحْمِلُهُ، فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ مَا يََحْمِلُهُ فَدَلّهُ عَلَى آخَرَ فَحَمَلَهُ فَأَتَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: "إِنّ الدّالّ عَلَى الْخَيرِ كَفَاعِلِهِ" .
__________
"باب ما جَاء أن الدّال عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِه"
قوله: "أخبرنا أحمد بن بشير" بالفتح المخزومي مولى عمرو بن حريث أبو بكر الكوفي صدوق له أوهام من التاسعة "عن شبيب بن بشر" قال في التقريب شبيب بوزن طويل ابن بشر أو ابن بشير البجلي الكوفي صدوق يخطئ من الخامسة.
قوله : "يستحمله" أي يطلب منه المركب "فحمله" أي أعطاه المركب "فقال" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الدال على الخير كفاعله" لإعانته عليه فإن حصل ذلك الخير فله مثل ثوابه وإلا فله ثواب دلالته قاله المناوي.(7/433)
وفي البابِ عن أَبي مَسْعُودٍ وَبُرَيْدَةَ. هذا حديثٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
2809-حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنَا أَبُو دَاوُدَ، أَنْبَأنَا شُعْبَةُ عن الاعمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرِوٍ الشّيْبَانِيّ، يُحَدّثُ عن أَبي مَسْعُودٍ البَدْرِيّ أَنّ رَجُلاً أَتَى النبيّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَحْمِلُهُ، فَقَالَ إِنّهُ قَدْ أُبْدِعَ بي. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: إِيتِ فُلاَناً، فَأَتَاهُ فَحَمَلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ دَلّ عَلَى خَيْرِ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ، أَوْ قَالَ عَامِلِهِ" .
__________
قوله : "وفي الباب عن أبي مسعود وبريدة" أما حديث أبي مسعود فأخرجه الترمذي بعد هذا. وأما حديث بريدة فأخرجه أحمد وأبو يعلى والضياء عنه مرفوعاً: الدال على الخير كفاعله والله يحب إغاثة اللهفان. كذا في الجامع الصغير.
قوله : "هذا حديث غريب" وأخرجه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج كذا في الجامع الصغير وقال المناوي في شرحه بإسناد حسن.
قوله : "عن أبي مسعود البدري" اسمه عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري صحابي جليل.
قوله : "فقال إنه قد أبدع بي" على بناء المفعول يقال أبدعت الراحلة إذا انقطعت عن السير لكلال جعل انقطاعها عما كانت مستمرة عليه إبداعاً عنها أي إنشاء أمر خارج مما اعتيد منها ومعنى أبدع بالرجل انقطع به راحلته كذا حققه الطيبي أي انقطع راحلتي بي ولما حول للمفعول صار الظرف نائبه كسير بعمرو "من دل" أي بالقول أو الفعل أو الإشارة أو الكتابة "على خير" أي علم أو عمل مما فيه أجر وثواب "فله" أي فللدال "مثل أجر فاعله" أي من غير أن ينقص من أجره شيء "أو قال عامله" شك من الراوي.(7/434)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَأَبُو عَمْرِو الشَيْبَانِيّ اسْمُهُ سعد بنُ إِيَاسٍ، وَأَبُو مَسْعُودٍ البَدْرِيّ اسْمُهُ عُقْبَةُ بنُ عَمْرٍو.
2810-حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ الْخَلاّلُ، أَخْبرَنَا عَبْدُ الله بنُ نُمَيْرٍ عن الأَعْمَشِ، عن أَبي عَمْرِو الشّيْبَانِيّ، عن أَبي مَسْعُودٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ وَقَالَ "مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ" وَلَمْ يَشُكّ فِيِه.
2811-حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، وَالْحَسَنُ بنُ عَلِيّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حدثنَا أَبُو أُسَامَةَ عن بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ الله بنِ أَبي بُرْدَةَ، عن جَدّهِ أَبي بُرْدَةَ عن أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اشْفَعُوا وَلِتُؤجَرُوا وَلِيَقْضِيَ الله عَلَى لِسَانِ نَبِيّهِ مَا شَاءَ".
__________
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم.
قوله : "اشفعوا" وفي رواية لمسلم كان إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال اشفعوا الخ وفي رواية للبخاري: إذا جاء رجل يسأل أو طالب حاجة أقبل علينا بوجهه فقال أشفعوا الخ "ولتؤجروا" عطف على اشفعوا واللام لام الأمر "وليقضي الله الخ" بلام التأكيد أي يحكم وفيه إشارة إلى أن ما يجري على لسانه صلى الله عليه وسلم فهو من الله سواء كان قبول الشفاعة أو عدمه وفي الحديث الحض على الخير بالفعل وبالتسبب إليه بكل وجه والشفاعة إلى الكبير في كشف كربة ومعونة ضعيف إذ ليس كل أحد يقدر على الوصول إلى الرئيس ولا التمكن منه ليلج عليه أو يوضح له مراده ليعرف حاله على وجهه وإلا فقد كان صلى الله عليه وسلم لا يحتجب. قال عياض: ولا يستثنى من الوجوه التي تستحب الشفاعة فيها إلا الحدود وإلا فما لأحد فيه تجوز الشفاعة فيه ولا سيما ممن وقعت منه الهفوة أو كان من أهل الستر والعفاف، قال وأما المصرون على فسادهم المشتهرون في باطنهم فلا يشفع فيهم ليزجروا عن ذلك.(7/435)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وَبُرَيْدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ أَبي بُرْدَةَ بنِ أَبي مُوسَى قَدْ رَوَى عَنْهُ الثّوْرِيّ وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ. وَبُرَيْدٌ يُكْنَى أَبَا بُرْدَةَ أَيضاً وهو كوفي ثِقة في الحديث روى عنه شعبة والثوري وابن عيينة هُوَ ابنُ أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيّ.
2812-حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنَا وَكِيعٌ وَعَبْدُ الرّزّاقِ، عن سُفْيَانَ عن الاعْمَشِ، عن عَبْدِ الله بنِ مُرّةَ، عن مَسْرُوقٍ، عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ: رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْماً إِلاّ كَانَ عَلَى ابنِ آدَمَ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا وَذَلِكَ لأِنّهُ أَوّلُ مَنْ أَسَنّ القَتْلَ. وَقالَ عَبْدُ الرّزّاقِ سَنّ القَتْلَ" .
هذ ا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان "ويريد" بضم الموحدة وفتح الراء مصغرا "بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى قد روى عنه الثوري سفيان بن عيينة" وروى هو عن جده والحسن البصري وعطاء وأبي أيوب صاحب أنس "وبريد يكنى أبا بردة هو ابن أبي موسى الأشعري" مقصود الترمذي من هذا الكلام أن بريد بن عبد الله هذا يكنى بأبي بردة بكنية جده وهو أبو بردة بن أبي موسى الأشعري.
قوله : "عن عبد الله بن مرة" هو الهمداني.
قوله : "ما من نفس تقتل" بصيغة المجهول "إلا كان على ابن آدم" زاد في رواية الشيخين الأول وهو صفة لابن آدم وهو قابيل قتل أخاه هابيل "إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الاَخر" "كفل" بكسر الكاف وسكون الفاء أي نصيب "من دمها" أي دم النفس "وقال عبد الرزاق سن القتل" يعني من المجرد وأما وكيع فقال أسن بالهمزة من باب الإفعال ومعنى سن وأسن واحد أي أول من سلك هذه الطريقة السيئة وأتي بها.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة.(7/436)
باب من دعا إلى هدى فأتبع أو إلى ضلالة
...
15- باب فيمَنْ دَعَا إِلَى هُدَى فأُتْبِعَ أَوْ إِلَى ضَلاَلة
2813-حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ، عن العَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَحْمَنِ، عن أَبِيِه عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أَجُورِ مَنْ يَتّبِعُهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ يَتَبِعُهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئاً" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2814-حدثنا أَحمَدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا يَزِيدُ بنُ هارُونَ، أخبرنا المَسْعُودِيّ، عن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عن ابنِ جَرِيرِ بنِ عَبْدِ الله عن
__________
"باب فيمَنْ دَعَا إِلَى هُدَى فأُتْبِعَ أَوْ إِلَى ضَلاَلة"
قوله: "من دعا إلى هدى" قال الطيبي: الهدى إما الدلالة الموصلة أو مطلق الدلالة والمراد هنا ما يهدي به من الأعمال الصالحة وهو بحسب التنكير شائع في جنس ما يقال هدى فأعظمه هدى من دعا إلى الله وعمل صالحاً وأدناه هدى من دعا إلى إماطة الأذى عن طريق المسلمين "كان له" أي للداعي "مثل أجور من يتبعه" فيعمل بدلالته أو يمتثل أمره "لا ينقص" بضم القاف "ذلك" إشارة إلى مصدر وكان كذا قيل والأظهر أنه راجع إلى الأجر "من أجورهم شيئاً" قال ابن الملك هو مفعول به أو تمييز بناء على أن النقص يأتي لازماً ومتعدياً انتهى. قال القاري: والظاهر إن يقال إن شيئاً مفعول به أي شيئاً من أجورهم أو مفعول مطلق أي شيئاً من النقص.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم.
قوله : "عن ابن جرير بن عبد الله" اسمه المنذر بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي مقبول من الثالثة.(7/437)
أَبِيِه قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَنّ سُنّةَ خَيْرٍ فَأُتْبِعَ عَلَيْهَا فَلَهُ أَجْرُهُ وَمِثْلُ أُجُورِ مَنْ اتّبَعَهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ سَنّ سُنّةَ شَرٍ فَأُتْبِعَ عَلَيْهَا، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهُ وَمِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ اتبَعَهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئاً" . وفي البابِ عن حُذَيْفَةَ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن جَرِيرِ بنِ عَبْدِ الله، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوُ هَذَا. وَقَدْ رُوِيَ هذا الْحَدِيثُ عن المُنْذِرِ بنِ جَرِيرِ بنِ عَبيد الله عن أَبِيِه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وَقَدْ رُوِيَ عن عَبْدِ الله بنِ جَرِيرِ عن أَبِيِه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم
__________
قوله : "من سن سنة خير" وفي رواية مسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة أي أتى بطريقة مرضية يشهد لها أصل من أصول الدين "فاتبع" بصيغة المجهول والضمير إلى من "عليها" أو على تلك السنة "فله أجره" الضميران يرجعان إلى من سن أي له أجر عمله بتلك السنة "غير منقوص من أجورهم شيئاً" بالنصب على أنه مفعول مطلق أي لا ينقص من أجورهم شيئاً من النقص "ومن سن سنة شر" وفي بعض النسخ سنة سيئة. وفي رواية مسلم: ومن سن في الإسلام سنة سيئة أي طريقة غير مرضية لا يشهد لها أصل من أصول الدين.
قوله : "وفي الباب عن حذيفة" أخرجه أحمد.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم مطولا وابن ماجة من طريق المنذر بن جرير عن أبيه.(7/438)
باب الأخذ بالسنة واجتناب البدعة
...
16-باب ما جاء في الأَخْذِ بالسّنّةِ وَاجْتِنابِ البِدْعة
2815-حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا بَقِيّةُ بنُ الوَلِيدِ، عن بَجِيِر بنِ سَعِيدٍ عن خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عن عَبْدِ الرَحْمَنِ بنِ عَمْرِو السّلَمِيّ، عن
__________
"باب ما جاء في الأَخْذِ بالسّنّةِ وَاجْتِنابِ البِدْعة"
قوله: "عن عبد الرحمن بن عمرو" بن عبسة "السلمي" الشامي مقبول من(7/438)
العِرْبَاضِ بنِ سَارِيَةَ قالَ: "وَعَظَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْماً بَعْدَ صَلاَةِ الغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رُجُلٌ إِنّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدّعٍ فَبِمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رسُولَ الله؟ قالَ: " أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى الله، وَالسّمْعِ وَالطّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌ فَإِنّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَ اخْتِلاَفَاً كَثِيراً، وَأَيّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنّهَا ضَلاَلَةٌ
__________
الثالثة "عن العرباض" بكسر العين المهملة وسكون الراء بعدها موحدة وآخره معجمة "بن سارية" السلمى كنيته أبو نجيح صحابي كان من أهل الصفة ونزل حمص.
قوله : "ذرفت" أي دمعت "ووجلت" بكسر الجيم أي خافت "إن هذه موعظة مودع" بالإضافة فإن المودع بكسر الدال عند الوداع لا يترك شيئاً مما يهم المودع بفتح الدال أي كأنك تودعنا بها لما رأى من مبالغته صلى الله عليه وسلم في الموعظة "فماذا تعهد إلينا" أي فبأي شيء توصينا "وإن عبد حبشي" أي وإن تأمر عليكم عبد حبشي كما في رواية الأربعين للنووي أي صار أميراً أدنى الخلق فلا تستنكفوا عن طاعته أو لو استولى عليكم عبد حبشي فأطيعوه مخافة إثارة الفتن، ووقع في بعض نسخ أبي داود وإن عبداً حبشياً بالنصب أي وإن كان المطاع عبداً حبشياً. قال الخطابي يريد به طاعة من ولاه الإمام عليكم وإن كان عبداً حبشاً ولم يرد بذلك أن يكون الإمام عبداً حبشياً، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال الأئمة من قريش وقد يضرب المثل في الشيء بما لا يكاد يصح في الوجود كقوله صلى الله عليه وسلم: "من بنى لله مسجداً ولو مثل مفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة" ، وقدر مفحص القطاة لا يكون مسجداً لشخص آدمي ونظائر هذا الكلام كثيرة "وإياكم ومحدثات الأمور الخ" وفي رواية أبي داود: "وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعه ضلالة" . قال الحافظ بن رجب في كتاب جامع العلوم: والحكم فيه تحذير للأمة من اتباع الأمور المحدثة المبتدعة وأكد ذلك بقوله: كل بدعة ضلالة، والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل من الشرع(7/439)
فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْكم بِسُنّتِي وَسُنّةِ الْخُلَفَاءِ الرّاشِدِينَ المُهْدِيّينَ
__________
يدل عليه فليس ببدعة شرعاً وإن كان بدعة لغة فقوله صلى الله عليه وسلم كل بدعة ضلالة من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء وهو أصل عظيم من أصول الدين، وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية، فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه في التراويح نعمت البدعة هذه، وروى عنه أنه قال إن كانت هذه بدعة فنعمت البدعة، ومن ذلك آذان الجمعة الأول زاده عثمان لحاجة الناس إليه وأقره علي واستمر عمل المسلمين عليه، وروي عن ابن عمر أنه قال هو بدعة ولعله أراد ما أراد أبوه في التراويح انتهى ملخصاً "فمن أدرك ذلك" أي زمن الاختلاف الكثير "فعليه بسنتي" أي فليلزم سنتي "وسنة الخلفاء الراشدين المهديين" فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي فالإضافة إليهم إما لعملهم بها أو لاستنباطهم وإختيارهم إياها قاله القاري. وقال الشوكاني في الفتح الرباني: إن أهل العلم قد أطالوا الكلام في هذا وأخذوا في تأويله بوجوه أكثرها متعسفة، والذي ينبغي التعويل عليه والمصير إليه هو العمل بما يدل عليه هذا التركيب بحسب ما تقتضيه لغة العرب، فالسنة هي الطريقة فكأنه قال الزموا طريقتي وطريقة الخلفاء الراشدين، وقد كانت طريقتهم هي نفس طريقته، فإنهم أشد الناس حرصا عليها وعملا بها في كل شيء. وعلى كل حال كانوا يتوقون مخالفته في أصغر الأمور فضلاً عن أكبرها. وكانوا إذا أعوزهم الدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عملوا بما يظهر لهم من الرأي بعد الفحص والبحث والتشاور والتدبر، وهذا الرأي عند عدم الدليل هو أيضاً من سنته لما دل عليه حديث معاذ لما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بما تقضي؟ قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد قال: فبسنة رسول الله قال: فإن لم تجد قال: أجتهد رأي. قال: الحمدلله الذي وفق رسول رسوله أو كما قال. وهذا الحديث وإن تكلم فيه بعض أهل العلم بما هو معروف فالحق أنه من قسم الحسن لغيره وهو معمول به وقد أوضحت هذا في بحث مستقل. فإن قلت: إذا كان ما عملوا فيه بالرأي هو من سنته لم يبق لقوله وسنة الخلفاء الراشدين ثمرة، قلت: ثمرته أن من الناس من لم يدرك زمنه صلى الله عليه وسلم وأدرك زمن الخلفاء الراشدين أو أدرك زمنه(7/440)
عَضّوا عَلَيْهَا بالنّوَاجِذِ" .
__________
وزمن الخلفاء ولكنه حدث أمر لم يحدث في زمنه ففعله الخلفاء فأشار بهذا الارشاد إلى سنة الخلفاء إلى دفع ما عساه يتردد في بعض النفوس من الشك ويختلج فيها من الظنون. فأقل فوائد الحديث أن ما يصدر عنهم من الرأي وإن كان من سننه كما تقدم ولكنه أولى من رأي غيرهم عند عدم الدليل. وبالجملة فكثيراً ما كان صلى الله عليه وسلم ينسب الفعل أو الترك إليه أو إلى أصحابه في حياته مع أنه لا فائدة لنسبته إلى غيره مع نسبته إليه لأنه محل القدرة ومكان الأسوة فهذا ما ظهر لي في تفسير هذا الحديث ولم أقف عند تحريره على ما يوافقه من كلام أهل العلم فإن كان صواباً فمن الله وإن كان خطأ فمنى ومن الشيطان وأستغفر الله العظيم. انتهى كلام الشوكاني.
وقد ذكرنا كلام صاحب سبل السلام في بيان معنى هذا الحديث في باب آذان الجمعة. وقال القاري في المرقاة قيل هم الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم لأنه عليه الصلاة والسلام قال: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة" وقد انتهى بخلافة علي كرم الله وجهه. قال بعض المحققين وصف الراشدين بالمهديين لأنه إذا لم يكن مهتدياً في نفسه لم يصلح أن يكون هادياً لغيره لأنه يوقع الخلق في الضلالة من حيث لا يشعر: وهم الصديق والفاروق وذو النورين وأبو تراب على المرتضى رضي الله عنهم أجمعين لأنهم لما كانوا أفضل الصحابة وواظبوا على استمطار الرحمة من الصحابة النبوية وخصهم الله بالمراتب العلية والمناقب السنية ووطنوا أنفسهم عل مشاق الأسفار ومجاهدة القتال مع الكفار. أنعم الله عليهم بمنصب الخلافة العظمى والتصدي إلى الرياسة الكبرى لإشاعة أحكام الدين وإعلاء أعلام الشرع المتين رفعاً لدرجاتهم وإزدياداً لمثوباتهم انتهى "عضواً" بفتح العين "عليها" أي على السنة "بالنواجذ" جمع ناجذة بالذال المعجمة وهي الضرس الأخير، وقيل هو مرادف السن وقيل هو الناب. قال الماوردي: إذ تكاملت الأسنان فهي ثنتان وثلاثون منها أربعة ثنايا وهي أوائل ما يبدو للناظر من مقدم الفم ثم أربع رباعيات ثم أربع أنياب ثم أربع ضواحك ثم اثنا عشر أضراس وهي الطواحن ثم أربع نواجذ وهي أواخر الأسنان كذا نقله الأبهري، والصحيح أن الأضراس(7/441)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد رَوَى ثَوْرُ بنُ يَزِيدَ عن خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عن عَبْدِ الرْحمَنِ بنِ عَمْرٍو السّلَمِيّ، عن الْعِرْبَاضِ بنِ سَاريَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا.
2816-حدّثنا بِذَلِكَ الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ الْخَلاّلُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا، أخبرنا أَبُو عَاصِمٍ، عن ثَوْرِ بنِ يَزِيدَ، عن خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ عن عَبْدِ الرحمنِ بنِ عَمْرٍو السّلَمِيّ، عن الْعِرْبَاضِ بنِ سَارِيَةَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
وَالعِرْبَاضُ بنُ سَارِيَةَ يَكْنَى أَبَا نَجِيحٍ. وقد رُوِى هذا الْحَدِيثُ عن حُجْرِ بنِ حُجْرٍ عن عِرْبَاضِ بنِ سَارِيَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
__________
عشرون شاملة للضواحك والطواحن والنواجذ والله أعلم. والعض كناية عن شدة ملازمة السنة والتمسك بها فإن من أراد أن يأخذ شيئاً أخذاً شديداً يأخذ بأسنانه أو المحافظة على الوصية بالصبر على مقاساة الشدائد كمن أصابه ألم لا يريد أن يظهره فيشتد بأسنانه بعضها على بعض.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وسكت عنه أبو داود ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره وقال والخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر" فخص اثنين وقال: "فإن لم تجدينى فأتى أبا بكر" فخصه، فإذا قال أحدهم وخالفه فيه غيره من الصحابة كان المصير إلى قوله أولى. والمحدث على قسمين: محدث ليس له أصل إلا الشهرة والعمل بالإرادة فهذا باطل وما كان على قواعد الأصول أو مردوداً إليها فليس ببدعة ولا ضلالة انتهى كلام المنذري.
قوله : "حدثنا بذلك الحسن بن علي الخلال وغير واحد قالوا أخبرنا أبو عاصم عن ثور ابن يزيد الخ" ورواه ابن ماجه عن يحيى بن حكيم حدثنا عبد الملك بن الصباح المسمعي حدثنا ثور بن يزيد الخ "وقد روى هذا الحديث عن حجر بن حجر الخ" وصله أبو داود في سننه وحجر بن حجر هذا بضم الحاء(7/442)
2817-حدثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرحْمَنِ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ عُيَيْنَةَ عن مَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ الفزاريّ، عن كَثِيرِ بنِ عَبْدِ الله هو ابن عمرو بن عوف المزنيّ، عن أَبِيِه عن جَدّهِ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ لِبلاَلِ بنِ الحَارِثِ " اعْلَمْ. قالَ: مَا أَعْلَمُ يَا رَسُولَ الله؟ قالَ إِنّهُ مَنْ أَحْيَا سُنّةً مِنْ سُنّتِي قَدْ أُمِيتَتْ بَعْدِي فإن لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ منْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ أَجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ ابْتَدَعَ بِدْعَةَ ضَلاَلَةٍ
__________
المهملة وسكون الجيم الكلاعي بفتح الكاف وتخفيف اللام الحمصي مقبول من الثالثة.
قوله : "حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن" هو الدارمي "أخبرنا محمد بن عيينة" الفزاري المصيصي مقبول من العاشرة "عن مروان بن معاوية" بن الحارث بن أسماء الفزري أبي عبد الله الكوفي نزيل مكة ثم دمشق ثقة حافظ وكان يدلس أسماء الشيوخ من الثامنة "عن جده" هو عمرو بن عوف المزني "قال لبلال بن الحارث" المزني مدني صحابي كنيته أبو عبد الرحمن مات سنة ستين وله ثمانون سنة "إعلم" أي تنبه وتهيأ لحفظ ما أقول لك "قال أعلم" أي أنا متهيئ لسماع ما تقول وحفظه رضي الله عنه وفي بعض النسخ ما أعلم بزيادة ما الاستفهامية أي أي شيء أعلم "من أحيا سنة" أي أظهرها وأشاعها بالقول أو العمل "من سنني" قال الأشرف ظاهر النظم يقتضي أن يقال من سنني لكن الرواية بصيغة الإفراد انتهى فيكون المراد بها الجنس "قد أميتت بعدي" قال ابن الملك أي تركت تلك السنة عن العمل بها يعني من أحياها من بعدي بالعمل بها أو حث الغير على العلم بها "من غير أن ينقص" متعد ويحتمل اللزوم "من أجورهم" من التبعيض أي من أجور من عمل بها فأفرد رعاية للفظه وجمع ثانياً لمعناه "شيئاً" مفعول به أو مفعول مطلق لأنه حصل له باعتبار الدلالة والإحياء والحق وللعاملين باعتبار الفعل فلم يتواردا على محل واحد حتى يتوهم أن حصول أحدهما ينقص الاَخر "ومن ابتدع بدعة ضلالة" قال صاحب الدين الخالص قال في المرقاة قيد به لإخراج البدعة الحسنة وزاد في أشعة اللمعات لأن فيها(7/443)
لاَ ترضى الله وَرَسُولُهُ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لاَ ينْقِصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَار النّاسِ شَيْئاً" .
هذا حديثٌ حسنٌ وَمُحمّدُ بنُ عُيَيْنَةَ، هُوَ مِصّيصيٌ شَامِيٌ، وَكَثِيرُ بنُ عَبْدِ الله هُوَ ابنُ عَمْرِو بنُ عَوْفٍ المُزَنِيّ.
__________
مصلحة الدين وتقويته وترويجه انتهى. وأقول هذا غلط فاحش من هذين القائلين لأن الله ورسوله لا يرضيان بدعة أي بدعة كانت ولو أراد النبي صلى الله عليه وسلم إخراج الحسنة منها لما قال فيما تقدم من الأحاديث كل بدعة ضلالة وكل محدثة بدعة وكل ضلالة في النار كما ورد بهذا اللفظ في حديث آخر بل هذا اللفظ ليس بقيد في الأصل هو إخبار عن الإنكار على البدع وأنها مما لا يرضاه الله ولا رسوله ويؤيدهقوله تعالى: {رَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} وأما ظن مصلحة الدين وتقويته فيها فمن واديقوله سبحانه: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} ولا أدري ما معنى قوله سبحانه {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} ولا أدري ما معنىقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} إن كانت تلك المصلحة في ترويج البدعات يالله العجب من أمثال هذه القالة لم يعلموا أن في إشاعة البدع إماتة السنن وفي إماتتها إحياء الدين وعلومه والذي نفسي بيده إن دين الله الإسلام كامل تام غير ناقص ولا يحتاج إلى شيء في كماله وإتمامه ونصوصه مع أدلة السنة المطهرة كافية وافية شافية لجميع الحوادث والقضايا إلى يوم القيامة انتهى ما في الدين الخالص مختصراً. قلت:قوله بدعة ضلالة يروى بالإضافة ويجوز أن ينصب موصوفاً وصفة، وهذه الصفة ليست للاحتراز عن البدعة الحسنة بل هي صفة كاشفة للبدعة يدل عليهقوله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة" كما في رواية أبي داود عن العرباض بن سارية رضي الله عنه "لا يرضاها الله ورسوله" هذا أيضاً صفة كاشفة بقوله بدعة.
قوله : "هذا حديث حسن" وأخرجه ابن ماجة والحديث ضعيف لضعف كثير بن عبد الله وقد اعترض على تحسين الترمذي لحديثه. قال المنذري في الترغيب بعد نقل تحسين الترمذي بل كثير بن عبد الله متروك واه ولكن للحديث شواهد انتهى.(7/444)
2818-حدثنا مُسْلِمُ بنُ حَاتِمٍ الأَنْصَارِيّ الْبَصْرِيّ، حدثنَا مُحمّدُ ابنُ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيّ، عن أَبِيِه، عن عَلِيّ بنِ زَيْدٍ، عن سَعِيدِ بنِ المَسْيّبِ قالَ: قالَ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ: "قالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: يَا بُنَيّ إِنْ قَدِرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ في قَلْبِكَ غِشٌ لأِحَدٍ فَافْعَلْ، ثمّ قالَ لِي: يَا بُنَيّ وَذَلِكَ مِنْ سُنّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنّتِي فَقَدْ أَحْبّنِي وَمَنْ أَحْبّنِي كَانَ مَعِي في الْجَنّةِ" . وَفي الحديثِ قِصّةٌ طَوِيلَةٌ.
هذا حديثٌ حسنٌ غَريبٌ
__________
قوله : "عن أبيه" هو عبد الله بن المثنى بن عبد الله "عن علي بن زيد" هو ابن جدعان.
قوله : "قال لي" أي وحدي أو مخاطباً لي من بين أصحابي "يا بني" بضم الباء تصغير ابن وهو تصغير لطف ومرحمة، ويدل على جواز هذا لمن ليس ابنه ومعناه اللطف وأنك عندي بمنزلة ولدي في الشفقة "إن قدرت" أي استطعت والمراد اجتهد قدر ما تقدر "أن تصبح وتمسي" أي تدخل في وقت الصباح والمساء والمراد جميع الليل والنهار "ليس في قلبك" الجملة حال من الفاعل تنازع فيه الفعلان أي وليس كائناً في قلبك "غش" بالكسر ضد النصح الذي هو إرادة الخير للمنصوح له "لأحد" وهو عام للمؤمن والكافر فإن نصيحة الكافر أن يجتهد في إيمانه ويسعى في خلاصه من ورطة الهلاك باليد واللسان والتآلف بما يقدر عليه من المال كذا ذكره الطيبي "فافعل" جزاء كناية عما سبق في الشرط أي افعل نصيحتك "وذلك" أي خلو القلب من الغش قال الطيبي وذلك إشارة إلى أنه رفيع المرتبة أي بعيد التناول "من سنتي" أي طريقتي "ومن أحيا سنتي" أي أظهرها وأشاعها بالقول أو العمل "فقد أحياني ومن أحياني" كذا في النسخ الحاضرة من الإحياء في المواضع الثلاثة. وأورد صاحب المشكاة هذا الحديث نقلا عن الترمذي بلفظ: من أحب سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة من الإحباب في المواضع الثلاثة فالظاهر أنه قد وقع في بعض نسخ الترمذي هكذا والله تعالى أعلم "كان معي في الجنة" أي معية مقاربة لا معية متحدة في الدرجة.(7/445)
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَمُحّمدُ بنُ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيّ ثِقَةٌ وَأَبُوهُ ثِقَةٌ. وَعَلِيّ بنُ زَيْدٍ صَدُوقٌ إِلاّ أَنّهُ رُبّمَا يَرْفَعُ الشّيْءَ الّذِي يُوقِفُهُ غَيْرُهُ وَسَمِعْتُ مُحمّدَ بنَ بَشّارٍ: يَقُولُ قالَ أَبُو الْوَلِيدِ قالَ شُعْبَةُ، أخبرنا عَلِيّ بنُ زَيْدٍ، وكَانَ رَفّاعاً وَلاَ نَعْرِفُ لِسَعِيدِ بنُ المُسَيّبِ عن أَنَسٍ رِوَايَةً إِلاّ هذا الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. وقد رَوَى عَبّادُ بن ميسرة المِنْقَرِيّ هذا الْحَديِثَ عن عَلِيّ بنِ زَيْدٍ، عن أَنَسٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ.
وَذَاكَرْتُ بِهِ مُحمّدَ بنَ إِسْمَاعِيلَ، فلم يَعْرِفْهُ وَلَمْ يَعْرِفْ لِسَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ عن أَنَسٍ هذا الْحَدِيثَ وَلاَ غَيْرَهُ، وَمَاتَ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِينَ، وَمَاتَ سَعِيدُ بنُ المُسَيّبِ بَعْدَهُ بَسَنَتَيْنِ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ.
__________
قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} الاَية "وفي الحديث قصة طويلة" لم أقف على من أخرج هذا الحديث بالقصة الطويلة فلينظر من أخرجه بها.
قوله : "وعلي بن زيد صدوق" وضعفه غير واحد من أئمة الحديث "وكان رفاعاً" بفتح الراء وتشديد الفاء أي كان يرفع الأحاديث الموقوفة كثيراً "وقد روى عباد" بن ميسرة "المنقري" بكسر الميم وسكون النون البصري المعلم لين الحديث عابد من السابعة "ولا غيره" بالنصب عطف على هذا الحديث "ومات أنس بن مالك سنة ثلاث وتسعين ومات سعيد بن المسيب بعده بسنتين الخ مقصود الترمذي بهذا أن المعاصرة بين أنس وبين سعيد بن المسيب ثابتة فيمكن سماعه منه" .(7/446)
17-باب في الانْتهَاءِ عَمّا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم
2819-حدثنا هَنّادُ، حدثنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عن الأَعْمَشِ، عن أَبي صَالحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "اتْرُكُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِذَا حَدّثْتُكُمْ فَخُذُوا عَنّي. فَإِنّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
"باب في الانْتهَاءِ عَمّا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم"
قوله: "اتركوني ما تركتكم" أي مدة تركي إياكم من التكليف "فإنما هلك من كان قبلكم" أي من اليهود والنصارى "بكثرة سؤالهم" كسؤال الرؤية والكلام وقضية البقرة "واختلافهم" عطف على الكثرة لا على السؤال لأن نفس الاختلاف موجب للهلاك من غير الكثرة "على أنبيائهم" يعتي إذا أمرهم الأنبياء بعد السؤال أو قبله واختلفوا عليهم فهلكوا واستحقوا الإهلاك، وفي رواية مسلم "فإذا أمرتكم بشيء فأئتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه" . قال النووي في شرح مسلم "فإذا أمرتكم بشيء فاتوا منه استطعتم". هذا من قواعد الإسلام المهمة ومن جوامع الكلم التي أعطيها صلى الله عليه وسلم ويدخل فيه ما لا يحصى من الأحكام كالصلاة بأنواعها فإذا عجز عن بعض أركانها أو بعض شروطها أتى بالباقي، وإذا عجز عن بعض أعضاء الوضوء أو الغسل غسل الممكن وإذا وجد بعض ما يكفيه من الماء لطهارته أو لغسل النجاسة فعل الممكن وأشباه هذا غير منحصرة وأما قوله صلى الله عليه وسلم "وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه" فهو على اطلاقه فإن وجد عذر يبيحه كأكل الميتة عند الضرورة أو شرب الخمر عند الإكراه أو التلفظ بكلمة الكفر إذا أكره ونحو ذلك فهذا ليس منهياً عنه في هذا الحال.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الحج.(7/447)
18-باب ما جَاءَ في عَالِمِ المدِينَة
2820-حدثنا الْحَسَنُ بنُ الصّبّاحِ البَزّارُ، وَإِسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأَنْصَارِيّ، قالا: حدثنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عن ابنِ جُرَيْجٍ، عن أَبِي الزّبَيْرِ، عن أَبي صَالحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً "يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النّاسُ أَكْبادَ الإِبِلِ يَطْلُبُونَ العِلْمَ فَلاَ يَجِدُونَ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ المَدِينَةِ" .
هذا حديثٌ حسنٌ، وَهُوَ حَدِيثُ ابنِ عُيَيْنَةَ. وَقد رُوِيَ عن ابنِ عُيَيْنَةَ أَنّهُ قالَ في هَذَا: سئل مِنْ عَالِمِ المَدِينَةِ؟ فقال: انه مَالِكُ بنُ أَنَسٍ.
__________
"باب ما جَاءَ في عَالِمِ المدِينَة"
قوله: "عن أبي هريرة رواية" بالنصب على التمييز وهو كناية عن رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا لكان موقوفاً "يوشك" بالكسر والفتح لغة رديئة أي يقرب "أن يضرب الناس" هو في محل الرفع اسم ليوشك ولا حاجة إلى الخير لا شتمال الاسم على المسند والمسند إليه "أكباد الإبل" أي المحاذي لأكبادها يعني يرحلون ويسافرون في طلب العلم وهو كناية عن إسراع الإبل وإجهادها في السير. قال الطيبي: ضرب أكباد الإبل كناية عن السير السريع لأن من أراد ذلك يركب الإبل ويضرب على أكبادها بالرجل، وفي إيراد هذا القول تنبيه على أن طلبة العلم أشد الناس حرصاً وأعزهم مطلباً لأن الجد في الطلب إنما يكون بشدة الحرص وعزة المطلب، والمعنى: قرب أن يأتي زمان يسير الناس سيراً شديداً في البلدان البعيدة "يطلبون العلم" حال أو بدل "فلا يجدون أحداً" أي في العالم "أعلم من عالم المدينة" قيل هذا في زمان الصحابة والتابعين وأما بعد ذلك فقد ظهرت العلماء الفحول في كل بلدة من بلاد الإسلام أكثر ما كانوا بالمدينة فالإضافة للجنس.
قوله : "قال في هذا من عالم المدينة" قوله من عالم المدينة بيان لقوله هذا(7/448)
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ مُوسَى: سَمِعْتُ ابنَ عُيَيْنَةَ قال هُوَ العُمَرِيّ الزّاهِدَ عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله وَسَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مُوسَى يَقُولُ قالَ عَبْدُ الرّزّاقِ: هُوَ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ
__________
"أنه مالك بن أنس" يعني إمام دار الهجرة رحمه الله "هو العمري الزاهد واسمه عبد العزيز بن عبد الله" كذا فسر الترمذي العمري الزاهد بعبد العزيز بن عبد الله وقد صرح الحافظ في تهذيب التهذيب بأن العمري الزاهد هو ابنه عبد الله فقال في ترجمته عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوى العمري الزاهد المدني روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم مرسلاً لما استعمل علياً على اليمن قال له قدم الوضيع قبل الشريف. قدم الضعيف قبل القوي، وعن أبيه وغيره وعن ابن عيينة وغيره، قال النسائي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان من أزهد أهل زمانه وأشدهم تخلياً للعبادة وتوفي سنة أربع وثمانين ومائة. وقال ابن سعد كان عابداً ناسكاً عالماً. وقال الترمذي سمعت إسحاق يقول سمعت ابن عيينة يقول في قول النبي صلى الله عليه وسلم يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل. الحديث هو العمري. وقال ابن أبي خثيمة أخبرنا مصعب قال كان العمري يأمر بالمعروف ويتقدم بذلك على الخلفاء ويحتملون له ذلك. وقال الزبير كان أزهد أهل زمانه وأعبدهم انتهى مختصراً. وقال في التقريب في ترجمة عبد العزيز بن عبد الله ما لفظه: عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المدني ثقة من السادسة وهو والد عبد الله الزاهد العمري انتهى. فقول الترمذي واسمه عبد العزيز بن عبد الله ليس بصحيح والصواب أن اسم العمري الزاهد عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله.(7/449)
19-باب ما جَاءَ في فَضْل الْفِقهِ عَلَى العِبَادَة
2821-حدثنا مُحمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلُ، حدثنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى،
__________
"باب ما جَاءَ في فَضْل الْفِقهِ عَلَى العِبَادَة"
قوله: "حدثنا محمد بن إسماعيل" هو الإمام البخاري رحمه الله "أخبرنا(7/449)
أخبرنا الْوَلِيدُ هوَ ابنُ مُسْلِمٍ، أخبرنا رُوحُ بنُ جَنَاحٍ، عن مُجَاهِدٍ، عن ابنِ عَبّاسِ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "فَقِيهٌ أَشَدّ عَلَى الشّيْطَانِ مِنْ أَلفِ عَابِدٍ" .
هذا حديثٌ غريبٌ وَلاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. مِنْ حَدِيثِ الوَلِيدِ بنِ مُسْلِمٍ.
2822-حدثنا مَحْمُودُ بنِ خِدَاشٍ الْبَغْدَاديّ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ يَزِيدَ الوَاسِطِيّ، أَخْبَرنَا عَاصِمُ بنُ رَجَاءِ بنِ حَيوَةَ، عن قَيْسِ بنِ كَثِيرٍ قالَ:
__________
إبراهيم ابن موسى" هو المعروف بالصغير "أخبرنا روح بن جناح" الأموي مولاهم أبو سعد الدمشقي ضعيف اتهمه ابن حبان من السابعة.
قوله : "فقيه" وفي رواية ابن ماجه فقيه واحد "أشد على الشيطان" لأن الفقيه لا يقبل إغواءه ويأمر الناس بالخير على ضد ما يأمرهم بالشر "من ألف عابد" قيل المراد الكثرة وذلك لأن الشيطان كلما فتح باباً من الأهواء على الناس وزين الشهوات في قلوبهم بين الفقيه العارف بمكائده ومكامن غوائله للمريد السالك ما يسد ذلك الباب ويجعله خائباً خاسراً بخلاف العابد فإنه ربما يشتغل بالعبادة وهو في حبائل الشيطان ولا يدري.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" قال الحافظ في تهذيب التهذيب: قال الساجي هو حديث منكر قال الشوكاني في الفوائد المجموعة حديث: ما عبد الله بشيء أفضل من فقه في الدين، وفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد، ولكل شيء عماد وعماد هذا الدين الفقه. قال في المختصر ضعيف وفي المقاصد: لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد. أسانيده ضعيفة لكنه يتقوى بعضها ببعض.
قوله : "حدثنا عاصم بن رجاء بن حيوة" الكندي الفلسطيني صدوق يهم من الثامنة "عن قيس بن كثير" قال الحافظ في التقريب: كثير بن قيس الشامي ويقال قيس بن كثير والأول أكثر ضعيف من الثالثة. وقال في تهذيب التهذيب: كثير ابن قيس ويقال قيس بن كثير شامي، روى عن أبي الدرداء في فضل العلم(7/450)
"قَدِمَ رَجُلٌ مِنَ المَدِينَةِ عَلَى أَبي الدّرْدَاءِ وَهُوَ بِدِمَشْقَ فَقَالَ مَا أَقْدَمَكَ يَا أَخِي؟ فقالَ حَدِيثٌ بَلَغَنيِ أَنَكَ تُحَدِثُهُ عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، قالَ: أَمَا جِئْتَ لِحَاجَةٍ؟ قالَ لاَ. قالَ أَمَا قَدِمْتَ لِتِجَارَةٍ؟ قالَ لاَ. قالَ مَا جِئتُ إِلاّ في طَلَبِ هَذَا الْحَدِيثِ. قالَ: فَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَبْتَغِي فِيِه عِلْماً سَلَكَ الله له طَرِيقاً إِلَى الْجَنّةِ، وَإِنّ المَلاَئِكَةَ لتَضَعُ أَجْنَحِتَهَا رِضًى لِطَالِبِ العِلْمِ، وَإِنّ العَالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ
__________
وعنه داود بن جميل جاء في أكثر الروايات أنه كثير بن قيس على اختلاف في الإسناد إليه وتفرد محمد بن يزيد الواسطي في إحدى الروايتين عنه بتسمية قيس بن كثير وهو وهم.
قوله : "من المدينة" المنورة "وهو" أي أبو الدرداء "بدمشق" بكسر الدال وفتح الميم ويكسر "ما أقدمك" ما استفهامية أي أي شيء جاء بك هنا "حديث" أي أقدمني حديث يعني جئتك لتحدثني به "أما جئت" بهمزة الاستفهام وما نافية "من سلك" أي دخل أو مشى "طريقاً" أي قريباً أو بعيداً "يبتغي فيه" أي في ذلك الطريق أو في ذلك المسلك أو في سلوكه "علماً" قال الطيبي: وإنما أطلق الطريق والعلم ليشملا في جنسهما أي طريق كان من مفارسة الأوطان والضرب في البلدان إلى غير ذلك، وأي علم كان من علوم الدين قليلاً أو كثيراً رفعياً أو غير رفيع "سلك الله به" الضمير عائد إلى من والباء للتعدية أي جعله سالكاً ووفقه أن يسلك طريق الجنة، وقيل عائد إلى العلم والباء للسببية وسلك بمعنى سهل والعائد إلى من محذوف والمعنى سهل الله له بسبب العلم "طريقاً إلى الجنة" فعلى الأول سلك من السلوك وعلى الثاني من السلك والمفعول محذوف كقوله تعالى: {يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً} قيل عذاباً مفعول ثان. وعلى التقدير نسبة سلك إلى الله تعالى على طريق المشاكلة كذا قال الطيبي "لتضع أجنحتها" جمع جناح "رضي" حال أو مفعول له على معنى إرادة رضا ليكون فعلا لفاعل الفعل المعلل به "لطالب العلم" اللام متعلق برضا وقيل التقدير لأجل الرضا الواصل منها إليه أو لأجل إرضائها لطالب العلم بما(7/451)
في السّمَواتِ وَمَنْ في اْلأَرْضِ حَتّى الْحِيتَانُ في المَاءِ، وَفَضْلُ العَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ،
__________
يصنع من حيازة الوراثة العظمى وسلوك السنن الأسنى. قال زين العرب وغيره قيل معناه أنها تتواضع لطالبه توقيراً لعلمه كقوله تعالى: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} أي تواضع لهما أو المراد الكف عن الطيران والنزول للذكر كقوله في حديث أبي هريرة: وحفت بهم الملائكة أو معناه المعونة وتيسير المؤونة بالسعي في طلبه، أو المراد تليين الجانب والانقياد وألفيء عليه بالرحمة والانعطاف أو المراد حقيقته وإن لم تشاهد وهي فرش الجناح وبسطها لطالب العلم لتحمله عليها وتبلغه مقعده من البلاد، نقله السيد جمال الدين ونقل ابن القيم عن أحمد بن شعيب. قال: كنا عند بعض المحدثين بالبصرة فحدثنا بهذا الحديث وفي المجلس شخص من المعتزلة فجعل يستهزئ بالحديث فقال والله لأطرقن غداً نعلي وأطأ بها أجنحة الملائكة ففعل ومشى في النعلين فحفت رجلاه ووقعت فيهما الأكلة. وقال الطبراني: سمعت ابن يحيى الساجي يقول: كنا نمشي في أزقة البصرة إلى باب بعض المحدثين فأسرعنا المشي وكان معنا رجل ماجن متهم في دينه فقال ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها كالمستهزئ بالحديث فما زال عن موضعه حتى حفت رجلاه وسقط إلى الأرض انتهى. والحفاء القدم على ما في القاموس، وفي رواية في السنن والمسانيد عن صفوان بن عسال قال: قلت يا رسول الله جئت أطلب العلم. قال: مرحباً بطالب العلم إن طالب العلم لتحف به الملائكة وتظله بأجنحتها فيركب بعضها على بعض حتى تبلغ السماء الدنيا من حبهم لما يطلب. نقله الشيخ ابن القيم وقال الحاكم: إسناده صحيح كذا في المرقاة "وإن العالم ليستغفر له" قال الطيبي هو مجاز من إرادة استقامة حال المستغفر له انتهى. قال القاري والحقيقة أولى "حتى الحيتان" جمع الحوت خص لدفع إيهام أن من في الأرض لا يشمل من في البحر كذا قيل "وفضل العالم" أي الغالب عليه العلم وهو الذي يقوم بنشر العلم بعد أدائه ما توجه إليه من الفرائض والسنن المؤكدة "على العابد" أي الغالب عليه العبادة وهو الذي يصرف أوقاته بالنوافل مع كونه عالماً بما تصح به العبادة "كفضل القمر" أي ليلة البدر كما في رواية "على(7/452)
إنّ الاْنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرّثُوا دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماً، إِنّمَا وَرّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظٍ وَافِرٍ" . وَلاَ نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بنِ رَجَاءِ بنِ حَيوَةَ، وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ عِنْدِي بِمُتّصِلٍ هَكَذَا حدثنَا مَحْمُودُ بنُ خِدَاشٍ بهذا الإسناد، وَإِنّمَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عن عَاصِمِ بنِ رَجاءِ بنِ حَيْوَةَ، عن الوليد بنِ جَمِيلٍ، عن كَثِيرِ بنِ قَيْسٍ عن أَبي الدّرْدَاءِ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بنِ خِدَاشٍ
__________
سائر الكواكب" قال القاضي: شبه العالم بالقمر والعابد بالكواكب لأن كمال العبادة ونورها لا يتعدى من العابد ونور العالم يتعدى إلى غيره "إن العلماء ورثة الأنبياء" وإنما لم يقل ورثة الرسل ليشمل الكل.
قاله ابن الملك "لم يورثوا" بالتشديد من التوريث "ديناراً ولا درهماً" أي شيئاً من الدنيا، وخصاً لأنهما أغلب أنواعها وذلك إشارة إلى زوال الدنيا وأنهم لم يأخذوا منها إلا بقدر ضرورتهم فلم يورثوا شيئاً منها لئلا يتوهم أنهم كانوا يطلبون شيئاً منها يورث عنهم "فمن أخذ به" أي بالعلم "فقد أخذ بحظ وافر" أي أخذ حظاً وافراً يعني نصيباً تاماً أي لا حظ أوفر منه والباء زائدة للتأكيد، أو المراد أخذه متلبساً بحظ وافر من ميراث النبوة، ويجوز أن يكون أخذ بمعنى الأمر أي فمن أراد أخذه فليأخذ بحظ وافر ولا يقتنع بقليل "هكذا حدثنا محمود بن خداش هذا الحديث" يعني عن عاصم بن رجاء عن قيس بن كثير من غير واسطة بينهما "وإنما يروى هذا الحديث عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن داود بن جميل عن كثير بن قيس" يعني بزيادة داود بن جميل بن عاصم بن رجاء وكثير بن قيس، وكذلك رواه أبو داود وابن ماجه وداود بن جميل هذا ضعيف ويقال اسمه: الوليد كذا في التقريب، قال في تهذيب التهذيب روى عن كثير بن قيس على خلاف فيه وعنه عاصم بن رجاء بن حيوة ذكره ابن حبان في الثقات وفي إسناد حديثه اختلاف، وقال الدارقطني مجهول وقال مرة: هو ومن فوقه إلى أبي الدرداء ضعفاء "وهذا أصح من حديث محمود بن خداش" أي هذا الحديث الذي يروى عن عاصم عن داود بن جميل عن كثير بن قيس أصح من حديث محمود بن خداش المذكور في(7/453)
2823 -حدثنا هَنّادٌ، أخبرنا أَبُو الأَحْوَصِ عن سَعِيدِ بنِ مَسْرُوقٍ عن ابنِ أَشْوَعَ عن يَزِيدَ بنِ سَلَمَةَ الْجُعْفِيّ قالَ: "قالَ يَزِيدُ بنُ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ الله إِنّي قد سَمِعْتُ مِنْكَ حَدِيثاً كَثِيراً أَخَافُ أَنْ يُنْسِي أَوّلَهُ آخِرُهُ. فَحَدّثْنِي بِكَلِمَةِ تَكِونُ جِمَاعاً، قَالَ: "اتّقِ الله فِيمَا تعلم" .
هذا حديثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتّصِلٍ وهُوَ عِنْدِي مُرْسَلٌ، وَلَمْ يُدْرِكْ عِنْدِي ابنُ أَشْوَعَ يَزِيدَ بنَ سَلْمَةَ. وَابْنُ أَشْوَعَ اسْمُهُ سَعِيدُ بنُ أَشْوَعَ.
2824-حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا خَلَفُ بنُ أَيّوبَ العامري عن عَوْفٍ عن
__________
هذا الباب بإسقاط داود بن جميل، وحديث أبي الدرداء هذا أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارمي وقال المنذري في تلخيص السنن: قد اختلف في هذا الحديث اختلافاً كثيراً ثم ذكره مفصلاً من شاء الوقوف على ذلك فليراجعه.
قوله : "حدثنا أبو الأحوص" اسمه سلام بن سليم "عن ابن أشوع" قال في التقريب سعيد بن عمرو بن أشوع الهمداني الكوفي قاضيها ثقة رمي بالتشيع من السادسة "عن يزيد بن سلمة" بن يزيد "الجعفي" صحابي له حديث ويقال إنه نزل الكوفة.
قوله : "أخاف أن ينسى" بضم التحتية من الإنساء "أوله" بالنصب على المفعولية "آخره" بالرفع على الفاعلية "تكون جماعاً" بكسر الجيم قال في المجمع الجماع ما جمع عدداً أي كلمة تجمع كلمات "اتق الله" أي خفه واخش عقابه "فيما تعلم" أي في الشيء الذي تعلمه وذلك بأن تجتنب المنهى عنه كله وتفعل من المأمور به ما تستطيعه.
قوله : "هذا حديث الخ" وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير "وابن أشوع اسمه سعيد بن أشوع" أشوع هو جد سعيد واسم أبيه عمرو كما عرفت.
قوله : "حدثنا أبو كريب" اسمه محمد بن العلاء "حدثنا خلف بن أيوب العامري" أبو سعيد البلخي فقيه من أهل الرأي ضعفه يحيى بن معين ورمي بالإرجاء(7/454)
ابنِ سِيرينَ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "خَصْلَتَانِ لاَ تَجْتَمِعَانِ في مُنَافِقٍ: حُسْنُ سَمْتٍ وَلاَ فِقْهٌ في الدّينِ" .
هذا حديثٌ غريبٌ، وَلاَ نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ حَدِيثِ عَوْفٍ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ هذَا الشّيْخِ خَلَفِ بنِ أَيّوبَ الْعَامِريّ، وَلَمْ أَرَ أَحَداً يَرْوِي عَنْهُ غَيْرَ أبي كُرَيب محمد بنِ الْعَلاَءِ، وَلاَ أَدْرِي كَيْفَ هُوَ؟
__________
من التاسعة "عن عوف" هو ابن أبي جميلة "عن ابن سيرين" هو محمد.
قوله : "خصلتان لا تجتمعان في منافق" بأن تكون فيه واحدة دون الأخرى أو لا يكونا فيه بأن لا توجد واحدة منهما فيه وإنما عبر بالاجتماع تحريضاً للمؤمنين على جمعهما وزجراً لهم عن الاتصاف بأحدهما. والمنافق إما حقيقي وهو النفاق الاعتقادي أو مجازي وهو المرائي وهو النفاق الملي "حسن سمت" أي خلق وسيرة وطريقة. قال الطيبي: هو التزيي بزي الصالحين. وقال ميرك: السمت بمعنى الطريق أعني المقصد وقيل المراد هيئة أهل الخير والأحسن ما قاله ابن حجر أنه تحرى طرق الخير والتزيي بزي الصالحين مع التنزه عن المعائب الظاهرة والباطنة "ولا فقه في الدين" عطف بلا لأن حسن سمت في سياق النفي فلا لتأكيد النفي المساق. قال التوربشتي: حقيقة الفقه في الدين ما وقع في القلب ثم ظهر على اللسان فأفاد العمل وأورث الخشية والتقوى، وأما الذي يتدارس أبواباً منه ليتعزز به ويتأكل به فإنه بمعزل عن الرتبة العظمى لأن الفقه تعلق بلسانه دون قلبه ولهذا قال علي كرم الله وجهه ولكني أخشى عليكم كل منافق عليم اللسان. قيل ليس المراد أن إحداهما قد يحصل دون الأخرى بل هو تحريض للمؤمنين على الاتصاف بهما والاجتناب عن أضدادهما، فإن المنافق من يكون عارياً منهما وهو من باب التغليظ ونحوهقوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} إذ فيه حث على أدائها وتخويف من المنع حيث جعله من أوصاف المشركين كذا قاله الطيبي.
قوله : "هذا حديث غريب" وهو ضعيف لضعف خلف بن أيوب "ولا أدري كيف هو" أي كيف حال خلف بن أيوب. قال الحافظ في تهذيب(7/455)
2825-حدثنا مُحَمّدُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصنعاني، أَخْبَرنَا سَلَمَةُ بنُ رَجَاءٍ، أَخْبَرنَا الْوَلِيدُ بنُ جَمِيلٍ، أَخْبَرنَا الْقَاسِمُ أَبُو عَبْدِ الرّحْمَنِ، عن أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِليّ قالَ: " ذُكِرَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا: عَابِدٌ وَالاَخَرُ عَالِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: فَضْلُ الْعَالِمَ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ، ثُمَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: إِنّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتّى النّمْلَةَ في جُحْرِهَا
__________
التهذيب: وقد ذكره الحاكم في تاريخ نيسابور وأطال ترجمته وقال فيه فقيه أهل بلخ وزاهدهم تفقه بأبي يوسف وابن أبي ليلى وأخذ الزهد عن إبراهيم بن أدهم، روى عنه يحيى بن معين وذكر جماعة قال وكان قدومه إلى نيسابور سنة 203 وتوفي في شهر رمضان سنة 215، وقال العقيلي عن أحمد حدث عن عوف وقيس بمناكير وكان مرجئاً، وقال معاوية بن صالح عن يحيى بن معين ضعيف، وقال الخليلي صدوق مشهور كان يوصف بالستر والصلاح والزهد وكان فقيهاً على رأي الكوفيين، وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان مرجئاً غالياً استحب مجانبة حديثه لتعصبه انتهى.
قوله : "حدثنا محمد بن عبد الأعلى" هو الصنعاني "أخبرنا سلمة بن رجاء" التميمي أبو عبد الرحمن الكوفي صدوق يغرب من الثامنة.
قوله : "ذكر" بصيغة المجهول "رجلان" قال القاري يحتمل أن يكون تمثيلاً وأن يكونا موجودين في الخارج قبل زمانه أو في أوانه "أحدهما عابد" أي كامل في العبادة "والاَخر عالم" أي كامل بالعلم "فضل العالم" بالعلوم الشرعية مع القيام بفرائض العبودية "على العابد" أي على المتجرد للعبادة بعد تحصيل قدر الفرض من العلوم "كفضلي على أدناكم" أي نسبة شرف العالم إلى شرف العابد كنسبة شرف الرسول إلى شرف أدنى الصحابة. قال القاري فيه مبالغة لا تخفي فإنه لو قال كفضلي على أعلاكم لكفي فضلاً وشرفاً، والظاهر أن اللام فيهما للجنس فالحكم عام ويحتمل العهد فغيرهما يؤخذ بالمقايسة "ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله" استئناف فيه تعليل "وملائكته" قال القاري أي(7/456)
وَحَتّى الْحُوتَ لَيُصَلّونَ عَلَى مُعَلّمِ النّاسِ الْخَيْرَ" . هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ. قالَ: سَمِعتُ أَبَا عَمّارٍ الْحُسَيْنَ بنَ حُرَيْثٍ الْخُزَاعِيّ يَقُولُ سَمِعْتُ الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ يَقُولُ: عَالِمٌ عَامِلٌ مُعَلّمُ يُدْعَى كَبِيراً في مَلَكُوتِ السّمَوَاتِ.
2826-حدثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ الشّيْبَانِيّ البَصْرِيّ، حدثنا عَبْدُ الله بنُ وَهْبٍ، عن عَمْرِو بنِ الْحَارِثِ عن دَرّاجٍ، عن أَبي الهَيْثَمِ، عن أَبي
__________
حملة العرش وقوله "وأهل السموات" تعميم بعد تخصيص انتهى "والأرضين" أي أهل الأرضين من الإنس والجن وجميع الحيوانات "حتى النملة" بالنصب على أن حتى عاطفة وبالجر على أنها جارة وبالرفع على أنها ابتدائية والأول أصح "في جحرها" بضم الجيم وسكون الحاء أي ثقبها. قال الطيبي وصلاته بحصول البركة النازلة من السماء "وحتى الحوت" كما تقدم وهما غايتان مستوعبتان لدواب البر والبحر "ليصلون" فيه تغليب للعقلاء على غيرهم أي يدعون بالخير "على معلم الناس الخير" قيل أراد بالخير هنا علم الدين وما به نجاة الرجل ولم يطلق المعلم ليعلم أن استحقاق الدعاء لأجل تعليم علم موصول إلى الخير انتهى وفيه إشارة إلى وجه الأفضلية بأن نفع العلم متعد ونفع العبادة قاصر.
قوله : "هذا حديث حسن غريب صحيح" ورواه الدارمي عن مكحول مرسلاً ولم يذكر رجلان وقال فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ثم تلا هذه الآية {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} وسرد الحديث إلى آخره كذا في المشكاة. وقال المنذري في الترغيب بعد ذكر حديث أبي أمامة ما لفظه: رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، ورواه البزار من حديث عائشة مختصراً قال: معلم الخير يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر انتهى.
قوله : "يدعي كبيراً في ملكوت السموات" أي في ملك السموات والمعنى أن أهل السموات يدعونه كبيراً لكبر شأنه لجمعه العلم والعمل والتعليم وهذا قول قضيل ولم أقف على حديث مرفوع يدل على هذا.(7/457)
سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: " لَنْ يُشْبَعَ المُؤْمِنُ مِنْ خَيْرٍ يَسْمَعُهُ حَتّى يَكُونَ مُنْتَهَاه الْجَنّةُ" هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
2827-حدثنا مُحمّدُ بنُ عُمَرَ بنِ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيّ، حدثنا عَبْدُ الله بنُ نُمَيْرٍ، عن إِبرَاهِيمَ بنِ الْفَضْلِ، عن سَعِيِدٍ المَقْبُرِيّ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "الكَلِمَةُ الْحِكْمَةُ ضَالّةُ المُؤمِنِ، فَحَيْثُ وَجَدَها فَهُوَ أَحَقّ بِهَا" .
__________
قوله : "لن يشبع المؤمن" أي الكامل "من خير" أي علم "حتى يكون" لما كان يشبع مضارعاً دالاً على الاستمرار تعلق به حتى "منتهاه" أي غايته ونهايته "الجنة" بالنصب على الخبرية أو الرفع على الاسمية يعني حتى يموت فيدخل الجنة.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه ابن حبان.
قوله : "الكلمة الحكمة" قال مالك الحكمة هي الفقه في الدين قال تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} الاَية، وقيل التي أحكمت مبانيها بالنقل والعقل دالة على معنى فيه دقة مصونة معانيها عن الاختلال والخطأ والفساد، وقال السيد جمال الدين جعلت الكلمة نفس الحكمة مبالغة كقولهم رجل عدل ويروى كلمة الحكمة بالإضافة من إضافة الموصوف إلى الصفة ويروى الكلمة الحكيمة على طريق الإسناد المجازي لأن الحكيم قائلها كقوله تعالى: {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} كذا في شرح الطيبي "ضالة المؤمن" أي مطلوبه "فهو أحق بها" أي بقبولها. قال السيد جمال الدين يعني أن الحكيم يطلب الحكمة فإذا وجدها فهو أحق بها أي بالعمل بها واتباعها، أو المعنى أن كلمة الحكمة ربما تفوه بها من ليس لها بأهل ثم وقعت إلى أهلها فهو أحق بها من قائلها من غير التفات إلى خساسة من وجدها عنده، أو المعنى أن الناس يتفاوتون في فهم المعاني واستنباط الحقائق المحتجبة واستكشاف الأسرار المرموزة فينبغي أن لا ينكر من قصر فهمه عن إدراك حقائق الاَيات ودقائق الأحاديث على من رزق فهماً وألهم تحقيقاً كما لا ينازع(7/458)
هذا حديثٌ غَريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِبْرَاهِيمُ بنُ الفَضْلِ المدني المَخْزُومِيّ ضعِيفٌ في الحَديثِ.
__________
صاحب الضالة في ضالته إذا وجدها أو كما أن الضالة إذا وجدت مضيعة فلا تترك بل تؤخذ ويتفحص عن صاحبها حتى ترد عليه كذلك السامع إذا سمع كلاماً لا يفهم معناه ولا يبلغ كنهه فعليه أن لا يضيعه وأن يحمله إلى من هو أفقه منه فلعله يفهم أو يستنبط منه ما لا يفهمه ولا يستنبطه هو، أو كما أنه لا يحل منع صاحب الضالة عنها فإنه أحق بها كذلك العالم إذا سئل عن معنى لا يحل له كتمانه إذا رأى في السائل استعداداً لفهمه. كذا قاله زين العرب تبعاً للطيبي.
قوله : "هذا حديث غريب" وأخرجه ابن ماجه وأخرجه ابن عساكر عن علي كما في الجامع الصغير قال المناوي بإسناد حسن.
قوله : "وإبراهيم بن الفضل المخزومي ضعيف في الحديث" قال في التقريب إبراهيم بن الفضل المخزومي المدني أبو إسحاق، ويقال إبراهيم بن إسحاق متروك من الثامنة.(7/459)
أبواب الإستئذان والآداب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
باب ما جاء في إفشاء السلام
...
بسم الله الرحمن الرحيم
أبواب الاستئذان والاَداب عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم
1-باب ما جاءَ في إِفْشَاءِ السّلاَم
2828-حدثنا هَنّادٌ، أخبرنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عن الأعْمَشِ عن أَبي صالحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وَالّذِي نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الْجَنّةَ حَتّى تُؤمِنُوا وَلاَ تُؤمِنُوا، حَتّى تَحَابّوا. أَلاَ أَدُلّكُمْ
__________
"أبواب الاستئذان والاَداب"
بلفظ الجمع في أكثر النسخ، والأدب استعمال ما يحمد قولا وفعلا وعبر بعضهم عنه بأنه الأخذ بمكارم الأخلاق، وقيل الوقوف مع المستحسنات. وقيل هو تعظيم من فوقك والرفق بمن ذو لك، وقيل إنه مأخوذ من المأدبة وهي الدعوة إلى الطعام سمي بذلك لأنه يدعى إليه قاله الحافظ في الفتح.
"باب ما جاءَ في إِفْشَاءِ السّلاَم"
قوله: "لا تدخلوا الجنة" كذا في النسخ الحاضرة عندنا بحذف النون وكذا في عامة نسخ أبي داود. قال القاري: ولعل الوجه أن النهي قد يراد به النفى كعكسه المشهور عند أهل العلم انتهى. ووقع في صحيح مسلم: لا تدخلون بإثبات النون وهو الظاهر "ولا تؤمنوا" بحذف النون في النسخ الحاضرة وكذا في صحيح مسلم. قال النووي: هكذا هو في جميع الأصول والروايات ولا تؤمنوا بحذف النون من آخره وهي لغة معروفة صحيحة انتهى. وقال القاري: لعل حذف النون المجانسة والازدواج "حتى تحابوا" بحذف إحدى التائين وتشديد الموحدة المضمومة. قال النووي: معنىقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تؤمنوا حتى تحابوا": أي لا يكمل إيمانكم ولا يصلح حالكم في الإيمان إلا بالتحابب وأماقوله صلى الله عليه وسلم(7/460)
عَلَى أَمْرٍ إِذَا أَنْتُمْ فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السّلاَمَ بَيْنَكُمْ" . وفي البابِ عن عَبْدِ الله بنِ سَلاَمٍ وَشُرَيْحِ بنِ هَانِئ، عن أَبِيِه وَعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو وَالبَرَاءِ وَأَنَسٍ وَابنِ عُمَرَ.
__________
لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا فهو على ظاهره وإطلاقه فلا يدخل الجنة إلا من مات مؤمناً وإن لم يكن كامل الإيمان فهذا هو الظاهر من الحديث. وقال الشيخ أبو عمرو معنى الحديث لا يكمل إيمانكم إلا بالتحابب ولا تدخلون الجنة عند دخول أهلها إذا لم تكونوا كذلك. قال النووي وهذا الذي قاله محتمل انتهى "أفشوا السلام بينكم" بقطع الهمزة المفتوحة من الإفشاء وهو الإظهار، وفيه الحث العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم من عرفت ومن لم تعرف. قال الطيبي: جعل إفشاء السلام سبباً للمحبة والمحبة سبباً لكمال الإيمان لأن إفشاء السلام سبب للتحابب والتوادد أو هو سبب الإلفة والجمعية بين المسلمين المسبب لكمال الدين وإعلاء كلمة الإسلام، وفي التهاجر والتقاطع التفرقة بين المسلمين وهي سبب لانثلام الدين الوهن في الإسلام انتهى. قال الحافظ: الإفشاء الإظهار والمراد نشر السلام بين الناس ليحيوا سنته. وأخرج البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن ابن عمر: إذا سلمت فأسمع فإنها تحية من عند الله. ونقل النووي عن المتولي، أنه قال يكره إذا لقى جماعة أن يخص بعضهم بالسلام لأن القصد بمشروعية السلام تحصيل الألفة وفي التخصيص إيحاش لغير من خص بالسلام.
قوله : "وفي الباب عن عبد الله بن سلام وشريح بن هانئ عن أبيه وعبد الله بن عمرو والبراء وأنس وابن عمر" أما حديث عبد الله بن سلام فأخرجه الترمذي قبل صفة أبواب الجنة، وأما حديث شريح بن هانئ عن أبيه فأخرجه الطبراني عنه: قال: يا رسول الله أخبرني بشيء يوجب لي الجنة، قال: "طيب الكلام وبذل السلام وإطعام الطعام" . وأخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه في حديث والحاكم وصححه، وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه ولفظ البخاري: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: "أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" .(7/461)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
وأما حديث البراء فأخرجه الشيخان. وأما حديث أنس فأخرجه الطبراني عنه بإسناد حسن قال: كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفرق بيننا شجرة فإذا التقينا يسلم بعضنا على بعض. وروى البخاري في الأدب المفرد عنه مرفوعاً: السلام اسم من اسماء الله وضعه الله في الأرض فأفشوه بينكم. قال الحافظ: سنده حسن. وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن ماجه.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه.(7/462)
باب ما جاء في فضل السلام
...
2-باب ما ذُكِرَ في فَضْلِ السّلام
2829-حدثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، وَالْحُسَيْنُ بنُ مُحمّدٍ الْجُرَيْرِيّ البَلْخِيّ، قالاَ: أخبرنا مُحمّدُ بنُ كَثِيرٍ، عن جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ الضّبَعِيّ عن عَوْفٍ عن أَبي رَجَاءٍ عن عِمْرَانَ بنَ حُصَيْنٍ: أَنّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ السّلاَمُ عَلَيْكُمْ، قال: فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عَشْرٌ، ثم جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السّلاَمُ عَلَيْكُمْ
__________
"باب ما ذُكِرَ في فَضْلِ السّلام"
قوله: "حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن" هو الدارمي "والحسين بن محمد" ابن جعفر "الجريري" قال في هامش النسخة الأحمدية كذا في النسخة الدهلوية بالجيم لكن في نسخة صحيحة بالحاء المهملة وقد سبق الكلام في أنه بالحاء أو بالجيم مصغراً ومكبراً في الباب الذي قبل باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في الميزان والدلو "أخبرنا محمد بن كثير" العبدي البصري ثقة لم يصب من ضعفه من كبار العاشرة "عن عوف" هو ابن أبي جميلة العبدي الهجري.
قوله : "فقال النبي صلى الله عليه وسلم عشر" أي له عشر حسنات أو كتب أو(7/462)
وَرَحْمَةُ الله، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عِشْرُونَ، ثمّ جَاءَ أَخَرُ فَقَالَ: السّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: ثَلاَثُونَ" .
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هذا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ عُمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ.
__________
حصل له أو ثبت عشر أو المكتوب له عشر "فقال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون" أي بكل لفظ عشر حسنات. قال الحافظ في الفتح: لو زاد المبتدئ ورحمة الله استحب أن يزاد وبركاته فلو زاد وبركاته فهل تشرع الزيادة في الرد وكذا لو زاد المبتدئ على وبركاته هل يشرع له ذلك، أخرج مالك في الموطأ عن ابن عباس قال انتهى السلام إلى البركة وأخرج البيهقي في الشعب من طريق عبد الله بن بابيه قال جاء رجل إلى ابن عمر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته فقال حسبك وبركاته انتهى إلى وبركاته، ومن طريق زهرة بن معبد قال قال عمر انتهى السلام إلى وبركاته ورجاله ثقات، وجاء عن ابن عمر الجواز فأخرج مالك أيضاً في الموطأ عنه أنه زاد في الجواب والغاديات والرائحات، وأخرج البخاري في الأدب المفرد من طريق عمرو بن شعيب عن سالم مولى ابن عمر قال كان ابن عمر يزيد إذا رد السلام فأتيته مرة فقلت السلام عليكم فقال السلام عليكم ورحمة الله ثم أتيته فزدت وبركاته فرد وزادني وطيب صلاته. ونقل ابن دقيق العيد عن أبي الوليد بن رشد أنه يؤخذ منقوله تعالى: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} الجواز في الزيادة على البركة إذا انتهى إليها المبتدئ، وأخرج أبو داود من حديث سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه بسند ضعيف نحو حديث عمران، وزاد في آخره: ثم جاء آخر وزاد: ومغفرته فقال أربعون. قال وهكذا تكون الفضائل. وأخرج ابن السني في كتابه بسند واه من حديث أنس قال كان رجل يمر فيقول السلام عليك يا رسول الله فيقول له: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه، وأخرج البيهقي في الشعب بسند ضعيف أيضاً من حديث زيد بن أرقم: كنا إذا سلم علينا النبي صلى الله عليه وسلم قلنا وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته. وهذه الأحاديث الضعيفة إذا انضمت قوي ما اجتمعت عليه من مشروعية الزيادة على وبركاته. انتهى ما في الفتح.
قوله : "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه" وأخرجه أبو داود والنسائي والبيهقي وحسنه كذا في الترغيب.(7/463)
وفي البابِ عن أَبي سَعِيدٍ وَعَلِيٍ وسهلِ بنِ حُنَيْفٍ.
__________
قوله : "وفي الباب عن أبي سعيد وعلي وسهل بن حنيف" أما حديث أبي سعيد فلينظر من أخرجه. وأما حديث علي فأخرجه أبو نعيم في عمل يوم وليلة، وأما حديث سهل بن حنيف فأخرجه الطبراني عنه مرفوعاً بسند ضعيف: من قال السلام عليكم كتبت له عشر حسنات ومن زاد ورحمة الله كتبت له عشرون حسنة ومن زاد وبركاته كتبت له ثلاثون حسنة. ذكره الحافظ في الفتح.(7/464)
باب ما جاء في أن الاستئذان ثلاث
...
3-باب ما جَاءَ في الاسْتِئذَان ثَلاَث
2830-حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، حدثنا عَبْدُ الاَعْلَى بنُ عَبْد الأَعْلَى عن الجُرَيْرِيّ، عن أَبي نَضْرَةَ، عن أَبي سَعِيدٍ قَالَ: "اسْتَأْذَنَ أَبُو مُوسَى
__________
"باب ما جَاءَ في الاسْتِئذَان ثَلاَث"
قال النووي: أجمع العلماء أن الاستئذان مشروع وتظاهرت به دلائل القرآن والسنة وإجماع الأمة، والسنة أن يسلم ويستأذن ثلاث فيجمع بين السلام والاستئذان كما صرح به في القرآن، واختلفوا في أنه هل يستحب تقديم السلام ثم الاستئذان أو تقديم الاستئذان ثم السلام، والصحيح الذي جاءت به السنة وقاله المحققون أنه يقدم السلام فيقول السلام عليكم أأدخل، والثاني يقدم الاستئذان، والثالث وهو اختيار الماوردي من أصحابنا إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله قدم السلام وإلا قدم الاستئذان، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان في تقديم السلام. أما إذا استأذن ثلاث فلم يؤذن له وظن أنه لم يسمعه ففيه ثلاث مذاهب أظهرها أنه ينصرف ولا يعيد الاستئذان والثاني يزيد فيه، والثالث إن كان بلفظ الاستئذان المتقدم لم يعده وإن كان بغيره أعاده، فمن قال بالأظهر فحجتهقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يعني حديث الباب فلم يؤذن له فليرجع، ومن قال بالثاني حمل الحديث على من علم أو ظن أنه سمعه فلم يأذن انتهى كلام النووي
قوله : "حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى" البصري الساجي بالمهملة أبو محمد(7/464)
عَلَى عُمَرَ. فَقَالَ السّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: وَاحِدَةٌ، ثُمّ سَكَتَ سَاعَةً، ثُمّ قَالَ: السّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ فَقَالَ عُمَرُ ثِنْتَانِ، ثُمّ سَكَتَ سَاعَةً، فَقَالَ: السّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ فَقَالَ عُمَرُ ثَلاَثٌ، ثُمّ رَجَعَ، فَقَالَ عُمرُ لِلبَوّابِ: مَا صَنَعَ؟ قالَ رَجَعَ، قَالَ عَلَىّ بِهِ. فَلَمّا جَاءَهُ قَالَ مَا هَذَا الّذِي صَنَعْتَ، قَالَ السّنّةَ. قَالَ السّنّةُ؟ وَالله لَتَأْتِيَنّي عَلَى هَذَا بِبُرْهَانٍ أو بَيّنةٍ أَوْ لأَفْعَلَنّ بِكَ، قَالَ فَأَتَانَا وَنَحْنُ رُفْقَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ،
__________
وكان يغضب إذا قيل له أبو همام ثقة من الثامنة "عن الجريري" بضم الجيم مصغراً.
قوله : "فقال عمر واحدة" أي هذه استئذانه واحدة "ثم سكت" أي أبو موسى "فقال عمر ثنتان" أي هذه مع الأولى ثنتان "فقال عمر ثلاث" أي هذه مع الأوليين ثلاث، والمقصود أنه عليك أن تقف حتى آذن لك "علي به" أي ائتوني به "ما هذا الذي صنعت" وفي رواية لمسلم: ما حملك على ما صنعت، والمعنى لم رجعت بعد استئذانك ثلاثاً؟ ولم لم تقف حتى آذن لك "قال" أي أبو موسى "السنة" بالنصب أي اتبعت السنة فيما صنعت "قال" أي عمر "آلسنة" أي اتبعث السة؟ قال الحافظ في رواية عبيد بن حنين عن أبي موسى عند البخاري في الأدب المفرد: فقال يا عبد الله أشتد عليك أن تحتبس على بابي؟ اعلم أن الناس كذلك يشتد عليهم أن يحتبسوا على بابك فقلت بل استأذنت إلى آخره، قال وفي هذه الزيادة دلالة على أن عمر أراد تأديبه لما بلغه أنه قد يحتبس على الناس في حال إمرته. وقد كان عمر استخلفه على الكوفة ما كان عمر فيه من الشغل انتهى. وفي رواية لمسلم: فقال يا أبا موسى ما ردك؟ كنا في شغل. قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع "والله لتأتيني على هذا ببرهان وبينة" المراد بها الشاهد ولو كان واحداً. وإنما أمره بذلك ليزداد فيه وثوقاً لا للشك في صدق خبره عنده رضي الله تعالى عنه "أو لأفعلن بك" وفي رواية لمسلم: فقال إن كان هذا شيء حفظته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فها وإلا لأجعلنك عظة، وفي رواية أخرى له: قال فوالله(7/465)
فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الانْصَارِ أَلَسْتُمْ أَعْلَمَ النّاسِ بِحَدِيثِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الاسْتِئْذَانُ ثَلاَثٌ، فَإِن أَذِنَ لَكَ وَإِلاّ فَارْجِعْ" فَجَعَلَ القَوْمُ يُمَازِحُونَهُ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: ثُمّ رَفَعْتُ رَأْسِي إِلَيْهِ فَقَلْتُ مَا أَصَابَكَ فِي هَذَا مِنَ العُقُوبَةِ فَأَنَا شَرِيكُكَ قَالَ فَأَتَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا كُنْتُ عَلِمْتُ بِهَذَا".
__________
لأوجعن ظهرك ويطنك أو لتأتين بمن يشهد لك على هذا "قال" أي أبو سعيد "فأتانا" أي أبو موسى "ونحن رفقة من الأنصار" وفي رواية لمسلم: كنت جالساً بالمدينة في مجلس الأنصار فأتانا أبو موسى فزعاً أو مذعوراً "فجعل القوم يمازحونه" وفي رواية لمسلم: قال فجعلوا يضحكون قال: فقلت أتاكم أخوكم المسلم قد أفزع وتضحكون؟ قال النووي" سبب ضحكهم التعجب من فزع أبي موسى وذعره وخوفه من العقوبة مع أنهم قد آمنوا أن يناله عقوبة أو غيرها لقوة حجته وسماعهم ما أنكر عليه من النبي صلى الله عليه وسلم انتهى "ما كنت علمت بهذا" وفي رواية لمسلم: فقام أبو سعيد فقال كنا نؤمر بهذا فقال عمر خفي على هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألهاني عنه الصفق بالأسواق. قال النووي قد تعلق بهذا الحديث من يقول لا يحتج بخبر الواحد وزعم أن عمر رضي الله عنه رد حديث أبي موسى هذا لكونه خبر واحد. وهذا مذهب باطل وقد أجمع من يعتد به على الاحتجاج بخبر الواحد ووجوب العمل به ودلائله من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وسائر الصحابة ومن بعدهم أكثر من أن يحصروا. وأما قول عمر لأبي موسى أقم عليه البينة فليس معناه رد خبر الواحد من حيث هو خبر واحد ولكن خاف عمر مسارعة الناس إلى القول على النبي صلى الله عليه وسلم حتى يقول عليه بعض المبتدعين أو الكاذبين أو المنافقين ونحوهم ما لم يقل. وإن كل من وقعت له قضية وضع فيها حديثاً على النبي صلى الله عليه وسلم فأراد سد الباب خوفاً من غير أبي موسى لا شكاً في رواية أبي موسى فإنه عند عمر أجل من أن يظن به أن يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل(7/466)
وفي البابِ عَنْ عَلِيٍ وَأُمّ طَارِقٍ مَوْلاَةِ سَعدٍ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَالجُرَيْرِيّ اسْمُهُ سَعِيدُ بنُ إِيّاسٍ يُكْنَى أَبَا مَسْعُودٍ وَقَدْ رَوَى هَذَا غَيْرُهُ أَيْضَاً عن أَبي نَضْرَةَ. وَأَبُو نَضْرَةَ العَبْدِيّ اسْمُهُ المُنْذِرُ بنُ مَالِكِ بنِ قُطَعَةَ.
__________
بل أراد زجر غيره بطريقه فإن معبد الله دون أبي موسى إذا رأى هذه القضية أو بلغته وكان في قلبه مرض أو أراد وضع حديث خاف مثل قضية أبي موسى فامتنع من وضع الحديث والمسارعة إلى الرواية بغير بقين. ومما يدل على أن عمر لم يرد خبر أبي موسى لكونه خبر واحد أنه طلب منه إخبار رجل آخر حتى يعمل بالحديث. ومعلوم أن خبر الإثنين خبر واحد. وكذا ما زاد حتى يبلغ التوائر فما لم يبلغ التواتر فهو خبر واحد، ومما يؤيده أيضاً ما ذكره مسلم في الرواية الأخيرة من قضية أبي موسى هذه أن أبياً رضي الله عنه قال: يا ابن الخطاب فلا تكونن عذاباً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سبحان الله إنما سمعت شيئاً فأحببت أن أتثبت. انتهى كلام النووي. قال ابن بطال فيؤخذ منه التثبت في خبر الواحد لما يجوز عليه من السهو وغيره. وقد قيل عمر خبر العدل الواحد بمفرده في توريث المرأة من دية زوجها وأخذ الجزية من المجوس إلى غير ذلك لكنه قد يستثبت إذا وقع له ما يقتضي ذلك انتهى. وفي الحديث أن العالم التبحر قد يخفي عليه من العلم ما يعلمه من هو دونه ولا يقدح ذلك في وصفه بالعلم والتبحر فيه. قال ابن بطال وإذا جاز ذلك على عمر فما ظنك بمن هو دونه. وقال الإمام تقي الدين بن دقيق العيد: وهذا الحديث يرد على من يغلو من المتلدين إذا استدل عليه بحديث فيقول لو كان صحيحاً لعلمه فلان مثلا فإن ذلك لما خفي عن أكابر الصحابة وجاز عليهم فهو على غيرهم أجوز انتهى.
قوله : "وفي الباب عن علي وأم طارق مولاة سعد" أما حديث علي فلينظر من أخرجه، وأما حديث أم طارق مولاة سعد فأخرجه الطبراني.
قوله : "هذاحديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجه "اسمه المنذر ابن مالك بن قطعة" قال في التقريب بضم القاف وفتح المهملة، وقال(7/467)
2832-حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا عُمَرُ بنُ يُونُسَ حدثنا عِكْرِمَةَ بنِ عَمّارٍ، حدثني أَبُو زُمَيْلٍ، حدثني ابنُ عَبّاسٍ، حدثني عُمَرُ بنُ الْخَطّابِ قَالَ: "اسْتَأْذَنْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ثَلاَثاً فَأَذِنَ لِي".
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وَأَبُو زُمَيْلٍ اسْمُهُ سِمَاكٌ الْحَنِفيّ، وَإِنمَا أَنْكَرَ عُمَرُ، عِنْدَنَا، عَلَى أَبي مُوسى حيث رَوَى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "الاسْتِئْذَانُ ثَلاَثٌ فَإِذا أذِنَ لَكَ وَإِلاّ فَارْجِعْ" ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثاً فَأَذِنَ لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ هَذَا الّذِي رَوَاهُ أَبُو مُوسَى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "فَإِنْ أذِنَ لَكَ وَإِلاّ فَارْجِعْ".
__________
في الخلاصة بكسر القاف وسكون المهملة الأولى وكذا ضبطه صاحب مجمع البحار في كتابه المغني.
قوله : "عن عكرمة بن عمار" العجلي اليمامي أصله من البصرة صدوق يغلط وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب ولم يكن له كتاب من الخامسة "حدثني أبو زميل" بضم الزاي وفتح الميم مصغراً اسمه سِمَاك بن الوليد الحنفي اليمامي الكوفي ليس به بأس من الثالثة.
قوله : "قال استأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً فأذن لي" كذا أخرجه الترمذي ههنا مختصراً وأخرجه في تفسير سورة التحريم مطولا وأخرجه الشيخان أيضاً مطولا "وإنما أنكر عمر عندنا على أبي موسى حين روى إلخ" قال الحافظ وقد استشكل ابن العربي إنكار عمر على أبي موسى حديثه المذكرو مع كونه وقع له مثل ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في حديث ابن عباس الطويل في هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في المشربة فإن فيه أن عمر استأذن مرة بعد مرة فلما لم يؤذن له في الثالثة رجع حتى جاءه الإذن وذلك بين في سياق البخاري قال والجواب عن ذلك أنه لم يقضى فيه بعلمه أو لعله نسي ما كان وقع له، ويؤيده قوله شغلني الصفق بالأسواق. قال الحافظ والصورة التي وقعت لعمر ليست مطابقة(7/468)
.....................................................................................................
__________
لما رواه أبو موسى بل استأذن في كل مرة فلم يؤذن له فرجع فلما رجع في الثالثة استدعي فأذن له، ولفظ البخاري الذي أحال عليه ظاهر فيما قلته وقد استوفيت طرقه عند شرح الحديث في أواخر النكاح وليس فيه ما ادعاه انتهى.(7/469)
4-باب كَيْفَ رَدّ السّلام
2833-حدثنا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ نمَيْرٍ، أَخْبَرنَا عُبَيْدُ الله بنُ عُمَر عن سَعِيدٍ المَقْبُريّ عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: "دَخَلَ رَجُلٌ المَسْجِدَ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِي نَاحِيةِ المَسْجِدِ فَصَلّى، ثُمّ جَاءَ فَسَلّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وَعَلَيْكَ، ارْجِعْ فَصَلّ فَإِنّكَ لَمْ تُصَلّ" ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ".
__________
"بابُ كَيْفَ رَدّ السّلام"
قوله: "حدثنا إسحاق بن منصور" الكوسج "أخبرنا عبد الله بن نمير" الهمداني أبو هشام الكوفي "أخبرنا عبيد الله بن عمر" العمري.
قوله : "دخل رجل" هو خلاد بن رافع، وتقدم هذا الحديث مع شرحه في باب وصف الصلاة "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليك" وفي رواية للشيخين: "وعليك السلام" وفيه أن السنة في رد السلام أن يقول وعليكم السلام بالواو. قال النووي: اعلم أن ابتداء السلام سنة ورده واجب، فإن كان المسلم جماعة فهو سنة كفاية في حقهم إذا سلم بعضهم حصلت سنة السلام في حق جميعهم، فإن كان المسلم عليه واحداً تعين عليه الرد، وإن كانوا جماعة كان الرد فرض كفاية في حقهم فإذا رد واحد منهم سقط الحرج عن الباقين، والأفضل أن يبتدي الجميع بالسلام وأن يرد الجميع. وعن أبي يوسف أنه لابد أن يرد الجميع، ونقل ابن عبد البر وغيره إجماع المسلمين على أن ابتداء السلام سنة وأن رده فرض، وأقل السلام أن يقول السلام عليكم فإن كان المسلم عليه واحداً فأقله السلام عليك والأفضل أن يقول السلام عليكم ليتناوله وملكيه، وأكمل منه أن يزيد ورحمة(7/469)
هذا حديثٌ حسنٌ وَرَوَى يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ القَطّانُ هَذَا عن عُبَيْدِ الله بنِ عُمَر عن سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ فَقَال عن أَبِيهِ عن أَبي هُرَيْرَةَ: وَحَدِيثُ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ أَصَحّ.
__________
الله وأيضاً وبركاته، ولو قال سلام عليكم أجزأه، ويكره أن يقول المبتدئ عليكم السلام فإن قاله استحق الجواب على الصحيح المشهور وقيل لا يستحقه، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الموتى" . وأما صفة الرد فالأفضل والأكمل أن يقول وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته فيأتي بالواو فلو حذفها جاز وكان تاركاً للأفضل، ولو اقتصر على وعليكم السلام أو على عليكم السلام أجزأه، ولو اقتصر على عليكم لم يجزئه بلا خلاف، ولو قال وعليكم بالواو ففي إجزائه وجهان لأصحابنا، قالوا وإذا قال المبتدئ سلام عليكم أو السلام عليكم فقال المجيب مثله سلام عليكم أو السلام عليكم كان جواباً وأجزأه قال الله تعالى {قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ} ولكن بالألف واللام أفضل، وأقل السلام ابتداء ورداً أن يسمع صاحبه ولا يجزئه دون ذلك ويشترط كون الرد على الفور انتهى كلام النووي.
قوله : "وروى يحيى بن سعيد القطان هذا الحديث الخ" قد تقدم الكلام في هذا في باب وصف الصلاة.(7/470)
باب في تبليغ السلام
...
5-باب ما جَاءَ فِي تَبْلِيغِ السّلاَم
2834-حدثنا عَلِيّ بنُ المُنْذِرِ الكُوفِيّ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ فُضَيْلٍ، عن زَكَرِيّا بنِ أَبي زَائِدَةَ عن عَامِرٍ الشَعبي، حدثني أَبُو سَلَمَةَ أَنّ عَائِشَةَ
__________
"باب ما جَاءَ فِي تَبْلِيغِ السّلاَم"
قوله: "حدثنا علي بن المنذر الكوفي" الطريقي صدوق يتشيع من العاشرة "عن زكريا بن أبي زائدة" بن ميمون بن فيروز الهمداني الوادعي الكوفي ثقة وكان يدلس وسماعه من أبي إسحاق بآخره من السادسة "عن عامر" هو الشعبي.(7/470)
حَدّثَتْهُ: "أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ لَهَا: إِنّ جِبْرَيلَ يُقْرِئكِ السّلاَمَ، قَالَتْ وَعَلَيْهِ السّلاَمُ وَرَحْمةُ الله وَبَرَكَاتُهُ" . وفي البابِ عن رَجُلٍ مِنْ بَنِي نُمَيْرٍ عن أَبِيِه عن جَدّهِ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وَقَدْ رَوَاهُ الزّهْرِيّ أَيْضاً عن أَبي سَلَمَةَ عن عَائِشَةَ.
__________
قوله : "إن جبرائيل يقرئك السلام" من الإقراء، ففي القاموس قرأ عليه السلام أبلغه كأقرأه أو لا يقال أقرأه إلا إذا كان السلام مكتوباً انتهى. قال الحافظ في الفتح: قال النووي في هذا الحديث مشروعية إرسال السلام ويجب على الرسول تبليغه لأنه أمانة، وتعقب بأنه بالوديعة أشبه، والتحقيق أن الرسول إن التزمه أشبه الأمانة وإلا فوديعة والودائع إذا لم نقبل لم يلزمه شيء. قال وفيه إذا أتاه سلام من شخص أو في ورقة وجب الرد على الفور، ويستحب أن يرد على المبلغ كما أخرج النسائي عن رجل من بني تميم أنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم سلام أبيه فقال له وعليك وعلى أبيك السلام، وقد تقدم في المناقب أن خديجة لما بلغها النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل سلام الله عليها قالت إن الله هو السلام ومنه السلام وعليك وعلى جبريل السلام، ولم أر في شيء من طرق حديث عائشة أنها ردت على النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أنه غير واجب انتهى ما في الفتح.
قوله : "وفي الباب عن رجل من بني نمير عن أبيه عن جده" روى أبو داود في سننه قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة أخبرنا إسماعيل عن غالب قال إنا لجلوس بباب الحسن إذ جاء رجل فقال حدثني أبي عن جدي قال بعثني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ائته فاقرأه السلام قال فأتيته فقلت: "إ ن أبي يقرئك السلام فقال عليك وعلى أبيك السلام" . قال المنذري: وأخرجه النسائي وقال فيه عن رجل من بني نمير عن أبيه عن جده هذا الإسناد فيه محاصيل.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان من طريق عامر عن أبي سلمة عن عائشة، ومن طريق الزهري عن أبي سلمة عنها وأخرجه الترمذي أيضاً من هذين الطريقين في فضل عائشة.(7/471)
باب في فضل الذي يبدأ بالسلام
...
6-باب ما جَاءَ في فَضْلِ الّذِي يَبدَأُ بِالسّلاَم
2835-حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا قُرّانُ بنُ تَمّامٍ الأَسَدِيّ عن أَبي فَرْوَةَ الرّهَاوِيّ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، عن سُلَيْمِ بنِ عَامِرٍ، عن أَبي أُمَامَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ الله الرّجُلاَنِ يَلْتَقِيَانِ أَيّهُمَا يَبْدَأُ بِالسّلاَمِ؟ فَقَالَ: أَوْلاَهُمَا بِالله" .
هذا حديثٌ حسَنٌ. قالَ: مُحمّدُ أَبُو فَرْوَةَ الرّهَاوِيّ مُقَارِبُ الْحَديثِ إِلاّ أَنّ ابْنَهُ مُحمّدَ بنَ يَزِيدَ يَرْوِيَ عَنْهُ مَنَاكِيرَ.
__________
"باب ما جَاءَ في فَضْلِ الّذِي يَبدَأُ بِالسّلاَم"
قوله: "أخبرنا قران" بضم أوله بتشديد الراء "بن تمام الأسدي" الكوفي نزيل بغداد صدوق ربما أخطأ من الثامنة "عن سليم بن عامر" الكلاعي.
قوله : "فقال أولاهما بالله" أي أقرب المتلاقيين إلى رحمة الله من بدأ بالسلام وفي رواية أبي داود: إن أولى الناس بالله تعالى من بدأهم بالسلام.
قوله : "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد وأبو داود وسكت عنه هو والمنذري.(7/472)
باب في كراهية إشارة اليد في السلام
...
7-باب ما جاءَ في كَرَاهِيَةِ إِشَارَةِ اليَدِ بالسّلاَم
2836-حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا ابنُ لَهِيعَةَ عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عن أَبِيهِ عن جَدّهِ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَيْسَ مِنّا مَنْ تَشَبّهُ بِغَيْرِنَا لاَ تَشَبّهُوا باليَهُودِ وَلاَ بِالنّصَارَى، فَإِنّ تَسْلِيمَ اليَهُودِ الإِشَارَةُ
__________
"باب ما جاءَ في كَرَاهِيَةِ إِشَارَةِ اليَدِ بالسّلاَم"
قوله: "ليس منا" أي من أهل طريقتنا ومراعي متابعتنا "من تشبه بغيرنا" أي من غير أهل ملتنا "لا تشبهوا" بحذف إحدى التائين "باليهود ولا بالنصاري"(7/472)
بِالأَصَابِعِ، وَتَسْلِيمَ النَصَارَى الإِشَارَةُ بِالأَكُفّ" .
هذا حديثٌ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَرَوَى ابنُ المُبَارَكِ هَذَا الْحَدِيثَ عن ابنِ لَهِيعَةَ فَلَمْ يَرْفَعْهُ.
__________
زيد لا لزيادة التأكيد "فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع وتسليم النصارى الإشارة بالأكف" بفتح فضم جمع كف والمعنى لا تشبهوا بهم جميعاً في جميع أفعالهم خصوصاً في هاتين الخصلتين ولعلهم كانوا يكتفون في السلام أو رده أو فيهما بالإشارتين من نغير نطق بلفظ السلام الذي هو سنة آدم وذريته من الأنبياء والأولياء.
قوله : "هذا حديث إسناده ضعيف" لضعف ابن لهيعة قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث في سنده ضعف لكن أخرج النسائي بسند جيد عن جابر رفعه: "لا تسلموا تسليم اليهود فإن تسليمهم بالرؤوس والأكف الإشارة" .
فائدة : قال النووي لا يرد على هذا "يعني حديث جابر هذا" حديث أسماء بنت يزيد: مر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وعصبة من النساء قعود فألوى بيده بالتسليم فإنه محمول على أنه جمع بين اللفظ والإشارة، وقد أخرجه أبو داود من حديثها بلفظ: فسلم علينا انتهى. والنهي عن السلام بالإشارة مخصوص بمن قدر على اللفظ حساً وشرعاً وإلا فهي مشروعة لمن يكون في شغل يمنعه من التلفظ بجواب السلام كالمصلي والبعيد والأخرس وكذا السلام على الأصم انتهى. وحديث أسماء بنت يزيد المذكور يأتي في باب التسليم على النساء.(7/473)
8-باب ما جَاءَ فِي التّسْلِيمِ عَلَى الصّبْيان
2837-حدثنا أَبُو الْخَطّابِ زِيَادُ بنُ يَحْيَى البَصْرِيّ، حدثنا
__________
"باب ما جَاءَ فِي التّسْلِيمِ عَلَى الصّبْيان"
قد بوب البخاري أيضاً بلفظ باب التسليم على الصبيان قال الحافظ وكأنه ترجم بذلك للرد على من قال لا يشرع لأن الرد فرض وليس الصبي من أهل القرض،(7/473)
أَبُو غَياث سَهْلُ بنُ حَمّادٍ، حدثنا شُعْبَةُ عن يَسَارٍ قالَ: "كُنْتُ أَمْشِي مَعَ ثَابِتٍ البُنَانِيّ فَمَرّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ ثَابِت كُنْتُ مَعَ أَنَسٍ فَمَرّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ أَنَسٌ: كُنْتُ مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَمَرّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ".
__________
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق أشعث قال الحسن لا يرى التسليم على الصبيان وعن ابن سيرين: أنه كان يسلم على الصبيان ولا يسمعهم انتهى
قوله : "عن سيار" قال في التقريب سيار أبو الحكم العنزي وأبوه يكنى أبا سيار واسمه وردان وقيل ورد وقيل غير ذلك وهو أخو مساور الوراق لأمه ثقة وليس هو الذي يروي عن طارق بن شهاب من السادسة. وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته: روى عن ثابت البناني وغيره وعنهم شعبة وغيره.
قوله : "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر على صبيان" بكسر الصاد على المشهور وبضمها "فسلم عليهم" قال الحافظ وأخرج النسائي حديث الباب من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت بأتم من سياقه ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار فيسلم على صبيانهم ويمسح على رؤوسهم ويدعو لهم. وهو مشعر بوقوع ذلك منه غير مرة بخلاف سياق الباب حيث قال مر على صبيان فسلم عليهم فإنها تدل على أنها واقعة حال انتهى. قال النووي في شرح مسلم: فيه استحباب السلام على الصبيان المميزين والندب إلى التواضع وبذل السلام للناس كلهم وبيان تواضعه صلى الله عليه وسلم وكمال شفقته على العالمين. واتفق العلماء على استحباب السلام على الصبيان ولو سلم على رجال وصبيان فرد السلام صبي منهم هل يسقط فرض الرد عن الرجال؟ ففيه وجهان لأصحابنا. أصحهما يسقط ومثله الخلاف في صلاة الجنازة هل يسقط فرضها بصلاة؟ الصبي الأصح سقوطه ونص عليه الشافعي، ولو سلم صبي على رجل لزم الرجل رد السلام. هذا هو الصواب الذي أطبق عليه الجمهور. وقال بعض أصحابنا لا يجب وهو ضعيف أو غلط انتهى.(7/474)
هذا حديثٌ صحيحٌ. رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عن ثَابِتٍ، وَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن أَنَسٍ.
2839-حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا جَعْفَرُ بنُ سُليْمَانَ، عن ثَابِتٍ، عن أَنَسٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
__________
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي.(7/475)
9-باب ما جَاءَ في التّسْلِيمِ عَلَى النّسَاء
2839-حدثنا سُوَيْدٌ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ أخبرنا عَبْدُ الحَمِيدِ بنِ بَهْرَامَ أَنّهُ سَمِعَ شَهْرَ بنَ حَوْشَبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَسْمَاءَ بِنْت يَزيدَ تُحَدّثُ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرّ في المَسْجِدِ يَوْماً وَعُصْبَةٌ مِنَ النّسَاءِ قَعُودٌ فَأَلوَى بِيَدِهِ بِالتَسْلِيمِ وَأَشَارَ عَبْدُ الحَمِيدِ بِيَدِهِ".
__________
"باب ما جَاءَ في التّسْلِيمِ عَلَى النّسَاء"
قوله: "أخبرنا عبد الحميد بن بهرام" الفزاري المدائني صدوق من السادسة.
قوله: "وعصبة" بضم العين وسكون الصاد أي جماعة والواو للحال "فألوى بيده بالتسليم" قال في المجمع: ألوى برأسه ولواه أماله من جانب إلى جانب انتهى. والمعنى: أشار بيده بالتسليم، وهذا محمول على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين اللفظ والإشارة، ويدل على هذا أن أبا داود روى هذا الحديث وقال في روايته فسلم علينا كما عرفت في الباب المتقدم. وقد عقد البخاري في صحيحه باباً بلفظ تسليم الرجال على النساء والنساء على الرجال، وأورد فيه حديثين الأول حديث سهل الذي فيه ذكر تسليم الصحابة رضي الله تعالى عنهم على العجوز التي كانت تقدم إليهم يوم الجمعة طعاماً فيه سلق، والثاني حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام" . قال الحافظ: أشار بهذه الترجمة إلى رد ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير بلغني أنه(7/475)
هذا حديثٌ حسنٌ. قالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لاَ بَأْس بِحَدِيثِ عَبْدِ الْحَمِدِ بنِ بَهْرَامَ عن شَهْرٍ بنِ حَوْشَبٍ وَقَالَ مُحمّدُ بن إِسماعيل: شَهْرٌ حَسَنٌ الحَدِيثِ وَقَوّى أَمْرَهُ، وَقَالَ: إِنّمَا تَكَلَمَ فِيِه ابنُ عَوْنِ، ثُمّ رَوَى عن هِلاَلِ بنِ أَبي زَيْنَبَ عن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ.
__________
يكره أن يسلم الرجال على النساء والنساء على الرجال وهو مقطوع أو معضل، والمراد بجوازه أن يكون عند أمن القتنة، وذكر في الباب حديثين يؤخذ الجواز منهما: وورد فيه حديث ليس على شرطه وهو حديث أسماء بنت يزيد: مر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا. حسنه الترمذي وليس على شرط البخاري فاكتفى بما هو على شرطه وله شاهد من حديث جابر عند أحمد، وقال الحليمي كان النبي صلى الله عليه وسلم للعصمة مأموناً من الفتنة، فمن وثق من نفسه بالسلامة فليسلم. وإلا فالصمت أسلم، وأخرج أبو نعيم في عمل يوم وليلة من حديث واثلة مرفوعاً: يسلم الرجال على النساء ولا يسلم النساء على الرجال وسنده واه، ومن حديث عمرو بن حريث، مثله موقوفاً عليه وسنده جيد وثبت في مسلم حديث أم هانئ: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل فسلمت عليه انتهى كلام الحافظ. وقال النووي: إن كن النساء جمعاً سلم عليهن وإن كانت واحدة سلم عليها النساء وزوجها وسيدها ومحرمها سواء أكانت جميلة أو غيرها، وأما الأجنبي فإن كانت عجوزاً لا تشتهي استحب السلام عليها واستحب لها السلام عليه ومن سلم منهما لزم الاَخر رد السلام عليه وإن كانت شابة أو عجوزاً تشتهي لم يسلم عليها الأجنبي ولم تسلم عليه، ومن سلم منهما لم يستحق جواباً ويكره رد جوابه، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور. وقال ربيعة: لا يسلم الرجال على النساء ولا النساء على الرجال وهذا غلط، وقال الكوفيون: لا يسلم الرجال على النساء إذا لم يكن فيهن محرم انتهى.
قوله : "هذا حديث حسن" وأخرجه أبو داود وابن ماجه والدارمي وله شاهد من حديث جابر عند أحمد كما عرفت في كلام الحافظ "قال محمد" يعني البخاري "وقوى" أي محمد "أمره" أي جعله قوياً غير ضعيف "وقال" أي(7/476)
2840-حدثنا أَبُو دُوَادَ، أخبرنا النّصْرُ بنُ شُمَيْلٍ، عن ابنِ عَوْنٍ، قالَ: إِنّ شَهْراً نَزَكُوهُ. قالَ أَبُو دَاوُدَ، قالَ النّضْرُ: نَزَكُوهُ أَيْ طَعَنُوا فِيِه. وإِنما طعنوا فيه لانه ولي امر السلطان.
__________
محمد "إنما تكلم فيه ابن عون" قال النووي هو الإمام الجليل المجمع على جلالته وورعه عبد الله بن عون بن أرطبان أبو عون البصري كان يسمى سيد القراء أي العلماء وأحواله ومناقبه أكثر من أن تحصر "ثم روى" أي ابن عون "عن هلال ابن أبي زينب" قال في تهذيب التهذيب في ترجمته: روى عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة في فضل الشهيد وعنه ابن عون. قال أبو داود: لا أعلم روى عنه غيره وذكره ابن حبان في الثقات انتهى. وقال الذهبي في الميزان: هلال بن أبي زينب عن شهر بن حوشب قال أحمد بن حنبل تركوه قال لا يعرف تفرد عنه ابن عون له حديث في الشهداء أخرجه أحمد في مسنده عن شهر عن أبي هريرة انتهى.
قوله : "حدثنا أبو داود" اسمه سليمان بن أسلم البلخي المصاحقي "إن شهراً نزكوه" بفتح النون والزاي "تزكوه أي طعنوا فيه" وقال مسلم في مقدمة صحيحه بعد ذكر قول ابن عون: إن شهراً نزكوه يقول أخذته لسنة الناس تكلموا فيه. قال النووي:قوله نزكوه هو بالنون والزاي المفتوحتين معناه طعنوا فيه وتكلموا بجرحه فكأنه يقول طعنوه بالنيزك بفتح النون وإسكان المثناة من تحت وفتح الزاي وهو رمح قصير وهذا الذي ذكرته هو الرواية الصحيحة المشهورة وكذا ذكرها من أهل الأدب واللغة والغريب الهروي في غريبه، وحكى القاضي عياض عن كثير من رواة مسلم أنهم رووه تركوه بالتاء والراء وضعفه القاضي وقال الصحيح بالنون والزاي قال وهو الأشبه بسياق الكلام وقال غير القاضي رواية التاء تصحيف وتفسير مسلم يردها ويدل عليه أيضاً أن شهراً ليس متروكاً بل وثقه كثير من كبار الأئمة السلف أو أكثرهم.(7/477)
باب في التسليم إذا دخل بيته
...
10 - باب ما جَاءَ في التّسْلِيمِ إِذَا دَخَلَ بَيْتَه
2841-حدثنا أَبُو حَاتِمٍ الأَنْصَارِيّ البَصْرِيّ مُسْلِمُ بنُ حَاتِمٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيّ عن أَبِيهِ عن عَلِيّ بنِ زَيْدٍ، عن سَعِيدٍ بنِ المُسَيّبِ قالَ: قالَ أَنَسٌ: قالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَا بُنَيّ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلّمَ يَكُونُ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.
__________
"باب ما جَاءَ في التّسْلِيمِ إِذَا دَخَلَ بَيْتَه"
قوله: "حدثنا أبو حاتم الأنصاري البصري مسلم بن حاتم" صدوق ربما وهم من العاشرة "أخبرنا محمد بن عبد الله" بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري القاضي ثقة من التاسعة "عن أبيه" أي عبد الله بن المثنى وهو صدوق كثير الغلط من السادسة.
قوله : "يكون بركة" جملة مستأنفة متضمنة للعلة، أي فإنه يكون أي السلام سبب زيادة بركة وكثرة خير ورحمة.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح غريب" فإن قلت كيف صححه الترمذي وفي سنده علي ين زيد بن جدعان وهو ضعيف كما في التقريب؟ قلت علي بن زيد هذا صدوق عند الترمذي كما في تهذيب التهذيب وغيره.(7/478)
باب السلام قبل الكلام
...
11-باب ما جَاءَ في السّلاَمِ قَبلَ الكَلاَم
2842-حدثنا الفَضْلُ بنُ الصّبَاحِ البغدادي، حدثنَا سعِيدُ بنُ زَكَرِيّا، عن عنْبَسةَ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عن مُحمّدِ بنِ زَاذَانَ عن مُحمّدِ بنِ المُنْكَدِرِ عن جَابِرِ
__________
"باب ما جَاءَ في السّلاَمِ قَبلَ الكَلاَم"
قوله: "حدثنا سعيد بن زكريا" القرشي المائني صدوق لم يكن بالحافظ من التاسعة "عن عنبسة بن عبد الرحمن" بن عنبسة بن سعيد بن العاص الأموي(7/478)
بنِ عَبْدِ الله قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "السّلاَمُ قَبْلَ الكلاَمِ" . وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لاَ تَدْعُوا أَحَداً إِلَى الطّعَامِ حَتّى يُسَلّمَ" .
هذا حديثٌ مُنْكَرٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَسَمِعْتُ مُحمداً يَقُولُ عَنْبَسَةُ بنَ عَبْدِ الرحمنِ ضَعِيفٌ في الْحَدِيثِ ذَاهِبٌ وَمحمدُ بنُ زَاذَانَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
__________
متروك رماه أبو حاتم بالوضع من الثامنة "عن محمد بن زاذان" المدني متروك من الخامسة "عن محمد بن المنكدر" بن عبد الله بن الهدير التيمي المدني ثقة فاضل من الثالثة.
قوله : "السلام قبل الكلام" أي السنة أن يبدأ به قبل الكلام لأن في الابتداء بالسلام إشعاراً بالسلامة وتفاؤلا بها وإيناساً لمن يخاطبه وتبركاً بالابتداء بذكر الله. وقال القاري لأنه تحية يبدأ به فيفوت بافتتاح الكلام كتحية المسجد فإنها قبل الجلوس.
قوله : "لا تدعوا أحداً إلى الطعام" أي إلى أكله "حتى يسلم" فإن السلام تحية الإسلام فما لم يظهر الإنسان شعار الإسلام لا يكرم ولا يقرب.
قوله : "هذا حديث منكر لا نعرفه إلا من هذا الوجه" قال الحافظ: في التلخيص بعد نقل كلام الترمذي هذا وحكم عليه ابن الجوزي بالوضع وذكره ابن عدى في ترجمة حفص بن عمر الأيلي وهو متروك بلفظ: "السلام قبل السؤال من بدأكم بالسؤال فلا تجيبوه" انتهى.(7/479)
باب ما جاء في كراهية التسليم على الذمي
...
12- باب ما جَاءَ في التّسْلِيمِ علَى اهْلِ الذِمة
2843-حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنَا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُحمّدٍ عن سُهَيْلٍ بنِ أَبي صَالِحٍ عن أَبيِه عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَبْدَأوا اليَهُودَ وَالنّصَارَى بِالسّلاَمِ وإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُوهُ إِلَى، أَضْيَقِهِ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2844-حدثنا سَعِيدُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ المَخْزومِيّ، حدثنا سُفْيَانُ بنُ عَيينة عن الزّهْرِيّ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ قَالَتْ: "إِنّ رَهْطاً مِنَ اليَهُودِ دَخَلُوا عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا السّامُ عَلَيْكَ، فَقَال النبيّ صلى الله عليه وسلم "عَلَيْكُمْ"، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ بل عَلَيْكُمْ السّامُ والّلعْنَةُ، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَائِشَةُ إِنّ الله يُحِبّ الرّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلّهِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: قَدْ قَلْتُ عَلَيْكُمْ ".
__________
"باب ما جَاءَ في التّسْلِيمِ علَى اهْلِ الذِمة"
قوله: "لا تبدأوا اليهود والنصارى" قد سبق هذا الحديث في باب التسليم على أهل الكتاب من أبوب السير.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود.
قوله : "السام عليك" معنى السام الموت وألفه عن واو "إن الله يحب الرفق" أي لين الجانب وأصل الرفق ضد العنف "قد قلت عليكم" أي فقهاً لهذا المعنى قال النووي في شرح مسلم: أتفق العلماء عن الرد على أهل الكتاب إذا سلموا لكن لا يقال لهم وعليكم السلام بل يقال عليكم فقط أو عليكم وقد جائت الأحاديث التي ذكرها مسلم عليكم وعليكم يإثبات الواو وحذفها وأكثر الروايات بإثباتها،(7/480)
وفي البابِ عَنْ أَبي بَصْرَةَ الغِفَارِيّ وَابنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَأَبِي عَبْدِ الرحْمَنِ الْجُهَنِيّ.
__________
وعلى هذا في معناه وجهان: أحدهما أنه على ظاهره فقالوا عليكم الموت فقال وعليكم أيضاً أي نحن وأنتم فيه سواء وكلنا نموت، والثاني أن الواو ههنا للاستئناف لا للعطف والتشريك وتقديره وعليكم ما تستحقونه من الذم. وأما من حذف الواو فتقديره بل عليكم السام، قال القاضي: اختار بعض العلماء منهم ابن حبيب المالكي حذف الواو لئلا يقتضي التشريك، وقال غيره بإثباتها كما هو في أكثر الروايات. قال وقال بعضهم يقول عليكم السلام بكسر السين أي الحجارة وهذا ضعيف. وقال الخطابي: عامة المحدثين يروون هذا الحرف وعليكم بالواو وكان ابن عيينة يرويه بغير واو، قال الخطابي: وهذا هو الأصوب لأنه إذا حذف الواو صار كلامهم بعينه مردوداً عليهم خاصة وإذا أثبت الواو اقتضى المشاركة معهم فيما قالوه. هذا كلام الخطابي والصواب أن إثبات الواو وحذفها جائزان كما صحت به الروايات وأن الواو أجود كما هو في أكثر الروايات ولا مفسدة فيه لأن السام الموت وهو علينا وعليهم ولا ضرر فيقوله بالواو. واختلف العلماء في رد السلام على الكفار وابتدائهم به. فمذهبنا تحريم ابتدائهم به ووجوب رده عليهم بأن يقول وعليكم أو عليكم فقط، ودليلنا في الابتداءقوله صلى الله عليه وسلم: لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وفي الردقوله صلى الله عليه وسلم فقولوا وعليكم، وبهذا الذي ذكرناه عن مذهبنا قال أكثر العلماء وعامة السلف وذهبت طائفة إلى جواز ابتدائنا لهم بالسلام، روى ذلك عن ابن عباس وأبي أمامة وابن أبي محيريز وهو وجه لبعض أصحابنا. حكاه الماوردي لكنه قال يقول السلام عليك ولا يقول عليكم بالجمع واحتج هؤلاء بعموم الأحاديث بإفشاء السلام وهي حجة باطلة لأنه عام مخصوص بحديث لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام.
قوله : "وفي الباب عن أبي بصرة الغفاري وابن عمر وأنس وأبي عبد الرحمن الجهني" أما حديث أبي بصرة الغفاري فأخرجه النسائي، وأما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي في باب التسليم على أهل الكتاب، وأما حديث أنس فأخرجه(7/481)
حَدِيثُ عَائِشَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه، وأما حديث أبي عبد الرحمن الجهني فأخرجه ابن ماجه.
قوله : "حديث عائشة حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجه.(7/482)
باب ما جاء في التسليم على مجلس فيه المسلمون وغيرهم
...
13-باب مَا جَاءَ في السّلاَمِ عَلى مَجْلِسِ فِيهِ المسْلِمُونَ وَغيْرِهْم
2845-حدثنا يَحْيَى بنُ مُوسَى، حدثنا عَبْدُ الرّزَاقِ، أخبرنا مَعْمَرٌ عن الزّهْرِيّ عن عُرْوَةَ أَنّ أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم مَرّ بِمَجْلِسٍ وَفِيهِ أَخْلاَطٌ مِنَ المُسْلِمِينَ وَاليَهُودِ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
"باب مَا جَاءَ في السّلاَمِ عَلى مَجْلِسِ فِيهِ المسْلِمُونَ وَغيْرِهْم"
قوله: "مر بمجلس فيه أخلاط" بفتح الهمزة جمع خلط. قال في القاموس: الخلط بالكسر كل ما خالط الشيء ومن الثمر المختلط من أنواع شتى وجمعه أخلاط انتهى. والمراد هنا المختلطون "من المسلمين واليهود" وفي رواية الشيخين: من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود "فسلم عليهم" قال النووي: السنة إذا مر بمجلس فيه مسلم وكافر أن يسلم بلفظ التعميم ويقصد به المسلم. قال ابن العربي: ومثله إذا مر بمجلس يجمع أهل السنة والبدعة، وبمجلس فيه عدول وظلمة وبمجلس فيه محب ومبغض. ذكره الحافظ في الفتح.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان مطولا.(7/482)
14-باب مَا جَاءَ فِي تَسْلِيمِ الرّاكِبِ عَلَى الْمَاشِي
2846-حدثنا مُحمّدُ بنُ المُثَنّى وَ إِبْرَاهِيمُ بنُ يَعْقُوبَ، قَالاَ: حدثنَا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ عن حَبِيبِ بنِ الشّهِيدِ، عن الْحَسَنِ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "يُسَلّمُ الرّاكِبُ عَلَى المَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى القَاعِدِ وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ . وَزَادَ ابنُ المُثَنّى في حَدِيثِهِ: وَيُسَلّم الصّغِيرُ
__________
"باب مَا جَاءَ فِي تَسْلِيمِ الرّاكِبِ عَلَى الْمَاشِي"
قوله: "يسلم الراكب على الماشي الخ" قال الحافظ في الفتح: قد تكلم العلماء على الحكمة فيمن شرع لهم الابتداء فقال ابن بطال عن المهلب تسليم الصغير لأجل حق الكبير لأنه أمر بتوقيره والتواضع له، وتسليم القليل لأجل حق الكثير لأن حقهم أعظم، وتسليم المار شبهه بالداخل على أهل المنزل، وتسليم الراكب لئلا يتكبر بركوبه فيرجع إلى التواضع. وقال ابن العربي: حاصل ما في هذا الحديث أن الفضول بنوع ما يبدأ الفاضل. وقال المازري: أما أمر الراكب فلأن له مزية على الماشي فعوض الماشي بأن يبدأه الراكب بالسلام أحتياطاً على الراكب من الزهو أن لو حاز الفضيلتين، وأما الماشي فلما يتوقع القاعد منه من الشر ولا سيما إذا كان راكباً فإذا ابتدأ بالسلام أمن منه ذلك وأنس إليه، أو لأن في التصرف في الحاجات امتهاناً فصار للقاعد مزية فأمر بالابتداء أو لأن القاعد يشق عليه مراعاة المارين مع كثرتهم فسقطت البداءة عنه للمشقة بخلاف المار فلا مشقة عليه، وأما القليل فلفضيلة الجماعة أو لأن الجماعة لو ابتدأوا لخيف على الواحد الزهو فاحتيط له ولم يقع تسليم الصغير على الكبير في صحيح مسلم وكأنه لمراعاة السن فإنه معتبر في أمور كثيرة في الشرع فلو تعارض الصغر المعنوي والحسي كأن يكون الأصغر أعلم مثلاً فيه نظر ولم أر فيه نقلاً والذي يظهر اعتبار السن لأنه الظاهر كما تقدم الحقيقة على المجاز. ونقل ابن دقيق العيد عن ابن رشد أن محل الأمر في تسليم الصغير على الكبير إذا التقيا فإن كان أحدهما راكباً والاَخر ماشياً بدأ الراكب، وإن كانا راكبين أو ماشيين بدأ الصغير انتهى ما في الفتح.(7/483)
عَلَى الكَبِيرِ" وفي البابِ عن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ شِبْلٍ وَفَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ وَجَابِرٍ.
هذا حديثٌ قَدْ رُوِى مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ أَيّوبُ السّخْتِيَانِيّ وَيُونُسُ بنُ عُبَيْدٍ، وعَلِيّ بنُ زَيْدٍ إِنّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبي هُرَيْرَةَ.
2847-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أَخْبَرنَا عَبْدُ الله، حدثنَا حَيْوَةَ بنُ شُرَيْحٍ، أخبرني أَبُو هَانِئ اسمه حميد بن هانئ الخَوْلاَنِيّ عن أَبي عَلِيّ الْجَنْبِيّ عن فَضَالَةَ بنِ عُبَيدٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "يُسَلّمُ الْفَارِسُ عَلَى المَاشِي، وَالمَاشِي عَلَى الْقَائِمِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَأَبُو عَلِيٍ الْجَنْبِيّ اسْمُهُ عَمْرُو بنُ مَالِكٍ.
__________
قوله : "وفي الباب عن عبد الرحمن بن شبل وفضالة بن عبيد وجابر" أما حديث عبد الرحمن بن شبل فأخرجه عبد الرزاق وأحمد بسند صحيح بلفظ: يسلم الراكب على الراجل والراجل على الجالس والأقل على الأكثر فمن أجاب كان له ومن لم يجب فلا شيء له كذا في الفتح، وأما حديث فضالة بن عبيد فأخرجه الترمذي في هذا الباب، وأما حديث جابر فلينظر من أخرجه "هذا حديث قد روى من غير وجه عن أبي هريرة" حديث أبي هريرة هذا أخرجه الشيخان من غير طريق الترمذي "وقال أيوب السختياني الخ" فحديث أبي هريرة من هذا الطريق منقطع.
قوله : "عن أبي علي الجنبي" بفتح الجيم وسكون النون بعدها موحدة اسمه عمرو بن مالك الهمداني المرادي ثقة من الثالثة.
قوله : "والماشي على القائم" الظاهر أن المراد بالقائم المستقر في مكانه سواء كان جالساً أو واقفاً أو مضطجعاً.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري في الأدب المفرد والنسائي وابن حبان في صحيحه.(7/484)
2848-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عن هَمّامِ بنِ مُنَبّهٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "يُسَلّمُ الصّغِيرُ عَلَى الكَبِيرِ وَالمَارّ عَلَى القَاعِدِ وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ" .
قالَ: وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
قوله : "والقليل على الكثير" قال النووي هذا الأدب إنما هو فيما إذا تلاقى اثنان في طريق، أما إذا ورد على قعود أو قاعد فإن لوارد يبدأ بالسلام بكل حال سواء كان صغيراً أو كبيراً. قليلا أو كثيراً.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري وأبو داود.(7/485)
باب التسليم عند القيام والقعود
...
15- باب مَا جَاءَ في التّسْلِيمِ عِنْد القِيَامِ وَعِندَ القُعُود
2849-حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنَا الّليثُ، عن ابنِ عَجْلاَنَ، عن سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى مَجْلِسٍ فَلْيُسَلّمْ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسْ، ثمّ إِذَا قَامَ فَلَيُسَلّمْ فَلَيْسَتْ الأُولَى بِأَحَقّ مِنَ الاَخِرَةِ".
__________
"باب مَا جَاءَ في التّسْلِيمِ عِنْد القِيَامِ وَعِندَ القُعُود"
قوله: "إذا انتهى" أي جاء ووصل "فإن بدا" بالألف أي ظهر "ثم إذا قام" أي بعد أن يجلس والظاهر أن المراد به أنه إذا أراد أن ينصرف ولو لم يجلس "فليست الأولى" أي التسليمة الأولى "بأحق" أي بأولى وأليق "من الاَخرة" قال الطيبي: أي كما أن التسليمة الأولى إخبار عن سلامتهم من شره عند الحضور فكذلك الثانية إخبار عن سلامتهم من شره عند العيبة، وليست السلامة عند الحضور أولى من السلامة عند الغيبة بل الثانية أولى انتهى. قال النووي: ظاهر هذا الحديث يدل على أنه يجب على الجماعة رد السلام على الذي يسلم على الجماعة عند المفارقة. قال القاضي حسين وأبو سعيد المتولي: جرت عادة بعض الناس(7/485)
هذا حديثٌ حسنٌ. وَقَدْ رُوِيَ هذَا الْحَدِيثُ أَيضاً عن ابنِ عَجْلاَنَ عن سعِيدِ المَقْبُرِيّ عن أَبِيِه عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
__________
بالسلام عند المفارقة وذلك دعاء يستحب جوابه ولا يجب لأن التحية إنما تكون عند اللقاء لا عند الانصراف وأنكره الشاشي وقال: إن السلام سنة عند الانصراف كما هو سنة عند اللقاء فكما يجب الرد عند اللقاء كذلك عند الانصراف. وهذا هو الصحيح انتهى.
قوله : "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم "وقد روي هذا الحديث عن ابن عجلان أيضاً عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم" أخرجه النسائي من هذا الطريق ومن الطريق السابق أيضاً كما صرح به المنذري في تلخيص السنن. وقال الترمذي: في باب وصف الصلاة: وسعيد المقبري قد سمع من أبي هريرة وروى عن أبيه عن أبي هريرة.(7/486)
باب الاستئذان قبالة البيت
...
16-باب مَا جَاءَ في الاسْتِئْذَان قُبَالَةَ البَيت
2850-حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنَا ابنُ لَهِيعَةَ عن عُبَيْدِ الله بنِ أَبي جَعْفَرٍ، عن أَبي عَبْدِ الرحمنِ الْحُبُلِيّ عن أَبي ذَرٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى
__________
"باب مَا جَاءَ في الاسْتِئْذَان قُبَالَةَ البَيت"
قال في القاموس: قبالته بالضم تجاهه والظاهر أن مقصود الترمذي بهذا الباب أنه لا ينبغي المستأذن أن يقوم تجاه الباب للاستئذان بل يقوم في أحد جانبيه كما روى أحمد في مسنده عن عبد الله بن يسر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء الباب يستأذن لم يستقبلهم يقول يمشي مع الحائط حتى يستأذن فيؤذن له أو ينصرف
قوله : "عن عبيد الله بن أبي جعفر" المصري أبي بكر الفقيه مولى بني كتانة أو أمية قيل اسم أبيه يسار ثقة. وقيل عن أحمد إنه لينه وكان فقيهاً عابداً، قال أبو حاتم: هو مثل يزيد بن حبيب من الخامسة.(7/486)
الله عليه وسلم: "مَنْ كَشَفَ سِتْراً فَأَدْخَلَ بَصَرَهُ في البَيْتِ قَبْلَ أَنْ يُؤذَنَ لَهُ فَرَأَى عَوْرَةَ أَهْلِهِ، فَقَدْ أَتَى حَدّاً لاَ يَحِلُ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ: لَوْ أَنّهُ حِينَ أَدْخَلَ بَصَرَهُ اسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ فَفَقَأَ عَيْنَيْهِ مَا غَيرَتْ عَلَيْهِ، وَإنْ مَرّ رَجُلٌ عَلَى بَابٍ لاَسِتْرَ لَهُ غَيْرَ مُغْلَقٍ فَنَظَرَ فَلاَ خَطِيئَةَ عَلَيْهِ، إِنّمَا الْخَطِيئَةُ عَلَى أَهْلِ البَيْتِ" . وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ.
__________
قوله : "من كشف" أي رفع وأزال "ستراً" بكسر أوله أي ستارة وحاجزاً "فأدخل بصره في البيت قبل أن يؤذن له" أي في الكشف والدخول "فرأى عورة أهل البيت" وهي كل ما يستحق منه إذا ظهر "فقد أتى حداً" أي فعل شيئاً يوجب الحد أي التعزير "لا يحل له أن يأتيه" استئناف متضمن للعلة أو معناه أتى أمراً لا يحل له أن يأتيه وإليه ينظر قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} ويؤيده قوله "لو أنه حين أدخل بصره فاستقبله رجل" أي من أهل البيت "ففقاً" قال في القاموس: فقأ العين كمنع كسرها أو قلعها أو بحقها "عينيه" وفي بعض النسخ عينه بالإفراد "ما عبرت عليه" أي ما نسبته إلى العيب قال الطيبي: يحتمل أن يراد به العقوبة المانعة عن إعادة الجاني. فالمعنى فقد أتى موجب حد على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه كما ذهب إليه الأشرف والمظهر وإن يراد به الحاجز بين الموضعين كالحمى، فقوله لا يحل صفة فارقة تخصص الاحتمال الثاني بالمراد ويدل عليه إيقاعقوله "وإن مر رجل على باب لا ستر له" مقابلاً لقوله من كشف ستراً إلخ "غير مغلق" بفتح اللام أي غير مردود وغير منصوب على الحالية وقيل مجرور على أنه صفة باب "فنظر" أي من غير قصد "فلا خطيئة عليه إنما الخطيئة على أهل البيت" فيه أن أحد الأمرين واجب إما الستر وإما الغلق.
قوله : "وفي الباب عن أبي هريرة وأبي أمامة" أما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان وغيرهما. ولفظ البخاري قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: لو أن امراً اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح، وأْما حديث أبي أمامة فأخرجه أحمد وفيه: ولا يدخل عينيه بيتاً حتى يستأذن.(7/487)
هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِثْلَ هَذَا إِلاّ مِنْ حَدِيثِ ابنِ لَهِيعَةَ. وَأَبُو عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحُبُلِيّ اسْمُهُ عَبْدُ الله بنُ يَزِيدَ.
__________
قوله : "هذا حديث غريب" قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث: رواه أحمد ورواته رواة الصحيح إلا ابن لهيعة، ورواه الترمذي وقال حديث غريب الخ.(7/488)
17- باب مَنْ اطّلَع في دَارِ قَوْم بِغَيْرِ إِذْنِهِم
2851-حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عَبْدُ الوَهّابِ الثّقَفِيّ عن حُمَيْدٍ عن أَنَسٍ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ في بَيْتِهِ فَاطّلَعَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَأَهْوَى إِلَيْهِ بِمِشْقَصٍ فَتَأَخّرَ الرّجُلُ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2852-حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، حدثنَا سُفْيَانُ عن الزّهْرِيّ عن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السّاعِدِيّ أَنّ رَجُلاً اطّلَعَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ جُحْرٍ في حُجْرَةِ رَسُولّ الله صلى الله عليه وسلم وَمَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم
__________
"باب مَنْ اطّلَع في دَارِ قَوْم بِغَيْرِ إِذْنِهِم"
قوله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيته فاطلع عليه رجل" وفي رواية للبخاري أن رجلا أطلع في جحر في بعض حجر النبي صلى الله عليه وسلم "فأهوى إليه بمشقص" قال في النهاية أهوى بيده إليه أي مدها نحوه وأمالها إليه انتهى. والمشقص بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض، وفي رواية للبخاري: فقام إليه بمشقص أو مشاقص وجعل بختله ليطعنه.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وغيرهما.
قوله : "أن رجلا أطلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جحر" بضم الجيم وسكون المهملة وهو كل ثقب مستدير في أرض أو حائط، وأصلها مكامن الوحش "في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم" بضم الحاء المهملة وسكون الجيم(7/488)
مِدرَاةُ يَحُكّ بِهَا رَأْسَهُ، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ عَلِمْتُ أَنّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهَا في عَيْنِكَ. إِنّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ البَصَرِ" .
__________
"ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدراة" وفي رواية الشيخين مدري، قال الحافظ المدري بكسر الميم وسكون المهملة: عود تدخله المرأة في رأسها لتضم بعض شعرها إلى بعض وهو يشبه المسلة يقال مدرت المرأة سرحت شعرها، وقيل مشط له أسنان يسيرة. وقال الأصمعي وأبو عبيد هو المشط، وقال الجوهري أصل المدري القرن. كذلك المدراة، وقيل هو عود أو حديدة كما كالخلال لها رأس محدد، وقيل خشبة على شكل شيء من أسنان المشط ولها ساعد جرت عادة الكبير أن يحك بها ما لا تصل إليه يده من جسده ويسرح بها الشعر الملبد من لا يحضره المشط، وقد ورد في حديث لعائشة ما يدل على أن المدري غير المشط أخرجه الخطيب في الكفاية عنها. قالت خمس لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدعهن في سفر ولا حضر المرأة والمكحلة والمشط المدري والسواك، وفي إسناده أبو أمية بن يعلى وهو ضعيف. وأخرجه ابن عدي من وجه آخر ضعيف أيضاً، وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين من وجه آخر عن عائشة أقوى من هذا، لكن فيه قارورة دهن بدل المدري "يحك" بصيغة الفاعل "بها" أي بالمدراة "لو علمت" أي يقيناً "أنك تنظر" أي قصداً وعمداً "لطعنت بها في عينك" قال الطيبي: دل على أن الاطلاع مع غير قصد النظر لا يترتب عليه الحكم كالمار "إنما جعل" أي شرع "الاستيذان من أجل البصر" قال النووي: معناه أن الاستئذان مشروع ومأمور به وإنما جعل لئلا يقع البصر على الحرم فلا يحل لأحد أن ينظر في جحر باب ولا حفيرة مما هو متعرض فيه لوقوع بصره على امرأة أجنبية انتهى. قال الحافظ: ويؤخذ منه أنه يشرع الاستئذان على كل أحد حتى المحارم لئلا تكون منكشفة العورة. وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن نافع: كان ابن عمر إذا بلغ بعض ولده الحلم لم يدخل عليه إلا بإذن، ومن طريق علقمة: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال أستأذن على أمي؟ فقال ما على كل أحيانها تريد أن تراها، ومن طريق مسلم بن نذير: سأل رجل حذيفة أستأذن على أمي؟ قال إن لم تستأذن عليها رأيت ما تكره، ومن طريق موسى بن طلحة دخلت مع أبي علي أمي فدخل واتبعته فدفع في صدري وقال تدخل(7/489)
وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
بغير إذن؟ ومن طريق عطاء: سألت ابن عباس أستأذن على أختي؟ قال: نعم، قلت: إنها في حجري، قال: أتحب أن تراها عريانة؟ وأسانيد هذه الآثار كلها صحيحة انتهى.
قوله : "وفي الباب عن أبي هريرة" لعله أشار إلى حديثه الذي أشار إليه في الباب المتقدم وقد ذكرنا لفظه.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وغيرهما.(7/490)
باب التسليم قبل الاستئذان
...
18-باب مَا جَاءَ في التّسْلِيمِ قَبْلَ الاسْتِئْذَان
2853-حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، حدثنا رَوْحُ بن عُبَادَةَ عن ابنِ جُرَيْجٍ قالَ أخبرني عَمْرُو بنُ أَبي سُفْيَانَ أَنّ عَمْرو بنَ عَبْدِ الله بنِ صَفْوَانَ أخبره أَنْ كلَدَةَ بنَ حَنْبَلٍ اخبره: "انّ صَفْوَانَ بنَ أُمَيّةَ بَعَثَهُ بِلَبَنٍ وَلِبَاءٍ
__________
"باب مَا جَاءَ في التّسْلِيمِ قَبْلَ الاسْتِئْذَان"
قوله: "أخبرني عمرو بن أبي سفيان" بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي ثقة من الخامسة روى عن أمية بن صفوان وابن عم أبيه عمرو بن عبد الله بن صفوان وغيرهما وعنه أخوه حنظلة وابن جريج وغيرهما "أن عمرو بن عبد الله بن صفوان" بن أمية بن خلف الجمحي المكي صدوق شريف من الرابعة "أن كلدة" بكاف ولام مفتوحتين "بن حنبل" بفتح المهملة والموحدة بينهما نون ساكنة. قال في التقريب: كلدة بن الحنبل ويقال ابن عبد الله بن الحنبل الجمحي المكي صحابي له حديث وهو أخو صفوان بن أمية لأمه انتهى. وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الاستئذان والسلام وعنه أمية ابن صفوان بن أمية وعمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية انتهى "أن صفوان بن أمية" بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمع القرشي الجمحي كنيته أو وهب وقيل أبو أمية قتل أبوه يوم بدر كافراً وأسلم هو بعد الفتح وكان من المؤلفة وشهد اليرموك روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه أولاده أمية وعبد الله وعبد الرحمن وغيرهم "بعثه" أي أرسله زاد أحمد في روايته في الفتح "ولبإٍ"(7/490)
وَضَغَابِيسَ إِلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم وَالنبيّ صلى الله عليه وسلم بِأَعْلَى الْوَادِي، قالَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَلَمْ أَسْتَأْذِنْ، وَلَمْ أُسَلّمْ، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "ارْجِعْ فَقُلْ السّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟" وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ صَفْوَانُ. قال عَمْرُو: وَأخبرني بِهَذَا الحديثِ أُمَيّةُ بنُ صَفْوَانَ. وَلَمْ يَقُلْ سَمِعْتُهُ مِنْ كِلْدَةَ".
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ ابنِ جُرَيْجٍ. وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ أَيْضاً عن ابنِ جُرَيْجٍ مِثْلَ هَذَا.
2854-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ،
__________
كعنب وهو أول ما يحلب عند الولادة كذا في النهاية "وضغابيس" جمع ضغبوس بالضم وهي صغار القثاء، وقيل هي نبت ينبت في أصول الثمام يشبه الهليون يسلق بالخل والزيت ويؤكل كذا في النهاية "والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي" وفي رواية أبي داود بأعلى مكة.
قوله : "قال عمرو" أي ابن أبي سفيان "وأخبرني بهذا الحديث أمية بن صفوان" بن أمية بن خلف الجمحي المكي مقبول من الرابعة "ولم يقل سمعته من كلدة" أي لم يذكر لفظ الإخبار. وقال أبو داود في سننه بعد رواية هذا الحديث ما لفظه: قال عمرو وأخبرني ابن صفوان بهذا أجمع عن كلدة بن الحنبل ولم يقل سمعته منه انتهى.
والحاصل: أن عمرو بن أبي سفيان روى هذا الحديث عن شيخين له أحدهما عمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية وثانيهما أمية بن صفوان ابن أمية وكلاهما روياه عن كلدة لكن الأول روى عنه بلفظ الإخبار والثاني بلفظ عن.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي.(7/491)
انبانا شُعْبَةُ، عن مُحمّدِ بنِ المُنْكَدِر، عن جَابِرٍ قالَ: " اسْتَأْذَنْتُ عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم في دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبي، فَقَالَ مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ أَنَا، فَقَالَ أَنَا أَنَا. . ؟ كأنّهُ كَرِهَ ذَلِكَ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
قوله : "استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي" وفي رواية البخاري: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي فدققت الباب. قال ابن العربي: في حديث جابر مشروعية دق الباب ولم يقع في الحديث بيان هل كان بآلة أو بغير آلة قال الحافظ وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد من حديث أنس أن أبواب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تقرع بالأظافير، وأخرجه الحاكم في علوم الحديث من حديث المغيرة بن شعبة وهذا محمول منهم على المبالغة في الأدب وهو حسن لمن قرب محله من بابه، أما من بعد عن الباب بحيث لا يبلغه صوت القرع بالظفر فيستحب أن يقرع بما فوق ذلك بحسبه. وذكر السهيلي أن السبب في قرعهم بابه بالأظافير أن بابه لم يكن فيه حلق فلأجل ذلك فعله، والذي يظهر أنه إنما كانوا يفعلون ذلك توقيراً وإجلالا وأدباً انتهى. "فقال من هذا" أي الذي يستأذن "فقال أنا أنا" إنكار عليه أي قولك أنا مكروه فلا تعد، وأنا الثاني تأكيد للأول. قاله الطيبي ويمكن أن يكون معنى قوله أنا أنا إن كلمة أنا عامة كما تصدق عليك تصدق علي أيضاً فلا تغني عن سؤال السائل. قال النووي قال العلماء: إذا استأذن أحد فقيل له من أنت أو من هذا كره أن يقول أنا لهذا الحديث. ولأنه لم يحصل بقوله أنا فائدة ولا زيادة بل الإبهام باق بل ينبغي أن يقول فلان باسمه. وإن قال أنا فلان فلا بأس كما قالت أم هانئ حين استأذنت فقال النبي صلى الله عليه وسلم من هذه؟ فقالت أنا أم هانئ ولا بأس بقوله أنا أبو فلان أو القاضي فلان أو الشيخ فلان إذا لم يحصل التعريف بالاسم لخفائه. والأحسن في هذا أن يقول أنا فلان المعروف بكذا انتهى "كأنهك أيقوله أنا في جواب من هذا لأنه ليس فيه بيان إلا إن كان المستأذن ممن يعرف المستأذن عليه صوته ولا يلتبس بغيره والغالب الالتباس قاله المهلب.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه.(7/492)
باب في كراهية طروق الرجل أهله ليلا
...
19-باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ طرُوقِ الرّجُلِ أَهْلَهُ لَيْلا
2855-أخبرنا أَحْمَدُ بنُ مَنيعٍ، حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن الأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، عن نُبَيْحٍ العَنَزِيّ عن جَابِرٍ: "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَاهُمْ أَنْ يَطْرُقُوا النّسَاءَ لَيْلاً"
__________
"باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ طرُوقِ الرّجُلِ أَهْلَهُ لَيْلا"
قوله: "نهاهم أن يطرقوا" من باب نصر ينصر، قال الحافظ في الفتح: قال أهل اللغة الطروق بالضم المجيء بالليل من سفر أو غيره على غفلة، ويقال لكل آت بالليل طارق ولا يقال بالنهار إلا مجازاً، وقال بعض أهل اللغة: أصل الطروق الدفع والضرب وبذلك سميت الطريق لأن المارة تدقها بأرجلها، وسمي الاَتي بالليل طارقاً لأنه يحتاج غالباً إلى دق الباب. وقيل أصل الطروق السكون ومنه أطرق رأسه فلما كان الليل يسكن فيه سمي الاَتي فيه طارقاً انتهى. وقد روي هذا الحديث عن جابر بألفاظ فروى مسلم من طريق سيار عن عامر عنه بلفظ إذا قدم أحدكم ليلاً فلا يأتين أهله طروقاً حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة. ومن طريق عاصم عن الشعبي عنه بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أطال الرجل الغيبة أن يأتي أهله طروقاً، ومن طريق سفيان عن محارب عنه بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلاً يتخونهم أو يطلب عثراتهم: قال النووي: معنى هذه الروايات كلها أنه يكره لمن طال سفره، أن يقدم على امرأته ليلاً بغتة فأما من كان سفره قريباً تتوقع امرأته إتيانه ليلاً فلا بأس كما قال في إحدى هذه الروايات إذا أطال الرجل الغيبة وإذا كان في قفل عظيم أو عسكر ونحوهم واشتهر قدومهم ووصولهم وعلمت امرأته وأهله أنه قادم معهم وأنهم الاَن داخلون، فلا بأس بقدومه متى شاء لزوال المعنى الذي نهي بسببه، فإن المراد أن يتأهبوا وقد حصل ذلك ولم يقدم بغتة، ويؤيد ما ذكرناه ما جاء في الحديث الاَخر: "أمهلوا حتى ندخل ليلاً أي عشاء كي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة" فهذا تصريح فيما قلناه وهو مفروض في أنهم أرادوا الدخول(7/493)
وفي البابِ عن أَنَسٍ وابنِ عُمَرَ وابنِ عَبّاسٍ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ جَابِرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وَقَدْ رُوِيَ عن ابنِ عَبّاسٍ: "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَاهُمْ أَن يَطْرُقُوا النّسَاءَ لَيْلاً. قالَ فَطَرَقَ رَجُلاَنِ بَعْدَ نَهْىِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدَ كلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً".
__________
في أوائل النهار بغنة فأمرهم بالصبر إلى آخر النهار ليبلغ خبر قدومهم إلى المدينة وتتأهب النساء وغيرهن، انتهى كلام النووي.
قوله : "وفي الباب عن أنس وابن عمر وابن عباس" أما حديث أنس فأخرجه أحمد والشيخان والنسائي، وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن خزيمة في صحيحه، وأما حديث ابن عباس فأخرجه أيضاً ابن خزيمة.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والشيخان.
قوله : "وقد روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم أن يطرقوا النساء ليلاً قال فطرق رجلان الخ" رواه ابن خزيمة ورواه عن ابن عمر أيضاً كما في الفتح.(7/494)
20- باب ما جَاءَ في تَتْرِيبِ الكِتَاب
2856-حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنِ، حدثنَا شَبَابَةُ عن حَمْزَةَ، عن أَبي الزّبَيْرِ عن جَابِرٍ، أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِذَا كَتَبَ أَحَدُكُمْ كِتَاباً فلْيُتَرّبْهُ فَإِنّهُ أَنْجَحُ لِلْحَاجَةِ" .
__________
"باب ما جَاءَ في تَتْرِيبِ الكِتَاب"
قوله: "عن حمزة" بن أبي حمزة الجعفي الجزري النصيبي واسم أبيه ميمون وقيل عمرو، متروك متهم بالوضع من السابعة.
قوله : "فليتربه" بتشديد الراء من التتريب ويجوز أن يكون من الإتراب(7/494)
هذا حديثٌ مُنْكَرٌ لاَ نَعْرِفُهُ عن أَبي الزّبَيْرِ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. قالَ: وَحَمْزَةُ هُوَ عندي ابنُ عَمْرٍو النّصَيْبِيّ وَهُوَ ضَعِيفٌ في الحدِيثِ.
__________
قال في المجمع: أي ليسقطه على التراب اعتماداً على الحق تعالى في إيصاله إلى المقصد أو أراد ذو التراب على المكتوب أو ليخاطب الكاتب خطاباً على غاية التواضع أقوال انتهى. وقال المظهر: قيل معناه فليخاطب خطاباً على غاية التواضع، والمراد بالتتريب المبالغة في التواضع في الخطاب، قال القاري: هذا موافق لمتعارف الزمان لا سيما فيما بين أرباب الدنيا وأصحاب الجاه، لكنه مع بعد مأخذ هذا المعنى من المبنى مخالف لمكاتبته صلى الله عليه وسلم إلى الملوك، وكذا إلى الأصحاب انتهى. قيل ويمكن أن يكون الغرض من التتريب تجفيف بلة المداد صيانة عن طمس الكتابة، ولا شك أن بقاء الكتابة على حالها أنجح للحاجة وطموسها مخل للمقصود، قلت: قول من قال إن المراد بتتريب الكتاب ذو التراب عليه للتجفيف هو المعتمد. قال في القاموس: أتربه جعل عليه التراب انتهى. وقال في النهاية يقال أتربت الشيء إذا جعلت عليه التراب "فإنه نجح للحاجة" بتقديم الجيم على الحاء أي أقرب لقضاء مطلوبه وتيسر مأربه.
قوله : "هذا حديث منكر" لأن في سنده حمزة بن أبي حمزة النصيبي وهو متروك متهم بالوضع كما عرفت، والحديث قد أخرجه أيضاً ابن ماجه من طريق بقية عن أبي أحمد الدمشقي عن أبي الزبير عن جابر ولفظه: "تربوا صحفكم أتجح لها إن التراب مبارك" . وأبو أحمد الدمشقي مجهول. وفي الباب عن أبي الدرداء أخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ: "إذا كتب أحدكم إلى إنسان فليبدأ بنفسه، وإذا كتب فليترب كتابه فهو أنجح" . قال المناوي: وهو ضعيف كما بينه الهيثمي "وحمزة هو ابن عمرو النصيبي الخ" قال الحافظ في تهذيب التهذيب قال المزي: لا نعلم أحداً قال فيه حمزة ابن عمرو إلا الترمذي. وكأنه اشتبه عليه بحماد بن عمرو النصيبي وقد ذكره العقيلي فقال حمزة بن أبي حمزة النصيبي وهو حمزة بن ميمون ثم ساق له الحديث الذي أخرحه الترمذي انتهى. وقال في التقريب في ترجمته" : واسم أبيه ميمون وقيل عمر وكما عرفت آنفاً.(7/495)
21- باب
2857-حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ الْحَارِثِ، عن عَنْبَسَةَ عن مُحمَدِ بنِ زَاذَانَ، عن أُمّ سَعْدٍ، عن زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ قالَ: "دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ يَدَيْهِ كَاتِبٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "ضَعِ القَلَمَ عَلَى أُذُنِكَ فَإِنّهُ أَذْكَرُ لِلْمُمْلي" .
__________
"باب"
قوله: "حدثنا عبد الله بن الحارث" بن عبد الملك المخزومي أبو محمد المكي ثقة من الثامنة، ووقع في النسخة الأحمدية عبيد الله بن الحارث بالتصغير وهو غلط "عن أم سعد" قال الحافظ في تهذيب التهذيب: أم سعد قيل إنها بنت زيد بن ثابت، وقيل امرأته، وقيل إنها من المهاجرات روت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن زيد بن ثابت وعائشة، روى حديثها عنبسة بن عبد الرحمن أحد المتروكين عن محمد بن زاذان عنها، وقيل عن محمد بن وردان عن عبد الله ابن خارجة عنها، انتهى.
قوله : "فسمعته" أي النبي صلى الله عليه وسلم "يقول" أي له "ضع القلم على أذنك" بضم الذال ويسكن أي فوق أذنك معتمداً عليها "فإنه أذكر للمعلى" وفي بعض النسخ للمالي. قال في المجمع: هو فاعل من ملا يملي ولم يجيء في اللغة وإنما فيها ممل ومملئ وفيه أذكر للمعلي وروى المعلي والمراد به الكاتب مجازاً يريد وضع القلم على الأذن أسرع تذكراً فيما يريد الكاتب إنشاءه من العبارات لأنه يقتضي التأني وعدم العجلة، وكون القلم في اليد يحمل على الكتب بأدنى تفكر فلا يحسن عبارته وفي وضعه على الأرض صورة الفراغ عن الكتابة فتقاعد النفس عن التأمل كذا قيل انتهى. وقال القاري: معناه أن وضع القلم على الأذن أقرب تذكراً لموضعه وأيسر محلاً لتتاوله، بخلاف ما إذا وضعه في محل آخر فإنه ربما يتعسر عليه حصوله بسرعة من غير مشقة انتهى. ووقع في المشكاة: فإنه أذكر للمآل. قال القاري: أي لعاقبة الأمر والمعنى أنه أسرع تذكيراً فيما يراد من إنشاء(7/496)
هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ. ومُحمّدُ بنُ زَاذَانَ وَعَنْبَسَةُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ يُضَعّفَانِ.
__________
العبارة في المقصود، ثم قال لعل لفظ المملي هو الصحيح في الحديث وأن لفظ للمآل مصحف عن هذا المقال. ويؤيده رواية ابن عساكر عن أنس بلفظ أذكر لك.
قوله : "هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وهو إسناد ضعيف" قال القاري لكن يعضده أن ابن عساكر روى عن أنس مرفوعاً ولفظه: "إذا كتبت فضع قلمك على أذنك فإنه أذكر لك" ، وقال السيوطي في تعقباته على موضوعات ابن الجوزي: حديث زيد بن ثابت: ضع القلم على أذنك الحديث. فيه عنبسة متروك عن محمد بن زاذان لا يكتب حديثه. قال الحديث أخرجه الترمذي من هذا الوجه وله شاهد من حديث أنس أخرجه الديلمي انتهى.(7/497)
باب في تعليم السريانية
...
22-باب ما جَاءَ في تَعْلِيمِ السّرْيَانِيّة
2787-حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الرحمنِ بنُ أَبي الزّنَادِ عن أَبِيهِ، عن خَارِجَةَ بنِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، عن أَبِيِه زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ قالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَعَلّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ وَقالَ إِنّي وَالله مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي ، قالَ فَمَا مَرّ بي نِصْفُ شَهْرٍ حَتّى
__________
"باب ما جَاءَ في تَعْلِيمِ السّرْيَانِيّة"
بضم السين وسكون الراء وهي لغة الإنجيل والعبرانية لغة التوراة
قوله : "عن أبيه زيد بن ثابت" بن الضحاك بن لوذان الأنصاري التجاري كنيته أبو سعيد ويقال أبو خارجة صحابي مشهور كتب الوحي قال مسروق كان من الراسخين في العلم.
قوله : "وقال" أي النبي صلى الله عليه وسلم في تعليل الأمر على وجه الاستئناف المبين "إني والله ما آمن" بمد همز وفتح ميم مضارع متكلم من أمن الثلاثي ضد خاف "يهود" أي في الزيادة والنقصان "على كتابي" أي لا في(7/497)
تَعَلّمْتُهُ لَهُ، قالَ فَلّمَا تَعَلّمْتُهُ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ كَتَبْتُ الَيْهِمْ، وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وَقَد رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عن زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَقَدْ رَوَاهُ الأَعْمَشُ عن ثَابِتِ بنِ عُبَيْدٍ الأنصاريّ عن زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ قال: "أَمَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَعَلّمَ السّرْيَانِيّةَ".
__________
قراءته ولا في كتابته. قال المظهر أي أخاف إن أمرت يهودياً بأن يكتب مني كتاباً إلى اليهود أن يزيد فيه أو ينقص. وأخاف إن جاء كتاب من اليهود فيقرأه يهودي فيزيد وينقص فيه "قال" أي زيد "فما مر بي" أي ما مضى علي من الزمان "حتى تعلمته" قال الطيبي مغياه مقدر، أي ما مر بي نصف شهر في التعلم حتى كمل تعلمي، قال القاري: قيل فيه دليل على جواز تعلم ما هو حرام في شرعنا للتوقي والحذر عن الوقوع في الشر. كذا ذكره الطيبي في ذيل كلام المظهر وهو غير ظاهر، إذ لا يعرف في الشرع تحريم تعلم لغة من اللغات سريانية أو عبرانية أو هندية أو تركية أو فارسية، وقد قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ} أي لغاتكم بل هو من جملة المباحات، نعم يعد من اللغو ومما لا يعني وهو مذموم عند أرباب الكمال إلا إذا ترتب عليه فائدة فحينئذ يستحب كما يستفاد من الحديث انتهى "كان" أي النبي صلى الله عليه وسلم "إذا كتب إلى يهود" أي أراد أن يكتب إليهم أو إذا أمر بالكتابة إليهم "كتبت إليهم" أي بلسانهم "قرأت له" أي لأجله "كتابهم" أي مكتوبهم إليه.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وذكره البخاري في صحيحه معلقاً قال الحافظ في الفتح هذا التعليق من الأحاديث التي لم يخرجها البخاري إلا معلقة وقد وصله مطولاً في كتاب التاريخ. قال وأخرجه أبو داود والترمذي من رواية عبد الرحمن بن أبي الزناد، وقال الترمذي حسن صحيح انتهى.
قوله : "وقد رواه الأعمش عن ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت يقول أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم السريانية" قال الحافظ بعد نقل كلام(7/498)
.................................................................................................
__________
الترمذي هذا ما لفظه: هذه الطريق وقعت لي بعلو في فوائد هلال الحفار. قال وأخرجه أحمد وإسحاق في مسنديهما وأبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف انتهى كلام الحافظ محتصراً.
فائدة : وقع في رواية عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجه لفظ: أن أتعلم له كلمات من كتاب يهود. ووقع في رواية الأعمش عن ثابت بن عبيد أن أتعلم السريانية، قال الحافظ قصة ثابت يمكن أن تتخذ مع قصة خارجة بأن من لازم تعلم كتابة اليهودية تعلم لسانهم ولسانهم السريانية، لكن المعروف أن لسانهم العبرانية فيحتمل أن زيداً تعلم اللسانين لاحتياجه إلى ذلك.(7/499)
23-باب في مُكَاتبَةِ المشْرِكِين
2859-حدثنا يُوسُفُ بنُ حَمّادٍ البَصْرِيّ، حدثنا عَبْدُ الله الأَعْلَى عن سَعِيدٍ، عن قَتَادَةَ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ: "أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَتَبَ قَبْلَ مَوْتِهِ إِلَى كِسْرَى وَإِلَى قَيْصَرَ، وَإِلَي بالنّجَاشِيّ وَإِلَى كُلّ جَبّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى الله، وَلَيْسَ النّجَاشِيّ الّذِي صَلّى عَلَيْهِ.
__________
"باب في مُكَاتبَةِ المشْرِكِين"
قوله: "حدثنا يوسف بن حماد البصري" المعنى ثقة من العاشرة "أخبرنا عبد الأعلى" ابن عبد الأعلى.
قوله : "كتب قبل موته إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي" بفتح النون وتخفيف الجيم وبعد الألف شين معجمة ثم ياء ثقيلة كياء النسب وقبل بالتخفيف ورجحه الصغاني وحكى المطرزي تشديد الجيم عن بعضهم وخطأه، قال النووي أما كسرى فبفتح الكاف وكسرها وهو لقب لكل من ملك من ملوك الفرس، وقيصر لقب من ملك الروم، والنجاشي لقب من ملك الحبشة، وخاقان لكل من ملك الترك، وفرعون لكل من ملك القبط، والعزيز لكل من ملك مصر، وتبع لكل من ملك حمير "وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله" روى الطبراني من حديث المسور بن مخرمة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فقال إن الله(7/499)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.
__________
بعثني للناس كافة فأدوا عني ولا تختلفوا علي فبعث عبد الله بن حذافة إلى كسرى، وسليط بن عمرو إلى هوذة بن علي باليمامة، والعلاء بن الحضري إلى المنذر بن ساوي يهجر وعمرو بن العاص إلى جيفر وعباء ابني الجلندي بعمان، ودحية إلى قيصر، وشجاع بن وهب إلى ابن أبي شمر للغساني، وعمرو بن أمية إلى النجاشي، فرجعوا جميعاً قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم غير عمرو بن العاص. وزاد أصحاب السير أنه بعث المهاجر بن أبي أمية بن الحارث بن عبد كلال وجرير إلى ذي الكلاع، والسائب إلى مسيلمة، وحاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ذكره الحافظ في الفتح "وليس بالنجاشي الذي صلى عليه" أي النبي صلى الله عليه وسلم فيه أن النجاشي الذي بعث إليه غير النجاشي الذي أسلم وصلى عليه واسمه أصحمة بوزن أفعلة مفتوح العين: قال النووي في هذا الحديث جوار مكاتبة الكفار ودعائهم إلى الإسلام والعمل بالكتاب وبخبر الواحد.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه مسلم.(7/500)
24-باب كَيْفَ يُكْتَبُ إِلَى أَهْلِ الشرْك
2860-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا يُونُسُ عن الزّهْرِيّ، قالَ أخبرني عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ أَنّهُ، اخبَره أَنّ أَبَا سُفْيَانَ بنَ حَرْبٍ، اخبره أَنّ هِرَقلَ أَرْسَلَ
__________
"باب كَيْفَ يُكْتَبُ إِلَى أَهْلِ الشرْك"
قوله: "أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة" بن مسعود الهذلي أبو عبد الله المدني ثقة فقيه ثبت من الثالثة "أن أبا سفيان بن حرب" اسمه صخر بن حرب ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي صحابي شهير أسلم عام الفتح.
قوله : "أن هرقل" بكسر الهاء وفتح الراء وإسكان القاف هذا هو المشهور، ويقال هرقل بكسر الهاء وإسكان الراء وكسر القاف حكاه الجوهري في صحاحه وهو اسم علم له ولقبه قيصر وكذا كل من ملك الروم يقال له قيصر "أرسل(7/500)
إِلَيْهِ في نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وكَانُوا تُجّاراً بالشّامِ فَأَتوهُ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قالَ: ثُمَ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقُرِئَ فَإِذَا فِيهِ "بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ مِنْ مُحَمّدٍ عَبْدِ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقلَ عَظِيمِ الرّومِ السّلاَمُ عَلَى مَنْ اتّبَعَ الْهُدَى، أَمّا بَعْدُ" .
__________
إليه" أي إلى أبي سفيان "في نفر من قريش" وفي رواية للبخاري في ركب من قريش. قال الحافظ جمع راكب كصحب وصاحب وهم أولو الإبل العشرة فما فوقها. والمعنى أرسل إلى أبي سفيان حال كونه في جملة الركب وذاك لأنه كان كبيرهم فلهذا خصه وكان عدد الركب ثلاثين رجلاً. رواه الحاكم في الإكليل انتهى "وكانوا تجاراً" بضم التاء وتشديد الجيم أو كسرها والتخفيف جمع تاجر "فذكر الحديث" ورواه الشيخان بطوله "ثم دعا" أي من وكل ذلك إليه ولهذا عدى إلى الكتاب بالباء والله أعلم "بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرئ" وفي رواية البخاري: ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به مع دحية الكلبي إلى عظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل فقرأه "فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم السلام على من اتبع الهدى أما بعد" وتمامه "فإني ادعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} كذا في رواية الشيخين. قال النووي: في هذا الكتاب جعل من القواعد وأنواع من الفوائد منها استحباب تصدير الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم وإن كان المبعوث إليه كافراً، ومنها أن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الاَخر: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجزم" . المراد بالحمد لله ذكر الله تعالى. وقد جاء في رواية بذكر الله تعالى وهذا الكتاب كان ذا بال من المهمات العظام وبدأ فيه بالبسملة دون الحمد، ومنها أن السنة في المكاتبة والرسائل بين الناس أن يبدأ الكاتب بنفسه فيقول من زيد إلى عمرو وهذه مسألة مختلف فيها. قال الامام أبو جعفر في كتابه صناعة(7/501)
__________
الكتاب قال أكثر العلماء يستحب أن يبدأ بنفسه كما ذكرنا. ثم روى فيه أحاديث كثيرة وآثاراً قال وهذا هو الصحيح عند أكثر العلماء لأنه إجماع الصحابة، قال وسواء في هذا تصدير الكتاب والعنوان قال ورخص جماعة في أن يبدأ بالمكتوب إليه فيقول في التصدير والعنوان إلى فلان من فلان، ثم روى بإسناده أن زيد بن ثابت كتب إلى معاوية فبدأ باسم معاوية، وعن محمد بن الحنفية وبكر بن عبد الله وأيوب السختياتي أنه لا بأس بذلك، قال وأما العنوان فالصواب أن يكتب عليه إلى فلان ولا يكتب لفلان لأنه إليه لا له إلا على مجاز، قال هذا هو الصواب الذي عليه أكثر العلماء من الصحابة والتابعين، ومنها التوقي في المكاتبة واستعمال الورع فيها فلا يفرط ولا يفرط، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم فلم يقل ملك الروم لأنه لا ملك له ولا لغيره إلا بحكم دين الإسلام ولا سلطان لأحد إلا من ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ولاه من أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرطه، وإنما ينفذ من تصرفات الكفار ما ينفذه للضرورة، ولم يقل إلى هرقل فقط بل أتى بنوع من الملاطفة فقال عظيم الروم أي الذي يعظمونه ويقدمونه، وقد أمر الله تعالى بإلانة القول لمن يدعى إلى الإسلام فقال تعالى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} وقال تعالى {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} وغير ذلك، ومنها استحباب البلاغة والإيجاز وتحري الألفاظ الجزلة في المكاتبة فإنقوله صلى الله عليه وسلم أسلم تسلم في نهاية من الاختصار وغاية من الإيجاز والبلاغة وجمع المعاني، مع ما فيه من بديع التجنيس وشموله لسلامته من خزي الدنيا بالحرب والسبي والقتل وأخذ الديار والأموال ومن عذاب الاَخرة، ومنها: استحباب أما بعد في الخطب والمكاتبات، وقد ترجم البخاري لهذه باباً في كتاب الجمعة ذكر فيه أحاديث كثيرة انتهى كلام النووي. وفيه أن السنة إذا كتب كتاباً إلى الكفار أن يكتب السلام على من اتبع الهدى أو السلام على من تمسك بالحق أو نحو ذلك. قال ابن بطال: في الحديث حجة لمن أجاز مكاتبة أهل الكتاب بالسلام عند الحاجة. قال الحافظ: في جواز السلام على الإطلاق نظر، والذي يدل عليه الحديث السلام المقيد مثل ما في الخبر السلام على من اتبع الهدى أو السلام على من تمسك بالحق، أو نحو ذلك انتهى.(7/502)
هذا حديث حسن صحيح. وَأَبُو سُفْيَانَ اسْمُهُ صَخْرُ بنُ حَرْبٍ.
__________
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري محتصراً ومطولاً، وأخرجه مسلم مطولاً.(7/503)
25-باب ما جَاءَ في خَتْمِ الكِتاب
2861-حدثنا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، حدثني أَبي عن قَتَادَةَ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ: "لَمّا أَرَادَ نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الْعَجَمِ، قِيلَ لَهُ إِنّ العَجَمَ لاَ يَقْبَلُونَ إِلاّ كِتَاباً عَلَيْهِ خَاتَمٌ فَاصْطَنَعَ خَاتِماً. قالَ فَكَأَنّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ في كَفّهِ".
هَذا حديث حسن صحيح.
__________
"باب ما جَاءَ في خَتْمِ الكِتاب"
قوله: "إلى العجم" وفي رواية للبخاري إلى رهط أو أناس من الأعاجم، وفي رواية لمسلم إلى كسرى وقيصر والنجاشي "إلا كتاباً عليه خاتم" فيه حذف مضاف، أي عليه نقش خاتم "فاصطنع خاتماً" أي أمر أن يصنع له، وفي رواية للبخاري: فاتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من فضة نقشه محمد رسول الله، قال الحافظ جزم أبو الفتح اليعمري أن اتخاذ الخاتم كان في السنة السابعة وجزم غيره بأنه كان في السادسة ويجمع بأنه كان في أواخر السادسة وأوائل السابعة لأنه إنما اتخذه عند إرادته مكاتبة الملوك وكان في أواخر السادسة وأوائل السابعة لأنه إنما اتخذه عند إرادته مكاتبة الملوك وكان إرساله إلى الملوك في مدة الهدنة وكان في ذي القعدة سنة ست ورجع إلى المدينة في ذي الحجة، ووجه الرسل في المحرم من السابعة وكان اتخاذه الخاتم قبل إرساله الرسل إلى الملوك انتهى "فكأني أنظر إلى بياضه في كفه" وفي رواية للبخاري: فكأني بوبيص أو بصيص الخاتم في أصبع النبي صلى الله عليه وسلم أو في كفه، وفي أخرى له: فإني لأرى بريقه في خنصره.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.(7/503)
26- باب كَيْفَ السلاَم
2862-حدثنا سُوَيْدٌ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا سُلَيْمَانُ بنُ المُغيرَةِ أخبرنا ثَابِتٌ البُنَانِيّ أخبرنا ابنُ أَبي لَيْلَى عن المِقْدَادِ بنِ الأَسْوَدِ قالَ: "أَقْبَلْتُ أَنَا وَصَاحِبَانِ لِي قَدْ ذَهَبَتْ أَسْمَاعُنَا وَأَبْصَارُنَا مِنَ الْجُهْدِ، فَجَعَلْنَا نَعْرِضُ عَلَى أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْبَلُنَا، فَأَتَيْنَا النبيّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَى بِنَا أَهْلَهُ فَإِذَا ثَلاَثَةُ أَعْنُزٍ فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "احتَلِبُوا هَذَا الّلبَنَ"، وَكُنّا نَحْتَلِبُهُ فَيَشْرَبُ كُلّ إِنْسَانٍ نَصِيْبَهُ وَنَرْفَعُ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم نَصِيْبَهُ، فَيَجِيءُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الّليْلِ فَيُسَلّمُ تَسْلِيماً لاَ يُوقِظُ النّائم، وَيُسْمِعُ اليَقْظَانَ ثُمّ يَأْتِي المَسْجِدَ فَيُصَلّي، ثُمّ يَأْتِي شَرَابَهُ فَيَشْرَبُهُ".
__________
"باب كَيْفَ السلاَم"
قوله: "أخبرنا سليمان بن المغيرة" القيسي مولاهم البصري أبو سعيد ثقة قال يحيى بن معين من السابعة أخرج له البخاري مقروناً وتعليقاً "أخبرنا ابن أبي ليلى" هو عبد الرحمن بن أبي ليلى.
قوله : "قد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد" بفتح الجيم وهو المشقة والجوع "فليس أحد يقبلنا" هذا محمول على أن الذين عرضوا أنفسهم عليهم كانوا مقلين ليس عندهم شيء يواسون "فإذا ثلاثة أعتز" كذا في النسخ الموجودة بالتاء، وكذلك في صحيح مسلم. والظاهر أن يكون ثلاث أعنز بغير التاء قال في القاموس العنز الأنثى من المعز والجمع أعنز وعنوز وعناز "احتلبوا هذا اللبن" زاد مسلم بيننا "فيشرب كل إنسان" أي منا كما في رواية مسلم "وترفع" بالنون وفي بعض النسنخ بالياء. في صحيح مسلم بالنون "فيسلم تسليماً لا يوقظ النائم ويسمع اليقظان" قال النووي: فيه أدب السلام على الأيقاظ في موضع فيه نيام(7/504)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
أو من في معناهم وأن يكون سلاماً متوسطاً بين الرفع والمخافتة بحيث يسمع الأيقاظ ولا يهوش على غيرهم.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم مطولاً في باب إكرام الضيف وفضل إيثاره.(7/505)
27-باب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ التّسْلِيمِ عَلَى مَنْ يَبُول
2863-حدثنا محمد بن بشار وَنَصْرُ بنُ عَلِي قالاَ: حدثنا أَبُو أَحْمَدَ الزّبيْرِيّ عن سُفْيَانَ عن الضّحّاكِ بنِ عُثْمَانَ عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَر "أَنّ رَجُلاً سَلّمَ عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبُولُ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ النبيّ صلى الله عليه وسلم يعني السّلاَمَ".
2864-حدثنا مُحمّدُ بنُ يَحْيَى النّيْسَابُورِيّ، أَخبَرَنَاْ مُحمّدُ بنُ يُوسُفَ عن سُفْيَانَ، عن الضّحّاكِ بنِ عُثْمَانَ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ. وفي البابِ عن عَلْقَمَةَ بنِ الفَغْوَاءِ وَجَابِرٍ وَالبَرَاءِ وَمهَاجِرِ بن قُنْفُدٍ.
__________
"باب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ التّسْلِيمِ عَلَى مَنْ يَبُول"
قوله: "أن رجلاً سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول الخ" قد تقدم هذا الحديث بسنده ومتنه في باب كراهة رد السلام غير متوضيء وتقدم هناك شرحه.
قوله : "وفي الباب عن علقمة بن الفغواء الخ" وقد تقدم تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة في الباب المذكور.
إعلم أنه قد وقع في النسخة الأحمدية في الباب المذكرو علقمة بن الشفواء بالشين والفاء وهو غلط والصحيح علقمة بن الغفواء بفاء مفتوحة وغين معجمة ساكنة. كما وقع في هذا الباب وكذلك وقع بالفاء والغين المعجمة في مجمع الزوائد(7/505)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
في باب قراءة الجنب وكذلك وقع في رواية الدارقطني والطحاوي من طريق عبد الله بن محمد بن حزم عن عبد الله بن علقمة بن الفغواء عن أبيه، وقال ابن حبان علقمة بن الفغراء بفاء مفتوحة ومعجمة ساكنة له صحبة، وكذا ضبطه صاحب مجمع البحار في المغني بفاء مفتوحة وسكون غين معجمة.(7/506)
28-باب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يَقُول عَلَيكَ السّلاَمُ مُبْتدِئاً
2865-حدثنا سُوَيْدٌ، أخبرنا عَبْدُ الله، أخبرنا خَالِدٌ الْحَذّاءُ عن أَبي تَمِيمَةَ الهُجَيْمِيّ عن رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالَ: "طَلَبْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ فَجَلَسْتُ فَإِذَا نَفَرٌ هُوَ فِيهِمْ، وَلاَ أَعْرِفُهُ وَهُوَ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ فَلَمّا فَرَغَ قَامَ مَعَهُ بَعْضُهُمْ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ الله فَلَمّا رَأَيتُ ذَلِكَ، قُلْتُ عَلَيْكَ السّلاَمُ يَا رَسُولَ الله، عَلَيْكَ السّلاَمُ يَا رَسُولَ اللّهِ، عَلَيْكَ السّلاَمُ يَا رَسُولَ اللّهِ، قالَ: إِنّ عَلَيْكَ السّلاَمُ تَحِيَةُ المَيّتِ، ثُمّ أَقْبَلَ
__________
"باب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يَقُول عَلَيكَ السّلاَمُ مُبْتدِئاً"
قوله: "عن أبي تميمة" بفتح أوله اسمه طريف ابن مجالد "الهجيمي" بالجيم مصغراً البصري ثقة من الثالثة.
قوله : "ولا أعرفه" أي النبي صلى الله عليه وسلم "قال إن عليك السلام تحية الميت" قال الخطابي هذا يوهم أن السنة في تحية الميت أن يقال له عليك السلام كما يفعله كثير من العامة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل المقبرة فقال: السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين فقدم الدعاء على اسم المدعو له هو في تحية الأحياء وإنما كان ذلك القول منه إشارة إلى ما جرت به العادة منهم في تحية الأموات إذ كانوا يقدمون اسم الميت على الدعاء وهو مذكور في أشعارهم كقول الشاعر:(7/506)
عَلَيّ فَقَالَ: إِذَا لَقِيَ الرّجُلُ أَخَاهُ المُسْلِمَ فَلْيَقُلْ السّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ ، ثُمَ رَدّ عَلَيّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: " وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله، وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله وعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله" .
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو غِفَارٍ عن أَبي تَمِيمَةَ الهُجَيْمِيّ عن أَبي جُرَىّ جَابِرِ بنِ سُلَيْمٍ الْهُجَيْمِيّ قالَ: أَتَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَأَبُو تَمِيمَةَ اسْمُهُ طَرِيفُ بنُ مُجَالدٍ.
__________
عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته إن شاء أن يترحما
وكقول الشماخ:
عليك السلام من أمير وباركت ... يد الله ذلك الأديم الممزق
والسنة لا تختلف في تحية الأحياء والأموات بدليل حديث أبي هريرة الذي ذكرناه والله أعلم انتهى. وقال الحافظ ابن القيم في كتابه زاد المعاد: وكان هديه في ابتداء السلام أن يقول السلام عليكم ورحمة الله، وكان يكره أن يقول المبتدئ عليك السلام، قال أبو جري الهجيمي: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت عليك السلام يا رسول الله، فقال: لا تقل عليك السلام لأن عليك السلام تحية الموتى حديث صحيح وقد أشكل هذا الحديث على طائفة وظنوه معارضاً لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في السلام على الأموات بلفظ السلام عليكم بتقديم السلام فظنوا أنقوله فإن عليك السلام فحية الموتى إخبار عن المشروع وغلطوا في ذلك غلطاً أوجب لهم ظن التعارض، وإنما معنىقوله فإن عليك السلام تحية الموتى إخبار عن الواقع لا المشروع، أي أن الشعراء وغيرهم يحيون الموتى بهذه اللفظة كقول قائلهم:
عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما
فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما
فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يحيا بتحية الأموات، ومن كراهته لذلك(7/507)
2866-حدثنا بِذَلِكَ الْحَسَنُ بنُ عَلِىٍ الخلال حدثنا أَبُو أُسَامَةَ عن أَبي غِفَارٍ المُثَنّى بنِ سَعِيدٍ الطّائِيّ عن أَبي تَمِيمَةَ الهُجَيْمِيّ عن جَابِرِ بنِ سُلَيْم قالَ: "أَتَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ عَلَيْكَ السّلاَمُ فقالَ: لا تَقُلْ عَلَيْكَ السّلاَمُ، وَلَكِنْ قُلْ السّلاَمُ عَلَيْكُمْ" وَذَكَرَ قِصّةً طَوِيلَةً.
وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2867-حدثنا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ أخبرنا عَبْدُ الصّمَدِ بنُ عَبْدِ الْوَارِثِ أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُثَنّى، أخبرنا ثُمَامَةُ بنُ عَبْدِ الله بن أنس بن مالكٍ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ: "أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَلّمَ ثَلاَثاً، وَإِذَا تَكَلّمَ
__________
لم يرد على المسلم، وكان يرد على المسلم وعليك السلام بالواو، وبتقديم عليك على لفظ السلام انتهى.
قلت: فيقوله ومن كراهته لذلك لم يرد على المسلم نظر فإنه قد وقع في رواية الترمذي هذه، ثم رد على النبي صلى الله عليه وسلم قال وعليك ورحمة الله.
قوله : "عن أبي غفار المثنى بن سعيد الطائي" قال في التقريب المثنى بن سعد أو سعيد الطائي أبو غفار بكسر المعجمة وتخفيف الفاء آخره راء وقيل بفتح المهملة والتشديد آخره نون بصرى ليس به بأس من السادسة "عن جابر بن سليم" كنيته أبو جرى بضم الجيم وفتح الراء مصغراً، قال الحافظ في التقريب أبو جرى بالتصغير الهجيمي بالتصغير أيضاً اسمه جابر ابن سليم وقيل سليم بن جابر صحابي معروف انتهى. وقال في تهذيب التهذيب. قال البخاري جابر بن سليم أصح وكذا ذكره البغوي والترمذي وابن حبان وغيرهم انتهى.
قوله : "وذكر قصة طويلة" كذا رواه الترمذي مختصراً ورواه أبو داود مطولا بالقصة الطويلة في باب إسبال الإزار.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه.
قوله : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم سلم ثلاثاً" قال(7/508)
بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاَثاً".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.
__________
الحافظ ابن القيم في زاد المعاد: كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يسلم ثلاثاً كما في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً حتى تفهم عنه وإذا أتى على قوم فسلم عليهم سلم ثلاثاً حتى يفهم، ولعل هذا كان هديه في السلام على الجمع الكثير الذين لا يبلغهم سلام واحد أو هديه في إسماع السلام الثاني والثالث إن ظن أن الأول لم يحصل به الإسماع كما سلم لما انتهى إلى منزل سعد بن عبادة ثلاثاً فلما لم يجبه أحد رجع وإلا فلو كان هديه الدائم التسليم ثلاثاً لكان أصحابه يسلمون عليه كذلك، وكان يسلم على كل من لقيه ثلاثاً وإذا دخل بيته ثلاثاً، ومن تأمل هديه علم أن الأمر ليس كذلك وأن تكرار السلام منه كان أمرأ عارضاً في بعض الأحيان انتهى. "وإذا تكلم بكلمة" أي جملة مفيدة "أعادها ثلاثاً" زاد البخاري في رواية حتى تفهم عنه.
قوله : "هذا حديث حسن غريب صحيح" وأخرجه أحمد والبخارى.(7/509)
29-باب
2868-حدثنا الأَنْصَارِيّ، أَخْبَرنَا مَعْنٌ، حدثنَا مَالِكٌ عن إِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أَبي طَلْحَةَ عن أَبي مُرَةَ مولى عقيل بن أبي طالب عن أَبي وَاقِدٍ الّليْثِيّ: "أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ في المَسْجِدِ، وَالنّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ ثَلاَثُة نَفَرٍ. فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: وَذَهَبَ
__________
"باب"
قوله: "حدثنا الأنصاري" هو إسحاق بن موسى الأنصاري "عن أبي مرة" اسمه يزيد مولى عقيل بن أبي طالب ويقال مولى أخته أم هاني مدني مشهور بكنيته ثقة من الثالثة.
قوله : "إذ أقبل ثلاثة نفر" النفر بالتحريك للرجال من ثلاثة إلى عشرة(7/509)
وَاحِدٌ، فَلَمّا وَقَفَا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم سَلّمَا، فَأَمّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً في الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا، وَأَمّا الاَخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، وَأَمّا الاَخَرُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبَاً، فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: " أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عن النّفَرِ الثّلاَثَةِ؟ أَمّا أَحَدُهم فَأَوَى إِلى الله فَآوَاهُ الله، وَأَمّا الاَخَرُ
__________
والمعنى ثلاثة هم نفر والنفر اسم جمع ولهذا وقع مميزاً للجمع كقوله تعالى: {تِسْعَةُ رَهْطٍ } "فأقبل اثنان" بعد قوله أقبل ثلاثة هما إقبالان كأنهم أقبلوا أولا من الطريق فدخلوا المسجد مارين كما في حديث أنس: فإذا ثلاثة نفر يمرون فلما رأوا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أقبل إليه اثنان منهم واستمر الثالث ذاهباً. كذا في الفتح "فلما وقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي على مجلس رسول صلى الله عليه وسلم أو على بمعنى عند "فرأى فرجة" بضم الفاء وفتحها لغتان وهي الخلل بين الشيئين ويقال لها أيضاً فرج ومنه قوله تعالى: {وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} جمع فرج، وأما الفرجة بمعنى الراحة من الغم فذكر الأزهري فيها فتح الفاء وضمها وكسرها، وقد فرج له في الحلقة والصف ونحوهما بتخفيف الراء يفرج بضمها "في الحلقة" بإسكان اللام على المشهور كل شيء مستدير خالي الوسط والجمع حلق بفتحتين وحكى فتح اللام في الواحد وهو نادر "أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله" قال النووي لفظه أوى بالقصر وآواه بالمد هكذا الرواية وهذه هي اللغة الفصيحة وبها جاء القرآن أنه إذا كان لازماً كان مقصوراً وإن كان متعدياً كان ممدوداً، قال الله تعالى: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ} وقال تعالى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} وقال في التعدي {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} وقال تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى} قال القاضي وحكى بعض أهل اللغة فيهما جميعاً لغتين القصر والمد فيقال أويت إلى الرجل بالقصر والمد وآويته وأويته بالمد والقصر والمشهور الفرق كما سبق. قال العلماء: معنى أوى إلى الله أي لجأ إليه. قال القاضي وعندي أن معناه هنا دخل مجلس ذكر الله تعالى، أو دخل مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجمع أوليائه وانضم إليه، ومعنى آواه الله أي قبله وقربه وقيل معناه(7/510)
فَاسْتَحْيَى فَاسْتَحيَى الله مِنْهُ، وَأَمّا الاَخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ الله عَنهُ" .
__________
رحمه أو آواه إلى جنته أو كتبها له "وأما الاَخر فاستحيى فاستحيى الله منه" قال النووي: أي ترك المزاحمة والتخطي حياء من الله تعالى ومن النبي صلى الله عليه وسلم والحاضرين أو استحياء منهم أن يعرض ذاهباً كما فعل الثالث فاستحيى الله منه أي رحمه ولم يعذبه بل غفر ذنوبه، وقيل جازاه بالثواب، قالوا ولم يلحقه بدرجة صاحبه الأول في الفضيلة الذي آواه وبسط له اللطف وقربه، قال وهذا دليل اللغة الفصيحة أنه يجوز في الجماعة أن يقال في غير الأخير منهم الاَخر، فيقال حضرني ثلاثة أما أحدهم فقرشي وأما الاَخر فأنصاري وأما الاَخر فتيمي. وقد زعم بعضهم أنه لا يستعمل الاَخر إلا في الأخير خاصة وهذا الحديث صريح في الرد عليه انتهى "وأما الاَخر فأعرض فأعرض الله عنه" أي لم يرحمه، وقيل سخط عليه، وهذا محمول على إنه ذهب معرضاً لا لعذر وضرورة قاله النووي، وقال الحافظ: أي سخط عليه وهو محمول على من ذهب معرضاً لا لعذر هذا إن كان مسلماً، ويحتمل أن يكون منافقاً واطلع النبي صلى الله عليه وسلم على أمره كما يحتمل أن يكونقوله صلى الله عليه وسلم فأعرض الله عنه إخباراً أو دعاء، ووقع في حديث أنس: فاستغنى فاستغنى الله عنه. وهذا يرشح كونه خبراً، وإطلاق الإعراض وغيره في حق الله تعالى على سبيل المقابلة والمشاكلة فيحمل كل لفظ منها على ما يليق بجلاله سبحانه وتعالى. وفائدة إطلاق ذلك بيان الشيء بطريق واضح انتهى. وفي الحديث استحباب جلوس العالم لأصحابه وغيرهم في موضع بارز ظاهر للناس والمسجد أفضل فيذاكرهم العلم والخير. وفيه جواز حِلَق العلم والذكر في المسجد واستحباب دخولها ومجالسة أهلها وكراهة الانصراف عنها من غير عذر واستحباب القرب من كبير الحلقة ليسمع كلامه سماعاً بيناً ويتأدب بأدبه، وأن قاصد الحلقة إن رأى فرجة دخل فيها وإلا جلس وراءهم، وفيه الثناء على من فعل جميلاً فإنه صلى الله عليه وسلم أثنى على الاثنين في هذا الحديث وأن الإنسان إذا فعل قبيحاً ومذموماً وباح به جاز أن ينسب إليه.(7/511)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَأَبُو وَاقِدٍ اللْيثيّ اسْمُهُ الْحَارِثُ بنُ عَوْفٍ وَأَبُو مُرّةَ مَوْلَى أُمّ هَانِيء بِنْتِ أَبي طَالِبٍ، وَاسْمُهُ يَزِيدُ وَيُقَالُ مَوْلَى عَقِيلِ بنِ أَبي طَالِبٍ.
2869-حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا شَرِيكٌ عن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ عن جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ قالَ: "كُنّا إِذَا أَتَيْنَا النبيّ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ أَحَدُنَا حَيْثُ يَنْتَهِي".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ. وَقَدْ رَوَاهُ زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ عن سِمَاكٍ.
__________
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري في العلم وفي الصلاة وأخرجه مسلم في كتاب السلام وأخرجه النسائي في العلم.
قوله : "كنا إذا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم" أي مجلسه الشريف "جلس أحدنا حيث ينتهي" أي هو إليه من المجلس، أو حيث ينتهي المجلس إليه، والحاصل أنه لا يتقدم على أحد من حضارة نأدباً وتركاً للتكلف ومخالفة لحظ النفس من طلب العلو كما هو شأن أرباب الجاه.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو داود والنسائي.(7/512)
باب ما جاء ما على الجالس على الطريق
...
30-باب مَا جَاءَ في الْجَالِسِ على الطّرِيق
2870-حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَبُو دَاوُدَ عن شُعْبَةَ عن أَبي إِسْحَاقَ عن البَرَاءِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ: "أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرّ بِنَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُمْ جُلُوسٌ في الطّرِيقِ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتُمْ لاَ بُدّ فَاعِلِينَ فَرُدّوا السّلاَمَ وَأَعِينُوا المَظْلُومَ وَاهْدُوا السّبِيلَ".
__________
"باب مَا جَاءَ في الْجَالِسِ على الطّرِيق"
قوله: "ولم يسمعه منه" أي لم يسمع أبو إسحاق هذا الحديث من البراء "إن كنتم لا بد فاعلين" أي الجلوس في الطريق "فردوا السلام" أي على المسلمين(7/512)
وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ وَأَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيّ.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
__________
"واهدوا السبيل" أي للضال والأعمى وغيرهما. وقد ذكر في هذا الحديث ثلاثة حقوق من حقوق الطريق وقد جاءت في الأحاديث حقوق أخرى غير هذه الثلاثة. قال الحافظ بعد ذكر هذه الأحاديث ما لفظه: ومجموع ما في هذه الأحاديث أربعة عشر أدباً، وقد نظمتها في ثلاثة أبيات وهي:
جمعت آداب من رام الجلوس على الطريق ... من قول خير الخلق إنسانا
أفشى السلام وأحسن في الكلام وشم ... ت عاطساً وسلاماً رد احسانا
في الحمل عاون ومظلوماً أعن وأغث ... لهفان واهد سبيلا واهد حيرانا
بالعرف مر وانه عن نكر وكف أذى ... وغض طرفاً وأكثر ذكر مولانا
قوله : "وفي الباب عن أبي هريرة وأبي شريح الخزاعي" ، أما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود وابن حبان، وأما حديث أبي شريح الخزاعي فأخرجه أحمد. وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الحافظ في الفتح.
قوله : "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد والحديث منقطع فتحسينه لشواهده.(7/513)
31-باب مَا جَاءَ في المُصَافَحَة
2871-حدثنا سُوَيْدٌ أخبرنا عَبْدُ الله أخبرنا حَنْظَلَةُ بنُ عُبَيْدِ الله
__________
"باب مَا جَاءَ في المُصَافَحَة"
قال في تاج العروس شرح القاموس: الرجل يصافح الرجل إذا وضع صفح كفه في صفح كفه وصفحا كفيهما وجهاهما، ومنه حديث المصافحة عند اللقاء وهي مفاعلة من إلصاق صفح الكف بالكف وإقبال الوجه على الوجه كذا في اللسان والأساس والتهذيب فلا يلتفت إلى من زعم أن المصافحة غير عربي انتهى. وقال الجزري في النهاية: ومنه حديث المصافحة عند اللقاء وهي مفاعلة من إلصاق صفح الكف بالكف وإقبال الوجه على الوجه. وقال الحافظ في الفتح: هي مفاعلة من الصفحة والمراد بها الإفضاء بصفحة اليد إلى صفحة اليد، وكذا قال القاري في المرقاة والطحاوي وغيرهما من العلماء الحنفية.
قوله : "أخبرنا عبد الله" هو ابن المبارك "أخبرنا حنظلة بن عبيد الله" قال(7/513)
عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: قالَ رَجُلٌ: "يَا رَسُولَ الله الرّجُلُ مِنّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: لاَ، قالَ: فَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبّلُهُ قَالَ: لاَ، قَالَ: فَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ، قَالَ: نَعَمْ" .
هذا حديثٌ حسنٌ.
2872-حدثنا سُوَيْدٌ، أخبرنا عَبْدُ الله، أخبرنا هَمّامٌ عن قَتَادَةَ قَالَ: "قُلْتُ لأَنَسِ بنِ مَالِكٍ هَلْ كَانَتْ المُصَافَحَةُ في أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ".
__________
الذهبي في الميزان: حنظلة السدوسي البصري يقال ابن عبد الله ويقال ابن عبيد الله وقيل بن أبي صفية، قال يحيى: تركته عمداً كان قد اختلط وضعفه أحمد وقال منكر الحديث يحدث بأعاجيب، وقال ابن معين ليس بشيء تغير في آخر عمره، وقال النسائي ليس بقوي، وقال مرة ضعيف قال: له في الكتابين يعني الترمذي وابن ماجة حديث واحد وهو: أينحني بعضنا لبعض حديث قال: لا. حسنة الترمذي انتهى.
قوله : "الرجل منا" أي من المسلمين "يلقي أخاه" أي في الدين "أو صديقه" أي حبيبه وهو أخص مما قبله "أينحني له" من الانحناء وهو إمالة الرأس والظهر "قال لا" فإنه في معنى الركوع وهو كالسجود من عبادة الله سبحانه "قال أفيلتزمه" أي يعتنقه ويضمه إلى نفسه "ويقبله" من التقبيل "قال لا" استدل بهذا الحديث من كره المعانقة والتقبيل وسيأتي الكلام في هاتين المسألتين في الباب الذي يليه "قال فيأخذ بيده ويصافحه" عطف تفسير أو الثاني أخص وأتم قال القاري. قلت: بل الثاني المتعين فإن الأخذ باليد والمصافحة عموماً وخصوصاً مطلقاً.
قوله : "هذا حديث حسن" وأخرجه ابن ماجة في الأدب ومداره على حنظلة السدوسي وقد عرفت حالة.
قوله : "قلت لأنس بن مالك: هل كانت المصافحة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم" فيه مشروعية المصافحة قال ابن بطال المصافحة حسنة عند عامة العلماء وقد استحبها مالك بعد كراهته. وقال النووي المصافحة سنة(7/514)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
مجمع عليها عند التلاقي. قال الحافظ: ويستثنى من عموم الأمر بالمصافحة المرأة الأجنبية والأمرد الحسن انتهى.
تنبيه : قال النووي في الأذكار: اعلم أن هذه المصافحة مستحبة عند كل لقاء وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه ولكن لا بأس به فإن أصل المصافحة سنة وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال وفرطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها لا تخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها. وقد ذكر الإمام أبو محمد بن عبد السلام أن البدع على خمسة أقسام واجبة ومحرمة ومكروهة ومستحبة ومباحة قال ومن أمثلة البدع المباحة المصافحة عقب الصبح والعصر انتهى. قال الحافظ بعد ذكر كلام النووي هذا ما لفظه: وللنظر فيه مجال فإن أصل صلاة النافلة سنة مرغب فيها ومع ذلك فقد كره المحققون تخصيص وقت بها دون وقت، ومنهم من أطلق مثل ذلك كصلاة الرغائب التي لا أصل لها انتهى. وقال القاري بعد ذكر كلام النووي: ولا يخفى أن في كلام الإمام نوع تناقض لأن إتيان السنة في بعض الأوقات لا يسمى بدعة مع أن عمل الناس في الوقتين المذكورين ليس على وجه الاستحباب المشروع، فإن محل المصافحة المشروعة أول الملاقاة وقد يكون جماعة يتلاقون من غير مصافحة ويتصاحبون بالكلام ومذاكرة العلم وغير مدة مديدة ثم إذا صلوا يتصافحون، فأين هذا من السنة المشروعة، ولهذا صرح بعض علمائنا بأنها مكروهة حينئذ وأنها من البدع المذمومة انتهى. قلت: الأمر كما قال القاري والحافظ. وقال صاحب عون المعبود: وتقسيم البدع إلى خمسة أقسام كما ذهب إليه ابن عبد السلام وتبعه النووي أنكر عليه جماعة من العلماء المحققين ومن آخرهم شيخنا القاضي العلامة بشير الدين القنوجي فإنه رد عليه رداً بليغاً قال: وكذا المصافحة والمعانقة بعد صلاة العيدين من البدع المذمومة المخالفة للشرع انتهى. قلت: وقد أنكر القاضي الشوكاني أيضاً على تقسيم البدعة إلى الأقسام الخمسة في نيل الأوطار في باب الصلاة في ثوب الحرير والقصب، وأنكر عليه أيضاً صاحب الدين الخالص ورده بستة وجوه.
قوله : "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري.(7/515)
2873-حدثنا أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ، أخبرنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ الطّائِفِيّ عن سُفْيَانَ عن مَنْصُورٍ عن خَيْثَمَةَ عن رَجُلٍ، عن ابنِ مَسْعُودٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ تَمَامِ التّحِيّةِ الأَخْذُ بِالْيَدِ"
وفي البابِ عن البراء وابن عمر.
هذا حديث غريب. وَلاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بنِ سُلَيْمٍ، عن سُفْيَانَ. وَسَأَلْتُ مُحْمّدَ بنَ إِسْمَاعِيلَ، عن هذا الحدِيثِ، فَلَمْ يَعُدّهُ مَحْفُوظاً، وَقَالَ إِنّمَا أَرَادَ عِنْدِي حَدِيثَ سُفْيَانَ، عن مَنْصُورٍ عن خَيْثَمَةَ، عن مَنْ سَمِعَ ابنَ مَسْعُودٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لاَ سَمَرَ إِلاّ لمُصَلٍ أَوْ مُسَافِرٍ" . قالَ مُحمّدٌ وَإِنّمَا يُرْوى عن مَنْصُورٍ عن أَبي إِسْحَاقَ، عن عَبْدِ الرحمنِ بنِ يَزِيدَ أَوْ غَيْرِهُ. قالَ: "مِنْ تَمَامِ التّحِيّةِ الأَخْذُ بِالْيَدِ".
__________
قوله : "عن سفيان" هو الثوري "عن خيثمة" الظاهر أنه ابن عبد الرحمن ابن أبي سبرة الجعفي الكوفي ثقة وكان يرسل من الثالثة.
قوله : "من تمام التحية الأخذ باليد" أي إذا لقي المسلم فسلم عليه، فمن تمام السلام أن يضع يده في يده فيصافحه فإن المصافحة سنة مؤكدة.
قوله : "وهذا حديث غريب" في سنده رجل لم يسم "وقال" أي محمد "إنما أراد" أي يحيى بن سليم الطائفي "حديث سفيان عن منصور الخ" يعني أراد يحيى ابن سليم أن يروي بهذا السند حديث: لا سمر إلا لمصل أو مسافر. فوهم فروى بهذا السند حديث: من تمام التحية الأخذ باليد، وأما حديث لا سمر إلا لمصل أو مسافر بهذا السند فأخرجه أحمد في مسنده " قال محمد: وإنما يروي عن منصور عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد أو غيره قال من تمام التحية الأخذ باليد" يعني حديث من تمام التحية الأخذ باليد قول عبد الرحمن بن يزيد أو غيره وليس هو بحديث مرفوع. قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث: حكى الترمذي عن البخاري، أنه رجح أنه موقوف على عبد الرحمن بن يزيد النخعي أحد التابعين انتهى.(7/516)
2874-حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله، أخبرنا يَحْيَى بنُ أَيّوبَ عن عُبَيْدِ الله بنِ زَحْرٍ عن عَلِيّ بنِ يَزِيدَ، عن القَاسِمِ أَبي عَبْدِ الرحمن عن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "مِنْ تَمَامِ عِيَادَةِ المَرِيضِ أَنْ يضَعَ أَحَدُكُمْ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، أَوْ قالَ عَلَى يَدِهِ، فَيَسْأَلَهُ كَيْفَ هُوَ، وَتَمَامُ تَحِيّتِكُمْ بَيْنَكُمْ المُصَافَحَةُ" .
هَذَا إِسْنَادُ لَيْسَ بِالْقَوِيّ. قالَ مُحمّدٌ: وعُبَيْدُ الله بنُ زَحْرٍ ثِقةٌ، وَعَلِيّ بنُ يَزِيدَ ضَعِيفٌ، وَالقَاسِمُ هُوَ ابنُ عَبْدِ الرحمنِ، وَيكْنَى أَبَا عَبْدِ الرّحمنِ وَهُوَ ثِقَةٌ وَهُوَ مَوْلَى عَبْدِ الرحمنِ بنِ خَالِدِ بنِ يَزِيدَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَالقَاسِمُ الشّامِيّ.
2875-حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، وَ إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، قَالاَ: حدثنَا عَبدُ الله بنُ نُمَيْرٍ، عن الأَجْلَحِ عن أَبي إِسْحَاقَ، عن الْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ
__________
قوله : "أخبرنا عبد الله" هو ابن مبارك "أخبرنا يحيى بن أيوب" هو الغافقي.
قوله : "من تمام عيادة المريض" أي كمالها "أن يضع أحدكم" يعني العائد له "يده" والأولى كونها اليمنى "على جبهته" حيث لا عذر "أو قال علي يده" شك من الراوي "فيسأله" بالنصب "كيف هو" أي كيف حاله أو مرضه "وتمام تحيتكم بينكم" أي الواقعة فيما بينكم "المصافحة" قال الطيبي: يعني لا مزيد على هذين فلو زدتم على هذا دخل في التكلف. وهو بيان لقصة الأمور، لا أنه نهى عن الزيادة والنقصان انتهى.
قوله : "هذا إسناد ليس بالقوى" لضعف علي بن يزيد صاحب القاسم بن عبد الرحمن والحديث أخرجه أحمد أيضاً "والقاسم شامي" يعني القاسم هذا شامي.
قوله : "ما من مسلمين" من مزيدة لمزيد الاستغراق "يلتقيان" أي يتلاقيان(7/517)
فَيَتَصَافَحَانِ إِلاّ غَفَرَ الله لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفترقَا" .
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبي إِسْحَاقَ عن البَرَاءِ وقد رُوَى هَذَا الْحَدِيث مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن البَرَاءِ.
__________
"فيتصافحان" زاد ابن السني ويتكاشفان بود ونصيحة "إلا غفر لهما" بصيغة المجهول "قبل أن يتفرقا" بالأبدان أو بالفراغ عن المصافحة وهو أظهر في إرادة المبالغة، وفي رواية لأبي داود: إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله واستغفراه غفر لهما. وفيه سنية المصافحة عند الملتقى وأنه يستحب عند المصافحة حمدالله تعالى، والاستغفار وهوقوله: يغفر الله لنا ولكم. وأخرج ابن السني عن أنس قال: ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد رجل ففارقه حتى قال اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الاَخرة حسنة وقنا عذاب النار. وفيه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من عبدين متحابين في الله يستقبل أحدهما صاحبه فيصافحه فيصليان على النبي صلى الله عليه وسلم إلا لم يتفرقا حتى تغفر ذنوبهما ما تقدم منها وما تأخر. وفي الترغيب للمنذري عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشحر. رواه الطبراني في الأوسط ورواته لا أعلم فيهم مجروحاً. وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المسلم المسلم إذا لقي أخاه فأخذ بيده تحاتت عنهما ذنوبهما كما يتحات الورق عن الشجرة اليابسة في ريح يوم عاصف وإلا غفر لهما ولو كانت ذنوبهما مثل زبد البحر. رواه الطبراني بإسناد حسن انتهى.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والضياء كذا في الجامع الصغير.
فائدة في بيان أن السنة في المصافحة أن تكون باليد الواحدة: اعلم أن السنة أن تكون المصافحة باليد الواحدة أعني اليمنى من الجانبين سواء كانت عند اللقاء أو عند البيعة، وقد صرح به العلماء الحنفية والشافعية والحنبلية، قال الفقيه الشيخ محمد أمين المعروف بابن عابدين رحمه الله في رد المحتار على الدار المختار:(7/518)
__________
قوله : "فإن لم يقدر" أي على تقبيله إلا بالايذاء أو مطلقاً يضع يديه عليه ثم يقبلهما أو يضع إحدهما والأولى أن تكون اليمنى لأنها المستعملة فيما فيه شرف ولما نقل عن البحر العميق من أن الحجر يمين الله يصافح بها عباده والمصافحة باليمنى انتهى. وقال الشيخ ضياء الدين الحنفي النقشبندي في كتابه لوامع العقول شرح راموز الحديث في شرح حديث: إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله الحديث. ما لفظه: والظاهر من آداب الشريعة تعين اليمنى من الجانبين لحصول السنة كذلك فلا تحصل باليسرى في اليسرى ولا في اليمنى انتهى. وقال الإمام النووي يستحب أن تكون المصافحة باليمنى وهو أفضل انتهى. ذكره الشيخ عبد الله بن سلمان اليمني الزبيدي في رسالته في المصافحة. وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي الشافعي في كتابه الروض النضير شرح الجامع الصغير: ولا تحصل السنة إلا بوضع اليمنى في اليمنى حيث لا عذر انتهى. وقال الشيخ علي بن أحمد العزيزي في كتابه السراج المنير شرح الجامع الصغير: إذا لقيت الحاج أي عند قدومه من حجة فسلم عليه وصافحة، أي ضع يدك اليمنى في يده اليمنى انتهى. وقال الشيخ العلقمي رحمه الله في كتابه الكوكب المنير شرح الجامع الصغير في شرح حديث: إذا التقى المسلمان فتصافحا الخ، قال ابن رسلان: ولا تحصل هذه السنة إلا بأن يقع بشرة أحد الكفين على الاَخر انتهى. وقال الشيخ العالم الرباني السيد عبد القادر الجيلاني في كتابه غنية الطالبين: فصل فيما يستحب فعله بيمينه وما يستحب فعله بشماله يستحب له تناول الأشياء بيمينه والأكل والشرب والمصافحة والبداءة بها في الوضوء والانتعال ولبس الثياب الخ.
والدليل على ما قلنا من أن السنة في المصافحة أن تكون باليمنى من الجانبين سواء كانت عند اللقاء أو عند البيعة. ما رواه الإمام أحمد في مسنده حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا علي بن عياش قال: حدثنا حسان بن نوح. حمصي، قال: رأيت عبد الله بن بسر يقول ترون كفي هذه فأشهد أني وضعتها على كف محمد صلى الله عليه وسلم الحديث إسناده صحيح، ورواه الحافظ ابن عبد البر في كتابه التمهيد قال: حدثنا عبد الوارث بن سفيان. قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا ابن وضاح قال حدثنا يعقوب بن كعب: قال حدثنا مبشر بن إسماعيل، عن حسان بن نوح، عن عبد الله بن بسر قال: ترون يدي هذه صافحت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم(7/519)
__________
الحديث، رجاله كلهم ثقات وإسناده متصل. أما الحافظ ابن عبد البر فهو ثقة حجة كما في تذكرة الحفاظ، وأما عبد الوارث بن سفيان فهو من شيوخة الكبار قد أكثر الرواية عنه في معرض الاحتجاج في التمهيد والاستيعاب وغيرهما، وأما ابن وضاح فاسمه محمد، قال في تذكرة الحفاظ: هو الحافظ الكبير أبو عبد الله القرطبي، قال ابن الفرضي: كان عالماً بالحديث بصيراً بطرقه متكلماً بعلله، وكان أحمد بن الحباب لا يقدم عليه أحداً ممن أدركه انتهى. وقد صحح ابن القطان إسناداً لحديث بئر بضاعة وقع فيه محمد بن وضاح هذا حيث قال وله إسناد صحيح من رواية سهل بن سعد. قال قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن وضاح حدثنا أبو علي عبد الصمد بن أبي سكينة حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد قال: قالوا يا رسول الله إنك تتوضأ من بئر بضاعة الخ. ذكر الحافظ الزيلعي كلام ابن القطان هذا في تخريج الهداية، وأقره، وأما يعقوب بن كعب ومبشر بن إسماعيل وحنان بن نوح فهم أيضاً ثقات، فالحديث صحيح، ورواه الحافظ الدولابي في كتابه الأسماء والكنى. قال حدثنا أبو هاشم زياد بن أيوب قال حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي، عن أبي معاوية حسان بن نوح قال سمعت عبد الله بن بسر يقول: ترون هذه اليد فإني وضعتها على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث رجاله ثقات إلا الحافظ الدولابي فقال الدارقطني: تكلموا فيه وما يتبين من أمره إلا خير. وقال أبو سعيد بن يونس: كان أبو بشر يعني الدولابي من أهل الصنعة وكان يضعف كذا في تذكرة الحفاظ ويؤيد حديث عبد الله ابن بسر هذا حديث أبي أمامة: تمام التحية الأخذ باليد والمصافحة باليمنى، رواه الحاكم في الكنى كذا في كنز العمال، ويؤيده أيضاً حديث أنس بن مالك قال: صافحت بكفي هذه كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمامست خزاً ولا حريراً ألين من كفه صلى الله عليه وسلم، ذكره الشيخ محمد عابد السندي في حصر الشارد والقاضي الشوكاني في إتحاف الأكابر، وهذان الحديثان إنما ذكرناهما للتأييد والاستشهاد لأن في أسانيدهما ضعفاً وكلاماً
والدليل الثاني على ما قلنا من أن السنة في المصافحة أن تكون باليمنى سواء كانت عند اللقاء أو عند البيعة ما رواه مسلم في صحيحه عن عمرو بن العاص قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت أبسط يمينك فلأبايعك فبسط يمينه فقبضت(7/520)
__________
يدي، فقال: " مالك يا عمرو، قلت أردت أن أشترط، قال تشترط ماذا؟ قلت أن يغفر لي، قال أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله" ، الحديث. ورواه أبو عوانة في صحيحه وفيه: فقلت يا رسول الله ابسط يدك لأبايعك، فبسط يمينه، قال القاري في المرقاة في شرح هذا الحديث: أبسط يمينك أي افتحها ومدها لأضع يمينى عليها كما هو العادة في البيعة انتهى. وهذا الحديث نص صريح في أن السنة في المصافحة عند البيعة باليد اليمن من الجانبين، وقد صحت في هذا أحاديث كثيرة ذكرناها في رسالتنا المسماة بالمقالة الحسنى في سنية المصافحة باليد اليمنى. فمنها ما رواه أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن أبي غادية يقول: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو سعيد، فقلت له: بيمينك قال: نعم الحديث. ومنها ما رواه أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن أنس بن مالك يقول: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هذه يعني اليمنى على السمع والطاعة فيما استطعت. ومنها ما رواه أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن زياد بن علاقة قال: سمعت جريراً يقول حين مات المغيرة الحديث وفيه: أما بعد فإني أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبايعه بيدي هذه على الإسلام فاشترط على النصح. فإن قلت: أحاديث عمرو ابن العاص وأبي غادية وأنس بن مالك وجرير رضي الله تعالى عنهم إنما تدل على سنية المصافحة باليد اليمنى عند البيعة لا عند اللقاء، قلت: هذه الأحاديث كما تدل على سنية المصافحة باليد اليمنى عند البيعة كذلك تدل على سنيتها باليد اليمنى عند اللقاء أيضاً، لأن المصافحة عند اللقاء والمصافحة عند البيعة متحدتان في الحقيقة ولم يثبت تخالف حقيقتهما بدليل أصلا.
والدليل الثالث: أن المصافحة هي إلصاق صفح الكف بصفح الكف، فالمصافحة المسنونة إما أن تكون باليد الواحدة من الجانبين أو باليدين وعلى كلا التقديرين الطلوب ثابت، أما على التقدير الأول فظاهر، وأما على التقدير الثاني فإن كانت بإلصاق صفح كف اليمنى بصفح كف اليمنى وبإلصاق صفح كف اليسرى بصفح كف اليسرى على صورة المقراض فعلى هذا تكون مصافحتان ونحن مأمورون بمصافحة واحدة لا بمصافحتين وإن كانت بإلصاق صفح كف اليمنى بصفح كف اليمنى وإلصاق صفح كف اليسرى بظهر كف اليمنى من الجانبين فالمصافحة هي إلصاق صفح كف اليمنى بصفح كف اليمنى ولا عبرة لإلصاق صفح كف اليسرى(7/521)
__________
بظهر كف اليمنى لأنه خارج عن حقيقة المصافحة. فإن قيل: قد عرف المصافحة بعض أهل اللغة بأخذ اليد، قال في القاموس: المصافحة الأخذ باليد كالتصافح انتهى، والأخذ باليد عام شامل لأخذ اليد واليدين بإلصاق صفح الكف يصفح الكف أو بظهرها، قلت: هذا تعريف بالأعم لأنه يصدق على أخذ العضد وعلى أخذ المرفق وعلى أخذ الساعد لأن اليد في اللغة الكف ومن أطراف الأصابع إلى الكتف وهو ليس بمصافحة بالاتفاق، والتعريف الصحيح الجامع المانع هو ما فسر به أكثر أهل اللغة وعليه يدل لفظ المصافحة والتصافح فبين المصافحة والأخذ باليد عموم وخصوص مطلق. وأما قول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: علمني النبي صلى الله عليه وسلم وكفي بين كفيه التشهد كما يعلمني السورة من القرآن أخرجه الشيخان، فليس من المصافحة في شيء بل هو من باب الأخذ باليد عند التعليم لمزيد الاعتناء والاهتمام به. قال الفاضل اللكنوي في بعض فتاواه واتجه در صحيح بخاري أن عبد الله بن مسعود مروى است علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفي بين كفيه التشهد كما يعلمني السورة من القرآن التحيات لله والصلوات والطيبات الحديث ليس ظاهر أن است كه مصافحة متوارثة كه بوقت تلاقي مسنون است نبوده بدكه طريقه تعليميه بوده كه اكابر بوقت اهتمام تعليم جيزي ازهردودست يايكدست دست اصاغر كرفته تعليم ميسازند. وحاصله أن ما روى في صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفي بين كفيه الخ، فالظاهر أنه لم يكن من المصافحة المسنونة عند التلاقي بل هو من باب أخذ اليد عند الاهتمام بالتعليم كما يصنعه الأكابر عند تعليم الأصاغر فيأخذون باليد الواحدة أو باليدين يد اوصاغر. وقد صرح الفقهاء الحنفية أيضاً بأن كون كف ابن مسعود بين كفيه صلى الله عليه وسلم كان لمزيد الاعتناء والاهتمام بتعليمه التشهد. وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخذ باليد عند التعليم بأحاديث كثيرة منها ما رواه أحمد في مسنده عن أبي قتادة وأبي الدهماء قالا: كان يكثران السفر نحو هذا البيت، قالا: أتينا على رجل من أهل البادية فقال البدوي أخذ رسول الله بيدي فجعل يعلمني مما علمه الله تبارك وتعالى الحديث، ومنها ما رواه الترمذي عن شكل بن حميد قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: " يا رسول الله علمني تعوذ أتعوذ به، قال فأخذ بكفي وقال قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي(7/522)
__________
الحديث، ومنها ما رواه أحمد والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن قلت أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعد خمساً فقال: اتق المحارم تكن أعبد الناس الحديث.(7/523)
32- باب مَا جَاءَ في المُعَانَقَة وَالقُبْلَة
2876-حدثنا مُحمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ، أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بنُ يَحْيَى بنِ مُحمّدِ بنِ عَبّادٍ المدني، حدثني أَبي يَحْيَىَ بنُ مُحمّدٍ عن مُحمّدِ بنِ إِسْحَاقَ، عن مُحمّدِ بنِ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ عن عُرْوَةَ بنِ الزّبَيْرِ عن عَائِشَةَ قَالَتْ: "قَدِمَ زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ المَدِينَةَ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في بَيْتِي فَأَتَاهُ فَقَرَعَ البَابَ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عُرْيَاناً يَجُرّ ثَوْبَهُ وَالله مَا رَأَيْتُهُ عُرْيَاناً قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ فَاعْتَنَقَهُ وَقَبّلَهُ".
__________
"باب مَا جَاءَ في المُعَانَقَة وَالقُبْلَة:
قوله: "حدثنا محمد بن إسماعيل" هو الإمام البخاري "حدثنا إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد" ابن هانئ الشجري لين الحديث روى عن أبيه وعنه البخاري في غير الصحيح وأبو إسماعيل الترمذي وغيرهما "حدثني أبي يحيى بن محمد" هو ضعيف وكان ضريراً يتلقن من التاسعة "عن محمد بن إسحاق" هو صاحب المغازي.
قوله: "قدم زيد بن حارثة المدينة" أي من غزوة أو سفر "ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي" الجملة معترضة حالية "فأتاه" أي فجاء زيد "فقرع الباب" أي قرعاً متعارفاً له أو مقروناً بالسلام والاستئذان "فقام إليه" أي متوجهاً إليه "عرياناً يجر ثوبه" أي رداءه من كمال فرحه بقدومه ومأتاه. قال في المفاتيح: تريد أنه صلى الله عليه وسلم كان ساتراً ما بين سرته وركبته ولكن سقط رداءه عن عاتقه فكان ما فوق سرته عرياناً انتهى "والله ما رأيته عرياناً" أي يستقبل أحداً "قبله" أي قبل ذلك اليوم "ولا بعده" أي بعد ذلك اليوم(7/523)
هَذَا حديث حسن غريب لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الزّهْرِيّ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
__________
"فاعتنقه وقبله" فإن قيل كيف تحلف أم المؤمنين على أنها لم تره عرياناً قبله ولا بعده مع طول الصحبة وكثرة الاجتماع في لحاف واحد؟ قيل لعلها أرادت عرياناً استقبل رجلا واعتنقه فاختصرت الكلام لدلالة الحال أو عرياناً مثل ذلك العري، واختار القاضي الأول. وقال الطيبي هذا هو الوجه لما يشم من سياق كلامها رائحة الفرح والاستبشار بقدومه وتعجيله للقائه بحيث لم يتمكن من تمام التردي بالرداء حتى جره وكثيراً ما يقع مثل هذا انتهى. كذا في المرقاة. وفي الحديث مشروعية المعانقة للقادم من السفر وهو الحق والصواب، وقد ورد أيضاً في المعانقة حديث أبي ذر أخرجه أحمد وأبو داود من طريق رجل من عنزة لم يسم. قال: قلت لأبي ذر هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لقيته قط إلا صافحني وبعث إلي ذات يوم فلم أكن في أهلي فلما جئت أخبرت أنه أرسل إلي فأتيته وهو على سريره فالتزمني فكان أجود وأجود وأجود ورجاله ثقات إلا هذا الرجل المبهم. وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث أنس: كانوا إذا تلاقوا تصافحوا وإذا قدموا من سفر تعانقوا. وأخرج البخاري في الأدب المفرد وأحمد وأبو يعلى في مسنديهما من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: بلغني عن رجل حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيراً ثم شددت رحلي فسرت إليه شهراً حتى قدمت الشام، فإذا عبد الله بن أنيس فقلت للبواب: قل له جابر على الباب، فقال: ابن عبد الله قلت: نعم. فخرج فاعتنقني فقلت حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فخشيت الحديث. فإن قلت: ما وجه التوفيق بين حديث عائشة هذا وبين حديث أنس المتقدم الذي يدل على عدم مشروعية المعانقة، قلت: حديث أنس لغير القادم من السفر، وحديث عائشة للقادم والله أعلم.
قوله : "هذا حديث حسن غريب" ذكر الحافظ هذا الحديث في الفتح ونقل تحسين الترمذي له وسكت عنه.(7/524)
133-باب مَا جَاءَ في قُبْلَةِ الْيَدِ وَالرّجْل
2877-حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ إِدْرِيسَ وَأَبُو أُسَامَةَ عن شُعْبَةَ عن عَمْرِو بنِ مُرّةَ عن عَبْدِ الله بنِ سلَمَةَ عن صَفْوَانَ بنِ عَسّالٍ قالَ: "قالَ يَهُودِيٌ لِصَاحِبِهِ اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النّبيّ. فَقَالَ صَاحِبُهُ لاَ تَقُلْ نَبيٌ إِنّهُ لَوْ سَمِعَكَ كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ. فَأَتَيَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَسَأَلاَهُ عن تِسْعِ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ، فَقَالَ: " لَهُمْ لاَ تُشْرِكُوا بِالله
__________
"باب مَا جَاءَ في قُبْلَةِ الْيَدِ وَالرّجْل"
أي في تقبيلهما
قوله : "أخبرنا عبد الله بن إدريس" هو الأودي المعافري أبو محمد الكوفي "وأبو أسامة" هو حماد بن أسامة القرشي مولاهم الكوفي "عن عبد الله بن سلمة" بكسر اللام المرادي الكوفي تنبيه: قال النووي في مقدمة شرح مسلم: سلمة كله بفتح اللام إلا عمرو بن سلمة إمام قومه وبني سلمة القبيلة من الأنصار فبكسر اللام، وفي عبد الخالق بن سلمة الوجهان انتهى. قلت: وعبد الله بن سلمة هذا أيضاً بكسر اللام كما في التقريب والخلاصة.
قوله : "قال يهودي لصاحبه" أي من اليهود "اذهب بنا" الباء للمصاحبة أو التعدية "إلى هذا النبي" أي لنسأله عن مسائل "فقال صاحبه لا تقل" أي له كما في رواية "نبي" أي هو نبي "إنه" بكسر الهمزة استئناف فيه معنى التعليل أي لأنه "لو سمعك" أي سمع قولك إلى هذا النبي "كان له أربعة أعين" هكذا وقع في النسخ الموجودة، ووقع في المشكاة أربع أعين بغير التاء وهو الظاهر، يعني: يسر بقولك هذا النبي سروراً يمد الباصرة فيزداد به نوراً على نور كذى عينين أصبح يبصر بأربع فإن الفرح يمد الباصرة، كما أن الهم والحزن يخل بها، ولذا يقال لمن أحاطت به الهموم أظلمت عليه الدنيا "فسألاه" أي امتحاناً "عن تسع آيات بينات" أي واضحات، والاَية العلامة الظاهرة تستعمل في المحسوسات كعلامة الطريق والمعقولات كالحكم الواضح والمسألة الواضحة فيقال لكل ما تتفاوت فيه المعرفة بحسب التفكر فيه والتأمل وحسب منازل الناس في العلم آية والمعجزة آية، ولكل جملة دالة على حكم من أحكام الله آية، ولكل كلام منفصل بفصل(7/525)
شَيْئاً، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا النّفْسَ الّتِي حَرّمَ الله إِلاّ بِالحَقّ، وَلاَ تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ، وَلاَ تَسْحَرُوا، وَلاَ تَأْكُلُوا الرّبَا، وَلاَ تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً، وَلاَ تُوَلّوا الفِرَارَ يَوْمَ الزّحْفِ وَعَلَيْكُمْ خَاصّةً اليَهُودَ أَلاّ تَعْتَدُوا في السّبْتِ. قَالَ فَقَبّلُوا يَدَيْهِ، وَرِجْلِيْهِ، وَقَالوا
__________
لفظي آية، والمراد بالاَيات ههنا. أما المعجزات التسع وهي العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنون ونقص من الثمرات، وعلى هذا فقوله: لا تشركوا كلام مستأنف ذكره عقيب الجواب ولم يذكر الراوي الجواب استغناء بما في القرآن أو بغيره، ويؤيده ما في رواية الترمذي في التفسير: فسألاه عن قول الله تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} وأما الأحكام العامة الشاملة للملل الثابتة في كل الشرائع وبيانها ما بعدها سميت بذلك لأنها تدل على حال المكلف بها عن السعادة والشقاوة، وقوله وعليكم خاصة حكم مستأنف زائد على الجواب ولذا غير السياق "لا تشركوا بالله" أي بذاته وصفاته وعبادته "شيئاً" من الأشياء أو الإشراك "ولا تمشوا ببرئ" بهمزة وإدغام أي بمتبرئ من الإثم والباء للتعدية، أي لاتسعوا ولا تتكلموا بسوء ليس له ذنب "إلى ذي سلطان" أي صاحب قوة وقدرة وغلبة وشوكة "ولا تسحروا" بفتح الحاء "ولا تأكلوا الربا" فإنه سحق ومحق "ولا تقذفوا" بكسر الذال "محصنة" بفتح الصاد ويكسر أي لا ترموا بالزنا عفيفة "ولا تولوا" بضم التاء واللام من ولي تولية إذا أدبر أي ولا تولوا أدباركم ويجوز أن يكون بفتح التاء واللام من التولي وهو الإعراض والإدبار أصله تتولوا فحذف إحدى التائين "الفرار" بالنصب على أنه مفعول له أي لأجل الفرار "يوم الزحف" أي الحرب مع الكفار "وعليكم" ظرف وقع خبراً مقدماً "خاصة" منوناً حال من الضمير المجرور والمستتر في الظرف عائد إلى المبتدأ أي مخصوصين بهذه العاشرة أو حال كون الاعتداء مختصاً بكم دون غيركم من الملل أو تمييز والخاصة ضد العامة "اليهود" نصب على التخصيص والتفسير أي أعني اليهود، ويجوز أن يكون خاصة بمعنى خصوصاً ويكون اليهود معمولاً لفعله أي أخص اليهود خصوصاً "ألا تعتدوا" بتأويل المصدر في محل الرفع على أنه مبتدأ من الاعتداء "في السبت" أي لا تتجاوزوا أمر الله في تعظيم(7/526)
نَشْهَدُ أَنّكَ نَبيٌ. قالَ فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتّبِعُونِي؟ قالَ قالُوا: إِنّ دَاوُدَ دَعَا رَبّهُ أَنْ لاَ يَزَالَ مِنْ ذُرّيّتِهِ نَبيٌ، وَإِنّا نَخَافُ إِنْ تَبِعْنَاكَ يَقْتُلُنَا اليَهُودُ" .
__________
السبت بأن لا تصيدوا السمك فيه، وقيل عليكم اسم فعل بمعنى خذوا أو أن لا تعتدوا مفعوله أي الزموا ترك الاعتداء "قال" أي صفوان "فقبلوا يديه ورجليه" صلى الله عليه وسلم "وقالوا" وفي رواية الترمذي في التفسير فقبلا يديه ورجليه وقالا "نشهد أنك نبي" إذ هذا العلم من الأمي معجزة لكن نشهد أنك نبي إلى العرب "أن تتبعوني" بتشديد التاء وقيل بالتخفيف أي من أن تقبلوا نبوتي بالنسبة إليكم وتتبعوني في الأحكام الشرعية التي هي واجبة عليكم "قال" لم يقع هذا اللفظ في أكثر النسخ "دعا ربه أن لا يزال" أي بأن لا ينقطع "من ذريته نبي" إلى يوم القيامة فيكون مستجاباً فيكون من ذريته نبي ويتبعه اليهود وربما يكون لهم الغلبة والشوكة "وإنا نخاف إن تبعناك تقتلتنا اليهود" أي فإن تركتا دينهم واتبعناك لقتلنا اليهود إذا ظهر لهم نبي وقوة، وهذا افتراء محض على داود عليه الصلاة والسلام لأنه قرأ في التوراة والزبور بعث محمد صلى الله عليه وسلم النبي وأنه خاتم النبيين وأنه ينسخ به الأديان فكيف يدعو بخلاف ما أخبر الله تعالى به من شأن محمد صلى الله عليه وسلم؟ ولئن سلم فعيسى من ذريته وهو نبي باق إلى يوم الدين والحديث يدل على جواز تقبيل اليد والرجل، قال ابن بطال: اختلفوا في تقبيل اليد فأنكره مالك وأنكر ما روي فيه وأجازه آخرون واحتجوا بما روى عن ابن عمر أنهم لما رجعوا من الغزو حيث فروا قالوا نحن الفرارون فقال بل أنتم الكرارون إنا فئة المؤمنين قال فقبلنا يده قال وقيل أبو لبابة وكعب بن مالك صاحباه يد النبي صلى الله عليه وسلم حين تاب الله عليهم ذكره الأبهري، وقبل أبو عبيدة يد عمر حين قدم، وقبل زيد بن ثابت يد ابن عباس حين أخذ ابن عباس بركابه، قال الأبهري وإنما كرهها مالك إذا كانت على وجه التعظيم والتكبر وأما إذا كانت على وجه القربة إلى الله لدينه أو لعلمه أو لشرفه فإن ذلك جائز.
قال ابن بطال: وذكر الترمذي من حديث صفوان بن عسال أن يهوديين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه عن تسع آيات الحديث. وفي آخره فقبلا يده ورجله. قال الترمذي حسن صحيح. قال الحافظ: حديث ابن عمر أخرجه البخاري(7/527)
وفي البابِ عن يَزِيدَ بنِ الاسْوَدِ وَ ابنِ عُمَرَ وَ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ.
هذا حديث حسن صحيح.
__________
في الأدب المفرد وأبو داود وحديث أبي لبابة أخرجه البيهقي في الدلائل وابن المقري، وحديث كعب وصاحبيه أخرجه ابن المقري وحديث أبي عبيدة. أخرجه سفيان في جامعه، وحديث ابن عباس أخرجه الطبراني وابن المقري، وحديث صفوان أخرجه أيضاً النسائي وابن ماجة وصححه الحاكم وقد جمع الحافظ أبو بكر بن المقري جزءاً في تقبيل اليد سمعناه أورد فيه أحاديث كثيرة وآثاراً فمن جيدها حديث الزارع العبدي وكان في وفد عبد القيس، قال: فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله. أخرجه أبو داود. ومن حديث فريدة العصر مثله، ومن حديث أسامة بن شريك قال: قمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبلنا يده. وسنده قوي، ومن حديث جابر: أن عمر قام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبل يده، ومن حديث بريدة في قصة الأعرابي والشجرة فقال يا رسول الله ائذن لي أن أقبل رأسك ورجليك فأذن له. وأخرج البخاري في الأدب المفرد من رواية عبد الرحمن بن رزين قال أخرج لنا سلمة بن الأكوع كفاً له ضخمة كأنها كف بعير فقمنا إليها فقبلناها، وعن ثابت أنه قبل يد أنس. وأخرج أيضاً أن علياً قبل يد العباس ورجله. وأخرجه ابن المقري. وأخرج من طريق أبي مالك الأشجعي قال: قلت لابن أبي أوفى ناولني يدك التي بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فناولنيها فقبلتها. قال النووي: تقبيل يد الرجل لزهده وصلاحه أو عمله أو شرفه أو صيانته أو نحو ذلك من الأمور الدينية لا يكره بل يستحب، فإن كان لغناه أو شوكته أو جاهه عند أهل الدنيا فمكروه شديد الكراهة، وقال أبو سعيد المتولي لا يجوز كذا في الفتح.
قوله : "وفي الباب عن يزيد بن الأسود وابن عمر وكعب بن مالك" أما حديث يزيد بن الأسود فأخرجه أحمد، وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري في الأدب المفرد. وأبو داود وابن ماجة الترمذي في أواخر أبواب الجهاد وليس فيه ذكر التقبيل. وأما حديث كعب بن مالك فأخرجه ابن المقري.
قوله : "هذا حديث صحيح" وأخرجه النسائي وابن ماجه والحاكم وصححه.(7/528)
المجلد الثامن
تابع لأبواب العلم
باب ما جاء في مرحبا
...
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وبه نستعين
34 - باب مَا جَاءَ في مَرْحَبا
2878 - حدثنا إسْحَاقُ بنُ مُوسَى اْلأَنْصَارِيّ، حدثنا مَعْنٌ، حدثنا مَالِكٌ عن أَبي النّضْرِ: أَنّ أَبَا مُرّةَ مَوْلَى أُمّ هَانِئ بِنْتِ أَبي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنّهُ سَمِعَ أُمّ هَانِئ تَقُولُ: "ذَهَبْتُ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ تسْتُرُهُ بِثَوْبٍ، قَاَلَتْ: فَسَلّمْتُ، فَقَالَ: "مَنْ هَذِهِ" ؟ قلت: أَنَا أُمّ هَانِئ، فَقَالَ: "مَرْحَبَاً بِأُمّ هَانِئ" قال: فَذَكَرَ قصة في الْحَدِيثِ.
وهذا حديثٌ صحيحٌ.
2879 - حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا مُوسَى بنُ مَسْعُودٍ عن سُفْيَانَ عَنْ أَبي إسْحَاقَ عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ عَن عِكْرِمَةَ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في مَرْحَبا
قوله: "عن أبي النضر" اسمه سالم بن أبي أمية "أنه سمع أم هانئ" بنت أبي طالب الهاشمية اسمها فاختة، وقيل هند، لها صحبة وأحاديث، ماتت في خلافة معاوية.
قوله: "وفاطمة تستره" أي عنها وعن غيرها "قال مرحباً بأم هانئ" الباء إما زائدة في الفاعل، أي أتت أم هانئ. مرحباً أي موضعاً رحباً، أي واسعاً لا ضيقاً أو للتعدية أي أتى الله بأم هانئ مرحباً فمرحباً منصوب على المفعول به، وهذه كلمة إكرام والتكلم بها سنة "فذكر قصة في الحديث" روى الشيخان هذا الحديث مطولاً بذكر القصة.
قوله: "أخبرنا موسى بن مسعود" النهدي أبو حذيفة البصري صدوق سيء(8/3)
ابنِ أبيِ جَهْلٍ، قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ جِئْتُهُ: "مَرْحَبَاً بِالرّاَكِبِ المُهَاجِرِ" .
ـــــــ
الحفظ، وكان يصحف من صغار التاسعة "عن سفيان" هو الثوري "عن عكرمة ابن أبي جهل" بن هشام المخزومي صحابي أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه واستشهد بالشام في خلافة أبي بكر على الصحيح.
قوله: "يوم جئته" أي عام الفتح، وزاد مالك في الموطأ: فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وثب إليه فرحاً وما عليه رداء حتى بايعه "مرحباً" مقول القول، أي جئت مرحباً أي موضعاً واسعاً قال الحافظ: هو منصوب بفعل مضمر أي صادفت رحباً بضم الراء أي سعة، والرحب بالفتح الشيء الواسع وقد يزيدون معها أهلاً، أي وجدت أهلاً فاستأنس، وأفاد العسكري أن أول من قال مرحباً سيف بن ذي يزن، وفيه دليل على استحباب تأنيس القادم، وقد تكرر ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم "بالراكب المهاجر" أي إلى الله ورسوله أو من دار الحرب إلى دار الإسلام، وفيه إشعار بأن قوله صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح" : أي من مكة لأنها صارت دار الإسلام، بخلاف ما قبل الفتح فإن الهجرة كانت واجبة بل شرطاً، وأما الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام فوجوبها باق إلى يوم القيامة. قال صاحب المشكاة في الإكمال: هو عكرمة بن أبي جهل، واسم أبي جهل عروة بن هشام المخزومي القرشي، كان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأبوه، وكان فارساً مشهوراً وهرب يوم الفتح فلحق باليمن فلحقت به امرأته أم حكيم بنت الحارث فأتت به النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال: "مرحباً بالراكب المهاجر" فأسلم بعد الفتح سنة ثمان وحسن إسلامه وقتل يوم اليرموك سنة ثلاث عشرة وله اثنتان وستون سنة. قالت أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت لأبي جهل عذقاً في الجنة"، فلما أسلم عكرمة قال يا أم سلمة هذا هو، قالت وشكا عكرمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا مر بالمدينة قالوا هذا ابن عدو الله أبي جهل، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وقال: "الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا" ، انتهى.(8/4)
وفي البابِ عن بُرَيْدَةَ وَابنِ عَبّاسٍ وَأَبي جُحَيْفَةَ. وَهذا حديثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِصَحِيحٍ لاَ نَعْرِفُهُ مِثْلَ هَذَا إلاَ مِنْ هذا الوجه مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بنِ مَسْعُودٍ عن سُفْيَانَ، وَمُوسَى بنُ مَسْعُودٍ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ. وَرَوَى هذا الحديث عَبْد الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍ عن سفيَانَ عن أَبي إسْحَاقَ مُرْسَلاً، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عن مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ. وَهَذَا أَصَحّ قال: سَمِعْتُ مُحمّدَ بنَ بَشّارٍ يَقُولُ: مُوسَى بنُ مَسْعُودٍ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ. وقالَ: مُحمّدُ بنُ بَشّار، وَكَتَبْتُ كَثِيراً عن مُوسَى بنِ مَسْعُودٍ ثُمّ تَرَكْتُهُ.
ـــــــ
قوله: "وفي الباب عن بريدة وابن عباس وأبي جحيفة" أما حديث بريدة فأخرجه ابن أبي عاصم عنه: أن علياً لما خطب فاطمة قال له النبي صلى الله عليه وسلم "مرحباً وأهلاً". وهو عند النسائي، وصححه الحاكم. وأما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري في كتاب الإيمان والأشربة والأدب، وأما حديث أبي جحيفة فلينظر من أخرجه، وفي الباب أحاديث أخرى أخرجها ابن أبي عاصم وابن السني كما في الفتح.
قوله: "وهذا حديث ليس إسناده بصحيح" وأخرجه مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن أم حكيم زوج عكرمة بن أبي جهل مطولاً.
قوله: "موسى بن مسعود ضعيف في الحديث" قال في تهذيب التهذيب وقال الدارقطني قد أخرج له البخاري وهو كثير الوهم تكلموا فيه. قال الحافظ: ماله عند البخاري عن سفيان سوى ثلاثة أحاديث متابعة، وله عنده آخر عن زائدة متابعة أيضاً انتهى.(8/5)
35- باب ما جاءَ في تَشْمِيتِ العَاطِس
2880- حدثنا هَنّادٌ حدثنا أَبُو اْلأَحْوَصِ عن أَبي إِسْحَاقَ، عن
ـــــــ
باب ما جاءَ في تَشْمِيتِ العَاطِس
التشميت: جواب العاطس بيرحمك الله. قال في النهاية: التشميت بالمشين والسين(8/5)
الْحَارِثِ عن عَلِيٍ قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لِلْمُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ سِتٌ بِالمَعْرُوفِ: يُسَلّمُ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ، وَيُجيِبُهُ إذَا دَعَاهُ، وَيُشَمّتُهُ إذَا عَطَسَ وَيَعُودُهُ إذَا مَرِضَ، وَيَتّبِعُ جَنَازَتَهُ إذَا مَاتَ، وَيُحِبّ لَهُ مَا يُحِبّ لِنَفْسِهِ" .
ـــــــ
الدعاء بالخير والبركة والمعجمة أعلاهما، يقال شمت فلاناً وشمت عليه تشميتاً فهو مشمت واشتقاقه من الشوامت وهي القوائم، كأنه دعا للعاطس بالثبات على طاعة الله تعالى، وقيل معناه أبعدك الله عن الشماتة وجنبك ما يشمت به عليك، انتهى.
قوله: "عن الحارث" عن عبد الله الأعور الهمداني الحارثي الكوفي صاحب علي كذبه الشعبي في رأيه ورمي بالرفض وفي حديثه ضعف وليس له عند النسائي سوى حديثين، مات في خلافه ابن الزبير، قاله الحافظ.
قوله: "للمسلم على المسلم ست بالمعروف" صفة بعد صفة لموصوف محذوف يعني المسلم على المسلم خصال ست متلبسة بالمعروف، وهو ما يرضاه الله من قول أو عمل، ويحتمل أن يكون الباء بمعنى من "يسلم عليه" جملة استئنافية مبينة أو تقديره أن يسلم عليه أي على المسلم سواء عرفه أو لم يعرفه "ويجيبه إذا دعاء" أي إلى دعوة أو حاجة "ويشمته" بالشين المعجمة وتشديد الميم أي يدعو له بقوله يرحمك الله "إذا عطس" بفتح الطاء ويكسر على ما في القاموس، يعني فحمد الله كما في رواية "ويتبع" بتشديد التاء عن الاتباع، ويجوز أن يكون بسكونها وفتح الموحدة أي يشهد ويشيع "جنازته" بكسر الجيم ويفتح "ويحب له ما يحب" أي مثل ما يحب "لنفسه" من الخير، وهذا فذلكة الكل، ولذا اقتصر عليه في حديث أنس مرفوعاً برواية أحمد وأصحاب الست إلا أبا داود: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". ووقع في حديث البراء بن عازب الذي أشار إليه الترمذي: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض وإتباع الجنازة وتشميت العاطس الحديث. قال الحافظ في شرح هذا الحديث ما لفظه: قال ابن دقيق العيد ظاهر الأمر الوجوب، ويؤيده قوله في حديث أبي هريرة الذي في الباب الذي يليه: فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته. وفي حديث أبي هريرة عن مسلم: حق المسلم على المسلم ست، فذكر فيها: وإذا عطس فحمد الله(8/6)
وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي أَيّوبَ وَالبَرَاءِ، وَابِن مَسْعُودٍ.
ـــــــ
فشمته. وللبخاري من وجه آخر عن أبي هريرة خمس تجب للمسلم على المسلم فذكر منها التشميت وهو عند مسلم أيضاً، وفي حديث عائشة عند أحمد وأبي يعلى: "إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل من عنده يرحمك الله". وقد أخذ بظاهرها ابن مزين من المالكية، وقال به جمهور أهل الظاهر: وقال ابن أبي جمرة. قال جماعة من علمائنا إنه فرض عين. وقواه ابن القيم في حواشي السنن فقال: جاء بلفظ الوجوب الصريح وبلفظ الحق الدال عليه وبلفظ على الظاهرة فيه وبصيغة الأمر التي هي حقيقة فيه، ويقول الصحابي: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال لا ريب أن الفقهاء أثبتوا وجوب أشياء كثيرة بدون مجموع هذه الأشياء، وذهب آخرون إلى أنها فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، ورجحه أبو الوليد بن رشد وأبو بكر بن العربي. وقال به الحنفية وجمهور الباقين، وذهب عبد الوهاب وجماعة من المالكية إلى أنه مستحب ويجزيء الواحد عن الجماعة، وهو قول الشافعية. والراجح من حيث الدليل القول الثاني والأحاديث الصحيحة الدالة على الوجوب لا تنافي كونه على الكفاية، فإن الأمر بتشميت العاطس وإن ورد في عموم المكلفين ففرض الكفاية يخاطب به الجميع على الأصح ويسقط بفعل البعض، وأما من قال إنه فرض على مبهم، فإنه ينافي كونه فرض عين انتهى كلام الحافظ. وقال ابن القيم في زاد المعاد بعد ذكر عدة أحاديث التشميت ما لفظه: وظاهر الحديث المبدوء به. "يعني حديث أبي هريرة عند البخاري: إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته الحديث" إن التشميت فرض عين على كل من سمع العاطس يحمد الله ولا يجزئ تشميت الواحد عنهم، وهذا أحد قولي العلماء، واختاره ابن أبي زيد وابن العربي المالكي ولا دافع له انتهى.
قلت: الظاهر ما قاله ابن القيم والله تعالى أعلم.
قوله: "وفي الباب عن أبي هريرة وأبي أيوب والبراء وأبي مسعود"، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في هذا الباب، وأما حديث أبي أيوب فأخرجه أيضاً الترمذي في باب كيف يشمت العاطس، وأما حديث البراء(8/7)
هذا حديثٌ حسنٌ وقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ تَكَلّمَ بَعْضُهُمْ في الْحَارِثِ اْلأَعْوَرِ.
2881- حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا محمدُ بنُ مُوسَى المَخْزُومِيّ المَدِنِيّ عن سَعِيدِ بنِ أَبي سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ، "عن أبِيهِ" عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤمِنِ سِتّ خِصَالٍ: يَعُودُهُ إِذَا مَرِضَ، وَيَشْهَدُهُ إذَا مَاتَ، وَيُجِيبُهُ إذَا دَعَاهُ، وَيُسَلّمُ عَلَيْهُ إذَا لَقِيهُ، وَيُشَمّتْهُ إذَا عَطَسَ، وَيَنْصَحُ لَهُ إذَا غَابَ أَوْ شَهِدَ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَمُحمّدُ بنُ مُوسَى المَخْزُوميّ مَدِنِيٌ ثِقَةٌ، رَوَى عَنْهُ عَبْدُ الْعَزيزِ بنُ مُحَمّدٍ وَابنُ أَبي فُدَيْكٍ.
ـــــــ
فأخرجه البخاري ومسلم، وأما حديث أبي مسعود وهو ابن عقبة الأنصاري فأخرجه أحمد.
قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد وابن ماجه والدارمي "وقد تكلم بعضهم في الحارث الأعور" إن شئت الوقوف على من تكلم فيه فارجع إلى تهذيب التهذيب ومقدمة صحيح مسلم وشرحه للنووي.
قوله: "أخبرنا محمد بن موسى المخزومي المديني" الفطري، صدوق، رمي بالتشيع من السابعة.
قوله: "ويشهده" أي ويحضر وقت نزعه "إذا مات" أي قرب موته أو يحضر زمان الصلاة على جنازته إذا مات وهو الأظهر "وينصح له" أي يريد الخير للمؤمن ويرشده إليه "إذا غاب" أي كل منهما "أو شهد" أي حضر وأو للتنويع. وحاصله أنه يريد خيره في حضوره وغيبته، فلا يتملق في حضوره ويغتاب في غيبته فإن هذا صفة المنافقين.
قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه مسلم بلفظ: حق المسلم على المسلم ست،(8/8)
ـــــــ
قيل ما هن يا رسول الله؟ قال "إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه. وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه" .(8/9)
36- باب مَا يَقُولُ الْعَاطِسُ إِذَا عَطَس
2882- حدثنا حْمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ، أخبرنا زِيَادُ بنُ الرّبيعِ، أخبرنا حَضْرَمِيٌ مَوْلَى من آلِ الْجَارُودِ عن نَافِعٍ: "أَنّ رَجُلاً عَطَسَ إلى جَنْبِ ابنِ عُمَرَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لله وَالسّلاَمُ عَلَى رَسُولِ الله، فقال ابنُ عُمَرَ: وَأَنَا أَقُولُ الْحَمْدُ لله وَالسّلاَمُ عَلَى رَسُولِ الله، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلّمَنَا
ـــــــ
باب مَا يَقُولُ الْعَاطِسُ إِذَا عَطَس
اعلم أن العطاس نعمة من نعم الله، فلا بد للعاطس إذا عطس أن يحمد الله تعالى. قال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد: العاطس قد حصلت له بالعطاس نعمة ومنفعة بخروج الأبخرة المحتقنة في دماغه التي لو بقيت فيه أحدثت له أدواء عسرة، شرع له حمد الله على هذه النعمة، مع بقاء أعضائه على التئامها وهيئتها على هذه الزلزلة التي هي للبدن كزلزلة الأرض لها انتهى
قوله: "حدثنا زياد بن الربيع" هو أبو خداش اليحمدي البصري "أخبرنا حضرمي" بسكون المعجمة بلفظ النسبة ابن عجلان مولى الجارود، مقبول من السابعة كذا في التقريب. وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته: روى عن نافع مولى ابن عمر، وعنه زياد بن الربيع اليحمدي وغيره، ذكره ابن حبان في الثقات. روى له الترمذي حديثاً فيما يقوله العاطس، انتهى.
قوله: "أن رجلاً عطس إلى جنب ابن عمر" أي منتهياً جلوسه إلى جنبه "فقال" أي العاطس "الحمد لله والسلام على رسول الله" يحتمل أن يكون من جهله بالحكم الشرعي، أو ظن أنه يستحب زيادة السلام عليه لأنه من جملة الأذكار "فقال" أي كما "ابن عمر وأنا أقول" تقول أيضاً "الحمد لله والسلام على رسول الله" لأنهما ذكران شريفان كل أحد مأمور بهما، لكن لكل مقام مقال، وهذا معنى قوله(8/9)
رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. عَلّمْنَا أَنْ نَقُولَ الْحَمْدُ لله عَلَى كُلّ حالٍ".
ـــــــ
(وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم" بأن يضم السلام مع الحمد عند العطسة بل الأدب متابعة الأمر من غير زيادة ونقصان من تلقاء النفس إلا بقياس جلي "علمنا أن نقول الحمد لله على كل حال" فالزيادة المطلوبة إنما هي المتعلقة بالحمدلة سواء ورد أو لا، وأما زيادة ذكر آخر بطريق الضم إليه فغير مستحسن، لأن من سمع ربما يتوهم أنه من جملة المأمورات. وفي الحديث أنه يقول: العاطس الحمد لله على كل حال، وعند الطبراني من حديث أبي مالك الأشعري رفعه: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله على كل حال. ومثله عند أبي داود من حديث أبي هريرة، وللنسائي من حديث علي رفعه يقول العاطس: الحمد لله على كل حال. ولابن السني من حديث أبي أيوب مثله، ولأحمد والنسائي من حديث سالم بن عبيد رفعه: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله على كل حال، أو الحمد لله رب العالمين، وإليه ذهبت طائفة من أهل العلم، وقالت طائفة إنه لا يزيد على الحمد لله كما في حديث أبي هريرة، عند البخاري: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله الحديث، وقالت طائفة يقول: الحمد لله رب العالمين. ورد ذلك في حديث لابن مسعود. أخرجه البخاري في الأدب المفرد والطبراني وورد الجمع بين اللفظين، فعنده في الأدب المفرد عن علي قال: من قال عند عطسة سمعها الحمد لله رب العالمين على كل حال ما كان ليجد وجع الضرس ولا الأذن أبداً. وهذا موقوف رجاله ثقات، ومثله لا يقال من قبل الرأي فله حكم الرفع، وقالت طائفة ما زاد من الثناء يتعلق بالحمد كان حسناً، فقد أخرج أبو جعفر الطبري في التهذيب بسند لا بأس به عن أم سلمة قالت: عطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحمد لله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يرحمك الله". وعطس آخر فقال: الحمد لله رب العالمين حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه، فقال: ارتفع هذا على هذا تسع عشرة درجة. ويؤيد ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث رفاعة بن رافع قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت: الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه، مباركاً عليه كما يحب ربنا ويرضى فلما انصرف قال: من المتكلم ثلاثاً ، فقلت أنا، فقال "والذي نفسي بيده لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكاً أيهم يصعد بها" . وأخرجه الطبراني وبين أن الصلاة(8/10)
هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ زِيَادِ بنِ الرّبيعِ.
ـــــــ
المذكورة المغرب وسنده لا بأس به، وأخرج ابن السنن بسند ضعيف عن أبي رافع قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس فخلى يدى، ثم قام فقال شيئاً لم أفهمه، فسألته فقال: "أتاني جبريل فقال: إذا أنت عطست فقل الحمد لله لكرمه، الحمد لله لعز جلاله. فإن الله عز وجل يقول صدق عبدي ثلاثاً مغفوراً له" . قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا كله ما لفظه: ونقل ابن بطال عن الطبراني. أن العاطس يتخير بين أن يقول الحمد لله أو يزيد رب العالمين أو على كل حال، والذي يتحرر من الأدلة أن كل ذلك مجزئ لكن ما كان أكثر ثناء أفضل، بشرط أن يكون مأثوراً. وقال النووي في الأذكار: اتفق العلماء على أنه يستحب للعاطس أن يقول عقب عطاسه الحمد لله، ولو قال الحمد لله رب العالمين لكان أحسن، فلو قال الحمد لله على كل حال كان أفضل، كذا قال. والأخبار التي ذكرتها تقتضي التخيير ثم الأولوية كما تقدم انتهى.
قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه البزار والطبراني.(8/11)
باب ما جاء كيف يشمت العاطس
...
37- باب مَا جَاءَ كَيْفَ تَشْمِيتُ الْعَاطِس
2883- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا عَبْد الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍ أخبرنا سُفْيَانُ عن حَكِيمِ بنِ دَيْلَمَ عن أَبي بُرْدَةَ بنِ أَبي مُوسَى، عن أَبي مُوسَى قالَ: "كَانَ اليَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَرّجُونَ أَنْ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ كَيْفَ تَشْمِيتُ الْعَاطِس
قوله: "حدثنا سفيان" هو الثوري "عن حكيم بن ديلم" هو المدائني "عن أبي بردة بن أبي موسى" قال في التقريب أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، قيل اسمه عامر، وقيل الحارث ثقة من الثالثة "عن أبي موسى" الأشعري اسمه عبد الله ابن قيس صحابي مشهور، أمره عمر ثم عثمان وهو أحد الحكمين بصفين.
قوله: "كان اليهود يتعاطسون" أي يطلبون العطسة من أنفسهم "يرجون"(8/11)
يَقُولَ لَهُمْ يَرحَمُكُمْ الله، فَيَقُولُ: "يَهْدِيكْمُ الله وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ".
وفي البابِ عن عَليٍ وَأَبي أَيّوبَ وَسَالِمِ بنِ عُبَيْدٍ وعَبْدِ الله بنِ جَعْفَرٍ وَأَبي هُرَيْرَةَ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2884- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أَبُو أَحْمَدَ الزبيري، أخبرنا سُفْيَانُ عن مَنْصُورٍ، عن هِلاَلِ بنِ يَسَافٍ، عن سَالِمِ بنِ عُبَيْدٍ: "أَنّهُ كَانَ مَعَ الْقَوْمِ في سَفَرٍ، فَعَطَسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ فَقَالَ: السّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ: عَلَيْكَ وَعَلى أُمّكَ. فَكَأَنّ الرّجُلَ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ: أَمَا إِنّي لَمْ أَقُلْ
ـــــــ
أي يتمنون بهذا السبب "فيقول" أي النبي صلى الله عليه وسلم عند عطاسهم وحمدهم "يهديكم الله ويصلح بالكم" ولا يقول لهم يرحمكم الله، لأن الرحمة مختصة بالمؤمنين، بل يدعو لهم بما يصلح بالهم من الهداية والتوفيق والإيمان.
قوله: "وفي الباب عن علي وأبي أيوب وسالم بن عبيد وعبيد الله بن جعفر وأبي هريرة" أما حديث علي فأخرجه الطبراني، وأما حديث أبي أيوب وحديث سالم بن عبيد فأخرجهما الترمذي في هذا الباب، وأما حديث عبد الله بن جعفر فأخرجه البيهقي في الشعب، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري عنه مرفوعاً: "إذا عطس أحدكم فليقل الحمد وليقل له أخوه أو صاحبه يرحمك الله، فإذا قال له يرحمك الله فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم" .
قوله: "هذا حديث حسن" صحيح، وأخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه.
قوله: "أخبرنا سفيان" هو الثوري "عن منصور" هو ابن المعتمر "عن سالم بن عبيد" الأشجعي صحابي من أهل الصفة.
قوله: "أنه كان" أي سالم بن عبيد "فقال" أي العاطس "السلام عليكم" ظناً أنه يجوز أن يقال بدل الحمد لله. ذكره ابن الملك "فقال" أي سالم "عليك" وفي رواية أبي داود: وعليك بالواو "فكأن" بتشديد النون "الرجل" أي(8/12)
إِلاَ مَا قالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ السّلامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكَ وَعَلَى أُمّكَ، إِذَا عَطَسَ أَحَدَكُمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لله رَبّ الْعَالَمِينَ، وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ يَرُدّ عَلَيْهِ: يَرْحَمُكَ الله، وَلْيَقُلْ: يَغْفِرُ الله لنا وَلَكُمْ" .
هذا حديثٌ اخْتَلَفُوا فِي رِوَايَتِهِ عن مَنْصُورٍ، وَقَدْ أَدْخَلُوا بَيْنَ هِلاَلِ ابنِ يَسَافٍ وسَالِمٍ رَجُلاً.
ـــــــ
العاطس "وجد" أي الكراهة أو الخجالة أو الحزن لما قال سالم "في نفسه" لكن لم يظهره وظهر عليه بعض آثاره، وقيل أي غضب أو حزن من الموجدة وهو الغضب أو الوجد وهو الحزن "فقال" أي سالم "أما" بالتخفيف للتنبيه "إني لم أقل إلا ما قال النبي صلى الله عليه وسلم" أي فأنا متبع لا مبتدع. "فقال النبي صلى الله عليه وسلم عليك وعلى أمك" قال ابن ثقيم في زاد المعاد: وفي السلام على أم هذا المسلم نكتة لطيفة، وهي إشعاره بأن سلامه قد وقع في غير موقعه اللائق به كما وقع هذا السلام على مه فكما أن هذا سلامه في غير موضعه فهكذا سلامه هو. ونكتة أخرى ألطف منها وهي تذكيره بأمه ونسبته له إليها فكأنه أمي محض منسوب إلى الأم باق على تربيتها لم تربه الرجال انتهى "وليقل له" أي العاطس "وليقل يغفر الله لي ولكم" أي وليقل العاطس يغفر الله الخ.
قوله: "هذا حديث اختلفوا في روايته عن منصور، وقد أدخلوا بين هلال ابن يساف وبين سالم رجلاً" قال النذري في تلخيص السنن بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه: وأخرجه النسائي أيضاً عن منصور عن رجل عن خالد ابن عرفطة عن سالم، وأخرجه أيضاً عن منصور عن رجل عن سالم ورواه مسدد عن يحيى القطان عن سفيان عن منصور عن هلال عن رجل من آل خالد بن عرفطة عن آخر منهم قال: كنا مع سالم، ورواه زائدة عن منصور عن هلال عن رجل من أشجع عن سالم، ورواه عبد الرحمن بن مهدي عن أبي عوانة عن منصور عن هلال من آل عرفطة عن سالم. واختلف على ورقاء فيه، فقال بعضهم خالد(8/13)
2885- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلان، حدثنا أَبُو دَاودَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي ابنُ أَبي لَيْلَى عن أَخِيهُ عِيسَى بن عَبْد الرّحْمَنِ عن عبد الرحمن بنِ أَبي لَيْلَى، عن أَبي أَيّوبَ أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله على كل حال، وليقل الذي يرد عليه يَرْحَمُكَ الله، وَلْيَقُلْ هُوَ يَهْدِيكُمُ الله وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ" .
2886- حدثنا مُحمّدُ بنُ المثَنّى، أَخْبَرَنَاْ مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَاْ شُعْبَةُ عن ابنِ لَيْلَى بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ، هَكَذَا رَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَديثَ عن ابنِ أَبي لَيْلَى وَقَالَ عن أَبي أَيُوبَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وَكَانَ ابنُ أَبي لَيْلَى يَضْطَرِبُ في هَذَا الْحَدِيثِ، يَقُولُ أَحْيَاناً عن أَبي أَيّوبَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وَيَقُولُ أَحْيَاناً: عن عَليٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
ابن عرفطة أو عرفجة ويشبه أن يكون خالد هذا مجهولاً، فإن أبا حاتم الرازي قال: لا أعرف واحداً يقال له خالد بن عرفطة إلا واحداً الذي له صحبة انتهى كلام المنذري. قلت: وحديث سالم بن عبيد هذا أخرجه أبو داود من طريق أبي بشر ورقاء عن منصور عن هلال بن يساف عن خالد بن عرفجة عن سالم بن عبيد، وأخرجه أيضاً من طريق جرير عن منصور عن هلال بن يساف، قال كنا مع سالم بن عبيد الخ.
قوله: "أخبرني ابن أبي ليلى" اسمه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
قوله: "يرحمك الله" خبر معناه الدعاء "وليقل هو" أي العاطس "يهديكم الله ويصلح بالكم" البال القلب يقول فلان ما يخطر ببالي أي قلبي، والبال رخاء العيش، يقال فلان رخي البال أي واسع العيش، والبال الحال، يقول ما بالك أي حالك، والبال في الحديث يحتمل المعاني الثلاثة والأولى أن الحمل على المعنى(8/14)
2887- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ وَ مُحمّدُ بنُ يَحْيَى الثّقَفِيّ المَرْوَزِيّ قالاَ، حدثنا يَحْيَىَ ابنُ سَعِيدٍ القَطّانُ، عن ابنِ أَبي لَيْلَى، عن أَخِيهِ عِيسَى، عن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أَبي لَيْلَى، عن عَلِيٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
ـــــــ
الثالث أنسب لعمومه المعنيين الأوليين أيضاً كذا في المفاتيح، وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة مرفوعاً: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه يرحمك الله، فإذا قال له يرحمك الله فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم. قال ابن بطال: ذهب الجمهور إلى أنه يقول العاطس في جواب المشمت يهديكم الله ويصلح بالكم. وذهب الكوفيون إلى أنه يقول يغفر الله لنا ولكم، وأخرجه الطبري عن ابن مسعود وابن عمر وغيرهما. وذهب مالك والشافعي إلى أنه يتخير بين اللفظين انتهى وقيل يجمع بينهما. قلت: أصح ما ورد في جواب المشمت هو حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري في صحيحه فإنه قال بعد تخريجه في الأدب المفرد: وهذا أثبت ما يروى في هذا الباب. وقال الطبري هو من أثبت الأخبار. وقال البيهقي هو أصح شيء ورد في هذا الباب، وقد أخذ به الطحاوي من الحنفية، وهذا الحديث أخرجه الدارمي أيضاً.(8/15)
38- باب مَا جَاءَ في إِيِجَابِ التشْمِيتِ بِحَمْد العَاطِس
2888- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، حدثنا سُفْيَانُ عن سُلَيْمَانَ التّيمْيّ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ: "أَنّ رَجُلَيْنِ عَطَسَا عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَشَمّتَ أَحَدَهُما وَلَمْ يُشَمّتِ الآخر، فَقَالَ الّذِي لَمْ يُشَمّتْهُ: يَا رَسُولَ الله شَمّتّ هَذَا
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في إِيِجَابِ التشْمِيتِ بِحَمْد العَاطِس
قوله: "أن رجلين" وفي حديث سهل بن سعد عن الطبراني أنهما عامر بن الطفيل وابن أخيه "فشمت" أي النبي صلى الله عليه وسلم "أحدهما" بالنصب(8/15)
وَلَمْ تُشَمّتْنِي؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّهُ حَمِدَ الله وَإِنّكَ لَمْ تَحْمَده". هذا حديثٌ صحيحٌ.
ـــــــ
على المفعولية "شمت" بتشديدتين "ولم تشمتني" أي ما الحكمة في ذلك "إنه حمد الله وإنك لم تحمده" فيه أن من عطس وحمد الله يستحق التشميت ومن عطس ولم يحمد الله لا يستحقه وروى مسلم عن أبي موسى مرفوعاً: "إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه وإن لم يحمد الله فلا تشمتوه".
قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه الشيخان.(8/16)
39- باب مَا جَاءَ كَم يُشَمّتُ العَاطِس
2889- حدثنا سُوَيْدُ بن نصر، أخبرنا عَبْدُ الله، أَخْبَرَنَاْ عِكْرمَةُ بنُ عَمّار، عن إِياسِ بنِ سَلَمَةَ، عن أبيه قالَ: "عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأَنَا شاهِدٌ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَرْحَمُكَ الله ، ثمّ عَطَسَ الثّانيَةَ والثالثة. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "هَذَا رَجُلٌ مَزْكُومٌ" . هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2890- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، حدثنا
ـــــــ
باب مَا جَاءَ كَم يُشَمّتُ العَاطِس
قوله: "أخبرنا عبد الله" هو ابن المبارك "وأنا شاهد" أي حاضر، والجملة حالية "ثم عطس الثانية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هذا رجل مزكوم" وفي رواية يحيى القطان الآتية قال في الثالثة: أنت من كوم، وقال الترمذي: هذا الرواية أصح من رواية عبد الله بن المبارك.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.(8/16)
عِكْرِمَةُ بنُ عَمّارٍ، عن إِيَاسِ بنِ سَلَمَةَ، عن أَبِيهِ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ، إِلاّ أَنّهُ قالَ له في الثّالِثَةِ أَنْتَ مَزْكُومٌ".
هَذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيثِ ابنِ المُبَارَكِ. وَقَدْ رَوى شُعْبَةُ عن عِكْرِمَةَ بنِ عَمّارٍ هَذَا الْحَدِيثَ نَحْوَ رِوَايَةِ يَحْيَىَ بنِ سَعِيدٍ.
2891- حدثنا بِذَلِكَ أَحْمَدُ بنُ الْحَكَمِ البَصْرِيّ، أَخْبَرَنَا مُحمّدُ ابنُ جَعْفَرِ، أَخْبَرَنَاْ شُعْبَةُ عن عِكْرِمَةَ بنِ عَمّارٍ بِهَذَا.
2892- حدثنا القَاسِمُ بنُ دِينَارٍ الكُوفِيّ حدثنا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ السّلُولِيّ الكُوفِيّ عن عَبْدِ السّلاَمِ بنِ حَرْبٍ عن يَزِيدَ بنِ عَبْد الرّحْمَن أَبي خَالِدِ الدّالاَنِيّ، عن عُمَرَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ أَبي طَلْحَةَ، عن أُمّهِ عن أَبِيهَا قالَ: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "شَمّتِ العَاطِسَ ثَلاثاً، فَإِنْ زادَ فَإِنْ شِئْتَ فَشَمّتْهُ وَإِنْ شِئْتَ فَلاَ ".
ـــــــ
قوله: "حدثنا بذلك أحمد بن الحكم البصري" هو أحمد بن عبد الله بن الحكم بن فروة الهاشمي المعروف بابن الكردي، روى عن محمد بن جعفر غندر وغيره، وعنه مسلم والترمذي والنسائي وقال ثقة "أخبرنا محمد بن جعفر" المعروف بغندر.
قوله: "عن عمر بن إسحاق بن أبي طلحة" المدني مجهول الحال "عن أمه" اسمها حميدة بنت عبيد بن رفاعة الأنصارية مقبولة من الخامسة "عن أبيها" هو عبيد بن رفاعة بن رافع بن مالك الأنصاري الزرقي، ويقال فيه عبيد الله، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ووثقه العجلي.
قوله: "فإذا زاد فإن شئت فشمته وإن شئت فلا" وقد أخرج أبو يعلي وابن السني عن أبي هريرة النهي عن التشميت بعد ثلاث ولفظ إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه، فإن زاد على ثلاث فهو مزكوم ولا يشمته بعد ثلاث. قال النووي: فيه رجل لم أتحقق حاله وباقي إسناده صحيح. قال الحافظ: الرجل المذكور هو(8/17)
هذا حديثٌ غريبٌ وَإِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ.
ـــــــ
سليمان بن أبي داود الحراني. والحديث عندهما من رواية محمد بن سليمان عن أبيه، ومحمد موثق وأبوه يقال له الحراني ضعيف، قال فيه النسائي: ليس بثقة ولا مأمون. قال النووي: وأما الذي رويناه في سنن أبي داود والترمذي عن عبيد بن رفاعة الصحابي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يشمت العاطس ثلاثاً، فإن زاد فإن شئت فشمته، وإن شئت فلا" . فهو حديث ضعيف قال فيه الترمذي هذا حديث غريب وإسناده مجهول. قال الحافظ: إطلاقه على الضعف ليس بجيد، إذ لا يلزم من الغرابة الضعف، وأما وصف الترمذي إسناده بكونه مجهولاً فلم يرد جميع رجال الإسناد فإن معظمهم موثقون، وإنما وقع في روايته تغيير اسم بعض رواته وإبهام اثنين منهم، وذلك أن أبا داود والترمذي أخرجاه معاً من طريق عبد السلام بن حرب عن يزيد بن عبد الرحمن، ثم اختلفا، فأما رواية أبي داود ففيها عن يحيى بن إسحاق بن أبي طلحة عن أمه حميدة أو عبيدة بنت عبيد بن رفاعة عن أبيها، وهذا إسناد حسن. والحديث مع ذلك مرسل، وعبد السلام بن حرب من رجال الصحيح، ويزيد هو أبو خالد الدلاني وهو صدوق في حفظه شيء، ويحيى بن إسحاق وثقه يحيى بن معين وأمه حميدة، روى عنها أيضاً زوجها إسحاق بن أبي طلحة، وذكرها ابن حبان في ثقات التابعين وأبوها عبيد بن رفاعة ذكروه في الصحابة لكونه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وله رؤية قاله ابن السكن، قال ولم يصح سماعه، وقال البغوي: روايته مرسلة وحديثه عن أبيه عند الترمذي والنسائي وغيرهما، وأما رواية الترمذي ففيها عن عمر بن إسحاق بن أبي طلحة عن أمه عن أبيها، كذا سماه عمر ولم يسم أمه ولا أباه وكأنه لم يمعن النظر، فمن ثم قال إسناده مجهول، وقد تبين أنه ليس بمجهول وأن الصواب يحيى بن إسحاق لا عمر، فقد أخرجه حسن بن سفيان وابن السني وأبو نعيم وغيرهم من طريق عبد السلام بن حرب، فقالوا يحيى بن إسحاق، وقالوا حميدة بغير شك وهو المعتمد. وقال ابن العربي: هذا الحديث وإن كان فيه مجهول لكن يستحب العمل به لأنه دعاء بخير وصلة وتودد للجليس فالأولى العمل به. وقال ابن عبد البر: دل حديث عبيد بن رفاعة على أنه يشمت ثلاثاً ويقال أنت(8/18)
ـــــــ
مزكوم بعد ذلك وهي زيادة يجب قبولها فالعمل بها أولى. ثم حكى النووي عن ابن العربي أن العلماء اختلفوا: هل يقول لمن تتابع عطاسه. أنت مزكوم في الثانية أو الثالثة أو الرابعة على أقوال، والصحيح في الثالثة، قال ومعناه أنك لست ممن يشمت بعدها لأن الذي بك مرض وليس من العطاس المحمود الناشيء عن خفة البدن، انتهى.(8/19)
40- باب مَا جَاءَ في خَفْضِ الصّوتِ وَتَخْمِيرِ الوَجْهِ عِنْدَ العطَاس
2893- حدثنا مُحمّدُ بنُ وَزيرٍ الْوَاسِطِيّ، حدثنا يَحْيَىَ بنُ سَعِيدٍ، عن مُحمّدِ بنِ عَجْلاَنَ، عن سُمَىٍ، عن أَبي صَالحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ إِذا عَطَسَ غَطّى وَجْهَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ وَغَضّ بِهَا صَوْتَهُ" .
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في خَفْضِ الصّوتِ
أي غضه "وتخمير الوجه" أي تغطيته باليد أو بالثوب "عند العطاس" بضم العين المهملة وهو اندفاع الهواء بعزم من الأنف مع صوت يسمع. "أخبرنا يحيى بن سعيد" هو القطان "عن سمى" هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن "عن أبي صالح" اسمه ذكوان.
قوله: "إذا عطس" بفتح الطاء وجوز كسره "وغض" أي خفض "بها" أي بالعطسة "صوته" والمعنى لم يرفعه بصيحة والجار والمجرور متعلق بصوته. قال الحافظ: ومن آداب العاطس أن يخفض بالعطس صوته ويرفعه بالحمد، وأن يغطي وجهه لئلا يبدو من فيه أو أنفه ما يؤذي جليسه، ولا يلوي عنقه يميناً ولا شمالاً لئلا يتضرر بذلك. قال ابن العربي: الحكمة في خفض الصوت بالعطاس أن في رفعه إزعاجاً للأعضاء وفي تغطية الوجه أنه لو بدر منه شيء آذى جليسه ولو لوى عنقه صيانة لجليسه لم يأمن من الالتواء، وقد شاهدنا من وقع له ذلك،(8/19)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
وقد أخرج أبو داود والترمذي بسند جيد عن أبي هريرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده على فمه وخفض صوته. وله شاهد من حديث ابن عمر بنحوه عند الطبراني انتهى.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود والحاكم.(8/20)
ما جاء أن الله يحب العطاس ويكره التثؤب
...
41- باب مَا جَاءَ إِنّ الله يُحِبّ العُطَاسَ وَيَكْرهُ التّثَاؤب
2894- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، حدثنا سُفْيَانُ عن ابنِ عَجْلاَنَ، عن المُقْبُرِيّ عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "العُطَاسُ مِنَ الله وَالتّثَاؤُبُ مِنَ الشّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ وَإِذَا قالَ آه آه فَإِنّ الشّيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْ جَوفِهِ. وَإِنّ الله يُحِبّ العُطَاسَ وَيَكْرَهُ التّثَاؤُبَ، فَإِذَا قالَ الرّجُلُ آه آه إِذَا تَثَاءَبَ، فَإِنّ الشّيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْ جَوْفِهِ1" .
ـــــــ
باب مَا جَاءَ إِنّ الله يُحِبّ العُطَاسَ وَيَكْرهُ التّثَاؤب
قوله: "عن المقبري" هو سعيد بن أبي سعيد المقبري "العطاس من الله والتثاؤب من الشيطان" لأن العطاس ينشأ عنه النشاط للعبادة، فلذلك أضيف إلى الله، والتثاؤب ينشأ من الامتلاء فيورث الكسل فأضيف للشيطان "فليضع يده على فمه" أي فمه ليرده ما استطاع "وإذا قال آه آه" حكاية صوت المتثائب "فإن الشيطان يضحك من جوفه" وفي الرواية الآتية يضحك منه. قال الطيبي: أي يرضى بتلك الغفلة وبدخوله فمه للوسوسة. وفي حديث أبي سعيد عند مسلم: إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه فإن الشيطان يدخل. قال النووي: قال العلماء أمر بكظم التثاؤب ورده ووضع اليد على الفم لئلا يبلغ الشيطان مراده من تشويه صورته ودخوله فمه وضحكه منه.
ـــــــ
1 قال في هامش النسخة الأحمدية: هذه العبارة موجودة في النسخ الموجودة كلها - لكن في النسخة الدهلوية مقطوعة بخط هو علامة الغلط - ولا يوجد وجهة انتهى. قلت. ولعل وجه الغلط لزوم التكرار والله تعالى أعلم.(8/20)
هذا حديثٌ صحيحٌ.
2895- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيٍ الْخَلاّلُ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بنُ هَارونَ، أَخْبَرَنَاْ ابنُ أَبي ذِئْبٍ عن سَعِيدِ بنِ أَبي سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ، عن أَبِيهِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الله يُحِبّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَقَالَ الْحَمْدُ لله، فَحَقٌ عَلَى كُلّ مَنْ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ يَرْحَمُكَ الله. وأَمّا التّثَاؤُبُ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَليُرَدّهُ ما اسْتَطَاعَ وَلاَ يَقُولُ هَاه هَاه، فَإِنَما ذَلِكَ مِنَ الشّيْطَانِ
ـــــــ
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
قوله: "حدثنا يزيد بن هارون" السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي "أخبرني ابن أبي ذئب" اسمه محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة "عن أبيه" هو أبو سعيد واسمه كيسان.
قوله: "إن الله يحب العطاس" لأنه سبب خفة الدماغ وصفاء القوى الإدراكية، فيحمل صاحبه على الطاعة "ويكره التثاؤب" لأن يمنع صاحبه عن النشاط في الطاعة ويوجب الغفلة ولذا يفرح به الشيطان وهو المعنى في ضحكه الاَتي. قال القاضي: التثاؤب بالهمز، التنفس الذي يفتح عنه الفم، وهو إنما ينشأ من الامتلاء وثقل النفس وكدورة الحواس، ويورث الغفلة والكسل وسوء الفهم، ولذا كرهه الله وأحبه الشيطان وضحك منه، والعطاس لما كان سبباً لخفة الدماغ واستفراغ الفضلات عنه، وصفاء الروح وتقوية الحواس، كان أمره بالعكس "فحق على كل من سمعه" احتراز من حال عدم سماعه، فإنه حينئذ لا يتوجه عليه الأمر "فإذا تثارب أحدكم" قال الحافظ في الفتح، قال شيخنا في شرح الترمذي: وقع في رواية المحبوبي عن الترمذي بالواو، وفي رواية السنجي بالهمز، ووقع عند البخاري وأبي داود بالهمز وكذا في حديث أبي سعيد عند أبو داود، وأما عند مسلم(8/21)
يَضْحَكُ مِنْهُ" . هذا حديثٌ صحيحٌ. وَهَذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيثِ ابنِ عَجْلاَنَ، وَابنُ أَبي ذِئْبٍ أَحْفَظُ لِحَدِيثِ سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ، وَأَثْبَتُ مِنَ بنِ عَجْلاَنَ، قال وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ العَطَارَ البَصْرِيّ يَذْكُرُ عن عَلِيّ بنِ المَدِينيّ عن يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ قالَ: قالَ مُحمّدُ بنُ عَجْلاَنَ: أَحَاديثُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ رَوَى بَعْضَهَا سَعِيدٌ عن أَبي هُرَيْرَةَ، رُوى بَعْضَهَا عن سَعِيد عن رَجُلٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ، فَاخْتَلَطَتْ عَلَيّ فَجَعَلْتُهَا عن سَعِيدٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ.
ـــــــ
فبالواو، قال وكذا هو في أكثر فسخ مسلم وفي بعضها بالهمز، وقد أنكر الجوهري كونه بالواو. قال تقول تثاءبت على وزن تفاعلت ولا تقل تثاوبت، قال والتثاؤب أيضاً مهموز، وقد يقلبون الهمز المضمومة واواً والاسم الثوباء بالضم ثم همز على وزن الخيلاء، وجزم ابن دريد وثابت بن قاسم في الدلائل بأن الذي بغير واو بوزن تيممت، فقال ثابت لا يقال تثاب بالمد مخففاً بل يقال تثأب بالتشديد. وقال ابن دريد: أصله من ثئب فهو مثئوب إذا استرخى وكسل، وقال غير واحد إنهما لغتان وبالهمز والمد أشهر انتهى "فليرده ما استطاع" أي فليكظم فمه وليمسك بيده عليه "ولا يقول هاء هاء" حكاية لصوت المتثائب "فإنما ذلك" أي التثاؤب "من الشيطان" قال النووي: أضيف التثاؤب إلى الشيطان، لأنه يدعو إلى الشهوات، إذ يكون عن ثقل البدن واسترخائه وامتلائه، والمراد التحذير من السبب الذي يتولد منه، وهو التوسع في المأكل وإكثار الأكل.
قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي "وهذا" أي حديث ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة "أصح من حديث ابن عجلان" أي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بإسقاط عن أبيه، وقد بين الترمذي وجه كونه أصح منه بقوله: وابن أبي ذئب أحفظ الخ "عن يحيى بن سعيد قال: قال محمد بن عجلان أحاديث سعيد المقبري، روي بعضها عن سعيد عن أبي هريرة وبعضها سعيد عن رجل عن أبي هريرة الخ" وقال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة ابن عجلان، قال يحيى القطان عن ابن عجلان: كان سعيد المقبري(8/22)
ـــــــ
يحدث عن أبي هريرة، وعن أبيه عن أبي هريرة، وعن رجل عن أبي هريرة فأختلطت عليه فجعلها كلها عن أبي هريرة انتهى.(8/23)
42- باب ما جَاءَ إِنّ العُطَاسَ في الصّلاَةِ مِنَ الشّيْطَان
2896- حدثنا عَلِيّ بنُ جُحْرٍ، أَخْبَرَنا شَرِيكٌ عن أَبي اليَقْظَانِ، عن عَدِيّ بنُ ثَابِتٍ، عن أَبِيهِ، عن جَدّهِ رَفَعَهُ قالَ: "العُطَاسُ وَالنّعَاسُ وَالتثَاؤُبُ في الصّلاَةِ، وَالْحَيْضُ وَالْقَيءُ وَالرّعَافُ مِنَ الشّيْطَانِ".
ـــــــ
باب ما جَاءَ إِنّ العُطَاسَ في الصّلاَةِ مِنَ الشّيْطَان
قوله: "عن عدي وهو ابن ثابت" الأنصاري ثقة "عن أبيه" هو ثابت الأنصاري ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الحافظ في التقريب: هو مجهول الحال "عن جده" أي جد عدي "رفعه" أي رفع جده الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولولا هذا القيد لأوهم قوله "قال العطاس" أن يكون من قول الصحابي فيكون موقوفاً قاله الطيبي "والنعاس" هو النوم الخفيف أو مقدمة النوم وهو السنة "والثاؤب في الصلاة" قال الطيبي: إنما فصل بين الثلاثة الأولى والأخيرة بقوله في الصلاة، لأن الثلاثة الأخيرة تبطل الصلاة، بخلاف الأولى "والحيض والقيء والرعاف" بضم الراء دم الأنف "من الشيطان" قال القاضي. أضاف هذه الأشياء إلى الشيطان لأنه يحبها ويتوسل بها إلى ما يبتغيه من قطع الصلاة والمنع عن العبادة، ولأنها تغلب في غالب الأمر من شره الطعام الذي هومن أعمال الشيطان، وزاد التوربشتي: ومن ابتغاء الشيطان الحيلولة بين العبد وبين ما ندب إليه من الحضور بين يدي الله والاستغراق في لذة المناجاة. وقيل المراد من العطاس كثرته فلا ينافيه الخبر السابق أن الله يحب العطاس لأن محله في العطاس المعتدل، وهو الذي لا يبلغ الثلاث على التوالي بدليل أنه يسن تشميته حينئذ بعافاك الله وشفاك. الدال على أن ذلك مرض، انتهى. قال القاري: والظاهر أن الجمع بين الحديثين بأن يحمل محبة الله تعالى العطاس مطلقاً على خارج الصلاة وكراهته مطلقاً في داخل الصلاة، لأنه في الصلاة لا يخلو عن اشتغال بال(8/23)
هذا حديثٌ غريبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثٍ شَرِيكٍ عن أَبي الْيَقْظَانِ. قال: وَسَأَلْتُ مُحمّدَ بنَ إسْمَاعِيلَ عن عَدِيّ بنِ ثَابِتٍ عن أَبيهِ عن جَدّهِ: قُلْتُ لَهُ: مَا اسْمُ جَدّ عَدِيٍ؟ قالَ لاَ أَدْرِي. وَذُكِرَ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِينٍ. قالَ: اسْمُهُ دِينَارٌ.
ـــــــ
به، وهذا الجمع كان متعيناً لو كان حديثان مطلقين، فكيف مع التقييد بها في هذا الحديث انتهى.
وقال الحافظ العراقي في شرح الترمذي: لا يعارض هذا حديث أبي هريرة إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، لكونه مقيداً بحبال الصلاة. فقد يتسبب الشيطان في حصول العطاس المصلي ليشغله عن صلاته، ذكره الحافظ في الفتح.
قوله: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك عن أبي اليقظان" قال الحافظ في الفتح: وسنده ضعيف، وله شاهد عن ابن مسعود في الطبراني، لكن لم يذكر النعاس وهو موقوف وسنده ضعيف أيضاً "وذكر عن يحيى بن معين قال اسمه دينار" وقال الترمذي في باب المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، وذكرت لمحمد يعني البخاري قول يحيى بن معين اسمه دينار فلم يعبأ به انتهى. وذكر الحافظ أقوالاً عيديدة في اسم جد عدى في تهذيب التهذيب في ترجمة ثابت الأنصاري ثم قال: ولم يترجح لي في اسم جده إلى الآن شيء من هذه الأقوال كلها إلا أن أقربها إلى الصواب أن جده هو جده لأمه عبد الله يزيد الخطمي انتهى.(8/24)
باب ماجاء في كراهية أن يقام الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه
...
43- باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ أَنْ يُقَامَ الرَجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ثمّ يُجْلَسُ فِيه
2897- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عن أَيّوبَ عن نَافِعٍ،
ـــــــ
باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ أَنْ يُقَامَ الرَجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ثمّ يُجْلَسُ فِيه
قوله: "عن أيوب" هو ابن أبي تميمة السختياني "عن نافع" هو أبو عبد الله المدني مولى ابن عمر ثقة ثبت فقيه مشهور من الثالثة.(8/24)
عن ابنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يُقِمُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمّ يَجْلِسُ فيه". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ .
2898- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيٍ الْخَلاّلُ، أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عن الزّهْرِيّ عن سَالِمٍ، عن ابنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُقِم أَحَدُكُمْ أَخَاهُ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمّ يَجْلِسُ فِيهِ" . قال:
ـــــــ
قوله: "لا يقيم" من الإقامة "أخاه" في الدين "من مجلسه" أي من مكانه الذي سبقه إليه من موضع مباح "ثم يجلس" أي المقيم "فيه" قيد واقعي غالبي. قال النووي: هذا النهي للتحريم فمن سبق إلى موضع مباح في المسجد وغيره يوم الجمعة أو غير، لصلاة أو غيرها فهو أحق به، ويحرم على غيره إقامته لهذا الحديث إلا أن أصحابنا استثنوا منه ما إذا ألف من المسجد موضعاً يفتي فيه أو يقرأ قرآناً أو غيره من العلوم الشرعية فهو أحق به، وإذا حضر لم يكن لغيره أن يقعد فيه. وفي معناه من سبق إلى موضع من الشوارع ومقاعد الأسواق لمعاملة انتهى. وقال القاري في المرقاة بعد نقل كلام النووي: هذا وفيه بحث ظاهر، لأن مثل هذا التعليل هل يصلح لتخصيص العام المستفاد من النهي الصريح بالحديث الصحيح مع ما ورد من النهي عن أخذ مكان معين من المسجد لما يترتب عليه من الرياء المنافي للإخلاص، وقد كان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إذا قام له رجل عن مجلسه لم يجلس فيه انتهى.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "لا يُقم أحدكم أخاه من مجلسه ثم يجلس فيه" قال ابن أبي جمرة: هذا اللفظ عام في المجالس ولكنه مخصوص بالمجالس المباحة، إما على العموم كالمساجد ومجالس الحكام والعلم وإما على الخصوص كمن يدعو قوماً بأعيانهم إلى منزله لوليمة ونحوها، وأما المجالس التي ليس لشخص فيها ملك ولا إذن له فيها فإنه يقام ويخرج منها، ثم هو في المجالس العامة وليس عاماً في الناس بل هو خاص بغير المجانين ومن يحصل منه الأذى كأكل الثوم النيء إذا دخل المسجد والسفيه إذا دخل مجلس العلم أو الحكم، قال والحكمة في هذا النهي منع استنقاص حق(8/25)
وَكَانَ الرّجُلُ يَقُومُ لابنِ عُمَرَ فلا يَجْلِسُ فِيهِ.
ـــــــ
المسلم المقتضي للضغائن الحث على التواضع المقتضي للمواددة. وأيضاً فالناس في المباح كلهم سواء، فمن سبق إلى شيء استحقه، ومن استحق شيئاً فأخذ منه بغير حق فهو غصب والغصب حرام. فعلى هذا قد يكون بعض ذلك على سبيل الكراهة، وبعضه على سبيل التحريم "قال" أي سالم "وكان الرجل يقوم لابن عمر فما يجلس فيه" وفي رواية البخاري: وكان ابن عمر يكره أن يقوم الرجل من مكانه ثم يجلس مكانه. قال النووي: وأما ما نسب إلى ابن عمر فهو ورع منه وليس قعوده فيه حراماً إذا كان ذلك برضا الذي قام، ولكنه تورع منه لاحتمال أن يكون الذي قام لأجله استحيى منه فقام عن غير طيب قلبه، فسد الباب ليسلم من هذا، أو رأى أن الإيثار بالقرب مكروه أو خلاف الأولى فكان يمتنع من ذلك لئلا يرتكب أحد بسببه مكروهاً، أو خلاف الأولى بأن يتأخر عن موضعه من الصف الأول ويؤثره به وشبه ذلك. قال أصحابنا: وإنما يحمد الإيثار بحظوظ النفوس وأمور الدنيا دون القرب، انتهى. قلت: وقد ورد ذلك عن ابن عمر مرفوعاً أخرجه أبو داود من طريق أبي الخصيب عن ابن عمر: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام له رجل من مجلسه فذهب ليجلس، فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم.(8/26)
باب إذا قام الرجل من مجلسه ثم رجع فهو أحق به
...
44- باب مَا جَاءَ إِذَا قَامَ الرّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ثمّ رَجَعَ اليه فَهُوَ أَحقّ بِه
2899- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا خَالِدُ بنُ عَبْدِ الله الوَاسِطِيّ، عن عَمْرِو بنِ يَحْيَى، عن مُحمّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَبّانٍ، عن عَمّهِ وَاسِعِ بنِ حَبّانَ، عن وَهْبِ بنِ حُذَيْفَةَ أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "الرّجُلُ أَحَقّ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ إِذَا قَامَ الرّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ثمّ رَجَعَ اليه فَهُوَ أَحقّ بِه
قوله: "عن وهب بن حذيفة" الغفاري، صحابي من أهل الصفة، عاش إلى خلافة معاوية.(8/26)
بِمَجْلِسِهِ، وَإِنْ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ، ثُمّ عَادَ فَهُوَ أَحَقّ بِمَجْلِسِهِ" . هذا حديثٌ صحيحٌ غريبٌ.
وفي البابِ عن أَبي بَكْرَةَ وَأَبي سَعِيدٍ وَأَبي هُرَيْرَةَ.
ـــــــ
قوله: "الرجل أحق بمجلسه وإن خرج لحاجته ثم عاد فهو أحق بمجلسه" قال النووي: قال أصحابنا هذا في حق من جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلاً ثم فارقه ليعود بأن فارقه ليتوضأ أو يقضي شغلاً يسيراً ثم يعود لم يبطل اختصاصه، بل إذا رجع فهو أحق به في تلك الصلاة، فإن كان قد قعد فيه غيره فله أن يقيمه، وعلى القاعد أن يفارقه لهذا الحديث، هذا هو الصحيح عند أصحبانا، وأنه يجب على من قعد فيه مفارقته إذا رجع الأول. وقال بعض العلماء: هذا مستحب ولا يجب وهو مذهب مالك والصواب الأول، قال أصحابنا: ولا فرق بين أن يقوم منه ويترك له فيه سجادة ونحوها أم لا، فهذا أحق به في الحالين. قال أصحابنا: وإنما يكون أحق به في تلك الصلاة وحدها دون غيرها انتهى. وقال عياض: اختلف العلماء فيمن اعتاد بموضع من المسجد للتدريس والفتوى فحكى عن مالك: أنه أحق به إذا عرف به، قال والذي عليه الجمهور أن هذا استحسان وليس بحق واجب، ولعله مراد مالك، وكذا قالوا في مقاعد الباعة من الأفنية والطرق التي هي غير متملكة، قالوا من اعتاد بالجلوس في شيء منها فهو أحق به حتى يتم غرضه، قال وحكاه الماوردي عن مالك قطعاً للتنازع. وقال القرطبي: الذي عليه الجمهور أنه ليس بواجب.
قوله: "هذا حديث صحيح غريب" وأخرجه أحمد في مسنده.
قوله: "وفي الباب عن أبي بكرة وأبي سعيد وأبي هريرة" أما حديث أبي بكرة وحديث أبي سعيد فلينظر من أخرجهما، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأبو داود وابن ماجه ولفظه: "من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به".(8/27)
باب ماجاء في كراهية الجلوس بين الرجلين بغير إذنهما
...
45- باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ الْجُلُوسِ بَيْنَ الرّجُلَيْنِ بِغَيْرِ إِذْنِهِمَا
2900- حدثنا سُوَيْدُ، أخْبَرَنا عَبْدِ الله، أَخْبَرَنا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، حدثني عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، عن أَبِيهِ، عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَحِلّ لِلرّجُلِ أَنْ يُفَرّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلاّ بإِذْنِهما" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وقد رَوَاهُ عَامِرٌ الأَحْوَلُ عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ أَيْضاً.
ـــــــ
باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ الْجُلُوسِ بَيْنَ الرّجُلَيْنِ بِغَيْرِ إِذْنِهِمَا
قوله: "حدثنا سويد" هو ابن نصر بن سويد المروزي "أخبرنا عبد الله" هو ابن المبارك "أخبرنا أسامة بن زيد" الليثي مولاهم أبو زيد المدني.
قوله: "لا يحل الرجل أن يفرق" بتشديد الراء "بين أثنين" أي بأن يجلس بينهما "إلا بإذنهما" لأنه قد يكون بينهما محبة ومودة وجريان سر وأمانة فيشق عليهما التفرق بجلوسه بينهما.
قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد وأبو داود "وقد رواه عامر الأحول عن عمرو بن شعيب أيضاً" أخرجه أبو داود في سننه ولفظه: لا يجلس بين رجلين إلا بإذنهما.(8/28)
باب ما جاء كراهية القعود وسط الحلقة
...
46- باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ القُعُودِ وَسْطَ الْحَلْقَة
2901- حدثنا سُوَيْدُ، أخبرنا عَبْدُ الله، أخبرنا شُعْبَةُ عن قَتَادَةَ عن أَبي مِجْلَزٍ: "أَنّ رَجُلاً قَعَدَ وَسَطَ الْحَلْقَةِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: مَلْعُونٌ عَلَى لِسَانِ مُحمّدٍ. أَوْ: لَعَنَ الله عَلَى لِسَانِ مُحمّدٍ صلى الله عليه وسلم مَنْ قَعَدَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ".
ـــــــ
باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ القُعُودِ وَسْطَ الْحَلْقَة
قوله "أو لعن الله" شك من الراوي "من قعد وسط الحلقة" بسكون السين واللام. قال الخطابي: هذا يتأول فيمن يأتي حلقة قوم فيتخطى رقابهم ويقعد وسطها ولا يقعد حيث ينتهي به المجلس فلعن للأذى، وقد يكون في ذلك أنه إذا قعد(8/28)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَأَبُو مُجْلَزٍ اسْمُهُ لاَحِقُ بنُ حُمَيْدٍ
ـــــــ
وسط الحلقة حال بين الوجوه فحجب بعضهم عن بعض، فيتضررون بمكانه وبمقعده هناك انتهى. وقال التوربشتي: المراد به الماجن الذي يقيم نفسه مقام السخرية ليكون ضحكة بين الناس، ومن يجري مجراه من المتآكلين بالشعوذة انتهى، والشعوذة: خفة في اليد وأخذ كالسحر يرى الشيء بغير ما عليه أصله في رؤى العين، والماجن: من لا يبالي قولاً وفعلاً.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود والحاكم.(8/29)
باب ماجاء في كراهية قيم الرجل للرجل
...
47- باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ قِيَامِ الرّجُلِ لِلرجّل
2902- حدثنا عَبْدِ الله بنُ عَبْد الرّحْمَنِ، أخبرنا عَفّانُ، أَخْبَرَنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ، عن حُمَيْدٍ، عن أَنَسٍ قالَ: "لم يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، قال: وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ
ـــــــ
باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ قِيَامِ الرّجُلِ لِلرجّل
قوله: "أخبرنا عفان" هو ابن مسلم بن عبد الله الصفار البصري.
قوله: "لم يكن شخص أحب إليهم" أي إلى الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين "وكانوا" أي جميعاً "إذا رأوه" أي مقبلاً "لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك" أي لقيامهم تواضعاً لربه، ومخالفته لعادة المتكبرين والمتجبرين، بل اختار الثبات على عادة العرب في ترك التكلف في قيامهم وجلوسهم وأكلهم وشربهم ولبسهم ومشيهم وسائر أفعالهم وأخلاقهم.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" ذكره الحافظ في الفتح، ونقل تصحيح الترمذي وأقره.(8/29)
2903- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنا قُبَيْصَةُ، أَخْبَرَنا سُفْيَانُ عن حَبِيبِ بنِ الشّهِيدِ، عن أَبي مِجْلَزٍ قالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ فَقَامَ عَبْدُ الله بنُ الزّبَيْرِ وَابنُ صَفْوَانَ حِينَ رَأَوْهُ فَقَالَ اجْلِسَا، سَمِعْتُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ سَرّهُ أَنْ يَتَمَثّلَ لَهُ الرّجَالُ قِيَاماً فَلْيَتَبَوّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ" . وفي البابِ عن أَبي أُمَامَةَ. هذا حديثٌ حسنٌ.
ـــــــ
قوله: "أخبرنا قبيصة" هو ابن عقبة بن محمد "أخبرنا سفيان" هو الثوري.
قوله: "خرج معاوية فقام عبد الله بن الزبير وابن صفوان حين رأوه" يثبت من رواية الترمذي هذه أن عبد الله بن الزبير قد قام حين خرج معاوية وروايات أبي داود وغيره تدل على أنه لم يقم. ورجح الحافظ في الفتح هذه الروايات النافية فقال بعد ذكرها: وسفيان وإن كان من جبال الحفظ إلا أن العدد الكثير وفيهم مثل شعبة أولى بأن تكون روايتهم محفوظة من الواحد، وقد اتفقوا على أن ابن الزبير لم يقم "من سره" أي أعجبه وجعله مسروراً، وفي رواية أبي داود: من أحب "أن يتمثل" أي ينتصب "له الرجال قياماً" أي يقفون بين يديه قائمين لتعظيمه من قولهم مثل بين يديه مثولاً أي انتصب قائماً. قال الطيبي: يجوز أن يكون قوله قياماً مفعولاً مطلقاً لما في الانتصاب من معنى القيام وأن يكون تمييز الاشتراك المثول بين المعنيين "فليتبوأ" أي فليهيء "مقعده من النار" لفظه الأمر معناه الخير كأنه قال: من سره ذلك وجب له أن ينزل منزلة من النار.
قوله: "وفي الباب عن أبي أمامة" أخرجه أبو داود وابن ماجه عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئاً على عصاً فقمنا له. فقال لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضاً.
قوله: "وهذا حديث حسن" وأخرجه أحمد وأبو داود.
اعلم أنه قد اختلف أهل العلم في قيام الرجل للرجل عند رؤيته، فجوزه بعضهم كالنووي وغيره، ومنعه بعضهم كالشيخ أبي عبد الله بن الحاج المالكي وغيره، وقال النووي في الأذكار: وأما إكرام الداخل بالقيام، فالذي نختاره أنه مستحب لمن(8/30)
2904- حدثنا هَنّادٌ، حدثنا أَبُو أُسَامَةَ عن حَبِيبِ بنِ الشّهِيدِ،
ـــــــ
كان فيه فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو شرف أو ولاية ونحو ذلك، ويكون هذا القيام للبر والإكرام والاحترام لا للرياء والإعظام. وعلى هذا استمر عمل السلف والخلف، وقد جمعت في ذلك جزءاً جمعت فيه الأحاديث والآثار وأقوال السلف وأفعالهم الدالة على ما ذكرته. وذكرت فيه ما خالفها وأوضحت الجواب عنه، فمن أشكل عليه من ذلك شيء ورغب في مطالعته، رجوت أن يزول إشكاله، انتهى.
قلت: وقد نقل بن الحاج ذلك الجزء في كتابه المدخل، وتعقب على كل ما استدل به النووي، فمن أقوى ما تمسك به حديث أبي سعيد عن الشيخين: أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه فجاء، فقال "قوموا إلى سيدكم" الحديث، وقد أجاب عنه ابن الحاج بأجوبة منها: أن الأمر بالقيام لغير ما وقع فيه النزاع وإنما هو لينزلوه عن دابته لما كان فيه من المرض كما جاء في بعض الروايات انتهى. قال الحافظ: قد وقع في مسند عائشة عند أحمد من طريق علقمة بن وقاص عنها في قصة غزوة بني قريظة، وقصة سعد بن معاذ ومجيئه مطولاً، وفيه قال أبو سعيد: فلما طلع قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قوموا إلى سيدكم فأنزلوه". وسنده حسن، وهذه الزيادة تخدش في الاستدلال بقصة سعد على مشروعية القيام المتنازع فيه، انتهى.
ومما تمسك به النووي حديث كعب بن مالك في قصة توبته وفيه: فقام إلى طلحة بن عبيد الله يهرول، فصافحني وهنأني. وأجاب عنه ابن الحاج بأن طلحة إنما قام لتهنئته ومصافحته ولو كان قيامه محل النزاع لما انفرد به، فلم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قام له ولا أمر به ولا فعله أحد ممن حضروا وإنما انفرد طلحة لقوة المودة بينهما على ما جرت به العادة أن التهنئة والبشارة ونحو ذلك تكون على قدر المودة والخلطة، بخلاف السلام فإنه مشروع على من عرفت ومن لم تعرف.
ومما تمسك به النووي حديث عائشة قالت: ما رأيت أحد كان أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده(8/31)
عن أَبي مِجْلَزٍ، عن مُعَاوِيَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه.
ـــــــ
فقبلته وأجلسته في مجلسها. أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم. وأجاب عنه ابن الحاج باحتمال أن يكون القيام لها لأجل إجلاسها في مكانه إكراماً لها لا على وجه القيام المنازع فيه، ولا سيما ما عرف من ضيق بيوتهم وقلة الفرش فيها، فكانت إرادة إجلاسه لها في موضعه مستلزمة لقيامه.
ومما تمسك به النووي: ما أخرجه أبو داود عن عمرو بن الحارث أن عمر بن السائب حدثه أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً يوماً فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه، ثم أقبلت أمه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه بين يديه. وأجاب عنه ابن الحاج بأن هذا القيام لو كان محل النزاع لكان الوالدان أولى به من الأخ، وإنما قام للأخ، إما لأن يوسع له في الرداء أو في المجلس.
قلت: هذا الحديث معضل كما صرح به ابن المنذري في تلخيص السنن فلا يصلح للاستدلال، وتمسك النووي بروايات أخرى، وأجاب عنها ابن الحاج بأنها ليست من محل النزاع، والأمر كما قال ابن الحاج وأجاب النووي عن أحاديث كراهة قيام الرجل للرجل بما لا يشفي العليل ولا يروي الغليل كما بينه ابن الحاج مفصلاً.
قلت: حديث أنس المذكور يدل على كراهة القيام المتنازع فيه، وهو قيام الرجل للرجل عند رؤيته، وظاهر حديث عائشة يدل على جوازه. وجواب ابن الحاج عن هذا الحديث غير ظاهر، واختلف في وجه الجمع بينهما، فقيل حديث أنس محمول على كراهة التنزيه، وقيل هو محمول على القيام على طريق الإعظام، وحديث عائشة على القيام على طريق البر والإكرام، وقيل غير ذلك، أما قيام الرجل لإنزال المريض عن مركوبه، أو القادم من سفر، أو للتهنئة لمن حدثت له نعمة، أو لتوسع المجلس فهو جائز بالاتفاق. نقل العيني في شرح البخاري عن أبي الوليد بن رشد: أن القيام على أربعة أوجه: الأول محظور وهو أن يقع لمن يريد أن يقام إليه تكبراً وتعاظماً على القائمين إليه، والثاني: مكروه وهو أن يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر(8/32)
ـــــــ
ولما فيه من التشبه بالجبابرة، والثالث: جائز وهو أن يقع على سبيل البر والإكرام لمن لا يريد ذلك ويؤمن معه التشبه بالجبابرة، والرابع مندوب وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحاً بقدومه ليسلم عليه، أو إلى من تجددت له نعمة فيهنئه بحصولها أو مصيبة فيعزيه بسببها انتهى. وقال الغزالي القيام على سبيل الإعظام مكروه وعلى سبيل البر والإكرام لا يكره. قال الحافظ في الفتح: هذا تفصيل حسن.(8/33)
48- باب ما جَاءَ في تَقْلِيم الأظْفَار
2905- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ الحلواني و غير واحد، قَالُوا: أَخْبَرَنا عَبْدُ الرّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ عن الزّهْرِيّ عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ: الاسْتِحْدادُ وَالْخِتَانُ وَقَصّ الشّارِبِ وَنَتْفُ الإبِطِ وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ" .
ـــــــ
باب ما جَاءَ في تَقْلِيم الأظْفَار
قوله: "خمس من الفطرة" قال في النهاية: أي من السنة، يعني سنن الأنبياء عليهم السلام التي أمرنا أن نقتدي بهم، وقال في مجمع البحار: أي من السنة القديمة التي اختارها الأنبياء عليهم السلام واتفقت عليها الشرائع فكأنها أمر جبلي فطروا عليه، منها قص الشارب. فسبحانه. ما أسخف عقول قوم طولوا الشارب وأحفوا اللحية عكس ما عليه فطرة جميع الأمم قد بدلوا فطرتهم نعوذ بالله انتهى. ويسوغ الابتداء بالنكرة أن قوله خمس صفة موصوف محذوف، والتقدير خصال خمس، ثم فسرها أو على الإضافة أي خمس خصال، ويجوز أن تكون الجملة خبر مبتدأ محذوف، والتقدير الذي شرع لكم خمس من الفطرة "الاستحداد" أي حلق العانة، سمي استحداداً لاستعمال الحديدة وهي الموسى وهو سنة، والمراد به نظافة ذلك الموضع والأفضل فيه الحلق ويجوز بالقص والنتف والنورة، والمراد بالعانة الشعر فوق ذكر الرجل وحواليه، وكذلك الشعر الذي حول فرج المرأة، ونقل عن أبي العباس بن سريج: أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر، فيحصل من مجموع هذا استحباب حلق جميع ما على القبل والدبر وحولها "والختان" بكسر(8/33)
ـــــــ
المعجمة وتخفيف المثناة مصدر ختن أي قطع، والختن بفتح ثم سكون: قطع بعض مخصوص عن عضو مخصوص، والختان اسم الفعل الخاتن والموضع الختان أيضاً كما في حديث عائشة: إذا التقى الختانان. والأول المراد به هنا. قال الماوردي: ختان الذكر قطع الجلدة التي تغطي الحشفة، والمستحب أن يستوعب من أصلها عند أول الحشفة، وأقل ما يجزئ أن لا يبقى منها ما يتغشى به شيء من الحشفة. وقال إمام الحرمين: المستحق في الرجال قطع القلفة، وهي الجلدة التي تغطي الحشفة حتى لا يبقى من الجلدة شيء متدل. وقال ابن الصباغ: حتى تنكشف جميع الحشفة قال الإمام: والمستحق من ختان المرأة ما ينطلق عليه الاسم. قال الماوردي: ختانها قطع جلدة تكون في أعلى فرجها فوق مدخل الذكر كالنواة أو كعرف الديك والواجب قطع الجلدة المستعلية منه دون استئصاله. وقد أخرج أبو داود من حديث أم عطية: أن امرأة كانت تختن بالمدينة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة"، وقال إنه ليس بالقوي. قال الحافظ: له شاهدان من حديث أنس، ومن حديث أم أيمن عند أبي الشيخ في كتاب العقيقة وآخر عن الضحاك بن قيس عند البيهقي.
واختلف في وقت الختان، فذهب الجمهور إلى أن مدة الختان لا تختص بوقت معين وليس بواجب في حالة الصغر، واستدل لهم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعد ما أتت عليه ثمانون سنة واختتن بالقدوم متفق عليه، إلا أن مسلماً لم يذكر السنين وللشافعية وجه أنه يجب على الولي أن يختن الصغير قبل بلوغه، ويرده ما رواه البخاري عن سعيد بن جبير قال: سئل ابن عباس، مثل من أنت حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا يومئذ مختون، وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك. ولهم أيضاً وجه أنه يحرم قبل عشر سنين، ويرده حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم ختن الحسن والحسين يوم السابع من ولادتهما. أخرجه الحاكم والبيهقي من حديث عائشة، وأخرجه البيهقي من حديث جابر، قال النووي بعد أن ذكر هذين الوجهين: وإذا قلنا بالصحيح استحب أن يختتن في اليوم السابع من ولادته، وهل يحسب يوم الولادة من السبع أو يكون سبعة سواء فيه وجهان: أظهرهما يحسب انتهى. وفي هذه المسألة أقوال أخرى ذكرها الحافظ في الفتح.(8/34)
ـــــــ
واختلف في أن الختان واجب أو سنة قال الحافظ في الفتح: ذهب إلى وجوب الختان الشافعي وجمهور أصحابه، وقال به من القدماء عطاء حتى قال: لو أسلم الكبير لم يتم إسلامه حتى يختتن. وعن أحمد وبعض المالكية يجب. وعن أبي حنيفة واجب وليس بفرض وعنه سنة يأثم بتركه. وفي وجه للشافعية لا يجب في حق النساء وهو الذي أورده صاحب المغنى عن أحمد، وذهب أكثر العلماء وبعض الشافعية أنه ليس بواجب.
واحتج القائلون بالوجوب بروايات لا يخلو واحدة منها عن مقال، وقد ذكرها الشوكاني في النيل مع الكلام عليها ثم قال: والحق أنه لم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب والمتيقن السنة كما في حديث: خمس من الفطرة والواجب الوقوف على المتيقن إلى أن يقوم ما يوجب الانتقال عنه انتهى. "وقص الشارب" أي قطع الشعر الثابت على الشفة العليا من غير استئصال، وسيأتي الكلام في هذه المسألة مفصلاً بعد باب "ونتف الإبط" بكسر الهمزة والموحدة وسكونها وهو المشهور وصوبه الجواليقي وهو يذكر ويؤنث، وتأبط الشيء وضعه الشيء تحت إبطه والمستحب البداءة فيه باليمنى، ويتأدى أصل السنة بالحلق ولا سيما من يؤلمه النتف، وقد أخرج ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن يونس بن عبدالله الأعلى قال: دخلت على الشافعي ورجل يحلق إبطه فقال: إني علمت أن السنة النتف ولكن لا أقوى على الوجع. قال الغزالي: هو في الابتداء موجع ولكن يسهل على من اعتاده. قال والحق كاف لأن المقصود النظافة، وتعقب بأن الحكمة في نتفه أنه محل للرائحة الكريهة وإنما ينشأ ذلك من الوسخ الذي يجتمع بالعرق فيه فيتلبد ويهيج، فشرع فيه النتف الذي يضعفه فتخف الرائحة به، بخلاف الحلق فإنه يقوي الشعر ويهيجه، فتكثر الرائحة لذلك. وقال ابن دقيق العيد: من نظر إلى اللفظ وقف مع النتف، ومن نظر إلى المعنى أجازه بكل مزيل، لكن بين أن النتف مقصود من جهة المعنى، فذكر نحو ما تقدم، قال وهو معنى ظاهر لا يهمل، فإن مورد النص إذا احتمل معنى مناسباً يحتمل أن يكون مقصوداً في الحكم لا يترك، والذي يقوم مقام النتف في ذلك التنور لكنه يرق الجلد، فقد يتأذى صاحبه به ولا سيما إن كان جلده رقيقاً، وتستحب البداءة في إزالته باليد اليمن ويزيل ما في اليمنى بأصابع اليسرى، وكذا اليسرى إن أمكن وإلا فباليمنى "وتقليم الأظفار" هو تفعيل من القلم وهو القطع، والأظفار جمع ظفر بضم الظاء والفاء وبسكونها، والمراد إزالة ما يزيد على ما يلابس رأس(8/35)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2906- حدثنا قُتَيْبَةُ وَ هَنّادٌ قَالاَ: حدثنا وَكِيعٌ، عن زَكَرِيّا بنِ أَبي زَائِدَةَ، عن مُصْعَبِ بن شَيْبَةَ، عن طَلْقِ بنِ حَبِيبٍ، عن عَبْدِ الله بنِ الزّبَيْرِ، عن عَائِشَةَ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "عَشْرٌ مِنَ الفِطْرَةِ: قَصّ الشّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللّحْيَةِ وَالسّوَاكُ والاسْتِنْشَاقُ وَقَصّ الأَظْفَارِ
ـــــــ
الأصبع من الظفر، لأن الوسخ يجتمع فيه فيستقذر، وقد ينتهي إلى حد يمنع من وصول الماء إلى ما يجب غسله في الطهارة. قال الحافظ: لم يثبت في ترتيب الأصابع عند القص شيء من الأحاديث لكن جزم النووي في شرح مسلم بأنه يستحب البداءة بمسبحة اليمنى ثم بالوسطى ثم البنصر ثم الخنصر ثم الإبهام، وفي اليسرى بالبداءة بخنصرها ثم بالبنصر إلى الإبهام. فيبدأ في الرجلين يختصر اليمنى إلى الإبهام وفي اليسرى بإبهامها إلى الخنصر، ولم يذكر للاستحباب مستنداً. انتهى كلام الحافظ وقد بسط الكلام في هذا المقام بسطاً حسناً.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
قوله: "عن مصعب بن شيبة" بن جبير بن شيبة بن عثمان العبدري المكي الحجي، لين الحديث من الخامسة "عن طلق" بسكون اللام "بن حبيب" العنزي بصري صدوق عابد، رمى بالإرجاء من الثالثة.
قوله: "عشر من الفطرة" فإن قلت: ما وجه التوفيق بين هذا وبين حديث أبي هريرة المتقدم بلفظ خمس من الفطرة، قلت: قيل في وجه الجمع أنه صلى الله عليه وسلم كان أعلم أولاً بالخمس ثم أعلم بالزيادة، وقيل الاختلاف في ذلك بحسب المقام فذكر في كل موضع اللائق بالمخاطبين، وقيل ذكر الخمس لا ينافي الزائد لأن الأعداد لا مفهوم لها "وإعفاء اللحية" هو أن يوفر شعرها ولا يقص كالشوارب من عفا الشيء إذا كثر وزاد يقال: أعفيته وعفيته كذا في النهاية. وفي حديث ابن عمر عند البخاري: وفروا اللحى "والسواك" قال أهل اللغة: السواك بكسر(8/36)
وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ" قَالَ زَكَرِيّا
ـــــــ
السين، وهو يطلق على الفعل وعلى العود الذي يتسوك، به وهو مذكر، وذكر صاحب الحكم أنه يؤنث ويذكر والسواك فعلك بالمسواك ويقال ساك فمه يسوكه سوكاً. فإن قلت أستاك لم تذكر الفم وجمع السواك سوك بضمتين ككتاب وكتب، وذكر صاحب الحكم: أنه يجوز سؤك بالهمزة. قال النووي: ثم قيل إن السواك مأخوذ من ساك إذا دلك وقيل من جاءت الإبل تستاك أي تتمايل هزالاً وهو في اصطلاح العلماء استعمال عود أو نحوه في الأسنان ليذهب الصفرة أو غيرها عنها "والاستنشاق" قال في المجمع: استنشق أي أدخل الماء في أنفه بأن جذبه بريح أنفه واستنثر بمثناة فنون فمثلثة، أي أخرجه منه بريحه بإعانة يده أو بغيرها بعد إخراج الأذى لما فيه من تنقية مجرى النفس انتهى، والمراد هنا الاستنشاق مع الاستنثار، وقال فيه الاستنشاق في حديث: عشرة من ا لفطرة يحتمل حمله على ما ورد فيه الشرع باستحبابه من الوضوء والاستيقاظ وعلى مطلقه وعلى حال الاحتياج باجتماع الأوساخ في الأنف، وكذا السواك يحتمل كلاً منها انتهى، "وقص الأظفار" أي تقليمها "وغسل البراجم" هي بفتح الباء الموحدة وبالجيم جمع برجمة بضم الباء والجيم، وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها وغسلها سنة مستقلة ليست بواجبة، قال العلماء ويلتحق بالبراجم ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن وقعر الصماخ فيزيله بالمسح لأنه ربما أضرت كثرته بالسمع، وكذلك ما يجتمع في داخل الأنف وكذلك جميع الوسخ المجتمع على أي موضع كان من البدن بالعرق والغبار ونحوهما "وانتقاص الماء" بالقاف والصاد المهملة، وقد ذكر الترمذي تفسيره بأنه الاستنجاء بالماء وكذلك فسره وكيع في رواية مسلم. وقيل معناه انتقاص البول بالماء باستعمال الماء في غسل المذاكير وقطعه ليرتد البول يردع الماء ولو لم يغسل لنزل منه شيء فشيء فيعسر الاستبراء والاستنجاء بالماء على الأول المستنجى به وعلى الثاني البول فالمصدر مضاف إلى المفعول، وإن أريد به الماء المغسول به، فالإضافة إلى الفاعل أي وانتقاص الماء البول، وانتقص لازم ومتعد، واللزوم أكثر، وقيل هو تصحيف والصحيح وانتفاض، بالفاء والضاد المعجمة والمهملة أيضاً، وهو الانتضاح بالماء على الذكر وهذا أقرب،(8/37)
قَالَ مُصْعَبٌ: وَنَسِيْتُ العَاشِرَةَ إِلاّ أَنْ تَكُونَ المَضْمَضَة".
وفي البابِ عن عَمّارِ بنِ يَاسِرٍ وَابنِ عُمَرَ. هذا حديثٌ حسنٌ. قال أبو عيسى: انْتِقَاصُ الْمَاءِ: هو الاسْتِنْجَاءُ بالمَاءِ.
ـــــــ
لأن في كتاب أبي داود والانتضاح. ولم يذكر انتقاص الماء كذا في المرقاة "ونسيت العاشرة إلا أن تكون" أي العاشرة "المضمضة" قال النووي: هذا شك منه. قال القاضي عياض: ولعلها الختان المذكور مع الخمس وهو أولى انتهى.
قوله: "وفي الباب عن عمار بن ياسر وابن عمر" أما حديث عمار بن ياسر فأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري.
قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي.
فإن قلت: كيف حسن الترمذي هذا الحديث، وفي سنده مصعب بن شيبة وهو لين الحديث: وكيف أخرجه مسلم في صحيحه، قلت: قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث: مصعب بن شيبة وثقه ابن معين والعجلي وغيرهما، ولينه أحمد وأبو حاتم وغيرهما، فحديثه حسن، وله شواهد في حديث أبي هريرة وغيره، فالحكم بصحته من هذه الحيثية سائغ انتهى.(8/38)
باب ما جاء في توقيت تقليمالأظفار وأخذ الشارب
...
49- باب في التَوْقِيتِ في تَقْلِيمِ الأَظْفَارِ وَأَخْذِ الشّارِب
2907- حدثنا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنا عَبْدُ الصَمَدِ بن عبد الوارث، أَخْبَرَنا صَدَقَةُ بنُ مُوسَى أَبُو مُحمّدٍ صَاحِبُ الدّقِيقِ، أَخْبَرَنا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيّ، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أَنّهُ وَقّتَ لَهُمْ في كُلّ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً تَقْلِيمَ الأَظْفَار وَأَخْذِ الشّارِبِ وَحَلْقَ الْعَانَةِ" .
ـــــــ
باب في التَوْقِيتِ في تَقْلِيمِ الأَظْفَارِ وَأَخْذِ الشّارِب
قوله: "أخبرنا عبد الصمد" هو ابن عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي "أخبرنا عمران الجوفي" اسمه عبد الملك بن حبيب الأزدى البصري.
قوله: "أنه وقت" أي بين عين "لهم" أي لأجلهم "في كل أربعين ليلة"(8/38)
2908- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا جعفر بنُ سُلَيْمَانَ، عن أَبي عِمْرَانَ الْجَوْنِيّ، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: "وُقّتَ لَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصّ الشّارِبِ وَتَقْلِيمِ الأَظْفَارِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ وَنَتْفِ الإِبِطِ أَنْ لاَ نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْماً" .
ـــــــ
فلا يجوز التأخير في هذه الأشياء عن هذه المدة.
قوله: "حدثنا جعفر بن سليمان" هو الضبعي.
قوله: "وقت لنا" بصيغة المجهول من التوقيت، قال النووي: هو من الأحاديث المرفوعة مثل قوله: أمرنا بكذا وقد تقدم بيان هذا في الفصول المذكورة في أول الكتاب انتهى. وقد صرح في الرواية المتقدمة من حديث الباب بأن المؤقت هو النبي صلى الله عليه وسلم "أن لا تترك أكثر من أربعين يوماً" قال النووي: معناه لا تترك تركاً تتجاوز به أربعين، لا أنه وقت لهم الترك أربعين. قال والمختار أنه يضبط بالحاجة والطول، فإذا طال حلق انتهى. قال الشوكاني: بل المختار أنه يضبط بالأربعين التي ضبط بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز تجاوزها ولا بعد مخالفاً للسنة من ترك القص ونحوه بعد الطول إلى انتهاء تلك الغاية انتهى.
فائدة: قال الحافظ: لم يثبت في استحباب قص الظفر يوم الخميس حديث وقد أخرجه جعفر المستغفري بسند مجهول ورويناه في مسلسلات التميمي من طريقه، وأقرب ما وقفت عليه في ذلك ما أخرجه البيهقي من مرسل أبي جعفر الباقر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب أن يأخذ من أظفاره وشاربه يوم الجمعة، وله شاهد موصول عند أبي هريرة لكن سنده ضعيف أخرجه البيهقي أيضاً في الشعب، وسئل أحمد عنه فقال: يسن في يوم الجمعة قبل الزوال، وعنه يوم الخميس، وعنه يتخير، وهذا هو المعتمد أنه يستحب كيف ما احتاج إليه، انتهى كلام الحافظ بلفظه.
قلت: حديث أبي هريرة الذي رواه البيهقي في الشعب ذكره السيوطي في الجامع الصغير بلفظ: كان يقلم أظافيره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يروح إلى الصلاة. قال المناوي هذا حديث منكر.
"فائدة أخرى" قال الحافظ في سؤالات ههنا عن أحمد، قلت له يأخذ من شعره(8/39)
هَذَا أَصَحّ مِنَ الْحَدِيثِ الأَوّلِ وَصَدَقَةُ بنُ مُوسَى لَيْسَ عِنْدَهُمْ بالْحَافِظِ.
ـــــــ
وأظفاره أيدفنه أم يلقيه؟ قال: يدفنه، قلت: بلغك فيه شيء؟ قال: كان ابن عمر يدفنه. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن الشعر والأظفار، وقال: "لا يتلعب به سحرة بني آدم" . قال الحافظ: وهذا الحديث أخرجه البيهقي من حديث وائل بن حجر نحوه، وقد استحب أصحابنا دفنها لكونها أجزاء من الاَدمي. قال: والترمذي الحكيم من حديث عبد الله بن بشر رفعه: "قصوا أظافركم وادفنوا أقلامكم ونقوا أبراجكم"، وفي سنده راو مجهول.
قوله: "هذا أصح من الحديث الأول" أي حديث جعفر بن سليمان عن أبي عمران أصح من حديث صدقة عن أبي عمران، وحديث صدقة بن موسى عن ابن عمران أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي، وحديث جعفر بن سليمان عنه أخرجه مسلم وابن ماجه. قال القاضي عياض: قال العقيلي في حديث جعفر هذا نظر. قال وقال أبو عمر يعني ابن عبد البر: لم يروه إلا جعفر بن سليمان وليس بحجة لسوء حفظه وكثرة غلطه. قال النووي: قد وثق كثير من الأئمة المتقدمين جعفر بن سليمان، ويكفي في توثيقه احتجاج مسلم به وقد تابعه غيره انتهى. وقال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام العقيلي وابن عبد البر ما لفظه: وتعقب بأن أبا داود والترمذي أخرجاه من رواية صدقة بن موسى عن أبي عمران، وصدقة ابن موسى وإن كان فيه مقال لكن تبين أن جعفر لم ينفرد به، وقد أخرج ابن ماجه نحوه من طريق علي بن زيد بن جدعان عن أنس، وفي علي أيضاً ضعف وأخرجه ابن عدى من وجه ثالث من جهة عبد الله بن عمران شيخ مصري ن ثابت عن أنس لكن أتى فيه بألفاظ مستغربة قال: أن يحلق الرجل عانته كل أربعين يوماً، وأن ينتف إبطه كلما طلع، ولا يدع شاربيه يطولان، وأن يقلم أظفاره من الجمعة إلى الجمعة. وعبد الله والراوي عنه مجهولان انتهى.(8/40)
باب ماجاء في قص الشارب
...
50- باب مَا جَاءَ في قَصّ الشّارب
2909- حدثنا مُحمّدُ بنُ عُمَرَ بنِ الْوَلِيدِ الكُوفِيّ الكِنْدِيّ، أَخْبَرَنا يَحْيَى بنُ آدَمَ، عن إِسْرَائِيلَ، عن سِمَاكٍ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ قَالَ: "كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُصّ أَوْ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ. وكَاَنَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرّحْمَنِ يَفْعَلُهُ" . هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
2910- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أَخْبَرَنا عُبَيْدَةُ بنُ حُمَيْدٍ، عن يُوسُفَ بنُ صُهَيْبٍ عن حَبِيبِ بنِ يَسَارٍ عن زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ أَنّ رَسُولُ الله
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في قَصّ الشّارب
قوله: "أخبرنا يحيى بن آدم" أبو زكريا الكوفي "عن إسرائيل" هو ابن يونس الكوفي "عن سِمَاك" هو ابن حرب.
قوله: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقص أو يأخذ من شاربه" شك من الراوي "قال" أي النبي صلى الله عليه وسلم "وكان خليل الرحمن إبراهيم يفعله" أي القص أو الأخذ أيضاً. قال الطيبي: يعني كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع سنة أبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما ينبئ عنه قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} قيل الكلمات خمس: في الرأس والفرق وقص الشارب والسواك وغير ذلك، انتهى.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" ذكر الحافظ هذا الحديث في الفتح ونقل تحسين الترمذي وأقره.
قوله: "أخبرنا عبيدة" بفتح أوله "بن حميد" الكوفي المعروف بالحذاء "عن يوسف بن صهيب" الكندي الكوفي ثقة من السادسة "عن حبيب بن يسار" الكندي الكوفي، ثقة من الثالثة كذا في التقريب. وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته: روى عن زيد بن أرقم وغيره، وعنه يوسف بن صهيب وغيره أخرج له الترمذي والنسائي حديثاً واحداً في أخذ الشارب وصححه الترمذي انتهى "عن(8/41)
صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنّا" .
ـــــــ
زيد بن أرقم" بن زيد بن قيس الأنصاري الخزرجي صحابي مشهور، أول مشاهده الخندق وأنزل الله تصديقه في سورة المنافقين.
قوله: "من لم يأخذ من شاربه فليس منا" أي فليس من العاملين بسنتنا، وهذان الحديثان يدلان على جواز قص الشارب، واختلف الناس في حد ما يقص منه وقد ذهب كثير من السلف إلى استئصاله وحلقه لظاهر قوله: أحفوا وانهكوا، وهو قول الكوفيين، وذهب كثير منهم إلى منع الحلق والاستئصال وإليه ذهب مالك وكان يرى تأديب من حلقه. وروى عنه ابن القاسم أنه قال: إحفاء الشارب مثلة. قال النووي: المختار أنه يقص حتى يبدو طرف الشفة. ولا يحفيه من أصله، قال: وأما رواية احفوا الشوارب فمعناها احفوا ما طال عن الشفتين، وكذلك قال مالك في الموطأ: يؤخذ من الشارب حتى يبدو أطراف الشفة. قال ابن القيم: وأما أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد، فكان مذهبهم في شعر الرأس والشوارب أن الإحفاء أفضل من التقصير، وذكر بعض المالكية عن الشافعي: أن مذهبه كمذهب أبي حنيفة في حلق الشارب. قال الطحاوي: ولم أجد عن الشافعي شيئاً منصوصاً في هذا، وأصحابه الذين رأيناهم المزنى والربيع كانا يحفيان شواربهما ويدل ذلك أنهما أخذاه عن الشافعي. وروى الأثرم عن الإمام أحمد: أنه كان يحفي شاربه إحفاءاً شديداً، وسمعته يسأل عن السنة في إحفاء الشارب فقال يحفى. وقال حنبل قيل لأبي عبد الله: ترى للرجل يأخذ شاربه ويحفيه أم كيف يأخذه؟ قال إن أحفاه فلا بأس، وإن أخذه قصاً فلا بأس. وقال أبو محمد في المغنى: هو مخير بين أن يحفيه وبين أن يقصه. وقد روى النووي في شرح مسلم عن بعض العلماء أنه ذهب إلى التخيير بين الأمرين الإحفاء وعدمه. وروى الطحاوي الإحفاء عن جماعة من الصحابة أبي سعيد وأبي أسيد ورافع بن خديج وسهل بن سعد وعبد الله بن عمر وجابر وأبي هريرة، قال ابن القيم: واحتج من لم ير إحفاء الشوارب بحديث عائشة وأبي هريرة المرفوعين: عشر من الفطرة، فذكر منها قص الشارب. وفي حديث أبي هريرة أن الفطرة خمس وذكر منها قص الشارب. واحتج المحفون بأحاديث الأمر بالإحفاء وهي صحيحة وبحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم(8/42)
وفي البابِ عن المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
كان يحفي شاربه انتهى. قال الشوكاني: والإحفاء ليس كما ذكره النووي من أن معناه احفوا ما طال عن الشفتين، بل الإحفاء الاستئصال كما في الصحاح والقاموس والكشاف وسائر كتب اللغة. قال ورواية القص لا تنافيه لأن القص قد يكون على جهة الإحفاء وقد لا يكون ورواية الإحفاء معينة للمراد وكذلك حديث: من لم يأخذ من شاربه فليس منا. لا يعارض رواية الإحفاء لأن فيها زيادة يتعين المصير إليها، ولو فرض التعارض من كل وجه لكانت رواية الإحفاء أرجح، لأنها في الصحيحين. وروى الطحاوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من شارب المغيرة على سواكه قال: وهذا لا يكون معه إحفاء، ويجاب عنه بأنه محتمل ودعوى أنه لا يكون معه إحفاء ممنوعة. وهو إن صح كما ذكره لا يعارض تلك الأقوال منه صلى الله عليه وسلم انتهى. وذهب الطبري إلى التخيير بين الإحفاء والقص وقال دلت السنة على الأمرين ولا تعارض، فإن القص يدل على أخذ البعض والإحفاء يدل على أخذ الكل، وكلاهما ثابت فيتخير فيما شاء انتهى. قال الحافظ ويرجح قول الطبري ثبوت الأمرين معاً في الأحاديث المرفوعة.
قلت: ما ذهب إليه الطبري هو الظاهر، وأما قول الشوكاتي ودعوى أنه لا يكون معه إحفاء ممنوعة الخ، ففيه أن الظاهر هو ما قال الطحاوي من أن هذا لا يكون معه إحفاء. قال الحافظ: بعد نقل حديث المغيرة بن شعبة عن سنن أبي داود بلفظ: ضفت النبي صلى الله عليه وسلم وكان شاربي وفي فقصه على سواك ما لفظه: واختلف في المراد بقوله على سواك فالراجح أنه وضع سواكاً عند الشفة تحت الشعر وأخذ الشعر بالمقص، قيل المعنى قصه على أثر سواك أي بعد ما تسوك، ويؤيد الأول ما أخرجه البيهقي في هذا الحديث قال فيه: فوضع السواك تحت الشارب وقص عليه. وأخرج البزار من حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً وشاربه طويل، فقال ائتوني بمقص وسواك، فجعل السواك على طرفه، ثم أخذ ما جاوزه.
قوله: "وفي الباب عن المغيرة بن شعبة" أخرجه أبو داود والبيهقي والطحاوي.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والنسائي والضياء.(8/43)
2911- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أَخْبَرَنا يَحْيىَ بنُ سَعِيدٍ عن يُوسُفَ بنِ صُهَيْبٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ.(8/44)
51- باب مَا جَاءَ في الأَخْذِ مِنَ الّلحْيَة
2912- حدثنا هَنّادٌ، أَخْبَرَنا عُمَرُ بنُ هَارُونَ، عن أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أَبِيهِ عن جَدّهِ: "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْخُدُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ عَرْضِهَا وَطُولِهَا" . هذا حديثٌ غريبٌ، وَسَمِعْتُ مُحمّدُ بنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: عُمَرُ بنُ هَارُونَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ لاَ أَعْرِفُ لَهُ حَدِيثاً لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ، أَوْ قالَ: يَنْفَردُ بِهِ إِلاّ هَذَا الْحَدِيثَ، "كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ عَرْضِهَا وَطُولِهَا" ، وَلاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بنِ هَارُونَ، وَرَأَيْتُهُ حَسَنَ الرّأْيِ في عُمَرَ بنِ هَارُونَ،
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في الأَخْذِ مِنَ الّلحْيَة
قوله: "حدثنا عمر بن هارون" بن يزيد الثقفي مولاهم البلخي، متروك، وكان حافظاً من كبار التاسعة.
قوله: "كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها" بدل بإعادة العامل. قال الطيبي: هذا لا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم: "اعفوا اللحى" ، لأن المنهي هو قصها كفعل الأعاجم أو جعلها كذنب الحمام، والمراد بالإعفاء التوفير منها كما في الرواية الآخرى والأخذ من الأطراف قليلاً لا يكون من القص في شيء انتهى.
قلت: كلام الطيبي هذا حسن إلا أن حديث عمرو بن شعيب هذا ضعيف جداً.
قوله: "هذا حديث غريب" وهو حديث ضعيف لأن مداره على عمر بن هارون وهو متروك كما عرفت. قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث أخرجه الترمذي ونقل عن البخاري أنه قال في رواية عمر بن هارون: لا أعلم له حديثاً منكراً إلا هذا.
قوله: "ورأيته" هذا قول الترمذي والضمير المنصوب لمحمد بن إسماعيل(8/44)
وَسَمِعْتُ قُتَيْبَةَ يَقُولُ: عُمَرُ بنُ هَارُونَ، كَانَ صَاحِبَ حَدِيثٍ، وَكَانَ يَقُولُ: "الإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ" قالَ سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ، أَخْبَرَنا وَكِيعُ بنُ الْجَرّاحِ، عن رَجُلٍ عن ثَوْرِ بنِ يَزيدَ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَصَبَ المَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطّائِفِ". قالَ قُتَيْبَةُ: قَلْتُ لِوَكِيعٍ: مَنْ هَذَا؟ قالَ صَاحِبُكُمْ عُمَرُ بنُ هَارُونَ.
ـــــــ
البخاري "وكان صاحب حديث" وقع في بعض النسخ كان صاحب حديث بغير الواو، وهو الظاهر "أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق" بفتح ميم وجيم وسكون نون بينهما: ما يرمي به الحجارة، قاله في المجمع. وقال في القاموس: المنجنيق بكسر الميم آلة ترمي بها الحجارة كالمنجنوق معربة، وقد تذكر فارسيتها من جه نيك، أي أنا ما أجودني، جمعه منجنيقات ومجانق ومجانيق انتهى "من هذا" أي من هذا الرجل الذي تروي حديث المنجنيق عنه "قال" أي وكيع "صاحبكم عمر ابن هارون" أي المذكور في سند حديث الباب.
فإن قلت: ما وجه ذكر الترمذي في هذا المقام حديث المنجنيق؟ قلت: لعل وجه ذكره ههنا أن يتبين أن الرجل المذكور في حديث المنجنيق هو عمر بن هارون المذكور في سند حديث الباب، أو وجه ذكره أن يتبين أن وكيعاً مع جلالة قدره، قد روى عن عمر بن هارون حديث المنجنيق والله تعالى أعلم.
"تنبيه" روى أبو داود في المراسيل، عن ثور عن مكحول: أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب على أهل الطائف المنجنيق. ورواه الترمذي فلم يذكر مكحولاً ذكره معضلاً عن ثور. وروى أبو داود من مرسل يحيى بن أبي كثير قال: حاصرهم رسول الله شهراً. قال الأوزاعي: فقلت ليحيى، أبلغك أنه رماهم بالمجانيق؟ فأنكر ذلك وقال: ما نعرف ما هذا انتهى كذا في التلخيص.(8/45)
52- باب مَا جَاءَ في إِعْفَاءِ الّلحْيَة
2913- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيٍ الْخَلاّل، أخبرنا عَبْدِ الله بنُ نُمَيْرِ عن عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ عن نَافِعٍ عن ابنِ عَمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "احْفُوا الشّوَارِبَ وَاعْفُوا الّلحَى" .
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في إِعْفَاءِ الّلحْيَة
قوله: "احفوا الشوارب" بالحاء المهملة والفاء ثلاثياً ورباعياً من الإحفاء أو الحفو، والمراد الإزالة قاله الحافظ. قلت: أراد بقوله ثلاثياً ورباعياً، ثلاثياً مجراداً وثلاثياً مزيداً فيه. والشوارب جمع الشارب والمراد به الشعر الثابت على الشفة العليا. وقد تقدم بيان هذه المسألة مبسوطاً في باب نص الشارب "واعفوا اللحى" من الإعفاء وهو الترك، وقد حصل من مجموع الأحاديث خمس روايات اعفوا واوفوه وارخوا وارجوا ووفروا، ومعناها كلها تركها على حالها. قال ابن السكيت وغيره: يقال في جمع اللحية لحى، ولحى بكسر اللام وضمها لغتان والكسر أفصح. قال الحافظ: قال الطبري ذهب قوم إلى ظاهر الحديث فكرهوا تناول شيء من اللحية من طولها ومن عرضها، وقال قوم: إذا زاد على القبضة يؤخذ الزائد، ثم ساق بسنده إلى ابن عمر أنه فعل ذلك، وإلى عمر أنه فعل ذلك برجل، ومن طريق أبي هريرة أنه فعله. وأخرج أبو داود من حديث جابر بسند حسن قال: كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة، وقوله نعفي بضم أوله وتشديد الفاء أي نتركه وافراً، وهذا يؤيد ما نقل عن ابن عمر، فإن السبال بكسر المهملة وتخفيف الموحدة جمع سبلة بفتحتين: وهي ما طال من شعر اللحية، فأشار جابر إلى أنهم يقصرون منها في النسك. ثم حكى الطبري اختلافاً فيما يؤخذ من اللحية هل له حد أم لا، فأسند عن جماعة الاقتصار على أخذ الذي يزيد منها على قدر الكف. وعن الحسن البصري: أنه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش، وعن عطاء نحوه، قال وحمل هؤلاء النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها وتخفيفها، قال وكره آخرون التعرض لها إلا في حج أو عمرة، وأسنده عن جماعة واختار قول عطاء وقال: إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش(8/46)
ـــــــ
طولها وعرضها، لعرض نفسه لمن يسخر به. واستدل بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها انتهى. ثم تكلم الحافظ على هذا الحديث وقد تقدم كلامه في الباب المتقدم ثم قال: وقال عياض يكره حلق اللحية وقصها وتحذيفها، وأما الأخذ من طولها وعرضها إذا عظمت فحسن، بل تكره الشهرة في تعظيمها كما يكره في تقصيرها كذا قال. وتعقبه النووي بأنه خلاف ظاهر الخبر في الأمر بتوفيرها، قال والمختار تركها على حالها وأن لا يتعرض لها بتقصير ولا غيره، وكان مراده بذلك في غير النسك لأن الشافعي نص على استحبابه فيه.
قلت: لو ثبت حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده المذكور في الباب المتقدم لكان قول الحسن البصري وعطاء أحسن الأقوال وأعدلها، لكنه حديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج به. وأما قول من قال: إنه إذا زاد على القبضة يؤخذ للزائد، واستدل بآثار ابن عمر وعمر وأبي هريرة رضي الله عنهم فهو ضعيف، لأن أحاديث الإعفاء المرفوعة الصحيحة تنفي هذه الآثار. فهذه الآثار لا تصلح للاستدلال بها مع وجود هذه الأحاديث المرفوعة الصحيحة، فأسلم الأقوال هو قول من قال بظاهر أحاديث الإعفاء وكره أن يؤخذ شيء من طول اللحية وعرضها، والله تعالى أعلم.
اعلم أن أثر ابن عمر الذي أشار إليه الطبري أخرجه البخاري في صحيحه بلفظ: وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته، فما فضل أخذه. قال الحافظ: هو موصول بالسند المذكور إلى نافع وقد أخرجه مالك في الموطأ عن نافع بلفظ: كان ابن عمر إذا حلق رأسه في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه، وفي حديث الباب مقدار المأخوذ. قال الكرماني: لعل ابن عمر أراد الجمع بين الحلق والتقصير في النسك فحلق رأسه كله وقصر من لحيته ليدخل في عموم قوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} وخص ذلك من عموم قوله: ووفروا اللحي. فجعله على حالة غير حالة النسك. قال الحافظ: الذي يظهر أن ابن عمر كان لا يخص هذا التخصيص بالنسك بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه انتهى. وقال في الدراية: قوله إن المسنون في اللحية(8/47)
هذا حديثٌ صحيحٌ.
2839 - حدثنا الأَنْصَارِيّ، أخبرنا مَعْنٌ، أخبرنا مَالِكٌ، عن أَبي بَكْرِ بنِ نَافِعٍ، عن أَبِيهِ عن ابن عُمَرَ "أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بإِحْفَاءِ الشّوَارِبِ وَإِعْفَاءِ الّلحَى". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَأَبُو بَكْرِ بنِ نَافِعٍ هُوَ مَوْلَى ابنِ عُمَرَ ثِقَةٌ، وَعُمَرُ بنُ نَافِعٍ ثقة وَعَبْدِ الله بنُ نَافِعٍ مَوْلَى ابنِ عُمَرَ يُضَعّفُ.
ـــــــ
أن تكون قدر القبضة، روى أبو داود والنسائي من طريق مروان بن سالم: رأيت ابن عمر يقبض على لحيته ليقطع ما زاد على الكف، وأخرجه ابن أبي شيبة وابن سعد ومحمد بن الحسن. وروى ابن أبي شيبة عن أبي هريرة نحوه، وهذا من فعل هذين الصحابيين يعارضه حديث أبي هريرة مرفوعاً: "احفوا الشوارب واعفوا اللحى"، أخرجه مسلم. وفي الصحيحين عن ابن عمر مرفوعاً: "خذوا الشوارب واعفوا اللحى" . ويمكن الجمع بحمل النهي على الاستئصال أو ما قاربه، بخلاف الأخذ المذكور. ولا سيما أن الذي فعل ذلك هو الذي رواه انتهى.
قلت: في هذا الجمع نظر كما لا يخفى.
قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "عن أبي بكر بن نافع" العدوي، مولى ابن عمر مدني صدوق، يقال اسمه عمر من كبار السابعة، وروايته عن صفية بنت أبي عبيد مرسلة.
قوله: "أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى" قال الخطابي: إحفاء الشارب أن يؤخذ منه حتى يحفى ويرق، وقد يكون أيضاً معناه الاستقصاء في أخذه من قولك: أحفيت في المسألة، إذا استقصيت فيها، وإعفاء اللحية توفيرها من قولك: عفى البث إذا طال، ويقال عفى الشييء بمعنى كثر، قال الله تعالى: {حَتَّى عَفَوْا} أي كثروا.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي.
قوله: "وعمر بن نافع ثقة" قال في التقريب: عمر بن نافع العدوي مولى ابن عمر ثقة من السادسة، مات في خلافة المنصور "وعبد الله بن نافع مولى ابن(8/48)
عمر يضعف" قال في التقريب: عبد الله بن نافع مولى ابن عمر المدني، ضعيف من السابعة.(8/49)
باب ماجاء في وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا
...
53- باب مَا جَاءَ فِي وَضْعِ إِحْدى الرّجْلَيْنِ علَى الآخرى مسْتَلْقِيا
2915- حدثنا سَعِيدُ بنُ عَبْد الرّحْمَن المَخْزُومِيّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا، أَخْبَرَنا سُفْيَانُ بنُ عيينة عن الزّهْرِيّ عن عَبّادِ بنِ تَمِيمٍ عن عَمّهِ "أَنّهُ رَأَى النبيّ صلى الله عليه وسلم مُسْتَلْقِياً في المَسْجِدِ، وَاضِعاً إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الآخرى" .
ـــــــ
باب مَا جَاءَ فِي وَضْعِ إِحْدى الرّجْلَيْنِ علَى الآخرى مسْتَلْقِيا
قوله: "عن عباد بن تميم" بن غزية الأنصاري المازني "عن عمه" هو عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب الأنصاري المازني، أبو محمد صحابي شهير روى صفة الوضوء وغير ذلك، ويقال إنه هو الذي قتل مسيلمة الكذاب واستشهد بالحرة سنة ثلاثة وستين.
قوله: "مستلقياً في المسجد" أي حال كونه مضطجعاً على ظهره، والاستلقاء هو الاضطجاع على القفا، سواء كان معه نوم أم لا "واضعاً إحدى رجليه على الآخرى" حال متداخلة أو مترادفة، والحديث دليل على جواز استلقاء الرجل واضعاً إحدى رجليه على الآخرى.
فإن قلت: ما وجه الجمع بين هذا الحديث وبي حديث جابر الآتي في النهي عن أن يرفع الرجل إحدى رجليه على الآخرى وهو مستلق على ظهره:
قلت: وجه الجمع بينهما أن وضع إحدى الرجلين على الآخرى يكون على نوعين: أن تكون رجلاه ممدودتين إحداهما فوق الآخرى، ولا بأس بهذا فإنه لا ينكشف من العورة بهذه الهيئة، وأن يكون ناصباً ساق إحدى الرجلين ويضع الرجل الآخرى على الركبة المنصوبة، وعلى هذا فإن لم يكن انكشاف العورة بأن يكون عليه سراويل أو يكون إزاره أو ذيله طويلين جاز وإلا فلا.
وقال الخطابي: فيه أن النهي الوارد عن ذلك منسوخ، أو يحمل النهي حيث يخشى أن تبدو العورة والجواز حيث يؤمن ذلك. قال الحافظ: الثاني أولى(8/49)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَعَمّ عَبّادِ بنِ تَمِيمٍ، هُوَ عَبْدُ الله بنِ زَيْدِ بنِ عَاصِمٍ المَازِنِيّ.
ـــــــ
من ادعاء النسخ، لأنه لا يثبت بالاحتمال. وممن جزم به البيهقي والبغوي وغيرهما من المحدثين، وجزم ابن بطال ومن تبعه بأنه منسوخ انتهى.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي.(8/50)
باب ما جاء في كراهية ذلك
...
54- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَتهِ في ذَلِك
2916- حدثنا عُبَيْدُ بنُ أَسْبَاطِ بنِ مُحمّدٍ القُرَشِيّ، أَخْبَرَنا أَبي، أَخْبَرَنا سُلَيْمَانُ التّيْمِيّ، عن خِدَاشٍ، عن أَبي الزّبَيْرِ عن جَابِرٍ "أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عن اشْتِمالِ الصّمّاءِ والاحْتِبَاءِ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَأَنْ يَرْفَعَ الرّجُلُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الآخرى وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ" . هذا حديثٌ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عن سُلَيْمانُ التّيْمِيّ، وَلاَ نَعْرِفُ خِداشاً هَذَا مَنْ هُوَ وقد رَوَى لَهُ سُلَيْمَانُ التّيْمِيّ غَيْرَ حَدِيثٍ.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَتهِ في ذَلِك
"عن أبي الزبير" هو المكي.
قوله: "نهى عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد" تقدم تفسير اشتمال الصماء والاحتباء في كتاب اللباس "وأن يرفع الرجل إحدى رجليه على الآخرى وهو مستلق على ظهره" قد تقدم الجمع في الباب السابق بين هذا الحديث وحديث عبد الله بن زيد بن عاصم الذي يدل على الجواز.
قوله: "ولا نعرف خداشاً هذا من هو" هو ابن عياش. قال الحافظ في تهذيب التهذيب: خداش بن عياش العبدي البصري، روى عن أبي الزبير، وعنه سليمان التيمي ومحمد بن ثابت العبدي، ذكره ابن حبان في الثقات. وقال الترمذي لا نعرف خداشاً هذا من هو، وقد روى عنه سليمان التيمي غير حديث انتهى.(8/50)
2917- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا الليْثُ عن أَبي الزّبَيْرِ، عن جَابِرٍ: "أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عن اشْتِمَالِ الصّمّاءِ وَالاحْتِبَاءِ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَأَنْ يَرْفَعَ الرّجُلُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الآخرى وَهُوَ مُسْتَلْقِ عَلَى ظَهْرِهِ" . هذا حديثٌ "حسنٌ" صحيحٌ.
ـــــــ
وقال في التقريب في ترجمته لين الحديث.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم.(8/51)
باب ما جاء في كراهية الاضطباع على البطن
...
55- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ الاضْطِجَاعِ عَلَى الْبَطْن
2918- حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أَخْبَرَنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ وَعَبْدُ الرّحِيمِ عن مُحمّدِ بنِ عَمْرٍو، أَخْبَرَنا أَبُو سَلَمَةَ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: "رَأَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم رَجُلاً مُضْطَجِعاً عَلَى بَطْنِهِ، فَقَالَ: "إِنّ هَذِهِ ضِجْعَةٌ لا يُحِبّهَا الله". وفي البابِ عن طِهْفَةَ وَابنِ عُمَرَ. وَرَوَى يَحْيَىَ بنُ أَبي كَثِيرٍ هَذَا الحَدِيثَ عن أَبي سَلَمَةَ، عن يَعِيشَ بنِ طِهْفَةَ عن أَبِيهِ،
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ الاضْطِجَاعِ عَلَى الْبَطْن
قوله: "أخبرنا عبدة بن سليمان" الكلابي الكوفي "وعبد الرحيم" بن سليمان أبو علي الأشل "عن محمد بن عمرو" بن علقمة بن وقاص الليثي "فقال" أي النبي صلى الله عليه وسلم له على ما هو الظاهر أو لغيره، إعراضاً عنه واعتراضاً عليه "إن هذه" أي هذا الاضطجاع وتأنيثه لتأنيث خبره وهو قول "ضجعة" وهي بكسر أوله للنوع "لا يحبها الله" وفي حديث أبي ذر عند ابن ماجه: إنما هي ضجعة أهل النار.
قوله: "وفي الباب عن طهفة وابن عمر" أما حديث طهفة وهو بكسر الطاء المهملة وسكون الهاء، وبالفاء فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وأما حديث ابن عمر فلينظر من أخرجه "وروى يحيى بن أبي كثير هذا الحديث عن(8/51)
وَيُقَالُ طِخْفَة، وَالصّحيحُ طِهْفَةُ، وَقَالَ بَعْضُ الْحُفاظِ: الصّحيحُ طِخْفَةُ.
ـــــــ
أبي سلمة عن يعيش بن طهفة عن أبيه" أخرجه أبو داود إلا أن فيه عن يعيش ابن طخفة بالخاء المعجمة مكان الهاء "ويقال طخفة" أي بالخاء المعجمة "والصحيح طهفة" يعني بالهاء "ويقال طغفة" يعني بالغين المعجمة "وقال بعض الحفاظ الصحيح طخفة" يعني بالخاء المعجمة.
قال المنذري في تلخيص السنن بعد ذكر حديث أبي داود الذي أشار إليه الترمذي ما لفظه: وأخرجه النسائي وابن ماجه وليس في حديث أبي داود عن أبيه، ووقع عند النسائي عن قيس بن طهفة قال: حدثني أبي، وعند ابن ماجه عن قيس بن طهفة مختصراً فيه اختلاف كثير جداً.
وقال أبو عمر النمري: اختلف فيه اختلاف كثيراً، واضطرب فيه اضطراباً شديداً. فقيل: طهفة بالهاء وقيل طخفة بالخاء، وقيل طغفة بالغين وقيل طقفة بالقاف. وقيل قيس بن طخفة، وقيل يعيش بن طخفة، وقيل عبد الله بن طخفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديثهم كلهم واحد قال: كنت نائماً في الصفة فركضني رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله وقال: هذه نومة يبغضها الله. وكان من أهل الصفة، ومن أهل العلم من يقول إن الصحبة لأبيه عبد الله وأنه صاحب القصة هذا آخر كلامه.
وذكر البخاري فيه اختلافاً كثيراً وقال: طغفة خطأ، وذكر أنه روى عن يعيش بن طخفة عن قيس الغفاري قال كان أبي: وقال لا يصح قيس فيه، وذكر أنه روى عن أبي هريرة قال ولا يصح أبو هريرة انتهى كلام المنذري.
وقال في التقريب: طخفة بكسر أوله وسكون الخاء المعجمة ثم فاء ويقال بالهاء ويقال بالغين المعجمة ابن قيس الغفاري، صحابي له حديث في النوم على البطن مات بعد الستين.(8/52)
56- باب ما جَاءَ في حِفْظِ الْعَوْرَة
2919- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا يَحْيىَ بنُ سَعِيدٍ، أخبرنا بَهْزُ بنُ حَكِيمٍ، حدثني أَبي عن جَدّي قَالَ: "قُلْتُ يَا رَسُولُ الله عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قالَ: "احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مما مَلَكَتْ يَمينُكَ" ، فَقَالَ: الرّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرّجُلِ؟ قالَ: "إن اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ" ، قلت: فالرّجُلُ يَكُونُ خَالِياً، قالَ: "فَالله أَحقّ أَنْ يستحيا
ـــــــ
باب ما جَاءَ في حِفْظِ الْعَوْرَة
قوله: "عوراتنا ما تأتي منها وما نذر" العورات جمع عورة وهي كل ما يستحي منه إذا ظهر وهي من الرجل ما بين السرة والركبة، ومن المرأة الحرة جميع جسدها إلا الوجه واليدين إلى الكوعين، وفي إخمصها خلاف، ومن الأمة كالرجل وما يبدو في حال الخدمة كالرأس والركبة والساعد فليس بعورة، وستر العورة في الصلاة وغير الصلاة واجب وفيه عند الخلوة خلاف قاله الجزري في النهاية. ومعنى قوله نذر: أي نترك، وأمات العرب ما ضي يذر ويدع إلا ما جاء في قراءة شاذة في قوله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ} بالتخفيف قاله العيني، والمعنى أي عورة نسترها وأي عورة نترك سترها "احفظ" أي استر وصن "عورتك" ما بين سرتك وركبتك "إلا من زوجتك أو ما" أي والأمة التي "ملكت يمينك" وحل لك وطؤها وعبر باليمين لأنهم كانوا يتصافحون بها عند العقود "فقال" أي جد بهز "الرجل يكون مع الرجل" وفي الرواية الآتية بعد عدة أبواب: قال قلت يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض، أي مختلطون فيما بينهم مجتمعون في موضع واحد ولا يقومون من موضعهم فلا نقدر على ستر العورة وعلى الحجاب منهم على الوجه الأتم والكمال في بعض الأحيان لضيق الإزار أو لانحلاله لبعض الضرورة، فكيف نصنع بستر العورة وكيف نحجب منهم "قال إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل" كذا في هذه الرواية، وفي الرواية الآتية قال: إن استطعت أن لا يراها أحد فلا ترينها "قلت فالرجل يكون خالياً" أي في خلوة، فما حكمة الستر حينئذ؟ "فالله أحق أن يستحى(8/53)
مِنْهُ". هذا حديثٌ حسنٌ، وَجَدّ بَهْزٍ اسْمُهُ مُعَاوِيَةُ بنُ حَيْدَةَ القُشَيْرِيّ. وَقَد رَوَى الْجُرَيْريّ عن حَكِيمِ بنِ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ وَالِدُ بَهْزٍ.
ـــــــ
منه" بصيغة المجهول، أي فاستر طاعة له وطلباً لما يحبه منك ويرضيه، وليس المراد فاستر منه، إذ لا يمكن الاستتار منه تعالى قاله السندي. قال الحافظ: مفهوم قوله إلا من زوجتك: يدل على أنه يجوز لها النظر إلى ذلك منه وقياسه أنه يجوز له النظر، ويدل أيضاً على أنه لا يجوز النظر لغير من استثنى، ومنه الرجل للرجل والمرأة للمرأة، وفيه حديث في صحيح مسلم "يعني به حديث أبي سعيد الآتي في باب كراهية مباشرة الرجل للرجل والمرأة للمرأة" ثم إن ظاهر حديث بهز يدل على أن التعري في الخلوة غير جائز مطلقاً، لكن استدل المصنف، يعني البخاري على جوازه في الغسل بقصة موسى وأيوب عليهما السلام، ووجه الدلالة منه على ما قال ابن بطال أنهما مما أمرنا بالاقتداء به، وهذا إنما يأتي على رأي من يقول شرع من قبلنا شرع لنا. والذي يظهر أن وجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم قص القصتين ولم يتعقب شيئاً منهما، فدل على موافقتهما لشرعنا، وإلا فلو كان فيهما شيء غير موافق لبينه، فعلى هذا فيجمع بين الحديثين بحمل حديث بهز بن حكيم على الأفضل، وإليه أشار يعني البخاري في الترجمة أي بقوله: باب من اغتسل عرياناً وحده في خلوة ومن تستر، والتستر أفضل.
قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أبو داود في الحمام والنسائي في عشرة النساء وابن ماجه في النكاح وصححه الحاكم وذكره البخاري في صحيحه تعليقاً.(8/54)
باب ماجاء في الاتكاء
...
57- باب مَا جَاءَ في الاتّكاء
2920- حدثنا عَبّاسُ بنُ مُحمّدٍ الدوْرِيّ الْبَغْدَادِيّ، أخبرنا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ الكوفيّ، أَخْبَرَنَا إسْرَائِيلُ عن سِمَاكٍ بن حرب، عن جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، قالَ: "رَأَيْتُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُتّكِئاً عَلَى وِسَادَةٍ عَلَى يَسَارِهِ" .
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في الاتّكاء
قوله: "متكئاً" حال من مفعول رأيت "على وسادة" متعلق بمتكأ "على(8/54)
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وَرَوى غَيْرُ وَاحِدٍ، هذا الْحَديثَ عن إِسْرَائِيلَ عن سِمَاكٍ، عن جَابِرِ بنِ سَمُرَة قالَ: "رَأَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم مُتّكِئاً عَلَى وِسَادَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ عَلَى يَسَارِهِ" .
2921- حدثنا يُوسُفُ بنُ عِيسَى، أخبرنا وَكِيعٌ، أَخْبَرَنا إِسْرَائِيلُ، عن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عن جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ قالَ: "رَأَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم مُتّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ" . هذا حديثٌ صحيحٌ.
58- باب
2922- حدثنا هَنّادٌ، أَخْبَرَنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عن الأَعْمَشِ عن إسْمَاعِيلَ بنِ رَجَاءِ عن أَوْسِ بن ضَمْعَجٍ، عن أَبي مَسْعُودٍ أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "لاَ يُؤَمّ الرّجُلُ في سُلْطَانِهِ، وَلاَ يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ
ـــــــ
يساره" أي كائنة على جانب يساره، أو متعلق بمتكئاً بعد تقيده بالظرف الأول، وهو لبيان الواقع لا للتقييد فيجوز الاتكاء على الوسادة يميناً ويساراً.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه الترمذي في شمائله بهذا الطريق وبزيادة على يساره. وقد تفرد بها إسحاق بن منصور، ولذا حكم عليه بأنه غريب.
قوله: "متكئاً على وسادة" قال الخطابي: كل معتمد على شيء متمكن منه فهو متكئ.
قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه الدارمي وصححه أبو عوانة وابن حبان.
باب
قوله: "عن أوس بن ضمعج" بفتح المعجمة وسكون الميم بعدها مهملة مفتوحة ثم جيم بوزن جعفر.
قوله: "لا يؤم" بصيغة المجهول "الرجل في سلطانه" أي في موضع يملكه،(8/55)
58- باب
2922- حدثنا هَنّادٌ، أَخْبَرَنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عن الأَعْمَشِ عن إسْمَاعِيلَ بنِ رَجَاءِ عن أَوْسِ بن ضَمْعَجٍ، عن أَبي مَسْعُودٍ أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "لاَ يُؤَمّ الرّجُلُ في سُلْطَانِهِ، وَلاَ يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ
ـــــــ
باب
قوله: "عن أوس بن ضمعج" بفتح المعجمة وسكون الميم بعدها مهملة مفتوحة ثم جيم بوزن جعفر.
قوله: "لا يؤم" بصيغة المجهول "الرجل في سلطانه" أي في موضع يملكه،(8/55)
في بَيْتِهِ إِلاّ بِإِذْنِهِ" . هذا حديثٌ حسنٌ.
ـــــــ
أو يتسلط عليه بالتصرف كصاحب المجلس وإمام المسجد فإنه أحق من غيره وإن كان أقرأ أو أعلم بالسنة منه، فإن شاء تقدم وإن شاء يقدم غيره ولو مفضولاً "ولا يجلس" بالبناء المفعول "على تكرمته" التكرمة: الموضع الخاص لجلوس الرجل من فراش أو سرير مما يعده كرامة وهي تفعلة من الكرامة "إلا بإذنه" متعلق بالجميع. وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في باب من زار قوماً فلا يصل بهم.
قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه مسلم.(8/56)
59- باب مَا جَاءَ أَنّ الرّجُلَ أَحَقّ بِصَدْرِ دَابّتِه
2923- حدثنا أَبُو عَمّارٍ الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، حدثنا عَلِيّ بنُ الْحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ، حدثني أَبي، حدثني عَبْدِ الله بنُ بُرَيْدَةَ، قالَ سَمِعْتُ أَبي بُرَيْدَةَ يَقُولُ: "بَيْنَمَا النبيّ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ وَمَعَهُ حِمَارٌ، فَقَالَ يَا رَسُولُ الله ارْكَبْ، وَتَأَخّرَ الرّجُلُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ، أَنْتَ أَحَقّ بِصَدْرِ دَابّتِكَ إِلاّ أَنْ تَجْعَلَهُ لِي"، قالَ قَدْ جَعَلْتُهُ لَكَ، قَالَ فَرَكِبَ" .
ـــــــ
باب مَا جَاءَ أَنّ الرّجُلَ أَحَقّ بِصَدْرِ دَابّتِه
قوله: "بريدة" بدل من أبي.
قوله: "وتأخر الرجل" أي وأراد أن يركب خلفه متأخراً عنه، أو تأخر الرجل عن حماره أدباً عن أن يركب معه فيكون كناية عن التخلية "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا" أي لا أركب وحدي أو في الصدر "أنت أحق بصدر دابتك" صدرها من ظهرها ما يلي عنقها. قال الطيبي: لا ههنا حذف فعله وأنت أحق تعليل له، أي لا أركب وأنت تأخرت لأنك أحق بصدر دابتك "إلا أن تجعله" أي الصدر "لي" أي صريحاً "فركب" أي على صدرها. فيه بيان إنصاف(8/56)
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ .
ـــــــ
رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواضعه، وإظهار الحق المر حيث رضي أن يركب خلفه ولم يعتمد على غالب رضا.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو داود، وسكت عنه، ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره.(8/57)
60- باب ما جَاءَ في الرّخْصَةِ في اتّخَاذِ الأَنْمَاط
2924- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا عَبْد الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍ، أخبرنا سُفْيَانُ، عن مُحمّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عن جَابِرٍ، قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "هَلْ لَكُمْ أَنْمَاطٌ؟ قلت: وَأَنّى تَكُونُ لَنَا أَنْمَاطٌ؟ قالَ: "أَمَا إِنّهَا سَتَكُونُ لَكُمْ أَنْمَاطٌ"، قالَ: فَأَنا أَقُولُ لامْرَأَتِي أَخّرِي عَنّي أَنْمَاطَكِ، فَتَقُولُ: أَلَمْ يَقَلْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِنّها سَتَكُونُ لَكُمْ أَنْمَاطٌ؟ قالَ فَأَدَعُهَا" .
ـــــــ
باب ما جَاءَ في الرّخْصَةِ في اتّخَاذِ الأَنْمَاط
قوله: "هل لكم أنماط" وفي رواية مسلم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجت اتخذت أنماطاً، قال النووي: الأنماط بفتح الهمزة جمع نمط بفتح النون والميم وهو ظهارة الفراش، وقيل ظهر الفراش ويطلق أيضاً على بساط لطيف له خمل يجعل على الهودج وقد يجعل ستراً. ومنه حديث عائشة الذي ذكره مسلم بعد هذا في باب الصور قالت: فأخذت نمطاً فسترته على الباب، والمراد في حديث جابر هو النوع الأول وقال الحافظ في الفتح: النمط بساط له خمل رقيق "وأنى تكون لنا أنماط" بالتاء ا لفوقية وفي بعض النسخ التحتية "قال" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "أما" بالتخفيف للتنبيه "إنها" الضمير للقصة "ستكون" تامة قال النووي: فيه جواز اتخاذ الأنماط إذ لم تكن من حرير، وفيه معجزة ظاهرة(8/57)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
بإخباره بها وكانت كما أخبر. قال الحافظ: وفي استدلالها على جواز اتخاذ الأنماط بإخباره صلى الله عليه وسلم بأنها ستكون. نظر، لأن الإخبار بأن الشيء سيكون لا يقتضي إباحته إلا إن استدل المستدل به على التقرير، فيقول أخبر الشارع بأنه سيكون ولم ينه عنه فكأنه أقره.
قوله: "هذا حديث صحيح حسن" وفي بعض النسخ هذا حديث حسن غريب، والحديث أخرجه أيضاً البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.(8/58)
باب ماجاء في ركوب ثلاثة على دابة
...
61- باب ما جَاءَ في رُكوبِ ثَلاَثةٍ عَلَى دَابَة
2925- حدثنا عَبّاسُ بنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيّ، أَخْبَرَنا النّضْرُ بنُ مُحمّدٍ هو الجُرشي اليمامي، حدثنا عِكْرِمَةُ بنُ عَمّارٍ عن إِيَاسِ بنِ سَلَمَةَ، عن أَبِيهِ قالَ: "لَقَدْ قُدْتُ نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم وَالْحَسَنِ والْحُسَيْنِ عَلَى بَغْلَتِهِ الشّهْبَاءِ حَتّى أَدْخَلْتُهُ حُجْرَةَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، هَذَا قُدّامُهُ وَهَذَا خَلْفُهُ".
ـــــــ
باب ما جَاءَ في رُكوبِ ثَلاَثةٍ عَلَى دَابَة
قوله: "أخبرنا النضر بن محمد" بن موسى الجرشي بالجيم المضمومة والشين المعجمة، أبو محمد اليامي، مولى بني أمية، ثقة له أفراد من التاسعة "عن أبيه" أي سلمة بن الأكوع.
قوله: "لقد قدت" من القود، وهو نقيض السوق فهو من أمام وذاك من خلف كالقيادة كذا في القاموس، وقال في الصراح: قود كشيدن ستور وجزآن من باب نصر ينصر "بنبي الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين على بغلته الشهباء" الشهبة في الألوان البياض الغالب على السواد "هذا قدامه" أي قدام النبي صلى الله عليه وسلم.(8/58)
وفي البابِ عن ابنِ عبّاسٍ وَعَبْدِ الله بنِ جَعْفَرٍ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ
ـــــــ
قوله: "وفي الباب عن ابن عباس وعبد الله بن جعفر" أما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري عنه قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة استقبلته أغيلمة بني عبد المطلب، فجعل واحداً بين يديه وآخر خلفه، وأما حديث عبد الله بن جعفر فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقى بنا، فيلقى بي أو بالحسن أو بالحسين، فجعل أحدنا بين يديه و الآخر خلفه حتى دخلنا المدينة.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه مسلم.
"تنبيه" اعلم أنه قد وردت أحاديث تدل على المنع عن ركوب الثلاثة على الدابة الواحدة والجمع بين هذه الأحاديث المختلفة أن الجواز إذا كانت الدابة مطيقة والمنع إذا كانت عاجزة غير مطيقة. قال الحافظ في الفتح: أخرج الطبراني في الأوسط عن جابر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركب ثلاثة على دابة. وسنده ضعيف وأخرج الطبري عن أبي سعيد: لا يركب الدابة فوق اثنين. وفي سنده لين. وأخرج ابن أبي شيبة من مرسل زاذان أنه رأى ثلاثة على بغل فقال: لينزل أحدكم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الثالث، ومن طريق الشعبي قوله مثله. ومن حديث المهاجر بن قنفذ أنه لعن فاعل ذلك وقال: إنا قد نهينا أن يركب الثلاثة على الدابة وسنده ضيعف. وأخرج الطبري عن علي قال: إذا رأيتم ثلاثة على دابة فارجموهم حتى ينزل أحدهم. وعكسه ما أخرجه الطبري أيضاً بسند جيد عن ابن مسعود قال: كان يوم بدر ثلاثة على بعير، وأخرج الطبراني وابن أبي شيبة أيضاً من طريق الشعبي عن ابن عمر قال: ما أبالي أن أكون عاشر عشرة على دابة إذا أطاقت حمل ذلك. وبهذا يجمع بين مختلف الحديث في ذلك فيحمل ما ورد في الزجر عن ذلك على ما إذا كانت الدابة غير مطيقة كالحمار مثلاً، وعكسه على عكسه كالناقة والبغلة، قال النووي: مذهبنا ومذهب العلماء كافة، جواز ركوب ثلاثة على الدابة إذا كانت مطيقة. وحكى القاضي عياض منعه عن بعضهم مطلقاً وهو فاسد. قال الحافظ:(8/59)
ـــــــ
لم يصرح أحد بالجواز مع العجز ولا بالمنع مع الطاقة، بل المنقول من المطلق في المنع والجواز محمول على القيد، انتهى.(8/60)
باب ما جاء في نظرة الفجاءة
...
62- باب ما جَاءَ في نَظْرَةِ المفاجأة
2926- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أَخْبَرَنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا يُونُسُ بنُ عُبَيْدٍ، عن عَمْرِو بنِ سَعِيدٍ، عن أَبي زُرْعَةَ بنِ عَمْرِو بنِ جَرِيرٍ، عن جرِيرٍ بنِ عَبْدِ الله قالَ: "سَأَلْتُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عن نَظْرَةِ الْفجأةِ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي" . هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَأَبُو زُرْعَةَ بن عمرو اسْمُهُ هَرِمٌ.
ـــــــ
باب ما جَاءَ في نَظْرَةِ المفاجأة
قوله: "أخبرنا هشيم" بن بشير بن القاسم "أخبرنا يونس بن عبيد" بن دينار العبدي "عن عمرو بن سعيد" القرشي أو الثقفي مولاهم أبو سعيد البصري ثقة من الخامسة.
قوله: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاءة" بضم ففتح ومد بفتح وسكون وقصر أي أن يقع بصره على الأجنبية بغتة من غير قصد، قال في النهاية يقال: فجأة الأمر وفجاءة بالضم والمد، وفاجأه مفاجأة إذا جاءه بغتة من غير تقدم سبب، وقيده بعضهم بفتح الفاء وسكون الجيم من غير مد على المرأة انتهى. "فأمرني أن أصرف بصري" أي لا أنظر مرة ثانية لأن الأولى إذا لم تكن بالاختيار فهو معفو عنها، فإن أدام النظر أثم، وعليه قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} ، قال القاضي عياض رحمه الله: قالوا فيه حجة على أنه لا يجب على المرأة ستر وجهها. وإنما ذلك سنة مستحبة لها، ويجب على الرجال غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض صحيح شرعي.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي.(8/60)
2927- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنا شَرِيكٌ، عن أَبي رَبِيعَةّ، عن ابنِ بُرَيْدَةَ، عن أَبِيهِ رَفَعَهُ قالَ: "يَا عَلِيّ لا تُتْبِعِ النّظْرَةَ النّظْرَةَ، فَإِنّ لَكَ الأُولَى، وَلَيْستْ لَكَ الآخرة" . هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ.
ـــــــ
قوله: "أخبرنا شريك" هو ابن عبد الله النخعي القاضي "عن أبي ربيعة" الأبادي مقبول من السادسة قيل اسمه عمر بن ربيعة "عن ابن بريدة" هو عبد الله.
قوله: "لا تتبع النظرة النظرة" من الاتباع، أي لا تعقبها إياها ولا تجعل أخرى بعد الأولى "فإن لك الأولى" أي النظرة الأولى إذا كانت من غير قصد "وليست لك الآخرة" أي النظرة الآخرة لأنها باختيارك فتكون عليك.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد وأبو داود والدارمي.(8/61)
باب ماجاء في احتجاب النساء من الرجال
...
63- باب ما جاءَ في احْتِجَابِ النّسَاءِ مِنَ الرّجَال
2928- حدثنا سُوَيْدٌ، أَخْبَرَنا عَبْدُ الله، أَخْبَرَنا يُونُسُ بنُ يَزِيدَ عن ابنِ شِهَابٍ عن نَبْهَانَ مَوْلَى أُمّ سَلَمَةَ: "أَنّهُ حَدّثَهُ أَنّ أُمّ سَلَمَةَ حَدّثَتْهُ أَنّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَمَيْمُونَةُ، قَالَتْ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ
ـــــــ
باب ما جاءَ في احْتِجَابِ النّسَاءِ مِنَ الرّجَال
قوله: "أخبرنا يونس بن يزيد" الأيلي "عن نبهان" المخزومي مولاهم، كنيته أبو يحيى المدني مكاتب أم سلمة، مقبول من الثالثة.
قوله: "أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة" بالرفع عطفاً على المستتر في كانت وسوغه الفعل، وتروى منصوبة عطفاً على اسم أن ومجرورة عطفاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره القاضي. وقال الطيبي: الأوجه العطف على اسم أن ليشعر بأنه صلى الله عليه وسلم كان في بيت أم سلمة وميمونة داخلة عليها، لأن تأخير المعطوف وإيقاع الفصل يدل على أصالة الأولى وتبعية(8/61)
عِنْدَهُ أَقْبَلَ ابنُ أَمّ مَكْتُومٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بَعَدَ مَا أُمِرْنَا بِالحجابِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "احْتَجِبَا مِنْهُ، فَقلت: يَا رَسُولُ الله أَلَيْسَ هُوَ أَعْمَى لا يُبْصِرُنَا، وَلاَ يَعْرِفُنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ" .
ـــــــ
الثانية كقوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} أوقع الفصل ليدل على أن إسماعيل تابع له في الرفع، ولو عطف من غير فصل أوهم الشركة "أقبل ابن أم مكتوم" وهو الذي نزل فيه {أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} "فدخل عليه" أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفعمياوان" تثنية عمياء، تأنيث أعمى "ألستما تبصرانه" قيل فيه تحريم نظر المرأة إلى الأجنبي مطلقاً، وبعض خصه بحال خوف الفتنة عليها جمعاً بينه وبين قول عائشة: كنت أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون بحرابهم في المسجد، ومن أطلق التحريم قال ذلك قبل آية الحجاب، والأصح أنه يجوز نظر المرأة إلى الرجل فيما فوق السرة وتحت الركبة بلا شهوة وهذا الحديث محمول على الورع والتقوى. قال السيوطي رحمه الله: كان النظر إلى الحبشة عام قدومهم سنة سبع ولعائشة يومئذ ست عشرة سنة، وذلك بعد الحجاب فيستدل به على جواز نظر المرأة إلى الرجل انتهى. وبدليل أنهن كن يحضرن الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ولا بد أن يقع نظرهن إلى الرجال، فلو لم يجز لم يؤمرن بحضور المسجد والمصلى ولأنه أمرت النساء بالحجاب عن الرجال، ولم يؤمر الرجال بالحجاب كذا في المرقاة. وقال أبو داود في سننه بعد رواية حديث أم سلمة هذا ما لفظه: هذا لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، ألا ترى إلى اعتداد فاطمة بنت قيس عند ابن أم مكتوم.قد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: اعتدى عند ابن أم مكتوم.فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده انتهى. وقال الحافظ في التلخيص: هذا جمع حسن، وبه جمع المنذري في حواشيه واستحسنه شيخنا انتهى. وقال في الفتح: الأمر بالاحتجاب من ابن مكتوم،لعلمه لكون الأعمى مظنة أن ينكشف منه شيء ولا يشعر به، فلا يستلزم عدم جواز النظر مطلقاً. قال: ويؤيد الجواز استمرار العمل على(8/62)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار، منتقبات لئلا يراهن الرجال، ولم يؤمر الرجال قط بالانتقاب لئلا يراهم النساء. فدل على مغايرة الحكم بين الطائفتين.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث: أخرجه أصحاب السنن من رواية الزهري عن نبهان، مولى أم سلمة عنها وإسناده قوي، وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان وليست بعلة قادحة. فإن من يعرفه الزهري ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة، ولم يجرحه أحد لا ترد روايته.(8/63)
باب ماجاء في النهي عن الدخول على النساء إلا بإذن أزواجهن
...
64- باب مَا جَاءَ في النّهيِ عن الدّخُولِ عَلَى النّسَاءِ إِلا بِإِذْنِ الأزواج
2929- حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنا عَبْدِ الله بنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنا شُعْبَة، عن الْحَكَمِ، عن ذِكْوَانَ، عن مَوْلَى عَمْرِو بنِ الْعَاصِ أَنّ عَمْرَو بنَ الْعَاصِ أَرْسَلَهُ إلى عَلِيٍ يَسْتَأْذِنُهُ عَلَى أَسْمَاءَ ابْنَةِ عُمَيْسٍ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في النّهيِ عن الدّخُولِ عَلَى النّسَاءِ إِلا بِإِذْنِ الأزواج
قوله: "عن الحكم" بن عتيبة "عن مولى عمرو بن العاص" كنيته أبو قيس، واسمه عبد الرحمن بن ثابت، وقيل ابن الحكم وهو غلط، ثقة من الثانية كذا في التقريب.
قوله: "أرسله" أي أرسل عمرو بن العاص مولاه "يستأذنه على أسماء ابنة عميس" الخثعمية صحابية، تزوجها جعفر بن أبي طالب ثم أبو بكر ثم علي وولدت لهم، وهي أخت ميميونة بنت الحارث أم المؤمنين لأمها، ماتت بعد علي. والمعنى أن عمرو بن العاص أرسل مولاه ليستأذن علي بن أبي طالب أن يدخل هو على(8/63)
فَأَذِنَ لَهُ، حَتّى إِذَا فَرغَ مِنْ حَاجَتِهِ سَأَلَ المَوْلَى عَمْرَو بنَ العَاصِ عن ذَلِكَ، فَقَالَ: "إِنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَانَا أَوْ نَهَى أَنْ نَدْخُلَ عَلَى النّسَاءِ بِغَيْرِ إِذْنِ أَزْوَاجِهِن" .
وفي البابِ عن عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ وَعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو وَجَابِرٍ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
زوجته أسماء بنت عميس لحاجة له "فأذن" أي علي رضي الله عنه "له" أي لدخوله عليها "حتى إذا فرغ من حاجته" أي فدخل عمرو بن العاص على أسماء حتى إذا فرغ الخ "نهانا أو نهى أن ندخل على النساء بغير إذن أزواجهن" فيه دليل على أنه لا يجوز الدخول على النساء إلا بإذن أزواجهن.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد في مسنده.(8/64)
باب ماجاء في تحذير فتنة النساء
...
65- باب مَا جَاء في تَحْذِيرِ فِتنَةِ النّسَاء
2930- حدثنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ الاّعْلَى الصّنْعَانِي، حدثنا المعتمر بنُ سُلَيمَانَ، عن أَبِيهِ، عن أَبي عُثْمَانَ، عن أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ وَسَعِيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي في النّاسِ فِتْنَةً أَضَرّ عَلَى الرّجَالِ مِنَ النّسَاءِ" .
ـــــــ
باب مَا جَاء في تَحْذِيرِ فِتنَةِ النّسَاء
قوله: "عن أبيه" هو سليمان بن طرخان "عن أبي عثمان" النهدي.
قوله: "ما تركت بعدي" أي ما أترك، وعبر بالماضي لتحقق الموت "فتنة" أي امتحاناً وبلية "أضر على الرجال من النساء" لأن الطباع كثيراً تميل إليهن وتقع في الحرام لأجلهن وتسعى للقتال والعداوة بسببهن، وأقل ذلك أن ترغبه في الدنيا، وأي فساد أضر من هذا؟ وإنما قال بعدي: لأن كونهن فتنة أضر ظهر(8/64)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رَوى هذا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الثّقَاتِ عن سُلَيْمَانَ التّيْمِيّ عن أَبي عُثْمانَ عن أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عن سَعِيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ، وَلاَ نَعْلَمُ أَحَداً قَالَ عن أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ. وَسَعِيدُ بنُ زَيْدٍ غَيْرُ المُعْتَمِرِ. وفي البابِ عن أَبي سَعِيدٍ.
ـــــــ
بعده. قال الحافظ في الحديث: إن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن، ويشهد له قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} فجعلهن من عين الشهوات وبدأ بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك، وقد قال بعض الحكماء: النساء شر كلهن وأشر ما فيهن عدم الاستغناء عنهن، ومع أنها ناقصة العقل والدين، تحمل الرجل على تعاطي ما فيه نقص العقل والدين كشغله عن طلب أمور الدين، وحمله على التهالك على طلب الدنيا وذلك أشد الفساد انتهى.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري في النكاح ومسلم في آخر الدعوات والنسائي في عشرة النساء وابن ماجه في الفتن.
قوله: "وفي الباب عن أبي سعيد" أخرجه مسلم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فسينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".(8/65)
66- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ اتّخَاذِ القُصّة
2931- حدثنا سُوَيْدٌ، أَخْبَرَنا عَبْدُ الله، أَخْبَرَنا يُونُسُ، عن الزّهْرِيّ، أَخْبَرَنا حُمَيْدُ بنُ عَبْد الرّحْمَنِ أَنّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ خطب بالمدينة
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ اتّخَاذِ القُصّة
قوله: "أخبرنا حميد بن عبد الرحمن" بن عوف الزهري المدني.
قوله: "خطب بالمدينة" أي على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية للبخاري عن سعيد بن المسيب آخر قدمة قدمها، وكان ذلك في سنة إحدى(8/65)
يَقُولُ: "أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ يَا أَهْلَ المَدِينَةِ؟ إني سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، يَنْهَى عن هَذِهِ القُصّةِ وَيَقُولُ: إِنّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتّخَذَهَا نِسَاؤهُمْ".
ـــــــ
وخمسين وهي آخر حجة حجها معاوية في خلافته "أين علماؤكم" فيه إشارة إلى أن العلماء إذ ذاك فيهم كانوا قد قلوا وهو كذلك لأن غالب الصحابة كانوا يومئذ قد ماتوا وكأنه رأى جهال عوامهم صنعوا ذلك. فأراد أن يذكر علماءهم وينبههم بما تركوه من إنكار ذلك، ويحتمل أن يكون ترك من بقي من الصحابة ومن أكابر التابعين إذ ذاك الإنكار، إما لاعتقاد عدم التحريم ممن بلغه الخبر فجمله على كراهة التنزيه أو كان يخشى من سطوة الأمراء في ذلك الزمان على من يستبد بالإنكار لئلا ينسب إلى الاعتراض على أولى الأمر، أو كانوا ممن لم يبلغهم الخبر أصلاً أو بلغ بعضهم، لكن لم يتذكروه حتى ذكرهم به معاوية، فكل هذه أعذار ممكنة لمن كان موجوداً إذ ذاك من العلماء، وأما من حضر خطبة معاوية وخاطبهم بقوله أين علماؤكم؟ فلعل ذلك كان في خطبة غير الجمعة ولم يتفق أن يحضره إلا من ليس من أهل العلم فقال أين علماؤكم، لأن الخطاب بالإنكار لا يتوجه إلا على من علم الحكم وأقره "عن هذه القصة" بضم القاف وتشديد الصاد المهملة الخصلة من الشعر، وفي رواية: كبة من شعر "ويقول" هو معطوف على ينهي وفاعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم "إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم" فيه إشعار بأن ذلك كان حراماً عليهم، فلما فعلوه كان سبباً لهلاكهم مع ما انضم إلى ذلك من ارتكابهم ما ارتكبوه من المناهي. قال الحافظ في الفتح: هذا الحديث حجة للجمهور في منع وصل الشعر بشيء آخر سواء كان شعراً أم لا، ويؤيده حديث جابر: زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة بشعرها شيئاً، أخرجه مسلم. وذهب الليث ونقله أبو عبيدة عن كثير من الفقهاء، أن الممتنع من ذلك وصل الشعر بالشعر، وأما إذا وصلت شعرها بغير الشعر من خرقة وغيرها فلا يدخل في النهي. وأخرج أبو داود بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال لا بأس بالقرامل، وبه قال أحمد، والقرامل جمع قرملة بفتح القاف وسكون الراء(8/66)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن مُعَاوِيَةَ.
ـــــــ
نبات طويل الفروع لين والمراد به هنا خيوط من حرير أو صوف يعمل ضفائر تصل به المرأة شعرها. وفصل بعضهم بين ما إذا كان ما وصل به الشعر من غير الشعر مستوراً بعد عقده مع الشعر، بحيث يظن أنه من الشعر وبين ما إذا كان ظاهراً. فمنع الأول قوم فقط لما فيه من التدليس وهو قوي، ومنهم من أجاز الوصل مطلقاً سواء كان بشعر آخر أو بغير شعر إذا كان يعلم الزوج وبإذنه، وأحاديث الباب حجة عليه.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي.(8/67)
67- باب مَا جَاءَ في الْوَاصِلَةِ وَالمُسْتَوْصِلَةِ وَالوَاشِمَةِ وَالمُسْتَوْشِمَة
2932- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أَخْبَرَنا عُبَيدَةُ بنُ حُمَيْدٍ، عن مَنْصُورٍ، عن إِبْرَاهِيمَ، عن عَلْقَمَةَ، عن عَبْدِ الله "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالمُتَنَمّصَاتِ مُبْتَغِيَاتٍ لِلْحُسْنِ مُغَيّراتٍ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في الْوَاصِلَةِ وَالمُسْتَوْصِلَةِ وَالوَاشِمَةِ وَالمُسْتَوْشِمَة
قوله: "أخبرنا عبيدة" بفتح العين "عن عبد الله" أي ابن مسعود.
قوله: "لعن الواشمات" جمع واشمة بالشين المعجمة، وهي التي تشم "والمستوشمات" جمع مستوشمة، وهي التي تطلب الوشم "والمتنمصات" جمع متنمصة، والمتنمصة التي تطلب النماص والنامصة التي تفعله، والنماص إزالة شعر الوجه بالمنقاش، ويسمى المنقاش منماصاً لذلك، ويقال إن النماص يختص بإزالة شعر الحاجبين لترقيقهما أو تسويتهما. قال أبو داود في السنن: النامصة التي تنقش الحاجب حتى ترقه. قال الطبري: لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص، إلتماس الحسن لا للزوج ولا لغيره كمن تكون مقرونة ا لحاجبين فتزيل ما بينهما توهم البلج وعكسه، ومن تكون لها سن زائدة فتقلعها، أو طويلة فتقطع منها، أو لحية أو شارب أو عنفقة فتزيلها بالنتف ومن يكون شعرها قصيراً أو حقيراً فتطوله أو تغزره بشعر غيرها، فكل ذلك(8/67)
خَلْقَ الله". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2933- حدثنا سُوَيْدُ، أَخبرنا عَبْدُ الله بن المُبَارَكِ عن عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَعَنَ الله الوَاصِلَةَ والْمُسْتَوْصِلَةَ وَالوَاشِمَةَ والمُسْتَوشِمَةَ" . قالَ نَافِعٌ: الْوَشْمُ في اللّثَةِ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وفي البابِ عن عَائشَةَ وَمَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ وَابنِ عَبّاسٍ.
2934- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، حدثنا عُبَيْدُ الله بنُ عُمَرَ، عن نَافِعٍ، عن ابن عُمَرَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه. وَلَمْ يَذْكُر فِيهِ يحيى قولَ نَافِعٍ. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
داخل في النهي وهو من تغيير خلق الله تعالى. قال ويستثنى من ذلك ما يحصل به الضرر والأذية كمن يكون لها سن زائدة أو طويلة تعيقها في الأكل أو أصبع زائدة تؤذيها أو تؤلمها فيجوز ذلك والرجل في هذا الأخير كالمرأة.
وقال النووي: يستثنى من النماص ما إذا نبت للمرأة لحية أو شارب أو عنفقة، فلا يحرم عليها إزالتها بل يستحب "مبتغيات للحسن" أي طالبات له حال عن المذكورات "مغيرات خلق الله" هي أيضاً حال وهي كالتعليل لوجوب اللعن.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة.
قوله: "حدثنا سويد أخبرنا عبد الله بن المبارك الخ" تقدم هذا الحديث بإسناده ومتنه في باب مواصلة الشعر من أبواب اللباس، وقد تقدم شرحه هناك.
قوله: "وفي الباب عن عائشة الخ" تقدم تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم في الباب المذكور.(8/68)
67- باب ما جَاءَ في المُتَشَبّهَاتِ بالرّجَالِ منَ النّسَاء
2935- حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أَبُو داوُدَ الطّيَالِسيّ، حدثنا شُعْبَةُ، وَهَمّامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ: "لَعَنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم المُتَشَبّهَاتِ بِالرّجَالِ مِنَ النّسَاءِ وَالمُتَشَبّهِينَ بالنّسَاءِ مِنَ الرّجَالِ" . هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2936- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيٍ الْخَلاّلُ، أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ، أَخبرنا مَعْمَرٌ عن يَحيىَ بنِ أَبي كَثِيرٍ وَأَيّوبَ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ
ـــــــ
باب ما جَاءَ في المُتَشَبّهَاتِ بالرّجَالِ منَ النّسَاء
قوله: "وهمام" هو ابن يحيى الأزدي العوذي.
قوله: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات بالرجال من النساء والمتشبهين بالنساء من الرجال" قال الطبري: المعنى لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء ولا العكس. قال الحافظ: وكذا في الكلام والمشي، فأما هيئة اللباس فتختلف باختلاف عادة كل بلد فرب قوم لا يفترق زي نسائهم من رجالهم في اللبس، لكن يمتاز النساء بالاحتجاب والاستتار، وأما ذم التشبه بالكلام والمشي فمختص بمن تعمد ذلك، وأما من كان ذلك من أصل خلقته فإنما يؤمر بتكلف تركه والإدمان على ذلك بالتدريج، فإن لم يفعل وتمادى دخله الذم، ولا سيما إن بدا منه ما يدل الرضا به، وأخذ هذا واضح من لفظ المتشبهين، وأما إطلاق من أطلق كالنووي أن المخنث الخلقي لا يتجه عليه اللوم، فمحمول على ما إذا لم يقدر على ترك التثني والتكسر في المشي والكلام بعد تعاطيه المعالجة لترك ذلك، وإلا متى كان ترك ذلك ممكناً ولو بالتدريج. فتركه بغير عذر لحقه اللوم.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجه.(8/69)
قالَ: "لَعَنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم المُخَنّثيِنَ مِنَ الرّجَالِ وَالمُتَرَجّلاَتِ مِنَ النّسَاءِ " . قال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وفي البابِ عن عَائِشَةَ.
ـــــــ
قوله: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال" بفتح النون المشددة وكسرها والأول أشهر، أي المتشبهين بالنساء في الزي واللباس والخضاب والصوت والصورة والتكلم وسائر الحركات والسكنات من خنث يخنث، كعلم يعلم: إذا لان وتكسر، فهذا الفعل منهي لأنه تغيير لخلق الله. قال النووي: المخنث ضربان أحدهما من خلق كذلك ولم يتكلف التخلق بأخلاق النساء وزيهن وكلامهن وحركاتهن وهذا لا ذم عليه ولا إثم ولا عيب ولا عقوبة لأنه معذور، والثاني من يتكلف أخلاق النساء وحركاتهن وكلامهن وزيهن فهذا هو المذموم الذي جاء في الحديث لعنه "والمترجلات" بكسر الجيم المشددة، أي المتشبهات بالرجال "من النساء" زياً وهيئة ومشية ورفع صوت ونحوها، لا رأياً وعلماً، فإن التشبه بهم محمود، كما روي أن عائشة رضي الله عنها كانت رجلة الرأي، أي رأيها كرأي الرجال على ما في النهاية.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري وأبو داود.
قوله: "وفي الباب عن عائشة" أخرجه أبو داود.(8/70)
68- باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ خُرُوجِ المَرْأَةِ مُتَعَطّرَة
2937- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا يَحْيىَ بنُ سَعِيدٍ القَطّانُ، عن ثَابِتِ بنِ عُمَارَةَ الْحَنَفِيّ، عن غُنَيْمِ بنِ قَيْسٍ، عن أَبي مُوسَى عن النبيّ
ـــــــ
باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ خُرُوجِ المَرْأَةِ مُتَعَطّرَة
قوله: "عن ثابت بن عمارة الحنفي" البصري، كنيته أبو مالك، صدوق فيه لين من السادسة "عن غنيم" بضم الغين المعجمة وفتح النون مصغراً "بن قيس" المازني، كنيته أبو العنبر البصري، مخضرم ثقة من الثانية.(8/70)
صلى الله عليه وسلم قالَ: "كُلّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ، وَالمَرْأَةُ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرّتْ بالمَجْلِسِ، فَهِيَ كَذَا وَكَذَا، يَعْنِي زَانِيَةً" . وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ، هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
قوله: "كل عين زانية" أي كل عين نظرت إلى أجنبية عن شهوة فهي زانية "إذا استعطرت" أي استعملت العطر "فمرت بالمجلس" أي مجلس الرجال "يعني زانية" لأنها هيجت شهوة الرجال بعطرها، وحملتهم على النظر إليها ومن نظر إليها، فقد زنى بعينيه، فهي سبب زنى العين فهي آثمة.
قوله: "وفي الباب عن أبي هريرة" أخرجه أبو داود وابن ماجه، وفي إسناده عاصم بن عبيد الله العمري ولا يحتج بحديثه.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود والنسائي، وسكت عنه أبو داود، ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره.(8/71)
69- باب مَا جَاءَ في طِيبِ الرّجالِ وَالنّسَاء
2938- حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أَبُو دَاوُدَ الْحَفْرِيّ، عن سُفْيَانَ عن الْجُرَيْرِيّ، عن أَبي نَضْرَةَ عن رَجُلٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "طِيبُ الرّجَالِ مَا ظَهَرَ رِيحُهُ وَخَفِيَ لَوْنَهُ وَطِيبُ النّسَاءِ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَخَفِيَ رِيحُهُ" .
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في طِيبِ الرّجالِ وَالنّسَاء
قوله: "طيب الرجال" الطيب قد جاء مصدراً واسماً وهو المراد هنا ومعناه ما يتطيب به على ما ذكره الجوهري "ما ظهر ريحه وخفي لونه" كماء الورد والمسك والعنبر والكافور "وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه" كالزعفران. في شرح السنة، قال سعد: أراهم حملوا قوله: وطيب النساء على ما إذا أرادت أن تخرج، فأما إذا كانت عند زوجها فلتطيب بما شاءت انتهى.
قلت: ويؤيده حديث أبي موسى المذكور في الباب المتقدم.(8/71)
2939- حدثنا عَليّ بنُ حُجْرٍ، أَخبرنا إسْمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ عن الجُرَيْرِيّ عن أبي نَضْرَةَ عن الطّفَاوِي، عن أبي هُرَيْرَةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ، قال أبو عيسى: وهذا حديثٌ حسنٌ إلاّ أَنّ الطّفَاوِي لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ في هَذَا الْحَدِيثِ وَلاَ نَعْرِفُ اسْمَهُ، وَحَدِيثُ إِسْمَاعِيلَ بنِ إِبْرَاهِيمَ أتَمّ وَأَطْوَلُ وفي البابِ عن عِمِرَانَ بنُ حُصَيْنٍ.
2940- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أَخبرنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنفِيّ، حدثنا سَعِيدٌ عن قَتَادَةَ، عن الْحَسَنِ، عن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، قالَ: قال لي النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ خَيْرَ طيب الرجل مَا ظَهَرَ رِيحُهُ وَخَفِيَ لَوْنُهُ، وَخَيْرَ طِيبِ النّسَاءِ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَخَفِيَ رِيْحُهُ" وَنَهَى عن مَيْثَرَةِ الأَرْجُوَانِ" .
ـــــــ
قوله: "أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم" هو المعروف بابن علية "عن الطفاوي" قال في تهذيب التهذيب: الطفاوي عن أبي هريرة، وعنه أبو نضرة العبدي لم يسم. وقال في التقريب: هو شيخ لأبي نضرة لم يسم، من الثالثة لا يعرف.
قوله: "وهذا حديث حسن الخ" وأخرجه النسائي قال ميرك: حسنه الترمذي وإن كان فيه مجهول لأنه تابعي والراوي عنه ثقة، فجهالته تنتفي من هذه الجهة. قال القاري: أو بالنظر إلى تعدد أسانيده فيكون حسناً لغيره انتهى.
قلت: تحسين الترمذي لشواهد، وأما انتفاء جهالة التابعي المجهول الرواية الثقة عنه كما قال ميرك فممنوع، والحديث أخرجه الطبراني والضياء عن أنس: قال المناوي: إسناده صحيح "وحديث إسماعيل بن إبراهيم أتم وأطول" أخرجه أبو داود بطوله في آخر كتاب النكاح.
قوله: "وفي الباب عن عمران بن حصين" أخرجه الترمذي بعد هذا.
قوله: "حدثنا سعيد" هو ابن أبي عروبة "عن الحسن" البصري.
قوله: "ونهى عن الميثرة الأرجوان" تقدم تفسير الميثرة في باب ركوب المياثر من أبواب اللباس، وأما الأرجوان فقال الحافظ في الفتح: بضم الهمزة والجيم(8/72)
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
بينهما راء ساكنة ثم واو خفيفة. وحكى عياض ثم القرطبي: فتح الهمزة وأنكره النووي، وصوب أن الضم هو المعروف في كتب الحديث واللغة والغريب. واختلفوا في المراد به فقيل هو صبغ أحمر شديد الحمرة وهو شجر من أحسن الألوان، وقيل الصوف الأحمر، وقيل كل شيء أحمر فهو أرجوان، ويقال ثوب أرجوان وقطيفة أرجوان. وحكى السيرافي أحمر أرجوان، فكأنه وصف المبالغة في الحمرة، كما يقال أبيض يقق، وأصفر فاقع. واختلفوا هل الكلمة عربية أو معربة؟ فإن قلنا باختصاص النهي بالأحمر من المياثر فالمعنى في النهي عنها ما في غيرها، وإن قلنا لا يختص بالأحمر فالمعنى بالنهي عنها ما فيه من الترفه وقد يعتادها الشخص فتعوزه فيشق عليه تركها فيكون النهي نهي إرشاد لمصلحة دنيوية. وإن قلنا النهي عنها من أجل التشبيه بالأعاجم؟ فهو لمصلحة دينية، لكن كان ذلك شعارهم حينئذ وهو كفار، ثم لما لم يصر الآن يختص بشعارهم زال ذلك المعنى فتزول الكراهة.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو داود وفيه: لا أركب الأرجوان، وفيه ألا وطيب الرجال ريح لا لون له، ألا وطيب النساء لون لا ريح له قال المنذري: والحسن لم يسمع من عمران بن حصين.(8/73)
70- باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ ردّ الطّيب
2941- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أَخبرنا عَبْد الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍ، أَخبرنا عَزْرَةُ بنُ ثَابِتٍ عن ثَمَامَةَ بنِ عَبْدِ الله قالَ: "كَانَ أَنَسٌ لاَ يَرُدّ الطّيبَ. وَقالَ أَنَسٌ: إِنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لاَ يَرُدّ الطّيبَ" .
ـــــــ
باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ ردّ الطّيب
قوله: "أخبرنا عزرة" بفتح أوله وسكون الزاي وفتح الراء ثم هاء "ابن ثابت" ابن أبي زيد بن أخطب الأنصاري، بصري ثقة من السابعة.
قوله: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب" قال ابن بطال: إنما كان لا يرد الطيب من أجل أنه ملازم لمناجاة الملائكة، ولذلك كان لا يأكل الثوم(8/73)
وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2942- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا ابن أبي فُدَيْكٍ، عن عَبْدِ الله بنِ مُسْلِمٍ، عن أَبيهِ، عن ابنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلاَثٌ لاَ تُرَدّ: الْوَسَائِدُ وَالدّهْنُ وَالّلبَنُ". هذا حديثٌ غريبٌ. وَعَبْدِ الله ابنُ مُسْلِمِ هو ابنُ جُنْدُبٍ وَهُوَ مدني.
ـــــــ
ونحوه. قال الحافظ: لو كان هذا هو السبب في ذلك لكان من خصائصه وليس كذلك. فإن النساء تقتدي به في ذلك. وقد ورد النهي عن رده مقروناً بيان الحكمة في ذلك في حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي وأبو عوانة من طريق عبيد الله ابن أبي جعفر عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعاً: "من عرض عليه طيب فلا يرده فإنه خفيف المحمل طيب الرائحة". وأخرجه مسلم من هذا الوجه، لكن قال ريحان بدل الطيب، ورواية الجماعة أثبت، فإن أحمد وسبعة أنفس معه رووه عن عبد الله بن يزيد المقبري عن سعيد بن أبي أيوب بلفظ الطيب ووافقه ابن وهب عن سعيد عند ابن حبان والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد. وقد قال الترمذي عقب حديث أنس وابن عمر: وفي الباب عن أبي هريرة فأشار إلى هذا الحديث انتهى.
قوله: "وفي الباب عن أبي هريرة" تقدم تخريجه آنفاً في كلام الحافظ.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري والنسائي.
قوله: "عن عبد الله بن مسلم" بن جندب الهذلي، المدني المقري، لا بأس به من الثامنة "عن أبيه" هو مسلم بن جندب القاص، ثقة فصيح قارئ من الثالثة.
قوله: "ثلاث لا ترد" أي لا ينبغي أن ترد لقلة منتها وتأذي المهدي إياها "الوسائد" جمع وسادة بالكسر المخدة "والدهن واللبن" قال الطيبي: يريد أن يكرم الضيف بالوسادة والطيب واللبن، وهي هدية قليلة المنة، فلا ينبغي أن ترد انتهى.
قوله: "هذا حديث غريب" قال المناوي إسناده حسن.(8/74)
2943- أَخبرنا عُثْمانُ بنُ مَهْدِيٍ، أَخبرنا مُحمّدُ بنُ خَلِيفَةَ، أَخبرنا يَزيدُ بنُ زُرَيْعٍ عن حَجّاجٍ الصّوّافِ عن حَنَانٍ عن أَبي عُثْمانَ النّهْدِيّ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَعْطِيَ أَحَدُكُمْ الرّيْحَانَ فَلاَ يَرُدّهُ فَإِنّهُ خَرَجَ مِنَ الْجّنَةِ" .
هذا حديثٌ غريبٌ حسنٌ، وَلاَ نَعْرِفُ لِحَنَانٍ غَيرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَبُو عُثْمَانَ النّهْدِيّ اسْمُهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَلّ، وَقَدْ أَدْرَكَ زَمَنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم. ولم يَرَهُ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ.
ـــــــ
قوله: "أخبرنا عثمان بن مهدي" لم أجد ترجمته في التقريب وتهذيب التهذيب والخلاصة وليس في هذه الكتب راو اسمه عثمان بن مهدي فلينظر من هو "أخبرنا محمد بن خليفة" البصري الصيرفي مقبول من العاشرة، كذا في التقريب، وقال في تهذيب التهذيب: روى عن يزيد بن زريع، وعنه الترمذي وجعفر بن أحمد الجرجرائي "عن حنان" بفتح أوله وتخفيف النون الأسدي، عم والد مسدد، كوفي مقبول من السادسة كذا في التقريب. وقال في تهذيب التهذيب: والخلاصة عم مسدد.
قوله: "إذا أعطي أحدكم" بصيغة المجهول "الريحان" منصوب على أنه مفعول ثان. قال في النهاية: هو كل نبت طيب الريح من أنواع المشموم "فإنه خرج من الجنة" أي أصله، وهو مع ذلك خفيف المحمل، أي قليل المؤنة والمنة، فلا يرد أن كثيراً من الأشياء خرج أصله من الجنة.
قوله: "هذا حديث غريب حسن" هذا حديث مرسل، وأخرجه أبو داود في مراسيله.(8/75)
باب ماجاء في كراهية مباشرة الرجل الرجل والمرأة المرأة
...
71- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ مبَاشَرَةِ الرّجُلِ الرّجُلَ وَالمَرْأَةِ المَرْأَة
2944- حدثنا هَنّادٌ، أخبرنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عن الأَعْمَشِ، عن شَقِيقِ بنِ سَلَمَةَ عن عَبْدِ الله قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُبَاشِرُ المَرْأَةُ المَرْأَةَ حَتّى تَصِفَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2945- حدثنا عَبْدُ الله بنُ أَبي زِيَادٍ، أخبرنا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ، أخبرني الضّحّاكُ يعني ابن عُثْمَانَ، أخبرني زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ عن عَبْد الرّحْمَن
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ مبَاشَرَةِ الرّجُلِ الرّجُلَ وَالمَرْأَةِ المَرْأَة
قوله: "عن عبد الله" هو ابن مسعود.
قوله: "لا تباشر المرأة المرأة" زاد النسائي في روايته: في الثوب الواحد قيل لا نافية بمعنى الناهية، وقيل ناهية والمباشرة بمعنى المخالطة والملامسة، وأصله من لمس البشرة البشرة، والبشرة ظاهرة جلد الإنسان، أي لا تمس بشرة امرأة بشرة أخرى "حتى تصفها" أي تصف نعومة بدنها وليونة جسدها "وكأنه ينظر إليها" فيتعلق قلبه بها ويقع بذلك فتنة، والمنهي في الحقيقة هو الوصف المذكور. قال القابسي: هذا أصل لمالك في سد الذرائع، فإن الحكمة في هذا النهي خشية أن يعجب الزوج الوصف المذكور فيفضي ذلك إلى تطليق الواصفة، أو الافتتان بالموصوفة، ووقع في رواية النسائي من طريق مسروق عن ابن مسعود بلفظ: لا تباشر المرأة المرأة ولا الرجل الرجل.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.(8/76)
ابنِ أَبي سَعِيدٍ عن أَبِيهِ، قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَنْظُرُ الرّجُلُ إلى عَوْرَةِ الرّجُلِ، وَلاَ تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إلى عَوْرَةِ المَرْأَةِ، وَلاَ يُفْضِي الرّجُلُ إلى الرّجُلِ في الثَوْبِ الْوَاحِدِ، وَلاَ تُفْضِي الْمرْأَةُ إلى المَرْأَةِ في الثّوْبِ الْوَاحِدِ" . هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ.
ـــــــ
قوله: "عن عبد الرحمن بن أبي سعيد" الخدري، واسمه سعد بن مالك الأنصاري الخزرجي، ثقة من الثالثة.
قوله: "ولا يفضي" بضم أوله أي لا يصل "الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد" أي لا يضطجعان متجردين تحت ثوب واحد. قال النووي: في الحديث تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة، وهذا مما لا خلاف فيه، وكذا الرجل إلى عورة المرأة والمرأة إلى عورة الرجل حرام بالإجماع، ونبه صلى الله عليه وسلم ينظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة، على ذلك بطريق الأولى، ويستثنى الزوجان فلكل منهما النظر إلى عورة صاحبه إلا أن في السوأة اختلافاً، والأصح الجواز، لكن يكره حيث لا سبب، وأما المحارم فالصحيح أنه يباح نظر بعضهم إلى بعض لما فوق السرة وتحت الركبة، قال وجميع ما ذكرنا من التحريم حيث لا حاجة من الجواز حيث لا شهوة، وفي الحديث تحريم ملاقاة بشرتي الرجلين بغير حائل إلا عند ضرورة، ويستثنى المصافحة، ويحرم لمس عورة غيره بأي موضع من بدنه كان بالاتفاق.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.(8/77)
72- باب مَا جَاءَ في حِفْظِ الْعَورَة
2946- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أَخبرنا مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ وَيَزِيدُ بنُ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في حِفْظِ الْعَورَة
اعلم أن الترمذي قد عقد قبل هذا باباً بهذا اللفظ، وأورد فيه حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، ففي عقد هذا الباب هنا وإيراد حديث بهز بن حكيم تكرار محض لا فائدة فيه(8/77)
هَارُونَ، قَالاَ: أَخبرنا بَهْزُ بنُ حَكِيمٍ، عن أَبيهِ، عن جَدّهِ قَالَ: "قُلْتُ يَا نَبِيّ الله عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: "احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ. قلت: يَا رَسُولَ الله إذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ في بَعْضٍ؟ قَالَ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ يَرَاهَا أَحَدٌ فَلاَ تُرِيَنّهَا، قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيّ الله إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِياً؟ قَالَ فَالله أَحَقّ أَنْ يُسْتَحْيَى مِنْهُ مِنَ النّاسِ" . هذا حديثٌ حسنٌ.
ـــــــ
قوله: "أخبرنا معاذ بن معاذ" العنبري التميمي.
قوله: "فلا ترينها" بضم الفوقية وكسر الراء من الإرادة، وفي بعض النسخ فلا يرينها بفتح التحتية وفتح الراء من الرؤية "من الناس" متعلق بقوله أحق، ومنه متعلق بقوله يستحي.(8/78)
73- باب ما جاء أن الفخذ عورة
2947- حدثنا بن أبي عمر أخبرنا سفيان، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن زرعة بن مسلم بن جرهد الأسلمي، عن جده جرهد قال: "مر النبي صلى الله عليه وسلم بجرهد في المسجد، وقد انكشف فخذه
ـــــــ
باب ما جاء أن الفخذ عورة
قوله: "عن أبي النضر مولى عمر بن عبد الله" اسمه سالم بن أبي أمية المدني "عن زرعة بن مسلم بن جرهد الأسلمي" قال في تهذيب التهذيب زرعة ابن عبد الرحمن بن جرهد الأسلمي المدني ويقال زرعة بن جرهد روى عن جرهد ويقال عن أبيه عن جرهد حديث الفخذ عورة وعنه سالم أبو النضر وأبو الزناد قال النسائي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال من زعم أنه ابن مسلم فقد وهم انتهى "عن جرهد" بجيم وهاء مفتوحتين بينهما راء ساكنة ابن رزاح بكسر الراء بعدها زاي وآخره مهملة الأسلمي مدني له البغوي وكان من أهل الصفة(8/78)
قال إن الفخذ عورة" . هذا حديث حسن ما أرى إسناده بمتصل
2948- حدثنا الحسن بن علي الخلال أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن أبي الزناد، قال: أخبرني ابن جرهد عن أبيه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو كاشف عن فخذه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "غط فخذك فإنها من العورة" . هذا حديث حسن
2949- حدثنا واصل بن عبد الأعلى، أخبرنا يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عبد الله بن جرهد الأسلمي، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الفخذ
ـــــــ
قوله: "إن الفخذ عورة" هذا من أدلة القائلين بأن الفخذ عورة وهم الجمهور
قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أبو داود من طريق مالك عن أبي النضر عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد عن أبيه قال: كان جرهد هذا من أصحاب الصفة إنه قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا وفخذي منكشفة الحديث "ما أرى إسناده بمتصل" للانقطاع بين زرعة وجرهد، وحديث جرهد هذا ذكره البخاري في صحيحه تعليقا قال الحافظ: حديثه موصول ثم مالك في الموطأ والترمذي وحسنه، وابن حبان وصححه وضعفه المصنف، يعني البخاري في التاريخ للاضطراب في إسناده، وقد ذكرت كثيرا من الإشارة في تعليق التعليق انتهى.
قوله "أخبرني ابن جرهد" اسمه عبد الرحمن قال في تهذيب التهذيب عبد الرحمن بن جرهد الأسلمي عن أبيه بحديث الفخذ عورة وعنه ابنه زرعة والزهري وأبو الزناد وفي إسناد حديثه اختلاف كثير انتهى
قوله "هذا حديث" حسن وأخرجه أحمد من هذا الطريق ومن الطريق الاتية ومن طرق أخرى.
قوله: "عن عبد الله بن جرهد الأسلمي" قال في تهذيب التهذيب: عبد الله(8/79)
عورة". هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
2950- حدثنا واصل بن عبد الأعلى الكوفي، أخبرنا يحيى بن آدم، أخبرنا إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الفخذ عورة" . وفي الباب عن علي ومحمد ابن عبد الله بن جحش.
ـــــــ
ابن جرهد الأسلمي عن أبيه حديث الفخذ عورة وعنه عبد الله بن محمد بن عقيل وقيل عن ابن عقيل عن عبد الله بن مسلم بن جرهد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكره ابن حبان في الثقات. قال الحافظ: قال البخاري عبد الله بن مسلم أصح انتهى.
قوله: "عن أبي يحيى" هو القتات بفتح القاف وتشديد الفوقية لين الحديث.
قوله: "وفي الباب عن علي ومحمد بن عبد الله بن جحش" أما حديث علي فأخرجه أبو داود وابن ماجه عنه مرفوعا يا علي لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت وأخرجه أيضا الحاكم والبزار قال أبو داود بعد روايته هذا الحديث فيه نكارة وقال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث وفيه ابن جريج عن حبيب وفي رواية أبي داود من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج قال أخبرت عن حبيب بن أبي ثابت وقد قال أبو حاتم في العلل إن الواسطة بينهما هو الحسن بن ذكوان، قال ولا يثبت لحبيب رواية عن عاصم فهذه علة أخرى، وكذا قال ابن معين: إن حبيبا لم يسمعه من عاصم، وأن بينهما رجلا ليس بثقة، وبين البزار أن الواسطة بينهما هو عمرو بن خالد الواسطي، ووقع في زيادات المسند. وفي الدارقطني ومسند الهيثم بن كليب لبعض ابن جريج بإخبار حبيب له، وهو وهم في نقدي انتهى. وأما حديث محمد بن عبد الله بن جحش فأخرجه أحمد والبخاري في تاريخه عنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معمر وفخذاه مكشوفتان، فقال يا معمر: غط عليك فخذيك، فإن الفخذين عورة. وأخرجه البخاري أيضا في صحيحه تعليقا والحاكم في المستدرك كلهم من طريق إسماعيل بن جعفر عن العلاء(8/80)
وهذا حديث حسن غريب، ولعبد الله بن جحش ولابنه محمد صحبه.
ـــــــ
ابن عبد الرحمن، عن أبي كثير مولى محمد بن جحش عنه. فذكره. قال الحافظ في الفتح: رجاله من رجال أبي كثير فقد روى عنه جماعة، لكن لم أجد فيه تصريحا بتعديل وقد أخرج ابن قانع من طريقه أيضا.
قوله: "وهذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد بلفظ: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل وفخذه خارجة فقال غط فخذيك فإن فخذ الرجل من عورته. وذكره البخاري في صحيحه تعليقا. قال الحافظ: وفي إسناده أبو يحيى القتات وهو ضعيف مشهور بكنيته. واختلف في اسمه على ستة أقوال أو سبعة أشهرها دينار انتهى.
وأحاديث الباب كلها تدل على أن الفخذ عورة، قال الشوكاني في النيل: وقد ذهب إلى ذلك الشافعي وأبو حنيفة قال النووي ذهب العلماء إلى أن الفخذ عورة. وعن أحمد ومالك في رواية: العورة القبل والدبر فقط، وبه قال أهل الظاهر وابن جرير والإصطخري. قال الحافظ: في ثبوت ذلك عن ابن جرير نظر، فقد ذكر المسألة في تهذيبه ورد على من زعم أن الفخذ ليست بعورة. واحتجوا بحديث عائشة وأنس والحق أن الفخذ من العورة وحديث علي "يعني الذي أشار إليه الترمذي وذكرنا لفظه" وإن منتهض على الاستقلال، ففي الباب من الأحاديث ما يصلح للاحتجاج به على المطلوب. وأما حديث عائشة وأنس فهما واردان في قضايا معينة مخصوصة يتطرق إليها من احتمال الخصوصية أو البقاء على أصل الاباحة ما لا يتطرق إلى الأحاديث المذكورة في هذا الباب لأنها تتضمن إعطاء حكم كلي وإظهار شرع عام، فكان العمل بها أولى كما قال القرطبي، على أن طرف الفخذ قد يتسامح في كشفه لا سيما في مواطن الحرب ومواقف الخصام، وقد تقرر في الأصول أن القول أرجح من الفعل انتهى كلام الشوكاني.
قلت: أراد بحديث عائشة حديثها الذي أخرجه أحمد عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا كاشفا عن فخذه، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على حاله، ثم استأذن عثمان فأرخى عليه ثيابه. الحديث،(8/81)
وأراد بحديث أنس حديثه الذي أخرجه أحمد والبخاري عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر حسر الازار عن فخذه "حتى أني لأنظر إلى بياض فخذه. قال البخاري في صحيحه باب ما يذكر في الفخذ. قال أبو عبد الله: ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم: الفخذ عورة. وقال أنس: حسر النبي صلى الله عليه وسلم عن فخذه. قال أبو عبد الله وحديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط حتى نخرج من اختلافهم. قال الحافظ في الفتح: قوله وحديث أنس أسند، أي أصح إسنادا، كأنه يقول حديث جرهد ولو قلنا بصحته فهو مرجوح بالنسبة إلى حديث أنس.
قلت: الأحاديث التي تدل على أن الفخذ عورة، إن صلحت بمجموعها للاحتجاج، فالأمر كما قال الشوكاني، وإلا فالأمر كما قال أهل الظاهر ومن وافقهم فتفكر.(8/82)
باب ماجاء في النظافة
...
74- باب مَا جَاءَ في النّظَافَة
2951- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أَخبرنا أَبُو عَامِرٍ العقدي، أَخبرنا خَالِدُ بنُ إِلْيَاسَ، عن صَالحِ بنِ أَبي حَسّانَ، قالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بنَ المُسَيّبِ يَقُولُ: "إِنّ الله طَيّبٌ يُحِبّ الطّيبَ، نَظِيفٌ يُحِبّ النّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبّ الكَرَمَ
ـــــــ
باب ما جاء في النظافة
قال في القاموس: النظافة النقاوة، نظف ككرم فهو نظيف، ونظفه تنظيفا فتنظف، انتهى.
قوله: "أخبرنا أبو عامر" العقدي، اسمه عبد الملك بن عمرو "عن صالح بن أبي حسان" المدني.
قوله: "إن الله طيب" أي منزه عن النقائص، مقدس عن العيوب "يحب الطيب" بكسر الطاء، أي طيب الحال والقال أو الريح الطيب بمعنى أنه يحب استعماله من عباده ويرضى عنهم بهذا الفعل، وهذا يلائم معنى قول نظيف "نظيف" أي طاهر "يحب النظافة" أي الطهارة الظاهرة والباطنة "كريم يحب الكرم(8/82)
جَوَادٌ يُحِبّ الْجُودَ، فَنَظّفُوا - أُرَاهُ قالَ - أَفْنِيَتَكُمْ، وَلاَ تَشَبّهُوا بِاليَهُودِ، قالَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُهَاجِرِ بنِ مِسْمَارٍ، فَقَالَ حَدّ ثَنِيه عَامِرُ بنُ سَعْدٍ بن أبي وقاص عن أَبيهِ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ إِلاّ أَنّهُ قالَ نَظّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ".
هذا حديثٌ غريبٌ. وَخَالِدُ بنُ إِلْيَاسَ يُضَعّفُ وَيُقَالُ ابنُ إِيَاسٍ.
ـــــــ
جواد" بفتح جيم وتخفيف واو "يحب الجود" قال الراغب: الفرق بين الجود والكرم أن الجود بذل المقتنيات، ويقال رجل جواد وفرس جواد يجود بمدخر عدو، والكرم إذا وصف الإنسان به فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة التي تظهر منه ولا يقال هو كريم حتى يظهر ذلك منه "فنظفوا" قال الطيبي: الفاء فيه جواب شرط محذوف أي إذا تقرر ذلك فطيبوا كل ما أمكن تطييبه، ونظفوا كل ما سهل لكم تنظيفه حتى أفنية الدار، وهي متسع أمام الدار، وهو كناية عن نهاية الكرم والجود فإن ساحة الدار إذا كانت واسعة نظيفة طيبة، كانت أدعى بجلب الضيفان، وتناوب الواردين والصادرين انتهى. "أراه" بضم الهمزة، أي أظنه، والقائل هو صالح بن أبي حسان السامع من ابن المسيب، أي أظن ابن المسيب "قال أفنيتكم" بالنصب على أنه مفعول نظفوا، وهي جمع الفناء بالكسر، أي ساحة البيت وقبالته، وقيل عتبته وسدته "ولا تشبهوا" بحذف إحدى التاءين عطفاً أي لا تكونوا متشبهين "باليهود" أي في عدم النظافة والطهارة، وقلة التطيب وكثرة البخل والخسة والدناءة "قال" أي صالح بن أبي حسان "فذكرت ذلك" أي المقال المذكور المسموع من ابن المسيب "لمهاجر بن مسمار" الأول بضم ميم وكسر جيم، والثاني بكسر أوله، هو الزهري مولى سعد المدني مقبول من السابعة "فقال" أي مهاجر "حدثنيه عامر بن سعد" بن أبي وقاص "عن أبيه" أي سعد بن أبي وقاص "مثله" أي مثل قول سعيد بن المسيب "إلا أنه" أي مهاجراً "قال" أي في روايته "نظفوا أفنيتكم" أي بلا تردد وشك.
قوله: "هذا حديث غريب وخالد بن إلياس يضعف الخ" قال ابن حبان يروي الموضوعات عن الثقات حتى يسبق إلى القلب أنه الواضع لها، لا يكتب حديثه إلا على جهة التعجب وهو الذي روى: إن الله طيب يجب الطيب الخ. وقال(8/83)
ـــــــ
البخاري: منكر الحديث ليس بشيء، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال مرة: ليس بثقة ولا يكتب حديثه. كذا في تهذيب التهذيب.(8/84)
75- باب مَا جَاءَ في الاِسْتِتَارِ عِنْدَ الْجِمَاع
2952- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مُحمّدٍ بنِ نِيْزَكٍ البَغْدَادِيّ، أَخبرنا الأَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ، أَخبرنا أَبُو مُحَيّاةَ عن لَيْثٍ عن نَافِعٍ، عن ابنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِيّاكُمْ وَالتّعَرّي، فَإِنّ مَعَكُمْ مَنْ لاَ يُفَارِقُكُمْ إِلاّ عِنْدَ الْغَائِطِ وَحِينَ يُفْضِي الرّجُلُ إلى أَهْلِهِ، فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُم" .
هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَبُو مُحَيّاةَ اسْمُهُ يَحْيَى بنُ يَعْلَى.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في الاِسْتِتَارِ عِنْدَ الْجِمَاع
قوله: "أخبرنا الأسود بن عامر" لقبه شاذان "أخبرنا أبو محياة" بضم الميم وفتح المهملة وتشديد التحتانية وآخره هاء، اسمه يحيى بن يعلى التيمي الكوفي ثقة من الثامنة "عن ليث" هو ابن أبي سليم.
قوله: "إياكم والتعري" أي احذروا من كشف العورة "فإن معكم" أي من الملائكة "من لا يفارقكم إلا عند الغائط" قال الطيبي رحمه الله: وهم الحفظة الكرام الكاتبون "وحين يفضي" أي يصل "فاستحيوهم" أي منهم "وأكرموهم" أي بالتغطي وغيره مما يوجب تعظيمهم وتكريمهم. قال ابن الملك: فيه أنه لا يجوز كشف العورة إلا عند الضرورة كقضاء الحاجة والمجامعة وغير ذلك انتهى.
قوله: "هذا حديث غريب" في سنده ليث بن أبي سليم، وكان قد اختلط أخيراً ولم يتميز حديثه.(8/84)
76- باب مَا جَاءَ في دخُولِ الْحمّام
2953- حدثنا الْقَاسِمُ بنُ دِينَارٍ الكُوفِيّ، أخبرنا مُصْعَبٌ بنُ المِقْدَامِ عن الْحَسَنِ بنِ صَالِحِ عن لَيْثِ بنِ أَبي سُلَيْمٍ عَنْ طَاوُسٍ عن جَابِرٍ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخر فَلاَ يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَامَ، وَمَنْ كَانَ يؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخر فَلا يَدْخُلْ الْحَمّامَ بِغَيْرِ إزَارٍ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الآخر فَلاَ يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ" . هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ طَاوسٍ عن جَابِرٍ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
قال مُحمّدُ بنُ إسْمَاعِيلَ: لَيْثُ بنُ أَبي سُلَيْمٍ صَدُوقٌ وَرُبّمَا يَهِمُ في الشّيْءِ وَقالَ مُحمّدُ بنُ إسْمَاعِيلَ: قال أَحْمَدُ بن حَنْبَلٍ: لَيْثٌ لاَ يُفْرَحُ بِحَدِيِثِهِ.
2954- حدثنا مُحمّدُ بن بَشّارٍ، أخبرنا عَبْدُ الرّحْمَن بنُ مَهْدِيٍ،
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في دخُولِ الْحمّام
قال في المصباح: الحمام مثقل معروفة والتأنيث أغلب فيقال هي الحمام وجمعها حمامات على القياس، ويذكر فيقال هو الحمام انتهى
قوله: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر " ذكر طرفي الإيمان اختصاراً أو إشعاراً بأنهما الأصل والمراد به كمال الإيمان أو أريد به التهديد "فلا يدخل" من باب الإدخال أي فلا يأذن بالدخول "حليلته الحمام" أي امرأته "فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر" يعني وإن لم يشرب معهم كأنه تقرير على منكر.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد من طريق بن لهيعة عن أبي يزيد الزبير جابر "وقال محمد قال أحمد بن حنبل ليث لا يفرح بحديثه" قد عرفت في الباب السابق أنه قد اختلط ولم يتميز حديثه.(8/85)
أَخبرنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ، عن عَبْدِ الله بن شَدّادِ الأَعْرَجِ، عن أَبي عُذْرَةَ، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عن عَائِشَةَ: "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم: نَهَى الرّجَالَ وَالنّسَاءَ عن الْحَمّامَاتِ، ثُمّ رَخّصَ لِلرّجَالِ في المَيَازِرِ" .
ـــــــ
قوله: "عن أبي عذرة" بضم أوله وسكون المعجمة، له حديث في الحمام وهو مجهول من الثانية، ووهم من قال له صحبة كذا في التقريب، وقال في تهذيب التهذيب: قال أبو زرعة: لا أعلم أحداً سماه، وكذا ذكره ابن حبان في الثقات، وقال يقال له صحبة ويقال جزم بصحبته مسلم.
قوله: "ثم رخص للرجال في الميازر" جمع مئزر وهو الإزار، قال المظهر: وإنما لم يرخص للنساء في دخول الحمام لأن جميع أعضائهن عورة وكشفها غير جائز إلا عند الضرورة مثل أن تكون مريضة تدخل الدواء أو تكون قد انقطع نفاسها تدخل للتنظيف. أو تكون جنباً والبرد شديد ولم تقدر على تسخين الماء وتخاف من استعمال الماء البار ضرراً أو لا يجوز للرجال الدخول بغير إزار ساتر لما بين سرته وركبته انتهى. وقال الشوكاني في النيل تحت حديث أبي هريرة: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من ذكور أمتي فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر من إناث أمتي فلا تدخل الحمام" رواه أحمد ما لفظه: هذا الحديث يدل على جواز الدخول للذكور بشرط لبس المآزر وتحريم الدخول بدون مئزر وعلى تحريمة على النساء مطلقاً، واستثناء الدخول من عذر لهن لم يثبت من طريق تصلح للاحتجاج بها، فالظاهر المنع مطلقاً، ويؤيد ذلك ما سلف من حديث عائشة الذي روته لنساء الكورة وهو أصح ما في الباب: إلا لمريضة أو نفساء كما سيأتي في الحديث الذي بعد هذا إن صح انتهى. قلت: أشار الشوكاني بحديث عائشة إلى حديثها الآتي في هذا الباب، وأشار الحديث الذي فيه: إلا مريضة أو نفساء. إلى حديث عبد الله وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ستفتح لكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتاً يقال لها الحمامات فلا يدخلنها الرجال إلا بالأزر وامنعوها النساء إلا مريضة أو نفساء" ، رواه أبو داود وابن ماجه، قال(8/86)
هذا حديثٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ القَائِدمِ.
2955- حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أَبُو دَاوُدَ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عن مَنْصُورٍ، قالَ سَمِعْتُ سَالِمَ بنَ أَبي الْجَعْدِ يُحَدّثُ عن أَبي المَلِيحِ الهُذَلِيّ أَنّ نسَاءً مِنْ أَهْلِ حِمْصَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الشّامِ دَخَلْنَ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: أَنْتُنّ اللاّتي يَدْخُلَن نِسَاؤُكُن الْحَمّامَاتِ؟ سَمِعْتُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ امْرَأَةٍ تَضَعُ ثِيَابَهَا في غَيْرِ بَيْتٍ زَوْجِهَا إِلاّ هَتَكَتِ السّتْرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبّهَا" .
ـــــــ
المنذري في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وقد تكلم فيهما غير واحد وعبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي إفريقية وقد غمزه البخاري وابن أبي حاتم.
قوله: "هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة الخ" وأخرجه أبو داود وابن ماجه قال المنذري بعد نقل كلام الترمذي هذا وسئل أبو زرعة عن أبي عذرة هل يسمى؟ فقال لا أعلم أحداً سماه هذا آخر كلامه وقيل إن أبا عذرة أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أبو بكر بن حازم الحافظ: لا يعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه. وأبو عذرة غير مشهور وأحاديث الحمام كلها معلولة، وإنما يصح منها عن الصحابة، فإن كان هذا الحديث محفوظاً فهو صريح انتهى.
قوله: "عن منصور" هو ابن المعتمر.
قوله: "أن نساء من أهل حمص" بكسر مهملة وسكون ميم فمهملة، هي بلدة من الشام "أو من أهل الشام" شك من الراوي "تضع ثيابها" أي الساترة لها "إلا هتكت الستر" بكسر أوله، أي حجاب الحياء "بينها وبين ربها" لأنها مأمورة بالتستر والتحفظ من أن يراها أجنبي حتى لا ينبغي لهن أن يكشفن عورتهن في الخلوة أيضاً إلا عند أزواجهن فإذا كشفت أعضاءها في الحمام من غير ضرورة(8/87)
هذا حديثٌ حسنٌ.
ـــــــ
فقد هتكت الستر الذي أمرها الله تعالى به. قال الطيبي: وذلك لأن الله تعالى أنزل لباساً ليواري به سوآتهن، وهو لباس التقوى، فإذا لم يتقين الله تعالى وكشفن سوآتهن هتكن الستر بينهن وبين الله تعالى انتهى.
قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه ابن ماجه وأبو داود وسكت عنه، ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره.(8/88)
باب ماجاء أن الملائكة لاتدخل بيتا فيه صورة ولا كلب
...
77- باب ما جَاءَ أَنّ المَلاَئِكَةّ لاَ تَدْخُلُ بَيْتَاًفِيهِ صُورَةٌ وَلا كَلْب
2956- حدثنا سَلَمَةُ بنُ شَبِيبٍ وَالْحَسَنُ بنُ عَلِيٍ الْخَلاّلُ وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَاللّفْظُ لِلْحَسَنِ بنِ علي قَالُوا: أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ، أخبرنا مَعْمَرٌ عن الزّهْرِيّ عن عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ، أَنّهُ سَمِعَ ابنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا طَلْحَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ تَدْخُلُ المَلاَئِكَةُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةُ تَمَاثِيلَ" .
ـــــــ
باب ما جَاءَ أَنّ المَلاَئِكَةّ لاَ تَدْخُلُ بَيْتَاًفِيهِ صُورَةٌ وَلا كَلْب
قوله: "لا تدخل الملائكة" أي ملائكة الرحمة لا الحفظة، وملائكة الموت "بيتاً" أي مسكناً "فيه كلب" أي إلا كلب الصيد والماشية والزرع، وقيل إنه مانع أيضاً، وإن لم يكن اتخاذه حراماً "ولا صورة تماثيل" جمع تمثال بالكسر، وهو الصورة كما في القاموس وغيره، والمعنى صورة من صور الإنسان أو الحيوان. قال النووي: قال العلماء سبب امتناعهم من بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة وفيها مضاهاة بخلق الله تعالى، وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله تعالى، وبسبب امتناعهم من بيت فيه كلب لكثرة أكله النجاسات، ولأن بعضها يسمى شيطاناً كما جاء به الحديث، والملائكة ضد الشياطين، ولقبح رائحة الكلب(8/88)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2957- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، أخبرنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عن إِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أَبي طَلْحَةَ أَنّ رَافِعَ بنَ إِسْحَاقَ، أخبره قَالَ: "دَخَلْتُ أَنَا وعَبْدِ الله بنِ أَبي طَلْحَةَ عَلَى أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ نَعُودُهُ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ، أخبرنا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَنّ المَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ تَماثِيلُ أَوْ صُورَةٌ". شَكّ إِسْحَاقُ لاَ يَدْرِي أَيّهُمَا قَالَ. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
والملائكة تكره الرائحة القبيحة، ولأنها منهى عن اتخاذها، فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه، واستغفارها له وتبريكها عليه وفي بيته ودفعها أذى الشيطان، وأما هؤلاء الملائكة الذين لا يدخلون بيتاً فيه كلب أو صورة فهم ملائكة يطوفون بالرحمة والتبريك والاستغفار، وأما الحفظة فيدخلون في كل بيت ولا يفارقون بني آدم في كل حال، لأنهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها. قال الخطابي: وإنما لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو صورة مما يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور، فأما ما ليس بحرام من كلب الصيد والزرع والماشية والصورة التي تمتهن في البساط والوسادة وغيرهما فلا يمتنع دخول الملائكة بسببه. وأشار القاضي إلى نحو ما قاله الخطابي. والأظهر أنه عام في كل كلب وكل صورة وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث، ولأن الجرو الذي كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم تحت السرير كان له فيه غير ظاهر، فإنه لم يعلم به، ومع هذا امتنع جبريل صلى الله عليه وسلم من دخول البيت وعلل بالجرو، فلو كان العذر في وجود الصورة والكلب لا يمنعهم لم يمتنع جبرائيل انتهى.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي.
قوله: "أن رافع بن إسحاق" المدني، مولى أبي طلحة، ثقة من الثالثة.(8/89)
2882 - حدثنا سُوَيْدُ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا يُونُسُ ابنُ أَبي إِسْحَاقَ، أخبرنا مُجَاهِدٌ، قال أخبرنا أَبُو هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَتَانِي جِبْرَيلُ فَقَالَ: إنّي كُنْتُ أَتَيْتُكَ البَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعَنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ عَلَيْكَ البَيْتَ الّذِي كُنْتَ فِيهِ إِلاّ أَنّهُ كَانَ في بَابِ البَيْتِ تِمْثَالُ الرّجَالِ، وَكَانَ في البَيْتَ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ في البَيْتِ كلْبٌ. فَمُرْ بِرَأْسِ التّمْثَالِ الّذِي بِالْبَابِ فَلْيُقْطَعْ فَليَصِيرَ كَهَيْئَةِ الشّجَرَةِ، وَمُرْ بِالسّتْرِ فَلْيُقْطَعْ وَيُجْعَلُ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ مُنْتَبِذَتَيْنِ تُوطَآنِ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَيُخْرَجْ. فَفَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم،
ـــــــ
قوله: "أتيتك البارحة" أي الليلة الماضية "فلم يمنعني" أي مانع "أن أكون" أي من أن أكون "إلا أنه" أي الشأن "كان في باب البيت" أي في ستره "تمثال الرجال" بكسر التاء أي تصوير الرجال "وكان" عطف على كان الأول، فهو من جملة كلام جبرئيل، أي وكان أيضاً "في البيت قرام ستر" بكسر السين، والقرام بكسر القاف قال في القاموس: القرام ككتاب الستر الأحمر أو ثوب ملون من صوف فيه رقم ونقوش أو ستر رقيق. وقال في النهاية: القرام الستر الرقيق، وقيل الصفيق من صوف ذي ألوان والإضافة فيه كقولك: ثوب قميص، وقيل القرام الستر الرقيق وراء الستر الغليظ، ولذلك أضاف "فيه تماثيل" جمع تمثال، أي تصاوير "وكان في البيت كلب" أي أيضاً "فيصير كهيئة الشجرة" قال في شرح السنة: فيه دليل على أن الصورة إذا غيرت هيئتها بأن قطعت رأسها أو حلت أوصالها حتى لم يبق منها إلا الأثر على شبه الصور، فلا بأس به، وعلى أن موضع التصوير إذا نقض حتى تنقطع أوصاله جاز استعماله "منتبذتين" أي مطروحتين مفروشتين "توطآن" بصيغة المجهول، أي تهانان بالوطء عليهما والقعود فوقهما والاستناد عليهما، وأصل الوطأ: الضرب بالرجل "ففعل رسول الله صلى الله(8/90)
وَكَانَ ذَلِكَ الْكَلْبُ جِرْواً لِلْحُسَيْنِ أَوْ للحَسَنِ تَحْتَ نَضَدٍ لَهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وفي البابِ عن عَائِشَةَ.
ـــــــ
عليه وسلم" أي جميع ما ذكر "وكان ذلك الكلب جرو للحسين والحسن" قال في القاموس: الجرو مثلثة صغير كل شيء حتى الحنظل والبطيخ ونحوه وولد الكلب "تحت نضد له" بفتح النون والضاد المعجمة فعل بمعنى مفعول، أي تحت متاع البيت المنضود بعضه فوق بعض، وقيل هو السرير سمى بذلك لأن النضد يوضع عليه، أي يجعل بعضه فوق بعض.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي.
قوله: "وفي الباب عن عائشة" أخرجه الشيخان.(8/91)
78- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ لُبْسِ المُعَصْفَر لِلرّجَالِ
2959- حدثنا عَبَاسُ بنُ مُحمّدٍ البَغْدَادِيّ، أخبرنا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا إسْرَائِيلُ، عن أَبِي يَحْيىَ، عن مُجَاهِدٍ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو قالَ: "مَرّ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَحْمَرَانِ فَسَلّمَ عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَرُدّ النبيّ صلى الله عليه وسلم السلام" .
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ لُبْسِ المُعَصْفَر لِلرّجَالِ والقَسِي
قوله: "حدثنا عباس بن محمد البغدادي" هو الدوري "أخبرنا إسحاق بن منصور" هو السلولى "أخبرنا إسرائيل" هو ابن يونس "عن أبي يحيى" هو القتات.
قوله: "مر رجل وعليه ثوبان أحمران إلخ" احتج بهذا الحديث القائلون بكراهة لبس الأحمر، وأجاب المبيحون عنه بأنه ضعيف لا ينتهض للاستدلال به. وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في باب الرخصة في الثوب الأحمر للرجال من أبواب اللباس.(8/91)
هذا حديثٌ حسنٌ. غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنّهُ كَرِهُوا لُبْسَ المُعَصْفَرِ، وَرَأَوْا أَنّ مَا صُبِغَ بِالْحُمْرَةِ بِالمَدَرِ أَو غَيْرِ ذَلِكَ فَلاَ بَأْسَ بِهِ إِذَا لم يَكُنُ مُعَصْفَراً.
2960- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا أَبُو اْلأحْوَصِ عن أَبي إِسْحَاقَ عن هُبَيْرَةَ بنِ يَرِيمَ، قالَ: قالَ عَلِيّ بنُ أَبي طَالِبٍ: "نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عن خَاتَمِ الذّهَبِ وَعن القِسّيّ وَعن المَيثَرَةِ وعن الجُعّةِ" . قالَ أبو الأحْوَصِ: وَهُوَ شَرَابٌ يُتّخَذُ بِمِصْرَ مِنَ الشّعِيرِ.
ـــــــ
قوله: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه" أخرجه أبو داود، قال المنذري في تلخيص السنن: بعد نقل كلام الترمذي هذا: في إسناده أبو يحيى القتات وهو كوفي ولا يحتج بحديثه وقال الحافظ في الفتح: وهو حديث ضعيف الاسناد وإن وقع في بعض نسخ الترمذي أنه قال حديث حسن.
قوله: "ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم أنه كره لبس المعصفر، ورأوا أن ما صبغ بالحمرة بالمدر الخ" قال في القاموس: المدر محركة قطع الطين اليابس انتهى، ومراد الترمذي بالمدر ههنا هو الطين الأحمر الذي يصبغ به الثوب فيصير أحمراً. وحاصل كلامه أن المراد بالثوب الأحمر في هذا الحديث عند أهل العلم، هو المعصفر أي المصبوغ بالعصفر وهو الممنوع، وأما المصبوغ بالحمرة من غير العصفر فلا بأس به، وقد تقدم الكلام في لبس المعصفر في باب كراهية المعصفر للرجال من أبواب اللباس.
قوله: "عن هبيرة" بضم الهاء وفتح الموحدة مصغراً "بن يريم" بفتح التحتية بوزن عظيم.
قوله: "وعن القسي وعن الميثرة" تقدم تفسيرهما في كتاب اللباس "وعن الجعة" كعدة هي النبيذ المتخذ من الشعير، قاله الجزري في النهاية.(8/92)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2961- حدثنا مُحمّدُ بْنُ بَشّارٍ، أخبرنا مُحمّدُ بْنُ جعفرٍ وعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍ، قالا: أخبرنا شُعْبَةُ عن الأشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ عن مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقرّنٍ عن الْبَراءِ بْنِ عَازِبٍ قال: "أمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِاتّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَعِيادَةِ المَرِيضِ، وَتشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةِ الدّاعِي، وَنَصْرِ المَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ المُقْسِمِ، وَرَدّ السّلاَمِ. وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: عَنْ خَاتَمِ الذّهَبِ أَوْ حَلْقَةِ الذّهَبِ وَآنِيَةِ الْفِضّةِ وَلُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدّيبَاج وَالإِسْتَبْرَقِ وَالْقِسّيّ" .
ـــــــ
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الترمذي في باب النهي عن القراءة في الركوع والسجود بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس القسي والمعصفر، وعن تختم الذهب، وعن قراءة القرآن في الركوع، وأخرجه أيضاً مسلم وأبو داود والنسائي.
قوله: "أخبرنا محمد بن جعفر" المعروف بغندر "عن الأشعث بن سليم" هو أشعث بن أبي الشعثاء المحاربي الكوفي ثقة من السادسة "عن معاوية بن سويد ابن مقرن" المزني الكوفي، ثقة من الثالثة.
قوله: "وإبرار المقسم" أي الحالف، يعني جعله باراً صادقاً في قسمه أو جعل يمينه صادقة. والمعنى أنه لو حلف أحد على أمر مستقبل وأنت تقدر على تصديق يمينه ولم يكن فيه معصية، كما لو أقسم أن لا يفارقك حتى تفعل كذا وأنت تستطيع فعله فافعل كيلا يحنث، وقيل هو إبراره في قوله والله لتفعلن كذا، قال الطيبي: قيل هو تصديق من أقسم عليه وهو أن يفعل ما سأله الملتمس، وأقسم عليه أن يفعله يقال بر وأبر القسم إذا صدقه "عن خاتم الذهب أو حلقة الذهب" شك من الراوي "ولبس الحرير والديباج والإستبرق" بكسر همزة: ما غلظ من الحرير، والديباج ما رق. والحرير أعم وذكرهما معه لأنهما لما خصا بوصف صارا(8/93)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وأشعتُ بنُ سُلَيْمٍ هو أشعثُ بنُ أَبي الشّعْثاءِ اسْمُهُ سُلَيْمُ بنُ الأَسْوَدِ.
ـــــــ
كأنهما جنسان آخران. قاله الكرماني: ووقع في بعض روايات هذا الحديث عند البخاري وغيره النهي عن المياثر الحمر، وبهذا يظهر مناسبة الحديث للباب، وروى أو يعلى الموصلي في مسنده من حديث ابن عباس قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن خواتيم الذهب والقسية والميثرة الحمراء المصبغة من العصفر.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وغيرهما.(8/94)
باب ماجاء في لبس البياض
...
79- باب مَا جَاءَ في لُبْسِ الْبَياض
2962- حدثنا مُحمّدُ بن بَشّارٍ، أخبرنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِي، أخبرنا سُفْيَانُ، عن حَبِيبِ بن أبي حبيبٍ بْنِ أبي ثَابِتٍ، عن مَيْمُونِ بْنِ أبي شَبِيب، عن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الْبَسُوا الْبَيَاضَ فَإِنّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ، وَكَفّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ" . هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وفي البابِ عن ابنِ عَبّاسٍ وَابنِ عُمَرَ.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في لُبْسِ الْبَياض
قوله: "البسوا" بفتح الموحدة من باب سمع يسمع "البياض" أي الثياب البيض كما في رواية "فإنها أطهر" أي لا دنس ولا وسخ فيها، قال الطيبي: لأن البيض أكثر تأثراً من الثياب الملونة، فتكون أكثر غسلاً منها فتكون أطهر "وأطيب" أي أحسن طبعاً أو شرعاً، ويمكن أن يكون تأكيداً لما قبله، لكن التأسيس أولى من التأكيد، وقيل أطيب لدلالته غالباً على التواضع، وعدم الكبر والخيلاء والعجب وسائر الأخلاق الطيبة.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه.
قوله: "وفي الباب عن ابن عباس وابن عمر" أما حديث ابن عباس فأخرجه(8/94)
ـــــــ
الترمذي في باب ما يستحب من الأكفان، وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن عدي في الكامل.(8/95)
80- باب مَا جَاءَ فِي الرّخْصَةِ في لُبْسِ الْحُمْرةِ لِلرّجَال
2963- حدثنا هَنّادٌ، أخبرنا عَبْثَرُ بْنُ الْقَاسِمِ، عن الأشْعَتِ وَهُوَ ابْنُ سِوَارٍ، عن أَبي إِسْحَاقَ، عن جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قال: "رَأَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم في لَيْلَةٍ إِضْحِيَانِ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إلى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَإِلَى الْقَمَرِ وَعَلَيْهِ حُلّةٌ حَمْرَاءُ فَإِذَا هُوَ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنَ الْقَمَرِ".
ـــــــ
باب مَا جَاءَ فِي الرّخْصَةِ في لُبْسِ الْحُمْرةِ لِلرّجَال
اعلم أن الترمذي قد عقد باباً في أبواب اللباس بلفظ باب ما جاء في الرخصة في الثوب الأحمر للرجال وأورد فيه حديث البراء ففي عقده هنا في هذا الباب تكرار
قوله: "عن أبي إسحاق" هو السبيعي.
قوله: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان" بكسر الهمزة والحاء وتخفيف التحتية وهو منصرف وإن كان ألفه ونونه زائدتين لوجود إضحيانة، قال في القاموس: ليلة ضحياء وإضحيانة وإضحية بكسرهما: مضيئة، ويوم ضحياة، وقال في الفائق: أي مقمرة من أولها إلى آخرها، وأفعلان مما قل في كلامهم "فجعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي نظرة "وإلى القمر" أي أخرى لأنظر الترجيح بينهما في الحسن الصوري "وعليه حلة حمراء" جملة حالية معترضة، استدل بهذا على جواز لبس الثوب الأحمر للرجال وقد تقدم الكلام في هذه المسألة مبسوطاً في باب الرخصة في الثوب الأحمر للرجال "فإذا هو عندي أحسن من القمر" أي في نظري أو معتقدي، ولفظ الترمذي في الشمائل: فلهو عندي أحسن من القمر، أي لزيادة الحسن المعنوي فيه صلى الله عليه وسلم.(8/95)
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ من حدِيثِ الأشعث وروى شُعْبَةُ وَالثّوْرِيّ عن أبي إِسْحَاقَ عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قال: "رَأَيْتُ عَلَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حُلَةً حَمْرَاءَ".
2964- حدثنا بِذَلِكَ محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا وَكِيعٌ، أخبرنا سُفْيَانُ عن أبي إِسْحَاقَ، وحدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارِ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ جعفرٍ، أخبرنا شُعْبَةُ عن أبي إِسْحَاقَ بهذا. وفي الحديثِ كلامٌ أكثرُ من هذا: قال: سأَلْتُ مُحمّداً فقلت لَهُ: حديثُ أبي إِسْحَاقَ عن الْبَرَاءِ أَصَحّ أو حديثُ جَابرِ بنِ سَمُرَةَ؟ فَرَأَى كِلاَ الحديثَيْنِ صحيحاً. وفي البابِ عن البَرَاءِ وَأَبِي جُحَيْفَةَ.
ـــــــ
قوله: "حديث حسن غريب" وأخرجه الدارمي.
قوله: "وفي الحديث كلام أكثر من هذا" يعني أن حديث البراء مطول، وقد أخرج الترمذي هذا الحديث المطول في باب الرخصة في الثوب الأحمر للرجال.
قوله: "وفي الباب عن البراء وأبي جحيفة" أما حديث البراء فالظاهر أنه أراد به غير حديثه المذكور ولينظر من أخرجه. وأما حديث أبي جحيفة فأخرجه البخاري في باب الصلاة في الثوب الأحمر.(8/96)
81- باب مَا جَاءَ في الثّوْبِ اْلاّخْضَر
2965- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا عَبْد الرّحْمَن بْنُ مَهْدِيٍ، أخبرنا عُبَيْدُ الله بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، عن أَبِيهِ، عن أَبي رِمْثَةَ قال: "رَأَيْتُ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في الثّوْبِ اْلاّخْضَر
قوله: "أخبرنا عبيد الله بن إياد بن لقيط" السدوسي أبو السليل بفتح المهملة وكسر اللام وآخره لام أيضاً الكوفي، كان عريف قومه، صدوق لينه البزار وحده من السابعة "عن أبيه" هو إياد بكسر أوله ثم تحتانية ابن لقيط السدوسي(8/96)
رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ".
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ من حديثِ عُبَيْدِ الله بْنِ إِيَادٍ. وأبو رِمْثَةَ التّيْمي يقال اسْمُهُ حَبِيبُ بْنُ حَيّانَ، ويُقَالُ اسْمُهُ رِفَاعَةُ بْنُ يَثْرِبِي.
ـــــــ
ثقة من الرابعة "عن أبي رمثة" بكسر أوله وسكون الميم بعدها مثلثة، صحابي، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعنه إياد بن لقيط وثابت بن أبي منقذ.
قوله: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران" وفي رواية لأحمد: وعليه ثوبان أخضران. أي مصبوغان بلون الخضرة وهو أكثر لباس أهل الجنة كما وردت به الأخبار ذكره ميروك، وقد قال تعالى {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ} وهو أيضاً من أنفع الألوان للأبصار ومن أجملها في أعين الناظرين.
قال القارى: ويحتمل أنهما كانا مخطوطين بخطوط خضر، كما ورد في بعض الروايات بردان بدل ثوبان، والغالب أن البرود ذوات الخطوط انتهى.
قلت: هذا الاحتمال بعيد لا دليل عليه والظاهر أنهما كانا أخضرين بحتين. قال العصام: المراد بالثوبين الإزار والرداء، وما قيل فيه إن لبس الثوب الأخضر سنة ضعفه ظاهر، إذ غاية ما يفهم منه أنه مباح انتهى. قال القاري: وضعفه ظاهر، لأن الأشياء مباحة على أصلها، فإذا اختار المختار شيئاً منها يلبسه، لا شك في إفادة الاستحباب انتهى.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي.(8/97)
82- باب مَا جَاءَ في الثّوْبِ الأَسْوَد
2966- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا يَحْيىَ بنُ زَكَرِيّا بنِ أَبي زائِدةَ، أخبرني أبي، عن مُصْعَبِ بنِ شَيْبَةَ، عن صَفِيّةَ ابنة شَيْبَةَ، عن عائِشَةَ قَالتْ: "خَرَجَ النبيّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ غَدَاةٍ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في الثّوْبِ الأَسْوَد
قوله: "وعليه مرط" بكسر الميم وإسكان الراء. هو كساء يكون تارة من(8/97)
مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدُ". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.
ـــــــ
صوف، وتارة من شعر أو كتان أو خز. قال الخطابي: هو كساء يؤتزر به، وفي رواية مسلم وأبي داود: وعليه مرط مرحل. قال النووي: هو بفتح الراء وفتح الحاء المهملة المشددة، هذا هو الصواب الذي رواه الجمهور وضبطه المتقنون. وحكى القاضي أن بعضهم رواه بالجيم، أي عليه صور الرجال، والصواب الأول ومعناه عليه صورة رحال الإبل ولا بأس بهذه الصور، وإنما يحرم تصوير الحيوان انتهى. وقال الخطابي المرحل هو الذي فيه خطوط، ويقال إنما سمي مرحلاً لأن عليه تصاوير رحل أو ما يشبهه.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه مسلم وأبو داود.(8/98)
83- باب مَا جَاءَ في الثّوْبِ الأَصْفَر
2967- حدثنا عَبْدُ بنُ حَمْيدٍ، أخبرنا عَفّانُ بنُ مُسْلِمِ الصّفّارُ أبو عُثْمَانَ، أخبرنا عَبْدِ الله بنُ حَسّانَ أَنّهُ حَدّثَتْهُ جَدّتَاهُ صَفِيّةُ بِنْتُ عُلَيْبَةَ وَدُحَيْبَةُ بِنْتُ عُلَيْبَةَ، حَدّثَتَاهُ عن قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةّ، وَكَانَتَا رَبِيبَتيها وَقِيلَةُ جَدّةُ أَبِيهِا أُمّ أُمّهِ أَنّهَا قالَتْ: "قَدِمْنَا عَلَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَتِ الحديثَ بِطُولِهِ حَتّى جَاءَ رَجُلٌ وَقَدِ ارْتَفَعَتِ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في الثّوْبِ الأَصْفَر
قوله: "أخبرنا عبد الله حسان" التميمي أبو الجنيد العنبري، مقبول من السابعة "أنه حدثته جدتاه صفية بنت عليبة" بضم العين وفتح اللام وسكون التحتية وبالموحدة مقبولة من الثالثة "ودحيبة" بضم الدال وفتح الحاء المهملتين وسكون التحتية وبالموحدة العنبرية مقبولة من الثالثة "عن قيلة" بفتح القاف وسكون التحتية "بنت مخرمة" العنبرية، صحابية لها حديث طويل، هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع حريث بن حسان وافد بني بكر بن وائل.
قوله: "فذكرت الحديث بطوله" أخرج البخاري في الأدب المفرد طرفاً(8/98)
الشَمْسُ، فَقَالَ: السّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ الله، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وَعَلَيْكَ السّلاَمُ وَرَحْمةُ الله، وَعَلَيْهِ - تَعْنِي النبيّ صلى الله عليه وسلم - أَسْمَالُ مُلَيّتَيْنِ كَانَتَا بِزَعْفَرَانٍ وَقَدْ نَفَضَتَا وَمَعَهُ عَسِيْبُ نَخْلَةٍ" .
حديث قَيْلَةَ لا نَعْرِفُهُ إلاّ من حديث عبدِ الله بنِ حَسّانَ.
ـــــــ
منه في باب القرفصاء، وأخرجه أبو داود مختصراً في باب إقطاع الأرضين من كتاب الخراج، وفي باب جلوس الرجل من كتاب الأدب، ولم أقف على من أخرجه بطوله. وقال المنذري قد شرح حديث قيلة أهل العلم بالغريب، وهو حديث حسن "وعليه" أي على النبي صلى الله عليه وسلم "تعني النبي صلى الله عليه وسلم" أي تريد قيلة أن الضمير المجرور في قولها: وعليه راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم "أسمال مليتين" جمع سمل بسين مهملة وميم مفتوحتين وهو الثوب الخلق، والمراد بالجمع ما فوق الواحد، على أن الثوب الواحد قد يطلق عليه أسمال باعتبار اشتماله على أجزاء، وحينئذ فلا إشكال في إضافته إضافة بيانية إلى مليتين، تصغير ملاءة بالضم والمد لكن بعد حذف الألف وهي كما في النهاية: الإزار والريطة، وفي الصحاح: هي الملحفة. كذا في شرح الشمائل لابن حجر المكي "كانتا بزعفران" أي مصبوغتين بزعفران "وقد نفضتا" قال في النهاية: أي نصل لون صبغهما ولم يبق إلا الأثر انتهى، فلا ينافي لبسه صلى الله عليه وسلم هاتين المليتين ما ورد من النهي عن لبس المزعفر "ومعه" أي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم "عسيب نخلة" بضم العين وفتح السين المهملة تصغير عسيب. قال في القاموس: العسيب جريدة من النخل مستقيمة دقيقة يكشط خوصها والذي لم ينبت عليه الخوص من السعف.(8/99)
باب ماجاء في كراهية التزعفر والخلوق للرجال
...
84- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ التّزَعْفُرِ وَالْخلوقِ لِلرّجَال
2968- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ، وحدثنا إِسْحَاقُ بنُ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ التّزَعْفُرِ وَالْخلوقِ لِلرّجَال
قال في النهاية: الخلوق طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من(8/99)
مَنْصُورٍ، أخبرنا عَبْد الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ، عن حَمّادِ بنِ زَيْدٍ عن عبدِ الْعَزِيزِ ابنِ صُهَيْبٍ عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: "نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ التّزَعْفُرِ لِلرّجَالِ" .
ـــــــ
أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة، وقد ورد تارة بإباحته، وتارة بالنهي عنه والنهي أكثر وأثبت، وإنما نهى عنه لأنه من طيب النساء وكن أكثر استعمالاً له منهم، والظاهر أن أحاديث النهي ناسخة انتهى
قوله: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزعفر للرجال" أي عن استعمال الزعفران في الثوب والبدن، والحديث دليل لأبي حنيفة والشافعي ومن تبعهما في تحريم استعمال الرجل الزعفران في ثوبه وبدنه، ولهما أحاديث أخرى صحيحة ومذهب المالكية أن الممنوع إنما هو استعماله في البدن دون الثوب، ودليلهم ما أخرجه أبو داود. وعن أبي موسى مرفوعاً: لا يقبل الله صلاة رجل في جسده شيء من خلوق، فإن مفهومه أن ما عدا الجسد لا يتناوله الوعيد. وأجيب عن حديث أبي موسى هذا بأن في سنده أبا جعفر الرازي وهو متكلم فيه وأحاديث النهي عن التزعفر مطلقاً أصح وأرجح.
فإن قلت: قد ثبت في الصحيحين من حديث أنس أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنه تزوج امرأة الحديث. وفي رواية وعليه ردع زعفران، فهذا الحديث يدل على جواز التزعفر، فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على عبد الرحمن بن عوف، فكيف التوفيق بين حديث أنس هذا وبين حديثه المذكور في الباب وما في معناه.
قلت: أشار البخاري إلى الجمع بأن حديث عبد الرحمن للمتزوج وأحاديث النهي لغيره حيث ترجم بقوله باب الصفرة للمتزوج.
وقال الحافظ: إن أثر الصفرة التي كانت على عبد الرحمن تعلقت به من جهة زوجته، فكان ذلك غير مقصود له، قال ورجحه النووي، وأجيب عن حديث(8/100)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَرَوَى شُعْبَةُ هذا الحديثَ عن إسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيّةَ عن عبدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عن أَنَسٍ: "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ التَزَعْفُرِ" .
2969- حدثنا بِذَلِكَ عبيد الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، أخبرنا آدَمُ عن
ـــــــ
عبد الرحمن بوجوه أخرى ذكرها الحافظ في الفتح في باب الوليمة ولو بشاة من كتاب النكاح.
فإن قلت: روى الشيخان عن ابن عمر: أن رجلاً قال يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين فليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران أو ورس". فيستفاد من ظاهر هذا الحديث جواز لبس المزعفر لغير الرجل المحرم لأنه قال ذلك في جواب السؤال عما يلبس المحرم، فدل على جوازه لغيره.
قلت: قال العراقي: الجمع بين الحديثين أنه يحتمل أن يقال إن جواب سؤالهم انتهى عند قوله أسفل من الكعبين ثم استأنف بهذا لا تعلق له بالمسئول عنه فقال ولا تلبسوا شيئاً من الثياب إلى آخره انتهى.
قلت: والأولى في الجواب أن يقال إن الجواز للحلال مستفاد من حديث ابن عمر بالمفهوم، والنهي ثابت من حديث أنس بالمنطوق، وقد تقرر أن المنطوق مقدم على المفهوم.
فإن قلت: روى النسائي من طريق عبد الله بن زيد عن أبيه عن ابن عمر كان يصبغ ثيابه بالزعفران، فقيل له، فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ. قلت: عبد الله بن زيد صدوق فيه لين وأصله في الصحيح، وليس فيه ذكر الصفرة.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي(8/101)
شُعْبَةَ قال: وَمَعْنَى كَرَاهِيَةِ التّزَعْفُرِ لِلرّجَالِ أَنْ يَتَطَيّبَ بِهِ.
2970- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أَبو دَاوُدَ الطّيَالِسِيّ عن شُعْبَةَ عن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ قال: سَمِعْتُ أَبَا حَفْصِ بنِ عُمَرَ يُحَدّثُ عن يَعْلَى بنِ مُرّةَ: "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَبْصَرَ رَجُلاً مُتَخَلّقَاً، وقال: "اذْهَبْ فَاغسِلْهُ ثُمّ لا تَعُدْ" . هذا حديثٌ حسنٌ. وقد اخْتَلَفَ بَعْضُهُمْ في هذا الإِسْنَادِ عن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ. قال عَلِيّ قال يَحْيىَ بنُ سَعِيدٍ: مَنْ
ـــــــ
"قال: ومعنى كراهية التزعفر للرجال أن يتزعفر الرجل يعني أن يتطيب به" كذا قال الترمذي. والظاهر من قوله نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزعفر للرجال، هو النهي عن استعمال الزعفران مطلقاً قليلاً كان أو كثيراً، وفي البدن كان أو في الثوب.
قوله: "سمعت أبا حفص بن عمر" قال الحافظ في تهذيب التهذيب في باب الكنى: أبو حفص بن عمرو، وقيل ابن عمر وقيل أبو عمر بن حفص، وقيل غير ذلك في ترجمة عبد الله بن حفص انتهى. وقال في ترجمة عبد الله بن حفص روى عن يعلى بن مرة في النهي عن الخلوق، وعنه عطاء بن السائب قاله ابن عيينة وغيره عنه. وقال حماد بن سلمة عنه عن حفص بن عبد الله ورواه شعبة عن عطاء ابن السائب عن أبي حفص بن عمرو، وقيل عنه غير ذلك. وذكره ابن حبان في الثقات انتهى. وقال في التقريب: عبد الله بن حفص، وقيل حفص بن عبد الله مجهول لم يرو عنه غير عطاء بن السائب من الرابعة.
قوله: "أبصر رجلاً متخلقاً" أي مطلياً بالخلوق بفتح الخاء المعجمة، تقدم معناه "فاغسله ثم اغسله" وفي رواية النسائي: فاغسله ثم اغسله ثم اغسله، قال المظهر: أمره بغسله ثلاث مرات للمبالغة، وقيل الأظهر أنه لا يذهب لونه إلا بغسله ثلاثاً "ثم لا تعد" بضم العين أي لا ترجع إلى استعماله فإن لا يليق بالرجال
قوله: "هذا حديث حسن". وأخرجه النسائي "وقد اختلف بعضهم في هذا(8/102)
سَمِعَ من عَطَاءِ بنِ السّائِبِ قَدِيماً فَسَماعُهُ صحيحٌ، وسماعُ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ مِنْ عَطَاءِ بنِ السّائِبِ صحيحٌ إِلاّ حَديثَيْنِ عن عطاءِ بنِ السائِبِ عن زَاذَانَ. قال شُعْبَةُ: سَمِعْتُهُمَا مِنْهُ بآخِرَةٍ. يُقَالُ إِنّ عطاءَ بنَ السائبِ كَانَ في آخِرِ أَمْرِهِ قد ساء حِفْظُهُ. وفي الباب عن عَمّارٍ وأبي مُوسَى وأَنَسٍ.
ـــــــ
الإسناد عن عطاء بن السائب" قد تقدم بيانه في كلام الحافظ "بآخرة" بفتح الهمزة والخاء: أي في آخر عمره.
قوله: "وفي الباب عن عمار وأبي موسى وأنس" أما حديث عمار فأخرجه أحمد وأبو داود. وأما حديث أبي موسى فأخرجه أبو داود، وقد تقدم لفظه، وأما حديث أنس فلعله أشار إلى ما رواه أبو داود والنسائي من طريق سلم العلوي عنه: دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة فكره ذلك وقلما كان يواجه أحداً بشيء يكرهه، فلما قام قال: "لو أمرتم هذا أن يترك هذه الصفرة"، وسلم هذا بفتح المهملة وسكون اللام فيه لين.(8/103)
باب ماجاء في كراهية الحرير والديباج
...
85- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ الْحَرِيرِ وَالدّيبَاج
2971- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا إِسْحَاقُ بنُ يُوسُفَ الأزْرَقُ حدثني عبدُ المَلِكِ بنُ أبي سُلَيْمَانَ، حدثني مَوْلَى أَسْمَاءَ عن ابنِ عُمَرَ قال: سَمِعْتُ عُمَرَ يَذْكُرُ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ في الدّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ في الآخرةِ".
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ الْحَرِيرِ وَالدّيبَاج
أي في كراهية لبسهما، والحرير معروف وهو عربي، سمي بذلك لخلوصه، يقال لكل خالص محرر، وحررت الشيء خلصته من الاختلاط بغيره، وقيل هو فارسي معرب، والديباج نوع منه
قوله: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" معناه معنى قوله صلى(8/103)
وفي البابِ عن عَلِيّ وَحُذَيْفَةَ وَأَنَسٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ وقَدْ ذَكَرنَاهُ في كِتَابِ اللّبَاسِ. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد رُوِيَ من غير وَجْهٍ عن عَمْروٍ. مَوْلَى أَسْمَاءَ بنت أبي بَكْرٍ الصّدّيقِ واسْمُهُ عبدُ الله ويُكْنَى أَبَا عُمَرَ. وقد رَوَى عَنْهُ عَطَاءُ بنُ أبي ربَاحٍ وَعَمْرُو بنُ دِينَارٍ.
86- باب
2972- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا اللّيْثُ عن ابنِ أبي مُلَيْكَة عن المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ: "أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَسَمَ أَقْبِيَةً وَلَمْ يُعْطِ
ـــــــ
الله عليه وسلم: "من شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها، لم يشربها في الآخرة" ، وقد سبق شرح معناه في أول أبواب الأشربة قال القاضي الشوكاني: الظاهر أنه كناية عن عدم دخول الجنة، وقد قال الله تعالى في أهل الجنة {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} فمن لبسه في الدنيا لم يدخل الجنة، روى ذلك النسائي عن الزبير. وأخرجه النسائي عن ابن عمر أنه قال: والله لا يدخل الجنة وذكر الآية. وأخرج النسائي والحاكم عن أبي سعيد أنه قال: وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه انتهى. وقال السيوطي: تأويل الأكثرين هو أن لا يدخل الجنة مع السابقين الفائزين، ويؤيده ما رواه أحمد عن جويرية: من لبس الحرير في الدنيا ألبسه الله يوم القيامة ثوباً من نار انتهى.
قوله: "وفي الباب عن علي وحذيفة وأنس وغير واحد، قد ذكرنا، في كتاب اللباس" يعني في باب الحرير والذهب للرجال، وقد ذكرنا هناك تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان "اسمه عبد الله" قال في التقريب: عبد الله بن كيسان التيمي أبو عمر المدني، مولى أسماء بنت أبي بكر، ثقة من الثالثة.
باب
قوله: "قسم أقبية" قال الحافظ في رواية حاتم: قدمت على النبي صلى الله(8/104)
86- باب
2972- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا اللّيْثُ عن ابنِ أبي مُلَيْكَة عن المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ: "أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَسَمَ أَقْبِيَةً وَلَمْ يُعْطِ
ـــــــ
باب
قوله: "قسم أقبية" قال الحافظ في رواية حاتم: قدمت على النبي صلى الله(8/104)
مَخْرَمَةَ شَيْئَاً، فقال مَخْرَمَةُ: يَا بُنَيّ انْطَلِقْ بِنَا إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، قال: ادْخُلْ فَادْعُهُ لِي، فَدَعَوْتُهُ لَهُ، فَخَرَجَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْهَا، فقال: "خَبَأْتُ لَكَ هَذَا"، قال: فَنَظَرَ إِلَيْهِ فقال: رَضِيَ مَخْرَمَةُ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وابنُ أَبي مُلَيْكَةّ اسمُه عَبْدُ الله بنُ عُبَيْدِ الله بنِ أبي مُلَيْكَةَ.
ـــــــ
عليه وسلم أقبية، وفي رواية حماد أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم أقبية من ديباج مزرورة بالذهب فقسمها في ناس من أصحابه "ولم يعط مخرمة شيئاً" أي في حال تلك القسمة، وإلا فقد وقع في رواية حماد بن زيد متصلاً بقوله من أصحابه وعزل منها واحداً لمخرمة "انطلق بنا" في رواية حاتم: عسى أن يعطينا منها شيئاً "أدخل فادعه لي" في رواية حاتم فقام أبي على الباب فتكلم، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم صوته. قال ابن التين: لعل خروج النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع صوت مخرمة صادف دخول المسور إليه "خبأت لك هذا" إنما قال هذا للملاطفة، لأنه كان في خلقه شدة كما في رواية البخاري في الجهاد "قال" أي المسور "فنظر" أي مخرمة "فقال" أي مخرمة "رضي مخرمة" قال الداؤدي: هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم على جهة الاستفهام، أي هل رضيت. وقال ابن التين: يحتمل أن يكون من قول مخرمة. قال الحافظ: هو المتبادر للذهن انتهى. ومن فوائد الحديث: الاستئلاف للقلوب والمداراة مع الناس.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري في الهبة وفي الشهادات وفي الخمس وفي الأدب، وأخرجه مسلم في الزكاة، وأبو داود في اللباس، والنسائي في الزينة.(8/105)
87- باب مَا جَاءَ إِنّ الله يُحِبّ أَنْ يرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِه
2973- حدثنا الْحَسَنُ بنُ مُحمّد الزّعْفَرَانِيّ، أخبرنا عَفّانُ بنُ مُسْلِمٍ، أخبرنا هَمّامٌ عن قَتَادَةَ عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أَبِيهِ عن جَدّهِ قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الله يُحِبّ أَنْ يرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ" . وفي البابِ عن أبي الأحْوَصِ عن أَبِيهِ وَ عِمْران بنِ حُصَيْنٍ وَابنِ مسعودٍ.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ إِنّ الله يُحِبّ أَنْ يرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِه
قوله: "أخبرنا همام" هو ابن يحيى الأزدي العوذي.
قوله: "إن الله يحب أن يرى" بصيغة المجهول أي يبصر ويظهر "أثر نعمته" أي إحسانه وكرمه تعالى، فمن شكرها إظهارها ومن كفرانها كتمانها. قال المظهر: يعني إذا أتى الله عبداً من عباده نعمة من نعم الدنيا فليظهرها من نفسه بأن يلبس لباساً يليق بحاله لإظهار نعمة الله عليه وليقصده المحتاجون لطلب الزكاة والصدقات وكذلك العلماء يظهروا علمهم ليستفيد الناس منهم انتهى.
فإن قلت: أليس إنه حث على البذاذة
قلت: إنما حث عليها لئلا يعدل عنها عند الحاجة ولا يتكلف للثياب المتكلفة كما هو مشاهد في عادة الناس حتى في العلماء والمتصوفة، فأما من اتخذ ذلك ديدنا وعادة مع القدرة على الجديد والنظافة فلا لأنه خسة ودناءة. ويؤيد ما ذكرنا ما رواه البيهقي عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يحب المؤمن المتبذل الذي لا يبالي ما لبس" ، كذا في المرقاة.
قلت: هذا الحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان، وإسناده ضعيف، قاله المناوي.
قوله: "وفي الباب عن أبي الأحوص عن أبيه وعمران بن حصين وابن مسعود" أما حديث أبي الأحوص عن أبيه فأخرجه أحمد والنسائي، وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه أحمد، وأما حديث ابن مسعود فلينظر من أخرجه.(8/106)
هذا حديثٌ حسنٌ.
ـــــــ
قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه الحاكم عن ابن عمر.(8/107)
88- باب مَا جَاءَ في الْخُفّ الأَسْوَد
2974- حدثنا هَنّادٌ، أخبرنا وَكِيعٌ عن دَلْهَمَ بنِ صَالحٍ عن حُجَيْرٍ بنِ عَبْدِ الله عن ابنِ بُرَيْدَةَ عن أَبِيهِ "أَنّ النّجَاشِيّ أَهْدَى النبيّ صلى الله عليه وسلم خُفّيْنِ أَسْوَدَيْنِ سَاذَجَيْنِ، فَلَبِسَهُمَا ثُمّ تَوَضّأَ وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا".
هذا حديثٌ حسنٌ إنما نَعْرِفُهُ من حديثِ دَلْهَمَ. وقد رَوَاهُ مُحمّدُ بن رَبِيعَةَ عن دَلْهَمَ.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في الْخُفّ الأَسْوَد
قوله: "عن دلهم" بفتح الدال المهملة والهاء بينهما لام ساكنة "بن صالح" الكندي الكوفي، ضعيف من السادسة "عن حجين" بضم الحاء المهملة وفتح الجيم مصغراً "بن عبد الله" الكندي، مقبول من الثامنة "عن ابن بريدة" اسمه عبد الله.
قوله: "ساذجين" بفتح الذال المعجمة معرب، ساده على ما في القاموس: أي غير منقوشين، إما بالخياطة أو بغيرها، أو لاشية فيهما تخالف لونهما، أو مجردين عن الشعر.
قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه ابن ماجه "إنما نعرفه من حديث دلهم" وهو ضعيف كما عرفت، وقال ميرك: وقد أخرج ابن حبان من طريق الهيثم بن عدي عن دلهم بهذا الإسناد أن النجاشي كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد زوجتك امرأة من قومك وهي على دينك أم حبيبة بنت أبي سفيان وأهديتك هدية جامعة قميص وسراويل وعطاف وخفين ساذجين، "فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ومسح عليهما"، قال سليمان بن داود: رواية عن الهيثم، قلت: للهيثم ما العطاف؟ قال: الطيلسان.(8/107)
باب ماجاء في النهي عن نتف الشيب
...
89- باب ما جاءَ في النّهْيِ عَن نَتْفِ الشّيْب
2975- حدثنا هَارُونُ بنُ إِسْحَاقَ الهَمَدَانِيّ، أخبرنا عَبْدَةُ عن مُحمّدِ بنِ إِسْحَاقَ، عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أَبِيهِ عن جَدّهِ: "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ نَتْفِ الشّيْبِ وَقَالَ: "إِنّهُ نُورُ المُسْلِمِ".
هذا حديثٌ حسنٌ. قد رُوي عن عَبْدِ الرّحْمَن بنِ الْحَارِثِ وَغيرِ وَاحِدٍ عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عن أبيه عن جدّه.
ـــــــ
باب ما جاءَ في النّهْيِ عَن نَتْفِ الشّيْب
قوله: "أخبرنا عبدة" هو ابن سليمان الكلابي "عن محمد بن إسحاق" هو إمام المغازي.
قوله: "نهى عن نتف الشيب" أي الشعر الأبيض من اللحية أو الرأس "قال إنه نور المسلم" الإضافة للاختصاص، أي وقاره المانع من الغرور بسبب انكسار النفس عن الشهوات، والفتور وهو المؤدي إلى نور الأعمال الصالحة فيصير نوراً في قبره، ويسعى بين يديه في ظلمات حشره. قال ابن العربي: إنما نهى عن النتف دون الخضب، لأن فيه تغيير الخلقة عن أصلها، بخلاف الخضب فإنه لا يغير الخلقة على الناظر إليه.
قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وأخرج مسلم في الصحيح من حديث قتادة عن أنس بن مالك قال: كنا نكره أن ينتف الرجل الشعرة البيضاء من رأسه ولحيته "وقد رواه عبد الرحمن بن الحارث" ابن عياش بن أبي ربيعة.(8/108)
باب ماجاء أن المستشار مؤتمن
...
90- باب ما جاء أَنّ المُسْتَشَارَ مُؤْتَمَن
2976- حدثنا أبو كُرَيْبٍ، أخبرنا وَكِيعٌ عن دَاوُدَ بنِ أبي عَبْدِ الله
ـــــــ
باب ما جاء أَنّ المُسْتَشَارَ مُؤْتَمَن
قوله: "عن داود بن أبي عبد الله" مولى بني هاشم مقبول من السابعة(8/108)
عن ابنِ جُدْعَانَ، عن جَدّتِهِ، عن أُمّ سَلَمَةَ قالَتْ: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "المُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ" . وفي البابِ عن ابنِ مَسْعُودٍ وأَبي هُرَيْرَةَ وابنِ عُمَرَ. هذا حديثٌ غريبٌ من حديثِ أُمّ سَلَمَةَ.
2977- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا الْحَسَنُ بنُ مُوسَى، أخبرنا شَيْبَانُ عن عبدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عن أبي سَلَمَةَ بنِ عبدِ الرحمنِ عن أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "المُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ" .
ـــــــ
"عن ابن جدعان" ابن جدعان هذا ليس هو علي بن زيد بن جدعان، بل هو عبد الرحمن بن محمد بن زيد بن جدعان، قال الحافظ في التقريب: عبد الرحمن ابن محمد عن جدته عن أم سلمة وعنه داود بن أبي عبد الله مولى بني هاشم كذا وقع في رواية للبخاري، وبين في التاريخ أنه عبد الرحمن بن محمد بن زيد بن جدعان، وعند الترمذي عن ابن جدعان، وثقه النسائي من الرابعة "عن جدته" لا تعرف، كذا في التقريب.
قوله: "المستشار" من استشاره طلب رأيه فيما فيه المصلحة "مؤتمن" اسم مفعول من الأمن أو الأمانة، ومعناه أن المستشار أمين فيما يسأل من الأمور، فلا ينبغي أن يخون المستشير بكتمان مصلحته.
قوله: "وفي الباب عن ابن مسعود وأبي هريرة وابن عمر" أما حديث ابن مسعود فلم أقف عليه، وقد روى أحمد وابن ماجه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المستشار مؤتمن. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي بعد هذا، وأما حديث ابن عمر فلينظر من أخرجه.
قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه البخاري في الأدب المفرد، وفي سنده جدة ابن جدعان وهي مجهولة كما عرفت.
قوله: "أخبرنا شيبان" هو ابن عبد الرحمَن النحوي "عن عبد الملك بن عمير" اللخمي الكوفي.(8/109)
هذا حديث قَدْ رواه غيرُ وَاحِدٍ عن شَيْبَانَ بنِ عبدِ الرّحمنِ النّحْوِيّ. وَشَيْبَانُ هُوَ صَاحِبُ كِتَابٍ، وهو صحيحُ الحديثِ، ويُكْنَى أبا مُعَاوِيَة.
2978- حدثنا عبدُ الْجَبّارِ بنُ الْعَلاَءِ الْعَطّارُ عن سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ قال: قال عبدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ: إِنّي لأُحَدّثُ الحديثَ فما أدعُ مِنْهُ حَرْفَاً.
ـــــــ
قوله: "هذا حديث الخ" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
قوله: "فما أخرم" بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وكسر الراء، أي لا أنقص "منه" أي من الحديث "حرفاً" أي لفظاً بل أحدثه بغير زيادة ونقص.(8/110)
91- باب مَا جاء في الشُؤْم
2979- حدثنا ابْنُ أبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عن الزّهْرِيّ عن سَالِمٍ وَحَمْزَةَ ابْنَىْ عبدِ الله بنِ عُمَرَ عن أَبِيهِمَا: أنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: "الشّؤْمُ في ثَلاَثَةٍ: في المَرْأَةِ وَالمَسْكَنِ وَالدّابّةِ" .
ـــــــ
باب مَا جاء في الشُؤْم
قوله: "عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر" حمزة هذا هو شقيق سالم ثقة من الثالثة.
قوله: "الشؤم" بضم المعجمة وسكون الهمزة وقد تسهل فتصير واواً، قال في النهاية: الواو في الشؤم همزة ولكنها خففت فصارت واواً وغلب عليها التخفيف حق لم ينطق بها مهموزة ولذلك أثبتناها ههنا، والشؤم ضد اليمن، يقال تشاءمت بالشيء وتيمنت به "في ثلاثة" أي في ثلاثة أشياء "في المرأة والمسكن والدابة" بدل بإعادة الجار. قال النووي في شرح مسلم: اختلف العلماء في هذا الحديث فقال مالك وطائفة: هو على ظاهره، وأن الدار قد يجعل الله تعالى سكناها سبباً للضرر أو الهلاك، وكذا اتخاذ المرأة المعينة أو الفرس أو الخادم قد يحصل الهلاك عنده بقضاء الله تعالى، ومعناه قد يحصل الشؤم في هذه الثلاثة، كما صرح به في رواية: "إن(8/110)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وبعضُ أصحابِ الزّهْرِيّ لا يَذْكُرُونَ فِيهِ عن حَمْزَةَ، وإِنّما يَقُولُونَ عن سَالِمٍ عن أَبِيهِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وروى مالك بن أنس هذا الحديث عن الزهري فال عن سالم وحمزة ابن عبد الله بن عمر عن أبيهما. وَهَكَذَا رَوَى لَنَا ابنُ أبي عُمَرَ هذا الحديثَ، عن سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، عن الزّهْرِيّ، عن سَالِمٍ وَحَمْزَةَ ابْنَيْ عبدِ الله بنِ عُمَرَ، عن أبِيهِمَا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
يكن الشؤم في شيء". وقال الخطابي وكثيرون: هو في معنى الاستثناء من الطيرة أي الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس أو خادم فليفارق الجميع بالبيع ونحوه وطلاق المرأة. وقال آخرون: شؤم الدار: ضيقها وسوء جيرانها وأذاهم، وشؤم المرأة: عدم ولادتها وسلاطة لسانها وتعرضها للريب، وشؤم الفرس: أن لا يغزى عليها، وقيل حرانها وغلاء ثمنها، وشؤم الخادم: سوء خلقه وقلة تعهده لما فوض إليه. وقيل المراد بالشؤم ههنا عدم الموافقة. واعترض بعض الملاحدة بحديث: "لا طيرة على هذا"، فأجاب ابن قتيبة وغيره: بأن هذا مخصوص من حديث: لا طيرة، أي لا طيرة إلا في هذه الثلاثة.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان "ورواية سعيد أصح" أي رواية سعيد عن سفيان بدون ذكر حمزة أصح من رواية ابن أبي عمر عن سفيان بذكر حمزة مع سالم "لأن علي بن المديني والحميدي رويا عن سفيان ولم يرو لنا الزهري هذا الحديث إلا عن سالم عن ابن عمر" يعني أن علي بن المديني والحميدي رويا عن سفيان أنه قال لم يرو لنا الزهري هذا الحديث إلا عن سالم عن ابن عمر.
قال الحافظ في الفتح: ونقل الترمذي عن ابن المديني والحميدي أن سفيان كان يقول: لم يرو الزهري هذا الحديث إلا عن سالم انتهى، وكذا قال أحمد عن سفيان إنما تحفظه عن سالم. قال الحافظ لكن هذا الحصر مردود، فقد حدث به مالك عن الزهري عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر عن أبيهما، ومالك من كبار الحفاظ ولا سيما في حديث الزهري، وكذا رواه ابن أبي عمر عن سفيان نفسه، أخرجه(8/111)
2980- حدثنا سَعِيدُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ المَخْزُومِيّ، أخبرنا سُفْيَانُ عن الزّهْرِيّ عن سَالِمٍ عن أَبِيهِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنَحْوِهِ ولم يَذْكُرْ فِيهِ سَعِيدَ بنَ عَبْدِ الرّحْمَن، عن حَمْزَةَ وَرِوَايَةُ سَعِيدٍ أَصَحّ لأَنّ عَلِيّ بنَ المَدِينيّ وَالحُمَيْدِيّ، رَوَيَا عن سُفْيَانَ، عن الزهري عن سالم عن أبيه وذكر عن سفيان قال: لَمْ يَرْوِ لَنَا الزّهْرِيّ هذا الحَدِيثَ إِلاّ عن سَالِمٍ، عن ابنِ عُمَرَ. وَرَوَى مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، هذا الْحَدِيثَ، عن الزّهْرِيّ، وقالَ عن سَالِمٍ وَحَمْزَةَ ابْنيْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ عن أَبِيهِمَا.
وفي البابِ عن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ وَ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ. وَقَدْ رُوِيَ عن النبيّ صلى
ـــــــ
مسلم والترمذي عنه وهو يقتضي رجوع سفيان عما سبق من الحصر، وأما الترمذي فجعل رواية ابن أبي عمر هذه مرجوحة، وقد تابع مالكاً أيضاً يونس من رواية ابن وهب عنه كما سيأتي في الطب، وصالح بن كيسان عند مسلم، وأبو أويس عند أحمد ويحيى بن سعيد وابن أبي عتيق وموسى بن عقبة ثلاثتهم عند النسائي كلهم عن الزهري عنهما، ورواه إسحاق بن راشد عن الزهري، فاقتصر على حمزة. أخرجه النسائي، وكذا أخرجه ابن خزيمة وأبو عوانة من طريق عقيل، وأبو عوانة من طريق شبيب بن سعيد كلاهما عن الزهري، ورواه القاسم بن مبرور عن يونس فاقتصر على حمزة. أخرجه النسائي أيضاً، وكذا أخرجه أحمد من طريق رباح بن زيد عن معمر مقتصراً على حمزة، وأخرجه النسائي من طريق عبد الواحد عن معمر، فاقتصر على سالم. فالظاهر أن الزهري يجمعها تارة ويفرد أحدهما أخرى. وقد رواه إسحاق في مسنده عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، فقال عن سالم أو حمزة أو كلاهما وله أصل عن حمزة من غير رواية الزهري، أخرجه مسلم من طريق عتبة بن مسلم عنه.
قوله: "وفي الباب عن سهل بن سعد وعائشة وأنس" أما حديث سهل بن سعد فأخرجه الشيخان، وأما حديث عائشة فأخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الأوسط، وأبو نعيم في الحلية، ولفظه: "الشؤم سوء الخلق"، وأما حديث أنس(8/112)
الله عليه وسلم أَنّهُ قالَ: "إِنْ كَانَ الشّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي المَرْأَةِ وَالدّابّةِ وَالمَسْكَنِ" . وَقَدْ رَوَى عن حَكِيمُ بنُ مُعَاوِيَةَ، قالَ: سَمِعْتُ النبيّ صلى الله
ـــــــ
فأخرجه أبو داود عنه قال: قال رجل يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنا كنا في دار كثير فيها عددنا، وكثير فيها أموالنا، فتحولنا إلى دار أخرى، فقل فيها عددنا وقلت فيها أموالنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذروها ذميمة" ، والحديث سكت عنه هو والمنذري "وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن كان الشؤم في شيء ففي المرأة والدابة والسكن" رواه الشيخان عن ابن عمر، وكذا عن سهل بن سعد، ومعنى هذا الحديث إن فرض وجود الشؤم يكون في هذه الثلاثة والمقصود منه نفي صحة الشؤم ووجوده على وجه المبالغة فهو من قبيل قوله صلى الله عليه وسلم "لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين"، فلا ينافيه حينئذ عموم نفي الطيرة في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة" .
فإن قلت: فما وجه التوفيق بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم الشؤم في ثلاثة الخ.
قلت: قد جمعوا بينهما بوجوه، منها أن قوله صلى الله عليه وسلم: الشؤم في ثلاثة الخ كان في أول الأمر ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} الآية حكاه ابن عبد البر، والنسخ لا يثبت بالاحتمال، لا سيما مع إمكان الجمع، ولا سيما وقد ورد في حديث ابن عمر عند البخاري نفي التطير، ثم إثباته في الأشياء الثلاثة ولفظه: لا عدوى ولا طيرة. والشؤم في ثلاث: في المرأة والدار والدابة. ومنها ما قال الخطابي هو استثناء من غير الجنس معناه إبطال مذهب الجاهلية في التطير فكأنه قال: إن كان لأحدكم دار يكره سكناها أو أمرأة يكره صحبتها أو فرس يكرة سيره فليفارقه، ومنها أنه ليس المراد بالشؤم في قوله: الشؤم في ثلاثة، معناه الحقيقي بل المراد من شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها، ومن شؤم المرأة أن لا تلد وأن تحمل لسانها عليك، ومن شؤم الفرس أن لا يغزى عليه، وقيل حرانها وغلاء ثمنها. ويؤيد هذا الجمع ما أخرجه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم من حديث سعد مرفوعاً: "من سعادة ابن آدم ثلاثة المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح، ومن شقاوة ابن آدم(8/113)
عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ شُؤْمَ، وَقَدْ يَكُونُ الْيُمْنُ في الدّارِ وَالمَرْأَةِ وَالفَرَسِ" .
2981- حدثنا بِذَلِكَ عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا إسْمَاعِيلَ بنُ عَيّاشٍ، عن سُلَيْمَانَ بنِ سُلَيْمٍ، عن يَحْيىَ بنِ جَابِرٍ الطّائيّ، عن مُعَاوِيَةَ بنِ حَكِيمٍ عن عَمّهِ حَكِيمِ بنِ مُعَاوِيَةَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا.
ـــــــ
ثلاثة المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء" . وفي رواية ابن حبان: المركب الهنيء والمسكن الواسع. وفي رواية للحاكم: ثلاثة من الشقاء المرأة تراها فتسوؤك وتحمل لسانها عليك. والدابة تكون قطوفاً، فإن ضربتها أتعبتك وإن تركتها لم تلحق أصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق.
قوله: "لا شؤم" أي في شيء "وقد تكون اليمن" بضم التحتية وسكون الميم "في الدار والمرأة والفرس" أي قد تكون البركة في هذه الأشياء، واليمن ضد الشؤم. قال الحافظ في الفتح: بعد ذكر هذا الحديث: في إسناده ضعف مع مخالفته للأحاديث الصحيحة، انتهى.
قوله: "عن سليمان بن سليم" بضم السين مصغراً الكناني الكلبي الشامي القاضي بحمص، ثقة عابد من السابعة "عن معاوية بن حكيم" بن معاوية النميري، مقبول من الثالثة كذا في التقريب. وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته: روى عن أبيه وقيل عن عمه وعنه يحيى بن جابر الطائي قاضي حمص "عن عمه حكيم بن معاوية" النميري مختلف في صحبته له حديث وقيل إنما يروي عن أبيه أو عن عمه والصواب أنه تابعي من الثانية كذا في التقريب. وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته: مختلف في صحبته، وروى عنه ابن أخيه معاوية قاله يحيى بن جابر عنه، وقيل عن يحيى بن جابر عن حكيم بن معاوية عن عمه معمر بن معاوية، والاختلاف فيه على إسماعيل ابن عياش عن سليمان بن سليم عن يحيى. ورواه بقية عن سليمان عن يحيى عن ابن معاوية حكيم عن أبيه، انتهى.(8/114)
باب ماجاء:لايتناجى اثنان دون الثالث
...
92- باب مَا جَاءَ لاَ يَتَنَاجَى أثنَانِ دُونَ ثالث
2982- حدثنا هَنّادٌ، أخبرنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عن الأَعْمَشِ، حدثنا ابنُ أَبِي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عن الأَعْمَشِ، عن شَقِيقٍ، عن عَبْدِ الله قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَلاَ يَتَناجَي اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا" . وَقَالَ سُفْيَانُ في حَدِيثِهِ: "لاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثّالِثِ، فَإِنّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ" .
ـــــــ
باب مَا جَاءَ لاَ يَتَنَاجَى أثنَانِ دُونَ ثالث
قوله: "عن شقيق" يعني ابن سلمة "عن عبد الله" أي ابن مسعود رضي الله عنه.
قوله: "إذا كنتم ثلاثة" أي في المصاحبة سفراً أو حضراً "فلا ينتجي" من الانتجاء وهو التناجي "اثنان" أي لا يتكلما بالسر، يقال: انتجى القوم وتناجوا: أي سار بعضهم بعضاً "دون صاحبهما" أي الثالث "فلا يتناجى اثنان" أي لا يتكلما بالسر "دون الثالث" أي مجاوزين عنه غير مشاركين له. لئلا يتوهم أن نجواهما لشر متعلق به "فإن ذلك" أي تناجي الاثنين دون الثالث "يحزنه" بفتح التحتية وضم الزاي، ويجوز ضم التحتية وكسر الزاي، قال في القاموس: حزنه الأمر حزناً بالضم وأحزنه: جعله حزيناً انتهى. والضمير المنصوب في قوله يحزنه للثالث.
قال النووي: في الحديث النهي عن تناجي اثنين بحضرة ثالث، وكذا ثلاثة وأكثر بحضرة واحد، وهو نهى تحريم، فيحرم على الجماعة المناجاة دون واحد منهم إلا أن يأذن. ومذهب ابن عمر رضي الله عنه ومالك وأصحابنا وجماهير العلماء: أن النهي عام في كل الأزمان وفي الحضر والسفر. وقال بعض العلماء: إنما المنهي عنه المناجاة في السفر دون الحضر، لأن السفر مظنة الخوف، وادعى بعضهم أن هذا الحديث منسوخ وأنه كان هذا في أول الإسلام، فلما فشا الإسلام وأمن(8/115)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وَقَدْ رُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قالَ: "لاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ، فَإِنّ ذَلِكَ يُؤْذِي المُؤْمِنَ وَالله عَزّ وجل يَكْرَهُ أَذَى المُؤْمِنِ" .
وفي البابِ عن ابنِ عُمَر وَأَبي هُرَيْرَةَ وَابنِ عَبّاسٍ.
ـــــــ
الناس سقط النهي، وكان المنافقون يفعلون ذلك بحضرة المؤمنين ليحزنوهم، أما إذا كانوا أربعة فتناجى اثنان دون اثنين، فلا بأس بالإجماع، انتهى.
قلت: دعوى نسخ أحاديث الباب أو تخصيصها بالسفر لا دليل عليها، فالقول المعتمد المعول عليه، هو أن النهي عام في كل الأزمان وفي السفر والحضر.
وله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه.
قوله: "وفي الباب عن ابن عمر وأبو هريرة وابن عباس" أما حديث ابن عمر: فأخرجه الشيخان وأبو داود، وأما حديث أبي هريرة وحديث ابن عباس: فلينظر من أخرجهما.(8/116)
93- باب مَا جَاءَ في الْعِدَة
2983- حدثنا وَاصِلُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى الْكُوفِيّ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ فُضَيْلٍ، عن إسْمَاعِيلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عن أَبي جُحَيْفَةَ، قالَ: "رَأَيْتُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَبْيَضَ قَدْ شَابَ، وَكَانَ الْحَسَنُ بنُ عَلِيٍ يُشْبِهُهُ،
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في الْعِدَة
قوله: "عن أبي جحيفة" بضم جيم فحاء مهملة مفتوحة فياء ساكنة بعدها فاء، صحابي معروف "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض" أي مائلاً إلى الحمرة "قد شاب" أي ظهر فيه شيب "وكان الحسن بن علي يشبهه" أي في النصف الأعلى. فقد أخرج الترمذي في المناقب عن علي قال: الحسن أشبه برسول(8/116)
وَأَمَرَ لَنَا بِثَلاَثَةَ عَشَرَ قَلُوصاً فَذَهَبْنَا نَقْبِضُهَا فَأَتَانَا مَوْتُهُ فَلَمْ يَعْطُونَا شَيْئَاً، فَلَمّا قَامَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عِدَةٌ فَلْيَجِئ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ فَأَمَرَ لَنَا بِهَا" . هذا حديثٌ حسنٌ.
وَقَدْ رَوَى مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ هَذَا الْحَدِيثَ بإِسْنَادٍ لَهُ عن أَبي جُحَيْفَةَ نَحْوَ هَذَا. وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عن إسْمَاعِيلَ بنِ أَبي خَالِدٍ عن أَبي جُحَيْفَةَ قالَ: "رَأَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ الحسَنُ بنُ عَلِيّ يُشْبِهُهُ وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى هَذَا".
ـــــــ
الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك "وأمر لنا" أي له ولقومه من بني سواءة ابن عامر بن صعصعة، وكان أمر لهم بذلك على سبيل جائزة الوفد "قلوصاً" بفتح فضم، أي ناقة شابة "فذهبنا نقبضها" أي فشرعنا في الذهاب إلى المأمور لنقبض العطاء المذكور "فأتانا موته" أي خبر موته قبل أن نقبضها "فلما قام أبو بكر" أي خطيباً أو قام بأمر الخلافة "فليجئ" أي فليأت إلينا، فإن وفاءه علينا، ولعل الاكتفاء بها وعدم ذكر الدين هنا لأنه يلزم منها بالأولى ويمكن أن يكون اقتصاراً من الراوي لا سيما وكلامه في العدة "فقمت إليه" أي متوجهاً "فأخبرته" أي بما سبق "فأمر لنا بها" أي بالقلوص الموعودة.
قوله: "هذا حديث حسن" قال في جامع الأصول: اتفق البخاري ومسلم والترمذي على الفصل الأول من حديث أبي جحيفة، واتفق البخاري والترمذي على الفصل الثاني، وانفرد الترمذي بذكر أبي بكر وإعطائه إياهم، كذا قاله الشيخ الجزري في تصحيح المصابيح. قال ميرك: ولذا قال المؤلف يعني صاحب المشكاة في آخر مجموع الحديث: رواه الترمذي كذا في المرقاة.
قوله: "ولم يزيدوا" أي غير واحد من أصحاب إسماعيل بن أبي خالد "على هذا" أي على هذا القدر ولم يذكروا قوله وأمرنا الخ.(8/117)
2984- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا يَحْيىَ بنُ سَعِيدٍ عن إسْمَاعِيلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، أخبرنا أَبُو جُحَيْفَةَ قالَ: "رَأَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ الْحَسَنُ بنُ عَلِيٍ يُشْبِهُهُ". وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عن إسْمَاعِيلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ نَحْوَ هَذَا.
وفي البابِ عن جَابر. وَأَبُو جُحَيْفَةَ اسمه وَهْبٌ السّوائِيّ.
ـــــــ
قوله: "وفي الباب عن جابر" أخرجه الشيخان "وهب السوائي" بضم السين المهملة والمد.
.(8/118)
باب مجاء في فداك أبي وأمي
...
94- باب ما جَاءَ في فِدَاكَ أَبي وأُمّي
2985- حدثنا إِبْرَاهِيمُ بنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيّ، أخبرنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عن يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ، عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ عن عَلِيّ قال: "ما سَمِعْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ أَبَوَيْهِ لأَحَدٍ غَيْرَ سَعْدِ بنِ أَبي وَقّاصٍ".
2986- أخبرنا الْحَسَنُ بنُ الصّبّاحِ الْبزّارُ، أخبرنا سُفْيَانُ عن ابنِ جُدْعَانَ وَيَحْيَى بنِ سَعِيدٍ سَمِعَا سَعِيدَ بنَ المُسَيّبِ يقولُ قال عَلِيٌ: "مَا جَمَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَبَاهُ وَأُمّهُ لأَحَدٍ إِلاّ لِسَعْدِ بنِ أَبي وَقّاصٍ،
ـــــــ
باب ما جَاءَ في فِدَاكَ أَبي وأُمّي
قوله: "جمع أبويه لأحد" أي في الفداء "غير سعد بن أبي وقاص" يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل لأحد فداك أبي وأمي إلا لسعد.
قوله: "عن ابن جدعان" هو علي زيد بن جدعان.(8/118)
قالَ لهُ يَوْمَ أُحُدٍ: "ارْمِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمّي، وقالَ لهُ: ارْمِ أَيّهَا الْغُلاَمُ الْحَزَوّرُ ". وفي البابِ عن الزّبَيْرِ وجابرٍ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وقد رُوِيَ من غيرِ وَجْهٍ عن عَلِيّ. وقد رَوَى غيرُ وَاحِدٍ هذا الحديثَ عن يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ عن سَعْدِ بنِ أَبي وَقَاصٍ قال: "جَمَعَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ"
ـــــــ
قوله: "فداك أبي وأمي" بكسر الفاء، أي أبي وأمي مفدى لك، وفي هذه التفدية تعظيم لقدره واعتداد بعمله واعتبار بأمره وذلك لأن الإنسان لا يفدى إلا من يعظمه فيبذل نفسه أو أعز أهله له "إرم أيها الغلام الحزور" بفتح الحاء المهملة والزاي والواو المشددة، قال في النهاية: هو الذي قارب البلوغ والجمع الحزاورة. قال السيد جمال الدين: هذا أصل معناه ولكن المراد هنا للشاب لأن سعداً جاوز البلوغ يومئذ، انتهى. قلت: الأمر كما قال السيد جمال الدين لأن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أسلم قديماً وهو ابن سبع عشرة سنة، وقد يجيء الحزور بمعنى الرجل القوي، قال في القاموس: الحزور كعملس: الغلام القوي والرجل القوي.
قوله: "وفي الباب عن الزبير وجابر" أما حديث الزبير فأخرجه الشيخان عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من يأتي بني قريظة فيأتيني بخبرهم" ، فانطلقت، فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: "فداك أبي وأمي" .
فإن قلت: قول علي ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أباه وأمه لأحد إلا لسعد بن أبي وقاص بخالف حديث الزبير هذا، فما وجه التوفيق بينهما.
قلت: قال الحافظ في الفتح بعد حديث علي هذا ما لفظه: في هذا الحصر نظر لما تقدم في ترجمة الزبير أنه صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه يوم الخندق، ويجمع بينهما بأن علياً رضي الله تعالى عنه لم يطلع على ذلك، أو مراده بذلك بقيد يوم أحد، انتهى. وأما حديث جابر فلينظر من أخرجه.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وغيرهما.(8/119)
2987- حدثنا حدثنا بِذَلِكَ قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، أخبرنا اللّيْثُ بنُ سَعْدٍ وعبدُ العَزِيزِ بنُ مُحمّدٍ عن يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ عن سَعْدِ بنِ أَبي وَقّاصٍ قال: "جَمَعَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ".
وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وكلا الحديثين صحيح
ـــــــ
قوله: "حدثنا بذلك قتيبة بن سعيد، أخبرنا الليث بن سعد وعبد العزيز بن محمد الخ" وأخرجه الشيخان "وكلا الحديثين صحيح" أي حديث يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن علي وحديثه عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص كلاهما صحيح.(8/120)
باب ما جاء في يابني
...
95- باب مَا جَاءَ في يَا بُنَي
2988- حدثنا مُحمّدُ بنُ عبدِ المَلِكِ بنِ أَبي الشّوَارِبِ، أخبرنا أبو عَوانَة أخبرنا أبو عُثْمَانَ شيْخٌ لهُ عن أَنَسٍ: "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لهُ: "يَا بُنَيّ" . وفي البابِ عن المُغِيرَةِ وَعُمَرَ بنِ أَبي سَلَمَةَ.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في يَا بُنَي
قوله: "أخبرنا أبو عثمان" اسمه الجعد بن دينار اليشكري الصيرفي البصري صاحب الحلا بضم المهملة ثقة من الرابعة.
قوله: "قال له يابني" بفتح الياء المشددة وكسرها، وقرئ بهما في السبع الأكثرون بالكسر وبعضهم بإسكانها، وفي هذا الحديث جواز قول الإنسان لغير ابنه ممن هو أصغر سناً منه يا ابني ويابني، مصغراً ويا ولدي، ومعناه تلطف وأنك عندي بمنزلة ولدي في الشفقة، وكذا يقال له ولمن في هو مثل سن المتكلم يا أخي للمعنى الذي ذكرناه، وإذا قصد التلطف كان مستحباً كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم قاله النووي.
قوله: "وفي الباب عن المغيرة وعمر بن أبي سلمة" أما حديث المغيرة وهو(8/120)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الْوَجْهِ. وقد رُوِيَ من غيرِ هذا الْوَجْهِ عن أَنَسٍ. وأبو عُثْمَانَ هَذا شَيْخٌ ثِقَةٌ، وَهُوَ الْجَعْدُ بنُ عُثْمَانَ، ويُقَالُ ابن دِينَارٍ، وَهُوَ بَصْرِيٌ، وقد رَوَى عنه يُونُسُ بنُ عُبَيْدٍ وَشُعْبَةُ، وغيرُ وَاحِدٍ مِنَ الأئِمّةِ.
ـــــــ
ابن شعبة فأخرجه مسلم، وأما حديث عمر بن أبي سلمة، فأخرجه الترمذي في باب التسمية على الطعام.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه مسلم.(8/121)
96- باب ما جَاءَ في تَعْجِيلِ اسمِ المَوْلود
2989- حدثنا عُبَيْدُ الله بنُ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، حدثني عَمّي يَعْقُوبُ بنُ إِبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدٍ، أخبرنا شَرِيكٌ عن مُحمّدِ بنِ إِسْحَاقَ عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أَبِيهِ عن جَدّهِ "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ المَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ وَوَضْعِ الأَذَى عَنْهُ وَالْعَقّ" .
ـــــــ
باب ما جَاءَ في تَعْجِيلِ اسمِ المَوْلود
قوله: "حدثنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم الخ" كنيته أبو الفضل البغدادي قاضي أصبهان، ثقة من الحادية عشرة "أخبرنا شريك" هو ابن عبد الله القاضي النخعي الكوفي "عن محمد بن إسحاق" هو صاحب المغازي.
قوله: "أمر بتسمية المولود يوم سابعه" فيه دليل على سنية تسمية المولود يوم السابع وقد ورد فيه غير هذا الحديث، وقد ثبت تسمية المولود يوم الولادة أيضاً، وقد تقدم الكلام في هذا في آخر أبواب الأضاحي "ووضع الأذى عنه" عطف على تسمية المولود، والمراد بوضع الأذى عنه إماطته وإزالته كما في حديث(8/121)
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
ـــــــ
سلمان بن عامر عند البخاري: مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى. قال الحافظ في الفتح: قوله أميطوا عنه الأذى أي أزيلوا، وزناً ومعنى قال: وقع عند أبي داود من طريق سعيد بن أبي عروبة وابن عون عن محمد بن سيرين قال إن لم يكن الأذى حلق الرأس فلا أدري ما هو، وأخرج الطحاوي من طريق يزيد بن إبراهيم عن محمد بن سيرين قال: لم أجد من يخبرني عن تفسير الأذى انتهى، وقد جزم الأصمعي بأنه حلق الرأس وأخرجه أبو داود بسنده صحيح عن الحسن كذلك، ووقع في حديث عائشة عند الحاكم وأمر أن يماط عن رؤوسهما الأذى، ولكن لا يتعين ذلك في حلق الرأس، فقد وقع في حديث ابن عباس عند الطبراني. ويماط عنه الأذى ويحلق رأسه. فعطفه عليه، فالأولى حمل الأذى على ما هو أعم من حلق الرأس. ويؤيد ذلك أن في بعض طرق حديث عمرو بن شعيب ويماط عنه أقذاره، رواه أبو الشيخ انتهى. "والعق" أي الذبح بشاة أو شاتين.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" في سنده شريك القاضي وقد تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وفي سنده أيضاً محمد بن إسحاق وهو يدلس، ورواه عن عمرو بن شعيب بالعنعنة، لكن للحديث شواهد ولذلك حسنه الترمذي.(8/122)
باب ما يستحب من الأسماء
...
97- باب مَا جاء ما يُسْتَحَبّ مِن الأَسْمَاء
2990- حدثنا عبدُ الرّحمَنِ بنُ الأَسْوَدِ أبو عَمْرٍو الْوَرّاقُ الْبَصْرِيّ أخبرنا مَعْمَرُ بنُ سُلَيْمَانَ الرّقىّ، عن عَلِيّ بنِ صَالحٍ الزنجي، عن عبدِ الله بنِ
ـــــــ
باب مَا جاء ما يُسْتَحَبّ مِن الأَسْمَاء
قوله: "حدثنا عبد الرحمن بن الأسود" ابن المأمون الهاشمي مولاهم ثقة من الحادية عشرة "أخبرنا معمر" بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الميم المفتوحة "بن سليمان الرقي" النخعي أبو عبد الله الكوفي ثقة فاضل أخطأ الأزدي في تبيينه وأخطأ من زعم أن البخاري أخرج له من التاسعة "عن علي(8/122)
عُثْمانَ، عن نَافِعٍ، عن ابنِ عُمَرَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "أَحَبّ الأَسْمَاءِ إلى الله عَبْدُ الله وعَبْدُ الرّحْمَنِ" .
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الْوَجْهِ.
ـــــــ
ابن صالح الزنجي" المكي العابد، مقبول من الثالثة "عن عبد الله بن عثمان" ابن خثيم بالمعجمة والمثلثة مصغراً.
قوله: "أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن" فيه التسمية بهذين الاسمين وتفضيلهما على سائر ما يسمى به. وقد بين الحافظ ابن القيم وجه التفضيل في كتابه زاد المعاد. وقال القرطبي: يلتحق بهذين الاسمين ما كان مثلهما كعبد الرحيم وعبد الملك وعبد الصمد، وإنما كانت أحب إلى الله لأنها تضمنت ما هو وصف وواجب لله وما هو وصف للإنسان وواجب له وهو العبودية، ثم أضيف العبد إلى الرب إضافة حقيقية فصدقت أفراد هذه الأسماء وشرفت بهذا التركيب فحصلت لها هذه الفضيلة. وقال غيره: الحكمة في الاقتصار على الاسمين أنه لم يقع في القرآن إضافة عبد إلى اسم من أسماء الله تعالى غيرهما قال الله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} وقال في آية أخرى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} ويؤيده قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} وقد أخرج الطبراني من حديث أبي زهير الثقفي رفعه: "إذا سميتم فعبدوا" . ومن حديث ابن مسعود رفعه: "أحب الأسماء إلى الله ما تعبدونه". وفي إسناد كل منهما ضعف.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه.(8/123)
باب ما جاء في ما يكره من الأسماء
...
98- باب مَا جَاءَ مَا يُكْرَهُ مِنَ الأَسْمَاء
2991- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا أبو أَحْمَدَ، أخبرنا سُفْيَانُ عن
ـــــــ
باب مَا جَاءَ مَا يُكْرَهُ مِنَ الأَسْمَاء
قوله: "أخبرنا أبو أحمد" اسمه محمد بن عبد الله الزبيري.(8/123)
أبي الزّبَيْرِ، عن جابرٍ، عن عُمَرَ بن الخطاب قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لأَنْهَيَنّ أَنْ يُسَمّى رَافِعٌ وَبَرَكَةٌ وَيَسَارٌ" .
هذا حديثٌ غريبٌ هَكَذَا رَوَاهُ أبو أَحْمَدَ عن سُفْيَانَ عن أَبي الزّبَيْرِ عن جابرٍ عن عُمَرَ. وأبو أحمد ثقة حافظ والمشهور عند الناس هذا الحديث عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه عمر.
2992- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أبو دَاوُدَ عن شُعْبَةَ، عن مَنْصُورٍ عن هِلاَلِ بنِ يَسَافٍ عن الرّبِيعِ بنِ عُمَيْلَةَ الْفَزَاريّ عن سَمُرَةَ بنِ
ـــــــ
قوله: "لأنهين أن يسمى" بصيغة المجهول "رافع وبركة ويسار" وفي رواية ابن ماجه: لئن عشت إن شاء الله لأنهين أن يسمى رباح ونجيح وأفلح ونافع ويسار، وعلة النهي عن التسمية بهذه الأسماء تأتي في حديث سمرة بن جندب الآتي
قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه ابن ماجه "والمشهور عند الناس هذا الحديث عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه عمر" أخرجه مسلم من طريق ابن جريج، قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهي أن يسمى بيعلى وببركة وبأفلح وبيسار وبنافع وبنحو ذلك، ثم رأيته سكت بعد عنها فلم يقل شيئاً، ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينه عن ذلك، ثم أراد عمر أن ينهي عن ذلك ثم تركه.
فإن قلت: حديث جابر هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن ينهي عن التسمية بهذه الأسماء ولم ينه عنه. وحديث سمرة الآتي يدل على أنه صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذلك فما وجه الجمع بينهما؟
قلت: وجه الجمع أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن ينهي نهي تحريم ثم سكت بعد ذلك رحمة على الأمة لعموم البلوى وإيقاع الحرج لا سيما واكثر الناس ما يفرقون بين الأسماء من القبح والحسن فالنهي المنفي محمول على التحريم والمثبت على التنزيه.(8/124)
جُنْدُبٍ، أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُسَمّ غُلاَمَكَ ربَاحَ ولا أَفْلَحَ ولا يَسَارَ ولا نَجِيحَ يُقَالُ: أَثَمّ هُوَ؟ فَيُقَالُ لا" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2993- حدثنا مُحمّدُ بنِ مَيْمُونٍ المَكّيّ، أخبرنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن أَبي الزّنَادِ عن الأَعْرَجِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ الله يَوْمَ القِيَامَةِ رَجُلٌ تَسَمّى بِمَلِكَ الأَمْلاَكِ . قال
ـــــــ
قوله: "لا تسم غلامك" أي صبيك أو عبدك "رباح" كذا وقع في النسخ الحاضرة رباح ويسار ونجيح بغير الألف، ووقع في رواية مسلم وأبي داود رباحاً ويساراً ونجيحاً بالألف وهو الظاهر، ورباح بفتح الراء من الربح ضد الخسارة "ولا أفلح" من الفلاح وهو الفوز "ولا يسار" من اليسر ضد العسر "ولا نجيح" من النجح وهو الظفر "أثم" أي أهناك "هو" أي المسمى بأحد هذه الأسماء المذكورة "فيقال لا" أي ليس هناك رباح أو أفلح أو يسار أو نجيح فلا يحسن مثل هذا في التفاؤل، أو فيكره لشناعة الجواب، في شرح لسنة: معنى هذا أن الناس يقصدون بهذه الأسماء التفاؤل بحسن ألفاظها أو معانيها، وربما ينقلب عليهم ما قصدوه إلى الضد، إذا سألوا فقالوا أثم يسار أو نجيح، فقيل لا تتطيروا بنفيه واضمروا اليأس من اليسر وغيره، فنهاهم عن السبب الذي يجلب سوء الظن والإياس من الخير.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم وأبو داود.
قوله: "اخنع اسم" أفعل التفضيل من الخنوع وهو الذل، وقد فسره بذلك الحميدي شيخ البخاري عقب روايته له عن سفيان قال أخنع: أذل. وأخرج مسلم عن أحمد بن حنبل قال: سألت أبا عمرو والشيباني يعني إسحاق اللغوي عن أخنع فقال أوضع. قال عياض معناه أشد الأسماء صغاراً وبنحو ذلك فسره أبو عبيد، والخانع الذليل وخنع الرجل ذل. قال ابن بطال: وإذا كان الاسم أذل الأسماء كان من(8/125)
سُفْيَانُ: شَاهَانِ شَاه" وَأَخْنَعُ يَعْنِي وَأَقْبَحُ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وأخنع يعني أقبح
ـــــــ
تسمى به أشد ذلاً. وقد فسر الخليل أخنع بأفجر فقال الخنع الفجور، يقال أخنع الرجل إلى المرأة إذا دعاها للفجور كذا في الفتح، ويأتي في آخر الحديث تفسيره بأقبح وهو تفسير بالمعنى اللازم، وفي رواية للبخاري: أخنى الأسماء وهو من الخنا بفتح المعجمة وتخفيف النون مقصور وهو الفحش في القول، ويحتمل أن يكون من قولهم أخنى عليه الدهر: أي أهلكه. وقد ورد بلفظ أخبث بمعجمة وموحدة ثم مثلثة وبلفظ أغيظ وهما عند مسلم "تسمى" بصيغة الماضي المعلوم من التسمي أي سمى نفسه أو سمي بذلك فرضى به واستمر عليه "ملك الأملاك" بكسر اللام من ملك والأملاك جمع ملك بالكسر وبالفتح وجمع مليك "قال سفيان شاهان شاه" وقد تعجب بعض الشراح من تفسير سفيان بن عيينة اللفظة العربية باللفظية العجمية، وأنكر ذلك آخرون وهو غفلة منهم عن مراده، وذلك أن لفظ شاهان شاه كان قد كثر التسمية به في ذلك العصر فنبه سفيان على أن الاسم الذي ورد الخبر بذمه لا ينحصر في ملك الأملاك بل كل ما أدى معناه بأي لسان كان فهو مراد بالذم. وزعم بعضهم أن الصواب شاه شاهان وليس كذلك، لأن قاعدة العجم تقديم المضاف إليه على المضاف، فإذا أرادوا قاضي القضاة بلسانهم، قالوا موبذان موبذ، فموبذ هو القاضي، وموبذان جمعه، فكذا شاه هو الملك، وشاهان هو الملوك.
واستدل بهذا الحديث على تحريم التسمي بهذا الاسم لورود الوعد الشديد ويلتحق به ما في معناه مثل خالق الخلق، وأحكم الحاكمين، وسلطان السلاطين، وأمير الأمراء، وقيل يلتحق به أيضاً من تسمى بشيء من أسماء الله الخاصة به كالرحمن والقدوس والجبار، وهل يلتحق به من تسمى قاضي القضاة أو حاكم الحكام؟ اختلف العلماء في ذلك قاله الحافظ في الفتح، وذكر اختلاف العلماء فيه، فمن شاء الوقوف عليه فليراجعه.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وأبو داود.(8/126)
99- باب مَا جاءَ في تَغْيِيرِ الأَسْمَاء
2994- حدثنا يَعْقُوبُ بنُ إِبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ، و أبو بَكْرٍ محمد بن بشار وغيرُ وَاحِدٍ قالوا: حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ القَطّانُ، عن عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ، عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم غَيّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ وقال: "أَنْتِ جَمِيلَةُ". هذا حديث حسن غريب، وإِنما أَسْنَدَهُ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ الْقَطّانُ، عن عُبَيْدِ الله، عن نَافِعٍ، عن ابنِ عُمَرَ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ هذا عن عُبَيْدِ الله عن نَافِعٍ أَنّ عُمَرَ مُرْسَلاً. وفي البابِ عن عبدِ الرحمنِ بنِ عَوْفٍ وعَبْدِ الله بنِ سَلاَمٍ وعَبْدِ الله بنِ مُطِيعٍ وَعائِشَةَ والْحَكَمِ بنِ سَعِيدٍ
ـــــــ
باب مَا جاءَ في تَغْيِيرِ الأَسْمَاء
قوله: "وأبو بكر بندار" اسمه محمد بن بشار وبندار لقبه "عن عبيد الله بن عمر" هو العمري.
قوله: "غير اسم عاصية وقال أنت جميلة" قيل كانوا يسمون بالعاص والعاصية ذهاباً إلى معنى الإباء عن قبول النقائص والرضاء بالضيم، فلما جاء الإسلام نهوا عنه، ولعله لم يسمها مطيعة مع أنها ضد العاصية مخافة التزكية. وقال في النهاية: إنما غيره لأن شعار المؤمن الطاعة والعصيان ضدها انتهى قال النووي: معنى هذه الأحاديث تغيير الاسم القبيح أو المكروه إلى حسن، وقد ثبت أحاديث بتغييره صلى الله عليه وسلم أسماء جماعة كثيرين من الصحابة، وقد بين صلى الله عليه وسلم العلة في النوعين وما في معناهما وهي التزكية أو خوف التطير.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه "وإنما أسنده" أي رواه متصلاً "وروى بعضهم هذا عن عبيد الله عن نافع عن عمر مرسلاً" أي منقطعاً، لأن نافعاً لم يسمع من عمر. قال الحافظ في تهذيب التهذيب: قال أحمد بن حنبل: نافع عن عمر منقطع.
قوله: "وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن سلام الخ" أما(8/127)
وَمُسْلِمٍ وأُسَامَةَ بنِ أَخْدَرِيّ، وشُرَيْحِ بنِ هَانِئ عن أَبِيهِ، وَخَيْثَمَةَ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عن أَبِيهِ.
2995- حدثنا أَبُو بَكْرٍ بنِ نَافِعٍ الْبَصْرِيّ، أخبرنا عُمَرُ بنُ عَلِيّ المُقَدّمِيّ عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عن أَبِيهِ عن عائِشَةَ "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُغَيّرُ الاسْمَ الْقَبِيحَ". قال أَبو بَكْرِ بنِ نَافِعٍ وَرُبَما قال عُمَرُ بنُ عَلِيّ في هذا الحديثِ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ عن أَبِيهِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً ولم يَذْكُرْ فِيهِ عن عائِشَةَ.
ـــــــ
حديث عبد الله بن سلام فأخرجه ابن ماجه، وأما حديث عائشة فأخرجه الترمذي بعد هذا، وأما حديث أسامة بن أخدري فأخرجه أبو داود، وأما حديث شريح بن هانئ عن أبيه فأخرجه أحمد وأما أحاديث باقي الصحابة فلينظر في أخرجها.
قوله: "كان يغير الاسم القبيح" أي يبدله بالاسم الحسن، والحديث لم يحكم عليه الترمذي بشيء وفي سنده عمر بن علي المقدمي وهو مدلس ورواه عن هشام بالعنعنة. قال ابن سعد: كان ثقة وكان يدلس تدليساً شديداً يقول سمعت وحدثنا ثم يسكت فيقول هشام بن عروة والأعمش وقال: كان رجلاً صالحاً.(8/128)
100- باب ما جاءَ في أَسْمَاءِ النبيّ صلى الله عليه وسلم
2996- حدثنا سَعِيدُ بنُ عَبْد الرّحْمَنِ المَخْزُومِيّ، أخبرنا سُفْيَانُ عن الزّهْرِيّ، عن مُحمّدِ بنِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، عن أَبِيهِ قال: قال رَسُولُ الله
ـــــــ
باب ما جاءَ في أَسْمَاءِ النبيّ صلى الله عليه وسلم
قوله: "عن محمد بن جبير بن مطعم" النوفلي، ثقة عارف بالنسب من الثالثة(8/128)
صلى الله عليه وسلم: "إِنّ لِي أَسْمَاءَ: أَنَا مُحمّدُ، وَأَنا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الّذِي يَمْحُو الله بِي الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الّذِي يُحْشَرُ النّاسُ عَلَى قَدَمَيّ،
ـــــــ
"عن أبيه" هو جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشى النوفلي صحابي عارف بالأنساب، مات سنة ثمان أو تسع وخمسين.
قوله: "إن لي أسماء" وفي رواية البخاري من طريق مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه لي خمسة أسماء. قال الحافظ: الذي يظهر أنه أراد أن لي خمسة اختص بها لم يسم بها أحد قبلي أو معظمة أو مشهورة في الأمم الماضية لا أنه أراد الحصر فيها. قال عياض: حمى الله هذه الأسماء أن يسمى بها أحد قبله وإنما تسمى بعض العرب محمداً قرب ميلاده لما سمعوا من الكهان والأحبار أن نبياً سيبعث في ذلك الزمان يسمى محمداً فرجوا أن يكونوا هم فسموا أبناءهم بذلك، قال وهم ستة لاسابع لهم. قال الحافظ: قد جمعت أسماء من تسمى بذلك في جزء مفرد فبلغوا نحو العشرين، لكن مع تكرار في بعضهم ووهم في بعض. فيتلخص منهم خمسة عشر نفساً انتهى. "أنا محمد وأنا أحمد" قال أهل اللغة: رجل محمد ومحمود: إذا كثرت خصاله المحمودة. قال ابن فارس وغيره: وبه سمي نبينا صلى الله عليه وسلم محمداً وأحمد، أي ألهم الله تعالى أهله أن سموه به لما علم من جميل صفاته، وقال الحافظ: إن هذين الاسمين أشهر أسمائه وأشهرهما محمد، وقد تكرر في القرآن، وأما أحمد فذكر فيه حكاية عن قول عيسى عليه السلام، فأما محمد فمن باب التفعيل للمبالغة، وأما أحمد فمن باب التفضيل، وقيل سمي أحمد لأنه علم منقول من صفة وهي أفعل التفضيل، ومعناه أحمد الحامدين. وسبب ذلك ما ثبت في الصحيح أنه يفتح عليه في المقام المحمود بمحامد لم يفتح بها على أحد قبله، وقيل الأنبياء حمادون وهو أحمدهم أي أكثرهم حمداً أو أعظمهم في صفة الحمد. وأما محمد فهو منقول من صفة الحمد أيضاً وهو بمعنى محمود وفيه معنى المبالغة والمحمد الذي حمد مرة بعد مرة كالمدح. قال الأعشى:
إليك أبيت اللعن كان وجيفها ... إلى الماجد القرم الجواد المحمد
أي الذي حمد مرة بعد مرة أو الذي تكاملت فيه الخصال المحمودة "وأنا الماحي(8/129)
وَأَنَا الْعَاقِبُ الّذي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌ" . هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
الذي يمحو الله بي الكفر" قال العلماء: المراد محو الكفر من مكة والمدينة وسائر بلاد العرب، وما زوى له صلى الله عليه وسلم من الأرض ووعد أن يبلغه ملك أمته. قالوا ويحتمل أن المراد المحو العام بمعنى الظهور بالحجة والغلبة كما قال تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} وجاء في حديث آخر تفسير الماحي بأنه الذي محيت به سيئات من اتبعه، فقد يكون المراد بمحو الكفر هذا ويكون كقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} والحديث الصحيح: الإسلام يهدم ما كان قبله "وأنا الحاشر" أي ذو الحشر "الذي يحشر" أي يجمع "على قدمي" قال النووي: ضبطوه بتخفيف الياء على الإفراد وتشديدها على التثنية، قال الطيبي: والظاهر على قدميه اعتباراً للموصول إلا أنه اعتبر المعنى المدلول للفظة أنا. وفي شرح السنة: أي يحشر أول الناس لقوله: "أنا أول من تنشق عنه الأرض" . وقال الحافظ في الفتح: على قدمي أي على أثري، أي أنه يحشر قبل الناس. وهو موافق لقوله في الرواية الآخرى: "يحشر الناس على عقبي" انتهى. وقال الطيبي: هو من الإسناد المجازي لأنه سبب في حشر الناس لأن الناس لم يحشروا ما لم يحشر "وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي" قال النووي: أما العاقب ففسره في الحديث بأنه ليس بعده نبي أي جاء عقبهم. قال ابن الأعرابي: العاقب والعقوب الذي يخلف في الخير من كان قبله.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وغيره.(8/130)
101- باب ما جاءَ في كَرَاهِيَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ اسمِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وكَنْيَتِه
2997- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا الّليْثُ عن ابنِ عَجْلاَنَ، عن أَبِيهِ،
ـــــــ
باب ما جاءَ في كَرَاهِيَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ اسمِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وكَنْيَتِه
اعلم أن علماء العربية قالوا: العلم إما أن يكون مشعراً بمدح أو ذم وهو اللقب وإما أن لا يكون، فإما أن يصدر بأب أو أم أو ابن كأبي بكر وأم كلثوم وابن عباس(8/130)
عن أَبي هُرَيْرَةَ "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يَجْمَعَ أَحَدٌ بَيْنَ
ـــــــ
وهو الكنية أو لا وهو الاسم، فاسم النبي صلى الله عليه وسلم محمد وكنيته أبو القاسم ولقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما كنى بأكبر أولاده.
ثم اعلم أنه قد ورد في التسمي باسمه صلى الله عليه وسلم والتكني بكنيته أحاديث مختلفة، ولذلك اختلف أقوال أهل العلم فيه. قال النووي: اختلف العلماء في هذه المسألة على مذاهب كثيرة وجمعها القاضي وغيره.
أحدها: مذهب الشافعي وأهل الظاهر، أنه لا يحل التكني بأبي القاسم لأحد أصلاً، سواء كان اسمه محمداً أو أحمد أم لم يكن، لظاهر حديث أنس يعني الآتي في هذا الباب.
الثاني: أن هذا النهي منسوخ، فإن هذا الحكم كان في أول الأمر لهذا المعنى المذكور في الحديث ثم نسخ، قالوا فيباح التكني اليوم بأبي القاسم لكل أحد، سواء من اسمه محمد أو أحمد أو غيره، وهذا مذهب مالك. قال القاضي: وبه قال جمهور السلف وفقهاء الأمصار وجمهور العلماء، قالوا وقد اشتهر أن جماعة تكنوا بأبي القاسم في العصر الأول، وفيما بعد ذلك إلى اليوم مع كثرة فاعل ذلك وعدم الإنكار.
الثالث: مذهب ابن جرير أنه ليس بمنسوخ، وإنما كان النهي للتنزيه والأدب لا للتحريم.
الرابع: أن النهي عن التكني بأبي القاسم مختص بمن اسمه محمد أو أحمد ولا بأس بالكنية وحدها لمن لا يسمى بواحد من الاسمين، وهذا قول جماعة من السلف وجاء فيه حديث مرفوع عن جابر.
الخامس: أنه ينهى عن التكني بأبي القاسم مطلقاً، وينهى عن التسمية بالقاسم لئلا يكنى أبوه بأبي القاسم، وقد غير مروان بن الحكم اسم ابنه عبد الملك حين بلغه هذا الحديث فسماه عبد الملك، وكان سماه أولاً القاسم، وقد فعله بعض الأنصار أيضاً.
السادس: أن التسمية بمحمد ممنوعة مطلقاً، سواء كان له كنية أم لا، وجاء فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "تسمون أولادكم ثم تلعنونهم"، وكتب(8/131)
اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ، ويُسَمّي مُحمّداً أَبَا الْقَاسِمِ". وفي البابِ عن جَابِرٍ. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2998- حدثنا الْحُسَيْنُ بنَ حُرَيْثٍ، أخبرنا الفَضْلُ بنُ مُوسَى، عن الْحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ، عن أَبي الزّبَيْرِ، عن جَابِرٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا تَسَمّيْتُمْ بِي فَلاَ تَكْنّوا بِي" .
ـــــــ
عمر إلى الكوفة: لا تسموا أحداً باسم نبي، وأمر جماعة بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم محمد حتى ذكر له جماعة أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهم في ذلك وسماهم به، فتركهم. قال القاضي: والأشبه أن فعل عمر هذا إعظام لاسم النبي صلى الله عليه وسلم لئلا ينتهك الاسم كما سبق في الحديث: تسمونهم محمداً ثم تلعونهم. وقيل سبب نهي عمر أنه سمع رجلاً يقول لمحمد بن زيد بن الخطاب فعل الله بك يا محمد، فدعاه عمر فقال: أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسب بك والله لا تدعى محمداً ما بقيت، وسماه عبد الرحمن انتهى كلام النووي. وقال القاري: متعقباً على من ادعى النسخ ما لفظه: دعوى النسخ ممنوعة بل ينبغي أن يقال ينتفي الحكم بانتفاء العلة، والعلة في ذلك الاشتباه وهو متعين في حال الحياة انتهى.
قلت: ودعوى انتفاء الحكم بانتفاء العلة مطلقاً أيضاً ممنوعة. قال العيني نقلاً عن الخطابي: قد يحدث شيء من أمر الدين بسبب من الأسباب فيزول ذلك السبب ولا يزول حكمه، كالعرايا والاغتسال للجمعة، انتهى
قوله: "بين اسمه وكنيته" أن بين اسمه صلى الله عليه وسلم وكنيته "ويسمى" بصيغة المعلوم عطف علي يجمع.
قوله: "وفي الباب عن جابر" أخرجه الترمذي بعد هذا.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو يعلى.
قوله: "إذا سميتم بي فلا تكنوا بي" بحذف إحدى التاءين من التكني،(8/132)
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه. وقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهلِ الْعِلْمِ أَنْ يَجْمَعَ الرّجُلُ بَيْنَ اسْمِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَكُنْيَتِهِ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ. ورُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ سَمِعَ رَجُلاً في السّوقِ يُنَادِي يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَالْتَفَتَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَمْ أَعْنِكَ، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم لاَ تَكَنّوا بِكُنْيَتِي" .
2999- حدثنا بِذَلِكَ الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ الْخَلاّلُ، أخبرنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ عن حُمَيْدٍ، عن أَنَسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا. وفي هذا الْحَدِيثِ
ـــــــ
ولفظ أبي داود من تسمى باسمي فلا يكنى يكنيتي، ومن اكتنى بكنتي فلا يتسمى باسمي.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد وأبو داود، وصححه ابن حبان.
قوله: "وقد كره بعض أهل العلم أن يجمع الرجل بين اسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته" واستدل بحديث أبي هريرة وحديث جابر المذكورين "وقد فعل ذلك بعضهم" أي جمع بين اسمه صلى الله عليه وسلم وكنيته. قال الطحاوي: كان في زمن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة كانوا متسمين بمحمد مكتنين بأبي القاسم، منهم محمد بن طلحة ومحمد بن الأشعث ومحمد بن أبي حذيفة. قال العيني: ومن جملة من تسمى بمحمد وتكنى بأبي القاسم من أبناء وجوه الصحابة محمد بن جعفر بن أبي طالب، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص، ومحمد بن حاطب ومحمد ابن المنتشر، ذكرهم البيهقي في سننه في باب من رخص الجمع بين التسمي بمحمد، والتكني بأبي القاسم.
قوله: "فقال" أي ذلك الرجل "لم أعنك" من عني يعني، أي لم أقصدك يا رسول الله "لا تكنوا بكنيتي" ولفظ البخاري: سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وحديث أنس هذا أخرجه الشيخان أيضاً.(8/133)
مَا يَدُلّ عَلَى كَرَاهِيَةِ أَنْ يُكَنّى أَبَا الْقَاسِمِ.
3000- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا يَحْيَىَ بنُ سَعِيدٍ القَطّانُ، أخبرنا فِطْرُ بنُ خَلِيفَةَ حدثني مُنْذِرٌ، وَهُوَ الثّوْرِيّ، عن مُحمّدِ بنُ الْحَنَفِيّةِ، عن عَلِيّ بنِ أَبي طَالِبٍ أَنّهُ قالَ: "ياَ رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ إنْ وُلِدَ لِي بَعْدَكَ أُسَمّيةِ مُحمّداً وَأُكَنّيهِ بِكُنْيَتِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَانَتْ رُخْصَةً لِي" .
ـــــــ
قوله: "وفي الحديث كراهية أن يكنى أبا القاسم" قال في التوضيح: مذهب الشافعي وأهل الظاهر أنه لا يحل التكني بأبي القاسم لأحد أصلاً، سواء كان اسمه محمداً أو أحمداً أم لم يكن لظاهر الحديث، أي حديث أنس المذكور.
قوله: "حدثني منذر" بن يعلى الثوري بالمثلثة أبو يعلى الكوفي ثقة من السادسة.
قوله: "أرأيت" أي أخبرني "إن ولد لي" أي ولد "بعدك" أي بعد وفاتك "قال نعم" فيه أن النهي مقصور على زمانه صلى الله عليه وسلم، فيجوز الجمع بينهما بعده لرفع الالتباس، وبه قال مالك قاله القارى.
قلت: وبه قال جمهور العلماء كما عرفت في كلام النووي، ولكن في الاستدلال عليه بحديث علي هذا نظر، فإن قوله رضي الله تعالى عنه في هذا الحديث: فكانت رخصة لي، يدل على أن الجواز كان خاصاً له، فالأحوط في هذا الباب هو ما قال به الشافعي وأهل الظاهر من أنه لا يحل التكني بأبي القاسم لأحد أصلاً، سواء كان اسمه محمداً أو أحمد أم لم يكن، لظاهر حديث أنس المذكور في الباب. وصوب هذا القول ابن القيم في زاد المعاد حيث قال: والصواب أن التسمي باسمه جائز، والتكني بكنيته ممنوع منه، والمنع في حياته أشد والجمع بينهما ممنوع منه. وحديث عائشة غريب لا يعارض بمثله الحديث الصحيح، وحديث علي رضي الله عنه في صحته نظر والترمذي فيه نوع تساهل في التصحيح، وقد قال علي إنها رخصة له، وهذا يدل على إبقاء المنع لمن سواه انتهى.(8/134)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
قلت: أراد بحديث عائشة ما رواه أبو داود عنها قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني قد ولدت غلاماً فسميته محمداً وكنيته أبا القاسم فذكر لي أنك تكره ذلك، فقال: "ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي، أو ما الذي حرم كنيتي وأحل اسمي"، وفي سنده محمد بن عمران الحجبي. ذكر الطبراني في الأوسط أن محمد بن عمران الحجبي تفرد به عن صفية بنت شيبة ومحمد المذكور مجهول انتهى. وأما قول ابن القيم بأن في صحة حديث علي نظر فلا وجه للنظر، لأن رجاله كلهم ثقات وسنده متصل.(8/135)
باب ماجاء أن من الشعر حكمه
...
102- باب ما جَاءَ إِنّ مِنَ الشّعرِ حِكْمَة
3001- حدثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ، أخبرنا يَحْيَىَ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبي غَنِيّةَ، حدثني أَبي عن عَاصِمٍ، عن زِرٍ عن عَبْدِ الله قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ مِنَ الشّعْرِ حِكْمَةً" .
ـــــــ
باب ما جَاءَ إِنّ مِنَ الشّعرِ حِكْمَة
قوله: "أخبرنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية" بفتح المعجمة وكسر النون وتشديد للتحتانية الخزاعي الكوفي، أصله من أصبهان، صدوق له أفراد من كبار التاسعة "عن أبيه" هو عبد الملك ثقة من السابعة "عن عاصم" هو ابن بهدلة "عن زر" هو ابن حبيش "عن عبد الله" أي ابن مسعود.
قوله: "إن من الشعر حكمة" أي قولاً صادقاً مطابقاً للحق، وقبل أصل الحكمة المنع، فالمعنى أن من الشعر كلاماً نافعاً يمنع من السفه. وأخرج أبو داود من رواية صخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن جده سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن من البيان سحراً، وإن من العلم جهلاً، وإن من الشعر حكماً، وإن من القول عيلاً"، فقال صعصعة بن صوحان: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما قوله: إن من البيان سحراً، فالرجل يكون عليه الحق وهو الحن بالحجج من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق. وإن قوله: وإن من(8/135)
هذا حديثٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إِنَمَا رَفَعَهُ أَبُو سَعِيدٍ الاشَجّ عن ابنِ أَبي غَنِيّة، وَرَوَى غَيْرُهُ عن ابن أَبي غَنِيّةَ هَذَا الْحَدِيثَ مَوْقُوفَاً، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هذا الوَجْهٍ عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وفي البابِ عن أُبَيّ بنِ كَعْبٍ وَابنِ عَبّاسٍ وَعَائِشَةَ وَبُرَيْدَةَ وَكَثِيرِ بنِ عَبْدِ الله عن أَبِيهِ عن جَدّهِ.
3002- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا أَبُو عَوَانَةَ، عن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ مِنَ الشّعْرِ حُكْماً" .
ـــــــ
العلم جهلاً، فيكلف العالم إلى علمه ما لا يعلم فيجهل ذلك. وأما قوله: إن من الشعر حكماً، فهي هذه المواعظ والأمثال التي يتعظ بها الناس. وأما قوله: إن من القول عيلاً فعرضك كلامك على من لا يريده، وقال ابن التين: مفهومه أن بعض الشعر ليس كذلك لأن من تبعيضية.
قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه ابن أبي شيبة.
قوله: "وفي الباب عن أبي بن كعب وابن عباس وعائشة وبريدة وكثير بن عبد الله عن أبيه عن جده" أما حديث أبي بن كعب فأخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجه، وأما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي بعد هذا، وأما حديث عائشة فأخرجه الترمذي في الباب الذي يليه. وأما حديث بريدة فأخرجه أبو داود وابن أبي شيبة، وأما حديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده، فلينظر من أخرجه.
قوله: "إن من الشعر حكماً" بضم فسكون، أي حكمة، كما في قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً} أي الحكمة كذا قال القارى. وقال العزيزي في السراج المنير في شرح هذا الحديث: بكسر ففتح جمع حكمة، أي حكمة وكلاماً نافعاً في المواعظ وذم الدنيا والتحذير من غرورها ونحو ذلك انتهى.(8/136)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود وابن ماجه والبخاري في الأدب المفرد.(8/137)
باب ما في إنشاد الشعر
...
103- باب مَا جَاءَ في إِنْشَادِ الشّعْر
3003- حدثنا إسْمَاعِيلُ بنُ مُوسَى الفَزَارِيّ وَعَلِيّ بنُ حُجْرٍ - المَعْنَى وَاحِدٌ - قَالاَ: أخبرنا ابنُ أَبي الزّنَادِ عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عن أَبيهِ عن عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَضَعُ لِحَسّانَ مِنْبَرَاً في المَسْجِدِ يَقُومُ عَلَيْهِ قَائِماً يُفَاخِرُ عن رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَوْ قَالَتْ: يُنَافِحُ عن رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَيَقُولُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الله يُؤَيّدُ حَسّانَ بِرُوحِ القُدُسِ، مَا يُفَاخِرُ أَوْ يُنَافِحُ عن رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم" .
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في إِنْشَادِ الشّعْر
قال في القاموس: أنشد الشعر قرأه وأنشد بهم هجاهم
قوله: "يضع لحسان منبراً في المسجد" أي يأمر بوضعه، وحسان هو ابن ثابت أنصاري خزرجي شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من فحول الشعراء أجمعت العرب على أن أشعر أهل المدر حسان بن ثابت "يقوم عليه قائماً" أي قياماً. ففي المفصل قد يرد المصدر على وزن اسم الفاعل نحو قمت قائماً "يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي لأجله وعن قبله "أو" شك من الراوي "ينافح" بنون ثم فاء فحاء مهملة، أي يدافع عنه صلى الله عليه وسلم ويخاصم المشركين ويهجوهم مجازاة لهم "يؤيد حسان بروح القدس" بضم الدال ويسكن أي بجبريل سمى به لأنه كان يأتي الأنبياء بما فيه حياة القلوب فهو كالمبدأ لحياة القلب، كما أن الروح مبدأ حياة الجسد. والقدس صفة للروح، وإنما أضيف إليه لأنه مجبول(8/137)
3004- حدثنا سن إسْمَاعِيلُ بنُ مُوسَى وَ عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، قَالاَ: أخبرنا ابنُ أَبي الزّنَادِ، عن أَبِيهِ، عن عُرْوَةَ، عن عَائِشَةَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.
وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ وَالْبَرَاءِ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ، وَهُوَ حَديثُ ابنِ أَبي الزّنَادِ.
3005- حدثنا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ، أخبرنا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ أخبرنا ثَابِتٌ عن أَنَسٍ "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَعَبْدُ الله بنُ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَمْشِي وَهُوَ يَقُولُ:
خَلّوا بَنِي الكُفّارِ عن سَبِيلِهِ ... الْيَوْمَ نُضْرِبْكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ
ـــــــ
على الطهارة والنزاهة عن العيوب، وقيل القدس بمعنى المقدس وهو الله، فإضافة الروح إليه للتشريف، ثم تأييده إمداده له بالجواب وإلهامه لما هو الحق والصواب "ما يفاخر أو ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي ما دام مشتغلاً بتأبيد دين الله، وتقوية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: "وفي الباب عن أبي هريرة والبراء" أما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والسنائي، وأما حديث البراء فأخرجه الشيخان.
قوله: "هذا حديث حسن غريب صحيح" قال صاحب المشكاة: بعد ذكر هذا الحديث: أخرجه البخاري، وقال الحافظ في الفتح بعد ذكره وعزوه إلى الترمذي ما لفظه: وذكر المزي في الأطراف أن البخاري أخرجه تعليقاً نحوه وأتم منه، لكني لم أره فيه انتهى.
قوله: "حدثنا إسحاق بن منصور" هو الكوسج "أخبرنا جعفر بن سليمان" هو الضبعي.
قوله: "خلوا بني الكفار" أي يا بني الكفار "عن سبيله" أي عن سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم "اليوم نضربكم" بتسكين الموحدة لضرورة الشعر(8/138)
ضَرْباً يَزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ ... وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا ابْنَ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَفِي حَرَمِ الله تَقُولُ الشّعْرَ؟ فَقَالَ له النبيّ صلى الله عليه وسلم: "خَلّ عَنْهُ يَا عُمَرُ، فَلَهِيَ أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النّبْلِ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرّزّاقِ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضَاً عن مَعْمَرٍ عن الزّهْرِيّ عن أَنَسٍ نَحْوَ هَذَا. وَرَوَى في غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكّةَ فِي عُمْرَةِ القَضَاءِ وَكَعْبُ بنُ مَالِكٍ بَيْنَ يَدَيْهِ" وَهَذَا أَصَحّ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ
ـــــــ
بل هي لغة قرئ بها في المشهور قاله الحافظ "على تنزيله" أي على حكم تنزيله "ضرباً" معفول مطلق لنضربكم "يزيل" من الإزالة والجملة صفة لضرباً "الهام" جمع هامة: وهي أعلى الرأس وهي الناصية والمفرق "عن مقيله" أي موضعة نقلاً عن موضع القائلة للإنسان كذا في المجمع "ويذهل الخليل عن خليله" من الإذهال عطف على يزيل، أي ينسى ذلك الضرب الخليل عن خليله "فلهي" بلام التأكيد أي إشعاره "أسرع فيهم" أي في الكفار "من نضح النبل" أي أشعاره تؤثر فيهم تأثيراً أسرع من تأثير النبل.
قوله: "هذا حديث حسن غريب صحيح" وأخرجه النسائي "وقد روى عبد الرزاق هذا الحديث أيضاً عن معمر عن الزهري عن أنس نحو هذا" ذكر هذه الرواية الحافظ في الفتح في باب عمرة القضاء، وقد بسط الكلام فيما يتعلق بحديث أنس هذا "وروى في غير هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وكعب بن مالك بين يديه، وهذا أصح عند بعض أهل الحديث لأن عبد الله بن رواحة قتل يوم مؤتة وإنما كانت عمرة القضاء بعد ذلك". قال الحافظ بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه: هو ذهول شديد وغلط مردود، وما أدري كيف وقع الترمذي في ذلك مع وفور معرفته، ومع أن في قصة عمرة(8/139)
الْحَدِيثِ لأَنّ عَبْدَ الله بنَ رَوَاحَةَ قُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ، وَإِنّمَا كَانَتْ عُمْرَةَ القَضَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ.
3006- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا شَرِيكٌ، عن المِقْدَامِ بنِ شُرَيْحٍ عن أَبِيهِ عن عَائِشَةَ قالَ: "قِيلَ لَهَا هَلْ كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَتَمَثّلُ بِشَيْءٍ مِنَ الشّعْرِ؟، قَالَتْ: كَانَ يَتَمَثّلُ بِشَعْرِ ابنِ رَوَاحَةَ،
ـــــــ
القضاء اختصام جعفر وأخيه علي وزيد بن حارثة في بنت حمزة، وجعفر قتل هو وزيد وابن رواحة في موطن واحد وكيف يخفى عليه، أعني الترمذي مثل هذا، ثم وجدت عن بعضهم أن الذي عند الترمذي من حديث أنس أن ذلك كان في فتح مكة، فإن كان كذلك اتجه اعتراضه لكن الموجود بخط الكروخى راوي الترمذي ما تقدم انتهى.
قلت: قول الحافظ ومع أن في قصة عمرة القضاء اختصام جعفر وأخيه علي وزيد بن حارثة في بنت حمزة أشار به إلى ما في حديث البراء في عمرة القضاء من قوله: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة حمزة تنادي يا عم يا عم فتناولها علي فأخذ بيدها وقال لفاطمة دونك ابنة عمك حملتها، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر قال علي: أنا أخذتها وهي بنت عمي، وقال جعفر ابنة عمي وخالتها تحتي، وقال زيد ابنة أخي، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال: الخالة بمنزلة الأم رواه البخاري وغيره. وأما قوله وجعفر قتل هو وزيد وابن رواحة في موطن واحد، فأشار إلى حديث أنس في غزوة مؤتة أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم. رواه البخاري وغيره.
قوله: "يتمثل بشيء من الشعر" أي ينشد به. قال في القاموس: تمثل أنشد بيتاً ثم آخر انتهى. وقال في الصراح: تمثل بهذا البيت وتمثل هذا البيت بمعنى "بشعر ابن رواحة" هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس الخزرجي(8/140)
وَيَقُولُ وَيأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مِنَ لَمْ تُزَوّدِ" .
وفي البابِ عن ابنِ عَبّاسٍ. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
3007- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا شَرِيكٌ عن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عن أَبي سَلَمَةَ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "أَشْعَرُ كَلِمَةٍ تَكَلّمَتْ بِهَا الْعَرَبُ كلمة لَبِيدٍ: ألاَ كُلّ شَيْء مَا خَلاَ الله بَاطِلُ" .
ـــــــ
الأنصاري الشاعر أحد السابقين شهد بدراً واستشهد بمؤتة وكان ثالث الأمراء بها "ويقول" أي النبي صلى الله عليه وسلم "ويأتيك بالأخبار من لم تزود" من التزويد: وهو إعطاء الزاد، يقال أزاده وزوده أي أعطاه الزاد وهو طعام يتخذ للسفر وضمير المفعول محذوف، أي من لم تزوده، وهذا مصراع ثان من بيت ابن رواحة والمصرع الأول منه ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً وقوله: ستبدي من الإبداء، يقول ستظهر لك الأيام ما كنت غافلاً عنه وينقل إليك الأخبار من لم تعطه الزاد.
قوله: "وفي الباب عن ابن عباس" أخرجه البزار.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد في مسنده من طريق المغيرة عن الشعبي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استراب الخبر تمثل فيه ببيت طرفة ويأتيك بالأخبار من لم تزود. قال الحافظ ابن كثير في تفسيره بعد ذكر هذا الحديث وهكذا رواه النسائي في اليوم والليلة من طريق إبراهيم بن مهاجر عن الشعبي عنها، ورواه الترمذي والنسائي أيضاً من حديث المقدام بن شريح بن هانئ عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها كذلك، ثم قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح انتهى.
تنبيه: اعلم أن نسبة عائشة رضي الله عنها الشعر المذكور إلى ابن رواحة نسبة مجازية، فإنه ليس له بل هو لطرفة بن العبد البكري في معلقته المشهورة وقد نسبته عائشة إلى طرفة أيضاً كما في رواية أحمد المذكورة.
قوله: "أشعر كلمة تكلمت بها العرب" أي أحسنها وأجودها، وفي رواية(8/141)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رَوَاهُ الثّوْرِيّ وَغَيْرُهُ عن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ.
3008- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا شَرِيكٌ عن سِمَاكٍ، عن جَابِرٍ بنِ سَمُرَةَ قَالَ: "جَالَسْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ مِنْ مَائَةِ مَرّةٍ، فَكَانَ أَصْحَابُهُ يَتَنَاشَدُونَ الشّعْرَ وَيَتَذَاكَرُونَ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ، وَهُوَ سَاكِتٌ فَرُبّمَا يَتَبَسّمُ مَعَهُمْ".
ـــــــ
أصدق كلمة قالها الشاعر، والمراد بالشاعر في هذه الرواية جنس الشاعر، وفي رواية أصدق بيت قالته الشعراء. وهذه الروايات كلها في الصحيح، والمراد بالكلمة ههنا القطعة من الكلام "قوله لبيد" هو ابن ربيعة الشاعر العامري، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سنة وفد قومه بنو جعفر بن كلاب، وكان شريفاً في الجاهلية والاسلام، نزل الكوفة ومات بها سنة إحدى وأربعين، وله من العمر مائة وأربعون سنة، وقيل مائة وسبع وخمسون سنة. ذكره صاحب المشكاة. ومن جملة فضائله أنه لما أسلم لم يقل شعراً وقال يكفيني القرآن "ألا" للتنبيه "كل شيء ما خلا الله باطل" أي فان مضمحل. قال الطيبي: وإنما كان أصدق لأنه موافق لأصدق الكلام وهو قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} وتمام كلام لبيد:
وكل نعيم لا محالة زائل
نعيمك في الدنيا غرور وحسرة ... وعيشك في الدنيا محال وباطل
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "يتناشدون الشعر" أي ينشد بعضهم بعضاً "ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية الخ" وفي رواية مسلم وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم صلى الله عليه وسلم. ومن جملة ما يتحدثون به أنه قال واحد ما نفع أحداً صنمه مثل ما نفعني، قالوا كيف هذا؟ قال صنعته من الحيس فجاء القحط فكنت آكله يوماً فيوماً. وقال آخر: رأيت ثعلبين جاءا وصعدا فوق(8/142)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رواه زُهَيْرٌ عن سِمَاكٍ أَيْضاً.
ـــــــ
رأس صنم لي وبالا عليه، فقلت: أرب يبول الثعلبان برأسه فجئتك يا رسول الله وأسلمت، كذا في المرقاة.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم، وليس في روايته يتناشدون الشعر.(8/143)
باب ماجاء :لأن يمتليء جوف أحدكم قيحا خيرا له من أن يمتليء شعرا
...
104- باب ما جَاءَ: لأَنْ يَمْتَلِئ جَوْفُ أَحَدِكُم قَيْحاً خَيْرٌ لهُ مِنْ أَنْ يَمتَلِئ شِعْرَا
3009- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا يَحْيَىَ بنُ سَعِيدٍ، عن شُعْبَةَ عن قَتَادَةَ، عن يُونُسَ بنِ جُبَيْرٍ، عن مُحمّدِ بنِ سَعْدِ بنِ أَبي وَقّاصٍ، عن أَبِيهِ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحاً خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئ شِعْراً" .
ـــــــ
باب ما جَاءَ: لأَنْ يَمْتَلِئ جَوْفُ أَحَدِكُم قَيْحاً خَيْرٌ لهُ مِنْ أَنْ يَمتَلِئ شِعْرَا
قوله: "لأن يمتلئ" من الامتلاء "جوف أحدكم قيحاً" بفتح القاف وسكون التحتية بعدها مهملة، أي مدة لا يخالطها دم وهو منصوب على التمييز "خير له من أن يمتلئ " أي جوفه "شعراً" ظاهره العموم في كل شعر، لكنه مخصوص بما لم يكن مدحاً حقاً كمدح الله ورسوله وما اشتمل على الذكر والزهد وسائر المواعظ مما لا إفراط فيه. ويؤيده حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال: ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: "هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء" ؟ قلت نعم، قال "هيه" ، فأنشدته بيتاً فقال "هيه" ثم أنشدته بيتاً فقال "هيه" ، حتى أنشدته مائة بيت. رواه مسلم. قال ابن بطال: ذكر بعضهم أن معنى قوله: خير له من أن يمتلئ شعراً يعني الشعر الذي هجي به النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو عبيد والذي عندي في هذا الحديث غير هذا القول، لأن الذي هجي به النبي صلى الله عليه وسلم(8/143)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
3010- حدثنا عِيسَى بنُ عُثْمَانَ بنِ عِيسَى بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ الرّمْلِيّ أخبرنا عَمّي يَحْيَىَ بنُ عِيسَى عن أَبي صَالِحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لأَنْ يَمْتَلِئ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحاً يَرِيْهُ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرَاً" .
ـــــــ
لو كان شطر بيت لكان كفراً، فكأنه إذا حمل وجه الحديث على امتلاء القلب منه أنه قد رخص في القليل منه، ولكن وجهه عندي أن يمتلئ قلبه من الشعر حتى يغلب عليه فيشغله عن القرآن وعن ذكر الله فيكون الغالب عليه، فأما إذا كان القرآن والعلم الغالبين عليه فليس جوفه ممتلئاً من الشعر. قال الحافظ: وأخرج أبو عبيد التأويل المذكور من رواية مجالد عن الشعبي مرسلاً، فذكر الحديث وقال في آخره: يعني من الشعر الذي هجي به النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وقع لنا ذلك موصولاً من وجهين آخرين، فذكرهما الحافظ وضعفهما.
قلت: والظاهر أن المراد من الامتلاء أن يكون الشعر مستولياً عليه بحيث يشغله عن القرآن والذكر والعلوم الشرعية وهو مذموم من أي شعر كان. وقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه على هذا الحديث من رواية ابن عمر وأبي هريرة باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله والعلم والقرآن.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم وابن ماجه.
قوله: "حدثنا عيسى بن عثمان بن عيسى بن عبد الرحمن الرملي" النهشلي الكوفي صدوق من الحادية عشرة "أخبرنا عمي يحيى بن عيسى" التميمي النهشلي الفاخوري بالفاء والخاء المعجمة الكوفي نزيل الرملة صدوق يخطئ ورمي بالتشيع من التاسعة.
قوله: "يريه" بفتح ياء وكسر راء وسكون ياء أخرى صفة قيح، أي يفسده من الورى وهو داء يفسد الجوف ومعناه قيحاً يأكل جوفه ويفسده، وقيل أي يصل إلى الرئة ويفسدها. ورد بأن المشهور في الرئة الهمز "أن يمتلئ" أي جوفه،(8/144)
وفي البابِ عن سَعْدٍ وَأَبي سَعِيدٍ وَابنِ عُمرَ وَأَبي الدّرْدَاءِ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
قال ابن أبي حمزة: قوله جوف أحدكم، يحتمل أن يكون المراد جوفه كله وما فيه من القلب وغيره، ويحتمل أن يريد به القلب خاصة وهو الأظهر، لأن أهل الطب يزعمون أن القيح إذا وصل إلى القلب شيء منه، وإن كان يسيراً، فإن صاحبه يموت لا محالة بخلاف غير القلب مما في الجوف من الكبد والرئة قال الحافظ: ويقوي الاحتمال الأول رواية عوف بن مالك: لأن يمتلئ جوف أحدكم من عانته إلى لهاته، وتظهر مناسبته للثاني لأن مقابله وهو الشعر محله القلب، لأنه ينشأ عن الفكر. وأشار ابن أبي جمرة إلى عدم الفرق في امتلاء الجوف من الشعر بين من ينشئه أو يتعانى حفظه من شعر غيره كما هو ظاهر.
قوله: "وفي الباب عن سعد وأبي سعيد وابن عمر وأبي الدرداء" أما حديث سعد فالظاهر أنه أراد حديثاً آخر له غير حديثه المذكور، ولينظر من أخرجه، وأما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم، وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري والطحاوي، وأما حديث أبي الدرداء فأخرجه الطبراني.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وابن ماجه.(8/145)
105- باب ما جَاءَ في الفَصَاحَةِ وَالْبَيَان
3011- حدثنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ الأعْلَى الصّنْعَانِيّ، أخبرنا عُمَرُ بنُ عَلِيّ المُقَدّمِيّ، أخبرنا نَافِعُ بنُ عُمَرَ الْجُمحِيّ عن بِشْرِ بنِ عَاصِمٍ، سَمِعَهُ يُحَدّثُ عن أَبِيهِ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
باب ما جَاءَ في الفَصَاحَةِ وَالْبَيَان
قوله: "أخبرنا نافع بن عمر" بن عبد الله بن جميل الجمحى المكي، ثقة من كبار السابعة "عن بشر بن عاصم" بن سفيان عن عبد الله بن ربيعة بن الحارث الثقفي الطائفي ثقة من السادسة "عن أبيه" هو عاصم بن سفيان صدوق من الثالثة.(8/145)
قالَ: "إِنّ الله يُبْغِضُ الْبَلِيغَ مِنَ الرّجالِ الّذِي يَتَخَلّلُ بِلِسَانِهِ كَمَا تَتَخَلّلُ الْبَقَرَةُ" .
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وفي البابِ عن سَعْدٍ.
ـــــــ
قوله: "إن الله يبغض" بضم التحتية وسكون الباء وكسر الغين، وكذا هو مضبوط في النسخة الأحمدية بالقلم. قال في القاموس: أبغضوه مقتوه، وقال في الصراح: ابغاض دشمن داشتين "البليغ" أي المبالغ في فصاحة الكلام وبلاغته "من الرجال" أي مما بينهم، وخصوا لأنه الغالب فيهم "الذي يتخلل بلسانه" أي يأكل بلسانه أو يدير لسانه حول أسنانه مبالغة في إظهار بلاغته وبيانه "كما يتخلل البقرة" أي بلسانها كما في رواية، قال في النهاية: أي يتشدق في الكلام بلسانه ويلفه كما تلف البقرة الكلأ بلسانها لفاً انتهى. وخص البقرة لأن جميع البهائم تأخذ النبات بأسنانها وهي تجمع بلسانها. وأما من بلاغته خلقية فغير مبغوض، كذا في السراج المنير.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد وأبو داود.
قوله: "وفي الباب عن سعد" أي ابن أبي وقاص أخرجه أحمد عنه مرفوعاً لا تقوم الساعة حتى يخرج قوم يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقرة بألسنتها.(8/146)
106- باب
3012- حدثنا قتيبة، أخبرنا حماد بن زيد، عن كثير بن شنظير عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمروا الآنية، وأوكئوا الأسقية، وأجيفوا الأبواب
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن كثير بن شنطير" بكسر معجمة وسكون نون وكسر ظاء معجمة وسكون تحتية وبراء المازني هو أبو قرة البصري صدوق يخطىء من السادسة.
قوله: "خمروا الآنية" بفتح معجمة وتشديد ميم أي غطوها، وفي رواية(8/146)
وأطفئوا المصابيح فإن الفويسقة ربما جرت الفتيلة فأحرقت أهل البيت" . قال هذا حديث حسن صحيح وقد روي وجه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
لمسلم وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله ولو أن تعرضوا عليها شيئا وأوكوا بفتح الكاف من الإيكاء الأسقية جمع السقاء بكسر السين أي شدوا واربطوا رأس السقاء بالوكاء وهو ما يشد به القربة وزاد مسلم واذكروا اسم الله وأجيفوا الأبواب أي أغلقوها زاد مسلم في رواية واذكروا اسم الله وأطفئوا بهمزة قطع وكسر فاء فهمزة مضمومة المصابيح جمع المصباح أي السراج فإن الفويسقة تصغير الفاسقة والمراد الفأرة لخروجها من جحرها على الناس وإفسادها.
قوله هذا حديث حسن صحيح وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه(8/147)
107- باب
3013- حدثنا قتيبة، أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سافرتم في الخصب، فأعطوا الإبل حظها من الأرض، وإذا سافرتم في السنة فبادروا بنقيها، وإذا عرستم فاجتنبوا الطريق،
ـــــــ
باب
قوله: "أخبرنا عبد العزيز بن محمد" هو الدراوردي.
قوله: "إذا سافرتم في الخصب" بكسر المعجمة أي زمان كثرة العلف والنبات "فأعطوا لإبل حظها من الأرض" أي من نباتها، يعني دعوها ساعة فساعة ترعى إذ حقها من الأرض رعيها فيه "وإذا سافرتم في السنة" أي القحط أو زمان الجدب "فبادروا بها نقيها" بكسر النون وسكون القاف بعدها تحتية:(8/147)
فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل" .
هذا حديث حسن صحيح. وفي الباب عن أنس وجابر.
ـــــــ
أي أسرعوا عليها السير ما دامت قوية النقي وهو المخ. قال القاري: والظاهر أنه سيما على أنه مفعول بادروا وعليه الأصول من النسخ المضبوطة يعني من المشكاة. وقال الطيبي: يحتمل الحركات الثلاث أن يكون منصوبا مفعولا به وبها حال منه، أي بادروا نقيها إلى المقصد ملتبسا بها أو من الفاعل أي ملتبسين بها، ويجوز أن تكون الباء سببية أي بادروا بسبب سيرها نقيها وأن تكون للإستعانة أي بادروا نقيها مستعينين بسيرها، ويجوز أن يكون مرفوعا فاعلا للظرف وهو حال، أيي بادروا إلى المقصد ملتبسا بها نقيها أو مبتدأ والجار والمجرور خبره، والجملة حال كقولهم فوه إلى في وأن يكون مجرورا بدلا من الضمير المجرور، والمعنى سارعوا بنقيها إلى المقصد باقية النقي فالجار والمجرور حال "وإذا عرستم" بتشديد الراء أي نزلتم بالليل. قال في القاموس: أعرس القوم نزلوا في آخر الليل للإستراحة كعرسوا "فإنها طرق الدواب" أي دواب المسافرين أو دواب الأرض وغيرها "ومأوى الهوام بالليل" وهي بتشديد الميم جمع هامة كل ذات سم. قال النووي هذا وضوء من آداب السير والنزول أرشد إليه صلى الله عليه وسلم لأن الحشرات ودواب الأرض من ذوات السموم والسباع تمشي في الليل على الطرق لسهولتها ولأنها تلتقط منها ما يسقط من مأكول ونحوه وما يجد فيها من رمة ونحوها فإذا عرس الإنسان على الطريق ربما مر به منها ما يؤذيه فينبغي أن يتباعد عن الطريق انتهى
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي
قوله: "وفي الباب عن أنس وجابر" أما حديث أنس فأخرجه أبو داود وأما حديث جابر فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه.(8/148)
108- باب
3014- حدثنا إسْحَقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيّ. أخبرنا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الْجَبّارِ بن عُمَرَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنَامَ الرّجُلُ عَلَى سَطْحٍ لَيْسَ بِمَحْجُور عَلَيْهِ" .
هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ إِلاَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَعَبْدُ الْجَبّارِ بْنِ عُمَرَ يُضَعّفُ.
3015- حدثنا مَحْمودُ بْنُ غَيْلاَنَ. أخبرنا أَبُو أَحْمَدَ. أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ الله قَالَ: "كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَتَخَوّلُنَا بِالمَوْعظَةِ في الأَيَامِ مَخَافَةَ السّآمَةِ عَلَيْنَا" .
ـــــــ
باب
قوله: "أن ينام الرجل" أي ليلاً أو مطلقاً "ليس بمحجوز عليه" أي ليس حوله جدار مانع من الوقوع عن السطح.
قوله: "وعبد الجبار بن عمر الأيلي" بفتح الهمزة وسكون التحتانية الأموي مولاهم "يضعف" بصبغة المجهول من التضعيف، وقد ضعفه كثير من المحدثين كما في تهذيب التهذيب، فالحديث ضعيف، لكن له شواهد ذكرها المنذري في الترغيب.
قوله: "يتخولنا" بالخاء المعجمة أي يتعاهدنا "بالموعظة" أي النصح والتذكير "الأيام" صفة للموعظة أي بالموعظة الكائنة في الأيام "مخافة السآمة" كلام إضافي منصوب على أنه مفعول له أي لأجل مخافة السآمة، والسآمة مثل الملالة لفظاً ومعنى وصلة السآمة محذوفة، لأنه يقال سأمت من الشيء. والتقدير مخافه السآمة من الموعظة(8/149)
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحِيحٌ.
3016- حَدّثْنَا مُحمّدُ بْنُ بَشّارٍ. أخبرنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. أخبرنا سفيان عن سُلَيْمَان الأَعْمَشِ. حَدّثْنِي شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ.
ـــــــ
"علينا" إما يتعلق بالسآمة على تضمين السآمة معنى المشقة، أي مخافة المشقة علينا، إذ المقصود بيان رفق النبي صلى الله عليه وسلم بالأمة وشفقته عليهم ليأخذوا منه بنشاط وحرص لا عن ضجر وملل، وإما يجعل صفة، والتقدير مخافة السآمة الطارئة علينا، وإما يجعل حالاً والتقدير مخافة السآمة حال كونها طارئة علينا، وإما ما يتعلق بالمحذوف والتقدير مخافة السآمة شفقة علينا فافهم. وفي الحديث الاقتصاد في الموعظة لئلا تملها القلوب فيفوت مقصودها.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.(8/150)
109- باب
3017- حدثنا أَبُو هِشَامٍ الرّفَاعِيّ. أخبرنا ابْنُ فُضَيلٍ عنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبي صَالِحٍ قَالَ: سُئِلتْ عَائِشَةُ وَأُمّ سَلَمَةَ أَيّ الْعَمَلِ كانَ أَحَبّ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. قَالَتَا: "مَا دِيمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلّ".
هذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كانَ أَحَبّ الْعَمَلِ إلى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مَا دِيمَ عَلَيْهِ".
ـــــــ
باب
قوله: "ما ديم عليه" بصيغة الماضي المجهول من دام يدوم، أي العمل الذي دووم عليه "وإن قل" أي ولو قل العمل، وفي الحديث: أن العمل القليل مع المداومة والمواظبة خير من العمل الكثير مع ترك المراعاة والمحافظة.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه النسائي.(8/150)
3018- حَدّثَنَا بذلك هَرُونَ بْنُ إِسْحَقَ الْهَمْدَانِيّ. أخبرنا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ.
هذا حديثٌ صحيحٌ
ـــــــ
قوله: "أخبرنا عبدة" هو ابن سليمان.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.(8/151)
أبواب الأمثال
باب ماجاء في مثل الله عز وجل لعباده
...
1- باب ما جَاءَ في مَثَلَ الله عزّ وَجَلّ لِعِبَاده
3019- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ، أخبرنا بِقَيّةُ بنُ الْوَلِيدِ، عن بجير بنِ سَعِدٍ، عن خَالدِ بنِ مَعْدَانَ، عن جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عن النّوّاسِ بنِ سِمْعَانَ الْكِلاَبِيّ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الله ضَرَبَ مَثَلاً صِرَاطاً مُسْتَقِيمَاً، عَلَى كَنَفَي الصّرَاطِ داران لَهُمَا أَبُوَابٌ
ـــــــ
أبواب الأمثال
جمع المثل بفتحتين وهو تشبيه شيء بشيء في حكمه وتقريب المعقول من المحسوس أو أحد المحسوسين من الآخر واعتبار أحدهما ب الآخر، قاله ابن القيم في الأعلام. وقال البيضاوي في تفسيره: أكثر الله تعالى في كتبه الأمثال، وفشت في كلام الأنبياء والحكماء، والمثل في الأصل بمعنى النظير، يقال مثل ومثل ومثيل كشبه وشبه وشبيه، ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بموردة ولا يضرب إلا ما فيه غرابة، ولذلك حوفظ عليه من التغير، ثم استعير لكل حال أو قصة أو صفة لها شأن وفيها غرابة كقوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} وقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} انتهى
باب ما جَاءَ في مَثَلَ الله عزّ وَجَلّ لِعِبَاده
قوله: "عن بجير بن سعيد" بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة السحولى "عن خالد بن معدان" الكلاعي الحمصي كنيته أبو عبد الله، ثقة عابد يرسل كثيراً من الثالثة "عن النواس" بفتح النون وتشديد الواو "بن سمعان" بكسر السين المهملة، وقيل بفتحها وسكون الميم وبالعين المهملة، صحابي مشهور سكن الشام.
قوله: "إن الله ضرب مثلاً" أي بين مثلاً "صراطاً مستقيماً" بدل من(8/152)
مُفَتّحَةً، عَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ، وَدَاعٍ يَدْعُو عَلَى رَأْسِ الصّرَاطِ وَدَاعٍ يَدْعُو فَوْقَهُ وَالله يَدْعُو إلى دَارِ السّلاَمِ وَيَهْدِيِ مَنْ يَشَاءُ إلى صِرَاطِ مُسْتَقِيمٍ وَالأَبْوَابُ الّتِي عَلَى كَنَفَي الصّرَاطِ حُدُودُ الله، فَلاَ يَقَعُ أَحَدٌ فِي حدُودِ الله حَتّى يَكْشِفَ السّتْرَ، وَالّذِي يَدْعُو مِنْ فَوْقِهِ وَاعِظُ رَبّهِ" .
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. قال سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عَبْدِ الرّحْمَن يَقُولُ سَمِعْتُ زَكَرِيّا بنَ عَدِيٍ يَقُولُ، قالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ: خُذُوا عن
ـــــــ
مثلاً لا على إهدام المبدل كما في قولك: زيد رأيت غلامه رجلاً صالحاً "على كنفي الصراط" أي على جانبيها والكنف محركة الجانب "زوران" بضم الزاي تثنية زور، أي جداران. وفي حديث ابن مسعود عند رزين سوران بضم السين المهملة تثنية سور، والظاهر أن السين قد أبدلت بالزاي كما يقال في الأسدي الأزدي "لهما" أي للزورين وفي حديث ابن مسعود فيهما "على الأبواب ستور" جمع الستر بالكسر "وداع يدعو على رأس الصراط". وفي حديث ابن مسعود: وعند رأس الصراط داع يقول: استقيموا على الصراط ولا تعوجوا " وداع يدعو فوقه" أي فوق الداعي الأول "والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم" وفي حديث ابن مسعود: وفوق ذلك داع يدعو كلما هم عبد أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه "والأبواب النبي على كنفي الصراط حدود الله" أي محارمه "والذي يدعو من فوقه واعظ ربه" وفي حديث ابن مسعود ثم فسره فأخبر أن الصراط هو الإسلام، وأن الأبواب المفتحة محارم الله، وأن الستور المرخاة حدود الله، وأن الداعي على رأس الصراط هو القرآن وأن الداعي من فوقه هو واعظ الله في قلب كل مؤمن. قال الطيبي: قوله هو واعظ الله في قلب كل مؤمن، هو لمة الملك في قلب المؤمن، واللمة الآخرى هي لمة الشيطان.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد والبيهقي في شعب الإيمان "سمعت عبد الله بن عبد الرحمن" هو الدارمي "يقول سمعت زكريا بن(8/153)
بَقِيّةَ مَا حَدّثَكُمْ عن الثّقَاتِ، وَلاَ تَأْخُذُوا عن إسْمَاعِيلَ بنِ عَيّاشٍ مَا حَدّثَكُمْ عن الثّقَاتِ، وَلاَ غَيْرِ الثّقَاتِ.
3020- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا الّليْثُ عن خَالِدِ بنِ يَزِيدَ، عن سَعِيدِ بنِ أَبي هِلاَلِ، أَنّ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيّ قالَ: "خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَاً، فَقَالَ: "إِنّي رَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنّ جِبْرَيلَ عِنْدَ رَأَسِي وَمِيكَائِيلَ عِنْدَ رِجْلى، يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اضْرِبْ
ـــــــ
عدي" قال في التقريب: زكريا بن عدي بن الصلت التيمي مولاهم أبو يحيى، نزيل بغداد وهو آخر يوسف ثقة جليل يحفظ من كبار العاشرة، ووقع في بعض النسخ زكريا بن أبي عدي بزيادة أبي بين ابن وعدي وهو غلط، لأنه ليس في شيوخ الدارمي ولا في أصحاب أبي إسحاق الفزاري من يسمى بزكريا بن أبي عدي "يقول قال أبو إسحاق الفزاري" اسمه إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن حفص بن حذيفة ثقة حافظ له تصانيف من الثامنة "خذوا عن بقية ما حدثكم عن الثقات" وكذلك قال غير واحد من أئمة الحديث، وقال الحافظ في التقريب في ترجمة بقية بن الوليد هذا: إنه صدوق كثير التدليس انتهى، فعنعنته غير مقبولة وإن كانت عن الثقات، وروي هذا الحديث عن بجير بن سعد بالعنعنة "ولا تأخذوا عن إسماعيل بن عياش ما حدثكم عن الثقات ولا غير الثقات" هذا الذي قاله أبو إسحاق خلاف قول جمهور الأئمة، وقد تقدم بيانه في باب: لا وصية لوارث. من أبواب الوصايا.
قوله: "أخبرنا الليث" بن سعد "عن خالد بن يزيد" الجمحي المصري.
قوله: "كأن جبرئيل" بتشديد النون "وميكائيل عند رجلي" وفي رواية البخاري: جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم. وفي حديث ابن مسعود الآتي إذا أنا برجال عليهم ثياب بيض، فيحتمل أنه كان مع كل منهما غيره. واقتصر في رواية الترمذي هذه على من باشر الكلام منهم ابتداء وجواباً(8/154)
لَهُ مَثَلاً، فَقَالَ: اسْمَعْ سَمِعَت أُذُنُكَ، وَاعْقِلْ عَقَلَ قَلْبُكَ، إِنّمَا مَثَلُكَ، وَمَثَلُ أُمّتِكَ، كَمَثَلِ مَلِكٍ اتّخَذَ دَاراً، ثُمّ بَنَى فِيهَا بَيْتَاً، ثُمّ جَعَلَ فِيهَا مَائِدَةً، ثُمّ بَعَثَ رَسُولاً يَدْعُو النّاسَ إلى طَعَامِهِ. فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ الرّسُولَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَهُ، فَالله هُوَ المَلِكُ وَالدّارُ الإِسْلاَمُ، وَالْبَيْتُ الْجنَةُ، وَأَنْتَ يَا مُحمّدُ رَسُولٌ فمن أَجَابَكَ دَخَلَ الإِسْلاَمَ، وَمَنْ دَخَلَ الإِسْلاَمَ دَخَلَ الْجَنّةَ، وَمَنْ دَخَلَ الْجَنّةَ أَكَلَ مَا فِيهَا".
هذا حديثٌ مُرْسَلٌ. سَعِيدُ بنُ أَبي هِلاَلٍ لَمْ يُدْرِكْ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله.
ـــــــ
"اضرب" أي بين "له" أي للنبي صلى الله عليه وسلم مثلاً، أي تمثيلاً وتصويراً للمعنى المعقول في صورة الأمر المحسوس ليكون أوقع تأثيراً في النفوس "فقال اسمع" خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم "سمعت أذنك" جملة دعائية "واعقل" أي افهم، وفي حديث ربيعة الجرشي عند الدارمي: لتنم عينك ولتسمع أذنك وليعقل قلبك قال المظهر: معناه لا تنظر بعينك إلى شيء ولا تصغ بأذنك إلى شيء ولا تجر شيئاً في قلبك أي كن حاضراً حضوراً تاماً لتفهم هذا المثل "إنما مثلك ومثل أمتك" أي صفتك وصفة أمتك "كمثل ملك" أي كصفة ملك بكسر اللام "اتخذ داراً" أي بناها "ثم بنى فيها بيتاً" قال في القاموس: الدار المحل يجمع البناء والعرصة كالدائرة انتهى، والبيت قطعة من الدار "ثم جعل فيها مائدة" قال في القاموس: المائدة الطعام والخوان عليه الطعام كالميدة فيهما، وفي رواية البخاري: وجعل فيها مأدبة. والمأدبة بضم الدال وتفتح، طعام عام يدعى الناس إليه لوليمة "ثم بعث رسولاً" وفي رواية البخاري داعياً "إلى طعامه" أي إلى طعام الملك "فمنهم من أجاب الرسول" أي قبل دعاءه "ومنهم من تركه" أي لم يجبه. وفي حديث ابن مسعود الآتي ومن لم يجبه عاقبه أو قال عذبه، وفي رواية أحمد: عذب عذاباً شديداً.
قوله: "هذا حديث مرسل" أي منقطع، قال الحافظ في الفتح بعد نقل(8/155)
وفي البابِ عن ابنِ مَسْعُودٍ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم عن غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ بِإِسْنَادِ أَصَحّ مِنْ هَذَا.
3021- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ أبي عَدِيّ عن جَعْفَرِ بنِ مَيْمُونٍ، عن أَبي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيّ عن أَبي عُثْمَانَ، عن ابنِ مَسْعُودٍ قال: "صَلّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ ثُمّ انْصَرَفَ فَأَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ حَتّى خَرَجَ بِهِ إلى بَطْحَاءِ مَكّةَ فَأَجْلَسَهُ ثُمّ خَطّ عَلَيْهِ خَطّاً، ثمّ قال: "لا تَبْرَحَنّ خَطّكَ فَأَنّهُ سَيَنْتَهِي إِلَيْكَ رِجَالٌ فَلاَ تُكَلّمْهُمْ فَإِنّهُمْ لاَ يُكَلّمُوكَ" ، قال: ثُمّ مَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَيْثُ أَرَادَ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ في خَطّى إِذْ أَتَانِي رِجَالٌ كأَنّهُمْ الزّطّ أَشْعَارَهُمْ وَأَجْسَاَمَهُمْ.
ـــــــ
كلام الترمذي هذا ما لفظه: وقد اعتضد هذا المنقطع بحديث ربيعة الجرشي عند الطبراني بنحو فإنه سياقه وسنده جيد.
قوله: "وفي الباب عن ابن مسعود" أخرجه الترمذي بعد هذا "وقد روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه بإسناد أصح من هذا" رواه البخاري في صحيحه عن جابر من غير طريق الترمذي.
قوله: "أخبرنا محمد بن أبي عدي" هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي "عن جعفر بن ميمون" التميمي كنيته أبو علي، ويقال أبو العوام بياع الأنماط، صدوق يخطئ من السادسة.
قوله: "خرج به إلى بطحاء مكة" أي مسيل واديها، قال في القاموس: البطح ككتف، والبطيحة والبطحاء والأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصى "ثم خط عليه" أي خط حوله "خطاً" أي خطاً مستديراً محيطاً به "لا تبرحن خطك" أي لا تفارقن الخط الذي خط لك "فإنه سينتهي إليك" أي سيصل إليك "كأنهم الزط" قال في القاموس: الزط بالضم جبل من الهند معرب جت بالفتح والقياس(8/156)
لا أَرَى عَوْرَةٌ ولا أَرَى قِشْراً، وَيَنْتَهُونَ إِلَيّ ولا يُجَاوِزُونَ الْخَطّ، ثُمّ يَصْدُرُونَ إلى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَتّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ الّليلِ، لَكِنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ جَاءَنِي وَأَنَا جَالِسٌ فَقَالَ: "لَقَدْ أُرَانِي مُنْذُ الّليْلَةَ" ، ثُمّ دَخَلَ عَلَيّ في خَطّي فَتَوَسّدَ فَخِذِي وَرَقَدَ، وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا رَقَدَ نَفَخَ، فَبَيْنَا أَنَا قَاعِدٌ ورَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُتَوَسّدٌ فَخِذِي، إِذَا أَنا بِرِجَالٍ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيضٌ. الله أَعْلَمُ مَا بِهِمْ مِنَ الْجَمَالِ فَانْتَهَوْا إِلَيّ، فَجَلَسَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ رَأْسِ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، ثُمّ قالُوا بَيْنَهُمْ: مَا رَأَيْنَا عَبْداً قَطّ أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هَذَا النبيّ صلى الله عليه وسلم، إِنّ عَيْنَيْهِ تَنَامَانِ وَقَلْبَهُ يَقْظَانُ، اضْرِبُوا لَه مَثَلاً: مَثَلُ سَيّدٍ بَنَى قَصْراً ثُمّ جَعَلَ مَأدبة فَدَعَا النّاسَ إلى طَعَامِهِ وَشَرابِهِ، فَمَنْ أَجَابَهُ أَكَلَ مِنْ طَعَامِهِ وَشَرِبَ
ـــــــ
يقتضي فتح معربة أيضاً والواحدة زطى انتهى. وقال في النهاية: الزط هم جنس من السودان والهنود "أشعارهم وأجسامهم" يجوز النصب على نزع الخافض أي كأنهم الزط في أشعارهم وأجسامهم، ويجوز الرفع على الابتداء والخبر محذوف أي أشعارهم وأجسامهم مثل الزط "لا أرى عورة ولا أرى قشرة" بكسر القاف وسكون المعجمة: غشاء الشيء خلقة أو عرضاً وكل ملبوس قال في المجمع: أي لا أرى منهم عورة منكشفة ولا أرى عليهم ثياباً "ثم يصدرون" أي يرجعون "لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءني" أي حتى إذا كان من آخر الليل ما جاؤا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءني "فقال لقد أراني منذ الليلة" أي لم أنم "فتوسد فخذي" أي جعل فخذي وسادة "إذا أنا برجال" إذا للمفاجأة "إن عينيه تنامان والقلب يقظان" غير منصرف، وقيل منصرف لمجيء فعلانة منه. قال زين العرب: يقظان منصرف لمجيء فعلانة، لكنه قد صح في كثير من نسخ(8/157)