1218 ـ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ . حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ لَاعَنَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ وَفَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْأُمِّ . هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
ـــــــ
الشيخان قوله "لاعن رجل امرأته" هو عويمر العجلاني وزوجته خولة بنت قيس العجلانية قاله الحافظ في مقدمة الفتح وقد وقع اللعان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من صحابيين أحدهما عويمر العجلاني رمى زوجته بشريك بن سحماء فتلاعنا وكان ذلك سنة تسع من الهجرة وثانيهما هلال بن أمية بن عامر الأنصاري وخبرهما مروي في الصحيحين وغيرهما "وفرق النبي صلى الله عليه وسلم" قال القاري : فيه تنبيه على أن التفرقة بينهما لا تكون إلا بتفريق القاضي والحاكم وقال زفر تقع الفرقة بنفس تلاعنهما وهو المشهور من مذهب مالك والمروي عن أحمد انتهى "وألحق الولد بالأم" أي في النسب والوراثة فيرث ولد الملاعنة منها وترث منه ولا وراثة بين الملاعن وبينه وبه قال جمهور العلماء ووقع في آخر حديث سهل بن سعد ثم البخاري وغيره قال يعني ابن شهاب : ثم جرت السنة في ميراثها أنها ترثه ويرث منها ما فرض الله له . قوله "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه .(4/390)
باب ماجاء أين تعتد المتوفي عنها زوجها
...
23- باب ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها
1219 ـ حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا مَعْنٌ . حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَة َ، عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ؛ أَنَّ الْفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ ، وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ
ـــــــ
باب ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها
قوله : "عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة" البلوي المدني حليف الأنصار ثقة من الخامسة "عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة" بضم العين وسكون الجيم زوج أبي سعيد الخدري مقبولة من الثانية ويقال لها البغوي "أن الفريعة" بضم الفاء(4/390)
الْخُدْرِيِّ ، أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ . وَأَنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا حَتَّى إِذَا كَانَ بِطَرَفِ الْقَدُومِ لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ قَالَتْ : فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَرْجِعَ إِلَى . أَهْلِي فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْ لِي مَسْكَنًا يَمْلِكُهُ ، وَلَا نَفَقَةً قَالَتْ فَقَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "نَعَمْ" . قَالَتْ : فَانْصَرَفْتُ ، حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ "أَوْ فِي الْمَسْجِدِ" نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَوْ أَمَرَ بِي فَنُودِيتُ لَهُ" فَقَالَ "كَيْفَ قُلْتِ"؟ قَالَتْ : فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْتُ لَهُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي . قَالَ امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ" قَالَتْ : فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا . قَالَتْ : فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ ، أَرْسَلَ إِلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرْتُهُ . فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِه .ِ
1220 ـ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ . حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ إِسْحَقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ . هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
ـــــــ
وفتح الراء "بنت مالك بن سنان" بكسر السين "وهي" أي الفريعة زينب "أنها" أي الفريعة "تسأله" حال أو استثناف تعليل "في بني خدرة" بضم الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة أبو قبيلة "في طلب أعبد" بفتح فسكون فضم جمع عبد "أبقوا" بفتح الموحدة أي هربوا "حتى إذا كان" أي زوجها "بطرف القدوم" بفتح الدال مشددة ومخففة موضع على ستة أميال من المدينة "حتى إذا كنت في الحجرة أي الحجرة الشريفة أو في المسجد" أي المسجد النبوي وهو مسجد المدينة "قال امكثي" بضم الكاف أي توقفي واثبتي "في بيتك" أي الذي كنت فيه "حتى يبلغ الكتاب" أي العدة المكتوب عليها أي المفروضة "أجله" أي مدته والمعنى حتى تنقضي العدة وسميت العدة كتابا لأنها فريضة من الله تعالى قال تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ} أي فرض "فلما كان عثمان" أي خليفة وأمير المؤمنين قوله "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مالك في الموطإ وأبو داود(4/391)
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ لَمْ يَرَوْا لِلْمُعْتَدَّةِ أَنْ تَنْتَقِلَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا .
وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَقَ و قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ وَإِنْ لَمْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا قَالَ أَبُو عِيسَى وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ.
ـــــــ
والنسائي وابن ماجه والدارمي وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال : صحيح الإسناد من الوجهين جميعا ولم يخرجاه . وقال الذهبي هو حديث صحيح محفوظ كذا في المرقاة وقال الحافظ في بلوغ المرام : وصححه الترمذي والذهلي وابن حبان والحاكم وغيرهم انتهى . قوله والعمل على هذا الحديث ثم أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم الخ" قال في شرح السنة : اختلفوا في السكنى المعتدة عن الوفاء . وللشافعي فيه قولان فعلى الأصح لها السكنى وبه قال عمر وعثمان وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود وقالوا : إذنه صلى الله عليه وسلم للفريعة أولا صار منسوخا بقوله : امكثي في بيتك الخ وفيه دليل على جواز نسخ الحكم قبل الفعل . والقول الثاني أن لا سكنى لها بل تعتد حيث شاءت وهو قول علي وابن عباس وعائشة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للفريعة أن ترجع إلى أهلها وقوله لها آخرا امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله أمر ستحباب انتهى . وحجة أصحاب القول الأول حديث الباب ، واستدل على القاري على عدم خروج المتوفي عنها زوجها بقوله تعالى وَالَّذِينَ {يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} فإنه دل على عدم خروجها من بيت زوجها ولما نسخ مدة الحول بأربعة أشهر وعشرا والوصية بقي عدم الخروج على حاله انتهى وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ففي موطأ الإمام محمد عن نافع أن ابن عمر كان يقول لا تبيت المبتوتة ولا المتوفى عنها إلا في بيت زوجها قال محمد وبهذا ينفذ أما المتوفى عنها فإنها تخرج بالنهار في حوائجها ولا تبيت إلا في بيتها وأما المطلقة مبتوتة كانت مبتوتة فلا تخرج ليلا ولا نهارا ما دامت في عدتها وهو قول أبي حنيفة(4/392)
ـــــــ
والعامة من فقهائنا انتهى . "وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم للمرأة : أن تعتد حيث شاءت وإن لم تعتد في بيت زوجها" وهو قول علي وابن عباس وعائشة كما في شرح السنة . وقال العيني في البناية وجاء عن علي وعائشة وابن عباس وجابر أنها تعتد حيث شاءت . وهو قول الحسن وعطاء والظاهرية انتهى . واستدل لهم بما أخرجه الدارقطني عن محبوب بن محرز عن أبي مالك النخعي عن عطاء بن السائب عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المتوفى عنها زوجها أن تعتد حيث شاءت . قال الدرقطني لم أبي مالك النخعي وهو ضعيف قال ابن القطان ومحبوب بن محرز ايضا ضعيف . وعطاء النخعي مختلف وأبو مالك أضعفهم فلذلك أعله الدارقطني به وذكر الجيمع أصوب لاحتمال أن يكون الجناية من غيره ؛ انتهى كلامه كذا في نصب الراية . "والقول الأول أصح" فإن دليلة أصح من دليل القول الثاني قال القاضي الشوكاني في النيل : قد استدل بحديث فريعة على أن المتوفى عنها تعتد في المنزل الذي بلغها نعي زوجها وهي فيه ولا تخرج منه إلى غيره . وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم . وقد أخرج ذلك عبد الرزاق عن عمر وعثمان وابن عمر وأخرجه أيضا سعيد بن منصور عن أكثر أصحاب ابن مسعود والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وسعيد بن المسيب وعطاء . وأخرجه حماد عن ابن سيرين وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والأوزاعي وإسحاق وأبو عبيد الله قال : وحديث فريعة لم يأت من خالفه بما ينتهض لمعارضته فالتمسك به متعين انتهى .(4/393)
ابواب البيوع
باب ماجاء في ترك الشبهات
...
أبواب البيوع
عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
1 ـ باب ما جاء في ترك الشبهات
1221 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ. أنبأنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ مُجَالِدٍ، عنِ الشّعْبيّ، عنِ النّعْمانِ بنِ بَشِيرٍ قالَ: سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "الْحَلاَلُ بَيّنٌ وَالْحَرَامُ بَيّنٌ. وبَيْنَ ذلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ. لاَ يَدْرِي كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ أمِنَ الْحَلاَلِ هِيَ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ. فمَنْ تَرَكَهَا. اسْتِبْرَاءً
ـــــــ
أبواب البيوع
عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
ما جاء في ترك الشبهات
قوله: "عن الشعبي" بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة وبموحدة هو عامر بن شراحيل الفقيه المشهور قال مكحول: ما رأيت أفقه منه ثقة فاضل توفي سنة 103 ثلاث ومائة. قوله: "الحلال بين" بتشديد الياء المكسورة أي واضح لا يخفي حله بأن ورد نص على حله أو مهد أصل يمكن استخراج الجزئيات منه كقوله تعالى {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} فإن اللام للنفع فعلم أن الأصل في الأشياء الحل إلا أن يكون فيه مضرة "والحرام بين" أي ظاهر لا تخفى حرمته بأن ورد نص على حرمته كالفواحش والمحارم والميتة والدم ونحوها أو مهد ما يستخرج منه نحو كل مسكر حرام "وبين ذلك" المذكور من الحلام والحرام وفي رواية الصحيحين وبينهما "مشتبهات" بكسر الموحدة أي أمور ملتبسة غير مبينة لكونها ذات جهة إلى كل من الحلال والحرام "لا يدري كثير من الناس" قال الحافظ: مفهوم قوله كثير أن معرفة حكمها ممكن، لكن للقليل من الناس وهن المجتهدون فالشبهات على هذا في حق غيرهم. وقد تقع لهم حيث لا يظهر لهم ترجيح أحد الدليلين "فمن تركها" أي المشتبهات "استبراء" استفعال من البراءة أي طلباً(4/394)
لِدِيِنِهِ وعِرْضِهِ فَقَدْ سَلِمَ. ومَنْ وَاقَعَ شَيْئاً مِنْهَا، يُوشِكُ أنْ يُوَاقِعَ الْحَرَامَ. كمَا أَنّهُ مَنْ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أنْ يُوَاقِعَهُ. أَلاَ وَإِنّ لِكُلّ مَلِكٍ حِمى. ألاَ وَإنّ حِمَى الله مَحَارِمُهُ".
1222 ـ حدثنا هِنّادٌ. حدّثنَا وَكِيعٌ عنْ زَكَرِيّا بنِ أبي زَائِدَةَ، عنِ الشّعْبيّ، عنِ النّعْمانِ بنِ بَشِيرٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَهُ
ـــــــ
للبراءة "لدينه" من الذم الشرعي "وعرضه" من كلام الطاعن "فقد سلم" من الذم الشرعي والطعن "ومن واقع شيئاً منها" أي من وقع في شيء من المشتبهات "يوشك أن يواقع الحرام" أي أن يقع فيه "كما أنه من يرعى حول الحمى" بكسر المهملة وفتح ميم مخففة، وهو المرعي الذي يحميه السلطان من أن يرتع منه غير رعاة دوابه. وهذا المنع غير جائز إلا للنبي صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم لا حمى إلا الله ورسوله "يوشك أن يواقعه" أي يقرب أن يقع في الحمى قال الحافظ في اختصاص التمثيل بذلك نكتة وهي أن ملوك العرب كانوا يحمون لمراعي مواشيهم أماكن مختصة يتوعدون من يرعى فيها بغير إذنهم بالعقوبة الشديدة فمثل لهم النبي صلى الله عليه وسلم بما هو مشهور عندهم، فالخائف من العقوبة المراقب لرضا الملك يبعد عن ذلك الحمى خشية أن تقع مواشيه في شيء منه فبعده أسلم له ولو اشتد حذره. وغير الخائف المراقب يقرب منه ويرعى من جوانبه فلا يأمن أن تنفرد الفاذة فتقع فيه بغير اختياره أو يمحل المكان الذي هو فيه ويقع الخصب في الحمى فلا يملك نفسه أن يقع فيه فالله سبحانه وتعالى هو الملك حقاً وحماه محارمه "ألا" مركبة من همزة الاستفهام وحرف النفي لإعطاء معنى التنبيه على تحقق ما بعدها "وإن لكل ملك حمى" أي على ما كان عليه الجاهلية أو إخبار عما يكون عليه ظلمة الإسلامية. قال القاري في المرقاة: الأظهر أن الواو هي الابتدائية التي تسمى النحاة الاستينافية الدالة على انقطاع ما بعدها عما قبلها في الجمل كما ذكره صاحب المعنى "ألا وإن حمى الله محارمه" وهي أنواع المعاصي فمن دخله بارتكاب شيء منها استحق التقوية عليه. زاد في رواية الصحيحين: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت(4/395)
بِمعْنَاهُ. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِد عن الشّعْبيّ، عنِ النّعْمانِ بنِ بَشِيرٍ.
ـــــــ
فسد الجسد كله، ألا وهي القلب. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم.(4/396)
باب ماجاء في أكل الربا
...
2 ـ باب مَا جَاءَ في أَكْلِ الرّبَا
1223 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدّثنَا أبُو عَوَانَةَ عنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ عَبْدِ الله بنِ
مَسْعُودٍ، عنِ ابنِ مَسْعُودٍ، قالَ: لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكاتِبَهُ.
وفي البابِ عنْ عُمرَ وَعَلِي وجَابِرٍ وأبي جحيفة.
حدِيثُ عَبْدِ الله حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في أَكْلِ الرّبَا
قوله: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا" أي أخذه وإن لم يأكل وإنما خص بالأكل لأنه أعظم أنواع الانتفاع كما قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} . "ومؤكله" بهمز ويبدل أي معطيه لمن يأخذه وإن لم يأكل منه نظراً إلى أن الأكل هو الأغلب أو الأعظم كما تقدم "وشاهديه وكاتبه" وروى مسلم هذا الحديث عن جابر وزادهم سواء قال النووي هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابيين والشهادة عليهما وفيه تحريم الإعانة على الباطل انتهى. وفي رواية النسائي عن ابن مسعود: آكل الربا ومؤكله وشاهداه وكاتبه اذا علموا ذلك ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. قوله: "وفي الباب من عمر" أخرجه ابن ماجه والدارمي "وعلي" بن أبي طالب رضي الله عنه أخرجه النسائي "وجابر رضي الله عنه" أخرجه مسلم. وفي الباب أيضاً عن أبي جحيفة أخرجه البخاري ومسلم مرفوعاً: بلفظ حرم ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي ولعن الواشمة والمستوشمة وآكل الربا ومؤكله إلخ. قوله: "حديث عبد الله حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأخرجه أيضاً ابن حبان والحاكم وصححاه(4/396)
باب ماجاء في التلغيظ في الكذب والزور ونحوه
...
3 ـ باب مَا جَاءَ في التّغْلِيظِ في الْكَذِبِ وَالزّورِ وَنحْوِه
1224 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصّنْعَانِيّ. حدّثنَا خَالِدُ بنُ الْحَارِثِ، عنْ شُعْبَةَ. حدّثنَا عُبَيْدُ الله بنُ أبي بَكْرِ بنِ أنَسٍ، عنْ أنَسٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم "في الْكبَائِرِ" قالَ: "الشّرْكُ بِالله وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النّفْسِ، وَقَوْلُ الزّورِ" وفي البابِ عنْ أبي بَكْرَةَ وَأَيمَنَ بنِ خُرَيْمٍ وابنِ عُمرَ.
حدِيثُ أنَسٍ، حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ غرِيبٌ.
ـــــــ
باب ما جاء في التغليظ في الكذب والزور ونحوه
قوله: "عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكبائر" وفي رواية للبخاري: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر فقال "وعقوق الوالدين" أي قطع صلتهما مأخوذ من العق وهو الشق والقطع، والمراد عقوق أحدهما قيل هو إيذاء لا يتحمل مثله من الولد عادة، وقيل عقوقهما مخالفة أمرهما فيما لم يكن معصية. وفي معناهما الأجداد والجدات "وقتل النفس" أي بغير حق "وقول الزور" أي الكذب وسمي زوراً لميلانه عن جهة الحق. ووقع في رواية للبخاري: وشهادة الزور مكان وقول الزور. قوله: "وفي الباب عن أبي بكرة" أخرجه البخاري ومسلم "وأيمن بن خريم" بضم الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة مصغراً ابن الأخرم الأسدي أبي عطية الشامي الشاعر مختلف في صحبته. وقال العجلي تابعي ثقة وأخرج حديثه أحمد والترمذي. وأخرج أبو داود وابن ماجه عن خريم بن فاتك مرفوعاً عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله ثلاث مرات ثم قرأ "فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به" رواه أبو داود وابن ماجه ورواه أحمد والترمذي عن أيمن بن خريم إلا أن ابن ماجه لم يذكر القراءة "وابن عمر رضي الله عنه" أخرجه ابن ماجه مرفوعاً بلفظ: لن تزول قدم شاهد الزور حتى يوجب الله له بالنار. قوله: "وحديث أنس حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه البخاري ومسلم(4/397)
باب ماجاء في التجاء وتسميةالنبي صلى الله عليه وسلم إياهم
...
4 ـ باب مَا جَاءَ في التّجّارِ وَتَسْمِيَةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم إِيّاهُم
1225 حدثنا هَنّادٌ. حدّثنَا أَبُو بَكْرِ بنُ عَيّاشٍ، عنْ عَاصِمٍ، عنْ أبي وَائِلٍ، عنْ قَيْسِ بنِ أبي غَرَزَةَ، قالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَنحْنُ نُسَمى السّمَاسِرَةَ. فقَالَ "يَا مَعْشَر التّجّارِ إنّ الشّيطَانَ والإثْمَ يَحْضُرَانِ الْبَيْعَ. فَشُوبُوا بَيْعَكُمْ بالصّدَقَةِ" وفي البابِ عنِ الْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ ورِفَاعَةَ.
حدِيثُ قَيْسِ بنِ أبي غَرَزَةَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. رَوَاهُ مَنْصُورٌ والأعْمَشُ وحَبِيبُ بنُ أبي ثَابِتٍ وغَيْرُ وَاحِدٍ عنْ أبي وَائِلٍ، عنْ قَيْسِ بنِ أبي غَرَزَةَ. ولاَ نَعْرِفُ لِقَيْسٍ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ هذَا.
ـــــــ
باب ما جاء في التجار وتسمية النبي صلى الله عليه وسلم إياهم
قوله: "عن قيس بن أبي غرزة" بمعجمة وراء وزاي مفتوحات الغفاري صحابي نزل الكوفة "نحن نسمى" بصيغة المجهول أي ندعى "السماسرة" بالنصب على أنه مفعول ثان وهو بفتح السين الأولى وكسر الثانية جمع السمسار قال في النهاية: السمسار القيم بالأمر الحافظ وهو اسم للذي يدخل بين البائع والمشتري متوسطاً لإمضاء البيع والسمسرة البيع والشراء انتهى. "فقال يا معشر التجار" ولفظ أبي داود: هكذا كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نسمى السماسرة فمر بنا النبي صلى الله عليه وسلم فسمانا باسم هو أحسن منه فقال: يا معشر التجار الخ. قال الخطابي: السمسار أعجمي وكان كثير ممن يعالج البيع والشراء فيهم عجماً فتلقوا هذا الإسم عنهم فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التجارة التي هي من الأسماء العربية وذلك معنى قوله فسمانا باسم هو أحسن منه انتهى. "إن الشيطان والإثم يحضران البيع" وفي رواية أبي داود: إن البيع يحضره اللغو والحلف. "فشوبوا" أمر من الشوب بمعنى الخلط أي اخلطوا "بيعكم بالصدقة" فإنها تطفئ غضب الرب. قوله: "وفي الباب عن البراء بن عازب" أخرجه البيهقي في شعب الإيمان "ورفاعة" أخرجه الترمذي وابن ماجه والدارمي. قوله: "حديث قيس بن أبي غرزة حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود(4/398)
1226 حدثنا هَنّاد. حَدّثنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عنِ الأَعمَشِ، عن شقِيقِ بنِ سَلَمةَ، عنْ قَيْسِ بنِ أبي غَرزَةَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ وهذا حديثٌ صحيحٌ.
1227 حدثنا هَنّادٌ: حَدّثنَا قَبيصَةُ حدثنا عنْ سُفْيَانَ، عنْ أبي حَمْزَةَ، عنِ الْحَسَنِ، عنْ أبي سَعِيدٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ "التّاجِرُ الصّدُوقُ الأمِينُ، مَعَ النّبِيّينَ والصّدّيِقينَ والشّهَداءِ".
حدثنا سويد حدثنا ابن المبارك عن سفيان عن أبي حمزة بهذا الإسناد نحوه. هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه من
ـــــــ
والنسائي وابن ماجه قوله: "ولا نعرف لقيس عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا" قال المنذري وقد روى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن التجار هم الفجار إلا من بر وصدق". قال فمنهم من يجعلهما حديثين انتهى. قوله: "عن أبي حمزة" اسمه عبد الله بن جابر ويقال له أبو حازم أيضاً مقبول من السادسة كذا في التقريب. وقال في الخلاصة في ترجمته: يروى عن أبي الشعساء ومجاهد وعنه الثوري وحكام بن سلم وثقه ابن حبان "عن الحسن" بن أبي الحسن البصري ثقة فقيه فاضل مشهور وكان يرسل كثيراً ويدلس قاله البزار: كان يروي عن جماعة لم يسمع منهم فيتجوز ويقول حدثنا وخطبنا يعني قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة هو رأس أهل الطبقة الثالثة مات سنة عشرة ومائة وقارب التسعين. قوله: "التاجر الصدوق الأمين الخ" أي من تحرى الصدق والأمانة كان في زمرة الأبراء من النبيين والصديقين ومن توخى خلافهما كان في قرن الفجار من الفسقة والعاصين قاله الطيبي. وقال في اللمعات كلاهما من صيغ المبالغة تنبيه على رعاية الكمال في هذين الصفتين حتى ينال هذه الدرجة الرفيعة انتهى. قوله: "هذا حديث حسن" ، وقال الحاكم من مراسيل الحسن قاله المناوي وفي الباب عن ابن عمر: بلفظ التاجر الأمين الصدوق المسلم مع الشهداء يوم القيامة. أخرجه ابن ماجه والحاكم وقال صحيح واعترض قاله المناوي. وفي الباب أيضاً عن أنس بن مالك بلفظ: التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة أخرجه(4/399)
حدِيثِ الثّوْرِيّ عنْ أبي حَمْزَةَ. وأبُو حَمْزَةَ عَبْدُ الله بنُ جَابِرٍ. وهُوَ شَيْخٌ بَصْرِيّ
1228 ـ حدثنا يَحْيَى بنُ خَلَفٍ. حدّثنَا بِشْرُ بنُ المُفَضّلِ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُثمانَ بنِ خُثَيمٍ، عنْ إسْمَاعِيلَ بنِ عُبَيْدِ بنِ رِفَاعَةَ، عنْ أبِيهِ عنْ جَدّهِ أنّهُ خَرَجَ مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم إلَى المُصَلّى. فَرَأى النّاسَ يَتَبَايَعُونَ فقَالَ "يَا مَعْشَرَ التّجّارِ" فَاسْتَجَابُوا لِرَسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ورَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ. فقَالَ "إنّ التّجّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجّاراً. إلاّ مَنِ اتّقَى الله وَبَرّ وصَدَقَ".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. ويُقَالُ: إسماعِيلُ بنُ عُبَيْدِ الله بنِ رِفَاعَةَ أيْضاً.
ـــــــ
الأصفهاني في ترغيبه. وعن ابن عباس بلفظ: التاجر الصدوق لا يحجب من أبواب الجنة. أخرجه ابن النجار.
قوله: "عن إسماعيل بن عبيد" بالتصغير ويقال له إسماعيل بن عبيد الله أيضاً كما صرح به الترمذي "بن رفاعة" بكسر الراء "عن أبيه" عبيد "عن جده" رفاعة وهو رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان أبو معاذ المدني بدري جليل له أحاديث انفرد له البخاري ثلاثة أحاديث وعنه ابناه معاذ وعبيد مات في أول خلافة معاوية قوله: "إن التجار" بضم الفوقية وتشديد الجيم جمع تاجر "يبعثون يوم القيامة فجاراً" جمع فاجر من الفجور "إلا من اتقى الله" بأن لم يرتكب كبيرة ولا صغيرة من غش وخيانة أي أحسن إلى الناس في تجارته أو قام بطاعة الله وعبادته "وصدق" أي في يمينه وسائر كلامه. قال القاضي: لما كان من ديدن التجار التدليس في المعاملات والتهالك على ترويج السلع بما تيسر لهم من الأيمان الكاذبة ونحوها حكم عليهم بالفجور، واستثنى منهم من اتقى المحارم وبر في يمينه وصدق في حديثه. وإلى هذا ذهب الشارحون وحملوا الفجور على اللغو والحلف كذا في المرقاة. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه ابن ماجة والدارمي(4/400)
باب ماجاء في من حلق على سلعة كاذباً
...
5 ـ باب مَا جَاءَ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ كاذِبا
1229 ـ حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ. حدّثنَا أبُو دَاوُدَ: قال أنبأنا شُعْبَةُ قالَ: أخْبَرَني عَلِيّ بنُ مُدْرِكٍ قالَ: سَمِعْتُ أبَا زُرْعَةَ بنَ عَمْرو بنِ جَرِيرٍ، يُحَدّثُ عنْ خَرَشَةَ بنِ الْحُرّ، عنْ أَبي ذَر، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ الله إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلاَ يُزَكّيهمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. قلنا: مَنْ هُمْ يَا رَسولَ الله؟ فَقَدْ خَابُوا وَخَسِرُوا. فقالَ: الْمَنّانُ، والْمسبِلُ إزَارَهُ، والْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكاذِبِ".
وفي البابِ عنِ ابنِ مَسْعُودٍ وأبي هُرَيْرَةَ وأبي أمَامَةَ بنِ ثَعْلَبَةَ وعِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ ومَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ.
قال أبو عيسى حَدِيثُ أبي ذَر، حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ كاذِبا
قوله: "أخبرني علي بن مدرك" بضم الميم وسكون الدال وكسر الراء فاعل من الإدراك ثقة "عن خرشة" بفتحات والشين المعجمة "بن الحر" بضم المهملة الفزاري كان يتيماً في حجر عمر قال أبو داود: له صحبة. وقال العجلي: ثقة من كبار التابعين. فيكون من الثانية كذا في التقريب. قوله: "لا ينظر الله إليهم" أي نظر رحمة "ولا يزكيهم" أي لا يطهرهم من الذنوب "فقد خابوا" أي حرموا من الخير "المنان" وفي رواية والمنان الذي لا يعطى شيئاً إلا منة بفتح الميم وتشديد النون أي إلا من به على من أعطاه "والمسبل إزاره" أي عن كعبيه كبراً واختيالاً "والمنفق" بالتشديد والتخفيف أي المروج "بالحلف" بكسر اللام وبسكونها قوله: "وفي الباب عن ابن مسعود" أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرطهما كذا في الترغيب "وأبي هريرة" أخرجه الشيخان "وأبي أمامة بن ثعلبة" أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه "وعمران بن حصين" ، أخرجه أبو داود "ومعقل بن يسار" أخرجه أحمد. قوله: "حديث أبي ذر حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم(4/401)
باب ماجاء في التبكير بالتجارة
...
6 ـ باب مَا جَاءَ في التّبْكِيرِ بِالتّجَارَة
1230 ـ حدثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ. حَدّثنَا هُشَيْمٌ. حَدّثَنا يَعْلَى بنُ عَطَاءٍ عنْ عُمَارَةَ بنِ جدِيدٍ، عنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيّ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "الّلهُمّ بَارِكْ لأمّتِي في بُكُورِهَا". قالَ: وكانَ إذَا بَعَثَ سَرِيّةً أوْ جَيْشاً، بَعَثَهُمْ أوّلَ النّهَارِ. وكانَ صَخْرٌ رَجُلاً تَاجِراً. وكانَ إذَا بَعَثَ تِجَارَةً بَعَثَهُمْ أوّلَ النّهَارِ، فَأَثْرَى وكَثُرَ مَالُهُ.
وفي البابِ عَنْ عَلِي وابنِ مَسْعُودٍ وبُرَيْدَةَ وأنَسٍ وابنِ عُمَرَ وابنِ عَبّاسٍ
ـــــــ
باب ما جاء في التبكير بالتجارة
التبكير من البكور قال في الصراح "بكور بكاه برخاستن وبامداد كردن وبإمداء رفتن يقال بكرت وابكرت وبكرت وباكرت وابتكرت كله بمعنى انتهى.
قوله: "حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي" بفتح مهملة وسكون واو وفتح راء وبقاف ثقة من العاشرة "حدثنا هشيم" هو هشيم بن بشير السلمي أبو معاوية قال يعقوب الدورقي: كان عند هشيم عشرون ألف حديث. وقال العجلي: ثقة يدلس وقال ابن سعد: ثقة حجة إذا قال أنبأنا "عن عمارة" بضم العين المهملة "بن حديد" بفتح الحاء المهملة وكسر الدال الأولى، وثقة ابن حبان وقال أبو حاتم مجهول. قوله: "اللهم بارك لأمتي في بكورها" أي أول نهارها. والإضافة لأدنى مناسبة كذا في المرقاة "قال وكان" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا بعث سرية أو جيشاً" قال في النهاية: السرية طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو جمعها السرايا انتهى. "فأثرى" أي صار ذا ثروة بسبب مراعاة السنة. وإجابة هذا الدعاء منه صلى الله عليه وسلم كذا في اللمعات "وكثر ماله" عطف تفسير. قوله: "وفي الباب عن علي وبريدة الخ" قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة عمارة بن حديد بعد ذكر حديث الباب من طريقه ما لفظه: وفي الباب عن أنس بإسناد تالف. وعن بريدة من طريق أوس بن عبد الله وهو لين وعن ابن عباس من وجهين لم يصحا انتهى. وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن ماجه بلفظ: اللهم بارك لأمتي في بكورها. وفي الباب عن أبي هريرة بلفظ:(4/402)
وَجَابِرٍ. قال أبو عيسى حَدِيثُ صَخْرٍ الْغَامِدِيّ حديثٌ حسنٌ. وَلاَ نَعْرِفُ لِصَخْر الْغَامِدِيّ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ هَذا الْحَدِيثِ. وقَدْ رَوَى سُفْيَانُ الثّوْرِيّ، عنْ شعْبَةَ، عنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، هذَا الْحَدِيثَ.
ـــــــ
اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم الخيمس. أخرجه ابن ماجه. وفي الباب عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم كما ستقف. قوله: "حديث صخر الغامدي حديث حسن" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه. قال الذهبي في تذكرة الحفاظ بعد ذكر هذا الحديث: صخر لا يعرف إلا في هذا الواحد، ولا قيل إنه صحابي إلا به، ولا نقل ذلك إلا عمارة. وعمارة مجهول كما قال الرازيان ولا يفرح بذكر ابن حبان له بين الثقات فإن قاعدته معروفة من الاحتجاج بمن لا يعرف، تفرد بهذا الحديث عنه يعلى بن عطاء. قال ابن القطان: أما قوله حسن فخطأ انتهى. كلام الذهبي. قلت الأمر كما قال الحافظ الذهبي، قال المنذري في الترغيب. بعد ذكر هذا الحديث رووه كلهم عن عمارة بن حديد عن صخر، وعمارة بن حديد بجلى سئل عنه أبو حاتم الرازي. فقال مجهول: وسئل عنه أبو زرعة: فقال لا يعرف. وقال أبو عمر النمري: صخر بن وداعة الغامدي ـ وغامد في الأزد ـ سكن الطائف وهو معدود في أهل الحجاز روى عنه عمارة بن حديد وهو مجهول، لم يرو عنه غير يعلى الطائفي، ولا أعرف لصخر غير حديث: بورك لأمتي في بكورها. وهو لفظ رواه جماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى كلامه. قال المنذري وهو كما قال أبو عمر: قد رواه جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم منهم علي وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وأبو هريرة وأنس بن مالك وعبد الله بن سلام والنواس بن سمعان وعمران بن حصين وجابر بن عبد الله وبعض أسانيده جيد ونبيط بن شريط. وزاد في حديثه: يوم خميسها. وبريدة وأوس بن عبد الله وعائشة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وفي كثير من أسانيدها مقال، وبعضها حسن وقد جمعتها في جزء وبسطت الكلام عليها. وروى عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "باكروا للغدو في طلب الرزق فإن الغدو بركة ونجاح". رواه البزار والطبراني في الأوسط، وروي عن عثمان رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "نوم الصبحة يمنع الرزق". رواه أحمد والبيهقي وغيرهما. وأوردهما ابن عدي في الكامل وهو ظاهر النكارة. وروي عن فاطمة بنت محمد ورضي الله عنها قالت: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجعة متصبحة فحركني برجله ثم قال: "يا بنية قومي اشهدي رزق ربك ولا تكوني من الغافلين، فإن الله يقسم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس". رواه البيهقي ورواه أيضاً عن علي قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة بعد أن صلى الصبح وهي نائمة فذكره بمعناه. وروى ابن ماجه من حديث علي قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النوم قبل طلوع الشمس انتهى ما في الترغيب.(4/403)
باب ماجاء في الرخصة في الشراء إلى أجل
...
7 ـ باب مَا جَاءَ في الرّخْصَةِ في الشّرَاءِ إلَى أجَل
1231 ـ حدثنا أَبُو حَفْص عمرُ بنُ عَلِي. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ. أخبرنا عُمَارَةُ بنُ أبي حَفْصَةَ. أخبرنا عِكْرِمَةُ عنْ عَائِشَةَ، قالَتْ: كانَ عَلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثَوْبَيْنِ قِطْرِيّانِ غَلِيظَانِ. فَكانَ إذَا قَعَدَ فَعَرِقَ، ثَقُلاَ عَلَيْهِ. فَقَدِمَ بَزّ مِنَ الشّامِ لِفُلاَنٍ الْيَهُودِيّ. فَقلت: لَوْ بَعثْتَ إِلَيْهِ فَاشْتَرَيْتَ مِنْهُ ثَوْبَيْنِ إلَى الْمَيْسَرَةِ. فأَرْسَلَ إلَيْهِ فقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ مَا يُرِيدُ. إنّمَا يُرِيدُ أنْ يذْهَبَ بِمَالِي، أوْ بِدَرَاهِمي. فقَالَ رسولُ الله
ـــــــ
باب ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل
وبوب الإمام البخاري في صحيحه بلفظ: باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة قال ابن بطال: الشراء بالنسيئة جائز بالإجماع. قال الحافظ في الفتح: لعل المصنف يعني البخاري تخيل أن أحداً يتخيل أنه صلى الله عليه وسلم لا يشتري بالنسيئة فأراد دفع ذلك التخيل انتهى
قوله: "ثوبين قطريين" كذا في بعض النسخ وفي بعضها: ثوبان قطريان، وهو القياس. قال في النهاية: قطري بكسر القاف ضرب من البرود فيه حمرة وله أعلام وفيه بعض خشونة "فقدم بز" هو ضرب من الثياب "إلى الميسرة" أي مؤجلا إلى وقت اليسر "قد علمت ما يريد"(4/404)
صلى الله عليه وسلم "كَذَبَ. قَدْ عَلِمَ أنّي مِنْ أتْقَاهُمْ لله وآدّاهُمْ لِلأمَانَةِ".
وفي البابِ عنِ ابنِ عبّاسٍ وأنَسٍ وأسْمَاءَ بنت يَزِيدَ. حدِيثُ عَائِشَةَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ غريب. وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ أيْضاً عنْ عُمَارَةَ بنِ أبي حَفْصَةَ. سَمِعتُ مُحَمّدَ بنَ فِرَاسٍ الْبَصْرِيّ يَقُولُ: سمِعتُ أَبَا دَاوُدَ الطّيَالِسِي يَقُولُ: سُئِلَ شُعْبَةُ يَوْماً عنْ هَذَا الْحَديِثِ فقَالَ: لَسْتُ أُحَدّثُكُمْ حَتّى تَقُومُوا إِلَى حَرَمِيّ بنِ عُمَارَةَ، فتُقَبّلُوا رَأْسَهُ. قالَ: وَحَرَمِيّ في الْقَوْمِ.
1232 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ. حَدّثَنا ابنُ أبي عَدِي و عُثْمانُ بنُ أبي عُمَرَ عنْ هِشَامِ بنِ حَسّانَ، عنْ عِكْرِمَةَ، عنِ ابنِ عَبّاسٍ قالَ: "تُوُفّيَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ بِعِشْرِينَ صَاعاً مِنْ طَعَامٍ، أخَذَهُ لأهْلِهِ". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
1233 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ. حَدّثنَا ابنُ أبي عَدِي عنْ هِشَامٍ الدّسْتَوَائِيّ، عنْ قَتَادَةَ، عنْ أَنَسٍ ح قالَ مُحَمّدُ بن هشام، وحدثنا معاذ بن هشام قال: حَدّثَنَا أَبي عن قتَادَةَ عَن أَنَسٍ. قالَ "مَشَيْتُ إلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإهَالَةٍ سَنِخَةٍ. وَلَقَدْ رُهِنَ لَهُ دِرعٌ عند يَهُودِي
ـــــــ
ما استفهامية علق العلم أو موصولة، والعلم بمعنى العرفان "وآداهم" قال في المجمع بمد ألف أي أحسنهم وفاء انتهى. قوله: "وفي الباب عن ابن عباس" أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة "وأنس" أخرجه البخاري وغيره وأخرجه الترمذي أيضاً "وأسماء ابنة يزيد" لينظر من أخرج حديثها قوله: "حتى تقوموا إلى حرمي بن عمارة" بن أبي حفصة وحرمي بفتح الحاء والراء المهملتين وبشدة التحتانية، وإنما قال شعبة للقوم لتقببل رأسه لإعزازه وإكرامه لأنه هو ابن عمارة بن أبي حفصة الذي روى شعبة هذا الحديث عنه. قوله: "ودرعه مرهونة" الواو للحال قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وقال صاحب الاقتراح: هو على(4/405)
بِعِشْرينَ صَاعاً مِنْ طعَامٍ أَخَذَهُ لأهْلِهِ. ولقَدْ سَمِعْتُهُ ذَاتَ يَوْمٍ يَقُولُ: مَا أَمْسَى في آلِ مُحَمّدٍ صلى الله عليه وسلم صَاعُ تَمْر وَلاَ صَاعُ حَب. وإنّ عِنْدَهُ يَوْمَئِذٍ لَتِسْع نِسْوَةٍ". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
شرط البخاري كذا في النيل. "قال محمد" هو ابن بشار "مشيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبز شعير" قال الحافظ في الفتح: وقع لأحمد من طريق شيبان عن قتادة عن أنس: لقد وعى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم على خبز شعير وإهالة سنخة فكأن اليهودي دعا النبي صلى الله عليه وسلم على لسان أنس فلهذا قال: مشيت إليه بخلاف ما يقتضيه ظاهره أنه أحضر ذلك إليه انتهى. "فإهالة" قال في القاموس: الإهالة الشحم أو ما أذيب منه أو الزيت وكل ما أئتدم به "سنخة" بفتح السين المهملة وكسر النون، المتغيرة الريح "مع يهودي وفي بعض النسخ عند يهودي، قال العلماء: والحكمة في عدوله صلى الله عليه وسلم عن معاملة مياسير الصحابة إلى معاملة اليهود إما بيان الجواز أو لأنهم لم يكن عندهم إذ ذاك طعام فاضل عن حاجتهم، أو خشي أنهم لا يأخذون منه ثمناً أو عوضاً، والله تعالى أعلم "بعشرين صاعاً" وفي رواية للشيخين: بثلاثين صاعاً من شعير. ولعله رهنه أول الأمر في عشرين ثم استزاده عشرة. فرواه الراوي تارة على ما كان الرهن عليه أولاً، وتارة على ما كان عليه آخراً. وقال في الفتح: لعله كان دون الثلاثين فجبر الكسر تارة وألقى الجبر أخرى انتهى. "ولقد سمعته ذات يوم يقول" قال الحافظ في الفتح: هو كلام أنس والضمير في سمعته للنبي صلى الله عليه وسلم. أي قال ذلك لما رهن الدرع عند اليهودي مظهراً للسبب في شرائه إلى أجل، وذهل من زعم أنه كلام قتادة وجعل الضمير في سمعته لأنس لأنه إخراج للسياق عن ظاهره بغير دليل انتهى. "وإن عنده يومئذ لتسع نسوة" قال الحافظ مناسبة ذكر أنس لهذا القدر مع ما قبله الإشارة إلى سبب قوله صلى الله عليه وسلم هذا وأنه لم يقله متضجراً ولا شاكياً معاذ الله من ذلك، وإنما قاله معتذراً عن إجابة دعوة اليهودي ولرهنه عنده درعه انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري وغيره(4/406)
باب ماجاء في كتابة الشروط
...
8 ـ باب مَا جَاءَ في كِتَابَةِ الشُرُوط
1234 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّار. أخبرنا عَبّادُ بنُ لَيْثٍ صَاحِبُ الكَرَابِيسِي البصري. أخبرنا عَبْد المَجِيدِ بنُ وَهْبٍ قالَ: قالَ لِي العَدّاءُ بنُ خَالِدِ بنِ هَوْذَةَ: ألاَ أُقْرِئُكَ كِتَاباً كَتَبَهُ لِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالَ قلت: بَلَى. فَأَخْرَجَ لِي كِتَاباً "هذَا ما اشْتَرَى العَدّاءُ بنُ خَالِدِ بنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمّدٍ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. اشْتَرَى مِنْهُ عَبْداً أوْ أمَةً. لاَ دَاءَ وَلاَ غَائِلَةَ وَلاَ خِبْثَةَ، بَيْعَ المُسْلِم المُسْلمَ" .
قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في كِتَابَةِ الشُرُوط
قوله "أخبرنا عباد بن ليث" أبو الحسن البصري صدوق يخطئ من التاسعة "صاحب الكرابيس" ويقال له الكرابيسي أيضاً، والكرابيس جمع كرباس بالكسر ثوب من القطن الأبيض معرب فارسيته بالفتح غيروه لعزة1 فعلال. والنسبة كرابيسي كأنه شبه بالأنصاري وإلا فالقياس كرباسي كذا في القاموس "قال لي العداء" بفتح العين المهملة وتشديد الدال المهملة أيضاً وآخره همزة بوزن الفعال، صحابي قليل الحديث أسلم بعد حنين "بن هوذه" بفتح الهاء وسكون الواو هو ابن ربيعة بن عمرو بن عامر بن صعصعة. قوله: "لاداء" قال المطرزي المراد به الباطن سواء ظهر منه شيء أم لا كوجع الكبد والسعال. وقال ابن المنير: لاداء أي يكتمه البائع وإلا فلو كان بالعبد داء وبينه البائع كان من بيع المسلم للمسلم، ومحصله أنه لم يرد بقوله: لاداء. نفي الداء مطلقاً بل نفي داء مخصوص وهو ما لم يطلع عليه "ولا غائله" قيل: المراد بها الإباق. وقال ابن بطال: هو من قولهم اغتالني فلان إذا احتال بحيلة سلب بها مالي. "ولا خبثة" بكسر الخاء المعجمة وبضمها وسكون الموحدة وبعدها مثلثة قيل: المراد الأخلاق الخبيثة كالإباق. وقال صاحب العين: هي الدنية. وقيل: المراد الحرام. كما عبر عن الحلال بالطيب. وقيل الداء ما كان في الخلق بفتح الخاء، والخبثة ما كان في الخلق بضمها. والغائلة سكوت البائع عن بيان ما يعلم من مكروه في المبيع. قاله ابن العربي كذا في النيل. "بيع المسلم المسلم" المسلم الأول بالجر فاعل
ـــــــ
1 هكذا وردت يالأصل . ولعلها مصحفة عن كلمة "بوزن" (المصحح) .(4/407)
لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حدِيثِ عَبّادِ بنِ لَيْثٍ. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ هذَا الحدِيثَ غيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أهْلِ الحَديثِ.
ـــــــ
والثاني بالنصب مفعول. والمعنى أن هذا بيع المسلم المسلم ليس فيه شيء مما ذكر من الداء والغائلة والخبثة. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه النسائي وابن ماجه وابن الجارود وعلقه البخاري.(4/408)
باب ماجاء في المكيال والميزان
...
9 ـ باب مَا جَاءَ في الْمِكْيَالِ والْمِيزَان
1235 ـ حدثنا سَعِيدُ بنُ يَعْقُوبَ الطّالَقَانِيّ. حدّثنَا خَالِدُ بنُ عَبْدِ الله الوَاسِطِيّ عنْ حُسَيْنِ بنِ
قَيْسٍ، عنْ عِكْرِمَةَ، عنِ ابنِ عَبّاسٍ، قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأصْحَابِ الكَيْلِ والمِيزَانِ "إنّكُمْ قَدْ وُلّيْتُمْ أَمْرَيْنِ، هَلَكَتْ فِيهِ الأُمَمُ السّالِفَةُ قَبْلَكُمْ". هذا حديثٌ لاَ نَعْرِفهُ مَرْفُوعاً إلاّ مِنْ حدِيثِ حُسَيْنِ بنِ قَيْسٍ. وحُسَيْنُ بنُ قَيسٍ يُضَعّفُ في الحَدِيثِ. وقَدْ رُوِيَ هذَا بِإسْنَادٍ صَحِيحٍ عنِ ابنِ عَبّاسٍ موقوفاً.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في الْمِكْيَالِ والْمِيزَان
قوله "إنكم قد وليتم" بضم الواو وتشديد اللام المكسورة "أمرين" أي جعلتم حكاماً في أمرين أي الوزن والكيل. وإنما قال أمر بن أبهمة ونكره ليدل على التفخيم، ومن ثم قيل في حقهم: ويل للمطففين "هلكت فيه" كذا في نسخ الترمذي. وفي المشكاة فيهما وهو الظاهر "الأمم السالفة قبلكم" كقوم شعيب على نبينا وعليه الصلاة والسلام كانوا يأخذون من الناس تاما. وإذا أعطوهم أعطوهم ناقصاً. قوله: "وحسين بن قيس يضعف في الحديث" في التقريب: حسين بن قيس الرجي أبو علي الواسطي لقبه حنش متروك من السادسة. "وقد روي هذا بإسناد صحيح موقوفاً عن ابن عباس" قال المنذري في الترغيب بعد ذكر حديث الباب: رواه الترمذي والحاكم كلاهما من طريق حسين بن قيس عن عكرمة عنه أي عن ابن عباس وقال الحاكم صحيح الإسناد. قال الحافظ المنذري: كيف وحسين بن قيس متروك، والصحيح عن ابن عباس موقوف. كذا قاله الترمذي وغيره انتهى.(4/408)
باب ماجاء في بيع من يزيد
...
10ـ باب مَا جَاءَ في بَيْعِ مَنْ يزِيد
1236 ـ حدثنا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ. حدثنا عُبَيْدُ الله بنُ شمَيْطِ بنِ عَجْلاَنَ. حدّثنَا الأخْضَرُ بنُ عَجْلاَنَ عنْ عَبْدِ الله الحَنَفِيّ، عنْ أنسٍ بنِ مَالِكٍ، أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بَاعَ حِلْساً وقَدَحاً. وقالَ "مَنْ يشْترِي هَذَا الحِلْسَ والقدَحَ"؟ فقَالَ رَجُلٌ: أَخَذْتُهُمَا بِدِرْهَمٍ. فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم "مَنْ يزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ؟ مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ؟" فَأَعْطَاهُ رَجُلٌ دِرْهَمَيْنِ. فَبَاعَهُمَا مِنْهُ. هذا حديثٌ حسنٌ لاَ نَعْرِفهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ الأخْضَرِ بنِ عَجْلاَنَ. وعَبْدُ الله الحَنَفِيّ الّذِي رَوَى عنْ أنَسٍ، هُوَ أبُو بَكْرٍ الحَنَفِيّ. والعَملُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلمِ. لَمْ يَرَوْا بَأْساً بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ في الْغَنَائِمِ والْمَوَارِيثِ وقَدْ رَوَى هذا
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في بَيْعِ مَنْ يزِيد
قوله: "باع حلساً" بكسر الحاء المهملة وسكون اللام، كساء يوضع على ظهر البعير تحت القتب لا يفارقه. والحلس البساط أيضاً. ومنه: كن حلس بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو ميتة قاضية "وقدحا" بفتحتين أي أراد بيعهما وقضيته أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم صدقة. فقال له: هل لك شيء؟ فقال: ليس لي إلا حلس وقدح. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعهما وكل ثمنهما ثم إذا لم يكن لك شيء فسل الصدقة". فباعهما. كذا في المرقاة "من يزيد على درهم الخ" ، فيه جواز الزيادة على الثمن إذا لم يرض البائع بما عين الطالب. قال النووي رحمه الله: هذا ليس بسوم لأن السوم هو أن يقف الراغب والبائع على البيع ولم يعقداه، فيقول الاَخر للبائع أنا أشتريه. وهذا حرام بعد استقرار الثمن. وأما السوم بالسلعة التي تباع لمن يزيد فليس بحرام. قوله: "هذا حديث حسن" وأعله ابن القطان بجهل حال أبي بكر الحنفي. ونقل عن البخاري أنه قال: لا يصح حديثه كذا في التلخيص. والحديث رواه أحمد وأبو داود مطولاً ورواه أبو داود أيضاً والترمذي والنسائي مختصراً قاله الحافظ.(4/409)
الحديث. الْمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمانَ، وغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ كبار الناس عنِ الأخْضَرِ بنِ عَجْلاَنَ
ـــــــ
قوله: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم لم يروا بأساً ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث" حكى البخاري عن عطاء أنه قال: أدركت الناس لا يرون بأساً في بيع المغانم في من يزيد. ووصله ابن أبي شيبة عن عطاء ومجاهد وروى هو وسعيد بن منصور عن مجاهد قال: لا بأس ببيع من يزيد. وكذلك كانت تباع الأخماس. قال ابن العربي لا معنى لاختصاص الجواز بالغنيمة والميراث فإن الباب واحد والمعنى مشترك انتهى. قال الحافظ: وكان الترمذي يقيد بما ورد في حديث ابن عمر الذي أخرجه ابن خزيمة وابن الجارود والدارقطني من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع أحدكم على بيع أحد حتى يذر. إلا الغنائم والمواريث. وكأنه خرج على الغالب فيما يعتاد فيه البيع مزايدة وهي الغنائم والمواريث ويلتحق بهما غيرهما للإشتراك في الحكم، وقد أخذ بظاهره الأوزاعي وإسحاق فخصا الجواز ببيع المغانم والمواريث. وعن إبراهيم النخعي أنه كره بيع من يزيد انتهى. وقال العيني في عمدة القاري: أما البيع والشراء فيمن يزيد فلا بأس فيه في الزيادة على زيادة أخيه. وذلك لما رواه الترمذي من حديث أنس ثم ذكر العيني حديث الباب ثم قال وهو قول مالك والشافعي وجمهور أهل العلم. وكره بعض أهل العلم الزيادة على زيادة أخيه ولم يروا صحة هذا الحديث وضعفه الأزدي بالأخضر بن عجلان في سنده. وحجة الجمهور على تقدير عدم الثبوت أنه لو ساوم وأراد شراء سلعته وأعطى فيها ثمناً لم يرض به صاحب السلعة. ولم يركن إليه ليبيعه فإنه يجوز لغيره طلب شراؤها قطعاً. ولا يقول أحد إنه يحرم السوم بعد ذلك قطعاً كالخطبة على خطبة أخيه إذا رد الخاطب الأول لأنه لا فرق بين الموضعين. وذكر الترمذي عن بعض أهل العلم جواز ذلك يعني بيع من يزيد في الغنائم والمواريث. قال العيني روى الدارقطني من رواية ابن لهيعة قال حدثنا عبيد الله بن جعفر عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المزايدة ولا بيع أحدكم على بيع أخيه إلا الغنائم والمواريث. ثم رواه من طريقين آخرين: أحدهما عن الواقدي مثله وقال شيخنا يعني الحافظ زين الدين العراقي
رحمه الله: والظاهر أن الحديث خرج على الغالب وعلى ما كانوا يعتادون فيه مؤايدة وهي الغنائم والمواريث، فإنه وقع البيع في غيرهما مزايدة. فالمعنى واحد كما قاله ابن العربي. انتهى. كلام العيني، قلت من كره بيع من يزيد لعله تمسك بما رواه البزار من حديث سفيان بن وهب سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع المزايدة لكنه حديث ضعيف فإن في إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف.(4/410)
باب ماجاء في بيع المدبر
...
11ـ باب مَا جَاء في بَيعِ المُدَبّر
1237 ـ حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ. حدّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عنْ عَمْرو بنِ دِينَارٍ، عنْ جَابِرٍ أنّ رَجُلاً مِنَ الأنْصَارِ دَبّرَ غُلاَماً لَهُ. فمَاتَ ولَمْ يَتْرُكْ مَالاً غَيْرَهُ. فَبَاعَهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم. فاشْترَاهُ نَعيمُ بنُ عبد الله بن النحّامِ قالَ جَابِرٌ: عَبْداً قِبْطيّاً مَاتَ عَامَ الأوّل، في إمَارَةِ ابنِ الزّبَيْرِ.
ـــــــ
باب ما جاء في بيع المدبر
اسم مفعول من التدبير وهو تعليق العتق بالموت. قوله: "أن رجلاً من الأنصار" في مسلم أنه أبو مذكور الأنصاري والغلام اسمه يعقوب. ولفظ أبي داود: أن رجلاً يقال له أبو مذكور أعتق غلاماً يقال له يعقوب "دبر غلاماً له" بأن قال: أنت حر بعد موتي "فمات ولم يترك مالاً غيره" قال العيني في عمدة القاري: هذا مما نسب به سفيان بن عيينة إلى الخطأ أعني قوله فمات ولم يكن سيده مات كما هو مصرح به في الأحاديث الصحيحة. وقد بين الشافعي خطأ ابن عيينة فيها بعد أن رواه عنه. وقال البيهقي من طريق شريك عن سلمة بن كهيل عن عطاء وأبي الزبير عن جابر: أن رجلاً مات وترك مدبراً وديناً ثم قال البيهقي: وقد اجمعوا على خطأ شريك في ذلك. وقال شيخنا يعني الحافظ العراقي: وقد رواه الأوزاعي وحسين المعلم وعبد المجيد بن سهيل كلهم عن عطاء، لم يذكر أحد منهم هذه اللفظة بل صرحوا بخلافها انتهى. "فاشتراه نعيم" بضم النون مصغراً ابن النحام بفتح النون وتشديد الحاء المهملة "قال جابر عبداً قبطياً" أي كان ذلك الغلام عبداً قبطياً وهو يعقوب القبطي "مات" أي ذلك الغلام "عام الأول(4/411)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ و رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وجْهٍ عنْ جَابِرِ بنِ عبدِ الله. والعَمَلُ عَلَى هذَا الحَديثِ عِنْدَ بعْضِ أهْلِ العِلْمِ منْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ لَمْ يَرَوْا بِبَيْعِ المُدَبّرِ بأساً وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ. وَكَرهَ قَوْمٌ مِنْ أهْلِ العِلْمِ منْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ بيْعَ المُدَبّرِ. وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وَمَالِكٍ والأوْزَاعِيّ.
ـــــــ
في إمارة ابن الزيبر" أي في العام الأول من إمارة ابن الزبير. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة قوله: "لم يروا بأسابيع المدبر وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق" قال الشوكاني في النيل: والحديث يدل على جواز بيع المدبر مطلقاً من غير تقييد بالفسق والضرورة. وإليه ذهب الشافعي وأهل الحديث ونقله البيهقي في المعرفة عن أكثر الفقهاء وحكى النووي عن الجمهور أنه لا يجوز بيع المدبر مطلقاً. والحديث يرد عليهم انتهى .(4/412)
باب ماجاء في كراهية تلقي البيوع
...
12ـ باب ما جَاء في كَرَاهِيَةِ تلَقّي البُيُوع
1238 ـ حدثنا هَنّادٌ. حدّثنَا ابنُ المُبَارَكِ. أخبرنا سُلَيْمانُ التّيْمِي عنْ أَبي عُثمانَ، عنِ ابنِ مَسْعُودٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ نَهَى عنْ تَلَقّى البُيُوعِ. وفي البابِ عنْ عَلِي وابنِ عَبّاسٍ وأبي هُرَيْرَةَ وأبي سَعِيدٍ وابنِ عُمَرَ ورَجُلٍ منْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
باب ما جاء في كراهية تلقي البيوع
أي المبيعات وأصحابها قال في مجمع البحار هو أن يستقبل المصري البدوي قبل وصوله إلى البلد ويخبره بكساد ما معه كذباً ليشتري منه سلعته بالوكس وأقل من الثمن انتهى . قوله: "أنه نهى عن تلقي البيوع" فيه دليل على أن التلقي محرم. وقد ذهب إلى الأخذ بظاهر الحديث الجمهور فقالوا: لا يجوز تلقي البيوع والركبان، وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة أنه أجاز التلقي. وتعقبه الحافظ بأن الذي في كتب الحنفية أنه يكره التلقي في حالتين: أن يضر بأهل البلد وأن يلبس السعر على الواردين انتهى. قوله: "وفي الباب عن علي وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وابن عمر ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" أما حديث(4/412)
1239 ـ حدثنا سَلَمَةُ بنُ شَبِيبٍ. حدّثَنا عبدُ الله بنُ جَعْفَرٍ الرّقّيّ حدّثَنا عُبَيْدُ الله بنُ عَمْرو عنْ أيّوبَ، عنْ مُحَمّدِ بنِ سِيرينَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أنْ يُتَلَقّى الجَلبُ. فإن تلقَاهُ إنْسَانٌ فابْتَاعهُ، فَصَاحِبُ السّلْعَةِ فيهَا بِالخِيارِ. إذَا وَرَدَ السّوقَ.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ منْ حدِيثِ أَيّوبَ. وَحدِيثُ ابنِ مَسْعُودٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أهْلِ العِلْمِ تَلَقّى البُيُوعِ. وهُوَ ضَرْبٌ مِنْ الخَدِيعَةِ. وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وغَيْرِهِ مِنْ أصْحَابِنَا.
ـــــــ
علي فلينظر من أخرجه. وأما حديث ابن عباس فأخرجه الشيخان. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الجماعة. وأما حديث أبي سعيد فلينظر من أخرجه. وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان. وأما حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلم أقف عليه.
قوله: "نهى أن يتلقى" بصيغة المجهول "الجلب" بفتح اللام مصدر بمعنى اسم المفعول أي المجلوب، يقال جلب الشيء جاء به من بلد إلى بلد للتجارة "فإن تلقاه" أي الجلب "إنسان فابتاعه" أي اشتراه "فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق" قال صاحب المنتقى: فيه دليل على صحة البيع انتهى. واختلفوا: هل يثبت له الخيار مطلقاً أو بشرط أن يقع له في البيع غبن؟ ذهبت الحنابلة إلى الأول وهو الأصح عند الشافعية: وهو الظاهر. وظاهره أن النهي لأجل منفعة البائع وإزالة الضرر عنه وصيانته ممن يخدعه. قال ابن المنذر: وحمله مالك على نفع أهل السوق لا على نفع رب السلعة وإلى ذلك جنح الكوفيون والأوزاعي، قال: والحديث حجة للشافعي. أنه أثبت الخيار للبائع لا لأهل السوق انتهى. وقد احتج مالك ومن معه بما وقع في رواية من النهي عن تلقي السلع حتى تهبط الأسواق، وهذا لا يكون دليلاً لمدعاهم لأنه يمكن أن يكون ذلك يخدع. ولا مانع من أن يقال العلة في النهي مراعاة نفع البائع ونفع أهل السوق انتهى ما في النيل. قوله: "هذا حديث حسن غريب الخ" أخرجه الجماعة إلا البخاري "وحديث ابن مسعود حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان قوله: "وقد كره قوم من أهل العلم تلقي البيوع الخ" وهو الحق عندي والله تعالى أعلم .(4/413)
باب ماجاء لا يبيع حاضر لباد
...
13 ـ باب مَا جَاء لاَ يبِيعُ حَاضِر لِبَاد
1240 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ و أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ قالاَو حدّثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عنِ الزُهْرِيّ، عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. وقالَ قُتَيْبَةُ يَبْلُغُ بِهِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ "لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ".
قال وفي البابِ عنْ طَلْحَةَ وجابر وأنَسٍ وابنِ عَبّاسٍ
ـــــــ
باب مَا جَاء لاَ يبِيعُ حَاضِر لِبَاد
قوله: "لا يبيع حاضر لباد" الحاضر ساكن الحضر والبادي ساكن البادية: قال في القاموس: الحضر والحاضرة والحضارة وتفتح خلاف البادية والحضارة الإقامة في الحضر. ثم قال والحاضر خلاف البادي وقال في البدو والبادية والباداة والبداوة خلاف الحضر، وتبدى أقام بها وتبادى تشبه بأهلها. والنسبة بداوي وبدوي وبدا القوم خرجوا إلى البادية. انتهى. قال النووي: هذه الأحاديث تتضمن تحريم بيع الحاضر للبادي، وبه قال الشافعي والأكثرون قال أصحابنا: والمراد به أن يقدم غريب من البادية أو من بلد آخر بمتاع تعم الحاجة إليه ليبيعه بسعر يومه فيقول له البلدي اتركه عندي لأبيعه على التدريج بأغلى. قال أصحابنا وإنما يحرم بهذه الشروط، وبشرط أن يكون عالماً بالنهي. فلو لم يعلم النهي وكان المتاع مما لا يحتاج في البلد أو لا يؤثر فيه لقلة ذلك المجلوب لم يحرم ولو خالف وباع الحاضر للبادي صح البيع مع التحريم. هذا مذهبنا وبه قال جماعة من المالكية وغيرهم: وقال بعض المالكية: بفسخ البيع ما لم يفت. وقال عطاء ومجاهد وأبو حنيفة: يجوز بيع الحاضر للبادي مطلقاً لحديث: الدين النصيحة. قالوا: وحديث النهي عن بيع حاضر لباد منسوخ. وقال بعضهم إنه على كراهة التنزيه بمجرد الدعوى. انتهى كلام النووي. وقال في سبل السلام: وكل هذه القيود لا يدل عليها الحديث بل استنبطوها من تعليلهم للحديث بعلل متصيدة من الحكم. قال ودعوى النسخ غير صحيحة لافتقاره إلى معرفة التاريخ. وحديث النصيحة مشروط فيه، أنه إذا استنصح أحدكم اخاه فلينصح له فإذا استنصحه نصحه بالقول لأنه يتولى له البيع. قوله: "وفي الباب عن طلحة" أخرجه أبو داود "وأنس" أخرجه الشيخان "وجابر" أخرجه مسلم "وابن عباس" أخرجه(4/414)
وَحَكِيمِ بنِ أبي يَزِيدَ، عنْ أبيهِ، وعَمْرِو بن عَوْفٍ المُزَنِيّ جَدّ كَثِيرِ بنِ عَبْدِ الله وَرَجُلٍ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم.
1241 ـ حدثنا نَصْر بنُ عَلِيَ و أحْمَدُ بنُ مَنيعٍ قالاَ: حدّثنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عنْ أبي الزّبَيْرِ، عنْ جَابِرٍ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ. دَعُوا النّاسَ، يَرْزُقُ الله بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْض". حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وحدِيثُ جَابِرٍ في هذا، هُوَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ أيْضاً. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ. كرِهُوا أنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. وَرَخّصَ بَعْضُهُمْ في أنْ يَشْتَرِي حَاضِرٌ لِبَادٍ. وقالَ الشّافِعِيّ: يُكْرَهُ أنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَإنْ بَاعَ فالْبَيْعُ جَائِزٌ.
ـــــــ
الشيخان "وحكيم بن أبي يزيد عن أبيه" أخرجه أحمد وذكره الحافظ في الفتح وسكت عنه. وأما حديث عمرو بن عوف، وحديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلم أقف عليهما. قوله: "وهو الناس" أي اتركوهم ليبيعوا متاعهم رخيصاً "يرزق الله بعضهم من بعض" بكسر القاف عل أنه مجزوم في جواب الأمر وبضمها على أنه مرفوع. قوله: "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان "حديث جابر في هذا هو حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم. قوله: "ورخص بعضهم في أن يشتري حاضر لباد" قال العيني: وقد اختلف العلماء في شراء الحاضر للبادي فكرهت طائفة كما كرهوا البيع له واحتجوا بأن البيع في اللغة يقع على الشراء كما يقع الشراء على البيع كقوله تعالى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أي باعوه وهو من الأضداد، وروي ذلك عن أنس. وأجازت طائفة الشراء لهم، وقالوا: إن النهي إنما جاء في البيع خاصة ولم يعدوا ظاهر اللفظ. وروي ذلك عن الحسن البصري رحمه الله واختلف قول مالك في ذلك فمرة قال: لا يشتري له ولا يشتري عليه. ومرة أجاز الشراء له وبهذا قال الليث والشافعي. وقال الكرماني قال إبراهيم: والعرب تطلق البيع على الشراء. ثم قال الكرماني: هذا صحيح على مذهب من جوز استعمال اللفظ المشترك في معنييه، اللهم إلا أن يقال البيع والشراء ضدان فلا يصح إرادتهما معاً فإن قلت فما توجيهه؟ قلت: وجهه أن يحمل على عموم المجاز انتهى. قال العيني. قول إبراهيم المذكور ليس مبنياً على أنه مشترك. واستعمل في معنييه بل هما من الأضداد انتهى كلام العيني(4/415)
باب ماجاء في النهي عن الحافلة والمزابنة
...
14 ـ باب مَا جَاء في النّهْيِ عن المُحَاقَلَةِ والمُزَابَنَة
1242 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدّثَنا يَعْقُوبُ بنُ عَبْدِ الرحمَنِ الإسكندراني عنْ سُهَيْلِ بنِ أبي صَالِحٍ، عنْ أبيهِ،
عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَن المُحَاقَلَةِ والمُزَابَنَةِ.
قال وفي البابِ عنِ ابنِ عُمرَ وابنِ عَبّاسٍ وَزَيْدِ بن ثابت وسَعْدٍ وجَابِرٍ ورَافِعِ بنِ خَدِيجٍ وأبي سَعيدٍ.
حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
باب ما جاء في النهي عن المحاقلة والمزابنة
يأتي تفسيرهما عن الترمذي قوله: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة" قد جاء تفسير المحاقلة والمزابنة في الحديث وهو المعتمد. روى البخاري ومسلم عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة أن يبيع نمر حائطة إن كان نخلاً بتمر كيلاً. وإن كان كرماً أن يبيعه بزبيب كيلاً. وعند مسلم: وإن كان زرعاً أن يبيعه بكيل طعام. نهى عن ذلك كله، وفي رواية لهما: نهى عن المزابنة. قال: "والمزابنة أن يباع ما في رؤوس النخل بتمر بكيل مسمى إن زاد فلى، وإن نقص فعلى". وعن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة والمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق حنطة. الحديث رواه مسلم كذا في المشكاة. قوله: "وفي الباب عن ابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وسعد وجابر ورافع بن خديج وأبي سعيد" أما حديث ابن عمر وجابر فقد تقدم آنفاً. وأما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري. وأما حديث زيد بن ثابت فلينظر من أخرجه. وأما حديث سعد فأخرجه الترمذي في هذا الباب. وأما حديث رافع بن خديح فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي سعيد فأخرجه الشيخان. قوله: "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح"(4/416)
والمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الزّرْعِ بِالحنْطَةِ. والمُزَابَنَةُ بَيْعُ الثّمَرِ عَلَى رُؤُوسِ النخْلِ بالتّمْرِ. والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أكثر أهْل العِلْمِ. كَرِهُوا بيْعَ المُحَاقَلَةِ والمُزَابَنَةِ.
1243 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدّثنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عنْ عبدِ الله بنِ يَزِيدَ أَنّ زَيْداً أبَا عَيّاشٍ، سَأَلَ سَعْداً عنِ البَيْضَاءِ بالسّلْتِ. فقَالَ
ـــــــ
وأخرجه مسلم. قوله: "والمحاقلة بيع الزرع بالحنطة" قال الجزري في النهاية: المحاقلة مختلف فيها قيل هي اكتراء الأرض بالحنطة. هكذا جاء مفسراً في الحديث وهو الذي يسميه الزراعون بالمحارثة. وقيل هي المزارعة على نصيب معلوم كالثلث والربع ونحوهما وقيل هي بيع الطعام في سنبلة بالبر. وقيل بيع الزرع قبل إدراكه. وإنما نهى عنها لأنها من المكيل ولا يجوز فيه إذا كانا من جنس واحد إلا مثلاً بمثل، ويداً بيد. وهذا مجهول لا يدري أيهما أكثر. وفيه النسيئة انتهى. "والمزابنة بيع الثمر على رؤوس النخل بالتمر" قال الجزري في النهاية: المحاقلة مفاعلة من الحقل وهو الزرع إذا تشعب قبل أن يغلظ سوقه. وقيل هو من الحقل وهي الأرض التي تزرع ويسميه أهل العراق القراح انتهى. قوله: "أن زيداً أبا عياش" قال الحافظ في التقريب: زيد ابن عياش بالتحتانية أبو عياش المدني صدوق من الثالثة "سأل سعداً" هو ابن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه "عن البيضاء بالسلت" وفي رواية الموطإ للإمام محمد عمن اشترى البيضاء بالسلت. والبيضاء هو الشعير كما في رواية، ووهم وكيع فقال عن مالك الذرة ولم يقله غيره. والعرب تطلب البيضاء على الشعير والسمراء على البر. كذا قال ابن عبد البر والسلت بضم السين وسكون اللام ضرب من الشعير لا قشر له يكون في الحجاز. قاله الجوهري كذا في التعليق الممجد. قال الجزرى في النهاية: البيضاء الحنطة وهي السمراء أيضاً، وقد تكرر ذكرها في البيع والزكاة وغيرهما وإنما كره ذلك لأنهما عنده جنس واحد وخالفه غيره انتهى. وقال السلت ضرب من الشعير أبيض لا قشر له. وقيل هو نوع من الحنطة. والأول أصح لأن البيضاء الحنطة انتهى. وقال في حاشية موطإ الإمام مالك: البيضاء نوع من البر أبيض وفيه رخاوة تكون ببلاد مصر والسلت(4/417)
أَيّهُمَا أَفْضَلُ؟ قالَ: البَيْضَاءُ. فَنَهَى عنْ ذَلِكَ. وقالَ سَعْدٌ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُسْأَلُ عنِ اشْتِرَاءِ التّمْرِ بالرّطبِ. فقالَ لِمَنْ حَوْلهُ "أيَنْقُصُ الرّطَبُ إذَا يَبِسَ؟" قَالُوا نَعَمْ، فَنَهَى عنْ ذلِكَ.
ـــــــ
نوع من الشعير لا قشر له تكون في الحجاز وحكى الخطابي عن بعضهم أنه قال البيضاء هو الرطب من السلت. والأول أعرف إلا أن هذا القول أليق بمعنى الحديث، وعليه يدل موضع التشبيه من الرطب بالتمر. ولو اختلف الجنس لم يصح التشبيه وفي الغريبين: السلت هو حب الحنطة، والشعير لا قشر له انتهى. وفي القاموس: البيضاء هو الحنطة والرطب من السلت انتهى. "فنهى عن ذلك" فيه تأمل فتأمل وتفكر "أينقص الرطب إذا يبس" بهمزة الاستفهام فنهى عن ذلك قال الإمام محمد في موطإه بعد رواية هذا الحديث: وبهذا نأخذ لا خير في أن يشتري الرجل قفيز رطب بقفيز من تمر يداً بيد. لأن الرطب ينقص إذا جف فيصير أقل من قفيز فلذلك فسد البيع فيه انتهى. وبه قال أحمد والشافعي ومالك وغيرهم وقالوا لا يجوز بيع التمر بالرطب لا متفاضلاً ولا متماثلاً يداً بيد كان أو نسيئة. وأما التمر بالتمر والرطب بالرطب فيجوز ذلك متماثلاً لا متفاضلاً يداً بيد لا نسيئة، وفيه خلاف أبي حنيفة حيث جوز بيع التمر بالرطب متماثلاً إذا كان يداً بيد لأن الرطب تمر وبيع التمر بالتمر جائز متماثلاً من غير اعتبار الجودة والرداءة. وقد حكى عنه أنه لما دخل بغداد سألوه عن هذا وكانوا أشداء عليه لمخالفته الخبر. فقال: الرطب إما أن يكون تمراً أو لم يكن تمراً، فإن كان تمراً جاز لقوله صلى الله عليه وسلم التمر بالتمر مثلا بمثل، وإن لم يكن تمراً جاز لحديث: إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم. فأوردوا عليه الحديث فقال: مداره على زيد بن عياش، وهو مجهول، أو قال ممن لا يقبل حديثه. واستحسن أهل الحديث هذا الطعن منه حتى قال ابن المبارك: كيف يقال إن أبا حنيفة لا يعرف الحديث وهو يقول زيد ممن لا يقبل حديثه؟ قال ابن الهمام في الفتح رد ترديده بأن ههنا قسماً ثالثاً، وهو أنه من جنس التمر ولا يجوز بيعه بالاَخر كالحنطة المقلية بغير المقلية لعدم تسوية الكيل بهما، فكذا الرطب والتمر لا يسويهما الكيل، وإنما يسوي في حال اعتدال البدلين(4/418)
حدثنا هنادٌ. حدّثنَا وكِيعٌ عن مَالِكٍ، عنْ عبدِ الله بنِ يَزِيدَ عنْ زَيْدٍ أبي عَيّاشٍ قالَ. سَأَلْنَا سَعْداً، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ. وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وأصْحَابِنَا.
ـــــــ
وهو أن يجف الاَخر وأبو حنيفة يمنعه ويعتبر التساوي حال العقد. وعروض النقص بعد ذلك لا يمنع من المساواة في الحال إذا كان موحيه أمراً خلقياً وهو زيادة الرطوبة بخلاف المقلية بغيرها فإنه في الحال يحكم لعدم التساوي لاكتناز أحدهما وتخلخل الاَخر. ورد طعنه في زيد بأنه ثقة كما مر وقد يجاب أيضاً بأنه على تقدير صحته السند، فالمراد النهي نسيئة. فإنه ثبت في حديث أبي عياش هذا زيادة نسيئة. أخرجه أبو داود عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن يزيد أن أبا عياش أخبره أنه سمع سعداً يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر نسيئة، وأخرجه الحاكم والطحاوي في شرح معاني الآثار. ورواه الدارقطني وقال اجتماع هؤلاء الأربعة يعني مالكاً وإسماعيل ابن أمية والضحاك بن عثمان وآخر على خلاف ما رواه يحيى بن أبي كثير يدل على ضبطهم للحديث وأنت تعلم أن بعد صحة هذه الرواية يجب قبولها لأن المذهب المختار عند المحدثين هو قبول الزيادة وإن لم يروها الأكثر إلا في زيادة تفرد بها بعض الحاضرين في المجلس فإن مثله مردود كما كتبناه في تحرير الأصول، وما نحن فيه لم يثبت أنه زيادة في مجلس واحد لكن يبقى قوله في تلك الرواية الصحيحة: أينقص الرطب إذا جف عرياً عن الفائدة إذا كان النهي عنه للنسيئة انتهى كلام ابن الهمام. وهذا غاية التوجيه في المقام مع ما فيه من الإشارة إلى ما فيه. وللطحاوي كلام من شرح معاني الآثار مبني على ترجيح رواية النسيئة، وهو خلاف جمهور المحدثين وخلاف سياق الرواية أيضاً، ولعل الحق لا يتجاوز عن قولهما وقول الجمهور كذا في التعليق الممجد. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مالك في الموطإ وأصحاب السنن. وقد أعل أبو حنيفة هذا الحديث من أجل زيد بن عياش وقال مداره على زيد بن عياش وهو مجهول وكذا قال ابن حزم، وتعقبوهما بأن الحديث صحيح وزيد ليس بمجهول، قال الزرقاني: زيد كنيته أبو عياش واسم أبيه عياش المدني تابعي صدوق نقل عن
مالك أنه مولى سعد بن أبي وقاص وقيل إنه مولى بني مخزوم. وفي تهذيب التهذيب: زيد بن عياش أبو عياش الزرقي ويقال المخزومي روى عن سعد وعنه عبد الله بن يزيد وعمران بن أنيس ذكره ابن حبان في الثقات، وصحح الترمذي وابن خزيمة وابن حبان حديثه المذكور. وقال الدارقطني: ثقة. وقال الحاكم في المستدرك هذا حديث صحيح لإجماع أئمة النقل على إمامة مالك. وأنه محكم في كل ما يرويه إذا لم يوجد في روايته إلا الصحيح خصوصاً في رواية أهل المدينة. والشيخان لم يخرجاه لما خشيا من جهالة زيد انتهى. وفي فتح القدير شرح الهداية قال صاحب التنقيح: زيد بن عياش أبو عياش الزرقي المدني ليس به بأس ومشائخنا ذكروا عن أبي حنيفة بأنه مجهول، ورد طعنه بأنه ثقة. وروى عنه مالك في الموطإ وهو لا يروي عن مجهول. وقال المنذري كيف يكون مجهولاً وقد روى عنه ثقتان عبد الله بن يزيد وعمران بن أبي أنيس وهما مما احتج بهما مسلم في صحيحه وقد عرفه أئمة هذا الشأن وأخرج حديثه مالك مع شدة تحريه في الرجال. وقال ابن الجوزي في التحقيق قال أبو حنيفة: إنه مجهول فإن كان هو لم يعرفه فقد عرفه أئمة النقل انتهى. وفي غاية البيان شرح الهداية نقلوا تضعيفه عن أبي حنيفة. ولكن لم يصح ضعفه في كتب الحديث، فمن أدعى فعليه البيان انتهى. وفي البناية للعيني عنه قول صاحب الهداية: زيد بن عياش ضعيف عند النقلة هذا ليس بصحيح بل هو ثقة عند النقلة انتهى كذا في التعليق الممجد. قوله: "والعمل على هذا عند أهل العلم وهو قول الشافعي وأصحابنا" وهو الحق والصواب وقد عرفت قول الإمام أبي حنيفة وما فيه من الكلام .(4/419)
باب ماجاء في كراهية بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها
...
15 ـ باب مَا جَاء في كَرَاهِيَةِ بيْعِ الثّمرَةِ حتى يَبْدُوَ صَلاحها
1244 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ. حدّثنَا إسْمَاعِيلُ بنُ إبْراهِيمَ، عنْ أَيُوبَ، عنْ نَافِعٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ بَيْعِ النّخْلِ حَتّى يَزهُوَ.
ـــــــ
باب مَا جَاء في كَرَاهِيَةِ بيْعِ الثّمرَةِ حتى يَبْدُوَ صَلاحها
قوله: "حتى يزهو" يقال زها النخل يزهو إذا ظهرت ثمرته، وأزهى يزهي إذا أحمر أو أصفر وقيل هما بمعنى الاحمرار والاصفرار. منهم من أنكر يزهو.(4/420)
1245 ـ وبِهذا الإسْنَادِ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ بَيْعِ السّنْبُلِ حَتّى يَبْيَضّ وَيَأْمَنَ العَاهَةَ. نَهَى البائِعَ والْمشْتَرِي.
وفي البابِ عنْ أَنَسٍ، وعَائِشَةَ، وأبي هريرة، وابنِ عَبّاسٍ، وَجَابِرٍ وأبي سَعِيدٍ وَزَيدِ بنِ ثَابِتٍ. حديثُ ابنِ عُمَر حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ. كَرِهُوا بَيعَ الثّمَارِ قَبْل أنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا. وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وَأحْمَدَ وَإسْحَاقَ.
ـــــــ
ومنهم من أنكر يزهي. وفي صحيح البخاري في حديث أنس: قلنا لأنس ما زهوها؟ قال تحمر أو تصفر. وقال الزيلعي في نصب الراية يستعمل زها وأزهى ثلاثياً ورباعياً قال في الصحاح: يقال زهى النخل يزهو إذا بدت فيه الحمرة أو الصفرة. وأزهى لغة حكاها أبو زيد ولم يعرفها الأصمعي ووقع رباعياً في الصحيح وثلاثياً عند مسلم كلاهما من حديث أنس انتهى كلام الزيلعي.
"حتى يبيض" أي يشتد حبه "ويأمن العاهة" أي الاَفة. والجملة من باب عطف التفسير. قوله: "وفي الباب عن أنس" أخرجه البخاري ومسلم "وعائشة" أخرجه الدارقطني في العلل بلفظ: نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة كذا في التلخيص "وأبي هريرة" أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه "وابن عباس" أخرجه الدارقطني بلفظ: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يباع ثمر حتى يطعم الحديث "وجابر" أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود أبي "سعيد" لينظر من أخرجه "وزيد بن ثابت" أخرجه أبو داود وذكره البخاري تعليقاً قوله: "حديث ابن عمر حديث حسن صحيح" . أخرجه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه. قوله: "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم كرهوا بيع الثمار قبل بدو صلاحها. وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق" كذا قال الترمذي وقال الحافظ في الفتح: قد اختلف في ذلك على أقوال. فقيل: يبطل مطلقاً. وهو قول ابن أبي ليلى والثوري، ووهم من نقل الإجماع على البطلان. وقيل: يجوز مطلقاً ولو شرط التبقية. وهو قول يزيد بن أبي حبيب، ووهم من نقل الأجماع فيه أيضاً. وقيل: إن شرط القطع لم يبطل(4/421)
1246 ـ حدثنا الحَسنُ بنُ عَلِي الخَلاّلُ. حدّثنَا الوَلِيدِ وَ عَفّانُ وَ سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ، قالُوا: حدّثنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عنْ حُمَيْدٍ، عنْ أنَسٍ، "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ بَيْعِ العِنَبِ حَتّى يَسْودّ، وعَنْ بَيْعِ الحَبّ حَتّى يَشْتَدّ". هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، لاَ نَعْرِفهُ مَرْفُوعاً إلاّ مِنْ حديثِ حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ.
ـــــــ
وإلا بطل. وهو قول الشافعي وأحمد والجمهور ورواية عن مالك. وقيل: يصح إن لم يشترط التبقية، والنهي فيه محمول على بيع الثمار قبل أن توجد أصلاً، وهو قول أكثر الحنفية. وقيل هو على ظاهره لكن النهي فيه للتنزيه انتهى ما في الفتح. وقال الشوكاني في النيل: اعلم أن ظاهر أحاديث الباب وغيرها المنع من بيع الثمر قبل الصلاح، وإن وقوعه في تلك الحالة باطل كما هو مقتضى النهي. ومن ادعى أن مجرد شرط القطع يصحح البيع قبل الصلاح فهو محتاج إلى دليل يصلح لتقييد أحاديث النهي، ودعوى الإجماع على ذلك لا صحة لها كما عرفت من أن أهل القول الأول يقولون بالبطلان مطلقاً. وقد عول المجوزون مع شرط القطع في الجواز على علل مستنبطة فجعلوها مقيدة للنهي وذلك مما لا يفيد من لم يسمح بمفارقة النصوص لمجرد خيالات عارضة وشبه واهية تنهار بأيسر تشكيك. فالحق ما قاله الأولون من عدم الجواز مطلقاً. وظاهر النصوص أيضاً أن البيع بعد ظهور الصلاح صحيح سواء شرط البقاء أو لم يشرط لأن الشارع قد جعل النهي ممتداً إلى غاية بدو الصلاح: وما بعد الغاية مخالف لما قبلها. ومن ادعى أن شرط البقاء مفسد فعليه الدليل ولا ينفعه في المقام ما ورد من النهي عن بيع وشرط لأنه يلزمه في تجويزه للبيع قبل الصلاح مع شرط القطع وهو بيع وشرط. وأيضاً ليس كل شرط في البيع منهياً عنه فإن اشتراط جابر بعد بيعه للجمل أن يكون له ظهره إلى المدينة قد صححه الشارع، وهو شبيه بالشرط الذي نحن بصدده انتهى كلام الشوكاني. قوله: "حتى يسود" بتشديد الدال أي يبدو صلاحه زاد مالك في الموطإ: فإنه إذا اسود ينجو عن العاهة "حتى يشتد" اشتداد الحب قوته وصلابته قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو داود وابن ماجه وسكت عنه أبو داود وأقر المنذري تحسين الترمذي(4/422)
باب ماجاء في النهي عن بيع حبل الحبلة
...
16 ـ باب مَا جَاءَ في بَيع حَبلِ الْحَبَلَة
1247 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ، عنْ أَيّوبَ، عنْ نَافِعٍ، عنْ ابنِ عُمَرَ "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ بَيْع حَبَلِ الْحَبَلَةِ". وفي البابِ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَبّاسٍ وَأَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ. حدِيثُ ابنِ عُمَرَ حديث حسنٌ صحيحٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلم. وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ نِتَاجُ النّتَاج. وَهُوَ بَيعٌ مَفْسُوخٌ عَنْدَ أهْلِ الْعِلْمِ.
ـــــــ
باب ما جاء في بيع حبل الحبلة
بفتح المهملة والموحدة وقيل في الأول بسكون الموحدة، وغلط عياض وهو مصدر حبلت تحبل حبلاً. والحبلة جمع حابل مثل ظلمة وظالم ويجيء تفسير حبل الحبلة من الترمذي . قوله: "نهى عن بيع حبل الحبلة" كذا روى الترمذي الحديث بدون التفسير. ورواه البخاري ومسلم مع التفسير هكذا: نهى عن بيع حبل الحبلة وكان بيعاً يتبايعه أهل الجاهلية. كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج التي في بطنها. وأخرج البخاري في صحيحه في أيام الجاهلية من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: كان أهل الجاهلية يتبايعون لحم الجزور إلى حبل الحبلة. وحبل الحبلة، أن تنتج الناقة ما في بطنها ثم تحمل التي نتجت فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فظاهر هذا السياق أن هذا التفسير من كلام ابن عمر ولهذا جزم ابن عبد البر بأنه من تفسير ابن عمر كذا في الفتح. قوله: "وفي الباب عن عبد الله بن عباس" أخرجه الطبراني في معجمه ذكره الزيلعي "وأبي سعيد الخدري" أخرجه ابن ماجه. قوله: "حديث ابن عمر حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم، قوله: "وحبل الحبلة نتاج النتاج" أي أولاد الأولاد، اعلم أن الحبل الحبلة تفسيرين مشهورين: أحدهما ـ ما قال به مالك والشافعي وجماعة وهو أن يبيع بثمن إلى أن يلد ولد الناقة، وقال بعضهم: أن يبيع بثمن إلى أن تحمل الدابة وتلد ويحمل ولدها. وبه جزم أبو إسحاق في التنبيه فلم يشترط وضع حبل الولد وعلة النهي على هذا التفسير الجهالة في الأجل.(4/423)
وَهُوَ مِنْ بُيُوعِ الْغَرَرِ. وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ هذَا الْحَدِيثَ عنْ أيّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عنِ ابنِ عَبّاسٍ. وَرَوَى عَبْدُ الْوَهّابِ الثّقَفِيّ وغَيْرُهُ عَنْ أيّوبَ، عَنْ سَعِيدٍ بنِ جُبَيْرٍ وَنَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وهَذَا أصَحّ.
ـــــــ
وثانيهما ـ ما قال به أبو عبيدة وأبو عبيد وأحمد وإسحاق وابن حبيب المالكي وأكثر أهل اللغة وبه جزم الترمذي، هو بيع ولد نتاج الدابة. وعلة النهي على هذا التفسير أنه بيع معدوم ومجهول وغير مقدور على تسليمه فيدخل في بيوع الغرر. قال الحافظ: ورجح الأول لكونه موافقاً للحديث وإن كان كلام أهل اللغة موافقاً للثاني. وقال ابن التين: محصل الخلاف هل المراد البيع إلى أجل أو بيع الجنين؟ وعلى الأول هل المراد بالأجل ولادة الأم أو ولادة ولدها. وعلى الثاني هل المراد بيع الجنين الأول أو بيع الجنين؟ فصارت أربعة أقوال انتهى. وقال النووي: التفسير الثاني أقرب إلى اللغة، لكن الراوي وهو ابن عمر قد فسره بالتفسير الأول وهو أعرف. ومذهب الشافعي ومحقق الأصوليين أن تفسير الراوي مقدم إذا لم يخالف الظاهر انتهى. "وهو بيع مفسوخ" أي ممنوع ومنهى عنه "وهو من بيوع الغرر" هذا على تفسير الترمذي. وأما على تفسير غير الترمذي فعلة النهي جهالة الثمن .(4/424)
باب ماجاء في كراهية بيع الغرر
...
وَهُوَ مِنْ بُيُوعِ الْغَرَرِ. وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ هذَا الْحَدِيثَ عنْ أيّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عنِ ابنِ عَبّاسٍ. وَرَوَى عَبْدُ الْوَهّابِ الثّقَفِيّ وغَيْرُهُ عَنْ أيّوبَ، عَنْ سَعِيدٍ بنِ جُبَيْرٍ وَنَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وهَذَا أصَحّ.
ـــــــ
وثانيهما ـ ما قال به أبو عبيدة وأبو عبيد وأحمد وإسحاق وابن حبيب المالكي وأكثر أهل اللغة وبه جزم الترمذي، هو بيع ولد نتاج الدابة. وعلة النهي على هذا التفسير أنه بيع معدوم ومجهول وغير مقدور على تسليمه فيدخل في بيوع الغرر. قال الحافظ: ورجح الأول لكونه موافقاً للحديث وإن كان كلام أهل اللغة موافقاً للثاني. وقال ابن التين: محصل الخلاف هل المراد البيع إلى أجل أو بيع الجنين؟ وعلى الأول هل المراد بالأجل ولادة الأم أو ولادة ولدها. وعلى الثاني هل المراد بيع الجنين الأول أو بيع الجنين؟ فصارت أربعة أقوال انتهى. وقال النووي: التفسير الثاني أقرب إلى اللغة، لكن الراوي وهو ابن عمر قد فسره بالتفسير الأول وهو أعرف. ومذهب الشافعي ومحقق الأصوليين أن تفسير الراوي مقدم إذا لم يخالف الظاهر انتهى. "وهو بيع مفسوخ" أي ممنوع ومنهى عنه "وهو من بيوع الغرر" هذا على تفسير الترمذي. وأما على تفسير غير الترمذي فعلة النهي جهالة الثمن .(4/424)
نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَبَيْعِ الْحَصَاةِ. وفي البابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابنِ عَبّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَنَسٍ. حَدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ
ـــــــ
"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر" قال النووي: النهي عن بيع الغرر أصل عظيم من أصول كتاب البيوع، ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة كبيع الاَبق والمعدوم والمجهول وما لا يقدر على تسليمه وما لم يتم ملك البائع عليه، وبيع السمك في الماء الكثير، واللبن في الضرع، وبيع الحمل في البطن، وبيع بعض الصبرة مبهما، وبيع ثوب من أثواب. وشاة من شياه، ونظائر ذلك. وكل هذا بيع باطل لأنه غرر من غير حاجة. وقد يحتمل بعض الغرر بيعاً إذا دعت إليه حاجة، كالجهل بأساس الدار وكما إذا باع الشاة الحامل والتي في ضرعها لبن فإنه يصح البيع لأن الأساس تابع للظاهر من الدار. ولأن الحاجة تدعو إليه فإنه لا يمكن رؤيته. وكذا القول في حمل الشاة ولبنها، وكذلك أجمع المسلمون على جواز أشياء فيها غرر حقير. منها أنهم أجمعوا على صحة بيع الجبة المحشوة وإن لم ير حشوها ولو بيع حشوها بانفراده لم يجز، وأجمعوا على جواز إجارة الدار والدابة والثوب ونحو ذلك شهراً مع أن الشهر قد يكون ثلاثين يوماً وقد يكون تسعة وعشرين. وأجمعوا على جواز دخول الحمام بالأجرة مع اختلاف الناس في استعمالهم الماء وفي قدر مكثهم قال العلماء: مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده على ما ذكرناه وهو أنه إن دعت حاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة، وكان الغرر حقير أجاز البيع وإلا فلا. واعلم أن بيع الملامسة وبيع المنابذة وبيع حبل الحبلة وبيع الحصاة وعسب الفحل وأشباهها من البيوع التي جاء فيها نصوص خاصة هي داخلة في النهي عن بيع الغرر، ولكن أفردت بالذكر ونهى عنها لكونها من بياعات الجاهلية المشهورة انتهى كلام النووي. "وبيع الحصاة" فيه ثلاث تأويلات: أحدها: أن يقول بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها. أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه الحصاة. والثاني: أن يقول بعتك على أنك بالخيار إلى أن أرمي بهذه الحصاة. والثالث: أن يجعلا نفس الرمي بالحصاة بيعاً فيقول إذا رميت هذا الثوب بالحصاة فهو مبيع منك بكذا، قاله النووي. قوله: "وفي الباب عن ابن عمر وابن عباس وأبي سعيد وأنس" أما حديث ابن(4/425)
حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلمِ. كَرِهُوا بَيْعَ الْغَرَرِ. قَالَ الشّافِعِيّ: وَمِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ بَيْعُ السّمَكِ فِي الْمَاءِ. وَبَيْعُ الْعَبْدِ الاَبِقِ. وَبَيْعُ الطّيْرِ فِي السّمَاءِ. وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْبُيُوعِ. وَمَعنَى بَيْعِ الْحَصَاةِ، أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ للمُشْتَرِي: إذَا نَبَذْتُ إلَيْكَ بِالْحَصَاةِ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ. وهذا شبِيهُ ببَيْعَ المُنَابَذَةِ. وَكَانَ هَذَا مِنْ بُيُوعِ أهْلِ الْجَاهِلِيّةِ.
ـــــــ
عمر فأخرجه البيهقي وابن حبان. قال الحافظ: إسناده حسن، وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجه وأحمد. وأما حديث أبي سعيد فأخرجه ابن ماجه. وأما حديث أنس فأخرجه أبو يعلى، وفي الباب أيضاً عن سهل بن سعد عند الدارقطني والطبراني. وعن علي عند أحمد وأبو داود. وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الحافظ في التلخيص، والعيني في شرح البخاري. قوله: "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة إلا البخاري. قوله: "قال الشافعي: ومن بيع الغرر بيع السمك في الماء" قال العراقي: وهو فيما إذا كان السمك في ماء كثير بحيث لا يمكن تحصيله منه وكذا إذا كان يمكن تحصيله منه ولكن بمشقة شديدة. وأما إذا كان في ماء يسير بحيث يمكن تحصيله منه وكذا إذا كان يمكن تحصيله منه بغير مشقة فإنه يصح لأنه مقدور على تحصيله وتسليمه، وهذا كله إذا كان مرئياً في الماء القليل، بأن يكون الماء صافياً، فأما إذا لم يكن مرئياً بأن يكون كمدراً فإنه لا يصح بلا خلاف. انتهى كلام العراقي. قوله: "ومعنى بيع الحصاة أن يقول البايع للمشتري: إذا نبذت الخ" وقع هذا التفسير في رواية البزار، قال الحافظ في التلخيص: وللبزار من طريق حفص بن عاصم عنه يعني عن أبي هريرة نهى عن بيع الحصاة يعني إذا قذف الحصاة فقد وجب البيع انتهى. "وهو" أي بيع الحصاة "يشبه" من الإشباه أي يشابه "بيع المنابذة" هو أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الاَخر بثوبه ويكون ذلك بيعهما عن غير نظر ولا تراض، ويأتي باقي الكلام في بيع المنابذة في بابه(4/426)
باب ماجاء في النهي عن بيعتين في بيعة
...
18 ـ باب مَا جَاءَ فِي النّهْيِ عَن بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَة
1249 ـ حدثنا هَنادٌ. حَدّثَنَا عَبْدَةُ بنُ سُلَيمَانَ، عَنْ مُحَمّدِ بنِ عَمْرو، عَنْ أبي سَلَمَةَ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: "نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَة". وفي البابِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو وَابنِ عُمَرَ وَابنِ مَسْعُودٍ. حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ الْعِلْمِ. وَقَدْ فَسّرَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، أنْ يَقولَ: أَبِيعُكَ هَذَا الثَوبَ بِنَقْدٍ بِعَشْرَة، وَبِنَسِيئَة بِعِشْرِينَ، وَلا يُفَارِقُهُ عَلَى أَحَدِ الْبَيعَيْنِ، فإِذَا فَارَقَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَلاَ بَأْسَ إذَا كَانَت الْعُقْدَةُ عَلَى واحد مِنْهُمَا.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ فِي النّهْيِ عَن بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَة
قوله: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة" أي صفقة واحدة وعقد واحد ويأتي تفسير هذا عن المصنف. قوله: "وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وابن عمر وابن مسعود" قال الحافظ في التلخيص حديث ابن مسعود رواه أحمد من طريق عبد الرحمن ابنه عنه بلفظ: نهى عن صفقتين في صفقة. وحديث ابن عمر رواه ابن عبد البر مثله وحديث ابن عمرو رواه الدارقطني في أثناء حديث انتهى. قوله: "وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" قال الحافظ في بلوغ المرام: رواه أحمد والنسائي وصححه الترمذي وابن حبان ولأبي داود: من باع بيعتين فله أوكسهما أو الربا انتهى. قال الشوكاني في النيل: وأخرجه أيضاً الشافعي ومالك في بلاغاته. قوله: "وقد فسر بعض أهل العلم قالوا: بيعتين في بيعة أن يقول أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة وبنسيئة بعشرين ولا يفارقه على أحد البيعين" قال في شرح السنة بعد ذكر هذا التفسير: هو فاسد عند أكثر أهل العلم لأنه لا يدري أيهما جعل الثمن انتهى. وقال في النيل: والعلة في تحريم بيعتين في بيعة عدم استقرار الثمن في صورة بيع الشيء الواحد بثمنين انتهى. "فإذا فارقه على أحدهما فلا بأس إذا كانت العقدة على واحد منهما" بأن قال البائع:(4/427)
قَالَ الشّافعِيّ: وَمِنْ مَعْنَى مَا نَهْى النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، أنْ يَقُولَ: أَبِيعُكَ دَارِي هَذِهِ بِكَذَا. عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي غُلاَمَكَ بكَذَا فَإذَا وَجَبَ لي غُلاَمُكَ وَجَبَ لَكَ دَاري. وهذا يفَارق عَنْ بَيْعٍ بِغَيْرِ ثَمنٍ مَعْلُومٍ، وَلاَ يَدْرِي كلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على ما وَقَعَتْ عَلَيْهِ صَفْقَتُهُ.
ـــــــ
أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة وبنسبئة بعشرين. فقال المشتري: اشتريته بنقد بعشرة ثم نقد عشرة دراهم، فقد صح هذا البيع. وكذلك إذا قال المشتري اشتريته بنسيئة بعشرين، وفارق البائع على هذا صح البيع لأنه لم يفارقه على إيهام وعدم استقرار الثمن، بل فارقه على واحد معين منهما: وهذا التفسير قد رواه الإمام أحمد في روايته عن سِمَاك، ففي المنتقى عن سِمَاك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة. قال سِمَاك هو الرجل يبيع البيع فيقول هو بنسأ بكذا، وهو بنقد بكذا وكذا، قال الشوكاني في النيل قوله: من باع بيعتين في بيعة فسره سِمَاك بما رواه المصنف يعني صاحب المنتقى عن أحمد عنه، وقد وافقه على مثل ذلك الشافعي فقال بأن يقول بعتك بألف نقداً أو ألفين إلى سنة، فخذ أيهما شئت أنت، وشئت أنا. ونقل ابن الرفعة عن القاضي أن المسألة مفروضة على أنه قبل على الإبهام، أما لو قال قبلت بألف نقد أو بألفين بالنسيئة صح ذلك انتهى. وقد فسره الشافعي بتفسر آخر وهو ما ذكره الترمذي بقوله: "قال الشافعي: ومن معنى ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعتين أن يقول أبيعك داري هذه بكذا على أن تبيعني غلامك بكذا. فإذا وجب لي غلامك وجبت لك داري، وهذا تفارق عن بيع بغير ثمن معلوم، ولا يدري كل واحد منهما على ما وقعت عليه صفقته" قال في المرقاة بعد ذكر هذا التفسير: هذا أيضاً فاسد لأنه بيع وشرط، ولأنه يؤدي إلى جهالة الثمن لأن الوفاء ببيع الجارية لا يجب. وقد جعله من الثمن وليس له قيمة فهو شرط لا يلزم، وإذا لم يلزم ذلك بطل بعض الثمن فيصير ما بقي من المبيع في مقابلة الثاني مجهولاً انتهى. وقال في النيل والعلة في تحريم هذه الصورة التعليق بالشرط المستقبل انتهى. واعلم أنه قد فسر البيعتان(4/428)
ـــــــ
في بيعة بتفسير آخر وهو أن يسلفه ديناراً في قفيز حنطة إلى شهر فلما حل الأجل وطالبه والحنطة بعني القفير الذي لك على إلى شهرين بقفيزين، فصار ذلك بيعتين في بيعة، لأن البيع الثاني قد دخل على الأول فيرد إليه أوكسهما وهو الأول. كذا في شرح السنن لابن رسلان فقد فسر حديث أبي هريرة المذكور بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة. بثلاثة تفاسير فاحفظها، ثم اعلم أن لحديث أبي هريرة هذا رواية أخرى رواها أبو داود في سننه بلفظ: من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا. قال الشوكاني في النيل: محمد بن عمرو بن علقمة وقد تكلم فيه غير واحد. قال المنذري: والمشهور عنه من رواية الدراوردي ومحمد بن عبد الله الأنصاري أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة. انتهى ما في النيل. قلت: وقد تفرد هو بهذا اللفظ وقد روى هذا الحديث عن عدة من الصحابة رضي الله عنهم من طرق ليس في واحد منها هذا اللفظ. فالظاهر أن هذه الرواية بهذا اللفظ ليست صالحة للاحتجاج والله تعالى أعلم. قال الشوكاني في شرح هذه الرواية ما لفظه: قوله فله أوكسهما أي أنقصهما. قال الخطابي: لا أعلم أحداً قال بظاهر الحديث وصحح البيع بأوكس الثمنين إلا ما حكى عن الأوزاعي، وهو مذهب فاسد انتهى. قال الشوكاني: ولا يخفى أن ما قاله هو ظاهر الحديث: لأن الحكم له بالأوكس يستلزم صحة البيع به. ومعنى قوله أو الربا يعني أو يكون قد دخل هو وصاحبه في الربا المحرم إذا لم يأخذ الأوكس بل أخذ الأكثر. قال وذلك ظاهر في التفسير الذي ذكره ابن رسلان. وأما في التفسير الذي ذكره أحمد عن سِمَاك وذكره الشافعي ففيه متمسك لمن قال: يحرم بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء. وقد ذهب إلى ذلك زين العابدين علي بن الحسين، والناصر والمنصور بالله والهادوية والإمام يحيى. وقالت الشافعية والحنفية وزيد بن علي، والمؤيد بالله والجمهور: إنه يجوز لعموم الأدلة القاضية بجوازه، وهو الظاهر لأن ذلك المتمسك هو الرواية الأولى من حديث أبي هريرة يعني التي رواها أبو داود. وقد ذكرنا لفظها آنفاً وقد عرفت ما في راويها من المقال. ومع ذلك المشهور عنه اللفظ الذي رواه غيره وهو النهي عن بيعتين في بيعة، ولا حجة فيه على المطلوب. ولو سلمنا أن تلك الرواية التي تفرد بها ذلك الراوي صالحة للاحتجاج لكان احتمالها لتفسير خارج عن محل النزاع ـ كما سلف عن ابن رسلان قادحاً في الاستدلال بها على المتنازع فيه، على أن غاية ما فيها الدلالة على المنع من البيع إذا وقع على الصورة، وهي أن يقول نقداً بكذا ونسيئة بكذا، لا إذا قال من أول الأمر نسيئة بكذا فقط، وكان أكثر من سعر يومه مع أن المتمسكين بهذه الرواية يمنعون من هذه الصورة، ولا يدل الحديث على ذلك. فالدليل أخص من الدعوى. قال: وقد جمعنا رسالة في هذه المسألة وسميناها شفاء الغلل في حكم زيادة الثمن لمجرد الأجل. وحققناها تحقيقاً لم نسبق إليه انتهى كلام الشوكاني .(4/429)
باب ماجاء في كراهية بيع ماليس عنده
...
19 ـ باب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ ما لَيْسَ عِنْدَك
1250 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدّثنا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُف بنِ ماهَكَ، عَنْ حَكِيمِ بن حِزَامٍ، قالَ: أتيتت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم. فَقلت: يَأْتِينِي الرّجُلُ يَسألُني مِنَ الْبَيْعِ مَا لَيْسَ عنْدِي، أَبْتَاعُ لَهُ مِنَ السّوقِ ثُمّ أبِيعُهُ؟ قال "لاَ تَبعْ ما لَيْسَ عِنْدَكَ" قال وفي الباب عن عبدالله بن عمر. .
1251 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ أَيّوبَ،
ـــــــ
باب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ ما لَيْسَ عِنْدَك
قوله: "أبتاع له من السوق" بتقدير همزة الاستفهام أي أأشتري له من السوق؟ وفي رواية أبي داود: أفأبتاع له من السوق؟ "ثم أبيعه" لم يقع هذا اللفظ في رواية أبي داود ولا في رواية النسائي ولا في رواية ابن ماجه. والظاهر أنه ليس على معناه الحقيقي، بل المراد منه التسليم. ومقصود السائل أنه هل يبيع ما ليس عنده ثم يشتريه من السوق ثم يسلمه للمشتري الذي اشترى له منه "قال لا تبع ما ليس عندك" أي شيئاً ليس في ملكك حال العقد. في شرح السنة هذا في بيوع الأعيان دون بيوع الصفات فلذا قيل السلم في شيء موصوف عام الوجود عند المحل المشروط يجوز، وإن لم يكن في ملكة حال العقد. وفي معنى ما ليس عنده في الفساد بيع العبد الاَبق، وبيع المبيع قبل القبض وفي معناه بيع مال غيره بغير إذنه لأنه لا يدري هل يجيز مالكه أم لا، وبه قال الشافعي رحمه الله. وقال جماعة: يكون العقد موقوفاً على إجازة المالك. وهو قول مالك وأصحاب وأبو حنيفة(4/430)
عَن يُوسُفَ بنِ ماهَكَ، عَن حَكِيمِ بن حِزَامٍ قالَ "نَهانِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ أبِيعَ ما ليْس عِنْدِي".
1252 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ. حَدّثَنَا إسْمَاعِيلُ بنُ إبْرَاهِيمَ. حدّثنَا أَيّوبُ. حدّثَنا عَمْروُ بنُ شُعَيْبٍ قالَ: حدّثَنِي أَبِي، عنْ أبِيهِ، حتّى ذَكَرَ عَبْدَ الله بنَ عَمْروٍ، أَنّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "لاَ يَحلّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ. ولاَ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ. ولاَ رِبْحُ مَا لمْ يُضْمَنُ.
ـــــــ
وأحمد رحمهم الله كذا في المرقاة. قوله: "أن أبيع ما ليس عندي" فيه وفي قوله: لا تبع ما لبس عندك. دليل على تحريم بيع ما ليس في ملك الإنسان ولا داخلاً تحت مقدرته. وقد استثنى من ذلك السلم فتكون أدلة جوازه مخصصة لهذا العموم. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره. قوله: "وفي الباب عن عبد الله بن عمرو" وأخرجه الترمذي في هذا الباب. قوله: "لا يحل سلف" بفتحتين "وبيع" أي معه يعني مع السلف بأن يكون أحدهما مشروطاً في الاَخر قال القاضي رحمه الله: السلف يطلق على السلم والقرض والمراد به هنا شرط القارض على حذف المضاف أي لا يحل بيع مع شرط سلف بأن يقول مثلاً: بعتك هذا الثوب بعشرة على أن تقرضني عشرة، نفي الحل اللازم للصحة، ليدل على الفساد من طريق الملازمة. وقيل هو أن يقرضه قرضاً ويبيع منه شيئاً بأكثر من قيمته فإنه حرام لأن قرضه روج متاعة بهذا الثمن، وكل قرض جر نفعاً فهو حرام. "ولا شرطان في بيع" فسر بالمعنى الذي ذكره الترمذي أولاً للبيعتين في بيعة. ويأتي تفسير آخر عن الإمام أحمد "ولا ربح ما لم يضمن" يريد به الربح الحاصل من بيع ما اشتراه قبل أن يقبضه، وينتقل من ضمان البائع إلى ضمانه، فإن بيعه فاسد. وفي شرح السنة قيل: معناه أن الريح في كل شيء إنما يحل أن لو كان الخسران عليه فإن لم يكن الخسران عليه كالبيع قبل القبض إذا تلف، فإن ضمانه على البائع. ولا يحل للمشتري أن يسترد منافعه التي انتفع بها البائع قبل القبض، لأن المبيع لم يدخل بالقبض في ضمان(4/431)
ولاَ بَيْعُ ما لَيْسَ عِنْدَكَ". وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
قالَ إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ: قُلْتُ لأحْمَدَ: ما مَعْنَى نَهَى عنْ سَلفٍ وَبَيْعٍ؟ قالَ: أَنْ يَكُونَ يُقرِضُهُ قَرْضا ثُمّ يُبايِعُهُ عليه بَيْعاً يَزْدَادُ عَلَيْهِ. ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ يُسْلِفُ إلَيْهِ فِي شَيءٍ فَيَقُولُ: إنْ لَمْ يَتَهَيّأْ عِنْدَكَ فهُوَ بَيْعٌ عَلَيْكَ. قالَ إسْحَاقُ "يعني ابن راهويه" كمَا قالَ قُلْتُ لأحمدَ: وعَنْ بَيْعِ ما لَمْ تَضْمَنْ؟ قالَ: لاَ يَكُونُ عِنْدِي إلاّ فِي الطّعام ما لَمْ تَقْبِضْ. قالَ إِسْحَاقُ: كمَا قالَ، فِي كُلّ ما يُكَالُ
ـــــــ
المشتري، فلا يحل له ربح المبيع قبل القبض. "ولا بيع ما ليس عندك" تقدم معناه قوله: "وهذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة قال المنذري بعد نقل تصحيح الترمذي: ويشبه أن يكون صحيحاً لتصريحه بذكر عبد الله بن عمرو ويكون مذهبه في الامتناع بحديث عمرو بن شعيب إنما هو الشك في إسناده لجواز أن يكون الضمير عائداً على محمد بن عبد الله بن عمرو فإذا صح بذكر عبد الله بن عمرو انتفي ذلك انتهى. قوله: "قال إسحاق بن منصور" بن بهرام الكرسج أبو يعقوب التميمي المروزي ثقة ثبت من الحادية عشرة روى عنه الجماعة سوى أبي داود وتتلمذ لأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين وله عنهم مسائل كذا في التقريب وتهذيب التهذيب. "ثم يبايعه بيعاً يزداد عليه" يعني يبيع منه شيئاً بأكثر من قيمته "ويحتمل أن يكون يسلف" أي يقرض "إليه في شيء" يعني قرضه دراهم أو دنانير وأخذ منه شيئاً "فيقول إن لم يتهيأ عندك" أي لم يتهيأ ولم يتيسر لك رد الدراهم أو الدنانير "فهو بيع عليك" يعني فذلك الشيء الذي أخذت منك يكون مبيعاً منك بعوض تلك الدراهم أو الدنانير "قال إسحاق كما قال" المراد من إسحاق هذا إسحاق بن راهويه، والضمير في قال راجع إلى أحمد بن حنبل أي قال إسحاق بن راهويه كما قال أحمد بن حنبل في بيان معنى نهى عن سلف وبيع "قلت لأحمد وعن بيع ما لم تضمن" أي سألته عن معنى بيع ما لم يضمن "قال" أي أحمد بن حنبل "لا يكون عندي إلا في الطعام" أي النهي عن بيع ما لم تضمن ليس على عمومه بل هو مخصوص بالطعام "يعني لم تقبض" هذا تفسير لقوله لم تضمن "قال إسحاق" هو ابن راهوية "كما قال"(4/432)
أوْ يُوزَنُ. قالَ أَحْمَدُ: إذَا قالَ أبِيعُكَ هَذَا الثّوْبَ وَعَلَيّ خِياطَتُهُ وقَصَارَتُهُ. فَهذَا مِنْ نَحْوِ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ. وإذَا قالَ: أَبِيعُكَهُ، وعَلَيّ خِياطَتُهُ فَلاَ بَأْسَ بِهِ. و قالَ أبِيعُكَهُ وعَلَيّ قَصَارَتُهُ فَلاَ بَأْسَ بهِ. إنمَا هو شَرْطٌ وَاحِدٌ. قالَ إسْحَاقُ: كمَا قالَ.
حدِيثُ حَكِيمِ بنِ حِزامٍ حدِيثٌ حسنٌ. قَدْ رُوِيَ عنه مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ. رَوَىَ أيّوبُ السّخْتِيَانِيّ وأبُو بِشْر عن يُوسُفَ بنِ ماهَكَ، عنْ حَكِيمِ بن حِزامٍ. وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَوْفٌ وهِشَامُ بنُ حُسّانَ، عنِ ابنِ سِيرِينَ عنْ حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم. وهذا حديثٌ مُرْسَلٌ. إنمَا رَوَاهُ ابنُ سِيرِينَ عنْ أَيّوبَ السّخْتِيَانِيّ. عنْ يُوسُفَ بنِ مَاهَكَ، عن حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ.هكذا
ـــــــ
أي أحمد قوله: "فهذا من نحو شرطين في بيع" ، أي فلا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا شرطان في بيع" "وإذا قال أبيعكه وعليّ خياطته فلا بأس به أو قال أبيعكه وعلى قصارته فلا بأس به إنما هذا الشرط واحد" أي فيجوز لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا شرطان في بيع". وكلام الترمذي هذا يدل على أن البيع بشرطين لا يجوز عند أحمد، والبيع بشرط يجوز عنده. قال في مجمع البحار: لا فرق عند الأكثر في البيع بشرط أو شرطين. وفرق أحمد بظاهر هذا الحديث انتهى. قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات: التقييد بشرطين وقع اتفاقاً وعادة وبالشرط الواحد أيضاً لا يجوز لأنه قد ورد النهي عن بيع وشرط انتهى. وقال الشوكاني في النيل: وقد أخذ بظاهر الحديث بعض أهل العلم فقال: إن شرط في البيع شرطاً واحداً صح، وإن شرط شرطين أو أكثر لم يصح. ومذهب الأكثر، عدم الفرق بين الشرط والشرطين. واتفقوا على عدم صحة ما فيه شرطان انتهى. قلت: حديث النهي عن بيع وشرط أخرجه الطبراني في الأوسط والحاكم في علوم الحديث من طريق عبد الوارث بن سعيد عن أبي حنيفة، حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع وشرط، أورده في قصة. كذا(4/433)
1235 ـ حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِي الخَلاّلُ و عَبْدَةُ بنُ عَبْدِ الله الخزاعي البصري أبو سهل وغَيْرُ وَاحِدٍ، قالُوا: حدّثنَا عَبْدُ الصّمَدِ بنُ عَبْدِ الْوَارِثِ عنْ يَزِيدَ بنِ إبْرَاهِيمَ، عن ابنِ سيرِينَ، عنْ أيُوبَ، عنْ يُوسُفَ بنِ ماهَكَ، عنْ حَكِيمِ بن حزام قَالَ: نَهانِي رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ أبِيعَ ما لَيْسَ عِنْدِي.
وَرَوَى وكِيعٌ هَذَا الْحَدِيثَ عنْ يَزِيدَ بنِ إبْرَاهيمَ عنِ ابنِ سِيرينَ، عنْ أَيّوبَ، عنْ حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ. ولَمْ يَذْكُرْ فِيهِ "عنْ يُوسُفَ بنِ مَاهَكَ" .
وَرِوَايَةُ عَبْدِ الصّمَدِ أصَحّ.
وقَدْ رَوَى يَحْيَى بنُ أبي كَثير هَذَا الْحَدِيثَ عنْ يَعْلَى بن حَكِيمٍ، عن يُوسُفَ بنِ ماهَكَ، عنْ عَبْدِ الله بنِ عِصْمَةَ، عنْ حَكِيمِ بنِ حِزامٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم. والعَمَلُ عَلَى هَذَا الحديث عِنْدَ أكْثَرِ أَهلِ الْعِلْمِ. كَرِهُوا أنْ يَبِيعَ الرّجُلُ ما لَيْسَ عِنْدَهُ.
ـــــــ
في الدراية للحافظ ابن حجر. وقال الحافظ الزيلعي بعد ذكره بالقصة: قال ابن القطان وعلته ضعف أبي حنيفة في الحديث انتهى. "قال إسحاق كما قال" أي كما قال أحمد.
قوله: "حديث حكيم بن حزام حديث حسن" الظاهر أنه تكرار قوله: "وقد روى يحيى بن أبي كثير هذا الحديث عن يعلى بن حكيم عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عصمة عن حكيم بن حزام الخ" ، قال الحافظ في التلخيص: وزعم عبد الحق أن عبد الله بن عصمة ضعيف جداً ولم يتعقبه ابن القطان بل نقل عن ابن حزم أنه قال هو مجهول وهو جرح مردود فقد روى عند ثلاثة، واحتج به النسائي انتهى. وقال فيه: وصرح همام عن يحيى بن أبي كثير أن يعلى بن حكيم حدثه أن يوسف حدثه أن حكيم بن حزام حدثه انتهى .(4/434)
باب ماجاء في كراهية بيع الولاء وهبته
...
20 ـ باب ما جَاءَ فِي كَراهِيةِ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَهِبَتِه
1254 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ. حدّثنَا عَبْدُ الرّحْمنِ بنُ مَهْدِي قال: حدّثنَا سُفْيَانُ و شُعْبَةُ، عنْ عَبْدِ الله بنِ دِينَارٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَهِبَتِهِ".
قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. لاَ نَعْرِفُه إِلاّ مِنْ حدِيثِ عَبْد الله بنِ دِينارٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ. والعَمَلُ عَلَى هذا الْحَدِيثِ عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ. وَقَدْ رَوَى يَحْيى بنُ سُلَيمٍ هَذَا الْحَدِيِثَ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ، عنْ نافِعٍ، عنِ ابنِ عُمرَ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، أَنّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَهِبَتِهِ. وهُوَ وَهْمٌ: وَهِمَ فيهِ يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ رَوَى عَبْدُ الْوَهّابِ الثَقَفِيّ وعَبْدُ الله بنُ نُميْرٍ وغَيرُ وَاحِدٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عُمرَ، عنْ عَبْدِ الله بنِ دِينَارٍ، عنِ ابنِ عُمرَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم. وهَذَا أصَحّ مِنْ حدِيث يَحْيَى بنِ سُلَيْمٍ.
ـــــــ
باب ما جاء في كراهية بيع الولاء وهبته
الولاء بالفتح والمد حق ميراث المعتق من المعتق بالفتح . قوله: "نهى عن بيع الولاء" بفتح الواو والمد. قال في النهاية: يعني ولاء العتق وهو إذا مات المعتق ورثه معتقه أو ورثة معتقه كانت العرب تبيعه وتهبه فنهى عنه لأن الولاء كالنسب فلا يزول بالإزالة انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان قوله: "والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم" قال النووي في شرح مسلم: في الحديث تحريم بيع الولاء وهبته وإنهما لا يصحان، وأنه لا ينتقل الولاء عن مستحقه بل هو لحمة كلحمة النسب. وبهذا قال جماهير العلماء من السلف والخلف. وأجاز بعض السلف نقله ولعلهم لم يبلغهم الحديث انتهى. قوله: "وهو وهم" أي ذكر نافع بين عبيد الله بن عمر وابن عمر "وهم فيه يحيى بن سليم" فإنه قد خالف غير واحد من الثقات الحفاظ فإنهم يذكرون بينهما عبد الله بن دينار. ويحيى بن سليم هذا هو الطائفي نزيل مكة صدوق سيء الحفظ. قاله الحافظ في التقريب. وقال الخزرجي في الخلاصة وثقه ابن معين وابن سعد والنسائي إلا في عبيد الله بن عمر. وقال أبو حاتم محله الصدق ولم يكن بالحافظ ولا يحتج به. قال الخزرجي: احتج به ع وله في خ فرد حديث انتهى.(4/435)
باب ماجاء في كراهية بيع الحيوان بالحيوان نسيئة
...
21 ـ باب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَة
1255 ـ حدثنا أبُو مُوسَى مُحَمّدُ بنُ مُثَنّى، حَدّثنَا عبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِي، عنْ حَمّادِ بنِ سَلَمةَ، عنْ قَتَادَةَ، عنِ الْحَسَنِ، عنْ سَمُرَةَ "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالحَيَوَانِ نَسِئَةً".
وفي البابِ عنِ ابنِ عَبّاسٍ وجَابِرٍ وابنِ عُمرَ. حدِيثُ سَمُرَةَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَسمَاعُ الْحَسنِ مِنْ سَمُرَةَ صحيحٌ. هَكذَا قالَ عَلِيّ بنُ الْمَدِينِيّ وَغَيْرُهُ. والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أَكْثرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً،
ـــــــ
باب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَة
قوله: "نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة" بفتح النون وكسر السين وفتح الهمزة. قال في القاموس: نسأته البيع وأنسأته بعته بنسئة بالضم وبنسئة كأخرة. وقال في مجمع البحار: فيه ثلاث لغات نسيئة بوزن كريمة وبالادغام وبحذف الهمزة وكسر النون انتهى. قوله: "وفي الباب عن ابن عباس" أخرجه البزار والطحاوي وابن حبان والدارقطني بنحو حديث سمرة: قال الحافظ في الفتح. ورجاله ثقات إلا أنه اختلف في وصله وإرساله، فرجح البخاري وغير واحد إرساله انتهى. "وجابر" أخرجه الترمذي وغيره قال الحافظ وإسناده لين "وابن عمر" أخرجه الطحاوي والطبراني. قوله: "حديث سمرة حديث حسن صحيح" قال الحافظ: ورجاله ثقات إلا أنه اختلف في سماع الحسن عن سمرة. قوله: "وسماع الحسن من سمرة صحيح" هكذا "قال علي بن المديني وغيره" سيأتي الكلام فيه في باب اختلاب المواشي بغير إذن الأرباب، قوله: "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم الخ" كذا قال الترمذي، قال الشوكاني في النيل: ذهب الجمهور إلى جواز بيع الحيوان(4/436)
وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وأهْلِ الْكُوفَةِ، وبهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَقَدْ رَخّصَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالحَيَوَانِ نَسيئَة، وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وَإِسْحَاقَ.
1256 ـ حدثنا أَبُو عَمّارٍ الْحُسَيْنِ بنُ حُرَيْثِ. حدثنا عَبْدُ الله بنُ نُمَيْرٍ، عنِ الْحَجّاجِ "وهُوَ ابنُ أَرْطَاةَ" عنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عنْ جَابِر
ـــــــ
بالحيوان نسيئة متفاضلاً مطلقاً. وشرط مالك أن يختلف الجنس ومنع من ذلك مطلقاً مع النسيئة أحمد بن حنبل وأبو حنيفة وغيره من الكوفيين انتهى. قوله: "وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة وبه يقول أحمد" واستدلوا بأحاديث الباب وفي الباب روايات موقوفة فأخرج عبد الرزاق من طريق ابن المسيب عن علي بن أبي طالب أنه كره بعيراً ببعيرين نسيئة. وروى ابن أبي شيبة عنه نحوه، وعن ابن عمر عبد الرزاق وابن أبي شيبة أنه سئل عن بعير ببعيرين فكرهه "وقد رخص بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، وهو قول الشافعي وإسحاق" واستدلوا بحديث عبد الله بن عمرو، قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبعث جيشاً على إبل كانت عندي قال فحملت الناس عليها حتى نفدت الإبل وبقيت بقية من الناس. قال فقلت يا رسول الله الإبل قد نفدت وقد بقيت بقية من الناس لا ظهر لهم. فقال لي ابتع علينا إبلاً بقلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى تنفذ هذا البعث. قال وكنت أبتاع البعير بقلوصين وثلاث قلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى نفذت ذلك البعث فلما جاءت إبل الصدقة أداها رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد وأبو داود. قال الشوكاني في النيل: في إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف. وقوى الحافظ في الفتح إسناده، وقال الخطابي في إسناده مقال وأعله يعني من أجل محمد بن إسحاق، ولكن قد رواه البيهقي في سننه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وأجابوا عن حديث سمرة بما فيه من المقال. وقال الشافعي: المراد به النسيئة من الطرفين لأن اللفظ يحتمل ذلك كما يحتمل النسيئة من طرف. وإذا كانت النسيئة من الطرفين فهي من بيع الكالي بالكالي وهو لا يصح عند الجميع. وأجاب المانعون هم حديث عبد الله بن عمرو المذكور بأنه منسوخ ولا يخفي أن النسخ لا يثبت إلا بعد تقرر تأخر(4/437)
قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "الْحَيَوَانُ اثْنَانِ بِواحِدٍ، لاَ يَصْلُحُ نسِيئاً. وَلاَ بَأْسَ بهِ يَداً بيَدٍ".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
الناسخ ولم ينقل ذلك، فلم يبق ههنا إلا الطلب لطريق الجمع إن أمكن ذلك. أو المصير إلى التعارض، قيل وقد أمكن الجمع بما سلف عن الشافعي ولكنه متوقف على صحة إطلاق النسيئة على بيع المعدوم بالمعدوم. فإن ثبت ذلك في لغة العرب أو في اصطلاح الشرع فذاك وإلا فلا شك أن أحاديث النهي وإن كان كل واحد منها لا يخلو عن مقال لكنها تثبت من طريق ثلاثة من الصحابة: سمرة وجابر بن سمرة وابن عباس. وبعضها يقوي بعضاً فهي أرجح من حديث واحد غير خال من المقال. وهو حديث عبد الله بن عمرو. ولا سيما وقد صحح الترمذي وابن الجارود حديث سمرة فإن ذلك مرجح آخر. وأيضاً قد تقرر في الأصول أن دليل التحريم أرجح من دليل الإباحة وهذا أيضاً مرجح ثالث، كذا في النيل قوله: "الحيوان اثنين بواحدة لا يصلح نسيئاً" تمسك به من منع بيع الحيوان بالحيوان متفاضلاً نسيئاً. قوله: "هذا حديث حسن" في سنده الحجاج بن أرطاة وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس. وروي هذا الحديث عن أبي الزبير بالعنعنة .(4/438)
باب ماجاء في شراء العبد بالعبدين
...
22 ـ باب مَا جَاءَ فِي شِرَاءِ الْعَبْدِ بِالْعَبْدَين
1257 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ، عنْ أبِي الزّبَيْرِ، عنْ جَابِرٍ قالَ: جَاءَ عَبْد فَبَايَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْهِجْرةِ. وَلاَ يَشْعُرُ النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّهُ عَبْدٌ. فَجَاءَ سَيّدُهُ يُرِيدُهُ. فقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم "بِعْنِيهِ".
فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ أسْوَدَيْنِ. ثُمّ لَمْ يُبَايِعْ أَحَداً بَعْدُ،
ـــــــ
باب مَا جَاءَ فِي شِرَاءِ الْعَبْدِ بِالْعَبْدَين
قوله: "فاشتراه بعبدين أسودين" فيه دليل على جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلاً إذا كان يداً بيد. وهذا مما لا خلاف فيه، وإنما الخلاف في بيع الحيوان(4/438)
حَتّى يَسْأَلَهُ "أعَبْدٌ هُوَ"؟ .وفي البابِ عنْ أنَسٍ. حدِيثُ جَابِرٍ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. والْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ، أنّهُ لاَ بَأْسَ بِعَبْدٍ بعبْدَيْنِ، يَداً بِيدٍ. واخْتَلَفُوا فِيهِ إذَا كانَ نَسِيئاً.
ـــــــ
بالحيوان نسيئة. وقد تقدم بيانه في الباب المتقدم. قوله: "وفي الباب عن أنس" أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى صفية بسبعة أرؤس من دحية الكلبي. قوله: "حديث جابر حديث حسن صحيح" . وأخرجه مسلم(4/439)
باب ماجاء أن الحنطة بالحنطة مثلاً بمثل وكراهية التفاضل فيه
...
23 ـ باب ما جَاءَ أَنّ الْحِنْطَةَ بِالحنْطَةِ مِثْلاً بِمِثْل
وَكَرَاهِيَةَ التّفَاضُلِ فِيهِ
1258 ـ حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ حدثنا عبد الله بنُ الْمُبَارَكِ أخبرنا سُفْيَان عنْ خَالِدٍ الْحَذّاءِ، عنْ أبي قِلاَبَةَ، عنْ أبي الأَشْعَثِ، عنْ عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ "الذّهَبُ بالذّهَبِ مِثْلاً بِمِثْلٍ والْفِضّةُ بِالْفِضّةِ مِثْلاً بِمِثْلٍ. والتّمْرُ بِالتّمْرِ مِثْلاً بِمِثْلٍ. والْبُرّ بِالبُرّ مِثْلاً بِمِثْل، والْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلاً بِمِثْل، والشّعِيرُ بِالشّعِيرِ مِثْلاً بِمثْلٍ. فَمنِ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى. بِيعُوا الذّهَبَ بِالْفِضّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ، يَداً بِيَدٍ. وبِيعُوا البُرّ بِالتّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَداً بِيَدٍ، وبيعُوا الشّعِيرَ بِالتّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَداً بِيدِ". وفي البابِ عنْ أَبي سَعِيدٍ وأبي هُرَيْرةَ
ـــــــ
باب ما جَاءَ أَنّ الْحِنْطَةَ بِالحنْطَةِ مِثْلاً بِمِثْل وَكَرَاهِيَةَ التّفَاضُلِ فِيهِ
قوله: "الذهب بالذهب" بالرفع على تقدير يباع وبالنصب على تقدير بيعوا "فمن زاد" أي أعطى الزيادة "أو ازداد" أي طلب الزيادة "فقد أربى" أي أوقع نفسه في الربا، وقال التوربشتي أي أتى الربا وتعاطاه. ومعنى اللفظ أخذ أكثر مما أعطاه من ربا الشيء يربوا إذا زاد. "بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يداً بيد" أي حالاً مقبوضاً في المجلس قبل افتراق أحدهما عن الاَخر. وفي رواية مسلم فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد. قوله: "وفي الباب عن أبي سعيد" مرفوعاً بلفظ الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر،(4/439)
وبِلاَلٍ حدِيثُ عُبَادَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عنْ خَالِدٍ بِهَذَا الإسْنَادِ، قالَ "بِيعُوا البُر بِالشّعيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَداً بِيَدٍ".
وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبي الأَشْعَثِ، عَنْ عُبَادَةَ، عَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم الحديث، وَزَادَ فيهِ "قالَ خَالِدٌ: قالَ أَبُو قِلاَبَةَ: بِيعُوا الْبُرّ بالشّعِير كَيْفَ شِئْتُمْ" فَذَكَرَ الحَدِيثَ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذا عِنْدَ أَهْلِ العِلْم. لاَ يَرَوْنَ أَنْ يُبَاعَ البُرّ بِالبُرّ إِلاّ مِثْلاً بِمثْلٍ. وَالشّعِيرُ بالشّعِيرِ إلاّ مثلاً بِمِثْلٍ. فإذَا اخْتَلَفَ الأَصْنافُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُباعَ مُتَفَاضِلاً إِذَا كَانَ يَداً بِيَدٍ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وَالشّافِعِيّ وَأَحْمَدَ وَإسْحاقَ. قالَ الشّافِعِيّ: وَالحُجّةُ فِي ذلِكَ قَوْلُ النبيّ صلى الله عليه وسلم "بِيعُوا الشّعِيرَ بالبُرّ كَيْفَ شِئْتُمْ، يَداً بِيَدِ".
وَقَدْ كرهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ أَنْ تُبَاعَ الحنْطَةُ بالشّعِيرِ إلاّ مِثْلاً بمثْلٍ. وَهُوَ قَوْلُ مالِكِ بْنِ أَنَسٍ. وَالقَوْلُ الأَوّلُ أَصَحّ.
ـــــــ
والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقال أربي. الاَخذ والمعطي فيه سواء. أخرجه مسلم "وأبي هريرة" أخرجه مسلم "وبلال" أخرجه البزار في مسنده كذا في نصب الراية. قوله: "وهو قول مالك بن أنس" وهو قول الليث والأوزاعي. وحجتهم أن الحنطة والشعير هما صنف واحد "والقول الأول" وهو أن الحنطة والشعير صنفان يجوز بيع أحدهما بالاَخر متفاضلاً. وهو قول الجمهور "أصح" من القول الثاني. لأنه يدل على القول الأول قوله صلى الله عليه وسلم: "بيعوا البر بالشعير كيف شئتم". وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمر عند البخاري وغيره: "البر بالبر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء". وقال الحافظ في الفتح واستدل به على أن البر والشعير صنفان. وهو قول الجمهور وخالف في ذلك مالك والليث والأوزاعي فقالوا هما صنف واحد انتهى.(4/440)
باب ماجاء في الصرف
...
24 ـ باب مَا جَاءَ فِي الصّرْف
1259 ـ حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ. أخبرنا حُسَيْنُ بْنُ مُحمّدٍ. أخبرنا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أبي كَثِيرٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وابْنُ عُمرَ إلَى أَبي سَعِيدٍ. فَحَدّثَنَا أَنّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ "سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ هَاتَان" يَقولُ "لاَ تَبِيعُوا الذّهَبَ بِالذّهَبِ إلاّ مِثْلاً بمِثْلٍ. وَالْفِضّةَ بالفِضةِ إلاّ مِثْلاً بمثْلٍ. لاَ يُشَفّ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ. وَلاَ تَبِيعُوا مِنْهُ غائِباً بِنَاجِزٍ". وفي البابِ عَنْ أَبي بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ وَ أَبي هُرَيْرَةَ وِ هِشَام
ـــــــ
باب ما جاء في الصرف
هو بيع الذهب بالفضة وبالعكس، قاله العيني قوله: "انطلقت أنا وابن عمر إلى أبي سعيد" وأخرجه مسلم من طريق الليث عن نافع أن ابن عمر قال له رجل من بني ليث: إن أبا سعيد الخدري يأثر هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: نافع فانطلق عبد الله وأنا معه والليث. حتى دخل على أبي سعيد الخدري فقال: إن هذا أخبرني أنك تخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الورق بالورق إلا مثلاً بمثل الحديث. فأشار أبو سعيد بأصبعيه إلى عينيه وأذنيه فقال: أبصرت عيناي وسمعت أذناي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الخ. "لا تبيعوا الذهب بالذهب" يدخل في الذهب جميع أصنافه من مضروب ومنقوش وجيد ورديء وصحيح ومكسر وحلى وتبر وخالص ومغشوش. ونقل النووي تبعاً لغيره في ذلك الإجماع "إلا مثل بمثل" أي إلا حال كونهما متماثلين أي متساويين "والفضة بالفضة" المراد بالفضة جميع أنواعها مضروبة وغير مضروبة "لا يشف بعضه على بعض" بصيغة المضارع المجهول من الإشفاف وهو التفضيل يقال شف الدرهم يشف إذا زاد وإذا نقص من الأضداد. وأشفه غيره يشفه كذا في عمدة القاري. "ولا تبيعوا منه غائباً" أي غير حاضر "بناجز" أي حاضر من النجز بالنون والجيم والزاي. قال الحافظ في الفتح أي مؤجلاً بحال والمراد(4/441)
ابْنِ عَامِرٍ وَ البَرَاءِ وَزَيْدِ بنِ أَرْقَمَ وَ فَضَالَةَ بنِ عُبَيْد و أَبي بكْرَةَ و ابنِ عُمَرَ و أَبي الدّرْدَاءِ و بلاَل قال: وحَدِيثُ أَبي سَعِيدٍ عَنْ النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الرّبا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أَهلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ. إِلاّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْساً أَنْ يُبَاعَ الذّهَبُ بِالذّهَبِ مُتَفَاضِلا، والفِضّةُ بِالفِضّةِ مُتَفَاضِلاً، إذَا كَانَ يَداً بيَدٍ. وَقَالَ: إِنما الرّبَا فِي النّسِيئَةِ. وكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ شَيْءٌ مِنْ هذَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ حِينَ حَدّثَهُ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيّ عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم. والْقَوْلُ الأوّلُ أَصَحّ. والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وابْنِ الْمبَارَكِ والشّافِعِيّ وأَحْمَدَ وإِسْحاقَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الْمبَارَكِ أنّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي الصّرْفِ اخْتِلاَفٌ.
ـــــــ
بالغائب أعم من المؤجل كالغائب عن المجلس مطلقاً، مؤجلاً كان أو حالاً، والناجز الحاضر إنتهى. قوله: "وفي الباب من أبي بكر الخ" قال الحافظ في التلخيص: وفي الباب عن عمر رضي الله عنه في الستة، وعن علي في المستدرك، وعن أبي هريرة في مسلم، وعن أنس في الدارقطني، وعن بلال في البزار وعن أبي بكرة متفق عليه. وعن ابن عمر في البيهقي وهو معلول إنتهى. قلت: وحديث زيد بن أرقم والبزار مرفوعاً بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا. أخرجاه في الصحيحين، وأما أحاديث باقي الصحابة رضي الله عنهم فلينظر من أخرجها، قوله: "حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم، قوله: "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلا ما روي عن ابن عباس الخ" اعلم أن بيع الصرف له شرطان، منع النسيئة مع اتفاق النوع واختلافه وهو المجمع عليه، ومنع التفاضل في النوع الواحد منهما وهو قول الجمهور. وخالف فيه ابن عمر ثم رجع وابن عباس واختلف في رجوعه وقد وقد روى الحاكم من طريق حيان العدوى سألت أبا مجلز عن الصرف فقال: كان(4/442)
1260 ـ حدثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِي الخَلاّلُ. حدّثَنَا يَزِيدُ بنُ هَارُون. أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: كُنْتُ أَبِيعُ الإِبِلَ بِالبَقيعِ. فَأَبِيعُ بالدّنَانِيرِ. فآخُذُ مَكَانَهَا الوَرِقَ وأبِيعُ بالوَرقِ فَآخُذُ مَكانَهَا الدّنَانِيرَ. فَأَتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَوَجّدْتُهُ خَارجاً مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ. فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ "لاَ بَأْسَ بِهِ بالقِيمَةِ".
ـــــــ
ابن عباس لا يرى به بأساً زماناً من عمره ما كان منه عيناً بعين يداً بيد. وكان يقول: إنما الربا في النسيئة. فلقيه أبو سعيد فذكر القصة والحديث وفيه: التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والذهب بالذهب والفضة بالفضة يداً بيد مثلاً بمثل فمن زاد فهو ربا. فقال ابن عباس: أستغفر الله وأتوب إليه. فكان ينهى عنه أشد النهي. كذاغ قال الحافظ في فتح الباري. فإن قلت فما وجه التوفيق بين حديث أبي سعيد المذكور وبين حديث أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم "قال لا ربا إلا في النسيئة". أخرجه الشيخان وغيرهما: قلت: اختلفوا في الجمع بينهما فقيل: إن حديث أسامة منسوخ لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال. وقيل: المعنى في قوله: لا ربا الربا الأغلظ الشديد التحريم المتوعد عليه بالعقاب الشديد كما تقول العرب: لا عالم في البلد إلا زيد. مع أن فيها علماء غيره وإنما القصد نفي الأكمل لا نفي الأصل. وأيضاً فنفي تحريم ربا الفضل من حديث أسامة إنما هو بالمفهوم فيقدم عليه حديث أبي سعيد لأن دلالته بالمنطوق، ويحمل حديث أسامة على الربا الأكبر كما تقدم. وقال الطبري: معنى حديث أسامة لا ربا إلا في النسيئة إذا اختلفت أنواع البيع والفضل فيه يداً بيد ربا، جمعاً بينه وبين حديث أبي سعيد ذكره الحافظ.
قوله: "بالبقيع" بالموحدة والمراد به بقيع الغرقد، فإنهم كانوا يقيمون السوق فيه قبل أن يتخذ مقبرة وروى النقيع بالنون وهو موضع قريب من المدينة يستنقع فيه الماء أي يجتمع كذا في النهاية. "فأبيع بالدنانير" أي تارة "فآخذ مكانها" أي مكان الدنانير "الورق" أي الفضة وهو بفتح الواو وكسر الراء وبأسكانها على المشهور ويجوز فتحهما وقيل بكسر الواو المضروبة وبفتحها المال "وأبيع بالورق" أي تارة أخرى "فقال لا بأس به بالقيمة" أي لا بأس أن تأخذ بدل الدنانير الورق بالعكس بشرط التقابض في(4/443)
هذا حديثٌ لاَ نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إِلاّ مِنْ حَدِيثِ سِمَاكِ بْن حَرْبٍ عَنْ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عنْ ابنِ عُمَرَ. وَرَوَى دَاوُدُ بنُ أَبي هِنْدٍ هذَا الْحَدِيثَ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابنَ عُمَرَ، مَوْقُوفاً. وَالْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أنْ لاَ بَأْسَ أَنْ يَقْتَضِيَ الذّهَبَ مِنْ الْوَرِقِ، والْوَرِقَ مِنَ الذّهَبِ. وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وإسْحاقَ. وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، ذلِكَ.
1261 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدّثنا اللّيْثُ عَنِ ابنِ شِهَاب، عَنْ مالِكِ بن أَوْسِ بنِ الْحَدَثَانِ، أَنّهُ قَالَ: أَقبَلْتُ أَقولُ: مَنْ يَصْطَرِفُ الدّرَاهِمَ؟
ـــــــ
المجلس. وفي المشكاة فقال: لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء. قال ابن الملك أي شيء من علقة الاستبدال وهو التقابض في المجلس في بيع النقد بالنقد ولو مع اختلاف الجنس انتهى. قال الطيبي رح: فإنما نكره أي لفظ شيء وأبهمه للعلم بالمراد وإن تقابض النقدين في المجلس مما هو مشهور لا يلتبس على كل أحد كذا في المرقاة والضمير المنصوب في قوله أن تأخذها راجع إلى أحد النقدين عن الدراهم والدنانير على البدل كما ذكره الطيبي رحمه الله. قال الشوكاني في النيل: فيه دليل على جواز الاستبدال عن الثمن الذي في الذمة بغيره وظاهره أنهما غير حاضرين جميعاً بل الحاضر أحدهما وهو غير اللازم فيدل على أن ما في الذمة كالحاضر انتهى قوله: "هذا حديث لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث سِمَاك الخ" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد وصححه الحاكم. قوله: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم الخ" قال في النيل وهو محكى عن عمر وابنه عبد الله والحسن والحكم وطاؤس والزهري ومالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد وغيرهم. وروى عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب وأحد قولي الشافعي أنه مكروه أي الاستبدال المذكور والحديث يرد عليهم. واختلف الأولون فمنهم من قال يشترطان أن يكون بسعر يومها كما وقع في الحديث، وهو مذهب أحمد. وقال أبو حنيفة والشافعي أنه يجوز بسعر يومها وأغلى وأرخص وهو خلاف ما في الحديث من قوله بسعر يومها. وهو أخص من حديث: إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا يداً بيد. فيبني العام على الخاص. قوله: "عن مالك بن أوس بن الحدثان" بفتح المهملة والمثلثة، النصري بالنون المدني له رؤية وروى عن عمر "من يصطرف الدراهم" من(4/444)
فَقَالَ طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ الله، وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ: أرِنَا ذَهَبَكَ ثم ائْتِنَا إذَا جَاءَ خَادِمُنَا نُعْطِكَ وَرِقَكَ. فَقَالَ عُمَرُ: كَلاّ، والله لَتُعْطِيَنّهُ وَرِقَهُ أَوْ لَتَرُدّنّ إلَيْهِ ذَهَبَهُ. فإِنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ "الْوَرِقُ بالذّهَبِ رِباً إِلاّ هَاءَ وَهَاءَ. وَالبرّ بالبُرّ رِباً إلاّ وَهَاءَ وهاء. وَالشّعِيرُ بالشّعِيرِ رِباً إِلاّ هَاءَ وَهَاءَ. والتّمْرُ بِالتّمْرِ رِباً إِلاّ هَاءَ وهَاءَ". هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أهلِ العِلْمِ. وَمَعْنى قَوْلِهِ "إِلاّ هَاءَ وَهَاءَ" يَقُولُ يَداً بِيَدٍ.
ـــــــ
الاصطراف وكان أصله بالتاء فابدلت التاء بالطاء "أرنا ذهبك ثم ائتنا إذا جاء خادمنا" وفي رواية مالك في الموطإ: فتراوضنا حتى اصطرف مني، وأخذ الذهب يقلبها في يده، ثم قال حتى يأتي خازني من الغابة. وإنما قال ذلك طلحة لظنه جواز ذلك كسائر البيوع وما كان بلغه حكم المسألة "نعطك ورقك" الورق بكسر راء ويسكن وبكسر واو مع سكون، والرقة بكسر راء وخفة قاف الدرهم المضروب "إلا هاء وهاء" قال النووي: فيه لغتان المد والقصر والمد أفصح وأشهر وأصله هاك فأبدلت الكاف من المد ومعناه: خذ هذا ويقول لصاحبه مثله. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة قوله: "والعمل على هذا عند أهل العلم" يعني على أنه لا يجوز بيع الناجز بالغائب في الصرف.(4/445)
باب ماجاء في أبتياع النخل بعد التأبير والعبد و له مال
...
25ـ باب مَا جَاءَ في ابْتِيَاعِ النّخْلِ بَعْدَ التّأْبِيرِ، والْعَبْدِ ولَهُ مَال
1262 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا اللّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عنْ أَبِيهِ قالَ: سِمعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنِ ابتَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تؤبّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلّذِي بَاعَهَا، إلاّ أَنْ يَشْترِطَ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في ابْتِيَاعِ النّخْلِ بَعْدَ التّأْبِيرِ، والْعَبْدِ ولَهُ مَال
قوله: "من ابتاع" أي اشترى "بعد أن تؤبر" بصيغة المجهول من التأبير وهو تلقيح النخل، وهو أن يوضع شيء من طلع فحل النخل في طلع الأنثى إذا انشق فتصلح ثمرته بإذن الله تعالى. "فثمرتها للذي باعها" فيه دليل على أن من(4/445)
المُبْتَاعُ.وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْداً وَلَهُ مَالٌ فمالُهُ لِلّذِي بَاعَهُ، إلا أنْ يَشْترِطَ المبْتَاعُ". وفي البابِ عَنْ جَابِرٍ وحَدِيثُ ابنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حسَنٌ صَحِيحٌ. هَكَذَا رُوِيَ مِنْ غَيرِ وَجْهٍ عَن الزّهْرِيّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ "مَنِ ابتَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تؤَبّرَ فَثَمَرَتهَا لِلْبَائِعِ إلاّ أَنْ يْشترِطَ المُبْتَاعُ، ومَنْ بَاعَ عَبْداً ولَهُ مَالٌ فَمَالُهُ للذي باعه، إلاّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمبَتاعُ". وقد رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَنِ ابْتَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبّرَتْ فَثَمَرَتهَا لِلْبَائِعِ، إلاّ أَنْ يَشْترِطَ المبْتَاعُ".
ـــــــ
باع نخلاً وعليها ثمرة مؤبرة لم تدخل الثمرة في البيع بل تستمر على ملك البائع، ويدل بمفهومه على أنها إذا كانت غير مؤبرة تدخل في البيع وتكون للمشتري وبذلك قال جمهور العلماء، وخالفهم الأوزاعي وأبو حنيفة فقالا: تكون للبائع قبل التأبير وبعده. وقال ابن أبي ليلى: تكون للمشتري مطلقاً. وكلا الإطلاقين مخالف لأحاديث الباب. وهذا إذا لم يقع شرط من المشتري بأنه اشترى الثمرة ولا من البائع بأنه استثنى لنفسه الثمرة، فإن وقع ذلك كانت الثمرة للشارط من غير فرق بين أن تكون مؤبرة أو غير مؤبرة. قال في الفتح: لا يشترط في التأبير أن يؤبر أحد بل لو تأبر بنفسه لم يختلف الحكم عند جميع القائلين به. كذا في النيل. "إلا أن يشترط المبتاع" أي المشتري بأن يقول: اشتريت النخلة بثمرتها هذه "وله مال" قال القاري: اللام للاختصاص فإن العبد لا ملك له خلافاً لمالك. "فماله" بضم اللام "للذي باعه" أي باق على أصله وهو كونه ملكاً للبائع قبل البيع. قال القاري. وهذا على رأي من قال: إن العبد لا ملك له قال في شرح السنة: فيه بيان أن العبد لا ملك له بحال، قإن السيد لو ملكه لا يملك لأنه مملوك. فلا يجوز أن يكون مالكاً كالبهائم. وقوله "وله مال" إضافة مجاز لا إضافة ملك، كما يضاف السرج إلى الفرس، والإكاف إلى الحمار، والغنم إلى الراعي. يدل عليه أنه قال: فماله للبائع أضاف الملك إليه وإلى البائع في حالة واحدة ولا يجوز أن يكون الشيء والواحد كله ملكاً للاثنين في حالة واحدة.(4/446)
رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ، أَنّهُ قَالَ: مَنْ بَاعَ عَبْداً ولَهُ مَالٌ، فمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلاّ أنْ يَشْترِطَ المبْتَاعُ. هَكَذَا رَوَاه عُبَيْدُ الله بنُ عُمَر وغَيْرُهُ عَنْ نَافِعٍ، الْحَدِيثَيْنِ.
وقَدْ رَوىَ بَعْضُهُمْ هذَا الْحَدِيثَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عمَرَ، عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَيْضاً.
ورَوَى عِكْرِمَةُ بنُ خَالِدٍ عَنِ ابنِ عمَرَ، عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ حَدِيثِ سَالمٍ. والعَمَلُ عَلى هذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أهلِ العِلْمِ. وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وأحْمَدَ وإسْحاقَ.
قَالَ مُحَمّدُ بن اسماعيل حَدِيثُ الزّهْرِيّ عَنْ سَالِمٍ عنْ أبِيهِ، عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم، أصَحّ
ـــــــ
فثبت أن إضافة المال إلى العبد مجاز أي للاختصاص، وإلى المولى حقيقة أي الملك. قال النووي رحمه الله: مذهب مالك والشافعي في القديم أن العبد إذا ملكه سيدة مالا ملكه، لكنه إذا باعه بعد ذلك كان ماله للبائع إلا أن يشترط لظاهر الحديث. وقال الشافعي إن كان المال دراهم لم يجز بيع العبد وتلك الدراهم بدراهم. وكذا إن كان الدنانير أو الحنطة لم يجز بيعهما بذهب أو حنطة. وقال مالك: يجوز إن اشترطه المشتري وإن كان دراهم والثمن دراهم لإطلاق الحديث كذا في المرقاة. قال الشوكاني في النيل: والظاهر القول الأول يعني قول مالك لأنه نسبة المال إلى الملوك تقتضي أنه يملك، وتأويله بأن المراد أن يكون شيء في يد العبد من مال سيده وأضيف إلى العبد للاختصاص والانتفاع، لا للملك كما يقال: الجل للفرس خلاف الظاهر انتهى. قوله: "وفي الباب عن جابر" لينظر من أخرجه. قوله: "حديث ابن عمر حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم وروى البخاري المعنى الأول وحده كذا في المشكاة(4/447)
باب ماجاء في البيعان بالخيار مالم يتفرقا
...
26 ـ باب مَا جَاءَ في البيّعينِ بِالْخِيارِ مَا لَم يَتفَرّقَا
1263 ـ حدثنا واصلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلى. حدثنا مُحَمّدُ بنُ فُضَيْلٌ عنْ يَحْيى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْن عمرَ قالَ: سَمعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "البَيعانِ بالْخِيارِ مَا لَمْ يَتَفَرّقَا أوْ يَخْتَارَا".
قالَ: فَكانَ ابنُ عُمرَ إذَا ابْتَاعَ بَيْعاً وهُوَ قَاعِدٌ، قَامَ لِيَجِبَ لَهُ البَيْعُ.
ـــــــ
باب ما جاء البيعين بالخيار "ما لم يتفرقا"
البيعان بفتح الموحدة وتشديد التحتية البائع والمشتري . قوله: "البيعان بالخيار" بكسر الخاء المعجمة اسم من الاختيار أو التخيير وهو طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه، والمراد بالخيار هنا خيار المجلس والبيع هو البائع أطلق على المشتري على سبيل التغليب. أو لأن كل واحد من اللفظين يطلق على الاَخر. قال العراقي لم أر في شيء من طرق الحديث البائعان وإن كان لفظ البائع أشهر وأغلب من البيع وإنما استعملوا ذلك بالقصر والإدغام من الفعل الثلاني المعتل العين في ألفاظ محصورة كطيب وميت وكيس وريض ولين وهين. واستعملوا في باع الأمرين فقالوا بايع وبيع انتهى. وقال الحافظ: البيع بمعن البائع كضيق وضائق وليس كبين وبائن فإنهما متغايران كقيم وقائم انتهى. "ما لم يتفرقا" أي بالأبدان كما فهمه ابن عمر وهو راوي الحديث، وأبو برزة الأسلمي وهو راوي الحديث أيضاً كما ستقف عليه في هذا الباب "أو يختارا" أي مضاء البيع. قوله: "فكان ابن عمر إذا ابتاع بيعاً وهو قاعد قام ليجب له" وفي رواية للبخاري: وكان ابن عمر إذا اشترى شيئاً يعجبه فارق صاحبه، ولمسلم في رواية: وكان إذا بايع رجلاً فأراد أن لا يقيله قال فمشي هنيهة ثم رجع إليه. ولابن أبي شيبة في رواية: كان ابن عمر إذا باع انصرف ليجب له البيع. قوله: "عن حكيم بن حزام" بكسر مهملة فزاي "فإن صدقا" أي في صفة البيع والثمن وما يتعلق بهما "وبينا" أي عيب الثمن والمبيع "بورك" أي كثر النفع "لهما في بيعهما" أي وشرائهما أو المراد في عقدهما "محقت" بصيغة المجهول أي أزيلت وذهبت "بركة تبيعهما" قال الحافظ: يحتمل أن يكون على ظاهره وإن شؤم التدليس والكذب وقع ذلك العقد فمحق بركته. وإن كان الصادق مأجوراً(4/448)
قال أبو عيسى: وفي البابِ عنْ أبي بَرْزَةَ وَحَكِيمِ بنِ حزَامٍ وعَبْدِ الله بنِ عَبّاسٍ وعَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ وسَمُرَةَ وأبي هُرَيْرَةَ.
قال أبو عيسى: حدِيثُ ابنِ عُمرَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ. وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ. وقَالُوا: الْفُرْقَةُ بِالأَبْدَانِ لاَ بالْكَلاَمِ.
ـــــــ
والكاذب مأزوراً ويحتمل أن يكون ذلك مختصاً بمن وقع منه التدليس والعيب دون الاَخر ورجحه ابن أبي جمرة انتهى. قوله: "وهذا حديث صحيح" وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وأحمد. قوله: "وفي الباب عن أبي برزة" أخرجه أبو داود والطحاوي وغيرهما بلفظ: أن رجلين اختصما إليه في قرس بعد ما تبايعا، وكانا في سفينة. فقال لا أراكما افترقتما. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" "وعبد الله بن عمرو" وأخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي وأحمد. "وسمرة" أخرجه النسائي "وأبي هريرة" أخرجه أبو داود "وابن عباس" أخرجه ابن حبان والحاكم والبيهقي. وفي الباب أيضاً عن جابر أخرجه البزار والحاكم وصححه. قوله: "حديث ابن عمر حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان. قوله: "وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وقالوا الفرقة بالأبدان لا بالكلام" وبه قال ابن عمر وأبو برزة الأسلمي قال الحافظ في الفتح. ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة انتهى. وهو قول شريح والشعبي وطاوس وعطاء وابن أبي مليكة ونقل ابن المنذر القول به أيضاً عن سعيد بن المسيب والزهري وابن أبي ذئب من أهل المدينة، وعن الحسن البصري والأوزاعي وابن جريج وغيرهم. وبالغ ابن حزم فقال: لا نعلم لهم مخالفاً من التابعين إلا النخعي وحده، ورواية مكذوبة عن شريح. والصحيح عنه القول به كذا في فتح الباري. قلت: هذا القول هو الظاهر الراجح المعول عليه وقد اعترف صاحب التعليق الممجد من الحنفية بأنه أولى الأقوال حيث قال: ولعل المنصف الغير المتعصب يستيقن بعد إحاطة الكلام من الجوانب في هذا البحث أن أولى الأقوال هو ما فهمه الصحابيان الجليلان، يعني ابن عمر وأبا برزة الأسلمي رضي الله(4/449)
وقَدْ قالَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ: مَعْنَى قَوْلِ النبيّ صلى الله عليه وسلم "مَا لَمْ يَتَفَرّقَا" يَعْنِي الْفُرْقَةَ بالْكَلاَمِ. والْقَوْلُ الأَوّلُ أصَحّ، لأن ابنَ عُمرَ هُوَ رَوَى عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم. وهُوَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا رَوَى. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنّهُ كانَ إذَا أرَادَ أنْ يُوجِبَ الْبَيْعَ، مَشَى لِيَجِبَ لَهُ. وهكذَا وَرُوِيَ عنْ أبي بَرْزَةَ.
1264 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ. حدّثنَا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ شُعْبَةَ عن قَتَادَة، عنْ صَالِحٍ أبي الْخَلِيلِ، عنْ عَبْدِ الله بنِ الْحَارِثِ، عنْ حَكِيم بنِ حِزامٍ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "الْبَيّعَانِ بالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرّقَا. فإِنْ صَدَقَا وَبَيّنَا، بُورِكَ لَهُمَا في بَيْعهِمَا، وإنْ كتما وكَذبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعهِمَا".
هذا حديثٌ صحيحٌ.
ـــــــ
عنهما. وفهم الصحابي إن لم يكن حجة لكنه أولى من فهم غيره بلا شبهة وإن كان كل من الأقوال مستند إلى حجة انتهى كلامه. "وقد قال بعض أهل العلم: معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يتفرقا يعني الفرقة بالكلام" وهو قول إبراهيم النخعي. وبه قال المالكية إلا ابن حبيب والحنفية كلهم. قال ابن حزم: لا نعلم لهم سلفاً إلا إبراهيم وحده، ورواية مكذوبة عن شريح. والصحيح عنه القول به: قال الإمام محمد في موطإه وتفسيره عندنا على(4/450)
وَهَكَذَا رُويَ عَنْ أبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيّ أَنّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَيْهِ في فَرَسٍ بَعْدَ مَا تَبَايَعَا. وَكانُوا في سَفينَةٍ. فَقَالَ: لاَ أرَاكُمَا افترَقْتُمَا. وَقَالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم "الْبَيّعَانِ بالْخِيَار مَا لَمْ يَتَفَرّقَا".
وَقَدْ ذَهبَ بعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أهْلِ الكُوفَةِ وغَيْرِهِمْ، إلى أَنّ الْفُرْقَةَ بالكلامِ، وهُوَ قَوْلُ سفيان الثّوْرِيّ.
وَهكذَا رُوِيَ عَنْ مالِكِ بْنِ أنَسٍ. وَرُوِيَ عَن ابن الْمُبَارَكِ أنّهُ قالَ: كَيْفَ أَرُدّ هذَا؟ والْحَدِيثُ فيهِ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم صحيح وقوّى هذا المذْهَبَ.
وَمَعْنَى قَوْلِ النبيّ صلى الله عليه وسلم "إلاّ بَيْعَ الْخِيَارِ" مَعْنَاهُ أَنْ يخَيّرَ الْبَائِعُ المُشْترِيَ بَعْدَ إيجَابِ الْبَيْعِ. فإِذَا خَيّرَهُ فاخْتَارَ الْبَيْعَ، فَلَيْسَ لَهُ خِيَارٌ بَعْدَ ذلِكَ في فَسْخِ الْبَيْعِ. وإن لَمْ يَتَفَرّقَا. هكَذَا فَسّرَهُ الشافِعِيّ وغَيْرُه. ومِمّا يُقَوّى قَوْلَ مَنْ يَقُولُ "الْفُرْقَةُ بالأبْدَانِ لاَ بِالكَلاَمِ" حدِيثُ عَبدِ الله بنِ عَمْروٍ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
ما بلغنا عن إبراهيم النخعي أنه قال المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا عن منطق البيع إذا قال البائع: قد بعتك فله أن يرجع ما لم يقل الاَخر قد اشتريت، وإذا قال المشتري قد اشتريت بكذا وكذا له أن يرجع عن قوله اشتريت ما لم يقل البائع قد بعت. وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا، انتهى ما في الموطإ. وقد أطال صاحب التعليق الممجد ههنا الكلام وأجاد واجاب عن كل ما تمسك به الحنفية فعليك أن ترجع إليه. "ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: إلا بيع الخيار. معناه أن يخير البائع المشتري بعد إيجاب البيع. فإذا خيره فاختار البيع الخ" قد اختلف العلماء في المراد بقوله: إلا بيع الخيار. فقال الجمهور وبه جزم الشافعي: هو استثناء من امتداد الخيار إلى التفرق. والمراد أنهما إن اختارا إمضاء البيع قبل التفرق. فقد لزم البيع حينئذ وبطل اعتبار التفرق فالتقدير إلا البيع الذي جرى فيه التخاير. قال النووي: اتفق أصحابنا(4/451)
1265 ـ أخبرنا بِذلِكَ قُتَيْبَةُ، عن سعيد حدّثنَا اللّيْثُ بنُ سَعدٍ عنِ ابنِ عَجْلاَنَ، عنْ عَمْروِ بنِ شُعَيْبٍ، عنْ أَبيهِ، عنْ جَدّهِ أَنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ "الْبَيّعَانِ بالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرّقَا، إلاّ أنْ تَكُونَ صَفقَةَ خِيَارٍ. ولاَ يَحِلّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ".
ـــــــ
على ترجيح هذا التأويل، وأبطل كثير منهم ما سواه.
وغلطوا قائله. ورواية الليث ظاهرة جداً في ترجيحه قيل هو استثناء من انقطاع الخيار بالتفرق. وقيل المراد بقوله: أو يخير أحدهما الاَخر أي فيشترطا الخيار مدة معينة، فلا ينقضي الخيار بالتفرق بل يبقى حتى تمضي المدة. حكاه ابن عبد البر عن أبي ثور ورجح الأول بأنه أقل في الإضمار وفيه أقوال أخرى ذكرها الحافظ في الفتح. قوله: "إلا أن تكون صفقة خيار" بالرفع على أن كان تامة، والتقدير إلا أن توجد أو تحدث صفقة خيار وبالنصب على أن كان ناقصة وأسمها مضمر وخبرها صفقة خيار، والتقدير إلا أن تكون الصفقة صفقة خيار. والمراد أن المتبايعين إذا قال أحدهما لصاحبه: اختر إمضاء البيع أو افسخه فاختار أحدهما تم البيع وإن لم يتفرقا. قاله الشوكاني. وقال القاري في المرقاة: والمعنى أن المتبايعين ينقطع خيارهما بالتفرق إلا أن يكون البيع بيعاً شرط فيه الخيار. وتفسير القاري هذا خلاف ما فسر به الشوكاني وكلاهما محتمل. وقد تقدم اختلاف أهل العلم في تفسير إلا بيع الخيار وقال الطيبي: الإضافة في صفقة خيار للبيان فإن الصفقة يجوز أن تكون للبيع أو للعهد انتهى. وقال في النهاية إن أكبر الكبائر أن تقاتل أهل صفقتك، هو أن يعطي الرجل عهده وميثاقه ثم يقاتله، لأن المتعاهدين يضع أحدهما يده في يد الاَخر كما يفعل المتبايعان وهي المرة من النتصفيق باليدين انتهى. "ولا يحل" أي في الورع قاله القاري "له" أي لأحد المتعاقدين "أن يفارق صاحبه" أي بالبدن "خشية أن يستقيله" بالنصب على أنه مفعول له واستدل بهذا القائلون بعدم ثبوت خيار المجلس. قالوا لأن في هذا الحديث دليلاً على أن صاحبه لا يملك الفسخ إلا من جهة الاستقالة. وأجيب بأن الحديث حجة عليهم لا لهم. ومعناه لا يحل له أن يفارقه بعد البيع خشية أن يختار فسخ البيع. فالمراد بالاستقالة فسخ النادم منهما(4/452)
هذا حديثٌ حَسَنٌ. وَمَعْنَى هذَا، أنْ يُفَارِقَهُ بعْدَ البَيْعِ خَشيَةَ أنْ يَسْتقِيلَهُ، ولَوْ كانَتِ الفُرْقَةُ بِالكلاَمِ، ولمْ يكُنْ لَهُ خِيارٌ بَعْدَ البيْع، لَمْ يَكُنْ لِهذَا الْحَدِيثِ مَعنى. حَيْثُ قَالَ صلى الله عليه وسلم "وَلاَ يَحِلّ لَهُ أنْ يُفَارِقَهُ خَشْيةَ أنْ يَسْتَقِيلَهُ" .
ـــــــ
للبيع. وعلى هذا حمله الترمذي وغيره من العلماء قالوا: ولو كانت الفرقة بالكلام لم يكن له خيار بعد البيع، ولو كان المراد حقيقة الاستقالة لم تمنعه من المفارقة لأنها لا تختص بمجلس العقد. وقد أثبت في أول الحديث الخيار، ومده إلى غاية التفرق. ومن المعلوم أن من له الخيار لا يحتاج إلى الاستقالة فتعين حملها على الفسخ. وحملوا نفي الحل على الكراهة لأنه لا يليق بالمروءة وحسن معاشرة المسلم لا أن اختيار الفسخ حرام انتهى. قلت: الأمر كما قال الشوكاني. وبهذا اندفع قول القاري في المرقاة بأنه دليل صريح لمذهبنا لأن الإقالة لا تكون إلا بعد تمام العقد. ولو كان له خيار المجلس لما طلب من صاحبه الإقالة ووجه الاندفاع ظاهر من كلام الشوكاني. وبكلامه أيضاً ظهر صحة قول المظهر بأن المراد من الاستقالة طلب الفسخ لا حقيقة الإقالة وهي دفع العاقدين البيع بعد لزومه بتراضيهما، أي لا ينبغي للمتقي أن يقوم من المجلس بعد العقد ويخرج من أن يفسخ العاقد الاَخر البيع بخيار المجلس، لأن هذا يشبه الخديعة انتهى. ووجه صحة كلامه أيضاً ظاهر من كلام الشوكاني "هذا حديث حسن" قال في المنتقى بعد ذكره: رواه الخمسة إلا ابن ماجه. ورواه الدارقطني وفي لفظ: حتى يتفرقا من مكانهما. قوله: "ومعنى هذا أن يفارقه الخ" وكذا قال غير الترمذي من أهل العلم كما عرفت في كلام الشوكاني .(4/453)
27 ـ باب
1266 ـ حدثنا نَصْرُ بنُ عَلِي. حَدّثنَا أَبُو أحْمَدَ. حَدّثنَا يَحْيَى بنُ أيّوبَ "وهو البجليّ الكوفيّ" قَالَ: سَمِعْتُ أبَا زُرْعَةَ بنَ عَمْرو بن جرير يُحَدّثُ عَنْ أبي هُرَيرَةَ، عَنِ
ـــــــ
باب
قوله: "سمعت أبا زرعة بن عمرو" بن جرير البجلي الكوفي روى عن جده(4/453)
النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ يَتَفَرَقَنّ عَنْ بَيْعٍ إلاّ عَنْ تَرَاضٍ".
قال أبو عيسى هذا حديثٌ غَرِيبٌ.
1267 ـ حدثنا عَمْروُ بنُ حَفْصٍ الشّيْبَانيّ. حَدّثنَا ابنُ وَهْبٍ عنِ ابن جُرَيجٍ، عَنْ أبي الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم خَيّرَ أعْرَابياً بَعْدَ الْبَيْعِ. وَهذا حديثٌ حسنٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
جرير وأبي هريرة من ثقات علماء التابعين قوله: "لا يتفرقن عن بيع إلا عن تراض" وفي رواية أبي داود "لا يفترقن اثنان إلا عن تراض" . قال الطيبي قوله عن تراض صفة مصدر محذوف والاستثناء متصل أي لا يتفرقن اثنان إلا تفرقاً صادراً عن تراض انتهى. قال القاري لمراد بالحديث والله تعالى اعلم أنهما لا يتفرقان إلا عن تراض بينهما فيما يتعلق بإعطاء الثمن وقبض المبيع وإلا فقد يحصل الضرر، وهو منهي في الشرع أو المراد منه أن يشاور مريد الفراق صاحبه ألك رغبة في المبيع. فإن أريد الإقالة أقاله، فيوافق الحديث الأول يعني الحديث الاَتي في هذا الباب. وهذا نهى تنزيه للإجماع على حل المفارقة من غير إذن الاَخر ولا علمه انتهى. وقال قال الأشرف: وفيه دليل على ثبوت خيار المجلس لهما وإلا فلا معنى لهذا القول انتهى. قلت: قد فهم راوي الحديث عن أبي هريرة منه ثبوت خيار المجلس وهو أبو زرعة ابن عمرو ففي سنن أبي داود: حدثنا محمد بن حاتم الجرجرائي قال مروان الفزاري أخبرنا عن يحيى بن أيوب قال كان أبو زرعة إذا بايع رجلاً خيره قال ثم يقول خيرني فيقول سمعت أبا هريرة يقول الحديث. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أبو داود وسكت عنه. وقال المنذري وأخرجه الترمذي ولم يذكر أبا زرعة، وقال هذا حديث غريب انتهى كلام المنذري. قلت قد ذكر الترمذي أبا زرعة لكنه لم يذكر قوله الذي ذكره أبو داود في روايته. قوله: "خير أعرابياً بعد البيع" أي بعد تحققه بالإيجاب والقبول. قال الطيبي: ظاهره يدل على مذهب أبي حنيفة لأنه لو كان خيار المجلس ثابتاً بالعقد كان التخيير عبثاً. والجواب أن هذا مطلق يحمل على المقيد كما سبق في الحديث الأول من الباب انتهى. أراد بالحديث الأول حديث ابن عمر: المتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار. قوله: "وهذا حديث حسن غريب" وقال صاحب المشكاة بعد ذكر هذا الحديث: رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح غريب. وقال القاري وحسن غير موجود في بعض النسخ .(4/454)
باب ماجاء فيمن يخدع في البيع
...
28 ـ باب ما جَاءَ فِيمَنْ يُخْدَعُ في البَيْع
1268 ـ حدثنا يُوسُفُ بنُ حَمّادٍ الْبَصْرِيّ. حَدّثَنَا عبْدُ الأَعَلى بنُ عَبْدِ الأعْلَى عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أنَسٍ، أنّ رَجُلاً كانَ في عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ. وَكانَ يُبَايِعُ. وَأن أهْلَهُ أَتَوُا النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يا رسُولَ الله احْجُرْ عَلَيْهِ. فَدَعَاهُ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فَنَهَاهُ. فَقَالَ: يا رسولَ الله إنّي لا أَصْبرُ عَنْ الْبَيْعِ. فَقَالَ "إذَا بَايَعْتَ فَقُل هَاءَ وَهَاءَ وَلاَ خِلاَبَةَ".
قال أبو عيسى وفي البابِ عَنِ ابنِ عمَرَ.
ـــــــ
باب ما جَاءَ فِيمَنْ يُخْدَعُ في البَيْع
قوله: "أن رجلاً كان في عقدته" قال في النهاية أي في رأيه ونظره في مصالح نفسه انتهى. وكان اسم ذلك الرجل حبان بن منقذ بفتح الحاء المهملة والموحدة الثقيلة "ضعف" أي كان ضعيف العقل والرأي "أحجر عليه" بضم الجيم أمر من الحجر وهو المنع من التصرف ومنه حجر القاضي على الصغير والسفيه إذا منعهما من التصرف من مالهما كذا في النهاية "فنهاه" أي عن المبايعة "فقل هاء وهاء" تقدم ضبطه وتفسيره في باب الصرف "ولا خلابة" بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام أي لا خديعة ولا لنفي الجنس، أي لا خديعة في الدين. لأن الدين النصيحة. قال النووي: واختلف العلماء في هذا الحديث فجعله بعضهم خاصاً في حقه وأن المغابنة بين المتبايعين لازمة، لا خيار للمغبون بسببها سواء قلت أو كثرت. وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وآخرين وهي أصح الروايتين عن مالك. وقال البغداديون من المالكية: للمغبون الخيار لهذا الحديث بشرط أن يبلغ الغبن ثلث القيمة، فإن كان دونه فلا. والصحيح الأول لأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت له الخيار، وإنما قال له: قل لا خلابة أي لا خديعة ولا يلزم من هذا ثبوت الخيار، ولأنه لو ثبت أو أثبت له الخيار كانت قضية عين لا عموم لها فلا ينفذ منه إلى غيره إلا بدليل انتهى. قوله: "وفي الباب عن ابن عمر" أخرجه(4/455)
وحَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غرِيبٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ. وَقَالُوا: الحَجْرُ عَلَى الرّجلِ الحُرّ في البَيْعِ وَالشّرَاءِ إذَا كانَ ضَعِيفَ العَقْلِ. وَهُوَ قَوْلُ أحْمَدَ وإسْحَاقَ. وَلَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ أنْ يُحْجَرَ عَلَى الحُرّ البَالِغِ.
ـــــــ
الشيخان وأبو داود والنسائي. قوله: "حديث أنس حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وسكت عنه أبو داود والمنذري. قوله: "والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم. وقالوا الحجر على الرجل الحر الخ" واستدلوا بحديث أنس المذكور، وجه الاستدلال أن أهل ذلك الرجل الذي كان في عقدته ضعف لما قالوا: يا رسول الله احجر عليه. لم ينكر عليهم فلو كان الحجر على الحر البالغ لا يصح لأنكر عليهم. واستدل أيضاً بهذا الحديث من لم يقل بالحجر على الحر البالغ بأنه صلى الله عليه وسلم لم يحجر على ذلك الرجل فلو كان الحجر على الحر البالغ جائزاً لحجر على ذلك ومنعه من البيع فتأمل .(4/456)
باب ماجاء في المصراة
...
29 ـ باب مَا جَاء في المُصَرّاة
1269 ـ حدثنا أبُو كُرَيْبِ. حدّثنَا وَكيعٌ عنْ حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمّدَ بنِ زِيَادٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم "مَنِ اشْتَرَى مُصَرّاةً فَهُوَ بالخِيَارِ إذَا حَلَبَهَا. إنْ شَاءَ رَدّهَا ورَدّ مَعَها صَاعاً مِنْ تَمْرٍ". وفي البابِ عَنْ أنَسٍ وَرَجُلٍ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
باب ما جاء في المصراة
اسم مفعول من التصرية، قال في النهاية: المصراة الناقة أو البقرة أو الشاة يصري اللين في ضرعها أي يجمع ويحبس انتهى يعني لتباع كذلك ويغتربها المشتري ويظن أنها لبون فيزيد في الثمن
قوله: "فهو بالخيار إذا حلبها" وفي رواية للشيخين: بعد أن يحلبها. قال الحافظ ظاهر الحديث أن الخيار لا يثبت إلا بعد الحلب، والجمهور على أنه إذا علم بالتصرية ثبت له الخيار ولو لم يحلب، لكن لما كانت التصرية لا تعرف غالباً إلا بعد الحلب ذكر قيداً في ثبوت الخيار، فلو(4/456)
1270 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ. حدثنا أبُو عَامِرٍ. حَدّثَنَا قُرّةُ بنُ خالِدٍ عَنْ مُحَمّدِ بنِ سِيرينَ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال "مَنِ اشْتَرَى مُصَرّاةً فَهُوَ بِالخِيَارِ ثَلاَثَةَ أيّامٍ. فإنْ رَدّهَا رَد مَعَهَا صَاعاً منْ طَعَامٍ لاَ سَمْرَاءَ". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَالعمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ أصْحَابِنَا. مِنْهُمُ الشّافِعِيّ وَأَحْمَدُ وإسْحَاقُ
ـــــــ
ظهرت التصرية بغير الحلب فالخيار ثابت "إن شاء ردعاً ورد معها صاعاً من تمر" أي عوضاً عن لبنها لأن بعض اللبن حديث في ملك المشتري، وبعضه كان مبيعاً فلعدم تمييزه امتنع رده ورد قيمته: فأوجب الشارع صاعاً قطعاً للخصومة من غير نظر إلى قلة اللبن وكثرته كذا في المرقاة. قوله: "وفي الباب عن أنس" أخرجه أبو يعلى "ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" أخرجه أحمد بإسناد صحيح. وفي الباب عن ابن ابن عمر أخرجه أبو داود والطبراني، وعن عمرو بن عوف المزني أخرجه البيهقي في الخلافيات. كذا في فتح الباري. قوله: "فهو بالخيار ثلاثة أيام" فيه دليل على امتداد الخيار هذا المقدار، فتقيد بهذه الرواية الروايات القاضية بأن الخيار بعد الحلب على الفور كما في قوله: بعد أن يحلبها "فإن ردها رد معها صاعاً من طعام الا سمراء" قال الحافظ: تحمل الرواية التي فيها الطعام على التمر. وقد روى الطحاوي من طريق أيوب عن ابن سيرين أن المراد بالسمراء الحنطة الشامية. وروى ابن أبي شيبة وأبو عوانة من طريق هشام بن حسان عن ابن سيرين: لاسمراء يعني الحنطة وروى ابن المنذر من طريق ابن عون عن ابن سيرين انه سمع أبا هريرة يقول: لا سمراء تمر ليس ببر. فهذه الروايات تبين أن المراد بالطعام التمر. ولما كان المتبادر إلى الذهن أن المراد بالطعام القمح نفاه بقوله لا سمراء انتهى.
قوله: "معنى لا سمراء لا بر" بضم الموحدة وتشديد الراء وهي الحنطة قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم قوله: "والعمل على هذا الحديث عند أصحابنا منهم الشافعي وأحمد وإسحاق" قال الحافظ في الفتح قد أخذ بظاهر هذا الحديث يعني حديث أبي هريرة المذكور جمهور أهل العلم وأفتى(4/457)
ـــــــ
به ابن مسعود وأبو هريرة ولا مخالف لهم من الصحابة وقال به من التابعين ومن بعدهم من لا يحصى عدد ولم يفرقوا بين أن يكون اللبن الذي احتلب قليلاً أو كثيراً. ولا بين أن يكون التمر قوت تلك البلد أم لا. وخالف في أصل المسألة أكثر الحنفية وفي فروعها أكثرون. أما الحنفية فقالوا لا يرد بعيب التصرية ولا يجب رد صاع من التمر وخالفهم زفر فقال يقول الجمهور إلا أنه قال يتخير بين صاع تمر أو نصف صاع بر وكذا قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف في رواية إلا أنهما قالا لا يتعين صاع التمر بل قيمته واعتذر الحنفية عن الأخذ بحديث المصراة بأعذار شتى فمنهم من طعن في الحديث بكونه من رواية أبي هريرة ولم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة فلا يؤخذ بما رواه مخالفاً للقياس الجلي وهو كلام آذى قائله به نفسه وفي حكايته غنى عن تكلف الرد عليه وقد ترك أبو حنيفة القياس الجلي لرواية أبي هريرة وأمثاله كما في الوضوء بنبيذ التمر، ومن القهقهة في الصلاة وغير ذلك. وأظن أن لهذه النكتة أورد البخاري حديث ابن مسعود عقب حديث أبي هريرة إشارة منه إلى أن ابن مسعود قد أفتى بوفق حديث أبي هريرة فلولا أن خبر أبي هريرة في ذلك ثابت لما خالف ابن مسعود القياس الجلي في ذلك وقد اختص أبو هريرة بمزيد الحفظ لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له ثم مع ذلك لم ينفرد أبو هريرة برواية هذا الأصل فقد أخرجه أبو داود من حديث ابن عمر رضي الله عنه وأخرجه الطبراني من وجه آخر عنه وأبو يعلي من حديث أنس وأخرجه البيهقي في الخلافيات من حديث عمرو بن عوف المزني وأخرجه أحمد من رواية رجل من الصحابة لم يسم وقال ابن عبد البر هذا الحديث مجمع على صحته وثبوته من جهة النقل واعتل من لم يأخذ به بأشياء لا حقيقة لها ومنهم من قال هو حديث مضطرب لذكر التمر فيه تارة والقمح أخرى واللبن أخرى واعتباره بالصاع تارة وبالمثل أو المثلين تارة وبالإناء أخرى والجواب أن الطرق الصحيحة لا اختلاف فيها والضعيف لا يعل به الصحيح ومنهم من قال وهو معارض لعموم القرآن كقوله تعالى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} وأجيب بأنه من ضمان المتلفات لا العقوبات والمتلفات تضمن بالمثل وبغير المثل ومنهم من قال هو منسوخ وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال ولا دلالة على النسخ مع مدعيه كذا في فتح الباري وقد بسط الحافظ فيه الكلام في هذا المقام بسطاً حسناً(4/458)
ـــــــ
وأجاد وقال الحافظ ابن القيم في أعلام الموقعين: المثال العشرون رد المحكم الصحيح الصريح في مسألة المصراة بالمتشابه من القياس وزعمهم أن هذا يخالف الأصول فلا يقبل فيقال الأصول كتاب الله وسنة رسوله وإجماع أمته والقياس الصحيح الموافق للكتاب والسنة فالحديث الصحيح أصل بنفسه فكيف يقال الأصل يخالف نفسه؟ هذا من أبطل الباطل والأصول في الحقيقة اثنان لا ثالث لهما كلام الله وكلام رسوله وما عداهما فمردود إليهما فالسنة أصل قائم بنفسه والقياس فرع فكيف يرد الأصل بالفرع؟ وقد تقدم بيان موافقة حديث المصراة للقياس وإبطال قول من زعم أنه خلاف القياس ويا لله العجب كيف وافق الوضوء بالنبيذ المشتد للأصول حتى قبل؟ وخالف خبر المصراة للأصول حتى رد؟ انتهى.
قلت قد أطال الحافظ ابن القيم في هذا الكتاب في إبطال قول من زعم أنه خلاف القياس فعليك أن ترجع إليه.تنبيه: قال صاحب العرف الشذي: أما ما ذكر صاحب المنار وغيره من أن حديث المصراة يرويه أبو هريرة وهو غير فقيه ورواية الذي ليس بفقيه غير معتبر إذا كانت خلاف القياس والقياس يقتضي بالفرق بين اللبن القليل والكثير ولبن الناقة أو الشاة أو البقرة وغيرها من الأقيسة فأقول إن مثل هذا قابل الإسقاط من الكتب فإنه لا يقول به عامل وأيضاً هذه الضابطة لم ترد عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ولكنها منسوبة إلى عيسى بن أبان انتهى كلام صاحب العرف الشذي بلفظه. قلت وكذلك كثير من الضوابط والمسائل المذكورة في كتب الحنفية المنسوبة إلى الإمام أبي حنيفة قابلة للإسقاط من الكتب الحنفية فإنها لم ترد عنه رحمه الله بل هي منسوبة إليه بلا دليل وشأنه أعلى وأجل أن يقول بها. تنبيه آخر: قال صاحب العرف الشذي: أول من أجاب الطحاوي فعارض الحديث واتى بحديث الخراج بالضمان وسنده قوي أقول إن هذا الجواب ليس بذاك القوي انتهى كلام صاحب العرف الشذي بلفظه. ثم بسط في تضعيف جواب الطحاوي هذا وتوهينه قلت لا شك في أن جواب الطحاوي هذا ضعيف، وواه وقد زعم الطحاوي رحمه الله أن حديث الخراج بالضمان ناسخ لحديث المصراة وهذا زعم فاسد قال الحافظ في الفتح: وقيل إن ناسخه حديث الخراج بالضمان وهو حديث أخرجه أصحاب السنن عن عائشة ووجهة الدلالة منه أن اللبن فضلة من فضلات الشاه ولو هلكت لكان من ضمان المشتري فكذلك فضلاتها تكون له فكيف يعزم بدلها للبائع حكاه الطحاوي أيضاً. وتعقب بأن حديث المصراة أصلح منه باتفاق فكيف يقدم المرجوح على الراجح ودعوى كونه بعده لا دليل عليها وعلى التنزل فالمشتري لم يؤمر بغرامة ما حدث في ملكه بل بغرامة اللبن الذي ورد عليه العقد ولم يدخل في العقد فليس بين الحديثين على هذا تعارض انتهى كلام الحافظ، وقال قبلي هذا ما لفظه: ومنهم من قال هو منسوخ وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال ولا دلالة على النسخ مع مدعيه لأنهم اختلفوا في الناسح ثم ذكر الحافظ الأحاديث التي زعموا أنها ناسخة وأجاب عنها جواباً شافياً إن شئت الوقوف عليها فارجع إلى فتح الباري .(4/459)
باب ماجاء في اشتراط ظهر الدابة عند البيع
...
30 ـ باب مَا جَاء في اشْتراط ظهْرِ الدّابةِ عِنْدَ البيْع
1271 ـ حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ. حدّثنا وَكِيعٌ عنْ زَكَريّا، عنِ الشّعْبي، عنْ جَابِرِ بنِ عبدِ الله أنّهُ بَاعَ مِنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بَعِيراً، واشْتَرطَ ظَهْرَهُ إلَى أهْلِهِ. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ جَابرٍ. وَالعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمِ. يَرَوْنَ الشّرْطَ في الْبَيْعِ جائِزاً، إذَ كانَ شرْطاً وَاحِداً. وَهُوَ قَوْلُ أحْمدَ وَإسْحَاقَ.
وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: لا يَجُوزُ الشّرْطُ في البَيْعِ. وَلاَ يَتِمّ البَيْعُ إذَا كانَ فيِهِ شَرْطٌ.
ـــــــ
باب مَا جَاء في اشْتراط ظهْرِ الدّابةِ عِنْدَ البيْع
قوله: "واشترط ظهره إلى أهله" وفي رواية للصحيحين واستثنيت حملانه إلى أهلي بضم الحاء المهملة والمراد الحمل عليه قال الشوكاني: وهو يدل على جواز البيع مع استثناء الركوب. وبه قال الجمهور، وجوزه مالك إذا كانت مسافة السفر قريبة وحدها بثلاثة أيام. وقال الشافعي وأبو حنيفة وآخرون: لا يجوز ذلك سواء قلت المسافة أو كثرت واحتجوا بحديث النهي عن بيع وشرط وحديث النهي عن الثنيا، وأجابوا عن حديث الباب بأنه قصة عين تدخلها الاحتمالات. ويجاب بأن حديث النهي عن بيع وشرط مع ما فيه من المقال هو أعم من حديث الباب مطلقاً فيبنى العام على الخاص. وأما حديث النهي عن الثنيا فقد تقدم تقييده بقوله: إلا أن يعلم. انتهى كلام الشوكاني. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان(4/460)
باب الإنتفاع بالرهن
...
31 ـ باب مَا جَاء في الانْتِفَاعِ بالرّهْن
1272 ـ حدثنا أبُو كُرَيْبٍ وَ يُوسُفُ بنُ عِيسى قالاَ: حدّثنَا وَكِيعٌ عنْ زَكَرِيّا، عنْ عَامِرٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "الظهْرُ يُرْكَبُ إذَا كانَ مَرْهُوناً. ولَبَنُ الدّرّ يُشْرَبُ إذَا كانَ مَرْهُوناً. وَعَلَى الّذِي يَرْكَب وَيَشْرَبُ، نَفَقَتُهُ". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
باب ما جاء في الانتفاع بالرهن
أي بالشيء المرهون قوله: "الظهر يركب" بصيغة المجهول، وكذلك يشرب وهو خبر بمعنى الأمر. والمراد من الظهر ظهر الدابة، وقيل الظهر الإبل القوي يستوي فيه الواحد والجمع "ولبن الدر" بفتح المهملة وتشديد الراء مصدر بمعنى الدارة أي ذات الضرع. وقوله لبن الدر من إضافة الشيء إلى نفسه كقوله تعالى {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} قاله الحافظ. "وعلى الذي يركب ويشرب نفقته" أي كائناً من كان هذا ظاهر الحديث. وفيه حجة لمن قال يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن إذا قام بمصلحته ولو لم يأذن له المالك. وهو قول أحمد وإسحاق وطائفة قالوا: أينتفع المرتهن من الرهن بالركوب والخلب بقدر النفقة ولا ينتفع بغيرهما لمفهوم الحديث: وأما دعوى الإجمال 1 فقد دل بمنطوقه على إباحة الانتفاع في مقابلة الإنفاق وهذا يختص بالمرتهن لأن الحديث وإن كان مجملاً لكنه يختص بالمرتهن، لأن انتفاع الراهن بالمرهون لكونه مالك رقبته لا لكونه منفقاً عليه، بخلاف المرتهن: وذهب الجمهور إلى أن المرتهن لا ينتفع من المرهون بشيء. وتأولوا الحديث لكونه ورد على خلاف القياس من وجهين أحدهما التجويز لغير المالك أن يركب ويشرب بغير إذنه، والثاني تضمينه ذلك بالنفقة لا بالقيمة. قال ابن عبد البر: هذا الحديث عند جمهور الفقهاء يرده أصول مجمع عليها وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها. ويدل على نسخه حديث ابن عمر:
ـــــــ
1 قيل إن فاعل الركوب والشرب لم يتعين فيكون الحديث مجملا .(4/461)
ـــــــ
لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه: رواه البخاري انتهى. وقال الشافعي يشبه أن يكون المراد من رهن ذات در وظهر لم يمنع الراهن من درها وظهرها، فهي محلوبة ومركوبة له كما كانت قبل الرهن: واعترضه الطحاوي بما رواه هشيم عن زكريا في هذا الحديث ولفظه: إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها. الحديث قال: فتعين أن المراد المرتهن لا الراهن، ثم أجاب عن الحديث بأنه محمول على أنه كان قبل تحريم الربا فلما حرم الربا ارتفع ما أبيح في هذا للمرتهن وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال والتاريخ في هذا متعذر والجمع بين الأحاديث ممكن. وقد ذهب الأوزاعي والليث وأبو ثور إلى حمله على ما إذا امتنع الراهن من الإنفاق على المرهون فيباح حينئذ للمرتهن الإنفاق على الحيوان حفظاً لحياته ولإبقاء المالية فيه، وجعل له في مقابلة نفقته الانتفاع بالركوب أو بشرب اللبن بشرط ألا يزيد قدر ذلك أو قيمته على قدر علفه وهي من جملة مسائل الظفر. كذا أفاد الحافظ في فتح الباري. قلت حمل الحديث على ما إذا امتنع الراهن من الإنفاق على المرهون خلاف الظاهر. وقال في سبل السلام: إنه تقييد للحديث بما لم يقيد به الشارع. وأما قول ابن عبد البر يدل على نسخه حديث ابن عمر: لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه ففيه ما قال الحافظ في جواب الطحاوي من أن النسخ لا يثبت بالاحتمال والتاريخ في هذا متعذر والجمع بين الحديثين ممكن، وقال في السبل: أما النسخ فلا بد له من معرفة التاريخ على أنه لا يحمل عليه إلا إذا تعذر الجمع ولا تعذر هنا إذ يخص عموم النهي بالمرهونة انتهى. وأما قوله بأن الحديث يرده أصول مجمع عليها وآثار ثابتة ففيه إن هذا الحديث أيضاً أصل من أصول الشريعة. والجمع بين هذا الأصل وتلك الأصول المجمع عليها وتلك الآثار الثابتة التي أشار إليها ممكن. وأما قول الجمهور بأن الحديث ورد على خلاف القياس من وجهين الخ. ففيه ما قال الحافظ ابن القيم في أعلام الموقعين: ومن ذلك قول بعضهم: إن الحديث الصحيح وهو قوله الرهن مركوب ومحلوب وعلى الذي يركب ويحلب النفقة على خلاف القياس فإنه جوز لغير المالك أن يركب الدابة ويحلبها وضمنه ذلك بالنفقة، فهو مخالف للقياس من وجهين والصواب ما دل عليه الحديث. وقواعد الشريعة وأصولها لا تقتضي سواه. فإن الرهن إذا كان حيواناً محترم في نفسه بحق الله سبحانه، وكذلك فيه حق الملك،(4/462)
لاَ نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إلا مِنْ حدِيثِ عَامر الشّعْبيّ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ. وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هذَا الحَدِيثَ عنِ الأعْمَشِ، عنْ أبي صَالِحٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفاً. والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ. وهُوَ قَوْلُ أحْمَدَ وَإسْحَاقَ.
ـــــــ
وللمرتهن حق الوثيقة. وقد شرع الله سبحانه الرهن مقبوضاً بيد المرتهن فإذا كان بيده فلم يركبه ولم يحلبه ذهب نفعه باطلاً، وإن مكن صاحبه من ركوبه خرج عن يده وتوثيقه، وإن كلف صاحبه كل وقت أن يأتي يأخذ لبنه شق عليه غاية المشقة، ولا سيما مع بعد المسافة، وإن كلف المرتهن بيع اللبن وحفظ ثمنه للراهن شق عليه. فكان بمقتضى العدل والقياس ومصلحة الراهن والمرتهن والحيوان أن يستوفي المرتهن منفعة الركوب والحلب ويعوض عنهما بالنفقة ففي هذا جمع بين المصلحتين وتوفير الحقين، فإن نفقة الحيوان واجبة على صاحبه. والمرتهن إذا أنفق عليه أدى عنه واجباً وله فيه حق فله أن يرجع ببدله ومنفعة الركوب والحلب يصح أن يكونا بدلاً، فأخذها خير من أن تهدر على صاحبها باطلاً. ويلزم بعوض ما أنفق المرتهن وإن قيل للمرتهن لا رجوع لك كان في إضرار به، ولم تسمح نفسه بالنفقة على الحيوان، فكان ما جاءت به الشريعة هو الغاية التي ما فوقها في العدل والحكمة والمصلحة شيء يختار. ثم ذكر ابن القيم كلاماً حسناً مفيداً من شاء الوقوف عليه فليرجع إلى الأعلام. وقال القاضي الشوكاني في النيل: ويجاب عن دعوى مخالفة هذا الحديث الصحيح للأصول بأن السنة الصحيحة من جملة الأصول فلا ترد إلا بمعارض أرجح منها بعد تعذر الجمع. وعن حديث ابن عمر بأنه عام وحديث الباب خاص فيبنى العام على الخاص، والنسخ لا يثبت إلا بدليل يقضي بتأخر الناسخ على وجه يتعذر معه الجمع لا بمجرد الاحتمال مع الإمكان. انتهى كلام الشوكاني، فالحاصل أن حديث الباب صحيح محكم ليس بمنسوخ ولا يرده أصل من أصول الشريعة، ولا أثر من الآثار الثابتة. وهو دليل صريح في جواز الركوب على الدابة المرهونة بنفقتها وشرب لبن الدر المرهونة بنفقتها. وهو قول أحمد وإسحاق كما ذكره الترمذي. وأما قياس الأرض المرهونة على الدابة المرهونة والدر المرهونة، فقياس مع الفارق هذا ما عندي والله تعالى أعلم. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة(4/463)
وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: لَيْسَ لَهُ أنْ يَنْتَفِعَ مِنَ الرّهْنِ بِشَيْءٍ.
ـــــــ
إلا مسلماً والنسائي. قوله: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق" قالا: ينتفع المرتهن من الرهن بالركوب والحلب بقدر النفقة ولا ينتفع بغيرهما، لمفهوم الحديث. قال الطيبي: وقال أحمد وإسحاق: للمرتهن أن ينتفع من المرهون بحلب وركوب دون غيرهما ويقدر بقدر النفقة، واحتجا بهذا الحديث. ووجه التمسك به أن يقال: دل الحديث بمنطوقه على إباحة الانتفاع في مقابلة الإنفاق وانتفاع الراهن ليس كذلك، لأن إباحته مستفادة له من تملك الرقبة لا من الانفاق وبمفهومه على أن جواز الانتفاع مقصور على هذين النوعين من المنفعة، وجواز انتفاع غير مقصور عليهما. فإذا المراد أن للمرتهن أن ينتفع بالركوب والحلب من المرهون بالنفقة وإنه إذا فعل ذلك لزمه النفقة انتهى. قلت: قول أحمد وإسحاق هو الظاهر الموافق لحديث الباب. وقد قال به طائفة أيضاً كما عرفت في كلام الحافظ. وقد قال: بجواز انتفاع الركوب وشرب اللبن بقدر العلف إبراهيم النخعي أيضاً. قال الإمام البخاري في صحيحه: وقال المغيرة عن إبراهيم: تركب الضالة بقدر علفها والرهن مثله انتهى. قال الحافظ في الفتح: قوله والرهن مثله في الحكم المذكور. وقد وصله سعيد بن منصور بالإسناد المذكور ولفظه: الدابة إذا كانت مرهونة تركب بقدر علفها وإذا كان لها لبن يشرب منه بقدر علفها،. ورواه حماد بن سلمة في جامعه عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم ولفظه: إذا ارتهن شاة شرب المرتهن من لبنها بقدر ثمن علفها، فإن استفضل من اللبن بعد ثمن العلف فهو ربا انتهى. "وقال بعض أهل العلم ليس له" أي للمرتهن "أن ينتفع من الرهن" ، أي من الشيء المرهون "بشيء" أي بشيء من الانتفاع. وهو قول الجمهور، واستدلوا بحديث أبي هريرة مرفوعاً: لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه. رواه الشافعي والدارقطني وقال: هذا إسناد حسن متصل. كذا في المنتقى. قال الشوكاني: قوله له غنمه وعليه غرمه. فيه دليل لمذهب الجمهور، لأن الشارع قد جعل الغنم والغرم للراهن ولكنه قد اختلف في وصله وإرساله ورفعه ووقعه وذلك مما يوجب عدم انتهاضه لمعارضة ما في صحيح القلت حديث أبي هريرة الذي استدل به الجمهور قد بسط الكلام فيه الحافظ ابن حجر في التلخيص من شاء الوقوف عليه فليرجع إليه .بخاري وغيره انتهى(4/464)
باب ماجاء في شراء القلادة وفيها ذهب وخرز
...
32 ـ باب مَا جَاءَ في شِرَاءِ القِلادَةِ وَفِيها ذَهبٌ وَخَرز
1273 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدّثنا اللّيْثُ عَنْ أبي شُجَاعٍ سَعِيدِ بنِ يَزِيدَ عنْ خَالِدِ بنِ أبي عِمْرانَ، عنْ حَنَشٍ الصّنْعَانِيّ، عنْ فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ قالَ: اشْتَرَيْتُ يَوْمَ خَيْبَر قِلاَدَةً باثْنَي عَشَرَ دِيناراً، فِيها ذَهَبٌ وَخَرزٌ. فَفَصّلْتُهَا. فَوَجَدْتُ فِيها أكْثَرَ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ دِينَاراً. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ "لاَ تُبَاعُ حَتّى تُفَصّلَ".
حدّثنَا قُتَيْبَةُ. حَدّثنَا ابنُ المُبارَكِ عن أبي شُجَاعٍ سَعِيدِ بنِ يَزِيدَ، بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَهُ. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ. لَمْ يَرَوْا أنْ يُبَاعَ السّيْفُ مُحَلّى، أوُ مِنْطَقةٌ مُفَضّضَةٌ، أوْ مِثْلُ هذَا، بِدَرَاهِمَ حَتّى يُمَيّزَ وَيُفَصّلَ. وَهُوَ قَوْلُ ابنِ المُبَارَكِ، والشّافِعِيّ، وأَحْمَدَ، وإسْحَاقَ.
ـــــــ
باب ما جاء في شراء القلادة وفيها ذهب وخرز
قال في القاموس: الخرز محركة الجوهر وما ينظم. وقال في الصراح: خرزة بفتحتين مهره خرازات الملك وجواهر تاجه. والقلادة بكسر القاف ما يقلد في العنق. وقال في الصراح: قلادة بالكسر كردن بند وجميل . قوله: "عن حنش" بفتح الحاء المهملة والنون الخفيفة بعدها معجمة ابن عبد الله ويقال ابن علي والسبائي ثقة من الثالثة كذا في التقريب. "عن فضالة" بفتح الفاء "عن عبيد" بالتصغير "ففصلتها" من التفصيل أي ميزت ذهبها وخرزها بعد العقد "فوجدت فيها" أي في القلادة "لا تباع" أي القلادة بعد هذا نفي بمعنى النهي "حتى تفصل" بصيغة المجهول أي تميز والحديث رواه أبو داود بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها من رجل بتسعة دنانير، أو سبعة دنانير فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا حتى تميز بينه وبينه. فقال: إنما أردت الحجارة(4/465)
وقَدْ رَخّصَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ في ذَلِكَ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ.
ـــــــ
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا حتى تميز بينهما. قال فرده حتى ميز بينهما. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي. قال الحافظ في التلخيص: وله عند الطبراني في الكبير طرق كثيرة جداً في بعضها قلادة فيها خرز وذهب، وفي بعضها ذهب وجوهر وفي بعضها خرز وذهب، وفي بعضها خرز معلقة بذهب، وفي بعضها بإثني عشر ديناراً، وفي أخرى بتسعة دنانير، وفي أخرى بسبعة دنانير. وأجاب البيهقي عن هذا الاختلاف بأنها كانت بيوعاً شهدها فضالة. قال الحافظ: والجواب المسدد عندي أن هذا الاختلاف لا يوجب ضعفاً بل المقصود من الاستدلال محفوظ لا اختلاف فيه، وهو النهي عن بيع ما لم يفصل وأما جنسها وقدر ثمنها فلا يتعلق به في هذه الحالة ما يوجب الحكم بالاضطراب، وحينئذ فينبغي الترجيح بين رواتها وإن كان الجميع ثقات فيحكم بصحة رواية أحفظهم وأضبطهم، ويكون رواية الباقين بالنسبة إليه شاذة. وهذا الجواب هو الذي يجاب به في حديث جابر وقصة جمله ومقدار ثمنه انتهى كلام الحافظ. قوله: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، لم يروا أن يباع سيف محلى" أي بالفضة "أو منطقة" بكسر الميم في الفارسية كمربند "مفة" اسم مفعول من التفضيض. قال في الصراح تفضيض سيم كوفت وسيم اندود كردن "وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق" وهو منقول عن عمر بن الخطاب وابنه وجماعة من السلف وهو الظاهر. "وقد رخص بعض أهل العلم في ذلك من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم" وقالت الحنفية: إنه يجوز إذا كان الذهب المنفرد أكثر من الذي في القلادة نحوها لا مثله ولا دونه قال النووي في شرح مسلم في هذا الحديث: إنه لا يجوز بيع ذهب مع غيره بذهب حتى يفصل فيباع الذهب بوزنه ذهباً ويباع الاَخر بما أراد، وكذا لاتباع فضة مع غيرها بفضة وكذا الحنطة مع غيرها بحنطة والملح مع غيره بملح وكذا سائر الربويات. بل لا بد من فصلها وسواء كان الذهب في الصورة المذكورة أو قليلاً أو كثيراً وكذلك باقي الربويات. وهذه هي المسألة المشهورة في كتب الشافعي وأصحابه وغيره المعروفة بمسألة
مدعجوة، وصورتها باع مدعجوة ودرهما بمدعجوة أو بدرهمين لا يجرز لهذا الحديث. وهذا منقول عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنه وجماعة من السلف. وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق ومحمد بن عبد الحكيم المالكي. وقال أبو حنيفة وللثوري والحسن بن صالح: يجوز بيعه بأكثر مما فيه من الذهب، ولا يجوز بمثله ولا بدونه. وقال مالك وأصحابه وآخرون يجوز بيع السيف المحلى بذهب وغيره مما هو في معناه بما فيه ذهب. فيجوز بيعه بالذهب إذا كان الذهب في المبيع تابعاً لغيره وقدروه بأن يكون الثلث فما دونه. قال: وأجابت الحنفية بأن الذهب فيها كان أكثر من اثني عشر درهماً وقد اشتراها بإثني عشر ديناراً. قالوا: ونحن لا تجيز هذا وإنما نجيز البيع إذا باعها بذهب أكثر مما فيها فيكون ما زاد من الذهب المنفرد في مقابلة الخرز ونحوه مما هو من الذهب المبيع فيصير كمعقدين. وأجاب الطحاوي بأنه إنما نهى عنه لأنه كان في بيع الغنائم لئلا يغبن المسلمون في بيعها. قال النووي: ودليل صحة قولنا وفساد التأويلين يعني جواب الحنفية وجواب الطحاوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يباع حتى يفصل. وهذا صريح في اشتراط فصل أحدهما عن الاَخر في البيع، وأنه لا فرق بين أن يكون الذهب المبيع به قليلاً أو كثيراً وأنه لا فرق بين بيع الغنائم وغيرها انتهى كلام النووي. وقال صاحب السبل. وأجاب المانعون بأن الحديث فيه دلالة على علة النهي وهي عدم الفصل حيث قال لا يباع حتى يفصل وظاهره الإطلاق في المساوي وغيره فالحق مع القائلين بعدم الصحة. ولعل وجه حكم النهي هو سد الذريعة إلى وقوع التفاضل في الجنس الربوي ولا يكون إلا بتمييزه بفصل واختيار المساواة بالكيل والوزن وعدم الكفاية بالظن في التغليب انتهى .(4/466)
باب ماجاء في اشتراط الولاء والزجر عن ذلك
...
33 ـ باب مَا جَاءَ في اشْترَاطِ الْوَلاَءِ وَالزّجْرِ عنْ ذلِك
1274 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ. حدّثنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِي. حدثنا سُفْيَانُ عنْ مَنْصُورٍ، عنْ إبْرَاهِيمَ، عنِ الأسْوَدِ، عنْ عَائِشَةَ أنهَا أرَادَتْ أنْ تَشْتَرِي بَرِيرَةَ. فَاشْتَرطُوا الوَلاَءَ. فقَالَ النبيّ صلى الله
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في اشْترَاطِ الْوَلاَءِ وَالزّجْرِ عنْ ذلِك
قوله: "أرادت أن تشتري بريرة" بوزن فعيلة مشتقة من البرير وهو(4/467)
عليه وسلم "اشْتَرِيهَا. فَإنّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْطَى الثّمَنَ، أوْ لِمَنْ ولِيَ النّعْمَةَ". وفي البابِ عنِ ابنِ عُمرَ.
حدِيثُ عَائِشَةَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ. قالَ: ومَنْصُورُ بنُ الْمُعْتَمِرِ يُكَنّى أبَا عَتّابٍ.
حدّثنَا أبُو بَكْرٍ الْعَطّارُ الْبَصْرِيّ عنْ عَلِي ابنِ الْمَدِينِيّ قالَ: سَمِعتُ يَحْيَى بنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: إذَا حُدّثْتَ عنْ مَنْصُورٍ فَقَدْ مَلأْتَ يَدَكَ مِن الخَيرِ
ـــــــ
ثمن الأراك. وقيل إنها فعيلة من البر بمعنى مفعولة كمبرورة أو بمعنى فاعلة كرحيمة هكذا وجهه القرطبي والأول أولى لأنه صلى الله عليه وسلم غير اسم جويرية وكان اسمها برة وقال: "لا تزكوا أنفسكم" فلو كانت بريرة من البر لشاركتها في ذلك وكانت بريرة لناس من الأنصار كما وقع عند أبي نعيم وقيل لناس من بني هلال. قاله ابن عبد البر. ويمكن الجمع وكانت تخدم عائشة قبل أن تعتق كما في حديث الإفك وعاشت إلى خلافة معاوية وتفرست في عبد الملك بن مروان أنه يلي الخلافة فبشرته بذلك. وروى هو ذلك عنها كذا في الفتح "اشتريها فإنما الولاء لمن أعطى الثمن" أي لمن اشترى وأعتق. قال في اللمعات: قد يتوهم أن هذا متضمن للخداع والتغرير فكيف أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهله بذلك؟ والجواب أنه كان جهلاً باطلاً منهم فلا اعتذار بذلك واشكل من ذلك ما ورد في بعض الروايات. خذيها واشترطي الولاء لهم فإن الولاء لمن اعتق. والجواب أن اشتراطه لهم تسليم لقولهم الباطل بإرخاء العنان دون إثباته لهم انتهى. قلت قد ذكر الحافظ في الفتح في دفع هذا الإشكال وجوهاً عديدة بالبسط فعليك أن تطالعه "أو لمن ولى النعمة" أي المعتق قوله: "وفي الباب عن ابن عمر" أخرجه البخاري والنسائي وأبو داود. قوله: "حديث عائشة حديث حسن صحيح" أخرجه البخاري ومسلم "وقال" أي أبو عيسى "منصور بن المعتمر يكنى أبا عتاب" بفتح المهملة وشدة الفوقانية وبالموحدة "إذا حدثت" بصيغة المجهول "عن منصور" أي ابن المعتمر يعني إذا حدثك رجل عن منصور "فقد ملأت يدك من الخير" كناية عن كونه ثقة ثبتا في الحديث وكان هو أثبت أهل(4/468)
لاَ تُرِدْ غَيْرَهُ. ثمّ قالَ يَحْيَى: مَا أجِدُ في إِبْرَاهِيمَ النّخَعِيّ وَمُجَاهِدٍ، أثْبَتَ عن مَنْصُورٍ.
قال وأخْبَرَني مُحَمّدٌ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبي الأسود قال : قال عبدالرحمن ابن مهدي : منصور أثبت أهل الكوفة.
ـــــــ
الكوفة وكان لا يحدث إلا عن ثقة "لا ترد" من الإرادة "وغيره" أي غير منصور "وأخبرني محمد" هو الإمام البخاري رحمه الله وهذا قول الترمذي. قوله: "وفي الباب عن ابن عمر" أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي. قوله: "حديث عائشة حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم قوله: "وقال" أي أبو عيسى الترمذي "منصور بن المعتمر يكني أبا عتاب" بفتح المهملة وشدة الفوقية. قوله: "قال سمعت يحيى بن سعد" ابن فروخ التميمي القطان البصري الحافظ الحجة أحد أئمة الجرح والتعديل "إذا حدثت" بصيغة المجهول للمخاطب "عن منصور" هو منصور بن المعتمر المذكور. قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة أحد الأعلام لا أحفظ له شيئاً عن الصحابة، وحدث عن أبي وائل وربعي بن حراش وإبراهيم وسعيد بن جبير ومجاهد والشعبي وأبي حازم الأشجعي وطبقتهم وعنه شعبة وشيبان وسفيانان وشريك وخلق كثير، وحكى عنه شعبة قال: ما كتبت حديثاً قط. وقال ابن مهدي لم يكن بالكوفة أحد أحفظ من منصور. وقال أحمد العجلي كان منصوراً أثبت أهل الكوفة لا يختلف فيه أحد، مات في سنة اثنتين وثلاثين ومائة انتهى مختصراً "فقد ملأت يدك من الخير لا ترد" من الإرادة "غيره" مقصود يحيى القطان من هذا الكلام بيان كمال حفظ منصور بن المعتمر وإتقانه في الحديث .ي الأسْوَدِ قالَ: قالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِي: مَنْصُورٌ أثْبَتُ أهْلِ الْكُوفَةِ.(4/469)
34 ـ باب
1275 ـ حدثنا أبُو كُرَيْبٍ. حَدّثنَا أبُو بَكْرِ بنُ عَيّاشٍ عنْ أبي حُصَيْنٍ، عنْ حَبِيبِ بنِ أبي ثَابِتٍ، عنْ حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حكيم بن حزام يَشْترِي
ـــــــ
باب
قوله: "بعث حكيم بن حزام" بكسر الحاء وبالزاي وهو ابن أخي(4/469)
لَهُ أُضْحِيّةً بِدِينَارٍ. فَاشْترَى أُضْحِيّةً فأُرْبِحَ فِيهَا دِينَاراً. فَاشْترَى أُخْرَى مَكَانهَا. فَجَاءَ بِالأُضْحِيّةِ والدّينَارِ إلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقَالَ "ضَحّ بِالشّاةِ، وَتَصَدّقْ بِالدّينَارِ". حدِيثُ حَكِيمِ بنِ حِزامٍ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هذَا الْوَجْهِ. وَحَبِيبُ بنُ أبي ثَابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ، عِنْدِي، مِنْ حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ.
1276 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ الدّارِمِيّ. حدّثنَا حَبّان. حدّثنَا هَارُونُ الأعور المقرئ. "وهو ابن موسى القارئ" حدّثَنا الزّبَيْرُ بنُ الخرّيتٍ عنْ أبي لَبِيدٍ، عنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيّ قالَ: دَفَعَ إِلَيّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم دِينَاراً لأَشْترِي لَهُ شَاةً. فَاشْترَيْتُ لَهُ شاتَيْنِ. فَبِعْتُ إحْدَاهُما بِدِينَارٍ. وَجِئْتُ بِالشّاةِ
ـــــــ
خديجة أم المؤمنين ولد قبل الفيل بثلاث عشرة سنة وكان من أشراف قريش ووجوهها في الجاهلية والإسلام وتأخر إسلامه إلى عام الفتح، ومات بالمدينة سنة أربع وخمسين وله مائة وعشرون سنة، ستون في الجاهلية وستون في الاسلام "يشتري له" وفي رواية أبي داود ليشتري له "أضحية" أي ما يضحي به من غنم "وتصدق بالدينار" جعل جماعة هذا أصلاً فقالوا: من وصل إليه مال من شبهة وهو لا يعرف له مستحقاً فإنه يتصدق به. ووجه الشبهة ههنا أنه لم يأذن لحكيم بن حزام في بيع الأضحية. ويحتمل أن يتصدق به لأنه قد خرج عنه للقربة لله تعالى في الأضحية فكرة ثمنها. قاله في النيل: قوله: "حديث حكيم بن حزام لا نعرفه إلا من هذا الوجه وحبيب بن أبي ثابت لم يسمع عندي من حكيم بن حزام" فالحديث منقطع وأخرجه أبو داود من طريق أبي حصين عن شيخ من أهل المدينة عن حكيم بن حزام: قال المنذري: في إسناده مجهول انتهى. قوله: "حدثنا الزبير بن خريت" بكسر المعجمة والراء المشددة المكسورة وآخره مثناة وثقه أحمد وابن معين "عن أبي لبيد" اسمه لمازة بكسر اللام وتخفيف الميم وبالزاي ابن الزبار بفتح الزاي وتثقيل الموحدة وآخره راء، صدوق ناصبي من الثالثة. كذا في التقريب. قوله: "فاشتريت له شاتين" فيه دليل على أنه يجوز للوكيل إذا قال له المالك: إشتر بهذا الدينار شاة ووصفها أن يشتري بها شاتين(4/470)
والدّينَارِ إلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ لَهُ مَا كانَ مِنْ أَمْرِهِ. فَقالَ لَهُ "بَارَكَ الله لَكَ في صَفْقَةِ يَمِينكَ".
فَكانَ يَخْرُجُ بعد ذلك إِلَى كُنَاسَةِ الْكُوفَةِ، فَيَربَحُ الرّبْحَ الْعظِيمَ. فَكانَ مِنْ أكْثَرِ أهْلِ الْكُوفَةِ مَالاً.
حدّثنا أحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ الدّارمي. حدّثنا حَبّانُ. حدّثنا سَعِيدُ بنُ زَيْدٍ "هو أخو حمّاد بن زيد" قال حدثنا الزّبَيْرُ بنُ خِرّيتٍ عنْ أبي لَبِيدٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ إلَى هذَا الْحَدِيثِ وقَالُوا بِهِ. وهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وإسْحَاقَ. ولَمْ يَأْخُذْ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ بِهذَا الْحَدِيثِ. مِنْهُمُ الشّافِعِيّ وسَعِيدُ بنُ زَيْدٍ، أخُو حَمّادِ بنِ زَيْدٍ. وأبُو لَبِيدٍ اسْمُهُ لِمَازَةُ
ـــــــ
بالصفة المذكورة، لأن مقصود الموكل قد حصل وزاد الوكيل خيراً ومثل هذا لو أمره أن يبيع شاة بدرهم فباعها بدرهمين أو بأن يشتريها بدرهم فاشتراها بنصف درهم. وهو الصحيح عند الشافعية كما نقله النووي في زيادات الروضة "فقال بارك الله في صفقة يمينك" بفتح صاد وسكون فاء والمعنى بارك الله في بيعك وتجارتك "فكان بعد ذلك يخرج إلى كناسة الكوفة" بضم الكاف وتخفيف النون موضع بالكوفة "فيربح الربح العظيم الخ" وفي رواية البخاري فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعه بالبركة. فكان لو اشترى تراباً لربح فيه. وحديث عروة البارقي هذا أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجه وفي إسناده من عند البخاري سعيد بن زيد أخو حماد وهو مختلف فيه عن أبي لبيد لمازة بن زبار، وقد قيل إنه مجهول لكنه قال: إنه وثقه ابن سعد. وقال حرب: سمعت أحد يثني عليه وقال في التقريب: إنه ناصبي أجلد قال المنذري والنووي: إسناده صحيح لمجيئه من وجهين. وقد رواه البخاري من طريق ابن عيينة عن شعيب بن غرقد، سمعت الحي يحدثون من عروة. قال الحافظ: الصواب أنه متصل في إسناده مبهم. قوله: "وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث وقالوا به وهو قول أحمد وإسحاق الخ" قال في النيل: في الحديث دليل على صحة بيع الفضولي. وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه، والشافعي في القديم.
وقواه النووي في الروضة وهو مروى عن جماعة من السلف منهم علي وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وقال الشافعي في الجديد وأصحابه: إن البيع الموقوف والشراء الموقوف باطلان لحديث: لا تبع ما ليس عندك. وأجابوا عن حديثي الباب بما فيهما من المقال وعلى تقدير الصحة فيمكن أنه كان وكيلاً بالبيع بقرينة فهمها منه صلى الله عليه وسلم. وقال أبو حنيفة: إنه بكون البيع الموقوف صحيحاً دون الشراء والوجه أن الإخراج عن ملك المالك مفتقر إلى إذنه بخلاف الإدخال. ويجاب بكن الإدخال للمبيع في الملك يستلزم الإخراج من الملك للثمن. وروي عن مالك العكس من قول أبي حنيفة فإن صح فهو قوي لأن فيه جمعاً بين الأحاديث انتهى كلام الشوكاني .(4/471)
باب ماجاء في المكاب إذا كان عنده مايؤدي
...
35 ـ باب مَا جَاءَ في الْمكَاتَبِ إذَا كانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدّي
1277 ـ حدثنا هارُونُ بنُ عَبْدِ الله البَزّارُ حدّثنا يَزِيدُ بنُ هارُونَ أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلَمةَ عنْ أَيّوبَ، عنْ عِكْرِمَةَ، عنِ ابنِ عَبّاسٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ "إذَا أصَابَ الْمُكاتَبُ حَدّاً أوْ مِيرَاثاً، وَرِثَ بحِسَابِ مَا عَتَقَ مِنْهُ".
وَقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم "يُؤَدّي الْمكاتَبُ بِحِصّةِ مَا أدّى، دِيَةَ حُر
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في الْمكَاتَبِ إذَا كانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدّي
قوله: "إذا أصاب المكاتب" أي استحق "حداً" أي دية "أو ميراثاً ورث" بفتح فكسر راء مخفف "بحساب ما عتق منه" أي بحسبه ومقداره. والمعنى إذا ثبت للمكاتب دية أو ميراث ثبت له من الدية والميراث بحسب ما عتق من نصفه كما لو أدى نصف الكتابة ثم مات أبوه وهو حر ولم يخلف غيره، فإنه يرث منه نصف ماله أو كما إذا جنى على المكاتب جناية وقد أدى بعض كتابته فإن الجاني عليه أن يدفع إلى ورثته بقدر ما أدى من كتابته دية حر ويدفع إلى مولاه بقدر ما بقي من كتابته دية عبد. مثلاً إذا كاتبه على ألف وقيمته مائة وأدى خمسمائة ثم قتل فلورثة العبد خمسمائة من ألف نصف دية حر، ولمولاه خمسون نصف قيمته "يودي المكاتب" بضم ياء وسكون واو وفتح دال مخففة أي يعطي دية المكاتب "بحصة ما أدى" بفتح الهمزة وتشديد الدال أي قضى ووفى.(4/472)
ومَا بَقِيَ، دِيَةَ عَبْدٍ". وفي البابِ عَنْ أُمّ سَلَمةَ. حدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ حدِيثٌ حسنٌ. وَهكَذَا رَوَى يَحْيَى بنُ أبي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عنِ ابنِ عَبّاسٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم. وَرَوَى خَالِدٌ الْحَذّاءُ عنْ عِكْرِمَةَ، عنْ عَلِي، قَوْلَهُ. والعَمَلُ عَلَى هذَا الحديث عِنْدَ بَعْضِ أهْل العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ.
وقالَ أكْثَرُ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهم: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ، مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ والشّافِعِيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ.
1278 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدّثنَا عَبْدُ الوَارِثِ بنُ سَعِيدٍ عنْ يَحْيَى بنِ أَبي أُنَيْسةَ، عنْ عَمْروِ بنِ شُعَيْبٍ، عن أبيه عنْ جَدّهِ قالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله
ـــــــ
قال القاري وفي نسخة يعني من المشكاة بحسب ما أدى أي من النجوم "دية حر" بالنصب "وما بقي" أي ويعطى بحصة ما بقي عليه من النجوم "دية عبد" بالنصب قال الأشرف: قوله يؤدي بتخفيف الدال مجهولاً من ودي يدي دية أي أعطى الدية وانتصب دية حر مفعولاً به، ومفعول ما أدى من النجوم محذوف عائد إلى الموصول أي بحصة ما أداه من النجوم يعطى دية حر وبحصة ما بقي دية عبد. قوله: "وفي الباب عن أم سلمة" أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه. قوله: "حديث ابن عباس حديث حسن" وأخرجه أبو داود. قوله: "والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم الخ" قال القاضي رحمه الله: وهو دليل على أن المكاتب يعتق بقدر ما يؤديه من النجم. وكذا حديث أم سلمة وبه قال النخعي وحده، ومع ما فيه من الطعن معارض بحديثي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. قال القاري: يمكن أن يقال في الجمع بينهما وبينه على تقدير صحته تقوية لقول النخعي أنه يعتق عتقاً موقوفاً على تكميل تأدية النجوم لا سيما على القول بجواز تجزي العتق انتهى. قوله: "وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق" وهو قول أبي حنيفة(4/473)
صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَقُولُ: "مَنْ كاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى مائَةِ أُوقيةٍ، فأَدّاهَا إلاّ عَشْرَة أوَاقٍ "أَوْ قالَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ" ، ثمّ عَجَزَ، فَهُوَ رَقِيقٌ". هذا حديثٌ حسن غرِيبٌ. والعمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيرِهِمْ أَنّ المُكاتَبَ عَبْدٌ ما بَقِيَ علَيْهِ شَيْءٌ مِنْ كِتَابَتِهِ. وقَدْ رَوَى الْحَجّاجُ بنُ أرْطَاةَ عنْ عَمْروِ بنِ شُعَيْبٍ نَحْوَهُ.
1279 ـ حدثنا سَعِيدُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ. قال: حدّثنَا سُفْيَانُ بن عينية عنِ الزّهْرِيّ، عنْ نَبْهَانَ، عن موح أمّ سلمة عنْ أُمّ سَلمَةَ قالَتْ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "إذَا كانَ عِنْدَ مُكاتَبِ إِحْدَاكُنّ مَا يُؤَدّي، فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ".
ـــــــ
رحمه الله قوله: "على مائة أوقية" بضم همزة وتخفيف تحتية وقد تشدد وهي اسم لأربعين درهماً "فأداها" أي فقضى المائة ودفعها "إلا عشرة أواق" بفتح الهمزة وتنوين القاف جمع أوقية، ووقع في أكثر نسخ الترمذي عشر أواق بغير التاء وهو الظاهر "ثم عجز" أي عن أداء نجوم الكتابة "فهو" أي فعبده المكاتب العاجز، قال ابن الملك: هذا يدل على أنه إن عجز المكاتب عن أداء البعض كعجزه عن الكل فللسيد فسخ كتابته فيكون رقيقاً كما كان، ويدل مفهوم قوله فهو رقيق على أن ما أداه يصير لسيده قوله: "وهذا حديث غريب" قال في المنتقى، بعد ذكر هذا الحديث، رواه الخمسة إلا النسائي انتهى. وقال في النيل وأخرجه أيضاً الحاكم وصححه، قال الشافعي لم أجد أحداً روى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عمراً ولم أر من رضيت من أهل العلم يثبته. وعلى هذا فتيا المفتين انتهى. قلت: وأخرجه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً بلفظ قال: المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم. قال الحافظ في بلوغ المرام: أخرجه أبو داود بإسناد حسن وأصله عند أحمد والثلاثة وصححه الحاكم انتهى. وقال المنذري: في إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال. قوله: "حدثنا سعيد بن عبد الرحمن الخ" وقع في بعض النسخ قبل هذا باب منه "عن نبهان" بفتح النون وسكون الموحدة زاد أبو داود مكاتب أم سلمة "فلتحتجب" أي إحداكن وهي سيدته. "منه" أي المكاتب فإن ملكه على شرف الزوال وما قارب الشيء(4/474)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. ومَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ عَلَى التّوَرّعِ. وقَالُوا: لاَ يُعْتقُ الْمُكاتَبُ، وَإِنْ كانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدّي، حَتّى يُؤَدّيَ.
ـــــــ
يعطي حكمه، والمعنى أنه لا يدخل عليها. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" قال الحافظ في بلوغ المرام بعد ذكره أحمد والأربعة وصححه الترمذي انتهى. قوله: "ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم على التورع الخ" . قال القاضي: هذا أمر محمول على التورع والاحتياط لأنه بصدد أن يعتق بالاداء لا أنه يعتق بمجرد أن يكون واجداً للنجم فإنه لا يعتق ما لم يؤد الجميع لقوله صلى الله عليه وسلم: "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم". ولعله قصد به منع المكاتب عن تأخير الأداء بعد التمكن ليستبيح به النظر إلى السيدة وسد هذا الباب عليه انتهى .(4/475)
باب ماجاء إذا أفلس للرجل غريم فيجد عنده متاعه
...
36 ـ باب مَا جَاءَ إِذَا أَفْلَسَ لِلرّجُلِ غَرِيمٌ فَيَجِدُ عِنْدَهُ مَتَاعَه
1280 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدّثنَا اللّيْثُ، عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ، عنْ أبي بَكْرِ بنِ محمد بن عمرو بن حَزْمٍ، عنْ عُمَرَ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ، عنْ أبي بكْرِ بنِ عَبدِ الرّحْمَنِ بنِ الْحَارِثِ بنِ هِشَامٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قالَ "أيّمَا امرئ أفْلَسَ، وَوَجَدَ رَجُلٌ سِلْعَتَهُ عِنْدهُ بِعَيْنِهَا، فَهُوَ أَوْلَى بِهَا مِنْ غَيرِهِ". وفي البابِ عنْ سَمُرَةَ وابنِ عُمَرَ.
ـــــــ
باب ما جاء إذا أفلس للرجل غريم فيجد عنده متاعه
قال في النهاية أفلس الرجل إذا لم يبق له مال. ومعناه. صارت دراهمه فلوساً. وقيل صار إلى حال يقال: ليس معه فلس. وقد أفلس يفلس إفلاساً فهو مفلس وفلسه الحاكم تفليساً انتهى والغريم المديون
"ووجد رجل سلعته عنده بعينها" أي بذاتها بأن تكون غير هالكة حساً، أو معنى بالتصرفات الشرعية "فهو" أي الرجل "أولى بها" أي أحق بسلعته "من غيره" أي من الغرماء. قوله: "وفي الباب عن سمرة" أخرجه أحمد وأبو داود وهو من رواية الحسن البصري عنه وفي سماعه منه خلاف معروف لكنه يشهد لصحته حديث الباب "وابن عمر"(4/475)
حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعَملُ عَلَى هذَا عنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ. وهُوَ قَوْلُ الشّافِعيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ. وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْم: هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. وهُوَ قَوْلُ أهْلِ الْكُوفَةِ.
ـــــــ
أخرجه ابن حبان بإسناد صحيح قاله في النيل. قوله: "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم. قوله: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق" قال في شرح السنة: العمل على هذا عند أكثر أهل العلم قالوا: إذا أفلس المشتري بالثمن ووجد البائع عين ماله، فله أن يفسخ البيع ويأخذ عين ماله وإن كان قد أخذ بعض الثمن وأفلس بالباقي أخذ من ماله بقدر ما بقي من الثمن كما رواه البخاري قضى به عثمان رضي الله عنه، وروي عن علي رضي الله عنه، ولا نعلم لهما مخالفاً من الصحابة. وبه قال مالك والشافعي رحمهما الله انتهى. قلت: وهو الحق وهو قول الجمهور "وقال بعض أهل العلم هو أسوة الغرماء" بضم الهمزة أي هو مساو لهم وكواحد منهم يأخذ مثل ما يأخذون، ويحرم عما يحرمون "وهو قول أهل الكوفة" وهو مذهب الحنفية قال في التعليق الممجد: ومذهب الحنفية في ذلك أن صاحب المتاع ليس بأحق لا في الموت ولا في الحياة لأن المتاع بعد ما قبضه المشتري صار ملكاً خالصاً له، والبائع صار أجنبياً منه كسائر أمواله. فالغرماء شركاء البائع فيه في كلتا الصورتين وإن لم يقبض. فالبائع أحق لاختصاصه به وهذا معنى واضح لولا ورود النص بالفرق وسلفهم في ذلك علي، فإن قتادة وروى عن خلاس بن عمرو عن علي أنه قال: هو أسوة الغرماء إذا وجدها بعينها. وأحاديث خلاس عن علي ضعيفة، وروى مثله عن إبراهيم النخعي ومن المعلوم أن كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عبرة الرأي بعد ورود نصة. كذا حققه ابن عبد البر والزرقاني انتهى. واعلم أن الحنفية قد اعتذروا عن العمل بأحاديث الباب باعتذارات كلها واهية. فمنها ـ أنها مخالفة للأصول، وفساد هذا الاعتذار ظاهر فإنه السنة الصحيحة هي من جملة الأصول فلا يترك العمل بها إلا لما هو انهض منها. ومنها ـ أنها محمولة على ما إذا كان المتاع وديعة أو عارية أو لقطة وفساد هذا الاعتذار أيضاً ظاهر فإنه لو كان كذلك لم يقيد بالإفلاس ولا جعل أحق بها لما تقتضيه صيغة أفعل من الاشتراك. ويرد هذا الاعتذار أنه وقع في رواية لمسلم والنسائي أنه لصاحبه الذي باعه. وفي رواية لابن حبان: إذا أفلس الرجل فوجد البائع سلعته. وكذلك وقع في عدة روايات ما يدل صراحة على أنها واردة في صورة البيع. قال الحافظ في الفتح: فظهر بهذا أن الحديث وارد في صورة البيع، ويلتحق به القرض وسائر ما ذكر يعني من العارية والوديعة بالأولى. ومنها أنها محمولة على ما إذا أفلس المشتري قبل أن يقبض السلعة. ويرد هذا الاعتذار أنه وقع في حديث سمرة عند مفلس وفي حديث أبي هريرة عند رجل، وفي رواية لابن حبان: ثم أفلس. وهي عنده: إذا فلس الرجل وعنده متاع .(4/476)
باب ماجاء في النهي للمسلم ان يدفع إلى الذمي الخمر يبيعها له
...
37 ـ باب مَا جَاءَ
في النّهْيِ لِلْمُسْلِمِ، أَنْ يَدفعَ إِلَى الذّمّيّ الخَمْرَ يَبِيعُهَا لَه
1281 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ خَشْرَمٍ. أخبرنا عِيسَى بنُ يُونُسَ عنْ مُجَالِدٍ، عنْ أبي الْوَدّاكِ، عنْ أبي سَعِيدٍ قالَ: كانَ عِنْدَنَا خَمْرٌ لِيَتِيمٍ. فَلمّا نَزَلَتِ الْمَائِدَةُ، سَأَلْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عنْهُ، وقُلْتُ إنّهُ لِيَتِيمٍ فقَالَ "أَهْرِيقُوهُ". وفي البابِ عنْ أنَسٍ بنِ مَالِكٍ.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في النّهْيِ لِلْمُسْلِمِ، أَنْ يَدفعَ إِلَى الذّمّيّ الخَمْرَ يَبِيعُهَا لَه
قوله: "فلما نزلت المائدة" أي الاَية التي فيها تحريم الخمر وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} الاَيتين. "عنه" أي عن الخمر التي عندي لليتيم والخمر قد يدكر أو بتأويل الشراب "فقال أهريقوه" أي صبوه والأصل أريقوه من الإراقة، وقد تبدل الهمزة بالهاء وقد تستعمل هذه الكلمة بالهمزة والهاء معاً كما وقع هنا وهو نادر. وفيه دليل على أن الخمر لا تملك ولا تحبس بل تجب إراقتها في الحال. ولا يجوز لأحد الانتفاع بها إلا بالإراقة قوله: "وفي الباب عن أنس بن مالك" أن أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمراً قال: "أهرقها". قال أفلا أجعلها خلا؟ قال:(4/477)
حدِيثُ أبي سَعِيدٍ حدِيثٌ حسنٌ صحيح. وقَدْ رُوِيَ منْ غَيرِ وَجْهٍ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوُ هذَا. وقالَ بِهذَا بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ. وكَرِهُوا أَنْ تُتّخَذَ الْخَمرُ خَلاّ. وَإنمَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ، والله أعْلمُ، أنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ في بَيْتِهِ خَمْرٌ حَتّى يَصِير خَلاّ. وَرَخّصَ بَعْضُهُمْ في خَلّ الْخَمْرِ، إذَا وُجِدَ قَدْ صَارَ خَلاّ
ـــــــ
لا. أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي. قوله: "حديث أبي سعيد حديث حسن" وأخرجه أحمد قوله: "وقال بهذا بعض أهل العلم وكرهو أن يتخذ الخمر خلا الخ" قال الخطابي في المعالم: تحت حديث أنس في هذا بيان واضح أن معالجة الخمر حتى تصير خلا غير جائز. ولو كان إلى ذلك سبيل لكان مال اليتيم أولى الأموال به لما يجب من حفظه وتثميره والحيطة عليه، وقد كان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، فعلم أن معالجته لا تطهره ولا ترده إلى المالية بحال. انتهى. وقال الشوكاني في النيل: فيه دليل للجمهور على أنه لا يجوز تخليل الخمر ولا تطهر بالتخليل. هذا إذا خللها بوضع شيء فيها، أما إذا كان التخليل بالنقل من الشمس إلى الظل أو نحو ذلك. فأصح وجه عن الشافعية أنها تحل وتطهر. وقال الأوزاعي وأبو حنيفة تطهر إذا خللت بإلقاء شيء فيها. قلت: والحق أن تخليل الخمر ليس بجائز لحديث الباب، ولحديث أنس المذكور، ومن قال بالجواز فليس له دليل. "ورخص بعضهم في خل الخمر إذا وجد قد صار خلا" أي من غير معالجة قال القاري في المرقاة تحت حديث أنس رضي الله عنه فيه حرمة التخليل ربه قال أحمد. وقال أبو حنيفة والأوزاعي والليث: يطهر بالتخليل. وعن مالك ثلاث روايات أصحها عنه أن التخليل حرام، فلو خللها عصى وطهرت. والشافعي على أنه إذا ألقى فيه شيء للتخلل لم يطهر أبداً. وأما بالنقل إلى الشمس مثلاً فللشافعية فيه وجهان أصحهما تطهيره وأما الجواب عن قوله عليه الصلاة والسلام لا عند من يجوز تخليل الخمر: أن القوم كانت تفوسهم ألفت بالخمر وكل مألوف تميل إليه النفس فخشي النبي صلى الله عليه وسلم من دواخل الشيطان فنهاهم عن اقترانهم نهى تنزيه كيلا يتخذ التخليل وسيلة
إليها. وأما بعد طول عهد التحريم فلا يخشى هذه الدواخل ويؤده خبر: نعم الإدام الخل. رواه مسلم عن عائشة وخير خلكم خل خمركم. رواه البيهقي في المعرفة عن جابر مرفوعاً، وهو محمول على بيان الحكم لأنه اللائق بمنصب الشارع لا بيان اللغة انتهى كلام القاري. قلت قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر حديث: خير خلكم خل خمركم ما لفظه: قال البيهقي في المعرفة رواه المغيرة بن زياد وليس بالقوى. وأهل الحجاز يسمون خل العنب خل الخمر. قال: وإن صح فهو محمول على ما إذا تخلل بنفسه. وعليه يحمل حديث فرج ابن فضالة انتهى. قلت: حديث فرج بن فضالة أخرجه الدارقطني في سننه عنه عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن أم سلمة مرفوعاً في الشاة أن دباغها يحل كما يحل خل الخمر. قال الدارقطني: تفرد به فرج بن فضالة وهو ضعيف. قاله الحافظ في الدراية. قال ويعارض ظاهره حديث أنس: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر أتتخذ خلا؟ قال: "لا". أخرجه مسلم وأخرج أيضاً عنه أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمراً قال "أهرقها". قال: أفلا نجعلها خلا؟ قال: "لا". انتهى. وأما القول بأن النهي للتنزيه فغير ظاهر. وأما حديث. نعم الإدام الخل. فالمراد بالخل الخل الذي لم يتخذ من الخمر جمعاً بين الأحاديث والله تعالى أعلم .(4/478)
38 ـ باب
1282 ـ حدثنا أبُو كُرَيْبٍ. حدّثنَا طَلْقُ بنُ غَنّامٍ عنْ شَرِيكٍ وَ قَيْسٌ عَنْ أبي حَصِينٍ، عَنْ أبي صالح عن أَبي هُرَيْرَة قالَ قَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم "أدّ الأمَانَةَ إلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ".
قال أبو عيسى هذا حديثٌ حَسنٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هذَا الحَدِيثِ وَقَالُوا:
ـــــــ
باب
قوله: "حدثنا طلق بن الغنام" بفتح الغين المعجمة وشدة النون النخعي أبو محمد الكوفي ثقة من كبار العاشرة "عن أبي حصين" بفتح الحاء المهملة اسمه عثمان بن عاصم ابن حصين الأسدي الكوفي ثقة ثبت. قوله: "أد الأمانة" هي كل شيء لزمك أدؤه. والأمر للوجوب. قال الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا(4/479)
ـــــــ
الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} "إلى من ائتمنك" أي عليها "ولا تخن من خانك" أي لا تعامله بمعاملته ولا تقابل خيانته بخيانتك. قال في سبل السلام: وفيه دليل على أنه لا يجازي بالإساءة من أساء. وحمله الجمهور على أنه مستحب لدلالة قوله تعالى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ، وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} على الجواز وهذه في المعروفة بمسألة الظفر. وفيها أقوال للعلماء. هذا القول: الأول: وهو الأشهر من أقوال الشافعي وسواء كان من جنس ما أخذ عليه أو من غير جنسه. والثاني: يجوز إذا كان من جنس ما أخذ عليه لا من غيره، لظاهر قوله: "بمثل ما عوقبتم به" وقوله مثلها وهو رأي الحنفية. والثالث: لا يجوز ذلك إلا لحكم الحاكم، لظاهر النهي في الحديث ولقوله تعالى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} وأجيب أنه ليس أكلاً بالباطل. والحديث يحمل فيه النهي على الندب. الرابع: لإبن حزم أنه يجب عليه أن يأخذ بقدر حقه سواء كان من نوع ما هو عليه أو من غيره ويبيع ويستوفي حقه. فإن فضل على ما هو له رده أو لورثته. وإن نقص بقي في ذمة من عليه الحق. فإن لم يفعل ذلك فهو عاص لله عز وجل إلا أن يحلله أو يبرئه فهو مأجور. فإن كان الحق الذي له لا بينة له عليه وظفر بشيء من مال من عنده له الحق أخذه، فإن طولب أنكر، فإن استحلف حلف وهو مأجور في ذلك. قال وهذا قول الشافعي وأبي سليمان وأصحابهما. وكذالك عندنا كل من ظفر لظالم بمال ففرض عليه أخذه وإنصاف المظلوم منه واستدل بالاَيتين وبقوله تعالى {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} وبقوله تعالى {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} وبقوله تعالى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} وبقوله صلى الله عليه وسلم لهند امرأة أبي سفيان: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف". وبحديث البخاري: إن نزلتم بقوم وأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف. واستدل لكونه إذا لم يفعل عاصياً بقوله تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} الاَية. وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكراً" الحديث. ثم ذكر حديث أبي هريرة فقال: هو من رواية طلق بن غنام عن شريك وقيس بن الربيع وكلهم ضعيف. قال ولئن صح فلا حجة فيه لأنه ليس له انتصاف المرء حقه خيانة بل هو حق واجب وإنكار منكر انتهى مختصراً. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو داود وسكت عنه. ونقل المنذري(4/480)
إذَا كانَ لِلرّجُلِ عَلَى آخَرَ شَيْءٌ فَذَهَبَ بِهِ، فَوَقَعَ لَهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ، فَلَيْسَ لَهُ أنْ يَحْبِسَ عَنْهُ بِقَدْرِ مَا ذَهَبَ لَهُ عَلَيْهِ. وَرَخّصَ فِيهِ بَعضُ أهْلِ الْعِلْمِ مِنَ التّابِعِينَ. وَهُوَ قَوْلُ الثّورِيّ، وَقَالَ: إنْ كانَ لَهُ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ، فَوَقَعَ لَهُ عِنْدَهُ دَنَانِيرُ، فَلَيْسَ لَهُ أنْ يَحْبِسَ بِمَكَانِ دَرَاهِمِه. إلاّ أنْ يَقَعَ عِنْدَهُ لَهُ دَرَاهِمُ، فَلهُ حِينَئِذ أنْ يَحبِسَ مِنْ دَرَاهِمِه بِقَدْرِ مَا لهُ عَلَيْهِ. َ
ـــــــ
تحسين الترمذي وأقره. وقال الزيلعي قال ابن القطان: والمانع من تصحيحه أن شريكا وقيس بن الربيع مختلف فيهما انتهى. وقال الحافظ في بلوغ المرام: وصححه الحاكم واستنكره أبو حاتم الرازي انتهى. وقال الشوكاني في النيل. وفي الباب عن أبي بن كعب عند ابن الجوزي في العلل المتناهية: وفي إسناده من لا يعرف. وأخرجه أيضاً الدارقطني. وعن أبي أمامة عند البيهقي والطبراني بسند ضعيف. وعن أنس عند الدارقطني والطبراني والبيهقي. وعن رجل من الصحابة عند أحمد وأبي داود والبيهقي وفي إسناده مجهول آخر غير الصحابي. لأن يوسف بن ماهك رواه عن فلان عن آخر وقد صححه ابن السكن وعن الحسن مرسلاً عند البيهقي قال الشافعي: هذا الحديث ليس بثابت. قال ابن الجوزي: لا يصح من جميع طرقه. وقال أحمد: هذا حديث باطل لا أعرفه من وجه يصح. قال الشوكاني: لا يخفي أن وروده بهذه الطرق المتعددة مع تصحيح إمامين من الأئمة المعتبرين لبعضها وتحسين إمام ثالث منهم مما يصير به الحديث منتهضاً للاحتجاج انتهى .(4/481)
باب ماجاء أن العارية مؤداة
...
39 ـ باب مَا جَاءَ في أنّ الْعَارِيَةَ مُؤَدّاة
1283 ـ حدثنا هَنّادٌ وَ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ قَالاَ: حَدّثَنا إسْماعيِلُ بْنُ عَيّاشٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بن مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيّ عَنْ أبي أُمَامَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ في الخُطْبَة، عَامَ حَجّةِ الْوَدَاعِ "الْعارِيَةُ مُؤدّاةٌ، وَالزّعِيمُ غَارِم، وَالدّيْنُ مَقْضِي". وفي البابِ عَنْ سَمُرَةَ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في أنّ الْعَارِيَةَ مُؤَدّاة
قوله: "العارية مؤداة" قال التوربشتي أي تؤدى إلى صاحبها، واختلفوا في(4/481)
وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ وَأنَسٍ قال: وحَدِيثُ أبي أُمَامَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غريب. وَقدْ رُوِيَ عَنْ أبي أمامَةَ، عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أيْضاً، مِنْ غَيرِ هذا الوَجْه.
1284 ـ حدثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حدّثَنا ابنُ أبي عَدِي عنْ سَعِيدٍ، عنْ قَتادَةَ، عنِ الْحَسنِ، عنْ سَمُرةَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "عَلَى الْيَدِ مَا أخَذَتْ حَتّى تُؤَدّيَ". قالَ قَتَادَةُ: ثُمّ نَسِيَ الْحَسَنُ فقَالَ:
ـــــــ
تأويله على حسب اختلافهم في الضمان، فالقائل بالضمان يقول: تؤدي عينا حال القيام وقيمة عند التلف، وفائدة التأدية عند من يرى خلافه إلزام المستعير مؤنة ردها إلى مالكها كذا في المرقاة. "والزعيم" أي الكفيل "غارم" قال في النهاية: الغارم الذي يلتزم ما ضمنه وتكفل به ويؤديه، والغرم أداء شيء لازم وقد غرم يغرم غرماً انتهى. والمعنى أنه ضامن ومن ضمن ديناً لزمه أداؤه "والدين مقضى" أي يجب قضاؤه. قوله: "وفي الباب عن سمرة" أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه "وصفوان بن أمية" أخرجه أبو داود "وأنس" أخرجه الطبراني في كتاب مسند الشاميين ذكره الزيلعي في نصب الراية في الكفالة بإسناده ومتنه. وفي الباب عن ابن عباس ذكره الزيلعي فيه. قوله: "حديث أبي أمامة حديث حسن" وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه. قال الحافظ الزيلعي: قال صاحب التنقيح: رواية إسماعيل بن عياش من الشاميين جيدة وشرحبيل من ثقات الشاميين. قاله الإمام أحمد ووثقه أيضاً العجلي وابن حبان وضعفه ابن معين انتهى. والحديث أخرجه الترمذي في الوصايا مطولاً. قوله: "على اليد ما أخذت" أي يجب على اليد رد ما أخذته. قال الطيبي ما موصولة مبتدأ وعلى اليد خبره، والرابع محذوف أي ما أخذته اليد ضمان على صاحبها. والإسناد إلى اليد على المبالغة لأنها هي المتصرفة "حتى تؤدي" بصيغة الفاعل المؤنث والضمير إلى اليد أي حتى تؤديه إلى مالكه فيجب رده في الغصب وإن لم يطلبه. وفي العارية إن عين مدة رده إذا انقضت ولو لم يطلب مالكها. وفي الوديعة لا يلزم إلا إذا طلب المالك. ذكره ابن الملك. قال القاري: وهو تفصيل حسن يعني من أخذ مال أحد بغضب أو عارية، أو وديعة لزم رده انتهى. "قال قتادة: ثم نسي الحسن"(4/482)
فَهوَ أمِينُكَ لاَ ضَمانَ عَلَيْهِ، يَعْنِي الْعَارِيَةَ. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ إلى هذَا. وقَالُوا: يَضْمَنُ صَاحِبُ الْعارِيَةِ. وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وأحْمَدَ.
ـــــــ
أي الحديث "فقال" أي الحسن "هو" أي المستعير "لا ضمان عليه" لا يلزم من قول الحسن إن المستعير لا ضمان عليه أنه نسي الحديث كما ستعرف "هذا حديث حسن" أخرجه الخمسة إلا النسائي وصححه الحاكم. وسماع الحسن من سمرة فيه خلاف مشهور ووقع في بعض النسخ هذا حديث صحيح، واستدل بهذا الحديث من قال بأن الوديع والمستعير ضامنان وهو صالح للاحتجاج به على التضمين، لأن المأخوذ إذا كان على اليد الاَخذة حتى ترده فالمراد أنه في ضمانها كما يشعر لفظ على من غير فرق بين مأخوذ ومأخوذ. وقال المقبلي في المنار: يحتجون بهذا الحديث في مواضع على التضمين. ولا أراه صريحاً لأن اليد الأمينة أيضاً عليها ما أخذت حتى ترد، وإلا فليست بأمينة. إنما كلامنا هل يضمنها لو تلفت بغير جناية؟ وليس الفرق بين المضمون وغير المضمون إلا هذا. وأما الحفظ فمشرك وهو الذي تفيده على فعل هذا لم ينس الحسن كما زعم قتادة حين قال: هو أمينك لا ضمان عليه. بعد رواية الحديث انتهى. قال الشوكاني بعد ذكر كلام المقبلي هذا: ولا يخفى عليك ما في هذا الكلام من قلة الجدوى وعدم الفائدة وبيان ذلك أن قوله لأن اليد الأمينة عليها ما أخذت حتى ترد وإلا فليست بأمينة يقتضي الملازمة بين عدم الرد وعدم الأمانة فيكون تلف الوديعة والعارية بأي وجه من الوجوه قبل الرد مقتضياً لخروج الأمين عن كونه أميناً وهو ممنوع، فإن المقتضي لذلك إنما هو التلف بخيانة أو جناية ولا نزاع في أن ذلك موجب للضمان، إنما النزاع في تلف لا يصير به الأمين خارجاً عن كونه أميناً. كالتلف بأمر لا يطاق دفعه أو بسبب سهو أو نسيان أو بآفة سماوية أو سرقة أو ضياع بلا تفريط فإنه يوجد التلف في هذه الأمور مع بقاء الأمانة. وظاهر الحديث يقتضي الضمان وقد عارضه ما أسلفنا، ثم ذكر الشوكاني كلام صاحب ضوء النهاء ثم تعقب عليه ثم قال: وأما مخالفة رأي الحسن لروايته فقد تقرر في الأصول: أن العمل بالرواية لا بالرأي انتهى قوله: "وقالوا يضمن صاحب العارية وهو قول الشافعي وأحمد" قال في النيل قال ابن عباس وأبو هريرة وعطاءشض(4/483)
وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ، لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْعارِيَةِ ضَمانٌ إلاّ أَنْ يُخَالِفَ. وهُوَ قَوْلُ الثّوْرِيّ وأهْل الْكُوفَةِ. وبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ.
ـــــــ
والشافعي وأحمد وإسحاق وعزاه صاحب الفتح إلى الجمهور: أنها إذ تلفت في يد المستعير ضمنها إلا فيما إذا كان ذلك على الوجه المأذون فيه، واستدلوا بحديث سمرة المذكور وبقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} ولا يخفي أن الأمر بتأدية الأمانة لا يستلزم ضمانها إذا تلفت "وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" وغيرهم: ليس على صاحب العارية ضمان إلا أن يخالف. وهو قول الثوري وأهل الكوفة وبه يقول "إسحاق" واستدلوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ضمان على مؤتمن. رواه الدارقطني قال الحافظ: في إسناده ضعف. وأخرجه الدارقطني من طريق أخرى عنه بلفظ: ليس على المستعير غير المغل ضمان. ولا عن المستودع غير المغل ضمان وقال: إنما يروى هذا عن شريح غير مرفوع قال الحافظ: وفي إسناده ضعيفان قال الشوكاني: قوله لا ضمان على مؤتمن فيه دليل على أنه لا ضمان على من كان أميناً على عين من الأعيان كالوديع والمستعير، أما الوديع فلا يضمن. قيل إجماعاً إلا لجناية منه على العين والوجه في تضمينه بالجناية أنه صار بها خائناً. والخائن ضامن لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا على المستودع غير المغل ضمان والمغل هو الخائن" وهكذا يضمن الوديع إذا وقع منه تعد في حفظ العين. لأنه نوع من الخيانة وأما العارية فقد ذهبت الحنفية والمالكية إلى أنها غير مضمونة على المستعير إذا لم يحصل منه تعد انتهى(4/484)
باب ماجاء في الإحتكار
...
40 ـ باب مَا جَاءَ في الاحتكار
1285 ـ حدثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ. أخبرنا يَزِيدُ بنُ هارُونَ
ـــــــ
باب ما جاء في الاحتكار
قال الحافظ: الاحتكار الشرعي إمساك الطعام عن البيع وانتظار الغلاء مع الاستغناء عنه وحاجة الناس إليه. وبهذا فسره مالك عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب. وعن أحمد: إنما يحرم احتكار الطعام المقتات دون غيره من الأشياء(4/484)
حدثنا مُحَمّدُ بنُ إسْحَاقَ عنْ مُحَمّدِ بنِ إبْرَاهِيمَ، عنْ سَعيدِ بنِ الْمُسَيّبِ، عنْ مَعْمَرِ بنِ عَبْدِ الله بنِ فَضْلَةَ، قالَ: سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "لاَ يَحْتَكِرُ إلاّ خَاطِيءٌ" فَقُلْتُ لِسَعيدٍ: يَا أبَا مُحَمّدٍ إِنّكَ تَحْتَكِرُ. قالَ: ومَعْمَرٌ قَدْ كانَ يَحْتَكِرُ. وَإنمَا رُوِيَ عنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيّبِ أنّهُ كانَ يَحْتَكِرُ الزّيْتَ وَالحنطَة ونَحْوَ هذَا. وفي البابِ عنِ عُمرَ وعَلِي وَأبي أُمَامَةَ، وابنِ عُمرَ. وحَدِيثُ مَعْمَرٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَالَعَمَلُ عَلَى هَذا عِنْدَ
ـــــــ
انتهى قوله: "لا يحتكر إلا خاطئ" بالهمز أي عاص آثم. ورواه مسلم بلفظ: من احتكر فهو خاطئ. قال النووي: الاحتكار المحرم هو في الأقوات خاصة بأن يشتري الطعام في وقت الغلاء ولا يبيعه في الحال بل أدخره ليغلو، فأما إذا جاء من قرية أو اشتراه في وقت الرخص وادخره وباعه في وقت الغلاء فليس باحتكار ولا تحريم فيه، وأما غير الأقوات فلا يحرم الاحتكار فيه بكل حال انتهى. واستدل مالك بعموم الحديث على أن الاحتكار حرام من المطعوم وغيره ذكره ابن الملك في شرح المشارق كذا في المرقاة. قوله: "فقلت" قائله محمد بن ابراهيم "لسعيد" أي ابن المسيب "يا أبا محمد" كنية سعيد بن المسيب "إنك تحتكر قال ومعمر" أي ابن عبد الله بن فضالة "قد كان يحتكر" أي في غير الأقوات "والخبط" بفتح الخاء المعجمة والموحدة الورق الساقط أي علف الدواب "ونحو هذا" أي من غير الأقوات قال ابن عبد البر وآخرون إنما كانا يحتكران الزيت. وحملا الحديث على احتكار القوت عند الحاجة إليه. وكذلك حمله الشافعي وأبو حنيفة وآخرون قوله: "وفي الباب عن عمر" مرفوعاً: من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس. أخرجه ابن ماجه قال الحافظ في الفتح: إسناده حسن. وعنه مرفوعاً بلفظ: الجالب مرزوق والمحتكر ملعون. أخرجه ابن ماجه وإسناده ضعيف. "وعلي" لم أقف على حديثه "وأبي أمامة" مرفوعاً: من احتكر طعاماً أربعين يوماً ثم تصدق به لم يكن له كفارة. أخرجه رزين "وابن عمر" مرفوعاً: من احتكر طعاماً أربعين ليلة فقد بريء من الله وبريء منه ـ أخرجه أحمد والحاكم قال الحافظ في الفتح في إسناده مقال. وفي الباب عن أبي هريرة مرفوعاً: من احتكر حكرة(4/485)
أَهْلِ العِلْمِ. كَرِهُوا احْتِكارَ الطّعَامِ. وَرَخّصَ بَعضُهُمْ في الأِحْتِكارِ في غَيرِ الطعَامِ. وقالَ ابنُ الْمُبَارَكِ: لاَ بَأْسَ بِالاحتكَارِ في الْقُطْنِ والسّخْتِيَانِ وَنَحْوِ ذلك.
ـــــــ
يريد أن يغالي بها على المسلمين فهو خاطئ. أخرجه الحاكم ذكره الحافظ وسكت عنه. وعن معاذ مرفوعاً: من احتكر طعاماً على أمتي أربعين يوماً وتصدق به لم يقبل منه. أخرجه ابن عساكر. قوله: "ورخص بعضهم في الاحتكار في غير الطعام" واحتجوا بالروايات التي فيها التصريح بلفظ الطعام. قال الشوكاني في النيل: وظاهر أحاديث الباب أن الاحتكار محرم من غير فرق بين قوت الاَدمي والدواب بين غيره. والتصريح بلفظ الطعام في بعض الروايات لا يصلح لتقييد باقي الروايات المطلقة. بل هو من التنصيص على فرد من الأفراد التي يطلق عليها المطلق وذلك لأن نفي الحكم عن غير الطعام إنما هو لمفهوم اللقب وهو غير معمول به عند الجمهور، وما كان كذلك لا يصلح للتقييد على ما تقرر في الأصول. قوله: "قال ابن المبارك لا بأس بالاحتكار بالقطن والسختيان" قال في القاموس السختيان ويفتح جلد الماعز إذا دبغ معرب(4/486)
باب ماجاء في بيع المحفلات
...
41 ـ باب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ المُحَفّلاَت
1286 ـ حدثنا هَنّادٌ. حدّثنَا أبُو الأَحْوَصِ، عنْ سِماكٍ، عنْ عِكرِمَةَ، عنِ ابنِ عَبّاسٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ "لاَ تَسْتَقْبِلُوا السّوقَ. ولاَ تُحَفّلُوا. ولاَ يُنفّقْ بَعْضُكُمْ لِبعْضٍ". وفي البابِ عنِ ابنِ مَسْعُودٍ
ـــــــ
باب ما جاء في بيع المحفلات
المحفلة هي المصراة وقد ذكر الترمذي تفسيرها في هذا الباب قال أبو عبيد: سميت بذلك لأن اللبن بكثر في ضرعها وكل شيء كثرته فقد حفلته. تقول ضرع حافل أي عظيم. واحتفل القوم إذا كثر جمعهم ومنه سمي المحفل قوله: "لا تستقبلوا السوق" المراد من السوق العير أي لا تلقوا الركبان قال في المجمع في حديث الجمعة: إذا جاءت سويقة أي تجارة وهي مصغر السوق سميت بها لأن التجارة تجلب إليها والمبيعات تساق نحوها والمراد العير انتهى. "ولا تحفلوا" من التحفيل بالمهملة(4/486)
وأبي هُرَيْرَةَ وحدِيثُ ابنِ عَبّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ. كَرِهُوا بَيْعَ المُحَفّلَةِ. وَهِيَ المُصَرّاةُ، لاَ يَحْلُبُهَا صَاحِبُهَا أيّاماً أوْ نحْوَ ذَلِكَ، لِيَجْتَمِعَ اللّبَنُ في ضَرْعِهَا. فَيَغْترّ بهَا الْمُشْتَرِي. وهذَا ضَرْبٌ مِنَ الْخَدِيعَةِ والْغَرَرِ.
ـــــــ
والفاء بمعنى التجميع. والمعنى لا تتركوا حلب الناقة أو البقرة أو الشاة ليجتمع ويكثر لبنها في ضرعها فيعتز به المشتري. "ولا ينفق" بصيغة النهي من التنفيق وهو من النفاق ضد الكساد. قال نفقت السلعة فهي نافقة وأنفقتها ونفقتها إذا جعلتها نافقة "بعضكم لبعض" قال في النهاية: أي لا يقصد أن ينفق سلعته على جهة النجش فإنه بزيادته فيها يرغب السامع فيكون قوله سبباً لابتياعها ومنفقاً لها انتهى. قوله: "وفي الباب عن ابن مسعود" أخرجه البخاري موقوفاً عليه بلفظ قال: من اشترى شاة محفلة فردها فليرد معها صاعاً من تمر. وأخرجه الإسماعيلي مرفوعاً وذكر أن رفعه غلط "وأبي هريرة" أخرجه البخاري ومسلم قوله: "حديث ابن عباس حديث حسن صحيح" هذا الحديث رواه الترمذي من طريق سِمَاك عن عكرمة وقال الحافظ في الئقريب: سِمَاك بن حرب الكوفي أبو المغيرة صدوق وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة وقد تغير بآخره فكان ربما يلقن انتهى. فتصحيح الترمذي هذا الحديث لوروده من وجوه أخرى صحيحة .(4/487)
باب ماجاء في اليمين الفاجرة يقتطع بها مال المسلم
...
42 ـ باب مَا جَاءَ في الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ يُقْتَطَعُ بِهَا مَالُ الْمُسْلم
1287 ـ حدثنا هَنّادٌ. حدّثنَا أبُو مُعَاوِيَة عنِ الأَعمَشِ، عنْ شَقِيقِ بنِ سَلمَةَ، عنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ، قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمينٍ وهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لِيَقْتَطِعَ بِهَا، كلَ امْرِءٍ مُسْلمٍ، لَقِيَ الله وهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ".
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ يُقْتَطَعُ بِهَا مَالُ الْمُسْلم
قوله: "من حلف على يمين" المراد باليمين المال المحلوف عليه "وهو فيها فاجر" أي كاذب "ليقتطع بها مال امرئ مسلم" قال الحافظ يقتطع يفتعل من القطع كأنه قطعه عن صاحبه أو أخذ قطعة من ماله بالحلف المذكور "لقي الله وهو عليه غضبان"(4/487)
فقَالَ الأشْعثُ بنُ قَيْسٍ: فِيّ، وَالله لَقَدْ كانَ ذَلِكَ. كانَ بَيْنِي وبَيْنَ رَجُل مِنَ الْيَهُودِ أرْضٌ فَجَحدنِي. فَقَدّمْتُهُ إلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم. فقالَ لِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "ألَكَ بَيّنَةٌ"؟ قلت: لا. فقَالَ لِلْيَهُودِيّ "احْلِفْ" فَقلت: يا رسولَ الله إذاً يَحْلِفُ فَيَذْهَبُ بِمَالِي. فأَنْزَلَ الله تعالى: {إنّ الّذِينَ يَشْترُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيمَانِهِمْ ثَمَناً قَليلاً} إلى آخِر الاَيَةِ. وفي البابِ عنْ وَائِلِ بنِ حُجْرٍ، وأبي مُوسَى وأبي أُمَامَةَ بنِ ثَعْلَبَةَ الأنْصَارِيّ وعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ. وحدِيثُ ابنِ مَسْعُودٍ، حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
في حديث وائل بن حجر عند مسلم: وهو عنه معرض. وفي حديث أبي أمامة بن ثعلبة عند مسلم فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة. "فقال الأشعث" هو ابن قيس أبو محمد الكندي صحابي نزل الكوفة "فيّ والله لقد كان ذلك كان بيني وبين رجل الخ" وقع في رواية للبخاري: من حلف على يمين صبر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان. فأنزل الله تصديق ذلك {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} إلى آخر الاَية. فدخل الأشعث بن قيس فقال: فيّ أنزلت الخ "إذن يحلف" بالنصب قال السهيلي لا غير. وحكى ابن خروف جواز الرفع في مثل هذا ذكره الحافظ. قوله: "وفي الباب عن وائل ابن حجر" أخرجه مسلم "وأبي موسى" لينظر من أخرجه "وأبي أمامة بن ثعلبة" أخرجه مسلم "وعمران بن حصين" أخرجه أبو داود قوله: "حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه(4/488)
باب ماجاء إذا اختلف البيعان
...
43 ـ باب ما جاءَ إذَا اخْتَلَفَ الْبَيّعَان
1288 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدّثنَا سُفْيَانُ عنِ ابنِ عَجْلاَنَ، عنْ
ـــــــ
باب ما جاء إذا اختلف البيعان
بفتح الموحدة وتشديد التحتية المكسورة أي المتبايعان قوله: "إذا اختلف البيعان" ، أي إذا اختلف البائع والمشتري في قدر الثمن أو في شرط الخيار أو في شيء(4/488)
عَوْنِ بنِ عَبْدِ الله، عنِ ابنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "إذَا اخْتَلَفَ الْبَيّعَانِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ. والْمبْتَاعُ بِالْخِيَارِ". هذا حديثٌ مُرْسَلٌ. عَوْنُ بنُ عبدِ الله لَمْ يُدْرِكِ ابنِ مَسْعُودٍ. وقَدْ رُوِيَ عنِ القاسِمِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عنِ ابن مَسْعُودٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم هَذَا الحَديثُ أيْضاً. وهُوَ مُرْسَلٌ أيْضاً. قال ابن مَنْصُورٍ: قُلْتُ لأحْمَدَ: إذَا اخْتَلفَ البَيعّانِ وَلَمْ تَكُنْ بَيّنةٌ؟ قالَ: القَوْلُ مَا قالَ رَبّ السّلْعَةِ، أوْ يَترَادّانِ. قالَ إسْحَاقُ: كما قالَ. وكُلّ مَنْ كانَ القَوْلُ قَوْلَهُ، فَعَلَيْهِ اليْمِينُ. وقد رُوِيَ نحو هذا عنْ بَعْضِ أهل العلم من التّابِعِينَ مِنْهُم شُرَيْحٌ .
ـــــــ
آخر ولم يكن لأحد منهما بينة. قال في النيل: لم يذكر الأمر الذي فيه الاختلاف، وحذف المتعلق مشعر بالتعميم في مثل هذا المقام على ما تقرر في علم المعاني فيعم الاختلاف في المبيع والثمن وفي كل أمر يرجع إليهما وفي سائر الشروط المعتبرة والتصريح بالاختلاف في الثمن في بعض الروايات لا ينافي في هذا العموم المستفاد من الحذف انتهى. "فالقول قول البائع" أي مع يمينه "والمبتاع" أي المشتري "بالخيار" أي إن شاء اختار البيع ورضي بقول البائع وإن شاء فسخ البيع والحديث دليل على أنه إذا وقع الخلاف بين البائع والمشتري في الثمن أو المبيع أو في شرط من شروطهما فالقول قول البائع مع يمينه لما عرف من القواعد الشرعية: أن من كان القول قوله فعليه اليمين. كذا في سبل السلام قلت يدل على أن القول قول البائع مع يمينه رواية أحمد والنسائي عن أبي عبيدة: وأناه رجلان تبايعا سلعة فقال هذا أخذت بكذا وكذا، وقال هذا بعت بكذاوكذا، فقال أبو عبيدة: أتى عبد الله في مثل هذا فقال: حضرت النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا فأمر بالبائع أن يستحلف ثم يخير المبتاع إن شاء أخذ وإن شاء ترك. قوله: "والمبتاع" أي المشتري "بالخيار" أي إن شاء أخذا وإن شاء ترك. قوله: "هذا حديث مرسل الخ" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم. وروى هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود من طرق بألفاظ ذكرها الحافظ في التلخيص "القول ما قال رب السلعة" أي البائع "قال إسحاق كما قال" أي أحمد "وكل من قال القول قوله فعليه اليمين" يدل على ذلك رواية أحمد والنسائي التي ذكرنا قال الشوكاني قد استدل بالحديث من قال إن القول قول البائع إذا وقع الاختلاف بينه وبين المشتري في أمر من الأمور المتعلقة بالعقد. ولكن مع يمينه كما وقع في الرواية الاَخرة. وهذا إذا لم يقع التراضي بينهما على التراد، فإن تراضيا على ذلك جاز بلا خلاف فلا يكون لهما خلاص عن النزاع إلا التفاسخ أو حلف البائع والظاهر عدم الفرق بين بقاء المبيع وتلفه لما عرفت من عدم انتهاض الرواية المصرح فيها باشتراط بقاء المبيع للاحتجاج، والتراد مع التلت ممكن بأن يرجع كل واحد منهما بمثل المثلى وقيمة القيمي إذا تقرر لك ما يدل عليه هذا الحديث من كون القول قول البائع من غير فرق، فاعلم أنه لم يذهب إلى العمل به في جميع صور الاختلاف أحد فيما أعلم، بل اختلفوا في ذلك اختلافاً طويلاً على حسب ما هو مبسوط في الفروع. ووقع الاتفاق في بعض الصور والاختلاف في بعض. وسبب الاختلاف في ذلك ما سيأتي من قوله صلى الله عليه وسلم: "البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه". لأنه يدل بعمومه على أن اليمين على المدعى عليه. والبينة على المدعي من غير فرق بين أن يكون أحدهما بائعاً والاَخر مشتريا أو لا. وحديث الباب يدل على أن القول قول البائع مع يمينه والبينة على المشتري من غير فرق بين أن يكون البائع مدعياً أو مدعى عليه فبين الحديثين عموم وخصوص من وجه فيتعارضان باعتبار مادة الانفاق وهي حيث يكون البائع مدعياً فينبغي أن يرجع في الترجيح إلى الأمور الخارجة. وحديث إن اليمين على المدعى عليه عزاه المصنف يعني صاحب المنتقي في كتاب الأقضية إلى أحمد ومسلم، وهو أيضاً في صحيح البخاري في الرهن وفي باب: اليمين على المدعى عليه انتهى بقدر الحاجة .(4/489)
باب ماجاء في بيع فضل الماء
...
44 ـ باب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ فَضْلِ الْمَاء
1289 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْد الرّحْمَنِ الْعَطّارُ، عنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أبي الْمِنْهَالِ، عَنْ إيَاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُزَنيّ قَالَ: نَهَى النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ المَاءِ. وفي البابِ عَنْ جَابرٍ وَبُهَيْسَةَ، عَنْ أبيهَا. وَأَبي هُرَيْرَةَ وعَائِشَةَ وَأنَس وَعبدِ الله بنِ عَمْروٍ.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ فَضْلِ الْمَاء
قوله: "عن إياس بن عبد" بغير إضافة يكنى أبا عوف له صحبة يعد في أهل(4/490)
ـــــــ
الحجاز قوله: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الماء" وفي رواية غير الترمذي عن بيع فضل الماء وفيه دليل على تحريم بيع فضل الماء والظاهر أنه لا فرق بين الماء الكائن في أرض مباحة أو في أرض مملوكة وسواء كان للشرب أو لغيره وسواء كان لحاجة الماشية أو الزرع وسواء كان في فلاة أو في غيرها وقد خصص من عموم أحاديث المنع من البيع للماء ما كان منه محرزاً في الاَنية لأنه يجوز بيعه قياساً. على جواز بيع الحطب إذا أحرزه الحاطب لحديث الذي أمره صلى الله عليه وسلم بالاحتطاب ليستغني به عن المسألة وهو متفق عليه من حديث أبي هريرة وهذا القياس بعد تسليم صحته إنما يصح على مذهب من جوز التخصيص بالقياس والخلاف في ذلك معروف في الأصول ولكنه يشكل على النهي عن بيع الماء على الاطلاق ما ثبت في الحديث الصحيح من أن عثمان رضي الله عنه اشترى نصف بئر رومة من اليهودي وسبلها للمسلمين بعد أن سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من اشترى بئر رومة فيوسع بها على المسلمين وله الجنة وكان اليهودي يبيع ماءها" الحديث. فإنه كما يدل على جواز بيع البئر نفسها وكذلك العين بالقياس عليها يدل على جواز بيع الماء لتقريره صلى الله عليه وسلم لليهودي على البيع ويجاب بأن هذا كان في صدر الإسلام وكانت شوكة اليهود في ذلك الوقت قوية والنبي صلى الله عليه وسلم صالحهم في مبادي الأمر على ما كانوا عليه ثم استقرت الأحكام وشرع لأمته تحريم بيع الماء فلا يعارضه ذلك التقرير وأيضاً الماء هنا دخل تبعاً لبيع البئر ولا نزاع في جواز ذلك انتهى كلام الشوكاني ملخصاً قوله: "وفي الباب عن جابر وبهيسة عن أبيها وأبي هريرة وعائشة وأنس وعبد الله بن عمرو" أما حديث جابر فأخرجه مسلم عنه مرفوعاً بلفظ: نهى عن بيع فضل الماء. وأما حديث بهيسة عن أبيها فأخرجه أبو داود بلفظ: أنه قال يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الماء ثم أعاد فقال الملح وفيه قصة وأعله عبد الحق وابن القطان بأنها لا تعرف لكن ذكرها ابن حبان وغيره في الصحابة كذا في التلخيص. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجه بسند صحيح: ثلاث لا يمنعه من الماء والكلاء والنار. وأما حديث عائشة فأخرجه ابن ماجه بلفظ أنها قالت: يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء والملح والنار. الحديث وإسناده ضعيف. وأما حديث أنس فأخرجه الطبراني(4/491)
حَدِيثُ إيَاسٍ حَديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أكْثَر أَهْلِ العِلْمِ، أنّهُمْ كرِهُوا بَيْعَ المَاءِ. وَهُوَ قَوْلُ ابنِ المُبَارَكِ والشّافِعِيّ وَأَحْمَدَ وَإسحَاقَ. وقَدْ رَخّصَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ في بَيْعِ المَاءِ. مِنْهُمُ الحَسَنُ البَصْرِيّ.
1290 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدّثَنَا اللّيْثُ عنْ أبي الزّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنِ أبي هُرَيْرَةَ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ "لاَ يُمْنَعُ فَضْلُ المَاءِ، لِيُمْنَعَ بِهِ الكَلاء". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وَأبُو المنْهَالِ اسْمُهُ عبدُ الرّحْمَنِ بنُ مُطْعِم. كُوفِيّ. وَهُوَ الّذِي رَوَى عَنْهُ حَبيبُ بنُ أبي ثَابِتٍ. وأبُو المنْهَالِ سَيّارُ بنُ سَلاَمَةَ، بَصْرِي. صَاحِبُ أبي بَرْزَةَ الأسْلَمِيّ.
ـــــــ
في الصغير: خصلتان لا يحل منعهما الماء والنار. وقال أبو حاتم في العلل: هذا حديث منكر. وأما حديث ابن عمرو فأخرجه الطبراني بسند حسن. كذا في التلخيص في كتاب إحياء الموات. قوله: "حديث إياس حديث حسن صحيح أخرجه الخمسة إلا ابن ماجه. قوله والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أنهم كرهوا بيع الماء الخ" استدلوا على هذا بأحاديث الباب "وقد رخص بعض أهل العلم في بيع الماء الخ" وقد تقدم ذكر ما تمسكوا في كلام الشوكاني. قوله: "لا يمنع" بصيغة المجهول "فضل الماء" وهو الفاضل عن كفاية صاحبه "ليمنع به الكلاء" بفتح الكاف واللام بعدها همزة مقصورة. وهو النبات رطبه يابسه والمعنى أن يكون حول البئر كلاء ليس عنده ماء غيره ولا يمكن أصحاب المواشي رعيه. إلا إذا مكنوا من سقى بهائمهم من تلك البئر لئلا يتضرروا بالعطش بعد الرعي فيستلزم منعهم من الماء منعهم من الرعي. وإلى هذا التفسير ذهب الجمهور، وعلى هذا يختص البذل بمن له ماشية. ويلحق به الرعاة إذا احتاجوا إلى الشرب لأنه إذا منعهم من الشرب امتنعوا من الرعي هناك. ويحتمل أن يقال يمكنهم حمل الماء لأنفسهم لقلة ما يحتاجون إليه منه بخلاف البهائم. والصحيح الأول ويلتحق بذلك الزرع عند مالك. والصحيح عند الشافعية، وبه قالت الحنفية الاختصاص بالماشية. وفرق الشافعي في ما حكاه المزني عنه بين المواشي والزرع بأن الماشية ذات أرواح يخشى من عطشها موتها، بخلاف الزرع. وبهذا أجاب النووي وغيره(4/492)
باب ماجاء في كراهية عسب الفحل
...
45 ـ باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ عَسْبِ الفَحْل
1291 ـ حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ وَ أَبُو عَمّارٍ قَالا: حَدّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيّةَ حدثنا عَلِيّ بْنُ الْحَكَمِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: نَهَى النبيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ.
وفي البابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَأَبي سَعِيدٍ. حَدِيثُ ابْنِ عمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعضِ أَهْلِ العِلْمِ. وَقَدْ رَخّصَ بعضهم في قَبُولِ الكَرَامَةِ عَلَى ذلِكَ.
ـــــــ
باب ما جاء في كراهية عسب الفحل
بفتح العين المهملة وإسكان السين المهملة أيضا وفي آخره موحدة ويقال له العسيب أيضا والفحل الذكر من كل حيوان فرسا كان أو جملا أو تيسا وغير ذلك وقد روى النسائي من حديث أبي هريرة نهى عن عسيب التيس قال في القاموس العسب ضراب الفحل وماؤه أو نسله والولد وإعطاء الكراء على الضراب والفعل كضرب انتهى قوله: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل" قال في النهاية عسب الفحل ماؤه فرساً كان أو بعيراً أو غيرهما وعسبه أيضاً ضرابه يقال عسب الفحل الناقة يعسبها عسباً ولم ينه عن واحد منهما وإنما أراد النهي عن الكراء الذي يؤخذ عليه فإن إعارة الفحل مندوب إليها، وقد جاء في الحديث: ومن حقها إطراق فحلها. ووجه الحديث أنه نهى عن كراء عسب الفحل فحذف المضاف وهو كثير في الكلام. وقيل يقال الكراء الفحل عسب وعسب فحله يعسبه أي أكراه وعسبت الرجل إذا أعطيته كراء ضراب فحله فلا يحتاج إلى حذف مضاف وإنما نهى عنه للجهالة التي فيه ولا بد في الإجارة من تعيين العمل ومعرفة مقداره انتهى. قوله: "وفي الباب عن أبي هريرة وأنس وأبي سعيد" أما حديث أبي هريرة فأخرجه النسائي وتقدم لفظه. وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي في هذا الباب. ولأنس غير حديث الباب عند الشافعي(4/493)
1292 ـ حدثنا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ الله الْخُزَاعِيّ البَصْرِيّ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ آدَمَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ حُمَيْدٍ الرّؤَاسِيّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ محَمّدِ بْنِ إبْرَاهيمَ التّيمِيّ، عَنْ أَنَسٍ بنِ مَالِكٍ أَنّ رَجُلاً مِنْ كِلاَبٍ سَأَلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الفَحْل، فَنَهَاهُ. فقَالَ: يا رسُولَ الله إِنّا نُطْرِقُ الفَحْلَ فَنُكرَمُ. فَرَخّصَ لَهُ في الكرَامَةِ.
ـــــــ
وأما حديث أبي سعيد فأخرجه الدارقطني والبيهقي كذا في التلخيص وفي الباب عن علي عند الحاكم في علوم الحديث وابن حبان والبزار وعن البراء عند الطبراني وعن ابن عباس عنده أيضاً وعن جابر عند مسلم. قوله: "حديث ابن عمر حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والبخاري وغيرهما. قوله: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم" وهو قول الجمهور. والنهي عندهم للتحريم وهو الحق، قال الحافظ في الفتح: بيعه وكراءه حرام لأنه غير متقوم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه وفي وجه للشافعية والحنابلة: تجوز الإجارة مدة معلومة. وهو قول الحسن وابن سيرين، ورواية عن مالك قواها الأبهري وغيره. وحمل النهي على ما إذا وقع لأمد مجهول، وأما إذا استأجر مدة معلومة فلا بأس كما يجوز الاستيجار لتلقيح النخل. وتعقب بالفرق لأن المقصود هنا ماء الفحل وصاحبه عاجز عن تسليمه بخلاف التلقيح انتهى. وقال الشوكاني: وأحاديث الباب ترد عليهم أي على من جوز إجارة الفحل للضراب مدة معلومة لأنها صادقة على الإجارة. قال صاحب الأفعال أعسب الرجل عسبا اكترى منه فحلاً ينزيه انتهى. "وقد رخص قوم في قبول الكرامة على ذلك" أي قبول الهدية على ذلك وهو الحق كما يدل عليه حديث أنس الآتي. قال الحافظ: وأما عارية ذلك فلا خلاف في جوازه فإن أهدى للمعير هدية من المستعير بغير شرط جاز ثم ذكر الحافظ حديث أنس الآتى ثم قال: ولابن حبان في صحيحه من حديث أبي كبشة مرفوعاً: من أطرق فرساً فأعقب كان له كأجر سبعين فرساً انتهى. قوله: "إنا نطرق الفحل" بضم النون وكسر الراء أي نعيره للضراب. قال في النهاية: ومنه الحديث: ومن حقها إطراق فحلها. أي إعارته للضراب، واستطرق الفحل استعارته لذلك "فنكرم" بصيغة المتكلم المجهول أي يعطينا صاحب الأنثى شيئاً بطريق الهدية والكرامة لا على سبيل(4/494)
هذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهيمَ بنِ حُمَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بن عُروَةَ.
ـــــــ
المعارضة "فرخص له في الكرامة" أي في قبول الهدية دون الكراء، وفيه دليل على أن المعير إذا أهدى إليه المستعير هدية بغير شرط حلت له. وقد ورد الترغيب في إطراق الفحل أخرج ابن حبان في صحيحه من حديث أبي كبشة مرفوعاً: من أطرق فرساً فأعقب كان له كأجر سبعين فرساً. قوله: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن حميد الخ" قال في التنقيح: وإبراهيم ابن حميد وثقة النسائي وابن معين وأبو حاتم وروى له البخاري ومسلم. كذا في نصب الراية(4/495)
باب ماجاء في ثمن الكلب
...
46 ـ باب مَا جَاءَ في ثمنِ الكلْب
1293 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدّثنا الّليثُ عَن ابن شِهَابِ وحدثنا سَعِيدُ بنُ عَبْدِ الرّحمنِ المَخْزُومِي وَغَيرُ وَاحِد قَالُوا: حَدّثنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَينَةَ عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ أبي بَكرِ بنِ عَبْدِ الرّحمنِ، عَنْ أبي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيّ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ ثمَنِ الكَلْبِ ومَهرِ البَغِيّ وَحُلْوَانِ الكاهِنِ. هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
1294 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حدثنا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بن أبي كَثِيرٍ، عَنْ إبْرَاهيمَ بنِ عَبْدِ الله بنِ قارِظٍ، عَنِ السّائِبِ بنِ يَزِيدَ، عَنْ رَافِعِ بن خَدِيجٍ أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ "كَسْبُ الْحَجّامِ خَبِيثٌ. وَمَهْرُ البَغِيّ خَبيثٌ. وثمَنُ
ـــــــ
باب ما جاء في ثمن الكلب
قوله: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب" فيه دليل على عدم صحة بيع الكلب مطلقاً وهو قول الجمهور. "ومهر البغي" بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد التحتانية وهو فعيل بمعنى فاعله من بغت المرأة بغاء(4/495)
الكَلْبِ خَبيثٌ". وفي البابِ عَنْ عُمَرَ وابنِ مَسْعُودٍ وَجَابرٍ وأبي هُرَيْرَةَ
ـــــــ
بالكسر إذا زنت. ومنه قوله تعالى {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} ومهر البغي هو ما تأخذه الزانية على الزنا سماه مهراً مجازاً "وحلوان الكاهن" بضم الحاء المهملة وسكون اللام ما يعطاه على كهانته. قال الهروي: أصله من الحلاوة شبه المعطي بالشيء الحلو من حيث أنه يأخذه سهلاً بلا كلفة ومشقة. والكاهن هو الذي يتعاطى الإخبار عن الكائنات في المستقبل، ويدعي معرفة الأسرار. وكانت في العرب كهنة يدعون أنهم يعرفون كثيراً من الأمور الكائنة، ويزعمون أن لهم تابعة من الجن تلقي إليهم الأخبار. ومنهم من يدعى أنه يدرك الأمور بفهم أعطيه. ومنهم من زعم أنه يعرف الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بهما على مواقعها، كالشيء يسرق فيعرف المظنون به للسرقة، ومتهم المرأة بالزنية فيعرف من صاحبها ونحو ذلك. ومنهم من يسمى المنجم كاهناً حيث إنه يخبر عن الأمور كإتيان المطر، ومجيء الوباء، وظهور القتال، وطالع نحس أو سعيد، وأمثال ذلك. وحديث النهي عن إتيان الكاهن يشتمل على النهي عن هؤلاء كلهم وعلى النهي عن تصديقهم والرجوع إلى قولهم. كذا في المرقاة. قال الحافظ: وحلوان الكاهن حرام بالإجماع لما فيه من أخذ العوض على أمر باطل. وفي معناه التنجيم والضرب بالحصى وغير ذلك مما يتعاطاه العرافون من استطلاع الغيب انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم. قوله: "كسب الحجام خبيث الخ" أي مكروه لدناءته، قال القاضي: الخبيث في الأصل ما يكره لرداءته وخسته ويستعمل للحرام، من حيث كرهه الشارع واسترذله كما يستعمل الطيب للحلال قال تعالى {وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} أي الحرام بالحلال ولما كان مهر الزانية حراماً كان الخبث المسند إليه بمعنى الحرام، وكسب الحجام لما لم يكن حراماً لأنه صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره كان المراد من المسند إليه الثاني. وأما نهي بيع الكلب فمن صححه كالحنفية فسره بالدناءة، ومن لم يصححه كأصحابنا فسره بأنه حرام انتهى قوله: "وفي الباب عن عمر" أخرجه الطبراني ذكره الزيلعي في نصب الراية ص 194 "وابن مسعود" لم أقف على حديثه "وجابر" أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود "وأبي هريرة" أخرجه ابن حبان في(4/496)
وابِن عَبّاسٍ وابن عُمرَ وعَبْدِ الله بن جَعْفَر. حَدِيثُ رَافِعٍ حَدِيثٌ حَسنٌ صَحِيحٌ. والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلمِ. كرِهُوا ثَمنَ الكَلبِ. وهُو قولُ الشّافعيّ وأحمد وإسْحاقَ. وقَدْ رَخّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ في ثَمَنِ كلْبِ الصّيْدِ.
ـــــــ
صحيحه والدارقطني في سننه ذكره الزيلعي "وابن عباس" أخرجه أحمد وأبو داود "وابن عمر" أخرجه الحاكم "وعبد الله بن جعفر" لم أقف على حديثه. قوله: "حديث رافع حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم. قوله: "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم كرهوا ثمن الكلب الخ" قال الطيبي: في الحديث دليل على أنه لا يصح بيعه وأن لا قيمة على متلفه سواء كان معلماً أو لا وسواء كان يجوز اقتناؤه أم لا. وأجاز أبو حنيفة بيع الكلب الذي فيه منفعة. وأوجب القيمة على متلفه. وعن مالك روايات: الأولى ـ لا يجوز البيع وتجب القيمة. والثانية ـ كقول أبي حنيفة والثالثة ـ كقول الجمهور انتهى. وقال الشوكاني في النيل: وقال عطاء والنخعي يجوز بيع كلب الصيد دون غيره. ويدل عليه ما أخرجه النسائي من حديث جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد. قال في الفتح: ورجال إسناده ثقات إلا أنه طعن في صحته. وأخرج نحوه الترمذي من حديث أبي هريرة لكن من رواية أبي المهزم وهو ضعيف. فينبغي حمل المطلق على المقيد ويكون المحرم بيع ما عدا كلب الصيد إن صح هذا المقيد للاحتجاج به. واختلفوا أيضاً هل تجب القيمة على متلفه؟ فمن قال بتحريم بيعه قال بعدم الوجوب ومن قال بجوازه قال بالوجوب. ومن فصل في البيع فصل في لزوم القيمة انتهى .(4/497)
باب ماجاء في كسب الحجام
...
47 ـ باب مَا جَاءَ في كَسْبِ الْحَجّام
1295 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ مُحيّصَةَ أَخَي بَنِي حَارَثَةَ، عَنْ أبِيهِ، أنّهُ اْستَأْذَنَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم في إجارَة الْحَجّامِ فَنَهَاهُ عَنْهَا. فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَأْذِنُهُ حَتّى
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في كَسْبِ الْحَجّام
قوله: "عن ابن محيصة" بتشديد التحتانية المكسورة "في إجارة الحجام" وفي(4/497)
قَالَ "اعْلِفْهُ نَاضِحَكَ. وَأَطْعِمْهُ رَقِيقَكَ".
قال وفي البابِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَأبي جُحَيْفَةَ، وَجَابِرٍ، وَالسّائِبِ
حَدِيثُ مُحَيّصَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أحْمَدُ إنْ سَأَلَنِي حَجّامٌ نهَيْتُهُ، وَآخُذُ بِهذَا الْحدِيثِ.
ـــــــ
رواية الموطإ في أجرة الحجام "فلم يزل يسأله ويستأذنه" أي في أن يرخص له في أكلها فإن أكثر الصحابة كانت لهم أرقاء كثيرون، وأنهم كانوا يأكلون من خراجهم ويعدون ذلك من أطيب المكاسب. فلما سمع محيصة نهيه عن ذلك وشق ذلك عليه لاحتياجه إلى أكل أجرة الحجام. تكرر في أن يرخص له في ذلك "حتى قال" صلى الله عليه وسلم "اعلفه ناضحك" بهمزة وصل وكسر اللام أي أطعمه قال في القاموس: العلف كالضرب الشرب الكثير وإطعام الدابة كالإعلاف، والناضح هو الجمل الذي يسقى به الماء "وأطعمه رقيقك" أي عبدك لأن هذين ليس لهما شرف ينافيه دناءة هذا الكسب بخلاف الحر. وهذا ظاهر في حرمته على الحر والحديث صحيح. لكن الإجماع على تناول الحر له فيحمل النهي على التنزيه. كذا ذكره ابن الملك. قوله: "وفي الباب عن رافع بن خديج" أخرجه مسلم وغيره وقد تقدم "وأبي جحيفة" أخرجه البخاري "وجابر" أخرجه أحمد بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن كسب الحجام فقال أطعمه ناصحك "والسائب" أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده. ذكره الزيلعي في نصب الراية ص 194ج2. قوله: "حديث محيصة حديث حسن" وأخرجه أحمد وأبو داود وأخرجه أيضاً مالك. قوله: "وقال أحمد: إن سألني حجام الخ" قال الحافظ في الفتح: ذهب أحمد وجماعة إلى الفرق بين الحر والعبد فكرهوا للحر الاحتراف بالحجامة، ويحرم الإنفاق على نفسه منها ويجوز له الإنفاق على الرقيق والدواب منها، وأباحوها للعبد مطلقاً وعمدتهم حديث محيصة.(4/498)
باب ماجاء من الرخصة في كسب الحجام
...
48 ـ باب مَا جَاءَ في الرّخْصَةِ فِي كَسْبِ الْحَجّام
1296 ـ حدثنا عَليّ بْنُ حُجْرٍ. أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سُئِلَ أنَسٌ عَنْ كَسْبِ الْحَجّامِ؟ فَقَالَ أَنَسٌ: احْتَجَمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. وَحَجَمَه أبُو طَيْبَةَ. فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَكَلّمَ أهْلَهُ فَوَضَعُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ، وَقَالَ "إنّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِه الْحِجَامَةُ" أوْ "إنّ مِنْ أمْثَلِ دَوَائِكُمُ الْحِجَامَةَ". وفي البابِ عَنْ عَلِي وابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ عُمَرَ. حديثُ أنَسٍ حَدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رَخّصَ بَعْضُ أهل الْعِلمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ. في كَسبِ الْحَجّامِ. وَهُوَ قَوْلُ الشّافِعيّ.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في الرّخْصَةِ فِي كَسْبِ الْحَجّام
قوله: "عن حميد" بالتصغير هو حميد الطويل "وحجمه أبو طيبة" بفتح مهملة فسكون تحتية ثم باء موحدة عبد لبني بياضة، واسمه نافع أو دينار أو مسيرة أقوال "وأمر أهله" أي ساداته "فوضعوا عند من خراجه" بفتح الخاء المعجمة هو ما يقدره السيد على عبده في كل يوم ويقال له ضريبة وغلة "أو إن من أمثل دوائكم" أي من أفضل دوائكم وأو للشك. قوله: "وفي الباب عن علي لينظر من أخرجه وابن عباس" أخرجه البخاري ومسلم "وابن عمر" لينظر من أخرج حديثه. قوله: "حديث أنس حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم قوله: "وقد رخص بعض أهل العلم الخ" قال الحافظ في الفتح: اختلف العلماء في هذه المسألة فذهب الجمهور إلى أنه حلال. واحتجوا بهذا الحديث يعني بحديث ابن عباس قال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره ولو علم كراهية لم يعطه قال وقالوا هو كسب فيه دناءة وليس بمحرم فحملوا الزجر عنه على التنزيه. ومنهم من أدعى النسخ وأنه كان حراماً ثم أبيح وجنح إلى ذلك الطحاوي، والنسخ لا يثبت بالاحتمال. وذهب أحمد وجماعة إلى الفرق بين الحر والعبد. وقد ذكرنا مذهب أحمد فيما تقدم نقلاً عن الفتح. قال الحافظ: وجمع ابن العربي بين قوله صلى الله عليه وسلم: "كسب الحجام خبيث"، وبين إعطائه الحجام أجرته. بأن محل الجواز ما إذا كانت الأجرة على عمل معلوم. ويحمل الزجر على ما إذا كان على عمل مجهول. قال وفي الحديث الأجرة على المعالجة بالطب والشفاعة إلى أصحاب الحقوق أن يخففوا منها. وجواز مخارجة السيد لعبده كأن يقول له: أذنت لك أن تكتسب على أن تعطيني كل يوم كذا وما زاد فهو لك انتهى .(4/499)
باب ماجاء في كراهية ثمن الكلب والسنور
...
49 ـ باب مَا جَاءَ في كَرَاهيةِ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسّنّوْر
1297 ـ حدثنا عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ وَ عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالاَ: أنبأنا عِيسَى بنُ يُونُسَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أبي
سُفيَانَ، عَنْ جَابرٍ قالَ: نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسّنّوْرِ. هذا حديثٌ في إسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ. وَقَدْ رُوِيَ هذَا الْحَدِيثُ عَن الأَعْمَشِ، عَنْ بَعْضِ أصْحَابِه، عَنْ جَابِرٍ. وَاضْطَرَبُوا عَلى الأَعْمَش في رِوَايَةِ هذَا الْحَدِيثِ.
ـــــــ
باب ما جاء في كراهية ثمن الكلب والسنور
بكسر السين المهملة وفتح النون المشددة وسكون الواو وبعدها راء وهو الهر "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب والسنور" قال في شرح السنة: هذا محمول على ما لا ينفع أو على أنه نهي تنزيه لكي يعتاد الناس هبته وإعارته والسماحة به كما هو الغالب فإن كان نافعاً وباعه صح البيع وكان ثمنه حلالاً. هذا مذهب الجمهور وإلا ما حكى عن أبي هريرة وجماعة من التابعين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، واحتجوا بالحديث وأما ما ذكره الخطابي وابن عبد البر أن الحديث ضعيف فليس كما قالا بل هو صحيح. كذا في المرقاة. قلت: لا شك أن الحديث صحيح فإن مسلماً أخرجه في صحيحه كما ستعرف. وقال الشوكاني: وفيه دليل على تحريم بيع الهر وبه قال أبو هريرة ومجاهد وجابر بن زيد حكى ذلك عنهم ابن المنذر. وحكاه المنذري أيضاً عن طاوس وذهب الجمهور إلى جواز بيعه. وأجابوا عن هذا الحديث بأنه ضعيف. وفيه أن الحديث صحيح رواه مسلم. وقيل إنه يحمل النهي على كراهة التنزيه وإن بيعه ليس من مكارم الأخلاق ولا من المروءات. ولا يخفى أن هذا إخراج النهي عن معناه الحقيقي بلا مقتضى انتهى. قوله: "في إسناده اضطراب" قال المنذري: والحديث أخرجه البيهقي(4/500)
وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أهْلِ الْعِلْمِ ثَمَنَ الْهِرّ: وَرَخّصَ فِيهِ بَعْضُهُمْ. وَهُوَ قَوْلُ أحمَدَ وَإسْحَاقَ. وَرَوَى ابنُ فُضَيْل، عن الأَعْمَشِ، عَنْ أبي حَازِم عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، مِنْ غَيْرِ هذَا الوَجْهِ.
1298 ـ حدثنا يَحْيَى بنُ مُوسَى. حَدّثَنا عَبْدُ الرّزّاقِ. أخبرنا عُمَرُ بنُ زَيْدٍ الصّنْعَانِيّ عَنْ أبي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قالَ نَهَى النبيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أكْلِ الْهِرّ وَثَمَنِهِ. هذا حديثٌ غريبٌ وَعُمَرُ بنُ زَيْدٍ، لا نَعْرِفُ كَبيِرَ أَحَدٍ رَوَى عَنْهُ، غَيْرَ عَبْدِ الرّزّاقِ.
ـــــــ
في السنن الكبرى من طريقين عن عيسى بن يونس وعن حفص بن غياث كلاهما عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ثم قال: أخرجه أبو داود في السنن عن جماعة عن عيسى بن يونس. قال البيهقي: وهذا حديث صحيح على شرط مسلم دون البخاري. إذ هو لا يحتج برواية أبي سفيان. ولعل مسلماً إنما لم يخرجه في الصحيح لأن وكيع بن الجراح رواه عن الأعمش قال: قال جابر بن عبد الله فذكره ثم قال: قال الأعمش أرى أبا سفيان ذكره فالأعمش كان يشك في وصل الحديث فصارت رواية أبي سفيان بذلك ضعيفة انتهى. قوله: "هذا حديث غريب وعمر بن يزيد لا نعرف كبير أحد الخ" والحديث أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه. وقال النسائي هذا منكر. قال المنذري: وفي إسناده عمر ابن زيد الصنعاني. قال ابن حبان: ينفرد بالمناكير عن المشاهير حتى خرج عن حد الاحتجاج به. وقال الخطابي: وقد تكلم بعض العلماء في إسناد هذا الحديث. وزعم أنه غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو عمر بن عبد البر: حديث بيع السنور لا يثبت رفعه. هذا آخر كلامه. وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث معقل وهو ابن عبيد الله الجزري عن أبي الزبير قال: سألت جابراً عن ثمن الكلب والسنور. قال: زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.(4/501)
50 ـ باب
1299 ـ أخبرنا أبُو كُرَيْبٍ. أخبرنا وَكِيعٌ عَنْ حَمّادِ بنَ سَلَمَةَ عَنْ أبي الْمُهَزّمِ، عَنْ أبي هُريرَةَ قَالَ: نَهَى عَنْ ثمنِ الْكَلْبِ، إلاّ كَلْبَ الصّيْدِ.
هذا حديثٌ لاَ يَصِحّ مِنْ هذَا الْوَجْهِ. وأبُو الْمُهَزمِ اسْمُهُ يزِيدُ بنُ سُفيَانَ. وَتَكَلّمَ فيهِ شُعْبَةُ بنُ الْحَجّاج وضعّفه وقد رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَ هذَا. ولاَ يصِحّ إسْنَادُهُ أيَضاً.
ـــــــ
باب
قوله: "عن أبي المهزم" بتشديد الزاي المكسورة التميمي البصري اسمه يزيد، وقيل عبد الرحمن بن سفيان متروك من الثالثة قاله الحافظ. قوله: "نهى عن الكلب إلا كلب الصيد" استدل به عطاء والنخعي على أنه يجوز بيع كلب الصيد دون غيره، لكن الحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج. قوله: "وتكلم فيه شعبة بن الحجاج" قال في الميزان روى عنه شعبة ثم تركه. وقال النسائي: متروك. قال مسلم بن إبراهيم سمعت شعبة يقول كان أبو المهزم مطروحاً في مسجد ثابت لو أعطاه إنسان فلساً لحدثه سبعين حديثاً. وقال مسلم سمعت شعبة يقول رأيت أبا المهزم ولو يعطي درهماً لوضع حديث انتهى قوله: "وروي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا ولا يصح إسناده أيضاً" أخرجه النسائي قال الحافظ: بإسناد رجاله ثقات إلا أنه طعن في إسناده. وقد وقع في حديث ابن عمر عند أبي حاتم بلفظ: نهى عن ثمن الكلب وإن كان ضارياً يعني مما يصيد وسنده ضعيف قال أبو حاتم هو منكر انتهى .(4/502)
باب ماجاء في كراهية بيع المغنيات
...
51 ـ باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَة بَيْعِ الْمُغَنّيَات
1300 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. أخبرنا بكْرُ بنُ مُضَرَ عنْ عُبيْدِ الله بن زَحْرٍ عنْ عَليّ بنِ يَزِيدَ، عنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبي أُمَامَةَ، عَنْ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَة بَيْعِ الْمُغَنّيَات
قوله: "حدثنا بكر بن مضر" بضم الميم وفتح الضاد غير منصرف ثقة ثبت "عن عبيد الله بن زحر" بفتح الزاي وسكون المهملة صدوق يخطئ. "عن علي بن يزيد"(4/502)
رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "لاَ تَبيعُوا القَيْنَاتِ وَلاَ تَشْتَرُوهُنّ. ولاَ تُعَلّمُوهُنّ. ولاَ خَيْرَ في تِجَارَةٍ فِيهِنّ. وَثَمَنُهُنّ حَرَامٌ. في مِثْلِ هذَا أُنْزِلَتْ هذِهِ الاَيَةُ {ومِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلّ عن سَبِيلِ الله} إلى آخِرِ الاَيَةِ". وفي البابِ عنْ عُمرَ بنِ الْخَطّابِ. حدِيثُ أَبي أُمَامَةَ، إنمَا نَعْرِفُهُ مِثْلَ هذَا مِنْ هذَا الْوَجْهِ. وقَدْ تَكَلّمَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلمِ في عَلِيّ بنِ يَزِيدَ وَضَعّفَهُ. وهُوَ شَامِيّ.
ـــــــ
ابن أبي زياد الألهاني الدمشقي صاحب القاسم بن عبد الرحمن ضعيف من السادسة "عن القاسم" هو ابن عبد الرحمن الدمشقي أبو عبد الرحمن احب أبي أمامة صدوق يرسل كثيراً. قوله: "لا تبيعوا القينات" بفتح القاف وسكون التحتية في الصحاح. القين الأمة مغنية كانت أو غيرها. قال التوربشتي: وفي الحديث يراد بها المغنية لأنها إذا لم تكن مغنية فلا وجه للنهي عن بيعها وشرائها "ولا نعلموهن" أي الغناء فإنها رقية الزنا "وثمنهن حرام" قال القاضي: النهي مقصور على البيع والشراء لأجل التغني، وحرمه ثمنها دليل على فساد بيعها والجمهور صحح بيعها. والحديث مع ما فيه من الضعف للطعن في روايته مؤول بأن أخذ الثمن عليهن حرام كأخذ ثمن العنب من النباذ لأنه إعانة، وتوصل إلى حصول محرم لا لأن البيع غير صحيح انتهى. {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} أي يشتري الغناء والأصوات المحرمة التي تلهي عن ذكر الله. قال الطيبي رحمه الله: الإضافة فيه بمعنى من البيان، نحو جبة خز وباب ساج أي يشتري اللهو من الحديث. لأن اللهو يكون من الحديث، ومن غيره. والمراد من الحديث المنكر فيدخل فيه نحو السمر بالأساطير وبالأحاديث التي لا أصل لها، والتحدث بالخرافات والمضاحيك والغناء وتعلم الموسيقى وما أشبه ذلك. كذا في المرقاة. وأخرج ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أن عبد الله سئل عن قوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} قال: الغناء والذي لا إله غيره. وأخرجه الحاكم وصححه والبيهقي كذا في التلخيص. قوله: "وفي الباب عن عمر بن الخطاب" لينظر من أخرجه. قوله: "حديث أبي أمامة إنما نعرفه مثل هذا من هذا لوجه" وأخرجه أحمد وابن ماجه "وقد تكلم بعض أهل العلم في علي بن يزيد الخ" . قال البخاري:
منكر الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال أبو زرعة: ليس بقوى. وقال الدارقطني: متروك. كذا في الميزان .(4/503)
باب ماجاء في كراهية أن يفرق بين الاخوين أو بين الوالدة وولدها في البيع
...
52 ـ باب مَا جَاء في كَرَاهِيَةِ الفرق بَيْنَ الاخَوَيْنِ
أوْ بَيْنَ الوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا في البَيْع
1301 ـ حدثنا عُمَرَ بنُ حَفْصٍ الشّيْبَانِيّ. أخبرنا عبدُ الله بنُ وَهْبٍ قالَ: أخْبَرَنِي يحُيَىّ بنُ عبدِ الله، عنْ أبي عَبْدِ الرّحْمنِ الحبلّى، عَنْ أبي أيّوب قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "مَنْ فَرّقَ بَيْنَ الِوالدَةٍ وَوَلَدِهَا، فَرّقَ الله بَيْنَهُ وَبَيْنَ أحِبّتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ". هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
1302 ـ حدثنا الحَسْنُ بنُ قزعة. أخبرنا عبدُ الرّحمنِ بنُ مَهْدِي عنْ حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ، عنِ الحَجّاجِ، عن الحكم عنْ مَيْمُونِ بنِ أبي شَبِيبٍ عَنْ عَلِي قالَ: وَهَبَ لِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم غُلاَمَيْنِ أخَوَينِ. فَبِعْتُ
ـــــــ
باب مَا جَاء في كَرَاهِيَةِ الفرق بَيْنَ الاخَوَيْنِ إلخ
قوله: "من فرق" بتشديد الراء "بين والدة وولدها" أي ببيع أوهبة أو خديعة بقطيعة وأمثالها، وفي معنى الوالدة الوالد بل وكل ذي رحم محرم. قال الطيبي رحمه الله: أراد به التفريق بين الجارية وولدها بالبيع والهبة وغيرهما. وفي شرح السنة وكذلك حكم الجدة وحكم الأب والجد وأجاز بعضهم البيع مع الكراهة وإليه ذهب أصحاب أبي حنيفة كما يجوز التفريق بين البهائم. وقال الشافعي: إنما كره التفريق بين السبايا في البيع، وأما الولد فلا بأس. ورخص أكثرهم في التفريق بين الأخوين، ومنع بعضهم لحديث علي أي الاَتي واختلفوا في حد الكبر المبيح للتفريق قال الشافعي هو أن يبلغ سبع سنين أو غايته وقال الأوزاعي حتى يستغني عن أبيه وقال مالك حتى يصغر وقال أصحاب أبي حنيفة رحمه الله حتى يحتلم. وقال أحمد: لا يفرق بينهما وإن كبر واحتلم، وجوز أصحاب أبي حنيفة التفريق بين الأخوين الصغيرين فإن كان أحدهما صغيراً لا يجوز. كذا في المرقاة "فرق الله بينه وبين أحبته" أي من أولاده ووالديه وغيرهما "يوم القيامة" أي في موقف يجتمع فيه الأحباب ويشفع بعضهم بعضاً عند رب الأرباب فلا يرد عليه قوله تعالى {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ}. قوله: "هذا حديث حسن غريب"(4/504)
أحَدَهُمَا. فقَالَ لِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "يَا عَلِيّ مَا فَعَلَ غُلاَمُكَ"؟ فَأَخْبَرْتُهُ فقَالَ "رُدّهُ، رُدّهُ". هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، التّفْرِيقَ بَيْنَ السّبْيِ في الْبَيْعِ.
ـــــــ
وأخرجه الدارمي وأحمد والحاكم في المستدرك قوله: "يا علي ما فعل" بالفتح أي صنع "غلامك" أي الغائب "فأخبرته" أي أعلمت النبي صلى الله عليه وسلم ببيعه "رده" أي رد البيع "رده" كرره للتأكيد. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه ابن ماجه. قال الشوكاني: وهو من رواية ميمون بن أبي شبيب عن علي رضي الله عنه. وقد أعله أبو داود بالانقطاع بينهما وأخرجه الحاكم وصحح إسناده ورجحه لشواهده انتهى. قوله: "وقد كره بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم التفريق بين السبي في البيع" وكذا في غير البيبع كالهبة. قال الشوكاني: في أحاديث الباب دليل على تحريم التفريق بين الوالدة والولد وبين الأخوين، أما بين الوالدة وولدها فقد حكى في البحر عن الإمام يحيى إنه إجماع حتى يستغني الولد بنفسه. وقد اختلف في انعقاد البيع فذهب الشافعي إلى أنه لا ينعقد. وقال أبو حنيفة وهو قول للشافعي: أنه ينعقد وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يحرم التفريق بين الأب والابن وأجاب عن ذلك صاحب البحر بأنه مقيس على الأم. ولا يخفى أن حديث أبي موسى المذكور في الباب يشمل الأب فالتعويل عليه إن صح أولى من التعويل على القياس. وأما بقية القرابة فذهبت الهادوية والحنفية إلى أنه يحرم التفريق بينهم قياساً. وقال الإمام يحيى والشافعي: لا يحرم. والذي يدل عليه النص هو تحريم التفريق بين الإخوة. وأما بين من عداهم من الأرحام فإلحاقه بالقياس فيه نظر، لأنه لا تحصل منهم بالمفارقة مشقة كما تحصل بالمفارقة بين الوالد والولد وبين الأخ وأخيه فلا إلحاق لوجود الفارق فينبغي الوقوف على ما تناوله النص. وظاهر الأحاديث أنه يحرم التفريق سواء كان بالبيع أو بغيره مما فيه مشقة تساوي مشقة التفريق بالبيع إلا التفريق الذي لا اختيار فيه للمفرق كالقسمة. انتهى كلام الشوكاني. قلت: المراد بحديث أبي موسى الذي أشار إليه الشوكاني حديثه(4/505)
وَرَخّصَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ في التّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَولدَاتِ الّذِين وُلِدُوا في أرْضِ الاسْلاَمِ. والقَوْلُ الأوّلُ أَصَحّ. وَرُوِيَ عنْ إبْرَاهِيمَ النخعي أنّهُ فَرّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وولَدِهَا في الْبَيْعِ. فَقِيلَ لَهُ في ذَلِكَ؟ فقَالَ: إنّي قَدِ اسْتأَذَنْتُهَا في ذلكَ. فَرَضِيَتْ.
ـــــــ
الذي أخرجه ابن ماجه والدارقطني عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرق بين الوالد وولده وبين الأخ وأخيه. "والقول الأول أصح" يعني صحيح فإنه يدل عليه أحاديث الباب. وأما من رخص في التفريق مطلقاً فأحاديث الباب حجة عليه. اعلم أنه قد استدل على جواز التفريق بعد البلوغ بحديث سلمة بن الأكوع، فأخرج احمد ومسلم وأبو دواد عنه قال: خرجنا مع أبي بكر أمره علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فغزونا فزارة فلما دنونا من الماء أمرنا أبو بكر فعرسنا. الحديث. وفيه قال: فجئت بهم أسوقهم إلى أبي بكر وفيهم امرأة من فزارة عليها قشع من آدم ومعها ابنة لها من أحسن العرب وأجمله، فنفلني أبو بكر ابنتها فلم أكشف لها ثوباً حتى قدمت المدينة، ثم بت فلم أكشف لها ثوباً. وفيه: فقلت هي لك يا رسول الله قال فبعث بها إلى أهل مكة وفي أيديهم أسارى من المسلمين ففداهم بتلك المرأة. قال صاحب المنتقي بعد ذكر هذا الحديث ما لفظه: وهو حجة في جواز التفريق بعد البلوغ انتهى. قال الشوكاني قوله: فلم أكشف لها ثوباً كناية عن عدم الجماع. والظاهر أن البنت قد كانت بلغت قال: وقد حكى في الغيث الإجماع على جواز التفريق بعد البلوغ، فإن صح فهو المستند لا هذا الحديث لأن كون بلوغها هو الظاهر غير مسلم إلا أن يقال إنه حمل الحديث على ذلك للجمع بين الأدلة. وقد استدل على جواز التفريق بين البالغين بما أخرجه الدارقطني والحاكم من حديث عبادة بن الصامت بلفظ: لا تفرق بين الأم وولدها قيل إلى متى؟ قال: حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية. وهذا نص على المطلوب صريح لولا أن في إسناده عبد الله بن عمرو الواقفي وهو ضعيف، وقد رماه على بن المديني بالكذب ولم يروه عن سعيد بن عبد العزيز غيره. وقد استشهد له الدارقطني بحديث سلمة المذكور. ولا شك أن مجموع ما ذكر من الإجماع وحديث سلمة وهذا الحديث منتهض للاستدلال به على التفرقة بين
الكبير والصغير انتهى كلام الشوكاني فتفكر وتأمل. قوله: "وروي عن ابراهيم أنه فرق الخ" لم أقف على من أخرجه، وفي قول إبراهيم هذا كلام كما لا يخفى والله تعالى أعلم .(4/506)
باب ماجاء فيمن يشتري العبد ويستغله الخ
...
53 ـ باب مَا جَاء فيمَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ وَيَسْتَغلّهُ ثمّ يَجِدُ بِهِ عَيْبا
1303 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ المُثَنّى. حدّثنَا عثمانُ بنُ عُمَرَو أبوُ عَامِر العَقَديّ. عنِ ابنِ أبي ذِئْبٍ، عنْ مَخْلَدِ بنِ خُفَافٍ، عنْ عُرْوَةَ، عنْ عَائِشَةَ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَضَى أنّ الخَرَاجَ بالضّمَانِ.
ـــــــ
باب ما جاء فيمن يشتري العبد ويستغله الخ
قال في النهاية الغلة الداخل الذي يحصل من الزرع والثمر واللبن والإجارة والنتاج ونحو ذلك انتهى. وقال الحافظ في الفتح ما يقدره السيد على عبده في كل يوم يقال لها الخراج والضريبة والغلة انتهى. وقال في القاموس: الغلة الدخل من كراء دار، وأجر غلام، وفائدة أرض وأغلت الضيعة أعطتها واستغل عبده كلفه أن يغل عليه انتهى قوله: "وأبو عامر العقدي" بعين وقاف مفتوحتين ودال مهملة واسمه عبد الملك بن عمرو "عن مخلد" بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام "بن خفاف" بضم الخاء المعجمة وفائين بوزن غراب. قوله: "قضى أن الخراج بالضمان" قال الطيبي رحمه الله الباء في بالضمان متعلقة بمحذوف تقديره الخراج مستحق بالضمان. أي بسببه. وقيل الباء للمقابلة والمضاف محذوف أي منافع المبيع بعد القبض تبقى للمشتري في مقابلة الضمان اللازم عليه بتلف المبيع ونفقته ومؤنته. ومنه قوله: من عليه غرمه فعليه غنمه. والمراد بالخراج ما يحصل من علة العين المبتاعة عبداً كان أو أمة أو ملكاً. وذلك أن يشتريه فيستغله زماناً ثم بعثر منه على عيب قديم لم يطلعه البائع عليه أو لم يعرفه فله رد العين المعيبة وأخذ الثمن ويكون للمشتري ما استغله لأن المبيع لو تلف في يده لكان من ضمانه ولم يكن له على البائع شيء. وفي شرح السنة قال الشافعي رحمه الله فيما يحدث في يد المشتري من نتاج الدابة وولد الأمة ولبن الماشية وصوفها وثمر الشجرة أن الكل يبقى للمشتري وله رد الأصل بالعيب. وذهب أصحاب أبي حنيفة رحمه اللهإلى أن حدوث الولد والثمرة في يد المشتري يمنع رد الأصل بالعيب بل يرجع بالأرش. وقال(4/507)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحديثُ مِنْ غيْرِ هذَا الوَجْهِ. والعَمَلُ عَلى هذَا عِنْدَ أهلِ العِلْمِ.
1304 ـ حدثنا أبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بنُ خَلَفٍ. حدثنا عُمَرُ بنُ عَلي المقدّمىّ عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عنْ أبيهِ، عنْ عَائِشَةَ، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَضَى أنّ الخَرَاجَ بِالضّمانِ. قال هذا حديثٌ صحيحٌ، غَريبٌ مِنْ حدِيثِ هِشَامِ بن عُرْوَةَ.واستغرب محمد بن إسماعيل هذا الحديث ، من حديث عمر بن علي .
وقَدْ رَوَى مُسْلِمُ بنُ خَالِدٍ الزنْجِيّ هَذَ الْحَديِثَ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ. وَرَوَاهُ جَرِيرٌ ؛ وحدِيثُ جَرِيرٍ يُقَالُ تَدْلِيسٌ دَلّسَ فيهِ جَريرٌ. لَمْ يسْمَعْهُ مِنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ.
وتَفْسِيرُ الخَرَاجِ بِالضّمانِ، هُوَ الرّجُلُ يَشْتَرِي العَبدَ فيستغلّهُ ثُمّ
ـــــــ
مالك رحمه الله: يرد الولد مع الأصل ولا يرد الصوف ولو اشترى جارية فوطئت في يد المشتري بالشبهة أو وطأها ثم وجد بها عيباً فإن كان ثيباً ردها والمهر للمشتري ولا شيء عليه إن كان هو الواطئ وإن كانت بكراً فافتضت فلا رد له. لأن زوال البكارة نقص حدث في يده بل يسترد من الثمن بقدر ما نقص العيب من قيمتها. وهو قول مالك والشافعي. قوله: "هذا حديث حسن وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه" وأخرجه الترمذي بعد هذا بسند آخر وصححه. قال الحافظ في بلوغ المرام بعد ذكر هذا الحديث. رواه الخمسة وضعفه البخاري وأبو داود وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والحاكم وابن القطان انتهى. قوله: "واستغرب محمد بن إسماعيل هذا الحديث" أي جعله غريباً "وقد روى مسلم بن خالد الزنجي" ففيه صدوق كثير الأوهام كذا في التقريب "وحديث جرير يقال تدليس" أي مدلس "دلس فيه جرير" معنى التدليس أي يروي الراوي عمن لقيه أو عاصره ما لم يسمعه منه بصيغة تحتمل السماع كلفظة قال، وعن قوله: "هو الرجل الذي يشتري العبد فيستغله" أي يأخذ غلته(4/508)
يجد به عيباً فيرده على البائع فالغلة للمشتري .لأن العبد لو هلك هلك من مال المشتري . ونحو هذا من المسائل ، يكون فيه الخراج بالضمان.
ـــــــ
"فالغلة للمشتري" لا للبائع "لأن العبد لو هلك هلك من مال المشتري" أي لم يكن على البائع شيء أي الخراج مستحق بسبب الضمان .(4/509)
باب ماجاء في الرخصة في أكل الثمرة للمار بها
...
54 ـ بابُ ما جَاء في الرّخْصَةِ في أكْلِ الثّمَرةِ لِلْمَارّ بها
1305 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ عبْدِ المَلِكِ بنِ أبي الشّوَارِبِ. حدّثنَا يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ، عنْ عُبيدِ الله بنِ عُمَرَ، عنْ نَافِعٍ، عنِ ابنِ عُمرَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ "مَنْ دَخَلَ حَائِطاً فَلْيَأكُلْ ولاَ يَتّخِذْ خُبْنَةً".
قال وفي البابِ عنْ عبدِ الله بنِ عَمْرو وَعَبّادِ بنِ شُرَحْبِيلَ
ـــــــ
بابُ ما جَاء في الرّخْصَةِ في أكْلِ الثّمَرةِ لِلْمَارّ بها
قوله: "حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب" قال في التقريب صدوق من كبار للعاشرة "حدثنا يحيى بن سليم" هو الطائفي كما هو مصرح عند ابن ماجه. قال في التقريب: يحيى بن سليم الطائفي صدوق سيء الحفظ انتهى. وقال في مقدمة فتح الباري: وثقة ابن معين والعجلي وابن سعد. وقال أبو حاتم: محله الصدق ولم يكن بالحافظ. وقال النسائي: ليس به بأس وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمرو. وقال الساجي: أخطأ في أحاديث رواها عن عبيد الله بن عمرو. قال يعقوب بن سفيان: كان رجلاً صالحاً وكتابه لا بأس به، فإذا حدث من كتابه فحديثه حسن. وإذا حدث حفظاً فيعرف وينكر انتهى. قلت: حديث الباب رواه يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر. قوله: "من دخل حائطاً فليأكل" أي من ثماره "ولا يتخذ خبنة" بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة وبعدها نون وهي طرف الثوب أي لا يأخذ منه شيئاً في ثوبه. قوله: "وفي الباب عن عبد الله بن عمرو" أخرجه أبو داود في اللقطة والنسائي في الزكاة وابن ماجه والترمذي في هذا الباب. "وعباد بن شرحبيل" أخرجه أبو داود وابن ماجه(4/509)
ورَافِعِ بنِ عَمْرو وَعُمَيْرٍ مَوْلَى آبي اللّحْمِ وأَبي هُرَيْرَةَ. حديثُ ابنِ عُمَرَ حديثٌ غريبٌ. لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ هذا الوَجْهِ إلاّ مِنْ حديثِ يَحْيَى بن سُلَيم. وقَدْ رَخّصَ فِيهِ بعضُ أهْلِ العلم لابنِ السّبِيلِ في أكلِ الثّمَار. وكَرِهَهُ بعضُهُمْ إلاّ بالثّمَنِ.
1306 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدثنَا اللّيْثُ عنِ ابنِ عَجْلاَنَ، عنْ عَمْرو بن شُعَيْب، عنْ أبيهِ، عنْ جَدّهِ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الثّمَرِ الْمُعَلّقِ. فقَالَ مَنْ "أَصَابَ مِنْهُ مِنْ ذِي حَاجَةٍ
ـــــــ
"ورافع بن عمرو" الغفاري أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي "وعمير مولى آبي اللحم وأبي هريرة" لينظر من أخرج حديثهما. قوله: "حديث ابن عمر حديث غريب الخ" . قال البيهقي: لم يصح وجاء من أوجه أخر غير قوية انتهى. قال الحافظ في الفتح بعد ذكر كلام البيهقي هذا، والحق أن مجموعها لا يقصر عن درجة للصحيح وقد احتجوا في كثير من الأحكام بما هو دونها انتهى. قوله: "وقد رخص فيه بعض أهل العلم لابن السبيل في أكل الثمار وكرهه بعضهم إلا بالثمن" قال النووي في شرح المهذب: اختلف العلماء فيمن مر ببستان أو زرع أو ماشية. قال الجمهور لا يجوز أن يأخذ منه شيئاً إلا في حال الضرورة فيأخذ ويغرم عند الشافعي والجمهور. وقال بعض السلف لا يلزمه شيء وقال أحمد: إذا لم يكن على البستان حائط جاز له الأكل من الفاكهة الرطبة. في أصح الروايتين ولم لم يحتج لذلك. وفي الأخرى إذا احتاج ولا ضمان عليه في الحالين. وعلق الشافعي القول بذلك على صحة الحديث. قال البيهقي: يعني حديث ابن عمر مرفوعاً: إذا مر أحدكم بحائط فليأكل ولا يتخذ خبنة أخرجه الترمذي واستغربه كذا في فتح الباري. قلت: قد ضعف البيهقي هذا الحديث فقال: لم يصح وجاء من أوجه غير قوية. وقال الحافظ: والحق أن مجموعها لا يقصر عن درجة الصحيح وقد نقلنا آنفاً كلام البيهقي. وكلام الحافظ. ويأتي بقية الكلام في هذه المسألة في باب احتلاب المواشي بغير إذن الأرباب. قوله: "عن الثمر" بفتحتين "المعلق" أي المدلى من الشجر "من أصاب منه" أي من الثمر "من ذي حاجة" بيان لمن(4/510)
غَيْرَ مُتّخِذٍ خُبْنَةً، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ". هذا حديثٌ حسنٌ.
1307 ـ حدثنا أَبُو عَمّارٍ. حدّثنَا الْفَضْلُ بنُ مُوسَى عنْ صَالِحِ بنِ أبي حُبَيْرٍ عنْ أَبِيهِ، عنْ رَافِعِ بنِ عَمْروٍ، قالَ: كُنْتُ أَرْمِي نَخْلَ الأنْصَارِ. فأَخَذُونِي فذَهَبُوا بِي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم. فقَالَ "يَا رَافِعُ لِمَ تَرْمِي نَخْلهُمْ"؟ قالَ قلت: يا رسولَ الله الْجُوعُ. قالَ "لاَ تَرْمِ. وَكُلْ مَا وَقَعَ. أشْبَعكَ الله وَأرْوَاكَ". هذا حديثٌ حسنٌ غرِيبٌ.
ـــــــ
أي فقير أو مضطر "غير متخذ" بالنصب على أنه حال من فاعل أصاب "خبنة" قال في النهاية: الخبنة معطف الإزار وطرف الثوب أي لا يأخذ منه في ثوبه يقال أخبن الرجل إذا خبأ شيئاً في خبنة ثوبه أو سراويله انتهى "فلا شي عليه" قال ابن الملك: أي فلا إثم عليه لكن عليه ضمانه أو كان ذلك في أول الإسلام ثم نسخ. وأجاز ذلك أحمد من غير ضرورة كذا في المرقاة. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه النسائي وأبو داود وابن ماجه.
قوله: "كنت أرمي نخل الأنصار" وفي رواية أبي داود كنت غلاماً أرمي نخل الأنصار "وكل ما وقع" أي سقط. قوله: "هذا حديث حسن غريب صحيح" وأخرجه أبو داود وابن ماجه .(4/511)
باب ماجاء في النهي عن الثنيا
...
55 ـ باب مَا جَاءَ في النّهْيِ عنِ الثّنيَا
1308 ـ حدثنا زِيَادُ بنُ أَيّوبَ الْبَغْدَادِيّ. أخبرنا عَبّادُ بنُ الْعَوّامِ قال: أَخْبرَنِي سُفْيَانُ بنُ حُسَيْنٍ عنْ يُونُسَ بنِ عُبَيْدٍ، عنْ عَطَاءٍ، عنْ جَابِرٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ الْمُحَاقَلَةِ والْمُزَابَنَةِ والْمُخَابَرَةِ والثّنْيَا، إِلاّ أَنْ تُعْلَمَ. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، غرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجهِ
ـــــــ
باب ما جاء في النهي عن الثنيا
بضم المثلثة على وزن الدنيا اسم من الاستثناء، وهي في البيع أن يستثنى شيئاً مجهولاً قوله: "نهى عن المحاقلة والمزابنة" تقدم تفسيرهما "والمخابرة" بالخاء(4/511)
مِنْ حدِيث يُونُسَ بنِ عُبَيْدٍ عنْ عطَاءٍ، عنْ جَابرٍ.
ـــــــ
المعجمة وهي كراء الأرض بالثلث والربع. كما في رواية مسلم "والثنيا" أي إذا أفضت إلى الجهالة "إلا أن تعلم" بصيغة المجهول. والمعنى إذا كان الاستثناء معلوماً فهو ليس بمنهى عنه، وإنما المنهي عنه هو الاستثناء المجهول. قال ابن حجر المراد بالثنيا الاستثناء في البيع نحو أن يبيع الرجل شيئاً ويستثنى بعضه، فإن كان الذي استثناه معلوماً من الأرض صح بالإتفاق. وإن كان مجهولاً نحو أن يستثني شيئاً غير معلوم لم يصح البيع. والحكمة في النهي عن استثناء المجهول ما يتضمنه من الغرر مع الجهالة انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح الخ" وأخرجه مسلم بلفظ: نهى عن الثنياء. أخرجه أيضاً بزيادة "إلا أن تعلم" النسائي وابن حبان في صحيحه. وغلط ابن الجوزي فزعم أن هذا الحديث متفق عليه وليس الأمر كذلك. فإن البخاري لم يذكر في كتابه الثنيا(4/512)
باب ماجاء في كراهية بيع الطعام حتى يستوفيه
...
56 ـ باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الطّعَامِ حَتى يَسْتَوْفِيَه
1309 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدّثنَا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ عَمرو بنِ دِينَارٍ، عنْ طَاوُسٍ، عنِ ابنِ عَبّاسٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ "مَن ابْتاعَ طَعاماً فَلاَ يَبعْهُ حَتّى يَسْتَوْفَيهُ". قالَ ابنُ عَبّاسِ: وأَحْسَبُ كُلّ شَيءٍ مثْلَهُ
ـــــــ
باب ما جاء في كراهية بيع الطعام حتى يستوفيه
أي يقبضه. قوله: "من ابتاع" أي اشترى "حتى يستوفيه" أي يقبضه واقياً "قال ابن عباس: وأحسب كل شيء مثله" أي مثل الطعام استعمل ابن عباس القياس ولعله لم يبلغه النص المقتضي لكون سائر الأشياء كالطعام. كحديث زيد بن ثابت. أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم. أخرجه أبو داود والدارقطني. وكحديث حكيم بن حزام: قلت يا رسول الله إني اشتري بيوعاً فما يحل منها وما يحرم علي؟ قال: إذا اشتريت شيئاً فلا تبعه حتى تقبضه.. . رواه أحمد. قال محمد في الموطإ بقول ابن عباس نأخذ الأشياء كلها مثل الطعام، لا ينبغي أن يبيع المشتري شيئاً اشتراه حتى يقبضه. وكذلك قول أبي حنيفة رحمه الله إلا أنه رخص في الدور والعقار(4/512)
وفي البابِ عنْ جَابرٍ وابنِ عُمرَ وأبي هريرة. حدِيثُ ابنِ عَبّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعَملُ عَلَى هَذَا عنْدَ أَكثَرِ أهْلِ الْعِلْمِ. كَرهُوا بَيْعَ الطّعَامِ حَتّى يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي. وقدْ رَخّصَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ فِيمنِ ابْتَاعَ شَيْئاً مِمّا لا يُكَالُ ولاَ يُوزَنُ، مِمّا لاَ يُؤْكَلُ ولا يُشْرَبُ، أنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أنْ يَسْتَوْفِيَهُ. وإنّمَا التّشْدِيدُ عِنْدَ أهْلِ الْعِلْمِ، فِي الطّعامِ. وَهُوَ قَوْلُ أحْمَدَ وإسْحاقَ.
ـــــــ
والأرضين التي لا تحول أن تباع قبل أن تقبض. أما نحن فلا تجيز شيئاً من ذلك حتى يقبض انتهى كلام الإمام محمد. قلت: ما ذهب إليه الإمام محمد هو الظاهر لإطلاق حديث زيد بن ثابت وحديث حكيم بن حزام المذكورين. قوله: "وفي الباب عن جابر" أخرجه أحمد ومسلم "وابن عمر" قال: كانوا يتبايعون الطعام جزافاً بأعلى السوق، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه. أخرجه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجه. قوله حديث ابن عباس حسن صحيح أخرجه الجماعة. قوله: "وقد رخص بعض أهل العلم في من ابتاع شيئاً مما لا يكال ولا يوزن" أي في من اشترى شيئاً غير مكيل ولا موزون "مما لا يؤكل ولا يشرب" لما لا يكال ولا يوزن "أن يبيعه قبل أن يستوفيه" وهو قول أبي حنيفة رحمه الله في الدور والعقار والأرضين كما تقدم "وإنما التشديد عند أهل العلم في الطعام وهو قول أحمد وإسحاق" قال العيني في البناية: اختلفوا في هذه المسألة فقال مالك: يجوز جميع التصرفات في غير الطعام قبل القبض لورود التخصيص في الأحاديث بالطعام وقال أحمد: إن كان المبيع مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً لم يجز بيعه قبل القبض وفي غيره يجوز. وقال زفر ومحمد والشافعي: لا يجوز بيع شيء قبل القبض طعاماً كان أو غيره لإطلاق الأحاديث. وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلا جواز بيع غير المنقول قبل القبض لأن النهي معلول بضرر انفساخ العقد لخوف الهلاك، وهو في العقار وغيره نادر وفي المنقولات غير نادر. انتهى كلام العيني. قلت: قد عرفت فيما تقدم أن الظاهر قول زفر ومحمد والشافعي ومن تبعهم والله تعالى أعلم .(4/513)
باب ماجاء في النهي عن البيع على بيع أخيه
...
57 ـ باب مَا جَاءَ فِي النّهْيِ عَنْ البَيْعِ على بيع أَخِيه
1310 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدّثنا اللّيْثُ عنْ نافِعٍ، عنِ ابنِ عُمرَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ "لا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْض. وَلاَ يَخْطُبُ بعضكم عَلَى خِطْبَةِ بَعْض". وفي البابِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ وَسَمُرَةَ. حدِيثُ ابنِ عُمَرَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رُوِيَ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قالَ "لاَ يَسُومُ الرّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ" ومَعْنَى الْبَيْعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، عِنْدَ بَعضِ أهْلِ الْعِلْمِ، هُوَ السّوْمُ.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ فِي النّهْيِ عَنْ البَيْعِ على بيع أَخِيه
قوله: "لا يبيع بعضكم على بيع بعض" بأن يجيء بعضكم بعد استقرار الثمن. بين البائع والمشتري وركون أحدهما إلى الاَخر فيزيد على ما استقر، فإطلاق البيع مجاز أول يراد به السوم. "ولا يخطب بعضكم على خطبة بعض" أي بعد التوافق على الصداق وركون أحدهما إلى الاَخر. ولفظ البخاري: نهى أن يبيع الرجل على بيع أخيه، وأن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب. قوله: "وفي الباب عن أبي هريرة" أخرجه البخاري ومسلم "وسمرة" لينظر من أخرج حديثه. قوله: "حديث ابن عمر حديث حسن صحيح وأخرجه البخاري ومسلم. قوله وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يسوم الرجل على سوم أخيه" أخرجه مسلم عن أبي هريرة بلفظ: لا يسم الرجل على سوم أخيه المسلم. "ومعنى البيع في هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض أهل العلم هو السوم" صورة السوم أن يأخذ شيئاً ليشتريه فيقول: المالك رده لأبيعك خيراً منه بثمنه أو مثله بأرخص أو يقول للمالك استرده لأشتريه منك بأكثر. وإنما يمنع من ذلك بعد استقرار الثمن وركون أحدهما إلى الاَخر. فإن كان ذلك تصريحاً. فقال الحافظ في الفتح: لا خلاف في التحريم وإن كان ظاهراً ففيه وجهان للشافعية. وقال ابن حزم: إن لفظ الحديث لا يدل على اشتراط الركون. وتعقب بأنه لا بد من أمر مبين لوضع التحريم في
السوم لأن السوم في السلعة التي تباع فيمن يزيد لا يحرم اتفاقاً كما حكاه في الفتح عن ابن عبد البر. فتعين أن السوم المحرم ما وقع فيه قدر زائد على ذلك.
وأما صورة البيع على البيع والشراء على الشراء فهو أن يقول لمن اشترى سلعة في زمن الخيار افسخ لأبيعك بأنقص. أو يقول للبائع افسخ لأشتري منك بأزيد. قال في الفتح، وهذا مجمع عليه. وقد اشترط بعض الشافعية في التحريم أن لا يكون المشتري مغبوناً غبناً فاحشاً. وإلا جاز البيع على البيع، والسوم على السوم لحديث: الدين النصيحة. وأجيب عن ذلك بأن النصحة لا تنحصر في البيع على البيع والسوم على السوم. لأنه يمكن أن يعرفه أن قيمتها كذا فيجمع بذلك بين المصلحتين. كذا في الفتح .(4/514)
باب ماجاء في بيع الخمر والنهي عن ذلك
...
58 ـ باب ما جَاءَ فِي بَيْعِ الْخَمْرِ والنّهْيِ عَنْ ذلِك
1311 ـ حدثنا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ. حدثنَا المعتمر بنُ سُلَيْمانَ قالَ: سَمِعْتُ لَيْثاً يُحَدّثُ عَنْ يَحْيَى بنِ عَبّادٍ، عَنْ أنَسٍ، عَنْ أَبي طَلْحَةَ، أَنّهُ قالَ: يَا نَبيّ الله إِنّي اشْتَرَيْتُ خَمْراً لإيْتَامِ فِي حِجْرِي. قالَ "أَهْرِقِ الْخَمْرَ وَاكْسِرِ الدّنَانَ".
قال وفي البابِ عَنْ جابِرٍ وَعائِشَةَ وَأَبي سَعِيدٍ
ـــــــ
باب ما جَاءَ فِي بَيْعِ الْخَمْرِ والنّهْيِ عَنْ ذلِك
قوله: "لأيتام" صفة خمر أي اشتريتها للتخليل كذا في بعض الحواشي. ويحتمل أن يتعلق باشتريت أي اشتريتها لأجلهم ويكون هذا قبل التحريم، ثم سأل عن حكمها بعد التحريم هلى ألقيه أو أهريقه. فيكون في معنى الحديث السابق، يعني حديث أبي سعيد قال: كان عندنا خمر ليتيم فلما نزلت المائدة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وقلت إنه ليتيم فقال "أهريقوه". رواه الترمذي ويناسبه معنى رواية أبي داود أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمراً قال "أهرقها" قال: أفلا أجعلها خلاً؟ قال "لا". كذا في اللمعات. "في حجري" صفة لأيتام "واكسر الدنان" بكسر الدال جمع الدن وهو ظرفها، وإنما أمر بكسره لنجاسته بتشربها وعدم إمكان تطهيره أو مبالغة للزجر عنه وعما قاربها. كما كان التغليظ في أول الأمر ثم نسخ كذا في المرقاة. قوله: "وفي الباب عن جابر" أخرجه الجماعة "وعائشة" أخرجه الأصبهاني ذكره المنذري في الترغيب "وأبي سعيد"(4/515)
وابْنِ مَسْعُودٍ وابنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ. حدِيثُ أَبي طَلْحَةَ، رَوَى الثّوْرِيّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ السّدّيّ، عَنْ يَحْيَى بنِ عَبّاد، عَنْ أَنسٍ أَنّ أَبَا طَلْحَةَ كانَ عِنْدَهُ وهَذَا أَصَح مِنْ حَدِيث اللّيْثِ.
1312 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ. حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ. حدثنا سُفْيَانُ عَنِ السّدّيّ، عَنْ يَحْيَى بنِ عَبّادٍ، عَنْ أَنَسٍ بنِ مَالِكٍ قالَ: سُئِلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: أيُتّخَذُ الْخَمْرُ خَلا؟ قَالَ "لا". هذا حديثٌ حسنٌ صحيح.
1313 ـ حدثنا عَبْدُ الله بنُ مُنِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ قال أبو عيسى أبا عَاصِمٍ عَنْ شَبِيبٍ بنِ بَشْرٍ، عَنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ. لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
أخرجه أحمد بلفظ: قال قلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما حرمت الخمر إن عندنا خمر اليتيم لنا فأمرنا فأهرقناها. "وابن مسعود" لم أقف على حديثه "وابن عمر" أخرجه أبو داود وابن ماجه. "وأنس" أخرجه الترمذي وابن ماجه. قوله: "حديث أبي طلحة روى الثوري هذا الحديث عن السدي عن يحيى بن عباد عن أنس أن أبا طلحة كان عنده" فالحديث على رواية السدى من مسند أنس رضي الله عنه. وأما على رواية الليث فهو من مسند أبي طلحة رضي الله عنه. والسدى هذا هو الكبير واسمه اسماعيل بن عبد الرحمن الكوفي صدوق يهم، كان يقعد في سدة باب الجامع فسمي بالسدى بضم السين وتشديد الدال. قوله: "قالا لا" قال النووي في شرح مسلم: هذا دليل الشافعي والجمهور أنه لا يجوز تخليل الخمر ولا تطهر بالتخليل، هذا إذا خللها بخبز أو بصل أو غير ذلك مما يلقى فيها فهي باقية على نجاستها، وينجس ما ألقي فيها. هو مذهب الشافعي وأحمد والجمهور، وقال الأوزاعي والليث وأبو حنيفة: تطهر. وعن مالك ثلاث روايات أصحها: أن التخليل حرام فلو خللها عصى وطهرت. والثانية حرام ولا تطهر. والثالثة حلال وتطهر. وأجمعوا أنها إذا انتقلت بنفسها خلا طهرت وقد يحكى عن سحنون المالكي أنها لا تطهر فإن صح عنه فهو محجوج بإجماع من قبله انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود.(4/516)
في الْخَمرِ عَشرَةً: عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا والمحمُولَةَ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وبَائِعَهَا وآكِلَ ثَمنِها والمشتري لَهَا والمشْترَاةَ لَهُ.
هذا حديث غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أنَسٍ. وقدْ رُوِيَ نحْوُ هذا عَنْ ابن عَبّاس وَابنِ مَسْعُود وابنِ عُمَرَ عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم.ٌ
ـــــــ
قوله: "في الخمر" ظرفية مجازية أو تعليلية أي في شأنها أو لأجلها "عشرة" أي عشرة أشخاص "عاصرها" بالنصب بدلاً عن المفعول به وهو من يعصرها بنفسه لنفسه أو لغيره "ومعتصرها" من يطلب عصرها لنفسه أو غيره "والمحمولة إليه" أي من يطلب أن يحملها أحد إليه "وبائعها" أي عاقدها ولو كان وكيلاً أو دلالاً "والمشتري" أي للشرب أو للتجارة بالوكالة أو غيرها "لها" أي للخمر "والمشتراة له" بصيغة اسم المفعول أي الذي اشتريت الخمر له قوله: "هذا حديث غريب من حديث أنس" رضي الله عنه وأخرجه ابن ماجه "وقد روى نحو هذا عن ابن عباس" أخرجه أحمد بإسناد صحيح وابن حبان والحاكم كذا في الترغيب "وابن مسعود" لم أقف على حديثه "وابن عمر رضي الله عنه" أخرجه أبو داود وابن ماجه(4/517)
باب ماجاء في احتلاب المواشي بغير إذن الأرباب
...
59 ـ باب مَا جَاءَ فِي احْتِلاَبِ الْموَاشِي بِغَيْرِ إذْنِ الأرْبَاب
1314 ـ حدثنا أَبُو سَلَمةَ يَحْيى بنُ خَلَفٍ. حَدّثنَا عَبْدُ الأعْلَى عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسن، عْنْ سَمُرَةَ بنِ جُنْدَبِ، أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إذَا أتى أحَدُكُم عَلَى مَاشِيَةٍ، فإنْ كانَ فِيها صَاحِبُهَا فَلْيَسْتَأذِنْهُ. فإنْ أَذِنَ لَهُ فَلْيَحْتَلِبْ ولْيَشْرَبْ. وَإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أحَدٌ
ـــــــ
باب ما جاء في احتلاب المواشي بغير إذن الأرباب
أي بغير إذن أرباب المواشي. وهي جمع الماشية، قال في القاموس: الماشية الإبل والغنم انتهى. وقال في النهاية: الماشية جمعها المواشي وهي اسم يقع على الإبل والبقر والغنم وأكثر ما يستعمل في الغنم انتهى
قوله: "إذا أتى أحدكم على ماشية" قال الطيبي رحمه الله: أتى متعد بنفسه وعداه بعلي لتضمنه معنى نزل، وجعل الماشية بمنزلة المضيف. وفيه معنى حسن التعليل وهذا إذا كان الضيف(4/517)
َفلْيُصَوّتْ ثَلاَثاً. فَإنْ أجَابَهُ أحَدٌ فَلْيَسْتَأَذِنْهُ. فإِنْ لَمْ يُجبْهُ أَحَدٌ فَلْيَحْتَلِبْ ولْيَشْرَبْ ولاَ يَحْمِلْ".
قال وفي البابِ عَنْ عُمَرَ وأبِي سَعِيد.
حديث سَمُرَةَ حديث حسنٌ غريب والْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ الْعِلْمِ. وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإسْحاقُ.
ـــــــ
النازل مضطراً انتهى. "فليستأذنه" بسكون اللام ويجوز كسرها "فليصوت" بتشديد الواو أي فليصح وليناد "ولا يحمل" أي منه شيئاً. قوله: "وفي الباب عن ابن عمر" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحلبن أحد ماشية امرئ بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتي مشربته، فتكسر خزانته، فينتقل طعامه؟ فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم، فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه". أخرجه البخاري ومسلم "وأبي سعيد" أخرجه ابن ماجه مرفوعاً بلفظ: إذا أتيت على راع فناده ثلاثاً فإن أجابك وإلا فاشرب من غير أن تفسد. الحديث. وذكر الحافظ هذا الحديث في الفتح وقال: أخرجه ابن ماجه والطحاوي وصححه ابن حبان والحاكم. قوله: "حديث سمرة حديث حسن غريب صحيح" وأخرجه أبو داود. قال الحافظ في الفتح: إسناده صحيح إلى الحسن فمن صحح سماعه من سمرة صححه ومن لا أعله بالانقطاع، لكن له شواهد من أقواها حديث أبي سعيد فذكره وقد تقدم آنفاً. قوله: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحاق" قال القاري قال في شرح السنة: العمل على هذا يعني على حديث ابن عمر المذكور عند أكثر أهل العلم أنه لا يجوز أن يحلب ماشية الغير بغير إذن إلا إذا اضطر في مخمصة، ويضمن وقيل لا ضمان عليه لأن الشرع أباحه له. وذهب أحمد وإسحاق وغيرهما إلى إباحته لغير المضطر أيضاً إذا لم يكن المالك حاضراً. فإن أبا بكر رضي الله عنه حلب لرسول الله صلى الله عليه وسلم لبنا من غنم رجل من قريش يرعاها عبد له وصاحبها غائب في هجرته إلى المدينة. ولما روى الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى أحدكم على ماشية". الحديث. وقد رخص بعضهم لابن السبيل في أكل ثمار الغير. ولما روي عن ابن عمر رضي الله عنه بإسناد غريب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من دخل حائطاً ليأكل غير متخذ خبنة فلا شيء عليه". وعند أكثرهم(4/518)
ـــــــ
لا يباح إلا بإذن المالك إلا بضرورة مجاعة كما سبق. قال التوربشتي: وحمل بعضهم هذه الأحاديث على المجاعة والضرورة لأنها لا تقاوم النصوص التي وردت في تحريم مال المسلم انتهى. وقال الحافظ في الفتح تحت حديث ابن عمر المذكور قال ابن عبد البر في الحديث النهي عن أن يأخذ المسلم للمسلم شيئاً إلا بإذنه وإنما خص اللبن بالذكر لتساهل الناس فيه، فنبه على ما هو أولى منه. وبهذا أخذ الجمهور لكن سواء كان بإذن خاص أو إذن عام. واستثنى كثير من السلف ما إذا علم بطيب نفس صاحبه وإن لم يقع منه إذن خاص ولا عام. وذهب كثير منهم إلى الجواز مطلقاً في الأكل والشرب سواء علم بطيب نفسه أو لم يعلم والحجة لهم ما أخرجه أبو داود والترمذي وصححه من رواية الحسن عن سمرة مرفوعاً: إذا أتى أحدكم على ماشية الحديث. وأجيب عنه بأن حديث النهي أصح وأولى أن يعمل به وبأنه معارض للقواعد القطعية في تحريم مال المسلم بغير إذنه فلا يلتفت إليه. ومنهم من جمع بين الحديثين بوجوه من الجمع. منها ـ حمل الإذن على ما إذا علم طيب نفس صاحبه والنهي على ما إذا لم يعلم ومنها ـ تخصيص الإذن بابن السبيل دون غيره أو بالمضطر أو بحال المجاعة مطلقاً وهي متقاربة. ومنهم من حمل حديث النهي على ما إذا كان المالك أحوج من المار. لحديث أبي هريرة: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر إذ رأينا إبلاً مصرورة فثبنا إليها فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذه الإبل لأهل بيت من المسلمين هو قوتهم. أيسركم لو رجعتم إلى مزاودكم فوجدتم ما فيها قد ذهب"؟ قلنا لا. قال: "فإن ذلك كذلك". أخرجه أحمد وابن ماجه واللفظ له. وفي حديث أحمد فابتدرها القوم ليحلبوها قالوا فيحمل حديث الإذن على ما إذا لم يكن المالك محتاجاً وحديث النهي على ما إذا كان مستغنياً. ومنهم من حمل الإذن على ما إذا كانت غير مصرورة، والنهي على ما إذا كانت مصرورة لهذا الحديث. لكن وقع عند أحمد في آخره: فإن كنتم لا بد فاعلين فاشربوا ولا تحملوا. فدل على عموم الإذن في المصرور وغيره لكن بقيد عدم الحمل ولا بد منه. واختار ابن العربي الحمل على العادة قال وكانت عادة أهل الحجاز والشام وغيرهم المسامحة في ذلك بخلاف بلدنا. وأشار أبو داود في السنن إلى قصر ذلك على المسافر في الغزو. وآخرون على قصر الإذن على ما كان لأهل الذمة والنهي(4/519)
وَقَالَ عَليّ بنُ الْمدِينيّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحيحٌ. وَقَدْ تَكلّم بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ في رِوَايَةِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، وَقَالُوا: إِنمَا يُحَدّثُ عَنْ صَحِيفَةِ سَمُرَةَ.
ـــــــ
على ما كان للمسلمين وقال الطحاوي: وكان ذلك حين كانت الضيافة واجبة ثم نسخت فنسخ ذلك الحكم وأورد الأحاديث في ذلك وقال النووي في شرح المهذب. اختلف العلماء في من مر ببستان أو زرع أو ماشية. قال الجمهور: لا يجوز أن يأخذ منه شيئاً إلا في حال الضرورة فيأخذ ويغرم عند الشافعي والجمهور. وقال بعض السلف: لا يلزمه شيء. وقال أحمد: إذا لم يكن على البستان حائط جاز له الأكل من الفاكهة الرطبة في أصح الروايتين.
ولو لم يحتج لذلك وفي الأخرى إذا احتاج ولا ضمان عليه في الحالين. وعلق الشافعي القول بذلك على صحة الحديث، قال البهيقي: يعني حديث ابن عمر مرفوعاً: إذا مر أحدكم بحائط فليأكل ولا يتخذ خبنة. أخرجه الترمذي واستغربه. قال البهيقي: لم يصح وجاء من أوجه أخر غير قوية قال: الحافظ: والحق أن مجموعها لا يقصر عن درجة الصحيح. وقد احتجوا في كثير من الأحكام بما هو دونها. انتهى كلام الحافظ مختصراً. قوله: "وقال علي بن المديني: سماع الحسن من سمرة صحيح، وقد تكلم بعض أهل الحديث في رواية الحسن عن سمرة وقالوا إنما يحدث عن صحيفة سمرة" وقال الترمذي في باب كراهية بيع الحيوان بالحيوان نسيئة: سماع الحسن من سمرة صحيح هكذا قال علي بن المديني وغيره انتهى. قال الحافظ في تهذيب التهذيب: وأما رواية الحسن عن سمرة بن جندب ففي صحيح البخاري سماعاً منه لحديث العقيقة. وقد روى عنه نسخة كبيرة غالبها في السنن الأربعة وعند علي بن المديني أن كلها سماع. وكذا حكى الترمذي عن البخاري وقال يحيى القطان وآخرون: هي كتاب. وذلك لا يقتضي الانقطاع. وفي مسند احمد حدثنا هشيم عن حميد الطويل وقال جاء رجل إلى الحسن فقال إن عبداً له أبق وإنه نذر إن يقدر عليه أن يقطع يده. فقال الحسن حدثنا سمرة قال قلما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة إلا أمر فيها بالصدقة ونهى عن المثلة. وهذا يقتضي سماعه منه لغير حديث العقيقة. وقال أبو داود عقب حديث سليمان بن سمرة عن أبيه في الصلاة:
دلت هذه الصحيفة على أن الحسن سمع من سمرة. قال الحافظ: ولم يظهر لي وجه الدلالة بعد انتهى .(4/520)
باب ماجاء في بيع جلود الميتة والأصنام
...
60 ـ باب مَا جَاءَ في بَيْع جُلودِ الْميتَةِ والأصْنَام
1315 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدثنَا اللّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله، أنّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، عَامَ الْفَتْحِ وهُوَ بِمَكّةَ، يَقُولُ "إنّ الله وَرَسُولَهُ حَرّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْميْتَةِ والخِنْزِيرِ والأَصْنَامِ" فَقِيلَ: يا رَسُولَ الله أرَأيْتَ شُحُومَ الْميْتَةِ؟ فإنّهُ يُطْلَى بِهَا السّفُنُ ويُدهَنُ بِها الْجُلودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النّاسُ؟ قالَ لا "هُوَ حَرامٌ".
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في بَيْع جُلودِ الْميتَةِ والأصْنَام
قوله: "عام الفتح وهو مكة" فيه بيان تاريخ ذلك وكان ذلك في رمضان سنة ثمان من الهجرة، ويحتمل أن يكون التحريم وقع قبل ذلك ثم أعاده صلى الله عليه وسلم ليسمعه من لم يكن سمعه "إن الله ورسوله حرم" هكذا وقع في هذا الكتاب وفي الصحيحين وغيرهما بإسناد الفعل إلى الضمير الواحد. وكان الأصل حرماً. قال الحافظ في الفتح: والتحقيق جواز الإفراد في مثل هذا ووجه الإشارة إلى أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ناشئ عن أمر الله، وهو نحو قوله: والله ورسوله أحق أن يرضوه. والمختار في هذا الجملة الأولى حذفت لدلالة الثانية عليها، والتقدير عند سيبويه: والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه انتهى. "بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام" أي وإن كانت من ذهب أو فضة "أرأيت" أي أخبرني "شحوم الميتة فإنه يطلى به" الضمير يرجع إلى شحم الميتة على تأويل المذكور قاله الطيبي قال القاري: والأظهر أنه راجع إلى الشحم المفهوم من الشحوم "السفن" بضمتين جمع السفينة "ويدهن" بتشديد الدال "ويستصبح" بكسر الموحدة أي ينور "بها الناس" أي المصباح أو بيوتهم يعني فهل يحل بيعها لما ذكر من المنافع فإنها مقتضية لصحة البيع "قال لا هو حرام" قال الحافظ أي البيع هكذا فسره بعض العلماء كالشافعي ومن اتبعه ومنهم من حمل قوله وهو حرام على الانتفاع فقال: يحرم الانتفاع بها وهو قول أكثر العلماء(4/521)
ثمّ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذلِكَ "قَاتَلَ الله اليَهُودَ. إنّ الله حَرّمَ عَلَيْهِمُ الشّحُومَ فَأجْمَلُوهُ ثمّ باعُوهُ فَأَكَلُوا ثمَنَهُ".
وفي البابِ عَنْ عُمَرَ وابْنِ عَبّاسٍ. حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أهْلِ الْعِلْمِ.
ـــــــ
فلا ينتفع من الميتة أصلا عندهم إلا ما خص بالدليل وهو الجلد المدبوغ. واختلفوا فيما يتنجس من الأشياء الطاهرة فالجمهور على الجواز. وقال أحمد وابن الماجشون: لا ينتفع بشيء من ذلك. واستدل الخطابي على جواز الانتفاع بإجماعهم على أن من ماتت له دابة ساغ له إطعامها لكلاب الصيد فكذلك يسوغ دهن السفينة بشحم الميتة ولا فرق. انتهى كلام الحافظ "قاتل الله اليهود" أي أهلكهم ولعنهم إخبار أو دعاء "إن الله حرم عليهم الشحوم" أي شحوم الغنم والبقر قال الله تعالى {حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} فأجملوه أي أذابوه. قال في النهاية: جملت الشحم وأجملته أذبته. وقال في القاموس: جمل الشحم أذابه كأجمله واجتمله. واحتالوا بذلك في تحليله وذلك لأن الشحم المذاب لا يطلق عليه لفظ الشحم في عرف العرب بل يقولون إنه الودك "ثم باعوه فأكلوا ثمنه" الضمير المنصوب في هذه الجمل الثلاث راجع إلى الشحوم على تأويل المذكور أو إلى الشحم المفهوم من الشحوم كما تقدم. قال في شرح السنة: فيه دليل على بطلان كل حيلة تحتال للتوصيل إلى محرم وأنه لا يتغير حكمه بتغير هيأته وتبديل اسمه انتهى. قوله "وفي الباب عن عمر" مرفوعاً: قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها. أخرجه الشيخان "وابن عباس" أخرجه أحمد وأبو داود: قوله "حديث جابر حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان .(4/522)
باب ماجاء في كراهية الرجوع من الهبة
...
61 ـ باب ما جَاء في الرّجُوعِ في الْهِبَة
1316 ـ حدثنا أحمدُ بْنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ. حدثنا عَبْدُ الوهّابِ الثّقَفِيّ حدثنا أيّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، أنّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ "لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السّوءِ. الْعَائِدُ في
ـــــــ
باب ما جَاء في الرّجُوعِ في الْهِبَة
قوله "ليس لنا مثل السوء" أي لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أن نتصف(4/522)
هِبَتِهِ كالْكلْبِ يَعُودُ في قَيْئِهِ". وفي البابِ عنِ ابنِ عُمرَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ: "لاَ يَحِلّ لأِحَدٍ أنْ يُعْطِيَ عَطِيّةً فَيَرْجِعَ فِيهَا. إلاّ الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ".
1317 ـ حدثنا بِذلِكَ مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ. حدّثنَا ابنُ عَدِيّ عنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلّمِ، عنْ عَمْروِ بنِ شُعَيْبٍ أَنّهُ سَمِعَ طَاوُساً يُحَدّثُ عنِ ابنِ عُمرَ وابنِ عَبّاسٍ، يَرْفَعَانِ الْحَدِيثَ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، بِهذَا الْحدِيثِ. حدِيثُ ابنِ عَبّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله
ـــــــ
بصفة ذميمة يشابهنا فيها أخس الحيوانات في أخس أحوالها قال الله سبحانه وتعالى {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} ولعل هذا أبلغ في الزجر عن ذلك وأدل على التحريم مما لو قال لا تعودوا في الهبة. وإلى القول بتحريم الرجوع في الهبة بعد أن تقبض، ذهب جمهور العلماء إلا هبة الوالد لولده جميعاً بين هذا الحديث وحديث النعمان بن بشير "العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه" . وفي رواية للبخاري: العائد في هبته كالعائد في قيئه. قال الطحاوي: قوله: قوله كالعائد في قيئة وإن اقتضى التحريم لسكون القيء حراماً. لكن الزيادة في الرواية الأخرى وهي قوله كالكلب تدل على عدم التحريم لأن الكلب غير متعبد فالقيء ليس حراماً عليه. والمراد التنزيه عن فعل يشبه فعل الكلب. وتعقب باستبعاد ما تأوله ومنافرة سياق الأحاديث له، وبأن عرف الشرع في مثل هذه الأشياء يريد به المبالغة في الزجر كقوله من: لعب بالنرد شير فكأنما غمس يده في لحم خنزير. قال الحافظ في الفتح: قوله "لا يحل لأحد أن يعطى عطية فيرجع" بالنصب عطف على يعطى "فيها" أي في عطيته "إلا الوالد" بالنصب على الاستثناء. واحتج به من قال بتحريم الرجوع في الهبة إلا هبة الوالد لولده وهم جمهور العلماء. قوله "حديث ابن عباس حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وأخرجه(4/523)
عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ. قَالُوا: مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجع فَيها ومن وهب هبة لغير ذي رحِمٍ محْرم فله أن يرجع فيها، مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا وهُوَ قَوْلُ الثّوْرِيّ. وقالَ الشّافِعِيّ: لا يَحِلّ لأِحَدٍ أنْ يُعْطِيَ عَطِيّةً فيَرْجِعَ فِيهَا إلاّ الْوَالِدَ فِيما يُعْطِي وَلَدَهُ. واحْتَجّ الشّافِعِيّ بحَدِيثِ عَبْدِ الله بنِ عُمرَ عنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ "لاَ يَحِلّ لأِحَدٍ أنْ يُعْطِيَ عَطِيّةً فيَرْجِعَ فِيهَا، إلاّ الْوَالِدَ فِيما يُعْطِي وَلَدَهُ".
ـــــــ
أيضاً ابن حبان والحاكم وصححاه. قوله "قالوا من وهب هبة لذي رحم محرم فليس له أن يرجع في هبته، ومن وهب هبة لغير ذي رحم محرم فله أن يرجع فيها ما لم يثب" بصيغة المجهول أي ما لم يعوض "منها" أي من هبته "وهو قول الثوري" وهو قول أصحاب أبي حنيفة رحمه الله. قال القاضي رحمه الله: حديث ابن عمر وابن عباس نص صريح على أن جواز الرجوع مقصور على ما وهب الوالد من ولده. وإليه ذهب الشافعي وعكس الثوري وأصحاب أبي حنيفة وقالوا: لا رجوع للواهب فيما وهب لولده أو لأحد من محارمه، ولأحد الزوجين فيما وهب للاَخر. وله الرجوع فيما وهب للأجانب. وجوز مالك الرجوع مطلقاً إلا في هبة أحد الزوجين من الاَخر. وأول بعض الحنفية هذا الحديث بأن قوله لا يحل معناه التحذير عن الرجوع لا نفي الجواز عنه، كما في قولك لا يحل للواجد رد السائل. وقوله إلا الوالد لولده. معناه أن له أن يأخذ ما وهب لولده ويتصرف في نفقته وسائر ما يجب له عليه وقت حاجته كسائر أمواله استيفاء لحقه من ماله لا استرجاعاً لما وهب ونقضاً للهبة وهو مع بعده عدول عن الظاهر بلا دليل انتهى كلام القاضي قال القاري في المرقاة متعقباً عليه: المجتهد أسير الدليل وما لم يكن له دليل لم يحتج إلى التأويل انتهى. قلت قد أخرج مالك عن عمر أنه قال: من وهب هبة يرجو ثوابها وهي رد على صاحبها ما لم يثب منها. ورواه البيهقي عن ابن عمر مرفوعاً وصححه الحاكم. قال الحافظ: والمحفوظ من رواية ابن عمر عن عمر ورواه عبد الله بن موسى مرفوعاً، قيل وهو وهم. قال الحافظ: صححه الحاكم وابن حزم ورواه ابن حزم أيضاً عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها. وأخرجه أيضاً ابن ماجه والدارقطني ورواه الحاكم من حديث الحسن عن سمرة مرفوعاً بلفظ، إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع. ورواه الدارقطني من حديث ابن عباس قال الحافظ. وسنده ضعيف. قال ابن الجوزي: أحاديث ابن عمر وأبي هريرة وسمرة ضعيفة. وليس منها ما يصح. وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس مرفوعاً: من وهب هبة فهو أحق بها حتى يثاب عليها، فإن رجع في هبته فهو كالذي يقيء ويأكل منه. قال الشوكاني بعد ذكر هذه الروايات: فإن صحت هذه الأحاديث كانت مخصصة لعموم حديث الباب فيجوز الرجوع في الهبة قبل الإثابة عليها ومفهوم حديث سمرة يدل على جواز الرجوع في الهبة لغير ذي الرحم انتهى. "وقال الشافعي لا يحل الخ" وبه قال جمهور العلماء كما عرفت(4/524)
باب ماجاء في العرايا والرخصة في ذلك
...
62 ـ باب مَا جَاءَ في الْعَرَايَا والرّخْصَةِ في ذلِك
1318 ـ حدثنا هَنّادٌ. حدّثنَا عَبْدَةُ عنْ مُحَمّدِ بنِ إسْحَاقَ. عنْ نَافِعٍ، عنِ ابنِ عُمرَ، عنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
باب ما جاء في العرايا والرخصة في ذلك
العرايا جمع العرية وهي عطية ثمر النخل دون الرقبة، كان العرب في الجدب يتطوع أهل النخل بذلك على من لا ثمر له كما يتطوع صاحب الشاة أو الإبل بالمنيحة وهي عطية اللبن دون الرقبة. والعرية فعيلة بمعنى فعولة، أو فاعلة، يقال عرى النخل بفتح العين والراء بالتعدية يعروها إذا أفردها عن غيرها بأن أعطاها لاَخر على سبيل المنحة ليأكل ثمرها وتبقى رقبتها لمعطيها، ويقال عريت النخل بفتح العين وكسر الراء تعري على أنه قاصر فكأنها عريت عن حكم أخواتها واستثبتت بالعطية واختلف في المراد بها شرعاً. فقال مالك: والعرية أن يعري الرجل النخلة أي يهبها له أو يهب له ثمرها ثم يتأذى بدخوله عليه فرخص له أن يشتريها أي يشتري رطبها منه بتمر كذا نقل البخاري في صحيحه عنه. وقال الشافعي في الأم: العرايا أن يشتري الرجل ثمن النخلة فأكثر بخرصه من التمر بأن يخرص الرطب ثم يقدر كم ينقص إذا يبس ثم يشتري بخرصة تمر فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد البيع انتهى. قال الحافظ في الفتح: محصله أن لا يكون جزافاً ولا نسيئة انتهى. وقال ابن إسحاق في حديث عن نافع عن ابن عمر: كانت العرايا أن يعري الرجل في ما له النخلة والنخلتين كذا في صحيح البخاري(4/525)
ـــــــ
قال الحافظ: أما حديث ابن إسحاق عن نافع فوصله الترمذي دون تفسير ابن إسحاق وأما تفسيره فوصله أبو داود عنه بلفظ: النخلات. وزاد فيه: فيشق عليه فيبيعها بمثل خرصها. وهذا قريب من الصورة التي قصر مالك العرية عليها انتهى. وقال يزيد بن هارون عن سفيان بن حسين: العرايا نخل كانت توهب للمساكين فلا يستطيعون أن ينتظروا بها رخص لهم أن يبيعوها بما شاءوا من التمر. كذا في صحيح البخاري. قال الحافظ هذا وصله الإمام أحمد في حديث سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه عن زيد بن ثابت مرفوعاً في العرايا. قال سفيان ابن حسين فذكره. قال الحافظ وصور العرية كثيرة وهذه إحداها. قال: منها أن يقول الرجل لصاحب حائط بعني ثمر نخلات بأعيانها بخرصها من التمر فيخرصها أو يبيعه ويقبض منه التمر ويسلم إليه النخلات بالنخلية فينتفع برطبها. منها أن يهبه إياها فيتضرر الموهوب له بانتظار صيرورة الرطب تمراً ولا يحب أكلها رطباً لاحتياجه إلى التمر فيبيع ذلك الرطب بخرصه من الواهب أو من غيره بتمر يأخذ معجلاً ومنها أن يبيع الرجل ثمر حائطه بعد بدو صلاحه ويستثنى منه نخلات معلومة يبقيها لنفسه أو لعياله، وهي التي عفى له عن خرصها في الصدقة وسميت عراياً لأنها أعريت من أن تخرص في الصدقة فرخص لأهل الحاجة الذين لا نقد لهم وعندهم فضول من تمر قوتهم أن يبتاعوا بذلك التمر من رطب تلك النخلات بخرصها، ومما يطلق عليه اسم عرية أي يعري رجلاً ثمر نخلات يبيح له أكلها والتصرف فيها وهذه هبة مخصوصة ومنها أن يعري عامل الصدقة لصاحب الحاجة من حائطه نخلات معلومة لا يخرصها في الصدقة وهاتان الصورتان من العرايا لا بيع فيهما. وجميع هذه الصور صحيحة عند الشافعي والجمهور. وقصر مالك العرية في البيع على الصورة الثانية. وقصرها أبو عبيد على الصورة الأخيرة من صور البيع، وزاد انه رخص لهم أن يأكلوا الرطب ولا يشتروه لتجارة ولا ادخار، ومنع أبو حنيفة صور البيع كلها وقصر العرية على الهبة، وهو أن يعري الرجل تمر نخلة من نخله ولا يسلم ذلك له ثم يبدو له في ارتجاع تلك الهبة، فرخص له أن يحتبس ذلك ويعطيه بقدر ما وهبه له من الرطب بخرصه تمراً، وحمله على ذلك أخذه بعموم النهي عن بيع التمر بالتمر. وتعقب بالتصريح باستثناء العرايا في حديث ابن عمر كما تقدم وفي حديث غيره(4/526)
نَهَى عنِ الْمُحَاقَلَةِ والْمُزَابَنَةِ. إلا أَنّهُ قَدْ أَذِنَ لأِهْلِ الْعَرَايَا أنْ يَبِيعُوهَا بِمثْلِ خَرْصِهَاوفي البابِ عنْ أبي هُرَيْرَة وجَابِرٍ. حدِيثُ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ
ـــــــ
وحكى الطحاوي عن عيسى بن أبان من أصحابهم أن معنى الرخصة أن الذي وهبت العرية لم يملكها لأن الهبة لا تملك إلا بالقبض فلما جاز له أن يعطي بدلها تمراً وهو لم يملك البدل منه حتى يستحق البدل كان ذلك مستثنى وكان رخصة وقال الطحاوي بل معنى الرخصة فيه أن المرء مأمور بإمضاء ما وعد به ويعطي بدله ولم لم يكن واجباً عليه، فلما أذن له أن يحبس ما وعد به ويعطى بدله ولا يكون في حكم من أخلف وعده. ظهر بذلك معنى الرخصة. واحتج لمذهبه بأشياء تدل على أن العرية العطية ولا حجة في شيء منها. لأنه لا يلزم من كون أصل العرية العطية أن لا تطلق العرية شرعاً على صور أخرى. قال ابن المنذر: الذي رخص في العرية هو الذي نهى عن بيع الثمر بالتمر في لفظ واحد من رواية جماعة من الصحابة قال: ونظير ذلك الإذن في السلم مع قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تبع ما ليس عندك". قال فمن أجاز السلم مع كونه مستثنى من بيع ما ليس عندك، ومنع العرية مع كونها مستثناة مع بيع الثمر بالتمر، فقد تناقض. وأما حملهم الرخصة على الهبة فبعيد مع تصريح الحديث بالبيع واستثناء العرايا منه، فلو كان المراد الهبة لما استثنيت العرية من البيع، ولأنه عبر بالرخصة والرخصة لا تكون إلا بعد ممنوع، والمنع إنما كان في البيع لا الهبة. وبأن الرخصة قيدت بخمسة أوسق أو ما دونها، والهبة لا تتقيد لأنهم لم يفرقوا في الرجوع في الهبة بين ذي رحم وغيره وبأنه لو كان الرجوع جائزاً فليس إعطاؤه بالتمر بدل الرطب بل هو تجديد هبة أخرى. فإن الرجوع لا يجوز فلا يصح تأويلهم انتهى . قوله: "نهى عن المحاقلة والمزابنة" قد تقدم تفسيرها أيضاً وهو بيع الثمر في رؤوس النخل بالتمر "إلا أنه قد أذن لأهل العرايا أن يبيعوها بمثل خرصها" الخرص بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء الحرز والاسم بالكسر. قال في النهاية: خرص النخلة والكرمة يخرصها خرصاً إذا حزر ما عليها من الرطب تمراً، ومن العنب زبيباً. فهو من الخرص الظن. لأن الحزر إنما هو تقدير بظن والاسم الخرص بالكسر. يقال كم خرص أرضك انتهى. قوله: "وفي الباب عن أبي هريرة" أخرجه الترمذي وأخرجه الشيخان أيضاً "وجابر" أخرجه أحمد والشافعي وصححه(4/527)
هكذَا. رَوَى مُحَمّدُ بنُ إسْحَاقَ هذَا الْحَدِيثَ، ورَوَى أَيّوبُ وعُبَيْدُ الله بنُ عُمرَ ومَالِكُ بنُ أَنَسٍ عن نافع، عنِ ابنِ عُمرَ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة وبهذا الاسناد عن ابن عمر عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رَخّصَ في الْعَرَايا وهذا أصح من حديث محمد بن أسحاق.
1319 ـ حدثنا أبو كُرَيْبٍ. حدّثنَا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ عنْ مَالِكِ بن أنس، عنْ دَاوُدَ بنِ حُصَيْن، عنْ أبي سُفْيَانَ مَوْلَى ابنِ أَبي أحْمَدَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم رخّصَ في بَيْعِ الْعَرَايَا فِيما دُونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ، أوْ كَذَا. حدّثنَا قُتَيْبَةُ عنْ مَالِكٍ، عنْ دَاوُدَ بنِ حُصَيْنٍ، نحوَهُ. وَرُوِيَ هذَا الْحَدِيثُ عنْ مَالِكٍ، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ في بَيْعِ الْعَرَايَا في خَمْسَةِ أوْسُقٍ، أَوْ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ.
ـــــــ
ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. قوله: "هكذا روى محمد بن إسحاق هذا الحديث وروى أيوب الخ" يعني روى محمد بن إسحاق النهي عن المحاقلة والمزابنة والرخصة في العرايا كليهما عن ابن عمر عن زيد بن ثابت. وروى أيوب وغيره النهي عن المحاقلة والمزابنة عن ابن عمر رضي الله عنه بغير واسطة زيد بن ثابت والرخصة في العرايا عن ابن عمر عن زيد بن ثابت. ورواية أيوب وغيره أصح من رواية ابن إسحاق. قال الحافظ في الفتح: مراد الترمذي أن التصريح بالنهي عن المزابنة لم يرد في حديث زيد بن ثابت وإنما رواه ابن عمر بغير واسطة وروى ابن عمر استثناء العرايا بواسطة زيد بن ثابت. فإن كانت رواية ابن إسحاق محفوظة. . احتمل أن يكون ابن عمر حمل الحديث كله عن زيد بن ثابت وكان عنده بعضه بغير واسطة. قال وأشار الترمذي إلى أن ابن إسحاق وهم فيه. والصواب التفصيل انتهى.
قوله: "في خمسة أوسق أو فيما دون خمسة أوسق" شك من الراوي والوسق ستون صاعاً. وقد اعتبر من قال بجواز بيع العرايا بمفهوم هذا العدد ومنعوا ما زاد عليه واختلفوا في جواز الخمسة لأجل الشك المذكور. والخلاف عند المالكية والشافعية. والراجح عند المالكية الجواز في الخمسة فما دونها، وعند الشافعية الجواز فيما دون الخمسة. ولا يجوز في الخمسة وهو قول(4/528)
1320 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدثنَا حَمادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أَيّوبَ، عنْ نافِعٍ، عَنِ ابنِ عمَرَ، عنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أرْخَصَ في بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وحدِيث أبِي هُرَيْرَةَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. والْعَمَلُ عَلَيْهِ عنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ. مِنْهُمُ الشّافِعِيّ وأحْمَدُ وإسْحَاقُ. وقَالُوا: إنّ الْعَرَايَا مُسْتَثْنَاةٌ مِن جُملَةِ نَهْيِ النبيّ صلى الله عليه وسلم. إذْ نَهَى عنِ الْمُحَاقَلةِ والْمُزَابَنَةِ. واحْتَجّوا بِحَدِيثِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ وحدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ، وقَالُوا لَهُ أنْ يَشترِيَ مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ. ومَعْنَى هَذَا عِنْدَ بعْضِ أهْلِ العِلْمِ: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ التّوْسِعَةَ عَليْهِمْ في هذَا، لأَنهُمْ شَكَوْا إلَيْهِ وقَالوا: لاَ نَجِدُ مَا نَشْتَرِي مِنْ الثّمَرِ إلاّ بِالتّمْرِ، فَرَخّصَ لَهُمْ فِيما دُونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ أنْ يَشَترُوهَا، فَيَأْكُلُوهَا رُطَباً.
1321 ـ حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ الحلوانيّ الْخَلالُ. حدّثنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الوَلِيدِ بنِ كثِيرٍ. حدّثنَا بُشَيْرُ بنُ يَسَارٍ مَولَى بَنِي حَارِثَةَ أنّ رَافِعَ ابنَ خَدِيجٍ و سَهْلَ بنَ أبي حَثمَةَ حَدّثَاهُ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
الحنابلة وأهل الظاهر. قوله: "أرخص" وفي رواية البخاري ومسلم رخص من الترخيص "بخرصها" وفي رواية الشيخين بخرصها كيلا. ولمسلم رخص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمراً بأكلونها رطباً. وأخرجه الطبراني من طريق أيوب وعبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ: رخص في العرايا النخلة والنخلتين يوهبان للرجل فيبيعهما بخرصهما تمراً زاد فيه: يوهبان للرجل. وليس بقيد عند الجمهور، قاله الحافظ: قوله: "وهذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان "وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" ، وأخرجه الشيخان أيضاً. قوله: "والعمل عليه عند بعض أهل العلم منهم الشافعي وأحمد وإسحاق وقالوا إن العرايا مستثناة الخ" . وأما قول الإمام أبي حنيفة أن العرايا ليست بمستثناة من بيع الثمر(4/529)
نَهَى عنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ، الثّمَرِ بِالتّمْرِ، إلاّ لأِصْحَابِ الْعَرَايَا. فَإِنّه قدْ أذِنَ لَهُمْ. وعنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزّبِيبِ وعنْ كلّ ثَمَرٍ بخرصه. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. غَرِيبٌ مِنْ هذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
بالتمر بل هبة، فقد تقدم ما فيه في كلام الحافظ فتذكر. قوله: "الثمر بالتمر" الأول بالثاء المثلثة والثاني بالتاء المثناة الفوقانية وهذا تفسير المزابنة "وعن كل ثمر بخرصها" بفتح الخاء المعجمة وأشار ابن التين إلى جواز كسرها. وجزم ابن العربي بالكسر وأنكر الفتح، وجوزهما النووي وقال: الفتح أشهر انتهى. والخرص هو التخمين والحدس. قوله: "هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه" وأخرجه مسلم وأخرجه البخاري من حديث سهل بن أبي حثمة وحده .(4/530)
باب ماجاء في كراهية النجش
...
63 ـ باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ النّجْشِ في البيوع
1322 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ وَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قالاَ: حدّثنَا سُفْيَانُ، عنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيّبِ، عنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم. وقالَ قُتَيْبَةُ يَبْلُغُ بِهِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ "لاَ تَنَاجَشُوا". وفي البابِ عنِ ابنِ عُمَرَ وأنَسٍ. قال أبو عيسى حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ
ـــــــ
باب ما جاء في كراهية النجش في البيوع
قال في النهاية: هو أن يمدح السلعة لينفقها ويروجها أو يزيد في ثمنها وهو لا يريد شراءها ليقع غيره فيها. والأصل فيه تنفير الوحش من مكان إلى مكان انتهى. وقال الحافظ في الفتح: النجش بفتح النون وسكون الجيم بعدها معجمة وهو في اللغة تنفير الصيد واستثارته من مكانه ليصاد، يقال نجشت الصيد أنجشه بالضم نجشاً. وفي الشرع الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد شراءها ليقع غيره فيها، سمي بذلك لأن الناجش يثير الرغبة في السلعة ويقع ذلك بمواطأة البائع فيشتركان في الإثم ويقع ذلك بغير علم البائع فيختص بذلك الناجش وقد يختص به البائع كمن يخبر بأنه اشترى سلعة بأكثر مما اشتراها به ليغر غيره بذلك. وقال ابن قتيبة: النجش الختل والخديعة ومنه قيل للصائد ناجش لأنه يختل الصيد ويحتال له انتهى
قوله: "قال لا تناجشوا" قال الحافظ ذكره بصيغة التفاعل لأن التاجر إذا فعل(4/530)
حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ. كَرِهُوا النّجْشَ. والنّجْشُ أنْ يَأْتِي الرّجُلُ الّذِي يفصل السّلْعَةَ إلَى صَاحِبِ السّلعَةِ فَيسْتَامُ بِأَكْثَرَ مِمّا تَسْوَى. وَذلِكَ عِنْدَمَا يَحْضُرُهُ الْمشْترِي، يُرِيدُ أنْ يَغْترّ المُشْتري بِهِ، ولَيْسَ مِنْ رَأْيِهِ الشّرَاءُ. إنّمَا يُرِيدُ أنْ نخدع المُشْترِي بِمَا يَسْتَامُ. وهَذَا ضَرْبٌ مِنَ الْخَدِيعَةِ.
قالَ الشّافِعِيّ: وإنْ نَجَشَ رَجُلٌ، فَالنّاجِشُ آثِمٌ فِيما يَصْنَعُ، والبَيْعُ جَائِزٌ. لأِنّ الْبَائِعَ غَيْرُ النّاجِشِ.
ـــــــ
لصاحبه ذلك كان بصدد أن يفعل له مثله انتهى. قوله: "وفي الباب عن ابن عمر" أخرجه البخاري ومسلم بلفظ: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش "وأنس" لينظر من أخرجه "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري "فيستام بأكثر مما تسوى" أي بأكثر مما تساويه السلعة يعني يستام بأكثر من قيمة السلعة. قال في القاموس: وهو لا يساوي شيئاً ولا يسوي كيرضى انتهى. قوله: "قال الشافعي: وإن نجش رجل فالناجش آثم فيما يصنع والبيع جائز لأن البائع غير الناجش" قال ابن بطال: أجمع العلماء على أن الناجش عاص بفعله. واختلفوا في البيع إذا وقع على ذلك ونقل ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث فساد ذلك البيع، وهو قول أهل الظاهر. ورواية عن مالك وهو المشهور عند الحنابلة إذا كان ذلك بمواطأة البائع أو صنعه. والمشهور عند المالكية في مثل ذلك ثبوت الخيار وهو وجه للشافعية قياساً على المصراة. والأصح عندهم صحة البيع مع الإثم وهو قول الحنفية. وقال الرافعي أطلق الشافعي في المختصر تعصية الناجش وشرط في تعصية من باع على بيع أخيه أن يكون عالماً بالنهي. وأجاب الشارحون بأن النجش خديعة، وتحريم الخديعة واضح لكل أحد وإن لم يعلم هذا الحديث بخصوصه بخلاف البيع على بيع أخيه فقد لا يشترك فيه كل أحد، واشتشكل الرافعي الفرق بأن البيع على بيع أخيه إضرار والإضرار يشترك في علم تحريمه كل أحد قال فالوجه تخصيص المعصية في الموضعين بمن علم التحريم انتهى. وقد حكى البيهقي في المعرفة والسنن عن الشافعي تخصيص التعصية في النجش أيضاً بمن علم النهي فظهر أن ما قاله الرافعي بحثاً منصوص. ولفظ: الشافعي النجش أن يحضر الرجل السعلة تباع فيعطي بها الشيء وهو لا يريد شراءها ليقتدي به السوم فيعطون بها أكثر مما كانوا يعطون لو لم يسمعوا سومه. فمن نجش فهو عاص بالنجش إن كان عالماً بالنهي، والبيع جائز لا يفسده معصية رجل نجش عليه. كذا في فتح الباري .(4/531)
باب ماجاء في الرجحان في الوزن
...
64 ـ باب مَا جَاءَ في الرّجْحَانِ في الْوَزْن
1323 ـ حدثنا هَنّادٌ وَ مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ قالاَ: حدّثنَا وَكِيعٌ، عنْ سُفْيَانَ، عنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عنْ سُوَيْدِ بنِ قَيْسٍ قالَ: جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَفَةُ الْعَبْدِيّ بَزّاً منْ هَجَرٍ. فَجَاءَنَا النبيّ صلى الله عليه وسلم فَسَاوَمَنَا بِسَرَاوِيلَ. وعِنْدِي وزّانٌ يَزِنُ بِالأجْرِ. فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في الرّجْحَانِ في الْوَزْن
قوله: "عن سويد" بالتصغير قال في التقريب سويد بن قيس صحابي له حديث السراويل نزل الكوفة "جلبت أنا" قال في القاموس: جلبه يجلبه جلباً وجلبا واجتلبه ساقه من موضع إلى موضع آخر انتهى. وقال في الصراح: الجلب كشيدن جليب أنجه ازشهر بشهر برند بفروختن "ومخرفة" بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة فراء ثم فاء ويقال بالميم والصحيح الأول كذا في الاستيعاب "بزا" بتشديد الزاء قال في القاموس: البز الثياب أو متاع البيت من الثياب ونحوها وبائعه البزاز وحرفته البزازة انتهى. قال القاري في المرقاة: قال محمد رحمه الله في السير البز عند أهل الكوفة ثياب الكتان والقطن لا ثياب الصوف والخز "من هجر" بفتحتين موضع قريب من المدينة وهو مصروف قاله القاري. وقال في القاموس: وهجر محركة بلد باليمن بينه وبين عشر يوم وليلة، مذكر مصروف وقد يؤنث ويمنع واسم لجميع أرض البحرين ومنه المثل كمبضع تمر إلى هجر وقرية كانت قرب المدينة وإليها تنسب القلال أو تنسب إلى هجر اليمن انتهى. وفي رواية أبي داود: جلبت أنا ومخرفة العبدي بزا من هجر فأتينا به مكة "فجاءنا النبي صلى الله عليه وسلم" زاد في رواية النسائي ونحن بمنى "فساومنا بسراويل" وفي رواية النسائي فاشترى منا سراويلا. قال السيوطى: ذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى السراويل ولم يلبسها. وفي الهدى لابن القيم الجوزي(4/532)
لِلْوَزّانِ "زِنْ وأرْجِحْ". وفي البابِ عنْ جَابرٍ وأبي هُرَيْرَةَ. حديثُ سُوَيْدٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَأهْلُ العِلْمِ يَسْتَحِبّونَ الرّجْحَانَ في الوَزْنِ.
وَرَوَى شُعْبَةُ هذَا الْحَديثَ عنِ سمَاكٍ، فَقَالَ: عَنْ أبي صَفْوَانَ. وَذَكَرَ الحَدِيثَ.
ـــــــ
أنه لبسها فقيل إنه سبق قلم لكن في مسند أبي يعلي والمعجم الأوسط للطبراني بسند ضعيف عن أبي هريرة قال: دخلت يوماً السوق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إلى البزارين فاشترى سراويل بأربعة دراهم. قلت: يا رسول الله وإنك لتلبس السراويل فقال أجل في السفر والحضر والليل والنهار فإني أمرت بالستر فلم أجد شيئاً أستر منه. كذا في فتح الودود "وعندي وزان يزن" أي الثمن "بالأجر" أي بالأجرة "زن" بكسر الزاي أي ثمنه "وأرجح" بفتح الهمزة وكسر الجيم. قال في القاموس: رجح الميزان يرجح مثلثه رجوحاً ورجحاناً مال وأرجح له ورجح أعطاه راجحاً. قال الخطابي في الحديث دليل على جواز أخذ الأجرة على الوزن والكيل، وفي معناهما أجرة القسام والحاسب وكان سعيد بن المسيب بنهي عن أجرة القسام وكرهها أحمد بن حنبل فكان في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم وأمره إياه به كالدليل على أن وزن الثمن على المشتري وإذا كان الوزن عليه لأن الأيفاء يلزمه فقد دل على أن أجرة الوزان عليه، وإذا كان ذلك على المشتري فقياسه في السلعة المبيعة أن يكون على البائع انتهى. قوله: "وفي الباب عن جابر" أخرجه البخاري وغيره وأما حديث أبي هريرة فلينظر من أخرجه. قوله: "حديث سويد حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي وأحمد. قوله: "وروى شعبة هذا الحديث عن سِمَاك فقال عن أبي صفوان وذكر الحديث" فخالف شعبة سفيان فإنه رواه عن سِمَاك عن سويد ابن قيس. قال أبو داود في سننه بعد ذكر رواية سفيان ورواية شعبة ما لفظه والقول قول سفيان: حدثنا ابن أبي رزمة قال سمعت أبي يقول قال رجل لشعبة: خالفك سفيان. فقال: دمغتني وبلغني عن يحيى بن معين قال كل من خالف سفيان فالقول قول سفيان. حدثنا أحمد بن حنبل أخبرنا وكيع عن شعبة قال كان سفيان أحفظ مني انتهى. وقال المنذري في تلخيص السنن: وقال أبو أحمد الكرابيسي أو صفوان مالك بن عميرة ويقال سويد بن قيس باع من النبي صلى الله عليه وسلم فارجح له وقال أبو عمر النمري: أبو صفوان مالك بن عميرة ويقال سويد بن قيس وذكر له هذا الحديث وهذا يدل على أنه عندهما رجل واحد كنيته أبو صفوان واختلف في اسمه انتهى .(4/533)
باب ماجاء في إنظار المعسر والرفق به
...
65 ـ باب مَا جَاء في إنْظَارِ المُعْسِرِ وَالرّفْق بِه
1324 ـ حدثنا أبو كُرَيْبٍ. حدّثَنَا إسْحَاقُ بنُ سُلَيْمانَ الرّازِيّ عنْ دَاوُدَ بنِ قَيْسٍ، عَنْ زَيْدِ بنْ أسْلَمَ، عَنْ أبي صَالِحٍ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "مَنْ أنْظَرَ مُعْسِراً أوْ وَضَعَ لَهُ، أظَلّهُ الله يَوْمَ القِيامَةِ تحْتَ ظِلّ عرشِهِ، يَوْمَ لاَ ظِلّ إلاّ ظِلّهُ".
قال وفي البابِ عَنْ أبي اليَسَرِ وأَبي قَتَادَةَ وحُذَيْفَةَ وابنِ مَسْعُودٍ وعُبَادَةَ وجابر.
قال أبو عيسى حديثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، غرِيبٌ منْ هذَا الوَجْهِ.
1304 ـ حدثنا هَنّادٌ. حَدّثَنَا أبُو مُعَاوِيَةَ عن الأعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنِ أَبي مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "حُوسِبَ
ـــــــ
باب ما جاء في إنظار المعسر والرفق به
الإنظار التأخير والإمهال والمعسر الفقير قوله: "من أنظر معسراً" أي أمهل مديوناً فقيراً "أو وضع له" أي حط وترك دينه كله أو بعضه "أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه" أي أوقفه الله تحت ظل عرشه. قوله: "وفي الباب عن أبي اليسر" بفتحتين أخرجه مسلم مرفوعاً بلفظ: من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله "وأبي قتادة" أخرجه مسلم مرفوعاً بلفظ: من أنظر معسراً أو وضع عنه أنجاه الله من كرب يوم القيامة. "وحذيفة" أخرجه البخاري "وابن مسعود" أخرجه الترمذي في هذا الباب "وعبادة" لم أقف على حديثه قوله: "حديث أبي هريرة حسن صحيح غريب الخ" ذكر المنذري هذا الحديث في ترغيبه وعزاه للترمذي وحده وقال معنى وضع له أي ترك له شيئاً مما له عليه انتهى. قوله: "عن أبي مسعود" اسمه عقبة بن عمرو بن ثعلب الأنصاري البدري(4/534)
رَجُلٌ مِمّنْ كانَ قَبْلَكُمْ. فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الخَيْرِ شَيْءٌ. إلاّ أنّهُ كانَ رَجُلاً مُوسِراً. وكانَ يُخَالِطُ النّاسَ. وَكانَ يأمُرُ غِلْمَانَهُ أنْ يَتَجَاوَزوا عَنِ المُعْسِر. فَقَالَ الله عز وجل: نَحْنُ أحَقّ بِذَلِكَ مِنْهُ تَجَاوَزُوا عَنْهُ".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
صحابي جليل رضي الله عنه "إلا أنه كان رجلاً موسراً" أي غنياً ذا مال "يخالط الناس" أي يعامل الناس بالبيع والشراء "أن يتجاوزوا عن المعسر" أي الفقير أي يتسامحوا في الاقتضاء والاستيفاء وقبول ما فيه نقص يسير "بذلك" أي بالتجاوز "تجاوزوا عنه" أي تسامحوا عنه. قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه مسلم .(4/535)
باب ماجاء في مطل الغني ظلم
...
66 ـ باب مَا جَاء في مَطْلِ الغْنيّ أنّه ظُلْم
1325 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِي حدّثنَا سُفْيَانُ، عَنْ أبي الزّنَادِ، عَنِ
الأعْرَجِ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَطْلُ الْغَنِيّ ظُلْمٌ. وَإذَا أُتْبِعَ أحَدُكُم
ـــــــ
باب مَا جَاء في مَطْلِ الغْنيّ أنّه ظُلْم
قوله: "مطل الغنى" أي تأخيره أداء الدين من وقت إلى وقت بغير عذر "ظلم" فإن المطل منع أداء ما استحق أداؤه وهو حرام من المتمكن ولو كان غنياً ولكنه ليس متمكناً جاز له التأخير إلى الإمكان. ذكره النووي. قال الحافظ: المراد بالغني هنا من قدر على الأداء فأخره ولو كان فقيراً. قال وقوله مطل الغنى هو من إضافة المصدر للفاعل عند الجمهور والمعنى أنه يحرم على الغني القادر أن يمطل بالدين بعد استحقاقه بخلاف العاجز وقيل هو من إضافة المصدر للمفعول والمعنى يجب وفاء الدين ولو كان مستحقه غنياً ولا يكون غناه سبياً لتأخير حقه عنه. وإذا كان كذلك في حق الغنى فهو في الفقير أولى. ولا يخفي بعد هذا التأويل انتهى. "فإذا أتبع" بضم الهمزة القطعية وسكون المثناة الفوقية وكسر الموحدة أي جعل تابعاً للغير بطلب الحق وحاصله إذا أحيل(4/535)
عَلَى مَلِيّ فَلْيَتْبَعْ". قال أبو عيسى حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَمَعْنَاهُ: إذَا أُحِيلَ أَحَدُكْم عَلَى مَلِيَ فَلْيَتْبَعْ. فقال بَعْضُ أهلِ العِلْمِ: إذَا أُحِيلَ الرّجُلُ عَلَى مَلِي فَاحْتَالَهُ فَقَدْ بَرِئ المُحِيلُ وليْسَ لَهُ أنْ يَرْجِعَ عَلَى المُحِيلِ. وَهُوَ قَوْل الشّافِعِيّ وأحْمَدَ وَإسْحَاقَ. وقَالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: إذَا تَوَى مَالُ هذَا بإفْلاَس المُحَالِ عَلَيْهِ، فَلَهُ أنْ يَرْجِعَ عَلَى الأوّلِ. وَاحتَجُوا بِقَوْلِ عُثمانَ وَغَيْرِهِ حِينَ قَالُوا "لَيْسَ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ تَوى" . قَالَ إسْحَاقُ: مَعْنَى هذَا الحدِيثِ "لَيْسَ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ تَوى" هذَا إذَا أُحِيلَ الرّجُلُ عَلَى آخرَ، وَهُوَ يَرَى أنّهُ مَلِيّ. فإذا هُوَ مُعْدِمٌ، فَلَيْسَ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ تَوى.
ـــــــ
"على ملي" أي غنى. قال في النهاية: المليء بالهمزة الثقة الغني وقد أولع الناس فيه بترك الهمزة وتشديد الياء انتهى. "فليتبع" بفتح الياء وسكون التاء وفتح الموحدة أي فليحتل يعني فليقبل الحوالة. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: معنى قوله اتبع فليتبع أي أحيل فليحتل. وقد رواه بهذا اللفظ أحمد قال المشهور في الرواية واللغة كما قال النووي إسكان المثناة في اتبع وفي فليتبع وهو على البناء للمغعول مثل إذا علم فليعلم. وقال القرطبي أما اتبع فبضم الهمزة وسكوت التاء مبنياً لما لم يسم فاعله عند الجميع. وأما فليتبع فالأكثر على التخفيف وقيده بعضهم على التشديد، والأول أجود انتهى. قال الحافظ: وما ادعاه من الاتفاق على اتبع يرده قول الخطابي أن أكثر المحدثين يقولونه بتشديد التاء والصواب التخفيف. قوله: "فقال بعض أهل العلم إذا أحيل الرجل على ملي فاحتاله" أي فقبل ذلك الرجل الحوالة "وليس له" أي للرجل المحتال "أن يرجع إلى المحيل" واستدل على ذلك بأنه لو كان له الرجوع لم يكن لاشتراط الغني فائدة فلما شرط علم أنه انتقل انتقالاً لا رجوع له كما لو عوضه عن دينه بعوض ثم تلف العوض في يد صاحب الدين فليس له رجوع. "وقال بعض أهل العلم إذا توى" كرضى أي هلك "مال هذا" أي المحتال "بإفلاس المحال عليه" أي موته "فله أن يرجع على الأول" أي فللمحتال أن يرجع على المحيل وهو قول الحنفية قالوا يرجع عند التعذر وشبهره بالضمان "واحتجوا بقول عثمان وغيره حين قالوا ليس على مال مسلم توى" على وزن حصى بمعنى الهلاك "وهو يرى أنه ملي" أي الرجل المحتال يظن أن الاَخر المحال عليه غنى "فإذا" للمفاجأة "هو معدم" أي مفلس "فليس على مال مسلم توى" أي هلاك وضياع .(4/536)
باب ماجاء في المنابذه والملامسة
...
67 ـ باب مَا جَاء في المُلاَمَسَةِ والمُنَابَذَةِ
1326 ـ حدثنا أبُو كُريْبٍ وَ مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ قَالاَ: حَدّثنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أبي الزّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ المَنابَذَةِ وَالمُلاَمَسَةِ. وفي البابِ عَنْ أبي سَعِيدٍ وَابنِ عُمَرَ. حَديثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وَمَعْنَى هذَا الحدِيثِ أنْ يَقُولَ: إذَا نَبَذْتُ إلَيْكَ الشّيْء فَقَدْ وَجَبَ
ـــــــ
باب مَا جَاء في المُلاَمَسَةِ والمُنَابَذَةِ
قوله: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المنابذة والملامسة" زاد مسلم أما الملامسة فإن يلمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل. والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الاَخر ولم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه. قوله: "وفي الباب عن أبي سعيد" قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الملامسة والمنابذة في البيع، والملامسة لمس الرجل ثوب الاَخر بيده بالليل أو النهار ولا يقلبه والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الاَخر بثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراض. "وابن عمر رضي الله عنه" لم أقف على حديثه. قوله: "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم. قوله: "ومعنى هذا الحديث أن يقول إذا نبذت الخ" قال الحافظ في الفتح: واختلف العلماء في تفسير الملامسة على ثلاث صور هي أوجه للشافعية: أصحها ـ أن يأتي بثوب مطوي أو في ظلمة فيمسه المستام فيقول له صاحب الثوب بعتكه بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك ولا لا خيار لك إذا رأيته وهذا موافق للتفسير المذكور في الحديث. الثاني ـ أن يجعلا نفس اللمس بيعاً بغير صيغة زائدة. الثالث ـ أن يجعلا اللمس شرطاً في قطع(4/537)
البَيْعُ يبنِي وَبَيْنَكَ. والمُلامَسَةُ أنْ يَقُولَ: إذَا لَمسْتَ الشّيءَ فَقَد وَجَبَ البَيْعُ، وإنْ كانَ لاَ يَرَى مِنْهُ شَيْئاً. مِثْل مَا يَكُونَ في الجِرابِ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وإنّمَا كانَ هذَا مِنْ بُيُوعِ أهْلِ الجَاهِلِيّةِ. فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ.
ـــــــ
خيار المجلس وغيره والبيع على التأويلات كلها باطل. قال وأما المنابذة فاختلفوا أيضاً على ثلاثة أقوال وهي أوجه للشافعية: أصحها ـ أن يجعلا نفس النبذبيعاً كما تقدم في الملامسة وهو الموافق للتفسير في الحديث. والثاني ـ أن يجعلا النبذ بيعاً بغير صيغة والثالث ـ أن يجعلا النبذ قاطعاً للخيار. قال واختلفوا في تفسير النبذ فقيل هو طرح الثوب كما وقع تفسيره في الحديث المذكور وقيل هو نبذ الحصاة. والصحيح أنه غيره انتهى كلام الحافظ ملخصاً. قوله: "وإن كان لا يرى" الواو وصلية "منه" أي من الشيء البيع "مثل ما يكون في الجراب" أي مثل المبيع الذي يكون في الجراب وهو بفتح الجيم وكسرها بالفارسية انبان على ما في الصراح وقال في القاموس: الجراب بالكسر ولا يفتح أو لغية فيما حكاه عياض وغيره المزود والوعاء ج جُرُب وأجربة انتهى. "فنهى عن ذلك" والعلة في النهي عنه الغرر والجهالة وإبطال خيار المجلس .(4/538)
باب ماجاء في السلف في الطعام والتمر
...
68 ـ باب مَا جَاءَ في السّلَفِ في الطعَام والتّمر
1327 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابنِ أبي نجيحٍ، عنْ عَبْدِ الله بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أبي الْمِنْهَالِ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ قَالَ: قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ في الثّمَر
ـــــــ
باب ما جاء في السلف في الطعام والثمر
السلف بفتحتين السلم وزنا ومعنى. قال الجزري في النهاية السلم هو أن تعطي ذهباً أو فضة في سلعة معلومة إلى أمد معلوم فكأنك قد أسلمت الثمن إلى صاحب السلعة وسلمته إليه انتهى. قلت: فالثمن المعجل يسمي رأس المال والمبيع المؤجل المسلم فيه ومعطي الثمن رب السلم وصاحبه المبيع المسلم إليه. والقياس يأبى عن جواز هذا العقد لأنه داخل تحت بيع ما ليس عنده إلا أنه جوز لورود الأحاديث الصحيحة بذلك. وآية المداينة في سورة البقرة دالة على جوازه كما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قوله: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم(4/538)
فقَالَ "مَنْ أسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلى أجَلٍ مَعْلُومٍ". وفي البابِ عَنِ ابْنِ أبي أوْفَى وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أبْزَى. حَدِيثُ ابنِ عَبّاسٍ حدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ. أجَازُوا السّلَفَ في الطّعَامَ والثّيَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمّا يُعْرَفُ حَدّهُ وَصِفَتُهُ. وَاخْتَلَفُوا
ـــــــ
المدينة" أي من مكة بعد الهجرة "وهم يسلفون في الثمر" الجملة حالية والإسلاف إعطاء الثمن في مبيع إلى مدة أي يعطون الثمن في الحال ويأخذون السلعة في المال. وفي رواية البخاري ومسلم وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث كذا في المشكاة "من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم" فيه دلالة على وجوب الكيل والوزن وتعيين الأجل في المكيل والموزون وإن جهالة أحدهما مفسدة للبيع. قال النووي في شرح مسلم: فيه جواز السلم وأنه يشترط أن يكون قدره معلوماً بكيل أو وزن أو غيرهما مما يضبط به، فإن كان مذروعاً كالثوب اشترط ذكر ذرعات معلومة. وإن كان معدوداً كالحيوان اشترط ذكر عدد معلوم. ومعنى الحديث أنه إن أسلم في مكيل فليكن كيله معلوماً، وإن كان موزوناً فليكن وزنه معلوماً وإن كان مؤجلاً فليكن أجله معلوماً. ولا يلزم من هذا اشتراط كون السلم مؤجلاً بل يجوز حالاً لأنه إذا جاز مؤجلاً مع الغرر فجواز الحال أولى لأنه أبعد من الغرر، وليس ذكر الأجل في الحديث لاشتراط الأجل بل معناه: إن كان أجل فليكن معلوماً. وقد اختلف العلماء في جواز السلم الحال مع إجماعهم على جواز المؤجل فجوز الحال الشافعي وآخرون ومنعه مالك وأبو حنيفة وآخرون، وأجمعوا على اشتراط وصفه بما يضبطه به انتهى كلام النووي. قوله: "قال" أي أبو عيسى "وفي الباب عن ابن أبي أوفى وعبد الرحمن ابن أبزى" قالا: كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يأتينا أنباط من أنباط الشام فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب، وفي رواية: والزيت إلى أجل مسمى قيل: أكان لهم زرع؟ قالا: ما كنا نسألهم عن ذلك أخرجه البخاري. قوله: "حديث ابن عباس حديث حسن صحيح"(4/539)
في السّلَمِ في الْحَيَوانِ. فَرَأى بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أصْحَاب النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ السّلَمَ في الْحَيَوانِ جَائِزاً وهُوَ قَوْلُ الشّافِعيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ. وَكَرِهَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ مِن أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهم ـ السّلّم في الْحَيوَانِ. وهُو قَوْلُ سُفْيانَ وأهْلِ الْكُوفةِ
ـــــــ
أخرجه الجماعة قوله: "فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم السلم في الحيوان جائزاً، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق" واحتجوا بما أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم عند عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشاً فنفدت الإبل فأمره أن يأخذ من قلائص الصدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة قال الحافظ في الدراية: وفي إسناده اختلاف لكن أخرج البيهقي من وجه آخر قوى عن عبد الله بن عمرو نحوه انتهى. "وكره بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم السلم في الحيوان. وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة" واحتجوا بما أخرجه الحاكم في المستدرك والدارقطني في سننه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السلف في الحيوان. قال الزيلعي في نصب الراية: قال الحاكم حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه انتهى. قال صاحب التنقيح وإسحاق بن إبراهيم بن جوفي: قال فيه ابن حبان منكر الحديث جداً يأتي عن الثقات بالموضوعات لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب. وقال الحاكم: روى أحاديث موضوعة انتهى. واحتجوا أيضاً بما روى محمد بن الحسن في الآثار عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن عبد الله بن مسعود أنه قال: لا تسلمن ما لنا في شيء من الحيوان وهو موقوف وفيه قصة قال الحافظ الزيلعي: قال في التنقيح: فيه انقطاع انتهى .(4/540)
باب ماجاء في أرض المشترك يريد بعضهم بيع نصيبه
...
69 ـ باب مَا جَاءَ في أرْضِ الْمُشترَكِ يُرِيدُ بَعْضُهُمْ بَيْعَ نصِيبه
1328 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ خَشْرَمٍ. حدّثنَا عِيسَى بنُ يُونُسَ، عنْ سَعِيدٍ، عنْ قَتَادَةَ، عنْ سُلَيمانَ الْيَشْكُرِيّ، عنْ جَابِر بنِ عَبْدِ الله أنّ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في أرْضِ الْمُشترَكِ يُرِيدُ بَعْضُهُمْ بَيْعَ نصِيبه
قوله: "عن سليمان اليشكرى" بفتح التحتية وسكون الشين المعجمة وضم(4/540)
نبِيّ الله صلى الله عليه وسلم قالَ "مَنْ كانَ لَهُ شَرِيكٌ في حَائِطٍ، فَلاَ يَبِيعُ نَصِيبَهُ مِنْ ذلِكَ حَتّى يَعْرِضَهُ على شَرِيكهِ". هذا حديثٌ إسْنَادُهُ لَيْسَ بِمُتّصل سَمِعْتُ مُحَمّداً يَقُولُ: سُلَيْمَانُ اليَشْكُرِيّ، يُقَالُ إِنّهُ مَاتَ في حَيَاةِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله. قالَ: وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ قَتَادَةُ وَلاَ أبو بِشْرٍ. قالَ مُحَمّدٌ:
ـــــــ
الكاف هو سليمان بن قيس ثقة قال أبو داود: مات في فتنة ابن الزبير. قوله: "من كان له شريك في حائط" أي بستان "من ذلك" أي من ذلك الحائط "حتى يعرضه على شريط" وفي رواية مسلم. لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به انتهى. قال النووي وهذا محمول عندنا على الندب إلى إعلامه وكراهة بيعه قبل إعلامه كراهة تنزيه وليس بحرام. ويتأولون الحديث على هذا ويصدق على المكروه أنه ليس بحلال. ويكون الحلال بمعنى المباح وهو مستوى الطرفين والمكروه ليس بمباح مستوى الطرفين بل هو راجح الترك. واختلف العلماء فيما لو أعلم الشريك بالبيع فأذن فيه فباع ثم أراد الشريك أن يأخذ بالشفعة. فقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأصحابهم وعثمان البتي وابن أبي ليلى وغيرهم له أن يأخذ بالشفعة وقال الحكم والثوري وأبو عبيد وطائفة من أهل الحديث ليس له الأخذ. وعن أحمد روايتان كالمذهبين انتهى كلام النووي. قال الشوكاني في النيل متعقباً على من قال إنه يصدق على المكروه، إنه ليس بحلال ما لفظه: هذا إنما يتم إذا كان اسم الحلال مختصاً بما كان مباحاً أو مندوباً أو واجباً وهو ممنوع. فإن المكروه من أقسام الحلال. وقال فيه قال في شرح الإرشاد: الحديث يقتضي أنه يحرم البيع قبل العرض على الشريك. قال ابن الرفعة: ولم أظفر به عن أحد من أصحابنا ولا محيد عنه. وقد قال الشافعي: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط. قوله: "هذا حديث ليس إسناده بمتصل" وأخرجه مسلم بسند آخر متصل صحيح ولفظه: من كان له شريك في ربعة أو نخل فليس له أن يبيع حتى يؤذن شريكه. فإن رضي أخذ وإن كره ترك، وفي رواية له: لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه. وفي رواية أخرى له: لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه. "ولم يسمع منه" أي من سليمان اليشكري "قتادة ولا أبو بشر" قال الخزرجي في الخلاصة: سليمان بن قيس اليشكري عن جابر(4/541)
وَلاَ نَعْرِف لأَحَدٍ مِنْهُمْ سَمَاعاً مِنْ سُلَيمانَ الْيَشْكُرِيّ. إلاّ أَنْ يَكُونَ عَمْرو بنُ دِينَارٍ. فَلَعَلّهُ سَمِعَ مِنْهُ في حَيَاةِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله. قالَ: وَإنمَا يُحَدّثُ قَتَادَةُ عنْ صَحِيفَةِ سُلَيمانَ الْيَشْكُرِيّ. وَكَانَ لَهُ كِتَاب عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله حدثنل أبو بكر العطّار عبد القدوس قال: عَلِيّ بنُ الْمَدِينِيّ: قالَ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ: قالَ سُلَيْمَانُ التّيْمِيّ: ذَهَبُوا بِصَحِيفَةِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله إلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ فَأَخَذَهَا، أَوْ قالَ فَرَوَاهَا. وذهَبُوا بِهَا إلَى قَتَادَةَ فَرَوَاهَا. وأَتوني بهَا فَلَمْ أردهَا يقول رددتها.
ـــــــ
وأبي سعيد. وعنه عمرو بن دينار وأرسل عنه قتادة وأبو بشر قال النسائي ثقة انتهى. "ولا نعرف لأحد منهم" أي ممن روى عن سليمان اليشكري "ولعله" أي لعل عمرو بن دينار "سمع منه" أي من سليمان اليشكري .(4/542)
باب ماجاء في المخابرة والمعاومة
...
70 ـ باب مَا جَاءَ في المُخَابَرَة والمُعَاوَمة
1329 ـ حدثنا محمد بنُ بَشّارٍ. حدّثنَا عَبْدُ الْوَهّابِ الثَقَفِيّ. حدّثنَا أَيّوبُ عنْ أبي الزّبَيْرِ، عنْ جَابِرٍ
أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ المُحَاقَلَةِ والمُزَابَنَةِ والمُخَابَرَةِ والمُعَاوَمة. ورَخّصَ في الْعَرايَا. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في المُخَابَرَة والمُعَاوَمة
قوله: "نهى عن المحاقلة والمزابنة" أما المحاقلة والمزابنة فقد تقدم معانيهما في باب النهي عن المحاقلة والمزابنة. وأما المخابرة فقد تقدم معناها في باب النهي عن الثنيا "والمعاومة" مفاعلة من العام، كالمسانهة من السنة والمشاهرة من الشهر. قال الجزري في النهاية: هي بيع ثمر النخل أو الشجر سنتين أو ثلاثاً فصاعداً قبل أن تظهر ثماره. وهذا البيع باطل لأنه بيع ما لم يخلق فهو كبيع الولد قبل أن يخلق "ورخص في العرايا" تقدم تفسير العرايا في باب العرايا. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم .(4/542)
71 ـ باب
1330 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ. حدّثنَا الْحَجّاجُ بنُ مِنْهَالٍ. حدّثنَا حَمّادُ بنُ سَلمَةَ عنْ قَتَادَةَ. و ثَابِتٌ و حُمَيْدٌ عنْ أَنَسٍ، قالَ: غَلاَ السّعْرُ عَلَى عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فَقَالُوا: يَا رسولَ الله سَعّرْ لَنَا فقَالَ "إنّ الله هُوَ الْمسَعّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرّزّاقُ، وإنّي لأَرْجُو أنْ ألْقَى رَبّي وَلَيْسَ أحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلَمِةٍ في دَمٍ ولاَ مَال". هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ـــــــ
باب
قوله: "غلا السعر" بكسر السين وهو بالفارسية نرخ أي ارتفع السعر "سعر لنا" أمر من تسعير وهو أن يأمر السلطان أو نوابه أو كل من ولي من أمور المسلمين أمر أهل السوق أن لا يبيعوا أمتعتهم إلا بسعر كذا فيمنع من الزيادة عليه أو النقصان لمصلحة "إن الله هو المسعر" بتشديد العين المكسورة قال في النهاية: أي أنه هو الذي يرخص الأشياء ويغليها فلا اعتراض لأحد. ولذلك لا يجوز التسعير انتهى. "القابض الباسط" أي مضيق الرزق وغيره على من شاء كيف شاء وموسعه "وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة" قال في المجمع مصدر ظلم واسم ما أخذ منك بغير حق وهو بكسر لام وفتحها وقد ينكر الفتح انتهى. وقد استدل بالحديث وما ورد في معناها على تحريم التسعير وأنه مظلمة ووجهه أن الناس مسلطون على أموالهم. والتسعير حجر عليهم. والإمام مأمور برعاية مصلحة المسلمين وليس نظره في مصلحة المشتري برخص الثمن أولى من نظره في مصلحة البائع بتوفير الثمن وإذا تقابل الأمران وجب تمكين الفريقين من الاجتهاد لأنفسهم وإلزام صاحب السلعة أن يبيع بما لا يرضى به مناف لقوله تعالى {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} وإلى هذا ذهب جمهور العلماء. وروي عن مالك أنه يجوز للإمام التسعير. وأحاديث الباب ترد عليه وظاهر الأحاديث أنه لا فرق بين حالة الغلاء ولا حالة الرخص، ولا فرق بين المجلوب وغيره وإلى ذلك مال الجمهور. وفي وجه للشافعية جواز التسعير في حالة الغلاء. وظاهر الأحاديث عدم الفرق بين ما كان قوتاً للاَدمى ولغيره من الحيوانات، وبين ما كان من غير ذلك من الإدامات وسائر الأمتعة. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود وابن ماجة والدارمي وأبو يعلى والبزار. قال الحافظ: وإسناده على شرط مسلم، وصححه أيضاً ابن حبان. وفي الباب عن أبي هريرة عند أحمد وأبو داود قال: جاء رجل فقال يا رسول الله سعر. فقال: بل ادعوا الله. ثم جاء آخر فقال: يا رسول الله سعر. فقال بل الله يخفض ويرفع. قال الحافظ: وإسناده حسن. وعن أبي سعيد عند ابن ماجه والبزار والطبراني ورجاله رجال الصحيح، وحسنه الحافظ وعن علي عند البزار نحوه وعن ابن عباس عند الطبراني في الصغير، وعن أبي جحيفة في الكبير كذا في النيل(4/543)
باب ماجاء في كراهية الغش في البيوع
...
72 ـ باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ الْغِشّ في الْبُيُوع
1331 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْر أخبرنا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ، عنِ الْعَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عنْ أَبيِهِ، عنْ
أبي هُرَيْرَةَ أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرّ عَلَى صُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ. فَأدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أصَابِعُهُ بَلَلاً. فَقالَ "يَا صَاحِبَ الطّعامِ مَا هَذَا" قالَ: أصَابَتْهُ السّماءُ، يَا رسولَ الله قالَ "أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطّعَامِ حَتّى يَرَاهُ النّاسُ"؟ ثمّ
ـــــــ
باب ما جاء في كراهية الغش في البيوع
قال في النهاية: الغش ضد النصح من الغشش وهو المشرب لكدر انتهى. وقال في القاموس: غشه لم يمحضه النصح أو أظهر له خلاف ما أضمر كغششه والغش بالكسر الاسم منه انتهى. وقال في الصراح: غش بالكسر خيانت كردن
قوله: "مر على صبرة" بضم الصاد المهملة وسكون الموحدة ما جمع من الطعام بلا كيل ووزن كذا في القاموس، وقال في النهاية: الصبرة الطعام المجتمع كالكومة وجمعها صبر "من طعام" المراد من الطعام جنس الحبوب المأكول "فأدخل يده فيها" أي في الصبرة "فنالت" أي أدركت "بللا" بفتح الموحدة واللام "قال أصابته السماء" أي المطر لأنها مكانه وهو نازل منها قال الشاعر:(4/544)
قالَ: "مَنْ غَشّ فَلَيْسَ مِنّا". وفي البابِ عنِ ابْنِ عُمَرَ وأبي الحَمْرَاءِ وابنِ عَبّاس وبُرَيْدَةَ وأبي بُرْدَة بنِ نِيَارٍ وَحُذَيْفَةَ بنِ الْيَمانِ. حديثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهلِ الْعِلْمِ. كَرهُوا الْغِشّ، وَقَالُوا الْغِشّ حَرَامٌ.
ـــــــ
إذا نزل السماء بأرض قوم. رعيناه وإن كانوا غضاباً "من غش أمتي ليس مني" وفي رواية مسلم فليس مني. قال النووي: كذا في الأصول ومعناه ممن اهتدى بهديي واقتدى بعلمي وعلمي وحسن طريقتي كما يقول الرجل إذا لم يرض فعله لست مني. وهكذا في نظائره مثل قوله: من حمل علينا السلاح فليس منا. وكان سفيان بن عيينة يكره تفسير مثل هذا أو يقول: بئس مثل القول، بل يمسك عن تأويله ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر انتهى. وهو يدل على تحريم الغش وهو مجمع عليه. قوله: "وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنه" أخرجه أحمد والدارمي "وأبي الحمراء" أخرجه ابن ماج وابن عباس وبريرة لينظر من أخرج حديثهما "وأبي بردة بن نيار" أخرجه أحمد "وحذيفة بن اليمان" لم أقف على حديثه "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة إلا البخاري والنسائي .(4/545)
باب ماجاء في استقراض البصير أو الشيء من الحيوان
...
73 ـ باب مَا جَاءَ في اسْتِقْرَاضِ الْبَعِيرِ أوِ الْشّيْءِ مِنَ الْحَيَوانِ
1332 ـ حدثنا أبُو كُرَيبٍ. حدّثنَا وَكِيعٌ عنْ عَلِيّ بنِ صَالِحٍ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عن أبي سَلَمَةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: اسْتَقْرَضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سنا فأَعْطَاه سِنا خَيْراً مِنْ سِنّهِ وقالَ: "خِيَارُكُمْ أحَاسِنُكُمْ قَضَاءً". وفي البابِ عنْ أبي رَافِعٍ. قال أبو عيسى حديثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ
ـــــــ
باب ما جاء في استقراض البعير أو الشيء من الحيوان
أي غير البعير. قوله: "استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي من رجل "سنا" أي جملا له سن معين "فأعطى" وفي نسخة فأعطاه "سنا خير من سنه" أي من سن الرجل الذي استقرض منه قوله: "وفي الباب عن أبي رافع" أخرجه(4/545)
حسنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ وسُفْيَانَ عنْ سَلَمَةَ. والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ الْعِلمِ. لَمْ يَرَوْا بِاسْتَقْرَاضِ السّنّ بأْساً مِنَ الاْبِل. وهُو قَولُ الشّافعيّ وأَحمدَ وإسْحاقَ. وكَرِهَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ.
ـــــــ
مسلم والترمذي في هذا الباب. قوله: "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم. قوله: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم لم يروا باستقراض السن بأساً من الإبل. وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق" قال الحافظ وهو قول أكثر أهل العلم انتهى. وقال النووي في شرح مسلم: وفي الحديث جواز اقتراض الحيوان. وفيه ثلاثة مذاهب: مذهب الشافعي ومالك وجماهير العلماء من السلف والخلف ـ إنه يجوز قرض جميع الحيوان إلا الجارية لمن يملك وطيها فإنه لا يجوز. ويجوز إقراضها لمن لا يملك وطيها كمحارمها والمرأة والخنثى. والمذهب الثاني ـ مذهب المزني وابن جرير وداود ـ أنه يجوز قرض الجارية وسائر الحيوان لكل واحد. والثالث مذهب أبي حنيفة والكوفيين ـ أنه لا يجوز قرض شيء من الحيوان. وهذه الأحاديث ترد عليهم ولا تقبل دعواهم النسخ بغير دليل انتهى كلام النووي. قلت جواز اقتراض الحيوان هو الراجح يدل عليه أحاديث الباب "وكره بعضهم ذلك" وهو قول الثوري وأبي حنيفة رحمه الله، واحتجوا بحديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وهو حديث قد روي عن ابن عباس مرفوعاً، أخرجه ابن حبان والدارقطني وغيرهما ورجال إسناده ثقات إلا أن الحفاظ رجحوا إرساله، وأخرجه الترمذي من حديث الحسن عن سمرة، وفي سماع الحسن من سمرة اختلاف وفي الجملة هو حديث صالح للحجة. وادعى الطحاوي أنه ناسخ لحديث الباب. وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال. والجمع بين الحديثين ممكن فقد جمع بينهما الشافعي وجماعة بحمل النهي على ما إذا كان نسيئة من الجانبين ويتعين المصير إلى ذلك، لأن الجمع بين الحديثين أولى من إلغاء أحدهما باتفاق، وإذا كان ذلك المراد من الحديث بقيت الدلالة على جواز استقراض الحيوان والسلم فيه. واعتل من منع بأن الحيوان يختلف اختلافاً متبايناً حتى لا يوقف على حقيقة المثلية فيه. وأجيب بأنه لا مانع من الإحاطة به بالوصف بما يدفع التغاير، وقد جوز الحنفية التزويج والكتابة على الرقيق الموصوف بالذمة كذا في الفتح.(4/546)
1333 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ المُثَنّى. حَدثنَا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ. حدّثنَا شُعْبَةُ عنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عنْ أبي سَلمَةَ عن أبي هُريْرَةَ أنّ رَجُلاً تَقَاضَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمّ بِهِ أصْحَابُهُ. فقَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "دَعُوهُ، فَإِنّ لِصَاحِبِ الْحَقّ مَقَالاً" و قال َ
ـــــــ
تنبيه: قال صاحب العرف الشذي: قال أبو حنيفة لا يجوز القرض إلا في المكيل أو الموزون، قال ولنا حديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، وإن قيل هذا الحديث في البيع لا القرض يقال إن مناطهما واحد انتهى. قلت قد رد هذا الجواب بأن الحنطة لا يباع بعضها ببعض نسيئة وقرضها جائز فكذلك الحيوان لا يجوز بيع بعضه ببعض نسيئة وقرضه جائز، وقد عرفت أن هذا الحديث محمول على ما إذا كانت النسيئة من الجانبين جمعاً بين الأحاديث. قال ومحمل حديث الباب عندي أنه اشترى البعير بثمل مؤجل ثم أعطى إبلاً بدل ذا الثمن بغير الراوي بهذا انتهى كلامه. قلت: تأويله هذا مردود عليه يرده لفظ استقرض في حديث أبي هريرة المذكور في الباب. قوله: "أن رجلاً تقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي طلب منه قضاء الدين، وفي رواية للبخاري: كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم سن من الإبل فجاءه يتقاضاه. ولأحمد عن عبد الرزاق عن سفيان: جاء أعرابي يتقاضى النبي صلى الله عليه وسلم بعيراً "فأغلظ له" أي فعنف له صلى الله عليه وسلم: قال النووي: الإغلاظ محمول على التشديد في المطالبة من غير أن يكون هناك قدح فيه ويحتمل أن يكون القائل كافراً من اليهود أو غيرهم انتهى. قال الحافظ: والأول أظهر لرواية أحمد أنه كان أعرابياً وكأنه جرى على عادته من جفاء المخاطبة "فهم به أصحابه" أي أراد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذوه بالقول أو الفعل، لكن لم يفعلوا أدباً مع النبي صلى الله عليه وسلم. "دعوه" أي اتركوه ولا تزجروه "فإن لصاحب الحق مقالاً" أي صولة الطلب وقوة الحجة لكن مع مراعاة الأدب المشروع. قال ابن الملك: المراد بالحق هنا الدين أي من كان له على غريمه حق فماطله فله أن يشكوه ويرافعه إلى الحاكم ويعاتب عليه وهو المراد بالمقال كذا في شرح المشارق.(4/547)
"اشْتَرُوا لَهُ بَعِيراً، فَأَعْطُوهُ إيّاهُ" فَطَلَبُوهُ فَلَمْ يَجِدُوا إلاّ سِنّا أفْضَلَ مِنْ سِنّهِ. فَقَالَ: "اشْتَرُوهُ فَأَعْطوهُ إيّاهُ.
فَإِنّ خيْرَكمْ أَحْسَنُكُم قَضَاءً".
1334 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ. حدّثَنا مُحَمّدُ بنُ جَعْفَرٍ. حدّثنا شُعْبَةُ عن سَلمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، نَحْوَهُ.
قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
1335 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ. حَدّثَنا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا مَالِكُ بنُ أنَسٍ عَنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أبي رَافِعٍ مَوْلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: اسْتَسْلَفَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَكْراً. فَجَاءَتْهُ إبِلٌ مِنَ الصَدَقَةِ. قَالَ أبُو رَافِعٍ. فأَمَرَنِي رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ أقْضِي الرّجُلَ بَكْرَهُ. فَقلت: لاَ أَجِدُ في الإبِلِ إلاّ جَمَلاً خِيَاراً رَبَاعِياً. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أعْطِهِ إيّاهُ. فإنّ خِيَارَ النّاسِ أحْسَنُهُمْ قَضَاءً". هذا حديثٌ حسن صحيحٌ.
ـــــــ
"اشتروا له بعيراً" قال الحافظ وفي رواية عبد الرزاق: التمسوا له مثل سن بعيره "فلم يجدوا إلا سناً أفضل من سنه" لأن بعيره كان صغيراً والموجود كان رباعياً خياراً كما في رواية أبي رافع الاَتية "فإن خيركم أحسنكم قضاء" فيه جواز وفاء ما هو أفضل من المثل المقترض إذا لم تقع شرطية ذلك في العقد فيحرم حينئذ اتفاقاً وبه قال الجمهور وعن المالكية تفصيل في الزيادة إن كانت بالعدد منعت وإن كانت بالوصف جازت. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "حدثنا روح بن عبادة" ابن العلاء أبو محمد البصري ثقة فاضل له تصانيف من التاسعة. قوله: "استسلف" أي استقرض "بكراً" بفتح الباء وسكون الكاف أي شاباً من الإبل قال في النهاية: البكر بالفتح الفتى من الإبل بمنزلة الغلام من الناس، والأنثى بكرة وقد يستعار للناس انتهى. "فجاءته إبل من الصدقة" أي قطعة إبل من إبل الصدقة "إلا جملاً خياراً" قال في النهاية يقال جمل خيار وناقة خيار أي مختار ومختارة "رباعياً" بفتح الراء وتخفيف الباء الموحدة والياء المثناة التحتانية، وهو من الإبل ما أتى عليه ست سنين ودخل في السابعة حين طلعت رباعيته "اعطه إياه فإن خيار الناس الخ" قال النووي هذا مما يستشكل فيقال كيف قضى من إبل الصدقة أجود من الذي يستحقه الغريم؟ مع أن الناظر في الصدقات لا يجوز تبرعه منها. والجواب أنه صلى الله عليه وسلم اقترض لنفسه فلما جاءت إبل الصدقة اشترى منها بعيراً رباعياً ممن استحقه فملكه النبي صلى الله عليه وسلم بثمنه وأوفاه متبرعاً بالزيادة من ماله، ويدل على ما ذكرناه رواية أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اشتروا له سناً". فهذا هو الجواب المعتمد وقد قيل في أجوبته غيره منها أن المقترض كان بعض المحتاجين اقترض لنفسه فأعطاه من الصدقة حين جاءت وأمره بالقضاء انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم وروى ابن ماجه عن عرباض ابن سارية الجملة الأخيرة بلفظ: خير الناس خيرهم قضاء .(4/548)
73 ـ باب
1336 ـ حدثنا أبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا إسْحاقُ بنُ سُلَيْمانَ الرازي عَنْ مُغِيرَةَ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إن الله يُحِبّ سَمْحَ الْبَيْعِ، سَمْحَ الشّرَاءِ. سَمْحَ الْقَضَاءِ". قال وفي الباب عن جابر. هذا حديثٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ رَوَى بَعْضُهمْ هَذَا الْحَدِيثَ عن يُونُسَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ.
1337 ـ حدثنا عَبّاسٌ الدّورِي حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ بنُ عَطَاءِ أخبرنا إسْرَائِيلُ، عَنْ زَيْدِ بنِ عَطَاءٍ بنِ السّائِب، عَنْ مُحَمّدِ بن المُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ قَالَ: قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "غَفَرَ الله لِرَجُلٍ كان قَبْلَكُمْ. كانَ سَهْلاً إذَا بَاعَ. سَهْلاً إذَا اشْتَرَى. سَهْلاً إذَا اقْتَضَى".
ـــــــ
باب
قوله: "إن الله يحب سمح البيع" بفتح السين وسكون الميم أي سهلاً في البيع وجواداً يتجاوز عن بعض حقه إذا باع. قال الحافظ: السمح الجواد يقال سمح بكذا إذا جاد والمراد هنا المساهلة "سمح الشراء سمح القضاء" أي التقاضي لشرف نفسه وحسن خلقه بما ظهر من قطع علاقة قلبه بالمال. قاله المناوي. وللنسائي من حديث عثمان رفعه: أدخل الله الجنة رجلاً كان سهلاً مشترياً وبايعاً وقاضياً ومقتضياً. ولأحمد من حديث عبد الله بن عمرو ونحوه. قوله: "هذا حديث غريب"(4/549)
قال هذا حديثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ غريب مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ـــــــ
وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح. قال المناوي في شرح الجامع الصغير: وأقروه.
قوله: "غفر الله لرجل كان قبلكم كان سهلاً الخ" قال المناوي: فيه حث لنا على التأسي بذلك لعل الله أن يغفر لنا "إذا اقتضى" أي إذا طلب ديناً له على غريم يطلبه بالرفق واللطلف لا بالخرق والعنف. قوله: "هذا حديث غريب صحيح حسن من هذا الوجه" ورواه أحمد والبيهقي قال المناوي في شرح الجامع الصغير: ذكر الترمذي أنه سئل عنه البخاري فقال حسن انتهى. ورواه البخاري في صحيحه من طريق علي بن عياش عن محمد بن مطرف عن محمد بن المنكدر عن جابر بلفظ: رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى .(4/550)
75 ـ باب النّهْيِ عنْ الْبَيْعِ في المَسْجِد
1338 ـ حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِي الْخَلاّلُ. حَدّثنَا عارِمٌ. حَدّثنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بنُ مُحَمّدٍ. أخبرنا يَزِيدُ بنُ خُصَيْفَةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أوْ يبْتَاعُ في الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لاَ أَرْبَحَ الله تِجَارَتَكَ. وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالّة فَقُولوا: لا ردّ الله عَلَيْكَ".
ـــــــ
باب النّهْيِ عنْ الْبَيْعِ في المَسْجِد
قوله: "وإذا رأيتم من يبيع أو يبتاع" أي يشتري قال القاري: حذف المفعول يدل على العموم فيشمل ثوب الكعبة والمصاحف والكتب والسبح "فقولوا" أي لكل منهما باللسان جهراً أو بالقلب سراً. قاله القاري. قلت: الظاهر أن يكون القول باللسان جهراً ويدل عليه حديث بريدة الاَتي "لا أربح الله تجارتك" دعاه عليه أي لا جعل الله تجارتك ذات ربح ونفع. ولو قال لهما معاً لا أربح الله تجارتكما جاز لحصول المقصود "وإذا رأيتم من ينشد" بوزن يطلب ومعناه أي يطلب برفع الصوت "فيه" أي في المسجد "ضالة" قال في النهاية: الضالة هي الضائعة من كل ما يقتني من الحيوان وغيره يقال ضل الشيء إذا ضاع، وضل عن(4/550)
حديِثُ أبي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. كَرِهُوا البَيْعَ وَالشّرَاءَ في الْمَسْجِدِ. وَهُوَ قَوْلُ أحْمد وَإِسْحَاقَ. وَقَدْ رَخّصَ بَعَضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، في الْبَيْعِ وَالشّرَاءِ في الْمَسْجِدِ.
ـــــــ
الطريق إذا حار. وهي في الأصل فاعلة ثم اتسع فيها فصارت من الصفات الغالبة وتقع على الذكر والأنثى والاثنين والجمع وتجمع على ضوال انتهى. "فقولوا لا ردها الله عليك" وروى مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك لأن المساجد لم تبن لهذا. وعن بريدة أن رجلاً نشد في المسجد فقال من دعا إلى الجمل الأحمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له. قال النووي في هذين الحديثين فوائد: منها ـ النهي عن نشد الضالة في المسجد ويلحق به ما في معناه من البيع والشراء والإجارة ونحوها من العقود وكراهة رفع الصوت فيه. قال القاضي: قال مالك وجماعة من العلماء يكره رفع الصوت في المسجد بالعلم وغيره. وأجاز أبو حنيفة ومحمد بن مسلمة من أصحاب مالك رفع الصوت فيه بالعلم والخصومة وغير ذلك مما يحتاج إليه الناس لأنه مجمعهم ولا بدلهم منه انتهى. قوله: "حديث أبي هريرة حديث حسن غريب" وأخرجه الدارمي وأحمد والنسائي في اليوم والليلة، وابن خزيمة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم. ذكره ميرك وقد عرفت أن مسلماً قد أخرج الشطر الثاني من هذا الحديث. قوله: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم كرهوا البيع والشراء في المسجد" وهو الحق لأحاديث الباب "وقد رخص بعض أهل العلم في البيع والشراء في المسجد" لم أقف على دليل يدل على الرخصة وأحاديث الباب حجة على من رخص(4/551)
أبواب الأحكام
باب ماجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القاضي
...
13 ـ أبواب الأحكام
عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم
1 ـ باب مَا جَاءَ عن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم في الْقَاضِي
1339 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصنعاني حَدّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمانَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ يُحَدّثُ عَنْ عَبْدِ الله بنِ مَوْهِبٍ أنّ عُثمانَ قَالَ لابْنِ عمَرَ: اذْهَبْ فَاقْضِ بَيْنَ النّاسِ. قَالَ: أوَ تُعَافِينِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: فَمَا تَكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ كانَ أبُوكَ يَقْضِي؟ قَالَ: إني سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ كان قَاضِياً فَقَضَى بِالْعَدْلِ، فَبِالْحَرِيّ أنْ يَنْقَلِبَ مِنْهُ كَفَافاً". فَمَا أرْجُو بَعْدَ ذَلِكَ؟.
ـــــــ
أبواب الأحكام
عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الحافظ في الفتح: الأحكام جمع حكم والمراد بيان آدابه وشروطه وكذا الحاكم ويتناول لفظ الحاكم الخليفة والقاضي. والحكم الشرعي عند الأصوليين خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير ومادة الحكم من الأحكام وهو الإتقان بالشيء ومنعه من العيب
باب مَا جَاءَ عن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم في الْقَاضِي
قوله: "فاقض بين الناس" أي اقبل القضاء بينهم "قال أو تعافيني" بالواو يعد الهمزة والمعطوف عليه محذوف. أي اترحم علي وتعافيني "من ذلك" أي القضاء "فبالحرى" بكسر الراء وتشديد الياء قال في النهاية فلان حرى بكذا وحرى بكذا أو بالحرى أن يكون كذا أي جدير وخليق والمثقل يثني ويجمع ويؤنث تقول حريان وحريون وحرية والمخفف يقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث على حالة واحدة لأنه مصدر "أن ينقلب منه كفافاً" قال في النهاية في حديث عمر: وددت أني سلمت من الخلافة كفافاً لا عليّ ولا ليّ. الكفاف هو(4/552)
وفي الْحَدِيثِ قال قِصّةٌ. وفي البابِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ. حديثُ ابن عُمَرَ حديثٌ غَرِيبٌ. وَلَيْسَ إسنّادُهُ عِنْدِي بِمُتّصِلٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ الذي رَوَى عَنْهُ الْمُعْتَمِرُ هَذَا، هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بنُ أبي جَمِيلَةَ.
ـــــــ
الذي لا يفضل عن الشيء ويكون بقدر الحاجة إليه وهو نصب على الحال وقيل أراد به مكفوفاً عنى شرها انتهى. قال الطيبي: يعني أن من تولى القضاء واجتهد في تحري الحق واستفرغ جحده فيه حقيق أن لا يثاب ولا يعاقب فإذا كان كذلك فأي فائدة في توليه وفي معناه أنشد ـ على أنثى راض بأن أحمل الهوى وأخلص منه لا عليّ ولا ليّ. قال والحرى إن كان اسم فاعل يكون مبتدأ خبره أن ينقلب والباء زائدة نحو بحسبك درهم. أي الخليق والجدير كونه منقلباً منه كفافاً وإن جعلته مصدراً فهو خبر والمبتدأ ما بعده والباء متعلق بمحذوف أي كونه منقلباً ثابت بالاستحقاق "فما أرجو" أي فأي شيء أرجو "بعد ذلك" أي بعد ما سمعت هذا الحديث. وفي المشكاة فما راجعه بعد ذلك. أي فما رد عثمان الكلام على ابن عمر "وفي الحديث قصة" في الترغيب عن عبد الله بن موهب أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال لابن عمر: إذهب فكن قاضياً قال أو تعفيني يا أمير المؤمنين؟ قال اذهب فاقض بين الناس. قال تعفيني يا أمير المؤمنين؟. قال: عزمت عليك إلا ذهبت فقضيت. قال: لا تعجل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من عاذ بالله فقد عاد بمعاذ؟" قال: نعم. قال: فإني أعوذ بالله أن أكون قاضياً. قال: وما يمنعك وقد كان أبوك يقضي؟ قال: لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان قاضياً فقضى بالجهل كان من أهل النار، ومن كان قاضيا فقضى بالجور كان من أهل النار، ومن كان قاضياً فقضى بحق أو بعدل سأل التفلت كفافاً فما أرجو منه بعد ذلك". رواه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه وللترمذي باختصار عنهما، وقال حديث غريب وليس إسناده عندي بمتصل وهو كما قال فإن عبد الله بن موهب لم يسمع من عثمان رضي الله تعالى عنه انتهى ما في الترغيب.
قوله: "وفي الباب عن أبي هريرة" له في هذا الباب أحاديث ذكرها المنذري في الترغيب. قوله: "حديث ابن عمر حديث غريب" وأخرجه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه مطولاً كما عرفت "وليس إسناده عندي بمتصل" فإن عبد الله بن(4/553)
1340 ـ حدثنا هَنّادٌ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إسْرَائِيلَ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ بِلاَلِ بنِ أبي مُوسَى، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قال قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَأَلَ الْقَضَاءَ، وُكِلَ إلى نَفْسِهِ، وَمَنْ أجْبِرَ عَلَيْهِ، يَنْزِلُ الله علَيْهِ مَلكاً فَيُسَدّدُهُ".
1341 ـ حدّثنَا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أخبرنا يَحْيَى بنُ حَمّادٍ عن أبي عَوانَةَ، عَنْ عَبْدِ الأعْلَى الثّعْلَبِيّ، عَنْ بِلاَلِ بنِ مِرْدَاسٍ الْفَزَارِيّ عَنْ خَيْثَمَةَ وَ "هُوَ البَصْرِيّ" عنْ أَنَس، عَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ ابْتَغَى الْقَضَاءَ، وَسَأَلَ فِيهِ شُفَعَاءَ، وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ. وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ، أَنْزَلَ الله عَلَيْهِ مَلَكاً يُسَدّدُهُ". هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وَهُوَ أصَحّ مِنْ حَدِيثِ إسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الأعْلَى.
1342 ـ حدثنا نصْرُ بنُ عَلِي الْجَهْضَميّ. حدّثنَا الْفُضَيْلُ بنُ سُليْمانَ
ـــــــ
موهب لم يسمع من عثمان رضي الله عنه كما عرفت في كلام المنذري "وعبد الملك الذي روى عنه المعتمر هذا هو عبد الملك بن أبي جميلة" قال في التقريب مجهول، وقال في تهذيب التهذيب ذكره ابن حبان في الثقات، روى له الترمذي حديثاً واحداً في القضاء، وله في صحيح ابن حبان آخر انتهى.
"وكل إلى نفسه" بضم واو فكاف مخفقة مكسورة أي فوض إلى نفسه ولا يعان من الله "ومن جبر" بصيغة المجهول وفي بعض النسخ أجبر "فيسدده" أي يحمله على السداد والصواب.
قوله: "عن بلال بن مرداس" بكسر الميم وسكون الراء قال الحافظ: ويقال ابن أبي موسى الفزاري مقبول من السابعة "عن خيثمة" هو ابن أبي خيثمة البصري أبو نصر لين الحديث من الرابعة. قوله: "من ابتغى" أي طلب في نفسه "ومن أكره" أي أجبر. قوله: "وهو أصح من حديث إسرائيل عن عبد الأعلى" أي حديث أبي عوانة عن عبد الأعلى بذكر خيثمة أصح من حديث إسرائيل عن عبد الأعلى بغير ذكر خيثمة قال الحافظ وطريق خيثمة أخرجه أبو داود الترمذي(4/554)
عَنْ عَمْرِو بنِ عَمْرو، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ، أوْ جُعِلَ قَاضِياً بَيْنَ النّاسِ، فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكّينٍ".
قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رُوِيَ أيضاً مِنْ غَيْرِ هذَا الْوَجْهِ عنْ أبي هُرَيرَةَ عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
والحاكم انتهى. "من ولى القضاء" بصيغة المجهول من التولية "أو" للشك من الراوي "جعل قاضياً" بصيغة المجهول أي جعله السلطان قاضياً "فقد ذبح" بصيغة المجهول "بغير سكين" قال ابن الصلاح: المراد ذبح من حيث المعنى لأنه بين عذاب الدنيا إن رشد وبين عذاب الاَخرة إن فسد. وقال الخطابي ومن تبعه إنما عدل عن الذبح بالسكين ليعلم أن المراد ما يخاف من هلاك دينه دون بدنه وهذا أحد الوجهين. والثاني أن الذبح بالسكين فيه إراحة للمذبوح، وبغير السكين كالخنق وغيره يكون الألم فيه أكثر فذكر ليكون أبلغ في التحذير. ومن الناس من فتن بمحبة القضاء فأخرجه عما يتبادر إليه الفهم من سياقه فقال: إنما قال ذبح بغير سكين ليشير إلى الرفق به، ولو ذبح بالسكين لكان أشق عليه ولا يخفى فساد هذا كذا في التلخيص. قوله: "هذا حديث حسن غريب من هذ الوجه" وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم والبيهقي. قال الحافظ: وله طرق، وأعله ابن الجوزي فقال هذا حديث لا يصح. وليس كما قال وكفاه قوة تخريج النسائي له. وذكر الدارقطني الخلاف فيه على سعيد المقبري قال: والمحفوظ عن سعيد المقبري عن أبي هريرة انتهى .(4/555)
باب ماجاء في القاضي يصيب و يخطيء
...
2 ـ باب مَا جَاءَ في الْقَاضِي يصِيبُ وَيخطئ
1343 ـ حدثنا الحُسَيْنُ بنُ مَهْدِي، حدّثنا عَبْدُ الرّزّاقِ. اخبرنا مَعْمَر، عَنْ سُفْيانَ الثّوْرِيّ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ، عَنْ أبي بَكْرٍ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، عَنْ أبي سَلَمَةَ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في الْقَاضِي يصِيبُ وَيخطئ
قوله: "فاجتهد" عطف على الشرط على تأويل أراد الحكم "فأصاب" عطف(4/555)
فَلَهُ أجْرَانِ. وإذَا حَكَمَ فَأَخْطَأَ فلَهُ أجْرٌ وَاحِدٌ". وفي البابِ عَنْ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ. حديثُ أبي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ، عَنْ يَحْيى بنِ سَعِيدٍ، إلاّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدَ الرّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثّورِيّ.
ـــــــ
على فاجتهد أي وقع اجتهاده موافقاً لحكم الله "فله أجران" أي أجر الاجتهاد وأجر الإصابة والجملة جزاء الشرط "فأخطأ فله أجر واحد" قال الخطابي: إنما يؤجر المخطئ على اجتهاده في طلب الحق لأن اجتهاده عبادة ولا يؤجر على الخطأ بل يوضع عنه الإثم وهذا فيمن كان جامعاً لاَلة الاجتهاد، عارفاً بالأصول، عالماً بوجوه القياس. فأما من لم يكن محلاً للاجتهاد فهو متكلف ولا يعذر بالخطأ بل يخاف عليه الوزر. ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "القضاء ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار". وهذا إنما هو في الفروع المحتملة للوجوه المختلفة دون الأصول التي هي أركان الشريعة وأمهات الأحكام التي لا تحتمل الوجوه ولا مدخل فيها للتأويل فإن من أخطأ فيها كان غير معذور في الخطأ وكان حكمه في ذلك مردوداً كذا في المرقاة. قوله: "وفي الباب عن عمرو بن العاص" أخرجه الشيخان "وعقبة بن عامر" أخرجه الحاكم والدارقطني. قوله: "حديث أبي هريرة حديث حسن غريب الخ" وأخرجه الشيخان عن عبد الله ابن عمرو وأبي هريرة .(4/556)
باب ماجاء في القاضي كيف يقضي
...
3 ـ باب مَا جاءَ في القَاضي كيف يَقْضِي
1344 ـ حدثنا هَنّادٌ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أبي عَوْنٍ الثقفي عنِ الحَارِثِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ رِجَالٍ مِنْ أصْحابِ مُعَاذٍ أنّ رسولَ الله صلى
ـــــــ
باب مَا جاءَ في القَاضي كيف يَقْضِي
قوله: "عن أبي عون" اسمه محمد بن عبيد الله الثقفي الكوفي ثقة من الرابعة "عن الحارث بن عمرو" هو ابن أخ للمغيرة بن شعبة الثقفي، ويقال ابن عون مجهول من السادسة كذا في التقريب. وفي الميزان ما روي عن الحارث غير(4/556)
الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذاً إلى الْيَمَنِ فَقَالَ: "كَيْفَ تَقْضِي"؟ فَقَالَ: أقْضِي بِمَا في كِتَابِ الله. قالَ: "فإن لمْ يَكُن فِي كِتَابِ الله" ؟ قالَ: فبِسُنّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "فإنْ لَمْ يكُنْ في سُنّةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟" قَالَ: أجْتَهِدُ رَأْيِي. قَالَ: "الْحَمْدُ لله الذِي وَفّقَ رسول رَسُولَ الله".
13445 ـ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ جعفر وَ عَبْدُ الرّحمَنِ بنُ مَهْدِيَ قَالاَ: حدّثنَا شُعْبَةُ عَنْ أبي عوْنٍ عَنْ الْحَارِثِ بنِ عَمْرو، ابْنِ أخٍ لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ أنَاسٍ مِنْ أهْلِ حِمْص، عَنْ مُعَاذٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه. هذا حديثٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَيْسَ إسْنَادُهُ عِنْدِي بِمُتّصِلٍ. وَأَبُو عَوْنٍ الثَقَفِيّ، اسْمُهُ مُحَمّدُ بنُ عُبَيْدِ الله.
ـــــــ
أبي عون وهو مجهول "قال اجتهد رأيي" قال ابن الأثير في النهاية الاجتهاد بذل الوسع في طلب الأمر وهو افتعال من الجهد الطاقة، والمراد به رد القضية التي تعرض للحاكم من طريق القياس إلى الكتاب والسنة، ولم يرد الرأي الذي يراه من قبل نفسه عن غير حمل على كتاب وسنة انتهى. وقال الطيبي: قوله اجتهد رأيي المبالغة قائمة في جوهر اللفظ وبناؤه للافتعال للاعتمال والسعي وبذل الوسع. قال الراغب الجهد الطاقة والمثقة، والاجتهاد أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمل المشقة. يقال جهدت رأيي واجتهدت اتعبته بالفكر. قال الخطابي لم يرد به الرأي الذي يسنح له من قبل نفسه أو يخطر بباله على غير أصل من كتاب وسنة، بل أراد رد القضية إلى معنى الكتاب والسنة من طريق القياس. وفي هذا إثبات للحكم بالقياس كذا في المرقاة "الحمدلله الذي وفق رسول رسول الله" زاد في رواية أبي داود لما يرضي رسول الله. قوله: "عن أناس من أهل حمص" بكسر الحاء المهملة وسكون الميم كورة بالشام. قوله: "هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه" وأخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني. قال الحافظ في التلخيص: قال البخاري في تاريخه الحارث بن عمرو عن أصحاب معاذ وعنه أبو عون لا يصح(4/557)
ـــــــ
ولا يعرف إلا بهذا وقال الدارقطني في العلل رواه شعبة عن أبي عون هكذا وأرسله ابن مهدي وجماعة عنه والمرسل أصح. قال أبو داود أكثر ما كان يحدثنا شعبة عن أصحاب معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال مرة عن معاذ، وقال ابن حزم لا يصح لأن الحارث مجهول وشيوخه لا يعرفون، قال وادعى بعضهم فيه التواتر وهذا كذب بل هو ضد التواتر لأنه ما رواه أحد غير أبي عون عن الحارث. فكيف يكون متواتراً؟ وقال عبد الحق لا يسند ولا يوجد من وجه صحيح. وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية لا يصح وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه وإن كان معناه صحيحاً. وقال ابن طاهر في تصنيف له مفرد في الكلام على هذا الحديث: اعلم أنني فحصت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار وسألت عنه من لقيته من أهل العلم بالنقل فلم أجد له غير طريقين أحدهما طريق شعبة والأخرى عن محمد بن جابر عن أشعث بن أبي الشعثاء عن رجل من ثقيف عن معاذ وكلاهما لا يصح انتهى. وقال الحافظ بن القيم في أعلام الموقعين: بعد ذكر حديث معاذ رضي الله عنه هذا ما لفظه: هذا حديث وإن كان عن غير مسمين فهم أصحاب معاذ فلا يضره ذلك لأنه يدل على شهرة الحديث، وأن الذي حدث به الحارث بن عمرو عن جماعة من أصحاب معاذ لا واحد منهم، وهذا أبلغ في الشهرة من أن يكون عن واحد منهم لو سمي كيف وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى؟ ولا يعرف في أصحابه متهم ولا كذاب ولا مجروح بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم لا يشك أهل العلم بالنقل في ذلك. كيف وشعبة حامل لواء هذا الحديث، وقد قال بعض أئمة الحديث: إذا رأيت شعبة في إسناد حديث فاشدد يديك به. قال أبو بكر الخطيب: وقد قيل إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ وهذا إسناد متصل ورجاله معروفون بالثقة على أن أهل العلم قد نقلوه واحتجوا به فوقفنا بذلك على صحته عندهم كما وقفنا على صحة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا وصية لوارث". وقوله في البحر: هو الطهور ماؤه والحل ميتته. وقوله: إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة تحالفاً وتراد البيع. وقوله: الدية على العاقلة. وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد.. . ولكن لما نقلها الكافة عن الكافة غنوا بصحتهاعندهم عن طلب الإسناد لها. فكذلك حديث معاذ لما احتجوا به جميعاً غنوا عن طلب الإسناد انتهى كلامه. وقد جوز النبي صلى الله عليه وسلم للحاكم أن يجتهد رأيه وجعل له على خطئه في اجتهاد الرأي أجراً واحداً إذا كان قصده معرفة الحق وأتباعه. وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهدون في النوازل ويقيسون بعض الأحكام على بعض ويعتبرون النظير بنظيره. ثم بسط ابن القيم في ذكر اجتهادات الصحابة رضي الله عنهم قال: وقد اجتهد الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحكام ولم يغنهم، كما أمرهم يوم الأحزاب أن يصلوا العصر في بني قريظة فاجتهد بعضهم وصلاها في الطريق وقال لم يرد منا التأخير وإنما أراد سرعة النهوض فنظروا إلى المعنى. واجتهد آخرون وأخروها إلى بني قريظة فصلوها ليلاً نظروا إلى اللفظ. وهؤلاء سلف أهل الظاهر وأولئك سلف أصحاب المعاني والقياس. وقال في آخر كلامه: قال المزنى: الفقهاء من عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا وهلم جرا استعملوا المقاييس في الفقه في جميع الأحكام في أمر دينهم. قال وأجمعوا بأن نظير الحق حق ونظير الباطل باطل فلا يجوز لأحد إنكار القياس لأنه التشبيه بالأمور والتمثيل عليها. انتهى ما في الأحكام. قلت الأمر كما قال ابن القيم لكن ما قال في تصحيح حديث الباب ففيه عندي كلام .(4/558)
باب ماجاء في الإمام العادل
...
4 ـ باب مَا جَاءَ في الإمَامِ العَادِل
1346 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ الْمُنْذِرِ الْكُوفِيّ. حدّثنَا مُحَمّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ فُضَيْلٍ بن مَرْزوقٍ، عَنْ عَطِيّةَ، عَنْ أبي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ أَحَبّ النّاسِ إلى الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأذْناهُمْ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في الإمَامِ العَادِل
قوله: "عن عطية" ابن سعد بن جنادة العوفي الجدلي أبي الحسن الكوفي ضعفه الثوري وهشيم وابن عدي وحسن له الترمذي أحاديث كذا في الخلاصة. وقال في التقريب: صدوق يخطئ كثيراً كان شيعياً مدلساً انتهى. وقال في الميزان تابعي شهير ضعيف قال أبو حاتم يكتب حديثه ضعيف وقال ابن معين: صالح وقال أحمد ضعيف الحديث، وقال النسائي وجماعة ضعيف انتهى مختصراً(4/559)
مِنْهُ مَجْلِساً، إمَامٌ عَادِلٌ. وَأَبْغَضَ النّاسِ إلى الله، وَأَبْعَدَهُمْ مِنْهُ مَجْلِساً إمَامٌ جَائِرٌ". وفي البابِ عَنْ عبدالله بنِ أبِي أوْفَى. حديثُ أبي سَعِيدٍ حَديثٌ حَسَنٌ، غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفِهُ إلاّ مِنْ هَذا الْوَجْهِ.
1327 ـ حدثنا عَبْدُ الْقُدُوسِ بنِ مُحَمّد، أبُو بَكْرٍ الْعَطّارُ. حدّثنَا عَمْرُو بنُ عَاصِمٍ. حَدّثنَا عِمْرَان الْقُطّانُ عَنْ أبي إسْحَاقَ الشّيْبَانِيّ عَنْ عبدالله بن أبي أوْفَى، قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله مَعَ الْقاضِي مَا لَمْ يَجُرْ. فَإِذَا جَارَ تَخَلّى عَنْهُ وَلَزمَهُ الشّيْطَانُ". هذا حديثٌ حسنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ الْقَطّانِ.
ـــــــ
"عن أبي سعيد" الخدري رضي الله عنه. قوله: "إن أحب الناس" أي أكثرهم محبوبية قاله القاري، وقال المناوي أي أسعدهم بمحبته "وأدناهم" أي أقربهم "منه مجلساً" أي مكانة ومرتبة قاله القاري، وقال المناوي أي أقربهم من محل كرامته وأرفعهم عنده منزلة "إمام جائر" أي ظالم قوله: "وفي الباب عن ابن أبي أوفى" أخرجه الترمذي في هذا الباب. قوله: "حديث أبي سعيد حديث حسن غريب" في سنده عطية العوفي وقد عرفت حاله. قوله: "حدثنا عمرو بن عاصم" القيسي أبو عثمان البصري صدوق، في حفظه شيء، من صغار التاسعة "حدثنا عمران القطان" هو ابن داود بفتح الواو بعدها راء أبو العوام صدوق يهم ورمي برأي الخوارج من السابعة.
قوله: "عن ابن أبي أوفى" هو عبد الله بن أبي أوفى واسم أبي أوفى علقمة بن قيس الأسلمي شهد الحديبية وخيبر وما بعدهما من المشاهد ولم يزل بالمدينة حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم ثم تحول إلى الكوفة وهو آخر من مات من الصحابة بالكوفة سنة سبع وثمانين. ووهم القاري في شرح المشكاة فقال هو عبد الله بن أنيس الجهني الأنصاري. قوله: "الله" وفي بعض النسخ إن الله "مع القاضي" أي بالنصرة والإعانة "ما لم يجر" بضم الجيم أي ما لم يظلم "تخلى عنه" أي خذله وترك عونه "ولزمه الشيطان" لا ينفك عن إضلاله قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى. قال المناوي في شرح الجامع الصغير قال الحاكم صحيح وأقروه انتهى. وفي الباب عن ابن مسعود مرفوعا بلفظ : إن الله ع القاضي مالم يحف عمداً أخرجه الطبراني ، فال المناوي ضعيف لضعف جعفر بن سليمان القاري أنتهى.(4/560)
باب ماجاء في القاضي لا يقضي بين الخصمين حتى يسمع كلامهما
...
5 ـ باب ما جاءَ في الْقاضِي لا يَقْضِي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ حتّى يَسْمعَ كَلاَمَهُمَا
1348 ـ حدثنا هَنّاد. حَدّثَنا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيّ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عَنْ حَنَشٍ، عَنْ عَلِي، قَالَ: قالَ لي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا تقَاضَى إلَيْكَ رَجُلاَنِ، فَلاَ تَقْضِ لِلأَوّلِ حَتى تَسمَعَ كَلاَمَ الاَخَرِ. فَسَوْفَ تَدْرِي كَيْفَ تَقْضِي". قال عَلِيّ: فَمَا زِلْتُ قَاضِياً بَعْدُ. هذا حديثٌ حسنٌ.
ـــــــ
باب ما جاءَ في الْقاضِي لا يَقْضِي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ حتّى يَسْمعَ كَلاَمَهُمَا
قوله: "عن حنش" بفتح الحاء المهملة والنون الخفيفة هو ابن المعتمر الكناني الكوفي صاحب علي. قال الحافظ صدوق له أوهام "إذا تقاضى إليك رجلان" أي ترافع إليك خصمان "فلا تقض للأول" أي من الخصمين وهو المدعي "حتى تسمع كلام الاَخر" قال الخطابي فيه دليل على أن الحاكم لا يقضي على غائب. وذلك أنه صلى الله عليه وسلم إذا منعه من أن يقضي لأحد الخصمين وهما حاضران حتى يسمع كلام الاَخر ففي الغائب أولى بالمنع. وذلك لإمكان أن يكون مع الغائب حجة تبطل دعوى الاَخر وتدحض حجته. قال الأشرف: لعل مراد الخطابي بهذا الغائب الغائب عن محل الحكم فحسب دون الغائب إلى مسافة القصر، فإن القضاء على الغائب إلى مسافة القصر جائز عند الشافعي كذا في المرقاة "فسوف تدري كيف تقضي" وفي رواية أبي داود فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء "فما زلت قاضياً بعد" أي بعد دعائه وتعليمه صلى الله عليه وسلم. والحديث رواه الترمذي هكذا مختصراً، ورواه ابن ماجه هكذا: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت يا رسول الله بعثتني وأنا شاب أقضي بينهم ولا أدري ما القضاء؟ قال فضرب بيده في صدري ثم قال "اللهم اهد قلبه وثبت لسانه". قال فما شككت بعد في قضاء بين اثنين. ورواه أبو داود نحو ذلك. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أبو داود وابن ماجه ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره(4/561)
باب ماجاء في إمام الرعية
...
6ـ باب مَا جَاءَ في إمَامِ الرّعِيّة
1349 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، حدّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدّثَنِي عَلِيّ بنُ الْحَكَمِ، حدّثني أبُو الْحَسَنِ قَالَ: قالَ عَمْرُو بْنِ مُرّةَ لِمُعَاوِيَةَ: إنّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ إمَامٍ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوي الْحَاجَةِ والخَلّةِ وَالمَسْكَنَةِ، إلاّ أغْلَقَ الله أبْوَابَ السّمَاءِ دُونَ خَلّتِهِ وَحَاجَتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ. فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ رَجُلاً عَلَى حَوَائجِ النّاسِ". وفي البابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ. وَعَمْرُو بْنُ مُرّةَ الْجُهَنِيّ، يُكْنَى أبَا مَرْيَمَ.
1350 ـ حدثنا عَليّ بْنُ حُجْرٍ. حدّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عنْ يَزيدَ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في إمَامِ الرّعِيّة
قوله: "قال عمرو بن مرة" في التقريب عمرو بن مرة الجهني أبو طلحة أو أبو مريم صحابي مات بالشام في خلافة معاوية انتهى. وقال صاحب المشكاة عمرو بن مرة يكنى أبا مريم الجهني وقيل الأزدي شهد أكثر المشاهد انتهى. قوله: "وما من إمام يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة" أي يحتجب ويمتنع من الخروج عند احتياجهم إليه والخلة بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام الحاجة والفقر. فالحاجة والخلة والمسكنة ألفاظ متقاربة وإنما ذكرها للتأكيد والمبالغة "إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته" أي أبعده ومنعه عما يبتغيه من الأمور الدينية أو الدنيوية فلا يجد سبيلاً إلى حاجة من حاجاته الضرورية. قال القاضي: المراد باحتجاب الوالي أن يمنع أرباب الحوائج والمهمات أن يدخلوا عليه فيعرضوها له ويعسر عليهم إنهاوها. واحتجاب الله تعالى أن لا يجيب دعوته ويخيب آماله انتهى.
قوله: "وفي الباب عن ابن عمر" أخرجه الشيخان عنه مرفوعاً بلفظ: كلكم راع الحديث قوله: "حديث عمر بن مرة حديث غريب" وأخرجه أحمد والحاكم(4/562)
أبي مَرْيَمَ، عنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، عَنْ أبي مَرْيَمَ صَاحِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، عَنِ النّبي صلى الله عليه وسلم: نحْو هَذَا الحْدِيثِ بِمَعْنَاهُ
ـــــــ
والبزار. قوله: "عن القاسم بن مخيمرة" بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وسكون التحتية وكسر الميم "عن أبي مريم" هو عمرو بن مرة المذكور "نحو هذا الحديث بمعناه" أخرجه أبو داود قال الحافظ في الفتح إن سنده جيد .(4/563)
باب ماجاء لا يقضي القاضي وهو غضبان
...
7 ـ باب ما جاءَ لاَ يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَان
1351 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حَدّثنَا أبو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الملِكِ بنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أبي بَكرَةَ. قالَ كَتَبَ أبي إلى عُبَيْدِ الله بنُ أبي بَكْرَةَ وَهُوَ قَاضٍ، أن لا تَحْكُمْ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ.
ـــــــ
باب ما جاءَ لاَ يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَان
قوله: "وهو قاض" أي بسجستان كما في رواية مسلم "لا يحكم الحاكم بين اثنين" أي متخاصمين "وهو غضبان" بلا تنوين أي في حالة الغضب لأنه لا يقدر على الاجتهاد والفكر في مسألتهما قال ابن دقيق العيد: النهي عن الحكم حالة الغضب لما يحصل بسببه من التغير الذي يختل به النظر فلا يحصل استيفاء الحكم على الوجه. قال وعداه الفقهاء بهذا المعنى إلى كل ما يحصل به تغير الفكر كالجوع والعطش المفرطين وغلبة النعاس وسائر ما يتعلق به القلب تعلقاً بشغله عن استيفاء النظر وهو قياس مظنة على مظنة. وقد أخرج البيهقي بسند ضعيف عن أبي سعيد رفعه: لا يقضي القاضي إلا هو شبعان ريان. وسبب ضعفه أن في إسناده القاسم العمرى وهو متهم بالوضع. وظاهر النهي التحريم ولا موجب لصرفه عن معناه الحقيقي إلى الكراهة فلو خالف الحاكم فحكم في حال الغضب، فذهب الجمهور إلى أنه يصح إن صادف الحق لأنه صلى الله عليه وسلم قضى للزبير في حال الغضب كما في حديث عبد الله بن الزبير عن أبيه. فكأنهم جعلوا ذلك قرينة صارفة للنهي إلى الكراهة. قال الشوكاني: ولا يخفى أنه لا يصح إلحاق غيره صلى الله عليه وسلم به في مثل ذلك لأنه معصوم عن الحكم بالباطل في رضائه(4/563)
فَإِني سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ يَحْكُمْ الْحَاكِمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ".
قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وَأَبُو بَكْرَةَ، اسْمُهُ نُفَيْعٌ.
ـــــــ
وغضبه، بخلاف غيره فلا عصمة تمنعه عن الخطأ ولهذا ذهب بعضهم إلى أنه لا ينفذ الحكم في حال الغضب لثبوت النهي عنه، والنهي يقتضي الفساد. وفصل بعضهم بين أن يكون الغضب طرأ عليه بعد أن استبان له الحكم فلا يؤثر وإلا فهو محل الخلاف. قال الحافظ ابن حجر وهو تفصيل معتبر.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان "وأبو بكرة اسمه نفيع" بضم النون وفتح الفاء مصغراً صحابي مشهور بكنيته .(4/564)
باب ماجاء في هدايا الأمراء
...
8 ـ باب مَا جَاءَ في هَدَايَا الأُمَرَاء
1352 ـ حدثنا أبُو كُرَيْبٍ. حدثنا أبُو أُسامَةَ عنْ دَاوُدَ بْن يَزِيدَ الأَوْدِيّ، عَنِ المٍغِيرَةِ بنِ شُبَيْلٍ، عَنْ قَيْسِ بنِ أبي حَازِمٍ، عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى اليَمَنِ. فَلمّا سِرْتُ، أرْسَلَ في أثَرِي. فَرُددْتُ فَقَالَ: "أتَدْرِي لِمَ بَعَثْتُ إلَيْكَ؟ لاَ تُصيبَنّ شَيْئاً بِغَيرِ إذْنِي فإنّهُ غُلُولٌ. وَمَنْ يَغَلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلّ يَوْمَ الْقِيامَةِ. لِهَذَا دَعَوْتُكَ، فَامْضِ لِعَمَلِكَ". وفي البابِ عَنْ عَدِيّ بنِ عَمِيرَةَ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في هَدَايَا الأُمَرَاء
قوله: "في أثرى" بفتحتين وبكسر وسكون أي عقبي "فرددت" بصيغة المجهول من الرد أي فرجعت إليه ووقفت بين يديه "قال لا تصيبن شيئاً" فيه إضمار تقديره بعثت إليك لأوصيك وأقول لك لا تصيبن أي لا تأخذن "فإنه غلول" أي خيانة والغلول هو الخيانة في الغنيمة "ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة" قال الطيبي أراد بما غل ما ذكره في قوله صلى الله عليه وسلم لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء الحديث "لهذا" أي لأجل هذا النصح "وامض" أي أذهب وفي بعض النسخ فامض بالفاء. قوله: "وفي الباب عن عدي بن عميرة"(4/564)
وَبُرَيْدَةَ والمُسْتَوْرِدِ بنِ شَدّادٍ وَأَبِي حُمَيْدٍ وابنِ عُمَرَ. حَدِيثُ مُعَاذٍ، حديثٌ غريبٌ لاَ نعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ أبي أُسَامَةَ عَنْ دَاوُدَ الأَوْدِيّ.
ـــــــ
بفتح العين المهملة وكسر الميم أخرجه مسلم وأبو داود "وبريدة" أخرجه أبو داود والحاكم "والمستوردين بن شداد" بتشديد الدال الأولى أخرجه أبو داود "وأبي حميد" أخرجه البيهقي وابن عدي قال الحافظ إسناده ضعيف "وابن عمر رضي الله عنه" لينظر من أخرجه. قوله: "حديث معاذ حديث حسن غريب الخ" ذكر الحافظ هذا الحديث في الفتح وعزاه إلى الترمذي وسكت عنه .(4/565)
باب ماجاء في الراشي والمرتشي في الحكم
...
9 ـ باب ما جاء في الرّاشِي والمُرْتَشِي فِي الْحكم
1353 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا أبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ أبي سَلَمَةَ عنْ أبِيهِ، عَنْ أبي هُرَيرَةَ قالَ: لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرّاشِي وَالمُرْتَشِيَ في الحُكْمِ. وفي البابِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو
ـــــــ
باب ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم
الراشي هو دافع الرشوة والمرتشي آخذها قوله: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي في الحكم" زاد في حديث ثوبان والرائش يعني الذي يمشي بينهما. رواه أحمد قال ابن الأثير في النهاية الرّشوة والرّشوة الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة وأصله من الرشا الذي يتوصل به إلى الماء فالراشي من يعطي الذي يعينه على الباطل. والمرتشي الاَخذ والرائش الذي يسعى بينهما يستزيد لهذا أو يستنقص لهذا. فأما ما يعطى توصلاً إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه. روى أن ابن مسعود أخذ بأرض الحبشة في شيء فأعطى دينارين حتى خلى سبيله. وروى عن جماعة من أئمة التابعين قالوا لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم. انتهى كلام ابن الأثير. وفي المرقاة شرح المشكاة قيل: الرشوة ما يعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل. أما إذا أعطى ليتوصل به إلى حق أو ليدفع به عن نفسه ظلماً فلا بأس به. وكذا الاَخذ إذا أخذ ليسعى في إصابة صاحب الحق فلا بأس به. لكن هذا ينبغي أن يكون في غير القضاة والولاة.(4/565)
وعَائِشَةَ، وابنِ حَدِيدَةَ وأَمّ سَلَمَةَ. حَدِيثُ أبِي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَديثُ عَنْ أبي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو
وَرُوِيَ عَنْ أبي سَلَمَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ يَصِحّ. قال وسَمِعْتُ عَبْدَ الله بن عَبْدِ الرّحْمَنِ يَقُولُ: حَدِيثُ أبي سَلَمَةَ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم، أَحْسَنُ شَيْءٍ في هَذَا البَابِ وَأَصَح.
1354 ـ حدثنا أبُو مُوسَى مُحَمّدُ بنُ المُثَنّى. حَدّثَنَا أبُو عَامِرٍ
ـــــــ
لأن السعي في إصابة الحق إلى مستحقه ودفع الظلم عن المظلوم واجب عليهم فلا يجوز لهم الأخذ عليه قال القاري: كذا ذكره ابن الملك وهو مأخوذ من كلام الخطابي: إلا قوله وكذا الاَخذ ـ وهو بظاهره ينافيه حديث أبي أمامة مرفوعاً: من شفع لأحد شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا. رواه أبو داود انتهى. قوله: "وفي الباب عن عبد الله بن عمرو" أخرجه الترمذي وصححه وأبو داود وابن ماجه قال الشوكاني في النيل: إسناده لا مطعن فيه "وعائشة الخ" قال الحافظ في التلخيص مخرجاً أحاديث الباب: أما حديث عائشة وأم سلمة فينظر من أخرجهما "وابن حديدة" كذا في أكثر النسخ قال في أسد الغابة عن أبي نعيم وابن مندة أنه الصواب. قال وقيل أبو حديدة انتهى. بالمعنى وفي بعضها ابن حيدة وفي أبي حديد كذا في بعض الحواشي. قوله: "حديث أبي هريرة حديث حسن" وأخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان وصححه. قال الشوكاني قد عزاه الحافظ في بلوغ المرام إلى أحمد والأربعة وهو وهم فإنه ليس في سنن أبي داود غير حديث ابن عمرو ووهم أيضاً بعض الشراح فقال: إن أبا داود زاد في روايته لحديث ابن عمرو لفظ في الحكم وليست تلك الزيادة عند أبي داود. قال ابن رسلان في شرح السنن: وزاد الترمذي والطبراني بإسناد جيد في الحكم انتهى. قلت الأمر كما قال الشوكاني. قوله: "وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن" هو عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام السمرقندي(4/566)
الْعَقَدِيّ. حَدّثَنَا ابنُ أبي ذِئْبٍ عَنْ خَالِهِ الْحَارِثِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أبي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرو، قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الرّاشِيَ وَالمُرْتَشِيَ. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
أبو محمد الدارمي الحافظ صاحب المسند ثقة فاضل متقن مات سنة خمس وخمسين ومائتين.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" تقدم تخريجه .(4/567)
باب ماجاء في قبول الهدية وإجابة الدعوة
...
10 ـ باب مَا جَاءَ في قَبُولِ الْهدِيّةِ وَإِجَابَةِ الدّعْوَة
1355 ـ حدثنا ألو بكر مُحَمّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ بَزِيع. حدّثَنَا بِشْرُ بنُ المُفَضّلِ. حَدّثَنَا سَعِيدٌ عنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أنَسٍ بنِ مَالِكٍ، قَالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أُهْدِيَ إلَيّ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ. وَلَوْ دُعِيتُ عَلَيْهِ لأَجَبْتُ". وفي البابِ عَنْ عَلِي وَ عَائشَةَ والْمُغِيرَةِ بنِ شُعْبَة و سَلْمَانُ ومُعَاوِيَةَ بْن حَيْدَةَ وَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ عَلْقَمَةَ. حَدِيثُ أنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في قَبُولِ الْهدِيّةِ وَإِجَابَةِ الدّعْوَة
قوله: "لو أهدي إلى كراع" بضم الكاف وفتح الراء المخففة هو مستدق الساق من الرجل، ومن حد الرسغ من اليد. وهو من الغنم والبقر بمنزلة الوظيف من الفرس والبعير. وقيل الكراع ما دون الكعب من الدواب. وقال ابن فارس كراع كل شيء طرفه. كذا في الفتح "ولو دعيت عليه" أي على الكراع، ووقع في حديث أبي هريرة عند البخاري: لو دعيت إلى كراع لأجبت. قال الحافظ في الفتح: وقد زعم بعض الشراح، وكذا وقع للغزالي أن المراد بالكراع في هذا الحديث المكان المعروف بكراع الغميم، وهو موضع بين مكة والمدينة. وزعم أنه أطلق ذلك على سبيل المبالغة في الإجابة ولو بعد المكان لكان المبالغة في الإجابة مع حقارة الشيء أوضح ولهذا ذهب الجمهور إلى أن المراد بالكراع هنا كراع الشاة، وأغرب الغزالي في الإحياء فذكر الحديث بلفظ: ولو دعيت إلى كراع الغميم. ولا أصل لهذه الزيادة انتهى. قلت: لفظ الترمذي ولو دعيت عليه لأجبت يرد على من قال إن المراد بالكراع كراع الغميم. وفي الحديث دليل على حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وتواضعه وجبره لقلوب الناس، وعلى قبول الهدية وإجابة من يدعو الرجل إلى منزله.
ولو علم أن الذي يدعوه إليه شيء قليل. قوله: "وفي الباب عن علي وعائشة والمغيرة بن شعبة وسلمان ومعاوية بن حيدة وعبد الرحمن بن علقمة" قال في التلخيص: أخرج أحمد والبزار عن علي رضي الله عنه أن كسرى أهدى النبي صلى الله عليه وسلم هدية فقبل منه، وأن الملوك أهدوا إليه فقبل منهم. وفي النسائي عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي قال : لما قدم وفد ثقيف قدموا معهم بهدية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أهدية أم صدقة؟ الحديث. وفيه قالوا: لا بل هدية فقبلها، وللبخاري عن عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بطعام سأل أهدية أم صدقة؟ فإن قيل صدقة قال لأصحابه كلوا وإن قيل هدية فضرب بيده فأكل معهم. قال الحافظ: والأحاديث في ذلك شهيرة. قوله: "حديث أنس حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري من حديث أبي هريرة بلفظ: لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدى إلي ذراع لقبلت .(4/567)
باب ماجاء في التشديد على من يقضى له بشيء ليس له أن يأخذه
...
11 ـ باب مَا جَاءَ في التّشْدِيدِ عَلَى مَنْ يُقْضَى لَهُ بِشَيْءٍ لَيْس لَهُ أنْ يَأْخذَه
1356 ـ حدثنا هَارُونُ بْنُ إسْحَاقَ الْهَمْدَانِيّ. حَدّثنَا عَبْدَةُ بنُ سُليمانَ عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أمّ سَلمَةَ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "إنّكم تَخْتَصِمُونَ إِليّ، وَإنّما أنَا بَشَرٌ، وَلَعَلّ بَعْضكُمْ أَنْ يكونَ أَلْحَنَ بِحِجّتِهِ مِنْ بَعْضِ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في التّشْدِيدِ عَلَى مَنْ يُقْضَى لَهُ بِشَيْءٍ لَيْس لَهُ أنْ يَأْخذَه
قوله: "إنكم تختصمون إلي" أي ترمون المخاصمة إلي "وإنما أنا بشر" أي كواحد من البشر في عدم علم الغيب. قال النووي: معناه التنبيه على حالة البشرية. وأن البشر لا يعلمون عن الغيب وبواطن الأمور شيئاً إلا أن يطلعهم الله تعالى على شيء من ذلك. وأنه يجوز عليه في أمور الأحكام ما يجوز عليهم. وأنه إنما يحكم بين الناس بالظاهر ولا يتولى السرائر فيحكم بالبينة وباليمين ونحو ذلك من أحكام الظاهر مع إمكان كونه في الباطن خلاف ذلك. ولو شاء الله لأطلعه على باطن أمر الخصمين فحكم بيقين نفسه من غير حاجة إلى شهادة أو يمين. لكن لما أمر الله تعالى أمته بأتباعه والاقتداء، فأقواله وأفعاله وأحكامه أجرى له(4/568)
فإن قَضَيْتُ لأِحَدٍ مِنْكُمْ بِشَيءٍ مِنْ حَقّ أَخِيهِ، فإنّما أقْطَعُ لَهُ قطعة مِنْ النّارِ، فَلاَ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئاً". وفي البابِ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ وَ عَائِشَةَ. حَدِيثُ أمّ سَلمَةَ، حَدِيثٌ حسنٌ صَحِيحٌ.
ـــــــ
حكمهم في عدم الاطلاع على باطن الأمور ليكون حكم الأمة في ذلك حكمه، فأجرى الله تعالى أحكامه على الظاهر الذي يستوي فيه هو وغيره ليصح الاقتداء به انتهى "ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض" وفي رواية للبخاري ومسلم: ولعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض. قال الحافظ: ألحن بمعنى أبلغ لأنه من لحن بمعنى فطن وزنه ومعناه، والمراد أنه إذا كان أفطن كان قادراً على أن يكون أبلغ في حجته من الاَخر انتهى. "فإنما أقطع له من النار" وفي بعض النسخ قطعة من النار أي الذي قضيت له بحسب الظاهر إذا كان في الباطن لا يستحقه فهو عليه حرام يؤول به إلى النار. وقوله قطعة من النار تمثيل يفهم منه شدة التعذيب على من يتعاطاه فهو من مجاز التشبيه كقوله تعالى: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً} قال النووي: في هذا الحديث دلالة لمذهب مالك والشافعي وأحمد وجماهير علماء الإسلام وفقهاء الأمصار من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، أن حكم الحاكم لا يحل الباطل ولا يحل حراماً. فإذا شهد شاهداً زور لإنسان بمال، فحكم به الحاكم، لم يحل للمحكوم له من ذلك المال. ولو شهدا عليه بقتل لم يحل للولي قتله مع علمه بكذبهما. وإن شهد بالزور أنه طلق امرأته لم يحل لمن علم بكذبهما أن يتزوجها بعد حكم القاضي بالطلاق. وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: يحل حكم الحاكم الفروج دون الأموال فقال: نحل نكاح المذكورة. وهذا مخالف لهذا الحديث الصحيح وإجماع من قبله، ومخالف لقاعدة وافق هو وغيره عليها وهي أن الأبضاع أولى بالاحتياط من الأموال انتهى. قوله: "وفي الباب عن أبي هريرة" أخرجه ابن ماجه بنحو حديث الباب "وعائشة" لينظر من أخرجه. قوله: "حديث أم سلمة حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة وله ألفاظ(4/569)
باب ماجاء أن البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه
...
12 ـ باب ما جَاءَ في أنّ الْبَيّنَةَ عَلَى المُدّعِي
وَالْيَمِين عَلَى المُدّعَى علَيْه
1357 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدّثنَا أَبُو الأحْوَصِ عَن سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقمَةَ بنِ وَائِلِ بن حجر عَنْ أبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَ مَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم. فقَالَ الحَضْرَمِيّ يَا رَسُولَ الله إنّ هَذَا غَلَبَني عَلَى أرْضٍ لِي. فقَالَ الْكِنْدِيّ: هِيَ أرْضي وَفي يَدِي لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقّ. فقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم لِلْحَضْرَمِيّ "أَلَكَ بَيّنَةٌ"؟ قالَ: لاَ قالَ "فَلَكَ يَمِينُهُ" قَالَ: يَا رَسُولَ الله إنّ الرّجُلَ فَاجِرٌ لاَ يُبَالِي عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيهِ، وَلَيْسَ يَتَوَرّعُ مِنْ شَيْءٍ. قَالَ "لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إلاّ ذَلِكَ".
قَالَ، فَانْطَلَقَ الرّجُلُ لِيَحْلِفَ لَهُ. فَقَالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم لَمّا أَدْبَرَ "لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِكَ لِيَأْكُلَهُ ظُلْماً، ليَلْقَيَنّ الله وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ" وفي البابِ عَنْ عُمَرَ وَابنِ عَبّاسٍ وَعَبْدِ الله بْنِ عَمْروِ
ـــــــ
باب ما جَاءَ في أنّ الْبَيّنَةَ عَلَى المُدّعِي وَالْيَمِين عَلَى المُدّعَى علَيْه
قوله: "عن أبيه" هو وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه "جاء رجل من حضرموت" بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد وفتح الميم وسكون الواو وآخره مثناة فوقية وهو موضع من أقصى اليمن "ورجل من كندة" بكسر فسكون أبو قبيلة من اليمن "غلبني على أرض ليّ" أي بالغصب والتعدي "هي أرضي" أي ملك لي "وفي يدي" أي وتحت تصرفي "إن الرجل" أي الكندي "فاجر" أي كاذب "إلا ذلك" أي ما ذكر من اليمين "لما أدبر" أي حين ولي على قصد الخلف "على ماله" أي على مال الحضرمي "ليلقين الله" بالنصب "وهو" أي الله "عنه" أي الكندي "معرض" قال الطيبي هو مجاز عن الاستهانة به والسخط عليه والإبعاد عن رحمته نحو قوله تعالى {وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} قوله: "وفي الباب عن ابن عمر" لينظر من أخرجه "وابن عباس" أخرجه مسلم(4/570)
وَالأشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ. حَديثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ. حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ.
1358 ـ حدثنا عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ. أنبأنا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مُحَمّد بْنِ عُبَيْدِ الله، عَنْ عَمْروِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ في خُطْبتِهِ "الْبيّنَةُ عَلَى الْمُدّعِي. وَاليَمِينُ عَلَى الْمُدّعَى عَلَيْهِ". هذا حديثٌ في إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَمُحَمّدُ بْنُ عُبَيْدِ الله الْعَرْزَمِيّ يُضَعّفُ في الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ. ضَعَفّهُ ابنُ الْمُبَارَكِ وَغَيْرُهُ.
1359 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ الْبَغْدَادِيّ حدّثنَا مُحَمّدُ بنُ يُوسُفَ. حدّثنَا نَافِعُ بنُ عُمَرَ الجُمَحِيّ عَنْ عَبْدِ الله بنِ أَبي مُلَيْكَةَ، عَن ابنِ عَبّاسٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قضَى أنّ الْيمينَ عَلَى المُدّعَى عَلَيْهِ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى
ـــــــ
مرفوعاً: لو يعطي الناس بدعواهم لادعى الناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه. وفي رواية البيهقي: لكن البينة على المدعى واليمين على من أنكر، وإسناده حسن أو صحيح على ما قال النووي في شرح مسلم "وعبد الله ابن عمرو" أخرجه الترمذي "والأشعث بن قيس" أخرجه أبو داود وابن ماجه قوله: "حديث وائل بن حجر حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم. قوله: "البينة على المدعى عليه" لأن جانب المدعي ضعيف فكلف حجة قوية وهي البينة وجانب المدعى عليه قوي فقنع منه بحجة ضعيفة وهي اليمين. قوله: "ومحمد بن عبيد الله العرزمي" بعين مهملة مفتوحة فراء ساكنة فزاي مفتوحة أبي عبد الرحمن الكوفي "يضعف في الحديث" قال الحافظ في التقريب: متروك انتهى. وقال الذهبي في الميزان: قال أحمد بن حنبل ترك الناس حديثه. وقال ابن معين: لا يكتب حديثه. وقال الفلاس: متروك، قال الذهبي هو من شيوخ شعبة المجمع على ضعفه ولكن كان من عباد الله الصالحين. مات سنة خمس وخمسين ومائة انتهى. قوله: "قضى أن اليمين على المدعى عليه" أي المنكر ولم يذكر في هذا الحديث(4/571)
هَذَا عِنْدَ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ أن البَيّنَةَ عَلَى الْمُدّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمدّعَى عَلَيْه.
ـــــــ
أن البينة على المدعى، لأنه ثابت مقرر في الشرع. فكأنه قال البينة على المدعى فإن لم يكن له بينة فاليمين على المدعى عليه. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان .(4/572)
باب ماجاء في اليمين مع الشاهد
...
13 ـ باب مَا جَاءَ في الْيَمِينِ مَعَ الشّاهِد
1360 ـ حدثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِي حَدّثنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بنُ مُحَمّدٍ قَالَ: حَدّثَني رَبِيعةُ بنُ أبي عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ سُهَيْلٍ بنِ أبي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبي هُرِيْرَةَ، قَالَ قَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِالْيَمِينِ مَعَ الشّاهِدِ الْوَاحِدِ قَالَ رَبِيعَةُ: وَأخْبرَنِي ابنٌ لِسَعْدِ بنِ عُبَادَةَ قَالَ: وَجَدْنَا في كِتَابِ سَعْد أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بالْيَمينِ مَعَ الشّاهِدِ وفي البابِ عَن عَلِي وَجَابِرٍ وابنِ عَبّاسٍ وَسُرّقَ. حَدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قضَى بِالْيَمينِ مَعَ الشّاهِدِ، حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في الْيَمِينِ مَعَ الشّاهِد
قوله: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد الواحد" قال المظهر يعني كان للمدعي شاهد واحد فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلف على ما يدعيه بدلاً من الشاهد الاَخر فلما حلف قضى له صلى الله عليه وسلم بما ادعاه. وبهذا قال الشافعي ومالك وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا يجوز الحكم بالشاهد واليمين بل لا بد من شاهدين. وخلافهم في الأموال. فأما إذا كان الدعوى في غير الأموال فلا يقبل شاهد ويمين بالاتفاق. كذا في المرقاة. قوله: "وفي الباب عن علي" أخرجه أحمد والدارقطني من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن أمير المؤمنين على أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشهادة شاهد واحد ويمين صاحب الحق وقضى به أمير المؤمنين بالعراق. "وجابر" أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي "وسرق" بالضم وتشديد الراء وصوب العسكري تخفيفها ابن أسد(4/572)
1361 ـ حدثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ وَ مُحَمّدُ بنْ أَبّانَ قَالاَ. حَدّثَنا عَبْدُ الْوَهّابِ الثّقَفِيّ عَنْ جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ عَنْ أبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالْيَمينِ مَعَ الشّاهِدِ.
1362 ـ حدثنا عَلِيّ بنْ حُجْرٍ. أخبرنا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ. حدّثنَا جعْفَرُ بنُ مُحَمّدٍ عنْ أَبِيهِ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قضَى بالْيَمينِ مَعَ الشّاهِدِ الْوَاحِدِ قالَ: وَقضَى بهَا عَلِيّ فِيكُمْ. وهذَا أصَحّ. وهَكَذَا رَوَى سُفْيَانُ الثّوْرِيّ، عنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمّدٍ، عنْ أبِيهِ، عنِ النبيّ صلى الله عليه
ـــــــ
الجهني. وقيل غير ذلك نسبه صحابي سكن مصر ثم الإسكندرية وحديثه أخرجه ابن ماجه وفي إسناده رجل مجهول وهو الراوي عنه. قوله: "حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد حديث حسن غريب" وأخرجه ابن ماجه وأبو داود وزاد قال عبد العزيز الدراوردي فذكرت ذلك لسهيل فقال أخبرني ربيعة وهو عندي ثقة أني حدثته إياه ولا أحفظه. قال عبد العزيز وقد كان أصاب سهيلاً علة أذهبت بعض عقله ونسي بعض حديثه فكان سهيل بعد يحدثه عن ربيعة عنه عن أبيه انتهى. قال الحافظ في الفتح: رجاله مدنيون ثقات ولا يضره أن سهيل بن أبي صالح نسيه بعد أن حدث به ربيعة لأنه كان بعد ذلك يرويه عن ربيعة عن نفسه انتهى. وروى ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه أنه صحيح وقال ابن رسلان في شرح السنن: إنه صحح حديث الشاهد واليمين الحافظان أبو زرعة وأبو حاتم من حديث أبي هريرة وزيد بن ثابت. قوله: "عن جعفر بن محمد" هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله المعروف بالصادق صدوق فقيه إمام مات سنة ثمان وأربعين ومائة عن ثمان وستين سنة "عن أبيه" هو محمد بن علي بن الحسين أبو جعفر المعروف بالباقر قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث توفي سنة أربع عشرة ومائة. "عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد" . حديث جابر هذا أخرجه أحمد وابن ماجه أيضاً. قوله: "وهذا أصح" أي كونه مرسلاً أصح قال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه وأبي زرعة هو مرسل. وقال الدارقطني: كان جعفر ربما أرسله وربما وصله. وقال الشافعي والبيهقي: عبد الوهاب وصله وهو ثقة. وقد صحح(4/573)
وسلم مُرْسَلاً. ورَوَى عَبْدُ العَزِيزِ بنِ أبِي سَلَمَةَ ويحيى بن سُلَيْمٍ هذا الحَدِيثَ عَنْ جعْفَرِ بنِ مُحَمّدِ، عنْ أبِيهِ، عنْ عَلِي، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم. والعَمَلُ علَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغيْرِهِمْ رَأوْا أَنّ اليَميِنَ مَعَ الشّاهِدِ الْوَاحِدِ جَائِز في الْحُقُوق والأَمْوَالِ. وهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بنِ أنس والشّافِعِيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ. وقَالُوا: لاَ يُقْضَى بِالْيَمينِ مَعَ الشّاهِدِ الوَاحدِ إلاّ فِي الحُقُوقِ والأمْوَالِ وَلَمْ يَرَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أهْلِ الكُوفَة وَغَيْرِهمْ أَنْ يُقضَى باليَمينِ مَعَ الشّاهِدِ الوَاحِدِ.
ـــــــ
حديث جابر أبو عوانة وابن خزيمة. قوله: "وهو قول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق" قال النووي. قال جمهور علماء الإسلام من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار: يقضي بشاهد ويمين المدعي في الأموال وما يقصد به الأموال. وبه قال أبو بكر الصديق وعلي وعمر بن عبد العزيز ومالك والشافعي وأحمد وفقهاء المدينة وسائر علماء الحجاز ومعظم علماء الأمصار، وحجتهم أنه جاءت أحاديث كثيرة في هذه المسألة من رواية علي وابن عباس وزيد بن ثابت وجابر وأبي هريرة وعمارة بن حزم وسعد بن عبادة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة. قال الحفاظ: أصح أحاديث الباب حديث ابن عباس. قال ابن عبد البر: لا مطعن لأحد في إسناده، قال: ولا خلاف بين أهل المعرفة في صحته. قال: وحديث أبي هريرة وجابر وغيرهما حسنان انتهى. "ولم ير بعض أهل العلم من أهل الكوفة وغيرهم أن يقضي باليمين مع الشاهد الواحد" وهو قول أبي حنيفة والكوفيين والشعبي والحكم والأوزاعي والليث والأندلسيين من أصحاب مالك. قالوا لا يحكم بشاهد ويمين في شيء من الأحكام. واحتجوا بقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} وبقوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وقد حكى البخاري وقوع المراجعة ذلك ما بين أبي الزناد وابن شبرمة، فاحتج أبو الزناد على جواز القضاء بشاهد ويمين بالخبر الوارد في ذلك فأجاب عنه ابن شبرمة بقوله تعالى هذا. قال الحافظ: وإنما تتم له الحجة بذلك على أصل مختلف فيه بين الفريقين يعني الكوفيين والحجازيين، وهو أن الخبر إذا ورد متضمناً لزيادة على ما في القرآن(4/574)
ـــــــ
هل يكون نسخاً والسنة لا تنسخ القرآن أو لا يكون نسخاً، بل زيادة مستقلة بحكم مستقل إذا ثبت سنده وجب القول به. والأول مذهب الكوفيين، والثاني مذهب الحجازيين. ومع قطع النظر عن ذلك لا تنهض حجة ابن شبرمة لأنها تصير معارضة للنص بالرأي وهو غير معتد به. وقد أجاب الاسماعيلي فقال ما حاصله: إنه لا يلزم من التنصيص على الشيء نفيه عما عداه. قال الحافظ بعد ذكر حاصل بحثه هذا لكن مقتضي ما يحثه إنه لا يقضي باليمين مع الشاهد الواحد إلا عند فقد الشاهدين، أو ما قام مقامهما من الشاهد والمرأتين. وهو وجه للشافعية وصححه الحنابلة ويؤيده ما روى الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: قضى الله ورسوله في يالحق بشاهدين فإن جاء بشاهدين أخذ حقه، وإن جاء بشاهد واحد حلف مع شاهده. وأجاب بعض الحنفية بأن الزيادة على القرآن نسخ وأخبار الاَحاد لا تنسخ المتواتر ولا تقبل الزيادة من الأحاديث إلا إذا كان الخبر بها مشهوراً. وأجيب بأن النسخ رفع الحكم ولا رفع هنا. وأيضاً فالناسخ والمنسوخ لا بد أن يتواردا على محل واحد وهذا غير متحقق في الزيادة على النسخ وغاية ما فيه أن تسمية الزيادة كالتخصيص نسخاً اصطلاح ولا يلزم منه نسخ الكتاب بالسنة لكن تخصيص الكتاب بالسنة جائز، وكذلك الزيادة، عليه كما في قوله تعالى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}، وأجمعوا على تحريم نكاح العمة مع بنت أخيها وسند الإجماع في ذلك السنة الثابتة. وكذلك قطع رجل السارق في المرة الثانية ونحو ذلك. وقد أخذ من رد الحكم بالشاهد واليمين لكونه زيادة على ما في القرآن بأحاديث كثيرة أحكام كثيرة كلها زائدة على ما في القرآن كالوضوء بالنبيذ، والوضوء بالقهقهة، ومن القيء، واستبراء المسبية، وترك قطع من سرق ما يسرع إليه الفساد، وشهادة المرأة الواحدة في الولادة، ولا قوة إلا بالسيف ولا جمعة إلا من السمك، ويحرم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير، ولا يقتل الوالد بالولد، والقضاء بشاهد ويمين لا يخالف ظاهر القرآن لا يمنع أن يجوز أقل مما نص عليه يعني والمخالف لذلك لا يقول بالمفهوم أصلاً فضلاً عن مفهوم العدد كذا في النيل لا يرث القاتل من القتيل، وغير ذلك من الأمثلة التي تتضمن الزيادة على عموم الكتاب. وأجابوا بأن الأحاديث الواردة في هذه المواضع المذكورة أحاديث شهيرة فوجب العمل بها لشهرتها. فيقال لهم: وأحاديث القضاة بالشاهد واليمين رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نيف وعشرون نفساً وفيها ما هو صحيح فأي شهرة على هذه الشهرة؟ قال الشافعي: القضاء بشاهد ويمين لا يخالف ظاهر القرآن لا يمنع أن يجوز أقل مما نص عليه يعني والمخالف لذلك لا يقول بالمفهوم أصلاً فضلاً عن مفهوم العدد كذا في النيل(4/575)
باب ماجاء في العبد يكون بين رجلين فيعتق أحدهما نصيبه
...
14 ـ باب ما جَاءَ في الْعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ الرّجُليْنِ فَيَعْتِقُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَه
1363 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ. حدّثنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، عنْ أَيّوبَ، عنْ نَافِعٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ أَعْتَقَ نَصِيباً، أَوْ قَالَ شَقِصاً، أوْ قَالَ شِرْكاً لَهُ في عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مِنَ المَالِ مَا يَبْلغُ ثَمَنَهُ بِقِيمَةِ الْعَدْلِ، فَهُوَ عَتِيقٌ. وإلاّ فقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ". قالَ أيُوبُ: ورُبّمَا قالَ نَافِعٌ في هَذَا الْحَدِيثِ، يَعْنِي فَقَدْ عتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ. حديثُ ابنِ عُمَرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رَوَاهُ
ـــــــ
باب ما جَاءَ في الْعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ الرّجُليْنِ فَيَعْتِقُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَه
قوله: "أو قال شقيصاً" وفي بعض النسخ شقصاً قال في النهاية الشقص والشقيص النصيب في العين المشتركة من كل شيء "أو قال شركا" بكسر الشين وسكون الراء أي حصة ونصيباً كذا في النهاية "فكان له" أي للمعتق وفي رواية الشيخين: وكان له "ما يبلغ ثمنه" وفي رواية الشيخين: ما يبلغ ثمن العبد أي قيمة باقية "بقيمة العدل" أي تقويم عدل من المقومين أو المراد قيمة وسط "فهو" أي العبد "وإلا" أي وإن لم يكن له من المال ما يبلغ ثمن العبد "فقد عتق منه" أي من العبد "ما عتق" . من نصيب المعتق هذا الحديث بظاهره يدل على أن المعتق إن كان موسراً ضمن للشريك، وإن كان معسراً لا يستسعى العبد بل عتق منه ما عتق ورق ما رق. ومذهب أبي حنيفة إن كان موسراً ضمن أو استسعى الشريك العبد أو أعتق، وإن كان معسراً لا يضمن لكن الشريك إما أن يستسعى أو يعتق والولاء لهما لأن الإعتاق يتجزى عنده وقالا أي صاحباه: له ضمانه غنياً والسعاية فقيراً والولاء للمعتق لعدم تجزي الإعتاق عندهما. ومعنى الاستسعاء أن العبد يكلف للاكتساب حتى يحصل قيمته للشريك. وقيل هو أن يخدم الشريك بقدر ما له فيه من الملك كذا في اللمعات. قوله: "حديث أبن عمر حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان "وقد رواه"(4/576)
سَالِمٌ عنْ أبِيهِ، عنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه.
1364 ـ حدثنا بِذَلِكَ الْحَسَنُ بنُ عَلِي الْخَلاّلُ. حدّثنا عَبْدُ الرّزّاقِ. أخبرنا مَعْمَرٌ، عنِ الزّهْرِيّ، عنْ سَالِمٍ، عنْ أبيهِ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ أَعْتَقَ نَصِيباً لَهُ في عَبْدٍ، فَكانَ لَهُ مِنَ المَالِ مَا يَبْلغُ ثَمَنَهُ، فَهُوَ عَتِيقٌ مِنْ مَالِه". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
1365 ـ حدثنا عَليّ بنُ خَشْرَمٍ. أخبرنا عِيسَى بنُ يُونُسَ، عنْ سَعِيدٍ بنِ أبي عَرُوبَةَ، عنْ قَتَادَةَ، عَنِ النّضْرِ بنِ أنَسٍ، عنْ بَشِيرِ بنِ نَهِيكٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أعْتَقَ نَصِيباً، أوْ قَالَ شَقِصاً في مَمْلُوك، فَخَلاَصُهُ في مَالِهِ إنْ كانَ لَهُ مَالٌ. فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، قُوّمَ قِيمَةَ عَدْلٍ ثُمّ يُسْتَسْعَى في نَصِيبِ الّذِي لَمْ يُعْتِقْ، غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْه" وفي البابِ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو.
1366 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ. حدّثنَا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بنِ أبي عَرُوبَةَ، نَحْوَهُ.
ـــــــ
أي الحديث المذكور "سالم عن أبيه" أي عن ابن عمر كما رواه نافع عنه ثم أسنده الترمذي بقوله حدثنا بذلك الخ. قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه البخاري وغيره. قوله: "عن بشير بن نهيك" بفتح الموحدة وكسر الشين المعجمة وبفتح النون وكسر الهاء وزنا واحداً هو أبو الشعثاء البصرى ثقة. قوله: "فخلاصه في ماله إن كان له مال" أي يبلغ قيمة باقية. وفي رواية مسلم من عتق شقصاً في عبد أعتق كله إن كان له مال "وإن لم يكن له" أي للمعتق "قوم" بصيغة المجهول من التقويم "قيمة عدل" أي تقديم عدل من المقومين أو المراد قيمة وسط "يستسعى" بصيغة المجهول. قال النووي رحمه الله: معنى الاستسعاء أن العبد يكلف بالاكتساب والطلب حتى يحصل قيمة نصيب الشريك الاَخر فإذا دفعها إليه عتق. كذا فسره الجمهور. وقال بعضهم: هو أن يخدم سيده الذي لم يعتق بقدر ما له فيه من الرق "غير مشقوق عليه" أي لا يكلف بما يسق عليه. قوله(4/577)
وقالَ: شقيصاً. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَهَكَذَا رَوَى أبّانُ بنُ يَزِيدَ عنْ قَتَادَةَ مثْلَ رِوَايَةِ سَعِيدِ بنِ أبي عَرُوبَةَ، وَرَوَى شُعْبَةُ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ قِتَادَةَ ولَمْ يَذْكُرْ فيهِ أمْرَ السّعَايَةِ. واخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في السّعَايَةِ فَرَأَى بَعْضُ أهْلِ العِلمِ السّعَايَةَ في هَذَا. وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وأهْلِ الكُوفَةِ. وبِهِ يَقُولُ إسْحَاقُ. وقَدْ قَالَ بَعْضُ أهْلِ العِلمِ: إذَا كانَ الْعَبدُ بَيْنَ الرجُلَيْنِ، فَأَعْتَقَ أحَدُهمَا نَصِيبَهُ، فإنْ كانَ لَهُ مالٌ: غَرِمَ نَصِيبَ صَاحِبهِ وعَتَقَ الْعَبْد من ماله وان لم يكن من مال عتق من العبد مَا عَتَقَ، وَلاَ يُسْتَسْعَى. وقَالُوا بِمَا رُوِيَ عنِ ابن عُمَرَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وهَذَا قَوْلُ أهْلِ المَدِينَةِ. وبِهِ يَقُولُ مَالِكُ بنُ أنَسٍ والشّافِعيّ وأحْمَدُ. وإسحاق
ـــــــ
"وفي الباب عن عبد الله بن عمرو" لينظر من أخرجه قوله: "هذا حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة إلا النسائي كذا في المنتقى. قوله: "وهكذا روى أبان ابن يزيد عن قتادة مثل رواية سعيد بن أبي عروبة نحوه" يعني بذكر الاستسعاء. قوله: "فرأى بعض أهل العلم السعاية في هذا وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة وبه يقول إسحاق" قال الحافظ في الفتح: وقد ذهب إلى الأخذ بالاستسعاء إذا كان المعتق معسراً أبو حنيفة وصاحباه والأوزاعي والثوري وإسحاق وأحمد في رواية، وآخرون، ثم اختلفوا فقال الأكثر يعتق جميعه في الحال ويستسعى العبد في تحصيل قيمة نصيب الشريك، وزاد ابن أبي ليلى فقال: ثم يرجع العبد على المعتق الأول بما أداه للشريك، وقال أبو حنيفة وحده: يتخير الشريك بين الاستسعاء وبين عتق نصيبه. وهذا يدل على أنه لا يعتق عنده ابتداء إلا النصيب الأول فقط وهو موافق لما جنح إليه البخاري من أنه يصير كالمكاتب وعن عطاء يتخير الشريك بين ذلك وبين إبقاء حصته في الرق. وخالف الجميع زفر فقال يعتق كله وتقوم حصة الشريك فتؤخذ إن كان المعتق موسراً، وترتب في ذمته إن كان معسراً انتهى. "وقالوا بما روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم" يعني حديثه المذكور في هذا الباب. "وهذا قول أهل المدينة وبه يقول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق" قال الحاشية الأحمدية: ليس في(4/578)
ـــــــ
نسخة صحيحة ذكر إسحاق ههنا وهو الأنسب بما سبق انتهى. واستدل لهم بحديث ابن عمر المذكور في هذا الباب، وبأحاديث أخرى ذكرها الحافظ في الفتح. وأجيب من قبلهم عن حديث أبي هريرة بأن ذكر الاستسعاء فيه مدرج ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. وأجيب من جانب الأولين عن حديث ابن عمر رضي الله عنه بأن الذي يدل فيه على ترك الاستسعاء هو قوله: وإلا فقد عتق منه ما عتق. هو مدرج ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم. قال الشوكاني في النيل: والذي يظهر أن الحديثين صحيحان مرفوعان وفاقاً لصاحبي الصحيح ثم قال بعد ذكر مؤيدات لهاتين الزيادتين فالواجب قبول الزيادتين المذكورتين في حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة وظاهرهما التعارض والجمع ممكن وقد جمع البيهقي بين الحديثين بأن معناهما أن المعسر إذا أعتق حصته لم يسر العتق في حصة شريكه، بل تبقى حصة شريكه على حالها وهي الرق، ثم يستسعى العبد في عتق بقيته، فيحصل ثمن الجزء الذي لشريك سيده ويدفعه إليه ويعتق وجعلوه في ذلك كالمكاتب، وهو الذي جزم به البخاري. قال الحافظ: والذي يظهر أنه في ذلك باختياره لقوله غير مشقوق عليه. فلو كان ذلك على سبيل اللزوم بأن يكلف العبد الاكتساب والطلب حتى يحصل ذلك لحصل له غاية المشقة، وهي لا تلزم في الكتابة بذلك عند الجمهور لأنها غير واجبة فهذه مثلها. قال البيهقي: لا يبقى بين الحديثين بعد هذا الجمع معارضة أصلاً. قال الحافظ: وهو كما قال إلا أنه يلزم منه أن يبقى الرق في حصة الشريك إذا لم يختر العبد الاستسعاء، فيعارضه حديث أبي المليح، يعني بحديثه الذي يرويه عن أبيه: أن رجلاً من قومنا أعتق شقصاً له من مملوكه فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل خلاصه عليه في ماله، وقال: ليس لله عز وجل شريك. رواه أحمد وفي لفظ: هو حر على ما إذا كان المعتق غنياً أو على ما إذا كان جميعه له فأعتق بعضه انتهى. وفي هذه المسألة كلام طويل من الجانبين، فإن شئت الوقوف عليه فعليك أن ترجع إلى فتح الباري وغيره(4/579)
باب ماجاء في العمرى
...
15 ـ باب ما جَاءَ في الْعُمْرَى
1367 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ المُثَنّى. حدّثْنَا ابنُ أبي عَدِي، عَنْ سَعِيدٍ، عنْ قَتَادَةَ، عنِ الْحَسَنِ، عنْ سَمُرَةَ أنّ نَبيّ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لإهْلِهَا، أوْ مِيراثٌ لإهْلهَا". وفي البابِ عَنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ وجَابِرٍ، وأبي هُرَيْرَةَ وعَائِشَةَ وابنِ الزّبَيْرِ وَمُعَاوِيَةَ.
ـــــــ
باب ما جاء في العمرى
بضم العين المهملة وسكون الميم مع القصر قال الحافظ في الفتح وحكى ضم الميم مع ضم أوله وحكى فتح أوله مع السكون انتهى. قال في النهاية: يقال أعمرته الدار عمرى، أي جعلتها له يسكنها مدة عمره فإذا مات عادت إليّ، وكذا كانوا يفعلون في الجاهلية، فأبطل ذلك، وأعلمهم أن من أعمر شيئاً أو أرقبه في حياته فهو لورثته من بعده. وقد تعاضدت الروايات على ذلك والفقهاء فيها مختلفون فمنهم من يعمل بظاهر الحديث ويجعلها تمليكاً، ومنهم من يجعلها كالعارية ويتأول الحديث انتهى. قلت الجمهور على أن العمرى إذا وقعت كانت ملكاً للاَخذ ولا ترجع إلى الأول، إلا إن صرح باشتراط ذلك ثم اختلفوا إلى ما يتوجه التمليك فالجمهور أنه يتوجه إلى الرقبة كسائر الهبات. حتى لو كان المعمر عبداً فأعتقه الموهوب له، نفذ بخلاف الواهب. وقيل يتوجه إلى المنفعة دون الرقبة. وهو قول مالك والشافعي في القديم، وهل يسلك به مسلك العارية أو الوقف؟ روايتان عند المالكية. وعن الحنفية التمليك في العمرى يتوجه إلى الرقبة وفي الرقبى إلى المنفعة. وعنهم إنها باطلة كذا ذكره الحافظ. قلت ما ذهب إليه الجمهور هو الظاهر
قوله: "العمرى جائزة لأهلها" أي لأهل العمرى وهو المعمر له "أو ميراث لأهلها" شك من الراوي. وروى مسلم من حديث جابر مرفوعاً بلفظ: إن العمرى ميراث لأهلها. وفيه دليل على أن العمرى تمليك الرقبة والمنفعة فهو حجة على مالك رحمه الله في قوله: إن العمرى تمليك المنافع دون الرقبة. وحديث سمرة هذا أخرجه أحمد أيضاً وفي سماع الحسن من سمرة كلام. قوله: "وفي الباب عن زيد بن ثابت" أخرجه ابن حبان بلفظ: العمرى سبيلها سبيل الميراث "وجابر" أخرجه مسلم وغيره بألفاظ "وأبي هريرة"(4/580)
1368 ـ حدثنا الأنْصَارِيّ. حدّثَنَا مَعْنٌ. حدّثنَا مَالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ، عن أبِي سَلَمَةَ، عنْ جَابِرِ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "أيّمَا رَجُلٍ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقبِهِ، فَإِنّهَا لِلّذِي يُعطَاهَا، لا تَرْجِعُ إلى الّذي أعْطَاهَا. لأنّهُ أعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ المَوَارِيثُ". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وهَكَذَا رَوَى مَعْمَرٌ وغَيرُ وَاحِدٍ عنِ الزّهْرِيّ، مِثْلَ روَايَةِ مَالِكٍ. ورَوَى بَعْضُهُمْ عنِ الزّهْرِيّ، وَلمْ يَذْكُرْ فِيهِ "وَلِعَقبِهِ" . وروى هذا الحديث من غير وجه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العمري جائزة لأهلها وليس فيها "لعقبه" وهذا حديث حسن صحيح. والعملُ على هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلمِ. قَالُوا: إذَا قالَ: هَيَ لَكَ، حَيَاتَكَ وَلَعَقِبِكَ، فإنها لِمَنْ أُعْمِرَهَا، لاَ تَرْجِعُ إلا الأَوّلِ. وإذَا لَمْ يَقُلْ "لِعَقِبكَ" فَهِيَ رَاجِعَةٌ إلى الأَوّلِ إذا مَاتَ المُعْمَرُ. وهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بنِ أنسٍ والشّافِعِيّ. ورُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "الْعُمْرَى جَائِزةٌ لأَهْلِهَا" والْعَمَلُ عَلى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلمِ
ـــــــ
أخرجه البخاري ومسلم بلفظ: العمرى جائزة "وعائشة وابن الزبير ومعاوية" أما حديث ابن الزبير فأخرجه الطبراني ذكره العيني في العمدة. وأما حديث عائشة ومعاوية فلينظر من أخرجه.
قوله: "أيما رجل أعمر" بصيغة المجهول "عمرى" قال القاري هو مفعول مطلق "له" متعلق بعمر والضمير للرجل "ولعقبه" بكسر القاف ويجوز إسكانها مع فتح العين ومع كسرها كما في نظائره والعقب هم أولاد الإنسان ما تناسلوا قاله النووي. "فإنها" أي العمرى "للذي يعطاها" بصيغة المجهول "لأنه أعطى" على بناء الفاعل وقيل على بناء المفعول "عطاء وقعت فيه المواريث" والمعنى أنها صارت ملكاً للمدفوع إليه، فيكون بعد موته لوارثه كسائر أملاكه ولا ترجع إلى الدافع قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه مسلم قوله: "والعمل على هذا" أي على حديث جابر المذكور "هي لك حياتك" بالنصب أي الدار لك مدة حياتك "ولعقبك" ولأولادك "فإنها لمن أعمرها" بصيغة المجهول "لا ترجع إلى الأول أي المعمر "إذا مات المعمر" أي المعمر له "وهو قول مالك بن أنس والشافعي" وهو قول الزهري. واحتجوا بحديث جابر المذكور فإن مفهوم الشرط الذي تضمنه أيما والتعليل يدل على أن(4/581)
قَالُوا: إذَا مَاتَ المُعْمَرُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ. وإنْ لمْ تجْعَلْ لِعَقِبهِ. وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ.
ـــــــ
من لم يعمر له كذلك لم يورث منه العمرى بل يرجع إلى المعطى. وبما روى مسلم عن جابر رضي الله عنه مرفوعاً. قال: إنما العمرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: هي لك ولعقبك، فأما إذا قال هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها. واعلم أن قول الشافعي هذا في القديم كما صرح به الحافظ في الفتح. وأما قوله في الجديد فكقول الجمهور. "وروي من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العمرى جائزة لأهلها" أي بدون ذكر ولعقبه. "وهو قول سفيان الثوري وأحمد وإسحاق" وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والجمهور. واحتجوا بما روى مسلم عن جابر مرفوعاً: أن العمرى ميراث لأهلها. وبما روى هو عنه مرفوعاً: أمسكوا أموالكم عليكم لا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمر حياً وميتاً ولعقبه. قال النووي رحمه الله: والمراد به إعلامهم أن العمرى هبة صحيحة ماضية يملكها الموهوب له ملكاً تاماً لا يعود إلى الواهب أبداً. فإذا علموا ذلك فمن شاء أعمر ودخل على بصيرة، ومن شاء ترك لأنهم كانوا يتوهمون أنها كالعارية ويرجع فيها. وهذا دليلي للشافعي وموافقيه انتهى. قال الحافظ في الفتح بعد ذكر روايات العمرى المختلفة ما لفظه: فيجتمع من هذه الروايات ثلاثة أحوال: أحدها ـ أن يقول هي لك ولعقبك. فهذا صريح في أنها للموهوب له ولعقبه. ثانيها ـ أن يقول هي لك ما عشت فإذا مت رجعت إلى. فهذه عارية مؤقتة وهي صحيحة، فإذا مات رجعت إلى الذي أعطى، وقد بينت هذه والتي قبلها رواية الزهري، وبه قال أكثر العلماء ورجحه جماعة من الشافعية، والأصح عند أكثرهم: لا ترجع إلى الواهب، واحتجوا بأنه شرط فاسد فلغي ثالثها ـ أن يقول أعمرتكها ويطلق. فرواية أبي الزبير هذه "يعني بها ما رواه مسلم عنه عن جابر قال: جعل الأنصار يعمرون المهاجرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حياً وميتاً ولعقبه" تدل على أن حكمها حكم الأول، وأنها لا ترجع إلى الواهب. وهو قول الشافعي في الجديد والجمهور، وقال في القديم: العقد باطل من أصله. وعنه كقول مالك. وقيل القديم عن الشافعي كالجديد. وقد روى النسائي أن قتادة حكى أن سليمان بن هشام بن عبد الملك سأل الفقهاء عن هذه المسألة أعني صورة الإطلاق فذكر له قتادة عن الحسن وغيره أنها جائزة، وذكر له حديث أبي هريرة بذلك وذكر له عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك. قال فقال الزهري إنما العمرى أي الجائزة إذا أعمر له ولعقبه من بعده. فإذا لم يجعل عقبه من بعده كان للذي يجعل شرطه. قال قتادة: واحتج الزهري بأن الخلفاء لا يقضون بها. فقال عطاء: قضى بها عبد الملك بن مروان انتهى .(4/582)
باب ماجاء في الرقبى
...
16ـ باب ما جَاءَ في الرّقْبَي
1369 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ. حدّثنَا هُشَيْمٌ عنْ دَاوُدَ بنِ أبِي هِنْدٍ، عنْ أبي الزّبَيْرِ، عنْ جَابِرٍ، قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الْعُمْرَى جَائِزَة لإهْلِهَا. والرّقْبَى جَائِزَةٌ لإهْلِهَا".
قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ. وقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عنْ أبي الزّبَيْرِ بهذا الاسناد عنْ جَابِرٍ مَوْقُوفاً. ولم يرفعه والْعَمَلُ عَلى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلمِ مِنْ أصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ أنّ الرّقْبَي جَائِزَةٌ مِثْلَ العُمْرَى
ـــــــ
باب ما جاء في الرقبى
على وزن حبلى. قال الجزري في النهاية: الرقبي هو أن يقول الرجل للرجل قد وهبت لك هذه الدار فإن مت قبلي رجعت إلي، وإن مت قبلك فهي لك وهي فعلى من المراقبة لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه انتهى. قال القاري الرقبى لا تصح عند أبي حنيفة ومحمد وتصح عند أبي يوسف رحمهم الله انتهى. وقال الحافظ في الفتح: العمرى والرقبى متحد المعنى عند الجمهور، ومنع الرقبى مالك وأبو حنيفة ومحمد ووافق أبو يوسف الجمهور. وقد روى النسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس موقوفاً: العمرى والرقبى سواء إنتهى . قوله: "العمرى جائزة لأهلها" أي لمن أعمر له "والرقبى جائزة لأهلها" أي لمن أرقب له. وروى النسائي عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ العمرى لمن أعمرها، والرقبى لمن أرقبها، والعائد في هبته كالعائد في قيئه. قوله: "هذا حديث حسن" أخرجه الخمسة كذا(4/583)
وهُوَ قَوْلُ أحْمَدَ وإسْحَاقَ. وَفرّقَ بَعْضُ أهْلِ العِلمِ مِنْ أهْلِ الْكُوفَةِ وغَيْرِهِمْ بَيْنَ العُمْرَى وَالرّقْبَى. فَأَجَازُوا العُمْرَى وَلَمْ يُجِيزُوا الرّقْبَى. وَتَفْسِيرُ الرّقْبَى أنْ يَقُولَ: هَذَا الشيءُ لَكَ مَا عِشْتَ. فَإِنّ مِتّ قَبْلِي فَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَيّ. وقالَ أحْمَدُ وإسْحَاقُ: الرّقْبَى مِثْلُ العُمْرَى. وهِيَ لِمَنْ أُعْطِيَهَا. ولاَ تَرْجِعُ إلَى الأَوّلِ.
ـــــــ
في المنتقى قوله: "ولم يجيزوا الرقبى" وحديث الباب وما في معناه حجة عليهم. قوله: "قال أحمد وإسحاق الرقبى مثل العمرى الخ" وهو قول الجمهور، وهو الظاهر يدل عليه حديث الباب. وفي الباب أحاديث ذكرها الزيلعي في نصب الراية في باب الرجوع في الهبة.(4/584)
باب ماذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس
...
17 ـ باب مَا ذُكِرَ عَنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم
في الصّلْحِ بَيْنَ النّاس
1370 ـ حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِي الْخَلاّلُ. حدّثَنَا أبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيّ. حدّثنَا كَثِيرُ بنُ عَبْدِ الله بنِ
عَمْرِو بنِ عَوْفٍ المُزْنِيّ عنْ أبِيهِ، عنْ جَدّهِ أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "الصّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ. إلاّ صُلْحاً حَرّمَ حَلاَلاً أوْ أحَلّ حَرَاماً. والمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ،
ـــــــ
باب مَا ذُكِرَ عَنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في الصّلْحِ بَيْنَ النّاس
قوله: "حدثنا أبو عامر العقدي" بفتح العين المهملة والقاف اسمه عبد الملك ابن عمرو القيسي ثقة "حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني" قال في التقريب ضعيف من السابعة منهم من كذبه. قوله: "الصلح جائز بين المسلمين" خصهم لا لإخراج غيرهم بل لدخولهم في ذلك دخولاً أولياً اهتماماً بشأنهم "إلا صلحاً حرم حلالاً" كمصالحة الزوجة للزوج على أن لا يطلقها أو لا يتزوج عليها أو لا يبيت عند ضرتها. "أو أحل حراماً" كالصلح على أكل ما لا يحل أكله أو نحو ذلك. "والمسلمون على شروطهم" أي ثابتون عليها لا يرجعون(4/584)
إلاّ شَرْطاً حَرّمَ حَلاَلاً أوْ أحَلّ حَرَاماً". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
عنها "إلا شرطاً حرم حلالاً" فهو باطل كان يشترط أن لا يطأ أمته أو زوجته أو نحو ذلك "أو أحل حراماً" كأن يشترط نصرة الظالم أو الباغي أو غزو المسلمين قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه ابن ماجه وأبو داود وانتهت روايته عند قوله شروطهم. وفي تصحيح الترمذي هذا الحديث نظر فإن في إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف وهو ضعيف جداً، قال فيه الشافعي وأبو داود: هو ركن من أركان الكذب. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن حبان: له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة. وتركه أحمد وقد نوقش الترمذي في تصحيح حديثه. قال الذهبي: أما الترمذي فروى من حديثه: الصلح جائز بين المسلمين وصححه، فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيحه. وقال ابن كثير في إرشاده: قد نوقش أبو عيسى يعني الترمذي في تصحيحه هذا الحديث وما شاكله انتهى. واعتذر له الحافظ فقال وكأنه اعتبر بكثرة طرقه كذا قال الشوكاني في النيل: وذكر فيه طرقه، وقال بعد ذكرها: لا يخفي أن الأحاديث المذكورة والطرق يشهد بعضها لبعض، فأقل أحوالها أن يكون المتن الذي اجتمعت عليه حسناً انتهى .(4/585)
باب ماجاء في الرجل يضع على حائط جاؤه خشباً
...
18 ـ باب ما جَاءَ في الرّجُلِ يَضَعُ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ خَشَبا
1371 ـ حدثنا سَعِيدُ بنُ عَبْدِ الرّحمَنِ المخزومي، حدّثنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عنِ الزّهْرِيّ، عنْ الأَعْرَجِ، عنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا اسْتَأْذَنَ أحَدَكُمُ جَارُهُ أنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً في جِدَارِهِ، فَلاَ يَمْنَعْهُ".
ـــــــ
باب ما جَاءَ في الرّجُلِ يَضَعُ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ خَشَبا
قوله: "أن يغرز" بكسر الراء أي يضع "خشبة" بالإفراد المراد به الجنس لأنه قد وقع في صحيح البخاري وغيره خشبة بالجمع. قال ابن عبد البر روي اللفظان في الموطإ والمعنى واحد، لأن المراد بالواحد الجنس انتهى. قال الحافظ: وهذا الذي يتعين للجمع بين الروايتين وإلا فالمعنى قد يختلف باعتبار أن أمر الخشبة الواحدة أخف في مسامحة الجار بخلاف الخشب الكثير انتهى. "فلا يمنعه"(4/585)
فَلَمّا حَدّثَ أبُو هُرَيْرَةَ، طَأْطَأُوا رُؤُوسهُمْ، فقَالَ: مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَالله لأرْمِيَنّ بِهَا بَيْنَ أكْتَافِكُمْ. وفي البابِ عنِ ابنِ عَبّاسٍ وَمُجَمّع بنِ جَارِيَةَ. حديثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلمِ. وبِهِ يَقُولُ الشّافِعِيّ. وَرَوَى عن بَعْض أهْلِ العِلمِ مِنْهُمْ مَالِكُ بنُ أنَسٍ. قَالُوا: لَهُ أنْ يَمْنَعَ جَارَهُ أنْ يَضَعَ خَشَبَهُ في جِدَارِهِ. وَالْقَوْلُ الأوّلُ أصَحّ.
ـــــــ
بالجزم استدل به على أن الجدار إذا كان لواحد وله جار فاستأذنه أن يضع جذعه عليه فليس له المنع "فلما حدث أبو هريرة" أي هذا الحديث "طأطأوا" أي نكسوا وفي رواية ابن عيينة عند أبي داود، فنكسوا رؤوسهم "عنها" أي عن هذه السنة أو عن هذه المقالة "لأرمين بها" وفي رواية أبي داود لألقينها أي لأشيعن هذه المقالة فيكم ولأقر عنكم بها كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه ليستيقظ من غفلته. وقال الخطابي معناه: إن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به راضين لأجعلنها أي الخشبة على رقابكم كارهين. قال وأراد بذلك المبالغة وبهذا التأويل جزم إمام الحرمين تبعاً لغيره: وقال، إن ذلك وقع من أبي هريرة حين كان يلي إمرة المدينة. وقد وقع عند ابن عبد البر: لأرمين بها بين أعينكم وإن كرهتم. وهذا يرجح التأويل المتقدم. كذا في الفتح، قوله: "وفي الباب عن ابن عباس" أخرجه ابن ماجه "ومجمع بن جارية" أخرجه ابن ماجة والبيهقي. قوله: "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة إلا النسائي قوله: "وبه يقول الشافعي" وبه يقول أحمد وإسحاق وغيرهما من أهل الحديث وابن حبيب من المالكية. قاله الحافظ. وقد صرح هو بأن قول الشافعي هذا في القديم، قال وعنه في الجديد قولان. أحدهما اشتراط إذن المالك، فإن امتنع لم يجبر. وهو قول الحنفية. وحملوا الأمر في الحديث على الندب. والنهي على التنزيه جمعاً بينه وبين الأحاديث الدالة على تحريم مال المسلم إلا برضاه انتهى. "منهم مالك بن أنس قالوا الخ" وبه قال أبو حنيفة رحمه الله والكوفيون "والقول الأول أصح" لأحاديث الباب، وأما الأحاديث القاضية بأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه. فعمومات قال البيهقي: لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا يستنكر أن يخصها. وحمل بعضهم الحديث على ما إذا تقدم استئذان الجار. كما وقع في رواية لأبي داود بلفظ: إذا استأذن أحدكم أخاه. وفي رواية لأحمد من سأله جاره وكذا في رواية لابن حبان، فإذا تقدم الاستئذان لم يكن للجار المنع لا إذا لم يتقدم .(4/586)
باب ماجاء أن اليمين على ما يصدقه صاحبه
...
19 ـ باب ما جَاءَ أنّ الْيَمِينَ عَلَى مَا يُصَدّقُهُ صَاحِبُه
1372 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ وَ أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ "المَعْنَى وَاحِدٌ" قالاَ: حدّثنَا هُشَيْمٌ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبي صَالِحٍ، عنْ أبِيهِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الْيَمِينُ عَلَى مَا يُصَدّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ". وقال قتيبة "على ما صدقك عليه صاحبك. هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وعبدالله بن ابي صالح هو أخو سهيل بن أبي صالح لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حدِيثِ هُشَيْمٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبي صَالِحٍ.
ـــــــ
باب ما جَاءَ أنّ الْيَمِينَ عَلَى مَا يُصَدّقُهُ صَاحِبُه
قوله: "المعنى واحد" أي في لفظ قتيبة، وأحمد بن منيع اختلاف ومعنى حديثهما واحد "اليمين" أي الحلف مبتدأ خبره قوله: "على ما يصدقك به صاحبك" قال القاري أي خصمك ومدعيك ومحاورك. والمعنى أنه واقع عليه لا يؤثر فيه التورية فإن العبرة في اليمين بقصد المستحلف إن كان مستحقاً وإلا فالعبرة بقصد الحالف فله التورية. قال هذا خلاصة كلام علمائنا من الشراح انتهى كلام القاري. وقال النووي في شرح مسلم: هذا الحديث محمول على الحلف باستحلاف القاضي، فإذا ادعى رجل على رجل فحلفه القاضي فحلف، وورى فنوى غير ما نوى القاضي. انعقدت يميينه على ما نواه القاضي ولا ينفعه التورية. وهذا مجمع عليه ودليله هذا الحديث والإجماع. فأما إذا حلف بغير استحلاف القاضي وورى فتنفعه التورية. ولا يحنث سواء حلف ابتداء من غير تحليف أو حلفه غير القاضي وغير نائبه في ذلك، ولا اعتبار بنية المستحلف غير القاضي واعلم أن التورية وإن كان لا يحنث بها فلا يجوز فعلها حيث يبطل بها حق مستحق. وهذا مجمع عليه. هذا تفصيل مذهب الشافعي وأصحابه انتهى كلامه مختصراً. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه مسلم وأحمد وأبو داود وابن ماجه، وفي رواية لمسلم: اليمين على نية المستحلف. وهو بكسر اللام .(4/587)
والْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلم. وَبِهِ يَقولُ أحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النّخَعِيّ أنّهُ قالَ: إذَا كَانَ المُسْتَحلِفُ ظَالماً، فَالنّيّةُ نِيّةُ الحَالِفِ. وإِذَا كَانَ المُسْتَحْلِفُ مَظْلُوماً، فالنّيّةُ نيّةُ الّذِي اسْتَحْلَفَ.(4/588)
باب ماجاء في الطريق إذا اختلف فيه كم يجعل ؟
...
20 ـ باب ما جَاءَ في الطّرِيقِ إذَا اخْتُلِفَ فِيهِ، كَمْ يُجْعَلُ؟
1373 ـ حدثنا أبُو كُرَيْبٍ. حدّثنَا وَكِيعٌ عنْ المُثَنّى بنِ سَعِيدٍ الضّبَعِيّ، عن قَتَادَةَ عنْ بَشِيرِ بنِ
نَهِيك، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اجْعَلُوه الطّرِيقِ سَبْعَةَ أذْرُعٍ".
1374 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ. حدّثنَا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ. حدّثنَا الْمُثَنّى بنُ سَعِيدٍ عنْ قَتَادَةَ، عنْ بُشَيْر بنِ كَعْبٍ العَدَوِيّ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا تَشَاجَرْتُمْ في الطّرِيقِ
ـــــــ
باب ما جَاءَ في الطّرِيقِ إذَا اخْتُلِفَ فِيهِ، كَمْ يُجْعَلُ
قوله: "عن بشير بن نهيك" بفتح النون وكسر الهاء وآخره كاف وبشير بفتح الموحدة ثقة من الثالثة قوله: "اجعلوا الطريق سبعة أذرع" قال الحافظ: الذي يظهر أن المراد بالذراع ذراع الاَدمي فيعتبر ذلك بالمعتدل، وقيل المراد بالذراع ذراع البنيان المتعارف. قال الطبري: معناه أن يجعل قدر الطريق المشتركة سبعة أذرع ثم بيقى بعد ذلك لكل واحد من الشركاء في الأرض قدر ما ينتفع به ولا يضر غيره. والحكمة في جعلها سبعة أذرع لتسلكها الأحمال والأثقال دخولاً وخروجاً ولبيع ما لا بد لهم من طرحه عند الأبواب والتحق بأهل البنيان من قعد للبيع في حالة الطريق. فإن كانت الطريق أزيد من سبعة أذرع لم يمنع من القعود في الزائد، وإن كان أقل منع لئلا يضيق الطريق على غيره انتهى. قوله: "عن بشير بن كعب" بضم الموحدة وفتح الشين مصغراً مخضرم وثقه النسائي. قوله: "إذا تشاجرتم" من المشاجرة بالمعجمة والجيم أي تنازعتم(4/588)
فَاجْعَلُوه سَبْعَةَ أذْرُعٍ". وهَذَا أصَحّ مِنْ حدِيثِ وَكِيعٍ. وفي البابِ عنِ ابنِ عَبّاسٍ. حديثُ بُشَيْرِ بنِ كَعْبِ الْعَدَوِيّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ، حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا عَنْ قَتَادَةَ، عنْ بَشِيرِ بنِ نَهيكٍ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ. وهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ.
ـــــــ
وفي رواية مسلم: إذا اختلفتم قوله: "فاجعلوه سبعة أذرع" قال النووي: أما قدر الطريق فإن جعل الرجل بعض أرضه المملوكة طريقاً مسبلة للمارين فقدرها إلى خيرته، والأفضل توسيعها وليس هذه الصورة مرادة الحديث. وإن كان الطريق بين أرض لقوم وأرادوا إحيائها فإن اتفقوا على شيء فذاك. وإن اختلفوا في قدره جعل سبعة أذرع هذا مراد الحديث. أما إذا وجدنا طريقاً مسلوكا وهو أكثر من سبعة أذرع فلا يجوز لأحد أن يستولي على شيء منه وإن قل. لكن له عمارة ما حواليه من الموات ويملكه بالإحيار بحيث لا يضر المارين انتهى. قوله: "وفي الباب عن ابن عباس" أخرجه عبد الرزاق مرفوعاً بلفظ: إذا اختلفتم في الطريق الميتاء فاجعلوها سبعة أذرع. وفي الباب عن عبادة بن الصامت. أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني. وعن أنس: أخرجه ابن عدي. وفي كل من الأسانيد الثلاثة مقال، قاله الحافظ. قوله: "حديث بشير بن كعب عن أبي هريرة حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة إلا النسائي .(4/589)
باب ماجاء في تخيير الغلام بين أبويه إذا افترقا
...
21 ـ باب ما جَاءَ في تَخْيِير الْغُلاَم بَيْنَ أبَوَيْهِ إذَا افْتَرَقَا
1375 ـ حدثنا نَصْرُ بنُ عَلِي. حَدّثنَا سُفْيَانُ عنْ زِيَادِ بنِ سَعْدٍ. عنْ هِلاَلِ بنِ أبي مَيْمُونَةَ الثّعْلَبِيّ، عنْ أبي مَيْمُونَةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم خَيّرَ غُلاَماً بَيْنَ أبِيهِ وَأُمّهِ. قال وفي البابِ
ـــــــ
باب ما جاء في تخيير الغلام بين أبويه إذا افترقا
أي بالطلاق. قوله: "خير غلاماً" قال القاري: أي ولداً بلغ سن البلوغ، وتسميته غلاماً باعتبار ما كان كقوله تعالى {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} وقيل غلاماً مميزاً انتهى. قلت الظاهر أن المراد الغلام المميز "بين أبيه وأمه" قال القاري(4/589)
عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو، وجَدّ عَبْدِ الْحَمِيدِ بنِ جَعْفَرٍ. حَدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وأبُو مَيْمُونَةَ اسْمُهُ سُلَيْمٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرهِمْ. قَالُوا:
ـــــــ
وهو مذهب الشافعي. وأما عندنا فالولد إذا صار مستغنياً بأن يأكل وحده ويشرب وحده ويلبس وحده قيل ويستنجي وحده فالأب أحق به. والخصاف قدر الاستغناء بسبع سنين وعليه الفتوى. قال ابن الهمام: إذا بلغ الغلام السن الذي يكون الأب أحق به كسبع مثلاً أخذه الأب. ولا يتوقف على اختيار الغلام ذلك. وعند الشافعي: يخير الغلام في سبع أو ثمان. وعند أحمد وإسحاق: يخير في سبع. لهذا الحديث انتهى. قوله: "وفي الباب عن عبد الله بن عمرو" أخرجه أحمد وأبو داود بلفظ: أن امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجرى له حواء. وإن أباه طلقني، وأراد أن ينزعه مني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت أحق به ما لم تنكحي". ورواه الحاكم وصححه "وجد عبد الحميد بن جعفر" أخرجه أبو داود في الطلاق، والنسائي في الفرائض عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جده رافع بن سنان: أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم فجاء بأبن له صغير لم يبلغ. فأجلس النبي صلى الله عليه وسلم الأب ههنا والأم ههنا ثم خيره وقال: اللهم اهده فذهب إلى أبيه. رواه أحمد والنسائي. وفي رواية عن عبد الحميد بن جعفر قال أخبرني أبي عن جدي رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ابنتي وهي فطيم أو شبههه. وقال رافع ابنتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقعد ناحية، وقال لها اقعدي ناحية، فأقعدت الصبية بينهما ثم قال ادعوها ـ فمالت إلى أمها ـ فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اهدها فمالت إلى أبيها فأخذها. رواه أحمد وأبو داود. وعبد الحميد هذا هو عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن رافع بن سنان الأنصارى. قوله: "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة وصححه ابن حبان وابن القطان. قوله: "وأبو ميمونة اسمه سليم" بالتصغير قال في التقريب أبو ميمونة الفارسي المدني الأبار. قيل اسمه سليم أو سليمان أو سلمى. وقيل أسامة ثقة من الثالثة. ومنهم من فرق بين الفارسي والأبار وكل منهما مدني يروي عن أبي هريرة. وقال في تهذيب التهذيب وقيل إنه والد هلال ابن أبي ميمونة ولا يصح. روى عن أبي هريرة وغيره وعنه هلال بن أبي ميمونة(4/590)
يُخَيّرُ الْغُلاَمُ بَيْنَ أبَوَيْهِ إذَا وَقعَتْ بَيْنَهُمَا المُنَازَعة في الْوَلَدِ. وَهُوَ قَوْلُ أحْمدَ وإسْحَاقَ. وَقالاَ: مَا كَانَ الْوَلَدُ صَغِيراً فَالأُمّ أحَقّ. فإذَا بَلَغَ الْغُلاَمُ سَبْعَ سِنِينَ خُيّرَ بَيْنَ أبَوَيْهِ. هِلاَلُ بنُ أبي مَيْمُونَةَ هُوَ هِلاَلُ بنُ عَلِيّ بنِ أُسَامَةَ. وهُوَ مَدَنِيّ. وقَدْ رَوَى عَنْهُ يَحْيَى بنُ أبي كَثِيرٍ، ومَالِكُ بنُ أنَسٍ، وفُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ.
ـــــــ
وغيره. وذكر الحافظ أسماء من فرق بين الفارسي والأبار. قوله: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم الخ" قال الشوكاني في النيل تحت حديث الباب: فيه دليل على أنه إذا تنازع الأب والأم في ابن لهما كان الواجب هو تخييره. فمن اختاره ذهب به. وقد أخرج البيهقي عن عمر: أنه خير غلاماً بين أبيه وأمه. وأخرج أيضاً عن علي أنه خير عمارة الجدامي بين أمه وعمته وكان ابن سبع أو ثمان سنين. وقد ذهب إلى هذا الشافعي وأصحابه وإسحاق بن راهوبه، وقال أحب أن يكون مع الأم إلى سبع سنين ثم يخير وقيل إلى خمس. وذهب أحمد إلى أن الصغير إلى دون سبع سنين أمه أولى به، وإن بلغ سبع سنين، فالذكر فيه ثلاث روايات: يخير وهو المشهور عن أصحابه، وإن لم يختر أقرع بينهما. والثانية ـ أن الأب أحق به. والثالثة ـ أن الأب أحق بالذكر والأم بالأنثى إلى تسع ثم يكون الأب أحق بها. والظاهر من أحاديث الباب أن التخيير في حق من بلغ من الأولاد إلى سن التمييز هو الواجب من غير فرق بين الذكر والأنثى انتهى. قوله: "وهلال بن أبي ميمونة هو هلال بن علي ابن أسامة وهو مدني" قال في تهذيب التهذيب: ويقال هلال بن أبي ميمونة وهلال بن أبي هلال العامري مولاهم المدني وبعضهم نسبة إلى جده فقال ابن أسامة وقال في التقريب ثقة من الخامسة .(4/591)
باب ماجاء أن الوالد يأخذ من مال ولده
...
22 ـ باب ما جَاءَ أَنّ الْوَالِدَ يَأَخُذُ مِنْ مَالِ وَلَدِه
1376 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنيعٍ. حَدّثنَا يَحْيَى بنُ زَكَرِيّا بنِ أبي زَائِدَةَ. حَدّثَنَا الأعْمَشُ عنْ عُمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ، عنْ عَمّتِهِ، عنْ
ـــــــ
باب ما جَاءَ أَنّ الْوَالِدَ يَأَخُذُ مِنْ مَالِ وَلَدِه
قوله: "عن عمارة" بضم المهملة وخفة الميم المفتوحة "بن عمير" بالتصغير التيمي كوفي ثقة ثبت من الرابعة "عن عمته" لا تعرف قال ابن حبان وسيأتي(4/591)
عَائِشَةَ، قالَتْ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ أطْيَبَ مَا أكْلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ. وإنّ أوْلاَدَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ". وفي البابِ عنْ جَابِرٍ وعَبْدِ الله بنِ عَمَرٍو. هذا حديثٌ حَسنٌ صحيح. وقَدْ رَوَى بَعَضُهُمْ هَذَا عَنْ عُمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ، عنْ أُمّهِ، عنْ عَائِشَةَ وَأَكْثَرُهُمْ قَالُوا عنْ عَمّتِهِ عنْ عَائِشَةَ والْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلمِ مِنْ أصْحابِ النبي صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ. قَالُوا: إنّ يَدَ الْوَالدِ مَبْسُوطَةٌ في مَالِ وَلَدِهِ يأْخُذُ مَا شَاءَ.
ـــــــ
كلامه "إن أطيب ما أكلتم" أي أحله وأهنأه "من كسبكم" أي مما كسبتموه من غير واسطة لقربه للتوكل وكذا بواسطة أولادكم كما بينه بقوله: "وإن أولادكم من كسبكم" لأن ولد الرجل بعضه وحكم بعضه حكم نفسه، وسمي الولد كسباً مجازاً. قاله المناوي: وفي رواية عند أحمد أن ولد الرجل من أطيب كسبه فكلوا من أموالهم هنيئاً. وفي حديث جابر: أنت ومالك لأبيك. قال ابن رسلان: اللام للإباحة لا للتمليك، لأن مال الولد له وزكاته عليه وهو موروث عنه انتهى. قوله: "وفي الباب عن جابر وعبد الله بن عمرو" أما حديث جابر فأخرجه عنه ابن ماجه بلفظ: أن رجلاً قال يا رسول الله إن لي مالاً وولداً وإن أبي يريد أن يجتاج مالي فقال: "أنت ومالك لأبيك". قال ابن القطان: إسناده صحيح. وقال المنذري: رجاله ثقات. وقال الدارقطني: تفرد به عيسى بن يونس بن أبي إسحاق كذا في النيل. وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد وأبو داود بلفظ: أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي يريد أن يجتاج مالي. فقال: "أنت ومالك لوالدك". الحديث. وأخرجه أيضاً ابن خزيمة وابن الجارود. وفي الباب أيضاً عن سمرة عند البزار وعن عمر عند البزار أيضاً وعن ابن مسعود عند الطبراني وعن ابن عمر عند أبي يعلى. قوله: "هذا حديث حسن" أخرجه الخمسة كذا في المنتقى. وقال الشوكاني: أخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه والحاكم ولفظ أحمد "يعني لفظه الذي ذكرناه" أخرجه أيضاً الحاكم وصححه أبو حاتم وأبو زرعة وأعله ابن القطان بأنه عن عمارة عن عمته، وتارة عن امه وكلتاهما لا يعرفان انتهى. قوله: "قالوا إن يد الوالد مبسوطة في مال ولده يأخذه ما شاء" واستدلوا على ذلك بأحاديث الباب. قال الشوكاني:(4/592)
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ إلاّ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
ـــــــ
وبمجموع هذه الطرق ينتهض للاحتجاج. فيدل على أن الرجل مشارك لولده في ماله فيجوز له الأكل منه سواء أذن الولد أو لم يأذن. ويجوز له أيضاً أن يتصرف به كما يتصرف بماله ما لم يكن ذلك على وجه السرف والسفه. وقد حكى في البحر الإجماع على أنه يجب على الولد الموسر مؤنة الأبوين المعسرين انتهى. "وقال بعضهم لا يأخذ من ماله إلا عند الحاجة إليه" قال ابن الهمام بعد ذكر حديث عائشة المذكور: فإن قيل هذا يقتضي أنه له ملكاً ناجزاً في ماله. قلنا نعم لو لم يقيده حديث رواه الحاكم وصححه، والبيهقي عنها مرفوعاً: إن أولادكم هبة يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور. وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها. ومما يقع بأن الحديث يعني أنت ومالك لأبيك ما أول أنه تعالى ورث الأب من ابنه السدس مع ولد ولده، فلو كان الكل ملكه لم يكن لغيره شيء مع وجوده انتهى. قلت: قال الحافظ في التلخيص: قال أبو داود في هذه الزيادة وهي: إذا احتجتم إليها إنها منكرة ونقل عن ابن المبارك عن سفيان قال حدثنا به حماد ووهم فيه انتهى .(4/593)
باب ماجاء فيمن يكسر له الشيء مايحكم له من مال الكاسر
...
23 ـ باب ما جَاءَ فيمنْ يُكْسَرُ لهُ الشّيْءُ، مَا يُحْكَمُ لَهُ مِنْ مَالِ الْكاسِر
1377 ـ حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ. حَدّثَنَا أبُو دَاوُدَ الْحَفْرِيّ عنْ سُفْيَانَ الثوري، عنْ حُمَيْدٍ، عنْ أنَسٍ قالَ أهْدَتْ بَعْضُ أزْوَاجِ النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم طَعَاماً في قَصْعَةٍ. فَضَرَبَتْ عَائِشَةُ الْقَصْعَةَ بِيَدِها. فأَلْقَتْ مَا فِيها. فَقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
باب ما جَاءَ فيمنْ يُكْسَرُ لهُ الشّيْءُ، مَا يُحْكَمُ لَهُ مِنْ مَالِ الْكاسِر
قوله: "حدثنا أبو داود الحفري" بفتح المهملة والفاء نسبة إلى موضع بالكوفة ثقة عابد من التاسعة "أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم" هي زينب بنت جحش كما رواه ابن حزم في المحلي عن أنس، ووقع قريب من ذلك لعائشة مع أم سلمة كما رواه النسائي عنها، وبعض الروايات تدل على أنها(4/593)
"طَعامٌ بِطعامٍ، وَإِنَاءٌ بإنَاءٍ". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
1378 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ. أخبرنا سُوَيْدُ بنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عنْ حَميْدٍ، عنْ أنَسٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَارَ قَصْعَةً فَضَاعَتْ فَضَمِنَها لَهُمْ. وَهذا حديثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. وَإِنمَا أرَادَ ـ عِنْدِي سُوَيْدٌ ـ الحَدِيثَ الّذِي رَوَاهُ الثّوْرِيّ. وَحَدِيثُ الثّوْرِيّ أصَحّ
ـــــــ
حفصة وبعضها تدل على أنها أم سلمة، وبعضها تدل على أنها صفية. قال الحافظ: وتحرر من ذلك أن المراد بمن أبهم في حديث الباب هي زينب لمجيء الحديث من مخرجه، وهو حميد عن أنس وما عدا ذلك فقصص أخرى، لا يليق بمن تحقق أن يقول في مثل هذا قيل المراسلة فلانة وقيل فلانة من غير تحرير انتهى. "بقصعة" بوزن صحفة وبمعناه "طعام بطعام وإناء بإناء" فيه دليل أن القيمي يضمن بمثله ولا يضمن بالقيمة إلا عند عدم المثل. ويؤيده رواية البخاري بلفظ: ودفع القصعة الصحيحة للرسول. وبه احتج الشافعي والكوفيون وقال مالك: إن القيمي يضمن بقيمته مطلقاً. وفي رواية عنه كالمذهب الأول وفي رواية عنه أخرى ما صنعه الاَدمى فالمثل وأما الحيوان فالقيمة. وعنه أيضاً ما كان مكيلاً أو موزوناً فالقيمة وإلا فالمثل. قال في الفتح: وهو المشهور عندهم ولا خلاف في أن المثلي يضمن بمثله. وأجاب القائلون بالقول الثاني عن حديث الباب وما في معناه بما حكاه البيهقي من أن القصعتين كانتا للنبي صلى الله عليه وسلم في بيتي زوجتيه فعاقب الكاسرة بجعل القصعة المكسورة في بيتها، وجعل الصحيحة في بيت صاحبتها، ولم يكن هناك تضمين. وتعقب بما وقع في رواية لابن أبي حاتم بلفظ: من كسر شيئاً فهو له وعليه مثله. وبهذا يرد على من زعم أنها واقعة عين لا عموم لها. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرج معناه الجماعة. قوله: "حدثنا سويد بن عبد العزيز" السلمى مولاهم الدمشقى قاضي بعلبك أصله واسطى تزل حمص لين الحديث "استعار قصعة" بفتح القاف وسكون الصاد قال في القصعة الصحفة وقال في الصراح كاسه بزرك "وهذا حديث غير محفوظ وإنما أراد عندى سويد" هو ابن عبد العزيز "الحديث الذي رواه الثوري" يعني أن سويد بن عبد العزيز قد وهم في رواية حديث أنس المذكور فرواه عن حميد عن أنس بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار قصعة الخ فهو غير محفوظ. والمحفوظ هو ما رواه سفيان الثوري عن حميد عن أنس بلفظ: أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الخ .(4/594)
باب ماجاء في حد بلوغ الرجل والمرأة
...
24ـ باب ما جَاء في حَدّ بُلوغِ الرّجُلِ والْمَرأَة
1379 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ وَزِيرٍ الْوَاسِطِيّ. حدّثَنَا إسْحَاقُ بنُ يُوسُفَ الأزْرَقُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قالَ: عُرِضْتُ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جَيْشٍ وَأَنَا ابنُ أرْبَعَ عَشْرَةَ فلمْ يَقْبَلْنِي. فعُرِضْتُ عَلَيْهِ مِنْ قَابِل في جَيْش وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَقَبِلَنِي. قالَ نَافِعٌ: وَحَدّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ: هَذَا حَدّ مَا بَيْنَ الصّغِيرِ وَالْكَبِيرِ. ثُمّ كَتَبَ أنْ يُفْرَضَ لِمَنْ يَبْلُغُ الْخَمْسَ عَشْرَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ أبي عُمَرَ. حَدّثنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ، عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَه. وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ "أنّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ أنّ هَذَا حَدّ مَا بَيْنَ الصّغِيرِ وَالْكَبِيرِ" . وَذَكَرَ
ـــــــ
باب ما جاء في حد البلوغ
قوله: "عرضت" بصيغة المجهول أي للذهاب إلى الغزو "على رسول الله صلى الله عليه وسلم" من باب عرض العسكر على الأمير "في جيش" أي في واقعة أحد وكانت في السنة الثالثة من الهجرة "وأنا ابن أربع عشرة" جملة حالية "فلم يقبلني" وفي رواية للشيخين فلم يجزني. وزاد البيهقي وابن حبان في صحيحه بعد قوله فلم يجزني ولم يرني بلغت "فعرضت عليه من قابل في جيش" يعني غزوة الخندق وهو غزوة الأحزاب "فقبلني" وفي رواية للشيخين فأجازني أي في المقاتلة أو المبايعة وقيل كتب الجائزة لي وهو رزق. وزاد البيهقي وابن حبان بعد قوله: فأجازني ورآني بلغت. وقد صحح هذه الزيادة أيضاً ابن خزيمة كذا في النيل:(4/595)
ابْنُ عُيَيْنَةَ في حَدِيثهِ. قال فحَدّثْت بِهِ عُمَرَ بنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ. فقَالَ: هَذَا حَدّ مَا بَيْنَ الذّرّيّةِ وَالمُقَاتَلَةِ. هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ العِلمِ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثّوْرِيّ وابْنُ المُبَارَكِ والشّافِعيّ وأحْمَدُ وَإسْحَاقُ. يَرَوْنَ أنّ الْغُلاَمَ إذَا اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشَرَةَ
ـــــــ
قوله: "هذا حد ما بين الذرية والمقاتلة" بكسر التاء يريد إذا بلغ الصبي خمس عشرة سنة دخل في زمرة المقاتلين وأثبت في الديوان اسمه، وإذا لم يبلغها عد من الذرية قال الحافظ في الفتح: استدل بقصة ابن عمر على أن من استكمل خمس عشرة سنة أجريت عليه أحكام البالغين وإن لم يحتلم فيكلف بالعبادات وإقامة الحدود، ويستحق سهم الغنيمة، ويقتل إن كان حربياً، ويفك عنه الحجر إن أونس رشده، وغير ذلك من الأحكام. وقد عمل بذلك عمر بن عبد العزيز وأقره عليه راويه نافع. وأجاب الطحاوي وابن القصار وغيرهما ممن لم يأخذ به بأن الإجازة المذكورة جاء التصريح بأنها كانت في القتال. وذلك يتعلق بالقوة والجلد. وأجاب بعض المالكية بأنها واقعة عين فلا عموم لها، ويحتمل أن يكون صادف أنه كان عند تلك السن قد احتلم فلذلك أجازه. وتجاسر بعضهم فقال إنما رده بضعفه لا لسنه. وإنما أجازه لقوته لا لبلوغه. ويرد على ذلك ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج ورواه أبو عوانة وابن حبان في صحيحهما من وجه آخر عن ابن جريج أخبرني نافع فذكر هذا الحديث بلفظ: عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فلم يجزني ولم يرني بلغت. وهي زيادة صحيحة لا مطعن فيه لجلالة ابن جريج وتقدمه على غيره في حديث نافع. وقد صرح فيها بالتحديث فانتفى ما يخشى من تدليسه. وقد نص فيها لفظ ابن عمر لقوله: ولم يرني بلغت وابن عمر أعلم بما روى من غيره ولا سيما في قصة تتعلق به انتهى كلام الحافظ. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان. قوله: "والعمل على هذا عند أهل العلم الخ" قال في شرح السنة العمل على هذا عند أكثر أهل العلم. قالوا: إذا استكمل الغلام أو الجارية خمس عشرة سنة كان بالغاً. وبه قال الشافعي وأحمد وغيرهما. وإذا احتلم واحد منهما قبل بلوغه هذا المبلغ بعد استكمال تسع سنين يحكم ببلوغه. وكذلك إذا حاضت الجارية بعد تسع ولا حيض ولا احتلام قبل بلوغ التسع انتهى. وقال في الهداية: بلوغ الغلام بالاحتلام والإحبال والإنزال إذا وطئ. فإن لم يوجد فحتى يتم له ثمان(4/596)
سَنَة، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الرّجَالِ. وإنِ احْتَلَمَ قَبْلَ خَمْسَ عَشْرَةَ فحكْمُهُ حُكْمُ الرّجَالِ. وَقَالَ أحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، الْبُلُوغُ ثَلاَثَةُ مَنَازِلَ: بُلُوغُ خَمْسَ عَشْرَةَ، أوْ الاحْتِلاَمُ، فإنْ لَمْ يُعْرَفْ سِنّه وَلا احْتلامُهُ فالإنْبَاتُ "يَعْنِي الْعَانَةَ" .
ـــــــ
عشرة سنة وبلوغ الجارية بالحيض والاحتلام والحبل، فإن لم يوجد ذلك فحتى يتم لها سبع عشرة سنة. وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله. وقالا إذا تم للغلام والجارية خمس عشرة فقد بلغا. وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله، وهو قول الشافعي انتهى. قلت: ما ذهب إليه أكثر أهل العلم من أن الغلام أو الجارية إذا استكمل خمس عشرة سنة كان بالغاً هو الراجح الموافق لحديث الباب قوله: "فالإنبات يعني العانة" يريد إنبات شعر العانة وقد أخرج الشيخان من حديث أبي سعيد بلفظ: فكان يكشف عن مؤتزر المراهقين فمن أنبت منهم قتل، ومن لم ينبت جعل في الذراري وفي الإنبات أحاديث أخرى مذكورة في النيل. وقد استدل بحديث أبي سعيد هذا وما في معناه أن الإنبات من علامات البلوغ. قال الشوكاني: استدل بهذا الحديث من قال إن الإنبات من علامات البلوغ. وتعقب بأن قتل من أنبت ليس لأجل التكليف بل لدفع ضرره لكونه مظنة للضرر كقتل الحية ونحوها. ورد هذا التعقب بأن القتل لمن كان كذلك ليس إلا لأجل الكفر، لا لدفع الضرر لحديث أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وطلب الإيمان وإزالة المانع منه فرع التكليف ويؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغزو إلى البلاد البعيدة كتبوك، ويأمر بغزو أهل الأقطار النائية مع كون الضرر ممن كان كذلك مأموناً، وكون قتال الكفار لكفرهم هو مذهب طائفة من أهل العلم. وذهبت طائفة أخرى إلى أن قتالهم لدفع الضرر والقول بهذه المقالة هو منشأ ذلك التعقب. ومن القائلين بهذا شيخ الإسلام ابن تيمية حفيد المصنف يعني مصنف المنتقى. وله في ذلك رسالة انتهى كلام الشوكاني(4/597)
باب ماجاء في من تزوج امرأة أبيه
...
25ـ باب فِيمَنْ تَزَوّجَ امْرَأَةَ أبِيه
1380 ـ حدثنا أبُو سعَيدٍ الأشجّ. حَدّثَنَا حفَصُ بنُ غِيَاثٍ عنْ أشْعَثَ، عَنْ عَدِيّ بن ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ قالَ: مَرّ بِي خَالِي أبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَمَعَهُ لِوَاءٌ فَقلت: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: بَعَثَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلَى رَجُلٍ تَزَوّجَ امْرَأَةَ أبِيهِ، أنْ آتيَهُ بِرَأْسِهِ. وفي البابِ عَنْ قُرّةَ المزني.
قال أبو عيسى حَدِيثُ الْبَرَاءِ حديثٌ حسنٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَى مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ هَذَا الْحَدَيثَ عَنْ عَدِي بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ يَزِيدَ عَنِ الْبَرَاءِ. وَقَدْ رُوِيَ هذَا الْحَدِيثُ عَنْ أشْعَثَ، عَنْ عَدِي، عَنْ يزيد بن الْبَرَاءِ عَنْ أبِيهِ. وَرُوِيَ عَنْ أشْعَثَ، عَنْ عَدِي، عَنْ يَزِيدَ بْنِ البَرَاءِ، عَنْ خَالِهِ، عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
باب فِيمَنْ تَزَوّجَ امْرَأَةَ أبِيه
قوله: "مر بي خالي أبو بردة بن نيار" بكسر النون بعدها تحتية خفيفة حليف الأنصار "ومعه لواء" بكسر اللام أي علم قال المظهر: وكان ذلك اللواء علامة كونه مبعوثاً من جهة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر "بعثني" أي أرسلني "أن آتيه" أي آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم "برأسه" أي برأس ذلك الرجل وفي رواية لأبي داود وللنسائي وابن ماجه والدارمي: فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله. والحديث دليل على أنه يجوز للإمام أن يأمر بقتل من خالف قطعياً من قطعيان الشريعة كهذه المسألة فإن الله تعالى يقول {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} ولكنه لا بد من حمل الحديث على أن ذلك الرجل الذي أمر صلى الله عليه وسلم بقتله عالم بالتحريم وفعله مستحلاً وذلك من موجبات الكفر والمرتد بقتل. قوله: "وفي الباب عن قرة" لينظر من أخرجه. قوله: "حديث البراء حديث حسن غريب" أخرجه الخمسة. قال الشوكاني: وللحديث أسانيد كثيرة منها ما رجاله رجال الصحيح "وقد روى محمد بن إسحاق هذا الحديث عن عدي بن ثابت الخ" قال المنذري: قد اختلف في هذا الحديث اختلافاً كثيراً فذكره، من شاء الوقوف عليه فليرجع إلى النيل(4/598)
26ـ باب ما جَاءَ في الرّجُليْنِ يكُونُ أحدُهُمَا أسْفَلَ مِنَ الاَخَرِ في المَاء
1381 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حَدثنَا اللّيثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، أنّهُ حَدّثَهُ، أنّ عَبْدَ الله بْنَ الزّبَيْرِ حَدّثَه أنّ رَجُلاً مِنّ الأنْصَارِ خَاصَمَ الزّبَيْر عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في شِرَاجِ الْحَرّة الّتِي يَسقُونَ بهَا النّخْلَ. فقَالَ الأنْصَارِيّ. سَرّحِ المَاءِ يَمُرّ. فأَبَى
ـــــــ
باب ما جاء في الرجلين يكون أحدهما أسفل من الاَخر في الماء
المراد بالأسفل الأبعد أي يكون أرض أحدهما قربية من الماء وأرض الاَخر بعيدة منها قوله: "إن رجلاً من الأنصار" زاد البخاري روايته في كتاب الصلح: قد شهد بدرا. قال الداودي بعد جزمه بأنه كان منافقاً، وقيل كان بدرياً فإن صح فقد وقع ذلك منه قبل شهودها لانتقاء النفاق ممن شهدها. وقال ابن التين: إن كان بدرياً فمعنى قوله لا يؤمنون لا يستكملون. كذا في فتح الباري. وقال القاري في المرقاة: قال التوربشتي رحمه الله: وقد اجترأ جمع من المفسرين بنسبة الرجل تارة إلى النفاق وأخرى إلى اليهودية، وكلا القولين زائغ عن الحق إذ قد صح أنه كان أنصارياً ولم يكن الأنصار من جملة اليهود. ولو كان مغموضاً عليه في دينه لم يصفوا بهذا الوصف فانه وصف مدح. والأنصار وإن وجد منهم من يرمي بالنفاق فإن القرن الأول والسلف بعدهم تحرجوا واحترزوا أن يطلقوا على من ذكر بالنفاق، واشتهر به الأنصاري. والأولى بالشحيح بدينه أن يقول هذا قول أذله الشيطان فيه بتمكنه عند الغضب وغير مستبدع من الصفات البشرية الإبتلاء بأمثال ذلك انتهى ما في المرقاة "خاصم الزبير" أي ابن العوام ابن صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم أي حاكم إلى النبي صلى الله عليه وسلم "في شراج الحرة" بكسر المعجمة وبالجيم جمع شرج بفتح أوله وسكون الراء مثل بحر وبحار. والمراد بها هنا مسيل الماء، وإنما أضيفت إلى الحرة لكونها فيها، والحرة موضع معروف بالمدينة قال أبو عبيد: كان بالمدينة واديان يسيلان بماء المطر فيتنافس الناس فيه فقضي رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعلى فالأعلى كذا في الفتح "فقال الأنصاري" يعني للزبير "سرح الماء"(4/599)
عَلَيْهِ. فَاخْتَصَمُوا عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم للزّبَيْرِ: "اسْقِ يَا زُبَيْرِ ثمّ أرْسلِ المَاءِ إلى جَارِكَ" فَغَضِبَ الأنْصَارِيّ: فَقَالَ يا رسول الله أنْ كانَ ابْنَ عَمّتِكَ؟ فَتَلَوّنَ وَجْهُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثمّ قالَ: "يا زُبَيْر اسْقِ ثمّ احْبِسِ الْماءَ حتّى يَرْجِعَ إلى الْجَدْرِ" فَقالَ الزّبَيْرُ: وَالله إنّي لأحْسِبُ نَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ في ذَلِكَ. {فَلاَ وَرَبّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكّموكَ فِيما شَجَر بَيْنَهُمْ}. هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
أمر من التسريح أي أطلقه وأرسله، وإنما قال له ذلك لأن الماء كان يمر بأرض الزبير قبل أرض الأنصاري فيحبسه لإكمال سقي أرضه ثم يرسله إلى أرض جاره، فالتمس منه الأنصاري تعجيل ذلك فامتنع. إعلم أنه وقع في النسخة الأحمدية شرح بالشين المعجمة وهو غلط "فأبى" أي الزبير "عليه" أي على الأنصاري "اسق يا زبير" بهمزة وصل من الثلاثي. وحكى ابن التين أنه بهمزة قطع من الرباعي قاله الحافظ "ثم أرسل الماء إلى جارك" فإن أرض الزبير كانت أعلى من أرض الأنصاري "أن كان ابن عمتك" بفتح همزة أن أي حكمت بذلك لأجل أن كان أو بسبب أن كان قال القاضي: وهو مقدر بأن أو لأن. وحرف الجر يحذف معها للتخفيف كثيراً فإن فيها مع صلتها طولا. أي وهذا التقديم والترجيح لأنه ابن عمتك أو بسببه ونحوه قوله تعالى {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} أي لا تطعه مع هذا المثالب لأن كان ذا مال "فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي تغير من الغضب "حتى يرجع إلى الجدر" أي يصير إليه والجدر بفتح الجيم وسكون الدال المهملة هو المسناة وهو ما وضع بين شربات النخل كالجدار وقيل المراد الحواجز التي تحبس الماء، ويروي الجدر بضم الدال وهو جمع جدار والمراد جدران الشربات التي في أصول النخل فإنها ترفع حتى تصير شبه الجدار والشربات بمعجمة وفتحات هي الحفر التي تحفر في أصول النخل "فلا وربك" لا زائدة "لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر" أي اختلط "بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً" ضيقاً أو شكاً "مما قضيت ويسلموا" ينقادوا لحكمك "تسليماً" من غير معارضة "الاَية" بالنصب أي أتم الاَية. قوله: "هذا حديث حسن"(4/600)
وَرَوَى شُعَيْبُ بنُ أبي حَمْزَةَ عنِ الزّهْرِيّ، عنْ عُرْوَةَ بنِ الزّبَيْرِ، عنِ الزّبَيْرِ، ولَمْ يَذْكُرْ فيهِ "عَنْ عَبْدِ الله بنِ الزبيْرِ" . وَرَوَاهُ عَبْدُ الله بنُ وَهْبٍ عنِ اللّيْثِ. ويُونُسُ عنِ الزّهْرِيّ، عنْ عُرْوَةَ، عنْ عَبْدِ الله بنِ الزّبَيْرِ. نحْوَ الْحَدِيثِ الأوّلِ.
ـــــــ
وأخرجه الشيخان قوله: "وروى شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن عروة بن الزبير عن الزبير ولم يذكر فيه عن عبد الله بن الزبير" أخرجه البخاري في الصلح من صحيحه "نحو الحديث الأول" أي الذي أسنده الترمذي وقد بسط الحافظ في الفتح الكلام في بيان الاختلاف .(4/601)
باب ماجاء في من يعتق مماليكه عند موته وليس له مال غيرهم
...
27ـ باب ما جَاءَ فِيْمَنْ يُعْتِقُ مَمالِيكَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ
مَالٌ غَيْرُهُم
1382 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ، عنْ أيّوبَ، عَنْ أبي قِلاَبَةَ، عنْ أبي المُهَلّبِ، عنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ أنّ رَجُلاً مِنْ الأنْصَارِ أعْتَقَ سِتّةَ أعْبُدٍ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ. فَبَلَغَ ذَلِكَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فَقالَ لَهُ قَوْلاً شَدِيداً. ثُمّ دَعَاهُمْ فَجَزّأَهُمْ ثُمّ أقْرَعَ بَيْنَهُمْ. فأعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقّ أرْبَعَةً. وفي البابِ عن أبي هُرَيْرَةَ. حدِيثُ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد
ـــــــ
باب ما جَاءَ فِيْمَنْ يُعْتِقُ مَمالِيكَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُم
قوله: "اعتق ستة أعبد" جمع عبد أي ستة مماليك "فقال له قولا شديداً" كراهة لفعله وتغليظاً عليه لعتق العبيد كلهم وعدم رعاية جانب الورثة "ثم دعاهم" أي طلبهم "فجزاهم" قال النووي بتشديد الزاي وتخفيفها لغتان مشهورتان ذكرهما ابن السكيت وغيره، أي فقسمهم وفي رواية مسلم فجزأهم "ثلاثاً وأرق أربعة" أي أبقى حكم الرق على الأربعة. ودل الحديث على أن الإعتاق في مرض الموت ينفذ عن الثلث لتعلق حق الورثة بماله وكذا التبرع كالهبة ونحوه. قوله: "وفي الباب عن أبي هريرة" قوله: "حديث عمران بن حصين حديث حسن صحيح"(4/601)
روي من غير هذا الوجه عن عمران بن الحصين وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلمِ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم. وهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ والشّافَعِيّ وَأَحْمَدَ وإسْحَاقَ يَرَوْنَ استعمال الْقُرْعَةَ في هَذا وفِي غَيْرِهِ. وأمّا بَعْضُ أهْلِ العِلمِ مِنْ أهْلِ الْكُوفَةِ وغَيْرِهِمْ فَلمْ
ـــــــ
أخرجه الجماعة إلا البخاري كذا في المنتقى. قوله: "وهي قول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق يرون القرعة في هذا وفي غيره" وهو قول الجمهور قال الإمام البخاري في صحيحه: باب القرعة في المشكلات، وذكر فيه عدة أحاديث كلها تدل على مشروعية القرعة قال الحافظ في الفتح: وجه إدخالها في كتاب الشهادات أنها من جملة البينات التي تثبت بها الحقوق فكما تقطع الخصومة والنزاع بالبينة، كذلك تقطع بالقرعة ومشروعية القرعة مما اختلف فيه، والجمهور على القول بها في الجملة وأنكرها بعض الحنفية. وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة القول بها وجعل المصنف يعني البخاري رحمه الله ضابطها الأمر المشكل. وفسرها غيره بما يثبت فيه الحق لاثنين فأكثر وتقع المشاحة فيه فيقرع لفصل النزاع. وقال إسماعيل القاضي: ليس في القرعة إبطال الشيء من الحق كما زعم بعض الكوفيين، بل إذا وجبت القسمة بين الشركاء فعليهم أن يعدلوا ذلك بالقيمة ثم يقترعوا، فيصير لكل واحد ما وقع له بالقرعة مجتمعاً مما كان له في الملك مشاعاً فيضم في موضع بعينه ويكون ذلك بالعوض الذي صار لشريكه. لأن مقادير ذلك قد عدلت بالقيمة، وإنما أفادت القرعة أن لا يختار واحد منهم شيئاً معيناً فيختاره الاَخر فيقطع التنازع. وهي إما في الحقوق المتساوية وإما في تعيين الملك. فمن الأول عقد الخلافة إذا استووا في صفة الإمامة. وكذا بين الأئمة في الصلوات، والمؤذنين، والأقارب في تغسيل الموتى والصلاة عليهم، والحائضات إذا كن في درجة، والأولياء في التزويج والاستباق إلى الصف الأول. وفي إحياء الموات. وفي نقل المعدن ومقاعد الأسواق. والتقديم بالدعوى عند الحاكم والتزاحم على أخذ اللقيط، والنزول في الخان المسبل ونحوه، وفي السفر ببعض الزوجات، وفي ابتداء القسم والدخول ابتداء النكاح، وفي الإقراع بين العبيد إذا أوصى بعتقهم ولم يسعهم الثالث، وهذه الأخيرة من صور القسم الثاني أيضاً وهو تعيين الملك ومن صور تعيين الملك الإقراع بين الشركاء عند تعديل السهام في القسمة انتهى(4/602)
يَرَوُا القُرْعَةَ. وقَالُوا: يُعْتَقُ مِنْ كلّ عَبْدٍ الثّلُثُ. ويُسْتَسْعَى في ثُلُثَيْ قِيمتِهِ. وأبُو المُهَلّبِ اسْمُهُ عَبْدُ الرّحمَنِ بنُ عَمْرٍو الجُرميّ وهو غير أبي قلابة وَيُقَالُ مُعَاوِيةُ بنُ عَمرٍو
ـــــــ
كلام الحافظ. "وأما بعض أهل العلم من أهل الكوفة وغيرهم فلم يروا القرعة" وهو قول أبي حنيفة. وحديث الباب حجة على هؤلاء والقول الأول هو الحق والصواب. "وقالوا يعتق من كل عبد" أي من الأعبد الستة "الثلث" أي ثلثه "يستسعى" بصيغة المجهول أي كل عبد "في ثلثي قيمته" فإن ثلثه قد صار حراء قوله: "وأبو المهلب اسمه عبد الرحمن بن عمرو الخ" قال في التقريب ثقة من الثانية .(4/603)
باب ماجاء في من ملك ذا محرم
...
29ـ باب ما جَاءَ فِيْمَنْ مَلكَ ذَا رحم مَحْرَم
1383 ـ حدثنا عَبْدُ الله بنُ معاوية الجُمَحِيّ البصرى حَدّثنَا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عن الحَسَنِ، عن سَمُرَةَ أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمِ فَهُوَ حُرّ".
قال أبو عيسى هذا حديثٌ لا نَعْرِفُهُ مُسْنداً، إلاّ مِنْ حَدِيثِ حَمّادِ بنِ سلَمَةَ. وقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ قَتَادَةَ، عنِ الْحَسَنِ، عن عُمَرَ، شَيْئاً مِنْ هَذَا.
ـــــــ
باب ما جَاءَ فِيْمَنْ مَلكَ ذَا رحم مَحْرَم
قوله: "من ملك ذا رحم" بفتح الراء وكسر الحاء وأصله موضع تكوين الولد ثم استعمل للقرابة فيقع على كل من بينك وبينه نسب يوجب تحريم النكاح "محرم" بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وفتح الراء المخففة ويقال محرم بصيغة المفعول من التحريم. والمحرم من لا يحل نكاحه من الأقارب كالأب والأخ والعم ومن في معناهم وهو بالجر، وكان القياس أن يكون بالنصب لأنه صفة ذا رحم لا نعت رحم ولعله من باب جر الجواد كقوله: بيت ضب خرب، وماء شن بارد. "فهو" أي ذو الرحم المحرم ذكرا كان أو أنثى "حر" أي عتق عليه بسبب ملكه. قوله: "هذا حديث لا نعرفه مسنداً إلا من حديث حماد بن سلمة" قال الحافظ في التلخيص: ورواه شعبة عن قتادة عن الحسن ملاسلاً وشعبة(4/603)
1384 ـ حدثنا عُقْبَةُ بنُ مُكْرَمٍ الْعَمّيّ البَصَرِيّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيّ. عَنْ حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ، عنْ قَتَادَةَ. وعَاصِمٌ الأحْوَلُ عنِ الْحَسَنِ، عنْ سَمُرَةَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرّ". ولاَ نَعْلَمُ أحَداً ذَكَرَ في هَذَا الْحَدِيثِ عَاصِماً الأحْوَلَ عنْ حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ، غَيْرَ مُحَمّدِ بنِ بَكْرٍ. والْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلمِ. وقَدْ رُوِيَ عنِ ابنِ عُمَرَ، عنِ النبيّ
ـــــــ
أحفظ من حماد وقال علي بن المديني: هو حديث منكر. وقال البخاري لا يصح انتهى. وقال الشوكاني لكن الرفع من الثقة زيادة لولا ما في سماع الحسن من سمرة مقال انتهى. والحديث أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة. قوله: "وقد روى بعضهم هذا الحديث عن قتادة عن الحسن عن عمر شيئاً من هذا" أخرجه أبو داود عن قتادة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقوفاً عليه بمثل حديث سمرة. قال المنذري: وأخرجه النسائي وهو موقوف وقتادة لم يسمع عن عمر، فإن مولده بعد وفاة عمر بنيف وثلاثين سنة انتهى.
قوله: "حدثنا عقبة بن مكرم" بضم الميم وسكون الكاف وفتح الراء "العمى" يفتح المهملة وتشديد الميم أبو عبد الملك البصري ثقة من الحادية عشر "حدثنا محمد بن بكر البرساني" بضم الموحدة وسكون الراء ثم مهملة أبو عثمان البصري صدوق يخطى من التاسعة. قوله: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم" قال ابن الأثير في النهاية: والذي ذهب إليه أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد: أن من ملك ذا رحم محرم عتق عليه ذكرا كان أو أنثى. وذهب الشافعي وغيره من الأئمة والصحابة والتابعين إلى أنه يعتق عليه أولاد الاَباء والأمهات، ولا يعتق عليه غيرهم من ذوي قرابته. وذهب مالك إلى أنه يعتق عليه الولد والوالدان والأخوة ولا يعتق غيرهم انتهى. قال البيهقي وافقنا أبو حنيفة في بني الأعمام، أنهم لا يعتقون بحق الملك. واستدل الشافعي ومن وافقه بأن غير الوالدين والأولاد لا يتعلق بها رد الشهادة، ولا يجب بها النفقة مع اختلاف الدين، فأشبه قرابة ابن العم وبأنه لا يعصبه فلا يعتق عليه بالقرابة كابن العم. قال الشوكاني: لا يخفى أن نصب مثل(4/604)
صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرّ" رَوَاهُ ضَمْرَةُ بنُ رَبِيعَةَ عنْ الثّوْرِيّ، عنْ عَبْدِ الله بنِ دِينَارٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ولا يُتَابَعُ ضَمْرَة عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ. وهُوَ حدِيثٌ خطَأٌ عِنْدَ أهْلِ الْحَدِيثِ.
ـــــــ
هذه الأقيسة في مقابلة حديث سمرة وحديث ابن عمر رضي الله عنه مما لا يلنفت إليه منصف. والاعتذار عتهما بما فيهما من المقال ساقط لأنهما يتعاضدان فيصلحان للاحتجاج انتهى كلام الشوكاني. قوله: "ولا يتابع ضمرة بن ربيعة على هذا الحديث" قال الحافظ بن ربيعة الفلسطيني أبو عبد الله أصل دمشقي صدوق يهم قليلاً من التاسعة انتهى. وفي الخلاصة وثقه أحمد وابن معين والنسائي وابن سعد "وهو حديث خطأ عند أهل الحديث" وقال النسائي: حديث منكر. وقال البيهقي: وهم فيه ضمرة. والمحفوظ بهذا الإسناد نهى عن بيع الولاء، وعن هبته. ورد الحاكم هذا بأن روى من طريق ضمرة الحديثين بالإسناد الواحد. وصححه ابن حزم. وعبد الحق وابن القطان كذا في التلخيص. وحديث ابن عمر هذا أخرجه ابن ماجه والنسائي والحاكم من طريق ضمرة التي ذكرها الترمذي .(4/605)
باب ماجاء من زرع في أرض قوم بغير إذنهم
...
29 ـ باب ما جَاءَ فيمن زَرَعَ في أرْض قَومٍ بِغيْرِ إذْنِهِم
1385 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدّثنا شَرِيكُ بنُ عَبْدِ الله النّخَعِيّ، عَنْ أبي إسْحَاقَ عنْ عَطَاءٍ، عنْ رَافِعٍ بنِ خَدِيجٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ زَرَعَ في أرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزّرْعِ شَيْءٌ،
ـــــــ
باب ما جَاءَ فيمن زَرَعَ في أرْض قَومٍ بِغيْرِ إذْنِهِم
قوله: "فليس له من الزرع شيء" يعني ما حصل من الزرع يكون لصاحب الأرض، ولا يكون لصاحب البذر إلا بذره وإليه ذهب أحمد وقال غيره: ما حصل من الزرع فهو لصاحب البذر وعليه نقصان الأرض، كذا نقله القاري عن بعض العلماء الحنفية. ونقل عن ابن الملك أنه عليه أجرة الأرض من يوم(4/605)
ولَهُ نَفَقَتُهُ". هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَديثِ أبي إسْحَاقَ، إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حدِيثِ شَرِيكِ بنِ عَبْدِ الله. والعَملُ عَلَى هذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلمِ، وَهُوَ قَوْلُ أحْمَدَ وَإسْحَاقَ.
ـــــــ
غصبها إلى يوم تفريغها انتهى. قلت ما ذهب إليه الإمام أحمد هو ظاهر الحديث "وله نفقته" أي ما أنفقه الغاصب على الزرع من المؤنة في الحرث والسقي وقيمة البذر وغير ذلك. وقيل المراد بالنفقة قيمة الزرع فتقدر قيمته ويسلمها المالك والظاهر الأول. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وضعفه الخطابي، ونقل عن البخاري تضعيفه وهو خلاف ما نقله الترمذي عن البخاري من تحسينه. وضعفه أيضاً البيهقي وهو من طريق عطاء بن أبي رباح عن رافع. قال أبو زرعة لم يسمع عطاء من رافع وكان موسى بن هارون يضعف هذا الحديث ويقول لم يروه غير شريك. ولا رواه عن عطاء غير أبي إسحاق ولكن قد تابعه قيس بن الربيع وهو سيء الحفظ. كذا في النيل والحديث أخرجه الخمسة إلا النسائي كذا في المنتقى. قوله: "والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق" قال ابن رسلان: قد استدل به، كما قال الترمذي. أحمد على أن من زرع بذرا في أرض غيره واسترجعها صاحبها فلا يخلو إما أن يسترجعها مالكها ويأخذها بعد حصاد الزرع أو يسترجعها والزرع قائم قيل أن يحصد فإن أخذها مستحقها بعد حصاد الزرع، فإن الزرع لغاصب الأرض لانعلم فيها خلافاً. وذلك لأنه نماء ماله، وعليه أجرة الأرض إلى وقت التسليم، وضمان نقص الأرض وتسوية حفرها. وإن أخذ الأرض صاحبها من الغاصب والزرع قائم فيها لم يملك إجبار الغاصب على قلعه، وخير المالك بين أن يدفع إليه نفقته ويكون الزرع له، أو يترك الزرع للغاصب. وبهذا قال أبو عبيد. وقال الشافعي: وأكثر الفقهاء أن صاحب الأرض يملك إجبار الغاصب على قلعه، واستدلوا يقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس لعرق ظالم حق". ويكون الزرع المالك البذر عندهم على كل حال وعليه كراء الأرض. ومن جملة ما استدل به الأولون ما أخرجه أحمد وأبو داود والطبراني وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى زرعاً في أرض ظهير فأعجبه فقال: "ما أحسن زرع ظهير"، فقالوا إنه ليس لظهير، ولكنه لفلان. "قال فخذوا زرعكم وردوا عليه نفقته". فدل على أن الزرع تابع(4/606)
وَسَأَلْتُ مُحَمّدَ بنَ إسمَاعِيلَ عنْ هَذَا الْحَدِيثِ فقَالَ: هُوَ حديثٌ حسنٌ. وقالَ: لا أعْرِفُه مِنْ حديثِ أبي إسْحَاقَ إلاّ مِنْ رِوَايَةِ شَرِيكٍ. قالَ مُحمّدٌ: حَدّثَنَا مَعْقِلُ بنُ مَالِكٍ البَصْرِيّ. حَدّثَنَا عُقْبَةُ بنُ الأصَم، عَنْ عَطَاءٍ، عنْ رَافِعٍ بنِ خَدِيجٍ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوهُ.
ـــــــ
الأرض. ولا يخفى أن حديث رافع بن خديج أخص من قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس لعرق ظالم حق مطلقاً". فيبني العام على الخاص وهذا على فرض أن قوله: ليس لعرق ظالم حق. يدل على أن الزرع لرب البذر، فيكون الراجح ما ذهب إليه أهل القول الأول من أن الزرع لصاحب الأرض إذا استرجع أرضه الزرع فيها. وأما إذا استرجعها بعد حصاد الزرع، فظاهر الحديث أنه أيضاً لرب الأرض، ولكنه إذا صح الإجماع على أنه للغاصب كان مخصصاً لهذه الصورة، وقد روى عن مالك وأكثر علماء المدينة مثل ما قاله الأولون، وفي البحر أن مالكاً والقاسم يقولان: الزرع لرب الأرض واحتج لما ذهب الجمهور من أن الزرع للغاصب بقوله صلى الله عليه وسلم: "الزرع للزراع، وإن كان غاصباً". ولم أقف على هذا الحديث فينظر فيه. وقال ابن رسلان: إن حديث: ليس لعرق ظالم حق. ورد في الغرس الذي له عرق مستطيل في الأرض. وحديث رافع ورد في الزرع فيجمع بين الحديثين، ويعمل بكل واحد منهما في موضعه. ولكن ما ذكرناه من الجمع أرجح لأن بناء العام على الخاص أولى من المصير إلى قصر العام على السبب من غير ضرورة. انتهى كلام الشوكاني. قوله: "قال محمد" هو الإمام البخاري "حدثنا معقل بن مالك البصري" قال الحافظ مقبول من العاشرة، وزعم الأزدي أنه متروك فأخطأ "حدثنا عقبة بن الأصم" هو عقبة بن عبد الله الأصم الرفاعي البصري ضعيف وربما دلس، ووهم من فرق بين الأصم والرفاعي كابن حبان "عن عطاء" هو ابن أبي رباح(4/607)
باب ماجاء في النحل والتسوية بين الولد
...
30 ـ باب ما جَاءَ في النّحْلِ والتّسْوِيَةِ بَيْنَ الْوَلِد
1386 ـ حدثنا نَصْرُ بنُ عَلي وَ سَعِيدُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ المَخْزُومِيّ "المَعْنَى الْوَاحِدُ" قَالا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عنْ الزّهْرِيّ، عَنْ حميد بن عَبْدِ الرّحْمَنِ وَعَنْ محمّدِ بنِ النّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ، يُحَدّثَانِ عَنِ النّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ، أنّ أبَاهُ نَحَلَ ابْناً لَهُ غُلاَماً. فَأَتَى النبيّ صلى الله عليه وسلم يُشْهِدُهُ فقَالَ: "أكُلّ وَلَدَكَ قدْ نَحَلْتَهُ. مِثْلَ ما نَحَلْتَ هَذَا؟" قَالَ: لاَ. قال "فَارْدُدْهُ". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهِ عنِ النّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ، والْعَمَلُ على هَذا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلمِ، يَسْتَحِبّونَ التّسْوِيَةَ بَيْنَ الْوَلَدِ، حَتّى قَالَ بَعْضُهُمْ: يُسَوّي بَيْنَ وَلَدِهِ حتّى في الْقُبْلَةِ.
ـــــــ
باب ما جَاءَ في النّحْلِ والتّسْوِيَةِ بَيْنَ الْوَلِد
قوله: "أن أباه نحل" أي أعطى ووهب. قال في النهاية: النحل العطية والهبة ابتداء من غير عوض ولا استحقاق "ابنا له" هو النعمان بن بشير نفسه. ففي الصحيحين عن النعمان بن بشير أن أباه اتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني نحلت إبني هذا غلاماً. "غلاماً" أي عبداً "يشهده" أي يجعله شاهداً "فأردده" أي أردد الغلام إليك. وفي رواية للشيخين قال: أعطيت سائر ولدك مثل هذا. قال: لا قال فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. قال فرجع فرد عطيته. وفي رواية لهما: أنه قال: لا أشهد على جور. وفي رواية لهما: أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء. قال: بلى قال: فلا إذاً. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وغيرهما. قوله: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم يستحبون التسوية بين الولد حتى قال بعضهم: يسوي بين الولد حتى في القبلة" قال الحافظ في الفتح: ذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة فإن فضل بعضاً صح وكره واستحبت المبادرة إلى التسوية أو الرجوع، فحملوا الأمر على الندب، والنهي على التنزيه. قال وتمسك به يعني بحديث النعمان بن بشير من أوجب التسوية في عطية الأولاد. وبه صرح البخاري. وهو قول طاوس والثوري وأحمد وإسحاق. وقال به بعض المالكية ثم المشهور عن هؤلاء أنها باطلة. وعن أحمد تصح. ويجب أن(4/608)
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُسَوّي بَيْنَ وَلَدِهِ في النّحْلِ وَالْعَطِيّةِ "يعني الذّكَرُ والأُنْثَى سَوَاءٌ" وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ. وقَالَ بَعْضُهُمْ: التسْوِيَةُ بَيْنَ الولَدِ، أنْ يُعْطَى الذّكَرُ مِثْلَ حَظّ الأُنْثَيَيْنِ، مِثْلَ قِسْمَةِ المِيرَاثِ، وَهُوَ قَوْلُ أحْمَدَ وإسْحَاقَ.
ـــــــ
يرجع. وعنه يجوز التفاضل إن كان له سبب كأن يحتاج الولد لأمانته ودينه أو نحو ذلك دون الباقين. وقال أبو يوسف: تجب التسوية إن قصد بالتفضيل الإصرار. قال ومن حجة من أوجبه أنه مقدمة الواجب، لأن قطع الرحم والعقوق محرمان. فما يؤدي إليهما يكون محرماً. والتفصيل بما يؤدي إليهما انتهى. "وقال بعضهم يسوي بين ولده في النحل والعطية، الذكر والأنثى سواء. وهو قول سفيان الثوري الخ" قال الحافظ في الفتح: اختلفوا في صفة التسوية، فقال محمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وبعض الشافعية، والمالكية: العدل أن يعطي الذكر حظين كالميراث، واحتجوا بأنه حظها من ذلك المال لو أبقاه الواهب في يده حتى مات. وقال غيرهم: لا فرق بين الذكر والأنثى. وظاهر الأمر بالتسوية يشهد لهم واستأنسوا بحديث ابن عباس رفعه: سووا بين أولادكم في العطية. فلوا كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء. أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريقه. وإسناده حسن انتهى .(4/609)
باب ماجاء في الشفعة
...
31 ـ باب ما جَاءَ في الشّفْعَة
1387 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ. حَدّثَنَا إسْمَاعِيلُ بنُ عُلَيّةَ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، عنْ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "جَارُ الدّارِ أحَقّ بالدّارِ".
ـــــــ
باب ما جاء في الشفعة
بضم الشين المعجمة وسكون الفاء وغلط من حركها، وهي مأخوذة لغة من الشفع، وهو الزوج وقيل من الزيادة وقيل من الإعانة، وفي الشرع انتقال حصة شريك إلى شريك كانت انتقلت إلى أجنبي بمثل العرض المسمى. قاله الحافظ في الفتح قوله: "جار الدار أحق بالدار" استدل به القائلون بثبوت الشفعة للجار.(4/609)
قال أبو عيسى: وفي البابِ عَنِ الشّرِيدِ وَأبي رَافعٍ وَأَنَسٍ حَدِيثُ سَمُرَةَ حديث حَسنٌ صحيحٌ. ورَوَى عِيسَى بنُ يُونُسَ عَنْ سَعِيدِ بنِ أبي عَرُوبَةَ، عنْ قَتَادَةَ، عَنْ أنَسٍ، عَنِ النّبي صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ.
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم. وَالصّحِيحُ عِنْدَ أهْلِ العِلمِ، حَدِيثُ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ. ولاَ نَعْرِفُ حَدِيثَ قَتَادَةَ عَنْ أنَسٍ، إلاّ مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بنِ يُونُسَ. وَحَدِيثُ عَبْدِ الله بنِ عَبْدِ الرّحمَنِ الطّائفِيّ، عَنْ عَمْرِو بنِ الشّرِيدِ، عَنْ أبيهِ، عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، في هَذَا الْبَابِ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَى إبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ عَمْرِو بنِ الشّرِيدِ، عَنْ أبي رَافِعٍ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم: قال سَمِعْتُ مُحَمّداً يَقُولُ: كِلاَ الحَدِيثَيْنِ عِنْدِي صَحِيحٌ.
ـــــــ
وأجاب عنه القائلون بعدم الشفعة بالجوار بأن المراد بالجار هو الشريك. قوله: "وفي الباب عن الشريد" بفتح الشين المعجمة وكسر الراء بن سويد، قال: قلت يا رسول الله أرضي ليس لأحد فيها شرك، ولا قسم إلا الجوار. فقال: "الجار أحق بسقبه ما كان". رواه أحمد والنسائي وابن ماجه. ولابن ماجة مختصراً: الشريك أحق بسقبه ما كان. كذا في المنتقى "وأبي رافع" أخرجه البخاري مرفوعاً بلفظ: الجار بسقبه. وأخرجه أيضاً أبو داود والنسائي وابن ماجه. "وأنس" أخرجه النسائي مرفوعاً بلفظ: جار الدار أحق بالدار. قوله: "حديث سمرة حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي. قال المنذري: اختلف الأئمة في سماع الحسن عن سمرة، والأكثر على أنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة انتهى. قوله: "وقد روى عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله" أخرجه النسائي "وروى" أي عيسى بن يونس "عن سعيد بن أبي عروبة الخ" أخرجه النسائي أيضاً "ولا نعرف حديث قتادة عن أنس إلا من حديث عيسى بن يونس" قال الدارقطني في سننه بعد روايته: وهم فيه عيسى بن يونس وغيره يرويه عن قتادة عن الحسن عن سمرة
هكذا رواه شعبة وغيره وهو الصواب انتهى. قال ابن القطان عيسى بن يونس ثقة، ولا يبعد أن يكون جمع بين الروايتين أعني عن أنس وعن سمرة انتهى. قوله: "وحديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن الشريد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب هو حديث حسن" أخرجه النسائي وابن ماجه من طريق حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن عمرو بن الشريد عن أبيه. وقد ذكرنا لفظه فيما تقدم "وروى ابراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم" أخرجه البخاري وغيره بلفظ: الجار أحق بسقبه. وفيه قصة "سمعت محمداً يقول كلا الحديثين عندي صحيح" قال الحافظ في الفتح: يحتمل أن يكون سمعه من أبيه ومن أبي رافع انتهى .(4/610)
باب ماجاء في الشفعة للغائب
...
32ـ باب ما جَاءَ في الشّفعَةِ لِلْغَائِب
1388 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا خَالِدُ بنُ عَبْدُ الله الْوَاسِطيّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بنِ أبي سُلَيْمانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قالَ. قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الْجَارُ أحَقّ بِشُفْعَتِهِ. يُنْتَظرُ بِهِ وَإِنْ كَانَ غَائِباً، إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِداً". هذا حديثٌ غَرِيبٌ. وَلاَ نَعْلَمُ أحَداً رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ
ـــــــ
باب ما جَاءَ في الشّفعَةِ لِلْغَائِب
قوله: "الجار أحق بشفعته" أي بشفعة جاره كما في رواية أبي داود "ينتظر" بصيغة المجهول "به" أي بالجار، قال ابن رسلان: يحتمل انتظار الصبي بالشفعة حتى يبلغ. وقد أخرج الطبراني في الصغير والأوسط عن جابر أيضاً مرفوعاً: الصبي على شفعته حتى يدرك، فإذا أدرك فإن شاء أخذ وإن شاء ترك. وفي إسناده عبد الله بن بزيغ وكذا في النيل. قلت قال الذهبي في الميزان في ترجمة عبد الله بن بزيغ: قال الدارقطني لين ليس بمتروك. وقال ابن عدى ليس بحجة، وهو قاضي تستر، وعامة أحاديثه ليست بمتروكة انتهى. "وإن كان غائباً" بالواو وإن وصلية. قال الطيبي في شرح المشكاة بإثبات الواو في الترمذي وأبي داود وابن ماجه والدارمي وجامع الأصول وشرح السنة وبإسقاطها في نسخ المصابيح والأول أوجه "إذا كان طريقهما" أي طريق الجارين أو والدارين. "هذا حديث حسن غريب" ورواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارمي قوله: "لا نعلم أحداً تكلم فيه غير شعبة من أجل هذا الحديث" قال الذهبي في الميزان عبد الملك(4/611)
غَيْرَ عَبْدِ الْمَلِكِ بنِ أبي سُليمانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ .
وَعَبْد الْمَلِكِ هُوَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ عِنْدَ أهْلِ الحَدِيثِ. لاَ نَعْلَمُ أحَداً تَكَلّمَ فِيهِ غَيْرَ شُعْبَةَ، مِنْ أجْلِ هَذَا الْحَدِيث. وَقَدْ رَوَى وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بنِ أبي سُليمانَ هَذَا الحَدِيثَ. ورُوَي عَنْ ابن الْمُبَارَك. عن سُفْيَانَ الثّوْرِيّ، قالَ: عَبْدُ الْمَلِكِ بنُ أبي سُليمانَ مِيزَانٌ. يَعْنِي في الْعِلْمِ. وَالْعَمَلُ عَلى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أهْلِ الْعِلْمِ، أنّ الرّجُلَ أحَقّ بِشُفْعَتِهِ وَإِنْ كَانَ غَائباً. فإذَا قَدِمَ فَلَهُ الشّفْعَةُ. وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ.
ـــــــ
بن أبي سليمان أحد الثقات المشهورين تكلم فيه شعبة لتفرده عن عطاء بخبر الشفعة للجار. قال وكيع: سمعت شعبة يقول: لو روى عبد الملك حديثاً آخر مثل حديث الشفعة لطرحت حديثه. وقال أبو قدامة السرخسي: سمعت يحيى القطان يقول لو روى عبد الملك حديثاً آخر كحديث الشفعة لتركت حديثه وروى أحمد ابن أبي مريم عن يحيى ثقة. وقال أحمد حديثه في الشفعة منكر وهو ثقة انتهى. وقال المنذري بعد نقل كلام الترمذي: وقال الإمام الشافعي يخاف أن لا يكون محفوظاً وأبو سلمة حافظ. وكذلك أبو الزبير ولا يعارض حديثهما بحديث عبد الملك. وسئل الإمام أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال: هذا حديث منكر. وقال يحيى لم يحدث به إلا عبد الملك. وقد أنكره الناس عليه. وقال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال لا أعلم أحداً رواه عن عطاء غير عبد الملك تفرد به. ويروى عن جابر خلاف هذا. هذا آخر كلامه وقد احتج مسلم في صحيحه بحديث عبد الملك، واستشهد به البخاري ولم يخرجا له هذا الحديث. ويشبه أن يكون تركاه لتفرده به، وإنكار الأئمة عليه. وجعله بعضهم رأياً لعبد الملك أدرجه عبد الملك في الحديث انتهى كلام المنذري. قوله: "فإذا قدم فله الشفعة وإن تطاول ذلك" وظاهر الحديث أنه لا يجب عليه السير متى بلغه للطلب أو البعث برسول كما قال مالك. وقال بعض أهل العلم: إنه يجب عليه ذلك إذا كانت مسافة غيبته ثلاثة أيام فما دونها وإن كانت المسافة فوق ذلك لم يجب.(4/612)
33 ـ باب ما جَاءَ إذَا حُدّتِ الْحُدُودُ وَوَقَعَتِ السّهَامُ فَلاَ شُفْعَة
1389 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ. أخبرنا عبدالرزاق أخبرنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ أبي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرحمَنِ، عَنْ جَابِر بنِ عَبْدِ الله قالَ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا وَقَعَتِ الْحدُودُ، وَصُرّفَتِ الطّرُقُ، فَلاَ شُفْعَةَ". قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ مُرْسَلاً، عَنْ أبي سَلَمَةَ، عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم. والْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم. مِنْهُمْ عُمَرُ بنُ الخَطابِ وَعُثْمانُ بنُ عَفّانَ. وبِهِ يَقُولُ بَعْضُ فُقَهَاءِ التّابِعِينَ. مِثْلُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيرِهِ. وَهُوَ قَوْلُ أهْلِ الْمَدِينَةِ. مِنْهُمْ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ الأنْصَارِيّ وَرَبِيعَةُ بنُ أبي عَبْدِ الرّحمَنِ وَمَالِكُ بنُ أنَسٍ. وَبِهِ يَقُولُ الشّافِعِيّ وأحْمَدُ وإسْحَاقُ. لاَ يَرَوْنَ الشّفْعَةُ إلاّ لِلْخَلِيطِ. وَلاَ يَرَوْنَ لِلْجَارِ شُفْعَةً إذَا لَمْ يَكُنْ خَلِيطاً.
ـــــــ
باب إذَا حُدّتِ الْحُدُودُ وَوَقَعَتِ السّهَامُ فَلاَ شُفْعَة
قوله: "إذا وقعت الحدود" أي إذا قسم الملك المشتري، ووقعت الحدود أي الحواجز والنهايات. قال ابن الملك: أي عينت وظهر كل واحد منها بالقسمة والإفراز "وصرفت" بصيغة المجهول أي بينت "الطرق" بأن تعددت، وحصل لكل نصيب طريق مخصوص. قال في النهاية: صرفت الطرق أي بينت مصارفها وشوارعها كأنه من التصرف أو التصريف انتهى. وقال ابن مالك معناه خلصت وبانت، وهو مشتق من الصرف بكسر المهملة، الخالص من كل شيء كذا في الفتح "فلا شفعة" استدل بهذا الحديث لمن قال: إن الشفعة لا تثبت إلا بالخلطة لا بالجوار قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد البخاري قوله: "وبه يقول الشافعي وإسحاق: لا يرون الشفعة إلا للخليط. ولا يرون للجار شفعة إذا لم يكن خليطاً" واستدلوا بحديث جابر المذكور، واستدلوا أيضاً بأن الشفعة ثبتت على خلاف الأصل لمعنى معدوم في الجار. وهو أن الشريك ربما دخل عليه(4/613)
وَقَالَ بَعْضُ أهْلِ العِلمِ. مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: الشفْعَةُ للْجَارِ. واحْتَجّوا بالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "جَارُ الدّارِ أحَقّ بِالدّارِ" وَقَالَ "الجَارُ أحَقّ بِسَقَبِهِ" وَهُوَ قَوْلُ الثوْرِيّ وابنِ المُبَارَكِ وَأَهْل الْكُوفَةِ.
ـــــــ
شريكه فتأذى به، فدعت الحاجة إلى مقاسمته فيدخل عليه الضرر بنقص قيمة ملكه، وهذا لا يوجد في المقسوم "وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: الشفعة للجار" وبه قال أبو حنيفة وأصحابه "واستدلوا بالحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: جار الدار أحق بالدار" قد تقدم هذا الحديث في باب ما جاء في الشفعة "وقال الجار أحق بسقبه" بفتح السين المهملة والقاف ويجوز إسكانها وهو القرب والملاصقة. أخرجه البخاري عن عمرو بن الشريد. قال: وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن مخرمة فوضع يده على إحدى منكبي إذ جاء أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا سعد ابتع مني بيتي في دارك. فقال سعد: والله ما أبتاعهما فقال المسور: والله لتبتاعنهما. فقال سعد: والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة. قال أبو رافع: لقد أعطيت بهما خمسمائة دينار، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الجار أحق بسقبه" ما أعطيتكهما بأربعة آلاف، وإنما أعطى بهما خمسمائة دينار فأعطاه إياه. قال الحافظ في الفتح: قال ابن بطال استدل بهذا الحديث أبو حنيفة وأصحابه على إثبات الشفعة للجار. وأوله غيرهم على أن المراد به الشريك بناء على أن أبا رافع كان شريك سعد في البيتين، ولذلك دعاه إلى الشراء منه. قال وأما قولهم: إنه ليس في اللغة ما يقتضي تسمية الشريك جاراً فمردود فإن كل شيء قارب شيئاً قيل له جار، وقد قالوا لإمرأة الرجل جارة. لما بينهما من الخالطة انتهى. وتعقبه ابن المنير بأن ظاهر الحديث أن أبا رافع كان يملك بيتين من جملة دار سعد لا شقصاً شائعاً من منزل سعد وذكر عمر بن شبة أن سعداً كان اتخذ دارين بالبلاط متقابلتين بينهما عشرة أذرع، وكانت التي عن يمين المسجد منهما لأبي رافع، فاشتراها سعد منه. ثم ساق حديث الباب فاقتضى كلامه أن سعداً كان جاراً لأبي رافع قبل أن يشتري منه داره لا شريكاً. وقال بعض الحنفية: يلزم الشافعية القائلين بحمل اللفظ على حقيقته ومجازه أن يقولوا بشفعة الجار لأن الجار حقيقة في المجاور، مجاز في الشريك. وأجيب بأن محل ذلك عند التجرد، وقد قامت القرينة منا على المجاز فاعتبر للجمع بين حديثي جابر وأبي رافع. فحديث جابر صريح في اختصاص الشفعة بالشريك، وحديث أبي رافع مصروف الظاهر اتفاقاً، لأنه يقتضي أن يكون الجار أحق من كل أحد حتى من الشريك. والذين قالوا بشفعة الجار قدموا الشريك مطلقاً ثم المشارك في الطريق ثم الجار على من ليس بمجاور فعلى هذا فيتعين تأويل قوله "أحق" بالحمل على الفضل أو التعهد ونحو ذلك انتهى ما في الفتح .(4/614)
35 ـ باب
1390 ـ حدثنا يُوسفُ بنُ عيسَى. حدّثنا الفَضْلُ بنُ مُوسَى. عَنْ أبي حَمْزَةَ السّكّرِيّ، عنْ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ رُفَيْعٍ، عنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ، عنْ ابنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "الشّرِيكُ شَفِيعٌ والشّفْعَةُ في كلّ شَيْءٍ". هذا حديثٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِثْلَ هَذَا، إلاّ مِنْ حديثِ أبي حَمْزَةَ السّكّرِيّ. وقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عنْ عبْدِ العَزِيزِ بنِ رُفَيْعٍ، عنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، مُرْسَلاً وهَذَا أصَحّ.
ـــــــ
باب
قوله: "عن أبي حمزة السكرى" قال الخزرجي في الخلاصة: سمي بذلك لحلاوة كلامه انتهى. قال في القاموس السكر بالضم وتشديد الكاف معرب شكر. وقال الحافظ ثقة فاضل "عن عبد العزيز بن رفيع" بضم الراء وفتح الفاء مصغراً عن ابن أبي مليكة بالتصغير هو عبيد الله بن أبي مليكة من مشاهير التابعين وعلمائهم وكان قاضياً على عهد ابن الزبير. قوله: "والشفعة في كل شيء" استدل به من قال بثبوت الشفعة في كل شيء مما يمكن نقله أو لا، لكن الحديث معلول بالإرسال. قوله: "هذا أصح" أي كونه مرسلاً أصح. قال الحافظ في الفتح روى(4/615)
1391 ـ حدثنا هَنّادٌ. حَدثنَا أبُو بَكْرٍ بنُ عَيّاشٍ عنْ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ رُفَيْعٍ، عنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، نحْوَهُ بِمَعْنَاهُ. ولَيْسِ فيهِ "عن ابن عَبّاس" وهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عنْ عَبْدِ العَزيزِ بنِ رُفَيْعٍ، مِثْلَ هذَا. لَيْسَ فيهِ "عنِ ابنِ عَبّاس" وهذَا أصَحّ مِنْ حدِيثِ أبي حَمْزَةَ، وأبو حَمْزَةَ ثِقَةٌ. يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ الخَطَأُ مِنْ غَيْرِ أبي حَمْزَةَ.
1392 ـ حدثنا هَنّادٌ. حدّثنَا أبُو الأحْوَصِ، عنْ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ رُفَيْعٍ، عنِ ابنِ أبي مُلَيْكةَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، نحْوَ حدِيثِ أبي بَكْرِ بنِ عَيّاشٍ. وقالَ أكْثَرُ أهْلِ العِلْمِ: إنمَا تَكُونَ الشّفْعةُ في الدُور والأرَضِينَ. وَلَمْ يَرَوُا الشّفْعَةَ في كلّ شيءٍ. وقالَ بَعْضُ أهلِ العِلْمِ: الشّفْعَةُ في كلّ شَيْءٍ. والأوّلُ أصَحّ.
ـــــــ
البيهقي من حديث ابن عباس مرفوعاً: الشفعة في كل شيء ورجاله ثقات، إلا أنه أعل بالإرسال. وأخرج الطحاوي له شاهداً من حديث جابر بإسناد لا بأس برواته انتهى. قوله: "وقال أكثر أهل العلم إنما تكون الشفعة في الدور والأرضين ولم يروا الشفعة في كل شيء" واحتجوا بحديث جابر رضي الله عنه: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط. الحديث رواه مسلم. قال القاري: في هذا الحديث دلالة على أن الشفعة لا تثبت إلا فيما لا يمكن نقله كالأراضي والدور والبساتين، دون ما يمكن نقله كالأمتعة والدواب. وهو قول عامة أهل العلم انتهى. واحتجوا أيضاً بحديث سمرة المذكور في الباب وبحديث عبادة بن الصامت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والدور. رواه عبد الله بن أحمد في المسند، وهو من رواية إسحاق عن عبادة ولم يدركه. "وقال بعض أهل العلم الشفعة في كل شيء" وبه قال مالك في رواية وهو قول عطاء. وعن أحمد تثبت في الحيوانات دون غيرها من المنقولات كذا في الفتح، واحتج من قال بثبوت الشفعة في كل شيء بحديث ابن عباس المذكور في الباب، وقد عرفت أنه معلول بالإرسال.(4/616)
باب ماجاء في اللقطة وضالة الإبل والغنم
...
36ـ باب ما جَاءَ في اللّقْطَةِ وَضَالّةِ الإبِل والْغَنَم
1393 ـ حدثنا الحَسَنُ بنْ عَلِي الْخَلاّلُ. حدّثنَا عَبْدُ الله بنُ نُمَيْرِ ويَزِيدُ بنُ هَارُونَ، عنْ سفْيَانَ، عنْ سَلمَةَ بنِ كُهَيْل، عنْ سُوَيْدِ بنِ غَفَلةَ، قالَ: خَرَجْتُ مَعَ زَيْدِ بنِ صُوحَانَ وسَلْمَانَ بنِ رَبِيعَةَ. فَوَجَدْتُ سَوْطاً "قالَ ابنُ نَميرٍ في حدِيثِهِ: فَالتَقَطَتُ سَوْطاً فأَخَذْتُهُ" . قَالاَ: دَعْهُ. فَقلت: لاَ أَدَعُهُ تَأْكُلهُ السّبَاعُ، لاَخُذَنّهُ فَلأَسْتَمْتِعَنّ بِهِ. فَقَدِمْتُ عَلَى أُبَيّ بنِ كَعْبٍ، فَسَأَلْتُهُ عنْ ذلِكَ، وحَدّثْتُهُ الْحَدِيثَ
ـــــــ
باب ما جاء في اللقطة وضالة الإبل والغنم
اللقطة الشيء يلتقط وهو بضم اللام وفتح القاف على المشهور عند أهل اللغة والمحدثين. وقال عياض: لا يجوز غيره. وقال الزمخشري في الفائق: اللقطة بفتح القاف والعامة تسكنها كذا قال وقد جزم الخليل بأنها بالسكون. قال: وأما بالفتح فهو اللاقط وقال الأزهري: هذا الذي قاله هو القياس، ولكن الذي سمع من العرب وأجمع عليه أهل اللغة والحديث الفتح. كذا في الفتح والضال في الحيوان كاللقطة في غيره
قوله: "عن سويد" بالتصغير "بن غفلة" بفتح المعجمة والفاء أبو أمية الجعفي تابعي كبير مخضرم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وكان في زمنه رجلاً، وأعطى الصدقة في زمنه ولم يره على الصحيح، وقيل إنه صلى خلفه ولم يثبت، وإنما قدم المدينة حين نفضوا أيديهم من دفنه صلى الله عليه وسلم ثم شهد الفتوح ونزل الكوفة ومات بها سنة ثمانين أو بعدها "قال خرجت" أي في غزاة كما في رواية البخاري "مع زيد بن صوحان" بضم الصاد المهملة وسكون الواو وبعدها تابعي كبير مخضرم أيضاً "وسلمان بن ربيعة" هو الباهلي يقال له صحبة ويقال له سلمان الخيل لخبرته بها، وكان أميراً على بعض المغازي في فتوح العراق في عهد عمر وعثمان "قالا" أي زيد بن صوحان وسلمان بن ربيعة "دعه" وفي رواية البخاري ألقه "تأكله السباع" كأنه كان من الجلد أو مثله مما يأكله السباع "لأخذته ولأستمتعن به" وفي رواية البخاري: ولكن إن وجدت صاحبه وإلا استمتعت به "فقدمت على أبي بن كعب"(4/617)
فقَالَ: أحْسَنْتَ. وجَدْتُ عَلَى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم صُرّةً فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ، قالَ، فأتَيْتُهُ بهَا. فقَالَ لِي "عَرّفْهَا حَوْلاً" فَعَرّفْتُهَا حولاً فَما أجِدُ مَنْ يَعْرِفُهَا، ثُمّ أتَيْتُهُ بهَا. فقَالَ "عَرّفْهَا حَوْلاً آخَرَ" فَعَرّفْتُهَا ثمّ أتَيْتهُ بها. فقَالَ "عَرّفهَا حَوْلاً آخرَ" وقال "احْصِ عِدّتَهَا وَوِعَاءَهَا وَوِكَاءَهَا، فَإنْ جَاءَ طَالِبُهَا فَأخْبَرَكَ بِعِدّتِهَا وَوِعَائهَا وَوِكَائِهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ، وإلاَ فَاسْتَمْتِعْ بِهَا" قال هذا حديثٌ حسنٌ صَحيحٌ.
1394 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدثنا إسْماعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ رَبِيعَةَ بنِ أبي عَبْدِ الرّحمَنِ، عنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيّ أَنّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن اللّقَطَةِ؟ فقَالَ "عَرّفْهَا سَنَةً ثمّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا وَعِفَاصَهَا. ثمّ اسْتَنْفقْ بهَا.
ـــــــ
وفي رواية البخاري فلما رجعنا حججنا فمررت بالمدينة فسألت أبي بن كعب "فقال أحسنت" أي فيما فعلت "وقال أحص" أمر الإحصاء "عدتها" أي عددها "ووعاءها" الوعاء بكسر الواو والمد ما يجعل فيه الشيء سواء كان من جلد أو خزف أو خشب أو غير ذلك "ووكاءها" الوكاء بكسر الواو والمد الخيط الذي يشد به الصرة وغيرهما. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد ومسلم. قوله: "ثم أعرف وكاءها" في النهاية الوكاء هو الخيط الذي تشد به الصرة والكيس ونحوهما. "ووعاءها" تقدم معناه "وعفاصها" بكسر أوله أي وعاءها. في الفائق العفاص الوعاء الذي يكون فيه اللقطة من جلد أو خرقة أو غير ذلك. قال ابن عبد الملك: وإنما أمر بمعرفتها ليعلم صدق وكذب من يدعيها. في شرح السنة اختلفوا في تأويل قوله: اعرف عفاصها في أنه لو جاء رجل وادعى اللقطة وعرف عفاصها ووكاءها، هل يجب الدفع إليه؟ فذهب مالك وأحمد إلا أنه يجب الدفع إليه من غير بينة، إذ هو المقصود من معرفة العفاص والوكاء. وقال الشافعي وأصحاب أبي حنيفة رحمه الله: إذا عرف الرجل العفاص والوكاء والعدد والوزن ووقع في نفسه أنه صادق فله أن يعطيه، وإلا فببينة. لأنه قد يصيب في الصفة بأن يسمع الملتقط بصفها، فعلى هذا تأويل(4/618)
فإنْ جَاءَ رَبّهَا فأَدّهَا إلَيْهِ" فقَالَ له: يَا رسولَ الله فَضَالّةُ الْغَنمِ؟ فقَالَ "خُذْهَا. فإنمَا هِيَ لَكَ أوْ لأِخِيكَ أَوْ لِلذّئْبِ" فقَالَ: يَا رَسُولَ الله فَضَالّةُ الإبلِ؟ قالَ، فَغضِبَ النبيّ صلى الله عليه وسلم حَتّى احْمَرّتْ وَجْنَتَاهُ، أَوِ احْمَرّ وَجْهُهُ. فقَالَ "مَالَكَ وَلهَا؟ مَعَهَا حِذَاؤهَا وسِقَاؤُهَا حَتّى تَلْقَى
ـــــــ
قوله: اعرف عفاصها ووكاءها لئلا تختلط بماله اختلاطاً لا يمكنه التمييز إذا جاء مالكها. انتهى ما في المرقاة. قلت قد وقع في حديث أبي بن كعب عند مسلم وغيره: فإن جاء أحد يخبرك بعددها ووعائها ووكائها فأعطها إياه. قال الحافظ في الفتح: وقد أخذ بظاهر هذه الزيادة مالك وأحمد. وقال أبو حنيفة والشافعي: إن وقع في نفسه صدقة جاز أن يدفع إليه ولا يجبر على ذلك إلا ببينة لأنه قد يصيب الصفة. وقال الخطابي: إن صحت هذه اللقطة لم يجز مخالفتها وهي فائدة. قوله اعرف عفاصها الخ. وإلا فالاحتياط مع من لم ير الرد إلا بالبينة قال ويتأول قوله: اعرف عفاصها. على أنه أمره بذلك لئلا تختلط بماله أو لتكون الدعوى فيها معلومة. قال الحافظ: قد صحت هذه الزيادة فتعين المصير إليها انتهى. قلت: قد ذكر وجه صحة هذه الزيادة في الفتح، من شاء الوقوف على ذلك فليرجع إليه. "فإن جاء ربها" أي مالك اللقطة "فأدها إليه" فيه دليل على بقاء ملك مالك اللقطة خلافاً لمن أباحها بعد الحول بلا ضمان "فضالة الغنم" بتشديد اللام أي غاويتها أو متروكتها مبتدأ خبره محذوف أي ما حكمها "هي لك" أي إن أخذتها وعرفتها ولم تجد صاحبها فإن لك أن تملكها "أو لأخيك" يريد به صاحبها. والمعنى: إن أخذتها فظهر مالكها فهو له أو تركتها فاتفق أن صادفهافهو أيضاً له. وقيل معناه: إن لم تلتقطها يلتقطها غيرك "أو للذئب" بالهمزة وإبداله. أي إن تركت أخذها الذئب وفيه تحريض على التقاطها. قال الطيبي: أي تركتها ولم يتفق أن يأخذها غيرك يأكله الذئب غالباً. بذلك على جواز التقاطها وتملكها وعلى ما هو العلة لها، وهي كونها معرضة للضياع ليدل على اطراد هذا الحكم في كل حيوان يعجز عن الرعي بغير راع "احمرت وجنتاه" أي خداه "أو احمر وجهه" شك من الراوي "مالك ولها" أي شيء لك ولها. قيل ما شأنك معها أي اتركها ولا تأخذها "معها حذاؤها وسقاؤها" الحذاء بالمد(4/619)
رَبّهَا". وفي الباب عن أبي كعب وعبد الله بن عمر والجارود ابن المعلى وعياض بن حمار وجرير بن عبد الله . حدِيثُ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ حدِيثٌ حسنٌ صَحيحٌ. وقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وجْهٍ. وحدِيثُ يَزيدَ مَوْلى الُمنْبعِثِ، عنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ، حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقَدْ رُويَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وجْهٍ. والْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النّبي صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهم، رَخّصُوا في اللّقَطَةِ إِذَا عَرّفَهَا سَنَةً فَلمْ يَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، أَنْ يَنْتَفِعَ بِها، وهُوَ قَوْلُ الشّافِعيّ وأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ.
ـــــــ
النعل والسقاء بالكسر القربة والمراد هنا بطنها وكروشها، فإن فيه رطوبة يكفي أياماً كثيرة من الشرب. فإن الإبل قد يتحمل من الظماء ما لا يتحمله سواء من البهائم، ثم أراد أنها تقوى على المشي وقطع الأرض وعلى قصد المياه وورودها ورعي الشجر والامتناع عن السباع المفترسة. قوله: "وفي الباب عن أبي بن كعب وعبد الله بن عمر" في حاشية النسخة الأحمدية كذا في أكثر النسخ وفي نسخة صحيحة عبد الله بن عمرو بالواو، وعليه يدل بعض القرائن انتهى. قلت: الأمر كما في هذه الحاشية "والجارود بن المعلى وعياض بن حمار وجرير بن عبد الله" أما حديث أبي بن كعب فأخرجه أحمد ومسلم. وأما حديث عبد الله بن عمر بغير الواو على ما في أكثر النسخ فلم أقف عليه. وأما حديث عبد الله بن عمرو بالواو فأخرجه النسائي وأبو داود. وأما حديث الجارود فأخرجه الدارمي عنه. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ضالة المسلم حرق النار". وأما حديث عياض بن حمار فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة. وأما حديث جرير بن عبد الله فأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة مرفوعاً بلفظ: لا يأوي الضالة إلا ضال. قوله: "حديث زيد بن خالد حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان "وحديث يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد حديث حسن صحيح وقد روى عنه من غير وجه" الظاهر أن هذا تكرار. قوله: "رخصوا في اللقطة إذا عرفها سنة فلم يجد من يعرفها أن ينتفع بها. وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق" واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "وإلا فاستمتع بها وما في معناه". قال الحافظ في الفتح: قوله وإلا فاستنفقها، استدل به على أن الملتقط يتصرف فيها سواء كان غنياً أم فقيراً.(4/620)
وقَالَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ: يُعَرّفُهَا سَنَةً، فإنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وإلا تَصَدّقَ بِهَا. وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وعَبْدِ الله بنِ المُبَارَكِ، وهُوَ قَوْلُ أهْلِ الكُوفةِ، لَمْ يَرَوْا لِصَاحِبِ اللّقَطَةِ أنْ يَنْتَفِعَ بِهَا إذَا كَانَ غَنِياً. وقالَ الشّافِعيّ: يَنْتَفِعَ بِهَا وإنْ كانَ غَنِياً، لأنّ أُبَي بنَ كَعْبٍ أصَابَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم صُرّةً فِيهَا مِائَةُ دِينَارِ،
ـــــــ
وعن أبي حنيفة إن كان غنياً تصدق بها، وإن صاحبها تخير بين إمضاء الصدقة أو تغريمه. قال صاحب الهداية: إلا إن كان يأذن الإمام فيجوز للغني كما في قصة أبي بن كعب. وبهذا قال عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وغيرهم من الصحابة والتابعين. "وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: بعرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا تصدق بها وهو قول سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك وهو قول أهل الكوفة" استدل لهم بحديث عياض بن حمار وفيه: وإن لم يجئ صاحبها فهو مال الله يؤتيه من يشاء. رواه أحمد وابن ماجه. قال الشوكاني: استدل به من قال إن الملتقط يملك اللقطة بعد أن يعرف بها حولاً. وهو أبو حنيفة، لكن بشرط أن يكون فقيراً وبه قالت الهادوية. واستدلوا على اشتراط الفقر بقوله في هذا الحديث: فهو مال الله. قالوا وما يضاف إلى الله إنما يتملكه من يستحق الصدقة. وذهب الجمهور إلى أنه يجوز له أن يصرفها في نفسه بعد التعريف سواء كان غنياً أو فقيراً لإطلاق الأدلة الشاملة للغني والفقير كقوله: فاستمتع بها، وفي لفظ: فهي كسبيل مالك. وفي لفظ: فاستنفقها. وفي لفظ: فهي لك. وأجابوا عن دعوى أن الإضافة "يعني إضافة المال إن الله في قوله: فهو مال الله" تدل على الصرف إلى الفقير بأن ذلك لا دليل عليه: فإن الأشياه كلها تضاف إلى الله. قال الله تعالى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} انتهى. "وقال الشافعي: ينتفع بها وإن كان غنياً" وهو قول الجمهور كما عرفت "لأن أبي بن كعب أصاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صره فيها مائة دينار(4/621)
فأَمَرَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعَرّفَهَا ثُمّ يَنْتَفِعَ بهَا، وكانَ أُبي كَثِيرَ المَالِ، مِنْ مَيَاسِيرِ أصْحَابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأَمَرَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُعَرّفَهَا، فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، فأَمَرَهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم أنْ يَأْكُلَهَا، فَلوْ كانَتِ اللّقطةُ لَمْ تَحِلّ إلاّ لِمَنْ تَحِلّ لَهُ الصّدَقَةُ، لَمْ تَحِلّ لِعَليّ بنِ أبي طالِبٍ، لأَنّ عَلِيّ بنَ أبِي طَالِبٍ أصَابَ دِينَاراً عَلَى عَهْدِ النبي صلى الله عليه وسلم فَعَرّفَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْرِفُه، فأَمَرَهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم بأَكْلِه، وكانَ لا يحِلّ لَهُ الصّدَقَةُ.
ـــــــ
فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرفها ثم ينتفع بها. وكان أبي كثير المال من مياسير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الخ" أخرج حديث أبي بن كعب هذا الترمذي في هذا الباب، وأخرجه أيضاً أحمد ومسلم. ومياسير جمع موسر قال في القاموس: اليسر بالضم وبضمتين واليسار والمسارة والميسرة مثلثة السين السهولة والغني وأيسر أيساراً ويسرى صار ذا غني فهو موسر جمعه مياسير انتهى. وقول الشافعي: وكان أبي كثير المال قد اعترض عليه بحديث أبي طلحة الذي في الصحيحين حيث استشار النبي صلى الله عليه وسلم في صدقته فقال اجعلها في فقراء أهلك. فجعلها أبو طلحة في أبي بن كعب وحسان وغيرهما. والجواب عنه أن ذلك في أول الحال. وقول الشافعي بعد ذلك حين فتحت الفتوح كذا في التلخيص "فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكلها" وهذا دليل على أنه يجوز للغني أن ينتفع باللقطة. وأجاب من قال بعدم جوازه بأنه إنما جاز لأبي بن كعب الانتفاع بها لأنه صلى الله عليه وسلم قد كان أذن له بالانتفاع بها وإذا يأذن الإمام يجوز للغني الانتفاع باللقطة. قلت: هذا الجواب إنما يتمشى إذا ثبت عدم جواز الانتفاع باللقطة للغني بدليل صحيح "فلو كانت اللقطة لم تحل إلا لمن تحل له الصدقة لم تحل لعلي بن أبي طالب لأن على بن أبي طالب أصاب ديناراً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفه فلم يجد من يعرفه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكله" يأتي تخريج حديث علي هذا عن قريب. "وكان علي لا تحل له الصدقة" وهذا أيضاً(4/622)
وقَدْ رَخّص بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ، إذا كانَتِ الّلَقْطَةُ يَسِيرةً، أنْ يَنْتَفِعَ بهَا ولاَ يُعَرّفَهَا. وقالَ بَعْضُهُمْ: إذَا كانَ
دُونَ دِينَارٍ يُعَرّفُهَا قَدْرَ جُمْعَةٍ، وهُوَ قَوْلُ إسْحَاقَ بنِ إبْرَاهِيمَ.
ـــــــ
دليل على جواز الانتفاع باللقطة للغني. "وقد رخص بعض أهل العلم إذا كانت اللقطة يسيرة أن ينتفع بها ولا يعرفها الخ" أخرج أحمد وأبو داود عن جابر قال رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به. وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بتمرة في الطريق فقال لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها. أخرجه الشيخان. قال صاحب المنتقى فيه إباحة المحقرات في الحال انتهى. قال الشوكاني: حديث جابر في إسناده المغيرة بن زياد، قال المنذري: تكلم فيه غير واحد. وفي التقريب صدوق له أوهام وفي الخلاصة: وثقة وكيع وابن معين وابن عدي وغيرهم. وقال أبو حاتم: شيخ لا يحتج به. وقوله وأشباهه يعني كل شيء يسير. وقوله ينتفع به. فيه دليل على جواز الانتفاع بما يوجد في الطرقات من المحقرات ولا يحتاج إلى تعريف، وقيل أنه يجب التعريف بها ثلاثة أيام. لما أخرجه أحمد والطبراني والبيهقي والجوزجاني، واللفظ لأحمد من حديث يعلى بن مرة مرفوعاً: من التقط لقطة يسيرة حبلاً أو درهما أو شبه ذلك فليعرفها ثلاثة أيام، فإن كان فوق ذلك فليعرفه سنة أيام. زاد الطبراني: فإن جاء صاحبها وإلا فليتصدق بها، وفي إسناده عمر بن عبد الله بن يعلى، وقد صرح جماعة بضعفه ولكنه قد أخرج له ابن خزيمة متابعة. وروى عن جماعة، وزعم ابن حزم أنه مجهول، وزعم هو وابن القطان أن يعلى وحكيمة التي روت هذا الحديث عن يعلى مجهولان. قال الحافظ: وهو عجب منهما، لأن يعلى صحابي معروف الصحبة ـ قال ابن رسلان: ينبغي أن يكون هذا الحديث معمولاً به لأن رجال إسناده ثقات، وليس فيه معارضة للأحاديث الصحيحة بتعريف سنة لأن التعريف سنة هو الأصل المحكوم به عزيمة، وتعريف الثلاث رخصة تيسيراً للملتقط لأن الملتقط اليسير يشق عليه التعريف سنة مشقة عظيمة بحيث يؤدي إلى أن أحداً لا يلتقط اليسير، والرخصة لا تعارض العظيمة بل لا تكون إلا مع بقاء حكم الأصل كما هو مقرر في الأصول. ويؤيد تعريف الثلاث ما رواه عبد الرزاق عن أبي سعيد أن علياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم(4/623)
1395 ـ حدثنا مُحَمّدٌ بن بَشّارٍ. حدّثنَا أبُو بَكْرٍ الحَنَفِيّ أخبرنا الضّحّاكُ بنُ عُثْمانَ. حدّثَني سَالِمٌ أبُو النّضْرِ عنْ بُسْرِ بنِ سَعِيدٍ، عنْ زَيْدِ ابنِ خَالِدٍ الجُهَنِيّ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عنِ الّلقَطَةِ فقَالَ "عَرّفْهَا سَنَةً. فإنِ اعْتُرِفَتْ، فَأَدّهَا. وَإلاّ فَاعْرِفْ وِعَاءَها
ـــــــ
بدينار وجده في السوق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عرفه ثلاثاً. ففعل فلم يجد أحداً يعرفه فقال: كله. انتهى. وينبغي أيضاً أن يقيد مطلق الانتفاع المذكور في حديث الباب بالتعريف بالثلاث المذكورة فلا يجوز للملتقط أن ينتفع بالحقير إلا بعد التعريف به ثلاثاً حملاً للمطلق على المقيد وهذا إذا لم يكن ذلك الشيء الحقير مأكولاً، فإن كان مأكولاً جاز أكله ولم يجب التعريف به أصلاً كالتمرة ونحوها لحديث أنس المذكورة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين أنه لم يمنعه من أكل التمرة إلا خشية أن تكون من الصدقة. ولولا ذلك لأكلها وقد روى ابن أبي شيبة عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها وجدت تمرة فأكلتها وقالت: لا يحب الله الفساد. قال في الفتح يعني أنها لو تركتها فلو تؤخذ فتؤكل لفسدت. قال وجواز الأكل هو المجزوم به عند الأكثر انتهى. ويمكن أن يقال أنه يقيد حديث التمرة بحديث التعريف ثلاثاً كما قيد به حديث الانتفاع، ولكنها لم تجر للمسلمين عادة بمثل ذلك. وأيضاً الظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم لأكلتها أي في الحال. ويبعد كل البعد أن يريد صلى الله عليه وسلم لأكلتها بعد التعريف بها ثلاثاً. وقد اختلف أهل العلم في مقدار التعريف بالحقير فحكى في البحر عن زيد بن علي والناصر والقاسمية والشافعي أنه يعرف به سنة كالكثير وحكى عن المؤيد بالله والإمام يحيى وأصحاب أبي حنيفة أنه يعرف به ثلاثة أيام. واحتج الأولون بقوله صلى الله عليه وسلم: "عرفها سنة". قالوا ولم يفصل. واحتج الاَخرون بحديث يعلى بن مرة وحديث علي وجعلوهما مخصصين لعموم حديث التعريف سنة، وهو الصواب لما سلف. قال الإمام المهدي: قلت الأقوى تخصيصه بما مر للحرج انتهى يعني تخصيص حديث السنة بحديث التعريف ثلاثاً انتهى كلام الشوكاني. قوله: "عن بسر" بضم الموحدة وسكون السين المهملة "ابن سعيد" المدني العابد مولى ابن الحضرمي ثقة جليل من الثانية "فإن اعترفت"(4/624)
وَوِكَاءَهَا وعَدَدَهَا، ثمّ كُلْهَا فإنْ جاءَ صَاحِبُهَا فَأَدّهَا". حديثٌ حسنٌ غَريبٌ منْ هذَا الوَجْهِ. وقَال أحْمَدُ: أصَحّ شَيْءٍ في هذا البابِ هذَا الحَديثُ. والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم رخصو في اللقطة إذا عرفها سنة فلم يجد من يعرفها أن ينتفع بها وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق.
ـــــــ
بصيغة المجهول أي اللقطة "فأدها" أي أد إلى ربها المعترف "ثم كلها" أي بعد التعريف إلى سنة وفيه أنه يجوز للملتقط أن يأكل اللقطة ويتصرف فيها وإن كان غنياً لإطلاقا الحديث ولا يجب عليه أن يتصدقها. قوله: "هذا حديث حسن صحيح الخ" وأخرجه الشيخان "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم الخ" قد تقدمت هذه العبارة بعينها فهي مكررة وليس في تكرارها فائدة .(4/625)
باب ماجاء في الوقف
...
37 ـ باب ما جاء في الوَقف
1396 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أنبأنا إسْمَاعيلُ بنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ، قَالَ: أَصَابَ عُمَرُ أَرْضاً بِخَيبرَ فَقَالَ: يا رسولَ الله أصبْتُ مَالاً بِخَيْبَرَ، لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطّ أنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ. فَمَا تَأْمُرنِي؟ قَالَ "إنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وتَصَدّقْت بِهَا"
ـــــــ
باب ما جاء في الوَقف
قوله: "أصاب عمر" أي صادف في نصيبه من الغنيمة "أرضاً بخيبر" هي المسماة بثمغ كما في رواية البخاري، وأحمد وثمغ بفتح المثلثة والميم وقيل بسكون الميم وبعدها عين معجمة "لم أصب مالاً قط" أي قبل هذا أبداً "أنفس" أي أعز واجود، والنفيس الجيد المغتبط به يقال نفس بفتح النون وضم الفاء نفاسة "فما تأمرني" أي فيه فإني أردت أن أتصدق به وأجعله لله، ولا أدري بأي طريق أجعله له. "حبست" بتشديد الموحدة ويخفف أي وقفت "وتصدقت بها" أي بمنفعتها وبين ذلك ما في رواية عبيد الله بن عمر: أحبس أصلها وسبل ثمرتها.(4/625)
فَتَصَدّقَ بِهَا عُمَرُ، أنّهَا لاَ يُبَاعُ أصْلُهَا وَلا يُوهَب ولاَ يُورَثُ. تَصَدّقَ بهَا في الفُقَرَاءِ والقُرْبَى وَفي الرّقَابِ وَفي سَبيلِ الله، وابنِ السّبِيلِ، والضّيْفِ. لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيها أَنْ يأْكُلَ مِنْهَا بِالمَعْرُوفِ، أوْ يُطْعِمَ صَدِيقاً، غَيْرَ مُتَمَوّلٍ فِيهِ. قَالَ: فَذَكَرْتُهُ لِمحَمّدِ بنِ سيرينَ فَقَالَ "غَيْرَ مُتأَثّلٍ مَالا" .
ـــــــ
وفي رواية يحيى بن سعيد تصدق بثمره وحبس أصله قاله الحافظ "فتصدق بها عمر أنها لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث" فيه أن الشرط من كلام عمر. وفي رواية للبخاري فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره" فتصدق به عمر الخ. وهذه الرواية تدل على أن الشرط من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا منافاة لأنه يمكن الجمع بأن عمر شرط ذلك الشرط بعد أن أمره النبي صلى الله عليه وسلم به فمن الرواة من رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من وقف على عمر لوقوعه منه امتثالاً للأمر الواقع منه صلى الله عليه وسلم به "تصدق بها في الفقراء" وفي المشكاة وتصدق بها الخ بزيادة الواو "والقربى" تأنيث الأقرب كذا قيل. والأظهر أنه بمعنى القرابة والمضاف مقدر ويؤيده قوله تعالى {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى} قال القاري. وقال الحافظ يحتمل أن يكون هم من ذكر في الخمس ويحتمل أن يكون المراد بهم قربى الواقف، وبهذا الثاني جزم القرطبي "وفي الرقاب" بكسر الراء جمع رقبة وهم المكاتبون أي في أداء ديونهم ويحتمل أن يريد أن يشتري به الأرقاء وبعتقهم "وفي سبيل الله" أي منقطع الغزاة أو الحاج قاله القاري. "وابن السبيل" أي ملازمته وهو المسافر "والضيف" هو من نزل بقوم يريد القرى "لا جناح" أي لا إثم "على من وليها" أي قام بحفظها وإصلاحها "أن يأكل منها بالمعروف" بأن يأخذ منها قدر ما يحتاج إليه قوتاً وكسوة "أو يطعم" من الإطعام "غير متمول فيه" أي مدخر حال من فاعل وليها "قال فذكرتها لابن سيرين" القائل هو ابن عون. ووقع في رواية للبخاري فحدثت به ابن سيرين قال الحافظ في الفتح: القائل هو ابن عون. بين ذلك الدارقطني من طريق أبي أسامة عن ابن عون قال: ذكرت حديث نافع لابن سيرين فذكره انتهى. "فقال غير متأثل مالاً" أي غير مجمع لنفسه منه رأس(4/626)
قَالَ: ابنُ عَوْف: فَحَدّثَني بِهِ رَجُلٌ آخَرُ أنّهُ قَرَأَهَا في قِطْعَةِ أَدِيم أحْمَرَ "غَيْرَ مُتَأَثّلٍ مَالاً" هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ .
قالَ إسْمَاعِيلُ: وَأنا قَرَأْتُهَا عِنْدَ ابنِ عُبيدِ الله بنِ عُمَرَ، فَكانَ فيهِ "غَيْرَ مُتَأَثّلٍ مالاً" . والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ. لاَ نَعْلَمُ بَيْنَ المُتقَدّمِينَ مِنْهُمْ في ذَلِكَ، اخْتِلاَفاً في إجَازَةِ وَقْفِ الأرضِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
1397 ـ حدثنا عَليّ بنُ حُجْرٍ. أخبرنا إسْماعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ، عنِ العَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَن، عنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عَنْهُ أَنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ "إذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَملُه إلاّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيةٌ. وَعِلْمٌ يُنْتَفِعُ بِهِ. وَوَلَدٌ صَالِحٌ يدْعُو لَهُ". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
مال. قال ابن الأثير أي غير جامع يقال مال مؤثل ومجد مؤثل أي مجموع ذو أصل وأثلة الشيء أصله انتهى. وقال الحافظ التأثل أصل المال حتى كأنه عنده قديم، وأثلة كل شيء أصله. "قال ابن عون فحدثني به رجل آخر الخ" وقع في النسخة المطبوعة الأحمدية ابن عوف بالفاء وهو غلط "في قطعة أديم أحمر" قال في القاموس: الأديم الجلد أو أحمره أو مدبوغه. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. قوله: "لا نعلم بين المتقدمين منهم في ذلك اختلافاً في إجازة وقف الأرضين وغير ذلك" وجاء عن شريح أنه أنكر الحبس ومنهم من تأوله. وقال أبو حنيفة لا يلزم وخالفه جميع أصحابه إلا زفر بن الهذيل، فحكى الطحاوي عن عيسى بن أبان قال كان أبو يوسف يجيز بيع الوقف، فبلغه حديث عمر هذا فقال من سمع هذا من ابن عون فحدثه به أبن عليه فقال هذا لا يسع أحداً خلافه، ولو بلغ أبا حنيفة لقال به. فرجع عن بيع الوقف حتى صار كأنه لا خلاف فيه بين أحد انتهى كذا في الفتح. قوله: "انقطع عن عمله" أي أعماله بدليل الاستثناء والمراد فائدة عمله لانقطاع عمله يعني لا يصل إليه أجر وثواب من شيء من عمله "إلا من ثلاث" فإن أجرها لا ينقطع "صدقة جارية" بالجر بدل من ثلاث قال في الأزهار هي الوقف وشبهه مما يدوم نفعه "وعلم ينتفع به" أي بعد موته "وولد صالح يدعو له" قال ابن الملك قيد الولد بالصالح لأن الأجر لا يحصل من غيره وإنما ذكر دعاءه تحريضاً للولد على الدعاء لأبيه. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم.(4/627)
باب ماجاء في العجماء أن جرحها جبار
...
38 ـ باب مَا جَاء في العَجْمَاءِ جُرْحهَا جُبار
1398 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ. حدّثنَا سُفْيَانُ عنِ الزّهْرِيّ، عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "العَجْمَاءُ جرْحُهَا جُبَارٌ: وَالْبِئْرُ جُبَارٌ. والمَعْدِنُ جُبَارٌ. وفِي الرّكَازِ الخُمْسُ".
وفي البابِ عن جَابرٍ، وَ عَمْرو بنِ عون بن عَوْفٍ المُزَنِيّ، و عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ. حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
1399 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدّثنَا الليْثُ عنِ ابنِ شِهَاب عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ وأبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، نحْوَهُ.
1400 ـ حدثنا الأنصاريّ عن مَعْنٍ قالَ: أخبرنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ: وتَفْسيرُ حدِيثِ النبيّ صلى الله عليه وسلم "العَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبارٌ" يَقُولُ: هَدَرٌ لاَدِيَةَ فِيهِ. ومَعْنَى قَوْلِهِ "العَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ" فَسّرَ
ـــــــ
باب مَا جَاء في العَجْمَاءِ جُرْحهَا جُبار
قوله: "العجماء" بفتح العين ممدوداً سميت عجماء لأنها لا تتكلم "جرحها" بضم الجيم وفتحها فبالفتح مصدر وبالضم الاسم "جبار" بضم الجيم وتخفيف الموحدة أي هدر لا شيء فيه "والبئر" بالهمزة ويبدل "جبار" فمن حفر بيراً في ارضه أو في أرض المباح وسقط فيه رجل لا قود ولا عقل على الحافر، وكذلك المعدن قاله القاري. "والمعدن جبار" ليس المراد أنه لا زكاة فيه وإنما المعنى أن من استأجر للعمل في معدن مثلاً فهلك فهو هدر ولا شيء على من استأجره.(4/628)
ذَلِكَ بَعْضُ أهلِ العِلْمِ قَالُوا: الْعَجْمَاءُ الدّابّةُ المُنْفَلِتَةُ مِنْ صَاحِبَها. فَمَا أصَابَتْ في انْفِلاَتِهَا فَلاَ غُرْمَ عَلَى صَاحِبهَا. "والمَعْدِنُ جُبارٌ" يَقُولُ: إذَا احْتَفَرَ الرّجُلُ مَعْدِناً فَوقَعَ فِيهَا إِنْسَانٌ فَلاَ غُرْمَ عَلَيْهِ. وكَذلِكَ الْبِئْرُ إذَا احْتَفَرَهَا الرّجُلُ لِلسّبِيلِ، فَوَقَعَ فيهَا إنْسَانٌ فَلاَ غُرْمَ عَلَى صَاحِبها. "وفِي الرّكَازِ الْخُمسُ" والرّكَازُ: مَا وُجِدَ في دَفْنِ أهْلِ الْجَاهِلِيّةِ. فَمَنْ وَجَدَ رِكَازاً أدّى مِنْهُ الْخُمسَ إلى السّلْطَانِ. ومَا بَقِيَ فَهُوَ لَهُ.
ـــــــ
(وفي الركاز الخمس" الركاز بكسر الراء وتخفيف الكاف وآخره زاي المال المدفون مأخوذ من الركز بفتح الراء يقال ركزه يركزه ركزاً إذا دفنه فهو مركوز قوله: "وفي الباب عن جابر وعمرو بن عوف المزني وعبادة بن الصامت" لينظر من أخرج أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة. قوله: "فالركاز ما وجد من دفن الجاهلية" بكسر الدال المهملة وسكون الفاء بمعنى المدفون كالذبح بمعنى المذبوح. وأما بالفتح فهو المصدر ولا يراد هنا "فمن وجد ركازاً أدى منه الخمس" قال البخاري في صحيحه قال مالك وابن إدريس الركاز دفن الجاهلية في قليله وكثيره الخمس، وليس المعدن بركاز. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "في المعدن جبار وفي الركاز الخمس" انتهى. قال الحافظ: قوله في قليله وكثيره الخمس فهو قوله في القديم كما نقله ابن المنذر واختاره. وأما في الجديد فقال لا يجب فيه الخمس حتى يبلغ نصاب الزكاة الأول قول الجمهور وهي مقتضى ظاهر الحديث قوله. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "في المعدن جبار وفي الركاز الخمس أي فغاير بينهما" انتهى. قال البخاري: وقال بعض الناس المعدن ركاز مثل دفن الجاهلية لأنه يقال الركز المعدن إذا أخرج منه شيء، قيل له: فقد يقال لمن وهب له الشيء وربح ربحاً كثيراً وكثر تمره: أركزت ثم ناقضه وقال لا بأس أنه يكتمه ولا يؤدي الخمس انتهى. قال الحافظ: قوله: وقال بعض الناس إلخ قال ابن التين المراد ببعض الناس أبو حنيفة قال الحافظ: ويحتمل أن يريد به أبا حينفة وغيره من الكوفيين ممن قال بذلك. قال ابن بطال: ذهب أبو حنيفة والثوري وغيرهما إلى أن المعدن كالركاز واحتج لهم بقول العرب أركز الرجل إذا أصاب ركازاً وهي قطع من الذهب تخرج من المعادن. والحجة للجمهور تفرقة النبي صلى الله عليه وسلم بين المعدن والركاز بواو العطف.(4/629)
باب ماذكر في إحياء أرض الموات
...
39 ـ باب مَا ذُكِرَ في إحْيَاءِ أَرْضِ المَوَات
1401 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا عَبْدُ الْوَهّابِ. حدثنا أَيّوبُ، عنْ هِشَامُ بنِ عُرْوَةَ، عنْ أبِيهِ، عنْ سَعِيد بنِ زَيْدٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ "مَنْ أَحْيَى أَرْضاً مَيّتَةً فَهِيَ لَهُ.
ـــــــ
فصح أنه غيره وقال وما ألزم به البخاري القائل المذكور قد يقال لمن وهب له الشيء أو ربح ربحاً كثيراً أو كثر ثمره أركزت حجة بالغة، لأنه لا يلزم من الاشتراك في الأسماء لاشتراك في المعنى إلا إن أوجب لك من يجب التسليم له وقد أجمعوا على أن المال الموهوب لا يجب فيه الخمس وإن كان يقال له أركز فكذلك المعدن. وأما قوله ثم ناقض الخ فليس كما قال وإنما أجاز له أبو حنيفة أن يكتمه إذا كان محتاجاً بمعنى أنه يتأول أن له حقاً في بيت المال ونصيباً في الفيء فأجاز له أن يأخذ الخمس لنفسه عوضاً عن ذلك لأنه أسقط الخمس عن المعدن انتهى. وقد نقل الطحاوي المسألة التي ذكرها ابن بطال ونقل أيضاً أنه لو وجد في داره معدناً فليس عليه شيء. وبهذا يتجه اعتراض البخاري. والفرق بين المعدن والركاز في الوجوب وعدمه أن المعدن يحتاج إلى عمل ومؤنة ومعالجة لاستخراجه بخلاف الركاز وقد جرت عادة الشرع أن ما غلظت مؤنته خفف عنه في قدر الزكاة، وما خففت زيد فيه. وقيل إنما جعل في الركاز الخمس لأنه مال كافر فنزل من وجده منزلة الغنائم فكان له أربعة أخماسه انتهى .
باب مَا ذُكِرَ في إحْيَاءِ أَرْضِ المَوَات
بفتح الميم قال في النهاية الموات الأرض التي لم تزرع ولم تعمر ولا جرى عليه ملك أحد وإحياؤها مباشرة عمارتها، وتأثير شيء فيها قوله: "من أحي أرضاً ميتة" الأرض الميتة هي التي لم تعمر شبهت عمارتها بالحياة وتعطيلها بالموت. قال الزرقاني: ميتة بالتشديد. قال العراقي: ولا يقال بالتخفيف لأنه إذا خفف تحذف منه تاء التأنيث، والميتة والموات والموتان بفتح الميم والواو التي لم تعمر سميت بذلك تشبيهاً لها بالميتة التي لا ينتفع بها لعدم الانتفاع بها بزرع أو غرس أو بناء أو نحوها انتهى. "فهي له" أي صارت تلك الأرض مملوكة له سواء كانت فيها قرب من العمران أم بعد سواء أذن له الإمام في ذلك(4/630)
وَلَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقّ". هذا حديثٌ حَسَنٌ غريب.
1402 ـ حدثنا مُحَمّدُ بْنِ بَشّارٍ. حَدّثنَا عَبْدُ الْوَهّابِ الثَقَفِيّ عنْ
ـــــــ
أم لم يأذن وهذا قول الجمهور. وعن أبي حنيفة لا بد من إذن الإمام مطلقاً وعن مالك: فيما قرب. وضابط القرب ما بأهل العمران إليه حاجة من رعي ونحوه. واحتج الطحاوي للجمهور مع حديث الباب بالقياس على ماء البحر والنهر وما يصطاد من طير وحيوان. فإنهم انفقوا على أن من أخذه أو صاده يملكه سواء قرب أو بعد سواء أذن الإمام أو لم يأذن. كذا في الفتح. قلت: خالف أبا حنيفة صاحباه فقالا بقول الجمهور. وحجة الجمهور حديث الباب وما في معناه وهو الظاهر الراجح وقد قال الترمذي إنه صح. واستدل لأبي حنيفة بحديث الأرض لله ورسوله ثم لكم من بعدي فمن أحيى شيئاً من موتات الأرض فله رقبتها. أخرجه ابن يوسف في كتاب الخراج فإنه أضافه إلى الله ورسوله، وكل ما أضيف إلى الله ورسوله لا يجوز أن يختص به إلا بإذن الإمام. قلت: لم أقف على سند هذا الحديث ولا أدري كيف هو وعلى تقدير صحته فالكبرى ممنوعة. لحديث الباب ولقوله في هذا الحديث فمن أحيى شيئاً الخ فتفكر. واستدل له أيضاً بحديث: ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه. قلت: هذا حديث ضعيف قال الزيلعى في نصب الراية بعد ذكره: رواه الطبراني وفيه ضعف من حديث معاذ انتهى "وليس لعرق" بكسر العين وسكون الراء وهو أحد عروق الشجرة "ظالم" قال الحافظ في الفتح: في رواية الأكثر بتنوين عرق وظالم نعت له وهو راجع إلى صاحب العرق أي ليس لذي عرق ظالم أو إلى العرق أي ليس لعرق ذي ظلم. ويروى بالإضافة ويكون الظالم صاحب العرق فيكون المراد بالعرق الأرض. وبالأول جزم مالك والشافعي والأزهري وابن فارس وغيرهم، وبالغ الخطابي فغلط رواية الإضافة انتهى. قال في النهاية: هو أن يجيء الرجل إلى أرض قد أحياها رجل قبله فيغرس فيها غرساٌ غصباً ليستوجب به الأرض والرواية لعرق بالتنوين وهو على حذف المضاف أي لذي عرق ظالم فجعل العرق نفسه ظالماً والحق لصاحبه أو يكون الظالم من صفة صاحب العرق، وإن روى عرق بالإضافة فيكون الظالم صاحب العرق وألحق المعرق، وهو أحد عروق الشجرة انتهى قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو داود والنسائي(4/631)
أَيّوبُ عَنْ هِشَامٍ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ وَهْبٍ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ الله، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَنْ أَحْيَى أَرْضاً مَيّتَةَ فَهِيَ لَهُ". هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيح.
وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ هِشَامٍ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، مُرْسَلاً. والْعَمَلُ عَلَى هَذَا الحديث عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ الْعلْمِ وغَيْرِهِمْ وهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإسْحْاقَ. قَالُوا: لَهُ أنْ يُحْيِيَ الأرْضَ الْمَوَاتَ بِغَيْرِ إذْنِ السّلْطَانِ. وقد قَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ لَهُ أنْ يُحْيِيَهَا إلاّ بِإذْنِ السّلْطَانِ وَالْقَوْلُ الأوّلُ أَصَحّ.
وفي البابِ عَنْ جَابِرٍ وَ عمَروِ بْنِ عَوْفٍ الْمُزْنِيّ جَدّ كَثِيرٍ وسَمُرَةَ.
ـــــــ
وسكت عنه أبو داود وأقر المنذري تحسين الترمذي. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه النسائي قوله: "وقد رواه بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً" هذا المرسل أخرجه أبو داود والنسائي ومالك. قوله: "وهو قول أحمد وإسحاق" وهو قول الجمهور كما تقدم "وقالوا" أي بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم "له" أي يجوز لمن أراد إحياء الأرض الميتة "وقال بعضهم ليس له أن يحييها إلا بإذن السلطان" وهو قول أبي حنيفة رحمه الله قال محمد رحمه الله في الموطإ أبعد ذكر حديث الباب مرسلاً وأثر عن عمر رضي الله عنه بمثله ما لفظه: قال محمد وبهذا نأخذ من أحيى أرضاً ميتة بإذن الإمام أو بغير إذنه فهي له. فأما أبو حنيفة رحمه الله فقال لا يكون له إلا أن يجعلها له الإمام. قال وينبغي للإمام إذا أحياها أن يجعلها له وإن لم يفعل لم تكن له انتهى. قوله: "وفي الباب عن جابر رضي الله عنه" لعله أشار إلى ما أخرجه النسائي عنه بلفظ: من أحيى أرضاً ميتة فله فيها أجر وما أكلت العافية منها فهو له صدقة. "وعمرو بن عوف المزني جد كثير" أخرجه ابن أبي شيبة والبزار في مسنديهما والطبراني في معجمه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعاً بلفظ حديث سعيد ابن زيد، ورواه ابن عدي في الكامل وأعله بكثير وضعفه عن أحمد والنسائي وابن(4/632)
1403 ـ حدثنا أبُو مُوسى مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْوَلِيدِ الطّيَالِسِي عَنْ قَوْلِهِ "وَلَيْسَ لِعِرق ظَالِم حَقّ" فَقَالَ: الْعِرْقُ الظّالِمُ: الْغَاصِبُ الّذِي يَأْخُذُ مَا لَيْسَ لَهُ. قلت: هُوَ الرّجُلُ الّذِي يَغْرِسُ في أرْضِ غَيْرِهِ؟ وقَالَ: هو ذَاكَ.
ـــــــ
معين جداً كذا في نصب الراية. "وسمرة" لينظر من أخرج حديثه. قوله: "قال سألت أبا الوليد الطيالسي" هو هشام بن عبد الملك الباهلي مولاهم البصري الحافظ الإمام الحجة قال أحمد متقن. وهو اليوم شيخ الإسلام ما أقدم عليه أحداً من المحدثين. قال البخاري: مات سنة سبع وعشرين ومائتين "قلت هو الرجل الذي يغرس في أرض غيره" بتقدير همزة الاستفهام والقائل هو محمد بن المثنى "قال" أي أبو الوليد .(4/633)
باب ماجاء في القطائع
...
40 ـ باب ما جَاءَ في الْقَطَائع
1404 ـ قَالَ: قُلْتُ لقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ: حَدّثَكُمْ مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بنّ قَيْسٍ المَأْرِبِيّ، حدثني أبي عَنْ ثمامَةَ بْنِ شُرَاحِيلَ، عَنْ سُمَيّ
ـــــــ
باب ما جاء في القطائع
جمع قطيعة تقول أقطعته أرضاً جعلتها له قطيعة. والمراد به ما يخص به الإمام بعض الرعية من الأرض الموات فيختص به ويصير أولى بإحيائه ممن لم يسبق إلى إحيائه واختصاص الاقطاع بالموات متفق عليه في كلام الشافعية. وحكى عياض أن الإقطاع تسويغ الإمام من مال الله شيئاً لمن يراه أهلاً لذلك. قال وأكثر ما يستعمل الأرض وهو أن يخرج منها لمن يراه ما يجوزه، إما بأن يملكه إياه فيعمره، وإما بأن يجعل له غلته مدة. انتهى كذا في الفتح قوله: "قلت لقتيبة بن سعيد حدثكم محمد بن يحيى بن قيس" قرأ الترمذي هذا الحديث على شيخه قتيبة بالقراءة عليه وهذا أحد وجوه التحمل. قال السيوطي في تدريب الراوي: وإذا قرأ على الشيخ قائلاً أخبرك فلان أو نحوه كما قلت أخبرنا فلان والشيخ مصغ إليه فاهم له غير منكر ولا مقر لفظ صح السماع، وجازت الرواية به اكتفاء بالقرائن الظاهرة، ولا يشترط نطق الشيخ بالإقرار كقوله(4/633)
ابنِ قَيْسٍ، عَنْ سميْرٍ، عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمّالٍ أَنّهُ وفَدَ إلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَقْطَعَهُ المِلْحَ، فَقَطَعَ لَهُ. فَلَمّا أنْ وَلَى قَالَ رَجُلٌ منَ المَجْلِس: أتَدْرِي مَا قَطَعْتَ لَهُ؟ إنّما قَطعَتَ لهُ المَاءَ الْعِدّ. قَالَ: فَانْتَزَعَهُ مِنْهُ. قَالَ، وَسألَهُ عَمّا يُحْمَى مِنَ الأرَاكِ؟ قَالَ: مَا لَمْ تَنَلْهُ خِفَافُ الإبِلِ:
ـــــــ
نعم على الصحيح الذي قطع به جماهير أصحاب الفنون. وشرط بعض أصحاب الشافعية والظاهريين نطقه به انتهى. كلام السيوطي. قلت قد أقر قتيبة بعد قراءة الترمذي هذا الحديث عليه ونطق بقوله نعم كما هو مصرح في آخر الحديث "المأربي" منسوب إلى مأرب بفتح الميم وسكون الهمزة وكسر الراء وقيل بفتحها موضع باليمين "عن ثمامة" بضم المثلثة "بن شراحيل" بفتح الشين المعجمة "عن سمي" بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء "ابن قيس" قال الحافظ مجهول "عن شمير" بضم الشين المعجمة وفتح الميم مصغراً ابن عبد الدار اليمامي مقبول من الثالثة "عن أبيض بن حمال" بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم "وفد" أي قدم "استقطعه" أي سأله أن يقطع إياه "الملح" أي معدن الملح "فقطع له" لظنه صلى الله عليه وسلم أنه يخرج منه الملح بعمل وكد "فلما أن ولى" أي أدبر "قال رجل من المجلس" وهو الأقرع بن حابس التميمي على ما ذكره الطيبي، وقيل إنه العباس بن مرداس "الماء العد" بكسر العين وتشديد الدال المهملة، أي الدائم الذي لا ينقطع والعد المهيأ "قال" أي الرجل قال ابن الملك والظاهر أنه أبيض الراوي قال القاري: الأظهر أن فاعل قال هو الرجل وإلا فكان حقه أن يقوله فرجعه مني انتهى. قلت عندي أن فاعل قال هو شمير الراوي عن أبيض فنفكر "قال أي شمير" الراوي "وسأله" أي الرجل النبي صلى الله عليه وسلم كذا في المرقاة. وقال الشيخ عبد الحق في اللمعات: أي سأل أبيض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت الظاهر عندي هو ما قال الشيخ "عن ما يحمي" بصيغة المجهول "من الأراك" بيان لما وهو القطعة من الأرض على ما في القاموس ولعل المراد منه الأرض التي فيها الأراك. قال المظهر: المراد من الحمى هنا الإحياء إذ الحمى المتعارف لا يجوز لأحد أن يخصه "ما لم تنله" بفتح النون أي لم تصله "خفاف الإبل" معناه ما كان بمعزل من المراعي والعمارات. وفيه دليل على أن الإحياء(4/634)
فأقَرّ بِهِ قُتَيْبَةُ، وَقالَ: نَعَمْ
1405 ـ حدثنا محمد بن يحيى ابن أبي عَمْرو. حَدّثنَا مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ قَيْسِ المَأْرِبيّ، بهذا الإسناد نحْوَهُ.
وفي البابِ عَنْ وَائِلٍ وأَسْماءَ بنت أبي بَكْرٍ. حَدِيثُ أبْيَضَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، في القَطَائِعِ. يَرَوْنَ جَائِزاً أنْ يُقْطِعَ الإمَامُ لِمَنْ رَأَى ذَلِكَ.
1406 ـ حدثنا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ. حدّثَنَا أَبُو دَاوْدَ أخبرنا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلْقَمَة بْنَ وَائِلٍ يُحَدّثُ عَنْ أبِيهِ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أقْطَعَهُ أرْضاً بِحضْرَموتَ. قَالَ مَحْمُودٌ:
ـــــــ
لا يجوز بقرب العمارة لاحتياج أهل البلد إليه لرعي مواشيهم، وإليه أشار بقوله ما لم تنله خفاف الإبل. قال الأصمعي: الخف الجمل المسن. والمعنى أن ما قرب من المرعى لا يحمي بل يترك لمسان الإبل وما في معناها من الضعاف التي لا تقوى على الامعان في طلب المرعى وقال الطيبي رحمه الله: وقيل يحتمل أن يكون المراد به أنه لا يحمي ما تناله الأخفاف ولا شيء منها إلا وتناله الأخفاف. كذا في المرقاة. قوله: "فأقربه وقال نعم" هذا متعلق بقوله قلت لقتيبة بن سعيد حدثكم محمد بن يحيى الخ أي قال الترمذي لشيخه قتيبة حدثكم محمد بن يحيى الخ فأقر به قتيبة، وقال: نعم. وهذا أحد وجوه التحمل. وقد مر تفصيله في ابتداء الكتاب في شرح قوله: فأقربه الشيخ الثقة الأمين. قوله: "وفي الباب عن وائل وأسماء إبنه أبي بكر" أما حديث وائل فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث أسماء فأخرجه أبو داود بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع للزبير نخيلاً. قوله "حديث أبيض بن حمال حديث حسن غريب" وأخرجه ابن ماجة والدارمي. قوله: "أقاطعه" أي أعطى واثلاً "أرضاً بحضرموت" بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد وفتح الواو والميم اسم بلد باليمن. وهما اسمان جعلا اسما واحداً فهو غير منصرف بالعلمية والتركيب. وقال في القاموس بضم(4/635)
أخبرنا النّضْرُ عنْ شُعْبَةَ، وَزَادَ فِيهِ "وَبَعَثَ له مُعَاوِيَةَ لِيُقْطِعِها إيّاهُ" . هذا حديثٌ حسنٌ.
ـــــــ
الميم بلد وقبيلة "وبعث له" أي مع وائل "معاوية" الظاهر أن المراد به هو ابن الحاكم السلمى، وابن جاهمة السلمي. وأما معاوية بن أبي سفيان فهو وأبوه من مسلمة الفتح ثم هو من المؤلفة قلوبهم فهو غير ملائم للمرام وإن كان مطلق هذا الاسم ينصرف إليه في كل مقام قاله القاري. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الدارمي .(4/636)
باب ماجاء في فضل الغرس
...
40 ـ باب مَا جاء في فَضْلِ الغَرس
1407 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدّثنا أبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عنْ أنَسٍ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً، أوْ يَزْرَعُ زَرْعاً، فَيأكلُ مِنْهُ إنسَانٌ، أوْ طَيْرٌ، أوْ بَهِيمَةٌ إلاّ كانَتْ لَهُ صدقَةٌ". وفي البابِ عنْ أبي أيّوبَ وجَابرٍ وَأُمّ مُبْشّرٍ وَزَيْدٍ بن خَالِد.
ـــــــ
باب ما جاء في فضل الغرس
بفتح الغين المعجمة وسكون الراء قال في الصراح غرس بالفتح نشاندن درخت قوله: "يغرس" بكسر الراء. قال في القاموس: غرس الشجر يغرسه أثبته في الأرض كاغرسة والغرس المغروس "أو يزرع" أو للتنويع لأن الزرع غير الغرس "زرعاً" نصبه وكذا نصب غرساً على المصدرية أو على المفعولية "فيأكل منه" أي مما ذكر من المغروس أو المزروع "إنسان" ولو بالتعدي "أو طير أو بهيمة" أي ولو بغير اختياره "إلا كانت له صدقة" قال الطيبي الرواية برفع الصدقة على أن كانت تامة انتهى. قال القاري: وفي نسخة يعني من المشكاة بالنصب على أن الضمير راجع إلى المأكول وأنث لتأنيث الخبر انتهى. والحديث رواه مسلم عن جابر وفيه: وما سرق منه له صدقة. وفي رواية له عنه: لا يغرس مسلم غرساً فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة. قوله: "وفي الباب عن أبي أيوب" أخرجه أحمد عنه مرفوعاً: ما من رجل يغرس غرساً إلا كتب الله من الأجر قدر ما يخرج من ذلك الغرس. قال المنذري:(4/636)
حدِيثُ أنسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
رواته محتج بهم في الصحيح إلا عبد الله بن عبد العزيز الليثي "وأم مبشر" بضم الميم وفتح الموحدة وكسر الشين المشددة صحابية مشهورة امرأة زيد بن حارثة وحديثها أخرجه مسلم "وجابر" أخرجه مسلم "وزيد بن خالد" لينظر من أخرجه وفي الباب عن أحاديث أخرى ذكرها المنذري في الترغيب في باب الزرع وغرس الأشجار المثمرة. قوله: "حديث أنس حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم(4/637)
باب ماجاء في المزارعة
...
42 ـ باب مَا ذُكِرَ في المُزَارَعة
1408 ـ حدثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصور. أخبرنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبيدِ الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابنِ عُمَرَ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم عَامَلَ أهْلَ خَيْبَر بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمرٍ أوْ زَرْعٍ. وفي البابِ عنْ أنَسٍ وابنِ عبّاس وزيدِ بنِ ثَابتٍ وجَابرٍ. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
باب ما جاء في المزارعة
المزارعة هي أن يعامل إنساناً على أرض ليتعهدها بالسقي والتربية على أن ما رزق الله تعالى من الحبوب يكون بينهما بجزء معين. كذا في المرقاة. والمراد بقوله بجزء معين كالنصف والربع والثلث قوله: "عامل أهل خيبر" وهو يهود خيبر وهو موضع قريب المدينة غير منصرف "بشطر ما يخرج" أي بنصفه فالشطر هنا بمعنى النصف وقد يأتي بمعنى النحو كقوله تعالى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أي نحوه "منها" أي من خيبر يعني من نخلها وزرعها. والحديث دليل على جواز المزارعة بالجزء المعلوم من نصف أو ربع أو ثمن وهو الحق. قوله: "وفي الباب عن أنس" لينظر من أخرجه "وابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع خيبر أرضها ونخلها مقاسمة على النصف. أخرجه أحمد وابن ماجه. "وزيد بن ثابت" أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وسيأتي لفظه في الباب الذي بعده "وجابر" لينظر من أخرجه. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة(4/637)
وَغَيْرِهِمْ. لَمْ يَرَوْا بالمُزَارَعَةِ بَأْسَاً عَلَى النّصْفِ والثُلُثِ والرُبُعِ.
ـــــــ
قوله: "ولم يروا بالمزارعة بأساً على النصف والثلث والربع الخ" وهو قول الجمهور. قال الشيخ عبد الحق الدهلوي: المساقاة أن يدفع الرجل أشجاره إلى غيره ليعمل فيه ويصلحها بالسقي والتربية على سهم معين كنصف أو ثلث، والمزارعة عقد على الأرض ببعض الخارج كذلك. والمساقاة تكون في الأشجار والمزارعة في الأراضي، وحكمها واحد، وهما فاسدان عند أبي حنيفة. وعند صاحبيه والاَخرين من الأئمة جائز. وقيل لا نرى أحداً من أهل العلم عنهما إلا أبو حنيفة، وقيل زفر معه. وقال في الهداية: الفتوى على قولهما والدليل للأئمة ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على نصف ما يخرج من ثمر أو زرع. ولأبي حنيفة ما روى أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة وهي المزارعة انتهى كلامه. قلت: أحاديث النهي عن المخابرة محمولة على التنزيه أو على ما إذا اشترط صاحب الأرض ناحية منها معينة كما يدل عليه أحاديث ذكرها صاحب المنتقى. وقال بعد ذكرها وما ورد من النهي المطلق عن المخابرة والمزارعة يحمل على ما فيه مفسدة كما بينته هذه الأحاديث أو يحمل على اجتنابها ندباً واستحباباً، فقد جاء ما يدل على ذلك ثم ذكر أحاديث تدل على أن النهي عن المخابرة والمزارعة ليس للتحريم بل هو للتنزيه. قال الشوكاني في النيل: كلام المصنف يعني صاحب المنتقى هذا كلام حسن ولا بد من المصير إليه للجمع بين الأحاديث المختلفة. وهو الذي رجحناه فيما سلف انتهى. قلت: الأمر كما قال الشوكاني، وقال الحافظ في الفتح هذا الحديث يعني حديث الباب هو عمدة من أجاز المزارعة والمخابرة لتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، واستمراره على عهد أبي بكر إلى أن أجلاهم عمر. واستدل به على جواز المساقاة في النخل والكرم وجميع الشجر الذي من شأنه أن يثمر بجزء معلوم يجعل للعامل من الثمرة. وبه قال الجمهور وخصه الشافعي في الجديد بالنخل والكرم وألحق المقل بالنخل لشبهه به، وخصه أبو داود بالنخل، وقال أبو حنيفة وزفر: لا يجوز بحال لأنها إجارة بثمرة معدومة أو مجهولة. وأجاب من جوزه بأنه عقد على عمل في المال ببعض نمائه فهو كالمضاربة لأن المضارب يعمل في المال بجزء من نمائه وهو معدوم ومجهول: وقد صح عقد الإجارة مع أن المنافع معدومة. فكذلك هنا وأيضاً فالقياس في إبطال نص أو إجماع(4/638)
واخْتَار بَعْضُهُمْ أنْ يَكُونَ البَذْرُ مِنْ رَبّ الأرْضِ. وهُوَ قَوْل أَحْمدَ وإسْحاقَ. وكرِهَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ المُزَارِعَةَ بِالثُلُثِ والرّبُعِ. ولَمْ يَرَوْا بِمُسَاقَاةِ النّخِيلِ بِالثُلُثُ والرُبُعِ بَأْساً. وهُوَ قَوْلُ مالِكِ بنِ أنَسِ والشّافِعِيّ. ولمْ يَرَ بَعْضُهُمْ أنْ يَصِحّ شَيْءٌ مِنَ المُزَارَعَةِ، إلاّ أنْ يَسْتأْجِرَ الأرْضَ بِالذّهبِ والفِضّةِ.
ـــــــ
مردود. وأجاب بعضهم عن قصة خيبر بأنها فتحت صلحاً وأقروا على أن الأرض ملكهم بشرط أن يعطوا نصف الثمرة. فكان ذلك يؤخذ بحق الجزية فلا يدل على جواز المساقاة. وتعقب بأن معظم خيبر فتح عنوة وبأن كثيراً منها قسم بين العانمين وبأن عمر أجلاهم منها فلو كانت الأرض ملكهم ما أجلاهم عنها. واستدل من أجازه في جميع الثمر بأن في بعض طرق حديث الباب بشطر ما يخرج منها من نخل وشجر. وفي رواية عند البيهقي على أن لهم الشطر من كل زرع ونخل وشجر انتهى. "واختار بعضهم أن يكون البذر من رب الأرض" أي مالكها. قال الحافظ في الفتح: واستدل به يعني بحديث الباب على جواز البذر من العامل أو المالك لعدم تقييده في الحديث بشيء من ذلك. واحتج من منع بأن العامل حينئذ كأنه باع البذر من صاحب الأرض بمجهول من الطعام نسيئة وهو لا يجوز. وأجاب من أجازه بأنه مستثنى من النهي عن بيع الطعام بالطعام نسيئة جمعاً بين الحديثين، وهو أولى من إلغاء أحدهما انتهى. "وهو قول مالك بن أنس والشافعي" والراجح أن المزارعة بالثلث والربع، والمساقاة بالثلث والربع كلاهما جائز غير مكروه كما عرفت. "ولم ير بعضهم أن يصح شيء من المزارعة الخ" قال الحافظ في الفتح: وبالغ ربيعة فقال لا يجوز كراءها إلا بالذهب أو الفضة. وقال طاوس وطائفة قليلة: لا يجوز كراء الأرض مطلقاً وذهب إليه ابن حزم وقواه، واحتج له بالأحاديث المطلقة في ذلك انتهى.(4/639)
43 ـ باب
1409 ـ حدثنا هَنّادٌ. حدّثنَا أبُو بَكْرِ بنُ عَيّاشِ. عنْ أبي حُصَيْنٍ، عنْ مُجَاهِدٍ، عنْ رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ، قالَ: نهَانَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أمْرٍ كانَ لَنَا نَافِعاً. إذَا كانَتْ لأِحَدِنَا أرْضٌ أنْ يُعْطِيهَا بِبَعْضِ خَرَاجِهَا أوْ بدَرَاهِمَ. وقالَ "إذَا كانَتْ لأِحَدِكُمْ أرْضٌ فَلْيَمْنَحْهَا أخَاهُ أوْ لِيزْرَعْهَا".
1410 ـ حدثنا مَحْمودُ بنُ غَيْلاَنَ. أخبرنا الفَضْلُ بنُ مُوسى الشّيْبَانِيّ. أخبرنا شَرِيكٌ عنْ شُعْبَةَ، عنْ عمْرو بنِ دِينارٍ، عنْ طَاوُسٍ، عنِ ابنِ عبّاسٍ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمْ يُحَرّمِ المُزَارَعَةَ.
ـــــــ
باب
قوله: "أن يعطيها" أي نهى عن أن يعطيها "بعض خراجها" أي ببعض ما يخرج من الأرض "أو بدراهم" احتج به من قال بعدم جواز كراء الأرض مطلقاً لكن هذا الحديث ضعيف. قال الحافظ في الفتح: وأما ما رواه الترمذي من طريق مجاهد عن رافع بن خديج في النهي عن كراء الأرض ببعض خراجها أو بدراهم. فقد أعله النسائي بأن مجاهداً لم يسعه من رافع. قال الحافظ: ورواية أبو بكر بن عياش في حفظه مقال، وقد رواه أبو عوانة وهو أحفظ منه عن شيخه فيه، فلم يذكر الدراهم. وقد روى مسلم من طريق سليمان بن يسار عن رافع بن خديج في حديثه ولم يكن يومئذ ذهب ولا فضة انتهى. "فليمنحها" بفتح التحتية وسكون الميم وفتح النون بعدها حاء مهملة ويجوز كسر النون والمراد يجعلها منيحة وعارية أي ليعطها مجاناً "أخاه" ليزرعها هو "أو ليزرعها" أي أحدكم نفسه. قوله: "لم يحرم المزارعة الخ" فيه دليل على أن في حديث النهي عن المزارعة ليس للتحريم بل للتنزيه كما تقدم. ويدل على ذلك أيضاً ما رواه البخاري وغيره عن عمرو بن دينار قال: قلت لطاؤوس لو يركت المخابرة فإنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها. فقال: إن أعلمهم يعني ابن عباس أخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها. وقال: لأن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ(4/640)
وَلكنْ أمَرَ أنْ يَرْفُقَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وفي الباب عنْ زَيْدِ بنِ ثَابتٍ وجابر رضي الله عنهما. وحديثُ رَافِعٍ فيهِ اضْطِرابٌ. يُرْوَى هذَا الحديثُ عنْ رَافِعِ بنِ خَديجٍ، عنْ عُمُومَتِهِ. ويُرْوَى عَنْهُ عنْ ظُهَيْرِ ابنِ رَافِعٍ، وهُوَا أحَدُ عُمُومَتَهِ. وقَدْ رُوِيَ هذَا الحدِيثُ عَنْهُ عَلَى رِوَاياتٍ مُخْتَلِفَةٍ.
ـــــــ
عليها خراجاً معلوماً. "لكن أمر أن يرفق" من الرفق وهو اللطف من باب نصر. قال في الصراح: رفق بالكسر نرمي كردن ضد العنف صلته بالباء انتهى. وقال في القاموس: الرفق بالكسر ما استعين به رفق به وعليه مثلثة رفقاً ومرفقاً كمجلس ومقعد ومنبر انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري بلفظ آخر وقد تقدم. قوله: "وفي الباب عن زيد بن ثابت" أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن عروة بن الزبير قال: قال زيد بن ثابت: يغفر الله لرافع بن خديج أنا والله أعلم بالحديث منه، إنما أتى رجلان قد اقتتلا فقال عليه السلام: "إن كان هذا شأنكم فلا تكروا طريق المزارع"، فسمع رافع قوله: لا تكروا المزارع. وهذا حديث حسن كذا في نصب الراية. قوله: "حديث رافع حديث فيه أضطراب الخ" روى مسلم وغيره حديث رافع بألفاظ مختلفة بعضها مختصرة، وبعضها مطولة وفي الباب عن جابر قال: كانوا يزرعونها بالثلث والربع والنصف فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها فإن لم يفعل فليمسك أرضه". رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة مرفوعاً: من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه فإن أبى فليمسك أرضه. رواه البخاري وغيره. قال الحافظ في فتح الباري: قد استظهر البخاري لحديث رافع بحديث جابر وأبي هريرة راداً على من زعم أن حديث رافع فرد، وأنه مضطرب. وأشار إلى صحة الطريقين عنه حيث روى عن عمه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد روى عن عمه عن النبي صلى الله عليه وسلم وأشار إلى أن روايته بغير واسطة مقتصرة على النهي عن كراء الأرض، وروايته عن عمه مفسرة للمراد وهو ما يينه ابن عباس في روايته من إرادة الرفق والتفضيل وأن النهي عن ذلك ليس للتحريم انتهى .(4/641)
أبواب الديات
باب ماجاء في الدية كم هي من الإبل
...
أبواب الديات
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
1 ـ باب مَا جَاءَ في الدّيَةِ كَم هِيَ مِنَ الإبِل
1411 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ سَعِيدٍ الَكِنْدِيّ الكُوفِيّ أخبرنا ابنُ أبي زَائِدَةَ عنْ الْحَجّاجِ عنْ زَيْدِ بنِ جُبَيْرٍ عنْ خشْفِ بنِ مَالِكٍ قالَ سَمِعْتُ ابنَ مَسْعُودٍ قالَ: قَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في دِيَةِ الخَطَأ
ـــــــ
أبواب الديات
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الديات جمع دية: قال في الغرب الدية مصدر ودي القاتل والمقتول إذا أعطى وليه المال الذي هو بدل النفس. ثم قيس لذلك المال الدية تسمية بالمصدر. ولذا جمعت وهي مثل عدة في حذف الفاء قال الشمني وأصل هذا اللفظ يدل على الجري، ومنه الوادي لأن الماء يدى فيه أي يجري وهي ثابتة بالكتاب وهو قوله تعالى {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} وبالسنة وهي أحاديث كثيرة، وإجماع أهل العلم على وجوبها في الجملة كذا في المرقاة. وقال في النهاية يقال وديت القتيل اديه دية إذا أعطيت ديته ولتديته أي أخذت ديته انتهى .
باب مَا جَاءَ في الدّيَةِ كَم هِيَ مِنَ الإبِل
قوله: "عن خشف" بكسر الخاء وسكون الشين المعجمتين وبالفاء "ابن مالك" الطائي وثقة النسائي من الثالثة قاله الحافظ. قوله: "في دية الخطأ" أي في دية قتل الخطأ. اعلم أن القتل على ثلاثة أضرب: عمد، وخطأ، وشبه عمد. وإليه ذهب الشافعية والحنفية والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وجماهير من العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فجعلوا في العمد القصاص، وفي الخطأ الدية المذكورة في حديث الباب، وفي شبه العمد وهو ما كان بما مثله لا يقتل في العادة كالعصا والسوط والإبرة مع كونه قاصداً للقتل دية مغلظة. وهي مائة من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها. وقال مالك والليث وغيرهما: إن القتل(4/642)
عِشْرِينَ بنت مَخَاضٍ، وعِشْرِينَ بنِي مَخَاضٍ ذُكُوراً، وعِشْرِينَ بِنْتَ لَبُونِ وعِشْرِينَ جَذَعَةً وعِشْرِينَ حِقّةً.
1412 ـ حدثنا أبو هشام الرفاعي . حدثنا بنُ أبي زَائِدَةَ وأبُو خَالِدٍ الأحْمَرُ عنْ الْحَجّاجِ بنِ أَرْطَاةِ نَحْوَهُ. وفي الباب عن عبد الله ابن عمرو . حدِيثُ ابنِ مَسْعُودٍ لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وقدْ رُوِيَ عنْ عَبْدِ الله مَوْقُوفاً. وقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ إلَى هَذَا.
ـــــــ
ضربان عمد وخطأ، فالخطأ ما وقع بسبب من الأسباب أو من غير مكلف أو غير قاصد للمقتول أو للقتل بما مثله لا يقتل في العادة والعمل ما عداه، والأول لا قود فيه. والثاني فيه القود. ولا يخفى أن الأحاديث التي تدل على القسم الثالث وهو شبه العمد صالحة للاحتجاج بها، وإيجاب دية مغلظة على فاعله. قاله الشوكاني. "عشرين ابنة مخاض" هي التي تطعن في السنة الثانية من الإبل "وعشرين بني مخاض ذكوراً" بالنصب كذا في النسخ الحاضرة وفي المشكاة ذكور بالجر، قال القاري: بالجر على الجوار كما في المثل جحر ضب خرب. كذا في الترمذي: وأبي داود وشرح السنة وبعض نسخ المصابيح وفي بعضها ذكوراً بالنصب وهو ظاهر. انتهى كلام القاري. فظهر من كلامه هذا أن نسخة الترمذي التي كانت عند القاري كان فيها ذكور بالجر "وعشرين بنت لبون" قال في مجمع البحار: بنت اللبون وابن اللبون وهو من الإبل ما أتى عليه سنتان ودخل في الثالثة فصارت أمه لبونا أي ذات لبن بولد آخر "وعشرين جذعة" هو من الإبل ما تم له أربع سنين "وعشرين حقة" بكسر الحاء المهملة وتشديد القاف وهي الداخلة في الرابعة. قوله: "وأبو هشام الرفاعي" بكسر الراء اسمه محمد بن يزيد بن محمد بن كثير العجلي الكوفي قاضي المدائن ليس بالقوى. قوله: "وفي الباب عن عبد الله بن عمرو" أخرجه الخمسة إلا الترمذي بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل ثلاثون بنت مخاض وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقه وعشرة بني لبون ذكور، وسكت عنه أبو داود. وقال المنذري: في إسناده عمرو بن شعيب وقد تقدم الكلام عليه ومن دون عمرو بن شعيب ثقات إلا محمد بن راشد المكحول وقد وثقه أحمد وابن معين والنسائي وضعفه(4/643)
وهُوَ قَوْلُ أحْمَدَ وإسْحَاقَ،، وقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ العِلْمِ عَلَى أَنّ الدّيَةَ تُؤْخَذُ في ثَلاثِ سِنينَ فِي كُلّ سَنَةٍ ثُلُثُ الدّيَةِ، ورَأَوْا أنّ دِيَةَ الخَطَإ عَلَى العَاقِلَةِ
ـــــــ
ابن حبان وأبو زرعة. وقال الخطابي: هذا الحديث لا أعرف أحداً قال به من الفقهاء. قوله: "حديث ابن مسعود لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه. وقد روي عن عبد الله موقوفاً" قال الحافظ في التلخيص: رواه أحمد وأصحاب السنن والبزار والدارقطني والبيهقي من حديث ابن مسعود مرفوعاً لكن فيه بني مخاض بدل ابن لبون، وبسط الدارقطني القول في السنن في هذا الحديث ورواه من طريق أبي عبيدة عن أبيه موقوفاً، وفيه عشرون بني لبون. وقال هذا إسناد حسن. وضعف الأول من أوجه عديدة وقوى رواية أبي عبيدة بما رواه عن ابراهيم النخعي عن ابن مسعود على وفقه. وتعقبه البيهقي بأن الدارقطني وهم فيه والجواد قد يعثر. قال: وقد رأيته في جامع سفيان الثوري عن منصور عن ابراهيم عن عبد الله وعن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله وعن عبد الرحمن بن مهدي عن يزيد بن هارون عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أبي عبيدة عن عبد الله وعند الجميع بني مخاض. قال الحافظ ابن حجر: وقد رد على نفسه بنفسه فقال: وقد رأيته في كتاب ابن خزيمة وهو إمام من رواية وكيع عن سفيان فقال بني لبون كما قال الدارقطني. قال الحافظ: فانتفى أن يكون الدارقطني غيره فلعل الخلاف فيه من فوق انتهى. قوله: "وقد أجمع أهل العلم على أن الدية تؤخذ في ثلاث سنين" روى ابن أبي شيبة من طريق ابراهيم النخعي. قال: أول من فرض العطاء عمر. وفرض فيه الدية كاملة في ثلاث سنين ثلثا الدية في سنتين والنصف في سنتين والثلث في سنة، وما دون ذلك في عامه. وأخرجه عبد الرزاق من طريق عن عمر كذا في الدراية. ولفظ عبد الرزاق في طريق أن عمر بن الخطاب جعل الدية الكاملة في ثلاث سنين، وجعل نصف الدية في سنتين، وما دون النصف في سنة. ولفظه في طريق أخرى: إن عمر جعل الدية في الأعطية في ثلاث سنين والنصف والثلثين في سنتين والثلث في سنة وما دون الثلث فهو في عامه ولفظه في رواية أخرى وقضى بالدية في ثلاث سنين وفي كل سنة ثلث على أهل الديوان في عطياتهم. وقضى بالثلثين في سنتين وثلاث في سنة وما كان أقل من الثلث فهو في عامه ذلك. كذا في نصب الراية: "ورأوا أن دية الخطأ على العاقلة" بكسر القاف جمع(4/644)
فرَأَى بَعْضُهُمْ أَنّ العَاقِلَةَ قَرَابَةُ الرّجُلِ مِنْ قِبَلِ أبِيهِ وهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ والشّافِعيّ وقالَ بَعْضُهُمْ إنّمَا الدّيَةُ عَلَى الرّجَالِ دُونَ النّسَاءِ والصّبْيَانِ مِنَ العَصَبَةِ يُحَمّلُ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ رُبْعَ دِينَارٍ وقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ إلَى نِصْفِ دِينَارٍ
ـــــــ
عاقل وهو رافع الدية، وسميت الدية عقلاً تسمية بالمصدر لأن الابل كانت تعقل بفناء ولي القتيل، ثم كثر الاستعمال حتى أطلق العقل على الدية ولو لم تكن إبلاً. وعاقلة الرجل قرابانة من قبل الأب وهم عصبته وهم الذين كانوا يعقلون الإبل على باب ولي المقتول. وتحمل العاقلة الدية ثابت بالسنة. وأجمع أهل العلم على ذلك وهو مخالف لظاهر قوله تعالى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لكنه خص من عمومها ذلك لما فيه من المصلحة. لأن القاتل لو أخذ بالدية لأوشك أن تأتي على جميع ماله. لأن تتابع الخطأ منه لا يؤمن ولو ترك بغير تغريم لأهدر دم المقتول. قال الحافظ: ويحتمل أن يكون السر فيه أنه لو أفرد بالتغريم حتى يفتقر لاَل الأمر إلى الإهدار بعد الافتقار فجعل على عاقلته. لأن احتمال فقر الواحد أكثر من احتمال فقر الجماعة، ولأنه إذا تكرر ذلك منه كان تحذيره من العود إلى مثل ذلك من جماعة ادعى إلى القبول مع تحذيره نفسه. والعلم عند الله تعالى. وعاقلة الرجل عشيرته. فيبدأ بفخذه الأدنى، فإن عجزوا ضم إليهم الأقرب إليهم. وهي على الرجال الأحرار البالغين أولى اليسار منهم انتهى. "وقال بعضهم: إنما الدية على الرجال دون النساء والصبيان من العصبة" قال في الهداية من كتب الحنفية: وليس على النساء والذرية ممن كان له حظ في الديوان عقل لقول عمر رضي الله عنه لا يعقل مع العاقلة صبي ولا امرأة انتهى. قلت: قال الحافظ الزيلعى في تخريج الهداية غريب انتهى. وقال الحافظ في الدراية. لم أجده انتهى. قال في الهداية: ولأن العقل إنما يجب على أهل النصرة لتركهم مراقبته والناس لا يتناصرون بالنساء والصبيان ولهذا لا يوضع عليهم ما هو خلف عن النصرة وهو الجزية انتهى. "ويحمل" بصيغة المجهول من التحميل "كل رجل منهم ربع دينار وقد قال بعضهم إلى نصف دينار" قال صاحب الهداية: وتقسم عليهم في ثلاث سنين، لا يزاد الواحد على أربعة دراهم في كل سنة وينقص منها. كذا ذكره القدوري في مختصره. وهذا إشارة إلى أنه يزاد على أربعة من جميع الدية. وقد نص محمد رحمه الله على أنه لا يزاد على كل واحد من جميع(4/645)
فإن تَمّتِ الدّيَةُ وإلاّ نُظِرَ إلَى أقْرَبِ القَبَائِلِ مِنْهُمْ فأُلزِمُوا ذَلِكَ.
1413 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ الدّارِميّ. أخبرنا حَبّانُ. "وهو ابن حلال" حدثنا مُحَمّدُ بنُ رَاشِدٍ. أخبرنا سُلَيْمَانُ بنُ مُوسَى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عنْ جَدّهِ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ قَتَلَ مؤمناً مُتَعَمداً دُفِعَ إلَى أوْلِيَاءِ المَقْتُولِ فَإنْ شَاؤُا قَتَلُوا وَإِنْ شَاؤُا أَخَذُوا الدّيّةَ وَهِيَ ثَلاثُونَ حِقّةً وثلاَثُونَ جَذَعَةً وأرْبَعُونَ خَلِفَةً ومَا صَالَحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ". وَذَلِكَ لِتَشْدِيدِ العَقْلِ. حدِيثُ عَبْدِ الله بنِ عَمْرو حَدِيثٌ حسنٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
الدية في الثلاث سنين على ثلاثة أو أربعة فلا يؤخذ من كل واحد في كل سنة إلا درهما أو درهما وثلث درهم وهو الأصح. وعند الشافعي رحمه الله: يجب على كل واحد نصف دينار لأنه صلة فيعتبر بالزكاة وأدناها ذلك إذ خمسة دراهم عندهم نصف دينار انتهى. "فإن تمت الدية" أي فيها "وإلا" أي وإن لم تتم الدية "نظر إلى أقرب القبائل منهم فألزموا" بصيغة المجهول من الإلزام.
قوله: "من قتل" بصيغة المعلوم "دفع" بصيغة المجهول أي القاتل "وهي ثلاثون حقة" بكسر الحاء وهي من الإبل ما دخلت في السنة الرابعة لأنها استحقت الركوب والحمل "وثلاثون جذعة" بفتحتين وهي ما دخلت في السنة الخامسة "وأربعون خلفة" بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وبعدها فاء وهي الحامل وتجمع خلفات وخلائف وزاد في رواية ابن ماجه في بطونها أولادها "وذلك لتشديد العقل" بفتح العين وسكون القاف أي الدية. قوله: "حديث عبد الله بن عمرو حديث حسن غريب" وأخرجه ابن ماجه وذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه .(4/646)
باب ماجاء في الدية كم هي من الدراهم
...
2 ـ باب مَا جَاءَ فِي الدّيَةِ كَم هِيَ مِنَ الدّرَاهِم
1414 ـ حدثنا مُحمدُ بنُ بَشّارٍ. حدثنا مُعَاذُ بنُ هَانِيء. حدثنا مُحمدُ بنُ مُسْلِمٍ الطّائِفِيّ عنْ عَمْروِ بنِ دِينَارٍ عنْ عِكْرَمَةَ عنْ ابنِ عَبّاسٍ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ جَعَلَ الدّيَةَ اثْنَى عَشَرَ ألفاً.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ فِي الدّيَةِ كَم هِيَ مِنَ الدّرَاهِم
قوله: "إنه جعل الدية إثني عشر ألفاً" أي من الدراهم. قوله: "وفي حديث(4/646)
1415 ـ حدثنا سَعِيدُ بنُ عَبْدِ الرّحمَنِ الْمَخزُومِيّ. حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عنْ عَمْروِ بنِ دِينَارٍ عنْ عِكْرِمَةَ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم نحْوَهُ ولَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عنْ ابنِ عَبّاسٍ. وفِي حدِيثِ ابنِ عُيَيْنَةَ كَلاَمٌ أكْثَرُ مِنْ هذا ولا نعلم أحداً يذكر في هذا الحديث عن أبي عباس غير محمد بن مُسْلِمٍ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ بَعضِ أهلِ الْعِلْمِ وهُوَ قَوْلُ أحْمَدَ وإسْحَاقَ. وَرَأَى بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ الديَةَ عَشْرَةَ آلاَفٍ وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وأهْلِ الكُوفَةِ. وقالَ الشّافِعيّ لاَ أعْرِفُ الدّيَةَ إلاّ مِنْ الإبِلِ وَهِيَ مائةٌ منَ الإبِلِ.
ـــــــ
ابن عيينة كلام أكثر من هذا " روى ابو داود من سنته عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا من بني عدي قتل فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفا.قوله: "والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق" قال الشوكاني في النيل اختلفوا في الفضة فذهب الهادي والمؤيد بالله إلى أنها عشرة آلاف درهم وذهب مالك والشافعي في قول له إلى أنها اثني عشر ألف درهم انتهى. واستدل لما ذهب إليه أحمد وإسحاق وغيرهما بحديث الباب. قال الشوكاني: ويعارض هذا الحديث ما أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان مائة دينار أو ثمانية آلاف درهم الحديث. ولا يخفى أن حديث ابن عباس يعني حديث الباب فيه إثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها اثني عشر ألفاً وهو مثبت فيقدم على النافي كما تقرر في الأصول، وكثرة طرقه تشهد لصحته والرفع زيادة إذا وقعت من طريق ثقة تعين الأخذ بها انتهى "ورأى بعض أهل العلم الدية عشرة آلاف" أي من الدراهم "وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة" قال صاحب الهداية: لنا ما روي عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدية في قتيل بعشرة آلاف درهم. قال الحافظ في الدراية: لم أجده وإنما أخرجه محمد بن الحسن في الآثار موقوفاً. وكذلك ابن أبي شيبة والبيهقي "وقال الشافعي لا أعرف الدية إلا من الإبل وهي مائة من الإبل" استدل الشافعي بحديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده وفيه: وإن في النفس الدية مائة من الإبل الحديث رواه النسائي. قال الشوكاني: الاقتصار على هذا النوع من أنواع الدية يدل على أنه الأصل في الوجوب كما ذهب إليه الشافعي ومن أهل البيت القاسم بن إبراهيم قالا: وبقية الأصناف كانت مصالحة لا تقديراً شرعياً. وقال أبو حنيفة وزفر والشافعي في قول له: بل هي من الإبل للنص ومن النقدين تقويماً إذ هما قيم المتلفات وما سواهما صلح انتهى .(4/647)
باب ماجاء في الموضحة
...
3 ـ باب ما جَاءَ في المُوَضّحَة
1416 ـ حدثنا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ. حدثنا يزِيدُ بنُ زُرَيعٍ. أخبرنا حُسَيْنٌ المُعَلّمُ عنْ عَمْروِ بنِ شُعَيْبٍ عن أبِيِهِ عنْ جَدّهِ انّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "في المَوَاضِحِ خَمْسٌ خَمْسٌ".
قال أبو عيسى هَذَا حَدِيثُ حَسَنٌ والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ. وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ والشّافِعيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ أَنّ فِي المُوضحَةِ خَمْساً مِنَ الإبِلِ.
ـــــــ
باب ما جاء في الموضحة
بكسر الضاد المعجمة هي الجراحة التي ترفع اللحم من العظم وتوضحه قوله: "قال في المواضح" بفتح أوله جمع موضحة "خمس خمس" أي في كل واحدة منها خمس من الإبل. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" أخرجه الخمسة. كذا في المنتقى وقال في النيل وأخرجه أيضاً ابن خزيمة وابن الجارود وصححاه. قوله: "وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق الخ" وهو قول الحنفية .(4/648)
باب ماجاء في دية الأصابع
...
4 ـ باب مَا جَاءَ فِي دِيَةِ الأصَابِع
1417 ـ حدثنا أَبُو عَمّارٍ. حدثنا الفَضْلُ بنُ مُوسَى عنْ الحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ عنْ يزِيدَ بن عمرو النّحْوِيّ عنْ عِكرِمَةَ عنْ ابنِ عَبّاسٍ قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "فدِيَة أَصَابِعِ اليَدَيْنِ والرّجْلَيْنِ سَوَاءٌ عَشْرٌ مِنَ الإبِلِ لِكُلّ اصْبِع". وفي البابِ عنْ أبي مُوسَى وعَبْدِ الله بنِ عَمْرو.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ فِي دِيَةِ الأصَابِع
قوله: "دية أصابع اليدين والرجلين سواء" أي حتى الإبهام والخنصر وإن كانا مختلفين في المفاصل "عشرة من الإبل لكل إصبع" بكسر الهمزة والباء.(4/648)
حدِيثُ ابنِ عَبّاسٍ حدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَريبٌ من هذا الوجه. والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ والشّافِعِيّ وأحْمَدُ وإسْحَاقَ.
1418 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ. حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ و مُحَمّدُ بنُ جَعْفَرٍ قَالا. حدثنا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عنْ عِكْرِمَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "هَذِهِ وَهَذِهِ سَواءٌ يَعْنِي الخِنْصَرَ والإبْهَامَ". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
قوله: "وفي الباب عن أبي موسى وعبد الله بن عمرو" أما حديث أبي موسى فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي. وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الخمسة إلا الترمذي. قوله: "حديث ابن عباس حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه أبو داود وأخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه، وقال ابن القطان في كتابه: رجال إسناده كلهم ثقات قوله: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق" وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وهو الحق. وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يجعل في الخنصر ستاً من الإبل وفي البنصر تسعاً، وفي الوسطى عشراً، وفي السبابة اثنتي عشرة، وفي الإبهام ثلاث عشرة، ثم روى عنه الرجوع عن ذلك. وروي عن مجاهد أنه قال: في الإبهام خمس عشرة، وفي التي تليها عشر، وفي الوسطى عشر، وف التي تليها ثمان، وفي الخنصر سبع. وهو مردود بأحاديث الباب قاله الشوكاني. قوله: "هذه وهذه سواء يعني" أي يريد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله هذه وهذه "الخنصر والإبهام" أي هما متساويان في الدية وإن كان الإبهام أقل مفصلاً من الخنصر إذ في كل إصبع عشر الدية، وهي عشر من الإبل في شرح السنة يجب في كل إصبع يقطعها عشر من الإبل، وإذا قطع أنملة من أنامله ففيها ثلث دية إصبع، إلا أنملة الإبهام فإن فيها نصف دية إصبع لأنه ليس فيها إلا انملتان، ولا فرق فيه بين أنامل اليد والرجل. كذا في المرقاة. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة إلا مسلماً(4/649)
باب ماجاء في العفو
...
5 ـ باب مَا جَاءَ في العَفْو
1419 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ مُحمدٍ حدثنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ. حدثنا يونُسُ بنُ أبي إسْحَاقَ. حدثنا أبُو السّفَرِ: قالَ دَقّ رَجُلٌ مِنْ قُرَيشٍ سِنّ رَجُلٍ مِنَ الأنصَارِ فاسْتَعْدَى عَلَيْهِ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لِمُعَاوِيَةَ يَا أمير المؤمِنِينَ إنّ هَذَا دَقّ سِنّي فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إنّا سَنُرْضِيكَ وألَحّ الاَخَرُ عَلَى مُعَاوِيَةُ فَأَبرَمَهُ فلم يرضه، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ شَأْنَكَ بِصَاحِبِك وأبُو الدّرْداءِ جَالِسٌ عِنْدَهُ. فقَالَ أبُو الدّرْدَاءِ سَمِعْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول "مَا مِنْ رَجُلٍ يُصَابُ بِشَيءٍ في جَسَدِهِ فَيَتَصَدّقُ بِهِ إلاّ رَفَعَهُ الله بِهِ دَرَجَةً وحَطّ عنْهُ بِهِ خَطِيئَةً". قَالَ الأنْصَارِيّ: أأنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالَ سَمِعَتْهُ أُذُنايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي. قالَ: فإنّي أَذَرُها لَهُ. قالَ مُعَاوِيَةُ لاَ جَرمَ لاَ أُخَيّبُكَ فَأَمَرَ لَهُ بمَالٍ". هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ ولاَ أعْرِفُ لأبي السّفَرِ سَمَاعَاً مِنْ أبي الدّرْدَاءِ. وأبُو السّفَرِ اسْمُهُ سَعِيدُ بنُ أحْمَدَ. ويُقَالُ ابنُ محْمِدَ الثّوْرِيّ.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في العَفْو
قوله: "فاستعدى عليه معاوية" أي استغاث معاوية على الرجل. قال في القاموس: استعداه استعانه واستنصره "وألح" من الإلحاح "الاَخر" أي الذي دق سنه "فأبرمه" من الإبرام، أي فأمله، قال في القاموس: البرم السأمة والضجر وأبرمه فبرم كفرح وتبرم أمله فمل انتهى. وقال في مجمع البحار: برم به أي سئمه ومله "ما من رجل يصاب بشيء في جسده" من نحو قطع أو جرح "فيتصدق به" أي عفا عنه قال الطيبي: مرتب على قوله يصاب ومخصص له لأنه يحتمل أن يكون سماوياً، وأن يكون من العباد فخص بالثاني لدلالة قوله فتصدق به وهو العفو عن الجاني. وقال المناوي: أي إذا جنى إنسان على آخر جناية فعفا عنه لوجه الله نال هذا الثواب. قوله: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه الخ" قال المنذري في الترغيب: وروى ابن ماجه المرفوع منه عن أبي السفر أيضاً عن أبي الدرداء وإسناده حسن لولا الانقطاع. قوله: "وأبو السفر اسمه سعيد بن أحمد ويقال ابن يحمد الثوري" قال الحافظ سعيد بن يحمد بضم الياء التحتانية وكسر الميم وحكى الترمذي أنه قيل فيه أحمد أبو السفر بفتح المهملة والفاء الهذلي الثوري الكوفي ثقة من الثالثة انتهى .(4/650)
باب ماجاء فيمن رضخ رأسه بصخرة
...
6 ـ باب مَا جَاءَ فيمن رُضِخَ رَأْسُهُ بِصَخْرَة
1420 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ. حدثنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ. حدثنا هَمّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عنْ أَنَسٍ. قالَ خَرَجَتْ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا أَوْضَاحٌ فَأَخَذَهَا يَهُودِي فَرَضَخَ رَأْسَهَا بحجر وَأَخَذَ مَا عَليْهَا مِنَ الحُلِيّ قالَ فَاّدرِكَتْ وَبِهَا رَمقٌ فأتى بها النبيّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ "مَنْ قَتَلَكِ أَفُلاَنٌ؟ قالتْ بِرَأْسِهَا لاَ. قَال فَفُلاَنٌ حَتّى سُمّى اليَهُودِي فَقَالَتْ بِرَأْسِهَا أي نَعَمْ. قَالَ فَأُخِذَ فَاعْتَرَفَ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَرُضِخَ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ". هذا حديثٌ حَسنٌ صَحِيحٌ والْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ
ـــــــ
باب ما جاء فيمن رضخ رأسه بصخرة
الرضخ الدق والكسر قوله: "عليها أوضاح" جمع وضح بفتحتين وهي نوع من الحلى من الفضة سميت بها لبياضها "فأخذها" أي الجارية "فرضخ رأسها" أي رض رأسها بين حجرين كما في رواية الشيخين "أدركت" بصيغة المجهول أي أدركها الناس "وبها رمق" بفتحتين أي بقية الروح وآخر النفس والجملة حالية قوله: "حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان قوله: "والعمل على هذا" أي على ما يدل عليه هذا الحديث من جواز القود بمثل ما قتل به المقتول "وهو قول أحمد وإسحاق" وإليه ذهب الجمهور ويؤيد ذلك عموم قوله تعالى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا} بمثل ما عوقبتم به وقوله تعالى {اعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} وقوله تعالى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} وما أخرجه البيهقي والبزار من حديث البراء وفيه من حرق حرقناه، ومن غرق غرقناه. قال البيهقي: في إسناده بعض من يجهل، وإنما قاله زياد في خطبته. وهذا إذا كان السبب الذي وقع القتل به مما يجوز فعله لا إذا كان لا يجوز لمن قتل غيره بإيجاره الخمر أو اللواط به(4/651)
العلم وهو قول أحمد وإسحاق وقال بعض أهل العلم لا قود إلا بالسيف.
ـــــــ
"وقال بعض أهل العلم لا قود إلا بالسيف" قال الشوكاني ذهبت العترة والكوفيون ومنهم أبو حنيفة وأصحابه إلا أن الاقتصاص لا يكون إلا بالسيف. واستدلوا بحديث النعمان بن بشير عند ابن ماجه والبزار والطحاوي والطبراني والبيهقي بألفاظ مختلفة منها، لا قود إلا بالسيف: وأخرجه ابن ماجة أيضاً والبزار والبيهقي من حديث أبي بكرة. وأخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث أبي هريرة. وأخرجه الدارقطني من حديث علي وأخرجه البيهقي والطبراني من حديث ابن مسعود. وأخرجه ابن أبي شيبة عن الحسن مرسلاً. وهذه الطرق كلها لا تخلو واحدة منها من ضعيف أو متروك حتى قال أبو حاتم: حديث منكر. وقال عبد الحق وابن الجوزي: طرقه كلها ضعيفة. وقال البيهقي: لم يثبت له إسناد. ويؤيد معنى هذا الحديث الذي يقوي بعض طرقه بعضاً حديث شداد بن أوس عند مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة". وإحسان القتل لا يحصل بغير ضرب العتق بالسيف كما يحصل به. ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يأمر بضرب العنق من أراد قتله حتى صار ذلك هو المعروف في أصحابه فإذا رأوا رجلاً يستحق القتل قال قائلهم: يا رسول الله دعني أضرب عنقه، حتى قيل إن القتل بغير ضرب العنق بالسيف مثلة. وقد ثبت النهي عنها انتهى كلام الشوكاني .(4/652)
باب ماجاء في تشديد قتل المؤمن
...
7 ـ باب مَا جَاءَ في تَشْدِيدِ قَتْلِ الْمُؤْمِن
1421 ـ حدثنا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بنُ خَلَفٍ وَ مُحَمّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ بَزيِعٍ حدثنا ابنُ أَبي عَدِي عَنْ شُعَبَةَ عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَزَوَالُ الدّنْيَا أهْوَنُ عَلَى الله مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ".
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في تَشْدِيدِ قَتْلِ الْمُؤْمِن
قوله: "لزوال الدنيا" اللام للابتداء "أهون" أي أحقر وأسهل "على الله" أي عنده "من قتل رجل مسلم" قال الطيبي رحمه الله: الدنيا عبارة عن الدار القربى التي هي معبر للدار الأخرى، وهي مزرعة لها، وما خلقت السموات(4/652)
1422 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ. حَدَثنَا مُحَمّدُ بنُ جَعْفَرٍ حدّثنَا شُعْبَةُ عَنْ يَعْلىَ بنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْروِ نَحْوَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ. قال أبو عيسى وَهذَا أَصَحّ عَنْ حَدِيثِ ابنِ أبي عَدِيوفي البابِ عَنْ سَعْدٍ وابنِ عَبّاسٍ وَأبي سَعِيدٍ وَأبي هرَيْرَةَ وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ وابن مسعود وَبُرَيْدَةَ. قال أبو عيسى حَدِيثُ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ. هَكَذَا رَوَاهُ ابنُ أبِي عَدِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ عن أبيه عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى محمد بن جعفر وغير واحد عن شعبة عن يعلى ب عطاء فَلَمْ يَرْفَعْهُ وَهَكَذا رَوَى سُفْيَانُ الثوْرِيّ عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ مَوْقوفاً وَهذَا أَصَحّ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ.
ـــــــ
والأرض إلا لتكون مسارح أنظار المتبصرين، ومتعبدات المطيعين، وإليه الاشارة بقوله تعالى {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً} أي بغير حكمه بل خلقتها لأن تجعلها مساكن للمكلفين، وأدلة لهم على معرفتك. فمن حاول قتل من خلقت الدنيا لأجله فقد حاول زوال الدنيا. وبهذا لمح ما ورد في الحديث الصحيح: لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله. قال القاري: وإليه الايعاء بقوله تعالى {مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً} الاَية. قوله: "وفي الباب عن سعد وابن عباس وأبي سعيد وأبي هريرة وعقبة بن عامر وبريدة" أما حديث سعد فلينظر من أخرجه، وأما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي وحسنه والطبراني في الأوسط ورواته رواة الصحيح كذا في الترغيب. وأما حديث أبي سعيد وأبي هريرة فأخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب وأما حديث عقبة بن عامر فلينظر من أخرجه. وأما حديث بريدة فأخرجه النسائي والبيهقي .(4/653)
8 ـ باب الْحُكْمِ في الدّمَاء
1423 ـ حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ. حدّثنا وَهْبُ بنُ جُرَيْرٍ حدّثنَا شُعْبَةُ عَنْ الأعْمَشِ عَنْ أبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ الله قَالَ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ أوّلَ مَا يُحْكَمُ بَيْنَ العِبَادِ فِي الدّمَاءِ".
ـــــــ
باب الْحُكْمِ في الدّمَاء
قوله: "إن أول ما يحكم بين العباد" أي يوم القيامة "في الدماء" خبر إن(4/653)
حَدِيثُ عَبْدِ الله حَدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الأعْمَشِ مَرْفُوعاً وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ الأعْمَشِ ولَمْ يَرْفَعُوهُ.
1424 ـ حدثنا أبُو كُرَيْبٍ. حَدّثنَا وَكيعٌ عَنْ الأعْمَشِ عَنْ أَبي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ الله قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ أوّلَ مَا يُقْضَى بَيْنِ العِبَادِ في الدّمَاءِ".
1425 ـ حدثنا الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ. حدّثنا الْفَضْلُ بنُ مُوسَى عَنْ الْحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ عَنْ يَزِيدَ الرّقَاشِيّ. حدثنا ابو الْحَكمِ البَجَلِيّ قَالَ سَمِعْتُ أبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ وَأبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرَانِ عَنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْ أنّ أَهْلَ السّماءِ وَأهْلَ الأرْضِ اشْتَرَكُوا في دَمِ مُؤْمِنٍ لأكبّهُمْ الله فِي النّارِ".
هذا حديثٌ غَرِيبٌ.
ـــــــ
قال النووي: هذا التعظيم أمر الدنيا وتأثير خطرها. وليس هذا الحديث مخالفاً لقوله: أول ما يحاسب به العبد صلاته. لأن ذلك في حق لله وهذا فيما بين العباد. قال في المرقاة: والأظهر أن يقال لأن ذلك في المنهيات، وهذا في المأمورات، أو الأول في المحاسبة، والثاني في الحكم لما أخرج النسائي عن ابن مسعود مرفوعاً: أول ما يحاسب العبد عليه صلاته، وأول ما يقضي بين الناس في الدماء. وفي الحديث إشارة إلى أن الأول الحقيقي هو الصلاة فإن المحاسبة قبل الحكم. قوله: "حديث عبد الله حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا" قال الطيبي رحمه الله: لو للمضي فإن أهل السماء فاعل والتقدير لو اشترك أهل السماء "في دم مؤمن" أي إراقته. والمراد قتله بغير حق "لأكبهم الله في النار" أي صرعهم فيها وقلبهم قال الطيبي رحمه الله: كبه بوجهه أي صرعه فأكب هو وهذا من النوادر أن يكون أفعل لازماً وفعل متعدياً قاله الجوهري.
وقال الزمخشري لا يكون بناء مطاوعاً لفعل بل همزة أكب للصيرورة أو للدخول، فمعناه صار ذا كب أو دخل في الكب ومطاوع فعل أنفعل نحو كب وانكب وقطع وانقطع. قال التوربشتي: والصواب كبهم الله. ولعل ما في الحديث سهو من بعض الرواة. وقال الطيبي: فيه نظر لا يجوز أن يرد هذا على الأصل. وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن يتبع ولأن الجوهري ناف والرواة مثبتون: قال القاري فيه إن الجوهري ليس بناف للتعدية، بل مثبت للزوم ولا يلزم من ثبوت اللزوم نفي التعدية، هذا وقد أثبتها صاحب القاموس حيث قال: كبه قلبه وصرعه كأكبه وكبكبه فأكب وهو لازم متعد .(4/654)
باب ماجاء في لرجل يقتل ابنه أيقاد منه أم لا
...
9 ـ باب مَا جَاءَ فِي الرّجُلِ يَقْتُلُ ابْنَهُ يُقَادُ مِنْهُ أمْ لاَ؟
1426 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ. حدثنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَيّاشٍ حَدّثنَا المُثَنّى بنُ الصَبّاحِ عَنْ عَمروِ بنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدّهِ عَنْ سُرَاقَةَ بنِ مَالِك بن جعش قَالَ حَضَرْتُ رسوُلَ الله صلى الله عليه وسلم يُقِيدُ الأبَ مِنْ ابْنِهِ ولاَ يُقِيدُ الابْنَ مِنْ أبِيهِ. هذا حديثٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ سُرَاقَةَ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجهِ وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِصَحِيحٍ رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بنُ عَباس عَنِ المُثَنّى بنِ الصَبّاحِ وَالمُثَنّى بنُ الصّبّاحِ يُضَعّفُ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أبُو خَالِدٍ الأحْمَرُ عَنْ الْحَجّاجِ بن أرطأة عَنْ عَمْروِ بنِ شُعَيْبٍ
ـــــــ
باب ما جاء في الرجل يقتل ابنه أيقاد منه أم لا
قال في النهاية: القود القصاص وقتل القاتل بدل القتيل، وقد أقدته به أقيده إقادة واستقدت الحاكم سألته أن يقيدني واقتدت منه اقتاد قوله: "عن سراقة بن مالك" أي ابن جعثم المدلجي الكنائي كان ينزل قديداً ويعد في أهل المدينة، روى عنه جماعة وكان شاعراً مجيداً مات سنة أربع وعشرين ذكره صاحب المشكاة. قوله: "يقيد الأب" من الإقادة أي يقتص له "من ابنه" بكسر النون من للالتقاء أي لأجله وبسببه. والجملة حال من المفعول قيل كان هذا في صدر الإسلام ثم نسخ ذكره ابن الملك "ولا يقيد الابن" بكسر اللام للالتقاء "من أبيه" قالوا الحكمة فيه أن الوالد سبب وجود الولد فلا يجوز أن يكون هو سبباً لعدمه.(4/655)
عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ عَنْ عُمَرَ عَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم وقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَمروِ بنِ شُعَيْبٍ مُرْسَلاً، وَهذا حديثٌ فِيهِ اضْطِرابٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ الْعِلْمِ أنّ الأبَ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ لاَ يُقْتَلُ بِهِ. وَإذَا قَذَفَ ابنه لاَ يُحَدّ.
1427 ـ حدثنا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجّ. حَدّثَنَا أبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ الحَجّاجِ بنِ أرْطَاةَ عَنْ عَمْرو بنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عنْ جَدّهِ عنْ عُمَرَ بنِ الْخَطّابِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ يُقَادُ الوَالِدُ بِالْوَلَد".
1428 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشارِ. حَدثَنا ابنُ أبي عَدِي عنْ إسْمَاعِيلَ بنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرو بنِ دِينَارٍ عنْ طَاوسٍ عن ابن عبّاسٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لاَ تُقَامُ الْحَدُودُ فِي الْمسَاجِدِ وَلاَ يُقْتَلُ الوَالِدُ بِالْوَلَدِ". هذا حديثٌ لاَ نَعْرِفُهُ بِهَذا الإسْنَادِ مَرْفُوعاً إلا مِنْ حَدِيثِ إسْماعِيلَ بنِ مُسْلِمٍ وإسْماعِيلُ بنُ مُسلِمٍ الْمكّيّ قد تكَلّمَ فِيهِ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قبلِ حِفْظِهِ.
ـــــــ
كذا في اللمعات. قال السيد في شرح الفرائض: ولعل الابن كان مجنوناً أو صبياً كذا في المرقاة. قوله: "هذا حديث لا نعرفه من حديث سراقة إلا من هذا الوجه الخ" قال في التلخيص: إسناده ضعيف وفيه اضطراب واختلاف على عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فقيل عن عمرو قيل عن سراقة قيل بلا واسطة وهي عند أحمد وفيها ابن لهيعة. قوله: "لا تقام الحدود في المساجد" صوناً لها وحفظاً لحرمتها فيكره "ولا يقتل الوالد بالولد" أي لا يقاد والد بقتل ولده لأنه السبب في إيجاده فلا يكون سبباً في إعدامه. كذا في شرح الجامع الصغير للمناوي. قوله: "هذا حديث لا نعرفه الخ" وأخرجه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك "وإسماعيل بن مسلم المكي تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه" قال الحافظ لكن تابعه الحسن بن عبيد الله العنبري عن عمرو بن دينار قال البيهقي. وقال عبد الحق: هذه الأحاديث كلها معلولة لا يصح منها شيء. وقال الشافعي: حفظت عن عدد من أهل العلم لقيتهم أن لا يقتل الوالد بالولد، وبذلك أقول.
قال البيهقي: طرق هذا الحديث منقطعة. وأكده الشافعي بأن عدداً من أهل العلم يقولون به انتهى .(4/656)
باب ماجاء لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث
...
10 ـ باب مَا جَاءَ لاَ يحِل دَمُ امرئ مُسْلِمٍ إلاّ بِإحْدَى ثَلاَث
1429 ـ حدثنا هَنّادٌ. حَدثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ عنْ عَبْدِ الله بن مُرّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَحِلّ دَمُ امرئ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلا الله وأَنّي رَسُولُ الله إلاّ بإحْدَى ثَلاَثٍ: الثّيّبُ الزّانِي والنّفْسُ بِالنّفْسِ والتّارِكُ لِدِيِنِه المُفَارِقُ للْجَمَاعَةِ" وفي البابِ عَنْ عُثْمانَ وعَائِشَةَ وابنِ عَبّاسٍ. حَدِيثُ ابنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ لاَ يحِل دَمُ امرئ مُسْلِمٍ إلاّ بِإحْدَى ثَلاَث
قوله: "لا يحل دم امرئ" أي إراقته والمراد الإنسان فإن الحكم شامل للرجال والنساء "مسلم" صفة مقيدة لامرئ "يشهد" أي يعلم ويتيقن ويعتقد. قال الطيبي: الظاهر أن يشهد حال جيء بها مقيدة للموصوف مع صفته، إشعاراً بأن الشهادتين هما العمدة في حقن الدم، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة. كيف تصنع بلا إله إلا الله. وقال القاضي: يشهد مع ما هو متعلق به صفة ثانية جاءت للتوضيح والبيان ليعلم أن المراد بالمسلم هو الاَتي بالشهادتين، وأن الإيمان بهما كاف للعصمة. "إلا بإحدى ثلاث" أي خصال ثلاث: قتل نفس بغير حق وزنا المحصن والارتداد. ففصل ذلك بتعداد المنصفين به المستوجبين القتل لأجله فقال "الثيب الزاني" أي زنا الثيب "والنفس بالنفس" أي قتل النفس بالنفس. قال الطيبي: أي يحل قتل النفس قصاصاً بالنفس التي قتلها عدواناً وهو مخصوص بولي الدم لا يحل قتله لأحد سواه حتى لو قتله غيره لزمه القصاص انتهى. "والتارك لدينه المفارق للجماعة" أي ترك التارك والمفارق للجماعة صفة مولدة للتارك لدينه أي الذي ترك جماعة المسلمين وخرج من جملتهم، وانفرد عن أمرهم بالردة التي هي قطع الإسلام قولا أو فعلاً أو اعتقاداً فيجب قتله إن لم يتب، وتسميته مسلماً مجازياً باعتبار ما كان عليه لا بالبدعة أو نفي الإجماع كالروافض والخوارج فإنه لا يقتل. قوله: "وفي الباب عن عثمان الخ" لينظر من أخرج أحاديثهم. قوله: "حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان(4/657)
باب ماجاء فيمن يقتل نفساً معاهداً
...
11 ـ باب ما جَاءَ فِيمَنْ يَقْتُلُ نفْساً مُعَاهَدَة
1430 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ. حدثنا مَعدِى بنُ سُلَيْمَانَ "هو البصريّ" عنْ ابنِ عجْلاَنَ، عنْ أبِيهِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "ألاَ مَنْ قَتَلَ نَفْساً مُعَاهِدَة لهُ ذمّةُ الله وذمّة رَسُولِهِ فَقَدْ خْفَرَ بِذِمّةِ الله فَلاَ يرَحْ رَائِحَةَ الجَنّةِ، وإنّ رِيحَهَا ليوجَدُ مِنْ مَسِيرةِ سَبْعِينَ خَرِيفاً".
ـــــــ
باب ما جاء فيمن يقتل نفساً معاهداً
بكسر الهاء من عاهد الامام على ترك الحرب ذمياً أو غيره، وروى بفتحها وهو من عاهده الامام. قال القاضي يريد بالمعاهدة من كان له مع المسلمين عهد شرعي سواء كان بعقد جزية أو هدنة من سلطان أو أمان من مسلم قوله: "إلا" حرف التنبيه "من قتل نفساً معاهدة" أي رجلاً معاهداً "له ذمة الله وذمة رسوله" قال في المجمع: الذمة والذمام وهما بمعنى العهد والأمان والضمان والحرمة والحق. وسمي أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم انتهى. "فقد أخفر بذمة الله" قال في المجتمع: خفرته أجرته وحفظته والخفارة بالكسر والضم الذمام وأخفرته إذا انقضت عهده وذمامه وهمزته للسلب "فلا يرح رائحة الجنة" أي لم يشم ريحها يقال راح وراح يريح يراح وأراح يريح إذا وجد رائحة الشيء والثلاثة قد روي بها الحديث. كذا في النهاية. قال الحافظ: بفتح الراء والياء هو أجود وعليه الأكثر. قال والمراد بهذا النفي وإن كان عاماً التخصيص بزمان ما لما تعاضدت الأدلة العقلية والنقلية أن من مات مسلماً ولو كان من أهل الكبائر فهو محكوم بإسلامه غير مخلد في النار، ومآله إلى الجنة ولو عذب قبل ذلك انتهى. "وإن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين خريفاً" أي عاماً كما في رواية للبخاري. والجملة حالية أي والحال أن ريح الجنة لتوجد.. . قال السيوطي رحمه الله: وفي رواية سبعين عاماً، وفي الأخرى مائة عام، وفي الفردوس ألف عام وجمع بأن ذلك بحسب اختلاف الأشخاص والأعمال وتفاوت الدرجات فيدركها من شاء الله من مسيرة ألف عام، ومن شاء من مسيرة أربعين عاماً وما بين ذلك. قاله ابن العربي وغيره(4/658)
وفي البابِ عنْ أبي بَكْرَةَ. حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
ذكره القاري في المرقاة، وقال: ويحتمل أن يكون المراد من الكل طول المسافة لا تحديدها انتهى. قلت ذكر الحافظ هذه الروايات المختلفة وذكر أن في رواية الطبراني عن أبي بكرة خمس مائة عام ووقع في الموطأ في حديث آخر: خمسمائة عام وهذا اختلاف شديد ثم ذكر وجه الجمع عن ابن بطال ولم يرض به لما فيه من التكلف، ثم قال: والذي يظهر لي في الجمع أن يقال إن الأربعين أقل زمن يدرك به ريح الجنة من في الموقف والسبعين فوق ذلك أو ذكرت للمبالغة، والخمس مائة ثم الألف أكثر من ذلك، ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأعمال فمن أدركه من المسافة البعدي أفضل ممن أدركه من المسافة القربي وبين ذلك. وقد أشار إلى ذلك شيخنا في شرح الترمذي ثم رأيت نحوه في كلام ابن العربي ونقل كلامهما، فإن شئت الوقوف عليه فارجع إلى الفتح. قوله: "وفي الباب عن أبي بكرة" أخرجه الطبراني وفي الباب أيضاً عن عبد الله بن عمرو عند البخاري. قوله: "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وأخرجه ابن ماجه .(4/659)
12 ـ باب
1431 ـ حدثنا أبُو كرَيْبٍ. حدثنا يَحْيَى بنُ آدَمَ عنْ أبي بَكْرِ بنِ عَيّاشٍ عنْ أبي سَعْدٍ عنْ عِكْرِمَةَ عنْ ابنِ عَبّاسٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَدَى العَامِرِيّينِ بدِيَةِ المُسْلِمينَ وكَانَ لَهُما عَهْدٌ منْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. هذا حديثٌ غَريبٌ لاَ نَعْرِفُه إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ
ـــــــ
باب
قوله: "ودي العامريين" الذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري "بدية المسلمين" أي مثل دية المسلمين. وأخرج البيهقي عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية العامريين دية الحر المسلم. وأخرج أيضاً من وجه آخر أنه صلى الله عليه وسلم جعل دية المعاهدين دية المسلم.
: "وكان لهما" أي للعامريين "عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم" ولم يشعر به عمرو بن أمية(4/659)
وأبُو سَعْدٍ البَقّالُ اسْمُهُ سَعِيدُ بنُ المرْزُبَانِ.
ـــــــ
ولذلك قتلهما. قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه البيهقي قال الشوكاني في النيل في إسناده أبو سعد البقال، واسمه سعيد بن المرزبان ولا يحتج بحديثه. والراوي عنه أبو بكر بن عياش "وأبو سعد البقال اسمه سعيد بن المرزبان" العبسي مولاهم الكوفي الأعور ضعيف مدلس من الخامسة. قاله الحافظ .(4/660)
باب ماجاء في حكم ولى القتيل في القصاص والعفو
...
13 ـ باب مَا جَاءَ فِي حُكْمِ وَلِي القَتِيلِ فِي القصَاصِ والعَفْو
1432 ـ حدثنا مَحمودُ بنُ غَيْلاَنَ و يَحْيَى بنُ مُوسَى قالا: حدثنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ. حدثنا الأوْزَاعِيّ. حدثني يَحْيَى بنُ أبي كَثيرٍ حَدّثَنِي أَبُو سَلَمةَ قالَ: حدّثَنِي أبُو هُرَيْرَةَ قالَ: لَمّا فَتَحَ الله عَلَى رسُولِهِ مَكّةَ قامَ فِي النّاسِ فَحَمِدَ الله وأثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قالَ: "ومَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُو بِخَيْرِ النَظَرَيْنِ إمّا أنْ يَعْفُوَ وإمّا أَنْ يَقْتُلَ" وفي البابِ عنْ وَائِلِ بنِ حُجْر وأنَسٍ وأبي شُرَيحٍ خُويَلِدِ بنِ عَمْروٍ.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ فِي حُكْمِ وَلِي القَتِيلِ فِي القصَاصِ والعَفْو
قوله: "ومن قتل له قتيل" أي من قتل له قريب كان حياً فصار قتيلاً بذلك القتل "فهو" أي من قتل له قتيل يعني ولي المقتول "بخير النظرين" يعني القصاص والدية أيهما اختار كان له "إما أن يعفو وإما أن يقتل" في رواية البخاري إما أن يودي وإما يقاد: قال الحافظ في الفتح بعد ذكر لفظ الترمذي هذا: المراد بالعفو أخذ الدية جمعاً بين الروايتين ويؤيده أن عنده في حديث أبي شريح: فمن قتل له قتيل بعد اليوم فأهله بين خيرتين: إما أن يقتلوا أو يأخذوا الدية. ولأبي داود وابن ماجه. وعلقه الترمذي من وجه آخر عن أبي شريح بلفظ: فإنه يختار إحدى ثلاث إما أن يقتص، وإما أن يعفو، وإما أن يأخذ الدية، فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه. أي إن أراد زيادة على القصاص أو الدية. وفي الحديث إن ولي الدم يخير بين القصاص والدية. واختلف إذا اختار الدية،(4/660)
1433 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ. حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ. حدثنا ابنُ أبي ذِئْبٍ حدّثَنيِ سَعِيدُ بنُ أبي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ عنْ أبي شُرَيْحٍ الكَعْبيّ انّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "أنّ الله حَرّمَ مَكّةَ ولَمْ يُحَرّمْهَا النّاسُ. مَنْ كَانَ يُؤْمِن بالله واليَوْمِ الاَخِرِ فلاَ يَسْفِكَنّ فِيهَا دَمَاً ولاَ يَعْضدَنّ فِيهَا شَجَراً فَإِنْ تَرَخّصَ مُتَرَخّصٌ. فقالَ أُحِلّتْ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فإنّ الله أحَلّهَا لي ولَمْ يُحِلّهَا للنّاسِ وإنّمَا أُحِلّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمّ هِيَ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ثُمّ إنّكُمْ مَعْشَرَ خُزاعةَ
ـــــــ
هل يجب على القاتل إجابته؟ فذهب الأكثر إلى ذلك. وعن مالك: لا يجب إلا برضا القاتل. واستدل بقوله: ومن قتل له. بأن الحق يتعلق بورثة المقتول فلو كان بعضهم غائباً أو طفلاً لم يكن للباقين القصاص حتى يبلغ الطفل، ويقدم الغائب انتهى. قوله: "وفي الباب عن وائل بن حجر وأنس وأبي شريح خويلد بن خويلد بن عمرو" وأما حديث وائل فلينظر من أخرجه وأما حديث أنس فأخرجه الخمسة إلا الترمذي. وأما حديث أبي شريح خويلد وهو خزاعي كعبي فأخرجه الترمذي في هذا الباب وله حديث آخر عند الدارمي. قوله: "عن أبي شريح" بالتصغير قال صاحب المشكاة هو أبو شريح خويلد بن عمرو الكعبي الخزاعي أسلم قبل الفتح ومات بالمدينة سنة ثمان وستين وهو مشهور بكنيته "إن الله حرم مكة" أي جعلها محرمة معظمة وأهلها تبع لها في الحرمة "ولم يحرمها الناس" أي من عندهم فلا ينافي أنه حرمها ابراهيم بأمر الله تعالى "من كان يؤمن بالله واليوم الاَخر" اكتفى بطرفي المؤمن به عن بقيته "فلا يسفكن" أي فلا يسكبن "فيها دماً" أي بالجرح والقتل. قال القاري: وهذا إذا كان دماً مهدراً وفق قواعدنا، وإلا فالدم المعصوم يستوي فيه الحرم وغيره في حرمة سفكه "ولا يعضدن" بكسر الضاد المعجمة أي ولا يقطع "فيها شجراً" وفي معناها النبات والحشيش "فقال" أي المترخص عطف على ترخيص "فإن الله أحلها لي" وفي رواية الشيخين: فقولوا إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم. وبه تم جواب المترخص ثم ابتدأ وعطف على الشرط فقال: وإنما أحلت لي الخ "ثم هي" أي مكة "ثم إنكم معشر خزاعة" بضم أوله أي يا معشر خزاعة وكانت خزاعة قتلوا في تلك الأيام رجلاً من قبيلة(4/661)
قَتَلْتُمْ هَذَا الرّجُلَ مِنْ هُذَيْلٍ وإنّي عَاقِلُهُ فَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ بَعْدَ اليَوْمِ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ. إمّا أَنْ يَقْتلُوا أَوْ يَأخُذُوا العَقْلَ". هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ. وحدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. ورَوَاهُ شَيْبَانُ أَيْضاً عنْ يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ مِثْلَ هَذَا ورُوِيَ عنْ أبي شُرَيْحٍ الخُزَاعِيّ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَلَهُ أنْ يَقْتُلَ أوْ يَعْفُوَ أوَ يَأخُذَ الدّيَةَ". وذَهبَ إلَى هَذَا بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ أحْمَدَ وإسْحاقَ.
1434 ـ حدثنا أَبُو كُرَيبٍ. حدثنا أبُو مُعَاوِيَةَ عنْ الأعْمَش عنْ أبِي صَالِحٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ قُتِلَ رَجُل على عَهْدِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَدُفِعَ القَاتِلُ إلى وَلِيّهِ فَقالَ القَاتِلُ. يَا رسولَ الله والله مَا أَرَدْتُ قَتْلَهُ
ـــــــ
بني هذيل بقتيل لهم في الجاهلية فأدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم ديته لإطفاء الفتنة بين الفئتين "من هذيل" بالتصغير "وإني عاقله" أي مؤد ديته من العقل وهو الدية وقد تقدم وجه تسمية الدية بالعقل "فمن قتل له" بصيغة المجهول "فأهله بين خيرتين" بكسر الخاء المعجمة وفتح التحتية أي اختيارين والمعنى مخير بين أمرين "إما أن يقتلوا" أي قاتله "أو يأخذوا العقل" أي الدية من عاقلة القاتل. قوله: "هذا حديث حسن صحيح وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" أصل هذين الحديثين في الصحيحين. قوله: "وروي عن أبي شريح الخزاعي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قتل له قتيل فله أن يقتل أو يعفو ويأخذ الدية" وفي بعض النسخ أو يأخذ الدية بلفظ أو مكان الواو وهو الظاهر. روى الدارمي عن أبي شريح الخزاعي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أصيب بدم أو خبل والخبل الجرح فهو بالخيار بين إحدى ثلاث فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه، بين أن يقتص أو يعفو أو يأخذ العقل. الحديث. ورواه أيضاً أبو داود وابن ماجه كما عرفت في كلام الحافظ. قوله: "قتل رجل" بصيغة المجهول "في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" زاد أبو داود فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم "فدفع" أي النبي صلى الله عليه وسلم "إلى وليه" أي ولي المقتول(4/662)
فقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "أَمَا إنّهُ إنْ كانَ قوله صَادِقاً فَقَتَلْتَهُ دَخَلْتَ النّارَ" فَخَلّى عَنْهُ الرّجُلُ قال: وكانَ مَكْتُوفاً بنِسْعَةٍ قالَ فَخَرَجَ يَجُرّ نِسْعَتَهُ قَالَ فَكَانَ يُسَمّى ذَا النّسْعَةِ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ
ـــــــ
"ما أردت قتله" أي ما كان القتل عمداً "أما" بالتخفيف للتنبيه "إنه" أي القاتل "إن كان صادقاً" يفيد أن ما كان ظاهره العمد لا يسع فيه كلام القاتل إنه ليس بعمد في الحكم. نعم ينبغي لولي المقتول أن لا يقتله خوفاً من لحوق الإثم به على تقدير صدق دعوى القاتل "فخلاه" أي ترك القاتل "الرجل" بالرفع أو ولي المقتول "وكان" أي القاتل "مكتوفاً" قال في النهاية: المكتوف الذي شدت يداه من خلفه "بنسعة" بكسر نون فسكون مهملة فمهملة، قطعة جلد تجعل زماماً للبعير وغيره "فخرج" أي القاتل "فنمى" على صيغة المجهول أي القاتل. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه .(4/663)
باب ماجاء في النهي عن المثلة
...
14 ـ باب مَا جَاءَ فِي النّهْيِ عَنِ المُثْلَة
1435 ـ حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ. حدثنا عبْدُ الرّحمَنِ بنُ مَهْدِي. حدّثنا سُفْيَانُ عنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ عنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ عنْ أبِيهِ قالَ كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا بَعَثَ أَمِيراً عَلَى جَيْشٍ أوْصَاهُ فِي خَاصّةِ نَفْسِهِ بِتَقْوَى الله ومَنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمينَ خَيْراً فقَالَ: اغْزُوا بِسْمِ الله
ـــــــ
باب مَا جَاءَ فِي النّهْيِ عَنِ المُثْلَة
قوله: "أوصاه في خاصة نفسه" أي في حق نفسه خصوصاً وهو متعلق بقوله: "بتقوى الله" وهو متعلق بأوصاه وقوله: "ومن معه" معطوف على خاصته أي وفي من معه "من المسلمين خيراً" نصب على انتزاع الخافض أي بخير. قال الطيبي: ومن في محل الجر وهو من باب العطف على عاملين مختلفين كأنه قيل أوصى بتقوى الله في خاصة نفسه، وأوصى بخير في من معه من المسلمين وفي اختصاص التقوى بخاصة نفسه والخير بمن معه من المسلمين إشارة أن عليه أن يشد على نفسه فيما يأتي ويذر. وأن يسهل على من معه من المسلمين ويرفق بهم كما ورد: يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا "فقال أغزوا بسم الله" أي مستعينين بذكره(4/663)
وفِي سَبيلِ الله قَاتلُوا مَنْ كَفَرَ، اغْزُوا وَلا تَغُلّوا ولاَ تَغْدِرُوا ولاَ تَمثلُوا ولاَ تقتُلُوا وَلِيداً". وفِي الحَدِيث قِصّةٌ وفي البابِ عنْ عبد الله بنِ مَسْعُودٍ وشَدّادِ بنِ أَوْسٍ وعمران بن حصين وأنس وسَمُرةَ والمُغِيرَةِ ويَعْلَى بنِ مُرّةَ وأبِي أَيّوبَ. قال أبو عيسى حدِيثُ بُرَيْدَةَ حَدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. وكَرِهَ أهْلُ الْعِلْمِ المُثْلَةَ.
1436 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ. حدثنا هُشَيْمٌ. حدّثنا خَالِدٌ عنْ أبِي قِلاَبة عنْ أبِي الأَشْعَثِ الصّنْعَانِيّ عنْ شَدّادِ بنِ أَوْس أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ "إنّ الله كَتَبَ الإحْسَانَ عَلى كُلّ شَيْءٍ فَإذَا قَتَلْتُمْ فأَحْسِنُوا
ـــــــ
"في سبيل الله" أي لأجل مرضاته وإعلاء دينه "قاتلوا من كفر بالله" جملة موضحة لا غزواً "اغزوا ولا تغلوا" وفي المشكاة: فلا تغلوا. قال القاري: أعاد قوله اغزوا ليعقبه بالمذكورات بعده انتهى. وهو بضم الغين المعجمة وتشديد اللام أي لا تخونوا في الغنيمة. "ولا تغدروا" بكسر الدال أي لا تنقضوا العهد. وقيل لا تحاربوهم قبل أن تدعوهم إلى الإسلام "ولا تمثلوا" بضم المثلثة، قال النووي في تهذيبه: مثل به بمثل كقتل إذا قطع أطرافه. وفي القاموس: مثل بفلان مثلاً ومثله بالضم نكل كمثل تمثيلاً وقال الجزري في النهاية: يقال مثلت بالحيوان أمثل به مثلاً إذا قطعت أطرافه وشوهت به ومثلت بالقتيل إذا جدعت أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو شيئاً من أطرافه. والاسم المثلة فأما مثل بالتشديد فهو للمبالغة انتهى. "ولا تقتلوا وليداً" أي طفلاً صغيراً "وفي الحديث قصة" رواها مسلم بطولها. قوله: "وفي الباب عن ابن مسعود وشداد بن أوس وسمرة والمغيرة ويعلى بن مرة وأبي أيوب" قال الشوكاني قد وردت في ذلك أحاديث كثيرة انتهى. قلت ذكر بعضاً منها الطحاوي في شرح الآثار. قوله: "حديث بريدة حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم. قوله: "وكره أهل العلم المثلة" أي حرموها فالمراد بالكراهة التحريم وقد عرفت في المقدمة أن السلف رحمهم الله يطلقون الكراهة ويريدون بها الحرمة. قوله: "عن شداد" بفتح الشين المعجمة وتشديد الدال المفتوحة "بن أوس" بفتح الهمزة وسكون الواو ابن ثابت الأنصاري صحابي مات بالشام قبل الستين أو بعدها وهو ابن أخي حسان بن ثابت. قوله "إن الله كتب الإحسان على كل شيء" أي إلى كل شيء أو على بمعنى في أي أمركم بالإحسان في(4/664)
القِتْلَةَ وإذَا ذَبَحْتُمْ فأَحْسِنُوا الذّبْحَةَ وليُحِدّ أحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وليُرِحْ ذَبِيحَتَهُ". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. أبُو الأشْعَثِ اسْمُهُ شُرَحْبِيلُ بنِ أُدّةَ.
ـــــــ
كل شيء، والمراد منه العموم الشامل للإنسان حياً وميتاً. قال الطيبي: أي أوجب مبالغة لأن الإحسان هنا مستحب وضمن الإحسان معنى التفضل وعداه بعلى. والمراد بالتفضل إراحة الذبيحة بتحديد الشفرة وتعجيل إمرارها وغيره. وقال الشمني على هنا بمعنى اللام متعلقة بالإحسان ولا بد من على أخرى محذوفة بمعنى الاستعلاء المجازي متعلقة بكتب، والتقدير كتب على الناس الإحسان لكل شيء "فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة" وبكسر القاف الحالة التي عليها القاتل في قتله كالجلسة والركبة، والمراد بها المستحقة قصاصاً أو حداً، والإحسان فيها الاختيار أسهل الطرق وأقلها ألماً "وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة" قال النووي يروى بفتح الذال وبغير هاء في أكثر النسخ يعني نسخ صحيح مسلم، وقي بعضها بكسر الذال وبالهاء كالقتلة "وليحد" بضم الياء وكسر الحاء وفتح الدال المشددة ويجوز كسرها "أحدكم شفرته" بفتح الشين أي سكينته ويستحب أن لا يحد بحضرة الذبيحة ولا يذبح واحدة بحضرة الأخرى ولا يجرها إلى مذبحها "وليرح ذبيحته" بضم الياء وكسر الراء أي ليتركها حتى تستريح وتبرد من قولهم أراح الرجل إذا رجعت إليه نفسه بعد الإحياء، والاسم الراحة وهذان الفعلان كالبيان للإحسان في الذبح. قال النووي: الحديث عام في كل قتل من الذبائح والقتل قصاصاً وحداً ونحو ذلك. وهذا الحديث من الجوامع انتهى. قال القاري: قال علماؤنا وكره السلخ قبل التبرد وكل تعذيب بلا فائدة لهذا الحديث. ولما أخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رجلاً أضجع شاة يريد أن يذبحها وهو يحد شفرته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أتريد أن تميتها موتتين هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم. قوله: "وأبو الأشعث اسمه شرحبيل بن أدة" كذا في النسخ الحاضرة والصواب شراحيل بن آدة. قال الحافظ في التقريب شراحيل بن آدة بالمد وتخفيف الدال أبو الأشعث الصنعاني، ويقال آدة جد أبيه وهو ابن شراحيل بن كلب ثقة من الثانية شهد فتح دمشق انتهى. وكذلك في تهذيب التهذيب والخلاصة.(4/665)
باب ماجاء في دية الجنين
...
15 ـ باب مَا جَاءَ فِي دِيَةِ الجَنين
1437 ـ حدثنا الحَسَنُ بنُ عَلِي الخَلاّلُ. حدثنا وَهْبُ بنُ جَريرٍ. حدثنا شُعْبَةُ عنْ مَنْصُورٍ عنْ إبرَاهِيمَ عَنْ عُبَيْدِ بنِ نَضْيلَةَ عنْ المغيرَةِ بنِ شُعْبَةَ أنّ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا ضَرّتَيْنِ فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الأخْرَى بحجرٍ أَوْ عَمُودِ فُسْطاطٍ فأَلْقَتْ جَنِينَهَا فَقضَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم في الجَنِينِ غُرّة عَبْد أَوْ أَمَة وجَعَلهُ عَلى عَصَبَةِ المَرْأَةِ. قالَ الحَسَنُ أخبرنا زَيْدُ بنُ حُبَابِ عنْ سُفْيَانَ عنْ مَنْصُورٍ بِهَذَا الحَدِيثِ نحوه وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
1438 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ سَعِيدٍ الكِنْدِيّ الموفي. حدثنا ابنُ أبِي زَائِدَةَ عَنْ مُحَمّدِ بنِ عَمْروٍ عنْ أبي سَلَمَةَ
عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ قَضَى رسولُ الله
ـــــــ
باب ما جاء في دية الجنين
قال في القاموس: الجنين الولد في البطن والجمع أجنة ومنه قوله تعالى {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} قوله إن "امرأتين كانت ضرتين" قال في القاموس: الضرتان زوجتان وكل ضرة للأخرى وهن ضرائر . بحجر أو عمود فسطاط بضم الفاء وسكون السين أي خيمة "غرة" بضم الغين المعجمة وتشديد الراء وبالتنوين "عبدا" بيان للغرة "أو أمة" أو ليس للشك بل للتنويع قال الجزري في النهاية الغرة العبد نفسه أو اأمة وأصل الغرة البياض في وجه الفرس وكان أبو عمرو بن العلاء يقول الغرة عبد أبيض أو أمة بيضاء وسمي غرة لبياضه فلا يقبل في الدية عبد أسود ولا جارية سوداء وليس ذلك شرطا ثم الفقهاء وإنما الغرة عندهم ما بلغ ثمنه نصف عشر الدية من العبيد واماء وإنما تجب الغرة في الجنين إذا سقط ميتا فإن سقط حيا ثم مات ففيه الدية كاملة وقد جاء في بعض الروايات الحديث بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل وقيل إن الفرس والبغل غلط من الراوي انتهى "وجعله" أي الغرة "على عصبة المرأة" أي القاتلة وهم من عدا الولد وذوي الأرحام وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لزوجها وبنيها وأن العقل على عصبتها قوله "قال الحسن" هو ابن علي الخلال قوله "هذا حديث حسن صحيح"(4/666)
صلى الله عليه وسلم في الجَنِينِ بُغرّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ فَقالَ الذِي قضَى عَليْهِ أيعْطِي مَنْ لاَ شَرِبَ ولاَ أَكَلَ ولاَ صَاحَ فاسْتَهَلّ فمِثْلُ ذَلِكَ بطلّ. فقَالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "إنّ هَذَا ليَقُولُ بِقَوْلِ شاعِرِ بَلَى فِيهِ غُرّةٌ: عَبْدُ أَوْ أَمَةٌ". وفي البابِ عنْ حمل بنِ مَالِكِ بنِ النّابِغَةِ.
ـــــــ
و أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي قوله: "أنعطي" من الإعطاء، وفي مرسل سعيد بن المسيب عند مالك فقال الذي قضي عليه كيف أغرم من لا شرب ولا أكل الخ "ولا صاح فاستهل" وفي مرسل سعيد المذكور ولا نطق ولا استهل، واستهلال الصبي تصويته عند ولادته "فمثل ذلك يطل" بضم التحتية وفتح الطاء المهملة وتشديد اللام أي يبطل ويهدر من طل القتل يطل فهو مطلول، وروي بالباء الموحدة وتخفيف اللام على أنه فعل ماض "إن هذا ليقول بقول الشاعر" وفي حديث مرسل سعيد المذكور: إن هذا من إخوان الكهان. وفي حديث المغيرة فقال: سجع كسجع الأعراب وفي حديث ابن عباس عند أبي داود والنسائي: أسجع الجاهلية وكهانتها. قال الطيبي: وإنما قال ذلك من أجل سجعه الذي سجع ولم يعبه بمجرد السجع دون ما تضمن سجعه من الباطل، أما إذا وضع السجع في مواضعه من الكلام فلا ذم فيه، وكيف يذم وقد جاء في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً انتهى. قال الحافظ بن حجر: والذي يظهر لي أن الذي جاء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عن قصد إلى التسجيع وإنما جاء اتفاقاً لعظم بلاغته، وأما من بعده فقد يكون كذلك وقد يكون عن قصد وهو الغالب ومراتبهم في ذلك متفاوتة جداً انتهى. وقال الشوكاني: وفي قوله في حديث ابن عباس أسجع الجاهلية وكهانتها دليل على أن المذموم من السجع إنما هو ما كان في ذلك القبيل الذي يراد به إبطال شرع، أو إثبات باطل أو كان متكلفاً. وقد حكى النووي عن العلماء أن المكروه منه إنما هو ما كان كذلك لا غيره انتهى. قوله: "وفي الباب عن حميد بن مالك بن النابغة" لم أقف على حديث حميد بن مالك بن النابغة نعم عند الطبراني وغيره في الباب حديث عن حمل بن مالك بن النابغة. وقال الحافظ في ترجمته: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة(4/667)
حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. والْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ. وقال بَعْضُهُمْ الغُرّةُ عَبْدٌ أَوْ أمَةٌ أوْ خَمْسُمَائَةِ دِرْهَمٍ. وقالَ بَعْضُهُمْ أوْ فَرَسٌ أوْ بَغْل
ـــــــ
الجنين وليس له عندهم غيره انتهى. قوله: "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان. قوله: "والعمل على هذا عند أهل العلم" أي على ما يدل عليه أحاديث الباب وهو الصحيح المعمول عليه "وقال بعضهم أو فرس أو بغل" قال الحافظ ووقع في حديث أبي هريرة من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين غرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل. وكذا وقع عند عبد الرزاق في رواية ابن طاؤوس عن أبيه عن عمر مرسلاً فقال حمل بن النابغة: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية في المرأة وفي الجنين غرة عبد أو أمة أو فرس. وأشار البيهقي إلى أن ذكر الفرس في المرفوع وهم، وإن ذلك أدرج من بعض رواته على سبيل التفسير للغرة. وذكر أنه في رواية حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن طاوس بلفظ: فقضى أن في الجنين غرة قال طاوس: الفرس الغرة قال الحافظ ونقل ابن المنذر وتوسع داود ومن تبعه من أهل الظاهر فقالوا يجزئ كل ما وقع عليه اسم الغرة انتهى.(4/668)
باب ماجاء لا يقتل مسلم بكافر
...
16 ـ باب مَا جَاءَ لاَ يُقْتَلُ مُسْلِم بكَافِر
1439 ـ حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنِيع. حدثنا هُشَيْمٌ. أنبأنا مُطَرّفٌ عَنْ الشّعْبِيّ. حدثنا أبُو جُحَيْفَةَ قالَ قُلْتُ لِعَلي يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ هَلْ عِنْدَكُمْ سَوْدَاءُ فِي بَيْضَاءَ لَيْسَ فِي كِتَابِ الله؟ قالَ والّذِي فَلَقَ الحَبّةَ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ لاَ يُقْتَلُ مُسْلِم بكَافِر
قوله: "حدثنا مطرف" بضم الميم وفتح الطاء المهملة وتشديد الراء المكسورة ابن طريف الكوفي ثقة فاضل من صغار السادسة "حدثنا أبو جحيفة" بضم الجيم وفتح المهملة وسكون تحتية بعدها فاء اسمه وهب بن عبد الله العامري نزل الكوفة وكان من صغار الصحابة ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي ولم يبلغ الحلم ولكنه سمع منه وروى عنه مات بالكوفة سنة أربع وسبعين. قوله: "هل عندكم سوداء في بيضاء؟" المراد به شيء مكتوب. وفي رواية للبخاري: هل عندكم شيء من(4/668)
وَبَرأَ النّسَمَةَ مَا عَلِمْتُهُ إلاّ فَهْماً يُعْطِيهُ الله رَجُلاً فِي القُرْآنِ ومَا فِي الصّحِيفةِ. قُلْتُ وما فِي الصّحِيفَةِ؟ قالَ العَقْلُ وفِكَاكُ الأسِير وأنْ لاَ يُقتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرِ وفي البابِ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَو.
ـــــــ
الوحي؟ وضمير الجمع للتعظيم. أو أراد جميع أهل البيت وهو رئيسهم ففيه تغليب، وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك لأن جماعة من الشيعة يزعمون أن عند أهل البيت لا سيما عليا أشياء من الوحي خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بها لم يطلع غيرهم عليها. وقد سأل عليا عن هذه المسألة أيضاً قيس بن عبادة والأشتر النخعي وحديثهما في مسند النسائي "والذي فلق الحبة" أي شقها فأخرج منها النبات والغصن "وبرأ النسمة" بفتحتين أي خلقها والنسمة النفس وكل دابة فيها روح نهي نسمة "ما علمته إلا فهما يعطيه الله رجلاً في القرآن" وفي رواية البخاري في كتاب العلم قال لا. إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم أو ما في هذه الصحيفة. "وما في الصحيفة" عطف على فهما وفي رواية: وما في هذه الصحيفة. والمراد بالصحيفة الورقة المكتوبة قال القاضي: إنما سأله ذلك لأن الشيعة كانوا يزعمون فذكر كما نقلنا عن الحافظ ثم قال: أو لأنه كان يرى منه علماً وتحقيقاً لا يجده في زمانه عند غيره، فحلف أنه ليس شيء من ذلك سوى القرآن، وأنه عليه الصلاة والسلام لم يخص بالتبليغ والإرشاد قوماً دون قوم. وإنما وقع التفاوت من قبل الفهم استعداد الاستنباط. فمن رزق فهما وإدراكاً ووفق للتأمل في آياته والتدبر في معانيه فتح عليه أبواب العلوم، واستثنى ما في الصحيفة احتياط الاحتمال أن يكون فيها ما لا يكون عند غيره فيكون منفرداً بالعلم "قال قلت وما في الصحيفة" وفي رواية: وما في هذه الصحيفة "قال فيها العقل" أي الدية وأحكامها يعني فيها ذكر ما يجب لدية النفس والأعضاء من الإبل وذكر أسنان تؤدي فيها وعددها. "وفكاك الأسير" بفتح الفاء ويجوز كسرها أي فيها حكم تخليصه والترغيب فيه، وأنه من أنواع البر الذي ينبغي أن يهتم به "وأن لا يقتل مؤمن بكافر" قال القاضي هذا عام يدل على أن المؤمن لا يقتل بكافر قصاصاً سواء الحربي والذمي. وهو قول عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت، وبه قال عطاء وعكرمة والحسن وعمر بن عبد العزيز وإليه ذهب الثوري وابن شبرمة والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق. وقيل: يقتل بالذمي والحديث مخصوص بغيره وهو قول النخعي(4/669)
حَدِيثُ عَلِي حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والْعَمَلُ عَلى هَذَا عِنْدَ بَعضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وهُوَ قوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ ومَالِكٍ بنِ أَنسٍ والشّافِعيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ قالُوا: لاَ يُقتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ. وقالَ بَعْضُ أهْلِ الْعلْمِ: يُقْتَلُ المُسْلِمُ بالمُعَاهَدِ. والقَوْلُ الأوّلُ أصَحّ.
ـــــــ
والشعبي وإليه ذهب أصحاب أبي حنيفة لما روى عبد الرحمن بن البيلماني أن رجلاً من المسلمين قتل رجلاً من أهل الذمة فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم "فقال أنا أحق من أوفي بذمته" ثم أمر به فقتل. وأجيب عنه بأنه منقطع لا احتجاج به ثم إنه أخطأ إذ قيل أن القاتل كان عمرو بن أمية الضمري. وقد عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنتين ومتروك بالإجماع، لأنه روى أن الكافر كان رسولاً فيكون مستأمناً، والمستأمن لا يقتل به المسلم وفاقاً وإن صح فهو منسوخ لأنه روي عنه أنه كان قبل الفتح. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في خطبة خطبها على درج البيت: ولا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده. كذا في المرقاة. قوله: "وفي الباب عن عبد الله بن عمرو" أخرجه أحمد وابن ماجة والترمذي عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن لا يقتل مسلم بكافر. وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده" رواه أحمد وأبو داود كذا في المنتقى. والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وفي الباب أحاديث أخرى مذكورة في التلخيص والنيل. قوله: "حديث علي حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري والنسائي وأبو داود. قوله: "والقول الأول أصح" يدل عليه حديث الباب وهو صحيح صريح في أنه لا يقتل مسلم بكافر ولفظ الكافر صادق. على الذمي كما هو صادق على الحربي وكذا يدل على القول الأول أحاديث أخرى. وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن مسلماً قتل رجلاً من أهل الذمة فرفع إلى عثمان فلم يقتله وغلظ عليه الدية. قال ابن حزم: هذا في غاية الصحة فلا يصح عن أحد من الصحابة شيء غير هذا إلا ما رويناه عن عمر أنه كتب في مثل ذلك أن يقاربه ثم ألحقه كتاباً. فقال لا تقتلوه ولكن اعتقلوه. وأما القول الثاني أعني أن المسلم يقتل بالذمي، فليس دليل صريح يدل عليه. ومن جملة ما استدل به أهل القول الثاني من الحنفية وغيرهم(4/670)
1440 ـ حدثنا عِيَسى بنُ أَحْمَدَ. حدّثنا ابنُ وَهْبٍ عنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ عنْ عَمْرو بنِ شُعَيْبٍ عنْ أبِيهِ عنْ جَدّهِ أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ" وَبِهَذَا الإسْنَادِ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "دِيَةُ عَقْلِ الكَافِرِ نِصْفُ دية عَقْلِ المُؤْمِنِ".
ـــــــ
ما روى عبد الرحمن البيلماني. وقد عرفت أنه لا يصلح للاحتجاج، ومن جملته حديث: لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده. قالوا أن قوله ولا ذو عهد معطوف على قوله مسلم فيكون التقدير ولا ذو عهد في عهده بكافر كما في المعطوف عليه. والمراد بالكافر المذكور في المعطوف هو الحربي فقط، بدليل جعله مقابلاً للمعاهد لأن المعاهند يقتل بمن كان معاهداً مثله من الذميين إجماعهاً فيلزم أن يقيد الكافر في المعطوف عليه الحربي كما قيد في المعطوف، لأن الصفة بعد متعدد ترجع إلى الجميع اتفاقاً فيكون التقدير لا يقتل مسلم بكافر حربي ولا ذو عهد في عهده بكافر حربي، وهذا يدل بمفهومه على أن المسلم يقتل بالكافر الذمي. ويجاب بأن هذا مفهوم صفة والخلاف في العمل به مشهور بين أئمة الأصول. ومن جملة القائلين بعدم العمل به الحنفية فكيف يصح احتجاجهم به. على أنه إذا تعارض المنطوق والمفهوم يقدم المنطوق، وقد أجيب عن استدلالهم هذا بأجوبة أخرى ذكرها الحافظ في الفتح وكذا الشوكاني في النيل: وقد بسط الحافظ الكلام في الجواب عن متمسكاتهم الأخرى فعليك أن تراجع الفتح. قوله: "حدثنا ابن وهب" الظاهر أنه عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم المصري الفقيه ثقة حافظ. قوله: "قال لا يقتل مسلم بكافر" حربياً كان أو ذمياً وهو مذهب الجمهور وهو الأصح كما عرفت. قوله: "وبهذا الإسناد" أي الذي ذكره الترمذي بقوله حدثنا عيسى بن أحمد الخ. "دية عقل الكافر نصف عقل المؤمن" وفي رواية غير الترمذي عقل الكافر بحذف لفظ الدية وهو الظاهر فإن العقل هو الدية وفي لفظ قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين، وهم اليهود والنصاري. رواه أحمد والنسائي وابن ماجه. وفي رواية كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان مائة دينار وثمانية آلاف درهم ودية أهل الكتاب يؤمئذ النصف من دية المسلم. قال وكان ذلك(4/671)
حديثُ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ فِي هَذَا البَابِ حَدِيثٌ حسنٌ. واخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ فِي دِيَة اليَهُودِيّ والنّصْرَانِيّ فَذَهب بَعْضُ أهْلِ العِلْمِفي دية اليهودي والنصراني إلَى مَا رُوِيَ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ: دِيةُ اليَهُودِيّ والنّصْرَانيّ نِصْفُ دِيَةِ المُسْلِمِ. وبِهَذَا يَقُولُ أحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. ورُوِيَ عنْ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ أَنّهُ قالَ: دِيةُ اليَهُودِيّ والنّصْرَانِي أَرْبَعَةُ آلاَفٍ درهم وَدِيَةُ المَجُوسِيّ ثَمَانمَائةٍ درهم". وبِهَذَا يَقُولُ مَالِك بن أنس والشّافِعيّ وَإسْحَاقُ. وقالَ بعض أهْلُ الْعِلْمِ: دِيّةُ اليَهُودِيّ والنّصْرَانِيّ مِثْلُ دِيَةِ المُسْلِمِ. وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وأهْلِ الْكُوفَةِ.
ـــــــ
كذلك حتى استخلف عمر فقام خطيباً فقال إن الإبل قد غلت قال ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألفاً الحديث، وفيه ترك أهل الذمة لم يرفعها فيها فيما رفع من الدية. قوله: "حديث عبد الله بن عمرو في هذا الباب حديث حسن" وأخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن الجارود قوله: "وبهذا يقول أحمد بن حنبل" وحجته أحاديث الباب "وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف" أي من الدراهم "ودية المجوسي ثمان مائة" أي من الدراهم. أخرج أثر عمر رضي الله عنه وهذا الشافعي والدارقطني عن سعيد بن المسيب قال كان عمر يجعل دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف والمجوسي ثمان مائة كذا في المنتقى، قال في النيل: وأثر عمر أخرجه أيضاً البيهقي، وأخرج ابن حزم في الإيصال من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دية المجوسي ثمان مائة درهم. وأخرجه أيضاً الطحاوي وابن عدي والبيهقي وإسناده ضعيف من أجل ابن لهيعة. وروى البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه وعلي رضي الله عنه أنهما كانا يقولان في دية المجوسي ثمانمائة درهم، وفي إسناده ابن لهيعة. وأخرج البيهقي أيضاً عن عقبة بن عامر نحوه وفيه أيضاً ابن لهيعة وروى نحو ذلك ابن عدي والبيهقي والطحاوي عن عثمان وفيه ابن لهيعة "وبهذا يقول مالك والشافعي وإسحاق" واستدلوا بأثر عمر المذكور وبما ذكرنا "وقال بعض أهل العلم دية اليهودي والنصراني مثل دية المسلم وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة" وهو قول الحنفية، واستدلوا بعموم قوله تعالى {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} قالوا إطلاق الدية يفيد أنها الدية المعهودة وهي دية المسلم. ويجاب عنه أولاً بمنع كون المعهود ههنا هو دية المسلم لم لا يجوز أن يكون المراد بالدية المتعارفة بين المسلمين لأهل الذمة المعاهدين، وثانياً بأن هذا الإطلاق مقيد بحديث الباب، وقد استدلوا بأحاديث كلها ضعيفة لا تصلح للاحتجاج ذكرها الشوكاني في النيل وبين عللها ثم قال: ومع هذه العلل فهذه الأحاديث معارضة بحديث الباب وهو أرجح منها من جهة صحته وكونه قولاً وهذه فعلاً والقول أرجح من الفعل انتهى .(4/672)
باب ماجاء في الرجل يقتل عبده
...
17 ـ باب ما جَاءَ فِي الرّجُلِ يَقْتُلُ عَبْدَه
1441 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدثنا أبُو عَوَانَةَ، عنْ قَتَادَةَ، عنْ الحَسَنِ، عنْ سَمُرَةَ قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ ومَنْ جَدَعَ عَبْدَهُ جَدَعْنَاهُ". هذا حديثٌ حسنٌ غرِيبٌ. وقَدْ ذَهَبَ بعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِنَ التّابِعِينَ مِنْهُمْ إبْرَاهِيمُ النّخَعِيّ إلَى هَذَا:
ـــــــ
باب ما جَاءَ فِي الرّجُلِ يَقْتُلُ عَبْدَه
قوله: "من قتل عبده قتلناه" فيه دليل لمن قال إن من قتل عبده يقتل "ومن جدع عبده جدعناه" أي من قطع أطراف عبده قطعنا أطرافه قال في شرح السنة: ذهب عامة أهل العلم إلى أن طرف الحر لا يقطع بطرف العبد فثبت بهذا الانفاق أن الحديث محمول على الزجر والردع أو هو منسوخ كذا في المرقاة. قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو داود وابن ماجة والدارمي وفي رواية لأبي داود والنسائي: ومن خصى عبده خصيناه. اعلم أنه قد وقع في نسخ الترمذي الحاضرة عندنا حسن غريب. وكذا وقع في المنتقى، قال الشوكاني في النيل: قال الحافظ في بلوغ المرام إن الترمذي صححه، والصواب ما قاله المصنف يعني صاحب المنتقى فإنا لم تجد في نسخ من الترمذي إلا لفظ حسن غريب كما قاله المصنف. قوله: "وقد ذهب بعض أهل العلم من التابعين منهم إبراهيم النخعي إلى هذا" . قال في النيل حكى صاحب البحر الإجماع على أنه لا يقتل السيد بعبده(4/673)
وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِنْهُمْ الحَسَنُ البَصْرِيّ وَعَطَاءُ بنُ أبي رَبَاحٍ: لَيْسَ بَيْنَ الحُرّ وَالعَبْدِ قِصَاصٌ فِي النّفْسِ وَلاَ فِي مَا دُونَ النّفْسِ. وهُو قَوْلُ أحْمَدَ وإسْحَاقَ. وقالَ بَعْضُهُمْ: إذَا قَتَلَ عَبْدَهُ لاَ يُقْتَلُ بِهِ وإذَا قَتَلَ عَبْدَ غَيْرِهِ قُتِلَ بهِ. وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ
ـــــــ
إلا عن النخعي قال صاحب المنتقي: قال البخاري قال علي بن المديني سماع الحسن عن سمرة صحيح وأخذ بحديثه من قتل عبده قتلناه وأكثر أهل العلم على أنه لا يقتل السيد بعبده. وتأولوا الخبر على أنه أراد من كان عبده لئلا يتوهم تقدم الملك مانعاً "وقال بعض أهل العلم منهم الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح: ليس بين الحر والعبد قصاص في النفس ولا فيما دون النفس وهو قول أحمد وإسحاق" قال الشوكاني في النيل بعد ذكر كلام الترمذي هذا: وحكاه صاحب الكشاف عن عمر بن عبد العزيز والحسن وعطاء وعكرمة ومالك والشافعي انتهى .(4/674)
باب ماجاء في المرأة ترث من دية زوجها
...
17 ـ باب مَا جَاءَ في المرْأَةِ هل تَرِثُ مِنْ دِيةِ زَوْجِهَا
1442 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ و أحمد بن منيع و أبُو عَمّارٍ وغَيْرُ وَاحِدٍ قالُوا: حدثنا سُفيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عنْ الزّهْرِيّ، عنْ سَعِيدِ بنِ المسَيّبِ أنّ عُمرَ كانَ يَقُولُ: الدّيَةُ عَلَى العَاقِلَةِ ولاَ تَرِثُ المرْأةُ مِنْ دِيةِ زَوْجِهَا شَيْئاً. حَتّى أَخْبَرَهُ الضّحّاكُ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في المرْأَةِ هل تَرِثُ مِنْ دِيةِ زَوْجِهَا
قوله: "الدية على العاقلة" قال الجزري في النهاية: قد تكرر في الحديث ذكر العقل والعقول والعاقلة. أما العقل فهو الدية وأصله أن القاتل كان إذا قتل قتيلا جمع الدية من الإبل فعقلها بفناء أولياء المقتول أي شدها في عقلها ليسلها إليهم ويقبضوها منه فسميت الدية عقلاً بالمصدر، يقال عقل البعير يعقله عقلاً وجمعها عقول، وكان أصل الدية الإبل ثم قومت بعد ذلك بالذهب والفضة والبقر والغنم وغيرها. والعاقلة هي العصبة والأقارب من قبل الأب الذين يعطون دية قتيل الخطأ، وهي صفة جماعة عاقلة وأصلها اسم فاعلة من العقل وهي من الصفات الغالبة انتهى. "حتى أخبره" أي عمر رضي الله عنه "الضحاك" بتشديد الحاء(4/674)
بنُ سُفيَانَ الكلابي أنّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلَيْهِ أَنْ "وَرّثْ امْرَأَةَ أشْيمَ الضبَابِيّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
ـــــــ
المهملة "ابن سفيان الكلابي" بكسر الكاف صحابي معروف كان من عمال النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقات قال صاحب المشكاة: يقال إنه كان بشجاعته يعد بمائة فارس وكان يقوم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف "أن" مصدرية أو تفسيرية فإن الكتابة فيها معنى القول "ورث" أمر من التوريث أي إعطاء الميراث "امرأة أشيم" بفتح الهمزة فسكون شين معجمة بعدها تحتية مفتوحة وكان قتل خطأ فإن الحديث رواه مالك من رواية ابن شهاب عن عمر وزاد قال ابن شهاب وكان قتلهم أشيم خطأ "الضبابي" بكسر الضاد المعجمة وتخفيف الموحدة الأولى منسوب إلى ضباب قلعة بالكوفة، وهو صحابي ذكره ابن عبد البر وغيره في الصحابة "من دية زوجها" زاد في رواية أبي داود، فرجع عمر أي عن قوله لا ترث المرأة من دية زوجها. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي. قوله: "والعمل على هذا عند أهل العلم" قال في شرح السنة: فيه دليل على أن الدية تجب للمقتول، أولاً ثم تنتقل منه إلى ورثته كسائر أملاكه. وهذا قول أكثر أهل العلم وروي عن علي كرم الله وجهه أنه كان لا يورث الإخوة من الأم، ولا الزوج، ولا المرأة من الدية شيئاً. كذا في المرقاة. وقال الخطابي: وإنما كان عمر يذهب في قوله الأول إلى ظاهر القياس، وذلك أن المقتول لا تجب ديته إلا بعد موته. وإذا مات بطل ملكه فلما بلغته السنة ترك الرأي وصار إلى السنة انتهى. قلت ما ذهب إليه أكثر أهل العلم هو الحق يدل عليه حديث الباب. وفي الباب حديثان آخران ذكرهما صاحب المنتقى في كتاب الفرائض(4/675)
باب ماجاء في القصاص
...
18 ـ باب مَا جَاءَ فِي القِصَاص
1443 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ خَشْرَمٍ. أنبأنا عِيسَى بنُ يُونُسَ عنْ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ فِي القِصَاص
بكسر القاف مصدر من المقاصة وهي المماثلة أو فعال من قص الأثر أي تبعه(4/675)
شُعْبَةَ عن قَتَادَةَ قالَ: سَمِعْتُ زُرَارَةَ بنَ أَوْفَى يُحَدّثُ عنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ أَنّ رَجُلاً عَضّ يَدَ رَجُلٍ فَنَزَعَ يَدَهُ فَوَقَعَتْ ثَنيّتَاهُ فَاخْتَصَمَوا إلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ "يَعَضّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضّ الفَحْلُ لا دِيَةَ لَكَ" فَأَنْزَلَ الله {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} وفي البابِ عنْ يَعْلَى بنِ أُمَيّةَ وسَلَمةَ بنِ أُمَيّةَ وَهُمَا أَخَوَانِ. حدِيثُ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
والولي يتبع القاتل في فعله وفي المغرب: القصاص هو مقاصة ولي المقتول القاتل والمجروح الجارح وهي مساواته إياه في قتل أو جرح ثم عم في كل مساواة كذا في المرقاة قوله: "أن رجلاً عض يد رجل" العض أخذ الشيء بالسن، وفي الصراح العض كزيدن من سمع يسمع وضرب يضرب "فنزع" أي المعضوض "يده" أي من في العاض "فوقعت" أي سقطت "ثنيتاه" أي ثنيتا العاض والثنيتان السنان المتقدمتان والجمع الثنايا وهي الأسنان المتقدمة اثنتان فوق واثنتان تحت "فاختصموا" وفي بعض النسخ فاختصما "فقال يعض أحدكم" بتقدير همزة الاستفهام الإنكاري "كما يعض الفحل" بفتح الفاء وسكون الحاء أي الذكر من الإبل "لا دية لك" فيه دليل على أن الجنابة إذا وقعت على المجني عليه بسبب منه كالقصة المذكورة وما شابهها فلا قصاص ولا أرش فانزل الله تعالى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} أي يقتص فيها إذا أمكن كاليد والرجل والذكر ونحو ذلك وما لا يمكن فيه الحكومة. كذا في تفسير الجلالين وهذه الجملة أعني فأنزل الله تعالى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} لم أجدها في غير رواية الترمذي. قوله: "وفي الباب عن يعلى بن أمية" أخرجه الجماعة إلا الترمذي كذا في المنتقى "وسلمة بن أمية" أخرجه النسائي وابن ماجه "وهما أخوان" في التقريب سلمة بن أمية التميمي الكوفي أخو يعلى بن أمية صحابي له حديث واحد انتهى. قلت: وهو الذي أشار إليه الترمذي. قوله: "حديث عمران بن حصين حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة إلا أبا داود.(4/676)
باب ماجاء في الحبس والتهمة
...
20 ـ باب مَا جَاءَ في الْحَبسِ في التّهْمَة
1444 ـ حدثنا عَلِيّ بنُ سَعِيدٍ الكِنْدِيّ. حدثنا ابنُ المُبَارَكِ عنْ مَعْمَرٍ عنْ بَهْزِ بنِ حَكِيمٍ، عنْ أَبِيهِ عنْ جَدّهِ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم حَبَسَ رَجُلاً في تُهْمَةٍ ثُمّ خَلّى عَنْهُ. وفي البابِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ.
حَدِيثُ بَهْزٍ عنْ أَبِيهِ عنْ جَدّهِ حدِيثٌ حسنٌ. وَقَدْ رَوَى إسْمَاعِيلُ بنُ إبْرَاهِيمَ، عنْ بَهْزِ بنِ حَكِيمٍ هَذَا الحَدِيثَ أَتَمّ مِنْ هَذَا وأطْوَلَ.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في الْحَبسِ في التّهْمَة
قوله: "عن بهز بن حكيم" بن معاوية القشيري صدوق من السادسة "عن جده" هو معاوية بن حيدة القشيري. قوله: "حبس رجلاً في تهمة" أي في أداء شهادة بأن كذب فيها أو بأن ادعى عليه رجل ذنباً أو ديناً فحبسه صلى الله عليه وسلم ليعلم صدق الدعوى بالبينة ثم لما لم يقم البينة خلى عنه "ثم خلى عنه" أي تركه عن الحبس بأن أخرجه منه والمعنى خلى سبيله عنه وهذا يدل على أن الحبس من أحكام الشرع. كذا في المرقاة. وقال في اللمعات: فيه أن حبس المدعى عليه مشروع قبل أن تقام البينة انتهى. قوله: "وفي الباب عن أبي هريرة" لينظر من أخرجه "حديث بهز بن حكم عن أبيه عن جده حديث حسن" وأخرجه أبو داود والنسائي. قال المنذري: وجد بهز بن حكيم هو معاوية بن حيدة القشيري وله صحبة. وفي الاحتجاج بحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده اختلاف انتهى. قلت: سئل يحيى بن معين عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده فقال إسناد صحيح إذا كان من دون بهز ثقة قاله الحافظ في أسد الغابة. وقال في تهذيب التهذيب: وقال ابن حبان كان يخطئ كثيراً فأما أحمد وإسحاق فهما يحتجان به وتركه جماعة من أئمتنا. قوله: "وقد روى إسماعيل بن إبراهيم" هو ابن علية "عن بهز بن حكيم هذا الحديث أتم من هذا وأطول" رواه الإمام أحمد في مسنده عن إسماعيل بن علية أخبرنا بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن أباه أو عمه قام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "جيراني بم أخذوا". فأعرضعن الغي وتستخلي به. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما قال"؟ فقام أخوه، أو ابن أخيه، فقال: يا رسول الله إنه قال. فقال: "لقد قلتموها أو فائلكم ولئن كنت أفعل ذلك إنه لعلى وما هو عليكم، خلوا له عن جيرانه". وأخرجه من طريق عبد الرزاق حدثنا معمر عن بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده قال أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناساً من قومي في تهمة فحبسهم، فجاء رجل من قومي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال: يا محمد علام تحبس جيراني؟ فصمت النبي صلى الله عليه وسلم عنه. فقال إن ناساً ليقولون إنك تنهى عن الشر وتستخلي به. فقال النبي صلى الله عليه وسلم "ما يقول": قال فجعلت أعرض بينهما باللام مخافة أن يسمعها فيدعو على قومي دعوة لا يفلحون بعدها أبداً. فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم به حتى فهمها. فقال قد قالوها أو قائلها منهم، والله لو فعلت لكان علي وما كان عليهم خلواً له عن جيرانه انتهى . عنه ثم قال: "أخبرني ثم بم أخذوا". فاعرض عنه. فقال: لئن قلت ذاك إنهم ليزعمون أنك تنهي(4/677)
باب ماجاء من قتل دون ماله فهو شهيد
...
20 ـ باب ما جَاءَ فيمن قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيد
1445 ـ حدثنا سَلَمةُ بنُ شَبِيبٍ، وَحَاتِمُ بنُ سِيَاهٍ المَرْوَزِيّ وغَيْرُ وَاحِدٍ. قالُوا: حدثنا عَبْدُ الرّزّاقِ، عنْ مَعْمَرٍ، عنْ الزّهْرِيّ، عنْ طَلْحَةَ بنِ عَبْدِ الله بنِ عَوْفٍ، عنْ عَبْدِ الرْحمَنِ بنِ عَمْروِ بنِ سَهْلٍ، عنْ سَعِيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْروِ بنِ نُفَيْلٍ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ" . وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
1446 ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ. حدثنا أَبُو عَامِرِ العَقَدِيّ. حدثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ المُطّلبِ، عنْ عَبْدِ الله بنِ الحَسَنِ، عنْ إبرَاهِيمَ بنِ
ـــــــ
باب ما جَاءَ فيمن قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيد
قوله: "وحاتم بن سياه" بكسر السين المهملة بعدها تحتانية وآخرها هاء منونة مقبول من الحادية عشرة قاله الحافظ "عن عبد الرحمن بن عمرو بن سهل" الأنصاري المدني ثقة من الثالثة "عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل" العدوي أحد العشرة. قوله: "من قتل دون ماله" أي عند الدفع عن ماله "فهو شهيد" أي في حكم الاَخرة لا في حكم الدنيا. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" أخرجه(4/678)
مُحَمّدِ بنِ طَلْحَةَ، عنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ قُتلِ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ" وفي البابِ عنْ عَلِي وَسَعِيدِ بنِ زَيْدٍ، وأبِي هُرَيْرَةَ، وابنِ عُمَرَ وابنِ عَبّاسٍ وجَابِرٍ. حدِيثُ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ دحدِيثٌ حسنٌ. وقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ. وقَدْ رَخّصَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ لِلرّجُلِ أنْ يُقَاتِلَ عنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ. وقالَ ابنُ المُبَارَكِ يُقَاتِلُ عَنْ مَالِهِ ولَوْ دِرْهَمَيْنِ.
ـــــــ
أحمد والأربعة وابن حبان والحاكم. قوله: "حدثنا عبد العزيز بن المطلب" بن عبد الله بن حنطب المخزومي أبو طالب المدني صدوق من السابعة. قوله: "وفي الباب عن علي وسعيد بن زيد وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس وجابر" أما حديث علي فلينظر من أخرجه. وأما حديث سعيد بن زيد فأخرجه الترمذي في هذا الباب من طريقين. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم وأحمد عنه قال: جاء رجل فقال يا رسول الله أرأيت أن جاء رجل يريد أخذ مالي. قال: فلا تعطه مالك. قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله. قال: أرأيت إن قتلني. قال فأنت شهيد. قال: أرأيت إن قتلته قال هو في النار. وفي لفظ أحمد: يا رسول الله أرأيت إن عدى على مالي؟ قال: أنشد الله. قال: فإن أبوا علي قال: أنشد الله. قال: فإن أبوا علي. قال قاتل فإن قتلت ففي الجنة وإن قتلت ففي النار. وأما حديث ابن عمر رضي الله عنه فأخرجه البيهقي وقد أخرج أحمد والنسائي وأبو داود والبيهقي وابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه من رواية قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عنه بلفظ: ولا قصاص ولا دية. وفي رواية للبيهقي من حديث ابن عمر: ما كان عليك فيه شيء. كذا في النيل. وأما حديث ابن عباس وجابر فلينظر من أخرجه. قوله: "حديث عبد الله بن عمرو حديث حسن" وأخرجه البخاري ومسلم. اعلم أن الحافظ قد تعقب في صلاة الخوف من التلخيص من زعم أن حديث ابن عمرو بن العاص متفق عليه. وقال إنه من أفراد البخاري وفي هذا التعقب نظر. فإن الحديث في صحيح مسلم وفيه قصة وقد اعترف الحافظ في الفتح في كتاب المظالم والغصب بأن مسلماً أخرج هذا الحديث من طريق(4/679)
1447 ـ حدثنا هَارُونَ بنُ إسْحَاقَ الهَمْدَانِيّ قال حدثنا مَحَمّدُ بنُ عَبْدِ الوَهّابِ، عنْ الكوفي شيخ ثقة عن سُفْيَانَ الثّوْرِيّ، عنْ عَبْدِ الله بنِ الحَسَنِ عن عليّ بن أبي طالب حدّثني إبْرَاهِيمُ بنُ مُحمدِ بنِ طَلْحَةَ. قالَ سُفْيَانُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْراً قالَ:
ـــــــ
ابن عمرو وذكر القصة. قاله الشوكاني في النيل. قوله: "وقد رخص بعض أهل العلم الخ" وهو الحق لأحاديث الباب. "قال ابن المبارك يقاتل عن ماله ولو درهمين" أي ولو كان درهمين لإطلاق الأحاديث. قال الشوكاني: وأحاديث الباب فيها دليل على أنها تجوز مقاتلة من أراد أخذ مال إنسان من غير فرق بين القليل والكثير إذا كان الأخذ بغير حق، وهو مذهب الجمهور كما حكاه النووي، والحافظ في الفتح. وقال بعض العلماء: إن المقاتلة واجبة. وقال بعض المالكية: لا تجوز إذا طلب الشيء الخفيف. ولعل متمسك من قال بالوجوب ما في حديث أبي هريرة من الأمر بالمقاتلة، والنهي عن تسليم المال إلى من رام غصبه. وأما القائل بعدم الجواز في الشيء الخفيف فعموم أحاديث الباب ترد عليه، ولكنه ينبغي تقديم الأخف فالأخف فلا يعدل المدافع إلى القتل مع إمكان الدفع بدونه. ويدل على ذلك أمره صلى الله عليه وسلم بإنشاد الله قبل المقاتلة وكما تدل الأحاديث على جواز المقاتلة لمن أراد أخذ المال تدل على جواز المقاتلة لمن أراد إراقة الدم والفتنة في الدين والأهل. وحكى ابن المنذر عن الشافعي أنه قال: من أريد ماله أو نفسه أو حريمه فله المقاتلة، وليس عليه عقل ولا دية ولا كفارة. قال ابن المنذر والذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذكر إذا أريد ظلماً بغير تفصيل، إلا أن كل من يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان للاَثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره وترك القيام عليه انتهى. ويدل على عدم لزوم القود والدية في قتل من كان على الصفة المذكورة ما ذكرنا من حديث أبي هريرة. وحمل الأوزاعي أحاديث الباب على الحالة التي للناس فيها إمام. وأما حالة الفرقة والاختلاف فليستسلم المبغى على نفسه وماله ولا يقاتل أحداً. قال في الفتح ويرد عليه حديث أبي هريرة عند مسلم يعني الحديث الذي أشار إليه الترمذي وذكرنا لفظه. قوله: "قال سفيان" هو الثوري "وأثنى" أي عبد الله بن الحسن "عليه" أي على إبراهيم بن محمد بن طلحة قوله(4/680)
سَمِعْتُ عَبْد الله بنَ عَمْروٍ. يقول: قالَ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم مَنْ أُرِيدَ مَالُه بِغَيْرِ حَق فَقَاتَلَ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
1448 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ. حدّثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِي. حدّثنا سُفْيَانُ عنْ عَبْدِ الله بنِ الحَسَنِ عنْ إبرَاهِيمَ بنِ مُحَمّدِ بنِ طَلْحَةَ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم نحْوَهُ.
1449 ـ حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ قال: أخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدٍ. حدّثني أبي عنْ أبِيهِ، عنْ أبي عُبَيْدَةَ بنِ مُحَمّدِ بنِ عَمّارٍ بنِ يَاسِرٍ، عنْ طَلْحَةَ بنِ عَبْدِ الله بنِ عَوْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ زَيْدٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ. ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَينهِ فَهُوَ شَهِيدٌ. ومَنْ قُتِلَ دُونَ دمهِ فَهُوَ شَهِيدٌ". ومن قتل دون أهله فهو شيهد قال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ، عنْ إبْرَاهِيمَ بنِ
ـــــــ
"من أريد ماله" بالرفع أي الإنسان الذي أراد إنسان آخر أن يأخذ ماله. "بغير حق" أي ظلماً "فقاتل" أي ذلك الإنسان الذي هو مالك المال دون ماله "فقتل" بصيغة المجهول أي مالك المال "فهو" أي مالك المال المقتول "شهيد" أي في حكم الاَخرة قوله: "هذا حديث صحيح" تقدم تخريجه. قوله: "أخبرني يعقوب بن إبراهيم بن سعد" المدني نزيل بغداد ثقة فاضل من صغار التاسعة "حدثنا أبي" هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني نزيل بغداد ثقة حجة تكلم فيه بلا قادح من الثامنة "عن أبيه" هو سعد بن إبراهيم الزهري البغدادي ثقة ولي قضاء واسط وغيرها من التاسعة. قوله: "من قتل دون ماله" أي عند دفعه من يريد أخذ ماله ظلماً، "ومن قتل دون دمه" أي في الدفع عن نفسه "ومن قتل دون دينه" أي في نصرة دين الله والذب عنه "ومن قتل دون أهله" أي في الدفع عن بضع حليلته أو قريبته "فهو شهيد" لأن المؤمن محترم ذاتاً ودماً وأهلاً ومالاً فإذا أريد منه شيء من ذلك جاز له الدفع عنه فإذا قتل بسببه فهو شهيد قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي(4/681)
سَعْدٍ نحْوَ هَذَا، وَيَعْقُوبُ هُوَ ابنُ إبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدِ بنِ إبراهيم بن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ الزّهْرِيّ.(4/682)
باب ماجاء في القسامة
...
22 ـ باب مَا جَاءَ في القَسَامَة
1450 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدّثنا اللّيْثُ بن سعد، عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيد، عنْ بَشِيرِ بنِ يَسَارٍ، عنْ سَهْلِ بنِ أبي حَثمةَ قالَ يَحْيَى وحَسِبْتُ، عنْ رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ أَنّهُمَا قالاَ: خَرَجَ عَبْدُ الله بنُ سَهْلٍ بنِ زَيْدٍ ومُحَيّصَةُ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في القَسَامَة
بفتح القاف وتخفيف السين المهملة وهي مصدر أقسم والمراد بها الأيمان واشتقاق القسامة من القسم كالجماعة من الجمع، وقد حكى إمام الحرمين أن القسامة عند الفقهاء اسم للأيمان وعند أهل اللغة اسم للحالفين وقد صرح بذلك في القاموس. وقال في الضياء إنها الأيمان وقال في المحكم إنها في اللغة الجماعة ثم أطلقت على الأيمان قاله في النيل. وقال القاري في المرقاة: وسبب القسامة وجود القتل في المحلة أو ما يقوم مقامها، وركنها قولهم: بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلاً. وشرطها أن يكون المقسم رجلاً حراً عاقلاً. وقال مالك يدخل النساء في قسامة الخطأ دون العمد، وحكمها القضاء بوجوب الدية بعد الحلف سواء كانت الدعوى في القتل العمد أو الخطأ في شرح السنة صورة قتيل القسامة أن يوجد قتيل وادعى وليه على رجل أو على جماعة قتله وكان عليهم لوث ظاهر وهو ما يغلب على الظن صدق المدعي. كأن وجد في محلتهم وكان بين القتيل وبينهم عداوة انتهى ما في المرقاة قوله: "عن بشير" بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة مصغراً الحارثي المدني ثقة فقيه من الثالثة "قال قال يحيى وحسبت عن رافع بن خديج" كذا في نسخ الترمذي والظاهر أن يكون وعن رافع بن خديج بالواو قبل عن وكذلك وقع عند مسلم. قال الحافظ في الفتح وعند مسلم من رواية الليث عن يحيى عن بشير عن سهل قال يحيى: وحسبت أنه قال ورافع بن خديج أنهما قالا خرج عبد الله بن سهل الخ. وقال وفي الأدب من رواية حماد بن زيد عن يحيى عن بشير عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج أنهما حدثاه أن عبد الله بن سهل الخ "أنهما" أي سهلاً ورافعاً "ومحيصة" بضم الميم وفتح الحاء(4/682)
بنُ مَسْعُود بن زَيْد حَتّى إذَا كانَ بِخَيْبَرٍ تَفَرّقَا فِي بَعْضِ مَا هُنَاك ثمّ إنّ مُحَيّصَةَ وجَدَ عَبْدَ الله بنَ سَهْلٍ قَتِيلاً قَدْ قُتِلَ مؤمنة ثم أَقْبَلَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم هُوَ وحُوَيّصَةُ بنُ مَسْعُودٍ وعَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ سَهْلٍ وكَانَ أصْغَرَ القَوْمِ ذَهَبَ عَبْدُ الرّحمَنِ لِيَتَكَلّمَ قَبْلَ صَاحِبِيهِ. قالَ لَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : "كَبّرْ لْلِكُبْرِ" فَصَمَتَ وتَكَلّمَ صَاحِبَاهُ، ثُمّ تَكَلّمَ مَعَهُمَا فَذَكَرُوا لِرَسولِ الله صلى الله عليه وسلم مَقْتَلَ عَبْدِ الله بنِ سَهْلٍ فقَالَ لَهُمُ: "أتحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَميناً فَتَسْتَحِقّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ؟" قالُوا كَيْفَ ونَحْلِفُ ولَمْ نَشْهَدْ؟ قالَ: "فَتُبَرّئِكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِيناً؟" قالُوا وكَيْفَ نَقْبَلُ أَيمَانَ قَوْمٍ كُفّارٍ؟ فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أعْطَى عَقْلَهُ.
ـــــــ
المهملة وكسر التحتانية المشددة وفتح الصاد المهملة "أقبل" وفي بعض النسخ فأقبل "وحويصة" بضم الحاء المهملة وفتح الواو وتشديد الياء مصغراً، وقد روى التخفيف فيه وفي محيصة "قبل صاحبه" وفي بعض النسخ قبل صاحبيه وهو الظاهر "كبر الكبر" الأول أمر من التكبير والثاني بضم الكاف وسكون الموحدة أي قدم من هو أكبر منك وأسن بالكلام إرشاد إلى الأدب "مقتل عبد الله بن سهل" أي قتله "فقال لهم أتحلفون خمسين يميناً" وفي رواية عند مسلم يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته "صاحبكم أو قاتلكم" شك من الراوي "قال فتبرئكم يهود بخمسين يميناً" . وفي رواية للشيخين: فتبرئكم يهود في أيمان خمسين منهم. أي يحلف خمسون من اليهود فتبرئكم من أن تحلفوا "أعطى عقله" بفتح العين المهملة وسكون القاف أي ديته. زاد في بعض الروايات من عنده وفي رواية للبخاري: فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطل دمه فوداه مائة من إبل الصدقة. قال الحافظ في الفتح: زعم بعضهم أنه غلط من سعيد بن عبيد لتصريح يحيى بن سعيد بقوله من عنده وجمع بعضهم بين الروايتين باحتمال أن يكون اشتراها من إبل الصدقة بمال دفعه من عنده أو المراد بقوله من عنده أي بيت المال المرصد للمصالح، وأطلق عليه صدقة(4/683)
1451 ـ حدثنا الحَسَنُ بنُ عَلِي الخَلاّلُ. حدّثنا يزِيدُ بنُ هَارُونَ. أخبرنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ بُشَيْرِ بنِ يَسَارٍ، عنْ سَهْلِ بنِ أبي حَثمةَ وَ رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ نَحْوَ هَذَا الحَدِيثِ بِمَعْنَاهُ. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والْعَمَلُ عَلَى هَذَا الحديث عِنْدَ أَهْلِ العِلمِ في القَسَامَةِ. وقَدْ رَأى بَعْضُ فُقَهَاءِ المَدِينَةِ القَوَدَ بالقَسَامَةِ. وقَالَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أهْلِ الكُوفَةِ وغَيْرِهِمْ. إنّ القَسَامَةَ لاَ تُوجِبُ القَودَ وإنّما تُوجِبُ الدّيَةَ.
ـــــــ
باعتبار الانتفاع به مجاناً لما في ذلك من قطع المنازعة وإصلاح ذات البين. وقد حمل بعضهم على ظاهره فحكى القاضي عياض عن بعض العلماء جواز صرف الزكاة للمصالح العامة واستدل بهذا الحديث وغيره. قال الحافظ: وتقدم شيء من ذلك في كتاب الزكاة في الكلام على حديث أبي لاس قال حملنا النبي صلى الله عليه وسلم على إبل من إبل الصدقة في الحج. وعلى هذا فالمراد بالعندية كونها تحت أمره وحكمه انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة. قوله: "والعمل على هذا عند أهل العلم" قال القاضي عياض: هذا الحديث أصل من أصول الشرع، وقاعدة من قواعد الأحكام، وركن من أركان مصالح العباد، وبه أخذ كافة الأئمة والسلف من الصحابة والتابعين وعلماء الأمة وفقهاء الأمصار من الحجازيين والشاميين والكوفيين، وإن اختلفوا في صورة الأخذ به، وروى التوقف عن الأخذ به عن طائفة فلم يروا القسامة ولا أثبتوا بها في الشرع حكماً. وهذا مذهب الحكم بن عتيبة وأبي قلابة وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار وقتادة ومسلم بن خالد وإبراهيم بن علية وإليه ينحو البخاري. وروي عن عمر بن عبد العزيز باختلاف عنه قال الحافظ: وهذا ينافي ما صدر به كلامه أن كافة الأئمة أخذوا بها وقد تقدم النقل عمن لم يقل بمشروعيتها في أول الباب انتهى. "وقد رأى بعض فقهاء المدينة القود بالقسامة الخ" اختلف القائلون بالقسامة فيما إذا كان القتل عمداً هل يجب القصاص بها أم لا؟ فقال جماعة من العلماء: يجب. وهو قول مالك وأحمد وإسحاق وقول الشافعي في القديم. وقال الكوفيون والشافعي في أصح قوليه: لا يجب، بل تجب الدية. واختلفوا في من يحلف في القسامة فقال مالك والشافعي والجمهور: يحلف الورثة ويجب الحق بحلفهم. وقال أصحاب أبو حنيفة يستحلف خمسون من أهل المدينة، ويتحراهم الولي يحلفون بالله: ما قتلناه وما علمنا قاتله. فإذا حلفوا قضى عليهم وعلى أهل المحلة وعلى عاقلتهم بالدية. كذا في المرقاة نقلاً عن النووي .(4/684)
ابواب الحدود
باب ماجاء فيمن لا يجب عليه الحد
...
أبواب الحدود
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
1 ـ باب مَا جَاءَ فِيمَنْ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الحَد
1452 ـ حدثنا مُحَمّدُ بنُ يَحْيَى القُطَعِيّ البصري. حدّثنا بِشْرُ بنُ عُمَر. حدّثنا هَمّامٌ عنْ قَتَادَةَ، عنْ الحَسَنِ البصري عنْ عَلِي أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "رُفِعَ القَلَمُ عنْ ثَلاَثةٍ، عنْ النّائِمِ حتّى يَسْتَيقِظَ، وعنْ الصّبيّ حَتّى يَشِبّ، وعنْ المعْتوهِ حتّى يَعْقِلَ" وفي البابِ عنْ عَائِشَةَ.
ـــــــ
أبواب الحدود
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
باب مَا جَاءَ فِيمَنْ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الحَد
قوله: "عن الحسن" هو البصري "عن علي" هو ابن أبي طالب رضي الله عنه "رفع القلم" كناية عن عدم التكليف "عن ثلاثة" قال السبكي الذي وقع في جميع الروايات ثلاثة بالهاء وفي بعض كتب الفقهاء ثلاث بغير هاء. ولم أر له أصلاً قاله المناوي. "عن النائم" ولا يزال مرتفعاً "حتى يستيقظ" من نومه وكذلك يقدر فيما بعده "وعن الصبي حتى يشب" وفي رواية حتى يحتلم وفي رواية: حتى يكبر. وفي رواية: حتى يبلغ. قال السبكي: ليس في رواية: حتى يكبر. من البيان ولا في قوله: حتى يبلغ. ما في هذه الرواية يعني رواية: حتى يحتلم. فالتمسك بها لبيانها وصحة سندها أولى "وعن المعتوه" أي المجنون ونحوه "حتى يعقل" أي حتى يفيق من باب ضرب يضرب. قوله: "وفي الباب عن عائشة" أخرجه(4/685)
حدِيثَ عَلِي حديثٌ حسنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عنْ عَلِي عن النبي صلى الله عليه وسلم وذَكَرَ بَعْضُهُمْ، وعنْ الغُلاَمِ حَتّى يَحْتَلِمَ. ولاَ نَعْرِفُ للحَسَنِ سَمَاعاً من عَلِي ابن أبي بنِ طَالِبٍ رضي الله عنه .
ـــــــ
الدارمي وابن ماجه عن علي وعائشة رضي الله تعالى عنهما. قوله: "حديث علي حديث حسن غريب من هذا الوجه" أي من هذا الإسناد المذكور والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه أيضاً "وقد روي من غير وجه عن علي" أي روي هذا الحديث عن علي من أسانيد عديدة "وروى بعضهم وعن الغلام حتى يحتلم" أي مكان وعن الصبي حتى يشب "ولا نعرف للحسن سماعاً من علي بن أبي طالب" قال الحافظ في تهذيب التهذيب: سئل أبو زرعة هل سمع الحسن أحداً من البدريين؟ قال رآهم رؤية، رأى عثمان وعلياً. قيل: هل سمع منهما حديثاً؟ قال: لا، رأى علياً بالمدينة، وخرج علي إلى الكوفة والبصرة ولم يلقه الحسن بعد ذلك. وقال الحسن: رأيت الزبير يبايع علياً. وقال علي ابن المديني لم ير علياً إلا أن كان بالمدينة وهو غلام انتهى. فإن قلت قال النيموي اتصال الحسن بعلي ثابت بوجوه: فمنها ما ذكره البخاري في تاريخه الصغير في ترجمة سليمان بن سالم القرشي العطار سمع علي بن زيد عن الحسن رأى علياً والزبير التزماً، ورأى عثمان وعلياً التزماً. ومنها ما أخرجه المزي في تهذيب الكمال بإسناده عن يونس بن عبيد. قال: سألت الحسن قلت: يا أبا سعيد إنك تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنك لم تدركه. قال. يا ابن أخي لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، ولولا منزلتك مني ما أخبرتك، إني في زمان كما ترى. وكان في عمل الحجاج كل شيء. سمعتني أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر علياً. ومنها ما أخرجه أبو يعلى في مسنده حدثنا حوثرة بن أشرس، قال أخبرنا عقبة بن أبي الصهباء الباهلي، قال سمعت الحسن يقول سمعت علياً يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل أمتي مثل المطر الحديث. قال السيوطي في إتحاق الفرقة بوصل الخرقة قال محمد ابن الحسن الصيرفي شيخ شيوخنا هذا نص صريح في سماع الحسن من علي رضي الله عنه. ورجاله ثقات حوثرة وثقة ابن حبان وعقبة وثقة أحمد وابن معين. قلت: أما ما ذكره البخاري ففي سنده على بن زيد بن جدعان، وهو(4/686)
وقَدْ رَوى هَذَا الْحَدِيث، عنْ عَطَاءِ بنِ السّائِبِ، عنْ أبي ظَبْيَانَ، عنْ عَلِيّ بن أبي طالب، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هذَا الحديِثِ. وَرَوَاهُ الأعمَش، عنْ أبي ظَبْيَانَ، عنْ ابنِ عبّاسٍ، عنْ عَلِي مَوْقُوفاً ولَمْ يَرْفَعْهُ. والعَمَلُ عَلَى هذَا الحدِيثِ عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ. وأبُو ظَبْيَانَ اسْمُهُ حُصَيْنُ بنُ جُنْدُبٍ.
ـــــــ
ضعيف كما في التقريب. وأما قول يونس بن عبيد فلينظر كيف إسناده. وأما ما أخرجه أبو يعلي فالظاهر صحته. فإن كان خالياً عن علة خفية قادحة فلا شك أنه نص صريح في سماع الحسن من علي رضي الله عنه والله تعالى أعلم. "وقد روى هذا الحديث عن عطاء بن السائب عن أبي ظبيان عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا الحديث ورواه عن الأعمش" ليس في بعض النسخ لفظ عن وهو الصحيح "عن أبي ظبيان عن ابن عباس عن علي موقوفاً ولم يرفعه" قال البخاري في صحيحه: قال علي ألم تعلم أن القلم رفع عن ثلاث عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يدرك، وعن النائم حتى يستيقظ، قال الحافظ في الفتح وصله البغوي في الجعديات عن علي بن الجعد عن شعبة عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس أن عمر أتى بمجنونة قد زنت وهي حبلى فأراد أن يرجمها فقال له علي: أما بلغك أن القلم قد وضع عن ثلاثة؟ فذكره وتابعه ابن نمير ووكيع وغير واحد عن الأعمش ورواه جرير بن حازم عن الأعمش فصرح فيه بالرفع. أخرجه أبو داود وابن حبان من طريقه وأخرجه النسائي من وجهين آخرين عن أبي ظبيان مرفوعاً وموقوفاً. لكن لم يذكر فيهما ابن عباس جعله عن أبي ظبيان عن علي ورجح الموقوف على المرفوع انتهى. قوله: "والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم" قال الحافظ في الفتح: وأخذ بمقتضى هذا الحديث الجمهور لكن اختلفوا في إيقاع طلاق الصبي فعن ابن المسيب والحسن بلزمه إذا عقل وميز وحده وعند أحمد أن يطيق الصيام، ويحصى الصلاة وعند عطاء إذا بلغ اثنا عشر سنة، وعن مالك رواية إذا ناهز الاحتلام انتهى. قلت وحديث الباب ظاهر فيما ترجم له الترمذي. قوله: "وأبو ظبيان" بفتح المعجمة وسكون الموحدة "اسمه حصين بن جندب" ابن الحارث الجنبي بفتح الجيم وسكون النون ثم موحدة الكوفي ثقة من الثانية.(4/687)
باب ماجاء في درأ الحدود
...
2 ـ باب مَا جَاءَ في دَرْءِ الْحُدود
1453 ـ حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ الأسْوَدِ أَبُو عَمْروٍ البَصْرِيّ. حدّثنَا مُحمّدُ بنُ رَبِيعَةَ. حَدّثنَا يَزِيدُ بنُ زِيَادٍ الدّمشْقِيّ عنْ الزهْرِيّ عن عُرْوَةَ عنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ادْرَءوا الْحُدُودَ عَنِ المُسْلِمينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلوا سَبِيلَهُ فَإنّ الإمَامَ آن يُخْطِيء في الْعَفْوِ خَيْرُ مِنْ أَنْ يُخْطِيءَ في الْعُقُوبَةِ".
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في دَرْءِ الْحُدود
قوله: "ادرأوا الحدود" بفتح الراء أمر من الدرء أي ادفعوا إيقاع الحدود "ما استطعتم" أي مدة استطاعتكم وقدر طاقتكم "فإن كان له" أي للحد المدلول عليه الحدود "مخرج" اسم مكان أي عذر يدفعه "فخلوا سبيله" أي اتركوا إجراء الحد على صاحبه. ويجوز أن يكون ضمير له للمسلم المستفاد من المسلمين، ويؤيده ما ورد في رواية: فإن وجدتم للمسلم مخرجاً. فالمعنى اتركوه أو لا تتعرضوا له "فإن الإمام إن يخطئ" أي خطؤه "في العفو" مبتدأ خبره "خير من أن يخطئ في العقوبة" والجملة خبر إن ويؤيده ما في رواية: لأن يخطئ بفتح اللام وهي لام الابتداء. قال المظهر: يعني ادفعوا الحدود ما استطعتم قبل أن تصل إلي فإن الإمام إذا سلك سبيل الخطأ في العفو الذي صدر منه خير من أن يسلك سبيل الخطأ في الحدود. فإن الحدود إذا وصلت إليه وجب عليه الإنفاذ. قال الطيبي نزل معنى هذا الحديث على معنى حديث: تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب. وجعل الخطاب في الحديث لعامة المسلمين ويمكن أن ينزل على حديث أبي هريرة في قصة رجل، وبريدة في قصة ماعز، فيكون الخطاب للأئمة لقوله صلى الله عليه وسلم للرجل: "أبك جنون"؟ ثم قوله: "أحصنت"؟ ولماعز: "أبه جنون"؟ ثم قوله "أشرب"؟ لأن كل هذا تنبيه على أن للإمام أن يدرأ الحدود بالشبهات انتهى. قال القاري بعد نقل كلام الطيبي هذا ما لفظه: هذا التأويل متعين والتأويل الأول لا يلائمه. قوله فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن عامة المسلمين مأمورون بالستر مطلقاً، ولا يناسبه أيضاً لفظ: خير. كما لا يخفى.(4/688)
1454 ـ حدثنا هَنّادٌ. حدثنا وَكِيعٌ عنْ يَزِيدَ بنِ زِيَادٍ نَحْوَ حَدِيثٍ مُحَمّدِ بنِ رَبِيعَةَ وَلَمْ يَرْفَعْهُ وفي البابِ عنْ أَبي هُرَيْرَةَ وعَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ حَدِيثُ عَائِشَةَ لاَ نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إلاّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمّدِ بنِ رَبيعَةَ عنْ يَزِيدَ بنِ زِيَاد الدّمَشْقِيّ عن الزّهْرِيّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عَائِشَةَ عنِ النبي صلى الله عليه وسلم ورَوَاهُ وَكِيعٌ عنْ يَزِيدَ بنِ زِيَادٍ نَحْوَهُ ولَمْ يَرْفَعْهُ ورِوَايَةُ وَكِيعٍ أَصَحّ وَقَدْ رُوِيَ نَحْوَ هَذَا عن غَيْر وَاحِدٍ مِنْ أَصْحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّهُمْ قَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ وَيَزِيدُ بنِ زِيَادٍ الدّمَشْقِيّ ضَعِيفٌ في الْحَدِيثِ وَيَزِيدُ بنُ أبِي زِيَادٍ الْكُوفِيّ أثْبَتُ مِنْ هَذَا وَأَقْدَمُ.
ـــــــ
فالصواب أن الخطاب للأئمة، وأنه ينبغي لهم أن يدفعوا الحدود بكل عذر مما يمكن أن يدفع به كما وقع منه عليه الصلاة والسلام لماعز وغيره من تلقين الأعذار انتهى كلام القاري. قال الطيبي فيكون قوله فإن الإمام مظهراً أقيم مقام المضمر على سبيل الالتفات من الخطاب إلى الغيبة حثاً على إظهار الرأفة انتهى. قوله: "وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو" أما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجه بإسناد ضعيف ولفظه: ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعاً. وأما حديث عبد الله بن عمرو وهو بالواو، فأخرجه أبو داود والنسائي مرفوعاً ولفظه: تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب. قال الشوكاني: وفي الباب عن علي مرفوعاً: أدرأوا الحدود بالشبهات. وفيه المختار بن نافع قال البخاري: وهو منكر الحديث، قال وأصح ما فيه حديث سفيان الثوري عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال: أدرأوا الحدود بالشبهات، ادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم. وروى عن عقبة بن عامر ومعاذ أيضاً موقوفاً وروى منقطعاً وموقوفاً على عمر. ورواه ابن حزم في كتاب الاتصال عن عمر موقوفاً عليه. قال الحافظ: وإسناده صحيح. ورواه ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي عن عمر بلفظ: لأن أخطئ في الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أقيمها بالشبهات. في مسند أبي حنيفة للحارثي من طريق مقسم عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ: ادرأوا الحدود بالشبهات. وما في الباب وإن كان فيه المقال المعروف فقد شد من عضده ما ذكرناه فيصلح بعد ذلك للاحتجاج به على مشروعية درء الحدود بالشبهات المحتملة لا مطلق الشبهات انتهى. قوله: "حديث عائشة لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث محمد بن ربيعة الخ" وأخرجه الحاكم والبيهقي "وقد روى نحو هذا عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا مثل ذلك" وقد تقدم آثارهم باب ما جاء في الستر على المسلم .(4/689)
باب ماجاء في لستر على المسلم
...
3 ـ باب مَا جَاءَ في السّتْرِ عَلَى المسْلِم
1455 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدّثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ الأعْمَشِ عنْ أبي صَالِحِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ قَالَ رَسُولُ
الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَفّسَ عَنْ مؤمن كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدّنْيَا نَفّسَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الآخرة، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَهُ الله في الدّنْيَا والآخرة، والله
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في السّتْرِ عَلَى المسْلِم
قوله: "من نفس" من التنفيس أي فرج وأزال وكشف "عن مسلم" كربة بضم الكاف فعلة من الكرب وهي الخصلة التي يحزن بها وجمعها كرب بضم ففتح والنون فيها للإفراد والتحقير أي هما واحداً من همومها أي هم كان صغيراً كان أو كبيراً "من كرب الدنيا" أي بعض كربها أو كربة مبتداة من كربها "نفس الله" أي أزالها وفرجها "عنه" أي عن من نفس عن مسلم كربة "من كرب الآخرة" أي يوم القيامة وتنفيس الكرب إحسان لهم وقد قال تعالى {هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ} وليس هذا منافياً لقوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} لما ورد من أنها تجازي بمثلها وضعفها إلى عشرة إلى مائة إلى سبعمائة إلى غير حساب على أن كربة من كرب يوم القيامة تساوي عشراً أو أكثر من كرب الدنيا. ويدل عليه تنوين التعظيم وتخصيص يوم القيامة دون يوم آخر والحاصل أن المضاعفة إما في الكمية أو في الكيفية "من ستر على مسلم" وفي حديث ابن عمر: من ستر مسلماً أي بدنه أو عيبه بعدم الغيبة له والذب عن معائبه. وهذا بالنسبة إلى من ليس معروفاً بالفساد وإلا فيستحب أن ترفع قصته إلى الوالي فإذا رأى في معصية فينكرها بحسب القدرة، وإن عجز يرفعها إلى الحاكم إذا لم يترتب عليه مفسدة. كذا في شرح مسلم للنووي(4/690)
في عَوْنِ الْعَبْدِ ما كَانَ العَبْدُ في عَوْنِ أخِيهِ". وفي البابِ عنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ و ابنِ عُمَرَ. حَدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ هَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عنْ الأعْمَشِ عنْ أبي صَالِحٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ رِوَايَةِ أبي عَوَانَةَ ورَوَى أسْبَاطُ بنُ مُحَمّدٍ عنْ الأعْمَشِ قَالَ حُدّثْتُ عَنْ أبي صَالِحٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ .
1456 ـ حدثنا بِذَلِكَ عُبَيْدُ بنُ أسْبَاطِ بنِ مُحَمّدٍ قَالَ حدثني أبي عنْ الأعْمَشِ بِهَذَا الْحَدِيثِ.
1457 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حَدّثنَا الليْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنْ الزّهْرِيّ
ـــــــ
"ستره الله في الدنيا والآخرة" أي لم يفضحه بإظهار عيوبه وذنوبه "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" وفي حديث ابن عمر المتفق عليه. ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته. أي من كان ساعياً في قضاء حاجته، وفيه تنبيه نبيه على فضيلة عون الأخ على أموره، وإشارة إلى أن المكافأة عليها بجنسها من العناية الإلهية سواء كان بقلبه أو بدنه أو بهما لدفع المضار أو جلب المنافع إذ الكل عون. قوله: "وفي الباب عن عقبة بن عامر وابن عمر" أما حديث عقبة بن عامر فأخرجه عنه مرفوعاً أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد لفظه: من ستر عورة أخيه فكأنما استحي موؤدة في قبرها. قال المنذري في الترغيب: رجال أسانيدهم ثقات، ولكن اختلف فيه على إبراهيم بن نشيط اختلافاً كثيراً ذكرت بعضه في مختصر السنن انتهى. وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان وأخرجه الترمذي أيضاً في هذا الباب. وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها المنذري في الترغيب. قوله: "حديث أبي هريرة هكذا روى غير واحد عن الأعمش عن أبي صالح الخ" أي بالاتصال بين الأعمش وأبي صالح "وروى أسباط بن محمد قال حدثت" بصيغة المجهول "عن أبي صالح" . ففي رواية أسباط انقطاع بين الأعمش وأبي صالح، فإن الأعمش لم يذكر من حدثه عن أبي صالح. قال المنذري بعد ذكر حديث أبي هريرة هذا: رواه مسلم وأبو داود الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه انتهى. قلت: ليس في النسخ الحاضرة عندي(4/691)
عنْ سَالِمٍ عنْ أبِيهِ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولاَ يُسْلِمُهُ ومَنْ كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كانَ الله في حَاجَتِهِ ومَنْ فَرّجَ عنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرّجَ الله عنه كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ ومَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ الله يَوْمَ القِيَامَةِ". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غَريبٌ من حديث ابن عمر.
ـــــــ
تحسين الترمذي لهذا الحديث. قوله: "عن سالم عن أبيه" أي عبد الله بن عمر رضي الله عنه "المسلم أخو المسلم" قال الله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} ولا يسلمه بضم أوله وكسر اللام أي لا يخذله بل ينصره. قال في النهاية: أسلم فلان فلاناً إذا ألقاه في التهلكة، ولم يحمه من عدوه وهو عام في كل من أسلمته إلى شيء لكن دخله التخصيص وغلب عليه الإلقاء في الهلكة. وقال بعضهم: الهمزة فيه للسلب أي لا يزيل سلمه وهو بكسر السين وفتحها الصلح. قوله: "من كان في حاجة أخيه" أي في قضائها "ومن فرج" من التفريج أي أزال وكشف. قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر" هذا الحديث متفق عليه كما في المشكاة لكن لم يعزه المنذري في الترغيب إلى الشيخين بل عزاه إلى أبي داود والترمذي.(4/692)
باب ماجاء في التلقين في الحد
...
4 ـ باب مَا جَاء في التّلْقِينِ في الحَد
1458 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ عنْ سَعِيدٍ بنِ جُبَيْرٍ عنْ ابنِ عَبّاسٍ أنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لمَاعِزِ بنِ مَالِكٍ: "أَحَق مَا بَلَغَنِي عَنْكَ؟ قَالَ مَا بَلَغَكَ عَنِي؟ قَالَ بَلَغَنِي أنّكَ وَقَعْتَ عَلى جَارِيَةِ آلِ فُلاَن. قَالَ: نَعَمْ. فَشَهِدَ أرْبَعَ شَهَادَاتٍ
ـــــــ
باب مَا جَاء في التّلْقِينِ في الحَد
قوله: "قال لماعز" بكسر العين المهملة وبالزاي "أحق" بهمزة الاستفهام وهو خبر مقدم لقوله ما بلغني عنك "ما بلغك" أي أي شيء بلغك "وقعت على جارية آل فلان" أي جامعتها "فشهد أربع شهادات" أي أقر على نفسه، كأنه(4/692)
فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ" وفي البابِ عنْ السّائِبِ بنِ يَزِيدَ. حَدِيثُ ابنِ عَبّاسِ حَدِيثٌ حسنٌ. ورَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ عنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ عنْ سَعِيدٍ بنِ جُبَيْرٍ مُرْسَلاً ولَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عنْ ابنِ عَبّاسٍ.
ـــــــ
شهد عليها بإقراره بما يوجب الحد والحديث دليل على جواز التلقين في الحد. قال الإمام البخاري في صحيحه باب هل يقول الإمام للمقر لعلك لمست أو غمزت. وذكر فيه حديث ابن عباس في قصته وفيه: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت قال لا يا رسول الله الحديث. قال الحافظ هذه الترجمة معقودة لجواز تلقين الإمام المقر بالحد ما يدفعه عنه وقد خصه بعضهم بمن يظن به أنه أخطأ أو جهل انتهى. قوله: "وفي الباب عن السائب بن يزيد" لينظر من أخرجه "حديث ابن عباس حديث حسن" وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود .(4/693)
باب ماجاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع
...
5 ـ باب مَا جَاءَ فِي درء الْحَدّ عن الْمعتَرِفِ إذَا رَجَع
1459 ـ حدثنا أَبُو كُرَيبٍ. حدّثنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، عنْ مُحَمّدِ بنِ عَمْروٍ. حدّثنا أبُو سَلَمةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: "جَاءَ مَاعِزٌ الأسْلَمِيّ إلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم" فَقَالَ إنّهُ قَدْ زَنَى فأَعْرَضَ عَنْهُ ثمّ جَاءَ مِنَ شّقّ الاَخَرِ. فقَالَ يا رسول الله إِنّهُ قَدْ زَنَى فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثمّ جَاءَ مِنَ شقّ الآخر فقَالَ يَا رَسولَ الله إنّهُ قَدْ زَنَى فَأَمَرَ بِهِ في الرّابِعَةِ فأُخْرِجَ إلَى الحَرّةِ فَرُجِمَ بِالحِجَارَةِ فَلَمّا وَجَدَ مَسّ الحِجَارَةِ فَرّ يَشْتَدّ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ فِي درء الْحَدّ عن الْمعتَرِفِ إذَا رَجَع
قوله: "فقال إنه قد زنى" هذا نقل بالمعنى كما لا يخفى إذ لفظه: إني قد زنيت. والمراد أن ما عزا قد زني. قاله القاري. قلت: هذا هو الظاهر كما لا يخفي "ثم جاء من الشق الآخر" أي بعد غيبته عن المجلس. قاله القاري. قلت: ليس في هذا الحديث ما يدل على ذلك إلا أن عليه دليل آخر فلينظر "فأمر به" أي برجمه "في الرابعة" أي في المرة الرابعة من مجالس الاعتراف "فأخرج" بصيغة المجهول أي أمر بإخراجه "إلى الحرة" وهي بقعة ذات حجارة سود خارج المدينة "فلما وجد مس الحجارة" أي ألم إصابتها "فر" أي هرب "يشتد" بتشديد الدال أي(4/693)
حَتّى مَرّ بِرَجُلٍ مَعَهُ لَحْيُ جَمَلٍ فَضَرَبَهُ بِهِ وضَرَبهُ النّاسُ حَتّى مَاتَ. فذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنّهُ فَرّ حِينَ وجدَ مَسّ الحِجَارَةِ ومَسّ المَوْتِ فقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هَلا تَرَكْتُمُوهُ". هذا حديثٌ حسنٌ. قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْه عنْ أبي هُرَيْرَةَ. ورُوِيَ هَذَا الحدِيثُ، عن الزهري عنْ أبي سَلَمَةَ عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا.
ـــــــ
يسعى وهو حال "حتى مر برجل معه لحي جمل" بفتح اللام وسكون الحاء المهملة أي عظم ذقنه وهو الذي ينبت عليه الأسنان "فضربه" أي الرجل "به" أي باللحي "وضربه الناس" أي آخرون بأشياء أخر "ومس الموت" عطف على مس الحجارة على سبيل البيان قال الطيبي: قوله ذلك إذا جعل إشارة إلى المذكور السابق من فراره من مس الحجارة كأن قوله إنه فر حين وجد مس الحجارة تكراراً لأنه بيان ذلك، فيجب أن يكون ذلك مبهماً. وقد فسر بما بعده كقوله تعالى {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} ولعله كرر لزيادة البيان انتهى. "هلا تركتموه" وفي رواية هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه. قال القاري أي عسى أن يرجع عن فعله فيرجع الله عليه بقبول توبته. قال ابن الملك: فيه أن المقر على نفسه بالزنا لو قال ما زنيت أو كذبت أو رجعت سقط عنه الحد فلو رجع في أثناء إقامته عليه سقط الباقي. وقال جمع: لا يسقط إذ لو سقط لصار ماعز مقتولاً خطأ فتجب الدية على عواقل القاتلين. قلنا: إنه لم يرجع صريحاً لأنه هرب، وبالهرب لا يسقط الحد. وتأويل قوله: هلا تركتموه أي لينظر في أمره أهرب من ألم الحجارة أو رجع عن إقراره بالزنا؟ قال الطيبي: قإن قلت إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم واخذهم بقتله حيث فر فهل يلزمهم قود إذا قلت لا لأنه صلى الله عليه وسلم واخذهم بشبهة عرضت تصلح أن يدفح بها الحد، وقد عرضت لهم شبهة أيضاً وهي إمضاء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا جناح عليهم انتهى. وفي شرح السنة: فيه دليل على أن من أقر على نفسه بالزنا إذا رجع في خلال إقامة الحد فقال كذبت أو ما زنيت أو رجعت سقط ما بقي من الحد عنه، وكذلك السارق وشارب الخمر انتهى. قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه ابن ماجه "وروي هذا الحديث عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله الخ" أخرجه الترمذي عقيب قوله(4/694)
1460 ـ حدثنا بِذَلِكَ الْحَسَنُ بنُ عَلِي. حدثنا عَبْدُ الرّزّاقِ. أنبأنا مَعْمَرٌ، عنْ الزّهْرِيّ، عنْ أبي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرحمَنِ، عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله: "أنّ رَجُلاً مِنْ أسْلَمَ جَاءَ النبي صلى الله عليه وسلم فَاعْتَرَفَ بِالزّنَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثمّ اعْتَرَفَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتّى شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أرْبَعَ شَهَادَاتٍ. فقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أبكَ جُنُونٌ؟ قالَ: لاَ. قالَ أحْصَنْتَ؟ قالَ: نَعَم فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ بالمُصَلّى. فَلَمّا أذْلَقَتْهُ الحِجَارَةُ فَرّ فَأُدْرِكَ فَرُجِمَ حَتّى مَاتَ. فقَالَ لَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم" خيراً وَلَم يُصَلّ عَلَيْهِ. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ
ـــــــ
هذا بقوله حدثنا بذلك الحسن ابن علي الخلال الخ. قوله: "حتى شهد على نفسه أربع شهادات" أي أقر على نفسه كأنه شهد عليها بإقراره بما يوجب الحد أربع مرات "قال أبك جنون" ؟ قال النووي: إنما قال أبك جنون لتحقق حاله فإن الغالب أن الإنسان لا يصر على إقرار ما يقتضي هلاكه مع أن له طريقاً في سقوط الإثم بالتوبة وهذا مبالغة في تحقيق حال المسلم وصيانة دمه، وإشارة إلى أن إقرار المجنون باطل، وأن الحدود لا تجري عليه "قال أحصنت" بتقدير همزة الاستفهام أي هل تزوجت "فلما أذلفته الحجارة" أي أصابته بحدها فعقرته من ذلق الشيء طرفة "فر" أي هرب "فأدرك" بصيغة المجهول أي أدركه الناس من الإدراك بمعنى اللحوق "فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً" أي أثنى عليه "ولم يصل عليه" وفي رواية البخاري من طريق محمود بن غيلان عن عبد الرزاق: وصلى عليه. قال الحافظ في الفتح. قال المنذري في حاشية السنن: رواه ثمانية أنفس عن عبد الرزاق فلم يذكروا قوله: وصلى عليه. وذكر الحافظ روايات هؤلاء الأنفس وغيرهم ثم قال: فهؤلاء أكثر من عشرة أنفس منهم من سكت عن الزيادة ومنهم من صرح بنفيها انتهى. قال الإمام البخاري في صحيحه بعد رواية هذا الحديث: ولم يقل يونس وابن جريج عن الزهري: فصلى عليه. سثل أبو عبد الله: صلى عليه يصح؟ قال: رواه معمر. فقيل له: رواه غير معمر؟ قال لا. انتهى. قال الحافظ: وقد اعترض عليه في جزمه بأن معمراً روى هذه الزيادة مع أن المنفرد بها إنما هو محمود بن غيلان عن عبد الرزاق(4/695)
عَنْدَ بَعْضِ أهْلِ الْعِلْمِ. أنّ الْمُعَتَرِفَ بِالزّنَا إذَا أقَرّ عَلَى نَفْسِهِ أرْبَعَ مَرّاتٍ أُقِيمَ عَلَيْهِ الحَدّ. وهُوَ قَوْلُ أحمدَ وإسحاق وقال بعض أهل العلم إذا أقر على نفسه مرّة أقيم عليه الحدّ. وهو قول مَالِكِ بنِ أنَسٍ وَالشّافِعَيّ.
ـــــــ
وقد خالفه العدد الكثير من الحفاظ فصرحوا بأنه لم يصل عليه لكن ظهر لي أن البخاري قويت عنده رواية محمود بالشواهد. فقد أخرج عبد الرزاق أيضاً وهو في السنن لأبي قرة من وجه آخر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في قصة ماعز قال: فقيل يا رسول الله أتصلي عليه؟ قال "لا". قال فلما كان من الغد قال صلوا على صاحبكم، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس. فهذا الخير يجمع الاختلاف فتحمل رواية النفي على أنه لم يصل عليه حين رجم. ورواية الإثبات على أنه صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني. قال الحافظ ويتأيد بما أخرجه مسلم من حديث عمران بن حصين في قصة الجهنية التي زنت ورجعت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليها فقال له عمر: أتصلي عليها وقد زنت؟ فقال "لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين لوسعتهم" انتهى. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري. قوله: "وهو قول أحمد وإسحاق" وهو قول أبي حنيفة وحجتهم أحاديث الباب قال في شرح السنة يحتج بهذا الحديث يعني بحديث أبي هريرة المذكور في هذا الباب من اشتراط التكرار في الإقرار بالزنا حتى يقام عليه الحد. ويحتج أبو حنيفة بمجيئه من الجوانب الأربعة على أنه يشترط أن يقر أربع مرات في أربعة مجالس، ومن لم يشترط التكرار قال إنما ردة مرة بعد أخرى لشبهة داخلته في أمره. ولذلك دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال "أبك جنون"؟ قال: لا. وفي رواية: فقال "أشربت خمراً"؟ فقام رجل فاستنكهه فلا يجد منه ريح الخمر فقال "أزنيت": قال: نعم. فأمر به فرجم فرد مرة بعد أخرى للكشف عن حاله، لا أن التكرار فيه شرط انتهى. "وقال بعض أهل العلم: إذا أقر على نفسه مرة أقيم عليه الحد، وهو قول مالك بن أنس والشافعي" واختاره الشوكاني في النيل وأجاب عن جميع ما استدل به الأولون وقال في آخر كلامه: وإذا قد تقرر لك عدم اشتراط الأربع عرفت عدم اشتراط ما ذهبت إليه الحنفية من أن الأربع لا تكفي أن تكون في مجلس واحد، بل لا بد أن تكون في أربعة مجالس لأن تعدد الأمكنة فرع تعدد الإقرار(4/696)
وحُجّةُ من قالَ هَذَا القَوْلَ حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بنِ خَالِدٍ أنّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ أحَدُهُمَا يَا رسولَ الله إنّ ابْنِي زَنَا بامْرَأَةِ هَذَا الْحَدِيث بِطُولِهِ. وقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "اغْدُ يا أُنَيْسُ علَى امْرَأَةِ هَذَا فإنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا" ولَمْ يَقُلْ فإنْ اعْتَرَفَتْ أرْبَعَ مَرّاتٍ.
ـــــــ
الواقع فيها. وإذا لم يشترط الأصل تبعه الفرع في ذلك وأيضاً لو فرضنا اشتراط كون الإقرار أربعاً لم يستلزم كون مواضعة متعددة: أما عقلاً فظاهر لأن الإقرار أربع مرات أو أكثر منها في موضع واحد من غير انتقال مما لا يخالف في إمكانه عاقل وأما شرعاً فليس في الشرع ما يدل على أن الإقرار الواقع بين يديه صلى الله عليه وسلم وقع من رجل في أربعة مواضع فضلاً عن وجود ما يدل على أن ذلك شرط، ثم أجاب الشوكاني عن الروايات التي استدل بها الحنفية على اشتراط تعدد مواضع الإقرار، فإن شئت الوقوف على ذلك فارجع إلى النيل "وحجة من قال هذا القول حديث أبي هريرة وزيد بن خالد: أن رجلين اختصما الخ" سيأتي هذا الحديث بطوله في باب الرجم على الثيب. وأجاب الأولون عن هذا الحديث بأنه مطلق قيدته الأحاديث التي فيها أنه وقع الإقرار أربع مرات وقد رد الشوكاني هذا الجواب في النيل فقال: الإطلاق والتقييد من عوارض الألفاظ وجميع الأحاديث التي ذكر فيها تربيع الإقرار أفعال ولا ظاهر لها. وغاية ما فيها جواز تأخير إقامة الحد بعد وقوع الإقرار مرة إلى أن ينتهي إلى أربع. ثم لا يجوز التأخير بعد ذلك. وظاهر السياقات مشعر بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك في قصة ماعز لقصد التثبت كما يشعر بذلك قوله له أبك جنون؟ ثم سؤاله بعد ذلك لقومه. فتحمل الأحاديث التي فيها التراخي عن إقامة الحد بعد صدور الاقرار مرة على من كان أمره ملتبساً في ثبوت العقل واختلاله والصحو والسكر ونحو ذلك. وأحاديث إقامة الحد بعد الإقرار مرة واحدة على من كان معروفاً بصحة العقل وسلامة إقراره عن المبطلات انتهى.(4/697)
باب ماجاء في كراهية أن يشفع في الحدود
...
6 ـ باب ما جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يَشْفع فِي الحُدُود
1461 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدّثنا اللّيْثُ، عن ابنِ شِهَابٍ، عنْ عُرْوَةَ، عنْ عَائِشَةَ أنّ قُرَيْشاً أَهَمّهُمْ شَأْنُ المرْأَةِ الْمخزُومِيّةِ التِي سَرَقَتْ. فَقالُوا مَنْ يُكَلّمُ فيهَا رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقَالُوا مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلاّ أسَامَةُ بنُ زَيْدٍ حِبّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فكلّمَهُ أُسَامَةُ. فقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَتَشْفَعُ فِي حَد مِنْ حُدودِ الله؟ ثُمّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقالَ: إنّمَا أَهْلَكَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنّهُمْ كَانُوا
ـــــــ
باب ما جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يَشْفع فِي الحُدُود
قوله: "أن قريشاً أهمتهم" وفي المشكاة أهمهم بالتذكير أي أحزنهم وأوقعهم في الهم. قال التوربشتي يقال: أهمني الأمر إذا قلقك وأحزنك "شأن المرأة المخزومية" أي المنسوبة إلى بني مخزوم قبيلة كبيرة من قريش منهم أبو جهل وهي فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بنت أخي أبي سلمة "التي سرقت" أي وكانت تستعير المتاع وتجحده أيضاً. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها "فقالوا" أي قومها "من يكلم" أي بالشفاعة "فيها" أي في شأنها ظناً منهم أن الحدود تندريء بالشفاعة كما أنها تندريء بالشبهة "من يجتريء عليه" أي من يتجاسر عليه "إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم" بكسر الحاء أي محبوبه وهو بالرفع عطف بيان أو بدل من أسامة. قال النووي: معنى يجتريء بتجاسر عليه بطريق الإدلال وهذه منقبة ظاهرة لأسامة "فكلمه أسامة" أي فكلموا أسامة فكلمه أسامة ظناً منه أن كل شفاعة حسنة مقبولة، وذهولاً عن قوله تعالى {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا}. "أتشفع في حد من حدود الله" الاستفهام للتوبيخ "ثم قال فاختطب" أي بالغ في خطبته أو أظهر خطبته قاله القاري. وقال: وهو أحسن من قول الشارح أي خطب "إنما أهلك" بصيغة الفاعل قال القاري: وفي نسخة يعني من المشكاة على بناء المفعول "الذين من قبلكم" يحتمل كلهم أو بعضهم "أنهم كانوا" أي كونهم إذا سرق الخ أو ما أهلكهم إلا لأنهم كانوا(4/698)
إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشّرِيفُ تَرَكُوهُ. وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدّ. وأيْمُ الله لَوْ أنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا". قال وفِي البَاب عنْ مَسْعُودِ بنِ العَجْمَاءِ وابن عُمَرَ وجَابِرٍ. حدِيثُ عَائِشَةُ حدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
ـــــــ
والحصر ادعائي إذ كانت فيهم أمور كثيرة من جملتها ـ أنهم كانوا "إذا سرق فيهم الشريف" أي القوي "تركوه" أي بلا إقامة الحد عليه "وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد" أي القطع أو غيره "وأيم الله" بهمزة وصل وسكون يا وضم وبكسر ويفتح همزة ويكسر ففي القاموس وأيمن الله وأيم الله بكسر أولهما وأيم الله بكسر الهمزة والميم، وهو اسم وضع للقسم. والتقدير أيمن الله قسمي. وفي النهاية: وأيم الله من ألفاظ القسم وفي همزها الفتح والكسر والقطع والوصل. وفي شرح الجزرية لابن المصنف: الأصل فيها الكسر لأنها همزة وصل لسقوطها، وإنما فتحت في هذا الاسم لأنه ناب مناب حرف القسم وهو الواو ففتحت لفتحها وهو عند البصريين مفرد وعند سيبويه من اليمن بمعنى البركة، فكأنه قال بركة الله قسمي. وذهب الكوفيون إلى أنه جمع يمين وهمزته همزة قطع وإنما سقطت في الوصل لكثرة الاستعمال. وفي المشارق لعياض: وأيم الله بقطع الألف ووصلها أصله أيمن فلما كثر في كلامهم حذف النون فقالوا أم الله وم الله انتهى. وفيه لغات كثيرة ذكرت في القاموس. "لو أن فاطمة بنت محمد الخ" إنما ضرب المثل بفاطمة لأنها أعز أهله صلى الله عليه وسلم. قوله: "وفي الباب عن مسعود بن العجماء ويقال ابن الأعجم وابن عمر وجابر" أما حديث مسعود وجابر فلينظر من أخرجه. وأما حديث ابن عمر فأخرجه أحمد وأبو داود. وفي الباب عن الزبير بن العوام أنه لقي رجلاً قد أخذ سارقاً وهو يريد أن يذهب به إلى السلطان فشفع له الزبير ليرسله. فقال: لا حتى أبلغ به السلطان فقال الزبير إنما الشفاعة قبل أن يبلغ إلى السلطان فإذا بلغ إليه فقد لعن الشافع والمشفع. رواه مالك. قوله: "حديث عائشة حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه .(4/699)
باب ماجاء في تحقيق الرجم
...
7 ـ باب مَا جَاءَ في تَحْقِيقِ الرّجْم
1462 ـ حدثنا سَلَمةُ بنُ شَبِيبٍ و إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ و الحَسَنُ بنُ عَلِي الخَلاّلُ وغَيْرُ وَاحِدٍ. قالُوا: حدثنا عَبْدُ الرّزّاقِ. عن مَعْمَر، عنْ الزّهْرِيّ، عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ، عنْ ابنِ عَبّاسٍ، عنْ عُمرَ بنِ الخَطّابِ قالَ: إنّ الله بَعَثَ مُحَمّداً صلى الله عليه وسلم بِالحَقّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الكِتَابَ فكَانَ فِيمَا أنْزَلَ عَلَيْهِ آيةُ الرّجْمِ فَرجَمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَرَجمْنَا بَعْدَهُ وإني خَائِفٌ أَنْ يَطُولَ بِالنّاسِ زَمَانٌ فَيَقُولَ قَائِلٌ لاَ نَجِدُ الرّجْمَ فِي كِتَابِ الله فَيَضِلّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أنْزَلَهَا الله. ألاَ وإنّ الرّجْمَ حَقّ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا أَحْصَنَ وقَامَتْ البَيّنَةُ، أَوْ كَانَ حَملٌ أَوْ الاعتراف" هذا حديث صحيح.
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في تَحْقِيقِ الرّجْم
قوله: "إن الله بعث محمداً بالحق وأنزل عليه الكتاب" هذا مقدمة للكلام وتوطية للمرام رفعاً للريبة ودفعاً للتهمة الناشئة من فقدان تلاوة آية الرجم بنسخها مع بقاء حكمها "وكان فيما أنزل الله آية الرجم" بالرفع على أنها اسم كان وفيما أنزل الله خبره وهي الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم. أي الثيب كذا فسره مالك في الموطإ. قال القاري والأظهر تفسيرهما بالمحصن والمحصنة "ورجمنا بعده" أي تبعاً له وفيه إشارة إلى وقوع الإجماع بعده "ألا" حرف التنبيه "وإن الرجم حق" أي ثابت أو واجب "على من زنى" أي من الرجال والنساء "إذا أحصن" أي كان بالغاً عاقلاً قد تزوج حرة تزويجاً صحيحاً وجامعها "أو الاعتراف" أي الإقرار بالزنا. قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه الشيخان. قوله: "فإني قد خشيت أن يجيء أقوام الخ" قد وقع ما خشيه عمر رضي الله عنه فأنكر الرجم طائفة من الخوارج ومعظمهم وبعض المعتزلة، ويحتمل أن يكون استند في ذلك إلى توقيف: وقد أخرج عبد الرزاق والطبري عن ابن عباس رضي الله عنه أن عمر قال: سيجيء قوم يكذبون بالرجم الحديث. ووقع في رواية سعيد بن إبراهيم(4/700)
1463 ـ حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ. حدثنا إسْحَاقُ بنُ يُوسُفَ الأزْرَقُ، عنْ دَاوُدَ بنِ أبي هِنْدٍ، عنْ سَعِيد بنِ المُسَيّبِ، عنْ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ. قالَ: رَجَمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ورَجَمَ أبُو بَكْرٍ ورَجمْتُ. وَلَوْلاَ أنّي أكْرَهُ أنْ أزِيدَ فِي كِتَابِ الله لَكَتَبْتُهُ فِي المُصْحَفِ فَإنّي قَدْ خَشِيتُ أنْ تجِيءَ أقْوَامٌ فَلاَ يَجِدُونَهُ فِي كِتَاب الله فَيَكْفُرونَ بِهِ:وفي البابِ عنْ عَلِي. حدِيثُ عُمرَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. ورُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عُمرَ.
ـــــــ
عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة في حديث عمر عند النسائي: وأن ناساً يقولون ما بال الرجم وإنما في كتاب الله الجلد. ألا قد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه إشارة إلى أن عمر استحضر ناساً قالوا ذلك فرد عليهم كذا في فتح الباري. قوله: "وفي الباب عن علي" أخرجه البخاري قوله: "حديث عمر حديث حسن صحيح" وأصله في الصحيحين .(4/701)
باب ماجاء في الرجم على الثيب
...
8 ـ باب مَا جَاءَ فِي الرّجْمِ عَلَى الثّيّب
1464 ـ حدثنا نَصْرُ بنُ عَلِي وَغَيْرُ وَاحِدٍ. حدثنا سفيان بنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عبدِ الله بن عتبة سَمِعَهُ مِنْ أبي هُرَيْرَةَ وَ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ وشْبلٍ أَنّهُمْ كَانُوا عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ رَجُلاَنِ يَخْتَصِمانِ فَقَامَ إليْهِ أَحَدُهُمَا وقَالَ أنَشُدُكَ الله يَا رَسُولَ الله
ـــــــ
باب مَا جَاءَ فِي الرّجْمِ عَلَى الثّيّب
قوله: "وشبل" بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة هو ابن خالد أو ابن خليد كما صرح به الترمذي فيما بعد. قال الحافظ: شبل بن حامد أو ابن خليد المزني مقبول من الثالثة انتهى. وقد تفرد بذكر شبل في الحديث سفيان بن عيينة وهو وهم منه كما بينه الترمذي فيما بعد "فقال أنشدك الله" بصيغة المتكلم من باب نصر. قال الحافظ: أي أسألك بالله وضمن أنشدك معنى أذكرك. فحذف الباء أي أذكرك رافعاً نشيدتي أي صوتي، هذا أصله ثم استعمل في كل مطلوب(4/701)
لَما قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ الله. فَقَالَ خصْمُهُ وكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ: أجَلْ يَا رَسُولَ الله اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ الله وائذَنْ لي فَأَتَكَلّمَ إن ابْنِي كَانَ عَسِيفاً عَلَى هَذَا فَزَنَى بامْرَأَتِهِ فَأَخْبَرُونِي أنّ عَلَى ابْنِي الرّجْم فَفَدَيْتُ مِنْهُ بِمَائةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ
ـــــــ
مؤكذ ولو لم يكن هناك رفع صوت. وبهذا التقرير يندفع إيراد من استشكل رفع الرجل صوته عند النبي صلى الله عليه وسلم مع النهي عنه ثم أجاب عنه بأنه لم يبلغه النهي لكونه أعرابياً "لما قضيت بيننا بكتاب الله" لما بتشديد الميم بمعنى ألا. وفي رواية الشيخين ألا قضيت. قال الحافظ قيل فيه استعمال الفعل بعد الاستثناء بتأويل المصدر وإن لم يكن فيه حرف مصدري لضرورة افتقار المعنى إليه وهو من المواضع التي يقع فيها الفعل موقع الإسم، ويراد به النفي المحصور فيه المفعول. والمعنى هنا: لا أسألك إلا القضاء بكتاب الله، ويحتمل أن تكون إلا جواب القسم لما فيها من معنى الحصر. تقديره: أسألك بالله لا نفعل شيئاً إلا القضاء. فالتأكيد إنما وقع لعدم التشاغل بغيره، لا لأن لقوله بكتاب الله مفهوماً والمراد بكتاب الله ما حكم به وكتب على عباده. وقيل: المراد القرآن وهو المتبادر. وقال ابن دقيق العيد: الأول أولى. لأن الرجم والتغريب ليسا مذكورين في القرآن إلا بواسطة أمر الله بإتباع رسوله. قال الحافظ: ويحتمل أن يراد بكتاب الله الاَية التي نسخت تلاوتها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما انتهى. "فقال خصمه وكان أفقه منه أجل" بفتحتين وسكون اللام أي نعم. قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي: يحتمل أن يكون الراوي كان عارفاً بهما قبل أن يتحاكما، فوصف الثاني بأنه أفقه من الأول، إما مطلقاً وإما في هذه القصة الخاصة، أو استدل بحسن أدبه في ياستئذانه وترك رفع صوته إن كان الأول رفعه وتأكيده السؤال على فقهه. وقد ورد أن حسن السؤال نصف العلم، وأورده ابن السني في كتاب رياضة المتعلمين حديثاً مرفوعاً بسند ضعيف قاله الحافظ. "اقض" أي احكم "إن ابني كان عسيفاً" أي أجيراً ويطلق أيضاً على الخادم وعلى العبد "على هذا" ضمن على معنى عند بدليل رواية عمرو بن شعيب، وفي رواية محمد بن يوسف عسيفاً في أهل هذا، وكان الرجل استخدمه فيما تحتاج إليه امرأته من الأمور فكان ذلك سبباً لما وقع له معها كذا في الفتح "فزنى" أي الأجير "بامرأته" أي المستأجر "فأخبروني" أي بعض العلماء "ففديت منه"(4/702)
ثُم لَقِيتُ نَاساً مِنْ أهْلِ العِلْمِ فَزَعَمُوا أنّ على ابْنِي جَلْدَ مَائةٍ وتَغْرِيبَ عام وَإنّمَا الرّجْمُ عَلَى امْرَأةِ هَذَا. فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَلأقْضِيَنّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ الله، المائةُ شَاةٍ والخَادِمُ رَدٌ عَلَيْكَ. وعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مَائةٍ وتَغْرِيبُ عَامٍ واغْدُ يَا أنيْسُ عَلَى امْرَأةِ هَذَا فَإنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا. فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا".
1465 ـ حدثنا إسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأنْصَارَيّ. حدثنا مَعْنُ حدثنا مَالِكٌ عَنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله عنْ أبِي هُرَيْرَةَ وزَيْد بن خَالِد الجُهَني عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ.
1466 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدثنا الليْثُ عنْ ابنِ شِهَابٍ بِإسْنَادِهِ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ بِمَعْنَاهُ وفي البابِ عنْ أبي بَكْرةٍ وعُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ وأَبِي هُرَيْرَةَ وَأبي سَعِيدٍ وابنِ عَبّاسٍ وجَابِر بنِ سَمُرَةَ وهَزّالٍ وبُرَيْدَةَ وسَلَمَةَ بن الْمُحَبّقِ وأَبِي بَرْزَةَ وعِمْرَانَ بنِ حُصَيْن.
ـــــــ
أي ابني "بمائة شاة وخادم" أي أعطيتهما فداء وبدلاً عن رجم ابني "فزعموا" أي قالوا ـ وفي رواية الشيخين ـ فأخبروني "أن على ابني جلد مائة" بفتح الجيم أي ضرب مائة جلدة لكونه غير محصن "وتغريب عام" أي إخراجه عن البلد سنة "وإنما الرجم على امرأة هذا" أي لأنها محصنة "المائة شاة والخادم رد عليك" أي مردود عليك "واغد" بضم الدال وهو أمر بالذهاب في الغدوة، كما أن رح أمر بالذهاب في الرواح، ثم استعمل كل في معنى الاَخر أي فاذهب "يا أنيس" تصغير أنس وهو ابن الضحاك الأسلمي "على امرأة هذا" أي إليها وفيه تضمين أي حاكماً إليها "فإن اعترفت فارجمها" قال القاري: به أخذ مالك والشافعي في أنه يكفي في الإقرار مرة واحدة فإنه صلى الله عليه وسلم علق رجمها باعترافها ولم يشترط الأربع، كما هو مذهبنا. وأجيب بأن المعنى فإن اعترفت الاعتراف المعهود وهو أربع مرات فارجمها انتهى. قلت قد تقدم الكلام في هذا. قوله: "عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني الخ" ليس في هذه الرواية(4/703)
حَدِيثُ أبِي هُرَيْرَةَ وزيْدِ بنِ خَالِدٍ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. وهَكذَا رَوَى مَالِكُ بنُ أَنَسٍ ومَعْمَرٌ وغَيْرُ واحِدٍ عَنْ الزّهْرِيّ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بن عتبة عَنْ أبي هُرَيْرَةَ وزَيْدِ بنِ خَالِدٍ عنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَرَوَوا بِهَذَا الإسْنَادِ عَنْ النّبي صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "إذَا زَنَتْ الأمَةُ فاجْلِدُوهَا فَإنْ زَنَتْ فِي الرّابِعَةِ فَبِيعُوهَا ولَوْ بِضَفِيرٍ". وَرَوَى سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ أبي هُرَيْرَةَ وزَيْدِ بنِ خَالِدٍ وشِبْلٍ قَالُوا: كُنّا عِنْدَ النّبي صلى الله عليه وسلم. هَكَذَا رَوَى ابنُ عُيَيْنَةَ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعاً عنْ أَبي هُرَيْرَةَ وزَيْدِ بنِ خَالِدٍ وَشِبْلٍ وحدِيثُ ابنُ عُيَيْنَةَ وَهِمَ فِيهِ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ أَدْخَلَ حدِيثاً فِي حدِيثٍ. والصّحيحُ مَا رَوَى محمد بن الوليد الزّبِيدِيّ ويُونُسُ بنُ عبيد وابنُ أَخِي الزّهْرِيّ، عنْ الزّهْرِيّ عنْ عُبَيْدِ الله، عنْ أبي هُرَيْرَةَ. وزَيْدِ بنِ خَالِدٍ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا زَنَتْ الأمَةُ فاجلدوها". والزّهْرِيّ عنْ عُبَيْدِ الله عن شبل بن خالد عن عبدالله بنِ مَالِكٍ الأوْسِيّ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذَا زَنَتْ الأمَةُ". وهَذَا الصّحِيحُ عِنْدَ أهْلِ الحَدِيثِ. وشِبْلُ بنُ خالِدٍ لَمْ يُدْرِكْ النبيّ صلى الله عليه وسلم. إنّمَا رَوَى شِبْلٌ، عنْ عبْدِ الله بنِ مَالِكٍ الأوسِيّ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم. وهَذَا الصّحِيحُ وَحَدِيثُ ابنِ عُيَيْنَةَ
ـــــــ
ذكر شبل وهو المحفوظ كما ستقف عليه. قوله: "حديث أبي هريرة وزيد بن خالد حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة. قوله: "ورووا بهذا الإسناد" أي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد أي بدون ذكر شبل "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا زنت الأمة الخ" أخرجه الشيخان "وشبل بن خالد لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم إنما روى شبل عن عبد الله بن مالك الأوسى عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الصحيح وحديث ابن عيينة غير محفوظ" قال الحافظ في تهذيب التهذيب: شبل بن حامد. ويقال ابن خالد ويقال ابن خليد، ويقال ابن معبد المزني. روي عن عبد الله بن مالك(4/704)
غَيْرُ مَحْفُوظِ. ورُوِيَ عَنْهُ أنّهُ قالَ: شِبْلُ بنُ حَامِدٍ وهُوَ خَطَأٌ إنّمَا هُوَ شِبلُ ابنُ خَالِدٍ ويُقَالُ أَيْضاً شِبْلُ بنُ خُلَيْدٍ.
1467 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدثنا هُشَيْمٌ، عنْ مَنْصُورِ بنِ زَاذَانَ، عنْ الحَسَنِ، عنْ حِطّانَ بنِ عَبْدِ الله، عنْ عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "خُذُوا عَنّي فَقَدْ جَعَلَ الله لَهُنّ سَبِيلاً الثّيّبُ بِالثّيّبِ جلْدُ مَائةٍ ثمّ الرّجْمُ. والبِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مائةٍ. ونَفْيُ سَنَةٍ".
ـــــــ
الأوسي حديث الوليدة إذا زنت فاجلدوها وعنه به عبيد الله بن عبد الله بن عتبة كذا رواه أصحاب الزهري عنه وخالفهم ابن عيينة فروى عن الزهري عن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل جميعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث العسيف ولم يتابع على ذلك رواه النسائي والترمذي وابن ماجه وقال النسائي: الصواب الأول. قال: وحديث ابن عيينة خطأ وروى البخاري حديث ابن عيينة فأسقط منه شبلاً. قال الدوري عن ابن معين ليست لشبل صحبة انتهى. "وروي عنه" أي عن سفيان بن عيينة "أنه قال شبل بن حامد وهو خطأ إنما هو شبل بن خالد ويقال أيضاً شبلي بن خليد" بالتصغير وقد بسط الحافظ الكلام في هذا في تهذيب التهذيب إن شئت الوقوف عليه فارجع إليه. قوله: "عن الحسن" هو البصري "عن حطان" بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين "بن عبد الله" الرقاشي البصري ثقة من الثانية "خذوا عني" أي حكم حد الزنا "فقد جعل الله لهن سبيلا" أي حداً واضحاً وطريقاً ناصحاً في حق المحصن وغيره وهو بيان لقوله تعالى {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ} "إلى قوله" {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} ولم يقل عليه الصلاة والسلام لكم ليواق نظم القرآن، ومع هذا فيه تغليب للنساء لأنهن مبدأ للشهوة ومنتهى الفتنة. قال التوربشتي: كان هذا القول حين شرع الحد في الزاني والزانية. والسبيل ههنا الحد، لأنه لم يكن مشروعاً ذلك الوقت وكان الحكم فيه ما ذكر في كتاب الله {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً}. "الثيب بالثيب" أي حد زنا الثيب بالثيب "جلد مائة ثم الرجم"(4/705)
هذا حديثٌ حسن صحيحٌ. والْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ عَلِيّ بنُ أبي طَالِبٍ وأُبيّ بنُ كَعْب وعَبْدُ الله بنُ مَسْعُودٍ وغَيْرِهِمْ. قالَوا الثّيّببُ تجْلَدُ وترْجَمُ وَإلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ. وهُوَ قُوْلُ إسْحَاقَ. وقالَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وغَيْرِهِمَا: الثّيّبُ إنّمَا عَلَيْهِ الرّجْمُ ولاَ يُجْلَدُ؟ وقَدْ رُوِيَ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ هَذَا فِي غَيْرِ حدِيثٍ فِي قِصّةِ مَاعِزٍ وغَيْرِهِ أَنّهُ أمَرَ بالرّجْمِ ولَمْ يَأْمُرْ أَنّ يُجْلَدَ قَبْلَ أَنْ يُرْجَمَ. والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وابنِ المُبَارَكِ والشّافِعيّ وأحْمَدَ.
ـــــــ
استدل بهذا من قال إن الثيب يجلد ثم يرجم "والبكر بالبكر جلد مائة" أي حد زنا البكر بالبكر ضرب مائة جلدة لكل واحد منهما "ونفى سنة" أي وإخراجه عن البلد سنة. قوله: "هذا حديث صحيح" أخرجه الجماعة إلا البخاري والنسائي. قوله: "وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم وهو قول إسحاق" وهو قول داود الظاهري، وابن المنذر، وهو قول أحمد في رواية عنه. واستدلوا بحديث الباب وغيره وبما رواه أحمد والبخاري عن الشعبي أن علياً رضي الله تعالى عنه حين رجم المرأة ضربها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وقال جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي أثر علي هذا وكذا في حديث الباب وغيره دليل على أنه يجمع للمحصن من الجلد والرجم "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد" ذهب مالك والحنفية والشافعية وجمهور العلماء إلى أنه لا يجلد المحصن بل يرجم فقط، وهو مروي عن أحمد بن حنبل وتمسكوا بحديث سمرة في أنه صلى الله عليه وسلم لم يجلد ماعزاً بل اقتصر على رجمه. قالوا وهو متأخر عن أحاديث الجلد فيكون ناسخاً لحديث عبادة المذكور في الباب. قال الشوكاني: ويجاب بمنع التأخر المدعي فلا يصلح ترك جلد ماعز للنسخ لأنه فرع التأخر، ولم يثبت ما يدل على ذلك. ومع عدم ثبوت تأخره لا يكون ذلك الترك مقتضياً لإبطال الجلد الذي أثبته القرآن على كل من زنى. ولا ريب أنه يصدق على المحصن أنه زان، فكيف إذا انضم إلى ذلك من السنة ما هو صريح في الجمع بين الجلد والرجم للمحصن، كحديث عبادة المذكور. ولا سيما وهو صلى الله عليه وسلم في مقام البيان والتعليم لأحكام الشرع على العموم بعد أن أمر الناس في ذلك المقام بأخذ ذلك الحكم عنخ فقال: "خذوا عني". فلا يصح الاحتجاج بعد نص الكتاب والسنة بسكوته صلى الله عليه وسلم في بعض المواطن، أو عدم بيانه لذلك أو إهماله للأمر به. قال وقد تقرر أن المثبت أولى من النافي ولا سيما كون المكان مما يجوز فيه أن الراوي ترك ذكر الجلد لكونه معلوماً من الكتاب والسنة. قال: وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول بعد موته صلى الله عليه وسلم بعدة من السنين، لما جمع لتلك المرأة بين الرجم والجلد: جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله. فكيف يخفي على مثله الناسخ وعلى من بحضرته من الصحابة الأكابر انتهى كلام الشوكاني. واستدل الجمهور أيضاً بعدم ذكر الجلد في رجم الغامدية وغيرها. قال الشوكاني: ويجاب بمنع كون عدم الذكر يدل على عدم الوقوع. لم لا يقال أن عدم الذكر لقيام أدلة الكتاب والسنة القاضية بالجلد. وأيضاً عدم الذكر لا يعارض صرائح الأدلة القاضية بالإثبات وعدم العلم ليس علماً بالعدم، ومن علم حجة على من لم يعلم انتهى .(4/706)
9 ـ باب منه
1468 ـ حدثنا الحَسَنُ بنُ عَلِي. حدّثنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حدثنا مَعْمَر عنْ يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ، عنْ أبي قِلاَبَةَ، عنْ أبي المُهَلبِ، عنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ أَنّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَة اعْتَرَفتْ عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بِالزّنَا فقَالَتْ إنَي حُبْلَى فَدَعَا النبيّ صلى الله عليه وسلم وَلِيّهَا فقَالَ: "أَحْسِنْ إِلَيْهَا فَإِذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا فأخْبِرْنِي فَفَعَلَ فَأَمَرَ بِهَا فشُدّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُها
ـــــــ
باب منه
قوله: "أن امرأة من جهينة" وهي الغامدية "فقال أحسن إليها" إنما أمره بذلك لأن سائر قرابتها ربما حملتهم الغيرة وحمية الجاهلية على أن يفعلوا بها ما يؤذيها فأمره بالإحسان تحذيراً من ذلك "فشدت عليها ثيابها" لئلا تنكشف(4/707)
ثمّ أمَرَ بِرَجْمِهَا فرُجِمَتْ ثمّ صَلّى عَلَيْهَا فقَالَ لَهُ عُمر بنُ الخَطّابِ يَا رسول الله رَجَمْتَهَا ثمّ تُصَلّي عَلَيْهَا فقالَ: لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَو قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ
ـــــــ
عند وقوع الرجم عليها، لما جرت به العادة من الاضطراب عند نزول الموت وعدم المبالاة بما يبدو من الانسان. ولهذا ذهب الجمهور إلى أن المرأة ترجم قاعدة والرجل قائماً لما في ظهور عورة المرأة من الشفاعة "ثم صلى عليها" هذا نص صريح في أنه صلى الله عليه وسلم صلى على الغامدية. واختلفت الروايات في صلاته صلى الله عليه وسلم على ماعز. ففي صحيح البخاري من حديث جابر في أمر ماعز قال: ثم أمر به فرجم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيراً وصلى عليه. ورواه الترمذي وقال حسن صحيح. وفي رواية عن جابر عند الشيخين في أمر ماعز: وقال له خيراً ولم يصل عليه. وقد تقدم وجه الجمع بين هاتين الروايتين في كلام الحافظ المتقدم في باب درء الحد عن المعترف إذا رجع. قال النووي في شرح مسلم: واختلف العلماء في الصلاة على المرجوم فكرهها مالك وأحمد للإمام ولأهل الفضل دون باقي الناس ويصلي عليه غير الإمام وأهل الفضل قال الشافعي وآخرون: يصلي عليه الإمام وأهل الفضل وغيرهم. والخلاف بين الشافعي ومالك إنما هو في الإمام وأهل الفضل، وأما غيرهم فاتفقا على أنه يصلي. وبه قال جماهير العلماء قالوا: فيصلي على الفساق والمقتولين في الحدود والمحاربة وغيرهم. وقال الزهري: لا يصلى أحد على المرجوم وقاتل نفسه. وقال قتادة: لا يصلي على ولد الزنا. واحتج الجمهور بهذا الحديث، يعني بحديث الباب وفيه دلالة للشافعي على أن الإمام وأهل الفضل يصلون على المرجوم كما يصلي عليه غيرهم. وأجاب أصحاب مالك عنه بجوابين أحدهما ـ أنهم ضعفوا رواية الصلاة لكون أكثر الرواة لم يذكروها. والثاني ـ تأولوها على أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة أو دعا فسمى صلاة على مقتضاها في اللغة. وهذان الجوابان فاسدان، أما الأول فإن هذه الزيادة ثابتة في الصحيح وزيادة الثقة مقبولة، وأما الثاني فهذا التأويل مردود لأن التأويل إنما يصار إليه إذا اضطرت الأدلة الشرعية إلى ارتكابه، وليس هنا شيء من ذلك فوجب حمله على ظاهره(4/708)
مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ لوَسِعَتْهُمْ وهَلْ وَجَدْتَ شَيْئاً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لله". هذا حديثٌ حسن صَحِيحٌ.
ـــــــ
انتهى. قلت: الأمر كما قال النووي والله تعالى أعلم "وسعتهم" وفي بعض النسخ لوسعتهم " من أن جادت بنفسها لله" أي أخرجها ودفعها كما يدفع الانسان ماله يجود به. قوله: "وهذا حديث صحيح" أخرجه الجماعة إلا البخاري وابن ماجة(4/709)
باب ماجاء في رجم أهل الكتاب
...
10 ـ باب مَا جَاءَ فِي رَجْمِ أهْلِ الكِتَاب
1469 ـ حدثنا إسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأنْصَارِيّ. حدثنا مَعْنٌ. حدثنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عنْ نَافِعِ، عنْ ابنِ عُمَرَ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَجَمَ يَهُودِياً ويَهُودِيّةً. وفِي الحَدِيثِ قِصّةٌ وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
1470 ـ حدثنا هَنّادٌ. حدثنا شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم رَجَمَ يَهُودِياً ويَهُودِيّةً
ـــــــ
باب مَا جَاءَ فِي رَجْمِ أهْلِ الكِتَاب
قوله: "رجم يهودياً ويهودية" فيه دليل لمن قال إن حد الزنا يقام على اليهود كما يقام على المسلمين وإن الاسلام ليس بشرط في الإحصان. كما ذهب إليه الشافعي وأحمد وأبو يوسف في رواية. وعند أبي حنيفة ومحمد والمالكية: الاسلام شرط "وفي الحديث قصة" رواها الشيخان وهي أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم برجل وامرأة منهم قد زنيا، فقال: "ما تجدون في كتابكم"؟ فقالوا: تسخم وجوههما ويخزيان. قال: "كذبتم، إن فيها الرجم" فأتوا بالتوراة فاتلوها "إن كنتم صادقين" الخ. قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان بطوله. قوله: "حدثنا شريك" هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي صدوق يخطئ كثيراً تغير حفظه منذ ولي قضاء الكوفة. قوله(4/709)
وفي البابِ عنْ ابنِ عُمرَ والبَرَاءِ وَجَابِرٍ وابنِ أبي أوْفَى وعَبْدِ الله بنِ الحَارِثِ بنِ جزءٍ وابنِ عَبّاسٍ. حدِيثُ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ حديثٌ حسنٌ غَريبٌ. والعَمَلُ عَلى هَذَا عِنْدَ أكْثَرِ أهْلِ الْعِلمِ قَالُوا إذَا اخْتَصَمَ أهْلُ الكِتَابِ وتَرَافَعُوا إلَى حُكّامِ المُسْلِمِينَ حَكَمُوا بَيْنهُمْ بالكِتَابِ والسّنّةِ وَبِأحْكَامِ المسْلِمِينَ. وهُوَ قَوْلُ أحْمَدَ وإسْحاقَ وقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِمْ الحَدّ في الزّنَا والقَوْلُ الأوّلُ أصَحّ.
ـــــــ
"وفي الباب عن ابن عمر والبراء وجابر وابن أبي أوفى وعبد الله بن الحارث بن جزء وابن عباس" أما حديث ابن عمر فقد أخرجه الترمذي في هذا الباب ولعله أشار إلى حديث آخر له في رجم أهل الكتاب. وأما حديث البراء فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود. وأما حديث جابر وهو ابن عبد الله فأخرجه أحمد ومسلم. وأما حديث ابن أبي أوفى فلينظر من أخرجه. وأما حديث عبد الله بن الحارث بن جزء فأخرجه البيهقي، قال الحافظ في التلخيص: إسناده ضعيف. وأما حديث ابن عباس فأخرجه الحاكم. قوله: "حديث جابر بن سمرة حديث حسن غريب من حديث جابر بن سمرة" أشار بقوله من حديث جابر بن سمرة إلى وجه الغرابة فلا تكرار في العبارة فتفكر. قوله: "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم قالوا إذا اختصم أهل الكتاب الخ" وحجتهم أحاديث الباب "وقال بعضهم لا يقام عليهم الحد في الزنا" قال ابن الهمام والشافعي: يخالفنا في اشتراط الإسلام في الإحصان. وكذا أبو يوسف في رواية. وبه قال أحمد: وقول مالك كقولنا فلو زنى الذمي الثيب الحر يجلد عندنا ويرجم عندهم لهذا الحديث يعني لحديث ابن عمر المتفق عليه. كذا في المرقاة. قال الحافظ في التلخيص: تمسك الحنفية في أن الاسلام شرط في الإحصان بحديث روى عن ابن عمر مرفوعاً وموقوفاً: من أشرك بالله فليس بمحصن: ورجح الدارقطني وغيره الوقف وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده على الوجهين ومنهم من أول الاحصان في هذا الحديث بإحصان القذف انتهى. وأجاب الحنفية عن أحاديث الباب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما رجمهما بحكم التوراة فإنه سألهم عن ذلك أولاً، وأن ذلك إنما كان عند ما قدم المدينة ثم نزلت آية حد الزنا وليس فيها اشتراط الإسلام ثم نزل حكم الإسلام فالرجم باشتراط الإحصان وإن كان غير متلو، علم ذلك من قوله عليه الصلاة والسلام: "من أشرك بالله فليس بمحصن". ذكر هذا الجواب صاحب الهداية وغيره، ولا يخفي ما فيه من التعسف. ولذ لم يرض به ابن الهمام حيث قال: واعلم أن الأسهل مما أن يدعى أن يقال حين رجمهما: كان الرجم ثبتت مشروعيته في الاسلام، وهو الظاهر من قوله عليه الصلاة والسلام: "ما تجدون في التوراة في شأن الرجم"؟ ثم الظاهر كون اشتراط الإسلام لم يكن ثابتاً وإلا لم يرجمهم لانتساخ شريعتهم، وإنما كان يحكم بما نزل الله عليه. وإنما سألهم عن الرجم ليبكتهم بتركهم ما أنزل عليهم فحكم برجمهما بشرعه الموافق لشرعهم. وإذا لزم كون الرجم كان ثابتاً في شرعنا حال رجمهم بلا اشتراط الإسلام وقد ثبت الحديث المذكور المقيد لاشتراط الإسلام وليس تاريخ يعرف به. أما تقدم اشتراط الإسلام على عدم اشتراطه أو تأخره فيكون رجمه اليهوديين وقوله المذكور متعارضين. فيطلب الترجيح والقول مقدم على الفعل انتهى. قلت قد تقدم آنفاً في كلام الحافظ أن الدارقطني وغيره قد رجحوا وقف الحديث المذكور، وقال الدارقطني في سننه: الصواب أنه موقوف. قوله: "والقول الأول أصح" لأنه يدل عليه أحاديث الباب وأما القول الثاني فمداره على أن الإسلام شرط في الإحصان واستدلوا عليه بحديث ابن عمر المذكور. وقد عرفت أن الصواب وقفه والله تعالى أعلم(4/710)
باب ماجاء في النفي
...
11 ـ باب مَا جَاءَ فِي النّفِي
1471 ـ حدثنا أبُو كُرَيْبٍ و يَحْيَى بنُ أكْثَمَ قالاَ: حدثنا عَبْدُ الله بنُ ادْرِيسَ، عنْ عُبَيْدِ الله، عنْ نَافِعٍ، عنْ ابنِ عُمَرَ "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ وَغَرّبَ وأنّ أبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وغَرّبَ وأنّ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ فِي النّفِي
المراد بالنفي التغريب وهو إخراج الزاني عن محل إقامته سنة قوله: "ويحيى بن أكثم" بالثاء المثلثة التميمي المروزي أبو محمد القاضي المشهور فقيه صدوق إلا أنه رمى بسرقة الحديث، ولم يقع ذلك له، وإنما كان يرى الرواية بالإجازة والوجادة من العاشرة. قوله: "ضرب" أي جلد الزاني والزانية مائة جلدة،(4/711)
عُمَرَ ضَرَبَ وغَرّبَ" وفي البابِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ وزَيْدِ بنِ خَالِدٍ وعُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ. حدِيثُ ابنِ عُمرَ حدِيثٌ غَرِيبٌ. رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، عنْ عَبْدِ الله بنِ إدْرِيسَ فَرَفَعُوهُ. ورَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ عَبْدِ الله بنِ إدْرِيسَ هَذَا الحَدِيثَ عنْ عُبَيْدِ الله، عنْ نَافِعٍ، عنْ ابنِ عُمَرَ أَنّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وغَرّبَ وأنّ عُمرَ ضَرَبَ وَغرّبَ.
1472 ـ حدثنا بِذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ الأشَج. حدثنا عَبْدُ الله بنُ أدْرِيسَ. وَهَكَذَا رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غيْرِ رِوَايَةِ ابنِ ادْرِيسَ، عن عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ نَحْو هَذَا. وهَكَذَا رَوَاهُ مُحَمّدُ بنُ إسْحَاقَ، عنْ نَافِعٍ، عنْ ابنِ عُمَرَ أَنّ أبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وغَرّبَ وأنّ عُمَرَ ضَرَبَ وغَرّبَ. ولَمْ يَذْكُرْوا فِيهِ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقَدْ صَحّ عنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم النّفْيُ. رَوَاهُ أبُو هُرَيْرَةَ وزَيْدُ بنُ خَالِدٍ وعُبَادَةُ بنُ الصّامِتِ وغَيْرُهمْ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أَبُو بَكْرٍ وعُمَرَ وعَلِيّ وأبيّ بنُ كعْبٍ وعَبْدُ الله بنُ مَسْعُودٍ وأبُو ذَر
ـــــــ
"وغرب" من التغريب أي إخراج الزاني والزانية عن محل الإقامة سنة قوله: "وفي الباب عن أبي هريرة وزيد بن خالد وعبادة بن الصامت" ، أما حديث أبي هريرة وزيد بن خالد فأخرجه الجماعة وفيه: على ابنك جلد مائة وتغريب عام. وأما حديث عبادة بن الصامت فأخرجه الجماعة إلا البخاري والنسائي وفيه: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام. قوله: "حديث ابن عمر حديث غريب الخ" وأخرجه النسائي والحاكم والدارقطني قال الحافظ في التلخيص وصححه ابن القطان ورجح الدارقطني وقفه. قوله: "وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النفي رواه أبي هريرة الخ" وفي الباب أحاديث أخرى مبسوطة في تخريج الهداية للزيلعي والتلخيص الحبير وغيرهما "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر" كما في حديث الباب وروى محمد في(4/712)
وغَيْرُهُمْ. وكَذلِكَ رُوِيَ عنْ غَيْرِ وَاحِدٍ منْ فُقَهَاءِ التّابِعِينَ. وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ ومَالِك بن أنَسٍ وعَبْدِ الله بنِ المُبَارَكِ والشّافِعِيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ.
ـــــــ
الموطإ بإسناده عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: أن رجلاً رقع على جارية بكر فأحبلها ثم اعترف على نفسه بأنه زنى ولم يكن أحصن، فأمر به أبو بكر الصديق فجلد الحد ثم نفي إلى فدك. ومنهم عثمان رضي الله تعالى عنه فعند ابن أبي شيبة عن مولى عثمان أن عثمان جلد امرأة في زنا ثم أرسل بها إلى مولى يقال له المهدي إلى خيبر نفاها إليه. "وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق" وهو القول الراجح المعول عليه. وقد ادعى محمد بن نصر في كتاب الاجماع الاتفاق على نفي الزاني البكر إلا عن الكوفيين. وقال ابن المنذر: أقسم النبي صلى الله عليه وسلم في قصة العسيف أنه يقضي بكتاب الله تعالى ثم قال: إن عليه جلد مائة وتغريب عام. وهو المبين لكتاب الله تعالى. وخطب عمر بذلك على رؤوس المنابر وعمل به الخلفاء الراشدون ولم ينكره أحد فكان إجماعاً. وقال صاحب التعليق الممجد من العلماء الحنفية: وللحنفية في الجواب عن أحاديث النفي مسالك: الأول ـ القول بالنسخ ذكره صاحب الهداية وغيره وهو أمر لا سبيل إلى إثباته بعد ثبوت عمل الخلفاء به مع أن النسخ لا يثبت بالاحتمال. والثاني ـ أنها محمولة على التعزير بدليل ما روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب أن عمر غرب ربيعة بن أمية بن خلف في الشراب إلى خيبر فلحق بهرقل فتنصر فقال عمر لا أغرب بعده مسلماً. وأخرج محمد في كتاب الآثار وعبد الرزاق عن إبراهيم قال: قال ابن مسعود في البكر يزني بالبكر يجلدان وينفيان سنة. قال وقال علي: حسبهما من الفتنة أن ينفيا فإنه لو كان النفي حداً مشروعاً لما صدر عن عمر وعن علي مثله. والثالث ـ أنها أخبار آحاد ولا تجوز بها الزيادة على الكتاب، وهو موافق لأصولهم لا يسكت خصمهم انتهى. قلت أما قول عمر رضي الله عنه: لا أغرب بعده مسلماً فالظاهر أنه في شارب الخمر دون الزاني. وأما قول علي رضي الله عنه فرواه عنه إبراهيم النخعي وليس له سماع منه. قال أبو زرعة: النخعي عن علي مرسل. وقال ابن المديني: لم يلق النخعي أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أبو حاتم لم يلق أحداً من الصحابة إلا عائشة، ولم يسمع منها، وأدرك أنساً ولم يسمع منه. كذا في تهذيب التهذيب. وأما قولهم بأنها أخبار آحاد ولا تجوز بها الزيادة، ففيه أن أحاديث التغريب قد جاوزت حد الشهرة المعتبرة عند الحنفية فيما ورد من السنة زائداً على القرآن فليس لهم معذرة عنها بذلك، وقد عملوا بما هو دونها بمراحل كحديث نقض الوضوء بالقهقهة وحديث جواز الوضوء بالنبيذ(4/713)
باب ماجاء أن الحدود كفارة لأهلها
...
12ـ باب مَا جَاءَ أنّ الحُدّودَ كفّارَةٌ لاِءَهْلِه
1473 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ. حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عنْ الزّهْرِيّ عنْ أبي ادْرِيسَ الخَولاَنِيّ، عنْ عُبَادَة بنِ الصّامِتِ. قالَ كُنّا عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم في مجلس فقَالَ: "تُبَايِعُونِي عَلَى أنْ لاَ تُشْرِكُوا بالله شيئاً ولاَ تَسْرِقُوا وَلا تَزْنُوا قَرَأَ عَلَيْهِمُ الاَيةَ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى الله. ومَنْ أصَابَ مِن ذَلِكَ شَيْئاً فَعُوقِبَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ. ومَنْ أَصَابَ مِنْ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ أنّ الحُدّودَ كفّارَةٌ لاِءَهْلِه
قوله: "فقال تبايعوني" وفي رواية الشيخين قال ـ وحوله عصابة من أصحابه ـ بايعوني. والمبايعة هنا عبارة عن المعاهدة، سميت بذلك تشبيهاً بالمعارضة المالية كما في قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}" قرأ عليهم الاَية" وفي رواية للبخاري: وقرأ الاَية كلها. قال الحافظ هي قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً} إلى آخرها، وهذه الاَية في سورة الممتحنة "فمن وفى منكم" أي ثبت على العهد ووفى بالتخفيف وفي الراء بالتشديد وهما بمعنى { فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} أطلق على سبيل التفخيم لأنه لما أن ذكر المبايعة المقتضية لوجود العوضين أثبت ذكر الأجر في موضع أحدهما وأفصح في رواية للشيخين بتعيين العوض فقال بالجنة. وعبر هنا بلفظ على للمبالغة في تحقق وقوعه كالواجبات ويتعين حمله على غير ظاهره للأدلة القائمة على أنه لا يجب على الله شيء "فهو" أي العقاب "كفارة له" قال النووي: عموم هذا الحديث مخصوص بقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} فالمرتد إذا قتل على ارتداده لا يكون القتل له كفارة انتهى.(4/714)
ذَلِكَ شَيْئاً فَسَتَرَه الله عَلَيْهِ فَهُو إلَى الله إنْ شَاءَ عَذّبَهُ وَإنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ" وفي البابِ عنْ عَلِي وجَرِيرِ بنِ عَبْدِ الله وخُزَيمَةَ بنِ ثَابِتٍ. حدِيثُ عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقالَ الشّافِعِيّ لَمْ أَسْمَعْ فِي هَذَا البَاب أَنّ الحَدود يَكُونُ كَفّارَةً لأِهْلِهِا شَيْئاً أحْسَنَ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ. قالَ الشّافِعِي: وأُحِبّ لِمَنْ أصَابَ ذَنْباً فَسَتَرَهُ الله عَلَيْهِ أن يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ وَيَتُوبَ فِيمَا بَيْنَهُ وبَيْنَ رَبّهِ وكَذَلِكَ رُوِيَ عنْ أبي بَكْرٍ وعُمَرَ أنهمَا أَمَرَا رَجُلاً أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ.
ـــــــ
قال القاضي عياض ذهب أكثر العلماء إلى أن الحدود كفارات واستدلوا بهذا الحديث ومنهم من وقف لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا أدري كفارة لأهلها أم لا؟ لكن حديث عبادة أصح إسناداً، ويمكن يعني على طريق الجمع بينهما أن يكون حديث أبي هريرة ورد أولاً قبل أن يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أعلمه بعد ذلك انتهى. وقد بسط الحافظ الكلام هنا بسطاً حسناً فعليك أن تراجع الفتح: "فهو إلى الله إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له" يشمل من تاب من ذلك ومن لم يتب وقال بذلك طائفة، وذهب الجمهور إلى أن من تاب لا يبقى عليه مؤاخذة. ومع ذلك فلا يأمن من مكر الله لأنه لا اطلاع له، هل قبلت توبته أو لا؟ وقيل: يفرق بين ما يجب فيه الحد وما لا يجب واختلف فيمن أتى ما يوجب الحد فقيل: يجوز أن يتوب سراً ويكفيه ذلك. وقيل بل الأفضل أن يأتي الإمام ويعترف به ويسأله أن يقيم عليه الحد كما وقع لماعز والغامدية. وفصل بعض العلماء بين أن يكون معلناً بالفجور فيستحب أن يعلن بتوبته، وإلا فلا. كذا في الفتح. قلت قول من قال يجوز أن يتوب سراً ويكفيه ذلك. هو الظاهر وبه قال الشافعي وهو قول أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما كما ذكره الترمذي والله تعالى أعلم. قوله: "وفي الباب عن علي وجرير بن عبد الله وخزيمة بن ثابت" أما حديث علي فأخرجه الترمذي وصححه الحاكم وهو عند الطبراني بإسناد حسن كذا في النيل وأما حديث جرير بن عبد الله فأخرجه الشيخ: وأما حديث خزيمة فأخرجه أحمد، قوله: "حديث عبادة بن الصامت حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان. قوله: "وكذلك روي عن أبي بكر وعمر أنهما أمرا رجلاً أن يستر على نفسه" رواه محمد في الموطإ. عن سعيد بن المسيب:
أن رجلاً من أسلم أتى أبا بكر فقال: إن الاَخر قد زنى. قال له أبو بكر: هل ذكرت هذا لأحد غيري. قال: لا. قال: أبو بكر إلى تب الله عز وجل، واستتر بستر الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده. قال سعيد فلم تقر به نفسه حتى أتى عمر بن الخطاب فقال له كما قال لأبي بكر فقال له عمر كما قال أبو بكر الخ(4/715)
باب ماجاء في إقامة الحد على الإماء
...
13 ـ باب مَا جَاءَ في إقَامَةِ الحَدّ عَلَى الإمَاء
1474 ـ حدثنا الحَسَنُ بنُ عَلِي الخَلاّلُ. حدّثنا أَبُو دَاوُدَ الطّيَالِسِيّ. حدثنا زَائِدَةُ بن قدامة، عنْ السّدّيّ، عنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ، عنْ أبي عَبْدِ الرّحْمَنِ السّلَمِيّ. قَالَ خَطَبَ عَلِيّ فَقالَ: يَا أيّهَا النّاسُ أقِيمُوا الحُدُودَ عَلَى أَرِقّائِكُمْ مَنْ أحْصَنَ مِنْهُمْ ومَنْ لَمْ يُحْصِنْ وإنّ أَمَةً لِرسُولِ الله صلى الله عليه وسلم زَنَتْ فَأَمَرَنِي أن أجْلِدَهَا فَأَتَيْتُهَا فإذَا هِيَ حَدِيثَةُ عَهْدِ بِنِفَاسِ فَخَشِيْتُ إنْ أَنَا جَلَدْتُهَا أَنْ أقْتُلَهَا أوْ قالَ تَمُوتَ فَأَتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فقَالَ: "أحْسَنْتَ". هذا حديث حسن صحيح
ـــــــ
باب مَا جَاءَ في إقَامَةِ الحَدّ عَلَى الإمَاء
قوله: "يا أيها الناس" أي يا أيها المؤمنون "أقيموا الحدود على أرقائكم" بتشديد القاف جمع رقيق أي من عبادكم وإمائكم "من أحصن" أي تزوج "منهم" أي ومنهم ففيه حذف وتغليب "ومن لم يحصن" قال الطيبي وتقييد الأرقاء بالإحصان مع أن الحرية شرط الإحصان يراد به كونهن مزوجات لقوله تعالى {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} حيث وصفهن بالإحصان فقال فإذا أحصن. وحكم "وإن" وفي رواية مسلم فإن "فإذا هي حديثة عهد" أي جديدة زمان "فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها" قال الطيبي هو مفعول فخشيت وجلدتها مفسر لعامل أنا المقدر بعد إن الشرطية. كقول الحماسي:
وإن أنت لم تحمل على النفس ضيمها
...
فليس إلى حسن الثناء سبيل
وجواب الشرط محذوف دل عليه الكلام المعترض فيه بين الفعل ومفعوله(4/716)
475 ـ حدثنا أبُو سَعِيدٍ الأشَجّ. حدثنا أَبُو خَالِدِ الأَحْمَرُ. حدثنا الأعَمشُ، عنْ أَبي صَالِحٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ. قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا ثَلاَثاً بِكِتَابِ الله. فَإنْ عَادَتْ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ" وفي البابِ عنْ علي وأبي هريرة وزَيْدِ بنِ خَالِدٍ وَشِبْلٍ، عنْ عَبْدِ الله بنِ مَالِكٍ الأوْسِيّ.
حديثُ أبي هُرَيْرَةَ حدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
"أو نموت" شك من الراوي "فقال أحسنت" فيه أن جلد ذات النفاس يؤخر حتى تخرج من نفاسها لأن نفاسها نوع مرض فتؤخر إلى زمان البرء قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه مسلم. قوله: "إذا زنت أمة أحدكم فليجدها ثلاثاً الخ" كذا وقع في رواية الترمذي ووقع في رواية الشيخين هكذا: إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر. ورواه أحمد في رواية وأبو داود وذكر فيه الرابعة الحد والبيع. كذا في المنتقى. قال الشوكاني في النيل: قوله فليبعها ظاهر هذا أنها لا تحد إذا زنت بعد أن جلدها في المرة الثانية ولكن الرواية التي ذكرها المصنف يعني صاحب المنتقى عن أبي هريرة وزيد بن خالد مصرحة بالجلد في الثالثة. وكذلك الرواية التي ذكرها عن أحمد وأبي داود أنهما ذكرا في الرابعة الحد والبيع نص في محل النزاع وبها يرد على النووي حيث قال: إنه لما لم يحصل المقصود من الزجر عدل إلى الإخراج عن الملك دون الجلد مستدلاً على ذلك بقوله فليبعها. وكذا وافقه على ذلك ابن دقيق العيد وهو مردود قاله الشوكاني. "ولو بحبل من شعر" بفتح العين ويسكن أي وإن كان ثمنها قليلاً. قال النووي: فيه ترك مخالطة الفساق وأهل المعاصي وهذا البيع المأمور به مستحب. وقال أهل الظاهر: هو واجب وفيه جواز بيع الشيء الثمين بثمن حقير إذا كان البائع عالماً وإن كان جاهلاً ففيه خلاف لأصحاب مالك، فإنهم لا يجوزونه خلافاً للجمهور. فإن قيل كيف يكره شيئاً لنفسه ويرتضيه لأخيه المسلم؟ فالجواب لعل الزانية تستعف عند المشتري بأن يعفها بنفسه، أو يصونها لهيبته، أو بالإحسان إليها والتوسعة عليها، أو يزوجها(4/717)
وقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ رَأَوْا أنْ يُقِيمَ الرّجُلُ الحَدّ عَلَى مَمْلُوكِهِ دُونَ السّلْطَانِ. وهُوَ قَوْلُ أحْمَدَ وإسْحَاقَ. وقالَ بَعْضُهُمْ يَرفَعُ إلَى السّلْطَانِ ولاَ يُقِيمُ الحَدّ هُوَ بِنَفْسِهِ والقَوْلُ الأوّلُ أصَحّ.
ـــــــ
أو غير ذلك انتهى ملخصاً. قوله: "وفي الباب عن زيد بن خالد وشبل عن عبد الله بن مالك الأوسي" تقدم في باب الرجم على الثيب. قوله: "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان. قوله: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم رأوا أن يقيم الرجل الحد على مملوكه دون السلطان وهو قول أحمد وإسحاق" واحتجوا بأحاديث الباب. قال الشوكاني: أحاديث الباب فيها دليل على أن السيد يقيم الحد على مملوكه. وإلى ذلك ذهب جماعة من السلف والشافعي. وذهبت العترة إلى أن حد المماليك إلى الإمام إن كان ثم إمام، وإلا كان إلى سيده. وذهب مالك إلى أن الأمة إن كانت مزوجة كان أمر بحدها إلى الإمام إلا أن يكون زوجها عبداً لسيدها، فأمر حدها إلى السيد. واستثنى مالك أيضاً القطع في السرقة، وهو وجه للشافعية، وفي وجه لهم آخر يستثنى حد الشرب. وروي عن الثوري والأوزاعي أنه لا يقيم السيد إلا حد الزنا، وظاهر أحاديث الباب أنه يحد المملوك سيده من غير فرق بين أن يكون الإمام موجوداً أو معدوماً وبين أن يكون السيد صالحاً لإقامة الحد أم لا. وقال ابن حزم: يقيمه السيد إلا إذا كان كافراً "وقال بعضهم يدفع إلى السلطان ولا يقيم الحد هو بنفسه" وهو قول الحنفية. وقد احتج من قال إنه لا يقيم الحدود مطلقاً إلا الإمام بما رواه الطحاوي عن مسلم بن يسار أنه قال كان رجل من الصحابة يقول: الزكاة والحدود والفيء والجمعة إلى السلطان. قال الطحاوي: لا نعلم له مخالفاً من الصحابة. وتعقبه ابن حزم بأنه خالفه اثنا عشر صحابياً وظاهر أحاديث الباب أن الأمة والعبد يجلدان سواء كانا محصنين أم لا. وقد أخرج البيهقي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال أدركت بقايا الأنصار وهم يضربون الوليدة من ولائدهم في مجالسهم إذا زنت. ورواه الشافعي عن ابن مسعود وأبي بردة، وأخرجه أيضاً البيهقي عن خارجة بن زيد عن أبيه. وأخرجه أيضاً عن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء الذين ينتهي إلى أقوالهم من أهل المدينة أنهم كانوا يقولون لا ينبغي لأحد يقيم شيئاً من الحدود دون السلطان إلا أن للرجل أن يقيم حد الزنا على عبده وأمته. وروى الشافعي عن ابن عمر أنه قطع يد عبده وجلد عبداً له زنى. وأخرج مالك عن عائشة أنها قطعت يد عبد لها. وأخرج أيضاً أن حفصة قتلت جارية لها سحرنها. وأخرج عبد الرزاق والشافعي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حدت جارية لها زنت. "والقول الأول أصح" لدلالة أحاديث الباب عليه .(4/718)
باب ماجاء في حد السكران
...
14 ـ باب ما جَاءَ في حَدّ السكْران
1476 ـ حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ. حدثنا أبي عنْ مِسْعَرٍ، عنْ زَيد العَمّيّ، عنْ أبي الصدّيقِ، عنْ أبي سَعِيد الخُدْرِيّ: "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ الحَدّ بِنَعْلَيْنِ أرْبَعينَ" قالَ مِسْعرٌ: أظنهُ فِي الخَمْرِ وفي البابِ عنْ عَلِي وعَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أزْهرَ وأبي هُرَيْرَةَ والسّائبِ وابنِ عَبّاسٍ وعُقبة بن الحَارِثِ. حدِيثُ أبي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حسنٌ.
ـــــــ
باب ما جَاءَ في حَدّ السكْران
قوله: "عن مسعر" بكسر الميم وسكون السين وفتح العين وبالراء المهملات هو ابن كدام بكسر أوله وتخفيف ثانية ثقة ثبت، قوله: "ضرب الحد بنعلين أربعين" وفي رواية أحمد جلد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر بنعلين أربعين فلما كان زمن عمر جعل بدل كل نعل سوطاً قوله: "وفي الباب عن علي وعبد الرحمن بن أزهر وأبي هريرة والسائب وابن عباس وعقبة ابن الحارث" أما حديث علي رضي الله عنه فأخرجه مسلم وفيه: فقال يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده، وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال أمسك. ثم قال جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي. وأما حديث عبد الرحمن بن أزهر فأخرجه أبو داود. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد والبخاري وأبو داود عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب وقال: أضربوه فقال أبو هريرة فمنا الضارب بيده والضارب بنعله(4/719)
وأبُو الصّدّيقِ النّاجِيّ اسْمهُ بكرُ بنُ عَمْروٍ ويقال بكر بن قيس.
1477 ـ حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ. حدثنا محمدُ بنُ جَعفَرٍ. حدثنا شُعبةُ قالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يحدّثُ، عنْ أنَسٍ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم "أنّهُ أُتِيَ برجُلٍ قدْ شَرِبَ الخَمْرَ فَضَرَبَهُ بجرَيدَتْينِ نحوَ الأربَعينَ". وفعَلَهُ أبو بكْر فَلَمّا كَانَ عمرُ استشارَ الناسَ فقَالَ عَبدُ الرّحمَنِ بنُ عَوْفٍ كأَخَفّ الحُدودِ ثَمَانِينَ فَأَمَرَ بهِ عُمرُ. حدِيثُ أَنسٍ حَدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ
ـــــــ
والضارب بثوبه الحديث. وأما حديث السائب وهو ابن يزيد فأخرجه أحمد والبخاري عنه قال: كنا نؤتي بالشارب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إمرة أبي بكر وصدرا من إمرة عمر فنقوم إليه نضربه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان صدراً من إمرة عمر فجلد فيها أربعين حتى إذا عتوا فيها وفسقوا جلد ثمانين. وأما حديث ابن عباس فأخرجه الحاكم في المستدرك عنه: أن الشرب كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضربون بالأيدي والنعال والعصي حتى توفي، وكان أبو بكر يجلدهم أربعين حتى توفي، إلى أن قال فقال عمر ماذا ترون الحديث. وأما حديث عقبة بن الحارث فأخرجه أحمد والبخاري عنه قال جيء بالنعمان أو ابن النعمان شارباً فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان في البيت أن يضربوه فكنت فيمن ضربه فضربناه بالنعال والجريد. قوله: "حديث أبي سعيد حديث حسن" وأخرجه أحمد وتقدم لفظه "أبو الصديق" بكسر الصاد المهملة وتشديد الدال المكسورة "الناجي" بالنون والجيم "اسمه بكر بن عمرو" وقيل ابن قيس بصري ثقة من الثالثة.
قوله: "بجريدتين" الجريدة سعفة النخل سميت بها لكونها مجردة عن الخوص وهو ورق النخل "نحو الأربعين" وفي رواية الشيخين: أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر أربعين. وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين كذا في المشكاة "فقال عبد الرحمن بن عوف كأخف الحدود ثمانين" أي أرى أن تجعل ثمانين كأخف الحدود كما في رواية مسلم، وروى مالك في الموطإ عن ثور بن زيد الديلمي قال: إن عمر استشار في حد الخمر فقال له علي أرى أن تجلده(4/720)
والعَمَلُ عَلى هَذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ منْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ أن حَدّ السّكْرانِ ثَمَانُونَ.
ـــــــ
ثمانين جلدة فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فجلد عمر في حد الخمر ثمانين. قال ابن الهمام ولا مانع من كون كل من علي وعبد الرحمن بن عوف أشار بذلك فروى الحديث مقتصراً على هذا مرة وعلى هذا أخرى. قوله: "حديث أنس حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود.
قوله: "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن حد السكران ثمانون" قال القاري في المرقاة وأجمع عليه الصحابة فلا يجوز لأحد المخالفة انتهى. وقال الشوكاني في النيل قد ذهبت العترة ومالك والليث وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي في قول له إلى أن حد السكران ثمانون جلدة. وذهب أحمد وداود وأبو ثور والشافعي في المشهور عنه إلى أنه أربعون لأنها هي التي كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم وزمن أبي بكر وفعلها علي في زمن عثمان. واستدل الأولون بأن عمر جلد ثمانين بعد ما استشار الصحابة. قال ودعوى إجماع الصحابة غير مسلمة فإن اختلافهم في ذلك قبل إمارة عمر وبعدها وردت به الروايات الصحيحة ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الاقتصار على مقدار معين، بل جلد تارة بالجريدة وتارة بالنعال وتارة بهما فقط وتارة بهما مع الثياب وتارة بالأيدي والنعال والمنقول من المقادير في ذلك إنما هو بطريق التخمين. ولهذا قال أنس نحو أربعين. فالأولى الاقتصار على ما ورد عن الشارع من الأفعال وتكون جميعها جائزة فأيها وقع فقد حصل به الجلد المشروع الذي أرشدنا إليه صلى الله عليه وسلم بالفعل والقول كما في حديث: من شرب الخمر فاجلدوه. فالجلد المأمور به هو الجلد الذي وقع منه صلى الله عليه وسلم ومن الصحابة بين يديه. ولا دليل يقتضي تحتم مقدار معين لا يجوز غيره انتهى. قلت قد وقع في بعض الروايات أربعين بالجزم كما عرفت.(4/721)
باب ماجاء من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه
...
15 ـ باب مَا جَاءَ مَن شَربَ الخَمرَ فاجْلِدُوه ومن عَادَ في الرّابِعةِ فاقْتلُوه
1478 ـ حدثنا أبو كُريبٍ. حدثنا أبُو بكرِ بنِ عَيّاشٍ، عنْ عَاصم بن بهولة عنْ أبي صَالحٍ، عنْ
مُعَاوِيةَ قالَ: قالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم "مَن شرِبَ الخَمرَ فاجْلِدُوه فإنْ عَادَ في الرّابِعَةِ فاقْتلُوه" وفي البابِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ والشَرِيدِ وشُرَحبِيلَ بنِ أَوْسٍ وجَريرِ وأبي الرمَدِ البَلَوِيّ وعَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ. حدِيثُ معَاوِيةَ هَكذَا رَوَى الثّورِيّ أيضاً، عنْ
ـــــــ
باب مَا جَاءَ مَن شَربَ الخَمرَ فاجْلِدُوه
قوله: "عن عاصم" هو ابن بهدلة وهو ابن أبي النجود الكوفي المقري صدوق له أوهام حجة في القراءة "فإن عاد في الرابعة فاقتلوه" قال القاري المراد الضرب الشديد أو الأمر للوعيد فإنه لم يذهب أحد قديماً أو حديثاً إلى أن شارب الخمر يقتل. وقيل كان ذلك في ابتداء الإسلام ثم نسخ انتهى. قلت إلى هذا القول الأخير ذهب الترمذي واختاره. وأما قول القاري بأنه لم يذهب أحد الخ ففيه نظر فإنه قد ذهب إليه شرذمة قليلة كما نقله القاري نفسه عن القاضي عياض. قوله: "وفي الباب عن أبي هريرة والشريد والشرحبيل بن أوس وجرير وأبي الرمد البلوي وعبد الله بن عمرو" ، أما حديث أبي هريرة فأخرجه الخمسة إلا الترمذي عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن سكر فاجلدوه ثم إن سكر فاجلدوه". فإن عاد في الرابعة فاضربوا عنقه. وزاد أحمد قال الزهري فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسكران في الرابعة فخلى سبيله. كذا في المنتقي ورواه ابن حبان في صحيحه وقال معناه إذا استحل ولم يقبل التحريم انتهى. ورواه الحاكم في المستدرك وقال حديث صحيح على شرط مسلم. وأما حديث الشريد فأخرجه الحاكم في المستدرك. وأما حديث شرحبيل فأخرجه الحاكم والطبراني. وأما حديث جرير وهو ابن عبد الله فأخرجه أيضاً الحاكم والطبراني. وأما حديث أبي الرمد البلوي فلينظر من أخرجه. وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاقتلوه. قال عبد الله ائتوني برجل قد شرب الخمر في(4/722)
عَاصمٍ، عنْ أبي صالحٍ، عنْ مُعَاوِيةَ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم. ورَوَى ابنُ جريح ومَعمرٌ، عنْ سُهَيلِ بنِ أبي صالِحٍ، عنْ أبِيهِ، عنْ أبي هُرَيْرَةً عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. قال سَمِعْتُ مُحَمداً يقولُ حدِيثُ أبي صَالحٍ عنْ مُعَاوِيةَ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم في هَذا أصحّ مِنْ حدِيثِ أبي صَالحٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم. وإنّما كَانَ هَذا في أوّلِ الأمرِ ثمّ نُسِخَ بعدُ. هَكذَا رَوَى محمدُ بنُ إسْحَاقَ، عنْ محمد بنِ المُنْكَدِرِ، عنْ جَابرِ بنِ عَبدِ الله، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إنّ مَنْ شَربَ الخَمرَ فاجْلِدوه فإنْ عَادَ في الرّابعَةِ فاقْتلُوه". قالَ ثمّ أُتِيَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بعدَ ذلكَ برجُلٍ قدْ شرِبَ في الرّابعةِ فَضَرَبَهُ ولَمْ يَقْتُلْهُ. وكذَلِكَ رَوَى الزّهرِيّ، عنْ قَبِيصةَ بنِ ذُؤيبٍ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم نحْوَ هَذا قالَ فَرُفِعَ القَتْلُ وكَانتْ رُخْصَةً.
ـــــــ
الرابعة فلكم عليّ أن أقتله كذا في المنتقى. قال الشوكاني في النيل وهو حديث منقطع. قوله: "سمعت محمداً" هذا قول الترمذي ومحمد هذا هو الإمام البخاري رحمه الله "حديث أبي صالح عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا أصح الخ" أخرجه الخمسة إلا النسائي وأخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وسكت عنه. قال الذهبي في مختصره: هو صحيح. وأخرجه النسائي في سننه الكبرى كذا في نصب الراية "وإنما كان هذا" أي قتل شارب الخمر إذا عاد في الرابعة "في أول الأمر" أي في ابتداء الاسلام "ثم نسخ بعد" بضم الدال أي بعد ذلك "هكذا روى محمد بن إسحاق عن محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم الخ" وصله النسائي في سننه الكبرى ورواه البزار في مسنده عن ابن إسحاق به أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بالنعمان قد شرب الخمر ثلاثا فأمر بضربه فلما كان في الرابعة أمر به فجلد الحد فكان نسخاً "وكذلك روى الزهري عن قبيصة بن ذويب عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا قال فرفع القتل وكانت رخصة" وصله أبو داود في سننه. وقال المنذري قال الإمام الشافعي رحمه الله والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره. وقال غيره:(4/723)
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحديث عِندَ عَامّةِ أَهْلِ العِلْمِ لاَ نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ اخْتِلاَفاً فِي ذَلِكَ فِي القَدِيمِ وَالحَدِيثِ. وَمِمّا يُقَوّى هَذا مَا رُوِى عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ، أنّهُ قَالَ: "لاَ يَحلّ دَمُ امرئ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أنْ لاَ إله إلاّ الله وَأَنّي رَسُولُ الله إلاّ بِإحْدَى ثَلاَثٍ: النّفْسُ بِالنّفْسِ، وَالثَيبُ الزّانِي، وَالتّارِكُ لِدِينِهِ".
ـــــــ
قد يراد الأمر بالوعيد ولا يراد به وقوع الفعل وإنما يقصد به الردع والتحذير وقد يحتمل أن يكون القتل في الخامسة واجباً ثم نسخ بحصول الإجماع من الأمة على أنه لا يقتل. هذا آخر كلامه وقال غيره: أجمع المسلمون على وجوب الحد في الخمر وأجمعوا على أنه لا يقتل إذا تكرر منه، إلا طائفة شاذة قالت يقتل بعد حده أربع مرات للحديث. وهو عند الكافة منسوخ هذ آخر كلامه. وقبيصة بن ذويب ولد عام الفتح وقيل إنه ولد أول سنة من الهجرة ولم يذكر له سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعده الأئمة من التابعين. وذكروا أنه سمع من الصحابة فإذا ثبت أن مولده في أول سنة من الهجرة أمكن أن يكون سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد قيل أنه أتى به النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام يدعو له وذكر عن الزهري أنه كان إذا ذكر قبيصة بن ذويب قال كان من علماء هذه الأمة. وأما أبوه ذويب بن حلحلة فله صحبة انتهى كلام المنذري. "والعمل على هذا عند عامة أهل العلم لا نعلم يبنهم اختلافاً في ذلك في القديم والحديث" وقال الترمذي في آخر كتاب العلل: إن هذا الحديث غير معمول به عند أهل العلم قال الشوكاني في النيل وقد اختلف العلماء هل يقتل الشارب بعد الرابعة أو لا؟ فذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه يقتل ونصره ابن حزم واحتج له ودفع دعوى الاجماع على عدم القتل. وهذا هو ظاهر ما في الباب عن ابن عمرو. وذهب الجمهور إلى أنه لا يقتل الشارب وأن القتل منسوخ انتهى.(4/724)
المجلد الخامس
تابع أبواب الحدود
باب ماجاء في كم يقطع السارق
...
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
16 ـ باب ما جاءَ في كَمْ تُقْطَعُ يد السّارِق
1469 ـ حدثنا عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ، حدثنا سفيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عنِ الزّهْرِيّ، أَخْبَرَتْهُ عَمْرَةُ عن عائشةَ: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَقْطَعُ في رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِداً".
حديثُ عائشةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد رُوِيَ هذا الحديثُ من غيرِ وجهٍ عن عَمْرَةَ عن عائشةَ مرفوعاً، ورواه بعضُهم عن عَمرَة عن عائشةَ موقوفاً.
ـــــــ
"باب ما جاءَ في كَمْ تُقْطَعُ يد السّارِق"
قوله: "كان يقطع" أي يد السارق والسارقة، أي كان يأمر بالقطع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يباشر القطع بنفسه "في ربع دينار فصاعداً" قال صاحب المحكم: يختص هذا بالفاء ويجوز ثم بدلها ولا تجوز الواو. وقال ابن جني: هو منصوب على الحال أي ولو زاد. ومن المعلوم أنه إذا زاد لم يكن إلا صاعدا. وقد وقع في رواية عند مسلم: فما فوقه بدل فصاعدا وهو بمعناه.
قوله: "حديث عائشة حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة إلا ابن ماجة "وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عمرة عن عائشة موقوفاً" أخرجه الطحاوي من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة موقوفا، وأخرجه مسلم عن طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة مرفوعا. قال الحافظ في الفتح: وحاول الطحاوي تعليل رواية أبي بكر المرفوعة برواية ولده الموقوفة. وأبو بكر أتقن وأعلم من(5/3)
1470 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا اللّيْثُ عن نافِعٍ عنِ ابنِ عمرَ قال: "قَطَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في مِجَنّ قِيمَتُهُ ثلاثةُ دراهمَ".
وفي البابِ عن سعدٍ و عبدِ الله بن عَمْرٍو، و ابنِ عباسٍ و أبي هريرةَ و أَيْمَنَ.
"حديثُ ابنِ عمرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ الْعِلْمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، منهم أبو بكرٍ الصّديقُ قَطَعَ في خمسةِ
ـــــــ
ولده، على أن الموقوف في مثل هذا لا يخالف المرفوع. لأن الموقوف محمول على الفتوى. والعجب أن الطحاوي ضعف عبد الله بن أبي بكر في موضع آخر ورام هنا تضعيف الرواية القوية بروايته انتهى.
قوله: "قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجن" بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون هو النرس لأنه يوارى حامله قيمته ثلاثة دراهم. هذه الرواية لا تخالف رواية ربع دينار المتقدمة، لأن ربع الدينار كان يومئذ ثلاثة دراهم، ففي رواية عائشة عند أحمد قال: اقطعوا في ربع دينار. ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك، وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم والدينار اثني عشر درهما. وقال الشافعي: وربع الدينار موافق لرواية ثلاثة دراهم، وذلك أن الصرف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر درهما بدينار. وكان كذلك بعده. وقد ثبت أن عمر فرض الدية على أهل الورق اثني عشر ألف درهم وعلى أهل الذهب ألف دينار.
قوله: "وفي الباب عن سعد وعبد الله بن عمرو وابن عباس وأبي هريرة وأيمن" أما حديث أبي سعد فأخرجه الطحاوي. وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود والنسائي. وأما حديث ابن عباس فأخرجه الطحاوي. وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فأخرجه الشيخان. وأما حديث أيمن فأخرجه الطحاوي.
قوله: "حديث ابن عمر حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "منهم أبو بكر الصديق قطع في خمسة دراهم" وأخرج ابن المنذر عن(5/4)
دراهمَ. ورُوِيَ عن عثمانَ وعليّ أنهما قَطَعَا في رُبْعِ دِينَارٍ. ورُوِي عن أبي هريرةَ وأبي سعيدٍ أنهما قالا: تُقْطَعُ اليدُ في خمسةِ دراهمَ. والعملُ على هذا عندَ بعضِ فُقَهَاءِ التّابِعِينَ. وهو قولُ مالكِ بنِ أنسٍ والشافعيّ وأحمدَ وإسحاقَ: رأَوْا القَطْعَ في رُبْعِ دينارٍ فصاعِداً.
ـــــــ
عمر أنه قال: لا تقطع الخمس إلا في خمس "وروي عن عثمان وعلي أنهما قطعا في ربع دينار" أخرج ابن المنذر أنه أتى عثمان بسارق سرق أترجة فقومت بثلاثة دراهم من حساب الدينار باثني عشر فقطع. وأخرج أيضا والبيهقي من طريق جعفر عن أبيه أمير المؤمنين علياً رضي الله تعالى عنه قطع في ربع دينار وكانت قيمته درهمين ونصفا. وأخرج البيهقي أيضا من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه: القطع في ربع دينار فصاعدا. وأخرج أيضا من طريقه عن أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه: أنه قطع يد السارق في بيضة من حديد ثمنها ربع دينار ورجاله ثفات ولكنه منقطع.
"وروي عن أبي هريرة وأبي سعيد أنهما قالا: تقطع اليد في خمسة دراهم" وروى عنهما القطع في أربعة دراهم. قال الشوكاني في النيل: المذهب الخامس أربعة دراهم نقله ابن المنذر عن وأبي هريرة سعيد وكذلك حكاه عنهما في البحر انتهى "والعمل على هذا عند بعض فقهاء التابعين" وهو قول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق "رأوا القطع في ربع دينار فصاعداً" قد ذهب إلى ما تقتضيه أحاديث الباب من ثبوت القطع في ثلاثة دراهم أو ربع دينار، الجمهور من السلف والخلف ومنهم الخلفاء الأربعة. واختلفوا في ما يقوم به ما كان من غير الذهب والفضة، فذهب مالك في المشهور عنه إلى أنه يكون التقويم بالدراهم لا بربع الدينار إذا كان الصرف مختلفاً. وقال الشافعي: الأصل في تقويم الأشياء هو الذهب لأنه الأصل في جواهر الأرض كلها حتى قال إن الثلاثة الدراهم إذا لم تكن قيمتها ربع دينار لم توجب القطع انتهى. قال مالك وكل واحد من الذهب والفضة معتبر في نفسه، لا يقوم بالآخر. وذكر بعض البغداديين أنه ينظر في تقويم العروض(5/5)
وقد رُوِيَ عن ابنِ مسعودٍ أنه قال: لا قَطْعَ إلا في دينارٍ أو عشرةِ دراهمَ. وهو حديثٌ مُرْسَلٌ رَوَاهُ القاسمُ بنُ عبدِ الرحمَنِ عن ابنِ مسعودٍ. والقاسمُ لم يَسْمَعْ من ابنِ مسعودٍ. والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ الْعِلْمِ. وهو قولُ سفيانَ الثّوْرِيّ وأهلِ الْكُوفَةِ قالوا: لا قَطْعَ في أقلّ من عشرةِ دراهمَ.
ـــــــ
بما كان غالبا في نقود أهل البلد "وقد روى عن ابن مسعود أنه قال: لا قطع إلا في دينار أو عشر دراهم وهو حديث مرسل رواه القاسم بن عبد الرحمن عن ابن مسعود. والقاسم لم يسمع من ابن مسعود" أخرج قول ابن مسعود هذا الطحاوي في شرح الآثار قال: حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا عثمان بن عمر عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن أن عبد الله بن مسعود فذكره.
"والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة قالوا لا قطع في أقل من عشرة دراهم" وهو قول أبي حنيفة واصحابه وسائر فقهاء العراق واحتجوا بقول ابن مسعود المذكور، وقد عرفت أنه منقطع. واحتجوا أيضا بما أخرجه البيهقي والطحاوي من حديث محمد بن إسحاق عن أيوب ابن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال: كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم عشرة دراهم، وأخرج نحو ذلك النسائي عنه، وأخرج عن أبو داود أن ثمنه كان ديناراً أو عشرة دراهم. وأخرج البيهقي عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم، وأخرج النسائي عن عطاء مرسلا أدنى ما يقطع فيه ثمن المجن قال وثمنه عشرة دراهم قالوا: هذه الروايات في تقدير ثمن المجن أرجح من الروايات الأولى وإن كانت أكثر وأصح ولكن هذه أحوط والحدود تدفع بالشبهات فهذه الروايات كأنها شبهة في العمل بما دونها. وروى نحو هذا عن ابن العربي، قال وإليه ذهب سفيان مع جلالته.
ويجاب بأن الروايات المروية عن ابن عباس وابن عمرو بن العاص في إسنادها(5/6)
ـــــــ
جميعا محمد بن إسحاق وقد عنعن ولا يحتج بمثله إذا جاء بالحديث معنعنا فلا يصلح لمعارضة ما في الصحيحين عن ابن عمر وعائشة. وقد تعسف الطحاوي فزعم أن حديث عائشة مضطرب ثم بين الإِضطراب بما يفيد بطلان قوله، وقد استوفى صاحب الفتح الرد عليه كذا في النيل.
قلت الأمر كما قال الشوكاني قد أجاب الحافظ عما أورد الطحاوي على حديث عائشة المذكور جوابا حسنا شافيا وقد أجاب أيضا عن الروايات التي تدل على أن ثمن المجن كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا أو عشرة دراهم وأجاد فيه وأصاب ثم مقال الحافظ: ولو ثبتت لم تكن مخالفة لرواية الزهري بل بجمع بينهما بأنه كان أولا لا قطع فيما دون العشرة ثم شرع القطع في الثلاثة فما فوقها، فزيد في تغليظ الحد كما زيد في تغليظ حد الخمر. وأما سائر الروايات فليس فيها إلا إخبار عن فعل وقع في عهده صلى الله عليه وسلم وليس فيه تحديد النصاب، فلا ينافي رواية ابن عمر يعني المذكور في هذا الباب أنه قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم. وهو مع كونه حكاية فعل فلا يخالف حديث عائشة من رواية الزهري. فإن ربع دينار صرف ثلاثة دراهم(5/7)
باب ماجاء في تعليق يد السارق
...
17ـ باب ما جاءَ في تَعْلِيقِ يَدِ السّارِق
1471ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا عمرُ بنُ علي المُقَدّمِيّ، حدثنا الحجاجُ عن مكحولٍ عن عبدِ الرحمَنِ بنِ مُحَيْرِيزٍ قال: سألْتُ فَضَالَةَ بنَ عُبَيْدٍ عن تعليقِ الْيَدِ في عُنُقِ السّارِقِ، أَمِنَ السّنّةِ هو؟ قال: "أُتِيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِسَارِقٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ ثُمّ أُمِرَ بها فَعُلّقَتْ في عُنُقهِ".
ـــــــ
"باب ما جاءَ في تَعْلِيقِ يَدِ السّارِق"
قوله: "حدثنا الحجاج" هو ابن أرطأة "سمعت فضالة" بفتح الفاء "بن عبيد" بالتصغير "أتى" بصيغة المجهول "فعلقت" بتشديد اللام مجهولاً "في عنقه" أي ليكون عبرة ونكالا. قال ابن الهمام المنقول عن الشافعي وأحمد أنه يسن تعليق(5/7)
"هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إلا من حديثِ عمرَ بنِ عليّ المُقَدّمِيّ عن الحجاجِ بنِ أرْطَأَةَ، وعبدُ الرحمَنِ بنُ مُحَيْرِيزٍ هو أخو عبدِ الله بنِ مُحَيْرِيزٍ شاميّ
ـــــــ
يده في عنقه لأنه عليه الصلاة والسلام أمر به وعندنا ذلك مطلق للإمام إن رآه ولم يثبت عنه عليه الصلاة والسلام في كل قطعه ليكون سنة انتهى، وقال في النيل: في هذا الحديث دليل على مشروعية تعليق يد السارق في عنقه لأن في ذلك من الزجر مالا مزيد عليه، فإن السارق ينظر إليها مقطوعة معلقة فيتذكر السبب لذلك وما جرّ إليه ذلك الأمر من الخسارة بمفارقة ذلك العضو النفيس، وكذلك الغير يحصل له بمشاهدة اليد على تلك الصورة ما تنقطع به وساوسه الرديئة. وأخرج البيهقي أن عليا رضي الله عنه قطع سارقا فمروا به ويده معلقة انتهى.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" قال في المنتقى أخرجه الخمسة إلا أحمد وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف انتهى. "لا نعرفه إلا من حديث عمر بن علي المقدمي عن الحجاج بن أرطأة" قال الحافظ في التخليص: وهما مدلسان. وقال النسائي: الحجاج بن أرطأة ضعيف ولا يحتج بخبره. قال هذا بعد أن أخرجه بطريقة انتهى(5/8)
باب ماجاء في الخائن والمختلس والمنتهب
...
18ـ باب ما جاءَ في الخائنِ والمُخْتَلِسِ والمُنتَهِب
1472ـ حدثنا عَلِيّ بنُ خَشْرَمٍ، حدثنا عِيسَى بنُ يُونُسَ عن ابنِ جُرَيْجٍ عن أبي الزّبَيْرِ عن جابرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على خائنٍ
ـــــــ
"باب ما جاءَ في الخائنِ والمُخْتَلِسِ والمُنتَهِب"
الخائن مو من يأخذ المال خفية ويظهر النصح للمالك. والمختلس الذي يسلب المال على طريقة الخلسة. وقال في النهاية: هو من يأخذه سلبا ومكابرة. والمنتهب هو من ينتهب المال على جهة القهر والغلبة.
"قوله: ليس على خائن" قال ابن الهمام: اسم فاعل من الخيانة، وهو أن(5/8)
ولا مُنْتَهِبٍ ولا مُخْتَلِسٍ قطع" قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، والعملُ على هذا عند أهلِ الْعِلْمِ. وقد رَوَاه مُغِيرَةُ بنُ مُسْلِمٍ عن أبي الزّبَيْرِ عن جابرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوَ حديثِ ابنِ جُرَيْجٍ. ومغيرة ابن مسلم هو بصري أخو عبد العزيز القسمليّ كذا قال، قال علي بن المديني.
ـــــــ
يؤتمن على شيء بطريق العارية والوديعة فيأخذه ويدعي ضياعه، أو ينكر أنه كان عنده وديعة أو عارية. وعلله صاحب الهداية بقصور الحرز لأنه قد كان في يد الخائن وحرزه لا حرز المالك على الخلوص، وذلك لأن حرزه وإن كان حرز المالك إنه أحرزه بإيداعه عنده لكنه حرز مأذون للسارق في دخوله "ولا منتهب" لأنه مجاهر بفعله لا مختف فلا سرقة ولا قطع "ولا مختلس" لأنه المختطف للشيء من البيت ويذهب أو من يد المالك. في المغرب: الاختلاس أخذ الشيء من ظاهر بسرعة "قطع" اسم ليس. قال النووي في شرح مسلم: قال القاضي عياض: شرع الله تعالى إيجاب القطع على السارق ولم يجعل ذلك في غيرها كالاختلاس والانتهاب والغصب، لأن ذلك قليل بالنسبة إلى السرقة، ولأنه يمكن استرجاع هذا النوع بالاستغاثة إلى ولاة الأمور وتسهيل إقامة البينة عليه بخلافها، فيعظم أمرها، واشتدت عقوبتها ليكون أبلغ في الزجر عنها انتهى.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الخمسة كذا في المنتقى، وأخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وابن حبان وصححه. وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف عند ابن ماجة بنحو حديث الباب. وعن إنس عند ابن ماجة أيضا والطبراني في الأوسط. وعن ابن عباس عند ابن الجوزي في العلل وضعفه. وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا، ولاسيما بعد تصحيح الترمذي وابن حبان لحديث الباب قاله الشوكاني.
قوله: "والعمل على هذا عند أهل العلم" كذا قال الترمذي ولم يذكر اختلاف الأئمة في هذه المسألة. قال الشوكاني في النيل: قد ذهب إلى أنه لا يقطع المختلس والمنتهب والخائن العترة والشافعية والحنفية، وذهب أحمد وإسحاق وزفر والخوارج إلى أنه يقطع، وذلك لعدم اعتبارهم الحرز انتهى.(5/9)
ـــــــ
قلت: والراجح هو قول الشافعية والحنيفة. لأحاديث الباب وهي بمجموعها صالحة للاحتجاج(5/10)
باب ماجاء لاقطع في ثمر ولا كثر
...
19 ـ باب ما جاءَ لا قَطْعَ في ثَمَرٍ ولا كَثَر
1473 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا الليثُ عن يَحيى بنِ سعيدٍ عن محمدِ بنِ يَحيى بنِ حِبّانَ عن عمّهِ واسِع بنِ حبّانَ، أنّ رافعَ بنَ خَدِيجٍ قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لا قَطْعَ في ثَمَرٍ ولا كَثَرٍ" .
ـــــــ
"باب ما جاءَ لا قَطْعَ في ثَمَرٍ ولا كَثَر"
قوله: "لا قطع في ثمر ولا كثر" يفتح الكاف والثاء المثلثة وهو الجمار، قال في القاموس: والكثر ويحرك جمار النخل، أو طلعها، وقال الجمار كرمان شحم النخل، وقال في المجمع: الكثر بفتحتين جمار النخل، وهو شحمه الذي في وسط النخلة، وهو شيء أبيض وسط النخل يؤكل الكثر الطلع أول ما يؤكل انتهى.
قلت: المراد بالكثر هو الجمار كما وقع في رواية النسائي قال في شرح السنة: ذهب أبو حنيفة إلى ظاهر هذا الحديث فلم يوجب القطع في سرقة شيء من الفواكه الرطبة سواء كانت محرزة أو غير محرزة، وقاس عليه اللحوم والألبان والأشربة والخبوز، وأوجب الآخرون القطع في جميعها إذا كان محرزا، وهو قول مالك والشافعي، وتأول الشافعي الحديث على الثمار المعلقة غير المحرزة. وقال نخيل المدينة لا حوائط لأكثرها، والدليل عليه حديث عمر وبن شعيب، وفيه دليل على أن ما كان منها محرزا يجب القطع بسرقته انتهى.
قلت: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أخرجه النسائي وأبو داود عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثمر المعلق فقال: " من أصاب منه يفيه من ذي حاجة غير متخذ خبثه فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرن فبلغ ثمن المجن فعليه القطع" . وأخرجه أيضا الحاكم وصححه وأخرجه أيضاً الترمذي مختصراً في باب الرخصة في أكل الثمرة للمار بها وحسّنه. وحديث رافع بن خديج المذكور في الباب أخرجه(5/10)
هكذا رَوَى بعضُهم عن يَحْيى بنِ سعيدٍ عن محمدٍ بنِ يَحيى بنِ حبّانَ عن عمّه وَاسِعِ بنِ حبّانَ عن رافِعٍ بن خديج عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوَ روايةِ الليثِ بنِ سعدٍ.
ورَوَى مالكُ بنُ أنَسٍ وغيرُ واحدٍ هذا الحديثَ عن يَحيى بنِ سعيدٍ عن محمد بنِ يَحْيَى بنِ حبّانَ عن رافعِ بنِ خَديجٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولم يذكرُوا فيه عن واسعِ بنِ حبّانَ.
ـــــــ
الخمسة وأخرجه أيضاً الحاكم والبيهقي وصححه البيهقي وابن حبان، واختلف في وصله وإرساله. وقال الطحاوي: هذا الحديث تلفت العلماء متنه بالقبول(5/11)
باب ماجاء أن لايقطع الأيدي في الغزو
...
20 ـ باب ما جاءَ أنْ لا تُقطع الأيْدِي في الْغَزْو
1474ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا ابنُ لَهِيعَةَ عن عيّاشِ بنِ عياشٍ البصري عن شيَيْمٍ بنِ بَيْتَانَ عن جُنَادَةَ بنِ أبي أُمَيّةَ عن بُسْرِ بنِ أرْطَأَةَ قال: سَمِعْتُ النبيّ صلى
ـــــــ
"باب ما جاءَ أنْ لا تُقطع الأيْدِي في الْغَزْو"
قوله وعن عياش بن عباس الأول بفتح العين المهملة والياء التحتية المشددة والثاني بالموحدة المشددة وبالسين المهملة قال الحافظ ثقة "عن شييم" بكسر أوله وفتح التحتانية وسكون مثلها بعدها "بن بيتان" بلفظ تثنية بيت القتباني المصري ثقة من الثالثة قاله الحافظ. وفي المغنى شييم بكسر معجمه ويقال بضمها وفتح تحتية أولى وسكون ثانية "عن جنادة" بضم الجيم وفتح النون الخفيفة "بن أبي أمية" بضم الهمزة مصغراً الأزدي الشامي ومن ثقات التابعين "عن بسر" بضم الموحدة وسكون السين المهملة "أرطأة" بفتح الهمزة وسكون الراء ويقال ابن أبي أرطأة من صغار الصحابة.(5/11)
الله عليه وسلم يقول: "لا يقطَعُ الأيْدِي في الْغَزْوِ" .
هذا حديثٌ غريبٌ، وقد رواه غيرُ ابنِ لَهِيعَةَ بهذا الإسناد نحوَ هذا. وقال بُسْرُ بنُ أبي أرْطأَة أيضاً. والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ الْعِلْمِ منهم الأوزاعيّ لا يَرَوْنَ أن يُقَامَ الْحَدّ في الْغَزْوِ بحضرةِ الْعَدُوّ مَخافَةَ أن يَلْحَقَ من يُقَامُ عليه الحدّ بالعدوّ، فإذا خرجَ الإمامُ من أرضِ الحربِ ورجعَ إلى دارِ الإسلامِ أقامَ الحدّ عَلَى مَنْ أصابَهُ. كذلك قال الأوزاعيّ.
ـــــــ
قوله: "لا يقطع الأيدي في الغزو" روى أحمد وأبو داود والنسائي عن بسر بن أرطأة أنه وجد رجلا يسرق في الغزو فجلده ولم يقطع يده، وقال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القطع في الغزو. قال صاحب المنتقى وللترمذي منه المرفوع انتهى.
وفي الباب عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " جاهدوا الناس في الله القريب والبعيد ولا تبالوا في الله لومة لائم، وأقيموا الحدود في الحضر والسفر" . رواه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه وسيأتي الجمع بين هذين الحديثين.
قوله: "هذا حديث غريب" وأخرجه أحمد وغيره كما عرفت آنفاً "وقد رواه غير ابن لهيعة بهذا الإسناد نحو هذا" رواه أبو داود في سنته قال: حدثنا أحمد بن صالح أخبرنا ابن وهب أخبرني حيوة بن شريح عن عياش بن عباس بإسناد الترمذي. قال الشوكاني رجال إسناد أبي داود ثقات إلى بسر، قال: وفي إسناد النسائي بقية ابن الوليد قال المنذري: واختلف في صحبة بسر بن أرطأة فقيل له صحبة وقيل لا وأن مولده قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنين وله أخبار مشهورة، وكان يحيى لا يحسن أثناء عليه، وهذا يدل على أنه عنده لا صحبة له، وغمزه الدارقطني انتهى كلام المنذري. ونقل في الخلاصة عن ابن معين أنه قال: لا صحبة له وأنه رجل سوء ولي اليمن وله بها آثار قبيحة انتهى. "وقال" وفي بعض النسخ يقال وهو الظاهر "بسر بن أبي أوطأة" أي بزيادة لفظ أبي بين يسر وأرطأة.
قوله: "كذلك قال الأوزاعي" قال العزيزي في شرح الجامع الصغير والجمهور(5/12)
ـــــــ
على خلاف ما قال به الأوزاعي انتهى. وقال التوربشتي: ولعل الأوزاعي رأى فيه احتمال افتتان المقطوع بأن يلحق بدار الحرب أو رأى أنه أذا قطعت يده الأمير متوجه إلى الغزو ولم يتمكن من الدفع ولا يغني عنا فيترك إلى أن يقفل الجيش. قال القاضي: ولعله عليه الصلاة والسلام أراد به المنع من القطع فما يؤخذ من المغانم انتهى. قال الشوكاني: ولا معارضة بين الحديثين يعني حديث بسر بن أرطأة وحديث عبادة بن الصامت المذكورين لأن حديث بسر أخص مطلقاً من حديث عبادة فيبني العام على الخاص، وبيانه أن السفر المذكور في حديث عبادة أعم مطلقاً من الغزو المذكور في حديث بسر، لأن المسافر قد يكون غازياً وقد لا يكون. وأيضاً حديث يسر في حد السرقة وحديث عبادة في عموم الحد انتهى(5/13)
باب ماجاء في الرجل يقع على جارية إمرأته
...
21ـ باب ما جاءَ في الرّجُلِ يَقَعُ على جارِيَةِ امْرَأَتِه
1475 ـ حدثنا عليّ بنُ حُجْرٍ، حدثنا هُشَيْمٌ عن سعيدِ بنِ أبي عَرُوبَةَ و أيوبَ بنِ مِسْكِينٍ عن قَتَادَةَ عن حبيبِ بنِ سالمٍ قال: رُفِعَ إلى النّعمان بنِ بَشِيرٍ رجلٌ وَقَعَ عَلَى جارِيَةِ امْرَأَتِهِ فقال: لأَقْضِيَنّ فيها بقضاءِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، لئن كانت أَحَلّتْهَا لَهُ لأَجْلِدَنّهُ مِائَة، وإنْ لم تَكُنْ أَحَلّتْهَا لَهُ رَجَمْتُهُ.
ـــــــ
"باب ما جاءَ في الرّجُلِ يَقَعُ على جارِيَةِ امْرَأَتِه"
قوله: "وأيوب بن مسكين" بكسر ميم وكاف. قال في تهذيب التهذيب: أيوب ابن أبي مسكين ويقال مسكين التميمي أبو العلاء القصاب الواسطي روي عن قتادة وسعيد المقبري وأبي سفيان وغيرهم. قال أحمد: لا بأس به، وقال مرة: رجل صالح ثقة انتهى. وقال في التقريب: صدوق له أوهام من السابعة "عن حبيب ابن سالم" الأنصاري مولى النعمان بن بشير، وكاتبه لا بأس به من الثالثة "رفع إلى النعمان بن بشير" الأنصاري الخزرجي له ولأبويه صحبه ثم سكن الشام ثم ولى إمرة الكوفة ثم قتل بحمص "لأقضين فيها" أي في هذه القضية، وفي رواية أبي داود فيك مكان فيها والخطاب للرجل "لئن كانت أحلّتها له" أي إن كانت امرأته جعلت جاريتها حلالا وأذنت له فيها "لأجلدنه مائة" وفي رواية أبي داود جلدتك(5/13)
1476ـ حدثنا عليّ بنُ حُجْرٍ، حدثنا هُشَيْمٌ عن أبي بِشْرٍ عن حبيبِ بن سالم عن النّعمان بن بَشِيرٍ نحوَهُ
وفي البابِ عن سَلَمَةَ بنِ المُحَبّقِ.
حديثُ النّعمان في إسنادِهِ اضطرابٌ، قال سَمِعْتُ محمداً يقولُ: لم يَسْمَعْ قتادةُ من حبيبِ بنِ سالمٍ هذا الحديثَ، إنما رواهُ عن خالدِ بنِ عُرْفُطَةَ. قال أبو عيسى: وقد اختلف أهلُ العلمِ في الرّجُلِ يَقَعُ
ـــــــ
مائة. قال ابن العربي: يعني أدبته تعزيزاً أو أبلغ به الحد تنكيلاً لا انه رأى حده بالجلد حداً له. قال السندي بعد ذكر كلام ابن العربي هذا: لأن المحصن حده الرجم لا الجلد، ولعل سبب ذلك أن المرأة إذا أحلت جاريتها لزوجها فهو إعارة الفروج فلا يصح لكن العارية تصير شبهة ضعيفة فيعزر صاحبها انتهى.
قوله: "وفي الباب عن سلمة بن المحبق نحوه" يضم الميم وفتح الحاء المهملة وبعدها باء موحدة مشددة مفتوحة ومن أهل اللغة من يكسرها، وأخرج حديثه أبو داود والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في رجل وقع على جارية امرأته إن كان استكرهها فهي حرة وعليه لسيدتها مثلها، وإن كانت طاوعته فهي له وعليه لسيدتها مثلها. قال النسائي: لا تصح هذه الأحاديث. وقال البيهقي قبيصة ابن حربث يعني الذي روى هذا الحديث عن سلمة بن المحبق غير معروف. وروينا عن أبي داود أنه قال سمعت أحمد بن حنبل يقول: رواه عن سلمة بن المحبق شيخ لا يعرف لا يحدث عنه غير الحسن يعني قبيصة بن حريث. وقال البخاري في التاريخ: قبيصة بن حريث سمع سلمة بن المحبق في حديثه نظر. وقال ابن المنذر: لا يثبت خبر سلمة بن المحبق. وقال الخطابي: هذا حديث منكر وقبيصة بن حديث منكر وقبيصة بن حريث غير معروف والحجة لا تقوم بمثله، وكان الحسن لا يبالي أن يروي الحديث ممن سمع. وقال بعضهم هذا كان قبل الحدود كذا في النيل.
قوله: "حديث النعمان في إسناده اضطراب الخ" أخرجه الخمسة كذا في المنتقى. وقال المنذري: وقال النسائي: أحاديث النعمان كلها مضطربة. وقال الخطابي: هذا الحديث غير متصل وليس العمل عليه انتهى "إنما رواه عن خالد بن عرفطة" بضم(5/14)
على جاريةِ امرأتِهِ فَرُوِيَ عن غيرِ واحدٍ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم منهُمْ عليّ وابنُ عُمَرَ: أنّ عَلَيْهِ الرّجْمَ. وقال ابنُ مسعودٍ: ليس عليهِ حَدّ ولكن يُعَزّرُ. وَذَهَبَ أحمدُ وإسحاقُ إلى ما رَوَى النّعمان بنُ بشيرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
العين وسكون الراء المهملتين وضم الفاء وبعدها طاء مهملة مفتوحة وتاء تأنيث. قال في التقريب: مقبول من السادسة.
قوله: "وذهب أحمد وإسحاق إلى ما روى النعمان بن بشير الخ" قال الشوكاني: وهذا هو الراجح لأن الحديث وإن كان فيه المقال الميقدم فأقل أحواله أن يكون شبهة يدرأ بها الحد انتهى(5/15)
باب ماجاء في المرأة إذ استكرهت على الزنا
...
22ـ باب ما جاءَ في الْمَرْأَةِ إذا اسْتُكْرِهَتْ عَلَى الزّنَا
1477 ـ حدثنا عليّ بن حُجْرٍ، حدثنا مُعَمّرُ بنُ سُلَيْمانَ الرّقّيّ عن الحجاجِ بنِ أرطأَةَ عن عبدِ الجبّارِ بنِ وائِلِ بنِ حُجْرٍ عن أبِيهِ قال: اسْتُكْرِهَتْ امرأةٌ عَلَى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَدَرَأَ عنها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الحدّ وأقامهُ على الذي أصابَها، ولم يذكُرْ أنه جعلَ لها مَهْراً.
ـــــــ
" باب ما جاءَ في الْمَرْأَةِ إذا اسْتُكْرِهَتْ عَلَى الزّنَا"
قوله: "حدثنا معمر" بوزن محمد قال في التقريب: معمر في التشديد ابن سليمان النخعي أبو عبد الله الكوفي ثقة فاضل، أخطأ الأزدي في تليينه. وأخطأ من زعم أن البخاري أخرج له من التاسعة.
قوله: "استكرهت امرأة" بصيغة المجهول أي جامعها رجل بالإكراه "فدرأ" أي دفع "وأقامه" أي الحد "على الذي أصابها" أي جامعها "ولم يذكر" أي الراوي. قال القاري في المرقاة: وفي نسخة يعني من المشكاة بصيغة المجهول أي ولم يذكر في الحديث "أنه" أي النبي صلى الله عليه وسلم "جعل لها مهراً" أي على(5/15)
هذا حديثٌ غريبٌ وليس إسنادُهُ بِمُتّصِلٍ، وقد رُوِيَ هذا الحديثُ من غيرِ هذا الوَجْهِ: قال سَمِعْتُ محمداً يقولُ: عبدُ الجبّارِ بنُ وائلِ بنِ حُجْرٍ لم يَسْمَعْ مِنْ أبِيهِ ولا أدركَهُ يُقَالُ إنه وُلِدَ بعد مَوْتِ أبيهِ بأشهُرٍ. والعملُ على هذا الحديثِ عندَ أهلِ الْعِلْمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم: أنْ ليس على المُسْتَكْرَهِ حَدّ.
ـــــــ
مجامعها. قال المظهر: وكذا ابن الملك لا يذل هذا على عدم وجوب المهر لأنه ثبت وجوبه لها إيجابه صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى.
قوله: "هذا حديث غريب وليس إسناده بمتصل" لأن عبد الجبار بن وائل لم يسمع من أبيه "وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه" أي من غير هذا الإسناد، وقد رواه الترمذي فيما بعد فقال حدثنا محمد بن يحيى الخ "سمعت محمداً" هو الإمام البخاري "عبد الجبار بن وائل بن حجر لم يسمع من أبيه" هذا صحيح "ولا أدركه يقال إنه ولد بعد موت أبيه بأشهر" هذا ليس بصحيح بل الصواب أنه ولد في حياة أبيه. روى أبو داود في سننه قال: حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا عبد الوارث بن سعيد أخبرنا محمد بن جحادة حدثني عبد الجبار بن وائل قال: كنت غلاماً لا أعقل صلاة أبي، فحدثني وائل1 بن علقمة عن أبي وائل: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا كبر رفع يديه الحديث. فقول عبد الجبار: كنت غلاماً لا أعقل صلاة أبي نص صريح في أن عبد الجبار قد ولد في حياة أبيه. قال الحافظ في تهذيب التهذيب: وهذا القول ضعيف جداً فإنه قد صح أنه قال: كنت غلاماً لا أعقل صلاة أبي ولو مات أبوه وهو حمل لم يقل هذا القول انتهى.
فإن قلت: قال الحافظ في تهذيب التهذيب: نص أبو بكر البزار على أن القائل كنت غلاماً لا أعقل صلاة أبي هو علقمة بن وائل لا أخوه عبد الجبار.
ـــــــ
1 - قوله وائل بن علقمة كذا وقع في سنين أبي داود والصواب علقمة بن وائل كما صرح به الحافظ في القريب في ترجمة وائل بن علقمة .(5/16)
1478 ـ حدثنا محمدُ بنُ يَحْيَى النّيسَابُورِيّ حدثنا محمدُ بنُ يُوسُفَ عن إسرائيلَ، حدثنا سِمَاك بنُ حَرْبٍ عن عَلْقَمَةَ بنِ وائلٍ الْكِنْدِيّ عن أبيهِ: "أنّ امرأَةً خرجَتْ عَلَى عهدِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم تُرِيدُ الصلاةَ فَتَلَقّاها رجلٌ فَيتحلّلَها فقضَى حاجتَهُ منها، فصاحَتْ، فانطلَقَ. ومَرّ عليها رجلٌ فقالت: إنّ ذاك الرجلَ فَعَلَ بي كذا وكذا. ومَرّتْ بِعِصَابَةٍ مِنَ المُهاجِرِينَ فقالت: إنّ ذاك الرجلَ فَعَلَ بي كذا وكذا، فانطلَقُوا فأخذُوا الرجلَ الذي ظَنّتْ أنه وَقَعَ عليها، وأَتَوْها، فقالت: نَعَمْ هُوَ هذا. فأتوا به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فلَمّا أمَرَ بِهِ لِيُرْجَمَ قامَ صاحِبُها الذي وَقَعَ عليها فقالَ: يا رسولَ الله، أنا صاحبُها، فقال لها: " اذهبي فقد غَفَرَ الله لَك" ، وقال للرجلِ قَوْلاً حَسَناً، وقال للرجُلِ الذي وَقَعَ عليها " ارْجُمُوهُ" ، وقال: "لقد تَابَ تَوْبَةً لو تابَها أهلُ المدينةِ
ـــــــ
قلت: قول أبي بكر البزار هذا ضعيف جداً، فإنه لو كان قائل كنت غلاماً لا أعقل صلاة أبي هو علقمة لم يقل فحدثني علقمة بن وائل.
قوله: "تريد الصلاة" حال أو استئناف تعليل "فتلقاها رجل" أي قابلها "فتجللها" أي فغشيها بثوبه فصار كالجل عليها "فقضى حاجته منها" قال القاضي أي غشيها وجامعها، كنى به عن الوطء كما كنى عنه بالغشيان "فانطلق" أي الرجل الذي جامعها "ومر بها رجل" أي آخر غير الذي جللها "فقالت إن ذلك الرجل" أي المار الذي بما يجللها "فعل بي كذا وكذا" أي التجليل وقضاء الحاجة منها، والحال أن ذلك الرجل المار ما كان فعل بها "ومرت عصابة" بكسر العين أي جماعة، وفي رواية أبي داود: ومرت عصابة "فأخذوا الرجل الذي ظنت أنه وقع عليها" وكان ظنها غلطاً "أنا صاحبها" أي أن الذي جللتها وقضيت حاجتي منها لا الذي أخذوه وأتوابه عندك "فقال لها اذهبي فقد غفر الله لك" لكونها مكرهة "وقال للرجل" زاد في رواية أبي داود يعني الرجل المأخوذ "قولا حسناً" لأنه كان مأخوذاً من غير ذنب "وقال للرجل الذي وقع عليها ارجموه" لأنه كان معترفاً بما قالت المرأة وكان(5/17)
لَقُبِلَ منهم" .
هذا حديثٌ حسنٌ غريب صحيحٌ. وعَلْقَمَةُ بنُ وائلِ بنِ حُجْرٍ سَمِعَ من أبيهِ وهو أكبرُ من عبدِ الجبّارِ، وعبدُ الجبّارِ لم يَسْمَعْ من أبيهِ.
ـــــــ
محصناً "وعلقمة بن وائل بن حجر سمع من أبيه وهو أكبر من عبد الجبار بن وائل" أما كون علقمة أكبر من عبد الجبار فيدل عليه رواية أبي داود المذكورة. وأما سماع علقمة من أبيه فيدل عليه روايات عديدة.
منها ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث القصاص من طريق سِمَاك بن حرب عن علقمة بن وائل حدثه أن أباه حدثه الحديث.
ومنها ما أخرجه النسائي في باب رفع اليدين عند الرفع من الركوع أخبرنا سويد ابن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك عن قيس بن سليم العنبري حدثني علقمة بن وائل حدثني أبي فذكر الحديث. وأخرجه البخاري في جزء رفع اليدين: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين أنبأنا قيس بن سليم العنبري قال: سمعت علقمة بن وائل بن حجر حدثني أبي فذكر الحديث. فقوله إن أباه حدثه في رواية مسلم وكذا قوله حدثني أبي في رواية النسائي والبخاري دليل صريح على سماع علقمة من أبيه. فالحق أن علقمة سمع من أبيه وأنه أكبر من أخيه عبد الجبار.
فإن قيل: قال الحافظ في التقريب: علقمة بن وائل بن حجر صدوق إلا أنه لم يسمع من أبيه انتهى. وقد قال في أوائل التقريب إني أحكم على كل شخص منهم بحكم يشمل أصح ما قيل فيه وأعدل ما وصف به انتهى. فظهر أن أعدل الأقوال وأصحها أن علقمة لم يسمع من أبيه.
قلت قول الحافظ في التقريب بأن علقمة لم يسمع من أبيه معارض بقوله في بلوغ المرام في صفة الصلاة بعد ذكر حديث من طريق علقمة بن وائل عن أبيه رواه أبو داود بإسناد صحيح. فقول الحافظ رواه أبو داود بإسناد صحيح، يدل على أن علقمة سمع من أبيه، والظاهر أن يقال: إن الحافظ كان قائلا أولا بعدم سماع علقمة من أبيه ثم تحقق عنده سماعه منه فرجع من قوله الأول والله تعالى أعلم. وإن لم(5/18)
ـــــــ
يقل هذا فلا شك أن في قوله في التقريب بأن علقمة لم يسمع من أبيه، يرده رواية أبي داود المذكورة والله تعالى أعلم(5/19)
باب فيمن يقع على البهيمة
...
23 ـ باب ما جاءَ فيمَنْ يَقَعُ عَلَى البَهِيمَة
1479 ـ حدثنا محمدُ بنُ عمْرٍو السّوّاقُ حدثنا عبدُ العزيزِ بنُ محمدٍ عن عمرِو بنِ أبي عمرٍو عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عباسٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَجَدْتُمُوهُ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ" . فَقِيلَ لابنِ عباسٍ: ما شأنُ البهيمةِ؟ قال: ما سَمِعْتُ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئاً، ولكنْ أرَى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كَرِهَ أن يُؤكَلَ من لَحْمِها أو يُنْتَفَعَ بها، وقد عُمِلَ بها ذلك العملُ.
هذا حديثٌ لا نَعْرِفُهُ
ـــــــ
"باب ما جاءَ فيمَنْ يَقَعُ عَلَى البَهِيمَة"
قوله: "عن عمرو بن أبي عمرو" في التقريب عمرو بن أبي عمرو ميسرة مولى المطلب المدني أبو عثمان ثقة ربما وهم من الخامسة "فاقتلوه" قال القاري أي فاضربوه ضرباً شديداً أو أراد به وعيداً أو تهديداً "واقتلوا البهيمة" قيل لئلا يتولد منها حيوان على صورة إنسان، وقيل كراهة أن يلحق صاحبها الخزي في الدنيا لإبقائها. وفي شرح المظهر قال مالك والشافعي في أظهر قوليه وأبو حنيفة وأحمد إنه يعزر. وقال إسحاق: يقتل إن عمل ذلك مع العلم بالنهي، والبهيمة قيل إن كانت مأكولة تقتل وإلا فوجهان القتل لظاهر الحديث وعدم القتل للنهي عن ذبح الحيوان إلا لأهله "فقيل لابن عباس ما شأن البهيمة" أي لا عقل لها ولا تكليف عليها فما بالها تقتل "فقال ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئاً" أي من العلل والحكم "ولكن أرى" بضم الهمزة أي أظن "أو ينتفع" بها أي بلبنها وشعرها وتوليدها وغير ذلك "وقد عمل بها ذاك العمل" أي المكروه.
قوله: "هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن أبي عمرو الخ" أخرجه(5/19)
إلا من حديثِ عمرِو بنِ أبي عمرٍو عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عباسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقد رَوَى سُفْيَانُ الثّوْرِيّ عن عاصمٍ عن أبي رُزَيْنٍ عن ابنِ عباسٍ أنه قال: مَنْ أتَى بَهِيمَةً فلا حَدّ عليهِ.
1480 ـ حدثنا بذلكَ محمدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا عبدُ الرحمَنِ بنُ مَهْدِي، حدثنا سفيانُ الثّوْرِيّ، وهذا أصحّ من الحديثِ الأولِ. والعملُ على هذا عند أهلِ الْعِلْمِ وهو قَوْلُ أحمدَ وإسحاقَ.
ـــــــ
الخمسة ورجاله موثقون إلا أن فيه اختلافاً كذا في بلوغ المرام ويأتي باقي الكلام على هذا الحديث فيما بعد "وروى سفيان الثوري عن عاصم" هو ابن أبي النجود "عن أبي رزين" هو مسعود بن مالك الأسدي الكوفي ثقة فاضل من الثانية "من أتى بهيمة فلا حد عليه" هذا قول ابن عباس رضي الله عنه زاد أبو داود وكذا قال عطاء وقال الحكم: أرى أن يجلد ولا يبلغ به الحد. وقال الحسن: هو بمنزلة الزاني. قال أبو داود: حديث عاصم يضعف حديث عمرو بن أبي عمرو انتهى.
قلت: عطاء تابعي جليل مشهور، والحكم هذا هو ابن عتيبة الكوفي أحد الأئمة الفقهاء. والحسن هذا هو الحسن البصري. قال الخطابي: يريد "أي أبو داود بقوله حديث عاصم يضعف حديث عمرو بن أبي عمرو" أن ابن عباس لو كان عنده في هذا الباب حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لما يخالفه انتهى "وهذا" أي حديث عاصم الموقوف على ابن عباس "أصح من الحديث الأول" يعني حديث عمرو بن أبي عمرو المذكور أولا، وحديث عاصم هذا أخرجه أيضاً أبو داود والنسائي.
قوله: "والعمل على هذا عند أهل العلم" أي عملهم على حديث عاصم الموقوف يعني أنهم قالوا بأنه: لا حد على من أتى البهيمة "وهو قول أحمد وإسحاق" . قال الخطابي: وأكثر الفقهاء على أنه يعزر، وكذلك قال عطاء والنخعي، وبه قال مالك والثوري وأحمد وأصحاب الرأي وهو أحد قولي الشافعي انتهى.(5/20)
باب ماجاء في حد اللوطي
...
24 ـ باب ما جاءَ في حَدّ اللُوطِي
1481 ـ حدثنا محمدُ بنُ عمرٍو السّوّاقُ، حدثنا عبدُ العزيزِ بنُ محمدٍ عن عمرِو بنِ أبي عمرٍو عن عِكْرَمَةَ عن ابنِ عباسٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قوم لُوطٍ فاقْتُلُوا الْفَاعِلَ والمَفْعُولَ بِهِ" قال وفي الباب عن جابرٍ وأبي هريرةَ. قال أبو عيسى: وإنما يُعْرفُ هذا الحديث عن ابنِ عباسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من هذا الوجْهِ. ورَوَى محمدُ بنُ إسحاقَ هذا الحديثَ عن عمرِو بن أبي عمرٍو فقال: "مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ" ولم يذكُرْ فيه الْقَتْلَ وذكَرَ فيه ملعونٌ مَنْ أتَى بَهِيمَةً. وقد
ـــــــ
"باب ما جاءَ في حَدّ اللُوطِي"
قوله: "من وجدتموه" أي علمتموه "يعمل عمل قوم لوط" أي بعمل قوم لوط اللواطة "فاقتلوا الفاعل والمفعول به" . قال في شرح السنة: اختلفوا في حد اللوطي، فذهب الشافعي في أظهر قوليه وأبو يوسف ومحمد إلى أن حد الفاعل حد الزنا، أي إن كان محصناً يرجم وإن لم يكن محصناً يجلد مائة، وعلى المفعول به عند الشافعي على هذا القول جلد مائه وتغريب عام رجلاً كان أو امرأة محصناً أو غير محصن. لأن التمكين في الدّبر لا يحصنها فلا يحصنها حد المحصنات. وذهب قوم إلى أن اللوطي يرجم محصناً كان أو غير محصن، وبه قال مالك وأحمد، والقول الآخر للشافعي أنه يقتل الفاعل والمفعول به كما هو ظاهر الحديث: وقد قيل في كيفية قتلهما هدم بناء عليهما، وقيل رميهما من شاهق كما فعل بقوم لوط. وعند أبي حنيفة يعزر ولا يحد انتهى.
قوله: "وفي الباب عن جابر وأبي هريرة" أما حديث جابر فأخرجه الترمذي في هذا الباب. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجة والحاكم عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقتلوا الفاعل والمفعول به أحصنا أو لم يحصنا" . وإسناده(5/21)
رُوِيَ هذا الحديثُ عن عاصمِ بنِ عُمَرَ عن سُهَيْلٍ بنِ أبي صالحٍ عن أبيهِ عن أبي هريرةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "اقْتُلُوا الْفَاعِلَ والمَفْعُولَ بِهِ" .
هذا حديثٌ في إسنادِهِ مَقَالٌ ولا نعرف أحداً رواه عن سُهَيْلِ بنِ أبي صالحٍ غير عاصمِ بنِ عُمَرَ العُمَرِيّ، وعاصمُ بنُ عمرَ يُضَعّفُ في الحديثِ من قِبَلِ حِفْظِهِ. واختلف أهلُ العِلْمِ في حَدّ اللوطي، فَرَأَى بعضُهم أنّ عليهِ الرّجْمَ أُحْصِنَ أو لم يُحْصِنْ. وهذا قولُ مالكٍ والشافعيّ وأحمدَ وإسحاقَ.
وقال بعضُ أهلِ الْعِلْمِ من فُقهاءِ التابعينَ منهُمْ الحسَنُ البَصْرِيّ وإبراهيم النخعِيّ وعَطاءُ بنُ أبي رَباحٍ وغيرُهم، قالوا: حَدّ اللوطيّ حَدّ الزّانِي. وهو قولُ الثّوْرِيّ وأهلِ الْكُوفَةِ.
ـــــــ
ضعيف، وذكره الترمذي معلقاً "فقال وقد روي هذا الحديث عن عاصم بن عمر الخ" قال الحافظ: وحديث أبي هريرة لا يصح، وقد أخرجه البزار من طريق عاصم بن عمر العمري عن سهيل عن أبيه عنه وعاصم متروك.
قوله: "واختلف أهل العلم في حد اللوطي فرأى بعضهم أن عليه الرجم أحصن أو لم يحصن. وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق" أخرج البيهقي عن علي رضي الله عنه أنه رجم لوطياً، قال الشافعي: وبهذا نأخذ يرجم اللوطي محصناً كان أو غير محصن. وروى ابن ماجة من طريق عاصم بن عمر العمري عن أبي هريرة بلفظ: فارجموا الْاعلى والأسفل. وقد عرفت أن عاصماً هذا متروك، وأما رجم علي رضي الله عنه لوطياً فهو فعله "وقال بعض أهل العلم من فقهاء التابعين منهم الحسن البصري وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح وغيرهم قالوا: حد اللوطي حد الزاني وهو قول الثوري وأهل الكوفة" وهو قول الشافعي فيجلد عند هؤلاء الأئمة البكر ويغرب ويرجم المحصن. واحتجوا بأن التلوط نوع من أنواع الزنا لأنه أيلاج فرج في فرج فيكون اللائط والملوط به داخلين تحت عموم الأدلة الواردة في الزاتي المحصن والبكر، ويؤيد ذلك حديث: أذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان.(5/22)
1482 ـ حدثنا أحمدُ بنُ مَنيعٍ، حدثنا يَزِيدُ بنُ هارُونَ، حدثنا هَمّامٌ عن القاسمِ بنِ عبدِ الواحدِ المَكّيّ عن عبدِ الله بنِ محمدِ بنِ عُقِيلٍ أنه سَمِعَ جابراً يقولُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ أخْوَفَ ما أخافُ عَلَى أُمّتِي عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ" .
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ إنما نَعْرِفُهُ من هذا الوجهِ عن عبدِ الله بنِ محمدِ بنِ عقيلِ بنِ أبي طالِبٍ عن جابرٍ
ـــــــ
أخرجه البيهقي من حديث أبي موسى وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن كذبه أبو حاتم، وقال البيهقي لا أعرفه والحديث منكر بهذا الإسناد انتهى. ورواه أبو الفتح الأزدي في الضعفاء والطبراني في الكبير من وجه آخر عن أبي موسى وفيه بشر بن المفضل البجلي وهو مجهول. وقد أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عنه. وعلى فرض عدم شمول الأدلة المذكورة لهما فهما لاحقان بالزاني بالقياس.
ويجاب عن ذلك بأن الأدلة الواردة بقال الفاعل والمفعول به مطلقاً مخصصة لعموم أدلة الزنا الفارقة بين البكر والثيب على فرض شمولها اللوطي ومبطلة للقياس المذكور على فرض عدم الشمول لأنه يصير فاسد الاعتبار كما تقرر في الأصول.
وذهب أبو حنيفة والشافعي في قول له إلى أنه يعزر اللوطي فقط، ولا يخفي ما في هذا المذهب من المخالفة للأدلة المذكورة في خصوص اللوطي والأدلة الواردة في الزاني على العموم. وأما الاستدلال لهذا بحديث: لأن أخطئ في العفو خير من أن أخطئ في العقوبة، فمردود بأن ذلك أنما هو مع التباس والنزاع ليس هو في ذلك.
قوله: "إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط" أخوف ليدل أفعل تفصيل بمعنى المفعول. قال الطيبي أضاف أفعل إلى ما وهي نكرة موصوفة ليدل على أنه أذا استقصي الأشياء المخوف منها شيئاً بعد شيء لم يوجد أخوف من فعل قوم لوط.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه ابن ماجة(5/23)
باب ماجاء في المرتد
...
25ـ باب ما جاءَ في المرْتَد
1483 ـ حدثنا أحمدُ بنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ البصريّ، حدثنا عبدُ الْوَهّابِ الثقفيّ، حدثنا أَيّوبُ عن عِكْرِمَةَ أنّ عَلِيَاً حَرّقَ قوماً ارْتَدّوا عن الإسلامِ، فَبَلَغَ ذلك ابنَ عبّاسٍ فقال: لو كُنْتُ أنا لَقَتَلْتُهُمْ لقَوْلِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ بَدّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ" ، ولم أكُنْ لاِحَرّقَهمْ، لقول رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُعَذّبُوا بِعَذَابِ الله" فبلغَ ذلك عَلِيا فقال: صَدَقَ ابنُ عباسٍ.
ـــــــ
"باب ما جاء في المرتد"
أي في حكم الذي ارتد عن الإسلام
قوله: "إن علياً حرق قوماً ارتدوا عن الإسلام" روى الطبراني في الأوسط من طريق سويد بن غفلة أن علياً بلغة أن قوماً ارتدوا عن الإسلام فبعث إليهم فأطعمهم ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا فحفر حفيرة ثم أتى بهم فضرب أعناقهم ورماهم فيها ثم ألقى عليهم الحطب فأحرقهم ثم قال صدق الله ورسوله. وزعم أبو المظفر الإسفرايني في الملل والنحل: أن الذين أحرقهم علي طائفة من الروافض ادعوا فيه الإلهية وهم السبائية وكان كبيرهم عبد الله بن سبا يهودياً ثم أظهر الإسلام وابتدع هذه المقالة كذا قال الحافظ في الفتح ذكر بإسناده رواية تؤيد ما زعمه الإسفرايني في الملل والنحل "فبلغ ذلك ابن عباس" وكان ابن عباس حينئذ أميراً على البصرة من قبل علي رضي الله عنه "لو كنت أنا" أنا تأكيد للضمير المتصل والخبر محذوف أي لو كنت أنا بدله "من بدل دينه فاقتلوه" قال الحافظ قوله "من" عام يخص منه من بدله في الباطن، ولم يثبت عليه ذلك في الظاهر، فإنه تجري عليه أحكام الظاهر ويستثنى منه، من بدل دينه في الظاهر مع الإكراه "لا تعذبوا بعذاب الله" أي بالقتل بالنار "فبلغ ذلك علياً فقال صدق ابن عباس" قال الحافظ وفي رواية ابن علية(5/24)
هذا حديثٌ صحيح حسنٌ، والعملُ على هذا عندَ أهلِ الْعِلْمِ في المُرْتَدّ.
واختلَفُوا في المرأةِ إذا ارْتَدّتْ عن الإسلامِ. فقالتْ طائفةٌ من أهلِ الْعِلْمِ:
تُقْتَلُ. وهو قولُ الأوزاعيّ وأحمدَ وإسحاقَ. وقالت طائفةٌ منهم: تُحْبَسُ
ولا تُقْتَلُ. وهو قولُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وغيرِه من أهلِ الكُوفَةِ
ـــــــ
فبلغ علياً فقال ويح أم ابن عباس كذا عند أبي داود وعند الدارقطني بحذف أم وهو محتمل أنه لم يرض بما اعترض به ورأى أن النهي للتنزيه، وهذا بناء على تفسير ويح بأنها كلمة رحمة فتوجع له لكونه حمل النهي على ظاهره فاعتقد مطلقاً فأنكر، ويحتمل أن يكون قالها رضا بما قال وأنه حفظ ما نسيه بناء على أحد ما قيل في تفسير ويح أنها تقال بمعنى المدح والتعجب كما حكاه في النهاية انتهى.
قلت: لفظ الترمذي: فبلغ ذلك علياً فقال صدق، يدل على أن المراد بقوله ويح أم ابن عباس المدح والتعجب.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري.
قوله: "وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق" وهو قول الجمهور وهو الأصح الموافق لحديث الباب فإن لفظ "من" في قوله من بدل دينه عام شامل للرجل والمرأة "وقالت طائفة منهم تحبس ولا تقتل" أي المرأة المرتدة "وهو قول سفيان الثوري وغيره من أهل الكوفة" وهو قول الحنفية: قال الحافظ في الفتح استدل بقوله صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه، على قتل المرتدة كالمرتد، وخصه الحنفية بالذكر وتمسكوا بحديث النهي عن قتل النساء، وحمل الجمهور النهي على الكافرة الأصلية إذا لم تباشر القتال ولا القتل، لقوله في بعض طرق حديث النهي عن قتل النساء لما رأى المرأة مقتولة ما كانت هذه لتقاتل، ثم نهى عن قتل النساء. واحتجوا أيضاً بأن من الشرطية لا تعم المؤنث، وتعقب بأن ابن عباس راوي الخبر قد قال: تقتل المرتدة، وقتل أبو بكر في خلافته امرأة ارتدت، والصحابة متوافرون فلم ينكر ذلك عليه أحد، وقد أخرج ذلك كله ابن المنذر، وأخرج الدارقطني أثر أبي بكر من وجه حسن، وأخرج مثله مرفوعاً في قتل المرتدة(5/25)
ـــــــ
لكن سنده ضعيف، وقد وقع في حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلى اليمن قال له: "أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه فإن عاد وإلا فاضرب عنقه، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها، فأن عادت وإلا فاضرب عنقها" . وسنده حسن، وهو نص في موضع النزاع فيجب المصير إليه ويؤيده اشتراك الرجال والنساء في الحدود كلها الزنا والسرقة وشرب الخمر والقذف، ومن صور الزنا رجم المحصن فاستثنى ذلك من النهي عن قتل النساء فكذلك يستثنى قتل المرتدة انتهى(5/26)
باب ماجاء في من شهر السلاح
...
26 ـ باب ما جَاءَ فيمَنْ شَهَرَ السّلاَح
1484ـ حدثنا أبو كُرَيْبٍ و أبو السائبِ سالم بن جنادة. حدثنا أبو أُسامةَ عن بُرَيْدِ بنِ عبدِ الله بنِ أبي بُرْدَةَ عن جَدّهِ أبي بردةَ عن أبي مُوسَى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ حَمَلَ عَلْينَا السّلاَحَ فَلَيْسَ مِنّا" .
ـــــــ
"باب ما جَاءَ فيمَنْ شَهَرَ السّلاَح"
قال في القاموس: شهر سيفه كمنع وشهره انتضاه فرفعه على الناس. وقال في الصراح شهر شمشير بركشيدن ازنيام، والسلاح بالكسر آلة الحرب وحديدتها ويؤنث والسيف والقوس بلا وتر والعصا.
قوله "من حمل علينا السلاح" وفي حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم من سل علينا السيف، ومعنى الحديث حمل السلاح على المسلمين لقتالهم به بغير حق لما في ذلك تخويفهم وأدخال الرعب عليهم، وكأنه كنى بالحمل عن المقاتلة أو القتل للملازمة الغالبة، قال ابن دقيق العيد: يحتمل أن يراد بالحمل ما يضاد الوضع ويكون كناية عن القتال به، ويحتمل أن يراد بحمل حمله لإرادة القتال لقرينه قوله علينا، ويحتمل أن يكون المراد حمله للضرب به، وعلى كل حال ففيه دلالة على تحريم قتال المسلمين والتشديد فيه. قال الحافظ: جاء الحديث بلفظ: من شهر علينا السلاح أخرج البزار من حديث أبي بكرة ومن حديث سمرة ومن حديث عمرو بن عوف وفي سند كل منها لين لكنها يعضد بعضها بعضاً وعند أحمد من حديث أبي هريرة بلفظ: من رمانا بالنبل فليس منا، وهو عند الطبراني في الأوسط بلفظ: الليل بدل النبل، وعند البزار من حديث بريدة مثله "فليس منا" أي ليس على طريقتنا(5/26)
قال: وفي البابِ عن ابنِ عُمَرَ وابنِ الزّبَيْرِ وأبي هريرةَ وسَلَمَةَ بنِ الأكْوعِ.
"حديثُ أبي مُوسَى حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
أو ليس متعباً لطريقتنا، لأن من حق المسلم على المسلم أن ينصره ويقاتل دونه لا أن يرعبه بحمل السلاح عليه لإرادة قتاله أو قتله. ونظيره "من غشنا فليس منا" ، و "ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب" . وهذا في حق من لا يستحل ذلك، فأما من يستحله فإنه يكفر بأستحلال المحرم بشرطه لا بمجرد حمل السلاح. والأولى عند كثير من السلف إطلاق لفظ الخبر من غير تعرض لتأويله ليكون أبلغ في الزجر. وكان سفيان بن عينة ينكر على من يصرفه عن ظاهره فيقول معناه ليس على طريقتنا، ويرى أن الإمساك عن تأويله أولى لما ذكرناه. والوعيد المذكور لا يتناول من قاتل البغاة من أهل الحق فيحمل على البغاة وعلى من بدأ بالقتال ظالماً انتهى.
قوله: "وفي الباب عن ابن عمر وابي هريرة وسلمة بن الأكوع" أما حديث ابن عمر وأبي هريرة فأخرجه الشيخان بلفظ حديث الباب. وأما حديث ابن الزبير فلينظر من أخرجه. وأما حديث سلمة بن الأكوع فأخرجه مسلم.
قوله: "حديث أبي موسى حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري(5/27)
باب ماجاء في حد الساحر
...
27ـ باب ما جاءَ في حَدّ السّاحِر
1485ـ حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا أبو مُعَاوِيَةَ عن إسماعيلَ بنِ مُسْلِمٍ عن الحسن عن جُنْدُبٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "حَدّ السّاحِرِ ضَرْبَةٌ بالسّيْفِ" .
هذا حديثٌ لا نَعْرِفُهُ مرفوعاً إلا من هذا الوجهِ،
ـــــــ
"باب ما جاءَ في حَدّ السّاحِر"
قوله: "حد الساحر ضربة بالسيف" قال في مجمع يروى بالتاء وبالهاء، وعدل عن القتل إلى هذا كي لا يتجاوز منه إلى أمر آخر، واستدل به من قال: إن حد الساحر القتل لكن الحديث ضعيف.
قوله: "هذا حديث لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه" وأخرجه الدارقطني(5/27)
وإسماعيلُ بنُ مُسْلِمٍ المَكيّ يُضَعّفُ في الحديثِ، وإسماعيلُ بنُ مُسْلِمٍ الْعَبديّ البَصريّ. قال وَكِيعٌ هو ثِقَةٌ ويَرْوِي عن الحسَنِ أيضاً والصحيحُ عن جُنْدُبٍ موقوفٌ. والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ الْعِلْمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم، وهو قولُ مالكِ بنِ أنسٍ، وقال الشافعيّ: إنما يُقْتَلُ السّاحرُ إذا كان يَعْمَلُ في سِحْرِهِ ما يَبْلغُ الكُفْرَ، فإذا عَمِلَ عملاً دُونَ الكفر فلم نرَ عَلَيهِ قَتْلاً.
ـــــــ
والحاكم والبيهقي "وإسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث من قبل حفظه" قال في القريب: إسماعيل بن مسلم المكي أبو إسحاق كان من البصرة ثم سكن مكة وكان فقيهاً ضعيف الحديث من الخامسة "وإسماعيل بن مسلمم العبدي البصري قال وكيع: هو ثقة ويروي عن الحسن أيضاً" أي كما يروي عنه أسماعيل بن مسلم المكي. قال في التقريب: أسماعيل بن مسلم العبدي أبو محمد البصري القاضي ثقة من السادسة.
قوله: "وهو قول مالك بن انس الخ" قال النووي في شرح مسلم: عمل السحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع، قال: وقد يكون كفراً وقد لا يكون كفرا بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر كفر وإلا فلا. وأما تعلمه وتعليمه فحرام، قال: ولا يقتل عندنا يعني الساحر، فإن تاب قبلت توبته، وقال مالك: الساحر كافر بالسحر ولا يستتاب ولا تقبل توبته بل يتحتم قتله. والمسألة مبنية على الخلاف في قبول توبة الزنديق، لأن الساحر عنده كافر كما ذكرنا وعندنا ليس بكافر وعندما تقبل توبة المنافق والزنديق. قال القاضي عياض: وقول مالك قال أحمد بن حنبل وهو مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين. قال أصحابنا إذا قتل الساحر بسحره إنساناً أو اعترف أنه مات بسحره وأنه يقتل غالباً لزمه القصاص، وإن مات به ولكنه قد يقتل وقد لا يقتل فلا قصاص وتجب الدية والكفارة، وتكون الدية في ماله لا على عاقلته، لأن العاقلة لا تجمل ما ثبت باعتراف الجاني. قال أصحابنا: ولا يتصور القتل بالسحر بالبينة وإنما يتصور باعتراف الساحر والله تعالى أعلم. انتهى كلام النووي(5/28)
باب ماجاء في الغال مايصنع به
...
28ـ باب ما جاءَ في الْغَالّ ما يُصْنَعُ بِه
1486ـ حدثنا محمدُ بنُ عمْرٍو السوّاق حدثنا عبدُ العزيز بنُ محمدٍ عن صالحِ بنِ محمدِ بنِ زَائدةَ عن سالمِ بنِ عمرَ عن عبدِ الله بنِ عمرَ عن عمرَ أنّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ وَجَدْتُمُوهُ غَلّ في سَبِيلِ الله فَاحْرِقُوا مَتَاعَه" . قال صالحٌ: فدخلْتُ على مَسْلَمَةَ وَمَعَهُ سالمُ بنُ عبدِ الله فَوجَدَ رجلاً قد غَلّ، فحدّثَ سالمٌ بهذا الحديثِ، فأمرَ به فأحرقَ مَتَاعَهُ، فَوُجِدَ في مَتَاعِهِ مُصْحَفٌ، فقال سالمٌ: بِعْ هذا وتَصَدّقْ بِثَمَنِه.
هذا الحديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُه إلا من هذا الوجهِ. والعملُ على هذا عند بعض أهلِ الْعِلْمِ، وهو قول الأوزاعيّ وأحمدُ وإسحاقَ.
قال: وسألْتُ محمداً عن هذا الحديثِ فقال: إنما رَوَى هذا صالحُ بنُ محمدِ بنِ زائدةَ وهو أبو وَاقِدٍ الليثيّ وهو مُنْكَرُ الحديثِ. قال محمد: وقد رُوِيَ
ـــــــ
"باب ما جاءَ في الْغَالّ ما يُصْنَعُ بِه"
قوله من وجدتموه غل في سبيل الله: أي سرق من مال الغنيمة. والغلول: هو الخيانة في المغنم "فاحرقوا متاعه" قد استدل بهذا الحديث من قال بحرق متاع الغال.
"قوله هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه" وأخرجه أحمد وأبو داود والحاكم والبيهقي.
"قوله وهو قول الإوزاعي وأحمد وإسحاق" وهو قول مكحول وعن الحسن ويحرق متاعه كله إلا الحيوان والمصحف. وقال الطحاوي: لو صح الحديث لاحتمل أن يكون حين كانت العقوبة بالمال انتهى.
قوله: "وهو منكر الحديث" قال المنذري: صالح بن محمد بن زائدة تكلم فيه غير واحد من الأئمة، وقد قيل إنه تفرد به. وقال البخاري: عامة أصحابنا يحتجون(5/29)
في غيرِ حديثٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الغالّ فلم يأمْرُ فِيهِ بِحرقِ مَتَاعِهِ.هذا حديثٌ غريبٌ.
ـــــــ
بهذا في الغلول وهو باطل ليس بشيء. وقال الدارقطني: أنكروا هذا الحديث على صالح بن محمد، قال: وهذا حديث لم يتابع عليه ولا أصل لهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمحفوظ أن سالماً أمر بذلك، وصحح أبو داود وقفه "وقال محمد: وقد روى في غير حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغال ولم يأمر فيه بحرق متاعه" الحرق يفتح الحاء المهملة والراء وقد تسكن الراء كما النهاية مصدر حرق بفتح الحاء وكسر الراء، وهذا لفظ رواية الترمذي عن البخاري رحمه الله، ولفظ البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد في باب القليل من الغلول، ولم يذكر عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرق متاعه، يعني في حديثه الذي ساقه في ذلك الباب وهو حديث عبد الله بن عمر قال: كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في النار، فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها. ثم قال البخاري وهذا أصح. قال في الفتح أشار إلى تضعيف حديث عبد الله بن عمر في الأمر بحرق رحل الغال انتهى(5/30)
باب ماجاء في من يقول في للأخر يامخنث
...
29ـ باب ما جاءَ فِيمَنْ يَقُولُ لاَخر يَا مُخَنّث
1487 ـ حدثنا محمدُ بنُ رافعٍ، حدثنا ابنُ أبي فُدَيْكٍ عن إبراهيم بنِ إسماعيلَ بنِ أبي حَبِيبَة عن داوُدَ بنِ الحُصيْنِ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عباسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا قَالَ الرّجُلُ لِلرّجُلِ يَا يِهُودِيّ
ـــــــ
"باب ما جاءَ فِيمَنْ يَقُولُ لاَخر يَا مُخَنّث"
بفتح النون المشددة ويكسر هو من يتشبّه بالنساء سمي به لانكسار كلامه وقيل قياسه الكسر والمشهور فتحه، والتشبه قد يكون طبيعياً وقد يكون تكليفاً. ومن الثاني حديث كذا في مجمع البحار.
قوله: "إذا قال الرجل للرجل" أي المسلم "يا يهودي" قال القاري: وفي معناه(5/30)
فَاضْرِبُوهُ عِشْرِينَ، وَإذاَ قالَ يَا مُخَنّثُ فَاضْرِبُوهُ عِشْرِينَ، وَمَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ فَاقْتُلُوهُ" .
هذا حديثٌ لا نعرفهُ إلا من هذا الوجهِ، وإبراهيم بنُ إسماعيلَ يُضَعّفُ في الحديثِ. وقد رُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من غيرِ وجهٍ، رَوَاهُ الْبَرَاءُ بنُ عازِبٍ وقُرّةُ بنُ إيَاسٍ المُزَنِيّ: أنّ رَجُلاً تَزَوّجَ امرأةَ أبيهِ فأمرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِهِ. والعملُ على هذا عند أصحابِنَا، قالوا مَنْ أتَى ذَاتَ مَحْرَمٍ وهو يعلمُ فَعَلْيهِ الْقَتْلُ.
وقال أحمدُ: مَنْ تَزَوّجَ أُمّهُ قُتِلَ. وقال إسحاقُ: مَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ قُتِلَ.
ـــــــ
يا نصراني ويا كافر "فاضربوه عشرين" أي سوطاً "وإذا قال يا مختث فاضربوه عشرين" قال الطبي: قوله يا يهودي فيه تورية وإيهام لأنه يحتمل أن يراد به الكفر والذلة لأن اليهود مثل في الصغار، والحمل على الثاني أرجح اللدّرء في الحدود، وعلى هذا المخنث انتهى "ومن وقع على ذات محرم فاقتلوه" أي من وقع بالجماع متعمداً، وفيه دليل لمن قال أن من وقع على ذات محرم يقتل، قال المظهر: حكم أحمد بظاهر الحديث، وقال غيره: هذا زجر وإلا حكمه حكم سائر الزناة يرجم أن كان محصناً، ويجلد إن كان غير محصن، كذا في المرقاة. قلت: والظاهر ما قال الإمام أحمد ولا حاجة لحمل الحديث على الزجر.
قوله: "وإبراهيم بن إسماعيل يضعف في الحديث" قال في التقريب إبراهيم بن إسماعيل ابن أبي حبيبة الأنصاري الأشهلي مولاهم أبو إسماعيل المدني ضعيف من السابعة.
قوله: "وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه رواه البراء بن عازب وقرة بن إياس المزني أن رجلاً الخ" تقدم حديث البراء وحديث قرة في باب من تزوج امرأة أبيه.
قوله: "قالوا من أتى ذات محرم" أي جامعها "وهو يعلم" جملة حالية، أي والحال أنه يعلم بتحريمها "فعليه القتل" أي فعليه أن يقتل، يعني يجب قتله وهو(5/31)
ـــــــ
الظاهر وعليه تدل أحاديث الباب. وأما الذين قالوا إن عليه حد الزنا فأحاديث الباب حجة عليهم والله تعالى أعلم(5/32)
باب ماجاء في التعزير
...
30ـ باب ما جاءَ في التّعزِير
1488 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا اللّيْثُ عن يَزِيدَ بنِ أبي حبيبٍ عن بُكَيْرِ بنِ عبدِ الله بنِ الأشَجّ عن سُلَيْمانَ بنِ يَسَارٍ عن عبدِ الرحمَنِ بنِ جابرِ بنِ عبدِ الله عن أبي بُرْدَةَ بنِ نِيَارٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُجْلَدُ فَوْقَ عشر جَلْدَاتٍ إلاّ في حَد مِنْ حُدُودِ الله" .
وقد رَوَى هذا الحديثَ ابنُ لَهِيعَةَ عن بُكَيْرٍ فأَخْطَأَ فيه وقال: عن عبدِ الرحمَنِ بنِ جابرِ بنِ عبدِ الله عن أبيهِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو خطأٌ. والصحيحُ حديثُ الليثِ بنِ سعدٍ إنما هو عبدُ الرحمنِ بنُ جابرِ بنِ عبدِ الله عن أبي بُرْدَةَ
ـــــــ
"باب ما جاءَ في التّعزِير"
قال في المغرب: التعزير تأديب دون الحد وأصله من العزر بمعنى الرد والردع. قال ابن الهمام: وهو مشروع بالكتاب قال تعالى {وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} أمر بضرب الزوجات تأديباً وتهذيباً. كذا في المرقاة القاري، وقال فيه بعد ذكر أحاديث في ثبوت التعزيز ما لفظه: وأقوى هذه الأحاديث قوله عليه الصلاة والسلام: "فاضربوهم على تركها بعشر في الصبيان" فهذا دليل شرعية التعزير وأجمع عليه الصحابة انتهى كلامه. وقال الحافظ: التعزير مأخوذ من العزر وهو الرد والمنع، واستعمل في الدفع عن الشخص كدفع أعدائه عنه ومنعهم من إضراره، ومنه {وآمنتم برسلي وعزرتموهم} وكدفعة عن إتيان القبيح، منه عزره القاضي شأن أدبه لئلا يعود إلى القبيح ويكون بالقول وبالفعل يحسب ما يليق به انتهى.
قوله "لا يجلد" بضم أوله بصيغة النفي وروى بصيغة النهي مجزوما "فوق عشر جلدات" وفي رواية فوق عشرة أسواط، وفي رواية فوق عشر ضربات "إلا في حد من حدود الله" المراد به ما ورد عن الشرع مقدراً بعدد مخصوص كحد الزنا والقذف ونحوهما. وقيل المراد بالحد هنا عقوبة المعصية مطلقاً لا الأشياء(5/32)
بنِ نِيارٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم
هذا حديث حسن غريب لا نعرفه الا من حديث بكير بن الاشج، وقد اختلف اهل العلم في التعزيز وأحسن شيء روي في التعزيز هذا الحديث
ـــــــ
المخصوصة، فإن ذلك التخصيص إنما اصطلاح الفقهاء. وعرف الشرع أطلاق الحد على كل عقوبة لمعصية من المعاصي كبيرة أو صغيرة، ونسب ابن دقيق العيد هذه المقالة إلى بعض المعاصرين له، وإليها ذهب ابن القيم وقال المراد بالنهي المذكور في التأديب للمصالح كتأديب الأب ابنه الصغير، واعترض على ذلك بأنه قد ظهر أن الشارع يطلق الحدود على العقوبات المخصوصة، ويؤكد ذلك قول عبد الرحمن بن عوف: أن أخف الحدود ثمانون. ذكره الشوكاني ملخصاً من كلام الحافظ، قلت: وقول عبد الرحمن بن عوف هذا رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل قد شرب الخمر فجلد بجريدتين نحو أربعين. قال: وفعله أبو بكر، فلما كان عمر استشار الناس عبد الرحمن: أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر.
قوله: "وهذا حديث غريب الخ" أخرجه الجماعة إلا النسائي.
قوله: "وقد اختلف أهل العلم في التعزير الخ" قال الحافظ: قد اختلف السلف في مدلول هذا الحديث، فأخذ بظاهره الليث وأحمد في المشهور عنه وإسحاق وبعض الشافعية. وقال مالك والشافعي وصاحباً أبي حنيفة: تجوز الزيادة على العشر، ثم اختلفوا فقال الشافعي: لا يبلغ الحدود، وهل الاعتبار بحد الحر أو العبد قولان. وفي قول أو وجه يستنبط كل تعزير من جسم حده ولا يجاوزه. وهو مقتضى قول الأوزاعي: لا يبلغ به الحد ولم يفصل. وقال الباقون: هو إلى رأي الإمام بالغاً ما بلغ وهو اختبار أبي ثور. وعن عمر أنه كتب إلى أبي موسى لا تجلد في التعزير أكثر من عشرين. وعن عثمان ثلاثين، وعن عمر أنه بلغ بالسوط مائة، وكذا عن ابن مسعود. وعن مالك وأبي ثور وعطاء لا يعزر إلاّ من تكرر منه، ومن وقع منه مرة واحدة معصية لا حد فيها فلا يعزر وعن أبي حنيفة لا يبلغ أربعين: وعن ابن أبي ليلى وأبي يوسف لا يزاد على خمس وتسعين جلدة وفي رواية عن مالك وأبي يوسف لا يبلغ ثمانين.(5/33)
ـــــــ
وأجابوا عن الحديث بأجوبة ذكرها الحافظ مع الكلام عليها. وقال الشوكاتي في النيل: والحق العمل بما دل عليه الحديث الصحيح المذكور في الباب يعني حديث أبي بردة، وليس لمن خالفه متمسك يصلح للمعارضة. وقد نقل القرطبي عن الجمهور أنهم قالوا بما دل عليه حديث الباب، وخالفه النووي فنقل عن الجمهور عدم القول به: ولكن إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، فلا ينبغي لمنصف التعويل على قول أحد عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوا كل قول عند قول محمد فما آمن في دينه لمخاطر"(5/34)
أبواب الصيد
باب ماجاء مايؤكل من صيد الكلب ومالا يؤكل
...
أبواب الصيد
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
1 ـ باب ما جاءَ ما يُؤْكَلُ مِنْ صَيْدِ الْكَلْبِ وما لا يؤْكَل
1489ـ حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا قَبِيصَةُ سُفْيَان عن منصورٍ عن إبراهيم عن هَمّامِ بنِ الحارِثِ عن عَدِيّ بنِ حاتمٍ قال: قلت: "يَا رسولَ الله إنّا نُرْسِلُ كِلاَباً لَنَا مُعَلّمَةً. قال: "كُلْ ما أمْسَكْنَ عَلَيْك" .
ـــــــ
"أبواب الصيد
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"
الصيد في الأصل مصدر صاد يصيد صيداً وعومل معاملة الأسماء فأوقع على الحيوان المصاد، والاصطياد يحل في غير الحرم لغير المحرم، والمصيد يحل إن كان مأكولا لقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} وقوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} والأمر للاستحباب
"باب ما جاءَ ما يُؤْكَلُ مِنْ صَيْدِ الْكَلْبِ وما لا يؤْكَل"
قوله: "إنا نرسل كلاباً لنا معلمة" المراد بالمعلمة التي إذا أغراها صاحبها على الصيد طلبته، وإذا زجرها انزجرت، وإذا أخذ الصيد حبسته على صاحبها، وهذا الثالث مختلف في اشتراطه. واختلف متى يعلم ذلك منها، فقال البغوي في التهذيب: أقله(5/34)
قلت: يَا رسولَ الله، وإنْ قَتَلْنَ؟ قال: "وإنْ قَتَلْنَ، ما لم يَشْرَكْها كَلْبٌ من
ـــــــ
ثلاث مرات. وعن أبي حنيفة وأحمد يكفي مرتين. وقال الرافعي: لم يقدره المعظم لاضطراب العرف واختلاف طباع الجوارح فصار المرجع إلى العرف كذا في الفتح "كل ما أمسكن عليك" وفي رواية للبخاري " إذا أرسلت كلبك وسميت فكل" قلت: فإن أكل، قال " فلا تأكل فإنه لم يمسك عليك إنما أمسك على نفسه" وفي رواية أخرى له " إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك وإن قتلن، إلا أن يأكل الكلب فإني أخاف أن يكون إنما أمسكه على نفسه" قال الحافظ: وفيه تحريم أكل الصيد الذي أكل الكلب منه ولو كان الكلب معلماً. وقد علل في الحديث بالخوف من إنما أمسك على نفسة، وهذا قول الجمهور، وهو الراجح من قولي الشافعى. وقال في القديم: وهو قول مالك، ونقل عن بعض الصحابة يحل، واحتجوا بما ورد في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابياً يقال له أبو ثعلبة قال: يا رسول الله إن كلاباً مكلبة فأفتى في صيدها، قال: "كل مما أمسكن عليك" قال وإن أكل منه قال: "وإن أكل منه" أخرجه أبو داود ولا بأس بسنده.
وسلك الناس في الجمع بين الحديثين طرقاً منها للقائلين بالتحريم حمل حديث أبي ثعلبة على ما إذا قتله وخلاه ثم عاد فأكل منه، ومنها الترجيح، فرواية عدى في الصحيحين متفق على صحتها، ورواية أبي ثعلبه المذكورة في غير الصحيحين مختلف في تضعيفها، وأيضاً فرواية عدى صريحة مقرونة بالتعليل المناسب للتحريم وهو خوف الإمساك على نفسه متأيدة بأن الأصل في الميتة التحريم، فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا الى الأصل وظاهر القرآن أيضاً وهو قوله تعالى: { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} فإن مقتضاها أن الذي يمسكه من غير إرسال لا يباح. ويتقوى أيضاً بالشاهد من حديث ابن عباس عند أحمد: إذا أرسلت الكلب فأكل الصيد فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه، وإذا أرسلته فقتل ولم يأكل فكل، فإنما أمسك على صاحبه، وأخرجه البزار من وجه آخر عن ابن عباس وابن أبي شيبة من حديث أبي رافع نحوه بمعناه. ومنها للقائلين بالإباحة حمل حديث عدى على كراهة التنزيه. وحديث أبي ثعلبة علي بيان الجواز انتهى "وإن قتلن ما لم يشركها كلب(5/35)
غيرها" قال: قلت: يَا رسولَ الله، إنّا نَرْمِي بالْمِعراضِ. قال: "ما خَزَقَ فَكُلْ، وما أصابَ بِعَرْضِهِ فلا تأْكُلْ" .
1490حدثنا محمدُ بنُ يَحْيَى، حدثنا محمدُ بنُ يُوسُفَ، حدثنا سُفْيَانُ عن منصورٍ نحوَهُ، إلا أنه قال: وسُئِلَ عن المَعراضِ. " هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
1491ـ حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا يزيدُ بنُ هارونَ، حدثنا الحجاجُ عن مكحولٍ عن أبي ثَعْلَبَةَ، و الحجاجُ عن الوليدِ بنِ أبي مالكٍ عن
ـــــــ
من غيرها" وفي رواية للبخاري قلت: أرسل كلبي فأجد معه كلباً آخر، قال "لا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على الاَخر" وفيه أنه لا يحل أ كل ما شاركه فيه كلب آخر في اصطياده. قال الحافظ محله إذا استرسل بنفسه أو أرسله من ليس من أهل الزكاة، فإن تحقق أنه أرسله من هو من أهل الزكاة حل، ثم ينظر فإن أرسلاهما معاً فهو لهما وإلا فللأول، ويؤخذ ذلك من العليل في قوله: إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره، فإنه يفهم منه أن المرسل لو سمي على الكلب لحل "إنا نرمي بالمعراض" بكسر الميم وسكون العين المهملة وآخره معجمة، قال الخليل وتبعه جماعة: سهم لا ريش له ولا نصل. وقال ابن دريد وتبعه ابن سيده: سهم طويل له أربع قذذ رقاق فإذا رمى به اعترض. وقال الخطابي: المعراض نصل عريض له ثقل ورزانة، وقيل: عود رقيق الطرفين غليظ الوسط وهو المسمى بالخذافة، وقيل: خشبة ثقيلة آخرها عصا محدد رأسها وقد لا يحدد، وقوى هذا الأخير النووي تبعاً لعياض. وقال القرطبي: إنه المشهور. وقال ابن التين: المعراض عصا في طرفها حديد يرمي الصائد بها الصيد فما أصاب بحده فهو ذكي فيؤكل، وما أصاب بغير حده فهو وقيذ، كذا في الفتح "ما خزق" بفتح الخاء المعجمة والزاى بعدها قاف، أي نفذ يقال سهم خازق أي نافذ "وما أصاب بعرضه" بفتح العين أي بغير طرفه المحدد، وهو حجة للجمهور في التفصيل المذكور. وعن الأوزاعي من فقهاء الشام حل ذلك
قوله: "وهذا حديث حسن صحيح" أصله في الصحيحين.(5/36)
عائذِ الله بنِ عبدِ الله أنه سَمِعَ أبا ثَعْلَبَةَ الخُشنِيّ قال: قلت: "يَا رسولَ الله إنّا أهلُ صَيْدٍ.فقال: "إذا أرسلْتَ كَلْبَكَ وذكَرْتَ اسمَ الله عليهِ فأَمْسَكَ عليكَ فَكُلْ" قلت: وإنْ قَتَلَ. قال: "وإنْ قَتَل" . قلت: إنّا أهْلُ رَمْىٍ. قال: "ما رَدّتْ عليكَ قَوْسُكَ فَكُل" . قال: قلت: إنّا أهْلُ سَفَرٍ نَمُرّ باليهودِ والنصارَى والمَجُوسِ فلا نَجِدُ غيرَ آنِيَتهِمْ. قال: "فإنْ لم تَجِدُوا غيرَها فاغْسِلُوها بالماءِ ثم كُلُوا فيها واشربوا" .
قال: وفي البابِ عن عَدِيّ بنِ حاتمٍ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيح. وعائذُ الله بن عبدالله هو أبو إدريس الخولانيّ واسمه أبي تعلبز الخشنى جرثوم وتعالى: جرثم بن ناشب ويقال ابن قيس.
ـــــــ
قوله: "ما ردت عليك قوسك" أي ما صدت بسهمك "فان لم تجدوا غيرها فاغسلوا بالماء ثم كلوا فيها واشربوا" قال البرماوي: ظاهره أنه لا يستعمل آنيتهم بعد الغسل إذا وجد غيرها. وقد قال الفقهاء يجوز استعمال آنيتهم بعد الغسل بلا كراهية سواء وجد غيرها أو لا، فتحمل الكراهية في الحديث على أن المراد الاَتية التى كانوا يطبخون فيها لحوم الخنزير ويشربون فيها الخمر، وإنما نهى عنها بعد الغسل للاستقذار وكونها معتادة النجاسة. ومراد الفقهاء الأواني التي ليست مستعملة في النجاسات غالباً، وذكره أبو داود في سنته صريحاً. قال النووي: ذكر هذا الحديث البخاري ومسلم مطلقاً وذكره أبو داود مقيداً قال: إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها" الحديث، ثم ذكر مثل ما تقدم في كلام البرماوي وقال: فالنهي بعد الغسل للاستقذار كما يكره الأكل في المحجمة، المغسولة كذا في المرقاة.
قوله: "وفي الباب عن عدي بن حاتم" أراد الترمذي به غير حديث المذكور وله في الباب أحاديث عديدة.
قوله وهذا حديث حسن أصله في الصحيحين "وعائذ الله أبو إدريس الخولانى"(5/37)
ـــــــ
"ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وسمع من كبار الصحابة. مات سنة ثمانين(5/38)
باب ماجاء في صيد كلب المجوسي
...
2 ـ باب ما جاءَ في صَيْدِ كَلْبِ المَجُوس
1492ـ حدثنا يُوسُفُ بنُ عِيسَى، حدثنا وَكِيعٌ، حدثنا شَرِيكٌ عن الحجّاجِ عن القاسمِ بنِ أبي بَزّةَ عن سُلَيْمانَ الْيَشْكُرِيّ عن جابرِ بنِ عبدِ الله قال: نُهِينَا عن صَيْدِ كَلْبِ المجوس.
هذا حديثٌ غريبٌ لا نعرفهُ إلا من هذا
ـــــــ
"باب ما جاءَ في صَيْدِ كَلْبِ المَجُوس"
"عن سلمان اليشكري" يفتح التحتانية بعدها معجمة ساكنة وبكاف مضمومة هو ابن قيس البصري ثقة من الثالثة "نهينا" بصيغة المجهول عن "صيد كلب المجوس" فيه دليل على أن من لا تحل ذبيحته من الكفرة لا يحل صيد جارحة أرسلها هو. في شرح السنة يحل ما اصطاد المسلم بكلب المجوس ولا يحل ما اصطاده المجوسي بكلب المسلم إلا أن يدركه المسلم حياً فيذبحه، وإن اشترك مسلم ومجوسي في إرسال كلب أو سهم على صيد فأصابه وقتله فهو حرام انتهى. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما عن علي رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب الى مجوسى هجر يعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم قبل منه ومن لم يسلم ضرب عليهم الجزية غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم. قال القاري: وقد قال علماؤنا شرط كون الذابح مسلماً لقوله تعالى {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} ، وكتابياً ولو كان الكتابي حربياً لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} ، والمراد به مذكاتهم لأن مطلق الطعام غير المذكي يحل من أي كافر كان، ويشترط أن لا يذكر الكتابي غير الله عند الذبح حتى لو ذبح بذكر المسيح أو عزير لا تحل ذبيحته لقول تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} لا من لا كتاب له مجوسياً لما سبق أو وثنياً، لأنه مثل المجوس في عدم التوحيد انتهى.
قوله: "هذا الحديث غريب الخ" في إسناده شريك وهو ابن عبد الله النخعي الكوفي وحجاج وهو ابن أرطأة صدوق كثير الخطأ والتدليس "والقاسم بن أبي بزة هو القاسم بن نافع المكي" قال في تهذيب التهذيب: القاسم بن أبي بزة واسمه(5/38)
الوجهِ. والعملُ على هذا عند أكثر أهلِ العِلمِ لا يُرَخّصُونَ في صَيْدِ كَلْبِ المجوسِ. والقاسمُ بنُ أبي بَزّةَ هو القاسمُ بنُ نافِعٍ المكيّ.
ـــــــ
نافع، ويقال يسار، ويقال نافع بن يسار المكي أبو عبد الله، ويقال أبو عاصم القارى المخزومي مولاهم. روى عن سليمان بن قيس وغيره. وعنه حجاج بن أرطأة وغيره. قال ابن معين والمجلى والنسائى ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: ولم يسمع التفسير من مجاهد أحد غير القاسم وكل من يروي عن مجاهد التفسير فأنما أخذه من كتاب القاسم انتهى(5/39)
باب في صيد البزاة
...
3ـ باب ما جاءَ في صَيْدِ الْبُزَاةِ.
1493 ـ حدثنا نَصْرُ بنُ عليّ وَ هَنّادٌ و أبو عمّارٍ، قالوا: حدثنا عِيسَى بنَ يُونُسَ عن مجالدٍ عن الشعبِيّ عن عَدِيّ بنِ حاتمٍ قال: "سألْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن صَيْدِ الْبَازِي؟ فقال: "ما أمْسَكَ عليكَ فَكُلْ" .
ـــــــ
"باب ما جاءَ في صَيْدِ الْبُزَاةِ"
بضم الموحدة جمع البازى قال في القاموس: البازي ضرب من الصقور وقال فيه: الصقر كل شيء يصيد من البزاة والشواهين. قال: الدميري في حياة الحيوان: البازي أفصح لغاته مخففة الياء والثانية باز والثالثة بازي بتشديد الياء حكاهما ابن سيده وهو مذكر لا اختلاف فيه، ويقال في التثنية بازيان وفي الجمع بزاة كفاضيان وقضاة، ويقال للبزاه والشواهين وغيرهما مما يصيد صقور، وهو أشد الحيوان تكبراً وأضيقها خلقاً انتهى.
قوله: "ما أمسك عليك فكل" وفي رواية أبي داود: "ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته وذكرت اسم الله فكل مما امسك عليك" قلت: وإن قتل قال: "إذا قتل ولم يأكل منه شيئاً فإنما أمسكه عليك"(5/39)
هذا حديثٌ لا نعرِفُهُ إلا من حديثِ مجالِدٍ عن الشعبيّ. والعملُ على هذا عند أهلِ العِلْمِ: لا يَرَوْنَ بِصَيْدِ الْبُزَاةِ وَالصّقُورِ بأْساً. وقال مجاهدٌ: البزاةُ هو الطّيْرُ الذي يُصَادُ به من الجوارحِ التي قال الله تعالى: {وما عَلّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} فَسّرَ الكلابَ والطيرَ الذي يُصَادُ به. وقد رَخّصَ بعضُ أهلِ الْعِلْمِ في صَيْد البازي وإن أكَلَ منه، وقالوا: إنما تعليمُهُ إجابتُهُ، وكَرِهَهُ بعضُهم والفقهاءُ أكثرُهم قالوا: نأْكُلُ وإن أكَلَ منه.
ـــــــ
قوله: "هذا حديث لا نعرفه ألا من حديث مجالد عن الشعبي" قال المنذري: واخرجه الترمذي محتصراً، وقال بعد ذكر كلام الترمذي هذا: ومجالد هذا هو ابن سعيد وفيه مقال انتهى. قال في التقريب: مجالد بضم أوله وتخفيف الجيم ابن سعيد بن عمير الهمداني بكن الميم أبو عمرو الكوفي ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره من صغار السادسة انتهى. قلت: أخرج هذا الحديث أيضاً البيهقي وقال تفرد مجالد يذكر الباز فيه وخالف الحفاظ انتهى.
قوله: "والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بصيد البزاز والصقور بأساً" قال الحافظ: وفي معنى الباز الصقر والعقاب والباشق والشاهين "وقال مجاهد: البزاة والطير الذي يصاد به" من الجوارح التي قال الله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} فسر الكلاب والطير الذي يصاد به قال الحافظ: وقد فسر مجاهد الجوارح في الآية بالكلاب والطيور وهو قول الجمهور إلا ما روى عن عمر وابن عباس من الفرقة بين صيد الكلب والطير، وقد رخص بعض أهل العلم صيد البازي وإن أكل منه وقالوا إنما تعليمه إجابته. قال أبو داود في سنته بعد رواية حديث الباب: الباز إذا أكل فلا بأس به، والكلب إذا أكل كره وإن شرب الدم فلا بأس، انتهى. "والفقهاء أكثرهم قالوا يأكل وإن أكل منه" الظاهر أن قولهم هذا مبني على تعليم البازى إنما هو إجابته والله تعالى أعلم(5/40)
باب في الرجل يرمي الصيد فيغيب عنه
...
4ـ باب ما جاء في الرّجُلِ يَرْمِي الصّيْدَ فَيَغِيبُ عَنْه
1494 ـ حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أبو دَاوُدَ أخبرنا شُعْبَةُ عن أبي بِشْرٍ قال: سَمِعْتُ سعيدَ بنَ جُبَيْرٍ يُحَدّثُ عن عَدِيّ بنِ حَاتمٍ قال: قلت: يَا رسولَ الله، أَرْمِي الصّيْدَ فأَجِدُ فيه من الْغَدِ سَهْمِي. قال: "إذا عَلِمْتَ أَنّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ ولم تَرَ فيه أثرَ سَبْعٍ فَكُلْ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا عند أهلِ العِلمِ. ورَوَى شُعْبَةُ هذا الحديثَ عن أبي بِشْرٍ وعبدِ المَلِكِ بنِ مَيْسَرَةَ عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ عن عَدِيّ بنِ حاتمٍ وعن أبي ثعلبة الخشنّى مثله. وكلا الحديثَيْنِ صحيحٌ.
وفي البابِ عن أبي ثعلبةَ الخُشنِيّ.
ـــــــ
"باب ما جاء في الرّجُلِ يَرْمِي الصّيْدَ فَيَغِيبُ عَنْه"
قوله: "فأجد فيه من الغد سهمي" أي في بعض زمن الاستقبال، فمن للتبعيض كقوله تعالى: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} أو بمعنى في كقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} وهو الأظهر. وقال الطّيبي: من فيه زائدة كما في قوله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} كذا في المرقاة "إذا علمت أن سهمك قتله ولم تر فيه أثر سبع فكل" قال ابن الملك: وإن رأيت فيه أثر سبع فلا تأكل، لأنه لا يعلم سبب قتله يقيناً.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" أخرجه أبو داود والنسائي والطحاوي.
قوله: "وفي الباب عن أبي ثعلبة الخشني" أخرجه أبو داود وفيه قال: يا رسول الله أفتني في قوسي؟ قال: " كل ما ردت عليك قوسك" قال ذكياً وغير ذكى؟ قال وأن تغيب عني؟ قال" وأن تغيب عنك، ما لم يصل أو تجد فيه أثراً غير سهمك" وقوله ما لم يصل بتشديد اللام: أي ما لم ينتن ويتغير ريحه، يقال صل اللحم وأصل: لغتان(5/41)
باب من يرمي الصيد فيجده ميتا في الماء
...
5 ـ باب ما جاءَ فِيمَنْ يَرْمِي الصّيْدَ فَيَجِدُهُ مَيّتاً في الْمَاء
1495ـ حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنا عبد الله بن المبارك، أخبرني عاصمٌ الأحْوَلُ عن الشعبيّ عن عَدِيّ بنِ حاتمٍ قال: سألْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الصّيْدِ فقال: "إذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ الله، فَإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قتلَ فَكُلْ إِلاّ أنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ في مَاء فلا تَأْكُلْ فإِنّكَ لا تَدْرِي آلمَاءُ قَتَلَهُ أوْ سَهْمُكَ" .
"هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ:
1496ـ حدثنا ابنُ أبِي عمرَ، حدثنا سُفْيَانُ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشعبيّ عَنْ عديّ بنِ حَاتمٍ قَالَ: "سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عَن صَيْدِ الكَلْبِ الْمُعَلّمِ، قَالَ: "إذَا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلّمَ وَذَكَرْتَ اسمَ الله فَكُلْ مَا أمْسَكَ عَلَيْكَ، فَإِنْ أكَلَ فَلاَ تَأكُلْ فَإِنّمَا أمْسَكَ عَلَى نَفْسِه" ، قلت: يَا رسولَ الله، أرَأَيْتَ إنْ خَالَطَتْ كِلاَبَنَا كِلابٌ أُخر؟ قال: "إنّمَا ذَكَرْتَ اسمَ الله عَلَى كَلْبِكَ، ولَمْ تذكُرْ عَلَى غيرِهِ" .
ـــــــ
"باب ما جاءَ فِيمَنْ يَرْمِي الصّيْدَ فَيَجِدُهُ مَيّتاً في الْمَاء"
قوله: "إلا أن تجده قد وقع في ماء فلا تأكل" وجهه أنه يحصل حينئذ التردد هل قتله السهم أو الغرق في الماء، فلو تحقق أن السهم أصابه فمات فلم يقع في الماء ألا بعد أن قتله السهم حل أكله.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد الكلب المعلم الخ" ليس في هذا الحديث ذكر وجدان الصيد ميتاً في الماء فلا مناسبة بينه وبين الباب ألا أن يقال أن في هذا الحديث ذكر مسألة ما إذا خالطت الكلاب المعلمة كلاباً أخرى، ويستنبط من ذلك مسألة ما إذا وجد الصيد ميتاً في الماء فتفكر.(5/42)
قَالَ سُفْيَانَ: أكرهَ لَهُ أَكْلَهُ. والعملُ عَلَى هَذَا عندَ بعضِ أهل العلم من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم في الصيدِ والذّبيحةِ إذَا وَقَعَا في الماءِ: أن لاَ يأْكُلَ.
فقالَ بَعْضُهُمْ في الذّبيحةِ: إذَا قطع الحُلْقوم فوقَعَ في الماءِ فماتَ فيهِ فإنه يؤكلُ. وهو قولُ عبدالله بنِ المباركِ. وقد اختلفَ أهْلُ العلمِ في الكَلْبِ إذَا أكَلَ من الصيدِ، فقال أكثرُ أهلِ العِلمِ: إذ أكَلَ الكلبُ مِنه فَلاَ تأكلُ. وهو قولُ سفيانَ وعبدِ الله بنِ المباركِ والشافعيّ وأحمدَ وإسحاقَ.
ورخّصَ بعضُ أهلِ الْعِلْمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم في الأكلِ مِنْهُ وإن أكلَ الكلبُ مِنْهُ
ـــــــ
قوله: "قال سفيان كره له أكله" يعني المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم أنما ذكرت اسم الله على كلبك أنه كره أكل صيد الكلب المعلم إذا خالطه كلب آخر "وقال بعضهم في الذبيحة إذا قطع الحلقوم فوقع قي الماء فمات فيه فإنه يؤكل" . قال النووي في شرح مسلم: إذا وجد الصيد في الماء غريقاً حرم بانفاق انتهى. وقد صرح الرافعي بأن محله ما لم ينته الصيد بتلك الجراحة إلى حركة المذبوح فإن انتهى إليها لقطع الحلقوم مثلا فقد تمت ذكاته كذا في النيل "وقد اختلف أهل العلم في الكلب إذا أكل من الصيد، فقال أكثر أهل العلم: إذا أكل الكلب منه فلا يأكل الخ" وهو القول الراجح كما عرفت فيما تقدم(5/43)
باب ماجاء في صيد المعراض
...
6ـ باب ما جَاءَ في صيدِ المِعْراض
1497 ـ حدثنا يوسُفُ بنُ عيسَى، حدثَنَا وكيعٌ، حدثنا زكَرِيّا
ـــــــ
"باب ما جاء في صيد المعراض"
بكسر الميم وسكون العين المهملة، تقدم تفسيره في باب ما يؤكل من صيد الكلب وما لا يؤكل(5/43)
عن الشّعْبِيّ عن عَدِيّ بن حاتمٍ قَالَ: سألتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم عَن صيدِ المعْرَاضِ، فقال: "ما أصَبْتَ بحدّه فكُلْ وما أصبتَ بِعَرْضِهِ فهو وقيذٌ" .
حدثنا ابنُ أبي عُمَر، حدثنا سُفْيَانُ عن زكَرِيّا عن الشّعْبِيّ عن عَدِيّ بنِ حاتمٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوَه.
هذا حديثٌ صحيحٌ والعملُ عليه عندَ أهلِ الْعِلْمِ.
ـــــــ
قوله: "ما أصبت بحده" أي بطرفه المحدد وفي رواية كل ما خرق وما أصبت بعرضه بفتح العين وسكون الراء أي بغير طرفه المحدد فهو وقيذ. زاد في رواية للبخاري: فلا تأكل، ووقيذ بالذال المعجمة بوزن عظيم فعيل بمعنى مفعول: وهو ما قتل بعصا أو بحجر أو ما لا حد له. وحاصل الحديث أن السهم وما في معناه إذا أصاب الصيد بحده حل وكانت تلك زكاته، وإذا أصاب بعرضه لم يحل لأنه في معنى الخشبة الثقيلة والحجر ونحو ذلك من المثقل.
قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "والعمل على هذا عند أهل العلم" أي على التفصيل المذكور في الحديث(5/44)
1498 ـ باب في الذّبْح بالمرْوَة
1499 ـ حدثنا محمدُ بنُ يَحيى القطعي، حدثنا عبدُ الأعْلَى عن سعيدٍ عن قتادةَ عن الشّعْبِيّ عن جابرِ بنِ عبدِ الله: أنّ رجُلاً من قَوْمِه صادَ أرْنَباً أوْ اثْنَيْنِ
ـــــــ
"باب في الذبح بالمروة"
بفتح الميم وسكون الراء المهملة: هي الحجارة البيضاء، وبه سميت مروة مكة. وفي المغرب: المروة حجر أبيض دقيق، وقال في القاموس: المروة حجارة بيض براقة تورى النار أو أصلب الحجارة. وقال في المجمع: هي حجر أبيض، ويجعل منه كالسكين
قوله: "صاد أرنباً" بوزن جعفر، يقال بالفارسية خركوش "أو اثنتين"(5/44)
فذَبَحَهُمَا بِمَرْوَةٍ فتعَلّقهما حتّى لَقِيَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فسأَلَهُ، فأَمَرَهُ بأكلِهما.
وفي البابِ عن محمدِ بنِ صَفْوَانَ ورافعٍ وعَدِيّ بنِ حاتمٍ.
وقد رخّصَ بعضُ أهلِ الْعِلْمِ أن يُذَكّيَ بمروَةٍ ولم يرَوْا بأكْلِ الأرنبِ بأْساً، وهو قولُ أكثرَ أهلِ الْعِلْمِ، وقد كَرِهَ بعضُهم أكلَ الأرنبِ. وقد اختلَفَ أصحابُ الشعبيّ في روايةِ
ـــــــ
شك من الراوي "فتعلقهما" أي علقهما. قال في القاموس: علقه تعليقاً جعله معلقاً كتعلقة "فأمره بأكلهما" فيه دليل على أنه يجوز الذبح بالمروة، وعلى أن الأرنب حلال.
قوله: "وفي الباب عن محمد بن صفوان ورافع وعدي بن حاتم" وأما حديث محمد بن صفوان فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة. وأما حديث رافع وهو ابن خديج فأخرجه الشيخان والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة. وأما حديث عدي بن حاتم فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
قوله: "وهو قول أكثر أهل العلم" وهو الحق يدل عليه حديث الباب. وحديث أنس قال: أنفجنا أرنباً ونحن بمر الظهران، فسعى القوم فلغوا فأخذتها فجئت بها إلى أبي طلحه فذبحها فبعث بوركيها أو قال بفخذيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبلها، قال الحافظ في الفتح: في الحديث جواز أكل الأرنب وهو قول العلماء كافة إلا ما جاء في كراهتها عن عبد الله بن عمر من الصحابة وعن عكرمة من التابعين. وعن محمد بن أبي ليلى من الفقهاء، واحتج بحديث خزيمة بن جزء قلت: يا رسول الله ما نقول في الأرنب قال: لا آكله ولا أحرمه قلت: فإني آكل ما لا تحرمه ولم يا رسول الله قال: نبئت أنها تدمى. وسنده ضعيف، ولو صح لم يكن فيه دلالة على الكراهة وله شاهد عن عبد الله بن عمر وبلفظ جيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأكلها ولم ينه عنها. زعم أنها تحيض. أخرجه أبو داود. وله شاهد عن عمر عند إسحاق بن راهوية في مسنده، وحكى الرافعي عن أبي حنيفة أنه حرمها وغلطه النووي في النقل عن أبي حنيفة انتهى "وقد كره بعضهم أكل الأرنب" وقد عرفت أسمائهم وما احتجوا به.(5/45)
هذا الحديث، فَرَوَى دَاودُ بنُ أبي هندٍ عن الشعبي عن محمدِ بنِ صَفْوَانَ. وَرَوَى عاصمُ الأحولُ عن الشّعْبِيّ عن صفوانَ بنِ محمدٍ أو محمدِ بنِ صَفْوَانَ ومحمدُ بنُ صفوانَ أصحّ.
ورَوَى جَابِرٌ الجُعْفي عن الشّعْبِيّ عن جابرِ بنِ عبدِ الله نحوَ حديثِ قَتَادَةَ عن الشعبيّ، ويُحْتَمَلُ أن يكون الشعبي روى عَنْهُمَا جميعا، قال محمدٌ: حديثٌ الشعبيّ عن جَابِرٍ غيرُ محفُوظٍ.
ـــــــ
قوله: "وروى عاصم الأحول عن الشعبي عن صفوان" بن محمد أو محمد بن صفوان أي رواه بالشك ورواية عاصم هذه أخرجها أبو داود "ومحمد بن صفوان أصح" . وقال الطبراني: محمد بن صفوان هو الصواب. وقال ابن عبد البر: صفوان بن محمد أكثر كذا في تهذيب التهذيب "ويحتمل أن يكون الشعبى روى عنهما جميعاً" أي عن محمد بن صفوان وجابر بن عبد الله كليهما(5/46)
باب ماجاء في كراهية أكل المصبورة
...
8 ـ باب ما جاءَ في كَرَاهِيَةِ أكْلِ المَصْبُورَة
1500ـ حدثنا أبو كُرَيْبٍ، حدثنا عبدُ الرحيمِ بنُ سليمانَ عن أبي أيوبَ الإفريقيّ عن صَفوانَ بنِ سُلَيْمٍ عن سعيدِ بنِ المسَيّبِ عن أبي الدرداءِ قال: نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أكْلِ المُجَثّمَةِ، وهي التي تُصْبَرُ بالنّبْلِ.
ـــــــ
"باب ما جاء في كراهية أكل المصبورة"
أي التي تحبس وترمى بالنبل حتى تموت.
قوله: "عن أكل المجثمة" بتشديد المثلثة المفتوحة وضبطه الشمني بكسرها، قال في النهاية: هي كل حيوان ينصب ويرمى ليقتل، إلا أنه يكثر في الطير والأرنب وأشباه ذلك مما يجثم بالأرض أي يلزمها ويلتصق بها "وهي التي تصبر" أي تحبس ويرمي إاليها "بالنبل" يفتح النون وسكون الموحدة أي بالسهم حتى تموت، وهذا تفسير من أحد الرواة، والنهي لأن هذا القتل ليس بذبح.(5/46)
وفي الباب عن عِرْبَاضِ بنِ ساريةَ وأنَسٍ وابنِ عمرَ وابنِ عباسٍ وجابرٍ وأبي هريرةَ.
حديثُ أبي الدرداءِ حديثٌ غريبٌ.
1501 ـ حدثنا محمدُ بن يَحيى وغيرُ واحدٍ قالوا: حدثنا أبو عاصمٍ عن وَهْبِ بنِ أبي خالدٍ، قال حدثَتْني أُمّ حبيبةَ بنتُ العِرباضِ وهو ابنِ ساريةَ عن أبيها أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى يَوْم خيبرَ عن لجوم كلّ ذِي نَابٍ من السّبَاعِ وعن كلّ ذِي مَخْلَبٍ من الطيرِ وعن لُحومِ الْحُمُرِ الأهليةِ وعن المُجَثّمَةِ وعن الْخَلِيسَةِ وأن تُوطَأَ الْحَبَالَى حتى يَضَعْنَ ما في بُطونِهِنّ. قال محمدُ بنُ يَحيى:
ـــــــ
قوله: "وفي الباب عن عرباض بن سارية وأنس وابن عمر وابن عباس وجابر وابي هريرة" أما حديث العرباض فأخرجه الترمذي في هذا الباب. وأما حديث أنس فأخرجه البخاري ولفظه: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم. وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن أن تصبر بهيمة أو غيرها للقتل. وأما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي في هذا الباب. وأما حديث جابر وأبي هريرة فلينظر من أخرجه.
قوله: "عن كل ذي ناب" أي عن أكله "من السباع" أي سباع البهائم كالأسد والنمر والفهد والدب والقردة والخنزير "وعن كل ذي مخلب" بكسر الميم وفتح اللام "من الطير" أي عن أكل سباعه، في شرح السنة اراد بكل ذي ناب ما يعدو بنايه على الناس واموالهم كالذئب والأسد والكلب ونحوها، وأراد بذي مخلب ما يقطع ويشق بمخلبه كالنسر والصقر والبازي وغيرها "وعن لحوم الحمر" بضمتين جمع حمار "الأهلية" أي الإنسية ضد الوحشية "وعن المجثمة" سبق ذكرها، وسيأتى أيضاً "وعن الخليسة" أي المأخوذة من فم السباع فتموت قبل أن تذكى، وسميت بذلك لكونها مخلوسة من السبع أي مسلوبة من خلس الشيء: إذا سلبه "وأن توطأ" أي عن أن تجامع "الحبالى" بفتح الحاء جمع الحبلى "وحتى يضعن ما في بطونهن" يعني إذا حصلت لشخص جارية حبلى لا يجوز وطؤها حتى(5/47)
هو القطعى: سُئِلَ أبو عاصمٍ عن المجثّمَةِ قال: أن يُنْصَبَ الطّيْرُ أو الشيءُ فيُرْمَى. وسئل عن الْخَلِيسةِ فقال: الذئبُ أو السبعُ يدرِكُهُ الرجلُ فيأخذُه منهُ فيموتُ في يدِه قبل أن يُذَكّيهَا.
1502ـ حدثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلَى، حدثنا عبدُ الرزّاقِ عن الثوريّ عن سِمَاكٍ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عباسٍ قال: "نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُتّخَذَ شيءٌ فيه الرّوحُ غَرَضاً".
حديثٌ حسنٌ صحيح والعمل عليه عند أهل العلم
ـــــــ
تضع حملها. قال القاري: وكذا إذا تزوج حبلى من الزنا، ذكره بعض علمائها يعني الحنيفة. وقال المظهر: إذا حصلت جارية لرجل من السبي، لا يجوز له أن يجامعها حتى تضع حملها إذا كانت حاملا، وحتى تحيض وينقطع دمها إن لم تكن حاملا. "قال محمد بن يحيى" شيخ الترمذي وهو القطعي بضم لقاف وفتح الطاء المهملة، وهي جملة معترضة، وضمير هو: راجع إلى محمد بن يحيى، وقائلها هو الترمذي(5/48)
باب في ذكاة الجنين
...
9 ـ باب ما جاءَ في ذكاةِ الْجَنِين
1503ـ حدثنا محمدُ بنُ بشارٍ، حدثنا يَحيى بنُ سعيدٍ عن مُجَالدٍ، حدثنا سفيانُ بنُ وكيعٍ، حدثنا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ عن مُجالدٍ عن أبي الوَدّاكِ عن أبي سعيدٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: قال "ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمّهِ" .
ـــــــ
"باب ما جاء في ذكاة الجنين"
أي في ذبحه، والجنين: هو الولد ما دام في بطن أمه. قال في النهاية: التذكية الذبح والنحر، يقال ذكيت الشاة تذكية، والاسم الذكاة والمذبوح ذكي
قوله: "عن أبي الوداك" يفتح الواو وتشديد الدال المهملة، ويأتي ترجمته في آخر الباب.
قوله: "ذكاة الجنين ذكاة أمه" مرفوعان بالابتداء والخبر، والمراد(5/48)
وفي البابِ عن جابرٍ وأبي أُمَامَةَ وأبي الدرداءِ وأبي هريرةَ.هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رُوِيَ من غيرِ هذا الوجهِ عن أبي سعيدٍ. والعملُ على هذا عندَ أهلِ الْعِلْمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهِم، وهو قولُ سفيانَ الثوري وابن المباركِ والشافعيّ وأحمدَ وإسحاقَ. وأبو الودّاكِ اسمُه جبْرُ بنُ نَوْفٍ.
ـــــــ
الاخبار عن ذكاة الجنين بأنها ذكاة أمه، فيحل بها كما تحل الأم بها، ولا يحتاج ألى تذكية.
قوله: "وفي الباب عن جابر وأبي أمامة وأبي الدرداء وأبي هريرة" وفي الباب أحاديث أخرى وستعرف تخريجها.
قوله: "وهذا حديث حسن" وأخرجه أيضاً الدارقطني وابن حبان، وصححه وضعفه عبد الحق وقال لا يحتج بأسانيده كلها، وذلك لأن في بعضها مجالداً ولكن أقل أحوال الحديث أن يكون حسناً لغيره لكثرة طرقه، ومجالد ليس إلا في الطريق التي أخرجها الترمذي وأبو داود منها، وقد أخرجه أحمد من طريق ليس فيها ضعيف، والحاكم أخرجه من طريق فيها عطية عن أبي سعيد وعطية فيه لين، وقد صححه مع ابن حبان ابن دقيق العيد كذا في النيل.
قوله: : "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم قال الحافظ في التخليص: قال ابن المنذر: إنه لم يرو عن أبي حنيفة انتهى. "وهو قول سفيان" هو الثوري "وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق" . وأليه ذهب صاحبا أبي حنيفة، وإليه ذهب أيضاً مالك، واشترط أن يكون قد أشعر. وقال أبو حنيفة بتحريم الجنين إذا خرج ميتاً، وإنها لا تغني تذكية الأم عن تذكية. قال الإمام محمد في الموطأ: أخبرنا مالك أخبرنا نافع أن عبد الله ابن عمر كان يقول: إذا نحرت الناقة فذكاة ما في بطنها ذكاتها إذا كان قد تم خلقه ونبت شعره، فإذا خرج من بطنها ذبح حتى يخرج الدم من جوفه. وروى(5/49)
ـــــــ
عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: ذكاة ما كان في بطن الذبيحة ذكاة أمه إذا كان قد نبت شعره وتم خلقه، ثم قال محمد: وبهذا نأخذ إذا تم خلقه فذكاته في ذكاة أمه فلا بأس بأكله. فأما أبو حنيفة فكان يكره أكله حتى يخرج حياً فيذكى. وكان يروى عن حماد عن إبراهيم أنه قال: لا تكون ذكاة نقس، ذكاة نفسين انتهى.
قلت: استدلال الإمام أبي حنيفة يقول إبراهيم النخعي هذا على كراهة أكل الجنين ليس بصحيح. قال صاحب التعليق الممجد هذا استبعاد بمجرد الرأي فلا عبرة به بمقابلة النصوص، ولعلها لم تبلغه أو حملها على غير معناها، وقال قوله: إذا تم يعني إذا خرج من بطن الذبيحة جنين ميت فإن كان تام الخلق نابت الشعر يؤكل، وإن لم يكن تام الخلق فهو مضغة لا تؤكل، وبه قال مالك والليث وأبو ثور. وقال أحمد والشافعي: بحله مطلقاً. وقال أبو حنيفة لا يؤكل مطلقاً، وبه قال زفر والحسن بن زياد، فإن خرج حياً ذبح اتفاقاً. ودليل من قال بالحل مطلقاً أو مقيداً بتمام الخلقة حديث ذكاة الجنين ذكاة أمه رواه أحد عشر نفساً من الصحابة: الأول أبو سعيد الخدرى أخرج حديثه اللفظ المذكور أبو داود وابن ماجة والترمذي وحسنه، وابن حبان وأحمد. الثاني جابر أخرج حديثه أبو سندة عبد الله بن سعيد المقبري متفق والدارقطني وفي سنده عمرو ابن قيس ضعيف. الرابع ابن عمر أخرج حديثه راجع الأصل وسنده ضعيف. الخامس أبو أيوب أخرج حديثه الحاكم. السادس ابن مسعود أخرج حديثه الدارقطني ورجاله رجال الصحيح. السابع ابن عباس أخرجه الدارقطني. الثامن كعب بن مالك حديثه عند الطبراني التاسع والعاشر أبو أمامة وأبو الدّرداء حديثهما عند البزار والطبراني. الحادي عشر علي، حديثه عند الدارقطني. قال: وأجاب في المبسوط بأن حديث "ذكاة الجنين ذكاة أمه" لا يصح وفيه نظر، وإن الحديث صحيح وضعف بعض طرقه غير مضر، وذكر في الأسرار: أن هذا الحديث لعله لم يبلغ أبا حنيفة فإنه لا تأويل له، ولو بلغه لما خالفه، وهذا حسن. وذكر صاحب العناية وغيرها أنه روى ذكاة الجنين ذكاة أمه بالنصب فهو على التشبيه أي كذكاة أمه كما يقال(5/50)
ـــــــ
لسان الوزير لسان الأمير، وفيه نظر، فإن المحفوظ عن أئمة الشأن الرفع، صرح به المنذري. ويوضحه ما ورد في بعض طرق أبي سعيد الخدري، قال السائل: يا رسول الله إنا ننحر الإبل والناقة، ونذبح البقر فنجد في بطنها الجنين، أفنلقيه أم نأكله؟ فقال: كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه. وبالجملة فقول من قال بموافقة الحديث أقوى. هذا ملخص ما ذكره العيني في البناية، انتهى ما في التعليق الممجد.
قلت: قد بسط الحافظ في التلخيص الكلام على أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فمن شاء الوقوف عليه فليرجع إليه.
فإن قلت: حديث الباب ليس بنص في أن ذكاة الجنين في ذكاة أمه، وأن ذكاة الأم تغني عن ذكاته، ففي النهاية للجزري يروي هذا الحديث بالرفع والنصب. فمن رفعه جعله خبراً للمبتدأ الذي هو ذكاة الجنين، فتكون ذكاة الأم هي ذكاة الجنين، فلا يحتاج إلى ذبح مستأنف، ومن نصب كان التقدير ذكاة الجنين كذكاة أمه، فلما حذف الجار نصب أو على تقدير يذكي تذكية مثل ذكاة أمه نحذف المصدر وصفته وأقام المضاف إليه مقامه، فلا بد عنده من ذبح الجنين إذا خرج حياً، ومنهم من يرويه بنصب الذكاين، أي ذكاة الجنين ذكاة أمه انتهى.
قلت: نعم يروي هذا الحديث بالرفع والنصب لكن المحفوظ عند أئمة الحديث هو الرفع، قال الحافظ المنذري في تلخيص السنن: والمحفوظ عن أئمة هذا الشأن في تفسير هذا الحديث الرفع فيها. وقال بعضهم في قوله: فإن ذكاته ذكاة أمه: ما يبطل هذا التأويل ويدحضه، فإنه تعليل لإباحته من غير إحداث ذكاة انتهى.
قلت: روى أبو داود حديث الباب بلفظ: قلنا يا رسول الله ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة فنجد في بطنها الجنين، أنلقيه أم نأكله قال: كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه. قال الخطابي في هذا الحديث بيان جواز أكل الجنين إذا ذكيت أمه وإن لم تجدد للجنين ذكاة، وتأوله بعض من لا يرى أكل الجنين على معنى أن الجنين يذكى كما تذكى أمه فكأنه قال: ذكاة الجنين كذكاة أمه. وهذه القصة "يعني المذكورة في رواية أبي داود هذه" تبطل هذا التأويل وتدحضه لأن قوله: فإن ذكاته ذكاة أمه تعليل لإباحته من غير إحداث ذكاة ثانية، فثبت أنه على معنى النيابة عنها انتهى كلام الخطابي.(5/51)
ـــــــ
قلت: الأمر كما قال الخطابي: وقال الشوكاني في النيل: اعتذروا عن الحديث بما لا يغني شيئاً، فقالوا المراد ذكاة الجنين كذكاة أمه.
ورد بأنه لو كان المعنى على ذلك لكان منصوباً بنزع الخافض والرواية بالرفع، ويؤيده أنه روى بلفظ ذكاة الجنين في ذكاة أمه، وروى ذكاة الجنين بذكاة أمه انتهى.
واستدل للإمام أبي حنيفة بعموم قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} . وأجيب بأن الجنين إذا خرج ميتاً فهو مذكى بذكاة أمه لأحاديث الباب فهو ليس بميتة داخلة تحت هذه الاَية.
اعلم أن من اشترط أن يكون الجنين قد أشعر، أحتج بما في بعض روايات الحديث عن ابن عمر بلفظ: إذا أشعر الجنين فذكاته ذكاة أمه، وقد تفرد به أحمد ابن عصام، والصحيح أنه موقوف. وأيضاً قد روى عن ابن أبي ليلى مرفوعاً: ذكاة الجنين ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر، وفيه ضعف. وأيضاً قد روى من طريق ابن عمر نفسه مرفوعاً أو موقوفاً كما رواه البيهقي أنه قال: أشعر أو لم يشعر، كذا في النيل. وقال صاحب التعليق الممجد: ولتعارضها لم يأخذ بهما الشافعية، فقالوا: ذكاة الجنين ذكاة أمه مطلقاً. ومالك ألغى الثاني لضعفه وأخذ بالأول لاعتضاده بالموقوف فقيد به حديث ذكاة الجنين ذكاة أمه انتهى.
قوله: "وأبو الوداك اسمه جبر" يفتح الجيم وسكون الموحدة وبالراء "بن نوف" بفتح النون وسكون الواو وبالفاء الهمداني البكالي، كوفي صدوق يهم من الرابعة(5/52)
باب في كراهية كل ذي ناب وكل ذي مخلب
...
10ـ باب ما جاءَ في كَرَاهَيةِ كلّ ذِي نَابٍ وَذِي مِخْلَب
1504ـ حدثنا أحمدُ بنُ الحسَنِ، حدثنا عبدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عن مالكِ
ـــــــ
"باب ما جاءَ في كَرَاهَيةِ كلّ ذِي نَابٍ وَذِي مِخْلَب"
الناب السن الذي خلف الرباعية جمعه أنياب. قال ابن سينا: لا يجتمع في حيوان واحد ناب وقرن معاً. وذو الناب من السباع كالأسد والذئب والنمر والفيل والقرد وكل ما له ناب يتقوى به ويصطاد. قال في النهاية هو ما يفترس الحيوان(5/52)
بنِ أنَسٍ عن ابنِ شهابٍ عن أبي إدْريسَ الْخَوْلاَنِيّ عن أبي ثعلَبَةَ الْخُشنِيّ قال: "نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن كلّ ذِي نَابٍ من السّبَاعِ".
1505حدثنا سعيدُ بنُ عبدِ الرحمَنِ المخزومي وغيرُ واحدٍ قالوا: حدثنا سفيانُ بن عيينة عن الزهريّ عن أبي إدريسَ الخولانيّ اسمُه عائذُ الله بنُ عبدِ الله.
1506 ـ حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أبو النضْرِ "هاشم بن القاسم" حدثنا عكرمة بنُ عمارٍ عن يَحيى بنِ أبي كثيرٍ عن أبي سَلَمَةَ عن جابرٍ قال: "حَرّمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَعْنِي يومَ خَيْبرَ الْحُمُرَ الإنْسِيّةَ ولُحومَ الْبِغَالِ وكلّ ذِي نَابٍ من السّباعِ وذِي مِخْلَبٍ من الطّيْرِ".
وفي البابِ عن أبي هريرةَ وعِرْباضِ بنِ ساريةَ وابنِ عباسٍ.
ـــــــ
ويأكل قسراً كالأسد والنمر والذئب ونحوها انتهى. والمخلب بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام. قال أهل اللغة المخلب للطير والسباع بمنزلة الظفر للإنسان.
قوله: "نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع" جمع السبع، قال في القاموس: السبع بضم الباء الموحدة وفتحها: المفترس من الحيوان. وفي الحديث دليل على تحريم كل ذي ناب من السباع، وهو قول الجمهور وهو الحق.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة إلا البخاري وأبا داود.
قوله: : "الحمر الإنسية" تقدم الكلام عليه "ولحوم البغال" فيه دليل على تحريم البغال وبه قال الأكثر وهو الحق، وخالف في ذلك الحسن البصري كما نقله الشوكاني عن البحر
قوله "وفي البابِ عن أبي هريرةَ وعِرْباضِ بنِ ساريةَ وابنِ عباسٍ"
أماحدي(5/53)
حديثُ جابرٍ حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
1507 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا عبدُ العزيزِ بنُ محمدٍ عن محمدِ بنِ عَمْرٍو وعن أبي سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حَرّمَ كل ذِي نَابٍ من السّباعِ".
هذا حديثٌ حسنٌ، والعملُ على هذا عندَ أكثرَ أهلِ الْعِلْمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهِم.
وهو قولُ عبدِ الله بنِ المُبارَكِ والشافعيّ وأحمدَ وإسحاقَ.
ـــــــ
أبي هريرة رضي الله عنه فأخرجه الترمذي في هذا الباب. وأما حديث عرباض فأخرجه الترمذي في باب كراهية أكل المصبورة. وأما حديث ابن عباس فأخرجه الجماعة إلا البخاري والترمذي ولفظه: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وكل مخلب من الطير.
قوله: "حديث جابر حديث حسن غريب" قال في النيل: حديث جابر أصله في الصحيحين وهو بهذا اللفظ بسند لابأس به كما قاله الحافظ في الفتح انتهى.
قوله: "هذا حديث حسن" قال في التلخيص حديث أبي هريرة: كل ذي ناب من السباع فأكله حرام. أخرجه مسلم بهذا. قال ابن عبد البر: مجمع على صحته انتهى.
قوله: "والعمل على هذا عند أهل العلم الخ" وهو الحق، وأما من قال بأباحة كل ذي ناب وكل ذي مخلب. واحتج بقوله تعالى :{ قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} الآية،ففيه أن هذه الآية مكية، وأحاديث التحريم بعد الهجرة "وهو قول عبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق" وهو قول أبي حنيفة، وأما مالك فقال ابن العربي المشهور عنه الكراهة. قال ابن رسلان مشهور مذهبه على إباحة ذلك. وكذا قال القرطبي(5/54)
باب ماجاء ماجاء "ماقطع من الحي فهو ميت"
...
11ـ باب ما قُطِعَ من الْحَيّ فهو مَيّت
1508ـ حدثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلَى الصّنْعَانِيّ، حدثنا سَلَمَةُ بنُ رجاءِ، قال: حدثنا عبدُ الرحمَنِ بنُ عبدِ الله بنِ دِينَارٍ عن زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عن عطاءِ بنِ يَسَارٍ عن أبي واقِدٍ الليثِيّ قال: "قَدِمَ النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينَةَ وهم يَجُبّونَ أَسْنِمَةَ الإبلِ، ويَقْطَعُونَ ألْيَاتِ الغنَمِ، قال: "ما قُطَعُ مِنَ الْبَهِيمَةِ وهي حَيّةٌ فهو مِيتَةٌ" .
1509- حدثنا إبراهيم بنُ يعقوبَ، الجوز جانيّ حدثنا أبو النضْرِ عن عبدِ الرحمَنِ بنِ عبدِ الله بنِ دينارٍ نحوَه. "قال أبو عيسى"هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نعرِفُهُ إلا من حديثِ زيدِ بنِ أسلمَ. والعملُ على هذا عندَ أهلِ الْعِلْمِ. وأبو واقدٍ اللّيْثِيّ اسمُهُ الحارثُ بنُ عَوْفٍ.
ـــــــ
"باب ما قُطِعَ من الْحَيّ فهو مَيّت"
قوله "وهم يجبون" بضم الجيم وتشديد الموحدة أي يقطعون "أسنمة الإبل" بكسر النون جمع سنام "ويقطعون أليات الغنم" بفتح الهمزة وسكون اللام جمع ألية بفتح الهمزة طرف الشاة "ما يقطع" ما موصول "من البهيمة" من بيانية "وهي حية" جملة حالية "فهو" أي ما يقطع، والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط "ميتة" أي حرام كالميتة لا يجوز أكله. قال ابن الملك أي كل عضو قطع، فذلك العضو حرام، لأنه ميت بزوال الحياة عنه، وكانوا يفعلون ذلك في حال الحياة فنهوا عنه.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو داود. قال المنذري: في إسناده عبد الرحمَن بن عبد الله دينار المديني، قال يحيى معين: في حديثه ضعف، وقال أبو حاتم الرازي لا يحتج به، وذكر أبو أحمد هذا الحديث وقال لا أعلم يرويه عن زيد بن أسلم غير عبد الرحمَن بن عبد الله هذا آخر كلامه.(5/55)
ـــــــ
وقد أخرجه ابن ماجة في سنته من حديث زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر إسناده يعقوب بن حميد بن كاسب وفيه مقال(5/56)
باب في الذكاة في الحلق واللبة
...
12ـ باب ما جاء في الذّكاةِ في الْحَلْقِ وَاللّبّة
1510ـ حدثنا هَنّادٌ و محمدُ بنُ العلاءِ قالا حدثنا وَكِيعٌ عن حمّادِ بنِ سَلَمَةَ، وقال أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا يَزِيدُ بنُ هارونَ، حدثنا حمادُ بنُ سَلَمَةَ عن أبي العُشرَاءِ عن أبيهِ قال: "قُلْتُ يَا رسولَ الله أمَا تكونُ الذّكاةُ إلا في الْحَلْقِ وَاللّبّةِ؟ قال: "لو طَعَنْتَ في فَخِذِها لأجزأ عَنْكَ" قال أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، قال يزيدُ بنُ هارونَ هذا في الضّرُورَةِ.
ـــــــ
"باب ما جاء في الذكاة في الحلق واللبة"
بفتح اللام وتشديد الموحدة. قال في النهاية هي الهزمة التي فوق الصدر وفيها تنحر الإبل انتهى، قيل: وهي آخر الحلق، وقال في الصراح: لبة سر سينة
قوله: "عن أبي العشراء" بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة وبالمد: اسمه أسامة بن مالك الدارمي تابعي، روي عن أبيه وعنه حماد بن سلمة يعد في البصريين وفي اسمه اختلاف كثير، وهذا أشهر ما قيل فيه قاله صاحب المشكاة. قال الحافظ: وهو أعرابي مجهول من الرابعة "عن أبيه" قد ذكر الترمذي الاختلاف في اسمه في آخر الباب.
قوله: "أما تكون" الهمزة للاستفهام وما نافية والمراد التقرير، أي أما تحصل "الذكاة" بالذال المعجمة أي الذبح الشرعي "في الحلق واللبة" هي المنحر من البهائم لو طعنت في فخذها بفتح فكسر، ويجوز الكسر فالسكون، أي في فخذ المذكاة المفهومة من الذكاة "لأجزاء عنك" أي لكفي فخذها عن ذبحك إياها "قال أحمد بن منيع: قال يزيد بن هارون، هذا في الضرورة" أي هذا الحديث أو قوله لو طعنت في حال الضرورة، قال أهل العلم بالحديث: هذا عند الضرورة كالتردي في البئر وأشباهه. وقال أبو داود بعد إخراجه: هذا لا يصح إلا في المتردية والنافرة والمتوحشة.(5/56)
قال وفي البابِ عن رافِع بنِ خَدِيجٍ.
هذا حديثٌ غريبٌ لا نعرفُهُ إلا من حديثِ حمادِ بنِ سَلَمَةَ، ولا نعرِفُ لأبي العُشَرَاءِ عن أبيهِ غيرَ هذا الحديثِ. واختلفوا في اسم أبي العشراء، فقال بعضُهم اسمُه أُسامةُ بنُ قِهْطِمٍ، ويُقَالُ اسمه يسارُ بنُ بَرْزٍ، ويقالُ ابنُ بَلزٍ، ويقال اسمُه عُطارد نسب إلى جدّه
ـــــــ
قوله: "وفي الباب عن رافع بن خديج" أخرجه الترمذي في آخر أبواب الصيد.
قوله: "هذا حديث غريب" قال الخطابي: وضعفوا هذا الحديث لأن رواته مجهولون وأبو العشراء لا يدري من أبوه ولم يرو عنه غير حماد بن سلمة.
قال التلخيص: وقد تفرد حماد بن سلمة بالرواية عنه يعني أبا العشراء على الصحيح وهو لا يعرف حاله. وقال في تهذيب التهذيب: قال الميموني سألت أحمد عن حديث أبي العشراء في الذكاة قال: هو عندي غلط ولا يعجبني ولا أذهب إليه إلا في موضع ضرورة. وقال البخاري: في حديثه واسمه وسماعه من أبيه نظر. وذكره ابن حبان في الثقات "ولا نعرف لأبي العشراء عن أبيه غير هذا الحديث" روى أبو داود في غير السنن، عن أبي العشراء عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العتيرة فحسنها. قال أبو داود في موضع آخر: سمعه من أحمد بن حنبل رحمه الله فاستحسنه جداً، كذا في تهذيب التهذيب "فقال بعضهم اسمه أسامة بن فهطم" في القاموس: القهطم كزبرج اللئيم ذو الصخب وعلم "ويقال يسار بن برز" بفتح الموحدة وسكون المهملة وبالزاي(5/57)
باب في قتل الوزغ
...
13 ـ باب ما جاءَ في قَتْلِ الْوَزَغ
1511 ـ حدثنا أبو كُرَيْبٍ، حدثنا وَكِيعٌ عن سُفْيَان عن سُهَيْلِ بنِ أبي صالحٍ عن أبيهِ عن أبي هريرةَ: أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال
ـــــــ
"باب ما جاء في قتل الوزغ"
قال في مجمع البحار: الوزغ بفتح واو وزاي وبمعجمة: دابة لها قوائم تعدو في اصول الحشيش، وقيل إنها تأخذ ضرع النافة فتشرب لبنها انتهى. قلت: يقال(5/57)
"مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً بالضّرْبَةِ الأولَى كان له كذا وكذا حَسَنَةً، فإنْ قَتَلَهَا في الضّرْبَة الثانيةِ كان له كذا وكذا حسنةً، فإنْ قَتَلَهَا في الضّرْبَةِ الثالثةِ كان له كذا وكذا حَسَنةً" .
قال وفي البابِ عن ابنِ مسعودٍ وسعدٍ وعائشةَ وأُمّ شَرِيكٍ.
حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
لها في لسانتا الهندية: كركب. وقال في الصراح: وزغ جانوري جون كربشه انتهى. وقال في القراح كربشه بروزن اقمشه كربسه كه بمعنى جلباسه هندي جهيكلى انتهى.
قوله: "من قتل وزغة بالضربة الأولى كان له كذا وكذا حسنة الخ" وفي رواية عند مسلم: من قتل وزغاً في أول ضربة كتبت له مائه حسنة وفي الثانية دون ذلك وفي الثالثة دون ذلك. قال النووي: سبب تكثير الثواب في قتله أول ضربة الحث على المبادرة بقتله والاعتناء به والحرص عليه فإنه لو فاته ربما انفلت وفات قتله، والمقصود انتهاز الفرصة بالظفر على قتله انتهى.
قوله: "وفي الباب عن ابن مسعود وسعد وعائشة وأم شريك" . أما حديث ابن مسعود فأخرجه أحمد وابن حبان عنه مرفوعاً: "من قتل حية فله سبع حسنات ومن قتل وزغة فله حسنة" وأما حديث سعد فأخرجه مسلم: أن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقاً. وأما حديث عائشة فأخرجه الطبراني عنها مرفوعاً: "من قتل وزغاً كفر الله عنه سبع خطيئات" وأما حديث أم شريك فأخرجه عنها الشيخان بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عليه أمر بقتل الوزغ وقال: "كان ينفخ على إبراهيم"
قوله: "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم(5/58)
باب في قتل الحيات
...
14 ـ باب ما جاءَ في قَتْلِ الْحَيّات
1512 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا اللّيْثُ عن ابنِ شهابٍ عن سالمِ بنِ عبدِ الله عن أبيهِ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اقْتُلُوا الْحَيّاتِ واقتلوا ذا الطّفْيَتَيْنِ والأبتَرَ فإنهما يَلْتَمِسانِ البصَرَ ويُسْقِطَانِ الحَبْلَى" .
قال وفي البابِ عن ابنِ مسعودٍ وعائشةَ وأبي هريرةَ وسهلِ بنِ سعدٍ.
ـــــــ
"باب ما جاء في قتل الحيات"
جمع حية
قوله: "اقتلوا الحيات" أي كلها عموماً "واقتلوا" أي خصوصاً "إذا الطفيتين" بضم الطاء المهملة وسكون الفاء، أي صاحبهما، وهي حية خبيثة على ظهرها خطان أسودان كالطفيتين. الطفيه بالضم على ما في القاموس خوصة المقل، والخوص بالضم ورق النخل، الواحدة بهاء، والمقل بالضم صمغ شجرة. وفي النهاية: الطفية خوصة المقل شبه به الخطان اللذان على ظهر الحية في قوله ذا الطفيتين "والأبتر" بالنصب عطفاً على ذا، قيل هو الذي يشبه المقطوع الذنب لقصر ذنبه وهو من أخبث ما يكون من الحيات "فإنهما يلتمسان البصر" أي يطلبانه وفي رواية الشيخين يطمسان البصر بفتح الياء وكسر الميم، أي ويعميان البصر بمجرد النظر إليهما لخاصية السمية في بصرهما "ويسقطان" من الإسقاط "الحبل" بفتحتين، أي الجنين عند النظر إليهما بالخاصة السمية. قال القاضي وغيره: جعل ما يفعلان بالخاصة كالذي يفعل بقصد وطلب، وفي خواص الحيوان عجائب لا تنكر. وقد ذكر في خواص الأفعى أن الحبل يسقط عند موافقة النظرين، وفي خواص بعض الحيات أن رؤيتها تعمي، ومن الحيات نوع يسمى الناظور متى وقع نظره على إنسان مات من ساعته، ونوع آخر إذا سمع الإنسان صوته مات.
وله: "وفي الباب عن ابن مسعود وعائشة وأبي هريرة وسهل بن سعد" أما حديث ابن مسعود فأخرجه أبو داود عنه أن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: "اقتلوا الحيات كلها إلا الجان الأبيض الذي كأنه قضيب فضة" وله حديث آخر عند(5/59)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رُوِيَ عن ابنِ عُمَرَ عن أبي لُبَابَةَ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى بعد ذلك عن قَتْلِ جِبّات البُيوتِ وهي العوامِرُ. ويُرْوَى عن ابنِ عمرَ عن زيْدِ بنِ الخطّابِ أيضاً. وقال عبدُ الله بنُ المباركِ: إنما يُكْرَهُ من قتلِ الحيّاتِ، قتل الحيّة التي تكونُ دقيقةً كأنها فِضّةٌ، ولا تَلَتوى في مِشْيَتِهَا.
ـــــــ
أبي داود والنسائي والطبراني. وأما حديث عائشة فلينظر من أخرجه. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه مرفوعاً بلفظ: ما سالمناهن منذ حاربناهن، يعني الحيات ومن ترك قتل شيء منهن فليس منا. وله أحاديث أخرى في هذا الباب ذكرها المنذري في الترغيب. وأما حديث سهل فلينظر من أخرجه.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان "وقد روى عن ابن عمر عن أبي لبابة" بضم اللام صحابي مشهور "نهى بعد ذلك عن قتل جنان البيوت" بكسر الجيم جمع جان الحية الدقيقة. وفي رواية الشيخين نهي بعد ذلك عن ذوات البيوت أي صواحبها لملازمتها "وهي" أي جنان البيوت "العوامر" أي البيوت حيث تسكنها ولا تفارقها، واحدتها عامرة، وقيل سميت بها لطول عمرها كذا في النهاية. وقال التوربشتي: عمار البيوت وعوامرها سكانها من الجن. وأخرج هذه الرواية الشيخان في حديث ابن عمر المذكور ولفظهما: قال عبد الله: فبينا أنا أطارد حية اقتلها، ناداني أبو لبابة لا تقتلها، فقلت: إن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الحيات، فقال إنه نهي بعد ذلك عن ذوات البيوت وهن العوامر.
قوله: "ويروي عن ابن عمر عن زيد بن الخطاب أيضاً" زيد بن الخطاب هذا هو أخو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما وكان زيد أسن من بن وأسلم قبله وكان طويلا بائن الطول وشهد بدراً والمشاهد، له في الكتب حديث واحد في النهي عن قتل ذوات البيوت كذا في تهذيب التهذيب.
قلت: حديث زيد بن الخطاب أخرجه مسلم وأبو داود.(5/60)
1513ـ حدثنا هَنّادٌ، حدثنا عَبْدَةَ عن عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ عن صَيْفى عن أبي سعيدٍ الْخُدْرِيّ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ لِبُيوتِكُمْ عُمّاراً فَحَرّجُوا عليهِنّ ثلاثاً، فإنْ بَدَالكم بعد ذلك منهُنّ شيءٌ فاقتُلوهُ ّ" . هكذا رَوَى عُبَيْدُ الله بنُ عُمرَ هذا الحديثَ عن صَيْفى عن أبي سعيدٍ. ورَوَى مالكُ بنُ أنَسٍ هذا الحديث عن صَيْفى عن أبي السائبِ مَوْلَى هِشَامِ بنِ زُهْرَةَ عن أبي سعيدٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وفي الحديثِ قِصّةٌ.
1514حدثنا بذلك الأنصاريّ، حدثنا مَعْنٌ، حدثنا مالكٌ. وهذا أصحّ من حديثِ عُبَيْدِ الله بنِ عُمرَ. ورَوَى محمدُ بنُ عَجْلاَنَ عن صَيْفى نحوَ روايةِ مالكٍ.
ـــــــ
قوله "إن لبيوتكم عماراً" أي سواكن "فخرجوا عليهن ثلاثاً" بتشديد الراء المكسورة أي ضيقوا أي قولوا لها أنت في حرج أي ضيق إن عدت إلينا فلا تلومينا أن نضيق عليك بالتتبع والطرد والقتل كذا في النهاية وفي شرح مسلم للنووي. قال القاضي عياض: روى ابن الحبيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول: "أنشدكم بالعهد الذي أخذ عليكم سليمان بن داود عليهما السلام أن لا تؤذونا ولا تظهروا لنا" ونحوه عن مالك "فإن بدا" أي ظهر "بعد ذلك" أي بعد التحريج "فاقتلوا" وفي رواية لمسلم فاقتلوه فإنه كافر، وفي رواية أخرى له: فاقتلوه فإنه شيطان. قال القاري في المرقاة: أي فليس بجني مسلم. بل هو إما جني كافر، وإما حية وإما ولد من أولاد إبليس، أو سماه شيطاناً لتمرده وعدم ذهابه بالإيذان، وكل متمرد من الجن والإنس والدابة يسمى شيطاناً. وفي شرح مسلم للنووي: قال العلماء إذا لم يذهب بالإنذار علمتم أنه ليس من عوامر البيوت ولا ممن أسلم من الجن بل هو شيطان فلا حرمة له فاقتلوه ولن يجعل الله له سبيلا إلى الإضرار بكم.
قوله: "وروى مالك بن أنس هذا الحديث" رواه في آخر الموطأ "وفي الحديث قصة" رواه مسلم بقصته.(5/61)
1515ـ حدثنا هَنّادٌ، حدثنا ابنُ أبي زائدةَ، حدثنا ابنُ أبي لَيْلَى عن ثابتِ البُنَانِيّ عن عبدِ الرحمَنِ بنِ أبي لَيْلَى، قال: قال أبو لَيْلَى: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ظَهَرَتْ الحيّةُ في المَسْكَنِ فَقُولُوا لها إنّا نَسْأَلُك بِعَهْدِ نوحٍ وبعهدِ سليمانَ بنِ داودَ أنْ لا تُؤْذِينَا، فإنْ عادتْ فاقْتُلوها" .
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نعرفُهُ من حديث ثابتٍ البُنَانِيّ إلا من هذا الوَجْهِ من حديثِ ابنِ أبي ليلَى.
ـــــــ
قوله "عن عبد الرحمن بن أبي ليلى" أنصارى ولد لست سنين من خلافة عمر وقتل بدجيل، وقيل غرق بنهر البصرة، وقيل فقد بدير الجماجم سنة ثلاث وثمانين في وقعة ابن الأشعت، حديثه في الكوفيين سمع أباه وخلفاً كثيراً من الصحابة، ومنه الشعبي ومجاهد وابن سيرين وخلق وهو في الطبقة الأولى من تابعي الكوفيين، ذكره صاحب المشكاة في حرف العين. وقال في حرف اللام ابن أبي ليلى اسمه عبد الرحمن بن أبي ليلى يسار الأنصاري ولد الخ، ثم قال: وقد يقال ابن أبي ليلى أيضاً لولده محمد، وهو قاضي الكوفة إمام مشهورة في الفقه صاحب مذهب وقول، وإذا أطلق المحدثون ابن أبي ليلى فإنما يعنون أباه، وإذا أطلق الفقهاء ابن أبي ليلى فإنما يعنون محمداً، وولد محمد هذا سنة أربع وسبعين، ومات سنة ثمان وأربعين ومائة "قال: قال أبو ليلى" الأنصاري صحابي والد عبد الرحمن شهد أحداً وما بعدها وعاش إلى خلافه علي.
قوله: "إنا نسألك بعهد نوح" ولعل العهد كان حين إدخالها في السفينة "أن لا تؤذينا" هذه الياء ياء الضمير لا ياء الكلمة، فإنها سقطت لاجتماع الساكنين، فتكون ساكنة سواء قلنا إن أن مصدرية ولا نافية، والتقدير نطلب منك عدم الإيذاء، أو مفسرة ولا ناهية لأن في السؤال معنى القول أي لا تؤذينا.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو داود.
اعلم أنه ورد في قتل الحيات أحاديث مختلفة، ولأجل ذلك اختلف أهل العلم، فذهب طائفة منهم إلى قتل الحيات أجمع، في الصحاري والبيوت، بالمدينة وغير(5/62)
ـــــــ
المدينة، ولم يستثنوا نوعاً وجنساً ولا موضعاً، واحتجوا في ذلك بأحاديث جاءت عامة، وقالت تقتل الحيات أجمع، إلا سواكن البيوت بالمدينة وغيرها، فإنهن لا يقتلن، لما جاء في حديث أبي لبابة وزيد بن الخطاب من النهي عن قتلهن بعد الأمر بقتل جميع الحيات. وقالت طائفة: تنذر سواكن البيوت في المدينة وغيرها فإن بدين بعد الإنذار قتلن. وما وجد منهن في غير البيوت يقتل من غير إنذار. وقال مالك: يقتل ما وجد منها في المساجد، واستدل هؤلاء بقولهصلى الله عليه وسلم: "إن لهذه البيوت عوامر، فإذا رأيتم منها شيئاً فحرجوا عليها ثلاثاً، فإن ذهب وإلا فاقتلوه" وقالت طائفة: لا تنذر إلا حيات المدينة فقط، وأما حيات غير المدينة في جميع الأرض والبيوت، فتقتل من غير إنذار. وقالت طائفة: يقتل الأبتر وذو الطفيتين من غير إنذار سواكن بالمدينة وغيرها. ولكل من هذه الأقوال وجه قوي ودليل ظاهر كذا في الترغيب المنذري(5/63)
باب ماجاء في قتل الكلاب
...
15ـ باب ما جاءَ في قَتْلِ الْكِلاَب
1516ـ حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا هُشَيْمٌ، أخبرنا منصورُ بنُ زاذانَ و يُونُسُ بن عبيد عن الحسَنِ عن عبدِ الله بنِ مُغفّلٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أنّ الْكِلاَبَ أُمّةٌ مِنَ الاْمَمِ لأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا كلّها، فَاقْتلُوا منها كلّ أسْوَدَ بَهِيمٍ" .
قال وفي البابِ عن ابنِ عمرَ وجابرٍ وأبي رافعٍ وأبي أيوبَ.
"حديثُ عبدِ الله
ـــــــ
باب ما جاءَ في قَتْلِ الْكِلاَب
قوله "لولا أن الكلاب أمة من الأمم" يأتي شرح هذا الحديث في الباب الذي يليه.
وله: "وفي الباب عن ابن عمر وجابر وأبي رافع وأبي أيوب" . أما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان، وأخرجه الترمذي في الباب الذي يليه. وأما حديث جابر فأخرجه مسلم عنه قال: أمرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها فنقتله، ثم نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم(5/63)
بنِ مُغفَلٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. ويُرْوَى في بعضِ الحديثِ أنّ الكلْبَ الأسودَ البهيمَ شيطانٌ، والكلبُ الأسودُ البهيمُ الذي لا يكونُ فيه شيءٌ من البياضِ. وقد كَرِهَ بعضُ أهلِ الْعِلْمِ صَيْدَ الكلبِ الأسْودِ البهيمِ.
ـــــــ
عن قتلها وقال: "عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان" وأما حديث أبي رافع فأخرجه أحمد عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا رافع اقتل كل كلب بالمدينة" الحديث. وأما حديث أبي أيوب فلينظر من أخرجه.
قوله: "حديث عبد الله بن مغفل حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود والدارمي وأخرجه الترمذي في الباب الذي يليه بزيادة "ويروي في بعض الحديث أن الكلب الأسود البهيم شيطان" ، وهو حديث جابر الذي أشار إليه الترمذي وذكرنا لفظه.
قال القاضي أبو ليلى: فإن قيل: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الكلب الأسود إنه شيطان؟ ومعلوم أنه مولود من الكلب، وكذلك قوله في الإبل إنها جن وهي مولودة من النوق؟ فالجواب أنه إنما قال ذلك على طريق التشبيه لهما بالشيطان والجن، لأن الكلب الأسود شر الكلاب وأقلها نفعاً. ولإبل شبه الجن في صعوبتها وصولتها، وفي شرح السنة قيل في تخصيص كلاب المدينة بالقتل من حيث أن المدينة كانت مهبط الملائكة بالوحي وهم لا يدخلون بيتاً فيه كلب، وجعل الكلب الأسود البهيم شيطاناً لخبثه، فإنه أضر الكلاب وأعقرها، والكلب أسرع إليه منه إلى جميعها، وهي مع هذا أقلها نفعاً وأسوأها حراسة وأبعدها من الصيد وأكثرها نعاساً. وحكى عن أحمد وإسحاق أنهما قالا: لا يحل صيد الكلب الأسود. وقال النووي: أجمعوا على قتل العقور. واختلفوا فيما لا ضرر فيه، قال إمام الحرمين: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها كلها ثم نسخ ذلك إلا الأسود البهيم، ثم استقر الشرع على النهي عن قتل جميع الكلاب حيث لا ضرر فيها حتى الأسود البهيم انتهى(5/64)
باب من أمسك كلبا ماينقص من أجره
...
16ـ باب مَنْ أمْسَكَ كَلْباً، ما ينقص مِنْ أَجْرِه
1517ـ حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا إسماعيلُ بنُ إبراهيم عن أيوبَ عن نافعٍ عن ابنِ عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ اقْتَنَى كلْباً أو اتّخَذَ كلْباً ليس بِضَارٍ ولا كلْبَ مَاشِيَةٍ نَقَصَ من أجْرِهِ كلّ يَوْمٍ قِيرَاطَان" .
ـــــــ
"باب مَنْ أمْسَكَ كَلْباً، ما ينقص مِنْ أَجْرِه"
قوله "من اقتنى كلباً" يقال اقتنى الشيء إذا اتخذه للإدخار أي حبس وأمسك "أو اتخذ كلباً" شك من الراوي "ليس بضار" بتخفيف الراء المكسورة المنونة أي ليس بمعلم. قال التوربشي: الضاري من الكلاب ما يهيج بالصيد يقال ضرا الكلب بالصيد ضراوة أي تعوده انتهى. وقال الحافظ: ضرا الكلب وأضراه صاحبه: أي عوده وأغراه بالصيد "ولا كلب ماشية" هو ما يتخذ من الكلاب لحفظ الماشية عند رعيها "نقص" بصيغة المجهول. قال القاري: وفي نسخة يعني المشكاة بالمعلوم وهو يتعدى ولا يتعدى، والمراد به هنا اللزوم أي انتقص "كل يوم" بالنصب على الظريفة "قيراطان" فاعل أو نائبه. قال القاري: أي من أجر عمله الماضي فيكون الحديث محمولا على التهديد، لأن حبط الحسنة بالسيئة ليس مذهب أهل السنة والجماعة، وقيل: أي من ثواب عمله المتقبل حين يوجد وهذا أقرب، لأنه تعالى إذا نقّص من ثواب عمله ولا يكتب له كما يكتب لغيره من كمال فضله لا يكون حبطاً لعمله، وذلك لأنه اقتنى الجاسة مع وجوب التجنب عنها من غير ضرورة وحاجة وجعلها وسيلة لرد السائل والضعيف. قال النووي: واختلفوا في سبب نقصان الأجر باقتناء الكلب. فقيل لامتناع الملائكة من دخول بيته، وقيل لما يلحق المارين من الأذى من ترويع الكلب لهم وقصده إياهم، وقيل إن ذلك عقوبة لهم لاتخاذهم ما نهي عن اتخاذه وعصيانهم في ذلك، وقيل لما يبتلي به ولوغه في الأواني عند غفلة صاحبه ولا يغسله بالماء والتراب.(5/65)
قال وفي البابِ عن عبدِ الله بنِ مُغفّلٍ وأبي هريرةَ وسُفيانَ بنِ أبي زُهَيْرٍ.
قال أبو عيسى: حديثُ ابنِ عمرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد رُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: أو كلْبَ زَرْعٍ.
1518 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا حمادُ بنُ زَيْدٍ عن عمرِو بنِ دينارٍ عن ابنِ عمرَ: "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أمَرَ بِقَتْلِ الكلابِ إلا كلْبَ صَيْدٍ أو كلْبَ مَاشِيَةٍ". قِيلَ له: إنّ أبا هريرةَ كان يقولُ: أو كلْبَ زَرْعٍ. فقال: إنّ أبَا هريرةَ لَهُ زَرْعٌ.
"هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
1519 ـ حدثنا الحسَنُ بنُ عَلِي "الحلواني" وغيرُ واحدٍ قالوا: أخبرنا عبدُ الرزّاق
ـــــــ
قوله: "وفي الباب عن عبد الله بن مغفل وأبي هريرة" أخرج حديثهما الترمذي في هذا الباب "وسفيان بن أبي زهير" أخرج حديثه الشيخان عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من اقتنى كلباً لا يغني عنه زرعاً ولا ضرعاً نقص من عمله كل يوم قيراط"
قوله: "حديث ابن عمر حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي.
قوله: "وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أو كلب زرع" رواه أبو هريرة وعبد الله بن مغفل وسفيان بن أبي زهير.
قوله: "فقال إن أبا هريرة له زرع" أراد ابن عمر بذلك أن سبب حفظ أبي هريرة لهذه الزيادة أنه صاحب زرع دونه، ومن كان مشتغلاً بشيء احتاج إلى تعرف أحكامه وهذا هو الذي ينبغي حمل الكلام عليه. وفي صحيح مسلم قال سالم: وكان أبو هريرة يقول أو كلب حرث وكان صاحب حرث، وقد وافق أبا هريرة على ذكر الزرع عبد الله بن مغفل، كما أخرجه الترمذي في هذا الباب وسفيان بن أبي زهير كما أخرجه الشيخان.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم.(5/66)
أخبرنا مَعْمَرٌ عن الزّهريّ عن أبي سَلَمَةَ بنِ عبدِ الرحمَنِ عن أبي هريرةَ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ اتّخَذَ كلْبَاً إلا كلْبَ مَاشِيَةٍ أو صَيْدٍ أو زَرْعٍ انْتَقَصَ مِنْ أجْرِهِ كلّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ" . قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسن صحيحٌ.
ويُرْوَى عن عطاءِ بنِ أبي رَبَاحٍ: أنه رخّصَ في إمساك الكلْبِ وإنْ كان للرّجلِ شَاةٌ وَاحِدَةٌ.
1520حدثنا بذلك إسحاقُ بنُ منصورٍ، حدثنا حَجّاجُ بنُ محمدٍ عن ابنِ جُرَيْجٍ عن عطاءِ بهذا.
ـــــــ
قوله: "إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع" أو للتنويع لا للترديد "انتقص من أجره كل يوم قيراط" وفي رواية ابن عمر المتقدمة قيراطان. واختلفوا في اختلاف هاتين الروايتين المختلفتين، فقيل الحكم للزائد لكونه حفظ ما لم يحفظه الآخر، أو أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أولا بنقص قيراط واحد فسمعه الراوي الأول ثم أخبر ثانيا بنقص قيراطين زيادة في التأكيد والتنفير من ذلك فسمع الراوي الثاني، وقيل ينزل على حالين فنقص القراطين باعتبار كثرة الإضرار بأتخاذها ونقص القيراط باعتبار قلته، وقيل يختص نقص القيراطين يمن اتخذها بالمدينة الشريفة خاصة والقيراط بما عداها، وقيل غير ذلك. واختلف في القيراطين المذكورين هنا، هل هما كالقيراطين المذكورين في الصلاة على الجنازة واتباعها، فقيل بالتسوية، وقيل اللذان في الجنازة من باب الفضل اللذان هنا من باب العقوبة، وباب الفضل أوسع من غيره.
قوله: "هذا حديث صحيح" أخرجه الجماعة.
قوله: "أنه رخص في إمساك الكلب وإن كان للرجل شاة واحدة" إذا أمسكه لحفظ الشاة الواحدة فإنه كلب ماشية. قال ابن عبد البر: في هذه الأحاديث إباحة اتخاذ الكلب للصيد والماشية، وكذلك للزرع لأنها زيادة حافظ، وكراهة(5/67)
1521 ـ حدثنا عُبَيْدُ بنُ أسْبَاط بنِ محمدٍ القُرَشِيّ، حدثنا أَبِي عن الأعمَشِ عن إسماعيلَ بنِ مُسْلِمٍ عن الحسَنِ عن عبدِ الله بنِ مُغفّل قال: إنّي لَمِمّنْ يَرْفَعُ أغصانَ الشّجرةِ عن وَجْهِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو يَخْطُبُ، فقال: "لولا أنّ الكلابَ أُمّةٌ مِنَ الاْمَمِ لأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا، فاقتُلوا منها كلّ أسْوَدَ بَهِيمٍ، وما مِنْ أهلِ بَيْتٍ يَرْتَبِطُونَ كلْباً إلاّ نَقُصَ من عَمَلِهِمْ كلّ يَوْمٍ قِيراطٌ إلا كلْبَ صَيْدٍ أو كلْبَ حَرْثٍ أو كلْبَ غَنَمٍ" .
ـــــــ
اتخاذها لغير ذلك إلا أنه يدخل في معنى الصيد وغيره مما ذكر اتخاذها لجلب المنافع ودفع المضار قياساً فتمحض كراهة اتخاذها لغير حاجة لما فيه من ترويع الناس وامتناع دخول الملائكة إلى البيت الذي الكلاب فيه. . وقد استدل بهذا على جواز اتخاذها لغير ما ذكر وأنه ليس بمحرم لأن ما كان اتخاذه محرماً امتنع اتخاذه على كل حال، سواء نقص الأجر أم لا. فدل ذلك على أن اتخاذها مكروه لا حرام كذا في النيل.
قوله: "لولا أن الكلاب" أي جنسها "أمة"أي جماعة من الأمم لقوله تعالى {مَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } "فاقتلوا منها كل أسود بهيم" أي خالص السواد. قال الخطابي: معنى هذا الكلام أنه صلى الله عليه وسلم كره إفناء أمة من الأمم وإعدام جيل من الخلق، لأنه ما من خلق لله تعالى إلا وفيه نوع من الحكمة وضرب من المصلحة، يقول: إذا كان الأمر على هذا ولا سبيل إلى قتلهن، فاقتلوا شرارهن، وهي السود البهم، وابقوا ما سواها لتنتفعوا بهن في الحراسة. قال الطيبي: قوله أمة من الأمم إشارة إلى قوله تعالى: {َمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} أي أمثالكم في كونها دالة على الصانع ومسبحة له. قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} أي يسبح بلسان القال أو الحال حيث يدل على الصانع وعلى قدرته وحكمته وتنزيهه عما لا يجوز عليه. فبالنظر إلى هذا المعنى لا يجوز التعرض لها بالقتل، والإفناء، ولكن إذا كان لدفع مضرة كقتل الفواسق الخمس أو جلب منفعة كذبح الحيوانات المأكولة جاز ذلك.(5/68)
هذا حديثٌ حسنٌ.
وقد رُوِيَ هذا الحديثُ من غيرِ وجهٍ عن الحسَنِ عن عبدِ الله بنِ مغَفّلٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
قوله: "هذا حديث حسن" قال في الملتقى: رواه الخمسة وصححه الترمذي انتهى(5/69)
باب في الذكاة بالقصب وغيره
...
17 ـ باب ما جاء في الذّكَاةِ بِالْقَصَبِ وَغَيْرِه
1522 ـ حدثنا هَنّادٌ، حدثنا أبو الأحْوَصِ عن سعيدِ بنِ مسروقٍ عن عَبَايَةَ بنِ رِفاعَةَ بنِ رافعِ بنِ خَدِيجٍ عن أبيهِ عن جَدّهِ رافعِ بنِ خديجٍ قال: قلت: يَا رسولَ الله، إنّا نَلْقَى الْعَدُوّ غداً وليست معنا مُدًى. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "ما أَنْهَرَ الدّمَ وذُكِرَ اسمُ الله عليهِ فكلُوه ما لم يكُنْ سِناً
ـــــــ
"باب ما جاء في الذكاة بالقصب وغيره"
قال في القاموس: القصب محركة كل نبات ذي أنابيب.
قوله: "إنا نلقي العدو غداً" لعله عرف ذلك بخير أو بقرينة وليست معنا مدى بضم الميم مخفف مقصور جمع مدية بسكون الدال بعدها تحتانية وهي السكين، سميت بذلك لأنها تقطع مدى الحيوان أي عمره والرابط بين قوله تلتقي العدو وليست معنا مدى يحتمل أن يكون مراده أنهم إذا لقوا العدو وصاروا بصدد أن يغنموا منهم ما يذبحونه، ويحتمل أن يكون مراد أنهم يحتاجون إلى ذبح ما يأكلونه ليتقووا به على العدو إذا لقوه "ما أنهر الدم" أي أسأله وصبه بكثرة شبهه يجري الماء في النهر قال عياض: هذا هو المشهور في الروايات بالراء. وذكره أبو ذر بالزاي وقال النهز بمعنى الدفع وهو غريب وما موصلة في موضع الرفع بالإبتداء وخبرها فكلوا، والتقدير ما أنهر الدم فهو حلال فكلوا، ويحتمل أن تكون شرطية "وذكر اسم الله عليه" بصيغة المجهول وفيه دليل على اشتراط التسمية لإنه علق الإذن بمجموع الأمرين وهما: الإنهار والتسمية، والمعلق على شيئين لا يكتفي فيه إلا باجتماعهما(5/69)
أو ظُفْراً وسأُحَدّثُكُم عن ذلك: أما السّنّ فعظمٌ وأما الظّفْرُ فَمُدَى الحبشةِ" .
1523ـ حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا يَحيى بنُ سعيدٍ عن سُفيانَ الثوْرِيّ، قال حدثنا أبِي عن عَبايةَ بنِ رِفاعةَ بن رافعِ بنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوَهُ ولم يذكرْ فيه عَبايةَ عن أبيهِ وهذا أصحّ. وعَبايةُ قد سَمِعَ من رافعٍ. والعملُ على هذا عندَ أهلِ العلمِ لا يَرَوْنَ أن يُذَكى بِسِن ولا بِعَظْمٍ.
ـــــــ
وينتفي بانتفاء أحدهما "ما لم يكن سن أو ظفر" كذا في النسخ بالرفع، وكذلك في بعض نسخ أبي داود، وفي بعضها سناً أو ظفراً بالنصب، وهو الظاهر "وسأحدثكم عن ذلك" اختلف في هذا، هل هو من جملة المرفوع، أو مدرج "أما السن فعظم" قال البيضاوي: هو قياس حذفت منه المقدمة الثانية لشهرتها عندهم والتقدير، أما السن فعظم وكل عظم لا يحل الذبح به، وطوى النتيجة لدلالة الاستثناء عليها. وقال ابن أبي الصلاح: في مشكل الوسيط هذا يدل على أنه عليه السلام كان قد قرر كونه الذكاة لا تحصل بالعظم، فذلك اقتصر على قوله فعظم. قال: ولم أر بعد البحث من نقل المنع من الذبح بالعظم معني يعقل، وكذا وقع في كلام ابن عبد السلام، وقال النووي معنى الحديث: لا تذبحوا بالعظم فإنها تنجس بالدم. وقد نهيتم عن تنجيسها، لأنها زاد إخوانكم من الجن، وقال ابن الجوزي في المشكل: هذا يدل على أن الذبح بالعظم كان معهودا عنهم إنه لا يجزى. وقررهم الشارع على ذلك "وأما الظفر فمدى الحبشة" أي وهم كفار، وقد نهيتم عن التشبيه بهم. قاله ابن الصلاح وتبعه النووي، وقيل نهي عنهما لأن الذبح بهما تعذيب للحيوان، ولا يقطع به غالباً إلا الخنق الذي هو على صورة الذبح، واعترض على الأول بأنه لو كان كذلك لامتنع الذبح بالسكين، وسائر ما يذبح به الكفار. وأجيب بأن الذبح بالسكين هو الأصل، وأما ما يلحق بهما، فهو الذي يعتبر فيه التشبه. ومن ثم كانوا يسألون عن جواز الذبح بغير السكين. وروي عن الشافعي أنه قال: ألسن إنما يذكى بها إذا كانت منتزعة، فإما وهي ثابتة فلو ذبح بها لكانت منخنقة. يعني فدل على عدم جواز التذكية بالسن المنتزعة، بخلاف ما نقل عن الحنيفة من جوازه بالسن المنفصلة. قال: وإما الظفر فلو كان المراد به ظفر الإنسان لقال فيه ما قال في السن. لكن الظاهر أنه أراد به الظفر الذي هو طيب من بلاد الحبشة وهو لا يقوى فيكون في معنى الخنق كذا في النيل.(5/70)
صلى الله عليه وسلم نحوه ولم يذكر فيه عن عباية عن أبيه وهذا أصح. وعباية قد سمع من رافع. والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون أن يذكي بسن ولا بعظم.
ـــــــ
قلت هو جسم صلب كالصدف أحد طرفيه رقيق محدد يقال له أظفار الطيب. قال في بحر الجواهر: أظفار الطيب أقطاع صدفية في مقدار طيب الرائحة، يستعمل في العطر انتهى. قلت ويكون أكبر من مقدار الظفر أيضاً.
قوله: "لم يذكر" أي والد سفيان "فيه" أي في حديثه "عن عباية عن أبيه" بل ذكر عن رافع وترك ذكر أبيه والحديث أخرجه الجماعة(5/71)
18ـ باب
1524ـ حدثنا هَنّادٌ، حدثنا أبو الأحْوَصِ عن سعيدِ بنِ مسروقٍ عن عَبايةَ بنِ رِفاعةَ بنِ رافعِ عن أبيهِ عن جَدّهِ رافعٍ بن خديج قال: "كُنّا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ فَنَدّ بَعِيرٌ مِنْ إبِلِ الْقَوْمِ ولم يكُنْ معهُمْ خَيْلٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فحبَسَهُ الله، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن عباية" بفتح العين المهملة والموحدة الخفيفة، وبعد الألف تحتانية خفيفة الأنصاري الزرقي المدني ثقة من الثالثة "ابن رفاعة" بكسر راء وخفة فاء وبعين مهملة ثقة "بن رافع بن خديج" الأنصاري صحابي جليل، أول مشاهده أحد ثم الخندق "فند بعير" أي هرب وهو بفتح النون وتشديد الدال "ولم يكن معهم خيل" أي ولأجل ذلك لم يقدروا على أخذه "فحبسه الله" أي أصابه السهم فوقف "أن لهذه البهائم" وفي رواية البخاري أن لهذه الإبل "أو ابد كأوابد الوحش" قال الجزري في النهاية: الأوابد جمع آبدة، وهي التي قد تأبدت، أي توحشت ونفرت من الإنسى انتهى.(5/71)
"إن لهذه البَهائمِ أوَابِدَ كأوابِدِ الوحْشِ فما فَعَلَ منها هذا فافْعَلُوا به هكذا" .
1525حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا وَكِيعٌ، حدثنا سفيانُ عن أبيهِ عن عَبايةَ بنِ رِفاعةَ عن جَدّهِ رافعِ بنِ خَدِيجٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوَهُ ولم يذكُرْ فيه عبايةَ عن أبيهِ وهذا أصحّ. والعملُ على هذا عند أهلِ الْعِلْمِ وهكذا رواهُ شُعبةُ عن سعيدِ بنِ مسروقٍ من روايةِ سُفيانَ.آخر أبواب الصيد.
ـــــــ
والمراد أن لها توحشاً، وقال التوربشتي اللام بمعنى من "فما فعل منها هذا" أي فأي بهيمة من هذه البهائم تهرب وتنفر، "فافعلوا به هكذا" أي فارموه بسهم ونحوه. والمعنى ما نفر من الحيوان الأهلي من الإبل، والبقر، والغنم، والدجاج، كالصيد الوحشي في حكم الذبح، فإن ذكاته اضطرارية، فجميع أجزائه محل الذبح. قال في شرح السنة: فيه دليل على أن الحيوان الإنسي إذا توحش، ونفر فلم يقدر على قطع مذبحه يصير جميع بدنه في حكم المذبح، كالصيد الذي لا يقدر عليه. وكذلك لو وقع بعير في بئر منكوساً فلم يقدر على قطع حلقومه فطعن في موضع من بدنه فمات كان حلالا انتهى.
قوله: "وهذا أصح" والحديث أخرجه الجماعة.
قوله: "قوله والعمل على هذا عند أهل العلم" قال الحافظ في الفتح قد نقله ابن المنذر وغيره عن الجمهور، وخالفهم مالك والليث، ونقل أيضاً عن سعيد بن المسيب وربيعة فقالوا: لا يحل أكل الإنسي أو الوحش إلا بتذكيته في حلقة أو ليته. وحجة الجمهور حديث رافع انتهى.
قلت: ما ذهب إليه الجمهور هو الصواب وحجتهم حديث الباب. وروى البيهقي من طريق أبي العميس عن غضيان عن يزيد البجلي عن ابيه قال: أعرس رجل من الحي فاشترى جذوراً فندت فعرقبها وذكر اسم الله فأمر عبد الله يعني ابن مسعود أن يأكلوا. فما طابت انفسهم حتى جعلوا له منها بضعة، ثم أتوه بها فأكل. وأخرج عبد الرزاق عن عكرمة عن ابن عباس قال: إذا وقع البعير في البئر فاطعنه من قبل خاصرته، واذكر اسم الله وكل. وأخرج ابن أبي شيية من طريق أبي راشد السلمان قال: كنت أرعى منائح لأهلي بظهر الكوفة فتردى(5/72)
ـــــــ
منها بعير فخشيت أن يسبقني بذكاته، فأخذت حديدة فوجأت بها في جنبه أو سنامه ثم قطعته أعضاء وفرقته على أهلي، فأبوا أن يأكلوه، فأتيت علياً فقمت على باب قصره، فقلت: يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين، فقال: يا لبيكاه يا لبيكاه، فأخبرته خبره. فقال: كل وأطعمني. وأخرج ابن أبي شيية عن عباية بلفظ: تردى بعبير في ركية فنزل رجل لينحره. فقال: لا أقدر على نحره، فقال له ابن عمر: اذكر اسم الله. ثم اقتل شاكلته، يعني خاصرته. ففعل، فأخرج مقطعاً، فأخذ منه ابن عمر عشيراً بدرهمين أو أربعة.
قوله: "وهكذا رواه شعبة عن سعيد بن مسروق من رواية سفيان" كذا في بعض النسخ بلفظ من رواية سفيان. وفي بعض النسخ مثل رواية سفيان، وهو الصواب. ويؤيده أنه وقع في بعض النسخ نحو رواية سفيان. والمعنى أنه كما روى سفيان عن أبيه عن عباية بن رفاعة عن جده رافع، كذلك روى شعبة عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعية عن جده رافع، ولم يذكره بين عباية ورفاعة واسطة والد عباية، ولذلك قال الترمذي وهذا أصح(5/73)
أبواب الأضاحي
باب ماجاء في فضل الأضحية
...
أبواب الأضاحي
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
1 ـ باب ما جاءَ في فَضْلِ الأضْحِيَة
1526 ـ حدثنا أبو عَمرٍو مُسْلِمُ بنُ عُمَرو بن مسلم الحذّاءُ المدنيّ، حدثنا
ـــــــ
"أبواب الأضاحي"
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع الأضحية، قال النووي: في الأضحية أربع لغات، وهي اسم للمذبوح يوم النحر: الأولى والثانية أضحية وإضحية بضم الهمزة وكسرها وجمعها أضاحي بالتشديد والتخفيف، والثالثة ضحية وجمعها ضحايا، والرابعة: أضحاة بفتح الهمزة، والجمع أضحى كأرطاة وأرطى وبها سمي يوم الأضحى
قوله: "حدثنا أبو عمرو ومسلم بن عمرو بن مسلم الحذاء المدني" روى عن عبد الله(5/73)
عبدُ الله بنُ نافعٍ الصائغُ أبو محمد عن أبي المُثَنّى عن هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عن أبيهِ عن عائشةَ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما عَمِلَ آدَمِيّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النّحْرِ أحَبّ إلى الله من إهراقِ الدّمِ، إنّها لَتأْتى يومَ القيامةِ بِقُرُونِها وأشعارِها وأظلافِها، وانّ الدّمَ لَيَقَعُ مِنَ الله بمكانٍ قبل أن يقعَ مِنَ الأرضِ فَطِيبُوا بها نَفْساً" .
ـــــــ
ابن نافع الصائغ وعنه ت س وقال صدوق "حدثني عبد الله بن نافع الصائغ" المخزومي مولاهم المدني ثقة صحيح الكتاب في حفظه لين، قاله الحافظ في القريب. وقال الخزرجي في الخلاصة وثقة ابن معين والنسائي "عن أبي المثنى" اسمه سليمان بن يزيد المدني عن سالم وسعيد المقبري وعنه ابن أبي فديك وابن وهب حسن الترمذي حديثه ووثقه ابن حبان، وقال أبو حاتم منكر الحديث، كذا في الخلاصة وقال في التقريب ضعيف.
قوله: "ما عمل آدمى" وفي رواية أبو ماجة ابن آدم "من عمل" من زائدة لتأكيد الاستغراق أي عملا "يوم النحر بالنصب على الظرفية أحب" بالنصب صفة عمل وقيل بالرفع وتقديره هو أحب قاله القاري "من إهراق الدم" أي صبه "وأنه" الضمير راجع إلى ما دل عليه إهراق الدم، قاله الطيبي "بقرونها" جمع قرن "وأشعارها" جمع شعر "وأظلافها" جمع ظلف، وضمير التأنيث باعتبار أن المهراق دمه أضحية، قال القاري قال زين العرب يعني أفضل العبادات يوم العيد أراقة دم القربات. وأنه يأتي يوم القيامة كما كان في الدنيا من غير نقصان شيء منه ليكون بكل عضو منه أجر، ويصير مركبه على الصراط انتهى. "وأن الدم ليقع من الله" أي من رضاه "بمكان" أي موضع قبول "قبل أن يقع من الأرض" وفي رواية ابن ماجة قبل أن يقع على الأرض بحذف "من" أي يقبله تعالى عند قصد الذبح قبل أن يقع دمه على الأرض "فطيبوا بها" أي بالأضحية "نفساً" تميز عن النسبة. قال ابن الملك: الفاء جواب شرط مقدر: أي إذا علمتم أنه تعالى يقبله ويجزيكم بها كثيراً فلتكن أنفسكم بالتضحية طيبة غير كارهة لها.(5/74)
قال وفي البابِ عن عمرانَ بنِ حُصَيْنٍ وزَيْدِ بنِ أرْقَمَ.
"هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نعرفُه من حديثِ هشامِ بنِ عروةَ إلا من هذا الوجْهِ. وأبو المُثَنّى اسمُه سليمانُ بنُ يزيدَ، رَوَى عنه ابنُ أبي فُدَيْكٍ.
"ويُرْوَى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأضْحِيَةِ: "لصاحبها بكلّ شعرةٍ حسنةٌ، ويُرْوَى بِقُرُونِها" .
ـــــــ
قوله: "وفي الباب عن عمران بن حصين" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: "قومي إلى أضحيتك فاشهديها فإنه يغفر لك عند أول قطرة من دمها كل ذنب عملتيه، وقولي: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله إلى قوله من المسلمين" أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق أبي حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير عن عمران بن حصين. قال الذهبي في المستدرك: أبو حمزة الثمالي ضعيف جداً انتهى. وقال البيهقي في إسناده مقال ورواه إسحاق ابن راهوية في مسنده. أخبرنا يحيى بن آدم وأبو بكر ابن عياش عن ثابت عن أبي إسحاق عن عمران بن حصين، فذكره كذا في نصب الراية. ورواه الحاكم من حديث أبي سعيد الخدري وفيه عطية، وقد قال ابن أبي حاتم في العلل عن ابيه إنه حديث منكر. ورواه الحاكم أيضاً والبيهقي من حديث علي وفيه عمرو بن خالد الواسطي، وهو متروك كذا في التلخيص "وزيد بن أرقم" قال قال اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ما هذا الأضحى قال: "سنة أبيكم إبراهيم عليه الصلاة والسلام" قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله. قال: "بكل شعرة حسنة" قالوا فالصوف يا رسول الله، قال: "بكل شعرة من الصوف حسنة" رواه أحمد وابن ماجة والحاكم وقال صحيح الإسناد قلت: في سنده عائذ الله المجاشعي، قال البخاري لا يصح حديثه، ووثقه ابن حبان كذا في الخلاصة.
قوله: "وهذا حديث حسن غريب" ورواه الحاكم وقال صحيح الإسناد.
تنبيه: قال ابن العربي في شرح الترمذي: ليس في فضل الأضحية حديث صحيح انتهى. قلت: الأمر كما قال ابن العربي. وأما حديث الباب فالظاهر أنه حسن وليس بصحيح والله تعالى أعلم.
قوله: "ويروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الأضحية ألخ" . قال المنذري(5/75)
ـــــــ
في الترغيب: وهذا الحديث الذي أشار إليه الترمذي رواه ابن ماجة والحاكم وغيرها كلهم عن عائد الله عن أبي داود عن زيد بن أرقم قال: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ما هذه الأضاحي الخ، وقد ذكرنا لفظه آنفاً(5/76)
2ـ باب في الأضحيةِ بِكَبْشَيْن
1527ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا أبو عَوَانَةَ عن قتادةَ عن أنَسِ بنِ مالكٍ قال: "ضَحّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدهِ وسَمّى وكَبّرَ ووضعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهما".
ـــــــ
"باب في الأضحية بكبشين"
الكبش: فحل الضأن في أي سن كان، واختلف في ابتدائه، فقيل إذا أثنى، وقيل إذا أربع قاله الحافظ.
قوله: "قوله "بكبشين"" استدل به على اختيار العدد في الأضحية، ومن ثم قال الشافعية: إن الأضحية بسبع شياه أفضل من البعير، لأن الدم المراق فيها أكثر والثواب يزيد بحسبه. وإن من أراد أن يضحي بأكثر من واحد يجعله. وحكى الروياني من الشافعية استحباب التفريق على أيام النحر، قال النووي: هذا أرفق بالمساكين لكنه خلاف السنة، وفيه أن الذكر فيه أفضل من الأنثى "أملحين" الأملح بالحاء المهملة قال ابن الأثير في النهاية: هو الذي بياضه أكثر من سواده. وقيل هو النقي البياض انتهى. وقال في القاموس: الملحة بياض يخالطه سواد كالملح محركة كبش أملح ونعجة ملحاة انتهى. وقال الحافظ في الفتح: هو الذي فيه سواد وبياض والبياض أكثر، ويقال هو الأغبر وهو قول الأصمعي، وزاد الخطابي هو الأبيض الذي في خلل صوفه طبقات سود، ويقال الأبيض الخالص، وقيل الذي يعلوه حمرة انتهى. "ذبحها بيده" وهو المستحب لمن يعرف آداب الذبح ويقدر عليه وإلا فليحضر عند الذبح لحديث عمران بن حصين المذكور. قال الحافظ في الفتح: وقد اتفقوا على جواز التوكيل فيها للقادر، لكن عند المالكية رواية بعدم الإجزاء مع القدرة، وعند أكثرهم يكره لكن يستحب أن يشهدها انتهى.(5/76)
قال: وفي البابِ عن عَلي وعائشةَ وأبي هريرةَ وأبي أيوبَ وجابرٍ وأبي الدرداءِ وأبي رافعٍ وابنِ عُمَرَ وأبي بَكْرَةَ.
ـــــــ
قال البخاري في صحيحه: أمر أبو موسى بناته أن يضحين بأيديهن انتهى. قال الحافظ: وصله الحاكم في المستدرك ووقع لنا بعلو في خبرين كلاهما من طريق المسيب بن رافع أن أبا موسى كان يأمر بناته أن يذبحن نسائكن بأيديهن وسنده صحيح. قال ابن التين: فيه جواز ذبيحة المرأة. ونقل محمد عن مالك كراهته. وعن الشافعية الأولى للمرأة أن تؤكل في ذبح أضحيتها ولا تباشر الذبح بنفسها انتهى. كلام الحافظ "وسمى وكبر" أي قال بسم الله والله أكبر، والواو الإولى لمطلق الجمع فإن التسمية قبل الذبح "ووضع رجله على صفاحهما" جمع صفح بالفتح وسكون الفاء وهو الجنب. وقيل جمع صفحة وهو عرض الوجه، وقيل نواحي عنقها، وفي النهاية صفح كل شيء جهته وناحيته. قال الحافظ: وفيه استحباب وضع الرجل على صفحة عنق الأضحية الأيمن، واتفقوا على أن ضجاعها يكون على الجانب الأيسر فيضع رجله على الجانب الأيمن ليكون أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وإمساك رأسها بيده اليسار انتهى.
قوله: "وفي الباب عن علي" أخرجه الحاكم وصححه على ما في المرقاة بلفظ أنه كان يضحي بكبشين عن النبي صلى الله عليه وسلم وبكبشين عن نفسه، وقال: : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أضحي عنه أبداً، فأنا أضحي عنه أبداً. "وعائشة وأبي هريرة" أخرجه ابن ماجة وغيره من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي سلمة عن عائشة أو أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوئين الحديث. قال الحافظ في الفتح: ابن عقيل المذكور في سنده مختلف انتهى. "وجابر" أخرجه أبو داود وابن ماجة بلفظ قال ذبح النبي صلى الله عليه وسلم يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجئين الحديث: "وأبي أيوب" لينظر من أخرج حديثه "وأبي الدرداء" قال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين جذعين موجئين، أخرجه أحمد من مسنده "وأبي رافع" أخرجه أحمد وإسحاق بن راهوية في مسنديهما والطبراني(5/77)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
1528ـ حدثنا محمدُ بنُ عُبَيْدٍ المُحَارِبِيّ الكوفيّ، حدثنا شَرِيكٌ عن أبي الحسْنَاءِ عن الْحَكَمِ عن حنشٍ عن عليّ: انه كان يُضَحّي بِكَبْشَيْنِ، أحدُهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، والآخر عن نفسهِ، فقيل له، فقال:
ـــــــ
في معجمه من طريق شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن علي بن حسين عنه قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين موجئين خصبين الحديث "وابن عمر" لينظر من أخرجه "وأبي بكرة" أخرجه الترمذي.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله "حدثنا شريك" هو ابن عبد الله النخعي الكوفي "عن أبي الحسناء" ، قال في الخلاصة: أبو الحسناء عن الحكم وعنه شريك اسمه الحسن أو الحسين انتهى. وقال في الميزان حدث عنه شريك لا يعرف له عن الحكم بن عتيبة انتهى. وقال الحافظ في التقريب مجهول انتهى. "عن الحكم" هو ابن عتيبة ثقة ثبت "عن حنش" قال القاري بفتح الحاء المهملة وبالنون المفتوحة والشين المعجمة: هو ابن عبد الله السبائي، قيل إنه كان مع علي بالكوفة وقدم مصر بعد قتل علي انتهى. قلت: حنش هذا ليس ابن عبد الله السبي بل هو حنش بن المعتمر الكناتي أبو المعتمر الكوفي كما صرح به المنذري.
قوله: "أنه كان يضحي بكبشين أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم والآخر عن نفسه" . وفي رواية أبي ذاود قال: رأيت علياً رضي الله عنه يضحي بكبشين، فقلت له ما هذا فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أضحي عنه، فأنا أضحي عنه. وفي رواية صححها الحاكم على ما في المرقاة أنه كان يضحي بكبشين عن النبي صلى الله عليه وسلم وبكبشين عن نفسه، وقال إن رسول الله أمرني أن أضحي عنه أبداً، فأنا أضحي عنه أبداً. فرواية الحاكم هذه مخالفة لرواية الترمذي. ويمكن الجمع بأن يقال إنه صلى الله عليه وسلم أمر علياً وأوصاه أن يضحي عنه من غير تقييد بكبش أو بكبشين: فعلي قد يضحي عنه وعن نفسه بكبش كبش، وقد(5/78)
أمَرَنِي به ـ يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم ـ فلا أدَعُهُ أبداً.
"هذا حديثٌ غريبٌ لا نعرفُه إلا من حديثِ شَرِيكٍ.
وقد رَخّصَ بعضُ أهلِ الْعِلْمِ أن يُضَحّى عن المَيّتِ. ولم يَرَ بعضُهم أن يُضَحّى عنه. وقال عبدُ الله بنُ المُباركِ: أحَبّ إلَيّ أنْ يُتَصَدّقَ عنه ولا يُضَحّى عنه وإنْ ضَحّى فلا يأْكُلْ منها شيئاً ويَتَصَدّقْ بها كلها.
ـــــــ
يضحي بكبشين كبشين والله تعالى أعلم "أمرني به يعني النبي صلى الله عليه وسلم فلا أدعه" بفتح الدال المهملة أي لا أتركه.
قوله: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك" قال المنذري: حنش هو أبو المعتمر الكناتي الصنعاتي وتكلم فيه غير واحد، وقال ابن حبان البستي: وكان كثير الوهم في الأخبار ينفرد عن علي بأشياء لا يشبه حديث الثقات حتى صار ممن لا يحتج به. وشريك هو ابن عبد الله القاضي فيه مقال، وقد أخرج له مسلم في المتابعات انتهى. قلت: وأبو الحسناء شيخ عبد الله مجهول كما عرفت، فالحديث ضعيف.
قوله: "وقد رخص بعض أهل العلم أن يضحي عن الميت ولم ير بعضهم أن يضحي عنه" أي عن الميت، واستدل من رخص بحديث الباب لكنه ضعيف "وقال عبد الله بن المبارك: أحب إلي أن يتصدق عنه ولا يضحي وإن ضحى فلا يأكل منها شيئاً ويتصدق بها كلها" . وكذلك حكى الإمام البغوي في شرح السنة عن ابن المبارك قال في غنية الألمعي ما محصله: إن قول من رخص في التضحية عن الميت مطابق للأدلة ولا دليل لمن منعها، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يضحي كبشين أحدهما عن أمته ممن شهد له بالتوحيد وشهد له بالبلاغ والآخر عن نفسه وأهل بيته، ومعلوم أن كثيراً منهم قد كانوا ماتوا في عهده صلى الله عليه وسلم، فدخل في أضحيته صلى الله عليه وسلم الأحياء والأموات كلهم. والكبش الواحد الذي يضحي به عن أمته كما كان للأحياء من أمته، كذلك كان للأموات من أمته بلا تفرقة. ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتصدق بذلك الكبش كله(5/79)
ـــــــ
ولا يأكل منه بل قال أبو رافع: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعمهما جميعاً المساكين ويأكل هو وأهله منهما، رواه أحمد. وكان دأبه صلى الله عليه وسلم أنه يأكل من الأضحية هو وأهله ويطعم منها المساكين وأمر بذلك أمته، ولم يحفظ عنه خلافه. فإذا ضحى الرجل عن نفسه وعن بعض أمواته أو عن نفسه وعن أهله وعن بعض أمواته، فيجوز أن يأكل هو وأهله من تلك الأضحية، وليس عليه أن يتصدق بها كلها. نعم أن تخص الأضحية للأموات من دون شركة الأحياء فيها فهي حق المساكين كما قال عبد الله بن المبارك انتهى. ما في غنية الألمعي محصلا.
قلت: لم أجد في التضحية عن الميت منفرداً حديثاً مرفوعاً صحيحاً. وأما حديث علي المذكور في الباب فضعيف كما عرفت. فإذا ضحى الرجل عن الميت منفرداً فالاحتياط أن يتصدق بها كلها والله تعالى أعلم(5/80)
باب مايستحب من الأضاحي
...
3ـ باب جاء في ما يُسْتَحَبّ مِنَ الأضاحِي
1529 ـ حدثنا أبو سعيدٍ الأشَجّ حدثنا حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: "ضَحّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِكَبْشٍ أقْرَنَ فَحِيلٍ، يأْكُلُ في سَوَادٍ، ويمشِي في سوادٍ، وينظرُ في سوادٍ".
ـــــــ
"باب جاء في ما يُسْتَحَبّ مِنَ الأضاحِي"
قوله: "بكبش أقرن فحيل" قال في القاموس: فحل فحيل كريم منجب في ضرابه انتهى. وكذلك في نهاية الجزري. وقال الخطابي هو كريم المختار للفحلة، وأما الفحل فهو عام في الذكورة منها، وقالوا ذكورة في النخل "فحال" فرقاً بينه وبين سائر الفحول من الحيوان انتهى. وقال في النيل: فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بالفحيل كما ضحى بالمخصي انتهى. وقال ابن العربي: حديث أبي سعيد يعني حديث الباب بلفظ: ضحى بكبش فحل أي كامل الخلقة لم تقطع أنثياه يرد رواية موجوئين. قال الحافظ في الفتح: وتعقب باحتمال أن يكون وقع ذلك في وقتين انتهى.
قوله: "يأكل في سواد" أي فمه أسود "ويمشي في سواد" أي قوائمه سود مع(5/80)
"هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ لا نعرفُه إلا من حديث حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ.
ـــــــ
بياض سائره "وينظر في سواد" أي حوالي عينيه سواد.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري وأخرجه أيضاً النسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان وهو على شرط مسلم قاله صاحب الاقتراح كذا في النيل. وأخرج مسلم من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ سواد وينظر في سواد ويبرك في سواد فأتى به ليضحى به. فقال يا عائشة: "هلمي المدية" ثم قال: "أشحذيها بحجر" ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش، فأضجعه ثم ذبحه الحديث(5/81)
باب مالا يجوز من الاضاحي
...
4ـ باب ما لا يجوزُ من الأضاحِي
1530ـ حدثنا عليّ بنُ حَجَرٍ أخبرنا جَرِير بن حازم عن محمدِ بنِ إسحاقَ عن يزيدَ بنِ أبي حبيبٍ عن سليمانَ بنِ عبدِ الرحمَنِ عن عُبَيْدِ بنِ فيروزَ عن الْبَرَاءِ بنِ عازِبٍ رَفَعَهُ قال: "لا يُضَحّى بالْعَرْجاءِ بَيّنٌ ظَلْعُهَا، ولا بالْعَوْراءِ بَيّنٌ عَوَرُهَا، ولا بالمَرِيضَةِ بَيّنٌ مَرَضُهَا، ولا بالْعَجْفَاءِ التي لا تُنْقى" .
1531حدثنا هَنّادٌ، حدثنا ابنُ أبي زائدةَ، أخبرنا شُعْبَةُ عن سليمانَ
ـــــــ
"باب ما لا يجوزُ من الأضاحِي"
قوله: "عن عبيد بن فيروز" بفتح الفاء وسكون التحتية، وعبيد بالتصغير ثقة من الثالثة "رفعه" أي رواه مرفوعاً.
"قال لا يضحي بالعرجاء بين ظلعها" بفتح الظاء وسكون اللام، ويفتح أي عرجها، وهو أن يمنعها المشي "بين عورها" بفتحتين أي عماها في عين واحدة وبالأولى في العينين "ولا بالمريضة بين مرضها" وهي التي لا تعتلف قاله القاري "ولا بالعجفاء" أي المهزولة "التي لا تنقى" من الإنقاء أي التي لا نقي لها بكسر النون وإسكان القاف وهو المخ. قال التوربشتي هي المهزولة التي لا نقي لعظامها، يعني لا مخ من العجف، يقال: أنقت الناقة، أي صار فيها نقي، أي سمنت ووقع في عظامها المخ.(5/81)
بنِ عبدِ الرحمَنِ عن عُبَيْدِ بنِ فيروزَ عن البراءِ بن عازبٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوَه بمعناهُ. "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ لا نَعْرِفُهُ إلا من حديثِ عُبَيْدِ بنِ فيروز عن البراءِ. والعملُ على هذا الحديثِ عندَ أهلِ الْعِلْمِ.
ـــــــ
قوله: "نحوه بمعناه" يعني نحو الحديث المذكور بمعناه لا بلفظه، وروى أبو داود أو من هذا الطريق، أعني من طريق شعبة عن سليمان بن عبد الرحمن عن عبيد بن فيروز عن البراء بلفظ: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصابعي أقصر من أصابعه وأناملي أقصر من أنامله: "لا تجوز في الأضاحي العوراء بين عورها والمريضة بين مرضها والعرجاء بين ظلعها والكسير التي لا تنقى"
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وسكت عنه أبو داود والمنذري.
قوله: "والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم" قال النووي: وأجمعوا أن العيوب الأربعة المذكورة في حديث البراء لا تجزيء التضحية بها، وكذا ما كان في معناها أو أقبح منها كالعمى وقطع الرجل وشبهه انتهى(5/82)
باب مايكره من الأضاحي
...
5ـ باب ما يُكْرَهُ من الأضَاحِي
1532ـ حدثنا الحسَنُ بنُ عليّ الْحُلوانيّ، حدثنا يزيدُ بنُ هارونَ، أخبرنا شرِيكُ بنُ عبدِ الله عن أبي إسحاقَ عن شُرَيْحِ بنِ النّعْمَانِ الصّائدى وهو الهمداني عن علي بن أبي طالب قال: "أمَرَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالأذُنَ،
ـــــــ
"باب ما يُكْرَهُ من الأضَاحِي"
قوله: أن نستشرق أي أن ننظر صحيحاً.
قوله: "أن نستشرف العين والأذن" بضم الذال ويسكن أي ننظر إليهما ونتأمل في سلامتهما من آفة تكون بهما كالعور والجدع، قيل والاستشراف إمعان النظر. والأصل فيه وضع يدك على حاجبك كيلا تمنعك الشمس من النظر، مأخوذ من الشرف وهو المكان المرتفع، فإن من أراد أن يطلع على شيء أشرف عليه. وقال ابن الملك: الاستشراف الاستكشاف. قال الطيبي: وقيل هو من الشرفة وهي خيار(5/82)
وأن لا نُضَحّي بمقابلَةٍ ولا مُدَابَرَةٍ ولا شَرْقَاءَ ولا خرْقاءَ".
1533حدثنا الحسنُ بنُ عليّ، حدثنا عبيدُ الله بنُ موسى، أخبرنا إسرائيلُ عن أبي إسحاقَ عن شُرَيْحِ بنِ النّعمانِ عن عليّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مثلَه وزادَ: قال المقابلةُ ما قُطِعَ طَرفُ أُذُنِهَا، والمدابَرَةُ ما قُطِعَ من جانِبِ الأذُنِ، والشرقاءُ المشقُوقَةُ، والخرقاءُ المثقُوبَةُ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وشُرَيْحُ بنُ النّعمانِ الصائديّ هو كُوفيّ. من أصحاب عليّ وشريح بن هانئ كوفي ولوالده صحبة من أصحاب عليّ وشُرَيْحُ بنُ الحارثِ الكنديّ أبو أمية القاضِي.
قد روى عن علي وكلهم من أصحاب علي في عصر واحد.
ـــــــ
المال: أي أمرنا أن نتخذهما أي نختار ذات العين والأذن الكاملتين "وأن لا نضحي بمقابلة" بفتح الباء أي التي قطع من قبل أذنها شيء ثم ترك معلقاً من مقدمها "ولا مدابرة" وهي التي قطع من دبرها وترك معلقاً من مؤخرها "ولا شرقاء" بالمد أي مشقوقة الأذن طولاً من الشرق وهو الشق، ومنه أيام التشريق فإن فيها تشرق لحوم القرابين "ولا خرقاء" بالمد أي مثقوبة الأذن ثقباً مستديراً، وقيل الشرقاء ما قطع أذنها طولاً، والخرقاء ما قطع أذنها عرضاً.
قوله: "المقابلة ما قطع طرف أذنها" أي من قدام، قال في القاموس: هي شاة قطعت أذنها من قدام وتركت معلفة، ومثله في النهاية إلا أنه لم يقيد بقدام "والمدابرة ما قطع من جانب الأذن" أي من مؤخرها، قال في النهاية: المدابرة أن قطع من مؤخر أذن الشاة شيء، ثم يترك معلقاً كأنه زنمة انتهى "والشرقاء المشقوقة" أي المشقوقة الأذن. قال في النهاية: الشرقاء هي المشقوقة الأذن باثنتين شرق أذنها يشرق إذا شقها انتهى. وقال في القاموس: شرق الشاة شرقاً شق أذنها، وشرقت الشاة كفرح انشقت أذنها طولاً فهي شرقاء انتهى. "والخرقاء المثقوبة" أي المثقوبة الأذن، قال في النهاية: الخرقاء في أذنها ثقب مستدير، والخرق الشق انتهى. وفي القاموس: الخرقاء من الغنم التي في أذنها خرق انتهى.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" قال الحافظ في بلوغ المرام أخرجه الخمسة(5/83)
ـــــــ
وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم انتهى(5/84)
6ـ باب ما جاءَ في الْجذعِ من الضّأْنِ في الأضَاحِي
1534 ـ حدثنا يوسفُ بنُ عيسى، حدثنا وكيعٌ، حدثنا عثمانُ بنُ وَاقِدٍ عن كِدَامِ بنِ عبدِ الرحمَنِ عن أبي كِبَاشٍ قال: جَلَبْتُ غَنَماً جَذَعان إلى المدينةِ فكسدَتْ عَلَيّ، فلقِيتُ أبا هريرةَ، فسألتُهُ، فقال: سَمِعْتُ رسولَ
ـــــــ
"باب في الجذع من الضأن في الأضاحي"
قال في القاموس: الضأن خلاف الماعز من الغنم جمع ضأن ويحرك وكأمير، وهي ضائنة جمع ضوائن "راجع الأصل" انتهى. ومثل راكب وركب، وضأن بالتحريك أيضاً مثل حارس وحرس انتهى. والجذع محركة قبل الثني وهي بهاء اسم له في زمن وليس بسن تنبت أو تسقط والشاب الحدث جمع جذاع وجذعان كذا في القاموس. وقال الجزري في النهاية: وأصل الجذع من أسنان الدواب وهو ما كان منها شاباً فتياً فهو من الإبل ما دخل في السنة الخامسة، ومن البقر والمعز ما دخل في السنة الثانية، وقيل البقر في الثالثة، ومن الضأن ما تمت له سنة، وقيل أقل منها، ومنهم من يخالف بعض هذا التقدير انتهى. وقال الحافظ في الفتح: هو وصف لسن معين من بهيمة الأنعام، فمن الضأن ما أكمل السنة وهو قول الجمهور، وقيل دونها. ثم اختلف في تقديره فقيل ابن ستة أشهر، وقيل ثمانية، وقيل عشرة. وحكى الترمذي عن وكيع أنه ابن ستة أشهر أو سبعة أشهر. وعن ابن الأعرابي أن ابن الشابين يجذع لستة أشهر إلى سبعة، وابن الهرمين يجذع لثمانية إلى عشرة. قال: والضأن أسرع إجذاعاً من المعز، وأما الجذع فهو من المعز فهو ما دخل في السنة الثانية، ومن البقر ما أكمل الثالثة، ومن الإبل ما دخل في الخامسة انتهى
قوله: "عن كدام" قال في التقريب كدام بالكسر والتخفيف ابن عبد الرحمن السلمي مجهول من السادسة انتهى "عن أبي كباش" قال في التقريب بصيغة الجمع السلمي أو العيشي، وقيل هو أبو عياش أبو كباش لقب مجهول من الثالثة.
قوله: "جلبت غنماً" أي للتجارة "فكسدت" أي الغنم "علي" أي لعدم رغبة(5/84)
الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "نِعْمَ أو نِعْمَتْ الأُضحيةُ الجذَعُ مِنَ الضّأْنِ" ، قال فانتهبَهُ الناسُ.
قال وفي البابِ عن ابنِ عباسٍ و أُمّ بلالٍ ابنة هلالٍ عن أبيها و جابرٍ و عُقْبَةَ ابنِ عامرٍ و رجلٍ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم. وحديث أبي هريرة حديثٌ حسن غريبٌ. وقد رُوِيَ هذا عن أبي هريرةَ موقوفاً وعثمان بن واقد هو ابن محمد بن زياد بن عبدالله بن عمر بن الخطاب، والعملُ على هذا عندَ أهلِ الْعِلْمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهِمْ: أنّ الجذَعَ من الضأنِ يجزئ في الأُضحيةِ.
ـــــــ
الناس فيها ظناً منهم أنها لا تجوز في الأضاحي "نعم أو نعمت" شك من الراوي "فانتهبه الناس" كناية عن المبالغة في الشراء.
قوله: "وفي الباب عن ابن عباس" لينظر من أخرجه "وأم بلال بنت هلال عن أبيها" أخرجه ابن ماجه مرفوعاً بلفظ يجوز الجذع من الضأن أضحية "وجابر" أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم مرفوعاً: "لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن" "وعقبة بن عامر" أخرجه النسائي قال الحافظ في الفتح بسند قوي بلفظ: ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجذاع من الضأن "ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" أخرج أبو داود وابن ماجه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له مجاشع من بني سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إن الجذع يوفى ما يوفي منه الثني" وأخرجه النسائي من وجه آخر لكنه لم يسم الصحابي بل وقع عنده أنه رجل من مزينة.
قوله: "وحديث أبي هريرة حديث غريب" قال الحافظ في الفتح: في سنده ضعف "وقد روى هذا عن أبي هريرة موقوفاً" قال الترمذي في علله الكبير: سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال رواه عثمان بن واقد فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورواه غيره فوقفه على أبي هريرة وسألته عن اسم أبي كباش فلم يرفعه انتهى.
قوله: "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم(5/85)
1535 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا اللّيْثُ عن يزيدَ بنِ أبي حبيبٍ عن أبي الخيْرِ عن عقبةَ بنِ عامرٍ: "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أعطاهُ غَنماً يُقَسّمُهَا على أصحابِه ضحَايَا فبقِيَ عَتُودٌ أو جَدْيٌ فذكرْتُ ذلك لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضَحّ بِهِ أنْتَ ".
"قال أبو عيسى"هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قال وكيعُ الجذَعُ من الضأنِ يكُونُ ابنَ سنة أو سبعة أشهُرٍ. وقد رُوِيَ من غيرِ هذا الوجهِ عن عُقْبَةَ بنِ عامرٍ أنه قال: قَسمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضّحَايَا فَبَقى جَذَعَةٌ "فسألْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ضَحّ بها أنْتَ ".
1536حدثنا بذلك محمدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا يزيدُ بنُ هارونَ وأبو داودَ، قالا حدثنا هِشَامُ الدّسْتَوائيّ عن يَحيى بنِ أبي كثيرٍ عن بَعْجَةَ عن عبدِ الله بنِ بَدْرٍ عن عقبةَ بنِ عامرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بهذا الحديثِ.
ـــــــ
وغيرهم أن الجذع من الضأن يجزيء في الأضحية" . قال الحافظ في الفتح: لكن حكى غيره عن أبي عمر والزهري أن الجذع لا يجزيء مطلقاً سواء كان من الضأن أو غيره. وبه قال ابن خزم وعزاه لجماعة من السلف، وأطنب في الرد على من أجازه انتهى. قلت: وذهب الجمهور إلى الجواز وهو الحق يدل عليه أحاديث الباب. وأما حديث جابر المذكور: لا تذبحوا إلا مسنة الخ فنقل النووي عن الجمهور أنهم حملوه على الأفضل، والتقدير لا يستحب لكم إلا مسنة فإن عجزتم فاذبحوا جذعة إن الضأن، قال وليس فيه تصريح بمنع الجذعة من الضأن وأنها لا تجزيء.
قوله: "أعطاه غنماً" هو أعم من الضأن والمعز "يقسمها في أصحابه" يحتمل أن يكون الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون لعقبة قاله الحافظ "ضحايا" حال أي يقسمها حال كونها ضحايا "فبقي عتود" بفتح المهملة وضم المثناة الخفيفة وهو من أولاد المعز ما قوي ورعى وأتى عليه حول والجمع أعتدة وعتدان وتدغم التاء في الدال فيقال عدان وقال ابن بطال: العتود الجذع من المعز ابن خمسة أشهر(5/86)
ـــــــ
"أو جدي" أو للشك، والجدي من أولاد المعز ذكرها، جمعه أجد وجداء وجديان بكسرهما كذا في القاموس(5/87)
باب في الإشتراك في الأضحية
...
7ـ باب ما جاء في الاشْتِرَاكِ في الأُضحية
1537ـ حدثنا أبو عَمّارٍ الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، حدثنا الْفَضْلُ بنُ موسى عن الحسَيْنِ بنِ واقِدٍ عن عِلْبَاءَ بنِ أحمرَ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عباسٍ قال: "كُنّا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في سَفَر فحضَرَ الأضْحَى، فاشْتركْنَا في البقرةِ سبْعَة وفي البَعِيرِ عشْرة".
وفي البابِ عن أبي الأسدّ السّلَمِيّ عن أبيه عن جَدّهِ وأبي أيوبَ، قال أبو عيسى: حديثُ ابنُ عباسٍ حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إلا من حديثِ الفضلِ بنِ موسى.
1538ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا مالكُ بنُ أنَسٍ عن أبي الزّبَيْرِ عن
ـــــــ
"باب ما جاء في الاشْتِرَاكِ في الأُضحية"
قوله"فحضر الأضحى" أي يوم عيده "فاشتركنا في البقرة سبعة" أي سبعة أشخاص بالنصب على تقدير أعني بياناً الجمع قاله الطيبي، وقيل نصب على الحال، وقيل مرفوع بدلاً من ضمير اشتركنا، والظاهر عندي أنه منصوب على الحال "وفي البعير عشرة" فيه دليل على أنه يجوز اشتراك عشرة أشخاص في البعير، وبه قال إسحاق بن راهويه وسيأتي الكلام في هذه المسألة.
قوله: "وفي الباب عن أبي الأشد الأسلمي عن أبيه عن جده وأبي أيوب" لينظر من أخرج حديثهما.
قوله: "حديث ابن عباس حديث حسن غريب الخ" أخرجه الخمسة إلا أبا داود. قال الشوكاني: ويشهد له ما في الصحيحين من حديث رافع بن خديج أنه صلى الله عليه وسلم قسم فعدل عشراً من الغنم ببعير.(5/87)
جابرٍ قال: "نَحَرْنَا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بالحُدَيْبِيَةِ البدَنةَ عن سبعةٍ والبقرةَ عن سبعةٍ".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا عند أهلِ الْعِلْمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهِم. وهو قَوْلُ سُفيانَ الثوْرِيّ وابنِ المباركِ والشافعيّ وأحمدَ وإسحاقَ. وقال إسحاقُ: يجزئ أيضاً البعيرُ عن عَشرةٍ. واحتجّ بحديثِ ابن عباسٍ.
1539ـ حدثنا عليّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا شَرِيكٌ عن سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ عن حُجَيّةَ بنِ عَدِي عن عديّ قال: "البقرةُ عن سبعةٍ، قلت: فإنْ وَلَدَتْ؟
ـــــــ
قوله: "نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية البدنة" قال في النهاية: البدنة تقع على الجمل والناقة والبقرة وهي الإبل أشبه، وفي القاموس البدنة محركة من الإبل والبقر، وفي الفتح أصل البدن من الإبل وألحقت بها البقرة شرعاً.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة إلا البخاري.
قوله: "والعمل على هذا عند أهل العلم الخ" أي على جواز اشتراك السبعة في البعير والبقرة في الهدي والأضحية "وقال إسحاق يجزيء أيضاً البعير عن عشرة واحتج بحديث ابن عباس" أي المذكور في هذا الباب.
قال الشوكاني في النيل: وقد اختلفوا في البدنة فقالت الشافعية والحنيفة والجمهور إنها تجزيء عن سبعة، وقالت العترة وإسحاق بن راهويه وابن خزيمة عن عشرة وهذا هو الحق هنا يعني في الأضحية لحديث ابن عباس يعني المذكور في الباب. والأول هو الحق في الهدي للأحاديث المتقدمة يعني بها حديث جابر المذكور في هذا الباب وما في معناه، وأما البقرة فتجزيء عن سبعة فقط اتفاقاً في الهدي والأضحية انتهى.
قوله: "عن حجية" بضم الحاء المهملة وفتح الجيم مصغراً، قال في التقريب: صدوق يخطئ من الثالثة، وقال في تهذيب التهذيب: قال أبو حاتم شيخ لا يحتج بحديثه شبيه بالمجهول. وقال ابن سعد. كان معروفاً وليس بذلك، وقال العجلي:(5/88)
قال: اذْبَحْ وَلَدَها معَها. قلت: فالعرجاءُ. قال: إذا بَلَغَتْ المَنْسِكَ. قلت: فمكسورةُ القَرْنِ. فقال: لا بأْسَ، أُمِرْنَا أو أمَرَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نسْتَشْرِفَ العينينِ والاْذُنَيْنِ".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قال أبو عيسى: وقد رواهُ سفيانُ عن سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ.
1540 ـ حدثنا هَنّادٌ، حدثنا عَبْدَةُ عن سعيدٍ عن قتادةَ عن جرىّ بنِ كُلَيْبٍ النّهْدِيّ عن علي قال: "نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُضَحيَ بأَعْضَبَ القَرْنِ والاْذُنِ. قال قتادةُ: فذكرْتُ ذلك لسعيدِ بنِ المُسَيّبِ
ـــــــ
تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات انتهى "فالعرجاء" أي ما حكمها. راجع الأصل وهو المصلى، أي فيجوز التضحية بها إذا بلغت المنسك "فمكسورة القرن قال لا بأس" أي بالتضحية بها، وفي رواية الطحاوي عن حجية بن عدي، قال: أتى رجل فسأله عن المكسورة القرن قال لا يضرك الحديث، وظاهره يدل على أنه يجوز عند علي رضي الله عنه تضحية المكسورة القرن مطلقاً من غير تقييد بالنصف أو أقل منه أو أكثر، ولكن حديثه المرفوع الآتي يخالفه كما ستقف عليه "أمرنا" بصيغة المجهول أو أمرنا بصيغة المعلوم وأو للشك "أن نستشرف العينين والأذنين" قال في النهاية: وأصل الاستشراف أن تضع يدك على حاجبل وتنظر كالذي يستظل من الشمس حتى يستبين الشيء، وأصله من الشرف العلو كأنه ينظر إليه من موضع مرتفع فيكون أكثر لإدراكه، ومنه حديث: أمرنا أن نستشرف العين والأذن، أي نتأمل سلامتهما من آفة تكون بهما، وقيل هو من الشرفة، وهي خيار المال، أي أمرنا أن تتخيرها انتهى.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" أخرجه الخمسة كذا في المتنقى. وقال في التلخيص: رواه أحمد وأصحاب السنن والبزار وابن حبان والحاكم والبيهقي وأعله الدارقطني. وقال في بلوغ المرام: صححه الترمذي ابن حبان والحاكم.
قوله: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضحي بأعضب القرن والأذن"(5/89)
فقال: العضبُ ما بلغَ النصفَ فما فوقَ ذلك". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ
ـــــــ
أي مكسورة القرن ومقطوع الأذن، قاله ابن الملك فيكون من باب علفتها تبناً وماء بارد، وقبل مقطوع القرن والأذن والعضب القطع. كذا في المرقاة. "قال قتادة فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب" وفي رواية أبي داود قلت يعني لسعيد بن المسيب ما الأعضب "فقال العضب ما بلغ النصف فما فوق ذلك" قال الشوكاني في الحديث دليل على أنها لا تجزيء التضحية بأعضب القرن والأذن وهو ما ذهب نصف قرنه أو أذنه، وذهب أبو حنيفة والشافعي والجمهور إلى أنها تجزيء التضحية بمكسورة القرن مطلقاً، وكرهه مالك إذا كان يدمي وجعله عيباً. وقال في القاموس: إن العضباء الشاة المكسورة القرن الداخل. فالظاهر أن المكسورة لا تجوز التضحية بها إلا أن يكون الذاهب من القرن مقداراً يسيراً بحيث لا يقال لها عضباء لأجله أو يكون دون النصف إن صح التقدير بالنصف المروي عن سعيد بن المسيب لغوي أو شرعي، كذلك لا تجزيء التضحية بأعضب الأذن وهو ما صدق عليه اسم العضب لغة أو شرعاً انتهى.
قلت: قال في الفائق: العضب في القرن في داخل الانكسار ويقال للإنكسار في الخارج القصم، وكذلك في خارج القصم القاموس كما عرفت، وقال فيه القصماء المعز المكسورة القرن الخارج انتهى. فالظاهر عندي أن المكسورة القرن الخارج تجوز التضحية بها، وأما المكسورة القرن الداخل، فكما قال الشوكاني من أنها لا تجوز التضحية بها إلا أن يكون الذاهب من القرن الداخل مقداراً يسيراً الخ. والله تعالى أعلم(5/90)
باب في أن الشاة الواحدة تجزي عن أهل بيت
...
8ـ باب ما جاءَ أنّ الشّاةَ الواحِدَةَ تجزئ عن أهلِ البيت
1541ـ حدثني يَحيى بنُ موسى، حدثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، حدثنا الضّحّاكُ بنُ عثمانَ، حدثني عُمارةُ بنُ عبدِ الله قال: سَمِعْتُ عَطَاءَ بنَ يَسَارٍ يقولُ: سألْتُ أبا أيوبَ الأنصاري: كيفَ كانتْ الضّحَايَا عَلَى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. فقال: كان الرّجلُ يُضَحّي بالشّاةِ عنهُ وعن أهلِ بَيْتِهِ
ـــــــ
"باب ما جاءَ أنّ الشّاةَ الواحِدَةَ تجزئ عن أهلِ البيت"
قوله: "كان الرجل يضحي بالشاة" أي الواحدة "عنه" أي عن نفسه "وعن(5/90)
فيأكلُون ويُطْعِمونَ حتى تَبَاهَى الناسُ فصارت كما ترَى.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وعُمارةُ بنُ عبدِ الله هو مدني. وقد رَوَى عنه مالكُ بنُ أنسٍ. والعملُ على هذا عند بعضِ أهلِ الْعِلْمِ. وهو قولُ أحمدَ
ـــــــ
أهل بيته" وفي رواية مالك في الموطأ نضحي بالشاة الواحدة، يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته "فيأكلون ويطعمون" من الإطعام "حتى تباهي الناس" أي تفاخروا، وفي رواية مالك: ثم تباهى الناس بعد، وفي رواية في موطأه: ثم تباهى الناس بعد ذلك "فصارت" أي الضحايا "كما ترى" . وفي رواية مالك فصارت مباهاة.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مالك في الموطأ وابن ماجه.
قوله: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق" وهو قول مالك والليث والأوزاعي. قال العيني في البناية بعد ما ذكر حديث عبد الله بن هشام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي الشاة الواحدة عن جميع أهله، وحديث أنه ذبح كبشاً عن أمته، وبهذه الأخبار ذهب مالك وأحمد والليث والأوزاعي إلى جواز الشاة عن أكثر من واحد، كذا في التعليق الممجد. وقال مالك في الموطأ: أحسن ما سمعت في البدنة والبقرة والشاة الواحدة، أن الرجل ينحر عنه وعن أهل بيته البدنة، ويذبح البقرة والشاة الواحدة هو يملكها ويذبحها عنهم ويشركهم فيها انتهى. واحتج هؤلاء الأئمة بحديث أبي أيوب المذكور في هذا الباب، وهو نص صريح في أن الشاة الواحدة تجزيء عن الرجل وعن أهل بيته وإن كانوا كثيرين وهو الحق.
قال الحافظ بن القيم في زاد المعاد: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن الشاة تجزيء عن الرجل وعن أهل بيته ولو كثر عددهم، كما قال عطاء بن يسار: سألت أبا أيوب الأنصاري، كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون. قال الترمذي حديث حسن صحيح.
واستدلوا أيضاً بحديث أبي سريحة قال: أحملني أهلي على الجفاء بعد ما علمت(5/91)
وإسحاقَ، واحْتَجّا بحديثِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه ضَحّى بِكَبْشٍ فقال: "هذا عَمّنْ لم يُضَحّ من أُمّتِي".
ـــــــ
من السنة، كان أهل البيت يضحون بالشاة والشاتين و الآن يبخلنا جيراننا، رواه ابن ماجه. قال الشوكاني في النيل: وحديث أبي سريحة إسناد في سنن ابن ماجه إسناده صحيح، وقال: والحق أن الشاة الواحدة تجزيء عن أهل البيت، وإن كانوا مائة نفس أو أكثر كما قضت بذلك السنة انتهى.
واستدلوا أيضاً بما أخرج الحاكم عن أبي عقيل زهرة ابن معبد عن جده عبد الله بن هشام، وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وذهبت به أمه زينب بنت حميد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صغير فمسح رأسه ودعا له، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله. وقال الحاكم صحيح الإسناد وهو خلاف من يقول إنها لا تجزيء إلا عن واحدة انتهى كذا في تخريج الهداية للزيلعي. وقال الزيلعي قبل هذا: ويشكل على المذهب يعني مذهب الحنيفة أيضاً في منعهم الشاة لأكثر من واحد بالأحاديث المتقدمة أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش عنه وعن أمته. وأخرج الحاكم عن أبي عقيل زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام الخ.
واستدلوا أيضاً بحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد، فأتى به ليضحي به قال "يا عائشة هلمي المدية" ثم قال "أشحذيها بحجر" ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه. ثم قال: "بسم الله. اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد" . ثم ضحى به, رواه مسلم قال الخطابي في العالم: قوله: تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد دليل على أن الشاة الواحدة تجزيء عن الرجل وعن أهله وإن كثروا. وروى عن أبي هريرة وابن عمر أنهما كانا يفعلان ذلك، وأجازه مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه انتهى.
فإن قلت هذه الأحاديث منسوخة، أو مخصوصة لا يجوز العمل بها، كما قال الطحاوي في شرح الآثار.(5/92)
وقال بعضُ أهلِ الْعِلْمِ: لا تجزئ الشّاةُ إلا عن نفس واحدةٍ. وهو قولُ عبدُ الله بنِ المباركِ وغيرِه من أهلِ الْعِلْمِ.
ـــــــ
قلت: تضحية رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمته وإشراكهم في أضحيته مخصوص به صلى الله عليه وسلم. وأما تضحيته عن نفسه وآله فليس بمخصوص به صلى الله عليه وسلم ولا منسوخاً، والدليل على ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يضحون الشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته كما عرفت، ولم يثبت عن أحد من الصحابة التضحية عن الأمة وإشراكهم في أضحيته البتة. وأما ما ادعاه الطحاوي فليس عليه دليل.
فإن قلت: حديث أبي أيوب المذكور محمول على ما إذا كان الرجل محتاجاً إلى اللحم أو فقيراً لا يجب عليه الأضحية فيذبح الشاة الواحدة عن نفسه، ويطعم اللحم أهل بيته أو يشركهم في الثواب، فذلك جائز، وأما الاشتراك في الشاة الواحدة في الأضحية الواجبة فلا، فإن الاشتراك خلاف القياس، وإنما جوز في البقر والإبل لورود النص أنهم اشتركوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإبل والبقرة ولا نص في الشاة، كذا في التعليق الممجد نقلاً عن البناية للعيني.
قلت: كما ورد النص أنهم اشتركوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإبل والبقرة، كذلك ورد النص أنهم اشتركوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشاة الواحدة إلا أنه قد ثبت الاشتراك في الإبل والبقرة من أهل أبيات شتى. وثبت الاشتراك في الشاة من أهل بيت واحد كما عرفت، فالقول بأن الاشتراك في الشاة خلاف القياس وأنه لا نص فيه باطل جداً. وأما حملهم حديث أبي أيوب المذكور على ما إذا كان الرجل محتاجاً إلى اللحم أو فقيراً لا يجب عليه الأضحية فلا دليل عليه، ولم يثبت أن من كان من الصحابة يجد سعة يضحي الشاة عن نفسه فقط ولا يشرك أهله فيها، ومن كان منهم لا يجد سعة يضحي الشاة الواحدة عن نفسه وعن أهله ويشركهم فيها، ولما لم يثبت هذا التفريق بطل حمل الحديث عليه. والظاهر أن أبا سريحة كان ذا سعة ولم يكن فقيراً، ومع هذا كان يضحي الشاة الواحدة عن أهل بيته فإنه لو كان فقيراً لم يحمله أهله على الجفاء ولم يبخله جيرانه(5/93)
9 ـ باب
1542ـ حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا هُشَيْمٌ، أخبرنا حجّاجُ بن أرطأة عن جَبَلَة بنِ سُحَيْمٍ: أنّ رجلاً سأل ابنَ عمرَ عن الأضحيةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ فقال: "ضَحّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمسلمونَ. فأعادَها عليه فقال: أتَعْقِلُ، ضَحّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمسلمونَ".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيح. والعملُ على هذا عندَ أهلِ الْعِلْمِ: أنّ الأُضحيةَ ليسَتْ
ـــــــ
"باب"
قوله "عن جبلة بن سحيم" بمهملتين مصغراً كوفي ثقة من الثالثة مات سنة خمس وعشرين ومائة.
قوله: "فأعادها" أي فأعاد الرجل تلك المقالة أي الأضحية أواجبة هي "عليه" أي ابن عمر رضي الله عنه "فقال" أي ابن عمر "العقل" أي أتقنهم "ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون" الضاهر أنه لم يثبت عند ابن عمر وجوب الأضحية فلذا لم يقل في جواب السائل نعم. وقال البخاري في صحيحه، قال ابن عمر رضي الله عنه سنة ومعروف، قال الحافظ في الفتح: وصله حماد بن سلمة في مصنفه بسند جيد إلى ابن عمر.
قوله: "هذا حديث حسن" ذكر الحافظ هذا الحديث وتحسين الترمذي في الفتح، وسكت عنه لكن في سنده الحجاج، والظاهر أنه ابن أرطأة وهو مدلس، ورواه عن جبله بلفظ عن.
قوله: "والعمل على هذا عند أهل العلم أن الأضحية ليست بواجبة" قال الحافظ في الفتح كأن الترمذي فهم من كون ابن عمر لم يقل في الجواب نعم أنه لا يقوله بالوجوب، فإن الفعل المجرد لا يدل على ذلك، وكأنه أشار بقوله والمسلمون إلى أنها ليست من الخصائص، وكان ابن عمر حريصاً على اتباع افعال النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك لم يصرح بعدم الوجوب انتهى.(5/94)
بِوَاجِبَةٍ ولكنها سُنّةٌ من سُنَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسْتَحَبّ أن يُعْمَلَ بها، وهو قولُ سفيانَ الثوريّ وابنِ المباركِ.
ـــــــ
قوله: "وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك" قال الشيخ عبد الحق في اللمعات: اختلقوا في أن الأضحية واجبة أو سنة، فذهب أبو حنيفة وصاحباه وزفر إلى أنها واجبة على كل حر مسلم مقيم موسر. وعند الشافعي وفي رواية عن أبي يوسف سنة مؤكدة، وهو المشهور المختار في مذهب أحمد، وفي رواية عنه أنه واجب على الغني وسنة على الفقير. وفي رسالة ابن أبي يد في مذهب مالك أنه سنة واجبة على من استطاعها ودليل الوجوب ما روى الترمذي وأبو داود والنسائي عن مخنف بن سليم فذكر حديثه وفيه على كل أهل بيت في كل عام أضحية، قال الشيخ: وهذا صفة الوجوب، وقال صلى الله عليه وسلم: من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا، ومثل هذا الوعيد لا يليق إلا بترك الواجب انتهى. كلام الشيخ.
قلت: قال الحافظ في الفتح: قد احتج من قال بالوجوب بما ورد في حديث مخنف بن سليم رفعه: على كل أهل بيت أضحية أخرجه أحمد والأربعة بسند قوي ولا حجة فيه لأن الصيغة ليست في الوجوب المطلق، وقد ذكر معها العتيرة وليست بواجبة عند من قال بوجوب الأضحية انتهى كلام الحافظ، وأما حديث من وجد سعة فلا يقربن مصلانا فأخرجه ابن ماجة وأحمد ورجاله ثقات لكن اختلف في رفعه ووقفه والموقوف أشبه بالصواب قاله الطحاوي وغيره: ومع ذلك فليس صريحا في الإيجاب قاله الحافظ.
واستدلوا أيضاً بقوله { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} والامر للوجوب.
وأجيب بأن المراد تخصيص الرب بالنحر له لا للأصنام، فالأمر متوجه إلى ذلك لأنه القيد الذي يتوجه إليه الكلام، ولا شك في وجوب تخصيص الله بالصلاة والنحر، على أنه قد روى أن المراد بالنحر وضع اليدين حال الصلاة على الصدر، ولهم دلائل أخرى لكن لا يخلو واحد منها عن كلام.
واستدل من قال بعدم الوجوب بحديث ابن عباس مرفوعاً: "ثلاث هن علىّ فرائض ولكم تطوع: النحر والوتر وركعتا الضحى" ، أخرجه البزار وابن عدي(5/95)
1543ـ حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ و هَنّادٌ، قالا حدثنا ابنُ أبي زائدةَ عن حجّاجِ بنِ أرطأةَ عن نافِعٍ عن ابن عمرَ قال: "أقامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالمدينةِ عَشْرَ سِنِينَ يُضَحّي".
هذا حديثٌ حسنٌ.
ـــــــ
والحاكم وأجيب بأن هذا الحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج، وقد صرح الحافظ بأن الحديث ضعيف من جميع طرقه.
واستدلوا أيضاً بما أخرجه البيهقي عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان كراهة أن يظن من رآهما أنها واجبة، وكذلك أخرج عن ابن عباس وبلال وأبي مسعود وابن عمر. وأجيب بأن هذه آثار الصحابة رضي الله عنهم، قال الشوكاني بعد ذكرها ألا حجة في شيء من ذلك انتهى. ولهم دلائل أخرى لا يخلو واحد منها عن كلام. فنقول كما قال ابن عمر رضي الله عنه: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضحى المسلمون والله تعالى علم.
قوله: "أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين يضحي" أي كل سنة. قال القاري في المرقاة: فمواظبته دليل الوجوب انتهى.
قلت: مجرد مواظبته صلى الله عليه وسلم على فعل ليس دليل الوجوب كما لا يخفي.
قوله: "هذا حديث حسن في إسناده حجاج بن أرطأة وهو كثير الخطأ والتدليس" ، ورواه عن نافع بالعنعنة(5/96)
باب في الذبح بعد الصلاة
...
10ـ باب ما جاء في الذّبْحِ بَعْدَ الصّلاَة
1544 ـ حدثنا عليّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا إسماعيلُ بنُ إبراهيم عن داودَ بنِ أبي هِنْدٍ عن الشعبيّ عن البراءِ بنِ عازبٍ قال: "خَطَبَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في يَوْمِ نَحْرٍ فقال: "لا يَذْبَحَنّ أحَدُكُم حتى يُصَلّيَ" . قال: فقام خالِي فقال: يَا رسولَ الله، هذا يومٌ اللّحْمُ فيه مكروهٌ، وإنّي عَجّلْتُ نَسكَي لأطَعِمَ
ـــــــ
"باب ما جاء في الذّبْحِ بَعْدَ الصّلاَة"
قوله: "فقام خالي" اسمه أبو بردة بن نيار "هذا يوم اللحم فيه مكروه"(5/96)
أهْلِي وأهلَ دَارِي أو جِيرانِي. قال: "فأَعِدْ ذَبْحَاً بآخَر" َ. فقال: يَا رسولَ الله، عندي عَنَاقُ لَبَنٍ هي خيْرٌ من شاتَيْ لحمٍ، أفأذبحُها؟ قالَ: "نَعَمْ وهي خير فَسيكَفَيْكَ ولا تجزئ جَذَعةٌ بعدَك" . قال: وفي البابِ عن جابرٍ وجندُبٍ وأنسٍ وعُوَيْمرِ بنِ أشْعرَ وابن عُمَر وأبي زَيْدٍ
ـــــــ
يعني بسبب كثرة اللحم وكثرة النظر إليه يتشبع الطبع ويتنفر عنه، وفي أول اليوم لا يكثر اللحم، فلذا أني عجلت الخ، كذا قال بعض العلماء: وقد وقع في رواية لمسلم هكذا: هذا يوم اللحم فيه مكروه، ووقع في رواية أخرى له: مقروم، ومعناه يشتهي فيه اللحم، يقال قرمت إلى اللحم وقرمته إذا اشتهيته، فهذه الرواية موافقة للرواية الأخرى، أن هذا يوم يشتهي فيه اللحم، ولذلك صوب بعض أهل العلم هذه الرواية.
قلت: لا منافاة بين الروايتين وكلتاهما صواب. قال الحافظ في الفتح: ووقع في رواية منصور عن الشعبي، كما مضى في العيدين، وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب، فأحببت أن تكون شاتي أول ما يذبح في بيتي، ويظهر لي أن بهذه الرواية يحصل الجمع بين الروايتين، وأن وصفه اللحم بكونه مشتهى، وبكونه مكروهاً لا تناقض فيه، وإنما هو باعتبارين، فمن حيث أن العادة جرت فيه بالذبائح فالنفس تتشوق له يكون مشتهى، ومن حيث توارد الجميع عليه حتى يكثر مملولا، فانطقت عليه الكراهة لذلك، فحيث وصفه بكونه مشتهى أراد ابتداء حاله، وحيث وصفه بكونه مكروهاً أراد انتهاءه، ومن ثم استعجل بالذبح ليفوز بتحصيل الصفة الأولى عند أهله وجيرانه. انتهى كلام الحافظ "نسيكتي" أي ذبيحتي "عندي عناق لبن" بفتح العين وتخفيف النون الأنثى من ولد المعز عند أهل اللغة. قال ابن التين: معنى عناق لبن أنها صغيرة سن ترضع أمها كذا في فتح الباري "هي خير من شاتي لحم" المعنى أنها أطيب لحماً وأنفع للاَكلين لسمنها ونفاستها "ولا تجزيء جذعه بعدك" أي جذعة من المعز.
قوله: "وفي الباب عن جابر" أخرجه أحمد ومسلم "وجندب" وهو ابن سفيان البجلي أخرج حديثه الشيخان "وأنس" أخرجه الشيخان "وعويمر بن أشقر" لينظر من أخرجه "وابن عمر رضي الله عنه" أخرجه البخاري.(5/97)
الأنصاريّ. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا عندَ أكثر أهلِ الْعِلْمِ أن لا يُضَحّيَ بالمِصْرِ حتى يصلّيَ الإمامُ.
وقد رَخّصَ قومٌ مِنْ أهلِ الْعِلْمِ لأهلِ القُرَى في الذّبْحِ إذا طَلَعَ الفَجْرُ. وهو قولُ ابنِ المبارَكِ.
وقد أجْمَعَ أهْلُ العلمِ: أن لا يجزئ الْجَذَعُ مِنَ المَعْزِ، وقالوا إنما يجزئ الْجَذَعُ مِنَ الضّأْنِ.
ـــــــ
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "وقد رخص قوم من أهل العلم لأهل القرى في الذبح إذا طلع الفجر وهو قول ابن المبارك" وهو قول أبي حنيفة، وأحاديث الباب حجة على هؤلاء.(5/98)
باب في كراهية أكل الأضحية فوق ثلاثة أيام
...
11 ـ باب ما جاء في كَرَاهِيَةِ أكل الأضحية فَوْقَ ثلاثةِ أيام
1545 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ عن نافعٍ عن ابن عُمَرَ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يأْكُلْ أحَدُكُم مِن لَحْم أُضْحِيَتِهِ فَوْقَ ثلاثةِ أيامٍ" . قال وفي البابِ عن عائشةَ وأنَسٍ. "قال أبو عيسى"حديثُ ابن عُمَر حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وإنما كانَ النّهْيُ مِنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم متقدماً ثم رَخّصَ بعد ذلك
ـــــــ
"باب ما جاء في كَرَاهِيَةِ أكل الأضحية فَوْقَ ثلاثةِ أيام"
قوله: "لا يأكل أحدكم من لحم أضحيتة فوق ثلاثة أيام" قال القاضي عياض: يحتمل أن يكون ابتداء الثلاث من يوم ذبح الأضحية وإن ذبحت بعد يوم النحر، ويحتمل أن يكون من يوم النحر وإن تأخر الذبح عنه، قال وهذا أظهر، ورجح ابن القيم الأول وهذا الخلاف لا يتعلق به فائدة إلا باعتبار الاحتجاج بذلك على أن يوم الرابع ليس من أيام الذبح. كذا في النيل.
قوله: "وفي الباب عن عائشة وأنس" أما حديث عائشة فأخرجه الشيخان، وأما حديث أنس فلينظر من أخرجه(5/98)
باب في الرخصة في أكلها بعد ثلاث
...
12ـ باب ما جاء في الرّخْصَةِ في أَكْلِهَا بعدَ ثلاث
1546ـ حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ و محمودُ بن غَيْلاَنَ و الحسنُ بنُ عليّ الخلاّل وغير واحد قالوا أخبرنا أبو عَاصمٍ النّبِيلُ حدثنا سُفيانُ الثوري عن عَلقمةَ بن مَرْثَدٍ عن سليمانَ بن بُرَيْدَةَ عن أبيه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كُنْتُ نَهَيْتُكُم عن لُحُومِ الأضَاحِي فوقَ ثَلاَثٍ لِيَتّسِعَ ذُو الطّوْلِ على مَن لا طَوْلَ له، فكُلُوا ما بَدَا لَكُم وأَطْعِمُوا وادّخِرُوا" .
قال وفي البابِ عن ابنِ مسعودٍ وعائشةَ ونُبَيْشَةَ وأبي سَعِيدٍ وَقَتَادَةَ بنِ النّعْمَانِ وأنَسٍ وأُمّ سَلَمَةَ. حديثُ بُرَيْدَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا عِنْدَ أهلِ الْعِلْمِ من أصحابَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم.
ـــــــ
"باب ما جاء في الرّخْصَةِ في أَكْلِهَا بعدَ ثلاث"
قوله: "ليتسع ذوو الطول" أي أصحاب الطول، وذوو جمع ذو، والطول بفتح الطاء وسكون الواو القدرة والعنى والسعة "فكلوا ما بدا لكم" فيه دليل على عدم تقدير الأكل بمقدار وللرجل أن يأكل من أضحيته ما شاء وإن كثر ما لم يستغرق بقرينة.
قوله وأطعموا "وادخروا" بتشديد الدال المهملة وكأن أصله إذ تخروا فأبدلت تاء الإفتعال بالدال المهملة، وأبدلت الذال المعجمة أيضاً بها، ثم أدغمت الأولى في الثانية أي اجعلوها ذخيرة.
قوله: "وفي الباب عن ابن مسعود وعائشة ونبيشة وأبي سعيد وقتادة بن النعمان وأنس وأم سلمة" أما حديث ابن مسعود فلينظر من أخرجه، وأما حديث عائشة فقد تقدم تخريجه في الباب المتقدم، وأما حديث نبيشة فأخرجه أحمد وأبو داود، وأما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم، وأما حديث قتادة بن النعمان وغيره فلينظر من أخرجه.
قوله "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم(5/99)
1547 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا أبو الأحْوَصِ عن أبي إسحاقَ عن عَابسِ بنِ رَبِيعةَ قال: قُلْتُ لاِمّ الْمُؤمِنِينَ: أكَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عن لُحُومِ الأضاحي؟ قالت: لا ولكن قَلّ مَنْ كَانَ يُضَحّي مِن الناسِ فَأَحَبّ أن يُطْعِمَ مَن لم يكن يُضَحّي، ولقد كُنّا نَرْفَعُ الكُراعَ فنأكلُه بعدَ عَشرَةِ أيامٍ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وأُمّ الْمُؤْمِنِينَ هي عائشةُ زَوْجُ النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقد رُوِيَ عنها هذا الحديثُ مِن غيرِ وجهٍ.
ـــــــ
وغيرهم" أحاديث الباب تدل صراحة على نسخ تحريم أكل لحوم الأضاحي بعد الثلاث وادخارها، وإليه ذهب الجماهير من علماء الأمصار من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وحكى النووي عن علي وابن عمر أنهما يحرمان الإمساك(5/100)
باب في الفرع والعتيرة
...
13 ـ باب ما جاء في الفَرَعِ والعَتِيرة
1548ـ حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا عبدُ الرزاق أخبرنا مَعْمَرٌ عن الزّهريّ عن المسَيّبِ عن أبي هريرةَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا فَرَعَ ولا عَتِيرَةَ" والفرَعُ أولُ النتاجِ كان يُنْتَجُ لهم فيذبحونه.
ـــــــ
"باب ما جاء في الفَرَعِ والعَتِيرة"
قال في النهاية. قوله: "لا فرع ولا عتيرة" هكذا جاء بلفظ النفي، والمراد به النهي. وقد ورد بلفظ النهي في رواية النسائي والإسماعيلي بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وقع في رواية لأحمد: "لا فرع ولا عتيرة في الإسلام" "والفرع أول النتاج" هكذا وقع في هذا الكتاب، هذا التفسير موصولا بالحديث، وكذا وقع في صحيح مسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر، ولأبي داود من رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: الفرع أول النتاج،(5/100)
ـــــــ
الحديث، جعله موقوفاً على سعيد بن المسيب، وقال الخطابي: أحسب التفسير فيه من قول الزهري، قال الحافظ: قد أخرج أبو قرة في السنن الحديث عن عبد المجيد بن أبي داود عن معمر وصرح في روايته، أن تفسير الفرع والعتيرة من قول الزهري، وقوله أول النتاج بكسر النون بعدها مثناة خفيفة وآخره جيم "كان ينتج لهم" بضم أوله وفتح ثالثه يقال نتجت بضم النون وكسر المثناة: إذا ولدت، ولا يستعمل هذا الفعل إلا هكذا وإن كان مبنياً للفاعل قاله الحافظ "فيذبحونه" وفي رواية البخاري: كانوا يذبحونه لطواغيتهم. قال الحافظ: زاد أبو داود عن بعضهم ثم يأكلون ويلقى جلده على الشجر، قال فيه إشارة إلى علة النهي.
واستنبط الشافعي منه الجواز إذا كان الذبح لله جمعاً بينه وبين حديث الفرع حق وهو حديث أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم من رواية داود بن قيس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمر، وكذا في رواية الحاكم: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفرع قال: "الفرع حق وإن تتركه حتى يكون بنت مخاض أو ابن لبون، فتحمل عليه في سبيل الله، أو تعطيه أرملة، خير من أن تذبحه يلصق لحمه بوبر" وقوله ناقتك. قال الشافعي فيما نقله البيهقي من طريق المزني عنه: الفرع شيء كان أهل الجاهلية يذبحون، يطلبون به البركة في أموالهم، فكان يذبح بكر ناقته، أو شاته، رجاء البركة فيما يأتي بعده، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن حكمها: فاعلم أنه لا كراهيه عليهم فيه، وأمرهم استحباباً أن يتركوه حتى يحمل عليه في سبيل الله، وقوله حق أي ليس بباطل، وهو كلام خرج على جواب السائل، ولا مخالفة بينه وبين حديث لا فرع ولا عتيرة، فإن معناه لا فرع واجب ولا عتيرة واجبة، وقال غيره: معنى قوله لا فرع ولا عتيرة أي ليس في تأكد الاستحباب كالأضحية والأول أولى.
قال النووي نص الشافعي في حرملة على أن الفرع والعتيرة مستحبان، ويؤيده حديث نبيشة فذكره ثم قال: ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يبطل الفرع والعتيرة من أصلهما، وإنما أبطل صفة من كل منهما، فمن الفرع كونه يذبح أول ما يولد، ومن العتيرة خصوص الذبح في شهر رجب. هذا تلخيص ما في الفتح. وذكر الحافظ فيه: وقد أخرج أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان من طريق(5/101)
وفي البابِ عن نُبَيْشَةَ ومِخْنفِ بنِ سُلَيْمٍ وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ
والعَتِيرَةُ: ذَبِيحَةٌ كانوا يذْبحُونها في رجَب يُعَظّمُونَ شهرَ رجب لأنه أولُ شهرٍ من أشْهُرِ الْحُرُمِ. وأشْهُرُ الْحُرُمِ: رَجَبُ وَذُو الْقَعْدَةِ وذُو الْحِجّةِ والمحَرّمُ. وأشْهُرُ الْحَجّ: شَوّال وذُو القَعْدَةِ وعَشْر من ذِي الْحِجّةِ. كذلك رُوِيَ عن بعضِ أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم في أشهر الحج.
ـــــــ
وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين العقيلي قال قلت يا رسول الله إنا كنا نذبح ذبائح في رجب فنأكل ونطعم من جاءنا، فقال لا بأس به. قال وكيع بن عدس فلا أدعه. وجزم أبو عبيد بأن العتيرة تستحب. وفي هذا تعقب على من قال إن ابن سيرين تفرد بذلك. ونقل الطحاوي عن ابن عون أنه كان يفعله، ومال ابن المنذر إلى هذا وقال: كانت العرب تفعلهما وفعلهما بعض أهل الإسلام بالإذن ثم نهى عنهما، والنهي لا يكون إلا عن شيء كان يفعل. وما قال أحد أنه نهى عنهما ثم أذن في فعلهما ثم نقل عن العلماء تركهما إلا ابن سيرين، وكذا ذكر عياض أن الجمهور على النسخ، وبه جزم الحازمي، وما تقدم نقله عن الشافعي يرد عليهم. وقد أخرج أبو داود والحاكم والبيهقي واللفظ له بسند صحيح عن عائشة: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرعة في كل خمسين واحدة انتهى.
قوله: "وفي الباب عن نبيشة" بضم النون وفتح الموحدة مصغراً وأخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه الحاكم وابن المنذر ولفظه قال: نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا؟ قال اذبحوا لله في أي شهر كان، قال إنا كنا نفرع في الجاهلية، قال في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك حتى إذا استعمل ذبحته فتصدقت بلحمه فإن ذلك خير. وفي رواية أبي داود عن أبي قلابة. قال خالد قلت لأبي قلابة: كم السائمة؟ قال مائة "ومخنف بن سليم" تقدم حديثه. وفي الباب أحاديث أخرى مذكورة في المنتقى وفتح الباري.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان(5/102)
باب ماجاء في العقيقة
...
14ـ باب ما جاءَ في العَقِيقَة
1549 ـ حدثنا يَحْيَى بن خَلَفٍ البصري حدثنا بِشْرُ بن المُفَضّلِ حدثنا عبدُ الله بنُ عثمانَ بنِ خُثَيْمٍ عن يوسفَ بن ماهكَ "أنهم دخلوا على حَفْصَةَ بنتِ عبدِ الرحمنِ فسأَلوها عن العَقِيقَةِ، فَأَخْبَرتْهُمْ أنّ عائشةَ أَخْبَرْتْهَا أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أمَرَهم عن الغُلاَمِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ وعَن الجاريةِ شَاةٌ".
ـــــــ
"باب ما جاء في العقيقة"
بفتح العين المهملة وهو اسم لما يذبح عن المولود. واختلف في اشتقاقها، فقال أبو عبيد والأصمعي: أصلها الشعر الذي يخرج على رأس المولود، وتبعه الزمخشري وغيره، وسميت الشاة التي تذبح عنه في تلك الحالة عقيقة لأنه يحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح. وعن أحمد أنها مأخوذة من العق وهو الشق والقطع، ورجحه ابن عبد البر وطائفة. قال الخطابي: العقيقة اسم الشاة المذبوحة عن الولد، سميت بذلك لأنها تعق مذابحها أي تشق وتقطع. قال وقيل هي الشعر الذي يحلق. وقال ابن فارس: الشاة التي تذبح والشعر كل منهما يسمي عقيقة، يقال عق يعق إذا حلق عن ابنه عقيقته وذبح للمساكين شاة. قال الحافظ في الفتح: ومما ورد في تسمية الشاة عقيقة ما أخرجه البزار من طريق عطاء عن ابن عباس رفعه: للغلام عقيقتان وللجارية عقيقة، وقال لا نعلمه بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد انتهى. قال الحافظ: ووقع في عدة أحاديث عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة انتهى
قوله: "حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم" بضم الخاء المعجمة وبالمثلثة مصغراً "عن يوسف بن ماهك" بفتح الهاء وبالكاف ترك صرفه كذا في المغني، قال في التقريب: يوسف بن ماهك بن بهزاد الفارسي المكي ثقة من الثالثة.
قوله: "شاتان مكافئتان" ووقع عند النسائي في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده شاتان مكافئتان، ووقع في آخر الحديث قال يعني ابن قيس الراوي عن عمرو بن شعيب سألت زيد بن أسلم عن "المكافئتان" قال الشاتان المشبهتان تذبحان جميعاً انتهى. قال الحافظ أي لا يؤخر ذبح إحداهما عن الاَخر. وحكى(5/103)
ـــــــ
أبو داود عن أحمد المكافئتان المتقاربتان. قال الخطابي أي في السنن. وقال الزمخشري معناه متعادلتان لما يجزيء في الزكاة وفي الأضحية، وأولى من ذلك كله ما وقع في رواية سعيد بن منصور في حديث أم كرز في وجه آخر عن عبيد الله بن أبي يزيد بلفظ: شاتان مثلان. ووقع عند الطبراني في حديث آخر قيل ما المكافئتان؟ قال المثلان. وما أشار إليه زيد بن أسلم من ذبح إحداهما عقب الأخرى حسن، ويحتمل الحمل على المعنيين معاً انتهى. "وعن الجارية شاة" قال الحافظ في الفتح: فيه حجة للجمهور في التفرقة بين الغلام والجارية، وعن مالك هما سواء فيعق عن كل واحد منهما شاة.
واحتج له بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً أخرجه أبو داود.
ولا حجة فيه فقد أخرجه أبو الشيخ من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ: كبشين كبشين، وأخرج أيضاً من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله.
وعلى تقدير ثبوت رواية أبي داود فليس في الحديث ما يرد به الأحاديث المتواردة في التنصيص على التثنية للغلام، بل غايته أن يدل على جواز الاقتصار وهو كذلك، فإن العدد ليس شرطاً بل مستحب.
واستدل بإطلاق الشاة والشاتين على أنه لا يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية، وفيه وجهان للشافعية وأصحهما يشترط وهو بالقياس لا بالخبر، وبذكر الشاة والكبش على أنه يتعين الغنم للعقيقة، وبه ترجم أبو الشيخ الأصبهاني ونقله ابن المنذر عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وقال البندينجي من الشافعية: لا نص للشافعي في ذلك وعندي أنه لا يجزيء غيرها، والجمهور على إجزاء الإبل والبقر أيضاً، وفيه حديث عند الطبراني وأبي الشيخ عن أنس رفعه: يعق عنه من الإبل والبقر والغنم، ونص أحمد على اشتراط كاملة. وذكر الرافعي بحثاً أنها تتأدى بالسبع كما في الأضحية والله أعلم. انتهى كلام الحافظ.
قلت: سند حديث أبي داود المذكور هكذا، حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو قال أخبرنا عبد الوارث قال أخبرنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله(5/104)
وفي البابِ عن عليّ وأُمّ كُرْزٍ وبُرَيْدَةَ وسَمُرَةَ وأبي هريرةَ وعبدِ الله بنِ عَمْرٍو وأنَسٍ وسلمانَ بنِ عَامر وابن عباسٍ. "قال أبو عيسى"حديثُ عائشةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَحَفْصَةُ هي بنَت عبدِ الرحمَنِ بن أبي بكرٍ الصّدّيقِ.
ـــــــ
صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن الحديث. والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري. وأما سند حديث أبي الشيخ بلفظ كبشين كبشين فلم أقف عليه، وكذلك لم أقف على سند ما أخرجه هو من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله. وأما حديث أنس يعق عنه من الإبل والبقر والغنم فليس مما يحتج به، فإن في سنده مسعدة بن اليسع الباهلي. قال الحافظ الذهبي في الميزان مسعدة بن اليسع الباهلي: سمع من متأخري التابعين هالك كذبه أبو داود. وقال أحمد بن حنبل: خرقنا حديثه منذ دهر انتهى. وقال الطبراني في معجمه الصغير بعد روايته لم يرده عن حديث إلا مسعدة تفرد به عبد الملك بن معروف انتهى.
قوله: "وفي الباب عن علي" أخرجه الترمذي وسيأتي "وأم كرز" بضم الكاف وسكون الراء وبالزاي، وأخرج حديثها أصحاب السنن الأربعة، وأخرجه الترمذي في هذا الباب "وبريدة" أخرجه أبو داود قال: كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الإسلام كنا نذبح الشاة يوم السابع ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران، والحديث سكت عنه أبو داود، وقال المنذري في إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال انتهى. "وسمرة" أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي وسيأتي "وأبي هريرة" أخرجه البزار وأبو الشيخ مرفوعاً: "أن اليهود تعق عن الغلام كبشاً ولا تعق عن الجارية، فعقوا عن الغلام كبشين، وعن الجارية كبشا" ً، كذا في فتح الباري "وعبد الله بن عمرو" أخرجه أبو داود والنسائي وفيه: من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه، فلينسك عن الغلام شاتين، وعن الجارية شاة، والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري "وأنس" أخرجه الطبراني وأبو الشيخ وقد تقدم "وسلمان بن عامر" أخرجه البخاري مرفوعاً بلفظ: "مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى" "وابن عباس" أخرجه البزار وقد تقدم لفظه في أول الباب وأخرج عنه أبو داود حديثاً آخر وتقدم وهو أيضاً.(5/105)
1550ـ حدثنا الحسنُ بن علي الْخَلاّلُ حدثنا عبدُ الرزاقِ عن ابن جُرَيْجٍ أخبرنا عُبَيْدِ الله بنُ أبي يزيد عن سِبَاع بن ثابتٍ أنّ محمدَ بن ثَابِتِ بنِ سِبَاعٍ أخبره أنّ أم كرزٍ أخْبَرَتْهُ أنّهَا سَأَلَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن العَقِيقَةِ، فقال: "عن الغُلاَمِ شَاتَانِ، وعن الأنثى واحدةٌ، ولا يَضُرّكُمْ ذُكْرَاناً كُنّ أَمْ إنَاثاً" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
1551 ـ حدثنا الحسنُ بن علي الخلال حدثنا عبدُ الرزاق أخبرنا هِشَامُ بنُ حَسّانَ عن حَفْصَةَ بنت سيرينَ عن الرّبابِ عن سلمانَ بن عامرٍ الضّبيّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَعَ الْغُلاَمِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عنه دَماً وأمِيطُوا عنه الأذَى" .
1552حدثنا الحسنُ بن أعين، حدثنا عبدُ الرزاقِ، أخبرنا ابنُ عُيَيْنَةَ
ـــــــ
قوله: "مع الغلام عقيقة" تمسك بمفهومة الحسن وقتادة فقالا يعق عن الصبي ولا يعق عن الجارية، وخالفهم الجمهور فقالوا: يعق عن الجارية أيضاً وهو الحق، وحجتهم الأحاديث المصرحة بذكر الجارية، فلو ولد اثنان في بطن استحب عن كل واحد عقيقة، ذكره ابن عبد البر عن الليث وقال: لا أعلم عن أحد من العلماء خلافه "فأهريقوا عنه دماً" كذا أيهم ما يهراق في راجع الأصل الباب بلفظ: عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، وغير ذلك من الأحاديث المتقدمة "وأميطوا" أي أزيلوا وزناً ومعنى "الأذى" قال ابن سيرين: إن لم يكن الأذى حلق الرأس فلا أدري ما هو. رواه أبو داود. وأخرج الطبراني عنه قال لم أجد من يخبرني عن تفسير الأذى انتهى. وقد جزم الأصمعي بأنه حلق الرأس. وأخرجه أبو داود بسند صحيح عن الحسن كذلك. ووقع في حديث عائشة عند الحاكم وأمر أن يماط عن رؤسهما الأذى ولكن لا يتعين(5/106)
عن عَاصمِ بنِ سليمَانَ الأحْوَلِ عن حَفْصَةَ بنت سيرينَ عن الرّبابِ عن سلمانَ بن عامرٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم مثلَه.
هذا حديثٌ حسن صحيحٌ.
ـــــــ
ذلك في حلق الرأس، فقد وقع في حديث ابن عباس عند الطبراني: ويماط عنه الأذى ويحلق رأسه، فعطفه عليه، فالأولى حمل الأذى على ما هو أعم من حلق الرأس. ويؤيد ذلك أن في بعض طرق حديث عمرو بن شعيب: ويماط عنه أقذاره، رواه أبو الشيخ كذا في فتح الباري.
قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه(5/107)
15 ـ بابُ الأذانِ في أُذُنِ المَوْلُود
1553ـ حدثنا محمدُ بن بَشّارٍ حدثنا يحيى بن سعيدٍ و عبدُ الرحمَنِ بنُ مهديّ قالا أخبرنا سفيانُ عن عَاصمِ بن عُبَيْدِ الله عن عُبَيْدِ الله بن أبي رافعٍ عن أبيه قال: رَأَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أذّنَ في أُذُنِ الحَسنِ بن علي حينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمةُ بالصلاةِ
ـــــــ
"بابُ الأذانِ في أُذُنِ المَوْلُود"
قوله: "عن عاصم بن عبيد الله" قال في التقريب: عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي المدني ضعيف من الرابعة.
قوله: "أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة" أي أذن بآذان الصلاة، وفيه دليل على سنية الأذان في أذن المولود. قال القاري: وفي شرح السنة: روى عن عمر بن عبد العزيز كان يؤذن في اليمنى ويقيم في اليسرى إذا ولد الصبي. قال وقد جاء في مسند أبي يعلى الموصلي عن الحسين مرفوعاً: "من ولد له ولد فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان" . كذا في الجامع الصغير للسيوطي انتهى كلام القاري.(5/107)
هذا حديث حسن صحيح. والعمل في العقيقة على ماروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه: عن الغلام شاتان مكافئتان. وعن الجارية شاة. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً: أنه عن الحسن بشاةٍ.
ـــــــ
قلت: قال المناوي في شرح الجامع الصغير: إسناده ضعيف انتهى. وقال الحافظ في التلخيص: حديث عمر بن عبد العزيز أنه كان إذا ولد له ولد أذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى، لم أره عنه مسنداً، وقد ذكره ابن المنذر عنه، وقد روى مرفوعاً أخرجه ابن السني من حديث الحسين بن علي بلفظ: من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى لم تضره أم الصبيان، وأم الصبيان هي التابعة من الجن انتهى.
قوله: "هذا حديث صحيح" قال المنذر في تلخيص السنن بعد نقل قول الترمذي هذا: وفي إسناده عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وقد غمزه الإمام مالك، وقال ابن معين ضعيف لا يحتج بحديثه وتكلم فيه غيرهما، وانتقد عليه أبو حاتم محمد بن حبان البستي رواية هذا الحديث وغيره انتهى كلام المنذري.
قلت: وقال العجلي: لا بأس به، وقال ابن عدي: هو مع ضعفه يكتب حديثه. وقال ابن خزيمة: لا أحتج به لسوء حفظه كذا في ميزان الا عتدال.
قوله: "والعمل عليه" أي على حديث أبي رافع في التأذين في أذن المولود عقيب الولادة.
فإن قلت: كيف العمل عليه وهو ضعيف لأن في سنده عاصم بن عبيد الله كما عرفت.
قلت: نعم هو ضعيف لكنه يعتضد بحديث الحسين بن علي رضي الله عنهما الذي رواه وابن السني.
قوله: "وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في العقيقة من غير وجه عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة" وإليه ذهب الجمهور "وروي عن النبي صلى الله(5/108)
وقد ذَهَبَ بعضُ أهلِ الْعِلْمِ إلى هذا الحديثِ.
ـــــــ
عليه وسلم أيضاً أنه عق عن الحسن بن علي بشاة" رواه الترمذي وهو ضعيف وسيأتي. "وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث" وهو قول مالك كما عرفت فيما تقدم وقد عرفت ما فيه(5/109)
16 ـ باب
1554 ـ حدثنا سَلَمَةُ بن شَبِيبٍ حدثنا أبو المغيرةِ عن عُفَيْرٍ بن مَعْدَانَ عن سُلَيْمِ بن عامرٍ عن أبي أُمَامَةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "خيرُ الأضْحِيَةِ الكبْشُ، وَخَيْرُ الكَفَن الْحُلّةُ" .
ـــــــ
"باب"
قوله "عن عفير" بالتصغير "ابن معدان" الحمصي المؤذن ضعيف من السابعة "عن سليم" بالتصغير.
قوله: "خير الأضحية الكبش" رواه أبو داود من حديث عبادة بن الصامت بلفظ: خير الأضحية الكبش الأقرن، قال الطيبي: ولعل فضيلة الكبش الأقرن على غيره لعظم جثته وسمنه في الغالب انتهى. "وخير الكفن الحلة" أي الإزار والرداء. قال في النهاية: الحلة واحد الحلل وهي برود اليمن، ولا يسمي حلة حتى يكون ثوبين من جنس واحد انتهى. قال في اللمعات: والمقصود والله اعلم أنه لا ينبغي الإقتصار على الثوب الواحد والثوبان خير منه، وإن أريد السنة والكمال فثلاث على ما عليه الجمهور انتهى. وهي نوع مخطط من ثياب القطن على ما قاله بعضهم. قال المطهر: اختار بضع الأئمة أن يكون الكفن من برود اليمن بهذا الحديث، والأصح أن الأبيض أفضل لحديث عائشة: كفن في السحولية. وحديث ابن عباس كفنوا فيها موتاكم انتهى. قال القاري: وفيه أن الحلة على ما في القاموس إزار ورداء أو غيره، فمع هذا الاحتمال لا يتم الاستدلال. وقال ابن الملك: الأكثرون على اختيار البيض، وإنما قال ذلك في الحلة لأنها كانت يومئذ أيسر عليهم.(5/109)
هذا حديثٌ غريبٌ وعُفَيْرُ بن مَعْدَانَ يُضَعّفُ في الحديثِ.
ـــــــ
قوله: "هذا حديث غريب. وعفير بن معدان يضعف في الحديث" ورواه أبو داود من حديث عبادة بن الصامت بسند آخر ليس فيه عفير وسكت عنه هو والمنذري(5/110)
17ـ باب
1555ـ حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنا رَوْحُ بن عُبَادَةَ حدثنا ابنُ عَوْنٍ حدثنا أبو رَمْلةَ عنِ مِحنَفٍ بنِ سُلَيمٍ قال: "كُنّا وقوفاً مع النبيّ صلى الله عليه وسلم بعرفاتٍ فَسَمِعْتُهُ يقولُ: "يا أيها الناسُ على كلّ أهلِ بَيْتٍ في كل عَامٍ أُضْحِيَةٌ وعَتِيرَةٌ، هل تَدْرُونَ ما العَتِيرَةُ هي التي تُسَمّونَهَا الرّجَبِيّةَ" .
"قال أبو عيسى"هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، ولا نعرِفُ هذا الحديثَ إلا مِن هذا الوجهِ من حديثِ ابن عَوْنٍ. ـــــــ
باب
قوله: "عن مخنف" بكسر الجيم الميم وسكون الخاء المعجمة كمنبر "بن سليم" بالتصغير.
قوله: "كنا وقوفاً" أي واقفين "مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات" يعني في حجة الوداع "على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة" أي واجب عليهم "هي التي تسمونها الرجبية" أي الذبيحة المنسوبة إلى رجب لوقوعها فيه، وتقديم بيان العتيرة. وقد احتج بهذا الحديث من قال بوجوب الأضحية. قال الحافظ في الفتح: ولا حجة فيه لأن الصيغة ليست صريحة في الوجوب المطلق، وقد ذكر معها العتيرة وليست بواجبة عند من قال بوجوب الأضحية انتهى.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" قال الحافظ في الفتح: أخرجه أحمد والأربعة بسند قوي انتهى. وقال في بحث الفرع والعتيرة من الفتح بعد ذكر هذا الحديث: ضعفه الخطابي لكن حسنه الترمذي، وجاء من وجه آخر عن عبد الرزاق عن مخنف بن سليم.(5/110)
ـــــــ
قلت: قال الزيلعي في نصب الراية: قال عبد الحق إسناده ضعيف. قال ابن القطان: وعلته الجهل بحال أبي رملة واسمه عامر فإنه لا يعرف إلا بهذا عن ابن عون انتهى. وقال الحافظ في التقريب: عامر أبو رملة شيخ لابن عون لا يعرف من الثالثة(5/111)
18 ـ باب
1556 ـ حدثنا محمدُ بن يَحيى القطعيّ حدثنا عبدُ الأعْلى بن عبد الأعلى عن محمدِ بن إسحاقَ عن عبدِ الله بن أبي بكرٍ عن محمدِ بنِ عليّ بن الحُسَيْنِ عن عليّ بن أبي طالبٍ قال: "عقّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الْحَسَنِ بشاةٍ وقال "يا فاطمةُ احْلِقِي رأْسَهُ وتَصَدّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضّة" ً، قال فَوَزَنَتْهُ، فكانَ وَزْنَهُ دِرْهَماً أو بعضَ دِرْهَمٍ".
"قال أبو عيسى"هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وإسنادُهُ ليس بِمُتّصِلٍ وأبو جعفرٍ محمدُ بن علي بن الحسين لَمْ يُدْرِكْ عليّ بن أبي طالبٍ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن محمد بن علي بن الحسين" هو أبو جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ثقة فاضل من الرابعة "وتصدق بزنة شعره فضة" وفيه دليل على التصدق بزنة شعر المولود فضة.
قوله: "هذا حديث حسن غريب وإسناده ليس بمتصل" .
فإن قلت: كيف حسن الترمذي هذا الحديث مع الحكم عليه بأن إسناده ليس بمتصل.
قلت: الظاهر أنه حسنه بتعدد طرقه. قال الحافظ في التلخيص: حديث أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها وزنت شعر الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم فتصدقت بوزنه فضة، رواه مالك وأبو داود في المراسيل(5/111)
ـــــــ
والبيهقي من حديث جعفر بن محمد زاد البيهقي عن أبيه عن جده به. ورواه الترمذي والحاكم من حديث محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي. فذكر الحافظ حديث الباب قال: وروى البيهقي من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن علي بن الحسين عن أبي رافع قال: لما ولدت فاطمة حسناً قالت: يا رسول الله ألا أعق عن ابني بدم؟ قال " لا ولكن أحلقي شعره وتصدقي بوزنه من الورق على الأوفاض" يعني أهل الصفة. قال البيهقي: وتفرد به ابن عقيل. وروى الحاكم من حديث علي قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فقال "زني شعر الحسين وتصدقي بوزنه فضة وأعطي القابلة رجل العقيقة" ، ورواه حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلاً، قال وفي الأحمدين من معجم الطبراني الأوسط في ترجمة أحمد بن القاسم من حديث عطاء عن ابن عباس قال: سبعة من السنة في الصبي يوم السابع: يسمى، ويختن، ويماط عنه الأذى، ويثقب أذنه، ويعق عنه، وتحلق رأسه، وتلطخ بدم عقيقته، ويتصدق بوزن شعر رأسه ذهباً أو فضة، فيه رواد بن الجراح وهو ضعيف وقد تعقبه بعضهم فقال كيف تقول يماط عنه الأذى مع قوله تلطخ رأسه بدم عقيقته، قال ولا إشكال فيه، فلعل إماطة الأذى تقع بعد اللطخ، والواو لا تستلزم الترتيب، وأما زنة شعر أم كلثوم وزينب فلم أره انتهى كلام الحافظ.(5/112)
19ـ باب
1557ـ حدثنا الحسنُ بنُ علي الخلالُ حدثنا أزْهَرُ بنُ سَعْدٍ السّمانُ عن ابن عَوْنٍ عن محمدِ بنِ سيرينَ عن عبدِ الرحمَنِ بن أبي بَكْرَةَ عن أبيه: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ ثم نَزَلَ فَدَعَا بِكَبْشَيْنِ فَذَبَحَهُمَا".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
1558ـ حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا يعقوبُ بن عبدِ الرحمَنِ عن عَمْرِو بن أبي
ـــــــ
"باب"
قوله: "خطب ثم نزل" فيه دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم خطب على شيء(5/112)
عَمْرٍو عن المطّلبِ عن جابرِ بنِ عبدِ الله قال: "شَهِدْتُ مع النبيّ صلى الله عليه وسلم الأضْحَى بالمُصَلّى، فلمّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ عن مِنْبَرِهِ فأُتي بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ وقال: "بسمِ الله، والله أكْبَرُ، هذا عَنّي وعمّنْ لم يُضَحّ مِنْ أُمّتِي" .
هذا حديثٌ غريبٌ مِن هذا الوْجِه. والعملُ على هذا عِنْدَ أهلِ العلمِ مِن أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم أنْ يقولَ الرجلُ إذا ذَبَحَ: بسمِ الله، والله أَكْبَرُ.
وهو قولُ ابن المباركِ. والمطّلِب بن عبدِ الله بن حَنْطَب، يقالُ إنه لم يسمعْ من جابرٍ
ـــــــ
مرتفع، وفي حديث جابر الآتي نزل عن منبره. "نزل عن منبره" فيه ثبوت وجود المنبر في المصلى وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب عليه.
قوله: "أن يقول الرجل إذا ذبح بسم الله والله أكبر" أي بالواو.
قوله: "هذا حديث غريب من هذا الوجه" وأخرجه أبو داود بإسناد الترمذي وسكت عنه.
قوله: "والمطلب بن عبد الله بن حنطب يقال إنه لا يسمع من جابر" قال المنذري في تلخيص السنن بعد نقل كلام الترمذي هذا: وقال أبو حاتم الرازي يشبه أن يكون أدركه انتهى(5/113)
20ـ باب
1559ـ حدثنا عليّ بن حُجْرٍ أخبرنا عليّ بن مُسْهِرٍ عن إسماعيلَ بن مُسْلِمٍ عن الْحَسَنِ عن سَمُرَةَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغلامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ يُذْبَحُ عنه يومَ السّابِعِ، ويُسَمّى، ويُحْلَقُ رَأْسُهُ" .
ـــــــ
"باب"
قوله: "الغلام مرتهن بعقيقته" اختلف في معناه، قال الخطابي: اختلف(5/113)
ـــــــ
الناس في هذا، وأجود ما قيل فيه ما ذهب إليه أحمد بن حنبل قال هذا في الشفاعة، يريد أنه إذا لم يعق عنه فمات طفلاً لم يشفع في أبويه، وقيل معناه أن العقيقة لازمة لا بد منها، فشبه المولود في لزومها وعدم انفكاكه منها بالرهن في يد المرتهن، وهذا يقوي قول من قال بالوجوب، وقيل المعنى أنه مرهون بأذى شعره ولذلك فأميطوا عنه الأذى انتهى. والذي نقل عن أحمد قاله عطاء الخرساني أسنده عنه البيهقي وأخرج ابن حزم عن بريدة الأسلمي قال: إن الناس يعرضون يوم القيامة على العقيقة كما يعرضون على الصلوات الخمس، وهذا لو ثبت لكان قولاً آخر يتمسك به من قال بوجوب العقيقة. قال ابن حزم: ومثله عن فاطمة بنت الحسين انتهى "يذبح عنه يوم السابع" أي من يوم الولادة، وهل يحسب يوم الولادة قال ابن عبد البر: نص مالك على أن أول السّبعة اليوم الذي يلي يوم الولادة إلا إن ولد قبل طلوع الفجر، وكذا نقله البويطي عن الشافعي، ونقل الرافعي وجهين ورجح الحسبان، واختلف ترجيح النووي كذا في فتح الباري.
قلت: الظاهر هو أن يحسب يوم الولادة والله تعالى أعلم.
وقوله يذبح على البناء للمجهول: قال الحافظ فيه: إنه لا يتعين الذابح، وعند الشافعية يتعين من تلزمه نفقة المولود، وعن الحنابلة يتعين الأب إلا أن تعذر بموت أو امتناع. قال الرافعي: وكأن الحديث أنه صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين مؤول. قال النووي: يحتمل أن يكون أبواه حينئذ كانا معسرين أو تبرع بإذن الأب، أو قوله عق أي أمر أو من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما يضحي عمن لم يضح عن أمته، وقد عده بعضهم من خصائصه، ونص مالك على أنه يعق عن اليتيم من ماله، ومنعه الشافعية "ويسمى" بصيغة المجهول وفيه دليل على سنيه تسمية المولود يوم السابع، وقد ورد فيه غير هذا الحديث، ففي البزار وصحيحي ابن حبان والحاكم بسند صحيح عن عائشة قالت: عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين يوم السابع وسماهما. وفي معجم الطبراني الأوسط عن ابن عمر مرفوعاً: "إذا كان اليوم السابع للمولود فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى وسموه" ، وسنده صحيح، وقد ثبت تسمية المولود يوم يولد. ففي صحيح البخاري عن أبي موسى قال: ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم فحنكه بتمرة الحديث. وفيه عن أبي أسيد أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بابنه حين ولد فسماه المنذر، وفي(5/114)
1560- حدثنا الحسنُ بن علي الخلاّلُ حدثنا يزيدُ بن هارونَ أخبرنا سعيدُ بن أبي عَرُوبَةَ عن قَتادةَ عن الحسنِ عن سَمُرَةَ بن جُندُبٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوَهُ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ والعملُ على هذا عندَ أهلِ الْعِلْمِ: يَسْتَحِبّونَ أنْ يُذبَحَ عن الغُلاَمِ العَقِيقَةُ يَوْمَ السّابِعِ، فإن لم يتَهَيّأْ يَوْمَ السابِع فَيَوْمَ الرابِع عَشر، فإن لم يتَهَيّأْ عُق عنهُ يَوْمَ حارٍ وعشرينَ. وقالوا لا يجزئ في العَقِيقَةِ مِن الشاة إلاّ ما يجزئ في الاْضْحِيَةِ.
ـــــــ
صحيح مسلم عن أنس رفعه قال: ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم الحديث "يحلق رأسه" أي جميعه لثبوت النهي عن القزع.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" قال المنذري: وقال غير واحد من الأئمة إن حديث الحسن عن سمرة كتاب إلا حديث العقيقة وتصحيح الترمذي له يدل على ذلك، وقد حكى البخاري في الصحيح ما يدل على سماع الحسن من سمرة حديث العقيقة انتهى.
قوله: "والعمل على هذا عند أهل العلم يستحبون أن يذبح عن الغلام العقيقة يوم السابع، فإن لم يتهيأ يوم السابع فيوم الرابع عشرة، فإن لم يتهيأ عق عنه يوم إحدى وعشرين" قال الحافظ في الفتح بعد نقل قول الترمذي هذا ما لفظه: لم أر هذا صريحاً إلا عن أبي عبد الله البوشنجي، ونقله صالح بن أحمد عن أبيه، وورد فيه حديث أخرجه الطبراني من رواية إسماعيل بن مسلم عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، وإسماعيل ضعيف. وذكر الطبراني أنه تفرد به، انتهى كلام الحافظ.
قلت: قال الحافظ في التقريب: إسماعيل بن مسلم المكي أبو إسحاق كان من البصرة ثم سكن مكة وكان فقيهاً وكان ضعيف الحديث انتهى.
قوله: "وقالوا لا يجزيء في العقيقة من الشاة إلا ما يجزيء في الأضحية" قد ورد(5/115)
ـــــــ
في أحاديث العقيقة لفظ الشاة والشاتين مطلقاً من غير تقييد: فإطلاق لفظ الشاة والشاتين يدل على أنه لا يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية، وفيه وجهان للشافعية وأصحهما يشترط، قال الحافظ: وهو بالقياس لا بالخبر انتهى.
قلت: لم يثبت الاشتراط بحديث صحيح أصلاً بل ولا بحديث ضعيف، فالذين قالوا بالاشتراط ليس لهم دليل غير القياس. قال الشوكاني في النيل: هل يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية، وفيه وجهان للشافعية، وقد استدل بإطلاق الشاتين على عدم الاشتراط وهو الحق، لكن لا لهذا الإطلاق بل لعدم ورود ما يدل ههنا على تلك الشروط والعيوب المذكورة في الأضحية وهي أحكام شرعية لا تثبت بدون دليل. انتهى كلام الشوكاني.
فائدة: قال القسطلاني في شرح البخاري: وسن طبخها كسائر الولائم إلا رجلها فتعطى نيئة للقابلة لحديث الحاكم انتهى.
قلت: قال الحافظ في التلخيص: روى الحاكم من حديث علي قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فقال: زني شعر الحسين وتصدقي بوزنه فضة وأعطي القابلة رجل العقيقة، ورواه حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلاً انتهى.
فائدة: قد اشتهر أنه لا يكسر عظام العقيقة، وقد ورد فيه حديث لكنه مرسل، قال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد: ذكر أبو داود في المراسيل عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما "أن ابعثوا إلى بيت القابلة برجل وكلوا وأطعموا ولا تكسروا منها عظماً" انتهى.
فائدة: قد اشتهر أنه صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه، وقد ورد فيه حديث لكنه ليس بصحيح قال الحافظ في فتح الباري: أخرج البزار من رواية عبد الله بن محرر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة، قال البزار: تفرد به عبد الله وهو ضعيف انتهى. وأخرجه أبو الشيخ من وجهين آخرين أحدهما من رواية إسماعيل بن مسلم عن قتادة، وإسماعيل ضعيف أيضاً. وقد قال عبد الرزاق إنهم تركوا حديث عبد الله بن محرر من أجل هذا الحديث، فلعل إسماعيل سرقه منه. ثانيهما من رواية أبي بكر المستملي عن الهيثم بن جميل(5/116)
ـــــــ
وداود بن محبر قالا حدثنا عبد الله بن المثنى عن ثمامة عن أنس وداود ضعيف، لكن الهيثم ثقة عبد الله من رجال البخاري، فالحديث قوي الإسناد، ثم قال: فلولا ما في عبد الله بن المثنى من المقال لكان هذا الحديث صحيحاً، وذكر ما فيه من الجرح والتعديل ثم قال: فهذا من الشيوخ الذين إذا انفرد أحدهم بالحديث لم يكن حجة، ويحتمل أو يقال إن صح هذا الخبر كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما قالوا في تضحيته عمن لم يضح من أمته انتهى.
فائدة: قال الشوكاني: اختلف في مبدأ وقت ذبح العقيقة، فقيل وقتها وقت الضحايا أو من وقت الضحى أو غير ذلك، وقيل إنها تجزيء في الليل، وقيل لا على حسب الخلاف في الأضحية، وقيل تجزيء في كل وقت وهو الظاهر لما عرفت من عدم الدليل على أنه يعتبر فيها ما يعتبر في الأضحية انتهى.
فائدة: إذا ما ت المولود قبل يوم السابع هل يعق عنه أم لا؟ فقيل لا يعق عنه وهو قول مالك. قال الحافظ في الفتح قوله صلى الله عليه وسلم: "يذبح عنه يوم السابع" تمسك به من قال إن العقيقة مؤقتة باليوم السابع، وأن من ذبح قبله لم يقع الموقع وأنها تفوت بعده وهو قول مالك. وقال أيضاً إن مات قبل السابع سقطت العقيقة. وفي رواية ابن وهب عن مالك: أن من لم يعق عنه في السابع الأول عق عنه في السابع الثاني. قال ابن وهب: ولا بأس أن يعق عنه في السابع الثالث انتهى كلام الحافظ.
قلت: والظاهر أن العقيقة مؤقتة باليوم السابع، فقول مالك هو الظاهر والله تعالى أعلم. وأما رواية السابع الثاني والسابع الثالث فضعيفة كما عرفت فيما مر(5/117)
21 ـ باب
1561 ـ حدثنا أحمدُ بن الْحَكَمِ البصْرِيّ حدثنا محمدُ بن جَعْفَرٍ عن شعبةَ عن مالكِ بنِ أنسٍ عن عَمرٍو أو عُمَرَ بن مسلمٍ عن سعيدِ بن المسيّبِ
ـــــــ
"باب"
قوله "عن عمرو" بالواو أو "عمر بن مسلم" أي بغير الواو، وأو للشك،(5/117)
عن أُمّ سَلَمَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ رأى هِلاَلَ ذِي الحِجّةِ وأرَادَ أنْ يُضَحّي فلا يأْخُذَنّ مِن شَعْرِهِ ولا مِنْ أظْفَارِهِ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيح والصحيحُ هو عَمْرو بن مسلمٍ. قد رَوَى عنه محمدُ بن عَمْرِو بن عَلْقَمَةَ وغَيْرُ واحدٍ. وقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن سعيدِ بن المسَيّبِ عن أبي سَلَمَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِن غَيرِ هذا الوجهِ نحوَ هذا، وهو قولُ بعضِ أهلِ الْعِلْمِ، وبه كانَ يقولُ سَعِيدُ بن المسَيّبِ.
وإلى هذا الحديثِ ذَهَبَ أحمدُ وإسحاقُ، وَرَخّصَ بعضُ أهلِ الْعِلْمِ
ـــــــ
وصحح الترمذي فيما بعد أنه هو عمرو بن مسلم بالواو "فلا يأخذن" بنون التأكيد "من شعره ولا من أظفاره" وفي رواية لمسلم: "إذا دخل العشر وأراد بعضكم أن يضحي فلا يمسن من شعره وبشره شيئاً" . وفي رواية له أخرى: "فلا يأخذن شعراً ولا يقلمن ظفرا" ً.
وله: "هذا حديث حسن" وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه "والصحيح هو عمرو بن مسلم" أي بالواو. قال أبو داود في سننه: واختلفوا على مالك وعلى محمد بن عمرو في عمرو بن مسلم فقال بعضهم عمر، وأكثرهم قال عمرو. قال أبو داود: وهو عمرو بن مسلم بن أكيمة الليثي الجندعي انتهى. قال في التقريب: عمرو بن مسلم بن عمارة بن أكيمة بالتصغير الليثي المدني، وقيل اسمه عمر صدوق من السادسة "وقد روى" بصيغة المجهول "هذا الحديث عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه نحو هذا" رواه مسلم وأبو داود وغيرهما "وبه كان يقول سعيد بن المسيب" رواه عنه مسلم في صحيحه "وإلى هذا الحديث ذهب أحمد وإسحاق" قال النووي في شرح مسلم: اختلف أهل العلم في ذلك. فقال سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد وإسحاق وداود وبعض أصحاب الشافعي: إنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية: وقال الشافعي وأصحابه: هو مكروه كراهة تنزيه وليس بحرام. وقال أبو حنيفة: لا يكره. وقال مالك في رواية: لا يكره. وفي رواية(5/118)
في ذلك، فقالوا لا بَأْسَ أنْ يأْخُذَ مِن شَعْرِهِ وأظْفَارِهِ، وهو قولُ الشافعيّ. واحْتجّ بحديثِ عائشةَ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يَبْعَثُ بالهَدْيِ من المدينةِ فلا يَجْتَنِبُ شيئاً مما يَجْتَنِبُ منه المحْرِمُ.
ـــــــ
يكره. وفي رواية يحرم في التطوع دون الواجب واحتج من حرم بهذه الأحاديث. واحتج الشافعي وآخرون بحديث عائشة قال كنت أقتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقلده ويبعث به ولا يحرم عليه شيء أحله الله حتى ينحر هديه، رواه البخاري ومسلم. وقال البعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية فدل على أنه لا يحرم ذلك، وحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه، انتهى كلام النووي. "ورخص بعض أهل العلم في ذلك فقالوا لا بأس أن يأخذ من شعره وأظفاره وهو قول الشافعي" . وحكى النووي أن الشافعي وأصحابه قالوا إن ذلك مكروه كراهة التنزيه كما عرفت، فالظاهر أن المراد بقوله لا بأس أن يأخذ الخ أي جائز مع الكراهة، "واحتج" أي الشافعي "بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم يبعث" الخ أخرجه الجماعة، وحمل النهي في حديث أم سلمة المذكور في الباب على كراهية التنزيه جمعاً بين هذين الحديثين المختلفين.
وأجاب الطحاوي عن حديث أم سلمة بأنه موقوف، قال في شرح الآثار بعد رواية حديث أم سلمة موقوفاً ما لفظه: فهذا هو أصل الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها انتهى.
قلت لا شك في أن بعض الرواة روى حديث أم سلمة موقوفاً، لكن أكثرهم رووه بأسانيد صحيحة مرفوعاً. فمنها ما رواه الطحاوي في شرح الآثار من طريق شعبة عن مالك بن أنس عن عمرو بن مسلم عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من رأى منكم هلال ذي الحجة الحديث.
ومنها ما رواه الطحاوي أيضاً من طريق الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن عمرو بن مسلم أنه قال: أخبرني سعيد بن المسيب أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله.
ومنها ما رواه مسلم في صحيحه من طريق سفيان عن عبد الرحمن بن حميد بن(5/119)
ـــــــ
عبد الرحمن بن عوف، سمع سعيد بن المسيب يحدث عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخلت العشر الحديث، قيل لسفيان قال بعضهم لا يرفعه، فقال: لكني أرفعه.
ومنها ما رواه مسلم من طريق محمد بن عمرو الليثي عن عمر بن مسلم عن عمار بن أكيمة الليثي قال سمعت سعيد بن المسيب يقول سمعت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان له ذبح الحديث. وقد أخرج مسلم أيضاً في صحيحه من الطريقين الذين ذكرناهما عن شرح الآثار.
وهذه الطرق المرفوعة كلها صحيحة فكيف يصح القول بأن حديث أم سلمة الموقوف هو أصل الحديث، بل الظاهر أن أصل الحديث هو المرفوع. وقد أقنت أم سلمة على وفق حديثها المرفوع، فروى بعضهم عنها موقوفاً عليها من قولها. والحاصل أن حديث أم سلمة وحديث عائشة كليهما مرفوعان صحيحان، ولحديث أم سلمة ترجيح لأنه قولي، أو يقال كما قال الشافعي رحمه الله من أن حديثها محمول على كراهة التنزيه والله تعالى أعلم(5/120)
أبواب النذور والأيمان
مدخل
...
أبواب النذور والأيمان
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
"أبواب النذور والأيمان الخ"
النذور جمع نذر، وأصله الإنذار بمعنى التخويف، وعرفه الراغب بأنه إيجاب ما ليس بواجب لحدوث أمر، والأيمان بفتح الهمزة جمع يمين، وأصل اليمين في اللغة اليد، وأطلقت على الحلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كل يمين صاحبه. وقيل لأن اليد اليمنى من شأنها حفظ الشيء فسمى الحلف بذلك الحفظ المحلوف عليه، وسمى المحلوف عليه يميناً لتلبسه بها، ويجمع اليمين أيضاً على أيمن كرغيف وأرغف، وعرفت شرعاً بأنها توكيد الشيء بذكر اسم أو صفة لله، وهذا أخصر التعاريف وأقربها.(5/120)
باب ماجاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن لانذر في معصية
...
1ـ باب ما جاءَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم
أن لا نَذْرَ في مَعْصِيَة
1562 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا أبو صفوانَ عن يونُسَ بن يَزيدَ عن ابن شِهَابٍ عن أبي سَلَمَةَ عن عائِشَةَ قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا نَذْرَ في مَعْصِيَةٍ وَكَفّارَتُهُ كَفّارَةُ يَمِينٍ" .
قال وفي البابِ عن ابن عُمَرَ وجابرٍ وعِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ.
وهذا حديثٌ لا يَصِحّ لأنّ الزّهْرِيّ لم يَسْمَعْ هذا الحديثَ من أبي سَلَمَةَ قال سَمِعْتُ محمداً يقولُ: رويَ غير واحدٍ منهم موسى بنُ عُقْبَةَ وابنُ أبي
ـــــــ
"باب ما جاءَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أن لا نَذْرَ في مَعْصِيَة"
قوله: "لا نذر في معصية" قال الطيبي: أي لا وفاة في نذر معصية إنما قدر الوفاء لأن لا لنفي الجنس تقتضي نفي الماهية فإذا نفيت ينتفي ما يتعلق بها وهو غير صحيح لقوله بعده وكفارته كفارة اليمين، فإذاً يتعين تقديره الوفاء ويؤيد قوله في حديث عمران بن حصين: ومن كان نذر في معصية فذلك للشيطان ولا وفاء فيه ويكفر ما يكفر اليمين انتهى. "وكفارته كفارة يمين" استدل به من قال بوجوب الكفارة في نذر المعصية.
قوله: "وفي الباب عن ابن عمر وجابر وعمران بن حصين" أما حديث ابن عمر فلينظر من أخرجه، وأما حديث جابر فأخرجه أحمد بلفظ: لا وفاء لنذر في معصية الله. وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه النسائي مرفوعاً بلفظ: "النذر نذران، فمن كان نذر في طاعة فذلك لله فيه الوفاء، ومن كان نذر في معصية فذلك للشيطان ولا وفاء فيه ويكفره ما يكفر اليمين" . وهذا الحديث ضعيف صرح به الحافظ في التلخيص.
قوله: "وهذا حديث لا يصح لأن الزهري لم يسمع هذا الحديث من أبي سلمة"(5/121)
عَتِيقٍ عن الزّهْرِيّ عن سُلَيمانَ بنِ أرْقَمَ عن يحيى بن أبي كَثِيرٍ عن أبي سَلَمَةَ عن عائشَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. قال محمدٌ: والحديثُ هو هذا.
1563ـ حدثنا أبو إسماعيلَ الترمذي واسمه محمدُ بن إسماعيلَ بن يوسفَ حدثنا أيوبَ بن سليمانَ بن بلالٍ حدثنا أبو بكرِ بن أبي أُوَيْسٍ عن سُلَيْمَانَ بنِ بلالٍ عن موسى بن عُقْبَةَ و عبدِ الله بن أبي عَتيقٍ عن الزهريّ عن سُليمانَ بن أرقمَ عن يحيى بن أبي كثيرٍ عن أبي سَلَمَةَ عن عائشةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا نَذْرَ في مَعصيةِ الله، وكَفّارَتُهُ كَفّارَةُ يَمِينٍ" .
هذا حديثٌ غريبٌ وهو أصَحّ مِن حديثِ أبي صَفْوَانَ عن يونسَ1.وقال قومٌ مِن أهلِ الْعِلْمِ مِن أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم: "لا نَذْرَ في مَعصيةِ الله، وكفّارَتهُ كفّارةُ يمين ٍ". وهو قولُ أحمدَ وإسحاقَ واحْتَجّا بحديثِ الزهريّ عن أبي سلمةَ عن عائشةَ.
ـــــــ
قال الحافظ في التلخيص رواه أحمد وأصحاب السنن وهو منقطع لم يسمعه الزهري من أبي سلمة "وهذا حديث غريب" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه قال النسائي: سليمان بن أرقم متروك وقد خالفه غير واحد من أصحاب يحيى بن أبي كثير يعني فرووه عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن الزبير الحنظلي عن أبيه عن عمران انتهى.
قلت: ولهذا الحديث طرق أخرى ذكرها الحافظ في التلخيص مع الكلام عليها، وقال الووى في الروضة: حديث لا نذر في معصية وكفارته كفارة اليمين ضعيف باتفاق المحدثين، قال الحافظ: قد صححه الطحاوي وأبو علي بن السكن فأين الاتفاق انتهى.
قوله: "وهو قول أحمد وإسحاق" قد اختلف فيمن وقع منه النذر في المعصية هل
ـــــــ
1 . وفي بعض النسخ بعد قوله عن يونس وقعت هذه العبارة وأبو صفوان هو مكيّ واسمه عبدالله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان وقد روى عن الحميدى وغير واحد من جلة أهل الحديث.(5/122)
وقال بعضُ أهلِ الْعِلْمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم: لا نَذْرَ في مَعْصِيَةٍ ولا كفّارَةَ في ذلك. وهو قولُ مالكٍ والشافعيّ.
1564 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ عن مالكٍ بن أنس عن طَلْحَةَ بن عبدِ المَلِكِ الأيليّ عن القَاسِم بن محمدٍ عن عائشَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ نَذَرَ أنْ يُطِيعَ الله فَلْيُطِعْهُ ومَن نَذَر أنْ يَعْصِى الله فلا يَعْصِهِ" .
1565-حدثنا الحسنُ بن علي الْخَلالُ حدثنا عبدُ الله بن نُمَيْرٍ عن عبيدِ الله بنِ عُمرَ عن طلحةَ بنِ عبدِ الملكِ الأيْلِيّ عن القاسِمِ بنِ محمدٍ عن عائشةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوَه.
ـــــــ
يجب فيه كفارة، فقال الجمهور لا، وعن أحمد والثوري وإسحاق وبعض الشافعية والحنفية نعم، واتفقوا على تحريم النذر في المعصية، واختلافهم إنما هو في وجوب الكفارة، واحتج من أوجبها بأحاديث الباب "وهو قول مالك والشافعي" وهو قول الجمهور، وأجابوا عن أحاديث ضعيفة.
قلت: والظاهر أنها بتعددها وتعدد طرقها تصلح للاحتجاج والله تعالى أعلم.
قوله: "من نذر أن يطيع الله فليطعه" الطاعة أعم من أن تكون في واجب أو مستحب، يتصور النذر في فعل الواجب بأن يؤقت كمن ينذر أن يصلي الصلاة في أول وقتها، فيجب عليه ذلك بقدر طاقته وأما المستحب من جميع العبادات المالية والبدنية فينقلب بالنذر واجباً، ويتقيد بما قيده به الناذر. والخبر صريح في الأمر بوفاء النذر إذا كان في طاعة، وفي النهي عن ترك الوفاء به إذا كان في معصية "من نذر أن يعصى الله فلا يعصه" قال في شرح السنة فيه دليل على أن من نذر معصية لا يجوز الوفاء به ولا يلزمه الكفارة، إذا لو كانت فيه الكفارة لبينه صلى الله عليه وسلم. قال القاري: لا دلالة في الحديث على نفي الكفارة ولا على إثباتها. قلت: الأمر كما قال القاري.(5/123)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد رَوَاهُ يحيى بنُ أبي كَثِيرٍ عن القاسِم بن محمدٍ. وهو قولُ بعضِ أهلِ الْعِلْمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم. وبه يقولُ مالكٌ والشافعيّ. قالوا: لا يعصى الله وليس فيه كَفّارَةُ يمينٍ إذا كانَ النّذْرُ في مَعْصِيَةٍ.
ـــــــ
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
قوله: "قالوا لا يعصي الله" هذا مجمع عليه ليس فيه اختلاف "وليس فيه كفارة الخ" فيه اختلاف كما عرفت آنفاً(5/124)
باب لانذر فيما لايملك ابن أدم
...
2 ـ باب ما جاء لا نَذْرَ فيما لا يملِكُ ابنُ آدم
1566 ـ حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنا إسحاقُ بنُ يُوسُفَ الأزرقُ عن هِشَامٍ الدّسْتَوائِيّ عن يحيى بن أبي كثِيرٍ عن أبي قِلابَةَ عن ثابتِ بن الضّحّاكِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "ليسَ على العبدِ نَذْرٌ فيما لا يَمْلِكُ" .
قال وفي الباب عن عبدِ الله بن عَمْرو وعِمْرَانَ بن حُصَيْن.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
"باب ما جاء لا نَذْرَ فيما لا يملِكُ ابنُ آدم"
قوله: "ليس على العبد نذر فيما لا يملك" أي لا يصح النذر ولا ينعقد في شيء لا يملكه حين النذر حتى لو ملكه بعده الوفاء به ولا الكفارة عليه.
قوله: "وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وعمران بن حصين" . أما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه أبو داود. وأما حديث عمران فأخرجه مسلم.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود(5/124)
3ـ باب في كفّارة النّذْرِ إذا لم يُسَم
1567 ـ حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنا أبو بكرِ بنُ عَيّاشٍ حدثني محمدٌ مَوْلى المغيرةِ بنِ شَعْبةَ حدثني كَعْبُ بن عَلْقَمَةَ عن أبي الخيرِ عن عُقْبَةَ بن عامرٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كَفّارَةُ النّذْرِ إذا لَمْ يُسَمّ كَفّارَةُ يَمِين" .
ـــــــ
"باب في كفّارة النّذْرِ إذا لم يُسَم"
قوله: "حدثني محمد مولى المغيرة بن شعبة" محمد هذا هو ابن يزيد بن أبي زياد الثقفي. قال الذهبي في الميزان مجهول، قال وصحح له الترمذي "وقال حدثني كعب بن علقمة" بن كعب المصري التنوخي أبو عبد الحميد صدوق من الخامسة "عن أبي الخير" اسمه مرثد بن عبد الله اليزني المصري ثقة فقيه من الثالثة.
قوله: "كفارة النذر إذا لم يسم" أي لم يعينه الناذر بأن قال: إني نذرت نذراً أو على نذر ولم يعين أنه صوم أو غيره "كفارة يمين" فيه دليل على أن كفارة اليمين إنما تجب فيما كان من النذور غير مسمى. قال النووي: اختلف العلماء في المراد بهذا الحديث يعني حديث عقبة بن عامر الذي أخرجه مسلم بلفظ كفارة النذر كفارة اليمين فحمله جمهور أصحابنا على نذر اللجاج فهو مخير بين الوفاء بالنذر أو الكفارة. وحمله مالك وكثيرون أو الأكثرون على النذر المطلق كقوله عليّ نذر، وحمله جماعة من فقهاء الحديث على جميع أنواع النذر، وقالوا هو مخير في جميع أنواع المنذورات بين الوفاء بما التزم وبين كفارة اليمين انتهى. قال الشوكاني: والظاهر اختصاص الحديث يعني حديث مسلم المذكور بالنذر الذي لم يسم، لأن حمل المطلق على المقيد واجب، وأما النذور المسماة إن كانت طاعة فإن كانت غير مقدورة ففيها كفارة يمين، وإن كانت مقدروة وجب الوفاء بها سواء كانت متعلقة بالبدن أو بالمال، وإن كانت معصية لم يجز الوفاء بها ولا ينعقد ولا يلزم فيها الكفارة، وإن كانت مباحة مقدورة فالظاهر الانعقاد ولزوم الكفارة لوقوع الأمر بها في الأحاديث في قصة الناذرة بالمشي إلى بيت الله، وإن كانت غير مقدورة ففيها الكفارة لعموم: ومن نذر نذراً لم يطقه. هذا خلاصة ما يستفاد من الأحاديث الصحيحة انتهى.(5/125)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.
ـــــــ
قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" وأخرجه مسلم بدون زيادة إذا لم يسم. وأخرجه أيضاً أبو داود والنسائي وابن ماجه. وفي الباب عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ: من نذر نذراً ولم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً لم يطقه فكفارته كفارة يمين، أخرجه أبو داود وابن ماجه. قال الحافظ في بلوغ المرام: إسناده صحيح إلا أن الحافظ رجحوا وقفه(5/126)
باب فيمن حلف على يمين فرأى خيرا منها
...
4ـ باب فيمَن حلَفَ على يَمِينٍ فَرأى غيرَها خَيراً منها
1568 ـ حدثنا محمدُ بنُ عبد الأعْلى الصنعانيّ حدثنا المُعْتَمِرُ بن سُليمانَ عن يونسَ هو ابن عبيد حدثنا الحسنُ عن عبدِ الرحمَنِ بن سَمُرَةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبدِ الرحمَنِ لا تسأَلِ الإمَارَةَ فإنّكَ إنْ أتَتْكَ عن مَسْأَلةٍ وُكِلْتَ إليها، إنْ أتَتْكَ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا. وإذا حَلَفْتَ على يمينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خيراً منها فَأَتِ الذي هو خيرٌ وَلْتُكَفّرْ عن يَمِينِكَ" .
وفي البابِ عن عليّ وجابر عَدِيّ بن حاتمٍ وأبي الدّرْدَاءِ وأنسٍ وعائشةَ وعبدِ الله بن عَمْرٍو وأبي هريرةَ وأُمّ سَلَمَةَ وأبي موسَى.
ـــــــ
"باب فيمَن حلَفَ على يَمِينٍ فَرأى غيرَها خَيراً منها"
قوله: "لا تسأل" بصيغة النهي "الإمارة" بكسر الهمزة أي الحكومة "فإنك إن أنتك" ألا حصلت لك الإمارة "عن مسألة" أي بعد سؤالك إياها "وكلت إليها" بضم الواو وكسر الكاف مخففة: أي خليت وتركت معها من غير إعانة فيها "أعنت عليها" بصيغة المجهول من الإعانة، أي أعانك الله على تلك الإمارة "فأت الذي هو خير ولتكفر عن يمينك" ، وفي رواية فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير.
قوله: "وفي الباب عن عدي بن حاتم وأبي الدرداء وأنس وعائشة وعبد الله بن عمرو وأبي هريرة وأم سلمة وأبي موسى" . أما حديث عدي بن حاتم فأخرجه(5/126)
حديثُ عبدِ الرحمَنِ بنِ سَمُرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
مسلم. وأما حديث أبي الدرداء وأنس فلينظر من أخرجه. وأما حديث عائشة فأخرجه الحاكم. وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم. وأما حديث أم سلمة فأخرجه الطبراني. وأما حديث أبي موسى فأخرجه الشيخان.
قوله: "حديث عبد الرحمن بن سمرة حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان(5/127)
5 ـ باب في الكفّارةِ قبلَ الْحِنْث
1569 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ عن مالِكِ بن أنسٍ عن سُهيلِ بن أبي صالحٍ عن أبِيهِ عن أبي هريرةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَن حَلَفَ على يَمِينٍ فرأى غيرَها خيراً منها فَلْيُكَفّرْ عن يَمِينِهِ ولْيَفْعَلْ" .
قال وفي البابِ عن أُمّ سَلَمَةَ.
حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ والعملُ على هذا عندَ أكثر أهلِ
ـــــــ
"باب في الكفّارةِ قبلَ الْحِنْث"
قوله "فليكفر عن يمينه وليفعل" استدل به من جوز له الكفارة قبل الحنث، وفيه أن الواو لمطلق الجمع. نعم وقع في حديث أم سلمة الذي أشار إليه الترمذي لفظ ثم لفظه فليكفر عن يمينه ثم ليفعل الذي هو خير أخرجه الطبراني، وكذلك وقع لفظ ثم في حديث عبد الرحمن بن سمرة عند أبي داود ولفظه: فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير، قال الحافظ في بلوغ المرام: إسناد هذه الرواية صحيح. قال الشوكاني: وأخرج نحوها أبو عوانة في صحيحه، وأخرج الحاكم عن عائشة نحوها انتهى. فهذه الروايات تدل على جواز تقديم الكفارة على الحنث.
قوله: "وفي الباب عن أم سلمة" أخرجه الطبراني كما تقدم آنفاً.
قوله: "حديث أبي هريرة حسن صحيح" وأخرجه أحمد ومسلم.(5/127)
العلمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهِم: أنّ الكفّارَةَ قبلَ الحِنْثِ تجزئ. وهو قولُ مالك بن أنس والشافعيّ وأحمدَ وإسحاقَ.
وقال بعضُ أهلِ الْعِلْمِ لا يُكَفّرُ إلاّ بَعدَ الحِنْثِ. قال سفيانُ الثوريّ: إنْ كَفّرَ بعدَ الحِنْثِ أحَبّ إليّ، وإنْ كَفّرَ قَبْلَ الحِنْثِ أجْزَأَهُ.
ـــــــ
قوله: "وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق" قال ابن المنذر: رأى ربيعة والأوزاعي ومالك والليث وسائر فقهاء الأمصار غير أهل الرأي: أن الكفارة تجزيء قبل الحنث، إلا أن الشافعي استثنى الصيام فقال: لا يجزيء إلا بعد الحنث. وقال أهل الرأي تجزيء: لا الكفارة قبل الحنث. وعن مالك روايتان، ووافق الحنفية أشهب من المالكية وداود الظاهري وخالفه ابن حزم، واحتج الأولون بالروايات التي وقع فيها تقديم الكفارة على الحنث، وبالروايات التي وقع فيها لفظ ثم وقد ذكرناه فيما تقدم. واحتج الطحاوي لما ذهب إليه أهل الرأي بقوله تعالى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} فإن المراد إذا حلفتم فحنثتم.
ورده مخالفوه بل التقدير فأردتم الحنث. قال الحافظ: وأولى من ذلك أن يقال التقدير أعم من ذلك، فليس أحد التقديرين بأولى من الآخر انتهى.
واحتجوا أيضاً بأن ظاهر الآية أن الكفارة وجبت بنفس اليمين، ورده من أجازها بأنها لو كانت بنفس اليمين لم تسقط عمن لم يحنث اتفاقاً.
واحتجوا أيضاً بأن الكفارة بعد الحنث فرض، وإخراجها قبله تطوع، فلا يقدم التطوع مقام المفروض.
وانفصل عنه من أجاز بأنه يشترط إرادة الحنث وإلا فلا تجزيء كما في تقديم الزكاة، وذكر عياض وجماعة أن عدة من قال بجواز تقديم الكفارة أربعة عشرة صحابياً، وتبعهم فقهاء الأمصار إلا أبا حنيفة، وقد عرفت مما سلف أن المتوجه العمل برواية الترتيب المدلول عليه بلفظ ثم. ولولا الإجماع على جواز تأخير الكفارة عن الحنث لكان ظاهر الدليل أن تقديم الكفارة واجب. قال المازري:(5/128)
ـــــــ
للكفارة ثلاث حالات: أحدها قبل الحلف فلا تجزيء اتفاقاً، ثانيها بعد الحلف والحنث فتجزيء اتفاقاً، ثالثها بعد الحلف وقبل الحنث ففيها الخلاف. وأحاديث الباب تدل على وجوب الكفارة مع إتيان الذي هو خير، وفي حديث عمرو بن شعيب ما يدل على أن ترك اليمين وإتيان الذي هو خير هو الكفارة. وقال أبو داود إنه ما ورد من ذلك إلا ما لا يعبأ به. قال الحافظ: كأنه يشر إلى حديث يحيى بن عبيد الله عن أبي هريرة يرفعه: من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير فهو "كفارته"، ويحيى ضعيف جداً. وقد وقع في حديث عدي بن حاتم عند مسلم ما يوهم ذلك فإنه أخرجه عنه بلفظ: من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليترك يمينه، هكذا أخرجه من وجهين ولم يذكر الكفارة، ولكن أخرجه من وجه آخر بلفظ: فرأى غيرها خيراً منها فليكفرها وليأت الذي هو خير، ومداره في الطرق كلها على عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن طرفة عن عدي، والذي زاد ذلك حافظ فهو المعتمد انتهى(5/129)
6 ـ باب في الاستِثْنَاءِ في الْيَمِين
1570 ـ حدثنا محمودُ بن غَيْلاَنَ حدثنا عبدُ الصمدِ بنِ عبدِ الوارثِ حدثني أبي وَحَمّادُ بن سَلَمَةَ عن أيوبَ عن نافعٍ عن ابنِ عُمَرَ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن حَلَفَ على يمينٍ فقالَ إنْ شَاءَ الله، فَلاَ حِنْثَ عليهِ" .
ـــــــ
"باب في الاستِثْنَاءِ في الْيَمِين"
قوله "من حلف على يمين فقال إن شاء الله فقد استثنى فلا حنث عليه" فيه دليل على أن التقييد بمشيئة الله مانع من انعقاد اليمين أو يحل انعقادها. وقد ذهب إلى ذلك الجمهور وادعى عليه ابن العربي الإجماع قال: أجمع المسلمون على أن قوله إن شاء الله يمنع انعقاد اليمين بشرط كونه متصلاً، قال: ولو جاز منفصلاً كما روى بعض السلف لم يحنث أحد قط في يمين ولم يحتج إلى كفارة، قال: واختلفوا في الاتصال، فقال مالك والأوزاعي والشافعي والجمهور هو أن يكون قوله إن شاء الله متصلاً(5/129)
وفي البابِ عن أبي هريرةَ.
حديثُ ابنِ عُمَرَ حديثٌ حسنٌ، وقد رَوَاهُ عُبَيْدُ الله بن عُمرَ وغيرُهُ عن نافعٍ عن ابنِ عُمرَ موقوفاً. وهكذا رُوَى سالم عن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما موقوفاً.
ولا نعلمُ أحَداً رَفَعَهُ غَيرَ أيوبَ السّختِيَانِيّ. وقال إسماعيلُ بن إبراهيمَ: وكان أيوبُ أحياناً يرفعُهُ وأحياناً لا يرفَعُه.
والعملُ على هذا عند أكْثرَ أهلِ العلمِ مِن أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم أنّ الاستثناءَ إذا كانَ موصولاً باليمينِ فلا حِنْثَ عليهِ، وهو قولُ سفيانَ الثوريّ والأوزاعيّ ومالكِ بن أنسٍ وعبدِ الله بنِ المباركِ والشافعيّ وأحمدَ وإسحاقَ.
ـــــــ
باليمين من غير سكون بينهما ولا يضر سكتة النفس. عن طاوس والحسن وجماعة من التابعين أن له الاستثناء ما لم يقم من مجلسه، وقال قتادة ما لم يقم أو يتكلم. وقال عطاء قدر حلبة ناقة. وقال سعيد بن جبير يصح بعد أربعة أشهر. وعن ابن عباس: له الاستثناء أبداً ولا فرق بين الحلف بالله أو بالطلاق أو العتاق أن التقييد بالمشيئة يمنع الانعقاد. وإلى ذلك ذهب الجمهور وبعضهم فصل، واستثنى أحمد العتاق قال لحديث: إذا قال أنت طالق إن شاء الله لم تطلق، وإن قال لعبده أنت حر إن شاء الله فإنه حر، وقد تفرد به حميد بن مالك وهو مجهول كما قال البيهقي كذا في النيل.
قوله: "وفي الباب عن أبي هريرة" أخرجه الترمذي في هذا الباب "حديث بن عمر حديث حسن" قال في المنتقى رواه الخمسة إلا أبا داود انتهى. قال في النيل: حديث ابن عمر رجاله رجال الصحيح وله طرق كما ذكره صاحب الأطراف، وهو أيضاً في سنن أبي داود في الأيمان والنذور لا كما قال المصنف يعني صاحب المنتقى.
قوله: "وهو قول سفيان الثوري والأوزاعي الخ" وهو القول الراجح المعول عليه.(5/130)
1571ـ حدثنا يحيى بنُ موسى حدثنا عبدُ الرزاقِ أخبرنا مَعْمَرٌ عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرةَ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن حَلَفَ علي يمين فقال إنْ شَاءَ الله لَمْ يحنَثْ" . سألْتُ محمدَ بن إسماعيلَ عن هذا الحديثِ فقال: هذا حديثٌ خَطَأٌ أَخْطَأَ فيه عبدُ الرزّاقِ اختَصَرَهُ مِن حديثِ مَعْمَرٍ عن ابن طاوسٍ عن أبيهِ عن أبي هريرةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ سُلَيْمانَ بن داودَ قال لأطُوفَنّ اللّيْلَةَ على سَبْعِينَ امرأَةً تَلِدُ كُلّ امرأَةٍ غُلاَماً، فطافَ عليهنّ فلَم تَلِد امرأةٌ مِنْهُنّ، إلاّ امرأةً نِصْفَ غُلاَمٍ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لَوْ قالَ إن شاءَ الله لكَانَ كَمَا
ـــــــ
قوله: "لأطوفن" اللام جواب القسم وهو محذوف أي والله لأطوفن، ويؤيده قوله في آخره لم يحنث كما في رواية: لأن الحنث لا يكون إلا عن قسم. والقسم لا بد له من مقسم به "على سبعين امرأة" قد وقع في روايات هذا الحديث اختلاف كثير في العدد ذكرها الحافظ في الفتح وقال بعد ذكرها ما لفظه: فمحصل الروايات ستون وسبعون وتسع وتسعون ومائة، والجمع بينها أن الستين كن حرائر وما زاد عليهن كن سرارى أو بالعكس، وأما السبعون فللمبالغة، وأما تسعون والمائة فكن دون المائة وفوق التسعين، فمن قال تسعون ألقى الكسر، ومن قال مائة جبره. وأما قول بعض الشراح ليس في ذكر القليل نفي الكثير وهو ومن مفهوم العدد ليس بحجة عند الجمهور فليس بكاف في هذا المقام، وذلك أن مفهوم العدد معتبر عند كثيرين. وقد حكى وهب بن منبه في المبتدأ أنه كان لسليمان ألف امرأة ثلاث مائة مهيرة وسبع مائة سرية، ونحو ما أخرج الحاكم في المستدرك من طريق أبي معشر عن محمد بن كعب قال: إنه كان لسليمان ألف بيت من قوارير فيها ثلاث مائة صريحة وسبع مائة سرية انتهى "وتلد كل امرأة غلاماً" . وفي رواية للبخاري تحمل كل امرأة فارساً يجاهد في سبيل الله "فطاف عليهن" أي جامعهن قوله: "إلا امرأة نصف غلام" وفي رواية البخاري: إلا واحدة ساقطاً أحد شقيه "لو قال إن شاء(5/131)
قالَ" هكذا رُوَى عن عبد الرزاقِ عن مَعْمَرٍ عن ابن طاوس عن أبِيهِ هذا الحديثَ بِطُولِهِ، وقال سَبْعِينَ امرأةً.
وقد رُوِيَ هذا الحديثُ مِن غيرِ وجهٍ عن أبي هريرةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "قالَ سُليمانُ بنُ داودَ لأطُوفَنّ اللّيْلَةَ على مائةِ امرأةٍ" .
ـــــــ
الله لكان كما قال" وفي رواية للبخاري: لو قال إن شاء الله لم يحنث، وفي هذه الرواية: لأطوفن هذه الليلة بتسعين امرأة كل تلد غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقال له صاحبه. قال سفيان يعني الملك: قل إن شاء الله فنسي الحديث، قال في الفتح: قوله لو قال إن شاء الله لم يحنث، قيل هو خاص بسليمان عليه السلام، وأنه لو قال في هذه الواقعة إن شاء الله حصل مقصوده، وليس المراد أن كل من قالها وقع ما أراد. ويؤيد ذلك أن موسى عليه السلام قالها عند ما وعد الخضر أنه يصبر عما يراه منه ولا يسأله عنه، ومع ذلك فلم يصبر كما أشار إلى ذلك في الحديث الصحيح: لوددنا لو صبر حتى يقص الله عليه أمرهما. وقد قالها الذبيح فوقع في قوله عليه السلام {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} فصبر حتى فداه الله بالذبح.
قوله: "لأطوفن الليلة على مائة امرأة" رواه أحمد وأبو عوانة كما في الفتح(5/132)
7 ـ باب في كَرَاهِيَةِ الْحَلِفِ بغيرِ الله
1572 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا سفيانُ عن الزّهْرِيّ عن سالمٍ عن أبِيهِ سَمِعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ وهو يقولُ: وأبي وأبي، فقال: "ألا إنّ الله يَنْهَاكُمْ أنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ" فقالَ عُمَرُ: فَوَالله ما حَلَفْتُ به بعدَ ذلكِ ذَاكِراً ولا آثِراً.
ـــــــ
"باب في كَرَاهِيَةِ الْحَلِفِ بغيرِ الله"
قوله: "وهو يقول وأبي وأبي" الواو للقسم، يعني يقسم بأبيه ويقول: وأبي وأبي "فقال ألا" بالتخفيف للتنبيه "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" . قال العلماء:(5/132)
وفي البابِ عن ثابتِ بن الضحّاكِ وابن عباسٍ وأبي هُرَيْرَةَ وقُتَيْلةَ وعبدِ الرحمَنِ بنِ سَمُرَةَ.
ـــــــ
السر في النهي عن الحلف بغير الله، أن الحلف بشيء يقتضي تعظيمه، والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده، وظاهر الحديث، تخصيص الحلف بالله خاصة، لكن قد اتفق الفقهاء: على أن اليمين تنعقد بالله وذاته وصفاته العلية. واختلفوا في انعقادها ببعض الصفات وكأن المراد بقوله بالله الذات لا خصوص لفظ الله، وأما اليمين بغير ذلك فقد ثبت المنع فيها، وهل المنع للتحريم، قولان عند المالكية، كذا قال ابن دقيق العيد، والمشهور عندهم الكراهة، والخلاف أيضاً عند الحنابلة، لكن المشهور عندهم التحريم، وبه جزم الظاهرية وجمهور أصحابه على أنه للتنزيه، كذا في "ذاكراً ولا آثراً" بالمد وكسر المثلثة، أي حاكياً عن الغير، أي ما حلفت بها ولا حكيت ذلك عن غيري. ويدل عليه ما وقع في رواية عقيل عن ابن شهاب عند مسلم: ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنها ولا تكلمت بها. وقد استشكل هذا التفسير لتصدير الكلام بحلفت، والحاكي عن غيره لا يسمى حالفاً. وأجيب باحتمال أن يكون العامل فيه محذوفاً أي ولا ذكرتها آثراً عن غيري، أو يكون ضمن حلفت معنى تكلمت، ويقويه رواية عقيل.
قوله: "وفي الباب عن ثابت بن الضحاك وابن عباس وأبي هريرة وقتيلة وعبد الرحمن بن سمرة" أما حديث ثابت بن الضحاك فأخرجه الشيخان. وأما حديث ابن عباس فلينظر من أخرجه، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه النسائي مرفوعاً: لا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون. وأما حديث قتيلة وهي قتيلة بالمثناة والتصغير بنت صيفي الأنصارية أو الجهنية صحابية من المهاجرات، فأخرجه أحمد والنسائي عنها أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنكم تنددون وإنكم تشركون، تقولون ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا ورب الكعبة، ويقول أحدهم ما شاء الله ثم شئت.(5/133)
وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قال أبو عُبَيْدٍ: مَعْنَى قولهِ ولا آثِراً آتى لم آثُرْهْ عن غيرِي، يقولُ: لَمْ أذْكُرْهُ عَن غيرِي.
1573ـ حدثنا هنّادٌ حدثنا عَبْدَةُ عن عُبَيْدِ الله بن عُمَرَ عن نافِعٍ عن ابن عُمَر: أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أدْرَكَ عُمَرَ وهو في رَكْبٍ، وهو يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله يَنْهَاكُمْ أنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، لِيَحْلِفْ حَالِفٌ بالله أو ليَسكُتْ" .
ـــــــ
قوله: "وهذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "قال أبو عبيد" هو إمام مشهور له تصانيف نافعة: منها غريب الحديث قاله الحافظ: اسمه القاسم بن سلام البغدادي الإمام المشهور ثقة فاضل مصنف من العاشرة، ولم أر له في الكتب حديثاً مستنداً بل من أقواله في شرح الغريب يقول "لا آثره عن غيره" أي لا أنقله عن غيري، قال في القاموس الصراح: الأثر نقل كردن سخن، ومنه حديث مأثور أي ينقله خلف عن سلف.
قوله: "أدرك عمر وهو في ركب" وفي رواية البخاري وهو يسير في ركب. وفي مسند يعقوب بن شيبة من طريق ابن عباس عن عمر: بينما أنا راكب أسير في غزاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم "وهو يحلف بأبيه" زاد في رواية: وكان قريش تحلف بآبائها "ليحلف حالف بالله أو ليسكت" في هذا الحديث من الفوائد الزجر عن الحلف بغير الله، وإنما خص في حديث عمر بالاَباء لوروده على سببه المذكور، أو خص لكونه كان غالباً عليه لقوله في الرواية الأخرى: وكانت قريش تحلف بآبائها، ويدل على النعيم قوله: من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله.
وأما ما ورد في القرآن من القسم بغير الله ففيه جوابان:
أحدهما: أن فيه حذفاً: والتقدير ورب الشمس ونحوه:
الثاني: أن ذلك يختص بالله، فإذا أراد تعظيم شيء من مخلوقاته أقسم به وليس لغيره ذلك.(5/134)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
وأما ما وقع مما يخالف ذلك كقوله الله عليه السلام للأعرابي: أفلح وأبيه أن صدق.
فأجيب عنه بأن ذلك كان قبل النهي أو بأنها كلمة جارية على اللسان لا يقصد بها الحلف كما جرى على لسانهم عقري حلقي وما أشبه ذلك، أو فيه إضمار اسم الرب كأنه قال: ورب أبيه، وقيل هو خاص ويحتاج إلى دليل. وحكى السهيلي عن بعض مشائخه أنه قال هو تصحيف وإنما كان والله قصرت اللامان، واستنكر القرطبي هذا وقال: إنه يجزم الثقة بالروايات الصحيحة، وأقوى الأجوبة الأولان، قاله الحافظ في الفتح، وقد بسط الكلام فيه. وأحاديث الباب تدل على أن الحلف بغير الله لا ينعقد لأن النهي يدل على فساد المنهي عنه، وإليه ذهب الجمهور. وقال بعض الحنابلة: إن الحلف بنبينا صلى الله عليه وسلم ينعقد وتجب الكفارة.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان(5/135)
8 ـ باب
1574 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا أبو خالدٍ الأحمرُ عن الحسنِ بنِ عُبَيْدِ الله عن سَعْدِ بن عُبَيْدَةَ: أنّ ابنَ عُمَرَ سَمِعَ رجلاً يقولُ لا والكعبةِ، فقالَ ابنُ عُمرَ: لا يُحْلَفُ بِغَيْرِ الله، فإني سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الله فقد كَفَرَ أو أشْرَكَ" .
ـــــــ
"باب"
قوله: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" كذا وقع في بعض النسخ بلفظ أو، وكذا ذكره الحافظ في الفتح نقلاً عن جامع الترمذي بلفظ: أو وقع في بعضها وأشرك بالواو، وكذا ذكره الحافظ في التلخيص نقلاً عن الترمذي بالواو. وقال الحافظ في الفتح والتعبير بقوله: فقد كفر أو أشرك للمبالغة في الزجر والتغليظ في ذلك، وقد تمسك به من قال بتحريم ذلك.(5/135)
هذا حديثٌ حسنٌ.
وفُسِر هذا الحديثِ عندَ بعضِ أهلِ الْعِلْمِ أنّ قولَه فقد كَفَرَ أو أشْرَكَ على التّغْلِيظِ. والْحُجّةُ في ذلك حديثُ ابنِ عُمَرَ: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ عُمَرَ يقولُ وأبي وأبي، فقال "ألاَ إنّ الله يَنْهَاكُمْ أنْ تَحْلِفُوا بآبائِكم" . وحديثُ أبي هُريرَة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ قال في حَلْفِهِ والّلات والعُزّى فَلْيَقُلْ لا إلهَ إلا الله" .
وهذا مِثْلُ ما رُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنهُ قال: "إنّ الرّيَاءُ شِرْكٌ" .
ـــــــ
قوله: "هذا حديث حسن" ، قال الحافظ في الفتح وصححه الحاكم، وقال في التلخيص: قال البيهقي لم يسمعه سعد بن عبيدة من ابن عمر، قال الحافظ: قد رواه شعبة عن منصور عنه قال: كنت عند ابن عمر، ورواه الأعمش عن سعد عن أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن عمر انتهى، "من قال في حلفه باللات والعزى" صنمان معروفان في الجاهلية "فليقل لا إله إلا الله" قال الحافظ: وإنما أمر الحالف بذلك بقول لا إله إلا الله لكونه تعاطي صورة تعظيم الصنم، حيث حلف به. قال جمهور العلماء: من حلف باللات والعزى أو غيرهما من الأصنام، أي قال إن فعلت كذا فأنا يهودي، أو نصراني، أو بريء من الإسلام، أو من النبي صلى الله عليه وسلم لم تنعقد يمينه، وعليه أن يستغفر الله، ولا كفارة عليه، ويستحب أن يقول: لا إله إلا الله. وعن الحنفية تجب الكفارة إلا في مثل قوله أنا مبتدع أو بريء من النبي صلى الله عليه وسلم. واحتج بإيجاب الكفارة على المظاهر مع أن الظهار منكر من القول وزور كما قال الله تعالى: والحلف بهذه الأشياء منكر، وتعقب بهذا الخبر لأنه لم يذكر فيه إلا الأمر بلا إله إلا الله، ولم يذكر فيه كفارة، والأصل عدمها حتى يقام الدليل، وأما القياس على الظهار فلا يصلح لأنهم لم يوجبوا فيه كفارة الظهار، واستثنوا أشياء لم يوجبوا فيها كفارة إصلاح مع أنه منكر من القول انتهى. وحديث أبي هريرة هذا أخرجه الشيخان "الرياء شرك" روى ابن ماجه من حديث معاذ بن جبل أن يسير الرياء(5/136)
وقد فَسّرَ بَعْضُ أهلِ الْعِلْمِ هذه الاَيةَ: {فَمَنْ كان يَرَجُو لِقَاءَ رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالحاً} الآية،قال: لا يُرَائِي.
ـــــــ
شرك، الحديث. وقد فسر بعض أهل العلم هذه الآية {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً} الآية تمامها {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} قال لا يرائي: يعني أن المراد من الشرك في هذه الرياء وأطلق على الرياء تغليظاً ومبالغة في الزجر عنه(5/137)
باب فيمن يحلف في المشي ولا يستطيع
...
9 ـ باب فيمَن يَحْلِفُ بالمَشْي ولا يَسْتطِيع
1575 ـ حدثنا عبدُ القُدّوسِ بنُ محمدٍ العطّارُ البصريّ حدثنا عَمْرُو بن عَاصمٍ عن عمرانَ القطانِ عن حُمَيْدٍ عن أنسٍ قال: نَذَرَتِ امْرَأَةٌ أنْ تَمْشِيَ إلى بَيْتِ الله، فَسُئِلَ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلكَ، فقالَ: "إنّ الله لَغَنيّ عن مَشْيهَا، مُرُوهَا فَلْتَرْكَبْ" .
قال وفي البابِ عن أبي هُرَيْرَةَ وعُقْبَةَ بن عامرٍ وابن عباسٍ.
ـــــــ
"باب فيمَن يَحْلِفُ بالمَشْي ولا يَسْتطِيع"
قوله: "عن عمران القطان" هو عمران بن داود بفتح الواو بعدها راء، أبو العوام البصري، صدوق بهم ورمى برأي الخوارج.
قوله: "مروها فلتركب" فيه دليل على أن من نذر أن يمشي إلى بيت الله، وفيه تعذيبه نفسه فعليه أن يترك المشي ويركب، وأما قوله وفي تعذيبه نفسه، فيدل عليه حديث أنس الاَتي.
قوله: "وفي الباب عن أبي هريرة وعقبة بن عامر وابن عباس" أما حديث أبي هريرة فلينظر من أخرجه.
وأما حديث عقبة بن عامر فأخرجه الشيخان وغيرهما وأخرجه الترمذي أيضاً فيما يأتي. وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد وأبو داود عنه قال: جاءت(5/137)
1576 ـ حدثنا أبو موسى محمدُ بن المَثّنى حدثنا خالدُ بن الحارِثِ حدثنا حميْدٌ عن ثابتٍ عن أنسٍ قال: "مَرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بشيْخٍ كبيرٍ يتهَادى بينَ ابْنَيْهِ، فقال: "ما بَالُ هذا؟" قالوا: يَا رسولَ الله نَذَرَ أنْ يَمْشِي، قالَ: "إنّ الله عز وجل لَغَنِيّ عن تَعْذِيبِ هذا نَفْسَه' ُ، قال: فَأَمَرَهُ أنْ يَرْكَبَ".
1577- حدثنا محمدُ بن المثَنّى حدثنا ابنُ أبي عَدِيّ عن حُمَيْدٍ عن أنسٍ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً فَذَكَرَ نحوَه.
حديثٌ أنسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجه والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وقالوا إذا نذرت امرأة أن تمشي فتركب ولتهد شاةً.
ـــــــ
امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: إن أختي نذرت أن تحج ماشية فقال: "إن الله لا يصنع بشقاء أخيك شيئاً، لتخرج راكبة ولتكفر عن يمينها" . والحديث هذا سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح.
قوله: "وحديث أنس حديث حسن صحيح غريب" وأخرج الشيخان معناه.
قوله: "يهادي" بصيغة المجهول "بين ابنيه" أي يمشي بين ابنيه معتمداً عليهما من ضعفه "فقال ما بال هذا" أي ما حال هذا الشيخ "قالوا نذر يا رسول الله أن يمشي" وللنسائي في رواية: نذر أن يمشي إلى بيت الله "إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه" . هذا فاعل المصدر، ونفسه مفعوله "فأمره أن يركب" أي لعجزه عن المشي.
قوله: "هذا حديث صحيح" أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه.
قوله: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وقالوا إذا نذرت المرأة أن تمشي فلتركب ولتهد شاة" قد وقع في حديث عكرمة عن ابن عباس في قصة أخت عقبة(5/138)
ـــــــ
بن عامر عند أحمد فلتركب ولتهد بدنة، وفي لفظ عند أبي داود فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تركب وتهدي هدياً، وقد بسط الكلام ههنا الشوكاني في النيل من شاء الوقوف عليه فليرجع إلى النيل(5/139)
10 ـ باب في كَراهيَةِ النذور
1578 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا عبدُ العزيزِ بنُ محمدٍ عن العَلاَءِ بن عبدِ الرحمَنِ عن أبِيهِ عن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَنْذِرُوا، فإنّ النّذْرَ لا يُغْنِي مِنَ القَدَرِ شيئاً، وإنّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ" .
ـــــــ
"باب في كَراهيَةِ النذور"
قوله: "لا تنذروا" بضم الذال وكسرها "فإن النذر لا يغني" أي لا يدفع أو لا ينفع "من القدر" بفتحتين أي من القضاء السماوي "شيئاً" فإن المقدر لا يتغير "وإنما يستخرج به" أي يسبب النذر "من البخيل" لأن غير البخيل يعطى باختياره بلا واسطة النذر. قال القاضي: عادة الناس تعليق النذور على حصول المنافع ودفع المضار فنهى عنه فإن ذلك فعل البخلاء، إذ السخي إذا أراد أن يتقرب إلى الله تعالى استعجل فيه وأتى به في الحال، والبخيل لا تطاوعه نفسه بإخراج شيء من يده إلا في مقابلة عوض يستوفى أو لا فيلتزمه في مقابلة ما يحصل له ويعلقه على جلب نفع، أو دفع ضر، وذلك لا يغني عن القدر شيئاً، أي نذر لا يسوق إليه خيراً لم يقدر له ولا يرد شراً قضى عليه، ولكن النذر قد يوافق القدر فيخرج من البخيل مالولاه لم يكن يريد أن يخرجه. وقال الخطابي: معنى نهيه عن النذر إنما هو التأكد لأمره وتحذير التهاون به بعد إيجابه، ولو كان معناه الزجر عنه حتى يفعل لكان في ذلك إبطال حكمه وإسقاط لزوم الوفاء به، إذ صار معصية، وإنما وجه الحديث أنه أعلمهم أن ذلك أمر لا يجلب لهم في العاجل نفعاً ولا يصرف عنهم ضراً، ولا يرد شيئاً قضاه الله تعالى، فلا تنذروا(5/139)
قال وفي البابِ عن ابنِ عُمَر.
حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ الْعِلْمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم كَرِهُوا النّذْرَ. وقال عبدُ الله بن المبارَكِ: معنى الكراهَيةِ في النّذْرِ في الطاعَةِ والمعصيةِ، وإنْ نَذَرَ الرجلُ بالطاعَةِ فوَفّى به فلَهُ فِيهِ أجْرٌ ويُكْرَهُ له النّذْرُ.
ـــــــ
على أنكم تدركون بالنذر شيئاً لم يقدر الله لكم، أو تصرفون عن أنفسكم شيئاً جرى القضاء به عليكم، وإذا فعلتم ذلك فأخرجه عنه بالوفاء، فإن الذي نذرتموه لازم لكم.
قال الطيبي: تحريره أنه علل النهي بقوله فإن النذر لا يغني من القدر، ونبه به على أن النذر المنهي عنه هو النذر المقيد، الذي يعتقد أنه يغني عن القدر بنفسه، كما زعموا، وكم نرى في عهدنا جماعة يعتقدون ذلك لما شاهدوا من غالب الأحوال حصول المطالب بالنذر. وأما إذا نذر، واعتقد أن الله تعالى هو الذي يسهل الأمور وهو الضار والنافع، والنذور كالذارئع والوسائل فيكون الوفاء بالنذر طاعة ولا يكون منهياً عنه، كيف وقد مدح الله تعالى جل شأنه الخيرة من عباده بقوله {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} و {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراًً} وأما معنى "وإنما يستخرج به من البخيل" فإن الله تعالى يحب البذل والإنفاق، فمن سمحت أريحته فذلك، وإلا فشرع النذور ليستخرج به من مال البخيل انتهى.
قوله: "وفي الباب عن ابن عمر" أخرجه الجماعة إلا الترمذي ولفظه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النذر وقال: إنه لا يرد شيئاً، وإنما يستخرج به من البخيل.
قوله: "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة إلا أبا داود.
قوله: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كرهوا النذر" قال الخطابي: هذا باب من العلم غريب، وهو أن ينهى عن فعل شيء حتى إذا فعل كان واجباً، وقد ذهب أكثر الشافعية ونقل عن نص الشافعي(5/140)
ـــــــ
أن النذر مكروه، وكذا عن المالكية، وجزم الحنابلة بالكراهة. وقال النووي: إنه مستحب، صرح بذلك في شرح المهذب. وروى ذلك عن القاضي حسين ولتولى والغزالي القرطبي في المفهم بحمل ما ورد في الأحاديث من النهي على نذر المجازاة فقال: هذا النهي أن يقول مثلاً إن شفى الله مريضي فعلي صدقة ووجهه الكراهة أنه لما وقف فعل القربة المذكورة على حصول الغرض المذكور ظهر أنه لم يتمحض له نية التقرب إلى الله بما صدر منه، بل سلك فيها مسلك المعارضة، ويوضحه أنه لو لم يشف مريضه لم يتصدق بما علقه على شفائه، وهذه حالة البخيل، فإنه لا يخرج من ماله شيئاً إلا بعوض عاجل يزيد على ما أخرج غالباً وهذا المعنى هو المشار إليه بقوله: "وإنما يستخرج به من البخيل" قال: وقد ينضم إلى هذا اعتقاد جاهل يظن أن النذر يوجب حصول ذلك الغرض، أو أن الله تعالى يفعل معه ذلك الغرض لأجل ذلك النذر، وإليهما الإشارة في الحديث بقوله: فإنه لا يرد شيئاً، والحالة الأولى تقارب الكفر: والثانية خطأ صريح. قال الحافظ: بل تقرب من الكفر، ثم نقل القرطبي عن العلماء حمل النهي في الخبر على الكراهة قال: والذي يظهر لي أنه على التحريم في حق من يخاف عليه ذلك الاعتقاد الفاسد فيكون إقدامه على ذلك محرماً والكراهة في حق من لم يعتقد ذلك. قال الحافظ: وهو تفصيل حسن، ويؤيده قصة ابن عمر راوي الحديث في النهي عن النذر فإنها في نذر المجازاة انتهى(5/141)
11 ـ باب في وفاءِ النّذْر
1579 ـ حدثنا إسحاقُ بن منصورٍ أخبرنا يحيى بن سعيدٍ القَطّانُ عن عُبَيْدِ الله بن عُمَر عن نافعٍ عن ابنِ عمَر عن عُمَر قال: قلت يَا رسولَ الله إني كنتُ نَذَرْتُ أنْ أعْتَكِفَ لَيْلَة في المسجدِ الْحَرَام في الجاهِلَيّةِ، قال: "أوفِ بِنَذْرِكَ" .
ـــــــ
"باب في وفاءِ النّذْر"
قوله: "أوف بنذرك" زاد البخاري في رواية: فاعتكف ليلة.(5/141)
وفي البابِ عن عبدِ الله بن عَمْرِو وابن عباسٍ.
حديثُ عُمرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وقد ذهبَ بعضُ أهلِ الْعِلْمِ إلى هذا الحديثِ، قالوا إذا أسْلَمَ الرجُلُ وعليه نَذْرُ طاعَةٍ فَلْيَفِ بهِ.
وقال بعضُ أهلِ الْعِلْمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم: لا اعتِكَافَ إلاّ بِصَوْمٍ. وقال آخَرُونَ مِن أهلِ الْعِلْمِ: ليس على المُعْتَكِفِ
ـــــــ
قوله: "وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وابن عباس" أما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود، وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجه.
قوله: "وحديث عمر حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث" قال الشوكاني: في حديث عمر رضي الله عنه دليل على أنه يجب الوفاء بالنذر من الكافر متى أسلم، وقد ذهب إلى هذا بعض أصحاب الشافعي، وعند الجمهور لا ينعقد نذر الكافر، وحديث عمر حجة عليهم، وقد أجابوا عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف بأن عمر قد تبرع بفعل ذلك أذن له لأن الاعتكاف طاعة، ولا يخفى ما في هذا الجواب من المخالفة للصواب، وأجاب بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم أمره بالوفاء استحباباً بقوله فاعتكف ليلة على جواز الاعتكاف بغير صوم، لأن الليل ليس بوقت صوم، وقد أمره صلى الله عليه وسلم أن يفي بنذره على الصفة التي أوجبها. وتعقب بأن في رواية لمسلم يوماً بدل ليلة، وقد جمع ابن حبان وغيره بأن نذر اعتكاف يوم وليلة، فمن أطلق ليلة أراد بيومها، ومن أطلق يوماً أراد بليلته، وقد ورد الأمر بالصوم في رواية أبي داود والنسائي بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "اعتكف وصم" أخرجه أبي داود والنسائي من طريق عبد الله بن بديل ولكنه ضعيف، وقد ذكر ابن عدي والدارقطني أنه تفرد بذلك عن عمرو بن دينار. قال في الفتح: ورواية من روى يوماً شاذة، وقد وقع في رواية سليمان بن بلال عند البخاري فاعتكف ليلة، فدل أنه لم يزد على نذره شيئاً، وأن الاعتكاف لا صوم فيه، وأنه لا يشترط له حد معين "وقال بعض أهل العلم(5/142)
صَوْمٌ إلا أن يُوجِبَ على نَفْسِهِ صَوْماً، واحْتَجّوا بحديثِ عُمَرَ أنهُ نَذَرَ أنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً في الجاهِليةِ، فأَمَرَهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم بالوَفَاءِ. وهو قولُ أحمدَ وإسحاقَ.
ـــــــ
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم لا اعتكاف إلا بصوم" وهو قول أبي حنيفة ومالك والثوري والأوزاعي، واستدلوا على ذلك بحديث عائشة قالت: السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً الحديث، وفيه: ولا اعتكاف إلا بصوم، أخرجه أبو داود وفي الحديث كلام "وقال آخرون من أهل العلم: ليس على المعتكف صوم الخ" وأجابوا عن حديث عائشة المذكور بما فيه من الكلام، قال الشوكاني: وهذا هو الحق لا كما قاتل ابن القيم: إن الراجح عليه جمهور السلف، أن الصوم شرط في الاعتكاف، وقد روي عن علي وابن مسعود أنه ليس على المعتكف صوم إلا أن يوجبه على نفسه، ويدل على ذلك حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه، رواه الدارقطني، وقال رفعه أبو بكر السوسي وغيره لا يرفعه، وأخرجه الحاكم مرفوعاً وقال صحيح الإسناد(5/143)
12 ـ باب كيف كانَ يمينُ النبيّ صلى الله عليه وسلم
1580 ـ حدثنا عليّ بن حُجْرٍ أخبرنا عبدُ الله بن المبارَكِ و عبدُ الله بنُ جَعْفَرٍ عن موسَى بن عُقْبَةَ عن سالمِ بنِ عبدِ الله عن أبيهِ قال: "كثيراً ما كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَحْلِفُ بِهَذِهِ اليَمِينِ: "لا وَمُقَلّبِ القُلُوبِ" .
ـــــــ
"باب كيف كانَ يمينُ النبيّ صلى الله عليه وسلم"
قوله: "لا ومقلب القلوب" لا لنفي الكلام السابق، ومقلب القلوب هو الضم المقسم به، والمراد بتقليب القلوب: تقليب أحوالها لا تقليب ذواتها، وفيه جواز تسمية(5/143)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ
ـــــــ
الله بما ثبت من صفاته على وجه يليق به. قال القاضي أبو بكر ابن العربي: في الحديث جواز الحلف بأفعال الله تعالى إذا وصف بها ولم يذكر اسمه تعالى، وفرق الحنفية بين القدرة والعلم فقالوا: إن من حلف بقدرة الله تعالى انعقدت يمينه، وإن حلف بعلم الله تعالى لم تنعقد لأن العلم يعبر به عن المعلوم كقوله تعالى: {هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} ، والجواب أنه هنا مجاز إن سلم أن المراد به المعلوم والكلام إنما هو في الحقيقة. قال الراغب: تقليب الله القلوب والأبصار صرفها عن رأي إلى رأي، قال: ويعبر عن القلب عن المعاني التي تختص به من الروح والعلم والشجاعة.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة إلا مسلماً(5/144)
13ـ باب في ثوابِ مَن أعْتَقَ رقَبة
1581ـ حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ عن ابنِ الهادِ عن عُمَرَ بنِ عليّ بنِ الحسينِ بن علي بن أبي طالب عن سعيدِ بن مَرْجانَةَ، عن أبي هريرةَ قال: سَمِعْتُ رسولَ الله
ـــــــ
"باب في ثواب من أعتق رقبة"
ذكر الترمذي في هذا الباب حديث أبي هريرة في ثواب العتق ثم عقد فيما بعد باباً آخر بلفظ: باب ما جاء في فضل من أعتق، وذكر فيه حديث أبي أمامة رضي الله عنه في فضل العتق، والظاهر أن في هذا تكرار بلا فائدة، ولو عقد واحداً من هذين البابين وأورد فيه هذين الحديثين كما فعل صاحب المنتقى لكان أحسن قوله: "عن عمر بن علي بن الحسين" بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني صدوق فاضل "عن سعيد بن مرجانة" هو ابن عبد الله على الصحيح ومرجانة أمه حجازي، وزعم الذهلي أنه ابن يسار، ثقة فاضل من الثالثة.(5/144)
صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَنْ أعْتَقَ رقَبَةً مُؤْمِنَةً أعْتَقَ الله منهُ بِكُلّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْواً مِنَ النارِ، حتّى يُعْتِقَ فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ" .
قال وفي البابِ عن عائشةَ وعمرِو بن عَبَسَةَ وابن عباسٍ وواثِلَةَ بن الأسْقَعِ وأبي أُمَامَة وعقبةَ بن عامرٍ وكَعْبِ بن مُرّةَ.
حديثُ أبي هُرَيْرَةَ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِن الوجهِ. وابنُ الهادِ
ـــــــ
قوله: "من أعتق رقبة مؤمنة" هذا مقيد لباقي الروايات المطلقة، فلا يستحق الثواب المذكور إلا من أعتق رقبة مؤمنة "أعتق الله" من باب المشاكلة والمراد أنجاه الله "منه" أي من العتق بالكسر "بكل عضو منه" أي من المعتق بالفتح، والمعنى أنجى الله تعالى بكل عضو من المعتق بالفتح عضواً من المعتق بالكسر من النار "حتى يعتق" أي الله سبحانه وتعالى "فرجه" بالنصب أي فرج المعتق بالكسر "بفرجه" أي بفرج المعتق بالفتح. واستشكله ابن العربي فقال: الفرج لا يتعلق به ذنب يوجب النار إلا الزنا، فإن حمل على ما يتعاطى من الصغائر كالمفاخذة لم يشك عتقه من النار بالعتق، وإلا فالزنا كبيرة لا تكفر إلا بالتوبة. قال: فيحتمل أن يكون المراد أن العتق يرجح عند المؤازاة بحيث يكون مرجحاً لحسنات المعتق ترجيحاً يوازي سيئة الزنا انتهى. قال الحافظ: ولا اختصاص لذلك بالفرج، بل يأتي في غيره من الأعضاء، كاليد في الغصب مثلاً انتهى.
قوله: "وفي الباب عن عائشة وعمرو بن عبسة وابن عباس وواثلة بن الأسقع وأبي أمامة وكعب بن مرة وعقبة بن عامر" وأما حديث عائشة فلينظر من أخرجه. وأما حديث عمرو بن عبسة بفتح العين المهملة والموحدة والسين المهملة، فأخرجه أبو داود. وأما حديث ابن عباس فلينظر من أخرجه. وأما حديث واثلة فأخرجه الحاكم. وأما حديث أبي أمامة فأخرجه الترمذي وسيأتي. وأما حديث كعب بن مرة فأخرجه أحمد وأبو داود. وأما حديث عقبة بن عامر فأخرجه الحاكم.
"حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه" وأخرجه البخاري ومسلم.(5/145)
اسمُهُ: يزيدُ بن عبدِ الله بن أُسامَةَ بن الْهَادِ وهو مدنيّ ثِقَةٌ. قد رَوَى عنه مالكُ بن أنسٍ وغيرُ واحدٍ مِنْ أهلِ الْعِلْمِ.
ـــــــ
قوله: "وهو مديني ثقة" قال الحافظ ثقة مكثر(5/146)
14ـ باب في الرّجُلِ يَلْطِمُ خَادِمَه
1582ـ حدثنا أبُو كُرَيْبٍ حدثنا المحَارِبيّ عن شُعْبَةَ عن حُصَيْنٍ عن هلالِ بن يسَافٍ عن سُوَيْدٍ بن مُقَرّنٍ المُزَنِيّ قال: "لَقَدْ رَأَيْتُنَا سَبْعة إخْوَةٍ ما لنا خَادِمٌ إلاّ وَاحِدةٌ فَلَطَمَهَا أحَدُنَا، فأَمرَنا النبيّ صلى الله عليه وسلم أن نُعْتِقَهَا".
قال وفي البابِ عن ابنِ عُمَرَ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رَوَى غيرُ واحدٍ هذا الحديثَ عن حُصَيْنِ بنِ عبدِ الرحمَنِ. فذَكَرَ بعضُهم في الحديثِ قال: لَطَمَهَا على وَجْهِهَا.
ـــــــ
"باب في الرجل يلطم خادمه"
في القاموس: اللطم ضرب الخد وصفحة الجسد بالكف مفتوحة لطمة يلطمه، وفي الصراح: لطم طابنجة زدن من باب ضرب يضرب "ما لنا خادم إلا واحدة" لفظ الخادم يطلق على الغلام والجارية. قال في القاموس: خدمه يخدمه ويخدمه خدمة، فهو خادم وخادمة "فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نعتقها" فيه حث على الرفق بالمماليك، وأجمع المسلمون على أن عتقه بهذا ليس بواجب، وإنما هو مندوب كفارة ذنبه فيه وإزالة إثم ظلمه قاله الطيبي
قوله: "وفي الباب عن ابن عمر" أخرجه مسلم عنه مرفوعاً: "من ضرب غلاماً له حداً لم يأته أو لطمه فإن كفارته أن يعتقه .
قوله: "وهذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم من طرق(5/146)
15 ـ باب
1583 ـ حدثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ حدثنا إسحاقُ بن يوسفَ الأزْرَقُ عن هِشَامٍ الدّسْتوائيّ عن يحيى بن أبي كثيرٍ عن أبي قِلاَبَةَ عن ثابتِ بن الضّحّاكِ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَلَفَ بِمِلّةٍ غَيْرِ الإسلامِ كاذباً فهو كما قالَ" .
ـــــــ
"باب"
وفي بضع النسخ باب ما جاء في كراهية الحلف بغير ملة الإسلام، وفي بعضها باب ما جاء فيمن حلف بملة غير ملة الإسلام.
قوله: "عن ثابت بن الضحاك" هو أبو زيد الأنصاري الخزرجي كان ممن بايع تحت الشجرة في بيعة الرضوان وهو صغير ومات في فتنة ابن الزبير.
قوله: "من حلف بملة" بكسر الميم وتشديد اللام: الدين والشريعة، وهي نكرة في سياق الشرط، فتعمه جميع الملل كاليهودية والنصرانية والدهرية ونحوها "غير الإسلام" بالجر صفة ملة "كاذباً" أي في حلفه "فهو كما قال" قال في الفتح: يحتمل أن يكون المراد بهذا الكلام التهديد والمبالغة في الوعيد لا الحكم، كأن قال فهو مستحق مثل عذاب من اعتقد ما قال، ونظيره من ترك الصلاة فقد كفر، أي استوجب عقوبة من كفر. وقال ابن المنذري: ليس على إطلاقه في نسبته إلى أكفر، بل المراد أنه كاذب كذب المعظم لتلك الجهة، وقال: اختلف فيمن قال الكفر بالله ونحوه إن فعلت ثم فعل، فقال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء وقتادة وجمهور فقهاء الأمصار: لا كفارة عليه ولا يكون كافراً إلا إن أضمر ذلك بقلبه. قال الأوزاعي والثوري والحنفية وأحمد وإسحاق: هو يمين وعليه الكفارة. قال ابن المنذر: والأول أصح لقوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله" ، ولم يذكر كفارة، زاد غيره: وكذا قال من حلف بملة سوى الإسلام فهو كما قال فأراد التغليظ في ذلك حتى لا يجترئ أحد عليه. قال ابن دقيق العيد: الحلف بالشيء حقيقة هو القسم به وإدخال بعض حروف القسم عليه كقوله(5/147)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد اختلفَ أهلُ العلمِ في هذا إذا حَلَفَ الرجلُ بملّةٍ سِوَى الاْسْلاَمِ، فقال هو يَهُودِيّ أو نَصْرَانِيّ إن فَعَلَ كذا وكذا، فَفَعَلَ ذَلِكَ الشّيءَ، فقالَ بعضُهم: قد أتَى عظيماً ولا كَفّارَةَ عَلَيْهِ. وهو قولُ أهلِ المدينةِ. وبه يقولُ مالكُ بن أنَسٍ. وإلى هذا القولِ ذَهبَ أبو عُبَيْدٍ. وقال بعضُ أهلِ العلمِ مِن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم والتابعينَ وغيرِهم: عليه في ذلك الكَفّارَةُ. وهو قولُ سفيانَ وأحمدَ وإسحاقَ.
ـــــــ
والله، وقد يطلق على التعليق بالشيء يمين كقولهم: من حلف بالطلاق، فالمراد بتعليق الطلاق، وأطلق عليه الحلف لمشابهته لليمين في اقتضاء الحنث أو المنع. وإذا تقرر ذلك فيحتمل أن يكون المراد المعنى الثاني لقوله كاذباً، والكذب يدخل القضية الإخبارية التي يقع مقتضاها تارة، ولا يقع أخرى، وهذا بخلاف قولنا والله وما أشبهه، فليس الإخبار بها عن أمر خارجي بل هي لإنشاء القسم، فتكون صورة الحلف هنا على وجهين: أحدهما أن تتعلق بالمستقبل كقوله: إن فعل كذا فهو يهودي. والثاني تتعلق بالماضي كقوله: إن كان كاذباً فهو يهودي، وقد يتعلق بهذا من لم ير فيه الكفارة لكونه لم يذكر فيه كفارة بل جعل المرتب على كذبه قوله فهوكما قال. قال: ولا يكفر في صورة الماضي إلا إن قصد التعظيم وفيه خلاف عند الحنفية لكونه تنجيزاً معنى فصار كما قول قال هو يهودي، ومنهم من قال: إذا كان لا يعلم أنه يمين لم يكفر وإن كان يعلم أن يكفر بالحنث به كفر لكونه رضي بالكفر حيث أقدم على الفعل. وقال بعض الشافعية: ظاهر الحديث أنه يحكم عليه بالكفر إذا كان كاذباً. والتحقيق التفصيل، فإن اعتقد تعظيم ما ذكر كفر، وإن قصد حقيقة التعليق فينظر، فإن كان أراد أن يكون متصفاً بذلك كفر، لأن إرادة الكفر كفر، وإن أراد البعد عن ذلك لم يكفر، لكن هل يحرم عليه ذلك أو يكره تنزيهاً، الثاني هو المشهور كذا في النيل.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة إلا أبا داود(5/148)
16- باب
1584ـ حدثنا محمودُ بن غَيْلانَ حدثنا وكيعٌ عن سفيانَ عن يحيَى بن سعيدٍ عن عُبَيْدِ الله بن زَحْرٍ عن أبي سعيدٍ الرعَيْنِيّ عن عبدِ الله بن مالكٍ اليَحْصبِيّ عن عُقبةَ بن عامرٍ قال: "قُلْتُ يَا رسولَ الله إنّ أُخْتِيَ نَذَرَتْ أنْ تَمْشِي إلى البيتِ حافِيَةً غيرَ مُخْتَمِرَةٍ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله لا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شيئاً فلْتَرْكَبْ ولْتَخْتَمِرْ وَلْتَصُمْ ثلاثَةَ أيامٍ" .
قال وفي البابِ عن ابن عباسٍ.
وهذا حديثٌ حسنٌ. والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ الْعِلْمِ. وهو قولُ أحمدَ وإسحاقَ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "عن عبيد الله بن زحر" بفتح الزاي وسكون المهملة الضمرى مولاهم الإفريقي صدوق يخطيء من السادسة "عن أبي سعيد الرعيني" براء مضمومة وعين مهملة مصغراً اسمه جعثل بضم الجيم، والمثلثة بينهما مهملة ساكنة ابن هاعان بتقديم الهاء القتباني بكسر القاف، وسكون المثناة بعدها موحدة المصري صدوق، فقيه من الرابعة "عن عبد الله بن مالك اليحصبي" بفتح التحتانية وسكون المهملة وفتح الصاد المهملة بعدها موحدة مصري صدوق من الثالثة.
قوله: "إلى البيت" أي إلى بيت الله "حافية" أي غير منتعلة "إن الله لا يصنع بشقاء أختك" بفتح الشين أي بتعبها ومشقتها "شيئاً" أي من الصنع، فإنه منزه من رفع الضرر وجلب النفع "فلتركب ولتختمر" . وفي رواية الشيخين: لتمش ولتركب. قال الحافظ في الفتح: وإنما أمر الناذر في حديث أنس أن تركب جزماً وأمر أخت عقبة أن تمشي وأن تركب، لأن الناذر في حديث أنس كان شيخاً ظاهر العجز، وأخت عقبة لم توصف بالعجز، فكأنه أمرها أن تمشي إن قدرت، وتركب إن عجزت انتهى.(5/149)
ـــــــ
قلت: حديث أنس الذي أشار إليه الحافظ، قد مر في باب من يحلف بالمشي ولا يستطيع.(5/150)
17- باب
1585 ـ حدثنا إسحاقُ بن منصورٍ حدثنا أبو المُغِيرَةِ حدثنا الأوزاعيّ حدثنا الزّهْرِيّ عن حُمَيْدِ بن عبدِ الرحمَنِ عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فقَالَ في حَلْفِه والّلات والعُزّى فَلْيَقُلْ لا إلهَ إلاّ الله، ومن قال: تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدّقْ" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وأبو المُغِيرةِ: هو الْخَوْلانِيّ الحمْصِيّ، واسمُهُ عبدُ القُدّوسِ بن الْحَجّاجِ.
ـــــــ(5/150)
18 ـ باب قضاءِ النّذْر عن الميّت
1586 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ عن ابنِ شِهَابٍ عن عُبَيْدِ الله بن عبدِ الله بن عُتْبَةَ عن ابن عباسٍ: أنّ سَعْدَ بن عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في نَذْر كان على أُمّهِ تُوُفّيَتْ قَبْلَ أنْ تَقْضِيَهُ، فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "اقْضِه عنها" .
ـــــــ
"باب قضاءِ النّذْر عن الميّت"
قوله: "اقْضِه عنها" فيه دليل على قضاء الحقوق الواجبة عن الميت، وقد ذهب الجمهور إلى أن من مات وعليه النذر مالي، فإنه يجب قضاؤه من رأس ماله وإن لم يوص، إلا إن وقع النذر في مرض الموت فيكون من الثلث. وشرط المالكية والحنفية أن يوصي بذلك مطلقاً. قال القاضي عياض: اختلفوا في نذر أم سعد هذا، فقيل كان نذراً مطلقاً، وقيل كان صوماً، وقيل عتقاً، وقيل صدقة. واستدل كل قائل بأحاديث جاءت في قضية أم سعد والأظهر أنه كان نذراً في المال(5/150)
باب ماجاء في فضل من أعتق
...
19 ـ باب ما جاءَ في فَضْلِ مَنْ أعْتَق
1587 ـ حدثنا محمدُ بن عبدِ الأَعْلَى حدثنا عِمْرَانُ بن عُيَيْنَةَ، هو أخو سُفيانَ بن عُيَيْنَةَ، عن حُصَيْنٍ عن سالمِ بن أبي الْجَعْدِ عن أبي أُمامةَ وغيرِهِ من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "أَيّمَا امرئ مُسْلِمٍ أعْتَقَ امْرَأً مُسْلِماً كان فكاكه من النار يجزى كلّ عضوٍ من عضواً منه وأيّما امرئ مسلمٍ أعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كانَتَا فِكَاكَهُ مِنَ النارِ يجزئ كُلّ عُضْوٍ مِنْهُمَا عُضْواً مِنْهُ. وأيّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أعْتَقَتْ امْرَأَة مُسْلِمَةً كانَتْ فِكَاكَهَا مِنَ النارِ يجزئ كُلّ عُضْوٍ مِنْهُا عُضْواً منها" .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ منِ هذا الوجهِ
ـــــــ
"باب ما جاءَ في فَضْلِ مَنْ أعْتَق"
قوله: "حدثنا عمران بن عيينة" الكوفي صدوق له أوهام "عن حصين بالتصغير" ، هو ابن عبد الرحمن السلمي أبو الهذيل الكوفي ثقة، تغير حفظه في الاَخر.
قوله: "أيما امريء مسلم" فيه دليل على أن هذا الأجر مختص بمن كان من المعتقين مسلماً فلا أجر للكافر في عتقه إلا إذا انتهى أمره إلى الإسلام "أعتق امرأ مسلماً" فيه دليل على أن هذه مختص بمن أعتق أمرأ مسلماً. ولا خلاف(5/151)
ـــــــ
في أن معتق الرقبة الكافرة مثاب على العتق، ولكنه ليس كثواب الرقبة المسلمة "كان فكاكه" بفتح الفاء وكسرها لغة أي خلاصة "يجزيء" بالهمزة من الإجزاء كذا في النسخ الحاضرة. وذكر صاحب المنتقى هذا الحديث وعزاه إلى الترمذي بلفظ: يجزي بغير الهمزة. قال الشوكاني في شرح المنتقى: قوله: يجزي بضم الياء وفتح الزاي غير مهموز، فالظاهر أن نسخ الترمذي مختلفة في هذا اللفظ. والحديث دليل على أن العتق من القرب الموجبة للسلامة من النار، وأن عتق الذكر أفضل من عتق الأنثى. وقد ذهب البعض إلى تفضيل عتق الأنثى على الذكر. واستدل على ذلك بأن عتقها يستلزم حرية ولدها سواء تزوجها حر أم عبد، ومجرد هذه المناسبة لا يصلح لمعارضة ما وقع التصريح به في الأحاديث من فكاك المعتق إما رجلاً أو امرأتين، وأيضاً عتق الأنثى ربما أفضى في الغالب إلى صياغها لعدم قدرتها على التكسب بخلاف الذكر. قال في الفتح: وفي قوله أعتق الله بكل عضو عضواً منه إشارة إلى أنه ينبغي ألا يكون في الرقبة نقصان لتحصيل الاستيعاب.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" ولأحمد ولأبي داود معناه من رواية كعب بن مرة أو مرة بن كعب السلمي وزاد فيه: وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار يجزي بكل عضو من أعضائها عضواً من أعضائها(5/152)
أبواب السير
باب ماجاء في الدعوة قبل القتال
...
ـ أبواب السير
1 ـ باب ما جاءَ في الدّعْوَةِ قَبْلَ القِتَال
1588 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا أبو عَوَانَةَ عن عَطَاءَ بن السّائِبِ عن أبي البَخْتَرِيّ "أنّ جَيْشاً مِن جُيُوشِ المُسْلمينَ كان أمِيرَهُمْ سَلْمَانُ الفَارِسِيّ
ـــــــ
"أبواب السير"
السير بكسر المهملة وفتح التحتانية: جمع سيرة، وأطلق ذلك على أبواب الجهاد لأنها متلقاة من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته.
"باب ما جاءَ في الدّعْوَةِ قَبْلَ القِتَال"
قوله: "عن أبي البختري" بفتح الموحدة والمثناة بينهما خاء معجمة ساكنة(5/152)
حَاصَرُوا قَصْراً مِن قُصُورِ فَارِسَ، فقالوا يا أبا عبدِ الله ألا نَنْهَدُ إليهم، قال: دَعُونِي أدْعُوهُم كما سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَدْعُوهُم، فأَتَاهُم سَلْمَان فقال لهم: إنّمَا أنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ فَارِسيّ تَرَوْنَ العَرَبَ يُطِيعُونني، فإنْ أسْلَمْتُمْ فَلَكُمْ مِثْلُ الذي لنا، وعَلَيْكُمْ مِثْلُ الذي عَلَيْنَا، وإنْ أبَيْتُمْ إلاّ دِينَكُم تَرَكْنَاكُمْ عَلَيْهِ وأعطُونا الْجِزْيَةَ عَن يدٍ وأنتمُ صَاغِرُونَ. قالَ: وَرَطَنَ إليهم بالفارِسيّةِ وأنتمُ غَيْرُ مَحْمُودِينَ وإنْ أبَيْتُم نَابَذْنَاكُمْ على سَوَاء. قالوا: ما نَحْنُ بالّذِي نعطى الْجِزْيَةَ ولَكِنّا نقَاتِلكُمْ. فقالوا يا أبا عبدِ الله ألا نَنْهَدُ إليهم؟ قال: لا، قال: فدعاهم ثلاثةَ أيّامٍ إلى مِثْلِ هذا ثُمّ قال: انْهَدُوا إليهم، قال: فَنَهَدْنَا إليهم فَفَتَحْنَا ذَلِكَ القَصْرَ".
ـــــــ
اسمه سعيد بن منصور بن فيروز بن أبي عمران الطائي مولاهم الكوفي ثقة ثبت فيه تشيع قليل كثير الإرسال من الثالثة "ألا ننهد إليهم" أي لا ننهض إليهم "قال دعوني" أي اتركوني "أدعوهم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم" أي إلى الإسلام، فإن أبوا فإلى إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون، فإن أبوا فإلى القتال "فإن أسلمتم فلكم مثل الذي لنا" أي من الغنيمة والفيء "وعليكم مثل الذي علينا" أي من أحكام المسلمين من الحدود ونحوها "وأعطونا الجزية عن يد" حال من الضمير أي عن يد مواتية بمعنى منقادين، أو عن يدكم بمعنى مسلمين بأيديكم غير باعثين بأيدي غيركم، أو عن غنى، ولذلك لا تؤخذ من الفقير، أو حال من الجزية بمعنى نقداً مسلمة عن يد إلى يد، أو عن إنعام عليكم، فإن إبقاءكم بالجزية نعمة عظيمة "وأنتم صاغرون" حال ثان من الضمير أي ذليلون "ورطن إليهم بالفارسية" أي تكلم فيها "وإن أبيتم نابذناكم على سواء" قال الجزري في النهاية: أي كاشفناكم وقاتلناكم على طريق مستقيم مستو في العلم بالمنابذة منا ومنكم بأن نظهر لهم العزم على قتالهم ونخبرهم به إخباراً مكشوفاً. والنبذ يكون بالفعل والقول(5/153)
قال وفي البابِ عن بُرَيْدَةَ والنعمانِ بنِ مُقَرّنٍ وابنِ عُمَر وابنِ عباسٍ.
وحديثُ سلمانَ حديثٌ حسنٌ لا نعرِفُهُ إلاّ من حديثِ عَطَاءِ بن السّائِبِ.
وسَمِعْتُ محمداً يقولُ: أبو البَخْتَرِيّ لم يُدْرِكْ سلمانَ لأنه لمْ يُدْرِك عَلِيّا، وسلْمَانُ مات قَبْلَ عَلِيّ.
وقد ذَهَبَ بعضُ أهلِ الْعِلْمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم إلى هذا ورَأَوْا أنْ يُدْعُوا قبلَ القِتَالِ. وهو قولُ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ. قال: إن تَقَدّم إليهم في الدّعْوَةِ فَحَسَنٌ يكونُ ذلكَ أهْيَبَ.
وقالَ بعضُ أهلِ العِلْمِ: لا دَعْوَةَ اليومَ. وقال أحمدُ: لا أعْرِفُ اليومَ أحداً يُدْعَى. وقال الشافعيّ: لا يُقَاتَلُ الْعَدُوّ حتّى يُدْعَوْا إلاّ أن يَعْجَلُوا عن ذلك، فإنْ لَم يَفْعلْ فقد بلغَتْهم الدعوةُ.
ـــــــ
في الأجسام والمعاني، ومنه نبذ العهد: إذا أنقضه وألقاه إلى من كان بينه وبينه انتهى.
قوله: "وفي الباب عن بريدة الخ" أما حديث بريدة فأخرجه مسلم. وأما حديث النعمان فلينظر من أخرجه، وأما حديث ابن عمر فأخرجه مسلم، وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد عنه قال: ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً قط إلا دعاهم. وأخرجه الحاكم أيضاً. قال في مجمع الزوائد: أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجاله رجال الصحيح.
قوله: "وحديث سلمان حديث حسن" وأخرجه أحمد.
قوله: "ورأوا أن يدعوا" بصيغة المجهول أي العدو "وهو قول إسحاق بن إبراهيم" يعني إسحاق بن راهويه "وأن تقدم" بصيغة المجهول من التقدم "وقال بعض أهل العلم لا دعوة اليوم الخ" . قال الحافظ في الفتح: ذهب طائفة منهم عمر(5/154)
ـــــــ
ابن عبد العزيز إلى اشتراط الدعاء إلى الإسلام قبل القتال، وذهب الأكثر إلى أن ذلك كان في بدء الأمر قبل انتشار دعوة الإسلام، فإن وجد من لم تبلغه الدعوة لم يقاتل حتى يدعي، نصل عليه الشافعي. وقال مالك: من قربت داره قوتل بغير دعوة لاشتهار الإسلام، ومن بعدت داره فالدعوة أقطع للشك. وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن أبي عثمان النهدي أحد كبار التابعين قال: كنا ندعو وندع، قال الحافظ: وهو منزل على الحالين المتقدمين انتهى(5/155)
2ـ باب
1589ـ حدثنا محمدُ بن يَحْيى العَدَنِي الْمَكّيّ ويُكْنَى بأبي عبدِ الله الرجل الصالح هو ابن أبي عمر حدثنا سُفيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عبدِ الملكِ بن نَوْفَلِ بن مُساحِقٍ عن ابن عِصَامٍ المُزَنِيّ عن أبيه وكانت له صُحْبَةٌ قال: "كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا بَعَثَ جَيْشاً أو سَرِيّةً يقولُ لهم: "إذا رأيْتُمْ مَسْجِداً أو سَمِعْتُمْ مُؤَذّناً فلا تَقْتُلُوا أحداً" .
هذا حديثٌ غريبٌ. وهو حديثُ ابن عُيَيْنَةَ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "إذا رأيتم مسجداً أو سمعتم مؤذناً" أي إذا حققتم علامة فعلية أو قولية من شعائر الإسلام "فلا تقتلوا أحداً" أي حتى تميزوا المؤمن من الكافر.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو داود(5/155)
3 ـ باب في البَيَاتِ والْغَارات
1590 ـ حدثنا الأنصاري حدثنا مَعْنٌ حدثني مالكُ بن أنسٍ عن حُمَيْدٍ
ـــــــ
"باب في البَيَاتِ والْغَارات"
جمع الغارة، قال في مجمع البحار: تبييت العدو أن يقصد في الليل من غير أن(5/155)
4 ـ باب في التحْرِيقِ والتخْريب
1592 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ عن نافعٍ عن ابن عُمرَ أنّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حَرّقَ نَخْلَ بَنِي النّضِيرِ وقَطَعَ، وهي البُوَيْرَةُ، فأنْزَلَ
ـــــــ
"باب في التحْرِيقِ والتخْريب"
قوله: "حرق" بتشديد الراء "نخل بني النضير وقطع" أي أمر بتحريق نخلهم وقطعها وهم طائفة من اليهود وقصتهم مشهورة مذكورة في كتب السير كالمواهب وفي تفسير سورة الحشر كالبغوي "وهي البويرة" بضم الموحدة وفتح الواو:(5/157)
الله {ما قَطَعْتُمْ من لِينَةٍ أو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ الله وَليُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} .
وفي البابِ عن ابنِ عباسٍ. وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد ذَهَبَ قَوْمٌ من أهلِ العلمِ إلى هذا ولم يَرَوْا بأْساً بِقَطْعٍ الأشجَارِ وتَخْرِيبِ الْحُصُونِ. وَكَرِهَ بعضُهم ذلك، وهو قولُ الأوْزَاعِيّ. قال الأوْزَاعِيّ: ونَهَى أبو بَكْرٍ الصّدّيقُ يزيد أنْ يقْطَعَ شجراً مُثْمِراً أو يُخَرّبَ عامراً وعمِلَ بذلكَ المُسْلِمُونَ بعدَه.
ـــــــ
موضع نخل لبني النضير {ما قَطَعْتُمْ من لِينَةٍ} أي أي شيء قطعتم من نخله {أو تَرَكْتُمُوهَا} الضمير لما وتأنيثه لأنه مفسر باللينة "قائمة على أصولها" أي لم تقطعوها {فَبِإِذْنِ الله} أي فبأمره وحكمه المقتضى للمصلحة والحكمة {وَليُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} أي وفعتلم أو أذن لكم في القطع بهم ليجزيهم على فسقهم. واستدل به على جواز هدم ديار الكفار وقطع أشجارهم زيادة لغيظهم. قال النووي: اللينة المذكورة في القرآن هي أنواع التمر كلها إلا العجوة. وقيل كرام النخل، وقيل كل النخل، وقيل كل الأشجار، وقيل إن أنواع نخل المدينة مائة وعشرون نوعاً.
قوله: "وفي الباب عن ابن عباس" لينظر من أخرجه.
قوله: "وهذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "وقد ذهب قوم من أهل العلم إلى هذا الخ" قال القاري: وفي هذا الحديث جواز قطع شجر الكفار وإحراقه، وبه قال الجمهور، وقيل لا يجوز. قال ابن الهمام: يجوز ذلك لأن المقصود كبت أعداء الله وكسر شوكتهم وبذلك هذا يحصل ذلك فيفعلون ما يمكنهم من التحريق وقطع الأشجار وإفساد الزرع. لكن إذا لم يغلب على الظن أنهم مأخوذون بغير ذلك، فإن كان الظاهر أنهم مغلوبون وأن الفتح باد كره ذلك لأنه إفساد في غير محل الحاجة وما أبيح إلا لها انتهى.
قوله: "وكره بعضهم ذلك وهو قول الأوزاعي. قال الأوزاعي: ونهى أبو بكر الصديق أن يقطع شجراً مثمراً أو يخرب عامراً، وعمل بذلك المسلمون بعده" . قال(5/158)
باب ماجاء في الغنيمة
...
5ـ باب ما جاءَ في الْغَنِيمَة
1593ـ حدثنا محمدُ بنِ عُبَيْدٍ المُحَارِبيّ، حدثنا أسْبَاطُ بنُ محمدٍ عن سُلَيْمانَ التّيْمِيّ عن سَيّارٍ عن أبي أُمَامَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله فَضّلَنِي على الأنْبِيَاءِ، أو قال أُمّتِي على الأمَمِ، وأحَلّ لنا الغَنَائِمَ" .
ـــــــ
"باب ما جاءَ في الْغَنِيمَة"
قوله: "عن سيار" بمهملة بعدها تحتانية مشددة وآخره راء.
قوله: "أو قال أمتي على الأمم" أو للشك، أي إما قال فضلني على الأنبياء أو قال فضل أمتي على الأمم "وأحل لنا الغنائم" قال الخطابي: كان من تقدم(5/159)
6ـ باب في سَهْمِ الْخَيْل
1595ـ حدثنا أحمدُ بنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ و حُمَيدُ بن مَسْعَدَةَ قالا: حدثنا سُلَيْمُ بنُ أخْضَرَ عن عُبَيْدِ الله بنِ عُمر عن نافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَسمَ في النّفْلِ للفَرَسِ بِسَهْمَيْنِ وللرجُلِ بِسَهْمٍ".
ـــــــ
"باب في سَهْمِ الْخَيْل"
قوله: "قسم في النفل" أي الغنيمة، قال في النهاية: النفل بالتحريك الغنيمة وجمعه أنفال "وللرجل بسهم" ، المراد من الرجل صاحب الفرس، والمعنى(5/162)
1596- حدثنا محمدُ بن بَشّارٍ حدثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْدِي عن سُلَيْمِ بنِ أخْضَرَ نحوَه.
وفي البابِ عن مُجَمّعِ بن جاريةَ وابن عباسٍ وابنِ أبي عَمْرَةَ عن أبيهِ. وهذا حديثُ ابنِ عُمَرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا عِنْدَ أكثر أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم. وهو قولُ سُفيَانَ الثوريّ والأوزاعيّ ومالكِ بن أنَسٍ وابنِ المبارَكِ والشافعيّ وأحمدَ وإسحاقَ
ـــــــ
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى الفارس ثلاثة أسهم، سهماً له وسهمين لفرسه، يدل عليه رواية أحمد وأبي داود بلفظ: أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم، سهم له وسهمان لفرسه، وفي لفظ: أسهم للفرس سهمين وللرجل سهماً متفق عليه.
قوله: "وفي الباب عن مجمع بن جارية وابن عباس وابن أبي عمرة عن أبيه" أما حديث مجمع وهو بضم الميم الأولى وفتح الجيم وكسر الميم الثانية المشددة، فأخرجه أحمد وأبو داود عنه قال: قسمت خيبر على أهل الحديبية فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمانية عشر سهماً، وكان الجيش ألفاً وخمسمائة فيهم ثلاثة مائة فارس، فأعطى الفارس سهمين والراجل سهماً. وقال أبو داود: إن حديث ابن عمر أصح قال: وأتى الوهم في حديث مجمع أنه قال ثلاث مائة فارس وإنما كانوا مائتي فارس. وأما حديث ابن عباس فأخرجه الدارقطني عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم لمائتي فرس بخيبر سهمين سهمين. وأما حديث ابن أبي عمرة عن أبيه فأخرجه أحمد وأبو داود عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة نفر ومعنا فرس، فأعطى كل إنسان منا سهماً وأعطى الفرس سهمين، واسم هذا الصحابي عمرو بن محسن كذا في المنتقى.
قوله: "وحديث ابن عمر حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان، وله ألفاظ في الصحيحين وغيره.(5/163)
قالوا: للفارِسِ ثلاثةُ أسْهُمٍ، سَهْمٌ له وسهمانِ لفَرَسِهِ، وللراجِلِ سَهْمٌ.
ـــــــ
قوله: "قالوا للفارس ثلاثة أسهم: سهم له وسهماً لفرسه، وللراجل سهم" وهو قول أبي يوسف ومحمد صحابي أبي حنيفة، وهو القول الراجح، واحتجوا بحديث ابن عمر المذكور في الباب وما في معناه.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: للفارس سهمان وللراجل سهم، واستدل له بما رواه أحمد بن منصور الرمادي عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة وابن نمير كلاهما عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر فيما أخرجه الدارقطني بلفظ: أسهم للفارس سهمين.
وأجاب الحافظ في الفتح عن ذلك بأنه لا حجة فيه، لأن المعنى أسهم للفارس بسبب فرسه سهمين غير سهمه المختص به، وقد رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ومسنده بهذا الإسناد فقال للفرس. وكذلك أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الجهاد له عن أبي شيبة، وكأن الرمادي رواه بالمعنى. وقد أخرجه أحمد عن أبي أسامة وابن نمير معاً بلفظ: أسهم للفرس، وعلى هذا التأويل أيضاً يحمل ما رواه نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن عبيد الله مثل رواية الرمادي، أخرجه الدارقطني. وقد رواه علي بن الحسن بن شقيق وهو أثبت من نعيم عن ابن المبارك بلفظ: أسهم للفرس.
واستدل له أيضاً بحديث مجمع بن جارية الذي أشار إليه الترمذي وذكرنا لفظه وفيه: فأعطى الفارس سهمين والراجل سهماً.
وأجاب عنه الحافظ بأن في إسناده ضعفاً، ولو ثبت يحمل على ما تقدم لأنه يحتمل الأمرين، والجمع بين الروايتين أولى ولا سيما والأسانيد الأولى أثبت ومع رواتها زيادة علم. وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو داود من حديث أبي عمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى للفرس سهمين، ولكل إنسان سهماً، فكان للفارس ثلاثة أسهم، وللنسائي من حديث الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب له أربعة أسهم سهمين لفرسه وسهماً له وسهماً لقرابته. وقد استدل لأبي حنيفة بدلائل أخرى لا يخلو واحد منها عن كلام قادح للاستدلال(5/164)
باب ماجاء في السرايا
...
7 ـ باب ما جاءَ في السّرَايَا
1597 ـ حدثنا محمدُ بن يحيى الأزديّ البَصْرِيّ و أبو عَمّارٍ وغيرُ واحدٍ قالوا حدثنا وَهْبُ بن جَرِيرٍ عن أبيهِ عن يونُسَ بن يَزِيدَ عن الزّهْرِيّ عن عُبَيْدِ الله بن عبدِ الله بنِ عُتْبَةَ، عن ابنِ عباسٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ الصّحَابَةِ أرْبَعَةٌ، وَخَيْرُ السّرَايا أرْبَعُمَائَةٍ، وخَيْرُ الْجُيُوشِ أرْبَعَةُ آلافٍ، ولا يُغلَبُ اثنا عشَرَ ألفاً مِنْ قِلةٍ" .
ـــــــ
"باب ما جاءَ في السّرَايَا"
جمع السرية وهي قطعة من الجيش. قال في النهاية السرية هي طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربع مائة تبعث إلى العدو، وجمعها السرايا، سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري النفيس
قوله: "خير الصحابة" بالفتح جمع صاحب ولم يجمع فاعل على فعالة غير هذا كذا في النهاية "أربعة" أي ما زاد عن ثلاثة، قال أبو حامد: المسافر لا يخلو عن رحل يحتاج إلى حفظه، وعن حاجة يحتاج إلى التردد فيها، ولو كانوا ثلاثة لكان المتردد، واحداً فيبقى بلا رفيق، فلا يخلو عن خطر وضيق قلب، لفقد الأنيس، ولو تردد اثنان كان الحافظ وحده، قال المظهر: يعني الرفقاء إذا كانوا أربعة خير من أن يكونوا ثلاثة، لأنهم إذا كانوا ثلاثة، ومرض أحدهم، وأراد أن يجعل أحد رفيقيه وصى نفسه، لم يكن هناك من يشهد بإمضائه إلا واحد، فلا يكفي، ولو كانوا أربعة كفى شهادة اثنين. ولأن الجمع إذا كانوا أكثر يكون معاونة بعضهم بعضاً أتم، وفضل صلاة الجماعة أيضاً أكثر، فخمسة خير من أربعة وكذا كل جماعة خير ممن هو أقل منهم لا ممن فوقهم "وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولا يغلب" بصيغة المجهول أي لا يصير مغلوباً "اثنا عشر ألفاً" قال الطيبي: جميع قرائن الحديث دائرة على الأربع واثنا عشر ضعفاً أربع، ولعل الإشارة بذلك إلى الشدة والقوة واشتداد ظهرانيهم تشبيهاً بأركان البناء،(5/165)
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا يسْندهُ كبيرُ أحدٍ غَيْرُ جَرِيرِ بن حَازِمٍ وإنّمَا رُوِيَ هذا الحديثُ عن الزّهْرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً. وقد رَوَاهُ حِبّانُ بن علي الْعَنزِيّ عن عُقَيْلٍ عن الزّهْرِيّ عن عُبَيْدِ الله بنِ عبدِ الله عن ابنِ عباسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. ورَوَاهُ اللّيْثُ بن سعدٍ عن عُقَيْلٍ عن الزّهْرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً.
ـــــــ
وقوله من قلة معناه أنهم صاروا مغلوبين لم يكن للقلة بل لأمر آخر سواها، وإنما لم يكونوا جيش قوبل بالميمنة أو الميسرة أو القلب فليكفها، ولأن الجيش الكثير المقاتل منهم بعضهم، وهؤلاء كلهم مقاتلون. ومن ذلك قول بعض الصحابة يوم حنين، وكانوا اثني عشر ألفاً لن نغلب اليوم من قلة، وإنما غلبوا من إعجاب منهم، قال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً} وكان عشرة آلاف من أهل المدينة وألفان من مسملي فتح مكة.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أبو داود والدارمي والحاكم وسكت عنه أبو داود، واقتصر المنذري في مختصر السنن على نقل كلام الترمذي، وقال الحاكم هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
قوله: "وقد رواه حبان بن علي العتري" بفتح العين والنون ثم زاي، أبو علي الكوفي ضعيف من الثامنة(5/166)
باب من يعطي الفئ
...
8 ـ باب مَنْ يُعْطَى الْفَيْء
1598 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا حاتمُ بنُ إسماعيلَ عن جعفرِ بنِ محمدٍ
ـــــــ
"باب مَنْ يُعْطَى الْفَيْء"
قال في النهاية: الفيء هو ما حصل المسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد، وأصل الفيء الرجوع كأنه كان في الأصل لهم فرجع إليهم انتهى.
والظاهر أن المراد من الفيء هنا مال الغنيمة.(5/166)
عن أبيه عن يزيدَ بن هُرْمَز: "أنّ نَجْدَةَ الْحَرُورِي كَتَبَ إلى ابنِ عباسٍ يَسْأَلهُ هَل كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بالنّسَاءِ؟ وهل كانَ يَضْرِبُ لَهُنّ بِسَهْمٍ؟ فكتَبَ إليه ابنُ عباسٍ: كَتَبْتَ إلَيّ تَسْأَلُنِي هَل كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بالنّسَاءِ، وكانَ يَغْزُو بِهِنّ فيُدَاوِينَ المَرْضَى ويُحْذَينَ من الغَنِيمَةِ، وأمّا بسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنّ بِسَهْمٍ".
وفي البابِ عن أنسٍ وأُمّ عَطِيّةَ.
وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، والعملُ على هذا عندَ أكثر أهلِ العلمِ وهو قولُ سفيانَ الثوريّ والشافعيّ. وقال بعضُهم: يُسْهِمُ للمرأةِ والصّبيّ وهو قولُ الأوزاعيّ.
ـــــــ
قوله: "عن يزيد بن هرمز" المدني مولى بني ليث، وهو غير يزيد الفارسي على الصحيح وهو والد عبد الله ثقة من الثالثة "أن نجدة" بفتح النون وسكون الجيم بعدها دال مهملة "الحروري" نسبة إلى قرية حروراء بفتح حاء مهملة وضم راء أولى مخففة وكسر ثانية، وبينهما واو ساكنة وبالمد هي قرية بالكوفة: ونجدة هذا هو ابن عامر الحنفي الخارجي وأصحابه يقال لهم النجدان محركة.
قوله: "يحذين" بصيغة المجهول من الحذو بالحاء المهملة والذال المعجمة، أي يعطين، قال في القاموس: الحذوة بالكسر العطية "وأما يسهم بصيغة المعلوم من الإسهام" ، والحديث دليل على أن النساء إذا حضرت القتال مع الرجال لا يسهم لهن بل يعطين شيئاً من الغنيمة.
قوله: "وفي الباب عن أنس وأم عطية" لينظر من أخرج حديثهما.
قوله: "وهذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود.
قوله: "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم الخ" وهو الأقوى دليلاً "وقال بعضهم يسهم للمرأة والصبي وهو قول الأوزاعي" قال الخطابي: إن الأوزاعي قال يسهم لهن، قال وأحسبه ذهب إلى هذا الحديث يعني حديث حشرج بن زياد وإسناده ضعيف لا تقوم به حجة انتهى وحديث حشرج أخرجه أحمد وأبو داود(5/167)
قال الأوزاعيّ: وأسْهَمَ النبيّ صلى الله عليه وسلم للصّبْيَان بِخَيْبَرَ وأسْهَمَتْ أئمّةُ المسلمينَ لكُلّ مَوْلُودٍ وُلِدَ في أرْضِ الْحَرْبِ قال الأوزاعيّ: وأسْهَمَ النبيّ صلى الله عليه وسلم للنّسَاء بِخَيْبَرَ، وأخَذَ بذلكَ المسلِمُونَ بعدَهُ.
1599-حدثنا بذلكَ علي بن خَشْرَمٍ، حدثنا عيسى بن يونسَ عن الأوزاعيّ بهذَا. ومَعْنَى قولِهِ ويُحْذَيْنَ مِنَ الْغَنِيمَةِ يقولُ يُرْضَخُ لَهُنّ بشيء من الغَنِيمَةِ يُعْطِينَ شَيْئاً.
ـــــــ
عنه عن جدته أم أبيه أنها خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة خيبر سادس ست نسوة، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إلينا فجئنا فرأينا فيه لغضب فقال: "مع من خرجتن وبإذن من خرجتن" فقلنا يا رسول الله: خرجنا نغزل الشعر ونعين في سبيل الله، ومعنا دواء للجرحى، ونناول السهام، ونسقي السويق، قال "قمن فانصرفن" حتى إذا فتح الله عليه خيبر أسهم لنا كما أسهم الرجل، قال: فقلت لها يا جدة، وما كان ذلك؟ قالت: تمراً؟ قال الشوكاني في النيل: وأخرجه أيضاً النسائي وسكت عنه أبو داود، وفي إسناده رجل مجهول وهو حشرج. وقال الخطابي إسناده ضعيف لا تقوم به حجة انتهى. "قال الأوزاعي: وأسهم النبي صلى الله عليه وسلم للنساء بخيبر الخ" هذا مرسل والمرسل لا تقوم به حجة على القول الراجح "يقول يرضخ لهن" بصيغة المجهول من الرضخ، قال في القاموس: رضخ له أعطاه عطاء غير كثير(5/168)
9ـ باب هَلْ يُسْهَمُ لِلْعَبْد
1600ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا بِشْرُ بن المُفَضّلِ عن محمدِ بن زَيْدٍ عن عُمَيْرٍ مَوْلَى أبِي اللّحْمِ، قال: "شَهِدْتُ خَيْبَرَ مع سَادَتي فكلّمُوا فيّ رَسولُ
ـــــــ
"باب هَلْ يُسْهَمُ لِلْعَبْد"
قوله: "عن عمير" بالتصغير قال في التقريب: عمير مولى آبي اللحم الغفاري صحابي شهد خيبر "مولى آبي اللحم" هو اسم فاعل من أبي يأبى، قال أبو داود: قال أبو عبيدة: كان حرم اللحم على نفسه فسمى آبي اللحم "مع سادتي" جمع سيد(5/168)
الله صلى الله عليه وسلم وكَلمُوهُ أنّي مَمْلُوكٌ. قال: فأَمَرَني فَقُلّدْتُ السّيْفَ فإذا أنا أَجُرّهُ فأَمَرَ لي بِشَيْءٍ من خرثى المتَاعِ، وعَرَضْتُ عليه رُقْيَةً كُنْتُ أرْقِي بِهَا المجَانينَ، فأَمَرَنِي بِطَرْحِ بعضِها وحَبْسِ بعضِها".
وفي البابِ عن ابنِ عباسٍ.
وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ العلمِ أن لا يُسْهَمَ لِلْمَمْلُوكِ، ولكن يُرْضَخُ له بِشَيْءٍ، وهو قَوْلُ الثّوْرِيّ والشافعيّ وأحمدَ وإسحاقَ.
ـــــــ
"فكلموا فيّ" بتشديد الياء "وكلموه أني مملوك" قال الطيبي: عطف على قوله، فكلموا فيّ، أي كلموا في حقي وشأني أولاً بما هو مدح لي، ثم أتبعوه بقولهم إني مملوك انتهى "فقلدت السيف" بصيغة المجهول من التقليد، قال في المجمع: أي أمرني أن أحمل السلاح وأكون مع المجاهدين لأتعلم المحاربة: فإذا أنا أجره، أي أجر السيف على الأرض من قصر قامتي لصغر سني "فأمرني بشيء من خرثي المتاع" بالخاء المعجمة المضمومة، وسكون الراء المهملة بعدها مثلثة، وهو سقطة في النهاية هو أثاث البيت، قال في القاموس: الخرثي بالضم أثاث البيت أو أردأ المتاع والغنائم "وعرضت عليه رقية كنت أرقي بها المجانين فأمرني بطرح بعضها وحبس بعضها" أي بإسقاط بعض كلماتها التي تخالف القرآن والسنة: وإبقاء بعضها التي ليست كذلك، وفيه دليل على جواز الرقية من غير القرآن والسنة بشرط أن تكون خالية عن كلمات شركية وعما منعت عنه الشريعة.
قوله: "وفي الباب عن ابن عباس رضي الله عنه" أخرجه أحمد.
قوله: "وهذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه.
قوله: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم أن لا يسهم للمملوك الخ" وهو القول الراجح المعول عليه(5/169)
باب ماجاء في أهل الذمة يغزون مع المسلمين هل يسهم لهم
...
10ـ باب ما جاءَ في أهْلِ الذّمّةِ
يَغْزُونَ مَعَ المسْلِمينَ هل يُسْهِمُ لهم
1601 ـ حدثنا الأنْصَارِيّ، حدثنا مَعْنٌ حدثنا مالكُ بن أنسٍ عن الفُضَيْلِ بن أبي عبدِ الله بن ديَنارٍ الأسْلَمِيّ عن عُرْوَةَ عن عائِشَةَ: "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إلى بَدْرٍ حتى إذا كان بحَرّةِ الوَبرِ لَحِقَه رجُلٌ مِن المُشْركِينَ يَذْكُرُ مِنْهُ جُرْأَةً ونَجْدَةً، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: "تُؤْمِنُ بالله ورسولهِ؟" قال: لا، قال: " ارْجعْ فَلَنْ أسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ" .
وفي الحديث كَلاَمٌ أكْثَرُ مِنْ هذا.
ـــــــ
"باب ما جاءَ في أهْلِ الذّمّةِ يَغْزُونَ مَعَ المسْلِمينَ هل يُسْهِمُ لهم"
قوله: "حتى إذا كان بحرة الوبر" الحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء، والوبر بفتح الواو والباء الموحدة بعدها راء وبسكون الموحدة أيضاً: موضع على أربعة أميال من المدينة "يذكر منه جرأة ونجدة" بفتح النون وسكن الجيم أي شجاعة.
قوله: "وفي الحديث كلام أكثر من هذا" أي روي هذا الحديث مطولاً رواه أحمد ومسلم بطوله. ففي المنتقى عن عائشة قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان تذكر منه جرأة ونجدة ففرح به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه، فلما أدركه قال: جئت لأتبعك فأصيب معك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا، قال: فار جع فلن أستعين بمشرك ، قالت: ثم مضى حتى إذا بلغ كان بالشجرة أدركه الرجل فقال هل كما قال أول مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أو مرة، فقال: لا، قال: فارجع فلن أستعين بمشرك ، قال فرجع فأدركه بالبيداء فقال له كما قال له أول مرة: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم، فقال له فانطلق.(5/170)
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ العلمِ، قالوا:لا يُسْهَمُ لأَهْلِ الذّمّةِ وإنْ قاتَلُوا مع المُسْلِمِينَ الْعَدُوّ.
ورَأَى بعضُ أهلِ الْعِلْمِ أنْ يُسْهَمَ لهم إذا شَهِدُوا القتَالَ مع المسْلِمِينَ.وَيُرْوَى عن الزّهْرِيّ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أسْهَمَ لِقَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ قاتَلُوا مَعَهُ.
1602-حدثنا بذلك قُتَيْبَةُ بنُ سعيدٍ أخبرنا عبدُ الوارثِ بن سعيدٍ عن عروة بن ثابتٍ عن الزّهْرِيّ.بهذا
ـــــــ
قوله: "هذا حديث حسن غريب" أخرج أحمد ومسلم مطولاً كما عرفت الاَن.
قوله: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، قالوا لا يسهم لأهل الذمة وإن قاتلوا مع المسلمين العدو" وهو القول الراجح "ويروى عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم لقوم من اليهود قاتلوا معه" هذا مرسل. وأخرجه أيضاً أبو داود في المراسيل، ومراسيل الزهري ضعيفة. واستدل به من قال إن أهل الذمة يسهم لهم إذا شهدوا القتال مع المسلمين. قال الشوكاني في النيل: والظاهر أنه لا يسهم للنساء والصبيان والعبيد والذميين، وما ورد من الأحاديث مما فيه إشعار بأن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم لأحد من هؤلاء فينبغي حمله على الرضخ وهو العطية القليلة جمعاً بين الأحاديث. وقد صرح حديث ابن عباس يعني المذكور في باب من يرضخ له من الغنيمة بما يرشد إلى هذا الجمع، فإنه نفى أن يكون للنساء والعبيد سهم معلوم، وأثبت الحذية وهكذا حديثه الآخر، فإنه صرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي المرأة والمملوك دون ما يصيب الجيش، وهكذا حديث عمير المذكور فإن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رضخ له بشيء من الأثاث ولم يسهم له، فيحمل ما وقع في حديث حشرج من أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم للنساء بخيبر على مجرد العطية من الغنيمة، وهكذا يحمل ما وقع في مرسل الزهري المذكور من الإسلام لقوم من اليهود، وما وقع في مرسل الأوزاعي المذكور أيضاً من الإسهام للصبيان كما لمح إلى ذلك المصنف انتهى كلام الشوكاني.(5/171)
1623 ـ حدثنا أبو سَعيدٍ الأشَجّ، حدثنا حَفْصُ بن غِيَاثٍ، حدثنا بُرَيْدُ بن عبدِ الله بن أبي بُرْدَةَ، عن جَدّهِ أبي بُرْدَةَ عن أبي موسى: "قال: قَدِمْتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في نَفَرٍ مِنَ الأشعَريّينَ خَيْبَرَ فأَسْهَمَ لنا مع الّذِينَ افْتَتَحُوهَا".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ. والعَملُ على هذا عِنْدَ بعضِ أهلِ الْعِلْمِ قال الأوْزَاعِيّ مَن لَحِقَ بالمسْلِمينَ قَبْلَ أنْ يُسْهَمَ للخَيْلِ أُسْهِمَ لَهُ
ـــــــ
قلت: أراد بالمصنف صاحب المنتقى فإنه قال بعد ذكر مرسل الأوزاعي وغيره ما لفظه: ويحمل الإسهام فيه وفيما قبله على الرضخ انتهى.
قوله: "قال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ" ذكر الترمذي هذا الحديث مختصراً وذكره الشيخان مطولاً "فأسهم لنا مع الذين افتتحوها" أستدل به من قال إنه يسهم لمن حضر بعد الفتح قبل قسمة الغنيمة. قال ابن التين: يحتمل أن يكون إنما أعطاهم من جميع الغنيمة لكونهم وصلوا قبل القسمة وبعد حوزها، وهو أحد الأقوال للشافعي. قال ابن بطال: لم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم في غير من شهد الوقعة إلا في خيبر فهي مستثناة من ذلك فلا تجعل أصلاً يقاس عليه، فإنه قسم لأصحاب السفينة لشدة حاجتهم، وكذلك أعطى الأنصار عوض ما كانوا أعطوا المهاجرين عند قدومهم عليهم. وقال الطحاوي: يحتمل أن يكون استطاب أنفس أهل الغنيمة بما أعطى الأشعريين وغيرهم. ومما يؤيد أنه لا نصيب لمن جاء بعد الفراغ من القتال ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح وابن أبي شيبة عن عمرقال: الغنيمة لمن شهد الوقعة، وأخرجه الطبراني والبيهقي مرفوعاً وموقوفاً وقال الصحيح موقوف، وأخرجه ابن عدي من طريق أخرى عن علي موقوفاً، ورواه الشافعي من قول أبي بكر وفيه انقطاع كذا في النيل.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان.
قوله: "والعمل على هذا عند أهل العلم الخ" وفي بعض النسخ عند بعض أهل العلم وهو الظاهر(5/172)
باب ماجاء في الإنتفاع بأنية المشركين
...
11ـ باب ما جاءَ في الانْتِفَاعِ بآنيةِ المشركين
1604ـ حدثنا زَيْدُ بن أخْزمَ الطّائِيّ، حدثنا أبو قُتَيْبَةَ سلم بن قُتَيْبَةَ، حدثنا شُعْبَةُ عن أيّوبَ عن أبي قِلاَبَةَ عن أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشنِيّ قال:"سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن قُدُورِ المَجُوسِ. فقال: "أنقُوها غَسْلاً واطْبُخُوا فيها" ، ونَهَى عن كُلّ سَبُعٍ ذِي نَابٍ".
وقد رُوِيَ هذا الحديثُ مِن غَيْرِ هذا الوجْهِ عن أبي ثَعْلَبَةَ. رَوَاهُ أبو إدريسَ الْخَولانيّ عن أبي ثَعْلَبَةَ وأبو قِلاَبَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِن أبي ثَعْلَبَةَ. إنّمَا رَوَاهُ عن أبي أسماء عن أبي ثَعْلَبَةَ.
1605- حدثنا هَنّادٌ، حدثنا ابنُ المُبَارَكِ عن حَيْوَةَ بن شُرَيْحٍ. قال: سَمِعْتُ ربيعَةَ بنَ يَزِيدَ الدّمَشْقِيّ يقولُ:أخْبَرَنِي أبو إدريسَ الْخَوْلاَنِيّ
ـــــــ
"باب ما جاءَ في الانْتِفَاعِ بآنيةِ المشركين"
قوله: "عن أبي ثعلبة" بفتح المثلثة بعدها عين مهملة ساكنة فلام مفتوحة فموحدة "الخشني" بضم الخاء المعجمة فشين معجمة مفتوحة فنون نسبة إلى خشين ابن نمرة في قضاعة اسمه جرهم بايع النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان وضرب له بسهم يوم خيبر وأرسله إلى قومه فأسلموا، نزل بالشام ومات بها سنة خمس وسبعين.
قوله: "عن قدور المجوس" أي عن الطبخ فيها، والقدور جمع القدر بكسر القاف وسكون الدال "انقوها" من الإنقاء "غسلاً" تمييز "واطبخوا فيها" أي بعد الانتقاء بالغسل. قال الحافظ في الفتح بعد ذكر رواية الترمذي هذه، وفي لفظه من وجه آخر عن أبي ثعلبة قلت إنا نمر بهذا اليهود والنصارى والمجوس فلا نجد غير آنيتهم الحديث انتهى. وروى الشيخان عن أبي ثعلبة الخشني قال:(5/173)
عائِذُ الله بنُ عُبَيْدِ الله.قال سَمِعْتُ أبَا ثَعْلَبَةَ الخُشنّى يقول:"أتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقلت:يَا رسولَ الله إنّا بأرْضِ قَوْمٍ أهْلِ كِتَابٍ نأْكُلُ في آنِيَتِهِمْ.قال: "إنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ فلا تَأْكُلُوا فيها، فإن لم تَجِدُوا فاغْسِلُوهَا وكُلُوا فيها" .
ـــــــ
قلت يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل الكتاب أفنأكل في آنيتهم؟ قال لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها، قال في سبل السلام: استدل به على نجاسة آنية أهل الكتاب وهل هو لنجاسة رطوبتهم أو لجواز أكلهم الخنزير وشربهم الخمر أو للكراهة، ذهب إلى الأول القائلون بنجاسة رطوبة الكفار، واستدلوا أيضاً بظاهر قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}، والكتابي يسمى مشركاً إذ قد قالوا "المسيح بن الله" "وعزير بن الله" . وذهب الشافعي وغيره إلى طهارة رطوبتهم وهو الحق لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}، ولأنه صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة مشركة، ولحديث جابر عند أحمد وأبي داود: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم ولا يعيب ذلك علينا.
وأجيب بأن هذا كان بعد الاستيلاء ولا كلام فيه، قلنا في غيره من الأدلة غنية عنه فمنها ما أخرجه من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم دعاه يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأكل منها. قال في البحر: لو حرمت رطوبتهم لاستفاض بين الصحابة نقل توقيهم لقلة المسلمين حينئذ مع كثرة استعمالاتهم التي لا يخلو منها ملبوساً ومطعوماً، والعادة في مثل ذلك تقضي بالاستفاضة. قال: وحديث أبي ثعلبة إما محمول على كراهة الأكل في آنيتهم للاستقذار لا لكونها نجسة إذ لو كانت نجسة لم يجعله مشروطاً بعدم وجدان غيرها، إذ الإناء المتنجس بعد إزالة نجاسته هو وما لم يتنجس على سواء ولسد ذريعة المحرم، أو لأنها نجسة بلفظ. إنا نجاوز أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن وجدتم غيرها لحديث، وحديثه الأول مطلق وهذا مقيد(5/174)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
بآنية يطبخ فيها ما ذكر ويشرب فيحمل المطلق على المقيد، وأما الآية فالنجس لغة المستقذر فهو أعم من المعنى الشرعي، وقيل معناه ذو نجس لأن معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس، ولأنهم يتطهرون ولا يغتسلون ولا يتجنبون النجاسات فهي ملابسة لهم، وبهذا يتم الجمع بين هذا وبين آية المائدة والأحاديث الموافقة حكمها، وآية المائدة أصرح في المراد انتهى ما في السبل. وقال صاحب المنقى: ذهب بعض أهل العلم إلى المنع من استعمال آنية الكفار حتى تغسل إذا كانوا ممن لا تباح ذبيحته، وكذلك من كان من النصارى بموضع متظاهراً فيه بأكل لحم الخنزير متمكناً فيه أو يذبح بالسن والظفر ونحو ذلك، وأنه لا بأس بآنية من سواهم جمعاً بذلك بين الأحاديث. واستحب بعضهم غسل الكل لحديث الحسن ابن علي قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" ، رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه انتهى، وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في الباب الأول من أبواب الصيد "ونهى عن كل سبع ذي ناب" تقدم شرحه في كتاب الصيد.
قوله: "عائذ الله بن عبيد الله" كذا وقع في النسخة الأحمدية عبيد الله مصغراً وهو غلط والصواب عائذ بن عبد الله مكبراً، ووقع في الباب الأول من أبواب الصيد عائذ بن عبد الله مكبراً وهو الصواب.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان(5/175)
12ـ باب في النّفْل
1606ـ حدثني محمدُ بن بَشارٍ، حدثنا عبدُ الرحمنِ بن مَهْدِي، حدثنا سُفْيَانُ عن عبدِ الرحمَنِ بن الحارِثِ عن سليمانَ بن مُوسَى عن مَكْحُولٍ
ـــــــ
"باب في النّفْل"
قال في المجمع النفل بفتح الفاء وقد تسكن زيادة يخص بها بعض الغزاة وهو أيضاً الغنيمة انتهى. قلت: المراد هنا المعنى الأول.(5/175)
عن أبي سَلاّمٍ عن أبي أُمَامَةَ عن عُبَادَةَ بن الصّامِتِ:"أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يُنَفّلُ في البَدْأَةِ الرّبُعَ، وفي القُفُولِ الثّلُثَ".
وفي البابِ عن ابن عباسٍ وحَبيبِ بن مَسْلَمَةَ ومَعْنِ بنِ يزيدَ وابن عُمَرَ وسَلَمَةَ بن الأكْوعِ. وحديثُ عُبَادَةَ حديثٌ حسنٌ.وقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن أبي سَلاّمٍ عن رَجُلٍ مِنْ أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
قوله: "عن أبي سلام"بفتح السين وتشديد اللام المفتوحة اسمه ممطور الأسود الحبشي ثقة يرسل من الثالثة.
قوله: "كان ينفل"من التنفيل "في البدأة"بفتح الموحدة وسكون الدال المهملة بعدها همزة مفتوحة "الربع" أي ربع الغنيمة "وفي القفول"أي الرجوع "الثلث" أي ثلث الغنيمة، وفي رواية أحمد كان إذا غاب في أرض العدو نفل الربع وإذا أقبل راجعاً وكل الناس نفل الثلث. قال الخطابي: البدأة ابتداء السفر للغزو، وإذا نهضت سرية من جملة العسكر فإذا وقعت بطائفة من العدو فما غنموا كان لهم فيه الربع ويشركهم سائر العسكر في ثلاثة أرباعه، فإن قفلوا من الغزوة ثم رجعوا فأوقعوا بالعدو ثانية كان لهم مما غنموا الثلث لأن نهوضهم بعد القفل أشق لكون العدو على حذر وحزم انتهى. ورواية أحمد المذكورة تدل على أن تنفيل الثلث لأجل ما لحق الجيش من الكلال وعدم الرغبة في القتال لا لكون العدو قد أخذ حذره منهم.
قوله:"وفي الباب عن ابن عباس وحبيب بن مسلمة ومعن بن يزيد وابن عمر وسلمة بن الأكوع" أما حديث ابن عباس فلينظر من أخرجه.وأما حديث حبيب بن مسلمة فأخرجه أحمد وأبو داود عنه مرفوعاً بلفظ: نفل الرابع بعد الخمس في بدأته ونفل الثلث بعد الخمس في رجعته. وأما حديث معن بن يزيد فأخرجه أحمد وأبو داود وصححه الطحاوي ولفظه: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا نفل إلا بعد الخمس" . وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان. وأما حديث سلمة بن الأكوع فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود.(5/176)
1607حدثنا هَنّادٌ، حدثنا ابن أبي الزّنَادِ عن أبيهِ عن عُبَيْدِ الله بن عبدِ الله بن عُتْبَةَ عن ابن عباسٍ: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم تَنَفّلَ سَيْفَهُ ذَا الفَقَارِ يومَ بَدْرٍ وهو الذي رَأَى فيهِ الرؤيَا يَوْمَ أُحُدٍ".
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.إنّمَا نَعْرِفُهُ من هذا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ ابنِ أبي الزّنَاد. وقد اختلَفَ أهْلُ العِلْمِ في النّفلِ مِنَ الْخُمُس، فقالَ مالكُ بن أنَسٍ:لَمْ يَبلُغنِي أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَفّلَ في مَغَازِيِه كُلّهَا، وقد بَلَغَنِي أنّهُ نَفّلَ في بَعْضِهَا وإنّمَا ذلِكَ على وَجْهِ الاجْتِهَادِ مِنَ الإمَامِ في أوّلِ المَغْنَمِ وآخِرِهِ.
قال ابنُ مَنْصُورٍ:قلت:لأحمد أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَفّلَ إذا فَصَل بالرّبُعِ بعدَ الْخُمسِ، وإذا قَفل بالثلُثِ بعدَ الخُمسِ، فقال يُخْرِجُ الْخُمُسَ ثُمّ يُنَفّلُ ممّا بَقِيَ ولا يُجَاوِزُ هذا.
قال أبو اسحق وهذا الحديثُ على ما قال ابنُ المسَيّبِ: النّفْلُ مِنَ الْخُمُسِ.قال إسحاقُ:كما قَالَ.
ـــــــ
قوله:"حديث عباده حديث حسن، وأخرجه أحمد وابن ماجه، وصححه ابن حبان.
قوله: "تنفل سيفه" أي أخذه زيادة عن السهم "ذا الفقار" بفتح الفاء والعامة يكسرونها كذا في المنتقى وهو بدل من سفيه "وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد" قال التوربشتي: والرؤيا التي رأى فيه أنه رأى في منامه يوم أحد أنه هز ذا الفقار فانقطع من وسطه ثم هزه هزة أخرى فعاد أحسن مما كان، وقيل الرؤيا هي ما قاتل فيه: رأيت في ذباب سيفي ثلثاً فأولته هزيمة، ورأيت كأني أدخلت يدي في درع حصينة، فأولتها المدينة الحديث.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه ابن ماجه.
قوله: "فقال يخرج الخمس ثم ينفل مما بقي الخ" قال الشوكاني: اختلف العلماء(5/177)
ـــــــ
هل هو من أصل الغنيمة، أو من الخمس، أو من خمس الخمس، أو مما عدا الخمس على أقوال: ثم بسط الكلام فيه هذا الباب(5/178)
باب ماجاء في من قتل قتيلا فله سلبه
...
13 ـ باب ما جاءَ فيمن قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُه
1608ـ حدثنا الأنْصَارِيّ، حدثنا مَعْنٌ، حدثنا مالِكُ بنُ أنَسٍ عن يحيَى بن سَعِيدٍ عن عُمرَ بن كَثِيرٍ بن أفْلَحَ عن أبي محمدٍ مَوْلى أبي قَتَادَةَ عن أبي قَتَادَةَ قال:قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ" . وفي الْحَدِيثِ قِصّةٌ.
1609حدثنا ابنُ أبي عُمَر، حدثنا سُفْيَانُ، عن يحيى بن سَعيدٍ بهذَا الإسْنَادِ نَحْوَهُ.
وفي البابِ عَن عَوْفِ بن مالِكٍ وخَالِدِ بن الوَلِيدِ وأنَسٍ وَسَمُرَةَ.
ـــــــ
"باب ما جاءَ فيمن قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُه"
قوله: "عن عمر بن كثير بن أفلح" المدني مولى أبي أيوب ثقة من الرابعة "عن أبي محمد مولى أبي قتادة" اسمه نافع قال في التقريب نافع بن عباس بموحدة ومهملة أو تحتانية ومعجمة، أبو محمد الأقرع المدني مولى أبي قتادة، قيل له ذلك للزومه، وكان مولى عقيلة العقارية ثقة من الثالثة.
قوله: "من قتل قتيلاً" وفي رواية من قتل كافراً أي لمن قتل "عليه" أي على قتل القتيل "فله" أي لمن قتل "سلبه" بالتحريك: هو ما يوجد مع المحارب، من ملبوس وغيره عند الجمهور. وعن أحمد لا تدخل الدابة. وعن الشافعي يختص بأداة الحرب.
قوله: "وفي الحديث قصة" رواها الشيخان في صحيحهما.
قوله: "وفي الباب عن عوف بن مالك وخالد بن الوليد وأنس وسمرة" . أما حديث عوف بن مالك وخالد بن الوليد فأخرجه مسلم، ففيه عن عوف بن مالك أنه قال لخالد بن الوليد. أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟(5/178)
وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.وأبو محمدٍ هو نافِعٌ مَوْلَى أبي قَتَادَةَ والعَمَلُ على هذا عندَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهِم، وهو قَوْلُ الأوْزَاعِيّ والشافعيّ وأحمدَ. وقال بَعْضُ أهلِ الْعِلْمِ: للإمَامِ أنْ يُخْرِجَ مِنَ السّلَبِ الْخُمُسَ. وقال الثّوْرِيّ النّفْلُ أن يقولَ الإمامُ: مَنْ أصَابَ شيئاً فَهُوَ لَهُ، ومَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَيْسَ فيهِ الْخُمُسُ وقالَ إسحاقُ: السّلَبُ للقَاتِلِ إلاّ أنْ يَكُونَ شيئاً كثِيراً فَرَأى الإمَامُ أنْ يُخْرِجَ مِنْهُ الْخُمُسَ كما فَعَلَ عُمَرُ بنُ الْخَطّابِ.
ـــــــ
قال بلى: وعن عوف وخالد أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب، رواه أحمد وأبو داود رضي الله عنهما. وأما حديث أنس فأخرجه أحمد وأبو داود وأما حديث سمرة فلينظر من أخرجه.
قوله:"وهذا حديث حسن صحيح"وأخرجه الشيخان.
قوله: "وهو قول الأوزاعي والشافعي وأحمد" ذهب الجمهور إلى أن القاتل يستحق السلب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك من قتل قتيلاً فله سلبه أم لا. واستدلوا على ذلك بحديث أبي قتادة هذا، وهو الظاهر "وقال بعض أهل العلم: للإمام أن يخرج من السلب الخمس" روى عن مالك أنه يخير الإمام بين أن يعطي القاتل السلب أو يخمسه، واختاره القاضي إسماعيل قاله في النيل "وقال الثوري: النفل أن يقول الإمام: من أصاب شيئاً فهو له، ومن قتل قتيلاً فله سلبه" . قال الشوكاني: وذهب العترة والحنفية والمالكية إلى أنه لا يستحقه القاتل إلا أن شرط له الإمام ذلك "وقال إسحاق السلب للقاتل إلا أن يكون شيئاً كثيراً فرأى الإمام أن يخرج منه الخمس كما فعل عمر بن الخطاب" احتج القائلون بتخميس السلب لعموم قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية ، فإنه لم يستثن شيئاً.
واستدل من قال إنه: لا خمس فيه لحديث عوف بن مالك وخالد المذكور وجعلوه مخصصاً لعموم الآية(5/179)
14-باب في كَرَاهِيَةِ بَيْعِ المغَانِمِ حَتّى تُقسم
1610ـ حدثنا هَنّادٌ، حدثنا حَاتِمُ بنُ إسماعيلَ عن جَهْضَم بن عبدِ الله عن محمدِ بن إبراهيم عن محمدِ بن زَيْدٍ عن شَهْرِ بن حَوْشَبٍ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قال:"نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن شِرَاءِ المَغَانِمِ حَتّى تُقْسَم".
وفي البابِ عن أبي هُرَيْرَةَ. وهذا حديثٌ غريبٌ.
ـــــــ
"باب في كَرَاهِيَةِ بَيْعِ المغَانِمِ حَتّى تُقسم"
قوله:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراء المغانم حتى تقسم"أي عن بيعها واشترائها حتى تقسم. قال القاري: قال القاضي: المقتضى للنهي عدم الملك عند من يرى أن الملك يتوقف على القسمة، وعند من يرى الملك قبل القسمة المقتضى له الجهل بعين المبيع وصفته إذا كان في المغنم أجناس مختلفة انتهى. وتبعه ابن الملك وغيره من علمائنا يعني الحنفية. قال المظهر: يعني لو باع أحد من المجاهدين نصيبه من الغنيمة لا يجوز لأن نصيبه مجهول، ولأنه ملك ضعيف يسقط بالأعراض، والملك المستقر لا يسقط بالأعراض انتهى.
قوله: "وفي الباب عن أبي هريرة" لينظر من أخرجه
قوله: "وهذا حديث غريب" وأخرجه ابن ماجه، والحديث ضعيف، فإن في سنده محمد بن إبراهيم الباهلي البصري، قال أبو حاتم مجهول، وأيضاً في سنده محمد بن زيد العبدي، قال في التقريب لعله ابن أبي القموس وإلا فمجهول(5/180)
باب في كراهية وطء الحبالى من السبايا
...
15ـ باب ما جاءَ في كَرَاهِيَةِ وَطْءِ الحبَالَى مِنَ السّبَايَا
1611ـ حدثنا محمدُ بن يَحْيى النّيْسَابُورِيّ، حدثنا أبو عَاصِمٍ النّبِيلُ
ـــــــ
"باب ما جاءَ في كَرَاهِيَةِ وَطْءِ الحبَالَى مِنَ السّبَايَا"
الحبالى بفتح الحاء المهملة جمع الحبلى، والسبايا جمع سبية.(5/180)
عن وَهْبٍ أبي خَالِدٍ قال:حدّثَتْنِي أُمّ حَبَيبَةَ بنتِ عِرباضِ بن سَارِيَةَ أنّ أباهَا أخْبَرَهَا:"أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى أنْ تُوطأ السّبَايَا حَتّى يَضَعْنَ مَا فِي بُطُونِهِنّ".
وفي البابِ عن رُوَيفعِ بن ثابتٍ. وحديثُ عِرْبَاضٍ حديثٌ غريبٌ. والعَمَلُ على هذا عندَ أهلِ الْعِلْمِ.
ـــــــ
قوله:"حدثتني أم حبيبة بنت عرباض بن سارية"قال في التقريب مقبولة من الثالثة "نهى أن توطأ السبايا حتى يضعن ما في بطونهن" فيه دليل على أن يحرم على الرجل أن يطأ الأمة المسبيه إذا كانت حاملاً حتى تضع حملها: وروى أبو داود وأحمد عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سبي أوطاس: لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة، وفيه دليل على أنه يحرم على الرجل أن يطأ الأمة المسبيه إذا كانت حاملاً حتى تستبرئ بحيضة. وقد ذهب إلى ذلك الشافعية والحنفية والثوري والنخعي ومالك، وظاهر قوله ولا غير حامل أنه يجب الاستبراء للبكر، ويؤيده القياس على العدة، فإنها تجب مع العلم براءة الرحم. وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الاستبراء إنما يجب في حق من لم تعلم براءة رحمها، وأما من علمت براءة رحمها فلا استبراء في حقها. وقد روى عبد الرزاق عن ابن عمر أنه قال: إذا كانت الأمة عذراء لم يستبرئها إن شاء وهو في صحيح البخاري عنه، ثم ذكر الشوكاني: مؤيدات لهذا القول، ثم قال: ومن القائلين بأن الاستبراء إنما هو للعلم ببراءة الرحم فحيث تعلم البراءة لا يجب وحيث لا يعلم ولا يظن يجب: أبو العباس بن سريج وأبو العباس بن تيمية وابن القيم، ورجحه جماعة من المتأخرين منهم الجلال والمقبلي والمغربي والأمير وهو الحق، لأن العلة معقولة، فإذا لم توجد مئنة كالحمل ولا مظنة كالمرأة المزوجة فلا وجه لإيجاب الاستبراء. والقول بأن الاستبراء تعبدي وأنه يجب في حق الصغيرة، وكذا في حق البكر والآيسة ، ليس عليه دليل انتهى كلام الشوكاني.
قوله: "وفي الباب عن رويفع" بالتصغير. وأخرج حديثه أحمد والترمذي وأبو داود عنه مرفوعاً: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقى ماءه ولد(5/181)
وقال الأوْزَاعِيّ:إذا اشْتَرَى الرّجُلُ الجَارِيَةَ مِنَ السّبْيِ وهي حَامِلٌ، فقد رُوِيَ عن عُمرَ بن الخطّابِ أنه قال: لا تُوَطأُ حَامِلٌ حتى تَضَعَ.قال:الأوْزَاعِيّ:وأما الحَرَائِرُ فَقَدْ مَضَت السّنّةُ فِيهِنّ بأنْ أُمِرْنَ بالعِدّةِ. كُلّ هذا حَدّثَنِي عليّ بن خَشْرَمٍ قال حدثنا عيسى بن يُونُسَ عن الأوْزَاعِيّ.
ـــــــ
غيره" ، وزاد أبو داود: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقع على امرأة من السبى حتى يستبرئها" ، وفي لفظ: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ينكحن ثيباً من السبايا حتى تحيض" . رواه أحمد.
قوله: "وحديث عرباض حديث غريب" وأخرجه ابن أبي شيبة من حديث علي بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تستبريء بحيضة، وفي إسناده ضعف وانقطاع.
قوله: "قال حدثنا عيسى بن يونس" بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي سكن الشام، روى عن الأوزاعي وخلق وعنه علي بن خشرم وخلق قال في حاشية الأحمدية، وفي نسخة صحيحة علي بن يونس قلت: هذا غلط والصواب عيسى بن يونس(5/182)
باب ماجاء في طعام المشركين
...
16 ـ باب ما جاءَ في طَعَامِ المشْرِكِين
1612 ـ حدثنا محمودُ بن غَيْلانَ، حدثنا أبو داودَ الطّيَالِسِيّ عن شُعْبَةَ أخْبَرَنِي سِمَاك بن حَرْبٍ. قال سَمِعْتُ قَبِيصَةَ بنَ هلْبٍ يُحَدّثُ عن أبيهِ قال: سَأَلْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم عن طَعَامِ النّصَارَى، فقال: "لا يَتَخَلّجَنَ في صَدْرِكَ طَعَامٌ ضَارعت فيهِ النّصْرَانِيّةَ" .
ـــــــ
"باب ما جاءَ في طَعَامِ المشْرِكِين"
قوله: "سمعت قبيصة بن هلب" بضم الهاء وسكون اللام "قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن طعام النصارى" ، وفي رواية سأله رجل فقال إن من الطعام طعاماً أتحرج منه، كذا في المشكاة "لا يتخلجن في صدرك طعام" وفي رواية شيء(5/182)
هذا حديثٌ حسنٌ.قال محمودٌ:وقال عُبَيْد الله بن موسى عن إسْرَائِيلَ عن سِمَاكٍ عن قَبِيصَةَ عن أبِيهِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مثلَهُ. قال محمودٌ: وقال وَهْبُ بن جَرِيرٍ عن شُعْبَةَ عن سِمَاكٍ عن مُرّيّ بن قَطَرِي عن عَدِيّ بن حَاتِمٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مثلَهُ.
والعملُ على هذا عندَ أهلِ الْعِلْمِ مِنَ الرّخْصَةِ في طعامِ أهلِ الكِتابِ.
ـــــــ
مكان طعام، ويتخلجن بالخاء المعجمة، قال التوربشتي: يروى بالحاء المهملة وبالخاء المعجمة فمعناه بالمهملة لا يدخلن قلبك منه شيء فإنه مباح نظيف، وبالمعجمة لا يتحركن الشك في قلبك انتهى. وقال في المجمع: أصل الاختلاج الحركة والاضطراب "ضارعت فيه النصرانية" أي شابهت لأجله أهل الملة النصرانية من حيث امتناعهم إذا وقع في قلب أحدهم إنه حرام أو مكروه، وهذا في المعنى تعليل النهي. والمعنى لا تتحرج، فإنك إن فعلت ذلك ضارعت فيه النصرانية فإنه من دأب النصارى وترهيبهم. وقال الطيبي: هو جواب شرط محذوف، والجملة الشرطية مستأنفة لبيان الموجب، أي لا يدخلن في قلبك ضيق وحرج لأنك على الحنيفية السهلة السمحة، فإنك إذا شددت على نفسك بمثل هذا شابهت فيه الرهبانية، فإن ذلك دأبهم وعادتهم، قال تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} الآية .
قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أبو داود "قال محمود" هو ابن غيلان "عن مري" بضم الميم وتشديد الراء المكسورة "قطري" بفتح القاف والطاء. قال في التقريب: مري بلفظ النسب ابن قطري بفتحتين وكسر الراء مخففاً الكوفي مقبول من الثالثة انتهى، قلت: ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي: لا يعرف، تفرد عنه سِمَاك.
قوله: "والعمل على هذا عند أهل العلم من الرخصة في طعام أهل الكتاب" قد ذكر الترمذي في الباب لفظ طعام المشركين وليس في الحديث ذكر المشركين فالظاهر أنه حمل المشركين على أهل الكتاب في هذا الباب والله تعالى أعلم(5/183)
17ـ باب في كراهِيَةِ التّفْرِيق بين السّبْي
1613 ـ حدثنا عُمرُ بنُ حَفْصٍ بن عمر الشّيْبَانِيّ، أخبرنا عبدُ الله بنُ وَهْبٍ أخْبَرَنِي حُيَي عن أبي عبدِ الرحمَنِ الْحُبُلِيّ عن أبي أيوبَ قال: سَمِعْتُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ فَرّقَ بين وَالِدَةٍ وَوَلَدِها فَرّقَ الله بَيْنَهُ وبين أحِبّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" .
وفي الباب عن عليّ. وهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. والعملُ على هذا عندَ أهلِ الْعِلْمِ من أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم وغيرِهم كَرِهُوا التّفْرِيقَ بينَ السّبْيِ بين الْوَالِدَةِ وَوَلَدِها، وبين الْوَلَدِ والْوَالِدِ، وبين الاْخْوَةِ.
ـــــــ
"باب في كراهِيَةِ التّفْرِيق بين السّبْي"
قوله:"أخبرني حي"بضم أوله ويائين من تحت الأول مفتوحة ابن عبد الله بن شريح المعافري المصري صدوق يهم من الثالثة.
قوله: "من فرق بين والدة وولدها" أي بما يزيل الملك "فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة" قال المناوي: التفريق بين أمة وولدها بنحو بيع حرام، قبل التمييز عند الشافعي، وقبل البلوغ عند أبي حنيفة.
قوله: "وفي الباب عن عليَ" أخرجه الترمذي في باب كراهية أن يفرق بين الأخوين من كتاب البيوع.
قوله: "هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد والحاكم في المستدرك، وقال صحيح وتعقب قاله المناوي، وتقدم هذا الحديث بهذا الإسناد في الباب المذكور وتقدم الكلام في هذه المسألة هناك(5/184)
باب ماجاء في قتل الأسارى والفداء
...
18 ـ باب ما جاءَ في قَتْلِ الأسَارَى وَالْفِدَاء
1614 ـ حدثنا أبو عُبَيْدَةَ بن أبي السّفَرِ، واسْمُهُ أحمدُ بنُ عبدِ الله الْهَمَدَانِيّ و محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، قالا حدثنا أبو داوُدَ الْحَفْرِيّ، حدثنا يَحْيى بنُ زكريّا بنُ أبي زائدةَ عن سُفْيَانَ بنِ سعيدٍ عن هِشَامٍ عن ابنِ سيرينَ عن عُبَيْدَةَ عن عليّ أنّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ جِبْرائيل هَبَطَ عليهِ فقال له:خَيّرْهُمْ ـ يَعْني أصحابَك ـ في أسارَى بَدْرٍ، القتلَ أو الفِدَاء عَلَى أن يُقْتَلَ منهم قابلاً مثلَهم، قالوا: الفِدَاءَ ويُقْتَلُ مِنّا" .
ـــــــ
"باب ما جاءَ في قَتْلِ الأسَارَى وَالْفِدَاء"
قوله: "هبط عليه" أي نزل عليه."فقال"أي جبريل "له"أي للنبي صلى الله عليه وسلم "خيرهم" بصيغة الأمر من التخيير "يعني أصحابك" أي يريد بالضمير أصحابك، وهذا التفسير إما من عليّ أو ممن بعده من الرواة. والمعنى: قل لهم أنتم في أسارى بدر "القتل أو الفداء" بالنصب فيهما أي فاختاروا القتل أو الفداء. والمعنى أنكم مخيرون بين أن تقتلوا أسارى، ولا يلحقكم ضرر من العدو وبين أن تأخذوا منهم الفداء. "على أن يقتل منهم" أي من الصحابة "قابل" كذا وقع في بعض النسخ وفي بعضها قبل بالتنوين وهو الظاهر "مثلهم" يعني بعدهم من يتطور منهم، يكون الظفر للكفار فيها، وقد قتل من الكفار يومئذ سبعون وأسر سبعون "قالوا" أي الصحابة "الفداء" أي اخترنا الفداء "ويقتل منا" بالنصب بإضمار أن بعد الواو العاطفة على الفداء، أي وأن يقتل منا في العام المقبل مثلهم، قال القاري: وفي نسخة يعني من المشكاة بالرفع فيهما أي اختيارنا فداءهم وقتل بعضنا بقتل من المسلمين يوم أحد مثل ما اقتدى المسلمون منهم يوم بدر، وقد قتل من الكفار يومئذ سبعون وأسر سبعون. قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ } وإنما اختاروا ذلك رغبة منهم في إسلام أسارى بدر، وفي نيلهم درجة الشهادة في السنة(5/185)
ـــــــ
القابلة وشفقة سنهم على الأسارى بمكان قرابتهم منهم. قال التوربشتي:هذا الحديث مشكل جداً لمخالفته ما يدل على ظاهر التنزيل، ولما صح من الأحاديث في أمر أسارى بدر، أن أخذ الفداء كان رأياً رأوه فعوتبوا عليه، ولو كان هناك تخيير بوحي سماوي لم تتوجه المعاتبة عليه، وقد قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} إلى قوله {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وأظهر لهم شأن العاقبة بقتل سبعين منهم بعد غزوة أحد عند نزول قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} .وممن نقل عنه هذا التأويل، من الصحابة علي رضي الله تعالى عنه، فلعل علياً ذكر هبوط جبريل في شأن نزول هذه الآية ، وبيانها فاشتبه الأمر فيه على بعض الرواة. ومما جرأنا على هذا التقرير سوى ما ذكرناه هو أن الحديث تفرد به يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن سفيان من بين أصحابه فلم يروه غيره، والسمع قد يخطيء، والنسيان كثيراً يطرأ على الإنسان، ثم إن الحديث يروى عنه متصلاً وروى عن غيره مرسلاً، فكان ذلك مما يمنع القول لظاهره: قال الطيبي: أقول وبالله التوفيق: لا منافاة بين الحديث والآية ، وذلك أن التخيير في الحديث وارد على سبيل الاختيار والامتحان ولله أن يمتحن عباده بما شاء، امتحن الله تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} الآيتين ، وامتحن الناس بتعليم السحر في قوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ} وامتحن الناس بالملكين، وجعل المحنة في الكفر والإيمان بأن يقبل العامل تعلم السحر فيكفر، ويؤمن بترك تعلمه، ولعل الله تعالى امتحن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بين أمرين القتل والفداء، وأنزل جبريل عليه السلام بذلك، هل هم يختارون ما فيه رضا الله تعالى من قتل أعدائه أم يؤثرون العاجلة من قبول الفداء، فلما اختاروا الثاني عوقبوا بقوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} . قال القاري بعد ذكر هذا الكلام ما لفظه: قلت بعون الله إن هذا الجواب غير مقبول لأنه معلول ومدخول، فإنه إذا صح التخيير لم يجز العتاب والتعبير فضلاً عن التعذيب والتعزير، وأما ما ذكره من تخيير أمهات المؤمنين، فليس فيه أنهم لو اخترن الدنيا لعذبن في العقبى، ولا في الأولى، وغايته أنهن يحرمن من مصاحبة المصطفى لفساد اختيارهن الأدنى(5/186)
وفي البابِ عن ابنِ مَسْعُودٍ وأنَسٍ وأبي بَرَزَةَ وجُبَيْر بنِ مُطْعِمٍ.
ـــــــ
بالأعلى.وما قضية الملكين، وقضية تعليم السحر، فنعم امتحان من الله وابتلاء، لكن ليس فيه تخيير لأحد، ولهذا قال المفسرون في قوله تعالى {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} أنه أمر تهديد لا تخيير. وأما قوله: أم يؤثرون الأعراض العاجلة من قبول الفدية فلما اختاروه عوقبوا بقوله {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ} الآية ، فلا يخفى ما فيه من الجرأة العظيمة والجناية الجسيمة، فإنهم ما اختاروا الفدية لا للتقوية على الكفار، وللشفقة على الرحم، ولرجاء أنهم يؤمنون، أو في أصلابهم من يؤمن.
ولا شك أن هذا وقع منهم اجتهاداً وافق رأيه صلى الله عليه وسلم، غايته أن اجتهاد عمر وقع أصوب عنده تعالى، فيكون من موافقات عمر رضي الله عنه، ويساعدنا ما ذكره الطيبي، من أنه يعضده سبب النزول، روى مسلم والترمذي عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنهم، أنهم لما أسروا الأسارى يوم بدر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله بنو العمم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قلت: لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكننا، فنضرب أعناقهم، فإن هؤلاء أثمة الكفر وصناديده، فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدان يبكيان، فقلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي وصاحبك؟ فقال أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة ، وأنزل الله تعالى الآية انتهى. قال القاري: ويمكن أن يقال جمعاً بين الآية والحديث أن اختيار الفداء منهم أولاً كان بالإطلاق ثم وقع التخيير بعده بالتقييد والله أعلم.
قوله: "وفي الباب عن ابن مسعود وأنس وأبي برزة وجبير بن مطعم" أما حديث ابن مسعود، فأخرجه أبو داود، وأما حديث أنس، فأخرجه مسلم،(5/187)
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِن حديثِ الثّوْرِيّ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِن حَديثِ ابنِ أبِي زَائِدَةَ.
وَرَوَى أبو أُسَامَةَ عن هِشَامٍ عن ابنِ سِيرِينَ عن عُبَيْدَةَ عن علي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحوَهُ.
ورَوَى ابنُ عَونٍ عن ابنِ سِيرِينَ عن عُبَيْدَةَ عن عليّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسلاً.
وأبو داود الحَفرِيّ اسْمُهُ عُمرُ بنُ سَعْدٍ.
1615ـ حدثنا ابنُ أبي عُمرَ حدثنا سُفْيَانُ حدثنا أيّوبُ عن أبِي قِلاَبَةَ عن عَمّهِ عن عمرانَ بنِ حُصَيْنٍ:"أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَدَى رجُلَيْنِ مِن المسلمينَ برَجُلٍ مِنَ المشرِكينَ".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
وأما حديث أبي برزة، فلينظر من أخرجه، وأما حديث جبير بن مطعم، فأخرجه البخاري.
قوله:"هذا حديث حسن غريب الخ"قال الطيبي:قول ابن حبان هذا حديث غريب لا يشعر بالطعن فيه، لأن الغريب قد يكون صحيحاً انتهى. قال القاري: وقد يكون ضعيفاً فيصلح للطعن في الجملة انتهى. قلت: الأمر كان قال الطيبي.
قوله:"أبو داود الحفري" بفتح الحاء المهملة والفاء وبالراء نسبة إلى موضع بالكوفة "اسمه عمر بن سعد"بن عبد ثقة عابد من التاسعة.
"فدي رجلين من المسلمين برجل من المشركين"زاد في رواية أحمد من بني عقيل.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأخرجه مسلم مطولاً.(5/188)
وَعَمّ أبِي قِلاَبَةَ هو أبو المهَلّبِ واسْمُهُ عبدُ الرحمَنِ بن عَمْرٍو، ويُقَالُ مُعاوِيةُ بنُ عَمْرٍو.وأبو قِلاَبَةَ اسْمُهُ عبدُ الله بنُ زَيْدٍ الجَرْمِيّ.
والعملُ على هذا عِنْدَ أكثرِ أهلِ الْعِلْمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم أنّ للإمامِ أنْ يَمُنّ على مَن شَاءَ مِنَ الأُسارَى، ويَقتُل مَن شَاءَ مِنهم، وَيَفْدِي مَنْ شَاءَ، واخْتَارَ بعضُ أهلِ الْعِلْمِ القتلَ على الفِدَاءِ.
وقال الأوْزَاعِيّ:بَلَغَنِي أنّ هذِهِ الآية منْسُوخَةٌ:قوله تعالى: {فَإِمّا مَنّا بَعْدُ وَإِمّا فِدَاءً} نَسَخَتْها {فَاقْتُلُوهُم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم} .
حدثنا بذلك هَنّادٌ حدثنا ابنُ المباركِ عن الأوْزَاعِيّ. قال إسحاقُ بن منصُورٍ: قلتُ لأحمدَ: إذا أُسِرَ الأَسِيرُ يُقْتَلُ أو يُفَادَى أحَبّ إليكَ؟ قال إن قدروا أن يفادوا فليس له بأس، وان قتل فلا أعلم به بأساً. قال إسحاقُ: الإثْخَانُ أحَبّ إلَيّ إلاّ أنْ يَكُونَ مَعْرُوفاً فأطْمعُ بهِ الكثِيرَ.
ـــــــ
قوله:"وعم أبي قلابة هو أبو المهلب"بضم الميم وفتح الهاء وباللام المشددة المفتوحة الجرمي البصري "واسمه عبد الرحمن بن عمر الخ ثقة من الثانية" .
قوله:"والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم الخ" قال الشوكاني في النيل: مذهب الجمهور أن الأمر في الأسارى الكفرة من الرجال إلى الإمام يفعل ما هو الأحظ للإسلام والمسلمين. وقال الزهري ومجاهد وطائفة: لا يجوز أخذ الفداء من الكفار أصلاً. وعن الحسن وعطاء لا تقتل الأسرى بل يتخير من المن والفداء. وعن مالك: لا يجوز المن بغير فداء. وعن الحنفية: لا يجوز المن أصلاً لا بفداء ولا بغيره. قال الطحاوي: وظاهر الآية يعني قوله تعالى: {فَإِمّا مَنّا بَعْدُ وَإِمّا فِدَاءً} حجة للجمهور، وكذا حديث أبي هريرة في قصة ثمامة. وقال أبو بكر(5/189)
ـــــــ
الرازي:احتج أصحابنا لكراهية فداء المشركين بالمال، بقوله تعالى: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} الآية ، ولا حجة لهم في ذلك لأنه كان قبل حل الغنيمة كما قدمنا عن ابن عباس: والحاصل أن القرآن والسنة قاضيان بما ذهب إليه الجمهور فإنه قد وقع منه صلى الله عليه وسلم المن وأخذ الفداء، ووقع منه القتل، فإنه قتل النضر ابن الحارث وعقبة بن معيط وغيرهما، ووقع منه فداء رجلين من المسلمين برجل من المشركين، قال: وقد ذهب إلى جواز فك الأيسر من الكفار بالأسير من المسلمين جمهور أهل العلم لحديث عمران بن حصين(5/190)
باب ماجاء في النهي عن قتل النساء والصبيان
...
19ـ باب ما جاءَ في النّهْيِ عن قَتْلِ النّساءِ والصّبْيَانِ
1617ـ حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمرَ أخَبَرَهُ "أنّ امْرَأَةً وُجِدَتْ في بعضِ مَغَازِي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مَقْتُولَةً فأَنكَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذلكَ، ونهَى عن قَتْلِ النّسَاءِ والصّبْيَانِ".
وفي البابِ عن بُرَيْدَةَ وَرَبَاحٍ، ويقالُ رَبَاحُ بنُ الرّبِيعِ والأسودِ بن سَرِيعٍ وابنِ عبّاسٍ والصّعْبِ بن جَثامَةَ.
ـــــــ
"باب ما جاءَ في النّهْيِ عن قَتْلِ النّساءِ والصّبْيَانِ"
قوله:"ونهى عن قتل النساء والصبيان"قال ابن الهمام:ما أظن إلا أن حرمة قتل النساء والصبيان إجماع. وعن أبي بكر أنه أوصى يزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى الشام وقال لا تقتلوا الولدان، ولا النساء ولا الشيوخ الحديث، قال: لكن يقتل من قاتل من كل من قلنا إنه لا يقتل كالمجنون والصبي والمرأة والشيوخ والرهبان إلا أن الصبي والمجنون يقتلان في حال قتالهما، أما غيرهما من النساء والرهبان ونحوهم فإنهم يقتلون إذا قاتلوا بعد الأسر، والمرأة الملكة تقتل وإن لم تقاتل، وكذا الصبي الملك والمعتوه الملك، لأن في قتل الملك كسر شوكتهم كذا في المرقاة، قلت: في بعض كلام ابن الهمام هذا تأمل فتأمل.
قوله: "وفي الباب عن بريدة ورباح ويقال رباح بن الربيع" قال الحافظ في الفتح: رباح بكسر الراء المهملة بعدها تحتانية، وقال المنذري بالياء الموحدة، ويقال بالياء(5/190)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ العلم مِن أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهم كَرِهُوا قَتْلَ النّسَاءِ وَالوِلْدَان.وهو قولُ سُفيانَ الثّوْرِيّ والشافعيّ.
ـــــــ
التحتانية، ورجح البخاري أنه بالموحدة "والأسود بن سريع وابن عباس والصعب ابن جثامة" أما حديث بريدة فأخرجه مسلم، وإما حديث رباح فأخرجه أحمد وأبو داود. وأما حديث الأسود بن سريع فأخرجه أحمد.وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد وفيه: ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع. وأما حديث الصعب بن جثامة فأخرجه الترمذي في هذا الباب.
قوله:"هذا حديث حسن صحيح"أخرجه الجماعة إلا النسائي.
قوله: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم الخ" قال الشوكاني:أحاديث الباب تدل على أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان، وإلى ذلك ذهب مالك والأوزاعي، فلا يجوز ذلك عندهما بحال من الأحوال حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم، وذهب الشافعي والكوفيون إلى الجمع بين الأحاديث المختلفة فقالوا: إذا قاتلت راجع الأصل المرأة جاز قتلها، إذا قاتلت إلا إن باشرت القتل، أو قصدت إليه: ويدل على ما رواه أبو داود في المراسيل عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بامرأة مقتولة يوم حنين فقال: من قتل هذه؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله غنمتها فأردفتها خلفي، فما رأت الهزيمة فيما أهوت إلى قائم سيفي لتقتلني فقتلتها، فلم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصله الطبراني في الكبير وفيه حجاج بن أرطأة وابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن يحيى الأنصاري. ونقل ابن بطال أنه اتفق الجميع على المنع من القصد إلى قتل النساء والولدان، أما النساء فلضعفهن، وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفار ولما في استبقائهم جميعاً من الانتفاع إما(5/191)
ورخّصَ بَعْضُ أهلِ الْعِلْمِ في البَيَاتِ وَقتلِ النّسَاءِ فيهم والوِلْدَانِ، وهو قَوْلُ أحمدَ وإسحاقَ، ورَخّصَا فِي البَيَاتِ.
1618ـ حدثنا نَصْرُ بنُ علي الْجَهْضَمِيّ حدثنا سُفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن الزّهْرِيّ عن عُبَيْدِ الله بنِ عبدِ الله عن ابنِ عباسٍ قال: أخبَرَنِي الصّعْبُ بنُ جَثّامَةَ قال:"قلتُ يَا رسولَ الله إنّ خَيْلَنَا أوْطئتْ مِن نِسَاءِ المُشرِكينَ وأوْلاَدِهِم، قال: هُمْ مِنْ آبائِهم ".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
بالرق أو الفداء فيمن يجوز أن يفادي به انتهى "ورخص بعض أهل العلم في البيات" بفتح الموحدة هو الغارة بالليل "وقتل النساء فيهم"أي في الكفار "والولدان" عطف على النساء "وهو قول أحمد إسحاق رخصاً في البيات".قال الحافظ في الفتح قال أحمد: لا بأس في البيات ولا أعلم أحداً كرهه انتهى.
قوله: "أخبرني الصعب بن جثامة"بفتح الجيم وتشديد المثلثة الليثي صحابي عاش إلى خلافة عثمان.
قوله:"هم من آبائهم"وفي رواية البخاري: هم منهم، قال الحافظ أي في الحكم تلك الحالة، فليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء إلا بوطء الذرية، فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة إلا النسائي، وزاد أبو داود قال الزهري: ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان كذا في المنتقى. قال الشوكاني: استدل به من قال إنه لا يجوز قتلهم مطلقاً انتهى. قال وهذه الزيادة أخرجها الإسماعيلي من طريق جعفر الفريابي عن علي بن المديني عن سفيان بلفظ: وكان الزهري إذا حدث بهذا الحديث قال وأخبرني أبي بن كعب بن مالك عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والصبيان. وأخرجه أيضاً ابن حبان مرسلاً كأبي داود، قال في الفتح: وكأن الزهري أشار بذلك إلى نسخ حديث الصعب انتهى(5/192)
20ـ باب
1619 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ عن بُكَيْرٍ بنِ عبدِ الله عن سُلَيْمانَ بنِ يَسَارٍ عن أبي هُرَيْرَةَ قال: "بَعَثَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بَعْثٍ، فقال: إنْ وَجَدْتُمْ فُلاَناً وَفُلاَناً لِرَجُلَيْنِ مِن قُرَيْشٍ فأحْرِقُوهُمَا بِالنّارِ ، ثم قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حينَ أرَدْنَا الخُرُوجَ: إنّي كُنْتُ أمَرْتُكُمْ أنْ تحرِقُوا فُلاناً وفلاناً بالنّارِ، وإنّ النّارَ لا يُعَذّبُ بها إلاّ الله، فإن وَجَدْتُمُوهما فَاقْتُلُوهُمَا ".
وفي البابِ عن ابنِ عباسٍ وَحَمْزَةَ بنِ عَمْرٍو الأسْلَمِيّ.
"قال أبو عيسى"حديثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا عندَ أهل العِلْمِ. وقد ذكَرَ محمدُ بن إسحاقَ بَيْنَ سُلَيْمانَ بن يَسَارٍ وبَيْنَ أبي هُرَيْرَةَ رجلاً في هذا الحديثِ. ورَوَى غَيْرُ واحِدٍ مِثْلَ رِوَايَةِ اللّيْثِ. وحديثُ اللّيْثِ بنِ سَعْدٍ أَشْبَهُ وَأَصَحّ.
ـــــــ
"باب"
قوله: "في بعث" أي في جيش "وإن النار لا يعذب بها إلا الله" هو خبر بمعنى النهي. وقد اختلف السلف في التحريق فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما مطلقاً سواء كان في سبب كفر أو في حال مقاتلة أو في قصاص، وأجازه علي وخالد بن الوليد وغيرهما. قال المهلب: ليس هذا النهي عن التحريم بل على سبيل التواضع، ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة، وقد سمل النبي صلى الله عليه وسلم، أعين العرنيين بالحديد، وقد أحرق أبو بكر بالنار في حضرة الصحابة وحرق خالد بن الوليد ناساً من أهل الردة، وكذلك حرق علي.
قوله: "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والبخاري وأبو داود(5/193)
باب ماجاء في الغلول
...
21ـ باب ما جاءَ في الغُلُول
1620ـ حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا أبو عَوَانَةَ عن قَتَادَةَ عن سالمِ بنِ أبي الْجَعْدِ عن ثَوْبَانَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن ماتَ وهو بَرِيءٌ مِن ثلاثٍ الكِبْرِ والغُلُولِ والدّيْنِ دَخَلَ الْجَنّةَ" .
وفي البابِ عن أبي هُرَيْرَةَ وزَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيّ.
ـــــــ
"باب ما جاءَ في الغُلُول"
قال المنذري في الترغيب: الغلول هو ما يأخذه أحد الغزاة من الغنيمة مختصاً به ولا يحضره إلى أمير الجيش ليقسمه بين الغزاة، سواء قل أو كثر، وسواء كان الآخذ أمير الجيش أو أحدهم. واختلف العلماء في الطعام والعلوفة ونحوهما اختلافاً كثيراً انتهى. وقال الجزري في النهاية: الغلول الخيانة في المغنم والسرقة من الغنيمة قبل القسمة، وكل من خان في شيء خفية فقد غل، وسميت غلولاً لأن الأيدي فيها مغلولة أي ممنوعة، مجعول فيها غل، وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه ويقال لها جامعة أيضاً انتهى
قوله:"وهو بريء من الكبر"بكسر الكاف وسكون الموحدة وبالراء "والدين" بفتح الدال المهملة وسكون التحتانية "دخل الجنة" يفهم منه أن من مات وهو ليس بريئاً من هذه الثلاث لا يدخل الجنة.
قوله: "وفي الباب عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني" أما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان. وأما حديث زيد بن خالد فأخرجه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
اعلم أن الترمذي لم يحكم على حديث ثوبان هذا بشيء من الصحة والضعف، وقد صححه الحاكم قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث: رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرطهما.(5/194)
1621ـ حدثنا محمدُ بنِ بَشّارٍ حدثنا ابن أبي عَدِي عن سعيدٍ عن قَتَادَةَ عن سَالِمِ بنِ أبي الْجَعْدِ عن مَعْدَانَ بن أبي طَلْحَةَ عن ثَوْبَانَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ فَارَقَ الرّوحُ الْجَسَدَ وَهُوَ بَريءٌ مِنْ ثَلاَثٍ: الكَنْز وَالغُلُولِ والدّيْنِ دَخَلَ الجَنّةَ" هكذا. قال سَعيدٌ: الكَنْزَ، وقال أبو عَوَانَةَ في حديثِهِ: الكِبْرَ، ولمْ يذكر فيه عن مَعْدَانَ. ورِوَايَةُ سَعيدٍ أصَحّ.
1622ـ حدثنا الحسَنُ بنُ عليّ حدثنا عبدُ الصّمَدِ بنُ عبدِ الوارِثِ حدثنا عِكْرِمَةُ بنُ عَمّارٍ حدثنا سِمَاكٌ أبو زُمَيْلٍ الحَنَفِيّ قال: سَمِعْتُ ابنَ عباسٍ يقولُ حدثني عُمَرُ بنُ الخطابِ قال: "قِيلَ يَا رسولَ الله إنّ فُلاَناً قد اسْتُشْهِدَ، قال: "كَلاّ قد رَأَيْتُهُ في النّارِ بِعَبَاءَةٍ قد غَلّها" ، قال: " قُمْ يَا عليّ فنَادِ أنّهُ لا يَدْخُلُ الْجَنّةَ إلاّ المؤمِن ثلاثاً" .
ـــــــ
قوله: "عن سعيد" هو ابن أبي عروبة "من فارق الروح الجسد" أي من فارق روحه جسده، وكذلك وقع في بعض نسخ الترغيب "الكنز" بفتح الكاف وسكون النون وبالزاي. قال في مجمع البحار لغة المال المدفون تحت الأرض، فإذا أخرج منه الواجب لم يبق كنزاً شرعاً وإن كان مكنوزاً لغة، ويشهد عليه ما ورد: كل ما أديت زكاته فليس بكنز "هكذا قال سعيد: الكنز" يعني بالكاف والنون والزاي "وقال أبو عوانة في حديثه الكبر" يعني بالكاف الموحدة والراء "ورواية سعيد أصح" قال البيهقي في كتابه عن أبي عبد الله يعني الحاكم: الكنز مقيد بالزاي والصحيح في حديث أبي عوانة بالراء.
قوله: "حدثنا سِمَاك أبو زميل" بضم الزاي المعجمة وفتح الميم مصغراً، وسِمَاك بكسر أوله وتخفيف الميم وهو ابن الوليد اليمامي ليس به بأس من الثالثة "إن فلاناً قد استشهد" بصيغة المجهول أي صار شهيداً "قال كلا" زجر ورد(5/195)
"هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.
ـــــــ
لقولهم في هذا الرجل إنه شهيد محكوم له بالجنة أول وهلة، بل هو في النار بسبب غلوله "بعباءة" العباء والعباءة ضرب من الأكسية قاله الطيبي، وقال في القاموس العباء كساء كالعباءة.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح وأخرجه أحمد ومسلم. وأحاديث الباب تدل على تحريم الغلول من غير فرق بين القليل منه والكثير، وقد ورد في حديث أبي هريرة عند مسلم: لا يغل أحدكم حين يغل وهو مؤمن. ونقل النووي الإجماع على أنه من الكبائر، وقد صرح القرآن والسنة بأن الغال يأتي يوم القيامة والشيء الذي غله معه(5/196)
باب ماجاء في خروج النساء في الحرب
...
22 ـ باب ما جاءَ في خُرُوجِ النساءِ في الْحَرْب
1623 ـ حدثنا بِشْرُ بنُ هِلاَلٍ الصّوّافُ حدثنا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ الضّبَعِيّ عن ثَابِتٍ عن أنَسٍ قال: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بأُمّ سُلَيْمٍ ونِسْوَةٍ مَعَهَا مِنَ الأنْصَارِ يَسْقِينَ الماءَ، ويُدَاوِينَ الجَرْحَى".
ـــــــ
"باب ما جاءَ في خُرُوجِ النساءِ في الْحَرْب"
قوله: "يسقين الماء ويداوين الجرحى" وفي حديث الربيع نسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة، وفي حديث أم عطية عند أحمد ومسلم وابن ماجه قالت: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم في رحالهم وأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على الزمنى. وفي هذه الأحاديث دليل على أنه يجوز خروج النساء في الحرب لهذه المصالح. والجهاد ليس بواجب على النساء، يدل على ذلك حديث عائشة عند أحمد والبخاري قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: لكن أفضل الجهاد حج مبرور. قال ابن بطال: دل حديث عائشة على أن الجهاد غير واجب على النساء، ولكن ليس في قوله أفضل الجهاد حج مبرور، وفي رواية البخاري: جهادكن الحج. ما يدل على أنه ليس لهن أن يتطوعن بالجهاد، وإنما لم يكن واجباً(5/196)
وفي البابِ عن الرّبَيّعِ بنْتِ مُعَوّذٍ. وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ
ـــــــ
لما فيه من مغايرة المطلوب منهن من الستر ومجانبة الرجال، فلذلك كان الحج أفضل لهن من الجهاد انتهى.
قوله: "وفي الباب عن الربيع بنت معوذ" أخرجه أحمد والبخاري.
قوله: "وهذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم(5/197)
باب ماجاء في قبول هدايا المشركين
...
23 ـ بابُ ما جاءَ في قبُولِ هَدَايا المُشرِكين
1624 ـ حدثنا عليّ بنُ سَعِيدٍ الكِنْدِيّ حدثنا عبدُ الرّحِيمِ بنُ سُلَيْمانَ عن إسْرَائِيلَ عن ثوَيْرٍ عن أبيهِ عن عليّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أنّ كِسْرَى أهْدَى له فَقَبِلَ، وَأنّ المُلُوكَ أهْدوا إليهِ فَقَبِلَ مِنْهُمْ".
وفي البابِ عن جَابرٍ. وهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وَثُوَيْرٌ بنُ أبِي فَاختَةَ اسْمُهُ سعيدُ بنُ عِلاَقَةَ. وَثُوْيرٌ يُكْنَى أبَا جَهْمٍ.
ـــــــ
"بابُ ما جاءَ في قبُولِ هَدَايا المُشرِكين"
قوله: "عن ثوير" بضم الثاء المثلثة وفتح الواو مصغراً.
قوله: "إن كسرى" بكسر الفاء وفتحها لقب ملوك الفرس "فقبل منهم" هذا الحديث من الأحاديث التي تدل على جواز قبول هدايا المشركين وهي كثيرة، وسيأتي التوفيق بينها وبين الأحاديث التي تدل على المنع.
قوله: "وفي الباب عن جابر" قال العيني في شرح البخاري: روى في هذا الباب عن جماعة من الصحابة عن جابر رضي الله عنه رواه ابن عدي في الكامل عنه، قال: أهدى النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قارورة من غالية، وكان أول من عمل له الغالية. قال العيني: لم أجد في هدايا الملوك له صلى الله عليه وسلم من حديث جابر إلا هذا الحديث، والنجاشي كان قد أسلم، ولا مدخل للحديث في الباب إلا أن يكون أهداه له قبل إسلامه وفيه نظر، ويحتمل أن يراد بالنجاشي(5/197)
ـــــــ
نجاشي آخر، من ملوك الحبشة لم يسلم كما في الحديث الصحيح عند مسلم من حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب قبل موته إلى كسرى وقيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم الحديث. وعن أبي حميد الساعدي قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه وأهدى ملك أيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء فكساه رسول الله صلى الله عليه وسلم بردة وكتب له ببحرهم، أخرجه الشيخان. وعن أنس أخرجه مسلم والنسائي من رواية قتادة عنه: أن أكيدر دومة الجندل أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من سندس. ولأنس حديث آخر رواه ابن عدي في الكامل من رواية علي بن زيد عن أنس: أن ملك الروم أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ممشقة من سندس فلبسها، أورده في ترجمة علي وضعفه، قال العيني: الممشقة بضم الميم الأولى، وفتح الثانية، وتشديد الشين المعجمة، وبالقاف هو الثوب المصبوغ بالمشق بكسر الميم، وهو المغيرة، ولأنس حديث آخر رواه أبو داود من رواية عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس: أن ملك ذي يزن أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة أخذها بثلاثة وثلاثين ناقة فقبلها. وعن بلال بن رباح أخرجه أبو داود عنه حديثاً مطولاً، وفيه ألم تر إلى الركائب المناخاة الأربع فقلت بلى. فقال: إن لك رقابهن وما عليهن فإن عليهن كسوة وطعاماً أهداهن إليّ عظيم فدك، فاقبضهن فاقض دينك. وعن حكيم بن حزام أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير من رواية عراك بن مالك أن حكيم بن حزام قال: كان محمد أحب رجل في الناس إليّ في الجاهلية، فلما تنبأ وخرج إلى المدينة شهد حكيم بن حزام الموسم وهو كافر فوجد حلة لذي يزن تباع فاشتراها بخمسين ديناراً ليديها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم بها عليه المدينة فأراده على قبضها هدية فأبى، قال عبد الله: حسبته، قال: إنا لا نقبل شيئاً من المشركين ولكن إن شئت أخذناها بالثمن، فأعطيته حين أبى على الهداية. انتهى ما في شرح البخاري للعيني.
قوله: "وهذا حديث حسن غريب" وأخرجه أيضاً البزار وأورده في التلخيص ولم يتكلم عليه، وفي إسناده ثوير بن أبي فاختة وهو ضعيف قوله: "وثوير هو ابن أبي فاختة" بخاء معجمة مكسورة ومثناة مفتوحة "اسمه" أي اسم أبي فاختة "سعيد بن علاقة" بكسر العين المهملة.(5/198)
1625 ـ حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا أبو داودَ عن عِمْرانَ القطّانِ عن قَتَادَةَ عن يَزِيدَ بن عبدِ الله "هو ابنِ الشّخّيرِ"عن عَيَاضِ بنِ حِمَارٍ:"أنّهُ أهْدَى للنبيّ صلى الله عليه وسلم هَدْيّة أو نَاقَة، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: أسْلَمْتَ؟ قال:لا:قال: فإنّي نُهِيْتُ عن زَبْدِ المشرِكِينَ ".
قال أبو عيسى:هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.ومعنَى قوله: "إنّي نهِيتُ عَن زَبْدِ المشرِكِينَ" يَعْنِي هَدَايَاهمْ.
وقد رُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّهُ كَانَ يَقْبَلُ مِن المشرِكِينَ هَدَايَاهُم. وذُكِرَ في هذا الحديثِ الكرَاهِيَةُ. واحْتمَلَ أنْ يكُونَ هذا بَعْدَ ما كانَ يَقْبَلُ مِنهم ثم نَهَى عن هَدَايَاهُم.
ـــــــ
قوله:"عن عياض"بكسر أوله وتخفيف التحتانية وآخره ضاد معجمة، "بن حمار" بكسر المهملة، وتخفيف الميم التميمي المجاشعي صحابي، سكن البصرة وعاش إلى حدود الخمسين.
قوله: "إني نهيت" بصيغة المجهول "عن زبد المشركين" بفتح الزاي وسكون الباء الموحدة وفي آخره دال مهملة وهو الرفد والعطاء.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود وصححه ابن خزيمة وفي الباب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عند موسى بن عقبة في المغازي أن عامر بن مالك الذي يدعي ملاعب الأسنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك فأهدى له. فقال: إني لا أقبل هدية المشركين الحديث، قال في الفتح رجاله ثقات إلا أنه مرسل وقد وصله بعضهم ولا يصح.
قوله: "واحتمل أن يكون هذا بعد ما كان يقبل منهم ثم نهى عن هداياهم. قال الحافظ في الفتح: جمع الطبري بين هذه الأحاديث المختلفة بأن الامتناع فيما أهدى له خاصة، والقبول فيما أهدى للمسلمين، وفيه نظر لأن من جملة أدلة الجواز ما وقعت الهدية فيه له صلى الله عليه وسلم خاصة. وجمع غيره بأن الامتناع في حق(5/199)
ـــــــ
من يريد بهديته التودد والموالاة والقبول في حق من يرجى بذلك تأنيسه وتأليفه على الإسلام، وهذا أقوى من الأول، وقيل يحمل القبول على من كان من أهل الكتاب، والرد على من كان من أهل الأوثان، وقيل يمتنع ذلك لغيره من الأمراء وأن ذلك من خصائصه، ومنهم من ادعى نسخ المنع بأحاديث القبول، ومنهم من عكس، وهذه الأجوبة الثلاثة ضعيفة، فالنسخ لا يثبت بالاحتمال ولا التخصيص انتهى كلام الحافظ.
قلت:يدل على قول من ادعى نسخ المنع بأحاديث القبول ما رواه أحمد عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: قدمت قتيلة ابنة عبد العزي بن سعد على ابنتها أسماء بهدايا ضباب وأقط وسمن وهي مشركة، فأبت أسماء أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها، فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} إلى آخر الاَية. فأمرها أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها كذا في المنتقى.
ولا يبعد أن يقال من الأصل هو عدم جواز قبول هدايا المشركين، لكن إذا كانت في قبول هداياهم مصلحة عامة أو خاصة فيجوز قبولها والله تعالى أعلم(5/200)
باب ماجاء في سجدة الشكر
...
24ـ باب ما جاءَ في سَجْدَةَ الشّكْر
1626ـ حدثنا محمدُ بنُ المُثَنّى حدثنا أبو عَاصِمٍ حدثنا بَكارُ بنُ عبدِ العزيزِ بن أبي بَكْرَةَ عن أبيهِ عن أبي بكرةَ:"أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أتَاهُ أمْرٌ فَسُرّ بهِ فَخَرّ لله ساجِداً".
ـــــــ
"باب ما جاءَ في سَجْدَةَ الشّكْر"
قوله: "حدثنا بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة" قال الحافظ صدوق يهم، "عن أبيه" أي عبد العزيز بن أبي بكرة وهو صدوق "عن أبي بكرة" ، صحابي اسمه نقيع بن الحارث.
قوله: "فسرّ به" بصيغة المجهول أي فصار مسروراً به "فخر" من الخرور.(5/200)
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِن هذَا الوجهِ مِن حديثِ بَكّار بنِ عبدِ العزيزِ. والعَمَلُ على هذا عندَ أكثرَ أهلِ الْعِلْمِ رَأَوْا سَجْدَةَ الشّكْرِ وبكار بن عبدالعزيز بن أبي بكرة مقارب الحديث.
ـــــــ
قوله: "هذا حديث حسن غريب" أخرجه الخمسة إلا النسائي، قال الشوكاني: في إسناده بكار بن عبد العزيز وهو ضعيف عند العقيلي وغيره، وقال ابن معين: إنه صالح الحديث انتهى، وقال الحافظ: صدوق يهم. وفي الباب أحاديث كثيرة قال البيهقي: في الباب عن جابر وابن عمر وأنس وجرير وأبي جحيفة انتهى. وقال المنذري: وقد جاء حديث سجدة الشكر من حديث البراء بإسناد صحيح، ومن حديث كعب بن مالك وغير ذلك انتهى.
قلت وفي الباب أيضاً عن عبد الرحمن بن عوف أخرجه أحمد والبزار والحاكم عن سعد بن أبي وقاص أخرجه أبو داود، وقال في المنتقى: وسجد أبو بكر حين جاء قتل مسليمة، رواه سعيد بن منصور، وسجد على حين وجد ذا الثدية في الخوارج، رواه أحمد في مسنده، وسجد كعب بن مالك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما بشر بتوبة الله عليه، وقصته متفق عليها.
قوله: "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، رأوا سجدة الشكر" قال الشوكاني في النيل بعد ذكر أحاديث سجود الشكر ما لفظه: وهذه الأحاديث تدل على مشروعية سجود الشكر، وإلى ذلك ذهب العترة وأحمد والشافعي. وقال مالك، وهو مروي عن أبي حنيفة أنه يكره إذا لم يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم مع تواتر النعم عليه صلى الله عليه وسلم. وفي رواية عن أبي حنيفة أنه مباح لأنه لم يؤثر، وإنكار ورود سجود الشكر عن النبي صلى الله عليه وسلم من مثل هذين الإمامين مع وروده عنه صلى الله عليه وسلم من هذه الطرق التي ذكرها المصنف وذكرناها من الغرائب. ومما يؤيد ثبوت سجود الشكر قوله صلى الله عليه وسلم في حديث سجدة ص: " هي لنا شكر ولداود توبة"(5/201)
باب ماجاء في أمان المرأة والعبد
...
25ـ باب ما جاء في أمَانِ العبد والمرأة
1627 ـ حدثنا يحيى بنُ أكْثَمَ حدثنا عبدُ العزيزِ بنُ أبي حَازِمٍ عن كَثِيرِ بن زَيْدٍ عن الوَلِيدِ بن رَبَاحٍ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ المرْأَةَ لَتَأْخُذُ لِلْقَوْم يَعْنِي تُجُيِرُ على المسْلِمينَ" .
وفي البابِ عن أُمّ هانئ وهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ وسألت محمداً فقال هذا حديث صحيح وكثير بن زيد قد سمع من الوليد بن رباح والوليد بن رباح سمع قد أبى هريرة وهو مقارب الحديث.
1628- حدثنا أبو الوَلِيدِ الدّمَشْقِيّ حدثنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ أخبَرَنِي ابنُ أبي ذب عن سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ عن أبي مُرّةَ مولى عَقِيلِ بن أبي طَالِبٍ عن أُمّ هانئ أنهَا قالت: "أجَرْتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أحْمائِي، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: قَدْ أمّنّا مَنْ أمّنْتِ ".
ـــــــ
"باب ما جاء في أمَانِ العبد والمرأة"
قوله: "إن المرأة لتأخذ للقوم" أي تأخذ الأمان على المسلمين، أي جاز أن تأخذ المرأة المسلمة الأمان للقوم "يعني تجير على المسلمين" يقال أجرت فلاناً على فلان أغثته منه ومنعته، وإنما فسره به لإبهامه، فإن مفعول قوله لتأخذ محذوف أي الأمان والدال عليه قرائن الأحوال قاله الطيبي.
قوله: "وفي الباب عن أم هانئ" . أخرجه الشيخان، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ ، وأخرجه الترمذي أيضاً مختصراً في هذا الباب.
قوله: "وهذا حديث حسن غريب" ذكره الشوكاني في النيل وسكت عنه.
قوله: "عن أبي مرة" بضم الميم وشدة الراء اسمه يزيد مدني مشهور بكنيته ثقة من الثالثة "عن أم هانئ" بكسر نون وبهمزة اسمها فاختة وقيل عاتكة وقيل هند بنت أبي طالب أسلمت عام فتح مكة "أجرت رجلين من أحمائي" جمع حمو قريب الزوج "قد أمنا" أي أعطينا الأمان.(5/202)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا عندَ أهلِ العلمِ، أجازُوا أمانَ المرْأةِ. وهو قَوْلُ أحمدَ وإسحاقَ، أجَازَا أمَانَ المرْأةِ والعَبْدِ. وقد رُوِيَ من غير وجه. وأبو مُرّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بنِ أبي طَالِبٍ، ويُقَالُ له أيْضاً مَوْلَى أُمّ هَانِئ، واسْمُهُ يَزِيدُ وقد روى عن عمر بن الخطاب أنه أجاز أمان العبد.
وقد روي عن عليّ بنِ أبي طَالِبٍ وعبدِ الله بنِ عَمْرٍو. عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "ذِمّةُ المسْلِمِينَ واحِدَةٌ يَسْعَى بها أدْنَاهُمْ" .
مَعْنَى هذا عندَ أهلِ العلمِ أنّ مَنْ أعْطَى الأمانَ مِنَ المسْلِمِينَ فَهُوَ جَائِزٌ عن كُلّهِمْ.
ـــــــ
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان مطولاً(5/203)
باب ماجاء في الغدر
...
26 ـ باب ما جاءَ في الغَدْر
1629 ـ حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا أبو داودَ قال أنْبَأنا شُعْبَةُ قال أخبَرَنِي أبو الفَيْضِ قال: سَمِعْتُ سُلَيْمَ بن عَامِرٍ يقُولُ: "كان بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وبَيْنَ أهلِ الرّومِ عَهْدٌ، وكانَ يَسِيرُ في بِلاَدِهم، حتى إذا انْقَضَى العَهْدَ أغَارَ عليهمْ، فإذا رَجُلٌ على دَابة أو على فَرَسٍ وهو يقولُ الله أكْبَرُ وَفَاءٌ لاَ غَدْرٌ،
ـــــــ
"باب ما جاءَ في الغَدْر"
قوله: "أخبرني أبو الفيض" اسمه موسى بن أيوب، ويقال ابن أبي أيوب المهري الحمصي مشهور بكنيته ثقة من الرابعة "قال سمعت سليم بن عامر" بضم السين، وفتح اللام مصغراً الكلاعي ويقال الخبائري الحمصي ثقة من الثالثة غلط من قال إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: "كان بين معاوية وبين أهل الروم عهد" أي إلى وقت معهود "وكان يسير في بلادهم" أنه يذهب معاوية قبل انقضاء العهد ليقرب من بلادهم حين انقضى العهد "حتى إذا انقضى العهد" أي زمانه "وهو يقول الله أكبر وفاء لا غدر"(5/203)
وإذا هُوَ عَمْرو بن عَبَسَةَ، فَسَأَلَهُ مُعَاوِيَةُ عن ذلكَ، فقالَ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ كانَ بَيْنَهُ وبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فلا يَحُلّنّ عَهْداً ولا يَشُدّنّهُ حتّى يَمْضِي أمَدُهُ أو يَنْبِذَ إليهِم عَلَى سَوَاء" ، قال: فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ بالناسِ".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
فيه اختصار وحذف لضيق المقام أي ليكن منكم وفاء لا غدر، يعني بعيد من أهل الله وأمة محمد صلى الله عليه وسلم ارتكاب الغدر، وللاستبعاد صدر الجملة بقوله الله أكبر "وإذا هو عمرو بن عبسة" بفتح العين المهملة والباء الموحدة والسين المهملة، كنيته أبو نجيح أسلم قديماً في أول الإسلام قيل كان رابع أربعة في الإسلام عداده في الشاميين، قال في شرح السنة: وإنما كره عمرو بن عبسة ذلك لأنه إذا هادنهم إلى مدة وهو مقيم في وطنه، فقد صارت مدة مسيرة بعد انقضاء المدة المضروبة كالمشروط مع المدة في أن لا يغزوهم فيها، فإذا صار إليهم في أيام الهدنة كان إيقاعه قبل الوقت الذي يتوقعونه فعد ذلك عمرو غدراً، وأما إن نقض أهل الهدنة بأن ظهرت منهم خيانة فله أن يسير إليهم على غفلة منهم، "فسأله معاوية عن ذلك" أي عن دليل ما ذكره "فلا يحلن عهداً" أي عقد عهد "ولا يشدنه" أراد به المبالغة عن عدم التغيير وإلا فلا مانع من الزيادة في العهد والتأكيد. والمعنى لا يغيرن عهداً ولا ينقضه بوجه "حتى يمضي أمده" بفتحتين أي تنقضي غايته "أو ينبذ" بكسر الباء أي يرمي عهدهم "إليهم" بأن يخبرهم بأنه نقض العهد على تقدير خوف الخيانة منهم "على سواء" أي ليكون خصمه مساوياً معه في النقض كيلاً يكون ذلك منه غدراً، لقوله تعالى {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} قال الطيبي: على سواء حال، قال المظهر: أي يعلمهم أنه يريد أن يغزوهم وأن الصلح قد ارتفع، فيكون الفريقان في علم ذلك سواء.
قوله: "هذا حديث صحيح" وأخرجه أبو داود(5/204)
باب ماجاء في أن لكل غادر لواء يوم القياة
...
27ـ باب ما جاءَ أنّ لِكُلّ غَادِرٍ لوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَة
1630 ـ حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا إسماعيلُ بنُ إبراهيم قال حدثني صَخْرُ بن جُوَيْرِيَةَ، عن نافعٍ عن ابنِ عُمَرَ قال سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنّ الغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ القيامة" .
وفي الباب عن عليّ وعبدِ الله بنِ مَسْعُودٍ وأبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ وأنَسٍ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ
ـــــــ
"باب ما جاءَ أنّ لِكُلّ غَادِرٍ لوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَة"
قوله: "حدثني صخر بن جويرية" أبو نافع مولى بني تميم أو بني هلال، قال أحمد ثقة، وقال القطان ذهب كتابة ثم وجده فتكلم فيه لذلك من السابعة "إن الغادر" الغدر ضد الوفاء أي الخائن لإنسان عاهده أو أمنه "لواء" أي علم خلفه تشهيراً له بالغدر وتفضيحاً على رؤوس الأشهاد "يوم القيامة" زاد في رواية أبي داود وغيره: فيقال هذه غدرة فلان بن فلان.
قوله: "وفي الباب عن علي وعبد الله بن مسعود، وأبي سعيد الخدري وأنس" أما حديث علي وابن مسعود فلينظر من أخرجه، وأما حديث علي فأخرجه مسلم وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان.
قوله: "وهذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي(5/205)
باب ماجاء في النزول على الحكم
...
28ـ باب ما جاءَ في النّزُولِ على الحُكْم
1631ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا اللّيْثُ عن أبي الزّبَيْرِ عن جَابرٍ أنه قال: "رُمِيَ يَوْمَ الأحزابِ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ فَقَطَعُوا أكحَلَهُ أو أبْجَلَهُ، فحسَمَهُ
ـــــــ
"باب ما جاءَ في النّزُولِ على الحُكْم"
أي نزول العدو على حكم رجل من المسلمين
قوله: "رمي يوم الأحزاب" أي يوم غزوة الخندق "سعد بن معاذ" نائب(5/205)
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالنارِ فانْتَفَخَتْ يَدُهُ فَتَرَكَهُ فَنَزَفَهُ الدّمُ فَحَسَمَهُ أخرى فانْتَفَخَتْ يَدَهُ، فَلَمّا رأَى ذلكَ قالَ: اللّهُمّ لا تُخْرِجْ نَفْسِي حتى تُقِرّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، فاسْتَمْسَكَ عِرْقُهُ فما قَطَرَ قَطْرَةً حتى نَزَلُوا على حُكْمِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ. فأرسلَ إليه فَحَكَمَ أنْ يُقْتَلَ رِجَالُهُمْ وَيسْتَحيَى نِسَاؤُهُمْ يَسْتَعِينُ بِهِنّ المُسْلِمُونَ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "أصَبْتَ حُكْمَ الله فيهم" ، وكانوا أربَعمائةٍ، فلمّا فَرَغَ مِنْ قَتْلِهِم انْفَتَقَ عِرْقُهُ فَمَاتَ".
ـــــــ
الفاعل "فقطعوا" أي الكفار "أكحلة" أي أكحل سعد، والأكحل عرق في وسط الذراع يكثر قصده "أو" للشك "أبحلة" الأبحل بالموحدة والجيم عرق في باطن الذراع "فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنار" أي قطع الدم عنه بالكي "فنزفه" أي خرج منه دم كثير حتى ضعف "فحسمه أخرى" أي مرة أخرى "فلما رأى ذلك" أي فلما رأى سعد عدم قطع الدم "اللهم لا تخرج نفسي" من الإخراج "حتى تقر عيني" من الإقرار وهو من القر بمعنى البرد. والمعنى لا تميتني حتى تجعل قرة عيني من هلاك بني قريظة "فحكم أن تقتل رجالهم وتستحيي نساؤهم" وفي حديث أبي سعيد عند الشيخين: فإني أحكم أن تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم "يستعين بهن المسلمون" أي تقسم نساؤهم بين المسلمين فيستعينون بهن ويستخدمون منهن "وكانوا أربعمائة" اختلف في عدتهم فعند ابن إسحاق أنهم كانوا ستمائة وبه جزم أبو عمر بن عبد البر في ترجمة سعد بن معاذ، وعند ابن عائذ من مرسل قتادة كانوا سبعمائة، وفي حديث جابر هذا كانوا أربعمائة فيجمع أن الباقين كانوا أتباعاً. وقد حكى ابن إسحاق أنه قيل إنهم كانوا تسعمائة "انفتق عرقه" ، أي انفتح. وفي الحديث دليل على أنه يجوز نزول العدو على حكم من المسلمين ويلزمهم ما حكم به عليهم من قتل أو أسر واسترقاق. وقد ذكر ابن إسحاق أن بني قريظة لما نزلوا على حكم سعد جلسوا في دار بنت الحارث، وفي رواية أبي الأسود عن عروة بن دار أسامة بن زيد، ويجمع بينهما بأنهم جعلوا في البيتين، ووقع في حديث جابر عند ابن عائذ التصريح بأنهم جعلوا في بيتين. قال(5/206)
وفي البابِ عن أبي سَعِيدٍ وعَطَيّةَ القُرَظِيّ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
1632ـ حدثنا أحمد بن عبدالعزيز حدثنا أبو الوَلِيدِ الدّمَشْقِيّ، حدثنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ عن سَعِيدٍ بنِ بَشِيرٍ عن قَتَادَةَ عن الحسَنِ عن سَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "اقْتُلُوا شُيُوخَ المشرِكِينَ واسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ" وَالشّرْخُ: الغِلْمَانُ الذّينَ لم يُنْبِتُوا.
"قال أبو عيسى"هذا حديثٌ حسنٌ "صحيحٌ" غريبٌ.
وَرَوَاهُ حَجّاجُ بنُ أرْطَأَةَ عن قَتَادَةَ نَحْوَهُ.
1633 ـ حدثنا هَنّادٌ، حدثنا وَكِيعٌ عن سُفْيَانَ عن عبدِ الملكِ بن
ـــــــ
ابن إسحاق: فخندقوا لهم خنادق فضربت أعناقهم فجرى الدم في الخندق وقسم أموالهم ونساءهم وأبناءهم على المسلمين، وأسهم للخيل، فكان أول يوم وقعت فيه السهمان لها، وعند ابن سعد من مرسل حميد بن بلال أن سعد بن معاذ حكم أيضاً أن تكون دورهم للمهاجرين دون الأنصار، فلامه الأنصار، فقال " إني أحببت أن يستغنوا عن دوركم" .
قوله: "وفي الباب عن أبي سعيد وعطية القرظي" أما حديث أبي سعيد فأخرجه الشيخان. وأما حديث عطية القرظي فأخرجه الترمذي في هذا الباب.
قوله: "وهذا حديث حسن صحيح" وأخرجه النسائي وابن حبان.
قوله: "اقتلوا شيوخ المشركين" أي الرجال الأقوياء أهل النجدة والبأس لا الهرمي الذين لا قوة لهم ولا رأي "واستحيوا" وفي رواية واستبقوا "شرخهم" بفتح الشين المعجمة وسكون الراء وبالخاء المعجمة، قال المناوي أي المراهقين الذين لم يبلغوا الحلم، فيحرم قتل الأطفال والنساء انتهى. "والشرخ الغلمان الذين لم ينبتوا" من الإنبات أي لم ينبت شعر عانتهم.
قوله: "هذا حديث صحيح غريب" وأخرجه أحمد وأبو داود.(5/207)
عُمَيْرٍ عن عَطِيّةَ القُرَظِيّ:"قال عُرِضْنَا على النبيّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ قُرَيْظَةَ فكانَ من أنْبَتَ قُتِلَ وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ خُلّى سبيلَهُ، فكُنْتُ مِمّنَ لم يُنْبِتْ فَخَلى سَبِيلِي".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ الْعِلْمِ أنهم يَرَوْنَ الإنْبَاتَ بُلُوغاً إن لَمْ يُعْرَفْ احْتِلاَمُهُ ولا سِنّهُ. وهو قَوْلُ أحمدَ وَإسْحَاقَ.
ـــــــ
قوله:"عن عطية القرظي"بضم القاف وفتح الراء بعدها ظاء مشالة صحابي صغير له حديث يقال، سكن الكوفة "قال عرضنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم" وفي المشكاة قال: كنت في سبي بني قريظة الخ "يوم قريظة" يعني يوم غزوة بني قريظة "فكان من أنبت" أي الشعر "قتل" فإنه من علامات البلوغ فيكون من المقاتلة "فخلى سبيله" أي لم يقتل.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود وابن ماجه والدارمي.
قوله: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم أنهم يرون الإنبات بلوغاً إن لم يعرف احتلامه ولا سنة" قال التوربشتي: وإنما اعتبر الإنبات في حقهم لمكان الضرورة، إذ لو سئلوا عن الاحتلام أو مبلغ سنهم لم يكونوا يتحدثوا بالصدق إذ رأوا فيه الهلاك انتهى "وهو قول أحمد وإسحاق" فقد تقدم الكلام في هذه المسألة في باب حد بلوغ الرجل والمرأة(5/208)
باب ماجاء في الحلف
...
29ـ باب ما جاءَ في الْحِلْف
1634ـ حدثنا حُمَيْدُ بن مَسْعَدَةَ، حدثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ، حدثنا حُسَيْنٌ المُعَلّمُ عن عَمْرِو بنِ شُعيْبٍ عن أبيهِ عن جَدّهِ أنّ رسولَ الله صلى الله
ـــــــ
"باب ما جاءَ في الْحِلْف"
بكسر الحاء وسكون اللام وبالفاء(5/208)
عليه وسلم قال في خُطْبَتِهِ: "أوْفُوا بِحلْفِ الْجَاهِلِيّةِ فإنه لا يَزيدُهُ يعني الإسلامُ إلاّ شِدّةً، ولا تُحْدِثُوا حِلْفاً في الإسلامِ" .
وفي البابِ عن عبدِ الرحمَنِ بنِ عَوْفٍ وَأُمّ سَلَمَةَ وَجُبَيْر بنِ مُطْعِمٍ وأبي هريرةَ وابنِ عباسٍ وَقَيْسِ بنِ عَاصِمٍ.
ـــــــ
قوله "أوفوا"من الوفاء وهو القيام بمقتضى العهد "بحلف الجاهلية" أي العهود التي وقعت فيها مما لا يخالف الشرع لقوله تعالى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} لكنه مقيد بما قال الله تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} "فإنه" أي الإسلام "لا يزيده" أي حلف الجاهلية الذي ليس بمخالف للإسلام "إلا شدة"أي شدة توثق فيلزمكم الوفاء به. قال القاري: فإن الإسلام أقوى من الحلف، فمن استمسك بالعاصم القوي استغنى عن العاصم الضعيف، قال في النهاية: أصل الحلف المعاقدة على التعاضد والتساعد والاتفاق، فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام بقوله صلى الله عليه وسلم: " لا حلف في الإسلام" ، وما كان منه في الجاهلية على نصرة المظلوم وصلة الأرحام ونحوهما فذلك الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم أيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة "ولا تحدثوا" من الإحداث أي لا تبتدعوا "حلفاً في الإسلام" قال المناوي: لا تحدثوا فيه محالفة بأن يرث بضعكم بعضاً فإنه لا عبرة فيه انتهى. وقال القاري: أي لأنه كاف في وجوب التعاون قال الطيبي: التنكير فيه يحتمل وجهين أحدهما أن يكون للجنس أي لا تحدثوا حلفاً ما والآخر أن يكون للنوع، قال القاري: الظاهر هو الثاني، ويؤيده قول المظهر يعني إن كنتم حلفتم في الجاهلية بأن يعين بعضكم بعضاً ويرث بعضكم من بعض فإذا أسلمتم فأوفوا به فإن الإسلام يحرضكم على الوفاء به، ولكن لا تحدثوا محالفة في الإسلام بأن يرث بعضكم من بعض انتهى.
قوله: "وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف الخ" أما حديث جبير بن مطعم فأخرجه مسلم وأبو داود عنه مرفوعاً: "لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في(5/209)
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة" . وأما أحاديث عبد الرحمن وغيره فلينظر من أخرجها.
قوله:"وهذا حديث حسن صحيح"وأخرجه أحمد(5/210)
باب في أخذ الجزية من المجوسي
...
30ـ باب في أخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ المَجُوس
1635ـ حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا أبو مُعَاوِيَةَ، حدثنا الْحَجّاجُ بنُ أرْطَأَةَ عن عَمْرِو بنِ دينارٍ عن بَجَالَةَ بنِ عَبْدَةَ قال:كُنْتُ كاتباً لِجَزْءِ بنِ مُعَاوِيَةَ على مَنَاذِرَ، فجاءَنا كِتَابُ عُمَرَ: انْظُرْ مَجُوسَ مَنْ قِبَلَكَ فَخُذْ
ـــــــ
"باب في أخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ المَجُوس"
الجزية من جزأت الشيء إذا قسمته ثم سهلت الهمزة، وقيل من الجزاء أي لأنها جزاء تركهم ببلاد الإسلام، أو من الإجزاء لأنها من تواضع عليه في عصمة دمه، قال الله تعالى { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} أي ذليلون حقيرون، وهذه الآية هي الأصل في مشروعية الجزية، ودل منطوق الآية مع أهل الكتاب، ومفهومها أن غيرهم لا يشاركهم فيها. قال أبو عبيد: ثبتت الجزية على اليهود والنصارى بالكتاب، وعلى المجوس بالسنة. واحتج غيره بعموم قوله في حديث بريدة وغيره: فإذا ألفيت عدوك من المشركين فادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا فالجزية. واحتجوا أيضاً بأن أخذها من المجوس يدل على ترك مفهوم الآية،فلما انتقى تخصيص أهل الكتاب بذلك دل على أن لا مفهوم لقوله من أهل الكتاب، وأجيب بأن المجوس كان لهم كتاب ثم رفع. وروى الشافعي وغيره حديثاً عن علي. ذكره الحافظ في الفتح بإسناد حسن.
قوله: "عن بجالة" بفتح الموحدة وتخفيف الجيم "بن عبدة" التميمي مكي ثقة ويعد في أهل البصرة "قال كنت كاتباً لجزء بن معاوية" بفتح الجيم وسكون الزاي وبهمزة هو تميمي تابعي كان والي عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بالأهواز "على مناذر" بفتح الميم اسم موضع "انظر مجوس من قبلك" بكسر القاف(5/210)
مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ، فإنّ عبدَ الرحمَنِ بنَ عَوْفٍ أخْبَرَنِي أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ.
ـــــــ
وفتح الموحدة "أخذ الجزية من مجوس هجر" بفتح هاء وجيم قاعدة أرض البحرين كذا في المغنى وهو غير منصرف، قال الطيبي: اسم بلد باليمن يلي البحرين واستعماله على التذكير والصرف. وقال في القاموس: هجر محركة بلد باليمن بينه وبين عثر يوم وليلة مذكر مصروف وقد يؤنث ويمنع، واسم لجميع أرض البحرين وقرية كانت قرب المدينة ينسب إليها القلال وتنسب إلى هجر اليمنى. قال في شرح السنة: أجمعوا على أخذ الجزية من المجوس، وذهب أكثرهم إلى أنهم ليسوا من أهل الكتاب وإنما أخذت الجزية منهم بالسنة كما أخذت من اليهود والنصارى بالكتاب، وقيل هم من أهل الكتاب. روى عن علي كرم الله وجهه قال: كان لهم كتاب يدرسونه فأصبحوا وقد أسرى على كتابهم فرفع بين أظهرهم كذا في المرقاة.
قلت: قال الحافظ: روى الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد حسن عن علي: كان المجوس أهل كتاب يقرأونه وعلم يدرسونه فشرب أميرهم الخمر فوقع على أخته فلما أصبح دعا أهل الطمع فأعطاهم وقال إن آدم كان ينكح أولاده بناته فأطاعوه وقتل من خالفه فأسرى على كتابهم وعلى ما في قلوبهم منه فلم يبق عندهم منه شيء انتهى. والحديث دليل على أن المجوس يؤخذ منهم الجزية. وفرق الحنفية فقالوا تؤخذ من مجوس العجم دون مجوس العرب، وحكى الطحاوي عنهم يقبل الجزية من أهل الكتاب ومن جميع كفار العجم ولا يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو السيف. وعن مالك تقبل من جميع الكفار إلا من ارتد، وبه قال الأوزاعي وفقهاء الشام انتهى. وقال القاري في شرح حديث بريدة الآتي في باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم في القتال ما لفظه: والحديث مما يستدل به مالك والأوزاعي ومن وافقهما على جواز أخذ الجزية من كل كافر عربياً كان أو عجمياً كتابياً أو غير كتابي. وقال أبو حنيفة: تؤخذ الجزية من جميع الكفار إلا من مشركي العرب ومجوسهم. وقال الشافعي: لا تقبل إلا من أهل الكتاب والمجوس أعراباً كانوا(5/211)
هذا حديثٌ حسنٌ.
1636ـ حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ، حدثنا سُفْيَانُ عن عمرو بن دينارٍ عن بَجَالَةَ:"أنّ عُمَرَ كان لا يَأْخُذُ الْجِزْيَةَ مِنَ المَجُوسِ حتى أخْبَرهُ عبْدُ الرحمَنِ بنُ عَوْفٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ".
وفي الحديثِ كَلاَمٌ أكْثَرُ مِنْ هذا.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ـــــــ
أو أعاجم، ويحتج بمفهوم الآية وبحديث: سنوا به سنّة أهل الكتاب، وتأول هذا الحديث على أن المراد بهؤلاء أهل الكتاب لأن اسم المشرك يطلق على أهل الكتاب وغيرهم وكان تخصيصه معلوماً عند الصحابة انتهى ما في المرقاة.
قوله: "هذا حديث حسن" وأخرجه أحمد والبخاري وأبو داود.
قوله: "وفي الحديث كلام أكثر من هذا" لهذا الحديث طرق وألفاظ بعضها اختصار وفي بعضها طول ذكرها الشوكاني في النيل.
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" أصله في صحيح البخاري(5/212)
باب ماجاء مايحل من أموال أهل الذمة
...
31ـ باب ما يَحِلّ مِنْ أمْوَالِ أهْلِ الذّمَة
1637 ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا ابنُ لَهِيعَةَ عن يَزِيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ عن أبي الخَيْرِ عن عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ قال: "قُلْتُ يَا رسولَ الله إنّا نمُرّ بِقَوْمٍ فَلاَهُمْ يُضَيّفُونا، ولا هُمْ يُؤَدّونَ مَا لَنا عَليهم من الْحَقّ، وَلا نحنُ نَأْخُذُ
ـــــــ
"باب ما يَحِلّ مِنْ أمْوَالِ أهْلِ الذّمَة"
قوله: "عن أبي الخير" اسمه مرثد بن عبد الله اليزني المصري ثقة فقيه من الثالثة "إنما نمر بقوم" أي من أهل الذمة أو من المسلمين "فلاهم يضيفونا" بتشديد النون(5/212)
مِنْهُمْ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنْ أبَوْا إلاّ أنْ تَأْخُذُوا كَرْهاً فَخُذُوا" .
ـــــــ
وكان أصله يضيفوننا من الإضافة "إن أبوا" أي إن امتننعوا من الإضافة وأداء ما لكم عليهم من الحق "إلا أن تأخذوا كرهاً" بفتح الكاف أي جبراً "فخذوا" أي كرهاً، قال الخطابي: إنما كان يلزم ذلك في زمنه صلى الله عليه وسلم حيث لم يكن بيت مال. وأما اليوم فأرزاقهم في بيت المال لا حق لهم في أموال المسلمين. وقال ابن بطال: قال أكثرهم إنه كان هذا في أول الإسلام حيث كانت المواساة واجبة وهو منسوخ بقوله "جائزته" كما في حديث أبي شريح الخزاعي مرفوعاً: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته" الحديث، قالوا: والجائزة تفضل لا واجب. قال الشوكاني: الذي ينبغي عليه التعويل هو أن تخصيص ما شرعه صلى الله عليه وسلم لأمته بزمن من الأزمان أو حال من الأحوال لا يقبل إلا بدليل، ولم يقم ههنا دليل على تخصيص هذا الحكم بزمن النبوة وليس فيه مخالفة للقواعد الشرعية، لأن مؤنة الضيافة بعد شرعتها قد صارت لازمة للمضيف لكل نازل عليه، فللنازل المطالبة بهذا الحق الثابت شرعاً كالمطالبة بسائر الحقوق، فإذا أساء إليه بإهمال حقه كان له مكافأة بما أباحه له الشارع في هذا الحديث {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} ، {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} انتهى.
قلت: كما أن تأويل هذا الحديث بتخصيصه بزمنه صلى الله عليه وسلم ضعيف كذلك تأويلاته الأخرى التي تأولوه بها ضعيفة لا دليل عليها، قال النووي: حمل أحمد والليث الحديث على ظاهره، وتأوله الجمهور على وجوه: أحدها أنه محمول على المضطرين فإن ضيافتهم واحبة، وثانيها أن معناه أن لكم أن تأخذوا من أعراضهم بألسنتكم وتذكروا للناس لؤمهم، وثالثها أن هذا كان في أول الإسلام وكانت المواساة واجبة، فلما أشيع الإسلام نسخ ذلك، وهذا التأويل باطل الآن الذي ادعاه المؤول لا يعرف قاتله، ورابعها أنه محمول على من مر بأهل الذمة الذين شرط عليهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين، وهذا أيضاً ضعيف لأنه إنما صار هذا(5/213)
هذا حديثٌ حسنٌ.وقد رَوَاهُ اللّيْثُ بنُ سَعْدٍ عن يَزِيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ أيْضاً.
وإنّمَا مَعْنَى هَذَا الحديثِ أنهم كانوا يَخْرُجُونَ في الغَزْوِ فَيَمُرّونَ بِقَوْمٍ ولا يَجِدُونَ مِنَ الطّعَامِ ما يَشْتَرُونَ بالثّمَنِ.وقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إنْ أبَوْا أنْ يَبِيعُوا إلاّ أنْ تأْخُذُوا كَرْهاً فَخُذُوا" .هكَذَا رُوِيَ في بعضِ الحديثِ مُفَسّراً.
وقد رُوِيَ عن عُمَرَ بنِ الخطّابِ رشي الله عنه أنه كان يأْمُرُ بِنَحْوِ هَذَا.
ـــــــ
في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه انتهى. قلت: التأويل الثاني أيضاً باطل قال القاري بعد ذكره: ما أبعد هذا التأويل عن سواء السبيل انتهى. والتأويل الأول أيضاً ضعيف لا دليل عليه، فالظاهر هو ما قال أحمد والليث من أن الحديث محمول على ظاهره ألا وقد قرره الشوكاني، وأما المعنى الذي ذكره الترمذي وقال هكذا روى في بعض الحديث مفسراً فإني لم أقف على هذا الحديث، فإن كان هذا الحديث المفسر قابلاً للاحتجاج فحمل حديث الباب على هذا المعنى متعين والله تعالى أعلم.
قوله: "هذا حديث حسن" أصله في الصحيحين(5/214)
باب ماجاء في في الهجرة
...
32ـ باب ما جَاءَ في الهجْرَة
1638 ـ حدثنا أحمدُ بن عَبْدَةَ الضّبيّ، حدثنا زِيَادُ بنُ عبدِ الله، حدثنا مَنْصُورُ بنُ المُعْتَمِرِ عن مُجَاهِدٍ عن طَاوسٍ عن ابن عباسٍ عنهُ. قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكّةَ: "لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيّةٌ، وإذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا" .
ـــــــ
"باب ما جَاءَ في الهجْرَة"
قوله: "لا هجرة بعد الفتح" أي فتح مكة. قال الخطابي وغيره: كانت الهجرة(5/214)
وفي البابِ عن أبي سَعِيدٍ وعبدِ الله بنِ عَمْرٍو وعبدِ الله بن حُبْشى.
وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.وقد رَوَاهُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عن مَنْصُورِ بنِ المُعْتَمِرِ نَحْوَ هذا.
ـــــــ
فرضاً في أو الإسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم إلى الاجتماع، فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجاً فسقط فرض الهجرة إلى المدينة، وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به أو نزل به عدو انتهى. وكانت الحكمة أيضاً في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى ذويه من الكفار، فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم، إلى أن يرجع عن دينه، وفيهم نزلت {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كُنّا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} الآية،وهذه الهجرة باقية الحكم في حق من أسلم في دار الكفر وقدر على الخروج منها. وقد روى النسائي من طريق بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده مرفوعاً: "لا يقبل الله من مشرك عملاً بعدما أسلم ويفارق المشركين" . ولأبي داود من حديث سمرة مرفوعاً: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" . وهذا محمول على من لم يأمن على دينه "ولكن جهاد ونية" قال الطيبي وغيره: هذا الاستدراك يقتضي مخالفة حكم ما بعده لما قبله، والمعنى أن الهجرة التي هي مفارقة الوطن التي كانت مطلوبة على الأعيان إلى المدينة انقطعت، إلا أن المفارقة بسبب الجهاد باقية، وكذلك المفارقة بسبب نية صالحة كالفرار من دار الكفر والخروج في طلب العلم، والفرار بالدين من الفتن، والنية في جميع ذلك "وإذا استنفرتم فانفروا" قال النووي: يريد أن الخير الذي انقطع بانقطاع الهجرة يمكن تحصيله بالجهاد والنية الصالحة، وإذا أمركم الإمام بالخروج إلى الجهاد ونحوه من الأعمال الصالحة فاخرجوا إليه.
قوله: "وفي الباب عن أبي سعيد وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن حبشي" وأما حديث هؤلاء الصحابة رضي الله تعالى عنهم فلينظر من أخرجها.
"وهذا حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه(5/215)
باب ماجاء في بيعة النبي صلى الله علبه وسلم
...
33ـ باب ما جاءَ في بَيْعَةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم
1639 ـ حدثنا سَعِيدُ بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ الأمَوِيّ، حدثنا عيسَى بنُ يونُسَ عن الأوْزَاعِيّ عن يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ عن أبي سَلَمَةَ عن جَابِرِ بن عبدِ الله في قَوْلِهِ تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشّجَرَةِ} . قال جَابِرٌ: "بَايَعْنَا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على أنْ لا نَفِرّ وَلَمْ نُبَايَعْهُ على المَوْتِ".
وفي البابِ عن سَلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ وَابنِ عُمَرَ وَعُبَادَةَ وَجَرِيرِ بنِ عبدِ الله.
"وقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن عيسى بن يُونُسَ عن الأوْزَاعِيّ عن يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ، قالَ: قالَ جابِرُ بنُ عبدِ الله وَلَمْ يَذُكَرْ فيهِ أبو سَلَمَةَ.
1640ـ حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا حَاتِمُ بنُ إسماعيلَ عن يَزِيدَ بنِ أبي
ـــــــ
"باب ما جاءَ في بَيْعَةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم"
قوله:"إذ يبايعوك"أي بالحديبية على أن يناجزوا قريشاً ولا يسفروا "تحت الشجرة" كانت هذه الشجرة سمرة "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت".وفي حديث يزيد بن أبي عبيد الآتي قال: قلت لسلمة بن الأكوع: على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، قال: على الموت، ولا تنافي بين هذين الحديثين لاحتمال أن يكون ذلك في مقامين أو أحدهما يستلزم الآخر، قاله الحافظ.
قوله: "وفي الباب عن سلمة بن الأكوع وابن عمر وعبادة وجرير بن عبد الله" أما حديث سلمة فأخرجه الترمذي في هذا الباب. وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري. وأما حديث عبادة فأخرجه البخاري ومسلم وأما حديث جرير بن عبد الله فأخرجه البخاري.(5/216)