الفوائد المستنبطة
من
الأربعين النووية
من أمالي فضيلة الشيخ
عبد الرحمن بن ناصر البراك
حفظه الله
على تلميذه
عبد المحسن بن عبدالعزيز العسكر
دار التوحيد للنشر
الرياض
شبكة نور الإسلام
www.islamlight.net
اشتراكك في جوال نور الإسلام .. دعم لمسيرتنا الدعوية
لمعرفة الباقات أرسل رسالة فارغة إلى الرقم (81877)
ريع الجوال صدقة جارية
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المستملي
الحمد لله وكفي، وصلى الله وسلم على نبيه المصطفي، وعلى آله وأصحابه أهل البر والوفا ، أما بعد:
فإن الله برحمته ولطفه وكمال إنعامه هيَّأ لهذه الأمة رجالاً هم العلماء ينفون عن دين الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، فنفع الله بجهود هؤلاء الأئمة الأعلام، وحفظوا لهذه الأمة علومها المباركة ، حتى انتهت إلينا غضة طريَّة، تؤتي أكلها كل حين . بإذن ربها .
ومن أولئك العلماء الذين حازوا قصب السبق في العلم الحافظ أبو زكريا يحيى بن شرف النووي المتوفي سنة (676) - رحمه الله تعالى -. فإنه صنّف مصنفات كثيرة في الحديث والفقه واللغة ، ومنها " الأربعون في مباني الإسلام وقواعد الأحكام " وهي التي اشتهرت بالأربعين النووية نسبة إلى جامعها .
ولقد أكبّ العلماء على هذه الأربعين بالتدريس والشرح، واشتهرت بذلك، فإنها مشتملة على أحاديث جامعة لقواعد كلية في الاعتقاد والفقه والسلوك .
وعلى ما كُتب على هذه الأربعين من الشروح والتقريرات فإنها لم تزل بعدُ بحاجة إلى استنباط معانيها وفوائدها الكامنة في طياتها ، ولم يزل في القوس منزع كما يقال ، كيف لا ؟ وهي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو الكلام الذي كلما زدته فكراً زادك معنى .(1/1)
وكان ممن عُني بهذه الأربعين لهذا الوقت شيخنا العلامة عبد الرحمن بن ناصر البراك حيث شرحها مراراً في المساجد ، ولقد رغب إلى فضيلته مكتب الدعوة والإرشاد في محافظة ضرماء (غربي الرياض) أن يملي إملاءً في فوائد الأربعين لا غير ، فأجاب إلى ذلك ، وكان هذا الكتاب الذي بين يديك ، وقد سماه فضيلته: "الفوائد المستنبطة من الأربعين النووية".
وإن هذه الفوائد المدونة لمقربة لما اشتملت عليه تلك الأحاديث من العلوم ومعينة لمن أراد شرحها في المساجد وغيرها.
ولقد خصني الشيخ –رعاه الله- واصطفاني بأن يكون لي شرف الاستملاء من فضيلته ووكل إليّ طبع الكتاب وتصحيحه ، فحيثما طغى القلم أو زلّت القدم فعليَّ دونه التبعة والعقبى (1) .
أسأل الله أن يبارك في عمر شيخنا وأن يديم عليه ما عوده من الخير والعافية ، كما أسأله سبحانه أن يرحم الحافظ النووي وجميع علماء المسلمين ، وصلى الله وسلم على محمد.
كتبه
عبد المحسن بن عبد العزيز العسكر
غرة ذي الحجة 1428
مقدمة الشيخ الشارح
الحمد لله منزل الكتاب والحكمة ، أرسل رسوله بأعظم نعمة ، فضله على جميع الأمم ، وخصه بجوامع الكلم ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسَّلم .
أما بعد :
فقد طلب مني بعض طلاب العلم الذين لهم جهود في الدعوة إلى الله أن أقيّد فوائد أحاديث الأربعين النووية وتتمتها للحافظ ابن رجب ، فأجبت إلى ذلك ، وأمليت ما تيسّر لي مما فتح الله به ، وذلك بمعاونة الدكتور عبد المحسن بن عبد العزيز العسكر ، وقد قام مشكوراً بتخريج الأحاديث وتوثيق ما يحتاج إلى توثيق .
أسأل الله أن ينفع بهذا الكتاب قارئه وسامعه ، كما أسأله سبحانه أن ينفعنا جميعاً بما علّمنا إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم على رسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
__________
(1) كان في هذه المقدمة ترجمة للشارح ونبذة في مزايا الشرح فحيل بيني وبين نشرها ..
والْمِسْكُ ما قد شَفَّ عن نفسِهِ ... ... لا ما غدا يمدحهُ بائعُهْ(1/2)
قاله/ عبد الرحمن بن ناصر البراك
عن أميرِ المؤمنينَ أبي حفصٍ عمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ وإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَو امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». رواه إماما المحدثين : أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبَه البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة (1) .
الشرح :
هذا الحديث أصل من أصول الدين، ومن جوامع الكلم التي أوتيها الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولذلك يدخل في كل باب من أبواب الأحكام، ويتضمن فوائد لا حصر لها، منها :
1- أن العمل الخالي عن القصد لغوٌ لا يترتب عليه حكم ولا جزاء إلا ما يُضمن بالإتلاف.
2- اشتراط النية في كل عبادة من صلاة وزكاة وصيام وغير ذلك، ويدخل في هذا نية نوع العبادة وعينها، كصلاة الظهر الحاضرة وصلاة الراتبة لإحدى الصلوات المكتوبة، وصوم القضاء، وكذلك تشترط النية لجميع العقود كالبيع والهبة والعتق ونحوها.
3- أنه لا يفرِّق بين الأعمال المتشابهة في الصورة إلا النية.
4- ابتناء العمل على النية صلاحاً وفساداً، وكذلك الجزاء، ففساد النية يستلزم فساد العمل، كمن عمل لغير الله. وصلاح النية لا يستلزم صلاح العمل لتوقف ذلك على وجود شرط، كموافقة الشرع.
5- أنه لا يحصل للمكلف من عمله إلا ما نوى.
6- وجوب إخلاص العمل لله.
7- تحريم العمل لغير الله.
8- مشروعية الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام.
__________
(1) صحيح البخاري (1) وفي مواضع أخرى ، ومسلم (1907) (155).(1/3)
9- وجوب الإخلاص في الهجرة وذلك بأن تكون إلى الله ورسوله في حياته - صلى الله عليه وسلم - ، وإلى دينه وسنته بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - .
10- أن من أخلص في عمله حصل له مراده حكماً وجزاءً، فعمله يكون صحيحاً، ويترتب عليه الثواب إذا تحققت شروط العمل.
11- أن من عمل للدنيا لا يحصل له إلا ما نوى إذا شاء الله، ٹ ٹ چ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? چ [الإسراء:18].
12- حبوط العمل بعدم الإخلاص لله.
13- أن النية نوعان :
أ- نية العمل نفسه وذلك في قوله :« إنما الأعمال بالنيات ».
ب- نيةُ مَنْ لأجله العمل وذلك في قوله :«وإنما لكل امرئ ما نوى»، وهذه هي التي عليها المعول في الإخلاص وضده.
14- تحقير الدنيا وشهواتها لقوله : «فهجرته إلى ما هاجر إليه» حيث أبهم ما يحصل لمن هاجر إلى الدنيا، بخلاف من هاجر إلى الله ورسوله فإنه صرح بما يحصل له، وهذا من حسن البيان وبلاغة الكلام.(1/4)
عن عُمرَ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- أيضاً قالَ: بَينَما نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذاتَ يَوْمٍ إذْ طلَعَ عَلَيْنا رَجُلٌ شَديدُ بَيَاضِ الثِّيابِ، شَديدُ سَوادِ الشَّعْرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حتَّى جَلَسَ إلى النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ على فَخِذَيْهِ. وقالَ: يا محمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الإسْلامِ. فَقالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِليْهِ سَبِيلاً ". قالَ: صَدَقْتَ. قالَ: فَعَجِبْنا لَهُ، يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإيمانِ. قالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِِ". قالَ: صَدَقْتَ. قالَ: فَأَخْبِرْني عَنِ الإحسانِ؟ قالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإِنَّهُ يَرَاكَ". قالَ: فَأَخْبِرْني عَنِ السَّاعةِ. قالَ: "مَا الْمَسْؤُولُ عَنْها بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ ". قالَ: فَأخْبِرْني عَنْ أَمَاراتِها. قالَ: "أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ، يَتَطاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ". قالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْتُ مَلِيًّا. ثُمَّ قالَ: "يا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟". قُلتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قالَ: ((فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ)) رواه مسلِمٌ (1) .
__________
(1) مسلم (1128)(1/5)
الشرح :
الحديث أصل جامع لأصول الدين الاعتقادية والعملية، وفيه من الفوائد:
1- مجالسة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه لتعليمهم وإيناسهم.
2- التعارف بين الصحابة رضي الله عنهم، لقوله :« ولا يعرفه منا أحد».
3- أن السفر يورث الشَّعَث والغُبْرة.
4- أن من طرق الوحي أن يتمثل الملك بصورة رجل فيكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - .
5- قدرة الملَك على التمثل بصورة الإنسان كما ٹ ٹ چ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ [مريم : 17]. والمراد روح الله الذي هو جبريل، وكذلك كان يتمثل للنبي - صلى الله عليه وسلم - كما في هذا الحديث، ولهذا عُرف هذا الحديث عند أهل العلم بحديث جبريل.
6- مشروعية التعليم بالسؤال والجواب.
7- جواز أن يَسأل الإنسان عمّا يعلم ليستفيد غيرهُ باستخراج ما عند العالم.
8- احتمال العالم جفاء الجاهل، لقوله :« يا محمد » ولمبالغته في الدنو من النبي - صلى الله عليه وسلم - .
9- العناية بمهمات الدين وأصوله.
10- البداءة بالأهم فالمهم في أصول الإيمان والإسلام.
11- الفرق بين الإسلام والإيمان إذا اقترنا في الذكر.
12- أن الإسلام أخص بالأعمال الظاهرة، والإيمان أخص باعتقاد القلب.
13- أن أصول الإسلام القولية والعملية هي المباني الخمسة.
14- أن أصل الدين مطلقاً شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
15- التلازم بين الشهادتين في الحكم فلا تصح إحداهما دون الأخرى.
16- تفرد الرب بالإلهية وبطلان كل معبود سواه.
17- اعتبار الشهادة –وهي الإقرار- ظاهراً وباطناً بالتوحيد والرسالة لصحة الإسلام.
18- أن الصلوات الخمس أوجب الواجبات على المسلم، وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين.
19- وجوب إقامتها كما أمر الله وبين رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
20- أن إيتاء الزكاة أعظم أصول الإسلام بعد الصلاة.
21- الاقتران بين الصلاة والزكاة في نصوص الشرع وهو يدل على عظم شأن الزكاة.(1/6)
22- أن العبادات منها بدنية كالصلاة والصوم، ومنها مالية كالزكاة.
23- أن صيام رمضان من أصول الإسلام.
24- أن الحج إلى بيت الله الحرام من أصول الإسلام.
25- فضل شهر رمضان.
26- فضل البيت الحرام.
27- أن الحج لا يجب إلا على المستطيع، كما دل على ذلك قوله تعالى چ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ?? چ [آل عمران : 97].
28- أن تصديق السائل للمخبر يشعر بأن لديه علماً سابقاً، لقوله «فعجبنا له يسأله ويصدقه ».
29- أن الأصل في السائل عدم العلم، وأن الجهل هو الباعث على السؤال.
30- تنبيه المستمعين بالإشارة إلى مقصود السائل، وهو تعليمهم، وذلك في قوله : " صدقت ".
31- أن أصول الإيمان ستة، وهي أصول الاعتقاد.
32- أن الأصل الجامع لهذه الأصول هو الإيمان بالله.
33- إثبات الملائكة وإثبات الكتب والرسل.
34- وجوب الإيمان بالملائكة وأنه من أصول الإيمان.
35- وجوب الإيمان بالكتب المنزلة من عند الله وأنه من أصول الإيمان.
36- وجوب الإيمان بالرسل وأنه من أصول الإيمان.
37- وجوب الإيمان باليوم الآخر وأنه من أصول الإيمان.
38- وجوب الإيمان بالقدر وأنه من أصول الإيمان.
39- وجوب الإيمان بهذه الأصول إجمالاً على كل مكلَّف.
40- فضل الملائكة والرسل لإضافتهم إلى الله، وهي من إضافة المخلوق إلى خالقه سبحانه إضافة تخصيص وتشريف.
41- فضل كتب الله المنزلة على رسله لأنها كلامه، وكلامه صفته سبحانه.
42- إثبات اليوم الآخر وهو يوم القيامة، ويدخل في الإيمان به الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - مما يكون بعد الموت.
43- إثبات القدر وأنه شامل لكل ما يكون من خير وشر.
44- ذكر مراتب الدين والترقي في ذكرها من العام إلى الخاص إلى الأخص؛ الإسلام فالإيمان فالإحسان، فكل محسن مؤمن وكل مؤمن مسلم وليس العكس.
45- بيان حقيقة الإحسان في العمل وهي أن تعبد الله كأنك تراه. وهذا مقام المراقبة.
46- أن العبد لا يرى ربه في الدنيا.(1/7)
47- إثبات الرؤية لله تعالى.
48- أن استحضار اطلاع الله يبعث على المراقبة وإحسان العمل.
49- أن الساعة وهي القيامة لا يعلم موعدها إلا الله تعالى، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل.
50- أن جبريل لا يعلم متى الساعة، ولا الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - .
51- أن للساعة أمارات، أي علامات، وهي أشراطها.
52- ذكر علامتين من علامات قرب الساعة، وهي أن تلد الأمة ربتها، وأن يتطاول البدو في البنيان، وهذا كناية عن تحضرهم وسكناهم القرى والأمصار، وغناهم بعد الفقر.
53- أنه عند كثرة الرقيق قد يملك الولد أمه وهو لا يدري ويكون رباً لها، أي سيداً.
54- التنبيه بالأدنى على الأعلى، حيث ذكر الطبقة الفقيرة من البدو مما يدل على أن الأغنياء منهم أحرى بذلك.
55- أن بسط الدنيا يحمل على التنافس في متاعها.
56- علم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن السائل جبريل عليه السلام، إما من أول مجيئه أو بعد ذلك.
57- إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه بالسائل وبمقصوده.
58- أن من الدين الإيمان بأنه لا يعلم وقت الساعة إلا الله وأن من الدين العلم بأماراتها.
59- تفويض العلم إلى الله ورسوله فيما لا يعلم العبد.
60- سؤال العالم أصحابه عن الأمر ليعلمهم به.
61- فضيلة عمر - رضي الله عنه - حيث خصه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإخباره عن السائل.
62- إضافة الدين إلى العباد لأنهم المأمورون به والقائمون به، ويضاف إلى الله لأنه الذي شرعه كما قال سبحانه: چ ? ? ? ?چ [آل عمران : 83].(1/8)
عنْ أبي عبدِ الرَّحمنِ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ بنِ الخطَّابِ -رَضِي اللهُ عَنْهُما- قالَ: سَمِعْتُ رسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ:« بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقامِ الصَّلاَةِ، وإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». رَوَاهُ البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ (1) .
الشرح :
يعد هذا الحديث من حيث معناه ومضمونه جزءًا من حديث جبريل المتقدم، فيرجع في فوائده إلى ما ذكر هناك.
عنْ أبي عبدِ الرَّحمنِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- قالَ: حدَّثنا رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وهو الصَّادِقُ المصْدُوقُ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلِكَ، ثمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فيهِ الرُّوحَ، وَيُؤمَرُ بأرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ. فَوَاللهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ، إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ، فيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا». رواه البخاريُّ ومسلِمٌ (2) .
الشرح :
الحديث أصل في إثبات القدر، وفيه من الفوائد:
__________
(1) البخاري (8) ومسلم (16) (19).
(2) البخاري (3036) وفي مواضع أخرى. مسلم (2643).(1/9)
1- تأكيد الرواية بالتصديق بالتحديث (حدثنا)، وأصرح منها التصريح بالسماع.
2- تأكيد الرواية بذكر صدق المُخبِر وصِدق من أخبره، وهو الصادق المصدوق.
3- أن خلق الإنسان أطوار.
4- أن أطوار الجنين –قبل نفخ الروح- ثلاثة : نطفة فعلقة فمضغة، وقد ذكر الله هذه الأطوار مجتمعة في آيتين في سورة الحج والمؤمنون، وذَكَرها متفرقة في مواضع.
5- أن مدة كل طور أربعون يوماً.
6- علم من أعلام نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، لأن هذه الأطوار وهذه المقادير لم يكن في العادة الاطلاع عليها.
7- أن للأرحام ملَكاً معيناً أو جنساً يتولى تصويرَ الجنين ونفخَ الروح فيه وكتابةَ قدره.
8- أن خلق جسد الإنسان قبل خلق روحه.
9- أن نفخ الروح فيه يكون بعد مئة وعشرين يوماً من ابتداء الحمل.
10- تقدير أمر الإنسان رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد وهو في بطن أمه، وهذا تقدير خاص لا ينافي القدر العام الأول في اللوح المحفوظ، ولا ينافي وقوع هذه الأمور بأسباب.
11- أن الملَك لا يعلم ذلك ولا يكتبه إلا بأمر الله وإعلامه ذلك وهذا التقدير.
12- أن خلق الإنسان يكون بأسباب ظاهرة وأسباب خفية، والله تعالى هو خالق الأسباب والمسببَّات فهو الخالق حقيقة.
13- وجوب الإيمان بالقدر.
14- الحلف على الفتيا.
15- تأكيد اليمين بذكر صفة الوحدانية في الإلهية.
16- أن الأعمال بالخواتيم.
17- أن من كُتب شقياً لابد أن يُختم له بسبب ذلك وإن كان يعمل بطاعة الله قبل ذلك.
18- أن من كُتب سعيداً لابد أن يختم له بسبب ذلك وإن عمل بمعصية الله قبل ذلك.
19- وجوب الخوف من سوء الخاتمة، والحذر من أسبابها.
20- وجوب الأخذ بأسباب حسن الخاتمة.
21- استعمال المجاز في الكلام، وذلك في التعبير عن الزمن اليسير بمقياس المساحة وهو الذراع.
22- ترتيب الجزاء على العمل.
23- أن للسعادة أسباباً، وهي الإيمان والتقوى، وللشقاوة أسباباً، وهي الكفر واتباع الهوى.
24- أن كلًّا ميسر لما جرى به القدر.(1/10)
25- الرد على القدرية من قوله - صلى الله عليه وسلم - :" أمر بكتب أربع كلمات " والرد على الجبرية من قوله " فيعمل بعمل أهل الجنة ويعمل بعمل أهل النار ".
26- إثبات الملائكة وأن منهم الموكلين ببني آدم.
27- أن الملائكة عباد يؤمرون ويُنهون.
28- أنهم يكتبون كتابةً الله أعلم بكيفيتها .
29- أن الروح شيء قائم بنفسه لا عَرَضٌ، وهو ما يقوم بغيره خلافاً لبعض المتكلمين.
30- أن الملك ينفخ ولا نعلم كيفية النفخ، وشاهده من القرآن ٹ ٹ چ? ? پ پچ [الأنبياء : 91] والمراد نفخ الملك في فرجها.
عَنْ أمِّ المُؤمِنينَ أمِّ عبْدِ اللهِ عائشةَ -رَضِي اللهُ عَنْهَا- قالَتْ: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ » رواه البخاريُّ ومسلمٌ (1) . وفي روايةٍ لمسلمٍ: « مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيهِ أَمْرُنا فَهُوَ رَدٌّ».
الشرح :
هذا الحديث أصل من أصول الدين، وهو ميزان للاعتقادات والأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، وفيه من الفوائد :
1- أن الدين مبناه على الشرع.
2- أن كل ما أُحدث في الدين مما لم يأذن به الله باطل مردود.
3- أن الدين الذي شرعه الله مقبول عنده سبحانه.
4- أن كل ما وافق شرع الله من العبادات والعقود صحيح، وكل ما خالفه باطل.
5- عموم الحديث يدل على بطلان كل صلاة وكل صيام منهي عنه ، وبطلان كل عقد منهي عنه.
6- أن كل البدع الاعتقادية والعملية باطلة، كبدعة التعطيل والإرجاء ونفي القدر والتكفير بالذنوب والعبادات البدعية.
7- بطلان كل شرط وصلح يحل حراماً أو يحرم حلالاً، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: " ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مئة شرط " (2) .
8- الإشارة إلى وقوع البدع.
__________
(1) البخاري (2697) ومسلم (1718) (17).
(2) رواه البخاري (2060) (وفي مواضع أخرى) ومسلم (1504) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.(1/11)
9- أن النهي يقتضي الفساد.
10- أن حكم الحاكم لا يغير ما يدل عليه الشرع في الباطن.
11- أن من أنواع عقوبات الذنوب حبوط العمل وفوات المقصود.
12- ذم من يحدث في الدين.
13- أن الدين ليس بالرأي والاستحسان.
14- الإشارة إلى كمال الدين.
عن أبي عبدِ اللهِ النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ - رَضِي اللهُ عَنْهُما - قالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: « إنَّ الحَلاَلَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُما أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، ومَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ وإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وهِيَ الْقَلْبُ ». رواه البخاريُّ ومسلِمٌ. (1)
الشرح :
الحديث أصل من أصول الدين في الحلال والحرام، وفيه من الفوائد :
__________
(1) البخاري (52) ومسلم (1599) (107).(1/12)
1- تقسيم الأشياء من حيث الحل والحرمة إلى ثلاثة أقسام : حلال بيِّن وحرام بيِّن ومشتبه، وهذا التقسيم شامل للمطاعم والمشارب والملابس والمناكح والعبادات والمعاملات. والحرام منه ما حُرِّم لحق الله كالميتة والدم والخنزير، ومنه ما حُرِّم لحق العبد كالمغصوب والمسروق. والحلال منه ما نص الشرع على حلِّه كبهيمة الأنعام وصيد البحر، ومنه ما سكت عنه الشرع مثل أنواع الطير مما ليس له مخلب. والمشتبه ما تجاذبته الأدلة أو مقتضِيات الحلّ والحرمة، فيشكل حكمه على كثير من الناس ويتبين حكمه لأهل العلم، فإما حلال أو حرام فما تبيّن للعالم حلُّه التحق عنده بالحلال البين وما تبين له تحريمه التحق عنده بالحرام البيّن.
وعلى هذا فقد يرى العالم حل ما يرى العالم الآخر تحريمه. ومردّ هذا إلى اجتهادهما، فمن أصاب منهما فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد، وخطؤه مغفور، وعلى المقلد أن يقتدي بأعلمهما وأوثقهما حسبما ظهر له مع التجرد عن الهوى والتعصب.
2- أن من الحلال ما هو بين تعرفه العامة والخاصة، ومن الحرام ما هو بين تعرفه العامة والخاصة، فمن الأول الأكل والشرب مما يخرج من الأرض، ومن الثاني الزنى وشرب الخمر.
3- فضل العلم الذي به الفرقان بين الحق والباطل والحلال والحرام.
4- الإرشاد إلى اتقاء المشتبهات، وهي ما حصل فيه التردد في حله وحرمته.
5- أن في اجتناب الشبهات احتياطاً للدين والعرض بالسلامة من الوقوع في الحرام.
6- أن الإقدام على المشتبهات سبب للوقوع في الحرام.
7- أن من طرق البيان ضرب الأمثال وتشبيه المعقول بالمحسوس.
8- أن المتسبب في إتلاف مال الغير بماشيته ضامن له.
9- أن الاقتراب من الحمى والمحظور سبب للوقوع فيه.
10- أن من عادة الملوك أن يكون لهم حمى يمنعون الناس منه بحق أو بغير حق.
11- أن لملك الملوك سبحانه حمى، وهو ما حرَّم على عباده كالفواحش ما ظهر منها وما بطن.
12- وجوب اجتناب محارم الله.(1/13)
13- وجوب اجتناب الأسباب المفضية إلى المحرمات.
14- أن مدار الصلاح والفساد في الإنسان على القلب، وسائر الجوارح تابعة له صلاحاً أو فساداً.
15- أن صلاح الباطن يستلزم صلاح الظاهر، وفساد الظاهر يستلزم فساد الباطن. وقد يصلح الظاهر مع فساد الباطن كحال المنافق والمرائي.
عن أبي رُقَيَّةَ تَميمِ بنِ أوْسٍ الدَّاريِّ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- أنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: « الدِّينُ النَّصِيحَةُ ". قُلْنَا: لِمَنْ يا رسول الله؟ قالَ: " للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَِئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ». رواهُ مسلمٌ. (1)
الشرح :
الحديث أصل جامع من أصول الحديث، ومن جوامع الكلم التي أوتيها النبي - صلى الله عليه وسلم - :
وفيه من الفوائد :
1- أن الدين كله نصيحة، وأن النصيحة كلها من الدين.
2- تعلُّق النصيحة بالخمسة المذكورة.
3- حقيقة النصيحة القيام بما أوجب الله وما شرعه الله لما تتعلّق به النصيحة مما ذكر في الحديث :
- فمن النصيحة لله: الإيمان به وتوحيده في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، وإخلاص الدين له.
- ومن النصيحة للقرآن: الإيمان به وتعظيمه والوقوف عند حدوده.
- ومن النصيحة للرسول - صلى الله عليه وسلم -: الإيمان به ومحبته واتباعه - عليه الصلاة والسلام -.
- ومن النصيحة لأئمة المسلمين: السمع والطاعة لهم بالمعروف ومعرفة قدر العلماء والرجوع إليهم في معرفة أمور الدين.
- ومن النصيحة لعموم المسلمين: محبة الخير لهم وتعليم جاهلهم وإرشاد ضالهم والإحسان إليهم وكف الأذى عنهم.
4- البداءة بالأهم فالأهم.
5- التفصيل ببيان من له النصيحة لبيان مراتبهم.
__________
(1) مسلم (55) (95) وقد رواه البخاري (40) معلقاً.(1/14)
6- النص على حق القرآن وحق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحقوق العباد وإن كانت داخلة في حق الله، فإن من النصيحة لله : الإيمان بكتابه ورسوله، وطاعتُه بطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفي حقوق عباده.
7- أن الدين عبادة ومعاملة.
8- إنزال كلِّ أحد من الناس منزلته.
9- تأكيد الكلام بالتكرار للاهتمام والإفهام، كما جاء في رواية الإمام أحمد : (( الدين النصيحة )) "ثلاثاً " (1) .
عن ابنِ عُمَرَ -رَضِي اللهُ عَنْهُما- أنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: « أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ تَعَالَى ». رواه البُخاريُّ ومسلِمٌ. (2)
الشرح :
الحديث أصل في جهاد الكفار ليدخلوا في الإسلام
وفيه من الفوائد :
1- أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - عبد لله ورسول
2- أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مبلغ عن الله أمره ونهيه وشرعه.
3- جواز إبهام الآمر للعلم به اختصاراً، إذ لم يقل - صلى الله عليه وسلم - : أمرني الله أو ربي.
4- أن الله أمره بقتال الكفار، فقوله : « أُمرت » أي : أمرني ربي.
5- وجوب الجهاد.
6- أن قتال الكفار لا يقتصر على الدفاع بل يقاتلون ابتداءً فيكون قتالهم على وجهين دفاعاً وهجوماً.
__________
(1) - المسند " 4/ 102 " وإسناده صحيح على شرط مسلم .
(2) البخاري (25) ومسلم (22) (36).(1/15)
7- أن الغاية الأولى من قتال الكفار الدخول في الإسلام والثانية الخضوع لدولة الإسلام ببذل الجزية. وأخذ الجزية قيل : من جميع الكفار، وقيل من المجوس ومن أهل الكتاب، والراجح –والله أعلم- القول الأول لحديث بريدة - رضي الله عنه –عن مسلم- وفيه : " فإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى الإسلام، فإن أبوا فاسألهم الجزية، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم ". (1)
8- أنه لا يُكف عن قتال الكفار مطلقاً حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويلتزموا إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، لكن من أظهر الإسلام بأي شيء يدل عليه وجب الكف عنه ثم ينظر في حاله بعد ذلك، لقوله - صلى الله عليه وسلم - " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا "لا إله إلا الله " وقوله لأسامة - رضي الله عنه - : "أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ". (2)
9- أن أعظم مباني الإسلام : الشهادتان، وبعدهما الصلاة والزكاة.
10- اقتران هذه الأصول الثلاثة الشهادتان والصلاة والزكاة.
11- أعظم فرائض الدين –بعد الشهادتين- الصلوات الخمس والزكاة.
12- عظم شأن الزكاة في الإسلام حيث قرنت بالصلاة في نصوص الكتاب والسنة.
13- أن عصمة دم الكافر وماله إنما تتحقق بهذه الثلاثة.
14- حل الغنائم للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته.
15- أن المسلم معصوم الدم والمال، فدمه حرام وماله حرام إلا أن يأتي في الإسلام بما يبيح دمه أو ماله، وهو حق الإسلام المذكور في الحديث.
16- أن أحكام الدنيا تجري على الظاهر، وتفوض السرائر إلى الله.
17- أن الله يعلم سرائر العباد.
18- أن الله هو الذي يحاسب العباد ويجازيهم على أعمالهم.
19- أن الله أوجب على نفسه أن يبعث العباد ويحاسبهم ويجزيهم، يشير إلى ذلك قوله: " وحسابهم على الله ".
20- اقتران هذه الأصول الثلاثة: الشهادتان والصلاة والزكاة.
__________
(1) صحيح مسلم (1731) (2) مختصراً.
(2) البخاري (4021) مسلم (96).(1/16)
عَن أبي هُريرةَ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ صَخْرٍ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: « مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ واخْتِلاَفُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ». رواه البخاريُّ ومسلِمٌ. (1)
الشرح :
الحديث من الأصول الحد يثية وجوامع الكلم. وفيه من الفوائد :
1- وجوب طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أمره ونهيه.
2- وجوب اجتناب المنهي المحرَّم كلِّه، وأنه لا يُعلَّق ذلك على الاستطاعة، ويُستثنى من هذا ما أبيح للضرورة أو للإكراه لأن مناط التكليف الاستطاعة، والاستطاعة شرط في جميع الواجبات.
3- وجوب فعل المأمور وتعليق ذلك على الاستطاعة.
4- أن العبد إذا عجز عن كل المأمور أتى منه بما يستطيع.
5- أن للعبد استطاعة وقدرة على الفعل والترك، خلافاً للجبرية.
6- ترك الأسباب المفضية إلى المحرم، لأن ذلك من معنى الاجتناب.
7- تحريم كثرة السؤال، لأنه يتضمن التعنت والتكلف وعدم الانقياد للأمر.
8- تحريم الاختلاف على النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتنازع في أمره أو معصيته.
9- ذم الأمم الماضية بكثرة السؤال والاختلاف على الأنبياء.
__________
(1) البخاري (6777) ومسلم (1337) (412)، وقد ذكر مسلم سبب هذا الحديث عن أبي هريرة - -رضي الله عنه - قال: «خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجُّوا»فقال رجل: أكلَّ عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو قلت: نعم، لوجبت ولما استطعتم» ثم قال: «ذروني ما تركتم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم..» الحديث(1/17)
10- أن ذلك سبب هلاكهم المعنوي فإن الكفر والمعاصي هلكة، أو الحسي وذلك بالعقوبات المدمرة.
11- أن كثرة السؤال والاختلاف يقع في هذه الأمة، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لتتبعن سنن من كان قبلكم " (1) .
ومما يتعلق بسبب الحديث وأصله :
12- أن الحج فرض، وذلك معلوم من الكتاب والسنة والإجماع.
13- أن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار.
14- أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لو أمر بالحج كل عام لوجب.
15- أن الحج كل عام غير مستطاع لأكثر الناس.
16- أن السؤال عن وجوبٍ أو تحريمٍ وقتَ نزول القرآن قد يكون سبباً للوجوب أو التحريم كما جاء في الحديث : " إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته " (2) .
17- أن الأصل براءة ذمة المكلف حتى يرد الأمر أو النهي.
عن أبي هريرةَ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « إِنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: {يَأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا}، وَقَالَ تَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّماءِ يا رَبِّ.. يا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لذلكُ؟ ». رواه مُسْلمٌ. (3)
الشرح :
__________
(1) رواه البخاري (3269) من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه-.
(2) رواه البخاري (6860) ومسلم (2358) عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -.
(3) مسلم (1015) (65).(1/18)
هذا الحديث أصل فيما يُقبل ويرد من الأعمال، وفي إيثار الحلال على الحرام. وفيه من الفوائد المستنبطة من الحديث والآيتين:
1- أن من أسماء الله الطيِّب.
2- كمال الرب سبحانه في أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه، كما يدل عليه قوله : « إن الله طيب.. ».
3- أن الله سبحانه وتعالى لا يقبل من الأعمال والأقوال إلا طيبها، وهو ما كان خالصاً لوجهه وموافقاً لأمره وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - .
4- أن الإنفاق من الحرام لا يقبله الله لأنه خبيث.
5- أن الحلال من المكاسب والأعيان طيب فالصدقة منه مقبولة.
6- وجوب الأكل من الحلال واجتناب الحرام.
7- أمر الرسل والمؤمنين بذلك.
8- إباحة الأكل من الجيد من المطاعم والمشارب.
9- ذم الذين يمتنعون من أكل الطيب الحلال.
10- أن الرسل عباد لله يأمرهم وينهاهم.
11- أن للمؤمن في الرسل أسوة.
12- أن المؤمنين لا يعبدون إلا الله.
13- تكريم المؤمنين بخطابهم بوصف الإيمان.
14- أن الإيمان يقتضي فعل المأمورات وترك المنهيات.
15- أن التوحيد يقتضي شكر الله على نعمه وقبول رزقه.
16- أن الشكر إنما يكون بالعمل الصالح لقوله تعالى للمؤمنينچ? ?چ في مقابل قوله للرسل : چ ہ ہہ چ.
17- إثبات علمه تعالى بأعمال العباد ، وفي ذكر العلم بعد الأمر وعد ووعيد، لقوله : چ ? ? ? ہ ہہ ہ ھ ھ ھ چ.
18- استشهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن.
19- الاستعانة بأكل الحلال على العمل الصالح.
20- أن أكل الحرام أو الإنفاق منه قد يبطل العمل أو ينقص الثواب.
21- أن من موانع إجابة الدعاء أكل الحرام.
22- أن من أسباب إجابة الدعاء طول السفر والشَّعَث ورثاثة الهيئة، لأن ذلك يوجب انكسار القلب.
23- أن من أسباب الإجابة رفع اليدين والإلحاح.
24- أن من غلب عليه الحرام في طعامه وشرابه ولباسه يبعد أن يُستجاب له، ولو أتى بأسباب الإجابة.(1/19)
25- أن الأكل – وفي معناه الشرب- أهم وجوه الانتفاع وبعده اللباس وبعده المركب والمسكن، فالأكل والشرب أولاها بالحلال، ثم ما بعده، وما كان من المكاسب مشتبهاً فينفق في المركب والمسكن.
26- سوء أثر تغذية الصبي بالحرام وإن لم يكن عليه إثم بذلك.
27- وصف الله بالربوبية.
28- التوسل إلى الله –في الدعاء- بربوبيته.
29- استبعاد الإجابة عن جنس من قام به المانع، فلا يجزم بذلك في حق المعيَّن.
عن أبي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ، سِبْطِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورَيْحانَتِهِ -رَضِي اللهُ عَنْهُما- قالَ: حَفِظْتُ مِنْ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ ». رواهُ التِّرمذيُّ والنَّسائِيُّ، وقالَ التِّرمذيُّ: (حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ). (1)
الشرح :
هذا الحديث أصل في ترك جميع المشتبهات والمشكلات من الأعمال والأقوال والمطاعم والمشارب وغير ذلك. وفيه من الفوائد:
15- تربية الصغار على الآداب الشرعية لينشؤوا على الأخلاق الكريمة.
16- الأمر بترك المشتبهات، ويشهد له حديث " فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ". (2)
17- أن المشتبهات تورث قلقاً في النفس.
18- الإرشاد إلى الاحتياط في الدين، وذلك بالعدول إلى ما يطمئن إليه القلب وتطمئن إليه النفس، كما جاء في الحديث (3) .
19- الترغيب في الصدق والتحذير من الكذب.
20- أن الصدق سبب الطمأنينة في النفس، والكذب سبب الريب والقلق.
21- رحمة الله بعباده إذ أمرهم بما فيه راحة النفس. والبال ونهاهم عمّا فيه قلق وحيرة.
__________
(1) الترمذي (2518) والنسائي (5711) والطيالسي (1274) وابن خزيمة (2348) وابن حبان (722) والحاكم (2/13).
(2) تقدم تخريجه، وهو الحديث السادس من هذه الأربعين.
(3) حديث وابصة، وهو الحديث السابع والعشرون من هذه الأربعين، وسيأتي تخريجه إن شاء الله.(1/20)
22- نصح الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحسن تعليمه.
23- أن هذا الحديث من جوامع الكلم التي أوتيها النبي - صلى الله عليه وسلم - وعَدَّها من خصائصه.
24- اطِّراح الشك والبناءُ على اليقين في الأحكام.
عن أبي هريرةَ - رَضِي اللهُ عَنْهُ - قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ ». حديثٌ حَسَنٌ رواه التِّرمذيُّ وغيرُه. (1)
الشرح :
هذا الحديث أصل في منهج المسلم فيما يأتي ويذر في ضوء الإسلام، وفيه من الفوائد:
1- أن من محاسن الإسلام العناية بما ينفع في الدين ثم في الدنيا.
2- الإرشاد إلى ترك ما يضر في الآخرة وترك مالا ينفع.
3- الإرشاد إلى ترك ما ليس من شأن الإنسان، وما ليس منه بسبيل.
4- من حسن الإسلام ترك السؤال عمّا لا سبيل إلى معرفته، كحقائق الغيب وتفاصيل الحِكَم في الخلق والأمر، وكذا السؤال والبحث عن مسائل مقدّرة ومفترضة لم تقع، أو يندر أن تقع، أو لا تكاد تقع، أو لا يتصور وقوعها.
5- الإرشاد إلى فعل محاسن الدين وترك ما ينافيها.
عن أبي حمزةَ أنسِ بنِ مالكٍ - رَضِي اللهُ عَنْهُ -خادمِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: « لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَِخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ » رواه البخاريُّ ومسلِمٌ. (2)
الشرح :
الحديث أصل في النصح لكل مسلم، وفيه من الفوائد:
1- وجوب النصيحة لكل مسلم.
2- أن من النصيحة محبة الخير للمسلم، وكراهة الشر له، كما يحب المرء لنفسه ويكره لنفسه.
3- أن النصيحة من الإيمان.
__________
(1) الترمذي (2318) وابن ماجه (3976) وابن حبان (722) وقال محققه شعيب الأرناؤوط: «حسن لغيره» وساق طرقه.
(2) البخاري (13) ومسلم (45) (71).(1/21)
4- أن الإيمان يتفاضل، فإن النفي في الحديث نفي لكمال الإيمان الواجب، فإن الإيمان لا يُنفى إلا لترك واجب، ولا يُنفى لترك مستحب، وإلا للزم جواز نفي الإيمان عن أكثر المؤمنين. كما أوضح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية. (1)
5- أن النصيحة موجَب الأخوة الإيمانية، فذكر الأخوة من بواعث القيام بحقوقها، فهي علة الحكم وموجِبُه.
6- أن الأخوة في الله، فوق أخوة النسب فحقّها أوجب.
7- أن حق الأخوة الإيمانية عام للمؤمنين والمؤمنات كما قال تعالى: ٹ ٹ چک گ گ گ گ? چ. وقال سبحانه چ ? ? ?چ. فلا مفهوم لوصف الذكورية في الحديث.
8- تحريم كل ما ينافي هذه المحبة من الأقوال والأفعال كالغش والغيبة والحسد والعدوان على نفس المسلم أو ماله أو عرضه، ولا يحرم الربح على المسلم في البيع بلا غبن ولا تدليس ولا كذب.
عنْ ابنِ مسعودٍ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وأَنِّي رسُولُ اللهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: الثَّيِّبِ الزَّانِي، وَالنَّفْسِ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكِ لِدِينِهِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ ». رواه البخاريُّ ومسلم. (2)
الشرح :
الحديث أصل في حرمة دم المسلم، وفيه من الفوائد:
1- عصمة دم المسلم.
2- أن الإسلام أعظم ما يُعصم به الدم.
3- فضل المسلم على الكافر.
4- تحريم قتل المسلم وقتاله إلا بما يوجبه شرعاً.
5- تحريم التسبب في قتله أو قتاله.
6- تحريم الإشارة إلى المسلم بالسلاح ونحوه.
7- تحريم العدوان على بدن المسلم بجرح أو ضرب بغير حق.
8- أن حد الزاني الثيب القتل، وذلك برجمه بالحجارة بشروطه كما دلت على ذلك السنة المتواترة.
9- ثبوت القصاص على من قتل معصوماً عمداً عدواناً في الجملة بشروطه.
__________
(1) مجموع الفتاوى " كتاب الإيمان " (7/14، 647).
(2) البخاري (6484) ومسلم (1676) (25).(1/22)
10- وجوب قتل المرتد عن دين الإسلام.
11- أن الإسلام يثبت حكمه بالشهادتين لقوله –كما في أصل الحديث- : "مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله " (1) .
12- أن أصول ما يحل به دم المسلم الخصال الثلاث.
عن أبي هُريرةَ - رَضِي اللهُ عَنْهُ - ، أنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ». رواه البخاريُّ ومسلِمٌ. (2)
الشرح :
الحديث أصل في حفظ اللسان وبذل الإحسان، وفيه من الفوائد:
1- أن الإيمان بالله واليوم الآخر أصل لكل خير.
2- أن الإيمان بالله واليوم الآخر يبعث على المراقبة والخوف والرجاء.
3- أن الإيمان بالله واليوم الآخر يتضمن المبدأ والمعاد.
4- أن الإيمان بالله واليوم الآخر أقوى البواعث على الامتثال.
5- التحريض على امتثال الأوامر بذكر موجِبه، وما يهيّج على الطاعة.
6- أن الكلام فيه خير وشر وما ليس بخير.
7- الحث على التكلم بالخير، وهو الكلم الطيب وهو كل ما أمر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من الكلام وجوباً أو استحباباً، كأنواع الذكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم العلم، والإصلاح بين الناس.
8- أن الصمت عمّا ليس بخير من الكلام مما يقتضيه الإيمان بالله وباليوم الآخر.
9- أن التكلم بالخير خير من الصمت عما لا خير فيه، وأن الصمت عمّا لا خير فيه خير من التكلم به، ففيه دليل على أن فعل الطاعة أفضل من ترك المعصية في الجملة.
10- أنه يجوز التخيير بين خيرين، أحدهما أفضل من الآخر، كما تقول : صلِّ ركعتين أو أربعاً.
11- أن هذه الخصال الثلاث من الإيمان.
12- عظم حق الجار.
__________
(1) السابقان.
(2) البخاري (5672) ومسلم (48) (77).(1/23)
13- أن حق الجار الإكرام، وهو يتضمن الإحسان وكف الأذى، وفي رواية " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره " (1) وفي أخرى " فلا يؤذ جاره " (2) .
14- أن حق الجوار لكل جار، مسلماً كان أم كافراً، لإطلاق الحديث، وقد قال تعالى في آية الحقوق العشرة : چ ? ? ہ ہ ہ ہ ھچ فالجيران ثلاثة : الجار المسلم الذي له قرابة له ثلاثة حقوق، والجار المسلم غير القريب له حقان، والجار الكافر له حق الجوار.
ويتفاوت حق الجوار بحسب قرب الجار وبعده، ويدل على عظم حق الجار قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" (3)
15- أن إكرام الضيف من صفات المؤمنين.
16- الأمر بإكرام الضيف، وهو من ينزل بالإنسان يريد المأوى والطعام، وإكرامه بحسب منزلة الضيف وحال المضيف ويُرجع فيه إلى العرف، والواجب للضيف إضافته يوماً وليلة، وما زاد فهو سنة إلى ثلاثة أيام ويتأكد حق الضيف على النازلين في طرق المسافرين وفي القرى التي لا تتوفر فيها حاجة المسافر من مطعم ومسكن بخلاف المدن التي يُهيأ فيها للمسافرين المسكن والمطعم بالثمن، وهذا التفصيل إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، والرواية الأخرى تجب الضيافة مطلقاً على أهل المدن والقرى. (4)
17- أن من محاسن الإسلام رعاية الحقوق التي بين الناس والحث على حفظ اللسان بكفه عمّا لا خير فيه والترغيب في الكلام الطيب.
__________
(1) رواه مسلم (47) (76) عن أبي هريرة -رضي الله عنه -.
(2) البخاري (5672) ومسلم (47) (75) عن أبي هريرة، ورواية مسلم " فلا يؤذي".
(3) البخاري (5668) مسلم (2625) (141) عن عائشة - رضي الله عنها -.
(4) شرح ابن رجب للأربعين (1/357).(1/24)
عنْ أبي هُريرةَ - رَضِي اللهُ عَنْهُ - ، أنَّ رَجُلاً قالَ للنَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَوْصِني. قالَ: « لاَ تَغْضَبْ » فَرَدَّدَ مِرارًا، قالَ: « لاَ تَغْضَبْ». رواه البخاريُّ. (1)
الشرح :
الحديث أصل في مقاومة الغضب وتجنب أسبابه، وفيه من الفوائد:
1- جواز طلب الوصية من العالم.
2- جواز الاستزادة من الوصية.
3- حرص الصحابة على الخير.
4- مراعاة الموصي حال الموصَى في وصيته.
5- أن الغضب مفتاح لكثير من الشرور القولية والفعلية، وأعلاها الكفر والقتل.
6- تأكيد النهي عن الغضب ولا يدخل في ذلك الغضب لله إذا انتهكت حرماته. فالغضب مراتب فأفضله الغضب لله وأسوأه السخط على قضاء الله، فالأول من كمال الإيمان والثاني من الجهل بالله وسوء الظن به.
7- النهي عن أسباب الغضب، كالمراء والسباب والمنازعات وصحبة السفهاء.
8- الأمر بأسباب إطفاء الغضب كالتعوذ بالله من الشيطان والوضوء والجلوس.
9- الإرشاد إلى كظم الغيظ وضبط النفس عند حصول الغضب كما في الحديث " ليس الشديد بالصُّرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ". (2)
10- حسن خلقه - صلى الله عليه وسلم - .
11- حسن تعليمه- عليه الصلاة والسلام -.
12- فيه شاهد لقاعدة سد الذرائع.
13- أن أفضل الناس في الغضب والرضا من يكون بطيء الغضب سريع الرضا.
14- فيه شاهد لما خُص به النبي - صلى الله عليه وسلم - من جوامع الكلم.
15- أن النهي عن الشيء نهي عن أسبابه، وأمر بما يعين على تركه.
16- أن من محاسن الإسلام النهي عن مساوئ الأخلاق.
__________
(1) البخاري (5765).
(2) البخاري (5763) مسلم (2609) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .(1/25)
عن أبي يَعْلَى شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ - رَضِي اللهُ عَنْهُ - ، عن رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: « إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ». رواه مسلِمٌ (1) .
الشرح :
هذا الحديث أصل في الندب إلى الإحسان إلى كل شيء، وفيه من الفوائد:
1- إضافة الكتابة إلى الله، وهي نوعان:
أ- كتابة نوعية ب- كتابية دينية:
فمن الأول قوله تعالى: چ چ چ ? ? ? ? ? چ [الأنبياء : 105 ] ومن الثاني قوله تعالى: چ ? ? ? ٹ ٹ ٹچ ومنه ما في هذا الحديث.
2- الحث على الإحسان إلى الخلق بكتابته على كل شيء، و(على) في الحديث بمعنى (في)، وهذا أقرب الوجوه، والإحسان يكون بالقول والفعل والترك والإحسان إلى أصناف الناس كما في قوله تعالى: «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين» ويدخل فيه الإحسان إلى الحيوان كما في حديث البغي التي سقت كلباً فغفر الله لها (2) ، وكما في هذا الحديث، وجماع القول في معنى الإحسان أنه إيصال النفع ودفع الضرر وكف الأذى.
3- من الإحسان: الإحسانُ في صفة قتل من أبيح قتله، وذلك بفعل ما يقتضيه الشرع من صعوبة وسهولة فيدخل في ذلك رجم الزاني والقتل قصاصاً، فإنه يتبع فيه فعل الجاني.
4- الإحسان في صفة ذبح الحيوان، ومن ذلك فعل الأسباب التي تكون أسرع في إزهاق الروح، كشحذ الشفرة وهي السكين.
5- تحريم تعذيب الحيوان كاتخاذه غرضاً وتجويعه وحبسه بلا طعام ولا شراب.
6- رحمة الله بخلقه.
7- كمال هذه الشريعة واشتمالها على كل خير، ومن ذلك رحمة الحيوان والرفق بالحيوان.
8- أن الله له الأمر والحكم.
__________
(1) مسلم (1955) (57).
(2) رواه البخاري (3143)، (3280) ومسلم (2245) (154) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.(1/26)
9- حسن تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - لتوضيحه القاعدة الكلية بذكر بعض أفرادها.
عن أبي ذرٍّ جُندُبِ بنِ جُنَادَةَ وأبي عبدِ الرَّحمنِ مُعاذِ بنِ جبلٍ - رضِي اللهُ عَنْهُما - ، عن رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: « اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ » رواه التِّرمذيّ، وقالَ: (حديثٌ حَسَنٌ). وفي بعضِ النُّسَخِ: (حسنٌ صحيحٌ). (1)
الشرح :
هذا الحديث أصل في رعاية حقوق الله وحقوق عباده، وفيه من الفوائد:
1- الوصية من النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الوصايا الثلاث الجوامع.
2- وجوب تقوى الله في كل مكان وزمان وفي كل حال، وتقوى الله خوفه ومراقبته وطاعته بامتثال الأوامر والنواهي. والوصية بتقوى الله هي وصية الله للأولين والآخرين والنبيين والمؤمنين والناس أجمعين، وهي تتضمن الوصية بفعل كل طاعة وترك كل معصية.
3- الوصية بإتباع الحسنة للسيئة، والحسنة هي الطاعة، والسيئة هي المعصية.
4- أن الحسنات تمحو السيئات، كما ٹ ٹ چ ? ? ? ?? چ [هود : 114] وأعظم الحسنات محواً وإذهاباً للسيئات التوبة النصوح، ثم الاستغفار ثم الأعمال الصالحة، كما في الحديث «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر». (2)
5- رأفة الله ورحمته بعباده إذ شرع لهم ما يكفر السيئات، فضلاً من الله ونعمة.
6- الوصية بحسن الخلق مع الناس، وجماع ذلك الإحسان إليهم وترك العدوان عليهم، والصبر على أذاهم.
__________
(1) رواه الإمام أحمد (21354، 21403، 22059 ط. التركي ) والترمذي (1987) والحاكم (1/54) قال محقق المسند عنه " حسن لغيره ".
(2) رواه مسلم (233) (16) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.(1/27)
7- ومن شواهد ما جاء في هذا الحديث قوله تعالى {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [آل عمران 133 - 135]
فاشتملت هذه الآيات على ما اشتمل عليه الحديث من الوصايا الثلاث فتطابقت على ذلك دلالة الكتاب والسنة وكلاهما منزل من الله. قال تعالى: چ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً }[النساء113].(1/28)
عَن أَبِي العبَّاسِ عبْدِ الله بنِ عَبّاسٍ -رَضِي اللهُ عَنْهُما- قالَ: كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا، فَقَالَ: « يَا غُلاَمُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ؛ احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ». رواه التِّرمذيُّ، وقالَ: (حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ). وفي روايةِ غيرِ التِّرمذيِّ: « احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَخْطَأكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا » (1) .
الشرح :
الحديث أصل في الإيمان بالشرع والقدر، وهو حديث عظيم كثير الفوائد :
1- التواضع للصغار وتعليمهم.
2- من حسن التعليم التمهيد لما يراد من الكلام، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « يا غلام إني أعلمك كلمات ».
3- فضل ابن عباس - رضي الله عنهما -، حيث رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - أهلاً لهذه الوصايا مع صغر سنه.
4- الوصية بحفظ العبد لربه، ومعناه مراقبته وطاعته فحقيقته حفظ الدين، والحفظ ضد الإضاعة.
__________
(1) رواه الإمام أحمد (2669، ط. أحمد شاكر) والترمذي (2516) قال أحمد شاكر : " إسناده صحيح".(1/29)
5- أن الجزاء من جنس العمل، فمن حفظ الله حفظه وعَكْسُه بعكسِه، فمن لم يحفظ الله لم يحفظه، وحفظ الله للعبد كفايته له ووقايته وهدايته، فقوله " احفظ الله يحفظك " نظير لقوله چ ? ? ? ? چ.
6- أن حفظ الله سبب لمعيته الخاصة المتضمنة للنصر والتأييد والكفاية.
7- فضل التقرب إلى الله بطاعته وتقواه في حال الرخاء، وهي حال الصحة والأمن والغنى.
8- أن من اتقى الله في الرخاء وقاه الله ما يكره ويسَّر أموره وهوَّن عليه الشدائد، وكشف غمّه وهمه ونفّس كربته، وهذا معنى قوله « يعرفك في الشدة ».
9- تحقيق التوحيد بالاستغناء بالله عن خلقه بترك سؤالهم وترك الاستعانة بهم وصرفِ ذلك لله وحده، فينزل العبد حوائجه بربه ويطلب العون منه.
10- إثبات القدر خيره وشره.
11- أن ما يقع من المنافع والمضار والنعم والمصائب مكتوب، وأن ما لم يُكتب لا يكون.
12- أن الخلق لا يقدرون على تغيير ما سبق به القدر والكتاب الأول.
13- إثبات الأسباب.
14- إثبات تأثير الأسباب بالنفع والضرر، وأنها لا تخرج عن قدر الله.
15- وجوب توحيد الله بالخوف والرجاء والتوكل.
16- أن ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ومعنى ذلك أن ما أصاب الإنسان قد سبق القدر بأنه يصيبه وأن ما أخطأ الإنسان قد سبق القدر أنه لا يصيبه.
17- الترغيب في الصبر وأنه سبب في النصر.
18- لطف الله بعباده إذ يأتي بالفرج بعد الكرب وباليسر بعد العسر.
19- أن كل ما في الوجود قد فُرغ منه، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «رفعت الأقلام وجفت الصحف » فلا تغيير لما سبق به علم الله ولا كتابه.
20- كتابة المقادير.
21- الإرشاد إلى حسن الظن بالله وانتظار الفرج واليسر عند الكرب والعسر، وترك القنوط من رحمته.(1/30)
22- البشارة بالنصر إذا تحقق الصبر، وبالفرج إذا اشتد الكرب، وأن العسر لا يدوم بل يعقبه يسر بل يسران كما ٹ ٹ چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ. [الشرح : 5-6] وفي الحديث : " لن يغلب عسر يسرين" (1) .
23- أن الإيمان بالقدر يهون المصيبة ويعين على الصبر ويمنع من الاعتماد على الأسباب.
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقبةَ بنِ عَمْرٍو الأنصاريِّ الْبَدْريِّ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى (2) : إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ». رواه البخاريُّ.
الشرح :
الحديث أصل في الحياء، وفيه من الفوائد:
1- أنه قد يشتهر على ألسن بعض الناس بعض ما ورثوه عن الأنبياء وهم لا يشعرون بذلك.
2- أن من ذلك هذا الحديث
3- أن الاستحياء يزع عن القبيح من الأقوال والأفعال.
4- الإذن بكل ما لا يستحيي منه ذو الفطرة السليمة، وهذا على أن الجملة إنشاء، والأمر للإباحة.
5- توبيخ من لا يستحي بأنه يصنع كلَّ ما يشتهي.
6- التعبير بالصفة (وهي النبوة) عن الموصوف (وهم الأنبياء).
7- أن عدم الاستحياء يحمل على المجاهرة بالقبيح، وأن الاستحياء يبعث على الاستتار بستر الله.
8- إثبات المشيئة للعبد والرد على الجبرية.
__________
(1) رواه ابن جرير في التفسير 30/151 والحاكم في المستدرك 2/528. وهو مرسل، قاله الحاكم ورواه مالك في الموطأ 2/446 وابن أبي شيبة في المصنف 5/335 عن ابن عباس - رضي الله عنهما - موقوفاً عليه .
(2) البخاري (5769) ولفظة " الأولى " ليست في البخاري بل عند أبي داود وأحمد. قاله ابن حجر في الفتح (6/605).(1/31)
عَن أبي عمرٍو- وَقِيلَ: أَبي عَمْرةَ- سُفيانَ بنِ عَبْدِ اللهِ - رَضِي اللهُ عَنْهُ - قالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِي فِي الإسلامِ قَوْلاً لا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ. قالَ: « قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ». رواه مسلِمٌ. (1)
الشرح :
هذا الحديث أصل في وجوب الجمع بين العلم والعمل، وفيه من الفوائد:
1- التشابه بين الكتاب والسنة، فهذا الحديث نظير قوله تعالى: چ ? ? ? ? ? ? ? چ [الأحقاف : 13].
2- أن أصل الدين مطلقاً هو الإيمان بالله، وهو الإيمان بربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، وتوحيده في ذلك كله.
3- أنه لا يكفي مجرد الاعتقاد، بل لابد من الإقرار باللسان.
4- وجوب تصديق القول بالعمل.
5- وجوب دوام الطاعة حتى الموت، كما قال تعالى : چ ? ? ? ? ? چ [آل عمران : 102]، وقال تعالى : چ ? ? ? ? ? چ [الحجر : 99].
6- وجوب فعل جميع المأمورات وترك جميع المنهيات.
7- التوسط في جميع أبواب الدين بترك الغلو والتقصير.
8- وجوب العدل في القول والعمل.
9- أن مرتبة العلم والإيمان فوق مرتبة العمل، ولعل هذا هو السر في عطف الاستقامة بـ (ثم).
10- أن الاستقامة معنى جامع لكل خير، وتفصيل ذلك هو ما تقدم.
11- حرص الصحابة على العلم والبيان الجامع الذي يُستغنى به عن الكلام الكثير.
12- حسن رأي هذا الصحابي لاختيار هذا السؤال.
13- في الحديث شاهد لما خُص به النبي - صلى الله عليه وسلم - من جوامع الكلم.
14- أن اللفظ الشرعي الدال على لزوم الطاعة هو الاستقامة لا الالتزام، كما يجري على ألسن كثير من الناس.
15- أن كل مخالفة شرعية تنافي تحقيق الاستقامة.
__________
(1) مسلم (38) (62).(1/32)
عن أبي عبدِ اللهِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريِّ - رَضِي اللهُ عَنْهُما -، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إذا صَلَّيْتُ الْمَكْتُوباتِ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلالَ، وَحَرَّمْتُ الْحَرامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذلِكَ شَيْئًا، أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ قالَ: « نَعَمْ». رواه مسلِمٌ. (1)
الشرح :
الحديث أصل في حصول النجاة والفوز بالجنة لمن اقتصر على أداء الفرائض واجتناب المحارم، وهو المقتصد، وفيه من الفوائد:
1- أن أعظم الواجبات على المسلم الصلوات الخمس.
2- أنها أعظم أسباب دخول الجنة بعد الشهادتين.
3- أن صيام شهر رمضان من أعظم فروض الإسلام.
4- أن من أسباب دخول الجنة الإيمان بالحلال والحرام باعتقاد حل الحلال وتحريم الحرام.
5- وجوب اجتناب الحرام، وأن اجتنابه من أسباب النجاة.
6- أن إحلال الحلال يقتضي استباحة المباح وفعل الواجب والمستحب.
7- إثبات الجزاء وترتبهِ على الأعمال.
8- أن طلب الجنة بالأعمال الصالحة مطلوب شرعاً ومحمود، ففيه الرد على الصوفية الذين يرون أن طلب الثواب والخوف من العقاب نقص.
9- أن الاقتصار على فعل الواجبات وترك المحرمات يكفي لدخول الجنة، كما جاء في حديث الذي سأل عن الصلاة والزكاة والصيام فأجابه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال الرجل : هل علي غيرها ؟.
- قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا، إلا أن تطّوع "
- فولَّى وهو يقول : " والله لا أزيد على هذا ولا أنقص "
- فقال - صلى الله عليه وسلم - : " أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق" (2) .
__________
(1) مسلم (15) (16).
(2) رواه البخاري (46، 1792) ومسلم (11).(1/33)
10- حرص الصحابة على أسباب النجاة وعلو هممهم كما قال معاذ - رضي الله عنه - : " أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار، فقال - صلى الله عليه وسلم - : " لقد سألت عن عظيم". (1)
11- أن الجواب بنعم، يتضمن الإقرار والتصديق، فيؤخذ المجيب بإقراره، ويُعلم تصديقه للخبر.
عن أبي مالكٍ الحارثِ بنِ عاصمٍ الأشْعَرِيِّ - رَضِي اللهُ عَنْهُ - ، قالَ : قالَ رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - : «الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلأَُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلآن أو تملأ مَا بَيْنَ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ، وَالصَّلاَةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو؛ فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ». رواه مسلِمٌ. (2)
الشرح :
الحديث أصل من أصول فضائل الأعمال، وفيه من الفوائد:
1- فضل الطُّهور، أي: التطهر بالغسل أو الوضوء أو التيمم.
2- أن الطُّهور من الإيمان.
3- الرد على المرجئة الذين يخرجون الأعمال عن مسمَّى الإيمان.
4- فضل التسبيح والتحميد اللذين يحصلان بكلمتي "سبحان الله " و "الحمد لله". فسبحان الله تتضمن تنزيه الله عن كل نقص وعيب، والحمد لله تتضمن وصفه بكل كمال.
5- إثبات الميزان ووزن الأعمال. ويشهد لهذا قوله - صلى الله عليه وسلم - " كلمتان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن.." (3) .
6- عظم ثواب هاتين الكلمتين " سبحان الله " و " الحمد لله " وثقلهما في الميزان إذا صدرتا عن كمال العلم والصدق والإخلاص.
7- فضل جنس الصلاة على غيرها من الطاعات وأفضلها الصلوات المكتوبة.
__________
(1) هو الحديث التاسع والعشرون من أحاديث الأربعين، وسيأتي تخريجه.
(2) مسلم (223) (1).
(3) البخاري (6043) ومسلم (2694) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.(1/34)
8- أن الصلاة نور لصاحبها في قلبه ووجهه، وفي خُلُقه وفي قبره وفي آخرته وعلى الصراط، قال تعالى : چ ? ? ? ? ? پ پ پ پ چ. [الحديد : 12] وهذا الفضل والثواب لصلاة المقيمين لها والمحافظين عليها الخاشعين فيها. ومن نقصت صلاته عن الكمال نقص حظه من هذا الثواب.
9- فضل الصبر وأنه ضياء لصاحبه، والصبر ثلاثة أنواع :
- على طاعة الله.
- وعن معصية الله.
- وعلى أقدار الله المؤلمة.
والفرق بين الضياء والنور أن الضياء تكون معه الحرارة، ولعل السبب في ذلك أن الصبر فيه معاناة.
10- فضل الصدقة فرضاً كانت أو تطوعاً.
11- أن الصدقة بالمال المحبوب الطيب إيماناً واحتساباً بطيب نفس برهان على صحة الإيمان.
12- أن القرآن حجة للمؤمنين وحجة على المكذبين، وهذا الحكم شامل لكل من بلغه القرآن، فهو حجة لمن وقف عند حدوده، وحجة على من تعدى حدوده، وحجة لمن حكم به وحكّمه، وحجة على من آثر حكم الجاهلية على حكمه.
13- انقسام الناس في القرآن، وفي القرآن الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
14- سعادة من كان القرآن حجة له وشقاء من كان حجة عليه. ويشهد لهذا حديث أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فِرْقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما " (1) .
15- أن كل أحد من الناس يغدو ويروح في العمل الذي يبذل فيه جهده وطاقاته، فيبيع بذلك نفسه إما على ربه إذا عمل بطاعته فيعتق نفسه من سخط الله وعذابه ويفوز برضوانه، وإما أن يبيعها على الشيطان إذا عمل بالكفر والفسوق والعصيان فيهلك نفسه بتعريضها لعذاب الله وسخطه.
__________
(1) رواه مسلم (804).(1/35)
16- أن الناس فريقان : ناج وهالك، شقي وسعيد، ويشهد للبيع الرابح قوله تعالى : چ ? ? ? ? ? ? ہ ہہ ہ ھ ھ چ. [البقرة : 207]، وقوله : چ ? ? ? ? ? ? ? چ [التوبة : 111] ويشهد للبيع الخاسر قوله تعالى : چ ? ? ? ? ںں ? ? ?چ [البقرة : 102]
عن أبي ذرٍّ الغِفَاريِّ - رَضِي اللهُ عَنْهُ - ، عن النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما يرويه عن ربِّه عزَّ وجلّ أنَّه قالَ: « يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلاَ تَظَالَمُوا. يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ , فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ. يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ. يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ. يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ. يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي. يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإِنْسَكُم وَجِنَّكُم كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ واحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ في مُلْكِي شَيْئًا. يَا عِبَادِي، لَوْ أنَّ أوَّلَكُم وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا. يا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ.(1/36)
يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا, فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ». رواه مسلِمٌ. (1)
الشرح :
الحديث أصل في الدلالة على كمال عدل الرب وغناه، وفقر العباد إليه قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- : " ينبغي أن يعرف أن هذا الحديث شريف القدر عظيم المنزلة، ولهذا كان الإمام أحمد يقول : هو أشرف حديث لأهل الشام، وكان أبو إدريس الخولاني إذا حدث به جثا على ركبتيه ". (2)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا» فيه فوائد منها:
1- أن من السنة ما هو من كلام الله، وهو ما يرويه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربه، وهو ما يعرف بالحديث القدسي.
2- أن جميع الثقلين عباد لله مؤمنهم وكافرهم، وهذه هي العبودية العامة.
3- أن الله يوجب على نفسه ويحرم على نفسه.
4- تنزيه الله عن الظلم، ومن صوره أن يعذب أحداً بذنب غيره.
5- أن الظلم مقدور له.
6- الرد على الجبرية الذين يقولون إن الظلم من الله هو الممتنع لذاته، وإن كل ممكن فإنه يجوز على الرب تعالى.
7- إطلاق النفس على الله، والمراد بالنفس الذات.
8- تحريم الظلم بين العباد في الدماء والأموال والأعراض.
9- أنه يجب على العباد ترك ظلم بعضهم بعضاً لقوله: " فلا تظالموا ".
10- تحريم الظلم ابتداءً ومجازاة.
11- أن شرائع الله مبنية على العدل.
قوله «يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ...» فيه فوائد منها:
12- أن الأصل في المكلفين : الضلال، وهو الجهل بالحق وترك العمل به، ويشهد لذلك قوله تعالى : چ ? ?? ? ? ? ?چ [الأحزاب : 72].
13- أن ما يحصل للعباد من علم أو اهتداء، فبهداية الله وتعليمه.
__________
(1) مسلم (2577) (55).
(2) مجموع الفتاوى 18/156.(1/37)
14- الإرشاد إلى طلب الهدى من الله لقوله : " فاستهدوني "، والهداية من الله نوعان :
- هداية البيان والإرشاد : وهي عامة لسائر المكلفين، وهي مقدورة للخلق كما قال تعالى: چٹ ? ? ? ? چ [الشورى : 52].
- وهداية التوفيق لقبول الحق والعمل به : وهي هداية خاصة ولا يقدر عليها إلا الله عز وجل، قال تعالى: «إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء» والهداية في هذا الحديث يحتمل أن تكون هي الهداية الخاصة ويحتمل أن تكون شاملة للنوعين، وهو أظهر، لقوله تعالى چ ٹ ٹ ٹ چ [الفاتحة : 6]
15- أن الدعاء سبب لهداية الله.
16- أن الهدى من الله وحده.
17- أن من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
18- الرد على القدرية في قولهم باستقلال العبد في إيمانه وكفره وهداه وضلاله.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته .. »فيه فوائد منها:
19- تعريف العباد بفقرهم وحاجتهم إلى الله من جميع الوجوه.
20- فقر العباد إلى الله في طعامهم وشرابهم.
21- الإرشاد إلى طلب ذلك من الله.
22- أن الدعاء سبب لنيل ما عند الله.
23- مشروعية الدعاء في مطالب الدنيا والآخرة، وهو لا ينافي الأخذ بالأسباب الأخرى حسب السنن الكونية كالتجارة والزراعة والصناعة.
24- أن الله تعالى هو الذي يطعم العباد ويسقيهم، كما قال إبراهيم - عليه السلام - چ? ? ? ? چ [الشعراء : 79]، وقال تعالى چ? ? ? چ [قريش : 4] وقال تعالى چک ک گ گ گ چ [البقرة : 60]
25- أن كل طعام يحصل للعبد فهو بإطعام الله، ولو حصل على يد بعض العباد.
26- دفع القدر بالقدر، ومنه دفع الجوع بالدعاء وبالأكل.
27- أن من لم يطعمه الله فلا مطعم له.
وقوله : « يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ»فيه فوائد منها:
28- فقر العباد إلى الله في كسائهم.
29- الإرشاد إلى طلب ذلك من الله.(1/38)
30- مشروعية الدعاء حتى في منافع الدنيا من الطعام والشراب والكسوة.
31- أن الله هو الذي يكسو العباد بما يخلقه لهم وييسره بما يستر عوراتهم ويتجملون به كما قال تعالى : چ ? ? ? ? ? ? چ چ چچ چ [الأعراف : 26].
32- أن ما يحصل للعبد من لباس وزينة فهو من الله ولو كان ذلك بسبب من الأسباب، أو على يد بعض العباد.
33- دفع القدر بالقدر، ومن ذلك دفع العري بالدعاء وبما يسر الله من اللباس.
34- أن من لم يكسه الله فلا كاسيَ له.
35- أن الهدى من الضلال أهم من الغذاء والكساء فبالهدى حياة الروح وسعادتها، وبالغذاء والكساء حياة البدن وجماله.
وقوله : « يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ »فيه فوائد منها:
36- كثرة تعرض العباد للذنوب.
37- أن من صفات الله مغفرة الذنوب.
38- أنه سبحانه وتعالى يغفر جميع الذنوب لمن تاب، ويشهد لهذا الحديث من القرآن قوله تعالى چ ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ےے ? ? ? ? ?? ? ? ? ? چ [الزمر : 53] والمراد لمن تاب.
39- الأمر بالاستغفار وأنه سبب المغفرة، فإن كان الاستغفار متضمناً للتوبة كان الوعد بالمغفرة وعداً محققاً، وإن لم يكن متضمناً للتوبة فالوعد بالمغفرة مقيد بالمشيئة وذلك فيما دون الشرك كما قال تعالى چ ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ےے چ [النساء : 48] فإن الله يغفر لمن يشاء ويتوب على من تاب.
وقوله : « يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي »فيه فوائد منها:
40- أن الله تعالى لا تنفعه طاعة المطيعين ولا تضره معصية العاصين.(1/39)
41- أنه تعالى لا يلحقه ضرر في ذاته وأسمائه وصفاته ولا في أفعاله ولا في ملكه، بل الضرر ممتنع في حقه بخلاف الأذى فإنه جائز عليه سبحانه وواقع من بعض العباد بما يقولون أو يفعلون مما يكرهه سبحانه كما قال تعالى چ ? ? ? ? ? ? ? چ [الأحزاب : 57] وقال تعالى في الحديث القدسي " يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر (1) . وقال - صلى الله عليه وسلم - " ليس أحد أصبر على أذى سمعه من الله تعالى " (2) .
42- كمال غناه سبحانه عن عباده، فلم يخلقهم ليتقوى بهم من ضعف، أو يتكثر بهم من قلة، أو يتعزز بهم من ذلة، بل خلقهم لعبادته، كما قال تعالى چ ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ) [الذاريات : 56 – 58]
وقوله: « يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإِنْسَكُم وَجِنَّكُم كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ واحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ في مُلْكِي شَيْئًا. يَا عِبَادِي، لَوْ أنَّ أوَّلَكُم وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا. يا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ» فيه فوائد منها:
43- أن تقوى العباد كلهم لا يزيد في ملك الرب شيئاً.
44- أن فجور العباد كلهم لا ينقص من ملكه شيئاً.
45- أن متعلَّق التقوى والفجور القلب.
46- كمال غناه سبحانه عن العباد.
47- أن أمره تعالى ونهيه تعود مصلحته إلى العباد، فمنفعة طاعاتهم ومضرة معاصيهم لهم وعليهم.
__________
(1) مسلم (2246) (2) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(2) البخاري (5748) ومسلم (2804) عن أبي موسى - رضي الله عنه - .(1/40)
48- أن ما عنده سبحانه لا ينفد بكثرة العطاء، بل لا ينقص ما عنده مهما بلغ عطاؤه للسائلين.
49- تصوير هذه المعاني وتقريبها بالفرض والتقدير.
50- الترغيب في سؤال الله جميع الحوائج مع حسن الظن وقوة الرجاء.
51- تقريب المعاني بضرب الأمثال، وفي الحديث شاهد لتأكيد المدح بما يشبه الذم في قوله " إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ".
52- أن الاجتماع على الدعاء من أسباب الإجابة كما في صلاة الاستسقاء والجمعة والعيدين.
وقوله : « يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا, فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ » فيه فوائد منها:
53- إثبات فعل العبد، والرد على الجبرية.
54- إحصاء الله لأعمال العباد كما قال تعالى : چ ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ?? چ[المجادلة : 6] وقال تعالى چ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ?چ [الجاثية : 29].
55- أن الغاية من إحصائها هو الجزاء عليها.
56- مجازاة الله العباد بأعمالهم، وتوفيتهم جزاءها.
57- أن جزاء الإحسان الإحسان، وجزاء السوء بمثله، كما قال تعالى چ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? چ [النجم : 31].
58- أن من أحسن وجد جزاءه خيراً، ومن أساء وجد جزاءه شراً.
59- أن من أحسن فبتوفيق الله، وجزاؤه فضل من الله فله الحمد.
60- أن من أساء فلا حجة له على الله، وما صار إليه من الشر فبسبب نفسه قال تعالى: چ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ?? ? ? ?? ? ? ? چ [النساء : 79] وقد أخبر سبحانه وتعالى أن أهل الجنة يحمدونه إذا دخلوها، وأن أهل النار يعترفون بذنوبهم قال تعالى عن أهل الجنة چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? چ [الأعراف : 43] وقال عن أهل النار چ ? ? چ [الملك : 11] وقال سبحانه چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ [المؤمنون : 106](1/41)
61- أن من بلاغة الكلام التصريح بالمحبوب الممدوح والإبهام في المكروه، لقوله : " فمن وجد خيراً " و " ومن وجد غير ذلك " ونظيره ما تقدم في حديث النية " فهجرته إلى الله ورسوله " وفي الآخر : " فهجرته إلى ما هاجر إليه " (1) .
عن أبي ذَرٍّ - رَضِي اللهُ عَنْهُ - أيضاً، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحابِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالُوا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ؛ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، ويَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، ويَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَموالِهِم. قالَ: « أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَدَّقُونَ، إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فيها أَجْرٌ؟ قالَ: " أَرَأيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ ». رواه مُسلِمٌ (2) .
الشرح :
الحديث أصل في فضائل الأعمال والأقوال، وفيه فوائد منها:
1- نعمة المال عون على الأعمال الصالحة، ويشهد لهذا الحديث : " نعم المال الصالح للعبد الصالح ". (3)
2- اكتساب الأجور ببذل المال في سبل الخيرات.
3- فضل الغني الشاكر على الفقير الصابر.
4- حرص الصحابة على ما يقربهم إلى الله.
5- فضل فقراء الصحابة لمنافسة إخوانهم الأغنياء.
__________
(1) الحديث الأول من هذه الأربعين
(2) مسلم (1006) (53).
(3) رواه أحمد "29/299 " عن عمرو بن العاص، قال محققه : "إسناده صحيح على شرط مسلم".(1/42)
6- فضل أغنياء الصحابة لمشاركة الفقراء في العبادات البدنية فرضها ونفلها مع التصدق بفضول أموالهم.
7- المنافسة في الخير والبر.
8- أن مجرد نية الخير والرغبة فيه لا تبلغ منزلة الفعل والبذل.
9- استحباب التصدق بفضول الأموال وهي مازاد عن الحاجة، ويدل له قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }البقرة219
10- أن الصدقة لها معنى خاص وهي الصدقة بالمال ومعنى عام وهي فعل عموم الطاعات القولية والفعلية، وسميت الطاعة صدقة لأنها تدل على صدق إيمان العبد وهي صدقة منه على نفسه، وما كان نفعها متعدياً فهي أيضاً صدقة على غيره.
11- تقرير المخاطب بما يعرفه.
12- أن شرع هذه الأبواب من الخير سابق لشكوى الفقراء.
13- فضل الله على عباده بتيسير أسباب الأجور وكثرتها.
14- فضل ذكر الله والترغيب في الإكثار منه.
15- بيان ألفاظ الذكر وهي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وذكر الله بهذه الكلمات منه ما هو واجب كالتسبيح في الركوع والسجود وتكبيرة الإحرام وتكبيرات الانتقال، ومنه ما هو تطوع مقيد كالتسبيح والتحميد والتكبير أدبار الصلوات، ومنه ما هو مطلق وهو ما لم يقيد بوقت ولا عدد.
16- فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
17- أن كلّا منهما عبادة مستقلة، كما يشهد لذلك قوله تعالى: چ پ پ پ ? ? چ [التوبة : 112].
18- الترغيب في إحصان المسلم نفسه وزوجه وأن ذلك سبب للأجر.
19- أن من الطاعات ما يكون موافقاً للطبع لكن لا يكون طاعة إلا بالنية.(1/43)
20- إثبات قياس العكس وهو إعطاء الشيء نقيض حكم نقيضه لثبوت نقيض علته فيه، وإيضاح ذلك في الحديث أن وضع النطفة في الحرام موجب للوزر، ووضعها في الحلال موجب للأجر فثبت للوطء الحلال ضد ما ثبت للوطء الحرام. فالأصل في هذا القياس هو الوطء الحرام، والحكم ثبوت الوزر، والعلة كونه حراماً، والفرع هو الوطء الحلال، والحكم ثبوت الأجر، والعلة كونه حلالاً، فالعلتان والحكمان متناقضان.
21- حسن تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - بإيضاح ما أشكل بالقياس، قياس الطرد وهو بيان حكم الشيء بذكر حكم نظيره، أو قياس العكس ببيان حكم الشيء بذكر حكم نقيضه.
عَنْ أَبي هُريرة - رَضِي اللهُ عَنْهُ - قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ؛ تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ , وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ ». رواه البخاريُّ ومسلِمٌ. (1)
الشرح :
هذا الحديث من أحاديث شكر النعم وفضائل الأعمال، وفيه من الفوائد:
1- أن كل جزء من بدن الإنسان نعمة من الله على العبد، وأعظمها السمع والبصر والفؤاد والجوارح.
2- أن ما رُكِّب في بدن الإنسان من العظام والمفاصل نعمة من الله يجب على الإنسان شكرها بأنواع الطاعات.
3- الترغيب في تجديد الشكر كل يوم لدوام تلك النعم.
4- أن كل يوم يصبح فيه الإنسان بمنزلة حياة جديدة له لأنه بعث بعد وفاة، قال تعالى : چ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? چ [الأنعام : 60].
5- أن العدل في الحكم بين الناس صدقة.
__________
(1) البخاري (2560، 2734، 2827)، ومسلم (1009) .(1/44)
6- أن الإعانة على بعض أمور الدنيا صدقة كحمله على دابته إن كان عاجزاً ورفع متاعه.
7- أن كل كلمة طيبة صدقة فيدخل في ذلك كلمات الذكر من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والكلام في الإصلاح بين الناس.
8- أن كل خطوة يمشيها العبد إلى الصلاة صدقة، وقياس هذا أن كل خطوة يمشيها العبد في مراضي الله تكون له صدقة كالمشي في طلب العلم، والمشي في الجهاد وغير ذلك.
9- الترغيب في المشي إلى المساجد، ويشهد لذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : " من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح " (1) .
10- الترغيب في إماطة الأذى عن الطريق وأنه صدقة على المسلمين، وهو صدقة من الإنسان على نفسه، وشرط ذلك أن يفعله إيماناً واحتساباً وهو شعبة من شعب الإيمان كما في الحديث الصحيح الآخر. وبدلالة قياس العكس في الحديث : أن كل خطوة يمشيها إلى الحرام سيئة.
11- أن وضع الأذى في طريق المسلمين إساءة إليهم.
12- أن التسبب في ضرر المسلمين عدوان عليهم.
13- وجوب احترام طرق المسلمين بتجنب ما يؤذيهم أو يضر بهم.
عن النَّوَّاسِ بنِ سَِمْعانَ - رَضِي اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: « الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ , وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أنْ يَطَّلِعَ عليْهِ النَّاسُ » رواه مسلم (2) .
__________
(1) البخاري (631) ومسلم (669) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(2) مسلم ( 2553) (14).(1/45)
وعن وابِصَةَ بنِ مَعْبَدٍ - رَضِي اللهُ عَنْهُ - قالَ: أتيتُ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقالَ: « جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. قالَ: " اسْتَفْتِ قَلْبَكَ؛ الْبِرُّ مَا اطْمَأنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالإِثْمُ مَا حَاكََ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ ». (1) حَديثٌ حَسَنٌ رُوِّينَاهُ في (مُسْنَدَيِ الإمامَيْنِ أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ والدَّارِمِيِّ) بإسنادٍ حَسَنٍ.
الشرح :
الحديث أصل في معنى البر والإثم، وفيه من الفوائد:
1- فضل حسن الخلق.
2- أن حسن الخلق جامع للبرِّ كُلِّهِ.
3- أن البر والإثم ضدان.
4- أن الإثم يجلب القلق للنفس.
5- أن الإثم مستقبح عند ذوي الفطر السليمة.
6- أن ذا الفطرة السوية لا يجاهر بالإثم بل يستتر به.
7- إطلاع الله نبيه بما شاء من علم الغيب، لقوله : "جئت تسأل عن البر؟" قال : نعم.
8- فضيلة وابصة بن معبد - رضي الله عنه -.
9- حسن خلقه - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في قصة سبب الحديث.
10- أن طمأنينة قلب المؤمن التقي إلى الشيء دليل على البر.
11- أن البر يجلب الطمأنينة.
12- أن التردد في الشيء والتحرج منه دليل على أنه إثم، وليس منه تردد المبتلى بالوسواس وتحرجه.
13- أن الفتوى لا تبيح الإقدام على ما يشك الإنسان في حله، لقوله : " وإن أفتاك الناس وأفتوك " وأفتوك : تأكيد. ويشهد لهذا الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم - : "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، الصدق طمأنينة والكذب ريبة " (2) كما تقدم.
__________
(1) مسند الإمام أحمد (17999، 18001، 18006) ومسند الدارمي (2575).
(2) هو الحديث الحادي عشر من هذه الأربعين.(1/46)
عَنْ أَبي نَجِيحٍ العِرْباضِ بنِ سَاريةَ - رَضِي اللهُ عَنْهُ - قالَ: وَعَظَنا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْها القُلوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْها العُيُونُ , فَقُلْنا: يا رسولَ اللهِ، كَأنَّها مَوْعِظَةُ مُودِّعٍ فَأَوْصِنا. قالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا, فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ , تَمَسَّكُوا بِهَا , وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ , وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ». رواهُ أبو داوُدَ والتِّرمِذِيُّ، وقالَ: حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ (1) .
الشرح :
هذا الحديث أصل في الاعتصام بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسنة الخلفاء الراشدين، وفيه من الفوائد:
1- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعظ أصحابه بالترغيب والترهيب.
2- استحباب الوعظ والتذكير.
3- فضل الصحابة - رضي الله عنهم - لتأثرهم بالموعظة.
4- أن وجل القلب ودمع العين علامة التأثر بالموعظة رغبة ورهبة.
5- طلب الصحابة الوصية من النبي - صلى الله عليه وسلم - .
6- استحباب طلب الوصية من العالم وأنها ليست من السؤال المذموم، وكذلك السؤال عن العلم.
7- الوصية بتقوى الله وهي وصية الله للأولين والآخرين.
8- الوصية بالسمع والطاعة لولي الأمر ما لم يأمر بمعصية وإن لم يكن ذا حسب ولا نسب.
9- إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - عمّا سيكون من الاختلاف، وقد وقع كما أخبر، ففيه :
10- علم من أعلام النبوة .
__________
(1) أبو داود (4607) والترمذي (2676) وهو في مسند الإمام أحمد (17142، 17044) قال محققه: "صحيح بطرقه وشواهده".(1/47)
11- الواجب عند الاختلاف الاعتصام بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإن لم تكن فبسنة الخلفاء الراشدين ويشهد لهذا من القرآن قوله تعالى : چ ? ? ? ? ? ? ? ? چ [النساء : 59]
12- فضل الخلفاء الراشدين المهديين للأمر بالأخذ بسنتهم ووصفهم بالرشد والهدى، والمراد بهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم-. وقد صار هذا الوصف علماً عليهم.
13- تأكيد الأمر بالتمسك بسنته - صلى الله عليه وسلم - وسنة الخلفاء الراشدين. لقوله " تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ".
14- التحذير من المحدثات في الدين في عقائده وشرائعه وأحكامه، وهي البدع.
15- أن كل بدعة ضلالة.
16- الرد على من يقسم البدعة إلى حسنة وسيئة.
17- أن المرجع في مسائل الدين كلها إلى ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - .(1/48)
عن معاذِ بنِ جَبَلٍ - رَضِي اللهُ عَنْهُ -، قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الجَنَّةَ ويُباعِدُني عَنِ النَّارِ. قالَ: « لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ؛ تَعْبُدُ اللهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ , وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ ». ثمَّ قَالَ: « أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ». ثُمَّ تَلاَ: چگ گ ? ? چ حَتى بَلَغَ: چ ھ چ. ثُمَّ قالَ: « أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ ». قُلْتُ: بَلى يَا رسولَ اللهِ. قالَ: « رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ». ثمَّ قالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟». قلتُ: بلى يا رسولَ اللهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وقالَ: « كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا ». قُلْتُ: يا نَبِيَّ اللهِ، وإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ به؟ فقالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أو قالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِم- إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ». رواه التِّرمذيُّ , وقالَ: حديثٌ حسنٌ صَحيحٌ (1) .
الشرح :
الحديث أصل في جوامع أسباب السعادة، وفيه من الفوائد:
25- إثبات الجنة والنار.
26- أن للنجاة من النار ودخول الجنة أسباباً.
27- أن هذه الأسباب إنما تعرف بخبر الرسل.
__________
(1) الترمذي (2616) وهو عند الإمام أحمد (22016) قال محققه : " إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين".(1/49)
28- عظم شأن هذه الأسباب وأنها شاقة إلا على من يسرها الله عليه، ففيه شاهد لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " حفت الجنة بالمكاره " (1) .
29- أن أسباب السعادة في الآخرة أهم المهمات.
30- أن من الحزم والعقل الاهتمام بمعرفة هذه الأسباب.
31- فضيلة معاذ رضي الله عنه.
32- إثبات القدر.
33- أن العمل بأسباب السعادة إنما يكون بتيسير الله.
34- أن أصول أسباب النجاة هي مباني الإسلام الخمسة.
35- أن أصل الدين عبادة الله وحده لا شريك له.
36- أن أعظم واجب بعد التوحيد الصلوات الخمس ثم الزكاة وبعدهما الصوم والحج.
37- أن العبادات منها فرائض ومنها نوافل.
38- رحمة الله بعباده أن فتح لهم أبواب الخير ليتزودوا من أسباب الأجر ومغفرة الذنوب.
39- فضل الصوم والصدقة والصلاة في جوف الليل.
40- أن الصوم وقاية للعبد من العذاب والشرور.
41- أن الصدقة وصلاة الليل تكفر الخطايا.
42- استدلال النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن على بعض ما يذكره.
43- أن الاستدلال بآيات القرآن لا تشرع له الاستعاذة.
44- فضل إيثار ما يحبه الله على حظ النفس لقوله تعالىچگگچ.
45- الجمع بين الخوف والرجاء في العبادة والدعاء لقوله تعالى: چ ? ? ? ? چ.
46- الجمع في الذكر بين الصلاة والصدقة فرضاً أو تطوعاً، لقوله تعالى : چ? ? ں چ.
47- أن أصل الدين شهادة أن لا إله إلا الله.
48- أن الصلاة عمود الإسلام.
49- فضل الجهاد في سبيل الله وأنه أفضل أنواع التطوع.
50- أن ملاك الأمر حفظ اللسان.
51- جواز الدعاء الذي لا تُقصد حقيقته بل لتأكيد الأمر أو الخبر لقوله : "ثكلتك أمك يا معاذ".
52- بيان خطر اللسان.
53- كثرة الذنوب التي تكون باللسان.
54- أن لدخول النار أسباباً.
55- إثبات الأسباب والرد على من أنكرها من الجهمية ومن تبعهم.
__________
(1) رواه البخاري (6122) عن أبي هريرة - رضي اله عنه - ومسلم (2822) عن أنس - رضي الله عنه - ، ورواية البخاري "حجبت".(1/50)
56- أن أهل النار يُكبون فيها على وجوههم ويدل لذلك قوله تعالى: چ ? ? ? ? ? ? ? چ.
57- حسن تعليمه - صلى الله عليه وسلم - وبيانه لمسائل الدين وذلك يظهر في الحديث من وجوه:
أ- تعظيمه لسؤال معاذ لعظمة المسؤول عنه.
ب- البشارة بتيسيره على من شاء الله.
ج- ذكره لأسباب دخول الجنة من الفرائض والنوافل.
د- ذكر مراتب الأعمال.
ه- تشبيهه المعقول بالمحسوس في قوله : "والصدقة تطفئ الخطيئة".
و- تأكيد خطر اللسان بالقول والفعل.
58- حرص رواة الحديث على ضبط لفظه، لقوله : " على وجوههم أو قال على مناخرهم " مع أنه لا فرق بينهما في المعنى
عَن أَبي ثَعْلبةَ الْخُشَنِيِّ جُرثُومِ بنِ ناشرٍ- رَضِي اللهُ عَنْهُ- عَن رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: « إنَّ اللهَ تَعَالى فَرَضَ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلاَ تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلاَ تَبْحَثُوا عَنْها ». حديثٌ حسنٌ رواه الدَّارَقُطْنِيُّ وغيرُه (1) .
الشرح :
هذا الحديث أصل في ثبوت الشرع، وجميعُ نصوص الأوامر والنواهي تفصيل له، وفيه من الفوائد:
1- وجوب الإيمان بالشرع.
2- أن الشرع أمر ونهي وإباحة.
3- أن حق التشريع لله وحده، والرسول مبلغ عنه ٹ ٹ چ ے ے ? ??چ.
4- أن الله يفرض على عباده ما شاء ويحرم ما شاء.
5- وجوب المحافظة على الفرائض، وتحريم إضاعتها.
6- وجوب اجتناب المحرمات وتحريم مواقعتها.
7- وجوب الوقوف عند حدود الله فيما فرض أو حرم أو أباح، بعدم الزيادة على ما أوجب أو حرم، وعدم مجاوزة ما أباح إلى ما حرَّم.
8- أن ما لم يُنص عليه في الشرع فهو عفو، أي معفو عنه فلا يجب ولا يحرم.
9- أن الأصل في الأشياء الإباحة.
10- ثبوت البراءة الأصلية.
__________
(1) سنن الدارقطني (4/184).(1/51)
11- جواز إضافة السكوت إلى الله، والمراد به هنا ترك الخطاب بالحكم.
12- إثبات صفة الرحمة لله عز وجل.
13- أن تركه تعالى للإيجاب والتحريم فيما شاء رحمة بعباده.
14- تنزيه الله عن النسيان، كما قال تعالى چ ? ? ? ?چ.
15- إثبات كمال العلم لله عز وجل.
16- النهي عن السؤال عمّا لم يأت الشرع فيه بشيء إيجاباً ولا تحريماً، وذلك في وقت نزول الوحي، ويدل لهذا المعنى قوله تعالى : چ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ?چ [المائدة : 101].
وقال - صلى الله عليه وسلم - " إن أعظم المسلمين في المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم ثم حرم من أجل مسألته " (1) .
عَنْ أَبِي العبَّاسِ -سَهْلِ بنِ سَعْدٍ الساعديِّ- رَضِي اللهُ عَنْهُ - قالَ: (جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَقالَ: يا رسولَ اللهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِيَ اللهُ وأَحبَّنِيَ النَّاسُ. فَقَالَ: « ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللهُ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ ». حديثٌ حَسَنٌ رواهُ ابنُ ماجَه وغيرُهُ بأسانيدَ حَسنةٍ (2) .
الشرح :
هذا الحديث أصل في الزهد، وفيه من الفوائد:
1- مشروعية السؤال عن فضائل الأعمال وحرص الصحابة على ذلك.
2- أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أوتي جوامع الكلم.
3- الإيجاز في جواب السؤال مالم تدع الحاجة إلى التفصيل.
4- فضل الزهد في الدنيا، وهو ترك ما لا ينفع منها في الآخرة وهو أعلى من الورع لأن الورع ترك ما يضر.
5- أن الزهد في الدنيا سبب لمحبة الله لعبده.
6- إثبات صفة المحبة لله والرد على النفاة.
7- طلب محبة الناس والتسبب لذلك بما ليس عبادة لله.
__________
(1) رواه البخاري (6859) ومسلم (2358) عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -.
(2) ابن ماجه (4102) والطبراني في الكبير (5972) والحاكم (4/313) وحسنه الحافظ في بلوغ المرام (1475).(1/52)
8- أن الاستغناء عمّا في أيدي الناس يجلب مودتهم.
9- أن منازعة الناس في دنياهم مما يجلب بغضهم وحسدهم، ومن ذلك سؤالهم.. كما قيل : وبُني آدم حين يُسأل يغضب.
عَنْ أَبِي سعيدٍ -سعدِ بنِ سِنانٍ الخُدْريِّ - رَضِي اللهُ عَنْهُ - , أنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: ((لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ)). حديثٌ حسَنٌ رواهُ ابنُ ماجَه والدَّارَقُطْنِيُّ وغيرُهُما مُسْنَدًا، ورواهُ مالكٌ في الْمُوَطَّأِ مُرْسَلاً, عَنْ عَمْرِو بنِ يَحْيَى, عَنْ أبيهِ , عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فأَسْقَطَ أبا سعيدٍ، وَلَهُ طُرُقٌ يُقَوِّي بعضُها بعضًا (1) .
الشرح :
الحديث أصل في تحريم مُضَارَّة المسلم، ومعصومِ الدم والمال، وفيه من الفوائد:
1- أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أوتي جوامع الكلم وشواهد هذا كثيرة، وهو من خصائصه - عليه الصلاة والسلام -.
2- أن من بلاغة الكلام الإيجاز.
3- ورود النفي بمعنى النهي.
4- تحريم الضرار بالقول أو الفعل أو بالترك.
5- تحريم الضرر والضرار بالعدوان على الغير بالنفس أو المال أو العرض مباشرةً أو تسبباً، ومن ذلك تصرف الجار في ملكه بما يضر جاره، وكذلك التصرف في الطرق العامة ونحوها بما يضر الناس، من حفر وغيره.
6- تحريم الضرار بمنع الحقوق أو التسبب في ذلك، ومن هذا مطل الغني غريمه، ومضارة الموصي لورثته، ومن ذلك مضارة أحد الوالدين للآخر بولدهما ومضارة الشاهد والكاتب للمتداينين، ومضارة المتداينين للشاهد والكاتب.
7- وجوب إزالة الضرر بغير حق.
8- تحريم ما يضر به الإنسان نفسه أو ماله أو عرضه من تصرف بفعل أو ترك أو مطعوم أو مشروب أو غير ذلك.
__________
(1) الموطأ (2/745) ابن ماجه (2340) والدارقطني (3/77، 4/228).(1/53)
9- الفرق بين الضرر والضرار، وهذا أليق ببيانه - صلى الله عليه وسلم - ، وأكثر فائدة، وأحسن ما قيل في الفرق : أن الضرر إلحاق ما يَضر بالغير مطلقاً، والضرار ما كان مجازاة لكن بغير حق، فيكون الضرر أعم، فعطف الضرار عليه من عطف الخاص على العام.
10- أن دين الإسلام دين السلامة، ويشهد له قوله - صلى الله عليه وسلم - : " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " (1) .
عنْ ابنِ عبَّاسٍ - رَضِي اللهُ عَنْهُما - ، أنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: « لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْواهُمْ، لاَدَّعَى رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ، لَكِنِ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ ». حديثٌ حَسَنٌ رواه البيهقيُّ وغيرُه هكذا، وبعضُه في الصحيحينِ (2) .
الشرح :
الحديث أصل من أصول طرق الحكم، وفيه من الفوائد:
1- أن دم المعصوم وماله لا يُستحل ولا يُستحق بمجرد الدعوى، فالأصل براءة ذمة المعصوم.
2- غلبة الظلم والكذب على كثير من الناس.
3- أن الدعوى لا تقبل إلا ببينة.
4- أنه لا فرق في ذلك بين الرجل العدل وغيره.
5- الحكم بالبينة.
6- براءة المدَّعى عليه بيمينه إذا لم تكن للمدعي بينة.
7- أن البينة عامة في كل ما يبين الحق من شهود وقرائن.
8- أن القاضي لا يحكم بعلمه.
9- أن نكول المدَّعى عليه عن اليمين دليل للمدعي فيحكم له بيمينه كما يُحكم له بالشاهد واليمين.
10- أن الدعوى تكون في الدماء والأموال وغيرهما من الحقوق، وذكرهما خرج مخرج الغالب.
11- صيانة الشريعة للحقوق من ظلم الظالمين.
__________
(1) رواه البخاري (10) عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - ومسلم (41) (65) عن جابر -رضي الله عنه -
(2) البيهقي في السنن الكبرى (10/252) والبخاري (4277) ومسلم (1711) (1)(1/54)
عَنْ أَبي سعيدٍ الخُدريِّ - رَضِي اللهُ عَنْهُ - قالَ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: « مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ , وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإيمَانِ ». (1) رواه مسلِمٌ.
الشرح :
الحديث أصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيه من الفوائد:
1- وجوب تغيير المنكر، وذلك بإزالته أو تخفيفه وبإقامة العقوبة الشرعية على فاعله.
2- أن تغيير المنكر فرض كفاية على من علم به وقدر على تغييره بيده أو لسانه، وأما التغيير بالقلب ففرض عين.
3- مراتب تغيير المنكر.
4- أن أعلى مراتب تغيير المنكر تغييره باليد، وذلك إذا اقتضى عملاً كإتلاف آلة المنكر، والعين المحرمة وعقوبة فاعله، ومن ذلك إقامة الحدود والتعزيرات، مما هو إلى السلطان.
5- أن المرتبة الثانية التغيير باللسان، وذلك ببيان حكم المنكر والزجر عنه ولوم فاعله ودعوته للتوبة.
6- أن المرتبة الثالثة التغيير بالقلب، وذلك ببغض المنكر والرغبة الصادقة في زواله والعزم على تغييره بالقول والفعل لو أمكن ذلك.
7- أن مناط ترتيب هذه المراتب هو الاستطاعة، فلا يُصار إلى المرتبة الدنيا مع القدرة على ما فوقها.
8- أن من غيَّر بما يستطيع فقد قضى ما عليه كما قال أبو سعيد (2) ، وبرئت ذمته.
9- أن تغيير المنكر من الإيمان.
10- أن العمل من الإيمان ؛ عمل القلب أو الجوارح.
11- الرد على المرجئة.
12- أن الواجب يختلف باختلاف القدرة.
13- أنه لا عذر عن التغيير بالقلب.
14- أن مناط الوجوب القدرة، فلا واجب مع العجز.
__________
(1) مسلم (49) (78)
(2) رواه مسلم (49) (78) وذلك في قصة الرجل الذي أنكر على مروان بن الحكم تقديمه الخطبة على الصلاة يوم العيد.(1/55)
15- أن هذه المراتب في مقدار الواجب لا في مرتبة المكلَّف، فقد يكون من يغير بقلبه مع العجز أكملَ مِمّن يغير بيده أو لسانه لما يقوم بقلبه من صدق الإرادة، وبهذا يظهر معنى " أضعف الإيمان "، وأن المراد أقل ما يجب، ومثله قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآخر " ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل " (1) .
16- أن من لم يغير بقلبه فلاحظ له من هذا الإيمان، وهو تغيير المنكر وجهاد أهله.
17- أن المطلوب تغيير المنكر لا مجرد الإنكار، فإن أدى إلى منكر أكبر منه فإنه يصير الإنكار حينئذ منكراً، ويكون التغيير –والحالة هذه–غير مستطاع.
18- في الحديث شاهد ليسر الإسلام في شرائعه.
عَنْ أَبي هُريرةَ - رَضِي اللهُ عَنْهُ - قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « لاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُم عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقوَى هَهُنَا -وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِه ثَلاَثَ مَرَّاتٍ- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وعِرْضُهُ ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2) .
الشرح :
الحديث أصل في الأخوة الإيمانية وحقوقها، وفيه من الفوائد:
1- تحريم الحسد بين المسلمين , وهو تمني زوال النعمة عن المحسود.
2- تحريم النجش، وهو أن يزيد في السلعة مَنْ لا يريد شراءها، أو يزيد على ثمن مثلها مَنْ يعرضها.
3- تحريم التباغض بين المسلمين.
4- تحريم التدابر، وهو أن يُعرض بعضهم عن بعض عند اللقاء.
__________
(1) مسلم (50) ، ( 80) ، من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.
(2) (2564) (32).(1/56)
5- تحريم أن يبيع المسلم على بيع أخيه، وهو أن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة مثلاً : أنا أعطيك مثلها بتسعة، ليفسخ ويعقد معه.
6- تحريم شراء المسلم على شراء أخيه، وهو أن يقول لمن باع سلعة بتسعة مثلاً : أنا أعطيك فيها عشرة.
7- أن من تحقيق العبودية لله رعاية الأخوة الإيمانية.
8- أن العبودية لله خاصة وعامة، والمذكورة هنا من الخاصة، وهي عبودية الطاعة والافتقار بالاختيار.
9- إثبات الأخوة بين المسلمين.
10- أن ظلم المسلم ينافي صدق الأخوة الإسلامية.
11- أن ترك نصرة المسلم مما ينافي الأخوة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً (1) .
12- أن من دواعي ترك الكذب رعايةَ الأخوة الإسلامية.
13- أن من حق المسلم على المسلم ألا يحقره.
14- وجوب الصدق والتناصر والتواضع وتحريم الظلم بين المسلمين.
15- أن أصل التقوى وحقيقتها في القلب، وما يظهر على الجوارح من طاعة الله أثر لها وفرع عنها، ويشهد لهذا قوله تعالى چ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ?چ.
16- أن من تقوى الله القيام بحق المسلم على المسلم فعلاً وتركاً.
17- توضيح المعنى المراد بالفعل، لقوله : " وأشار إلى صدره ".
18- أن الانحراف الظاهر في القول والعمل يدل على ضعف تقوى القلب.
19- أن احتقار المسلم لأخيه شر عظيم ومجلبة للشر.
20- تحريم دم المسلم وماله وعرضه على المسلم.
21- أن للمسلم حرمة عظيمة عند الله، من أجل ذلك حرّم منه ما حرّم، ويشهد لهذا قوله - صلى الله عليه وسلم - " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا " (2) .
22- فضل المسلم على الكافر.
__________
(1) رواه البخاري (2311) عن أنس - رضي الله عنه -.
(2) البخاري (1652) ومسلم (1218).(1/57)
عَن أبي هُريرةَ - رَضِي اللهُ عَنْهُ - ، عنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: « مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَومٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ , وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَه، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ». رواه مسلِمٌ بهذا اللفظِ (1) .
الشرح :
هذا الحديث أصل في إحسان المسلم إلى المسلم، وفي فضل طلب العلم وتدارس القرآن، وفيه من الفوائد:
1- الترغيب في تنفيس الكرب عن المؤمنين.
2- إثبات القيامة وأن فيها كُرباً عظيمة.
3- فضل التيسير على المعسر بإنظاره أو إبرائه.
4- الترغيب في الستر على المسلم ؛ ستر عيوبه أو ذنوبه ما لم يكن في الستر مفسدة راجحة.
5- فضل إعانة المسلم لأخيه في أمور دينه ودنياه.
6- أن الجزاء من جنس العمل، وهذا موجَب الحكمة وهو سنة الله في جزاء العباد شرعاً وقدراً، قال تعالىچ? ? ? ? ?چ [الرحمن : 60].
7- فضل طلب العلم الشرعي وأنه سبب لتوفيق العبد لطريق الجنة.
8- فضل الرحلة في طلب العلم.
9- الترغيب في الاجتماع في المساجد لتلاوة القرآن وتدارسه.
10- عظم فضل هذا العمل، وهو أربعة أمور :
1- نزول السكينة. ... 2- غشيان الرحمة.
__________
(1) مسلم (2699) (38).(1/58)
... 3- وحف الملائكة. ... 4- وذكر الله إياهم عند ملائكته.
11- أن تلاوة القرآن ومدارسته مجلبة للطمأنينة وغشيان الرحمة.
12- أن التلاوة والمدارسة للقرآن سبب لقرب الملائكة ولذكر الله للعبد.
13- محبة الملائكة للذكر وتعلم العلم وطلابه.
14- أن تلاوة القرآن وتعلم العلم الشرعي ذكر لله لأن من جزائه في هذا الحديث ذكر الله للتالين والمتدارسين، وقد قال سبحانه: چفَاذْكُرُوْنِي أَذْكُرْكُمْ چ [البقرة :152] وفي الحديث القدسي " فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم " (1)
15- فضل المساجد، وذلك لإضافتها إلى الله وأنها مكان لعبادة الله وذكره وتلاوة كتابه
16- إثبات وجود الملائكة، وأن منهم السيارة الذين يتبعون مجالس الذكر، كما جاء في الحديث الصحيح. (2)
17- أن العمل الصالح هو مناط الشرف والسبق.
18- أن علو النسب لا يحصل به تقدم لمن أخّره عمله.
19- أن التفاضل عند الله بالتقوى والعمل الصالح لا بالأنساب والأحساب.
20- التحذير من الاغترار والافتخار بشرف النسب.
21- أن الأنساب متفاضلة لكن فيما بين الناس لا عند الله.
22- أن شرف النسب مع صلاح العمل قد يوجب تقديماً في بعض أحكام الشرع لا في زيادة الثواب، كالإمامة العظمى، فالأولى بها قريش، ومثل ما خّص به بنو هاشم من الأحكام كتحريم الصدقة عليهم.
__________
(1) رواه البخاري (6970) ومسلم (2675) (2) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(2) رواه مسلم (2689) (25) ونحوه في البخاري (6045) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.(1/59)
عن ابنِ عبَّاسٍ - رَضِي اللهُ عَنْهُما - ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيما يَرْويهِ عَنْ ربِّهِ تَبَارَكَ وتَعالى قالَ: « إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ؛ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً ». رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحيهما بهذهِ الحروفِ (1) .
الشرح :
الحديث أصل في كتابة الحسنات والسيئات والجزاء عليها، وفيه من الفوائد
1- كتابة الله لأعمال العباد في أم الكتاب، وهي كتابة القدر السابق.
2- كتابة الله لأعمال العباد إذا همُّوا بها أو عملوها، وذلك بملائكته.
3- إحصاء أعمال العباد.
4- كتابة الملائكة لحسنات العبد مضاعفة أو غير مضاعفة وكتابة سيئاته بمثلها.
5- إثبات الملائكة الموكلين بحفظ عمل العبد وكتابته ٹ ٹچ? ? ? ? ? ?چ ٹ ٹ چ ? چ
6- أن الملائكة يعلمون عمل القلب ويكتبونه.
7- أن العبد إذا هم بالحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة واحدة.
8- اعتبار النية في الأعمال وأثرها.
9- أن العبد إذا عمل الحسنة كتبت له عشر حسنات إلى سبعمئة ضعف.
10- إثبات العِنْدِيَّة لله عز وجل لقوله : " كتبها الله عنده حسنة "، وهي عندية مكان أو عهد وضمان.
11- أن العبد إذا هم بالسيئة فتركها لله كُتبت له حسنة واحدة لقوله في الحديث : "إنما تركها من جرَّائي " (2) .
__________
(1) البخاري (6121) ومسلم (131) (207).
(2) رواه مسلم (129) (205) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .(1/60)
12- أن العبد إذا عمل السيئة كتبت بمثلها، قال تعالى چ ک ک ک ک گ گگ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں چ [الأنعام : 10].
13- أن السيئة لا تضاعف لكن قد تعظم بأسباب.
14- أن الجزاء دائر بين الفضل والعدل.
15- سعة فضل الله وجوده.
16- أن مضاعفة الحسنات لا تقف عند سبعمئة بل تضاعف أضعافاً كثيرة لا حد لها، ويشهد لذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " (1) وقوله : " من تصدق بعدل ثمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب وإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فَلوَّه حتى تكون مثل الجبل. (2)
17- أن من هم بسيئة فتركها لا لله ولا عجزاً لم تكتب له حسنة ولا سيئة، فإن تركها عجزاً كتبت عليه سيئة.
18- أن جزاء السيئة دائر بين العدل والعفو، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي ذر : " من جاء بالسيئة فجزاؤه سيئة مثلها أو أغفِر" (3) ما عدا الشرك الأكبر، قال سبحانه چ ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ککچ. [النساء : 116]
__________
(1) رواه البخاري (3470) عن أبي سعيد ومسلم (2540) (221) عن أبي هريرة - رضي الله عنه .
(2) رواه البخاري (1344) واللفظ له، ومسلم (1014) (63) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(3) رواه مسلم (2687)(1/61)
عَنْ أبي هُريرةَ - رَضِي اللهُ عَنْهُ - قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لأَُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأَُعِيذَنَّهُ ». (1) رواه البخاريُّ.
الشرح :
الحديث أصل في فضل الولي والولاية، وفيه من الفوائد
1- أن من العباد من يكون ولياً لله ومن يكون عدواً، والولي كل مؤمن تقي، ٹ ٹ چ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ?چ والعدو كل كافر بالله ٹ ٹ چ ? ہ ہ ہچ وقال سبحانه چ? ? ? ? ? ? ? ? چ.
2- وجوب موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه.
3- أن موالاة أولياء الله تتضمن التواضع لهم.
4- تحريم معاداة أولياء الله.
5- غيرة الله لأوليائه وكرامتهم عنده.
6- أن عداوة ولي من أولياء الله سبب لعداوة الله وحربه، والمعاداة : البغض وإرادة إلحاق الأذى والضرر والسعي في ذلك، فإن كان لدين ولي الله فهو كفر، وإن كان لغير ذلك وكان بغير حق فهو كبيرة، وإن كان بحق فمكروه، كالعداوة الناشئة عن خصومة.
7- الوعد بنصر الله لوليه.
8- إعلان الله الحرب على من يعادي ولياً من أوليائه ومن حاربه الله أدركه وأهلكه.
9- التحذير من معاداة أولياء الله.
10- أن الولاية تحصل بتحقيق العبادة، وذلك بالتقرب إلى الله بمحابه.
11- أن الأعمال الصالحة سبب لمحبة الله لعبده.
12- تفاضل أولياء الله في حظهم من هذه المحبة.
13- إثبات المحبة لله.
__________
(1) رواه البخاري (6137).(1/62)
14- أن الفرائض أفضل من النوافل في الجملة.
15- أن الأعمال الصالحة كلها محبوبة لله، وبعضها أحب إليه من بعض، وأحبها الفرائض.
16- أن العبادات منها الفرض ومنها النفل.
17- أن أولياء الله صنفان :
الأول: مقتصرون على فعل الفرائض وترك المحارم وهم المقتصدون وأصحاب اليمين، ويدل عليه قوله : " وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ".
الثاني : المتقربون بالنوافل بعد الفرائض، وهم المقرَّبون والمسارعون في الخيرات، ويدل عليه قوله : " ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ".
18- أن إكثار العبد من النوافل ومداومته عليها سبب لمحبة الله تعالى له محبة خاصة، ففيه:
19- الحث على كثرة النوافل.
20- أن العبد فقير إلى الله لا يستغني عن عطاء ربه، مهما بلغ في الولاية، ولهذا مدح الله أنبياءه بدعائهم إياه، فقال تعالى: چ ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? چ [الأنبياء : 90].
21- أن أثر هذه المحبة تسديد الله للعبد وحفظ جوارحه عن المحارم والفضول، فلا يتصرف العبد بجوارحه إلا على وفق الشرع، وهذا معنى قوله : "كنت سمعه وبصره ويده ورجله ". ومعنى ذلك أنه سبحانه المصرف لها بموجَب أمره الشرعي وأمره الكوني، كما قال في الحديث " انا الدهر، أقلب ليله ونهاره " (1) .
22- أن من آثار هذه المحبة الخاصة إجابة دعائه وإعطاءه سؤله وإعاذته مما استعاذ منه.
23- أن الدعاء سبب لحصول المطالب، ففيه:
24- الرد على الصوفية القائلين بأن الدعاء ونحوه من الأسباب ينافي التوكل.
25- تواضع المؤمن لربه بافتقاره إليه وإنزال حوائجه به.
26- أن الولي مستجاب الدعوة.
27- أن الدعاء سبب لجلب المطلوب ودفع المكروه.
هذا وتمام الحديث عند البخاري في صحيحه :
__________
(1) رواه مسلم (2246) (1) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.(1/63)
" وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته " (1) . فيه فوائد :
28- جواز إضافة التردد إلى الله مقروناً بتفسيره، ومعنى التردد في حق الله تعارض إرادتين مع كمال العلم بمقتضى الحكمة، وبما سيكون، بخلاف تردد المخلوق الذي هو نقص، فمنشؤه الجهل بالمصلحة وبعواقب الأمور.
وتعارض الإرادتين في هذا الحديث : كراهته تعالى لمساءة المؤمن ومشيئته لقبض نفسه.
29- أن كراهة المسلم للموت لا يُذم به، لأنها جِبلِّيَّة، وليس ذلك من قبيل كراهة لقاء الله، كما جاء في الحديث : " من كره لقاء الله كره الله لقاءه" (2) فذاك حين المعاينة.
30- أن الله يكره ما يسوء وليَّه، ولكنه تعالى يفعل ما تقتضيه حكمته البالغة.
31- أن الموت حتم على كل نفس لا مفر منه، كما قال تعالى : چ ں ں ? ??چ[آل عمران: 185]چ ? ? ? ?چ [النساء : 78]
32- إثبات الأفعال الاختيارية في حقه تعالى.
33- ترجيح أعلى المصلحتين بتفويت أدناهما.
عَنِ ابنِ عبَّاسٍ - رَضِي اللهُ عَنْهُما - , أَنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: « إنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي: الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ». حديثٌ حسَنٌ رواه ابنُ ماجَه والبيهقيُّ وغيرُهما (3) .
الشرح :
__________
(1) صحيح البخاري (6137) وقد خلت منها النسخ المطبوعة من الأربعين، ولكن أثبتها الشيخ نظر الغاريابي في المتن من تحقيقه لشرح الأربعين لابن رجب حيث اعتمد على نسخة منقولة عن أصل المؤلف، ويدل لذلك أن ابن رجب شرحها.
(2) رواه البخاري (6142) ومسلم (2683) (14) عن عبادة - رضي الله عنه - وجاء أيضاً فيهما متفقاً عليه عن أبي موسى - رضي الله عنه - (البخاري (6143) ومسلم (2686) (18).
(3) ابن ماجه (2045) والبيهقي (7/357) وابن حبان (7219) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1664).(1/64)
هذا الحديث أصل في رفع الإثم عن المخطئ والناسي والمكره ، وفيه من الفوائد:
1- فضل الله على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
2- كرم النبي - صلى الله عليه وسلم - على ربه.
3- فضل هذه الأمة.
4- أن من صفات الله التجاوز، وهو العفو وترك المؤاخذة.
5- رفع مؤاخذة هذه الأمة بالخطأ والنسيان والإكراه وقد دل على ذلك القرآن في قوله تعالى: چ ? ? ? ? ? ? ?? چ [البقرة: 286] قال الله : " قد فعلت " (1) وقوله تعالى چچ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ [النحل : 106] وقوله : چ ک ک گ گ گ گ ? ? ? چ [النور : 33]، وخص من هذا في الإكراه : الإكراه على قتل معصوم. والخطأ ما كان عن غير قصد، والنسيان ما كان عن ذهول. والإكراه ما كان عن قسر واضطرار.
6- أن الفعل قد يضمن معنى فعل آخر، فإن " تجاوز " ضمن معنى (أَسْقَط)، أي : أسقط لي عن أمتي الخطأ. فإن (تجاوز) يتعدى إلى الفاعل باللام، وإلى الفعل بـ (عن) التقدير : تجاوز لأمتي عن الخطأ.
7- أن طلاق المكره لا يقع.
8- أن من فعل المحلوف عليه أو المعلَّق عَلى شرط ناسياً أو مخطئاً أو مكرهاً لا يحنث ولم يقع المشروط.
عن ابنِ عمرَ - رَضِي اللهُ عَنْهُما - قالَ: أَخَذَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَنْكِبَيَّ فقالَ: « كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ ». وكانَ ابنُ عُمَر - رَضِي اللهُ عَنْهُما - يقولُ: إذا أمسيْتَ فلا تَنْتَظِرِ الصَّباحَ، وإذا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المساءَ، وخُذْ مِن صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، ومِنْ حياتِكَ لِمَوْتِكَ. رواه البخاريُّ (2) .
الشرح :
الحديث أصل في قصر الأمل والاستعداد بحسن العمل، وفيه من الفوائد:
1- أن وضع العالم يده على بدن المتعلم كمنكبه وكفه من وسائل إحضار ذهنه إليه.
2- حسن تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتشبيه وضرب الأمثال.
__________
(1) مسلم (126) (200) عن ابن عباس.
(2) البخاري ( 60053).(1/65)
3- أن من طرق البيان التشبيه.
4- فيه شاهد لما اختص به النبي - صلى الله عليه وسلم - من جوامع الكلم.
5- فضيلة ابن عمر - رضي الله عنهما - لأخذه بمنكبه وتخصيصه بالوصية.
6- الإرشاد إلى الزهد في متع الدنيا وحظوظها، كما قال سبحانه چ ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ چ [طه : 131]
7- أن المؤمن في الدنيا كالغريب وهو النازل في غير وطنه، يعد العدة للرحيل والعودة ولا يعنيه ما يعني أهل الوطن ولا يبالي بقلة من يعرف، قال الحسن: " المؤمن في الدنيا كالغريب لا يجزع من ذلها، ولا ينافس في عزها، له شأن وللناس شأن " (1) .
8- الإرشاد إلى قصر الأمل والجدّ بحسن العمل.
9- أن المؤمن في هذه الدنيا كعابر السبيل، وهو المسافر الذي همه الوصول إلى غايته لا يستقر له قرار في منازل سيره، ولا يلهو بما يمر به من المشاهد.
10- أن المؤمن لا يطمئن بالحياة الدنيا ولا يرضى بها بدلاً عن الآخرة.
11- أن المؤمن حقاً دائم التشمير في سيره إلى الله، فهو دائم العبودية لله.
12- عمل ابن عمر بوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كما هو ظاهر من قوله: " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ".
13- أن قول ابن عمر تضمن تفسيراً لوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - .
14- وصيته - رضي الله عنه - بقصر الأمل بقوله : "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء".
15- وصيته رضي الله عنه باغتنام الفرص بإحسان العمل، وذلك في قوله : "وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك ".
16- أن الصحة فرصة للعمل حتى إن العبد يُكتب له في مرضه ما كان يعمل في صحته.
17- أن الحياة في هذه الدنيا وقت للتزود للآخرة.
__________
(1) جامع العلوم والحكم (2/379)(1/66)
18- أن الصحة والحياة نعمتان يغتنمهما ذوو الألباب، وهم أهل الكيس والفطنة والصبر والبصيرة، قال - صلى الله عليه وسلم - : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " (1) . وعنه - صلى الله عليه وسلم - : " الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني" (2) .
عَنْ أَبي مُحَمّدٍ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ - رَضِي اللهُ عَنْهُما - قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَواهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ ». حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ، رُوِّينَاهُ في كتابِ الْحُجَّةِ بإسنادٍ صحيحٍ (3) .
الشرح :
الحديث أصل في وجوب اتباع ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ومعناه يشهد له القرآن في آيات كثيرة، كقوله تعالى: چ? ? ? ? ? ?? ? ?چ [النساء : 65] وتصحيح النووي للحديث من جهة الرواية خالفه فيه الإمامُ ابن رجب في شرحه، فقال : "تصحيح هذا الحديث بعيد جداً من وجوه.. "فذكرها، قال : "وكتاب الحجة للشيخ أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي الشافعي الفقيه الزاهد نزيل دمشق، وكتابه هذا هو الحجة على تارك المحجة يتضمن ذكر أصول الدين على قواعد أهل الحديث والسنة " (4) ، وفيه من الفوائد:
__________
(1) البخاري (6049) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - .
(2) رواه الإمام أحمد (28/350) والترمذي (2459) وحسنه وابن ماجه (4260) عن شداد بن أوس -رضي الله عنه - وفي هامش المسند (ط. التركي) : " إسناده ضعيف لضعف أبي بكر بن أبي مريم، وباقي رجال الإسناد ثقات".
(3) مختصر الحجة على تارك المحجّة (1/32) (25) ط. أضواء السلف.
(4) جامع العلوم والحكم "2/393"،ط. مؤسسة الرسالة.(1/67)
1- نفي الإيمان عمّن لم يكن هواه تابعاً ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يلزم من نفي الإيمان نفي أصله، لكن لا يُنفى الإيمان إلا لترك واجب أو فعل محرم فلا يُنفى لترك مستحب، كما نبه إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (1) .
2- أن محبة العبد لكل ما يحب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من كمال الإيمان.
3- أن كراهة شيء مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ينافي الإيمان، إما لأصله أو لكماله الواجب.
4- وجوب تحكيم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كل مسائل الدين الاعتقادية والعملية، والرضا بذلك والتسليم.
5- تحريم تقديم قول أحد من الناس على قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
6- وجوب تقديم قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - على قول كل أحد.
7- أنه لا خيار لأحد في أمر قضاه الله ورسوله.
8- تحريم محبة ما يكرهه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه منافٍ للإيمان.
9- وجوب تقديم النقل على العقل إذا بدا بينهما تعارض.
10- تقديم النظر في الدليل قبل تقرير الحكم.
11- أن الهوى منه ما هو محمود وهو ما كان تابعاً لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ومذموم وهو ما خالف هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأمره.
12- الفرق بين الهوى و اتباع الهوى، فاتباع الهوى هو الدوران معه وإن خالف الأمر فيكون مذموماً، والهوى هو الرغبة في الشيء ومحبته فإن وافق الأمر كان محموداً وإن خالفه كان مذموماً.
__________
(1) مجموع الفتاوى "كتاب الإيمان" (7/14، 647)(1/68)
عَنْ أَنَسٍ - رَضِي اللهُ عَنْهُ - قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقولُ: « قَالَ اللهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ , إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ , لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، يَا ابْنَ آدَمَ , إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأََتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً». رواهُ التِّرْمِذيُّ , وقالَ: حديثٌ حَسَنٌ صحيح (1) .
الشرح :
الحديث أصل في فضل التوحيد والدعاء والاستغفار، وهو حديث قدسي مما يرويه الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن ربه من قوله، فهو من كلام الله ولكن ليس له حكم القرآن، وفيه من الفوائد:
1- فضيلة آدم عليه السلام.
2- شرف النسب لآدم.
3- اشتراك جميع الناس في هذا النسب، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : " الناس بنو آدم، و آدم من تراب " (2) .
4- أن لفظ " ابن " أو " بني " إذا أضيف إلى جدِّ القبيلةِ فإنه يعم الذكور والإناث، مثل بني هاشم وبني تميم، ومنه ما في هذا الحديث فقوله " يا ابن آدم " يشمل جميع الناس ذكوراً وإناثاً، وإذا أضيف إلى معين نحو ابن محمد أو بني محمد اختص بالذكور، وبنى الفقهاء على هذا الفرق تحديد من يستحق الوقف بناء على لفظ الواقف.
5- أن الله يحب من عباده أن يرجوه ويدعوه ويوحدوه.
6- فضل الدعاء والرجاء.
7- عظم فضل الله وسعة جوده.
8- أنه لا يتعاظمه شيء أعطاه عبده لغناه وكرمه وأنه لا مكره له.
__________
(1) الترمذي (3540) قال ابن رجب : "إسناده لا بأس به "، جامع العلوم والحكم (2/400).
(2) رواه أبو داوود (5116) والترمذي (3955) وحسَّنه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، وصححه المنذري ومن بعده الألباني كما في صحيح الترغيب والترهيب (2965).(1/69)
9- أن الدعاء والرجاء سبب لمغفرة الذنوب.
10- أن الاستغفار سبب لحصول المغفرة.
11- أن التوحيد الخالص من الشرك سبب لمغفرة جميع الذنوب.
12- فضل التوحيد.
13- ضرر الشرك.
14- تشبيه المعقول بالمحسوس، لقوله : " بقراب الأرض خطايا " أي: ملؤها أو قريب.
15- الترغيب في الدعاء والاستغفار.
16- الترغيب في إخلاص العمل لله.
17- أن الشرك لا يغفر.
18- إثبات لقاء الله عز وجل.
عَنِ ابنِ عبَّاسٍ - رَضيَ اللهُ عَنْهُما - قَالَ: قَال رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم - : « أَلْحِقُوا الْفَرائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا أَبْقَتِ الْفَرائِضُ فَلأَِوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ ». خرَّجه البُخاريُّ ومُسلمٌ (1) .
الشرح :
هذا الحديث أصل في أحكام الميراث، وفيه من الفوائد:
1- أن السنة تفسر القرآن.
2- أن من الأحكام ما ثبت بالسنة.
3- وجوب قسمة التركة على الوارثين وذلك بعد الوصية والدين.
4- أن التركة ملك للورثة بحكم الشرع ملكاً قهرياً.
5- أن الإرث نوعان؛ فرض وهو الإرث المقدر، وتعصيب وهو الإرث بلا تقدير.
6- تقديم أصحاب الفروض، والفروض المقدرة في كتاب الله ستة؛ ثلثان وثلث وسدس، ونصف وربع وثمن:
- فالثلثان لأربعة أصناف: للبنتين وبنتي الابن فأكثر والأختين الشقيقتين والأختين لأب فأكثر والثلث لصنفين: للأم وللأخوين لأم فأكثر ذكوراً أو إناثاً.
- والسدس لسبعة أصناف : للأم والأب والجدّة مطلقاً والجد من قبل الأب والأخ أو الأخت لأم وبنت الابن مع البنت والأخت لأب مع الأخت الشقيقة.
- والنصف لخمسة: للبنت وبنت الابن والأخت الشقيقة والأخت لأب والزوج.
- والربع لصنفين: للزوج ولزوجة فأكثر.
- والثمن لصنف واحد، وهو الزوجة فأكثر.
وشروط استحقاقهم لهذه الفروض مبينة في كتب الفقه والفرائض.
__________
(1) البخاري (6365)، ومسلم (1615) (2).(1/70)
7- أن المسائل التي فيها فروض تكون عادلة، وهي ما استغرقت فروضُها سهامها، وعائلة وهي ما زادت فروضها على سهامها، وناقصة وهي ما نقصت فروضها عن سهامها.
- مثال العادلة : نصف وثلث وسدس كزوج وأم وأخ لأم.
- مثال العائلة : نصف وثلثان وثلث وسدس، كزوج وأختين شقيقتين وأختين لأم وأم.
- والناقصة : نصف فقط أو ثلث فقط، كزوج وعم وأم وعم.
8- تقديم العصبة بالقرابة على العصبة بالولاء، وهو المعتق والمعتقة.
9- ترتيب العصبة بالقرابة على ترتيبهم في القرب باعتبار الجهات : البنوة فالأبوة فالأخوة فالعمومة.
10- تقديم الأدنى إلى الميت من أهل هذه الجهات على الأبعد كالابن مع ابن الابن، والأب مع الجد.
11- تقديم الأقوى قرابة وهو المدلي بأبوين على المدلي بأب، وذلك في جهة الإخوة وبنيهم وجهة العمومة وبنيهم، وهذا التفصيل في ترتيب العصبة مفهوم من قوله : " فلأولى رجل ذكر "، والبنات وبنات الابن عصبة مع الابن وابن الابن، لقوله تعالى : چ گ گ گ ?? ? ? ? ?? چ [النساء : 11] والأخوات الشقيقات أو لأب عصبة مع إخوتهن، لقوله تعالى : چ ? ? ? ? ? چ چ چ چ? چ [النساء :176] والأخت الشقيقة أو لأب عصبة مع البنات أو بنات الابن على الصحيح، لحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - : قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بنت وبنت ابن وأخت أن للبنت النصف ولبنت الابن السدس وما بقي فللأخت (1) .
12- أن المعصِّب يسقط إذا استغرقت الفروض التركة، وخُصَّ من هذا الأب والابن فإنهما لا يسقطان.
13- أن المعصّب يأخذ ما أبقت الفروض.
14- أن المعصّب بنفسه يحوز جميع المال إذا انفرد بالميراث عن أصحاب الفروض.
15- أن القرابة من أسباب الإرث.
16- أن الزوج لا يرث بالتعصيب.
17- أن المرأة لا ترث بالتعصيب بنفسها إلا المعتقة.
__________
(1) البخاري (6355)(1/71)
18- إطلاق اسم الرجل فيما يعم حكمُه الرجلَ والمرأة، ولهذا جاء تأكيد الرجل بالذكر لإخراج المرأة، ومن شواهد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : " من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس.." (1) فإن هذا الحكم لا يختص بالرجل، وهذا أحسن ما وُجِّه به إتباع الرجل بالذَّكَر واختار معناه الحافظ ابن رجب - رحمه الله - (2) .
19- فضل الذكر على الأنثى.
20- تفضيل الذكر وتقديمه على الأنثى في الميراث في الجملة.
21- اشتراك الرجال والنساء في الميراث قال تعالى : چ ? ? ? ? ? پ چ [النساء : 7] خلافاً للجاهلية الأولى الذين يخصون بالميراث الكبار من الرجال دون النساء والصغار، وخلافاً لبعض القوانين المعاصرة التي تخص بالميراث الأكبر من الأولاد، أو تبيح للمورث التصرف في ماله كيف شاء.
22- فيه شاهد لما اختص به النبي - صلى الله عليه وسلم - من جوامع الكلم.
23- أن من كمال هذا الدين شموله لأمور العباد في حياتهم وبعد موتهم.
24- أن من مقاصد الشريعة الاشتراك في المال، وأحكام الميراث مبنية على هذا.
آخرها:
تنبيه: ما رُسم من الفوائد المتعلقة بالفرض والتعصيب مبني على قول الجمهور أن المراد بالفرائض المواريث المقدرة في كتاب الله، وأما على قول من فسر الفرائض بأنها كل ما نص الله عليه في القرآن من المواريث مقدراً كان أو غير مقدر، فيدخل في ذلك ميراث العصبة من البنين والبنات والإخوة والأخوات، ويختص قوله في الحديث : " فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر " بميراث أبناء الإخوة الأشقاء أو لأب، والعمومة وبنيهم والمعتق والمعتقة.
__________
(1) البخاري (2272) ومسلم (1559) (22) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) جامع العلوم والحكم (2/437).(1/72)
عَنْ عَائِشَةَ - رَضيَ اللهُ عَنْها - عَنِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم - قالَ: «الرَّضَاعَةُ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلاَدَةُ ». (1) خَرَّجَه البُخاريُّ ومُسلمٌ.
الشرح :
الحديث أصل في التحريم بالرضاع، وفيه من الفوائد:
1- إثبات حكم التحريم بالرضاع تحريماً مؤبداً.
2- إجمال المحرمات بالرضاع.
3- أن الأصل في سبب التحريم الولادة.
4- أن الرضاعة سبب في التحريم كالولادة.
5- أن التحريم بالمصاهرة مبني على التحريم بالنسب أو الرضاعة.
6- إجمال المحرمات في النكاح من النسب والرضاع، وتفصيل المحرمات في آيتي النساء، وهما قوله تعالى : چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چچ چ چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ?? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ?? ? ? ? ? چ [النساء : 22 - 23] وعلى ذلك فالمحرمات من النسب سبع بنص القرآن، ومثلهن المحرمات من الرضاع، لهذا الحديث وغيره، وقد نُص في الآية على الأم والأخت من المحرمات من الرضاع. وأما المحرمات بالمصاهرة فأربع مذكورة في الآيتين.
7- أن مطلق الرضاعة يحرم ولو رضعة واحدة، وقد اختلف الناس في مقدار الرضاع المحرم، ولهم في ذلك ثلاثة أقوال :
- أحدها : أنه يُحرم الرضعة الواحدة للإطلاق في حديث ابن عباس "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " متفق عليه (2) وحديث عائشة هذا وللإطلاق في الآية، في قوله تعالى : چ ک ک ک ک گ گ چ [النساء : 23].
- الثاني : لا يحرِّم إلا ثلاث رضعات لحديث : " لا تحرم الرضعة أو الرضعتان أو المصة أو المصتان ". (3)
__________
(1) البخاري (2503، 2938، 4811) ومسلم (1444).
(2) رواه البخاري (2502) ومسلم (1447).
(3) رواه مسلم (1451).(1/73)
- الثالث : لا يحرم إلا خمس رضعات لحديث عائشة - رضي الله عنها -"كان فيما أنزل من القرآن. عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمسٍ معلومات " (1) .وهذا قول كثير من أهل العلم، وهو الصواب، وقد اختلف العلماء في المراد بالرضعة، فقيل : المصة، وقيل الإملاجة، وهي أن يرتضع فيقطع للتنفس، وقيل : أن يرتضع حتى يتركه باختياره من غير عارض، وقيل : هي الرضعة المشبعة بمنزلة الوجبة من الطعام، وهذا أقرب الأقوال وأحوطها في ثبوت التحريم والمحرمية، وما دون ذلك فهو شبهة ينبغي الاعتماد عليها في تحريم النكاح دون ثبوت المحرمية احتياطاً للتحريم من الجانبين، فمن رضع خمس رضعات مشبعات فقد ثبت بهذا الرضاع تحريم النكاح وثبوت المحرمية.
__________
(1) رواه مسلم (1452).(1/74)
8- التحريم بالرضاع في أي سن، وعليه فإرضاع الكبير يُحرم، ولكن قُيِّد إطلاق هذا الحديث بأحاديث صحيحة تدل على أنه لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الحولين وما كان قبل الفِطَام، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إنما الرضاعة من المجاعة " (1) وقال - عليه الصلاة والسلام - : " لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام " (2) . وفي حديث ابن عباس : " لا رضاع إلا في الحولين " (3) . وأما حديث سهلة امرأة أبي حذيفة، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لها في سالم مولاه : " أرضعيه تحرمي عليه " (4) وفي لفظ : "وقول أرضعيه خمس رضعات " (5) .
فقيل : منسوخ، وقيل: خاص بسالم لأنه كان دعيّا أي مُتبنَّى لأبي حذيفة.
وقيل : إن حديث سهلة مقيِّد أو مخصِّص لأحاديث قصر التحريم على الصغير، فإرضاع الكبير رخصة للحاجة لمن لا يُستغنى عن دخوله على المرأة ويشق احتجابها عنه، كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة، وهذا اختيار ابن القيم وحكاه عن شيخ الإسلام ابن تيمية (6) وهذا قول وسط بين المانعين من إرضاع الكبير مطلقاً والمجيزين له المحرمين به.
__________
(1) رواه البخاري (2504، 4814) ومسلم (1455) عن عائشة - رضي الله عنها -.
(2) أخرجه الترمذي (1152) عن أم سلمة وقال " حسن صحيح " وصححه الألباني في الإرواء (7/221)
(3) رواه الدراقطني (4/174) وغيره، وقال ابن حجر في البلوغ (638) " رواه الدارقطني وابن عدي مرفوعاً وموقوفاً، ورجّحا الموقوف". ومثل هذا لا يقال من قبل الرأي.
(4) مسلم (1453) (26) عن عائشة - رضي الله عنها -.
(5) أخرجه عبد الرازق في المصنف (7/461) والإمام أحمد في المسند (42/435) قال محققوه : إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(6) زاد المعاد (5/593) وينظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام (34/55، 60).(1/75)
عَنْ جابرِ بنِ عَبدِ اللهِ , أنَّه سَمِعَ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم - عَامَ الفَتحِ وهُوَ بِمَكَّةَ يَقُولُ: « إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ ". فقيلَ: يا رَسولَ اللهِ , أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّهُ يُطلَى بِها السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِها الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِها النَّاسُ؟ قَالَ: " لاَ، هُوَ حَرَامٌ". ثُمَّ قَالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم - عِنْدَ ذَلِكَ: " قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ، إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الشُّحُومَ، فَأَجْمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ». خَرَّجَه البُخاريُّ ومُسلِمٌ (1) .
الشرح :
هذا الحديث أصل في النهي عن بيع المحرمات وأكل ثمنها، وفيه من الفوائد:
1- تأكيد الخبر بذكر زمانه ومكانه.
2- عظم شأن فتح مكة في تقرير الأحكام، وقد خطب - صلى الله عليه وسلم - غير مرة وبيّن الأحكام المتعلقة بحرمة مكة وأحكاماً أخرى كالتي في هذا الحديث.
3- النهي عن بيع هذه المذكورات.
4- تأكيد هذا النهي بالتصريح بلفظ التحريم وبإضافة التحريم إلى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
5- أن ما حرمه الله حرمه رسوله، وما حرمه الرسول فقد حرمه الله.
6- التلازم بين بعض حقوق الله وحقوق رسوله - صلى الله عليه وسلم - ،كالإيمان والطاعة والمحبة والتشريع، مع التفاوت في المرتبة بين الرسول والمرسل، قال تعالى: چ ? ? ? چ [الأعراف : 158] وقال : چ چ چ چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک چ [التوبة : 24] وقال : چ ? ? ? چ [الأنفال : 46] وقال : چ ڑ ڑ ک ک ک ک گ چ [التوبة : 59] وقال : چ ? ? ? ? ? پپ چ [النساء : 80] وقال : چ ? ? ? ? ? ? ہ ہہ چ [الحشر : 7]
__________
(1) البخاري (2121، 4045) مسلم (1581) (71).(1/76)
7- جواز عود الضمير إلى أحد المعطوفين، لقوله : " إن الله ورسوله حرم " بإفراد الضمير، راجعاً إلى الله، وله نظائر في اللغة، ومنه في القرآن چ? ? ? ? ? ? چ [التوبة : 34] چ ? پ پ پ پ چ [التوبة 62] چ ? ? چ چ چ چ ? چ [الجمعة : 11]
8- تحريم الخمر وتحريم بيعها، وقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخمر عشرةً شاربها وبائعها ومشتريها. (1)
9- تحريم الميتة وتحريم بيعها.
10- تحريم الخنزير وتحريم بيعه.
11- تحريم بيع الأصنام على هيئتها.
12- وجوب تحطيم الأصنام تحطيماً يزيل صورتها.
13- الاستفصال عن بيع شحوم الميتة والانتفاع بها.
14- تحريم بيع شحوم الميتة كسائر أجزائها النجسة وإن كان ينتفع بها.
15- أن مجرد الانتفاع بالشيء لا يستلزم حله ولا حل بيعه، كالكلب ينتفع به ولا يحل بيعه.
16- أن من أساليب الذم والتقبيح الدعاء بـ " قاتله الله ".
17- ذم اليهود بالاحتيال على ما حرم الله وأنهم السلف لأهل الحيل كما ذكر في هذا الحديث وكاحتيالهم على الصيد في السبت وقد حرمه الله عليهم.
18- تحريم بيع شحوم الميتة وإن كان ينتفع بها.
19- قيل: فيه تحريم الانتفاع بشحوم الميتة، وذلك للاختلاف في مرجع قوله - صلى الله عليه وسلم - :" لا، هو حرام " قيل : الضمير للبيع، وقيل : لما ذُكر من وجوه الانتفاع من طلاء السفن ودهن الجلود والاستصباح، والأظهر رجوعه إلى البيع، لأنه موضوع الحديث، فيتعين أنه المسئول عنه، ويؤيده قوله في اليهود : " ثم باعوه ".
20- أن ما حُرِّم أكله حُرِّم أكل ثمنه.
21- جواز استعمال النجاسة على وجه لا يتعدى لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أقرَّهم على الاستصباح وطلاء السفن.
22- تحريم ما مفسدته راجحة على مصلحته. وفي هذا احتمال أدنى المفسدتين لدفع أعظمها، وتفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما.
__________
(1) رواه ابن ماجه (3380) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2725).(1/77)
23- أن من كمال الشريعة تحريم كل ما يضر بالإنسان في دينه وعقله ونفسه وماله.
عَنْ أبي بُردَةَ، عن أَبيه أبي مُوسى الأشعَريِّ، أنَّ النبَّيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم - بَعَثَهُ إلى اليَمَنِ، فَسألَهُ عَن أَشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بِها، فَقالَ: « وَمَا هِيَ؟ ". قالَ: الْبِتْعُ وَالْمِزْرُ. فَقِيلَ لأَبي بُرْدَةَ: وَمَا الْبِتْعُ؟ قَالَ: نَبِيذُ العَسَلِ، وَالْمِزْرُ نَبِيذُ الشَّعيرِ. فَقالَ: " كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ». خَرَّجَه البُخاريُّ (1) .
الشرح :
الحديث أصل في تحريم كل مسكر، وفيه من الفوائد:
1- فيه شاهد لما خُص به النبي - صلى الله عليه وسلم - من جوامع الكلم.
2- حسن تعليمه - صلى الله عليه وسلم - في جوابه للسائل بذكر القاعدة الجامعة التي تشمل المسئول عنه وغيره.
3- أن من حسن الفتوى زيادة السائل على ما سأل عنه مما يحتاج إليه.
4- تحريم البتع والمزر إذا كانا يسكران.
5- تحريم قليل المسكر وكثيره وأن ما أسكر كثيره فقليله حرام، ويشهد لهذا قوله - صلى الله عليه وسلم - : " وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " أي : كله، ويشهد له.
6- أن من مقاصد الشريعة الضرورية حفظ العقل.
7- أن تحريم الخمر لا يختص بعصير العنب وأن كل مسكر خمر وكل خمر حرام، كما ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما "- كل مسكر خمر " (2) .
8- الرد على من زعم أن اسم الخمر مختص بالمسكر من عصير العنب.
9- أن مناط التحريم هو الإسكار، وهو علة مطردة، أي كلما وجد الإسكار ثبت التحريم.
__________
(1) البخاري (4087).
(2) مسلم (2003) وأحمد (2/16) (ط الأولى)، أبو داوود (3679) والترمذي (1861) والنسائي (8/296).(1/78)
عَنِ المِقدامِ بنِ مَعْدي كَرِبَ قالَ: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم - يَقولُ: « مَا مَلأََ ابن آدم وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ». رواهُ الإمامُ أحمَدُ والتِّرمِذيُّ والنَّسائيُّ وابنُ ماجَه، وقَالَ التِّرمِذيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ (1) .
الشرح :
الحديث أصل في الاقتصاد في الطعام والشراب، وفيه من الفوائد:
1- فيه شاهد لما اختص به النبي - صلى الله عليه وسلم - من جوامع الكلم.
2- الندب إلى الاقتصاد في الأكل.
3- الغاية من الأكل، وهي حفظ الصحة والقوة اللتين بهما سلامة الحياة.
4- ذم الشبع، وذلك إذا كان دائماً أو غالباً، وعليه فلا يُكره الشبع أحياناً لقول أبي هريرة في الحديث: " ما أجد له مسلكاً " (2) وغيره.
5- أن لملء البطن من الطعام أضراراً بدنية ودينية، قال عمر - رضي الله عنه -" إياكم والبطنة، فإنها مفسدة للجسم ومكسلة عن الصلاة ".
__________
(1) أحمد (17186) والترمذي (2380) وابن ماجه (3349) والنسائي في الكبرى (6769) وحسنه الحافظ في الفتح (9/528). قال السندي في حاشيته على المسند (10/137 ط. قطر) "قوله: أُكلات –بالضم-: جمع أُكْله، كَلُقْمة لفظاً ومعنى" وعند النسائي وابن ماجه: "لقيمات".
(2) رواه البخاري (6087) وذلك خبر اللبن الذي دفع به النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي هريرة فقال له: "أشرب" ثلاث مرات، وأبو هريرة يشرب منه، ثم قال أبو هريرة بعد الثالثة –حين روي-: "لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكاً".(1/79)
6- أن الأكل من حيث الحكم على أقسام : واجب، وهو ما به تُحفظ الحياة ويؤدي تركه إلى ضرر. جائز، وهو ما زاد على القدر الواجب ولا يُخشى ضرره. مكروه، وهو ما يُخشى ضرره. محرم، وهو ما يُعلم ضرره. ومستحب، وهو ما يُستعان به على عبادة الله وطاعته وقد أجمل ذلك في الحديث في ثلاث مراتب :
أ- ملء البطن
ب- أكلات أو لقيمات يقمن صلبه
ج- قوله : "ثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" هذا كله إذا كان جنس المأكول حلالاً.
7- الحديث قاعدة من قواعد الطب، وحيث أن علم الطب مداره على ثلاثة أصول : حفظ القوة والحمية والاستفراغ ؛ فقد اشتمل الحديث على الأولين منها، كما في قوله تعالى : " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ".
8- كمال هذه الشريعة حيث اشتملت على مصالح الإنسان في دينه ودنياه.
9- أن من علوم الشريعة أصولَ الطب وأنواعاً منه، كما جاء في العسل والحبة السوداء.
10- اشتمال أحكام الشريعة على الحكمة، وأنها مبنية على درء المفاسد وجلب المصالح.
11- أن شهوة الأكل سبب للمعصية، وهي التي كانت لآدم، ولعل هذا هو السر في التعبير بـ (ابن آدم) تذكيراً وتحذيراً.
12- إثبات الأسباب.
13- إطلاق اسم الشر على سببه، فسبب الشر شر، كما أن سب الخير خير.
عَنْ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو - رَضيَ اللهُ عَنْهُما - عَنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم - ، قالَ: « أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنافِقًا، وَإِنْ كَانَتْ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ فِيهِ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا؛ مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ». خَرَّجَه البُخاريُّ ومُسلمٌ (1) .
الشرح :
الحديث أصل في علامات النفاق، وفيه من الفوائد:
1- أن النفاق كله مذموم.
2- أن جماع النفاق الكذب " والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ".
__________
(1) البخاري (34، 2327، 3007) ومسلم (58) (106).(1/80)
3- تحريم الكذب في الحديث.
4- تحريم خلف الوعد.
5- تحريم الغدر.
6- تحريم الفجور في الخصومة، وهو تعمد الميل عن الحق، ومن أعظمه الكذب في اليمين عند التخاصم.
7- أن ما غلب على المكلَّف من هذه الخصال فهو من النفاق، بخلاف ما إذا كان عارضاً.
8- وجوب الصدق في الحديث والوعد، والصدق في الوعد يكون بالعزم على الوفاء عند الوعد، أما الوفاء بالوعد بالفعل فيختلف حكمه بحسب متعلق الوعد وأثر الخلف فيه.
9- وجوب الوفاء بالعهد قال تعالى چ ڑ ک ک ک کچ [النحل : 91] وهو يشمل العهد الذي بين العبد وربه وبينه وبين الناس، ويلتحق بالعهد جميع العقود اللازمة، كما قال تعالى : چ ژ ژ ڑ ڑ کک چ [المائدة : 1].
10- أن النفاق قسمان :
أ- نفاق اعتقادي : وهو إظهار الإسلام وإبطان الكفر وهو النفاق الأكبر.
ب- نفاق عملي : وهو هذه الخصال، وخصلة خامسة –كما جاء في رواية- "وإذا اؤتمن خان" (1) ، وهذه أصول النفاق الأصغر.
11- أن من غلبت عليه هذه الخصال كلها فيوشك أن يكون منافقاً النفاق الأكبر.
12- وجوب الحذر من هذه الخصال كلها.
13- أنه لا مفهوم للعدد، ولهذا جاء في الحديث الآخر : "آية المنافق ثلاث" (2) .
14- أنه قد يجتمع في الرجل إسلام ونفاق.
__________
(1) البخاري (34) ومسلم (58) عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه -.
(2) البخاري (33) ومسلم (59) عن أبي هريرة - رضي الله عنه. -(1/81)
عَنْ عُمرَ بنِ الْخَطَّابِ - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم - قَالَ: « لَوْ أنَّكُمْ تَوَكَّلُونَ على اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُم كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا ». رواهُ الإمامُ أحمدُ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسائيُّ وابنُ ماجَه وابنُ حِبَّانَ في ((صحيحِه)) والحاكِمُ، وقالَ التِّرمذيُّ: حَسَنٌ صَحيحٌ (1) .
الشرح :
الحديث أصل في فضل التوكل على الله في طلب الرزق، وفيه من الفوائد:
1- الترغيب في تحقيق التوكل على الله في طلب الرزق، وهو صدق الاعتماد عليه سبحانه وتفويض الأمر إليه في جلب المنافع ودفع المضار مع ترك التعلق بالأسباب.
2- أن التوكل على الله سبب معنوي في جلب الرزق ولا ينافيه فعل السبب الحسي.
3- أن الله هو الرزَّاق للإنسان والحيوان والطير چ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ?? ? ? ? ?چ[هود :6].
4- مشروعية التوكل على الله في كل المطالب، وهو من واجبات الإيمان قال تعالى : چ ? ? ? ? ? ? چ [المائدة : 23].
5- أن صدق التوكل على الله سبب لتيسير الرزق.
6- هداية الطير إلى طلب رزقه قال تعالى چ ? ? ? ? ? ? چ [طه : 50].
7- أن طلب الرزق وقته النهار چ ? ? ? چ [النبأ : 11]، والليل سكن.
8- الإرشاد إلى البكور في طلب الرزق.
9- الإرشاد إلى الضرب في الأرض في طلب الرزق چ ? ? ? ? ? ?? چ [الملك : 15].
10- أن أكثر الناس مقصّرون في التوكل متعلقون بالأسباب.
11- أن الغفلة عن الله والاعتماد على الأسباب سبب للحرمان.
12- أن ميادين رزق الطير أوسع من غيره.
__________
(1) أحمد (205، 374) وقوى محققه إسناده، والترمذي (2344) وابن ماجه (4164) وابن حبان (730) والحاكم (4/318).(1/82)
عَنْ عَبدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ قالَ: أَتى النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم - رَجلٌ، فَقَالَ: يا رَسولَ اللهِ , إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيْنَا، فَبَابٌ نَتَمَسَّكُ بِهِ جامعٌ؟ قال: « لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ». خَرَّجَه الإمامُ أحمدُ بهذا اللَّفظِ (1) .
الشرح :
الحديث أصل في فضل الذكر وقوله " لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله " كناة عن كثرة الذكر باللسان، وهو خبر معناه الأمر، وفيه من الفوائد:
1- كثرة أنواع العبادات وأبواب الخير.
2- أن من عظيم فضل الله تيسير أسباب الأجر.
3- تفاضل العباد في نصيبهم من أبواب البر والخير.
4- حب الصحابة للخير وحرصهم على ما يقربهم إلى الله.
5- فضل ذكر الله.
__________
(1) رواه أحمد (17680) قال محققه : "إسناده صحيح " والترمذي (3375) وابن ماجه (3793).(1/83)
6- أن كثرة ذكر الله باللسان تسبيحاً وتحميداً وتهليلاً وتكبيراً وغير ذلك مع مواطأة القلب يقوم مقام كثير من نوافل الطاعات، ومما يدل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس " (1) . وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم " (2) . وقوله - صلى الله عليه وسلم - " من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له . له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل " (3) ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " من قال سبحان الله وبحمده في يومٍ مئة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر " (4) . وقوله - صلى الله عليه وسلم - " من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له . له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مئة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مئة حسنة ومحيت عنه مئة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه " (5) .
7- مراعاته - صلى الله عليه وسلم - للسائلين بإجابة كلٍّ بما يناسبه.
هذا ما تيسر إملاؤه مما أمد الله به من فهم ما في هذه الأحاديث من الفوائد، نفعنا الله بما علَّمنا وعلّمنا ما ينفعنا بمنه وكرمه، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________
(1) رواه مسلم (2695) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(2) رواه البخاري (6043، 6304، 7124) ومسلم (2694) عن أبي هريرة -رضي الله عنه -.
(3) رواه البخاري (6041) ومسلم (2693) واللفظ له عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -.
(4) رواه البخاري (6042) ومسلم (2691، 2692) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(5) رواه البخاري (3119، 6040) ومسلم (2693) عن أبي هريرة -رضي الله عنه -.(1/84)
في الثاني عشر من رجب لعام1428(1/85)