استفتاح
أخرج الإمام البخاري في كتاب الإيمان باب (3) الحياء شعبة من الإيمان حديث 9 عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
{ الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان } ،
وأخرج الإمام مسلم في كتاب الإيمان باب بيان عدد شعب الإيمان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
{ الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان } (1).
- مقدمة -
الحمد لله الذي خلق خلقه أطوارا، وصرفهم في أطوار التخليق كيف شاء عزة واقتدارا، وأرسل الرسل إلى المكلفين إعذارا منه وإنذارا، فأتم بهم على من اتبع سبيلهم نعمته السابغة، وأقام بهم على من خالف مناهجهم حجته البالغة، فنصب الدليل، وأنار السبيل، وأزاح العلل، وقطع المعاذير، وأقام الحجة، وأوضح المحجة، فشملهم بالدعوة على ألسنة رسله حجة منه وعدلا، وخص بالهداية من شاء منهم نعمة وفضلا.
……والصلاة والسلام على محمد عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وخيرته من خلقه، أرسله رحمة للعالمين، وقدوة للمؤمنين، الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة، فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها، وتألفت به القلوب بعد شتاتها، وامتلأت به الأرض نورا وابتهاجا(2).
__________
(1) - هذا الاستفتاح موافق لصنيع مصنفي الجوامع التي حوت كتبا وأبوابا جامعة لعرى وأحكام الشريعة وشعبها، فأحببت أن أستفتح بحديث من مشكاة الصحيح يدل على تنوع الشعب المشتملة على أعمال القلب وأعمال اللسان وأعمال البدن، وتناولها هو المقصود من تأليف الجوامع الحديثية.
(2) - اقتباسا من خطبة الإمام ابن قيم الجوزية لكتابه: " إعلام الموقعين عن رب العالمين " 1/3-4.(1/1)
……أما بعد، فإن هذه المحاولة –المساهمة في تجلية العطاء العلمي المغربي- تأتي في سياق جهود مثابرة لتأريخ وتوثيق وتحقيق أهم المؤلفات المتأخرة سيما في العلوم التي ذهب بشهرتها أسماء مخصوصة وأوطان معلومة.
……ومع الإهمال الذي ساد التاريخ المغربي في تدوين وتحقيق مختلف الجهود العلمية، فإن هذا البحث يقصد إلى تقديم معطيات محددة لجهد وطني كان منسيا، ويعيد ترتيب فصول الثقافة الشرعية بما يعطي لبعض العلماء المغاربة حقهم العادل في دواوين التراجم وتاريخ العلوم، ويلتفت إلى المساهمة المغربية في صنعة الكتاب العربي والإسلامي.
……وإذا كان الباحثون عادة ما يحبذون صرف العناية إلى الأعلام المشهورة وآثارهم المذكورة، فإن العزم ينبغي أن يتجه إلى تحقيق المخطوطات النادرة المقضي عليها بالضياع والتلف، سيما في الأمصار التي يندر فيها المحققون والناشرون، مما يساعد على الحفاظ على كنوزنا العلمية، ويقيها شر المصائر التعيسة (1) .
……وللأسف فالمدرسة المغربية في الفقه والحديث مازالت تحتاج إلى بذل كثير من الجهد لتجلية صورة أعلامها الكبار ونتاجهم، وأهمية ذلك وسط هذا الحشد الهائل من الأفكار والآثار.
__________
(1) - من عجيب ما يحدث للمخطوطات ما وقع لأصل " الفجر الساطع على الصحيح الجامع" بخط الشبيهي، فقد ظل يتنقل إلى أن استقر بالمجمع الثقافي للمخطوطات في "أبو ظبي" بالإمارات العربية المتحدة، ولم يحقق أو ينشر!، ولولا نسخة العرائشي لانعدم وجود نص كامل له بالمغرب! مع اعتباره أنفس وأعلى ما كتبه المتأخرون المالكية على الصحيح مطلقا كما سيأتي في قول عبد الحي الكتاني.
وبسؤالي لعائلة المؤلف عن سبب ذلك، اتضح أن أحد أبناء الشبيهيين استولى على أصل المؤلف، وتصرف فيه بالبيع لإحدى الجهات الإماراتية.(1/2)
……إن "النبوغ المغربي" في التفسير والقراءات والحديث ومقاصد الشريعة وفقهها أصبح اليوم أكثر تجليا ووضوحا بفضل الدراسات والبحوث حول تاريخ العلوم الشرعية في المغرب والأندلس، وكذا تقديم رؤى واضحة عن أعلام الغرب الإسلامي أمثال أبي عمرو الداني (ت444هـ)، وابن حزم (ت456هـ)، والحافظ ابن عبدالبر(ت463هـ)، والقاضي عياض (ت544هـ)، وابن رشيد (ت721هـ)، والباجي(ت774هـ)، والشاطبي (ت790هـ)، وابن خلدون (ت808هـ)، وغيرهم.
أسباب اختيار المخطوط :
رغبتي في المساهمة في إحياء التراث العلمي بالغرب الإسلامي، ولعل من جميل الأقدار أن يتصل هذا البحث بنموذج متميز من الفقهاء المغاربة المتأخرين الذين اتجهوا إلى شرح الحديث النبوي في ضوء الفقه الإسلامي؛
اتجاهي في هذا البحث إلى الحديث والفقه، وذلك بعد تجربة بحثي للدبلوم في مجال القراءات القرآنية، وإن من شأن ذلك أن يرسخ الميراث العلمي للباحث، ويثري آفاقه.
وهكذا فقد جاء هذا البحث وفق الخطة التالية:
خطة البحث :
……قسمت البحث إلى قسمين:
القسم الأول: قسم الدراسة؛
القسم الثاني: قسم التحقيق.
ويتناول القسم الأول معالم شخصية المؤلف رحمه الله وبيئته المؤثرة فيه، وميراثه العلمي، وينقسم إلى ثلاثة أبواب:
الباب الأول: يتناول الحديث عن العصر والبيت الشبيهي، وهو في فصلين:
الفصل الأول: "عصر الشبيهي الزرهوني" ، وفيه مبحثان:
المبحث الأول:المجتمع المغربي أواخرالقرن 13هـ وبدايةالقرن14 هـ؛
المبحث الثاني: الحركة العلمية والدرس الفقهي والحديثي.
الفصل الثاني: "البيت الشبيهي"، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: فرع الأدارسة والجوطيين؛
المبحث الثاني: فرع الشبيهيين .
أما الباب الثاني، فقد خصصته للميراث الشبيهي، وقسمته إلى فصلين:
……الفصل الأول: "النشأة والتحصيل العلمي والوظيفة"، ويضم أربعة مباحث:
المبحث الأول: اسمه ونسبه؛
المبحث الثاني: ولادته وأسرته؛
المبحث الثالث: نشأته ومكانته العلمية؛(1/3)
المبحث الرابع: شخصيته ووظيفته.
الفصل الثاني: "فهرسة الشبيهي"، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: شيوخه؛
المبحث الثاني: تلامذته؛
المبحث الثالث: آثاره ومستنسخاته.
ويتناول الباب الثالث: " الفجر الساطع على الصحيح الجامع" دراسة وتحليل، ثلاثة فصول:
…الفصل الأول: "الجامع الصحيح في الدراسات المغربية"، ويضم ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: القيمة العلمية للجامع الصحيح؛
المبحث الثاني: الرواية المغربية للجامع الصحيح؛
المبحث الثالث: الشروح المغربية للجامع الصحيح.
الفصل الثاني: "الفجر الساطع" منهج ومميزات، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: المنهج الفقهي للمؤلف؛
المبحث الثاني: مميزات الفجر الساطع.
الفصل الثالث: تحقيقات حول "الفجر الساطع"، ويضم أربعة مباحث:
المبحث الأول: تحقيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه؛
المبحث الثاني: تحقيق عنوانه؛
المبحث الثالث: نسخه؛
المبحث الرابع: منهج التحقيق والتعليق.
وبهذا المبحث ينتهي قسم الدراسة، ويليه قسم التحقيق الذي يتضمن ضبط المخطوطة والتعليق عليها.
……هذا، وأرجو أن أكون قد وفقت في الاختيار والبيان لهذا المخطوط الذي أتمنى من الله سبحانه وتعالى أن يكون في حلة بهية تسر العلماء، ويرضى عنها عشاق العلوم الشرعية.
……وأختم كما بدأت بحمد الله تعالى على إتمامه النعمة وإكماله الرحمة، فله الشكر والثناء الحسن، وأدعو بالرحمة والغفران لفقيد العلم والعلماء الشيخ محمد المنوني الذي فتح كثيرا من مغاليق هذا البحث.
……والله الكريم أسأل أن يتقبل هذا العمل، ويكتب له القبول والتمكين، سائلا الله تبارك وتعالى مع السائلين:
{ ربنا ءاتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من امرنا رشدا } (1).
-
- مدخل -
إن تراجم الرجال تستدعي تكوين ملامح عامة عن العصر الذي تأثروا به، فالرجال يصنعون التاريخ كما يصنعهم، ومن جهة أخرى يلزم تحديد مجال الدرس العلمي وحركته.
__________
(1) - سورة الكهف، الآية10.(1/4)
كما أن مميزات الشخصية العلمية تستلزم تقديم مختلف الجوانب المتعلقة بها، مما يسهم في تجلية الصورة عن أصل المؤلف وبيئته العامة.
من هذا المنطلق يأتي البدء بالتلميح إلى أوضاع العصر، وبحث الدرس العلمي، وكذا إبراز شجرة نسب المؤلف رحمه الله.
المبحث الأول :المجتمع المغربي أواخر القرن 13هـ وبداية القرن 14هـ
الوضع السياسي؛
الحالة الاجتماعية.
الوضع السياسي:
يعتبر محمد الفضيل بن محمد الفاطمي الإدريسي الشبيهي من مخضرمي القرنين الثالث عشر والرابع عشر للهجرة، عاش في دولة العلويين بالمغرب الأقصى، وقد تعاقب على الحكم خلال حياته أربعة سلاطين هم:
عبد الرحمن بن هشام (1238-1276هـ/ 1822-1859م)؛
محمد الرابع بن عبد الرحمن (1276-1290هـ/ 1859-1873م)؛
الحسن الأول بن محمد بن عبد الرحمن(1290-1311هـ/ 1873-1894م)؛
عبد العزيز بن الحسن الأول (1311-1325هـ/ 1894-1908م).
……ويمكن رصد أهم التحولات العامة الواقعة في هذا العصر فيما يلي:
ضعف سلطان الخلافة الإسلامية،
توسع الأطماع الاستعمارية في العالم الإسلامي.
……وهذا العصر، كغيره من العصور الإسلامية، يحتاج إلى وضوح رؤية واستقلال رأي، وهو ما يندر في الكتابات المؤرخة لهذه العصور، فقد طغى " أسلوب التأريخ الرسمي"(1) على أصحابها،وغاب الوعاء الفعلي للتاريخ بتسجيل الحركة وفهم القيم السائدة في المجتمع.
……ومن جهة أخرى، فلم يكن للشبيهي حضور سياسي أو تأثير في الحياة العامة، وذلك ما أوحاه لي كتابه وحياته، بل أمضى جل وقته معلما وخطيبا في الجامع ببلده زرهون.
……ولتشابك وتعدد أحداث هذا العصر، فإنني سأعطي لمحة عامة عن العصر بما يجلي الصورة، وفي كتب التاريخ مزيد إغناء وتفصيل، ذلك أن أحداث التاريخ يتعذر إحصاؤها ويدعو إلى السآمة استقصاؤها.
__________
(1) - اقتباسا من « المصادر العربية لتاريخ المغرب« للمحقق محمد المنوني 2/90.(1/5)
……فالظاهرة الواضحة والفريدة التي لا تكاد تغيب عن مجال الرؤية السياسية للعصر، قوة الظهور لدى العامة، وكثرة الثورات، وانشغال السلاطين بتثبيت دعائم الحكم، فنجد مثلا:
في عهد عبد الرحمن بن هشام :
حركة التمرد لدى قبائل زعير(1) ؛
الصراع بين قبيلتي آيت عقا وآيت يفلمان(2) ؛
معركة إيسلي 1260هـ، التي انهزم فيها الجيش المغربي أمام فرنسا، واستمر احتلال وجدة وغيرها (3) ؛
وقد استطاع السلطان إيقاف المد الاستعماري الطامع، والإفلات من النتائج السلبية للثورات بفضل " المراوغة الدبلوماسية التي امتاز بها مغرب القرن التاسع عشر" (4).
في عهد محمد الرابع :
الانهزام في حرب تطوان ضد إسبانيا سنة 1276هـ-1859م (5) ؛
ثورة الرحامنة (من أحواز مراكش) سنة 1278 هـ-1861م، وذلك بسبب الانشغال بأحداث ونتائج حرب تطوان (6)، خصوصا الأزمة المالية الخانقة.
كما تتالت كثير من الأحداث الداخلية، كثورة الجيلالي الروكي (1278هـ)، ومحاصرة قبيلة بني عمير لمدينة سلا (1282هـ) ، وعموم الوباء (1285هـ) .
…في عهد الحسن الأول :
تحكم الهيئة الدولية المقيمة بطنجة، واتساع نشاطها المعادي لمصالح المغرب؛
وقوع أول إضراب في المغرب من طرف الدباغين بفاس للمطالبة برفع المكوس (7) ؛
ثورة بوعزة الهبري بوجدة وتازة سنة 1292 هـ (8) .
__________
(1) - انظر: " المغرب عبر التاريخ" لإبراهيم حركات 3/182.
(2) - انظر: "الاستقصا في أخبار دول المغرب الأقصى" لأحمد بن خالد الناصري 9/67-68.
(3) - انظر : " الاستقصا " 9/51.
(4) - " المغرب عبر التاريخ" 3/229.
(5) - انظر تفاصيلها في " تاريخ تطوان " لمحمد داود، وانظر نتائج هذه الحرب في " إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس" لابن زيدان 3/487-489.
(6) - انظر : "الاستقصا" 9/110.
(7) - "مظاهر يقظة المغرب الحديث " لمحمد المنوني 1/382.
(8) - " الاستقصا" 9/152.(1/6)
كما انشغل السلطان بتثبيت الأمن الداخلي وإخماد الفتن بالأطلس والمغرب الشرقي وسوس وتافيلالت .
……وإن كان السلطان قد ورث تركة ثقيلة من المشاكل، فقد أفلح في تقوية سلطان الجيش، والحفاظ على الوحدة (1) ، كما نجح في الإبقاء على المنافع الحافظة للأمة من وحدة البلاد وقوة السلطان والعسكر.
في عهد عبد العزيز بن الحسن الأول :
اندلاع الثورات في الحوز والشاوية ودكالة وسوس وغيرها، مباشرة بعد شيوع وفاة الحسن الأول ؛
انتشار وباء الكوليرا الذي "بدد شمل الثوار" (2) ؛
طغيان الحاجب باحماد على الرعية، وإدارته الفاسدة لشؤونها، إلى حين وفاته سنة 1318هـ-1900م (وهي سنة وفاة الشبيهي الإدريسي)؛
ثورة الجيلالي الزرهوني المشهور ب"بوحمارة"، وذلك لمدة سبع سنوات ابتداء من سنة 1320هـ 1902م، وكانت رغبته جامحة في تولي العرش (3)
ثورة أبي العباس أحمد الريسوني في الجبال، والذي سيصبح عاملا على أصيلا في عهد عبد الحفيظ الذي خلع أخاه عبد العزيز بن الحسن.
وبسبب توافق زمن تأليف الشبيهي للفجر الساطع مع فترة حكم عبد العزيز، وذلك خلال سنوات 1309-1317هـ(4)، وبسبب أن هذا المؤلف يمثل آخر ما كتبه الشبيهي، إضافة إلى اكتمال السن والتجربة لديه، فإني سأفصل أكثر في واقع سياسة الدولة العزيزية .
__________
(1) - للتفصيل راجع : " المغرب الأقصى في عهد السلطان الحسن الأول "لمحمد العربي معريش.
(2) - المغرب عبر التاريخ 3/289.
(3) - المغرب عبر التاريخ 3/291-301.
(4) - استغرق تأليفه ثمانية أعوام : أربعة للتسويد، وأربعة للتنقيح والتصحيح والإخراج.(1/7)
فالمصادر المؤرخة للدولة العزيزية تبرز مدى عمق الأزمة في أجهزة الدولة العزيزية، التنظيمية والمالية والعسكرية، ويلخص ذلك قول الحجوي الثعالبي واصفا حال رجال المخزن: " موصوفون بعدم الكفاءة والاختلاس والتزوير، يضاف إلى هذه الأخلاق السافلة، فإنهم جهال في تسيير شؤون البلاد، عاملين على تقديم مصالحهم الخاصة، والاستغناء الفاحش على حساب الرعية والجيش والمصلحة العليا للبلاد" (1).
إن الحجوي الثعالبي يتحسر على الروح الضعيفة للهياكل المخزنية، كما يعيب على الدولة عدم قدرتها على مواكبة الإصلاحات المرجوة، بل إن قراءة مذكرته يشيع في النفس إحساسا يقينيا بأن الوضع قد تلبس برذيلة الاستبداد والفساد بحيث أصبح يشكل فروعه وأغصانه، وأن أصحاب النفوذ قد استفحل أمرهم بنهب المال العام وقمع الأشراف والأحرار.
وهكذا فقد أرسل الحجوي كتابا مفتوحا إلى السلطان(2) يدعوه فيه إلى جملة من الإجراءات والإصلاحات منها :
وجوب قيام السلطان بمسؤولياته؛
تجديد نظام الدولة "الهرم" –بتعبير الحجوي-، وتحديث الهياكل المخزنية التقليدية ؛
تنحية الولاة الجهال غير المتعلمين؛
ضبط صرف المال العام؛
نشر العلوم والمعارف.
وللأسف فلم يلق " الكتاب المفتوح" آذانا صاغية، مما حدا بالحجوي إلى إعادة إرسال كتاب جديد إلى عبد الحفيظ لما تولى العرش.
وبهذا القدر من تتبع بعض أحداث العصر السياسية أكتفي، لأنتقل إلى الجزء التالي، وهو الوضع الاجتماعي بالمغرب في هذه الفترة.
…الحالة الاجتماعية :
…إن مجمل نتائج الوضع السياسي سيؤثر سلبا على الواقع الاجتماعي المغربي، ذلك أن فوضى التسيير، وكثرة الثورات الداخلية، وتربص المستعمر، والغلاء والوباء، كل ذلك سينشئ مشاكل اجتماعية متعددة.
__________
(1) - انتحار المغرب الأقصى بيد ثواره للحجوي / ص:12 من مقدمة محمد الصغير الخلوفي.
(2) - انظر الرسالة في الملحق 2 من " انتحار المغرب الأقصى بيد ثواره".(1/8)
…ومن البدهيات أن لا تقوم نهضة للاكتمال الثقافي والاجتماعي بعيدا عن الرشد السياسي، لأن الغزو والاستبداد لا يملكان الامتداد إلا في الفراغ الحقيقي لتصورات وتطبيقات أبعد ما تكون عن سبيل الأمة الوسط.
…ونتيجة لذلك فقد شهد المغرب الحديث سوابق اجتماعية منها:
توسع مجال " بلاد السايبة" غيرالمنقادة للسلطان، وذلك علىحساب "بلاد المخزن" ؛
هجرة القبائل بسبب انعدام السلم الاجتماعي؛
تفشي الأمراض والأوبئة (1)،وكذا المجاعات؛
انتشار الجهل خصوصا لدى الفتيات والنساء .
وفي نص جامع يلخص الحجوي الثعالبي وصف المجتمع في عهد الدولة العزيزية :
( … ثم السبب الأعظم في الانكسار فساد قلوب رعية مولاي عبد العزيز، واتهامهم له بالفسق والكفر حتى احتاج لجعل محضر كتب فيه علماء فاس إشهادا لمعاينتهم له يصلي التراويح ليلة سابع وعشرين رمضان معترفين بوجوب طاعته التي كانت في أعناق الأمة، واتهامهم له بميله للنجليز، وبيعه الصحراء لفرنسا، وغير هذا مما تقدم، وفساد قلوب الرعية أدوؤ داء يعالجه حكماء السياسة، فضلا عمن لامعرفة له بها؛ ثم إن مولاي عبد العزيز كان لين الجانب، شفيقا، لا يرى في سفك الدماء مصلحة، ولينه الكلي أظهره في مظهر الضعف، فتجرأت عليه الرعية التي لها قلوب حديدية كما أسلفنا، بل تجرأ عليه قواده ومستخدموه، … ، وراجت الدسائس على ألسنة طغام العامة بشتم السلطان ووزرائه،… وبالجملة رعية جاهلة بسيطة الفكر ) (2).
…وبالرغم من هذا الواقع البئيس المليء بالإحباطات ، فقد حافظ المغاربة على التشكيل الإسلامي العام (3) ، وكان لمؤسسة العلماء قدرة على ممارسة النقد، وتقويم الاعوجاج، والقيام بوظيفة الحسبة الشرعية.
-
__________
(1) - انظر تأريخ هذه الأوبئة في: المغرب عبر التاريخ 3/480.
(2) - انتحار المغرب الأقصى بيد ثواره / المقدمة ص:24.
(3) - للإشارة فقد قللت المصادر من وجود ظاهرتي شرب الخمر والبغاء، مما يدل على عافية المجتمع الأخلاقية.(1/9)
المبحث الثاني : الحركة العلمية والدرس الفقهي والحديثي :
والمقصود هو تحديد واقع الدرس الفقهي والحديثي في الفترة التي عاصرها الشبيهي بين 1248 و1318هـ .
……والمحمود في هذه الفترة، أن الحركة العلمية كانت أفضل حالا من الوضع السياسي العام، ويمكن رصد أهم معالم الاستقرار العلمي فيما يلي:
ازدهار الوراقة (1) ونشر الكتاب ؛
انتشار المدارس والكتاتيب القرآنية في أغلب نواحي المغرب؛
دعم السلاطين للتعليم والمدارس .
الوراقة وصناعة الكتاب :
……لقد ازدهرت الوراقة خصوصا في عهد الحسن الأول، وأصبحت النساخة مصدرا مهما لكسب المال، "ومن هذه الفترة وصلت المطبعة الحجرية للمغرب، وتمركزت في فاس" (2).
……"وكان الغالب على المنتسخات الحسنية كتب الصنعة الكيماوية، فاستنسخ منها مجموعة ضخمة دبجها الوراقون المغاربة بخطوط جيدة، وزخرفة أنيقة، وتسفير بديع " (3).
……وقد كان الأمير محمد بن السلطان عبد الرحمن بن هشام شغوفا بنسخ الكتب، حيث اتخذ محلا خاصا لنسخ كتب الحديث الشريف وغيرها (4).
……وبخلاف الوراقة المزدهرة في العهد الحسني، فقد ضعف شأن هذه الخطة في الدولة العزيزية.
……ومن أبدع وراقي العصر المنوه بهم في تاريخ الوراقة :
عبد الرحمن بن العربي بن المهدي الشرفي الأندلسي ثم الفاسي (ت1304هـ-1887م)، وكان يكتب بخط شبيه بالخط الأندلسي أيام ازدهاره؛
محمد الكبير بن محمد الغرناطي ثم الفاسي (ت1317هـ-1899م)، الذي بخطه كانت كتابة المطبوعات الحجرية الأولى بفاس؛
__________
(1) - الوراقة لها مدلولات ثلاثة هي: 1 - " صناعة الورق "؛ 2 – " عملية الانتساخ والتصحيح"؛ 3- " النساخة،
أي حرفة النسخ"، انظر: " تاريخ الوراقة المغربية" للمحقق محمد المنوني ص:11.
(2) - تاريخ الوراقة المغربية ص:231.
(3) - المرجع نفسه ص:234.
(4) - إتحاف أعلام الناس 3/367.(1/10)
أحمد بن عبد الرحمن بصري، الذي كان "يضرب بجودة خطه المثل" (1) .
…ومما يحمد لهؤلاء الوراقين " أنهم حافظوا على الطابع الأصيل لمهنتهم، دون أن يتأثروا بالدعوة لإصلاح الكتابة التي بدأت –مع مر الزمن- تطل على المغرب" (2)؛ وإلى زمننا الحاضر نشهد التطور المشين والمحزن الذي أفرز ألوان الخط الخليط الذي لا يحترم تاريخ الخط العربي وأصوله وجماله .
…المجالس الحديثية :
……لقد دأب سلاطين المغرب على عقد المجالس الحديثية المنظمة، التي كانت مجالس حوار ومناظرة ومناقشة.
……كما ازدانت هذه المجالس بكبار المحدثين البارعين في شرح المصنفات الحديثية، وبرز محدثون تفرغوا للجامع الصحيح، حيث كانت تعقد مجالس لشرح الصحيح خلال الشهور الثلاثة رجب وشعبان ورمضان، حيث يتوج بالختمة البخارية، ومن هؤلاء :
عبد القادر بن أحمد الكوهن / ت1254هـ ،
العباس بن محمد بنكيران / ت1271هـ ،
محمد بن حمدون السلمي الفاسي / ت1274هـ،
أحمد بن محمد المرنيسي / ت1277هـ،
المهدي بن سودة المري / ت1294هـ ،
أحمد بن أحمد بناني / ت1306هـ.
…وقد كانت المجالس الحديثية منتشرة في المساجد والمدارس حيث يغلب على الأشهر الثلاثة رجب وشعبان ورمضان سرد وشرح الحديث النبوي.
مجالس العلم :
…اشتهر عبد الرحمن بن هشام –على غرار السلطان سليمان- بظهائره الإصلاحية لمناهج التعليم الديني، فقد جاء في ظهير 12 محرم 1261هـ :
__________
(1) - راجع مزيدا من الأسماء في العصر العلوي الرابع من "تاريخ الوراقة المغربية" ، ابتداء من ص:229.
(2) - تاريخ الوراقة المغربية ص:275.(1/11)
" فقد بلغنا توافر طلبة العلم على العادة، وجدهم في الطلب، غير أنه قل التحصيل والإفادة، وذلك لمخالفة الفقهاء في إقرائهم عادة الشيوخ، وإعراضهم عما ينتج التحصيل والرسوخ، فإن الفقيه يبقى في سلكة سيدي خليل نحو العشر سنين، وفي الألفية العامين والثلاث، أكثر ما يجلب من الأقوال الشاذة والمعاني الغريبة ،…، وفي ذلك تضييع الأعمار التي هي أنفس المتاجر بلا فائدة، …، فترى الفقهاء يكثرون على المبتدئ من نقول الحواشي والاعتراضات، وينوعون الأقوال والعبارات، حتى لا يدري ما يمسك، ولا أي سبيل يسلك، ويقوم من مجلس الدرس أجهل مما كان، ولا يجد زيادة مع بلوغه في نفسه الإمكان، وهذا يؤدي إلى ضياع العلم الذي هو ملاك الدين، ويحمل على عموم الجهل في العالمين" (1).
…وهذا يدل على بعد نظر عبد الرحمن بن هشام في أوضاع التعليم، وطرق تدريسها وتحصيلها، وقصده إلى تحقيق الإدراك والفهم والإتقان.
…وقد عرفت الحركة العلمية نشاطا ملحوظا في كبرى المدن المغربية كفاس ومراكش، كما كانت للعلوم مراكز مشهورة على رأسها جامع القرويين(2) ، وبزرهون اشتهر المسجد الأعظم الذي شهد حلقات شرح الصحيح، وممن شارك في ذلك محمد الفضيل الشبيهي الإدريسي .
__________
(1) - انظر نص هذا الظهير في إتحاف أعلام الناس 5/118-121.
(2) - ينتقد الحجوي الواقع العلمي بقوله: ( وبعدما كنا أساتذة لأوربا صرنا الآن لم نصل درجة التلميذ، ولا تقل يا سيدي هذه مدرسة المصباحية ومدرسة العطارين والشراطين والصفارين وأساتذة القرويين، فهؤلاء لا يقاسون بما يوجد في مصر وتونس فضلا عن البلاد الأوروباوية من المدارس )- ص:16 من مقدمة "انتحار المغرب الأقصى بيد ثواره".(1/12)
…وقد ظهرت مؤلفات وفتاوى في مواجهة قضايا الساعة، عكست اهتمام الفقهاء بموقف التشريع الإسلامي من النوازل الطارئة (1)، مثل:
موضوع الحماية القنصلية :
هداية الضال المشتغل بالقيل والقال لمحمد المأمون بن عمرالكتاني (ت1310هـ)؛
إيقاظ السكارى المحتمين بالنصارى لعلال بن عبدالله الفهري (ت1314هـ).
حول ضريبة المكس وتحديث الجيش :
أجوبة علماء فاس (محمد المهدي بن سودة، وأخيه عمر بن سودة، ومحمد الدويري، ومحمد الحمادي المكناسي، ومحمد الفيلالي) : وهي حول مساهمة الشعب في تكاليف الغرامة المترتبة عن حرب تطوان، وقد أوردها محمد داود في تاريخ تطوان 5/106 ( 118؛
عناية الاستعانة في حكم التوظيف والمعونة لعلي بن محمد السملالي (ت1311هـ) : ويتناول حكم توظيف المعونة لنفقات تحديث الجيش.
التجاوب مع أزمة المجاعة :
رسالة في الحث على الإسعاف زمن المجاعة لجعفر بن إدريس الكتاني (ت1323هـ)، وهو مطبوع في المطبعة الحجرية بفاس دون تاريخ.
الدعوة إلى الجهاد :
تحفة الراغب في السعادة في الترغيب لطلب الشهادة لأحمد بن الهاشمي الفيلالي (ت1327هـ)؛
غنية الإنجاد في مسائل الجهاد لمحمد التهامي بن عبد القادر المكناسي (ت1336هـ).
مؤلفات ضد البدع :
حديقة الأزهار المهداة لسيد الأبرار عليه السلام لمحمد بن جلون الكومي (ت1298هـ): حذر فيها من الاشتغال بالكيمياء والكنوز والنار والخط والتنجيم؛
تعظيم المنة بنصرة السنة لأحمد بن خالد الناصري (ت1315هـ).
في التنظيم الإداري :
تقييد في التعريف ببعض الولايات لأحمد بن خالد الناصري؛
رسالة في طريقة تحديث الجيش المغربي لمحمد بن أحمد التونسي (ت1292هـ)؛
مذكرة عبدالله بن سعيد السلاوي (ت1342هـ).
- مدخل -
…
__________
(1) - راجع تفصيل ذلك مع توثيق أماكن وأرقام المخطوطات في المصادر العربية لتاريخ المغرب للمحقق محمد المنوني 2/137 ( 166.(1/13)
…ينحدر محمد الفضيل بن الفاطمي من البيت الشريف، فهو شبيهي جوطي إدريسي حسني ، والقصد من هذا الفصل تجلية أصل المؤلف ، وفي سبيل ذلك سأتناول بالتحليل توضيح بعض فروع هذا البيت اللصيقة بالشبيهي وهي :
فرع الأدارسة ،
فرع الجوطيين ،
فرع الشبيهيين .
…ولتوضيح هذه الفروع، فإني سأمهد بجدول تفصيلي وبياني للنسل الشريف من فاطمة الزهراء وعلي بن أبي طالب (1):
فاطمة الزهراء * علي بن أبي طالب
( (
الحسن …… الحسين
……( ( ……
الحسن المثنى…… علي زين العابدين
… (
عبد الله الكامل
…
…أما علي زين العابدين فقد خلف أحد عشر ولدا هم :
3 - القاسم ... 2 – عبد الرحمن ... 1- الحسين الأكبر
6 - محمد الباقر ... 5 – سليمان ... 4 - داود
9 – عمر ... 8 - زيد ... 7 - عبد الله
11- الحسين الأصغر. ... 10 – علي
…………
…ومن هؤلاء ينحدر الطاهريون والعراقيون والصقليون.
…والذي يهمنا في هذا المقام نسل عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب :
عبد الله الكامل
……………… (………………
1- محمد النفس الزكية … 2- موسى الجون 3- إبراهيم
4- يحيى… 5- إدريس الأكبر 6- سليمان
7- عيسى.
…
……ومن أشهر فروع هؤلاء في المغرب:
العلويون والإسماعيليون والأمرانيون الذين ينحدرون من محمد النفس الزكية ،
__________
(1) - اعتمدت في سرد شجرة النسب الشريف، والمعلومات الواردة في هذا الفصل على :
الدرر البهية والجواهر النبوية في الفروع الحسنية والحسينية لإدريس الفضيلي العلوي ،
الشجرة الزكية لمحمد الزكي العلوي (مخطوط خ.ع بالرباط 375ج) ،
الإشراف علىبعض من بفاس من مشاهيرالأشراف لمحمد الطالب بن حمدون(مخطوط خ.ع بالرباط653 د )،
إتحاف أعلام الناس لابن زيدان ،
الدرة الفائقة في أبناء علي وفاطمة لمحمد الزكي العلوي (مخطوط خ.ع بالرباط 48ج )،
بهجة الأبصار في جميع من وقفت على تحقيق نسبه من آل النبي المختار لمحمد الحلفاوي.(1/14)
الأدارسة الذين ينحدرون من إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل.
…وبهذا الفرع أبتدئ تفصيل أصل البيت الشبيهي.
…
-
المبحث الأول : فرع الأدارسة والجوطيين
الأدارسة:
…ينحدر الأدارسة من إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل، الذي خلف إدريس الأزهر، وإليه تنسب الفروع التالية :
العلميون والشفشاونيون والكتانيون الذين ينحدرون من محمد بن إدريس الأزهر،
اليزيديون والمشرفيون الذين ينحدرون من عيسى بن إدريس الأزهر،
الألمريون والحموديون الذين ينحدرون من عمر بن إدريس الأزهر،
الكنونيون والدرقاويون الذين ينحدرون من أحمد بن إدريس الأزهر.
الجوطيون :
…وينتسب الجوطيون إلى يحيى الجوطي بن محمد بن يحيى بن القاسم بن إدريس الأزهر، وأصله من جوطة، وهي"قرية عظيمة على نهر سبو" (1) .
…وقد تفرع عن يحيى الجوطي الفروع التالية:
الشبيهيون (وسيأتي مزيد تفصيل عنهم)،
الطاهريون ،
الفرجيون.
…وللإشارة، فقد أعرضت عن التطويل في سرد سلسلة الانتساب لجملة من المحاذير:
الاختلاف بين مثبت ومنكر لجملة من الفروع والأسماء، ولذلك اقتصرت على المشهور منها من جهة، ولما يقربنا أكثر من فهم سهل لأصل الشبيهي من جهة أخرى؛
صعوبة التمييز في بعض حالات الانتساب للجناب النبوي، وذلك ما يستدعي العلم بالأنساب والتاريخ والوفيات، وهو ما يقصر عنه هذا البحث.
…
-
المبحث الثاني : فرع الشبيهيين
…ينتسب الشبيهيون –وهم فرع من الجوطيين- إلى أحمد الشبيه (بفتح الشين، نسبة إلى الشبه)، ويرجع أصل التسمية إلى معنيين :
الشبه في الصورة النبوية الشريفة ؛
الشبه في وجود الخاتم بين الكتفين .
…وأمر الشبه برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد اشتهر في آل البيت، خصوصا عند الحسن والحسين، فقد كانا أشبه الناس برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ففي صحيح البخاري كتاب فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - باب (22) مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما:
__________
(1) - الدرة الفائقة ص:187.(1/15)
حديث 3748 : (… قال أنس: كان أشبههم – أي الحسين- برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان مخضوبا بالوسمة)،
حديث 3750 : عن عقبة بن الحارث قال: رأيت أبا بكر رضي الله عنه وحمل الحسن وهو يقول: بأبي شبيه بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ليس شبيه بعلي، وعلي يضحك)،
حديث 3752 : عن أنس قال: (لم يكن أحد أشبه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من الحسن بن علي).
…وممن كان يشبهه - صلى الله عليه وسلم - كذلك ابنته فاطمة الزهراء وجعفر بن أبي طالب(1).
…قال ابن حجر: ( … ويحيى بن القاسم بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، فكل من هؤلاء مذكور في كتب الأنساب أنه كان يشبه، حتى إن يحيى المذكور كان يقال له الشبيه لأجل ذلك) (2).
…والشاهد في هذا النقل أن تسمية الشبيهيين جاءت من أحمد الشبيه، وهذا الإطلاق له سابقة في التاريخ.
…
…والسيد أحمد الشبيه خلف ولدين : عبد الواحد ومحمدا، وعنهما تفرعت فروع الشبيهيين، ومحمد الفضيل الشبيهي ينحدر من عبد الواحد حسب الرسم التالي :………
مشجر نسب محمد الفضيل الشبيهي
أحمد الشبيه
(
عبد الواحد
(
عبد القادر
(
محمد
(
عبد الله
(
عبد القادر
(
محمد
(
عبد القادر
(
محمد
(
محمد
(
محمد الفاطمي
(
محمد الفضيل (المؤلف رحمه الله )
-
المبحث الأول : اسمه ونسبه
…هو شامة زرهون أبو عبد الله محمد الفضيل بن محمد الفاطمي الشبيهي الجوطي الإدريسي الحسني (3).
__________
(1) - انظر فتح الباري 7/122.
(2) - الفتح 7/122.
(3) - ترجمت للمؤلف المصادر والمراجع التالية :
فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات لعبد الحي الكتاني 2/929 ؛
إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس لابن زيدان 5/518( 520 ؛
إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع لعبد السلام بن سودة 8/2824 (من موسوعة أعلام المغرب / تنسيق وتحقيق محمد حجي )؛
دليل مؤرخ المغرب الأقصى لعبد السلام بن سودة 2/362 .(1/16)
…وأوردت المصادر نسبه بتفصيل، وهو :
…( محمد الفضيل بن محمد الفاطمي بن محمد بن محمد بن عبد القادر بن محمد بن عبد القادر النقيب بن عبد الله بن محمد بن عبد القادر بن عبد الواحد بن أحمد الشبيه بن عبد الواحد بن عبد الرحمن بن أبي غالب بن عبد الواحد بن محمد بن علي بن عبد الواحد ابن عبد الرحمن بن عبد الواحد بن محمد بن علي بن حمود بن يحيى بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى الجوطي بن محمد بن يحيى العوام بن قاسم بن إدريس الثاني بن إدريس الأول بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي وفاطمة الزهراء بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ).
…وهذا النسب لا خلاف فيه يذكر.
المبحث الثاني : ولادته وأسرته
ولادته :
لم يؤرخ المترجمون لعام ولادة الشبيهي الإدريسي، إلا ما ذكره ابن زيدان عرضا في ترجمة أخيه أحمد بن الفاطمي، قال:
…( كانت ولادته قبل ولادة أخيه سيدي الفضيل بثلاثة أعوام، وذلك أواسط العشرة الخامسة من المائة الثالثة بعد الألف ) (1).
…ويستنتج من ذلك أن ولادة أحمد بن الفاطمي كانت حوالي 1245 هـ، وبالتالي يكون العام التقريبي الذي ولد فيه محمد الفضيل الشبيهي هو 1248هـ= 1832م .
أسرته :
…تشير المصادر إلى أن الشبيهيين قد توزعوا بين مدينتين رئيستين هما مكناس وزرهون، إلا أن الأغلب منهم قد جاور الجامع الكبير وضريح المولى إدريس الأول بزرهون.
…وقد غلب على كثير من الشبيهيين العمل في خدمة هذا الجامع ورواده، وربما كان ذلك سببا مهما في اتجاه كثير منهم إلى وظيفة الإمامة والخطابة، وبالتالي تعلم الفقه وأنواع العلوم.
…لقد ساهم البيت الشبيهي في تخريج زمرة من الفقهاء والقضاة وغيرهم، منهم :
محمد بن عبد الواحد الشبيهي، ابن عم المؤلف، وكان فقيها مفتيا بالزاوية الإدريسية(2)؛
__________
(1) - إتحاف أعلام الناس 1/464.
(2) - إتحاف أعلام الناس 4/284-285.(1/17)
عبد الواحد بن عبد الرحمن بن عبد القادر الشبيهي، الذي ولي الخطابة والإمامة بمسجد الضريح (1). …
…أما أسرة المؤلف الخاصة، فتتكون من :
والد المؤلف : محمد الفاطمي بن محمد بن محمد الشبيهي الذي تولى الخطبة والإمامة بالمسجد الأعظم وخطة القضاء بالزاوية الإدريسية، ومن شيوخه حمدون بن الحاج، وله أرجوزة في فروع الشبيهيين (2) ؛
أمه : رقية بنت الفضيل بن المكي بن علي المنوني؛
أخوه : أحمد بن الفاطمي الذي انتهت إليه رئاسة فن الحساب في وقته، أخذ عن محمد الفيلالي شيخ الجماعة بفاس، وأحمد المرنيسي، ومحمد بن حمدون بن الحاج (3)؛…
أولاده الخمسة : وكلهم ذكور وهم : الفاطمي والماحي ومحمد وعبد الصمد وعثمان، وهذا الأخير هو الذي لم يكن له حظ من العلم والتعلم.
الفاطمي بن محمد الفضيل الذي اعتنى به والده أشد عناية، فقد أخذ بفاس عن محمد بن عبد الواحد الشبيهي، ومحمد بن التهامي الوزاني، والحسن بن المهدي العلوي.
كما اشترك مع أبيه في الاستجازة من الشيخ علي بن ظاهر الوتري المدني عام 1297هـ، في زيارته الثانية للمغرب.
وقد تولى الإمامة والخطابة بعد والده، كما كان قيما على الخزانة العلمية بالزاوية الإدريسية، إلى أن توفي عام 1334هـ (4).
الماحي بن محمد الفضيل، الفقيه الخطيب بالجامع، والقائم بخزانة الكتب، وقد توفي بزرهون عام 1380هـ (5).
عبد الصمد بن محمد الفضيل، النساخ الماهر، تتلمذ على شيوخ زرهون.
محمد بن محمد الفضيل، وكان عدلا بنظارة أحباس الزاوية الإدريسية.
-
المبحث الثالث : نشأته ومكانته العلمية
__________
(1) - إتحاف أعلام الناس 5/393-394.
(2) - إتحاف أعلام الناس 5-518 ، وإتحاف المطالع 7/2560، ودليل مؤرخ المغرب الأقصى 1/89.
(3) - إتحاف أعلام الناس 1/464 ، وإتحاف المطالع 8/2844.
(4) - إتحاف أعلام الناس 5/520-522 ، وإتحاف المطالع 8/2891.
(5) - إتحاف المطالع 9/3354.(1/18)
…لقد سبق الحديث عن أبوي محمد الفضيل بن الفاطمي الشبيهي، وأنه ترعرع في كنف أبويه الفقيه محمد الفاطمي وأمه رقية بنت الفضيل، ومن شأن مثل هذا الواقع الأسري أن يعين على التربية والتفقه في العلوم.
…كما أن البيئة المحيطة بالولد الشبيهي، من علماء وشيوخ، وخزانة للكتب، وسرد لصحيح البخاري في الزاوية الإدريسية، ستؤثر في بناء شخصية المؤلف وتوجيه مساره العلمي.
…ومن لطيف الأقدار أن هذا الطفل الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره سيتوجه رفقة أمه وأخيه أحمد إلى مكناس للأخذ عن شيوخها وعلمائها، وذلك بعد وفاة والدهما عام 1257هـ، وقد تيسرت لهما ظروف الإقامة العلمية بفضل عناية السلطان عبد الرحمن بن هشام الذي أصدر ظهيرا هذا نصه (1) :
" يعلم من كتابنا هذا السامي قدره النافذ بحول الله وقوته أمره، أننا أنعمنا على السيدة رقية بنت سيدي الفضيل المنوني-زوجة الفقيه الشريف الصائر إلى عفو الله سيدي الفاطمي الإدريسي- بالسكنى بدار حبس الزاوية الإدريسية الكائنة بالتوتة من مكناسة الزيتون، هي وولداه منها الصبيان سيدي أحمد وسيدي الفضيل إنعاما تاما من غير شيء يجب عليهم، والواقف عليه يعلمه ويعمل به، صدر به أمرنا المعتز بالله في 6 شعبان الأبرك عام 1258هـ".
…وقد أخذ الشبيهي علوم عصره، كما تفقه على أيدي شيوخ العصر، فبعد حفظه لكتاب الله المجيد، قرأ الفقه والنحو ومقدمة السنوسي وجمع الجوامع والشمائل للترمذي والشفا وصحيحي البخاري ومسلم والتفسير، وغيرها (2) .
…فقد أخذ التفسير وجمع الجوامع ومقدمة السنوسي عن أحمد المرنيسي، وصحيح البخاري عن محمد بن حمدون السلمي الفاسي، والحديث عن أحمد بن أحمد بناني، والمختصر الخليلي عن الداودي بن العربي التلمساني وأحمد بن محمد المرنيسي، وغير ذلك.
__________
(1) - انظر نسخة من هذا الظهير في ملحق الوثائق / الوثيقة رقم 1.
(2) - انظر : إتحاف أعلام الناس 5/519.(1/19)
…هذا هو واقع النشأة العلمية للشبيهي الإدريسي، التي أهلته فيما بعد للاتجاه نحو الفقه والحديث، بل إن الشبيهي سلك مسلكا طريفا في الجمع بين الرواية الحديثية وشرحها في ضوء الفقه الإسلامي.
…ولحضور الشبيهي العلمي، فقد أثنى عليه العلماء وحلاه المترجمون بأحلى الألقاب والأوصاف، ومن تلك التحليات :
قول تلميذه عبد الحي الكتاني : " وبالجملة فالرجل من مفاخر المتأخرين، وممن يبتهج به صف شيوخنا " (1) ؛
قول عبد السلام بن سودة : " العلامة المحدث المشارك المطلع الحجة" (2) ؛
قول ابن زيدان : " محرر نقاد، بحاث مطلع، صدر محقق ماهر، …، مفت نوازلي، خطيب بليغ متفنن" (3) ؛
قول محمد بن علي بن ظاهر الوتري المدني في إجازته(4) للمؤلف : " الفاضل العالم العامل، الجهبذ الألمعي السميدع اللوذعي الضابط".
-
المبحث الرابع : شخصيته ووظيفته
…تتميز شخصية الشبيهي رحمه الله بتنوع مثمر، فهو يجمع بين مجالات متعددة قد تبدو عند غيره متنافرة، ومن ذلك الجمع :
جمعه بين الفقه والحديث –وهو ما يتجلى واضحا في مؤلفه الفجر الساطع على الصحيح الجامع- في بيئة القرن التاسع عشر التي غلب على علمائها طلب الفقه مجردا، حيث كان الطالب يقضي من عمره عشر سنوات كاملة في حفظ المختصر الخليلي!
جمعه بين التفقه والسلوك في تناغم وتعاضد، بينما شاع في عصور الجمود العلمي التنافر بين الفقهاء والزهاد، وقد وصفه ابن زيدان بقوله :" كان رقيق القلب، سريع الدمعة، مكثرا من التلاوة لايفتر عنها غالبا، مع بسط ممزوج بآداب ووقار واحتشام" (5).
…وقد كان الشبيهي من أعيان الشرفاء بزرهون، مقدما عند عارفيه، مؤهلا للإمامة والخطابة، ومزكى من العلماء والمترجمين.
__________
(1) - فهرس الفهارس 2/929.
(2) - إتحاف المطالع 8/2824.
(3) - إتحاف أعلام الناس 5/518.
(4) - انظر نسخة من إجازة الوتري بخطه في ملحق الوثائق / الوثيقة رقم 2.
(5) - إتحاف أعلام الناس 5/518.(1/20)
…وهذه الشخصية المحبوبة عند العامة والخاصة، كان لها أكبر الأثر في تولية المؤلف وظائف متعددة :
قيامه بخطة الإمامة والخطابة بالمسجد الأعظم بالزاوية الإدريسية بزرهون منذ عهد السلطان محمد الرابع (1)، وإلى وفاته رحمه الله.
تكليفه بقبض الإعانات المعينة من أحباس زرهون، وذلك من عهد محمد الرابع؛
قيامه بالتعليم والتدريس في الزاوية الإدريسية، وذلك إلى حين وفاته بالزاوية الإدريسية ليلة الجمعة عاشر شعبان عام 1318 هـ = 1900م (2) .
…والملحظ الجامع في وظائف الشبيهي أن توليه لخطة الإمامة والخطابة والتدريس ونسخ الدواوين كان تعبيرا عن زهده في خطة العدالة ونيابة القضاء، وهي وظائف لو تطلع إليها لأدرك ما هو أعلى منها شأنا، لاعتباره وشأنه عند السلاطين من جهة، ولموقعه بين الأشراف الأدارسة من جهة أخرى، ولكنه التباعد عن وظائف الشبه والمتاهات .
-
المبحث الأول : شيوخه
…يمتاز تاريخنا العلمي بنوع مبتكر من التأليف يؤرخ لرحلة التعلم والتفقه لدى الطالب، ويكشف عن نوع العلوم والكتب المدروسة، وعدد الشيوخ المتلقى عنهم، ويسمى هذا النوع بالفهارس والأثبات والمعاجم والمشيخات والبرامج.
…ولقد اقتبست مصطلح "فهرسة" في عنونة هذا الفصل إشارة إلى "فهرسة الشبيهي" التي ألفها عبد الحي الكتاني (3)، والمفقودة بعد طول بحث، وإن كان مبحث الشيوخ ومبحث التلاميذ لا يمثلان كبير شيء أمام المعرفة التامة للكتاني بالشبيهي، وما لايدرك كله لايترك جله .
…و للشبيهي رحمه الله شيوخ كثيرون وجدت منهم ستة عشر، وهم :
1 -…أحمد بن أحمد بناني، أبو العباس، شيخ الجماعة، أخذ عن عبد السلام بوغالب والوليد العراقي، وعنه محمد بن جعفر الكتاني.
__________
(1) - انظر ظهير تجديد هذه الوظيفة في عهد الحسن الأول في ملحق الوثائق / الوثيقة رقم 3.
(2) - إتحاف أعلام الناس 5/520، وإتحاف المطالع 8/2824.
(3) - ذكرها في فهرس الفهارس 2/929.(1/21)
كان يعقد مجالس لشرح الكتب الستة والموطأ، وتوفي عام 1306هـ (1).
2-… أحمد بن محمد بناني، شيخ الجماعة المشهور ب "كلا" لكثرة جريانها على لسانه، أخذ عنه عبد السلام بن محمد الأمراني وأحمد بن الفاطمي الشبيهي والكامل بن عبد الله العلوي، وكان بارعا في التفسير والحديث.
توفي عام 1306هـ (2).
3-… أحمد بن محمد بن علي المرنيسي، أبو العباس، أخذ عن حمدون ين الحاج والطيب بن كيران وأبي العباس بن سودة، وعنه جعفر بن إدريس الكتاني وحميد بن محمد بناني وأحمد بن الخياط الفاسي.
كان قوالا للحق كثير المذاكرة، وتوفي عام 1277هـ (3).
4-… المولى حفيظ العلوي، العلامة الخير الذاكر، أخذ عن عبد القادر الكوهن، وتوفي عام 1273هـ (4).
5-…الداودي بن العربي الحسني التلمساني، أخذ عن شيوخ تلمسان وكان بها قاضيا، ثم قدم إلى فاس ، وهو عمدة محمد الفضيل الشبيهي في الفقه، ومن تلاميذه حميد بن محمد بناني وأحمد بن الخياط.
له شرح على البخاري لم يكمل، وقد توفي عام 1271هـ (5).
6-…عبد السلام بن الطائع بن حمو بن السعيد الحسني الجوطي، شيخ الجماعة، كان زاهدا ممتنعا من تولي القضاء حتى إنه أجبر على ذلك بإزالة ما بين يديه من الوظائف فصبر. أخذ عن حمدون بن الحاج والطيب بن كيران، وعنه حميد بناني.
توفي عام 1290هـ (6).
__________
(1) - ترجمته في: سلوة الأنفاس لمحمد بن جعفر الكتاني 3/27-28، وشجرة النور الزكية رقم 1695.
(2) - ترجمته في: إتحاف أعلام الناس 3/121، وإتحاف المطالع 8/2777.
(3) - ترجمته في: فهرس الفهارس 1/361-362، وإتحاف المطالع 7/2618، وشجرة النور الزكية رقم 1608.
(4) - ذكر ابن زيدان في الإتحاف 5/519 أنه من شيوخ الشبيهي، لكن باسم "حفيد".
(5) - ترجمته في: إتحاف أعلام الناس 5/518، وإتحاف المطالع 7/2600، وسلوة الأنفاس 1/262.
(6) - ترجمته في: إتحاف المطالع 7/2648، وشجرة النور الزكية رقم 1619، وسلوة الأنفاس 1/96.(1/22)
7-…عبد الله بن محمد بن محمد بن الخياط الزرهوني، انتهت إليه رئاسة التدريس والنوازل بالزاوية الإدريسية. أخذ عن بدر الدين الحمومي وأبي الحسن التسولي، وعنه الفضيل الشبيهي والحسن بن الشريف العلوي.
توفي عام 1295هـ (1).
8-…عمر بن الطالب بن محمد بن سودة. أخذ عن العربي العراقي وعبد القادر الكوهن ومحمد الحجرتي، وعنه جعفر بن إدريس الكتاني ومحمد القادري.
توفي عام 1285هـ (2).
9-…قاسم بن محمد القادري الحسني، أخذ عن الحاج الداودي وأحمد المرنيسي، وكان كثير التدريس متبعا للسنة حتى عرف بالفقيه السني.
توفي عام 1276هـ (3).
10-… مالك بن العناية بن المفضل الغرباوي الزواوي، أخذ عن العربي الدرقاوي، وعنه أحمد والفضيل ابنا الفاطمي الشبيهي .
توفي عام 1278هـ (4).
11-… محمد بن حمدون بن عبد الرحمن بن الحاج السلمي الفاسي، الشاعر الأديب، أخذ عن أبيه حمدون والطيب بن كيران وأبي العلاء العراقي، وعنه أخوه محمد الطالب وحميد بناني، وكان له مجلس في القرويين يشرح فيه صحيحي البخاري ومسلم والموطأ.
توفي عام 1274هـ (5).
12-… محمد الطالب بن حمدون بن عبد الرحمن بن الحاج السلمي الفاسي، أخذ عن أبيه حمدون وأخيه محمد بن حمدون وأبي عبد الله اليازغي وعبد القادر الكوهن.
…كان مكثرا من الشيوخ، وتولى القضاء أزيد من 13 سنة، ولم يوجد في تركته ما يجهز به، وتوفي عام 1273هـ (6).
__________
(1) - ترجمته في: إتحاف أعلام الناس 4/514-515.
(2) - ترجمته في: إتحاف المطالع 7/2638، وشجرة النور الزكية رقم 1614.
(3) - ترجمته في: إتحاف المطالع 7/2626، وسلوة الأنفاس 1/32.
(4) - ترجمته في: إتحاف أعلام الناس 4/304، وإتحاف المطالع 7/2621.
(5) - ترجمته في: إتحاف المطالع 7/2610، وشجرة النور الزكية رقم 160، وسلوة الأنفاس 1/157.
(6) - ترجمته في: فهرس الفهارس 1/465-466، وسلوة الأنفاس 1/157.(1/23)
13-… محمد بن عبد الرحمن الفيلالي الحجرتي السجلماسي، شيخ الجماعة في وقته، أخذ عن الطيب بن كيران وبدر الدين الحمومي وعبد السلام الآزمي، وعنه خلائق بفاس ومراكش والرباط ووجدة وتلمسان.
توفي عام 1275هـ (1).
14-… محمد بن علي بن ظاهر الوتري المدني، ولد بالمدينة المنورة ورحل إلى مصر وتونس،ثم إلى المغرب عام 1287هـ وعام 1297هـ، وهو الذي أحيى موات الرواية بالمغرب. وقد أخذ عنه محمد الفضيل الشبيهي وعبد الحي الكتاني وعبد الكبير الكتاني وغيرهم.
توفي بالمدينة عام 1322هـ، ودفن بالبقيع (2).
15-… محمد بن محمد المقري التلمساني، من عقب المقري صاحب "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب"، أخذ عن أحمد المرنيسي ومحمد الفيلالي وعبد السلام بوغالب، وعنه خلائق منهم محمد الفضيل الشبيهي.
توفي عام 1285هـ (3).
16-… محمد المهدي بن الطالب بن محمد بن سودة المري، قاضي مكناس ونواحيها. أخذ عن عبد السلام الآزمي وبدر الدين الحمومي ومحمد الفيلالي الحجرتي وعبد القادر الكوهن، ورحل إلى مصر والحجاز، وكان يقرأ صحيح البخاري في الأشهر الثلاثة رجب وشعبان ورمضان، وله حاشية على الجامع الصحيح. وأخذ عنه ابن الخياط الزكاري وجعفر الكتاني وحميد بناني وغيرهم كثير. توفي عام 1294هـ (4).
المبحث الثاني : تلامذته
…لم تشر المصادر المتوفرة إلى تلاميذ كثيرين للشبيهي، بالرغم من استثماره جل وقته في التدريس والتعليم، وقضائه أغلب حياته في الزاوية الإدريسية إماما وخطيبا ومعلما الناس الخير.
__________
(1) - ترجمته في: إتحاف المطالع 7/2612، وشجرة النور الزكية رقم 1606.
(2) - ترجمته في: الأعلام للزركلي6/301، والإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام لعباس بن إبراهيم بن محمد السملالي التعارجي7/135-136.
(3) - ترجمته في: إتحاف المطالع 7/2638، وسلوة الأنفاس 3/23.
(4) - ترجمته في: إتحاف المطالع 7/2656، وشجرة النور الزكية رقم 1615، وسلوة الأنفاس 1/303-304.(1/24)
…ومن هؤلاء التلاميذ المذكورين :
أخوه أحمد بن الفاطمي الشبيهي .
ابنه الفاطمي بن محمد الفضيل الشبيهي .
أحمد بن إدريس الخطابي الزرهوني، القاضي بزرهون. أخذ عن شيوخ فاس، وعن الشبيهي صحيح البخاري.
توفي عام 1323هـ (1).
عبد السلام بن عمر العلوي المدغري، أخذ عن الشبيهي ومحمد بن المدني كنون وأحمد بن محمد بناني. كان قاضيا بالصويرة وطنجة وغيرهما.
توفي عام 1350هـ (2).
محمد بن أحمد بن إدريس العلوي، قاضي فاس، كان مالك وقته في الفقه. أخذ عن الحسن بن الشريف العلوي والشبيهي ومحمد بن عبد الواحد الشبيهي وجعفر بن إدريس الكتاني. له تعليق على الموطأ وتعليق على صحيح البخاري.
توفي عام 1367هـ (3).
محمد عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني الحسني، المحدث المسند، من أساطين العلم بالمغرب.
أخذ عن أبيه وخاله جعفر بن إدريس الكتاني وأخيه محمد بن عبد الكبير ومحمد بن قاسم القادري والشبيهي الذي أجازه بشرحه الفجر الساطع.
رحل إلى مصر والشام والحجاز، وكان جماعا للكتب، ومكتبته فخرت بالنفائس.
توفي عام 1382هـ (4).
……
-
المبحث الثالث : آثاره ومستنسخاته
…لقد قضى محمد الفضيل الشبيهي زمنا في الطلب، وزمنا في نسخ أمهات كتب الحديث، وختم عمره بإخراج الفجر الساطع على الصحيح الجامع، وهو وحده كاف في الشهادة له بالحضور والرسوخ.
…ومن تميز الشبيهي بين أقرانه وشيوخ عصره، أنه من القلائل الذين تجاوزوا طريقة الحواشي والتعليقات السائدة يومئذ، واتجه إلى شرح متوسط وممتع للجامع الصحيح(5).
__________
(1) - إتحاف أعلام الناس 1/463، وإتحاف المطالع 8/2839.
(2) - إتحاف المطالع 8/3007.
(3) - إتحاف المطالع 9/3230.
(4) - إتحاف المطالع 9/3371، وشجرة النور الزكية رقم 1718، والأعلام للزركلي 6/187-188.
(5) - إضافة إلى الفجر الساطع، فقد ألف الشبيهي كتابا جمع فيه خطبا على حسب الشهور والأحوال، إلا أنها فقدت، ولم يتبق منها سوى ثلاث ورقات عند حفيده إدريس الشبيهي بزرهون.(1/25)
…أما في مجال النسخ وضبط الكتب، فقد كان الشبيهي متميزا بنسخ جيدة ومصححة من المصنفات الحديثية، وفي ذلك يقول ابن زيدان:
( ونسخ بخطه صحيحي البخاري ومسلم نسختين، بذل المجهود في تصحيحهما ومقابلتهما على الأصول المعول عليها بالمغرب، فكانتا عديمتي النظير، ولا سيما نسخة البخاري فإنها لاتعزز بثان، وكذا كتب بخطه ما عدا الترمذي من بقية الكتب الستة، وكذا كتب غير ذلك) (1).
…ولم يبق من هذه النسخ سوى نسخة صحيح مسلم عند بعض الشبيهيين بمكناس، ونسخة صحيح البخاري عند حفيده إدريس الشبيهي بزرهون، وقد وصف نسخة البخاري محمد عبد الحي الكتاني في سياق حديثه عن نسخة ميارة بقوله :
( وهي التي كان اعتمد شيخنا شامة فقهاء المغرب ومحدثيه أبو عبدالله محمد الفضيل بن الفاطمي الشبيهي الزرهوني شارح الصحيح في نسخته العشارية التي انتسخ بخطه وصححها وضبطها عشرات المرات )(2) .
…وهذا الوصف مطابق لهذه النسخة، فهي مجزأة إلى عشرة أجزاء :
الجزء الأول: كتاب الوحي ( كتاب الأذان؛
الجزء الثاني: كتاب الجمعة ( كتاب صدقة الفطر؛
الجزء الثالث: كتاب الحج ( كتاب اللقطة؛
الجزء الرابع: كتاب المظالم (كتاب الجهاد والسير؛
الجزء الخامس: كتاب بدء الخلق ( كتاب فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؛
الجزء السادس: كتاب المغازي ؛
الجزء السابع: كتاب تفسير القرءان ( كتاب فضائل القرءان؛
الجزء الثامن: كتاب النكاح ( كتاب اللباس؛
الجزء التاسع: كتاب الأدب ( كتاب الحدود؛
الجزء العاشر: كتاب الديات ( كتاب التوحيد.
ومعتمد الشبيهي في ضبط وتصحيح نسخته على جملة من نسخ الجامع الصحيح، وقد بين ذلك رحمه الله في آخر ورقة من نسخته التي نسخ بيده :
( الحمد لله، قال كاتب هذا الجامع المبارك من أول ورقة منه :
__________
(1) - إتحاف أعلام الناس 5/520.
(2) - التنويه والإشادة في التعريف بمقام رواية ابن سعادة ص: 9 .(1/26)
قابلت هذا الجامع من أوله إلى آخره مع أصله، ومع نسخة أخرى في غاية الصحة والإتقان، وفرغت من ذلك أواسط رمضان عام 1302 هـ؛
ثم قابلت أيضا من أوله إلى آخره مع نسختين عتيقتين في غاية الإتقان والجودة، إحداهما بخط الشيخ القدوة شيخ الجماعة أبي محمد سيدي عبد القادر الفاسي، والأخرى بخط العلامة الحافظ المتقن أبي عبد الله سيدي ميارة قدس الله أرواحهما، وجعل في ظل الجنان غدوهما ورواحهما، وأفرغت جهدي وطاقتي في اقتفاء آثارهما والتصحيح عليهما، تقبل الله منا ذلك، ونظمنا في جملة حملة شريعته والمكبين على حفظ سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، المتبعين لآثاره وسيرته، وغفر لنا ولوالدينا ولأولادنا وأحبائنا وأهلينا ولجميع المسلمين، آمين، والحمد لله رب العلمين، وكان الفراغ من تلك المقابلة في أواسط محرم الحرام فاتح عام 1304هـ؛
ثم قابلته أيضا مقابلة أخرى حين الإقراء به، وبالغت في ضبطه وإتقانه، جعل الله ذلك خالصا لوجهه بمنه، وفرغت من ذلك أواسط رمضان عام 1309هـ؛
ثم قابلته أيضا مقابلة ضبط وتحرير وإتقان، وبالغت الجهد والطاقة في ذلك، تقبل الله بمنه وكرمه، وفرغت منه يوم الجمعة ثالث صفر عام 1313هـ ؛
ثم قابلته أيضا حين الإقراء به، وكان ختمه بختم جميع الجامع الصحيح يوم الأحد ثاني عشر رمضان عام 1314هـ تلقى الله ذلك منا بالقبول، وعاملنا بما نرجوه منه من غاية المن والسؤل بمنه وكرمه؛
ثم قابلته أيضا حين الإقراء به، وبلغت الجهد في تصحيحه وتنميقه، تقبل الله منا ذلك، وجعله من العمل المراد به وجهه، وفرغت منه يوم الأربعاء رابع محرم الحرام عام 1316هـ ) (1).
__________
(1) - انظر نسخة من هذه الورقة في ملحق الوثائق / الوثيقة رقم 4.(1/27)
وقد قام الشبيهي بتحبيس نسخة صحيح البخاري بشهادة عدلين على أولاده الذكور فمن بعدهم، فإن انقرضوا فإنها تصير حبسا على مسجد الزاوية الإدريسية بزرهون(1) .
-
-
مدخل :
…
لقد أتيت بفصول مبينة لعصر المؤلف رحمه الله، وكذا بيته وميراثه العلمي؛ والقصد مما يأتي من فصول جمع الباب الأول بصنوه الثاني المخصوص بالحديث عن "الفجر الساطع على الصحيح الجامع" حتى يكتمل بنيان البحث، ويغدو واضح المعالم بتوفيق الله المنان .
-
المبحث الأول : القيمة العلمية للجامع الصحيح
للجامع الصحيح قيمة كبرى بين موسوعات الحديث الشريف، فقد جاء نتيجة جهود مثابرة للإمام البخاري في سبر طرق الأخبار وتمييز الصحيح منها، واشتغاله بحفظ الخطأ والشذوذ في الروايات، فتحصل له من ذلك جمع هائل من الميراث النبوي وضعه في ميزانه التصحيحي وفق شرطه الذي تميز به.
ولعل أهم نتائج بحث البخاري أمران: علو المنزلة في الصحة –وهذا قد أشبع بحثا عند الأقدمين-، وحسن الترتيب وهو ما يستحق الحديث.
حسن الترتيب للكتب والأبواب والأحاديث (2):
…كبرى الملاحظات في هذا الجامع هذا الترتيب البديع والبناء المتوازن للكتب والأبواب والأحاديث، فكتبه -وعددها 97 كتابا- قد تأسست على كتاب بدء الوحي، وهو أم الأبواب ومنبع الخيرات، وبه قامت الشرائع وجاءت الرسالات، ومنه عرف الإيمان والعلوم، كما يعتبر أس أعمال القلب وهي المعتقدات والنيات؛ وبعد العلم يكون العمل، وأفضل الأعمال البدنية الصلاة، ولا يتوصل إليها إلا بالطهارة، وغيرها من الأعمال التي بين العبد وخالقه.
__________
(1) - انظر نسخة من هذه الشهادة في ملحق الوثائق / الوثيقة رقم 5.
(2) - انظر تفصيل ذلك ضمن الفصل العاشر :" ذكر مناسبة الترتيب المذكور بالأبواب المذكورة ملخصا من كلام شيخنا شيخ الإسلام أبي حفص عمر البلقيني تغمده الله برحمته"، من هدي الساري مقدمة فتح الباري لابن حجر ص:653 ( 658.(1/28)
وبعدها تأتي الأعمال التي بين العبد والخلق، ومنها البيوع والشفعة والحرث والمزارعة، إلى غير ذلك من المعاملات.
ثم لما انتهى من أنواع المعاملات التي بين العبد والخالق وبين العبد والخلق، ترجم لكتاب الجهاد إذ به يحصل إعلاء كلمة الله وإذلال الكفر، ومن عجيب ترتيبه ذكره عقب الجهاد كتاب بدء الخلق لأن الجهاد فيه إزهاق للأرواح التي مآلها إلى الفناء والزوال، ومن مناسبة ذلك ذكر الجنة والنار، ثم ذكر خلق آدم وترجم للأنبياء نبيا نبيا، ثم ذكر الفضائل والمناقب المتعلقة بهذه الأمة.
وبعد كتاب المغازي الذي ختمه بالوفاة النبوية -ومعناها اكتمال الشريعة البيضاء- أعقب ذلك بذكر كتاب التفسير، ثم فضائل القرآن، ولما كان هذا الكتاب المجيد وما يتعلق به هو الذي تحصل به الحياة المعتبرة، أعقب ذلك بما يحصل به النسل، فذكر النكاح والرضاع والنفقات، ثم الأطعمة والأشربة والعقيقة والصيد والأضاحي، ولما كانت المأكولات والمشروبات من أسباب المرض، ذكر كتاب الطب، ثم أردف بكتاب اللباس وما يتعلق بآداب النفس، ولذلك أردفه بكتب الأدب والبر والصلة والاستئذان، ولما كان السلام والاستئذان سببا لفتح الأبواب السفلية، أردفها بالدعوات التي هي سبب فتح الأبواب العلوية، وربطها بذكر الاستغفار والتوبة والأذكار والمواعظ والزهد وأحوال القيامة.
وهكذا باقي الكتب في تناسب وتناغم، ولما كانت الأحكام إلى الكتاب والسنة محتاجة، ذكر كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، وكان أصل العصمة أولا وآخرا هو توحيد الله الذي يعتبر تاج العقيدة والعمل.
ومن ذلك الإحسان إبداعه في ترتيب الأحاديث :
…مثال ذلك الحديثان 5723 و5724 في باب الحمى من فيح جهنم من كتاب الطب :
ففي الأول عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الحمى من فيح جهنم، فأطفئوها بالماء)،(1/29)
وفي الثاني أن أسماء كانت إذا أتيت بالمرأة قد حمت تدعو لها، أخذت الماء فصبته بينها وبين جيبها، وقالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا أن نبردها بالماء.
…فسر إيراد حديث أسماء عقب حديث ابن عمر هو شرح المراد من الإطفاء بالماء، وأنه ليس الاغتسال فإنه ضار بالمحموم، وإنما القصد الاغتسال على كيفية مخصوصة، وهو الرش على البدن بين يديه وثوبه،
قال الحافظ ابن حجر في الفتح 10/217: (وهذا من بديع ترتيبه).
ومن مميزات البخاري في الجامع الصحيح : تراجمه الجامعة لفقهه، وتقطيعه للحديث، وإعادة الحديث وتكراره، وغيرها من المميزات.
فقه البخاري في تراجمه :
…تعتبر تراجم البخاري لأبواب الجامع الصحيح محكمة النظام وجيدة السياق وحسنة الترتيب، فقد أودع فيها دقائق فقهه ولطيف إشاراته رحمه الله تعالى، بل هي كما قال ابن أبي جمرة : ( الجهة العظمى الموجبة لتقديمه) (1) .
…ومن إعجاب العلماء به فقد انكبوا على كشف أسرار هذه التراجم، وتتبع موافقتها لمعاني الأحاديث الشريفة، وصنفوا في ذلك كتبا منها المتواري على تراجم أبواب البخاري لابن المنير(ت683هـ)، وترجمان التراجم لابن رشيد السبتي (ت721هـ)، ومناسبات تراجم البخاري لبدر الدين بن جماعة (ت733هـ).
كما اهتم بها كثير من شراح البخاري منهم القسطلاني وابن حجر وغيرهما ممن استفاد منهم الشبيهي في فقه تراجم البخاري، حيث ضمن شرحه كثيرا من أقوالهم، وعلق أحيانا كما أضاف شروحا أحيانا أخرى.
…وأكثر ما يهتم به الشبيهي في بيان التراجم :
النظر في سياق وصياغة الترجمة؛
بيان مناسبة الترجمة للحديث؛
الاعتذار عن صنيع البخاري في بعض التراجم، وحمل ذلك على التصويب والتعليل.
تقطيعه للحديث وتكراره (2):
__________
(1) - هدي الساري مقدمة فتح الباري ص:14.
(2) - راجع تفصيل ذلك في هدي الساري ص:16-17(1/30)
يقصد بالتقطيع : " الإتيان بالحديث الواحد في الأبواب بحسب الاحتجاج في المسائل على حدة " (1) .…
والإمام البخاري قلما يورد حديثا في موضعين بإسناد واحد ولفظ واحد، وإنما يعدد الطرق والمتون، ومن فوائد هذا التنوع من جانب التصحيح تخريج الحديث الواحد عن عدد من الصحابة، وذلك بقصد إخراجه عن حد الغرابة، وكذلك يفعل مع باقي الطبقات.
وفائدة هذا المنهج تعدد طرق الحديث الواحد الموجبة لتصحيحه، وقد فعل ذلك مع عدد من الأحاديث.
وأما التقطيع للحديث في الأبواب، فإنه يورده حسب فوائده الحديثية، وقد يفعل ذلك فرارا من التطويل.
وهذا المنحى العجيب عند البخاري من النفائس التي تستحق الإفراد بالتصنيف والتأليف، فإنه يتحصل منه فوائد شتى منها:
تتبع المعاني المقصودة من تقطيع الحديث؛
الحكمة من إعادة الحديث، سواء كانت الإعادة في السند أو في المتن، وعلى هذا فلا يوجد حديث واحد في موضعين على صورة واحدة إلا نادرا؛
توجيه عمل البخاري في تصرفه في الأحاديث.
-
المبحث الثاني : الرواية المغربية للجامع الصحيح
لقد شهد المغرب الأقصى دخول روايات وأصول متعددة للجامع الصحيح المسند المختصر من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه للإمام محمد بن إسماعيل البخاري، ولاقت إقبالا وعناية تليق بمقام النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وحديثه الصحيح .
ولقد وصل الجامع الصحيح من طريقين:
طريق النسفي إبراهيم بن معقل (ت295هـ)؛
طريق الفربري محمد بن يوسف (ت320هـ).
إلا أن أشهر الطرق في المغرب والمشرق هي رواية الفربري، لأن صاحبها آخر من روى صحيح البخاري، فهو أتقن الرواة عنه وآخرهم سماعا عنه وحياة بعده.
وقد أخذ عن الفربري جماعة نسبت إليهم روايات منها :
رواية ابن السكن سعيد بن عثمان (ت353هـ)، وعنه عبد الله بن أسد الجهني الطليطلي(ت395هـ) ؛
__________
(1) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي للسيوطي 2/150.(1/31)
رواية المروزي محمد بن أحمد (ت371هـ)، وعنه عبد الله الأصيلي –نسبة إلى مدينة أصيلة بالمغرب- (ت392هـ)؛
رواية الجرجاني محمد بن محمد (ت373هـ)، وعنه الأصيلي كذلك؛
رواية المستملي إبراهيم بن أحمد (ت376هـ)؛
رواية السرخسي محمد بن عبدالله (ت381هـ)، وعنه أبو الحسن الداودي (ت467هـ)؛
رواية الكشميهني محمد بن مكي (ت389هـ)، وعنه كريمة بنت أحمد المروزية (ت463) .
رواية أبي ذر الهروي :
ثم جاء الحجة أبو ذر الهروي (ت434هـ) فروى عن الشيوخ الثلاثة: المستملي والسرخسي والكشميهني ، ورواية أبي ذر هي ( أتقن الروايات لضبطه لها وتمييزه لاختلاف سياقها) (1) .
…
…وقد استجلب هذا الأصل إلى المغرب الأمير المرابطي أبو عمر ميمون بن ياسين الصنهاجي (ت530هـ)، حيث ابتاعه من عيسى بن أبي ذر.
…ومن أشهر الرواة المغاربة عن أبي ذر :
أبو بكر بن محرز السجلماسي، ومن روايته نسخة بالخزانة الحسنية بالرباط رقم 4330 ؛
يوسف بن حمود الصدفي السبتي (ت428هـ)؛
أبوعمران موسى بن عيسى الفاسي (ت430هـ)؛
سليمان بن خلف الباجي (ت474هـ)؛
ابن الغرديس بكار بن برهون .
ومن أيام السعديين اجتمع المغاربة على النسخة السعادية لأبي عمران موسى بن سعادة الأندلسي البلنسي، وهو يروي بها صحيح البخاري عن أبي علي الصدفي عن الباجي عن أبي ذرالهروي.
أجل أصول البخاري بالمغرب : الأصل الصدفي
والإشارة هنا إلى رواية أبي علي حسين بن فيره بن حيون الصدفي المعروف بابن سكرة، من أعظم محدثي الأندلس، ونسخته المعروفة بالأصل الصدفي (2)
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني 1/7.
(2) - للأصل الصدفي قصة في تنقله بين الأقطار، واحتمال مكان وجوده بليبيا ، انظر تفصيل ذلك في: فهرس الفهارس 2/111-112، والمزايا لابن عبد السلام الناصري ص:37، والتنويه والإشادة ص:31، ومدرسة الإمام البخاري في المغرب ليوسف الكتاني ص: 60 ( 67.(1/32)
نسخها من نسخة محمد بن علي بن محمود المقروءة على أبي ذر الهروي .
وهذه النسخة التي طيف بها في الأمصار الإسلامية عليها سماعات جلة من العلماء منهم القاضي عياض السبتي والحافظ ابن حجر العسقلاني.
والظاهر أن الصدفي كتب نسختين بخطه، إحداهما من أصل محمد بن علي بن محمود وهي المحتمل وجودها الآن بليبيا، والأخرى من أصل أبي الوليد الباجي وهي مجهولة المكان، لكن يوجد فرع لها بالخزانة الحسنية بالرباط رقم 5053.
الرواية السعادية :
وهي فرع نسخه أبو عمران موسى بن سعادة من أصل شيخه وصهره أبي علي الصدفي، ورغم تشعب الروايات وانتشارها فإن "معتمد المغاربة رواية ابن سعادة هذه، أخذها عن الصدفي عن الباجي عن أبي ذر، فبينه وبين البخاري خمسة وسائط" (1) .
وقد بقي من النسخة الأصلية التي بخط ابن سعادة أسفار ثلاثة : الثاني والرابع والخامس، وهي بالخزانة العامة بالرباط رقم 1333د، بينما ضاع السفر الأول قديما، ثم جدد بأمر السلطان محمد الرابع من فرع النسخة الشيخة عام 1285هـ بخط محمد بن المجذوب الفاسي، كما ضاع السفر الثالث لما استعاره أحد المستشرقين ولم يعده إلى الخزانة العامة (2).
النسخة الشيخة وفروعها :
وهي فرع مستجد بالانتساخ من الأصل السعادي، نسخه أبو عبدالله محمد بن علي المري الأندلسي الفاسي المشهور بالجزولي (ت1013هـ).
كما تعتبر هذه النسخة المشهورة بالشيخة البديل الكامل المحفوظ، حيث تحتفظ به عائلة الفاطمي بن سليمان الأندلسي الفاسي بالرباط، ومنه نسخة على الشريط المصور (ميكروفيلم) بالخزانة العامة بالرباط رقم 736.
وعن هذا الفرع الجليل ستظهر نسخ أخرى مصححة لها قيمتها الفنية من حيث الضبط والتصحيح، والمشهور الموجود منها كاملا الآن :
نسخة ميارة محمد بن محمد الفاسي (ت1072هـ) ، المحفوظة بالخزانة العامة بالرباط رقم 662ج .
__________
(1) - التنويه والإشادة ص:2.
(2) - صحيح البخاري في الدراسات المغربية للمنوني ص:71.(1/33)
نسخ أبي السعود عبد القادر بن علي الفاسي الفهري (ت1091هـ)، ومنها عدة نسخ مخطوطة في خزانة الزاوية الحمزية رقم 398 وغيرها .
نسخة أحمد بن العربي بن سليمان الأندلسي الغرناطي (ت1141هـ)، وهي في خزانة القرويين بفاس .
نسخة أحمد بن قاسم جسوس الفاسي (ت1182هـ)، وهي بخزانة تمكروت رقم 952.
نسخ محمد بن محمد الدلائي (ت1197هـ)، ومنها نسخة بالخزانة الحسنية رقم 211.
نسخة أحمد بن عبد القادر الفاسي، في الخزانة الحسنية رقم 10571 .
نسخ عبد العزيز بن محمد المهدي الحلو المريني الفاسي (ت1233هـ) ، وهي في الخزانة العامة بالرباط رقم 695ج، وأخرى تحت رقم 1587د، والخزانة الحسنية رقم 3275.
نسخ محمد بن عبد العزيز الحلو ولد الآنف الذكر (ت1246هـ)، ومنها نسختان بالمكتبة الوطنية بتونس .
نسخة محمد الفضيل بن الفاطمي الشبيهي الزرهوني (ت1318هـ)، وهي عند حفيده إدريس الشبيهي بزرهون .
هذا هو مختصر رحلة الرواية المغربية للجامع الصحيح، وتلك أهم الأصول الباقية بخزائن المخطوطات، وإن الاهتبال الشديد للعلماء المغاربة بصحيح البخاري لجدير بأن يتوج بإخراج نسخة مطبوعة للرواية المغربية لهذا الكتاب الخالد .
وللإشارة فالرواية المغربية للجامع الصحيح تظل أساسية في متابعة الشروح المغربية للبخاري، وهو عمل ما زال ينتظر الإنجاز خصوصا مع توفر نسخ صحيحة لهذه الرواية.(1/34)
كما أنبه في ختام هذا المبحث إلى أن إخراج الفجر الساطع على الصحيح الجامع كان يفترض فيه رقنه مع أصل مغربي للجامع الصحيح، ولكن هيهات، فالنسخ مخطوطة، وإخراجها عمل لوحده، والمطبوع من الجامع الصحيح إما روايات مشرقية كرواية اليونيني (1)، وإما نسخ ملفقة كالتي طبعت مع فتح الباري للحافظ ابن حجر .
المبحث الثالث : الشروح المغربية للجامع الصحيح
إذا كان الجامع الصحيح للإمام البخاري أعظم المصنفات الحديثية تقديرا، وأعلاها منزلة، وأكثرها شهرة عند الأئمة والعلماء، فلا عجب أن يعتني به المغاربة أكبر عناية، ويجعلوه بعد كتاب الله في الصدارة، وآية ذلك أن من أقدم الشروح على الصحيح "النصيحة" لأبي جعفر أحمد بن نصر الداودي الأسدي التلمساني (ت عام 402هـ) .
وقد استمرت عناية المغاربة بالصحيح، وانصب اهتمامهم عليه من جميع الوجوه، فوضعوا عليه الشروح والحواشي، وعلقوا على متونه وأسانيده، واختصروه وجردوا متونه، وبحثوا في مشكلاته وألفاظه، وبحثوا في تراجمه وفقه أبوابه، وعرفوا برجال أسانيده وأحوالهم، إلى غير ذلك من وجوه الاعتناء بالبخاري وجامعه .
والقصد في هذا المبحث تتبع الشروح المغربية التي تناولت الجامع الصحيح شرحا لمعانيه وغريبه ورواياته وما أشكل منه، والتي تعرضت لرجاله، وكذا التعاليق والحواشي.
ومن العجيب أن كثرة التأليف والتصنيف حول هذا الكتاب قد لازمته ظاهرة غريبة هي فقدان أكثر الأصول الخطية والنسخ لهذه الشروح، وبالتالي تعذر إخراجها إلى عالم المطبوعات.
وفيما يلي فهرس تفصيلي -مرتب ترتيبا أبجديا- لتاريخ التصنيف حول الجامع الصحيح في الغرب الإسلامي :
__________
(1) - المنسوبة لأبي الحسن علي بن محمد اليونيني المتوفى عام 701هـ، ونسخته صحيحة مشهورة، وهي التي اعتمد شهاب الدين القسطلاني في شرحه، وقد كتب عنها أحمد شاكر بحثا حافلا في مقدمة الطبعة الأميرية للجامع الصحيح.(1/35)
أجوبة على الصحيح لأبي محمد بن حزم الأندلسي (456هـ) : كشف الظنون 1/545.
الأجوبة الموعبة على المسائل المستغربة من البخاري لابن عبد البر النمري القرطبي (ت 463هـ) : كشف الظنون 1/545.
إرشاد اللبيب إلى مقاصد حديث الحبيب لمحمد بن أحمد بن غازي المكناسي (ت919هـ) : تحقيق محمد عبد الله التمسماني، طبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، 1409هـ-1989م.
الإشراف على أعلى شرف في التعريف برجال البخاري لقاسم بن عبدالله بن الشاط (ت723هـ) : مطبوع …
أنوار إرشاد الساري ومعونة القاري لمحمد بن أحمد بن عبد الله السوسي الجزولي (ت1189هـ) : الربع الثاني بالخزانة الحسنية رقم 1701.
بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما لها وما عليها لعبدالله بن سعيد بن أبي جمرة الأزدي الأندلسي (ت966هـ) : طبعة دار الكتب العلمية- دون تاريخ.
تراجم البخاري ومعاني ما أشكل من ذلك لأبي العباس أحمد بن رشيق الكاتب (ت646هـ) : جذوة المقتبس للحميدي ص:115.
ترجمان التراجم في إبداء وجه مناسبة تراجم صحيح البخاري لمحمد بن رشيد السبتي (ت721هـ) : مخطوط بالأسكوريال عدد 1732-1785، وفهرس الفهارس 1/332، وكشف الظنون 1/551.
التسهيل والتقريب والتصحيح لرواية الجامع الصحيح لمحمد بن قاسم الرصاع الأنصاري التونسي (ت894هـ) : الأول والثالث بدار الكتب الوطنية بتونس، وسفر في خ.ع بالرباط رقم 100ك.
تشنيف المسامع ببعض فوائد الجامع لأبي زيد عبد الرحمن بن محمد ابن يوسف العارف الفاسي (ت1036هـ) : طبعة حجرية بفاس.
التعديل والتجريح لمن خرج عنه البخاري في الصحيح لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي (ت474هـ) : طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب.
تفسير غريب ما في الصحيحين لابن فتوح الحميدي الميورقي (488هـ) : معجم المحدثين والمفسرين والقراء بالمغرب الأقصى لعبد العزيز بن عبد الله ص:34.(1/36)
تقييد المهمل وتمييز المشكل في رجال الصحيحين لأبي علي حسين بن محمد الغساني الجياني (ت498هـ) : مخطوط بخزانة الجامع الكبير بمكناس، وقد طبع جزء منه بتحقيق محمد أبو الفضل.
تكميل حاشية ابن زكري لمحمد بن المدني كنون (ت1302هـ) : فهرس الفهارس 1/375.
جمع النهاية في بدء الخير وغاية المشهور لابن أبي جمرة الأزدي الأندلسي (ت966هـ) : خ.ع بالرباط رقم 263 د.
حاشية على البخاري لعبد الله بن محمد ميارة (ت1072هـ) : شجرة النور الزكية ص:309.
حاشية على الجامع الصحيح لأحمد الطالب بن سودة المري (ت1321هـ) : مخطوطة المؤلف في سفرين بالخزانة السودية بفاس، وكان يقرأ بها الصحيح بين يدي الحسن الأول، ونسخة بخزانة ابن يوسف بمراكش عدد 124، وسفران في خ.ع بالرباط رقم 1859ك و2712ك.
حاشية على صحيح البخاري ليوسف بن عمر الأنفاسي (القرن 8هـ) : خزانة الجامع الكبير بمكناس رقم 341.
حاشية على صحيح البخاري لأبي العباس أحمد بن أحمد زروق (ت899هـ) : مطبوعة في خمسة أجزاء /مصر.
حاشية على صحيح البخاري لأبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن زكري الفاسي (ت1144هـ) : طبعت بفاس عام 1328هـ في خمسة أجزاء مع تكملة محمد بن المدني كنون.
حاشية على صحيح البخاري لعبد القادر الفاسي (ت1091هـ): جمعها ابنه عبد الرحمن، وقد طبعت بفاس عام 1307هـ.
روح التوشيح على الجامع الصحيح لأبي الحسين علي بن سلمان الدمناتي (ت1306هـ)، اختصر فيه التوشيح على الجامع الصحيح للسيوطي : مطبوع في مجلد بالمطبعة الوهبية بمصر عام 1298هـ.
زاد المجد الساري لمطالع البخاري لمحمد التاودي بن محمد الطالب بن سودة المري (ت1209هـ) : طبع بفاس عام 1327هـ.
شرح البخاري لابن بطال أبي الحسن علي بن خلف بن عبد الملك القرطبي (ت449هـ) : منه أجزاء متفرقة في القرويين عدد 127 و134، وخزانة الجامع الكبير بمكناس رقم 330، وخزانة ابن يوسف بمراكش عدد 485.(1/37)
شرح البخاري للبناني محمد بن محمد العربي بن عبد السلام بن حمدون المكي الفاسي الأصل (ت1245هـ) : فهرس الفهارس 1/163.
شرح البخاري للتميمي أحمد بن محمد بن عمر بن ورد المري (ت540هـ)، وهو "شرح واسع جدا" كما وصفه القسطلاني في الإرشاد 1/42 : شجرة النور الزكية ص:134.
شرح البخاري للجزولي محمد بن أحمد بن عبد الله الحضيكي (ت1189هـ) : فهرس الفهارس 1/261.
شرح البخاري للداودي أبي محمد التلمساني (ت1271هـ) --- شيخ محمد الفضيل الشبيهي- : شجرة النور الزكية ص:400.
شرح البخاري للروداني محمد بن أحمد السوسي التييوتي (ت بعد 1290هـ) : السفر الثالث في خ.ع بالرباط رقم 126ك، والإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام 6/314.
شرح البخاري للسوسي عبد الرحمن التغرغتي (ت1275هـ) : فهرس الفهارس 2/138.
شرح البخاري للشنقيطي محمد بن يحيى الولاتي (ت1330هـ)، في أربعة مجلدات، وامتاز بالتنبيه على كل حديث تمسك به مالك في الموطأ : شجرة النور الزكية ص: 435.
شرح البخاري لابن العربي أبي بكر محمد بن عبد الله (ت543هـ): كشف الظنون 1/553، وشجرة النور الزكية ص:136.
شرح البخاري للكتاني أحمد بن جعفر (ت1340هـ) : مدرسة الإمام البخاري في المغرب ص: 577.
شرح البخاري لابن المرابط محمد بن خلف المري (ت بعد 480هـ): شجرة النور الزكية ص: 122.
شرح البخاري لابن مرزوق الأكبر محمد التلمساني (ت837هـ) : فهرس الفهارس 1/394، وشجرة النور الزكية ص:253.
شرح البخاري للناصري محمد المدني بن محمد بن عبد السلام (ت1238هـ) : فهرس الفهارس 1/413.
شرح صحيح البخاري لابن الأبار محمد بن عبد الله البلنسي القضاعي (قتل مظلوما عام 658هـ) : الذيل والتكملة 6/259.
شرح صحيح البخاري للهوزني عمر بن الحسن الإشبيلي (ت460هـ) : الإرشاد للقسطلاني 1/14، وكشف الظنون 1/546.(1/38)
شرح على صحيح البخاري للقرطبي أحمد بن محمد بن إبراهيم بن عمر الأنصاري (ت656هـ) : السفر الأخير بالقرويين عدد139، والديباج المذهب ص:77، وشجرة النور الزكية ص:188.
شرح غريب البخاري للمكناسي محمد بن أحمد اليفرني الفاسي (ت818هـ) : القرويين عدد 145 ناقص الأول، والخزانة الحسنية رقم 355/1، والخزانة الناصرية بورزازات رقم 709/3.
شرح غريب الصحيح للجياني محمد بن أحمد (ت540هـ) : كشف الظنون 1/553، والذيل والتكملة/ السفر السادس ص:36.
شرح مشكلات البخاري للسنوسي محمد بن يوسف التلمساني (ت895هـ) : الخزانة الحسنية عدد 6414/6451، وخ.ع بالرباط رقم 1924ك.
شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح لابن مالك النحوي محمد بن عبد الله (ت672هـ) : مطبعة لجنة البيان العربي-القاهرة، دون تاريخ.
طرر على صحيح البخاري لمحمد بن عبد الواحد الشبيهي (ت1324هـ) : إتحاف أعلام الناس 4/286.
الضوء الساري في أفق صحيح البخاري لمحمد بن إبراهيم بن محمد الهلالي المزواري (كان حيا قبل 1261هـ) : نسخة مصورة بالخزانة الحسنية 10937.
فتح الباري في شرح غريب البخاري لأحمد بن قاسم البوني الجزائري (ت1139هـ) : فهرس الفهارس 1/169، وشجرة النور الزكية ص:330.
فتح الباري في ضبط ألفاظ الأحاديث التي اختصرها الشيخ العارف بالله من صحيح البخاري لعبد الرحمن بن عبد القادر المجاجي الراشدي الجزائري (كان حيا عام 1099هـ) : خ.ع بالرباط رقم 1775ك، و1965ك، والخزانة الحسنية رقم 5714.
الفجر الساطع على الصحيح الجامع لمحمد الفضيل الشبيهي الزرهوني (ت1318هـ) : موضوع هذا البحث، وسيأتي الكلام عن نسخه.
كتاب لتسمية شيوخ البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي لعلي بن محمد بن الحصار الخزرجي (ت611هـ ) : شجرة النور الزكية ص:173.(1/39)
كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري لمحمد حبيب الله بن مايابا الجكني الشنقيطي (ت1363هـ) : طبع منه جزء بمصر / مدرسة الإمام البخاري في المغرب ص:577.
المتجر الربيح والمسعى الرجيح والمرحب الفسيح في شرح الجامع الصحيح لمحمد بن أحمد بن مرزوق الحفيد التلمساني (ت842هـ): الثاني منه في خ.ع بالرباط رقم 572ك ، وفهرس الفهارس 1/397، وكشف الظنون 1/550.
المجالس لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي (ت 790هـ)، شرح فيه كتاب البيوع من صحيح البخاري : نيل الابتهاج 329، وشجرة النور الزكية ص:231.
معين القاري لصحيح البخاري لمحمد بن أحمد ميارة الحفيد (ت1144هـ) : فهرس الفهارس 1/159.
المخبر الفصيح الجامع لفوائد مسند البخاري الصحيح لعبد الواحد بن عمر بن التين الصفاقسي (ت611هـ) : سفر من كتاب الحج إلى كتاب الغصب بدار الكتب الوطنية بتونس 18474، وشجرة النور الزكية ص:168.
المفهم في شرح البخاري ومسلم لمحمد بن إسماعيل الأزدي الأندلسي (ت636هـ) : شجرة النور الزكية ص:181.
النصيحة في شرح البخاري لأبي جعفر أحمد بن نصر الداودي الأسدي التلمساني (ت402هـ) : الديباج المذهب ص:35.
النصيح في اختصار الصحيح لابن أبي صفرة المهلب بن أحمد بن أسيد التميمي الأسدي المري (ت435هـ) : الخزانة الحسنية رقم 2596.
النهر الجاري في شرح البخاري لمحمد بن محمد سالم المجلسي الشنقيطي (ت1302هـ) : بخط المؤلف في سبعة أسفار ضخمة، كل واحد في 313 ورقة، ويوجد عند ولد حفيد المؤلف العبدة بن الجيلالي بمدينة العيون: مدرسة الإمام البخاري في المغرب ص:584.
النور الساري على صحيح البخاري لعبد الحي الكتاني (ت1382هـ): فهرس الفهارس 1/20.
-
المبحث الأول : المنهج الفقهي للمؤلف(1/40)
…يعتبر الفقهاء على امتداد تاريخنا العلمي القادة الموثقين لأحكام الشريعة السمحة، وهم يمثلون صنفا نفيسا من أصناف أرباب العلوم التي برزت في أمتنا، حيث أسهموا في بناء أيام الازدهار العلمي والثقافي، وأشاعوا الحقائق الكبيرة سيما في عصور الازدهار الأولى.
…وبالرغم من سيطرة التقليد المذهبي على مساحة غير يسيرة من مسيرتنا العلمية، وافتقاد الفقهاء لروح التجديد والابتكار، فإن روح النهوض بالفقه لم يخل منها عصر ولا مصر.
…لقد شاعت في القرون الماضية مناهج في التأليف عجيبة، وسيطرت الحواشي والتعليقات على مناهج التعليم الشرعي (1)، بل لم ينج في بعض الأمصار إلا النادر من العلماء الذين رفضوا الانحدار الشائع في ميدان الفقه والفهم.
…ولعل هؤلاء الحراس لأصول الاستدلال ومقاصد الشرع هم الذين أبقوا للفقه حيويته وحياته بين ركام من المعارف المعلولة الشاذة عن السياق العلمي العام الذي أصله أئمة المذاهب الفقهية ومجتهدوا العصور الراشدة ثقافيا.
…ولست أبالغ إن زعمت أن شراح المصنفات الحديثية قد أبقوا على الخط الجامع بين خزانة الفقه والتراث الحديثي الصحيح، وخدموا الشريعة بما يبقي للمعاني الصحيحة مكانتها في سلم التشريع .
__________
(1) - ليس العيب في هذا النوع من التصنيف، فلكل طريقة مقاصدها ومصالحها، ولكن العيب في الاقتصار على ذلك، وتغييب المناهج والطرق التي سادت في تاريخنا التليد، وكذا تهميش المصادر الأولية من واقع الدرس الفقهي، وهو ما حدا بالحجوي أن يقول في الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي 4/189 :( انصبت جهود الفقهاء في عصور الانحطاط على تأليف المختصرات الفقهية التي بلغت حدا من الاختصار يشبه الطلاسم، فاحتاجت إلى من يشرحها، فكثرت الشروح على المختصرات، وتنوعت الحواشي عليها، الشيء الذي أدى إلى إفساد الفقه بل العلوم كلها ).(1/41)
…والشبيهي رحمه الله لم يبتعد عن روح هذه الطريق، فقد شغل وقته بدراسة الكتب الصحاح وضبط نسخها، وتوج ذلك الطلب بتأليف الفجر الساطع على الصحيح الجامع، وهو شرح لطيف سلك فيه طريق الجمع بين الرواية الصحيحة وفروع الفقه المالكي.
…ومنهج المؤلف الفقهي يجمع بين ترتيب وتوثيق أقوال المذهب والإشارة إلى الخلاف الفقهي العالي، وفق مسلك ترجيحي في الغالب للمذهب المالكي.
…ترتيب وتوثيق النقول الفقهية :
…وهو يعتمد على الشراح المالكيين مثل ابن التين الصفاقسي وابن بطال وابن أبي جمرة والداودي وابن غازي والعارف الفاسي وابن زكري، كما ينقل عن فقهاء المذهب أمثال ابن عبد البر وابن العربي وابن رشد وابن أبي زيد القيرواني وعياض والباجي والقرطبي وابن عرفة وزروق والأبي وابن الحاج والحطاب وخليل وجسوس وغيرهم.
…
…وتمتاز نقول المؤلف بخصائص الضبط والإتقان، حيث يحسن التصرف في الاستدلال وإيراد الشواهد، وهو أمين في عزو ما ينقل إلى أصحابه؛ كما يجيد ترتيب الأقوال بين أئمة المذهب ومجتهديه.…
…وفي نقله يستروح بالنقل بالواسطة، كما يفعل مثلا مع النووي في شرحه على مسلم أو الأبي في إكمال الإكمال حيث يكتفي بالنقل من الفتح لابن حجر.
…أما إذا تعذرت المصادر كحال شروح ابن التين والمهلب والداودي، فإنه ينقل عن فتح العسقلاني وإرشاد القسطلاني وشرح ابن غازي وغيرهم .
…
…وليس التمييز بين المصادر بالسهل، فقد يقع الخلط بين مؤلفات عدة للمصنف الواحد مثل ابن زكري الذي له حاشية على الصحيح وشرح النصيحة، أو المازري في المعلم بفوائد مسلم وغيره من مصنفاته.
…وفي القليل من المواضع، أشار الشبيهي إلى كتب غير معروفة مثل كتاب المطامح، ولم يوثق نقله بالشكل المعهود فيه.(1/42)
…والجدير بالتنويه في المدرسة الفقهية بالغرب الإسلامي الوحدة الفكرية الجامعة بين علمائها، بحيث تكثر مجالات الالتقاء وتندر أسباب الفوارق بين اهتمامات فقهاء المغرب والأندلس، وذلك بسبب شيوع المذهب المالكي وغلبته، وتكون المجال الواحد في تلقي العلم والرحلة لطلبه، ثم تشابه البيئة وأوصاف المجتمعات المكونة لهذه الأقطار.
الإشارة إلى الخلاف الفقهي العالي :
…والقصد هنا الإشارة فقط إلى الخلق العلمي الذي امتاز به المؤلف، فهو رحب الصدر كريم الطبع، لا يذكر الأئمة والعلماء إلا بخير، وبتصفح فجره الساطع سيتجلى بوضوح إشاراته إلى مذاهب الصحابة وأئمة المذاهب الثلاثة أحمد والشافعي وأبي حنيفة، ونقله عن زكريا الأنصاري والنووي والسيوطي وغيرهم .
ترجيحه للمذهب المالكي :
…ولا عجب في ذلك، فالرجل من بيئة مالكية صرفة، وتأثره بجو القرن التاسع عشر ليس له دافع، فإذا كانت القرون السابقة عرفت تداول أمهات مصنفات المذهب المالكي كالمدونة وشروحها، والواضحة لابن حبيب،والبيان والتحصيل لابن رشد، وكتب ابن أبي زيد القيرواني، والعتبية، والموازية…، فإن المتأخرين شاع عندهم اعتماد مختصر ابن الحاجب، ومختصرخليل وتوضيحه، وابن عرفة وابن عاشر والمواق والحطاب والزرقاني وغيرهم، والمؤلف قد تأثر بهذا المنهج السائد، لكنه حافظ على تميزه في تعامله مع مختلف الأئمة، وحاول الاستفادة من كافة المدارس الفقهية، وبناء ثروة منتقاة من المعاني والأفهام.
…ويعتبر الانصراف إلى طلب الفقه من المراجع المتأخرة، وعدم الاشتغال بطلب الحديث شائعا في البيئة المغربية، وفي ذلك يقول محمد المختار السوسي:(1/43)
" … والمراجع المعتمدة فيها هي متن خليل وشراحه مثل الحطاب والدردير، والزرقاني وحواشيه مثل بناني والرهوني، وفتاوي الشيخ عليش، ومختصر الشيخ كنون، والتوضيح والمدونة وابن رشد وما إلى ذلك من كتب المذهب، ولم أتخط هذه المؤلفات المشهورة إلى المنازع العليا وآراء المذهب، لأن المقام في بيئتنا لايستدعي الإسهاب ولايستدعي سوق النصوص من كتب المذاهب، والحديث لايروج كثيرا عندنا في جبال جزولة الآن إلا بقدر" (1) .
-
المبحث الثاني : مميزات "الفجر الساطع على الصحيح الجامع"
إن مميزات الفجر الساطع بين الشروح المغربية ورحلة شروح الجامع الصحيح في الغرب الإسلامي متعددة، ويمكن رصد أهمها فيما يلي :
إغناؤه عن "مطولات الدفاتر" :
لعل أكبر ميزة للفجر الساطع هي شموله لكتب وأبواب الجامع الصحيح في توسط محمود يجعل القارئ مستمتعا بقراءته، فقد رام المؤلف أن يجعله "صغير الحجم، لطيف الجرم، مشتملا على علم غزير وتدقيق وتحرير، يسر الناظر ويريح الخاطر، ويغني في بابه عن مطولات الدفاتر" كما جاء في خطبة الشرح.
ومما يجعل هذه الميزة رائقة، طريقة المؤلف في جمع مادته وترتيبها في شكل يجمع نبذ الفوائد العلمية ونكت النقول الفقهية، وذلك في قصد وتوسط جعلا من شرحه تعليقا لطيفا على الجامع الصحيح .
الولوع بشرح الحديث في ضوء الفقه المالكي :
وهذه الميزة قد امتاز بها شرح ابن بطال، وجاءت عند الشبيهي واضحة جلية، فهو لا يترك حكما ولامسألة إلا تتبع فيه أقوال أعلام المذهب ومجتهديه، وله قدرة على ترتيب النقول وترجيح بعضها على بعض.
__________
(1) - خصائص فقه النوازل في سوس ونماذج مختارة منها للحسن العبادي ص:404 / أطروحة دكتوراة مرقونة بدار الحديث الحسنية بالرباط.(1/44)
وتوجه الفقهاء نحو شرح أمهات المصادر الحديثية جدير بأن يقرب الشقة بين مناهج الفقهاء ومنهج المحدثين، ويوجد تكاملا بين المدرستين، مما يعود بتخريجات الفقهاء إلى السنة الصحيحة بعيدا عن الأقوال المرجوحة، وقد تجلى أثر هذا التوجه في منهج الشبيهي، إذ تأثره بالاستدلال بصحيح الروايات وعدم تقديم الأقوال الفقهية واضح .
والقصد أن أئمة الفقه هم أرباب صناعة فهم النصوص وتخريج الأحكام، وهذا شرف أهلهم لقيادة الأمة تاريخيا في مجال التشريع وضبط القوانين الإسلامية، بيد أن مناهجهم ينبغي أن تسدد بتوثيق الروايات وطرق الترجيح وكشف العلل القادحة، وأطباء هذا اللون من العلوم الشرعية هم المحدثون، فهم الذين صانوا تراث النبوة من الكذب والوهم، ووضعوا منهج التعديل والتجريح والتصحيح والتضعيف بما لايعرف له نظير في تاريخ العلوم.
فمن الإيجابيات المحصلة عند الشبيهي من هذا التوفيق :
اعتناؤه بفقه البخاري الذي ضمنه تراجم أبواب الصحيح؛
انفتاحه على مختلف الشراح والفقهاء، سيما ابن حجر في الفتح؛
شحذ ملكة المقارنة والترجيح والنقد الفقهي.
والملحظ الجدير بالتنويه أن الشبيهي يكن تقديرا وحبا للأئمة، وهو عف القلم حسن الحكم، ومما قاله في الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان :
" ينبغي لقارئ هذا المحل أن يعرف للإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه حقه، ويلزم الأدب معه، ولا ينظر مذهبه ورأيه بعين الازدراء والاحتقار، ولا يتوهم أن ما ينقل عنه خطأ، بل هو عين الحق والصواب…"(1) .
الاهتمام بفقه تراجم البخاري :
لقد اهتم الشبيهي بإبداء وجه المناسبة بين الحديث والترجمة، وفك أغراض البخاري في الجمع بينهما، فكان بحق ولوعا بترجمان التراجم (2).
__________
(1) - الفجر الساطع 6/لوحة 142 ( أوائل شرح كتاب الحيل ).
(2) - اقتبست هذا من عنوان كتاب ابن رشيد السبتي "ترجمان التراجم في إبداء مناسبة تراجم صحيح البخاري"، وهو مخطوط في الأسكوريال رقم 1732/1785.(1/45)
وهو في منهجه لا يورد الأقوال والتفسيرات، وإنما في كثير من الحالات يرجح أو يوفق لإبراز معنى جديد (1).
ومن أمثلة ذلك الاعتناء :
قوله في كتاب التفسير (سورة النساء)، باب قوله تعالى: { إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } ، حديث 4581 :
( … ثم إنه ليس في الحديث مطابقة لآية الترجمة، ولعله أشار إلى بقيته المذكورة عنده في التوحيد، وهي قوله: "فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه"، أي من النار، وقال أبو سعيد: فإذا لم تصدقوني فاقرأوا: { إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } …إلخ، كذا ظهر لي، ولم أر من نبه عليه من الشراح، وهو حسن إن شاء الله، ثم وجدت العيني ذكر لها وجها آخر متكلفا بعيدا، وقال: "لم أر أحدا من الشراح ذكر وجه المطابقة لهذا الحديث" ) ؛
وقوله في كتاب التفسير (سورة الأحزاب)، باب قوله تعالى:" إِن تُبْدُوا شَيْئًا اَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا " ، حديث 4796 :
( ائذني له فإنه عمك : لأن امرأة أخيه أرضعتك وهي في عصمته، فهما مشتركان في اللبن، وهذا محل الترجمة، لأن المرأة إذا لم يجب عليها أن تحتجب من عمها من الرضاعة، فأحرى أن لا تحتجب من عمها من النسب، وأحرى نت أبيها ومن ذكر معه في آية الترجمة، وهي قوله : { لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي ءَابَائِهِنَّ } …إلخ، فمطابقته مأخوذة بالأحرى، هذا ما ظهر لي، وهو أولى مما لابن حجر، وإن تبعه عليه القسطلاني، وأولى مما للعيني أيضا، فانظر ذلك، والعلم عند الله).
الاعتناء بأصول المذهب المالكي :
__________
(1) - قال الكتاني في فهرس الفهارس 2/929 : ( وقد استدرك في شرحه المذكور على الصحيح، وانتقد أمورا على الحافظ ابن حجر، وفق لها وغفل عنها من قبله من الحفاظ، مما يعلم منه أن الفتح بيد الله ).(1/46)
وهذا الأمر ليس غريبا عن البيئة المغربية وتاريخ أعلامها المالكيين الذين تشبعوا بفقه مالك المؤسس على مقاصد الشريعة وتعليل الأحكام، وإجراء الفقه على المعاني.
والمقصود هنا أن تاريخ الفقه المالكي وتراثه العلمي الغني بأعلامه ونتاجه هو المؤسس لفلسفة المقاصد والتعليل، ولا عجب فإنه فقه نابع من فقه الفاروق عمر وكبار الصحب وفقهاء المدينة.
ومما يحمد للشبيهي رحمه الله أنه كثير الاعتناء والنصرة لأصول المذهب المالكي، وشرحه مليء بالالتفات إلى قواعد الشريعة ومجامعها وفهم الحكم المقصودة بها.
وقد ركزت على هذا المنحى كمثال، وإلا فالأصول المالكية حاضرة بقوة في شرح الأحاديث وتدعيمها بتخريجات الفقهاء، ومن تلك الأصول: المصالح المرسلة والاستحسان وسد الذرائع وغيرها.
-
المبحث الأول : تحقيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه
لقد تظافرت الأدلة التي تقطع بنسبة "الفجر الساطع على الصحيح الجامع" إلى مؤلفه محمد الفضيل الشبيهي ، ومن آكدها :
مسودة الفجر الساطع التي يوجد الجزء الأول منها لدى عائلة المؤلف بزرهون، التي منحتها اللجنة العلمية المشرفة على جائزة الحسن الثاني للمخطوطات جائزتها السنوية لعام 1988م.
أصل المؤلف من الفجر الساطع المحفوظ بالمجمع الثقافي للمخطوطات في "أبوظبي" بالإمارات العربية المتحدة.
مخطوطة شيخ الجماعة بمكناس محمد بن الحسين العرائشي (ت1351هـ) للفجر الساطع المحفوظ بالخزانة الحسنية، وهي منقولة من أصل المؤلف ومقابلة عليه .
عزو المحققين الفجر الساطع إلى محمد الفضيل الشبيهي، ومنهم :
عبد الحي الكتاني في فهرس الفهارس 2/929 : (صاحب الفجر الساطع على الصحيح الجامع، أنفس وأعلى ما كتبه المتأخرون المالكية على الصحيح مطلقا) .(1/47)
عبد الحي الكتاني في التنويه والإشادة في التعريف بمقام رواية ابن سعادة ص:9 (…ومنها نسخة الشيخ أبي عبد الله محمد ميارة شارح المرشد والتحفة، وهي نسخة معتمدة تداولتها أيضا أيدي الأعلام، أدركتها بفاس وقد انتقلت اليوم إلى مراكش، وهي التي كان اعتمد شيخنا شامة فقهاء المغرب ومحدثيه أبو عبد الله محمد الفضيل بن الفاطمي الشبيهي الزرهوني شارح الصحيح في نسخته العشارية التي انتسخ بخطه وصححها وضبطها عشرات المرات) .
ابن زيدان في إتحاف أعلام الناس 5/520 ( مؤلفاته منها تعليقه على الصحيح الجامع المعنون عنه بالفجر الساطع في أربعة مجلدات ضخام ) .
عبد السلام بن سودة في إتحاف المطالع 8/2824 : (له تآليف منها شرح على صحيح البخاري في أربعة أسفار ضخام سماه الفجر الساطع على الصحيح الجامع أو النهر الجاري على صحيح الإمام البخاري ) .
محمد المنوني في تاريخ الوراقة المغربية ص:300 ( الفجر الساطع على الصحيح الجامع لمحمد الفضيل الشبيهي في ستة أسفار ) .
فهذه الأدلة كافية في استمداد اليقين بأن هذا الكتاب صحيح الانتساب إلى الشبيهي رحمه الله .
المبحث الثاني : تحقيق عنوانه
تفيد مسودة (1) المؤلف إلى أنه سمى كتابه مبتدأ الأمر ب"النهر الجاري على صحيح البخاري"، ثم بعد التبييض شطب عليه واستبدله بالفجر الساطع على الصحيح الجامع (2)، وقد أثبت عبد السلام بن سودة العنوانين معا في إتحاف المطالع كما سبق قبل قليل، ولعله لم يطلع على تشطيب المؤلف على العنوان الأول .
__________
(1) - يراد بالمسودة النسخة الأولى للمؤلف قبل أن يهذبها ويخرجها سوية، فإذا سواها وصححها وأخرجها في حلتها الأخيرة فهي المبيضة؛ انظر: تحقيق النصوص ونشرها لعبد السلام هارون ص:32.
(2) - انظر نسخة من الصفحة الدالة على ذلك من المسودة في ملحق الوثائق / الوثيقة رقم 6 ، وصورة الصفحة الثانية من أصل المؤلف / الوثيقة رقم 7.(1/48)
وعنوان "الفجر الساطع على الصحيح الجامع" هو المثبت في مقدمة الشرح في قول الشبيهي: "… يسر الناظر ويريح الخاطر، ويغني في بابه عن مطولات الدفاتر، وسميته الفجر الساطع على الصحيح الجامع"، وهو العنوان المثبت في جميع النسخ المخطوطة، وكذا عند جميع المترجمين بلا خلاف، مما يثبت صحة العنوان.
-
المبحث الثالث : نسخه
تعتبر النسخ الكاملة والموجودة للفجر الساطع على الصحيح الجامع قليلة، وهي حسب بحثي واستقصائي :
أصل المؤلف المحفوظ بالمجمع الثقافي للمخطوطات في "أبو ظبي" بالإمارات العربية المتحدة.
نسختان لمحمد بن الحسين العرائشي :
الأولى كتبها للمؤرخ عبد الرحمن بن زيدان، وهي محفوظة بالخزانة الحسنية بالرباط رقم 11386ز؛
والثانية كتبها لعبد الحي الكتاني، وكانت محفوظة كذلك بالخزانة الحسنية بالرباط رقم 12838، ثم نقلت إلى مكتبة القصر الملكي بمراكش، وهي غير مفتوحة للعموم.
أما النسخ الناقصة فهي :
مسودة المؤلف المحفوظة عند حفدته بزرهون؛
الثمن الأول من نسخة بمكتبة محمد المنوني الشخصية (1)؛
الثمن الأول بخط ولد المؤلف عبد الصمد، وهي محفوظة بمؤسسة آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء؛
كراسة من عشر ورقات محفوظة بالخزانة العامة بالرباط رقم 3261ك .
أما النسخ المفقودة فهي:
__________
(1) - كان يحلو للمنوني رحمه الله أن يطلق على مكتبته تسمية "مكتبة ابن غازي"، اعتزازا بأصله المكناسي.(1/49)
نسخة كتبها محمد بن الحسين العرائشي لنفسه، وأفادني المحقق محمد المنوني رحمه الله أنه قرأ بعضا من الجامع الصحيح على العرائشي، وكان يملي عليه تعليق الشبيهي المسمى "الفجر الساطع على الصحيح الجامع"، وهو ما أثبته المنوني في "الحياة التعلمية والتعليمية وما إلى ذلك"، فقد أورد من مقروءاته على العرائشي : "صحيح البخاري أثناء كتاب الدعوات إلى أول كتاب الفتن بتعاليق الشيخ محمد بن الفضيل الشبيهي المسمى بالفجر الساطع على الصحيح الجامع"(1) ، وهذه النسخة بيعت ضمن ما بيع من كتب العرائشي بعد موته؛
كما أفاد محمد المنوني بأنه كانت نسخ أخرى موجودة عند بعض العلماء، منها:
نسخة كانت عند قاضي مكناس محمد بن أحمد العلوي الإسماعيلي (ت1367هـ)؛
نسخة كانت عند علال الفاسي، وعليها طرر بخطه، وكان يعتزم طبعها.
وبعد عرض مختلف نسخ الفجر الساطع على الصحيح الجامع، فإني أقصد الآن إلى تفصيل الكلام عن النسختين المعتمدتين في التحقيق :
1 – اًصل المؤلف :
هذا الأصل محفوظ بالمجمع الثقافي للمخطوطات في "أبو ظبي" بالإمارات العربية المتحدة، وقد أخرجه المؤلف من المسودة عام 1316هـ، وراجعه وصححه وهذبه عام 1317هـ، أي قبل العام الذي توفي فيه .
وأوصاف هذه النسخة :
الخط : مغربي دقيق من صنف المجوهر،
المقاس : 16 – 11،
المسطرة : 28 سطرا .
وهذا الأصل يقع في أربعة مجلدات على النحو التالي :
1 – المجلد الأول في 239 ورقة : من خطبة الشرح إلى "باب المعتكف يدخل رأسه البيت للغسل"، وفي آخره أنه تم تخريجه قبيل انشقاق فجر سابع عشر جمادى الأولى عام 1314هـ ؛
__________
(1) - الحياة التعلمية والتعليمية وما إلى ذلك للمحقق محمد المنوني / من المختصر الذي نشره تلميذ المؤلف المصطفى غانم بمجلة المشكاة ع.34-35 ، 1422هـ-2001م ،ص:130 .(1/50)
2 – المجلد الثاني في 168 ورقة : من كتاب البيوع إلى "باب القسامة في الجاهلية"، وقد تم تخريجه إثر زوال يوم الأربعاء فاتح محرم الحرام عام 1315هـ؛
3 – المجلد الثالث في 155 ورقة : من باب "مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - " من كتاب مناقب الأنصار إلى باب "إذا أصاب القوم غنيمة" من كتاب الذبائح والصيد، وقد تم تخريجه عند شروق رابع جمادى الثانية عام 1315هـ ؛
4 – المجلد الرابع في 196 ورقة : من كتاب الأضاحي إلى نهاية الكتاب (1).
وجاء في ختام هذا المجلد : "وكان الفراغ من تبييضه ضحوة يوم الثلاثاء ثامن عشر ربيع الثاني عام ثلاثة عشر وثلاثمائة وألف، ومن إخراجه من مبيضته بعد زوال يوم الأربعاء رابع محرم الحرام فاتح عام ستة عشر وثلاثمائة وألف، ومن مراجعته وتصحيحه وتهذيبه ضحى يوم الثلاثاء خامس عشر صفر الخير عام سبعة عشر وثلاثمائة وألف" .
2- مخطوطة محمد بن الحسين العرائشي :
…ترجمة الناسخ (2):
…هو أبو عبد الله محمد بن الحسين بن عبد القادر بن علال العرائشي الأصل والشهرة، المكناسي النشأة والدار والإقبار.
__________
(1) - تجدر الإشارة إلى أن تحقيق الفجر الساطع على الصحيح الجامع مقسم على ثلاث أطروحات:
المجلدان الأول والثاني يعمل فيهما ذ. أحمد الرشيدي بإشراف د.يوسف الكتاني بجامعة القرويين؛
المجلد الثالث ومن كتاب الأضاحي إلى نهاية كتاب اللباس من المجلد الرابع هو أساس هذا البحث؛
من كتاب الأدب من المجلد الرابع إلى نهاية الشرح تم تحقيقه من طرف عبد الفتاح الزنيفي ونوقش بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة عام1419هـ=1998م.
(2) - ترجمته في : سل النصال للنضال بالأشياخ وأهل الكمال لعبد السلام بن سودة / من موسوعة أعلام المغرب 8/3016-3018 ؛ و "محمد بن الحسين العرائشي شيخ الجماعة بمكناس" للمحقق محمد المنوني / مقال بمجلة دعوة الحق العدد 9 – 10 (مزدوج)، السنة 11، 1388هـ=1968م، ص:108-115 .(1/51)
…كانت ولادته عام 1280هـ، وأخذ عن جلة من العلماء منهم أحمد الطالب بن سودة، وعبد السلام بن الحاج الصنهاجي، وغيرهم من المذكورين في فهرسته: "عنوان السعادة والإسعاد لطالب الرواية بالإسناد" ؛ وعنه أخذ عبد الرحمن بن زيدان ومحمد بن المبارك الهلالي ومحمد بن عبد الهادي المنوني، وغيرهم.
…وكان متعدد الوظائف والانشغالات: مثل العدالة وتوقيت الجامع الأعظم، وكان له ولوع خاص بنسخ الكتب وجمعها، فقد نسخ الفجر الساطع للشبيهي، والتوشيح على الجامع الصحيح للسيوطي، والفهرست الكبرى لابن الخياط، وغيرها.
…توفي ضحى يوم السبت 9 شوال (وعند محمد المنوني: ليلة الأحد 10 شوال) عام 1351هـ، ودفن بالزاوية الكنتية بمكناس .
…مخطوطة العرائشي :
…نسخها من أصل المؤلف وقابلها عليه، وهي مكتوبة للمؤرخ ابن زيدان، ثم صارت ضمن الكتب الزيدانية المنقولة إلى الخزانة الحسنية بالرباط .
…أوصاف المخطوطة :
الخط : من صنف المسند ؛
المقاس : 14 – 9 ؛
المسطرة : 22 سطرا .
ومن مميزات هذه المخطوطة :
كونها في غاية الضبط والوضوح، وليس فيها إلحاق وتشطيب كحال أصل المؤلف؛
ندرة الخلاف بينها وبين أصل المؤلف، مما يدل على إتقان نسخ العرائشي وضبطه، ففي القسم الذي أحققه لم تتجاوز الخلافات عدد أصابع اليدين؛
تصحيحه وتعقبه على المؤلف في بعض الأحيان، أو إضافته بعض الطرر في هامش النسخة .
وتقع هذه المخطوطة في ستة أجزاء بالخزانة الحسنية بالرباط رقم 11386ز:
الجزء الأول في 221 ورقة : من خطبة الكتاب إلى باب "استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد" ؛
الجزء الثاني في 183 ورقة : من كتاب الجمعة إلى باب "المعتكف يدخل رأسه البيت للغسل"؛
الجزء الثالث في 262 ورقة : من كتاب البيوع إلى باب "القسامة في الجاهلية" ؛
الجزء الرابع في 250 ورقة : من باب "مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - " من كتاب مناقب الأنصار إلى باب "إذا أصاب القوم غنيمة" من كتاب الذبائح والصيد ؛(1/52)
الجزء الخامس في 137 ورقة : من كتاب الأضاحي إلى باب "الموعظة ساعة ساعة" من كتاب الدعوات ؛
الجزء السادس في 167 ورقة : من كتاب الرقاق إلى آخرالكتاب.
وجاء في آخر الجزء الرابع : ( فرغ من نسخه في 26 حجة الحرام عام 1331هـ ) .
…وتمتاز النسخة الزيدانية بإجازة فريدة مكتوبة على الصفحة الأولى منها بخط المجيز الشيخ عبد الحي الكتاني، وكانت هذه الإجازة بتاريخ 1342هـ، ونصها :
…( الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى،
…أما بعد، فقد من الله علي بسماعي لمواضع من هذا الشرح المعجب الآتي في باب التحرير والتحصيل بما يطرب، ومناولة بجميعه من يد مؤلفه شيخنا ومفيدنا العلامة الفقيه المحدث الأصولي الخطيب المفتي المدرس، شامة زرهون، أبي عبد الله محمد الفضيل بن الفاطمي الحسني الشبيهي الإدريسي الزرهوني، وذلك يوم الإثنين 6 جمادى الثانية سنة 1318هـ، بداره بزرهون، وأجازني به وبكل ما له من مروي وتقييد وتأليف إجازة عامة مطلقة، وأملي منفردا الآن في الدنيا برواية هذا الشرح عنه، لا أعلم من استجازه فيه، ولا بقي من يرويه عنه، إذ مات رحمه الله بعد ذلك بنحو الشهرين، أي في شعبان 1318 بزرهون، وقد شاركته رحمه الله مع كبر سنه وقدم روايته في شيخه المشرقي الذي روى عنه الصحيح داخله، وهو المحدث المسند الرحال أبو الخير علي بن ظاهر الوتري المدني الحنفي، فإنه أجازني عامة مروياته مكاتبة من المدينة المنورة عام 1320، ومات سنة 1322 في المدينة، فعاش بعد ذلك المؤلف تلميذه نحو خمس سنوات.
…وقد أجزت به وبما أجازني به مؤلفه وغيره، محبنا وصفينا بهجة مكناسة الزيتون وزينتها، عالمها وأديبها وكريمها العلامة النحرير، الدراكة الأديب، البارع الماجد، الشهير النقيب، مولاي عبد الرحمن بن زيدان العلوي الإسماعيلي، نفع الله به العباد والبلاد، وأدام فضله شرقا إلى يوم التناد .(1/53)
…قاله وكتبه خادم الحديث وأهله محمد عبد الحي بن عبد الكبير بن محمد الكتاني الحسني الإدريسي بفاس، لطف الله به وبالمسلمين، آمين، وذلك يوم الثلاثاء 27 قعدة عام 1342هـ بفاس، وقد كانت صدرت مني إجازة عامة لمؤلفه قديما سنة 1324هـ، والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى ).
-
المبحث الرابع : منهج التحقيق والتعليق
للعمل في المخطوطات متعة لا يعرفها إلا من ذاقها، إنها في أيسر حالاتها تنمية لحس الزمن في أعماقنا، وإرهاف لرعشة الماضي التليد في وجداننا، تعيشه كأنه الحاضر، هذه المخطوطة بخط الحافظ أبي عمرو الداني، وتلك بخط القاضي عياض السبتي، وتتلاحق الأزمنة أمامك، وأنت تقف في زمانك.
…
…وتبدو سيرة المخطوط العربي في رحلته الطويلة ممتعة ورائعة، فقد حمل إلينا تجارب أجيال غابرة بلغت شأوا من الحضارة وأورثتنا كنوزا ما أحوجنا للحفاظ عليها والكشف عما تحمله من حقائق وأفانين ومعارف.
…وقد حاولت في تحقيقي للفجر الساطع على الصحيح الجامع مراعاة ثلاثة مقاصد تأسس عليها تحقيق التراث العربي، وهي :
تقديم النص صحيحا مطابقا للأصل؛
توثيق النص نسبة ومادة؛
توضيح النص والتعليق عليه .
…وفي ظلال ذلك، فقد قمت بنسخ المخطوط من أصل المؤلف ومقابلته على مخطوطة العرائشي ملتزما قواعد رسم الكتابة المتفق عليها اليوم، ومن المهم أن أذكر أن المخطوط الذي بين يدي، شأنه شأن كثير من مخطوطات التراث العربي، لم يعن كاتبه بتنظيم مادته وفقراته، بل إنه دمج بين متن البخاري والشرح إدماجا يصعب معه التفريق، وهذا ما تطلب مقابلة فقرات المخطوط مع فتح الباري لابن حجر من أجل تمييز المشروح من الشرح، مع تقسيم الفقرات وترقيم الأبواب والأحاديث حسب ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي المتضمن في الفتح، إذ هو الأكثر شهرة بين الباحثين.(1/54)
…والحق أقول، فقد أعياني تنظيم فقرات هذا المخطوط، ووجدت صعوبات شتى في تمييز متن البخاري عن الشرح، وأخذ ذلك أكثر من سنة ونصف متواصلة البحث والضبط.
…
…كما أن تقييد النص وضبطه بالحركات من المهمات، خصوصا فيما يشتبه من الألفاظ وأسماء الأعلام وكناهم وألقابهم، فضلا عن تقييد ما يصعب من اللغة بغية توضيح المعنى ودفع الاشتباه عنه.
… وفي مجال التعليق، فقد حاولت إيلاءه ما يستحق من عناية مراعيا أسسه التالية :
إثبات الخلافات بين الأصل والمخطوطة، وهي نادرة جدا، وتفسير ذلك أن العرائشي نسخ مخطوطته من أصل الشبيهي وقابلها عليه، وهو نساخ ماهر؛ ومن جميل الأقدار فقد تيسرت في هذا البحث أعلى النصوص المخطوطة حسب ترتيب أصول المحققات (1)، وهي أصل المؤلف –وتسمى النسخة الأم- ونسخة منقولة منه ومقابلة عليه؛
وبالنسبة لشواهد القرءان الكريم فإني اتبعت رواية ورش عن الإمام نافع، بالعد الكوفي، وخرجت الآيات في كتاب التفسير ضمن المتن تسهيلا، وتجنبا لكثرة الهوامش؛ وأوليت القراءات القرآنية ما تستحق من توثيق وتوجيه؛ ولم أعط لبعض التصحيفات والتحريفات في الآيات أي قيمة، وإنما أوردت الشواهد طبقا للمصحف الشريف، ذلك أن الناسخ ينسى أو يسبق قلمه بالخطأ، ولا يقصده أبدا، وعلى كل حال فلا تجوز المجاملة في تحريف النص القرآني، وإنما يجب الالتزام بالأمانة الصارمة وعدم حفظ حق أحد في عدم التزام الدقة في الاستشهاد بالقرءان الكريم؛
أما الأحاديث النبوية فقد اتجهت غايتي إلى تخريج الحديث وعزوه إلى مصادر وأمهات الكتب الحديثية، وتبيان درجته من الصحة والسقم حسب الأصول والقواعد المتبعة في علم المصطلح؛
وبخصوص تراجم الأعلام والرجال وكذا البلدان، فقد عرفت بكل ذلك ما وسعني الأمر غير مقل في الترجمة ولا متوسع إلى حد الملل؛
__________
(1) - انظر تفصيل الكلام عن "منازل النسخ" في تحقيق النصوص ونشرها لعبد السلام هارون ص:37.(1/55)
وبالنسبة للنقول والأقوال، وهي كثيرة، فقد بذلت الجهد في توثيقها من المطبوعات والمخطوطات المتيسرة، ولا أدعي الاستقصاء فقد فاتني في ذلك أشياء وأشياء، ولله الكمال والجلال، وأنبه إلى أنني لا أذكر الطبعة والدار والسنة في المصادر والمراجع، مؤخرا ذلك إلى كشاف المصادر والمراجع ففيه الغناء، وإنما أذكر أرقام المخطوطات في حينها، وأوثق النقول من المجلات والدوريات .
كما أنني لم أدخر وسعا في تصحيح النص والتعليق عليه، وإغنائه بما يفيد، وإن كان العمل التوثيقي والتحقيقي ينصرف أساسا إلى ضبط النص وتوضيحه، لكن ذلك لا يمنع في الوقت نفسه من شرح ما ينبغي شرحه، وإيراد الفوائد والفرائد من أمهات الشروح الحديثية والفقهية، من غير إطناب أو تطويل، ذلك أن التعليق على النص مسؤولية شرعية وتاريخية وعلمية في آن واحد، لذا من اللازم على المحقق أن يكون في غاية الضبط عند التعليق، ولا يجعل من الحواشي مكانا لإظهار معرفته في غير موضوع النص وتصحيحه، ويجتهد أن تكون تعليقاته جامعة نافعة مختصرة .
" وليس تحقيق المتن تحسينا أو تصحيحا، وإنما هو أمانة الأداء التي تقتضيها أمانة التاريخ، فإن متن الكتاب حكم على المؤلف، وحكم على عصره وبيئته، وهي اعتبارات تاريخية لها حرمتها، كما أن ذلك الضرب من التصرف عدوان على حق المؤلف الذي له وحده حق التبديل والتغيير.
وإذا كان المحقق موسوما بصفة الجرأة فأجدر به أن يتنحى عن مثل هذا العمل، وليدعه لغيره ممن هو موسوم بالإشفاق والحذر " (1) .
وعلاقة بموضوع التعليق، فقد اقتصدت في حواشي كتاب التفسير، ذلك أنه كبير من جهة، والتعليق خليق بأن يزيده ضخامة، كما أنه تضمن كثيرا من النقول والشروح فعزفت عن الإضافة حتى لا يكون تفسيرا للتفسير، وحري بذلك ألا يعجب جمهرة العلماء .
__________
(1) - تحقيق النصوص ونشرها ص:47.(1/56)
وخدمة لهذا الشرح، فقد ختمته بوضع فهارس فنية أو كشافات تخدم أغراضه وتقرب كل بعيد منه؛ ولم آل جهدا في الإخراج الطباعي الحسن.
…هذه هي آفاق البحث التي تحدد النص المتقن التحقيق، المجود الضبط والتدقيق.
-
الرموز المستعملة في "الفجر الساطع على الصحيح الجامع"
المص : المصنف؛
إلخ : إلى آخره؛
بخ : باختصار؛
ح : حينئذ ؛
خ : خليل بن إسحاق صاحب المختصر؛
هـ : نهاية النقل .(1/57)
بسم الله الرحمن الرحيم - وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما (1)
28 ـ " باب مبعث النبي صلى الله عليه " (2)
…
مبعث مصدر ميمي بمعنى الإرسال، ثم صدره بذكر النسب الشريف تبركا به وتيمنا فقال: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم.
__________
(1) 1- قال زروق في شرح المقدمة الوغليسية ص:3 معقبا على الصلاة والتسليم في بداية الرسائل والمؤلفات : (تنبيه: لم يكن هذا محلا للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الماضي، وإنما أحدث في زمن معاوية في الرسائل ونحوها، فأجمع على استحسانه) .
(2) - يقول ابن الصلاح في النوع الخامس والعشرين من مقدمته: ينبغي له ـ أي للمحدث ـ أن يحافظ على كتبة الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عند ذكره، ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره، فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته؛ ومن أغفل ذلك حرم حظا عظيما…
ثم ليتجنب في إثباتها نقصين أحدهما: أن يكتبها منقوصة صورة رامزا إليها بحرفين أو نحو ذلك،
والثاني: أن يكتبها منقوصة معنى بأن لا يكتب " وسلم " وإن وجد ذلك في خط بعض المتقدمين.
أنظر مقدمة ابن الصلاح، النوع الخامس والعشرون في كتابه الحديث وضبطه وتقييده، ص: 91ـ92، والتقييد والايضاح شرح مقدمة ابن الصلاح للحافظ العراقي ص: 208-209، وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي لجلال الدين السيوطي 2/74-75.
وفي تذكرة الحفاظ للذهبي 3/934 : (قال ابن منده: سمعت حمزة بن محمد الحافظ يقول: كنت أكتب الحديث ولا أكتب "وسلم"، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: أما تختم الصلاة علي في كتابك ؟ ).(2/1)
…ابن حجر(1) : ( يجب على كل أحد أن يعلم أن محمدا رسول الله، هو ابن عبد الله الهاشمي، فمن زعم أنه غير هاشمي فهو كافر) هـ(2) .
…قال سيدي المهدي الفاسي(3)
__________
(1) - أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن علي بن أحمد الكناني العسقلاني الأصل المصري المولود والمنشأ المعروف بابن حجر، وهو لقب لبعض آبائه. أخذ صحيح البخاري على مسند الحجاز عبد الله النشاوري: واجتمع بحافظ العصر زين الدين العراقي، فلازمه عشرة أعوام، كما تلقى عن البلقيني، ومن مؤلفاته الجامعة: فتح الباري شرح صحيح البخاري، والإصابة في تمييز الصحابة، وتبصير المنتبه بتحرير المشتبه. ولد سنة 773 هـ وتوفي سنة 852 هـ، ترجمته في كتابه رفع الإصر 88، وذيل طبقات الحفاظ للسيوطي 381، ولحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ لابن فهد 332، والبدر الطالع بمحاسن من بعد القرن التاسع للشوكاني 1/87.
(2) - فتح الباري شرح صحيح البخاري 6/654 (ناسبا القول لابن حزم).
(3) - أبو عيسى المهدي بن أحمد الفاسي الفهري.
له مصنفات عديدة.
توفي عام 1109هـ.
ترجمته في: دليل مؤرخ المغرب الأقصى لعبد السلام بن سودة 2/84، وهدية العارفين لباشا البغدادي 2/484.(2/2)
: ( وكذلك من قال ليس بعربي، أو ليس بقرشي فهو كافر، كما إذا قال ليس الذي كان بمكة، أو لم يكن بالمدينة ولا توفي بها، لأن هذا كله جحد له - صلى الله عليه وسلم -، وكذا لو قال: إنه لم يخلق من نطفة، وإنما هو كعيسى وآدم عليهما السلام، أو قال: لم يكن بشرا آدميا، فكل ذلك نص العلماء على كفر قائله ومدعيه)هـ(1) .
…ونحوه للقرطبي(2)، ويأتي نصه(3) في غزوة حنين.
…وعبد الله لم يختلف في اسمه، والأصح أنه توفي قبل ولادة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة على ما قيل، وهو المعتمد الذي رجحه الواقدي(4)
__________
(1) - من النصوص الشاهدة لذلك قول القاضي عياض في الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2/201: (... ولكنه تكلم في جهته صلى الله عليه وسلم بكلمة الكفر، من لعنه أو سبه أو تكذيبه، أو أضاف مالا يجوز عليه، أو نفي ما يجب له مما هو في حقه صلى الله عليه وسلم نقيصة، مثل أن ينسب إليه إتيان كبيرة، أو مداهنة في تبليغ الرسالة، أو في حكم بين الناس، أو يغض من مرتبته أو شرف نسبه ...).
(2) - أحمد بن عمر بن إبراهيم بن عمر الأنصاري القرطبي، أبو العباس، يعرف بابن المزين.
محدث فقيه.
ولد بقرطبة، ورحل إلى المشرق.
له: المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم، ومختصر الصحيحين.
توفي بالإسكندرية عام 656هـ.
ترجمته في: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقري 2/5، والبداية والنهاية لابن كثير 13/213، وشذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد 5/273، والديباج المذهب في أعيان من ذهب لابن فرحون 68-70.
(3) - في شرح الحديث 4315.
(4) - أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي الواقدي المدني.
ولد بالمدينة وكان تاجرا في الحنطة.
سمع من مالك والثوري، وكان قاضيا ببغداد، وتوفي عام 207هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 3/21، ووفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان 1/640، وشذرات الذهب 2/18.(2/3)
وابن سعد(1) والبلاذري(2) ، ورواه الحاكم(3) وصححه، وصححه الذهبي(4) ، وقال ابن كثير(5) :(إنه المشهور)، وابن الجوزي(6)
__________
(1) - أبوعبد الله محمد بن سعد بن منيع الزهري البصري، كاتب الواقدي.
ولد بالبصرة وسكن بغداد، وروى الحديث والفقه والغريب.
توفي عام 230هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد 5/321، ووفيات الأعيان 1/641، وتذكرة الحفاظ للذهبي 2/12.
(2) - أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البغدادي البلاذري.
سمع بدمشق وأنطاكية، وكان ينقل من الفارسية.
له: الاستقصا في الأنساب والأخبار في 40 مجلدا، ولم يكمل.
توفي عام 249هـ.
ترجمته في: تذكرة الحفاظ للذهبي 3/101، والبداية والنهاية 11/65.
(3) - أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن حمدويه النيسابوري، المعروف بابن البيع، إمام عصره في الحديث. درس الحديث في بغداد، وتولى القضاء في نسا.
درس الحديث في بغداد، وتولى القضاء في نسا.
توفي سنة 405 هـ.
ترجمة في: وفيات الأعيان 1/484، والوافي بالوفيات للخليل الصفدي 3/320، والعبر في أخبار من عبر للذهبي 1/484.
(4) - أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله، التركماني الأصل، الدمشقي الذهبي، شمس الدين.
من كبار المحدثين والمؤرخين.
له: تاريخ الإسلام، وميزان الاعتدال في نقد الرجال، وطبقات الحفاظ.
توفي بدمشق عام 748هت.
ترجمته في: طبقات الشافعية للإسنوي 1/98، وذيل طبقات الحفاظ للدمشقي 1/9.
(5) - إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن زرع البصروي ثم الدمشقي، أبو الفداء.
نشأ بدمشق، وتتلمذ على ابن تيمية.
له: جامع المسانيد، والبداية والنهاية، وتفسير القرآن العظيم.
توفي عام 774هـ.
ترجمته في: شذرات الذهب 6/231، والبدر الطالع للشوكاني 1/153، والدرر الكامنة لابن حجر 1/373.
(6) - أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله القرشي التيمي البغدادي، المعروف بابن الجوزي.
له: المغني في علوم القرآن، وجامع المسانيد والمنتظم في تاريخ الأمم، وزاد المسير في علم التفسير.
توفي عام 597هـ.
ترجمته في: سير أعلام النبلاء للذهبي 13/83، وذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 1/144.(2/4)
: ( إنه الذي عليه معظم أهل السير) هـ(1) .
__________
(1) - وقال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد في هدي خير العباد 1/76:
( واختلف في وفاة أبيه عبد الله، هل توفي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمل، أو توفي بعد ولادته؟
على قولين: أصحهما: أنه توفي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمل،
والثاني: أنه توفي بعد ولادته بسبعة أشهر.
ولا خلاف أن أمه ماتت بين مكة والمدينة بالأبواء ، منصرفها من المدينة من زيارة أخواله، ولم يستكمل إذ ذاك سبع سنين).
وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد 1/99.
ولفظ ابن الجوزي في تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير ص:7 ( ومات أبوه عبد الله وهو ابن خمس وعشرين سنة، ورسول الله حمل، وقيل لم يمت حتى أتى على رسول الله شهران، وقيل سبعة أشهر، وقيل ثمانية وعشرون شهرا، والأول أصح).(2/5)
…واسم عبد المطلب شيبة، وهاشم: عمرو(1). ابن فهر: هو قريش، وقيل هو النضر، وقدمنا الكلام على ذلك. ابن عدنان: ابن عبد البر(2) : ( لم يختلف أهل العلم بالأنساب والأخبار، وسائر العلماء في رفع نسبه - صلى الله عليه وسلم - إلى عدنان، واختلفوا فيما بين عدنان وإسماعيل، وبين إبراهيم وبين سام بن نوح، بما لم أر لذكره وجها)هـ(3) .
…السهيلي(4): ( أنكر مالك(5)
__________
(1) - في الأصل: " عمر" ، والصحيح: "عمرو"، وقيل له هاشم لأنه أول من هشم الثريد لأهل الموسم، ولقومه أولا في سنة المجاعة، انظر فتح الباري 7/206، والاستيعاب ص: 1089، والروض الأنف للسهيلي 1/7.
(2) - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري، شيخ علماء الأندلس. تفقه بابن الفرضي ولازمه كثيرا. ألف كتبا مفيدة منها: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، والاستذكار لمذاهب علماء الأمصار، والاستيعاب في معرفة الأصحاب، توفي سنة 463 هـ، ترجمته في: بغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس للضبي 474، والصلة لابن بشكوال 2/677، والديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون2 /367، وشجرة النور الزكية في طبقات المالكية لمحمد مخلوف 1/119.
(3) - الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر ص: 25-26، والروض الأنف 1/11.
(4) - أبو القاسم عيد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أبي الحسن أصبغ بن حسن بن سعدون السهيلي المالقي.
تتلمذ على ابن العربي المعافري وابن شريح، واشتهر بكتابه الروض الأنف في شرح السيرة النبوية.
ترجمته في: وفيات الأعيان3/143، ونفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقري 4/369، وشجرة النور الزكية 156.
(5) - الإمام العلم أبو عبد الله مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي، نسبة إلى ذي أصبح، قبيلة في اليمن. اشتهر بكتابه الموطأ الذي ذاع صيته في الآفاق. توفي سنة 179 هـ.
ترجمته في: ترتيب المدارك لعياض 1/102، وتذكرة الحفاظ للذهبي 1/207، والبداية والنهاية لابن كثير 10/174، والديباج المذهب 1/82، وانظر الإمام مالك حياته وعصره، آراؤه وفقهه لمحمد أبو زهرة.(2/6)
رفع النسب إلى إسماعيل، وقال: من يخبره به؟) هـ(1) .
ابن دحية(2) :( أجمع العلماء على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا انتسب لم يجاوز عدنان)هـ(3) . …ابن سيد الناس(4) : ( لا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل، وإنما الخلاف في عدد من بين عدنان وإسماعيل من الآباء، فمقل ومكثر) هـ(5) .
__________
(1) - الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية 1/14-15.
(2) - أبو الخطاب عمر بن الحسن بن علي بن محمد بن دحية الكلبي، مؤرخ حافظ للحديث، من أهل سبتة، ولي قضاء دانية واستقر بمصر، من تصانيفه: الآيات البينات، ونهاية السؤل في خصائص الرسول، والتنوير في مولد السراج المنير.
توفي بالقاهرة سنة 633 هـ.
ترجمته في: وفيات الأعيان 1/381، ونفح الطيب 1/368، وشذرات الذهب 5/160، وميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي 2/252.
(3) - قال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد 1/71 بعد أن ساق نسبه الشريف إلى عدنان:
( إلى هاهنا معلوم الصحة، متفق عليه بين النسابين ولا خلاف فيه البتة، وما فوق "عدنان" مختلف فيه).
(4) - أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الإشبيلي، المعروف بابن سيد الناس اليعمري. أخذ عن ما يقرب من ألف شيخ، منهم ابن دقيق العيد والدمياطي ووالده أبي عمرو، وطبقتهم من شيوخ مصر والشام.
له : شرح الترمذي، وعيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير. توفي عام 734هـ.
ترجمته في: تذكرة الحفاظ للذهبي 1503، والوافي بالوفيات 1/289، وطبقات الشافعية للسبكي 9/268.
(5) - عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير1/22، وصدر الكلام في زاد المعاد 1/71.(2/7)
…ابن حجر: ( روى أبو جعفر بن حبيب في تاريخه عن ابن عباس(1) قال: كان عدنان، ومعد (2)، وربيعة، ومضر، وخزيمة، وأسد، على ملة إبراهيم، فلا تذكروهم إلا بخير؛ وروى الزبير(3) مرفوعا: لا تسبوا مضر ولا ربيعة، فإنهما كانا مسلمين) هـ(4) .
…بل الذي يجب الجزم به واعتقاده أن جميع آبائه - صلى الله عليه وسلم - وأجداده من والده عبد الله إلى آدم، كلهم كانوا على التوحيد، ولم يكن فيهم مشرك، لقوله تعالى: ( وَتَقَلبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (5)
__________
(1) - عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، الحبر البحر، أبو العباس، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر وعثمان وأبي ذر وأبي، وقرأ عليه مجاهد، وسعيد بن جبير وعكرمة، وعطاء، وطاووس، ومناقبه غزيرة، وسعة علمه إليه المنتهى، ومن دعاء المصطفى له: " الفهم علمه التأويل، وفقهه في الدين" - أحمد 1/266، والحاكم 3/534 بإسناد صحيح-. توفي بالطائف سنة 68 هـ، وقد كف بصره في آخر عمره.
ترجمته في: طبقات ابن سعد 2/365، والتاريخ الكبير للبخاري 5/3-5، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/116، والاستيعاب ص: 933، والإصابة 4/141-152 ، وسير أعلام النبلاء للذهبي 3/331-359.
(2) - بفتح الميم والمهملة، وتشديد الدال ، انظر الفتح 7/208.
(3) - الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي، أبو عبد الله، حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته، أمه صفية بنت عبد المطلب، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة اصحاب الشورى، ومن النوادر ما رواه ابن سعد بسند صحيح عن قصة بدر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الملائكة نزلت على سيماء الزبير).
ترجمته في: الاستيعاب ص:510، والإصابة 2/553-557.
(4) - فتح الباري 7/208.
(5) - سورة الشعراء، الآية 219.
تنبيه : المعتمد في تخريج الآيات هو رواية ورش عن الإمام نافع بن عبد الرحمن، مع العد الكوفي.(2/8)
، إذ معناه على أحد التفاسير أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ينقل نوره من ساجد إلى ساجد(1)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: لم أزل أنتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات؛ والمشرك نجس لقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (2)، فوجب ألا يكون أحد من آبائه - صلى الله عليه وسلم - مشركا، كذا قرره الإمام الفخر الرازي (3)، وأيده الحافظ السيوطي(4)
__________
(1) - عن ابن عباس قال: ( "وتقلبك في الساجدين": من نبي إلى نبي حتى أخرجت نبيا)، أخرجه أبو نعيم في أعلام النبوة 1/12، وابن عساكر في تاريخ دمشق 1/2/267، وأورده –مع روايات أخرى- الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل 6/232.
وفي فتح الرؤوف المجيب على أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب للمناوي لوحة51/ب : (روى الطبراني وغيره عن ابن عباس في قوله تعالى:"وتقلبك في الساجدين"، قال: من نبي إلى نبي حتى أخرجت نبيا).
(2) - سورة التوبة، الآية 28.
(3) - محمد بن عمر بن الحسن بن علي التيمي البكري الرازي، الفخر أبو عبد الله.
ولد بالري من أعمال فارس.
له: مفاتيح الغيب في تفسير القرآن، وشرح الوجيز في الفقه.
توفي بهراة عام 606هـ، وخلف ثروة طائلة.
ترجمته في: وفيات الأعيان 1/600، وطبقات الشافعية للسبكي 5/35.
(4) - عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الخضيري الأسيوطي أو السيوطي، ويلقب بجلال الدين. أخذ عن البلقيني والتقي السبكي، وعنه الداودي. له : التوشيح على الجامع الصحيح، والديباج على صحيح مسلم بن الحجاج، وطبقات الحفاظ، والمزهر، وتدريب الراوي شرح تقريب النواوي. توفي بمصر عام 911هـ.
ترجمته في : كتابه حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة 1/335-344، وشذرات الذهب 8/51، والضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي 4/65.(2/9)
بآيات وأحاديث فشفا وكفى، انظر مسالك الحنفاء(1) وغيره من تآليف السيوطي السبعة(2) التي وضعها في نجاة أبويه - صلى الله عليه وسلم - : عبد الله وآمنة رضوان الله عليهما، فقد أبدى فيها وأعاد، وأحسن وأجاد؛ وابن حجر الهيثمي(3)
__________
(1) - مسالك الحنفا في والدي المصطفى للسيوطي، منه نسخة مخطوطة بالخزانة العامة بالرباط في مجموع رقم 1194 د ( لوحة 58 ب ( لوحة 63 ب).
والمسالك التي استدل لها الإمام السيوطي بحجج كثيرة هي:
1ـ أنهما ماتا قبل البعثة، ولا تعذيب قبلها لقوله تعالى: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " ( واستدل إضافة إلى الآية بسبعة أحاديث)؛
2ـ أنهما لم يثبت عنهما شرك، بل كانا على الحنيفية دين جدهما إبراهيم - عليه السلام - ؛
3ـ أن الله أحيا له أبويه حتى آمنا به، وهذا المسلك مال إليه طائفة كثيرة من حفاظ المحدثين وغيرهم، منهم ابن شاهين، والحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي والسهيلي والقرطبي والمحب الطبري والعلامة ناصر الدين المنير وغيرهم.
(2) - ذكر أحمد الخازندار ومحمد الشيباني في " دليل مخطوطات السيوطي وأماكن وجودها" ص : 150( 152 تسعة كتب هي:
1ـ التعظيم والمنة في أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة/ طبع بحيدر آباد الهند 1317هـ؛
2ـ الاصطفا في إيمان أبوي المصطفى/ خزائن أوقاف بغداد 7020؛
3ـ الدرج المنيفة في الآباء الشريفة / طبع بحيدر آباد ـ الهند 1317 هـ؛
4ـ رسالة في والدي رسول الله صلى الله عليه وسلم / الظاهرية 1143؛
5ـ السبل الجلية في الاباء العلية / طبع بحيدر آباد ـ الهند 1316 هـ،
6ـ سبل النجاة في نجاة أبوي الرسول صلى الله عليه وسلم؛
7ـ مسالك الجنان في والدي سيد الأكوان؛
8ـ نشر العلمين المنيفين في حياة الأبوين الشريفة/ طبع بحيدر آباد - الهند 1317 هـ؛
9ـ مسالك الحنفا في والدي المصطفى / طبع بحيدر آباد ـ الهند 1316 هـ.
(3) - تنبيه : الترقيم في الهامش إشارة إلى نهاية الصفحة من أصل المؤلف.
- أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي الأنصاري، أبو العباس.
ولد في محلة أبي الهيتم من إقليم الغربية بمصر، وتوفي بمكة عام 973هـ.
له: تحفة المحتاج شرح المنهاج للنووي، ومبلغ الأرب في فضل العرب.
ترجمته في: شذرات الذهب 8/370، والبدر الطالع للشوكاني 1/109، وفهرس الفهارس والأثبات والمعاجم والمشيخات والمسلسلات للكتاني 1/250.(2/10)
في قول صاحب(1) الهمزية:
لم تزل في ضمائر الكون - تُخْتارُ لك الأمهات والآباء (2) .
3851ـ وهو ابن أربعين: سنة/ أي وستة أشهر، لأنه - صلى الله عليه وسلم - على الصحيح المشهور ولد في ربيع الأول، وأنزل عليه في رمضان ثلاث عشرة سنة، هذا أصح ما روي في ذلك(3) .
29 - " باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة":
من أنواع الأذى والإذاية، وتقدم(4) أن أشد ما لقي - صلى الله عليه وسلم - منهم، وما وقع له بالطائف وروى أحمد(5)
__________
(1) - هو محمد بن سعيد بن حماد بن محمد بن أبي سرور بن حيان بن عبد الله بن ملاك الصنهاجي، البوصيري، نسبة إلى قبيلة بوصير، إحدى القبائل البربرية بالمغرب قرأ على ابن سيد الناس، والمعز بن جماعة، ومن أشعاره المشهورة: البردة والهمزية .
ولد سنة 608 هـ وتوفي سنة 696 هـ.
ترجمته في: شذرات الذهب 5/432، والوافي بالوفيات 3/105.
(2) - القصيدة الهمزية في مدح خير البرية للبوصيري، البيت 6 ، ص: 9 .
(3) - مثله في فتح الباري 7/208.
وفي زاد المعاد 1/77-78: (فلما كمل له أربعين، أشرق عليه نور النبوة، وأكرمه الله تعالى برسالته، وبعثه إلى خلقه، واختصه بكرامته، وجعله أمينه بينه وبين عباده، ولا خلاف أن مبعثه صلى الله عليه وسلم كان يوم الاثنين واختلف في شهر المبعث، فقيل لثمان مضين من ربيع الأول، سنة إحدى وأربعين من عام الفيل، هذا قول الأكثرين ، وقيل بل كان ذلك في رمضان، واحتج هؤلاء بقوله تعالى: " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن" -سورة البقرة الآية 185-).
(4) - في " ذكر الملائكة" من بدء الخلق (الفتح 7/210).
(5) - إمام أهل السنة أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، المروزي البغدادي، قال الشافعي: خرجت من بغداد فما خلفت بها أفقه ولا أزهد ولا أورع ولا أعلم منه، توفي سنة 241هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد 4/412، وتذكرة الحفاظ 2/431، وطبقات الشيرازي 91.(2/11)
عن أنس(1) قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : ( لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، وأخفت في الله وما يخاف أحد) الحديث(2).
وروى ابن ماجة(3) عن ابن مسعود(4)
__________
(1) - أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بت عامر بن غنم بن عدي بن النجار، أبو حمزة الأنصاري الخزرجي، خادم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحد المكثرين من الرواية عنه، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن عشر سنين، وخدمه عشر سنين، قال علي بن المديني: كان آخر الصحابة موتا بالبصرة، قال ابن شاهين: وكان عمره مائة سند إلا سنة وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه قال أنس: فلقد دفنت من صلبي سوى ولد ولدي مائة وخمسة وعشرين، وإن أرضي لتثمر في السنة مرتين. ترجمته في: الاستيعاب ص:108، والإصابة 1/126-129.
(2) - أخرجه الترمذي في القيامة 34، وابن ماجه في المقدمة 11، ورواه أحمد وابن حبان ( عن أنس) كما في الفتح 7/210.
(3) - أبو عبد الله محمد بن يزيد الربعي مولاهم القزويني، المشهور بابن ماجه.
سمع بخراسان والعراق والحجاز ومصر.
قال الخليلي: ( ثقة كبير متفق عليه، محتج به). توفي سنة 273هـ.
ترجمته في: البداية والنهاية 11/52، وتذكرة الحفاظ 2/636، والعبر 2/51، وطبقات المفسرين للداودي 2/272.
(4) - عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ، أبو عبد الرحمن الهذلي المكي، حليف بني زهرة، كان من السابقين الأولين، ومن مهاجرة الحبشة شهد بدرا، واحتز رأس أبي جهل. قرأ عليه علقمة ومسروق والأسود وزر بن حبيش؛ وأمه أم عبد هذلية من المهاجرات الأول، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " إنك لغليم معلم" ـ أحمد 1/379ـ، وقال أبو موسى: ما كنت أحسب ابن مسعود وأمه إلا من أهل البيت لكثرة دخولهم وخروجهم" ـ البخاري في الفضائل، باب فضل عبد الله بن مسعودـ توفي بالمدينة سنة 32هـ،
ترجمته في: طبقات ابن سعد 3/1/106، والتاريخ الكبير 5/2، والجرح والتعديل 5/149، والاستيعاب ص: 987، والإصابة 4/233ـ236، والسير 1/461ـ500.(2/12)
قال: ( أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأبو بكر(1) وعمار(2) وسمية(3)
__________
(1) - عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التميمي، أبو بكر الصديق بن أبي قحافة، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. صحب المصطفى قبل البعثة، وسبق إلى الإيمان به، واستمر معه طول إقامته بمكة، ورافقه في الهجرة، وفي الغار، وفي المشاهد كلها إلى أن مات. كان تاجرا ذا خلق ومعروف واسلم على يديه عثمان، وطلحة والزبير، وسعد، وعبد الرحمن ابن عوف. أخرج أبو داود في الزهد بسند صحيح: أسلم أبو بكر وله أربعون ألف درهم، ومات وما ترك دينارا ولا درهما.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 963-978، والإصابة 4/169ـ175.
(2) - عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم بن ثعلبة، أبو اليقظان، حليف بني مخزوم، وأمه سمية مولاة لهم، كان من السابقين الأولين، هو وأبوه، وكانوا ممن يعذب في الله، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر عليهم، فيقول: صبرا آل ياسر، موعدكم الجنة، شهد المشاهد كلها، واستعمله عمر على الكوفة، وكتب إليهم: إنه من النجباء من أصحاب محمد، وتواترت الأحاديث أن عمارا تقتله الفئة الباغية، وأجمعوا على أنه قتل بصفين سنة 87 هـ وله ثلاث وتسعون سنة، كما اتفقوا على أنه نزل فيه: " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان " – سورة النحل الآية 106-.
ترجمته في الاستيعاب ص: 1863، والإصابة 4/575ـ576.
(3) - سمية بنت خباط، بمعجمة مضمومة وموحدة ثقيلة، ويقال بمثناة تحتانية، وعند الفاكهي سمية بنت خبط، بفتح أوله بغير ألف، والدة عمار ابن ياسر، كانت سابعة سبعة في الإسلام. عذبها أبو جهل وطعنها فماتت، فكانت أول شهيدة في الإسلام؛ ولما قتل أبو جهل يوم بدر، قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمار: " قتل الله قاتل أمك".
ترجمتها في: الاستيعاب ص:1863، والإصابة 7/712ـ713.(2/13)
وصهيب(1) وبلال (2) والمقداد(3)
__________
(1) - صهيب بن سنان بن مالك، ويقال خالد بن عبد عمرو بن عقيل، ويقال طفيل بن عامر بن جندلة. وأمه من بني مالك بن عمرو بن تميم، وهو الرومي، قيل له ذلك لأن الروم سبوه صغيرا، كان من المستضعفين ممن يعذب في الله، وهاجر إلى المدينة مع علي بن أن طالب في آخر من هاجر في تلك السنة وشهد بدرا والمشاهد بعدها، ولما مات الفاروق عمر أوصى أن يصلي عليه صهيب، وأن يصلي بالناس إلى أن يجتمع المسلمون على إمام، وراء البخاري في تاريخه، ومات صهيب سنة 38 هـ أو 39 هـ.
ترجمته في: الاستيعاب ص:726، والإصابة 3/449ـ452.
(2) - بلال بن رباح الحبشي المؤذن، وهو بلال بن حمامة ، وهي أمه، اشتراه أبو بكر الصديق من المشركين لما كانوا يعذبونه على التوحيد، فأعتقه، فلزم النبي صلى الله عليه وسلم، وأذن له، وشهد معه جميع المشاهد، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، ثم خرج بلال بعد المصطفى عليه الصلاة والسلام مجاهدا إلى أن مات بالشام.
ترجمته في: الاستيعاب ص:178، والإصابة 1/326ـ 327.
(3) - المقداد بن الأسود الكندي، هو ابن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن عامر بن مطرود. تبناه الأسود فصار يقال له المقداد بن الأسود، وغلبت عليه، واشتهر بذلك، فلما نزلت: "ادعوهم لآبائهم" قيل له المقداد بن عمرو. أسلم قديما وتزوج ضباعة بنت الزبير، ابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا والمشاهد بعدها، وكان فارسا يوم بدر، ولم يكن معه فارس آخر.
واتفقوا على أنه مات سنة ثلاث وثلاثين في خلافة عثمان.
ترجمته في: الاستيعاب ص :1480،والإصابة 6/202ـ204.(2/14)
،فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فمنعه الله بعمه، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد، وأوقفوهم في الشمس، وعذبوهم بأنواع العذاب)هـ(1) .
…"وجميع ما أوذي به أصحابه - صلى الله عليه وسلم - كان أذى له - صلى الله عليه وسلم - لكونه بسببه"(2) فلا يخالف هذا حديث أنس السابق.
3852ـ محمر وجهه: أي من الغضب الميشار: بكسر الميم وتحتية ساكنة بهمز وبغيره، ويقال بالنون (3)، وهو أشهر، آلة معروفة .فيُشقُّ باثنين: قال ابن التين(4): ( كان هؤلاء أنبياء أو أتباعهم، قال: وكان في الصحابة من لو فعل به ذلك لصبر، ومازال خلق من الصحابة وأتباعهم من بعدهم يؤذون في الله)(5) .
3853ـ فسجد… الخ: زعم الواقدي أن ذلك كان في رمضان سنة سبع من المبعث(6) .
إلا رجل :هو أمية بن خلف.
__________
(1) - رواه ابن ماجة وابن حبان (الفتح 7/210)، وفي الإصابة 7/713 (ترجمة سمية) باللفظ ثم قال بعده: ( أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة عن جرير عن منصور عن مجاهد، وهو مرسل، صحيح السند).
(2) - بلفظه في الفتح 7/211.
(3) - وهي أشهر في الاستعمال، ووقع في رواية أخرى: يحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار، انظر الفتح 7/211.
(4) - عبد الواحد بن عمر بن عبد الواحد السفاقسي، المشهور بابن التين.
له: المخبر الفصيح الجامع لفوائد مسند البخاري الصحيح.
توفي عام 611هـ.
ترجمته في: شجرة النور الزكية 168، وكشف الظنون 1/546.
(5) - منقولة باللفظ عن الفتح 7/211، وفيه زيادة فائدة: " يؤذون في الله، ولو أخذوا بالرخصة لساغ لهم".
(6) - الذي في الفتح 7/ 212 ما يلي: (وزعم الواقدي أن ذلك كان في رمضان سنة خمس من المبعث).(2/15)
…ابن حجر : ( وكان حق هذا الحديث أن يذكر في باب الهجرة إلى الحبشة، لأن سجود المشركين المذكور فيه كان سبب رجوع من هاجر الهجرة الأولى إلى الحبشة لظنهم أن المشركين كلهم أسلموا، فلما ظهر لهم خلاف ذلك هاجروا الهجرة الثانية) هـ(1)، وإنما قال ما ذكر لعدم ظهور مناسبته للترجمة.
…وقال القسطلاني (2)ـ وتبعه ابن زكري(3) ـ :( مطابقته من أجل عدم سجود الرجل، فإن فيه نوع أذى) هـ(4)، وهو غير ظاهر.
3854 ـ عبد الله: هو ابن مسعود(5)
__________
(1) - فتح الباري 7/212.
(2) - أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك بن أحمد بن محمد بن محمد بن حسين بن علي القسطلاني، أبو العباس.
له: إرشاد الساري شرح صحيح البخاري، والمواهب اللدنية بالمنح المحمدية.
توفي عام 923هـ.
ترجمته في: شذرات الذهب 8/121، والبدر الطالع 1/102، وفهرس الفهارس 2/318.
(3) - أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن زكري الفاسي.
بدأ حياته بحرفة الدباغة، فما لبث أن واظب على طلب العلم حتى نبغ واشتهر. وكان غنيا ذا مال وكرم.
له حواشي على صحيح البخاري، وشرح النصيحة الزروقية.
توفي عام 1144هـ.
ترجمته في: الاستقصا للناصري 4/127، وسلوة الأنفاس للكتاني 1/158، وإيضاح المكنون لباشا البغدادي 1/122.
(4) - انظر إرشاد الساري شرح صحيح البخاري للقسطلاني 6/207.
(5) - هو ابن مسعود جزما، وإن نقل ابن التين عن الداودي أنه قال: " الظاهر أنه عبد الله بن مسعود، لأنهم في الأكثر إنما يطلقون عبد الله غير منسوب عليه".
قال ابن حجر: "وليس ذلك مطردا، وإنما يعرف ذلك من جهة الرواة، وبسط ذلك مقرر في علوم الحديث، وقد صنف فيه الخطيب كتابا حافلا سماه المجمل لبيان المهمل" ، انظر الفتح 7/212.(2/16)
.فاطمة (1) : بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - . أو أبي بن خلف: في كتاب الصلاة " أمية" بغير شك، وهو الصحيح لأن أبيا قتله النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد. غير أمية…الخ: أي وغير عقبة أيضا، لأنه كان في الأسارى، وقتله النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد مرجعه من بدر.
3855ـ ما أمرهما؟ أي ما وجه الجمع بينهما، حيث دلت الأولى على العفو عند التوبة، والثانية على عدمه. " ولا تقتلوا ": هكذا في الرواية، والتلاوة: " يقتلون"، وهذه آية الفرقان(2)، وفي آخرها: "إِلاَّ مَنْ تَابَ".
" وَمَنْ يَّقْتُلْ مُومِنًا مُتَعَمِّدًا": هذه آية النساء(3)، وليس فيها " إِلاَّ مَنْ تَابَ".
فهذه لأولئك: أي الكفار(4) .
__________
(1) - فاطمة بنت إمام المتقين رسول الله: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، وتلقب الزهراء، وقال عبدالرزاق: كانت فاطمة أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم وأحبهم إليه، كانت أسن من عائشة بخمس سنين، وانقطع نسل النبي صلى الله عليه وسلم إلا من فاطمة، ومن مناقبها أنها سيدة نساء أهل الجنة، قال الواقدي: توفيت فاطمة ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة.
ترجمتها في: الاستيعاب ص:1893، والإصابة 8/53ـ60.
(2) - هكذا في سورة الفرقان الآية 68 : ( ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق).
(3) - سورة النساء الآية 93.
(4) - حديث ابن عباس هذا في توبة القاتل، سيأتي شرحه في تفسير سورة النساء، والغرض منه الإشارة إلى أن صنع المشركين بالمسلمين من قتل وتعذيب وغير ذلك سقط عنهم بالإسلام.(2/17)
…وأما التي في النساء ... إلخ: حاصل كلام ابن عباس أن قاتل النفس إما كافر أو مسلم، فالكافر إذا تاب ـ أي اسلم ـ قبلت توبته وإسلامه، ومحا إسلامه جميع ما سلف منه من قتل وغيره، وهذا الذي دلت عليه سورة الفرقان، والمسلم إذا تاب لا تقبل توبته، وهو الذي دلت عليه سورة النساء، والصواب الذي عليه الجمهور أن موضوع الآيتين واحد، وأن آية النساء مطلقة، وآية الفرقان مقيدة بقوله" إلا من تاب"، والمطلق يحمل على المقيد كما أشار لذلك بما هو / في آخر الحديث بقوله: إلا من ندم"، أي تاب، فيؤخذ منه أن القاتل إذا تاب قبلت توبته، كان حين القتل كافرا أو مسلما، وهو المشهور ومذهب أهل السنة .
…ابن حجر: ( والغرض من الحديث الإشارة إلى أن صنيع المشركين بالمسلمين من قتل وتعذيب وغير ذلك، يسقط عنهم بالإسلام)(1) .
3856ـ ثوبه: أي ثوب النبي - صلى الله عليه وسلم - . بمنكبه: أي بمنكب "عقبة".
30 - " إسلام أبي بكر الصديق رضي الله عنه ":
…قدمه على من ذكر إسلامه من الصحابة إشارة إلى سبقيته(2) على غيره، وإن كان الحديث الذي ذكره لم يؤخذ منه ذلك، واختلف الناس في أول من أسلم وفيمن يليه على أقوال حكاها الحافظ أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب(3)، والتحقيق المنقول عن ابن عباس بسند صحيح ، وأبي رافع (4)
__________
(1) - فتح الباري 7/213.
(2) - في لسان العرب ( مادة سبق): ( السبق : القدمة في الجري وفي كل شيء، تقول: له في كل أمر سبقة وسابقة وسبق، والجمع: الأسباق والسوابق).
(3) - الاستيعاب في معرفة الأصحاب ص: 1090ـ1095.
(4) - أبو رافع القبطي، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشهر الأقوال في اسمه هو أسلم.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن ابن مسعود، وعنه أولاده رافع والحسن والمغيرة وعبيد الله، ومن أحفاده الحسن وصالح، وكذا عطاء ابن يسار وشرحبيل بن سعد. مات في خلافة علي.
ترجمته في: الاستيعاب ص:1657، والإصابة 7/134-135.(2/18)
وقتادة(1) والحسن البصري(2) ومحمد بن كعب القرظي(3) وعبد الله بن محمد بن عقيل(4) وجزم به الزهري(5)
__________
(1) - قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز بن عمرو بن ربيعة بن عمرو بن الحارث السدوسي، أبو خطاب البصري، وكان أكمه. قال ابن حجر: كان حافظ عصره. وثقه أحمد بن حنبل، وروى له الجماعة.
توفي بواسط في الطاعون سنة 117 هـ.
ترجمته في: طبقات ابن سعد 7/229، وغاية النهاية 2/25.
(2) - الحسن بن أبي الحسن البصري، أبو سعيد، سيد أهل زمانه علما وعملا، قرأ على حطان الرقاشي، وروى عنه أبو عمرو بن العلاء، وأكثر مروياته عن أنس بن مالك وسمرة. ولد عام 21هـ بالمدينة، وتوفي عام 110هـ.
ترجمته في : طبقات ابن سعد 7/165-178، والجرح والتعديل 1/2/40-42، ومعرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار للذهبي رقم21، والسير 4/563، وغاية النهاية 1/235.
(3) - محمد بن كعب القرظي، حليف الأنصار. تابعي مشهور، وقد ذكر البخاري أن أباه كان ممن لم ينسب، فلم يقتل مع بني قريظة لما قتلوا بحكم سعد بن معاذ، وأخرج ابن أبي خيثمة في تاريخه من طريق موسى بن عقبة، قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يخرج من الكاهنين رجل يكون أعلم الناس بكتاب الله، قال: فكان الناس يقولون هو محمد بن كعب، لأن أباه من قريظة وأمه من بني النضير.
كانت وفاته سنة 108 هـ، وقيل بعد ذلك.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1377، والإصابة 6/345ـ346.
(4) - عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي، أبو محمد المدني. أمه زينب بنت علي.
صدوق، تغير في آخر عمره. توفي عام 140هـ.
ترجمته في : تهذيب التهذيب 6/13، والتقريب رقم 3592.
(5) - محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، من بني زهرة بن كلاب، أبو بكر.
أحد كبار الحفاظ والمحدثين والفقهاء التابعين بالمدينة.
نزل الشام واستقر بها، وكان مقربا إلى عمر بن عبد العزيز.
توفي عام 124هـ.
ترجمته في: تذكرة الحفاظ 1/102، ووفيات الأعيان 1/451، وغاية النهاية 2/262.(2/19)
، وحكى ابن عبد البر عليه الاتفاق(1) ، وحكاه العراقي(2) عن أكبر العلماء، وقال الحاكم: ( لا أعلم فيه خلافا بين أصحاب التواريخ هو أن أول من أسلم خديجة(3) ثم علي(4)
__________
(1) - في الاستيعاب ص: 1092 ما يلي: ( واتفقوا على أن خديجة أول من آمن بالله ورسوله، وصدقه فيما جاء به، ثم علي بعدها).
(2) - أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن، زين الدين، المعروف بالحافظ العراقي، من كبار حفاظ الحديث، أصله من الأكراد.
من مؤلفاته، الألفية في المصطلح، وشرح الترمذي، وفتح المغيث. توفي في القاهرة سنة 806 هـ.
ترجمته في: حسن المحاضرة للسيوطي 1/204، والضوء اللامع 4/171، وغابة النهاية 1/382.
(3) - خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي، القرشية الأسدية، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأول من صدقت ببعثته مطلقا، كانت تدعى قبل البعثة الطاهرة. تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وعشرين، ولها أربعون سنة، فولدت له القاسم، وعبد الله، وبناته الأربع. وفي حديث عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها، قال الواقدي: توفيت لعشر خلون من رمضان، وهي بنت خمس وستين سنة ترجمتها في: الاستيعاب ص:1817، والإصابة 7/600ـ605.
(4) - علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، أبو الحسن، ربي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفارقه، وشهد معه المشاهد إلا غزوة تبوك، وكان اللواء بيده في أكثرها، ولما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، قال له: أتت أخي ومن خصائصه قوله صلى الله عليه وسلم يوم خبر: لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه، ومن فضل الله عليه أنه زوج فاطمة وأب الحسن والحسين. قتل في ليلة السابع عشر من رمضان سنة 40 هـ.
ترجمته في: الاستيعاب ص:1089، والإصابة 4/564ـ570.(2/20)
ثم أبو بكر رضي الله عنهم أجمعين)، هذا محصل ما في الاستيعاب(1) وغيره.
…قال ابن عبد البر: ( والصحيح في أمر أبي بكر أنه أول من أظهر إسلامه، كذلك قال مجاهد (2)وغيره؛ ثم روى ـ أي أبو عمرـ بسنده إلى محمد بن كعب القرظي أنه سئل عن أول من أسلم، أعلي أم أبو بكر، فقال: سبحان الله علي أولهما إسلاما، وإنما شبه على الناس لأن عليا أخفى إسلامه من أبي طالب، وأبو بكر أظهر إسلامه، ولا شك عندنا أن عليا أولهما إسلاما) هـ(3) .
…وقال أبو الربيع الكلاعي(4) في الاكتفاء: ( قال ابن إسحاق(5): كان أول ذكرى الناس إسلام علي بن أبي طالب وهو ابن عشر سنين)(6) .
__________
(1) - الاستيعاب ص: 1090ـ1095.
(2) - مجاهد بن جبر، الإمام أبو الحجاج، مولى السائب بن أبي السائب المخزومي المكي. قرأ على ابن عباس وعائشة وأبي هريرة، وقرأ عليه ابن كثير وأبو عمرو البصري، وحدث عنه قتادة والحكم والأعمش. توفي عام 103هـ.
ترجمته في : طبقات ابن سعد 5/466، والتاريخ الكبير 7/411، والسير 4/449-457، ومعرفة القراء الكبار رقم 23.
(3) - الاستيعاب ص: 1092.
(4) - سليمان بن موسى بن سالم بن حسان بن سليمان الحميري الكلاعي.
ولد في بلنسية. قال الذهبي: محدث الأندلس وبليغها.
استشهد بالأندلس عام 634هـ.
ترجمته في : نفح الطيب 6/216، وتذكرة الحفاظ 4/1417، وشجرة النور الزكية 180.
(5) - محمد بن إسحاق بن يسار، مولى قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف.
أخذ عن الزهري والقاسم بن محمد ومكحول، وعنه حماد بن سلمة وجرير بن حازم وشعبة ويونس بن بكير، وغيرهم.
يعتبر ابن إسحاق مرجعا في المغازي والأيام النبوية. توفي عام 151هـ.
ترجمته في: طبقات ابن سعد 7/67، وتاريخ بغداد 1/214، وتذكرة الحفاظ 1/173.
(6) - الاكتفا في مغازي رسول الله والثلاثة الخلفا 1/273، وفيه: (كان أول ذكر من الناس آمن…)، وسيرة ابن إسحاق ص:118.(2/21)
…وقال القرطبي في المفهم: ( روي عن سلمان(1) وأبي ذر(2)
__________
(1) - سلمان أبو عبد الله الفارسي، ويقال له سلمان بن الإسلام، وسلمان الخير، كان قد سمع بأن النبي صلى الله عليه وسلم سيبعث فخرج في طلب ذلك، فأسر وبيع بالمدينة، وصح في البخاري أنه تداوله بضعة عشر سيدا، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي الدرداء، وقال للأخير: سلمان أفقه منك، مات سنة 36 هـ في قول أبي عبيد، أو 37 هـ في قول خليفة.
ترجمة في: الاستيعاب ص:634، والإصابة 3/141ـ142.
(2) - أبو ذر الغفاري، الزاهد المشهور الصادق اللهجة، مختلف في اسمه واسم أبيه، والمشهور أنه جندب بن جنادة بن سكن، أسلم قديما ورجع إلى بلاده، ومضت بدر وأحد، ولم تتهيأ له الهجرة إلا بعد ذلك، ومن مناقبه قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه: ما أقامت الغبراء، ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر، وقال أبو داود: "كان يوازي ابن مسعود في العلم" . مات سنة 23هـ.
ترجمته في: الاستيعاب ص:1652، والإصابة 7/125ـ130.(2/22)
والمقداد وخباب(1) وجابر(2)وأبي سعيد الخدري(3)
__________
(1) - خباب بن الأرت –بتشديد المثناة – ابن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم التميمي، وبقال الخزاعي، أبو عبد الله، أسلم قديما، وكان من أوائل من أظهر إسلامه وعذب عذابا شديدا، شهد بدرا وما بعدها، وكان يعمل السيوف في الجاهلية كما في الصحيحين، وعند الطبراني: قال علي: رحم الله خبابا، أسلم راغبا، وهاجر طائعا، وعاش مجاهدا، وابتلي في جسمه أحوالا، ولن يضيع الله أجره. نزل الكوفة ومات بها سنة 37هـ. ترجمته في: الاستيعاب ص:437، والإصابة 2/258ـ259، وأسد الغابة 2/100.
(2) - جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي. أحد المكثرين عن النبي صلى الله عليه وسلم، وله ولأبيه صحبة، قال جابر: لم أشهد بدرا ولا أحدا، منعني أبي، فلما قتل لم أتخلف، وفي مصنف وكيع عن هشام بن عروة قال: كان لجابر بن عبد الله حلقة في المسجد ـ يعني النبوي ـ يؤخذ عنه العلم.
ترجمته في: الاستيعاب ص:219، والإصابة 1/434ـ435.
(3) - سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن الأبحر، وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي، أبو صعيد الخدري، مشهور بكنيته، استصغر بأحد وآستشهد أبوه بها، وغزا هو ما بعدها، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير، وروى عن الخلفاء الأربعة وزيد بن ثابت وغيرهم، وعنه ابن عباس، وابن عمر، وجابر. قال الخطيب: كان من أفاضل الصحابة، وحفظ حديثا كثيرا.
ترجمة في: الاستيعاب ص:602، والإصابة 3/78ـ80.(2/23)
وزيد بن أرقم(1) أن علي بن أبي طالب أول من أسلم، يعنون من الرجال، وإلا فقد اتفق الجمهور على أن أول من أسلم خديجة) .
…وروى أبو عمر بن عبد البر عن سلمان الفارسي قال: ( قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أولكم واردا علي الحوض، أولكم إسلاما علي بن أبي طالب)(2) .
…وروى عن علي رضي الله عنه أنه قال: ( مكثت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يصلي معه أحد غيري إلا خديجة) هـ(3) .
…وقال الحاكم - فيما نقله عنه المناوي (4)- :( لا أعلم أن عليا أول الذكور إسلاما)هـ؛
__________
(1) - زيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك بن الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج. أول مشاهدة الخندق، وقيل المريسيع، وغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة. روى عنه أبو عثمان النهدي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى وطاووس. ومن غريب ما وقع له أنه سمع عبد الله بن أبي يقول: " ليخرجن الأعز منها الأذل" ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأل عبد الله فأنكر، فأنزل الله تصديق زيد، ثبت ذلك في الصحيحين. توفي سنة 66 هـ، وقيل سنة 68 هـ. ترجمته في: الاستيعاب ص:535، والإصابة 2/589ـ590، وأسد الغابة 2/214.
(2) - الاستيعاب ص: 1091.
(3) - الاستيعاب ص: 1096
(4) - عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي المناوي.
له: غاية الإرشاد، والروض الباسم في شمائل المصطفى أبي القاسم، والكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية.
توفي بالقاهرة عام 1131هـ.
ترجمته في: البدرالطالع 1/357، وفهرس الفهارس 2/2.(2/24)
…وعليه فقول الحافظ ابن حجر في الفتح: ( وقد اتفق الجمهور على أن أبا بكر أول من أسلم من الرجال)هـ(1)، معناه من الرجال البالغين، لأن عليا كان ـ حين أسلم ـ ابن عشر سنين على ما رجحه الحافظ نفسه(2) ؛
…وقد صرح الحاكم بما ذكرناه، ونصه كما في الاستيعاب: ( الصحيح عند الجماعة أن أبابكر أول من أسلم من الرجال البالغين) هـ(3) ؛
…وقال القسطلاني: ( أبو بكر أول من أسلم من الأحرار البالغين) هـ(4) ؛
…وقال الشيخ التودي(5)
__________
(1) - فتح الباري 7/216.
(2) - قال الحافظ في الفتح 7/89: ( وروى يعقوب بن سفيان بإسناد صحيح عن عروة قال: " أسلم علي وهو ابن ثمان سنين"، وقال ابن إسحاق: " عشر سنين"، وهذا أرجحها، وقيل غير ذلك).
وقال الحافظ الذهبي في معرفة القراء الكبار ص: 26 (ترجمة علي): " أحد السابقين الأولين لم يسبقه إلى الإسلام إلا خديجة رضي الله عنها، واختلف فيه وفي أبي بكر رضي الله عنهما أيهما أسلم أول، ولكن إسلام الصديق كان أنفع للإسلام وأكمل، لأن عليا رضي الله عنهما أسلم وله ثمان سنين، وقيل: تسع سنين، وقيل: ابن عشر سنين، وقيل: ابن اثني عشرة سنة، وقيل: ابن ثلاث عشرة، وقيل: ابن خمس عشرة: قال ابن عينية عن جعفر الصادق عن أبيه: إن عليا قتل وهو ابن ثمان وخمسين سنة، قال المؤلف: هذا يطابق أنه أسلم وله ثمان سنين).
ونقل ابن حجر في الإصابة 4/174 عن البغوي من طريق يوسف بن الماجشون: أدركت مشيختنا ابن المكندر وربيعة وصالح بن كيسان وعثمان بن محمد، لا يشكون أن أبا بكر أول القوم إسلاما.
(3) - الاستيعاب ص: 963.
(4) -إرشاد الساري 6/210 ، والمواهب اللدنية 1/59.
(5) - أبو عبد الله محمد بن التاودي بن الطالب بن علي بن سودة المري الفاسي، شيخ الجماعة.
ولد عام 1111هـ، وأخذ عن محمد بن قاسم جسوس ومحمد بن عبد السلام بناني، واستجاز من الشيخ الأمير المصري ومرتضى الزبيدي.
وأخذ عنه الطيب بنكيران والرهوني وإدريس العراقي وحمدون بن الحاج.
له حاشية على البخاري، وشرح مشارق الأنوار للصغاني، وغيرهما.
ترجمته في: فهرس الفهارس 1/185-190، والإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام لعباس بن إبراهيم السملالي 5/134، وشجرة النور الزكية 372.(2/25)
: ( أبو بكر أول من أسلم من الرجال الأحرار البالغين بلاخلاف) هـ ؛ ثم بعد أبي بكر أسلم زيد بن حارثة(1)، وبعده عثمان(2)، وسعد بن أبي وقاص(3)
__________
(1) - زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن زيد بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر. قال ابن عمر: ماكنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزلت: "ادعوهم لآبائهم" ـ أخرجه البخاري. كان عبدا عند خديجة فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين زواجه بها، ومن فضائله أنه حين قدم أبوه وعمه ليفتدياه وخيره المصطفى، قال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحدا، أنت مني بمكان الأب والعم، فلما راجعا، قال النبي: اشهدوا أن زيدا ابني، يرثني وأرثه، فطابت أنفسهما وانصرفا، استشهد في غزوة مؤته وله 55 سنة، ترجمته في: الاستيعاب ص: 542، والإصابة 2/598ـ602، وأسد الغابة 2/234.
(2) - عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي، أمير المؤمنين. أمه أروى بنت كريز، وأمها البيضاء عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، زوجه المصطفى ابنته رقية، وماتت عنده في أيام بدر، فزوجه بعدها أختها أم كلثوم، فلذلك كان يلقب ذا النورين، وهو أول من هاجر إلى الحبشة ومعه زوجته رقية.
أخرج الترمذي مرفوعا: (لكل نبي رفيق، ورفيقي في الجنة عثمان)؛ وقال علي: (كان عثمان أوصلنا للرحم). قتل وهو ابن اثنتين وثمانين سنة وأشهر. ترجمته في: الاستيعاب ص:1037، والإصابة 4/456ـ459، وأسد الغابة 3/376.
(3) - سعد بن مالك بن أهيب، ويقال له ابن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري، أبو إسحاق بن أبي وقاص. أحد العشرة وأخرهم موتا، كان أحد الفرسان، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله، وكان مجاب الدعوة مشهورا بذلك.
قال عمر: "إن أصابته الإمرة فذاك، وإلا فليستعن به الوالي". وكان رأس من فتح العراق، وولي الكوفة لعمر، وهو الذي بناها، ثم عزل ووليها لعثمان، مات سنة 56 هـ.
ترجمته في: الاستيعاب ص:606، والإصابة 3/73ـ77.(2/26)
،وطلحة(1) ، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف(2) على يد أبي بكر، فهؤلاء الثمانية هم السابقون إلى الإسلام ).
__________
(1) - طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي، أبو محمد، أحد العشرة، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر، وأحد الستة أصحاب الشورى.
كان ممن بايع على الموت يوم أحد، منهم أبو بكر وعمر والزبير وسعد. توفي سنة 36 هـ.
ترجمته في: الاستيعاب ص:764، والإصابة 3/529ـ533.
(2) - عبد الرجمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري، أبو محمد أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض، أسلم قديما، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا وسائر المشاهد، تصدق على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بشطر ماله، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله وخمسمائة راحلة. توفي سنة 32 هـ.
ترجمته في: الاستيعاب ص:844، والإصابة 4/346ـ350، وأسد الغابة 3/313.(2/27)
3857ـ خمسة أعبد: هم زيد بن حارثة وبلال وعامر بن فهيرة(1) وأبو فكيهة(2) وشقران(3) ،وهذا قاله بحسب ظنه، وإلا فقد أسلم قبلهم غيرهم كما سبق(4) .
__________
(1) - عامر بن فهيرة التيمي، مولى أبي بكر الصديق، أحد السابقين، وكان ممن يعذب في الله، وحديثه في الهجرة عن عائشة في الصحيح، قالت: خرج معهم عامر بن فهيرة وعند ابن إسحاق: أن عامر بن الطفيل كان يقول: من رجل منكم لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض فقالوا: عامر بن فهيرة، وكان رضي الله عنه فيمن استشهد ببئر معونة. ترجمته في: الاستيعاب ص796:، والإصابة 3/594ـ595.
(2) - أبو فكيهة الجهمي، مولى صفوان بن أمية، وقيل مولى بني عبد الدار، ويقال أصله من الأزد. أسلم قديما، فربط أمته بن خلف في رجله حبلا فجره حتى ألقاه في الرمضاء، وجعل يخنقه، ولم يزل على ذلك حتى ظن أنه مات، فمر أبو بكر فاشتراه وأعتقه. وذكره ابن غسحاق فيمن نزل فيه قوله تعالى: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي"، وهو مشهور بكنيته واسمه يسار، وقيل أفلح بن يسار، ترجمته في: الاستيعاب ص:1730، والإصابة 7/322 ـ323.
(3) - شقران، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقال كان اسمه صالح بن عدي؛ شهد بدرا، وقال أبو حاتم: يقال إنه كان على الأسارى يوم بدر، وزاد ابن سعد: ولم يسهم له لكونه مملوكا، لكن كان كل من افتدى أسيرا وهب له شيئا، فحصل له أكثر مما حصل لمن شهد القسمة، وفي الترمذي عن شقران: قال: أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر.
ترجمته في: الاستيعاب ص:709، والإصابة 3/351ـ353.
(4) - تقدم الحديث في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذا خليلا"، من كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.(2/28)
وامرأتان: هما خديجة وأم أيمن(1) ، أو سمية أم عمار.
31 - " إسلام سعد بن أبي وقاص":
…قدمنا(2) أنه أحد الثمانية السابقين إلى الإسلام.
…3858ـ ما أسلم أحد...إلخ: قال ذلك بحسب ظنه، وإلا فقد أسلم غيره قبل يوم إسلامه. لثلث الإسلام: أي ثالث من أسلم، قاله أيضا بحسب ظنه.
32 - "ذكر الجن":
…الوافدين على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما ذكرهم هنا إشارة إلى إسلامهم، وأنهم من السابقين إلى الإسلام.
…قال الشهاب الخفاجي(3)
__________
(1) - أم أيمن، مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وحاضنته، قال ابن عبد البر: اسمها بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أم أيمن أمي بعد أمي، زوجها من زيد بن حارثة، فولدت له أسامة قال الواقدي: حضرت أم أيمن أحدا، وكانت تسقي الماء، وتداوي الجرحى، وشهدت خيبر، وكانت تبكي بعد الوفاة النبوية وتقول: " أبكي على الوحي الذي رفع عنا".
ترجمتها في: الاستيعاب ص:1925، والإصابة 8/169ـ173.
(2) - في الصفحة السابقة.
(3) - أحمد بن محمد بن عمر المصري، الشهاب الخفاجي، صاحب نسيم الرياض شرح الشفا لعياض. لازم إبراهيم العلقمي.
له : طراز المجالس، وديوان الأدب في ذكر شعراء العرب. توفي عام 1069هـ.
ترجمته في : شجرة النور الزكية 68، وإيضاح المكنون لباشا البغدادي 2/646.(2/29)
في شرح الشفا، نقلا عن صاحب (1) آكام(2) المرجان في أحكام الجان، ما نصه: (وفادة الجن كانت على النبي - صلى الله عليه وسلم - ست مرات، الأولى لم يشعر بها أحد من أصحابه، والتمسوه/ فلم يجدوه حتى أخبرهم بعد ذاك بذلك، والثانية كانت بالحجون(3)؛ والثالثة كانت بأعلى مكة في الجبال، حضرها ابن مسعود، والرابعة ببقيع الغرقد(4) ، حضرها ابن مسعود أيضا وخط عليه الخط؛ والخامسة خارج المدينة مع ابن الزبير(5)؛ والسادسة في بعض أسفاره مع بلال، ولكل منها حديث مسند) هـ(6) .
…وقول الله عز وجل: " قُلُ اوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ" (7)، هم المتفرقون في أقطار الأرض لكشف خبر الرجم الذي كثر في السماء، وكان ذلك في صلاة الصبح ببطن نخلة(8) عند رجوعه - صلى الله عليه وسلم - من الطائف.
__________
(1) - هو محمد بن عبد الله الشلبي.
(2) - في أصل المخطوط: "أكمام"، وهو خطأ، و"آكام" جمع آكم.
(3) - جبل بأعلى مكة عند مدافن أهلها، على ميل ونصف من البيت العتيق، انظر معجم البلدان لياقوت الحموي 2/225.
(4) - أصل البقيع الموضع الذي فيه أروم الشجر من ضروب شتى، والغرقد كبار العوسج، وهو مقبرة المدينة، انظر معجم البلدان 1/473.
(5) - عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي، أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، وهو أول مولود ولد للمهاجرين بعد الهجرة، وحنكه النبي صلى الله عليه وسلم.
قال مجاهد: " ماكان باب من العبادة إلا تكلفه ابن الزبير".
شهد ابن الزبير اليرموك مع أبيه، وشهد فتح إفريقية، وكان البشير بالفتح إلى عثمان. قتل سنة 73 هـ.
ترجمته في: الاستيعاب ص:905، والإصابة 4/89ـ95.
(6) - آكام المرجان في أحكام الجان لمحمد بن عبد الله الشلبي، ص: 52.
(7) - سورة الجن، الآية 1 .
(8) - قرية قريبة من المدينة على طريق البصرة، انظر معجم البلدان 1/449.(2/30)
…قال البيهقي(1): ( وهذا كان في أول أمره ولم يرهم)، يعني ثم أتوه بعد ذلك ورآهم كما يأتي في سورة الجن.
… 3859- عن معن(2) : هو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود.
من آذن: أعلم
…عبد الله: ابن مسعود.
…3860 - جدي: هو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاصي(3).
…ابغني: بهمزة وصل، ثلاثي، تقول بغيت الشيء: طلبته، وأبغيتك الشيء: أعنتك على طلبه(4) . أستنفض: أستجمر. هما من طعام الجن: أي ومن طعام دوابهم، فالعظم لهم، والروث لدوابهم.
…نصيبين(5) : بلدة مشهورة بالجزيرة.
…وكانوا سبعة: شاصر وماصر ومنشئ وناشئ والأحنف وسرق وأنيس.
…فسألوني الزاد: مما يفضل عن الإنس.
…وجدوا عليه طعاما: (يحتمل أن يجعله الله لهم عليها، أو يذيقهم منها طعاما)(6).
33 - " إسلام أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ":
…اسمه جندب بن جنادة.
__________
(1) - أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، صاحب التصانيف.
لزم الحاكم وتخرج به.
توفي عام 458هـ بنيسابور.
ترجمته في: تذكرة الحفاظ 3/132، وطبقات السبكي 4/8، وشذرات الذهب 3/304.
(2) - معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي المسعودي الكوفي، أبو القسم القاضي.
روى عن أبيه وأخيه القاسم، وعنه الثوري ومحمد بن طلحة.
كان على قضاء الكوفة، وكان صارما عفيفا جامعا للعلم.
ترجمته في : تهذيب التهذيب 10/252، والتقريب رقم 6819.
(3) - سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي، المدني ثم الدمشقي ثم الكوفي.
روى عنه أولاده خالد وإسحاق وعمرو.
قال الزبير: كان من علماء قريش بالكوفة.
مات بعد 120هـ.
ترجمته في : تهذيب التهذيب 4/68، والتقريب رقم 2370.
(4) - وصح عند الهروي: " أبغني" بهمزة قطعية، انظر صحيح البخاري 5/59 ( الطبعة الأميرية).
(5) - مدينة من بلاد الجزيرة على طريق القوافل من الموصل إلى الشام، انظر معجم البلدان 5/288.
(6) - هو قول ابن التين السفاقسي، انظر الفتح 7/219.(2/31)
…3861 - لأخيه: اسمه أنيس(1). الوادي: يعني مكة. حتى قَدِمَهُ: أي وادي مكة. قوله: - صلى الله عليه وسلم -. وكلاما: معطوفا على الهاء في " رأيته"، على تقدير: وسمعت كلاما، من باب "علفتها تبنا وماء" (2) .شنة: قربة بالية. المسجد: أي فناء الكعبة. وكره أن يسأل عنه: لئلا يؤذى. فتبعه: في رواية " فقال له انطلق إلى المنزل، فانطلق معه"(3)، وهي توضح ماهنا. آن(4):حان . منزله: أي منزل ضيافته. أريق الماء: أي أبول، وفي رواية: " أصلح نعلي"(5)، فيحمل على أنه قالهما معا. لأصرخن بها: أي بكلمة الشهادة، وكأنه فهم أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بالكتمان ليس على الإيجاب، بل من أجل الشفقة عليه من الإذاية، فأعلمه أن به قوة على تحمل الأذى، ولذا أقره عليه الصلاة والسلام على ذلك، ويؤخذ منه جواز قول الحق عند من يخشى منه الإذاية لمن قاله، وإن كان السكوت جائزا، والتحقيق أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والمقاصد، وبحسب ذلك يترتب وجود الأجر وعدمه، قاله الحافظ ابن حجر(6) .
__________
(1) - أنيس بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار الغفاري، أخو أبي ذر، وكان أكبر منه. روى مسلم عن أبي ذر قال: قال لي أخي أنيس: قد بدت لي حاجة إلى مكة، فهل أنت كافي حتى أرجع إليك؟ قلت: نعم، فخرج ثم جاء فقال: إني لقيت رجلا بمكة على دينك يزعم أن الله أرسله يسمونه الصابئ،… ووالله إني لأراه صادقا. ترجمته في: الاستيعاب ص:113، والإصابة 1/136.
(2) - من شعر ذي الرمة: علفتها تبنا وماء باردا *** حتى شتت همالة عيناها، وليس في ديوانه، وأورده الفراء في معاني القرآن 3/124، وابن منظور في لسان العرب (علف)، والبغدادي في خزانة الأدب 1/499، وشرح المفصل لابن يعيش 2/8.
(3) - هي رواية أبي قتيبة ، انظر الفتح 7/ 221 .
(4) - ليس في الطبعة الأميرية من صحيح البخاري 5/59 إلا: "نال" فقط.
(5) - هي رواية أبي قتيبة كذلك.
(6) - في فتح الباري 7/223.(2/32)
34 - " إسلام سعيد بن زيد" (1)
ابن عمرو بن نفيل المتقدم الذكر(2) رضي الله عنه، هو ابن عم(3)عمر بن الخطاب(4)، وأحد العشرة المبشرين بالجنة.
3862 - لموثقي على الإسلام: أي ربطني لأرجع عن إسلامي. انفض: أي زال من مكانه.
لكان: زاد الإسماعيلي(5): "حقيقا" أي جديرا بذلك، وإنما قال ذلك "سعيد" لعظم ما ارتكبه قتلة عثمان من الوزر، وفظاعة ما ابتدعوه في الإسلام.
__________
(1) - سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى العدوي . أحد العشرة المشهود لهم بالجنة أسلم قبل دخول رسول الله دار الأرقم، وهاجر وشهد أحدا والمشاهد بعدها، ولم يكن بالمدينة زمان بدر، فلذلك لم يشهدها. وكان إسلام عمر عند في بيته، لأنه كان زوج أخته فاطمة، قال الواقدي: توفي بالعقيق، فحمل إلى المدينة، وذلك سنة خمسين. ترجمته في: الاستيعاب ص:614، والإصابة 3/103ـ105.
(2) - المقصود هو زيد بن عمرو بن نفيل، وهو ابن عم عمر بن الخطاب، وتقدم ذكره في باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل، من كتاب مناقب الأنصار (الباب رقم 24).
(3) - ابن عم عمر بن الخطاب هو زيد بن عمرو، أما سعيد بن زيد فهو ابن ابن عمه، انظر الفتح 7/223.
(4) - عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العدوي، أبو حفص أمير المؤمنين. كان إسلامه فتحا على المسلمين، وفرجا لهم من الضيق. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى عمر أو أبا جهل قال: اللهم اشدد دينك بأحبهما إليك، وكان أحبهما إلى الله عمر بن الخطاب، ومناقبه أعظم من أن تحصى.
ترجمته في: الاستيعاب ص:1144، والإصابة 4/588ـ591.
(5) - أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الإسماعيلي الجرجاني،أبو بكر.
نشأ بجرجان، وسمع ورحل.
له: الصحيح على شرط البخاري، والعوالي.
توفي عام 371هـ.
ترجمته في: طبقات الفقهاء للشيرازي 95، وتذكرة الحفاظ للذهبي 3/149، وشذرات الذهب 3/75.(2/33)
35- " إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه":
…كان إسلامه في ذي الحجة من السنة السادسة من المبعث.
3864 - بينما هو: أي "عمر" خائفا من قوله لما أسلم. جاءه العاصي: والد عمرو(1) ، ومات على كفره. حلة حبر: برد مخطط بالوشي. قومك: أي قريش. بعد أن قالها: أي قال لاسبيل عليك. أمنت: أي حصل لي الأمن منهم. سال: امتلأ. الوادي: / وادي مكة. فكر: رجع.
3865 - وأنا غلام: ابن خمس سنين. فما ذاك؟: أي لا بأس. فأنا له جار: أي أجرته من أن يظلمه ظالم. تصدعوا: تفرقوا . العاصي بن وائل(2): زاد في رواية قال: "فعجبت من عزه".
__________
(1) - عمرو بن العاصي به وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي القرشي السهمي، أمير مصر. أسلم قبل الفتح، وقيل بين الحديبية وخيبر. كان رسول الله يقربه ويدنيه لمعرفته وشجاعته، وولاه غزاة ذات السلاسل. ولاه عمر فلسطين، ومات بعمان وهو أميرها. قال الشعبي: دهاة العرب في الإسلام أربعة، فعد منهم عمرا، وقال: فأما عمرو فللمعضلات.
ترجمته في: الاستيعاب ص:1184، والإصابة 4/650ـ654.
(2) - هو العاصي بن وائل بن هاشم بن سعيدـ بالتصغير ـ بن سهم القرشي السهمي، مات على كفره قبل الهجرة بمدة، والعاص بمهلتين من العوص لا من العصيان، والصاد مرفوعة ويجوز كسرها، وقيل إنه من العصيان فهو بالكسر جزما، ويجوز إثبات اليااء كالقاضي ويؤيده كتاب عمر إلى عمرو، وهو عامله على مصر: " إلى العاصي بن العاصي"، وأطلق عليه ذلك لكونه خالف شيئا مما كان أمره به في ولايته على مصر لما ظهر له من المصلحة - انظر فتح الباري 7/227 -.(2/34)
3866 - لشيء: أي عن شيء. إلا كان كما ظن: لأنه كان محدثا مكلما ملهما. جالس: زمن خلافته. رجل: هو سواد بن قارب(1). لقد أخطأ ظني أو ...إلخ، أو… إلخ: حاصله أن "عمر" ظن شيئا فتردد هل أخطأ ظنه أو أصاب، فإن أصاب فهذا الرجل إما كافر وإما كان كاهنا، وقد أظهر الحال الشق الأخير(2)، وعند البيهقي: " لقد كنت ذا فراسة، وليس لي الآن رأي إن لم يكن هذا الرجل ينظر في الكهانة " .علي الرجل: أي أحضروه عندي. فقال له ذلك: أي ما قال من التردد. ما رأيت كاليوم: أي ما رأيت شيئا مثل ما رأيت اليوم. استقبل به أحد رجلا مسلما: يشير إلى إنكار ما قال له عمر. كنت كاهنهم: الكاهن هو الذي يتعاطى الخبر عن الأمور المغيبة، إما بتابع من الجن أو بغير ذلك، فما أعجب:ما استفهامية. ماجاءتك به جنيتك: من أخبار الغيب، وأنثها تحقيرا، أو عرف أنها كانت أنثى بفراسته كما عرف كهانته(3). الفزع: الخوف. وإبلاسها: تحيرها. ويأسها: ضد الرجاء . من إنساكها(4):مكانها التي تألفه لاسراق السمع ، يعني أنها يئست من استراق السمع بعد أن كانت ألفته. بالقلاص: جمع قُلُوص، الفتية من النوق. وأحلاسها: جمع حلس، ما يوضع على الإبل تحت الرحل، يعني للارتحال إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - للإيمان به، كما دل عليه ما زيد في القصة في بعض الروايات(5)
__________
(1) - وهو سدوسي أو دوسي، وقد أخرج ابن أبى خيثمة وغيره من طريق أبي جعفر الباقي قال: " دخل رجل يقال له سواد بن قارب السدوسي على عمر، فقال: يا سواد أنشدك الله، هل تحسن من كهانتك شيئا" فذكر القصة - انظر الفتح 7/227 -.
(2) - مثله في الفتح 7/228.
(3) - ويحتمل أن يكون عرف أن تابع "سواد" منهم كان أنثى، أو هو كما يقال تابع الذكر يكون أنثى وبالعكس ـ انظر الفتح 7/228.
(4) - في صحيح البخاري 5/61 ( ط. الأميرية): (من بعد إنكاسها).
(5) - في رواية الباقر ومحمد بن كعب، وكذا عند البيهقي موصولا من حديث البراء بن عازب ـ انظر الفتح 7/229ـ.(2/35)
من قوله:
تهوي إلى مكة تبغي الهدى - ما مؤمنو الجن كأنجاسها .
…الكرماني(1) : ( فإن قلت ما الغرض منه، وهل للجن قلوص وأحلاس؟ قلت: الغرض منه الإعلام بظهور النبي - صلى الله عليه وسلم - )(2) . آلهتهم: أصنافهم. فذبحه: عليهم. يا جليج: معناه الوقح المكافح بالعداوة . أمر نجيح: هو ما يذكره بعد. فما نشبنا: أي لم نتعلق بشيء من الأشياء حتى سمعنا النبي - صلى الله عليه وسلم - قد خرج، يريد أن ذلك كان بقرب مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي إيراد البخاري هذه القصة هنا إشارة إلى أنها سبب إسلام "عمر"، وإن تقدم زمنها على زمن إسلامه(3).
__________
(1) - محمد بن يوسف بن علي بن سعيد الكرماني البغدادي.
من كبار المصنفين، له الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري، وحاشية على أنوار التنزيل للبيضاوي.
توفي في الطريق إلى الحج عام 786هـ.
ترجمته في: بغية الوعاة للسيوطي 120، والدرر الكامنة 4/310، والبدر الطالع 2/292.
(2) - الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري 15/88.
(3) - مثله في الفتح 7/231.
وزاد الحافظ: ( فروى أبو نعيم في الدلائل أن أبا جهل "جعل لمن يقتل محمدا مائة ناقة، قال عمر، فقلت له: يا أبا الحكم، الضمان صحيح؟ قال: نعم. قال: فتقلدت سيفي أريده، فمررت على عجل وهم يريدون أن يذبحوه، فقمت أنظر إليهم، فإذا صائح يصيح من جوف العجل: يا آل ذريح، أمر نجيح، رجل يصيح بلسان فصيح، قال عمر: فقلت في نفسي، إن هذا الأمر ما يراد به إلا أنا، قال: فدخلت على أختي فإذا عندها سعيد بن زيد"، فذكر القصة في سبب إسلامه بطولها، وتأمل في إيراده حديث سعيد بن زيد الذي بعد هذا من المناسبة لهذه القصة) ـ الفتح 7/231ـ.(2/36)
3867 - وأخته: فاطمة(1). وما أسلم: هو إذ ذاك. انقض: زال من مكانه.
36 - " انشقاق القمر"
…أي في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - على طريق المعجزة له، وكان ذلك قبل الهجرة بخمس سنين، والنبي - صلى الله عليه وسلم - بمنى ليلة أربعة عشر قرب غروبه.
…قال العلماء: ( انشقاق القمر آية عظيمة لا يعادلها شيء من آيات الأنبياء، وأنها مما ثبت بطريق التواتر المفيد للقطع، وانعقد الإجماع على وقوعه، وإنكار بعض المبتدعة لذلك قائلين إن الآيات العلوية لا يتهيأ فيها الانحراف والالتئام، مردود بأن القمر مخلوق لله يفعل فيه ما يشاء، "كما يكوره يوم القيامة ويفنيه" ، وما قيل من أنه لو انشق لما خفي على أهل الأقطار، لأن الطباع مجبولة على نقل العجائب، مردود بأنه يجوز أن يحجبه الله عنهم بغيم، لاسيما وأكثر الناس إذ ذاك نيام والأبواب مغلقة، وقل من يرصد السماء، وقد يقع بالمشاهدة أن ينكسف القمر وتبدو الكواكب العظام وغير ذلك، ولا يشاهده إلا الآحاد من الناس) قاله في الفتح(2).
__________
(1) - فاطمة بنت الخطاب بن نفيل القرشية العدوية، أخت عمر، أسلمت قديما مع زوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، قال ابن عبدالبر: خبرها في إسلام عمر خبر عجيب. وفيه: فانطلقت فوجدت الباب مغلقا، وسمعت همهمة، قال: ففتح لي الباب، فدخلت، فقلت: ما هذا الذي أسمع؟ قالت ما سمعت شيئا، فما زال الكلام بيننا حتى أخذت برأسها، فقالت: قد كان ذلك رغم أنفك، قال فاستحييت حين رأيت الدم، وقلت: أروني الكتاب …الخ.
ترجمتها في: الاستيعاب ص:1892 والإصابة 8/62ـ63.
(2) - فتح الباري 7/235، وقريب من ذلك في أعلام السنن في شرح صحيح البخاري للخطابي ص: 899ـ900.(2/37)
3868 - شقتين: أي نصفين، وفي رواية: "فرقتين"(1)، وفي أخرى: "فانشق باثنتين"(2)، وفي أخرى: "فصار قمرين"(3)، وأما رواية مسلم(4) وغيره: " فأراهم انشقاق القمر مرتين"(5)، فمعناها فرقتين /.
…قال ابن حجر: ( وهذا الذي لا يتجه غيره، جمعا بين الروايات(6)، لأني لا أعلم أحدا من علماء الحديث جزم بتعدد الانشقاق(7) في زمنه - صلى الله عليه وسلم - ، وما في نظم السيرة للحافظ العراقي لا يعول عليه) هـ(8).
…حراء بينهما: أي بين الفرقتين.
__________
(1) - وهي متفق عليها من رواية شعبة عن قتادة ـ الفتح 7/232ـ.
(2) - من حديث جبير بن مطعم ـ الفتح 7/233ـ.
(3) - عند أبي نعيم في الدلائل من رواية ابن عباس.
(4) - أبو الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري.
ولد في نيسابور عام 202هـ، وابتدأ طلب الحديث منذ عام 218هـ.
يعتبر من أئمة الجوامع الحديثية الصحيحة. توفي في نصر آباد عام 261هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد 13/100-104، وتذكرة الحفاظ للذهبي 588، وشذرات الذهب 2/144.
(5) - أخرجه مسلم في المنافقين 43-47، وأحمد 1/377-413.
(6) - فتح الباري 7/233.
(7) - قال ابن حجر: ( ووقع في نظم السيرة لشيخنا الحافظ أبي الفضل: وانشق مرتين بالإجماع ولا أعرف من جزم من علماء الحديث بتعدد الانشقاق في زمنه صلى الله عليه وسلم، ولم يتعرض لذلك أحد من شراح الصحيحين، وتكلم ابن القيم على هذه الرواية، فقال: المرات يراد بها الأفعال تارة والأعيان أخرى، والأول أكثر) ـ فتح الباري 7/233ـ.
(8) - بل يمكن تأويله كما قال الحافظ نفسه: ( ثم راجعت نظم شيخنا فوجدته يحتمل التأويل المذكور، ولفظه:
فصار فرقتين فرقة علت * وفرقة للطود منه نزلت
وذاك مرتين بالإجماع *… والنص والتواتر السماع.
فجمع بين قوله: "فرقتين"، وبين قوله: "مرتين"، فيمكن أن يتعلق قوله بالإجماع بأصل الانشقاق لا بالتعدد، مع أن في نقل الإجماع في نفس الانشقاق نظرا) - الفتح 7/233 - .(2/38)
3869 - نحو الجبل: (حراء، أي بأن "صارت" من ناحية منه، والأخرى من ناحيته الأخرى، حتى صار الجبل بينهما، ثم التأما في الحال)، قاله الكرماني(1).
…( وما روي من أنه لما انشق، دخل في كم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لا أصل له)، قاله ابن كثير (2).
…انشق بمكة: قدمنا(3) أن انشقاقه كان وهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنى، وهو الذي في معظم الروايات، وقوله هنا: " انشق بمكة " لا يعارض ذلك لأن من كان بمنى كان بمكة من غير عكس،ومراده أن الانشقاق كان وهم بمكة قبل الهجرة إلى المدينة، قاله ابن حجر(4).
37 ـ " هجرة الحبشة " (5)
__________
(1) - في الكواكب الدراري 15/89، ولفظة "صارت" ساقطة من الأصل، وأثبتها العرائشي.
(2) - في السيرة النبوية 2/121 بقوله: ( وما يذكره بعض القصاص من أن القمر سقط إلى الأرض حتى دخل في كم النبي صلى الله عليه وسلم، وخرج من الكم الآخر، فلا أصل له، وهو كذب مفترى ليس بصحيح).
(3) - في شرح الترجمة 36 (انشقاق القمر).
(4) - في الفتح 7/234.
(5) - قال عياض في مشارق الأنوار 1/176: ( يقال: الحبش والحبشة والحبشان والأحبوش والحبيش).(2/39)
…أي هجرة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بإذن منه من مكة إلى أرض الحبشة، وكان ذلك مرتين، إحداهما في رجب سنة خمس من المبعث، وعدة من هاجر فيها اثنا عشر رجلا وخمس نسوة، كذا للعراقي، وأول من هاجر عثمان مع زوجه رقية(1) بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومن ثم قدمه المص(2) في ذكر أهل الهجرة (3)، ثم رجعوا في شوال من عامهم لما سمعوا المشركين سجدوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قرأ سورة "والنجم"، وظنوا أنهم اسلموا، فوجدوا الأمر على خلاف ذلك، فهاجروا الهجرة الثانية، وعدة من هاجر فيها ثلاثة وثمانون رجلا، وثمان عشرة امرأة، وقيل غير ذلك(4) .
…لابتين: تثنية لابة، وهي الحرة ذات الحجارة السود.
__________
(1) - رقية بنت سيد البشر صلى الله عليه وسلم، هي زوج عثمان بن عفان، وأم ابنه عبد الله، قال ابن عبد البر: لا أعرف خلافا أن زينب أكبر بنات النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف في رقية وفاطمة وأم كلثوم، والأكثر أنهن على هذا الترتيب كانت رقية أولا عند عقبة بن أبي لهب، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبو لهب ابنه بطلاقها ـ ولم يكن دخل بها ـ فتزوجها عثمان. أصيبت رضي الله عنها بداء الحصبة، فماتت، وجاء زيد بن حارثة بشيرا بقتل المشركين يوم بدر. ترجمتها في: الاستيعاب ص:1839، والإصابة 7/648ـ650.
(2) - هذا اختصار لكلمة المصنف.
(3) - (أخرج يعقوب بن سفيان بسند موصول إلى أنس قال: " أبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهما، فقدمت امرأة فقالت له: لقد رأيتهما وقد حمل عثمان امرأته على حمار فقال: صحبهما الله، إن عثمان لأول من هاجر بأهله بعد لوط". قلت وبهذا تظهر النكتة في تصدير البخاري الباب بحديث عثمان) ـ الفتح 7/239ـ.
(4) - " ثلاثة وثمانون رجلا، ومن النساء تسع عشرة امرأة" ـ كما في زاد المعاد 3/26ـ.(2/40)
…فيه: أي في الباب حديث. عن أبي موسى(1) :يأتي في آخر الباب. وأسماء(2): بنت عميس، ويأتي في غزوة خبير.
__________
(1) - أبو موسى عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار الأشعري اليماني. قدم على النبي صلى الله عليه وسلم عند فتح خيبر وحفظ القرآن والعم. كان من أطيب الناس صوتا. سمعه المصطفى يقرأ فقال: لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود" -البخاري 5048، ومسلم 793 ـ قال ابن المدائني: قضاة الأمة أربعة : عمر وعلي وأبو موسى وزيد بن ثابت. قرأ عليه أبو رجاء العطاردي، وحطان الرقاشي، وروى عنه بنوه: أبو بكر، وأبو بردة، وموسى ، وكذا سعيد بن المسيب. توفي سنة 42هـ أو 44 هـ .ترجمته في: طبقات ابن سعد 2/344ـ345، والتاريخ الكبير 5/22ـ23، والجرح والتعديل 5/138، والاستيعاب وأسد الغابة 3/367، والإصابة 4/211ـ214.
(2) - أسماء بنت عميس بن معد بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن غانم بن معاوية بن زيد الخثعمية، وقيل عميس هو ابن النعمان بن كعب، والباقي سواء كانت أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين. هاجرت إلى الحبشة مع وزوجها جعفر بن أبي طالب، فلما قتل تزوجها أبو بكر، ثم علي . روت أحاديث، وعنها ابنها عبد الله بن جعفر، وابن عباس، وعروة بن الزبير.
ترجمتها في: الاستيعاب ص:1784، والإصابة 7/489ـ491.(2/41)
…3872 - خالك: أي قريب أمك. في أخيه: أي لأمه. أعوذ بالله منك: إنما قال له ما ذكر لأنه كان متوجها للصلاة، وخاف أن يشغل باله بشيء يلهيه عن حضوره فيها. رسول عثمان: لم يسم. الهجرتين الأوليين: أي هجرة الحبشة وهجرة المدينة، ففي قوله: " الأوليين" تغليب بالنسبة إلى هجرة الحبشة، فإنها كانت أولى وثانية، وأما إلى المدينة فلم تكن إلا واحدة"(1) . أكثر الناس: القول. تقيم عليه الحد: أي حد شرب الخمر للشهادة عليه بالسكر، وأنه صلى كذلك. ولكن خلص إلي ... إلخ:(2) أي لأن شريعته- صلى الله عليه وسلم - عمت كل أحد. كان لي عليهم: قال القاضي عياض(3): هذا وهم، وصوابه: " مثل الذي كان لهم عليكم"، وقد نبه البخاري على هذا الوهم آخرا بقوله : " مثل الذي كان لهم" (4).
__________
(1) - مثله في الفتح 7/241.
(2) - في صحيح البخاري 5/63: " ولكن قد خلص إلي".
(3) - أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بم عمرو بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي الحافظ، عالم المغرب. تفقه وصنف التصانيف التي سارت بها الركبان كالشفا والمشارق وشرح مسلم، وكان أعلم الناس بعلوم الحديث في وقته، وبالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم. أخذ عن ابن رشد وابن الحاج، وعنه ابن غازي. ولي قضاء سبتة ثم غرناطة. توفي بمراكش سنة 544 هـ.
ترجمته في: تذكرة الحفاظ 4/1304، والبداية والنهاية 12/225، وطبقات الحفاظ ص: 468ـ469، والديباج المذهب 2/46، وشجرة النور الزكية 1/140.
(4) - كذا في صحيح البخاري 5/63 .(2/42)
…فجلد الوليد(1) أربعين جلدة: قدمنا عن الحافظ أن رواية معمر(2) هذه أصح من رواية يونس(3) السابقة في مناقب عثمان أنه جلده ثمانين جلدة، فراجع ذلك.
…قال أبو عبد الله: " بلاء..." إلخ: تحرير هذا المقام أن لفظ "بلاء" من الأضداد، يطلق على النعمة وعلى النقمة، ويطلق أيضا على الاختيار، والكل في القرآن، فقوله: "وهي" أي لفظة "بلاء" في هذه الآية مأخوذة من "أبتليه". وتلك: أي وفي تلك الآية مأخوذة من "ابتليته".
…3873 ـ أم سلمة(4)
__________
(1) - الوليد بن عقبة بن أبي معيط أبان بن أبي عمرو ذكران بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي، أخو عثمان بن عفان لأمه، أمهما أروى بنت كريز، أسلم الوليد وأخوه عمارة يوم الفتح. وكان الوليد شجاعا شاعرا جوادا، وكان من رجال قريش وسراتهم، وقصة صلاته بالناس الصبح أربعا وهو سكران مشهورة مخرجة، وقصة عزله بعد ثبوت شربه الخمر مخرجة في الصحيحين. روى عن النببي صلى الله عليه وسلم، وعن عثمان. ترجمته في: الاستيعاب ص:1552، والإصابة 6/614ـ618.
(2) - معمر بن يحيى بن سام الضبي الكوفي، وقد ينسب لجده، ويقال معمر بالشديد.
روى عن أخيه وفاطمة بنت علي بن أبي طالب، وعنه وكيع وأبو نعيم.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 10/249، التقريب رقم 6814.
(3) - يونس بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي، أبو يزيد، مولى آل أبي سفيان.
ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهما قليلا، وفي غير الزهري خطأ.
توفي عام 159هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 11/450، التقريب رقم 7919.
(4) - أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشية المخزومية، أم المؤمنين، اسمها هند، كانت زوج ابن عمها أبي سلمة بن عبد الأسد، فمات عنها، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة أربع، وقيل سنة ثلاث. وكانت ممن أسلم قديما هي وزوجها وهاجرا إلى الحبشة.
كانت موصوفة بالعقل البالغ والرأي الصائب، وإشارتها على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية تدل على وفور عقلها وهي آخر أمهات المؤمنين موتا.
ترجمتها في: الاستيعاب ص:1939، والإصابة 8/221ـ225.(2/43)
:هي من أهل الهجرة الأولى إلى الحبشة مع زوجها أبي سلمة بن عبد الأسد(1). وأم حبيبة(2): من أهل الهجرة الثانية إلى الحبشة أيضا مع زوجها عبيد الله(3) بن جحش(4) فمات هناك.
__________
(1) - أبو سلمة: عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي. من السابقين الأولين إلى الإسلام، أسلم بعد عشرة أنفس، وكان أخا للنبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة كما في الصحيحين.
أخرج ابن أبي عاصم من حديث ابن عباس: أول من يعطى كتابه بيمينه أبو سلمة بن عبد الأسد، شهد بدرا وأحدا فجرح بها، ثم مات في جمادى الآخرة.
ترجمته في: الاستيعاب ص:940، والإصابة 4/152ـ154.
(2) - رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس الأموية، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، تكنى أم حبيبة، وهي بها أشهر من اسمها، تزوجها عبيد الله ـ بالتصغيرـ ابن جحش بن رئاب بن يعمر الأسدي، فأسلما ثم هاجرا إلى الحبشة، ولما تنصر عبيد الله فارقها، وتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما بلغ ذلك أبا سفيان قال: ذلك الفحل لا يقدع أنفه.
ترجمتها في: الاستيعاب ص: 1843، والإصابة 7/651ـ654.
(3) - وقع في أصل المخطوط: "عبد الله بن جحش"، وليس بشيء، لأن زوج أم حبيبة إنما هو أخوه عبيد الله، أما عبد الله بن جحش فصحابي مشهور، استشهد يوم أحد، ويعرف بالمجدع في الله، لأنه مثل به يوم أحد وقطع أنفه، ودفن هو وحمزة في قبر واحد.
انظر الإصابة 4/35-36.
(4) - عبيد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي. أسلم قديما هو وأخوه أبو أحمد عبد بن جحش، وعبد الله بن جحش وقد تنصر بأرض الحبشة، ومات بها، وبانت منه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان.
انظر: الاستيعاب رقم 1484.(2/44)
…3874 - بنت خالد(1): ابن سعيد بن العاصي، ممن هاجر الهجرة الثانية إلى الحبشة أيضا، وولدت له هناك أم خالد(2).
__________
(1) - خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي، أبو سعيد. من السابقين الأولين،قيل:كان رابعا أو خامسا.وكان سبب إسلامه رؤيا رآها أنه على شعب نار، فأراد أبوه أن يرميه فيها، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ بحجزته، فأصبح فأتى أبا بكر، فقال: اتبع محمدا فإنه رسول الله، فجاء فأسلم، ومن فضائله كما روى ابن أبي داود في المصاحف عن بنته أم خالد قالت: أبي أول من كتب بسم الله الرحمن الرحيم، واستشهد يوم مرج الصفر أو يوم أجنادين. ترجمته في: الاستيعاب ص:420، والإصابة 2/236ـ239، وأسد الغابة 2/82.
(2) - أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشية الأموية، وهي مشهورة بكنيتها، واسمها أمة، لها ولأبويها صحبة، ولدت في الحبشة، وقدمت في السفينتين وقد بلغت وعقلت، وتزوجها الزبير بن العوام، فهي أم ولديه: خالد وعمرو، وحديثها في البخاري في قول النبي صلى الله عليه وسلم لما كساها الحلة: سنة سنية، أي حسنة.
ترجمتها في: الاستيعاب ص:1934، والإصابة 7/506ـ507.(2/45)
…3875 ـ عن عبد الله: ابن مسعود، من أهل الهجرة الثانية، وكان رجوعه منها إلى المدينة فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - يتجهز إلى بدر. شغلا: مانعا من الكلام فيها. فقلت: قائله سليمان(1) . أرد في نفسي: " ومذهبنا أنه يرد بإشارة اليد أو الرأس" (2) .
…3876 ـ مخرج النبي صلى الله عليه: أي مبعثه أو هجرته إلى المدينة. فركبنا سفينة: للتوجه للمدينة، هذا هو الصواب في تقرير هذا المحل. هجرتان: للحبشة والمدينة.
38 – موت النَّجَاشي
…بفتح النون(3) وتخفيف الجيم(4) /، وهو لقب لمن ملك الحبشة(5) ،وموته كان سنة تسع من الهجرة عند الأكثر، ووجه ذكره هنا في المبعث لأجل الهجرة التي وقعت إليه، واستغنى المص بذكر موته والصلاة عليه الدالة على إسلامه عن ذكره لشهرته وشيوعه.
3877 ـ على أخيكم: في الإسلام. أصحمة: هذا اسمه(6)
__________
(1) - سليمان بن مهران الأعمش، أبو محمد الأسدي الكوفي، الإمام العلم. روى عن عبد الله بن أبي أوفى، وزيد بن وهب، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير. وقرأ عليه حمزة الزيات، وروى عنه شعبة، والسفيانان. قال ابن عينية: كان الأعمش أقرأهم لكتاب الله وأحفظهم للحديث، وأعلمهم بالفرائض، وقال أبو حفص الفلاس: كان الأعمش يسمى المصحف من صدقه. توفي سنة 148 هـ. ترجمته في: طبقات ابن سعد 6/342، والتاريخ الكبير 4/37ـ38، والجرح والتعديل 4/146، وتاريخ بغداد 9/3ـ13، والسير 6/226ـ248.
(2) - الفتح 3/139.
(3) - " وحكى ابن دحية كسر نونه " - الفتح 7/243 -.
(4) - في أصل المؤلف: " الياء"، والتصحيح من نسخة العرائشي.
(5) - " كان في القديم يلقب بالنجاشي، وأما اليوم فيقال له الحطي، بفتح المهملة وكسر الطاء المهملة الخفيفة، بعدها تحتانية خفيفة" -الفتح 7/242-.
(6) - قال الحافظ في الفتح 3/261 ( كتاب الجنائز، باب التكبير على الجنازة أربعا):
( تبنيه: وقع في جميع الطرق التي اتصلت لنا من البخاري: أصحمة بمهملتين بوزن أفعلة مفتوح العين في المسند والمعلق معا، وفيه نظر لأن إيراد المصنف يشعر بأن يزيد خالف محمد بن سنان، وأن عبد الصمد تابع يزيد، ووقع في مصنف ابن أبي شيبة عن يزيد: صحمة بفتح الصاد وسكون الحاء، فهذا متجه، ويتحصل منه أن الرواة اختلفوا في إثبات الألف وحذفها. وحكى الإسماعيلي أن في رواية عبد الصمد أصخمة بخاء معجمة وإثبات الألف، قال: وهو غلط، فيحتمل أن يكون هذا محل الاختلاف الذي أشار إليه البخاري، وحكى كثير من الشراح أن رواية يزيد ورفيقه: صحمة بالمهلة بغير ألف، وحكى الكرماني أن في بعض النسخ في رواية محمد بن سنان: أصحبة بموحدة بدل الميم).
وفي مشارق الأنوار للقاضي عياض (1/63):
( ذكر مسلم اسم النجاشي أصحمة بفتح الهمزة وسكون الصاد بعدها حاء مهملة مفتوحة، وهو قول ابن إسحاق وغيره، ومعناه بالعربية عطية، وقال ابن أبي شيبة صحمة بغير ألف بفتح الصاد وسكون الحاء، قال: وكذلك قال يزيد بن هارون، وإنما هو صمحة بتقديم الميم، والمعروف ما تقدم أولا).(2/46)
،ومعناه بالعربية عطية.
3879 ـ سَليم بن حيَّان(1): بفتح السين، والحاء المهملة، وشد المثناة التحتية.
… 3880ـ نعى: النعي الإخبار بالموت(2).
39ـ " تقاسم المشركين على النبي صلى الله عليه":
__________
(1) - سليم بن حيان الهذلي البصري، الراوي الثقة.
روى عن سعيد بن ميناء وعمرو بن دينار وقتادة، وعنه عبد الرحمن بن مهدي ويحيى القطان والأصمعي وأبو داود الطيالسي.
ترجمته في : تهذيب التهذيب 4/168، والتقريب رقم 2531.
(2) - قال الحافظ نقلا عن ابن المرابط: ( إن النعي الذي هو إعلام الناس بموت قريبهم مباح، وإن كان فيه إدخال الكرب والمصائب على أهله، لكن في تلك المفسدة مصالح جمة لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة لشهود جنازته وتهيئة أمره، والصلاة عليه والدعاء له والاستغفار، وتنفيذ وصاياه، وما يترتب على ذلك من الأحكام) -فتح الباري 3/151-.(2/47)
…أي تحالفهم على إذايته ومقاطعته، هو وكل من انحاش إليه، وكان ذلك في أول يوم من المحرم سنة سبع من المبعث، وسبب ذلك أنه لما فشا الإسلام وظهر، أجمعت قريش على أن يقتلوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم وبني المطلب، مؤمنهم وكافرهم، إلا أبا لهب، فأدخلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شعبهم، ومنعوه ممن أراد قتله وإذايته، فلما رأت قريش ذلك أجمعوا على أن يكتبوا بينهم وبين بني هاشم والمطلب كتاب قطيعة ومصارمة ألا يعاملوهم ولا يناكحوهم حتى يسلموا لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ففعلوا ذلك وكتبوا ما ذكر في صحيفة، وعلقوها في جوف الكعبة، وكان كاتبها منصور بن عكرمة العبدري، أو غيره(1)، فشلت أصابعه، وبقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مع بني هاشم والمطلب بالشعب سنتين أو ثلاثا(2) في غاية الضيق والشدة حتى جهدوا وضعفوا، ولم يكن يأتيهم شيء من الأقوات إلا خفية، إلى أن قام في نقض الصحيفة نفر منهم، وهم هشام بن عمرو، وزهير بن أبي أمية، والمطعم بن عدي، وأبو البختري، وزمعة بن الأسود، فاجتمعوا على ذلك، فلما جلسوا بالحجر تكلموا فيه وأنكروه وتواطئوا على نقضه، فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل، أو دبر بليل، فأبطلوا ذلك وأنزلوا الصحيفة فوجدوا الأرضة قد أكلت جميع ما فيها إلا اسم الله تعالى(3) ، وخرج النبي - صلى الله عليه
__________
(1) - " يقال: إن الذي كتبها النضر بن الحارث، وقيل: طلحة بن أبي طلحة العبدري" - الفتح 7/244-.
(2) - "هذا قول ابن إسحاق، وجزم موسى بن عقبة بأنها كانت ثلاث سنين" - أنظر الفتح 7/244، وزاد المعاد 1/98-.
(3) - " وأما ابن إسحاق، وموسى بن عقبة، وعروة فذكروا عكس ذلك أن الأرضة لم تدع اسما لله تعالى إلا أكلته، وبقي ما فيها من الظلم والقطيعة، فالله أعلم" - الفتح 7/245-، وفي زاد المعاد 3/30: (... وأنه أرسل عليها الأرضة فأكلت جميع ما فيها من جور وقطيعة وظلم، إلا ذكر عز وجل).(2/48)
وسلم - مع من معه من بني هاشم والمطلب من الشعب، وكان خروجهم سنة عشر من المبعث قبل الهجرة بثلاث سنين، وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر عمه أبا طالب بأكل الأرضية للصحيفة قبل إخراجها، فأخبرهم أبوطالب بذلك، ومات أبو طالب عقب خروجهم من الشعب(1).
…قال ابن إسحاق: ( مات هو وخديجة في عام واحد، فنالت قريش من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته مالم تنله قبل ذلك)(2) .
3882 ـ بِخِيفِ بني كنانة: هو المُحَصَّب(3).
40ـ "قصة أبي طالب":
…اسمه عند الجميع عبد مناف، واشتهر بكنيته، وكان شقيق عبد الله والد النبي - صلى الله عليه وسلم -، لذلك أوصاه عبد المطلب على النبي - صلى الله عليه وسلم - فكفله إلى أن كبر، واستمر على نصره والذب عنه إلى أن مات بعد خروجهم من الشعب كما سبق، ومن شعره في نصر النبي - صلى الله عليه وسلم - :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم - حتى أُوَسَّدَ في التراب دفينا (4).
__________
(1) - القصة بطولها في سيرة ابن هشام 1/350، والسيرة النبوية لابن كثير 2/43، وزاد المعاد 3/30.
" ولما لم يثبت عند البخاري شيء منها، اكتفى بإيراد حديث أبي هريرة، لأن فيه دلالة على أصل القصة، لأن الذي أورده أهل المغازي من ذلك كالشرح لقوله في الحديث: تقاسموا على الكفر"- انظر الفتح 7/245-.
(2) - انظر سيرة ابن إسحاق ص: 223، وزاد المعاد 3/31.
(3) - موضع بين مكة ومنى، وهو بطحاء مكة، انظر معجم البلدان 5/62.
(4) - في الفتح 7/246.(2/49)
…3883 ـ عن عمك: أبي طالب. يحوطك: يرعاك ويذب عنك(1). في ضحضاح من نار: فيه استعارة، فإن الضحضاح من الماء ما يبلغ الكعب(2)، والمعنى أنه في نار تحت رجليه فقط، تخفيفا لعذابه.
…3884 ـ عن أبيه: اسمه حزن(3)
__________
(1) - فيه تلميح إلى ما ذكره ابن إسحاق قال: ( ثم إن خديجة وأبا طالب هلكا في عام واحد قبل الهجرة بثلاث سنين، وكانت خديجة له وزيرة صدق على الإسلام يسكن إليها، وكان أبو طالب له عضدا وناصرا على قومه، فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تطمع به في حياة أبي طالب).
(2) - من نوادر السهيلي قوله: ( الحكمة فيه أن أبا طالب كان تابعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بجملته، إلا أنه استمر ثابت القدم على دين قومه، فسلط العذاب على قدميه خاصة لتثبيته إياهما على دين قومه) - الروض الأنف 2/170، و انظر الفتح 7/249-.
(3) - حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، جد سعيد بن المسيب، وفي البخاري أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ما اسمك؟ قال: حزن، قال: أنت سهل. أسلم حزن يوم الفتح، وشهد اليمامة.
ترجمته في: الاستيعاب ص:401، والإصابة 2/61-62.(2/50)
. حضرته الوفاة: أي قبل الغرغرة. كلمة: بالنصب، بدل مما قبله. أحاج: بتشديد الجيم، وهو جواب الأمر، أي إن تفعل أحاج. وعبد الله بن أبي أمية(1): أخو أم سلمة، أسلم يوم الفتح. على ملة ... إلخ: خبر لمحذوف، أي هو على ملة...إلخ /، كما في رواية أخرى.
…3885 ـ تنفعه شفاعتي... إلخ: هذا مخصص لقوله تعالى: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)(2). ابن الهاد: هو يزيد(3) المذكور في السند الآتي. أم دماغه: يعني أم رأسه.
41ـ "حديث الإسراء":
__________
(1) - عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي، صهر النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمته عاتكة، وأخو أم سلمة، قال البخاري: له صحبة. وقد التمس هو وأبو سفيان الدخول على النبي صلى الله عليه وسلم عليه، فمنعهما، فكلمته أم سلمة فقالت: يارسول الله، ابن عمك - تعني أبا سفيان - وابن عمتك - تعني عبد الله -، فقال: لا حاجة لي فيهما، أما ابن عمي فهتك عرضي، وأما ابن عمتي فقال لي بمكة ماقال، ثم أذن لهما، فدخلا وأسلما، وشهدا الفتح وحنينا والطائف. ترجمته في: الاستيعاب ص:868، والإصابة 4/11-14، وأسد الغابة 3/118.
(2) - سورة المدثر، الآية 48.
(3) - يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي، أبو عبد الله المدني، الثقة المكثر.
روى عن ثعلبة بن أبي مالك وله رؤية، وعمير مولى آبي اللحم وله صحبة.
مات بالمدينة عام 139هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 11/339، والتقريب رقم 7737.(2/51)
…الواقع للنبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى بيت المقدس، وفيه وقع المعراج إلى السماء أيضا، وإنما أفرد كلا بترجمة لاشتمال كل منهما على قصة منفردة، وإن كانا قد وقعا معا في ليلة واحدة (1) .
…قال ابن أبي جمرة (2): (الحكمة في الإسراء إلى المقدس قبل العروج إلى السماء، إرادة إظهار الحق للمعاندين، لأنه لو عرج من مكة إلى السماء لم يكن سبيل إلى إيضاح الحق للمعاند، كما وقع في الإخبار بصفة بيت المقدس وما صادفه في الطريق من العير) هـ،
…زاد غيره: (مع ما في ذلك من فضيلة الرحيل إليه لأنه مهاجر غالب الأنبياء)(3)،
…زاد آخر: ( ولما روي عن كعب(4) أن باب السماء الذي يقال له مصعد الملائكة يقابل بيت المقدس، فأسري إليه ليقع العروج مستويا من غير تعويج)، هـ من التوشيح(5).
__________
(1) - فيه رد على ابن دحية الذي قال: جنح البخاري إلى أن ليلة الإسراء كانت غير ليلة المعراج، لأنه أفرد لكل منهما ترجمة"، قال ابن حجر: (ولا دلالة في ذلك على التغاير عنده، بل كلامه في أول الصلاة ظاهر في اتحادهما عنده، وإنما أفرد كلا منهما بترجمة لأن كلا منهما يشتمل على قصة مفردة وإن كانا وقعا معا) - الفتح 7/25-.
(2) - عبد الله بن سعيد بن أبي جمرة، أبو محمد.
كان محدثا ومقرئا.
له: مختصر الجامع الصحيح للبخاري، وبهجة النفوس.
توفي عام 699هـ.
ترجمته في: نيل الابتهاج 140.
(3) - انظر الفتح 7/250، والنصان منقولان من التوشيح على الجامع الصحيح للسيوطي ص: 358.
(4) - كعب بن ماتع الحميري، أبو إسحاق، المعروف بكعب الأحبار.
قال البخاري: ويقال له كعب الحبر.
وكعب أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه أسلم –على الصحيح- في عهد عمر. توفي بحمص عام 32هـ.
ترجمته في : الإصابة 5/647-651.
(5) - التوشيح للسيوطي ص: 358، وانظر الفتح 7/250.(2/52)
وقول الله عز وجل : " سُبْحَانَ": تنزيه، أي تنزه الله عن أن يكون رسوله كذابا. "الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ": محمد - صلى الله عليه وسلم - . "لَيْلاً" (1): نصب على الظرف، والإسراء سير الليل، وفائدة ذكره الإشارة بتنكيره إلى تقليل مدته.
…3886 ـ لما كذبني قريش: فيما أخبرتهم به من الإسراء لبيت المقدس. فجلى: أظهر. قيل معناه: (كشف الله الحجاب بيني وبينه حتى رأيته، ولأحمد من حديث ابن عباس: "فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع عنه دار عقيل، فنعته وأنا أنظر إليه"، وهذا أبلغ في المعجزة، فهو نظير إحضار عرش بلقيس لسليمان في طرفة عين)، قاله ابن حجر(2).
…تتميم: وردت أحاديث فيما رآه - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء في مسيره إلى بيت المقدس ورجوعه منه، ذكرها الحافظ في الفتح(3)، منها: " أنه - صلى الله عليه وسلم - مر بأرض ذات نخل، فقال له جبريل: انزل فصل، فنزل فصلى، فقال له: صليت بيثرب، ثم مر بأرض بيضاء، فقال له: انزل فصل، فنزل فصلى، فقال: صليت بمدين(4)، ثم مر ببيت لحم(5)، فقال له: انزل فصل، فصلى، فقال: صليت حيث ولد عيسى(6)، ثم "مر بشيء يدعوه منتحيا عن الطريق، فقال له جبريل: سر، ومر على عجوز، فقال له: ماهذه؟ فقال: سر، ومر بجماعة فسلموا عليه، فقال له: اردد عليهم، ثم قال له: الذي دعاك: إبليس، والعجوز الدنيا، والذين سلموا: إبراهيم وموسى وعيسى"(7) .
__________
(1) - سورة الإسراء، الآية 1.
(2) - في الفتح 7/254.
(3) - فتح الباري 7/253.
(4) - مدين على بحر قلزم، محاذية لتبوك، وهي مدينة قوم شعيب، انظر معجم البلدان 5/77.
(5) - قرب بيت المقدس، مكان مهد عيسى بن مريم، انظر معجم البلدان 1/521.
(6) - عند البزار والطبراني من حديث شداد بن أوس.
(7) - عند البيهقي في الدلائل من حديث أنس.(2/53)
…"ومر بقوم يزرعون ويحصدون، كلما حصدوا عاد كما كان، قال: هؤلاء المجاهدون، ومر بقوم ترضخ رؤوسهم بالصخر، كلما أرضخت عادت، قال: هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة، ومر بقوم على أدبارهم رقاع وعلى أقبالهم رقاع، يسرحون كما تسرح الأنعام إلى الضريع والزقوم ورضف جهنم، قال: هؤلاء الذين لا يؤدون الزكاة، ومر بقوم يأكلون لحما نيئا خبيثا، ويدعون لحما نضيجا طيبا، قال: هؤلاء الزناة، ومر برجل جمع حزمة حطب لا يستطيع حملها، ثم هو يضم إليها غيرها، قال: هذا الذي عنده الأمانة لا يؤديها وهو يطلب أخرى، ومر بقوم تقرض ألسنتهم وشفاههم، كلما قرضت عادت، قال: هؤلاء خطباء الفتنة، ومر بثور عظيم يخرج من ثقب صغير يريد أن يرجع فلا يستطيع / ، قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة فيندم، فيريد أن يردها فلا يستطيع" (1)، "ومر بقوم بطونهم أمثال البيوت، كلما نهض أحدهم خر، قال: هم أكلة الربا، ومر بقوم لهم مشافر كالغبل يلتقمون جمرا فيخرج من أسافلهم، فقال: هؤلاء أكلة أموال اليتامى"(2)، ومر بنساء معلقات بثديهن، فقال إنهن الزواني، ومر بقوم يقطع من جنوبهم اللحم فيطعمون، فقال: هؤلاء الغمازون اللمازون، ورأى موائد عليها لحم طيب ليس عليها أحد، وأخرى عليها لحم منتن، عليها ناس يأكلون، فقال: هؤلاء الذين يتركون الحلال ويأكلون الحرام، ثم دخل بيت المقدس وصلى فيه مع الملائكة، وفي رواية: ثم بعث له آدم فمن دونه فأمهم، وفي أخرى: نزل رهط من الأنبياء منهم إبراهيم وموسى وعيسى فأمهم، ومر في رجوعه بعير لقريش فسلم عليهم، فقال بعضهم: هذا صوت محمد وأعلم قريشا بذلك، وأن عيرهم يقدم يوم كذا، فوقع كما أخبر - صلى الله عليه وسلم -، ومجد وعظم(3)
__________
(1) - عند الطبراني والبزار من حديث أبي هريرة.
(2) - عند الطبراني في الأوسط من حديث أبي أمامة.
(3) - أخرجه أحمد في المسند 1/374 من حديث ابن عباس بسند حسن، ولفظه: " أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، ثم جاء من ليلته، فحدثهم بمسيره وبعلامة بيت المقدس، وبعيرهم، فقال ناس: نحن لا نصدق محمدا بما يقول ، فارتدوا كفارا، فضرب الله أعناقهم مع أبي جهل".(2/54)
.
42 ـ " باب المعراج":
…من عرج بفتح الراء، يعرج يضمها، صعد، والمراد به عروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى السموات العلى، ومنها إلى سدرة المنتهى، ومنها إلى المستوى، ومنها إلى العرش.
…قال ابن حجر الهيثمي: ( قال بعض الأئمة: المعاريج ليلة الإسراء عشرة، سبعة في السموات، والثامن إلى سدرة المنتهى، والتاسع إلى المستوى الذي سمع فيه صريف الأقلام في تصاريف الأقدار، والعاشر إلى العرش والرفرف والرؤية وسماع الخطاب بالمكافحة والكشف الحقيقي) هـ.
…( والجمهور من المحدثين والفقهاء والمتكلمين على أن الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة بجسد النبي - صلى الله عليه وسلم - وروحه، يقظة لا مناما، بعد مبعثه ورسالته، وهذا هو الذي تواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة، ولا ينبغي العدول عنه، وليس في العقل ما يحيله حتى يحتاج إلى تأويل)، قاله ابن حجر(1) ، ونحوه للقاضي عياض(2)
__________
(1) - في الفتح 7/250.
(2) - في الشفا 1/148،
ولفظه: ( والحق من هذا والصحيح إن شاء الله أنه إسراء بالجسد والروح في القصة كلها، وعليه تدل الآية وصحيح الأخبار والاعتبار، ولايعدل عن الظاهر والحقيقة إلا عند الاستحالة، وليس في الإسراء بجسده وحال يقظته استحالة).
وأحسن ابن القيم في زاد المعاد 3/40ـ41 فقال:
" والذي كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء أكمل مما يحصل للروح عند المفارقة، ومعلوم أن هذا أمر فوق ما يراه النائم، لكن لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام خرق العوائد، حتى شق بطنه وهو حي لا يتألم لذلك، عرج بذات روحه المقدسة حقيقة من غير إماتة، ومن سواه لا ينال بذات روحه الصعود إلى السماء إلا بعد الموت والمفارقة، فالأنبياء إنما استقرت أرواحهم هناك بعد مفارقة الأبدان، وروح رسول الله صلى الله عليه وسلم صعدت إلى هناك في حال الحياة ثم عادت، وبعد وفاته استقرت في الرفيق الأعلى مع أرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام...
كما أنه صلى الله عليه وسلم في أرفع مكان في الرفيق الأعلى مستقرا هناك، وبدنه في ضريحه غير مفقود، وإذا سلم عليه المسلم رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام، ولم يفارق الملأ الأعلى).(2/55)
.
…وقال الهيثمي: ( وزعم تعدده لتباين الروايات فيه، وعدم إمكان الجمع بينها مردود، والأصح أنه إسراء واحد بالجسم والروح يقظة، وأن ما خالف الجادة من الروايات إن أمكن تأويله تعين، وإلا حكم عليه بأنه وهم) هـ.
…واختلفوا في وقته، فذهب الأكثر إلى أنه كان في ربيع الأول قبل الهجرة بسنة، ونقل ابن حزم(1) عليه الإجماع، وقيل كان في رجب، حكاه ابن عبد البر(2)، وبه جزم النووي(3) في الروضة وغيره، وقيل غير ذلك(4)، انظر الفتح(5).
…وهو خصوصية لنبينا - صلى الله عليه وسلم - إجماعا، لم يقع لغيره من الأنبياء على الوجه المذكور.
…3887 ـ عن مالك بن صعصعة(6)
__________
(1) - علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، أبو محمد الظاهري.
كان أبوه وزيرا للمنصور بن أبي عامر.
وكان من مفاخر المغرب وشوامخ أعلامه، ومن تلاميذه الحميدي وأبو الحسن العبدري وابن شريح. توفي عام 456هـ.
ترجمته في : الصلة لابن بشكوال 2/395، ونفح الطيب 2/283، وشذرات الذهب 3/299.
(2) - في الاستيعاب ص: 40 فقال: ( عرج به إلى بيت المقدس وإلى السماء قبل خروجه إلى المدينة بسنة).
(3) - يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام النووي، محيي الدين أبو زكريا.
ولد بنوى من أعمال حوران، وقدم دمشق، ودرس حتى تولى مشيخة دار الحديث.
له: روضة الطالبين، وتهذيب الأسماء واللغات، وشرح صحيح مسلم.
توفي عام 766هـ.
ترجمته في: تذكرة الحفاظ 4/250، وطبقات الشافعية للسبكي 5/167، وطبقات الشافعية لابن هداية الله 89، وشذرات الذهب 5/354.
(4) - في ذلك اختلاف كثير يزيد على عشرة أقوال.
(5) - فتح الباري 7/257.
(6) - مالك بن صعصعة بن وهب بن عدي بن مالك بن غنم بن عدي بن عامر بن عدي بن النجار الأنصاري. حدث عنه أنس بن مالك، وكان من قومه.
قال البغوي: سكن المدينة، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثين.
وذكر الخطيب في المبهمات أنه الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أكل تمر خيبر هكذا. ترجمته في: الاستيعاب ص: 1352، و الإصابة 5/728.(2/56)
: لم يرو إلا هذا الحديث، ولم يرو عنه إلا أنس. ليلة أسري: كذا للأكثر، وللكشميهني(1): أسري به(2) . الحطيم: هو الحجر(3)، وقدمنا في باب الملائكة وجه الجمع بين هذه الرواية ورواية أنه كان في بيته، فراجعه. آت: جبريل. فقد: القد قطع الشيء طولا، والقط قطعه عرضا. قال: أي قتادة، وسمعته: أي أنسا. للجارود(4): صاحب أنس. ما يعني به؟: أي بقوله "من هذه إلى هذه". من ثغرة نحره: هي الموضع المنخفض بين الترقوتين. شعرته: أي الشعر النابت على العانة. قصه: رأس صدره. من ذهب: من أواني الجنة، وهي مباحة الاستعمال على أنه كان قبل تحريم الذهب. مملوءة إيمانا: منصوب على التمييز، قال النووي: ( معناه أن الطست كان فيه شيء تحصل به زيادة في كمال الإيمان وكمال الحكمة، وهذا الملء إما حقيقة، وتجسد المعاني جائز مثل وزن الأعمال، ومجيء الموت في صورة كبش، أو هو من باب التمثيل)(5). فغسل قلبي: بماء زمزم. ثم حشي: إيمانا وحكمة.
__________
(1) - أبو الهيثم محمد بن مكي بن زراع بن هارون بن وازع الكشميهني.
اشتهر برواية صحيح البخاري عن الفربري.
روى عن أبي العباس الدغولي وأبي العباس الأصم، وعنه المحسن الخالدي وابن غنجار. توفي يوم الأضحى عام 389هـ.
ترجمته في: العبر 3/45-46، وتذكرة الحفاظ 3/1021.
(2) - في الفتح 7/258.
(3) - " هو حطيم الكعبة، سمي حطيما لأن جدره منكسرة عن مساواة الكعبة" - انظر مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار لابن الملك 2/51-، وقال الإمام مالك: هو ما بين المقام إلى الباب، انظر معجم البلدان 2/273.
(4) - قال الحافظ في الفتح 7/259: ( لم أر من نسبه من الرواة، ولعله ابن أبي سبرة البصري صاحب أنس).
وهو الجارود بن أبي سبرة الهذلي، أبو نوفل البصري، المتوفى عام 120هـ.
ترجمته في : التقريب رقم 881.
(5) - وقريبا منه في مبارق الأزهار لابن الملك 2/51.(2/57)
…ابن حجر: ( أنكر بعضهم شق الصدر ليلة الإسراء، ولا إنكار في ذلك، فقد تواردت الروايات به)(1)، ثم بين حكمته، وقال: ( قال القرطبي في المفهم: لا يلتفت لإنكار الشق ليلة الإسراء لأن رواته ثقات مشاهير) هـ(2).
…وقدمنا في أول الصلاة أن شق صدره الشريف - صلى الله عليه وسلم - وقع أربع مرات، فراجعه.
ثم أتيت بدابة: تكريما له - صلى الله عليه وسلم - على عادة الملوك إذا استدعوا من يحبونه بعثوا / له مركوبا، وبه يجاب عما يقال لِمَ لَمْ تُطْوَ له الأرض حتى لا يحتاج إلى دابة.
…وقال العيني(3): ( وقع في خاطري من الفيض الإلهي أن طي الأرض يشترك فيه الأولياء، بخلاف المركوب الذي يقطع المسافة البعيدة براكبه أسرع من طرفة العين، فإنه مخصوص بالأنبياء عليهم السلام)(4) .
…أبيض: اللون.
…روى الثعلبي(5) عن ابن عباس بسند ضعيف: (لها خد كخد الإنسان، وعرف كالفرس، وقوائم كالإبل، وأظلاف وذنب كالبقر، وكان صدره ياقوتة حمراء)(6).
…وروى الترمذي(7)
__________
(1) - فتح الباري 7/259.
(2) - الفتح 7/260.
(3) - محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود العيني، الحلبي ثم القاهري، بدر الدين أبو محمد.
كان فصيحا بالعربية والتركية.
أخذ وتفقه بحلب والقدس والقاهرة، وولي فيها الحسبة ونظارة الأحباس والقضاء.
توفي عام 855هـ.
ترجمته في: الضوء اللامع 10/131، وبغية الوعاة 386، والبدر الطالع 2/294، وشذرات الذهب 7/287.
(4) - عمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني 17/24.
(5) - عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي الجزائري، أبو زيد.
له: الذهب الإبريز في غرائب القرآن العزيز، والعلوم الفاخرة في النظر في أمور الآخرة.
توفي عام 785هـ.
ترجمته في: الضوء اللامع 4/152، ونيل الابتهاج 173، وفهرس الفهارس 2/131.
(6) - في الفتح 7/262، وهذا من الأخبار الواهية في وصف البراق.
(7) - أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن الضحاك السلمي.
طاف البلاد وسمع خلقا كثيرا، قال ابن حبان: ( كان ممن جمع وصنف، وحفظ وذاكر). توفي بترمذ سنة 279 هـ.
ترجمته في: وفيات الأعيان 1/457، وتذكرة الحفاظ 2/633، وميزان الاعتدال 3/678.(2/58)
عن أنس ـ وقال حسن غريب ـ: أتى به مسرجا ملجما فاستصعب عليه، فقال له جبريل: ما حملك على هذا، فوالله ما ركبك خلق قط أكرم على الله منه، فارفض عرقا (1)، وروى ابن إسحاق(2) وغيره نحوه.
…قال ابن حجر: ( ففيه دلالة على أن البراق كان معدودا لركوب الأنبياء، خلافا لمن نفى ذلك)(3) . طرفه: نظره، أي يضع رجله عند منتهى ما يرى بصره. فحملت عليه: يعني إلى بيت المقدس، وفي رواية: ( فكان الذي أمسك بركابه جبريل، وبزمام البراق ميكائيل، ثم نصب له المعراج منه إلى السماء)، وفي رواية كعب: ( فوضعت له مرقاة من فضة، ومرقاة من ذهب، حتى عرج هو وجبريل)(4) .
…قال الهيثمي: ( هذا الذي صحت به الأحاديث، ورواية البخاري صريحة في أنه لامعراج، وأنه استمر راكبا البراق إلى السماء الأولى ثم الثانية وهكذا) هـ.
…وكتب عليه الحفني(5) ما نصه: ( الذي صحت به الأحاديث هو المشهور المعتمد، فتحمل رواية البخاري على أن راويها أسقط منها ما يوافق به رواية غيره) هـ.
__________
(1) - أخرجه الترمذي في التفسير، سورة الإسراء، رقم 3.
(2) - ذكر ابن إسحاق عن قتادة أنه لما شمس، وضع جبريل يده على معرفته فقال: أما تستحي؟ فذكر نحوه – انظر الفتح 7/262-.
(3) - كابن دحية، وانظر الفتح 7/262.
(4) - في صحيح ابن حبان من حديث ابن مسعود أن جبريل حمله على البراق رديفا له، وفي رواية الحارث في مسنده: أتي بالبراق فركب خلف جبريل فسار بهما، فهذا صريح في ركوبه معه، فالله أعلم" - أنظر الفتح 7/263-.
(5) - يوسف بن سالم بن أحمد المصري، المعروف بالحفني، جمال الدين أبو الفضل.
له: حاشية على شرح إيساغوجي لزكريا الانصاري، وحاشية على فتح رب البرية.
توفي عام 1187هـ.
ترجمته في: هدية العارفين 2/569، وإيضاح المكنون1 / 2.(2/59)
…حتى أتى السماء: بعدما مر ببيت المقدس، وصلى فيه بالنبيين صلوات الله عليهم وسلامه(1).
…وقد أرسل إليه؟: أي للعروج. مرحبا به: أي أصاب رحبا وسعة. فنعم المجيء جاء: لفظ "جاء" واقع موقع المصدر، وهو المخصوص بالمدح، أي نعم المجيء مجيئه، قاله السيوطي(2). بالابن الصالح: الصلاح صفة تشمل خلال الخير كلها، فهو وصف جامع، فمن ثم اقتصر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - به، وتواردوا كلهم عليه، وقول إدريس: " بالأخ الصالح"، لعله قال له ذلك تواضعا وتلطفا، وإلا فهو من جملة آبائه كما سبق.
…
…تنبيه: قدمنا الكلام في أول الصلاة، وفي ذكر موسى من كتاب الأنبياء على كيفية اجتماع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأن الصواب أنه اجتمع معهم بذواتهم وأشخاصهم التي كانوا عليها حقيقة، لأنهم أحياء عند ربهم، فراجع ذلك، والله أعلم.
…بكى: أي موسى - عليه السلام -.
…ابن حجر: ( قال العلماء: لم يكن بكاء موسى حسدا، معاذ الله أن يصدر ذلك ممن اصطفاه الله، بل كان أسفا على ما فاته من الأجر الذي يترتب عليه رفع الدرجة بسبب كثرة من اتبعه) هـ(3).
__________
(1) - في صحيح مسلم (حديث 162) من حديث أنس: " ثم دخلت المسجد، فصليت فيه ركعتين"، وفيه أيضا (حديث 172) من حديث أبي هريرة: " وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال مشنوءة، وإذا عيسى بن مريم عليه السلام قائم يصلي أقرب الناس شبها به عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم، فحانت الصلاة، فأممتهم).
(2) - في التوشيح ص: 359.
(3) - فتح الباري 7/268، ومثله في مبارق الأزهار 2/53.
بل العكس هو الحاصل من كليم الله عليه السلام، ففي حديث أبي هريرة عند الطبري والبزار، قال عليه الصلاة والسلام: " كان موسى أشدهم علي حين مررت به، وخيرهم لي حين رجعت إليه".(2/60)
…وقال ابن أبي جمرة: ( إن الله جعل الرحمة في قلوب الأنبياء أكثر مما جعل في قلوب غيرهم، فلذلك بكى رحمة لأمته) هـ(1).
…وقال الشيخ التودي: ( الأظهر أن بكاءه عليه السلام شفقة على أمته، لأنه لهم كالأب، وفي التنزيل: "لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُومِنِينَ" (2)، واتهاما لنفسه مخافة ألا يكون بالغ في النصح لهم والدعاء) هـ.
…غلاما: يعني به النبي - صلى الله عليه وسلم -، أشار بذلك إلى صغر سنه بالنسبة إليه، والعرب تسمي الرجل المستجمع السن غلاما مادامت فيه بقية قوة. رفعت: ظهرت. لي: من أجلي. سدرة المنتهى: سميت بالمنتهى لأنها ينتهي إليها ما يعرج من الأرض فيقبض منها، وما يهبط من فوقها فيقبض منها، كذا في مسلم(3)، وقيل لأن علم الملائكة ينتهي إليها، ولم يجاوزها أحد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (4)، وهي في السماء السابعة، وأصل ساقها في السادسة. قلال: جمع قلة، وهي وعاء الماء وغيره. الهجر: اسم بلدة(5)، وكانت قلالها معروفة عند المخاطبين. الفيلة: جمع فيل. أربعة أنهار: تخرج من أصلها. فنهران في الجنة: هما الكوثر(6)
__________
(1) - نقلا عن الفتح 7/268.
(2) - سورة الشعراء، الآية 3.
(3) - من حديث ابن مسعود، ولفظه: ( لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انتهى بي إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة، وإليها ينتهي ما يعرج من الأرض فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط فيقبض منها) –صحيح مسلم، كتاب الإيمان رقم 259-.
(4) - هو قول النووي، نقله الحافظ في الفتح 7/270.
(5) - قيل هي ناحية البحرين، وقيل بلد باليمن، وقيل باليمامة، انظر معجم البلدان 5/393.
(6) - " وقع في رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس عند ابن أبي حاتم أنه بعد أن رأى إبراهيم قال: ثم انطلق بي على ظهر السماء السابعة حتى انتهى إلى نهر عليه خيام اللؤلؤ والياقوت والزبرجد، وعليه طير خضر، أنعم طير رأيت، قال جبريل: هذا الكوثر الذي أعطاك الله، فإذا فيه آنية الذهب والفضة يجري على رضراض من الياقوت والزمرد، ماؤه أشد بياضا من اللبن، قال: فأخذت من آنيته فاغترفت من ذلك الماء فشربت، فإذا هو أحلى من العسل وأشد رائحة من المسك" -الفتح 7/271-.(2/61)
والسلسبيل. فالنيل والفرات: يخرجان من أصل السدرة، ثم يسيران حيث شاء الله، ثم ينزلان إلى الأرض، ثم يسيران فيها، ثم يخرجان منها، قاله النووي(1)، وبه يجاب عن قول القاضي عياض: إنهما يخرجان من الأرض بالمشاهدة، فيلزم منه أن تكون السدرة في الأرض، قاله ابن حجر(2). وإناء من عسل: عند البزار(3) :" وإناء فيه ماء"، ولم يذكر العسل، وجمع بينهما بأن بعض الرواة ذكر مالم يذكره الآخر، ومجموعها أربعة أوان على عدد أنهار الجنة الأربعة / المذكورة في قوله تعالى: ( فِيهَا أَنْهَارٌ مِن مَّاء ) الآية(4)، من كل نهر آنية. الفطرة(5): أي دين الإسلام. ارجع إلى ربك: قال العلماء: (الحكمة في تخصيص سيدنا موسى عليه السلام بمراجعة النبي - صلى الله عليه وسلم - دون غيره من الأنبياء هو أنه لما وقع له الأسف على نقص حظ أمته بالنسبة لحظ أمة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، استدرك ذلك وجبره ببذل النصيحة لهم والشفقة عليهم، ولأنه ليس في الأنبياء أكثر منه أتباعا ولا أكبر كتابا، وقد جرب بني إسرائيل فبذل لهم النصيحة شفقة على أمته - صلى الله عليه وسلم - ومجد وعظم)(6).
__________
(1) - نقلا عن الفتح 7/272.
(2) - في الفتح 7/272.
(3) - أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، حافظ محدث، من أهل البصرة، وحدث بأصبهان وبغداد والشام.
له مسندان: كبير سماه " البحر الزاخر، وآخر صغير. توفي بالرملة سنة 282 هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد 4/334، وتذكرة الحفاظ 2/204، وميزان الاعتدال 1/59، وشذرات الذهب 2/209.
(4) - سورة محمد، الآية 15.
(5) - قال القرطبي ( يحتمل أن يكون سبب تسمية اللبن فطرة لأنه أول شيء يدخل بطن المولود ويشق أمعاءه، والسر في ميل النبي صلى الله عليه وسلم إليه دون غيره لكونه كان مألوفا له، ولأنه لا ينشأ عن جنسه مفسدة) - أنظر الفتح 7/272 -.
(6) - نقلا عن الفتح 7/269 ، وهو توفيق بين كلام القرطبي وكلام غيره ممن لم يسمه الحافظ.(2/62)
عشرا: قدمنا(1) أن الصواب في الإسقاط أنه وقع خمسا خمسا. ولكن أرضى: معطوف على مقدر، أي فلا أرجع ولكن…إلخ.
فنادى مناد: أمضيت فريضتي ... إلخ: ( هذا من أقوى ما استدل به على أن الله سبحانه وتعالى كلم سيدنا محمدا - صلى الله عليه وسلم - بغير واسطة)(2) .
…قال ابن العربي(3) في الأحكام: ( إذا أراد تعالى أن يكرم أحدا من خلقه، أسمعه كلامه بغير واسطة كما فعل بموسى وبمحمد ليلة الإسراء) هـ.
…واختلف السلف هل رأى - صلى الله عليه وسلم - ربه في تلك الليلة أم لا، على قولين مشهورين أرجحهما أنه رآه بعين رأسه كما يأتي لنا بسطه في تفسير سورة النجم إن شاء الله(4).
__________
(1) - في أول كتاب الصلاة.
(2) - هو قول ابن حجر في الفتح 7/274.
(3) - أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد، المعروف بابن العربي الإشبيلي، من كبار حفاظ الأندلس سمع أباه وخاله الحسن الهوزني، وقرأ على الطرطوشي، وصحب الغزالي، وعنه عياض والسهيلي والحوفي، أفتى أربعين سنة، وألف كتبا غزيرة الفوائد منها: عارضة الأحوذي شرح الترمذي، والقبس شرح الموطأ، وأحكام القرآن، توفي سنة 542 أو 543 هـ.
ترجمته في: الصلة 2/558، ونفح الطيب 1/340، وشذرات الذهب 4/141، وشجرة النور الزكية 1/136.
(4) - انظر كتاب التفسير، تفسير سورة النجم، حديث رقم 4853.
وقد اختلف الصحابة في ذلك، فصححه ابن عباس، وأنكره ابن مسعود وعائشة، وقال الإمام أحمد: ( نعم رآه حقا، فإن رؤيا الأنبياء حق ولابد)، وصح عند أحمد 1/368 والترمذي (ح3231) من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( رأيت ربي تبارك وتعالى) ، والله أعلم. - انظر زاد المعاد 3/73 -.(2/63)
…3888 - في قوله تعالى(1): أي في تفسيره. رؤيا عين: احترازا عن رؤيا القلب، ومراده برؤيا العين المذكورة جميع ما ذكره - صلى الله عليه وسلم - من الأشياء التي تقدم ذكرها، فهو تأييد لكون الإسراء وقع يقظة لا مناما. والشجرة الملعونة: أي الملعون أكلها.
43- وفود الأنصار إلى النبي صلى الله عليه (2) ، وبيعة العقبة:
…أي بيعتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - عند العقبة، أي عقبة الجمرة الأولى بمنى أيام الموسم.
…قال السفاقسي(3): ( وهي أول بيعة عقدت على الإسلام، ولم يشهدها غير الأنصار، مع أن المهاجرين بمكة قد كانوا أسلموا، ولم يبايعوا مثل هذه البيعة، فصح أن الأنصار هم المبتدئون بالبيعة على إعلان توحيد الله تبارك وتعالى) هـ.
وروى الحاكم وغيره عن علي - رضي الله عنه - أنه قال:( لما أمر الله نبيه أن يعرض نفسه على قبائل العرب، خرج وأنا معه وأبو بكر، فجعل - صلى الله عليه وسلم - يعرض نفسه على الناس ويقول: هل من رجل يحملني إلى قومه حتى أبلغ رسالة ربي، فإن قريشا منعوني ذلك، فلم يجبه أحد حتى دفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج، فما نهضنا عنهم حتى بايعوا النبي - صلى الله عليه وسلم -) هـ(4)
__________
(1) - المقصود هو الآية 60 من سورة الإسراء: ( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس).
(2) - في صحيح البخاري 5/69 (ط الأميرية) زيادة: "... بمكة وبيعة العقبة".
(3) - هو ابن التين، وتقدمت ترجمته في شرح الحديث 3852.
(4) - أخرجه الحاكم في مستدركه 2/624-625 وأبو نعيم في الدلائل بإسناد حسن، وانظر الفتح 7/279، وقريبا منه عند أحمد 3/322، والبيهقي في السنن 9/9، وابن حبان ( حديث 1686)، ويشهد له ما أخرجه أحمد والبيهقي، وصححه ابن حبان، من حديث ربيعة بن عباد قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز يتبع الناس في منازلهم يدعوهم إلى الله عز وجل".
وكذا ما أخرجه أحمد وأصحاب السنن، وصححه الحاكم من حديث جابر: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموسم فيقول: هل من رجل يحملني إلى قومه؟ فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي، فأتاه رجل من همدان فأجابه، ثم خشي أن لا يتبعه قومه فجاء إليه فقال: آتي قومي فأخبرهم، ثم آتيك من العام المقبل، قال نعم، فانطلق الرجل وجاء وفد الأنصار في رجب".(2/64)
.
وذكر ابن إسحاق أنهم كانوا ستة نفر: أسعد بن زرارة(1) ورافع بن مالك(2)وقطبة بن عامر(3) وجابر بن عبد الله بن رئاب (4)
__________
(1) - أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم من مالك بن النجار، أبو أمامة الأنصاري الخزرجي النجاري، قديم الإسلام، شهد العقبتين، وكان نقيبا على قبيلته، ولم يكن في النقباء أصغر سنا منه.
قال البغوي: بلغني أنه أول من مات من الصحابة بعد الهجرة، وأنه أول ميت صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وروى الواقدي أنه أول من دفن بالبقيع.
ترجمته في: الاستيعاب ص:80، والإصابة 1/54-56.
(2) - رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق الأنصاري الزرقي، شهد العقبة، وكان أحد النقباء.
وحكى ابن إسحاق أنه أول من قدم المدينة بسورة يوسف، وروى الزبير بن بكار في أخبار المدينة أن مسجد بني زريق أول مسجد قرئ فيه القرآن، وأن رافع بن مالك لما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة أعطاه ما نزل عليه في العشر سنين التي خلت، فقدم به رافع المدينة، ثم جمع قومه فقرأ عليهم في موضعه.
ترجمته في: الاستيعاب: ص 484، والإصابة 2/444-445.
(3) - قطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري الخزرجي، شهد بدرا والعقبة والمشاهد، وكانت معه راية بني سلمة يوم الفتح.
قال البغوي: لا أعلم لقطبة بن عامر حديثا.
قال أبو حاتم: توفي قطبة في خلافة عمر. وقال ابن حبان: بدري، مات في خلافة عثمان. ترجمته في: الاستيعاب ص:1282، والإصابة 5/444-554.
(4) - جابر بن عبد الله بن رئاب ( وقد تصحف في المخطوط إلى رباب، وهو خطأ)، ابن النعمان بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي، أحد الستة الذين شهدوا العقبة الأولى.
روى ابن شاهين وابن مردويه من طريق همام عن الكلبي في قوله تعالى: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت)، قال يمحو من الرزق، وقال: قلت: من حدثك؟ قال: أبو صالح عن جابر بن رئاب عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ترجمته في: الاستيعاب ص:219، والإصابة 1/433-434.(2/65)
وعقبة بن عامر(1) وعوف بن الحارث(2)
__________
(1) - عقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي. شهد العقبة الأولى وبدرا وأحدا، وشهد الخندق، وسائر المشاهد، واستشهد باليمامة ترجمته في: الاستيعاب ص: 1074، والإصابة 4/521-522.
(2) - عوف بن الحارث، هو عوف بن عفراء، أخو معاذ ومعوذ.
ذكره ابن إسحاق فيمن شهد بدرا مع أخويه معاذ ومعوذ؛ وعن عاصم بن عمر بن قتادة قال: لما التقى الناس يوم بدر قال عوف بن عفراء: يا رسول الله، ما يضحك الرب من عبده؟ قال: أن يراه قد غمس يده في القتال حاسرا، فنزع عوف درعه، وتقدم فقاتل حتى قتل شهيدا.
ترجمته في: الاستيعاب ص 1225، والإصابة 4/739.(2/66)
، وهم أهل العقبة الأولى(1)، فرجعوا إلى أهليهم ودعوهم إلى الإسلام وأجابوهم، وفشا الإسلام في المدينة، ولم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما كان العام المقبل قدم منهم اثنا عشر رجلا، خمسة من الأولين، وسبعة من غيرهم، وهم أهل العقبة الثانية، فبايعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - على الإيواء والنصر والسمع والطاعة في المنشط والمكره، وبعث معهم مصعب بن عمير(2) يعلمهم الإسلام وشرائع الدين، فأسلم على يده خلق كثير، وفي العام الثالث قدم منهم بضع وسبعون رجلا وامرأتان(3)
__________
(1) - أخرجه ابن هشام في السيرة 1/428-429 عن ابن إسحاق، ورجاله ثقات، وسنده حسن.
(2) - مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي بن كلاب العبدري، أحد السابقين إلى الإسلام. قال ابن عبد البر: أسلم قديما والنبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم، وكتم إسلامه خوفا من أمه وقومه، شهد بدرا، ثم أحدا ومعه اللواء واستشهد بها، وفي الصحيح أن مصعبا لم يترك إلا ثوبا، فكان إذا غطوا رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطوا رجليه خرج رأسه، فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: اجعلوا على رجله شيئا من الإذخر، ترجمته في: الاستيعاب ص: 1483، والإصابة 6/123-124.
(3) - هما الصحابيتان:
أم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن النجار، الأنصارية. شهدت بيعة العقبة، وشهدت أحدا مع زوجها وولدها، وشهدت بيعة الرضوان، ثم شهدت قتال مسيلمة باليمامة، وجرحت يومئذ اثنتي عشرة جراحة، وقطعت يدها وقتل ولدها حبيب.
ترجمتها في: الاستيعاب ص:1919، والإصابة 8/265-267، وأسد الغابة 5/605.
وأسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصارية السلمية، أم معاذ بن جبل، وكنيتها أم منيع.
ذكر ابن إسحاق بسند صحيح عن كعب بن مالك أنها كانت مع من شهد العقبة مع السبعين هي ونسيبة بنت كعب.
ترجمتها في: الاستيعاب ص:1784، والإصابة 7/489.(2/67)
،وهم أهل العقبة الثالثة، فبايعوه - صلى الله عليه وسلم - على أن ينصروه إذا قدم عليهم، ويمنعونه مما يمنعون منه أنفسهم وأبناءهم ونساءهم، وعين منهم اثني عشر نقيبا، وهم سعد بن عبادة(1) وأسعد بن زرارة وسعد بن الربيع(2) وسعد بن خيثمة(3)
__________
(1) - سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن حرام بن خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري، سيد الخزرج. شهد العقبة، وكان أحد النقباء كان. يكتب العربية، ويحسن العوم والرمي، وكان مشهورا بالجود. قال ابن سيرين: كان أهل الصفة إذا أمسوا انطلق الرجل بالواحد والرجل بالاثنين، والرجل بالجماعة، فأما سعد فكان ينطلق بثمانين، توفي بالشام سنة 15 هـ أو 16 هـ.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 594، والإصابة 3/65-67.
(2) - سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الخزرجي، أحد نقباء الأنصار.
في الصحيحين والموطأ عن يحي بن سعيد: لما كان يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يأتيني بخبر سعد بن الربيع؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله، فجعل يطوف بين القتلى، فلقيه فقال: أقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلام، وأخبره أنني طعنت اثنتي عشرة طعنة، وأني أنفذت مقاتلي، وأخبر قومه أنهم لا عذر لهم عند الله إن قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وواحد منهم حي.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 589، والإصابة 3/58-59.
(3) - سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم بن امرئ القيس بن مالك بن أوس الأنصاري الأوسي، أبو خيثمة، كان أحد النقباء بالعقبة، واستشهد يوم بدر، وقتل أبوه خيثمة يوم أحد.
قال ابن اسحاق في المغازي: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء على كلثوم بن الهدم، وكان إذا خرج منه جلس للناس في بيت سعد بن خيثمة.
ترجمته في: الاستيعاب ص:588، والإصابة 3/55-56.(2/68)
والمنذر بن عمرو(1) وعبد الله بن رواحة(2) والبراء بن معرور(3) وأبو/ الهيثم بن التيهان(4)
__________
(1) - المنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الخزرجي الساعدي. بدري نقيب، استشهد يوم بئر معونة، وسمي المنذر بن الزبير بن العوام على اسمه.
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجدتي السهو قبل التسليم، قال الدارقطني: لم يرو المنذر غير هذا الحديث، ترجمته في: الاستيعاب ص: 1449، والإصابة 6/217-218.
(2) - عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي، الشاعر المشهور كان أحد النقباء ليلة العقبة، وشهد بدرا وما بعدها إلى أن استشهد بمؤتة.
وفي فوائد أبي ظاهر الذهلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نعم الرجل عبد الله بن رواحة"، ومن أحسن ما مدح به النبي صلى الله عليه وسلم قوله:
لو لم تكن فيه آيات مبينة * كانت بديهته تنبيك بالخبر.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 898، والإصابة 4/82-86، وأسد الغابة 3/156.
(3) - البراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد ابن جشم بن الخزرج الأنصاري الخزرجي السلمي، أبو بشر، هو أول من بايع بيعة العقبة الأولى في قول ابن إسحاق، وأول من استقبل القبلة، وأول من أوصى بثلث ماله، توفي قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بشهر.
ترجمته في: الاستيعاب ص:151، والإصابة 1/282-283.
(4) - أبو الهيثم بن التيهان - بفتح المثناة الفوقانية مع كسر الياء - ابن مالك بن عتيك بن عمرو بن عبد الأعلم بن عامر بن زهوراء الأنصاري الأوسي.
قال ابن إسحاق: فيمن شهد بدرا أبو الهيثم، واسمه مالك.
وقال ابن السكن: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه و بين عثمان بن مظعون، وشهد المشاهد كلها.
ترجمته في: الاستيعاب ص:1773، والإصابة 7/449-450.(2/69)
وأسيد بن حضير(1) وعبد الله بن عمرو بن حرام(2) وعبادة بن الصامت(3) ورافع بن مالك، هكذا عدهم ابن عبد البر في الاستيعاب(4).
__________
(1) - أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل الأنصاري. من السابقين إلى الإسلام، وهو أحد النقباء ليلة العقبة، وكان إسلامه على يد مصعب بن عمير. آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين زيد بن حارثة، وكان ممن ثبت يوم أحد، وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم، " نعم الرجل أسيد بن حضير".
توفي سنة 20 هـ أو 21 هـ
ترجمته في: الاستيعاب ص:92، والإصابة 1/83-84.
(2) - عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام الأنصاري الخزرجي السلمي، والد جابر بن عبد الله الصحابي المشهور، معدود في أهل العقبة وبدر، وكان من النقباء، واستشهد بأحد، وروى مالك في الموطأ أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام كانا قد حفر السيل عن قبرهما، وكانا في قبر واحد مما يلي السيل، فحفر عنهما فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس، وروى أبو يعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: جزى الله الأنصار عنا خيرا لاسيما عبد الله بن عمرو بن حرام وسعد بن عبادة. ترجمته في: الاستيعاب ص:954، والإصابة 4/189-190.
(3) - عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن قيس بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج الأنصاري الخزرجي، أبو الوليد، كان من النقباء، وشهد بدرا والمشاهد كلها، وشهد فتح مصر، قال عبد الصمد بن سعيد في تاريخ حمص: هو أول من ولي قضاء فلسطين. وفي تاريخ البخاري: كتب يزيد بن أبي سفيان إلى عمر: قد احتاج أهل الشام إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم، فأرسل معاذا وعبادة وأبا الدرداء.
ترجمته في: الإصابة 3/624-626.
(4) - مثله في سيرة ابن هشام 1/440-،447 ،ومسند أحمد 3/460-462.(2/70)
…قال ابن إسحاق: ( حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم(1) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للنقباء: أنتم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم، قالوا نعم) .
… 3889 - ليلة العقبة: أي الثانية. تواثقنا: أي وقع بيننا الميثاق على ما تبايعنا عليه من النصر والإيواء. بها: أي بدلها. أذكر: اسم تفضيل أي أكثر ذكرا بالفضل.
…3890 - جابر بن عبد الله: ابن عمرو بن حرام، قال عبد الله بن محمد الجعفي(2): أحدهما البراء بن معرور(3)، "هو أول من أسلم من الأنصار بالمدينة، وأول من بايع في العقبة الثانية، ومات قبل قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة بشهر"(4).
…ونقل الدماميني (5)
__________
(1) - عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، أبو محمد، ويقال أبو بكر المدني.
روى عن أبيه وخالة أبيه عمرة بنت عيد الرحمن وأنس وعروة بن الزبير؛ وعنه الزهري ومالك وابن جريج والسفيانان.
قال مالك: كان كثير الأحاديث، وكان رجل صدق.
توفي عام 135هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 5/164-165، والتقريب رقم 3239.
(2) - عبد الله بن محمد بن عبد الله بن جعفر الجعفي، أبو جعفر البخاري المعروف بالمسندي –بفتح النون-.
ثقة حافظ، روى عن ابن عيينة وابن مهدي ويحيى بن آدم.
مات عام 229هـ.
ترجمته في : تهذيب التهذيب 6/9، والتقريب رقم 3585.
(3) - "كذا في رواية أبي ذر، ولغيره: قال أبو عبد الله يعني المصنف، فعلى هذا فتفسير المبهم من كلامه، لكنه ثبت أنه من كلام ابن عينية من وجه آخر عند الإسماعيلي، فترجحت رواية أبي ذر " -الفتح 7/280 -.
(4) - نقلا عن الفتح 7/280.
(5) - محمد بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر بم محمد بن سليمان بن جعفر القرشي المخزومي الإسكندري الدماميني، بدر الدين.
استوطن القاهرة، ولازم ابن خلدون، وتصدر للإقراء بالأزهر.
توفي بالهند عام 827هـ.
ترجمته في: الضوء اللامع 7/184، وبغية الوعاة 27، وشذرات الذهب 7/181، والبدر الطالع 2/150.(2/71)
( عن البلقيني(1) أن الآخر هو الجد بن قيس(2)(3).
وتعقب الدمياطي(4) ذكر البراء فقال: أم جابر(5)
__________
(1) - صالح بن عمر بن رسلان بن نصير بن صالح الكناني، البلفيقي الأصل، العسقلاني، علم الدين أبو البقاء.
له: تفسير القرآن الكريم، وشرح على الجامع الصحيح للبخاري.
توفي عام 868هـ.
ترجمته في: الضوء اللامع 3/313، والبدر الطالع 1/286.
(2) - جد بن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري، أبو عبد الله. روى الطبراني بإسناد قوي عن جابر قال: حملني خالي جد بن قيس وما أقدر أن أرمي بحجر في السبعين راكبا من الأنصار الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد تخلف عن تبوك، قال ابن عبد البر: يقال إنه تاب وحسنت توبته، ومات في خلافة عثمان.
ترجمته في: الاستيعاب ص:266، والإصابة 1/468.
(3) - تعليق المصابيح على الجامع الصحيح لمحمد بن أبي بكر الدماميني ص: 466 .
(4) - عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن شرف بن الخضر بن موسى الدمياطي، شرف الدين أبو محمد.
ولد بدمياط بمصر، ورحل إلى الحجاز ودمشق وبغداد.
له: معجم شيوخه، والأربعون المتباينة الإسناد، وقبائل خزرج.
توفي بالقاهرة عام 705هـ.
ترجمته في: طبقات الشافعية للسيكي 6/133، والدرر الكامنة 2/417، وتذكرة الحفاظ 4/258.
(5) - أنيسة بنت عنمة - بفتح المهملة والنون – ابن عدي بن سنان بن نابي بن عمرو بن سواد.
ذكرها ابن سعد فقال: تزوجها عبد الله بن عمرو بن حرام. وعن جابر قال: أصيب أبي وخالي يوم أحد، فجاءت أمي بهما، وقد عرضتهما على ناقة، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادفنوا القتلى في مصارعهم، فردا.
ترجمتها في: الإصابة 7/522.(2/72)
هي أنيسة بنت عنمة(1)، وأخواها ثعلبة(2) وعمرو(3) هما خالا جابر، وقد شهدا العقبة الأخيرة، وأما البراء فليس هو من أخواله(4)؛ قال ابن حجر: (لكنه من أقارب أمه، وهم يسمون أخوالا، فلعل هذا قصد ابن عيينة(5)، وهو أولى من توهيمه) هـ(6) ، ونحوه للكرماني(7)، وزاد احتمال كونه خالا رضاعيا، وكذا الدماميني قائلا: (تسمية البراء خالا، وكذا جد بن قيس، لأنهما قريبان لأمه) هـ(8).
…3891 - وأبي: عبد الله بن عمرو بن حرام. وخالاي: الواو للمعية، فهو منصوب، فمن ثم حذف ألفه. العقبة: أي الأخيرة.
__________
(1) - في الأصل: نسيبة بنت عقبة، وهو تحريف.
(2) - ثعلبة بن عنمة بن عدي بن سنان بن نابي بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي الخزرجي ، ذكره موسى ابن عقبة فيمن شهد بدرا والعقبة، وكان ممن يكسر أصنام بني سلمة قال ابن اسحاق: قتل يوم الخندق، قتله هبيرة بن أبي وهب، وقال عروة: قتل بخيبر.
ترجمته في: الاستيعاب ص:207، والإصابة 1/406-407.
(3) - عمرو بن عنمة بن عدي بن سنان بن نابي بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري، ذكره موسى بن عقبة وغيره فيمن شهد بدرا.
ترجمته في: الاستيعاب ص:1195، والإصابة 4/666.
(4) - نقلا عن الفتح 7/281.
(5) - أبو محمد سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي الكوفي، أحد أئمة الإسلام. روى عن عمرو بن دينار والزهري ومحمد بن المكندر، وعنه الشافعي وابن معين وابن المديني وابن راهويه، قال الشافعي: لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز، مات بمكة سنة 198 هـ. ترجمته في: طبقات ابن سعد 5/364، وتذكرة الحفاظ 1/262، وطبقات الحفاظ ص: 113.
(6) - فتح الباري 7/281.
(7) - في الكواكب الدراري 15/105.
(8) - تعليق المصابيح للدماميني ص: 466.(2/73)
…3892 - بايعوني على ألا تشركوا... إلخ: جزم الحافظ ابن حجر(1) بأن هذه البيعة، على ما ذكر هنا، وقعت بعد فتح مكة، وأما بيعة ليلة العقبة فإنما كانت على السمع والطاعة في(2) المنشط والمكره، والعسر واليسر، كما يأتي في أول كتاب الفتن، وحينئذ(3) فالتصريح الواقع هنا بأن الحدود كفارات، صدر منه - صلى الله عليه وسلم - بعد قوله لأبي هريرة(4): "لا أدري الحدود كفارات أم لا"، وهذا وجه الجمع بين الحديثين، والله أعلم.
…3893 - بايعناه: أي بعد فتح مكة، لا بالعقبة. بالجنة: متعلق ببايعناه على ما ذكر، بأن لنا الجنة.
44 - تزويج النبي صلى الله عليه عائشة(5)
__________
(1) - في الفتح 7/281.
(2) - في مخطوطة العرائشي: " والمنشط"، وليست بشيء.
(3) - رمز لها العرائشي بحرف "ح".
(4) - أبو هريرة بن عامر بن عبد ذي الشرى بن طريف بن عتاب بن أبي صعب بن منبه بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس الدوسي.
كان أحفظ من روى الحديث في عصره، وذكر أبو محمد بن حزم أن مسند بقي بن مخلد احتوى من حديث أبي هريرة على خمسة آلاف وثلاثمائة حديث وكسر، وأخرج البخاري عنه قال: يا رسول الله إني لأسمع منك حديثا كثيرا أنساه، فقال: ابسط رداءك، فبسطته، ثم قال: ضمه إلى صدرك، فضممته فما أنسيت حديثا بعد. ترجمته في: الاستيعاب ص:1768، والإصابة 7/425-445.
(5) - عائشة بنت أبي بكر الصديق بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي، وأمها أم رومان بنت عامر. ولدت بعد المبعث بأربع سنين أو خمس، وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست أو سبع، وفي الصحيح: والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها، قال الزهري: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل. توفيت سنة 58 هـ.، ودفنت بالبقيع.
ترجمتها في: الاستيعاب ص:1881، والإصابة 8/16-21.(2/74)
الصديقية رضي الله عنها، أي تزوجه بها. وقدومها المدينة: بعد الهجرة مع أختها أسماء(1)، وأمها أم رومان(2). وبناؤه - - صلى الله عليه وسلم - - بها: رضي الله عنها بالمدينة المشرفة، وكان ذاك في شوال من السنة الأولى.
__________
(1) - أسماء بنت عبد الله بن عثمان التيمية، والدة عبد الله بن الزبير بن العوام، وهي بنت أبي بكر الصديق، أسلمت قديما بمكة، وكانت تلقب ذات النطاقين.
ومن مناقبها العظمى مواجهتها للحجاج حين صلب ابنها عبد الله بقولها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج في ثقيف كذاب ومبير، فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فأنت هو، قال هشام بن عروة: بلغت أسماء مائة سنة، ولم يسقط لها سن، ولم ينكر لها عقل. ترجمتها في الاستيعاب ص:1781، والإصابة 7/486-488.
(2) - أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب، امرأة أبي بكر الصديق، ووالدة عبد الرحمن وعائشة، ولما دليت في قبرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين، فلينظر إلى هذه.
ترجمتها في: الاستيعاب: 1935، والإصابة 8/206-210.(2/75)
…3894 - تزوجني: أي عقد علي. فوعكت: مرضت بالحمى. فتمزق(1): تقطع. فوفى: كمل. جميمة: تصغير جمة، وهو الشعر النازل إلى الأذنين ونحوها، أي صار إلى هذا الحد بعد أن كان قد ذهب بالمرض. لفي أرجوحة: الأرجوحة هي التي يلعب بها الصبيان؛ قال أبوعبيد(2): ( هي أن تؤخذ خشبة فيوضع وسطها على تل، ثم يجعل غلام على أحد طرفيها وغلام على الطرف الآخر، فترجح الخشبة بهما، ويتحركان فيميل أحدهما بالآخر )، قاله في التنقيح هـ(3)، وقال في القاموس: ( الأرجوحة حبل معلق يركبه الصبيان) هـ، قال العارف(4)
__________
(1) - في صحيح البخاري 5/71 : "فتمزق".
(2) - أبو عبيد القاسم بن سلام الأنصاري، مولاهم، البغدادي، أحد الأعلام، وذو التصانيف الكثيرة، أخذ عن الكسائي، وهشام بن عمار، وسمع من ابن المبارك. وحدث عنه ابن أبي الدنيا، وعباس الدوري، وأبو محمد الدارمي، قال الداني: " إمام أهل دهره في جميع العلوم، صاحب سنة، ثقة مأمون"، وقال الحاكم: " الإمام المقبول عند الكل أبو عبيد"، وأجل كتبه غريب المصنف، توفي سنة 224 هـ. ترجمته في: طبقات ابن سعد 7/93، والتاريخ الكبير 7/172، والجرح والتعديل 7/111، وتاريخ بغداد 12/403-416، والسير 10/490-509، وتهذيب التهذيب 8/315-318.
(3) - التنقيح للزركشي ص: 156 .
(4) - أبو زيد عبد الرحمن بن يوسف الفاسي، الملقب بالعارف.
ولد بالقصر الكبير سنة 972هـ.
أخذ عن السراج وعبد الواحد الحميدي والمنجور والقصار.
له حاشية على البخاري، وحاشية على تفسير الجلالين، وغيرهما.
توفي سنة 1036هـ، ودفن بفاس.
ترجمته في : شجرة النور الزكية 245، ونشر المثاني 1/266.(2/76)
: ( يشبه اللعبة المسماة بمطيشة)(1). لأنهج: أتنفس نفسا عاليا. الدار: أي دارنا. على خير طائر: حظ ونصيب. فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه ضحى: أي لم يفزعني شيء إلا دخوله عليه الصلاة والسلام. فأسلمتني إليه: وعند الإمام أحمد: ( فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس على سريري، وعنده رجال ونساء من الأنصار فأجلستني أمي في حجره، ثم قالت: هؤلاء أهلك يارسول الله، بارك الله لك فيهم، فوثب الرجال والنساء / وبنى بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتنا، وأنا يومئذ بنت تسع سنين)(2).
…والجمع بينه وبين حديث الباب هو أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل أولا مع الرجال والنساء وقت صلاح النسوة حال عائشة، فراعها ذلك، ثم جلس ببيت مع من دخل معه، فلما فرغت أمها من إصلاح شأنها، أدخلتها عليه للبيت، فخرج من كان معه، وبقي هو مع أهله - صلى الله عليه وسلم -، هذا ما ظهر لي، وهو أولى مما عند الزرقاني(3) على المواهب، فتأمله والله أعلم.
3895 - سرقة: قطعة. ويقول : الملك. إن يك هذا... إلخ: ليس هذا شكا في حقيقة الرؤيا، لأنها وحي، بل لأنها قد تكون على ظاهرها وعلى غير ظاهرها، فالتردد في أيهما يقع، قاله الزركشي(4)
__________
(1) - حاشية العارف الفاسي على البخاري 2/ ملزمة 64/ص:6 ؛ وهذه التسمية "مطيشة" موجودة عند أهل فاس ونواحيها إلى اليوم.
(2) - مسند أحمد 6/211.
(3) - محمد بن عبد الباقي بن يوسف بن أحمد بن علوان الزرقاني، أبو عبد الله.
له: شرح المنظومة البيقونية، ومختصر المقاصد الحسنة، وإشراق مصابيح السير المحمدية بمزج أسرار المواهب اللدنية، وأبهج المسالك بشرح موطأ مالك. توفي بالقاهرة عام 1122هـ.
ترجمته في: فهرس الفهارس 1/342، وهدية العارفين 2/311.
(4) - في التنقيح ص: 156.
والزركشي هو محمد بن بهادر بن عبد الله المصري، بدر الدين أبو عبد الله.
محدث فقيه، تركي الأصل، مصري المولد.
أخذ عن جمال الدين الإسنوي والسراج البلقيني، ورحل إلى حلب، وسمع الحديث بدمشق.
له: شرح جمع الجوامع، وشرح علوم الحديث، والبحر المحيط في أصول الفقه.
توفي عام 794هـ.
ترجمته في: الدرر الكامنة 3/397، وشذرات الذهب 6/335.(2/77)
، ونقل السهيلي نحوه عن ابن العربي.
…قال ابن حجر: ( وهو المعتمد مما قيل في ذلك)(1) .
…3896 - توفيت خديجة: أم المؤمنين رضي الله عنها. بثلاث سنين: أي في رمضان. فلبث سنتين أو قريبا من ذلك: لم يدخل على أحد من النساء، ثم دخل على "سودة"(2) قبل أن يهاجر. ونكح عائشة: كلام مستأنف، أي عقد عليها قبل ذلك في شوال الموالي لرمضان الذي توفيت فيه خديجة. ثم بنى بها: بعد أن هاجر في شوال أيضا من السنة الأولى من الهجرة، وهي بنت تسع سنين: زاد مسلم: ( ولعبها معها)(3) .
45 - هجرة النبي صلى الله عليه وأصحابه إلى المدينة:
…كانت هجرته - صلى الله عليه وسلم - بعد العقبة الأخيرة بشهرين وأيام على التحرير.
…وقال الحاكم: ( تواترت الأخبار أن خروجه - صلى الله عليه وسلم - كان يوم الاثنين، ودخوله المدينة كان يوم الاثنين، إلا أن محمد بن موسى الخوارزمي(4)
__________
(1) - فتح الباري 9/227 ( كتاب النكاح، بان النظر إلى المرأة قبل التزويج).
وتعبير القاضي عياض: " وجه التردد هل هي رؤيا وحي على ظاهرها وحقيقتها، أو هي رؤيا وحي لها تعبير؟ وكلا الأمرين جائز في حق الأنبياء".
(2) - سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس القرشية العامرية، أمها الشموس بنت قيس بن زيد الأنصارية، وكانت أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة.
وصح عن عائشة قالت: ( ما من الناس أحد أحب إلي أن أكون في مسلاخه - أي هديه - من سودة). توفيت سنة 54 هـ.
ترجمتها في: الاستيعاب ص:1867، والإصابة 7/720-722.
(3) - في صحيح مسلم من حديث الزهري عن عروة عن عائشة: " وزفت إليه وهي بنت تسع ولعبتها معها، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة" - كتاب النكاح، باب جواز تجويز الأب البكر الصغيرة (شرح النووي 9/208) -.
(4) - محمد بن موسى الخوارزمي، أبو عبد الله.
كان منقطعا إلى خزانة كتب الحكمة للمأمون.
له: العمل بالأسطرلاب، والجبر والمقابلة، وتقويم البلدان.
توفي عام 235هـ.
ترجمته في: تاريخ الحكماء للقفطي 286، وفهرست ابن النديم 1/274.(2/78)
قال إنه خرج من مكة يوم الخميس) هـ.
…ابن حجر: ( ويجمع بينهما بأن خروجه من مكة يوم الخميس، ومن الغار يوم الاثنين، لأنه أقام به ثلاث ليال، وجزم ابن إسحاق وغيره بأنه - صلى الله عليه وسلم - خرج من مكة أول يوم من ربيع الأول، وقدم المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت منه)(1) .
…قال ابن حجر: ( فعلى هذا كان خروجه يوم الخميس) هـ(2).
…قال البيضاوي(3) : ( لما سمعت قريش بإسلام الأنصار ومتابعتهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فرقوا واجتمعوا في دار الندوة متشاورين في أمره، فدخل عليهم إبليس في صورة شيخ، وقال: أنا من نجد، سمعت اجتماعكم فأردت أن أحضركم ولن تعدموا مني رأيا ونصحا، فقال أبو البحتري: رأيي أن تحبسوه في بيت، وتشدوا منافذه غير كوة تلقون إليه طعامه وشرابه منها حتى يموت، فقال الشيخ النجدي: بئس الرأي، يأتيكم من يقاتلكم من قومه ويخلصه من أيديكم، فقال هشام بن عمرو: رأيي أن تحملوه على جمل فتخرجوه من أرضكم فلا يضركم ما صنع، فقال الشيخ: بئس الرأي، يفسد قوما غيركم ويقاتلكم بهم، فقال أبو جهل: أنا أرى أن تأخذوا من كل بطن غلاما وتعطوه سيفا صارما، فيضربوه ضربة واحدة فيتفرق دمه في القبائل، فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريش كلهم، فإذا طلبوا العقل عقلناه، فقال الشيخ: صدق هذا الفتى، فتفرقوا على رأيه، فأتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبره الخبر، وأمره بالهجرة) هـ(4).
__________
(1) - فتح الباري 7/287.
(2) - فتح الباري 7/287
(3) - عبد الله بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي، ينسب إلى البيضاء بفارس.
كان إماما في التفسير والفقه والأدب.
له : منهاج الوصول إلى علم الأصول، وأنوار التنزيل، وشرح كافية ابن الحاجب. توفي عام 685هـ.
ترجمته في: طبقات ابن السبكي 5/95، وشذرات الذهب 5/392، والبداية والنهاية 13/309.
(4) - أنوار التنزيل وأسرار التأويل 3/48 ( في تفسير الآية 30 من سورة الأنفال)، والخبر في سيرة ابن هشام 1/480-483.(2/79)
…وقال القاضي عياض: ( كان من حديث الهجرة / أن المشركين اجتمعوا لقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبيتوه، فأمر عليا رضي الله عنه أن يرقد على فراشه، وقال: إنهم لن يضروك، فخرج عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم على الباب ولم يروه، ووضع على رأس كل واحد منهم ترابا، وانصرف عنهم إلى غار ثور، فأخبروا بخروجه ووضعه التراب على رؤوسهم، فمدوا أيديهم لرؤوسهم فوجدوا التراب عليها، فدخلوا الدار فوجدوا عليا على الفراش، ثم خرجوا في كل وجه يطلبون النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقفون أثره بقائف معهم، إلى أن وصلوا الغار فوجدوا العنكبوت قد نسجت عليه، وفرخت فيه الحمام) هـ(1).
…وقال السهيلي في الروض: ( ذكر قاسم بن ثابت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دخل الغار مع أبي بكر، أنبت الله على بابه الراءة، وهي بالمد شجرة معروفة مثل قامة الإنسان، لها زهر أبيض تحشى به المخاد فتكون كالريش لخفته ولينه لأنه كالقطن)(2) .
…وفي مسند البزار أن الله تعالى أمر العنكبوت فنسجت على وجه الغار، وأرسل حمامتين وحشيتين فعششتا على وجه الغار، وأن ذلك مما صد المشركين عنه، وأن حمام الحرم من نسل تلك الحمامتين هـ، وأما أصحابه - صلى الله عليه وسلم - فتوجه معه أبو بكر وعامر بن فهيرة، وتوجه قبله بين العقبتين جماعة اختلف في الأول منهم وفيمن يليه.
…قال في النور :( حاصل الأحاديث في أول من هاجر، هل هو مصعب بن عمير، وبعده ابن أم مكتوم(3)
__________
(1) - الخبر أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/227-228،وابن هشام في السيرة 1/483،وعبد الرزاق في المصنف5/389،وأحمد 1/348.
(2) - الروض الأنف 2/231-232.
(3) - عمرو بن أم مكتوم القرشي، ويقال اسمه عبد الله، وعمرو أكثر، وهو ابن قيس بن زائدة بن الأصم.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يستخلفه على المدينة في عامة غزواته يصلى بالناس، وهو المذكور في سورة "عبس وتولى"، وفيه نزلت: " غير أولي الضرر" لما نزلت: " لا يستوي القاعدون...".
ترجمته في: الاستيعاب ص:997، والإصابة 4/600-602.(2/80)
، أو أبو سلمة، أو عبد الله بن جحش، وحاصلها في النسوة أم سلمة، أو ليلى بنت أبي حثمة(1)، أو أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط(2)، أو الفارعة بنت أبي سفيان)(3)
__________
(1) - ليلى بنت أبي حثمة بن حذيفة بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عبيد بن عويج بن كعب بن لؤي القرشية العدوية. أسلمت قديما، وبايعت وكانت من المهاجرات الأول.
قالت ليلى: كان عمر بن الخطاب من أشد الناس علينا في إسلامنا، فلما تهيأنا للخروج إلى أرض الحبشة، جاءني عمر وأنا على بعيري فقال: إلى أين أم عبد الله؟ فقلت: آذيتمونا في ديننا، فنذهب في أرض الله، قال: صحبكم الله، ثم ذهب.
ترجمتها في: الاستيعاب ص:1909، والإصابة 8/102.
(2) - أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط الأموية، وأمها أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب، وهي والدة عثمان، أسلمت قديما وبايعت، وخرجت إلى المدينة مهاجرة تمشي. تزوجها أفاضل من الصحابة هم: زيد بن حارثة، ثم الزبير بن العوام، ثم عبد الرحمن بن عوف، ثم عمرو بن العاص وماتت عنده.
ترجمتها في: الاستيعاب ص:1953، والإصابة 8/291-292.
(3) - فارعة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية الأموية، قال ابن إسحاق: كان أول من خرج إلى الحبشة مهاجرا عبد الله بن جحش، حليف بني عبد شمس، احتمل بأهله وأخيه، وهو أبو أحمد، وكانت عنده الفارعة بنت أبي سفيان بن حرب.
ترجمتها في : الإصابة 8/49.(2/81)
، نقله الزرقاني، ثم لما توجه - صلى الله عليه وسلم -، خرج من بقي من المسلمين إلا من غلب عن ذلك من المستضعفين(1). لولا الهجرة: أي لولا فضلها ومزيتها التي لا يعادلها شيء.
…وهلي: ظني. اليمامة: بلدة من اليمن على مرحلتين من الطائف. الهجر(2): بلد معروف بالبحرين. يثرب: قاله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يسميها "طيبة".
…3897 - هاجرنا مع النبي صلى الله عليه: أي بإذنه، وإلا فلم يرافق النبي - صلى الله عليه وسلم - سوى أبي بكر وعامر بن فهيرة كما سبق. لم يأخذ من أجره: الدنيوي، كالغنائم والخراج والجزية شيئا: بل ادخر له كله للآخرة.
…3898 - الأعمال بالنية: أي صحيحة بها. فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله: نية وقصدا . فهجرته إلى الله ورسوله: ثوابا وأجرا.
…3899- لا هجرة بعد الفتح: أي من مكة.
3900- وحدثني الأوزاعي(3): قائله يحيى بن حمزة(4)
__________
(1) - لأن الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم كانت في أول الإسلام مطلوبة، ثم افترضت لما هاجر إلى المدينة إلى حضرته للقتال معه وتعلم شرائع الدين، وقد أكد الله ذلك في عدة آيات حتى قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر، فقال تعالى: " والذين ءامنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا " -سورة الأنفال 72 -، فلما فتحت مكة ودخل الناس في الإسلام من جميع القبائل سقطت الهجرة الواجبة وبقي الاستحباب، انظر الفتح 7/290.
(2) - بالألف واللام، وهذا في بعض نسخ أبي ذر، و "هجر" غير معرفة أشهر - انظر فتح الباري 7/288-.
(3) - عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد، أبو عمرو الأوزاعي، إمام أهل الشام في الحديث والفقه. أخذ عن قتادة بن دعامة، ومكحول والزهري.
كان إماما في الفقه، ولم يكن بالحجة في الحديث. توفي عام 157هـ.
ترجمته في : طبقات ابن سعد 7/185، والجرح والتعديل 2/266، والبداية والنهاية 10/115، وتهذيب التهذيب 6/238-242.
(4) - يحيى بن حمزة بن واقد الحضرمي، أبو عبد الرحمن الدمشقي القاضي.
ثقة رمي بالقدر. مات عام 183هـ.مات عام 183هـ.
ترجمته في : تهذيب التهذيب 11/200، والتقريب رقم 7536(2/82)
. زرت عائشة: يعني وهي مجاورة بثبير(1) كما في الحج. لا هجرة اليوم: أي من مكة، لأنها فتحت، أما سائر بلاد الكفر فالهجرة منها مطلوبة إلى الأبد(2). قال الإسماعيلي عن ابن عمر(3): ( انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار، أي مادام في الدنيا دار كفر). ونية: أي وثواب نية الجهاد.
…3901 - سعدا: وهو ابن معاذ(4)
__________
(1) - من أعظم جبال مكة، انظر معجم البلدان 2/73.
(2) - بل الحكم يدور مع علته، ومقتضاه أن من قدر على عبادة الله في أي موضع اتفق، لم يجب عليه الهجرة منه، وإلا وجبت.
قال الماوردي: ( إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار إسلام، فالإقامة فيها أفضل من الرحلة منها لما يرتجى من دخول غيره في الاسلام)، ولله در الماوردي، ما أنفس كلامه، فقد أصبح الخوف على الحق وأهله في عواصم الإسلام، في حين شاع الاطمئنان على الأرزاق والأمان على الأديان في بلاد الكفر- انظر الفتح 7/290-.
(3) - عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي، أبو عبد الرحمن. أمه زينب بنت مظعون، هاجر وهو ابن عشر سنين، وهو من المكثرين رواية وفقها.وفي الشعب للبيهقي: مات ابن عمر وهو مثل عمر في الفضل.
ومن نوادر وفضائله أنه كان يحب جارية اسمها رمثة، فأعتقها، وقال: سمعت الله تعالى يقول: " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون".
ترجمته في: الاستيعاب ص:950، والإصابة 4/181-188.
(4) - سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل، الأنصاري، سيد الأوس، شهد بدرا، ورمي بسهم في الخندق، فعاش بعد ذلك شهرا، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اهتز العرش لموت سعد بن معاذ ".
وذكر ابن إسحاق أنه لما أسلم قال لبني عبد الأشهل: كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تسلموا، فأسلموا، فكان من أعظم الناس بركة في الإسلام.
ترجمته في: الاستيعاب ص:602، والإصابة 3/84-85.(2/83)
. وأخرجوه: هم قريش.
…3902 - ثلاث عشرة سنة: هذا هو الأصح. فمكث: أي أقام. فهاجر عشر سنين: هذا موضع الترجمة.
…3904 - خوخة: هي الباب الصغير(1).
…3905- أبوي: أبا بكر وأم رومان. الدين: بالنصب على نزع الخافض، أي بدين الإسلام، أو هو مفعول به على التجوز، فلما ابتلي المسلمون:/ أي بأذى المشركين، وأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه في الهجرة إلى الحبشة. بَرْك الغِمَاد(2): موضع على خمس ليال من مكة. ابن الدَّغِنَة: اسمه الحارث بن يزيد(3)، و"الدغنة" اسم أمه. القارة(4): قبيلة مشهورة. أخرجني قومي: أي تسببوا في إخراجي. فأنا لك جار: أي مجير أمنع من يؤذيك. ولا يخرج: أي لما فيه من النفع المتعدي لأهل بلده، أي يمنع من الخروج إن أراده، فضلا عن أن يتسبب له فيه، واستنبط منه بعض المالكية أن من كانت منفعته متعدية لا يمكن من الانتقال عن البلد إلى غيره بغير ضرورة راجحة. يكسب المعدوم: أي يصيره ذا كسب. فلم تكذب قريش ... إلخ: أي لم ترد عليه قوله. بدا لأبي بكر: أي ظهر له رأي غير الرأي الأول. بفناء داره: أمامها. فَيَتَقَذَّفُ(5)
__________
(1) - في الباب الكبير، وهو ما يوجد في أبواب الدور في المدن العتيقة بالمغرب، وكذا البوادي؛ ومن عجيب ما يذكر أنني زرت مدينة زرهون حيث عاش المؤلف رحمه الله، وذلك في صيف سنة 2001م، فوجدت بيع مثل هذه الأبواب رائجا، ويصل ثمن الواحد إلى 40.000 درهم فأكثر.
(2) - هذا قول، وقيل بلد باليمن، انظر معجم البلدان 1/399.
(3) - عند البلاذري من طريق الواقدي، وحكى السهيلي أن اسمه مالك، ووهم الكرماني في شرحه فظن أن ابن إسحاق سماه ربيعة بن رفيع، إذ ربيعة هذا سلمي، والمذكور في الحديث من قبيلة القارة - انظر الفتح 7/ 294 -.
(4) - من بني الهون، بالضم والتخفيف، وكانوا حلفاء بني زهرة من قريش، وكانوا يضرب بهم المثل في قوة الرمي - الفتح 7/294-295-.
(5) - في صحيح البخاري 5/74 : "فينقذف"، وفي الهامش: "فيتقذف " لأبي ذر الهروي.(2/84)
: تقدم في الكفالة: "فيتقصف" أي يزدحمون عليه حتى يسقط بعضهم على بعض فيكاد يتكسر. قال الخطابي(1)
__________
(1) - أبو سليمان حمد ( أو أحمد) بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي، من بلاد كابل الأفغانية، أخذ الحديث عن أبي سعيد الأعرابي، وأبي بكر بن داسة، وإسماعيل بن الصفار، وتفقه على أبي بكر القفال الشاشي وغيره، ومن أشهر تلاميذه أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، وأبو ذر الهروي.
من مصنفاته المطبوعة: معالم السنن في شرح سنن أبي داود ، وأعلام السنن في شرح صحيح البخاري، وغريب الحديث، وإصلاح غلط المحدثين، ولد سنة 319 هـ، وتوفي سنة 388 هـ.
ترجمته في: وفيات الأعيان لابن خلكان 2/214، وتذكرة الحفاظ للذهبي 3/1019، وطبقات الشافعية لابن السبكي 3/283.(2/85)
: (هذا هو المحفوظ، وأما "يتقذف " فلا معنى له إلا أن يكون من القذف، أي يتدافعون بعضهم بعضا فيتساقطون عليه، فيرجع إلى معنى الأول)(1). لا يملك عينيه إذا قرأ: أي لا يقدر على إمساك عينيه من البكاء عند قراءته. وأفرغ ذلك: أي أخافهم لما يعلمون من رقة قلوب النساء والصبيان، فربما مالوا إلى الإسلام. ذمتك: أمانك. نخفرك: نغدر بك. وأرضى بجوار الله: أمانه وحمايته. ذات نخل: هي المدينة. وهما الحرتان: تثنية حَرَّة، أرض ذات حجارة سود، وقائله الزهري. فهاجر…إلخ: وأول من هاجر أبو سلمة كما قدمناه. ورجع عامة... إلخ: أي لما سمعوا باستيطان المسلمين المدينة. على رسلك: أي على مهلك، والرسل: السير الرفيق. بأبي أنت: أنت مبتدأ، خبره بأبي، أي أنت مفدى بأبي. فحبس أبو بكر نفسه: أي منعها من الهجرة. السمر: شجر أم غيلان، وقيل الطلح. وهو الخبط: هذا تفسيره الزهري، والخبط كل ما يخبط بالعصا فيسقط من ورق الشجر. قال ابن شهاب: بالسند السابق. في نحر الظهيرة: هو أول الزوال. قائل: هو أسماء. متقنعا: مغطيا رأسه بقناع، وهو الطيلسان، قال السيوطي: ( هذا أصل لبس الطيلسان)(2). أخرج من عندك: لأساررك بأمر. إنما هم أهلك: يعني عائشة وأسماء، وفي رواية قال: لا عين لك، إنما هما ابنتاي، قالت عائشة: ولم يكن معه إذ ذاك إلا هما. بالثمن: فأخذها - صلى الله عليه وسلم - بالثمن، وأفاد الواقدي أنه ثمانمائة، وأن الناقة هي العضباء(3)، وأنها عاشت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - قليلا، وماتت بعده(4)، وذكر ابن إسحاق أنها الجدعاء(5)
__________
(1) - أعلام السنن في شرح صحيح البخاري ص: 934-935 .
(2) - التوشيح ص: 362.
(3) - في الفتح 7/299: "القصواء".
(4) - نقله في الفتح 7/299.
(5) - نقله في الفتح 7/299.
وفي زاد المعاد 1/134: ( ومن الإبل القصواء، قيل: وهي التي هاجر عليها، والعضباء ، والجدعاء، ولم يكن بهما عضب ولا جدع، وإنما سميتا بذلك، وقيل: كان بأذنها عضب، فسميت به، وهل العضباء والجدعاء واحدة أو اثنتان؟ فيه خلاف، والعضباء هي التي كانت لا تسبق).(2/86)
، وتقدم في الجهاد أنهما اسمان لمسمى واحد، فلا منافاة بين الروايتين، والسر في أخذها بالثمن أنه - صلى الله عليه وسلم - أحب ألا تكون هجرته إلا من مال نفسه، أفاده السهيلي(1) عن بعض الشيوخ. أحث الجهاز(2): بالثاء المثلثة أي أسرعه، قال ابن حجر: ( وفي رواية لأبي ذر(3): "أحب" بالباء، والأول أصح)(4). سفرة: أي زادا، إذ السفرة في اللغة الزاد الذي يصنع للمسافر، وأفاد الواقدي أنه كان شاة مسموطة(5). نطاقها: النطاق هو ما يشد به الوسط فوق الثياب، أي شقت نطاقها نصفين، فشدت بنصف فم الجراب، وبنصف فم القربة. فكمنا: اختفيا. عبد الله(6)
__________
(1) - في الروض الأنف 2/230.
(2) - في هامش صحيح البخاري 5/75 : " أحب" للحموي والمستملي.
(3) - أبو ذر عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير الهروي الأنصاري المالكي، نزيل مكة.
روى صحيح البخاري عن ثلاثة من أصحاب الفربري.
وصنف تفسيرا للقرآن ومستخرجا على الصحيحين، ولزم أبا بكر الأشعري واقتدى به.
مات بمكة عام 434هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد 11/141، وتذكرة الحفاظ 3/1103، والعبر 3/180-181، وشجرة النور الزكية ص:104.
(4) - فتح الباري 7/299.
(5) - نقلا عن الفتح 7/299 وفيه: " شاة مطبوخة " .
(6) - عبد الله بن أبي بكر الصديق، وهو عبد الله بن عبد الله بن عثمان، وهو شقيق أسماء وهو الذي كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر بأخبار قريش وهو غلام شاب فطن، فكان يبيت عندهما ويخرج من السحر فيصبح مع قريش.
شهد الفتح وحنينا والطائف.
ترجمته في: الاستيعاب ص:874، والإصابة 4/27-29.(2/87)
: وقع في نسخة "عبد الرحمن"(1)، وهو وهم. ثَقِف: حاذق. لَقِن: سريع الفهم. فيُدْلِج: يخرج بسحر. كبائت: بها. يُكْتادان: من/ الكيد، أي ينالهما فيه مكروه. بمنحة: شاة. من غنم: كانت لأبي بكر. فيريحها عليهما: إلى الغار. رسل: لبن طري. ورضيفهما: أي اللبن المرضوف، وهو الذي وضعت فيه الحجارة بالشمس أو النار لينعقد ويزول وخمه(2). حتى ينعق: الذي يلي هذا في المعنى هو قوله "بهما"، أي يسمعها صوته إذا زجر غنمه، وما بينهما من قول عكرمة(3) اعتراض أتى به استطرادا لتفسير قوله تعالى: ( كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً)(4). رجلا: هو عبد الله بن أريقط(5)
__________
(1) - عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان، القرشي التيمي، وأمه أم رومان والدة عائشة، تأخر إسلامه إلى أيام الهدنة، فأسلم وحسن إسلامه كان شجاعا راميا حسن الرمي، وشهد اليمامة، وهو القائل لمعاوية حين دعا إلى بيعة ابنه يزيد: أهرقلية كلما مات قيصر كان قيصر مكانه؟ لا نفعل والله أبدا، وخرج إلى مكة فمات بها قبل أن تتم البيعة ليزيد.
ترجمته في: الاستيعاب ص:824، والإصابة 4/325-328.
(2) - انظر الفتح 7/301، وفيه: (وتزول رخاوته).
(3) - عكرمة بن خالد بن سعيد بن العاص المخزومي، مكي ثقة، من مشايخه ابن جريج، أخطأ ابن حزم في تضعيفه، في حين وثقة ابن معين وأبو زرعة والنسائي، روى له الشيخان وأبو داود والترمذي، توفي قبل 120 هـ.
ترجمته في: التاريخ الكبير 7/49، وميزان الاعتدال 3/90، وتقريب التهذيب ص: 396.
(4) - سورة البقرة، الآية 171.
(5) - عبد الله بن أريقط، ويقال أريقد: الليثي ثم الديلي، دليل النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر لما هاجرا إلى المدينة، ثبت ذكره في الصحيح، وأنه كان على دين قومه، ولم يذكره في الصحابة إلا الذهبي في التجريد، كذا قال الحافظ ابن حجر.
ترجمته في: الإصابة 4/5.(2/88)
. والخريت: هذا كلام الزهري، مدرج في الحديث. غمس حلفا: أي أخذ نصيبا من عقدهم وحلفهم يأمن به، وكانوا إذا تحالفوا غمسوا أيديهم في دم أو خلوق تأكيدا للحلف. وهو على دين كفار قريش: واختلف هل أسلم بعد ذلك أم لا. السواحل: بأسفل مكة.
…3906 - قال ابن شهاب: بالسند المذكور. وهو: أي عبد الرحمن(1)، وليس له ولالأبيه(2) ولا لسراقة(3)
__________
(1) - عبد الرحمن بن مالك بن مالك بن جعشم بن مالك بن عمر المدلجي.
روى عن أبيه وعمه سراقة، وعنه الزهري.
قال النسائي: ثقة.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 6/263، والتقريب رقم 3995.
(2) - مالك بن مالك بن جعشم بن مالك بن عمر المدلجي.
روى عن أخيه سراقة بن مالك، وعنه ابنه عبد الرحمن.
ذكره ابن حبان في ثقات التابعين.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 10/21، والتقريب رقم 6447.
(3) - سراقة بن مالك بن جعشم بن مالك بن عمرو بن تيم بن مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة الكناني المدلجي، صاحب القصة في إدراك النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة، أسلم يوم الفتح، قال ابن عينية عن اسرائيل عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسراقة: كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟ قال: فلما أتي عمر بسواري كسرى ومنطقته وتاجه دعا سراقة فألبسه.
ترجمة في: الاستيعاب ص:581، والإصابة 3/41-42.(2/89)
في البخاري إلا هذا الواحد(1). دية كل واحد: أي مائة من الإبل على كل واحد منهم. وآنفا: أي الساعة. أسودة: أشخاصا. بزجه: هو الحديدة التي بأسفل الرمح إذا مسكت أسفله وخفضت أعلاه لئلا يظهر بريقه لمن بعد منه، فيلحقه فيشترك معه في الجعالة. فرفعتها: أسرعت عليها السير. تقرب بي: التقريب السير دون العدو وفوق العادة، وقيل أن ترفع الفرس يديها معا وتضعهما معا. فخررت: سقطت. الأزلام: هي قداح أي سهام لاريش لها ولا نصل، يكتبون على أحدها "نعم"، وعلى آخر "لا"، وعلى آخر "غفل"، ثم يجيلون، فإن خرج "نعم" فعلوا، أو "لا" تركوا، وإن خرج "غفل" أعادوا الضرب. فاستقسمت بها: أجلتها لأعرف ما قسم لي فيهم. فخرج الذي أكره: أي لا أضرهم. غبار: كذا للكشميهني، ولغيره "عثان" بعين مهملة وثاء مثلثة ونون، قال ابن حجر: ( وهو أشهر، ومعناه دخان)(2). فناديتهم بالأمان: وفي رواية أبي خليفة: ( يا محمد إن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه، والله لأعمين عليك من ورائي)(3). ما يريد الناس بهم: من قتلهم. فلم يرزآني: لم ينقصا مما عندي شيئا، ولم يأخذاه. أخف عنا: فجعل لا يلقى أحدا إلا رده. فكتب ...إلخ: زاد ابن إسحاق: ( فرجعت بالكتاب فسكت فلم أذكر شيئا مما كان، حتى إذا فرغ من حنين خرجت لألقاه ومعي الكتاب فلقيته بالجعرانة(4) حتى دنوت منه فرفعت يدي بالكتاب فقلت يا رسول الله هذا كتابك، فقال: يوم وفاء وبر، أدن، فدنوت منه فأسلمت)(5).
__________
(1) - نقلا عن الفتح 7/305.
(2) - فتح الباري 7/307.
(3) - الفتح 7/307.
(4) - ماء بين الطائف ومكة، انظر معجم البلدان 2/142.
(5) - أخرجه الحاكم 3/6 و7، وأحمد 3/212، وأخرج بعضه مسلم (حديث 2009).(2/90)
قال ابن شهاب: بالسند الأول. لقي الزبير: اعترضه الدمياطي بأن الذي عند أهل السير إنما هو طلحة(1)، ابن حجر: ( ويجمع بينهما باحتمال لقيهما لهما معا، وكسوتهما لهما معا)(2).
يغدون: يخرجون غدوة. أوفى: طلع. على أطم: حصن. من آطامهم: حصونهم. مبيضين: عليهم الثياب البيض التي كساهم الزبير، أو معناه مستعجلين. يزول بهم السراب: أي يزول السراب عن النظر بسبب عروضهم له. جدكم: حظكم وصاحب دولتكم الذي تنتظرونه. في بني عمرو بن عوف: قيل نزل على سعد بن خيثمة، وقيل على كلثوم بن الهدم(3)
__________
(1) - في الفتح 7/309: ( والذي في السير هو الثاني - أي طلحة -، ومال الدمياطي إلى ترجيحه على عادته في ترجيح ما في السير على ما في الصحيح، والأولى الجمع بينهما وإلا فما في الصحيح أصح).
(2) - الفتح 7/309.
(3) - كلثوم بن الهدم - بكسر الهاء وسكون الدال - ابن امرئ القيس بن الحارث بن زيد، الأوسي الأنصاري. ذكر موسى بن عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه بقباء أول ما قدم المدينة.
وذكر الطبري وابن قتيبة أنه أول من مات من الأصحاب بالمدينة، ثم مات بعده أسعد بن زرارة.
ترجمته في: الاستيعاب ص:1327، والإصابة 5/617-618.(2/91)
- بكسر فسكون - وهو يومئذ مشرك، وجمع بينهما بأنه نزل على "كلثوم"، وكان يجلس مع أصحابه عند "سعد" / لأنه كان أعزب، وكان أسلم(1)، وبنو عمرو هم أهل قباء، وهي على فرسخ من المسجد النبوي بالمدينة. يوم الاثنين من شهر ربيع الأول: لاثنتي عشرة ليلة خلت منه. فقام أبو بكر للناس: يتلقاهم. يحيي أبا بكر: أي يظن أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (2). بضع عشرة ليلة: يأتي أنها أربعة عشر يوما. وأسس المسجد الذي أسس على التقوى: ظاهره أن المراد بقوله تعالى: ( لَمَسْجِدٌ اُسِّسَ عَلَى التَّقْوى)(3) هو مسجد قباء، وهو ظاهر الآية أيضا كما للسهيلي(4)، وبه قال الجمهور.
__________
(1) - قال ابن القيم في زاد المعاد 3/58: ( فنزل على كلثوم بن الهدم، وقيل بل على سعد بن خيثمة، والأول أثبت)، وهو قول موسى بن عقبة - الرجل الحجة في السير- والواقدي وابن سعد. انظر الإصابة 5/618.
(2) - خالف ابن التين فقال: " إنما كانوا يفعلون ذلك بأبي بكر لكثرة تردده إليهم في التجارة إلى الشام فكانوا يعرفونه، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأتها بعد أن كبر" - انظر فتح الباري 7/310-.
(3) - سورة البقرة، الآية 108.
(4) - في الروض الأنف 2/248.(2/92)
…وقال الإمام مالك: المراد به مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي بالمدينة، ويؤيده ما عند مسلم عن أبي سعيد: ( سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المسجد الذي أسس على التقوى، فقال: هو مسجدكم هذا) (1)، وما عند أحمد والترمذي عن أبي سعيد أيضا: ( اختلف رجلان في ذلك فسألا النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه، فقال: هو هذا، وفي ذاك - يعني مسجد قباء - كثير خير)، ولأحمد عن سهل بن سعد(2) نحوه.
…ابن عطية(3): ( ولا نظر مع الحديث)(4) ،
__________
(1) - أخرجه مسلم في كتاب الحج 514.
(2) - سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة الأنصاري الساعدي، من مشاهير الصحابة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي، وعاصم بن عدي، وروى عنه ابنه العباس، والزهري.
قال الزهري: مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس عشرة سنة.
ترجمة في: الاستيعاب ص:664، والإصابة 3/200.
(3) - عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عبد الرؤوف بن عبد الله بن تمام المحاربي الغرناطي، أبو محمد.
ولي القضاء بألمرية، ورحل إلى المشرق.
له: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، وبرنامج مروياته.
توفي في رمضان عام 541هـ.
ترجمته في: الصلة 1/380، وبغية الملتمس 376، ونفح الطيب 9/307، وبغية الوعاة 295.
(4) - المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 7/36.(2/93)
…القرطبي: ( وبه يرد قول ابن عباس أنه مسجد قباء)(1) .
…ثم ركب راحلته: يوم الجمعة، وأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف، فصلى بهم الجمعة. قال ابن التين: ( ذكر هذا الشيخ أبو محمد(2)، وهو يدل أنه - صلى الله عليه وسلم - ما أقام في قباء أربعة عشر يوما، كما في البخاري، إلا أن يكون أسقط يوم الاثنين الذي نزل فيه، ويوم الجمعة الذي ركب فيه من عندهم)، هـ من فصيحه (3) بلفظه، وهو جمع غير مستقيم كما ترى.
…وقال العراقي: ( الخروج يوم الجمعة لا يستقيم على هذا القول، إلا على القول بأن قدومه لقباء كان يوم الجمعة لا الاثنين).
__________
(1) - قال الحافظ في الفتح 7/312: ( ويحتمل أن تكون المزية لما اتفق من طول إقامته صلى الله عليه وسلم بمسجد المدينة، بخلاف مسجد قباء فما أقام به إلا أياما قلائل، وكفى بهذا مزية من غير حاجة إلى ما تكلفه القرطبي، والحق أن كلا منهما أسس على التقوى، وقوله تعالى في بقية الآية: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا" يؤكد كون المراد مسجد قباء، وعند أبي داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نزلت فيه رجال يحبون أن يتطهروا " في أهل قباء، وعلى هذا فالسر في جوابه صلى الله عليه وسلم بأن المسجد الذي أسس على التقوى مسجده رفع توهم أن ذلك خاص بمسجد قباء، والله أعلم).
(2) - عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن النفزي القيرواني، أبو محمد.
ولد بالقيروان عام 310هـ.
له: النوادر والزيادات، والرسالة، ومختصر المدونة.
ترجمته في: طبقات الفقهاء للشيرازي 135، وتذكرة الحفاظ 3/211، والديباج المذهب 136، وشذرات الذهب 3/131.
(3) - اسمه "المخبر الفصيح الجامع لفوائد مسند البخاري الصحيح"، ويوجد منه سفر نادر بدار الكتب الوطنية بتونس رقم 16474 (من كتاب الحج إلى كتاب الغصب).(2/94)
…قال المناوي: ( والمشهور عند أرباب المغازي أنه أقام بقباء أربعا فقط، وبه يستقيم أيضا، والله أعلم). عند مسجد الرسول: عند موضع المنبر منه. مربدا للتمر: أي موضع تجفيفه. لسهل(1) وسهيل(2) : ابني رافع بن عمرو. سعد(3): كذا لجميعهم، والصواب " أسعد"(4) أخوه، قاله في المشارق (5). هذا إن شاء الله المنزل: ثم نقل - صلى الله عليه وسلم - رحله لدار أبي أيوب(6)
__________
(1) - سهل بن رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري.
قال ابن منده: يقال شهد أحدا، ومات في خلافة عمر.
ترجمته في : الإصابة 3/198-199.
وانظر ترجمة سهل بن عمرو الأنصاري في الإصابة 3/203 فهو المقصود بالذكر في البخاري عند بعض المترجمين.
(2) - سهيل بن رافع بن أبي عمرو.
ذكره ابن إسحاق فيمن شهد بدرا وأحدا، ويقال إنه صاحبي المربد.
ترجمته في: الإصابة 3/211.
وانظر ترجمة سهيل بن عمرو في الإصابة 3/212، ففيه قول بأنه صاحب المربد.
(3) - سعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري، أخو أسعد.
ذكره أبو حاتم وابن شاهين في الصحابة.
روى أحاديث.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 591، والإصابة 3/60-61.
(4) - أسعد بن زرارة، تقدمت ترجمته في شرح الترجمة 43 من مناقب الأنصار.
(5) - مشارق الأنوار 2/237.
(6) - خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار، أبو أيوب الأنصاري. معروف باسمه وكنيته.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بن كعب.
شهد العقبة وبدرا وما بعدها، ونزل عليه النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة.
شهد الفتوح وداوم الغزو، وقاتل الخوارج مع علي.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1606، والإصابة 2/234-235.(2/95)
لقربها منه، ونزل عليه، أقام عنده سبعة أشهر، وناقته عند أسعد بن زرارة حتى هيئ له مسكنه - صلى الله عليه وسلم -. ابتاعه منهما: بعشرة دنانير أعطاها أبو بكر من عنده، قاله ابن سعد(1). هذا الحمال إلخ: أي هذا المحمول من اللبن أبر عند الله، وأدوم نفعا، وأشد طهارة من حمال خيبر، أي من التمر والزبيب المحمول منها. ربنا: بالنصب منادى. لم يسم: هو عبد الله بن رواحة. ولم يبلغنا…إلخ: قال الزركشي: ( قد أنكر ذلك عليه من وجهين، أحدهما أنه رجز وليس بشعر، ولهذا يقال لصاحبه راجز لا شاعر، ثانيهما أنه ليس بموزون)(2).
…تكميل: زاد ابن إسحاق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة بعث زيد بن حارثة فأحضر سودة بنت زمعة، وابنتيه فاطمة وأم كلثوم(3)، وأم أيمن زوج زيد بن حارثة، وابنها أسامة(4)، وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر، ومعه أم رومان، وأختاه عائشة وأسماء، فقدموا والنبي - صلى الله عليه وسلم - يبني المسجد.
__________
(1) - في الطبقات الكبرى 1/239.
(2) - التنقيح ص: 158.
(3) - أم كلثوم بنت سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اختلف هل هي أصغر أو فاطمة. وتزوجها عثمان بعد وفاة أختها رقية عنده، وكانت قد عقد عليها عتبة بن أبي لهب قبل البعثة، فلم يدخل عليها حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم، فأمره أبوه بفراقها، ثم تزوجها عثمان، ولم تلد له .
ترجمتها في: الاستيعاب ص: 1952، والإصابة 8/288-290.
(4) - أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن زيد بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبدود بن عوف بن كنانة، الحب بن الحب.
كانت أمه أم أيمن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان اعتزل الفتنة بعد مقتل عثمان، ونزل المدينة فمات بها .
ترجمته في: الاستيعاب ص: 75، والإصابة 1/49.(2/96)
…قال ابن حجر: ( وكانت رقية بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - سبقت مع زوجها عثمان، وتأخرت زينب(1) - وهي الكبرى - عند زوجها أبي العاصي بن الربيع(2) حتى قدمت بعد وقعة بدر).
…3907 - وفاطمة(3): امرأته(4) بنت المنذر. أربطه: أي المتاع، أي أربطه به.
…3908 - كثبة: قليلا.
…3909 - متم: أي قد أتمت مدة الحمل الغالبة، وهي تسعة أشهر. ثم حنكه بتمرة: جعلها في فيه، ودلك حنكه بها. وبرك: دعا له بالبركة. أول مولود: أي بالمدينة من المهاجرين، وأما الأنصار فأول مولود لهم مسلمة بن مخلد(5)
__________
(1) - زينب بنت سيد البشر محمد بن عبد الله بن عبد المطلب القرشية الهاشمية.
هي أكبر بناته، وأول من تزوج منهن، تزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع. وقد أسلم زوجها سنة سبع، وردت إليه زينب بالنكاح الأول، وولدت عليا وأمامة.
توفيت في أول سنة ثمان من الهجرة.
ترجمتها في : الاستيعاب ص: 1853، والإصابة 7/665-666.
(2) - أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، أمه هالة بنت خويلد.
كان يكثر من دخوله بيت النبوة، وتزوج زينب بنت رسول الله.
وكان من رجال مكة المعدودين مالا وأمانة وتجارة. توفي في خلافة أبي بكر.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1701، والإصابة 7/248-251.
(3) - فاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام، زوج هشام بن عروة.
روت عن جدنها أسماء بنت أبي بكر وأم سلمة وعمرة بنت عبد الرحمن، وعنها زوجها هشام.
ترجمتها في : تهذيب التهذيب 12/444، والتقريب رقم 8658.
(4) - أي هشام بن عروة المذكور في السند.
(5) - مسلمة بن مخلد بن الصامت بن نيار بن لودان بن عبدود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج الأنصاري.
ولد حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وتوفي وهو ابن عشر سنين.
ولي إمارة مصر في عهد معاوية، وتوفي عام 62هـ.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1397، والإصابة 6/116-118.(2/97)
، وقيل النعمان بن بشير(1)، ومن المهاجرين بغير المدينة عبد الله بن جعفر(2) بأرض الحبشة.
…3910 - فلاكها :مضغها. في فيه: أي في ابن الزبير(3).
__________
(1) - النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس بن زيد الأنصاري الخزرجي، له ولأبيه صحبة.
قال الواقدي: كان أول مولود ولد في الإسلام من الأنصار بعد الهجرة.
استعمله معاوية على الكوفة. قتل عام 65هـ.
ترجمته في : الاستيعاب ص: 1496، والإصابة 6/440.
(2) - عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي. أمه أسماء بنت عميس الخثعمية أخت ميمونة بنت الحارث لأمها.
ولد بأرض الحبشة، وهو أول من ولد بها من المسلمين.
توفي في عام الجحاف، وهو سيل كان ببطن مكة جحف الحاج وذهب بالإبل.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 880، والإصابة 4/40-43.
(3) - قال ابن التين السفاقسي: ( ظاهره أن اللوك كان قبل أن يدخلها في فيه، والذي عند أهل اللغة أن اللوك في الفم).
قال ابن حجر: وهو فهم عجيب، فإن الضمير في قوله: " في فيه" يعود على ابن الزبير، أي لاكها النبي صلى الله عليه وسلم في فمه ثم أدخلها في ابن الزبير، وهو واضح لمن تأملها، انظر فتح الباري 7/317.(2/98)
…3911 - مردف أبا بكر: أي مرتدف خلفه على/ راحلته، أو معناه: يمشي خلفه على راحلة أخرى. شيخ: قد شاب، مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أسن منه، ولكنه لم يشب(1). يعرف: لأنه كان يمر على المدينة في سفر التجارة. شاب: لم يشب. بفارس: هو سراقة. قامت: فرسه، وأنثها لأنها كانت أنثى، وذكر "فصرعه" مراعاة للفظ "فرس". تحمحم: تصوت. فقال: سراقة. مسلحة: حارسا له بسلاحه. ثم بعث ... إلخ: أي بعدما أقام بقباء المدة التي أقامها وبنى بها المسجد. وحفوا: أحدقوا به. يخترف: يجني لهم الثمار. لهم: لأهله. فيها: أي النخل. وهي: أي الثمرة التي جناها. فسمع من نبي الله صلى الله عليه: روى الترمذي أن أول ما سمع من كلامه أن قال: أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام(2) . أهلنا: يعني أصحابه. مقيلا: مكانا نقيل فيه. فلما جاء نبي الله صلى الله عليه: يعني إلى منزل أبي أيوب. فدخلوا عليه: بعد أن أخفى عنهم ابن سلام(3).
3912 - عن نافع(4)
__________
(1) - ظاهر الرواية أن أبا بكر كان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك، فقد ثبت في صحيح مسلم عن معاوية أنه عاش ثلاثا وستين سنة، وكان قد عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم سنتين وأشهرا، فيلزم على الصحيح في سن أبي بكر أن يكون أصغر من النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من سنتين، انظر الفتح 7/319.
(2) - أخرجه الترمذي في الأطعمة 45، وابن ماجه في الإقامة 174، والدارمي في الصلاة 156.
(3) - عبد الله بن سلام بن الحارث، أبو يوسف، من ذرية يوسف النبي عليه السلام.
كان من بني قينقاع، ثم حالف الخزرج.
وفي الصحيح عن سعد بن أبي وقاص قال: ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة، إلا لعبد الله بن سلام.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 921، والإصابة 4/118-120.
(4) - نافع بن عمر بن عبد الله الجمحي الحافظ المكي.
روى عن ابن أبي مليكة، وعنه وكيع ويحيى القطان وابن مهدي، وثقه الإمام أحمد وابن معين والنسائي وأبو حاتم، وأخرج أحاديثه الستة في مصنفاتهم. قال أحمد: ثبت صحيح الكتاب.
توفي بمكة سنة 169 هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 10/409، والتقريب رقم 7080.(2/99)
عن عمر: فيه انقطاع لأن نافعا لم يلحق عمر، لكن سياق الحديث يشعر بأن نافعا حمله عن ابن عمر، ولغير أبي ذر: " يعني عن ابن عمر"، ولعلها من إصلاح بعض الرواة، قاله ابن حجر(1). للمهاجرين الأولين: هم الذين صلوا للقبلتين، أوهم الذين شهدوا بدرا. أربعة آلاف: أي لكل واحد منهم. في أربعة : قال الدماميني: ( قيل معناه أربعة آلاف في أربعة آلاف، وقيل معناه في أربعة أعوام) هـ(2)، وقال ابن زكري: ( أي في أربعة أوقات من السنة ألف في كل وقت، والله أعلم) (3). هاجر به أبواه: وكان سنه إذ ذاك أحد عشر سنة.
…3914 - أينعت: نضجت. يهدبها: يجنيها.
…3915 - أبي: عمر. لأبيك: أبي موسى. برد: ثبت ودام. رأسا برأس: لا يوجب ثوابا ولا عقابا. فقال أبي: وللنسفي(4): " قال أبوك"، وهو الصواب، أي لأن هذا كلام أبي موسى، لا كلام عمر، وللمستملي(5): " قال إي والله" بحرف الجواب بمعنى نعم. فقال أبي: عمر. فقلت: قائله أبو بردة(6)
__________
(1) - في الفتح 7/323.
(2) - تعليق المصابيح ص: 469.
(3) - حاشية ابن زكري 2/ ملزمة 64 /ص:5.
(4) - إبراهيم بن معقل بن الحجاج بن خراش بن يزيد بن دوست النسفي، قاضي نسف.
فقيه مفسر.
له: المسند الكبير، والتفسير.
توفي هام 295هـ.
ترجمته في: تذكرة الحفاظ 2/231، وشذرات الذهب 3/86.
(5) - إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن داود، البخاري الأصل، البلخي منزلا ووفاة، المستملي، أبو إسحاق.
خرج لنفسه معجما.
توفي عام 386هـ.
ترجمته في: مرآة الجنان لليافعي 2/406، وشذرات الذهب 3/86.
(6) - أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، قيل اسمه عامر وقيل الحارث.
روى عن أبيه وعلي وحذيفة والمغيرة وعائشة وابن عمر، وعنه قتادة وبكير بن عبد الله الأشج وأبو إسحاق السبيعي.
مات عام 104هـ.
ترجمته في : تهذيب التهذيب 12/18، والتقريب رقم 7952.(2/100)
. إن أباك : عمر. خير من أبي: أبي موسى، أي من هذه الحيثية، لأن مقام الخوف أفضل من مقام الرجاء، كما أن عمر أفضل منه مطلقا(1).
…3916 - أو بلغني عنه: المبلغ هو عباد بن الوليد(2). قال فقدمت: بين هذا سبب وهم من قال إنه هاجر قبل أبيه، وإنما الذي وقع منه أنه بايع بيعة الرضوان قبل أبيه لا غير. قائلا: أي نائما بقيلولة النهار. فدخلت عليه: وهو يبايع بيعة الرضوان. فبايعته: أي قبل أبي. نهرول: الهرولة ضرب من السير بين المشي على مهل والعدو. فبايعه: عمر. ثم بايعته: ثانيا، تأكيدا وأدبا مع أبيه.
…3917 - البراء: ابن عازب(3). بالرصد: الارتقاب، لأن قريشا فرضت عليهم العيون. فأحيينا: أي سرينا ليلا. رفعت: ظهرت. فروة: أي ثوبا. أنفض: أنظر هل جاء الطلب. هل أنت حالب: أي هل معك إذن فيه. كثبة: شيئا قليلا. روأتها: تأنيت فيها حتى صلحت.
…3918 – فدخلت…إلخ: كان هذا قبل نزول الحجاب قطعا، وكان البراء إذ ذاك دون البلوغ.
…3919 - أشمط: خالطه شيب. فخلفها: أي اللحية المفهومة من "أشمط"، أي خضبها بما ذكر. والكتم: ورق يخضب به كالآس، وقيل هو الوشمة.
__________
(1) - من الفتح 7/324.
(2) - عباد بن الوليد بن خالد الغبري، أبو بدر المؤدب، من سر من رأى، وسكن بغداد.
روى عن أبي داود الطيالسي وأبي عاصم، وعنه ابن ماجه وابن أبي الدنيا وزكريا الساجي.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 5/108، والتقريب رقم 3151.
(3) - البراء بن عازب بن الحارث بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي، له ولأبيه صحبة. استصغر يوم بدر هو وابن عمر، لكن شهد بعدها أربع عشرة غزوة.
ترجمته في: الاستيعاب ص:155، والإصابة 1/278-279.(2/101)
…3920 -وقال دحيم: هو عبد الرحمن(1) بن إبراهيم الدمشقي(2). قنأ لونها: اشتدت حمرتها.
…3921 - أم بكر:لم تعرف(3). ابن عمها:أبو بكر بن شداد بن الأسود(4)،وأسلم بعد ذلك. رثىكفار قريش: الذين قتلوا ببدر. بالقليب: البئر التي لم تطو. قَليب بدر: التي ألقيت فيها جيف/ المشركين. الشيزى: هو شجر تعمل منه الجفان والقصاع التي يوضع فيها الطعام، وقال الأصمعي(5): ( هو شجر الجوز، وأراد به أصحابها). بالسنام: أي سنام الإبل المجعول على الطعام، وكأنه قال: ماذا بالقليب من أصحاب الجفان المملوءة بالطعام، المزين بلحوم أسنمة الإبل. من القينات: جمع قينة، هي المغنية، أي من أصحابها. الشرب: جمع شارب. من سلام: سلامة. أصداء: جمع صدى، وهو ذكر البوم. وهام: جمع هامة بمعناه، أشار به إلى ما تزعمه الجاهلية من أن روح الإنسان إذا مات تصير طائرا يقال له الصدى، وذلك من أباطيلهم وإنكارهم للبعث.
__________
(1) - في أصل المؤلف والمخطوطة : عبد الله، والصحيح "عبد الرحمن" كما في الفتح 7/328، والتقريب رقم 3793.
(2) - عبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو العثماني الدمشقي، أبو سعيد، لقبه دحيم. ثقة حافظ أمين.
توفي عام 245هـ.
ترجمته في: التقريب رقم 3793، وانظر الفتح 7/328.
(3) - وقال الحافظ في الفتح 7/328: ( لم أقف على اسمها).
(4) - هو أبو بكر بن شداد بن الأسود بن عبد شمس بن مالك بن جعونة، هي أمه وهي خزاعية.
كان شاعرا من شعراء العرب، وقيل أسلم، وقيل أسلم ثم ارتد.
انظر الفتح 7/328.
(5) - أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع الأصمعي البصري، أحد أئمة اللغة والغريب والنوادر. رِوى عن أبي عمرو بن العلاء وحماد بن سلمة. قال الشافعي: ( ما عبر أحد عن العرب بمثل عبارة الأصمعي)، وروى له أبو داود والترمذي. توفي سنة 215 هـ.
ترجمة في: التاريخ الكبير للبخاري 5/428، والجرح والتعديل 5/363، وتاريخ بغداد 10/410-420، وغاية النهاية في طبقات القراء 1/470.(2/102)
…3922 - طأطأ بصره: أماله إلى أسفل. ثالثهما: بالنصر والحياطة والكلاءة، وإلا فهو سبحانه مع كل اثنين بعلمه.
…3923 - أعرابي: لم يعرف. عن الهجرة: من بلده إلى المدينة بقصد سكناها. من وراء البحار: أي وإن كانت في أقصى بلاد الإسلام. لن يترك: ينقصك.
46 - باب مقدم النبي صلى الله عليه وأصحابه المدينة:
كان وصوله - صلى الله عليه وسلم - لقباء يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول، وأما أصحابه فبعضهم توجه إليها قبله، وبعضهم بعده.
…3924 - أول ما قدم علينا: يعني إلى المدينة. وابن أم مكتوم: أي بعده.
…3925 - وكانوا يقرئون: الزركشي: ( يروى: "وكانا يقرآن"(1)، وهو الوجه)(2). يقلن قدم...إلخ: وروى الحاكم عن أنس: ( فخرجت جوار من بني النجار يضربن بالدف ويقلن:
نحو جوار من بني النجار - يا حبذا محمد من جار.
وعند أبي سعيد(3): جعل الولائد يقلن:
طلع البدر علينا - من ثنية الوداع - وجب الشكر علينا - ما دعا لله داع.
…قال ابن حجر: معضل، ولعل ذلك كان في قدومه من تبوك)(4).
…في سور: أي معها.
__________
(1) - وهي رواية الإمام الأصيلي وكريمة المروزية وكذا الرواية اليونينية (صحيح البخاري 5/84) ويوجه لفظ "يقرئون" إما على أن أقل الجمع اثنان، وإما على أن من كان يقرآنه كان يقرأ معهما أيضا - الفتح 7/331-332-.
(2) - التنقيح ص: 158.
(3) - في أصل المخطوط: " ابن سعد"، وليس بشيء، فإن الشبيهي نقله من الفتح 7/333، وفيه: " وأخرج أبو سعيد في شرف المصطفى، ورويناه في فوائد الخلعي من طريق عبيد الله بن عائشة منقطعا" - ثم ساق الخبر -، ورد عليه بقوله: ( وهو سند معضل، ولعل ذلك كان في قدومه من غزوة تبوك).
(4) - الفتح 7/333.(2/103)
…3926 - وعك: أصابه الوعك أي الحمى. فدخلت عليهما: قبل نزول الحجاب كما في رواية. كيف تجدك: أي كيف تجد نفسك، مصبح: أي يقال له صبحك الله بخير. أدنى: أقرب . من شراك نعله: سيرها، فربما مات من صبح في أول النهار في آخره يرفع عقيرته: صوته ببكاء أو غناء. بواد: مكة. إِذْخِرٌ وجَلِيلٌ: نبتان معروفان. مجنة(1): موضع على أميال من مكة كان بها سوق. شامة وطفيل: جبلان أو عينان(2) بقرب مكة. بالجحفة(3): وكانت إذ ذاك دار كفر.
…3927 - دخلت على عثمان: أي فكلمته في شأن أخيه الوليد، لأن الناس أكثروا فيه القول كما سبق(4). هجرتين: الحبشة والمدينة، ثم أمر بالوليد فجلد كما سبق.
…3928 - فوجدني: في رحله. فقال: لي. فقلت يا أمير المؤمنين: يعني به عمر. إن الموسم … إلخ: وذلك أن عمر بلغه عن بعض الصحابة أنه قال: لو قد مات عمر بايعت فلانا وفلانا، فوالله ماكانت بيعة أبي بكر إلا فلتة، فأراد عمر أن يخطب الناس ويحذرهم ممن يقول هذه المقالة، فنهاه عبد الرحمن، وقال له آخر هذه الخطبة إلى "المدينة"، ففعل. رعاع الناس: سفلهم. أن تمهل: بهذه الخطبة. دار الهجرة: هذا محل الترجمة (5).
…3929 - أن أم العلاء(6)
__________
(1) -كانت مجنة بمر الظهران قبل جبل الأصفر بأسفل مكة، وهي سوق يعقد عشرة أيام بعد سوق عكاظ، انظر معجم البلدان 5/58-59.
(2) - قال الخطابي في أعلام السنن ص: 537: ( عينان هناك، وكنت مرة أحسب أنهما جبلان حنى أثبت لي أنهما عينان).
(3) - كانت قرية كبيرة على طريق المدينة، وهي ميقات أهل مصر والشام، وهي الآن خراب، انظر معجم البلدان 2/111.
(4) - في باب هجرة الحبشة من كتاب مناقب الأنصار (حديث رقم 3872).
(5) - وهو الغرض من قول عبد الرحمن بن عوف: " حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة"، ووقع في رواية الكشميهني والسلامة" بدل السنة" - انظر الفتح 7/336.
(6) - أم العلاء بنت الحارث بن ثابت بن حارثة بن ثعلبة الخزرجية الانصارية.
يقال إنها والدة خارجة بن زيد بن ثابت الراوي حديثها الشيخان.
قال ابن عبد البر: هي من المبايعات، حديثها عند أهل المدينة.
ترجمتها في : الاستيعاب ص: 1948، والإصابة 8/263-264.(2/104)
: أم خارجة، الراوي(1) عنها. طار لهم: أي خرج لهم في سهمهم في القرعة. أبا السائب(2): هذه كنيته، وكان من سابقي الصحابة وخيارهم. وما يدرك ...إلخ: أنكر عليها الشهادة بذلك والجزم به . اليقين: الموت.
…3930 - ملأهم: جماعتهم. سراتهم: أشرافهم. في دخولهم: متعلق بقوله " قدمه الله"، و"في" تعليلية، أي لأجل...إلخ.
…3931 - قينتان: أي جاريتان لا مغنيتان، بدليل رواية الصلاة:/ "وليستا بمغنيتين". تعازفت: قالته من الأشعار في الافتخار على بعضهم بعضا.
…وهذا الحديث مطابق لما قبله في ذكر يوم بعاث، ومطابق المطابق مطابق، قاله العيني(3).
…3932 - عبد الصمد: ابن عبد الوارث(4)
__________
(1) - هو خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري، أبو يزيد المدني، ثقة فقيه. توفي عام 100هـ.
ترجمته في : تهذيب التهذيب 3/74، والتقريب رقم 1609.
(2) - أبو السائب عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحي.
قال ابن إسحاق: أسلم بعد ثلاثة عشر رجلا.
هاجر هو وابنه السائب الهجرة الأولى في جماعة، فلما بلغهم أن قريشا أسلمت رجعوا.
توفي بعد شهوده بدرا في السنة الثانية للهجرة، وهو أول من مات بالمدينة من المهاجرين، وأول من دفن بالبقيع منهم.
وفي الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قبله وهو ميت وعيناه تذرفان.
ترجمته في : الاستيعاب ص: 1053، والإصابة 4/461-462.
(3) - في عمدة القاري 17/64.
(4) - عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد العنبري مولاهم، التنوري، أبو سهل البصري.
روى عن عكرمة بن عمار وحرب بن شداد وشعبة وحماد بن سلمة، وعنه ابنه عبد الوارث وأحمد وأبو خيثمة.
توفي عام 207هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 6/327، والتقريب رقم 3906.(2/105)
. علو المدينة: كل ما كان في جهة "نجد" يسمى العالية، وما في جهة "تهامة" يسمى السافلة، و"قباء" من عوالي المدينة. وملإ بني النجار: جماعتهم. ألقى: نزل. بفناء أبي أيوب: أمام داره. ثامنوني: أي عينوا لي ثمنه. حائطكم: أي بستانكم، وتقدم(1) أنه كان مربدا، فلعله كان أولا حائطا، ثم خرب فصار مربدا بدليل قوله: " كان فيه نخل ". لا نطلب ثمنه إلا إلى الله: فقال - عليه السلام -: " لابد من الثمن"، فاشتراه منهم بعشرة دنانير كما قدمناه. وبالنخل فقطع: لأن الحاجة دعت لقطعه. عضادتيه: جانبي بابه.
47- "باب إقامة المهاجر بمكة، بعد قضاء نسكه":
…حج أو عمرة، أي حكم إقامته وبيان حدها.
…3933 - في سكنى مكة: للمهاجر. السائب: هو ابن يزيد(2). العلاء(3): صحابي جليل كان مجاب الدعوة، وليس له في البخاري إلا هذا الواحد. ثلاث: أي ثلاث ليال. للمهاجر. أي تباح له إقامتها بمكة. بعد الصدر: أي الرجوع من منى.
…ابن حجر: ( فقه الحديث أن الإقامة بمكة كانت حراما على من هاجر منها قبل الفتح، لكن أبيح لمن قصدها منهم لحج أو عمرة أن يقيم بعد قضاء نسكه ثلاثة أيام لا يزيد عليها)(4).
__________
(1) - في الحديث رقم 3906.
(2) - السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة، ويقال عائذ بن الأسود الكندي أو الأزدي، يعرف بابن أخت النمر.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبيه وعثمان وطلحة وغيرهم. واستعمله عمر على سوق المدينة.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 576، والإصابة 3/26-28.
(3) - العلاء بن الحضرمي، وكان اسمه عبد الله بن عماد بن أكبر بن ربيعة بن مالك بن عويف الحضرمي، وأخوه عمرو بن الحضرمي أول قتيل من المشركين، وبسببه كانت وقعة بدر.
وقد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على البحرين، وأقره أبو بكر ثم عمر.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1085، والإصابة 4/541.
(4) - فتح الباري 7/340.(2/106)
48 - " باب التاريخ" (1)
أي مشروعيته، وهو تقييد الوقائع بأزمنتها، وكان أول وضعه زمن عمر - رضي الله عنه - في السنة السابعة عشر لأنه رفع إليه صك محله شعبان، فقال: أي شعبان؟ الماضي أو الذي نحن فيه أو الآتي؟ اصنعوا للناس شيئا يعرفونه(2).
…قال المناوي: ( وفوائد التاريخ لا تحصى، منها أنه وقع زمن الخطيب البغدادي(3) أن يهوديا أظهر كتابا فيه أن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أسقط الجزية عن أهل خيبر، وفيه شهادة جمع من الصحابة، فوقع التنازع فيه، فعرض على الخطيب، فتأمله فقال: هذا زور لأن فيه شهادة معاوية(4)، وإنما أسلم عام الفتح، وفتح خيبر قبله، وشهادة سعد بن معاذ، وكان مات عقب الخندق قبل ذلك، ففرح المسلمون بذلك).
__________
(1) - التاريخ تعريف الوقت، والتوريخ مثله، تقول أرخت وورخت، وقيل اشتقاقه من الأرخ وهو الأنثى من بقر الوحش، كأنه شيء حدث كما يحدث الولد، وقيل هو معرب، انظر الفتح 7/341.
(2) - أخرجه أحمد، وأبو عروبة في الأوائل، والبخاري في الأدب، والحاكم في المستدرك - انظر الفتح 7/342 -.
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب ص: 42 ( ومن مقدمه - صلى الله عليه وسلم - المدينة أرخ التاريخ في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه).
(3) - أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، محدث الشام والعراق، قال أبو إسحاق الشيرازي: أبو بكر الخطيب يشبه بالدارقطني ونظرائه في معرفة الحديث وحفظه، توفي سنة 463 هـ.
ترجمته في: البداية والنهاية 12/101، وتذكرة الحفاظ 3/1135، ووفيات الأعيان 1/27.
(4) - معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، أمير المؤمنين.
حكى الواقدي أنه أسلم بعد الحديبية، وأظهر إسلامه عام الفتح.
وفي صحيح البخاري عن عكرمة: قلت لابن عباس: إن معاوية أوتر بركعة، فقال: إنه فقيه.
مات في رجب عام 60هـ.
ترجمته في: الاستيعاب ص:1416، والإصابة 6/151-155.(2/107)
…من أين أرخوا التاريخ؟ أي من أين عينوا مبدأه؟
…3934 - وأشار بقوله: "ما عدوا" إلى جواب هذا الاستفهام.
…قال بعضهم: كانت القضايا التي يمكن أن يؤرخ منها أربعة: مولده - صلى الله عليه وسلم -، ومبعثه وهجرته ووفاته، فرجحوا الهجرة، لأن المولد والمبعث لا يخلوان من نزاع في تعيينهما، وأما الوفاة فأعرضوا عنه لما يوقع تذكره من الأسف عليه، وجعلوه من "المحرم" لأن ابتداء العزم على الهجرة كان فيه، ولأنه لأول السنة)(1).
…وقال السهيلي: ( أخذ الصحابة مبدأ التاريخ من الهجرة من قوله تعالى: ( لَمَسْجِدٌ اُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنَ اَوَّلِ يَوْم )، لأنه ليس أول الأيام مطلقا، فتعين أنه أضيف إلى شيء مضمر، وهو أول الزمن الذي عز فيه الإسلام، وعبد فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه آمنا، وابتدأ بناء المساجد) هـ(2).
…3935 – فرضت الصلاة: بمكة. ففرضت أربعا: أي زيد فيها بعد قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة / بشهر، قاله الواقدي، وزعم أنه لا خلاف بين أهل الحجاز في ذلك. على الأولى: أي على ما كانت عليه أولا (3).
…ولم تظهر مطابقة هذا الحديث لباب التاريخ، وإن كان مطابقا لأبواب الهجرة.
49 - باب قول النبي صلى الله عليه: اللهم أمض لأصحابي هجرتهم:
…أي تممها لهم، ولا تنقصها عليهم. ومرثيته من مات بمكة (4): من المهاجرين، والمرثية تعداد محاسن الميت، والمراد هنا التوجع له لكونه مات في البلد التي هاجر منها.
…3936 - إلا ابنة واحدة: هي عائشة(5)
__________
(1) - نقلا عن الفتح 7/341-342.
(2) - الروض الأنف 2/246.
(3) - ذكره ابن جرير عن الواقدي - انظر الفتح 7/342-.
(4) - في صحيح البخاري 5/87 : ( لمن مات بمكة).
(5) - عائشة بنت سعد بن مالك الزهرية.
كانت وحيدة أبيها سعد بن أبي وقاص عام الفتح، ولها أخت اسمها عائشة الصغرى أدركت مالكا.
ترجمتها في: الإصابة 8/21.(2/108)
، ولم يكن له إذ ذاك سواها، ثم ولد له بعد ذلك أولاد أخر، منهم عامر(1) الراوي عنه، وما في التنقيح(2) هنا غير ظاهر. عالة: فقراء. يتكففون الناس: يمدون أكفهم لسؤالهم. بنافق: كذا وقع، وللكشميهني: "منفق"، وهو الصواب(3). أخلف بعد أصحابي: أي بمكة ويرتحلون. إنك لن تخلف: بمكة أو بغيرها. ولعلك تخلف: يطول عمرك.حتى ينتفع بك... إلخ: وكذلك وقع، فقد عاش بعد ذلك نيفا وأربعين سنة، وأسلم على يده أناس، وقتل آخرين كفارا. اللهم أمض لأصحابي هجرتهم: أي تقبلها منهم، وأتمها لهم. ولا تردهم على أعقابهم: لا تنقلهم من مهاجرهم إلى ما هاجروا منه. البائس: شديد الحاجة أو الفقر. يرثي له: قائله الزهري أو سعد(4) ، أي يتحزن له ويتوجع عليه. أن توفي: بفتح الهمزة للتعليل. بمكة: بعدما هاجر منها.
50 - " باب كيف آخى النبي صلى الله عليه بين أصحابه":
…( المؤاخاة مفاعلة من الأخوة، ومعناها أن يتعاهد الرجلان على التناصر والمواساة والتوارث حتى يصيرا كالأخوين نسبا، وقد يسمى ذلك حلفا)، قاله القرطبي.
…وقال ابن عبد البر: ( كانت المؤاخاة مرتين، مرة بين المهاجرين خاصة وذلك بمكة، ومرة بين المهاجرين والأنصار، وهي المقصودة هنا) هـ(5).
__________
(1) - عامر بن سعد بن مالك الزهري المدني.
روى عن أبيه وعثمان والعباس وأبي هريرة وابن عمر وعائشة وأم سلمة.
مات عام 104هـ.
ترجمته في : تهذيب التهذيب 5/63، والتقريب رقم 3089.
(2) - التنقيح ص: 159 في قوله: ( وكل محتمل).
(3) - فتح الباري 7/343.
(4) - سعد بن مالك، تقدم في شرح الحديث 3857.
(5) - الفتح 7/344.(2/109)
…وقال السهيلي: ( آخى - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه لتذهب عنهم وحشة الغربة، ويتآنسوا من مفارقة الأهل والعشيرة، ويشد بعضهم أزر بعض، وكانوا يتوارثون بذلك، فلما عز الإسلام، واجتمع الشمل، وذهبت الوحشة، أبطل المواريث وجعل المؤمنين كلهم إخوة، ونزل: " إِنَّمَا الْمُومِنُونَ إِخْوَةٌ "(1) أي في التوادد وشمول الدعوة، وابتداء المؤاخاة كان بعد الهجرة بخمسة أشهر، وقيل تسعة، وقيل غير ذلك)(2).
…3937 - مَهْيَمْ: ما هذا. وزن نواة من ذهب: هي خمسة دراهم .
51 - باب: بغير ترجمة (3)
…قال ابن حجر: ( وهو كالفصل من الباب الذي بعده، ولعله كان بعده)(4).
…3938- ينزع إلى أبيه: ينجذب إليه في الشبه. أخبرني به: بجواب سؤالك. عدو اليهود: لأنه كان ينزل بفضائح أسرارهم. إلى المغرب: يعني إلى الشام، لأنه مغرب بالنسبة إلى العراق. فزيادةُ كَبِدِ الحُوتِ: ( الزيادة هي القطعة المنفردة المعلقة بالكبد، وهي في غاية اللذة، ويقال إنها أهنأ الطعام وأمرؤه)(5)، وهذا الحوت يقال هو الذي عليه الأرض، والإشارة بذلك إلى نفاد الدنيا(6). نزع الولد: أي جذبه إليه، أي كان الشبه له. نزعت الولد: جذبته إليها، وكان الشبه لها، وفي مسلم عن ثوبان(7)
__________
(1) - سورة الحجرات، الآية 10.
(2) - الروض الأنف 2/252، والفتح 7/344.
(3) - في جميع الروايات - انظر الفتح 7/347-.
(4) - فتح الباري 7/347.
(5) - الفتح 7/347.
(6) - في الفتح 7/347، ونقل عن الطبري من طريق الضحاك عن ابن عباس قال: " ينطح الثور الحوت بقرنه فتأكل منه أهل الجنة، ثم يحيا فينحر الثور بذنبه فيأكلونه ثم يحيا فيستمران كذلك"، قال الحافظ: وهذا منقطع ضعيف.
قلت: بل هذا الكلام المناقض للعلم والعقل ينبغي أن تنزه عنه شروح الصحيح ابتداء.
(7) - ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وسلم، يقال إنه عربي من حكم بن سعد بن حمير، اشتراه ثم أعتقه النبي صلى الله عليه وسلم، فخدمه إلى أن مات. توفي بحمص عام 54هـ.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 218، والإصابة 1/413.(2/110)
رفعه: ( ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة، أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل، أنثا/ بإذن الله) هـ(1)، فالسبق علامة الشبه، والعلو علامة التذكير والتأنيث، هذا الذي استظهره الحافظ(2)، ورد على القرطبي القائل بخلافه، وإن كان في آخر كلامه رجع لكلام القرطبي سهوا منه رحمه الله، فانظره(3). بهت: جمع بهيت، وهو من يبهت السامع بما يفتريه عليه. قبل أن يعلموا إسلامي(4): زاد النسائي(5): إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني، بهتوني عندك(6).
…3939، 3940 - دارهم: أي بدارهم أخرى نسيئة. قدم النبي صلى الله عليه : هذا محل المطابقة للترجمة اللاحقة، والله أعلم.
52- " باب إتيان اليهود النبي صلى الله عليه حين قدم المدينة":
__________
(1) - أخرجه مسلم في الحيض، باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها (شرح النووي 3/222).
(2) - في الفتح 7/348.
(3) - ليس سهوا من الحافظ ابن حجر، وإنما قرر أولا تأويل العلو في حديث عائشة ، واستشكل ظاهر العلو في حديث ثوبان، ثم حكى كلام القرطبي، ولم يرد عليه، بل ظهر له حسن ما قاله، وزاد عليه توفيقا يرفع الإشكال، والنص واضح - انظر الفتح 7/348-.
(4) - في صحيح البخاري 5/88: ( بإسلامي).
(5) - أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار النسائي، المحدث الحافظ.
ولد بنسا، ورحل إلى نيسابور والعراق والشام ومصر والحجاز.
له: السنن الكبرى والصغرى، وكتاب الضعفاء والمتروكين، وعمل اليوم والليلة.
توفي بمكة عام 303هـ.
ترجمته في: وفيات الأعيان 1/25، ومرآة الجنان 2/240، وطبقات الشافعية للسبكي 2/83، وشذرات الذهب 2/239.
(6) - الفتح 7/348.(2/111)
…مهاجرا، أي لاختباره هل هو نبي أم لا، وأحاديث هذا الباب ليس فيها ذكر لإتيان اليهود، وإنما فيها ذكر اليهود، أو أهل الكتاب، وقد تكلف العيني لبعضها مناسبة، ولم يظهر لي وجه ذلك، فانظره(1).
…هادوا: من قوله تعالى: " وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا "... إلخ(2) . هدنا: من قوله: ( إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ) (3).
…3941 - لو آمن بي عشرة من اليهود: أي من رؤسائهم الموجودين حينئذ كعبد الله ابن سلام وأبي ياسر بن أخطب وأخيه حيي، ونظرائهم، هذا مراده - صلى الله عليه وسلم -، وإلا فقد آمن به أكثر من عشرة أضعافا مضاعفة. لآمن بي اليهود: أي كلهم، لكن لم يؤمن من العشرة إلا عبد الله بن سلام رضي الله عنه.
…3942 - فأمر بصومه: أمر إيجاب، ثم نسخ برمضان.
…3944 - يسدل شعره: يرسله على ناصيته. يحب موافقة أهل الكتاب: لأنهم أقرب إلى الحق من المشركين(4). ثم فرق النبي صلى الله عليه رأسه: لما أمر بذلك، بأن ألقاه إلى جانبي رأسه، ولم يترك منه شيئا على جبهته.
__________
(1) - قال العيني في العمدة 17/70 في مطابقة الأول والثاني: (مطابقته للترجمة تأتي بتعسف)، والثالث من قوله: "نحن أولى بموسى منكم"، والرابع قال: "لا وجه لذكر هذا الحديث في هذا الباب"، فيتضح صعوبة توضيح المطابقة عند العيني كذلك.
(2) - سورة الأنعام، الآية 146.
(3) - سورة الأعراف، الآية 156.
(4) - فيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يوافق أهل الكتاب إذا خالفوا عبدة الأوثان، أخذا بأخف الأمرين، فلما فتحت مكة ودخل عباد الأوثان في الإسلام، رجع إلى مخالفة باقي الكفار وهم أهل الكتاب ( وهذا كلام نفيس، وفيه نظر مصلحي لا يخفى)
انظر: الفتح 7/352.(2/112)
…3945 - عن ابن عباس قال: في تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْءَانَ عِضِينَ)(1). هم أهل الكتاب: اليهود والنصارى. آمنوا ببعضه: الموافق للتوراة والإنجيل. وكفروا ببعضه: المخالف لهما، وبهذا يتبين معنى الحديث ويظهر وجهه.
53- إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه:
…تقدم في البيوع أنه كان حرا، وخرج يلتمس ظهور النبي صلى الله عليه وسلم، فحمله نفر من كلب(2)، وباعوه بوادي القرى، ثم تداولته الأملاك حتى اشتراه يهودي من بني قريظة، وقدم به المدينة، فكاتب مالكه على غرس ثلاثمائة ودية وإطعامها، فلما أطعمت خرج حرا.
…3946 - تداوله: تَمَلَّكَهُ . بضعة عشر: البضع من الثلاث إلى العشرة. من رب إلى رب: من سيد إلى سيد، وعن ابن عباس أنه كان ابن ملك، فخرج في طلب الدين هاربا وانتقل من عابد إلى عابد، ثم عدا عليه من تملكه، وصار يباع من مالك إلى مالك، فاشتراه يهودي بالمدينة، حتى كاتب نفسه وخرج حرا وأسلم.
…3947 - من رَامَ هُرْمُز(3): مدينة مشهورة بأرض فارس، قال الزركشي: (والأحسن أن تكتب منفصلة)(4).
…3948 - فترة: الفترة هي المدة التي لم يبعث فيها رسول من الله، ولا يمتنع أن ينبأ فيها نبي يدعو إلى شريعة الرسول الأخير، ولكن الفقهاء إذا تكلموا في الفترة فإنما يعنون التي بين عيسى ونبينا عليهما الصلاة والسلام، قاله ابن حجر(5).
…ستمائة سنة: ( وعن قتادة خمسمائة وستون، وعن الكلبي(6)
__________
(1) - سورة الحجر، الآية 91.
(2) - موضع بين قومس والري من منازل حاج خراسان، انظر معجم البلدان 4/475.
(3) - بفتح الراء والميم، وضم الهاء والميم، بينهما راء ساكنة، ثم زاي - الفتح 7/353-.
وهي مدينة بنواحي خوزستان، انظر معجم البلدان 3/17.
(4) - التنقيح ص: 159.
(5) - في الفتح 7/353.
(6) - إبراهيم بن خالد بن اليمان الكلبي، أبو عبد الله.
أخذ عن الشافعي.
له: الطهارة، والمناسك.
توفي ببغداد عام 240هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد 6/65، وتذكرة الحفاظ 2/87، وشذرات الذهب 2/93.(2/113)
خمسمائة وأربعون، وقيل أربعمائة) قاله ابن حجر(1)، وقال الشيخ زكريا :/ (قيل إن سلمان أدرك عيسى - عليه السلام -، وهو غلط لأن مدة ما بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وعيسى ستمائة سنة ، وسلمان إنما عاش مائتين وخمسين سنة، وقيل ثلاثمائة وخمسين سنة، ومات بالمدائن(2) سنة ست وثلاثين من الهجرة).
…القسطلاني: ( لادلالة في الحديث الأول على الترجمة إلا أن يقال إن تداوله من يد إلى يد إنما كان لطلب الإسلام، وأما الثاني والثالث فلم يظهر لي وجه المطابقة فيهما، فلله در المؤلف ما أدق نظره رحمه الله)(3).
__________
(1) - في الفتح 7/353.
(2) - مساكن الملوك من الأكاسرة الساسانيين وغيرهم من بلاد فارس، انظر معجم البلدان 5/74-75.
(3) - انظر إرشاد الساري 6/268.(2/114)
64 - كتاب المغازي
…جمع مغزى، مصدر غزا كرمى(1)، أي بيان مغازي النبي - صلى الله عليه وسلم - الواقعة في حياته، الشاملة لسراياه وبعوثه.
…قال الإمام السبكي(2) في النكت: ( قال عبد الرحمن بن مهدي(3) : لا أعلم بعد علم القرآن أحسن من علم المغازي) هـ(4) .
1 - " غزوة العشيرة":
…بالشين المعجمة(5) ،وهو موضع عند منزل الحاج بينبع(6) ،ليس بينها وبين البلد إلا الطريق.
__________
(1) غزا يغزون والأصل غزوا، والواحدة غزوة والميم زائدة، وعن ثعلب: الغزوة المرة، والغزاة عمل سنة كاملة، وأصل الغزو القصد: ومغزى الكلام مقصده، والمراد بالمغازي هنا ما وقع من قصد النبي صلى الله عليه وسلم الكفار بنفسه أو بجيش من قبله، انظر الفتح 7/354.
(2) أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري الخزرجي، تقي الدين، أحد الحفاظ المفسرين، وهو والد تاج الدين السبكي صاحب الطبقات، ولد في سبك بالمنوفية سنة 683 هـ، وولي قضاء الشام، من كتبه: مختصر طبقات الفقهاء، توفي في القاهرة سنة 756 هـ.
ترجمته في: طبقات الشافعية 6/146، وغاية النهاية 1/551، والدرر الكامنة 3/63.
(3) أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري البصري، من كبار حفاظ الدنيا، حدث ببغداد وله تصانيف في الحديث، قال الشافعي: لا أعرف له نظيرا في الدنيا، توفي ببغداد سنة 198هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد 10/240، وحلية الأولياء 9/3، وتهذيب التهذيب 6/279.
(4) النكت ص: 297 .
(5) كذا لأبي ذر، ولغيره: باب غزوة العشيرة أو العسيرة. بالشك هل هي بالإهمال أو بالإعجام" ( انظر الفتح 7/354)، وقيل العسيراء بالمد ( انظر: زاد المعاد 3/166). والعشيرة موضع بناحية ينبع، وهي حصن صغير بين ينبع وذي المروة، انظر معجم البلدان 4/127.
(6) قريبة من المدينة، وفيها عيون عذاب، انظر معجم البلدان 5/450.(3/1)
…3949 - كم غزا النبي صلى الله عليه؟: يعني بنفسه. تسع عشرة: وعند أبي يعلى(1) بسند صحيح عن جابر أنها إحدى وعشرون، ففات زيدا(2) اثنتان، ولعلها الأبواء(3) وبواط(4)، وخفي عليه ذلك لصغره(5) .
…وزاد ابن سعد على ذلك فبلغ بها عند عدها سبعا وعشرين(6).
…قال ابن حجر: ولعله عدد بعض الأماكن التي وقع التوجه إليها كوادي القرى مع خيبر، وغيره أفردها، ونقلا عن موسى بن عقبة(7) أنه - صلى الله عليه وسلم - قاتل بنفسه في ثمان غزوات، في بدر وأحد والأحزاب والمصطلق وخيبر ومكة وحنين والطائف هـ(8).
…قال ابن حجر: ( وأهمل عد قريظة لأنه ضمها إلى الأحزاب، لكونها كانت في إثرها، وأفردها غيره) هـ(9).
__________
(1) أبو يعلى أحمد بن علي بن النثنى بن يحيى بن عيسى بن هلال التميمي الموصلي.
محدث كبير، له: المسند والمعجم.
توفي سنة 307هـ.
ترجمته في: البداية والنهاية 11/130، وتذكرة الحفاظ 3/197، وشذرات الذهب 2/250.
وأصل الحديث المذكور في صحيح مسلم – انظر الفتح 7/356.
(2) هو زيد بن أرقم راوي الحديث، وتقدمت ترجمته في شرح الترجمة 30 من مناقب الأنصار.
(3) قرية قرب المدينة، وفيها قبر آمنة والدة النبي صلى الله عليه وسلم، انظر معجم البلدان 1/79.
(4) جبل من جبال جهينة غزاه النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية، ورجع فلم يلق شيئا، انظر معجم البلدان 1/503.
(5) نقلا عن الفتح 7/356.
(6) طبقات ابن سعد 2/5، والفتح 7/356.
(7) موسى بن عقبة بن أبي عياش، القرشي مولاهم، الأسدي المطرفي المدني، أبو محمد.
مؤرخ نسابة مشهور.
له مجلد في المغازي النبوية، وكان مالك يقول: (عليكم بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة).
توفي بالمدينة عام 141هـ.
ترجمته في: تذكرة الحفاظ 63، وكشف الظنون 1461.
(8) فتح الباري 7/356.
(9) فتح الباري 7/356.(3/2)
…( وأما البعوث والسرايا فعدها ابن إسحاق ستا وثلاثين(1) ،والواقدي ثمانيا وأربعين(2)،وابن الجوزي ستا وخمسين(3)، والمسعودي(4) ستين(5) ،والعراقي في نظم السيرة أكثر من سبعين، والحاكم في الإكليل أكثر من مائة)(6)، قال ابن حجر: (فلعله أراد بضم المغازي إليها ) (7).
…فأيهم: كذا للجميع، قال ابن مالك(8) : ( والصواب " فأيها"، ووجه بعضهم ما في الأصل بأنه على حذف مضاف، أي أي غزوتهم). فذكرت: قاله شعبة(9)
__________
(1) سيرة ابن إسحاق
(2) في المغازي للواقدي 1/7 : (وكانت السرايا سبعا وأربعين سرية).
(3) بل قال ابن الجوزي في تلقيح فهوم أهل الأثر ص: 78 (سبع وعشرون غزاة، وست وخمسون سرية).
(4) علي بن الحسين بن علي المسعودي، أبو الحسن.
مؤرخ إخباري مشهور.
له: مروج الذهب ومعادن الجوهر في تحفة الأشراف والملوك، وغيره.
توفي بمصر عام 345هـ.
ترجمته في: طبقات الشافعية للسبكي 2/307، وتذكرة الحفاظ 3/70، ولسان الميزان 2/224.
(5) قال في مروج الذهب ومعادن الجوهر 2/280: ( كانت سرايا النبي صلى الله عليه وسلم ثمانيا وأربعين سرية، وقيل إن سراياه وبعوثه كانت ستة وستين).
(6) هذه الفقرة من الفتح 7/356.
(7) الفتح 7/357.
(8) محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الأندلسي الجياني، أبو عبد الله النحوي.
ولد بجيان بالأندلس، ورحل إلى حلب ودمشق، وتوفي بها عام 672هـ.
له: تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد في النحو، وحوز المعاني في اختصار حرز الأماني.
ترجمته في: طبقات الشافعية للسبكي 5/28، ونفح الطيب 7/257، وغاية النهاية 2/180، وبغية الوعاة 53.
(9) شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي الأزدي، أبو بسطام.
ورد بواسط، ورحل إلى البصرة حيث طلب العلم والحديث.
كان من أوائل من صنف في الحديث.
ترجمته في: طبقات ابن سعد 7/280، والتاريخ الكبير 2/2/235، وتاريخ بغداد 9/255، وشذرات الذهب 1/247.(3/3)
. العشير(1): بالشين المعجمة، وهو الصواب، وعليه أطبق أهل السير.
…أول ما غزا النبي صلى الله عليه: يعني بنفسه. الأبواء: هي قرية بقرب "الجُحفة"، خرج إليها - صلى الله عليه وسلم - في صفر في السنة الثانية من الهجرة يريد قريشا، فواعد فيها بني ضمرة من بكر، ورجع بغير قتال. ثم بُواط: جبل بقرب "ينبع"، خرج إليه - صلى الله عليه وسلم - في ربيع الأول سنة اثنين، فرجع ولم يلق أحدا. ثم العشيرة: خرج إليها - صلى الله عليه وسلم - في جمادى الثانية سنة اثنتين يريد عير قريش في خمسين ومائة، وقيل مائتين، ورجع ولم يلق أحدا.
…قال القرطبي: ( الذي قاله ابن إسحاق في ترتيب الثلاث غزوات هو الصحيح)(2).
2 - " ذكر النبي صلى الله عليه من يقتل ببدر":
أي إخباره بمن يقتل فيها قبل وقعتها، فكان كما قال - صلى الله عليه وسلم -.
…وفي مسلم عن أنس قال:/ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هذا مصرع فلان، ويضع يده على الأرض هاهنا وهاهنا، قال: فما ماط أحد عن موضع يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - )هـ(3)، القرطبي: ( أي ما تباعد أحد عن موضع يده) هـ.
…وبدر(4) قرية مشهورة بين مكة والمدينة على نحو أربع مراحل من المدينة.
…3950- كان صديقا: أي كنت، ففيه التفات على رأي السكاكي(5)
__________
(1) كذا بالتصغير وبلا هاء، ووقع في الترمذي: العشير أو العسير، انظر الفتح 7/357.
(2) انظر ابن هشام 1/598، وابن سعد 2/8 و9، وابن كثير في السيرة 2/361، وابن سيد الناس 1/226.
(3) صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب فتح مكة (شرح النووي 11/126).
وهذا وقع وهم ببدر في الليلة التي التقوا في صبيحتها، بخلاف حديث الباب فإنه قبل ذلك بزمان، قاله الحافظ في الفتح 7/358.
(4) ماء مشهور بين مكة والمدينة أسفل وادي الصفراء، انظر معجم البلدان 1/357.
(5) يوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي السكاكي الخوارزمي، أبو يعقوب.
عالم بالنحو والمعاني والعروض.
له مفتاح العلوم. توفي بخوارزم عام 626هـ.
ترجمته في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 60، ومفتاح السعادة لطاش كبري زادة 1/163.(3/4)
. ألا: استفهام. آويتم: بالمد والقصر. الصباة: جمع صابي، وهو الخارج من دين إلى دين. طريقك: بدل من ما، فهو منصوب . على المدينة: أي على ما يقاربها أو يحاديها، يعني إلى الشام. أبي الحكم: كنية أبي جهل، والنبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي لقبه أبا جهل. إنهم: أي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. قاتليك: خرج على نصب إن للجزأين(1). ففزع أمية: وقال: ما يكذب محمد إذا حدث. فلما كان يوم بدر: وجاء الصريخ إلى مكة، وهو ضمضم بن عمرو الغفاري، فجدع بعيره، وحول رحله، وشق قميصه، وصرخ: يا معشر قريش، أموالكم مع أبي سفيان(2) قد عرض لها محمد، الغوث الغوث. أدركوا عيركم: أي القافلة التي كانت مع أبي سفيان وعمرو بن العاص(3)
__________
(1) في الرواية اليونينية: " إنهم قاتلوك" بصيغة الجمع، والمراد المسلمون، أو النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره بهذه الصيغة تعظيما، ووقع لأبي ذر: "قاتليك" وقالوا هي لحن، ووجهت بحذف الأداة، والتقدير أنهم يكونون قاتليك، وفي رواية إسرائيل " أنه قاتلك" بالإفراد - انظر الفتح 7/359، وصحيح البخاري، 5/91 -.
(2) أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، مشهور باسمه وكنيته.
أسلم عام الفتح، وشهد حنينا والطائف، وكان من المؤلفة.
أبلى بلاء حسنا يوم اليرموك، وكان يقول: يا نصر الله اقترب.
ترجمته في : الاستيعاب ص: 1677، والإصابة 3/412-415.
(3) عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو القرشي السهمي، أسلم قبل الفتح، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقربه ويدنيه، وولاه غزاة ذات السلاسل، واستعمله على عمان، ومات صلى الله عليه وسلم وهو أميرها، ثم كان أميرا على فلسطين، ثم على مصر في عهد عمر.
ترجمته في: الاستيعاب ص:1184، والإصابة 4/650-654.(3/5)
، في ثلاثين أو أربعين أو ستين رجلا، يقال كان معهم ألف بعير وخمسون ألف دينار. متى ما يراك: خرج على أن متى شبهت بإذا فلم تعمل، كقول عائشة: متى يقوم مقامك... إلخ. أهل الوادي:مكة. أجود بعير: أي ليهرب عليه إذا رأى ما يكره فاشتراه. اليثربي: هو سعد(1). إلا قريبا: وأرجع. إلا عقل بعيره: بقصد الهرب، ولا ينفع حذر من قدر. حتى قتله الله ببدر: تصديقا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - .
3 - " قصة غزوة بدر" (2)
…التي أعز الله بها الإسلام وأهله، وكان خروجه - صلى الله عليه وسلم - لها يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان من السنة الثانية، واستخلف على المدينة أبا لبابة(3)، رده من الروحاء(4)،وكان قتالهم يوم الجمعة الموالي ليوم الخروج.
…وقول الله عز وجل: " وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْر وَأَنتُمُ أَذِلَّةٌ "(5): أي قليلون مشاة إلا القليل، عارون من السلاح إلا القليل، والمشركون على العكس من ذلك(6).
…طعيمة بن عدي بن الخيار: قال القاضي: ( صوابه ابن عدي بن نوفل بن مناف، وإنما طعيمة بن عدي بن الخيار، ابن أخته)(7)، قاله في التنقيح(8).
__________
(1) سعد بن معاذ، وتقدمت ترجمته في شرح الحديث رقم 3901.
(2) كذا للأكثر، وفي رواية كريمة المروزية: " باب قصة غزوة بدر" - انظر الفتح 7/362 - .
(3) أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصاري، مختلف في اسمه.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه ولداه السائب وعبد الرحمن، وابن عمر.
مات في خلافة علي، وقيل بعد مقتل عثمان.
ترجمته في: الاستيعاب ص:1740، والإصابة 7/349-350.
(4) قريبة من المدينة، وسميت كذلك لأنها ذات راحة، انظر معجم البلدان 3/76.
(5) سورة آل عمران، الآية 123.
(6) من كلام الحافظ في الفتح 7/362.
(7) مشارق الأنوار 1/327، ومثله في الفتح 7/363.
(8) التنقيح ص: 160.(3/6)
…"إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ": هما العير والنفير. "غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ": هي العير، وكرهوا ملاقاة النفير لكثرة عدده وعدده أيسر شوكة منه وأحضر مغنما.
…3951- حتى جمع الله بينهم... الخ: وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - لما خرج يريد العير، بلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا إليها، وسبقت العير المسلمين فنجت، والتقى النبي - صلى الله عليه وسلم - مع جمع كفار قريش - وهم النفير - ببدر على غير ميعاد، فقضى الله فيهم أمره وأنفذ حكمه.
4 - " باب قوله تعالى: " إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ":
تطلبون منه الغوث وهو النصر، إلى قوله: "العقاب" (1).
…أشار المص إلى أن نزول هذه الآيات وقع في بدر، وهو قول الأكثر.
…3952- عدل به: أي من كل شيء قوبل به في الدنيا، / يعني أنه لايعادله شيء.
__________
(1) سورة الأنفال، الآيات 9 ( 12.
وسياق الآيات هكذا للأكثر، وفي رواية كريمة سيقت الآيات كاملة، انظر الفتح 7/364.(3/7)
…3953- عن ابن عباس: لعله رواه عن عمر(1)، وإلا فابن عباس لم يحضر بدرا. أنشدك عهدك ووعدك: أي أطلب منك نصرك الذي عهدت منك ووعدتني به، وعند ابن إسحاق أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ( اللهم هذه قريش قد أتت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني)(2). اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم: " في حديث عمر: اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام، لا تعبد في الأرض" (3) ،أي بهذه الشريعة، لأنه - صلى الله عليه وسلم - علم أنه خاتم النبيئين، فلو هلك هو ومن معه، لم يبعث الله أحدا يدعو إلى الإيمان، ولاستمر المشركون يعبدون غير الله.
…حسبك: يكفيك ما ذكرت، زاد في رواية: " فقد ألححت على ربك"(4)، أي بالغت في الدعاء.
__________
(1) فهو من مراسيل الصحابة، ولعله أخذه عن عمر، ففي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: " حدثني عمر: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر، فاستقبل القبلة ثم مد يديه، فلم يزل يهتف بربه حتى سقط رداؤه عن منكبيه...".
(2) انظر الفتح 7/366.
(3) نقلا عن الفتح 7/366، والحديث أخرجه مسلم (حديث 1763)، وأحمد 1/30-32.
(4) في رواية وهيب بن خالد كما في كتاب التفسير.(3/8)
…قال القرطبي: ( هذا منه - صلى الله عليه وسلم - قيام بوظيفة ذلك الوقت من الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى، وتعليم لأمته اللجا إلى الله عند نزول الشدائد والكرب بهم، فإن الوقت وقت اضطرار وشدة، وقد وعد الله المضطر بالإجابة في قوله: " أَمَّن يُّجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ "(1) ولا يلزم من اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - في الدعاء ألا يكون واثقا بربه في أنه سينجز له ما وعده به من النصر، ولايظن أحد أن أبا بكر كان في تلك الحالة أقوى من النبي - صلى الله عليه وسلم - وأوثق بما وعده ربه به، فإن هذا ظن من لا يعرف محمدا - صلى الله عليه وسلم - حق معرفته، ولا قدره حق قدره، كيف وقد أخبر - صلى الله عليه وسلم - أصحابه قبل ذلك بمصارع الكفار، كل واحد باسمه وعينه، فكان الأمر كما ذكر والحمد لله)، هـ من المفهم ملخصا، وهو أظهر مما في المصابيح(2) والفتح(3)والإرشاد(4).
5 - " باب " بغير ترجمة
وهو كالفصل مما قبله.
3954- عن بدر... إلخ: حمل ابن عباس الآية على خصوص وقعة بدر، وإن كان ظاهرها الإطلاق، وحملها غيره على الإطلاق.
6 - " باب عدة أصحاب بدر":
…أي الذين شهدوا الوقعة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن ألحق بهم وعد معهم.
__________
(1) سورة النمل، الآية: 62.
(2) تعليق المصابيح ص: 471 في قول الدماميني: ( قال ابن العربي فيما حكاه تلميذ السهيلي عنه: كان صلى الله عليه وسلم في مقام الخوف، وكان أبو بكر في مقام الرجاء ).
(3) الفتح 7/367 في قول الحافظ: ( وجاز عنده أن لا يقع النصر يومئذ لأن وعده بالنصر لم يكن معينا لتلك الواقعة، وإنما كان مجملا، هذا الذي يظهر).
(4) في الإرشاد 6/275 : ( وقال النووي: قال العلماء: وهذه المناشدة إنما فعلها عليه الصلاة والسلام وأصحابه بتلك الحال لتقوى قلوبهم بدعائه وتضرعه).(3/9)
…3955،3956- استصغرت أنا وابن عمر: لأنهما كانا ابني أربع عشرة سنة. نيفا: خبر كان فيهما، والنيف هو ما بين العقدين، وما وقع هنا من تفصيل جملة المهاجرين والأنصار موافق لما وقع في الروايات الآتية وغيرها من أن جملة أهل بدر ثلاثمائة وبضعة عشر، والمشهور عند ابن إسحاق وجماعة من أهل المغازي، ورواه أحمد والطبراني(1) عن ابن عباس، أنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا(2).
…زاد في المواهب: ( حضرها منهم ثلاثمائة وخمسة، وثمانية لم يحضروها، إنما ضرب لهم بسهمهم وأجرهم، فكانوا كمن حضرها، وكان معهم ثلاثة أفراس وسبعون بعيرا لا غير)(3)، زاد السهيلي: ( إنه حضر معهم سبعون نفسا من الجن، وكان المشركون ألفا، وقيل تسعمائة وخمسين، وكان معهم مائة فرس، وسبعمائة بعير)(4).
…3957- طالوت: هو ابن قيس، من ذرية بنيامين بن يعقوب - عليه السلام -(5). النهر: أي نهر الأردن، وأشار بذلك إلى قوله تعالى: " قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَر فَمَن شَرِبَ مِنْهُ" الآية (6). لا والله: لا صلة.
7 - " دعاء النبي صلى الله عليه على كفار قريش":
__________
(1) أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني.
ولد في عكا بفلسطين عام 260هـ، وأصله من طبرية.
كان له أكثر من ألف شيخ، ورحل ثلاثين سنة في طلب العلم والحديث، وتوفي عام 360هـ.
ترجمته في: تذكرة الحفاظ الذهبي 912-917، وشذرات الذهب 3/30، وغاية النهاية 1/311.
(2) في سيرة ابن إسحاق ص: 288 (ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا)، وانظر فتح الباري 7/370.
(3) المواهب اللدنية 1/101-102.
(4) الروض الأنف 3/82-83، والفتح 7/370 وفيه: " وقيل سبعمائة وخمسون".
(5) مثله في الفتح 7/371.
(6) سورة البقرة الآية: 249.(3/10)
…أي بمكة لما وضعوا عليه السلا(1). شيبة وعتبة: ابني ربيعة. والوليد: ابن عتبة. وأبي جهل بن هشام، ومن ذكر معهم في قصة السلا وغيرهم. وهلاكهم: أي ببدر، إجابة لدعائه - صلى الله عليه وسلم - عليهم.
…3960- فأشهد: أقسم. غيرتهم الشمس: فسودت ألوانهم ونفخت أجسادهم.
" ……… " (2)
…3961- عن عبد الله: ابن مسعود. أعمد: أي أعظم سؤددا، وعميد القوم سيدهم/، لأنهم يعتمدون عليه في أمورهم، أي لا عار علي في قتلكم إياي.
…3962- ابنا عفراء: معاذ(3) ومعوذ(4)، قال أبو عمر: ( هذا أصح ما روى في ذلك)، وقال القرطبي: ( بل هذا وهم من بعض الرواة، والصحيح ما في غير هذه الرواية أن اللذين قتلاه هما عمرو بن الجموح(5) ومعاذ بن عفراء) هـ.
__________
(1) انظر كتاب الطهارة.
(2) سقطت الترجمة رقم 8 - باب قتل أبي جهل - عند أبي ذر عن المستملي والكشميهني، وثبتت للأكثر، وثبوتها أوجه، إذ لا تعلق لحديثها بباب عدة أهل بدر...، وقد اشتملت الترجمة على ثلاثة عشر حديثا، انظر فتح الباري 7/373.
(3) معاذ بن الحارث بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي، المعروف بابن عفراء، نسبة إلى أمه.
شهد العقبة الأولى وبدرا، واشترك في قتل أبي جهل، ترجمته في: الاستيعاب ص: 1407، والإصابة 6/140.
(4) معوذ بن الحارث الأنصاري، وهو ابن عفراء.
ثبت في الصحيح مشاركته في قتل أبي جهل.
قال ابن عبد البر: ( كان ممن قتل أبا جهل، ثم قاتل بعد ذلك حتى استشهد).
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1442، والإصابة 6/193.
(5) عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن سلمة الأنصاري السلمي، من سادات الأنصار، واستشهد بأحد.
وعند البخاري في الأدب المفرد: " سيدكم عمرو بن الجموح".
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1168، والإصابة 4/615 ( 617.(3/11)
…وهذه الرواية تقدمت(1) للمص في المغازي.
…قال شيخ الإسلام(2) : ( وجمع بينهما بأن الكل ضربوه، فاستند كل راو إلى ما رآه منهم، والله أعلم) هـ، ونحوه للعيني(3).
…حتى برد: أي صار في حالة من مات، إذ لم يمت من ضربهم حتى حز رأسه عبدالله بن مسعود.
…أنت أبا جهل(4) : جاء على لغة القصر في الأسماء الستة، أو هو نداء، أي أنت المقتول يا أبا جهل. فأخذ: أي ابن مسعود. بلحيته: أي بلحية أبي جهل تشفيا منه لأنه كان يؤذيه أشد الإذاية. قال: أي أبو جهل. وهل فوق ... إلخ: هو كقوله "هل أعمد...إلخ"، ثم حز عبد الله رأسه وأتى به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فوضعه بين يديه(5).
…3964- في بدر: أي في قصتها.
__________
(1) لا أدري أين(؟ وكتاب المغازي لم يتقدم منه إلا اثنا عشر حديثا فقط ( بل الحاصل أنه سيأتي في الباب 12 حديث رقم 4020.
(2) زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري الأزهري.
ولد بسنيكة، ودرس بالقاهرة، وتولى القضاء بها.
له: شرح مختصر المزني، وشرح صحيح مسلم، والتحفة شرح صحيح البخاري.
توفي سنة 926هـ.
ترجمته في: شذرات الذهب 8/134، والبدر الطالع 2/252، وفهرس الفهارس 1/343.
(3) في عمدة القاري 17/84.
(4) كذا للأكثر، وللمستملي وحده: "أنت أبو جهل"، والأول هو المعتمد في حديث أنس هذا - انظر الفتح 7/374، وفي النسخة اليونينية 5/95: ( آأنت أبو جهل ).
(5) وعند أحمد 1/444 من حديث ابن مسعود: " فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله الذي لا إله إلا هو، -فرددها ثلاثا -، ثم قال: الله أكبر، الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، انطلق أرنيه"، فانطلقنا فأريته إياه، فقال: هذا فرعون هذه الأمة".
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 6/79 وقال: ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن وهب بن أبي كريمة وهو ثقة.(3/12)
…3965- أنا أول من يجثو: يقعد على ركبتيه مخاصما، ولهذه الأولية مقيدة بالمجاهدين من هذه الأمة، لأن هذه المبارزة هي أول مبارزة وقعت في الإسلام.
…تبارزوا: من البروز، وهو الخروج من الصف للقتال على الانفراد.
…حمزة(1) وعلي وعبيدة بن الحارث بن المطلب(2)، وشيبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف وعتبة بن ربيعة أخو شيبة، والوليد بن عتبة المذكورة قبله، أي بارز الثلاثة المذكورون أولا الثلاثة المذكورين ثانيا، واختلف الناس في كيفية مبارزتهم، والذي لابن إسحاق أن عبيدة بارز عتبة وحمزة بارز شيبة، وعليا بارز الوليد(3).
__________
(1) حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأخوه من الرضاعة، عقد له النبي أول لواء عقد في الإسلام، واستشهد بأحد.
لقبه النبي صلى الله عليه وسلم أسد الله، وسماه سيد الشهداء.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 369، و الإصابة 2/121 ( 123.
(2) عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف القرشي المطلبي.
أسلم قديما، وهاجر، وشهد بدرا، وجرح فيها فمات بعد ذلك بالصفراء.
ترجمة في: الاستيعاب ص: 1020، والإصابة 4/424-425.
(3) كذا عند ابن سعد أيضا، وخالف موسى بن عقبة فقال: برز حمزة لعتبة، وعبيدة لشيبة، وعلي للوليد، وخلاف ذلك عند أبي داود عن علي في الجهاد رقم 2665 ولفظه: " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا حمزة ، ثم يا علي، قم يا عبيدة، فأقبل حمزة إلى عتبة، وأقبلت - القائل هو علي راوي الحديث - إلى شيبة، واختلف بين عبيدة والوليد ضربتان فأثخن كل واحد منهما صاحبه، ثم ملنا على الوليد فقتلناه واحتملنا عبيدة".
قال الحافظ في الفتح 7/378: ( وهذه أصح الروايات، لكن الذي في السير من أن الذي بارزه علي هو الوليد هو المشهور، وهو اللائق بالمقام، لأن عبيدة وشيبة كانا شيخين كعتبة وحمزة، بخلاف علي والوليد فكانا شابين).(3/13)
…قال ابن غازي(1) : وجمعته تقريبا للحفظ في هذا الرجز المنهوك:
عبيدة لعتبة - … وحمزة لشيبة
ثم علي للوليد … - شيخ وكهل ووليد هـ.
…وقيل غير ذلك، فقتل حمزة وعلي قرنيهما،وأعانا عبيدة لكبر سنه على قرنه فقتلاه.
…3966- ستة من قريش: كلهم من بني عبد مناف.
…3970- رجل: لم يعرف(2). قال بارز: أي قال نعم شهدها وبارز. وظاهر: بين درعين أي لبس درعا فوق درع.
…3972- شيخا: هو أمية بن خلف. قتل كافرا: يعني يوم بدر، وبه تحصل المطابقة.
…3973- ثنتين يوم بدر وواحدة يوم اليرموك(3): الوقعة المشهورة بين المسلمين والروم زمن عمر سنة ثلاث عشرة، قتل فيها من الروم مائة ألف وخمسة آلاف، وأسر منهم أربعون ألفا، ويأتي قريبا: ضرب يوم اليرموك ضربتين بينهما ضربة ضربها يوم بدر، فيحتمل أن يكون فيه ضربتان أخريان في غير عاتقه، فيجمع بذلك بين الخبرين(4).
…حين قتل عبد الله بن الزبير: وأخذ الحجاج سيفه وأرسله إلى عبد الملك. فلة: كسرة قطعت من حده. بهن فُلُولٌ من قِرَاعِ الْكَتَائِبِ: أي من ضرب بعض الجيوش بعضا، وهذا شطر بيت للنابغة(5)
__________
(1) أبو عبد الله محمد بن أحمد بن غازي العثماني المكناسي ثم الفاسي، أخذ عن القوري والسراج وابن مرزوق الكفيف، وعنه الدقون وعلي بن هارون، له تقييد على البخاري، وشفاء الغليل في حل مقفل خليل، وتقريرات على الشاطبية، تولى خطابة جامع القرويين، توفي سنة 919 هـ.
ترجمته في: شجرة النور الزكية 1/276.
(2) قال الحافظ في الفتح 7/379: ( لم أقف على اسمه، ويحتمل أن يكون هو الراوي، فأبهم اسمه).
(3) " موضع من نواحي فلسطين، ويقال إنه نهر، والتحرير أنه موضع بين أذرعات ودمشق كانت به الواقعة المشهورة" ،
- انظر الفتح 7/380- .
(4) نقلا عن الفتح 7/380.
(5) الذبياني زياد بن معاوية بن ضباب العطفاني المضري، شاعر جاهلي من الطبقة الأولى، والبيت بتمامه:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب، وهو في ديوانه ص:44، قصيدة كليني لهم يا أميمة ناصب، البيت 19.(3/14)
، وأوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم … - … بهن...إلخ.
…قال هشام: ابن عروة(1). فأقمناه: أي ذكرناه، أي ما يقوم مقامه من الثمن حين مات عروة(2). وأخذه بعضنا: هو عثمان بن عروة(3).
…3975- ألا تشد: تحمل على الكفار. كذبتم: لم تشدوا معي. لانفعل: لا نتركك تشد وحدك. فحمل عليهم: على الكفار وحده. فأخذوا: أي الكفار، وهو ابن عشر سنين: هو بحسب إلغاء الكسر، وإلا فسنه حينئذ على الصحيح كان اثنتي عشرة سنة(4). ووكل به رجلا: يحفظه لصغره /، فلما هزم الروم جعل عبد الله يجهز على جراحهم، وهذا من شجاعته رضي الله عنه في حال صباه.
__________
(1) هشام بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي.
ثقة فقيه. قال ابن القطان: لم نر له في ذلك سلفا.
مات عام 145هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 11/48، والتقريب رقم 7302.
(2) عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي، أبو عبد الله المدني.
ثقة فقيه مشهور، خالته عائشة.
ولد في أوائل خلافة عثمان.
وأخرج له أصحاب الكتب الستة.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 7/180، والتقريب رقم 4561.
(3) عثمان بن عروة بن الزبير بن العوام المدني، أخو هشام، وكان أصغر منه، لكن مات قبله.
ثقة إمام، أخرج له البخاري ومسلم.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 7/138، والتقريب رقم 4501.
(4) من الفتح 7/381.(3/15)
…3976- صناديد: جمع صنديد، السيد الشجاع. فقذفوا: طرحوا. طوي: هي البئر المطوية، أي المبنية بالحجارة. خبيث: كان حفره رجل من بني النار، فناسب أن يلقى فيه هؤلاء الكفار، قال النووي: ( وطرحهم فيه ليس دفنا لهم ولا صيانة، وإنما هو لدفع رائحتهم المؤذية). بالعرصة: هي الموضع الواسع الذي لا بناء فيه. فشد عليها رجلها: وركبها - صلى الله عليه وسلم - . شفة: طرف. الركي: هي البئر التي لم تطو، والاختلاف بين اللفظين فيما يظهر من تصرف الرواة، قاله السيوطي(1). قال قتادة: أحياهم الله...إلخ: قصد قتادة الرد على من أنكر أنهم يسمعون، فبين وجهه. حتى أسمعهم: أي بآذان برؤوسهم.
…3977- قال عمرو: هو ابن دينار(2). يوم بدر: ظرف لقوله "أحلوا"، أي أنهم أهلكوا.
…3978- إنما قال: إنه ليعذب ... إلخ: الصواب ما قاله ابن عمر، وأنه - صلى الله عليه وسلم - قال ما ذكر، وأنه لا منافاة بين خبرها وخبره، فهما معا ثابتان صحيحان.
…قال القاضي: ( ليس في قول عائشة ما يعارض رواية ابن عمر، لأنه يمكن أن يكون قد قال - صلى الله عليه وسلم - القولين جميعا، ولم تحفظ عائشة إلا أحدهما، لأن القولين غير متنافيين) هـ.
__________
(1) في التوشيح ص: 367.
(2) عمرو بن دينار المكي، أبو محمد الأثرم، الجمحي مولاهم.
ثقة ثبت، أحد الأعلام.
روى عن ابن عباس وابن الزبير وأبي هريرة وجابر بن عبد الله.
مات عام 126هـ.
ترجمته في : تهذيب التهذيب 8/28، والتقريب رقم 5024.(3/16)
…3979- إنما قال: إنهم الآن ليعلمون: حاصل ما في المقام أن عائشة رضي الله عنها ردت على ابن عمر سماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الموتى يسمعون، وقالت إنما قال يعلمون ولم يقل يسمعون، واستدلت على ذلك بالآيتين، والتحقيق الذي عليه الجمهور أن الصواب مع ابن عمر لا معها، أما نفيها سماعه الحديث فإنه لم ينفرد بروايته، بل رواه عمر أيضا، وأبو طلحة(1) كما سبق، وابن مسعود كما عند الطبراني بإسناد صحيح، وعبد الله بن سيلان(2) عنده أيضا(3)، على أنه لو انفرد به لم يستقم لها رده عليه بغير موجب، قال الإسماعيلي: ( لا سبيل إلى رد رواية الثقة إلا بنص من مثله يدل على نسخه أو تخصيصه أو استحالته) هـ(4).
…وقال السهيلي: ( عائشة لم تحضر، وغيرها ممن حضر أحفظ للفظه عليه الصلاة والسلام، وقد قالوا يا رسول الله أتخاطب قوما قد جيفوا، بفتح الجيم والياء المشددة، أي صاروا جيفا، فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم؛ وأما نفيها سماع الموتى وإثباتها العلم لهم، فجوابه أن العلم لا يمنع من السماع)(5)، قاله البيهقي.
__________
(1) أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عمرو بن مالك بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي، مشهور بكنيته، وهو زوج أم سليم، تزوجته مقابل إسلامه، فكان ذلك مهرها، وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حلق شعره بمنى، فرق شقة الأيمن على أصحابه الشعرة والشعرتين، وأعطى أبا طلحة الشق الأيسر كله.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 553، والإصابة 2/607-608.
(2) عبد الله بن سيلان.
سماه البغوي ومن تبعه، ولم يأت في الروايات إلا مبهما.
ترجمته في: الإصابة 4/125-126.
(3) الحديث مخرج عند النسائي في الجنائز 117، وأحمد 2/31.
انظر كتاب الجنائز من الفتح.
(4) نقلا عن الفتح 7/386.
(5) الروض الأنف 3/62.(3/17)
…وقال السهيلي: ( إذا جاز أن يكونوا في تلك الحالة عالمين، جاز أن يكونوا سامعين، وأما استدلالها بالآيتين فأجيب عنه بأجوبة أحدهما ما سبق عن قتادة أن الله تعالى أحياهم حتى أسمعهم)(1)، قال مغلطاي(2): ( على تأويل قتادة فقهاء الأمة وجماعة أهل السنة، وعلى ذلك تأوله عبد الله بن عمر وهو راوي الحديث) هـ؛ ثانيها ما ذكره المص هنا عن عروة أن محل نفي سماعهم حين استقرارهم في النار لا قبل ذلك؛ ثالثها ما قاله الإسماعيلي أن إسماعهم أي إبلاغ صوت النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم إنما كان من الله، لا من النبي - صلى الله عليه وسلم - هـ، ونحوه للسهيلي قائلا: ( هو كقوله تعالى: " أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ"(3)، أي الله هو يهدي ويوفق ويوصل الموعظة إلى آذان القلوب لا أنت)(4)؛ رابعها ما قاله السهيلي أيضا، وأوضحه ابن حجر، أن المراد بالموتى وبمن في القبور في الآيتين الكفار الأحياء مجازا شبهوا بالموتى في عدم انتفاعهم بما يسمعون، أي إنك لا تسمع من هم في حال الموتى، أو في حال من سكن القبور، وعلى هذا لا يبقى في الآية دليل على ما نفته عائشة رضي الله عنها أصلا، والله أعلم(5).
__________
(1) الروض الأنف 3/62.
(2) مغلطاي بن قليج بن عبد الله الحنفي، علاء الدين.
سمع من الدبوسي والختني، وولي تدريس الحديث في الظاهرية بعد ابن سيد الناس.
له: شرح البخاري، وترتيب بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام لابن القطان.
توفي في شعبان عام 762هـ.
ترجمته في: تذكرة الحفاظ للسيوطي 534.
(3) سورة الزخرف، الآية 40.
(4) الروض الأنف 3/62.
(5) الفتح 7/386.(3/18)
…وقد أشار الحافظ مغلطاي في التلويح إلى الجواب الثالث والرابع عن الآيتين، وزاد جوابا آخر فقال: ليس في قوله: " إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَن يَّشَاءُ. وَمَا أَنتَ بِمُسْمِع مَّن فِي الْقُبُورِ" (1)، و"إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتى" (2) حجة في دفع ما صحت به الآثار من سماع قرع النعال، وقصة القليب، لاحتمال أن يكون معناه: فأنت لا تسمع الموتى بقدرتك، إذ خالق السمع غيرك، ونظيره: " وَمَا أَنتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ" (3) وإنما التوفيق والهداية بيد الله، فنفى سبحانه عن نبيه القدرة على أن يسمع الموتى إلا بمشيئته كما في الهداية، ويحتمل أن يكون المراد أنك لا تسمع الموتى إسماعا ينتفعون به لانقطاع أعمالهم وانتقالهم إلى دار الجزاء، ويحتمل أن يكون المعنى أنك لا تقدر على إسماع من جعله الله أصم عن الهدى وحتم عليه ألا يومن، وفي صدر الآية ما يدل على هذا، لأنه تعالى قال: " وَمَا يَسْتَوِي الاَعْمى وَالْبَصِيرُ":(4) يعني بالأعمى: الكافر، وبالبصير: المومن، " وَلاَ الظُّلُمَاتُ وَلاَ النُّورُ": يعني الكفر والإيمان، "وَلاَ الظِّلُّ": يعني الجنة، "وَلاَ الْحَرُورُ": يعني النار، "وَمَا يَسْتَوِي الاَحْيَاءُ": العقلاء، " وَلاَ الاَمْوَاتُ": الجهال، ثم قال: " إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَن يَّشَاءُ. وَمَا أَنتَ بِمُسْمِع مَّن فِي الْقُبُورِ "، يعني أنك لا تسمع الجهال الذين كأنهم موتى في القبور، هـ منه. يقول : أي "عروة" مبينا لمعنى الآية /.
9 – " فضل من شهد بدرا ":
…أي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مقاتلا للمشركين، والمراد بيان أفضليتهم، لا مطلق فضلهم.
__________
(1) سورة فاطر، الآية 22.
(2) سورة النمل، الآية 80.
(3) سورة النمل، الآية 81.
(4) سورة فاطر، الآية 19.(3/19)
…3982- حارثة: ابن سراقة الأنصاري(1). أمه: الربيع –بالتصغير- بنت النضر(2)، عمة أنس. ويحك: كلمة ترحم. أَوَ هَبِلْتِ: بضم الهاء وكسر الباء، أي ثكلت، وهو بوزنه، وقد تفتح الهاء، قاله ابن حجر(3)، وقال الزركشي:( بفتح الهاء وكسر الباء أي ثكلت ابنك وفقدته، هذا أصل الكلمة في اللغة، والهابل التي مات ولدها، قال القاضي: ومعناه عندي ليس على أصل الكلمة، وإنما مفهومه: أفقدت ميزك وعقلك مما أصابك من الثكل حتى جهلت صفة الجنة) هـ(4).
…وقال غيره: معناه أفقدت عقلك حتى حصل لك الشك في دخول ولدك الجنة، فجئت تسألين عن ذلك؟ بل الذي ينبغي لك أن تسألي عن شأن أي أهل الجنان هو، لأنها جنان، وجوابك أنه من أهل الفردوس.
…3983- خاخ (5): موضع بين مكة والمدينة. امرأة: سارة. من حاطب(6)
__________
(1) حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدي بن مالك بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري، استشهد يوم بدر ، وقيل أحد، والمعتمد الأول.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 307، والإصابة 1/614-615.
(2) الربيع بنت النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام الأنصارية، أخت أنس بن النضر، وعمة أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهي والدة حارثة بن سراقة.
ترجمتها في: الاستيعاب ص: 1838، والإصابة 7/642-643.
(3) في الفتح 7/387، وهي الرواية اليونينية، أنظر صحيح البخاري 5/98.
(4) التنقيح ص: 161، وقول القاضي عياض في مشارق الأنوار 2/264.
(5) موضع بين الحرمين بقرب حمراء الأسد من المدينة، انظر معجم البلدان 2/335.
(6) حاطب بن أبي بلتعة بن عمرو بن عمير بن سلمة بن صعب بن سهل اللخمي، شهد بدرا، ومات في خلافة عثمان.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 312، و الإصابة 2/4( 6.(3/20)
…إلخ: يخبرهم فيه بمسير النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم، وذلك في غزوة "الفتح"(1).حجرتها: معقد إزارها. يد: نعمة ومنة عليهم. هناك: بمكة. فقال: صدق، ولا تقولوا إلا خيرا، فقال عمر: إنه قد خان الله... إلخ: قال الدماميني: ( هذا مما أستشكله جدا، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد شهد له بالصدق، ونهى عن أن يقال له إلا الخير، فكيف ينسب بعد ذلك إلى خيانة الله ورسوله والمؤمنين، وهو مناف للإخبار بصدقه والنهي عن إذايته، ولعل الله يوفق للجواب عن ذلك) هـ(2).
…وذكر القسطلاني عنه جوابا غير ظاهر(3)، والذي لاح لي في الجواب عنه أن يقال لعل عمر - رضي الله عنه - لم يسمع تلك المقالة من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمن ثم قال ما قال، والله سبحانه أعلم.
…اعملوا ما شئتم: الأمر للتشريف والتكريم، لا للإباحة، لأنه خلاف عقد الشرع، فقد وجبت لكم الجنة أو لقد غفرت لكم: الكرماني: ( أي في الآخرة، وإلا فلو توجب على أحد منهم حد مثلا يستوفى منه) هـ(4) .
…القرطبي: ( هذا خطاب إكرام وتشريف تضمن أن هؤلاء حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السابقة، وتأهلوا أن يغفر لهم ما يستأنف من الذنوب اللاحقة، ولا يلزم من وجود الصلاحية للشيء وقوعه، وقد أظهر الله صدق رسوله في كل ما أخبر عنه بشيء من ذلك ، فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة إلى أن فارقوا الدنيا، ولو قدر صدور شيء من أحدهم لبادر إلى التوبة ولازم الطريق المثلى، ويعلم ذلك من أحوالهم بالقطع من اطلع على سيرهم)هـ.
…وهذا هو الذي اعتمده الحافظ(5)
__________
(1) سقطت هذه اللفظة من أصل المؤلف، وثبتت في مخطوطة العرائشي 4/41.
(2) تعليق المصابيح ص: 471، ونقله في الإرشاد 6/287.
(3) قال القسطلاني في الإرشاد 6/287: ( وقد أجيب بأن هذا على عادة عمر في القوة في الدين وبغضه للمنافقين).
(4) الكواكب الدراري 15/171.
(5) قال الحافظ في الفتح 7/388:
( وقيل إن صيغة الأمر في قوله: " اعملوا" للتشريف والتكريم، والمراد عدم المؤاخذة بما يصدر منهم بعد ذلك، وأنهم خصوا بذلك لما حصل لهم من الحال العظيمة التي اقتضت محو ذنوبهم السابقة، وتأهلوا لأن يغفر الله لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت، أي كل ما عملتموه بعد هذه الواقعة من أي عمل كان فهو مغفور).(3/21)
وغيره من الأجوبة في هذا المحل، والله أعلم.
10 - " باب ": بغير ترجمة (1)
…وهو فيما يتعلق ببدر أيضا.
…3984- أكثبوكم: أي قربوا منكم. واستبقوا نبلكم: لا تضيعوه بالرمي من بعد، بل لا ترموا به حتى يكثبوكم ويقربوا منكم.
…3985- يعني أكثروكم: هذا لا يعرف في اللغة(2)، والمعروف قاربوكم، قاله الزركشي(3).
…3986- وسبعين قتيلا: هذا هو الصواب في عدد القتلى. دُوَل: أي نُوَب.
…3987- وإذا الخير: الواقع في الرؤيا. من الخير بعد: أي بعد يوم أحد. بعد يوم بدر: الثانية من تثبيت قلوب المومنين لأن الناس جمعوا لهم وخوفوهم، فزادهم ذلك إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل.
…3988- لم آمن بمكانهما: وأشفقت أن يؤتى الناس من ناحيتي لكوني بين غلامين حدثين. الصقرين: تثنية صقر، وهو من سباع الطير يصاد به. ابنا عفراء: معاذ ومعوذ.
…3989- عينا: جواسيس. جد عاصم: يعني جده لأمه، قالوا وهو وهم، بل هو خاله لأن أم عاصم هي جميلة بنت ثابت(4)، أخت عاصم بن ثابت(5)
__________
(1) " كذا في الأصول"، انظر الفتح 7/389.
(2) كذا في الفتح 7/389، وزاد: ( فقد وقع في رواية أبي داود في هذا الموضع " يعني غشوكم"، وهو بمعجمتين والتخفيف، وهو أشبه بالمراد)، وفي صحيح البخاري 5/100: (كثروكم).
(3) في التنقيح ص: 161
(4) جميلة بنت بن أبي الأقلح-بالقاف-، أخت عاصم، زوج عمر بن الخطاب، تكنى أم عاصم. كان اسمها عاصية فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلة.
ترجمتها في: الاستيعاب ص: 1802، والإصابة 7/558-559.
(5) عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح قيس بن عصمة بن النعمان بن مالك بن أمية بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عمرو بن عوف الأنصاري، من السابقين الأولين من الأنصار، كان يسمى "حمي الدبر"، ذلك أنه قتل عظيما من عظماء قريش يوم بدر، فأرسلوا في طلبه، فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر، فحمته منهم.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 779، والإصابة 3/569-570.(3/22)
، قال القاضي: إذا قرئ "جد" بالكسر على أنه صفة "لثابت" استقام الكلام وارتفع الوهم(1). بالَهدَة(2): بالتخفيف كما في نسخنا، وقال ابن حجر: بالتشديد(3)، اسم موضع. أعطوا بأيديكم: أي انقادوا وسلموا. فقتلوا عاصما: مع ستة أخر منهم، ورجل آخر هو عبد الله بن طارق(4). فأبى أن يصحبهم: فقتلوه. فابتاع بنو الحارث خُبَيْبًا: وابتاع ابن الدَّثِنَة(5) صفوان بن أمية(6)
__________
(1) مشارق الأنوار 1/179، بلفظ: (... بأن يكون "جد" مخفوضا نعتا "لثابت" لا "لعاصم" فيستقيم الكلام)، والفتح 7/394، وفي النسخة اليونينية 5/100 بالفتح.
(2) في هامش صحيح البخاري 5/100: ( بالهدأة لأبي ذر والأصيلي، وفي نسخة صحيحة: بالهدأة بسكون الدال كما في اليونينية).
والهدة مكان بأعلى مر الظهران من مكة، انظر معجم البلدان 5/395.
(3) قال الحافظ في الفتح 7/484 ( باب غزوة الرجيع، حديث 4086):
( بالهدأة: وهي للأكثر بسكون الدال بعدها همزة مفتوحة، وللكشميهني بفتح الدال وتسهيل الهمزة، وعند ابن إسحاق: الهدة، بتشديد الدال بغير ألف).
(4) عبد الله بن طارق بن عمرو بن مالك البلوي.
ذكره موسى بن عقبة في أهل بدر، كما ذكر في الستة الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى عضل والقارة.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 928، والإصابة 4/136.
(5) زيد بن الدثنة بن معاوية بن عبيد بن عامر بن بياضة الأنصاري البياضي.
شهد بدرا وأحدا، وكان في غزوة بئر معونة فأسره المشركون وقتلته قريش بالتنعيم.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 553، والإصابة 2/604-605.
(6) صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح، أبو وهب الجمحي.
أسلمت امرأته قبله، ثم أسلم، وردت إليه بعد أربعة أشهر.
نزل المدينة، ثم رجع إلى مكة حتى مات بها مقتل عثمان.
ترجمته في: الاستيعاب ص:718، والإصابة 3/432-434.(3/23)
. هو قتل الحارث: كذا وقع هنا، وقال الدمياطي: إن الذي قتل الحارث هو خبيب ابن إساف(1)، وهو خزرجي، لا خبيب بن عدي(2)، وهو أوسي، بل لم يشهد بدرا / بالكلية، نقله في التنقيح(3).
قلت: ما في الأصل هو الذي رأيته في الاستيعاب(4) لابن عبد البر، ونصه: (خبيب بن عدي الأنصاري الأوسي، شهد بدرا وأسر يوم الرجيع في سرية مرثد(5) وعاصم، فاشتراه بنو الحارث بن عامر، وكان خبيب قد قتل الحارث بن عامر بن نوفل يوم بدر، كذا قال معمر عن ابن شهاب... إلخ، ولم يذكر ما يخالف ذلك، والله أعلم).
__________
(1) خبيب بن إساف بن عنبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن الأوس الأنصاري الأوسي.
قال الواقدي: ( كان تأخر إسلامه إلى أن خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر، فلحقه في الطريق فاسلم وشهدها وما بعدها، ومات في خلافة عمر).
ترجمته في: الاستيعاب ص: 443، والإصابة 2/261-262.
(2) خبيب بن عدي بن مالك بن عامر بن مجدعة بن جحجبى بن عوف بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي الأنصاري الأوسي.
شهد بدرا واستشهد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
ولما حبس رضي الله عنه كان في يده عنب، وما في الأرض من عنب يؤكل.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 440، والإصابة 2/262-264.
(3) التنقيح ص: 161.
(4) الاستيعاب ص: 440.
(5) مرثد بن أبي مرثد الغنوي، الصحابي بن الصحابي، واسمه كناز بن الحصين، وهما ممن شهد بدرا.
قال ابن إسحاق: استشهد مرثد في غزاة الرجيع.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1383، والإصابة 6/70-71.(3/24)
…بعض بنات الحارث: هي زينب. يستحد. يزيل بها شعر عانته. بني لها: هو ابن جبير ابن الحارث. قطفا: عنقودا. اللهم أحصهم عددا: أي أهلكهم واستأصلهم بحيث لا يبقى من عددهم أحد. بددا: أي متفرقين غير معسكرين ولا مجتمعين، وقد استجيبت دعوته فيمن مات منهم كافرا، قاله السهيلي. في ذات الإله: في طاعته. أوصال: جمع وصل، عضو. شلو: جسد. ممزع: مقطع. صبرا : محبوسا للقتل. وأخبر: أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإن لم يتقدم له ذكر، وصرح به ابن السكن(1) في روايته، قاله القاضي. الظلة: السحابة.
…الدبر: الزنانير. قتل رجلا: هو عقبة بن أبي معيط، وقال كعب(2)... إلخ: بين البخاري بهذا أن قوله: " قد شهدا بدرا" من كلام كعب، خلافا لمن قال إنه من كلام الزهري، مدرج في الحديث، ووهمه في ذلك.
…قال ابن حجر: ( وما للبخاري هو الظاهر من السياق، فإن الحديث أخذ عن كعب وهو أدرى بمن شهد بدرا ممن لم يشهدها ممن جاء بعده، والأصل عدم الإدراج)(3).
__________
(1) أبو علي سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن البغدادي، من حفاظ الحديث قال ابن ناصر الدين: كان أحد الأئمة الحفاظ، والمصنفين الأيقاظ، رحل وطوف، وجمع وصنف.
له " الصحيح المنتقى" في الحديث.
نزل بمصر وتوفي بها سنة 353 هـ.
ترجمته في: تذكرة الحفاظ 3/140، وتهذيب ابن عساكر 6/154، والرسالة المستطرفة ص: 20.
(2) كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة-بكسر اللام - ابن سعد، أبو عبد الله الأنصاري السلمي.
روى عنه ابن عباس وجابر وأبو أمامة الباهلي وغيرهم.
مات أيام قتل علي بن أبي طالب.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1323، والإصابة 5/610-612.
(3) فتح الباري 7/394.(3/25)
…3990- وكان بدريا: لأنه ضرب له بسهمه، وإن لم يحضرها، لكونه وجه للتجسس مع طلحة. وترك الجمعة: لعذر إشراف قريبه وصهره وهو سعيد(1) على الموت، قاله الكرماني(2).
…3991- عن حديثها: في انقضاء عدة الحامل المتوفى عنها بالوضع. تعلت: استقلت وذهب عنها الألم. ترجين: قال الزركشي: ( بضم أوله وتشديد الجيم المكسورة، وبفتح أوله وتخفيف الجيم المكسورة والمفتوحة)(3). بناكح: أي متزوجة. جمعت علي ثيابي: تجلببت برداء أو بملحفة من فوق ثيابها.
…أخبره: بهذا الحديث أو بغيره، والمقصود بيان أنه شهد بدرا، لا أنه أخبره، قاله الكرماني(4).
11 - « باب شهود الملائكة بدرا »
…مع المسلمين نصرة لهم وعونا على المشركين.
…أخرج ابن أبي حاتم(5) عن قتادة قال: ( أمد الله المسلمين يوم بدر بخمسة آلاف من الملائكة)، وعن الربيع بن أنس(6)
__________
(1) سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى العدوي، تقدم ذكره في الترجمة 34 من مناقب الأنصار.
(2) في الكواكب 15/177.
(3) التنقيح ص: 162، وفي صحيح البخاري 5/102: (ترجين).
(4) في الكواكب 15/179.
(5) ابن أبي حاتم الإمام الحافظ الناقد، أبو محمد عبد الرحمن بن الحافظ الكبير محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي الرازي، قال الخليلي: أخذ علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحرا في العلوم ومعرفة الرجال، له: الجرح والتعديل، والتفسير، والرد على الجهمية، توفي سنة 327 هـ.
ترجمته في: تذكرة الحفاظ 3/829، والبداية والنهاية 11/191، وطبقات الحفاظ ص: 345-346.
(6) الربيع بن أنس البكري البصري.
روى عن أنس بن مالك وأبي العالية والحسن البصري.
وكان هرب إلى البصرة خوفا من الحجاج بن يوسف.
توفي عام 139هـ.
ترجمته في : الجرح والتعديل 1/2/454، وتهذيب التهذيب 3/238-239.(3/26)
قال: ( أمد الله المسلمين يوم بدر بألف، ثم زادهم فصاروا ثلاثة آلاف، ثم زادهم فصاروا خمسة آلاف)، وعن الزبير بن العوام أن الملائكة نزلت يوم بدر وعليهم عمائم صفر، زاد أبو أسيد (1): قد طرحوها بين أكتافهم، قال السيوطي: (هذا الذي صح في وصف عمائمهم، أي دون غيره)، وأخرج البيهقي من طريق الربيع بن أنس قال: كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة من قتلى الناس بضرب فوق الأعناق، وعلى البنان مثل وسم النار، وفي مسلم أن ذلك من مدد السماء الثالثة (2).
فائدتان: الأولى : أطبق أهل السير أن نزول الملائكة للقتال مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان في بدر وأحد وحنين. قال ابن كثير: (ولم تقاتل إلا يوم بدر، وكانت فيما سواه مددا) (3)، وبه قال ابن عباس والجمهور، وهو الذي اختاره ابن مرزوق (4)
__________
(1) مالك بن ربيعة بن البدن بن عامر بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الجزرج الأنصاري الساعدي، أبو أسيد، مشهور بكنيته.
شهد بدرا وأحدا وما بعدها، وكانت معه راية بني ساعدة يوم الفتح.
ترجمته في : الاستيعاب ص: 1351، والإصابة 5/723-724.
(2) أخرجه البيهقي ، وعند مسلم من حديث ابن عباس، ولفظه: "بينما رجل مسلم يشتد في أثر رجل مشرك، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس … فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذلك مدد من السماء الثالثة " –أخرجه مسلم في الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر (شرح النووي 11/86)-، وانظر الفتح 7/396.
انظر الفتح 7/396.
(3) السيرة النبوية لابن كثير 2/429.
(4) محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزرق الحفيد، العجيسي التلمساني، أبو عبد الله.
ولد بتلمسان، ورحل إلى الحجاز، ورجع إلى تلمسان وتوفي بها عام 842هـ.
له: أنوار الدراري في مكررات البخاري، والمسعى الرجيح في شرح الجامع الصغير.
ترجمته في: الضوء اللامع 7/50، والبدر الطالع 2/119، ونيل الابتهاج 293، وفهرس الفهارس 1/382.(3/27)
، لكن ثبت في الصحيحين أن جبريل وميكائيل عليهما السلام كانا يقاتلان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد (1)، وأجاب البيهقي وغيره بما حاصله أن المنفي عن غير بدر القتال العام، والمثبت في أحد القتال الخاص، فإن جبريل وميكائيل إنما كانا يقاتلان أو يدافعان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده، فلا تعارض؛
…الثانية: سئل تقي الدين السبكي عن الحكمة في قتال الملائكة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أن جبريل قادر على أن يدفع الكفار بريشة / من جناحه، فأجاب: وقع ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وتكون الملائكة مددا له على عادة مدد الجيوش، رعاية لصورة الأسباب وسنتها التي أجراها الله تعالى في عباده، والله تعالى هو فاعل الجميع، هـ من الفتح(2).
…3993- بالعقبة: أي بدل العقبة، يريد أن شهود العقبة عنده أفضل. بهذا: أي بما تقدم في رواية جرير(3).
…3995- عن ابن عباس: هذا مرسل، ولعله أخذه عن أبي بكر. عليه أداة الحرب: أي آلته. روى سعيد بن منصور(4) من مرسل عطية بن قيس(5)
__________
(1) أخرجه مسلم في الفضائل 47، وأحمد 1/171.
(2) فتح الباري 7/397-398، والتوشيح ص: 368، والمواهب اللدنية 1/117.
(3) جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، نزيل الري وقاضيها.
ثقة صحيح الكتاب.
روى عن يحيى بن سعيد الأنصاري ومنصور بن المعتمر وعطاء بن السائب.
مات عام 88هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 2/75، والتقريب رقم 916.
(4) سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني المروزي البلخي، أبو عثمان.
نشأ ببلخ، وسكن مكة.
له: السنن، وتفسير القرآن.
توفي بمكة في رمضان عام 227هـ.
ترجمته في: تذكرة الحفاظ 2/5، والبداية والنهاية 1/299، وتهذيب التهذيب 4/89.
(5) عطية بن قيس، وقيل ابن عمرو، وقيل ابن عروة، وقيل ابن سعد السعدي. صحابي معروف، له أحاديث، نزل الشام.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1070، والإصابة 4/511.(3/28)
أن جبريل - عليه السلام - أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدما فرغ من بدر على فرس حمراء معقود الناصية، قد تخضب(1) الغبار ثنيته عليه درعه، وقال: يا محمد، إن الله بعثني إليك وأمرني ألا أفارقك حتى ترضى أفرضيت؟ قال: نعم هـ(2)، وبه يتبين ماهنا، والله أعلم.
12- " باب ": بغير ترجمة (3)
…وهو في ذكر من شهد بدرا أيضا.
…3996- أبو زيد(4): هو أحد الذين جمعوا القرآن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، واسمه قيس. ولم يترك عقبا: قال أنس: نحن ورثناه.
…3998- مدجج: أي مغطى بالسلاح، لا يظهر منه شيء. بالعنزة: هي عصى في طرفها زج. قال هشام: ابن عروة، بالسند السابق. فأخبرت: قال الحافظ: لم أقف على من أخبره(5). تمطأت: قال الزركشي: المعروف تمطيت(6). طرفيها: قال ابن سعادة(7): صوابه "طرفاها". قال عروة: بالسند الأول. فسأله: أي الزبير. أخذها: أي الزبير. فلما قبض عمر أخذها: أي الزبير. عند آل علي: أي عند علي نفسه، ثم عند أولاده. فطلبها عبد الله: من آل علي.
…4000- أبا حذيفة(8)
__________
(1) تحرفت في الأصل إلى " غصب" (، والتصحيح من الفتح 7/397.
(2) نقلا عن الفتح 7/397.
(3) كذا للجميع، انظر الفتح 7/399.
(4) أبو زيد قيس بن السكن بن زعوراء الأنصاري، أحد الذين جمعوا القرآن. ذكره موسى بن عقبة فيمن شهد بدرا.
كما ذكر أيضا أنه استشهد يوم جسر أبي عبيد.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1293، والإصابة 5/476.
(5) فتح الباري 7/399.
(6) التنقيح ص: 162، ومثله في الفتح 7/399.
(7) أبو عمران موسى بن سعادة مولى سعيد بن نصر، من أهل بلنسية بالأندلس.
كان صهر الإمام أبي علي الصدفي الذي روى عنه صحيح البخاري، وعنه كتب نسخته المشهورة بالسعادية، وعارضها عليه ستين مرة.
ترجمته في : معجم أصحاب الصدفي رقم 167، والتنويه والإشادة للكتاني ص:3-5.
(8) أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي.
كان من السابقين إلى الإسلام، وهاجر الهجرتين، وصلى إلى القبلتين.
استشهد يوم اليمامة.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1631، والإصابة 7/87.(3/29)
: هو ابن عتبة بن ربيعة الذي تقدم ذكره(1) في المبارزة. تبنى سالما:(2) أي قبل نزول آية الأحزاب، أي اتخذه ابنا. هند بنت الوليد(3): في الموطأ(4) فاطمة بنت الوليد، ونحوه في الاستيعاب(5). وهو: أي سالم. لأمرأة من الأنصار: هي ثبيتة بنت يعار(6)، زوج أبي حذيفة. فجاءت سهلة: بنت سهيل بن عمرو القرشية(7)، زوج أبي حذيفة أيضا. فذكر الحديث: الآتي في النكاح(8)، ومحصله أن "سهلة" قالت يا رسول الله: إني رأيت في وجه أبي حذيفة كراهة دخول "سالم" علي، فقال لها - صلى الله عليه وسلم -: أرضعيه، فأرضعته، فزال ما بوجه أبي حذيفة من الكراهية.
__________
(1) المقصود هو عتبة بن ربيعة، وقد بارزه حمزة بن عبد المطلب أو عبيدة بن الحارث كما تقدم في شرح الحديث رقم 3965.
(2) سالم مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، أحد السابقين الأولين، كان أبو حذيفة قد تبناه، وأنكحه ابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة. وأخرج البخاري أنه كان يؤم المهاجرين الأولين، وفيهم أبو بكر وعمر، وكان أكثرهم قرآنا.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 567، والإصابة 13/3 ( 16.
(3) هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس.
تزوجت سالما مولى عمها أبي حذيفة.
ترجمتها في: الإصابة 8/158.
(4) الموطأ، كتاب الرضاع، ماجاء في الرضاعة بعد الكبر، رقم 12.
(5) الاستيعاب ص: 1901.
(6) ثبيتة بنت يعار بن زيد بن عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف الأنصارية الأوسية، امرأة أبي حذيفة بن عتبة، وهي التي أعتقت سالما مولى أبي حذيفة.
ترجمتها في: الاستيعاب ص: 1799، والإصابة 7/547-548.
(7) سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشية العامرية.
أسلمت قديما، وهاجرت مع زوجها أبي حذيفة بن عتبة إلى الحبشة.
قال ابن سعد: كانت أرضعت سالما مولى أبي حذيفة - وهو رجل كبير بعدما شهد بدرا - رخصة من النبي صلى الله عليه وسلم.
ترجمتها في: الاستيعاب ص: 1865، والإصابة 7/716-717.
(8) الحديث رقم 5088 .(3/30)
…4001- بنت معوذ(1): ابن عفراء السابق(2). غداة بني علي: أي دخل عليها زوجها وهو إياس بن بكير(3). بالدف: هو البندير. يندبن: " الندب دعاء الميت بأحسن أوصافه، وهو مما يهيج الشوق عليه والبكاء"(4). دعي هذه: لما فيها من مزج الجد باللعب، إذ منصبه - صلى الله عليه وسلم - أجل وأعلى أن يذكر إلا في مجالس الجد. وقولي ما كنت تقولين: قال ابن حجر: "فيه جواز سماع الضرب بالدف صبيحة العرس، وكراهة نسبة علم الغيب لأحد من المخلوقين"(5).
…4002- الملائكة: أي غير الحفظة. كلب: أي غير مأذون في اتخاذه. صورة: منهي عن اتخاذها، وهذا معنى قوله: " يريد صورة...إلخ"، وقائل هذا هو ابن عباس، قاله الحافظ أبو ذر، قاله الزركشي(6).
…4003- شارف: هي المسنة من الإبل. أعطاني: أي شارفا أخرى. يومئذ: استدل بهذا على أن غنيمة بدر خمست، خلافا لأبي عبيد، وجزم الجمهور بأن آية الخمس نزلت في بدر(7)
__________
(1) الربيع بنت معوذ بن عفراء بن حرام بن جندب الأنصارية البخارية.
قال ابن أبي خيثمة: ( كانت من المبايعات بيعة الشجرة).
وكانت ممن يغزو ويسقي الماء ويداوي الجرحى.
ترجمتها في: الاستيعاب ص: 1837، والإصابة 7/641-642.
(2) معوذ بنت عفراء مع أخيه معاذ تقدم ذكرهما في الحديثين 3962 و3963.
(3) إياس بن البكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث الليثي.
شهد بدرا هو وإخوته الثلاثة عاقل وخالد وعامر، وشهد فتح مصر، وتوفي عام 34هـ.
ترجمته في : الاستيعاب ص:124، والإصابة 1/163-164.
(4) بلفظه من الفتح 7/401.
(5) فتح الباري 7/401.
(6) في التنقيح ص: 162.
(7) مذهب أبي عبيد القاسم بن سلام في كتابه "الأموال" أن آية الخمس ( وهي قوله تعالى: " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل - سورة الأنفال الآية 41) إنما نزلت بعد قسمة غنائم بدر، وقال الجمهور إنها نزلت في بدر.
وفي تفسير ابن كثير 2/487: ( هذه الآية نزلت بعد وقعة بدر).(3/31)
. قد أجبت أسنمتهما: أي قطعت. وبقرت خواصرهما: أي فتح عليها، قال الإمام المازري(1): ( إن كان ذلك قبل النحر فلا تؤكل إجماعا /، وإن كان بعده فأكلها حلال عند الكافة)، وقال إسحاق وعكرمة وداود(2): لا يؤكل ما ذبحه غير مالكه من سارق أو غاصب أو متعد.
…فلم أملك عيني: أي من البكاء، وإنما بكى خوف أن ينسب إلى التقصير في الابتناء ببنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وليس بكاؤه أسفا على الناقتين. شرب : جماعة يشربون الخمر. قينة: مغنية. للشرف: النوق. النواء : السمان، وهذا شطر بيت من أبيات قالتها في ذلك تمامها:
…... - … وهن معقلات بالفناء
ضع السكين في اللبات منها - … وضرجهن حمزة بالدماء
وعجل من أطايبها لشرب - …طبيخا من قديد أو شواء (3).
…ثمل: سكران قبل تحريم الخمر. قد احمرت عيناه: من السكر، ومن ثم قال ما قال، وفعل ما فعل، وبه يعلم أنه لا معنى لتوجيه قوله للنبي - صلى الله عليه وسلم - : " هل أنتم إلا عبيد لأبي"، خلافا لمن اشتغل بذلك من الشراح، والله أعلم. وخرجنا معه: وقد ألزمه النبي - صلى الله عليه وسلم - غرم الناقتين لعلي، فغرمهما له، نقله النووي عن كتاب عمر بن شبه(4)
__________
(1) أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي المازري.
ولد بالمهدية بإفريقية، وتوفي بها عام 526هـ.
له: المعلم بفوائد مسلم، وإيضاح المحصول في برهان الأصول، وشرح التلقين.
ترجمته في: وفيات الأعيان 1/615، والوافي بالوفيات 4/151، والديباج المذهب 279.
(2) داود بن علي بن خلف الأصبهاني الظاهري.
ولد بالكوفة، وتعلم ببغداد.
كان شافعيا، ثم تمسك بظواهر النصوص ونفى القياس، فسمي بالظاهري.توفي ببغداد سنة 270هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد 8/369، ووفيات الأعيان 1/219، وتذكرة الحفاظ 2/136.
(3) انظر كتاب الخمس .
(4) عمر بن شبة بن عبيدة النميري، الحافظ البصري، نزيل بغداد.
روى عن أبيه ويحيى القطان والحسن بن عرفة.
وعنه ابن ماجه وابن صاعقة.
قال الخطيب: كان ثقة عالما بالسير وأيام الناس. توفي عام 262هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد 11/208، وتذكرة الحفاظ 2/516، وشذرات الذهب 2/146، والعبر 2/25.(3/32)
من رواية أبي بكر بن عياش(1).
…4004- أنفذه لنا: أي بلغ به منتهاه من الرواية وتمام السياق، أو المعنى: أرسله لنا مكاتبة(2). كبر على سهل(3): عند الصلاة عليه لما مات، أي خمس تكبيرات، وفي معجم البغوي(4) ستا(5). وقال إنه شهد بدرا: يعني ولمن شهدها فضل على غيره، فمن ثم زاده في التكبير عليه، ثم انعقد الإجماع بعد ذلك على أنه لا يكبر على الميت إلا أربعا(6)
__________
(1) شعبة بن عياش بن سالم، أبو بكر الحناط الأسدي الكوفي.
عرض القرآن على عاصم وعطاء بن السائب؛ وعرض عليه الأعشى ويحيى بن آدم وغيرهما.
مات عام 194هـ.
ترجمته في: معرفة القراء الكبار 1/134، وغاية النهاية 1/325.
(2) نقلا عن الفتح 7/403.
(3) سهل بن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبة بن الحارث بن مجدعة بن عمرو بن حبيش بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك ابن أوس الأنصاري الأوسي.
كان من السابقين، وشهد بدرا، وثبت يوم أحد حين انكشف الناس، وكان ينفح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنبل، فيقول: "نبلوا سهلا فإنه سهل".وشهد المشاهد كلها، واستخلفه علي على البصرة.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 662، والإصابة 3/198.
(4) أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي، صاحب " شرح السنة"، قال السبكي: ( كان إماما جليلا ورعا زاهدا، محدثا مفسرا)، توفي سنة 516 هـ.
ترجمته في: وفيات الأعيان 2/134، والبداية والنهاية 12/193، وتذكرة الحفاظ 4/1257، والعبر 4/37.
(5) أخرجه في معجم الصحابة" عن محمد بن عباد - انظر الفتح 7/403-.
(6) قال ابن عبد البر: انعقد الإجماع على أربع، ولا نعلم من فقهاء الأمصار من قال بخمس إلا ابن أبي ليلى.
وفي المبسوط للحنفية عن أبي يونس مثله، وقال النووي في شرح المهذب: كان بين الصحابة خلاف ثم انقرض، وأجمعوا على أنه أربع، لكن لو كبر الإمام خمسا لم تبطل صلاته إن كان ناسيا، وكذا إن كان عامدا على الصحيح، لكن لا يتابعه المأموم على الصحيح، والله أعلم، انظر الفتح 7/404.(3/33)
.
…4005- تأيمت: صارت أيما بموت زوجها. أوجد: من الموجدة، أي أشد غضبا.
…4006- أبا مسعود البدري: الأكثر على أنه لم يشهد بدرا، وإنما نزلها فنسب إليها، وذهب جماعة إلى أنه شهدها، منهم البخاري ومسلم، ورجحه ابن حجر قائلا: ( إن البخاري استند في عده من البدريين لقول عروة في الحديث الآتي إنه شهد بدرا وهو حجة في ذلك، لأنه أدركه)(1).
…4007- جد زيد بن حسن(2): ابن علي بن أبي طالب، أي لأمه لأن أمه أم بشير بنت أبي مسعود.
…4008- الآيتان: هما: " ءَامَنَ الرَّسُولُ " إلى السورة(3). كفتاه: من كل سوء أو عن قيام الليل. فسألته: عن هذا الحديث.
…4011- قدامة(4): هو أخو عثمان(5).
…4012،4013- أخبر: هذا هو الصواب، وسواه خطأ(6). رافع(7)
__________
(1) الفتح 7/404.
فإن البخاري جزم في الحديث (4007) بشهوده فقال: " شهد بدرا"، واختاره مسلم في الكنى، وكذا الطبراني والحاكم.
(2) زيد بن حسن بن علي بن أبي طاب الهاشمي المدني.
ثقة جليل. روى عن أبيه وجابر وابن عباس.
كان يتولى الصدقات بالمدينة.
مات عام 120هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 3/406، والتقريب رقم 2128.
(3) كذا في الأصل والمخطوطة، والأصح: "إلى آخر السورة".
(4) قدامة بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحي، أخو عثمان. كان أحد السابقين الأولين، هاجر الهجرتين وشهد بدرا.
واستعمله عمر على البحرين في خلافته.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1277، والإصابة 5/423.426 -
(5) عثمان بن مظعون: تقدمت ترجمته في شرح الحديث 3929 .
(6) كما في رواية المستملي: " أخبرني رافع" - انظر الفتح 7/407 -.
(7) رافع بن خديج بن رافع بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الأوسي.
شهد أحدا وما بعدها، واستصغر يوم بدر، وتوفي في زمن معاوية.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 479، والإصابة 2/436-437.(3/34)
: فاعل. عبد الله(1): مفعول. أن عميه: ظهير(2) - مصغر- ومظهر(3). شهدا بدرا: أنكر ذلك الدمياطي، وقال: إنما شهدا أحدا، واعتمد على ابن مسعود في ذلك، ومن أثبت شهودهما لها أثبت ممن نفاه، قاله ابن حجر(4). فتكريها أنت: أي بالدراهم. قال نعم: لعدم النهي عن ذلك. أكثر على نفسه: أي أطلق في محل التقييد، لأن النهي عن كرائها إنما هو بما يخرج منها لا مطلقا.
…4014- رأيت رفاعة...إلخ(5): زاد الإسماعيلي: كبر في صلاته حين دخلها فقال: الله أكبر كبيرا.
…4017- أبو لبابة البدري: قال ابن حجر: ( أبو لبابة ضرب له بسهمه وأجره، ولم يحضر القتال) هـ(6)، أي لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رده من الروحاء واستخلفه على المدينة. جنان البيوت: جمع جان الحية، ويروى حيات جمع حية.
…4018- لابن أختنا عباس: ابن عبد المطلب(7)
__________
(1) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب.
(2) ظهير، بالتصغير، ابن رافع بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة الأنصاري الأوسي الحارثي، شهد بدرا، وذكره موسى بن عقبة وابن إسحاق فيمن شهد العقبة.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 778، والإصابة 3/560.
(3) مظهر بن رافع بن عدي بن يزيد بن جشم بن حارثة الأنصاري الحارثي.
أخو ظهير، وعم رافع بن وخديج.
ذكره الواقدي فيمن شهد أحدا، وعاش إلى خلافة عمر.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1477، والإصابة 6/135.
(4) في الفتح 7/407، إلا أن فيه: ( واعتمد على ابن سعد في ذلك) عوض ابن مسعود.
(5) رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق الأنصاري الخزرجي، شهد بدرا، وشهد هو وأبوه العقبة وبقية المشاهد.
وأخرج الطبراني أنه شهد صفين، وروى ابن عبد البر قصة فيها أنه شهد الجمل.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 497، والإصابة 2/489.
(6) فتح الباري 7/407.
(7) العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر قبل الفتح، وشهد الفتح، وثبت يوم حنين.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من آذى العباس فقد آذاني" - الترمذي -.
مات بالمدينة سنة 32 هـ.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 810، والإصابة 3/631-632.(3/35)
، وأختهم هي سلمى بنت عمرو البخارية، وهي أم عبد المطلب، لا العباس(1). فداءه: أي ما جعل عليه من الفداء كغيره من الأسارى، لأنه أسر يوم بدر، أسره أبو اليسر كعب بن مالك الأنصاري، وقدر الفداء الذي جعل عليه أربعون أوقية ذهبا، والأوقية أربعون درهما. لا تذرون: لا تتركون. منه درهما واحدا: خشية أن تكون في الدين محاباة.
…4019- المقداد بن عمرو(2): هذا أبوه حقيقة، وأما الأسود فإنما تبناه فنسب إليه أيضا. لاذ مني بشجرة: تحيل في الفرار مني بها. بمنزلتك: أي مسلم معصوم الدم جب الإسلام / عنه قطع يدك. وأنت بمنزلته قبل ... إلخ: أي صار دمك مباحا بقتلك إياه بالقصاص، بمنزلة دم الكافر بحق الدين، قاله الخطابي(3) وغيره، وانظر الديات.
…4020- أنت أبا جهل: على لغة القصر أو منادى كما سبق(4). أكار: أي زراع، لأن الذي قتله ابنا عفراء، وهما من الأنصار، والأنصار عمال أنفسهم، وقصده تنقيص قاتله، أخزاه الله وأبعده. قتلني: أي لو قتلني غير أكار لسلوت ولهان علي.
…4022- كان عطاء البدريين: أي المال الذي يعطى لكل واحد منهم في كل سنة من عهد عمر فمن بعده(5). لأفضلنهم على من بعدهم: أي على غيرهم في العطاء.
…4023- عن محمد بن جبير(6) عن أبيه(7)
__________
(1) أم العباس هي نتيلة بنت جناب، من ولد تيم اللات بن النمر بن قاسط - انظر الفتح 7/408-409، والإصابة 3/631-.
وقد ضاع ابنها العباس وهو صغير، فنذرت إن هي وجدته أن تكسو البيت الحرير، فوجدته ففعلت، فهي أول من كسى الكعبة الحرير.
(2) تقدمت ترجمته في شرح الترجمة 29 من مناقب الأنصار.
(3) في أعلام السنن ص: 944.
(4) في شرح الحديث 3962.
(5) من الفتح 7/411.
(6) محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل النوفلي.
ثقة عارف بالنسب.
أخرج له أصحاب الكتب الستة.
مات على رأس المائة.
ترجمته في : تهذيب التهذيب 9/91، والتقريب رقم 5780.
(7) جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي.
كان من أكابر قريش وعلماء النسب، وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم في فداء أسارى بدر، فسمعه يقرأ " الطور"، قال: ( فكان ذلك أول ما دخل الإيمان في قلبي).
ترجمته في: الاستيعاب ص: 232، والإصابة 1/462-463.(3/36)
: قال ابن حجر: ( وجه إيراد حديث "جبير" هنا، أنه كان قدم من مكة في شأن أسارى بدر، أي في طلب فدائهم)(1).
…4024- وعن الزهري: موصول بالسند السابق. النتنى: جمع نتن، هم أسارى بدر المشركون. لتركتهم له: أي بغير فداء، لأنه كان يذب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش في قطيعة بني هاشم كما سبق.
…فلم تبق من أصحاب بدر أحدا: وآخرهم موتا سعد بن أبي وقاص، يعني أنهم ماتوا منذ قامت الفتنة بمقتل عثمان إلى أن قامت الأخرى بوقعة الحرة، وليس المراد أنهم قتلوا عند مقتل عثمان(2). يعني الحرة: الوقعة الشنيعة، الواقعة آخر زمن يزيد بن معاوية، التي قتل فيها من وجوه أهل المدينة وأشرافهم سبعة عشر مائة، ومن أخلاطهم عشرة آلاف(3). الثالثة: " قال ابن عبد الحكم(4) : هي خروج أبي حمزة الخارجي في زمن مروان بن محمد بن مروان بن الحكم سنة ثلاثين ومائة"(5)، والثلاثة كلها وقعت(6) بالمدينة المشرفة. طباخ: قوة وعقل.
…4025- عن حديث عائشة: أي في الإفك. تعس: هلك. مسطح: ولدها، وهو ابن أثاثة بن عباد بن المطلب(7).
__________
(1) الفتح 7/411، والإصابة 1/462.
(2) مثله في الفتح 7/412.
(3) انظر كتاب الفتن.
(4) أبو محمد عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن ليث المصري.
سمع موطأ مالك، وتفقه على شيوخ مصر.
توفي عام 214هـ.
ترجمته في: شذرات الذهب 2/34، والديباج المذهب 134، وتهذيب التهذيب 5/289.
(5) نقلا عن الفتح 7/412.
(6) في أصل المؤلف: "كلهم وقعوا"، ونبه عليها العرائشي في مخطوطته.
(7) مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي المطلبي، واسمه عوف، وأما مسطح فلقبه، وهو ممن خاض مع أهل الإفك في أمر عائشة، مات في خلافة عثمان، وقيل في خلافة علي.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1472، والإصابة 6/93.(3/37)
…4026- يلقيهم: في البئر. فجميع …إلخ: هذا بقية كلام ابن عقبة عن الزهري. ممن ضرب له بسهمه: وإن لم يشهد الوقعة لعذر. أحد وثمانون: وما تقدم(1) عن " البراء" من أنهم كانوا نيفا على ستين، هو فيمن شهدها بنفسه، فلا معارضة بينهما. فكان عروة …إلخ: هذا من كلام ابن عقبة أيضا. فكانوا مائة: هذا باعتبار الخمس، وذلك أنه عزل خمس الغنيمة، ثم قسم ما عداه على الغازين، فأصاب قريشا ثمانين سهما، عدد من شهدها ومن ألحق بهم، فإذا أضيف إليه الخمس كان ذلك من حساب مائة سهم، والله أعلم، وبه يجتمع مع ما قبله، قاله الحافظ(2).
13 - " تسمية من سمي من أهل بدر في الجامع":
أي في هذا الكتاب الجامع الصحيح، أي من جاء ذكره فيه برواية عنه أو عن غيره بأنه شهدها، لا مجرد ذكره دون التنصيص على شهوده لها، ومن ثم لم يذكر هنا أبا عبيدة(3)، مع أنه شهدها باتفاق.
…النبي محمد بن عبد الله الهاشمي صلى الله عليه: بدأ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - تبركا وتيمنا بذكره، وإلا فذلك من المقطوع به(4).
…عثمان بن عفان: لم يتقدم له ذكر في الأبواب السابقة، إلا أنه تقدم في المناقب من قول ابن عمر أنه ضرب له فيها بسهمه. ابنته: رقية رضي الله عنها.
…إياس: من هنا جعل يسرد الأسماء على حروف المعجم، وذكر بعض ذوي الكنى معتمدا على الاسم دون أداة الكنية، فلهذا ذكر أبا حذيفة في الحاء.
__________
(1) تقدمت أحاديث البراء في باب عدة أصحاب بدر، وهو الباب 6 من المغازي.
(2) في الفتح 7/414.
(3) عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر القرشي الفهري، أبو عبيدة بن الجراح، مشهور بكنيته، وبالنسبة إلى جده.
أحد العشرة السابقين إلى الإسلام، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا وما بعدها.
وفي الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح).
ترجمته في: الاستيعاب ص: 792، والإصابة 3/586 ( 590.
(4) باللفظ من الفتح 7/415.(3/38)
…حارثة / بن الربيع: الربيع أمه، وهو ابن سراقة كما للمص. كان في النظارة: الذين لم يخرجوا لقتال.
…رفاعة بن عبد المنذر أبو لبابة: جزم بأن اسمه "رفاعة"، وكذا حكاه في الاستيعاب(1) عن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين(2) وابن إسحاق، وحكى عن ابن شهاب وهشام(3) وخليفة(4) أن اسمه "بشير".
…سعد بن مالك: هو ابن أبي وقاص، ولم يتقدم له في هذه الغزوة ذكر، لكن هو منهم بالاتفاق، قاله ابن حجر(5).
…وأخوه: مظهر بن رافع.
…معوذ بن عفراء: "عفراء" أمه، وهو ابن الحارث.
…وأخوه: عوف بن الحارث.
…أبو أسيد: هذه كنية مالك بن ربيعة.
…مقدام بن عمرو: هكذا عندنا بالأصل(6)، قال ابن حجر: ( وهو غلط)(7)، وللمستملي "مقداد"، وهو الصواب، قلت: وكذا هو في الاستيعاب(8) وغيره "مقداد" بالدال.
…قال الحافظ: ( جملة من ذكر من أهل بدر هنا أربعة وأربعون رجلا، وقد سبق البخاري إلى ترتيبهم على حروف المعجم، وهو أضبط لاستيعابهم) هـ(9).
__________
(1) الاستيعاب ص: 500.
(2) يحيى بن معين بن عون بن زياد بن بسطام بن عبد الرحمن الغطفاني البغدادي، أبو زكريا.
محدث عارف بالرجال.
أصله من سرخس، وكان أبوه على خراج الري، فخلف له ثروة طائلة، فأنفقها في طلب الحديث، وعاش ببغداد.
حدث عنه أحمد بن حنبل والشيخان. توفي عام 233هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد 14/177، وتذكرة الحفاظ 2/16، وشذرات الذهب 2/79.
(3) هشام بن عروة، تقدمت ترجمته في شرح الحديث 3973.
(4) خليفة بن خياط بن خليفة العصفري التميمي، أبو عمرو.
كان محدثا ومؤرخا، أصله من البصرة.
روى عنه أحمد بن حنبل والبخاري.
توفي عام 240هـ.
ترجمته في: التاريخ الكبير 2/1/191، والجرح والتعديل 1/2/378، وتذكرة الحفاظ للذهبي 436.
(5) في الفتح 7/416.
(6) في رواية الكشميهني بميم في آخره - الفتح 7/417-
(7) فتح الباري 7/417.
(8) الاستيعاب ص: 1480.
(9) فتح الباري 7/417.(3/39)
…وقدمنا (1) أن المشهور في عددهم أنهم ثلاث مائة وثلاثة عشر.
…قال في المواهب: ( واستشهد منهم أربعة عشر رجلا، ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار، ستة من الخزرج واثنان من الأوس) هـ(2).
…قال العلامة الدواني(3): ( سمعنا من مشايخ الحديث أن الدعاء عند ذكر أهل بدر في البخاري مستجاب، وقد جرب) هـ.
…اللهم إنا توسلنا إليك بجاههم عندك، ومكانتهم لديك، وحبك لهم، وحبهم لك، وبجاه مولانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أن تغفر لنا يا مولانا كما غفرت لهم، وأن تنصرنا على أعدائنا كما نصرتهم، وأن تمدنا بمدد عنايتك وتوفيقك وتأييدك وتسديدك كما مددتهم، وأن تحيي قلوبنا بنور معرفتك كما أحييت قلوبهم، وأن تفتح لنا أبواب رحمتك وخزائن نعمائك ورأفتك كما فتحتها لهم، وأن تكرمنا ووالدينا وأولادنا وأهلينا وأحباءنا بجوار نبينا - صلى الله عليه وسلم - كما أكرمتهم بفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.
14 - " حديث بني النضير "
قبيلة كبيرة من اليهود، " ومخرج رسول الله صلى الله عليه إليهم في دية الرجلين": العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية(4)
__________
(1) في شرح الحديثين 3955 و 3956 من باب عدة أصحاب بدر.
(2) المواهب اللدنية 1/112.
(3) محمد بن أسعد الصديقي الدواني، جلال الدين.
ولد بدوان من بلاد كازون، وسكن شيراز، وولي قضاء فارس.
له: شرح عقائد الإيجي، وشرح تهذيب التفتزاني، وغيرهما.
توفي عام 928هـ.
ترجمته في: الضوء اللامع 7/133، والبدر الطالع 2/130، وشذرات الذهب 8/160.
(4) عمرو بن أمية بن خويلد بن عبد الله بن إياس بن عبد بن ناشرة بن كعب بن جدي بن ضمرة الضمري.
صحابي مشهور، له أحاديث.
كان من رجال العرب جرأة ونجدة، وشهد بئر معونة ، وعاش إلى خلافة معاوية.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1162، والإصابة 4/602-603.(3/40)
، وكان معهما عهد من النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعلمه "عمرو"، فخرج - صلى الله عليه وسلم - إلى بني النضير يستعين بهم في ديتهما لما بينهم وبين بني عامر من الحلف، "وما أرادوا من الغدر بالنبي صلى الله عليه": وذلك أنه لما أتاهم وطلب منهم ذلك، قالوا: نعم نعينك يا أبا القاسم، وجلس إلى جانب دارهم، فأجمعوا على أن يلقوا عليه رحى يقتلونه بها، فأخبره جبريل بذلك، فانصرف - صلى الله عليه وسلم - عنهم، ثم آذنهم بالحرب، فخرج إليهم في أصحابه راكبا على حمار، فتحصنوا، فأمر بقطع نخيلهم وتحريقها، وحاصرهم ست ليال ولم يقع بينهم قتال، ثم نزلوا على الجلاء من دورهم وأرضيهم وإخلائها للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال لا الحلقة(1)، فأجلاهم - صلى الله عليه وسلم - إلى الشام، فصارت أموالهم كلها للنبي - صلى الله عليه وسلم - لأنها لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب(2). " هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا"(3): قال الزركشي: ( يعني به يهود بني النضير حين أجلاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الشام، وهو أول الحشر، والثاني حشرهم ليوم القيامة)(4).
…4028- حاربت النضير: أي نقضوا العهد. فأجلى: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى حاربت قريظة: يوم الأحزاب. وأجلى: - صلى الله عليه وسلم -. بني: بالنصب، بدل. قينقاع: مثلث النون، والأشهر الضم، وكان جلاؤهم في شوال بعد بدر بشهر /.
…4029- سورة النضير(5): لأنها نزلت فيهم.
__________
(1) أي السلاح ، أنظر الفتح 7/419.
(2) انظر قصة بني النضير في سيرة ابن هشام 2/190-194، وطبقات ابن سعد 2/57-59، وسيرة ابن كثير 3/145-150، وعيون الأثر لابن سيد الناس 2/48، وزاد المعاد 3/127-129، ومصنف عبد الرزاق حديث 9732.
(3) سورة الحشر، الآية 2.
(4) التنقيح ص: 164.
(5) أي سورة الحشر.(3/41)
…4031- البويرة (1):موضع ببلادهم. لينة(2): هي النخلة مطلقا، وقيل الكريمة.
…4032- يقول حسان(3): يعير قريشا بما وقع لأصحابهم ولم ينصروهم. هان: كذا عندنا، وللكشميهني: " لهان"، ولغيره: "وهان"(4). سراة: سادة. بني لؤي: هم قريش. مستطير: منتشر مشتعل. أبو سفيان بن الحارث: ابن عبد المطلب قبل إسلامه، بنزه: ببعد. تضير: من الضير بمعنى الضرر، وذلك أن أرض بني النضير مجاورة للأنصار لا لقريش، فإذا حرقت أضرت جوارها بقطع الميرة عنهم لا غيرهم(5).
…4033- في التي أفاء الله: أي في الأموال التي… إلخ. فاستب علي وعباس: الذي في مسلم "أن عباسا سب عليا، ولم يجبه علي بشيء لأنه بمنزلة أبيه" ، ويأتي مزيد كلام على هذا في باب ما يكره من التعمق من كتاب الاعتصام. اتئدوا: أمهلوا. ما: موصولة، مبتدأ . تركنا: صلتها. صدقة: بالنصب، حال، والخبر محذوف دل عليه الحال، أي ما تركناه مبذول صدقة، وفي رواية تأتي برفع "صدقة" خبر عن ما.
…4034- قال الزهري: بالسند السابق. زيد بن حسن: ابن علي.
…4036- والله …إلخ: عند الإسماعيلي: فتشهد أبو بكر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فوالله... إلخ.
15 - " قتل كعب بن الأشرف ":
__________
(1) موضع منازل بني النضير، انظر معجم البلدان 1/512.
(2) قال السهيلي: ( في تخصيصها بالذكر إيماء إلى الذي يجوز قطعه من شجر العدو مالا يكون معدا للاقتيات، لأنهم كانوا يقتاتون العجوة والبرني دون اللينة)، انظر الفتح 7/423.
(3) حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدى بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي، شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد كان يوضع له المنبر في المسجد يقوم عليه ويهجو المشركين ، قال ابن سعد: عاش في الجاهلية ستين، وفي الإسلام ستين.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 341، والإصابة 2/62 ( 64.
(4) مثله في الفتح 7/423.
(5) كذا في الفتح 7/424.(3/42)
…اليهودي(1) المؤذي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه كان شاعرا، وكان يهجو رسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ويحرض كفار قريش عليهم، وذهب إلى مكة وجعل يبكي على قتلى بدر، ويحرض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أجمعوا لوقعة أحد، وكان قد عاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا يعين عليه ولايتعرض لأذاه، فنقض العهد فاستحق ما وقع به، راجع باب الفتك بأهل الحرب من الجهاد، وكان قتله في ربيع الأول من السنة الثالثة(2).
…4037- من لكعب: أي من يتصدى لقتله. آذى الله ورسوله: بهجائه النبي - صلى الله عليه وسلم - وتحريش الكفار عليه. أن أقول شيئا: أي من عيب فيك وفي دينك مما يسر كعبا لأتوصل إلى غرضي من قتله(3)
__________
(1) قال ابن إسحاق: كان عربيا من بني نبهان، وهم بطن من طيء، وكان أبوه أصاب دما في الجاهلية، فأتى المدينة، فحالف بني النضير، فشرف فيهم، وتزوج عقيلة بنت أبي الحقيق، فولدت له كعبا، انظر الفتح 7/428.
وروى أبو داود (حديث 3000) أن كعب بن الأشرف كان شاعرا، وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، ويحرض عليه كفار قريش، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وأهلها أخلاط، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم استصلاحهم، وكان اليهود والمشركون يؤذون المسلمين أشد الأذى، فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمسلمين بالصبر، فلما أبى كعب أن ينزع عن أذاه، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أن يبعث رهطا ليقتلوه.
(2) ذكره ابن سعد في الطبقات 2/34، وانظر الفتح 7/428.
(3) كأنه استأذنه أن يفتعل شيئا يحتال به، ومن ثم بوب عليه المصنف: " الكذب في الحرب"، وقد ظهر من سياق ابن سعد للقصة أنهم استأذنوا أن يشكوا منه ويعيبوا رأيه، ولفظه: " فقال له: كان قدوم هذا الرجل علينا من البلاء، حاربتنا العرب، ورمتنا عن قوس واحدة".
انظر: طبقات ابن سعد 2/31-34، والفتح 7/429.(3/43)
. قال قل: وفي رواية قال له: إن كنت فاعلا فلا تعجل حتى تشاور سعد بن معاذ، قال: فشاوره، فقال له: توجه إليه واشك إليه الحاجة، وسله أن يسلفكم طعاما(1). هذا الرجل: يعني به النبي - صلى الله عليه وسلم - . قد عنانا: من العناء وهو التعب، وعند ابن سعد: كان قدوم هذا الرجل علينا من البلاء، حاربتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة(2). وأيضا له: وزيادة على ذلك. لتملنه: من الملال. قال نعم: أسلفكم، وفي رواية الحميدي(3) قال: أين طعامكم؟ قال: أنفقناه على هذا الرجل وعلى أصحابه، قال: ألم يان لكم أن تعرفوا ما أنتم عليه من الباطل. وحدثنا: أي عمرو(4). ارهنوني: أعطوني رهنا. أجمل العرب:قالوه تهكما، مع أنه كان جميلا(5)، زاد ابن سعد: ولأنا منك، فأي امرأة تمتنع منك لجمالك(6)؟ نرهنك اللأمة: يعني السلاح، وذلك لئلا ينكر عليهم مجيئهم بالسلاح.
…ابن غازي: (هذه تورية عجيبة، أظهروا له رهن التوثق وأضمروا رهن الطعن).
…أبو نائلة: سلكان(7) بن سلامة(8)
__________
(1) من الفتح 7/429.
(2) الطبقات الكبرى 2/32.
(3) أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى الحميدي الأسدي.
كان رفيقا للشافعي بمصر.روى عن سفيان بن عيينة، وعنه البخاري. توفي عام 219هـ.
ترجمته في: طبقات ابن سعد 5/502، والجرح والتعديل 2/2/56، وتذكرة الحفاظ للذهبي 413.
(4) عمرو بن دينار، وتقدمت ترجمته في شرح الحديث 3977.
(5) من الفتح 7/429.
(6) الطبقات الكبرى 2/34.
(7) في أصل المؤلف: سلمان، وهو تحريف.
(8) سلكان بن سلامة بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل الأنصاري الأوسي. وقيل سلكان لقب، واسمه سعد، وهو مشهور بكنيته أبي نائلة. اشترك مع محمد بن سعد بن عبادة وغيره في قتل كعب بن الأشرف اليهودي.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 687، والإصابة 7/409-410.(3/44)
. أخو كعب من الرضاعة: وكذا محمد بن مسلمة(1) أخوه منها أيضا. امرأته: لم تسم(2) .يقطر منه الدم: "في رواية الكلبي: فتعلقت به امرأته، وقالت: مكانك، والله إني لأرى حمرة الدم مع الصوت"(3).
…القرطبي: (كانت هذه المرأة من شياطين الإنس، أو تكلم على لسانها/ شيطان، كما قال تعالى: "وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ"(4)، وإلا فمن أين أدركت هذا؟).…
وعباد بن بشر(5): فعلى هذا كانوا خمسة. قائل: أي قابض، "هو من إطلاق القول على الفعل"(6). أشمكم: أمكنكم من شمه. متوشحا: بثوبه، مغطى به وكان عروسا. فقال: أي ابن مسلمة. سيد العرب: كأن هذا تصحيف من "نساء العرب"، فإن كان محفوظا فالمعنى أعطر سيد العرب، قاله ابن حجر(7). فقال: أي ابن مسلمة. فأخبروه: فحمد الله، وقال: أفلحت الوجوه.
…ونقل السهيلي عن "شرف المصطفى" أنهم حملوا رأسه في مخلاة إلى المدينة، فقيل: إنه أول رأس حمل في الإسلام(8)
__________
(1) محمد بن مسلمة بن سلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الخزرج بن عمرو بن مالك الأوسي الأنصاري.
ولد قبل البعثة، وهو ممن سمي في الجاهلية محمدا.
شهد بدرا وما بعدها، إلا غزوة تبوك، وكان ممن ذهب إلى قتل كعب بن الأشرف وابن أبي الحقيق.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1377، والإصابة 6/33 ( 35.
(2) قال الحافظ في الفتح 7/430: ( لم أقف على اسمها).
(3) نقلا عن الفتح 7/430.
(4) سورة الأنعام، الآية 121.
(5) عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل.
ذكره موسى بن عقبة فيمن شهد بدرا واستشهد باليمامة، وكان ممن قتل كعب بن الأشرف، وفي الصحيح أن عباد بن بشر وأسيد بن حضير خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، فأضاءت عصا أحدهما، فلما افترقا أضاءت عصا كل واحد منهما.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 801، والإصابة 3/610-611.
(6) من الفتح 7/431.
(7) في الفتح 7/431.
(8) الروض الأنف 3/145.
وقد ورد خبر مقتل كعب بن الأشرف في صحيح مسلم في كتاب الجهاد ( حديث 1801)، وسنن أبي داود (حديث 2678)، وسيرة ابن هشام 2/51-58، وطبقات ابن سعد 2/31-34، وسيرة ابن كثير 3/9-17، وزاد المعاد 3/191-192.(3/45)
.
16 - " قتل أبي رافع ":
…اليهودي المؤذي للنبي - صلى الله عليه وسلم - .
…قال ابن إسحاق: لما أصاب الأوس كعب بن الأشرف، تذاكرت الخزرج من رجل له من العداوة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان لكعب، فذكروا ابن أبي الحقيق، فاستأذنوا فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأذن لهم(1)، وكان قتله في رمضان سنة ست، وقيل في ذي الحجة سنة خمس، وقيل فيه سنة أربع.
…كان بخيبر ويقال... إلخ: وجمع بينهما بأنه بالحجاز قريبا من خيبر. هو: أي قتله.
…4038- بيته: بالتشديد، كذا للسرخسي(2) والمستملي بلفظ الماضي من التبييت، ولغيرهما "بيته" بسكون التحتية، مفعول "دخل" (3).
…4039- رجالا: خمسة، عبد الله بن عتيك(4) وعبد الله بن أنيس(5)
__________
(1) رغبت الخزرج في قتله مساواة للأوس في قتل كعب بن الأشرف، وكان الله سبحانه وتعالى قد جعل هذين الحيين يتصاولان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخيرات، فاستأذنوه في قتله، فأذن لهم) - زاد المعاد 3/275-.
(2) إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن عبد الرخمن السرخسي ثم الهروي القراب، أبو محمد.
له: الجمع بين الصحيحين، والشافي في القراءات، والكافي في القراءات السبع.
توفي عام 414هـ.
ترجمته في: طبقات الشافعية للسبكي 3/115، وغاية النهاية 1/160.
(3) مثله في الفتح 7/434.
(4) عبد الله بن عتيك بن قيس بن الأسود بن مري بن كعب بن غنم بن سلمة بن الخزرج الأنصاري.
شهد أحدا وما بعدها، وكان أمير هؤلاء الخمسة من الأنصار في قتلهم لأبي رافع.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 946، والإصابة 4/167-168.
(5) عبد الله بن أنيس الجهني، أبو يحيى المدني، حليف بني سلمة، شهد العقبة وما بعدها.
وقال ابن يونس: ( صلى إلى القبلتين، ودخل مصر، وخرج إلى إفريقية).
قال الحافظ في الفتح 7/435: ( هو الجهني حليف الأنصار، وقد فرق المنذري بين عبد الله بن أنيس الجهني وعبد الله بن أنيس الأنصاري، وجزم بأن الأنصاري هو الذي كان في قتل ابن أبي الحقيق، وتبع في ذلك علي بن المديني، وجزم غير واحد بأنهما واحد، وهو جهني حالف الأنصار).
ترجمته في: الاستيعاب ص: 689، والإصابة 4/15 ( 17.(3/46)
ومسعود بن سنان(1) وأبو قتادة(2) وخزاعى بن الأسود(3) وأما عبد الله بن عتبة(4) المذكور هنا، فقال الزركشي: (صوابه عبد الله بن أنيس)(5) لا ابن عتبة.
__________
(1) مسعود بن سنان بن الأسود الأنصاري، حليف بني سلمة.
شهد أحدا، وكان فيمن قتل ابن أبي الحقيق، واستشهد يوم اليمامة.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1392، والإصابة 6/100.
(2) أبو قتادة بن ربعي الأنصاري، والمشهور أن اسمه الحارث.
اتفقوا على شهوده أحدا، وكان يقال له فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم (صحيح مسلم). ولاه علي على مكة المكرمة.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 289، والإصابة 7/327 ( 329.
(3) الأسود بن خزاعى الأسلمي، وسماه ابن إسحاق والزهري: خزاعى بن الأسود.
شهد أحدا، وذكر الواقدي أنه سار مع علي إلى اليمن لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم.
ترجمته في: الإصابة 1/71.
(4) عبد الله بن عتبة الأنصاري، أحد من توجه إلى قتل ابن أبي الحقيق.
ترجمته في: الإصابة 4/167.
(5) التنقيح ص: 164.(3/47)
…ويعين عليه: لأنه أعان غطفان بمال كثير، وهو الذي حزب الأحزاب يوم الخندق. وراح الناس: رجعوا بمواشيهم. تقنع بثوبه: تغطى به لئلا يعرف. فهتف به: ناداه. يا عبد الله: لم يرد العلم، بل معناه الأصلي. فكمنت: اختبأت. الأغاليق: المفاتيح.ود: وتد. ففتحت الباب: أي باب الحصن. يسمر عنده: أي يتحدثون عنده ليلا. علالي: جمع علية، بضم العين وشد اللام المكسورة، وهي الغرفة. نذروا: علموا. فانتهت إليه: ذكر ابن سعد أن عبد الله بن عتيك كان يرطن باليهودية، فاستفتح، فقالت له امرأة أبي رافع: من أنت؟ فقال: جئت أبا رافع بهدية، ففتحت له(1). فأهويت: قصدت، ثم دخلت عليه كأني أغيثه، وغيرت صوتي، وفي رواية: فقالت امرأته: يا أبا رافع هذا صوت عبد الله بن عتيك، فقال: ثكلتك أمك، وأين هو عبد الله بن عتيك؟ فأضربه ضربة: يأتي أنه ضربه ثلاث ضربات، والأخذ به أحوط. صبيب: بالصاد المهملة في رواية أبي ذر، أي طرفه، ولغيره بالضاد المعجمة، أي حرفه(2). انتهيت إلى الأرض: وكان ضعيف البصر. فوقعت: سقطت. فانكسرت ساقي: في الرواية الآتية: " فانخلعت رجلي"، والخلع زوال المفصل من غير كسر. قال الداودي(3)
__________
(1) الطبقات الكبرى 2/91.
(2) قال الخطابي: ( هكذا يروى، وما أراه محفوظا، وإنما هو ظبة السيف، وهو حرف السيف، ويجمع على ظبات. قال: والضبيب لامعنى له هنا لأنه سيلان الدم من الفم، قال عياض: هو في رواية أبي ذر بالصاد المهملة، وكذا ذكره الحربي، وقال: أظنه طرفه، وفي رواية غير أبي ذر بالمعجمة وهو طرف السيف)، انظر الفتح 7/437، وأعلام السنن ص:945.
(3) أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي الأسدي التلمساني.
كتب كتابه على البخاري المعروف بالنصيحة بطرابلس الغرب.
وأخذ عنه أبو عبد الله البوني، وأبو بكر بن أبي محمد بن أبي زيد، وأبو علي بن الوفاء.
له: النامي في شرح الموطأ، والواعي في الفقه.
ترجمته في: ترتيب المدارك 4/623، والديباج المذهب ص:35.(3/48)
: (وقد يتجوز في التعبير بأحدهما عن الآخر)(1). أقتلته: أم لا؟ الناعي: المخبر بالموت. النجاء: أي أسرعوا وانجوا بأنفسكم.
…4040- وعبد الله بن عتبة: صوابه ابن أنيس كما سبق. هدت الأصوات: سكنت، وصوابه "هدأت". أحجل: بمهلة ثم جيم، وهو أن يرفع رجلا ويقف على الأخرى، ويقال: حجل في مشيه، إذا مشى مثل المقيد، أي قارب خطوه. مابي قلبة: أي علة أنقلب إليها، والجمع / بين هذا وبين ما في الحديث قبله أنه " لما سقط وقع له جميع ما تقدم، لكنه من شدة ما كان به من الاهتمام بالأمر ما أحس بالألم وأعين على المشي أولا، وعليه ينزل قوله: " مابي قلبة"، ثم لما تمادى به المشي أحس بالألم فحمله أصحابه كما في رواية ابن إسحاق(2)، ثم لما أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح عليه فزال جميع ما كان به.
17- " غزوة أحد " (3)
__________
(1) من الفتح 7/437، ووجود هذا النقل في الفتح يؤكد أن الداودي هو أحمد بن نصر المترجم سابقا، وقد كنت ساورني الشك في أنه الداودي بن العربي الحسني التلمساني المتوفى عام 1271هـ –شيخ الشبيهي-، ثم زال الشك بكون المؤلف نقل ذلك من الفتح للحافظ ابن حجر.
(2) نقلا عن الفتح 7/438.
(3) سقط لفظ "باب" من رواية أبي ذر، انظر الفتح 7/439.(3/49)
…أحد جبل بينه وبين المدينة أقل من فرسخ، وكانت الغزوة الواقعة فيه في شوال سنة ثلاث باتفاق، والسبب فيها أن قريشا لما رجعوا من بدر، وقد وقع بهم ما وقع، استجلبوا من استطاعوا من العرب وخرجوا لحرب النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة آلاف، معهم مائة فرس، وصار بهم أبو سفيان حتى نزل ببطن الوادي من قبل أحد، فخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ألف رجل، ونزل بأحد، ثم رجع عنه عبد الله بن أبي في ثلاثمائة ، فبقي في سبعمائة، وصف المسلمون بأحد، ولم يكن معهم فرس إلا فرسه - صلى الله عليه وسلم - ، وفرس مع أبي بردة بن نيار(1)، وأمر - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن جبير(2) على الرماة وهم خمسون، وعهد إليهم ألا يتركوا منازلهم على كل حال، وحمل المسلمون على المشركين حتى أجهضوهم عن أثقالهم، وحملت خيل المشركين فنضحهم الرماة بالنبل ثلاث مرات، ودخل المسلمون عسكر المشركين فنهبوه، فرأى ذلك الرماة فتركوا مكانهم ودخلوا العسكر، فأبصر ذلك خالد(3)
__________
(1) هانئ بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن ذهمان بن غنم بن دينار، أبو بردة بن نيار حليف الأنصار، خال البراء بن عازب، قيل: اسمه الحارث، وقيل مالك، والأول أشهر.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1535، والإصابة 6/523.
(2) عبد الله بن جبير بن النعمان الأنصاري، أخو خوات بن جبير.
شهد العقبة وبدرا، واستشهد بأحد، وكان أمير الرماة يومئذ.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 877، والإصابة 4/35.
(3) خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي.
شهد مع كفار قريش الحروب إلى عمرة الحديبية، ثم أسلم سنة سبع بعد خيبر أو قبلها.
أبلى البلاء الحسن، فقد قاتل أهل الردة في عهد أبي بكر، وتولى حرب فارس والروم، وحارب في اليمامة، وفتح دمشق، وكان خليفة على الشام. أخرج ابن سعد عن خالد قال: ( ما كان في الأرض من ليلة أحب إلي من ليلة شديدة الجليد في سرية من المجاهدين أصبح بهم العدو، فعليكم بالجهاد).
ترجمته في: الاستيعاب ص: 427، والإصابة 2/251 ( 256.(3/50)
ومن معه فحملوا على المسلمين بالخيل ومزقوهم، وصرخ إبليس: قتل محمد، أخراكم أخراكم، فعطف المسلمون يقتل بعضهم بعضا وهم لا يشعرون، وانهزم طائفة منهم إلى جهة المدينة، وتفرق سائرهم ووقع فيهم القتل، وثبت نبي الله - صلى الله عليه وسلم - حين انكشفوا عنه، وجعل يدعوهم في أخراهم حتى رجع إليه بعضهم، واستقبله المشركون فرموا وجهه الشريف فأدموه وكسروا رباعيته إلى آخر ما يأتي مفصلا.
…قال العلماء: وكان في قصة أحد وما أصيب به المسلمون، فيها من الفوائد والحكم الربانية أشياء عظيمة، ثم سردها الحافظ في الفتح فانظره(1)
__________
(1) قال الحافظ في الفتح 7/440:
( منها تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية وشؤم ارتكاب النهي، لما وقع من ترك الرماة موقفهم الذي أمرهم الرسول أن لا يبرحوا منه؛ ومنها أن عادة الرسل أن تبتلى وتكون لها العاقبة كما تقدم في قصة هرقل مع أبي سفيان، والحكمة في ذلك أنهم لو انتصروا دائما دخل في المؤمنين من ليس منهم، ولم يتميز الصادق من غيره، ولو انكسروا دائما لم يحصل المقصود من البعثة، فاقتضت الحكمة الجمع بين الأمرين لتمييز الصادق من الكاذب، وذلك أن نفاق المنافقين كان مخفيا عن المسلمين، فلما جرت هذه القصة وأظهر أهل النفاق ما أظهروه من الفعل والقول عاد التلويح تصريحا، وعرف المسلمون أن لهم عدوا في دورهم فاستعدوا لهم وتحرزوا منهم، ومنها أن في تأخير النصر في بعض المواطن هضما للنفس وكسرا لشماختها، فلما ابتلى المؤمنون صبروا وجزع المنافقون؛ ومنها أن الله هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لا تبلغها أعمالهم، فقيض لهم أسباب الابتلاء والمحن ليصلوا إليها؛ ومنها أن الشهادة من أعلى مراتب الأولياء فساقها إليهم؛ ومنها أنه أراد إهلاك أعدائه فقبض لهم الأسباب التي يستوجبون بها ذلك من كفرهم وبغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه، فمحص بذلك ذنوب المؤمنين، ومحق بذلك الكافرين) وراجع بعض الحكم والغايات المحمودة الواقعة في أحد في زاد المعاد لابن القيم 3/218-241 ( في نفس عميق وتحليل دقيق).(3/51)
.
…"وَإِذْ غَدَوْتَ"(1): خرجت أول النهار. " وَلاَ تَهِنُوا "(2): لا تضعفوا، أمواتا: بل أحياء، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها، رواه مسلم(3)، وراجع باب "وَلاَ تَحْسِبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا" من الجهاد.
…4042- صلى رسول الله صلى الله عليه: أي دعا واستغفر. ثمان سنين: تقريبا، وإلا فهي سبع ونصف. فرط: أهيء لكم المنزل.
…4043- يومئذ: أي يوم أحد. جيشا من الرماة: وكانوا خمسين رجلا. عبد الله: ابن جبير. لا تبرحوا: من مكانكم، وانصحوا عنا الخيل بالنبل. فلما لقينا: المشركين هربوا: أي المشركون منهزمين. النساء: منهم. يشتددن: يسرعن. في الجبل: هربا. رفعن: ثيابهن. عن سوقهن: جمع ساق. فأخذوا: يعني الرماة. عبد الله: ابن جبير. صرف وجوههم: أي تخيروا فلم يدروا ما يصنعون. فأصيب: منا. سبعون: أربعة من المهاجرين: حمزة ومصعب بن عمير وعبد الله(4) بن جحش(5)
__________
(1) من قوله تعالى في آل عمران، الآية 121: ( وإذ غدوت من أهلك تبوئ المومنين مقاعد للقتال والله سميع عليم).
(2) من قول الله تعالى في آل عمران، الآية 139: ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون إن كنتم مومنين).
(3) في صحيح مسلم من طريق مسروق قال: " سألنا عبد الله بن مسعود عن هؤلاء الآيات قال: أما إنا قد سألنا عنها فقيل لنا: إنه لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها" – الحديث أخرجه مسلم في الجهاد والسير، باب أن أرواح الشهداء في الجنة (شرح النووي 13/31)-.
(4) في الأصل "عبد الرحمن"، ولعله سبق قلم، فإنه عبد الله بن جحش اتفاقا، انظر الإصابة 4/36، والفتح 7/446.
(5) عبد الله بن جحش بن رياب بن يعمر الأسدي، أحد السابقين.
هاجر إلى الحبشة، وشهد بدرا.
قال ابن أبي حاتم: " دعا الله يوم أحد أن يرزقه الشهادة فقتل بها".
ودفن هو وحمزة في قبر واحر.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 877، والإصابة 4/35 ( 37.(3/52)
وشماس بن عثمان(1)، وباقيهم من الأنصار، بهذا جزم ابن إسحاق، قال في المواهب: ( وقتل من المشركين ثلاث وعشرون)(2). أبو سفيان: ابن حرب. أعل هبل: اسم صنم، أي أظهر دينك. العزى:/ اسم صنم. ولا مولى لكم: أي لا ناصر لكم.
…قال في الكواكب: ( فإن قلت: قال الله: "رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ"(3)، قلت: المولى في الآية بمعنى المالك، وفي الحديث بمعنى الناصر). دول: نوب، مرة علينا ومرة عليكم. لم آمر بها ولم تسؤني: لم أكرهها.
…4044- اصطبح الخمر: قبل تحريمها.
…4045- أتي بطعام: في مرض موته. قتل مصعب: يعني يوم أحد. وهو خير مني: قاله تواضعا(4).
__________
(1) شماس بن عثمان بن الشريد بن هرمي بن عامر بن مخزوم القرشي المخزومي، من المهاجرين الأولين، وممن شهد بدرا، واستشهد بأحد، وكان يومئذ يقي النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه.
وذكر الواقدي أنه عاش يوما بعد أحد، فحمل إلى المدينة فمات بها ودفن بالبقيع، ولم يدفن به ممن شهد أحدا غيره، وقال غيره: ردوه إلى أحد فدفن به.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 170، والإصابة 3/357-358.
(2) المواهب اللدنية 1/128.
(3) سورة الأنعام، الآية: 62.
(4) ويحتمل أن يكون ما استقر عليه الأمر من تفضيل العشرة على غيرهم بالنظر إلى من لم يقتل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم -انظر الفتح 7/449-.(3/53)
…4046- رجل: لم يعرفه ابن حجر(1)، وتعقب قول من قال(2) إنه عمير بن الحمام(3)، لأنه قتل ببدر هـ؛ وفي الاستيعاب: ( قيل إنه أول قتيل قتل من الأنصار في الإسلام)(4)، وبه يعلم ما في التنقيح(5) والتوشيح(6)، والله أعلم.
…4047- لم يأكل من أجره: في الدنيا. شيئا: بل ادخر له كله للآخرة. أينعت: أدركت ونضجت. يهدبها: يجتنيها.
…4048- عمه: أنس بن النضر(7)
__________
(1) قال الحافظ في الفتح 7/450: ( لم أقف على اسمه، وزعم ابن بشكوال أنه عمير بن الحمام، وهو بضم المهلة وتخفيف الميم، وسبقه إلى ذلك الخطيب).
(2) قال الحافظ في الإصابة 4/716: ( ووقع لعبد الغني بن سعيد الحافظ في المبهمات وهم، وذلك في حديث جابر...، قال عبد الغني: هذا الرجل هو عمير بن الحمام، وكذا قال، وعمير بن الحمام اتفقوا على أنه استشهد ببدر، فكيف يبقى إلى يوم أحد؟).
(3) عمير بن الحمام بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي.
استشهد ببدر، فكان أول قتيل في سبيل الله.
وهو القائل: " يا رسول الله، إن قتلت أين أنا؟ قال: في الجنة؛ فألقى تمرات كن في يده، فقاتل حتى قتل".
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1214، والإصابة 4/715 ( 717.
(4) الاستيعاب ص: 1214، وكذا الإصابة 4/716.
(5) التنقيح ص: 165.
(6) التوشيح ص: 372، وفيه ( قال الخطيب وغيره: هو عمير بن الحمام).
(7) أنس بن النضر بن ضمضم الأنصاري الخزرجي، عم أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال يوم استشهد في أحد: ( هذه الجنة ورب أنس، إني أجد ريحها دون أحد).
ترجمته في: الاستيعاب ص: 108، والإصابة 1/132-133.(3/54)
. لترين: من الرؤية. ما أجد: بكسر الجيم وشد الدال، من أجد في الشيء: بالغ فيه، أو بضمها من جد في الأمر: اجتهد، ومراده أنه يبالغ في القتال غاية جهده(1). ريح الجنة: حقيقة، بأن شم رائحة طيبة عرف أنها ريح الجنة، أو مجازا بمعنى أن القتال بذلك المحل يؤول بصاحبه إلى الجنة(2). فما عرف: من كثرة الجراح أو للشك. ببنانه: أصابعه، وهذا هو المعروف، وبه جزم غير واحد. طعنة: برمح. وضربة: بسيف.
…4050- رجع ناس: هم عبد الله بن أبي بن سلول المنافق وأصحابه، وكانوا ثلاثمائة، وقال: على م نقتل أنفسنا؟ فأتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر، وكان خزرجيا، وناشدهم أن يرجعوا فأبوا، فقال: أبعدكم الله، فاختلف الصحابة فيهم فرقتين، هل يقاتلونهم على ما صنعوا أم لا؟ فنزلت الآية: " أَرْكَسَهُمْ "(3) :( ردهم إلى حكم الكفرة، أو نكسهم بأن صيرهم للنار، وأصل الركس رد الشيء مقلوبا)، قاله البيضاوي(4).
…تنفي الذنوب: ( تقدم في الحج: "تنفي الرجال"، ويأتي في التفسير: " تنفي الخبث"، وهو المحفوظ)، قاله ابن حجر(5).
18- " إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمُ أَن تَفْشَلاَ": تجبنا، " وَاللهُ وَلِيُّهُمَا" (6)
ناصرهما ودافع عنهما ما هموا به.
…4051- بني سلمة: من الخزرج. وبني حارثة: من الأوس، وهذا بيان الطائفتين اللتين همتا بالفشل. وما أحب أنها لم تنزل: بل أحب نزولها، أي لأنه وإن كان في أولها غض منهم، ففي آخرها نهاية الشرف لهم.
…4052- جارية: منصوب بإضمار "تزوجت". تلاعبك: من اللعب. تسع بنات: يأتي قريبا أنه قال "ست"، فلعل ثلاثا منهن كن متزوجات أو بالعكس(7)، ولم يعرف الحافظ أسماءهن. خرقاء: لا سياسة لها ولا رفق بها.
__________
(1) نقلا عن الفتح 7/451.
(2) نقلا عن الفتح 7/451.
(3) سورة النساء، الآية 88.
(4) في أنوار التنزيل وأسرار التأويل 2/106.
(5) في الفتح 7/453.
(6) سورة آل عمران، الآية: 122.
(7) من الفتح 7/454.(3/55)
…4053- بيدر: اجمع. بيدرا: البيدر: التمر المجتمع للتيبيس.
…4054- رجلان: زاد مسلم: " يعني جبريل وميكائيل"(1).
…4055- نثل: نفض ونثر. كنانته: الكنانة جعبة السهام، وتكون غالبا من جلد.
…4056- نا يحيى: هو ابن سعيد القطان(2). عن يحيى بن سعيد: الأنصاري(3).
…4058- عن سعد: هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف(4). غير سعد: ابن أبي وقاص، بل جمعهما أيضا للزبير يوم بني قريظة، لكن لم يسمعه " علي".
…4059- لسعد بن مالك: هو ابن أبي وقاص.
__________
(1) في صحيح مسلم (حديث 2306) في الفضائل: باب قتال جيريل وميكائيل عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد.
(2) أبو سعيد يحيى بن سعيد بن فروخ التميمي مولاهم البصري، الأحول، القطان، الحافظ أمير المؤمنين في الحديث، سمع هشام بن عروة، وعطاء بن السائب، ويحيى بن سعيد الأنصاري. عني بالحديث أتم عناية، ورحل فيه، وانتهى إليه الحفظ، تكلم في الرجال والعلل، وتخرج به الحفاظ كمسدد والفلاس وكان في الفروع على مذهب أبي حنيفة إذا لم يجد النص.
قال علي بن المديني: ما رأيت أحدا أعلم بالرجال من يحيى بن سعيد.
ترجمته في: طبقات ابن سعد 7/293، والتاريخ الكبير 8/276، والجرح والتعجيل 9/150، وتاريخ بغداد 14/135، وسير أعلام النبلاء 9/175-188، وتذكرة الحفاظ 1/298.
(3) يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري المدني، أبو سعيد القاضي.
ثقة ثبت. روى عن أنس ومحمد بن أبي أمامة وعمرة بنت عبد الرحمن.
مات عام 144هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 11/221، والتقريب رقم 7559.
(4) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري.
ولي قضاء المدينة، وكان ثقة فاضلا.
رأى ابن عمر، وروى عن أنس وأبي أمامة وعروة والقاسم بن محمد.
مات عام 125هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 3/463، والتقريب رقم 2227.(3/56)
…4060،4061- في بعض تلك الأيام: هو يوم أحد. عن حديثهما: أي أنهما حدثاه بذلك، وهذا محمول على بعض المقامات، وإلا فقد ثبت أنه بقي معه - صلى الله عليه وسلم - غيرهما كما يأتي.
…4063- يد طلحة شلاء: بطل عمل أصابعها أو بعضها، وفي الإكليل " أن طلحة جرح يوم أحد تسعا وثلاثين، أو خمسا وثلاثين، وشلت أصبعه"(1)، أي السبابة والتي تليها، وروي أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - كان إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك اليوم كله لطلحة.
…4064- انهزم الناس: أي بعضهم، أو أطلق الهزيمة على التفرق لأنهم صاروا ثلاث فرق، فرقة استمروا في الهزيمة إلى قرب المدينة، فما رجعوا حتى انقضى القتال، وهم قليل، وهم الذين نزل فيهم:/ " إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ" الآية(2)، وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل، فصار غاية الواحد منهم أن يذب عن نفسه أو يستمر على بصيرته في القتال، وهم أكثر الصحابة وفرقة بقيت مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم تراجع القسم الثاني شيئا فشيئا لما عرفوا أنه - صلى الله عليه وسلم - حي، وبهذا يجمع بين مختلف الأخبار، واختلف فيمن بقي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقيل رجلان، وقيل اثنا عشر رجلا، وقيل سبعة من الأنصار وسبعة من قريش، هم أبو بكر وعلي وعبد الرحمن بن عوف وسعد وطلحة والزبير وأبو عبيدة، وعند مسلم سبعة من الأنصار، ورجلان من قريش طلحة وسعد.
__________
(1) نقلا عن الفتح 7/458.
(2) سورة آل عمران، الآية 155.(3/57)
…مجوب: أي مترس. بحجفة: درقة يستره بها عن إصابة السهام. النزع: أي الجدب في القوس ورمي السهم. كسر يومئذ: من شدة رميه. بجعبة : آلة توضع فيها السهام. نحري دون نحرك: أي أفديك بنفسي. خدم: خلاخل. تنقزان: أي تثبان، والنقز الوثب. القرب: منصوب على نوع الخافض أي بالقرب. ولقد وقع السيف من يد(1) أبي طلحة: أي من النعاس، كما يشير له قوله تعالى: " ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكِم مَّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا"(2)، إذ به زال خوفهم وقويت نفوسهم، واستراحوا من شدة التعب، وهكذا فعل الله بهم يوم بدر.
…4065- أخراكم: أي احترزوا من جهة أخراكم، وهي كلمة تقال عند القتال لمن يخشى أن يؤتى من ورائه، قصد إبليس لعنة الله عليه تغليط المسلمين ليقتل بعضهم بعضا، فوقع ما قصده. فاجتلدت: تقاتلت. هي وأخراهم: حيث ظنوا أنهم من العدو. بأبيه اليمان(3): يقتله المسلمون خطأ، زاد ابن إسحاق: فقال: "يغفر الله لكم"، فأراد - صلى الله عليه وسلم - أن يديه، فتصدق حذيفة(4) بديته على المسلمين، فزاده ذلك عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيرا" (5).
بقية خير: من دعاء واستغفار لقاتل أبيه.
__________
(1) في رواية الأصيلي: "يدي" بالتثنية، انظر الفتح 7/460.
(2) سورة آل عمران، الآية 154.
(3) حسيل بن جابر بن ربيعة بن فروة بن الحارث بن مازن بن قطيعة بن عبس، المعروف باليمان العبسي، والد حذيفة بن اليمان.
استشهد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، قتله المسلمون خطأ يوم أحد.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 351، والإصابة 2/74-75.
(4) حذيفة بن اليمان بن جابر بن ربيعة بن فروة بن الحارث بن مازن بن قطيعة بن عبس العبسي، من كبار الصحابة ورواة الأحاديث. شهد أحدا والخندق وما بعدها. استعمله عمر على المدائن حتى مات بها بعد قتل عثمان.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 334، والإصابة 2/44-45.
(5) من الفتح 7/461.(3/58)
19- " إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ ": انهزموا، " يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ " الآية (1)
أي يوم أحد(2).
…4066- رجل: هو العلاء بن عرار من أهل مصر، أو غيره(3). أتحدثني: زاد في رواية: قال نعم(4). تغيب: قال الداودي: ( هذا خطأ في اللفظ، إذ إنما يقال تغيب لمن تعمد التخلف، أما من تخلف لعذر فلا). فكبر: أي الرجل فرحا بما أخبره به ابن عمر. بنت النبي صلى الله عليه: هي رقية. فبعث عثمان: إلى أهل مكة يخبرهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجئ لقتال، إنما جاء معتمرا. على يده: اليسرى. اذهب بهذا: الجواب مبينا.
20- باب: " إِذْ تُصْعِدُونَ "
الإصعاد الذهاب والإبعاد في الأرض، قاله البيضاوي (5)،"وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَد": لا يقف أحد لأحد ولا ينتظره، إلى " خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ "(6)، ومطابقة الحديث للآية ظاهرة.
21- " ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا " (7)
بدل من " أَمَنَةً " إلى قوله: " بِذَاتِ الصُّدُورِ ".
__________
(1) سورة آل عمران، الآية 155.
(2) قال الحافظ في الفتح 7/461-462: ( اتفق أهل العلم بالنقل على أن المراد به هنا يوم أحد، وغفل من قال يوم بدر، لأنه لم يول فيها أحد من المسلمين، نعم المراد بقوله تعالى: " وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان" وهي في سورة الأنفال يوم بدر، ولايلزم منه أن يكون حيث جاء " التقى الجمعان" المراد به يوم بدر).
(3) قال في الفتح 7/462: ( لم أقف على اسمه صريحا، إلا أنه يحتمل أن يكون هو العلاء بن عرار، ثم رأيت لبعضهم أن اسمه حكيم، فليحرر، وفي الرواية المتقدمة أنه من أهل مصر، ثم وجدت الجزم بالعلاء بن عرار).
(4) من الفتح 6/462.
(5) في أنوار التنزيل 2/48.
(6) سورة آل عمران، الآية 153.
(7) سورة آل عمران، الآية 154.(3/59)
…قال ابن إسحاق: (أنزل الله النعاس أمنة لأهل اليقين، فهم نيام لايخافون، والذين أهمتهم أنفسهم أهل النفاق في غاية الخوف)(1).
…ولأحمد عن أنس: ( رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر وما منهم أحد إلا وهو يميد تحت جحفته من النعاس)(2).
22- " لَيْسَ لَكَ مِنَ الاَمْرِ شَيْءٌ ":
بل الأمر لله فاصبر/، أو بمعنى إلى أن "يّتُوبُ عَلَيْهِمْ:" بالإسلام، " أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ "(3)، أي بيان سبب نزول هذه الآية، وذكر لها سببين، ويحتمل أن تكون نزلت فيهما معا، فإنهما كانا في قصة واحدة(4). شج: جرح(5).
4069- فلانا وفلانا: هم المسمون بعد، صفوان وسهيل(6) والحارث(7)
__________
(1) نقلا عن الفتح 7/463.
(2) أخرجه الترمذي 5/229 في التفسير، باب ومن سورة آل عمران، 15، ح3007.
(3) سورة آل عمران، الآية: 128.
(4) نقلا عن الفتح 7/464.
(5) في الطبراني من حديث أبي أسامة قال: " رمى عبد الله بن قمئة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فشج وجهه وكسر رباعيته، فقال: خذها وأنا ابن قمئة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يمسح الدم عن وجهه: مالك أقمأك الله، فسلط الله عليه تيس جبل فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة قطعة" - انظر الفتح 7/464-.
(6) سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي القرشي العامري، خطيب قريش، وهو الذي تولى أمر الصلح بالحديبية وهو القائل حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم: ( من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت).
ترجمته في: الاستيعاب ص: 669، والإصابة 3/212 ( 215.
(7) الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي، أخو أبي جهل، وابن عم خالد بن الوليد.
شهد بدرا وأحدا مع المشركين حتى أسلم يوم فتح مكة، ثم حسن إسلامه. قال المدائني: استشهد يوم اليرموك.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 301، والإصابة 1/605-608.(3/60)
، وكلهم أسلموا يوم الفتح، ولعل هذا هو السر في نزول الآية.
23- " باب ذكر أم سليط " (1)
…هي والدة أبي سعيد الخدري.
…4071- مروطا: أكسية من صوف. تزفر لنا القرب: أي تحملها ملئى على ظهرها، والزفر الحمل على الظهر، وقول البخاري في الجهاد: "معنى تزفر تخيط"، غير معروف، قاله الزركشي عن القاضي.
24- قتل حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه -(2)
…سيد الشهداء، أي بيان كيفية قتله.
…4072- عبيد الله بن عدي: ابن الخيار(3). هل لك في وحشي: ابن حرب الحبشي(4)
__________
(1) أم سليط هي أم قيس بنت عبيد بن زياد بن ثعلبة بن خنساء بن مبذول، من بني مازن بن النجار.
قال ابن عبد البر: ( من المبايعات، حضرت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد). كناها عمر بابنها سليط بن أبي سليط بن أبي حارثة، ثم تزوجت مالك بن سنان فولدت أبا سعيد الخدري.
ترجمتها في: الاستيعاب ص: 1940، والإصابة 8/226 و280.
(2) كذا لأبي ذر، ولغيره "باب قتل حمزة" فقط، وللنسفي: " قتل حمزة سيد الشهداء" - انظر الفتح 7/467-.
(3) عبيد الله بن عدي بن الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وله رؤية عند ابن حبان، وذكره ابن سعد في كبار التابعين.
أسلم أبوه يوم الفتح، وتوفي عبيد الله في خلافة الوليد بن عبد الملك.
ترجمته في: طبقات ابن سعد 5/35، والإصابة 5/50 ( 52.
(4) وحشي بن حرب الحبشي، مولى بني نوفل.
قاتل حمزة بن عبد المطلب، قتله يوم أحد.
شارك في قتل مسيلمة وشهد اليرموك، وعاش إلى خلافة عثمان.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1564، والإصابة 6/601.(3/61)
مولى جبير بن مطعم(1). عن قتل حمزة: أي عن كيفية قتله. حميت: أي زق كبير، وفي رواية(2): وجدناه رجلا سمينا، محمرة عيناه، وهو شيخ كبير، وكان أسود. معتجر بعمامته: أي لاف بها رأسه من غير تحنيك. أسترضع: أطلب له المراضع. فلكأني نظرت إلى قدميك: فلعله أنت ذلك الغلام، زاد ابن إسحاق: والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية فلمعت لي قدمك حين رفعتك لها، فما هو إلا أن وقفت علي فعرفتهما، وبين الرؤيتين قريب من خمسين سنة، فدل ذلك على ذكاء مفرط ومعرفة بالقيافة تامة(3). عام عينين: هو اسم لعام أحد، جبل نزل به المشركون. خرجت مع الناس: ما أريد إلا حمزة. أم أنمار: هي أمه. البذور: كذا وقع عندنا، وصوابه البظور" بالظاء المشالة، جمع بظر، وهو اللحمة التي تقطع من فرج المرأة عند الختان، لأن أمه كانت خاتنة النساء بمكة، والعرب تطلق هذا اللفظ في معرض الذم، وإلا قالوا خاتنة، قاله العارف، ولم يذكر في التنقيح(4) والمصابيح(5) والفتح(6) والإرشاد(7) إلا البظور. أتحاد: أتعاند.
__________
(1) تقدمت ترجمته في شرح الحديث 4023.
(2) في رواية ابن عائذ، انظر الفتح 7/468.
(3) نقلا عن الفتح 7/468.
(4) التنقيح ص: 166.
(5) تعليق المصابيح ص: 478.
(6) فتح الباري 7/469.
(7) إرشاد الساري 6/341.(3/62)
…كأمس الذاهب: كناية عن قتله، أي صيره عدما. كمنت: اختفيت. في ثنته: عانته، وقيل هي ما بين العانة والسرة، فمات منها رحمة الله عليه ورضوانه. رجعت معهم: أي وأعتقني سيدي. فأرسلوا: أي أهل الطائف. رسلا(1): وكان ذلك عام ثمان من الهجرة. لايهيج الرسل: أي لا ينالهم منه مكروه، وفي رواية(2): والله ما يأتي محمدا أحد يشهد شهادة الحق إلا خلى عنه. ما بلغك: في رواية(3): فقال له - صلى الله عليه وسلم - : ويحك حدثني عن قتله، قال: فأنشأت أحدثه كما حدثتكما. تغيب وجهك عني: فلا أراك، فيه ماكان عليه - صلى الله عليه وسلم - من الرفق، وأن المرء يكره أن يرى قاتل وليه، ولا يلزم من ذلك وقوع المهاجرة المنهي عنها بينهما. فخرجت: فكنت أتقي أن يراني. فأكافئ به حمزة: أي أقابله به وأعارضه. ثلمة: خلل. جمل أورق: لونه لون الرماد. ثائر الرأس: أي شعره منتفش. رجل: هو عبد الله بن زيد المازني(4)
__________
(1) كذا لأبي ذر وأبي الوقت، ولغيرهما "رسولا" بالإفراد - انظر الفتح 7/470-.
(2) للطيالسي ، انظر الفتح 7/470.
(3) للطياسبي ، انظر الفتح 7/470.
(4) عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن الأنصاري المازني.
شهد أحدا وغيرها، وشارك وحشي بن حرب في قتل مسيلمة الكذاب.
يقال: قتل يوم الحرة سنة 63 هـ.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 913، والإصابة 4/98-99.(3/63)
، وقيل غيره(1). على هامته: زاد في روايته(2): فربك أعلم بمن قتله، فإن أك قتلته فقد قتلت خير الناس وشر الناس. و أمير المؤمنين: قالته الجارية باعتبار أن أمر أصحابه كان إليه، وإلا فهو كان يدعي أنه نبي، ولم يلقب بأمير المؤمنين، بل التلقيب به إنما حدث لعمر - رضي الله عنه -(3). قتله العبد الأسود: تعني وحشيا /.
25- " ما أصاب النبي صلى الله عليه من الجراح يوم أحد ":
…ابن حجر: ( مجموع ما ذكر في الأخبار أنه - صلى الله عليه وسلم - شج وجهه الشريف، وكسرت رباعيته، وجرحت وجنته وشفته السفلى من باطنها، ووهن منكبه من ضرب ابن قمئة، وجحشت ركبته)(4)، وروى عبد الرزاق(5)
__________
(1) الذي جزم به الواقدي وإسحاق بن راهويه والحاكم أنه عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، في حين جزم سيف في كتاب الردة بأنه عدي بن سهل، وقيل أبو دجانة ، وقيل زيد بن الخطاب. قال الحافظ في الفتح 7/471: " والأول أشهر".
(2) في رواية الطيالسي، انظر الفتح 7/471.
(3) صحيح أن التلقيب بأمير المؤمنين حدث في عهد الفاروق عمر بن الخطاب، وأما قول ابن التين: " كان مسيلمة تسمى تارة بالنبي وتارة بأمير المؤمنين"، فإن كان أخذه من هذا الحديث فليس بجيد، وإلا فيحتاج إلى نقل بذلك، ويحتمل أن تكون الجارية أطلقت عليه الأمير باعتبار أن أمر أصحابه كان إليه، وأطلقت على أصحابه المؤمنين باعتبار إيمانهم به، وذهب إلى قول ابن التين كذلك أبو الخطاب بن دحية مستدلا بحديث البخاري هذا، وتعقبه ابن الصلاح ثم النووي.
انظر فتح الباري 7/472.
(4) فتح الباري 7/473.
(5) أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري مولاهم، الصنعاني، أحد الأعلام. روى عن أبيه وابن جريح ومعمر والسفيانين والأوزاعي؛ وعنه أحمد وابن المديني ووكيع، قال أحمد: أتيناه قبل المائتين وهو صحيح البصر، ومن سمع منه بعد ما ذهب بصره فهو ضعيف السماع، مات سنة 211 هـ.
ترجمته في: تذكرة الحفاظ 1/364، والبداية والفهاية 10/265، وطبقات الحفاظ 154-155.(3/64)
عن الزهري قال: ضرب وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعين ضربة، فيحتمل الحقيقة والمبالغة، وكلها وقاه الله شرها(1).
…4073- يشير إلى رباعيته: أي السفلى اليمنى، وقد كسرها له عتبة بن أبي وقاص، وهو الذي جرح شفته السفلى أيضا، قال السهيلي: (ومن ثم لم يولد من نسله ولد فيبلغ الحلم إلا وهو أبحر أو أهتم، يعرف ذلك في عقبة)هـ(2)، وقوله: " أهتم" أي مكسور الثنايا، و "أو" مانعة خلو فلا ينافي الجمع بينهما. يقتله رسول الله: أي بيده، وقد قتل - صلى الله عليه وسلم - أبي بن خلف، قاله الكرماني(3).
…4074- دموا وجه نبي الله: أي جرحوه حتى خرج منه الدم، والذي جرح وجهه الشريف هو عبد الله بن قمئة، فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته الشريفة، وشج وجهه أيضا عبد الله بن شهاب الزهري(4)، وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - استبعاد لتوفيق من فعل ذلك به.
…4075- بالمجن: أي الترس. قطعة من حصير: كان القابسي(5) يقول: ( وددنا مم كان ذلك الحصير نتخذه دواء لقطع الدم). قال ابن بطال(6)
__________
(1) من الفتح 7/473 ( مع اختلاف يسير في اللفظ).
(2) الروض الأنف 3/165.
(3) في الكواكب الدراري 16/10.
(4) هو عم محمد بن شهاب الزهري الحافظ المشهور.
(5) أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري القابسي، الإمام في علم الحديث وفنونه وأسانيده، كان أعمى وهو مع ذلك من أصح الناس كتبا، وأجودهم ضبطا وتقييدا، له الممهد في الفقه، والمنقذ من شبه التأويل.
توفي بالقيروان سنة 403 هـ.
ترجمته في: الديباج المذهب 2/101، وشجرة النور الزكية 1/97.
(6) أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري القرطبي.
أخذ عن أبي عمر الطلمنكي وأبي صفرة القناز والقاضي يونس بن عبد الله.
له شرح ممتع على صحيح البخاري.
توفي عام 449هـ.
ترجمته في: الصلة لابن بشكوال 1/407، وسير أعلام النبلاء 11/159، والديباج 203-204.(3/65)
: ( زعم أهل الطب أن ذلك في الحصر كلها، بل في الرماد كله). فألصقتها: بجرحه.
26- باب " الَّذِينّ اسْتَجَابُوا للهِ وَالرَّسُولِ " (1)
…روي أن أبا سفيان وأصحابه لما رجعوا من أحد وبلغوا الروحاء، ندموا وهموا بالرجوع إلى قتال المسلمين، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فندب المسلمين للخروج في طلبهم، وقال: لا يخرجن معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس، فخرج عليه الصلاة والسلام مع جماعة حتى بلغوا حمراء الأسد(2)، وهي على ثمانية أميال من المدينة، وكان بأصحابه القرح فتحاملوا على أنفسهم حتى لا يفوتهم الأجر، وألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا فنزلت الآية)، قاله البيضاوي(3).
…4077- سبعون: منهم العشرة، عدا سعيد بن زيد، ومنهم حذيفة وابن مسعود وعمار بن ياسر.
27- " من قتل من المسلمين يوم أحد ":
…وعددهم سبعون كما سبق(4)، وهو الذي عند الحاكم(5) وصححه ابن حبان(6) أربعة وستون من الأنصار، وستة من المهاجرين، وقدمنا (7) عن المواهب أن الذي قتل من المشركين ثلاثة وعشرون رجلا.
…واليمان: والد حذيفة. والنضر بن أنس: هكذا وقع عند أبي ذر، والصواب "أنس بن النضر"، كما عند غيره(8).
…4078- سبعون: أي أكثرهم منهم. قال: أي قتادة.
__________
(1) سورة آل عمران، الآية 172.
(2) موضع على ثمانية أميال من المدينة، إليه كان المنتهى في طلب المشركين يوم أحد، انظر معجم البلدان 2/301.
(3) في أنوار التنزيل 2/54.
(4) في شرح حديث 4043.
(5) عند الحاكم في الإكليل - انظر الفتح 7/477-.
(6) أورده الهيثمي في موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان في كتاب التفسير، باب في غزوة أحد، حديث 1695: قال أبن بن كعب: (لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون، وستة من المهاجرين).
(7) في شرح حديث 4043.
(8) لأن النضر بن أنس ولده، وكان إذ ذاك صغيرا، وعاش بعد ذلك زمانا - انظر الفتح 7/477 -.(3/66)
…4079- يجمع الرجلين.. إلخ: فجمع بين حمزة وعبد الله بن جحش، وبين والد(1)جابر وعمرو بن الجموح.
…4080- لما قتل أبي: يوم أحد. لاتبكه: هذا خطاب لفاطمة بنت عمرو(2) عمة جابر، لا لجابر، كما سبق في الجنائز، فلا تدافع بينه وبين قوله: " لم ينه "(3).
…حتى رفع: قال القاضي عياض: ( الذي في جميع الروايات عند الفربري(4) والنسفي حد الحديث "حتى" مبتور، إلا عند الجرجاني(5) فعنده: " حتى رفعتموه"، وعند أبي الهيثم(6): "حتى رفع").
__________
(1) هو عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام الأنصاري الخزرجي السلمي، والد جابر بن عبد الله الصحابي المشهور، وقد تقدمت ترجمته في شرح الحديث رقم 3888.
(2) فاطمة بنت عمرو بن حرام الأنصارية، عمة جابر.
وأثبت لها ابن حجر رواية جابر قال: ( لما قتل أبي جعلت أكشف التراب عن وجهه والقوم ينهونني، فجعلت عمتي فاطمة بنت عمرو تبكيه).
ترجمتها في: الاستيعاب ص: 1900، والإصابة 8/69.
(3) قال الحافظ في الفتح 7/479: ( ظاهرة أنه نهي لجابر، وليس كذلك، وإنما هو نهي لفاطمة بنت عمرو، عمة جابر، وقد أخرجه مسلم من طريق غندر عن شعبة بلفظ: " قتل أبي - فذكر الحديث إلى أن قال - : وجعلت فاطمة بنت عمرو عمتي تبكيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تبكيه").
(4) محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفربري.
ينتسب إلى فربر، بلدة على طرف جيحون مما يلي بخارى.
يعتبر من أشهر رواة البخاري، وكانت تشد إليه الرحال في طلب الجامع الصحيح.
توفي عام 330هـ.
ترجمته في: وفيات الأعيان 4/290، وشذرات الذهب 2/286، والأنساب 10/170.
(5) أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسين بن القاسم بن السري بن الجهم العبدي الجرجاني.
محدث حافظ، له الصحيح على المسانيد.
توفي عام 377هـ.
ترجمته في: إيضاح المكنون 2/64.
(6) هو الكشميهني، وقد تقدمت ترجمته في شرح الحديث 3887.(3/67)
…4081- أرى: أظن، وقائله البخاري، وكأنه شك هل سمع من شيخه صيغة الرفع أم لا(1). سيفا: ذا الفقار. والله خير: هذا من جملة الرؤيا كما جزم به القاضي وغيره، وهو برفع الجزءين مبتدأ وخبر، وفيه حذف، أي: وصنع الله بالمقتولين خير لهم من بقائهم في الدنيا، أو:والله عنده خير. فإذا هم المؤمنون يوم أحد: يكون فيهم بقر، أي شق في بطونهم.
28- " باب أحد يجبنا ":
…أحد هو الجبل / المعروف بقرب المدينة المشرفة، سمي أحدا لتوحده وانقطاعه عن جبال أخر هناك، قال السهيلي: ( إن به قبر هارون أخي موسى عليهما السلام، وفيه قبض)(2).
…أي بيان ما جاء في ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لما رجع من الحج ومن تبوك أيضا، ورأى أحدا: "هذا - أي أحد - جبل يحبنا": أي حقيقة كما رجحه النووي وغيره قائلا: ( جعل الله تعالى فيه تمييزا يحب به، كما قال تعالى: " وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ"(3)، وكما حن الجذع اليابس إليه(4)، وكما سبح الحصا(5)
__________
(1) من الفتح 7/479.
(2) الروض الأنف 3/159.
(3) سورة البقرة، الآية 74.
(4) من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع، فلما بني المنبر حن الجذع، فاحتضنه النبي صلى الله عليه وسلم فسكن، قال جابر: وأنا شاهد حين حن، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة).
أخرجه الدارمي رقم 39، وانظر الفتح 7/414، وله روايات أخرى في مسند أحمد 5/330، ومصنف ابن أبي شيبة 11/485، ودلائل النبوة لللأصبهاني رقم 302.
(5) من حديث أبي ذر قال: ( كنا جلوسا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ حصيات في كفه فسبحن، ثم وضعهن في الأرض فسكتن، ثم أخذهن فسبحن).
أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 8/299، والأصبهاني في الدلائل ص: 432، وقال الحافظ في الفتح 7/404: ( وأما تسبيح الحصى فليست له إلا هذه الطريق الواحدة مع ضعفها).(3/68)
، وكما فر الحجر بثوب موسى، وكما اجتمع الشجرتان المفترقتان، وكما رجف حراء(1)، وكما سلم الحجر عليه - صلى الله عليه وسلم -(2)، قال: فهذا وما أشبهه شاهد لما اخترناه واختاره المحققون في معنى الحديث) هـ.
__________
(1) عن سعيد بن زيد قال: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على جبل حراء، فتحرك فضربه برجله، ثم قال: أسكن حراء فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن، ولو شئت أن أسمي التاسع لسميت، فأكثروا عليه: أخبرنا، فقال: أنا).
أخرجه الترمذي حديث 3758، وأبو داود في كتاب السنة 2/515، وابن ماجه في المقدمة 1/32، وأحمد رقم 1630.
(2) من حديث جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن بمكة لحجرا كان يسلم علي ليالي بعثت، إني لأعرفه إذا مررت به)، أخرجه الترمذي رقم 3628، وفي صحيح مسلم، كتاب الفضائل 7/58 بلفظ: ( إني لأعرف حجرا كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه)، وهو عند الترمذي في المناقب رقم 3628 وابن أبي شيبة رقم 11751، والدلائل رقم 301.(3/69)
…وقال مغلطاي: ( لا منع من حمله على الحقيقة، ولا حاجة إلى إضمار فيه، أي أهله وهم الأنصار، فقد ثبت أن حراء ارتج تحته وكلمه، وقال: أثبت… إلخ، وحن إليه الجذع اليابس وضمه، وقال: لولم أضمه لحن إلى يوم القيامة، وكلمه الذئب(1)، وسجد له البعير(2)، وأقبل إليه الثعبان، وسلم عليه الحجر، وكلمه اللحم المسموم أنه مسموم، فلاينكر حب الجبل له)، هـ من تلويحه.
…وقال المناوي: ( هذا هو الأصوب، وهو إشارة إلى حب الله إياه عليه الصلاة والسلام حتى أسكن حبه في الجماد، وغرس محبته في الحجر مع كمال قوة صلابته).
…ونحبه: حقيقة أيضا، لأن جزاء من يحب أن يحب.
…4084- طلع: أي ظهر. لابتيها: أي حرتيها يعني المدينة.
…4085- فصلى على أهل أحد: أي دعا لهم.
29-(3) "غزوة الرجيع، ورعل وذكوان، وبئر معونة، وحديث عضل والقارة،
وعاصم بن ثابت، وخبيب وأصحابه":
…وقع هنا اختلاط وإدماج كما قاله غير واحد، وإيضاح المحل أن غزوة الرجيع هي سرية عاصم وخبيب وأصحابه العشرة، وكانت مع عضل والقارة، وقضية بئر معونة هي سرية القراء السبعين، وكانت مع رعل وذكوان، وكأن المص أدمج الأولى مع الثانية لقربهما، فإن الأولى كانت أواخر سنة ثلاث، والثانية كانت أوائل سنة أربع، وذكر الواقدي أن خبرهما جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة واحدة(4).
__________
(1) في قصة الذئب الطويلة، وفيها قول الذئب: ( ألا أخبرك بما هو أعجب من هذا؟ هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحرتين يدعو الناس إلى أنباء ما قد سبق…)، أخرجه أحمد 3/84، والحاكم 4/467، وأبو نعيم في الدلائل رقم 270.
(2) وردت فيه روايات متعددة، منها رواية أحمد 6/76: ( عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في نفر من المهاجرين والأنصار فجاء بعير فسجد له)، وانظر باقي الروايات في دلائل النبوة ص: 379( 386.
(3) سقط لفظ "باب" لأبي ذر - انظر الفتح 7/482-.
(4) مغازي الواقدي 1/349، وانظر الفتح 7/483.(3/70)
4086- عينا: جواسيس، وكانوا عشرة. وهو جد عاصم: تقدم(1) أنه خاله لاجده، وأن الرواية السابقة يمكن ردها للصواب بقراءة "جد" بالخفض، ولا حيلة لهذه، قاله ابن حجر(2). بين عسفان ومكة: أي بالهدة. فدفد: رابية مشرفة. ورجل آخر: هو عبد الله ابن طارق(3). أجمعوا قتله: بعد خروج الأشهر الحرم. بعض بنات الحارث: هي زينب(4). صبي: هو ابن جبير(5) بن الحارث. يستحد: يحلق بها عانته. قطف: عنقود(6). أصلي ركعتين: وذلك في موضع مسجد التنعيم(7). اللهم أحصهم عددا: أي أهلكهم واستأصلهم بحيث لا يبقى من عددهم أحد. ما: نافية. في ذات الإله: أي طاعته. أوصال: جمع وصل، عضو. شلو: جسد. ممزع: مقطع. ثم قام إليه عقبة: بعدما جعلوه في خشبة. قتل عظيما: هو عقبة بن أبي معيط، قتله "عاصم" صبرا بإذن من النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد انصرافهم من بدر. الظلة: السحابة . من الدبر: الزنابير. فلم يقدروا منه على شيء: زاد ابن إسحاق: وكان عاصم أعطى الله عهدا ألا يمس مشركا ولا يمسه مشرك، فكان عمر يقول لما بلغه خبره: يحفظ الله العبد المؤمن بعد وفاته كما يحفظه في حياته.
__________
(1) في شرح الحديث 3989.
(2) في الفتح 7/484.
(3) كما في رواية ابن إسحاق - انظر الفتح 7/485-.
(4) قال الحافظ في الفتح 7/486: ( وقع في الأطراف لخلف أن اسمها زينب بنت الحارث، وهي أخت عقبة بن الحارث الذي قتل خبيبا، وقيل امرأته).
(5) في الفتح 7/487: ( ذكر الزبير بن بكار أن هذا الصبي هو أبو حسين بن الحارث بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، وهو جد عبدالله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي المحدث، وهو من أقران الزهري).
(6) وفي رواية ابن إسحاق: "وأن في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل".
(7) كما في الفتح 7/488.(3/71)
…4087- أبو سروعة: هو عقبة بن الحارث، وقيل هو أخوه(1).
…4088- بعث رسول الله صلى الله عليه سبعين رجلا: هذه قصة بئر معونة، ومحصلها أن أبا براء عامر بن مالك العامري قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعرض عليه الإسلام، فلم يسلم ولم يبعد، وقال: يا محمد لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد فدعوتهم إلى أمرك لرجوت أن يستجيبوا لك، فقال - عليه السلام - : إني أخشى أهل نجد عليهم، قال أبوبراء: أنا لهم جار، فبعث - صلى الله عليه وسلم - سبعين من القراء(2)، فساروا حتى وصلوا إلى بئر معونة / بعثوا حرام بن ملحان(3) بكتابه - صلى الله عليه وسلم - إلى عامر بن الطفيل ابن أخي أبي براء، وكان مشركا فلم ينظر في الكتاب حتى عدا على "حرام" فقتله، واستصرخ عصية ورعلا وذكوان، فأجابوه وقتلوا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - السبعين إلا اثنين، كعب بن زيد(4)
__________
(1) ورد خبر الرجيع في مسند أحمد 2/310، وسيرة ابن هشام 2/169-،183 وطبقات ابن سعد 2/55-56، وسيرة ابن كثير 3/123، وزاد المعاد 3/244-246.
(2) في قول ابن إسحاق: " فبعث معه أربعين رجلا"، وفي الصحيح: " أنهم كانوا سبعين". قال ابن القيم في زاد المعاد 3/247: ( والذي في الصحيح هو الصحيح).
(3) حرام بن ملحان الأنصاري، خال أنس بن مالك.
أخرج البخاري عن أنس قال: ( لما طعن حرام بن ملحان، قال: فزت ورب الكعبة)، واتفق أهل المغازي على أنه استشهد يوم بئر معونة.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 336، والإصابة 2/47-48.
(4) كعب بن زيد بن قيس بن مالك بن كعب بن حارثة بن دينار بن النجار الأنصاري، ذكره موسى بن عقبة فيمن شهد بدرا، وأنه استشهد بالخندق.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1317، والإصابة 5/596-597.(3/72)
تركوه وبه رمق فعاش(1)، وعمرو بن أمية الضمري أخذوه أسيرا، فلما بلغ ذلك أبا براء مات أسفا على ما صنع ابن أخيه، واختلف في إسلامه، وأما عامر فمات على كفره إجماعا.
…حيان: تثنية حي.
…4090- أن رعلا وذكوان وعصية وبني لحيان استمدوا...إلخ: الزركشي: (قيل هذا وهم، وإنما الصواب أن عامر بن الطفيل استمدهم على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقتلوهم)(2)، وقوله: " وبني لحيان" هذا وهم آخر، وإنما بنو لحيان هم الذين تعرضوا لعاصم وخبيب لا للسبعين.
…4091- خير: أي خير النبي - صلى الله عليه وسلم -. السهل: البوادي. المدر: المدن. بألف وألف: أي بألف أشقر وألف شقراء، فقال - صلى الله عليه وسلم -: اللهم أكفنيه. فطعن: أصابه طاعون.غدة: أي أصابتني غدة أي طاعون كطاعون الإبل. فلانة: سلول(3). فمات على ظهر فرسه: كافرا وهذا من حمقه وتجبره. وهو رجل: قيل صوابه: هو ورجل أعرج، لأن الأعرج غيره لا هو، وهو كعب بن زيد(4). ورجل من بني فلان: هو المنذر بن محمد(5)
__________
(1) " حتى قتل يوم الخندق"، انظر زاد المعاد 3/247.
(2) التنقيح ص: 166.
(3) كذا في الفتح 7/493.
(4) مثله في الفتح 7/493.
(5) المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح الأنصاري.
ذكره موسى بن عقبة وابن إسحاق فيمن شهد بدرا.
واستشهد ببئر معونة.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1451، والإصابة 6/219.(3/73)
. كنتم: أي قريبا مني. فلحق الرجل: اختلف في ضبط هذين اللفظين، فقيل "لحق" بفتح اللام، والرجل بضم الجيم فاعل ، أي لحق الرجل الذي كان مع "حرام" بالمسلمين، أو مفعول أي لحق الرجل المشركون، وقيل "لحق" بضم اللام مبنيا للمفعول، والرجل نائب الفاعل، وهو "حرام"، أي لحقه أجله، أو هو الذي كان معه، أي لحقه المشركون، قاله في الفتح(1).
…وقال العارف: ( المتجه ضبط ابن سعادة، وهو "لحق" بالبناء للمفعول، "والرجل" بسكون الجيم، جمع راجل، وهم المسلمون، نائب الفاعل أي لحقوا وقتلوا) هـ.
…وقال ابن حجر بعد حكايته: ( هذا أوجه التوجيهات إن ثبتت الرواية بالسكون)هـ(2)، وقد علمت ثبوتها لابن سعادة.
…من المنسوخ: تلاوة.
…4092- خاله: خال أنس. قال: أي فعل. فزت: بالشهادة.
…4093- استأذن أبو بكر... إلخ: هذا حديث الهجرة، وذكره هنا لذكر مقتل عامر ابن فهيرة، وبيان أنه كان من السابقين في الخروج إلى المدينة. فأعطى إحداهما: أي بالثمن، غلاما لعبد الله بن الطفيل: قال الدمياطي: ( هذا مقلوب، والصواب: الطفيل بن عبد الله بن سخبرة، وهو - أي الطفيل - أخو عائشة من أمها أم رومان، وكان عامر مملوكا للطفيل فأسلم فاشتراه أبو بكر منه). منحة: شاة. يعقبانه: أي يركبانه عقبه، وهو أن ينزل الراكب ويركب رفيقه، وينزل الآخر ويركب الماشي. ثم وضع: زاد الواقدي أن الملائكة وارته فلم يره المشركون. فنعاهم: أخبر بموتهم(3).
فسمي عروة: أي سمى الزبير ابنه عروة به. سمي به منذرا: أي سمى الزبير أيضا ابنا له آخر منذرا بمنذر بن عمرو.
__________
(1) الفتح 7/494، وزاد: ( ويحتمل أن يضبط الرجل بسكون الجيم، وهو صيغة جمع، والمعنى أن الذي طعن "حراما" لحق بقومه وهم الرجال الذين استنصر بهم عامر بن الطفيل، والرجل بسكون الجيم هم المسلمون القراء فقتلوا كلهم، وهذا أوجه التوجيهات إن ثبتت الرواية بسكون الجيم، والله أعلم).
(2) فتح الباري 7/494.
(3) نقلا عن الفتح 7/496.(3/74)
…1096- فلانا: كأنه عنى محمد بن سيرين(1). كذب: أخطأ. بعث ناسا... إلخ: وقع في هذا الحديث نقص أخل بمعناه، ولعل صوابه أن يقررها كذا: إلى ناس من المشركين وهم بنو عامر، بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه عهد، فتعرض لهم آخرون قبلهم بكسر القاف أي من جهتهم، وهم عصية ورعل وذكوان من بني سليم، فظهر أي علا وغلب هؤلاء المتعرضون على هؤلاء الذين كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه عهد وقتلوا القراء / فقنت...إلخ، هذا الذي يؤخذ من تقرير القسطلاني(2) أخذا من كلام الإسماعيلي، وما للحافظ غير ظاهر(3)
__________
(1) محمد بن سيرين البصري، الأنصاري مولاهم، أبو بكر.
فقيه محدث مفسر.
ولد بالبصرة، ونشأ بزازا، وتفقه وروى الحديث، واشتهر بتعبير الرؤيا.
توفي عام 110هـ.
ترجمته في: تاريخ الإسلام 4/192، والوافي بالوفيات 3/146.
(2) في الإرشاد 6/356، وقال: ( وبهذا التقدير يندفع ما في هذا السياق من الإشكال).
(3) هذا غريب من الشيخ الشبيهي، بل كلام الحافظ واضح جلي، فقد استشكل العبارة ثم أوضحها فقال في الفتح 7/498: ( وليس المراد من ذلك أيضا بواضح، وقد ساقه الإسماعيلي مبينا فأورده يوسف القاضي عن مسدد شيخ البخاري فيه، ولفظه: " إلى قوم من المشركين فقتلهم قوم مشركون دون أولئك، وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد"، فظهر أن الذين كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم العهد غير الذين قتلوا المسلمين، وقد بين ابن إسحاق في المغازي عن مشايخه، وكذلك موسى بن عقبة عن ابن شهاب أصحاب الطائفتين وأن أصحاب العهد هم بنو عامر، ورأسهم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر المعروف بملاعب الأسنة، وأن الطائفة الأخرى من بني سليم، وأن عامر بن الطفيل وهو ابن أخي ملاعب الأسنة أراد الغدر بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا بني عامر إلى قتالهم، فامتنعوا وقالوا: لا تخفر ذمة أبي براء، فاستصرخ عليهم عصية وذكوان من بني سليم فأطاعوه وقتلوهم)؛ فكلام الحافظ ابن حجر ظاهر، بل فيه زيادة تفصيل، وهو كلام مسند إلى قائليه، فلله دره.(3/75)
، والله أعلم.
30- " غزوة الخندق وهي الأحزاب ":
…أما تسميتها بالخندق فلأجل الحفير الذي حفر فيها حول المدينة ليمنع من الوصول إليها، بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وإشارة سلمان الفارسي.
…والحفير هو الخندق، واختلف في مدة حفرهم له، فقيل أقاموا في حفرة قريبا من عشرين ليلة، وقيل أربعا وعشرين، وقيل شهرا(1)، وكان ذلك قبل وصول العدو إليهم، وأما تسميتها بالأحزاب فلاجتماع طوائف المشركين على حرب المسلمين، وكانوا عشرة آلاف من قريش وغطفان وبني مرة واليهود ومن تبعهم، والمسلمون ثلاثة آلاف، فقدم الأحزاب بجموعهم وأحاطوا بالمدينة، وكانت مدة حصارهم لها عشرين يوما، ولم يكن بينهم قتال إلا مراماة بالنبل، غير أن عمرو بن عبدود اقتحم الخندق وطلب المبارزة، فبارزه علي - رضي الله عنه - فقتله، وكذلك نوفل بن عبد الله بن المغيرة اقتحم وطلب المبارزة، فبارزه الزبير - رضي الله عنه - فقتله، وبعد ذلك سلط الله عليهم الريح، فلم تدع لهم بناء إلا هدمته، ولا إناء إلا كفأته، فرجعوا هاربين لايلوي أحد على أحد، "وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قويا عزيزا".
__________
(1) " عند موسى أنهم أقاموا في عمله قريبا من عشرين ليلة، وعند الواقدي أربعا وعشرين، وفي الروضة للنووي خمسة عشر يوما، وفي الهدي لابن القيم أقاموا شهرا"، انظر فتح الباري 7/501.(3/76)
…كانت في شوال سنة أربع: الصواب ما لابن إسحاق(1)، وابن سعد(2)، واعتمده القرطبي وغيره، أنها كانت في شوال سنة خمس(3).
…قال ابن حجر: وهو المعتمد(4).
…4097- عرضه: اختبر حاله هل يصح للمقاتلة أم لا. ابن أربع عشرة: الصواب أنه كان يوم أحد ابن ثلاث عشرة وأشهر، ويوم الأحزاب ابن خمس عشرة وأشهر، قاله الزركشي(5). فأجازه: أمضاه وأذن له في القتال.
…4098- على أكبادنا : أي ما يلي الكبد من الجنب، وفي نسخة: " أكتادنا"، جمع كتد، وهو ما بين الكاهل إلى الظهر.
…4100- متونهم: ظهورهم. فيصنع: يطبخ. بإهالة: ما يؤتدم به سمنا كان أو زيتا أو شحما. سنخة: تغير طعمها ولونها من قدمها، ولهذا وصفها بقوله: بشعة، كريهة الطعم والرائحة.
__________
(1) انظر سيرة ابن هشام 2/214.
(2) في الطبقات 2/65.
(3) قال ابن القيم في زاد المعاد 3/269: ( وكانت في سنة خمس من الهجرة في شوال على أصح القولين، إذ لا خلاف أن أحدا كانت في شوال سنة ثلاث، وواعد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام المقبل، وهو سنة أربع، ثم أخلفوه لأجل جدب تلك السنة، فرجعوا، فلما كانت سنة خمس، جاؤوا لحربه، هذا قول أهل السير والمغازي، وخالفهم موسى بن عقبة وقال: بل كانت سنة أربع).
(4) الفتح 7/500.
(5) في التنقيح ص: 167.(3/77)
…4101- كيدة: قطعة صلبة من الأرض لا يعمل فيها المعول. نازل: إليها. معصوب بحجر: زاد أحمد: "من الجوع"، وفائدة ربط الحجر أن البطن تضمر من الجوع فيخشى على انحناء الصلب بواسطة ذلك، فإذا شد عليه الحجر استقام الظهر، وقيل تسكين حرارة الجوع ببرد الحجر. المعول: المسحاة. فضرب: الكيدة. فعاد: المضروب. كثيبا: رملا. أهيل: أسيلا. أو: للشك. أهيم: بمعنى أهيل(1). إلى البيت: فأذن لي. لامرأتي: سهيمة(2) بنت مسعود الأنصارية(3)
__________
(1) وقع عند أحمد والنسائي في هذه القصة زيادة بإسناد حسن من حديث البراء بن عازب قال: " لما كان حين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق، عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ فيها المعاول، فاشتكينا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء فأخذ المعول فقال: بسم الله، فضرب ضربة فكسر ثلثها، وقال: الله أكير أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية فقطع الثلث الآخر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض، ثم ضرب الثالثة وقال: بسم الله، فقطع بقية الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة".
انظر فتح الباري 7/505.
(2) في الأصل: " سهلة "، وفي الفتح 7/505: سهيلة، والصحيح "سهيمة " كما في الإصابة 7/718.
(3) سهيمة بنت مسعود بن أوس بن مالك بن سواد الأنصارية الظفرية، زوج جابر بن عبد الله.
ذكرها ابن حبيب في المبايعات.
ترجمتها في: الإصابة 7/718.(3/78)
. شعير: قدره صاع كما يأتي. وعناق: أنثى من المعز. فذبحت: أنا. وطحنت: هي. تكسر: اختمر. الأثافي: ثلاثة أحجار توضع عليها القدر. تنضج: تطيب. طعيم: بتخفيف الياء، كذا في نسخنا، قال ابن التين: وهو غلط، وقال الزركشي وابن حجر: بتشديد التحيتية(1)، تصغير طعام، مبالغة في تحقيره. قال: - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين جميعا كما في رواية. ومن معهم: قال: ولقيت من الحياء مالم يعلمه إلا الله تعالى، قلت: جاء الخلق على صاع من شعير وعناق. ولا تضاغطوا: تزدحموا. ويخمر: يغطي/. والتنور: محل الخبز. ثم ينزع: يأخذ اللحم من البرمة.
…4102- خمصا: ضمور البطن من الجوع. فانكفيت: انقلبت. بهيمة: البهيمة هي الصغير من أولاد الغنم، والداجن المقيم منها بالبيت. سورا: هو الصنيع بالحبشية، أي الطعام الذي يدعى إليه، وهو بغير همز، وأما المهموز فهو البقية. فحي أهلا(2): هذه كلمة استدعاء فيها حث، أي هلموا مسرعين، والصواب حذف الألف منها، قاله ابن حجر(3). بك وبك: أي فعل الله بك وفعل بك. معي: حكاية بالمعنى، أي معك، واقدحي: أي اغرفي.
وهم ألف: أي الذين أكلوا. وانحرفوا: مالوا عن الطعام. لتغط: تغلي وتفور.
…4103- "إِذْ جَاؤُوكُمْ": أي الكفار، "وَإِذْ زَاغَتِ الاَبْصَارُ "(4): مالت عن كل شيء إلى عدوها من كل جانب.
…4104- أغمر بطنه(5)
__________
(1) التنقيح ص: 168، والفتح 7/506.
(2) هكذا وقع في رواية القابسي " أهلا بكم" بزيادة ألف، والصواب حذفها، أي "حيهلا" - انظر الفتح 7/507-.
(3) في الفتح 7/507.
(4) من قوله تعالى في سورة الأحزاب، الآية 10: ( إذ جاؤوكم من فوقكم ومن اسفل منكم، وإذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر).
(5) كذا لأبي ذر وأبي زيد، قال القاضي عياض: ولا وجه لها إلا أن يكون بمعنى ستر، كما في الرواية الأخرى: " حتى وارى عني التراب بطنه"، قال: وأوجه هذه الروايات " اغبر" بمعجمه وموحدة وبرفع " بطنه".
قال الحافظ ابن حجر: وفي حديث أم سلمة عند أحمد بسند صحيح: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعاطيهم اللبن يوم الخندق، وقد أغبر شعر صدره"، انظر الفتح 7/510.(3/79)
: أي وارى التراب جلدة بطنه الشريف. يقول: متمثلا بقول ابن رواحة. إن الأُلىَ قد بَغَوْا علينا(1): يحتمل أن يراد به مؤنث الأول، فيكون المعنى أن الجماعة السابقة بالشر بغوا علينا، ويحتمل أن تكون موصولة ويكون خبر إن محذوفا تقديره: إن الذين بغوا علينا ظالمون، والمهاجرة أي الجماعة المهاجرة.
…تنبيه: قال في المفهم: (وغير خاف ما في هذا الحديث من الفقه من جواز التحصن والاحتراز من المكروهات، والعمل في العادات بمقتضاها، وأن ذلك كله غير قادح في التوكل، ولا منقص منه، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - على كمال المعرفة بالله والتوكل عليه والتسليم له، ومع ذلك لم يطرح الأسباب، ولا مقتضى العادات، - صلى الله عليه وسلم - )هـ.
…4105- بالصبا: الصبا هي الريح الشرقية، وإنما أتى بهذا الحديث هنا لأجل الريح التي كانت يوم الأحزاب، ووقع النصر بها للنبي - صلى الله عليه وسلم -، كما في قوله تعالى: " فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا"(2)، فكانت تلك الريح هي الصبا.
…قال مجاهد: سلط الله عليهم الريح فكفأت قدورهم، ونزعت خيامهم، حتى أظعنتهم، يعني ورجعوا هاربين. بالدبور: الريح الغربية.
…4108- قال وأخبرني: أي قال هشام(3)
__________
(1) غير موزون بهذا الشكل، ويتزن - كما قال ابن التين وأقره ابن حجر - بأن يصير: " إن الألى هم قد بغوا علينا"، ووقع "رغبوا" عوض "بغوا" عند السرخسي والكشميهني وأبي الوقت والأصيلي، وكذا في نسخة ابن عساكر - انظر فتح الباري 7/510-.
(2) سورة الأحزاب، الآية 9.
(3) هشام بن يوسف الصنعاني، أبو عبد الله الأنباوي، قاضي صنعاء.
روى عن معمر وابن جريج والثوري، وعنه الشافعي وعلي بن المديني ويحيى بن معين وإسحاق بن راهويه.
قال أبو زرعة: كان هشام أصح اليمانيين كتابا.
توفي عام 197هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 11/57-58، والتقريب رقم 7309.(3/80)
. ونسواتها: قال الخطابي: ( كذا وقع وليس بشيء، وإنما هو "نوساتها" أي ذوائبها)(1). تنطف: أي تقطر ماء، لأنها كانت اغتسلت. قد كان من أمر الناس ما ترين: مراده بذلك ما وقع بين علي ومعاوية من القتال، ثم اجتماع الناس على الحكومة بينهم، فراسلوا بقايا الصحابة من الحرمين وغيرهما، وتواعدوا على الاجتماع بدُومَة الجَنْدَل(2) في رمضان الموالي لوقت الوقعة، وذلك سنة سبع وثلاثين، فشاور ابن عمر أخته حفصة(3) في التوجه إليهم، فأشارت عليه بلحاقه بهم خشية أن يقع من غيبته اختلاف يفضي إلى استمرار الفتنة(4). حتى ذهب: إليهم. فلما تفرق الناس: بعد اختلاف الحكمين وهما أبو موسى وكان من قبل علي، وعمرو بن العاص وكان من قبل معاوية، وكانا اتفقا على أن يعزلا عليا ومعاوية معا، وينظر الناس في أمرهم، فقام أبو موسى وعزلهما معا، وقام عمرو فقال: إن أبا موسى عزل عليا وأنا قد عزلته، ووليت معاوية، فتفرق الناس عند ذلك. في هذا الأمر: أي الخلافة. قرنه: أي صفحة وجهه، أي يظهر لنا نفسه. فلنحن أحق به منه ومن أبيه: يعني بذلك ابن عمر وأباه عمر، قاله الكرماني(5)
__________
(1) أعلام السنن ص: 949.
(2) هي من أعمال المدينة، وحصنها مبني بالجندل، انظر معجم البلدان 2/487.
(3) حفصة بنت عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، هي أم المؤمنين.
أمها زينب بنت مظعون، وكانت قبل أن يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم عند خنيس بن حذافة، وكان ممن شهد بدرا ومات بالمدينة.
قال ابن عبد البر: ( طلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم تطليقة ثم ارتجعها، وذلك أن جبريل قال له: أرجع حفصة فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة).
ترجمتها في: الاستيعاب ص: 1811، والإصابة 7/581-583.
(4) مثله في الفتح 7/513.
(5) في الكواكب الدراري 16/34.
وفيه بعد لأن معاوية كان يبالغ في تعظيم عمر، كذا قال الحافظ في الفتح 7/513.(3/81)
. وهو الذي يدل عليه قوله: قال حبيب(1) لابن عمر: فهلا أجبته، أي معاوية. حللت حبوتي: هي ثوب يلقى على الظهر ويربط / طرفاه على الساقين بعد ضمهما. من قاتلك وأباك… إلخ: يعني يوم أحد ويوم الخندق، فدخل في هذا علي وعمر وجميع من شهدهما من قريش، ومنهم عبد الله بن عمر، ومن هنا يظهر وجه مناسبة إدخال هذه القضية في غزوة الخندق(2). كلمة: هي قوله " أحق بهذا الأمر من قاتلك...إلخ".
ما أعد الله...إلخ: أي لمن صبر وكظم غيظه. ونَوْسَاتُهَا: هذا هو الصواب.…
…4109- نغزوهم ولا يغزونا: وكان الأمر كما قال - صلى الله عليه وسلم -(3).
…4110-حين أجلي الأحزاب عنه:أي رجعوا فارين من غيراختيار منهم كما سبق.
…4111- عن صلاة الوسطى: زاد المص في الدعوات: وهي صلاة العصر، ونحوه لمسلم(4)، وقصر الحافظ ومن تبعه الزيادة المذكورة على مسلم ذهول عما في الدعوات (5).
__________
(1) حبيب بن مسلمة بن مالك بن وهب بن ثعلبة بن واثلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر، أبو عبد الرحمن الفهري الحجازي.
قال البخاري: له صحبة.
وقال ابن معين: ( أهل الشام يثبتون صحبته، وأهل المدينة ينكرونها).
وقال ابن سعد: ( لم يزل مع معاوية في حروبه، ووجهه إلى أرمينية واليا فمات بها سنة اثنتين وأربعين ولم يبلغ خمسين).
ترجمته في: الاستيعاب ص: 320، والإصابة 2/24 ( 26.
(2) مثله في الفتح 7/513.
(3) " وفيه علم من أعلام النبوة، فإنه صلى الله عليه وسلم اعتمر في السنة المقبلة فصدته قريش عن البيت، ووقعت الهدنة بينهم إلى أن نقضوها، فكان ذلك سبب فتح مكة)، انظر الفتح 7/515.
(4) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر (شرح النووي 5/128).
(5) قال الحافظ في الفتح 7/516: ( زاد مسلم: " صلاة العصر"، وسيأتي الكلام عليها وعلى شرح هذا الحديث مستوفى في تفسير سورة البقرة).(3/82)
…4112- ما كدت أن أصلي ...إلخ: أي ما صليت حتى غربت الشمس. بُطْحَان: واد خارج المدينة.
…4113- بخبر القوم: يعني بني قريظة، هل نقضوا العهد وحاربوا أم لا؟ حواري: أنصارا.
…4114- فلا شيء بعده: أي كل شيء، يعني وهو سبحانه الباقي وحده، "كُلُّ شَيْء هَالِكٌ اِلاَّ وَجْهَهُ"(1).
…4116- أو الحج: "أو" للتنويع(2). آيبون: راجعون. لربنا: معمول للأفعال الأربعة. حامدون: له.
تتميم: ذكر ابن إسحاق والواقدي أنه استشهد من المسلمين يوم الخندق ستة لاغير(3)، سعد بن معاذ وأنس بن أوس(4) وعبد الله بن سهل(5) الأوسيون، والطفيل بن النعمان(6) وثعلبة بن عنمة(7) -بمهملة ونون مفتوحتين- وكعب بن زيد الخزرجيون؛ وزاد الدمياطي في الأنساب: قيس بن زيد بن عامر(8)
__________
(1) اقتباسا من سورة القصص، الآية 88.
(2) كذا في الفتح 7/518.
(3) مغازي الواقدي 2/496.
(4) أنس بن أوس بن عتيك بن عمرو بن عبد الأعلم بن عامر بن زعوراء بن جشم بن الحارث الأنصاري.
ذكره موسى عقبة فيمن قتل يوم الخندق، قال: رماه خالد بن الوليد بسهم فاستشهد.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 109، والإصابة 1/121.
(5) عبد الله بن سهل بن رافع الأنصاري ثم الأشهلي، من بني زعوراء.
مذكور في البدريين، ويقال إن عبد الله بن سهل هذا قتل يوم الخندق.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 924، والإصابة 4/122-123.
(6) طفيل بن النعمان بن خنساء بن سنان.
شهد بدرا. قال ابن إسحاق وموسى بن عقبة: استشهد الطفيل بن النعمان بالخندق .
ترجمته في: الإصابة 3/524.
(7) ثعلبة بن عنمة بن عدي بن نابي بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري الخزرجي.
شهد بدرا والعقبة، وكان ممن يكسر أصنام بني سلمة.
قال ابن إسحاق: قتل يوم الخندق.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 207، والإصابة 1/406-407.
(8) قيس بن زيد بن عامر بن سواد بن كعب بن ظفر الأنصاري الظفري. له صحبة، قاله ابن عبد البر.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1288، والإصابة 5/469.(3/83)
وعبد الله بن أبي خالد(1)؛ وزاد الحافظ في الكنى أبا سنان بن صيفي بن صخر(2)، وقتل من المشركين ثلاثة، هـ من شرح المواهب(3).
31- " باب مرجع النبي صلى الله عليه من الأحزاب، ومخرجه
إلى بني قريظة، ومحاصرته إياهم":
…لنقضهم العهد الذي كان بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - وتمالئهم مع قريش وغطفان على محاربته، فخرج إليهم - صلى الله عليه وسلم - لسبع بقين من ذي القعدة سنة خمس في ثلاثة آلاف رجل وستة وثلاثين فرسا.
…4118- ساطعا: مرتفعا. موكب: جماعة الفرسان.
…4119- العصر: وفي مسلم: "الظهر"(4)
__________
(1) عبد الله بن أبي خالد بن قيس بن مالك بن كعب بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار بن النجار الأنصاري الخزرجي.
قال ابن الكلبي: قتل يوم الخندق، وأورده ابن الأثير.
ترجمته في: أسد الغابة 3/149، والإصابة 4/73.
(2) أبو سنان بن صيفي بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي.
ذكره ابن إسحاق فيمن شهد بدرا، واستشهد في الخندق.
ترجمته في: الإصابة 7/193.
(3) انظر خبر غزوة الخندق في: سيرة ابن هشام 2/214-233، وطبقات ابن سعد 2/65، وعيون الأثر لابن سيد الناس 2/54، وسيرة ابن كثير 3/178-222، وزاد المعاد 3/269-275، وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 2/102-126.
(4) في صحيح مسلم (حديث 1770) من رواية ابن عمر، وذلك في جميع النسخ عند مسلم مع اتفاقه مع البخاري على روايته عن شيخ واحد بإسناد واحد، وقد وافق مسلما أبو يعلى، وابن حبان من طريق أبي عتبان.
غير أن أبا نعيم في المستخرج أخرجه من طريق جويرية بلفظ "العصر"، واتفق أصحاب المغازي على أنها " العصر"، وكذلك أخرجه الطبراني والبيهقي في دلائل النبوة بإسناد صحيح.
قال الحافظ ابن حجر: " وهذا كله يؤيد رواية البخاري في أنها العصر".
انظر: الفتح 7/520.(3/84)
، وجمع بينهما باحتمال أن يكون بعضهم كان قد صلى الظهر قبل الأمر، وبعضهم لم يصلها، فقيل لمن صلاها: لا يصلين أحد العصر، ولمن لم يصلها: لا يصلين أحد الظهر، والله أعلم(1)
__________
(1) هذا جمع أول، وجمع بعضهم باحتمال أن تكون طائفة منهم راحت بعد طائفة، فقيل للطائفة الأولى الظهر، وقيل للطائفة التي بعدها العصر، وكلاهما جمع لا بأس به.
قال ابن حجر: ( لكن يبعده اتحاد مخرج الحديث لأنه عند الشيخين كما بيناه بإسناد واحد من مبدئه إلى منتهاه، فيبعد أن يكون كل من رجال إسناده قد حدث به على الوجهين، إذ لوكان كذلك لحمله واحد منهم عن بعض رواته على الوجهين، ولم يوجد ذلك.
ثم تأكد عندي أن الاختلاف في اللفظ المذكور من حفظ بعض رواته، فإن سياق البخاري وحده مخالف لسياق كل من رواه عن عبد الله بن محمد بن أسماء، وعن عمه جويرية، ولفظ البخاري: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذلك، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم". ولفظ مسلم وسائر من رواه: " نادى فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم انصرف عن الأحزاب أن لايصلين أحد الظهر إلا في بني قريظة، فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة، وقال آخرون: لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن فاتنا الوقت، قال: فما عنف واحدا من الفريقين".
فالذي يظهر من تغاير اللفظين أن عبد الله بن محمد بن أسماء شيخ الشيخين فيه، لما حدث به البخاري حدث به على هذا اللفظ، ولما حدث به الباقين حدثهم به على اللفظ الأخير، وهو اللفظ الذي حدث به جويرية، بدليل موافقة أبي عتبان له عليه بخلاف اللفظ الذي حدث به البخاري، أو أن البخاري كتبه من حفظه ولم يراع اللفظ كما عرف من مذهبه في تجويز ذلك، بخلاف مسلم فإنه يحافظ على اللفظ كثيرا، وإنما لم يجوز عكسه لموافقة من وافق مسلما على لفظه بخلاف البخاري، لكن موافقة أبي حفص السلمي له تؤيد الاحتمال الأول، وهذا كله من حيث حديث ابن عمر، أما بالنظر إلى حديث غيره فالاحتمالان المتقدمان في كونه قال الظهر لطائفة والعصر لطائفة متجه، فيحتمل أن تكون رواية الظهر هي التي سمعها ابن عمر، ورواية العصر هي التي سمعها كعب بن مالك وعائشة، والله أعلم).
انظر: الفتح 7/520 ( وهو بحث حديثي نفيس، يعض عليه بالنواجذ).(3/85)
.
…فلم يعنف واحدا منهم: زاد البيهقي: (فصلت طائفة إيمانا واحتسابا، وتركت طائفة إيمانا واحتسابا)(1).
…4120- سمعت أبي: هو سليمان. النخلات: بقصد أن يفرقها على المهاجرين على سبيل العارية لا التملك. حتى افتتح قريظة والنضير: فقسم في المهاجرين من غنائمهم فأكثر، وأمرهم برد ماكان الأنصار منحوهم به لاستغنائهم عنه، ولأنهم لم يكونوا ملكوهم رقاب ذلك. أعطاه أم أيمن: على وجه المنحة لا التمليك، وفي مسلم: " فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعطانيه فجاءت". لك كذا: أي اتركيه ولك كذا. حسبت أنه قال: عشرة أمثاله: وفي مسلم: حتى أعطاها عشرة أمثاله.
…4121- من المسجد: الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أعده للصلاة فيه في ديار بني قريظة أيام حصارهم، وليس المراد به المسجد النبوي(2).
__________
(1) في زاد المعاد 3/131: ( واختلف الفقهاء أيهما كان أصوب؟ فقالت طائفة: الذين أخروها هم المصيبون، ولو كنا معهم لأخرناها كما أخروها، ولما صليناها إلا في بني قريظة امتثالا لأمره، وتركا للتأويل المخالف للظاهر.
وقالت طائفة أخرى: بل الذين صلوها في الطريق في وقتها حازوا قصب السبق، وكانوا أسعد بالفضيلتين، فإنهم بادروا إلى امتثال أمره في الخروج، وبادروا إلى مرضاته في الصلاة في وقتها، وفهموا ما يراد منهم، وكانوا أفقه من الآخرين،...، وأما المؤخرون لها فغايتهم أنهم معذورون، بل مأجورون أجرا واحدا لتمسكهم بظاهر النص، وقصدهم امتثال الأمر، وأما أن يكونوا هم المصيبين في نفس الأمر، ومن بادر إلى الصلاة وإلى الجهاد مخطئا، فحاشا وكلا، والذين صلوا في الطريق، جمعوا بين الأدلة، وحصلوا الفضيلتين، فلهم أجران، والآخرون مأجورون أيضا رضي الله عنهم).
(2) من الفتح 7/524.(3/86)
…نزل أهل قريظة على حكم سعد: بعدما حاصرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة ليلة، وقيل خمسا وعشرين(1)، حتى أجهدهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب. قوموا إلى سيدكم: السيد المتقدم على قومه بما فيه من الخصال الحميدة. أو أخيركم: شك من الراوي، وفي بعض طرقه "سيدكم" من غير شك، أي فأنزلوه من دابته أو هنوه بخروجه من محل مرضه أو سلموا عليه لقدومه من غيبته عنكم، وانظر بقية الكلام عليه في الأدب ولابد.
__________
(1) كما في زاد المعاد 3/133.(3/87)
…تقتل مقاتلتهم: في رواية: يقتل منهم كل من جرت عليه الموسى، ففيها زيادة بيان الفرق بين المقاتلة والذرية، واختلف/ في عددهم، فقيل كانوا ستمائة، وقيل سبعمائة، وقال السهيلي: (المكثر يقول ما بين الثمانمائة إلى التسعمائة). وتسبي ذراريهم: جمع ذرية، أي النساء والصبيان، وتقسم أموالهم كما يأتي، وعدد سبيهم(...)(1)، وعدد غنائمهم على ما نقله الزرقاني(2) عن ابن سعد ألف وخمسمائة سيف، وثلاثمائة ذرع، وألفا رمح، وخمسمائة ترس، وحجفه وجمال نواضح وماشية كثيرة، وإنما حكم فيهم بما ذكر لعظم جنايتهم حيث نقضوا ما بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - من العهد، وأعانوا عليه قريشا، وقاتلوه وسبوه أقبح سب، فاستحقوا لذلك لعنة الله عليهم وغضبه. بحكم الملك: أي بحكم الله كما في رواية، فأنفذ - صلى الله عليه وسلم - حكم سعد فقتل المقاتلة بأن حفر لهم أخدودا بالسوق، وضربت أعناقهم وألقوا فيه ورد عليهم التراب، وسبى الذرية والنساء، وقسم الأموال والسبي في أصحابه(3)
__________
(1) هنا بياض بالأصل، وقد نبه عليه العرائشي في هامش نسخته.
(2) في شرح المواهب 2/126، وانظر الطبقات الكبرى 2/75.
(3) قال ابن القيم في زاد المعاد 3/135: ( قال مالك في رواية ابن القاسم: قال عبد الله بن أبي لسعد بن معاذ في أمرهم: إنهم أحد جناحي، وهم ثلاثمائة دراع، وستمائة حاسر، فقال: قد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم، ولما جيء بحيي بن أخطب إلى بين يديه، ووقع بصره عليه، قال: أما والله ما لمت نفسي في معاداتك، ولكن من يغالب الله يغلب، ثم قال : يا أيها الناس، لابأس، قدر الله وملحمة كتبت على بني إسرائيل ، ثم حبس فضربت عنقه).
وكانت كل غزوة ليهود المدينة عقب غزوة من الغزوات الكبار، فغزوة بني قينقاع عقب بدر، وغزوة بني النضير عقب غزوة أحد، وغزوة بني قريظة عقب الخندق.
وانظر خبر غزوة بني قريظة في: سيرة ابن هشام 2/233-248، وطبقات ابن سعد 2/74-78، ومسند أحمد 6/141-142، وزاد المعاد 3/129-135، وشرح المواهب 2/126-148.(3/88)
.
…4122- في الأكحل: هو عرق في وسط الذراع، قال الخليل(1): ( وهو عرق الحياة، وفي كل عضو منه شعبة، إذا قطع لم ينزف منه الدم)(2). فإني أظن أنك قد وضعت الحرب...إلخ: قال بعض الشراح: ( لم يصب في هذا الظن لما وقع من الحروب بعد ذلك)، وقال ابن حجر: ( بل أصاب وقصده الحرب الناشئة عن قصد المشركين إلى المسلمين، وهذا لم يقع بعد ذلك، فدعاؤه رضي الله عنه مستجاب)(3). فافجرها: أي الجرحة. من لبته: (هي موضع القلادة من الصدر، وللكشميهني: " من ليلته"، وهو تصحيف، ففي رواية ابن خزيمة(4): " فإذا لبته قد انفجرت من كلمه"، أي من جرحه، وكان موضع الجرح ورم حتى وصل إلى صدره فانفجر من ثم)، قاله الحافظ(5)، وبه يسقط ما للفاسي في حاشيته هنا. فلم يرعهم: أي أهل المسجد. يغذو: يسيل .
32 - " غزوة ذات الرقاع ":
__________
(1) أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي، ويقال الفرهودي، الأزدي البصري النحوي، صاحب العروض، وكتاب العين، روى عن عاصم بن أبي النجود وابن كثير، مات حوالي سنة 170 هـ.
ترجمته في: غاية النهاية في طبقات القراء 1/275، وبغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ص: 244-245.
(2) نقلا عن الفتح 7/525، وفيه ( إذا قطع لم يرقأ الدم).
(3) فتح الباري 7/527.
(4) أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة، السلمي النيسابوري.
قال الدارقطني: ( كان إماما ثبتا معدوم النظير)، توفي سنة 311 هـ.
ترجمته في: البداية والنهاية 11/149، وتذكرة الحفاظ 2/720، وغاية النهاية في طبقات القراء 2/97.
(5) ما بين قوسين في الفتح 7/527.(3/89)
…سميت بذات الرقاع لأجل الرقاع التي جعلوا في أرجلهم كما في حديث أبي موسى(1)، فهو أرجح من جميع ما قيل في ذلك، قاله ابن غازي، وهو ظاهر(2)، والجمهور على أنها واحدة، "وقال الواقدي إنهما اثنتان، وتبعه الحلبي(3)، والله أعلم بالصواب"(4).
…وهي غزوة محارب خصفة: أي ابن خصفة بن قيس بن غيلان بن إلياس بن مضر(5).
…من بني ثعلبة: كذا وقع، والصواب: "وبني ثعلبة" كما عند ابن إسحاق وكما يأتي، قاله ابن حجر(6).
…من غطفان: كذا في نسخنا بالميم والنون، وهو الصواب، قاله ابن حجر(7).
…فنزل نخلا (8): اسم موضع على يومين من المدينة، وهو معروف كما اشتهر على الألسنة.
…وهي: أي ذات الرقاع. لأن أبا موسى ... إلخ: يعني وقد حضرها، فدل على أنها بعده، وهو استدلال صحيح(9).
__________
(1) يأتي تحت رقم 4128.
(2) وقال ابن هشام وغيره: سميت بذلك لأنهم رقعوا فيها راياتهم، وقيل: بشجر بذلك الموضوع يقال له ذات الرقاع، وقيل: بل الأرض التي كانوا نزلوا بها كانت ذات ألوان تشبه الرقاع، وقيل غيرذلك، وبالجملة فقد اتفقوا على غير السبب الذي ذكره أبو موسى.
(3) علي بن إبراهيم بن أحمد بن علي بن عمر الحلبي القاهري، أبو الحسن.
ولد بمصر وتوفي بالقاهرة عام 1044هـ.
له: إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون، وزهر المزهر في مختصر المزهر.
ترجمته في: فهرس الفهارس 1/255، وهدية العارفين 1/755.
(4) نقلا عن الفتح 7/532.
(5) من الفتح 7/531.
(6) في الفتح 7/531.
(7) في الفتح 7/531 ما يلي: ( وفي قوله: " ثعلبة بن غطفان" بباء موحدة ونون نظر أيضا، والأولى ما وقع عند ابن إسحاق: " وبني ثعلبة من غطفان" بميم ونون، فإنه ثعلبة بن سعد بن دينار بن معيص بن ريث بن غطفان، على أن لقوله: " ابن غطفان" وجها بأن يكون نسبه إلى جده الأعلى).
(8) منزل من منازل بني ثعلبة، من المدينة على مرحلتين، وقيل موضع بنجد بأرض غطفان، انظر معجم البلدان 5/276.
(9) مثله في الفتح 7/532.(3/90)
…قال ابن عرفة(1) في مختصره: ( وهو مشكل لاتفاق أهل السير فيما علمت أنها في الرابعة، وخيبر في السابعة، ولم يتعقبه السهيلي ولا أبو عمر مع وقوفهم على حديث البخاري فيما يظن بهم، إلا أن يحمل شهوده إياها قبل هجرته للحبشة، لصحة قدومه على النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل هجرته للحبشة)، هـ منه(2).
…وقال الدمياطي: ( حديث أبي موسى مشكل مع صحته، وما ذهب أحد من أهل السير إلى أنها بعد خيبر) هـ نقله في التنقيح(3) والفتح(4)، وجوابه ما قاله ابن عرفة، والله أعلم.
…4125- في غزوة السابعة: أي السفرة السابعة(5). بذي قرد: موضع على نحو يوم من المدينة، وقصد البخاري من حديث ابن عباس وسلمة (6)
__________
(1) أبو عبد الله محمد بن عرفة الورغي التونسي المالكي، له مختصر في الفقه، والحدود، واختصار كتاب الحوفي، اشتهر بأبحاثه وتهذيباته في الفقه المالكي، واهتم به العلماء وبآثاره توفي سنة 803 هـ.
ترجمته في: الديباج المذهب 2/331.
(2) مختصر ابن عرفة
(3) التنقيح ص: 169.
(4) بل الذي في الفتح 7/532 هو ما يلي: ( وعجبت من ابن سيد الناس كيف قال: جعل البخاري حديث أبي موسى هذا حجة في أن غزوة ذات الرقاع متأخرة عن خيبر، قال: وليس في خبر أبي موسى ما يدل على شيء من ذلك - انتهى، وهذا النفي مردود، والدلالة من ذلك واضحة كما قررته، وأما شيخه الدمياطي فادعى غلط الحديث الصحيح، وأن جميع أهل السير على خلافه، وقد قدمت أنهم مختلفون في زمانها، فالأولى الاعتماد على ما ثبت في الحديث الصحيح، وقد ازداد قوة لحديث أبي هريرة وبحديث ابن عمر).
(5) المراد بذلك سابع غزوة وقع فيها القتال، والأولى من هذه الغزوات بدر، والثانية أحد، والثالثة الخندق، والرابعة قريظة، والخامسة المريسيع، والسادسة خيبر - انظر الفتح 7/533-.
(6) سلمة بن عمرو بن الأكوع: سنان بن عبد الله.
أول مشاهده الحديبية، وكان من الفرسان، ويسبق الفرس عدوا، وبايع النبي صلى الله عليه وسلم عند الشجرة على الموت.
مات في آخر خلافة عثمان.
ترجمته في: الإصابة 3/151-152.(3/91)
الموافق له في تسمية الغزوة، الإشارة أيضا إلى أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد خيبر، لأن في حديث سلمة في غير هذه الطريق التنصيص على أن غزوة ذات قرد كانت بعد خيبر(1)، فظن البخاري رحمه الله أنهما غزوة واحدة لوقوع صلاة الخوف فيهما معا، وليس كذلك، لاختلاف السبب / والقصد، فإن سبب غزوة ذات الرقاع ما قيل لهم إن محارب يجمعون لكم فخرجوا إليهم إلى بلاد غطفان، وسبب غزوة القرد إغارة عبد الرحمن بن عينية مع قومه على لقاح المدينة،
فخرجوا في إثرهم، واستنقذه(2) منهم سلمة وحده، ولم يصلوا إلى غطفان فافترقا، قاله ابن حجر(3).
…4126- وثعلبة: هذا هو الصواب.
…4128- ستة نفر: من الأشعريين(4). نعتقبه: يركب هذا قليلا، ثم ينزل ويركب الآخر على سبيل المناوبة. فنقبت أقدامنا: رقت، يقال نقب البعير إذا رق خفه. ثم كره ذلك: وذلك أن كتمان العمل الصالح أفضل من إظهاره، إلا لمصلحة راجحة كالاقتداء به(5).
…4129- عمن شهد...إلخ: هو أبوه " خوات"(6)، وقيل سهل بن أبي حثمة(7)
__________
(1) في الفتح 7/534: (... لأن في حديث سلمة التنصيص على أنها كانت بعد الحديبية، وخيبر كانت قرب الحديبية).
(2) في أصل المخطوط " استنقذهم": بالجمع، ورمز عليها العرائشي بحرف كـ، دلالة على أن هذه اللفظة وجدت "كذا" في أصل الشبيهي الزرهوني، وهو خطأ، والصحيح: " استنقذه"، وما في الفتح 7/534 أصح وأوضح: " هزمهم وحده، واستنقذ اللقاح منهم").
(3) في الفتح 7/534.
(4) قال الحافظ في الفتح 7/535: ( لم أقف على أسمائهم، وأظنهم من الأشعريين).
(5) نقلا من الفتح 7/536.
(6) خوات بن جبير بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري.
شهد بدرا وأحدا والمشاهد بعدها.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 455، والإصابة 2/346-348.
(7) سهل بن أبي حثمة بن ساعدة بن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي.
وأمه أم الربيع بنت سالم بن عدي بن مجدعة.
وقد كان لسهل عند موت النبي صلى الله عليه وسلم سبع أو ثمان سنين.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 661، والإصابة 3/195-196.(3/92)
كما يأتي.
…وأتموا لأنفسهم: وسلموا.
…4130- قال مالك: إمام الأئمة، بالسند السابق. وذلك أحسن...إلخ: لأنه سمع فيها كيفيات.
…4131- ويسجدون سجدتين في مكانهم: ثم يسلمون.
…بني أنمار: هذه غزوة محارب وثعلبة أيضا لقرب ديار بني أنمار من ديار بني ثعلبة، ولما روي أن سبب غزوة ذات الرقاع أن أعرابيا أتى المدينة فقال: إني رأيت ناسا من بني ثعلبة ومن بني أنمار جمعوا لكم جموعا وأنتم في غفلة، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم(1).
…4135- القائلة: وسط النهار. العضاة: شجر يعظم له شوك. سمرة: شجرة كثيرة الورق. أعرابي: يأتي اسمه. صلتا: مجردا من غمده. من يمنعك مني: استفهام إنكاري، أي لايمنعك مني أحد. قلت: الله: فشام السيف، أي أغمده؛ وذكر الواقدي أنه أسلم ورجع إلى قومه فاهتدى به خلق كثير(2).
…4136- ثم تأخروا: فكملوا لأنفسهم أربعا. وبالطائفة الأخرى ركعتين: ثم أتموا بعد سلامه أربعا. وللقوم ركعتان: أي مع الإمام، أي وركعتان أخريان وحدهم، فصار للجميع أربع، كذا قرره شيخ الإسلام(3).
…قال ابن حجر: ( وهذه الكيفية مخالفة للكيفية التي في طريق أبي الزبير(4)، وهو مما يقوي أنهما واقعتان(5)
__________
(1) ذكره الواقدي، انظر الفتح 7/540.
(2) كذلك في الفتح 7/544، وعند ابن اسحاق: " ثم أسلم بعد".
(3) هو زكريا الأنصاري، وقد تقدمت ترجمته في شرح الحديثين 3962-3963.
(4) عبد الرحمن بن الصامت الدوسي، ابن عم أبي هريرة، وقيل ابن أخته، أبو الزبير المكي.
ذكره ابن حبان في الثقات، ولا يعرف إلا روايته قصة ماعز الأسلمي، فهو في عداد المجهولين.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 6/198.
(5) الظاهر أن صلاة الخوف بعسفان مغايرة لصلاة الخوف بذات الرقاع، فجابر روى القصتين معا، فأما رواية أبي الزبير عنه ففي قصة عسفان، وأما رواية أبي سلمة ووهب بن كيسان وأبي موسى المصري عنه ففي غزوة ذات الرقاع، وهي غزوة محارب وثعلبة.
انظر فتح الباري 7/539.(3/93)
(1).
…اسم الرجل غورث(2): وقع عند الواقدي في قصة شبيهة بهذه أن اسم الأعرابي دعثور بن الحارث(3)، وأنه أسلم، لكن ظاهر كلامه أنهما قصتان، قاله ابن حجر(4).
…4137- وإنما جاء أبو هريرة …إلخ: قصده بهذا تأكيد ما ذهب إليه من أن ذات الرقاع كانت بعد خيبر، لكن لا يلزم من كون الغزوة كانت في جهة نجد ألا تتعدد، فإن نجدا وقع التوجه إلى جهتها مرات، فيحتمل أن يكون أبو هريرة حضر التي بعد خيبر، لا التي قبلها، والله أعلم، قاله الحافظ في الفتح(5).
33- " غزوة بني المصطلق من خزاعة وهي غزوة المريسيع "
والمريسيع ماء لبني خزاعة.
__________
(1) فتح الباري 7/544.
(2) غورث بن الحارث الذي قال: من يمنعك مني؟ قال: الله، فوضع السيف من يده وأسلم كما عند الذهبي في التجريد، ويبقى إسلامه على الاحتمال.
انظر: الإصابة 5/328-330.
(3) دعثور بن الحارث الغطفاني.
ذكره أبو سعيد النقاش، وروى الواقدي قصة له مشابهة لقصة غورث بن الحارث.
انظر: الإصابة 2/387.
(4) في الفتح 7/544، وفي الإصابة قال: ( وقصته - أي دعثور - شبيهة بقصة غورث بن الحارث المخرجة في الصحيح من حديث جابر، فيحتمل التعدد، أو أحد الاسمين لقب إن ثبت الاتحاد).
(5) الفتح 7/545.(3/94)
…قال ابن حجر: هكذا وقع هنا، وذكر ما يتعلق بها، ثم أورد حديث أبي سعيد في العزل، ثم أورد بعده حديث جابر في غزوة نجد، ثم ذكر بعده ترجمة، وهي غزوة أنمار، وذكر فيها حديث جابر، ومحل هذا كله قبل غزوة بني المصطلق لأنه عقبها بترجمة حديث الإفك، والإفك كان فيها، فلا معنى لإدخال غزوة أنمار بينهما، بل غزوة أنمار بينهما، بل غزوة أنمار يشبه أن تكون هي غزوة محارب وبني ثعلبة، والذي يظهر أن التقديم والتأخير في ذلك من النساخ(1). سنة ست: أي في شعبان. وقال موسى سنة أربع: ابن حجر: ( كأن هذا سبق قلم، وصوابه خمس، وهو الذي لابن عقبة من عدة طرق، وهو أصح / من قول ابن إسحاق)(2).
…4138- فأصبنا سبيا من سبي العرب: بني المصطلق. فاشتهينا النساء: أي جماعهن. وأحببنا العزل: أي عزل المني عن فرج المرأة في حالة الجماع، خوفا من الاستيلاء المانع من البيع. ما عليكم ألا تفعلوا: أي ليس عدم الفعل واجبا عليكم، فإن الفعل لايؤثر شيئا إلا بقضاء الله وقدره، ويأتي الكلام على حكم العزل في كتاب النكاح إن شاء الله(3).
تنبيه: قال الأبي(4): ( بنو المصطلق قوم وثنيون، ولا توطأ غير الكتابية بالملك حتى تسلم، وهذا قول الجمهور).
…عياض: ( وأجابوا عن الحديث بأنهم كانوا يدينون بدين أهل الكتاب، وقيل غير ذلك)هـ.
34- " غزوة أنمار "
…هي ذات الرقاع السابقة كما قدمناه.
35- " حديث الإفك "
…الإفك أشد الكذب، والمراد الإفك المذكور في شأن عائشة رضي الله عنها، وكانت قضيته في المريسيع، وهي المصطلق، في شعبان سنة خمس على ماهو الصواب.
__________
(1) فتح الباري 7/546.
(2) فتح الباري 7/546.
(3) كتاب النكاح، الباب 97.
(4) محمد بن خليفة بن عمر التونسي الوشتاتي، المشهور بالأبي، أبو عبد الله.
ولي قضاء الجزيرة.
له: إكمال إكمال المعلم في شرح مسلم، وشرح المدونة، وتفسير القرآن.
توفي عام 828هـ.
ترجمته في: البدر الطالع 2/169، ونيل الابتهاج 287، وكشف الظنون 1/557.(3/95)
…إفكهم: من قوله تعالى: " وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ "(1). من قال أفكهم: فعلا ماضيا.
…4141- وأيهن: للأصيلي(2): "فأيتهن"، قال الزركشي: وهو الصواب(3). في غزوة: هي المريسيع. بعدما أنزل الحجاب: لأن نزوله كان في ذي القعدة من السنة الرابعة عند مبتناه - صلى الله عليه وسلم - بزينب بنت جحش(4)، هذا الذي قاله غير واحد، وصححه الدمياطي، وهو مما يؤيد أن المريسيع كانت سنة خمس. هودج: شبه المحفة. وقفل: رجع. يهبلن: يكثر لحمهن. استمر الجيش: في مسيره. من وراء الجيش: لينظر من سقط له شيء يأتيه به. فتيممت: قصدت، باسترجاعه: بقوله إنا لله وإنا إليه راجعون. فخمرت وجهي: غطيته. موغرين: أي وقت الوغرة، وهي الهاجرة. ويستوشيه: أي يزينه ويقويه. عصبة: جماعة. نقهت: أفقت من مرضي. فخرجت مع أم مسطح(5)
__________
(1) سورة الأحقاف، الآية 28.
(2) أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن محمد الأصيلي الأندلسي، ينسب إلى أصلية بالقرب من طنجة بالمغرب الأقصى. أخذ عن الذهلي والآجري وأبي زيد المروزي، قال الدارقطني: (حدثني أبو محمد الأصيلي ولم أر مثله)، ألف شرح الموطأ وسماه الدلائل في اختلاف العلماء، توفي سنة 392 هـ.
ترجمته في: تذكرة الحفاظ 3/1024، وجذوة المقتبس ص: 239-240، والديباج المذهب 1/433-434، وشجرة النور الزكية 1/100-101.
(3) التنقيح ص: 169.
(4) زينب بنت جحش الأسدية، أم المؤمنين، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة، وبسببها نزلت آية الحجاب.
وفي الصحيحين عن عائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أسرعكن لحاقا بي أطولكم يدا)، فكانت أول نسائه لحوقا به، لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق.
ترجمتها في: الاستيعاب ص: 1849، والإصابة 7/667 ( 670.
(5) أم مسطح، مشهورة بكنيتها.
يقال اسمها سلمى، ويقال ريطة، حكاه ابن الأمين عن ابن بشكوال، وبه جزم ابن حزم في الجمهرة.
قال ابن سعد: ( أسلمت أم مسطح فحسن إسلامها، وكانت من أشد الناس على مسطح حين تكلم مع أهل الإفك).
ترجمتها في: الإصابة 8/302-303.(3/96)
: بإداوة ماء. المناصع: هو صعيد أفيح خارج المدينة. متبرزنا: محل قضاء حاجتنا. حين فرغنا من شأنها: أي من شأن المسير قبل قضاء حاجتها ليوافق الرواية الآتية، وأنها لما أخبرتها الخبر، رجعت كأن الذي خرجت له لا تجد منه قليلا ولا كثيرا، وكذا قرره ابن حجر. مرطها: كسائها. تعس مسطح: كب لوجهه، أو هلك .أي هنتاه: يا هذه أو يا بلهاء. ما قال: فيك. فأذن لي: فأتيتهما. وضيئة: حسنة. إلا كثرن عليها: القول في عيبها. تحدث الناس بهذا: في رواية ابن إسحاق: فقلت لأمي: غفر الله لك، يتحدث الناس بهذا ولا تذكرين لي. فبكيت: في رواية هشام: فسمع أبو بكر بكائي ففاضت عيناه، فقال: أقسمت عليك يا بنية إلا رجعت إلى بيتك، فرجعت. استلبث: أبطأ. يعلم لهم: أي من الود، كما صرح به مسلم في روايته(1). أهلك: أي الزم أهلك. لم يضيق الله عليك: آثر علي رضي الله عنه جانب النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رآه مغتما، مع ما يعلم من شدة غيرته - صلى الله عليه وسلم -، فرأى أنه إذا فارقها سكن ما عنده، ثم راجعها عند تحقق براءتها، ولم يرد بقوله ذلك عيبا ولا نقصا، قاله ابن أبي جمرة وغيره.
…بريرة(2): وكانت تخدم عائشة بأجرة، وهي في رق مواليها قبل شرائها منهم. أغمصه: أعيبه. الداجن: الشاة التي تألف البيوت، تعني: ومن كان هذا وصفه كيف يصدر منه ما رمي به. من يعذرني: من يقوم بعذري إن كافأته على قبح فعاله، أو من ينصفني منه. ذكروا رجلا: هو صفوان(3)
__________
(1) صحيح مسلم، كتاب التوبة 56.
(2) بريرة مولاة عائشة.
اشترتها عائشة فأعتقتها، وكانت تخدمها قبل أن تشتريها، وقصتها في الصحيحين.
ترجمتها في: الإصابة 7/535-536.
(3) صفوان بن المعطل بن ربيعة –بالتصغير- ابن خزاعي - بلفظ النسب - ابن محارب ين مرة بن فالج بن ذكوان الذكواني.
شهد الخندق والمشاهد.
قال ابن إسحاق: قتل صفوان في خلافة عمر في غزاة أرمينية شهيدا.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 725، والإصابة 3/440-442.(3/97)
. سعد: هو ابن معاذ، قال ابن حجر: وهذا مما يؤيد أن المريسيع كانت سنة خمس في شعبان، يعني والخندق سنة خمس أيضا في شوال، وفيها مات "سعد". أم حسان: فريعة(1). صالحا: ولازال صالحا، الحمية: أي حيث لم يسند ابن معاذ أمر الخزرج إليهم، وأسنده إلى نفسه. ولا تقدر: يعني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجعله إليك. ابن عم سعد: أي ابن معاذ. لنقتلنه: إن أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتله. منافق: قاله مبالغة في زجر سعد، وحاشاه من ذلك، بل هو من خيار الصحابة وجلتهم. عندي: في بيتي، لأنها رجعت من عندهما. امرأة:/ لم تسم. كذا وكذا: كناية عما رميت به من الإفك، ولم أر في شيء من طرقه التصريح به، فلعل الكناية من لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم -، قاله ابن حجر. فسيبرؤك الله: بوحي. قلص دمعي: استمسك نزوله فانقطع. لا أقرأ من القرآن كبيرا: فلم تستحضر اسم يعقوب. تحولت: حولت وجهي عنهم وأدرته للجدار. البرحاء: الشدة من ثقل الوحي. الجمان: اللؤلؤ. قومي إليه: فاحمديه وقبلي رأسه. والله لا أقوم إليه: قال ابن الجوزي: فعلت ذلك دلالا كما يدل الحبيب على الحبيب، وقال ابن عطاء الله(2)
__________
(1) فريعة بنت خالد بن خنيس بن لودان الأنصارية، والدة حسان بن ثابت، وإليها كان ينسب، فيقال: قال ابن الفريعة.
ذكرها ابن سعد في المبايعات.
ترجمتها في: الطبقات 2/271، والإصابة 8/73.
(2) أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله الإسكندري، الجذامي الشاذلي، تاج الدين.
صوفي شهير، له: الحكم، ومفتاح الفلاح ومصباح الأرواح، والمرقى إلى القدير الأبقى.
توفي بالقاهرة عام 709هـ.
ترجمته في: الدرر الكامنة 1/273، وطبقات الشافعية للسبكي 5/176، وشذرات الذهب 6/19، والديباج المذهب 70.(3/98)
: ( إنها كانت مصطلمة في مقام الفناء). العشر الآيات(1): آخرها: " رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ"، كما قاله الشيخ زكريا، والقسطلاني (2) رادا به على ابن حجر في قوله: إن آخرها: "وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ"، ثم أنزل الله ...إلخ: هذا بمنزلة التأكيد بلفظة "ثم"، كقوله تعالى: "كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونّ"(3)، قاله السندي(4) . لقرابته منه: لأنه ابن خالته. لعائشة: أي عنها. ياتل: يحلف. فرجع...إلخ: عند الطبراني أنه صار يعطيه ضعف ماكان يعطيه قبل ذلك. زينب: وكان - صلى الله عليه وسلم - تزوجها في ذي القعدة سنة أربع على ماهو الصواب. تساميني: تضاهيني وتفاخرني بجمالها وحظوتها عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . أحمي: أمنع. سمعي وبصري: من أن أقول سمعت ولم أسمع، وأبصرت ولم أبصر. تحارب لها: أي لأجلها، من الحزب وهو الغضب، أي تغضب لأجلها فتحكي مقالة أهل الإفك، لتخفض منزلة عائشة وترفع منزلة أختها فهلكت فيمن هلك.
…تنبيه: روى أصحاب السنن عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام حد القذف على الذين تكلموا بالإفك، ولم يذكر فيهم عبد الله بن أبي، وكذا رواه البزار عن أبي هريرة (5).
__________
(1) من سورة النور، الآيات 11 ( 20.
(2) انظر إرشاد الساري 6/382.
(3) سورة النبأ، الآيتان 4-5.
(4) محمد بن عبد الهادي السندي، ثم المدني، أبو الحسن.
ولد بالسند، وطلب الحديث فيها، ثم رحل إلى الحرمين، وسكن المدينة.
له: حاشية على كل من الكتب الستة، وحاشية على تفسير البيضاوي، وحاشية على جمع الجوامع.
توفي بالمدينة في شوال عام 1138هـ.
ترجمته في: فهرس الفهارس 1/103، وسلك الدرر للمرادي 4/66، وهدية العارفين 2/318.
وانظر قول السندي في حاشيته على البخاري 3/40.
(5) نقلا عن الفتح 8/479، والحديث في سنن أبي داود، كتاب الحدود باب حد القذف، ح4474.(3/99)
…قال ابن حجر: ( وورد أيضا أنه ذكر فيمن أقيم عليه الحد) هـ، وذكر ذلك المص في الاعتصام معلقا.
…من كنف أنثى: أي ثوبها الذي يكتنفها، كناية عن الجماع، لأنه كان حصورا لايأتي النساء.
…4142- الوليد بن عبد الملك: ابن مروان الأموي. من قومك: قريش. مسلما في شأنها: بفتح اللام من السلامة من الخوض، وبكسرها من التسليم وترك الكلام في إنكاره، وللكشميهني: "مسيئا" من الإساءة، بمعنى ترك التحزن لها لأنه لم يقل كما قال أسامة: أهلك، ولا نعلم إلا خيرا، بل قال: لم يضيق الله عليك...إلخ، وهو رضي الله عنه منزه عن أن يقول مقال أهل الإفك. فراجعوه: أي هشام بن يوسف في قوله: "مسلما"، لأن عبدالرزاق رواه عن "معمر": مسيئا، فخالفه. فلم يرجع وقال "مسلما" بلا شك: وهذا اعتراف منه بالحق، وإن كان لفظ "مسيئا" لا نقص فيه على "علي" أيضا كما قدمناه.
…4143- حدثتني أم رُومان: فيه سماع مسروق(1) من أم رومان، خلافا للواقدي ومن تبعه، انظر الفتح(2)
__________
(1) مسروق بن الأجدع بن مالك بن أمية بن عبد الله بن سلامان بن معمر بن الحارث الهمداني الكوفي.
روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ وعائشة وأمها أم رومان.
وعنه الشعبي والنخعي ومكحول الشامي وأبو إسحاق السبيعي.
توفي عام 63هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 10/109-111، والتقريب رقم 6601.
(2) لقد استشكل قول مسروق: " حدثتني أم رومان"، مع أنها ماتت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ومسروق ليست له صحبة، لأنه لم يقدم من اليمن إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر أو عمر.
والذي يظهر بعد التأمل أن الصواب مع البخاري، خلافا للواقدي والخطيب البغدادي والمزي، لأن عمدتهم في دعوى الوهم الاعتماد على قول من قال إن أم رومان ماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رد البخاري نفسه هذا القول في تاريخه الأوسط والصغير، فقال بعد أن ذكر أم رومان في فصل من مات في خلافة عثمان: " وفيه نظر، وحديث مسروق أسند، أي أقوى إسنادا وأبين اتصالا".
وقد تلقى كلام الخطيب بالتسليم عياض، والسهيلي، وابن سيد الناس، وغيرهم، وخالفهم ابن القيم فقال: ( وأما حديث موتها في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزوله في قبرها، فحديث لا يصح، وفيه علتان تمنعان صحته، إحداهما: رواية علي بن زيد بن جدعان له، وهو ضعيف الحديث لا يحتج بحديثه، والثانية: أنه رواه عن القاسم بن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم، والقاسم لم يدرك زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يقدم هذا على حديث إسناده كالشمس يرويه البخاري في صحيحه)، وفي هذا كفاية في التعقب على الخطيب ومن تبعه فيما تعقبوه على هذا الجامع الصحيح.
انظر: زاد المعاد 3/266-267، وفتح الباري 7/556-557.(3/100)
. فعل الله بفلان: أي ولدها، قال ابن حجر: ( ولم أقف على اسمه ولا على اسم أمه، وهي غير المرأة التي دخلت على عائشة وبكت معها، وطريق الجمع بين هذه الرواية وبين غيرها من أنها سمعت الخبر أولا من أم مسطح، هو أنها سمعته منها أولا مجملا، ثم من أمها كذلك، ثم أخبرتها الأنصارية / بحضرة أمها، فحصل القطع بوقوع ذلك الحديث). بحمد الله لا بحمد أحد: تقدم جوابه عن ابن الجوزي وابن عطاء الله.
…4144- لأنه نزل فيها: لكن القراءة المشهورة بفتح اللام وشد القاف، من التلقي.
…4145- ينافح: يدافع ويجيب.
…4146- يشبب: يمدح. حصان: عفيفة. رزان: ثابتة العقل. ما تزن: تتهم.غَرْثى: من الغرث وهو الجوع، يريد أنها لا تغتاب الناس. الغوافل: جمع غافل، أي التي لم يشعرن بما قيل فيهن. لست كذلك: بل رميتني بالإفك. تولى كبره: أنكر ذلك عليه لأن الذي تولى كبره هو عبد الله بن أبي، لا"حسان"، وقول عائشة: " وأي عذاب أشد من العمى" هو على سبيل التنزل للقائل لا غير.
36- " باب غزوة الحديبية " (1)
بتخفيف الياء وشدها، اسم بئر قرب مكة، ثم أطلق على المكان كله.
…قال مالك: هي في الحرم؛
…وقال الماوردي(2): في طرف الحل؛
…وقال الشافعي(3)
__________
(1) في رواية أبي ذر عن الكشميهني: " عمرة " بدل غزوة"- انظر الفتح 7/558-.
والحديبية هي قرية، سميت بذلك بشجرة حدباء كانت هناك، وبعضها في الحل وبعضها في الحرم، انظر معجم البلدان 2/229.
(2) أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري، مصنف الحاوي والإقناع وأدب الدنيا والدين.
كان إماما في الفقه والأصول، بصيرا بالعربية، وتفقه على أبي حامد ببغداد. توفي عام 450هـ.
ترجمته في: العبر 3/223، والبداية والنهاية 12/80، وشذرات الذهب 3/285-287.
(3) أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس القرشي المطلبي، المكي نزيل مصر.
قال الإمام أحمد: ( إن الله تعالى يقيض للناس في رأس كل مائة سنة من يعلمهم السنن، وينفي عن رسول الله الكذب، فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين الشافعي)، توفي سنة 204 هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد 2/56، وتذكرة الحفاظ 1/361، وترتيب المدارك 2/382، وتهذيب التهذيب 9/35.(3/101)
: بعضها في الحرم، وبعضها في الحل؛
…ويقال إن موضعها هو الذي فيه البئر المعروفة ببئر شمس بطريق جدة، وليست هي الموضع التي يقال لها الآن الحدية لبعدها من مكة، قاله في الإرشاد(1).
…خرج إليها صلى الله عليه وسلم من المدينة يوم الاثنين مستهل ذي القعدة سنة ست بقصد العمرة، فصده المشركون عن الوصول إلى البيت، ووقعت بينهم المهادنة والصلح على ترك القتال عشر سنين، على أن يدخل - صلى الله عليه وسلم - مكة من العام المقبل.
…" لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُومِنِينَ "(2) :يشير إلى أنها نزلت في قصة الحديبية.
…4147- كافر بي: حقيقة إن اعتقد أن للكوكب صنعا في ذلك، وإلا فلا، راجع آخر الاستسقاء ولابد.
…4150- تعدون أنتم الفتح فتح مكة: هذا اختلاف قديم وقع في الفتح، والتحقيق أن المراد به في الآيات مختلف، فقوله: "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا"(3)، المراد به الحديبية، لأنها كانت مبتدأ الفتح للصلح الذي وقع فيها، ورفع الحرب وتمكن من كان يخشى الدخول في الإسلام، والوصول إلى المدينة من ذلك، وقوله: " وَأَثابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا"(4)، هو فتح خيبر، وقوله: " فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا"(5)، هو الحديبية أيضا، وقوله: " إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ"(6)، هو فتح مكة(7). فنزحناها: بالأخذ منها لقلة مائها. أصدرتنا: أروتنا. وركابنا: إبلنا.
__________
(1) انظر إرشاد الساري 6/386.
(2) سورة الفتح، الآية 18.
(3) سورة الفتح، الآية 1.
(4) سورة الفتح، الآية 18.
(5) سورة الفتح، الآية 27.
(6) سورة النصر، الآية 1.
(7) نقلا عن الفتح 7/560.(3/102)
…4151- أو أكثر: وقع في الرواية الماضية: أربع عشرة مائة، وفي الآتية: خمس عشرة مائة، والجمع بينهما أنهم كانوا ألفا وأربعمائة، وزيادة لا تبلغ المائة، فالرواية السابقة ألغت الكسر، والآتية جبرته، وهذه أبقته على حاله، ومن قال ألفا وثلاثمائة فعلى حسب اطلاعه، ومن قال ستمائة وسبعمائة، يعني بعد الألف، فعلى ضم الأتباع والصبيان(1).
…4152- ركوة: ( هذا مغاير لحديث " البراء" أنه صب ماء وضوئه في البئر، وجمع ابن حبان بينهما بأن ذلك وقع في وقتين، وسيأتي في الأشربة أن حديث جابر كان حين حضرت صلاة العصر عند إرادة الوضوء، وحديث البراء كان عند إرادة ماهو أعم)(2).
…4153- الذين بايعوا …إلخ: هذه بيعة الرضوان، وسببها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما صده المشركون بالحديبية، بعث عثمان إلى أهل مكة يخبرهم بأن قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو العمرة لاالقتال، ثم بلغه أن عثمان قتل فقال: لئن كانوا قتلوه لأناجزنهم، فدعا الناس إلى البيعة، فبايعوه على / القتال على ألا يفروا، ثم بلغهم بعد ذلك أن الخبر باطل، كذا لابن إسحاق، قاله ابن حجر(3).
__________
(1) مثله في الفتح 7/558-559.
(2) باللفظ من الفتح 7/561.
(3) في الفتح 7/569-570.(3/103)
أبو داود: الطيالسي(1) .
4154- أنتم خير أهل الأرض: هذا صريح في فضل أصحاب الشجرة.
قال الأبي: ( ولا يشكل ذلك بالخضر عليه السلام، لاحتمال أنه حضر فيهم، أي ولم يقصد تفضيل بعضهم على بعض).
ابن حجر: ( وأما إلياس فالقول بأنه حي ضعيف) هـ(2).
قلت: وعلى ثبوت حياته، فالجواب عنه مثل ما أجيب به في الخضر، نعم يبقى الإشكال فيمن لم يحضر البيعة من أهل بدر، لأنهم أفضل كما قدمناه، ولم أر من تعرض له، وظهر لي في الجواب عنه أن ماهنا عام مخصوص، والله أعلم.
وعند مسلم: ( لا يدخل النار من شهد بدرا والحديبية)(3).
قال أبو عمر: ( ليس في الغزوات ما يعدل بدرا أو يقرب منها، إلا الحديبية حيث كانت بيعة الرضوان)(4)، لكن قال غيره: الراجح تقديم أحد على الحديبية، وأنها التي تلي غزوة بدر في الفضل.
لو كنت أبصر: لأنه عمي في آخر عمره.
4155- أسلم: قبيلة مشهورة.
4156- من أصحاب الشجرة: هذا هو الغرض من إيراده، لأنه قصد ذكر من ثبت عنده أنه من أصحاب الشجرة. الأول فالأول: أي الأصلح فالأصلح. حُفَالَة: بفاء، ويقال حثالة، وهي الرديء من كل شيء(5). لا يعبأ الله بهم: أي ليس لهم عند الله منزلة.…
4159- فرقا: إناء يسع ثلاثة آصع، نصف صاع لكل مسكين.
__________
(1) أبو داود سليمان بن داود الجارود الطيالسي.
قدم أصبهان، وتفقه وحفظ الحديث.
صنف كتاب المسند.
توفي باليصرة عام 204هـ.
ترجمته في: الكامل في التاريخ لابن الأثير 6/122، وتهذيب التهذيب 4/182.
(2) الفتح 7/563.
(3) في صحيح مسلم من حديث جابر، انظر الفتح 7/562.
(4) الاستيعاب ص: 43.
(5) في الفتح 7/565.(4/1)
4160،4161- امرأة: قال ابن حجر: (لم أقف على اسمها، ولا على اسم زوجها، ولاعلى اسم أحد من أولادها، وزوجها صحابي)(1). كراعا: ما دون الكعب من الشاة، أي لاكراع لهم ينضجونه، أي لا شيء عندهم. ضرع: أي ما يحلب. تأكلهم الضبع: أي تهلكهم السنة المجدبة. خُفَاف بن إيماء: ابن رحضة(2)، وثلاثتهم صحابة(3). قريب: لأن أباها من مشاهير الصحابة. ظهير: قوي الظهر. رجل: لم يعرف. وأخاها: لم يسم. حصنا: يحتمل أن يكون في خيبر. نستفيء: نسترجع، يقال استفأت هذا المال، أخذته فيئا. سهمانهما: أنصباءهما.
تنبيه: مقتضى هذا الحديث أن أخا هذه المرأة صحابي(4)، وإذا ثبت أن لخفاف وأبيه وجده صحبة، كما قال عبد الرزاق وأبو عمر(5)، اقتضى أن يكون هؤلاء أربعة في نسق لهم صحبة، وهم ولد خفاف، وخفاف(6)
__________
(1) الفتح 7/565-566.
(2) خفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري.
كان إمام بني غفار وخطيبهم، وشهد الحديبية.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 449، والإصابة 2/335-336.
(3) أما " خفاف" فهو صحابي مشهور.
وأما إيماء فهو ابن رحضة بن خربة بن خفاف بن حارثة بن غفار.
قال ابن المديني: له صحبة.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 135، والإصابة 1/169.
وأما رحضة فهو ابن خربة الغفاري.
قال ابن عبد البر: ( يقال له ولأبيه وجده صحبة).
ترجمته في: الإصابة 2/480-481.
(4) قال الحافظ في الفتح 7/567: ( لم أقف على اسمه، وكان لخفاف ابنان: الحارث ومخلد، لكنهما تابعيان، فوهم من فسر الأخ الذي ذكره عمر بأحدهما، لأن مقتضى هذه القصة أن يكون الولد المذكور صحابيا).
(5) في الاستيعاب ص: 449.
(6) المقصود به: الحارث بن خفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري، وهو تابعي شهير، كما رجح ذلك ابن حجر في الإصابة عند إيراده رواية البخاري.
انظر الإصابة 1/572.(4/2)
، وإيماء، ورحضة، فيذاكر بهم مع بيت الصديق، خلافا لمن زعم أنه لم يوجد أربعة في نسق لهم صحبة إلا في بيت الصديق، وقد جمعت من وقع له ذلك، ولو من طريق ضعيف، فبلغوا عشرة، قاله الحافظ ابن حجر(1)؛ وقوله: خلافا لمن زعم..." إلخ، كأنه عنى بذلك أبا عمر بن عبد البر، فإنه ذكر في مواضع من الاستيعاب(2) أنه لم يوجد أربعة من الصحابة على نسق إلا في بيت أبي بكر، وهم أبوقحافة(3) وأبوبكر وعبد الرحمن ولده، ومحمد أبو عتيق(4) ولد عبد الرحمن.
4162- رأيت الشجرة: التي كانت بيعة الرضوان تحتها.
4163- بقوم: لم يعرفوا. يصلون: في مسجد هناك، زعموا أنهم بنوه في محل الشجرة التي وقعت البيعة تحتها. فأنتم أعلم: قاله تهكما.
4165- وكان شهدها: ( زاد الإسماعيلي: وأنهم أتوها في العام المقبل فأنسوها)(5).
والسر في إخفائها لئلا يفتتن الناس بها لما وقع تحتها من الخير ونزول الرضوان، فربما عظمها الجهال وعبدوها، ( وعند ابن سعد: أن عمر بلغه أن قوما يأتونها / فيصلون عندها، فتوعدهم ثم أمر بقطعها فقطعت)(6).
قال الأبي: ( يؤخذ منه هدم البناءات التي تبنى حيث يرى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام، فإنها بدعة يجب تغييرها بالهدم).
__________
(1) في الفتح 7/567.
(2) الاستيعاب ص: 1712.
(3) أبو قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي، والد أبي بكر الصديق.
تأخر إسلامه إلى يوم الفتح، ومسح النبي صلى الله عليه وسلم على صدره، وقال: أسلم تسلم -صحيح ابن حبان-.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1036، والإصابة 4/452 ( 454.
(4) محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان التيمي، أبو عتيق.
قال موسى بن عقبة: له رؤية، وقال ابن حبان: رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر رواية أبي عتيق عن عائشة رضي الله عنها.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1374، والإصابة 6/250.
(5) نقلا عن الفتح 7/568.
(6) الطبقات الكبرى 2/100، وقد نقله الحافظ في الفتح 7/569.(4/3)
4166- اللهم صل عليهم: أي ارحمهم، والدعاء لغير الأنبياء بلفظ الصلاة خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كما يأتي إيضاحه في الدعوات.
4167- يوم الحَرَّة: أي وقعتها المشهورة بين أهل المدينة ويزيد(1). يبايعون لعبدالله(2)…إلخ: حيث خلعوا بيعة يزيد، وبايعوا ابن حنظلة على طاعته هو، أي طاعة نفسه، وفي تلك الوقعة قتل رحمة الله عليه. فقال ابن زيد: عبد الله(3) صاحب الوضوء. على الموت: أي على لازمه، وهو عدم الفرار.
4170- طوبى لك: يراد بها الخير، أو الجنة، أو أقصى الأمنية(4). ما أحدثنا بعده: هذا من تواضعه رضي الله عنه، أو أشار به إلى ما وقع بينهم من الحروب وغيرها.
4172- هنيئا: لا إثم فيه. مريئا: لا داء فيه.
4173- وكان ممن شهد الشجرة: هذا غرضه من إيراده كسابقه ولاحقه. إني لأوقد: يعني يوم خيبر.
4175- بسَوِيق: دقيق مَقْلُوّ. فلاكوه: أداروه بأفواههم وأكلوه.
4176- عن أبي جمرة(5)
__________
(1) يزيد بن معاوية، وتقدمت ترجمته .
(2) عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الأنصاري، المكنى بغسيل الملائكة. قتل أبوه حنظلة يوم أحد، وقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن عمر وعبد الله بن سلام.
قتل يوم الحرة، وكان أمير الأنصار يومئذ، وذلك سنة 63 هـ.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 892، والإصابة 4/65-67.
(3) عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن الأنصاري. شهد أحدا وغيرها وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث الوضوء، وعدة أحاديث. وكان مسيلمة قد قتل أخاه حبيب بن زيد، فلما كان يوم اليمامة شارك عبد الله بن زيد وحشي بن حرب في قتل مسيلمة الكذاب.
قتل يوم الحرة سنة 63 هـ.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 913، والإصابة 4/98-99.
(4) مثله في الفتح 7/571.
(5) أبو جمرة نصر بن عمران الضبعي البصري، نزيل خراسان، مشهور بكنيته.
ثقة ثبت، أخرج له الشيخان وأصحاب السنن.
مات سنة 128هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 10/431، والتقريب رقم 7122.(4/4)
: بالجيم والراء، وللكشميهني بالحاء والزاي، قال ابن حجر: وهو تصحيف(1). هل ينقض الوتر؟: ( يعني من أوتر ثم أراد أن يتطوع بعد ذلك، هل يصلي ركعة منفردة ليصير الوتر السابق منه بإضافته إليها شفعا، ثم يوتر بعد ذلك، محافظة على قوله - صلى الله عليه وسلم - : "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا"(2)، أو يصلي تطوعا ما شاء، ولا يحتاج لإتيانه بركعة منفردة، ويكتفي بوتره الأول في وتر ليلته، فأجاب باختيار الشق الثاني حيث قال: "فلا توتر من آخره"، واكتف به، وهذا مذهب المالكية، والحنفية، والأصح عند الشافعية)(3).
4177- في بعض أسفاره: الحديبية. فلم يجبه: لكونه كان يوحى إليه. ثكلتك أمك: أي فقدتك. نزرت: ألححت عليه.
4178،4179- هذا الحديث: أي الآتي ذكره. حفظت بعضه: هو من أوله إلى قوله: "فأحرم منها"، وما بعده هو الذي ثبته فيه " معمر"، كذا بينه أبو نعيم(4) في المستخرج. عينا له: أي جاسوسا هو بسر بن سفيان بن عمرو بن عويمر(5)
__________
(1) فتح الباري 7/574.
(2) أخرجه البخاري 1/179 في الصلاة باب الحلق والجلوس في المسجد، وأبو داود في الصلاة باب وقت الوتر ح1438، وأحمد 2/150، والنسائي في قيام الليل 31، والبيهقي في السنن الصغرى 1/468 كتاب الصلاة باب من أوتر بسبع أو بتسع، وابن خزيمة في صحيحه 2/144، وأبو عوانة في مسنده 2/310.
(3) نقلا عن الفتح 7/574-575.
(4) أبو نعيم عبيد الله بن الحسن بن أحمد بن الحسن الأصبهاني الحداد.
محدث حافظ نسخ الكثير.
له: أطراف الصحيحين.
توفي عام 517هـ.
ترجمته في: شذرلت الذهب 4/56، ومرآة الجنان لليافعي 3/221.
(5) بسر بن سفيان بن عمرو بن عويمر بن صرمة بن عبد الله بن عمير الخزاعي، قال ابن الكلبي: كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم. أسلم سنة ست، وجرى ذكره في حديث الحديبية.
ترجمة في: الاستيعاب ص: 166، والإصابة 1/292-293.(4/5)
، أسلم سنة ست، وشهد الحديبية، قاله الحافظان البكري(1) والسهيلي. الأشطاط(2): بطاءين مهملين، تلقاء الحديبية. الأحابيش: هم جماعات من قبائل شتى. كان الله قد قطع عينا من المشركين: أي نوعا منهم، ويروى عنقا، أي استأصلهم قتلا. محروبين: مسلوبي الأهل والأولاد والأموال.
4180،4181- على قضية المدة: أي الصلح على المهادنة إلى مدة. وأمعظوا: كذا عندنا بالأصل، وللكشميهني: " وامتعضوا" بالظاء المشالة، والصواب أنه - أي ما للكشميهني - بالضاد، أي شق ذلك عليهم(3). عاتق: استحقت التزويج. ما أنزل: من استثنائهن من مقتضى الصلح على رد من جاء منهم مسلما،وهي قوله: "فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُومِنَات فَلاَتَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ"(4).
4183- في الفتنة: الصادرة من الحجاج لتوجهه لقتال ابن الزبير بمكة حتى قتله بها.
فقال ... إلخ: أي حين رده أولاده عن الخروج فيها.
4185- شأنهما: أي الحج والعمرة.
4186- عند رجل: لم يعرف. يستلئم: يلبس الَّلأْمَة، وهي الدرع أو مطلق السلاح.
4187- قال أحدقوا: كذا للمستملي، وهو تحريف، ولغيره:"قد أحدقوا"، وهو الصواب، قاله ابن حجر(5). فبايع... إلخ: السبب المذكور هنا في مبايعة ابن عمر قبل أبيه غير السبب المذكور قبله، قال الحافظ: ( ويمكن الجمع بينهما بأنه بعثه للفرس ورأى الناس مجتمعين، فقال له: انظر ما شأنهم، فبدأ بكشف حالهم /، فوجدهم يبايعون فبايع، وتوجه إلى الفرس فأحضرها، وأعاد حينئذ الجواب على أبيه)(6).
__________
(1) محمد بن أبي الحسن البكري الصديقي.
محدث إخباري، له تأبيد المنة بتأييد أهل السنة، والجوهر الثمين من كلام سيد المرسلين، وحسن الإصابة في فضل الصحابة.
توفي بعد 962هـ.
ترجمته في: كشف الظنون 1/25، وإيضاح المكنون 1/184.
(2) غدير قريب من عسفان، انظر معجم البلدان 1/198.
(3) مثله في الفتح 7/577.
(4) سورة الممتحنة، الآية: 10.
(5) في الفتح 7/580.
(6) فتح الباري 7/580.(4/6)
4188- عبد الله بن أبي أوفى(1): تقدم أنه من أصحاب الشجرة(2). حين اعتمر: عمرة القضاء. لا يصيبه: لئلا يصيبه.
4189- اتهموا الرأي: أي رأيكم في هذا القتال، فإنما تقاتلون إخوانكم المسلمين. يفظعنا: يهولنا. خصما: جانبا. كيف نأتي له: وكان "سهل" (3) قد قال هذه المقالة يوم صفين لما حكم الحكمان، وأنكر ذلك من أنكره، ومراده الإخبار عن انتشار الأمر وشدته، وأنه لايتهيأ إصلاحه وتلافيه بخلاف ماكانوا عليه من الاتفاق.
4191- الهوام: أي القمل.
37- " قصة عكل وعرينة "
وقعت بعد غزوة ذي قرد.
4192- ناسا: ثمانية. ريف: أرض زرع. بذود: الذَّوْدُ ما بين الثلاثة والعشرة. وراع: اسمه يسار(4). حتى إذا كانوا...إلخ: أي وصحوا ورجعت إليهم أجسامهم. فبعث الطلب …إلخ: بعث سرية عشرين أميرهم كرز بن جابر(5)
__________
(1) عبد الله بن أبي أوفى، واسمه علقمة بن خالد بن الحارث بن أبي أسيد بن رفاعة بن ثعلبة بن هوازن بن اسلم الأسلمي.
له ولأبيه صحبة، وشهد عبد الله الحديبية.
وفي الصحيح عنه قال: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم ست غزوات تأكل الجراد.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 870، والإصابة 4/18-19.
(2) في الحديث رقم 4166 عن عمرو بن مرة قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى وكان من أصحاب الشجرة ... إلخ.
(3) سهل بن حنيف، وتقدمت ترجمته في شرح الحديث 4004.
(4) يسار الراعي، وهو الذي قتله العرنيون.
ثبت ذكره في الصحيحين غير مسمى.
كان غلاما للنبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1581، والإصابة 6/681-682.
(5) كرز بن جابر بن حسل بن الأجب بن حبيب بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر القرشي الفهري.
كان من رؤساء المشركين، وأغار على سرح المدينة مرة، ثم أسلم بعد بدر.
وذكره موسى بن عقبة فيمن استشهد يوم الفتح.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1310، والإصابة 5/581-582.(4/7)
. فسمروا أعينهم: كحلوها بمسامير محماة. قال قتادة: بالسند الأول. وينهى عن المثلة(1): أي التمثيل بالحيوان من قطع أطرافه ونحوها، وهو إشارة إلى نسخ ما وقع بالعُرَنِيِّين، وقدمنا في الطهارة عن ابن العربي أنه قال: الصحيح قول أنس إنه كان قصاصا، لأنه أعرف بالقصة وبما جرى بها، فانظره.
38- " غزوة ذِي قَرَد "
اسم ماء على نحو بريد من المدينة.
قبل خيبر بثلاث: هكذا في صحيح مسلم(2) من حديث سلمة بن الأكوع، قال ابن حجر: ( وهو أصح مما لغيره)(3) هـ، أي مما ذكره ابن عبد البر، وتبعه القرطبي وغيره أن بينهما نحو التسعة أشهر.
__________
(1) في مخطوطة العرائشي: " المثلثة"، وهو تحريف ظاهر.
(2) في صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد وغيرها (شرح النووي 11/184).
(3) لفظ الحافظ في الفتح 7/585 كالتالي: (... فعلى هذا ما في الصحيح من التاريخ لغزوة ذي قرد أصح مما ذكره أهل السير).(4/8)
4194- بالأولى: صلاة الصبح. لقاح: اللقاح الإبل ذوات الدر، وكانت عشرون(1).غلام: لم يسم. غطفان: وكانوا أربعين. يا صباحاه: كلمة تقال عند استنفار من كان غافلا عن عدوه، وقال القرطبي: معناه هنا الإعلام بهذا الأمر المهم الذي دهمهم في الصباح. فأسمعت مابين لابتي المدينة: أي ما بين طرفيها، وفيه إشعار بأنه كان واسع الصوت جدا، ويحتمل أن يكون ذلك من خوارق العادات(2). على وجهي: لم ألتفت بيمينا ولا شمالا (3). يستقون: بعدما أخذوا اللقاح. يوم الرضع: (أي يوم هلاك اللئام، من قولهم: لئيم راضع، وأصله أن رجلا كان شديد البخل، فكان إذا أراد حلب ناقته، ارتضع من ثديها لئلا يسمع جيرانه حلبها، أو لئلا يتبدد اللبن في الإناء، فقالوا في المثل: ألئم من راضع)(4). واستلبت منهم ثلاثين بردا: هذا من فرط شجاعته رضي الله عنه، لأنه كان وحده راجلا، وهم أربعون كلهم فرسان، قال القرطبي: ولم يسمع بمن فعل مثل فعله في تلك الغزاة. حميت: منعت. فابعث إليهم: لتسبيهم. فأسجح: سهل، أي قدرت فاعف.
وقال شعبة: وقع هذا من هنا(5) إلى آخر الباب في هذا الموضع عند أبي ذر، وعليه جرى الإسماعيلي، ووقع عند الباقين تاليا لحديث العرنيين الذي قبله، وهو الراجح، ولعل وقوعه هنا صدق من بعض الرواة، ويحتمل أن البخاري تعمده إشارة إلى اتحاد قصة العرنيين مع قصة ذي قرد كما أشار إليه بعض أهل المغازي، وإن كان الراجح خلافه، قاله ابن حجر(6).
39- " غزوة خيبر"
__________
(1) في قول ابن سعد، انظر الفتح 7/585.
(2) نقلا عن الفتح 7/586.
(3) في أصل المخطوط: " شماليا"، وهو تحريف.
(4) من الفتح 7/586.
(5) أي أواخر الحديث 4192 ( الباب 37).
(6) في الفتح 7/584.(4/9)
بوزن جعفر، مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع، على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام، وكان غزوتها في آخر المحرم سنة سبع /، فحاصرها - صلى الله عليه وسلم - بضع عشرة ليلة إلى أن فتحها في صفر، وهذا هو الراجح، قاله ابن حجر(1).
4195- أدنى: أسفل. ثري: بل بالماء، والغرض من هذا الحديث الإشارة إلى أن طريقهم إلى خيبركانت على الصهباء(2).
4196- رجل من القوم: قيل هو أسيد بن حضير(3). هنيهاتك(4): أشعارك. يحدو: يرتجز وسيوف الركاب. فدا لك: قال القرطبي في المفهم: ( معنى هذا اللفظ أن نفسي وقاية لك من المكاره أن تصيبني ولا تصيبك، وهذا المعنى لا يليق بالله تعالى، فيحتمل أن يكون إطلاق هذا اللفظ على الله تعالى بحكم جريان ذلك على ألسنتهم من غير قصد، كما قالوا: قاتله الله، وتربت يمينه، ويحتمل أن يحمل على الاستعارة، ووجهها أنه لما كان الفداء مبالغة في رضى المفدى، عبر بالفداء عن الرضى، أو يريد بذلك فدا لدينك أو لطاعتك، أي نجعل نفوسنا فداء لإظهارهما) هـ منه.
وقال الإمام المازري - مما نقله في الفتح(5) - : ( هو مجاز عن الرضى، كأنه قال نفسي مبذولة لرضاك، أو هذه الكلمة وقعت خطابا لسامع الكلام) هـ.
__________
(1) في الفتح 7/589-590.
(2) موضع قريب من خيبر، انظر معجم البلدان 3/435.
(3) وقال الحافظ في الفتح 7/590: ( لم أقف على اسمه صريحا، وعند ابن إسحاق من حديث نصر بن دهر الأسلمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع، وهو عم سلمة بن الأكوع واسم الأكوع سنان: " انزل يا ابن الأكوع فاحد لنا من هنياتك"، ففي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمره بذلك).
(4) في رواية الكشميهني: " هنياتك"، بحذف الهاء الثانية وتشديد الياء، ووقع في الدعوات من وجه آخر عن يزيد بن أبي عبيد: " لو أسمعتنا من هناتك " بغير تصغير، انظر الفتح 7/590.
(5) انظر الفتح 7/591.(4/10)
وقال الشيخ زكريا، ( فدا لك، أي لرسولك، أو هو مجاز عن الرضى) هـ.
وقال ابن غازي: (لم يرد ظاهر اللفظ، بل المحبة والتعظيم)؛ وقال في محل آخر: ( أي افدنا من عقابك فداء من عندك، فاللام في " لك" تبيين لفاعل الفداء، على هذا التأويل اقتصر ابن بطال) هـ.
ما أبقينا: ما خلفنا وراءنا من الذنوب والآثام. لاقينا: العدو. السكينة: التثبت في أوقات الحرب وموطن اللقاء. وبالصياح: لا بالشجاعة. عولوا علينا: حملوا علينا. السائق: المغني. يرحمه الله: (في رواية إياس(1): غفر لك ربك، قال: وما استغفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإنسان يخصه إلا استشهد، وبهذا يظهر السر في قول الرجل: " لولا امتعتنا به")(2). رجل: هو عمر. وجبت: له الشهادة. لولا: أي هلا. أمتعتنا به: أي ببقائه. مخمصة: مجاعة. ذباب: طرفه الأعلى، وقيل حده. عين ركبته: طرفها الأعلى. قفلوا: رجعوا، وما رآني رسول الله صلى الله عليه: أي شاحبا، كما في رواية أخرى، أي متغير اللون، وفي أخرى: أتيته وأنا أبكي. حبط عمله: زاد في رواية: قتل نفسه، وفي أخرى : قتله سلاحه. كذب: أخطأ. أجرين: الشهادة والمشقة. لجاهد: أي جاد في أموره، مرتكب للمشقة في الله. مجاهد: لأعداء الله، كذا للأكثر باسم الفاعل فيهما، وكسر الهاء والتنوين، والأول مرفوع على الخبر، والثاني تأكيد له، كقولهم: جاد مجد، وللحموي(3) والمستملي بفتح الهاء في الأول وكسرها في الثاني، وفتح الدال فيهما، على أن الأول فعل ماض، والثاني اسم، أي ارتكب مشاق عظيمة(4).
القرطبي: والضبط الأول أحسن،
القاضي عياض: هو الوجه،
الزركشي: هو الصواب،
__________
(1) إياس بن سلمة بن الأكوع الأسلمي، أبو سلمة المدني.
ثقة، وله أحاديث كثيرة.
مات سنة 119هـ بالمدينة.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 1/388، والتقريب رقم 588.
(2) نقلا عن الفتح 7/592.
(3) عبد الله بن أحمد بن حموية الحموي السرخسي، المتوفى سنة 381هـ (الشذرات 3/100).
(4) نقلا عن الفتح 7/593.(4/11)
ابن حجر: ( هو المؤيد برواية أبي داود(1): " مات جاهدا مجاهدا" (2)(3).
مشى: بالميم والقصر، من المشي. بها: أي بالمدينة، أو الأرض، أو الحرب. نشأ: بنون وهمزة، من النشأة.
4197- أتى خيبر: أي قريبا منها. خرجت اليهود: إلى زروعهم. بمساحيهم: جمع مسحاة، آلة الحفر. ومكاتلهم: قففهم. والخميس: أي الجيش، سمي خميسا لأنه خمسة أقسام: مقدمة وساقة وميمنة وميسرة وقلب. خربت خيبر: قال السهيلي: ( يؤخذ منه التفاؤل، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لما رأى آلة الهدم، أخذ منه أن مدينتهم تخرب) هـ(4)؛ ابن حجر: ويحتمل أن يكون قاله بطريق الوحي، ويؤيده/ قوله: " إنا إذا نزلنا بساحة قوم… إلخ"(5) هـ؛ ثم إن هذا اقتباس من القرآن، وصرح بجوازه ابن عبد البر وابن رشيق(6) والقاضي عياض والباقلاني(7)
__________
(1) أبو داود سليمان بن الأشعث بن شداد، الأزدي السجستاني، روى عن القعنبي وأبي الوليد السجستاني والإمام أحمد، وروى عنه الترمذي وأبو عوانة. له كتاب السنن، والناسخ والمنسوخ، والمراسيل. قال الخلال: " أبو داود الإمام المقدم في زمانه، رجل لم يسبقه أحد إلى معرفته بتخريج العلوم". توفي سنة 275 هـ .
ترجمته في: تاريخ بغداد 9/55، والبداية والنهاية 11/54، وتذكرة الحفاظ 2/591، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/293.
(2) سنن أبي داود: كتاب الجهاد، باب في الرجل يموت بسلاحه، رقم 2538.
(3) فتح الباري 7/593.
(4) نقلا عن الفتح 7/595، وانظر الروض الأنف 4/58.
(5) الفتح 7/595.
(6) أحمد بن رشيق الأندلسي الكاتب، أبو العباس.
نشأ بمرسية، وتفقه بقرطبة، وطلب الأدب فبرز فيه.
له: كتاب على تراجم البخاري ومعاني ما أشكل منه.
توفي عام 442هـ.
ترجمته في: جذوة المقتبس للحميدي 114، وبغية الملتمس للضبي 166، ومعجم الأدباء لياقوت 3/33.
(7) محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم البصري ثم البغدادي، المعروف بالباقلاني، أبو بكر.
ولد بالبصرة، وسكن بغداد وسمع بها الحديث.
له: إعجاز القرآن، وهداية المسترشدين.
توفي عام 403هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد 5/379، ووفيات الأعيان 1/609، وتذكرة الحفاظ 3/263، والديباج المذهب 267.(4/12)
، ونقل الخطيب عن الإمام مالك أنه كان يستعمله، ونقل الشيخ داود الباخلي اتفاق المالكية والشافعية على جوازه، غير أنهم كرهوه في الشعر خاصة.
وقال السيوطي: (أجمع أئمة مذهبنا على جوازه)(1).
4198- صبحنا خيبر: يعني أنهم أتوها ليلا وناموا بقربها، ثم صبحوها أي أتوها صباحا. ينهيانكم: فيه جواز جمع اسم الله مع اسم غيره في ضمير واحد، وراجع كتاب الإيمان. رجس: حرام.
4199- مناديا: هو أبو طلحة. فأكفئت: ( قال ابن التين: صوابه فكفئت: قال الأصمعي: كفأت الإناء قلبته ولا يقال أكفأته)(2).
4200- قتل النبي صلى الله عليه المقاتلة: أي من تعرض لقتاله منهم بعد أن حاصرهم بضع عشرة ليلة. وسبى الذرية: أي والنساء، وقسم الأموال، وأراد أن يجلي باقيهم من الأرض، فقالوا دعنا نصلحها، فمن عليهم - صلى الله عليه وسلم - وأبقاهم عمالا بالأرض ليس لهم فيها ملك، وهذا يدل على أن خيبر فتحت عنوة كما جزم به ابن عبد البر وغيره، وقال السيوطي: ( إنه الأصح)(3).
__________
(1) هذا الحديث أصل في جواز التمثل والاستشهاد بالقرآن والاقتباس، وقد نص عليه ابن عبد البر وابن رشيق في شرحيهما على الموطأ، والنووي في شرح صحيح مسلم 3/65.
(2) نقلا عن الفتح 7/595.
(3) وقال ابن القيم في زاد المعاد 3/328-329: ( ومن تأمل السير والمغازي حق التأمل، تبين له أن خيبر إنما فتحت عنوة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استولى على أرضها كلها بالسيف عنوة، ولو فتح شيء منها صلحا، لم يجلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، فإنه لما عزم على إخراجهم منها، قالوا: نحن أعلم بالأرض منكم، دعونا نكون فيها، ونعمرها لكم بشطر ما يخرج منها، وهذا صريح جدا في أنها إنما فتحت عنوة، وقد حصل بين اليهود والمسلمين بها من الحراب والمبارزة والقتل من الفريقين ماهو معلوم).(4/13)
صفية: بنت حيي(1)، من ذرية هارون عليه السلام، ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه: انتزعها من "دحية"(2)، وعوضه غيرها، قال ابن غازي: ( وهذا من المصلحة العامة لئلا يتغير خاطر نظراء " دحية " بسبب إيثاره بها) هـ ؛ زاد الأبي: ( ولأنها لا تصلح إلا له، لأنها من بيت النبوة ومن بيت الرئاسة، بنت سيد قريظة والنضير).
4201- أصدقها نفسها: خصوصية له - صلى الله عليه وسلم -.
4202- لما غزا رسول الله صلى الله عليه خيبر أشرف... إلخ: أي: وفتحها ورجع، أشرف الناس... إلخ، لأن أبا موسى إنما حضر للرجوع لا للذهاب. أربعوا: ارفقوا.
4203- والمشركون: أي اليهود يوم خيبر. مال: رجع. إلى عسكره: بعد فراغ القتال. رجل: اسمه قزمان(3)
__________
(1) صفية بنت حيي بن أخطب بن معنة بن ثعلبة بن عبيد بن كعب بن أبي حسيب من بني النضير، وهو من سبط لاوى بن يعقوب، ثم من ذرية هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام، كانت صفية تحت سلام بن مشكم، ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحقيق: فقتل كنانة يوم خيبر، فصارت مع السبي، فأخذها دحية ثم استعادها النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أنس.
ترجمتها في: الاستيعاب ص: 1871، والإصابة 7/738-742.
(2) دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن الخزرج بن عامر بن بكر بن عامر الأكبر بن عوف الكلبي، الصحابي المشهور، أول مشاهده الخندق، وقيل أحد، كان يضرب به المثل في حسن الصورة، وكان جبريل ينزل على صورته وقد نزل دمشق، وعاش إلى خلافة معاوية.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 461، والإصابة 2/384-386.
(3) قزمان بن الحارث، حليف بني ظفر.
قيل: مات كافرا، وقيل: كان منافقا وقتل نفسه يوم أحد.
وذكر ابن إسحاق أنه كان عزيزا في بني ظفر.
وقال الواقدي: كان حافظا لبني ظفر، ومحبا لهم، وكان مقلا لا ولد له ولا زوجة، وكان شجاعا يعرف بذلك في حروبهم.
ترجمته في: الإصابة 5/440-441.(4/14)
. شاذة: خارجة عن الجيش بعد أن كانت فيه. ولا فاذة: من لم تختلط مع الجيش أصلا، كناية عن فرط شجاعته، يعني لا يلقى شيئا إلا قتله. أجزأ: أغنى. من أهل النار: أي من أهل دخولها إن مات مسلما، أو من أهل الخلود فيها إن مات كافرا، راجع باب لا يقال فلان شهيد من كتاب الجهاد. رجل: هو أكثم بن الجون(1). أنا صاحبه: أي الذي ألازمه حتى أنظر فعله الذي يدخله النار. فوضع سيفه: أي مقبضه. وذبابه: طرفه الأعلى. نصل سيفه: مقبضه. ثم تحامل عليه: كب نفسه عليه. إن الرجل…إلخ: زاد في رواية "أكثم": تدركه الشقاوة والسعادة عند خروج نفسه.
4204- شهدنا: أي معشر المسلمين. خيبر: وأما هو فإنما جاء بعد فتحها. لرجل : اللام بمعنى عن. فنحر بها نفسه: ظاهر هذا أن هذه القصة غير القصة السابقة في الحديث قبله، وإليه جنح ابن التين، قال ابن حجر: (ويحتمل أنها قصة واحدة، وأن الرجل لما نحر نفسه لم تزهق روحه، فاتكأ ح على سيفه استعجالا للموت)(2)، والله أعلم؛ ونحوه للكرماني(3). يا فلان: هو بلال. بالرجل الفاجر: "أل" للعهد، أي " قزمان" المذكور، أو للجنس.
4205- حنين: يريد أن يونس(4) خالف معمرا وشعيبا(5)
__________
(1) أكثم بن الجون أو ابن أبي الجون ( كما في الفتح 7/600، والإصابة)، واسمه عبد العزى بن منقذ بن ربيعة بن أصرم بن ضبيس بن حرام بن حبشية بن كعب بن عمرو الخزاعي، وعند أحمد من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عرضت علي النار فرأيت فيها عمرو بن لحي يجر قصبه في النار،...، وأشبه من رأيت به أكثم بن أبي الجون، فقال أكثم: يا رسول الله، أيضرني شبهه؟ قال: لا، إنك مسلم وهو كافر.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 141، والإصابة 1/106-108.
(2) فتح الباري 7/599.
(3) في الكواكب 16/94.
(4) يونس بن يزيد بن أبي النجاد، تقدمت ترجمته في شرح الحديث 3872.
(5) شعيب بن أبي حمزة الأموي، مولاهم، واسم أبيه دينار، أبو بشر الحمصي.
ثقة عابد. قال ابن معين: من أثبت الناس في الزهري.
أخرج له الشيخان وأصحاب السنن.
ترجمته في: التقريب رقم 2798.(4/15)
، فذكر بدل خيبر لفظ حنين؛ قال الزركشي: (وهو وهم، والصواب خيبر).
4206- يا أبا مسلم: هذه كنية "سلمة"(1).
4207- نصاب سيفه: أي مقبضه.
4208- فرأى طيالسة: جمع طيلسان، ما يجعل على الرأس فوق العمامة، أي عليهم. كأنهم الساعة يهود خيبر: قال ابن حجر: ( الذي يظهر أن يهود خيبر كانوا يكثرون من لبس الطيالسة، وكان غيرهم من الناس / الذين شاهدهم " أنس" لايكثرون منها، فلما قدم البصرة رآهم يكثرون من لبسها فشبههم بيهود خيبر، ولا يلزم من هذا كراهية لبسها، وقيل إنما أنكر ألوانها لأنها كانت صفرا)(2).
4209- فلحق: أي فخرج من المدينة فلحق بالناس بخيبر. قال: أي النبي - صلى الله عليه وسلم - يحبه الله…إلخ: أي محبة خاصة تميز بها عن غيره، وإلا فكل مؤمن يحبه الله ويحب الله. هذا علي: أي قدم من المدينة، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه، فحضر من المكان الذي كان فيه نازلا، فبصق في عينيه فبرأ. فأعطاه: أي الراية. ففتح عليه: بعد المقتلة العظيمة، واستشهد من المسلمين خمسة عشر كما عند ابن سعد(3)، وزاد غيره على ذلك، وسردهم الشامي(4) أربعا وثلاثين، وقتل من اليهود ثلاثة وتسعون، كذا في المواهب وشرحها.
__________
(1) أي سلمة بن الأكوع، وتقدمت ترجمته في شرح الحديث 4125.
(2) فتح الباري 7/604.
(3) في الطبقات الكبرى 2/107.
(4) محمد بن يوسف بن علي بن يوسف، شمس الدين الشامي.
محدث عالم بالتاريخ.
ولد في صالحية دمشق، وسكن القاهرة إلى أن توفي بها عام 942هـ.
له: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (السيرة الشامية)، وعين الإصابة في معرفة الصحابة، والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة.
ترجمته في: فهرس الفهارس 2/392، والرسالة المستطرفة 113، وشذرات الذهب 8/250.(4/16)
قال ابن إسحاق - مما ذكره في الفتح(1)- : ( قال أبو رافع: خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برايته، فضربه رجل من يهود فطرح برنسه، فتناول علي بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه حتى فتح الله عليه، قال أبو رافع: فلقد رأيتني في سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه، وللحاكم من حديث جابر أن عليا حمل الباب يوم خيبر، وأنه جرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا، والفرق بينهما أن السبعة عالجوا قلبه، والأربعين عالجوا حمله؛ زاد مسلم من حديث إياس بن سلمة عن أبيه: وخرج مرحب فقال:
قد علمت خيبر أني مرحب… - …شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلتهب
فبرز له علي وهو يقول:
أنا الذي سمتني أمي حيدره… - … كليث غابات كريه المنظره
أكليهم بالسيف كيل السندره.
وضرب رأس " مرحب" فقتله، فكان الفتح على يديه(2)، وكون " علي" هو الذي قتل "مرحبا" هو الصحيح كما قاله ابن عبد البر وابن الأثير(3)، وابن حجر قال: سيما وقد جاء عن بريدة(4)
__________
(1) الفتح 7/608.
(2) أخرجه مسلم ( حديث 1806) من حديث سلمة بن الأكوع، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد وغيرها (شرح النووي 11/184).
(3) أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري، المعروف بابن الأثير، صاحب " جامع الأصول" و"النهاية في غريب الحديث والأثر". توفي سنة 606 هـ.
ترجمته في: البداية والنهاية 13/114، والعبر 5/97، وطبقات الشافعية الكبرى 8/366.
(4) بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث بن الأعرج بن سعد بن رزاح بن عدي بن سهم بن مازن بن الحارث بن سلامان بن أسلم الأسلمي.أسلم قبل بدر، ثم قدم بعدها.
وفي الصحيحين أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة.مات سنة 63هـ.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 185، والإصابة 1/286.(4/17)
أيضا عند أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم، وأيده الشامي، فانظره فهو الذي عليه المعول، وإن جزم ابن إسحاق وابن عقبة والواقدي بغيره، انظر الفتح(1)، والزرقاني(2): وقول علي رضي الله عنه: " أنا الذي سمتني أمي حيدرة"، قال السهيلي في الروض: ( فيه ثلاثة أقوال: أحدها أن اسمه في الكتب المتقدمة "أسد"، والأسد هو الحيدرة، الثاني أن أمه فاطمة بنت أسد(3) حين ولدته كان أبوه غائبا، فسمته باسم أبيها أسد، فقدم أبوه فسماه عليا، الثالث أنه كان لقب في صغره بحيدرة، لأن الحيدرة الممتلئ لحما مع عظم بطن، وكذلك كان علي رضي الله عنه)(4)؛ وقوله: " أكليهم بالسيف كيل السندرة"، أي أجازيهم بالوفاء، والسندرة شجرة يصنع منها مكاييل عظام.
__________
(1) الفتح 7/608، وفي مغازي الواقدي 2/655: (محمد بن مسلمة).
(2) قال الواقدي: وقيل: إن محمد بن سلمة ضرب ساقي مرحب فقطعهما، فقال مرحب: أجهز علي يا محمد، فقال محمد: ذق الموت كما ذاقه أخي محمود، وجاوزه، ومر به علي رضي الله عنه، فضرب عنقه، وأخذ سلبه.
وكذا روى موسى بن عقبة عن ابن إسحاق أن محمد بن سلمة هو الذي قتله.
وخالف الحاكم فقال: إن الأخبار متواترة بأسانيد كثيرة أن قاتل مرحب أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه.
وتقدم في صحيح مسلم ما يوافق هذا الرأي.
انظر:سيرة ابن هشام 2/333-334، ومسند أحمد 3/385،ومستدرك الحاكم 3/436،وزاد المعاد 3/321-322،والفتح 7/608.
(3) فاطمة بنت أسد بن هشام بن عبد مناف الهاشمية، والدة علي وإخوته. صح أنها هاجرت وماتت بالمدينة، وأخرج ابن أبي عاصم أن النبي صلى الله عليه وسلم كفنها في قميصه، وقال: لم نلق بعد أبي طالب أبر بي منها.
ترجمتها في: الاستيعاب ص: 1891، والإصابة 8/60.
(4) الروض الأنف 4/61.(4/18)
4210- يدركون: يخوضون. مثلنا: مسلمين. ثم ادعهم إلى الإسلام: يؤخذ منه أن الدعاء شرط في جواز القتال، قيل مطلقا، بلغتهم الدعوة أم لم تبلغهم، وهو قول مالك رحمه الله، قال، إلا أن يعجلوا المسلمين، أو يكونوا ممن بلغتهم الدعوة وعرفوا ما يطلبه المسلمون منهم، كما سبق في الجهاد. حمر النعم: تتصدق بها، وقيل تملكها، وهي مما تتفاخر به العرب، ويؤخذ منه أن تألف الكافر حتى يسلم أولى من المبادرة إلى قتله.
4211- الحصن: هو القموص، أحد حصونها(1). زوجها: كنانة بن الربيع. فاصطفاها: أي أخذها من الصفي، والصفي رأس من الخمس، عبد/ أو أمة يختاره قبل كل شيء، وقيل كان له سهم صاف يأخذه من حيث شاء، وكانت صفية من ذلك السهم، وقيل كان اسمها زينب، فلما صارت من الصفي سميت صفية(2)، وروى ابن سعد عنها قالت: " ما بلغت سبع عشرة سنة يوم دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". سد الصهباء: على بريد من خيبر. حلت: طهرت من الحيض. حيسا: تمرا وسمنا وأَقِطًا.
بالأنطاع(3): جمع نطع، جلد يؤكل عليه كالسفرة.
يحتوي لها: أي يجعل لها حوية، وهي كساء محشوة تدار حول الراكب، كذا في الفتح(4) والتوشيح (5).وتضع رجلها…إلخ: في مغازي أبي الأسود(6) عن عروة: فأجلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تضع رجلها على فخذه، فوضعت ركبتها على فخذه فركبت(7).
4212- بطريق خيبر: أي بسد الصهباء.
4214- بجراب: وعاء. فنزوت: وثبت.
__________
(1) مثله في الفتح 7/609.
(2) نقلا عن الفتح 7/609-610.
(3) هذه اللفظة وردت في الحديث 4213، أما هنا فقد جاءت بالإفراد: " ثم صنع حيسا في نطع صغير".
(4) فتح الباري 7/610.
(5) التوشيح ص: 383.
(6) محمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى الأسدي، أبو الأسود المدني، يتيم عروة.
ثقة أخرج له الشيخان وأصحاب السنن.
ترجمته في: التقريب رقم 6085.
(7) نقلا عن الفتح 7/610.(4/19)
4215- نهى عن أكل الثوم: نهي تنزيه. وعن لحوم الحمر الأهلية(1): نهي تحريم، ففيه استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، لأن حقيقة النهي التحريم.
4216- نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل ... إلخ: قيل فيه تقديم وتأخير، والصواب: نهى يوم خيبر عن أكل لحوم الحمر الإنسية وعن متعة النساء، أي نكاحهن إلى أجل، وليس يوم خيبر ظرفا(2) لمتعة النساء، لأنه لم يقع في غزوة خيبر تمتع بالنساء، قاله ابن حجر(3).
4219- عن محمد(4) الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي، رضي الله عنهم أجمعين.
ورخص في الخيل: مشهور مذهب مالك فيها الكراهة كما يأتي في الذبائح.
4220- أصابتنا مجاعة: أي فوقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها. لتغلي: من لحوم الحمر.
منادي: هو أبو طلحة. البتة: أي قطعا، وهو منصوب على المصدر، وألفه وصلية، قال في الكواكب: ( قال ابن بطال: أولى الأقوال ما اجتمع عليه أكثر الأمة، وهو تحريم أعيانها مطلقا).
4221، 4222- أكفئوا القدور: أميلوها ليراق ما فيها.
4226- لم يأمرنا بأكله بعد: لاستمرار تحريمه.
__________
(1) جمع هنا بين النهي عن أكل الثوم ولحوم الحمر، ويستفاد منه جواز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، لأن أكل الحمر حرام، وأكل الثوم مكروه، وقد جمع بينهما بلفظ النهي، فاستعمله في حقيقته وهو التحريم، وفي مجازه وهو الكراهة.
انظر الفتح 7/613.
(2) في المخطوطة: ظرف، والصحيح "ظرفا" لأنه خبر ليس.
(3) في الفتح 7/613.
(4) محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو جعفر الباقر.
أمه بنت الحسن بن علي بن أبي طالب.
روى عن أبيه وجديه الحسن والحسين، وابن عباس وابن عمر وعائشة وأبي هريرة.
وعنه الأعرج والزهري والأوزاعي والأعمش وابن جريج. توفي عام 114هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 9/350-352، والتقريب رقم 6151.(4/20)
4229- جبير بن مطعم: من بني نوفل. وعثمان: من بني عبد شمس. بمنزلة واحدة منك: لأن الكل من بني عبد مناف. شيء واحد: في الإعانة والرفادة والنصر كما وقع في قضية الشعب السابقة.
4230- أبو بردة: اسمه عامر. أبورُهْم(1): اسمه مجذي. أسماء بنت عميس: زوج جعفر بن أبي طالب(2). والحبشية هذه: أي التي كانت في الحبشة. البحرية: أي التي قدمت في البحر. سبقناكم…إلخ: قاله عمر رضي الله عنه على وجه الفرح بنعمة الله تعالى والتحدث بها، لما علم من عظيم أمر الهجرة، لا على وجه الفخر، ولما سمعت أسماء ذلك غضبت على وجه المنافسة في الأجر. البعداء: جمع بعيد، أي في النسب. البغضاء(3): جمع بغيض، أي في الدين. في الله...إلخ: أي في طلب مرضاته ومرضاة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
4231- أهل السفينة: ممنصوب على الاختصاص(4). هجرتان: إحداهما للحبشة والأخرى للمدينة، وهذه خصوصية لهم، والخصوصية لا تقتضي التفضيل، فلا يقال إنهم أفضل من غيرهم. قالت: أسماء. أرسالا: أفواجا أفواجا.
وقال أبو بردة: موصول بالسند السابق.
__________
(1) أبو رهم مجذي بن قيس الأشعري، أخو أبي موسى وأبي بردة. قيل إن اسمه: محمد أو مجيد.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1659، والإصابة 5/773.
(2) جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أبو عبد الله، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السابقين إلى الإسلام.
قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( أشبهت خلقي وخلقي) - متفق عليه-. استشهد في غزوة مؤتة.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 242، والاصابة 1/485 ( 488.
(3) كذا للأكثر، جمع بغيض وبعيد، وفي رواية أبي يعلى بالشك، البعداء أو البغضاء، وللنسفي: البعد بضمتين، وللقابسي: البعد البعداء البغضاء، جمع بينهما فلعله فسر الأولى بالثانية، انظر الفتح: 7/618.
(4) أو على النداء بحذف أداته، انظر الفتح 7/618.(4/21)
4232- حين يدخلون(1): أي منازلهم، إذا انقلبوا من المسجد أو من غيره. بالقرآن: متعلق بأصوات، وفيه استحسان رفع الصوت بالقرآن إذا لم يؤذ فيه أحدا، وأمن من الرياء(2). حكيم(3): صفة أو علم على رجل(4). إذا لقي الخيل أو العدو إن أصحابي ...إلخ: معناه على الأول: إذا لقي خيل المسلمين، قال لهم: إن أصحابي الرجالة يأمرونكم أن تنتظروهم ليسيروا معكم للعدو، وعلى الثاني: إذا لقي العدو منصرفين، قال لهم لفرط شجاعته: انتظروا خيلنا حتى يكافحوكم /.
__________
(1) كذا لجميع رواة البخاري ومسلم، وحكى القاضي عياض عن بعض رواة مسلم: " يرحلون"، وصوبها الدمياطي في البخاري، وهو عجيب منه، فإن الرواية بالدال والمعجمة، والمعنى صحيح فلا معنى للتغيير، قال النووي: والرواية الأولى صحيحة أو أصح، والمراد يدخلون منازلهم إذا خرجوا إلى المسجد أو إلى شغل ما، ثم رجعوا، انظر الفتح 7/619.
(2) نقلا عن الفتح 7/619.
(3) حكيم الأشعري، لا يعرف له خبر إلا ما ورد في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل...).
ترجمته في: الإصابة 2/115-116.
(4) قال عياض: قال أبو علي الصدفي: هو صفة لرجل منهم، وقال أبو علي الجياني: هو اسم علم على رجل من الأشعريين، واستدركه على عياض في الاستيعاب، أنظر الفتح 7/619. وقال ابن حجر في الإصابة 2/116: ( وقد زعم ابن التين وغير واحد من شراح البخاري أن قوله: " ومنهم حكيم" صفة رجل منهم غير مسمى، وكذا حكاه عياض عن شيخه أبي علي الصدفي، والله أعلم).(4/22)
4233- ولم يقسم لأحد... إلخ: الجمع بين هذا وبين ما رواه غير واحد أنه - صلى الله عليه وسلم - أسهم لأبي هريرة، هو أن أصحاب السفينة أسهم لهم من غير استرضاء أحد، وأبو هريرة وأصحابه لم يعطهم إلا عن طيب خواطر المسلمين كما عند أحمد(1) وغيره عن أبي هريرة: "فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم"، قاله ابن حجر(2).
4234- افتتحنا: أي المسلمون، لأن أبا هريرة لم يحضر فتحها. عبد له: أسود. أحد بني الضباب(3): هو رفاعة بن زيد(4). عائر: لا يدري راميه، وقيل هو الحائد عن قصده . بل: في رواية الكشميهني " بلى"، وهي تصحيف، قاله ابن حجر(5). لتشتعل عليه نارا: أي حقيقة بأن تصير الشملة نفسها نارا فيعذب بها، أو مجازا، أي أنها سبب لعذاب النار. رجل: لم يعرف(6). بشراك: هو سير النعل الذي على ظهر القدم. من نار: حقيقة أو مجازا.
__________
(1) أخرجه أحمد 2/346، وابن خزيمة وابن حبان، والحاكم من رواية أبي هريرة قال: " قدمت المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، وقد استخلف سباع بن عرفطة"، فذكر الحديث وفيه: " فزودونا شيئا حتى أتينا خيبر وقد افتتحها النبي صلى الله عليه وسلم، فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم".
(2) في الفتح 7/622.
(3) جمع الضب، وفي رواية مسلم: أهداه له رفاعة بن زيد أحد بني الضبيب، بضم أوله بصيغة التصغير، وفي رواية أبي إسحاق: رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبني، بضم المعجمة وفتح الموحد بعدها نون، انظر الفتح 7/622.
(4) رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي.
أسلم في هدنة الحديبية قبل خيبر، وحسن إسلامه، وأهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما.
وفي الصحيحين أن هذا الغلام يقال له مدعم.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 500، والإصابة 2/490-491.
(5) في الفتح 7/623، وزاد: ( وفي رواية مسلم: "كلا"، وهو رواية الموطأ).
(6) قال الحافظ في الفتح 7/623: ( لم أقف على اسمه).(4/23)
4235- بيانا(1) : أي شيئا واحدا، وطريقة متحدة، وقيل هو المعدم الذي لاشيء له، والمعنى: لولا أن أتركهم فقراء معدمين. لا شيء لهم: أي متساوين في الفقر. يقتسمونها: أي يقتسمون خراجها.
4237-قال:أي الزهري.فسأله: أن يعطيه من غنائم خيبر.بعض بني سعيد: هو أبان بن سعيد بن العاصي(2) المذكور بعد هذا، أسلم يوم الحديبية. قاتل ابن قوقل: يعني يوم أحد، وابن قوقل هو النعمان بن مالك الأوسي(3)
__________
(1) قال الحافظ في الفتح 7/624: ( كذا للأكثر بموحدتين مفتوحتين، الثانية ثقيلة وبعد الألف نون، قال أبو عبيدة بعد أن أخرجه عن ابن مهدي، قال ابن مهدي: يعني شيئا واحدا. قال الخطابي: ولا أحسب هذه اللفظة عربية، ولم أسمعها في غير هذا الحديث، وقال الأزهري: بل هي لغة صحيحة، لكنها غير فاشية في لغة معد، وقد صححها صاحب العين وقال: ضوعفت حروفه، وقال: الببان المعدم الذي لا شيء له، ويقال هم على ببان واحد، أي على طريقة واحدة، وقال ابن فارس: يقال هم ببان واحد أي شيء واحد، قال الطبري: الببان في المعدم الذي لا شيء له، فالمعنى: لولا أن أتركهم فقراء معدمين لا شيء لهم، أي متساوين في الفقر، وقال أبو سعيد الضرير فيما تعقبه على أبي عبيد: صوابه بيانا بالموحدة ثم تحتانية بدل الموحدة الثانية، أي شيئا واحدا، فإنهم قالوا لمن لا يعرف: هو هيان بن بيان).
(2) أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد مناف القرشي الأموي.
قال البخاري وأبو حاتم وابن حبان: له صحبة.
كان أبوه من الأكابر في قريش، وأسلم أولاده قديما منهم خالد وعمرو . شهد خيبر مع النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر الواقدي. ومات في خلافة عثمان بن عفان.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 62، والإصابة 1/15( 18.
(3) النعمان بن قوقل بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عمرو بن عوف. شهد بدرا، واستشهد بأحد.
ويقال اسمه ثعلبة أو مالك بن ثعلبة.
وقال ابن حبان عنه: أقسمت عليك يارب أن لا تغيب الشمس حتى أطأ بعرجتي في خضرة الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد رأيته يطأ فيها وما به من عرج.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1503، والإصابة 6/450-451.(4/24)
، وقوقل لقب بعض أجداده. فقال: أي "أبان". لوبر: الوبر دابة صغيرة وحشية تشبه السنور(1). تدلى: نزل كأنه هجم علينا بغتة. قدوم: طرف. الضان: بلا همز، جبل لدوس، قبيلة أبي هريرة، وأراد بذلك تحقير شأن أبي هريرة، وأنه ليس في مقام من يشير بعطاء ولا منع.
4238- أبان: ابن سعيد. سرية: لم تعرف(2). وأنت بهذا: أي أنت تقول هذا، أو أنت بهذه المنزلة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع كونك لست من أهله ولا من قومه ولا من بلده. تحدر: نزل. ضال: سدر بري.
4239- واعجبا: "وا" اسم فعل بمعنى أعجب، و"عجبا" منونا مصدر مؤكد، أي أعجب عجبا، وإن قرئ بغير تنوين كان بمعنى: واعجبي، فالواو للنداء، و "عجبي" منادى، ثم أبدلت الكسرة فتحة، والياء ألفا، فصار: واعجبا، كقوله: يا أسفى(3). تدأدأ: قيل أصله "تدهده"، فأبدلت الهاء همزة، وقيل: الدأدأة صوت الحجارة في المسيل. تنعي: تعيب. أكرمه الله بيدي: أي بالشهادة. ولم يهني بيده: أي بقتلي كافرا.
…تنبيه: بين رواية سفيان(4) ورواية الزبيدي(5) تناقض ظاهر، ورجح الذهلي(6)
__________
(1) مثله في الفتح 7/626.
(2) قال الحافظ في الفتح 7/626: ( لم أعرف حال هذه السرية).
(3) مثله في الفتح 7/626.
(4) سفيان بن عينية، تقدمت ترجمته في شرح الحديث 3890.
(5) محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي، أبو الهذيل الحمصي القاضي.
روى هن الزهري وسعيد المقبري ونافع ومكحول وهشام بن عروة.
وعنه الأوزاعي ويحيى بن حمزة الحضرمي ومحمد بن حرب الخولاني.
قال ابن سعد: كان أعلم أهل الشام بالفتوى والحديث.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 9/502-503، والتقريب رقم 6372.
(6) محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي، أبو عبد الله النيسابوري.
محدث أكثر الترحال وصنف التصانيف.
كان أحمد بن حنبل يعظمه ويجله.
له: علل حديث الزهري.
توفي عام 258هـ.
ترجمته في: شذرات الذهب 2/138، ومرآة الجنان 2/169، وهدية العارفين 2/16.(4/25)
والقاضي عياض رواية الزبيدي، قال ابن حجر: ( ويؤيده ذلك وقوع التصريح فيها بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا أبان اجلس ، ولم يقسم لهم، ويحتمل أن يجمع بينهما بأن يكون كل من أبان وأبي هريرة أشار ألا يقسم للآخر، ويدل عليه أن أبا هريرة احتج على أبان بأنه قاتل ابن قوقل، وأبان احتج على أبي هريرة بأنه ليس ممن له في الحرب يد، ليستحق بها النفل، فلايكون فيه تناقض، وقد سلمت رواية السعيدي -وهي الثالثة- من هذا الاختلاف، والله أعلم)(1).
4240، 4241- ما تركنا صدقة: مبتدأ وخبر/. فهجرته: أي انقبضت من لقائه، لاالهجران المحرم، راجع باب فرض الخمس. ستة أشهر: هذا هو الصحيح في بقائها بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل غير ذلك، قاله ابن حجر(2). ليلا: بوصية منها، لإرادة الزيادة في السر والصيانة(3). ولم يؤذن بها أبا بكر: لأنه ظن أن ذلك لا يخفى عليه، أو خاف أن يكون ذلك من باب النعي المنهي عنه، قال القرطبي: ( وليس في الخبر ما يدل على أن أبابكرلم يعلم بموتها، ولا صلى عليها، ولا شاهد جنازتها، بل اللائق بهم، المناسب لأحوالهم، حضور جنازتها، واغتنام بركتها، ولا تسمع أكاذيب الرافضة المبطلين الضالين المضلين) هـ(4).
__________
(1) فتح الباري 7/627.
(2) في الفتح 7/627.
(3) وزاد في الفتح 7/629: ( وأما الحديث الذي أخرجه مسلم والنسائي وأبو داود من حديث جابر في النهي عن الدفن ليلا، فهو محمول على حال الاختيار، لأنه في بعضه: " إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك").
(4) ما أحلاه من كلام، وأروعه من بيان؛ وهو أفضل مما في الفتح 7/629.(4/26)
…وجه حياة فاطمة: أي جاه واحترام، أي كان الناس يحترمونه إكراما لها، زيادة على قدره، فلما توفيت واستمر علي على عدم الحضور عند أبي بكر، قصر الناس عن ذلك التعظيم، لإرادة دخوله فيما دخل فيه الناس(1). ولم يكن يبايع تلك الشهر: أي حياة فاطمة، قال الإمام المازري: ( العذر لعلي في تخلفه ما اعتذر هو به، أنه يكفي في بيعة الإمام مبايعة بعض أهل الحل والعقد، ولا يلزم استيعاب كل أحد) هـ(2).
…وقال القرطبي: ( لا يظن بعلي أنه خالف الناس في البيعة، لكنه تأخر عن الناس لمانع منعه، وهو الموجدة التي وجدها، حيث استبد عليه بمثل هذا الأمر العظيم ولم ينتظر، مع أنه أحق الناس بحضوره ومشورته، لكن العذر للمبايعين لأبي بكر على ذلك الاستعجال مخافة ثوران الفتنة بين المهاجرين والأنصار كما هو معروف في حديث السقيفة، فسابقوا الفتنة فلم يتأت لهم انتظاره لذلك) هـ.
…ليحضر عمر: لصلابته وشدته(3). وحدك: لئلا يتركوا بعض ما يجب لك من التعظيم. لآتينهم: أي وحدي. لم ننفس عليك…إلخ: لم نحسدك على الخلافة. لقرابتنا: أي لأجل ذلك. نصيبا: لنا في الأمر والمشورة. حتى فاضت ..إلخ: أي ولم يزل علي يذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى فاضت ..إلخ. هذه الأموال: كفدك وغيره. آل: أقصر. العشية: أي بعد الزوال. وعذره: بفتح العين والذال، فعل ماض، ولغير أبي ذر: "وعذره"، بضم العين، عطفا على مفعول "ذكر". فعظم حق أبي بكر: ثم مضى إليه وبايعه. وكان المسلمون: أي وكان ودهم. المعروف: من الدخول فيما دخل فيه الناس.
__________
(1) نقلا عن الفتح 7/629.
(2) نقلا عن الفتح 7/629.
(3) قال الحافظ في الفتح 7/629: ( في رواية الأكثر: " لمحضر عمر"، والسبب في ذلك ما ألفوه من قوة عمر وصلابته في القول والفعل، وكان أبو بكر رقيقا لينا، فكأنهم خشوا من حضور عمر كثرة المعاتبة التي قد تفضي إلى خلاف ما قصدوه من المصافاة).(4/27)
…قال القرطبي: ( قد جرى بينهما في هذا المجلس من المحاورة والمكالمة والإنصاف ما يدل على معرفة بعضهم بفضل بعض، وأن قلوبهم متفقة على احترام بعضهم لبعض، ومحبة بعض لبعض، ما يشرَق به الرافضي اللعين، وتشرق به قلوب أهل الدين)، هـ من المفهم بحروفه(1).
4242- عن عكرمة عن عائشة: ليس لعكرمة عن عائشة في البخاري غير هذا الموضع(2). نشبع من التمر: لكثرته فيها.
40- " استعمال النبي صلى الله عليه على أهل خيبر"
…بعد فتحها أميرا عليها.
4244، 4245- رجلا: هو سواد بن غزية(3)، من بني عدي بن النجار. جنيب: جيد. بع الجمع: هو التمر الرديء المجموع من أنواع شتى.
4246، 4247- أخا بني عدي: هو سواد بن غزية.
41- " معاملة النبي صلى الله عليه أهل خيبر"
…أي على سبيل المساقاة للشجر الذي بها من نخل وغيره.
…4248- ويزرعوها: أي يزرعوا ماكان / بين الشجر من البياض، وكان يسيرا تابعا للشجر، على هذا حمله مالك رحمه الله، انظر كتاب المزارعة.
42- " باب الشاة التي سمت للنبي صلى الله عليه بخيبر"
…أي جعل فيها السم، وقدمت إليه ليأكلها.
…رواه عروة: كما في الوفاة النبوية.
__________
(1) قال الحافظ في الفتح 7/630: ( وقد تمسك الرافضة بتأخر علي عن بيعة أبي بكر إلى أن ماتت فاطمة، وهذيانهم في ذلك مشهور، وفي هذا الحديث ما يدفع في حجتهم، وقد صحح ابن حبان وغيره من حديث أبي سعيد الخدري وغيره أن عليا بايع أبا بكر في أول الأمر).
(2) باللفظ من الفتح 7/631، ولكن الشبيهي نقص منه فأخل بالمعنى، فقد قال الحافظ: ( ليس لعكرمة عن عائشة في البخاري غير هذا الحديث، وآخر سبق في الطهارة، وثالث يأتي في اللباس).
(3) سواد بن غزية الأنصاري، من بني عدي بن النجار، ويقال سوادة، قال أبو حاتم: شهد بدرا.
وروى الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سواد بن غزية أخا بني عدي، وأمره على خيبر.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 673، والإصابة 3/217-218.(4/28)
…4249- شاة فيها سم: جعلته فيها زينب بنت الحارث اليهودية، امرأة سلام بن مشكم، وأكثرت السم في الذراع، وأهدتها للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فنال منها - صلى الله عليه وسلم - مضغة جعلها في فيه، ولفظها ولم يسغها، وأكل معه بشر بن البراء(1) فأساغ لقمته، ومات منها رحمة الله عليه، فأتى باليهودية فقال: ما حملك على ذلك؟ قالت: أردت إن كنت نبيا فسيعلمك الله، وإن كنت كاذبا فأريح الناس منك، فتركها ولم يعاقبها، وقال الزهري: إنها أسلمت، فمن ثم تركها، وعند ابن سعد أنه دفعها لأولياء "بشر" فقتلوها، قال البيهقي: يحتمل أنه تركها أولا، ثم لما مات "بشر" قتلها به(2).
43- "غزوة زيد بن حارثة"
…قال ابن حجر: تتبعت ما ذكره أهل المغازي من سرايا زيد بن حارثة فبلغت سبعا، ثم سردهم كلهم، وقال: ( ولعل مراد المص غزوة بني فزارة )(3).
…4250-على قوم:فيهم أبو بكر وعمر.أبيه: زيد لقد.كان: أي زيد.خليقا: حقيقا.
44- " عمرة القضاء" (4)
__________
(1) بشر بن البراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري الخزرجي، أحد النقباء.
شهد بدرا وما بعدها، ومات بعد خيبر بعد أكله من الشاة المسمومة.
قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم - مخاطبا بني نضلة -: ( سيدكم الأبيض الجعد بشر بن البراء).
ترجمته في: الاستيعاب ص: 167، والإصابة 1/294-295.
(2) نقلا عن الفتح 7/633، وأما ابن سعد فقد قال في الطبقات 2/107: (… فيقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلها، وهو الثبت عندنا).
(3) فتح الباري 7/635.
(4) كذا للأكثر، وللمستملي وحده: " غزوة القضاء"، والأول أولى، انظر الفتح 7/636.(4/29)
…وتسمى عمرة القضية، وعمرة الصلح، وعمرة القصاص، وكانت في ذي القعدة سنة سبع، قال السهيلي في الروض: ( وسميت عمرة القضاء لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاضى قريشا عليها، لالأنه قضى العمرة التي صد عن البيت فيها، فإنها لم تكن فسدت بصدهم عن البيت، بل كانت عمرة تامة متقبلة، وهي معدودة في عمره - صلى الله عليه وسلم -، وهن أربع) هـ(1).
…وهذا قول الجمهور فيمن اعتمر وصد عن البيت يجب عليه الهدي(2) ولا قضاء عليه(3)
__________
(1) الروض الأنف 4/76-77.
(2) أثبت العرائشي طرة تضمنت ما يلي: ( قوله: " إنه يجب عليه الهدى"، هذا مذهب الأئمة الثلاثة، وأما المالكية فالمشهور عندهم لادم على المحصر في حج أو عمرة لأجل الحصر، خلافا لأشهب فإنه أوجبه واستدل بآية: " فإن احصرتم فما استيسر..." إلخ، وأجيب بأن الهدي في الآية لم يكن لأجل الحصر، وإنما ساقه بعضهم تطوعا فأمروا بذبحه، فلا دليل فيها على الوجوب كما يقول أشهب هـ، وعلى المشهور درج الشيخ خ وإن منعه عدو إلى أن قال: " ولا دم") هـ.
(3) قال ابن القيم في زاد المعاد 3/378-379: ( واختلف الفقهاء في ذلك على أربعة أقوال: أحدهما: أن من أحصر عن العمرة يلزمه الهدي والقضاء، وهذا إحدى الروايات عن أحمد، بل أشهرها عنه.
والثاني: لا قضاء عليه، وعليه الهدي، وهو قول الشافعي، ومالك في ظاهر مذهبه، ورواية أبي طالب عن أحمد.
والثالث: يلزمه القضاء، ولا هدي عليه، وهو قول أبي حنيفة.
والرابع: لا قضاء عليه، ولا هدي، وهو إحدى الروايات عن أحمد.
وظاهر القرآن يرد هذا القول- أي وجوب القضاء دون الهدي - ، ويوجب الهدي دون القضاء، لأنه جعل الهدي هو جميع ما على المحصر، فدل على أنه يكتفى به منه، والله أعلم).(4/30)
. ذكره أنس: أي فيما أخرجه عبد الرزاق عنه(1).
4251- في ذي القعدة: أي عمرة الحديبية سنة ست. ثلاثة أيام: أي من العام المقبل.
هذا: إشارة إلى ما في الذهن. ما قاضانا: مفسر له؛ قال ابن حجر : (هذه رواية الكشميهني، وهي غلط)(2)، والصواب "قاضى". لا نقر بهذا: أي النبوة. مامنعناك شيئا: ولبايعناك. امح رسول الله: أي لفظة "رسول" فقط، واجعل في محلها "ابن عبد". لا أمحوك أبدا: كأن عليا رحمه الله فهم أن أمره له بذلك ليس متحتما، فلذلك امتنع من امتثاله؛ ( وفي رواية يوسف(3) بعد قال: فأرنيه، فأراه إياه فمحاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده؛ وعند النسائي عن علي قال له - صلى الله عليه وسلم -: " أما إن لك مثلها، وستأتيها وأنت مضطر"، يشير - صلى الله عليه وسلم - إلى ما وقع لعلي يوم الحكمين، فكان كذلك)(4).
…فأخذ رسول الله صلى الله عليه الكتاب، وليس يحسن يكتب، فكتب إلخ: تمسك بظاهر هذه الرواية الباجي(5)
__________
(1) قال الحافظ في الفتح 7/637: ( كنت ذكرت في "تغليق التعليق" أن مراده حديث أنس في عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم موصولا في الحج، ثم ظهر لي الآن أن مراده بحديث أنس ما أخرجه عبد الرزاق عنه من وجهين)، ثم ذكرها.
(2) الفتح 7/639.
(3) يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي.
ثقة أخرج له الشيخان وأصحاب السنن.
روى عن أبيه وجده والشعبي وابن المكندر.
توفي عام 157هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 11/408، والتقريب رقم 7856.
(4) باللفظ من الفتح 7/640.
(5) أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث الباجي الأندلسي، أخذ عن أبي الأصبغ وابن السمار والسمعاني، وعنه ابن عبد البر والجياني والصدفي. له المنتقى في شرح الموطأ، وشرح المدونة، وأحكام الفصول في أحكام الأصول، توفي سنة 474 هـ.
ترجمته في : نفح الطيب 1/359-364، والصلة 1/197 ، والديباج المذهب 1/377، وشذرات الذهب 3/344.(4/31)
، فادعى أن النبي - صلى الله عليه وسلم -كتب بيده بعد أن لم يكن يحسن يكتب، وشنع عليه علماء الأندلس في زمانه، وقالوا فيه ما قالوا، والجمهور على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكتب قط، وأن الكاتب في قصة الحديبية إنما هو علي كما صرح به المسور(1)، والنكتة في قوله: "فأخذ الكتاب وليس يحسن يكتب"، لبيان أن قوله: " أرني إياها"، أنه ما / احتاج أن يريه موضع الكلمة التي امتنع علي من محوها إلا لكونه كان لا يحسن الكتابة، وقوله بعد ذلك: "فكتب"، فيه حذف تقديره: فمحاها وأعادها لعلي فكتب، وبهذا جزم ابن التين، أو أطلق كتب بمعنى أمر بالكتابة، وهو كثير كقوله: كتب إلى قيصر وكسرى، قاله ابن حجر(2) كالقسطلاني(3)، وراجع ما كتبناه في الصلح ولابد(4).
في القراب: هو وعاء يجعل فيه السيف يغمده. فلما دخلها: في العام المقبل. ومضى الأجل: ثلاثة أيام. ابنة حمزة(5)
__________
(1) المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب الزهري.
روى عن أبيه وخاله عبد الرحمن بن عوف وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عباس.
وعنه سعيد بن المسيب وابن أبي مليكة وعروة ين الزبير.
كان يلزم الفاروق عمر، وكان من أهل الفضل.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 10/150-152، والتقريب رقم 6672.
(2) في الفتح 7/641.
(3) في الإرشاد 6/424.
(4) ولئن وافق أبا الوليد الباجي جماعة، منهم شيخه أبو ذر الهروي، وأبو الفتح النيسابوري، فإن استدلالاتهم الحديثية ضعيفة عند الجمهور، ومن أقوى ما رد به هذا القول أنه لا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم - إن حملنا الأمر على الظاهر - وهو لا يحسن الكتابة أن يصير عالما بالكتابة ويخرج عن كونه أميا، فإن كثيرا ممن لا يحسن الكتابة يعرف تصور بعض الكلمات ويحسن وضعها وخصوصا الأسماء، ولا يخرج بذلك عن كونه أميا.
(5) أما عمارة فهي ابنة حمزة من سلمى بنت عميس الخثعمية كما قال ابن سعد، وقال ابن عبد البر بأنها أمة الله بنت حمزة.
وقال ابن عبد البر بأنها أمة الله بنت حمزة. انظر الإصابة 7/505 و7/706-707.(4/32)
: اسمها عمارة، أو فاطمة، أو أمامة، أو أمة الله، أو سلمى، والأول أشهر(1). ياعم: تريد النبي - صلى الله عليه وسلم -. دونك: خذي. وزيد: ابن حارثة، وهو وصي حمزة وأخوه من الرضاعة. وخالتها: أسماء بنت عميس. تحتي: أي زوجتي. بنت أخي: من الرضاعة. الخالة بمنزلة الأم: أي في هذا الحكم الخاص، لأنها تقرب منها في الحنو والشفقة، فهي أولى من غيرها. أنت مني وأنا منك: أي في النسب والصهر والسابقية والمحبة، وغير ذلك من المزايا، ولم يرد محض القرابة لأن جعفرا شاركه فيها. أشبهت خلقي وخلقي: أما الخلق بالفتح، والمراد به الصورة، فقد شارك جعفرا فيه جماعة قدمنا ذكرهم في ترجمة الحسنين، ونظم الحافظ ابن حجر لهم هناك فراجعه(2)، وماذكره الحافظ هنا سهو منه على ما قدمه ثمة(3)
__________
(1) نقلا عن الفتح 7/643.
(2) في مناقب الحسن من الفضائل.
(3) قال الحافظ في الفتح 7/645-646: ( وقد ذكرت أسماءهم في مناقب الحسن، وأنهم عشرة أنفس غير فاطمة عليها السلام، وقد كنت نظمت إذ ذاك بيتين في ذلك، ووقفت بعد ذلك في حديث أنس على أن إبراهيم ولد النبي صلى الله عليه وسلم كان يشبهه، وكذا في قصة جعفر بن أبي طالب أن ولديه عبد الله وعونا كانا يشبهانه، فغيرت البيتين الأولين بالزيادة فأصلحتهما هناك، ورأيت إعادتها هنا ليكتبهما من لم يكن كتبها إذ ذاك:
شبه النبي ليج سائب وأبي * سفيان والحسنين الخال أمهما
وجعفر ولداه وابن عامرهم * ومسلم كابس يتلوه مع قثما
ووقع في تراجم الرجال وأهل البيت ممن كان يشبهه صلى الله عليه وسلم من غير هؤلاء عدة).(4/33)
، رحمة الله عليه ورضوانه، وأما الخلق بالضم، والمراد به الأوصاف المعنوية، فمشابهة جعفر فيه للنبي - صلى الله عليه وسلم - خصوصية له،لم يشاركه فيها غيره، إلا أن يقال إن مثل ذلك حصل لفاطمة عليها السلام، فإن في حديث عائشة ما يقتضي ذلك، لكن ليس بصريح كما في قصة جعفر، فهي منقبة عظيمة له، قاله ابن حجر (1). أنت أخونا: في الإيمان. ومولانا: لأنه معتقه، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -:" مولى القوم منهم".
4252- إلا سيوفا: أي في قرابها. إلا ما أحبوا: أي ثلاثة أيام.
4253- أربعا: إحداهن في رجب كما في رواية.
4254- استنان عائشة: حس مرور السواك على أسنانها. أربع عمر: إحداهن في رجب.
4255- أن يؤذوا: أي خشية أن يؤذوه.
4256- وقد: كذا لابن السكن بالقاف وسكون الدال، قال ابن حجر: وهو خطأ، ولغيره: وفد، بالفاء وتنوين الدال(2)، أي زيار. يثرب: هذا اسم المدينة، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تسميتها بذلك، وإنما ذكر عباس ذلك حكاية عن قولهم. الركنين: اليمانيين. الإبقاء عليهم: أي الرفق بهم.
4257- سعى: أي رمل.
4258- تزوج النبي صلى الله عليه: يعني ميمونة(3)
__________
(1) في الفتح 7/646.
(2) فتح الباري 7/648.
(3) ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية، أخت أم الفضل لبابة. كان اسمها برة ، فسماها النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة. قالت عائشة: كانت من أتقانا لله وأوصلنا للرحم. توفيت بسرف عام واحد وخمسين.
ترجمتها في: الاستيعاب ص: 1914، والإصابة 8/126( 129.(4/34)
، زاد ابن حبان: " زوجه إياها العباس"(1)، وزاد أبو الأسود: بأمرها لأن أختها كانت تحته. وهو محرم: قال الزركشي: قال سعيد بن المسيب(2): هذا وهم، ما تزوجها إلا وهو حلال، لرواية يزيد بن الأصم(3) وأبي رافع، وغيرها، وقد رواه الدارقطني(4) عن ابن عباس أيضا)(5). وبنى بها: بِسَرِف(6).
__________
(1) عند ابن حبان والطبراني من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق بلفظ: " تزوج ميمونة بنت الحارث في سفره ذلك - يعني عمرة القضاء - وهو حرام، وكان الذي زوجه إياها العباس.
(2) سيد التابعين أبو محمد سعيد بن المسيب بن حزن القرشي المخزومي، أحد العلماء الأثبات، قال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علما منه، مات بعد 90 هـ.
ترجمته في: العبر 1/110، وتذكرة الحفاظ 548، وتهذيب التهذيب 4/8.
(3) يزيد بن الأصم بن عبيد بن معاوية بن عبادة بن البكاء بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، أبو عوف البكائي الكوفي.
روى عن خالته ميمونة بنت الحارث وعائشة وأبي هريرة وابن عباس.
وعنه محمد بن مسلم الزهري وميمون بن مهران وجعفر بن برقان.
مات سنة 103هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 11/313-314.
(4) أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي الحافظ، أحد الأعلام، وصاحب التصانيف، سمع من البغوي، ومحمد بن هارون الحضرمي، وقرأ على أبي بكر النقاش، وأحمد بن محمد الديباجي. وروى عنه عبد كثير منهم أبو حامد الإسفراييني، وأبو عبد الله الحاكم، وأبو ذر الهروي، وأبو نعيم الأصبهاني، قال الخطيب: " كان الدارقطني فريد عصره، انتهى إليه علم الأثر ومعرفة العلل"، وقال البرقاني: "كان الدارقطني يملي علي العلل من حفظه". توفي سنة 385 هـ.
ترجمته في تاريخ بغداد 12/34-35، وطبقات السبكي 3/462-466، ومعرفة القراء الكبار رقم 277، وغاية النهاية 1/558-559.
(5) التنقيح ص: 173.
(6) موضع على ستة أو سبعة أميال من مكة، انظر معجم البلدان 3/212.(4/35)
45- " غزوة مؤتة (1) من أرض الشام"
…على مرحلتين من بيت المقدس، وكانت في جمادى الأولى سنة ثمان، وسببها أن شرحبيل من أمراء قيصر قتل رسولا(2) أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى صاحب بصرى، فجهز النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم عسكرا في ثلاثة آلاف، ولقيهم الكفار في أكثر من مائة ألف.
4260- عن ابن أبي هلال: هو سعيد(3) /، أنه بلغه أن المسلمين لما التقوا مع الكفار، أخذ الراية زيد فقتل، ثم جعفر فقتل، ثم ابن رواحة فحاد حيدة فقال:
أقسمت يا نفس لتنزلنه - كارهة أو لتطاوعنه - مالي أراك تكرهين الجنة،
ثم نزل فقاتل حتى قتل، فأخذ خالد بن الوليد الراية فرجع بالمسلمين على حمية، رواه سعيد بن منصور، قاله الحافظ(4).
__________
(1) قرية من قرى الشام، انظر معجم البلدان 5/220.
(2) هو الحارث بن عمر الأزدي.
روى الواقدي أنه بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملك بصرى بكتابه، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل الغساني فأوثقه رباطا وضرب عنقه صبرا، ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم غيره، فلما بلغه الخبر، بعث البعث إلى مؤتة.
انظر: الإصابة 1/589.
(3) سعيد بن أبي هلال الليثي مولاهم، أبو العلاء المصري.
روى عن جابر وأنس مرسلا، وزيد بن أسلم وربيعة وأبي الزناد، وعنه سعيد المقبري وهشام بن سعد والليث بن سعد.
مات سنة 149هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 4/94، والتقريب رقم 2410.
(4) في الفتح 7/651.
وفي صدر كلام الحافظ فائدة لم يذكرها الشبيهي رحمه الله، وهي قوله: ("قال وأخبرني نافع"، وهو معطوف على شيء محذوف، ويؤيد ذلك قوله: " أنه وقف على جعفر يومئذ"، ولم يتقدم لغزوة مؤتة إشارة، ولم أر من نبه على ذلك من الشراح، وقد تتبعت ذلك حتى فتح الله بمعرفة المراد، فوجدت في أول باب جامع الشهادات من السنن لسعيد بن منصور) ثم ساق كلام ابن أبي هلال.(4/36)
…قال: أي ابن هلال. وأخبرني: معطوف على القدر الذي كتبناه، وهو قوله: إنه بلغه... إلخ. ليس منها شيء في دبره: لله در كعب بن زهير(1) حيث يقول:
لا يقع الطعن إلا في نحورهم - ما إن لهم عن حياض الموت تهليل(2).
4261- إن قتل زيد ... إلخ: يؤخذ من هذا جواز ولاية الوظائف تعليقا، وهو دليل قوي جدا، قاله في التوشيح(3).
بضعا وستين: الجمع بين هذا وبين الرواية السابقة أن العدد قد لا يكون له مفهوم، أو أن الزيادة باعتبار ما وجد فيه من رمي السهام، فإن ذلك لم يذكر في الرواية الأولى، أو أن الزائد على الخمسين جاءه من جهة قفاه أو جنبيه، ولا يلزم منه أنه أدبر.
4262- نعى زيدا ... إلخ: أخبر بموتهم. فأصيب: مات. تذرفان: تدفعان الدموع. حتى فتح الله عليهم: اختلف أئمة النقل هل كان هناك قتال وهزيمة، أو لم يكن إلا انحياز "خالد" بالمسلمين حتى رجعوا سالمين، قال ابن حجر: (ويمكن الجمع بأن يكونوا هزموا جانبا للمشركين، وخشي "خالد" تكاثر الكفار فأنحاز بالمسلمين عنهم حتى رجع بهم إلى المدينة)(4).
__________
(1) كعب بن زهير بن أبي سلمى الملزني، من أهل نجد، واسمه ربيعة بن رياح. اشتهر في الجاهلية، ولما أسلم أنشد لاميته المشهورة التي مطلعها: " بانت سعاد فقلبي اليوم مقبول، وقد أنشد 51 قصيدة.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1313، والإصابة 5/592( 596.
(2) البيت 57 وهو الأخير من قصيدة " بانت سعاد" .
(3) التوشيح ص: 386.
(4) فتح الباري 7/654.(4/37)
4263- لما جاء قتل...إلخ: أي على لسان جبريل، أو من حضر القتال. جلس رسول الله صلى الله عليه: أي في المسجد. يعرف فيه الحزن: ( لما جعل الله في قلبه من الرحمة والشفقة، ويؤخذ منه أن ظهور الحزن على الإنسان إذا أصيب بمصيبة لا يخرجه عن كونه صابرا راضيا، إذا كان قلبه مطمئنا، بل قد يقال: إن من كان ينزعج بالمصيبة ويعالج نفسه على الصبر والرضى أرفع رتبة ممن لا يبالي بوقوعها أصلا، أشار له الطبري(1)(2). رجل: لم يسم. نساء جعفر: أي قراباته وزوجته(3). لم يطعنه: لأنهم فهمن أن النهي منه، لامن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فاحث في أفواههن التراب: أي فإن ذلك يسكتهن، إن قدرت على ذلك، وإلا فردهن بالملاطفة. أرغم الله أنفك: ألصقه بالتراب، ولم ترد حقيقته. ما أنت تفعل: أي لا تقدر عليه، ولم تحصل إلا على تعب نفسك، وتعب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. العناء: التعب.
__________
(1) أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري، المؤرخ المفسر الإمام، ولد في طبرستان سنة 224 هـ، واستوطن بغداد، وعرض عليه القضاء فأبى، قال ابن الأثير: أبو جعفر أوثق من نقل التاريخ، وفي تفسيره علم غزير وتحقيق.
من كتبه: أخبار الرسل والملوك، وجامع البيان عن تأويل آي القرآن، واختلاف الفقهاء. توفي ببغداد سنة 310 هـ .
ترجمته في: طبقات السبكي 2/135-140، وميزان الاعتدال للذهبي 3/35، وتاريخ بغداد 2/162.
(2) نقلا عن الفتح 7/654.
(3) قال الحافظ في الفتح 7/655: ( لا نعرف لجعفر زوجة غير أسماء بنت عميس)، وقد تقدمت ترجمتها في شرح الترجمة 37 "هجرة الحبشة".(4/38)
4264- يا ابن ذي الجناحين: يشير بذالك إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله(1): ( هنيئا لك أبوك يطير مع الملائكة في السماء) هـ، وذلك أنه عوض بالجناحين عن قطع يديه، حيث أخذ اللواء بيمينه فقطعت، ثم أخذه بشماله فقطعت، ثم احتضنه فقتل رحمة الله عليه ورضوانه، قال ابن حجر: ( ولا مانع من حمله على ظاهره)(2)؛ وروى البيهقي أن جناحي جعفر كانا من ياقوت(3)، وما للسهيلي هنا معترض(4)
__________
(1) عبد الله بن جعفر، تقدمت ترجمته في شرح الحديث 3909.
(2) فتح الباري 7/657.
(3) في دلائل النبوة من مرسل عاصم بن عمر بن قتادة، وانظر الفتح 7/657.
(4) لم يبين الشبيهي رحمه الله ما قال السهيلي، ولا محل الاعتراض، في حين أورد الحافظ ابن حجر قول صاحب الروض الأنف واعتراضه عليه.
قال رحمه الله في الفتح 7/656-657: ( وقال السهيلي: قوله: "جناحان" ليسا كما يسبق إلى الوهم كجناحي الطير وريشه، لأن الصورة الآدمية أشرف الصور وأكملها، فالمراد بالجناحية صفة ملكية وقوة روحانية أعطيها جعفر. وقد عبر القرآن عن العضد بالجناح توسعا في قوله تعالى: " واضمم إليك جناحك "، وقال العلماء في أجنحة الملائكة: إنها صفات ملكية لا تفهم إلا بالمعانية، فقد ثبت أن لجبريل ستمائة جناح، ولا يعهد للطير ثلاثة أجنحة فضلا عن أكثر من ذلك، وإذا لم يثبت خبر في بيان كيفيتها، فنؤمن بها من غير بحث حقيقتها، انتهى.
وهذا الذي جزم به في مقام المنع، والذي نقله عن العلماء ليس صريحا في الدلالة لما ادعاه، ولا مانع من الحمل على الظاهر إلا من جهة ما ذكره من المعهود، وهو من قياس الغائب على الشاهد وهو ضعيف، وكون الصورة البشرية أشرف الصور لا يمنع من حمل الخبر على ظاهرة، لأن الصورة باقية). قلت: والذي أكده ابن حجر تضعيف لقول السهيلي بدون استدلال قوي وتأكيد للحمل على الظاهر بدون توجيه واضح، ويظل تفسير السهيلي قويا ومتجها، والله أعلم، وانظر الروض الأنف 4/80.(4/39)
. 4266- دق: انقطع.
…4267،4268- أغمي على عبد الله... إلخ: في مرض لم يمت منه. وا كذا: أي وا عضداه، وا عزاه، وا ظهراه، كما في روايات(1). أنت كذا : استفهام إنكاري، زاد في رواية: إن ملكا رفع عليه مرزبة من حديد، وجعل يقول: أنت كذا، فلو قلت نعم لقمعني، وفي أخرى: أأنت جبلها، أأنت عزها، وفي أخرى: فنهاها عن البكاء عليه، وبها تظهر النكتة في قوله: " فلما مات" أي في غزوة مؤتة. " لم تبك عليه": امتثالا لأمره الأول، وبهذه الزيادة، وهي قوله: " فلما مات لم تبك عليه"، تظهر النكتة في إدخاله هذا الحديث في هذا الباب، ويتجه الرد على من قال: لا مناسبة لدخوله فيه، لأن عبد الله / لم يمت من ذلك المرض(2).
46- " بعث النبي صلى الله عليه أسامة إلى الحُرقات من جُهينة"
الحرقات بطون من جهينة.
…4269- ورجل من الأنصار: لم يعرف، ويحتمل أنه أبو الدرداء(3)
__________
(1) وردت "وا عضداه" عند أبي نعيم في المستخرج، و "وا عزاه، وا ظهراه" عند ابن سعد، انظر الفتح 7/658.
(2) نقلا عن الفتح 7/658.
(3) عويمر أبو الدرداء، مشهور بكنيته وباسمه جميعا.
واختلف في اسم أبيه، وأبوه ابن قيس بن أمية بن عامر بن عدي بن كعب بن الخزرج الأنصاري الخزرجي.
أسلم يوم بدر، وشهد أحدا وأبلى فيها، وولي قضاء دمشق في خلافة عمر.
ترجمته في الاستيعاب ص: 1226، والإصابة 4/747-748.(4/40)
. رجلا منهم: هو مرداس بن عمرو. حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم: هذا على سبيل المبالغة لا الحقيقة، وإنما هو تناه في الخوف، قال الكرماني: ( فيكون تمنى إسلاما لا ذنب فيه، وفيه أن الكافر إذا أتى بالشهادتين حقن دمه(1)، وإنما تأول أسامة قوله تعالى: " فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمُ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا"(2)، قال الزركشي في التنقيح: ( قيل لم ينقل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألزمه دية ولا غيرها، لمكان تأويله قلت: نقل القرطبي(3) في تفسيره أنه أمره بالدية) هـ كلام التنقيح(4). وقوله: قيل … إلخ، لعله أشار به لكلام القرطبي صاحب المفهم، فإنه ذكر ذلك فيه واستشكله، وأجاب باحتمال أن ذلك وقع ولم ينقل، أو كان قبل نزول حكم الكفارة والديه هـ، وعلى ما لصاحب التفسير يبقى الجواب أيضا عن الكفارة، إذ لم يذكرها.
…وقال الأبي: ( وقع هذا الحديث في جامع العتبية، وتكلم عليه ابن رشد(5)
__________
(1) الكواكب 16/125.
(2) سورة غافر، الآية:85.
(3) محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي، أبو عبد الله.
له: الجامع لأحكام القرآن، والتذكرة بأحوال الموتى والآخرة.
توفي بمصر سنة 671هـ.
ترجمته في: نفح الطيب 7/221، وشذرات الذهب 5/335، والديباج 317.
(4) التنقيح ص: 173.
(5) أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي المالكي.
له: البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل، والمقدمات لأوائل كتب المدونة.
أخذ عن أحمد بن رزق ومحمد بن خيرة ومحمد بن فرج.
توفي سنة 520 هـ.
ترجمته في: بغية الملتمس 40، والصلة 518، وتذكرة الحفاظ 4/65، والديباج المذهب 2/248.(4/41)
فقال: قتل أسامة الرجل ليس من العمد الذي فيه الإثم، ولا من الخطأ الذي فيه الدية والكفارة، وإنما هو عن اجتهاد تبين خطؤه، ففيه لأسامة أجر واحد، ولو أصاب لكان له أجران، وإنما عنفه - صلى الله عليه وسلم - لتركه الاحتياط، فإن الاحتياط عدم قتله، قال: ونظيره ما وقع لخالد من قتل الخثعميين، وقتل الذين قالوا صبأنا، قال: وإنما ودى - صلى الله عليه وسلم - الخثعميين تفضلا واستئلافا لغيره، وعنف خالدا بما قال له لتركه الأحوط أيضا )هـ.
…4272- مع ابن حارثة: هو أسامة.
…4273- بقيتهم: كذا فيه بالميم، والمعروف التأنيث.
47- " غزوة الفتح "
أي فتح مكة شرفها الله، وسببها أن قريشا نقضوا العهد الذي بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية، فغزاهم - صلى الله عليه وسلم -، واستعمل على المدينة أبا رهم الغفاري(1)، وأمر بالطرق فحبست حتى لا يأتي أهل مكة خبر.
4274- ظعينة: امرأة في هودجها، اسمها سارة أو كنود(2). فإذا فيه... إلخ: أي مضمن ما فيه، وأما لفظه فهو كما للسهيلي في الروض: ( أما بعد، يا معشر قريش فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءكم بجيش كالليل يسير كالسيل، فوالله لو جاءكم وحده نصره الله وأنجز له وعده، فانظروا لأنفسكم، والسلام)(3).
__________
(1) أبو رهم كلثوم بن حصين بن خالد بن المعيسر بن زيد بن العميس بن أحمس بن غفار الغفاري، كان ممن بايع تحت الشجرة، واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في غزوة الفتح. وأصيب بسهم في عنقه يوم أحد، فبصق فيه النبي صلى الله عليه وسلم فبرأ - صحيح ابن حبان -.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1327، والإصابة 7/141-142.
(2) كذا في الفتح 7/663.
(3) الروض الأنف 4/97، وهو في الفتح 7/663 منسوبا إلى تفسير يحيى بن سلام.(4/42)
…ملصقا في قريش : حليفا لهم. يحمون قرابتي: زاد ابن اسحاق: وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليه. اعملوا ماشئتم: الأمر للتشريف والتكريم، لا للإجابة، والمراد عدم المؤاخذة بما يصدر منهم بعد ذلك خصوصية لهم، أي في الآخرة، وأما في الدنيا فتقام عليهم الحدود(1).
48- " غزوة الفتح في رمضان "
…لعشر خلون منه سنة ثمان من الهجرة، ودخل - صلى الله عليه وسلم - مكة لتسع عشرة خلت منه. قال في المفهم: (لهذا الذي أطبق عليه أهل السير، وهو أحسن ما قيل في ذلك) ،
…زاد غيره: دخلها يوم الأربعاء بعد العصر، ومعه عشرة آلاف،
…وعند ابن إسحاق وغيره: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اثني عشر ألفا، ويجمع بينهما بأن العشرة آلاف خرج بها من المدينة، ثم تلاحق / به الألفان(2).
4276- على راس ثمان سنين ونصف: هذا وهم، والصواب: على رأس سبع سنين ونصف، قاله ابن حجر(3). قال الزهري: وإنما يؤخذ... إلخ: تقدم الكلام عليه في باب الخروج في رمضان من الجهاد.
4277- إلى حنين: استشكله الإسماعيلي بأن حنينا كانت بعد الفتح، وكذا حكى ابن التين عن الداودي أنه قال: الصواب" إلى مكة"، قال ابن حجر: ( وتأويله ظاهر، فإن حنينا لما وقعت عقب الفتح، أطلق الخروج إليها، قال: وبهذا جمع المحب الطبري(4)(5). بإناء من ماء: وقع الجزم في هذه الرواية "بالماء" فتقدم على رواية الشك السابقة.
__________
(1) تقدم الحديث عن قصة حاطب بن أبي بلتعة في شرح الحديث 3983.
(2) نقلا عن الفتح 8/5.
(3) في الفتح 8/5.
(4) أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطبري المكي، محب الدين أبو العباس، شيخ الحرم.
ولد بمكة وتوفي بها سنة 694هـ.
له: الرياض النضرة في فضائل العشرة، وشرح التنبيه للشيرازي، والسمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين.
ترجمته في: طبقات الشافعية للسبكي 5/8، وشذرات الذهب 5/425، وتذكرة الحفاظ 4/255.
(5) فتح الباري 8/5.(4/43)
أين ركز النبي صلى الله عليه الراية يوم الفتح؟
…أي بيان المكان الذي ركزت فيه راية النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح بأمره.
…4280- يسيرون: ليلا. مَرَّ الظَّهْرَان: مكان معروف(1). بنيران: أي نيران جيش النبي - صلى الله عليه وسلم -. كأنها نيران عرفة: لكثرتها(2). لكأنها: جواب قسم مقدر. فأخذوهم: أي أخذوا أبا سفيان ومن معه. فأسلم أبو سفيان: واستمر عند العباس لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - له أن يحبسه حتى يرى العسكر. حطم الخيل: ازدحامها، وهو يكون عند مضيق الجبل ، وللمستملي: " خطم الجبل"، أي أنفه، وهو المسمى بالكراع، وهو محل ضيق، فلا يفوته إذا وقف فيه أحد من الجيش(3). كتيبة كتيبة: الكتيبة هي القطعة من الجيش. مالي ولغفار: أي ليس بيني وبينها حرب. ثم مرت سليم...إلخ: ذكر الواقدي في القبائل أيضا أشجع وأسلم وتميما وفزارة(4). معد الراية: أي راية الأنصار. اليوم يوم الملحمة: أي يوم المقتلة العظمى. حبذا يوم الذمار: أي يوم الغضب للحريم والأهل، والانتصار لهم لمن قدر عليه، وقيل: مراده هذا يوم يلزمك فيه حفظي وحمايتي من أن ينالني مكروه(5). أقل الكتائب: أي عددا، لأن المهاجرين كانوا أقل من غيرهم، وهي أجل الكتائب قدرا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان فيها. ألم تعلم ما قال سعد(6)…إلخ: وعند ابن عساكر(7)
__________
(1) مثله في الفتح 8/8.
(2) قال الحافظ في الفتح 8/8: ( إشارة إلى ما جرت به عادتهم من إيقاد النيران الكثيرة ليلة عرفة، وعند ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه في تلك الليلة فأوقدوا عشرة آلاف نار).
(3) مثله في الفتح 8/9.
(4) انظر مغازي الواقدي 2/800-801.
(5) نقلا عن الفتح 8/10
(6) سعد بن عبادة، وتقدمت ترجمته في شرح الترجمة 43 من المبعث.
(7) عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسن بن هبة الله الدمشقي، المعروف بابن عساكر.
تفقه بدمشق، وسمع الحديث من هبة الله، وحدث بمكة والقدس.توفي عام 620هـ.
ترجمته في: طبقات الشافعية للسبكي 5/66، وشذرات الذهب 5/92، وفوات الوفيات لابن شاكر الكتبي 1/261.(4/44)
: عارضت امرأة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت:
يا نبي الهدى إليك لجا حي - قريش ولات حين لجاء
حين ضاقت عليهم سعة الأر - ض وعاداهم إله السماء
إن سعدا يريد قاصمة الظهر - بأهل الحجون والبطحاء(1).
…كذب سعد: أي أخبر بغير ما سيبقع. يعظم الله فيه الكعبة: بإظهار الإسلام بها، وإزالة ما كان بها من الأصنام، وأذان بلال على ظهرها. ويوم تكسى فيه الكعبة: المراد باليوم العام، لأنه - صلى الله عليه وسلم - كساها ذلك العام، ثم انتزع - صلى الله عليه وسلم - الراية من سعد ودفعها لابنه قيس(2)، وقيل لعلي(3). بالحَجُون: موضع معروف قرب مقبرة مكة. قال: نافع(4)
__________
(1) نقلا عن الفتح 8/10.
(2) قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري الخزرجي.
كان حامل راية الأنصار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وشهد فتح مصر، ثم كان أميرها لعلي بن أبي طالب.
وفي صحيح البخاري عن أنس: كان قيس بن سعد من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير، توفي في آخر خلافة معاوية.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1289، والإصابة 5/473 ( 475.
(3) الرجل الذي دفعت إليه الراية مختلف فيه، فهو عمر بن الخطاب عند ابن هشام، وهو قيس بن سعد بن عبادة عند ابن عساكر، وجزم موسى بن عقبة في المغازي أنه الزبير بن العوام، فهذه ثلاثة أقوال، ويضاف إليها رواية ابن إسحاق وفيها علي بن أبي طالب.
قال الحافظ في الفتح 8/10-11: ( والذي يظهر في الجمع أن عليا أرسل بنزعها، وأن يدخل بها، ثم خشي تغير خاطر سعد فأمر بدفعها لابنه قيس، ثم إن سعدا خشي أن يقع من ابنه شيء ينكره النبي صلى الله عليه وسلم، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذها منه، فحينئذ أخذها الزبير ).
(4) نافع بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف النوفلي.
روى عن أبيه والعباس والزبير وعلي والمغيرة بن شعبة وعائشة وأم سلمة.
ثقة مشهور أحد الأئمة، كانوا يأخذون عنه ويفتون بفتواه. مات سنة 99هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 10/404، والتقريب رقم 7072.(4/45)
. سمعت العباس: أي بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقت اجتمعوا فيه هناك، لأن نافعا لا صحبة له ولم يدرك القصة. قال: عروة، من أعلى مكة، من كداء(1): لفتح الكاف والمد، غنية بأعلى مكة، ودخل النبي صلى الله عليه من كدى: بالضم والقصر، ثنية بأسفل مكة، هذا أصح ما قيل في ذلك، قاله الزركشي(2)، وقال ابن حجر: ( هذا مخالف للأحاديث الصحيحة الآتية أن خالدا دخل من أسفل مكة، ودخل النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعلاها، وكذا جزم به ابن إسحاق، وابن عقبة، وغيرهما)(3) /، وبه ترجم البخاري كما يأتي(4). فقتل من خيل خالد رجلان...إلخ: وقتل من المشركين اثنا عشر، أو ثلاثة عشر رجلا، وانهزموا.
تنبيه: اختلف الناس في مكة، هل فتحت عنوة أو صلحا؟
__________
(1) كداء بأعلى مكة، وكدى بأسفلها، انظر معجم البلدان 4/493.
(2) التنقيح ص: 174.
(3) فتح الباري 8/12.
(4) في الترجمة 50.(4/46)
قال القرطبي في المفهم: أحاديث مسلم وغيره نص في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة عنوة وقهرا، وهو الذي صار إليه جمهور العلماء والفقهاء، مالك وغيره، ماعدا الشافعي فإنه قال: فتحت صلحا(1)، والكل متفقون على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دخلها أمن أهلها، ولم يغنمهم، وترك لهم أموالهم وذراريهم وأراضيهم، ولم يجر عليهم حكم الغنيمة، ولا حكم الفيء، فكان ذلك أمرا خاصا بمكة لشرفها وحرمتها، ولا يساويها في ذلك غيرها هـ، ومن ثم قال الحافظ ابن حجر: (الحق أن صورة فتحها كان عنوة، ومعاملة أهلها معاملة من دخلت بأمان)هـ(2).
…4281- يرجع: الترجيع ترديد القارئ الحرف في حلقه(3). وقال: أي معاوية(4)
__________
(1) احتج الشافعي بالأحاديث المشهورة بأن النبي صلى الله عليه وسلم صالحهم بمر الظهران قبل دخول مكة، وفي ذلك نظر، لأن الذي أشار إليه إن كان مراده ما وقع له من قوله صلى الله عليه وسلم: " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن"، كما تقدم، وكذا " من دخل المسجد"، كما عند ابن إسحاق، فإن ذلك لا يسمى صلحا إلا إذا التزم من أشير إليه بذلك الكف عن القتال، والذي ورد في الأحاديث الصحيحة ظاهر في أن قريشا لم يلتزموا ذلك لأنهم استعدوا للحرب كما ثبت في حديث أبي هريرة عند مسلم: " إن قريشا وبشت أوباشا لها واتباعا فقالوا: نقدم هؤلاء ، فإن كان لهم شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطيناه الذين سألنا؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أترون أوباش قريش؟ ثم قال بإحدى يديه على الأخرى، أي احصدوهم حصدا حتى توافوني على الصفا. قال: فانطلقنا فما نشاء أن نقتل أحدا إلا قتلناه"؛ وإن كان مراده بالصلح وقوع عقد به، فهذا لم ينقل.
انظر الفتح 8/14-15.
(2) الفتح 8/15.
(3) نقلا عن الفتح 8/17.
(4) معاوية بن قرة بن إياس بن هلال بن رياب المزني، أبو العباس البصري.
روى عن أبيه ومعقل بن يسار وأبي أيوب الأنصاري، وعنه ابنه إياس وثابت البناني ومطر الوراق.
مات سنة 113هـ. ترجمته في: تهذيب التهذيب 10/216، والتقريب رقم 6769.(4/47)
.
…4282- وهل ترك لنا عقيل(1) من منزل؟ وذلك أن طالب حاز جميع ما خلفه عبدالله والد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لكونه شقيقه، وهو الذي كفل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موت جده، فلما مات أبو طالب ووقعت الهجرة ، ولم يسلم طالب، وتأخر إسلام عقيل، استوليا على ما خلفه أبوهما، ثم مات طالب قبل بدر وبقي عقيل، فلما تقرر حكم الإسلام بعدم توريث المسلم من الكافر، استمرذلك بيد عقيل، وباع تلك الدور كلها، وقدر - صلى الله عليه وسلم - عقيلا على ما يخصه هو منها، تفضلا منه عليه، وقيل استمالة وتأليفا(2).
…4283- قال معمر: بالسند السابق. في حجته: يعني لا في الفتح. قال ابن حجر: (ومعمر أوثق وأتقن من ابن أبي حفصة (3)(4).
…4284- إن شاء الله: قاله تبركا. الخِيف: وهو ما انحدر من غليظ الجبل، وارتفع عن مسيل الماء، واختياره - صلى الله عليه وسلم - لذلك المحل ليتذكر ماكانوا فيه، فيشكر الله على ما أنعم به عليه حيث مكنه من دخول مكة ظاهرا، على رغم أنف من سعى في إخراجه منها، ويبالغ في الصفح عن الذين أساءوا إليه. تقاسموا: تحالفوا، أي قريش. على الكفر: أي على ألا يبايعوا بني هاشم، ولا يناكحوهم حتى يسلموا لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وحصروهم في الشعب(5).
__________
(1) عقيل بن أبي طالب بن عبد مناف القرشي الهاشمي، أخو علي وجعفر. تأخر إسلامه إلى عام الفتح، وكان أسر يوم بدر ففداه عمه العباس. شهد غزوة مؤتة.
وكان عالما بأنساب قريش ومآثرها ومثالبها.
توفي في أول خلافة يزيد قبل الحرة.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1078، والإصابة 4/531-532.
(2) نقلا عن الفتح 8/17.
(3) محمد بن أبي حفصة ميسرة، أبو سلمة البصري.
روى عن قتادة وأبي جمرة الضبعي وعمرو بن دينار والزهري.
وعنه الثوري وابن المبارك وابن طهمان وأبو إسحاق الفزاري.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 9/23، والتقريب رقم 5826.
(4) فتح الباري 8/18.
(5) تقدم ذلك في المبعث.(4/48)
…4285- حين أراد حنينا: يعني في غزوة الفتح، لوقوع حنين إثرها.
…4286- المغفر: زرد من جديد. رجل: لم يسم. اقتله: فقتله سعيد بن حريث(1) وأبو برزة الأسلمي(2) بين زمزم ومقام إبراهيم.
…4287- ستون وثلاثمائة نصب: ما ينصب للعبادة، وهم الأصنام، وإنما كانوا بها العدد لأنهم يعظمون في كل يوم صنما منها، ويخصون أعظمها بيومين، قاله في المفهم. يطعنها بعود في يده: فيسقط الصنم بمجرد إشارته إليه من غير أن يمسه، كما لابن حبان عن ابن عمر(3)، وللطبراني من حديث ابن عباس: " فلم يبق وثن استقبله إلا سقط على قفاه، مع أنها كانت ثابتة بالأرض، قد شد لهم إبليس أقدامها بالرصاص".
…4288- الآلهة: الأصنام التي يسميها المشركون آلهة. الأزلام: التي كانوا في الجاهلية يستقسمون بها، أي يطلبون بها ما قسم لهم من الخير والشر بزعمهم. ولم يصل فيه: الصواب أنه صلى فيه كما رواه بلال، والمثبت مقدم على النافي، قاله غير واحد.
50- " دخول النبي صلى الله عليه من أعلى مكة "
__________
(1) سعيد بن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي. أسلم قبل فتح مكة، وكان أسن من أخيه عمرو بن حريث. مات بالكوفة كما قال ابن مندة، وقيل قتل بالحرة، قاله ابن عبد البر.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 613، والإصابة 3/101.
(2) نضلة بن عبيد السلمي، أبو برزة، مشهور بكنيته. كان إسلامه قديما، وشهد فتح خيبر، وفتح مكة وحنينا، وروي عنه أنه قال: قتلت ابن حطل.
قال ابن سعد: كان من ساكني المدينة، ثم نزل البصرة، وغزا خراسان.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1495، والإصابة 6/433 ( 435.
(3) في رواية ابن حبان: " فيسقط الصنم ولا يمسه" ، أورده الهيثمي في موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، كتاب المغازي والسير، باب ماجاء في غزوة الفتح، رقم 1702.(4/49)
…أي يوم الفتح، وروى الحاكم من أنس: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - / مكة يوم الفتح، وذقنه على رحله متخشعا(1).
…4289- فأمره أن يأتي بمفتاح البيت: فجاء به ففتح له بعدما منعته أمه من إعطائه حتى أبطأ عليه، ثم أعطته له. ثم خرج: ورد المفتاح إلى عثمان(2)، وقال: خذها خالدة مخلدة، إني لم أدفعها إليكم، ولكن الله دفعها إليكم، ولا ينزعها منكم إلا ظالم، وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بني شيبة كلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف(3). من سجدة: أي من ركعة.
51- " منزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح "
…أي بيان محل نزوله، وتقدم(4) أنه نزل بالمحصب، وذكر هنا أنه نزل ببيت أم هانئ(5)، والجمع بينهما أنه لم يقم عندها، وإنما نزل عندها حتى اغتسل وصلى، ثم رجع إلى حيث ضربت قبته عند المحصب.
52- " باب "
بغير ترجمته، وكأنه بيض له فلم يتفق له وقوع ما يناسبه، قاله ابن حجر(6).
__________
(1) رواه الحاكم في "الإكليل" من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس، انظر الفتح 8/22.
(2) عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، واسمه عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار العبدري.
أسلم في هدنة الحديبية، وهاجر مع خالد بن الوليد، وشهد الفتح مع النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه مفتاح الكعبة.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1034، والإصابة 4/450-451.
(3) نقلا عن الفتح 8/23.
(4) في الحديث 4284.
(5) أم هانئ فاخته بنت أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمية، ابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم.
كانت قد خطبها النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراقها من هبيرة بن عمرو، فتعللت بالولد، فلما أدرك بنوها عرضت نفسها، فقال لها: أما الآن فلا. روت أحاديث في الكتب الستة.
ترجمتها في: الاستيعاب ص: 1963، والإصابة 8/317-318.
(6) في الفتح 8/25.(4/50)
…4293- اللهم ربنا وبحمدك... إلخ: ( وجه دخوله هنا ما سيأتي في التفسير: ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة بعد أن نزلت عليه: " إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ "(1)، إلا يقول فيها: سبحانك... إلخ، فذكر الحديث)(2).
…4294- فقال بعضهم: هو عبد الرحمن بن عوف. إنه ممن قد علمتم: فضله، لما سيظهر لكم منه، أي ممن ستعلمون فضله، فعبر بالماضي للتنبيه على أن فضله محقق. ليريهم مني: أي بعض فضيلتي. ابن عباس: منادى بحذف أداته. ما أعلم منها إلا ما تعلم: وروي عنه أنه لما سمعها بكى وقال: الكمال دليل الزوال، أراد بالكمال النصر والفتح، قاله شيخ الإسلام(3).
…4295- لعمرو بن سعيد: هو الأشدق(4). يبعث البعوث إلى مكة: لقتال ابن الزبير. ساعة: من الصبح إلى العصر. أنا أعلم بذلك منك: وكذب في ذاك. إن الحرم لايعيذ عاصيا: صدق في هذا الكلام، ولكن أنزله في غير موضعه، فإن ابن الزبير بريء من جميع لك، وهو أحق بالإمارة في وقته من غيره، قاله الإمام مالك.
53- " مقام النبي صلى الله عليه بمكة زمن الفتح "
…أي بيان مدة مقامه بها.
…4297- أقمنا مع النبي صلى الله عليه عشرا: يعني في حجة الوداع(5)، لأنه - صلى الله عليه وسلم - دخلها يوم الرابع من ذي الحجة، وخرج يوم الرابع عشر منه.
__________
(1) سورة النصر، الآية 1.
(2) باللفظ في الفتح 8/25.
(3) زكريا الأنصاري، وتقدمت ترجمته في شرح الحديثين: 3962-3963.
(4) عمرو بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، أبو أمية المدني، المعروف بالأشدق.
يقال له رؤية، وروى أحاديث مرسلة، وعن أبي وعمر وعثمان وعلي وعائشة.
ولي المدينة لمعاوية ولابنه يزيد، وطلب الخلافة وغلب على دمشق، فقتله عبد الملك بن مروان سنة 69هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 8/37، والتقريب رقم 5034.
(5) وقد صرح به البخاري في باب قصر الصلاة من كتاب الصلاة.(4/51)
…4298- أقام النبي صلى الله عليه بمكة تسعة عشر يوما: أي في الفتح، فلاتعارض بين الخبرين، وكأن البخاري أدخل الأول هنا تشحيذا للأذهان، قاله ابن حجر(1).
…4299- في سفر: هو الفتح. وقال ابن عباس: موصول بالسند الأول. ونحن نقصر...إلخ: قدمنا الكلام عليه في أبواب القصر، فراجعه(2).
54- " باب "
بغير ترجمة، والمناسب له: " باب من شهد الفتح" (3)، لأنه ذكر فيه من ثبت عنده شهوده له، كما فعل في بدر والحديبية.
…4300- ومسح وجهه عام الفتح: حذف المخبر به اختصارا، لأن قصده أن هذا ممن رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح.
…4301- قال: الزهري. وزعم: أي قال.
…4302- قال لي: قائله أيوب(4). تلقاه: أي عمرا. فلقيته: أي لقيت عمرو بن سلمة(5)
__________
(1) في الفتح 8/26.
(2) باب قصر الصلاة من كتاب الصلاة.
(3) كذلك في الفتح 8/27.
(4) أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني، أبو بكر البصري.
رأى أنس بن مالك، وروى عن عمرو بن سلمة الجرمي وحميد بن هلال وأبي قلابة والأعرج ومعاذة العدوية وحفصة بنت سيرين.
وعنه الأعمش وقتادة –وهو من شيوخه- والسفيانان وشعبة ومالك وابن إسحاق.
قال شعبة: حدثني أيوب وكان سيد الفقهاء.
مات سنة 131هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 1/397-399، والتقريب رقم 605.
(5) عمرو بن سلمة بن قيس الجرمي البصري.
وفد أبوه على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمرو يصلي بقومه في عهده وهو صغير.
روى عنه أبو قلابة الجرمي وعاصم الأحول وأبو الزبير.
مات سنة 112هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 8/42-44، والتقريب رقم 5042.(4/52)
. فسألته: عن القصة التي أخبره بها. أوحى إليه كذا: يريد حكاية ما كانوا يخبرونه به مما سمعوه من القرآن. يقرأ: من القراءة، وللكشميهني: " يقرى"، من التقرية، أي يجمع ، وللإسماعيلي: "يغرى" بالغين المعجمة، أي يلصق بالغراء(1). تلوم: التلوم الإبطاء والتمكث. الفتح: أي فتح مكة. وبدر: أي سبق. فلما قدم: هذا مشعر بأنه لم يقدم مع أبيه، فلاصحبة له، ويحتمل أن يكون وفد بعد ذلك، فمن ثم اختلف في صحبته. فقدموني بين أيديهم: أصلي بهم. تقلصت: تجمعت وارتفعت. ألا تغطوا: قال السفاقسي: صوابه / "تغطون" لأنه مرفوع على أصله(2). فاشتروا: لي ثوبا؛ زاد أبو داود: " فما شهدت مجمعا من جرم إلا كنت إمامهم"(3).
…4303- فإذا الشبه بعتبة(4): ومع ذلك لم يحكم له به. هو أخوك: فيه رد على من زعم أن اللام في "هو لك" للملك، أي هو لك عبد. يصيح بذلك: فذلك يعلن بهذا الحكم، والغرض من إيراد هذا الحديث الإشارة إلى أن هذه القصة وقعت في فتح مكة.
…4304- أخبرني عروة: يعني عن عائشة، بدليل ما يأتي. امرأة: فاطمة بنت الأسود. في غزوة الفتح: هذا محل الشاهد. لو أن فاطمة(5)... إلخ: حاشاها من ذلك، ورضي الله عنها وأرضاها.
__________
(1) رواية "يقرأ" هي للأكثر، ورواية الإسماعيلي مرجحة عند القاضي عياض، انظر الفتح 8/28.
(2) هذا يؤكد ما عند الحافظ في الفتح 8/29، فقال: ( ألا تغطون: كذا في الأصول، وزعم ابن التين - يعني السفاقسي - أنه وقع عنده بحذف النون)، فهذا يوضح أنه وقعت عند السفاقسي بحذف النون، ولكنه لم يصوبها.
(3) رواه أحمد في المسند 5/71.
(4) عتبة بن أبي وقاص مالك الزهري، أخو سعد أحد العشرة.
مات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي هشم رباعية النبي يوم أحد، وليس في الأخبار ما يدل على إسلامه.
انظر: تهذيب التهذيب 7/103.
(5) فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقدمت ترجمتها في شرح الحديث 3854.(4/53)
…4305،4306- بأخي: هو مجالد(1)، كنيته أبو سعيد. أبا معبد: هو مجالد.
…4307،4308- بأبي (معبد)(2): هو مجالد.
…4309- لا هجرة: أي من دار الإسلام لدار الإسلام، وأما من دار الكفر لدار الإسلام فهي باقية إلى آخر الدهر.
…4313- عن مجاهد: هذا مرسل، وصله في الحج والجهاد عنه عن طاووس(3) عن ابن عباس. إلا ساعة: من صبيحة يوم الفتح إلى عصره. لا يعضد: يقطع. يختلى : يحز. خلاها: حشيشها. إلا الإذخر: نبت معروف. للقين: الحداد. والبيوت: يجعل في سقوفها لسد خللها.
55-باب قول الله عزوجل:وَيَوْمَ حُنَيْن اِذَ اَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ" إلى قوله:"غَفُورٌ رَّحِيم"(4)
…أشار بذكر الآية إلى الكلام على غزوة حنين، وللنسفي:" باب غزوة حنين، وقول الله…إلخ". وحنين(5) اسم واد بجنب ذي المجاز، قريب من الطائف، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا من جهة عرفات، خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه لست خلون من شوال سنة ثمان إثر الفتح، ووصل إليه في عاشره، والسبب في ذلك أن مالك بن عوف النصري(6)
__________
(1) مجالد بن مسعود السلمي، أخو مجاشع، يكنى أبا معبد.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه أبو عثمان النهدي.
قيل مات يوم الجمل سنة 36هـ.
ترجمته في: الإصابة 5/770، وتهذيب التهذيب 10/41، والتقريب رقم 6480.
(2) ساقطة من المخطوط، وهي تكملة لازمة، انظر الفتح 8/31.
(3) طاوس بن كيسان اليماني، أبو عبد الرحمن الحميري.
أدرك خمسين صحابيا، فهو من سادات التابعين. مات سنة 101هـ قبل يوم التروية.
ترجمته في: طبقات ابن سعد 5/391، وتذكرة الحفاظ 1/90، وغاية النهاية 1/341، وطبقات الحفاظ للسيوطي ص:34.
(4) سورة التوبة، الآيات 25 و2 و27.
(5) موضع قريب من مكة، وقيل واد قبل الطائف، انظر معجم البلدان 2/313.
(6) مالك بن عوف بن سعد بن يربوع بن واثلة بن دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوزان النصري.
كان رئيس المشركين يوم حنين، ثم أسلم، وكان من المؤلفة، وصحب ثم شهد القادسية وفتح دمشق.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1355، والإصابة 5/742( 744.(4/54)
جمع القبائل من هوازن، ووافقه على ذلك الثقفيون، وقصدوا محاربة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فخرج إليهم.
…4314- ضربة: على ساعده. قبل ذلك: وأول مشاهده الحديبية.
…4315- رجل: لم يعرف(1). أتوليت: أي انهزمت، ويأتي: أتوليتم، وأفرزتم، وكلها بمعنى. أما أنا فأشهد على النبي صلى الله عليه أنه لم يول(2): أي لم يفر، بل ثبت، كما هو المعلوم من حاله - صلى الله عليه وسلم - ، وحال الأنبياء قبله، وثبت معه علي والعباس وأبو سفيان بن الحارث، وغيرهم من الصحابة، قيل عشرة، وقيل اثنا عشر، منهم أبو بكر وعمر، وقيل مائة.
ابن حجر: (وهو أكثر ما وقفت عليه)(3).
…وتضمن جواب "البراء" إثبات الفرار لهم، لكن لا على الإطلاق والتعميم، ولما رأى إطلاق السائل يشمل الجميع حتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بادر إلى استثنائه، ثم أوضح ذلك، وختم حديثه بأنه لم يكن أحد يومئذ أشد منه - صلى الله عليه وسلم -.
…تنبيه: قال القرطبي في المفهم: ( من قال إن النبي - صلى الله عليه وسلم - فر أو انهزم، قتل ولم يستتب، لأنه بمنزلة من قال إنه عليه السلام كان أسود أو أعجميا، فأنكر ما علم من وصفه قطعا، وذلك كفر، ولأنه أضاف إليه نقصا وعيبا، وقد حكى أصحابنا الإجماع على قتل من أصاف إليه نقصا أو عيبا، وقيل يستتاب، فإن تاب وإلا قتل).
__________
(1) قال الحافظ في الفتح 8/35: ( لم أقف على اسمه، وقد ذكر في الرواية الثالثة أنه من قيس).
(2) قال النووي: ( هذا الجواب من بديع الأدب، لأن تقدير الكلام فررتم كلكم، فيدخل فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال البراء: لاوالله ما فر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن جرى كيت وكيت)، انظر الفتح 8/35.
(3) الفتح 8/36، وفيها حديث عند الترمذي من حديث ابن عمر بإسناد حسن قال: " لقد رأينا يوم حنين وإن الناس لمولين، وما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة رجل".(4/55)
سرعان: أوائل. هوازن: قبيلة كبيرة فيها عدة بطون، وهم من مضر. وأبو سفيان بن الحارث: ابن عبد المطلب. بغلته البيضاء: التي أهداها له فروة بن نفاثة(1)، وهي التي تسمى فضة(2). لا كذب: أي حقا. أنا ابن عبد المطلب: هذا مما خرج موزونا من غير قصد، فلايسمى شعرا، وعلى تسليم أنه شعر، فلا يلزم منه أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - عالما بالشعر ولاشاعرا، فإن المتمثل بالبيت الندر لا يسمى شاعرا باتفاق العقلاء، وح فلا ينافي قوله تعالى: " وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ" الآية(3)، ثم إن قوله هذا جار على عادة العرب / من الانتساب إلى الجد إذا كان أشهر من الأب.
…4317- نزل النبي صلى الله عليه عن بغلته: أي واستنصر، أي قال: اللهم نصرك، كما في مسلم(4)، وفيه أيضا عن سلمة بن الأكوع قال: (لما غشوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، نزل عن البغلة حتى قبض قبضة من تراب، ثم استقبل بها وجوههم، فقال: شاهت الوجوه، فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة، فولوا منهزمين)(5) هـ؛ وقوله: "شاهت الوجوه"، خبر معناه الدعاء، أي اللهم شوه وجوههم، أو خبر عما يحل بهم من التسوية عند القتل والأسر، قاله في المفهم.
…4318،4319- جاءه وفد هوازن مسلمين: وكانوا أربعة عشر رجلا، فقالوا: يارسول الله إنا أهل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء مالم يخف عليك، فامنن علينا، من الله عليك، وقام خطيبهم فقال: يا رسول الله، إن اللواتي في الحظائر من السبايا خالاتك وعماتك وحواضنك اللاتي كن يكلفنك، وأنت خير مكفول، ثم أنشده:
__________
(1) فروة –ويقال قردة- ابن نفاثة الجذامي.
أرسل بكتاب إسلامه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبعث معه بغلة بيضاء أو شهباء.
عاش مائة وأربعين سنة.
ترجمته في: الإصابة 5/386.
(2) انظر زاد المعاد 1/123-124.
(3) سورة يس، الآية 69.
(4) صحيح مسلم، كتاب الجهاد 79.
(5) صحيح مسلم كتاب الجهاد، باب غزوة حنين، حديث 1777.(4/56)
امنن علينا رسول الله في كرم - فإنك المرء نرجوه وننتظر
امنن على نسوة قد كنت ترضعها - إذ فوك تملؤها من محضها الدرر
نقله في الفتح(1) عن ابن إسحاق، وزاد السهيلي على ذلك أبياتا أخر فانظره(2).
أموالهم وسبيهم: كان جملة غنائمهم ستة آلاف نفس بين النساء والأطفال، وأربعة وعشرين ألفا من الإبل، وأربعين ألفا من الغنم، وأربعة آلاف أوقية فضة.
…قال السهيلي: ( وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ولى أبا سفيان بن حرب أمرهم، وجعله أمينا عليهم، قاله الزبير(3). استأنيت: أي أخرت القسم لقدومكم. قفل: رجع. من الطائف: ثم قسمه بعد. يطيب: أي يعطيه عن طيب نفس، من غير طلب عوض. حتى نعطيه: يعني يرد السبي بشرط أن يعطى عوضه.
…4321- جولة: حركة فيها اختلاط. رجلا: لم يسم الأول ولا الثاني. حبل عاتقه: العاتق موضع الرداء من المنكب، وحبله عصبه. فقطعت الدرع: وخلصت الضربة إلى يده فقطعتها. ريح الموت: لشدتها. فأرسلني: فقتله. أمر الله: حكمه وقضاؤه. ثم رجعوا: وانهزم المشركون. لا هأ الله إذا: قال الطيبي(4)
__________
(1) الفتح 8/41، وفيه: " نرجوه وندخر" عوض: " نرجوه وننتظر".
(2) في الروض الأنف 4/166.
(3) الروض الأنف 4/166.
(4) الحسين بن محمد بن عبد الله، شرف الدين الطيبي، من علماء التفسير والحديث .
كانت له ثروة طائلة من الإرث والتجارة أنفقها في وجوه الخير حتى افتقر في آخر عمره.
له: شرح الكشاف، والخلاصة في معرفة الحديث، وشرح مشكاة المصابيح. توفي سنة 743هـ.
ترجمته في: الدرر الكامنة 2/68، والبدر الطالع 1/229، وبغية الوعاة 228.(4/57)
: ثبت في الرواية: " لا هيأ الله إذا"، فحملها بعض النحاة على أنها تغيير من الرواة، وأن الصواب: " ذا"، وليس كما قال، بل الرواية صحيحة، وهو كقولك لمن قال: افعل كذا، فقلت له: والله إذا لا أفعل، والتقدير: والله إذا لا يعمد إلى آخره، قال: ويحتمل أن تكون " إذا" زائدة هـ، ونحوه للقرطبي في المفهم، انظر نصه، ونص غيره في الفتح هنا(1)
__________
(1) قال الحافظ في الفتح 8/46-47: ( قال ابن مالك: وفي النطق بها أربعة أوجه، أحدها ها الله باللام بعد الهاء بغير إظهار شيء من الألفين، ثانيها مثله لكن بإظهار ألف واحدة بغير همز، كقولهم: التقت حلقتا البطان، ثالثها ثبوت الألفين بهمزة قطع، رابعها بحذف الألف وثبوت همزة القطع، انتهى كلامه، والمشهور في الرواية من هذه الأوجه الثالث ثم الأول، وقال أبو حاتم السجستاني: العرب تقول: لا هأ الله ذا بالهمز، والقياس ترك الهمز...
وأما "إذا" فثبتت في جميع الروايات المعتمدة والأصول المحققة من الصحيحين وغيرهما بكسر الألف ثم ذال معجمة منونة. وقال الخطابي: هكذا يروونه، وإنما هو في كلامهم - أي العرب - لاها الله ذا، والهاء فيه بمنزلة الواو، والمعنى: لا والله يكون ذا.
وتوارد كثير ممن تكلم على هذا الحديث أن الذي وقع في الخبر بلفظ "إذا" خطأ، وإنما هو "ذا" تبعا لأهل العربية، قال الطيبي: والعجب ممن يعتني بشرح الحديث ويقدم نقل بعض الأدباء على أئمة الحديث وجهابذته، وينسبون إليهم الخطأ والتصحيف، ولا أقول إن جهابذة المحدثين أعدل وأتقن في النقل إذ يقتضي المشاركة بينهم، بل أقول، لا يجوز العدول عنهم في النقل إلى غيرهم.
... وإنما أطلت في هذا الموضع لأنني منذ طلبت الحديث ووقفت على كلام الخطابي وقعت عندي منه نفرة للإقدام على تخطئة الروايات الثابتة، خصوصا ما في الصحيحين، فما زلت أتطلب المخلص من ذلك إلى أن ظفرت بما ذكرته).(4/58)
، فقد أطال الحافظ في ذلك جدا، وراجع ما كتبناه في أبواب الخمس. سلبه: ما يستحقه من السلب. فأعطانيه: فبعته. مخرفا: بفتح الميم والراء بستانا. تأثلته: تأصلته.
…4322- حتى تخوفت: الهلاك. وانهزم المسلمون: قال الطبري: ( الانهزام المنهي عنه هو ما وقع مع نية عدم العود، وأما الاستطراد للكرة فهو كالتحيز إلى فئة)(1). في الناس: أي في الذين لم يفروا. ثم تراجع الناس: لما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمه العباس أن ينادي أصحاب الشجرة، وكان العباس صيتا، قال: فناديت بأعلى صوتي، أين أصحاب الشجرة؟ قال: فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يالبيك، يا لبيك، فاقتتلوا مع الكفار(2)، فقال - صلى الله عليه وسلم - هذا حين حمي الوطيس، ثم أخذ/ حصيات فرمى بها وجوه الكفار، ثم قال: ( انهزموا ورب الكعبة): رواه مسلم(3)، أي: ثم انهزموا وبقيت نساؤهم وأبناؤهم ونعمهم وأموالهم بيد المسلمين غنيمة.
…قال القرطبي: (لم يسمع عن أحد من الشجعان مثل ثباته - صلى الله عليه وسلم - في هذه القضية).
…أضيبع(4): تصغير ضبع على غير قياس، كأنه لما عظم أبا قتادة بأنه أسد، صغر حجمه وشبهه بالضبع لضعف افتراسه وما يوصف به من العجز. خرافا: بستانا. تأثلته: تملكته.
56- " غزوة أوطاس(5) "
__________
(1) نقلا عن الفتح 8/37.
(2) عند ابن هشام 2/444-445 عن ابن إسحاق بإسناد صحيح.
(3) في صحيحه، كتاب الجهاد، باب غزوة حنين، حديث 1775.
(4) كذا عند أبي ذر، وعند القابسي: " أصيبع"، قال ابن التين: وصفه بالضعف والمهانة، والأصيبع نوع من الطير، أو شبهه بنبات ضعيف يقال له الصبغاء، وقال ابن مالك: أضيبع بمعجمة وعين مهملة تصغير أضبع، ويكنى به عن الضعيف، انظر فتح الباري 8/51.
(5) واد في ديار هوازن، فيه كانت وقعة حنين، انظر معجم البلدان 1/281.(4/59)
…هو واد بديار هوازن، وسببها أن هوازن لما هزموا ، ذهبت طائفة منهم إلى الطائف، وطائفة إلى بجيلة، وطائفة إلى أوطاس، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الذين بأوطاس عسكرا مع أبي عامر الأشعري(1).
__________
(1) أبو عامر عبد الله بن هانئ، وقيل ابن وهب، وقيل عبيد بن وهب.
له حديث واحد: "نعم الحي الأزد والأشعريون".
روى عنه ابنه عامر.
وذكره خليفة فيمن أتى الشام من قبائل اليمن.
توفي في خلافة عبد الملك.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 12/144، والتقريب رقم 8198.(4/60)
…4323- جشمي : أي رجل منسوب إلى بني جشم: قيل اسمه سلمة بن دريد بن الصمة. إلى أبي موسى: فيه التفات، أي إلي. ولى : هاربا. فكف: عن الهرب. فنزا: انصب. ثم مات: وقاتلهم أبو موسى(1) حتى فتح الله عليه. فدخلت على النبي صلى الله عليه: ومعي اللواء. مرمل: معمول بالرمال، وهي حبال الحصر التي تضفر بها الأسرة(2). وعليه فراش: قال ابن التين: أنكر هذه اللفظة الشيخ أبو الحسن(3)، وقال: الصواب " ما عليه فراش"، فسقطت "ما"(4) هـ، وسلمه الكرماني(5) والدماميني(6) والقسطلاني(7)، واعترضه ابن حجر بقوله: ( وهو إنكار عجيب، فلا يلزم من كونه رقد على غير فراش كما في قصة عمر، ألا يكون على سريره دائما فراش)هـ(8). قلت: وفيه نظر، فإن أبا الحسن لم ينكره من حيث عدم موافقته لحديث عمر، بل أنكره من أجل قوله: " قد أثر رمال السرير في ظهره"، إذ من المعلوم أن الرمال لايؤثر فيه إلا إذا كان بغير فراش، وفي المشارق ما نصه: ( وفي غزوة أوطاس على سرير مرمل، عليه فراش"، كذا في النسخ، وصوابه " ما عليه فراش"، وآخر الحديث يدل عليه، وهو قوله: " قد أثر رمال السرير بظهره وجنبه")هـ، وهو ظاهر.…
__________
(1) أبو موسى الأشعري، وتقدمت ترجمته في شرح ترجمة هجرة الحبشة ( رقم 37) من كتاب فضائل الأنصار.
(2) باللفظ في الفتح 8/53.
(3) هو أبو الحسن علي بن محمد القابسي، وتقدم في شرح الحديث 4075.
(4) نقلا عن الفتح 8/53، وهو في تعليق المصابيح ص: 486.
(5) في الكواكب 16/155 قال: ( قيل الصحيح: "على" وفق سائر الروايات، وما عليه فراش بزيادة ما النافية).
(6) في تعليق المصابيح ص: 486.
(7) في الإرشاد 6/455 قال: ( نقل السفاقسي عن الشيخ أبي الحسن أنه قال: الذي أحفظه في هذا "ما عليه فراش"، قال: وأرى أن "ما" سقطت هنا).
(8) الفتح 8/53.(4/61)
فتوضأ ثم دعا: يؤخذ منه استحباب التطهر لإرادة الدعاء، ورفع اليدين في الدعاء، خلافا لمن خص ذلك بالاستسقاء(1). قال أبو بردة: بالسند السابق.
57- " غزوة الطائف "
…( الطائف بلدة كبيرة مشهورة كثيرة الأعناب والنخيل، على ثلاثة مراحل من مكة من جهة المشرق، قيل أصلها أن جبريل عليه السلام اقتلع الجنة التي كانت لأصحاب الصريم، فسار بها إلى مكة، فطاف بها حول البيت، ثم أنزلها حيث الطائف، فسمي الموضع بها، وكانت أولا بنواحي صنعاء)(2).
…وسبب غزوتها أن طائفة من هوازن تحصنوا بها مع مالك بن عوف، قائد هوازن، فتوجه إليهم - صلى الله عليه وسلم - بعد منصرفه من حنين.
…في شوال…إلخ: هذا قول جمهور أهل المغازي.
…4324- مخنث: هو من فيه انخناث، أي تكسر وتثن في هيئته وكلامه، وإنما دخل عليها لأنه من غير أولي الإربة. لعبد الله... إلخ (3): أخي أم سلمة، واستشهد في قتال الطائف رحمة الله عليه. بابنة غيلان: اسمها بادية(4)، أسلمت هي وأبوها(5)
__________
(1) نقلا عن الفتح 8/53، وتفصيل ذلك في كتاب الدعوات.
(2) باللفظ من الفتح 8/54، وهو كلام عجيب وغريب من الحافظ ابن حجر وكذا الشبيهي، ويعوزه الدليل والنقل الصحيح.
(3) عبد الله بن أبي أمية، وتقدمت ترجمته في ص: 35.
(4) بادية بنت غيلان بن سلمة الثقفي.
لما أسلم أبوها أسلمت وروت، فأخرج ابن منده عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالغسل عند كل صلاة في الاستحاضة.
ترجمتها في: الإصابة 7/529.
(5) غيلان بن سلمة بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف الثقفي.
كان أحد وجوه ثقيف، وأسلم بعد فتح الطائف، وأسلم أولاده عامر وعمار ونافع وبادية.
توفي آخر خلافة الفاروق عمر.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1256، والإصابة 5/330( 336.(4/62)
، وتزوجها عبدالرحمن بن عوف. تقبل بأربع وتدبر بثمان: أي بأربع أعكاف، أي طيات في بطنها لسمنها، وتدبر بثمان، أي / أطراف الأعكان الأربع التي ببطنها، تظهر من خلفها ثمانية في جبينها، قاله الزركشي(1). المخنث هيت: أي هذا اسمه عبد الله بن عمرو، وصوابه عمر بضم العين، قاله ابن سعادة، ونقل الحافظ نحوه عن الدارقطني.
…4325- لما حصر صلى الله عليه الطائف: " في حديث أنس عند مسلم أن مدة حصارهم كانت أربعين يوما، و الذي عند أهل السير عشرون، أو ثمانية عشر أو خمسة عشر يوما"(2). فلم ينل منهم شيئا: وكانوا أعدوا ما يكفيهم لحصار سنة، ورموا المسلمين بسكك الحديد المحماة وبالنبل، فأصابوا قوما، فاستشار عليه الصلاة والسلام فيهم نوفل بن معاوية الديلي(3)، فقال: هم ثعلب في جحر، إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك، فأمر بالرحيل عنهم. إنا قافلون: راجعون للمدينة. نقفل: نرجع. فضحك النبي صلى الله عليه: حيث امتنعوا من الرحيل أولا، وانقادوا له ثانيا لما أصابتهم الجراح ولم ينالوا من العدو شيئا. كله بالخبر: أي السند كله بلفظ أخبرنا أخبرنا، لا بغيره(4).
…4326،4327- وأبا بكرة: اسمه نفيع بن الحارث(5)
__________
(1) التنقيح ص: 174.
(2) نقلا عن الفتح 8/56.
(3) نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الدئل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة الكناني ثم الديلي.
أسلم في الفتح، وحج مع أبي بكر سنة تسع، ومع النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1513، والإصابة 6/481 -482.
(4) أي بغير عنعنة، بل ذكر الخبر في جميع الإسناد، انظر الفتح 8/56.
(5) نفيع بن الحارث، ويقال ابن مسروح، مشهور بكينته أبي بكرة.
كان من فضلاء الصحابة، وسكن البصرة، وأنجب أولادا لهم شهرة.
وكان تدلى إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حصن الطائف ببكرة فاشتهر بأبي بكرة.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1530، والإصابة 6/467-468.(4/63)
. تسور حصن الطائف: أي صعد إلى أعلاه، ثم تدلى منه ببكرة، فمن ثم كني أبا بكرة. فالجنة عليه حرام: أي مطلقا إن استحل ذلك، أو في وقت معلوم، وهو وقت دخول السابقين.
…4328- بين مكة والمدينة: قيل هذا وهم، وصوابه: " بين مكة والطائف"، قاله الزركشي(1)، وأصله للداودي(2)، وأجيب عنه بأن أل في المدينة للعهد عن البلد التي كانوا في حصارها، وهي الطائف. أعرابي: لم يعرف. ما وعدتني: من تعجيل نصيبي من المغنم. أم سلمة: أم المؤمنين. طائفة: بقية.
…4329- يغط: يتردد صوت نفسه كالنائم.
…4330- قسم في الناس: الغنائم. في المؤلفة قلوبهم: هم أناس أسلموا يوم الفتح إسلاما ضعيفا. ولم يعط الأنصار شيئا: ظاهره أنهم لم يعطهم شيئا أصلا، لا من الأربعة الأخماس، ولا من الخمس، قال ابن حجر: ( وهو المعتمد، وهو خاص بهذه القضية، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: إن قريشا حديث عهد بجاهلية وعصبية، فأريد أن أجيرهم وأتألفهم)(3)، قال: ( وما للواقدي من أن المنع إنما كان من الخمس لا يعول عليه، وإن تبعه القرطبي)(4).
…بالشاة والبعير: أي بجنسها. رحالكم: بيوتكم؛ وفي ذلك من المن عليهم مالا يخفى، فإنه لولا هجرته - صلى الله عليه وسلم - إليهم، وسكناه عندهم، لما كان بينهم وبين غيرهم فرق، فنبههم على ما غفلوا عنه من عظيم ما اختصوا به عنه بالنسبة إلى ما حصل عليه غيرهم من عرض الدنيا الفانية.
__________
(1) التنقيح ص: 175.
(2) وهوقول القاضي عياض، وكذا النووي، انظر الفتح 8/58.
(3) الفتح 8/61.
(4) لفظ ابن حجر في الفتح 8/61 هو: ( والذي رجحه القرطبي جزم به الواقدي، ولكنه ليس بحجة إذا انفرد فكيف إذا خالف).(4/64)
…لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار: قال الخطابي: ( أراد تطييب قلوبهم، حيث رضي بأن يكون واحدا منهم)(1). لولا الهجرة: أي لولا أن النسبة الهجرية لا ينبغي تركها، لانتسبت إلى داركم وتسميت باسمكم، لكن خصوصية الهجرة سبقت ومنعت من ذلك، وهي أعلى وأشرف. وادي الأنصار وشعبها: المراد به هنا بلدهم ومدينتهم، وقيل رأيهم ومذهبهم. الأنصار شعار والناس دثار: الشعار هو الثوب الذي يلي الجلد من الجسد، والدثار الثوب الذي فوقه، وهذه استعارة لطيفة لفرط قربهم منه، وأراد أنهم بطانته وخاصته(2). أثرة: اختصاصا في الأمور عليكم، واستبدادا بها. تلقوني على الحوض: فيحصل لكم الانتصاف والثواب على الصبر عما فاتكم.
…4331- يعطي رجالا المائة من الإبل: فأعطى - صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية/ وعينية بن حصن(3) والأقرع بن حابس(4) وعلقمة بن علاثة(5)
__________
(1) أعلام السنن ص: 963.
(2) نقلا عن الفتح 8/65.
(3) عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية بن فزارة الفزاري.
قال ابن السكن: له صحبة، وكان من المؤلفة.
أسلم قبل الفتح وشهدها، وشهد حنينا والطائف. وكان ممن ارتد في عهد أبي بكر، ثم عاد إلى الإسلام.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1249، والإصابة 4/767-770.
(4) الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان التميمي المجاشعي الدارمي. شهد فتح مكة وحنينا والطائف، وهو من المؤلفة قلوبهم، وقد حسن إسلامه قيل اسمه فراس، وإنما قيل له الأقرع لقرع كان برأسه، وكان شريفا في الجاهلية والإسلام.
وقد استعمله عبد الله بن عامر على جيش سار إلى خراسان.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 103، والإصابة 1/101-103.
(5) علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر العامري.
ثبت ذكره في الصحيح، وروى أبو داود الطيالسي أنه كان يتسحر برأس، فجاء بلال يؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم بالصلاة، فقال له: رويدا يا بلال، يتسحر علقمة.
وقد ارتد في عهد أبي بكر، ولحق بقيصر، ثم عاد إلى الإسلام.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1088، والإصابة 4/553-558.(4/65)
ومالك ابن عوف، مائة مائة من الإبل، وأعطى العباس بن مرداس(1) دون ذلك، حتى أنشده شعره المعروف(2)، فأكمل له مائة. فقالوا: أي الأنصار. ويتركنا: هذا ظاهر أيضا في أن العطاء كان من صلب الغنيمة، خلافا للقرطبي تبعا للواقدي. قد رضينا: زاد في حديث أبي سعيد: اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار، قال: فبكى القوم حتى اخضلوا لحاهم، وقالوا رضينا برسول الله قسما وحظا.
…4332- يوم فتح مكة: أي عامه وزمنه. من قريش: ابن حجر: ( هذا خطأ، ولأبي ذر: "في قريش"، وله أيضا: "بين قريش")(3).
…4333- والطلقاء: جمع طليق، وهم من حصل المن عليهم يوم الفتح كأبي سفيان بن حرب وابنه معاوية وحكيم بن حزام(4) وبديل بن ورقاء(5)
__________
(1) العباس بن مرداس بن أبي عامر بن حارثة بن عبد قيس بن رفاعة بن الحارث، أبو الهيثم السلمي.
شهد الفتح وحنينا.
وزعم أبو عبيدة أنه ابن الخنساء، الشاعرة المشهورة.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 817، والإصابة 3/633-634.
(2) أورده الحافظ في الفتح 8/69، والإصابة 3/633 :
أتجعل نهبي ونهب العبيد - بين عيينة والأقرع
وما كان حصن ولا حابس - يفوقان مرداس في المجمع
وما كنت دون امرئ منهما - ومن تضع اليوم لا يرفع
(3) فتح الباري 8/67.
(4) حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي السدي، ابن أخي خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
كان من سادات قريش، وكان صديق النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث، وكان يوده ويحبه بعد البعثة، ولكن تأخر إسلامه إلى يوم الفتح، وشهد حنينا، قال البخاري في التاريخ: مات ستة ستين، وهو ابن عشرين ومائة سنة.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 362، والإصابة 2/112-113.
(5) بديل بن ورقاء بن عمرو بن ربيعة بن عبد العزى بن ربيعة بن جري بن عامر بن مازن بن عدي بن عمرو بن ربيعة الخزاعي.
قال ابن السكن: له صحبة، وسكن مكة، وكان إسلامه قبل الفتح أو يوم الفتح وفي مغازي ابن إسحاق أن قريشا لجأوا يوم الفتح إلى دار بديل بن ورقاء ودار رافع مولاه.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 150، والإصابة 1/275( 277.(4/66)
، وغيرهم. فنزل النبي صلى الله عليه: عن بغلته.
…4334- حديث عهد: كذا في الصحيحين، وصوابه: " حديثوا عهد"(1)، وخرج الإفراد فيه على إرادة الحي. أجيزهم: من الجائزة، وهي العطية، وللكشميهني: " أجبرهم"، من الجبر ضد الكسر.
…4335- قال رجل: هو معقب بن قشير المنافق(2). ما أراد بها...إلخ: قال القرطبي: هذا قول جاهل بحال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، غليظ الطبع، حريص شره منافق، وكان حقه أن يقتل، إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عفا عنه، وراجع أبواب الخمس. فتغير وجهه: حتى ندمت على ما بلغته.
…4337- من الطلقاء: في رواية الكشميهني: "والطلقاء"، قال ابن حجر: ( وهو أولى، فإن الطلقاء لم يبلغوا هذا القدر ولا عشير عشره، وقيل إن الواو مقدرة عند من جوز تقدير حرف العطف)(3). وحده: إلا أربعة من أصحابه أو عشرة كما سبق. نادين: تثنية نادي، وهم أهل المجلس، وللكشميهني: " نداءين". قال هشام(4): بالسند السابق. يا أباحمزة: هو أنس بن مالك.
58- " باب السرية التي قبل نجد "
…" وكانت قبل التوجه لفتح مكة، فقال ابن سعد: كانت في شعبان، وقال غيره: كانت قبل مؤته، وكان أبو قتادة هو أميرها، وعدد من خرج فيها عشرون رجلا، وغنموا فيها مائتي بعير وألف شاة"(5).
59- " باب بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد إلى بني جَذِيمَة "
__________
(1) مثله في الفتح 8/68.
(2) كما في رواية الواقدي، انظر الفتح 8/69.
(3) فتح الباري 8/68، وفيه: ( ولا عشر عشره).
(4) هشام بن زيد بن أنس بن مالك الأنصاري.
روى عن جده أنس، وعنه ابن عون وشعبة وعروة بن ثابت وحماد بن سلمة.
ذكره ابن حبان في الثقات.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 11/39، والتقريب رقم 7293.
(5) نقلا عن الفتح 8/70 بتصرف.(4/67)
…وهم بأسفل مكة من ناحية يَلَمْلَم(1)، وكان ذلك في شوال بعد فتح مكة قبل الخروج إلى حنين، فخرج إليهم في ثلاثمائة وخمسين، داعيا إلى الإسلام لا مقاتلا.
…4339- صبأنا: خرجنا من دين إلى دين. فجعل خالد يقتل: كأنه نقم عليهم العدول عن لفظ الإسلام، وفهم أن ذلك وقع منهم على سبيل الأنفة وعدم الانقياد إلى الدين، فقاتلهم متأولا، قاله الخطابي(2).
…أبرأ إليك مما صنع خالد: قال الخطابي: ( أنكر عليه العجلة وترك التثبت في أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم: "صبأنا" (3)، زاد الباقر في روايته: ( ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليا، فقال: اخرج إلى هؤلاء، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك، فذهب حتى جاءهم ومعه مال، فلم يبق لهم أحد إلا وداه)(4).
__________
(1) موضع على ليلتين من مكة، وهو ميقات أهل اليمن، انظر معجم البلدان 5/441.
(2) في أعلام السنن، ص: 965-966، وقد نقله الشبيهي من الفتح 8/71.
(3) أعلام السنن ص: 965، وهو في الفتح 8/72.
(4) نقلا عن الفتح 8/72.
وفي القصة من عظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم ورأفته بالناس، ما ذكره ابن إسحاق من حديث ابن أبي حدرد الأسلمي قال: " كنت في خيل خالد فقال لي فتى من بني جذيمة قد جمعت يداه في عنقه برمة: يا فتى هل أنت آخذ بهذه الرمة فقائدي إلى هؤلاء النسوة؟ فقلت نعم، فقدته بها فقال: أسلمي حبيش، قبل نفاد العيش، قال: ثم ضربت عنق الفتى، فأكبت عليه فما زالت تقبله حتى ماتت".
وقد روى النسائي والبيهقي في الدلائل بسند صحيح من حديث ابن عباس نحو هذه القصة وفيها: " فقال إني لست منهم، إني عشقت امرأة منهم فدعوني أنظر إليها نظرة، فضربوا عنقه، فجاءت المرأة فوقعت عليه فشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أما كان فيكم رجل رحيم؟".
وأخرجها البيهقي، وفي آخرها: " فانحدرت إليه من هودجها فحنت عليه حتى ماتت، انظر فتح الباري 8/72.(4/68)
60- " سرية عبد الله بن حذافة السهمي(1)
القرشي المهاجري، وعلقمة بن مجزز المدلجي(2): هو القائف المذكور في قصة زيد وأسامة، القائل: هذه الأقدام بعضها من بعض(3)، ويقال إنها سرية الأنصاري".
…قال ابن حجر: (أشار بذلك / إلى احتمال تعدد القصة، أي لأن عبد الله بن حذافة مهاجري، لا أنصاري)، قال: ( وهو الذي يظهر لي، ويحتمل أن المراد بالأنصاري الأمر الأعم، أي أنه نصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجملة)(4).
…4340- واستعمل رجلا من الأنصار: قال ابن سعد: ( وهو علقمة بن مجزز، ولكن تعجل بعض الناس فأمر عليهم عبد الله بن حذافة) هـ(5).
…وقال البرماوي(6)
__________
(1) عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي السهمي، أبو حذيفة.
ثبت ذكره في الصحيح في سؤاله النبي صلى الله عليه وسلم: من أبي؟ فقال له: أبوك حذافة.
توفي بمصر في خلافة عثمان.
ترجمته في: الاستيعاب ص:888، والإصابة 4/57-59.
(2) علقمة بن مجزز بن الأعور بن جعدة بن معاذ الكناني المدلجي.
شهد اليرموك، وكان عاملا لعمر على حرب فلسطين، وتوفي غريقا في البحر.
ترجمته في: الإصابة 4/559-561.
(3) يأتي ذلك في كتاب النكاح من حديث عائشة.
(4) فتح الباري 8/73.
(5) الطبقات الكبرى 2/163.
(6) محمد بن عبد الدائم بن موسى بن عبد الدائم بن فارس بن محمد بن رحمة بن إبراهيم العسقلاني الأصل، البرماوي ثم القاهري.
سمع من إبراهيم الآمدي وعبد الرحمن القاري، وجاور بمكة ثم قدم القاهرة.
له: اللامع الصبيح على الجامع الصحيح، وجمع العمدة لفهم العمدة.
توفي بالقدس عام 831هـ.
ترجمته في: الضوء اللامع 7/281، وشذرات الذهب 7/197، والبدرالطالع 2/181.(4/69)
: (لعل تأمير علقمة لابن حذافة هو غرض البخاري، حيث جمع بينهما في الترجمة، مع أنه في الحديث لم يسم واحد منهما، والترجمة تفسير للمبهم في الحديث). أوقدوا نارا فهموا: أي بالدخول فيها، ظنا منهم أنهم إذا دخلوها بسبب طاعة أميرهم لا تضرهم. ما خرجوا منها… إلخ: يعني أنهم لو دخلوها لاحترقوا وماتوا، ولم يغن عنهم ظنهم الذي ظنوه شيئا(1).
61- " بعث أبي موسى ومعاذ(2) إلى اليمن قبل حجة الوداع "
…أي وبعد الرجوع من تبوك، لأن أبا موسى حضر.
__________
(1) هذا هو الظاهر، ويحتمل أن يكون المراد لو دخلوها مستحلين لما خرجوا منها أبدا، وعلى هذا ففي العبارة نوع من أنواع البديع وهو الاستخدام، لأن الضمير في قوله: " لو دخلوها" للنار التي أوقدوها، والضمير في قوله: " ما خرجوا منها أبدا" لنار الآخرة، لأنهم ارتكبوا ما نهوا عنه من قتل أنفسهم، انظر فتح الباري 8/74.
(2) معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدي بن علي الأنصاري الخزرجي.
قال الواقدي: كان من أجمل الرجال، وشهد المشاهد كلها.
وجمع القرآن كله، وكان عالما بالحلال والحرام.
توفي شابا في الرابعة والثلاثين من عمره في طاعون الشام سنة 17 هـ.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1402، والإصابة 6/136( 138.(4/70)
…4341،4342- مِخْلاَف: المخلاف هو الكُورَة والإقليم، وكانت جهة معاذ العليا، وجهة أبي موسى السفلى(1). كذا قريبا: كذا هنا، وللأكثر: وكان ...إلخ. رجل: يهودي. فقتل: لعله كان استتيب قبل ذلك. أتفوقه تفوقا: أي أقرؤه شيئا بعد شيء في آناء الليل والنهار، ولا أقرؤه دفعة واحدة، بل أفرق قراءته على أوقات، مأخوذ من فوارق الناقة، وهو أن تحلب ثم تترك ساعة حتى تدر، ثم تحلب هكذا دائما(2). جزئي: أي الجزء الذي جعلته للنوم من أجزاء الليل، لأنه جزأ الليل أجزاء للنوم، وجزءا للقيام والقراءة. فأحتسب نومتي: أي أجعلها طاعة لله، لأنها إعانة على طاعة.
…4343- نا إسحاق بن خالد: هكذا وجدته بخط الشيخ سيدي عبد القادر الفاسي(3) بأصله المنتسخ بيده(4)، وبخط الشيخ ميارة(5)
__________
(1) نقلا عن الفتح 8/76.
(2) نقلا عن الفتح 8/77.
(3) عبد القادر بن علي بن يوسف بن محمد الفاسي الفهري، أبو السعود.
عالم محدث، ولد بالقصر، وتوفي بفاس عام 1091هـ.
له: حاشية على الصحيح، والنتيجة المحمودة في الرد على زاعم ملكية وادي مصمودة.
ترجمته في: فهرس الفهارس 2/156، ودليل مؤرخ المغرب الأقصى 75-76.
(4) يوجد بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم 662ج في أربعة أسفار.
(5) محمد بن أحمد بن محمد، أبو عبد الله ميارة الفاسي.
لهك الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام، والدر الثمين والمورد المعين في شرح المرشد المعين على الضروري من علوم الدين، وشرح مختصر خليل.
توفي عام 1072هـ.
ترجمته في: هدية العارفين 2/290، وإيضاح المكنون 1/22.(4/71)
بأصله المنتسخ بيده(1)، وكتب عليه سيدي عبدالقادر المذكور بطرته ما نصه: ( ما في الأصل تصحيف، والصواب، وهو الذي في نسخة ابن سعادة بخطه: " نا إسحاق نا خالد"هـ من خطه طيب الله ثراه، وفي الفتح ما نصه: " إسحاق هو ابن منصور(2)، وخالد هو ابن عبد الله الطحان(3)(4).
…كل مسكر حرام: كان من العنب، أو من الشعير، أو من العسل، أو من غيرها، فالمدار على الإسكار.
…4346- ثم حل: من إحرامك.
…4348- قرت عين أم إبراهيم: أي حصل لها السرور، وهذا كلام قليل صدر جهلا في حال الاقتداء لا تبطل به الصلاة، أو لعل معاذا أمره بإعادة الصلاة ولم ينقل(5).
62- " بعث علي إلى اليمن قبل حجة الوداع "
…روى أحمد وغيره عن علي رضي الله عنه قال: " بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن، فقلت: يارسول الله بعثتني إلى قوم أسن مني، وأنا حديث السن لا أبصر القضاء، قال: فوضع يده في صدري، قال: اللهم ثبت لسانه، واهد قلبه، وقال: يا علي إذا جلس إليك الخصمان، فلاتقض بينهما حتى تسمع من الآخر"(6).
__________
(1) توجد نسخ عن هذا الأصل في الزاوية الحمزية رقم 398، وخزانة الجامع الكبير بمكناس رقم 449.
(2) إسحاق بن منصور السلولي مولاهم، أبو عبد الرحمن.
روى عن إسرائيل وزهير بن معاوية والحسن بن صالح وداود الطائي.
وعنه أبو نعيم وابن أبي شيبة وأبو كريب.
قال البخاري: مات سنة 204هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 1/250، والتقريب رقم 385.
(3) خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان، أبو محمد المازني.
روى عن حميد الطويل وسلمان التيمي وابن عون وخالد الحذاء.
وعنه عبد الرحمن بن مهدي ووكيع ويحيى القطان ومسدد وسعيد بن منصور.
مات سنة 182هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 3/100-101، والتقريب رقم 1647.
(4) فتح الباري 8/78.
(5) مثله في الفتح 8/81.
(6) أخرجه أحمد 1/111، وابن ماجه في الأحكام 1.(4/72)
…4349- سمعت البراء. يقول بعثنا... إلخ: أي بعد رجوعهم من الطائف. أن يعقب: يرجع إلى اليمن. فليعقب: فليرجع.
…4350- يقبض الخمس: من الغنيمة. وكنت أبغض عليا وقد اغتسل: أي من جنابة، هذا وجه بغضه له، لأنه ظن أنه غل من الغنيمة، زاد في رواية: " فقلت يا أبا الحسن ماهذا؟ فقال: ألم تر إلى الوصيفة، فإنها صارت في الخمس، ثم صارت في آل بيت محمد، ثم في آل علي، فوقعت بها(1)؛ واستشكل قسمة علي لنفسه ووطئه للجارية بغير استبراء، وأجيب عن الأول بأن ذلك مفوض إليه من النبي - صلى الله عليه وسلم - /، وعن الثاني باحتمال أنها بكر دون بلوغ، وأداه اجتهاده إلى أنها لا استبراء فيها كما هو مذهب كثير من الصحابة، قاله الخطابي(2).
…زاد السيوطي في التوشيح: ( وقد صرح في هذا الحديث باطلاعه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، فهو تقرير منه، فيستدل به لعدم وجوب الاستبراء في الصغيرة، كما هو أحد الوجهين عندنا)هـ(3).
…قال ابن حجر: ( ويجوز أن تكون حاضت عقب صيرورتها له، ثم ظهرت بعد يوم وليلة، ثم وقع عليها، وليس في السياق ما يدفعه)(4).
…لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك: وفي رواية(5): لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي، قال بريدة: فما كان في الناس أحب إلي من علي.
…تنبيه: قال ابن حجر: ( يومئذ من الحديث جواز التسري على بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بخلاف التزويج عليها لما وقع في حديث المسور)(6).
__________
(1) عند أحمد من طريق عبد الجليل عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، وانظر الفتح 8/83.
(2) في أعلام السنن ص: 969، وقد نقله الشبيهي من الفتح 8/84.
(3) التوشيح ص: 392.
(4) فتح الباري 8/84.
(5) عند أحمد 5/351 من طريق أجلح الكندي عن عبد الله بن بريدة، وانظر الفتح 8/83.
(6) فتح الباري 8/84.(4/73)
…4351- بذهيبة: تصغير ذهبة، وقد يؤنث الذهب في بعض اللغات. أديم: جلد. مقروط: مدبوغ بالقرظ، نبت معروف. من ترابها: أي تراب معدنها. ابن بدر(1): أي ابن حصن بن بدر. وإما عامر بن الطفيل(2): ذكر "عامر" هنا غلط، لأنه مات قبل ذلك، قاله في المشارق. وزاد في المفهم: (والصواب علقمة بن علاثة كما في الحديث الآخر من غير شك) هـ، ونحوه في التنقيح(3). رجل:لم يعرف(4). نحن أحق بهذا: ( هذه القصة غير القصة المتقدمة في غزوة حنين، ووهم من خلطها بها، وهذه الذهبية كانت من الخمس، ومن خصائصه - صلى الله عليه وسلم - أن له أن يضعه في صنف واحد من الأصناف لمصلحة)(5).
__________
(1) هو عينية بن حصن بن حذيفة بن بدر، وقد تقدمت ترجمته في شرح الحديث 4331.
(2) عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري، الفارس المشهور.
ذكره جعفر المستغفري في الصحابة، وهو غلط، وموته على الكفر أشهر عند أهل السير أن يتردد فيه.
ترجمته في: الإصابة 5/172-173.
(3) التنقيح ص: 176.
(4) قال الحافظ في الفتح 8/85: ( لم أقف على اسمه).
(5) باللفظ من فتح الباري 8/86.(4/74)
…وأنا أمين من في السماء: قال القرطبي: ( يحتمل أن يراد بمن في السماء: الملائكة، فإنه أمين عندهم، معروف بالأمانة، أو السماء بمعنى العلو والرفعة المعنوية، وهكذا القول في قوله تعالى: "ءامنتم من في السماء"(1)، وقد تقدم أن التسليم في المشكلات أسلم) هـ عن المفهم. رجل: هو ذو الخويصرة التميمي. غائر العينين: يعني أن عينيه داخلتان في محاجرهما، لاصقتين(2) بقعرالحدقة. مشرف الوجنتين: بارزهما. ناشر الجبهة: مرتفعها. محلوق الرأس: وكان حلقه إذ ذاك من سيماء الخوارج، كما في التوحيد(3): " سيماهم التحليق". أن يتقي الله: وفي رواية: فقال: ومن يطع الله إذا عصيته. قال خالد(4): وفي علامات النبوة: " فقال عمر"، ولا تنافي لاحتمال كون كل منهما سأل ذلك، وكونه عمر أرجح، لما عرف من صلابته، ولأن خالدا كان إذ ذاك غائبا مع علي، كما في الحديث قبله، قاله ابن حجر(5). لعله: بمعنى عسى. مقف: راجع. ضِئْضِئِ(6) هذا: نسله. رطبا: قيل يعني به تحسين الصوت بالقراءة، وقيل هو المواظبة عليها فلا يزال لسانه رطبا بها، وقيل سهلا، كما قال في الرواية الأخرى: لينا، قاله الزركشي(7) . لا يجاوز حناجرهم: أي لا يرفع إلى السماء، كناية عن عدم قبوله. يمرقون من الدين: يخرجون من الإسلام، استدل به من كفرهم، وأجاب عنه غيره بأنه خرج مخرج الزجر والتغليظ، أو المراد الإسلام الكامل. يمرق: ينفذ. من
__________
(1) سورة الملك، الآية 16.
(2) كذا في أصل الشبيهي، ومثله في الفتح 8/86، كما نبه عليه العرائشي في مخطوطته.
(3) أواخر كتاب التوحيد .
(4) هو خالد بن الوليد، وتقدمت ترجمته في شرح الباب 17 من المغازي.
(5) في الفتح 8/86،وقول ابن حجر إلى حدود: "كل منهما سأل ذلك"،وأما زيادة: "وكونه عمر أرجح...إلخ" فلا توجد في الفتح.
(6) في رواية الكشميهني بصادين مهملتين: " صئصئ" وزعم ابن الأثير أنه بمعنى، ضئضئ" وهو النسل والعقب، انظر الفتح 8/87.
(7) في التنقيح ص: 176.(4/75)
الرمية: الشيء المرمي، أي يخرج من الجانب الآخر. لئن أدركتهم لأقتلنهم: استشكل هذا مع أنه نهى خالدا عن قتل أصلهم، وأجيب بأنه أراد إدراك خروجهم واعتراضهم المسلمين بالسيف، ولم يكن ذلك ظهر في زمانه، وأول ظهوره في زمن علي كما هو مشهور، قاله ابن حجر(1).
…4352- بسعايته: ما أتى به من المال /.
63- " غزوة ذي الخلصة "
…" ذو الخلصة اسم البيت الذي كان فيه الصنم، وقيل: اسم البيت الخلصة، والصنم ذو الخلصة، وكان ببلد يقال لها العبلات من أرض خثعم(2)، وحكى المبرد(3) أن موضعه صار مسجدا جامعا لأهل بلده"(4).
…4355- والكعبة اليمانية: أي ويقال له الكعبة اليمانية، لأنه باليمن. والكعبة الشامية: أي ويقال له ذلك أيضا، لأن بابه كان مقابل جهة الشام، فيكون الكل أسام له، هذا الذي اختاره ابن حجر مما قيل في ذلك(5)، وهو ظاهر، وبه يسقط ما في التنقيح(6) من توهيم الرواية. ألا تريحني: راحة قلبية.
…4356- أجرب: " أي صارت لاحتراقها سوداء كأنها جمل مطلى بالقطران لجربه".
__________
(1) في الفتح 8/87.
(2) " العبلات " بطن من بني أمية الصغرى من قريش، سموا بأم لهم اسمها عبلة، انظر مشارق الأنوار 2/112.
(3) محمد بن يزيد بن عبد الأكبر بن عمير بن حسان الأزدي، المعروف بالمبرد.
ولد بالبصرة، وأخذ عن أبي عثمان المازني وأبي حاتم السجستاني، وعنه نفطويه.
له: المقتضب في النحو، والاشتقاق، وإعراب القرآن. توفي ببغداد سنة 285هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد 3/380، ووفيات الأعيان 1/626، ولسان الميزان 5/430، وبغية الوعاة 116، وشذرات الذهب 2/190.
(4) نقلا عن الفتح 8/89.
(5) قال الحافظ في الفتح 8/90: ( والذي يظهر لي أن الذي في الرواية صواب، وأنها كان يقال لها اليمانية باعتبار كونها باليمن، والشامية باعتبار أنهم جعلوا بابها مقابل الشام).
(6) التنقيح ص: 176.(4/76)
…4357- ولما قدم جرير اليمن: بعد فراغه من ذي الخلصة، وتوجيه الرسول إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . يستقسم بالأزلام(1): يستخرج بها ما يريد فعله من خير أوشر، وقد حرم الله ذلك بقوله: "وأن تستقسموا بالازلام". رجلا من أخمس: اسمه حصين(2).
64- " غزوة ذات السلاسل "
…"سميت ذات السلاسل لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا"(3).
…وذكر ابن سعد أنها كانت في جمادى الأخيرة سنة ثمان أو سبع بمحل بينه وبين المدينة عشرة أيام(4)، توجه إليها عمرو بن العاص في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار، فيهم أبو بكر وعمر.
…وهي غزوة لخم وجذام: قبيلتان كبيرتان شهيرتان.
…وهي بلاد بلي... إلخ: هذه بطون من قضاعة.
…4358- نا خالد: هو الطحان. فأتيته فقلت…إلخ: زاد البيهقي: قال عمرو: فحدثتني نفسي أنه لم يبعثني على قوم فيهم أبو بكر وعمر إلا لمنزلة لي عنده، فأتيته حتى قعدت بين يديه، فقلت ... إلخ(5). في آخرهم: وقلت في نفسي: لا أعود أسأل عن هذا.
65- "ذهاب جرير بن عبد الله البجلي(6)
__________
(1) سورة المائدة، الآية: 3.
(2) أبو أرطأة حصين بن ربيعة بن عامر بن الأزور الأحمسي، مشهور بكنيته.
أخرج مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا تريحني في ذي الخلصة؟ فسرت في خمسين ومائة راكب من أخمس وكانوا أصحاب خيل فأحرقناها، فجاء بشيرا جرير وأبو أرطأة حصين بن ربيعة إلى النبي فقال: والذي بعثك بالحق، ما جئتك حتى تركتها كأنها جمل أجرب.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1595، والإصابة 2/86.
(3) من كلام الحافظ في الفتح 8/93.
(4) الطبقات الكبرى 2/131، ونقله الحافظ في الفتح 8/93.
(5) انظر الفتح 8/94.
(6) جرير بن عبد الله بن جابر بن مالك بن نضر بن ثعلبة بن جشم بن عوف بن حزيمة بن حرب بن علي البجلي.
كان جرير جميلا، قال عمر: ( هو يوسف هذه الأمة)، وفي الصحيح قال جرير: ( ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم).
ترجمته في: الاستيعاب ص: 236، والإصابة 1/475-476.(4/77)
إلى اليمن"
يقاتلهم ويدعوهم أن يقولوا لا إله إلا الله، وهذا البعث غير بعثه إلى هدم ذي الخلصة، ويحتمل أن يكون بعثا واحدا للجهتين على الترتيب(1).
…4359- من أهل اليمن: أي من ملوكهم، وقد أسلما وتوجها للمدينة. لئن كان الذي تذكر... إلخ: أي حقا. لقد مر... إلخ: هذا جواب شرط مقدر، أي إن أخبرتني بهذا، أخبرك بهذا، وهذا قاله ذو عمرو(2) عن اطلاع من الكتب القديمة، تعلموه من اليهود. رفع: ظهر. فلما كان بعد: لعله لما هاجر ذو عمرو في خلافة عمر. تأمرتم: تشاورتم، من الائتمار أي المشاورة. فإذا كانت: أي الإمارة. بالسيف: بالقهر والغلبة. كانوا: أي الأمراء.
66- " غزوة سِيفِ الْبَحْر"
…أي ساحله(3)، وكانت سنة ست أو قبلها قبل هدنة الحديبية.
وأميرهم أبو عبيدة(4): وهم ثلاثمائة راكب.
…4360- مزودي تمر: المزود ما يجعل فيه الزاد، وظاهر أنه كان لهم زاد بطريق العموم، وأزواد بطريق الخصوص، فلما فني العام، جمع أبو عبيدة مالهم من الخاص لقصد المواساة بينهم، قاله الحافظ(5). إلى البحر: إلى ساحله. الظرب: الجبل الصغير، طوله خمسون ذراعا. ثمان عشرة ليلة: من روى هذا القدر، ضبط مالم يضبطه غيره، ومن روى خمسة عشر ألقى الزائد وهي ثلاثة أيام، ومن قال شهرا جبر الكسر أو ضم بقية المدة التي كانت قبل وجودهم الحوت إليها، قاله ابن حجر(6) /.
…فرحلت: شد عليها رحلها.
__________
(1) نقلا عن الفتح 8/95.
(2) قال الحافظ في الفتح 8/96: ( وأما ذو عمرو فكان أحد ملوك اليمن، وهو من حمير أيضا، ولم أقف على اسم غيره، ولا رأيت من أخباره أكثر مما ذكر في حديث الباب).
(3) مثله في الفتح 8/98.
(4) أبو عبيدة عامر بن الجراح، تقدم في شرح الباب 13 من المغازي.
(5) في الفتح 8/99.
(6) في الفتح 8/100.(4/78)
…4361- الخَبَط: ورق السلم بعد بله بالماء. يقال له العنبر: ( قال أهل اللغة، العنبر سمكة بحرية كبيرة، يقال إن العنبر المشموم رجيعها؛ وقال ابن سينا(1): المشموم يخرج من البحر، وإنما يوجد في أجواف السمك التي تبتلعه، وعن الشافعي: سمعت من يقول: رأيت العنبر نابتا في البحر ملتويا مثل عنق الشاة، وفي البحر دابة تأكله، وهو سم لها فيقتلها، فيقذفها البحر، فيخرج العنبر من بطنها)(2).
…ودكه: شحمه. ثابت: رجعت(3). أجسامنا: وذهبت هزالها. أطول رجل معه: قال ابن حجر: ( لم أقف على اسم هذا الرجل، وأظنه قيس بن سعد بن عبادة، فإن له ذكرا في هذه الغزوة كما ستراه، وكان مشهورا بالطول، وقصته في ذلك مع معاوية معروفة، ومحصلها أن الروم بعثوا بأطول رجل عندهم يطلبون من يطاوله في المسلمين، فحضر له قيس المذكور، ونزع سراويله، وقال للرومي: البسها، فكانت السراويل طول قامة الرومي، بحيث كان طرفها على أنفه والطرف الآخر بالأرض) هـ(4).
…زاد مسلم: ( فأمر أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينيه)(5).
…وكان رجل من القوم، هو قيس المذكور. نحر ثلاث جزائر: أي لما جاعوا. نهاه: لأنه كان يشتري من الغير بالدين في ذمته، وليس له مال، لأن المال لأبيه، فأراد الرفق به. ابن سعد: ابن عبادة المذكور. انحر: أي كان ينبغي لك أن تنحر للقوم.
__________
(1) الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا البلخي ثم البخاري، ويلقب بالشيخ الرئيس.
فيلسوف طبيب، له: القانون في الطب، وتقاسيم الحكمة.
توفي بهمذان عام 428هـ.
ترجمته في: عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة 2/20، ومرآة الجنان 3/47، وشذرات الذهب 3/233.
(2) نقلا عن الفتح 8/100.
(3) في أصل المخطوط : " رجفت" بالفاء، وهو تصحيف، والصحيح: "رجعت" كما في الفتح 8/101.
(4) فتح الباري 8/101.
(5) أخرجه مسلم في الصيد 13، وأحمد في المسند 3/311.(4/79)
…4362- فأتاه بعضهم فأكله: قال القاضي عياض: كذا لهم، ولابن السكن : "فأتاه بعضهم بعضو منه فأكله"(1)، وبه تتم الفائدة.
67- " حج أبي بكر بالناس في سنة تسع "
…حج أبي بكر رضي الله منه كان في وقت الحج المشروع في ذي الحجة كما جزم به الداودي والرماني(2) والثعلبي والماوردي ومغلطاي، وجماعة.
…وقال مجاهد: إن حجة أبي بكر وقعت في ذي القعدة.
…قال ابن حجر: ( ووافقه عكرمة بن خالد(3)، ومن عدا هذين، إما مصرح بأن حجة أبي بكر كانت في ذي الحجة، وإما ساكت) هـ(4).
…قال مقيده الفضيل عامله الله بلطفه الجميل: ما قالته الجماعة من أن حج أبي بكر وقع في وقته المشروع له، هو الحق الذي لا شك فيه ولا ارتياب، وما قاله مجاهد، وإن جرى عليه جمع محققون، كالسهيلي في الروض(5)، والقرطبي في المفهم، وابن المنير(6)
__________
(1) كذلك في الفتح 8/102.
(2) علي بن عيسى بن علي بن عبد الله الرماني الإخشيدي الوراق.
أديب نحوي لغوي.
أصله من سر من رأى، وولد ببغداد.
أخذ عن ابن السراج والزجاج وابن دريد.
له: الجامع الكبير في التفسير، ومعاني الحروف، وشرح الصفات.
توفي سنة 384هـ.
ترجمته في: تذكرة الحفاظ 3/182، وشذرات الذهب 3/109، وبغية الوعاة 344.
(3) عكرمة بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي.
روى عن أبيه وأبي هريرة وابن عباس وابن عمر ومالك بن أنس.
وعنه ابن جريج وحنظلة بن أبي سفيان وقتادة وابن إسحاق ومطر الوراق.
وثقه البخاري وأبو زرعة وابن معين.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 7/258-259، والتقريب رقم 4668.
(4) فتح الباري 8/103.
(5) الروض الأنف 4/200-201.
(6) علي بن منصور بن أبي القاسم بن المختار بن أبي بكر بن علي الجذامي الإسكندري، المعروف بابن المنير.
له: شرح الجامع الصحيح، والمتواري على تراجم البخاري.
توفي يوم الأضحى من عام 695هـ.
ترجمته في: نيل الابتهاج 203، ومشتبه النسبة للذهبي 507، وهدية العارفين 1/714.(4/80)
والدماميني، وغيرهم، من أعجب العجاب، إذ يلزم عليه تقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوع الأحكام الشرعية في غير أوقاتها، وهو باطل بالبديهة، لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما جاء بمحو آثار الجاهلية، ووضع الأحكام الشرعية في مواضعها، فكيف يتصور توجيهه أصحابه لإقامة الحج في غير وقته، مع أن مكة إذ ذاك صارت دار إسلام، وعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - مقيم بها، فمن ذا الذي يمنع أبا بكر من إقامة الحج في وقته، ومن ذا الذي يصده عنه، وتحويل الحج في العام المقبل لذي الحجة موقوف على وضع شيء في موضع ذي القعدة، ومن ذا الذي يضعه وقد انمحى أثر الجاهلية، وحسمت مادة الكفر من مكة ونواحيها، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - بعث بالأذان بنقض ما كانت تفعله الجاهلية وإبطاله من قوله: " لايحجن بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان"(1)، فكيف ينهى عما ذكر، ويقر وقوع الحج في غير وقته، وقد نقل الأبي عن أبي عبيد كلاما في بيان النسيء، إلى أن قال: فجاء الإسلام وقد رجح المحرم إلى موضعه هـ، ولما يلزم عليه أيضا أن أبابكرلم يحج تلك السنة، لأن المعدوم شرعا معدوم حسا، والمسلمون كلهم على أنه حج حجا معتبرا، ولأنه مصادم لقوله تعالى: " وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الاكبر"(2)، ولما في الصحيح عن أبي هريرة: " بعثني - صلى الله عليه وسلم - في مؤذنين يوم النحر" (3)، ولما فيه أيضا أن عليا أذن ببراءة يوم النحر، وجميع ذلك وقع في حجة أبي بكر هذه إجماعا، فتبين أن الذي يجب المصير إليه والتعويل عليه، هو أن حج أبي بكر هذه إجماعا، فتبين أن الذي يجب المصير إليه والتعويل عليه، هو أن حج أبي بكر ما وقع إلا في
__________
(1) أخرجه البخاري في الصلاة الباب 3، والمغازي الباب 66، ومسلم في الحج 435، وأحمد في المسند 1/3.
(2) سورة التوبة، الآية 3.
(3) أخرجه البخاري 1/144 في أبواب الصلاة باب ما يستر من العورة، والبيهقي في السنن الكبرى 5/166.(4/81)
وقته المشروع له، وهو ذو الحجة، وأن ما قاله مجاهد ومن تبعه، لا يلتفت إليه، والله سبحانه الموفق والهادي إلى سواء السبيل؛ وقول/ الحافظ ابن حجر: (والمعتمد ما قاله مجاهد)(1)، سبق قلم منه رحمه الله، كما دل عليه قوله إثره ما نصه: (ويؤيده أن ابن إسحاق صرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بعد أن رجع من تبوك رمضان وشوالا وذا القعدة، ثم بعث أبا بكر أميرا على الحج، فهو ظاهر في أن بعث أبي بكر كان بعد انسلاخ ذي القعدة، فيكون حجه في ذي الحجة) هـ كلام الحافظ بلفظه(2)، وهو كما تراه تأييد لقول الجماعة، لا لقول مجاهد، ثم رأيت الزرقاني على المواهب نسب للحافظ ما قلناه من السهو وسبقية القلم، وهو ظاهر؛ وبعد كتبي هذا، وجدت في الإرشاد ما نصه: ( قال الزمخشري(3): قد وافقت حجة الوداع ذا الحجة، وكانت حجة أبي بكر قبلها في ذي القعدة، قاله مجاهد، وفيه نظر، إذ كيف تصح حجة أبي بكر وقد وقعت في ذي القعدة، وأنى هذا وقد قال الله تعالى: " وَأذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الاَكْبَرِ" الآية، وإنما نودي بذلك في حجة أبي بكر، فلولم تكن في ذي الحجة لما قال الله تعالى: " يَوْمَ الْحَجِّ الاَكْبَرِ "، قاله ابن كثير(4)هـ.
…وتبعه عليه الشيخ التودي معتمدا عليه.
__________
(1) فتح الباري 8/103.
(2) الفتح 8/103.
(3) محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي الزمخشري.
ولد بزمخشر من خوارزم، وقدم بغداد، وجاور بمكة فلقب بجار الله.
له: الفائق في غريب الحديث، والكشاف عن حقائق التنزيل.
توفي سنة 538هـ.
ترجمته في: وفيات الأعيان 2/107، وتذكرة الحفاظ 4/76، وبغية الوعاة 388، وتاج التراجم 53.
(4) انظر تفسير القرآن العظيم 2/523.(4/82)
…وفي سمط الجوهر الفاخر(1) لسيدي المهدي الفاسي ما نصه: (حج أبو بكر رضي الله عنه بالناس، وذلك في ذي الحجة على قول الجمهور، وهو المعتمد، وقيل في ذي القعدة ورد) هـ، فالحمد لله على الموافقة.
…وفي تفسير ابن عطية عند قوله تعالى: " وَأذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الاَكْبَرِ " ما نصه: ( قال الحسن: إنما سمي " أكبر" لأنه حج فيه أبو بكر رضي الله عنه، ونبذت فيه العهود، قال القاضي أبو محمد: وبيانه أن ذلك اليوم كان المفتتح بالحق وإمارة الإسلام بتقديم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونبذت فيه العهود، وعز فيه الدين، وذل الشرك، فحقه أن يسمى أكبر)هـ(2).
…4364- براءة: الغرض منه الإشارة إلى أن نزول قوله تعالى: " إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ" الآية(3)، كان في هذه القصة، وعن ابن إسحاق: لما نزلت "براءة"، وقد بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر على الحج، فقيل له: لو بعثت بها إلى أبي بكر، فقال: لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي، ثم دعا عليا فقال: اخرج بصدر "براءة" وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى-الحديث-(4).
…وروى أحمد أنه أذن بأربع: لا يدخل الجنة إلا نفس مومنة، ولايطوف بالبيت عريان، ولا يحج بعد العام مشرك، ومن كان بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد، فعهده إلى مدته(5).
…وآخر سورة: كذا في الأصل، ولعل صوابه: آية.
…كاملة: قال الداودي: (لفظ "كاملة" ليس بشيء، لأن براءة نزلت شيئا فشيئا)هـ.
68- " وفد بني تميم "
__________
(1) سمط الجوهر الفاخر من مفاخر النبي الأول والآخر للمهدي الفاسي، منه نسخ مخطوطة في الخزانة العامة بالرباط 765ق و521ج، وفي الخزانة الحسنية رقم 94، وقد نوقش بكلية الآداب بالجديدة في إطار أطروحة دكتوراه.
(2) المحرر الوجيز 6/405.
(3) سورة التوبة، الآية 28.
(4) انظر الفتح 8/104.
(5) عند أحمد 1/3 من رواية أبي هريرة.(4/83)
…هو تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر(1)، وكان وفودهم سنة تسع، قال أبو عبيدة: كانت سنة تسع تسمى سنة الوفود.
…4365- البشرى: بما يجازى به المسلمون، وتصير إليه عاقبتهم، وهو الجنة، قالوا: قائله الأقرع بن حابس.
…فرئي(2) ذلك في وجهه: أي تغير وجهه أسفا عليهم لإيثارهم الدنيا على الآخرة.
69- " باب":
بغير ترجمة، كالفصل مما قبله.
بعثه النبي صلى الله عليه إليهم: أي إلى بني العنبر حيث أغاروا على أناس من خزاعة. فأغار: عليهم. نساء: إحدى عشرة، ورجالا كذلك وصبيانا ثلاثين، وذلك في المحرم سنة تسع(3).
…4366- سبية: جارية مسبية.
70- " وفد عبد القيس "
…" هم قبيلة كبيرة يسكنون البحرين، كانت لهم وفادتان: إحداهما في سنة خمس أو قبلها، وكان عددهم ثلاثة عشر رجلا، وفيها سألوا عن الإيمان وعن الأشربة، والأخرى كانت سنة الوفود، وهي سنة تسع، وكان عددهم حينئذ أربعين رجلا"(4).
…4368- تنتبذ: اسند الفعل إليها مجازا، في جر: متعلق بجرة، وتقديره أن/ لي جرة كائنة في جملة جرار. أن أفتضح: لأني أصير في مثل حال السكارى. وأن تعطوا الخمس: زيادة على الأربع. وأنهاكم: نهي كراهة. الدُّبَّاء: القَرْع. والنَّقِير: ما ينقر في أصول النخيل. والحَنْتَم: هو الزاج، أي عن الإناء المطلى به. والمُزَفَّت: أي الإناء المطلى بالزفت(5).
…4370- فهما هاتان: ثم واظب عليهما - صلى الله عليه وسلم -، لأنه كان إذا فعل فعلا واظب عليه.
…4371- بجُوَاثَى(6): اسم قرية.
71- " باب وفد بني حنيفة "
__________
(1) مثله في الفتح 8/105.
(2) في الأصل و المخطوطة: " فرأى"، والصحيح ما أثبته كما في الفتح 8/105.
(3) نقلا عن الفتح 8/106.
(4) نقلا عن الفتح 8/107 ملخصا.
(5) سيأتي الحديث عنه مفصلا في الأشربة، باب ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم في الأوعية.
(6) حصن لعبد القيس بالبحرين فتحه العلاء بن الحضرمي أيام أبي بكر، انظر معجم البلدان 2/174.(4/84)
…" هم قبيلة كبيرة ينزلون اليمامة، بين مكة واليمن، وكان وفدهم سنة تسع، وذكر الواقدي أنهم كانوا سبعة عشر رجلا، فيهم مسيلمة "(1).
…وحديث ثمامة بن أثال: الحنفي(2)، وكانت قصته مع وفد بني حنيفة.
…4372- ما عندك: أي أي شيء عندك. ذا دم: قال النووي: " أي دم يتشفى قاتله بقتله لشرفه ورئاسته: أو ذا دم مطلوب به هو فلا لوم عليك في قتله. وإن تنعم…إلخ: اقتصر في هذه المرة على هذا القدر، لقصد الاستعطاف وطلب الإنعام عليه، وكأنه في اليوم الأول رأى أمارة الغضب، فقدم ذكر القتل، فلما لم يقع رجع إلى طلب الاستعطاف(3).
…أطلقوا ثمامة: زاد ابن إسحاق: قد عفوت عنك يا ثمامة؛ وذكر أنه لما كان في الأسر جمعوا ما كان في أهل النبي - صلى الله عليه وسلم - من طعام ولبن، فلم يقع ذلك من ثمامة موقعا، فلما أسلم جاءوه بالطعام فلم يصب منه إلا قليلا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء، وإن المسلم يأكل في معى واحد(4).
…فبشره: أي بخير الدنيا والآخرة. قال لا: أي ما خرجت من دين، لأن عبادة الأوثان ليست دينا. ولكن أسلمت: أي استحدثت دين الإسلام. مع محمد رسول الله صلى الله عليه: أي وافقته عل دينه، فصرنا متصاحبين في الإسلام، أنا بالابتداء وهو بالاستدامة(5).
…والله لا تأتيكم... إلخ: زاد ابن هشام(6)
__________
(1) نقلا عن الفتح 8/109.
(2) ثمامة بن أثال بن النعمان بن مسلمة بن عتبة بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة الحنفي، أبو أمامة اليمامي.
ذكر ابن إسحاق أنه ثبت على إسلامه لما ارتد أهل اليمامة، وقاتل المرتدين من أهل البحرين.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 213، والإصابة 1/410-411.
(3) في الفتح 8/110.
(4) نقلا عن الفتح 8/110.
(5) نقلا عن الفتح 8/111.
(6) عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري الذهلي السدوسي البصري.
إخباري نسابة أديب، قدم مصر وحدث بها.
له: تهذيب سيرة ابن إسحاق، وأنساب حمير وملوكها.
توفي سنة 213هـ.
ترجمته في: وفيات الأعيان 1/3645، وشذرات الذهب 2/45، وبغية الوعاة 315.(4/85)
: ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا، فكتبوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنك تأمر بصلة الرحم، فكتب - صلى الله عليه وسلم - إلى ثمامة أن يخلي بينهم وبين الحمل إليهم، ففعل(1) .
…4373- مسيلمة الكذاب: ادعى النبوة سنة عشر. إن جعل محمد من بعده: أي جعل لي الخلافة بعده. من قومه: يعني بني حنيفة. ومعه ثابت(2): خطيبه وخطيب الأنصار. ولن تعد: بالجزم، على لغة من يجزم بلن(3). أمر الله: أي حكمة ولئن أدبرت: أي عن الطاعة. ليعقرنك: أي يهلكنك. يجيبك عني: إن أردت الإسهاب في الكلام، وإلا ففيما ذكرت لك كفاية.
…4374- فأولتهما كذابين: لأن الكذب وضع الشيء في غير محله، كما أن وضع سواري الذهب في يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - من وضع الشيء في غير محله.
…العنسي: هو الأسود صاحب صنعاء.
…4376- أخير منه: الأخيرية حسية، من كونه أشد بياضا منه، أو صقالة، أو هيئة، أو غير ذلك. جثوة: قطعة من تراب، فيصير كوما. فحلبنا عليه: لتصير مثل الحجر.
منصل الأسنة: أي الرماح، أي مزيلها عن محالها، لعدم قتالهم فيه. شهر: أي في شهر.
…4377- وسمعت: هذا حديث آخر متصل بالإسناد المذكور. يوم بعث النبي صلى الله عليه: أي اشتهر أمره عندهم. بخروجه: أي ظهوره على قومه بفتح مكة. إلى مسيلمة: دلت هذه القصة على أن أبا رجاء(4)
__________
(1) من الفتح 8/111.
(2) ثابت بن قيس بن شماس بن زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الخزرجي، خطيب الأنصار.
أول مشاهده أحد، وبشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة كما في صحيح مسلم.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 200، والإصابة 1/395-396.
(3) وللأكثر: " ولن تعدو"، انظر الفتح 8/113.
(4) أبو رجاء العطاردي، قيل اسمه عمران بن ملحان، وقيل ابن تميم، وقيل ابن عبد الله، ويقال اسمه عطارد.
قال ابن قتيبة: ولد قبل الهجرة بإحدى عشرة سنة.
أسلم بعد فتح مكة وعاش مائة وعشرين سنة.
قال ابن سعد: كان له علم وقرآن ورواية، وأم قومه أربعين سنة.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1657، والإصابة 7/148-149.(4/86)
كان فيمن تابع مسيلمة من قومه بني عطارد، بطن من بني تميم، والسبب فيه أن سجاح، امرأة من بني تميم، ادعت / النبوة فتبعها جماعة من قومها، ثم خادعها مسيلمة وتزوجها، واجتمع قومها وقومه على طاعة مسيلمة.
72- " قصة الأسود العنسي":
…صاحب صنعاء، الذي ادعى النبوة، وكان يقال له ذو الخمار، بالخاء المعجمة، لأنه كان يخمر وجهه، وقيل هو اسم شيطانه، قاله ابن حجر(1)، أو بالحاء المهملة لأنه استقبل حمارا، فعثر الحمار، فقال لأصحابه: إنه سجد لي، قاله ابن إسحاق(2)؛ وقيل إنه علم حمارا إذا قال له اسجد، يخفض رأسه قبله، قاله الكرماني.
4378- اسمه عبد الله: " نبه بهذا على أن المبهم في قوله: " عن ابن عبيدة"(3)، هو عبد الله (4) الثقة، لا أخوه موسى(5) الضعيف، وكان بينهما ثمانون سنة، وعبد الله هو الأكير"(6). تحته: أي تحت مسيلمة. ابنة الحارث: اسمها كيسة (7)
__________
(1) في الفتح 8/117.
(2) وهو في الفتح 8/117.
(3) في المخطوط: " أبي عبيدة"، وهو تحريف، لأنه عبد الله بن عبيدة.
(4) عبد الله بن عبيدة بن نشيط الربذي، مولى بني عامر بن لؤي.
روى عن جابر وسهل بن سعد وعقبة بن عامر الجهني.
وعنه أخواه موسى ومحمد، وصالح بن كيسان وعمرو بن أبي الأبيض.
وثقه الدارقطني وابن حبان.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 5/309-310، والتقريب رقم 3458.
(5) موسى بن عبيدة بن نشيط بن عمرو بن الحارث الربذي، أبو عبد العزيز المدني.
روى عن أخويه عبد الله ومحمد، وعبد الله بن دينار وإياس بن سلمة.
وعنه الثوري وابن المبارك ووكيع.
قال أحمد: لا تحل الرواية عنه، وقال البخاري: منكر الحديث.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 10/356-360، والتقريب رقم 6989.
(6) نقلا عن الفتح 8/115.
(7) كيسة بنت الحارث بن كريز بن عبد شمس.
كانت زوج مسيلمة الكذاب، ثم خلف عليها عبد الله بن عامر الأكبر. ذكرها الزبير بن بكار وضبطها.
ترجمتها في: الإصابة 8/96.(4/87)
، صارت بعده لعبد الله بن عامر(1). أم عبد الله... إلخ: قيل: الصواب " أم أولاد عبد الله"، لأنها زوجته، لا أمه، قال ابن حجر: (وهو اعتراض متجه، ولعله كان أم عبد الله بن عبد الله بن عامر، فإن لعبد الله بن عامر ولدا اسمه عبد الله كاسم أبيه)(2).
…4379- ذكر لي: الذي ذكرها له هو أبو هريرة. اسوارين: تثنية إسوار، لغة في سوار. ففظعتهما: اشتد علي أمرهما. الذي قتله فيروز(3): ذلك أن الأسود العنسي ادعى النبوة، وكان معه شيطانان: سحيق وشقيق، مصغرين، يخبرانه بالوقائع، فأخبره شيطاناه بموت باذان(4)، عامل النبي - صلى الله عليه وسلم - بصنعاء، فخرج في قومه حتى ملك صنعاء، وتزوج المرزبانة، زوجة باذان، قهرا، فواعدت المرزبانة دادوية وفيروزا وغيرهما ليقتلوه، وكان على بابه ألف حارس، فنقبوا الجدار ودخلوا عليه، وقد سقته المرزبانة الخمر صرفا حتى سكر، فقتله فيروز واحتز رأسه، وأخرجوا المرأة وما أحبوا من المتاع، وأرسلوا الخبر إلى المدينة، فوافى ذلك موت النبي - صلى الله عليه وسلم -(5).
73- " قصة أهل نجران "
__________
(1) عبد الله بن عامر بن ربيعة بن مالك بن عامر العنزي.
أبوه من كبار الصحابة، فأما عبد الله الأصغر هذا فله رؤية، وأما الأكبر فقد توفي بالطائف.
انظر: الإصابة 4/138-139.
(2) الفتح 8/116.
(3) فيروز الديلمي، ويقال ابن الديلمي اليماني.
قال ابن سعد: هو من أبناء فارس الذين بعثهم كسرى إلى الحبشة.
وهو الذي قتل الأسود العنسي، وقد وفد على النببي صلى الله عليه وسلم.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 8/305، والتقريب رقم 5444.
(4) باذان، ويقال باذام أبو صالح، مولى أم هانئ بنت أبي طالب.
روى عن علي وابن عباس وأبي هريرة ومولاته أم هانئ.
وعنه الأعمش والسدي وأبو قلابة والثوري.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 1/416-417، والتقريب رقم 634.
(5) نقلا عن الفتح 8/117.(4/88)
…نجران(1) بلدة كبيرة على سبع مراحل من مكة، تشتمل على سبع وثلاثين قرية(2).
…4380- جاء السيد: اسمه الأيهم. والعاقب: اسمه عبد المسيح، وهما نصرانيان، وذكر ابن سعد أنهما رجعا بعد ذلك وأسلما(3). يلاعناه: أي يباهلاه بمعنى قوله تعالى: "فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ" إلى " ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ"(4).
…قال ابن سعد: (دعاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام، وتلا عليهم القرآن، فامتنعوا فقال: إن أنكرتم ما أقول، فهلم أباهلكم)(5)، قال ابن حجر: ( فيه مشروعية المباهلة، وقد دعا إليها ابن عباس والأوزاعي وجماعة من العلماء، وعرف بالتجربة أن من كان مبطلا وباهل، لاتمضي عليه سنة من يوم المباهلة، قال: ووقع لي ذلك مع شخص، وكان متعصبا لبعض الملاحدة، فلم يقم بعدها غير شهرين)(6).
…فقال أحدهما: هو السيد. من بعدنا: أبدا. نعطيك ما سألت: في رواية يونس: " أنه صالحهم على ألفي حلة، ألف في رجب، وألف في صفر، ومع كل حلة أوقية"(7).
74- " قصة عُمَان والبحرين":
…عمان بضم المهملة وتخفيف الميم، بلدة باليمن، والبحران بلد عبد القيس.
…4383- فأعطاني: أي في آخر الأمر، وقوله: " فلقيت" بيان لكيفية ذلك الإعطاء. وعن عمرو، أي ابن دينار، بالسند الأول. عن محمد: هو الباقر بن علي: هو زين العابدين. عدها: أي الحثية التي حثا أولا.
75- " قدوم الأشعريين"
هم قوم أبي موسى، وأهل اليمن: من عطف العام على الخاص، أو المراد أهل اليمن ما عدا الأشعريين /.
__________
(1) بلاد باليمن، انظر معجم البلدان 5/266.
(2) في الفتح 8/118: ( يشتمل على ثلاثة وسبعين قرية).
(3) نقلا عن الفتح 8/119.
(4) سورة آل عمران، الآية 61.
(5) من الفتح 8/118.
(6) فتح الباري 8/119.
(7) انظر الفتح 8/119.(4/89)
…وقال أبو موسى: وصله في الشركة. هم: أي الأشعريون. مني وأنا منهم: المراد به المبالغة في اتصال طريقها، واتفاقهما على الطاعة.
…4384- قمت: زمن خيبر. أنا وأخي: أبو بردة. وأمه: أم عبد(1). إلا من أهل البيت: أي بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -.
…4385- فاستحملناه: طلبنا منه أن يحملنا للذهاب معه لما قدم أبو موسى، يعني إلى الكوفة أميرا عليها زمن عثمان. أتينا النبي صلى الله عليه: أي عند خروجه لغزوة تبوك. إلا أتيت… إلخ: أي وكفرت عن يميني.
…4386- ناس من أهل اليمن: يعني غير أبي موسى وأصحابه، لأن مجيء أبي موسى كان سنة سبع، وقدوم بني تميم سنة تسع.
…4387- فأشار بيده إلى اليمن: أي إلى جهته، فيدل على أنه أراد أهل البلد، لا من ينسب إلى اليمن ولو كان من غير أهلها(2).
…4388- أتاكم أهل اليمن: هذا يرد قول من قال: المراد بقوله: " الإيمان يَمَان …إلخ": الأنصار، وغير ذلك من الأقوال، ويعين أن المراد به أهل اليمن، أي من يسكنه.
…وروى الطبراني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعيينة(3): أي الرجال خير؟ قال: رجال أهل نجد، قال: كذبت، بل هم أهل اليمن، الإيمان يمان -الحديث(4).
…4391- خَبَّاب: ابن الأَرَتّ. يا أبا عبد الرحمن: كنية ابن مسعود. فقال زيد بن حدير(5)
__________
(1) أم عبد بنت عبد ود بن سود بن قويم بن صاهلة الهذلية، أم عبد الله بن مسعود. روت حديث وتر النبي صلى الله عليه وسلم.
قال مصعب بن سعد: فرض عمر بن الخطاب للنساء المهاجرات في ألفين ألفين، منهن أم عبد.
ترجمتها في: الاستيعاب ص: 1946، والإصابة 8/256-257.
(2) نقلا عن الفتح 8/124.
(3) هو عينية بن حصن، وقد تقدمت ترجمته في شرح الحديث 4331.
(4) نقلا عن الفتح 8/125.
(5) زيد بن حدير الأسدي الكوفي.
له ذكر في المغازي من صحيح البخاري في حديث علقمة.
ولا تعرف عنه أخبار.
انظر: تهذيب التهذيب 3/405، والتقريب رقم 2126.(4/90)
: وهو من بني أسد بن خزيمة بن مدركة. أتأمر علقمة(1): وهو من النخع، قبيلة من اليمن. فقال: أي ابن مسعود. في قومك: بني أسد. وقومه: النخع، يشير لذم النبي - صلى الله عليه وسلم - لبني أسد في قوله - كما في المناقب - إن جهينة وكذا وكذا خير من بني أسد؛ وثنائه على النخع كما في مسند أحمد عن ابن مسعود: شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوا لهذا الحي من النخع، أو يثني عليهم، حتى تمنيت أني رجل منهم(2).
…إلا وهو: أي علقمة. وعليه خاتم من ذهب: لعله كان يرى أن النهي عن لبس الذهب للتنزيه، فنبهه ابن مسعود على أنه للتحريم، فرجع إلى قوله مسرعا. يلقى: يرمى به. فألقاه: رماه.
76- " قصة دوس والطفيل بن عمرو الدوسي" (3)
…قدم الطفيل على النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلما قبل إسلام أبي هريرة، فبعثه إلى قومه، وقال له: اجعل لي آية، فقال: اللهم نور له، فسطع نور بين عينيه، فقال: يارب أخاف أن يقولوا إنه مثلة، فتحول إلى طرف سوطه، فكان يضيء في الليلة المظلمة، ثم ذهب ودعا قومه إلى الإسلام، فأسلم أبوه، ولم تسلم أمه، وأجابه أبو هريرة وحده(4).
__________
(1) علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك، أبو شبل النخعي.
ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
أخذ القراءة عن ابن مسعود، وسمع من علي وعمر وأبي الدرداء وعائشة.
وعرض عليه عبيد بن نضلة وغيره.
مات سنة 62هـ.
ترجمته في: معرفة القراء الكبار رقم 14، وغاية النهاية 1/516.
(2) رواه أحمد والبزار بإسناد حسن عن ابن مسعود –الفتح 8/126-.
(3) الطفيل بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس الدوسي.
أسلم بمكة، وحضر عمرة القضاء وفتح مكة.
استشهد باجنادين، قاله موسى بن عقبة عن ابن شهاب.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 757، والإصابة 3/521-523.
(4) نقلا عن الفتح 8/128.(4/91)
…4393- لما قدمت: أي أردت القدوم. داره: هي أخص من الدار. وأبق... إلخ: لايغاير ما سبق في العتق من قوله: " فأضل أحدهما صاحبه"، لأن رواية "أبق" فسرت وجه الإضلال، وأن الذي أضل هو أبو هريرة، بخلاف غلامه فإنه أبق، ( ولم يعرف)(1) أبوهريرة مكانه، فلا يلتفت إلى إنكار ابن التين رواية " أبق"، قاله ابن حجر(2). طلع الغلام: رجح إلى سيده بعد إباقه ببركة إسلامه.
77- " وفد طَيِّء، وحديث عدي بن حاتم(3) "
الطائي، وحاتم هو الجواد المشهور الذي يضرب به المثل في الجود.
…4394- أتينا عمر: في خلافته. فجعل يدعو رجلا رجلا: قبل أن يدعو عديا. أسلمت…إلخ: يشير بذلك إلى وفائه بالإسلام ولوازمه، من أداء الزكاة وغيرها، بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه منع كل من أطاعه من الردة، وذلك مشهور عند أهل العلم بالفتوح(4) /.
…فلا أبالي إذا: أي إذا كنت تعرف قدري، فلا أبالي إذا قدمت علي غيري.
…78- " حجة الوداع":
…بفتح الحاء والواو، وكسرهما، أي ذكر حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي حجها من المدينة وسميت بالوداع لأنه ودع فيها الأحياء والأموات.
__________
(1) هذه العبارة ساقطة من الفتح 8/128، وقد أوقعت نقصا علق عليه المحقق بقوله: ( في العبارة غموض، أو سقط منها شيء)، فيضاف من هنا.
(2) في الفتح 8/128.
(3) عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس، أبو طريف الطائي.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر.
وعنه عمرو بن حريث وعبد الله بن معقل وعامر الشعبي.
حضر فتح المدائن، وشهد مع علي الجمل وصفين والنهروان.
عاش مائة وثمانين سنة، وتوفي سنة 68هـ.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1057، والإصابة 4/469، وتهذيب التهذيب 7/166.
(4) نقلا عن الفتح 8/129.(4/92)
…4395- خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه في حجة الوداع: يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة، ثم خرج ذو القعدة ناقصا، ودخل - صلى الله عليه وسلم - مكة يوم الأحد صبح رابع ذي الحجة، وبهذا تتفق الأخبار، قاله ابن حجر(1).
…4396- فقلت: أي لعطاء(2)، وقائله ابن جريح(3). قال: أي عطاء. بعد المعرف: أي الوقوف بعرفة.
…4397- ففلت رأسي: استخرجت ما فيه من الهوام.
…4400- شطرين: قال في المشارق: ( " سطرين" بالسين المهملة لجماعتهم، وعند الأصيلي: "شطرين" بالمعجمة، وهو تصحيف، والأول الصواب، أي صفين) هـ(4).
…وصوب العارف الفاسي رواية الإعجام أيضا بأن تعتبر الأعمدة المقدمة في شطر، والمؤخرة في شطر، لأن الشطر يطلق على الناحية والقسمة.
…قال: أي ابن عمر. مرمرة حمراء: " المرمر جنس من الرخام نفيس معروف، وكان ذلك في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم تغير بناء الكعبة بعده في زمن ابن الزبير، وقد أشكل دخول هذا الحديث في باب حجة الوداع، لأن فيه التصريح بأن القضية كانت عام الفتح"(5).
__________
(1) في الفتح 8/131.
(2) عطاء بن السائب بن مالك الثقفي، أبو السائب الكوفي.
روى عن أبيه وسعيد بن جبير.
وعنه أبو حنيفة والسفيانان والحمادان وشعبة. قال أحمد: ثقة رجل صالح.
توفي سنة 136هـ.
ترجمته في: طبقات ابن سعد 6/235، وشذرات الذهب 1/194، والعبر 1/184.
(3) عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح الأموي مولاهم، أبو الوليد وأبو خالد المكي، أحد الأعلام، روى عن أبيه ومجاهد وعطاء وطاووس والزهري، وعنه يحيى الأنصاري ويحيى القطان والسفيانان.
قال أحمد: أول من صنف الكتب ابن جريج وابن أبي عروبة. مات سنة 150 هـ.
ترجمته في: تذكرة الحفاظ 1/169، وتهذيب التهذيب 6/402، وطبقات الحفاظ ص: 74.
(4) مشارق الأنوار 2/214-215.
(5) نقلا عن الفتح 8/133.(4/93)
…4402- كنا نتحدث بحجة الوداع: " كأنه شيء ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - فتحدثوا به، وما فهموا أن المراد بالوداع وداع النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى وقعت وفاته بعدها بقليل فعرفوا ذلك"(1). فما خفي عليكم: أي ما كان خفيا عليكم من شأنه. فليس يخفى عليكم: الآن لاطلاعكم على أحواله. أن ربكم ليس على ما يخفى عليكم: من إثبات صفات التنزيه له. إن ربكم ليس بأعور: تعالى الله عن نسبة مالا يليق به إليه علوا كبيرا.
…فائدة: قال ابن العربي: ( لا نبتدئ نحن بنفي وصف عن الله تعالى لم يقل به قائل، ولا نسبه إليه مبطل) هـ.
…قال العارف: ( يعني لأن نفي النقص مع استحالته نقص لولا ادعاؤه، فنقتصر على نفي دعوى المبطل الكافر كالشريك والولد والصاحبة كما في سورة الإخلاص، وكما في البخاري: " إن الله ليس بأعور" في حديث الدجال المدعي الألوهية).
…إنه: أي الدجال. أعور: وكفى بذلك دليلا على كذبه في دعواه الألوهية.
…4403- لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض: أي لا تكن أفعالكم شبيهة بأفعال الكفار في ضرب رقاب المسلمين.
…4404- لم يحج بعدها: أي الحجة المذكورة، يعني ولا قبلها، أي بعدما هاجر إلى المدينة.…وبمكة أخرى: يوهم هذا أنه لم يحج قبل الهجرة إلا واحدة، وليس كذلك، بل حج قبل أن يهاجر مرارا، بل الذي لا يرتاب فيه أحد أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يترك الحج وهو بمكة قط، لأن قريشا في الجاهلية لم يكونوا يتركونه، فأحرى هو - صلى الله عليه وسلم -، وقد ثبت حديث جبير بن مطعم أنه رآه في الجاهلية واقفا بعرفة، وثبت دعاؤه قبائل العرب بمنى ثلاث سنين متوالية، قاله الحافظ(2).
…4406- عن (ابن)(3) أبي بكرة: هو عبد الرحمن(4)
__________
(1) نقلا عن الفح 8/134.
(2) في الفتح 8/135.
(3) زيادة لازمة من الفتح 8/136، لأن عبد الرحمن هو الابن لا الأب.
(4) عبد الرحمن بن أبي بكرة الثقفي.
ذكر البلاذري ما يقتضي أن له صحبة، وهو غلط كما قال ابن حجر، بل هو تابعي ولد بالبصرة سنة 14 هـ. مات سنة 96 هـ.
ترجمته في: الإصابة 5/226.(4/94)
. الزمان: أي أشهر السنة. قد استدار: بأن حولت الجاهلية أسامي الأشهر عن موضوعاتها الأصلية، وأدخلت فيها النسيء. كهيئته: أي وصار عند ظهور الإسلام كهيئته…إلخ، أي رجع إلى أصل وضعه، وانظر ما كتبناه في سورة براءة. ورجب مضر: أضيف إليهم لأنهم كانوا يبالغون في حرمته وتعظيمه، وأفادت هذه الإضافة التعريف، أي وتخلص رجب الحقيقي / من رجب الذي كانوا ينقلون إليه، قاله الزركشي(1).
…4407- ناسا من اليهود: فيهم كعب الأحبار.
…4409- رثى له: حزن لأجله.
…4413- العنق: نوع من السير، بين الإسراع والإبطاء. فجوة: متسعا. نص: أسرع.
79- " غزوة تبوك"
…قال الحافظ ابن حجر: ( هكذا أورد المص هذه الترجمة بعد حجة الوداع، وهو خطأ، وما أظن ذلك إلا من النساخ، فإن غزوة تبوك كانت في رجب سنة تسع قبل حجة الوداع بلا خلاف، وتبوك مكان معروف(2) بين المدينة ودمشق، يقال بينه وبين المدينة أربع عشرة مرحلة)(3).
__________
(1) في التنقيح ص: 177.
(2) موضع بين القرى والشام، انظر معجم البلدان 2/14.
(3) فتح الباري 8/139.(4/95)
…وهي غزوة العسرة: أخذ ذلك من قوله تعالى: " الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ"(1)، لأنها كانت في حر شديد وجهد جهيد، من قلة الظهر والنفقة والماء، وسببها أن نصارى العرب كتبوا إلى هرقل: إن هذا الرجل الذي خرج يدعي النبوة هلك، وأصابتهم سنون أهلكت أموالهم، فبعث رجلا من عظمائهم، وجهز معه أربعين ألفا، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فخرج إليهم في رجب فيما يزيد على الثلاثين ألفا كما جزم به ابن إسحاق(2)، زاد الواقدي: " معهم عشرة آلاف فرس، حتى وصل تبوك وأقام بها بضع عشر ليال"(3)، وقال الدمياطي: عشرين يوما، ولم يلق كيدا، أي حربا، وجاءه إليها وفد أدرح ووفد أيلة فصالحهم على الجزية، ثم قفل من تبوك ولم يجاوزها، وقدم المدينة في شهر رمضان.
…4415- الحملان: أي ما يحملهم عليه ويركبونه. وهو غضبان: وفي رواية: "جاءه نفر معسرون كلهم يستحملونه، لا يحبون التخلف عنه، فقال: لا أجد ما أحملكم عليه"(4).
…هذين القرينين: أي الناقتين المقرونة إحداهما بالأخرى، وحذف الراوي الثالثتين اختصارا. ابتاعهم: كذا بالأصل للكشميهني، ولغيره: " ابتاعهن"، قال ابن حجر: ( وهو الصواب وغيره تحريف، وكذا يقال فيما بعده)(5). من سعد: قال الحافظ: ( يهجس في خاطري أنه ابن عبادة) هـ.
…وفي باب قدوم الأشعريين: ( ثم لم ينشب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أتى بنهب إبل، فأمر لنا بخمس ذَوْد)(6).
__________
(1) سورة التوبة، الآية 117.
(2) انظر الفتح 8/139.
(3) في مغازي الواقدي 3/1002: (وكان الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين ألفا، ومن الخيل عشرة آلاف فرس)، وفي ص:1015 (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوكا وأقام بها عشرين ليلة).
(4) في رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب، انظر الفتح 8/140.
(5) فتح الباري 8/140.
(6) تقدم في الباب 75، الحديث 4385.(4/96)
…قال الزرقاني على المواهب: ( ولم ينبه الحافظ على الجمع بينهما، وقال الشامي: يحتمل أن يكون ما جاء من النهب أعطاه لسعد، ثم اشتراه منه لأجل الأشعريين، أو يحمل على التعدد) هـ، قلت: بل نبه الحافظ عليه في الكفارات، ونصه: وفي الجمع بينهما، أي بين رواية اشتراء الإبل من سعد وبين رواية الباب، أي التي فيها: " أتى فيها بنهب إبل"، عسر، لكن يحتمل أن تكون الغنيمة لما حصلت، حصل لسعد منها القدر المذكور، فابتاع النبي - صلى الله عليه وسلم - منه نصيبه فحملهم عليه، هـ من الفتح والإرشاد، ونحوه للكرماني(1).
…4416- واستخلف عليا: أي على المدينة وعلى عياله كما هو ظاهره، وهو الذي رجحه الحافظ ابن عبد البر وابن دحية والعراقي، وقطع به القسطلاني خلاف ما للدمياطي تبعا للواقدي، من أنه خلف محمد بن مسلمة على المدينة وعليا على أهله(2).
…بمنزلة هارون من موسى: روى الحاكم في الإكليل أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: يا علي اخلفني في أهلي، واضرب وخذ واعط، ثم دعا نساءه فقال: اسمعن لعلي وأطعن(3).
…4417- قال عطاء: بالسند السابق. إنسانا: هو يعلى(4) الراوي، وهو الذي عض الأجير كما في مسلم. تقضمها: تعضها. فحل: ذكر من الإبل.
__________
(1) انظر الإرشاد 6/502، والكواكب 16/216.
(2) في مغازي الواقدي 3/995: (استخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، ويقال محمد بن مسلمة).
(3) نقلا عن الفتح 8/141، وفيه: " وخذ وعظ".
(4) يعلى بن أمية بن أبي عبيدة بن همام بم الحارث بن بكر بن زيد بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمرو بن عنبسة.
وعنه أولاده صفوان ومحمد وعثمان وعبد الرحمن، وكذا عطاء ومجاهد.
شهد الطائف وحنينا وتبوك، وكان عامل عمر على نجران.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1584، والإصابة 6/685، وتهذيب التهذيب 11/399.(4/97)
…80- " حديث كعب بن مالك، وقول الله عز وجل: " وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا"(1)
أي عن التوبة عليهم، وهم كعب بن مالك وهلال بن أمية(2) ومرارة بن الربيع(3).
…4418- حين تخلف: أي زمن تخلفه. عن قصة… إلخ: متعلق بقوله: " يحدث". تواثقنا: أخذ بعضنا على بعض الميثاق. بها: بدلها. أذكر في الناس: أعظم ذكرا. ولا أيسر: مني. ورى بغيرها: أي أوهم غيرها، قال النووي: ينبغي للأمير أن يفعل ذلك، إلا إذا كان سفره بعيدا. جلى: أوضح. أهبة غزوهم: ما يحتاجون إليه فيه. كتاب حافظ: لكثرتهم جدا. يريد الديوان: أي لا يجمعهم ديوان مكتوب لكثرتهم، وقدمنا(4) عن ابن إسحاق أنهم يزيدون على الثلاثين ألفا، وقال/ أبو زرعة(5): كانوا سبعين ألفا، قال النووي: وجمع بينهما بأن أبا زرعة عد التابع والمتبوع، وابن إسحاق عد المتبوع فقط. الناس: فاعل. الجد: الجهد في الشيء والمبالغة فيه، وهو منصوب على نزع الخافض، أو نعت لمصدر محذوف، أي اشتد الاشتداد الجد. وتفارط: فات. مغموصا عليه: مطعونا عليه في دينه. فقال رجل: هو عبدالله بن أنيس(6)
__________
(1) سورة التوبة، الآية: 118.
(2) هلال بن أمية بن عامر بن قيس بن عبد الأعلم بن عامر بن كعب بن واقف الأنصاري.
شهد بدرا وما بعدها، وهو أحد الذين تيب عليهم.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1542، والإصابة 6/546-547.
(3) مرارة بن الربيع الأنصاري الأوسي، من بني عمرو بن عوف شهد بدرا، وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1382، والإصابة 6/65-66.
(4) في شرح الترجمة 79 ( غزوة تبوك).
(5) أبو زرعة محمد بن يوسف بن محمد بن الجنيد الجرجاني الرازي.
سمع أبا العباس الدغولي وابن أبي حاتم.
وأملى بالبصرة، وكان حافظا فاهما.
مات بمكة سنة 309هـ.
ترجمته في: تذكرة الحفاظ للسيوطي ص:396.
(6) عبد الله بن أنيس السلمي.
ذكر الواقدي أن الذي قال في حق كعب بن مالك: " حبسه برداه والنظر في عطفيه"، هو عبد الله بن أنيس.
كما ذكره فيمن استشهد بالبمامة.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 689، والإصابة 4/15.(4/98)
. برداه: ثوباه. ونظره في عطفه: جانبه، يشير إلى إعجابه بنفسه ولباسه، زاح: زال . فأجمعت صدقه(1): عزمت عليه لتيقني أنه لا ينجيني إلا الصدق. قادما: وكان قدومه - صلى الله عليه وسلم - في رمضان. ما خلفك؟ وفي رواية: " فأعرض عني فقلت: يا رسول الله لم تعرض عني، فوالله ما نافقت ولا ارتبت ولا بدلت، قال: فما خلفك؟" (2). ظهرك: مركوبك. جدلا: فصاحة وقوة في الكلام، وكان شاعرا. تجد: تغضب. وثار: نهض.كافيك ذنبك: منصوب على نزع الخافض. استغفار: فاعل. يؤنبني: يلوموني ويقولون لي إنك شاعر فصيح، فأقول: ما كنت لأجمع أمرين، التخلف والكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(3). فيهما أسوة: قدوة. ونهى النبي صلى الله عليه عن كلامنا(4): فيه جواز الهجر أكثر من ثلاث لمن كان هجره شرعيا.
…قال ابن بطال: ( إنما اشتد الغضب على من تخلف، وإن كان الجهاد فرض كفاية، لأنه في حق الأنصار خاصة فرض عين، لأنهم بايعوا على ذلك، ومصداقه قولهم:
نحن الذين بايعوا محمدا - على الجهاد ما بقينا أبدا،
فكان تخلفهم عن هذه الغزوة كبيرة، لأنها كالنكث لبيعتهم) هـ، نقله السهيلي في الروض(5)، وقال: ( لا أعرف لهذه المسألة وجها غير الذي قاله ابن بطال)(6)
__________
(1) في رواية ابن أبي شيبة: " وعرفت أنه لا ينجيني منه إلا الصدق"، انظر الفتح 8/149.
(2) عند ابن عائذ في المغازي، كما في الفتح 8/150.
(3) كما في رواية ابن عائذ: " فقال كعب: ما كنت لأجمع أمرين: أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكذبه، فقالوا: إنك شاعر جريء، فقال: أما على الكذب فلا"، انظر الفتح 8/150.
(4) في القصة زيادة في رواية معمر، وهي: " وتنكرت لنا الحيطان حتى ما هي بالحيطان التي نعرف، وتنكر لنا الناس حتى ماهم الذين نعرف"، انظر الفتح 8/151.
(5) الروض الأنف 4/198.
(6) كل ذلك في الفتح 8/156.
وعقب عليه ابن حجر بقوله: ( قلت: وقد ذكرت وجها غير الذي ذكره، ولعله أقعد، ويؤيده قوله تعالى: " ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الاعراب أن يتخلفوا عن رسول الله" الآية)، ومقصود الحافظ أنهم تركوا الواجب عليهم من غير عذر.(4/99)
.
…هل حرك شفتيه... إلخ: لأنه لم يدم النظر إليه من الحياء والخجل(1). فأسارقه: أنظر إليه في خفية. تسورت جدار ... إلخ: أي علوت سور داره ودخلتها. الله ورسوله أعلم: ليس في هذا تكليم لكعب، لأنه لم ينو به كلامه. نبطي(2): فلاح، وكان نصرانيا. من ملك غسان: هو جبلة بن الأيهم. مضيعة: حيث يضيع حقك وتهجر. نواسيك: من المواساة، وهي العطية. وهذا أيضا من البلاء: زاد في رواية: " وقلت إنا لله، قد طمع في أهل الكفر"(3). فتيممت: قصدت. بها: أي الصحيفة. التنور: الذي يخبز فيه. فسجرته: أوقدته.
رسول: " قال الواقدي: إنه خزيمة بن ثابت(4)، قال: وهو الرسول إلى هلال ومرارة"(5). امرأتك: هي عميرة بنت جبير (6).
…امرأة هلال: خولة بنت عاصم(7). بل اعتزلها ولا تقربها: قال ابن بطال: قال سحنون(8)
__________
(1) مثله في فتح الباري 8/151.
(2) نسبة إلى استنباط الماء واستخراجه، انظر الفتح 8/152.
(3) هذه الزيادة عند ابن أبي شيبة، ونحوها لابن مردويه، انظر الفتح 8/152.
(4) خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة بن عامر بن غيان الأنصاري الأوسي. شهد بدرا، وقيل أول مشاهده أحد، وكانت الراية بيده يوم الفتح قتل مع علي بصفين.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 448، والإصابة 2/278-279.
(5) نقلا عن الفتح 8/152-153.
(6) عميرة بنت جبير بن صخر بن أمية بن خنساء بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة السلمية.
تزوجها كعب بن مالك، فولدت له عبد الله وفضالة ووهبا ومعبدا وخولة وسعاد.
بايعت عميرة وصلت إلى القبلتين.
ترجمتها في: الإصابة 8/36.
(7) خولة بنت عاصم امرأة هلال بن أمية، وهي التي قذفها، ففرق بينهما النبي صلى الله عليه وسلم. لها ذكر، ولا يعرف لها رواية.
ترجمتها في: الإصابة 7/623.
(8) أبو سعيد عبد السلام بن سعيد التنوخي، الملقب بسحنون نسبة إلى طائر حاد الذهن والذكاء، قرأ على ابن القاسم وابن وهب وأشهب.
صنف المدونة في مذهب مالك، وأصلها مدونة أسد بن الفرات لجوابات ابن القاسم في الفقه، وقد كان ابن الفرات دونها بالعراق ثم قدم بها القيروان حيث كتبها عنه سحنون، توفي سنة 240 هـ.
ترجمته في: الديباج المذهب 2/30، وترتيب المدارك 2/585، والعبر 1/432، ووفيات الأعيان 3/180.(4/100)
: (من سجن في دين امرأته أو غيرها، فليس له أن تدخل عليه) هـ، نقله ابن غازي في الأحكام. فقال لي بعض أهلي: قال الحافظ: (لم أعرفه، ويستشكل لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كلامهم، ويجاب باحتمال أنه بعض ولده، أو من النساء، أو من الخدم، ولم يدخل الكل في النهي) هـ(1)، ونحوه للدماميني(2). بما رحبت: أي برحبها، أي مع سعتها. صارخ: هو أبو بكر الصديق، قاله الواقدي، كما نقله ابن حجر والعيني(3) وغيرهما. أوفى: أشرف. فخررت ساجدا: أبكي فرحا بالتوبة حين صلى صلاة الفجر: في رواية معمر: "فأنزل الله توبتنا على نبيه حين بقي الثلث الآخر من الليل، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند أم سلمة، وكانت أم سلمة محسنة في شأني، معنية بأمري، فقال: يا أم سلمة تيب على كعب، قالت: أفلا أرسل إليه فأبشره؟ قال: إذا يحطمكم الناس فيمنعوكم النوم سائر الليل /، حتى إذا صلى آذن بتوبة الله علينا"(4). وركض رجل: هو الزبير بن العوام. وسعى ساع: هو حمزة بن عمرو الأسلمي(5). الذي سمعت صوته: هو حمزة، هذا الذي لابن حجر هنا، والعيني والسيوطي والقسطلاني(6)، تبعا للواقدي، والذي لابن حجر والعيني وزكريا والقسطلاني في باب ما يعطى البشير من الجهاد، أن البشير الذي أعطاه كعب ثوبيه هو سلمة بن الأكوع، فانظر ذلك(7).
قلت: ولم يتحرر لي هذا المقام على ما ينبغي، لأنهم ذكروا أن الصارخ هو أبو بكر، ولم أر من ذكر أنه الذي أعطاه الثوبين، فتأمله.
__________
(1) الفتح 8/153.
(2) في تعليق المصابيح ص: 489.
(3) انظر الفتح 8/153-154، والعمدة 18/54.
(4) نقلا عن الفتح 8/153.
(5) حمزة بن عمرو أو عمر الأسلمي.
وهو راوي حديث: ( كل بيمينك، واذكر اسم الله).
ترجمته في: الاستيعاب ص: 375، والإصابة 2/123-124.
(6) انظر الفتح 8/153، والعمدة 18/54 ، والتوشيح ص: 396، والإرشاد 6/509 .
(7) انظر العمدة 15/10 ، والإرشاد 5/207 .(4/101)
…غيرهما: من الثياب. واستعرت ثوبين: " قال الواقدي: من أبي قتادة"(1). فوجا فوجا: جماعة جماعة. فقام طلحة(2)…إلخ: فيه جواز القيام للتهنئة وإدخال السرور. فلما سلمت...إلخ: وعند ابن مردويه(3) من وجه آخر عن كعب قال: لما نزلت توبتي أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقبلت يده وركبته. بخير يوم... إلخ: استشكل هذا بيوم إسلامه فإنه خير أيامه، وأجيب بأن يوم توبته مكمل لإيمانه، فيوم إسلامه بداية سعادته، ويوم توبته مكمل لها، فهو خير من جميع أيامه، وإن كان يوم إسلامه خيرها، فيوم توبته المضاف إلى إسلامه خير من يوم إسلامه المجرد عنها، قاله ابن حجر(4).
…بل من عند الله: زاد في رواية: " إنكم صدقتم الله فصدقكم"(5). كأنه قطعة قمر: إنما شهد بقطعة منه، لا بكله، لأن القصد الإشارة إلى موضع الاستنارة وهو الجبين، وفيه يظهر السرور، فكأن التشبيه وقع لبعض الوجه، فناسب أن يشبه ببعض القمر، قاله ابن حجر(6)، وقدمنا في باب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - توجيها آخر فانظره.
__________
(1) نقلا عن الفتح 8/154.
(2) هو طلحة بن عبيد الله، وتقدم في شرح الباب 30 من المناقب.
(3) أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك بن موسى بن جعفر، أبوبكر الأصبهاني.
محدث حافظ مفسر. له: التفسير الكبير، والمستخرج على صحيح البخاري. توفي عام 410هـ.
ترجمته في: شذرات الذهب 3/190، وتذكرة الحفاظ 3/238.
(4) في الفتح 8/154.
(5) عند ابن أبي شيبة، انظر الفتح 8/154.
(6) في الفتح 8/155.(4/102)
…إن من توبتي: أي من شكرها. أنخلع: أخرج. صدقة: أي متصدقا به، فهو مصدر في موضع الحال، قال القاضي عياض: فيه الشكر على النعم بالعمل الصالح والصدقة، قال تعالى: " لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ" (1). بعض مالك: فيه دلالة على كراهة الصدقة بكل المال، قاله القاضي، قال النووي: ولا يعارضه قبول ذلك من أبي بكر، لأنه علم صبره، وفي رواية: " يجزئ عنك الثلث". أبلاه الله: أنعم عليه. أن لا أكون: "لا" زائدة، قاله القاضي(2). وكنا نخلفنا...إلخ: حاصله أن كعبا فسر قوله تعالى: " وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا "(3) بمعنى أخروا حتى تاب الله عليهم، لا أن المراد أنهم خلفوا عن الغزو(4). وأرجأ: أخر.
81- " نزول النبي صلى الله عليه الحِجْر":
…أي عند توجهه لتبوك، والحِجْر منازل ثمود بين المدينة والشام.
4419- أن يصيبكم: مفعول له، أي كراهة أن يصيبكم. أجاز الوادي: أي قطعة.
4420- لأصحاب الحجر: اللام بمعنى عن، وحذف المقول لهم ليعم كل سامع، والتقدير قال لأمته عن أصحاب الحجر وهم ثمود(5).
82- " باب":
…هو كالفصل مما قبله، لأن أحاديثه تتعلق ببقية قصة تبوك(6).
__________
(1) سورة إبراهيم ، الآية 7 .
(2) عند الإمام أحمد في قصة أبي لبابة، انظر الفتح 8/155.
(3) سورة التوبة، الآية: 118.
(4) نقله عن الفتح 8/155، وزاد الحافظ: ( وفي تفسير عبد الرزاق عن معمر عمن سمع عكرمة في قوله تعالى: " وعلى الثلاثة الذين خلفوا" قال: خلفوا عن التوبة، ولابن جرير من طريق قتادة نحوه، قال ابن جرير : فمعنى الكلام لقد تاب الله على الذين أخرت توبتهم).
(5) مثله في الفتح 8/158، وهو واضح لا خفاء به، بخلاف ما ذهب إليه الكرماني من أن أصحاب الحجر هم الصحابة، وأضيفوا إليه لعبورهم عليه، وهو تعسف كما قال ابن حجر.
(6) نقلا عن الفتح 8/159.(4/103)
…4421- ثم مسح علىخفيه: زاد مسلم: " قال المغيرة(1): فأقبلت حتى نجد الناس قد قدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم، فأدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - الركعة الأخيرة، فلما سلم عبدالرحمن، قام النبي - صلى الله عليه وسلم - يتم صلاته، فأفزع ذلك الناس"، وفي رواية له: " قال المغيرة: فأردت تأخير عبد الرحمن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: دعه"(2).
83- " كتاب النبي صلى الله عليه إلى كسرى ":
أي مكاتبته إياه، وهو ابن برويز(3) بن هرمز، الكبير المشهور، وقيصر: هو هرقل.
…قال الداودي: كاتب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الملوك ستة: هرقل وكسرى والنجاشي والمقوقس، وملك غسان هوذة بن علي، والمنذر بن ساوى هـ، نقله السفاقسي في الفصيح.
__________
(1) المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد الثقفي.
أسلم قبل عمرة الحديبية، وشهدها وبيعة الرضوان.
وشهد اليمامة وفتوح الشام والعراق، وكان من دهاة العرب. ولي الكوفة، ومات بها سنة 50 هـ.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1445، والإصابة 6/197 ( 200.
(2) نقلا عن الفتح 8/159.
(3) في المخطوطة: " ابن ابريوز" وهو تحريف، والتصحيح من الفتح 8/160.(4/104)
…أما لفظ كتابه - صلى الله عليه وسلم - لقيصر، فهو مذكور في أول هذا الجامع(1)، وأما كتابه لكسرى فنصه على ما ذكره الواقدي، وابن إسحاق: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى/ وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، أدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، أسلم تسلم ، فإن أبيت فعليك إثم المجوس، حكاه العيني(2)، ووجدت نحوه في كتاب الإعجاز(3) للقاضي أبي بكر الباقلاني، وقال بعده ما نصه: كتابه - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي ملك الحبشة:من محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي ملك الحبشة، مسلم أنت، فإني أحمد إليك الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته، ألقاها إلى مريم البتول الطيبة، فحملت بعيسى، فخلقه من روحه ونفخه، كما خلق آدم بيده ونفخه، وإني أدعوك إلى الله وحده لاشريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني، وإني أدعوك وجنودك إلى الله تعالى، قد بلغت ونصحت، فاقبلوا نصحي، والسلام على من اتبع الهدى،هـ منه.
__________
(1) في علامات النبوة.
(2) في عمدة القاري 18/58.
(3) إعجاز القرآن ص: 134.(4/105)
…4424- عظيم البحرين: هو المنذر بن ساوى. فلما قرأ: كذا للأكثر بحذف المفعول. فحسبت: قائله الزهري. فدعا عليهم: على كسرى وجنوده، فسلط الله عليه ولده شيرويه، فقتله بعد ما قتل جميع إخوته ليستبد بالملك، ولما شعر أبوه بأنه أراد قتله، احتال هو في قتل ولده أيضا، فأخذ حقا وجعل فيه سما، وكتب عليه حق الجماع، من تناول منه كذا جامع كذا، وجعله في بعض خزائنه، فوجده شيرويه بعدما قتل أباه، فتناول منه فمات بعد أبيه بستة أشهر، ثم تولى الملك منهم أربعة عشر ملكا وهلكوا في سنة واحدة، ومزق الله ملكهم كل ممزق، حتى ولوا أمرهم امرأة (1).
…4425- أيام الجمل: ظرف لنفع لا للسماع، لأن سماعها وقع قبل ذلك، ونفعه الله بها أيام الجمل، وهي المقاتلة التي وقعت بين علي وعائشة رضي الله عنهما. بنت كسرى: هي بوران بنت شيرويه(2).
…4427- مقدمة من غزوة تبوك: ابن حجر: " في إيراد هذا الحديث هنا إشارة إلى أن إرسال الكتب إلى الملوك كان في سنة غزوة تبوك"(3)، وهي سنة تسع.
84- " باب مرض النبي صلى الله عليه ووفاته،
وقوله عز وجل: "إِنَّكَ مَيِّتٌ": أي ستموت، "وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ" الآية (4)
__________
(1) القصة في الفتح 8/162.
(2) كذلك في الفتح 8/162.
(3) فتح الباري 8/163.
(4) سورة الزمر، الآية 30.(4/106)
…كان ابتداء مرضه - صلى الله عليه وسلم - بالصداع والحمى في بيت ميمونة على المعتمد(1) يوم الاثنين، وقيل السبت، وقيل الأربعاء، والأكثر على أنه أقام مريضا ثلاثة عشر يوما، وقيل أربعة عشر، وقيل اثني عشر، وقيل عشرة، وتوفي - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين في ربيع الأول إجماعا(2)، في السنة الحادية عشرة من الهجرة في الثاني عشر منه عند الجمهور، قال الإمام السهيلي: " وهو مشكل لعدم ملاءمته لحجة الوداع التي وقعت يوم الجمعة إجماعا، سواء جعلت الأشهر كلها كوامل، أو كلها نواقص، أو بعضها كاملا وبعضها ناقصا، وهو إشكال ظاهر متجه، وجواب البارزي(3) عنه قال ابن حجر: (بعيد)(4)، وجزم سليمان التيمي(5)
__________
(1) هو المعتمد كذلك عند ابن حجر في الفتح 8/163، وزاد: ( ووقع في السيرة لأبي معشر: في بيت زينب بنت جحش، وفي السيرة لسليمان التيمي: في بيت ريحانة).
(2) وقع الإجماع حول يوم الاثنين، أما الشهر ففيه خلاف، ففي حديث ابن مسعود عند البزار: في حادي عشر رمضان، انظر الفتح 8/163.
(3) محمد بن هبة الله بن عبد الرحيم البارزي، شمس الدين.
فقيه مشهور، له شرح الرعاية في الفروع. توفي سنة 738هـ.
ترجمته في: كشف الظنون 908، ومعجم المؤلفين 12/90.
(4) قال الحافظ في الفتح 8/164: ( وأجاب البارزي ثم ابن كثير باحتمال وقوع الأشهر الثلاثة كوامل، وكان أهل مكة والمدينة اختلفوا في رؤية هلال ذي الحجة، فرآه أهل مكة ليلة الخميس ولم يره أهل المدينة إلا ليلة الجمعة، فحصلت الوقفة برؤية أهل مكة، ثم رجعوا إلى المدينة فأرخوا برؤية أهلها، فكان أول ذي الحجة الجمعة وآخره السبت، وأول المحرم الأحد وآخره الاثنين، وأول صفر الثلاثاء وآخره الأربعاء، وأول ربيع الأول الخميس، فيكون ثاني عشره الاثنين، وهذا الجواب بعيد من حيث أنه يلزم توالي أربعة أشهر كوامل).
(5) سليمان بن طرخان التيمي، أبو المعتمد البصري.
ثقة عابد، نزل في التيم فنسب إليهم. أخرج له في الصحيح والسنن.
ترجمته في: التقريب رقم 2575.(4/107)
وابن الكلبي(1) وأبو مِخْنَف بأنه - صلى الله عليه وسلم - توفي في ثاني ربيع الأول، ويلزم عليه أن تكون الأشهر الثلاثة قبله كلها نواقص،وعند موسى بن عقبة والليث(2)والخوارزمي وابن زبر(3) أنه - صلى الله عليه وسلم - توفي في أول ربيع الأول". قال السهيلي: (وهذا أقرب في القياس مما لابن الكلبي وأبي مخنف)، وكذا في روضه(4) بلفظه، ونحوه في الفتح(5) عنه، ونقل السيوطي(6) والزرقاني عنه خلاف ذلك غلط، وقال ابن حجر: (المعتمد ما قال أبو مخنف إنه توفي في ثاني ربيع الأول، وكأن سبب غلط غيره أنهم قالوا مات في ثاني ربيع الأول، فغيرت فصارت ثاني عشر)(7).
__________
(1) هشام بن محمد بن السائب بن بشر بن عمرو الكلبي الكوفي، أبو المنذر.
إخباري عالم بالأنساب.
روى عن أبيه وعن مجاهد بن سعيد.
له: جمهرة الأنساب، والأصنام، وأسواق العرب. توفي بالكوفة عام 204هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد 14/45، وفيات الأعيان 2/258، وشذرات الذهب 2/13.
(2) الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، أبو الحارث المصري.
أحد الأعلام، روى عن الزهري وعطاء ونافع وبكير بن الأشج.
وعنه كاتبه أبو صالح وابن المبارك وقتيبة.
مات سنة 175هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد 13/3، وتذكرة الحفاظ 1/224، وشذرات الذهب 1/285، وغاية النهاية 2/34.
(3) عبد الله بن أحمد بن ربيعة بن سليمان بن زبر البغدادي، أبو محمد.
محدث فقيه عارف بالسير والأخبار.
ولي قضاء دمشق.
له: سيرة الدولتين، وأخبار الأصمعي. توفي سنة 329هـ.
ترجمته في: لسان الميزان 3/253.
(4) الروض الأنف 4/270.
(5) الفتح 8/164.
(6) في التوشيح ص: 397.
(7) فتح الباري 8/164.(4/108)
" وجزم موسى بن عقبة نقلا عن الزهري، وأبو الأسود عن عروة، أنه - صلى الله عليه وسلم - توفي حين زاغت الشمس(1)، وما في الصحيح(2) عن أنس من أنه توفي من آخر ذلك اليوم، أي يوم الاثنين، معناه في أول النصف الثاني من النهار، وذلك عند الزوال، ودفن - صلى الله عليه وسلم - ليلة الأربعاء على المشهور عند الجمهور.
…قال أبو عمر في الاستيعاب: ( ذكر ابن إسحاق عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما علمنا بدفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ليلة الأربعاء، وصلى عليه علي والعباس وبنو هاشم، ثم خرجوا، ثم دخل المهاجرون، ثم الأنصار، ثم الناس يصلون، وأكثر الناس الكلام فيمن دخل قبره - صلى الله عليه وسلم - /، وأصح ذلك أنه نزل في قبره العباس عمه، وعلي، وقُثَم(3) والفضل(4) ابنا العباس، ويقال كان أوس بن خَْولَى(5)
__________
(1) في الفتح 8/181.
(2) حديث رقم 4448 ( انظر الفتح 8/181).
(3) قثم بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي.
كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن حبان: خرج مع سعيد بن عثمان بن عفان إلى سمرقند فاستشهد هناك.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1304، والإصابة 5/420-421.
(4) الفضل بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم كان أسن ولد العباس، وغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحنينا، وشهد حجة الوداع. مات في خلافة أبي بكر.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1269، والإصابة 5/375-376.
(5) أوس بن خولي بن عبد الله بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج الأنصاري الخزرجي.
كان ممن غسل النبي صلى الله عليه وسلم يوم وفاته.
وذكر المدائني أن النبي صلى الله عليه وسلم خلفه في عمرة القضاء بدي طوى ليقطع كيدا إن كادته قريش.
كما ذكر الزهري أنه ممن توجه لقتل ابن أبي الحقيق.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 117، والإصابة 1/152 ( 154.(4/109)
وأسامة بن زيد معهم، وكان آخرهم خروجا من القبر قُثَم، فهو آخر الناس عهدا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ذكر ذلك ابن عباس وغيره، وهو الصحيح، وألحد له في قبره - صلى الله عليه وسلم -، وبني فيه اللبن، يقال تسع لبنات، وطرح في قبره شملة قطيفة كان يلبسها، فلما فرغوا من وضع اللبن أخرجوها وهالوا التراب على لحده، وجعل قبره مسطوحا، ورش عليه الماء رشا) هـ(1).
…وقال القاضي في الإكمال: ( ذكر مسلم تكفين النبي - صلى الله عليه وسلم - وإقباره، ولم يذكر غسله، ولا خلاف أنه غسل، ولا حديث. الصلاة عليه: وقد اختلف في ذلك، فقيل لم يصل عليه جملة، وقيل بل صلي عليه أفذاذا وفوجا بعد فوج، الرجال ثم النساء ثم الصبيان، ولم يدفن إلا في ليلة الأربعاء، لأن الناس اشتغلوا بالخلافة، ثم بتجهيزه، ثم باستيعاب الصلاة عليه، وهذا أولى الوجوه بالصواب، والصحيح الذي عليه الجمهور أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت صلاة حقيقة، لا مجرد الدعاء فقط) هـ.
…4429- يقرأ في المغرب: أي ببيته كما في النسائي، وما للترمذي من قولها: خرج إلينا وهو عاصب برأسه(2) محمول على أنه خرج من المحل الذي كان نائما فيه.
…ثم ما صلى لنا بعدها …إلخ: زادت لفظ " لنا" لإفادة أنها ليست آخر صلاته مطلقا، فلا يخالف ما صححه غير واحد أن آخر صلاة صلاها - صلى الله عليه وسلم - خلف أبي بكر، قال البيهقي: هي الصبح من يوم الاثنين، وهي آخر صلاته - صلى الله عليه وسلم -.
…4430- من حيث تعلم: من فضيلته ووفور علمه.
__________
(1) الاستيعاب ص: 47-48.
(2) جامع الترمذي، المواقيت 13.(4/110)
…4428-(1) أجد ألم الطعام: أي أحس بالألم في جوفي بسبب الطعام. الذي أكلت بخيبير: من الشاة المسمومة، أي جعلته بفمي وإن لم أسغه. أبهري: الأبهر عرق متصل بالقلب، إذا انقطع مات صاحبه، فمات - صلى الله عليه وسلم - شهيدا، وكان مضى لأكله ما ذكر ثلاث سنين(2).
…4439- (3) نفث: ثفل بغير ريق. بالمعوذات: سورتي الفلق والناس، وجمعا باعتبار الكلمات، أو المراد هما والإخلاص، وهو المعتمد(4). بيده: في رواية معمر: " بيد نفسه"(5) لبركتها.
…4431-يوم الخميس: مبتدأ خبره محذوف، أي له شأن عظيم، يدل له قوله: " وما يوم الخميس"، ( لأن هذا التركيب يستعمل عند إرادة تفخيم الأمر والتعجب منه، زاد في الجهاد: " ثم بكى حتى خضب دمعه الحصى")(6). فتنازعوا: هل يكتب أولا يكتب.
__________
(1) هذا الحديث ترقيمه متأخر، انظر الفتح 8/165.
(2) نقلا عن الفتح 8/166.
(3) هكذا ترقيمه في الفتح 8/166.
(4) من كلام الحافظ في الفتح 8/166.
(5) في الفتح 8/166.
(6) ما بين قوسين في الفتح 8/167.(4/111)
…أهجر: بهمزة الاستفهام مبنيا للمفعول أو الفاعل، أي أقال هجرا، وهو ما يقع من كلام المريض غير منتظم، وذلك محال عليه - صلى الله عليه وسلم -، فكان هذا القول وقع من بعض من قرب دخوله في الإسلام، ظنا منه جواز ذلك عليه، أو هو استفهام إنكاري بمعنى النفي، أي أن ذلك لا يقع منه(1). فالذي أنا فيه: من المشاهدة والتأهب للقاء الله. خير مما تدعوني إليه: من شأن الكتابة. وأوصاهم: في تلك الحالة، وهذا يدل على أن الذي أراد أن يكتبه لم يكن أمرا متحتما، وإلا لما تركه. جزيرة العرب: مكة والمدينة واليمن. وأجيزوا الوفد: أعطوهم. بنحو…إلخ: وكانت جائزة الواحد منهم على عهده - صلى الله عليه وسلم - أوقية من فضة، وهي أربعون درهما(2). وسكت: أي سعيد(3). عن الثالثة: ( قال الداودي وابن التين: هي الوصية بالقرآن، وقال المهلب(4)
__________
(1) تكلم القاضي عياض على هذا الموضع وأطال، ولخصه القرطبي تلخيصا حسنا، ثم لخصه الحافظ ابن حجر في الفتح 8/168، واستخلص من ذلك ثلاثة احتمالات، وظهر له ترجيح ثالثها، وهو الاحتمال الذي اختاره الشبيهي هنا، وقد أحسن وأجاد، فذلك أكثر توقيرا للمصطفى صلى الله عليه وسلم.
(2) نقلا عن الفتح 8/170.
(3) قال الحافظ في الفتح 8/170: ( يحتمل أن يكون القائل لذلك هو سعيد بن جبير، ثم وجدت عند الإسماعيلي التصريح بأن قائل ذلك هو ابن عيينة، وفي مسند الحميدي، ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج قال سفيان: قال سليمان أي ابن أبي مسلم: لا أدري أذكر سعيد بن جبير الثالثة فنسيتها أو سكت عنها، هذا هو الأرجح).
وسعيد هو ابن جبير بن هشام الأسدي الكوفي.
قتله الحجاج في شعبان عام 92هـ، وهو ابن تسع وأربعين سنة.
ترجمته في: طبقات ابن سعد 6/178، وتذكرة الحفاظ 1/76، وحلية الأولياء 4/272، وغاية النهاية 1/305.
(4) المهلب بن أحمد بن أسيد الأسدي التميمي، أبو القاسم بن أبي صفرة.
فقيه محدث من أهل ألمرية. سمع بقرطبة من أبي محمد الأصيلي، وسمع بالمشرق من أبي ذر الهروي وعلي بن فهد.
له: شرح الجامع الصحيح للبخاري. توفي سنة 435هـ.
ترجمته في: الصلة 567، والديباج المذهب 545.(4/112)
وابن بطال: بل تنفيذ جيش أسامة /، وقال القاضي عياض: هي قوله: " الصلاة وما ملكت أيمانكم"، أو: " لا تتخذوا قبري وثنا يعبد" فإنها ثبتت في الموطأ(1) )(2).
…4432- فقال بعضهم: هو عمر، حيث فهم أن الأمر ليس متحتما. فاختلف أهل البيت: أي من كان في البيت حينئذ من الصحابة، قال النووي: اتفق العلماء على أن قول عمر: " حسبنا كتاب الله" من قوة فهمه ودقيق نظره، لأنه خشي أن تكتب أمور ربما عجزوا عنها، فاستحقوا العقوبة، وفي تركه - صلى الله عليه وسلم - الإنكار على عمر إشارة إلى تصويب رأيه"(3)، ولا يعارض هذا قول ابن عباس(4).
…إن الرزية كل الرزية ... إلخ : أي المصيبة كل المصيبة. ما حال... إلخ: لأن عمر كان أفقه من ابن عباس قطعا، سيما وقد صوب رأيه.
…4433، 4434- أني أول أهله أتبعه(5): أي يموت، فكان كما قال - صلى الله عليه وسلم -، فقد اتفقوا على أن فاطمة عليها السلام كانت أول من مات من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده حتى من أزواجه، قاله ابن حجر(6).
…4435- بحة: هي شيء يعرض في الحلق يتغير له الصوت فيغلظ. خير: أي فاختار الموت(7)، قال العلماء: التخيير خاص بالأنبياء، ورؤية المقعد قد يكون لبعض الأولياء.
__________
(1) موطأ مالك، ح414.
(2) نقلا عن الفتح 8/170.
(3) نقلا عن الفتح 8/169.
(4) من كلام الحافظ في الفتح 8/169، وزاد: ( لأن عمر كان أفقه منه قطعا).
(5) في الفتح 8/171: " يتبعه"، وهو أنسب.
(6) في الفتح 8/172.
(7) عند أحمد من حديث أبي مويهبة قال: " قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أوتيت مفاتيح خزائن الأرض والخلد ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة فاخترت لقاء ربي والجنة"، انظر الفتح 8/173.(4/113)
…4437- وحضره القبض: أي الموت. في الرفيق الأعلى(1): أي الملائكة، أي اجعلني فيهم .
…4438- سواك: من جريد. يستن به: يستاك. فأبده: أي مد بصره إليه.
…فقضمته: بالمعجمة، أي مضغته. وطيبته: غسلته بالماء. فرغ رسول الله صلى الله عليه: من السواك. ثم قضى: أي مات صلوات الله وسلامه عليه، وفي مسند أحمد عنها قالت: " فلما خرجت نفسه، لم أجد قط ريحا أطيب منها"(2). بين حاقنتي وذاقنتي: الحاقنة هي النقرة بين الترقوة وحبل العاتق، وقيل ما دون الترقوة من الصدر، والذاقنة هي ما يناله الذقن من الصدر، والمراد أنه - صلى الله عليه وسلم - مات وهو متكئ عليها، ورأسه الشريف بين حلقها وصدرها، وهذا هو المراد من قولها أيضا: " مات بين سحري ونحري"، وليس فيه مغايرة لقولها أيضا: " إنه مات ورأسه على فخذي"، لأنه محمول على أنها رفعته عن فخذها إلى صدرها، قاله ابن حجر(3).
…4442- استأذن أزواجه …إلخ: " ذكر ابن سعد عن الزهري أن فاطمة هي التي خاطبتهن بذلك، فقالت لهن: إنه يشق عليه الاختلاف"(4). فأذن له: ودخل بيتها يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين الذي بعده.
…قال في الإكمال: ( لم يكن القسم واجبا عليه - صلى الله عليه وسلم -، ولكن لحسن عشرته التزمه تطييبا لنفوس أزواجه، وليقتدي به من يجب عليه، واختلف في ذي الزوجات يمرض ولا يقدر أن يدور، فقيل يختار، وقيل يقرع ).
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر في الفتح 8/174: ( قال السهيلي: وجدت في بعض كتب الواقدي أن أول كلمة تكلم بها صلى الله عليه وسلم وهو مسترضع عند حليمة: " الله أكبر"، وآخر كلمة تكلم بها كما في حديث عائشة: " في الرفيق الأعلى").
(2) مسند أحمد 6/122.
(3) في الفتح 8/176.
(4) الطبقات الكبرى 2/232، وقد نقله الحافظ في الفتح 8/178.(4/114)
…فخرج: يعني إلى الصلاة من بيت عائشة. عبد الله: هو ابن عباس. سبع قرب: قيل الحكمة في هذا العدد أن له خاصية في دفع ضرر السم والسحر(1). أوكيتهن: جمع وكاء، رباط القربة. وخطبهم: في مسلم: أن ذلك كان قبل موته بخمس، قال ابن حجر: "فعلى هذا يكون يوم الخميس، ولعله بعد أن وقع عنده اختلافهم ولغطهم"(2).
…4445- في ذلك: أي في إمامة أبي بكر بالناس. لن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به: قال الدماميني: ( في بعض الطرق السابقة أنها أرادت أن يكون عمر هو الذي يصلي، فانظر هذا مع علمها بما يلحقه من تشاؤم الناس، والله أعلم بحقيقة الحال)هـ(3) ، وجوابه أنها علمت حدة عمر وغلظته فلا يستطيع الناس التشاؤم به.
…4447- بارئا: اسم فاعل من برأ، أي أفاق من المرض. عبد العصا: " كناية عن صيرورته تابعا لغيره، يعني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - / يموت بعد ثلاث، وتصير أنت مأمورا عليك، وهذا من قوة فراسة العباس رضي الله عنه"(4)، لأن الأمر وقع كما قال. هذا الأمر: أي الخلافة.
…4448- يضحك: فرحا بإقامة الدين الذي جاء به. وأرخى الستر: زاد في رواية: "وتوفي من آخر ذلك اليوم"(5)، أي عند الزوال كما سبق(6).
…4449- سحري ونحري: السحر الرئة، والمراد هنا محلها الذي هو الجنب، والنحر موضع القلادة من الصدر، أي بين جنبي وصدري، أي مات - صلى الله عليه وسلم - وهو متكئ علي. فأمره: أي السواك على أسنانه. ركوة أو علبة: كلاهما إناء من جلد. ومالت يده: حين توفي - صلى الله عليه وسلم -. زاد أحمد: " فلما خرجت نفسه لم أجد ريحا قط أطيب منها"(7).
…4450- فاستن: استاك.
__________
(1) باللفظ في الفتح 8/179.
(2) فتح الباري 8/179.
(3) تعليق المصابيح ص: 490.
(4) نقلا عن الفتح 8/180.
(5) أخرجها البخاري في كتاب الصلاة، بلفظ: " وتوفي من يومه ذلك".
(6) تقدم في شرح الترجمة 84 ( باب مرض النبي صلى الله عليه ووفاته).
(7) تقدمت هذه الرواية في شرح الحديث 4438.(4/115)
…4452، 4453- بالسنح: من عوالي المدينة. فتيمم: قصد. فقبله: في جبهته وجبينه الشريفين. لا يجمع الله عليك موتتين: يعني إن حييت كما قال عمر: اجتمع عليك موتتان، هذه التي متها، والأخرى التي تموتها بعد حياتك، على قول عمر(1).
…4454- وعمر يكلم الناس: أي يقول: ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل لم يمت حتى يفني المنافقين. فعقرت: " بضم العين: هلكت، أو بفتحها: دهشت وتخيرت"(2). تقلني: تحملني. أن النبي صلى الله عليه قد مات: بدل من الهاء في تلاها، أي تلا الآية التي معناها أن النبي صلى الله عليه قد مات، وهي قوله: " إنك ميت".
…4458- لددنا: أي جعلنا الدواء في جانب فمه بغير اختياره، وذلك أنهم أذابوا قسطا بزيت فلدوه به، لأنهم ظنوا أن به ذات الجنب، والقسط يلد به من ذات الجنب. كراهة المريض: بالرفع خبر لمحذوف، أي الامتناع كراهية المريض، والنصب على أنه مفعول له، أي لأجل كراهية، قال القاضي: والرفع أوجه(3). لا يبقى أحد في البيت إلا لُدَّ: ( لتركهم امتثال نهيه عن ذلك، أما من باشر فظاهر، وأما غيره فلكونهم تركوا نهيهم عن فعل ما نهاهم عنه - صلى الله عليه وسلم - )(4)، وأراد بذلك تأديبهم لئلا يعودوا، زاد في رواية: حتى ميمونة وكانت صائمة.
…4459- من قاله؟: الصحيح أنه لم يوص له بشيء، وما ورد من الأحاديث المصرحة له بالخلافة أو غيرها كله موضوع كما لابن الجوزي، قاله ابن حجر. فانخنث: استرخى ومال.
…4461- بغلته البيضاء: هي دُلْدُل.
__________
(1) انظر أول الجنائز.
(2) نقلا عن الفتح 8/184.
(3) نقلا عن الفتح 8/186.
(4) من الفتح 8/186.(4/116)
…4462- لما ثمل النبي صلى الله عليه: أي عظم به مرضه. جعل يتغشاه: أي يحصل له غشيان. وَاكَرْبَ أباه: المراد بالكرب ما كان يجده - صلى الله عليه وسلم - من شدة الموت، ليتضاعف أجره، كما في قوله:" إني لأوعك كما يوعك رجلان منكم"(1)، وما للزركشي هنا تعقبه الدماميني(2)، وهو ظاهر. ليس على أبيك كرب بعد اليوم: أي لا يصيبه بعد اليوم من كرب الموت ولا ألمه شيء، لانتقاله للدار الآخرة، ففيه إعلام بموته - صلى الله عليه وسلم -. يا أبتاه: أصله يا أبي، ثم أتي بالمثناة فوق بدل التحتية، وجيء بالألف للندبة لمد الصوت، والهاء للسكت(3). أطابت أنفسكم أن تحثوا …إلخ: سكت أنس عن جوابها رعاية لها ولسان حاله يقول: لم تطب أنفسنا بذلك، إلا أنا قهرنا على فعله امتثالا لأمره الشريف - صلى الله عليه وسلم -(4).
85- " باب آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه "
…أتى للرد على ما أشاعته الرافضة أن آخر كلامه وصيته لعلي بالخلافة، وهو باطل .
…4463- اللهم / الرفيق الأعلى: أي الملائكة، أي اجعلني معهم.
…" وذكر الواقدي أن أول ما تكلم به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو مسترضع عند حليمة السعدية، الله أكبر، وآخر ما تكلم به: اللهم الرفيق الأعلى"(5).
86- " باب وفاة النبي صلى الله عليه ":
…أي بيان وقتها، وبهذا افترق هذا الباب مع ما قبله.
…4464، 4465- لبث بمكة عشر سنين: هذا مغاير لما يأتي عن عائشة في الحديث بعده، إلا أن يحمل على إلغاء الكسر.
__________
(1) أخرجه البخاري في المرضى 3، ومسلم في البر 45، وأحمد 1/381.
(2) قال في تعليق المصابيح ص: 490 ( قال الزركشي: في هذه نظر، وقد رواه مبارك بن فضالة: " واكرباه"، قلت: لا تدفع رواية البخاري مع صحتها بمثل هذه لاسيما وقوله صلى الله عليه وسلم: " لا كرب على أبيك بعد اليوم"، يدل على أنها قالت: "واكرب أباه").
(3) نقلا عن الفتح 8/188.
(4) باللفظ في الفتح 8/189.
(5) من الفتح 8/174.(4/117)
…4466- توفي وهو ابن ثلاث وستين: هذا هو المشهور، وهو قول الجمهور، قال ابن حجر: "وكل من روي عنه ما يخالفه، وهم عائشة وأنس وابن عباس، جاء عنه المشهور أيضا"(1).
87- "باب"
بغير ترجمة، كالفصل مما قبله.…
4467- بثلاثين: ( كذا للأكثر بحذف التمييز، وللمستملي وحده: " ثلاثين صاعا")(2)، أي من شعير، أي حتى أفتكها أبو بكر بعده، ووجه إيراد هذا الحديث هنا الإشارة إلى أن ذلك من آخر أحواله - صلى الله عليه وسلم -.
…88- "بعث النبي صلى الله عليه أسامة بن زيد في مرضه الذي توفي فيه"
…كان هذا البعث إلى أهل أُبْنَى(3)، وهي قرية عند مؤتة حيث قتل زيد والده، ولذلك أمره عليه الصلاة والسلام على صغر سنه ليأخذ بثأر والده، فتوجه إليهم بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة آلاف، فقتل وسبى وحرق منازلهم ونخلهم، وقتل قاتل أبيه، وسلم جميع من معه، ورجع إلى المدينة، وقد غاب عنها نصف شهر.
…4469- فطعن الناس في إمارته: لصغر سنه، وتوليته على أعيان الصحابة، كأبي بكر وعمر. إن كان: أي أبوه.
89- "باب":
بغير ترجمة، كالفصل مما قبله.
…4470- أنه: أي أبا الخير(4). قال له: أي للصُّنابحي(5)
__________
(1) فتح الباري 8/190.
(2) نقلا عن الفتح 8/191.
(3) موضع بالشام من جهة البلقاء، وفي كتاب نصر: أبنى قرية بمؤتة، انظر معجم البلدان 1/79.
(4) مرثد بن عبد الله اليزني، أبو الخير المصري.
ثقة فقيه، أخرج له الشيخان وأصحاب السنن.
مات سنة 190هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 10/82، والتقريب رقم 6574.
(5) عبد الرحمن بن عسيلة بن عسل بن عسال المرادي، أبو عبد الله الصنابحي.
رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجده قد مات بخمس ليال أو ست.
روى عن أبي بكر وعمر وعلي وبلال وسعد بن عبادة.
وعنه أبو الخير مرثد بن عبد الله وعطاء بن يسار.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 6/229-230، والتقريب رقم 3952.(4/118)
. راكب: لم يعرف. قلت: القائل هو أبو الخير، والمقول له الصنابحي. أنه: أي وقتها. الأواخر: أي من رمضان.
…90- " كم غزا النبي صلى الله عليه؟":
بنفسه الشريفة.…
4471- تسع عشرة: وعن جابر أنها إحدى وعشرون، وقطع ابن سعد بأنها سبع وعشرون، وأما سراياه فتقرب من السبعين(1).
…قال ابن حجر: ( وقرأت بخط مغلطاي أن مجموع الغزوات والسرايا مائة، وهو كما قال، والله أعلم )(2)، وراجع أول المغازي.
…4473- عن ابن بريدة: هو عبد الله(3)، وأما أخوه سليمان(4) فلم يخرج له البخاري شيئا.…
__________
(1) قال في الطبقات 2/5-6: ( كان عدد مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي غزا بنفسه سبعا وعشرين غزوة، وكانت سراياه التي بعث بها سبعا وأربعين سرية).
(2) فتح الباري 8/194.
(3) عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي، أبو سهل المروزي، قاضي مرو، وأخو سليمان، وكانا توأمين.
روى عن أبيه وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وأبي هريرة وعائشة.
وعنه سهل بن بشير وحسين بن واقد المروزي وقتادة ومطر الوراق.
مات سنة 115هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 5/157-158، والتقريب رقم 3227.
(4) سليمان بن بريدة بن الحصيب الأسلمي المروزي، أخو عبد الله.
روى عن عمران بن حصين وعائشة ويحيى بن يعمر.
وعنه علقمة بن مرثد وغيلان بن جامع.
قال ابن عيينة: (وحديث سليمان أحب إليهم من حديث عبد الله).
مات سنة 105هـ قبل أخيه بعشر سنين.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 4/174، والتقريب رقم 2538.(4/119)
بسم الله الرحمن الرحيم
65- كتاب تفسير القرآن العظيم(1)
…
والتفسير تفعيل من الفسر وهو البيان، وحده الفقهاء بأنه إبداء وجه يحتمله اللفظ بدليل منفصل، والفرق بين التفسير والتأويل أن التفسير بيان اللفظ كقوله تعالى: " لاَ رَيْبَ فِيهِ"(2)، معناه لا شك فيه، والتأويل بيان المعنى كقولهم: لا شك فيه، أي في نفس الأمر، أو عند المؤمنين، قاله القرطبي(3).
…الرحمن والرحيم اسمان من الرحمة: أي مشتقان منها، والرحمة لغة الرقة والانعطاف في القلب، وهي بهذا المعنى محال في حقه تعالى، فتحمل على غايتها ولازمها، وهو إرادة الإنعام، ففي الإطلاق مجاز.
…الدماميني: ( وفي الرحمن من الرحمة ماليس في الرحيم، لأن معنى الرحيم ذو الرحمة، ومعنى الرحمن كثير الرحمة جدا)(4).
…بمعنى واحد: " أي بالنظر إلى أصل المعنى، وإلا فصيغة فعيل موضوعة للمبالغة، فمعناها زائد على معنى فاعل"(5).
1- " ما جاء/ في فاتحة الكتاب "
…« من التفسير، أو من الفضل، أو مما هو أعم منهما »(6)، وهي مكية سبع آيات(7).
…يبدأ بكتابتها في المصاحف: قيل هذا يناسب تسميتها فاتحة الكتاب، لا أم الكتاب، وأجيب بأنه يناسب بالنظر إلى أن الأم مبدأ الولد، أي فتقدمها على الكتاب كتقدم الأم على الولد، وكذا يقال في تقديمها في الصلاة، أشار له في الفتح(8)
__________
(1) - كتاب تفسير القرآن، كذا عند أبي ذر الهروي وأبي الوقت، انظر صحيح البخاري 6/20.
(2) - سورة البقرة، الآية 2.
(3) - في المفهم ص:490-491 (خ.ع بالرباط 13ق)، والعيني في العمدة 18/79.
(4) - تعليق المصابيح ص:490.
(5) - باللفظ من الفتح 8/196.
(6) - نقلا عن الفتح 8/197.
(7) - باتفاق، فهي السبع المثاني، انظر البيان في عد آي القرآن لأبي عمرو الداني ص: 139.
(8) - الفتح 8/197،
وقال الدماميني في تعليق المصابيح ص:491:
(ذكر بعض المحققين أن السبب في تسميتها أم الكتاب، اشتمالها على كليات المعاني التي في القرآن من الثناء على الله تعالى، وهو ظاهر من التعبد بالأمر والنهي، وهو في "إياك نعبد "، لأن معنى العبادة قيام العبد بنا تعبد به وكافه من امتثال الأوامر والنواهي، وفي "الصراط المستقيم" أيضا من الوعد والوعيد وهو في "الذين أنعمت عليهم" وفي "المغضوب عليهم" وفي "يوم الدين، أي الجزاء أيضا، وإنما كانت الثلاثة أصول مقاصد القرآن لأن الغرض الأصلي الإرشاد إلى المعارف الإلهية، وما به نظام المعاش ونجاة المعاد، والاعتراض بأن كثيرا من السور كذلك يندفع بعدم المساواة لأنها فاتحة الكتاب وسابقة السور، وقد اقتصر مضمونها على كليات المعاني الثلاثة بالترتيب على وجه إجمالي، لأن أولها ثناء وأوسطها تعبد وآخرها وعد ووعيد، ثم يصير ذلك مفصلا في سائر السور، فكانت منها بمنزلة مكة من سائر القرى)، وهو كلام نفيس.
تنبيه: قدمت في منهج التحقيق والتعليق أن تخريج الآيات –في كتاب التفسير- سيكون ضمن المتن، ومن هنا يبدأ ذلك، وذلك بغية التقليل من كثرة الهوامش.(5/1)
.
الدين: أي من قوله سبحانه: " مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ" - الفاتحة 4-…
كما تدين تدان... إلخ: أي يقال في المثل: كما ... إلخ، وهو حديث مرفوع أخرجه ابن عدي(1) عن ابن عمر(2)، أي ما عملت تجازى عليه.
…بالدين: أي من قوله تعالى: " كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ" - الانفطار 9 -: الحساب: والحساب ينشأ عنه الجزاء بالخير والشر، فمن ثم أطلق الدين عليهما.
…مدينيين: من قوله تعالى: " فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ" - الواقعة 86 -.
…4474- عن أبي سعيد بن المُعَلَّى(3): ليس لأبي سعيد هذا في الصحيح إلا هذا الحديث(4)، وقد وقع نظير قصته لأُبيّ بن كعب(5)
__________
(1) - أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد بن المبارك الجرجاني.
محدث حافظ ناقد.
له: الكامل في ضعفاء الرجال، والانتصار على مختصر المزني.
توفي بجرجان سنة 365هـ.
ترجمته في: تذكرة الحفاظ 3/143، وشذرات الذهب 3/51، وطبقات الشافعية للسبكي 2/233.
(2) - نقلا عن الفتح 8/198، وزاد الحافظ: (وضعفه)، ومثل هذه التعبيرات هي لباب مناهج المحدثين، فلست أرى عذرا للشبيهي في حذفها، إذ بذلك يميز الصحيح من السقيم.
(3) - أبو سعيد بن المعلى الأنصاري المدني، يقال اسمه رافع بن أوس بن المعلى، وقيل الحارث.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه حفص بن عاصم وعبيد بن حنين.
توفي سنة 74هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 12-107، والتقريب رقم 8122.
(4) - باللفظ من الفتح 8/198.
(5) - أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معوية بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري، سيد القراء.
كان من أصحاب العقبة الثانية، وشهد بدرا والمشاهد بعدها.
قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك).
وكان عمر يتحاكم إليه في المعضلات.
مات سنة 30هـ.
ترجمته في: الاستيعاب ص:65، والإصابة 1/27-28.(5/2)
أيضا. فقلت: بعد الفراغ من الصلاة. ألم يقل الله: "اِسْتَجِيبُوا"… إلخ – الأنفال 24-، فإجابته - صلى الله عليه وسلم - فرض ولو في داخل الصلاة، يعصي المرء بتركها، قاله القاضيان عبد الوهاب(1) والباجي، وهل تبطل الصلاة التي وقعت فيها إجابته عليه السلام أم لا، قال ابن كنانة (2): ( لا تبطل) هـ، نقله الزرقاني على المواهب قائلا: ( هو المعتمد ومذهب مالك)هـ(3).
…وقال الدماميني: ( هذا دليل على أنه لم يقبل اعتذاره بأنه كان في الصلاة، وقد قال بعض الحذاق: إن هذا من خواصه عليه الصلاة والسلام أن يجيبه من هو في الصلاة، ولا تبطل صلاته بذلك، وهو قول ابن كنانة، كذا قال السفاقسي) هـ.…
…ونقل الحطاب(4)
__________
(1) - أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي، الفقيه الحافظ.
أخذ عن الأبهري، وتفقه بابن القصار وابن الجلاب والباقلاني.
ألف في المذهب والخلاف والأصول مؤلفات شتى، منها: الإشراف على مسائل الخلاف، والتلقين، وشرح الرسالة، وشرح المدونة، والنصرة لمذهب إمام دار الهجرة. توفي سنة 422هـ.
ترجمته في: الديباج المذهب 2/26، وشجرة النور الزكية 1/103-104.
(2) - أبو عمر عثمان بن كنانة مولى عثمان بن عفان، من فقهاء المدينة الذين لازموا الإمام مالك.
قال ابن بكير: لم يكن عند مالك أضبط ولا أدرس من ابن كنانة. توفي سنة 186هـ وهو حاج.
ترجمته في: ترتيب المدارك 3/21-22، وطبقات الفقهاء للشيرازي 146.
(3) - وعند الحافظ في الفتح 8/200: (وما جنح إليه القاضيان من المالكية هو قول الشافعية على اختلاف عندهم –بعد قولهم بوجوب الإجابة- هل تبطل الصلاة أم لا).
(4) - أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن حسين الرعيني، المشهور بالحطاب.
قرأ على الحطاب الكبير والقلقشندي وابن فهد، وعنه التاجوري وابنه يحيى الحطاب.
له: الرسالة، وشرح قرة العين للجويني، وشرح قواعد عياض. توفي سنة 954هـ.
ترجمته في: شجرة النور الزكية 1/270، والفكر السامي 2/270.(5/3)
عن بهرام(1) والأقفهسي(2): ( يجب على المصلي إذا دعاه - صلى الله عليه وسلم - أن يجيبه، ولاتبطل صلاته) هـ.
…قلت: وهذا هو الذي رجحه شيخنا الشيخ الطالب بن الحاج(3) في حاشيته على المرشد(4).
…هي أعظم سورة: لعظم قدرها لاشتمالها على جميع مقاصد القرآن على طريق الإجمال، واستدل به على جواز تفضيل بعض القرآن على بعض، ويؤيده قوله تعالى: "نَاتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا" - البقرة 106- بمعنى أن ثواب بعضه أعظم من ثواب بعض، فالتفضيل من حيث الثواب لا من حيث الصفة، فإنها لا تفاوت فيها(5).
__________
(1) - أبو البقاء بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر السلمي الدميري، من فقهاء المالكية بمصر. أخذ عن الشيخ خليل بن إسحاق.
ألف شرح مختصر خليل، والشامل في الفقه، وشرح ألفية ابن مالك.
توفي سنة 805هـ.
ترجمته في: الضوء اللامع 3/19، ونيل الابتهاج 101-102.
(2) - أحمد بن عماد بن محمد بن يوسف الأقفهسي القاهري، أبو العباس.
صنف التصانيف، منها: كشف الأسرار عما خفي من الأفكار، ونظم الدرر من هجرة خير البشر، وشرح الحكم العطائية.
توفي عام 808هـ.
ترجمته في: الضوء اللامع 2/47، وشذرات الذهب 7/73، والبدر الطالع 1/93.
(3) - الطالب بن حمدون بن الحاج السلمي الفاسي.
ولد وتوفي بفاس، وولي قضاء مراكش نحو ثلاث عشرة سنة.
له: الإشراف على ممن بفاس من الأشراف، وحاشية على مختصر الدر الثمين، والعقد الجوهري في حل شرح الأزهري على مقدمة ابن آجروم، وحاشية على شرح بحرق على لامية الأفعال. توفي سنة 1273هـ.
ترجمته في: الفكر السامي 4/133، وشجرة النور الزكية 401، وفهرس الفهارس 1/350.
(4) - للطالب بن الحاج حاشية على شرح ميارة للمرشد المعين، طبع في مجلدين بمطبعة العربي الأزرق بتصحيح أحمد بن الجيلالي سنة 1315هـ، انظر المطبوعات الحجرية في المغرب لفوزي عبد الرزاق ص:79.
(5) - من كلام ابن التين السفاقسي، وفيه رد على الأشعري، انظر الفتح 8/200.(5/4)
…الحمد لله رب العلمين: اسم للسورة بتمامها، قال العيني: ( هذا صريح في الدلالة على أن البسلمة ليست من الفاتحة)(1).
…هي السبع المثاني: " أما كونها سبعا فلأنها سبع آيات، وأما كونها مثاني فلأنها يثنى بها على الله، أو تثنى في كل ركعة"(2).
…والقرآن العظيم الذي أوتيته: عطف على السبع، أي وهي القرآن العظيم الذي أوتيته، إشارة لقوله تعالى: "وَلَقَدَ اتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ" –الحجر 87-.
…قال الباجي: ( إنما قيل لها القرآن العظيم على معنى التخصيص لها بهذا الاسم، وإن كان كل شيء من القرآن عظيما، كما يقال: الكعبة بيت الله، وإن كانت البيوت كلها لله، ولكن على سبيل التخصيص والتعظيم لها) هـ، ونحوه للخطابي، ونصه: ( فيه دلالة على أن الفاتحة هي القرآن العظيم المقصود في قوله: " وَلَقَدَ اتَيْنَاكَ" الآية، وأن الواو ليست بالعاطفة التي تفصل بين الشيئين، وإنما هي التي تجيء بمعنى التخصيص، كقوله: " وَمَلاَئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَئِلَ" –البقرة 98-، " فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ" – الرحمن 68-)هـ(3).
__________
(1) - عمدة القاري 18/81.
وهو قول ابن التين، انظر الفتح 8/200.
وكان الشافعي يسمي الفاتحة بسورة الحمد لله رب العلمين، وحديث البخاري هذا يقوي رأيه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 14/12-13: (بدأ بهذين الاسمين: الله والرب، و"الله" هو الإله المعبود، فهذا الاسم أحق بالعبادة، ولهذا يقال: الله أكبر، الحمد لله، سبحان الله، لا إله إلا الله، و"الرب" هو المربي الخالق الرازق الناصر الهادي، وهذا الاسم أحق باسم الاستعانة والمسألة).
(2) - نقلا عن الفتح 8/200.
(3) - أعلام السنن ص: 982، وقد نقله الشبيهي من الفتح 8/201.(5/5)
…قال ابن حجر: ( وفيه بحث لاحتمال أن يكون قوله: " وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ" مبتدأ محذوف الخبر، والتقدير: ما بعد الفاتحة مثلا…، أو تقديره: والقرآن العظيم هو الذي أوتيته زيادة على الفاتحة) هـ(1)؛ ولم يعرج السيوطي في التوشيح على هذا البحث، وهو ظاهر السقوط، لأن احتمال وجه من الإعراب لا يبطل احتمال غيره، واعتراض المعترض لا يتجه إلا إذا أبدى مالا يصح معه كلام المعترض عليه بحال، لقولهم: قضية المعترض سالبة كلية، وقضية المجيب موجبة، فتأمل ذلك.
2- باب " غَْيِر المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ " - الفاتحة 7- :
…قال البيضاوي : ( " غير" : بدل من " الذين" على معنى أن المنعم عليهم هم الذين سلموا من الغضب والضلال) هـ(2).
…وقال الجلال المحلي(3): ( ويبدل من الذين بصلته "غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ" وهم اليهود، و"لاَ" أي وغير الضالين، وهم النصارى، ونكتة البدل إفادة أن المهتدين ليسوا يهودا ولانصارى)(4).
__________
(1) - فتح الباري 8/201.
(2) - أنوار التنزيل 1/38.
(3) - محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أحمد بن هاشم، جلال الدين المحلي.
مفسر فقيه، ولد بالقاهرة، ونشأ بها.
له: شرح جمع الجوامع، وتفسير القرآن، وشرح التسهيل لابن مالك.
توفي سنة 864هـ.
ترجمته في: الضوء اللامع 7/39، والبدر الطالع 2/115، وشذرات الذهب 7/303.
(4) - حاشية المحلي ص:2.
وعند أحمد وابن حبان من حديث عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المغضوب عليهم اليهود، ولاالضالين النصارى)، وهو عند الترمذي في حديث طويل.
قال ابن أبي حاتم: لا أعلم بين المفسرين في ذلك اختلافا.
وقال السهيلي: وشاهد ذلك قوله تعالى في اليهود: "فَبَاءُوا بِغَضَب عَلَى غَضَب" –البقرة 90-، وفي النصارى: (قَد ضَّلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا" –المائدة 77-.
انظر الفتح 8/202.(5/6)
…4475- فمن وافق ... إلخ : أي في وقت القول. ما تقدم من ذنبه: أي من الصغائر، وقال السبكي: /( والكبائر أيضا).
سورة البقرة
…مدنية، مائتان وسبع وثمانون آية(1).
…بسم الله الرحمن الرحيم
1- " باب قوله تعالى: وَعَلَّمَ ءَادَمَ الاَسْمَاءَ كُلَّهَا" -البقرة 31-
…أي أسماء المسميات كلها - حتى القصعة والمغرفة بأن ألقى في قلبه علمها، قاله الجلال(2).
…4476- فيأتون آدم: قدمنا أن الآتين للأنبياء هم غير هذه الأمة، أما هذه الأمة فلا تفارق نبيها، جعلنا الله من خيارهم بمنه وكرمه.
…وعلمك أسماء كل شيء: بلا واسطة، وهذا محل الترجمة. لست هناكم: أي لست في المكانة التي تحسبونني فيها، يريد مقام الشفاعة في أهل الموقف.
…ويذكر ذنبه: أي أكله من الشجرة. بعثه الله إلى أهل الأرض: أي بالإنذار وإهلاك من كفر من قومه، لأن آدم كانت رسالته كالتربية والإرشاد للأولاد، ولا يلزم من ذلك عموم بعثة نوح، لأنه لم يكن من أهل الأرض إلا قومه، ولو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثا إليهم. خليل الرحمن: هو إبراهيم عليه السلام. وكلمة الله: لأنه وجد بكلمة كُنْ. وروحه: لقوله: " فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا"-التحريم12-. غفر الله له... إلخ: أي حال بينه وبين الذنب فلم يصدر منه ذنب أصلا فأنطلق حتى أستأذن على ربي: زاد في التوحيد: " في داره"، قال القرطبي: ( الاستئذان والانطلاق إلى الله عز وجل يشعر بالتستر والتحجب، والمستأذن عليه في محل يحويه، والكل محال في حق الله عز وجل، فيحمل الانطلاق على أنه إلى جنة الفردوس لأنها أعلى الجنان، والاستئذان على خزنتها، لأن هذا المحل لعظمته لا يدخل إلا بإذن) هـ.
__________
(1) - في العدد المدني والمكي والشامي مائتا آية وخمس وثمانون، وست في الكوفي، انظر البيان ص:140، والكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها لمكي بن أبي طالب 1/224.
(2) -في حاشيته ص:9 ، (وما بين عارضتين ليس للجلال).(5/7)
…فَيَحُدُّ لي حَدًّا: أي يبين لي نوعا من أهل المعاصي أشفع فيهم، كأن يقول شفعتك في تاركي الصلاة مثلا. مثله: أي فعلت مثل ما سبق من السجود وغيره. حدا: أي نوعا آخر من العصاة كشاربي الخمر مثلا، وهكذا، وقيل: الحد هو إخراج من في قلبه مثقال حَبَّةِ بُرَّةٍ، ثم حبة خردل، وهكذا، انظر الرقاق.
…إلا من حبسه القرآن: أي حكم بحبسه في النار. ووجب عليه الخلود: وهم الكفار. قال أبو عبد الله: هو البخاري.
…تنبيه: استشكل سياق هذا الحديث من جهة أن المطلوب الشفاعة للإراحة من الموقف، لا للخروج من النار، وأجاب الكرماني بأنه انتهت حكاية الإراحة عند قوله: "فيؤذن لي"، وما بعده هو زيادة على ذلك.
2- " باب "
…كذا لهم بغير ترجمة، وذكر فيه تفاسير ألفاظ من سورة البقرة.
…"إلى شياطينهم": من قوله تعالى: " وَإِذَا خَلَوِا اِلَى شَيَاطِينِهِمْ" - البقرة 14 -.
…الله جامعهم: أي في جهنم، فيحيط بهم عقابه.
…"صبغة": من قوله سبحانه: " صِبْغَةَ اللهِ" - البقرة 138 -: دين، قال الجلال: (صبغة مصدر مؤكد لآمنا، ونصبه بفعل مقدر، أي صبغنا الله صبغة، والمراد بها دينه الذي فطر الناس عليه، لظهور أثره على صاحبه كظهور الصبغ في الثوب)(1).
…" على الخاشعين": من قوله سبحانه: " وَإِنَّهَا - أي الصلاة - لَكَبِيرَةٌ - ثقيلة - إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ" - البقرة 45-.
…" بقوة": من قوله تعلى: " خُذُوا مَا ءَاتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ " - البقرة 63 -: تعمل بما فيه، أي هذا معناه، وقيل معناه بجد واجتهاد.
…" مرض": من قوله تعالى: " فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ" - البقرة 10-: شك ونفاق.
…" يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ" - البقرة 49-: يولونكم، وقال غيره: يذيقونكم.
…" الولاية": من قوله تعالى: " هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ للهِ الْحَقِّ" – الكهف 44-.
__________
(1) - حاشية الجلال ص:30.(5/8)
…الحبوب التي تؤكل كلها فوم: يشير لقوله تعالى: فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الاَرْضُ مِن بَقْلِهَا" الآية - البقرة 61-، وقال ابن عباس ومجاهد: الفوم الحنطة.
…"وَبَاءُوا بِغَضَب مِّنَ اللهِ" - البقرة 61 -
…" يستفتحون": من قوله سبحانه: " وَكَانُوا - أي اليهود - يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا" /- البقرة 89-: يستنصرون، يقولون اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث.
…" شروا": من قوله تعالى: " وَلَبِيسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ" - البقرة 102-.
…" راعنا": من قوله سبحانه: " لاَ تَقُولُوا رُاِعنَا وَقُولُوا انظُرْنَا" – البقرة 104-: من الرعونة، إذا أرادوا... إلخ: قال ابن حجر: ( هذا على قراءة من نون، وهو الحسن البصري وأبو حيوة(1)، ووجهه أنه صفة لمحذوف، أي لا تقولوا قولا راعنا، أي قولا ذا رعونة)هـ(2)؛ (وقرأ جمهور الناس "رَاعِنَا" بغير تنوين(3)، من المراعاة، أي ارعنا نرعك، وفي هذا جفاء أن يخاطب به أحد نبيه، فنهوا عن ذلك)، قاله ابن عطية(4).
…" لاَ تَتَّبِعُوا خُطْوَاتِ الشَّيْطَانِ" - البقرة 168 -: آثار، وقيل نزغاته وتزيينه.
3- " فَلاَ تَجْعَلُوا للهِ أَندَادًا" - البقرة 22-
…جمع ند، وهو المثل والنظير، أي لا تجعلوا لله شركاء في العبادة.
…" وأنتم تعلمون": لأنه الخالق ولا يخلقون، ولا يكون إلها إلا من يخلق.
__________
(1) - أبو حيوة شريح بن يزيد الحضرمي الحمصي، صاحب القراءة الشاذة، ومقرئ الشام.
وهو والد حيوة بن شريح الحافظ، وله اختيار في القراءة.
روى عن عمران بن عثمان والكسائي.
وعنه ابنه حيوة ومحمد بن عمرو بن حنان ويزيد بن قرة.
مات سنة 203هـ.
ترجمته في: غاية النهاية 1/325، والتقريب رقم 2780.
(2) - الفتح 8/206.
(3) - هي قراءة القراء السبعة ورواتهم، لا خلاف فيها في فرش الحروف.
(4) - في المحرر الوجيز 1/425.(5/9)
…4477- حَلِيلَةَ جارك: أي من حلت بيته من زوجة، أو بنت، أو أخت، أو أمه، لأنه زنا وخيانة.
………
4- " وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ ":
سترناكم بالسحاب الرقيق من حر الشمس في التيه، "وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُم": فيه، " اْلمَنَّ وَالسَّلْوى" إلى " يَظْلِمُونَ" - البقرة 57-، ثم أشار إلى تفسير المن والسلوى بقوله: المن صَمْغَة: أي حلوة، والسلوى الطير، ابن عطية: ( قيل هو السُّمَّانَى بعينه، وقيل بل يشبهه)(1)، وهو بضم السين وفتح النون قاله كمال الدين(2).
…4478- الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ: ( زاد ابن عيينة في روايته: الذي أنزل على بني إسرائيل، وبه تظهر مناسبة ذكره هنا، ويرد على الخطابي في قوله: " لا وجه لذكره هنا"(3) )(4).
……
5- باب: " وَإِذْ قُلْنَا ":
أي لبني إسرائيل بعد خروجهم من التيه، " ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ": بيت المقدس أو أَرِيحَا(5)، "فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ" الآية - البقرة 58 - أي إلى تمامها."رَغَدًا": واسعا لا حجر فيه.
__________
(1) - المحرر الوجيز 1/306.
(2) - لم يتبين لي من هو؟
ويحتمل أن يكون: كمال الدين محمد بن علي الأنصاري المتوفى عام 727هـ (ترجمته في: الدرر الكامنة 4/74، والوافي بالوفيات 4/241، وشذرات الذهب 6/78)، أو كمال الدين محمد بن محمد الغزي العامري المتوفى عام 1214هـ (ترجمته في: هدية العافين 2/352، وإيضاح المكنون 1/229).
(3) - انظر أعلام السنن ص: 983.
(4) - نقلا عن الفتح 8/208.
(5) - مدينة من أرض فلسطين، بينها وبين المقدس يوم للفارس، انظر معجم البلدان 1/165.(5/10)
…4479- " ادخلوا الباب": أي باب القرية. "سجدا": أي منحنين راكعين شكرا لله على إخراجهم من التيه وتيسير الدخول. " وقولوا حِطَّة": أي مسألتنا حطة، وهي أن تحط عنا خطايانا. فبدلوا: فعلا وقولا، أي فعلوا غير ما أمروا به أن يفعلوه، وقالوا غير ما أمروا به أن يقولوه. وقالوا حِطَّة حبة في شعرة: فزادوا على ما أمروا به استهزاء، قال ابن عطية: (وقيل قالوا: حنطة حبة حمراء فيها شعرة) هـ(1).
…وقال العارف: ( جاء في التفسير أنهم زادوا حرفا في الكلمة فقالوا حنطة، وقالوا هطي سمهانا(2) أي حنطة حمراء) هـ.
6- باب: " مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ" - البقرة 97-
…قال ابن جرير: ( أجمع أهل العلم بالتأويل أن هذه الآية نزلت جوابا لليهود، إذ زعموا أن جبريل عدو لهم) هـ (3)، أي من كان عدوا لجبريل فليمت غيظا – فإنه …إلخ(4).
…جَبْرَ، ومِيكَ، وسَرَافِ: أي من جبريل وميكائيل وإسرافيل. عبد: هذا معنى الثلاثة. إيل: الله، فمعنى جبريل عبد الله، وهكذا.
…ابن حجر: ( وذكر عكس هذا، وهو أن "إِيلْ" معناه عبد، وما قبله معناه اسم لله، ويؤيده أن الاسم المضاف في لغة غير العرب غالبا يتأخر عن المضاف إليه) هـ(5).
…قال العارف: ( وبه يتجه ما ذكر من كون جبريل اسمه عبد الله، وإسرائيل عبدالرحمن ، وميكائيل عبد القدوس).
…4480- يَخْتَرِفُ: يجني الثمار. وما ينزع الولد إلى أبيه: أي يجذبه إلى شبه أبيه. أو إلى أمه: إلى شبهها. عدو اليهود من الملائكة: زاد في رواية: ( لأنه ينزل بالحرب والقتال)(6)
__________
(1) - المحرر الوجيز 1/308.
(2) - سألت بعض أساتذة ودارسي اللغة العبرية، فلم يعرفوا هذا التعبير.
(3) - جامع اليبان عن تأويل آي القرآن 1/341.
(4) - تمام الآية: (فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمومنين).
(5) - الفتح 8/210.
(6) - وهي رواية بكير بن شهاب كما في الفتح 8/210.
وهذه الرواية هي أصح ما جاء في سبب عداوة اليهود لجبريل عليه السلام، انظر الفتح 8/209.(5/11)
. أما أول أشراط الساعة: أي علاماتها الدالة على وجودها، وما في مسلم وغيره من أن أول أشراطها هو الدجال(1)، فمعناه أنه أول أشراطها/ الدالة على قربها، فلا تعارض. فَزِيَادَةُ كَبِدِ الحُوتِ: أي القطعة المنفردة بجانب الكبد، وهي أطيبه. نَزَعَ الْوَلَدُ: جذبه إليه بالشبه. بُهْتٌ: كذابون ممارون، لا يرجعون إلى الحق. تسألهم: عني. يَبْهَتُونِي: يكذبون عليَّ.
………
7- باب قوله تعالى: " مَا نَنسَخْ مِنَ ايَة ":
أي نزل حكمها، إما مع لفظها أولا، " أَوْ نُنسِهَا": نمحها من قلبك من النسيان، وجواب الشرط الذي هو ما " نَاتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا " - البقرة 106-: أنفع للعباد في السهولة، أو كثرة الأجر، أو مثلها في التكليف والثواب.
…قال في الإكمال: ( النسخ على أقسام: نسخ اللفظ والحكم معا، نحو: " عشر رضعات يحرمن"، ونسخ اللفظ دون الحكم، نحو: " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما"، وعكسه، وهو أكثره، نحو: " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةُ" - البقرة 184-).
…4481- وأقضانا علي: ( ذكره موقوفا، ورواه الترمذي عن أنس مرفوعا، وعند البغوي عنه أيضا مرفوعا: " أقضى أمتي علي بن أبي طالب")(2). لندع: نترك. من قول أبيّ: أي من قراءته لنسخها. لا أدع شيئا: لأنه كان لا يقول بنسخ تلاوة شيء من القرآن، لكونه لم يبلغه ذلك، فرد عليه عمر بقوله. وقد قال الله... إلخ: لأنه يدل على ثبوت النسخ في البعض.
………
__________
(1) - في صحيح مسلم، كتاب الفتن، باب في بقية من أحاديث الدجال (شرح النووي 18/87).
(2) - ملخصا من الفتح 8/212، وزاد الحافظ: (وعن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأقضاهم علي" الحديث، ورويناه موصولا في فوائد أبي بكر محمد بن العباس بن نجيح من حديث أبي سعيد الخدري مثله، وروى البزار من حديث ابن مسعود قال: "كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب رضي الله عنه").(5/12)
8- باب: " وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ " - البقرة 116 -
…نزلت ردا على اليهود حيث قالوا عُزَيْرُ بن الله، وعلى النصارى حيث قالوا المسيح بن الله، وعلى المشركين حيث قالوا الملائكة بنات الله، فنزه سبحانه نفسه عن ذلك.
…4482- وأما شَتْمُهُ إياي: إنما كان ذلك شتما لما فيه من التنقيص بنسبة مالا يليق به سبحانه. فَسُبْحَاني: أي تنزهت وتقدست.
………
9- باب: " وَاتَّخَذُوا ":
بكسر الخاء بلفظ الأمر، وفتحها خبر(1)، "مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ": هو الحجر الذي قام عليه عند بناء البيت، "مُصَلًّى" - البقرة 125-: أي مكان صلاة، بأن تصلوا خلفه ركعتي الطواف.
…" مثابة": من قوله تعالى: " وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا" - البقرة 125 -.
…يرجعون: إليه من كل جانب.
…4483- في ثلاث: أي ثلاث قضايا، ولا مفهوم لهذه الثلاث، فقد ذكرت له موافقات تنتهي لخمسة عشر سردها القسطلاني في " باب: لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيءِ الاَّ أَن يُوذَنَ لَكُمْ" من هذا الكتاب(2).
…لو اتخذت... إلخ: زاد في الصلاة: ( فنزلت: "وَاتَّخَذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى")(3)، وبه تظهر المطابقة. إحدى نسائه: هي أم سلمة كما في سورة التحريم.
…فائدة: قال الحافظ ابن حجر: ( في موطأ ابن وهب(4)
__________
(1) - قرأ نافع وابن عامر بفتح الخاء، وكسرها الباقون، فمن قرأ بالفتح لم يبتدئ بقوله: "واتخذوا" لأنه معطوف على ما قبله من الخبر عنهم، ومن كسر جاز له أن يبتدئ به، لأنه استئناف أمر من الله بالاتخاذ.
انظر: التذكرة في القراءات الثمان لابن غلبون 2/259-260، والكشف لمكي بن أبي طالب 1/263.
(2) - إرشاد الساري 7/335-336 (تفسير سورة الأحزاب، الباب 8).
(3) - أوائل كتاب الصلاة.
(4) - أبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم، أثبت الناس في الإمام مالك.
روى عن أربعمائة شيخ منهم الليث وابن دينار، ومالك وتفقه به، وصحبه عشرين سنة، وعنه سحنون وابن عبد الحكم.
له: الموطأ الكبير والصغير، والجامع، والمجالسات.
توفي بمصر سنة 177هـ.
ترجمته في: ترتيب المدارك 3/228، وشجرة النور الزكية 1/58-59.(5/13)
عن أنس: رأيت المقام فيه أصابع إبراهيم وأخمص قدميه، غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم، وأخرج الطبري(1) عن قتادة قال: لقد ذكر لنا من رأى أثر عقبه وأصابعه فيه، فمازالوا يمسحونه حتى اخلولق وانمحى، وكان المقام من عهد إبراهيم لزق البيت، إلى أن أخره عمر رضي الله عنه إلى المكان الذي هو فيه الآن، أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن عطاء وغيره، وعن مجاهد أيضا، وأخرج البيهقي عن عائشة مثله بسند قوي، ولفظه: " إن المقام كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي زمن أبي بكر، ملتصقا بالبيت، ثم أخره عمر")(2).
…ابن حجر: ( ولم ينكر الصحابة ولا من بعدهم فعل عمر، فصار إجماعا)(3).
10- باب: " وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ/ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" - البقرة 127-.…
…أي يقولان ربنا تقبل منا بناءنا.
والقواعد من النساء: وهي التي قعدت عن الحيض. واحدتها... إلخ: " أي فلفظ الجمع مشترك، وتظهر التفرقة في الواحد"(4).
…4484- بالكفر: أي لرددتها على قواعد إبراهيم. أرى: أظن.
11- باب: " قُولُوا ءَامَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا " - البقرة 136 -.
…أي القرآن، والخطاب للمؤمنين.
…4485- لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم: ( أي إذا كان ما يخبرونكم به محتملا لأن يكون في نفس الأمر صدقا فتكذبوه، أو كذبا فتصدقوه، فتقعوا في الحرج، ولم يرد النهي عن تكذيبهم فيما ورد شرعنا بخلافه، ولا عن تصديقهم فيما ورد شرعنا بوفاقه، نبه على ذلك الإمام الشافعي رحمه الله)، قاله ابن حجر(5).
12- "سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ":
__________
(1) - في الأصل: "الطبراني" وهو تحريف، وما في الفتح 8/214 واضح: (وأخرج الطبري في تفسيره من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في هذه الآية…)، وانظر جامع البيان 1/422.
(2) - الفتح 8/214.
(3) - الفتح 8/214.
(4) - باللفظ من الفتح 8/215.
(5) - في الفتح 8/216.(5/14)
الجهال(1)، " مِنَ النَّاسِ": اليهود والنصارى، " مَا وَلّيهُمْ " الآية - البقرة 142-، أي ما صرفهم عن قبلتهم الأولى.
…4486- ستة عشر شهرا: بإلغاء شهري القدوم والتحويل، وهما ربيع الأول ورجب، لأن التحويل وقع في وسطه. أو سبعة عشر: بعد الشهرين المذكورين معا، "فأَوْ" للتنويع لا للشك. وأنه صلى أو صلاها: قال القاضي في المشارق: ( كذا لهم، ولابن السكن: " وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر"، وهو الصواب) هـ.
…وقال العارف: ( من خط الحافظ أبي عبد الله بن سعادة: صوابه " وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر، كذا وجدته بخط القاضي على هذا المكان من أصله العتيق) هـ.
…رجل: هو عباد بن بشر(2)، أوعباد بن نهيك(3). المسجد: إما مسجد قباء أو مسجد بني الحارث بالمدينة، وقدمنا بيان ذلك في الصلاة، وأن الذي توجه إلى قباء هو ابن بشر، والذي توجه إلى بني الحارث هو ابن نهيك. وكان: شأنية. الذي: مبتدأ على إرادة "الذين" فحذفت النون تخفيفا. رجال: خبر "الذي"، منهم أسعد بن زرارة والبراء بن معرور. قتلوا: قال ابن حجر: ( لم أعلم أن أحدا قتل من المسلمين قبل تحويل القبلة، إلا أن يكون في غير الجهاد)(4). إيمانكم: أي صلاتكم إلى بيت المقدس.
13- باب قوله تعالى: " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمُ أُمَّةً وَسَطًا ":
خيارا عدولا، " لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ": يوم القيامة أن رسلهم بلغتهم، « وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا » - البقرة 143-: أنه بلغكم.
__________
(1) - السفهاء جمع سفيه، وهو خفيف العقل، وأصله من قولهم ثوب سفيه أي خفيف النسج، انظر الفتح 8/216-217.
(2) - تقدمت ترجمته في شرح الحديث 4037.
(3) - عباد بن نهيك الأنصاري الخطمي.
ذكر ابن عبد البر أنه الذي أخبر قومه بتحويل القبلة.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 806، والإصابة 3/619.
(4) - الفتح 1/132 (شرح كتاب الإيمان، باب الصلاة من الإيمان، حديث 40).(5/15)
…وقال البيضاوي: ( شهيدا بعدالتكم)، قال: (وهذه الشهادة وإن كانت لهم، لكن لما كان الرسول - عليه السلام - كالرقيب المهيمن على أمته عُدِّيَ بِعَلَى)(1).
…4487- فتشهدون أنه قد بلغ: ( زاد أبو معاوية(2): فيقال: وما علمكم؟ فتقولون: أخبرنا نبينا أن الرسل بلغوا فصدقناه)(3). والوسط : العدل: هو مرفوع من نفس الخبر، وليس مدرجا من قول بعض الرواة، كما وهم فيه بعضهم، قاله ابن حجر(4).
14- باب قوله تعالى: " وَمَا جَعَلْنَا ":
صيرنا، "الْقِبْلَةَ" لك الآن الجهة، "الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا": أولا وهي الكعبة، " إِلاَّ لِنَعْلَمَ": علم ظهور أو لنختبر " مَن يَّتَّبِعُ الرَّسُولَ": فيصدقه، الآية تمامها: " مِمَّن يَّنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ" -البقرة 143-: فيرجع إلى الكفر، شكا في الدين، وقد ارتد لذلك جماعة.
…4488- جاء: عباد بن بشر.
15- باب قول الله تعالى: "قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ": تصرفه، "فِي": جهة، "السَّمَاءِ"
-البقرة 144-:
( متطلعا إلى الوحي، ومتشوفا للأمر باستقبال الكعبة، وكان - صلى الله عليه وسلم - يود ذلك لأنها قبلة إبراهيم، ولأنه أدعى إلى إسلام العرب، وذلك يدل على كمال أدبه حيث انتظر ولم يسأل)، قاله البيضاوي(5).
…" فَلَنُوَلِّيَنَّكَ": نحولنك، "قِبْلَةً تَرْضاهَا": تحبها، "فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ": نحوه وجهته.
__________
(1) - أنوار التنزيل 1/195.
(2) - أبو معاوية البجلي.
روى عن أبي الصهباء البكري وسعيد بن جابر الرعيني وسعيد بن جبير.
وعنه حميد بن زياد المدني وأبو مودود المدني.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 12/240.
(3) - نقلا عن الفتح 8/218.
(4) - في الفتح 8/218.
(5) -في أنوار التنزيل 1/197.(5/16)
…4489- القبلتين: بيت المقدس /ومكة. غيري: لتأخر موته(1).
………16- " وَلَئِنَ اتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ ءَايَةٍ ":
على صدقك في أمر القبلة، " مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ": عنادا ، الآية: " وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ" - البقرة 145-.
…4490- رجل: عباد بن بشر.
17- " الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ":
…قال ابن عطية: ( الضمير في "يعرفونه" عائد على الحق في القبلة، والتحول بأمر الله إلى الكعبة، قاله ابن عباس وقتادة وابن جريج والربيع، وقال قتادة أيضا ومجاهد وغيرهما، هو عائد على محمد - صلى الله عليه وسلم -، أي يعرفون صدقه ونبوته) هـ(2)، ونحوه للبيضاوي وابن جزي(3)، وكأن المص رحمه الله ذهب في تفسيرها على ما لابن عباس ومن تبعه، وبذلك تحصل المطابقة بينها وبين الحديث، والله أعلم؛ إلى: " فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ" -البقرة 146 و147-: الشاكين فيه، أي لا تكن من هذا النوع، وهو أبلغ من "لا تمتر".
18- "وَلِكُلٍٍٍّ وِجْهَةٌ":
أي لكل من الأمم قبلة، " هُوَ مُوَلِّيهَا" الآية - البقرة 148- : أي موليها وَجْهَهُ في صلاته.
__________
(1) - كان أنس آخر من مات بالبصرة من الصحابة، قاله علي بن المديني والبزار وغيرهما، وكانت وفاته سنة 90 أو 91 أو 93هـ، وهو الأصح، وله مائة وثلاث سنين على الأصح أيضا – انظر الفتح 8/219.
(2) - المحرر الوجيز 2/20-21.
(3) - محمد بن أحمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن جزي الكلبي الغرناطي، أبو القاسم.
له: القوانين الفقهية، والتسهيل لعلوم التنزيل، ووسيلة المسلم في تهذيب صحيح مسلم، والبارع في قراءة نافع.
توفي عام 741هـ.
ترجمته في: نفح الطيب 3/272، والدرر الكامنة 3/356، وأزهار الرياض في أخبار عياض 3/184.
وانظر كلام ابن جزي في التسهيل لعلوم التنزيل 1/63.(5/17)
…4492- نحو القبلة: يعني الكعبة.
19- " وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ ":
لسفر ونحوه، "فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ" الآية - البقرة 149- أي إذا صليت.
…شطره: مبتدأ محكي. تلقاؤه: خبر.
20- " وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ"
إلى "وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" - البقرة 150-:
…هذا أمر ثابت منه سبحانه باستقبال الكعبة، وإنما كرر للتأكيد لأنه أول ناسخ وقع في الإسلام، والنسخ من مظان الفتنة والشبهة، فمن ثم أكد.
21- باب قوله تعالى: " إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ ":
جمع شعيرة، وهي العلامة، أي السعي بينهما للحاج من أعلام دين الله، " فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ": إثم، " عَلَيْهِ أَن يَّطَّوَّفَ بِهِمَا": أي يسعى بينهما سبعا، " وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا": أي بخير، أي عمل مالم يجب عليه من طواف وغيره، " فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ": لعلمه بالإثابة عليه، " عَلِيمٌ" - البقرة 158-: به.
…الصفوان: من قوله تعالى: " كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ" –البقرة 264-.
…والصفا للجمع: واحده صفاة ، وهي الصخرة.
…4495- كانت فلا جناح عليه ألا يطوف: لتدل على رفع الإثم على تاركه، وذلك حقيقة المباح. إنما أنزلت...إلخ: بينت بهذا سبب نزول الآية، ومحصل كلامها أنها نزلت لسبب خاص، وهو ما ذكرته، فمن ثم اقتصر فيها على نفي الإثم، وأما وجوب السعي وعدمه فإنما هو مأخوذ من الحديث لا من الآية.
…لمناة: اسم صنم. يتحرجون أن يطوفوا... إلخ: لأنه كان عليهما صنمان يعبدهما غيرهم، وهما إساف على الصفا، ونائلة على المروة.(5/18)
…4496- نرى من أمر الجاهلية: ( في رواية ابن السكن: " نرى أنهما من أمر الجاهلية")(1)، وبها يستقيم الكلام، وأفاد بهذا أن لنزولها سببين، وقدمنا إيضاح ذلك في الحج.
22- باب قوله تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَّتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَادًا" - البقرة 165-:
من الأصنام.
…4497- دخل الجنة: إما أولا، أو بعد نفوذ الوعيد فيه.
………23- باب: " يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ ":
فرض، " عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ": أي المماثلة، "فِي الْقَتْلى": وصفا وفعلا، "الْحُرُّ بِالْحُرِّ": أي الحر يقتل بقتله الحر ولا يقتل بقتله/ العبد، "وَالاُنثى بِالاُنثى": وبينت السنة أن الذكر يقتل بالأنثى، والأنثى بالذكر، وأجمعت عليه الأمة، وأنه تعتبر المماثلة في الدين، فلا يقتل مسلم ولو عبدا، بكافر ولو حرا(2)، "فَمَنْ": مبتدأ واقعة على القاتل، أي فالقاتل الذي "عُفِيَ لَهُ": أي عنه،"مِنَ اَخِيهِ": أي من دم أخيه المقتول، "شَيْءٌ" من العفو بأن ترك القصاص منه، ورضي بالدية، "فَاتِّبَاعٌ "...إلخ: خبر "يتبع" القاتل بالدية، "بِالْمَعْرُوفِ": بلا عنف، ويؤدي الدية، "بِإِحْسَانٍ": بلا مماطلة ولا بخس، " ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ": حيث وسع عليكم في ذلك، وخير بين العفو والقصاص والدية، ولم يحتم واحدا كما حتم على اليهود القصاص وحرم عليهم العفو، وحتم على النصارى العفو وحرم عليهم القصاص، " فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذَلِكَ": المذكور من العفو وما معه.
__________
(1) - نقلا عن الفتح 8/222، وهي رواية صحيحة عند الحافظ اليونيني، انظر صحيح البخاري 6/28.
(2) - أدلة ذلك أن الله اشترط المساواة في المجازاة، ولا مساواة بين الكافر والمسلم، وقال عز وجل: "فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنَ اَخِيهِ شَيْءٌ"، ولامؤاخاة بينهما، وخالف في ذلك، وخلافهم مشهور.
انظر أحكام القرآن لابن العربي 1/61-62.(5/19)
…4498- قتل بعد قبول الدية: يعني أو بعد العفو، أو القصاص، وهو تفسير لقوله: "اعتدى"، "فَلَهُ عَذَابٌ اَلِيمٌ" - البقرة 178-: في الآخرة بالنار، وأما في الدنيا فقال الإمام مالك وغيره عن بعض العلماء: هو كمن قتل ابتداء إن شاء الولي قتله، وإن شاء عفى عنه، قاله ابن عطية(1).
…4499- كتاب الله: بالرفع والنصب، مبتدأ أو إغراء. القصاص: خبر أو بدل، أي حكم كتاب الله القصاص، يعني حيث وقع الامتناع عن العفو أو قبول الدية.
…4500- الرُّبَيِّع: بنت النضر. الأَرْش: أي الدية. إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره: أي جعله بارا في قسمه وفعل ما أراده، قال العارف: ( القسم على الله إذلال وانبساط يثور من مقام الأنس بالله، والتحقق بمحبته الخاصة، ولا يتفق إلا من محبوب مأخوذ عنه، ليس عليه بقية من نفسه، ولا شعور بوجوده وأنانيته، وإلا رد في وجهه، وكان سبب عطبه لسوء أدبه).
24- " يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ":
أي فرض، "كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" - البقرة 183-: المعاصي، فإنه يكسر الشهوة التي هي مبدؤها، واختلف في التشبيه في قوله: "كما"، فقيل هو على الحقيقة، فيكون صيام رمضان كتب على من قبلنا، وهو قول الحسن والسدي(2) والشعبي(3)
__________
(1) - في المحرر الوجيز 2/87.
(2) - عامر بن شراحيل بن عبد ذي كبار الشعبي الحميري.
محدث راوية، نشأ بالكوفة، وكان قاضيا لعمر بن عبد العزيز.
توفي بالكوفة عام 103هـ.
ترجمته في: حلية الأولياء 4/310، وتاريخ بغداد 12/227، وتهذيب التهذيب 5/65.
(3) - إسماعيل بن عبد الرحمن السدي.
تابعي سكن الكوفة.
كان إماما عارفا بالأيام والمغازي.
توفي سنة 128هـ.
ترجمته في: أعيان الشيعة للعاملي 12/9.(5/20)
وقتادة ، وورد فيه حديث مرفوع فيه مجهول، ولفظه: " صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم"، وقيل هو في مطلق الصوم دون وقته وقدره، وهو قول الجمهور، وروي عن معاذ وابن مسعود وغيرهما، وهو ظاهر صنيع المص، زاد الضحاك(1):" ولم يزل الصيام مشروعا من زمن نوح"، قاله في الفتح(2)، وعلى القول الأول اقتصر ابن العربي في العارضة، والدماميني في المصابيح.
…4501- يصومه أهل الجاهلية: ولعلهم اقتدوا في ذلك بشرع سابق، يعني وصامه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأمر بصيامه كما يأتي. فلما نزل رمضان: أي نزل صومه، وكان نزوله في شعبان من السنة الثانية. صامه: أي عاشوراء.
…4502- يصام: أي فرضا في أول الإسلام. صام: أي عاشوراء.
…4503- اليوم عاشوراء: يعني وأنت مفطر. كان يصام: أي فرضا. ترك: أي فرضه وبقي ندبه. فكل: كأنه كان يرى جواز فطر الصائم المتطوع، وهو مذهب الشافعية دون المالكية، وكان غرض ابن مسعود رضي الله عنه تأكيد بيان نسخه.
…4504- وأمر بصيامه: أمر إيجاب.
………25- باب قوله تعالى: " أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ":
__________
(1) - الضحاك بن مزاحم البلخي الخراساني، أبو القاسم.
مفسر مشهور بتأديبه للأطفال، قال الذهبي: (كان يطوف عليهم على حمار لكثرتهم).
له كتاب في التفسير.
توفي سنة 105هـ.
ترجمته في: ميزان الاعتدال 1/471، وتهذيب التهذيب 4/453.
(2) - الفتح 8/225.(5/21)
أي صوموا أياما قلائل أو مؤقتات بعدد معلوم، " فَمَن كَانَ مِنكُمْ مَّرِيضًا": مرضا يضر به الصوم، " أَوْ عَلَى سَفَرٍ":/ أي مسافرا سفرا تقصر فيه الصلاة، " فَعِدَّةٌ مِّنَ اَيَّامٍ اُخَرَ": أي فأفطر، فعليه صوم عدة ما أفطره من أيام أخر، " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ": إن أفطروا، " فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ": أي قدر ما يأكله في يومه، وهو مد من غالب قوت البلد، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: " فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ" - البقرة 185-، " فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا": بالزيادة على الفدية، " فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا": أيها المطيقون، " خَيْرٌ لَّكُمْ": من الإفطار والفدية، " إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" - البقرة 184-: أنه خير لكم فافعلوه.
…يفطر من المرض كله: ومذهب المالكية في المرض المبيح للفطر هو قول الشيخ خ(1): (وَبِمَرَضٍ خَافَ زِيَادَتَهُ وَتَمَادِيَهُ، وَوَجَبَ - أي الْفِطْر - إِنْ خَافَ هلاكًا أو شديدَ أَذًى)(2).
…يفطران: أي الحامل والمرضع، يعني حيث لم يمكن المرضع استئجار ولا غيره، والأجرة في مال الولد، ثم هل في مال الأب أو مالها، قولان. ثم يقضيان: وجوبا، ولا فدية عليهما.
…وأما الشيخ الكبير...إلخ: فإنه يفطر ويفدي استحبابا، ولا يقضي، هذا مذهبنا، قال الشيخ: ( ونُدِبَ فِدْيَةٌ لِهَرِمٍ وَعَطِشِ)(3).
__________
(1) - هذا الرمز اختصار لاسم "خليل".
وهو خليل بن إسحاق الجندي، المشهور بمختصره الفقهي.
تفقه بأبي عبد الله المنعرفي، وأخذ عن شيوخ مصر منهم عبد الله المنوفي.
ألف شرح جامع الأمهات لابن الحاجب وسماه التوضيح، وشرح ألفية ابن مالك.
توفي سنة 776هـ.
ترجمته في: الديباج المذهب 1/357-358.
(2) - مختصر خليل 1/88.
(3) - مختصر خليل 1/85.(5/22)
…كبر: لأنه مات عن مائة وثلاثين سنة(1).
…4505- يُطَوَّقُونَهُ(2): يكلفونه(3)، أي يكلفون إطاقته، زاد في نسخة: "ولايطيقونه". ليست بمنسوخة، هو للشيخ الكبير...إلخ: ( وهذا الحكم باق مستمر)، قاله ابن حجر(4). وقال ابن جزي: ( يطوقونه بمشقة كالشيخ الهرم، فيجوز له الفطر، ويكفر بالإطعام، فلانسخ على هذا) هـ(5).
…26- "فَمَن شَهِدَ": حضر،
"مِنكُمُ الشَّهْرَ": ظرف، أي فيه ولم يكن مسافرا "فَلْيَصُمْهُ" - البقرة 185- وجوبا.
…4506- منسوخة: بقوله: فمن شهد...إلخ.
…4507- قبل يزيد(6): شيخه، لأن بُكَيْرًا(7) توفي سنة عشرين ومائة، ويزيد سنة ست وأربعين ومائة(8).
27- " أُحِلَّ لَكُمُ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ":
__________
(1) - قال الحافظ ابن حجر في الفتح 8/219: (كانت وفاة أنس سنة تسعين أو إحدى أو ثلاث وهم أصح ما قيل فيها، وله مائة وثلاث سنين على الأصح أيضا، وقيل أكثر من ذلك، وقيل أقل).
(2) - هذه قراءة ابن عباس كما هي الرواية هنا، وهي كذلك عند ابن مسعود.
(3) - من تفسير عمرو بن دينار، وهو تفسير حسن، كذا قال الحافظ في الفتح 8/228.
(4) - في الفتح 8/228.
(5) - التسهيل لعلوم التنزيل 1/71.
(6) - يزيد بن أبي عبيد الحجازي، أبو خالد الأسلمي، مولى سلمة بن الأكوع.
روى عن مولاه وهشام بن عروة، وعنه بكير بن عبد الله الأشج ويحيى القطان.
وثقه أبو داود وابن حبان.
توفي سنة 147هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 11/349.
(7) - بكير بن عبد الله بن الأشج القرشي المدني.
روى عن كبار التابعين، وعنه يزيد بن أبي حبيب وابن مخرمة.
كان من عداد كبار الفقهاء والمحدثين.
توفي سنة 120هـ.
ترجمته في: التاريخ الكبير 1/113، والجرح والتعديل 1/403، وتهذيب التهذيب 1/491.
(8) - نقلا عن الفتح 8/229.(5/23)
الرفث كل ما يأتيه الرجل مع المرأة من تقبيل وملامسة وجماع، وضمن هنا معنى الإفضاء فعدى "بإلى"، إلى "وَابْتَغُوا": اطلبوا، " مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ" - البقرة 187- : أباحه من الجماع أو قدره من الولد.
…4508- رمضان كله: لا ليلا ولا نصارا. وكان رجال: منهم عمر بن الخطاب وكعب بن مالك وقيس بن صِرْمَة(1) يخونون أنفسهم: بالجماع ليلة الصيام، واعتذروا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، " فَتَابَ عَلَيْكُمْ": قبل توبتكم.
……28- "باب قوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الاَبْيَضُ":
وهو أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود، " مِنَ الْخَيْطِ الاَسْوَدِ"، وهو ما يمتد معه من غبش الليل، شبها بخيطين أبيض وأسود، واكتفى ببيان الأبيض عن الأسود لدلالته عليه، "مِنَ الْفَجْرِ" (2)- البقرة 187-: بيان للخيط الأبيض، وبيان الخيط الأسود محذوف لدلالة الأول عليه، أي من الليل.
…العاكف: من قوله تعالى:"وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فيِ المَسَاجِدِ"- البقرة 187-.
__________
(1) - قيس بن صرمة، وقيل صرمة بن قيس، وقيل صرمة بن أنس، وقيل قيس بن مالك، أبو صرمة.
كان ترهب في الجاهلية، قوالا للحق، وأدرك الإسلام شيخا كبيرا.
ترجمته في: الإصابة 3/422-423، و5/478.
(2) - تحرفت في الأصل إلى: "من الليل".(5/24)
…4509- عِقَالا: خيطا، أي وجعل الخيطين تحت وسادته. جعلتُ تحت وِسَادِي: زاد الأصيلي: "عقالين"، أي لأستبين بهما الفجر من الليل. إِنَّ وِسَادَتَكَ إِذًا لَعَرِيضٌ أَنْ كَانَ... إلخ: يعني إن كان الخيطان المرادان في الآية يصلحان أن يكونا تحت الوسادة، فلاشيء أعرض من هذا الوساد ولا أطول، وكذا القفا التي توضع على هذه الوسادة عريض أيضا، وهذا معنى قوله: إنك لعريض القفا، وإنك لضخم، على هذا حمله القاضي عياض، كما في الإكمال، وأنكر قول من قال إنه كناية/ عن الغباوة أو السمن، قال النووي: (الصواب ما اختاره عياض)، وقال القرطبي: ( من حمله على أنه كناية عن بلادته وعدم فهمه، فلم يصب) هـ؛ وعلبى ما للقاضي جرى الزركشي والدماميني(1)، وردا ما يخالفه.
…4511- فأنزل الله بعد...إلخ: قيل نزلت بعد سنة.
…ابن عطية: ( فيه تأخير البيان إلى وقت الحاجة، لا عن وقتها، وهو جائز) هـ.
…البيضاوي: ( اكتفى أولا باشتهارهما في ذلك، ثم صرح بالبيان لما التبس على بعضهم)(2).
29- باب قوله: " لَيْسَ الْبِرُّ":
التلاوة "وليس البر بِأَن تَاتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا": إذا أحرمتم بحج أو عمرة بأن تتسوروا الجدر، أو تنقبوا فيها نقبا، تدخلون منه وتخرجون وتتركوا الباب، وكانوا يفعلون ذلك ويزعمونه برا، "وَلَكِنِ الْبِرُّ" أي ذو البر، " مَنِ اتَّقى " الآية - البقرة 189-: أي اتقى الله بترك مخالفته.
…4512- البيت: أي بيت سكناهم. من ظهره: من نقب أو فرجة وراءه.
………
30- باب قوله تعالى: " وَقَاتِلُوهُمْ": أي الكفار،
" حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ": شرك، " وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ": خالصا ليس للشيطان فيه نصيب، "فَإِنِ انتَهَوْا": عن الشرك، فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ" - البقرة 193-: أي فلا تعتدوا على المنتهين، إذ لا يحسن أن يظلم إلا من ظلم.
__________
(1) - في تعليق المصابيح ص:492.
(2) - أنوار التنزيل 1/220.(5/25)
…4513- رجلان: هما العلاء بن عِرَار(1) وحِبَّان السلمي(2). في فتنة ابن الزبير: عام نزل به الحجاج وحاصره بمكة حتى قتله آخر سنة ثلاث وسبعين. تخرج: للقتال وإطفاء الفتنة(3). قاتلنا: أي مع النبي - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) - تقدمت ترجمته في شرح الحديث 4066.
(2) - حبان بن الحكم السلمي.
أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح، ثم أعطاها ليزيد بن الأخنس.
وهو أخو معاوية وعلي وغيرهما بني الحكم.
ترجمته في: الإصابة 2/13.
(3) - كان حقا على الشبيهي أن يزيد في البيان، ولا يختصر فيخل بالمعنى، فإن هذا هو مقصود الرجلين –أي أن خروج ابن الزبير فتنة في زعمهم-، وإلا فالحق التاريخي الذي لا ينكر أن المسلمين بايعوا عبد الله بن الزبير –وهو صحابي ابن صحابي- إلا طائفة من أهل الشام مردوا على حب الدنيا وبهجتها، فهل يعقل أن تصح خلافة عبد الملك بن مروان، ويسمى بطش الحجاج جهادا، في حين يسمى تحصن ابن الزبير بالبيت الحرام فتنة ! وخروجا على البيعة !
وقد كان ابن عمر بفعله معتزلا لما أبرموه من قتال ابن الزبير، وفي هذا مناصرة له وولاء، كما كان صاحب كلمات رشد حين أجاب السائلين: "قاتلنا حتى لا تكون فتنة، وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتاوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله".
وكفى به إنصافا لابن الزبير ومحقا لغيره، وهذا من معهود المقامات الإيمانية عند ابن الفاروق.
وفي صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الفتنة من قبل المشرق"، حديث 7095:
عن سعيد بن جبير قال: "خرج علينا عبد الله بن عمر فرجونا أن يحدثنا حديثا حسنا، قال: فبادرنا إليه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن حدثنا عن القتال في الفتنة والله يقول: "قاتلوهم حتى لا تكون فتنة"، فقال: هل تدري ما الفتنة ثكلتك أمك؟ إنما كان محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين، وكان الدخول في دينهم فتنة، وليس كقتالكم على الملك).(5/26)
…4514- فلان: قيل هو عبد الله بن لَهِيعَة(1)، وضعفه غير واحد. رجلا: لم يعرف. الجهاد: أي القتال الذي هو في ظنه كالجهاد(2). "فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا": بالنصح والدعاء إلى حكم الله. "بَغَتْ": تعدت. "تَفِيءَ": ترجع. "إِلىَ أَمْرِ اللهِ" - الحجرات 9 -: وتسمع للحق.
…4515- فما قولك في علي وعثمان؟ كأن هذا السائل كان من الخوارج الذين يعظمون الشيخين، وينقصون عثمان وعليا، فرد عليه ابن عمر فذكر مناقبهما رضي الله عنهما.
…كان الله عفا عنه: لما فر يوم أحد، بقوله تعالى:"وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ"-آل عمران 152-
…وخَتَنُهُ: زوج ابنته. هذا بيته: بين أبيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبين قربه من النبي - صلى الله عليه وسلم - منزلة ومنزلا.
………31- باب قوله تعالى: " وَأَنفِقُوا فيِ سَبِيلِ اللهِ ": طاعته،
"وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمُ إِلىَ التَّهْلُكَةِ": بالإمساك عن النفقة في الجهاد أو تركه، لأنه يقوي العدو عليكم، " وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ" - البقرة 195-: أي يثيبهم.
__________
(1) - عبد الله بن لهيعة بن عقبة بن فرعان بن ربيعة بن ثوبان الحضرمي، أبو عبد الله المصري.
روى عن الأعرج وأبي الزبير ويزيد بن أبي حبيب.
وعنه ابن أخيه لهيعة بن عيسى والثوري وشعبة والأوزاعي.
قال أحمد: ابن لهيعة أجود قراءة، وقال: ومن كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه، لكن بعد احتراق كتبه سنة 170هـ خلط ووهم.
وقد أخرج له البخاري في مواضع عدة من الصحيح.
توفي سنة 174هـ.
ترجنته في: ميزان الاعتدال 2/64، ووفيات الأعيان 1/249، وتهذيب التهذيب 5/373.
(2) - ما في الفتح 8/233 أوضح: (أطلق على قتال من يخرج عن طاعة الإمام جهادا، وسوى بينه وبين جهاد الكفار بحسب اعتقاده).(5/27)
…4516- نزلت في النفقة: أي في تركها، وروى مسلم وغيره عن أبي أيوب أنه قال: هذه الآية نزلت فينا معشر الأنصار، إنا لما أعز الله دينه وكثر ناصروه، قلنا بيننا سرا إن أموالنا قد ضاعت فلو أنا أقمنا فيها وأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله هذه الآية، وهو يفسر قول حذيفة.
32- باب قوله تعالى: " فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا اَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ" - البقرة 196-:
كحرارة وقمل، "فَفِدْيَةٌ"... إلخ.
…4517- حملت إلى النبي صلى الله عليه: أي في غزوة الحديبية. فنزلت في خاصة: هذا قول كعب(1). وهي لكم عامة: لأن قضية السبب لا تخصص.
33- باب: " فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ "
أي بسبب فراغه منها بمحظورات الإحرام، " إِلىَ الْحَجِّ": أي الإحرام به، " فَمَا اسْتَيْسَرَ": أي سهل، "مِنَ الْهَدْيِ" - البقرة 196-: من شاة فأعلى.
…4518- فلم ينه عنها: أي المتعة.حتى مات: - صلى الله عليه وسلم -.قال رجل: هو عمر رضي الله عنه. برأيه ما شاء: وأجيب عن هذا بأن عمر إنما نهى عن فسخ الحج في العمرة لأنه كان خاصا بحجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينه عن / التمتع الذي هو فعل الحج بعد الفراغ من العمرة.
34- باب: " لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ اَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّنَّ رَّبِّكُمْ" - البقرة 198-
أي عطاء منه تفضلا، وهو الربح بالتجارة والبيع والشراء.
…4519- فتأثموا: خافوا من وقوع الإثم. في مواسم الحج: هكذا في قراءة ابن عباس، وهي شاذة، وحكمها عند الأئمة حكم التفسير لا حكم القرآن.
…قال الغزالي(2)
__________
(1) - كعب بن عجرة بن أمية بن عدي بن عبيد بن خالد البلوي.
شهد عمرة الحديبية، ونزلت فيه قصة الفدية، وهي في الصحيحين.
توفي بالمدينة سنة 52 أو 53هـ.
ترجمته في: الاستيعاب ص:1321، والإصابة 5/599-600.
(2) - أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الغزالي.
قال الذهبي: صنف التصانيف مع التصون والذكاء المفرط، والاستبحار من العلم.
له: إحياء علوم الدين، والمستصفى من علم الأصول، وتهافت الفلاسفة.
توفي سنة 505هـ.
ترجمته في: البداية والنهاية 12/173، والعبر 4/10، ووفيات الأعيان 4/216.(5/28)
: ( أجمعت الأمة على أن من خرج حاجا ومعه تجارة، صح حجه وأثيب عليه).
35- "ثُمَّ أَفِيضُوا": ادفعوا، "مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ" - البقرة 199-:
…أي من عرفة لا من المزدلفة، والمراد بالناس سائر العرب، وقيل إبراهيم، وقيل آدم.
…4520- ومن دان دينها: كثقيف وخزاعة. بالمزدلفة: لأنها بالحرم، وكانوا يأنفون من الخروج من الحرم. الحُمْسَ: جمع أحمس، وهو الشديد الصلب، وسموا حمسا لأنهم تشددوا وتصلبوا في دينهم، وكانوا لا يستظلون بمنى.
…4521- يطوف الرجل بالبيت: تطوعا. ماكان حلالا: بأن كان مقيما بمكة، أو دخل بعمرة وتحلل منها. فإذا ركب إلى عرفة: وكان متمتعا. فمن: شرطية. ما تيسر: جواب الشرط، أي فعليه ما تيسر. فعليه ثلاثة أيام: أي صيامها. جمعا: أي مزدلفة. يتبرز به(1): من التبرز، وهو الخروج للبراز.
36- " وَمِنْهُم مَّن يَّقُولُ رَبَّنَا ءَاتِنَا فيِ الدُّنْيا حَسَنَةً " الآية - البقرة 201-:
…أي إلى قوله: " وَقِنَا عَذَابَ النّارِ"، وهذا دعاء جامع لخير الدنيا والآخرة.
…4522- اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة: قال النووي: ( أظهر الأقوال في تفسير الحسنة في الدنيا أنها العبادة والعافية، وفي الآخرة الجنة والمغفرة).
…وقنا عذاب النار: بعدم دخولها أصلا.
37- " وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ" - البقرة 204-:
…شديد الخصومة لك ولأتباعك لعداوته لك، والضمير للأخنس بن شريف.
…4523- قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: الألدّ: الشديد اللدد أي الجدال. الخصم: الكثير الخصومة، المولع بها، الماهر فيها.
38- " أَمْ حَسِبْتُمُ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلمَّا يَاتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ" الآية - البقرة 214-
أي شبه ما أتى الذين خلوا من قبلكم من المؤمنين من المحن والأوصاب، فتصبروا كما صبروا، نزلت في جهد أصاب المسلمين.
__________
(1) - في الفتح 8/237: (يتبرر فيه، براءين مهملتين، أي يطلب فيه البر).(5/29)
…4524- خفيفة: ذالها. ذهب: أي ابن عباس. هنالك: يعني إلى تخفيف الذال، ووجهه أن الضمائر للرسل، أي ظن الرسل أن أنفسهم كذبتهم ما حدثتهم به من النصر، أو الأول للأمم، أي ظن الأمم أن الرسل أخلفوا ما وعدوا به من النصر.
…4525- من معهم: من المومنين. "كُذِّبوُا" - يوسف 110-: مثقلة، ومعناها عليه، وظنوا - أي الرسل - أن أتباعهم كذبوهم، ويوجه التشديد أيضا بحمل الظن على اليقين، وضميره للرسل أيضا، وفي أنهم لقومهم الذين لم يتبعوهم، والحاصل: القراءتان معا صحيحتان متواترتان، ولا وجه لإنكار عائشة قراءة التخفيف(1).
39- " نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ":
أي محل زرعكم المني المتولد منه الولد، " فَاتُوا حَرْثَكُمْ": أي محله، وهو القبل، " أَنىّ شِئْتُمْ" - البقرة 223-: من قيام وقعود واضطجاع وإقبال وإدبار.
…4526- فأخذت عليه: أي أمسكت عليه المصحف، وهو يقرأ عن ظهر قلب، مكان: هو قوله: " نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ " الآية. في كذا وكذا: أي في إتيان النساء في أدبارهن، هكذا بين ما أبهم هنا إسحاق بن راهويه(2)، شيخ المؤلف هنا، في مسنده حيث أخرجه بسند البخاري مصرحا فيه بما ذكرناه، قاله/ ابن حجر(3).
__________
(1) - قرأ الكوفيون: "أنهم قد كُذِبوُا"، بتخفيف الذال، وشددها الباقون.
انظر: التذكرة 2/382، والكشف 2/15.
وقول عائشة في تفسير ابن كثير 2/497، وانظر معاني القرآن للفراء 2/56.
(2) - أبو يعقوب إسحاق بن راهوية بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن مطر الحنظلي المروزي، نزيل نيسابور، أحد أئمة المسلمين.
اجتمع له الحديث والفقه والحفظ والورع.
روى عن ابن علية وابن عيينة وعبد الرزاق وابن مهدي، وعنه الجماعة سوى ابن ماجه.
قال أحمد: لا أعلم لإسحاق بالعراق نظيرا، كان شديد الحفظ.
مات في النصف من شعبان سنة 238هـ.
ترجمته في: تذكرة الحفاظ 2/433، وتهذيب التهذيب 1/216، وطبقات الحفاظ ص:188-189.
(3) - في الفتح 8/240.(5/30)
…4527- وعن عبد الصمد(1): قائله إسحاق، "يأتيها في ": هكذا وقع في جميع النسخ، لم يذكر ما بعد "في"، وترك بعدها بياضا، وهو من الاكتفاء عند أهل البديع، ووقع في الجمع بين الصحيحين للحميدي(2): " يأتيها في الفرج"؛ قال ابن حجر: ( وهو من عنده بحسب ما فهمه، وليس مطابقا لما في نفس الأمر لما سأذكره، وقد قال أبو بكر بن العربي في سراج المريدين: أورد البخاري هذا الحديث في التفسير فقال: " يأتيها في " وترك بياضا، والمسألة مشهورة صنف فيها محمد بن سحنون جزءا(3)، ومحمد بن شعبان كتابا، وبين أن حديث ابن عمر، في إتيان المرأة في دبرها) هـ(4).
…ثم أورد ابن حجر روايات عن نافع وغيره من طرق متعددة فيها التصريح بقوله: "يأتيها في الدبر": قال: ( وهو يؤيد قول ابن العربي، ويرد قول الحميدي) هـ(5).
…والجمهور، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة(6)
__________
(1) - هو عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد، وقد تقدمت ترجمته في شرح الحديث 3932.
(2) - محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد الأزدي الميورقي الحميدي.
محدث أندلسي من أهل ميورقة.
تتلمذ على ابن حزم، ورحل إلى مصر والشام ومكة.
له: جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، والجمع بين الصحيحين، والتذكرة.
توفي ببغداد سنة 488هـ.
ترجمته في: نفح الطيب 1/381، والصلة 502، وبغية الملتمس 113، ووفيات الأعيان 1/485.
(3) - أبو عبد الله محمد بن سحنون، الإمام بن الإمام.
تفقه بأبيه وعبد العزيز المدني، وعنه ابن القطان وأبو جعفر بن زياد.
له: الجامع، والسند في الحديث، والرسالة في السنة.
توفي سنة 256هـ.
ترجمته في: ترتيب المدارك 4/204، والديباج المذهب 2/169، وشجرة النور الزكية 1/70.
(4) - الفتح 8/240.
(5) - الفتح 8/240، وما أحسن قول الإسماعيلي حين عاب صنيع البخاري: (جميع ما أخرج عن ابن عمر مبهم لا فائدة فيه).
(6) - أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطة الكوفي.
روى عن الشعبي وعطاء بن أبي رباح وحماد بن أبي سليمان.
وعنه أبو يوسف وزفر بن الهذلي ومحمد بن الحسن الشيباني.
ترجمته في: تاريخ بغداد 13/323، وتذكرة الحفاظ 168، والبداية والنهاية 10/107.(5/31)
وغيرهم، على حرمة إتيان المرأة في دبرها، وحملوا قول ابن عمر على معنى يطؤها في فرجها من جهة دبرها.
قال الدماميني: (ومن نقل عن الإمام مالك رحمه الله إباحته، فهو كاذب مفتر، قال ابن وهب: سألت مالكا فقلت: حكوا عنك أنك تراه، قال: معاذ الله، وتلا: " نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ "، ولا يكون الحرث إلا في موضع الزرع، وإنما نسب هذا إليه في كتاب السر، وهو كتاب مجهول لا يجوز اعتماده ولا النقل منه أصلا) هـ(1).
…قلت: وكذا ما نقله العيني(2) عن الإمام مالك رحمه الله في ذلك، كله مكذوب عليه، وأصحاب مذهبه أدرى بكلامه من غيرهم كما لا يخفى.
…4528- من ورائها: أي في قبلها. فنزلت: تكذيبا لهم.
40- " وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهنَّ ":
انقضت عدتهم، " فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ": تمنعوهن من " أَن يَّنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ" - البقرة 232-: المطلقين لهن، والمخاطب بذلك الأولياء.
…4529- أخت: اسمها جميل بالتصغير، أو ليلى. زوجها: والبراح بن عاصم. فأبى معقل(3): أن يردها له.
41- " وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَّتَرَبَّصْنَ":
بعدهم(4)، "بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا": ابن عطية: ( ظاهر الآية العموم ومعناها الخصوص في الحرائر غير الحوامل، أما الأرقاء فعدتهن على النصف من ذلك، وأما الحوامل فعدتهن وضع حملهن)(5).
__________
(1) - تعليق المصابيح ص: 493.
(2) - في عمدة القاري 18/117.
(3) - معقل بن يسار بن عبد الله بن معبر بن حراق بن أبي بن كعب المزني.
أسلم قبل الحديبية، وشهد بيعة الرضوان.
سكن البصرة، ومات بها في خلافة معاوية.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1432، والإصابة 6/184-186.
(4) - في أصل الشبيهي: "بعدهن"، وأشار محمد بن الحسين العرائشي إلى الصواب وهو: "بعدهم".
(5) - المحرر الوجيز 2/301.(5/32)
…" فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ": أيها الأولياء " فِيمَا فَعَلْنَ فيِ أَنفُسِهِنَّ": من التزوج، فما دونه من التزين وغيره، "بِالْمَعْرُوفِ": بالأمر الذي لا ينكره الشرع، " وَاللهُ ِبماَ تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" - البقرة 234-: فيجازيكم عليه.
…4530- " وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَّصِيَّةٌ لِّأَزْوَاجِهِمْ" الآية - البقرة 240-: نسختها الآية الأخرى، يعني: "يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ "الآية. فلم تكتبها: في المصحف مع أنها منسوخة. أو تدعها: مكتوبة. قال: عثمان(1). لا أغير شيئا من مكانه: يعني لأنها إنما نسخ معناها لالفظها ، وهذا الموضع مما وقع فيه الناسخ مقدما في ترتيب التلاوة على المنسوخ، وله نظائر(2).
__________
(1) - هو عثمان بن عفان، وقد تقدمت ترجمته .
(2) - من ذلك ما جاء في البقرة: "فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ"، فإن محكمة في التطوع مخصصة لعموم قوله تعالى: "وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ" –البقرة 149-، كونها مقدمة في التلاوة.
انظر نماذج أخرى في الفتح 8/246.(5/33)
…4531- عن مجاهد: أي في بيان الجمع بين الآيتين، وأنه لا نسخ لإحداهما بالأخرى، كما هو رأي مجاهد(1)، والجمهور على خلافه. "وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا: يَتَرَبَّصْنَ " الآية -البقرة 234-. هذه العدة: المذكورة في قوله: " يَتَرَبَّصْنَ..." إلخ. "وصية": أي عليهم وصية، "لأزواجهم": إلى تمام "الحول" من موتهم، الواجب عليهم تربصه. "غَيْرَ إِخْرَاجٍ": حال، أي غير مخرجات من مسكنهن، " فَإِنْ خَرَجْنَ": من قبل أنفسهم، "فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ": يا أولياء الميت، " فِيمَا فَعَلْنَ فيِ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ" - البقرة 240-: شرعا كالتزين، وترك الإحداد، وقطع النفقة عليهن. قال: أي مجاهد. سبعة أشهر وعشرين ليلة: أي الزائدة على أربعة أشهر وعشر.
…فالعدة: أي التي هي أربعة أشهر وعشر. كما هي واجب عليها: القياس: "واجبة عليها"، أي والزائد إلى تمام الحول بحسب الوصية، فإن شاءت/ قبلت الوصية، وتعتد في بيت الزوج إلى تمام الحول، وإن شاءت اكتفت بالواجب، قاله الكرماني(2)، فالآية عند مجاهد محكمة لا نسخ فيها. زعم: أي ابن أبي نجيح(3). هذه الآية: أي آية الوصية. قال عطاء: مفسرا لما رواه عن ابن عباس. لقوله: " فَلاَ جُنَاحَ "... إلخ: لدلالته على التخيير. ثم جاء الميراث: في قوله: " وَلَهُنَّ الرُّبُعُ..." إلخ - النساء 12 -. ولا سكنى لها: هذا قول أبي حنيفة، وقال الجمهور: لها السكنى في الأربعة أشهر وعشر فقط.
…4532- عظم: جمع عظيم. في شأن سُبَيْعَة (4)
__________
(1) - المقصود أنه إنما خص من الحول بعضه، وبقي البعض وصية لها إن شاءت أقامت كما في الباب.
(2) - في الكواكب الدراري 17/38.
(3) - عبد الله بن أبي نجيح يسار المكي، أبو يسار الثقفي مولاهم.
ثقة رمي بالقدر، وأخرج له الشيخان وأصحاب السنن.
ترجمته في: التقريب رقم 3262.
(4) - سُبَيْعَة بنت الحارث الأسلمية.
ثبت ذكرها في الصحيحين والموطأ.
روى عنها فقهاء المدينة وفقهاء الكوفة.
وروى عنها عمر بن عبد الله بن الأرقم ومسروق بن الأجدع.
توفي زوجها سعد بن خولة في حجة الوداع.
ترجمتها في: الاستيعاب ص: 1859، والإصابة 7/690-691.(5/34)
... إلخ: وأنها حلت بوضع حملها قبل الأربعة أشهر وعشر. فقال عبد الرحمن: ابن أبي ليلى(1). ولكن عمه: أي عبد الله بن عتبة، وهو عبد الله بن مسعود. كان لا يقول ذلك: بل يقول تعتد بآخر الأجلين ، كذا قال ابن أبي ليلى، والمشهور عن ابن مسعود أنه كان يقول: تحل بوضع حملها، كما في آخر الحديث، ولعله كان يقول: تعتد بآخر الأجلين ثم رجع. فقلت: قائله ابن سيرين(2). رجل: هو عبد الله بن عتبة. في جانب الكوفة: أي حي. قال : ابن سيرين. مالك بن عامر(3): هذا هو المحفوظ. التغليظ: هو طول زمن العدة إن زادت على أربعة أشهر ولم تضع. الرخصة: هي خروجها من العدة إن وضعت لأقل من أربعة أشهر وعشر، فمذهبه إذا خروجها من العدة بوضع حملها قبل تمام الأربعة أشهر وعشر، ثم بين وجه ذلك بما ذكره.
…القصرى: يعني سورة الطلاق، ومراده منها: " وَأُوْلاَتُ الاَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَّضَعْنَ حَمْلَهُنَّ" -الطلاق 4-. بعد الطولى: يعني سورة البقرة، ومراده منها: " وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَّتَرَبَّصْنَ..." إلخ - البقرة 234-، يعني والمتأخر ناسخ للمتقدم، هذا قصده، والجمهور على أنه لا نسخ هنا، وإنما عموم آية البقرة خص بآية الطلاق ، وهو ظاهر .
42- " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ":
بإتقان شرائطها وفرائضها، وأدائها في وقتها، والمداومة عليها، " وَالصَّلوَةِ الْوُسْطى - البقرة 238-: أي الفضلى، خاص بعد عام.
__________
(1) - أبو عيسى عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي.
روى عن أبيه وعثمان وعلي وحذيفة، وعنه الشعبي والحكم بن عتيبة.
قتل بموقعة الجماجم سنة 83هـ.
ترجمته في: غاية النهاية 1/376، وتهذيب التهذيب 6/260.
(2) - محمد بن سيرين تقدمت ترجمته في شرح الحديث 4096.
(3) - أبو عطية مالك بن عامر الوادعي الهمداني، وقيل ابن أبي عامر، وقيل غير ذلك.
ثقة أخرج له الشيخان.
توفي في حدود السبعين.
ترجمته في: التقريب رقم 8253.(5/35)
…واختلف في الصلاة الوسطى ما هي على عشرين قولا، حكاها ابن حجر(1) وابن غازي والحطاب وغيرهم، ونظمها سيدي عبد الواحد الونشريسي(2) في قوله:
كل من الخمس فهي فالجمعة … - …فالوتر فالظهر وجمعة معه
فالخوف فالعيدان فهي مبهمة… - …في الخمس فالصبح ومعها العتمة
فصبح أو عصر على التردد … - …ثم صلاتنا على محمد
فالصبح مع عصر فوقف فالضحى… - …ثم الجماعة بها الوسطى اشرحا هـ
…ومذهب مالك والشافعي رحمها الله وجمهور أصحابهما أنها الصبح، ومذهب الحنفية وبعض الشافعية أنها العصر، واختار ابن أبي جمرة أنها الصبح والعصر، قال: " وذكر بعض أحبائه أنه رآه مناما يعرض ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له - صلى الله عليه وسلم -: حسن ما قلت، وما ظهر لك حق)، هـ من بهجته.
__________
(1) - في الفتح 8/247-249 (في سياق طويل).
(2) - عبد الواحد بن أحمد بن يحيى الونشريسي، أبو أحمد.
ولد بفاس.
له: شرح على ابن الحاجب، ونظم قواعد إيضاح المسالك، والفهرسة.
توفي مقتولا بفاس عام 955هـ.
ترجمته في: نيل الابتهاج 188، ودليل مؤرخ المغرب الأقصى 347.(5/36)
…4533- عن الصلاة الوسطى: من إضافة الموصوف للصفة، زاد المص في الدعوات: " وهي صلاة العصر"، وقال ابن بطال ما نصه: ( قال أبو عبد الله بن أبي صفرة(1): إنما سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - العصر وسطى تشبيها لها بالصبح، لفضلها باجتماع الملائكة فيها، لقوله: ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، وقرأ: " إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا"- الإسراء 78-، فالصبح وسطى بالكتاب، والعصر وسطى بالسنة، لأن الصبح مذكورة في الكتاب بشهود الملائكة لها، والعصر مذكورة بذلك في السنة، ألا ترى أن عائشة وحفصة أمرتا أن يكتب لهما في المصحف: " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلوَةِ الْوُسْطى وصلاة العصر"، فخصتا العصر بالمحافظة مع الوسطى لاشتراكهما في تعاقب الملائكة، ولاشتباههما في أن الصبح يغلب الناس النوم عليها، وأن العصر يغلب عليها الكسل والسآمة، لما كانوا عليه من اشتغالهم ونظرهم في معايشهم، فيزاحم الشغل والكسل في وقتها، والله أعلم)، هـ بلفظه.
…وقال الإمام الفخر الرازي في تفسيره: ( القول بأن الوسطى الصبح هو قول علي عليه السلام، وعمر وابن عباس وجابر بن عبد الله وأبي أمامة الباهلي(2) وطاووس وعكرمة ومجاهد، وهو مذهب الشافعي رحمه الله ، ثم استدل على صحة هذا القول بعشرة وجوه، وعلى أن الصبح أفضل الصلوات بسبعة وجوه، فانظره) هـ(3).
__________
(1) - هو المهلب بن أبي صفرة شارح البخاري، وقد تقدم في شرح الحديث 4431.
(2) - أبو أمامة صدي بن عجلان بن الحارث بن وهب بن عريب الباهلي، مشهور بكنيته.
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزيل حمص.
روى عن عمر ومعاذ وأبي عبيدة، وعنه شرحبيل بن مسلم والقاسم بن عبد الرحمن ومكحول.
قال ابن حبان: كان مع علي بصفين.
ترفي سنة 86هـ.
ترجمته في: طبقات ابن سعد 7/411، والتاريخ الكبير 4/326، والجرح والتعديل 4/454، والاستيعاب ص: 1602، والإصابة 3/420-421.
(3) - التفسير الكبير 6/158-159.(5/37)
…وقال الإمام ابن العربي في القبس: ( الصحيح عندي أنها مخفية في جملة الصلوات، لأن الأحاديث لم تثبتها زيادة في فضلها، والأقوى من جهة الدليل أنها الصبح حسبما ذهب إليه مالك، لأنها فاتحة العمل، ولأن صلاتها تعدل قيام ليلة)، زاد في الأحكام: (ولأنها بين نهاريتين وليلتين، وهن أجل الصلوات قدرا، والظهران والعشاءان يجمعان، وهي لا تجمع مع شيء من الصلوات)، ثم قال في القبس: ( ولله دَرُّ مالك ما كان أرحب ذراعه في النظر واطلاعه على الأدلة، وقد استدل القاضي أبو محمد بن أبي زيد(1) شيخ المالكية على أنها الصبح، بقوله تعالى: " وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ" – البقرة 238-، والقنوت لا يكون إلا في الصبح، ولأنها ركعتان لا نظير لها في سائر الصلوات) هـ، وانظر كتاب الدعوات.
43- " وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ " – البقرة 238-:
أي مطيعين، وقيل ساكتين، وهو الموافق لحديث الباب، وقيل المراد به قنوت الصبح.
44- " فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً اَوْ رُكْبَانًا ":
__________
(1) - ابن أبي زيد القيرواني، تقدمت ترجمته في شرح الحديث 3906.(5/38)
أي صلوا رجالا... إلخ، " فَإِذَا أَمِنتُمْ" الآية - البقرة 239-: أي من العدو، أو زال خوفكم " فَاذْكُرُوا اللهَ " /أي اتموا صلاتكم بركوعها وسجودها. كرسيه: من قوله سبحانه: " وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالاَرْضَ" - البقرة 255-. علمه: أي أحاط علمه بهما، ونقل هذا التفسير أيضا عن ابن عباس وغيره، ورجحه الطبري(1)، والذي لأكثر المفسرين، وقال ابن عطية: ( إنه الذي تقتضيه الأحاديث)(2)، والفخر الرازي: ( إنه المعتمد أن الكرسي جسم بين يدي العرش، محيط بالسموات، لخبر: "والذي نفسي بيده، ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وأن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة" )(3).
…السنة: من قوله تعالى: " لاَ تَاخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ" - البقرة 255- نعاس: ابن عطية: (وهو فتور يعتري الإنسان، وترقيق في عينه، وليس يفقد معه كل ذهنه، والنوم هو المستثقل الذي يزول معه الذهن)(4).
…" وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ" - البقرة 255-.
…" يتسنه": من قوله تعالى: " فَانظُرِ الىَ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ" - البقرة 259-.
…" فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " - البقرة 258-.
__________
(1) - في جامع اليبان 3/8 في قوله: (وأما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن فقول ابن عباس: هو علمه).
(2) - المحرر الوجيز 2/386، وليس فهم الشبيهي للنص بقويم، فقد ذكر ابن عطية تفسير ابن عباس وغيره كالسدي وأبي موسى الأشعري، ثم جاء بفقرة منفصلة لا تشهد لهذا أو ذاك فقال: (والذي تقتضيه الأحاديث أن الكرسي مخلوق عظيم بين يدي العرش، والعرش أعظم منه…)، وليس فيه ما يشهد لتفسير الكرسي بالعلم.
(3) - انظر التفسير الكبير 7/12.
(4) - المحرر الوجيز 2/380، وفيه: (ترنيق) !(5/39)
…" خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنّى يُحْيِي هَذِهِ اللهُ... إلخ - البقرة 259-.
…" إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ" - البقرة 266-.
…4535- استأخروا مكان الذين لم يصلوا: فيقابلون العدو. ثم ينصرف الإمام: بأن يسلم. أو ركبانا: على دوابهم إيماء.
45- " وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَّصِيَّةٌ لِّأَزْوَاجِهِمْ" الآية - البقرة 240-
…4536- قد نسختها الأولى: هي قوله سبحانه: "وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَّتَرَبَّصْنَ" الآية - البقرة 234-.
…تدعها: أي مكتوبة. أو نحو هذا: يعني: أو قال نحو هذا.
46- " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتى" - البقرة 260-
استفهام عن هيئة الإحياء وكيفيته ، والإحياء متقرر، قاله ابن عطية(1)، ونحوه للطيبي. فَصُِرْهُنَّ إليك: بكسر الصاد وضمها(2): قَطِّعْهُنَّ، هذا تفسير للمكسور، ومعنى المضموم: ضُمَّهُنَّ(3).
…4537- نحن أحق من إبراهيم : أي بالشك، كما في جل الروايات، أي لو كان الشك متطرقا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به، قاله - صلى الله عليه وسلم - تواضعا، أي وقد علمتم أني لا أشك، فإبراهيم عليه السلام لم يشك، كذا قرره شيخ الإسلام، وراجع كتاب الأنبياء.
47- باب قوله: " أَيَوَدُّ أَحَدُكُمُ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ":
__________
(1) - في المحرر الوجيز 2/418.
(2) - قرأ حمزة بكسر الصاد، وضمها الباقون، وحجة من كسر أنه يقال: صِرُت الشيء أملته، وصِرته قطعته، وحجة من ضم من قولهم: صار يصور على معنى أملهن وقطعهن، فهما بمعنى واحد عند مكي بن أبي طالب.
انظر: التذكرة 2/274، والكشف 1/313.
(3) - هذا من كلام ابن التين السفاقسي، وهو في تعليق المصابيح للدماميني ص:494، واستغربه عياض فقال: (تفسير صرهن بقطعهن غريب، والمعروف أن معناها أملهن، يقال: صاره يصيره ويصوره إذا أماله) – انظر الفتح 8/254.(5/40)
كائنة، " مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ" إلى قوله " لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ" - البقرة 266-: فتعتبرون بها، والغرض منها تمثيل حال من ينفق رياء ومنا في ذهاب نفقته وعدم نفعه بها حالة كونه أحوج ما يكون إليها في الآخرة، بحال من هذا شأنه، والاستفهام بمعنى النفي.
…4538- أغرق: أضاع أعماله: الصالحة، بما ارتكب من المعاصي، واحتاج إلى شيء من الطاعات في أهم أحواله فلم يحصل له منها شيء.
………48- باب: " لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا" - البقرة 273-
أي إلحاحا، وهو ( أن يلازم المسؤول حتى يعطيه، والمعنى أنهم لا يسألون، وإن سألوا للضرورة لم يلحوا)، قاله البيضاوي(1).
…وأحفاني بالمسألة: أي بالغ فيها." فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجَ اَضْغَانَكُمْ"- محمد 38-.
…4539- ليس المسكين: أي الكامل. الذي ترده...إلخ: أي لأنه قادر على تحصيل قوته، وقد تأتيه الزيادة إليه فتزول حاجته. إنما المسكين: الكامل. الذي يتعفف: عن المسألة فيحسبه الجاهل غنيا. يعني: قائله سعيد(2).
49- " وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا " - البقرة 275 -
…إنكار لتسويتهم بينهما، وإبطال للقياس لمعارضة النص.
المس:من قوله تعالى:"لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ اْلمَسِّ-البقرة 275-.
…الجنون: ( قال ابن عباس: فآكِلُ الربا يُبْعَثُ يوم القيامة مجنونا)(3).
__________
(1) - في أنوار التنزيل 1/267.
(2) - سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم، المعروف بابن أبي مريم الجمحي، أبو محمد المصري.
روى عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ومالك والليث.
وعنه البخاري ومحمد بن عوف الطائي وحميد بن زنجويه والقاسم بن سلام وابن معين.
توفي سنة 224هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 4/17-18.
(3) - رواه ابن أبي حاتم عنه، انظر الفتح 8/257.(5/41)
…4540- من آخر سورة البقرة: " الَّذِينَ يَاكُلوُنَ الرَّبَا" إلى آخر آيات الدَّيْن - البقرة 275 إلى 282- ثم حرم التجارة في الخمر: بيعا وشراء بعد تقدم تحريمه في نفسه.
50- " يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا " - البقرة 276-.
…يذهبه:/ أي يذهب المال الذي يدخل فيه بالكلية، أو يذهب بركته فلا ينتفع به.
51- " فَاذَنوُا بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ " - البقرة 279-:
فاعلموا أن الله محارب لكم، من أذن بالشيء إذا أعلم به.
…ابن عطية: ( روى ابن عباس أنه يقال يوم القيامة لآكل الربا: خُذْ سلاحك للحرب)(1).
52- باب: "وَإِن كَانَ": وقع غريم،" ذُوعُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ اِلىَ مَيْسُرَةٍ " الآية -البقرة 280-
أي يسار، أي يجب عليكم إنظاره إليه.
53- باب: " وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلىَ اللهِ" - البقرة 281-:
هو يوم القيامة أو يوم الموت.
……4544- آخر آية نزلت ... إلخ: وعن ابن عباس أيضا: آخر آية نزلت: "وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلىَ اللهِ "، فلعل المؤلف أراد أن يجمع بين قولي ابن عباس، (وطريق الجمع بينهما أن هذه الآيات هي ختام الآيات المنزلة في الربا، إذ هي معطوفة عليهن، وأما ما يأتي في سورة النساء من أن آخر آية نزلت: " يَسْتَفْتُونَكَ"… إلخ - النساء 176-، فيجمع بينه وبين ما هنا بأن هاتين الآيتين نزلتا جميعا، فصدق أن كلا منهما آخر بالنسبة لما عداه)، قاله ابن حجر(2).
54- باب: " وَإِن تُبْدُوا مَا فيِ أَنفُسِكُمْ ":
من السوء، " أَوْ تُخْفُوهُ": تسروه الآية - البقرة 284-، أي يحاسبكم به الله. …
…4545- نسخت:" وَإِن تُبْدُوا "...إلخ: أي بقوله: " لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا اِلاَّ وُسْعَهَا" الآية - البقرة 286-.
55- " ءَامَنَ الرَّسُولُ":
__________
(1) - المحرر الوجيز 2/490.
(2) - في الفتح 8/259.(5/42)
سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، أي صدق " بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ" - البقرة 285-: من القرآن وسائر ما أوحي إليه.
…روى الحاكم عن أنس: لما نزلت هذه الآية قال - صلى الله عليه وسلم -: " حُقَّ له أن يؤمن".
"إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا" - البقرة 286-.
…4546- نسختها الآية التي بعدها: هي قوله سبحانه: " لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا اِلاَّ وُسْعَهَا "، قيل الآية الأولى خبر وهو لا يدخله النسخ، وأجيب بأنه يدخله إذا تضمن حكما، على أنه قد جوز جماعة النسخ في الخبر المستقبل، وعليه البيضاوي، وفي الماضي أيضا، وعليه الرازي والآمدي(1).
بسم الله الرحمن الرحيم سورة آل عمران
…مدنية، مائتا آية، وقيل إلا آية(2).
…" شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا - آل عمران 103-.
…الركية: البئر.
…المسموم: من قوله تعالى: " وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ" آل عمران 14 -.
أو بما كان: من العلامات.
…ربيون: من قوله تعالى:"وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيءٍ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ"- آل عمران 146-.
…واحدها ربي: وهو العالم، منسوب إلى الرب، وكسرت راؤه تغييرا في النسب.
…" تُبَوِّئُ الْمُومِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ" آل عمران 121-.
…" سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الاَنبِئَاءَ بِغَيْرِحَقٍّ " آل عمران 181-.
…" نزلا ": من قوله تعالى: "وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللهِ" آل عمران 195-.
__________
(1) - علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي الآمدي، سيف الدين.
ولد بآمد، وأقام ببغداد.
له: إحكام الإحكام في الأحكام، وغاية المرام.
توفي ببغداد عام 631هـ.
ترجمته في: حسن المحاضرة 1/321، وشذرات الذهب 3/323، ووفيات الأعيان 1/415.
(2) - هي مائتا آية في جميع العدد، انظر البيان ص:143، والكشف 1/334.(5/43)
…الْمُطَهَّمَة: قال الأصمعي: ( المطهم التام كل شيء منه على حدته، فهو بارع الجمال).
…" يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ" -آل عمران 27-: معناه النطفة تخرج ميتة من الحي، ويخرج منها الحي الولد.
1- باب: " مِنْهُ": أي من الكتاب وهو القرآن، " ءَايَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ" - آل عمران 7-:
واضحات الدلالة. وقال مجاهد: الحلال والحرام أي آياتهما. " وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ": يصدق...إلخ: ابن حجر: ( وقع في هذا الكلام تغيير، وبتحريره يستقيم الكلام، ولفظ مجاهد: آيات محكمات، ما فيه من الحلال والحرام، وما سوى ذلك منه متشابه يصدق بعضه بعضا، هو مثل قوله: "وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ" - البقرة 26-) هـ(1)؛ ونحوه لابن عطية(2) . لايومنون: التلاوة " لاَ يَعْقِلُونَ" - يونس 100-.
…"وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا" - محمّد 17-: هذا بيان لكونه يصدق بعضه بعضا، لأن المفهوم من الآية الأولى أن الفاسق هو الضال، وتصدقه الأخرى/ حيث يجعل الرجس على الذي لا يعقل، وكذلك حيث يزيد المهتدي الهداية، هذا إيضاح كلام مجاهد، قال ابن عطية: ( ويضعفه أن أهل الزيغ لا تعلق لهم بنوع مما ذكر دون سواه)هـ.
…والذي عليه جمهور المفسرين في معنى الآية أن المحكم ما وضحت دلالته، فيدخل فيه النص والظاهر، والمتشابه مالم تتضح دلالته لإجمال أو مخالفة ظاهر، فيدخل المجمل والمؤول، ومنه أوائل السور.
…"زيغ": من قوله تعالى: " وَأَمَّا الَّذِينَ فيِ قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ" - آل عمران 7-: شك وضلال.
…المشبهات: هذا قول مجاهد أيضا، وكذا هو في النسخ بالميم، وفي تفسير ابن عطية ما نصه: ( وقال مجاهد: الفتنة الشبهات واللبس على المؤمنين) هـ(3)، وهو واضح.
__________
(1) - الفتح 8/256.
(2) - في المحرر الوجيز 3/17.
(3) - المحرر الوجيز 3/23.(5/44)
…4547- " هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ": أي أصله، يرد إليها غيرها، وقيل أصله المعتمد عليه في الأحكام. فاحذروهم: وأول ما ظهر ذلك من اليهود، حيث أولوا الحروف المقطعة في أوائل السور على حساب الجمل بقدر مدة هذه الأمة، ثم ظهر في الخوارج أيضا.
2- باب: " وَإِنِّيَ أُعِيذُهَا بِكَ": أجيرها بحفظك، "وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ"
- آل عمران 36-: المطرود.
…4548- يمسه: يطعنه بأصبعه حقيقة، كما للطيبي والبيضاوي(1) وغيرهما، وما للزمخشري هنا(2) تكفل برده العلامة التفتزاني(3) وغيره، وشنعوا عليه غاية، انظر المصابيح(4) والإرشاد، وفتح القدير. فيستهل: يولد حال كونه صارخا: رافعا صوته. إلا مريم وابنها: قال القاضي عياض: ( جميع الأنبياء عليهم السلام مثل عيسى في ذلك)، قال القرطبي: ( وهو قول مجاهد).
…3- باب: " إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً " - آل عمران 77-
__________
(1) - قال في أنوار التنزيل 2/16: (وعن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا والشيطان يمسه حين يولد، فيستهل منه إلا مريم وابنها" ومعناه أن الشيطان يطمع في إغواء كل مولود بحيث يتأثر منه إلا مريم وابنها، فإن الله تعالى عصمهما ببركة هذه الاستعاذة)، وليس في النقل معنى الطعن لكلمة المس كما أشار إليه الشبيهي رحمه الله.
(2) - الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل 1/357، وفيه –بعدما ذكر نص الحديث-: (وما يروى من الحديث فالله أعلم بصحته، فإن صح فمعناه أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها فإنهما معصومين، وكذلك كل من كان في صفتهما).
(3) - مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني، سعد الدين.
ولد بتفتازان إحدى قرى نسا.
له: حاشية على الكشاف، والتهذيب في المنطق، والمقاصد في الكلام.
توفي بسمرقند سنة 791هـ.
ترجمته في: الدرر الكامنة 4/350، وبغية الوعاة 391، والبدر الطالع 2/303.
(4) - تعليق المصابيح ص:495.(5/45)
متاع الحياة الدنيا.
…4549، 4550- صبر: ألزمها له السلطان وأكرهه عليها حتى حلفها. مسلم: أو ذمي، أو معاهد. غضبان: فيعامله معاملة المغضوب عليهم. ابن عم لي: اسمه سعدان، ولقبه الجفشيش.
…4552- أو في الحجرة: الحجرة الموضع المنفرد من الدار، ووقع هنا حذف وأصله: "وفي الحجرة حداث"، أي ناس يتحدثون، كذا في رواية ابن السكن. بأشفى: آلة الخرز. فادعت على الأخرى: أنها هي التي ضربتها، وأنكرتها المدعى عليها. لو يعطى الناس…إلخ: أي ما طلبوه. ذكروها: أي المدعى عليها، أي أخبروها أن اليمين تجب عليها عند عجز المدعية عن الإثبات.
4- باب: " قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوِا اِلىَ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ":
…أي عدل ونصف نستوي فيها نحن وأنتم، " أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ" - آل عمران 64-: هذا تفسير للكلمة.(5/46)
…4553- مِنْ فِيهِ إِلىَ فيِ: لم يقل: من فيه إلى أذني، للإشارة إلى أنه كان متمكنا من الإصغاء إليه، بحيث يجيبه إذا احتاج إلى الجواب. في المدة: أي مدة صلح الحديبية على وضع الحرب عشر سنين. عظيم بُصْرَى: الحارث بن أبي شمر الغساني. فدفعه: أي أرسله مع عدي بن حاتم. لكذبت: لأنه أمن أن يكذبوه. حسبه: الحسب ما يعده المرء من مفاخر آبائه. ذو حسب: رفيع. غير هذه: ومع ذلك لم يلتفت إليها هرقل. وهم أتباع الرسل: غالبا. سخطة: كراهة. بشاشة القلوب: أي انشراحها له. سجالا: تفسيره ما بعده. بسم الله الرحمن الرحيم: قال النووي: ( فيه استجاب تصدير الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم، وإن كان المكتوب إليه كافرا)(1). بدعاية الإسلام: أي بالكلمة الداعية إلى الإسلام، وهي شهادة أن لاإله إلا الله. وأسلم: تأكيد. مرتين: لأن إسلامه سبب إسلام أتباعه. الأَرِيسِيِّينَ: أي الزراعين، ونبه بهم على جميع الرعايا، لأن امتناعه سبب لتماديهم على الامتناع. وكثر اللغظ: من عظماء الروم بسبب ما فهموه منه من ميله إلى الإسلام. ابن أبي كبشة: كنية أبي النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة/، الحارث بن عبد العزى. في دار له: وأغلق أبوابها. فحاصوا: نفروا.
5- باب : " لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ" -آل عمران 92-:
…أي لن تنالوا كمال البر أو ثواب الله أو الجنة، إن لم تكونوا أبرارا، حتى يكون الإنفاق من محبوب أموالكم.
…4554- أحب: بالنصب خبر كان. بيرحاء: اسمها مبني للتركيب، كرَامَ هُرْمُز. بَخٍ: كلمة تعجب. رايح: من الرواح، أي شأنه الذهاب والفوات، فإذا ذهب في الخير فهو أولى رابح يربح صاحبه في الآخرة.
6- باب " قُلْ فَاتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" - آل عمران 93-:
فيما تزعمون.
…4556- وامرأة : هي بسرة. نُحَمِّمُهُمَا: نسود وجوههما بالحمم، وهو الفحم.
__________
(1) - في الفتح 8/278.(5/47)
…فَوَضَعَ مِدْرَاسُهَا : هو عبد الله بن صوريا، وزعم السهيلي والثعلبي أنه أسلم بعد ذلك. كَفَّهُ…إلخ: هذا من سخافة عقله، حيث فعل ما ذكر بمحضر عبد الله بن سلام حافظ التوراة. فنزع يده: أي نزعها له عبد الله بن سلام. فَرُجِمَا: أي بحكم التوراة. يجني: كذا في نسخة ابن سعادة بالجيم، وقال: صوابه "يجنأ"، أي ينكب عليها، والذي في الفتح والإرشاد: "يحني" بالحاء المهملة(1)، أي يميل وينعطف.
7- باب: " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ اُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" - آل عمران 110-:
…أي ظهرت للناس، وهذا خطاب لأمة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، جعلنا الله من خيارهم بمنه وكرمه، أي كنتم في علم الله، أو في اللوح المحفوظ، ( ولا حاجة إلى ادعاء زيادة كان)، قاله الدماميني(2).
…4557- خير الناس للناس: أي خير بعضهم لبعض، أي أنفعهم لهم، حتى يدخلوا في الإسلام: فهم سبب في إسلامهم.
8- باب: " إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمُ أَن تَفْشَلاَ " - آل عمران 122-:
…تجبنا عن القتال وترجعا إلى المدينة، وذلك في أحد.
…4558- وما يَسُرُّنيِ أنها لم تنزل: أي لا أحب عدم نزولها، بل أحب نزولها.
9- باب: " لَيْسَ لَكَ مِنَ الاَمْرِ شَيْءٌ " - آل عمران 128-
…بل الأمر لله، فاصبر، أي إلى أن يتوب عليهم بالإسلام، أو يعذبهم فإنهم ظالمون.
…4559- من الفجر: أي الصبح. فلانا وفلانا وفلانا: هم صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام، وقد أسلموا كلهم.
…4560- الوليد(3): أخا خالد بن الوليد. وسلمة: أخا أبي جهل لأبيه. وعياش(4)
__________
(1) - الفتح 8/284 (وهي رواية الكشميهني)، والإرشاد 7/68.
(2) - في تعليق المصابيح ص: 496.
(3) - الوليد بن أبي الوليد عثمان، وقيل ابن الوليد، مولى عثمان أو ابن عمر، المدني أبو عثمان.
ترجمته في: التقريب رقم 7464.
(4) - عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي.
أسلم قديما وهاجر الهجرتين.
استشهد باليمامة، وقيل باليرموك.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1230، والإصابة 5/750.(5/48)
: أخاه أيضا لأمه. وطأتك: بأسك. واجعلها: أي الوطأة. لأحياء من العرب: هم رِعْل وذَكْوَان وعصية.
10- باب قوله سبحانه: " وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فيِ أَخْراكُمْ" - آل عمران 153-:
…أي من ورائكم، يقول: إلي عباد الله، إلي عباد الله.
…" إحدى الحسنيين ": من قوله: " هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ"، ومحل هذه سورة براءة - التوبة 52-.
…4561- غير اثني عشر رجلا: وقيل أكثر من ذلك، كما سبق مع تسميتهم في غزوة أحد، ثم تراجع الناس شيئا فشيئا.
11- باب قوله تعالى: " أَمَنَةً": أمنا، "نُعَاسًا" - آل عمران 154-: بدل منه.
…4562- غشينا النعاس... إلخ: أمنة لأهل اليقين، فناموا من غير خوف، جازمين بأن الله سينصر رسوله، وينجز له وعده.
12- باب قوله تعالى: " الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ":
يوم أحد، " لِلّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوَا اَجْرٌ عَظِيمٌ" - آل عمران 172-:
…سبب هذه الآية أن المشركين لما أصابوا من المسلمين ما أصابوا يوم أحد كروا راجعين، فلما بلغوا الرَّوْحَاء ندموا وهموا بالرجوع إلى المدينة، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فندب أصحابه إلى الخروج في طلبهم ليرعبهم ويريهم أن فيهم قوة، فخرج - صلى الله عليه وسلم - مع جماعة من أصحابه، وكان فيهم القرح، حتى بلغوا حمراء الأسد، وألقى الله الرعب في قلوب المشركين فانصرفوا.
13- باب : " إِنَّ النَّاسَ/ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ " - آل عمران 173-:
…سبب نزول هذه الآية أن أبا سفيان نادى عند انصرافه من أحد: يا محمد موعدنا موسم بدر القابل إن شئت، فقال عليه السلام: إن شاء الله، فلما كان القابل خرج أبوسفيان في أهل مكة حتى نزل مر الظهران، فألقى الله في قلبه الرعب، وبدا له أن يرجع، فلقي نعيم بن مسعود(1)
__________
(1) - نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ، أبو سلمة الأشجعي.
صحابي مشهور، أسلم ليالي الخندق.
روى عنه ولداه سلمة وزينب.
قتل في أول خلافة علي قبل وقعة الجمل.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1508، والإصابة 6/461.(5/49)
فطلب منه أن يذهب إلى المسلمين ويخوفهم ويثبطهم، ويعطيه عشرا من الإبل، فتوجه نعيم إلى المدينة فقال: إن الناس قد جمعوا لكم، يعني أبا سفيان ومن معه، فخرج - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه حتى نزلوا بدرا، وتخلف أبو سفيان، قال تعالى: " فَانقَلَبوُا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ" آل عمران 174-.
…4563- حين قالوا: أي قال لهم الناس، وهو نعيم بن مسعود، وكان ذلك قبل إسلامه، ثم أسلم وحسن إسلامه. " إِنَّ النَّاسَ": أبا سفيان وأصحابه، " قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ": الجموع ليستأصلوكم، " فَزَادَهُمْ": ذلك القول "إِيمَانًا": تصديقا بالله ويقينا. " حَسْبُنَا اللهُ": كافينا أمرهم، "وَنِعْمَ الْوَكِيلُ": المفوض إليه الأمر هو.
14- باب: " لاَ تَحْسِبَنَّ ":
بالياء والتاء، " الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءَاتاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ": أي بزكاته، "هُوَ" أي بخلهم، "خَيْرًا لَّهُمْ" - آل عمران 180-: مفعول ثان، والضمير للفصل، والأول بخلهم مقدر قبل الموصول على الفوقانية، وقبل الضمير على التحتانية، "سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ" - آل عمران 180-: أي بزكاته من المال بأن يجعل حية في عنقه تنهشه من قرنه إلى قدمه.
…4565- آتاه: أعطاه. ماله: الذي لم يؤد زكاته. شُجَاع: حية ذكر. أقرع: أي لاشعر على رأسه لكثرة سمه وطول عمره. له زبيبتان: نقطتان سوداوان فوق عينيه، وهو أخبث الحيات. يُطَوَّقُهُ: يُجْعَلُ طَوْقًا في عنقه.
15- باب: " وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ":
اليهود والنصارى، "وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا" - آل عمران 186-: من السب والطعن، والتشبيب بنسائكم.(5/50)
…4566- قَطِيفَة: كساء غليظ له خمل. فَدَكِيَّة: منسوبة إلى فَدَك(1)، بلد على مرحلتين من المدينة. سلول: اسم أمه. قبل أن يسلم: أي يظهر الإسلام، إذ لم يسلم إسلاما حقيقيا قط. عجاجة الدابة: ما ارتفع من غبار حوافرها. خمر: غطى. لا أحسن: اسم تفضيل، منصوب " اسم "لا"، و "مما تقول" متعلق به، أو مرفوع خبر "لا"، واسمها مقدر، أي لاشيء أحسن. يتثاورون: يقومون للقتال. لقد اصطلح: بدل مما قبله. البحرة: أي المدينة المشرفة، فَيُعَصِّبُونَه: أي يعممونه بعمامة الملك. شَرِقَ: غَصَّ حسدا.
…إلى آخر الآية: وهما قوله: فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا" - البقرة 109-، وبه تظهر المناسبة.
أذن الله فيهم: أي للقتال. صناديد: سادات. توجه: ظهر وجهه.
16- باب: " لاَ يَحْسِبَنَّ ":
بالتاء والياء(2)، " الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا " - آل عمران 188-: فعلوا من التدليس وكتمان الحق، وقوله "الذين" فاعل "يحسبن"، ومفعولاه محذوفان دل عليهما مفعولا مؤكده، وهو: " فَلاَ تَحْسِبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ" بمكان ينجون فيه منه.
…4567- وَأَحَبُّوا أَن يُحْمَدُوا…إلخ: أي أحبوا أن يقال إنهم في حكم المجاهدين، لكن العذر حبسهم.
__________
(1) - قرية بالحجاز قرب المدينة، انظر معجم البلدان 4/238.
(2) - قرأها الكوفيون بالتاء، وقرأها نافع وابن عامر بالياء وفتح الباء، وابن كثير وأبو عمرو بالياء مع ضم الباء.
انظر: الكشف 1/371، والتذكرة 2/300.(5/51)
…4568- لنعذبن أجمعون: لأننا كلنا نفرح بما نفعل ونحب أن نحمد بما لم نفعل. عن شيء: قيل عن صفته عندهم بإيضاح. بغيره: أي بصفته في الجملة. قد اسْتَحْمَدُوا : أي طلبوا أن يحمدهم بما أخبروه عنه إجمالا. من كتمانهم: للعلم، وهذا يدل على أن الآية نزلت في اليهود، وحديث/ أبي سعيد يدل على أنها نزلت في المنافقين؛ قال القرطبي: (إنها نزلت فيهما معا)، وقال زكريا: (لا منافاة في ذلك، بل الآية تشملهما وغيرهما من كل من أتى بحسنة ففرح بها فرح إعجاب، وأحب أن يحمده الناس عليها).
17- باب قوله سبحانه: " إِنَّ فيِ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالاَرْضِ ":
وما فيهما من العجائب، " وَاخْتِلاَفِ الَّيْلِ وَالنَّهارِ": بالمجيء والذهاب، والزيادة والنقصان، "لَآيَاتٍ": دلالات على قدرته تعالى " لِأُوْليِ الاَلْبَابِ" - آل عمران 190-: العقول.
…4569- واستن: استاك. ثم أذن بلال: للصبح. ركعتين: للفجر.
18- باب: " الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ" الآية - آل عمران 191-
أي يذكرونه على كل أحيانهم.
…4570- في طولها: أي الوسادة، أي مع أهله، واضطجع ابن عباس في عرضها كما يأتي، أي عند رأس النبي - صلى الله عليه وسلم -. يمسح النوم: أي أثره. سقاء: قِرْبَة. جنبه: الأيسر. فوضع يده على رأسي: وحولني إلى الأيمن. يَفْتِلُهَا: تأنيسا له واستذكارا لما يشاهده من الأحكام . ثم أوتر: بواحدة.
19- باب: " رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدَ اَخْزَيْتَهُ " - آل عمران 192- :
أهنته وأذللته.
20- باب: " رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا "
هو سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - أو القرآن، "ينادي": الناس، " لِلاِيمَانِ أَنَ امِنُوا" الآية - آل عمران 193- أي بأن آمنوا.
بسم الله الرحمن الرحيم …سورة النساء(5/52)
…مدينة، مائة وخمس أو ست، أو سبع وسبعون آية(1).
…" يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ" - النساء 172-: يستكبر، أي هذا معناه، وعطفه عليه في الآية للتفسير.
…قواما: أي في قراءة(2) ابن عمر قوله تعالى: " وَلاَ تُوتُوا السُّفَهَاءَ امْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًصا" - النساء 5-؛ قال أبو عبيدة: قياما وقواما بمنزلة واحدة.
…قوامكم من معايشكم: أي قوامكم ما تقيمون به معايشكم، و"من" ابتدائية أو زائدة، أي لا تعمد إلى مالك الذي جعله الله لك معيشة فتعطيه امرأتك ونحوها.
…" مَثْنىَ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ" – النساء 3-: قال البيضاوي: ( معدولة عن أعداد مكررة، هي اثنين اثنين، وثلاث ثلاث، وأربع أربع) هـ (3)؛ فقول المص: يعني اثنين وثلاثا وأربعا، مراده: اثنين اثنين، وثلاث ثلاث، وأربع أربع. ولا تجاوز العرب رباع: فلا يقال خماس...إلخ.
…"لَهُنَّ سَبِيلاً":من قوله تعالى:"وَاللاَّتي يَاتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ" الآية-النساء 15-.
1-باب: " وَإِنْ خِفْتُمُ أَلاَّ تُقْسِطُوا فيِ اليَتَامى ":
أي خفتم ألا تعدلوا في يتامى النساء إذا تزوجتم بهن، "فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ"-النساء 3: من غيرهن.
…4573- فنكحها: تزوجها. عذق: نخلة. عليه: أي لأجله.
__________
(1) - هي مائة آية وخمس وسبعون في المدني والمكي والبصري، وست في الكوفي، وسبع في الشامي، انظر البيان ص:146، والكشف 1/375.
(2) - قرأ نافع وابن عامر "قيما" بغير ألف، والباقون "قياما" بألف.
انظر: الكشف 1/376، والتذكرة 2/303.
(3) - أنوار التنزيل 2/65.(5/53)
…4574- فيعطيها: أي وبغير أن يعطيها. في آية أخرى: ليس ذلك في آية أخرى، وإنما هو في نفس هذه الآية، وعند مسلم والنسائي واللفظ له، بهذا الإسناد: فأنزل الله: "يَسْتَفْتُونَكَ فيِ النِّسَاءِ" إلى " وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ" - النساء 127- ، فذكر الله أنه يتلى عليكم في الكتب الآية الأولى، وهي: " وَإِنْ خِفْتُمُ أَلاَّ تُقْسِطُوا فيِ الْيَتَامى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ". قالت عائشة: وقول الله في الآية الأخرى: " وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ" رغبة أحدكم... إلخ: قال ابن حجر: ( فظهر بهذا أن في رواية صالح(1) في الباب اختصارا)(2).
…من أجل رغبتهم عنهن... إلخ: فينبغي أن يكون نكاح الغنية الجميلة/ ونكاح الفقيرة الذميمة على السواء في العدل.
2- باب: " وَمَن كَانَ فَقِيرًا ":
من أولياء اليتيم، " فَلْيَاكُلْ": من ماله، "بِالْمَعْرُوفِ": بقدر أجرة عمله، " فَإِذَا دَفَعْتُمُ إِلَيْهِمْ": إلى اليتامى، " أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ"، أنهم حازوا مالهم وبرئتم لئلا يقع اختلاف، وهذا أمر إرشاد، " وَكَفى بِاللهِ حَسِيبًا " - النساء 6-: حافظا لأعمال خلقه.
…" اعتدنا": من قوله تعالى: " وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ" إلى قوله: "أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا اَلِيمًا" - النساء 18-.
…" بدارا": من قوله تعالى: " وَلاَ تَاكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا اَن يَّكْبَرُوا" - النساء 6-.
__________
(1) - صالح بن كيسان المدني، مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز.
رأى ابن عمر وابن الزبير.
روى عن الأعرج وعروة بن الزبير ونافع مولى ابن عمر ونافع بن جبير بن مطعم.
وعنه مالك وابن إسحاق وابن جريج وحماد بن زيد.
قال ابن عبد البر: كان كثير الحديث، ثقة حجة فيما حمل.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 4/399-401.
(2) - الفتح 8/304.(5/54)
…مبادرة: إلى إنفاقها مخافة أن يكبروا رشداء، فيلزمكم تسليما إليهم.
…4575- " مَن كَانَ": من الأولياء، " غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ" - النساء 6-: عن مالهم، ولايأكل منه شيئا. في مال: وللكشميهني: " في والي اليتيم"، أي متصرف ماله وقيمه، والضمير في "كان" على الرواية الأولى يصرف إلى مصرف المال بقرينة المقام.
3- باب: " وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ ":
أي قسمة المواريث، " أُوْلُو الْقُرْبى": ممن لا يرث، "وَالْيَتَامى وَالْمَسَاكِينُ"الآية -النساء 8: " فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ" شيئا قبل القسمة، " وَقُولُوا" أيها الأولياء، " لَهُمْ" إذا كان الورثة صغارا، "قَوْلاً مَّعْرُوفًا" جميلا، بأن تعتذروا إليهم أنكم لا تملكونه وأنهم لصغار.
…4576- هي محكمة ... إلخ: هذا قول ابن عباس ومجاهد وابن جبير، ثم اختلف القائلون بالأحكام، فبعضهم حمله على الوجوب، وبعضهم على الندب، والجمهور على أنها منسوخة بآية الميراث، وعليه الأئمة الأربعة.
4- باب: " يُوصِيكُمُ اللهُ فيِ أَوْلاَدِكُمْ " - النساء 11-:
أي في شأنهم بما يذكر.
…4577- فنزلت: " يُوصِيكُمْ... " إلخ: والمراد منها: " وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً" الآية - النساء 12-.
…وما زعمه الدمياطي من أن هذه الرواية وهم، والصواب فنزلت: " يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فيِ الْكَلاَلَةِ..." إلخ - النساء 176-، رده الحافظ ابن حجر، وصحح الرواية بمتابعات لها، وقال: ( إن من وهمها هو الواهم)(1)، وسلم ذلك السيوطي والقسطلاني(2)، فانظره.
5- باب قوله: " وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمُ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ" - النساء 12-:
وارث أو ولد ابن وإن سفل.
__________
(1) - الفتح 8/309.
(2) - في الإرشاد 7/86.(5/55)
…4578- لكل منهما السدس: مع وجود فرع لاحق، أو أخوين بالنسبة للأم فقط. والثلث : مع عدم ما ذكر. الثمن: مع فرع لاحق. والربع: مع عدمه. الشطر: مع عدم الولد كما سبق. والربع: مع وجوده منها، أو من ابنها الذكر.
6- باب: " لاَ يَحِلُّ لَكُمُ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ "
أي ذاتهن، "كَرْهًا": أي مكرهين على ذلك، "وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ": تمنعوهن من الزواج، "لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ" من المهر، الآية - النساء 19-، أي تمامها.
…حوبا: من قوله:"وَلاَ تَاكُلُوا أَمْوَالهَمُ إِلىَ أَمْوَالِكُمُ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا"- النساء 2 -.
…تعولوا: من قوله: " ذَلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا" - النساء 3 – : تميلوا وتجورا، وقال الشافعي: ( أن يكثر عيالكم)(1).
…نحلة: من قوله:"وَءَاتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً"- النساء 4- أي عطية عن طيب نفس.
…4579-كانوا: أي في الجاهلية. وإن شاؤوا لم يزوجوها: حتى تموت فيرثونها أوتفدي نفسها.
7- باب قوله تعالى: " وَلِكُلٍّ ":
من الرجال والنساء، " جَعَلْنَا مَوَالِيَ"، عصبة يعطون، " مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالاَقْرَبُونَ": لهم من المال، " وَالَّذِينَ عَاقَدَتَ اَيْمَانُكُمْ": أي الحلفاء الذين عاهدتموهم في الجاهلية على النصرة والإرث، " فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ": حظهم من الميراث، وهو السدس، وهذا الحكم منسوخ كما يأتي، " إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا" - النساء 33-: مطلعا.
__________
(1) - رواه ابن المنذر عنه، وأنكره المبرد وابن داود والثعلبي وغيرهم، لكن قد جاء عن زيد بن أسلم نحو ما قال الشافعي، أسنده الدارقطني، وإن كان الأول (أي معنى تميلوا) أشهر – انظر الفتح 8/311.(5/56)
…المليك: لأنه على أمور الناس. مولى في الدين: معين عليه، وذكر المص من معانيه ستة وبقي منها: المحب، والجار، والناصر، والصهر، والتابع، والحليف، والعقيد، والمنعم عليه، والولي، والموازي، قاله العيني(1).
…4580- نسخت: بالبناء للمجهول، أي نسخت وراثة الحليف بآية: " وَلِكُلٍّ/ جَعَلْنَا مَوَالِيَ "…إلخ، هكذا وقع في هذه الرواية عن ابن عباس، والمروي عنه من طريق آخر، وعن غيره من طرق شتى، أن ناسخ وراثة الحليف هو آية: " وَأُوْلُو الاَرْحَامِ بَعْضُهُمُ أَوْلى بِبَعْضٍ " الآية - الأنفال 75-.
…قال ابن حجر: ( وهذا هو المعتمد)(2). ثم قال: ابن عباس في قوله تعالى: " وَالَّذِينَ عَاقَدَتَ اَيْمَانُكُمْ" من النصر… إلخ: الجار متعلق بمحذوف، أي فآتوهم نصيبهم من النصر... إلخ. والرفادة: المعاونة. وقد ذهب الميراث: بين المتعاقدين. ويوصي له: للحليف.
8- باب قوله تعالى: " إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ " - النساء 40-:
…أي لا ينقص من ثواب أعمال العاملين. زِنَةَ ذَرَّة: وهي النملة الصغيرة، وقيل الهباء.
…4581- نعم: أي ترونه سبحانه وتعالى رؤية حقيقية، لكن لا نكيفها، بَلْ نَكِلُ كُنْهَ معرفتها إلى الله تعالى، لأنها بلا مواجهة ولا مقابلة، ولا غير ذلك من الأمور العادية. هل تضارون: أي هل يضر بعضكم بعضا في رؤية الشمس، إذ لا مضايقة ولا منازعة فيها. إلا كما تضارون…إلخ: التشبيه في الوضوح وزوال الشك، لا في المقابلة والجهة ونحوهما ، إذ لا مقابلة ولا جهة. الأصنام: جمع صنم. والأنصاب: جمع نصب، حجارة يعبدونها من دون الله. وغبرات: بقايا. كذبتم: في كونه ابن الله، قال أبو عبد الله الأبي: ( لأن النسبة المقيدة بقيد إنما تصدق بعد ثبوت ذلك القيد، وهذا رأي الشيخ في هذه المسألة) هـ، أي خلافا لما عند غيره فيها، فاحتاجوا إلى الجواب عن الحديث.
__________
(1) - في عمدة القاري 18/170.
(2) - الفتح 8/315.(5/57)
…تبغون: تطلبون. فيشار: إليهم. سراب: هو ما يرى نصف النهار في الأرض القفر والقاع المستوي زمن الحر الشديد. أتاهم رب العالمين: أي ملك رب العالمين، فهو من مجاز الحذف. في أدنى: أقرب من التي رأوه فيها: أي عرفوه عليها بأنه لا يشبه شيئا من المخلوقات، وأنه منزه عن الجسيمة والحلول بمكان أو زمان. فارقنا الناس: الزائغين عن الطاعة. على أفقر ما كنا إليهم: في معايشنا. فيقول أنا ربكم: أي ملك ربكم، وهذا القول الصادر منه مأمور به لقصد الامتحان وتمييز المؤمن من غيره، فلا محذور فيه، هذا الذي رجحه القاضي عياض والنووي في تقرير هذا المحل. فيقولون لا نشرك بالله شيئا: زاد مسلم: ( نعوذ بالله منك)، ثم إنه ليس في الحديث مطابقة لآية الترجمة، ولعله أشار إلى بقيته المذكورة عنده في التوحيد، وهي قوله: فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه، أي من النار، وقال أبو سعيد: فإذا لم تصدقوني، فاقرأوا: " إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ..." إلخ، كذا ظهر لي، ولم أر من نبه عليه من الشراح، وهو حسن إن شاء الله، ثم وجدت العيني ذكر لها وجها آخر متكلفا بعيدا، وقال: ( لم أر أحدا من الشراح ذكر وجه المطابقة لهذا الحديث)(1).
9- باب: " فَكَيْفَ ":
أي كيف حال الكفار، " إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ": من أنبيائهم، " وَجِئْنَا بِكَ": يا محمد، " عَلىَ هَؤُلاَءِ شَهِيدًا" - النساء 41-: أي تشهد على صدق هؤلاء الشهداء.
…المختال: من قوله تعالى:" إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا" - النساء 36 -.
…والخَتَّالُ وَاحِدٌ: لاشتراكهما في اسم الفاعل من الختل، وهو الخداع، كما قاله الجوهري(2)
__________
(1) - عمدة القاري 18/172.
(2) - إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي، أبو نصر.
لغوي أديب خطاط، أصله من بلاد الترك.
قرأ العربية على أبي علي الفارسي وأبي سعيد السيرافي.
له: تاج اللغة وصحاح العربية، والمقدمة في النحو. توفي سنة 393هـ.
ترجمته في: معجم الأدباء 6/151، والنجوم الزاهرة 4/207، وبغية الوعاة 195.
وانظر الصحاح مادة ختل.(5/58)
وغيره، وفسر جماعة المختال بالمتكبر أخذا من الخيلاء، فالمختال يقال على المتكبر وعلى المخادع، لا على المتكبر فقط، فسقط ما قيل إن قوله واحد /فيه نظر، لأن المختال من الخيلاء، والختال من الختل، قاله شيخ الإسلام(1).
…" نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلىَ أَدْبَارِهَا " -النساء 47- نسويها، أي نمحو ما فيها من العين والأنف والحاجب، فنجعلها كالأقفاء لوحا واحدا.
…جهنم سعيرا: يريد قوله تعالى: " وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا" - النساء 55-.
…4582- بعض الحديث عن عمرو بن مرة(2): يعني أن الأعمش(3) سمع الحديث من إبراهيم النخعي(4)، وسمع بعضه عن عمرو بن مرة عن إبراهيم … إلخ. اقرأ علي: القرآن. تذرفان: تطلقان دموعا، وبكاؤه - صلى الله عليه وسلم - إما على المفرطين من أمته، أو لعظم هول المطلع، أو هو بكاء فرح، لابكاء حزن.
__________
(1) - في تحفة الباري بشرح صحيح البخاري لزكريا الأنصاري 3/70.
(2) - عمرو بن مرة بن عبد الله بن طارق بن الحارث بن سلمة بن كعب بن وائل بن جمل بن كنانة المرادي الكوفي.
روى عن عبد الله بن أبي أوفى وسعيد بن المسيب وابن أبي ليلى وإبراهيم النخعي.
وعنه أبو إسحاق السبيعي والأعمش والأوزاعي وشعبة والثوري.
توفي سنة 118هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 8/102-103.
(3) - سليمان بن مهران الأسدي، أبو محمد، الملقب بالأعمش.
تابعي من بلاد الري.
نشأ وتعلم بالكوفة. قال السخاوي: (لم ير السلاطين والملوك والأغنياء في مجلس أحقر منهم في مجلس الأعمش مع شدة حاجته وفقره).
توفي بالكوفة سنة 148هـ.
ترجمته في: طبقات ابن سعد 6/238، وتاريخ بغداد 9/3، والوافي بالوفيات 1/213.
(4) - إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي، أبو عمران الكوفي.
روى عن عائشة وأنس بن مالك.
وعنه حماد بن أبي سليمان وغيره.
توفي سنة 96هـ.
ترجمته في: طبقات ابن سعد 6/188، والتاريخ الكبير 1/333، وغاية النهاية 1/29.(5/59)
10- باب قوله تعالى:"وَإِن كُنتُم مَّرْضى أَوْ عَلَى سَفَرٍ اَوْ جَاءَ احَدٌ مِّنكُم مّنَ الْغَائِطِ"-النساء 43-
فأحدث، إلى قوله "فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا": وجه الأرض ترابا أو حجرا أو مدرا.
كانت الطواغيت: يشير لقوله تعالى: " يُرِيدُونَ أَن يَّتَحَاكَمُوا إِلىَ الطَّاغُوتِ"- النساء 60-.
…الجبت: من قوله تعالى: " يُومِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ" - النساء 51-.
…4583- هلكت قلادةٌ لِأَسماءَ: سقطت من عنق عائشة.
…11- باب: " أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْليِ الاَمْرِ مِنكُمْ" - النساء 59-
أي الأمراء، قاله ابن عباس والسدي، وإليه أشار المص بقوله: ذوي الأمر: وقيل هم أهل العلم، قاله مجاهد والحسن والضحاك، واختاره الإمام مالك(1).
…4584- في سرية: حيث أوقد نارا وأمر أصحابه بالدخول فيها، فتنازعوا في امتثال أمره وعدمه، فنزلت الآية إلى قوله: " فَإِن تَنَازَعْتُمْ فيِ شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلىَ اللهِ وَالرَّسُولِ"، وهذا هو المقصود من بيان نزولها فيه.
12- باب: " فَلاَ وَرَبِّكَ":
لا زائدة لتأكيد القسم، " لاَ يُومِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ" - النساء 65-: اختلف واختلط.
…4585- رجلا: قيل هو حاطب، وقيل غيره. في شَرِيح: مسيل الماء. من الْحَرَّة: خارج المدينة. وأن كان: أي حكمت له بالتقديم والترجيح لأجل أن كان ابن عمتك صفية، وهذه زلة صدرت من هذا الرجل في حالة الغضب، فقابلها - صلى الله عليه وسلم - بالصفح.
__________
(1) - في معنى الآية أقوال مشهورة:
إن أولي الأمر هم الأمراء، وهو قول أبي هريرة، أخرجه الطبري بسند صحيح،
هم أهل العلم والخير، وهو قول جابر بن عبد الله،
هم العلماء، وهو قول عطاء وأبي العالية،
هم الصحابة، وهو قول مجاهد.
واختار الشافعي الأول، واحتج له بأن قريشا كانوا لا يعرفون الإمارة ولا ينقادون إلى أمير، فأمروا بالطاعة لمن ولي الأمر.(5/60)
…فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه: غضبا عليه لانتهاك حرمة النبوة، ومع ذلك لم يؤاخذه - صلى الله عليه وسلم - لتألفه للناس وصفحه عنهم، ولو صدرت هذه المقالة اليوم من أحد لحكمنا بكفره، قاله القاضي عياض(1). إلى الجَدْر: أي جدر الشربات وهي الحفر التي تحفر في أصول النخل، أي اسق حتى يمتلئ الحوض ويرجع الماء إلى حائطه. واسْتَوْعَى: استوفى حقه كله كاملا. أحفظه: أغضبه. أشار عليهما أَوَّلاً سَعَةً: وهي الصلح على ترك بعض حق الزبير.
13- باب: " فَأُوْلَئِكَ":
أي ومن يطع الله والرسول فأولئك، " مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيئِينَ" - النساء 69-: في الجنة.
…4586- وكان: - صلى الله عليه وسلم -. بُحَّة: غلظ صوت من شيء يعرض في الحلق. أنه خير: فاختار الآخرة.
14- باب: " وَمَالَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ":
استفهام توبيخ، أي لا مانع لكم من القتال في سبيل الله، " وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ" الآية - النساء 75-: أي وفي تخليص المستضعفين…إلخ.…
…4587- وأمي : أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية(2). من المستضعفين: أي الذين أسلموا بمكة، ومنعهم قومهم من الهجرة.
…4588-حصرت: من قوله:"حَصِرَتْ صُدُورُهُمُ أَن يُّقَاتِلُوكُمْ" الآية -النساء 90-.
…المراغم:من قوله:وَمَن يُّهَاجِرْفيِ سَبِيلِ اللهِ يجِدْ فيِ الاَرْضِ مُرَاغَمًاكَثِيرًا"-النساء 100-
15- باب: " فَمَالَكُمْ فيِ الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا":-النساء 88-
من الكفر والمعاصي.
…بددهم: فرقهم.
__________
(1) - انظر مشارق الأنوار 1/366.
(2) - أم الفضل لبابة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة الهلالية، زوج العباس بن عبد المطلب، وأم أبنائه الفضل وعبد الله وغيرهما.
وهي لبابة الكبرى، ولهل أخت اسمها لبابة.
ترجمتها في: الاستيعاب ص: 1907، والإصابة 8/97.(5/61)
…4589- ناس: هم عبد الله بن/ أُبيّ المنافق، ومن تبعه، وكانوا ثلاثمائة رجل، أي رجعوا إلى المدينة ولم يقاتلوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. إنها: أي المدينة، تنفي الخبث: أي تميز الخبيث من الطيب.
16- باب(1): "وَإِذَا جَاءَهُمْ":
أي المنافقين، " أَمْرٌ": عن سرايا النبي - صلى الله عليه وسلم - بما حصل لهم، " مِنَ الاَمْنِ": كفتح أو غنيمة، "أَوِ الْخَوْفِ": كقتل أو هزيمة، "أَذَاعُوا بِهِ" - النساء 83-: أفشوه قبل أن يخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتضعف بذلك قلوب المؤمنين، وفيه إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها، فيخبر بها ويفشيها، وقد لا يكون لها صحة.
…روى مسلم مرفوعا: (كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع).
…" يستنبطونه": من قوله: " وَلَوْ رَدُّوهُ إِلىَ الرَّسُولِ وَإِلىَ أُوْليِ الاَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ" - النساء 83-.
…" إلا إناثا": من قوله: " إِن يَّدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا" - النساء 117-.
…يعني المَوَات: قال الحسن: كل شيء لا روح فيه كالحجر والخشبة إناث، وقيل معناه أصناما، مؤنثة كاللاَّتِ والْعُزَّى ومَنَاة.
…" فليبتكن": من قوله تعالى حكاية عن إبليس: " وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكَنَّ آذَانَ الاَنْعَامِ "
- النساء 119- يقطعونها ويشقونها، وقد فعلوا ذلك بالبحائر والسوائب.
…" قيلا ": من قوله: " وَمَنَ اَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً " - النساء 122-.
__________
(1) - هذا باب مستقل عند الشبيهي، وكذا عند ابن حجر (انظر الفتح 8/325)، لكن محقق الفتح أدمجه مع الباب السابق، في حين قال الحافظ وهو يشرح: (قوله: باب "وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به"، أي أفشوه).
وللتنبيه فالحافظ يعتمد على رواية أبي ذر الهروي، لكن رواية البخاري المطبوعة مع الفتح إنما هي نسخة ملفقة، وليست رواية معينة من روايات البخاري.(5/62)
…"طبع":من قوله تعالى:بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَيُومِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً"-النساء 155-
…17- باب: "وَمَن": مبتدأ، " يَّقْتُلْ مُومِنًا مُّتَعَمِّدًا": حال، " فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ"
- النساء 93-: خبر، قال ابن عطية: ( تقديره عند أهل السنة: فجزاؤه جهنم إن جازاه بذلك، أي هو أهل لذلك ومستحقه لعظم ذنبه) هـ(1).
…وقال النووي: ( الصواب في معنى الآية أن جزاءه جهنم، وقد يجازى به، وقد يجازى بغيره، وقد لا يجازى بل يعفى عنه –ثم ذكر في معنى الآية أقوالا أخر، وقال إنها كلها ضعيفة أو فاسدة- وكذا ما شاع على الألسنة من أن معناها هذا جزاؤه إن جازاه فهو فاسد، لأنه يقتضي أنه إذا عفى عنه خرج عن كونها كانت جزاء له، وليس كذلك) هـ(2)، وقال زكريا: ( هي جزاؤه، ثم إن شاء الله أن يتجاوز عن جزائه فعل).
__________
(1) - المحرر الوجيز 4/176.
(2) - شرح صحيح مسلم 17/83.(5/63)
…4590- آية اختلف فيها أهل الكوفة: الآية هي قوله تعالى : " وَمَن يَّقْتُلْ مُومِنًا" …إلخ، واختلافهم وقع في توبة القاتل، هل تقبل كغيره أم لا، ومذهب ابن عباس وجماعة عدم قبولها، وأنه يخلد في النار لهذه الآية، حملا لها على ظاهرها، ومذهب الجمهور وأهل السنة قبولها منه، كغيره من سائر العصاة، لقوله تعالى: " إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُّشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ" - النساء 48-، ولأن الدلائل القطعية متظاهرة على أن عصاة المؤمنين لايدوم عذابهم، ولا يخلدون في النار، وأولوا هذه الآية بما سبق، أو بأنها خرجت مخرج الزجر والتغليظ، قاله ابن حجر(1)، قال: ( ومن الحجة في ذلك حديث الإسرائيلي الذي قتل تسعة وتسعين نفسا، ثم تمم المائة بمن أفتاه أنه لا توبة له، ثم قبل الله توبته، وإذا ثبت ذلك لمن قبل هذه الأمة، فثبوته لهم أولى لما خفف الله عنهم من الأثقال التي كانت على غيرهم) هـ(2).
…وقال القسطلاني: ( الحق أنه متى صدر عن المومن مثل هذا الذنب فمات ولم يتب، فحكمه إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه بقدر ما يشاء، ثم يخرجه إلى الجنة)(3).
وما نسخها شيء: يعني أنها محكمة غير منسوخة، وهو كما قال، لكنها مؤولة بما قدمناه، قال في فتوح/ الغيب: ( وإذا حملت الآية على ما ذكر لا نحتاج فيها إلى نسخ، ولا إلى تخصيص بآية الفرقان، ولا إلى تقييد الخلود بالمكث الطويل).
تنبيه: قال القلشاني(4)
__________
(1) - في الفتح 8/636: (تفسير سورة الفرقان، باب 4، ح 4766).
(2) - الفتح 8/636.
(3) - انظر الإرشاد 7/101.
(4) - أحمد بن محمد بن عبد الله القلشاني التونسي.
تولى القضاء بتونس.
له: شرح المدونة. توفي سنة 863هـ.
ترجمته في: نيل الابتهاج 78.(5/64)
: (يجب على القاتل إذا تاب تسليم نفسه للقود إن أمكنه ذلك، فإن لم يفعل فهل توبته صحيحة أم لا؟ صححها الإمام(1)، وقال: هذه معصية أخرى يجب عليه أن يتوب منها، وهو مذهب الجمهور، وقال الغير: لا تصح، وهو مذهب مرجوح).
18- باب: " وَلاَ تَقُولُوا لِمَنَ اَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ لَسْتَ مُومِنًا" - النساء 94-:
وأنك إنما قلت هذه تقية لنفسك ومالك، فتقتلوه.
…4591- رجل: هو عامر بن الأضبط. فلحقه المسلمون: وكانوا في سرية. فأنزل الله: يعني آية الترجمة.
19- باب: " لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُومِنِينَ " الآية - النساء 95-: عن الجهاد.
…4592- فجاء ابن أم مكتوم: عبد الله أو عمرو(2)، أي قام من محله. فثقلت: فخذه من ثقل الوحي. تَرُضَّ: تَدُقَّ. ثم سري عنه: أي لأزيل عنه ما نزل به من برحاء الوحي، فأنزل الله…إلخ: قال ابن التين: (يقال إن جبريل صعد وهبط قبل أن يجف القلم).
…4594- فلانا: هو زيد. فنزلت مكانها: "لاَ يَسْتَوِي"…إلخ: إعادة الآية من الراوي فقط، لأنه إنما نزل ثانيا: " غَيْرَ أُوْلِي الضَّرَرِ" لا غير.
20- " إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ":
أي ملك الموت وأعوانه، وهم ستة، ثلاثة لقبض أرواح المؤمنين، وثلاثة لقبض أرواح الكفار، أو المراد ملك الموت وحده، وذكر بلفظ الجمع للتعظيم والتفخيم، " ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ": بالمقام في دار الكفر، " قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ" الآية - النساء 97-: القائل هم الملائكة.
…4596- بعث: أي ألزموا بإخراج جيش لقتال أهل الشام في خلافة عبد الله بن الزبير. كانوا مع المشركين: ببدر. " ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ": بخروجهم مع المشركين.
21- " إِلاَّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ "
__________
(1) - هو محمد بن عرفة المتوفى سنة 808هـ، وقد تقدمت ترجمته في شرح الباب 32 من المغازي.
(2) - عبد الله أو عمرو بن أم مكتوم، تقدم في شرح الترجمة 45 من المناقب.(5/65)
الذين " لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً": لا قوة لهم، " وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً " - النساء 98-: طريقا إلى أرض الهجرة.
…4597- أمي: لبابة.
22- باب قوله تعالى: " فَأُوْلَئِكَ عَسَى الله ُ أَن يَّعْفُوَ عَنْهُمْ " الآية - النساء 99-
أي يتجاوز عنهم لتركهم الهجرة، و"عسى" من الله واجب.
…4598- المستضعفين: عام بعد خاص. وطأتك: عقوبتك. اجعلها: أي الوطأة.
23- باب: " وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمُ إِن كَانَ بِكُمُ أَذًى مِّن مَّطَرٍ" الآية - النساء 102-
"أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ": فلا تحملوها.
…4599- " إن كان بكم" أي قال في قوله تعالى: " إِن كَانَ بِكُمْ... إلخ، قال: أي ابن عباس. عبد الرحمن ... إلخ: أي فنزلت الآية فيه.
24- باب قوله تعالى: " وَيَسْتَفْتُونَكَ فيِ النِّسَاءِ ":
يطلبون منك الفتوى في شأن النساء وميراثهن، " قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فيِ الْكِتَابِ ":القرآن من آية الميراث، يفتيكم أيضا " فيِ يَتَامَى النِّسَاءِ " إلى آخر الآية -النساء 127-.
…4600- العِذْق: أي النخلة، فيرغب أن ينكحها: أي عن أن ينكحها.
25- " وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا ":
زوجها، " نُشُوزًا ": ترفعا عليها بترك مضاجعتها، والتقصير في نفقتها، لبغضها وطموح عينه إلى أجمل منها، " أَوِ اعْرَاضًا " - النساء 128- عنها بوجهه.
…" شقاق": من قوله:"وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنَ اهْلِهِ"-النساء 35-.
…هواه... إلخ: قال في التحفة : ( لو قال: الحرص على الشيء، كان أوضح)هـ(1)، وقيل الشح البخل مع الحرص/.
…" كالمعلقة" من قوله: " فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ" - النساء 129.
…لا هي أيم: أي لا زوج لها، ولا ذات زوج: فتنتفع به.
__________
(1) - تحفة الباري شرح صحيح البخاري لزكريا الأنصاري 3/73.(5/66)
…4601- ليس بمستكثر منها: أي في المحبة والبر. من شأني: أي نفقتي أو مبيتي.
26- " إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فيِ الدَّرَكِ": المكان، " الاَسْفَلِ مِنَ النَّارِ" - النساء 145-:
هو قعرها، قال العلماء: عذاب المنافق أشد من عذاب الكافر، لاستهزائه بالدين.
…" نفقا": من قوله تعالى في سورة الأنعام -35-: " فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فيِ الاَرْضِ"، ووجه ذكره هنا الإشارة إلى اشتقاق النفاق، إذ هو إظهار غير ما هو باطن.
…4602- عبد الله: ابن مسعود. أنزل النفاق على قوم خير منكم: أي ابتلوا به، والخيرية باعتبار أنهم كانوا من طبقة الصحابة، وهم خير من طبقة التابعين، لكن الله ابتلاهم فنافقوا، فذهبت الخيرية منهم، ثم تاب منهم من تاب، فعادت الخيرية، وقصد حذيفة التحذير من الاغترار بالعمل، فإن القلوب تتقلب.
…قال الأسود(1): متعجبا من كلام حذيفة. فتبسم عبد الله: متعجبا من حذيفة، وبما قام به من قول الحق، وما حذر منه. فرماني: قائله الأسود، أي رماه حذيفة يستدعيه إليه. عجبت من ضحكه: أي عبد الله مقتصرا عليه. وقد عرف ما قلت: أي فهم مراده، وعلم أنه الحق. ثم تابوا: من النفاق.
27- باب قوله تعالى: " إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلىَ نُوحٍ" إلى قوله" وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَءَاتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا" - النساء 163-.
…قال البيضاوي: ( فيه جواب عن أهل الكتاب عن اقتراحهم أن ينزل عليهم كتابا من السماء في قوله: "يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ" - النساء 153-، واحتجاج عليهم بأن أمره في الوحي كسائر الأنبياء قبله)(2).
__________
(1) - الأسود بن يزيد بن قيس النخعي.
فقيه تابعي من الحفاظ.
كان عالم الكوفة في عصره.
توفي سنة 75هـ.
ترجمته في: تذكرة الحفاظ 1/48، وحلية الأولياء 2/102.
(2) - أنوار التنزيل 2/129.(5/67)
…4603- أنا خير من يونس: أي ليس لأحد أن يفضل نفسه على يونس، أو ليس لأحد أن يفضلني عليه، وهذا من تواضعه - صلى الله عليه وسلم -، أو قاله زجرا عن تَوَهُّمِ حَطِّ رُتْبَةِ يُونُسَ.
…4604- من قال أنا…إلخ: يعني نفس القائل أو النبي - صلى الله عليه وسلم -.
28- باب: " يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فيِ الْكَلاَلَةِ ":
هي عدم الوالد والولد، " إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ": أي ولا والد، " وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ" - النساء 176-: أي ذكر.
…من تكلله النسب: أي تطرفه كأنه أخذ طرفيه من جهة الوالد والولد وليس له منهما أحد.
…4605- وآخر آية نزلت: " يَسْتَفْتُونَكَ" إلخ: وتقدم أن آخر آية نزلت آية الربا، والجمع بينهما أنهما نزلتا معا، فصدق أن كلا منهما آخر بالنسبة لما عداه.
سورة المائدة
…مدينة، وهي مائة وعشرون، أو اثنتان، أو ثلاث وعشرون آية(1).
1-بسم الله الرحمن الرحيم: " فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ " - المائدة 13-:
بنقضهم، "وما" صلة.
…" التي كتب الله ": من قوله تعالى: " يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الاَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتيِ كَتَبَ اللهُ لَكُمْ" - المائدة 23-.
" حرم" من قوله: " غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ" - المائدة 1-.
…" تبوء":من قوله تعالى: " إِنِّيَ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنَ اَصْحَابِ النَّارِ" -المائدة 29-.
…وقال غيره: انظر على من يعود الضمير، وعند الإسماعيلي: قال ابن عباس: مخمصة مجاعة، وقال غيره …إلخ.
…الإغراء: من قوله تعالى: " فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ" - المائدة 14-.
__________
(1) - هي مائة آية واثنتان وعشرون آية في المدني والمكي والشامي، ومائة وعشرون في الكوفي، وعشرون وثلاث في البصري، انظر البيان ص: 149، والكشف 1/404.(5/68)
…" دائرة": من قوله سبحانه: " نَخْشى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ " المائدة 52-.
…" أجورهن":من قوله سبحانه:" إِذَا ءَا تَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ" إلخ -المائدة 5-.
…ما في القرآن أشد عليَّ… إلخ: لأن مقتضاها أن من أخل ببعض الفرائض، فقد أخل بجميع ما أنزل الله.
…" مخمصة": من قوله تعالى: " فَمَنُ اضْطُرَّ / فيِ مَخْمَصَةٍ" …إلخ - المائدة 3-.
…" مَنَ اَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" - المائدة 32-.
…" شرعة ومنهاجا": من قوله تعالى: " لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا" - المائدة 48-، سبيلا تفسير منهاجا، وسنة تفسير شرعة.
…" المهيمن": من قوله تعالى: " وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ" - المائدة 46-.
2-باب قوله تعالى: " اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" -المائدة 3-:
أي أحكامه وفرائضه، فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام، قاله ابن عباس.
…4606- قالت اليهود: أي كعب الأحبار - قبل أن يسلم - ومن معه. حيث: للزمان. وأين: للمكان. يوم عرفة: أي أنزلت يوم عرفة، زاد في رواية: يوم الجمعة، وفي أخرى: وكلاهما بحمد الله لنا عيد.
3-باب: " فإن لم تَجِدُوا مَاءً ":
التلاوة: " فَلَمْ تَجِدُوا"، " فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا": كل ما صعد على وجه الأرض من تراب وحجر ومدر، "طَيِّبًا"- المائدة 6-: طاهرا.
…" ءَامِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا" - المائدة 2-.
…" لامستم": من قوله تعالى: " أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ" - المائدة 6-.
…وتمسوهن: من قوله تعالى:" وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ" - البقرة 237-.
…" والتي دخلتم بهن": من قوله تعالى: " وَرَبَائِبُكُمُ الَّتيِ فيِ حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ الَّتيِ دَخَلْتُم بِهِنَّ" - النساء 23-.(5/69)
والإفضاء: من قوله تعالى: " وَكَيْفَ تَاخُذُونَهُ وَقَدَ افْضَى بَعْضُكُمُ إِلىَ بَعْضٍ"
- النساء 21-.
…النكاح: أي معنى الأربعة النكاح.
…4607- في بعض أسفاره: قيل بالمريسيع(1) التي وقعت فيها قصة الإفك أيضا، وقيل في سفرة بعدها، ورجعه السيوطي، راجع كتاب التيمم.
…بالبيداء(2) أو بذات الجيش: موضعين بين الحرمين. عقد لي: أي في انتفاعي، وإلا فهو لأسماء. ما شاء الله أن يقول: أي قال: حبست الناس في قلادة، وفي كل مرة تكونين عناء. آية التيمم: التي في المائدة، ومن ثم ذكر المص القصة فيها.
…ما هي: أي البركة الحاصلة للمسلمين برخصة التيمم. بأول بركتكم: بل هي مسبوقة بغيرها.
…4608- فَلَكَزَنيِ: دفع بيده في صدري.
4-باب قوله تعالى: "اِذْهَبَ اَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ" -المائدة 24-
هذا قول صدر من اليهود استهانة بالله ورسوله وعدم مبالاة.
…4609- سُرِّيَ عن النبي صلى الله عليه: أزيل عنه كل مكروه.
…5- " إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فيِ الاَرْضِ فَسَادًا ":
بقطع الطريق، الآية " أَن يُّقَتَّلُوا" إلى آخرها - المائدة 33-.
…الكفر به: هذا قول سعيد(3)، وقال كثير من المفسرين: محاربة الله ورسوله محاربة أوليائهما، وهم المسلمون، جعل محاربتهم محاربتهما تعظيما، أخذا من خبر: " من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب"، أي أعلمته بأدنى محارب له، قاله شيخ الإسلام(4).
…4610- حدثني سليمان …إلخ: قال في المشارق: ( حدثني سلمان أبورجاء(5)
__________
(1) - اسم ماء في ناحية قديد إلى الساحل، انظر معجم البلدان 5/118.
(2) - أرض ملساء بين مكة والمدينة، انظر معجم البلدان 1/523.
(3) - هو ابن جبير، العالم المشهور، وقد تقدمت ترجمته.
(4) - في تحفة الباري 3/75.
(5) - سلمان أبو رجاء، مولى أبي قلابة الجرمي البصري.
روى عن مولاه وعمر بن عبد العزيز.
وعنه أيوب وحجاج الصواف وابن عون وحميد الطويل.
له حديث واحد في قصة العرنيين.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 4/140.(5/70)
، كذا لكافتهم، وعند القابسي: سليمان، وهو وهم، والصواب: "سلمان")(1).
…خلف عمر عبد العزيز(2): وهو بارز للناس. فذكروا وذكروا: أي ذكروا له القسامة لما استشارتهم فيها، وذكروا شأنها، فقالوا فيها القَوَد. فالتفت: عمر. قلت ما علمت: قائله أبو قلابة(3) رادا عليهم أمر القسامة، وكان رضي الله عنه من بله التابعين(4)
__________
(1) - مشارق الأنوار 2/239.
(2) - عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي القرشي، الخليفة الراشد العادل.
ولد ونشأ بالمدينة، وولي إمارتها للوليد، ثم استوزره سليمان بن عبد الملك بالشام، ثم تولى الخلافة سنة 99هـ، ومكث فيها سنتين ونصف.
أخباره في العدل ورشد السياسة متوافرة متواترة.
توفي سنة 101هـ.
ترجمته في: حلية الأولياء 5/253، وصفة الصفوة 2/63، وتهذيب التهذيب 7/475.
(3) - عبد الله بن زيد بن عمرو، ويقال عامر بن نابل بن مالك بن عبيد بن علقمة بن سعد، أبو قلابة الجرمي البصري، أحد الأعلام.
روى عن ثابت بن الضحاك وسمرة بن جندب وعمرو بن سلمة الجرمي وأنس بن مالك.
وعنه خالد الحذاء وأبو رجاء سلمان ويحيى بن أبي كثير وعاصم الأحول.
مات بالشام سنة 104هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 5/224-226.
(4) - قال ابن حجر في تهذيب التهذيب 5/226: (وقال أبو الحسن علي بن محمد القابسي المالكي فيما نقله عنه ابن التين شارح البخاري في الكلام على القسامة بعد أن نقل قصة أبي قلابة مع عمر بن عبد العزيز: العجب من عمر على مكانه في العلم كيف لم يعارض أبا قلابة في قوله، وليس أبو قلابة من فقهاء التابعين، وهو عند الناس معدود في البله، كذا قال).
وهذا عجيب، فقد قدم الحافظ ثناء العلماء عليه، ومن ذلك: (قال مسلم: لو كان أبو قلابة من العجم لكان مؤبذ مؤبذان، أي قاضي القضاة؛ وقال أيوب: كان والله من الفقهاء ذوي الألباب، ما أدركت بهذا المصر رجلا كان أعلم بالقضاء من أبي قلابة؛ وقال العجلي: بصري تابعي ثقة)، فهذا مناقض لادعاء ما سبق!(5/71)
، فلم يحسن الرد عليهم، إذ ليس في كلامه ما يدفع أمر القسامة.
…فقال عَنْبَسَة(1): ابن سعيد. بكذا وكذا: يعني بحديث العرنيين. وقلت إياي حدثه: قائله أبو قلابة. قدم قوم: من عكل أو عرينة، ثمانية/ سنة ست. تخرج: للمرعى. وأبوالها: لطهارتها. الراعي: يسار . واطردوا النعم: ذهبوا به. فقال: عنبسة. فقلت: قائله أبو قلابة. قال: عنبسة له: ولكن جئت بالحديث على وجهه. نا بهذا: أي بما ذكرت، قال: أبو قلابة. وقال: عنبسة. يا أهل كذا: يعني أهل الشام. هذا: يعني أبا قلابة.
6- باب قوله: " وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ" - المائدة 45-:
…أي ذات قصاص فيما يمكن أن يقتص منه كاليد والرجل، أما ما لا يمكن كالجائفة والأمة ونحوهما، ففيه الأرش والحكومة.
…4611- لا والله لا تكسر…إلخ: ليس هذا ردا للحكم، بل نفيا لوقوعه لما كان عنده من الثقة بفضل الله، وظنه أنه لا يخيبه، بل يلهمهم سبحانه العفو. الأرش: أي الدية. لأبره: أي أبر قسمه.
7- باب: " يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ":
أي جميع ما أنزل …إلخ، " وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ": أي إن لم تبلغ جميع ما أنزل إليك، " فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالاَتِهِ" - المائدة 67-، لأن كتمان بعضها ككتمان كلها، وهذا محل استشهاد عائشة.
…8- باب قوله عز وجل: " لاَ يُوَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فيِ أَيْمَانِكُمْ" - المائدة 89-
__________
(1) - عنبسة بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية، أخو عمرو بن سعيد الأشدق.
روى عن أبي هريرة وأنس، وعمر بن عبد العزيز قوله في القسامة.
وعنه أبو قلابة والزهري.
وثقه أبو داود والنسائي والدارقطني.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 8/155-156.(5/72)
اللغو قيل هو ما يصدر من الإنسان بلا قصد كقول الرجل: لا والله، وبلى والله، وبه فسرته عائشة، وإليه ذهب الشافعي، وقيل هو الحلف على ما يظن أنه كذلك ولم يكن، وإليه ذهب الإمام مالك وأبو حنيفة، قال الشيخ خ: ( ولاَ لَغْوٍ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ فَظَهَرَ نَفْيُهُ ولَمْ يُفِدْ فيِ غيرِ الله)(1).
…4614- وفعلت الذي هو خير: أي وكفرت عن يميني.
…ابن حجر: ( الحديث الأول في تفسير لغو اليمين، والثاني في تفسير عقده)(2).
9- باب قوله تعالى: " لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ " - المائدة 87-
أي ما طاب ولذ من الحلال، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يأكل الدجاج ويحب الحلواء والعسل.
…4615- عم عبد الله: ابن مسعود. ألا نختصي: الاختصاء هو فعل ما يقطع النسل، ويزيل شهوة الجماع من كي أو غيره. بالثوب: يعني أو بغيره إلى أجل، وهو نكاح المتعة، ثم نسخ عند الجمهور، خلافا لابن عباس، ويؤخذ من استشهاد ابن مسعود بالآية أنه كان يرى إباحة المتعة كابن عباس، ولعله لم يكن ح بلغه الناسخ، ثم بلغه فرجع، قاله النووي(3).
10- باب قوله تعالى: " إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ": أي القمار
قال ابن عباس والحسن وغيرهما: كل قمار ميسر من نرد وشطرنج ونحوه، حتى لعب الصبيان بالجوز، نقله ابن عطية، " وَالاَنصَابُ": الأصنام، " وَالاَزْلاَمُ": قداح الاستقسام يكتب عليها ما يأتي ذكره، وقد تكون أقلاما ، أو حجارة، أو قراطيس، أو غيرها، "رِجْسٌ" خبيث مستقذر، " مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ": من تسويله وتزيينه، " فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"
- المائدة 90-.
__________
(1) - مختصر خليل 1/123.
(2) - الفتح 8/350-351.
(3) - في شرح صحيح مسلم 9/181.(5/73)
…وقد أَعْلَمُوا الْقِدَاحَ: جمع قدح ، السهم الذي لا ريش له، وكانت سبعة موضوعة في جوف الكعبة عند هبل. أعلاما: يكتبونها عليها. بضُرُوب: أي أنواع من الأمور، فعلى واحد: أمرني ربي، وعلى آخر: نهاني، وعلى آخر: واحد منكم، وعلى آخر: من غيركم، وعلى آخر: ملصق، وعلى آخر: العقل، والسابع غفل، أي ليس عليه شيء.
…يستقسمون: يطلبون ما قسم لهم من الخير والشر، أي يجيلونها عند التنازع على شيء، فما خرج عملوا عليه، وإن خرج غفل أعادوا الضرب، وكأن لهم أيضا عند كل واحد بانفراده ثلاثة، على أحدها: أمرني ربي، وعلى الثاني: نهاني ربي، وعلى الثالث: غفل، يضربونها في كل أمورهم/. وفعلت منه قسمت: أي صيغة لفظ المتكلم به قسمت، والمقصود أن استقسام استفعال من القسم.
…أنصاب: أحجار يعبدونها. واستقسام أن يجيلوا القداح: أي معناه أن يجيل القداح، أي يديرها ويحركها. فإن نهته: بأن خرج له: نهاني ربي. وإن أمرته: بأن خرج له: أمرني.
…4616- لَخَمْسَةَ أشربة: هي شراب العسل والتمر والحنطة والشعير والذرة.
…4617- ابن عُلَيَّة: هو إسماعيل بن إبراهيم(1)، وعُلَيَّة اسم أمه.
…فَضِيخِكُمْ: وهو شراب يتخذ من البسر وحده من غير أن تمسه نار.
…فلانا وفلانا: هم أبو دجانة(2)
__________
(1) - إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي مولاهم، أبو بشر البصري، المعروف بابن علية.
روى عن سليمان التيمي وحميد الطويل وعاصم الأحول وابن عون.
وعنه شعبة وابن جريج –وهما من شيوخه-، وحماد بن زيد وإبراهيم بن طهمان والشافعي وأحمد والفلاس وأبو خيثمة.
قال شعبة: إسماعيل بن علية ريحانة الفقهاء.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 1/275-279، والتقريب رقم 416.
(2) - أبو دجانة الأنصاري، سماك بن خرشة.
اتفق على شهوده بدرا.
وكان يذب عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى كثرت فيه الجراحة.
وثبت في صحيح مسلم أن النيي صلى الله عليه وسلم قال له يوم أحد: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فأخذه أبو دجانة ففلق به هام المشركين.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1644، والإصابة 7/119.(5/74)
، وسهيل بن بيضاء(1)، وأبو عبيدة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وأبو أيوب، رواه مسلم.
…بعد خبر الرجل: فيه قبول خبر الواحد.
…4619-وابن إدريس: هو عبد الله الأودي الكوفي(2). وهي: أي الخمر من حيث هي، فهي جملة مستأنفة لا حالية ليوافق ما قبله. ما خامر العقل: كان مما ذكر أو غيره.
11-"لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا " -المائدة 93-:
أي أكلوا من الخمر والميسر قبل التحريم.
…4620- وزادني محمد: قائله البخاري، ومحمد هو ابن سلام البيكندي(3)، كما لأبي ذر، ومن قال خلاف هذا فقد وهم، قاله العيني(4).
…فنزل تحريم الخمر: قال الحافظ ابن حجر: ( الذي يظهر أن تحريمها كان عام الفتح سنة ثمان، لما روى أحمد من طريق عبد الرحمن بن وعلة(5)
__________
(1) - سهيل بن بيضاء القرشين واسم أبيه وهب بن ريبعة بن عمرو بن عامر بن ربيعة بن هلال، وبيضاء أمه.
شهد بدرا، وتوفي سنة تسع، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 667، والإصابة 3/208-209.
(2) - عبد اله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن بن الأسود الأودي، أبو محمد الكوفي.
روى عن أبيه والأعمش وابن جريج وابن إسحاق ومالك وشعبة.
وعنه مالك وابن المبارك ويحيى بن آدم وأحمد بن حنبل.
مات سنة 192هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 5/144-146.
(3) - محمد بن سلام بن فرج السلمي مولاهم، البخاري البيكندي أبو عبد الله، محدث ما وراء النهر.
روى عن أبي إسحاق الفزاري ومالك وابن المبارك وابن علية.
وعنه البخاري والدارمي ومحمد بن علي المروزي.
مات سنة 227هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 9/212-213.
(4) - في عمدة القاري 18/212.
(5) - عبد الرحمن بن وعلة، ويقال ابن السميفع بن وعلة المصري السبائي.
روى عن ابن عباس وابن عمر.
وعنه زيد بن أسلم ويحيى بن سعيد الأنصاري والقعقاع بن حكيم.
وثقه العجلي والنسائي وابن حبان ويعقوب بن سفيان.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 6/293-294.(5/75)
قال: سألت ابن عباس عن بيع الخمر فقال: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - صديق من ثقيف أو دوس، فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه، فقال: يا فلان أما علمت أن الله حرمها؟ فأقبل الرجل على غلامه فقال: بعها، فقال: إن الذي حرم شربها حرم بيعها) هـ(1).
…قلت: ولا يخفى أنه لا شاهد فيه على تعيين وقت الحرمة، كما لا شاهد فيما نقله بعده عن كيسان(2) وتميم الداري(3)، فانظره(4)، ثم وجدت الحافظ نفسه نقل في الأشربة(5) عن الدمياطي الجزم بأنه كان عام الحديبية سنة ست، وعن ابن إسحاق أنه كان في وقعة بني النضير سنة أربع، وبحث فيه بصغر أنس إذ ذلك، وهو بحث لا يجدي، والله أعلم.
…مناديا: لم يعرف . قتل قوم: قبل التحريم.
12- باب قوله تعالى:"يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَتَسْأَلُوا عَنَ اَشْيَاءَ اِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ"
- المائدة 101-: لما فيها من المشقة.
…4621- لو تعلمون: من عظمة الله. حنين: صوت مرتفع بالبكاء. رجل: هو عبد الله بن حذافة. فلان: حذافة(6).
…4622- قوم: من المنافقين.
13- " مَا جَعَلَ اللهُ": ما شرع، " مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ"
- المائدة 103- يأتي تفسيرها.
__________
(1) - الفتح 8/354-355.
(2) - كيسان المقبري المدني، أبو سعيد.
كان من الموالي فلم يعرف نسبه.
تابعي ثقة، كثير الحديث.
توفي سنة 100هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 8/453.
(3) - تميم بن أوس بن خارجة الداري، أبو رقية.
سكن المدينة، ثم انتقل إلى بيت المقدس بعد مقتل عثمان.
أخرج له الشيخان.
توفي سنة 40هـ.
ترجمته في: الإصابة 1/367، وتهذيب ابن عساكر 3/344.
(4) - الروايتان في الفتح 8/355.
(5) - الفتح 10/38 (شرح كتاب الأشربة، الباب1).
(6) - حذافة أو حذاقة بن زهر بن إياد، من عدنان، جد جاهلي.
قال الزبيدي: وكل من في العرب سواهم (أي سوى أبناء حذاقة هذا) حذافة بالفاء.
انظر جمهرة الأنساب 308، ونهاية الأرب للقلقشندي 192.(5/76)
…" وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ ءَانتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ " - المائدة 116-.
…يقول: قال الله: قال في تحفة الباري: (الأولى يقول الله بحذف قال، إذ غرضه أن لفظ "قال" في الآية بمعنى يقول، لأنه تعالى إنما يقول ذلك يوم القيامة توبيخا للنصارى). صلة: زائدة للتأكيد، لأن "إذ" للماضي، والمقول مستقبل.
…مفعولة: مميودة. راضية: أي مرضية. بائنة: قال ابن التين: (الظاهر أنها على بابها، لأنها فرقت بين الزوجين، فهي حينئذ قاطعة لحكم العقد).
…متوفيك: هذه في آل عمران -55- من قوله تعالى: " إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ " الآية، والتي في المائدة –117-: "فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي"... إلخ: مميتك: قال ابن عطية: ( هذا لفظ ابن عباس ولم يفسر، ولابد أن يتمم إما على قول وهب بن منبه(1): توفاه الله بالموت ثلاث ساعات ورفعه فيها، ثم أحياه بعد ذلك عنده في السماء، وإما على قول الفراء(2)
__________
(1) - أبو عبد الله وهب بن منبه بن كامل اليماني الصنعاني.
ولد ومات بصنعاء، وولاه عمر بن عبد العزيز قضاءها.
كان عالما بالإسرائيليات وأخبار الكتب السابقة.
توفي سنة 114هـ.
ترجمته في: طبقات ابن سعد 5/395، وشذرات الذهب 1/150، وطبقات الحفاظ ص:41.
(2) - يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي، أبو زكريا الفراء، إمام الكوفيين في النحو واللغة.
ولد بالكوفة وانتقل إلى بغداد.
له: معاني القرآن، والمذكر والمؤنث، والفاخر في الأمثال.
توفي سنة 207هـ.
ترجمته في: وفيات الأعيان 2/228، وفهرست ابن النديم 66، وبغية الوعاة 411.(5/77)
: هي وفاة موت، ولكن المعنى:/ إني رافعك ومتوفيك في آخر أمرك عند نزولك وقتلك الدجال، ففي الكلام تقديم وتأخير، أي لإجماع الأمة على أن عيسى حي، وأنه ينزل في آخر الزمان… إلخ، ثم نقل عن الحسن وابن جريج ومطر الوراق(1) وجماعة من العلماء أن معنى " متوفيك" قابضك من الأرض ومخلصك في السماء، فهو توفي قبض وتخليص)(2)، وقال في قوله: " فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي": ( قبضتني إليك بالرفع والتصيير في السماء)هـ(3).
…وقال البيضاوي: ( "مُتَوَفِّيكَ": أي مستوفي أجلك، ومؤخرك إلى أجلك المسمى، عاصما إياك من قتلهم، أو قابضك من الأرض من توفيت مالي… إلخ)(4)، وقال في قوله: " فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي": (بالرفع إلى السماء، والتوفي أخذ الشيء وافيا) هـ(5).
…وقال الجلال: ( "مُتَوَفِّيكَ": قابضك)(6)؛ ("تَوَفَّيْتَنِي": قبضتني بالرفع إلى السماء)هـ(7).
…وقال أبو عمر في التمهيد: ( الصحيح عندي قول من قال " مُتَوَفِّيكَ ": قابضك من الأرض، لما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من نزوله، وإذا حملت رواية ابن عباس على التقديم والتأخير إني رافعك ومميتك، لم يكن بخلاف لما ذكرناه) هـ.
…4623- دَرُّهَا: لَبَنُهَا. للطواغيت: الأصنام، أي لأجلهم، ( وذلك إذا نتجت الناقة خمسة أبطن، آخرها ذكر، بحروا أذنها أي شقوها، وخلوا سبيلها فلا تركب ولا تحلب)، قاله البيضاوي. يسبونها: تذهب حيث شاءت. لآلهتهم: لأجلهم. لا يحمل عليها شيء: ولاتحبس عن مرعى ولا ماء، كانوا ينذرونها لشفاء مريض أو قدوم غائب .
__________
(1) - أبو عطاء مطر بن طهمان الوراق الخراساني السلمي.
روى عن أنس وعكرمة وعطاء، وعنه إبراهيم بن طهمان ومعمر الدستوائي.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 10/167، والتقريب رقم 6699.
(2) - المحرر الوجيز 3/142-143.
(3) - المحرر الوجيز 5/114.
(4) - أنوار التنزيل 2/21 (في تفسير سورة آل عمران).
(5) - أنوار التنزيل 2/177.
(6) - حاشية الجلال ص:81.
(7) - حاشية الجلال ص: 172.(5/78)
…قال: أي سعيد. عمرو بن عامر: ابن لحي. قصبه: أمعاءه. والوصيلة: هذا من تمام كلام ابن المسيب، لا مرفوع. تبكر في أول نتاجها: أي بأنثى. يسبونها: أي الوصيلة. إحداهما: الأنثيين. الضراب المحدود: عشرة أبطن. ودعوه: تركوه.
14- " وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ":
رقيبا كالشاهد، لم أمكنهم من هذا القول الشنيع، وهو المذكور: " ءَانتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ..." إلخ - المائدة 116-، فضلا عن أن يعتقدوه، " مَادُمْتُ فِيهِمْ " - المائدة 117-: في الدنيا.
…4625- غُرْلاً: غير مختتنين. إبراهيم: عليه السلام، لأنه أول من عري في ذات الله لما أرادوا إحراقه، وحلة نبينا - صلى الله عليه وسلم - التي يكساها تحت العرش أعلى وأكمل فتجبر نفاستها ما فات من الأولية.
…ذات الشمال: جهة النار. أصيحابي: بالتصغير، قال الخطابي: ( فيه إشارة إلى قلة من وقع له ذلك، وإنما وقع لبعض جفاة الأعراب، ولم يقع لأحد من الصحابة المشهورين)(1)، وقدمنا في باب: " وَاذْكُرْ فيِ الْكِتَابِ مَرْيَمَ" أن هذا عام في المرتدين والعصاة.
15- باب قوله تعالى: " إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ":
فلا اعتراض عليك، الآية، " وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" - المائدة 118-.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأنعام
…مكية، إلا: " وَمَا قَدَرُوا اللهَ" الآيات الثلاث 91 و92 و93، وهي مائة وخمس، أو ست وستون آية(2).
…" ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتَهُمُ إِلاَّ أَن قَالُوا وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ" - الأنعام 23-.
…معذرتهم: التي يتوهمون أنهم يتخلصون بها.
…" وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ" - الأنعام 9-.
__________
(1) - أعلام السنن ص:1002-1003.
(2) - هي مائة آية وسبع وستون في المدني والمكي، وست في البصري والشامي، وخمس في الكوفي، انظر البيان ص:151، والكشف 1/425.(5/79)
…" حمولة": من قوله: " وَمِنَ الاَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا" الأنعام 142-.
…ما يحمل عليها: كالإبل الكبار، وهذا تفسير الحمولة، والفرش مالا تصلح للحمل كالإبل الصغار والغنم.
…"ينئون": من قوله تعالى: " وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْئَوْنَ عَنْهُ" - الأنعام 26-.
…" تبسل": من قوله سبحانه:" وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ" - الأنعام 70-.
…" باسطو أيديهم": من قوله تعالى: "وَالْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمُ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ" الأنعام 93-، أي باسطوها إليهم بالضرب والتعذيب، ففي قوله: البسط الضرب، تجوز إذ البسط ليس نفس الضرب.
" استكثرتم":من قوله تعالى:" يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الاِنسِ"-الأنعام 128-.
…" مما ذرأ ": أي خلق، من قوله تعالى: " وَجَعَلُوا للهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالاَنْعَامِ نَصِيبًا" - الأنعام 136-.
…" أكنة ": من قوله تعالى:/ " وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمُ أَكِنَّةً اَن يَّفْقَهُوهُ" - الأنعام 25-.
…" أساطير": من قوله تعالى: " يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الاَوَّلِينَ" - الأنعام 25-.
…الترهات: الأباطيل.
…" البأساء ": من قوله تعالى: " وَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ" - الأنعام 42-.
…" جهرة ": من قوله تعالى: " فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً" - النساء 153-(1).
__________
(1) - وهم الشبيهي في الإحالة إلى الآية، فأشار إلى التي في النساء 153، والمقصود قوله تعالى في الأنعام 47: "قُلَ ارَايْتَكُمُ إِنَ اتاكُمْ عَذَابُ اللهِ بَغْتَةً اَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ".(5/80)
…والصُّوَر: بفتح الواو من قوله تعالى: " يَوْمَ يُنفَخُ فيِ الصُّورِ" - الأنعام 73-، كذلك قرأها الحسن البصري. جماعة صورة: أي ينفخ فيها فتحيا، وقراءة الجمهور " الصُّورِ" بسكون الواو، وهو قرن ينفخ فيه إسرافيل، كما ثبت في الحديث، فهو واحد لا جمع. "جن": من قوله تعالى: " فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الَّيْلُ" - الأنعام 76-.
…حسبانا مرامي: أي سهاما، وهذا تفسير" حسبانا" المذكور في سورة الكهف-40- في قوله:" أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ"، أما ما هنا وهو قوله:"وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا"-الأنعام 96-،فمعناه حساب الأوقات، أو أنهما يجريان بحساب كما في آية الرحمن-5- (1).
"مستقر" من قوله تعالى: " وَهُوَ الّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَّاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ" - الأنعام 98-.
…القِنْو: من قوله تعالى: " وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ" -الأنعام 99-.
…العِذْق: هو العرجون.
…" أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الاُنثَيَيْنِ" -الأنعام 143-، فلم تحرمون بعضا ... إلخ: (أي فمن أين جاء التحريم، لأنه إن كان من قبل الذكورة، فجميع الذكور حرام، أو الأنوثة فجميع الإناث حرام، أو اشتمال الرحم فالجميع حرام، لأن الرحم لا يشتمل إلا على ذكر أو أنثى، والاستفهام للإنكار)، قاله في التحفة(2).
…"صدف":من قوله:" فَمَنَ اَظْلَمُ ممَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْهَا"-الأنعام 157-
…أبلسوا: من قوله تعالى: " حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوْتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ" -الأنعام 44-: آيسون من كل خير.
__________
(1) - وهي قوله تعالى: "اَلشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ".
(2) - تحفة الباري 3/79.(5/81)
…أبسلوا:من قوله تعالى:"أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا"-الأنعام 70-: أسلموا إلى الهلاك بسبب أعمالهم، وهذا لازم لإفضاحهم المفسر به الإفلاس فيما مر، فلا منافاة بين التفسيرين.
…" سرمدا": هذه اللفظة في سورة القصص -71-من قوله تعالى: " قُلَ اَرَايْتُمُ إِن جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ الَّيْلَ سَرْمَدًا"، قال الكرماني: (ذكرها هنا لمناسبة: فَالِقُ الاِصْبَاحِ وَجَاعِلُ الَّيْلِ سَكَنًا(1) - الأنعام 96- ).
…"استهوته":من قوله تعالى:"كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فيِ الاَرْضِ حَيْرَانَ-الأنعام71-
…" يمترون": من قوله سبحانه: " وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ" - الأنعام 2-.
1-باب: " وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ ":
خزائنه أو الطرق الموصلة إليه، " لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ" - الأنعام 59-: فيعلم أوقاتها وما في تعجيلها أو تأخيرها من الحكم، ويظهرها سبحانه على ما اقتضت حكمته، وتعلقت به مشيئته.
…4627- مفاتح الغيب خمس: الكرماني: (إنما اقتصر على خمس، وإن كان الغيب لا يتناهى، لأن العدد لا ينفي الزيادة، أو لأنهم كانوا يزعمون معرفتها، أو لأنها أمهات لغيرها) هـ.
لا يعلمها إلا الله: ابن بطال: (هذا يبطل خرص المنجمين في تعاطيهم علم الغيب، فمن ادعى علم ما أخبر الله ورسوله أن الله منفرد بعلمه، فقد كذب الله ورسوله، وذلك كفر من قائله) هـ.
…القرطبي: (لا مطمع لأحد في علم شيء من هذه الأمور الخمس، فمن ادعى علم شيء منها غير مستند إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان كاذبا في دعواه لقوله تعالى: " وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ" الآية، فلا طريق لعلم شيء من ذلك إلا بإعلام الله من ارتضاه بذلك لقوله تعالى: "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا اِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ" – الجن 26-) هـ.
__________
(1) - الكواكب الدراري 17/108.(5/82)
…وفي المعيار: (وسئل – يعني النووي – عن قوله تعالى: " قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فيِ السَّمَوَاتِ وَالاَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ " – النمل 65-، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا يعلم ما في غد إلا الله"، وأشباه ذلك من الآيات والأحاديث، مع أنه وقع علم ما في غد في معجزات الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وفي كرامات الأولياء رضوان الله/ عليهم، فأجاب: معناه لا يعلم ذلك استقلالا وعلم إحاطة بكل المعلومات إلا الله تعالى، وأما المعجزات والكرامات فحصلت بإعلام الله تعالى للأنبياء والأولياء، لا استقلالا، وهذا كما نعلم أن الشمس إذا طلعت تبقى ست ساعات أو نحوها ثم تزول، ثم تبقى نحو ذلك ثم تغرب، ثم تبقى نحو مجموع ذلك ثم تطلع، وهكذا القول في القمر وغيره من الأمور التي يعلم وقوعها في المستقبل، وليس هو علم غيب علمناه استقلالا، وإما علمناه بإجراء الله تعالى العادة به)هـ.
2- باب قوله تعالى: " قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَّبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ":
كما فعل بقوم لوط وأصحاب الفيل، " أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ": كما أغرق فرعون وخسف بقارون، الآية - الأنعام 65-، يعني: " أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ". يخلطكم: يخلط أمركم خلط اضطراب، لا خلط اتفاق.
…فرقا: يتشيع بعضكم على بعض.
…4628- " وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ": قال بعض العلماء: هو ما فيه الناس الآن من الاختلاف والأهواء وسفك الدماء. هذا أهون: أي لأن الفتن بين المخلوقين وعذابهم أهون من عذاب الله، فابتليت هذه الأمة بالفتن ليكفر بها عنهم.
3- باب: " وَلَمْ يَلْبِسُوا": يخلطوا، " إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ " - الأنعام 82-:(5/83)
أي عظيم وهو الشرك، قال البيضاوي: ( ولبس الإيمان بالشرك أن يصدق بوجود الصانع الحكيم ويخلط بهذا التصديق الإشراك) هـ(1)، وقيل: ( معناه أن يجمع بين الإيمان ظاهرا والكفر باطنا، وهو النفاق) هـ، فلا يستشكل خلط أحدهما بالآخر.
…4629-فنزلت…إلخ: أي فتبين لهم أن معنى قوله:"بظلم" أي عظيم، وهو الشرك.
4- باب: " وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَلَمِينَ" -الأنعام 86-:بالنبوة.
…4630- أنا خير: يعني نفسه أو النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو من تواضعه - صلى الله عليه وسلم -.
5- باب قوله تعالى: " أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمْ ":
أي بما توافقوا عليه من التوحيد وأصول الدين دون الفروع، " اقْتَدِهْ " - الأنعام 90-: ( وهذا إنما هو في عالم الأجساد، وأما في عالم الأرواح فهو - صلى الله عليه وسلم - الممد لهم، وعنه أخذوه)، قاله العلامة ابن زكري.
…4632- هو: أي داود. منهم: أي من الأنبياء المذكورين في هذه الآية. قلت لابن عباس: في ص سجدة. يقتدي بهم: ومنهم داود، وقد سجدها، وهذا فيه بحث، لأن الاقتداء بهم إنما هو في الأصول لا في الفروع، قاله الكرماني(2) وغيره، راجع أحاديث الأنبياء.
6- باب قوله تعالى: "وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا": أي اليهود، "حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ":
هو مالم تفترق أصابعه كالإبل والأنعام، إلى قوله: " وَإِنَّا لَصَادِقُونَ" - الأنعام 146-: في أخبارنا ومواعدنا.
…" الحوايا": من قوله: " حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَت ظُّهُورُهُمَا": أي ما علق بها منه، " أَوِ الْحَوَايَا": الْمَبْعَر، ومنه الأمعاء، فالمحرم عليهم هو الثروب وشحم الكلى.
…4633- قاتل الله اليهود: لعنهم. أجملوه: أذابوه.
7- باب قوله: "وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ":
__________
(1) - أنوار التنزيل 2/196.
(2) - انظر الكواكب الدراري 17/110.(5/84)
المعاصي، " مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ"- الأنعام151-: أي علانيتها وسرها.
…4634- أغير: المراد بالغيرة هنا لازمها، وهو تحريمه تعالى ومنعه أن يأتي المؤمن ما حرم عليه/، قاله شيخ الإسلام. المدح: أي مدح الغير له تعالى ليثيب عليه مادحه، فيعود النفع على المادح. قلت: قائله عمرو لأبي واثل.
8- باب قوله تعالى: " هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ " - الأنعام 150-:أحضروهم.
…و"وكيل":من قوله تعالى: " وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ" الأنعام 102-.
…"قبلا" من قوله تعالى: " وَلَوَ اَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قِبَلاً"، - الأنعام 111- بكسر أوله وفتح ثانيه، وبضمهما(1)، جمع قبيل: هذا تفسير لمضموم القاف، وأما مكسوره فمعناه معاينة.
…" زخرف القول": من قوله تعالى: " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيءٍ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الاِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمُ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا" - الأنعام 112-.
…9- باب: " لاَ يَنفَعُ نَفْسًا اِيمَانُهَا " - الأنعام 158-
…من قوله جل وعلا: " يَوْمَ يَاتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ"، كخروج الدجال، وطلوع الشمس من مغربها، " لاَ يَنفَعُ... إلخ، وقرر الآية غير واحد من المحققين كابن المنير وابن الحاجب(2)
__________
(1) - قرأ نافع وابن عامر بكسر القاف وفتح الباء، وضمهما الباقون.
انظر: التذكرة 2/333، والكشف 1/446.
(2) - أبو عمر عثمان بن عمر بن أبي بكر يونس، المعروف بابن الحاجب، المصري ثم الدمشقي.
أخذ عن الأبياري، وقرأ على الإمام الشاطبي، وعنه جلة منهم الشهاب القرافي وابن المنير والزواوي.
له: المختصر في الفقه، والمختصر الأصولي، وشرح مفصل الزمخشري.
توفي بالإسكندرية سنة 646هـ.
ترجمته في: الديباج المذهب 2/86، وشجرة النور الزكية 1/167-168.(5/85)
والتفتزاني على أنها من باب اللّف والنّشر الذي حذف منه طرف من اللف، أي لا ينفع نفسا إيمانها ولا كسبها في الإيمان خيرا لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، وبه يوافق مذهب السنة من أن الإيمان المجرد عن العمل كاف في نجاة صاحبه.
…قال الطيبي بعد تقريره بما ذكر وإيضاحه: (فهو من حذف إحدى القرينتين من اللّف لدلالة النشر عليه)، هذا محصل ما في المصابيح والإرشاد(1) وغيرهما.
سورة الأعراف
مكية إلا "وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ" -الثمان أو الخمس آيات - الأعراف 163 إلى 170-. مائتان وخمس، أو ست آيات(2).
…بسم الله الرحمن الرحيم: "ورياشا": هذه قراءة الحسن من قوله: " يَابَنيِ ءَادَمَ قَدَ اَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا " …إلخ - الأعراف 26-.
…الحلل: ويأتي أنه ما ظهر من اللباس، أي ما يتجمل به منه.
…" إنه لا يحب المعتدين ": من قوله تعالى: " اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً اِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" - الأعراف 55-: في الدعاء، كسؤال درجة الأنبياء، أو الدعاء على من لايستحقه، أو برفع الصوت.
…" نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ" - الأعراف 171 -: رفعنا، أي رفعناه باقتلاع له من أصله، وظنوا أنه ساقط عليهم.
…"انبجست": من قوله تعالى: " اِضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا" - الأعراف 160-.
أن تسجد: نبه على أن لا صلة.
…" يخصفان " من قوله تعالى: " وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَّرَقِ الْجَنَّةِ" -الأعراف 22-: أي أخذا يرفعان ويلزقان ورقة فوق ورقة.
…أَخَذَ الخِصَافَ:جمع خصفة، ما نسج من الخوص، يخصفان الورق.. إلخ: أي يُلْزِقَانِهِ.
__________
(1) - انظر الإرشاد 7/138.
(2) - هي مائتا آية وست في المدني والكوفي والمكي، وخمس في البصري والشامي، انظر البيان ص:155، والكشف 1/460.(5/86)
"اداركوا": من قوله تعالى: " حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا" - الأعراف 38-.
…" الفتاح" هذا اللفظ في سورة سبأ -26- من قوله تعالى: " قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ"، وكأنه ذكره توطئة لقوله " افتح" من قوله تعالى هنا: "رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ" - الأعراف 89-.
…" طائرهم": " أَلاَ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللهِ" الأعراف 131-.
…"ومتاع الى حين": من قوله سبحانه: " وَلَكُمْ فيِ الاَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَّمَتَاعٌ اِلىَ حِينٍ" - الأعراف 24-.
…" قبيله": من قوله سبحانه: " إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ " -الأعراف 27-.
…" ومشاق الإنسان …إلخ": أشار به لتفسير قوله تعالى: " لاَ يَدْخُلوُنَ الْجَنَّةَ حَتىَّ يَلِجَ الْجَمَلُ فيِ سَمِّ الْخِيَاطِ" -الأعراف 40-: أي ثقب الإبرة.
…وهي تسعة غواش: من قوله: " لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٌ" -الأعراف 41-، ما غشوا به من غطاء ووطاء.
…" نكدا": من قوله: " وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا" - الأعراف 58-: قليلا عديم النفع.
…طوفان من السيل: تفسير قوله تعالى: " فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ" الآية - الأعراف 133-.
…الحَلْم: هو القراد العظيم.
…عروش: يريد تفسير/ قوله تعالى: " وَدَمَّرْنَا مَاكَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَاكَانُوا يَعْرِشُونَ" - الأعراف 137-: أي يرفعون من البنيان.
…" سقط" من قوله تعالى: " وَلَمَّا سُقِطَ فيِ أَيْدِيهِمْ وَرَأَوَا اَنَّهُمْ قَد ضَّلُّوا"… إلخ - الأعراف 149-: أي ندموا .(5/87)
" الاسباط":من قوله تعالى:" وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا اُمَمًا"-الأعراف 160-.
…"شرعا ": من قوله تعالى: " إِذْ تَاتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا" -الأعراف 163: شوارع، أي ظاهرة على وجه الماء.
…" بيس ": من قوله سبحانه: " وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ" -الأعراف 165-.
" أخلد": من قوله سبحانه: " وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلىَ الاَرْضِ" - الأعراف 176-، والضمير لبلعام بن باعوراء.
…وتقاعس: تأخر، وقيل مال إلى الدنيا بأخذ الرشوة، ودعا على أولياء الله إعانة لأعدائه، "سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ" - الأعراف 182-.
…" من جنة":من قوله سبحانه:" أَوَلم يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ"-الأعراف 184-
…"أيان مرساها":من قوله تعالى:"يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا"-الأعراف 187-
…"ينزغنك":من قوله تعالى"وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ"-الأعراف200
…" طيف": من قوله تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوِا اِذَا مَسَّهُمْ طَيْفٌ(1) مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ" - الأعراف 201-. ملم: أي شيء ألم بهم. به لمم: أي يقال به لمم. وهو: أي مع ما قبله، واحد: في المعنى.
…" يمدونهم": من قوله تعالى" يُمِدُّونَهُمْ فيِ الْغَيِّ" - الأعراف 202-.
…"وخيفة": من قوله تعالى: " وَاذْكُرْ رَبَّكَ فيِ نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً" - الأعراف 205-: خوفا، أي متضرعا خائفا.
__________
(1) - في رواية ورش عن نافع: "طَائِفٌ"، وهي رواية حمزة وابن عامر وعاصم، وقرأ ابن كثير والبصري والكسائي بالياء ساكنة من غير ألف ولا همز.
انظر: التذكرة 2/350، والكشف 1/486-487.(5/88)
…"وخفية ": من قوله تعالى: " اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا"، أي تذللا، " وَخُفْيَةً" - الأعراف 55-: أي سرا.
"والاصال": من قوله تعالى: " وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقََوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالاَصَالِ" الأعراف 205-: واحدها أصل، وواحد أصل: أصيل، فآصال جمع الجمع.
1-باب قول الله: " قُلِ اِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ ":
المعاصي، " مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ" - الأعراف 33-: أي جهرها وسرها.
…4637- أغير: المنع من إتيان ما حرمه. المدحة: للإثابة عليها. فلذلك: أي فلأجل حبه المدحة من خلقه ليثيبهم عليها.
2- " وَلَمَّا جَاءَ مُوسى لِمِيقَاتِنَا ":
أي للوقت الذي وعدناه للكلام فيه. "وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ": من غير واسطة، بغير حرف ولا صوت، كلاما سمعه من كل جهة، " قَالَ رَبِّ أَرِنيِ " الآية - الأعراف 143-: أي أرني نفسك أنظر إليك. أعطني: أي ارزقني رؤيتك ومكني منها.
…4638- لا تخيروني من بين الأنبياء: قاله - صلى الله عليه وسلم - تواضعا، أو معناه: لا تخيروني تخييرا يؤدي إلى تنقيص غيري. يصعقون يوم القيامة: أي يغشى عليهم لا أنهم يموتون، قاله شيخ الإسلام، أي عند حصول أمر الله أعلم به، وقد يكون ذلك إذا تجلى الرب جل جلاله لفصل القضاء، قاله ابن كثير(1) والقاضي عياض(2) وابن القيم وغيرهم، راجع أبواب الأنبياء.
" المن والسلوى": من قوله: " وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى" – الأعراف 160-، والمن صمغة حلوة، والسلوى طائر، هو السمانى.
…4639- الكمأة من المن: أي نوع منه لأنها تنبت بنفسها من غير علاج، كالمن الذي كان ينزل على بني إسرائيل.
3- باب:"قُلْ يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالاَرْضِ" الآية -الأعراف 158-.
__________
(1) - في تفسير القرآن العظيم 2/390.
(2) - في مشارق الأنوار 2/48.(5/89)
…مناسبة ذكر السموات والأرض هنا للإشارة إلى أن لله سبحانه تخصيص من شاء بما شاء من تخصيص الرسالة وتعميمها.
…4640- غامر: خاصم وغاضب. قال: أبو الدرداء. وندم عمر على ما كان منه: من عدم استغفاره لصاحبه. تاركوا لي صاحبي: تاركوا بغير نون، مضافا لصاحبي مع الفصل بينهما بالجار والمجرور، فهو كقراءة أبي عمرو(1):" قَتْلُ أَوْلاَدَهُمْ شُرَكَائِهِمْ"(2)-الأنعام 137-
…سبق بالخير: والذي/ في الصحاح أن معناه خاصم(3).
4- باب قوله "حِطَّةٌ ":
من قوله تعالى: " وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ " - الأعراف 161-.
…4641- الباب: أي باب بيت المقدس. سجدا منحنين شكرا لله. حطة: خبر لمحذوف، أي مسألتنا حطة، أي مغفرة. أستاههم: أوراكهم. حبة في شعرة: فبدلوا فعلا وقولا.
5- باب: " خُذِ الْعَفْوَ ":
اليسر من أخلاق الناس ولا تبحث عنها، "وَامُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" - الأعراف 199-: فلا تقابلهم بسفههم. المعروف: المستحسن من الأفعال.
__________
(1) - أبو عمرو زبان بن العلاء بن عمار بن العريان التميمي المازني البصري.
عرض على مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وعكرمة بن خالد وابن كثير.
وحدث عن أنس بن مالك ونافع وأبي صالح السمان.
وقرأ عليه يحيى بن المبارك وعبد الله بن المبارك وشجاع البلخي.
توفي سنة 154هـ.
ترجمته في: التاريخ الكبير 9/55، وسير أعلام النبلاء 6/407، وغاية النهاية 1/288، ومعرفة القراء الكبار رقم 39.
(2) - وهم الشبيهي في إسناد القراءة، فقد قرأ ابن عامر الشامي "قتلُ أولادَهم شركائِهم"، والباقون "قتلَ أولادِهم شركاؤُهم".
انظر: التذكرة 1/335، والكشف 1/453-454.
(3) - في الصحاح "مادة غمر": (رجل غمر الخلق وغمر الرداء إذا كان سخيا بين الغمورة، ورجل غمر لم يجرب الأمور، وغامره باطشه وقاتله).(5/90)
…4642- وكان من النَّفَر… إلخ: أي الحر. هي: بسكون الياء، كلمة تهديد أو ضمير، أي هي دامية. الجَزْل: الكثير. والله ما جاوزها عمر: أي لم يتعد العمل بها. وكان وَقَّافًا عند كتاب الله: لم يتجاوز حكمه.
…4643- عن أبيه: عروة. عن ابن الزبير: عبد الله.
…4644- يأخذ العفو: أي اليسير. من أخلاق الناس: بأن يقبل منهم في أقوالهم وأفعالهم وأخلاقهم ما أتى منهم عفوا دون تكلف.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأنفال
…مدنية أو إلا (1) "وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ" الآيات السبع - الأنفال 30 إلى 36- فمكية.
خمس، أو ست، أو سبع وسبعون آية(2).
…نافلة: للنسفي: يقال نافلة.
…" وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا " - الأنفال 61-.
…والسلم ... إلخ: ومعناه الصلح.
…" مكاء": من قوله تعالى: " وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً" - الأنفال 35-: إدخال أصابعهم في أفواههم يصفرون فيها، وقال أبو عبيدة(3): المكاء الصفير، والتصدية والتصفيق.
"ريحكم": من قوله تعالى: " وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ" - الأنفال 46-: الحرب، وقيل قوتكم ودولتكم.
…" مردفين": من قوله تعالى:" أَنَّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ"- الأنفال 9-.
__________
(1) - مقصوده أن فيها رأيين: - رأي يقول إنها مدنية كلها،
………- ورأي ثان يستثني الآيات المذكورة.
(2) - هي سبعون آية وست في المدني والمكي والبصري، وسبع في الشامي، وخمس في الكوفي، انظر البيان ص:158، والكشف 1/489.
(3) - أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي البصري.
أديب لغوي، عالم بالأنساب.
له: معاني القرآن، وأخبار قضاة البصرة، ونقائض جرير والفرزدق.
توفي بالبصرة سنة 209هـ، وقيل غيرها.
ترجمته في: تاريخ بغداد 13/252، وبغية الوعاة 395، وتذكرة الحفاظ 1/338.(5/91)
…" فيركمه": من قوله تعالى: " وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا" - الأنفال 37-.
…" فشرد": من قوله تعالى: " وَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فيِ الْحَرْبِ": تظفرن بهم، "فَشَرِّدْ": فرق، "بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ " - الأنفال 57- من المحاربين بالتنكيل بهم والعقوبة.
…" ليثبتوك" من قوله تعالى: " وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ" - الأنفال 30-: يحبسوك ويوثقوك.
…4645- سورة الأنفال: أي ما سبب نزولها؟ نزلت في بدر: لما اختلف المسلمون في غنائمها، فقال الشبان هي لنا لأنا باشرنا القتال، وقال الشيوخ كنا رِدْءًا لكم تحت الرايات، ولو انكشفتم لفئتم إلينا، فنزلت:"يَسْأَلُونَكَ عَنِ الاَنفَالِ قُلِ الاَنفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ"-الأنفال 1- يجعلانها حيث شاءا، فقسمها - صلى الله عليه وسلم - بينهم على السواء، رواه الحاكم.
1-" إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الصُّمُّ ":
عن سماع الحق، " الْبُكْمُ": عن فهمه، " الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ" - الأنفال 22- إياه، عدهم من البهائم، ثم جعلهم شرها، لإبطالهم ما ميزوا وفضلوا لأجله.
…4646- من بني عبد الدار: من قريش، وهم الذين قاموا بحمل لوائهم يوم أحد حتى قتلوا، والصواب أنه يعم كل مشرك.
2- "يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ" -الأنفال 24-
من أمر الدين لأنه سبب للحياة الأبدية.
…4647-ما منعك أن تأتيني؟ وإن كنت في الصلاة بأن تقطعها وتجيء، لأن إجابته - صلى الله عليه وسلم - واجبة ولو في داخل الصلاة، ويعصى المرء بتركها، ولا تبطل الصلاة على المعتمد، راجع تفسير الفاتحة. السبع المثاني: بدل من الفاتحة، وسميت مثاني لأنها تثنى في الصلاة.
3- باب قوله تعالى: "وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا "/(5/92)
الذي يقرؤه محمد، " هُوَ الْحَقَّ ": المنزل، " مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ": عقوبة على إنكاره، " أَوِ ايتِنَا بِعَذَابٍ اَلِيمٍ" - الأنفال 32-: سواه، والمراد منه التهكم وإظهار اليقين، والجزم التام على كونه باطلا.
…ما سمى الله مطرا ... إلخ: أورد عليه قوله تعالى: " إِن كَانَ بِكُمُ أَذًى مِّن مَّطَرٍ" -النساء -102، ( فإن المراد به الغيث قطعا، والتأذي به ما يقع من البلل والوحل الحاصلين منه)، قاله ابن حجر(1).
…4648- سمع أنس: أي يقول. " فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا": قال أبو عبيدة: أمطر تكون في العذاب، ومطر في الرحمة.
4- باب قوله تعالى: " وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ":
بما سألوا، " وَأَنتَ فِيهِمْ": لأن العذاب إذا نزل عم، ولم تعذب أمة إلا بعد خروج نبيها والمؤمنين منها، "وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" - الأنفال 33-، أي وفيهم من يستغفر، وهم المؤمنون المستضعفون فيهم، كما قال: " لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا" الآية – الفتح 25-، ويؤخذ منه أن الاستغفار أمان من العذاب، وروى أحمد مرفوعا: (العبد آمن من عذاب الله ما استغفر الله عز وجل) هـ، ويكفي في علو مرتبته اقترانه مع وجود سيد العالمين في استدفاع البلاء، وعن ابن عباس أن الله جعل في هذه الأمة أمانين، لا يزالون معصومين من العذاب ماداما بين أظهرهم، فأمان قبضه الله إليه، وأمان بقي فيكم، تم تلا الآية.
…4649- " وَمَا لَهُمُ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ " بالسيف بعد خروجك والمستضعفين وقد عذبهم الله ببدر وغيره.
5- "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ": توجد، "فِتْنَةٌ": شرك، " وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ"
- الأنفال 39-: وحده، ولا يعبد غيره.
__________
(1) - في الفتح 8/393.(5/93)
…4650- رجلا: هو حبان صاحب الدثنية(1)، أو نافع بن الأزرق. أن لا تقاتل: لازائدة. اغتروا: من الاغترار. بهذه الآية: " وَإِن طَائِفَتَانِ" …إلخ - الحجرات 9-، أي أخذوا بظاهرها ولم يأولوها، وتركوا آية: " وَمَن يَّقْتُلْ مُومِنًا مُّتَعَمِّدًا"… إلخ - النساء 93-. ولا أقاتل: مؤولا لآية: "وَإِن طَائِفَتَانِ". أحب إلي: من أن أقاتل مغترا بآية: " وَمَن يَّقْتُلْ مُومِنًا "… إلخ، أي غير ملتفت إليها، يعني أن تأويل: " وَإِن طَائِفَتَانِ " أحب إلي من تأويل: "وَمَن يَّقْتُلْ مُومِنًا " لما فيها من التغليظ الشديد والتهويل العظيم. قال: الرجل. فما قولك في علي وعثمان؟ أراد بذلك تنقيصهما. قد عفا عنه: لما فر يوم أحد، يقوله: " وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ" - آل عمران 152-. وختنه: زوج ابنته.
…قال ابن حجر: ( تصحف على بعض الرواة " بيته" فقرأها "بنته"، ثم شك فقال: "أو بيته"، والمعتمد أنه البيت فقط)(2).
6- باب " يَأَيُّهَا النَّبِيءُ حَرِّضِ الْمُومِنِينَ ":
بالغ في حثهم، " عَلَى الْقِتَالِ إِن يَّكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ" -الأنفال 65-: منهم.
…4652- فكتب: فرض. أَلاَّ يَفِرَّ واحد من عشرة: هذا معنى الآية. ألا يفر عشرون من مائتين: هذا لفظها، وأشار بقوله "كتب" إلى أن الآية خبر بمعنى الأمر، أي ليقاتل العشرون منكم المائتين، والمائة الألف، ويثبتوا لهم، وإنما قلنا ذلك لأنه قد يتخلف فلايطابق الواقع، وهو ولو في جزئية محال في خبر الله، قاله العارف، وأصله لابن حجر(3).
…مثل هذا: الحكم المذكور في الجهاد بجامع إعلاء كلمة الحق وإدحاض كلمة الباطل.
7- "اَلاَنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا" الآية -الأنفال 66-: أي في القوة.
__________
(1) - في الأصل: "الدثنة"، وفي الفتح 8/395: "الدثنية".
(2) - الفتح 8/396.
(3) - انظر الفتح 8/397.(5/94)
…4653- " فَإِن تَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ "... إلخ، زاد الإسماعيلي: ففرض عليهم ألا يفر رجل من رجلين، ولا قوم من مثليهم.
سورة براءة
…مدنية، أو إلا الآيتين آخرها - 128 و129-.
…مائة وثلاثون، /أو إلا آية(1).
…" الشُّقَّة": من قوله تعالى: " لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَّسَفَرًا قَاصِدًا..." إلخ - التوبة42-.
…الخبال: من قوله تعالى: " لَوْخَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمُ إِلاَّ خَبَالاً" - التوبة 47-، والخبال الموت، الدماميني: ( كذا وقع، والصواب: الموتة، يعني الجنون) هـ، وقال الجلال: ( "خبالا": فسادا بتخذيل المؤمنين)(2).
…" ولاتفتني": من قوله: " وَمِنْهُم مَّن يَّقُولُ ايذَن لِّي" أي في التخلف عنك، " وَلاَتَفْتِنِّي" - التوبة 49-: لا توبخني، وفي نسخة: لا توهني، نزلت في الجد بن قيس، قال له - صلى الله عليه وسلم -: هل لك في جلاء بني الأصفر، فقال: إني مغرم بالنساء، وأخشى إن رأيت نساء بني الأصفر، لا أصبر عليهن فأفتتن، قال تعالى: " أَلاَ فيِ الْفِتْنَةِ سَقَطُوا" -التوبة 49-.
" مدخلا ": من قوله تعالى: " لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئًا اَوْ مَغَارَاتٍ اَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوِا اِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ" -التوبة 57- والمدخل السرب في الأرض.
…" والموتفكات ": من قوله تعالى: " أَلَمْ يَاتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُوتَفِكَاتِ" -التوبة 70-، وهي قرى قوم لوط.
__________
(1) - هي مائة وثلاثون آية في غير الكوفي، وتسع وعشرون ومائة في الكوفي، انظر البيان ص:160، والكشف 1/498.
(2) - حاشية الجلال ص:250.(5/95)
…" أهوى": يشير لقوله تعالى في سورة النجم -53-: " وَالْمُوتَفِكَةَ أَهْوى"، ألقاه في هوة، مكان عميق، وذكر هنا استطرادا " عدن" من قوله تعالى:" وَعَدَ اللهُ المُومِنِينَ وَالمُومِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فيِ جَنَّاتِ عَدْنٍ"- التوبة 72-.
…"الخوالف": من قوله سبحانه: " رَضُوا بِأَن يَّكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ" - التوبة 87-.
…الخالف: أي مفرده الخالف: أي المتخلف عن القوم، أن تكون الخوالف النساء من الخالفة: أي مأخوذ من الخالفة، وهي المرأة، أي مع النساء، لا جمع خالف إذ جمعه خالفون وفواعل جمع فاعلة لا فاعل. وإن كان جمع الذكور: أي فهو شاذ على تقدير جمعه على فواعل. فارس…إلخ: وزاد ابن مالك: شاهق وشواهق،وناكس ونواكس، وداجن ودواجن.… "الخيرات": من قوله تعالى: " أُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ" - التوبة 88-.
…" شفا ": من قوله تعالى: " أَفَمَنُ اسِّسَ بُنْيَانُهُ عَلَى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ اَم مَّنُ اسِّسَ بُنْيَانُهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هارٍ" - التوبة 109-.
…حده: حافته.
…"لأواه": من قوله تعالى: " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ" - التوبة 114-: أي كثير التضرع والبكاء. شفقا وفرقا: أي خوفا.
…وقال الشاعر: هذا كلام أبي عبيدة، ووقع فيه هنا حذف أشكل به فهمه، ولفظه كما في الفتح: ( أواه فعال من التأوه، ومعناه متضرع شفقا وفرقا لطاعة ربه، قال الشاعر... إلخ)(1)، والشاعر هو المثقب العبدي.
أرحلها: أي الناقة، أي أشد رحلها عليها.
1-باب قوله تعالى: " بَرَاءَةٌ ":
أي هذه براءة، "مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ": واصلة،" إِلىَ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ" – التوبة1-: عهدا مطلقا، أو دون أربعة أشهر، أو فوقها، ونقض العهد بدليل آخر الآية.
__________
(1) - الفتح 8/402.(5/96)
…" أذن": من قوله تعالى:" وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُوذُونَ النَّبِيءَ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذْنٌ"- التوبة 61-: يصدق، أي يسمع كل قيل ويقبله، فإذا حلفنا له أنا لم نقل شيئا صدقنا.
…" وتطهرهم ": من قوله تعالى: " خُذْ مِنَ اَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا" -التوبة 103-، أي من ذنوبهم، والزكاة في اللغة الطهارة.
…" لا يوتون الزكاة": من قوله تعالى في سورة حم السجدة -6 و7- : " وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لاَ يُوتُونَ الزَّكَاةَ"، وذكرها هنا استطرادا.
…" يضاهون": من قوله تعالى: " وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرُ بْنُ اللهِ " الآية - التوبة 30-.
…4654- آخر آية نزلت: " يَسْتَفْتُونَكَ" - النساء 176-، وكان نزولها مع آية الربا - البقرة 278-، فهما معا آخر ما نزل بالنسبة لما عداهما. وآخر سورة نزلت: أي معظمها، وإلا فآخر سورة نزلت كاملة سورة النصر.
2- باب قوله تعالى: " فَسِيحُوا ":
سيروا آمنين أيها المشركون، " فيِ الاَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ": أولها شوال ولا أمان لكم بعدها، " وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الكافِرِينَ" - التوبة 2- مذلهم أو معذبهم في الدنيا بالقتل، وفي الآخرة بالنار.(5/97)
…4655- في تلك الحجة: التي حجها أبو بكر سنة تسع. ثم أردف رسول الله صلى الله/ عليه بعلي: روى الإمام أحمد عن أنس " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث ببراءة مع أبي بكر، فلما بلغ ذا الحليفة قال: لا يبلغها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي، فبعث بها مع علي رضي الله عنه"، زاد ابن جرير عن علي: "فأدركت أبا بكر فأخذتها منه، فقال أبو بكر: مالي، قال : خير صاحبي في الغار، وصاحبي على الحوض، غير أنه لا يبلغ عني غيري أو رجل مني"(1)، وعليه فقول أبي هريرة في حديث الباب " بعثني أبو بكر.. إلخ" مشكل، لأن عليا هو المأمور بالتأذين لا أبوبكر، قاله الطحاوي(2)، وأجيب(3) ( بأن أبا بكر كان أمير الناس، وعَلِيٌّ له التأذين خاصة، ولم يطقه وحده، فاحتاج إلى من يعينه على ذلك، فبعث معه أبو بكر أبا هريرة وغيره) هـ، قاله ابن حجر(4). أن يؤذن ببراءة: من أولها إلى قوله: "وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" - التوبة 33-.
…قال أبو هريرة: كذا للحموي، وهو الصواب، وللكشميهني والمستملي: قال أبوبكر، وهو غلط، قاله القاضي عياض.
3- باب قوله: "وَأَذَانٌ ":
__________
(1) - جامع البيان 10/46.
(2) - أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأسدي الطحاوي، من كبار الحنفية في الحديث والفقه، وإليه انتهت رئاسة الحنفية بمصر.
صنف أحكام القرآن، واختلاف العلماء، ومشكل الآثار، والشروط.
ولد في طحا بمصر سنة هـ229، وتوفي سنة 322هـ.
ترجمته في: مرآة الجنان 2/281، ووفيات الأعيان 1/23، وتذكرة الحفاظ 3/28، وتاج التراجم 6.
وقول الطحاوي نقله الحافظ في الفتح 8/405.
(3) - هذا يوحي بأنه رد من أحدهم على الطحاوي، مع أن الحافظ قال: (ثم أجاب بما حاصله) ناسبا القول إلى الطحاوي نفسه.
(4) - في الفتح 8/406.(5/98)
إعلام، " مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلىَ النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الاّكْبَرِ": هو يوم النحر، " أن": أي بأن، "اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ": وعهودهم، "وَرسُولُهُ": بريء منهم أيضا، إلى "المُتَّقِينَ" -التوبة 3 و4- من قوله: " إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ"، أي بإتمام العهود.
…4656- يوم النحر: يوم الحج الأكبر، والحج الأصغر هو العمرة.
4- قوله تعالى: " فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ": رؤساءه، " إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ" - التوبة 12-:
لا عهود لهم.
…4658- ما بقي… إلخ: قال ابن حجر: ( لم أقف على تسمية واحد منهم)(1). أعرابي: لم يسم. يَبْقُرُونَ(2): ينقبون. أَعْلاَقَنَا: نفائس أموالنا. لم يبق منهم: أي المنافقين. شيخ كبير: لم يعرف. لما وجد برده: لفساد معدته، عقوبة له في الدنيا.
5- باب قوله تعالى: " وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ " الآية - التوبة 34-:
أي "وَلاَ يُنفِقُونَهَا"، أي الكنوز، " فيِ سَبِيلِ اللهِ"، أي لا يؤدون منها حقه من الزكاة، "فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ اَلِيمٍ".
…4659- شجاع أقرع: حية تمعط جلد رأسها لكثرة السم وطول العمر.
__________
(1) - الفتح 8/412.
(2) - في المخطوطة: "ينفرون" وهو تصحيف، وفي الفتح 8/412: (يبقرون: بموحدة ثم قاف، أي ينقبون).(5/99)
…4660- بالرَّبَذَة(1): موضع قرب المدينة. ما هذه إلا في أهل الكتاب: نظر إلى سياق الآية لقوله: " إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الاَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ" - التوبة 34-. لَفِينَا وَفِيهِمْ: نظرا إلى عمومها، وهذا هو الصواب، لكن حملها أبو ذر على وجوب إنفاق كل ما زاد على ضرورة الإنسان وحاجته، وإخراجه من اليد جملة، والجمهور على أن إخراج الزكاة منها يطهرها ويبيح تملكها وكنزها كما يأتي في نص ابن عمر، ومن ثم أعقبه المص به، فرحمة الله عليه ورضوانه، وتمام القصة كما في الزكاة أن معاوية شكا به إلى عثمان، فوجه إليه من الشام، فلما قدم المدينة اجتمع عليه الناس، فأمره فانتحى منها، فخرج إلى الربذة.
6- باب قوله تعالى: " يَوْمَ يُحْمى عَلَيْهَا ":
أي المكنوزات أو الدراهم، " فيِ نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى" تحرق، " بِهَا جِبَاهُهُمْ" الآية - التوبة 35-، وتوسع جلودهم حتى توضع عليها كلها.
…4661- خرجنا مع عبد الله بن عمر فقال: تقدم في الزكاة: فقال أعرابي: أخبرني قول الله: " الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ" الآية، فقال... إلخ، هذا: أي تبشير الكانزين بالعذاب الأليم. طُهْرًا للأموال: أي لأموال مخرجيها.
7- باب قوله تعالى:" إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فيِ كِتَابِ اللهِ":
اللوح المحفوظ، " يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالاَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ": محرمة معظمة يحرم فيها القتال، "ذَلِكَ": أي تحريم الأشهر الحرم هو، " الدِّينُ الْقَيِّمُ":/ - التوبة 36-: المستقيم، والجمهور على نسخ حرمة القتال فيها، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حاصرا أهل الطائف في ذي القعدة.
__________
(1) - من قرى المدينة قريبة من ذات عرق، انظر معجم البلدان 3/24.(5/100)
…4662- إن الزمان: المراد به أشهر السنة. قد استدار: استدارة بسبب النسيء الذي كانت تفعله الجاهلية من تأخير حرمة شهر حرام إذا احتاجوا للقتال فيه إلى شهر آخر، ويجعلون بدله شهرا آخر يسمونه النسيء، ويسمون الشهر المنقول إليه التحريم بالشهر المنقول منه، فإذا نقلوا حرمة المحرم لصفر سموه المحرم، وربيع الأول صفر، وهكذا في باقي السنة، ثم إذا احتاجوا للآخر فعلوا مثل ذلك حتى دار ذلك على السنة كلها، والتبست الأشهر، فلما جاء الإسلام صادف وقوع الأشهر في محالها ورجوعها إلى موضعها الأصلي الذي خلقها الله عليه، وهذا معنى قوله: "كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ السموات والارض"، أي وصار كهيئته، أي على حالته الأولى التي وضعه الله عليها يوم خلق السموات... إلخ.
ورَجَبُ مُضَر: أضافه إليهم لأنهم كانوا متمسكين بتحريمه ولا ينسئونه. الذي بين جمادى وشعبان: تأكيد لقصد التفريق بين ما وضعه الله وبين فعل الجاهلية.
8- باب قوله تعالى: " ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فيِ الْغارِ":
غار ثور، " إِذْ يَقُولُ": - صلى الله عليه وسلم -، " لِصَاحِبِهِ": أبي بكر، " لاَ تَحْزَنِ اِنَّ اللهَ مَعَنَا" - التوبة 40-: بالعصمة والنصر والحفظ والمعونة.
…السكينة: من قوله: " فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ" - التوبة 26-.
…قال البيضاوي: ( أمنته التي تسكن عندها القلوب)(1).
…4663- فرأيت آثار المشركين: لما طلعوا فوق الغار. الله ثالثهما: بالنصر والحفظ.
…4664- حين وقع بينه وبين ابن الزبير: أي ما وقع من ترك مبايعته، أي مبايعة ابن عباس لابن الزبير، ووافقه محمد بن الحنفية(2)
__________
(1) - أنوار التنزيل 3/68.
(2) - محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو القاسم، المعروف بابن الحنفية، أخو الحسن والحسين، وأمه خولة بنت جعفر الحنفية، وينسب إليها تمييزا له عن ولدي فاطمة الزهراء.
توفي بالمدينة سنة 81هـ.
ترجمته في: طبقات ابن سعد 5/66، وحلية الأولياء 3/174، ووفيات الأعيان 1/449.(5/101)
، وقالا: لا نبابع حتى يجتمع الناس على خليفة، وتبعهما على ذلك جماعة. قلت: أي قال ابن أبي مليكة(1) لابن عباس كالمنكر عليه امتناعه من المبايعة، محددا له شرف ابن الزبير، ومبينا له استحقاقه للخلافة. وجده: أبو أمه. وجدته: أم أبيه صفية بنت عبد المطلب(2). إسناده؟: أي ماهو؟ أي ما كيفية عنعنته، هل هي بواسطة أو بغيرها؟. قال نا… إلخ : فبقي الأمر على عدم بيانه.
…4665- وكان بينهما: أي بين ابن عباس وابن الزبير. شيء: خصام. كتب: قدر. محلين: مبيحين القتال بالحرم. لا أحله: أي القتال أبدا. قال: ابن عباس. وأين بهذا الأمر عنه: أي الخلافة، أي ليست بعيدة عنه لشرفه. أما أبوه: الزبير. فحواري : ناصر. وأما جده: أي لأمه. فذات النطاق: لأنها شقت نطاقها لسفرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسقائه عند الهجرة، فشدتهما به. وأما عمته: أي عمة أبيه، لأنه الزبير بن العوام بن خويلد. خديجة: بنت خويلد. والله إن وصلوني: سقط قبل قوله "والله" ما نصه: وتركت بني عمي، كذا في تاريخ
ابن أبي خيثمة(3)
__________
(1) - عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة التيمي المكي.
من كبار المحدثين، تولى قضاء الطائف لدى ابن الزبير.
توفي سنة 117هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 5/306.
(2) - صفية بنت عبد المطلب بن هاشم القرشية الهاشمية، عمة النبي صلى الله عليه وسلم، ووالدة الزبير، وهي شقيقة حمزة.
أسلمت وروت، وعاشت إلى خلافة عمر.
ترجمتها في: الاستيعاب ص: 1873، والإصابة 7/743-745.
(3) - أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب بن شداد النسائي البغدادي، أبو بكر.
محدث مؤرخ، أخذ عن يحيى بن معين وأحمد بن حنبل ومحمد بن سلام الجمحي.
له: التاريخ، وأخبار الشعراء.
توفي سنة 279هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد 4/162، ومعجم الأدباء 3/35، وتذكرة الحفاظ 2/156، وغاية النهاية 1/54.(5/102)
، ولابد منه لتصحيح الكلام، والمراد بهم بنو أمية، أي أذعنت لابن الزبير وتركت بني عمي، بني أمية، والله إن وصلوني… إلخ. وصلوني من قريب: لأنه ابن عباس ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وهم بنو أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. وإن رَبُّوني: بالضم أي كانوا علي أمراء، وبالفتح من التربية، والضم أنسب وأنصع. فآثر: من الأثرة، أي قدم ابن الزبير علي. التُّوَيْتَات: بطن من بني أسد، ينسب إلى تُوَيْت مصغرا، والأسامات: بطن منهم ينسب/ إلى أسامة بن أسد. والحميدات: بطن منهم ينسب إلى حميد بن زهير، وهذه الأبطن تجتمع مع خويلد بن أسد جد الزبير. وبني أسد: كذا عندنا مُضَبَّبًا، وصوابه: وبني حميد. برز: ظهر. يمشي القُدَمِيَّة: أي مشية التبختر، وهو مثل، أي برز يطلب معالي الأمور. لوى ذنبه: كناية عن تأخره وتخلفه عن سلوك الطريق الأَسَدّ، بعدم وضعه الأشياء مواضعها.
…4666- في أمره هذا: أي أمر الخلافة. لأحاسبن نفسي: أناقشها في معونته ونصره. ما حاسبتها: ناقشتها. وابن أخي خديجة: أي ابن ابن أخيها. يتعلى: يترفع. ولا يريد ذلك: أي أن أكون من خاصته. وما أراه يريد خيرا: في الرغبة عني. وإن كان لابد: أي الذي صدر منه لا فراق له منه. لِأَنْ يَرُبَّنِي: أي يكون علي أميرا.
9- باب قوله عز وجل: " وَالْمُوَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ":
هم قوم أسلموا ونيتهم ضعيفة فيه، وإشراف يترقب بإعطائهم إسلام نظرائهم، " وفي الرقاب" - التوبة 60-: أي عتقها من الرق إما ابتداء أو بعد مكاتبتها.
…4667- بشيء: ذهبية، بعث بها علي من اليمن، ثمانية آلاف دينار. بين أربعة: هم الأقرع بن حابس الحنظلي، وعيينة بن حصن الفزاري، وزيد الخير الطائي(1)
__________
(1) - زيد الخيل بن مهلهل بن زيد بن منهب بن عبد رضا بن أقسى بن المختلس بن ثوب بن كنانة بن مالك بن نابل الطائي.
وفد سنة تسع، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم زيد الخير.
كان شاعرا خطيبا.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 559، والإصابة 2/622-624.(5/103)
، وعلقمة بن علاثة العامري. رجل: هو ذو الخُوَيْصِرَة التميمي، واسمه حُرْقُوص(1). ضِئْضِئِ: نَسْلِ. يمرقون: يخرجون.
10- باب قوله تعالى : " الَّذِينَ يَلْمِزُونَ ":
يعيبون، " المُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُومِنِينَ فيِ الصَّدَقَاتِ": المتنفلين بها، " وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ"... إلخ - التوبة 79-.
…4668- عن أبي مسعود: عقبة بن عمرو البدري الأنصاري. نتحامل: يحمل بعضنا لبعض بالأجرة. بنصف صاع: من تمر. إنسان: هو عبد الرحمن بن عوف. بأكثر منه: بثمانية آلاف أو بأربعة آلاف، قاله الواقدي(2). عن صدقة هذا: الأول. إلا رياء: وكذبوا في ذلك.
…4669- كأنه ... إلخ: هذا قول شقيق(3)، أي فقال إبراهيم نعم.
11- باب قوله تعالى: " اِسْتَغْفِرْ لَهُمُ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمُ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَّغْفِرَ اللهُ لَهُمْ" - التوبة 80-.
نزلت في المنافقين باتفاق أهل التفسير وغيرهم.
…4670- لما توفي عبد الله بن أبي: المنافق المشهور، سنة تسع منصرفهم من تبوك. جاء عبد الله(4)
__________
(1) - حرقوص بن زهير السعدي، ذو الخويصرة التميمي، رأس الخوارج المقتول بالنهروان.
مختلف في صحبته.
ترجمته في: الإصابة 2/49-50.
(2) - في المغازي 3/991.
(3) - شقيق بن سلمة الأسدي، أبو وائل الكوفي.
ثقة أخرج له الشيخان.
مات في خلافة عمر بن عبد العزيز.
ترجمته في: التقريب رقم 2816.
(4) - عبد الله بن عبد الله بن أبي بن مالك بن الحارث بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج الأنصاري.
كان أبوه رأس المنافقين، وكان اسمه الحباب، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله.
شهد بدرا وأحدا والمشاهد.
استشهد في قتال أهل الردة باليمامة.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 940، والإصابة 4/155-156.(5/104)
: ولده، وكان من خيار الصحابة وأفاضلهم. فأعطاه: مرعاة للولد، لا للوالد، وقد نهاك ربك أن تصلي عليه: قال الزركشي: ( في هذه الرواية وهم، لأن "وَلاَتُصَلِّ"...إلخ - التوبة 84- متأخر عن قول عمر ما ذكر، وأجاب الدماميني بقوله: لاوهم، والكلام سديد منتظم، وذلك بأن نقول لعل عمر فهم نهي الله تعالى عن الصلاة على هذا المنافق من قوله تعالى: " اِسْتَغْفِرْ لَهُمُ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ " من حيث سوى بين الاستغفار وعدمه في عدم النفع، وعلل ذلك بكفرهم، ولا شك أن الصلاة على المشرك الميت استغفار له ودعاء، وقد نهي عنه، فتكون الصلاة عليه منهيا عنها، ويؤيده قوله في الرواية الأخرى: "أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تستغفر لهم")(1).
…إنما خيرني الله فقال: " اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ " إلى قوله: وسأزيده على السبعين: أشكل أمر هذا الحديث جدا، حتى طعن في صحته أئمة أكابر كالباقلاني والغزالي وإمام الحرمين(2) والداودي مع كثرة طرقه، واتفاق الشيخين وجميع أهل الصحيح عليه، قال الدماميني: (وصُدُورُ مَا ذُكِرَ مِنْ هؤلاء الأَكَابِرِ عَجِيبٌ) هـ.
…وأجاب غيرهم عنه بأجوبة مذكورة في الفتح(3) وغيره.
…قال مقيده الفضيل عامله الله بستره الجميل: وقفت على تلك الأجوبة فوجدتها لما اشتملت عليه من الإجمال لا ينحل بها عقال ذلك الإشكال وتحقيق المناط فيه أن يقال: الحديث مشكل من وجوه:
… أحدهما: أن الذي يفهم من الآية إنما هو التسوية بين الاستغفار وعدمه في أن ذلك لا ينفعهم، لا التخيير فيه؛
__________
(1) - انظر تعليق المصابيح ص:502.
(2) - أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، من بلاد جوين من نواحي خراسان.
يعد من أعلم المتأخرين من أصحاب الشافعي.
توفي سنة 478هـ.
ترجمته في: وفيات الأعيان 3/197، والعبر 3/291.
(3) - الفتح 8/431-432، وقال الحافظ: (وذلك ينادي على منكري صحته بعدم معرفة الحديث، وقلة الاطلاع على طرقه).(5/105)
ثانيها: أن الشائع في إطلاق السبعين في مثل هذا التركيب أنه يراد بها المبالغة ومساواة حكم ما زاد عليها لها، لا أن لها مفهوما/؛
…ثالثها: أنه - صلى الله عليه وسلم - نهي عن الاستغفار للمشركين قبل ذلك في قصة أبي طالب بقوله تعالى: " مَا كَانَ لِلنَّبِيءِ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَن يَّسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ" - التوبة 113-، فكيف يستغفر للمنافقين، مع التصريح بكفرهم في نفس الآية بقوله: " ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ" - التوبة 80- والحق في الجواب عن الأول ما لابن عطية في تفسيره، وذلك أنه بعد أن حكى في الآية القول بالتسوية بين الاستغفار وعدمه، ونسبه للطبري(1)، قال ما نصه: (والذي يحتمله اللفظ هو التخيير، كأنه قال له إن شئت فاستغفر، وإن شئت لا تستغفر، ثم أعلمه أنه لا يغفر لهم وإن استغفر سبعين مرة)، قال: ( وهذا هو الصحيح) هـ.
…وقال ابن العربي في الأحكام: ( " اِسْتَغْفِرْ لَهُمُ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ": اختلف هل هو إياس أو تخيير، فقال قوم إياس، وقال قوم هو تخيير، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إني خيرت فاخترت، لو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر لهم لزدت"، وهذا أقوى لأن هذا نص صحيح صريح من النبي - صلى الله عليه وسلم - في التخيير، وما وجه به القول الآخر استنباط، والنص الصريح أقوى منه)، ثم بين ذلك فانظره هـ.
__________
(1) - قال في جامع البيان 10/137: (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ادع الله لهؤلاء المنافقين الذين وصف صفاتهم في هذه الآيات بالمغفرة أو لا تدع لهم بها، وهذا كلام خرج مخرج الأمر وتأويله الخبر، ومعناه: إن استغفرت لهم يا محمد أو لم تستغفر لهم فلن يغفر الله لهم).(5/106)
…وعلى هذا الذي صححه ابن عطية وقواه ابن العربي، جرى ابن جزي(1) والجلال السيوطي(2) وغيرهما، فتبين أن فهم التخيير من الآية هو الذي يدل عليه لفظها، خلافا لمن نفى ذلك، وعن الثاني ما للعارف ابن أبي جمرة في بهجة النفوس، ونصه: ( أخذ - صلى الله عليه وسلم - بظاهر اللفظ شفقة منه ورحمة، ولم ينظر إلى عادة العرب في ذلك، فلما نزل: " سَوَاءٌ عَلَيْهِمُ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ" الآية – المنافقون 6-، علم أن هذا كان المقصود أولا) هـ، ونحوه للشيخ القدوة سيدي عبد القادر الفاسي، ونصه: ( إنه - صلى الله عليه وسلم - إنما قال: سأزيد على السبعين، وإن كان المفهوم منها المبالغة ركونا منه لسعة الرحمة، لأنه لم ينه عن الاستغفار لهم كما يأتي إيضاحه، ومادام - صلى الله عليه وسلم -لم ينه عنه وهو يركن إلى الرحمة وسعتها، ونظره كنظر إبراهيم عليه السلام حيث قال: "وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" -إبراهيم 36-) هـ.
…وقال العلامة ابن زكري: ( اعتبر - صلى الله عليه وسلم - مفهوم العدد، ولم يحمله على المتبادر من المبالغة، لأنه بعث رحمة، فهو يدور مع مسالك الرحمة ما وجد لها سبيلا) هـ.
__________
(1) - في التسهيل لعلوم التنزيل 2/81.
(2) - في حاشيته ص:255-256: (تخيير له في الاستغفار وتركه، قال صلى الله عليه وسلم: "إني خيرت فاخترت يعني الاستغفار"، رواه البخاري).(5/107)
…وعن الثالث ما قاله غير واحد: إن النهي عن الاستغفار لمن مات مشركا لا يستلزم النهي عنه لمن مات مظهرا للإسلام، لاحتمال أن يكون معتقده صحيحا، قال ابن حجر: (وهذا جواب جيد)(1)، ولا ينافيه بقية الآية، وهو قوله: " ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا…إلخ، لأنه لم ينزل مع أولها بل تراخى نزوله عنها، ولذلك اقتصر في جواب عمر على التخيير وعلى ذكر السبعين، فلما وقعت القصة المذكورة كشف الله عنهم الغطاء وفضحهم على رؤوس الملأ، ونادى عليهم بأنهم كفروا بالله ورسوله، هذا الذي اعتمده ابن حجر من الأجوبة التي ساقها، وأوضحه بما ذكرناه عنه(2)، وتبعه على اختياره السيوطي في التوشيح(3)، والزرقاني في شرح المواهب، إلا أنهم جعلوه جوابا عن الإشكالات كلها، وما أسلفته فيها هو التحرير، فشد يدك عليه، فإنك لا تكاد تجده مسطورا هكذا لعلامة نحرير.
…فصلى عليه: إجراء له على ظاهر حكم الإسلام، واستئلافا لقومه.
…4671- قال يوم كذا وكذا…إلخ: مثل قوله:" لاَ تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنفَضُّوا"-المنافقون 7-، وقوله:"لَئِن رَّجَعْنَا إِلىَ الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ..."إلخ-المنافقون 8-.
فتبسم: - صلى الله عليه وسلم - تعجبا من صلابة عمر. خيرت: بين الاستغفار وعدمه. فاحترت: الاستغفار.
12- باب قوله تعالى: " وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَّلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ"
-التوبة 84-: لدفن أو زيارة.
13- باب قوله تعالى: "سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمُ إِذَا انقَلَبْتُمُ إِلَيْهِمْ":
رجعتم من الغزو، "لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ": أي إعراض الصفح، " فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ" – التوبة95- إعراض الترك.
__________
(1) - الفتح 8/432.
(2) - ساقه الشبيهي باللفظ، وهو في الفتح 8/432.
(3) - التوشيح ص: 409.(5/108)
…4673- على عبد: كذا للحموي والمستملي، وللكشميهني: علي؛ قال ابن حجر: ( وهو الصواب)(1)./ ألا أكون: بدل من " صدقي"، "فلا" ليست زائدة، قاله في التحفة(2).
14- باب قوله تعالى: " يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ تَرْضَوْا عَنْهُمْ "
إلى قوله "الْفَاسِقِينَ" - التوبة 95-
أي فإن الله لا يرضى عنهم، ولا ينفعهم رضاكم مع سخط الله، ولم يذكر له حديثا، وكأنه بيض له فأوصله غيره بالترجمة التي بعده.
15- باب قوله: " وَءَاخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ " الآية - التوبة 102-:
أي من التخلف عن غزوة بدر.
…4674- آيتان: ملكان. ابتعثاني: من النوم، أي من استغراقه إلى حال الرؤيا ، لأن هذه رؤيا منامية كما وقع التصريح بذلك في غير ما موضع. شطر: نصف. كان: تامة.
16- باب قوله: " مَاكَانَ لِلنَّبِيءِ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَن يَّسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ"
- التوبة 113-، الذين ماتوا على الشرك.
…4675- عبد الله بن أبي أمية: أخو أم سلمة، أسلم عام الفتح.
17- باب قوله تعالى: " لَقَد تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبِيءِ ":
أي أدام توبته عليه، فهو من قبيل: " لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ" - الفتح 2 -، "وَالْمُهَاجِرِينَ وَالاَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ" الآية - التوبة 117-، أي تاب عليهم حقيقة، لأنه لاينفك الإنسان غير المعصوم عن الزلات.
…4676- عبد الرحمن بن كعب(3): هو ابن عبد الله بن كعب، فنسبه إلى جده. من مالي: أي من جمعيه. هو خير لك: من أن تتضرر بالفقر.
18- " وَعَلَى الثَّلاَثَةِ ":
__________
(1) - الفتح 8/434.
(2) - تحفة الباري شرح صحيح البخاري 3/89.
(3) - عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري السلمي، أبو الخطاب المدني.
روى عن أبيه وجده وأبي هريرة وجابر، وعنه الزهري ومحمد بن أبي أمامة.
وثقه النسائي.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 6/214-215، والتقريب رقم 3923.(5/109)
أي وتاب على الثلاثة، وهم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع، " الَّذِينَ خُلِّفُوا " - التوبة 118-، عن التوبة عليهم.
" بِمَا رَحُبَتْ": أي مع رحبها، أي سعتها، فلا يجدون مكانا يطمئنون إليه.
…4677- غزوة العسرة: هي تبوك. أن أموت: وأنا على تلك الحالة. يخطفكم: من الخطف كناية عن الازدحام. كأنه قطعة قمر: شبهه - صلى الله عليه وسلم - بالقمر دون الشمس، لأن القمر يملأ الأرض بنوره، ويؤنس كل من شاهده، ويجمع النور من غير أذى، ويتمكن من النظر إليه بخلاف الشمس. خلفنا عن الأمر… إلخ: وليس معناه التخلف عن الغزو.
19- باب: " يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " - التوبة 119-
في الإيمان والعهود بأن تلزموا الصدق.
…4678- أبلاه الله: أنعم عليه.
20- باب قوله تعالى: " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنَ اَنفُسِكُمْ":
أي منكم، وهو محمد - صلى الله عليه وسلم -. " عَزِيزٌ عَلَيْهِ " الآية - التوبة 128-، أي " مَا عَنِتُّمْ" أي شديد عليه عنتكم، أي مشقتكم ولقاؤكم المكروه، " حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ" أن تهتدوا، " بِالْمُومِنِينَ رَءُوفٌ": شديد الرحمة، " رَحِيمٌ" يريد لهم الخير.(5/110)
…4679- أرسل إلي أبو بكر: في خلافته. اِسْتَحَرَّ: كثر. خير: أي من تركه. ورأيت الذي رأى عمر: إذ هو من النصح لله ولرسوله ولكتابه، وإنما لم يجمعه - صلى الله عليه وسلم - لأنه كان يترقب النسخ والزيادة. فاجمعه: وقد كان القرآن كله كتب في العهد النبوي، لكنه لم يجمع في موضع واحد، ولم تؤلف سوره. من الرقاع: جمع رقعة من أديم أو ورق أو غيرهما. والأكتاف: جمع كتف، أي كتف الشاة ونحوها. والعُسُب: جمع عسيب، جريد النخل . وصدور الرجال: الذين يحفظونه كلا أو بعضا، والواو فيه بمعنى "مع" إذ لابد من الجمع بين الحفظ والكتابة. لم أجدهما: أي مكتوبتين. مع خزيمة(1) أو أبي خزيمة(2) : قال ابن حجر: (التحقيق أن آية التوبة وجدها مع أبي خزيمة/، وآية الأحزاب مع خزيمة)(3)، وهذا الوجدان إنما هو للكتابة، وأما الحفظ فقد كان القرآن كله محفوظا عند بعض الصحابة كأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وغيرهما.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة يونس عليه السلام
…مكية إلا: " فَإِن كُنتَ فيِ شَكٍّ" الآيتين أو الثلاث -94 إلى 96-، أو " وَمِنْهُم مَّن يُّومِنُ بِهِ" الآية –40-.
…مائة وتسع أو عشر آيات(4).
__________
(1) -خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة بن عامر بن غيان الأنصاري الأوسي.
من السابقين الأولين، شهد ببدرا وما بعدها.
وكانت راية خطمة بيده يوم الفتح.
وأخرج الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل شهادته شهادة رجلين.
قتل بصفين.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 448، والإصابة 2/278-279.
(2) - أبو خزيمة بن أوس بن زيد بن أصرم بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري.
شهد بدرا وما بعدها، وتوفي في خلافة عثمان.
عن زيد بن ثابت قال: وجدت آخر التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1640، والإصابة 7/106، وفيه: "أبو خزامة".
(3) - الفتح 8/439.
(4) - هي مائة آية وعشر في الشامي، وتسع آيات في عدد الباقين، انظر البيان ص: 163، والكشف 1/512.(5/111)
…" فاختلط به": من قوله تعالى: " إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيا كَمَاءٍ اَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ": فنبت "بِهِ"، أي فنبت به فاختلط به بسببه، "نَبَاتُ الاَرْضِ" - يونس 24-، واشتبك.
" أن لهم قدم صدق": من قوله: " وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ" - يونس 2-: محمد صلى الله عليه، هذا تفسير " قدم صدق"، أي بمصيبتهم به في موته، كذا لابن عطية عن ابن زيد المذكور، ونقل عن الحسن وقتادة أنها شفاعة محمد - صلى الله عليه وسلم -(1). وقال مجاهد: خير، يعني الأعمال الصالحة من العبادات، كما نقله عنه ابن عطية أيضا، ثم قال: وقال ابن عباس أيضا وغيره: إنها السعادة السابقة لهم في اللوح المحفوظ، قال ابن عطية: (وهذا أليق الأقوال في الآية) هـ(2)، وعليه اقتصر البيضاوي فقال: ( قدم صدق: سابقة ومنزلة رفيعة) هـ(3).
…" دَعْواهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ" …إلخ -يونس 10-: دعاؤهم في الجنة.
…"أحيط بهم": من قوله: " وَظَنُّوا أَنَّهُمُ أُحِيطَ بِهِمْ" -يونس 22-.
…" لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى" - يونس 26 -: مثلها حسنى،" وَزِيَادَةٌ " : مغفرة ورضوان، هذا تفسير مجاهد، وقال غيره: - هو قتادة - النظر إلى وجهه، هذا تفسير الزيادة، وفسر الحسنى بالجنة، قال العارف: ( ينبغي الاقتصار على قول هذا الغير، للتصريح به في حديث مسلم)هـ، قلت: وبه صدر الخازن(4)
__________
(1) - المحرر الوجيز 7/97.
(2) - المحرر الوجيز 7/97.
(3) - أنوار التنزيل 3/86.
(4) - علي بن محمد بن إبراهيم الشيحي، المعروف بالخازن، البغدادي الأصل.
سكن بغداد، وكان خازن الكتب بالمدرسة السميساطية.
له: لباب التأويل في معاني التنزيل، ومقبول المنقول.
توفي سنة 741هـ.
ترجمته في: الدرر الكامنة 3/97، وشذرات الذهب 6/131، وتاريخ علماء بغداد لابن رافع السلمي 151.(5/112)
، ونقله عن أبي بكر الصديق وحذيفة وأبي موسى الأشعري وعبادة بن الصامت والحسن وعكرمة والضحاك ومقاتل(1) والسدي، قال: ويدل على صحته المعقول والمنقول، ثم بين ذلك بسوق أحاديث مصرحة به وبغيرها، وهو الذي اقتصر عليه الجلال أيضا(2).
…" الكبرياء": من قوله: " وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فيِ الاَرْضِ" الآية - يونس 78-.
…" فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا" - يونس 90-.
1- "وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ" إلى قوله: " وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ" - يونس 90 –
كرره لعله يقبل منه، فلم يقبل.
…" ننجيك":من قوله:" فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءَايَةً" -يونس 92-.
…المكان المرتفع: تفسير للنشز.
…روي عن ابن عباس أن بعض بني إسرائيل شكوا في موت فرعون، فأوحى الله إلى البحر أن ألفظ فرعون عريانا، فَلَفَظَهُ عُرْيَانًا أَصْلَعَ أُخَيْنِسَ قَصِيرًا(3).
…4680- ظهر فيه موسى:بأن أنجاه الله ، وأغرق فرعون وقومه، وهذا محل الترجمة.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة هود عليه السلام
…مكية إلا: " أَقِمِ الصَّلاَةَ" الآية -114-، وإلا: " فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ" الآية -12-، "وَأُوْلَئِكَ يُومِنُونَ بِهِ" الآية -17-.
__________
(1) - مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي مولاهم، البلخي أبو الحسن.
من أعلام المفسرين.
حدث بالبصرة وبغداد.
له: التفسير الكبير، ونوادر التفسير.
توفي سنة 150هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد 13/160، والجرح والتعديل 4/1/354، وتهذيب التهذيب 10/279.
(2) - انظر لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن 2/397، والجلال في حاشيته ص:269 في قوله: ("وزيادة": هي النظر إليه تعالى كما في حديث مسلم).
(3) - الفتح 8/443، ورواه ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس.(5/113)
مائة واثنان، أو ثلاث وعشرون آية(1).
…" عصيب ": من قوله تعالى: " وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ" -هود 77-.
…" لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فيِ الاَخِرَةِ هُمُ الاَخْسَرُونَ " -هود 22-.
…" وَحَاقَ بِهِم مَّاكَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ" - هود 8-.
…" يئوس": من قوله تعالى: " وَلَئِنَ اَذَقْنَا الاِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ" - هود 9-.
…" تبتئس": من قوله سبحانه: " وَأُوحِيَ إِلَىَّ نُوحٍ اَنَّهُ / لَن يُّومِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدَ امَنَ" …إلخ - هود 36-.
…" يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ" - هود 5-: شك وامتراء في الحق، ( هذا قول مجاهد أيضا، وعن ابن عباس: الشك في الله وعمل السيئات، يستغشي بثيابه ويستكن من الله، والله يراه ويعلم ما يسر ويعلن، والثني يعبر به عن الشك في الحق والإعراض عنه، وسيأتي عن ابن عباس ما يخالف هذا التفسير، لكن الجمع بينهما ممكن)، قاله ابن حجر(2).
1-" أَلاَ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ " - هود 5-
…قال الخازن: (قال ابن عباس: نزلت في الأخنس بن شريق، وكان رجلا حلو الكلام حلو المنظر، وكان يلقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يحب، وينطوي بقلبه على ما يكره، فنزلت: " أَلاَ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ "، يعني يخفون ما في صدورهم من الشحناء والعداوة، من ثنيت الثوب إذا طويته) هـ(3).
__________
(1) - هي مائة آية وإحدى وعشرون في المدني الثاني والمكي والبصري، واثنتان في المدني الأول والشامي، وثلاث وعشرون في الكوفي، انظر البيان ص: 165، والكشف 1/525.
(2) - في الفتح 8/444.
(3) - لباب التأويل 2/432.(5/114)
…4681- سمعت ابن عباس يقرأ: " أَلاَ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ ": كذا للحموي على القراءة المشهورة، وللمستملي: " يَثْنَوْنِي" بياء ونون مفتوحتين، بينهما ثاء ساكنة، ثم نون مكسورة فياء، وللكشميهني: " تثنوني"، وقرئ بهما، وهما معا مضارع " اثنونا" على وزن افعوعل، كاعشوشب واحلولى، فهو بناء مبالغة من الثني بمعنى الطي لتكرير العين، و"صدورهم" فاعل، أي تنطوي صدورهم على ما ذكر.
…يستحيون: من الحياء، أن يتخلوا: يدخلوا الخلاء فيفضوا إلى السماء بعوراتهم مكشوفات، فيطوون صدورهم، أي يضمونها ويغطون رؤوسهم، وقيل: ( معناه يعطفون صدورهم على الكفر وعداوة النبي - صلى الله عليه وسلم - )، قاله البيضاوي(1).
…4682- قال: أي ابن جريج. يا أبا العباس: هذه كنية ابن عباس.
…4683- سيء بهم: من قوله تعالى:"وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سيءَ بِهِمْ" -هود 7-ساء ظنه بقومه.
قال ابن حجر: ( يلزم على هذا اختلاف الضميرين، وأكثر المفسرين على اتحادهما)هـ(2)، وقال البيضاوي: ( ساءه مجيئهم لأنهم جاءوا في صورة غلمان، وضاق بمكانهم صدره)هـ(3).
…"بقطع من الليل": من قوله تعالى: "فَاسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ"…إلخ - هود 81 -: بسواد، وقال ابن عباس: بطائفة منه، وقتادة: بعد مضي أوله.
…"إليه أنيب":من قوله تعالى:"وَمَا تَوْفِيقِيَ إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ"-هود 88-
…"سجيل": من قوله سبحانه: "وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ" - هود 82 -: الشديد الكبير، كذا في أصل ابن سعادة مصححا عليه، وللكشميهني: "الكبير"، وهو المناسب، ثم إن ابن قتيبة(4)
__________
(1) - في أنوار التنزيل 3/103.
(2) - الفتح 8/446.
(3) - أنوار التنزيل 3/115، ونبه العرائشي إلى أن لفظة "مجيئه" وردت كذلك في أصل الشبيهي، والصحيح كما في أنوار التنزيل: "مجيئهم".
(4) - أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري.
حدث عن إسحاق بن راهويه وأبي حاتم السجستاني.
له: غريب الحديث، وتأويل مختلف الحديث.
توفي سنة 276هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد 10/170، وبغية الوعاة 291، وشذرات الذهب 2/169، ووفيات الأعيان 1/314.(5/115)
والسفاقسي تعقبا هذا التفسير بأنه لو كان بمعنى الشديد لما دخلت عليه "من"، إذ لا يقال حجارة من شديد هـ.
…وقال البيضاوي: (" مِن سِجِّيلٍ" : من طين متحجر)(1).
…أختان: أي يتعاقبان في محل واحد.
…حميم: شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام.
…ورجلة: أي ورب رجلة، جمع راجل، خلاف الفارس.
…البيض: بفتح الموحدة، جمع بيضة: الخودة التي تجعل على الرأس عند الحرب، أي يضربون مواضعها وهي الرؤوس.
…ضاحية: ضحى. تواصى: تتواصى. سجينا: صفة لضرب، أي ضربا سجينا، أي شديدا.
…" الفلك": من قوله تعالى: " وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا" - هود 37-: واحد، أي وجمع، وهي السفينة والسفن، يعني أن الفلك يقع على الواحد كالآية السابقة، وعلى الجمع كقوله تعالى: "وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ" - النحل 14-.
…" مجراها": من قوله تعالى: " وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللهِ مُجْراهَا وَمُرْساهَا" -هود41-: موقفها، هكذا في نسخنا، قال ابن حجر: ( وهو تصحيف لم أره في شيء من النسخ، ثم وجدت ابن التين حكى ذلك عن رواية القابسي، قال: وليس بصحيح لأنه فاسد المعنى والإعراب، والصواب: فدفعها، بدال ثم فاء ثم عين)(2).
…ويقرأ مرساها من رست هي،/ ومجراها من جرت، بفتح الميم فيهما، وهي قراءة الأعمش وابن مسعود، مشتقان من الجري والرسي.
…" راسيات " من قوله تعالى في سورة سبأ -13-: " وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ"، وذكره هنا استطرادا.
…ومُجراها ومُرساها: بضم الميم فيهما، وهي قراءة نافع(3)
__________
(1) - أنوار التنزيل 3/117.
(2) - الفتح 8/448.
(3) - نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم، الليثي مولاهم، أبو رويم المقرئ المدني، وأصله من أصبهان.
قرأ على الأعرج ويزيد بن القعقاع وشيبة بن نصاح وصالح بن خوات، وغيرهم.
وقرأ عليه مالك وعيسى بن وردان وقالون وورش وابن أبي أويس.
قال مالك: نافع أمام الناس في القراءة.
توفي سنة 169هـ.
ترجمته في: التاريخ الكبير 8/87، والسير 7/336، وغاية النهاية 2/330، ومعرفة القراء الكبار رقم 41.(5/116)
وابن كثير(1) وأبي عمرو وابن عامر(2) وعاصم(3) في رواية أبي بكر(4)، من فعل به ذلك، فتكون مشتقة من الإجراء والإرساء، وقرأ حمزة(5)
__________
(1) - عبد الله بن كثير بن المطلب، أبو معبد، إمام المكيين في القراءة، أصله من فارس.
قرأ على عبد الله المخزومي وعبد الرحمن بن مطعم وعمر بن عبد العزيز.
وقرأ عليه أبو عمرو بن العلاء وشبل بن عباد وقنبل.
توفي سنة 120هـ.
ترجمته في: طبقات ابن سعد 5/484، والجرح والتعديل 5/144، والسير 5/318، وغاية النهاية 1/443، ومعرفة القراء الكبار رقم 34.
(2) - عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيهة اليحصبي، أبو عمران.
قرأ على أبي الدرداء والمغيرة بن أبي شهاب وعثمان بن عفان.
وروى عنه محمد بن الوليد الزبيدي وربيعة بن يزيد وعبد الله بن العلاء.
توفي سنة 118هـ.
ترجمته في: طبقات ابن سعد 7/449، والسير 5/292، وغاية النهاية 1/423، ومعرفة القراء الكبار رقم 33.
(3) - عاصم بن أبي النجود الأسدي مولاهم، الكوفي، الإمام أبو بكر.
أحد السبعة، واسم أبيه بهدلة.
قرأ على زر بن حبيش ومصعب بن سعد بن أبي وقاص وأبي عبد الرحمن السلمي، وقرأ عليه الأعمش والمفضل الضبي وشعبة وحفص.
توفي سنة 127هـ.
ترجمته في: التاريخ الكبير 6/487، والجرح والتعديل 6/340، والسير 5/256، وغاية النهاية 1/346، ومعرفة القراء الكبار رقم 35.
(4) - أبو بكر شعبة بن عياش الأسدي الكوفي، تقدم في شرح الحديث 4003.
(5) - حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل، أبو عمارة الكوفي، مولى آل عكرمة بن ربعي الزيات، أحد السبعة.
قرأ على الأعمش ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وطلحة بن مصرف وجعفر الصادق.
وقرأ عليه الكسائي وسليم بن عيسى وإسحاق الأزرق وحجاج بن محمد.
قال الأعمش: حمزة حبر القرآن.
توفي سنة 156هـ.
ترجمته في: طبقات ابن سعد 6/385، والسير 7/90، وغاية النهاية 1/261، ومعرفة القراء الكبار رقم 43.(5/117)
والكسائي(1) وحفص(2) عن عاصم: بفتح ميم "مَجراها"، وضم ميم "مُرساها"(3).
فائدة: قال الدماميني: ( بحث: وهو أن يقال العادة في سنة التسمية أن تكون في الأول خاصة، إلا أن تفوته أولا، فيقول: بسم الله أوله وآخره، فما وجه كون السنة في السفينة أن يقول: بسم الله مجراها ومرساها، فيذكر المبدأ والمنتهى؟
…قال ابن المنير في تفسيره: الحكمة فيه والله أعلم، أن السفينة لا يحصل الغرض منها إلا بالبلاغ، فلو عطبت في أثناء السفر، لم يحصل شيء من الغرض، بخلاف الطعام وغيره من الأفعال التي يحصل بكل جزء منها جزء من الغرض، فتوقف السير في السفينة على آخره في حصول الغرض أوجب أن تكون التسمية جامعة للأول والآخر)، هـ من مصابيحه(4).
…" عنيد ": من قوله: " وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ" -هود 59-.
…" وَيَقُولُ الاَشْهَادُ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ" - هود 18-.
2- باب: " وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ " - هود 7-:
قبل خلق السموات والأرض.
__________
(1) - علي بن حمزة الكسائي، أبو الحسن الأسدي مولاهم، الكوفي، أحد الأعلام.
قرأ على حمزة الزيات وعيسى بن عمر الهمداني وشعبة بن عياش.
وقرأ عليه أبو عمر الدوري وقتيبة بن مهران والقاسم بن سلام.
توفي سنة 189هـ.
ترجمته في: التاريخ الكبير 6/268، وتاريخ بغداد 11/403، وغاية النهاية 1/535، ومعرفة القراء الكبار رقم 45.
(2) - حفص بن سليمان، أبو عمر الأسدي مولاهم، الكوفي، الإمام صاحب عاصم.
قرأ على عاصم وصاحبه طويلا.
وقرأ عليه عمرو بن الصباح وعبيد بن الصباح وحمزة بن القاسم وخلف الحداد.
توفي سنة 180هـ.
ترجمته في: التاريخ الكبير 2/363، والجرح والتعديل 3/173، وغاية النهاية 1/254، ومعرفة القراء الكبار رقم 52.
(3) - انظر الكشف 1/528، والتذكرة 2/371.
(4) - تعليق المصابيح ص:503.(5/118)
…4684- يَدُ اللهِ مَلْئَى: كناية عن خزائنه التي لا تنفذ بالعطاء. لاَ يَغِيضُهَا: ينقصها، سَحَاء: بالمد دائمة الصب بالعطاء. الليل والنهار: بالنصب على الظرفية. وبيده: بقدرته. الميزان: التصرف بالعدل. يخفض: من يشاء. ويرفع: من يشاء.
3- باب قوله: " وَيَقُولُ الاَشْهَادُ ":
جامع شاهد من الملائكة والنبيين، أو من جوارحهم، " هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ " الآية - هود 18-، أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ"، قال البيضاوي: (تهويل عظيم مما يحيق بهم حينئذ لظلمهم بالكذب على الله)(1).
…4685- في النجوى: التي تكون يوم القيامة بين الله وبين المؤمنين، أي ذكره معاصيه له سرا فضلا منه سبحانه ورحمة. يُدْنىَ المؤمنُ من ربه: دُنُوَّ رحمة ومكانة ، لا دُنُوَّ مكان. كنفه: ستره وحفظه، فيستره وعيوبه عن أهل الموقف.
4- باب قوله تعالى: " وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ ":
كذلك خبر مقدم، أي مثل ذلك الأخذ، و"أخذ" مبتدأ، " إِذَا أَخَذَ الْقُرى" أي أهلها، "وَهِيَ ظَالِمَةٌ اِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ" - هود 102-: وجيع غير مرجو الخلاص منه، وهو مبالغة في التهديد والتحذير.
" الرفد المرفود": من قوله تعالى: " وَأُتْبِعُوا فيِ هَذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِيسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ" - هود 99-: العون المعين، قال الدماميني: ( جعل المرفود بمعنى المعين، وهو محل نظر) هـ(2)، وقال الكرماني: ( الذي يدل عليه التفسير المعان) هـ(3)، وقال البيضاوي: (بين العون المعان أو العطاء المعطى، والمخصوص بالذم محذوف، أي رفدهم، وهو اللعنة في الدارين)(4).
__________
(1) - أنوار التنزيل 3/106.
(2) - تعليق المصابيح ص:504.
(3) - الكواكب الدراري 17/156.
(4) - أنوار التنزيل 3/121.(5/119)
…رَفَدْتُهُ: أَعَنْتُهُ، ومنه رفادة قريش، أي معونتهم لفقراء الحجاج بالطعام الذين كانوا يطعمونه في الموسم، وقال ابن عطية: (سمي العذاب هنا رفدا، لأن هذا هو الذي حل لهم محل الرفد)(1).
…" أترفوا": من قوله تعالى: " وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ" - هود 116- : أهلكوا.
ابن حجر: ( هو تفسير باللازم، أي كان الترف سببا لإهلاكهم) هـ(2).
…وقال ابن عطية: ( والمترف المنعم الذي شغله ترفهه عن الحق حتى هلك)(3).
…4686- ليملي: يمهل. لم يفلته: لم يؤخره.
5- باب قوله تعالى: " أَقِمِ الصَّلاَةَ":
المفروضة، " طَرَفَيِ النَّهارِ": الغداة والعشي، أي الصبح والظهر والعصر، "وَزُلَفًا": طائفة، "مِنَ الَّيْلِ": - هود 114- المغرب والعشاء، ومنه سميت المزدلفة لمجيء الناس إليها في ساعات من الليل؛ الزلف: منزلة بعد منزلة، أشار به إلى أن الزلف يأتي بمعنى المنازل، وأما زلفى: من قوله تعالى: " وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَئَابٍ " – ص 25 –؛ " أَزْلَفْنَا ثَمَّ الاَخَرِينَ" – الشعراء 64-.
…4687- رجلا:/ هو أبو اليُسْر كعب بن عمرو(4).
…فأنزلت عليه: بعدما صلى الرجل مع النبي - صلى الله عليه وسلم -.
…" إِنَّ الْحَسَنَاتِ ": كلها، الصلوات الخمس وغيرها. " يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ": الصغائر كالقبلة ونحوها، "فلفظ الآية عام في الحسنات، خاص في السيئات"، قاله ابن عطية(5). ألي هذه: الآية أي خاصة.
سورة يوسف - عليه السلام -
__________
(1) - المحرر الوجيز 7/392.
(2) - الفتح 8/452.
(3) - المحرر الوجيز 7/422.
(4) - كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن غزية بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري، أبو اليسر.
شهد العقبة وبدرا.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه ابنه عمار وموسى بن طلحة.
توفي سنة 55هـ.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1322، والإصابة 5/606، وتهذيب التهذيب 8/437.
(5) - في المحرر الوجيز 7/417.(5/120)
…مكبة، مائة وإحدى عشرة آية(1).
…بسم الله الرحمن الرحيم - قال فضيل بن عياض(2) الزاهد المشهور في قوله تعالى: "فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتِ اِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا" -يوسف 31-.
…مُتْكًا: بضمة فسكون، منونا بغير همز، وهذه قراءة ابن عباس، والقراءة المشهورة "متكئا" بالتاء المشددة والهمز، ما يتكأ عليه من وسادة وغيرها، فلكل منهما معنى. عن رجل: لم يسم.
…كل شيء قطع بالسكين: أي من الفواكه كالأترج ونحوه، فهو أعم مما قبله.
…عامل بما علم: حمل العلم على العمل لأنه المقصود منه، وقال سفيان: من لا يعمل لايكون عالما، وأبقاه الجمهور على ظاهره، وقال ابن عطية:( قول قتادة لا يعطيه اللفظ، وإن كان صحيحا في نفسه).
…مَكُّوك: مكيال معروف لأهل العراق يسع صاعا ونصف، وكان من فضة أو من ذهب مرصعا بالجوهر.
…" تفندون":من قوله تعالى:" إِنيِّ لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ" -يوسف 94-.
…غيابة: يشير لقوله سبحانه: " وَأَلْقُوهُ فيِ غَيَابَاتِ الْجُبِّ" - يوسف 10-.
الرَّكِيَّة : البئر. تُطْوَ: تبن.
…" بمومن" من قوله تعالى: " وَمَا أَنتَ بِمُومِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ" - يوسف 17-.
" أشده": من قوله سبحانه: " وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ءَاتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا"- يوسف22 -: قبل أن يأخذ في النقصان، وهو ما بين الثلاثين والأربعين.
__________
(1) - هي مائة آية وإحدى عشرة آية في جميع العدد، انظر البيان ص: 167، والكشف 2/3.
(2) - الفضيل بن عياض بن مسعود التميمي، أبو علي.
كان شيخ الحرم المكي.
أخذ عنه خلائق منهم الشافعي.
أصله من الكوفة، وسكن مكة، وتوفي بها سنة 187هـ.
ترجمته في: تذكرة الحفاظ 1/225، وصفة الصفوة 2/134، وتهذيب التهذيب 8/294.(5/121)
…وأبطل: أي البخاري. وليس في كلام العرب الأترج: أي ليس في كلامهم تفسير "المتكأ" -بتشديد التاء والهمز- بالأترج، قال العيني: (وفيه نظر، حتى قال صاحب التوضيح: هذه الدعوى من الأعاجيب، فقد قال في المحكم الأترج، وعن الأخفش كذلك، وفي الجامع: المتكأ الأترج) هـ(1)، ونحوه لابن حجر(2) وزكريا وزاد ما نصه: ( وعليه فيكون مشتركا)(3).
…وإنما المتك: المخفف. البظر: أي الفرج. لها: أي للمرأة، ولكن لا بعد في أن يكون المتك له معنيان، وحاصله مع ما سبق أن المتك المخفف التاء يطلق على الأترج، وعلى طرف البظر، وهو في الآية بمعنى الأترج، والمشدد التاء يطلق على ما يتكأ عليه، وح فلاتعارض بين التفاسير، والله أعلم.
…" شَغَفَهَا حُبًّا اِنَّا لَنَرَاهَا فيِ ضَلاَلٍ مُّبِينٍ" -يوسف 30-.…
…يقال إلى شغافها: أي بلغ إليه، وهو غلاف قلبها، وهو جلدة رقيقة.
…وأما شعفها: بالعين المهملة، وهي قراءة الحسن، فمن المشعوف الذي أحرق قلبه الحب.
…"أصب إليهن":من قوله تعالى:"وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ"يوسف 33-
…" أضغاث " : من قوله سبحانه: " قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ" - يوسف 44-.
…واحدها: أي الأضغاث.
…" نَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا" - يوسف 65-: من المبرة، وهي الطعام، أي نجلب إلى أهلنا طعاما.
…ما يحمل بعير: بسبب حضور أخينا.
…" ءَاوى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّيَ أَنَا أَخُوكَ"… إلخ - يوسف 69-.
…"السقاية": من قوله تعالى: " جَعَلَ السِّقَايَةَ فيِ رَحْلِ أَخِيهِ" - يوسف 70- : مكيال، كان يوسف - عليه السلام - يشرب فيه، فجعله مكيالا لئلا يكتالوا بغيره.
__________
(1) - عمدة القاري 18/300.
(2) - قال الحافظ في الفتح 8/457: (…ويقال هو الأترج، وقد حكاه الفراء، وتبعه الأخفش وأبو حنيفة الدينوري والقالي وابن فارس، وغيرهم كصاحب المحكم والجامع والصحاح…).
(3) - تحفة الباري 3/93.(5/122)
…" تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتىَّ تَكُونَ حَرَضًا"… إلخ -يوسف 85-.
…تحسسوا: " اِذْهَبوُا فَتَحَسَّسُوا مِن يُّوسُفَ وَأَخِيهِ" - يوسف 87-: تخيروا، أي اطلبوا خبرهما.
…" غاشية": من قوله سبحانه: " أَفَأَمِنُوا أَن تَاتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللهِ" - يوسف 107-: عامة: نقمة عامة تغشاهم جميعا. مجللة: تأكيد لعامة.
…" مزجاة" : من قوله تعالى: " وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجاةٍ" - يوسف 88-.
…حرضا معرضا… إلخ: وقيل مريضا مشفيا على الهلاك.
…" اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا" /- يوسف 80-، يئسوا من يوسف وإجابته إياهم.
…اعترفوا نجيا: وللكشميهني: " اعتزلوا"، وهو الصواب، أي متناجين، وإنما وحده لأنه مصدر.
1-باب قوله تعالى: " وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ":
بالنبوة، "وَعَلَى ءَالِ يَعْقُوبَ": أولاده، " كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ" - يوسف 6-: بالنبوة.
2- باب قوله تعالى: " لَقَدْ كَانَ فيِ يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ءَايَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ " -يوسف 7-
عنهم، قال البيضاوي: ( إخوته هم يهوذا وروبيل وشمعون ولاوى وريالون ويشجر ودينه من بنت خالة يعقوب ليا، تزوجها أولا، فلما توفيت تزوج أختها راحيل، فولدت له يوسف وبنيامين، وقيل جمع بينهما، ولم يكن الجمع محرما يومئذ، وأربعة آخرون: دان ويغثالى وحاد وآشر، من سريتين زلفة وبلهة) هـ(1).
قال القاضي عياض: (لم تثبت نبوة من عدا يوسف منهم) هـ.
…وقال الأبي: ( ظاهر القرآن أنهم أنبياء لقوله تعالى: " إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلىَ نُوحٍ" إلى قوله: " وَالاَسْبَاطِ" – النساء 163-) هـ.
…4689- فأكرم الناس يوسف: أي من جهة النسب، ولا يلزم من ذلك أن يكون أكرم من غيره مطلقا.
__________
(1) - أنوار التنزيل 3/127، وفيه: (ولاوى وزبالون ويشخر ودينه من بنت خالته ليا، تزوجها يعقوب أولا، فلما توفيت تزوج أختها راحيل…وأربعة آخرون: دان ونفتالي وجاد…).(5/123)
3- باب قوله تعالى: " بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمُ أَنفُسُكُمُ أَمْرًا ":
في شأنه، "فَصَبْرٌ جَمِيلٌ"-يوسف 18- : أمثل لي، والصبر الجميل هو الذي لا شكوى فيه.
…4691- حدثني أم رُومَان: فيه التصريح بسماع مسروق منها، لأن وفاتها كانت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بكثير على ما هو الصواب.
4- باب قوله تعالى: " وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فيِ بَيْتِهَا ":
زَليِخَا، قال الشهاب: (بفتح الزاي، وضمها خطأ)، "عَن نَّفْسِهِ": طلبت منه أن يواقعها لأنه كان في غاية الحسن والجمال، فدعاها ذلك إلى طلب ما ذكر منه، " وَغَلَّقَتِ الاَبْوَابَ": للبيت، "وَقَالَتْ هِيتَ لَكَ" - يوسف 23-: أي هَلُمَّ وتَعَالَهْ، واللام في " لك" للبيان، أي لبيان من توجه إليه الحكم قبلها، قاله شيخ الإسلام(1).
…4692- " مثواي": من قوله: " إِنَّهُ رَبِّيَ أَحْسَنَ مَثْوايَ" - يوسف 23-.
…"وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ" - يوسف 25-.
…هي بالحورانية هَلُمَّ: وقال السدي: إنها لغة قبطية، وقال الحسن: سريانية، وقال أبوزيد: عبرانية، والجمهور على أنها عربية معناها الحث على الإقبال.
عن ابن مسعود قالت هيت لك: اختلف النقل عن ابن مسعود في ذلك، والذي في نسخنا بكسر الهاء وفتح التاء، كقراءة نافع وابن ذكوان(2)، وبفتح الهاء وضم التاء كقراءة ابن كثير(3).
__________
(1) - في تحفة الباري 3/94.
(2) - عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان، البهراني مولاهم، الدمشقي.
مقرئ دمشق وإمام الجامع.
قرأ عليه هارون الأخفش ومحمد الصوري وأحمد التغلبي.
وروى عنه أبو داود وابن ماجه.
توفي سنة 242هـ.
ترجمته في: الجرح والتعديل 5/5، وتهذيب التهذيب 5/140، ومعرفة القراء الكبار رقم 92.
(3) - انظر: التذكرة 2/379، والكشف 2/8.(5/124)
…" بَلْ عَجِبْتُ": بضم التاء؛ قال الكرماني: ( أورد البخاري هذه الكلمة – وإن كانت في الصافات -12- هنا إشارة إلى أن ابن مسعود كان يقرؤها بالضم كما يقرأ "هيت" بالضم)(1).
…4693- كسبع يوسف: هذا محل شاهد الترجمة، وهو ذكر يوسف كما لا يخفى، وما أطال به الحافظ ابن حجر هنا(2)، نقلا عن عيسى بن سهل(3) في بيان وجهه، وتبعه العيني(4)، والقسطلاني(5)، كله تكلف لا حاجة إليه، والله أعلم.
5- باب قوله تعالى : " فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ":
رسول الملك ليخرجه من السجن، " قَالَ ارْجِعِ اِلىَ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ الَّتيِ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ" -يوسف 50-.
قال البيضاوي: ( إنما تأنى في الخروج، وقدم سؤال النسوة وتفحص حاله، ليظهر براءة ساحته، ويعلم أنه سجن ظلما، فلا يقدر الحاسد أن يتوسل به إلى تقبيح أمره)(6).
…" حَاشَ للهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ" -يوسف 51- ، قال البيضاوي: ( تنزيه له وتعجب من قدرته على خلق عفيف مثله)(7).
…تنزيه واستثناء: عن الشر.
…"حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ" - يوسف 51-: وضح وتبين وظهر/ بعد خفاء.
…قال ابن عطية: ( أقرت على نفسها بالمراودة، والتزمت الذنب، وأبرأت يوسف البراءة التامة)(8).
__________
(1) - الكواكب الدراري 17/163.
(2) - في الفتح 8/465، وقد قال الحافظ: (ولا تظهر مناسبته أيضا للترجمة المذكورة، وقد تكلف لها أبو الإصبع عيسى بن سهل في شرحه…).
(3) - عيسى بن سهل الأسدي القرطبي.
فقيه حافظ، كان يحفظ المدونة والمستخرجة.
له: الإعلام بنوازل الأحكام.
توفي سنة 486هـ.
ترجمته في: ترتيب المدارك 8/182، وشجرة النور الزكية 122.
(4) - في عمدة القاري 18/307.
(5) - انظر إرشاد الساري 7/202.
(6) - أنوار التنزيل 3/136، وفيه: (وفحص حالهن).
(7) - أنوار التنزيل 3/136.
(8) - المحرر الوجيز 7/535.(5/125)
…فائدة: وقفت في جامع المعيار على تقييد للشريف الفقيه أبي عبد الله محمد بن أحمد الهاشمي سماه: " تحقيق الكلام في براءة يوسف - عليه السلام -"(1)، فأحببت إثباته هنا مختصرا لما اشتمل عليه من التحقيق والتدقيق، ورد ما نقله بعض المفسرين من الأقاويل التي تخدش في وجه عصمة يوسف المطهر المبرإ الصديق.
__________
(1) - أورده كاملا الونشريسي في المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب 11/194-204.(5/126)
…قال رحمه الله: (إن يوسف - عليه السلام - ممن شمله قوله تعالى: " وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمُ إِلىَ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" - الأنعام 87-، وقوله: " وَكُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ" - الأنعام 85- ، وقوله: "وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ"- الأنعام 86-، وقوله:" أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ" - الأنعام 90-، وصدرت قصته مع زَلِيخَا بقوله تعالى: " وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ءَاتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" - يوسف 22-، وقيل له في أثنائها:" إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ " يوسف 24- ، وقال فيه - صلى الله عليه وسلم -: " أَكْرَمُ الناس يُوسُف"، وقال فيه: " الكريم بن الكريم بن الكريم"، فكيف يسع مسلما مسامحة من زحزحه عن هذه الدرجات العلا، ورام أن يسلب عنه باهر هذه الحلا، ومحصل قصته أن الله تعالى ذكر مراودة زَلِيخَا له عن نفسه، وغلقها الأبواب عليه، وقولها له هيت لك، المتضمن خلع عذارها وفضيحتها نفسها لديه، وتصريحها بما أرادت منه، وأفردها سبحانه بجميع ما ذكر، ولم يذكر ليوسف في ذلك قولا ولا فعلا يثبت عليه إليها ميلا، بل ذكر جوابه لها مستجيرا بربه، مستحضرا لجلالة وإسباغ نعمه عليه، ومحذرا من الظلم وسوء عاقبة أمره بقوله: "مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّيَ أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ" -يوسف 23-، وقوله تعالى: " وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا"... إلخ - يوسف 24-، هذا المحل هو الذي زلت فيه الأقدام، وكثر فيه الكلام، ونحن إذا تأملنا هذه الآية وجدنا فيها قبلها ذكر المراودة، وغلق الأبواب، وتصريح المرأة بما أرادت، والنص عليه، والدعاء له واستعجاله، وجواب يوسف على ذلك الجواب الجازم الذي ليس فيه مواعدة ولا تطمع، وبيان ما عنده من رعي حقوق الله وربوبيته، وأنه لا يفلح من ظلم، فكيف نحمل ما جاء بعد ذلك من لفظ(5/127)
الهم المستغلق إبهاما، المتعلق بالنفس، على أنه إخبار ثان عما تقدم بيانه، والنص عليه تصريحا لا تلويحا، من دعائه لها وجوابه لها، ونحمل كلام الله على هذا المحمل، مع أن له محملا سواه يفيد معنى زائدا، ويجري مع ما قبله، لا ينافره ولا يأباه، ولو وقع هذا فيما يدور بيننا من الكلام لكان للسامع أن يقول قد تقدم تحديثك بهذا وبسطه، فلم كررته في لفظ، إنما ينبئ عن ذكره في النفس أنك ما أفدت شيئا، فمثل هذا لا يصلح أن يحمل عليه كلام الله، سيما وقد أكدت جملة: " وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ "، بلام الابتداء وحرف التحقيق، فتعين صرف الهم في حقها إلى ما يفيد معنى لم يتقدم ذكره، وذلك أنها لما بالغت في فضيحة نفسها، ونزلت ليوسف عن رتبتها، مع عزتها في نفسها، امتلأت عليه حنقا وغيظا، فهمت به أن تعاقبه/ انتصارا لنفسها، فالهم هنا كما في قوله تعالى:" وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَاخُذُوهُ " - غافر 5-، وهم هو بدفعها عن نفسه، ومقابلة ما يقع منها بمشاكله ومثله، " لَوْلاَ أَن رَّءا بُرْهَانَ رَبِّهِ"، والبرهان كما قاله أبو الفضل بن الخطيب(1) في كتاب الأربعين له، هو أنه لما هم بما ذكر، أراه الله برهانا على أنه إن أقدم على ما هم به، أهلكه أهلها، وأنها تدعي عليه أنه المراود لها، وأنه ضربها لأجل امتناعها، فألهمه الله الفرار منها، ويؤيده ما ظهر في الوجود من قد القميص من دبر حين فر منها، ولو لم يفر لكان قده من قبل، وبهذا يستقيم إيراد القصة مكملة مرتبة على حسب وقوعها في الوجود بكلام وجيز بليغ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبه يزول اللبس، وترتفع الشبهة، وتنفصم عروة الإشكال، وما نسبه إليه بعض المفسرين من أنها استلقت له وقعد بين رجليها وحل سراويله، فشيء لا أصل له، ولا معول عليه، وكذا ما ذكروه في البرهان من الأمور التي لا تحقيق لهم بها، فكل ذلك خبر باطل لم يرد عن
__________
(1) - هو الفخر الرازي، وقد تقدمت ترجمته.(5/128)
الشارع - صلى الله عليه وسلم -، ولا جاء في القرآن ما يؤيده، وإنما الذي فيه ما يؤيد إثبات براءته من جميع ما قيل فيه، إذ ليس في قصته من أولها إلى آخره ما يدل على الإنكار عليه، ولا على استغفاره هو مما نسب إليه وتوبته منه، كما جاء ذلك في بعض قصص الأنبياء كآدم ونوح وموسى وداود عليهم السلام، بل فيها خلاف ذلك وعكسه، وهو وصل قوله تعالى: " إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ" - يوسف 24-، بما عدوه نصا على الخطأ ودليلا عليه بإضافته جل وتعالى إلى نفسه بقوله: " إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا "، إضافة التشريف، ووصفه بالإخلاص الذي هو أجل ما يمدح به العباد، ومثل هذا في نسق واحد مع ذكر قبيح الخطأ في بليغ الكلام غير مألوف ولا معروف، " أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كًثِيرًا " - النساء 82-)، هـ ما تعلق الغرض به من التقييد المذكور، وانظر بقيته إن شئت ، وهو كلام نفيس جدا، ذكر مقيده أنه إنما استنبطه من كلام الله، وليس فيه نقل عن أحد، إلا ما نقله عن ابن الخطيب في بيان البرهان.(5/129)
…قلت: ويؤيده ما ذكره الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره، ونص الغرض منه باختصار أن يوسف - عليه السلام - كان بريئا من العمل الباطل والهم المحرم، وهذا قول المحققين من المفسرين والمتكلمين، وبه نقول وعنه نذب، فإن الدلائل الكثيرة قد دلت على وجوب عصمة الأنبياء عليهم السلام، ولا يلتفت إلى ما نقله بعض المفسرين عن الأئمة المتقدمين، فإن الأنبياء عليهم السلام متى صدرت منهم زلة أو هفوة، استعظموها وأتبعوها بإظهار الندم والتوبة والاستغفار، كما ذكر عن آدم في قوله: " رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا " الآية - الأعراف23، وداود في قوله: " فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ " - ص 24-، وأما يوسف فلم ينقل عنه شيء مما يوجب ما ذكر، ولو صدر منه لأتبعه بالتوبة والاستغفار، ولو أتى بالتوبة لحكى الله عنه ذلك في كتابه، قال: ( وكل من له تعلق بهذه الواقعة شهد ببراءته، وهم يوسف، والمرأة وزوجها،/ والنسوة اللاتي قطعن أيديهن، والشاهد الذي شهد على القميص، والله سبحانه وكفى به شهيدا، وإبليس.(5/130)
…أما يوسف فبقوله: " هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي" - يوسف 26-، وقوله: " رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنيِ إِلَيْهِ " - يوسف 33-، وأما المرأة فبقولها: " وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ" - يوسف 32-، وقولها: " اَلاَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وّإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ" - يوسف 51-، وأما زوجها فبقوله: " إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ. يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ" - يوسف 28 و29-، وأما النسوة فبقولهن: " امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ" - يوسف 30-. ، وأما الشاهد فبقوله: " إِن كَانَ قَمِيصُهُ..." إلخ -يوسف 27-، وقد ظهر أنه قد من دُبُر، وأما شهادة الله فبقوله: "كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ اِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ" - يوسف 24-، فشهد الله بنزاهته وبراءته، وأنه من عباده المخلصين، ومن كان كذلك فليس للشيطان عليه سلطان لقوله: " لَأُغْوِيَنَّهُمُ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ"- الحجر40، فهذا إقرار من إبليس بأنه ما أغواه وما أضله، لأنه من عباد الله المخلصين)(1).
…قال: ( وأما ما روي عن ابن عباس أنه جلس منها مجلس الخائن، فحاشا ابن عباس أن يقول مثل هذا القول عن يوسف - عليه السلام -، ولعل بعض القصاص وأصحاب الأخبار وضعوه عليه، وكذا ما روي عن مجاهد وغيره فإنه لا يكاد يصح بسند صحيح، وبطل ذلك، وثبت ما بيناه من براءة يوسف عليه السلام).
__________
(1) - التفسير الكبير 18/116.(5/131)
…ثم قال: ( فإن قلت: فعلى هذا التقدير لا يبقى لقوله عزوجل: " لَوْلاَ أَن رَّءا بُرْهَانَ رَبِّهِ" - يوسف 24- فائدة، قلت: فيه أعظم الفوائد، وبيانه من وجهين: أحدهما أنه تعالى أعلم يوسف أنه لو هم بدفعها لقتلته، أو لكانت تأمر الحاضرين بقتله، فأعلمه الله بالبرهان أن الامتناع من ضربها أولى صونا للنفس عن الهلاك، والثاني أنه عليه السلام لو اشتغل بدفعها عن نفسه، فربما تعلقت به فكان يتمزق ثوبه من قدام، وكان في علم الله أن الشاهد يشهد بما يظهر في القميص، فأعلمه الله بالبرهان هذا المعنى، فلم يشتغل بدفعها عن نفسه، وولى هاربا، وقدت قميصه من دبر، وشهد من أجل ذلك الشاهد ببراءته وخيانتها) هـ(1).
…ونقله الخازن في تفسيره معتمدا عليه(2)، وهو صريح في حمل قوله: "وَهَمَّ بِهَا" على مدافعة المرأة وصرفها عنه بالضرب ونحوه؛ وقد حكى ذلك القاضي عياض أيضا في الشفا ونصه:( وقيل هم بضربها ودفعها) هـ، قال الشهاب عليها: ( وما وقع في القصص من حل السراويل وما بعده كذب لا أصل له) هـ.
…وقال الإمام ابن العربي في الأحكام: ("وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ءَاتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا"-يوسف 22- بين الله بهذا حال يوسف من حين بلوغه من أنه آتاه العلم بما علم، وخبر الله صادق، ووصفه صحيح، وكلامه حق، فقد عمل يوسف - عليه السلام - بما علمه الله من تحريم الزنا وتحريم خيانة السيد والأجنبي في أهله، فما تعرض لامرأة العزيز، ولا أناب إلى مراودتها، بل أدبر عنها وفر منها، حكمة خص بها وعملا بمقتضى ما علمه الله سبحانه، وهذا يطمس وجوه الجهلة من الناس، والغفلة من العلماء في نسبتهم إليه مالا يليق به، وحاشا لله ما علمت عليه من سوء، بل أبرئه بما برأه الله منه فقال: ولما بلغ أشده ءاتيناه حكما وعلما كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا الذين استخلصناهم)، هـ منها بلفظها.
__________
(1) - التفسير الكبير 18/118.
(2) - انظر لباب التأويل 3/15.(5/132)
…وفي يواقيت الشعراني ما نصه: (ذكر ابن العربي(1) في الباب السابع والستين وثلاثمائة من الفتوحات أن روحه اجتمعت بروح يوسف - عليه السلام -، فقال له: يا نبي الله ما معنى الاشتراك في إخبار الله تعالى عنك بقوله : " وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا"، فإنه تعالى لم يعين في ماذا، واللسان يؤذن بالاشتراك؟ فقال: صدقت، لكن في اللفظ دون المعنى، فإنها همت بي لتقهرني على ما كانت أرادت مني، وهممت أنا بها لأقهرها بالدفع عن ذلك، فالاشتراك في طلب القهر مني ومنها، فكأنه تعالى يقول: " وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ " يعني في عين ما هم، وليس إلا القهر فيما يريد كل واحد من صاحبه، دليل ذلك قول المرأة: " اَلاَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ "، وما جاء في قصتي قط أنني راودتها عن نفسها، فأراني الله تعالى البرهان غير إرادتي القهر في دفعها عني أولا بالقول اللين، كما قال تعالى لموسى وهارون: " فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا" –طه 44-، أي لا تعسف عليها يا يوسف وسسها فإنها امرأة موصوفة بالضعف على كل حال، قال الشيخ محيي الدين: فقلت له أفدتني أفادك الله تعالى)، هـ منها.
…ونقل الشيخ جسوس(2)
__________
(1) - محمد بن علي بن محمد بن عربي، أبو بكر الحاتمي الطائي الأندلسي.
ولد بمرسية، ورحل إلى الشام والعراق والحجاز.
له: الفتوحات المكية، وفصوص الحكم، ومفاتيح الغيب.
توفي سنة 638هـ.
ترجمته في: جذوة الاقتباس 175، وميزان الاعتدال 3/108، ونفح الطيب 1/404، وشذرات الذهب 5/190.
(2) - محمد بن قاسم بن محمد جسوس، أبو عبد الله.
من علماء فاس، له: شرح فقه الرسالة، وشرح على فقهية عبد القادر الفاسي، وشرح شمائل الترمذي.
توفي سنة 1182هـ.
ترجمته في: الفكر السامي 4/124، وشجرة النور الزكية 355.(5/133)
عن خط شيخه العلامة سيدي محمد بن عبد الرحمن بن زكري ما نصه: (ظهر لي أن الباء للسببية، وهم بمعنى حزن، والمعنى لقد حزنت بسببه وأصابها الهم من أجله، حيث تمنع عليها ولم يطاوعها على مرادها، وحزن وأصابه الهم بسببها لما كان لها عليه من اليد والسطوة، فخاف أن تبالغ في عقوبته ونكاله وتنسبه إلى العار، فيجري الكلام على نسق واحد، ويكون قوله: " وَهَمَّ بِهَا" معطوفا على "هَمَّتْ بِهِ" مدخولا للقسم كما هو ظاهر اللفظ والسياق وقوله:" لَوْلاَ أَن رَّءا بُرْهَانَ رَبِّهِ " ابتداء كلام، أي لولا أن علم واستحضر ما أوحي إليه من نجاته وتخصله، وكون العاقبة له، للازمه الحزن واستمر عليه الهم، لكنه رأى ذلك فزال عنه ذلك، ويؤيد ما ذكرناه في تفسير الآية التعبير بالهم في جانبها لأن الذي كان عندها العزم والتصحيح لا مجرد الهم، وأما قوله: " وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ " – يوسف 33-، فهو كقوله: " وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي" – يوسف 53- ، تبرءا من الحول والقوة، ولجاء إلى الله تعالى، ورجوع إلى عصمته واعتماد عليه) هـ.
…وهذا هو الحق الذي لا شك فيه ولا ارتياب، فاستمسك به فإنه من النفائس التي حلى الله بها جيد هذا الكتاب، والله سبحانه الموقف والهادي إلى صوب الصواب.
…4694- نا عبد الرحمن بن القاسم(1)
__________
(1) - عبد الرحمن بن القسم بن خالد بن جنادة العتقي المصري، أبو عبد الله، المعروف بابن القاسم عند فقهاء المالكية.
تفقه على يد مالك ونظرائه، وآراؤه مبثوثة في المدونة.
ولد وتوفي بمصر سنة 191هـ.
ترجمته في: وفيات الأعيان 1/276، وحسن المحاضرة 1/121، والديباج المذهب 146.(5/134)
: عبد الرحمن هذا هو العتقي المصري صاحب الإمام مالك، المشهور بابن القاسم عند المالكية، وليس له في البخاري غير هذا الحديث الواحد، قاله ابن عطية والدماميني(1) وابن حجر(2).
…يرحم الله لوطا...إلخ: انظر أبواب الأنبياء. لأجبت الداعي: ولم أقدم طلب البراءة، وهذا قاله - صلى الله عليه وسلم - تواضعا، والتواضع لا يحط مرتبة الكبير، بل يزيده رفعة وكمالا، على أن في المبادرة إلى الخروج من السجن وجها آخر من الرأي، له جهة أيضا من الجودة، أي لو كنت أنا لبادرت بالخروج ثم حاولت بيان عذري بعد ذلك، وقصده - صلى الله عليه وسلم - بذلك حمل الناس على الأحزم من الأمور حذرا من آفات البقاء بالسجن لعارض، وإن كان يوسف - عليه السلام - أمن من ذلك بعهد من الله، فغيره لا يأمنه، قاله ابن عطية.
…ونحن أحق من إبراهيم: أي نحن أحق بالشك من إبراهيم، يعني لو كان الشك متطرقا إلى إبراهيم لكنت أنا أحق به، وهذا تواضع منه - صلى الله عليه وسلم -، أي وقد علمتم/ أني لا أشك، فإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - لم يشك.
…قال: له ربه، ليطمئن قلبي: برؤية كيفية الإحياء، انظر أبواب الأنبياء ولابد.
4695- استيقنوا بذلك: فأطلق الظن على اليقين مجازا. قالت معاذ الله... إلخ: هذا ظاهر في أنها أنكرت قراءة التخفيف مع أنها متواترة، ولعلها لم تبلغها، ووجهت بأوجه منها أن الضمير في " ظنوا" عائد على المرسل إليهم، والضمير في " أنهم" و"كذبوا" على الرسل، أي ظن الأمم أن الرسل أخلفوا ما وعدوا به من النصر، وانظر أبواب الأنبياء.
سورة الرعد
…مكية إلا:"وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا" الآية -31-، "وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً" – الرعد 43-، أو مدنية إلا: " وَلَوَ اَنَّ قُرْءَانًا" الآيتين -31 و32-.
__________
(1) - في تعليق المصابيح ص: 504.
(2) - في الفتح 8/467، في قوله: (وليس له في البخاري سوى هذا الموضع).(5/135)
…ثلاث، أو أربع، أو خمس، أو ست وأربعون آية(1).
…بسم الله الرحمن الرحيم - " كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلىَ الْمَاءِ": من قوله تعالى: " وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لََهُم بِشَيْءٍ اِلاَّ كَبَاسِطِ"…إلخ- الرعد 14-: ولا يقدر عليه.
…"متجاورات": من قوله تعالى: "وَفيِ الاَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنَ اَعْنَابٍ" …إلخ - الرعد 4-: متدانيات متلاصقات، فمنها طيب وسبخ، وقليل الريع وكثيره، وهو من دلائل قدرته تعالى.
" المثلات": من قوله سبحانه: " وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ"- الرعد 6-: وهي الأمثال، وقال البيضاوي: ( المثلات: العقوبات لأمثالهم من المكذبين، فما لهم لم يعتبروا بها، ولم يجوزوا حلول مثلها عليهم)(2).
…" بمقدار": من قوله تعالى: " وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدارٍ "- الرعد 8-: بقدر لايجاوزه ولا ينقص عنه. حفظة: تفسير قوله تعالى: "لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنَ اَمْرِ اللهِ " - الرعد 11-: تُعَقِّبُ الأولى منهم الأخرى، فإذا صعدت ملائكة النهار عقبتها ملائكة الليل وبالعكس.
…روى الطبراني عن عثمان رضي الله عنه أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عدد الملائكة الموكلين بالآدمي، فقال: لكل آدمي عشرة بالليل وعشرة بالنهار، واحد عن يمينه وأخر عن شماله، واثنان من بين يديه ومن خلفه، واثنان على جبينه، وآخر قابض على ناصيته، فإن تواضع رفعه، وإن تكبر وضعه، واثنان على شفتيه، ليس يحفظان عليه إلا الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، والعاشر يحرسه من الحية أن تدخل فاه، يعني إذا نام.
__________
(1) - هي أربع وأربعون آية في المدني والمكي، وثلاث في الكوفي، وخمس في البصري، وسبع في الشامي، انظر البيان ص:169، والكشف 2/19.
(2) - أنوار التنزيل 3/147.(5/136)
…" المحال":من قوله سبحانه:"وَهُمْ يُجَادِلُونَ فيِ اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ"- الرعد 13-.
…ليقبض على الماء: فلا يحصل له منه شيء.
…" رابيا ": من قوله تعالى: " أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتَ اَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ": أي بمقدار ملئها، " فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا" - الرعد 17- أي عاليا عليه، والزبد ما على وجه الماء من غثاء ونحوه.
مَا تَمَتَّعْتَ به: كالأواني وآلة الحرب وغيرها.
…جفاء: باطلا يرمي به. فعلاها الزبد: فخرج منها وذهب. فكذلك تميز الحق من الباطل: أشار إلى أن الآية مثال للحق والباطل، فمثال الحق في إفادته وثباته، الماء النازل من السماء، فتسيل به الأودية على قدر الحاجة والمصلحة والمعادن المذابة كالذهب والفضة والنحاس لصوغ الأمتعة المحتاج إليها، ومثال الباطل في قلة نفعه وسرعة زواله الزبد الذي يعلو على الماء وعلى المعدن المذاب، قال تعالى: " فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ": أي يرمي به، "وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ": من الماء والمعدن، " فَيَمْكُثُ فيِ الاَرْضِ" - الرعد 17-: ينتفع به أهلها.
…" يَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ " - الرعد 22-.
…" سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ" - الرعد 24-.
…" المئاب ": من قوله تعالى: " إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَئَابِ" - الرعد 36-.
…" أَفَلَمْ يَاْيْئَسِ الَّذِينَ ءَامَنُوا / أَن لَّوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا"- الرعد 31-.
…" قارعة": من قوله سبحانه: " وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ" - الرعد 31-.
…" فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذتُّهُمْ" - الرعد 32-: أطلت لهم… إلخ، وقال البيضاوي: ( الإملاء أن يتركه حلاوة من الزمان في دعة وأمن)(1).
__________
(1) - أنوار التنزيل 3/152.(5/137)
…ومنه مليا: أي قوله تعالى: " وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا" - مريم 46- : أي دهرا طويلا.
…" أشق ": من قوله تعالى: " وَلَعَذَابُ الاَخِرَةِ أَشَقُّ" - الرعد 34-.
…" معقب ": من قوله: "وَاللهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ" - الرعد 41-.
…" متجاورات ": من قوله تعالى: " وَفيِ الاَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ" - الرعد 4-.
…طيبها وخبيثها: سقط خبر طيبها للجميع، والمروي عن مجاهد: طيبها عذبها وخبيثها السباخ.
" صِنْوَانٍ وَغَيْرِ صِنْوَانٍ تُسْقى بِمَاءٍ وَّاحِدٍ" - الرعد 4-.
…" السحاب الثقال": من قوله تعالى: " هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ" - الرعد 12-.
…الزبد: السيل، أي ما يعلو عليه من غثاء ونحوه.
1-باب قوله تعالى: " اَللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثى وَمَا تَغِيضُ الاَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ "
…- الرعد 8-: أي ما تنقصه وما تزداده في الجثة والمدة والعدد.
…4697- خمس: لا مفهوم لها كما قدمناه. لا يعلمها إلا الله: أو من أطلعه الله عليها ممن ارتضى من رسول أو ولي.
سورة إبراهيم - عليه السلام -
…مكية إلا: " أَلَمْ تَرَ إِلىَ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ" الآيتين -28 و29-.
…إحدى، أو اثنتان، أو أربع، أو خمس وخمسون آية(1).
…بسم الله الرحمن الرحيم: " هاد": من قوله تعالى في سورة الرعد -7-: " وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ": داع يدعوهم إلى الحق.
…وأَيَّامَهُ: نِعَمَهُ.
…" ولا خلال ": من قوله تعالى: " قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَوةَ" إلى قوله: " مِن قَبْلِ أَن يَّاتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ" - إبراهيم 31-: أي مخالة، أي صداقة تنفع وهو يوم القيامة.
__________
(1) - هي أربع وخمسون آية في المدني والمكي، واثنتان وخمسون في الكوفي، وخمس في الشامي، وآية في البصري، انظر البيان ص:171، و الكشف 2/25.(5/138)
…جمع خلة وخلال: يعني أن خلالا جمع خلة، كقلال جمع قلة، وهذا قاله الأخفش، والجمهور على الأول.
…" وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ" - إبراهيم 7-.
…" أَيْدِيَهُمْ فيِ أَفْوَاهِهِمْ": من قوله تعالى: "جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا"…إلخ - إبراهيم 9-: هذا مثل كفوا، أي معناه كفوا عما أمروا به من الحق.
…وقال البيضاوي: ( " فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فيِ أَفْوَاهِهِمْ": فعضوها غيظا مما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام)(1).
…" مقامي": من قوله تعالى: " ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ" - إبراهيم 14: حيث يقيمه الله بين يديه، أي للحساب.
…" مِن وَّرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ" - إبراهيم 16-: قدامه وأمامه، فهو من الأضداد، أي يطلق على خلف وأمام، قاله قطرب(2)، ومنه قوله:
عَسَى الكَرْبُ الذي أمسيتُ فيه - يكون وَرَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ.
…" لَكُمْ تَبَعًا فَهَلَ اَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللهِ مِن شَيْءٍ" -إبراهيم 21-.
__________
(1) - أنوار التنزيل 3/156.
(2) - محمد بن المستنير بن أحمد، أبو علي، المشهور بقطرب.
معتزلي من أهل البصرة.
تتلمذ على سيبويه.
له: معاني القرآن، والمثلثات، وغريب الحديث.
توفي سنة 206هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد 3/298، وبغية الوعاة 104، ووفيات الأعيان 1/494، وشذرات الذهب 2/15.(5/139)
…" اجتثت": من قوله سبحانه: " وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ": هي كلمة الكفر، " كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ": هي الحنظل،"اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الاَرْضِ"- إبراهيم 26-: استؤصلت وأخذت جثتها. " تبغونها عوجا": آية هذه السورة بالياء لا بالتاء، وهي قوله: " الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الَحَيَاةَ الدُّنْيا عَلَى الاَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا" - إبراهيم 3-: تلتمسون لها عوجا، قال البيضاوي: ( يبغون لها زيغا ونكوبا عن الحق ليقدحوا فيه)(1).
1-باب قوله تعالى: " كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ": مثمرة، "أَصْلُهَا ثَابِتٌ" الآية - إبراهيم 24-:
أي راسخ في الأرض، " وَفَرْعُهَا": أي غصنها "فيِ السَّمَاءِ".
…4698- ولا ولا ولا: أي ولا ينقطع ثمرها، ولا يعدم فيئها، ولا يبطل نفعها. تؤتي أكلها: تعطي ثمرها، فهو مستأنف لا مدخول لما قبله.
…وكذا وكذا: أي من حُمُرِ النَّعَمِ، كما في الرواية الأخرى، وقد وضح أن المراد بالشجرة في الآية النخلة.
2- باب/ قوله تعالى: " يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ " - إبراهيم 27-
هو كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، ثبتنا الله عليها بمنه وكرمه، والجمهور على أن الآية نزلت في سؤال الملكين في القبر.
…4699- إذا سئل في القبر: عن ربه ودينه ونبيه، بعد إعادة روحه إلى جسده.
…تشهد أن لا إله إلا الله: ذكر الشيخ السنوسي(2) أن جواب الملكين بالشهادتين يكفي، ولم يبق لهما عند المتشهد طلب.
3- باب قوله تعالى: " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْرًا "
__________
(1) - أنوار التنزيل 3/155.
(2) - محمد بن يوسف بن عمر بن شعيب السنوسي الحسني، أبو عبد الله.
أصله من تلمسان.
له: شرح صحيح البخاري، وعقيدة أهل التوحيد، ومكمل إكمال الإكمال في شرح صحيح مسلم.
ترجمته في: تعريف الخلف 1/176، والأعلام 8/29-30.(5/140)
بأن وضعوه مكانه البوار، " وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ" - إبراهيم 28-: الهلاك، لحملهم إياهم على الكفر.
سورة الحجر
…مكية ، تسع وتسعون آية(1).
…بسم الله الرحمن الرحيم - الحق يرجع إلى الله... إلخ: أي يؤدي إلى الوصول إليه من غير اعوجاج، وقيل معناه من مر عليه مر علي، أي على رضواني وكرامتي.
…" لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ" من قوله تعالى: " وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الاَيْكَةِ لَظَالِمِينَ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا" أي قرى قوم لوط والأيكة، " لَبِإِمَامٍ"-الحجر 78 و79-: على الطريق، تفسير إمام.
…" لَوْ مَا تَاتِينَا بِالْمَلاَئِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ" - الحجر 7-.
…" سُكِّرَتْ ": من قوله تعالى: " وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا"… إلخ - الحجر 14-: غشيت، وقيل معناه سدت، أي غشيت أو سدت بالسحر.
…كل ما ائتممت به: ومنه الطريق يؤتم به ويهتدى به.
…" الصيحة": من قوله سبحانه: " فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ" - الحجر 73-.
…" كتاب معلوم ": من قوله سبحانه: "وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ اِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ" - الحجر 4-.
…" شيع": من قوله سبحانه: وَلَقَدَ اَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فيِ شِيَعِ الاَوَّلِينَ" - الحجر 10-.
1-باب قوله تعالى: " إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ " - الحجر 18-:
ظاهر للمبصرين، والشهاب شعلة من نار ساطعة تظهر للناظر على شكل العمود.
__________
(1) - هي تسع وتسعون آية في جميع العدد، انظر البيان ص: 173، والكشف 2/29.(5/141)
…4701- قضى الأمر: حكم به. خضعانا: خاضعين. كأنه: أي القول المسموع. صفوان: حجر أملس، صَفَوَان بفتحات. فزع عن قلوبهم:أزيل الفزع عنها. قالوا: للمقربين كجبريل. قالوا: أي المقربون. للذي قال: أي سأل الحق، أي قال القول الحق. واحد فوق واحد: يركب بعضهم على بعض. يرمي بها: أي بالكلمة. فيقولون: أي السامعون. ألم يخبرونا: أي السحرة.
…ونا سفيان: قائله علي بن عبد الله(1) أولا وثانيا. قلت لسفيان: قائله علي أولا وثانيا. إنسان: لم يعرف. ويرفغه: أبو هريرة ، هكذا بالراء والغين المعجمة. وهي: بالراء.
2- باب قوله: " وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ"
ثم ثمود، والحجر واد بين المدينة والشام، " الْمُرْسَلِينَ" - الحجر 80-: أي صالحا، ومن كذب واحدا فكأنما كذب الجميع.
…4702- لأصحاب الحجر: أي لأصحابه الذين مروا معه على الحجر حيث توجه لتبوك، والإضافة تقع بأدنى ملابسة، فهم أصحاب الحجر ح. أن يصيبكم: أي خشية أن يصيبكم.
3- باب قوله تعالى: " وَلَقَدَ اتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي ":
هي الفاتحة، سميت بالمثاني لأنها تثنى في كل ركعة، " وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ" - الحجر 78-: المراد به الفاتحة أيضا على جهة التخصيص والتعظيم لها.
…4703- ألم يقل الله: "يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا"... إلخ -الأنفال 24-: فيه وجوب إجابته - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة، والمعتمد عدم بطلانها به. أعظم سورة: من حيث الثواب، لا من حيث الصفة. والقرآن العظيم: عطف على السبع، أي وهي القرآن العظيم الذي أوتيته، راجع تفسير الفاتحة.
…4- " اَلَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْءَانَ عِضِينَ" -الحجر 91-
__________
(1) - علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي، أبو الحسن بن المديني.
الإمام الثقة الثبت، الخبير بالحديث وعلله.
قال البخاري: ما استصغرت نفسي إلا عند علي بن المديني.
توفي سنة 234هـ.
ترجمته في: شذرات الذهب 2/81، وتهذيب التهذيب 7/349، والتقريب رقم 4760.(5/142)
…قال البخاري رحمه الله: (الْمُقْتَسِمِينَ: الذين حلفوا).
…ابن حجر: ( هكذا جعل المقتسمين من القسم بمعنى/ الحلف، والمعروف أنه من القسمة، وبه جزم الطبري، وقوله: " الذين جعلوا" هو صفة للمقتسمين، أي أنهم قسموه وفرقوه) هـ(1).
…وقال البيضاوي: ( المقتسمون هم الاثنا عشر الذين اقتسموا بداخل مكة أيام الموسم، لينفروا الناس عن الإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم - فأهلكهم الله تعالى يوم بدر، أو الرهط الذين اقتسموا أي تقاسموا على أن يبيتوا صالحا - عليه السلام -) هـ(2).
…وعلى هذا الثاني ذهب المؤلف رحمه الله.
…قال القسطلاني: ( ولعل المؤلف اعتمد في هذا القول على ما رواه الطبراني عن مجاهد أن المراد بقوله: " المقتسمين"، قوم صالح الذين اقتسموا على هلاكه)(3).
…" قَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ" -الأعراف 21-: حلف - أي إبليس- لهما: لآدم وحواء.
…" تَقَاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ" -النمل 49- يعني صالحا.
…4705- عضين: أي أعضاء متفرقة، من عضيت الشيء فرقته، أي جزءوه أجزاء. فآمنوا ببعضه: ما وافق التوراة، وكفروا بما خالفه.
5- باب قوله تعالى: " وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَاتِيَكَ الْيَقِينُ " - الحجر 99-
أي الموت، فإنه متيقن لحاقه كل حي مخلوق، والمعنى: اعبده مادمت حيا، ولا تخل لحظة من العبادة.
…قال سالم: هو ابن عبد الله بن عمر(4).
سورة النحل
…مكية إلا: " وَإِنْ عَاقَبْتُمْ" إلى آخرها، الآيات -126و127 و128-.
__________
(1) - الفتح 8/488.
(2) - أنوار التنزيل 3/174، وفيه: (مداخل).
(3) - إرشاد الساري 7/218، وفيه: (ما رواه الطبري عن مجاهد).
(4) - سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، أبو عبد الله المدني.
أحد الفقهاء السبعة، وكان ثبتا عابدا فاضلا.
وكان يشبه بأبيه عبد الله بن عمر في الهدي والسمت.
توفي سنة 106هـ.
ترجمته في: التقريب رقم 2176.(5/143)
…مائة وثمان وعشرون آية(1).
…بسم الله الرحمن الرحيم: " في تقلبهم": من قوله تعالى: " أّوْ يَاخُذَهُمْ فيِ تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ" - النحل 46-: اختلافهم، وقيل أسفارهم للتجارة.
…"تميد": من قوله سبحانه: " وَأَلْقَى فيِ الاَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ" - النحل15-: تكفأ، أي تقلب.
" مفرطون": بفتح الراء من قوله: " لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُم مُّفْرِطُونَ"- النحل 62-: منسيون، وقيل متروكون فيها، وقرأ نافع بكسر الراء من الإفراط في المعاصي، أي متجاوزون الحد(2).
" روح القدس": من قوله تعالى: " قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ" الآية -النحل 102-.
" نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاَمِينُ" - الشعراء 193-: ذكره استشهادا لصحة هذا التأويل، وأن المراد به جبريل اتفاقا.
…"في ضيق":من قوله تعالى:"وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فيِ ضِيقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ" - النحل 127-: أي لا تهتم بمكرهم، فأنا ناصرك عليهم.
…" تَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا للهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ" - النحل 48- : تتهيأ.
…ابن حجر: ( كذا فيه، والصواب تتميل)(3).…
…"سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً": من قوله سبحانه: " وَأَوْحى رَبُّكَ إِلىَ النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي " الآية – النحل 68-: لا يتوعر …إلخ، فذللا جمع ذلول، حال من السبل، أي مسخرة لك فلاتعسر عليك، وإن توعرت.
__________
(1) - هي مائة آية وثمان وعشرون في جميع العدد، انظر البيان ص: 175،والكشف 2/34.
(2) - انظر الكشف عن وجوه القراءات السبع 2/38.
(3) - الفتح 8/491.(5/144)
…هذا مقدم ومؤخر: أي استعذ بالله، فإذا استعذت بالله فاقرإ القرآن، وقال الجمهور: هو على الأصل ولكن فيه إضمار، أي فإذا أردت القراءة فاستعذ بالله، قاله الزركشي(1)، وعليه اقتصر ابن عطية(2) والبيضاوي(3) والجلال السيوطي(4)؛ زاد الزركشي: ( ومنهم من أجرى الآية على ظاهرها، فاستعاذ بعد القراءة كأبي هريرة، وعليه من الأئمة مالك، ومن القراء حمزة)(5).
…ومعناهما: هكذا في نسخنا بالتثنية مضببا عليه، وفي الفتح(6) والعمدة(7)والإرشاد(8): "ومعناها" بالإفراد، أي معنى الاستعاذة الاعتصام بالله من وسوسة الشيطان، ولفظها هو افظ كتاب الله: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، هذا قول الجمهور، وحكمها الاستحباب عند الجميع، قاله ابن عطية.
…"تسيمون": من قوله تعالى: " هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ" - النحل 10-: ترعون دوابكم.
…" شاكلته": من قوله تعالى: " قُلْ كُلٌّ يَّعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ"، وهو في سورة الإسراء –84-، وسيعيده فيها، ولا مناسبة له هنا، قاله في التحفة(9).
…نيته: التي تشاكل حاله في الهدى والضلال.
…" قصد السبيل ": من قوله تعالى: " وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ" - النحل 9-: البيان للطريق الموصل إلى الحق/ رحمة منه وفضلا.
…الدفء: من قوله سبحانه: " وَالاَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ" - النحل 5-: ما استدفأت به من الأكسية والأردية من أشعارها وأصوافها.
__________
(1) - في التنقيح ص:191.
(2) - في المحرر الوجيز 8/507.
(3) - في أنوار التنزيل 3/191، قال: ("فإذا قرأت القرءان": إذا أردت قراءته).
(4) - في حاشيته ص: 350.
(5) - التنقيح ص: 191.
(6) - الفتح 8/491.
(7) - عمدة القاري 19/15.
(8) - إرشاد الساري 7/220.
(9) - تحفة الباري 3/99.(5/145)
…" تخوف": من قوله سبحانه: " أَوْ يَاخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ" - النحل 47-: تنقص شيئا فشيئا في أنفسهم وأموالهم حتى يهلك الجميع.
…العَشِيّ: الذي في الفتح(1) والعمدة(2) والتحفة(3) والإرشاد(4): " تريحون بالعشي"، وسقط "تريحون" من نسخة ابن سعادة، والمراد قوله تعالى: " وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ" - النحل 6-.
…"بشق":من قوله:"وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمُ إِلىَ بَلَدٍلَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الاَنفُسِ"النحل7-
…" الانعام لعبرة": عظة، وهي - أي الأنعام - تذكر كما في قوله تعالى: "نَسْقِيكُم مِّمَّا فيِ بُطُونِهِ" - النحل 66-، وتؤنث كما في قوله: " وَالاَنْعَامَ خَلَقَهَا" إلى آخر الآية.
…" أكنانا": من قوله سبحانه: " وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَّجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ" …إلخ - النحل 81-: واحدها كن، ما يستكن فيه كالغار والسرب.
سرابيل:قمص "تَقِيكُمُ الحرَّ"،أي والبرد،"بَأْسَكُمْ":حربكم،أي الطعن والضرب فيها.
…" دخلا بينكم": من قوله سبحانه: " وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ" -النحل 94- أي غشا وخديعة.
…" حفدة": من قوله سبحانه: " وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ اَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً" - النحل 72-: من ولد الرجل، يشمل الولد وولد الولد.
…السَّكَر: من قوله سبحانه: " وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالاَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا" - النحل 67-: ما حرم من ثمرتها كالخمر، والرزق الحسن ما أحل: كالتمر والزبيب والخل.
__________
(1) - الفتح 8/492.
(2) - العمدة 19/16.
(3) - التحفة 3/99.
(4) - الإرشاد 7/220.(5/146)
…" أنكاثا": هي خرقاء… إلخ: يشير إلى قوله تعالى: " وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتيِ نَقَضَتْ غَزْلَهَا"، أي أفسدت ما غزلته، " مِن بَعْدِ قُوَّةٍ": إحكام له وبرم، " أَنكَاثًا" - النحل 92-: حال جمع نكث وهو ما ينكث، أي يحل إحكامه، وهي امرأة حمقاء من أهل مكة، اسمها ريطة بنت سعد، كانت تغزل طول يومها ثم تنقضه، أي لا تكونوا مشبهين بامرأة هذا شأنها، متخذي أيمانكم مفسدة ودخلا بينكم.
…الأمة: من قوله تعالى: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا" - النحل 120-: معلم الخير، وقيل إماما قدوة جامعا لخصال الخير.
1- باب قوله تعالى: " وَمِنكُم مَّن يُّرَدُّ إِلىَ أَرْذَلِ الْعُمُرِ" - النحل 70-:
…أي أرداه، وهو الخرف، أو هو خمس وسبعون سنة، أو ثمانون، أو خمس وثمانون، أو تسعون، أو خمس وتسعون، أو مائة سنة، قاله شيخ الإسلام.
…4707- البخل: في حقوق المال، والكسل: التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه، وفتنة الدجال: التي لا فتنة في الدنيا أعظم منها، وفتنة المحيا: زمن الحياة، والممات: من أول النزع وهلم جرا.
سورة بني إسرائيل
…وهي سورة الإسراء.
…مكية إلا: " وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ " الآيات الثمان -73 إلى 80-.
…مائة وعشر آيات، أو إحدى عشرة آية(1).
بسم الله الرحمن الرحيم
…4708- من العتاق الأول: جمع عتيق، وهو القديم، أو كل ما بلغ الغاية في الجودة.
…وهُنَّ مِنْ تِلاَدِي: مما حفظته قديما.
…" فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ" -الإسراء 51-: يهزون ويحركون تعجبا واستهزاء.
…"وَقَضَيْنَا إِلىَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الاَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا" - الإسراء 4-.
__________
(1) - هي مائة آية وعشر في غير الكوفي، وإحدى عشرة في الكوفي، انظر البيان ص: 177، والكشف 2/42.(5/147)
…والقضاء على وجوه: أي يأتي على وجوه كثيرة، ذكر منها الإخبار والأمر والحكم والخلق، وزاد ابن حجر وجوها أخر، انظرها في الفتح(1).
…" وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ" - الإسراء 23-.
…" نفيرا": من قوله تعالى: " ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمُ أَكْثَرَ نَفِيرًا" - الإسراء 6-: أي عشيرة.
…من ينفر معه: أي مع الرجل من قومه وعشيرته.
…" ميسورا" من قوله تعالى: " فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا" -الإسراء 28-.
…" خطئا": من قوله تعالى: " إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا" -الإسراء 31-.
…" لن تخرق":من قوله تعالى:" إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ/ الاَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً" -الإسراء 37-.
…" حصيرا": من قوله تعالى: " وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا" - الإسراء 8-: محبسا، أي سجنا.
…" وَإِذْ هُمْ نَجْوى": من قوله تعالى: " نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ": أي بسببه من الهزء، " إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ" - الإسراء 47-: أي إلى قراءتك.
…" رفاتا": من قوله تعالى: " وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا اِنَّا لَمَبْعُوثُونُ خَلْقًا جَدِيدًا" -الإسراء 49-.
…" بخيلك": من قوله تعالى: " وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجْلِكَ" -الإسراء 64-.
__________
(1) - ذكرها الحافظ في الفتح 8/496، ثم قال: (واستوعبها إسماعيل بن أحمد النيسابوري في كتاب الوحوه والنظائر، فقال: لفظة "قضى" في الكتاب العزيز جاءت على خمسة عشر وجها: الفراغ والأمر والأجل والفصل والمضي والهلاك والوجوب والإبرام والإعلام والوصية والموت والنزول والخلق والفعل والعهد)، واستشهد لكل منها من الكتاب العزيز، فانظره.(5/148)
…" حاصبا": من قوله تعالى: " أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا مِّنَ الرِّيحِ ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا"- الإسراء 68-.
…" تارة": من قوله تعالى " أَمَ امِنتُمُ أَن يُّعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً اُخْرى" – الإسراء 69-.
…وجماعته تِيرَة: كذا ضبطه أبو عمران موسى بن سعادة بكسر التاء وسكون الياء وفتح الراء، وكتب عليه أبو عبد الله محمد بن سعادة(1): صوابه "تِيَرَة"، بفتح الياء جمع، وكذا ضبطه القاضي بخطه بفتح الياء، قاله العارف.
…قلت: و هكذا ضبطها صاحبو الفتح(2) والعمدة(3) والإرشاد(4).
…" لأحتنكن": من قوله: " قَالَ لَئِنَ اخَّرْتَنِ إِلىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً" –الإسراء 62-: لأستأصلنهم بالإغراء.
…كل سلطان... إلخ : يشير إلى قوله تعالى: " وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا" –الإسراء 80- أي حجة تنصرني على من خالفني، وإلى قوله: " فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِّيِهِ سُلْطَانًا" - الإسراء 33- أي حجة يتسلط بها على المؤاخذة بمقتضى القتل.
…" ولي من الذل": من قوله تعالى: " وَقُلِ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا" الآية - الإسراء 111-: لم يحالف أحدا، أي لم يوال أحدا من أجل مذلة به يدفعها بموالاته.
1-" أَسْرى بِعَبْدِهِ ":
__________
(1) - أبو عبد الله محمد بن يوسف بن سعادة الشاطبي المرسي.
محدث مفسر، أصله من بلنسية، وولد بمرسية.
أخذ عن ابن عتاب وابن غزال ورزين الغندري.
تولى قضاء مرسية وشاطبة.
توفي سنة 565هـ.
ترجمته في: معجم ابن الأبار 176، وبغية الملتمس 132، وتكملة الصلة 223، والديباج المذهب 287.
(2) - الذي في الفتح 8/498 ما يلي: (وقوله –أي البخاري-: "والجمع تير"، بكسر المثناة الفوقية، وفتح المثناة التحتانية).
(3) - عمدة القاري 19/21.
(4) - إرشاد الساري 7/224.(5/149)
سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - بجسده وروحه يقظة، وسرى وأسرى بمعنى واحد، " لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ" - الإسراء 1-: مسجد مكة بعينه، لحديث أنس المروي في الصحيحين.
…4709- بإيلياء: بيت المقدس. من خمر ولبن: أي أحدهما من خمر والآخر من لبن، زاد في رواية: وقدح من عسل. للفطرة: الإسلامية.
…4710- لما كذبني قريش: عن خبر الإسراء، وسألوه أن ينعت لهم بيت المقدس، لأن فيهم من رآه . فجلى : كشف.
…2- باب قول الله عز وجل: " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ " -الإسراء 70-
…( بحسن الصورة، والمزاج الأعدل، واعتدال القامة، والتمييز بالعقل، والإفهام بالنطق والإشارة والخط، والتهدي إلى أسباب المعاش، والتسلط على ما في الأرض، والتمكن من الصناعات، إلى غير ذلك مما يقف الحصر دون إحصائه، ومن ذلك ما ذكره ابن عباس، وهو أن كل حيوان يتناول طعامه بفيه، إلا الإنسان فإنه يرفعه إليه بيده) هـ، قاله البيضاوي(1).
…" ضعف الحياة " من قوله تعالى: " إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحَيَاةِ"... إلخ -الإسراء 75-
…خِلاَفَكَ وَخَلْفَكَ: من قوله تعالى: " وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خَلْفَكَ إِلاَّ قَلِيلاً" - الإسراء 76-
…" شاكلته": من قوله تعالى: " قُلْ كُلٌّ يَّعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ" - الإسراء 84-: ناحيته وخليقته، ومنه قولهم: هذا من شكاء، هذا من شكلته أي مشتقة منه، وهو المثل، وقيل مذهبه التي تشاكل حاله في الهدى والضلالة، فالمؤمن يفعل ما يشاكل مذهبه من الشكر عند الرخاء والصبر عند البلاء، والكافر يفعل ما يشاكله من الإعراض عند الإنعام واليأس عند الشدة.
…"ونئا": من قوله:" وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الاِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَئَا بِجَانِبِهِ" - الإسراء 83-.
__________
(1) - في أنوار التنزيل 3/207، وفيه: (والتمكن من الصناعات، وانسياق الأسباب والمسببات العلوية والسفلية إلى ما يعود عليهم بالمنافع، إلى غير ذلك).(5/150)
…" صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ " - الإسراء 89-.
…" قبيلا ": من قوله تعالى: "أَوْ تَاتِيَ بِاللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ قَبِيلاً" -الإسراء 92-.
…وقيل القابلة للمرأة التي سميت بذلك.
…"خَشْيَةَ الاِنفَاقِ": من قوله تعالى: " قُل لَّوَ اَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبيِّ إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ"… إلخ - الإسراء 100-.
أنفق الرجل /: أملق، والإملاق الفاقة، وفي الصحاح: أنفق الرجل افتقر وذهب ماله، ومنه قوله تعالى: " إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الاِنفَاقِ "، كذا في الإرشاد(1).
وقال البيضاوي: ( لبخلتم خشية النفاذ بالإنفاق)(2)، زاد الجلال: ( فتفتقروا)(3). "فتورا": " وَكَانَ الاِنسَانُ قَتُورًا" - الإسراء 100-: مقترا من الإقتار، أي بخيلا.
…" يَخِرُّونَ لِلاَذْقَانِ": من قوله تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ أُوْتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلى عَلَيْهِمْ" …إلخ - الإسراء 107-.
…مجتمع اللّحْيَيْن: أي على وجوههم تعظيما لأمر الله.
…" جزاء موفورا": من قوله تعالى: " قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا " - الإسراء 63-: وافرا كاملا.
…" تبيعا": من قوله تعالى: " أَمَ امِنتُمُ أَن يُّعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً اُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا" الآية - الإسراء 69- ثائرا طالبا للثأر منتقما.
…" ابتغاء رحمة": من قوله تعالى: " وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحمَةٍ مِّن رَّبِّكَ" - الإسراء 28-.
…" مثبورا": من قوله تعالى: " وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا" - الإسراء 102-.
…" إملاق": من قوله تعالى: " وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ" - الإسراء 31-.
__________
(1) - إرشاد الساري 7/227، والصحاح مادة نفق.
(2) - أنوار التنزيل 3/212.
(3) - حاشية الجلال ص: 368، ولكن بلفظ: "فتقتروا".(5/151)
…يزجي الفلك:من قوله تعالى:"رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فيِ الْبَحْرِ"-الإسراء 66
…" لاَ تُبَذِّرْ":من قوله تعالى:"وَءَاتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ"…إلخ - الإسراء 26-.
…" فَجَاسُوا": من قوله تعالى: " فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُوْلاَهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا" الآية -الإسراء 5-،
…تيمموا: قصدوا وسطها للقتل والإغارة.
…للوجوه: أي عليها.
…3- باب: " وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً اَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا " الآية - الإسراء 16-.
…قال الجلال: (" أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا": منعميها، بمعنى رؤسائها بالطاعة على لسان رسلنا، "فَفَسَقُوا فِيهَا": فخرجوا عن أمرنا، " فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ": بالعذاب، " فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا": أهلكناها بإهلاك أهلها وتخريبها)(1)، وبهذا التفسير صدر البيضاوي(2)، وهو منقول عن ابن عباس وسعيد بن جبير ، واختاره الطبري(3).
…4711- نقول للحي: أي القبيلة. أمر بنو فلان: أي كثروا، وسياق المؤلف لقول ابن مسعود تنبيه منه على أن معنى " أمرنا" في الآية: كثرنا مترفيها، وهي لغة حكاها أبو حاتم.
4- باب: " ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ":
أي يا ذرية من حملنا مع نوح في السفينة، والخطاب لبني إسرائيل، " إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا" - الإسراء 3-: كثير الشكر لنا، حامدا في جميع أحواله، روي أنه كان يحمد الله على طعامه وشرابه ولباسه وشأنه كله، فلذلك سمي عبدا شكورا.
…4712- فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً: أخذ منها بأطراف أسنانه. أنا سيد الناس: آدم ومن ولد. يوم القيامة: ويلزم منه ثبوت سيادته في الدنيا بطريق الأولى.
__________
(1) - حاشية الجلال ص: 358.
(2) - في أنوار التنزيل 3/198.
(3) - في جامع البيان 15/42.(5/152)
…في صعيد واحد: أرض واسعة مستوية. يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ: أي يحيط بهم لاستواء الأرض. وتدنو الشمس: من جماجم الناس حتى تكون قدر ميل. فيأتون آدم: قدمنا أن الآتين للأنبياء هم من عدا أمة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - من الأمم، أما هم فهم مع نبيهم - عليه السلام - لايفارقونه. مِنْ رُوحِهِ: الإضافة لتعظيم المضاف وتشريفه. غضب… إلخ: المراد من الغضب هنا ما يظهر من انتقام الرب تعالى ممن عصاه، قاله النووي. نفسي.. إلخ: أي هي التي تستحق أن أشفع لها. أول الرسل إلى أهل الأرض: يعني وأما من قبله فإنما كانوا كالمربين لأولادهم، وقوله: " إلى أهل الأرض" أي كلهم، لأنه لم يكن في الأرض إذ ذاك إلا قومه، وهو بعث لقومه، فعموم بعثته إنما هو باعتبار الواقع أما نبينا - صلى الله عليه وسلم - فبعث إلى جميع أهل الأرض، قومه وغيرهم.
…دعوة: أي محققة الإجابة، ويخشى أن يدعو بأخرى فلا يجاب. على قومي: هي التي أغرقهم بها. فذكرهن: هي قوله: " سَقِيمٌ" - الصافات 89-، و"بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا" - الأنبياء 63-، وقوله لسارة هي أختي، والحق أنها معاريض لاكذب، لكن أشفق منها لأن صورتها صورة/ الكذب، وكأنه يقول: أنا لا آمن من العتاب على كذب مباح، فكيف لي بالشفاعة في هذا المقام العظيم. وبكلامه على الناس: هذا عام مخصوص، فقد ثبت أنه تعالى كلم نبينا - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج، لكنه وصف غلب على موسى. قتلت نفسا: هو القبطي المذكور في سورة القصص -15-، واعتذر به لأنه لم يؤمر بقتل الكفار، أو بأنه كان مؤمنا وقتله خطئا، فلا يقدح في معصيته، وإنما استغفر منه وعده من عمل الشيطان، جريا على عادتهم في استعظام محقرات الذنوب.(5/153)
…وروح منه: أي صدر منه، لا بتوسط ما يجري مجرى الأصل والعادة. وقد غفر الله لك: يعني أنك غير مؤاخذ بذنب لو وقع. فأقول أمتي: أي بعد أن أشفع لجميع الناس في الإراحة من الموقف، فقبل شفاعتي. وحمير: أي أرضها، وهي صنعاء اليمن.
…5- باب قوله تعالى: "وَءَاتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا" - الإسراء 55-:
…كتابا مزبورا، أي مكتوبا، وهو مائة وخمسون سورة، ليس فيها حكم ولا حلال ولاحرام، بل كلها تسبيح وتقديس، وتحميد وثناء على الله عز وجل، ومواعظ.
…4713- يفرغ: من الإسراج. يعني القرآن: يريد به الزبور، وهذا من طَيِّ الزمان ووقوع البركة فيه، قال القسطلاني: ( فقد كان بعضهم يقرأ أربع ختمات بالليل والنهار، وروي أن الشيخ أبا الطاهر المقدسي كان يقرأ في اليوم والليلة خمس عشرة ختمة، وروي أن الشيخ نجم الدين الأصبهاني رأى رجلا من اليمن بالطواف ختم ختمة في شوط أو أسبوع -شك-، وهذا لا سبيل إلى إدراكه إلا بالفيض الرباني والمدد الرحماني) هـ(1).
…قلت: ( نقل اليفراني(2) في الصفوة عن سيدي عمرو الحصيني دفين مكناسة أنه كان يختم بين صلاة المغرب ودخول وقت العشاء ختمة، بحيث إذا فرغ منها أذن مؤذن العشاء).
6- باب قوله تعالى: "اُدْعُو الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ َيمْلِكُونَ " الآية – الإسراء 56-
أي زعمتموهم آلهة.
…4714- " إلى ربهم": أي في تفسير قوله تعالى: " أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلىَ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ" -الإسراء 57-. ناسا من الجن: فيه إطلاق الناس على الجن حقيقة أو مشاكلة. هؤلاء: الإنس. بدينهم: ولم يتابعوا المعبودين.
7- باب قوله تعالى: " أُوْلَئِكَ ":
__________
(1) - إرشاد الساري 7/232.
(2) - عبد الله بن محمد الإفراني الحسني، أبو سالم.
له: فهرست.
توفي سنة 1321هـ.
ترجمته في: دليل مؤرخ المغرب الأقصى 365-366.(5/154)
الأنبياء كعيسى، وهو مبتدأ، " الَّذِينَ يَدْعُونَ": نعت أو بيان، أي يدعونهم آلهة، " يَبْتَغُونَ": خبر أي يطلبون، " إِلىَ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ": أي القربة بالطاعة.
8- باب قوله تعالى: " وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ":
عيانا ليلة الاسراء، " إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ" - الإسراء 60-: اختبارا وامتحانا، فقد ارتد أناس لما سمعوا ذلك لعدم حمل عقولهم له.
…4716- رؤيا عين: لا منام. " وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ": أي ملعون طاعموها لأنها لاذنب لها، وقيل هو حقيقة، ولعنها إبعادها من رحمة الله. شجرة الزقوم: التي تنبت في أصل الجحيم، جعلها فتنة لهم إذ قالوا: النار تحرق الشجر فكيف تنبته، ولم يعلموا أنها مخلوقة منها كسلاسلها وأغلالها وعقاربها وحياتها، فإن الجميع لا تأكله النار لأنه من أجزائها.
9- باب قوله تعالى: " إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا " - الإسراء 78-:
تشهده ملائكة الليل والنهار.
…صلاة الفجر: أي الصبح، عبر عنها ببعض أركانها.
10- باب/ قوله تعالى: " عَسى أَن يَّبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا " - الإسراء 79-
يحمدك فيه الأولون والآخرون، وهو مقام الشفاعة في فصل القضاء.
…4718- جُثًى: جمع جثوة كخطوة وخطى، أي جماعات. اشفع: لنا. إلى النبي صلى الله عليه: زاد في الزكاة: "فيشفع ليقضي بين الخلق".
…4719- النداء: الأذان أو الإقامة.الوسيلة: هي المنزلة العلية في الجنة التي لا تنبغي إلا له - صلى الله عليه وسلم - . والفضيلة: المرتبة الزائدة على سائر المخلوقين. مقاما محمودا: هو مقام الشفاعة العظمى.حلت: وجبت وحقت. شفاعتي: الشاملة للأولين والآخرين من خلاصهم من كرب يوم الدين.
11- باب قوله تعالى: " وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ ":
الإسلام، " وَزَهَقَ": ذهب، " الْبَاطِلُ ": الشرك، " إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا" - الإسراء 81: مضمحلا ذاهبا.(5/155)
…4720- نصب: واحد الأنصاب، ما يعبد من دون الله. الحق: القرآن أو التوحيد. وما يبدئ الباطل: الكفر. وما يعيد: أي لم يبق له أثر.
12- باب: " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ":
الذي يحيا به بدن الإنسان، " قُلِ الرُّوحُ مِنَ اَمْرِ رَبيِّ" - الإسراء 85-: من علمه، لاتعلمونه، أي مما استأثر الله بعلمه.
…قال شيخ الإسلام: ( و ح فنمسك نحن عنها، ولا نعبر عنها بأكثر من موجود، كما قال الجنيد(1) وغيره، والخائضون فيها اختلفوا، فقال جمهور المتكلمين، ونقله النووي عن تصحيح أصحابنا، أنه جسم لطيف مشتبك بالبدن اشتباك الماء بالعود الأخضر، وقال كثير منهم: إنه عرض، وهي الحياة التي صار البدن بوجودها حيا)(2).
…4721- في حرث: قال الأبي: ( مشيه - صلى الله عليه وسلم - فيه لعله بإذن أهله أو علمه بطيب أنفسهم، وإلا فالمشي فيه يضره، والأظهر في اتكائه أنه استراحة).
…عسيب: عصى من جريد النخل. عن الروح: أي ماهيته. ما رأيكم إليه: من الرأي، وللأكثر: " ما رابكم" بصيغة الماضي، من الريب، يقال رابه إذا علم منه الريب، وأرابه إذا ظن به ذلك. لا: مدخوله محذوف، أي لا تسألونه، وقوله: يستقبلكم: مرفوع على الاستئناف أو مجزوم على أنه جواب شرط مقدر، أي إن تسألوه(3) يستقبلكم، أو منصوب بأن معمولة لمحذوف، أي مخافة أن يستقبلكم. بشيء تكرهونه: وهو عدم تفسيره، لأن في التوراة أن الروح مما انفرد الله بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من عباده، فإذا لم يفسره - صلى الله عليه وسلم - لهم دل على نبوته، وهم يكرهونها.
__________
(1) - الجنيد بن محمد بن الجنيد الخزاز القواريري، أبو القاسم البغدادي.
أصله من نهاوند.
تتلمذ على الحارث المحاسبي وأبي جعفر القصاب وأبي ثور.
توفي سنة 298هـ.
ترجمته في: طبقات الصوفية للسلمي 153، وحلية الأولياء 10/255، وتاريخ بغداد 7/241، وطبقات الشافعية للسبكي 2/28.
(2) - تحفة الباري 3/101.
(3) - في الأصل: إن تسألونه !(5/156)
…فلما نزل الوحي قال: " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ": قال الزركشي: ( ظاهر هذا السياق أن الوحي لم يتأخر، لكن في مغازي ابن إسحاق أنه تأخر خمس عشرة ليلة، ولهذا قال القاضي: قول البخاري: " فلما نزل الوحي"، كذا ثبت في مسلم أيضا، وهو بين، لأنه إنما جاء هذا القول عند انكشاف الوحي، وفي البخاري في كتاب الاعتصام: " فلما صعد الوحي"، وهو صحيح) هـ(1)، ورد جميع ذلك الدماميني فقال: ( هذه الإطلاقات صعبة في الأحاديث، سيما ما اجتمع على تخريجه الشيخان، ولا أدري ما هذا الوهم ولا كيف هو، ولما حذف وجود لوجود، أي أن مضمون الجملة الثانية وجد لأجل مضمون الأولى، فتلاوته - صلى الله عليه وسلم - للآية كانت لأجل وجود إنزالها، ولا يضر في ذلك كون الإنزال تأخر عن وقت السؤال)، ثم أطال في بيان ذلك، فانظره(2).
…" وما أوتوا": هذه قراءة شاذة مروية عن الأعمش مخالفة للمصحف. " إلا قليلا": أي علما قليلا.
13- باب: " وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ ":
أي بقراءتك فيها، " وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا": أي لا تسر بها لينتفع أصحابك،" وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ": الجهر والمخافتة، " سَبِيلاً " -الإسراء 110-: طريقا وسطا.
…4722- مختف: في أول الإسلام. أي أبا عبد الله: يعني البخاري. إلا بالخبر: أي بلفظ أخبرنا أو حدثنا، أو ما في معناهما، لا بلفظ العنعنة.
…وذكر أن هُشَيْمًا(3)
__________
(1) - التنقيح ص: 192.
(2) - في تعليق المصابيح ص: 507.
(3) -هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي، أبو معاوية الواسطي.
ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي.
مات سنة 173هـ.
ترجمته في: التقريب رقم 7312.(5/157)
… إلخ: أي فلم يقبل عنعنته لاحتمال عدم سماعه ممن عنعن عنه، هكذا وقع هذا الكلام هنا في جميع نسخ ابن سعادة، ونقله الزركشي في التنقيح(1)، وابن حجر في الفتح، والعارف الفاسي وحفيد أخيه في حاشيتيهما، وسلموه، زاد ابن حجر إثره ما نصه: ( قلت: يريد في الأصول) هـ(2)
__________
(1) - في التنقيح ص: 192.
(2) - في الفتح 8/516 ما نصه: (قال الفربري: أنبأنا محمد بن عياش قال: لم يخرج محمد بن إسماعيل البخاري في هذا الكتاب من حديث هشيم إلا ما صرح فيه بالإخبار. قلت: يريد في الأصول، وسبب ذلك أن هشيما مذكور بتدليس الإسناد).
وقال أيضا في هدي الساري مقدمة فتح الباري ص:626 (الفصل التاسع: في سياق أسماء من طعن فيه من رجال هذا الكتاب مرتبا على حروف المعجم): (هشيم بن بشير الواسطي أحد الأئمة، متفق على توثيقه، إلا أنه كان مشهورا بالتدليس،…، فأما التدليس فقد ذكر جماعة من الحفاظ أن البخاري كان لا يخرج عنه إلا ما صرح فيه بالتحديث، واعتبرت أنا هذا في حديثه، فوجدته كذلك إما أن يكون قد صرح به في نفس الإسناد، أو صرح بن من وجه آخر،…، واحتج به الأئمة كلهم، والله أعلم).(5/158)
؛/ يعني أنه إنما يخرج له بالخبر في الأصول لا في المتابعات، فإنه قد يخرج له فيها بالعنعنة، قال مقيده الشبيهي منحه الله العلم البديهي: ما قاله محمد بن عياش عجيب، وأعجب منه تسليم من ذكر من ناقليه عنه، لاسيما الحافظ ابن حجر، لأنه زاد على التسليم التقييد، مع شدة اطلاعه على هذا الكتاب وممارسته له، فإن البخاري رحمه الله أخرج لهشيم بالعنعنة في عدة مواضع في باب ما جاء في القبلة، وفي باب إذا صلى إلى فراش فيه حائض، وفي باب إتمام التكبير في السجود، وفي باب الخيل معقود في نواصيها الخير، وفي أيام الجاهلية، وفي حديث بني النضير، وفي غزوة الحديبية، وفي باب "عَسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ"، وفي باب طلب الولد، وفي باب يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب، وفي باب قوله تعالى " وُجُوهٌ يَّوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ"، وفي باب المشيئة، وفي باب أنزله بعلمه، وفي باب قوله - صلى الله عليه وسلم -: " الماهر بالقرآن"، وكلها في الأصول، عدا ما في حديث بني النضير فذكره في المتابعة، فانظر ذلك ولا تستغربه، فإن الله تعالى هو الفتاح العليم.
…4723- أنزل ذلك في الدعاء: أي داخل الصلاة، فهو من إطلاق الكل على الجزء.
سورة الكهف
بسم الله الرحمن الرحيم
…مكية إلا: " وَاصْبِرْ نَفْسَكَ" الآية -28-.
…مائة وعشر آيات، أو وخمس عشرة آية(1).
…" باخع": من قوله تعالى: " لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى ءَاثَارِهِمُ إِن لَّمْ يُومِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا" - الكهف 6-.
__________
(1) - هي مائة وخمس في المدني والمكي، وست في الشامي، وعشر في الكوفي، وإحدى عشرة في البصري، انظر البيان ص:179، والكشف 2/54.(5/159)
…" وكان له ثمر": من قوله سبحانه: " وَفَجَّرْنَا خِلاَلهَمُاَ نَهَرًا وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ" - الكهف 33 و 34- وقال غيره: لم يتقدم له معاد، وفي الفتح: ( قال مجاهد: وكان له ثمر، وقال غيره... إلخ)(1)، وهو واضح. جماعة الثمر: يعني أن ثمر يجمع على ثمار، وثمار يجمع على ثمر. "أسفا": ندما، وقال الجلال المحلي: ( غيظا وحزنا منك لحرصك على إيمانهم)(2).
…" ولم تظلم": من قوله سبحانه: " كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ ءَاتَتُ اكْلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا" - الكهف 33-.
وَأَلَتْ تَئِلْ:يشير لقوله تعالى:"بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَّجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً-الكهف 58-
…وقال المحلي: ( ملجأ)(3).
…"لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا": من قوله سبحانه:"وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ عَرْضًا"الآية - الكهف 100-.
1-باب قوله تعالى: " وَكَانَ الاِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً " - الكهف 54-:
خصومة، وهو تمييز منقول من اسم كان، والمعنى: وكان جدل الإنسان أكثر شيء فيه.
…4724- علي: زين العابدين. طرقه: ( أتاه ليلا، وسببه أن فاطمة أتته - صلى الله عليه وسلم - فلم تجده، فلما أخبرته عائشة، خرج إليها وكان ذلك ليلا)، قاله الزركشي(4).
…ألا تصليان: اختصره ولم يذكر الشاهد منه تشحيذا للأذهان، وبقيته ما سبق في صلاة الليل: ( فقلت يارسول الله: أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلت ذلك، ولم يرجع إلي شيئا، ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه وهو يقول: " وَكَانَ الاِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ").
…" يحاوره": من قوله تعالى: " فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ" - الكهف 34-: من المحاورة، المراجعة.
__________
(1) - الفتح 8/518.
(2) - حاشية الجلال ص: 373.
(3) - حاشية الجلال ص: 382.
(4) - في التنقيح ص: 193.(5/160)
" سرادقها": من قوله تعالى: " إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا اَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا" - الكهف 29- أي ما أحاط بها. تُطِيفُ: تحيط/. بالفساطيط: الخيام العظام، والسرادق هنا دخان النار كما نقل عن العتبي(1).
…" قبلا": من قوله تعالى: " وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُّومِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمُ إِلاَّ أَن تَاتِيَهُمْ سُنَّةُ الاَوَّلِينَ..." إلخ - الكهف 55-.
…استئنافا: أي عذابا غير معهود، وهذا تفسير للمفتوح، ومعناه على الكسر عيانا، وعلى الضم جمع قبيل، ومعناه ضروب من العذاب، ويجوز فيه كونه بمعنى المعاينة أيضا.
…"فرطا":من قوله تعالى: " وَلاَ تُطِعْ مَنَ اَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا" الآية – الكهف28-: ندما، وقال الجلال: ( إسرافا)(2)، ثم حذف الألف اعتباطا لغير موجب.
…" اَلْوَلاَيَةُ للهِ الْحَقِّ" - الكهف 44-: النصرة له وحده، لا يقدر عليها غيره.
…" لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا ءَايَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا" - الكهف 56-.
2- "وَإِذْ قَالَ مُوسى لِفَتَاهُ ":
يوشع بن نون، كان يتبعه ويخدمه، ويأخذ منه العلم، وهو ابن أخته، " لاَ أَبْرَحُ": لا أزال أسير، " حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ": ملتقى بحر الروم وبحر فارس، وقد بَيَّنَ ابن عطية في تفسيره محل التقائهما(3)
__________
(1) - محمد بن أحمد بن عبد العزيز العتبي، صاحب العتبية وتسمى أيضا المستخرجة، وكانت عمدة الفتوى في الأندلس بعد الواضحة لابن حبيب، وقد جمعها من سماعاته من سحنون وأصبغ وابن حبيب.
توفي سنة 254هـ.
ترجمته في: الديباج المذهب 2/176، وشجرة النور الزكية 1/7.
(2) -حاشية الجلال ص: 377.
(3) - قال في المحرر الوجيز 9/349:
(واختلف الناس في "مجمع البحرين" أين هو؟ فقال مجاهد وقتادة: هو مجمع بحر فارس وبحر الروم.
قال القاضي أبو محمد: وهو ذراع يخرج من البحر المحيط من شمال إلى جنوب في أرض فارس من وراء أذربيجان، فالركن الذي لاجتماع البحرين مما يلي بر الشام، وهو مجمع البحرين على هذا القول، وقالت فرقة منهم محمد بن كعب: مجمع البحرين هو عند طنجة، وهو حيث يجتمع البحر المحيط والبحر الخارج منه السائر من دبور إلى صبا، وروي عن أبي بن كعب أنه قال: مجمع البحرين بإفريقية، وهذا يقرب من الذي قبله، وقال بعض أهل العلم: هو بحر الأندلس من البحر المحيط).(5/161)
، فسقط اعتراض الفاسي على المفسرين بأنه لا يعرف في الوجود التقاؤهما، " أَوَ امْضِيَ حُقُبًا" - الكهف 60-: زمنا، أي أمضي على وجهي دهرا طويلا في بلوغه إن بعد.
…4725- نَوْف(1): هو ربيب كعب الأحبار، وهو تابعي صدوق. ليس هو موسى...إلخ: يريد أنه موسى بن ميشا بن افرائيم بن يوسف - عليه السلام -. كذب عدو الله: يعني به " نوفا"، وهذا كلام خرج مخرج الزجر والتحذير، لا القدح في "نوف"، وقال القرطبي: (هذا قول أصدره الغضب على من قال ما لايصح). خطيبا في بني إسرائيل: فيه الرد على نوف، زيادة على ما يأتي صريحا. فقال أنا: قاله بحسب اعتقاده لعلمه بأنه ليس في الأرض رسول غيره، فهو خبر صادق. فعتب الله عليه: لئلا يقتدي به من لم يبلغ كماله في تزكية نفسه وعلو درجته من أمته فيهلك. إذ لم يرد العلم إليه : بأن يقول الله أعلم بمن هو أعلم، أو يقول أنا والله أعلم، قاله الأبي. هو أعلم منك: أي بشيء مخصوص، وهو علم المغيبات، وذلك لا يقتضي أفضليته على موسى، كيف وموسى - عليه السلام - جمع له بين الرسالة والتكليم والتوراة، وأنبياء بني إسرائيل داخلون كلهم تحت شريعته، وغاية الخضر أن يكون كواحد منهم. مِكْتَل: هو الزنبيل. الصخرة: التي عند مجمع البحرين. واضطرب الحوت: لأنه أصابه رشاش من ماء عين الحياة التي في أصل الصخرة فحيي. سربا: مسلكا. نصبا: تعبا. نسيت الحوت: أي نسيت ذكره، قال البيضاوي: ( والحال وإن كانت عجيبة لا ينسى مثلها، لكن لما ضرى بمشاهدة أمثالها عند موسى وألفها، قل اهتمامه بها)(2)
__________
(1) - نوف بن فضالة البكالي، ابن امرأة كعب.
أخرج له البخاري ومسلم.
وكان ابن عباس يكذب ما يرويه عن أهل الكتاب.
توفي بعد التسعين.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 10/490، والتقريب رقم 7213.
(2) - أنوار التنزيل 3/230، وفيه زيادة: (ولعله نسي ذلك لاستغراقه في الاستبصار وانجذاب شراشره إلى جناب القدس بما عراه من مشاهدة الآيات الباهرة)، والشراشر هي النفس والمحبة جميعا، وألقى عليه شراشره بمعنى أحبه حتى استهلك في حبه (انظر لسان العرب، مادة شرر).(5/162)
. عجبا: مفعول ثان، أي يتعجب منه ومن فتاه. ذلك: الذي ذكرته من حياة الحوت ودخوله في البحر. نبغ: نطلب لأنه علامة على وجود مطلوبنا. يقصان آثارهما: قصصا، أي يتبعان آثار سيرهما اتباعا. مسجى ثوبا: مغطىكله به كتغطية الميت. فقال الخضر: بعد رد السلام عليه كما في مسلم، وأنى بأرضك السلام: استبعاد له، إما لأن الأرض كانت أرض كفر، أوكانت تحيتهم بغير السلام.رشدا: أي علما ذا رشد. إني على علم …إلخ: هو علم الحقائق والمغيبات، لاتعلمه: أي لا تعلم كله، بل تعلم بعضه فقط. وأنت على علم: هو علم الشرائع. لاأعلمه: أي لا أعلم كله، بل أعلم بعضه فقط، قال ابن حجر: ( وتقدير كله ونحوه هنا متعين، لأن موسى كان يعرف من الحكم الباطن ما يأتيه بطريق الوحي، والخضر كان يعرف من الحكم الظاهر ما لا غنى للمكلف عنه)(1)، صابرا: على ما أرى منك. فلا تسألني عن شيء: تنكره مني ولم تعلم وجه صحته. نول: أجر. لم يفج إلا: أي لم يفج موسى إلا …إلخ. فقال له موسى: منكرا عليه. إمرا: عظيما. ترهقني: تكلفني. عسرا: مشقة. من علم الله/: أي معلومه. مثل ما نقص .. إلخ: ونقص العصفور لا تأثير له في البحر، فكأنه لم يأخذ شيئا، ولا ريب أن علم الله، أي معلومه، لم يدخله نقص البتة، وراجع كتاب العلم ولابد. غلاما: صبيا صغيرا يأتي اسمه. يلعب مع الغلمان: وهو أحسنهم صورة. زكية: طاهرة من الذنوب. نكرا: منكرا. قال: وهذه أشد… إلخ: قائله سفيان، أي لزيادة لك. قرية: هي أنطاكية(2). جدارا: ارتفاعه مائة ذراع. ينقض : يسقط. فقال الخضر بيده فأقامه: أي أشار إليه فرده إلى حاله.قال هذا فراق بيني وبينك: قال القاضي عياض: ( الصادر من الخضر - عليه السلام - ثلاث مقالات، كل واحدة أشد من التي قبلها، والإتيان بها على هذا النحو يدل على أنه يغضى عن المتعلم أولا وإن خالف واعترض، فإن عاد زجر وأغلظ له في القول،
__________
(1) - الفتح 8/533.
(2) - مدينة عظيمة من بلاد الروم، انظر معجم البلدان 1/266.(5/163)
فإن عاد ثالثه عوقب بالهجر والإبعاد). فكان ابن عباس يقرأ… إلخ: هذه قراءة شاذة لمخالفتها للمصحف العثماني.
3- باب قوله تعالى: " فَلَمَّا بَلَغَا ":
أي موسى ويوشع عليهما السلام، " مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا": أي مجمع البحرين، " نَسِيَا حُوتَهُمَا": أي نسي موسى أن يطلبه ويتعرف حاله، ونسي يوشع أن يذكر ما رأى من حياته ووقوعه في البحر، " فَاتَّخَذَ": الحوت، " سَبِيلَهُ": طريقه، " فيِ الْبَحْرِ سَرَبًا" - الكهف 61-: مثل السرب، وهو الشق الطويل لا نفاذ له.(5/164)
…4726- يزعم أنه: أي موسى صاحب الخضر. ولى: أي رجع لئلا يملوا. قال لا: أي لا أعلمه. بلى: في الأرض من هو أعلم منك، أي بشيء مخصوص. مجمع البحرين: بحر فارس والروم، أو المشرق والمغرب، أو العذب والملح، فاجتمع البحران المعنويان بحر الشريعة وبحر الحقيقة بمجمع البحرين الحسيين، ميتا: مشوبا. حيث ينفخ فيه الروح: فهو ثمة. ما كلفت كبيرا: ومع ذلك نسيه. ثريان: فيه بلل ونداوة من ماء عين الحياة. إذ تَضَرَّبَ الحُوت: أي اضطرب وحيي. وتضرب الحوت: من الضرب في الأرض، وهو السير، أي سار. أخبره: أي أخبر يوشع موسى بقصة الحوت. طِنْفِسَه: بساط له خمل. كبد البحر: وسطه، أي على وجه الماء، وقيل في جزيرة من جزائره. مسجى… إلخ: مغطى كهيئة الميت، قال السدي: عليه جبة صوف، وكساء صوف، ومعه عصا قد ألقى عليها طعامه، وقال هل... إلخ: أي بعد رد السلام. لا ينبغي لك أن تعلمه: أي كله أن أعلمه: أي كله. فأخذ طائر: أي بعد ركوبهما البحر. من البحر: ماء. علمي وعلمك: أي معلومنا. في علم الله: أي معلومه. وجد معابر: سفنا، وهذا تفسير لقوله: " رَكِبَا" - الكهف 71-، لا جواب إذا، لأن وجودهما المعابر كان قبل الركوب. تحمل أهل هذا الساحل: قال ابن عرفة: (يغلب على ظني أن هذا وقع وقت بناء الحنايا بقرطاجنة) هـ، نقله الأبي. وَتَدَ فيها وَتَدًا: جعل فيها وتدا مكان اللوح الذي قلعه. فأضجعه ثم ذبحه بالسكين: في الرواية السابقة: (فاقتلع رأسه بيده)، قال الحافظ: ( يجمع بينهما بأنه ذبحه ثم اقتلع رأسه)(1). لم تعمل بالحنث: أي لم تبلغ الحلم، وهو تفسير قوله: " زَكِيَّةً " – الكهف 74-. زَكِيَّة زَاكِيَة: ابن عطية: (معناهما واحد)(2). مسلمة: من الإسلام، وذلك ما يعطيه الظاهر، أو مُسَلَّمَة بفتح السين واللام المشددة/، من السلامة، وهو أشبه. ينقض: يسقط. ورفع يده: يعني أشار بيده إلى فوق، أو مسحه بها فاعتدل. وكان أمامهم:
__________
(1) - الفتح 8/535.
(2) - المحرر الوجيز 9/365.(5/165)
كقوله " مِن وَّرَائِهِمْ جَهَنَّمُ" – الجاثية 10-، وقول لبيد(1):
أَلَيْسَ وَرَائِي إِنْ تَرَاخَتْ مَنِيَّتِي - لُزُومُ الْعَصَا تُثْنَى عليها الأَصَابِعُ(2).
سفينة: أي صالحة. سدوها: بفتح السين على الخبر، وضبطه الأصيلي بضم السين وهو وهم، قاله في المشارق(3). بقارورة: فاعولة من القار. بالقار: قال القاضي: ( هذا هو الصواب، والقار الزفت). كافرا: أي طبع على الكفر، لا يرجى إيمانه، وكان قتله في تلك الشريعة واجبا. يرهقهما: يغشيهما. خيرا منه: أي ولدا خيرا منه. زكاة: طهارة من الذنوب. هما به: أي بالثاني. جارية: اسمها حنة، فولدت نبيا وهو الذي كان بعد موسى، واسمه شمعون، وقيل ولدت عدة أنبياء فهدى الله بهم أمما، وقيل ولدت سبعين نبيا.
4- باب قوله تعالى: " فَلَمَّا جَاوَزَا ":
موسى وفتاه مجمع البحرين بالسير إلى وقت الغذاء من ثاني يوم، " قَالَ": موسى، " لِفَتَاهُ": يوشع، " ءَاتِنَا غَذَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا": تعبا، إلى "قَصَصًا" - الكهف 62 و63 و64-: أي يتبعان آثار مسيرهما اتباعا.
…وتُدْعَى مَكَّةُ أُمَّ رُحْم: روى البيهقي عن ابن عباس مرفوعا: ( ينزل الله في كل يوم على بيته الحرام عشرين ومائة رحمة، ستين للطائفين، وأربعين للمصلين، وعشرين للناظرين).
__________
(1) - لبيد بن ربيعة بن مالك، أبو عقيل العامري، أحد الشعراء الفرسان.
وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من المؤلفة قلوبهم.
توفي سنة 41هـ.
ترجمته في: الإصابة 5/675.
(2) - من شواهد ابن منظور في اللسان 15/390 (مادة وري).
(3) - مشارق الأنوار 2/211.(5/166)
…4727- كذب عدو الله: قاله زجرا لا سبا. هو أعلم منك: أي بشيء مخصوص.إلى الصخرة: عند مجمع البحرين. عين يقال لها الحياة: ولعل هذه العين - إن ثبت النقل فيها - هي التي شرب منها الخضر فخلد، كما قاله جماعة. فلما استيقظ موسى: وسارا بقية يومهما وليلتهما. إذا هما برجل: وقع هنا حذف، أي فلما انتهيا إلى الصخرة، وتبعا أثر الحوت في البحر، حتى وصلا إلى جزيرة إذا هما... إلخ، راجع كتاب العلم. لا أعلمه: أي كله. لا تعلمه: أي كله.
…5- باب قوله تعالى: " قُلَ هَلُ انَبِّئُكُم بِالاَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ":
…ثم فسرهم بقوله:" الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فيِ الْحَيَاةِ الدُّنْيا" الآية - الكهف 103 و104-.
…4728- عن مصعب: ابن سعد بن أبي وقاص(1). الحَرُورِيَّة: أي الخوارج، نسبة إلى حَرُورَاء(2)، قرية بقرب الكوفة، كان ابتداء خروجهم على علي منها. وكان سعد: ابن أبي وقاص. الفاسقين: والصواب الخاسرين.
6- باب: " أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ":
معجزات الرسل، "وَلِقَائِهِ": البعث، "فَحَبِطَتَ اعْمَالُهُمْ" - الكهف 105-: بطلت بكفرهم.
…4729- لاَ يَزِنُ عند الله جناحَ بعوضة: أي لا يعدلها في القدر، أي لا قدر له، قاله القاضي(3) والنووي، " فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا": قال ابن عطية: ( معناه عندي على الاستعارة، كأنه قال: فلا قدر لهم عندنا) هـ(4)، وقال مكي(5)
__________
(1) - مصعب بن سعد بن أبي وقاص الزهري، أبو زرارة المدني.
ثقة أخرج له الشيخان وأصحاب السنن.
مات سنة 103هـ.
ترجمته في: التقريب رقم 6688.
(2) - قرية بظاهر الكوفة، نزل بها الخوارج، انظر معجم البلدان 2/245.
(3) - في مشارق الأنوار 2/284.
(4) - المحرر الوجيز 9/414.
(5) - أبو محمد مكي بن أبي طالب محمد بن حموش بن محمد بن مختار القيسي.
ولد بالقيروان، ورحل إلى مصر ومكة، وأمضى بقية عمره في الأندلس.
أخذ عن القابسي وابن أبي زيد القيرواني ومحمد الأدفوي.
وعنه أبو المطرف القنازعي والكلاعي المقرئ ويونس بن عبد الله.
له: الهداية إلى بلوغ النهاية، والكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها، والتبصرة، والرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة.
توفي سنة 437هـ.
ترجمته في: وفيات الأعيان 4/361، ومعرفة القراء الكبار رقم 333، وغاية النهاية 2/309، وشذرات الذهب 3/260.(5/167)
: ( لا أثقل لهم مِيزَانَ عَمَلً صَالِحٍ)هـ، وقال البيضاوي: (أي فنزدري بهم ولا نجعل لهم مقدارا واعتبارا)(1).
سورة كهيعص
بسم الله الرحمن الرحيم
…مكية، أو إلا سجدتها، أو إلا " فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ" الآيتين - 58 و59-.
…ثمان أو تسع وتسعون آية(2).
…ومعناها الله أعلم به.
…" أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَاتُونَنَا"-مريم 38-،وهم أي الكفار. القوم: وللكشميهني: "اليوم". " فيِ ضَلاَلٍ مُّبِينٍ":يشير لقوله:" لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فيِ ضَلاَلٍ مُّبِينٍ"- مريم 38-.
…الكفار يومئذ: أي يوم القيامة، أسمع شيء وأبصره: حين لا ينفعهم ذلك، ومعنى كلام ابن عباس أن قوله: " أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ " لإنشاء التعجب، أي ما أسمع الكفار وأبصرهم/ في الدار الآخرة، وإن كانوا في الدنيا لا يسمعون ولا يبصرون، أي أعجب منهم يا مخاطب في سمعهم وأبصارهم في الآخرة بعد أن كانوا في الدنيا صما عميا.
…" لأرجمنك": من قوله تعالى: " يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ" - مريم 46-.
…" وريا": من قوله سبحانه: " وَكَمَ اهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمُ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِيًّا" - مريم 74- على قراءة قالون وابن ذكوان بقلب الهمزة وإدغامها(3).
…ذو نهية: أي انتهاء عن فعل القبيح.
…تؤزهم أزا:من قوله:"أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الكافِرِينَ تَؤُزُّهُمُ أَزًّا-مريم 83-
__________
(1) - أنوار التنزيل 3/237.
(2) - هي تسعون آية وتسع في المدني الثاني والمكي، وثمان في الباقي، انظر البيان ص:181، والكشف 2/84.
(3) - قرأ ابن ذكوان ونافع سوى ورش: "وَرِيًّا" بياء واحدة مشددة من غير همز، وقرأ الباقون بهمزة ساكنة بعدها ياء مفتوحة خفيفة: "وَرِءْيًا". انظر التذكرة 2/426، والكشف 2/91.(5/168)
" إدا": من قوله تعالى: " لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا اِدًّا يَّكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفََطَّرْنَ مِنْهُ..." إلخ - مريم 89 و90-.
…" أَثَاثًا وَرِيًّا "- مريم 74-.
…" ركزا" من قوله تعالى: "وَكَمَ اَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنَ اَحَدٍ اَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا" - مريم 98-.
…" بكيا":من قوله تعالى:"إِذَا تُتْلى عَلَيْهِمُ آيَاتُ الرَّحمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا"-مريم 58-
…" صليا": من قوله تعالى: " ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمُ أَوْلى بِهَا صُلِيًّا" - مريم 70-: أي دخولا واحتراقا، فنبدأ بهم.
…" نديا" من قوله تعالى: " وَإِذَا تُتْلى عَلَيْهِمُ ءَايَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا" - مريم 73-.
…" فليمدد": من قوله تعالى: قُلْ مَن كَانَ فيِ الضَّلاَلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا" - مريم 75- فليدعه في ضلالته، ويمهله بطول العمر، والتمتع به.
1-" وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ":
يوم القيامة، " إِذْ قُضِيَ الاَمْرُ" - مريم39-: لهم بالعذاب.
…4730- يؤتى بالموت: الذي هو عرض من الأعراض جسما، إذ لا مانع من أن ينشئ الله من الأعراض أجساما يجعلها مادة لها. كبش أملح: فيه بياض وسواد، وبياضه أكثر(1)، قال القاضي عياض: ( قال بعض أهل المعاني: واختلاف اللونين في هذا التمثيل يحتمل أنه لاختلاف الحالين، فالبياض لجهة أهل الجنة الذين ابيضت وجوههم، والسواد لأهل النار الذين اسودت وجوههم) هـ، زاد الدماميني فقال: ( قلت: وعليه فالحكمة في كون البياض أكثر الإشارة إلى سعة الرحمة وغلبتها بالنسبة إلى الغضب)(2).
__________
(1) - في مشارق الأنوار 1/379: (أملح: الذي يشوب بياضه شيء من سواد كلون الملح عند الأصمعي، وقال أبو حاتم: الذي يخالط بياضه حمرة…).
(2) - تعليق المصابيح ص: 509.(5/169)
…فَيَشْرَئِبُّونَ: يمدون أعناقهم ويرفعون رؤوسهم. كلهم قد رآه: أي عرفه بما يلقي الله في قلوبهم أنه الموت. فيذبح: بين الجنة والنار كما يأتي في الرقاق، وفي الترمذي: على السور الذي بين الجنة والنار، والذابح له جبريل، وقيل يحيى بن زكرياء بمحضر النبي - صلى الله عليه وسلم -. خلود: أبد الآبدين. فلا موت: فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم، وأهل النار حزنا إلى حزنهم، وفي رواية: ( لو أن أحدا مات من الفرح لمات أهل الجنة فرحا، ولو أن أحدا مات حزنا لمات أهل النار حزنا).
2- باب قوله تعالى: " وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَابَيْنَ أَيْدِينَا":
أي الآخرة، " وَمَا خَلْفَنَا": أي الدنيا، " وَمَابَيْنَ ذَلِكَ" - مريم 64-: أي ما يكون من هذا الوقت إلى قيام الساعة، أي له علم ذلك جميعه.
…3- " أَفَرَايْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا" الآية - مريم 77-:
…هو العاص بن وائل والد عمرو بن العاص.
…4732- حقا لي: أجر عمل سيف. لا، حتى تموت ثم تبعث: مفهومه غير مراد، إذ الكفر لا يتصور بعد البعث، فكأنه قال: لا أكفر أبدا، وأراد تبكيته بقوله: " تبعث"، لأنه ينكر البعث.
4- " أَطَّلَعَ الْغَيْبَ":
أي أعلمه وأنه يؤتى ما قاله، واستغنى عن همزة الاستفهام بهمزة الوصل فحذفت، " أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا" - مريم 78-: بأن يؤتى ما قاله.
…4733- قينا: حداد. حتى يميتك الله... إلخ: أي لا أكفر أبدا. ولي مال وولد: فأقضيكه.
5- باب قوله تعالى: " كَلاَّ " /: أي لا يؤتى ذلك، " سَنَكْتُبُ مَا يَقُولَ " الآية
من طلبه ما ذكر وكفره، " وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا" - مريم 79-: نطول له من العذاب ما يستأهله.
6- " وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ":
من المال والولد، أي نسلبه منه عكس ما يقول، " وَيَاتِينَا": يوم القيامة، " فَرْدًا" - مريم 80-: لا مال له ولا وله.
سورة طه
بسم الله الرحمن الرحيم
…مكية.(5/170)
…مائة وخمس وثلاثون آية، أو وأربعون، أو اثنتان(1).
…أي طَهَ، يا رجل، يعني أن معنى " طَهَ" بالنبطية يا رجل، وقيل معناه اطمئن، وقيل طَإِ الأرض.
…" ألقى": من قوله تعالى: " فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ" - طه 87-.
…" أزري": من قوله تعالى: " اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فيِ أَمْرِي" الآية - طه 32-.
…" الأمثل": من قوله سبحانه: " وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى" - طه 63-.
…بدينكم: تفسير " بطريقتكم "، والمثلى تأنيث الأمثل بمعنى الأفضل.
…" لننسفنه": من قوله سبحانه: " وَانظُرِ اِلىَ إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا" - طه 97-: لنذرينه بعد أن صار رمادا بعد إحراقه.
" فيسحتكم": من قوله سبحانه: " وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ" - طه 61-.
…" فَأَوْجَسَ" - طه 67-: أضمر، فذهبت الواو من خيفة... إلخ، أي وقلبت ياء، وأصله خوفة.
…" في جذوع": من قوله سبحانه: " وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ" - طه 71-.
…" قاعا": من قوله سبحانه: " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا": أي منبسطا، "صَفْصَفًا " -طه 105 و106- أي مستويا.
…" أوزارا ": من قوله تعالى: " وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا…" إلخ – طه 87 -: وهي الأثقال، سميت أثقالا لثقل أجرامها.
…فقذفتها: فألقيتها.
__________
(1) - هي مائة آية وثلاثون وآيتان في البصري، وأربع وثلاثون في المدني والمكي، وخمس في الكوفي، انظر البيان ص:183، والكشف 2/95.(5/171)
…روى الحاكم من حديث علي قال: ( عمد السامري إلى ما قدر عليه من الحلي فضربه عجلا، ثم ألقى القبضة التي أخذها من أثر فرس جبريل، فألقاها في جوفه فإذا عجل له خوار، قيل كان يخور ويمشي)، ابن عباس: ( هكذا تكون الفتنة من قبل الله تعالى).
…" همسا":من قوله تعالى:"وَخَشَعَتِ الاَصْوَاتُ لِلرَّحمَنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ همْسًا"-طه 108-
…" بَصِيرًا" - طه 125-: في الدنيا، أي بحجتي، حمل العمى في الآية على عمى البصيرة، قال ابن عطية: ( وهو الأوجه)(1)، وحمله الجلال(2) على عمى البصر، وبه صدر البيضاوي(3) والخازن(4)، ونقله عن ابن عباس.
…" بقبس" من قوله تعالى: " هَلَ اتاكَ حَدِيثُ مُوسى إِذْ رَأى نَارًا" إلى قوله " بِقَبَسٍ" -طه 9 و10-: أي شعلة في رأس فتيلة أو عود.
…ضلوا عن الطريق وكانوا شاتين: في ليلة مظلمة مثلجة، ونزلوا منزلا بين شعاب وجبال، وولد له ابن، وتفرقت غنمه، وجعل يقدح بزند معه فلا يخرج منه شرر، فرأى من جانب الطور نارا فقال… إلخ.
…أمثلهم طريقا:من قوله تعالى:"إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً اِن لَّبِثْتُمُ إِلاَّ يَوْمًا"- طه 104-.
…" هضما": من قوله تعالى: " وَمَنْ يَّعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُومِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْمًا وَلاَ هَضْمًا" - طه 112- أي لا يخاف ظلما بزيادة في سيئاته، ولا هضما بنقص من حسناته.
…" عوجا": من قوله تعالى: " لاَ تَرى فِيهَا عِوَجًا وَلاَ أَمْتًا "- طه 107-: أي انخفاضا ولا ارتفاعا.
__________
(1) - المحرر الوجيز 10/108.
(2) - في حاشيته ص: 412.
(3) - في أنوار التنزيل 4/32 في قوله: (أعمى البصر أو القلب، ويؤيد الأول).
(4) - في لباب التأويل 3/330 في قوله: (أي بصير العين أو بصيرا بالحجة).(5/172)
…" ضنكا": من قوله تعالى: " وَمَنَ اعْرَضَ عَن ذِِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا" - طه 124-: الشقاء، ( وذلك أن الكافر وإن كان متسع الحال والمال، فمعه من الحرص والتعذيب بأمور الدنيا والرغبة فيها وامتناع صفاء العيش بذلك ما يصير معيشته ضنكا)، قاله ابن عطية(1).
…" هوى": من قوله تعالى: " وَمَن يَّحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى" - طه 81-.
…"بالواد المقدس"/:من قوله تعالى:"فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوى"-طه 12
…" يفرط": من قوله سبحانه: " قَالاَ رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَّفْرُطَ عَلَيْنَا أَوَ اَن يَّطْغى- طه 45-: عقوبة، أي يعجل بالعقوبة.
…" يبسا": من قوله تعالى: " وَلَقَدَ اوْحَيْنَا إِلَى مُوسى أَنِ اسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِب لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا" - طه 77-.
…" لا تنيا": من قوله تعالى:"اِذْهَبَ انتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فيِ ذِكْرِي" - طه 42.
1-باب قوله تعالى : " وَاصْطَنَعْتُكَ ":
اخترتك، " لِنَفْسِي" -طه 41-: بالرسالة.
…4736- التقى آدم وموسى: بأشخاصهما في حياة موسى الدنيوية، لأن آدم حي في قبره كسائر الأنبياء. أشقيت الناس: بتعب الدنيا وكدها. فوجدتها: أي الخطيئة أو التوراة، أي وجدت فيها. كتب علي...إلخ: أي وتاب علي من ذلك، واطلعت على توبتي. فَحَجَّ آدَمُ: فاعل إجماعا. مُوسَى: مفعول، أي غلبه بالحجة، لأن التائب لا يلام بعد توبته على ما كان منه.
…2- باب قوله تعالى: " وَ أَوْحَيْنَا إِلىَ مُوسى أَنِ اسْرِ بِعِبَادِي":
__________
(1) - في المحرر الوجيز 10/107.(5/173)
…من مصر، " فَاضْرِبْ لَهُمْ": فاجعل لهم، " طَرِيقًا فيِ الْبَحْرِ يَبَسًا": أي يابسا، " لاَ تَخَافُ دَرَكًا": أي آمنا من أن يدرككم العدو، " وَلاَ تَخْشى": غرقا، إلى: " وَمَا هَدى" - طه 77 و78 و79-: بل أوقعهم في الهلاك خلاف قوله: " وَمَا أَهْدِيكُمُ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ" -غافر 29-.
…4737- فصوموه: وفي الصيام: ( فصامه وأمر بصيامه).
3- باب قوله تعالى: " فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى" -طه 117-:
…أول الآية:" فَقُلْنَا يَا ءَادَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا" الآية، ( أي فلا يكونن سببا لإخراجكما، والمراد نهيهما عن أن يكونا بحيث يتسبب الشيطان إلى إخراجهما) قاله البيضاوي(1)، وقوله: " فَتَشْقى"، أي تتعب بالحرث والزرع والحصاد وغيره، واقتصر على شقاه دون حواء، لأن الرجل يسعى على زوجته.
…4738- وأشقيتهم: بِكَدِّ الدنيا وتعبها. اصطفاك الله... إلخ: أي على أهل زمانك. كتب الله علي: في اللوح. قبل أن يخلقني: زاد مسلم: " بأربعين سنة"، أي وتاب علي منه، واطلعت على توبتي. فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى: غلبه، إذ لا لوم بعد التوبة وقبولها.
__________
(1) - في أنوار التنزيل 4/30.(5/174)
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأنبياء عليهم السلام
…مكية.
…مائة (1) وإحدى، أو اثنتا عشرة آية(2).
…4739- بني إسرائيل: أي سورة بني إسرائيل، فحذف المضاف، وبقي المضاف إليه على جره. من العتاق: الجياد. مِنْ تِلاَدِي: حفظي قديما.
…" جذاذا": من قوله: "فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا اِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ" ...إلخ - الأنبياء 58-.
…" يسبحون": من قوله تعالى: "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" - الأنبياء 33-.
…" نفشت": من قوله تعالى: " وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ" - الأنبياء 78-.
…" يصحبون": من قوله تعالى: " أَمْ لَهُمُ ءَالِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلاَ هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ" - الأنبياء 43-.
…" أمتكم": من قوله تعالى: " إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمُ أُمَّةً وَاحِدَةً" - الأنبياء 92-.
…" أحسوا": من قوله تعالى: "فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ"-الأنبياء 12-
…" خامدين": من قوله تعالى: " فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْواهُمْ حّتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ" - الأنبياء 15-: هامدين، وقال غيره: ميتين. مستأصل: كالزرع المحصود.
…" يستحسرون": من قوله تعالى: " وَمَنْ عِندَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَيَسْتَحْسِرُونَ"- الأنبياء 19-.
…" حسير": من قوله تعالى في سورة الملك -4-: " ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبِ اِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ "، وحسرت بعيري: أعييته.
__________
(1) - في الأصل " مائتان"، وهو وهم.
(2) - مائة آية واثنتا عشرة في الكوفي، وإحدى عشرة في عدد الباقين، انظر البيان ص: 187، والكشف 2/110.(6/1)
…" عميق": هذا اللفظ في سورة الحج -27- من قوله: " يَاتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ"، وذكره هنا لعله سهو من الناسخ.
…" نكسوا": من قوله تعالى: " ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ"…إلخ - الأنبياء 65-: ردوا إلى كفرهم.
" صنعة لبوس": من قوله تعالى: " وَعَلَّمْنَاهُ/ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِيُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ" -الأنبياء 80-.
…" تقطعوا": من قوله تعالى:"وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ اِلَيْنَا رَاجِعُونَ" -الأنبياء 93-.
…والحسيس: من قوله تعالى: " لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا" الآية - الأنبياء 102-.
…وهو: مبتدأ، الخفي: خبر.
…" آذنتكم": من قوله تعالى: " فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلَ اذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ" - الأنبياء 109-.
…لم تغدر: أي مستوين في علمه.
…" لعلكم تسألون": من قوله تعالى: " لاَ تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلوُنَ" - الأنبياء 13-: تفهمون، وقال الجلال: ( لعلكم تسألون شيئا من دنياكم على العادة)(1)، ونحوه للخازن (2) عن ابن عباس.
…" التماثيل": من قوله تعالى:" مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ"-الأنبياء 52-.
…" السجل": من قوله تعالى: " يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ" - الأنبياء 104-: الصحيفة والكتاب بمعنى المكتوب، واللام بمعنى على، وقيل السجل اسم ملك، والكتاب صحيفة ابن آدم عند موته.
1-باب قوله تعالى: " كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ ":
من عدم، "نُعِيدُهُ" - الأنبياء 104-: بعد إعدامه.
__________
(1) - حاشية الجلال ص: 415.
(2) - في لباب التأويل 3/343.(6/2)
…4740- غُرْلاً: غير مختتنين. ذات الشمال: يعني إلى النار. أصحابي: أي من أمتي. مرتدين: تقدم عن القاضي عياض أنهم صنفان، الأول عصاة مرتدون عن الاستقامة، لا عن الإسلام، والثاني مرتدون إلى الكفر، واسم التبديل المذكور في رواية: " فأقول سحقا سحقا لمن بدل بعدي"، يشمل الجميع.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحج
…مكية إلا: " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَّعْبُدُ اللهَ" الآيتين -11 و12-، أو إلا: " هَذَانِ خَصْمَانِ" الست آيات -19 إلى 24-.
…وهي أربع، أو خمس، أو ست، أو سبع، أو ثمان وسبعون آية(1).
…" المخبتين": من قوله تعالى: " وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ" - الحج 34 و35-: المطمئنين، وقال البيضاوي: ( المتواضعين المخلصين)(2).
…إذا تمنى.. إلخ": من قوله تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيءٍ اِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ ءَايَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" - الحج 52-: إذا حدث: أي تلا وقرأ، في حديثه: في قراءته، أي ما ليس من القرآن مما يرضاه المرسل إليهم. فيبطل الله: هذا تفسير قوله: " فَيَنسَخُ اللهُ". ويقال أمنيته: قراءته، ذكر هذا، وقوله: " إِلاَّ أَمَانِيَّ" من قوله تعالى في سورة البقرة -78-: " لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ"، استشهادا على أن معنى "تمنى" قرأ.
…قال ابن حجر: وتفسير "تمنى" بقرأ ( وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة(3)
__________
(1) - هي أربع وسبعون في الشامي، وخمس في البصري، وست في المدني، وسبع في المكي، وثمان في الكوفي، انظر البيان ص:189، والكشف 2/116.
(2) - أنوار التنزيل 4/55، وفيه: ( المتواضعين أو المخلصين، فإن الإخبات صفتهم).
(3) - علي بن أبي طلحة سالم، مولى بني العباس، سكن حمص. أرسل عن ابن عباس ولم يره، مات عام 143 هـ.
ترجمته في: التقريب رقم 4754.(6/3)
عن ابن عباس منقطعا)(1)، قال: ( وعليه يحمل ما جاء عن سعيد بن جبير أنه قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة النجم، فلما بلغ: " أَفَرَايْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الاُخْرى" - النجم 19-، ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهم لترتجى، فقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم، فسجد وسجدوا، فنزلت هذه الآية) هـ(2)، يعني تسلية له - صلى الله عليه وسلم - حين أخبره جبريل بما ألقاه الشيطان على لسانه، فحزن فسلي بهذه الآية ليطمئن، قاله المحلي(3) وغيره.
…وقال البيضاوي: ( هذا التفسير مردود عند المحققين لأنه يخل بالوثوق على القرآن، ولا يندفع بقوله: " فَيَنسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ ءَايَاتِهِ " لأنه أيضا يحتمله)هـ(4)، ووجدت بخط العلامة سيدي أحمد بن مبارك اللمطي(5) بهامش الأحكام لابن العربي على نحو هذا التفسير ما نصه: ( هذا كلام غير صحيح، وما هو إلا ترهات وكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وحاشاه أن يفعل ذلك به، وحق كلام الله أن يوجه بغير هذا، وأما هذا فما هو إلا أساطير الأولين) هـ.
__________
(1) - الفتح 8/560، وفيه: ( " إذا تمنى"... إذا حدث الشيطان في حديثه)، وليس فيه "قرأ"(
(2) - الفتح 8/561.
(3) - في حاشيته ص: 436.
(4) - أنوار التنزيل 4/58.
(5) - أحمد بن مبارك بن محمد بن علي اللمطي السجلماسي الصديقي.
ولد في سجلماسة وسكن فاس.
له: شرح المحلي على جمع الجوامع، ورد التشديد في مسألة التقليد.
توفي سنة 1155هـ.
ترجمته في: سلوة الأنفاس 2/203، وهدية العارفين 1/174.(6/4)
…والذي صدر به البيضاوي في تفسير الآية هو قوله: ( "إذا تمنى": إذا زور في نفسه ما يهواه، " أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ": في تشهيه ما يوجب اشتغاله بالدنيا كما قال - صلى الله عليه وسلم -: إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله/ في اليوم سبعين مرة، " فَيَنسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ": فيبطله ويذهب بعصمته من الركون إليه، والإرشاد إلى ما يزيحه، " ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ ءَايَاتِهِ ": ثم يثبت آياته الداعية إلى الاستغراق في أمر الآخرة، " وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ": قيل حدث نفسه بزوال المسكنة فنزلت) هـ(1).
…تنبيه: قصة الغرانيق المذكورة صرح جمع من الأئمة رضوان الله عليهم ببطلانها وعدم ثبوتها بالكلية، فقال ابن إسحاق: ( إنها من وضع الزنادقة)، وقال البيهقي: ( إنها غير ثابتة من جهة النقل، وهي من وضع الزنادقة، لا أصل لها) هـ، نقله في الفتح، وقال ابن العربي في الأحكام: ( ذكر الطبري فيها روايات كثيرة كلها باطلة لا أصل لها، ولوشاء ربك لما رواها أحد ولا سطرها، ولكنه فعال لما يريد) هـ، وقال الإمام الرازي في تفسيره: ( إنها باطلة موضوعة لا يجوز القول بها)، قال: ( ولا شك أن من جوز على الرسول تعظيم الأوثان فقد كفر، ولو جوزنا ذلك ارتفع الأمان على شرعه، وجوزنا في كل واحد من الأحكام والشرائع أن يكون كذلك، أي مما ألقاه الشيطان على لسانه، ويبطل قوله تعالى: "يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالاَتِهِ" - المائدة 67-، فإنه لا فرق في العقل بين النقصان من الوحي وبين الزيادة فيه، فبهذه الوجوه النقلية والعقلية عرفنا على سبيل الإجمال أن هذه القصة موضوعة، وقد قيل إنها من وضع الزنادقة لا أصل لها) هـ(2).
__________
(1) - أنوار التنزيل 4/58.
(2) - التفسير الكبير 23/50.(6/5)
…وقال القاضي عياض في الشفا: ( لم يخرج حديثها أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل، مع ضعف نقلته، واضطراب رواياته، وانقطاع أسانيده)(1)، وأطنب رحمه الله في ردها وإبطالها، وتجثيث أصلها، وبين ذلك بوجوه منها أنها لو وقعت لارتد كثير ممن أسلم، ولم ينقل ذلك؛ قال: ( ولا شك في إدخال بعض شياطين الإنس والجن هذا الحديث على بعض مغفلي المحدثين، فيلبس على ضعفاء المسلمين)(2)، ( وقد أنكره القاضي أبو بكر بن العلاء وأبو بكر البزار، وأنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره)هـ(3)، وقال في الإكمال: ( ما ذكره من أن الشيطان ألقى على فم النبي - صلى الله عليه وسلم - قضية الغرانيق، لا يصح عقلا ولا سمعا، لأن مدح آلهة غير الله عز وجل كفر، فلا يصح نسبته إلى لسان نبي، ولا أن يقوله الشيطان على لسان نبي، ولا يصح تسليط الشيطان على ذلك لأنه داعية إلى الشك في المعجزة وصدق الرسول، وتفسير من فسر: " وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رَّسُولٍ " الآية، فذلك غير صحيح، وقد بينا ذلك في الشفا بما لا تجده في غيره) هـ، ونقله النووي وأقره، والأبي في موضعين من إكمال إكماله، وسلمه.
…وقال القرطبي في المفهم: ( لا يصح ما ذكروه من قضية الغرانيق من طريق النقل والعقل، وأشهر طريق النقل فيه عن الكلبي، وهو كذاب، وأما العقل فلا يصدق بذلك، لأمور مستحيلة عدها القاضي عياض في الشفا) هـ.
__________
(1) - الشفا 2/111
(2) - الشفا 2/113.
(3) - هذا استنتاج من كلام القاضي عياض، ولفظه: ( وصدق القاضي بكر بن العلاء المالكي حيث قال: لقد بلي الناس ببعض أهل الأهواء والتفسير، وتعلق بذلك الملحدون مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده واختلاف كلماته) - الشفا 2/111-.
ثم قال: ( قال أبو بكر البزار: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد متصل يجوز ذكره إلا هذا...) - الشفا 2/112-.(6/6)
…وقال السهيلي في الروض: ( أهل الأصول يدفعون هذا الحديث بالحجة، وهو على ما خيلت غير مقطوع بصحته) هـ.
…وقال الخازن: ( للعلماء على قصة الغرايق أجوبة: أحدها توهين أصلها لأنه لم يروها أحد من أهل الصحة، ولا أسندها ثقة بسند صحيح أو سالم، وإنما رواها المفسرون والمؤرخون المولعون بنقل كل غريب، الملفقون من الصحف كل صحيح وسقيم، مما يدل على ضعفها، واضطراب رواتها، وانقطاع سندها، واختلاف ألفاظها، والذي رواها عن ابن عباس هو الكلبي، وهو ضعيف جدا؛ الثاني: أن الحجة قد قامت بالدليل الصحيح وإجماع الأمة على عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة، وتسور الشيطان عليه وجعله في القرآن ما ليس منه، " وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ" - الحاقة 44 و45 و46-. ثم ذكر بقيتها، فانظره(1) /.
وقال الدماميني: ( وأما حديث البزار في حديث الغرانيق العلى، فهو حديث باطل لا أصل له، وإن كثر الطبري طرقه، وقد أتى عياض في الشفا بما فيه الشفا من ذلك) هـ(2).
…وقال الكرماني: ( ما قيل من أن سبب سجود المشركين إلقاء الشيطان في أثناء قراءته - صلى الله عليه وسلم - ذكر آلهتهم، لا صحة له عقلا ولا نقلا) هـ(3).
…وقال الزركشي: ( الحديث الذي رواه البزار وغيره في قصة الغرانيق باطل، وإن كثر الطبري طرقه) هـ(4).
…وقال سيدي عبد الرحمن الفاسي(5)
__________
(1) - في لباب التأويل 3/385.
(2) - تعليق المصابيح ص: 510، وعنده: ( وأما حديث البراء...).
(3) - الكواكب الدراري 18/116 (تفسير سورة النجم).
(4) - التنقيح ص: 195.
(5) - عبد الرحمن بن عبد القادر بن علي الفاسي الفهري.
له: مفتاح الشفا، والقطب الداني في البيان والمعاني، واللمعة في القراءات السبع.
توفي سنة 1096هـ.
ترجمته في: فهرس الفهارس 2/133، ودليل مؤرخ المغرب الأقصى 75، و هدية العارفين 1/550.(6/7)
في تحفة الأكابر: ( المحققون كأبي حيان وغيره قالوا لا يصح شيء من القضية، وإنما هي من وضع الزنادقة، والآية لا شعور لها بها، ولاإشارة من القرآن ولا من الحديث إليها، ثم بين معنى آية: " إذا تمنى"، وقال: وأما غير هذا فمن اعتقده عمدا فهو كفر، ومن اعتقده غلطا أو نسيانا فهو محال على الأنبياء عليهم السلام، " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" - الحجر 9-، فهذا أمر مقطوع به لايعارضه إلا ما وقع متواترا، أما ما ينسب لبعض الرواة -سيما مع عدم ثبوته- فلا ) هـ.
…وحيث انتفت القضية من أصلها، وأراحنا الله منها والحمد لله، فلا نحتاج لنقل ما قيل عليها من الأجوبة، وإن اعتمد بعضها بعض الأئمة، والله الموفق.
…وقول الحافظ ابن حجر: ( إن للقضية أصلا، وردها لا يتمشى على القواعد)(1)، وتبعه على ذلك المُلاَّ حسن الشهرزوري وألف فيها رسالة مقويا ثبوتها، وأنها لا تنافي العصمة… إلخ، تكفل العلامة سيدي محمد بن عبد القادر الفاسي(2)
__________
(1) - قال الحافظ في الفتح 8/561-562- بعد رده على ابن العربي وعياض -: ( وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد، فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلا، وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح، وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل، وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض، وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر وهو قوله: " ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق..." فإن ذلك لا يجوز حمله على ظاهره، لأنه يستحيل عليه صلى الله عليه وسلم أن يزيد في القرآن عمدا ما ليس منه، وكذا سهوا إذا كان مغايرا لما جاء به من التوحيد لمكان عصمته).
(2) - محمد بن عبد القادر الفاسي، أبو عبد الله.
له: شرح نظم تحفة الفكر، وشرح نظم ألقاب الحديث.
توفي سنة 1116هـ.
ترجمته في: سلوة الأنفاس 1/316، وهدية العارفين 2/309.(6/8)
برده وإبطاله بإشارة والده المذكور، وألف في ذلك رسالة نقل محصلها حامل لواء التحقيق سيدي محمد بن الحسن بناني(1) في حاشيته على الزرقاني، ثم قال إثر ذلك ما نصه: ( فتحصل أن صدور الكلمات المذكورات من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من الشيطان عند تلاوة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، كل غير ثابت، بل منكر لوجوب عصمته - صلى الله عليه وسلم -) هـ.
…وقال العيني متعقبا كلام ابن حجر أيضا بقوله: ( الذي ذكراه – أي ابن العربي وعياض – هو اللائق بجلالة قدر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه قد قامت الحجة وأجمعت الأمة على عصمته - صلى الله عليه وسلم -ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة، وحاشاه عن أن يجري على قلبه أو لسانه شيء من ذلك، لاعمدا ولا سهوا، أو يكون للشيطان عليه سبيل، أو أن يقول على الله عز وجل، لا عمدا ولا سهوا، والنظر والعرف أيضا يستحيلان ذلك، ولو وقع لارتد كثير ممن أسلم، ولم ينقل ذلك، ولا كان يخفى على من كان بحضرته من المسلمين) هـ(2).
…وفي الإبريز للعلامة سيدي أحمد بن مبارك اللمطي أنه سأل العارف بالله تعالى سيدي عبد العزيز الدباغ(3)
__________
(1) - محمد بن الحسن البناني، أبو عبد الله.
فقيه من فاس، وخطيب المسجد الإدريسي بها.
توفي سنة 1194هـ.
ترجمته في: الفكر السامي 4/125.
(2) - عمدة القاري 19/66.
(3) - عبد العزيز بن مسعود الدباغ، المتوفى سنة 1132هـ.
جمع كلامه أحمد اللمطي في الإبريز من كلام سيدي عبد العزيز في التصوف.
ترجمته في: فهرس التيمورية 3/97.(6/9)
عن القضية، وأملى عليه قول ابن العربي والقاضي عياض وقول ابن حجر، فأجابه الشيخ رضي الله عنه بقوله: ( الصواب مع ابن العربي وعياض، لا مع ابن حجر، قال: وقط ما وقع للنبي - صلى الله عليه وسلم - شيء من مسألة الغرانيق، فإنه لو وقع شيء من ذلك لارتفعت الثقة بالشريعة، وبطل حكم العصمة)، وانظر الإبريز ففيه كلام في القضية نفيس حقه أن يكتب بسواد العيون، فوضح أن الحق الذي لا شك فيه ولا ارتياب هو بطلان القضية من أصلها، وعدم وقوعها بالكلية سدا لهذا الباب، فتمسك بهذا التحقيق، فإنك لا تكاد تجده مرقونا هكذا في كتاب، والله سبحانه الموفق والهادي، وإليه المرجع والمآب.
…سبب: من قوله جل وعلا: " مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَّنصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالاَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ اِلَى السَّمَاءِ": بحبل إلى سقف البيت يشده فيه وفي عنقه، " ثُمَّ لِيَقْطَعْ": ليختنق به بأن يقطع نفسه من الأرض، " فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ" في عدم نصره النبي - صلى الله عليه وسلم -، "مَا يَغِيظُ" - الحج 15- هـ منه، المعنى: فليختنق غيظا منها فلابد منها.
…"يسطون": من قوله تعالى: " يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمُ ءَايَاتِنَا" - الحج 72-: يبطشون، أي يقعون فيهم بالبطش.
…" وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ" - الحج 24-.
…" تذهل": من قوله تعالى: " يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ " الآية - الحج 2-.
…" مشيد": من قوله تعالى: " وَبِيرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ" - الحج 45-: جص، هذا تفسير القصة، أي هي جص، وقيل معنى "مشيد": مرفوع البنيان.
1-" وَتَرَى النَّاسَ سُكَارى":
من شدة الخوف، " وَمَا هُم بِسُكَارى" - الحج 2-: من الشراب.(6/10)
…4741- بعثا: أي مبعوثا، أي نصيبا. ويشيب الوليد: هذا على سبيل الفرض والتمثيل، وأصله أن الهموم تضعف القرى وتسرع بالشيب، أو هو على الحقيقة، لأن كل أحد يبعث على ما مات عليه، فتبعث الحامل حاملا والمرضع مرضعا والطفل طفلا/، فإذا وقعت الزلزلة، وسمعوا ما يقال لآدم، وقع بهم من الوجل ما يسقط الحمل، ويشيب الطفل، ويذهب المرضعة. فكبرنا: سرورا. شطر أهل الجنة: وفي الترمذي وصححه من حديث بريدة رفعه: ( أهل الجنة عشرون ومائة صف، أنتم منها ثمانون)، فقد أعطاه الله ما تمناه وزاده.
…2- " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَّعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ" - الحج 11-:
…قال المص: شك، أي شك في عبادته، شبه بالحال على حرف جبل في عدم ثباته. أترفناهم: هذا في سورة المؤمنين -33-: " وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ" الآية.
…4742- ونتجت خيله: ولدت.
3- " هَذَانِ خَصْمَانِ":
المؤمنون خصم والمشركون خصم، " اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ" - الحج 19-: أي في دينه.
…4743- حمزة وصاحبيه: علي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن المطلب. وعتبة: ابن ربيعة. وصاحبيه: شيبة أخيه، والوليد ابنه. يوم برزوا... إلخ: وبيان مبارزتهم على المشهور أن حمزة مع عتبة، وعبيدة مع شيبة، وعليا مع الوليد.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة المومنون
…مكية.
…مائة آية وثماني أو تسع عشرة آية(1).
…" سبع طرائق": " وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ" - المومنون 17-.
…" قلوبهم وجلة ": من قوله سبحانه: " وَالَّذِينَ يُوتُونَ مَا ءَاتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ اَنَّهُمُ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ" - المومنون 60-.
__________
(1) - هي مائة آية وتسع عشرة في غير الكوفي، وثماني عشرة في الكوفي، انظر البيان ص:191، والكشف 2/125.(6/11)
…" هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيا..." إلخ- المومنون 36 و37- : بعيد، هذا تفسير معنى، وإلا "فهيهات" اسم فعل بمعنى بعد.
…" لناكبون": من قوله سبحانه: " وَإِنَّ الَّذِينَ لاَ يُوِمنُونَ بِالاَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ" - المومنون 74-: لعادلون عن الصراط السوي، من العدول لا من العدل.
…" كَالِحُونَ": من قوله سبحانه: "وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ" الآية - المومنون 103 و104-: عابسون، وقيل شمرت شفاههم العليا والسفلى عن أسنانهم.
…" من سلالة":من قوله تعالى:"وَلَقَدْ خَلَقْنَا الاِنسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ"-المومنون 12- ، قال البيضاوي: ( الإنسان آدم خلق من صفوة سلت من الطين) هـ(1).
وقول المص: الولد، والنطفة: السلالة، قال الكرماني: ( ليس هو تفسير للسلالة، بل الولد مبتدأ وخبره السلالة، والمعنى: السلالة ما يُسْتَلُّ من الشيء كالولد والنطفة)(2). والجنة… إلخ: من قوله تعالى: " أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ" -المومنون 70-.
…" فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ": من قوله تعالى: " قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الاَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ " الآية -المومنون 112-: قال : الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم ويحصونها عليهم.
…" غثاء": من قوله سبحانه: " فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً" - المومنون 41-: الزبد الذي يعلو على الماء، فما ذكره المص بعده تفسير له، أي صيرناهم مثله في عدم النفع به.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النور
…مدنية.
…ثنتان أو أربع وستون آية(3).
__________
(1) - أنوار التنزيل 4/63.
(2) - الكواكب الدراري 17/217.
(3) - هي اثنتان وستون آية في المدني والمكي، وأربع وستون في عدد الباقين، انظر البيان ص:193، والكشف 2/133.(6/12)
…من خلاله": من قوله سبحانه: " فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ" - النور 43-: من بين أضعاف السحاب، الزركشي: ( أضعاف مقحمة، ولذا قال غيره: من بين السحاب)(1).
…" سنا برقه": من قوله سبحانه: " يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالاَبْصارِ" -النور 43-.
…" مذعنين": من قوله تعالى: " وَإِن يَّكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَاتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ" - النور 49-: يقال للمستخذي الخاضع مذعن أي منقاد، يريد إذا كان لهم الحكم لا عليهم يأتون إليه منقادين، لعلمهم بأنه يحكم لهم.
…" المشكاة": من قوله تعالى: " مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ/ فِيهَا مِصْبَاحٌ" - النور 35-: بلسان الحبشة، ثم عرب.
…" أنزلناه" - النور 1-: بيناها، قال في المشارق: ( صوابه: " أنزلناها وفرضناها: بيناها"، فبيناها تفسير لفرضناها لا لأنزلناها)(2).
…سُمِّيَ القُرْآنُ: حاصل ما ذكره أن القرآن عنده مشتق من قرأ بمعنى جمع، لا من قرأ بمعنى تلا، وما ذكره هو قول الزجاج (3)،ووجهه أنه جمع السور كما قال أبو عبيدة، أو ثمرات الكتب السالفة كما قال الراغب(4).
…فرضنا عليكم: أي فرضنا عليكم ما فيها من الأحكام.
1-باب قوله تعالى: " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ ":
__________
(1) - التنقيح ص: 195.
(2) - في المشارق 2/152 ما يلي: ( "سورة أنزلناها وفرضناها": قراءة التخفيف بمعنى ألزمناهم العمل بما فيها، وبالتشديد بمعنى فصلناها وبينا ما فيها).
(3) - إبراهيم بن السري، أبو إسحاق الزجاج.
لزم المبرد، وكان معلما فاضلا.
توفي سنة 311هـ.
ترجمته في: بغية الوعاة 411، وأنباه الرواة 1/159.
(4) - أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الأصفهاني أو الأصبهاني، المعروف بالراغب، أديب من الحكماء العلماء، سكن بغداد، من كتبه: الذريعة إلى مكارم الشريعة، وجامع التفاسير، والمفردات في غريب القرآن، توفي سنة 502 هـ.
ترجمته في: روضات الجنات 249، وكشف الظنون 1/36.(6/13)
يقذفون، " أَزْوَاجَهُمْ": بالزنى، "وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ اِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ" الآية – النور 6-، أي فالواجب شهادة أحدهم، وهو الزوج، " أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ"، أي فيما رمى به زوجته من الزنى بأن يقول: أشهد بالله لرأيتها تزني … إلخ، قال القرطبي: أشهد في الآية والحديث بمعنى أحلف، وهذا مذهب الجمهور، أعني أن شهادات اللعان أيمان، وقال أبو حنيفة: هي شهادات حقيقة.
…4745- عويمرا: العجلاني(1) . أيقتله فتقتلونه: هذا مذهب الجمهور المالكية وغيرهم، وهو أنه إن قتله يقتل به إلا إذا أتى بأربعة شهداء على زناه بها، نعم قال الشافعي يسعه ذلك فيما بينه وبين الله، انظر كتاب المحاربين.
…فكره رسول الله صلى الله عليه المسائل: أي المذكورة، لما فيها من البشاعة والشناعة على المسلمين والمسلمات، وتسليط عدو الدين على الخوض في أعراضهم. صاحبتك: خولة بنت قيس(2). به: أي بالولد المنفي. أَسْحَمَ: أسود. أَدْعَجَ العينين: شديد سواء حدقتهما. خَدَلَّجَ الساقين: عظيمهما. صدق عليها: لأن هذه أوصاف شريك بن سمحاء(3) الذي رماها به. أحيمر: مصغر أحمر. وحرة: دويبة تترامى على الطعام واللحم فتفسده، وهي من أنواع الوزغ.
__________
(1) - عويمر بن أبي أبيض العجلاني.
جاء ذكره في حديث اللعان المروي في الصحيحين.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1226، والإصابة 4/746-747.
(2) - خولة بنت قيس بن قهد- بالقاف- ابن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصارية.
كانت تحت حمزة بن عبد المطلب، ثم تزوجها حنظلة بن النعمان. روت أحاديث.
ترجمتها في : الاستيعاب ص: 1833، والإصابة 7/625-626.
(3) - شريك بن سمحاء ، وهي أمه، وهو ابن عبدة بن مغيث بن الجد بن العجلان البلوي، حليف الأنصار، وهو أخو البراء بن مالك لأمه من الرضاعة.
كان شريك أحد أمراء الشام في خلافة أبي بكر.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 705، والإصابة 3/344-345.(6/14)
2- باب قوله: " وَالْخَامِسَةُ ":
أي والشهادة الخامسة، " أَن لَّعْنَةُ اللهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ" -النور 7-.
…4746- أن رجلا: هو عويمر العجلاني.
3- " وَيَدْرَأُ ":
يدفع، " عَنْهَا الْعَذَابَ": حد الزنى الذي ثبت بيمينه، " أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ" - النور 8-: فيما رماها به من الزنى.
…4747- امرأته: خولة بنت عاصم. البينة: أي أحضرها. موجبة: للعذاب. فتلكأت: تبطأت عن ذلك. ترجع: عن تكذيب الزوج. سائر اليوم: تعني الدهر. فمضت: في تمام اللعان. سابغ: غليظ. خدلج: عظيم. لولا ما مضى من كتاب الله: في آية اللعان. شأنا: في إقامة الحد عليها.
…تنبيه: جميع ما ذكر في قصة هلال من رميه امرأته بشريك، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (انظروا فإن جاءت بالولد كذا)، ومجيء الولد شبيها بشريك، ونزول الآية فيه… إلخ، كله في قصة عويمر كما سبق، ( واختلف الناس في ذلك، فمنهم من رجح أن القصة لعويمر وفيه نزلت الآية، ومنهم من عكس وقال إنها لهلال، ومنهم من جمع بينهما بأن أول من وقع له ذلك هلال، وصادف مجيء عويمر أيضا، فنزلت الآية في شأنهما معا، وإلى هذا جنح النووي، وسبقه إليه الخطيب فقال: لعله اتفق كونهما معا في وقت واحد)(1)، وهو الذي ارتضاه ابن حجر(2)، ونقله عن ابن الصباغ أيضا، وأيده بعدة أحاديث، ثم نقل عن أبي عبد الله بن أبي صفرة والطبري وابن العربي والقاضي عياض(3) أنهم قالوا إن ذكر هلال خطأ من هشام بن حسان(4)
__________
(1) - فتح الباري 8/575.
(2) - بل ما تقدم من نصوص هو من كلام الحافظ باللفظ.
(3) - قال عياض في مشارق الأنوار: ( كذا جاء من رواية هشام بن حسان، ولم يقله غيره، وإنما القصة لعويمر العجلاني)، نقله في الفتح 8/576.
(4) - هشام بن حسان الأزدي القردوسي، أبو عبد الله البصري.
ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين.
توفي سنة 148هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 11/34، والتقريب رقم 7289.(6/15)
، والصحيح عويمر... إلخ، وقال: ( إن الجميع متعقب)(1)، ثم بينه/ وقال: ( وكيف يجزم بخطأ حديث ثابت في الصحيحين مع إمكان الجمع، والله أعلم)(2).
4- باب قوله تعالى: " وَالْخَامِسَةُ أَنْ غَضِبَ اللهُ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ"
- النور 9-: في ذلك.
…4748- أن رجلا: هو عويمر.
5- باب قوله تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالاِفْكِ":
هو أسوأ الكذب، "عُصْبَةٌ مِّنكُمْ": جماعة من المومنين، سمي منهم أربعة: عبد الله بن أُبيّ وحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش(3) . " لاَ تَحْسِبُوهُ شَرًّا لَّكُمْ ": خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، " بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ": لما فيه من جزيل ثوابكم وإظهار شرفكم، " لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ": أي عليه " مَا اكْتَسَبَ مِنَ الاِثْمِ": في ذلك، " وَالَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ": تحمل معظمه فبدأ بالخوض فيه وأشاعه، وهو عبد الله بن أبي، " مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ" - النور 11-: في الآخرة.
6- باب: " لَوْلاَ ":
تحضيضية، بمعنى هلا، " إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُومِنُونَ وَالْمُومِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ": أي ظن بعضهم ببعض، وقال أبو السعود(4)
__________
(1) - فتح الباري 8/576، ولفظه: ( وكلام الجميع متعقب).
(2) - الفتح 8/576.
(3) - حمنة بنت جحش الأسدية، أخت أم المؤمنين زينب.
كانت زوج مصعب بن عمير، فقتل عنها يوم أحد، فتزوجها طلحة بن عبيد الله.
وكانت من المبايعات، وشهدت أحدا.
ترجمتها في: الاستيعاب ص: 1813، والإصابة 7/586.
(4) - أبوالسعود محمد بن محمد بن مصطفى العمادي.
مفسر من الترك. كان قاضيا بالقسطنطينية.
وكان يكتب بالعربية والتركية والفارسية.
له: إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم.
توفي سنة 982هـ.
ترجمته في: شذرات الذهب 8/398.(6/16)
: (أي بأبناء جنسهم النازلين منزلة أنفسهم في اشتراك الكل في الإيمان كقوله تعالى: " ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاَءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ" - البقرة 85-، وقوله: " وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ"- الحجرات 11- هـ؛ "خَيْرًا" إلى "هُمُ الْكَاذِبُونَ" – النور 12 و13-: فيما قالوه)(1).
…4750- يخرج: إلى سفر، في غزوة: هي غزوة بني المصطلق، وهي المريسيع، وكانت في شعبان سنة خمس، قاله ابن حجر(2). بعدما أنزل الحجاب: أي الأمر به، وكان نزوله حين دخل - صلى الله عليه وسلم - بزينب في ذي القعدة سنة أربع، قاله جماعة، وصححه الدمياطي. هودجي: هو شيء شبه المحفة. من جزع أظفار: خرز فيه سواد وبياض. يرحلون لي: أي يشدون هودجي على راحلتي، وسمى الواقدي(3) منهم أبا مُوَيْهِبَة(4)
__________
(1) - انظر روح المعاني للألوسي 18/106.
(2) - الذي قاله ابن حجر ما يلي: (هي غزوة بني المصطلق، وصرح بذلك محمد بن إسحاق في روايته، وكذا أفلح بن عبد الله عند الطبراني) ، انظر الفتح 8/585.
(3) - في المغازي 2/427.
(4) - أبو مويهبة، ويقال أبو موهبة وأبو موهوبة، مولى البني صلى الله عليه وسلم.
شهد غزوة المريسيع، وكان ممن يقود لعائشة جملها.
ترجمته في: الاستيعاب ص: 1764، والإصابة 7/393-394.(6/17)
مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. حديثة السن: قالته استعذارا عما وقع منها من الحرص على طلب العقد من غير أن تعلم أهلها بذلك، وكان لها إذ ذاك أقل من خمسة عشر سنة. استمر الجيش: استفعل من المرور، أي بعدما مر. من وراء الجيش: وكان يتخلف عن الناس فيصيب القدح والجواب والإداوة، فيعرفه في أصحابه. باسترجاعه: أي بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون. فَخَمَّرْتُ: غطيت. بجلبابي: ثوبي. مُوغِرِينَ: وقت الوغرة. في نحر الظهيرة: حين تبلغ الشمس منتهاها من الارتفاع. فهلك من هلك: في شأني. تولى الإفك: أي كبره. عبد الله بن أُبيّ: رأس المنافقين. يريبني: يشككني ويوهمني. اللطف: أي الرفق. نقهت: أفقت من المرض. أم مسطح: اسمها سلمى(1)، أي ومعها إداوة من ماء. قبل: جهة. المناصع: صعيد أفيح، أي واسع، خارج المدينة. وهو متبرزنا: موضع قضاء حاجتنا. من شأننا: (أي من شأن المسير، لا من قضاء الحاجة)(2)، لأن هذا وقع قبل قضائها كما يأتي قاله ابن حجر. مرطها: ثوبها. تعس: هلك. أَيْ هَنْتَاهُ: أي يا هذه، أو يا بلهى. وضيئة: حسنة. كثرن عليها: القول في عيبها، تعني هن أو أتباعهن، لأن هذا القول إنما وقع من أتباعهن لا منهن. حتى أصبحت أبكي: وفي رواية هشام بن عروة الآتية أن أبابكر أمرها بالرجوع لبيتها فرجعت. استلبث الوحي: أي طال لبثه. أهلك: بالنصب والرفع، أي ألزم أهلك، أو هم أهلك العفائف. والنساء سواها كثير: زاد الواقدي: (طلقها وانكح غيرها)(3)، قال القرطبي: ( ما أشار به عَلِيٌّ هو الصواب لأنه رأى تقلقه - صلى الله عليه وسلم - من الأمر، فرأى أن راحة خاطره أهم) هـ، راجع كتاب الشهادات.
__________
(1) - في الفتح 8/595: ( قيل اسمها سلمى، وفيه نظر، لأن سلمى اسم أم أبي بكر، ثم ظهر لي أن لا وهم فيه، فإن أم أبي بكر خالتها، فسميت باسمها).
(2) - فتح الباري 8/596.
(3) - مغازي الواقدي 2/430.(6/18)
…بريرة: استشكل ذكرها هنا لتأخرها(1) / عن قصة الإفك بمدة، وأجاب تقي الدين السبكي عنها بأجوبة أحسنها كما قال: ( إنها كانت تخدم عائشة قبل شرائها وعتقها). إن رأيت: إن نافية. أغمصه: أعيبه. الداجن: الشاة التي تألف البيوت. من يعذرني: من يقوم بعذري إذا عاقبته على سوء ما صدر منه، أو من ينصرني عليه، والعذير الناصر. رجلا: هو صفوان. يدخل على أهلي: أي قبل الحجاب. سعد بن معاذ: استشكل ذكره لموته في الخندق، وهو سابق على هذه القصة، كذا قيل، والصواب أن كلا من المريسيع والخندق وقع سنة خمس، والمريسيع في شعبان، والخندق في شوال، هذا هو المعتمد، وح فلا إشكال، قاله الحافظ(2)، ونحوه للقاضي(3). أمرتنا .. إلخ: من هنا أخذت الحمية سعد بن عبادة، ولو قال ابن معاذ. وإن كان من الخزرج: مرهم فليفعلوا فيه أمرك، لم يصدر شيء من ابن عبادة. قبل ذلك رجلا صالحا: ولازال على صلاحه. احتملته الحمية: أغضبته الحمية من أجل ما ذكر. ولا تقدر على قتله: أي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجعل حكمه إليك، ابن عم سعد: أي ابن معاذ. لنقتلنه: إن أمرنا بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -. فإنك منافق: قاله مبالغة في زجره لا غير، وإلا فهو من خيار الصحابة وأفاضلهم رضي الله عن جميعهم. فَتَثَاوَرَ الْحَيَّانِ: نهض بعضهم إلى بعض من الغضب. فأصبح أبواي عندي: أي في بيتها الذي هو بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لرجوعها إليه كما سبق، وما في الفتح هنا سهو من صاحبه رحمه الله(4). امرأة من الأنصار: لم تسم. كذا وكذا: لعل هذا لفظه - صلى
__________
(1) - في الأصل: "لتأخر"، والصحيح: "لتأخرها"، كما أشار إليه العرائشي في نسخته.
(2) - في الفتح 8/604.
(3) - في مشارق الأنوار 2/239.
(4) - قال الحافظ في الفتح 8/607: ( أي أنهما جاءا إلى المكان الذي هي به من بيتها، لا أنها رجعت من عندهما إلى بيتها، ووقع في رواية محمد بن ثور عن معمر عند الطبري: " وأنا في بيت أبوي").(6/19)
الله عليه وسلم -، وهو كناية عما قيل فيها، قاله ابن حجر(1). قلص: جف. لا أقرأ كثيرا: لأنه التبس عليها اسم يعقوب عليه السلام فلم تعرفه. ثم تحولت: أي حولت وجهي نحو الجدار. البرجاء: العرق. الجمان: اللؤلؤ. قومي له: فاحمديه وقبلي رأسه لأنه السبب في تكريمك بنزول الوحي ببراءتك. والله لا أقوم إليه: (قالته دلالا كما يدل الحبيب على حبيبه)، قاله ابن الجوزي، وقال ابن عطاء الله: ( كانت مصطلمة مأخوذة عن حسها، مستغرقة في التوحيد)(2)، وراجع كتاب الشهادات. العشر الآيات: في براءتها وتعظيم شأنها، وتهويل الوعيد على من تكلم فيها بسوء، والثناء على من ظن بها خيرا، حتى قال الزمخشري: ( لم يقع في القرآن من التغليظ في معصية ما وقع في قصة الإفك)(3)، انظر الشهادات، وآخر الآيات العشر" رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" - النور 20-، كما جزم به الشيخ زكريا والقسطلاني(4) معترضا ما في الفتح(5) من قوله: إن آخرها "تَعْلَمُونَ" - النور 19-، والله أعلم. لقرابته منه: لأنه ابن خالته. فرجع إلى مسطح النفقة: زاد الطبراني: ( وأضعفها له). تُسَامِينِي: تعادلني وتضاهيني لجمالها ومكانتها عند النبي - صلى
__________
(1) - في الفتح 8/608.
(2) - لا أدري ما سبب إيراد مثل هذه العبارات في مثل هذا المقام، وعلى اعتبار أنها واضحة فإن الصديقة عائشة أرفع منزلة وأعلى مقاما، وهي رضي الله عنها أغنى بأوصاف الحق عن مثل هذه الأوصاف((
(3) - هو في الفتح 8/612، وقد نقله الشبيهي منه، وأما لفظ الزمخشري فهو في الكشاف 3/223: ( ولو فليت القرآن كله وفتشت عما أوعد به من العصاة لم تر الله تعالى قد غلظ في شيء تغليظه في إفك عائشة رضوان الله عليها، ولا أنزل من الآيات القوارع المشحونة بالوعيد الشديد والعتاب البليغ والزجر العنيف واستعظام ما ركب من ذلك، واستفظاع ما أقدم عليه، ما أنزل فيه على طرق مختلفة وأساليب مفتنة، كل واحد منها كاف في بابه).
(4) - في الإرشاد 7/295.
(5) - الفتح 8/612.(6/20)
الله عليه وسلم -. تحارب لها: تتعصب لها فتحكي مقالة أهل الإفك لتخفض منزلة عائشة، وترفع منزلة أختها.
7- باب قوله تعالى: " وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فيِ الدُّنْيا وَالاَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ":
خضتم، " فِيهِ": من قصة الإفك، " عَذَابٌ عَظِيمٌ" - النور 14-: في الآخرة.
…4751: عن أم رُومَان: الصحيح أن مسروقا لقي أم رومان وسمع منها، وما قيل من أنه لم يلقها غير صحيح. مغشيا: أي عليها.
8- " إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ":
أي يأخذه بعضكم من بعض، " وَتَقُولُونَ" الآية "بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ" - النور 15-: أي تقولون كلاما مختصا بالأفواه بلا مساعدة من القلوب.
…4752- إِذْ تَلِقُونَهُ: بكسر اللام وضم القاف، من ولق الرجل إذا كذب.
9- " وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا" الآية/ - النور 16-:
أي ما ينبغي لنا التكلم به.
…4753- وهي مغلوبة: من شدة كرب الموت. فقيل: قائله عبد الله بن أخيها عبدالرحمن. من وجوه الناس: من أعيانهم. ائذنوا له: فأذنوا له ودخل. خلافه: بعد خروجه.
10- " يَعِظُكُمُ اللهُ ":
ينهاكم، " أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا اِن كُنتُم مُّومِنِينَ" - النور17-: تتعظون بذلك.
…4755- فقال: أي حَسَّان. حَصَان: عفيفة. رَزَان: عاقلة. مَا تُزَنُّ: ما تتهم. بريبة: تهمة. غَرْثَى: جائعة. الغوافل: العفيفات، أي لا تغتابهن.
لكن أنت: أي لم تصبح غرثانا من لحوم الغوافل، أشارت إلى أنه اغتابها ورماها بالإفك وهي براء، زاد ابن هشام في سيرته في هذا الشعر.
عقيلة حي من لؤي بن غالب - كرام المساعي مجدهم غير زائل
مهذبة قد طيب الله خيمها - وطهرها من كل سوء وباطل
وزاد ابن إسحاق:
فإن كنت قد قلت الذين زعمتم - فلا رفعت سوطي إلي أناملي.
11- باب: " وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الاَيَاتُ ":(6/21)
في الأمر والنهي، " وَاللهُ عَلِيمٌ": بما يأمر به وينهى عنه، "حَكِيمٌ" - النور 18-: فيه.
…4756- " وَالَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ" - النور 11-: هذا مشكل، لأن المعتمد أن الذي تولى كبره هو عبد الله بن أبي، قال ابن حجر: ( وقد وقع عند أبي نعيم في المستخرج: "وهو ممن تولى كبره"، وهو أخف إشكالا).
12- " إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ" إلى "رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" - النور 19 و20-:
بكم لعاجلكم بالعقوبة.
…" وَلاَ يَاتَلِ أُوْلُو الْفَضْلِ" …إلخ - النور 22-: أي لا يحلف، قال عبد الله بن المبارك: "هذه أرجى آية في كتاب الله" -رواه مسلم-، أي فإن الله أوصى بالإحسان إلى المسيء، وعاتب من قطعه عنه، وإلى ذلك أشار من قال:
فإن قدر الذنب من مسطح - …يحط قدر النجم من أفقه
وقد جرى منه الذي قد جرى - …وعوتب الصديق في حقه
…4757- أبنوا: اتهموا .وأبنوهم بمن: أي اتهموهم برجل، وهو صفوان.
…سعد بن عبادة: قال في المشارق: ( كذا وقع، وهو غلط بين، لأن المحفوظ في هذا الحديث حيث تكرر أن القائل هو سعد بن معاذ، والراد عليه هو سعد بن عبادة، ويدل له ما بعده...، فما هنا خطأ بلا مرية)(1). بقرت: كشفت. الغلام: قال الحافظ: ( لم أقف على اسمه)(2). وقيل فيها: ما يشينها. خادمي: يطلق على الذكر والأنثى، وهو هنا بريرة. إلا أنها: هذا من تأكيد المدح بما يشبه الذم، كقوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم - … -البيت-(3).
__________
(1) - مشارق الأنوار 2/239-240.
(2) - الفتح 8/597 ( في شرح ح 4750).
(3) - البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص:44، وتمامه:
… - بهن فُلُولٌ من قِرَاعِ الكتائب(6/22)
بعض أصحابه: هو علي رضي الله عنه. حتى أسقطوا لها به: أي أتوا بسقط من القول في حقها بسبب ذلك، مأخوذ من قولهم: أسقط الرجل في القول إذا أتى بكلام ساقط، والضمير في "لها" للجارية، وفي "به" للحديث أو للرجل المتهم، وقيل المعنى صرحوا لها بالحديث وشرحوه. كنف أنثى: أي سترها للجماع لأنه كان حصورا لا يأتي النساء. فقتل شهيدا: فدل ذلك على فضله. عندي: في بيتي. والله لا أقوم له: في رواية الأسود عنها: وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي، فانتزعت يدي منه فغمزني أبو بكر، وقدمنا أن هذا فعلته دلالا، والدلال على الحبيب سائغ في مثل هذا المقام.
13- " وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ ":
جمع خمار، " عَلَى جُيُوبِهِنَّ" - النور 31-: أي يسترن الرؤوس والأعناق والصدور بالمقانع، وصفة ذلك أن تضع المرأة الخمار على رأسها، وتديره من الجانب الأيمن على العائق الأيسر، وهو التقنع.
…4758- نساء المهاجرات: من باب مسجد الجامع(1) /. مُرُوطِهِنَّ: جمع مُرْط أي أزرهن. فاختمرن به: سترن به أعناقهن ونحورهن.
…4759- أخذن: أي النساء، الملاءة أي الملحفة.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الفرقان
…مكية إلا:" وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا اَخَرَ" إلى"رَحِيمًا" الفرقان 68 و69 و70-. وهي سبع وسبعون آية(2).
…" هباء منثورا": من قوله تعالى: " وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا" - الفرقان 23-: ما تسفي به الريح وتذريه من التراب الدقيق، وهو بمعنى قول غيره: هو ما يرى في الكوى التي عليها الشمس.
__________
(1) - أي مثل قولهم: مسجد الجامع وشجر الأراك، وعند أبي داود من وجه آخر عن الزهري: " يرحم الله النساء المهاجرات" - انظر الفتح 8/627-.
(2) - في جميع العدد، انظر البيان ص:194، والكشف 2/144.(6/23)
…" مد الظل": من قوله تعالى: " أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ" - الفرقان 45-: ما بين ... إلخ، قال ابن عطية: ( تظاهرت أقوال المفسرين بهذا، وفيه نظر، فإنه لا خصوصية لهذا الوقت بذلك لوجود الظل في سائر النهار، وأجيب بأن المراد ظل تزيله الشمس لقوله بعد: " ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً"، وهو مخصوص بهذا الوقت) هـ(1).
…" خلفة ": من قوله تعالى: " وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنَ اَرَادَ أَن يَّذَّكَّرَ" الآية – الفرقان 62-: من فاته.. إلخ، الزركشي: ( هذا التفسير يؤيده رواية مسلم من حديث عمر موقوفا: من نام عن حزبه من الليل، أو عن شيء منه، فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه بالليل )هـ(2) ؛ وقيل معناه: ( يخلف كل منهما الآخر).
…" فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ": من قوله تعالى: " فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الاَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا"…إلخ - الفرقان 4 و5-.
…" الرس": من قوله سبحانه: " وَعَادًا وَثَمُودًا وَأَصْحَابَ الرَّسِّ" - الفرقان 38-: المعدن، المشهور عند أهل اللغة أن الرس هو البئر، وبه فسره جماعة من المفسرين، وأصحابه قوم كانوا يعبدون الأصنام فبعث الله إليهم شعيبا فكذبوه، فبينما هم على الرس فانهارت فخسف بهم وبديارهم، وقيل غير ذلك.
…" غراما": من قوله تعالى: " وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا" - الفرقان 65-: هلاكا، وقيل لازما(3).
…" مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ" - الفرقان 77-.
__________
(1) - المحرر الوجيز 11/45، وقد نقله الشبيهي من الفتح 8/629.
(2) - التنقيح ص: 197.
(3) - في الفتح 8/630: ( هلاكا وإلزاما لهم، ومنه رجل مغرم بالحب).(6/24)
…"عتوا":من قوله تعالى:"لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا في أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا" -الفرقان 21-.
…" عاتية": ذكره استشهادا من قوله تعالى: " وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ " - الحاقة 6-.
…" ثبورا": من قوله تعالى: " لاَ تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا..." إلخ - الفرقان 14-.
…" السعير": من قوله تعالى: " وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا" - الفرقان 11-.
…تذكر: أي لفظا، وعود الضمير عليه مؤنث باعتبار معناه، وهو النار.
…" ساكنا": من قوله تعالى: " وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا" - الفرقان 45-.
…طلوع الشمس دليل على حصول الظل، فلو لم تكن الشمس لما عرف الظل، ولولا النور ما عرف الظلمة.
1-" الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمُ إِلَى جَهَنَّمَ " الآية - الفرقان 34-:
أي مسحوبين عليها.
…4760- رجلا: لم يعرف. يحشر الكافر على وجهه: أي ماشيا عليه حقيقة.
2- باب قوله تعالى: " وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا اَخَرَ ":
أي لا يعبدون غيره، " وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ": قتلها، " إِلاَّ بِالْحَقِّ": أي لايقتلونها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق المزيل لحرمتها وعصمتها، " وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَّفْعَلْ ذَلِكَ": أي واحدا من الثلاثة، " يَلْقَ أَثَامًا" - الفرقان 68-: عقوبة.
…4761- قال: وحدثني واصل(1): قائله سفيان(2)
__________
(1) - واصل بن حيان الأحدب الأسدي الكوفي.
ثقة ثبت.
مات سنة 120هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 11/103، والتقريب رقم 7382.
(2) - سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي.
ثقة حافظ، روى عن حمزة الزيات وعاصم والأعمش وعبيد الله بن موسى.
توفي بالبصرة سنة 161هـ.
ترجمته في: طبقات ابن سعد 6/371، وغاية النهاية 1/308، والتقريب رقم 2445.(6/25)
. عن عبد الله:هو ابن مسعود. ندا: شريكا. خشية ... إلخ: لا مفهوم له. بحليلة جارك: زوجته أو بنته أو جاريته.
…4762- هل لمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة؟: فقال سعيد(1): لا توبة له. فقرأت: قاله القاسم(2). الذين لا يقتلون النفس … إلخ: التلاوة: " وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ" أي إلى قوله: " إِلاَّ مَن تَابَ" – الفرقان 68 و69 و70-. نسختها آية مدنية: هي قوله تعالى: " وَمَن يَّقْتُلْ مُومِنًا مُّتَعَمِّدًا" الآية – النساء 93-، هذا هو المشهور عن ابن عباس، وأن المومن القاتل مومنا متعمدا بغير حق لاتوبة له، وجمهور السلف وجميع أهل السنة على خلافه، وأن قاتل النفس حكمه حكم غيره في قبول توبته، وأن آية/ النساء مطلقة، وآية الفرقان مقيدة، والمطلق يحمل على المقيد، وحملوا ما ورد مما يخالف ذلك على الزجر والتغليظ، قاله ابن حجر(3).
…4763- اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن: أي هل فيه توبة أم لا؟ نزلت: أي آية: " وَمَن يَّقْتُلْ مُومِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ" ... إلخ. ولم ينسخها شيء: لكن قيدها غيرها كما قدمناه.
…4764- لا توبة له: الحق الذي عليه الجمهور أن له توبة.
3- يُضَاعَفُ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا" - الفرقان 69-:
اسم مفعول من أهانه يهينه، أذله.
__________
(1) - هو سعيد بن جبير، وقد تقدمت ترجمته.
(2) - القاسم بن أبي بزة المكي، مولى بني مخزوم، القارئ الثقة.
مات سنة 115هـ.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 8/310، والتقريب رقم 5452.
(3) - في الفتح 8/635-636.(6/26)
…4765- والذين لا يقتلون...إلخ: التلاوة: " ولا يقتلون". فقال: لما نزلت فقال أهل مكة … إلخ: هذا محمل آخر للآية حملها عليه ابن عباس، ومحصله أن آية الفرقان نزلت في أهل الشرك، والتوبة المذكورة فيها المراد بها الإيمان، وآية النساء نزلت في أهل الإيمان، ولاذكر فيها للتوبة، فافترقا، والجمهور على أن محملهما واحد، وأن آية الفرقان مقيدة لآية النساء، هذا محصل ما في الفتح(1) وغيره.
4- " إِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا" الآية
"فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا" - الفرقان 70-.
…قال أبو السعود: ( بأن يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة، ويثبت مكانها لواحق طاعاتهم، أو يبدل ملكة المعصية ودواعيها في النفس بملكة الطاعة، بأن يزيل الأولى ويأتي بالثانية مكانها، وقيل يبدل بالشرك إيمانا، وبقتل المؤمن قتل المشرك، وبالزنى عفة وإحصانا)هـ.
5- باب قوله: " فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا "
أي من قوله تعالى: " قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ" الآية- الفرقان 77-: هلكة، أي فسوف يكون تكذيبكم مقتضيا لهلاككم، وقال الخازن: ( أي يكون تكذيبكم لزاما، قال ابن عباس: موتا، وقيل: هلاكا، وقيل: قتالا، والمعنى يكون التكذيب لازما لمن كذب، فلا يعطى التوبة حتى يجازى بعمله)(2).
__________
(1) - الفتح 8/635.
(2) - لباب التأويل 3/465.(6/27)
…4767- خمس: أي خمس آيات. الدخان: يعني في قوله تعالى: " فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَاتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ" - الدخان 10-، والقمر: في قوله تعالى: " اِقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ" - القمر 1-. والروم: في قوله تعالى: " غُلِبَتِ الرُّومُ فيِ أَدْنَى الاَرْضِ..." إلخ - الروم 2 و3-. والبطشة: في قوله تعالى: " يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى" - الدخان 16-، والمراد به القتل يوم بدر. واللزام: في قوله سبحانه: " فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا": هلاكا، قيل يوم بدر، قاله ابن مسعود ومجاهد والضحاك، وعليه فالمذكور أربع لا خمس لاتحاد مدلول البطشة واللزام، وقيل يوم القيامة، قاله الحسن، وعليه فتكون خمسا، ولكن الخامس لم يمض، قال الدماميني: ( ويجاب بأنه لتحقق وقوعه عُدَّ ماضيا).
سورة الشعراء
…مكية إلا: " وَالشُّعَرَاءُ " إلى آخرها - من 224 إلى 227-.
…مائتان وسبع وعشرون آية(1).
…بسم الله الرحمن الرحيم- تعبثون: من قوله تعالى: " أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ اَيَةً تَعْبَثُونَ" – الشعراء 128-: تبنون، وقال الجلال: ( "أتبنون بكل ريع": مكان مرتفع، " آية": بناء علما للمارة، " تعبثون": بمن يمر بكم، وتسخرون منهم)(2) /.
…" هضيم": من قوله تعالى: " أَتُتْرَكُونَ فِيمَا هَهُنَا ءَامِنِينَ فيِ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ" - الشعراء 146 و 147 و 148-.
…" مسحرين":من قوله تعالى:" قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ" الآية - الشعراء 153-
…" ليكة": من قوله سبحانه: " كَذَّبَ أَصْحَابُ لَيْكَةَ الْمُرْسَلِينَ" - الشعراء 176-: الغيضة أي الشجر الملتف.
__________
(1) - هي مائتا آية وست وعشرون في المدني الثاني والمكي والبصري، وسبع في المدني الأول والشامي والكوفي، انظر البيان ص:196، والكشف 2/150.
(2) - حاشية الجلال ص: 483.(6/28)
…و" تقبلك...إلخ": من قوله تعالى: " فَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ" …إلخ - الشعراء 217 و218-: المصلين - ابن حجر: ( المراد أنه كان يرى من خلفه في الصلاة)هـ(1) ، ونحوه لابن عطية، ونصه: ( أي تقليبك عينك وإبصارك الساجدين حين تراهم من وراء ظهرك)(2)، قال: ( وهذا معنى أجنبي هنا)هـ(3) ؛ وقال الخازن: ( قال ابن عباس: أراد وتقلبك في أصلاب الأنبياء من نبي إلى نبي، حتى أخرجتك في هذه الأمة)هـ(4).
…والأيكة: قال في القاموس: ( كأنه وهم).
…" جبلة": من قوله تعالى: "وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الاَوَّلِينَ" - الشعراء 184-: خلق، جبل...إلخ: هذا كلام أبي عبيدة، ونصه: " وَالْجِبِلَّةَ الاَوَّلِينَ " أي الخلق، هو من جبل على كذا، أي خلق، وبه يفهم كلام المص.
…" لعلكم تخلدون": من قوله تعالى: " وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ" - الشعراء 129-: كأنكم.
قال الواحدي: ( كل ما في القرآن من "لعل" فإنها للتعليل، إلا قوله تعالى:" لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ" فإنها للتشبيه)(5)، قال الزركشي: ( ومجيء " لعل" للتشبيه غريب لم يذكره النحاة)(6).
…فرحين : الذي في التلاوة: " فَرِهِينَ"، قاله الزركشي(7)، يشير لقوله تعالى: "وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَرِهِينَ" - الشعراء 149-: مرحين، أي بطرين من الفراهة، وهي النشاط.
…" فَارِهِينَ": كما في قراءة(8).
__________
(1) - الفتح 8/637.
(2) - المحرر الوجيز 11/159.
(3) - المحرر الوجيز 11/159.
(4) - لباب التأويل 3/485.
(5) - نقلا عن الفتح 8/637، وقد حكاه البغوي في تفسيره عن الواحدي.
(6) - التنقيح ص: 198.
(7) - في التنقيح ص: 197.
(8) - قرأ بالألف ابن عامر والكوفيون، وقرأ الباقون بغير ألف، انظر: الكشف 2/151، والتذكرة في القراءات الثمان ص: 471.(6/29)
…" تعثوا": من قوله تعالى: " وَلاَ تَعْثَوْا فِي الاَرْضِ مُفْسِدِينَ" - الشعراء 183-.
…" موزون": هو في سورة الحجر -19- من قوله تعالى: " وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ"، وذكره هنا كأنه من بعض النساخ(1).
…" كالطود": من قوله تعالى: " فَأَوْحَيْنَا إِلىَ مُوسى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ"...إلخ - الشعراء 63-.
…" لشرذمة": من قوله تعالى: " إِنَّ هَؤُلاَءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ" - الشعراء 54-.
…" الريع": من قوله تعالى: " أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ اَيَةً تَعْبَثُونَ" - الشعراء 128-: الأيفاع، أي المحال المرتفعة من الأرض.
…"مصانع": من قوله سبحانه: " وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ" - الشعراء 129-: كل بناء ... إلخ، وقيل معناه مصانع للماء تحت الأرض، وقيل قصورا مشيدة وحصونا.
1-" وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ " - الشعراء 87-:
أي لا تفضحني يوم بعث الناس.
…4768- إن إبراهيم: الخليل عليه الصلاة والسلام، يرى أباه: أي عمه، راجع كتاب الأنبياء، عليه الغبرة والقترة: هما بمعنى واحد(2)، وهو سواد كالدخان.
2- " وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَقْرَبِينَ":
هم بنو هاشم وبنو المطلب، " وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُومِنِينَ" - الشعراء 214 و215-: أَلِنْ جانبك لهم، مستعار من خفض الطير جناحه إذا أراد أن ينحط.
…4770- فقال: - صلى الله عليه وسلم -. أرأيتكم: أخبروني. تبا…إلخ: التب معناه الهلاك والخسران.
__________
(1) - قال الحافظ في الفتح 8/638:( محله في سورة الحجر، ووقع ذكره هنا غلطا، وكأنه انتقل من بعض من نسخ الكتاب من محله).
(2) - وقيل : القترة ما يغشى الوجه من الكرب، والغبرة ما يعلوه من الغبار، وأحدهما حسي والآخر معنوي، انظر الفتح 8/640.(6/30)
قال مقيده الشبيهي تجاوز الله عنه: يتعين على قارئ هذا المحل عدم تلفظه بهذه الجملة الشنيعة، ويقتصر على قوله: " فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا"، لأنها وإن كانت حكاية عن الغير، ففيها من البشاعة وسوء الأدب مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مالا يخفى، فلا تسمح نفس مومن بذكرها، هذا ما ظهر لي، ولم أر من نص عليه بخصوصه، وإن كان ربما يؤخذ مما ذكره القاضي عياض في الشفا في الوجه السادس من ذكر وجوه ما فيه تنقيص للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فانظره.
…4771- اشتروا أنفسكم من الله: أي خلصوها من عذابه، كأنه قال: أسلموا تسلموا من العذاب، فيكون ذلك كالشراء، كأن الطاعة جعلت ثمن النجاة(1).
…لا أغني عنكم من الله شيئا: قال ابن حجر: ( قال - صلى الله عليه وسلم - هذا القول قبل أن يعلمه الله بأنه ليشفع فيمن أراد، وتقبل شفاعته حتى يدخل قوما الجنة بغير حساب، ويرفع درجات آخرين، ويخرج من النار من دخلها بذنوبه، أو كان المقام مقام تخويف وتحذير) هـ(2).
…وقال المناوي: ( قوله: " لا أغني عنكم من الله شيئا" أي بمجرد نفسي من غير ما يكرمني الله به من نحو شفاعة ومغفرة، فخاطبكم بذلك/ رعاية لمقام التخويف) هـ.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النمل
مكية.
…ثلاث، أو أربع، أو خمس وتسعون آية(3).
…" الخبء": من قوله تعالى: " أَلاَّ يَسْجُدُوا للهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فيِ السَّمَوَاتِ وَالاَرْضِ" - النمل 25-: ما خبأت، والمراد بالآية القطر من السماء والنبات من الأرض.
" لا قبل لهم": من قوله تعالى:" اِرْجِعِ اِلَيْهِمْ فَلَنَاتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا"- النمل37-.
__________
(1) - باللفظ من الفتح 8/645.
(2) - الفتح 8/644.
(3) - هي خمس وتسعون في المدني والمكي، وأربع في البصري والشامي، وثلاث في الكوفي، انظر البيان ص: 199، والكشف 2/154.(6/31)
…" الصرح ": من قوله تعالى: " قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ" - النمل 44-: كل ملاط، الملاط الطين الذي يجعل بين ساقي البناء، وقيل الصخر، وقيل كل بناء عال منفرد، ويأتي للصرح تفسير آخر. اتخذ من القوارير: أي الزجاج الشفاف.
…حسن الصنعة وغلاء الثمن: قيل كان من ذهب مكلل بالياقوت والزبرجد، طوله ثمانون ذراعا في عرض أربعين.
…" ردف لكم" : من قوله تعالى: " قُلْ عَسى أَن يَّكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ" - النمل 72-.
…" جامدة": من قوله تعالى: "وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسِبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ" - النمل 88-: قائمة، أي واقفة مكانها لعظمها.
…" أوزعني": من قوله سبحانه: " قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيَ أَنَ اَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ" - النمل 19-: اجعلني، وقيل معناه: ألهمني.
…ضرب: بنى. عليها: على مائها. قوارير: زجاجا، وذلك أنه قيل لسليمان - عليه السلام - إن قدمي بلقيس كحافر الحمار، فأراد - عليه السلام - أن يرى قدميها، فاتخذ لها ساحة من زجاج تحته الماء والسمك وجلس هو في صدر الصرح، وقيل لها ادخلي الصرح، فلما رأته حسبته لجة أي ماء أو معظمه، وكشفت عن ساقيها حول الماء، فرآها فإذا هي أحسن الناس ساقا وقدما.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة القصص
…مكية إلا: " إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ" - القصص 85-، فإنها نزلت بالجحفة، وإلا: "اَلَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ " إلى " لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ" - القصص 52 إلى 55-.
وهي سبع، أو ثمان وثمانون آية(1).
…إلا ملكه: أو إلا جلاله، أو إلا ذاته.
…" فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الاَنبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَاءَلُونَ" - القصص 66-.
1-" إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنَ اَحْبَبْتَ ":
__________
(1) - هي ثمان وثمانون آية في جميع العدد، انظر البيان ص:201، والكشف 2/172.(6/32)
هدايته، " وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَّشَاءُ" - القصص 56-: فيدخله في الإسلام.
…4772- وعبد الله بن أبي أمية: أخا أم سلمة، أسلم عام الفتح. أُحَاجُّ لك: إنما قال أحاج لك لأنه كان محتضرا، فربما لم يقبل منه ذلك. على ملة ...إلخ: خبر لمبتدأ محذوف، أي هو على ملة... إلخ. وأنزل الله في أبي طالب ...إلخ: هذا مشعر بأن الآية الأولى نزلت في أبي طالب وفي غيره، والثانية نزلت فيه وحده.
2- باب قوله تعالى: " إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ ":
أنزله، " لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ" - القصص 85-: إلى مكة، وكان اشتاقها لما بلغ في مهاجره إلى الجحفة فنزلت الآية.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة العنكبوت
…مكية.
…تسع وستون آية(1).
…قال الخازن: ( هي آخر ما نزل بمكة في قول ابن عباس).
…" وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ": من قوله تعالى: " وَعَادًا وَثَمُودًا وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ" الآية - العنكبوت 38-: ضللة، وهم يحسبون أنهم على هدى؛ وقال ابن عطية عن ابن عباس ومجاهد والضحاك: ( لهم بصيرة في كفرهم وإعجاب به وإصرار عليه، فذمهم بذلك)(2)، وقال البيضاوي: ( "مستبصرين": متمكنين من النظر والاستبصار، ولكنهم لم يفعلوا)(3)، وقال المحلي: ( ذوي بصائر)(4).
…"الحيوان": من قوله تعالى:" وَإِنَّ الدَّارَ الاَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ"/ - العنكبوت 64-، والحي بفتح الحاء، واحد في المعنى، وعند ابن السكن والأصيلي: الحيوان والحياة واحد، والمعنى لا يختلف.
__________
(1) -هي تسع وستون آية في جميع العدد، انظر البيان ص: 203، والكشف 2/177.
(2) - المحرر الوجيز 11/390.
(3) - أنوار التنزيل 4/139.
(4) - حاشية الجلال ص: 521.(6/33)
…" فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ" - العنكبوت 3-: علم الله ذلك في الأزل القديم، إنما هي: فليميز الله...إلخ، قال البيضاوي: ( "فليعلمن الله"...إلخ: فليتعلق علمه بالامتحان تعلقا حاليا يتميز به الذين صدقوا في الإيمان والذين كذبوا فيه، وينوط به ثوابهم وعقابهم، ولذلك قيل المعنى: فليميزن) هـ.
…أثقالا...إلخ:من قوله تعالى: "وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ"-العنكبوت 13-.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الروم
…مكية.
…وهي ستون، أو تسع وخمسون آية(1).
…" هَل لَّكُم مِّمَّا مَلَكَتَ اَيْمَانُكُمْ": من قوله سبحانه: " ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِّنَ اَنفُسِكُمْ هَل لَّكُمْ" ...إلخ - الروم 28-: في الآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله. وفيه: سبحانه، فالضمير لله تعالى، يعني أن المثل مضروب في الله وفي الأصنام.
…" الودق": من قوله تعالى: " فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ" - الروم 48-.
…" يحبرون": من قوله تعالى: " فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فيِ رَوْضَةٍ يُّحْبَرُونَ" - الروم 15-.
…" فلأنفسهم يمهدون": من قوله تعالى: " وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ" - الروم 44- يسوون المضاجع في القبور أو في الجنة.
…" يصدعون": من قوله تعالى: " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَّاتِيَ يَوْمٌ لاَّمَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ يَوْمَئِذٍ يَّصَّدَّعُونَ" - الروم 43-: يتفرقون بعد الحساب إلى الجنة والنار.
__________
(1) - هي تسع وخمسون في المدني الثاني والمكي، وستون في عدد الباقين، انظر البيان ص: 205، والكشف 2/182.(6/34)
…" السُّوأَى": من قوله تعالى: " ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى اَن كَذَّبوُا"...إلخ - الروم 10-: الإساء جزاء المسيئين، وقال ابن عباس: "الذين كفروا جزاؤهم العذاب".
…ضعف… إلخ: من قوله تعالى: " اللهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ" - الروم 54-.
…" فلا يربو": من قوله: " وَمَا ءَاتَيْتُم مِّن رِّبَا لِّتُرْبُوا فِي أَمَْوالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِندَ اللهِ" - الروم 39-.
…من أعطى شيئا هبة أو هدية يبتغي من الذي أعطاه أفضل، أي أكثر من عطيته، فلا أجر فيها ولا وزر، وهذه هدية الثواب.
…السعر: الله أعلم بمراده منه.
…"غُلِبَتِ الرُّومُ": وهم أهل كتاب غلب عليهم فارس، وليسوا أهل كتاب، ففرح كفار مكة وقالوا للمسلمين: نحن نغلبكم كما غلبت فارس الروم، قال تعالى: " وَهُمْ" - أي الروم- "مِن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ" الآية - الروم 3-.
…4774- يوم القيامة: أي بقربها. فأتيت ابن مسعود: فأخبرته، فإن من العلم أن يقول…إلخ: أي لأن تمييز المعلوم من المجهول نوع من العلم، وليس المراد أن نفي العلم يكون علما، وهذا مناسب لما اشتهر من أن " لا أدري نصف العلم". سنة: قحط. والروم قد مضى: أي غلبة الروم لفارس مضت، وكانت زمن الحديبية، وما ذهب إليه ابن مسعود في معنى الدخان يأتي تحقيقه إن شاء الله في سورة الدخان، وأن ما قاله هذا القاص مروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر وغيرهم، فانظره.
1-باب قوله تعالى: " لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ " - الروم 30-:
قال المص: لدين الله، أي لا تبدلوه بأن تشركوا.
"والفطرة": من قوله تعالى: " فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا" - الروم 30-: الإسلام، هذا أشهر الأقوال في معنى الفطرة.
…قال ابن عبد البر: ( وهو المعروف عند عامة السلف، وأجمع علماء التأويل على أنه المراد في الآية) هـ؛(6/35)
…القرطبي: ( ومعناه أن الله خلق قلوب بني آدم متأهلة لقبول الحق كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات، فما دامت باقية على ذلك القبول وعلى تلك الأهلية، أدركت الحق، ودين الإسلام هو / الدين الحق) هـ،
…البيضاوي: ( " فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ": خلقهم عليها، وهي قبولهم للحق وتمكنهم من إدراكه، أو ملة الإسلام، فإنهم لو خلوا وما خلقوا عليه أدى بهم إليها، وقيل العهد المأخوذ من آدم وذريته) هـ(1).
…4775- يهودانه…إلخ: يزينان له ذلك، إما بترغيبهما فيه، أو باتباعه دينهما بسبب ما سبق في علم الله أنه سيصير إليه، انظر كتاب القدر. تنتج: أي تلد. جمعاء: سليمة الأطراف، لا قطع فيها ولا كي. جدعاء: قطع حتى يفعل أهلها بها ذلك. " ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ": المستقيم ، وهو توحيد الله.
سورة لقمان
…مكية إلا: " وَلَوَ اَنَّ مَا فِي الاَرْضِ مِن شَجَرَةٍ اَقْلاَمٌ" الآيتين- 27 و28-.
…أربع وثلاثون آية(2).
بسم الله الرحمن الرحيم
1-" لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" - لقمان 13-:
لأنه تسوية بين من لا نعمة إلا منه، ومن لا نعمة منه.
…4776- "وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ": يخلطوه، " بِظُلْمٍ" - الأنعام 82-: أي بشرك، فهو من العام الذي أريد به الخصوص. ليس بذاك: أي ليس المراد مطلق الظلم، بل المراد ظلم خاص، وهو الشرك، ومعنى عدم خلط الإيمان بالشرك أنهم لم يجمعوا بينهما ظاهرا وباطنا، أي لم ينافقوا.
2- باب قوله تعالى: " إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ" - لقمان 34-:
…أي علم وقت قيامها.
__________
(1) - أنوار التنزيل 4/146.
(2) - هي ثلاث وثلاثون آية في المدني والمكي، وأربع في عدد الباقين، انظر البيان ص: 206، والكشف 2/187.(6/36)
…4777- بارزا: ظاهرا. وتؤمن بالبعث: المراد بالبعث القيام من القبور، والمراد باللقاء ما بعد ذلك. الآخر تأكيد. أن تعبد الله كأنك تراه: أي أن تكون في حال عبادتك لله مثل حال كونك رائيا له، أي تستحضر في عبادتك أنك ترى الله تعالى، أي وهو يراك أيضا، لأنه دائما يراك. فإن لم تكن تراه فإنه يراك: أي فإن لم تصل إلى هذه المشاهدة فاستحضر أنه سبحانه يراك، فإن ذلك موجب لإحسان العبادة وإتقانها والإخلاص فيها، الذي هو المقصود من هذا الكلام.
…إِذَا وَلَدَتِ الْأََمَةُ رَبَّتَهَا: الراجح في معناه كما للحافظ أن يكثر العقوق في الأولاد، حتى تكون الأم عند ولدها كالأمة عند سيدها.
…رؤوس الناس: باستيلائهم وتملكهم البلاد بالقهر.
…في خمس: حال، أي حال كون علم الساعة في جملة خمس من الغيب، وخص الخمس المذكورة لأن ما عداها يرجع إليها. لا يعلمهن إلا الله: أو من أطلعه الله عليهم من رسول أو ولي. "وَيَعْلَمُ مَا فِي الاَرْحَامِ": يعني إلى آخر الآية.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة تنزيل السجدة
…مكية.
…ثلاثون آية(1).
…" مهين": من قوله تعالى: " ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ" - السجدة 8-.
…"ضللنا": من قوله تعالى: " وَقَالُوا أَبِذَا ضَلَلْنَا فِي الاَرْضِ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ" - السجدة 10-.
…" الجرز": من قوله سبحانه: " أَوَ لَمْ يَرَوَا اَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ اِلَى الاَرْضِ الْجُرُزِ" - السجدة 27-.
…"يهد": من قوله تعالى:" أَوَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمَ اَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ" - السجدة 26-.
1-" فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ" - السجدة 17-:
أي ما تقر به أعينهم.
__________
(1) - في جميع العدد إلا البصري فهو تسع وعشرون، انظر البيان ص: 207، والكشف 2/191.(6/37)
…4779- قال ونا: قائله علي(1).
…4780- ذخرا: منصوب بأعددت، أي أعددت ذلك لهم مذخورا، وهو بضم المعجمة، وقول ابن حجر: "بضم المهملة"(2) سهو منه أو سبق قلم، قاله القسطلاني(3).
…مِنْ بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ: وقع في هذا المحل كلام طويل للشراح، وأحسن ما رأيت من ذلك قول الدماميني: ( إن بله بفتح الهاء/، وهي بمعنى كيف التي يقصد بها الاستبعاد، وما مصدرية، وهي مع صلتها في محل رفع على الابتداء وخبرها من بله، والضمير المجرور بعلى عائد على الذخر، أي كيف ومن أين اطلاعكم على ما اذخرته لعبادي الصالحين، فإنه أمر عظيم قلما تتسع عقول البشر لإدراكه والإحاطة به)(4)، قال: ( وهذا أحسن ما يقال في هذا المحل، وإذا نظرت إلى كلام الشارحين عرفت مقداره) هـ(5).
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأحزاب
…مدنية.
…ثلاث وسبعون آية(6).
…" من صياصيهم": من قوله تعالى: " وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنَ اَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ" - الأحزاب 26-: قصورهم، وقال الجلال: ( حصونهم، جمع صيصة وهي ما يتحصن به)(7).
1-" اَلنَّبِيءُ اَوْلى بِالْمُومِنِينَ ":
في الأمور كلها، " مِنَ اَنفُسِهِمْ" - الأحزاب 6-: من بعضهم بعضا.
…4781- ضياعا: عيالا ضائعين، لا شيء لهم ولا قيم عليهم. وأنا مولاه: أتولى أمره.
2- باب: " اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ ":
انسبوهم لهم، " هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ" - الأحزاب 5-: أعدل عنده.
…4782- أن زيد بن حارثة...إلخ: أي فتركوا ما كانوا عليه، ونسبوا كل أحد لأبيه.
…3- " فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ" - الأحزاب 23-
__________
(1) - علي بن عبد الله بن المديني، وقد تقدمت ترجمته.
(2) - الفتح 8/662.
(3) - في الإرشاد 7/326.
(4) - تعليق المصابيح ص: 514-515.
(5) - تعليق المصابيح ص: 514-515.
(6) - في جميع العدد، انظر البيان ص: 208، والكشف 2/193.
(7) - حاشية الجلال، ص: 547.(6/38)
…قال المص: نحبه: عهده، وقال الجلال: ( " قضى نحبه" أي مات أو قتل في سبيل الله)(1).
…" أقطارها": من قوله تعالى: " وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنَ اَقْطَارِهَا" - الأحزاب 14-: جوانبها، أي المدينة، " ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ" أي الشرك، لآتوها: لأعطوها وفعلوها.
…4783- نزلت في أنس بن النضر: وكان قتل يوم أحد مقبلا رضي الله عنه.
…"ما عاهدوا الله عليه": من الثبات مع النبي - صلى الله عليه وسلم -.
…4784- لم أجدها: أي مكتوبة مع أحد، وأما حفظها فكان يحفظها هو وغيره من الصحابة، لأن القرآن لابد فيه من التواتر. شهادته شهادة رجلين: أشار إلى قصة شهادته على الأعرابي الذي اشترى من النبي - صلى الله عليه وسلم - فرسا، ثم جحده الأعرابي وقال له: هلم شاهدا يشهد لك أني بعتك، فشهد له خزيمة، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: بم شهدت؟ قال: بتصديقك، فجعل شهادته بشهادة رجلين، رواه أبو داود والنسائي.
4- باب: " يَأَيُّهَا النَّبِيءُ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيا وَزِينَتَهَا" الآية
"فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً" - الأحزاب 28-: أي أطلقكن من غير إضرار بكن.
التبرج: من قوله تعالى: " وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الاُولى" - الأحزاب 33-.
…" سنة الله ": من قوله سبحانه:" سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ" - الأحزاب 38-.
…4785- أن يخير أزواجه: بين الدنيا فيطلقهن، وبين الآخرة فيمسكهن، وسبب هذا التخيير أنهن سألنه النفقة كما في مسلم، أي التوسع فيها. فلا عليك أن تستعجلي…إلخ: قيل خاف - صلى الله عليه وسلم - اختيارها الطلاق لصغر سنها. إلى تمام الآيتين:هي قوله تعالى:" أَجْرًا عَظِيمًا".
5- باب قوله تعالى: " وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الاَخِرَةَ":
__________
(1) -حاشية الجلال، ص: 547.(6/39)
أي الجنة، "فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا" - الأحزاب 29-: أي الجنة. والسنة: كذا للمستملي بالواو، ولغيره بإسقاطها، وهو أولى لأنه تفسير الحكمة.
6- باب قوله تعالى: " وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ" الآية - الأحزاب 37-:
…أي مظهره من نكاحك زينب إن طلقها زيد، قال علي بن الحسين: ( أعلم الله سبحانه نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن زيدا سيطلق زينب ويزوجها منه، فلما شكا زيد على النبي - صلى الله عليه وسلم - حدتها وأراد أن يطلقها، قال - صلى الله عليه وسلم - : أمسك عليك/ زوجك واتق الله، وأخفى في نفسه ما أعلمه الله به، والذي خشي - صلى الله عليه وسلم - إرجاف المنافقين) هـ .
…قال القاضي عياض: ( هذا الذي عليه المحققون في تفسير الآية، لا ما قاله من لاتحقيق عنده منهم).
7- باب قوله تعالى: "تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُمْ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ" -الأحزاب 51-.
…4788- أغار: أعيب. على اللائي وهبن أنفسهن...إلخ: كخولة بنت حكيم(1) وأم شريك(2) وفاطمة بنت شريح(3)
__________
(1) - خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج السلمية، امرأة عثمان بن مظعون.
قال هشام بن عروة عن أبيه: كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم.
ترجمتها في: الاستيعاب ص: 1832، والإصابة 7/621-622.
(2) - أم شريك بنت جابر الغفارية.
قال ابن عبد البر: ذكرها أحمد بن صالح في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللائي لم يدخل بهن.
ترجمتها في: الإصابة 8/236.
وهناك أم شريك مختلف في اسمها، فقيل بنت أنس، وقيل بنت خالد، ذكرها ابن أبي خيثمة فيمن تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدخل بهن.
ترجمتها في: الإصابة 8/236.
(3) - فاطمة بنت شريح الكلابية
نقل ابن شكوال عن أبي عبيدة أنه ذكرها في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم.
ترجمتها في: الإصابة 8/64.(6/40)
وليلى بنت الخطيم(1) ولم يدخل - صلى الله عليه وسلم - بواحدة منهن.
…ترجي: تؤخر، من تشاء منهن: أي من أزواجك عن نوبتها، وتؤوي: تضم، إليك من تشاء: منهن فتأتها، ومن ابتغيت: طلبت، ممن عزلت: من القسمة، فلا جناح عليك: في طلبها وضمها، قال الجلال المحلي: ( خير - صلى الله عليه وسلم - بعد أن كان القسم واجبا عليه)هـ(2) ، وقال ابن جزي: ( اتفق الناقلون على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يعدل في القسمة بين نسائه، أخذا منه بأفضل الأخلاق، مع إباحة الله له)هـ(3) ، وفي الفتح عن الزهري:( ما أعلم أنه - صلى الله عليه وسلم - أرجأ أحدا من نسائه)(4).
…ما أرى ربك إلا يسارع في هواك: فلم أعب عليهن ذلك لرضى الله ورسوله، وقولها: " في هواك"، قال القرطبي: (هذا قول أبرزه الدلال والغيرة، وإلا فلا يجوز إضافة الهوى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، لكن الغيرة يغتفر لأجلها إطلاق ذلك).
…4789- كان يستأذن المرأة منا... إلخ: أي إذا أراد الذهاب لغيرها يوم نوبتها.
…قال في الإكمال: ( هذا دليل على أن القسم كان غير واجب عليه - صلى الله عليه وسلم -، وإنما كان تفضلا منه وتطييبا لنفوسهن وحسن عشرتهن).
8- " لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيءِ اِلاَّ أَن يُّوذَنَ لَكُمُ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ "
إلى قوله "عَظِيمًا" - الأحزاب 53-
…البيضاوي: ( غير منتظرين وقته أو إدراكه، وهو حال من فاعل لا تدخلوا)(5).
__________
(1) - ليلى بنت الخطيم بن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر الأنصارية الأوسية ثم الظفرية كانت وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فقبل، ثم استقالته فأقالها وتزوجها مسعود بن أوس الظفري.
ترجمتها في: الإصابة 8/103.
(2) - حاشية الجلال ص: 551.
(3) - التسهيل لعلوم التنزيل 3/141.
(4) - الفتح 8/675.
(5) - أنوار التنزيل 4/167.(6/41)
…إدراكه وبلوغه. ظرفا: أي اسما زمانيا. وبدلا: عن الصفة إن جعلته اسم مكان الصفة. وكذلك لفظها: أي لفظ الكلمة المذكورة إذا لم ترد بها الصفة. في الاثنين...إلخ: أي بغيرها أو بغير جمع وبغير تثنية.
…4790- فأنزل الله آية الحجاب: هي آية الترجمة، بسبب قضية زينب رضي الله عنها، وهذا من موافقات عمر رضي الله عنه، وقد سردها القسطلاني هنا، وأنهاها إلى خمسة عشر، فانظرها في إرشاده(1).
…4791- وقعد ثلاثة نفر: لم يعرف الحافظ أسماءهم(2).
…4793- فتقرى: تتبع. أسكفة الباب: العتبة التي يطأ عليها.
…4794- رجلين: تقدم أنهم ثلاثة، والجمع بينهما أنه لما قام أولا وخرج كانوا ثلاثة، فلما رجع وجد اثنين فقط(3).
__________
(1) - قال في الإرشاد 7/335-337: (قد تحصل من جملة الأخبار لعمر من الموافقات خمسة عشر:
تسع لفظيات وأربع معنويات وثنتان في التوراة:
فمقام إبراهيم، والحجاب، وأسارى بدر، والظهار، والاستغفار للمنافقين، وقوله "تبارك الله أحسن الخالقين"، وقوله: "هذا بهتان عظيم" في قصة الإفك، وقوله: "ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن"، ومنعه من الصلاة على أبي فنزلت: "ولا تصل على أحد منهم مات أبدا"؛
والمعنويات: قصته مع اليهود بشأن جبريل فنزلت: "قل من كان عدوا لجبريل"، وقوله: "اللهم بين لنا في الخمر"، وقوله في الاستئذان في الدخول، وبكاؤه عندما نزل: "وقليل من الاخرين" فنزلت الآية: "وثلة من الاخرين"؛
وأما موافقته للتوراة، فقوله: "فالنار حيث شاء الله"، وقوله: "ويل لملك الأرض من ملك السماء إلا من حاسب نفسه"، وكلاهما في التوراة) –بتصرف من الإرشاد-.
(2) - في الفتح 8/697: ( لم أقف على تسمية أحد منهم).
(3) - نقلا عن الفتح 8/679.(6/42)
…4795- بعدما ضرب الحجاب: هذه الرواية هي الصواب، وفي الوضوء والاستئذان مما يوهم خلافها معترض، راجع كتاب الوضوء، وقوله: " بعدما ضرب الحجاب" أي بنزول آية الترجمة، وهذا محل الشاهد، وما في الفتح متكلف(1).
…ما تخفين علينا: زاد في الوضوء حرصا على أن ينزل الحجاب، أي المنع من خروجهن زيادة على ستر وجوههن، ولم يوافق عمر على ذلك، بل أذن لهن - صلى الله عليه وسلم - في الخروج لحاجتهن دفعا للمشقة والحرج، قاله ابن حجر(2)، وقول القاضي عياض: ( فرض الحجاب مما اختصصن به، فهو فرض عليهن بلاخلاف في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولاغيرها/، ولا إظهار شخوصهن وإن كن مستترات إلا ما دعت إليه ضرورة كالخروج إلى البراز) هـ، اعترضه ابن حجر بقوله: ( لا دليل له على ما ادعاه من فرض ذلك عليهن، وقد كن بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يحججن ويطفن ، وكل الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث وهن مستترات الأبدان لا الأشخاص)(3).
…عرق: عظم عليه لحم. لحاجتكن: يعني للبراز وغيره.
9- " إِن تُبْدُوا شَيْئًا اَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا":
فيجازيكم عليه، إلى قوله: "شَهِيدًا" - الأحزاب 54 و55-: لا يخفى عليه شيء.
__________
(1) - راجعه في الفتح 8/681، فهو طويل.
(2) - في الفتح 8/681.
(3) - انظر قول عياض ورد ابن حجر في الفتح 8/680.(6/43)
…4796- ائذني له فإنه عمك: لأن امرأة أخيه أرضعتك وهي في عصمته، فهما مشتركان في اللبن، وهذا محل الترجمة، لأن المرأة إذا لم يجب عليها أن تحتجب من عمها من الرضاعة، فأحرى أن لا تحتجب من عمها من النسب، وأحرى من أبيها ومن ذكر معه في آية الترجمة، وهي قوله: "لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي ءَابَائِهِنَّ"...إلخ، فمطابقته مأخوذة بالأحرى، هذا ما ظهر لي، وهو أولى مما لابن حجر(1)، وإن تبعه عليه القسطلاني(2)، وأولى مما للعيني(3) أيضا، فانظر ذلك والعلم عند الله.
تربت يمينك: أي التصقت بالتراب، وهي كلمة تقولها العرب، ولا تقصد معناها.
10- باب قوله تعالى: " إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيءِ ":
محمد - صلى الله عليه وسلم -، " يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " - الأحزاب 56-: أي قولوا اللهم صل على محمد وسلم.
…صلاة الله: أي على نبيه. ثناؤه: أي ذكره بالجميل.
…يُبَرِّكُونَ: أي يدعون له بالبركة.
…" لَنُغْرِيَنَّكَ "(4) : من قوله: " لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مََّرضٌ" ...إلخ - الأحزاب 60-.
__________
(1) - في الفتح 8/682 قال: ( وكأن البخاري رمز بإيراد هذا الحديث إلى الرد على من كره للمرأة أن تضع خمارها عند عمها أو خالها،...، وهذا من دقائق ما في تراجم البخاري).
(2) - في إرشاد الساري 7/340.
(3) - قال في عمدة القاري 19/125: "يطابق الترجمة من حيث أنه أريد به بيان جواز دخول الأعمام والآباء من الرضاعة على أمهات المؤمنين).
(4) -قال الحافظ في الفتح 8/683: ( كذا وقع هذا هنا، ولا تعلق له بالآية، وإن كان من جملة السورة، فلعله من الناسخ).(6/44)
…4797- فقد عرفناه: بما علمتناه من أن نقول في التحية: السلام عليك أيها النبيء ورحمة الله . فكيف الصلاة: أي كيف نصلي عليك. اللهم صل على محمد: زده تشريفا وتعظيما وتفخيما، وعلى آل محمد: هم من تحرم عليهم الصدقة، وهم بنو هاشم والمطلب كما صليت على إبراهيم: ابن حجر: ( أي تقدمت منك الصلاة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، فنسأل منك الصلاة على محمد وعلى آل محمد بطريق الأولى، لأن الذي يثبت للفاضل يثبت للأفضل بطريق الأولى، وبهذا يحصل الانفصال عن الإيراد المشهور من أن شرط التشبيه أن يكون المشبه به أقوى، ومحصل الجواب أن التشبيه ليس من باب إلحاق الكامل بالأكمل، بل من باب التهييج ونحوه)، هـ من فتحه(1) بلفظه، ونقله القسطلاني(2) هنا مقتصرا عليه، وقد أجيب عن الإشكال المذكور بأجوبة أخر، ذكر في المواهب وشرحها منها نحو العشرة، ونقلنا بعضها في الدعوات، قال الزرقاني: (وهذا الجواب - يعني الذي ذكرناه عن ابن حجر - من محاسنها)، ويأتي في الدعوات بقية الكلام على الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن هذه الصلاة المذكورة هنا هي أفضل الصلوات على الإطلاق، حتى أن من حلف ليصلين بأفضل صلاة يبر بهذه الصلاة.
…4798- هذا التسليم: أي قد عرفناه.
11- باب قوله تعالى: " لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ ءَاذَوْا مُوسى" - الأحزاب 69-:
أي لا تؤذوا محمدا كما آذى بنو إسرائيل موسى.
…4799- حَيِيًّا: كثير الحياء، وكان يستتر عند اغتساله، فقالوا به برص أو ادرة، فاغتسل يوما ووضع ثوبه على حجر، ففر الحجر بثوبه حتى مر على ملإ بني إسرائيل، ورأوه لاشيء فيه.
سورة سبأ
…مكية إلا: "وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ" الآية - سبأ 6-.
…وهي أربع، أو خمس وخمسون آية(3).
__________
(1) - الفتح 8/684.
(2) - في الإرشاد 7/341.
(3) - هي خمس وخمسون في الشامي، وأربع في عدد الباقين، انظر البيان ص:209، والكشف 2/201.(6/45)
…وسبأ هو ابن يشخب بن يعرب بن قحطان، ولد عشرة من الولد، فتيامن منهم ستة وتشاءم أربعة.
…بسم الله الرحمن الرحيم - " معاجزين": من قوله تعالى: " وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي ءَايَاتِنَا مُعَاجِزِينَ" - سبأ 38-: مسابقين لنا كي يفوتونا لظنهم ألا بعث ولا عقاب.
"سبقوا": من قوله سبحانه /في سورة الأنفال (1)-59-: " وَلاَ تَحْسِبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لاَيُعْجِزُونَ"، وأتى به استشهادا كقوله أيضا: " يسبقونا" من قوله تعالى في سورة العنكبوت -4-: " أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَّسْبِقُونَا".
…" معجزين": هذه قراءة أخرى(2) للآية المصدر بها: فائتين، وقال البيضاوي: (مثبطين عن الإيمان من أراده)(3)، وقال الجلال: (مقدرين عجزنا)(4).
…" معشار": من قوله تعالى: " وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا ءَاتَيْنَاهُمْ" - سبأ 45-.
…" لا يعزب عنه": من قوله تعالى: " عَالِِمُ الْغَيْبِ لاَيَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الاَرْضِ" - سبأ 3-.
…" سيل العرم": من قوله تعالى: " فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ" - سبأ 16-.
…" ماء أحمر...إلخ : وقال الجلال: ( جمع عرمة، وهو ما يمسك الماء من بناء وغيره إلى وقت حاجته، أي سيل واديهم الممسوك بما ذكر، فأغرق جنتهم وأموالهم)هـ(5)، وقال البيضاوي: ("سيل العرم": سيل الأمر العرم، أي الصعب) هـ(6).
__________
(1) - في الأصل: " الأعراف "، وهو وهم.
(2) - لا خلاف في قراءتها في السبع أو العشر، انظر التذكرة ص: 504، والنشر 2/349.
(3) - في أنوار التنزيل 4/170، مفسرا قراءة ابن كثير وأبي عمرو البصري.
(4) - حاشية الجلال ص: 561.
(5) - حاشية الجلال ص: 558.
(6) - أنوار التنزيل 4/172.(6/46)
…فارتفعتا: أي الجنتان، عن الجنتين: أي ارتفع وزال اسم الجنتين عنهما، ولم يكن الماء الأحمر من السد: قال في المشارق: ( كذا لهم، وعند الحموي: من السيل، مكان السد فيهما، والصواب السد في الأول، والسيل في الثاني)(1).
…المسناة: المراد بها ما يبنى في عرض الوادي ليرتفع السيل ويسيل على الأرض، قاله ابن التين، وقال الفراء: كانت هذه المسناة تحبس الماء على ثلاثة أبواب منها، بعضها فوق بعض، فيسقون من الباب الأعلى، ثم من الذي يليه، ثم من الثالث، ولا ينفد حتى يرجع الماء من السنة المقبلة، وكانوا أنعم قوم، فلما أعرضوا بثق الله عليهم تلك المسناة، فغرقت أرضهم، ودفن الرمل بيوتهم، ومزقوا كل ممزق.
…بلحن: بلغة. والعرم: الواو بمعنى أو. هل يعاقب: وقال البيضاوي: ( هل يجازى بمثل ما فعلنا بهم إلا البليغ في الكفران)(2).
…" كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ" -سبأ 54-.
…" كالجواب": من قوله تعالى: " يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ " - سبأ 13-: كالجوبة من الأرض.
…ابن حجر:( هي الموضع المطمئن من الأرض، ولا يستقيم تفسير الجوابي بها)هـ(3).
…وقال البيضاوي: ( كالجواب: كالحياض الكبار)(4).
…يقلل الأكل: يشير لتفسير قوله تعالى: " وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيُ اَكْلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ" - سبأ 16-، ويأتي تفسير الخمط والأثل.
…" باعد": من قوله تعالى: " فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا" - سبأ 19-.
…السابغات: من قوله تعالى: " أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فيِ السَّرْدِ" - سبأ 11-: الدروع الواسعات الطوال.
__________
(1) - مشارق الأنوار 2/211.
(2) - أنوار التنزيل 4/173.
(3) - الفتح 8/689.
(4) - أنوار التنزيل 4/171.(6/47)
…" قُلِ اِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ اَن تَقُومُوا للهِ مَثْنى وَفُرَادى" - سبأ 46-: أي بخصلة واحدة، هي ما دل عليه قوله: "أن تقوموا".
…واحد واثنين: الزركشي: ( صوابه: واحد واحد، واثنين اثنين)هـ(1) ، أي لأن المعروف في مثل هذا التركيب هو التكرير.
…" التناوش": من قوله تعالى: " وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ" - سبأ 52-.
…"وبين ما يشتهون": من قوله تعالى: "وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ"..إلخ -سبأ 54-…الخمط: الأراك، هذا قول ابن عباس، وقال الزجاج: ( هو كل نبت أخذ طعما من مرارة حتى لا يمكن أكله)، وهذا هو الذي صدر به البيضاوي، ونصه: ( "أكل خمط": تمر بَشِيع، فإن الخمط كل نبت أخذ طمعا من مرارة) هـ(2).
…وزاد الزمخشري: ( وصف الأكل بالخمط كأنه قيل: ذواتي أكل بَشِع) هـ(3).
…وعلى هذا اقتصر الجلال، ونصه: ( "أكل خمط": مر بَشِع)(4).
…العرم: الشديد، هذا تفسير آخر له /.
1-" حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ":
شأنه، "الْكَبِيرُ" - سبأ 23-: سلطانه.
…4800- إذا قضى الله الأمر في السماء: وفي رواية: إذا تكلم الله بالوحي.
…خضعانا: أي خاضعين. كأنه: أي القول المسموع. صفوان: حجر أملس. فإذا فزع عن قلوبهم: أزيل عنهم الفزع. قالوا: أي قال بعضهم لبعض، للذي قال: أي للذي سأل، الحق: أي قال الحق، أي القول الحق. مسترق السمع: الزركشي: ( صوابه: مسترقو السمع في الموضعين)(5). بدد: فرق. فربما أدرك الشهاب: مسترق السمع.
…
2- باب قوله تعالى: " إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ" - سبأ 46-:
في الآخرة إن عصيتموه.
__________
(1) - التنقيح ص: 199.
(2) - أنوار التنزيل 4/172، وفيه: ( ثمر بشع)، وكلاهما فصيح صحيح، انظر لسان العرب: مادة بشع.
(3) - الكشاف 3/576.
(4) - حاشية الجلال ص: 558.
(5) - التنقيح ص: 199(6/48)
…4801- يا صباحاه: هذا لفظ يقوله المستصرخ على إغارة العدو، لأن الغالب فيها أن تكون صباحا. فقال أبو لهب...إلخ: قدمنا أن الأولى عدم تلفظ القارئ بما بعد هذا اللفظ، ويقول: " فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا"، أداء لما وجب عليه من تعظيم جناب النبي - صلى الله عليه وسلم - الشريف، زاده الله شرفا.
سورة الملائكة ويس
…ابن حجر: ( سقط لغير أبي ذر لفظ "يس"، وهو الأولى، لأنه تكرار )(1).
وسورة الملائكة مكية، خمس أو ست وأربعون آية(2).
…بسم الله الرحمن الرحيم - القطمير: من قوله تعالى: " " وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ " - فاطر 13-.
…" وغرابيب سود": من قوله تعالى: " وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ": أي طرق، " بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ اَلْوَانُهُ وَغَرَابِيبُ سُودٌ" - فاطر 27-، قال الجلال: ( "غرابيب": معطوف على جدد، أي صخور شديدة السواد، يقال كثيرا: أسود غربيب، وقليلا: غربيب أسود)(3).
…" من مثله": من قوله تعالى: " وَءَايَةٌ لَّهُمُ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّاتِهِمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ" - يس 41 و42-: من الأنعام كالإبل، فإنها سفن البر.
__________
(1) - الفتح 8/692.
(2) - هي ست وأربعون في المدني الثاني والشامي، وخمس في عدد الباقين، انظر البيان ص: 210، والكشف 2/210.
(3) - حاشية الجلال ص: 567(6/49)
…" فَكِهُونَ": من قوله تعالى: " إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغْلٍ فَكِهُونَ" - يس 55-: معجبون تفسير فَكِهُونَ، بغير ألف كما في الأصل، وهي قراءة أبي جعفر، من الفكاهة وهي التلذذ والتنعم، وقرأ الباقون:"فَاكِهُونَ" بالألف(1)، قال ابن عطية وابن جزي: ( أي أصحاب فاكهة، كما تقول: لاَبِنٌ وَتَامِرٌ وَلاَحِمٌ)(2)، وقال المحلي: ( منعمون)(3).
سورة يس
…مكية أو إلا قوله: " وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ أَنفِقُوا" -يس 47-، أو مدنية.
…ثنتان وثمانون آية(4)، ومعناه الله أعلم به.
…بسم الله الرحمن الرحيم – "طائركم عند الله": الذي في سورة يس -19-: " قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمُ أَئِن ذُكِّرْتُمْ"، أي شؤمكم معكم بكفركم.
…" ينسلون": من قوله:" وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الاَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ" – يس 51-.
1-باب قوله تعالى: " وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ":
أي إليه لا تجاوزه، " ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ": في ملكه، " الْعَلِيمِ" - يس 38-: بخلقه.
…4802- حتى تسجد تحت العرش: ( أي تنقاد للباري سبحانه انقياد الساجدين المكلفين، وسجودها تحت العرش لا ينافي غروبها تحت الأرض، لأن العرش محيط بالسماء والأرض فأينما سجدت الشمس سجدت تحته)، قاله ابن الجوزي.
…4803- مستقرها تحت العرش: ( يحتمل أن يكون على ظاهره من الاستقرار تحت العرش، ويحتمل أن يكون المعنى أن علم ما سألت عنه من مستقرها تحت العرش في كتاب كتبت فيه مبادئ أمور العالم ونهايته)، قاله ابن حجر(5).
سورة والصافات
…مكية.
__________
(1) - انظر النشر في القراءات العشر 2/354.
(2) - المحرر الوجيز 12/312، والتسهيل لعلوم التنزيل 3/165.
(3) - حاشية الجلال ص: 576، وفيها: ( ناعمون).
(4) - هي ثمانون آية وثلاث في الكوفي، وآيتان في عدد الباقين، انظر البيان ص: 211، والكشف 2/214.
(5) - في الفتح 8/695، وهو من قول الخطابي.(6/50)
…مائة واثنان وثمانون آية(1).
…بسم الله الرحمن الرحيم " قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَاتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ" - الصافات 28-: عن الجهة التي كنا/ نأمنكم منها لحلفكم أنكم على الحق فصدقناكم واتبعناكم، المعنى: أنكم أضللتمونا، يعني الجن: هذا بيان المقول لهم، وهم الشياطين، والقائل هم الكفار.
"يهرعون": من قوله تعالى: " إِنَّهُمُ أَلْفَوَا ابَاءَهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى ءَاثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ" – الصافات 69 و70-: كهيئة الهرولة، أي يزعجون إلى اتباعهم فيسرعون إليه.
" بيض مكنون": من قوله سبحانه: " وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ" - الصافات 48 و49-: اللؤلؤ... إلخ: هذا قول ابن عباس، قال ابن عطية: (ولايصح عندي عن ابن عباس لأنه يرده اللفظ من الآية، والجمهور على أنه بيض النعام)هـ(2)، وبما نسبه للجمهور صدر ابن جزي(3)، وعليه اقتصر البيضاوي(4) والخازن(5) والمحلي، ونصه: ( "كأنهن": في اللون، "بيض": للنعام، "مكنون": مستمر بريشه لايصل إليه غبار، ولونه وهو البياض في صفرة أحسن ألوان النساء)(6).
" يستسخرون": من قوله: " وَإِذَا رَأَوَا ايَةً يَسْتَسْخِرُونَ " - الصافات 14-.
…والملائكة: والمفعول محذوف، أي الصافون أجنحتنا أو أقدامنا.
…1- باب قوله تعالى: " وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ " - الصافات 139-
…أرسل إلى أهل نينوى فكذبوه، فوقع له ما قص الله في كتابه من قوله: " إِذَ اَبَقَ" الآيات - من الآية 140-.
__________
(1) - في جميع العدد إلا في البصري فهي مائة وثمانون آية، انظر البيان ص: 212، والكشف 2/221.
(2) - المحرر الوجيز 12/358..
(3) - في التسهيل لعلوم التنزيل 3/171.
(4) - في أنوار التنزيل 5/6.
(5) - في لباب التأويل 4/22.
(6) - حاشية الجلال ص: 583.(6/51)
…4804- لا ينبغي لأحد أن يكون خيرا...إلخ: أي في نفس النبوءة، إذ لا تفاضل فيها، نعم بعض النبيئين أفضل من بعض كما هو مصرح به في كتاب الله(1).
…4805- فقد كذب: قاله - صلى الله عليه وسلم - تواضعا أو سدا للذريعة.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة ص
…مكية.
…ست أو ثمان وثمانون آية(2).
…والله أعلم بمراده منه.
…4806- " فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ" - الأنعام 90-، أي وقد سجد فيها داود - عليه السلام - .
…4807- ممن أمر نبيكم أن يقتدي به: بحث في هذا الكرماني وابن زكري بأن الاقتداء بهم إنما هو في الأصول لا في الفروع، انظر أحاديث الأنبياء.
…" عُجَابٌ": من قوله تعالى: " أَجَعَلَ الاَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا" …إلخ - ص 5-.
…القط: من قوله تعالى: " وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ" - ص 16-.
…" في عزة": من قوله تعالى: " بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ" - ص 2-: معازين مغالين.
…" الملة الاخرة": من قوله سبحانه: " مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الاَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ" - ص 7-: ملة قريش، وقال غيره: ملة عيسى.
…" الاَسْبَابِ ": من قوله سبحانه: " أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَوَاتِ وَالاَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا..." إلخ - ص 10-: طرق السماء...إلخ، أي يرتقوا فيها ليأتوا بالوحي، فيخصوا به من شاءوا.
…" أولئك الاحزاب": من قوله تعالى: " كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُوالاَوْتَادِ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لَيْكَةَ أُوْلَئِكَ الاَحْزَابُ" - ص 12 و13-.
__________
(1) - في قوله عز وجل من سورة الإسراء الآية 55: ( وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيئِينَ عَلَى بَعْضٍ).
(2) - هي ثمانون وخمس آيات في البصري، وست في المدني والمكي والشامي، وثمان في الكوفي، انظر البيان ص:214، والكشف 2/230.(6/52)
…"فواق":من قوله تعالى:"وَمَا يَنظُرُ هَؤُلاَءِ اِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّالَهَا مِن فَوَاقٍ-ص 15-
…" أَتَّخَذْنَاهُمْ سُخْرِيًّا اَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الاَبْصَارُ" - ص 63-، ( أي كنا نسخر بهم في الدنيا، أي أمفقودون، " أم زاغت": مالت، " عنهم الابصار": فلم ترهم)، قاله الجلال(1)، وقوله: " أحطنا بهم"، قال الزركشي: ( قال القاضي: كذا وقع، ولعله " أخطأناهم"، وحذف مع ذلك القول الذي هذا تفسيره، وهو قوله: " أم زاغت عنهم الابصار")(2).
…" أتراب": من قوله تعالى: " وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ" - ص 52-: أمثال، على نسق واحد، أبناء ثلاث وثلاثين سنة.
…" الايدي": من قوله تعالى: " وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الاَيْدِي وَالاَبْصارِ" - ص 45-.
…
1- باب قوله تعالى:" هَبْ لِي مُلْكًا لاَّ يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ"-ص 35-
…ابن حجر: ( هذا القول كان بإذن الله له فيه، وكان ذلك معجزة له كما اختص كل نبي بمعجزة دون /غيره).
…4808- عفريتا: مَارِدًا. تفلت: تعرض لي فلتة أي بغتة. خاسئا: مطرودا.
…قال ابن عطية: ( لو ربطه- صلى الله عليه وسلم - لم يكن ذلك نقصا لما أوتيه سليمان، لكن لما كان فيه بعض الشبه، ترك جريا منه - عليه السلام - على اختياره أبدا أيسر الأمرين وأقربهما إلى التواضع)هـ(3).
…وقال الكرماني: ( فإن قلت: مجرد هذا القدر لا يوجب عدم اختصاص الملك بسليمان عليه السلام، إذ المراد بملك لا ينبغي لأحد من بعده، مجموع ما كان له من تسخير الرياح والطير والوحش ونحوه، قلت: أراد الاحتراز عن الشريك في جنس ذلك الملك، والله أعلم) هـ.
__________
(1) - في حاشيته ص: 599.
(2) - التنقيح ص: 200.
(3) - المحرر الوجيز 12/462.(6/53)
…وقال السندي: ( كأنه - صلى الله عليه وسلم - خشي من ربطه توهم غيره عدم استجابة دعاء سليمان وعدم خصوصيته بذلك، لا أنه علم أن ربطه موجب لذلك، فإن ربط شيطان واحد، بل ألف شيطان، لا يقدح في الخصوصية قطعا).
…2- باب قوله تعالى: " وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ " - ص 86-:
المتقولين القرآن من تلقاء نفسي.
…4809- قال الله لنبيه: قل ما أسألكم...إلخ: يعني وكل من قال شيئا من قبل نفسه فقد تكلف. وسأحدثكم عن الدخان. المذكور في الآية. سنة: قحط. حصت: أذهبت وأفنت. معلم: أي يعلمه غيره. كاشفوا العذاب: بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، قليلا: أي كشفا قليلا، إنكم عائدون: إلى الكفر. البطشة الكبرى: يوم بدر.
سورة الزمر
…مكية إلا: " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا" الآية - الزمر 53-.
…وهي خمس وسبعون آية(1).
…بسم الله الرحمن الرحيم - " أَفَمَنْ يَّتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" - الزمر 24-: يجر على وجهه في النار، كمن هو آمن بدخوله الجنة.
…" وَرَجُلاً سَلَمًا لِّرَجُلٍ": من قوله تعالى: " ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ" الآية - الزمر 29-: صالحا، وقيل خالصا.
…متشاكسون: متنازعون سيئة أخلاقهم.
…البيضاوي: ( مثل المشرك بعبد يتشارك فيه جمع يتجاذبونه ويتعاورونه في مهامهم المختلفة، في تحيره وتوزع قلبه، والمؤمن بمن خلص لواحد ليس لغيره عليه سبيل)(2).
…"متشابها":من قوله تعالى:" اَللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ"–الزمر23-
…" غير ذي عوج": من قوله تعالى: " قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" - الزمر 28-.
__________
(1) - هي ثلاث وسبعون آية في الشامي، وخمس في الكوفي، واثنتان في الباقي، انظر البيان ص:216، والكشف 2/236.
(2) - أنوار التنزيل 5/27.(6/54)
…" خولنا": من قوله سبحانه: " فَإِذَا مَسَّ الاِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا" - الزمر 49-.
…" سَلَمًا لِّرَجُلٍ": ويقال سالما، ابن جزي: ( معناهما واحد)(1).
…"اشمأزت": من قوله تعالى: " وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لاَ يُومِنُونَ بِالاَخِرَةِ" - الزمر 45-.
…" بمفازتهم": من قوله تعالى: "وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ ..." إلخ- الزمر 61-: من الفوز، أي بمكان فوزهم من الجنة بأن يجعلوا فيها.
…" حافين": من قوله تعالى: " وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ" الآية - الزمر 75-: مطيعين بحفافيه، تثنية حفاف، أي بجانبيه، أي محدقين به، دائرين حوله.
1-باب قوله عز وجل: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ":
أفرطوا في الجناية عليها بالإسراف في المعاصي، "لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَتِ اللهِ": لا تيأسوا من مغفرته أولا وتفضله ثانيا،"إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"-الزمر53-.
…4810- ناسا من أهل الشرك: منهم وحشي الحبشي.
2- باب قوله تعالى: " وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ " - الزمر 67-:
أي ما عظموه حق تعظيمه، حيث أشركوا معه غيره.
…4811- حبر: لم يسم. إنا نجد: في التوراة. يجعل السموات على إصبع...إلخ: الإصبع المعهود محال في حقه تعالى، وسبيل إطلاقه عليه سبيل غيره من المتشابه كالوجه والعين واليد وغير ذلك، ومذهب السلف في ذلك التفويض والتنزيه، وهو أسلم، ومذهب الخلف التنزيه والتأويل وهو أعلم، أي يحتاج إلى مزيد علم.
__________
(1) - التسهيل لعلوم التنزيل 3/195.(6/55)
…ابن حجر: ( والأولى في هذه/ الأشياء الكف عن التأويل مع اعتقاد التنزيه، وأن كل ما يستلزم النقص من ظاهرها غير مراد)هـ(1) ؛ ونحوه للدماميني(2)، وهذا مذهب السلف كما سبق، ويأتي في التوحيد عن ابن العربي وغيره اختيار التأويل، فانظر ذلك.
…نواجذه: أنيابه. تصديقا لقول الحبر: هذه الزيادة أخرجها أيضا مسلم والترمذي وابن خزيمة، وطعن فيها الخطابي والقرطبي، ونص الخطابي: ( روى هذا الحديث غير واحد فلم يذكروا قوله: تصديقا، ولعل ذلك من الراوي ظن وحسبان أن ضحكه - صلى الله عليه وسلم - تصديقا، وإنما هو تعجب من كذبه) هـ(3).
…ونص القرطبي: ( هذه الزيادة باطلة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يصدق المحال)هـ.
ابن حجر: ( والحق الذي عليه جماهير العلماء أنها صحيحة، وحكمها حكم غيرها من المتشابه، كيف وقد أخرجها الشيخان، ومحال أن ينكر - صلى الله عليه وسلم - شيئا فيجعل بدل الزجر والنهي عنه ضحكا، قال النووي: ظاهر السياق أن ضحكه - صلى الله عليه وسلم - تصديقا له بدليل قراءته الآية التي تدل على صدق ما قال الحبر)؛ يعني وسبيله سبيل غيره من المتشابه كما قدمناه.
3- باب قوله تعالى: " وَالاَرْضُ جَمِيعًا ":
حال، أي السبع، " قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" - الزمر 67-: أي مقبوضة له، أي في ملكه وتصرفه. قال الأخفش: (هذا كما يقال خراسان في قبضة فلان، ليس يريد أنها في كفه، إنما معناه أنها ملكه).
…4812- ويطوي السموات: يجمعها. بيمينه: بقدرته.
4- " وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ":
النفخة الأولى، " فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الاَرْضِ " الآية - الزمر 68-: أي خر ميتا أو مغشيا عليه.
__________
(1) - الفتح 8/707.
(2) - في قوله في تعليق المصابيح ص: 516: ( وقد تكلف الخطابي وابن فورك وغيره في تأويل الإصبع، والأولى طريقة السلف وهي الكف عن ذلك مع اعتقاد أنه لم يرد ظاهره، ويكل علمه إلى الله).
(3) - أعلام السنن ص: 1030.(6/56)
…4813- إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الأخيرة: المراد بالنفخة هنا الصعقة الواقعة يوم القيامة، إذا تجلى الجبار جل جلاله لفصل القضاء، وإطلاق النفخة عليها مجاز استعاري، وبهذا الحمل يلتئم ما هنا مع ما في سائر الأحاديث أن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى ...إلخ، وهذا الصعق حمله الحافظ ابن كثير(1) والقاضي عياض وابن القيم والتوربشتي وغيرهم، على صعق يقع في المحشر عند تجلي الله تعالى كما ذكر، وهو في غاية الظهور، إذ به يجمع بين مختلف الأحاديث، هذا ما ظهر لي في تقرير هذا المحل، ثم وجدت الكرماني وشارح الصغاني(2) نقلا نحوه(3) عن القاضي عياض كما قدمته في أحاديث الأنبياء، فحمدت الله على الموافقة، وما في الأشخاص من قوله: إن الناس يصعقون فأكون أول من تنشق عنه الأرض، جزم الحافظ المزي(4)
__________
(1) - في تفسير القرآن العظيم 4/96.
(2) - الحسن بن محمد بن الحسن القرشي الصغاني البغدادي.
ولد بلاهور ودخل بغداد.
له: مشارق الأنوار من صحاح الأخبار، والتذكرة الفاخرة، والعروض.
توفي سنة 650هـ.
ترجمته في: بغية الوعاة 227، والبدر الطالع 1/210، وتاج التراجم 17.
(3) - قال ابن عبدالملك في مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار ( للصغاني) 1/178:
( فإن قلت: روي أن النبي عليه السلام قال: " أنا أول من ينشق عنه القبر"، فكيف يرى عليه السلام موسى متعلقا بالعرش حين رفع رأسه؟
قلت: يجوز أن يكون بعد البعث صعقة فزع يسقط الكل، ولا يسقط موسى عليه السلام اكتفاء بصعقته في الطور، فحين رفع رأسه صلى الله عليه وسلم من هذه الصعقة يرى موسى آخذا بجانب العرش، فيكون المراد من النفخة في الحديث تلك الصعقة، كذا قاله القاضي).
(4) -يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن يوسف بن علي الثضاعي المزي الدمشقي.
محدث حافظ، ولد بحلب، ونشأ بالمزة، وولي دار الحديث الأشرفية أكثر من ثلاث وعشرين سنة.
أخذ عنه الذهبي وتقي الدين السبكي.
له: تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، وتهذيب الكمال في أسماء الرجال.
توفي سنة 742هـ.
ترجمته في: الدرر الكامنة 4/457، وتذكرة الحفاظ 4/280، وشذرات الذهب 6/136، والبدر الطالع 2/353.(6/57)
- ما قاله الحافظ ابن حجر- بأن لفظ " تنشق " وهم من روايه، وأن الصواب ما وقع في رواية غيره: فأكون أول من يفيق ، وأن كونه - صلى الله عليه وسلم - أول من تنشق عنه الأرض صحيح، لكنه في حديث آخر، ليس في قصة موسىهـ؛ هذا تحرير هذه المسألة الذي يزيل عن وجه إشكالها النقاب، فشد يدك عليه، فإنه مما ادخره الله للتدوين بهذا الكتاب، وراجع ما قدمناه في أحاديث الأنبياء تر الحق عيانا، والله الموفق والهادي إلى صوب الصواب.
…فلا أدري أكذلك كان: أي لم يصعق اكتفاء بصعقة الطور. أم بعد النفخة: أي أم أفاق بعد النفخة، أي الصعقة الشبيهة بها.
…4814- أبيت: أي امتنعت من القول بتعيين ذلك، لأنه ليس عندي فيه علم، وعن ابن عباس: بينهما أربعون سنة. من الإنسان: عدا الأنبياء ومن ألحق بهم. إلا عجب ذنبه: هو عظم لطيف مثل حبة الخردل/ في أصل الصلب عند رأس العصعص، أي فلا يبلى كما لاتبلى الأنبياء ومن ذكر معهم، انظر الرقاق ولابد.
سورة المؤمن
…مكية إلا: " اَلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي ءَايَاتِ اللهِ" -الآيتين 35 و36-.
…خمس وثمانون آية(1).
…بسم الله الرحمن الرحيم - وقال: -أي مجاهد كما صرح به في الفتح(2) - مجازها...إلخ: أي حكمها (3)حكمها، والله أعلم بمراده منها.
…ويقال هو اسم: من أسماء القرآن، أو اسم للسورة. لقول شريح: لما أراد قتل محمد بن طلحة يوم الجمل، فقال له محمد: " حم"، يشير لقوله تعالى: " أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً اَنْ يَّقُولَ رَبِّيَ اللهُ" - غافر 28-، وقيل: كان شعار أصحاب عليّ: "حم".
…شاجر: مشتبك. قبل التقدم: للحرب ، ووجه الاستدلال منه أنه أعربه، ولو لم يكن اسما لما دخل عليه الإعراب.
__________
(1) - هي ثمانون وثنتان في البصري، وأربع في المدني والمكي، وخمس في الكوفي، وست في الشامي، انظر البيان ص:218، والكشف 2/242.
(2) - الفتح 8/711.
(3) - أي حكم قوله تعالى: "حم".(6/58)
…" الطول": من قوله تعالى: " غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ" - غافر 3-.
…" داخرين": من قوله تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ" - غافر 60-: خاضعين، وقال السدي: صاغرين ذليلين.
…العلاء بن زياد(1): تابعي زاهد. رجل: لم يعرف.
…" يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا "...إلخ - الزمر 53-: فنهاهم عن القنوط.
…" أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمُ أَصْحَابُ النّارِ" - غافر 43-: فاستدعى منهم الرجوع عن الإسراف والمبادرة إلى التوبة.
…"إلى النجاة": من قوله تعالى: " وَيَا قَوْمِ مَالِيَ أَدْعُوكُمُ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ" إلى قوله: " لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلاَ فِي الاَخِرَةِ" - غافر 41 و42 و43-: أي إجابة دعوة، أي لا يستجيب لأحد في الدنيا ولا في الآخرة. "تمرحون": من قوله تعالى: " ذَلِكَ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الاَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ" - غافر 75-: تبطرون، تتوسعون في الفرح.
…4815- فأقبل أبو بكر...إلخ: قال بعض الكبراء: ( أبو بكر رضي الله عنه أفضل من مؤمن آل فرعون الذي قال: " أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً اَنْ يَّقُولَ رَبِّيَ اللهُ"، لأن ذلك اقتصر على النصرة بالقول، وأبو بكر نصر بالقول والفعل).
حم السجدة
…مكية.
…ثلاث وخمسون آية(2).
__________
(1) - العلاء بن زياد بن مطر العدوي، أبو نصر البصري، أحد العباد.
ثقة أخرج له البخاري في التعليقات والنسائي وابن ماجه.
مات سنة 194هـ.
ترجمته في: التقريب رقم 5238.
(2) - هي خمسون وآيتان في البصري والشامي، وثلاث وخمسون في المدني والمكي، وأربع في الكوفي، انظر البيان ص:220، والكشف 2/247.(6/59)
…بسم الله الرحمن الرحيم - " اِيتِيَا طَوْعًا اَوْ كَرْهًا": من قوله تعالى: " ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلاَرْضِ ايتِيَا...الخ" - فصلت 11-: أعطيا بكسر الطاء، أي من أنفسكما من الطاعة ما أردته منكما، " قَالَتَا": أي بلسان مقالهما كما استحسنه ابن عطية(1). أعطينا: أي الطاعة، وما ذكره المص في تفسيرهما إنما هو على قراءة ابن عباس وابن جبير ومجاهد: " آتينا" بالمد، بوزن افعلنا، وأما على قراءة الجمهور بالقصر، بوزن فعلنا، فقال الجلال: ( "ايتيا": إلى مرادي منكما، " قالتا أتينا": بمن فينا "طائعين")(2)، ونحوه للخازن(3).
…رجل: هو نافع بن الأزرق الذي صار بعد ذلك رأس الأزارقة من الخوارج(4).
…أشياء تختلف علي: أي لما بين ظاهرها من التدافع.
…" فَلاَ أَنسَابَ"...إلخ - المومنون 101-: أي وقد قيل في الأولى " لا يكتمون"، وهو ظاهر التعارض.
…والسماء بناها: هكذا وقع، والتلاوة": أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا"-النازعات 27-إلى قوله: " دَحَاهَا"، أي: "وَالاَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا" - النازعات 30-.
…فذكر في هذه خلق الأرض قبل السماء، والتدافع ظاهر.
…فكأنه كان: موصوفا بهذه الصفات، ثم مضى: أي تغير عن ذلك.
…فقال: أي ابن عباس مجيبا له.
…فلا أنساب عند ذلك: بينهم لاستيلاء الدهشة والحيرة عليهم، بحيث يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه.
…ثم في النفخة الآخرة أقبل بعضهم ...إلخ: أي فلا تعارض، والحاصل أن للقيامة أحوالا ومواطن، ففي موطن يشتد الخوف فلا سؤال، وفي آخر يفيقون فيسألون.
__________
(1) - في المحرر الوجيز 13/87.
(2) - حاشية الجلال ص: 621.
(3) - لباب التأويل 4/105.
(4) - نقلا عن الفتح 8/716.(6/60)
فعند ذلك عرف ...إلخ: والحاصل/ أنهم يكتمون بألسنتهم، فتنطق أيديهم وجوارحهم. وخلق الأرض غير مدحوة، في يومين: الأحد والاثنين، ثم خلق السماء، بعدها، ثم استوى إلى السماء: قصد نحوها، وهذا تفسير لما قبله، في يومين: الثلاثاء والأربعاء، ثم دحا الأرض: بعد ذلك، ودحاها أي أخرج، أي معناه أخرج، في يومين آخرين: الخميس والجمعة، فجعلت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام: يومين في خلقها، ويومين في دحوها، وخلقها سابق على خلق السماء ودحوها متأخر عنه، فانتفى التعارض.
…ابن حجر: ( الذي جمع به ابن عباس بين الآيتين هو المعتمد، وأما ما أخرجه عنه عبدالرزاق مما يخالف ذلك فهو ضعيف)(1).
…أي لم يزل كذلك: لا ينقطع، وقد صرح النحاة بأن " كان" في حقه تعالى لثبوت خبرها دائما. فإن الله لم يرد شيئا: أي بكلامه، إلا أصاب به: أي بذلك الكلام، المعنى الذي أراد: والمعنى كلامه كله صواب.
…حدثني يوسف(2)، إلى قوله: عن المنهال(3): هو المذكور في أول سند هذه القصة السابقة الراوي عن سعيد(4)، قيل إنما غير هذا السند عن ترتيبه المعهود إشارة إلى أنه ليس على شرطه، وإن صار بصورة الموصول.
…" ممنون": من قوله تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمُ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ" - فصلت 8-: محسوب، وقيل مقطوع.
…" نحسات": من قوله تعالى: " فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحْسَاتٍ" - فصلت 16-: مشايم من الشؤم ضد اليمن.
__________
(1) - الفتح 8/716-717.
(2) - يوسف بن عدي بن زريق التيمي مولاهم، الكوفي، نزيل مصر. ثقة من رجال البخاري.
روى عن مالك بن أنس وابن أبي الزناد، وعنه البخاري.
ترجمته في: تهذيب التهذيب 11/417، والتقريب رقم 7872.
(3) - المنهال بن عمرو الأسدي مولاهم، الكوفي. صدوق ربما وهم. روى له البخاري والأربعة.
ترجمته في: التقريب رقم 6918.
(4) - هو سعيد بن جبير، وقد تقدم.(6/61)
…" اهتزت":من قوله تعالى:"وَمِنَ ايَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الاَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ" - فصلت 39-: بالنبات، أي تحركت به. ارتفعت: أي انتفخت وعلت.
"من اكمامها": من قوله سبحانه: "وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنَ اَكْمَامِهَا" -فصلت 47-.
…"سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ": من قوله تعالى: " وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ"...إلخ - فصلت 10-: قدرها سواء، "وسواء" منصوب على الحال، أي سواء هي وما انقضى فيها، قاله ابن عطية(1)، وقوله: " للسائلين" متعلق بمحذوف تقديره هذا الحصر للسائلين عن مدة خلق الأرض وما فيها، قاله البيضاوي(2).
…" فهديناهم": من قوله تعالى: "وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى" الآية - فصلت 17-: دللناهم دلالة مطلقة، كقوله: " وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ" - البلد 10-: أي طريق الخير والشر.
…"يوزعون": من قوله تعالى:"وَيَوْمَ نَحْشُرُ أَعْدَاءَ اللهِ إِلَى النّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ" - فصلت 19-: يكفون، مبني للمجهول، أي يوقف سباقهم حتى يصل إليهم تواليهم، وهذا بمعنى قول السدي: " يحبس أولهم لآخرهم ليتلاحقوا" (3).
…" من اكمامها": من قوله تعالى: " وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنَ اَكْمَامِهَا " - فصلت 47-: قشر الكفرى، وعاء الطلع.
…الكم: أي هو الكم قبل أن ينشق، والكفرى هو الطلع، قاله الخليل وغيره، ويصححه الحديث، قاله الزركشي(4).
__________
(1) - في المحرر الوجيز 13/84.
(2) - في أنوار التنزيل 5/45.
(3) - في المحطوطة: " ليتلاحقون" وهو ظاهر الخطإ، والتفسير مذكور عند البيضاوي 5/46.
(4) - في التنقيح ص: 200.(6/62)
…والهدى الذي هو الإرشاد بمنزلة أسعدناه: أي إذا صيغ منه صيغة هديناه يكون بمنزلة أسعدناه، أي صيرناه سعيدا، أشار بذلك -والله أعلم- إلى أن هدى يكون بمنزلة دل على كذا، ومنه: " وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ"، أي دللناهم على الخير والشر، وكذا ما ذكر بعدها، وبمعنى أرشد أي أسعد، ومنه: " أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ " الآية - الأنعام 90-، وما في التنقيح(1) عن السهيلي رده الدماميني(2) فانظره.
…" مالهم من محيص": من قوه تعالى: " وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّوا مَالَهُم مِّن مَّحِيصٍ" - فصلت 48-: أي لا مهرب لهم من النار.
…" مرية": من قوله تعالى: " أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاءِ رَبِّهِمُ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ" - فصلت 54-: أي امتراء وشك في البعث والقيامة.
…" اِعْمَلُوا مَا شِئْتُمُ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" /- فصلت 40-: يعني الوعيد، فهو للتهديد.
__________
(1) - التنقيح ص: 200.
(2) - في تعليق المصابيح ص: 517 قال ( حكى الزركشي عن السهيلي أنه قال: هو بالعباد أقرب إلى تفسير أرشدناه من أسعدناه بالسين، لأنه إذا كان بالسين كان من السعادة ضد الشقاوة، وأرشدت الرجل إلى الطريق وهديته السبيل بعيد من هذا التفسير، قلت: لا أرى ما الذي أبعد هذا التفسير مع قرب ظهوره، فإن الهداية إلى السبيل والإرشاد إلى الطريق إسعاد لذلك الشخص المهدي...ثم قال ( أي الزركشي): فإذا قلت أصعدناه بالصاد خرج اللفظ إلى معنى الصعدات في قوله: " إياكم والعقود على الصعدات" وهي الطرق، وكذلك أصعدت الأرض إذا سار فيها على قصد، فإن كان البخاري قصد هذا وكتبها في نسخته بالصاد التفاتا إلى حديث الصعدات فليس بيعيد ولا ينكر؛ قلت: تكلف لا داعي إليه، وما في النسخ صحيح بدون هذا فتأمله).(6/63)
…كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ:من قوله تعالى:"اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي"الآية-فصلت 34-
…القريب: أي فيصير عدوك كالصديق القريب في محبته إذا فعلت ذلك.
…" أقواتها": من قوله تعالى: " وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا" الآية - فصلت 10-.
…" في كل سماء امرها": من قوله سبحانه: " فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَمَاءٍ اَمْرَهَا" - فصلت 12-: مما أمر به وأراده، أي من خلق النيرات والرجوم، وغير ذلك.
" وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ" الآية - فصلت 25-: قرناهم بهم، وقال ابن عطية: ( "وقيضنا لهم قرناء": أي يسرنا لهم قرناء سوء من الشياطين وغواة الإنس)(1).
…" تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ": من قوله تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ ..." إلخ - فصلت 30-، " أَلاَّ تَخَافُوا "...إلخ: عند الموت، أي يقال لهم ذلك عند الموت.
"لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي": من قوله تعالى: " وَلَئِنَ اَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ" الآية - فصلت 50-.
1-باب: " وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ ":
عند ارتكابكم الفواحش، "أَنْ": أي بأن، " يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ" الآية - فصلت 22-: أي لأنكم لم تؤمنوا بالبعث، " وَلَكِن ظَنَنتُمْ" عند استتاركم " أَنَّ اللهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ".
…4816- رجلان من قريش: هما صفوان وربيعة ابنا أمية بن خلف. وختن لهما: الختن قريب المرأة، وهو هنا عبد ياليل بن عمرو، وقيل في تسميتهم غير ذلك. أو رجلان…إلخ: الشك من أبي معمر. يسمع بعضه: أي ما جهرنا به. لئن كان يسمع… إلخ: أي لأن نسبة جميع المسموعات إليه واحدة، فالتخصيص تحكم، وهذا يشعر بأن قائله أفطن أصحابه.
…
__________
(1) - المحرر الوجيز 13/103.(6/64)
2- باب قوله تعالى: " وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ" - فصلت 23-
أنه "لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ" الآية - فصلت 22-، "أَرْداكُمْ": أهلككم.
…4817- كثيرة شحم بطونهم: القاضي عياض: ( فيه تنبيه على أن الفطنة قل ما تكون مع كثرة الشحم والاتصاف بالسمن وكثرة اللحم).
بسم الله الرحمن الرحيم
حم عسق
…مكية إلا قوله: "قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا" الآيات الأربع - الشورى 23 إلى 26-. ثلاث وخمسون آية(1).
…والله أعلم بمراده منها.
…" عقيما": من قوله تعالى: " يَهَبُ لَمَنْ يَّشَاءُ اِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَّشَاءُ الذُّكُورَ" الآية - الشورى 49-.
…" روحا من امرنا": من قوله تعالى: " وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنَ اَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي" الآية - الشورى 52-: القرآن به تحيا القلوب.
…" يذرؤكم فيه" من قوله سبحانه: " جَعَلَ لَكُم مِّنَ اَنفُسِكُمُ أَزْوَاجًا وَمِنَ الاَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَّذْرَؤُكُمْ فِيهِ" - الشورى 11-: نسل بعد نسل، وقال البيضاوي : ( يكثركم في هذا التدبير، وهو جعل الناس والأنعام أزواجا يكون بينهم توالد)(2).
…" لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا": من قوله تعالى: " وَقُلَ امَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لَأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ" الآية - الشورى 15-.
…" مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ": من قوله تعالى: " وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ"…إلخ - الشورى 45-.
…" فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ": من قوله تعالى: " وَمِنَ ايَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالاَعْلاَمِ إِنْ يَّشَأْ يُسْكِنِ الرِّيَاحَ" الآية - الشورى 32-: يتحركن: يضطربن بالأمواج، ولا يجرين في البحر لسكون الريح.
__________
(1) - هي خمسون في غير الكوفي، وثلاث وخمسون في الكوفي، انظر البيان ص:221، والكشف 2/250.
(2) - أنوار التنزيل 5/51.(6/65)
1- باب قوله تعالى: " إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى" - الشورى 23-:
…أي إلا أن تودوني لقرابتي منكم، هذا قول ابن عباس، ففي تعليلية، وهو معنى قوله:
…4818- إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة، أو إلا أن تودوا أهل قرابتي، وهذا قول سعيد بن جبير، وهو معنى قوله: قربى آل محمد، وهو قول علي بن الحسين أيضا ومجاهد وقتادة وعكرمة ومقاتل والسدي والضحاك وعمرو بن شعيب، وروي عن ابن عباس أيضا، وبه صدر الزمخشري(1)، وعليه اقتصر المحلي(2).
…قال ابن عطية: ( وعلى هذا التأويل قال ابن عباس: قيل: يا رسول الله من قرابتك الذين أمرنا بمودتهم؟ قال: علي وفاطمة وأبناؤهما) هـ(3).
…وقال ابن جزي: ( القصد من الآية على القول الأول استعطاف قريش على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلى الثاني/ الوصية بأهل بيته) هـ(4).
…وقال غيره: ( وعلى الأول الخطاب خاص بقريش، وعلى الثاني عام في جميع المكلفين).
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة حم الزخرف
…مكية، قيل إلا: " وَاسْأَلْ مَنَ اَرْسَلْنَا" الآية - الزخرف 45-.
…تسع وثمانون آية(5).
…" وجدنا ءاباءنا": من قوله تعالى: " بَلْ قاَلُوا إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ…" إلخ – الزخرف 22-: على إمام، وقيل: على ملة.
__________
(1) - في الكشاف 4/219.
(2) - في حاشيته ص: 631.
(3) - المحرر الوجيز 13/162 (والرواية ضعيفة إذ فيها مبهم لا يعرف كما في الدر المنثور 6/7).
(4) - التسهيل لعلوم التنزيل 4/20.
(5) - في غير الشامي، وثمانون وثمان في الشامي، انظر البيان ص: 223، والكشف 2/255.(6/66)
…" وَقِيلَهُ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُومِنُونَ " - الزخرف 88-: أي قول محمد النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولا نسمع قيلهم: هكذا في النسخ، قال ابن التين: ( وأنكره بعضهم من جهة أن التلاوة: "وقيله") هـ، يعني: وأما التفسير فصحيح، وبه صدر ابن عطية وابن جزي والبيضاوي، ونصه: ("وقيله": أي وقول الرسول، ونصبه للعطف على سرهم، وجره عاصم وحمزة عطفا على الساعة)(1).
…" وَلَوْلاَ أَنْ يَّكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَّاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَنْ يَّكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ" الآية - الزخرف 33-.
…" مُقْرِنِينَ": من قوله تعالى: " وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ الاَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالاَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ "الآية - الزخرف 12-: مطيقين، ويأتي له تفسير آخر.
…" ءاسفونا": من قوله تعالى: " فَلَمَّا ءَاسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمُ أَجْمَعِينَ" - الزخرف 55-.…
" يعش": من قوله سبحانه:" وَمَنْ يَّعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ" - الزخرف 36-: يعمى، هذا على قراءة فتح الشين، وهي قراءة قتادة ويحيى بن سلام، وأما على قراءة الضم، وهي قراءة الجماعة، فمعناه يعرض.
…" وَمَضى مَثَلُ الاَوَّلِينَ": من قوله تعالى: " فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا"…إلخ - الزخرف 8-: سنة الأولين في الإهلاك، ويأتي له تفسير آخر.
…" أَوَ مَنْ يَّنشَأُ فِي الْحِلْيَةِ ": أي الزينة، من قوله: " أَمِ اتَّخَذَ مَا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ" الآية - الزخرف 16-.
…جعلتموهن للرحمن ولدا: حيث قلتم الملائكة بنات الله.
__________
(1) - أنوار التنزيل 5/64، وانظر التسهيل لعلوم التنزيل 4/34، والمحرر الوجيز 13/259-260.(6/67)
…" في عقبه": من قوله تعالى: " وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً": أي كلمة التوحيد كلمة باقية، "فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" - الزخرف 28-: ولده، فلا يزال فيهم من يوحد الله.
…" مقترنين": من قوله تعالى: " فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسَاوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ اَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ" - الزخرف 53-.
…" جَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا": من قوله تعالى: " فَلَمَّا ءَاسَفُونَا" الآية - الزخرف 55-: سلفا لكفار أمة محمد، أي قدوة لهم يقتدون بهم في استحقاق مثل عقابهم.
…عبرة: وعظة.
…"يصدون": من قوله تعالى: " وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً اِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصُدُّونَ" - الزخرف 57-:
…يضجون، هذا تفسير يصدون بكسر الصاد، أي يضجون فرحا لظنهم أن الرسول صار ملتزما به، وذلك أنه لما نزل قوله تعالى: " إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ" - الأنبياء 98-، قال المشركون: رضينا أن تكون آلهتنا مع عيسى لأنه عبد من دون الله، فنزل باقي الآية: " إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ"…إلخ - الأنبياء 101-، وأما على قراءة يصدون بضمها، فمعناه يعرضون عن الحق.
…" فأنا أول العابدين": من قوله تعالى: " قُلِ اِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ" - الزخرف 81-: أول المؤمنين بالله المكذبين لكم، وأنه سبحانه واحد لا ولد له، ويأتي له تفسير آخر.
…" مبرمون": من قوله تعالى: " أَمَ اَبْرَمُوا أَمْرًا": أي في كيد محمد النبي،" فَإِنَّا مُبْرِمُونَ" - الزخرف 79-: مجمعون، إن كادوا شرا كدناهم مثله، وقيل: محكمون كيدنا في إهلاكهم.
…" إنني براء": من قوله تعالى: " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ" - الزخرف 26-: أي بريء من عبادتكم.(6/68)
…والزخرف: من قوله تعالى: " وَلِبُيُوتِهِمُ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفًا" - الزخرف 34 و35-.
…" يخلفون": من قوله تعالى: " وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلاَئِكَةً فِي الاَرْضِ يَخْلُفُونَ" - الزخرف 60-.
…يخلف بعضهم بعضا، وقال البيضاوي: ( يخلفونكم في الأرض)(1).
1-باب قوله تعالى: " وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ" - الزخرف 77-:
ليمتنا فنستريح.
…4819- "مَثَلاً لِّلاَخِرِينَ":من قوله تعالى:" فَلَمَّا ءَاسَفُونَا..." إلخ/-الزخرف 55-.
…والأكواب : من قوله تعالى : " يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ" - الزخرف 71-.
…لا خراطيم لها: لا عرى لها.
…"في أم الكتاب":من قوله تعالى:"وَإِنَّهُ فيِ أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ"-الزخرف 4-
…" إِن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ": من قوله تعالى: " أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا" الآية - الزخرف 5-.
…" جزءا": من قوله تعالى: " وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا" - الزخرف 15-: عدلا، وقيل: ولدا، حيث قالوا: الملائكة بنات الله، والولد جزء الوالد.
__________
(1) - أنوار التنزيل 5/62.(6/69)
…أول العابدين: أي ما كان، يريد أن "إن" نافية، أي ما كان للرحمن ولد، وهنا تم الكلام، ثم ابتدأ قوله: " فأنا أول العابدين"، قاله أبو حاتم، وكذا قرره ابنا عطية وجزي(1)، وقال الخازن: ( قال ابن عباس: " إن كان": أي ما كان للرحمن ولد، " فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ": أي الشاهدين له بذلك) هـ(2)، وهذا وجه مستقل بنفسه كما ترى، وهو الثاني مما ذكره المص في تأويل الآية، وقوله: " فأنا أول الآنفين"، أي المنكرين لذلك، وجه ثالث لها كما صرح به ابن عطية(3) ومن تبعه، ناسبا له لطائفة من المفسرين، زاد ابن جزي: ( "وإن" فيه شرطية)(4).
…وقرأ عبد الله: يعني ابن مسعود. " وَقَالَ الرَّسُولُ" - الفرقان 30-: موضح "وَقِيلَهُ يَارَبِّ".
أول العابدين الجاحدين لما قلتم، وهذا وجه رابع، ونسبه ابن عطية(5) لأبي عبيد.
…من عبد يعبد: إذا جحد، قال أبو عبيد: ( تقول العرب: عبدني حقي أي جحدني).
…تنبيه: ذكر المص رحمه الله في تأويل الآية وجوها أربعة كما رأيتها، وبقي عليه خامس، وهو الذي صدر به ابن عطية(6) والزمخشري والبيضاوي(7) وابن جزي، واقتصر عليه الجلال، وقال الزمخشري: ( إنه الأولى وما عداه تمحل)(8)، وابن جزي: (إنه الصحيح)، وهو حمل العبارة على معناها الأصلي وتعلقها بالولد على فرض ثبوته، لكنه لم يثبت فلا عبادة، وعبارة ابن جزي: ( معنى الآية: لو كان للرحمن ولد كما يقول الكفار لكنت أنا أول من يعبد ذلك الولد، كما يعظم خدام الملك ولد الملك لتعظيم أبيه، وليس للرحمن ولد، فلست بعابد إلا الله وحده) هـ(9).
__________
(1) - المحرر الوجيز 13/254، والتسهيل لعلوم التنزيل 4/33.
(2) - لباب التأويل 4/142.
(3) - المحرر الوجيز 13/255.
(4) - التسهيل 4/33.
(5) - المحرر الوجيز 13/256.
(6) - في المحرر الوجيز 13/254.
(7) - في أنوار التنزيل 5/64.
(8) - معناه في الكشاف 4/266.
(9) - التسهيل لعلوم التنزيل 4/33.(6/70)